الأغاني المجلد 1

هویة الکتاب

الأغاني

المؤلفين الآخرين

مدقق لغوي ومترجم:

مکتبة تحقیق دار احیاء التراث العربي

المجلدات : 25ج

لسان: العربية

ناشر:دار إحياء التراث العربي - بیروت - لبنان

سنة النشر: 1415 هجری قمری|1994 میلادی

رمز الكونغرس: PJA 3892 /الف 6 1374

إعداد النص الرقمي : میثم الحیدري

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

مقدمة التحقيق

قالوا في كتاب الأغاني و مؤلفه

1 - و من الرواة المتسعين الذين شاهدناهم أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني، فإنه كان يحفظ من الشعر و الأغاني، و الأخبار، و الآثار، و الحديث المسند، و النسب، ما لم أر قط من يحفظ مثله. و كان شديد الاختصاص بهذه الأشياء و يحفظ دون ما يحفظ منها علوما أخر.

الخطيب البغدادي «تاريخ بغداد» (399/11) 2 - كتاب «الأغاني» وقع الاتفاق على أنه لم يعمل في بابه مثله، يقال إنه جمعه في خمسين سنة و حمله إلى سيف الدولة ابن حمدان فأعطاه ألف دينار و اعتذر إليه. و حكي عن الصاحب بن عباد أنه كان في أسفاره و تنقلاته يستصحب حمل ثلاثين جملا من كتب الأدب ليطالعها، فلما وصل إليه كتاب الأغاني لم يكن بعد ذلك يستصحب سواه استغناء به عنها.

ابن خلكان «وفيات الأعيان» (307/3-308) 3 - قال أبو علي التنوخيّ: كان أبو الفرج يحفظ من الشعر و الأغاني و الأخبار و المسندات و الأنساب ما لم أر قطّ من يحفظ مثله، و يحفظ سوى ذلك من علوم أخر، منها اللغة و النحو و المغازي و السّير.

الحافظ شمس الدين الذهبي «تاريخ الإسلام» وفيات سنة (356 ه) الصفحة (144) 4 - و قد ألّف القاضي أبو الفرج الأصفهاني «كتابه في الأغاني» جمع فيه أخبار العرب و أشعارهم و أنسابهم و أيامهم و دولهم، و جعل مبناه على الغناء في المائة صوتا التي اختارها المغنون للرشيد، فاستوعب فيه ذلك أتمّ استيعاب و أوفاه.

و لعمري إنه ديوان العرب، و جامع أشتات المحاسن التي سلفت لهم في كل فنّ من فنون الشعر و التاريخ و الغناء و سائر الأحوال، و لا يعدل به كتاب في ذلك فيما نعلمه، و هو الغاية التي يسمو إليها الأديب و يقف عندها، و أنّى له بها.

ابن خلدون «المقدمة» الصفحة (554) 5 - لعمري إن هذا الكتاب لجليل القدر، شائع الذّكر جمّ الفوائد، عظيم القلم، جامع بين الجدّ و البحت و الهزل و النّحت.

ياقوت الحموي «معجم الأدباء» (98/13)

ص: 5

ملاحظة هامة

نلفت انتباه الباحث الكريم أنّ الإحالات في الحاشية من هذه الطبعة هي الموافقة لأرقام أجزاء و صفحات طبعة دار الكتاب المصرية التي كانت أساسا لهذه الطبعة و الموجودة من جهة التحرير بين معكوفتين هكذا []. و يراجع فهرس الأعلام. فلينتبه لذلك و اللّه الموفق.

ص: 6

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ *

كلمة دار إحياء التراث العربي مقدمة

كلمة دار إحياء التراث العربي مقدمة(1)

إن الحمد للّه، نحمده و نستعينه و نستغفره، و نعوذ باللّه من شرور أنفسنا، من يهد اللّه فلا مضلّ له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله.

(يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ حَقَّ تُقٰاتِهِ وَ لاٰ تَمُوتُنَّ إِلاّٰ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران 102:3].

(يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وٰاحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْهٰا زَوْجَهٰا، وَ بَثَّ مِنْهُمٰا رِجٰالاً كَثِيراً وَ نِسٰاءً، وَ اتَّقُوا اللّٰهَ الَّذِي تَسٰائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحٰامَ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء 1:4].

(يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَ قُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمٰالَكُمْ، وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَ مَنْ يُطِعِ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فٰازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب 70:33-71].

أما بعد، فيسر مؤسسة دار إحياء التراث العربي أن تقدم لأهل العلم و الأدب في العالم الإسلامي و العربي كتاب «الأغاني»(2) للعلامّة الأخباري، أبي الفرج، علي بن الحسين بن محمد القرشي، الأموي، الأصبهاني الكاتب (ت 356)، الذي يعدّ من أشهر كتب الأدب و التراجم و أجدرها بالثقة و قد اهتمّ به القدماء و لم يغفله المحدثون، ففيه ثروة أدبية و اجتماعية و تاريخية و فنيّة لا تقدر بثمن.

و قد وضع المؤلف كتابه بالأصل لذكر الغناء و الألحان، لكنه اتخذ ذلك ذريعة ليتوسع في ترجمة الشعراء و الأدباء و يأتي بالعجب العجاب حتى عدّ كتاب الأغاني بحقّ من أمهات كتب الأدب العربي، فقد ترجم لأكثر شعراء العرب: من جاهليين و مخضرمين، و محدثين، كما ترجم لكثير من المغنين في الدولتين الأموية و العباسية، و جمع فيه الأغاني العربية قديمها و حديثها.

فهو أوسع كتب التراجم إطلاقا، ترجم لعدد من الأدباء حتى نهاية القرن الثالث الهجري، و بلغ عدد تراجمه حوالي (500) شاعر و شاعرة عاشوا في الجاهلية و صدر الإسلام و العصر الأموي و أوائل العباسي، و جلّ هذه التراجم شديدة التفصيل، غزيرة المادة، مما يجعل هذا الكتاب سجلا للحضارة العربية و الإسلامية في كثير من مظاهرها.

ص: 7


1- انظر «المصادر العربية و المعربة» للدكتور محمد ماهر حمادة الصفحة (261، 262)، و «مصادر الدراسات الإسلامية» للدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان الصفحة (550).
2- طبع بالقاهرة مطبعة بولاق الأميرية عام 1868 م في طبعته الأولى، ثم طبع ثانيا في القاهرة، مطبعة التقدم عام 1905 م بتحقيق أحمد الشنقيطي و كلتا الطبعتين ينقصهما التحقيق العلمي، ثم طبع ثالثا في مصر بإشراف المؤسسة المصرية العامة للكتاب (1921 - 1948 م) في (24) جزءا و هي الطبعة التي اعتمدناها كأصل لنسختنا هذه مع الاستئناس بالطبعتين السابقتين.

بدأ بخبر أبي قطيفة و نسبه، و ذكر معبد و بعض أخباره، ثم عمر بن أبي ربيعة و نسبه و هكذا... حتى انتهى بأخبار المتلمس في آخر الكتاب.

و قد جعل المؤلف مبنى كتابه على مائة الصوت المختارة للرشيد، و بدأ فيه بذكر الأصوات الثلاثة المختارة من جميع الغناء، و نسب كل ما ذكره منها إلى قائل شعره و صانع لحنه و طريقته على شرح لذلك و تفسير للمشكل الغريب و بيان عروض الشعر و ضربه.

و أتى بكل فصل من ذلك بنتف تشاكله، و لمع تليق به، و فقر إذا تأمّلها قارئها لم يزل متنقّلا من فائدة إلى مثلها، و متصرّفا فيها بين جدّ و هزل، و آثار و أخبار، و سير و أشعار متصلة بأيام العرب المشهورة و أخبارها المأثورة، و قصص الملوك في الجاهلية و الخلفاء في الإسلام، تجمل بالمتأدبين معرفتها، و تحتاج الأحداث إلى دراستها، و لا يرتفع من فوقهم من الكهول عن الاقتباس منها، إذ كانت منتخلة من غرر الأخبار و منتقاة من عيونها، و مأخوذة من مظانها، و منقولة من أهل الخبرة بها.

فلا عجب أن يكون هذا الكتاب أكبر مرجع عربي في ذكر الغناء و تاريخه و قواعده و الآلات الموسيقية التي كانت على عصره، أو سابقة عليه، ليس هذا فحسب بل إن الناحية الأدبية فيه أوسع و أشمل، فإنه ما يكاد يذكر صوتا أي لحنا حتى ينطلق منه إلى المغني و أخباره و أشعاره و إن كان متصلا بخليفة أو ملك تحدّث عن هذا الملك أو ذاك الخليفة، و على صفحاته تنتشر أخبار العرب و أيامهم، و أنسابهم، و مفاخرهم، و وصف لحياتهم الاجتماعية، و يركز على مراكز الغناء و خاصة المدينة و مكة و بغداد. هذا فضلا عن مئات التراجم و عديد السير، بالإضافة إلى المجموعة الهائلة من الصور الأدبية من شعر، و كتابة، و خطابة، و قصص و نوادر.

هذا و قد امتدح الكتاب غير واحد من أوعية العلم و الأدب على ما ذكرناه في الصفحة (5) و صار مدار اهتمام و عناية العلماء فاختصره جماعة:

منهم ابن المغربي (ت 418 ه)، و الأمير عز الملك المسبّحي الكاتب (ت 420 ه)، و القاضي ابن واصل الحموي (ت 697 ه)، و ابن منظور صاحب لسان العرب (ت 711 ه) و غيرهم(1) مما هو مذكور في ترجمة أبي الفرج في الصفحات (14-24) من هذا الجزء.

لكن رغم مدح الكتاب فإن الإنصاف يدعونا إلى ذكر العلماء الذين قدحوا فيه و في صحة روايته:

فقد ذكره الخطيب البغدادي (ت 463 ه) في «تاريخ بغداد»(2) فقال:

«كان أبو الفرج الأصبهاني من أكذب الناس، كان يدخل سوق الورّاقين و هي عامرة و الدكاكين مملوءة بالكتب، فيشتري شيئا كثيرا من الصحف و يحملها إلى بيته ثم تكون رواياته كلها منها...».

و ذكره الإمام ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي (ت 597 ه) في تاريخه المسمى «المنتظم في تاريخ الملوك و الأمم»(3) فقال: «إنه كان متشيعا، و مثله لا يوثق بروايته، فإنه يصرّح في كتبه بما يوجب عليه الفسق،

ص: 8


1- راجع مختصرات كتاب «الأغاني» في الصفحات (26-27) من هذا الجزء.
2- الخطيب البغدادي «تاريخ بغداد» (398/11-400) ترجمة (6278).
3- ابن الجوزي «المنتظم» (185/14) وفيات سنة (356 ه) ترجمة (2658).

و يهوى شرب الخمر و ربما حكى ذلك عن نفسه، و من تأمّل كتاب «الأغاني» رأى كل قبيح و منكر».

و قال الحافظ شمس الدين الذهبي (ت 748 ه) في كتابه «تاريخ الإسلام»(1): «قلت: رأيت شيخنا ابن تيمية يضعّفه و يتهمه في نقله و يستهول ما يأتي به، و ما علمت فيه جرحا إلاّ قول ابن أبي الفوارس: خلّط قبل أن يموت».

كما بيّن الحافظ الذهبي نسبه فقال في كتابه «سير أعلام النبلاء»(2): «يذكر أنه من ذرّية الخليفة هشام بن عبد الملك، قاله محمد بن إسحاق النديم، بل الصواب أنه من ولد مروان الحمار».

ثم تابع الذهبي قائلا: و العجب أنه أمويّ شيعيّ، و كان وسخا زريّا، و كانوا يتقون هجاءه».

و أورده الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه) في كتابه «لسان الميزان»(3) فقال:

«صاحب كتاب الأغاني: شيعيّ و هذا نادر في أمويّ...».

و بين مادح و قادح، فإن الكتاب - كما لا يخفى على الناظر - يمثل على أي حال صورة حية للأدب و اللغة و الشعر، و الكتابة، و الخطابة و القصص و النوادر كما أنه بحق ديوان تراجم في عصره لا يستغني عنه الأديب.

و نظرا لأهميته، فقد رأت مؤسسة دار إحياء التراث العربي أن تعيد طبع الكتاب بحلّة قشيبة محقّقة على طبعاته السابقة، ملوّنة بعد ما رأت تآكل الحرف الحجري في نصوصه، و الفهارس الجزئية التي يصعب على الباحث الحصول على طلبه منها بسهولة و يسر خدمة للعلم و أهله إذ ستصدر لهذه الطبعة بإذن اللّه فهارس شاملة جامعة تكون معينا لمقتنيه.

و إتماما للفائدة، يجد الباحث في تصدير هذه الطبعة من مقدمة هذا الجزء فصلا في صناعة الغناء عن العلامة ابن خلدون في الصفحة (10) من هذا الجزء إضافة لترجمة المؤلف (في الصفحات 14-24)، و «مختصرات كتاب الأغاني» و نقده في الصفحة (26)، و كتب الأغاني المؤلفة قبل هذا الكتاب الصفحة (27)، و الكلمات الاصطلاحية الواردة في الكتاب الصفحة (28) مع وصف للنسخ الخطية المعتمدة في التحقيق الصفحة (30) و هي تسع، و طريقة تصحيح هذا الكتاب الصفحة (36)، إضافة إلى مقدمة أبي الفرج لكتابه و نهجه فيه و باعثه لتأليف كتابه و يجدها الباحث إنشاء اللّه في الصفحات (38-41).

كما نلفت انتباه القارئ الكريم أن هذه الطبعة حوت أرقام أجزاء و صفحات الطبعتين البولاقية و طبعة المؤسسة المصرية العامة للكتاب حتى تتم الفائدة، فالرقم الموجود بين معكوفتين هو رقم جزء و صفحة طبعة المؤسسة المصرية العامة للكتاب هكذا [] و الرقم الخالي من المعكوفتين هو رقم صفحة الطبعة البولاقية.

و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و أصحابه الأخيار الميامين.

مكتب التحقيق دار إحياء التراث العربي بيروت 20 رجب 1414 ه الموافق 1 كانون الثاني 1994 م

ص: 9


1- الحافظ شمس الدين الذهبي «تاريخ الإسلام» وفيات سنة (356 ه) الصفحة (144).
2- الحافظ شمس الدين الذهبي «سير أعلام النبلاء» (201/16) ترجمة (140).
3- الحافظ ابن حجر العسقلاني «لسان الميزان» (231/4-232) ترجمة (584).

فصل في صناعة الغناء عن العلامة ابن خلدون في «مقدمته»

و قد رأينا أن ننقل عن العلامة ابن خلدون فصلا قيما كتبه في مقدّمته عن صناعة الغناء و تاريخها لما له من الصلة بموضوع الكتاب. قال:

«هذه الصناعة هي تلحين الأشعار الموزونة بتقطيع الأصوات على نسب منتظمة معروفة، يوقع على كل صوت منها توقيعا(1) عند قطعه فتكون نغمة، ثم تؤلف تلك النغم بعضها إلى بعض على نسب متعارفة، فيلذ سماعها لأجل ذلك التناسب و ما يحدث عنه من الكيفية في تلك الأصوات. و ذلك أنه تبين في علم الموسيقى أن الأصوات تتناسب فيكون صوت نصف صوت و ربع آخر و خمس آخر و جزءا من أحد عشر من آخر. و اختلاف هذه النسب عند تأديتها إلى السمع يخرجها من البساطة إلى التركيب. و ليس كل تركيب منها ملذوذا عند السماع، بل تراكيب خاصة هي التي حصرها أهل علم الموسيقى و تكلموا عليها، كما هو مذكور في موضعه. و قد يساوق(2) ذلك التلحين في النغمات الغنائية بتقطيع أصوات أخرى من الجمادات إما بالقرع أو بالنفخ في الآلات تتخذ لذلك، فيزيدها لذة عند السماع.

فمنها لهذا العهد بالمغرب أصناف: منها ما يسمونه الشّبّابة(3)، و هي قصبة جوفاء بأبخاش(4) في جوانبها معدودة ينفخ فيها فتصوّت، و يخرج الصوت من جوفها على سدادة من تلك الأبخاش، و يقطّع الصوت بوضع الأصابع من اليدين جميعا على تلك الأبخاش وضعا متعارفا حتى تحدث النسب بين الأصوات فيه و تتصل كذلك متناسبة، فيلتذ السمع بإدراكها للتناسب الذي ذكرناه. و من جنس هذه الآلة المزمار الذي يسمى الزّلاميّ(5)، و هو شكل القصبة منحوتة الجانبين من الخشب جوفاء من غير تدوير لأجل ائتلافها من قطعتين منفردتين كذلك بأبخاش معدودة ينفخ فيها بقصبة صغيرة توصل فينفذ النفخ بواسطتها إليها، و تصوّت بنغمة حادّة و يجري فيها من تقطيع الأصوات من تلك الأبخاش بالأصابع مثل ما يجري في الشّبابة.

و من أحسن آلات الزمر لهذا العهد البوق، و هو بوق من النحاس أجوف في مقدار الذراع يتسع إلى أن يكون انفراج مخرجه في مقدار دون الكف في شكل بري القلم، و ينفخ بقصبة صغيرة تؤدّي الريح من الفم إليه، فيخرج الصوت ثخينا دويا، و فيه أبخاش أيضا معدودة، و تقطّع نغمه منها كذلك بالأصابع على التناسب فيكون ملذوذا.

و منها آلات الأوتار، و هي جوفاء كلها إمّا على شكل قطعة من الكرة مثل البربط(6) و الرباب، أو على شكل

ص: 10


1- يستعمل ابن خلدون «التوقيع» في الموسيقى. و الصواب «الإيقاع».
2- المساوقة: المتابعة.
3- الشبابة: نوع من المزمار مولدة.
4- يراد بالأبخاش الثقوب. و لم نجد مادة «بخش» في كتب اللغة، فلعلها مولدة.
5- الزلاميّ: تصحيف الزنامي بلغة العامة. و الزناميّ منسوب إلى زنام (كغراب) و هو زمار حاذق كان للرشيد. انظر «شرح القاموس». مادة «زنم».
6- البربط: طنبور ذو ثلاثة أوتار، كذا في «شفاء الغليل». و قال صاحب «اللسان»: البربط: العود، أعجميّ ليس من ملاهي العرب، فأعربته حين سمعت به.

مربع كالقانون، توضع الأوتار على بسائطها مشدودة في رأسها إلى دساتين(1) جائلة ليأتي شدّ الأوتار و إرخاؤها عند الحاجة إليه بإدارتها، ثم تقرع الأوتار إما بعود آخر أو بوتر مشدود بين طرفي قوس، يمرّ عليها بعد أن يطلى بالشمع و الكندر(2)، و يقطّع الصوت فيه بتخفيف اليد في إمراره أو بنقله من وتر إلى وتر. و اليد اليسرى مع ذلك في جميع آلات الأوتار توقع بأصابعها على أطراف الأوتار فيما يقرع أو يحكّ بالوتر، فتحدث الأصوات متناسبة ملذوذة.

و قد يكون القرع في الطسوت بالقضبان أو في الأعواد بعضها ببعض على توقيع متناسب يحدث عنه التذاذ بالمسموع.

...(3)............... و الحسن في المسموع أن تكون الأصوات متناسبة لا متنافرة. و ذلك أن الأصوات لها كيفيات من الهمس و الجهر و الرخاوة و الشدّة و القلقلة و الضغط و غير ذلك، و التناسب فيها هو الذي يوجب لها الحسن. فأوّلا: ألا يخرج من الصوت إلى ضدّه دفعة بل بتدريج ثم يرجع كذلك، و هكذا إلى المثل، بل لا بدّ من توسط المغاير بين الصوتين. و تأمّل هذا من افتتاح أهل اللسان التراكيب من الحروف المتنافرة أو المتقاربة المخارج فإنه من بابه. و ثانيا: تناسبها في الأجزاء، كما مر أوّل الباب، فيخرج من الصوت إلى نصفه أو ثلثه أو جزء من كذا منه على حسب ما يكون التنقل مناسبا على ما حصره أهل صناعة الموسيقى. فإذا كانت الأصوات على تناسب في الكيفيات، كما ذكره أهل تلك الصناعة، كانت ملائمة ملذوذة.

و من هذا التناسب ما يكون بسيطا، و يكون الكثير من الناس مطبوعين عليه لا يحتاجون فيه إلى تعليم و لا صناعة، كما نجد المطبوعين على الموازين الشعرية و توقيع الرقص و أمثال ذلك. و تسمي العامة هذه القابلية بالمضمار. و كثير من القرّاء بهذه المثابة يقرءون القرآن فيجيدون في تلاحين أصواتهم، كأنها المزامير، فيطربون بحسن مساقهم و تناسب نغماتهم. و من هذا التناسب ما يحدث بالتركيب، و ليس كل الناس يستوي في معرفته، و لا كل الطباع توافق صاحبها في العمل به إذا علم.

و هذا هو التلحين الذي يتكفل به علم الموسيقى، كما نشرحه بعد عند ذكر العلوم...............

.................................

و إذ قد ذكرنا معنى الغناء فاعلم أنه يحدث في العمران إذا توافر و تجاوز حدّ الضروريّ إلى الحاجيّ ثم إلى الكماليّ، و تفننوا فيه، فتحدث هذه الصناعة؛ لأنه لا يستدعيها إلا من فرغ عن جميع حاجاته الضرورية و المهمة من المعاش و المنزل و غيره، فلا يطلبها إلا الفارغون عن سائر أحوالهم تفننا في مذاهب الملذوذات.

و كان في سلطان العجم قبل الملة منها بحر زاخر في أمصارهم و مدنهم، و كان ملوكهم يتخذون ذلك و يولعون به؛ حتى لقد كان لملوك الفرس اهتمام بأهل هذه الصناعة، و لهم مكان في دولتهم، و كانوا يحضرون مشاهدهم و مجامعهم و يغنّون فيها. و هذا شأن العجم لهذا العهد في كل أفق من آفاقهم و مملكة من ممالكهم.

و أما العرب فكان لهم أوّلا فنّ الشعر يؤلفون فيه الكلام أجزاء متساوية على تناسب بينها في عدّة حروفها

ص: 11


1- قال في «المخصص» ج 13 ص 12: «يقال للتي يسميها الفرس الدساتين العتب. قال الأعشى: و ثنى الكف على ذي عتب يصل الصوت بذي زير أبحّ»
2- الكندر: اللبان.
3- هذه النقط وضعت إشارة إلى ترك ما لا علاقة له بالغناء و تاريخه في هذا الفصل.

المتحرّكة و الساكنة، و يفصّلون الكلام في تلك الأجزاء تفصيلا يكون كل جزء منها مستقلا بالإفادة لا ينعطف على الآخر، و يسمونه البيت، فيلائم الطبع بالتجزئة أوّلا، ثم بتناسب الأجزاء في المقاطع و المبادئ، ثم بتأدية المعنى المقصود و تطبيق الكلام عليها، فلهجوا به، فامتاز من بين كلامهم بحظ من الشرف ليس لغيره، لأجل اختصاصه بهذا التناسب؛ و جعلوه ديوانا لأخبارهم و حكمهم و شرفهم، و محكّا لقرائحهم في إصابة المعاني و إجادة الأساليب، و استمرّوا على ذلك.

و هذا التناسب الذي من أجل الأجزاء و المتحرّك و الساكن من الحروف، قطرة من بحر من تناسب الأصوات، كما هو معروف في كتب الموسيقى؛ إلا أنهم لم يشعروا بما سواه؛ لأنهم حينئذ لم ينتحلوا علما. و لا عرفوا صناعة، و كانت البداوة أغلب نحلهم. ثم تغنّى الحداة منهم في حداء إبلهم، و الفتيان في فضاء خلواتهم، فرجّعوا الأصوات و ترنّموا. و كانوا يسمون الترنم إذا كان بالشعر غناء، و إذا كان بالتهليل أو نوع القراءة تغبيرا (بالغين المعجمة و الباء الموحدة). و عللها أبو إسحاق الزجاج بأنها تذكّر بالغابر، و هو الباقي، أي بأحوال الآخرة(1).

و ربما ناسبوا في غنائهم بين النغمات مناسبة بسيطة، كما ذكره ابن رشيق آخر «كتاب العمدة» و غيره. و كانوا يسمونه «السناد»، و كان أكثر ما يكون منهم في الخفيف الذي يرقص عليه و يمشي بالدف و المزمار، فيطرب و يستخف الحلوم، و كانوا يسمون هذا «الهزج». و هذا البسيط كله من التلاحين هو من أوائلها، و لا يبعد أن تتفطن له الطباع من غير تعليم، شأن البسائط كلها من الصنائع. و لم يزل هذا شأن العرب في بداوتهم و جاهليتهم.

فلما جاء الإسلام و استولوا على ممالك الدنيا و حازوا سلطان العجم و غلبوهم عليه، و كانوا من البداوة و الغضاضة على الحال التي عرفت لهم، مع غضارة الدين و شدّته في ترك أحوال الفراغ و ما ليس بنافع في دين و لا معاش، هجروا ذلك شيئا ما، و لم يكن الملذوذ عندهم إلا بترجيع القراءة و الترنم بالشعر الذي كان ديدنهم و مذهبهم. فلما جاءهم الترف و غلب عليهم الرفه بما حصل لهم من غنائم الأمم، صاروا إلى نضارة العيش و رقّة الحاشية و استحلاء الفراغ، فافترق المغنّون من الفرس و الروم فوقعوا إلى الحجاز، و صاروا موالي للعرب، و غنّوا جميعا بالعيدان و الطنابير و المعازف(2) و المزامير، و سمع العرب تلحينهم للأصوات فلحّنوا عليها أشعارهم، و ظهر بالمدينة نشيط الفارسيّ و طويس و سائب خاثر مولى عبد اللّه بن جعفر، فسمعوا شعر العرب و لحنوه و أجادوا فيه، و طار لهم ذكر، ثم أخذ عنهم معبد و طبقته و ابن سريج و أنظاره.

و ما زالت صناعة الغناء تتدرّج إلى أن كملت أيام بني العباس عند إبراهيم بن المهدي و إبراهيم الموصليّ و ابنه إسحاق و ابنه حمّاد، و كان من ذلك في دولتهم ببغداد ما تبعه الحديث به و بمجالسه لهذا العهد. و أمعنوا في اللهو و اللعب، و اتخذت آلات الرقص في الملبس و القضبان و الأشعار التي يترنم بها عليه، و جعل صنفا وحده. و اتخذت آلات أخرى للرقص تسمى بالكرّج(3) و هي تماثيل خيل مسرجة من الخشب معلّقة بأطراف أقبية يلبسها النسوان،

ص: 12


1- هذا رأي الزجاج. و قال الأزهري: سموا ما يطرّبون فيه من الشعر في ذكر اللّه تغييرا، كأنهم إذا تناشدوها بالألحان طربوا فرقصوا و أرهجوا (أثاروا الرهج و هو الغبار)، فسموا مغبرّة لهذا المعنى. قال الأزهري: و روينا عن الشافعي قال: أرى الزنادقة وضعوا التغيير ليصدّوا عن ذكر اللّه و قراءة القرآن.
2- المعازف: الملاهي و الملاعب التي يضرب بها، يقولون للواحد: عزف، و الجمع معازف (على غير مقياس) فإذا أفرد المعزف فهو ضرب من الطنابير و يتخذه أهل اليمن. و غيرهم يجعل العود معزفا. «لسان العرب» (مادة «عزف»).
3- الكرّج: فارسيّ معرب و هو ما يتخذ مثل المهر يلعب عليه؛ قال جرير: لبست سلاحي و الفرزدق لعبة عليها وشاحا كرج و جلاجله و قال أيضا: أمسى الفرزدق في جلاجل كرج بعد الأخيطل ضرّة لجرير

و يحاكين بها امتطاء الخيل - فيكرّون و يفرّون و يثاقفون(1)، و أمثال ذلك من اللّعب المعدّة للولائم و الأعراس و أيام الأعياد و مجالس الفراغ و اللهو. و كثر ذلك ببغداد و أمصار العراق، و انتشر منها إلى غيرها. و كان للموصليين غلام اسمه زرياب أخذ عنهم الغناء فأجاد، فصرفوه إلى المغرب غيرة منه، فلحق بالحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل أمير الأندلس، فبالغ في تكرمته و ركب للقائه و أسنى له الجوائز و الإقطاعات و الجرايات، و أحلّه من دولته و ندمائه بمكان، فأورث بالأندلس من صناعة الغناء ما تناقلوه إلى أزمان الطوائف، و طما منها بإشبيلية بحر زاخر، و تناقل منها بعد ذهاب غضارتها(2) إلى بلاد العدوة بإفريقية و المغرب، و انقسم على أمصارها. و بها الآن منها صبابة على تراجع عمرانها و تناقص دولها.

و هذه الصناعة آخر ما يحصل في العمران من الصنائع؛ لأنها كمالية في غير وظيفة من الوظائف إلا وظيفة الفراغ و الفرح. و هي أيضا أوّل ما ينقطع من العمران عند اختلاله و تراجعه، و اللّه أعلم».

ص: 13


1- يثاقفون: يخاصمون و يجالدون، و مصدره الثقاف و المثاقفة و هي العمل بالسيف، و منه: و كأن لمع بروقها في الجوّ أسياف المثاقف
2- غضارتها: بهجتها و جدّتها.

ترجمة أبي الفرج الأصفهاني مؤلف كتاب الأغاني

نسبه:

ترجمة أبي الفرج الأصفهاني مؤلف كتاب الأغاني(1)

هو أبو الفرج عليّ بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد اللّه بن مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، القرشي الأمويّ الكاتب الأصبهانيّ صاحب «كتاب الأغاني». و منه ترى أن نسبه ينتهي إلى مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية.

مولده و منشؤه:

ولد بأصبهان سنة 284 أربع و ثمانين و مائتين، في خلافة المعتضد باللّه أبي العباس أحمد بن الموفق، و هي السنة التي مات فيها البحتري الشاعر. و نشأ ببغداد و استوطن بها، و كانت داره ببغداد واقعة على دجلة في المكان المتوسط بين درب سليمان و درب دجلة و ملاصقة لدار أبي الفتح البريدي.

شيوخه و تلاميذه:

روى أبو الفرج عن عالم كثير يطول تعدادهم، و سمع من جماعة لا يحصون: منهم أبو بكر(2) بن دريد و أبو بكر(3) بن الأنباري و الفضل(4) بن الحباب الجمحي و عليّ(5) بن سليمان الأخفش، و إبراهيم(6) نفطويه

ص: 14


1- المصادر التي أخذنا منها هذه الترجمة هي: «معجم الأدباء» لياقوت، «وفيات الأعيان» لابن خلكان، «عيون التواريخ» لابن شاكر، «الفهرست» لابن النديم، «الكامل» لابن الأثير، «نفح الطيب»، «مقدّمة ابن خلدون»، «النجوم الزاهرة في أعيان مصر و القاهرة»، «الجمهرة» لابن حزم، «المنتظم في تاريخ الملوك و الأمم» لابن الجوزي، «يتيمة الدهر»، «كشف الظنون»، كتاب «رنّات الثالث و المثاني في روايات الأغاني».
2- هو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد إمام عصره في اللغة و الأدب و الشعر، ولد بالبصرة في سنة ثلاث و عشرين و مائتين و نشأ بها و تعلم فيها و انتقل إلى عمان ثم إلى فارس ثم إلى بغداد، و توفي بها سنة إحدى و عشرين و ثلاثمائة. (انظر ابن خلكان ج 1 من ص 709-713 طبع بولاق).
3- هو محمد بن القاسم بن محمد بن بشار الأنباري، روى عن أبيه عن أبي جعفر أحمد بن عبيد، و أخذ النحو عن أبي العباس ثعلب، و كان في نهاية الذكاء و الفطنة و جودة القريحة و سرعة الحفظ و كان يضرب به المثل في حضور البديهة و سرعة الجواب، و أكثر ما كان يمليه من غير دفتر و لا كتاب، و لم يمت من سنّ عالية مات عن دون الخمسين و توفي سنة ثمان و عشرين و ثلاثمائة و دفن بداره بالأنبار. («الفهرست» لابن النديم طبع ليبزج ص 75).
4- هو أبو خليفة الفضل بن الحباب بن محمد بن شعيب بن صخر الجمحي البصري من رواة الأخبار و الأشعار و الأنساب، ولي قضاء البصرة، و توفي سنة خمس و ثلاثمائة. «الفهرست» ص 114).
5- هو أبو الحسن علي بن سليمان بن الفضل المعروف بالأخفش الأصغر. قرأ على ثعلب و المبرد و اليزيدي و أبي العيناء و روى عنه المرزبانيّ و كان ثقة. و هو غير الأخفش الأكبر أبي الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد من أهل هجر، و الأخفش الأوسط أبي الحسن سعيد بن مسعدة صاحب سيبويه. و قد هجاه ابن الرومي بأهاج كثيرة لأنه كان كثير التطير منه. توفي ببغداد سنة خمس عشرة و ثلاثمائة و يقال سنة ست عشرة. (ابن خلكان ص 472 ج 1 و «بغية الوعاة» للسيوطي).
6- هو إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان بن المغيرة بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة الملقب بنفطويه لشبهه بالنفط لدمامته و أدمته. كان عالما بالعربية و اللغة و الحديث، أخذ عن ثعلب و المبرد و كان صادقا فيما يرويه حافظا للقرآن فقيها على مذهب داود الظاهريّ مسندا في الحديث حافظا للسير و أيام الناس و التواريخ. ولد بواسط سنة أربع و أربعين و مائتين و سكن بغداد و توفي بها سنة ثلاث و عشرين و ثلاثمائة. (ابن خلكان ج 1 ص 15 و «بغية الوعاة» للسيوطي).

و محمد(1) بن جرير الطبري و أحمد(2) بن جعفر جحظة و محمد(3) بن خلف المرزبان و جعفر(4) بن قدامة و أبي(5) أحمد يحيى بن علي بن يحيى المنجم و عمه الحسن(6) بن محمد و غيرهم، و روى عنه الدارقطنيّ(7)و غيره.

ثناء العلماء عليه

ذكره ياقوت في «معجمه» فقال: «العلامة النساب الإخباريّ الحفظة الجامع بين سعة الرواية و الحذق في الدراسة، لا أعلم لأحد أحسن من تصانيفه في فنها و حسن استيعاب ما يتصدّى لجمعه، و كان مع ذلك شاعرا جيدا».

و ذكره ابن خلكان في «الوفيات» فقال: «كان من أعيان أدبائها (بغداد) و أفراد مصنفيها. روى عن عالم كثير من العلماء يطول تعدادهم، و كان عالما بأيام الناس و الأنساب و السير. قال التنوخي: و من المتشيعين الذين شاهدناهم أبو الفرج الأصبهاني كان يحفظ من الشعر و الأغاني و الأخبار و الآثار و الأحاديث المسندة و النسب ما لم أر

ص: 15


1- هو أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري و قيل: يزيد بن كثير بن غالب، صاحب «التفسير الكبير و التاريخ الشهير»، كان إماما في فنون كثيرة: منها التفسير و الحديث و الفقه و التاريخ و كان إماما مجتهدا و كان ثقة في نقله أصح التواريخ و أثبتها. ولد سنة أربع و عشرين و مائتين بآمل طبرستان و توفي ببغداد سنة عشر و ثلاثمائة. (ابن خلكان ج 1 ص 651).
2- هو أبو الحسن أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك. شاعر مغن مطبوع في الشعر حاذق بصناعة غناء الطنبور حسن الأدب بارع في معناه. و كان من ظرفاء عصره. و هو من ذريّة البرامكة. و قد جمع أبو نصر بن المرزبان أخباره و أشعاره. ولد سنة أربع و عشرين و مائتين و توفي بواسط سنة ست و عشرين و ثلاثمائة و قيل سنة أربع و عشرين و ثلاثمائة. (ابن خلكان ج 1 ص 57 و «فهرست ابن النديم» ص 145).
3- هو أبو عبد اللّه محمد بن خلف بن المرزبان. كان حافظا للأخبار و الأشعار و الملح. و له من الكتب كتاب «الحاوي في علوم القرآن» كبير سبعة و عشرون جزءا و كتاب «أخبار ابن قيس الرقيات» و مختار شعره و كتاب «المتيمين المعصومين» و غير ذلك. («فهرست ابن النديم» ص 149).
4- هو أبو القاسم جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب أحد مشايخ الكتاب و علمائهم. و كان وافر الأدب حسن المعرفة. و له مصنفات في صنعة الكتابة و غيرها. حدّث عن أبي العيناء الضرير و حماد بن إسحاق الموصلي و المبرد و محمد بن عبد اللّه بن مالك الخزاعي و نحوهم. و روى عنه أبو الفرج الأصبهاني. و له شعر جيد رواه ياقوت في «معجم الأدباء». مات سنة تسع عشرة و ثلاثمائة (انظر الجزء الثاني من «معجم الأدباء» ص 412).
5- هو أبو أحمد يحيى بن علي بن يحيى بن أبي منصور. ولد سنة إحدى و أربعين و مائتين و مات سنة ثلاثمائة. و نادم الموفق و من بعده من الخلفاء. و كان متكلما معتزليّ المذهب، و كان له مجلس يحضره جماعة من المتكلمين بالحضرة. و له كتاب «الباهر في أخبار شعراء مخضرمي الدولتين» لم يتمه و أتمه من بعده ابنه أبو الحسن أحمد بن يحيى. («فهرست ابن النديم» ص 143).
6- يروي أبو الفرج عن عمه كثيرا، و هو الحسن بن محمد، و كان من كبار الكتاب بسرّمن رأى، أدرك أيام المتوكل. و يروي كذلك عن عم أبيه عبد العزيز بن أحمد بن الهيثم و هو من كبار الكتاب أيضا أيام المتوكل. («الجمهرة» لابن حزم ص 103 من النسخة التيمورية).
7- هو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي الدار قطني. كان عالما حافظا فقيها أخذ الفقه عن أبي سعيد الإصطخري الفقيه الشافعي. و قد انفرد بالإمامة في علم الحديث، و تصدّر في آخر أيامه للإقراء ببغداد. و كان عارفا باختلاف الفقهاء، و يحفظ كثيرا من دواوين العرب. و صنف كتاب «السنن» و «المختلف» و «المؤتلف» و غيرهما. و كان متفننا في علوم كثيرة، إماما في علم القرآن. ولد سنة ست و ثلاثمائة و توفي سنة خمس و ثمانين و ثلاثمائة ببغداد.

قطّ من يحفظ مثله، و يحفظ دون ذلك من علوم أخر: منها اللغة و النحو و الخرافات و المغازي و السير، و من آلة المنادمة شيئا كثيرا مثل علم الجوارح و البيطرة و نتف من الطب و النجوم و الأشربة و غير ذلك، و له شعر يجمع إتقان العلماء و إحسان ظرفاء الشعراء».

و ذكره أبو منصور الثعالبي في «يتيمة الدهر» فقال:

«و كان من أعيان أدبائها (بغداد) و أفراد مصنفيها. و له شعر يجمع إتقان العلماء و إحسان ظرفاء الشعراء».

و ذكره ابن النديم في «الفهرست» فقال:

«كان شاعرا مصنفا أديبا، و له رواية يسيرة، و أكثر تعويله كان في تصنيفه على الكتب المنسوبة الخطوط أو غيرها من الأصول الجياد». و يؤيد هذا أنه في كتابه «الأغاني» يروي كثيرا من الأخبار بقوله: «نسخت من كتاب فلان».

قدح بعض العلماء في صحة روايته

ذكره ابن الجوزي في كتابه «المنتظم في تاريخ الملوك و الأمم» فقال:

«إنه كان متشيعا و مثله لا يوثق بروايته فإنه يصرح في كتبه بما يوجب عليه الفسق، و يهوى شرب الخمر، و ربما حكى ذلك عن نفسه، و من تأمل كتاب «الأغاني» رأى كل قبيح و منكر».

و نقل ابن شاكر في كتابه «عيون التواريخ» أن الشيخ شمس الدين الذهبيّ قال:

«رأيت شيخنا تقيّ الدين بن تيمية يضعفه و يتهمه في نقله و يستهول ما يأتي به، و ما علمت فيه جرحا إلا قول ابن أبي الفوارس: خلط قبل ما يموت».

شيء من أوصافه

لم يكن لأبي الفرج الأصفهاني عناية بنظافة جسمه و ثيابه؛ فقد حدّث الرئيس أبو الحسين هلال بن المحسن بن إبراهيم بن هلال الصابئ في الكتاب الذي ألفه في أخبار الوزير المهلبيّ قال: كان أبو الفرج الأصفهاني و سخا قذرا لم يغسل له ثوبا منذ فصّله إلى أن قطعه، و كان الناس على ذلك يحذرون لسانه و يتقون هجاءه و يصبرون في مجالسته و معاشرته و مؤاكلته و مشاربته على كل صعب من أمره؛ لأنه كان وسخا في نفسه ثم في ثوبه و فعله، حتى إنه لم يكن ينزع درّاعة يقطعها إلا بعد إبلائها و تقطيعها، و لا يعرف لشيء من ثيابه غسلا و لا يطلب منه في مدّة بقائه عوضا.

و حكى القاضي أبو علي المحسن بن علي التنوخي في كتاب «نشوار»(1) المحاضرة «أن أبا الفرج كان أكولا نهما، و كان إذا ثقل الطعام في معدته تناول خمسة دراهم فلفلا مدقوقا و لا يؤذيه و لا تدمع منه عيناه، و هو مع ذلك لا يستطيع أن يأكل حمصة واحدة أو يصطبغ(2) بمرقة قدر فيها حمص، و إذا أكل شيئا يسيرا من ذلك شري(3) بدنه كله من ذلك، و بعد ساعة أو ساعتين يفصد و ربما فصد لذلك دفعتين». قال: و أسأله عن سببه فلا يكون عنده علم منه.

ص: 16


1- النشوار في الأصل بكسر النون: ما تبقيه الدابة من علفها فارسي معرّب. و هذا الكتاب قد طبع بالقاهرة سنة 1921 م و قام بتصحيحه المستشرق الانكليزي المعروف د. س مرجليوث.
2- يصطبغ: يأتدم.
3- الشرى: شيء يخرج على الجسد أحمر كهيئة الدراهم، و قيل: هو شبه البثر يخرج في الجسد أو هو خراج صغار لها لذع شديد، يقال: شرى جلده شرى فهو شر.

و يقال: إنه لم يدع طبيبا حاذقا على مرور السنين إلا سأله عن سببه فلا يجد عنده علما و لا دواء. فلما كان قبل فالجه(1) بسنوات ذهبت عنه العادة في الحمص فصار يأكله و لا يضرّه، و بقيت عليه عادة الفلفل.

اتصاله بالوزير المهلبيّ

كان أبو الفرج منقطعا إلى الوزير المهلبيّ - و هو الحسن بن محمد بن هارون من ولد المهلّب بن أبي صفرة و وزير معز الدولة بن بويه الديلمي - و من ندمائه الخصيصين به؛ و له فيه غرر و مدائح. و مع ما كان يصنعه الوزير بأبي الفرج لم يخل من هجوه، قال فيه:

أ بعين مفتقر إليك رأيتني *** بعد الغنى فرميت بي من حالق(2)

لست الملوم أنا الملوم لأنني *** أمّلت للإحسان غير الخالق(3)

و حدّث أبو الفرج عن نفسه قال: سكر الوزير المهلبيّ ليلة و لم يبق بحضرته من ندمائه غيري فقال لي: يا أبا الفرج، أنا أعلم أنك تهجوني سرّا، فاهجني الساعة جهرا، فقلت: اللّه اللّه أيها الوزير فيّ! إن كنت قد مللتني انقطعت، و إن كنت تؤثر قتلي، فبالسيف إذا شئت؛ قال: دع ذا، لا بدّ أن تهجوني، و كنت قد سكرت فقلت:

أير بغل بلولب

فقال في الحال مجيزا:

في حر امّ المهلّبي

هات مصراعا آخر؛ فقلت: الطلاق لازم للأصفهانيّ إن زاد على هذا و إن كان عنده زيادة.

قال الرئيس أبو الحسين المهلبيّ: و حدّثني جدّي، و سمعت هذا الخبر من غيره لأنه متفاوض متعاود، أن أبا الفرج كان جالسا في بعض الأيام على مائدة أبي محمد المهلبيّ فقدّمت سكباجة(4) وافقت من أبي الفرج سعلة فبدرت من فمه قطعة من بلغم فسقطت وسط الغضارة(5)، فتقدّم أبو محمد برفعها، و قال: هاتوا من هذا اللون في غير هذه الصحفة؛ و لم يبن في وجهه إنكار و لا استكراه، و لا داخل أبا الفرج في هذه الحال استحياء و لا انقباض.

هذا إلى ما يجري هذا المجرى على مضيّ الأيام. و كان أبو محمد عزوف(6) النفس بعيدا من الصبر على مثل هذه الأسباب، إلا أنه كان يتكلف احتمالها لورودها من أبي الفرج. و كان من ظرفه في فعله و نظافته في مأكله أنه كان إذا

ص: 17


1- الفالج: داء معروف يسترخي منه أحد شقي البدن.
2- الحالق: الجبل المرتفع.
3- نقل ابن خلكان في كتابه «وفيات الأعيان» (طبع بولاق ج 1 ص 50): أن الشيخ تاج الدين الكندي روى للمتنبي هذين البيتين بالإسناد الصحيح المتصل به، و قال ابن خلكان: إنهما لا يوجدان في «ديوانه». و نقل ابن شاكر في «عيون التواريخ» كلام ابن خلكان ثم قال: و الصحيح أن هذين البيتين لأبي الفرج الأصبهاني.
4- قال في «شرح القاموس» (مادة سكبج): السكباج بالكسر: معرب سركه باجه، و هو لحم يطبخ بخل. و في كتاب «الأطعمة» الفتوغرافي المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 51 علوم معاشية في وصف صنع هذا الطعام ما نصه: «يؤخذ من اللحم قدر الحاجة و يقطع من الأوساط و يغسل نظيفا و يضاف إليه حوائجه مثل الجوز و البصل و الكراث و شيء من اللفت و يعدّل بالخل و الدبس و يصبغ بالزعفران و يعدل ملحه و أبازيره و يغطى رأس القدر و يجعل في التنور طول الليل على نار معتدلة إلى بكرة ثم يرفع».
5- عبارة «اللسان»: «الغضار: الطين الحرّ. ابن سيده و غيره - الغضارة: الطين الحرّ. و قيل الطين اللازب الأخضر و الغضار: الصحفة المتخذة منه».
6- يقال: عزفت نفسه عن الشيء أي عافته و كرهته.

أراد أكل شيء بملعقة كالأرز و اللبن و أمثاله، وقف من جانبه الأيمن غلام معه نحو ثلاثين ملعقة زجاجا مجرودا(1)- و كان يستعمله كثيرا - فيأخذ منه ملعقة يأكل بها من ذلك اللون لقمة واحدة ثم يدفعها إلى غلام آخر قام من الجانب الأيسر، ثم يأخذ أخرى فيفعل بها فعل الأولى حتى ينال الكفاية، لئلا يعيد الملعقة إلى فيه دفعة ثانية. فلما كثر على المهلبيّ استمرار ما قدّمنا ذكره جعل له مائدتين: إحداهما كبيرة عامة، و أخرى لطيفة خاصة، و كان يؤاكله عليها من يدعوه إليها.

و كانت صحبته للمهلبيّ قبل الوزارة و بعدها إلى أن فرّق بينهما الموت.

تشيّعه

كان أبو الفرج الأصبهانيّ، مع كونه من صميم بني أمية، على مذهب الشيعة. فقد قال التنوخيّ عنه: و من المتشيعين الذين شاهدناهم أبو الفرج الأصفهاني. و قال ابن شاكر في «عيون التواريخ» عنه: إنه كان ظاهر التشيع.

و قال ابن الأثير في كتاب «الكامل»: و كان أبو الفرج شيعيا، و هذا من العجب.

شعره و أدبه

كان أبو الفرج كاتبا لركن الدولة حظيا عنده محتشما لديه. و كان يتوقع من الرئيس أبي الفضل بن العميد أن يكرمه و يبجّله و يتوفّر عليه(2) في دخوله و خروجه، و عدم ذلك منه فقال:

مالك موفور فما باله *** أكسبك التّيه على المعدم

و لم إذا جئت نهضنا و إن *** جئنا تطاولت و لم تتمم

و إن خرجنا لم تقل مثل ما *** نقول «قدّم طرفه قدّم»

إن كنت ذا علم فمن ذا الذي *** مثل الذي تعلم لم يعلم

و لست في الغارب من دولة *** و نحن من دونك في المنسم(3)

و قد ولينا و عزلنا كما *** أنت فلم نصغر و لم نعظم

تكافأت أحوالنا كلّها *** فصل على الإنصاف أو فاصرم

و كتب أبو الفرج إلى المهلبيّ يشكو الفأر و يصف الهرّ:

يا لحدب الظهور قصع الرقاب *** لدقاق الأنياب و الأذناب

خلقت للفساد مذ خلق الخل *** ق و للعيث و الأذى و الخراب

ناقبات في الأرض و السقف و الحي *** طان نقبا أعيا على النقّاب

آكلات كلّ المآكل لا تأ *** منها شاربات كلّ الشراب

آلفات قرض الثياب و قد يع *** دل قرض القلوب قرض الثياب

ص: 18


1- مجرودا: مجلوّا.
2- توفر على صاحبه: رعى حرماته.
3- الغارب: ما بين العنق و السنام من البعير. و المنسم: خفه.

زال(1)

همّي منهن أزرق ترك *** يّ السّبالين(2) أنمر(3) الجلباب

ليث غاب خلقا و خلقا فمن لا *** ح لعينيه خاله ليث غاب

ناصب طرفه إزاء الزوايا *** و إزاء السقوف و الأبواب

ينتضي الظفر حين يطفر للصي *** د و إلا فظفره في قراب

لا ترى أخبثيه عين و لا يع *** لم ما جنّتاه(4) غير التراب

قرّطوه(5) و شنّفوه(6) و حلّو *** ه أخيرا و أوّلا بالخضاب

فهو طورا يمشي بحلي عروس *** و هو طورا يخطو على عنّاب

حبذا ذاك صاحبا هو في الصح *** بة أوفى من أكثر الأصحاب

و قال من قصيدة المهلّب عيديّة:

إذا ما علا في الصدر للنهي و الأمر *** و بثّهما في النفع منه و في الضر

و أجرى ظبا(7) أقلامه و تدفّقت *** بديهته كالمستمدّ من البحر

رأيت نظام الدرّ في نظم قوله *** و منثوره الرقراق في ذلك النثر

و يقتضب المعنى الكثير بلفظة *** و يأتي بما تحوي الطوامير(8) في سطر

أيا غرّة الدهر ائتنف غرّة الشهر *** و قابل هلال الفطر في ليلة الفطر

بأيمن إقبال و أسعد طائر *** و أفضل ما ترجوه في أفسح العمر

مضى عنك شهر الصوم يشهد صادقا *** بطهرك فيه و اجتنابك للوزر

فأكرم بما خطّ الحفيظان منهما *** و أثنى به المثنى و أطرى به المطرى

و زكّتك أوراق المصاحف و انتهى *** إلى اللّه منها طول درسك و الذكر

و قبضك كفّ البطش عن كل مجرم *** و بسطكها بالعرف في الخير و البرّ

و له فيه:

و هذا الشتاء كما قد ترى *** عسوف(9) عليّ قبيح الأثر

ص: 19


1- زال: فرق.
2- السبالان: الشاربان.
3- الأنمر: ما فيه نمرة بيضاء و أخرى سوداء.
4- جن الشيء: أخفاه و ستره.
5- قرّطوه: ألبسوه القرط.
6- شنفوه: جعلوا له شنفا و هو القرط.
7- الظبا: جمع ظبة، و هي في الأصل حدّ. السيف أو السنان و نحوه.
8- جمع طومار أو طامور و هو الصحيفة.
9- العسوف: الجائر الظلوم.

يغادي بصرّ(1) من العاصفا *** ت أو دمق(2) مثل وخز الإبر

و سكّان دارك ممن أعو *** ل يلقين من برده كلّ شرّ

فهذي تحنّ و هذي تئنّ *** و أدمع هاتيك تجري درر(3)

إذا ما تململن تحت الظلام *** تعلّلن منك بحسن النظر

و لاحظن ربعك، كالممحلي *** ن شاموا البروق رجاء المطر

يؤمّلن عودي بما ينتظرن *** كما يرتجى آئب من سفر

فأنعم بإنجاز ما قد وعدت *** فما غيرك اليوم من ينتظر

و عش لي و بعدي فأنت الحيا *** ة و السمع من جسدي و البصر

و قال من قصيدة يهنئه بمولود من سرّية روميّة:

اسعد بمولود أتاك مباركا *** كالبدر أشرق جنح ليل مقمر

سعد لوقت سعادة جاءت به *** أمّ حصان(4) من بنات الأصفر

متبحبح(5) في ذروتي شرف العلا *** بين المهلّب منتماه و قيصر

شمس الضحى قرنت إلى بدر الدّجى *** حتى إذا اجتمعا أتت بالمشترى

و لما تولّى أبو عبد اللّه البريدي الوزارة هجاه أبو الفرج بقصيدة طويلة أوّلها:

يا سماء اسقطي و يا أرض ميدي *** قد تولّى الوزارة ابن البريدي

و منها:

يا لقومي لحرّ صدري و عولي *** و غليلي و قلبي المعمود(6)

حين سار الخميس(7) يوم خميس *** بالبريديّ في ثياب سود

قد حباه بها الإمام اصطفاء *** و اعتمادا منه لغير عميد

خلع تخلع العلا و لواء *** عقده حلّ عقدة المعقود

و قال أبو الفرج الأصبهانيّ: بلغ أبو الحسن جحظة أن مدرك بن محمد الشيباني الشاعر ذكره بسوء في مجلس كنت حاضره، فكتب إليّ:

ص: 20


1- ريح صرّ: شديدة الصوت أو البرد.
2- الدمق: الريح و الثلج.
3- درر: جمع درّة، و الدرّة في الأمطار أن يتبع بعضها بعضا.
4- الحصان: العفيفة.
5- متبحبح: متمكن.
6- المعمود: من عمده أي أضناه و أوجعه.
7- الخميس: الجيش لأنه خمس فرق: المقدّمة. و القلب و الميمنة و الميسرة و الساقة.

أبا فرج أهجى لديك و يعتدى *** عليّ فلا تحمي لذاك و تغضب

فكتبت إليه:

لعمرك ما أنصفتني في مودّتي *** فكن معتبا إنّ الأكارم تعتب

عجبت لما بلّغت عنّي باطلا *** و ظنّك بي فيه لعمرك أعجب

ثكلت إذا نفسي و عرسي و أسرتي *** بفقدي و لا أدركت ما كنت أطلب

فكيف بمن لا حظّ لي في لقائه *** و سيّان عندي وصله و التجنّب

فثق بأخ أصفاك محض مودّة *** تشاكل منها ما بدا و المغيّب

و قال من قصيدة يرثي بها ديكا و هي من أجود ما قيل في مراثي الحيوان:

خطب طرقت به أمرّ طروق *** فظّ الحلول عليّ غير شفيق

فكأنما نوب الزمان محيطة *** بي راصدات(1) لي بكلّ طريق

حتى متى تنحي(2) عليّ صروفها *** و تغصّني فجعاتها بالريق

ذهبت بكل مصاحب و مناسب *** و موافق و مرافق و صديق

حتى بديك كنت آلف قربه *** حسن إليّ من الديوك رشيق

و منها:

لهفي عليك أبا النذير لو انّه *** دفع المنايا عنك لهف شفيق

و على شمائلك اللواتي ما نمت *** حتى ذوت من بعد حسن سموق(3)

لما بقعت(4) و صرت علق مضنّة(5) *** و نشأت نشء المقبل الموموق(6)

و تكاملت جمل الجمال بأسرها *** لك من جليل واضح و دقيق

و كسيت كالطاوس ريشا لا معا *** متلألئا ذا رونق و بريق

من حمرة في صفرة في خضرة *** تخييلها يغنى عن التحقيق

عرض يجلّ عن القياس و جوهر *** لطفت معانيه عن التدقيق

و خطرت ملتحفا ببرد حبّرت(7) *** منه بديع الوشي كفّ أنيق

ص: 21


1- راصدات: راقبات.
2- تنحى: تقبل.
3- سموق: علو و ارتفاع.
4- يقال: بقع الطير: أي اختلف لونه فهو أبقع.
5- العلق: النفيس من كل شيء. و يقال: هذا الشيء علق مضنة أي يضنّ به.
6- الموموق: المحبوب.
7- حبرت: حسنت.

كالجلّنارة(1) أو صفاء عقيقة *** أو لمع نار أو وميض بروق

أو قهوة(2) تختال في بلّورة *** بتألّق الترويق(3) و التصفيق(4)

و كأنّ سالفتيك(5) تبر سائل *** و على المفارق(6) منك تاج عقيق

و كأنّ مجرى الصوت منك إذا نبت *** و جفت عن الأسماع بحّ(7) حلوق،

ناي(8) دقيق ناعم قرنت به *** نغم مؤلّفة من الموسيقى

و منها:

أبكي إذا أبصرت ربعك موحشا *** بتحنّن و تأسّف و شهيق

و يزيدني جزعا لفقدك صادح(9) *** في منزل دان إليّ لصيق

قرع(10) الفؤاد و قد زقا فكأنّه *** نادى ببين أو نعيّ شقيق

فتأسّفي أبدا عليك مواصل *** بسواد ليل أو بياض شروق

و إذا أفاق ذوو المصائب سلوة *** و تصبّروا أمسيت غير مفيق

قال أبو الفرج: كنت انحدرت إلى البصرة، و لمّا وردتها أصعدت إلى سكّة قريش أطلب منزلا أسكنه؛ لأني كنت غريبا لا أعرف أحدا من أهلها إلا من كنت أسمع بذكره، فاستأجرت بيتا في خان، و أقمت في البصرة أياما ثم خرجت عنها طالبا حصن مهدي؛ و كتبت هذه الأبيات على حائط البيت الذي أسكنه:

الحمد للّه على ما أرى *** من صنعتي من بين هذا الورى

أصارني الدهر إلى حالة *** يعدم فيها الضيف عندي القرى

بدّلت من بعد الغنى حاجة *** إلى كلاب يلبسون الفرا(11)

أصبح أدم السّوق لي مأكلا *** و صار خبز البيت خبز الشّرا

و بعد ملكي منزلا مبهجا *** سكنت بيتا من بيوت الكرا

فكيف ألفى لاهيا ضاحكا *** و كيف أحظى بلذيذ الكرى

ص: 22


1- الجلنار: زهر الرمان، معرّب كلنار.
2- القهوة: الخمر.
3- الترويق: التصفية.
4- التصفيق يقال: صفق فلان الشراب إذا حوّله من إناء إلى إناء ليصفو.
5- السالفتان: صفحتا العنق.
6- المفارق: جمع مفرق، و أصله وسط الرأس الذي يفرق فيه الشعر. و المراد هنا أعالي الرأس.
7- بح: جمع أبح من البحة و هي خشونة و غلظ في الصوت.
8- الناي: من آلات اللهو أعجمي معرّب، و عربيه زمخر و مزمار.
9- صادح: وصف، من قولهم: صدح الديك أي رفع صوته.
10- قرع الفؤاد: فجأه.
11- الفرا: مقصور الفراء جمع فروة، و هي جلود حيوان تدبغ و تخاط و تبطن بها الثياب فتلبس اتقاء البرد.

سبحان من يعلم ما خلفنا *** و بين أيدينا و تحت الثرى

و الحمد للّه على ما أرى *** و انقطع الخطب و زال المرا

و قال من قصيدة:

و إذا رأيت فتى بأعلى رتبة *** في شامخ من عزّه المترفّع

قالت لي النفس العزوف بفضلها *** ما كان أولاني بهذا الموضع

قال:

الدهر يلعب بالفتى فيهيضه *** طورا و يجبر عظمه فيراش(1)

و كذا رأينا الدهر في إعراضه *** ينحى و في إقباله ينتاش(2)

و مما قال في النسيب:

أدلّ(3) فيا حبّذا من مدلّ *** و من ظالم لدمي مستحلّ

إذا ما تعزّز قابلته *** بذلّ و ذلك جهد المقلّ

و قال من أبيات:

مرّت بنا تخطر في مشيها *** كأنما قامتها بانه

هبّت لنا ريح فمالت بها *** كما تثنّى غصن ريحانه

فتيّمت قلبي و هاجت له *** أحزانه قدما و أشجانه

قال ابن عبد الرحيم: حدّثني أبو نصر الزجاج قال: كنت جالسا مع أبي الفرج الأصبهاني في دكّان في سوق الورّاقين، و كان أبو الحسن علي بن يوسف بن البقّال الشاعر جالسا عند أبي الفتح بن الجزّار الورّاق و هو ينشد أبيات إبراهيم بن العبّاس الصّوليّ التي يقول فيها:

رأى خلّتي من حيث يخفى مكانها *** فكانت قذى عينيه حتى تجلّت

فلما بلغ إليه استحسنه و كرره؛ و رآه أبو الفرج فقال لي: قم إليه فقل له: قد أسرفت في استحسان هذا البيت، و هو كذلك، فأين موضع الصنعة فيه؟ فقلت له ذاك؛ فقال: قوله «فكانت قذى عينيه» فعدت إليه و عرّفته، فقال: عد إليه فقل له: أخطأت، الصنعة في قوله «من حيث يخفى مكانها». قال ياقوت: و قد أصاب كل واحد منهما حافة من الغرض؛ فإن الموضعين معا غاية في الحسن و إن كان ما ذهب إليه أبو الفرج أحسن.

مؤلفاته

ص: 23


1- يراش: أي يصير له ريش، و المراد اليسار و حسن الحال. و يقال: راشه يريشه إذا أحسن إليه؛ و أصله من الريش؛ لأن الفقير المملق لا ينهض كالمقصوص الجناح من الطير.
2- ينتاش: ينقذ؛ يقال: انتاشني فلان من التهلكة، أي أنقذني.
3- يقال: أدل عليه، إذا وثق بمحبته. فأفرط عليه. و يقال: هي تدلّ عليه أي تجترئ عليه.

لأبي الفرج الأصفهاني مصنفات كثيرة عدا كتاب «الأغاني»، منها: كتاب «مجرّد(1) الأغاني»، و كتاب «أخبار القيان»، و كتاب «الإماء الشواعر»، و كتاب «المماليك الشعراء»، و كتاب «أدب الغرباء»، و كتاب «الديارات»، و كتاب «تفضيل ذي الحجة»، و كتاب «الأخبار و النوادر»، و كتاب «مقاتل الطالبيين(2)»، و كتاب «أدب السماع»، و كتاب «أخبار الطفيليين»، و كتاب «مجموع الأخبار و الآثار»، و كتاب «الخمّارين و الخمّارات»، و كتاب «الفرق و المعيار في الأوغاد و الأحرار(3)»، و هي رسالة عملها في هارون بن المنجم، و كتاب «دعوة التجار»، و كتاب «أخبار جحظة البرمكي»، و كتاب «نسب بني عبد شمس»، و كتاب «نسب بني شيبان»، و كتاب «نسب المهالبة»، و كتاب «نسب بني تغلب»، و كتاب «نسب بني كلاب»، و كتاب «الغلمان المغنّين»، و كتاب «مناجيب الخصيان» عمله للوزير المهلبي في خصيين مغنيين كانا له، و كتاب «الحانات»، و كتاب «التعديل و الانتصاف في أخبار القبائل و أنسابها»(4) و هو كتاب «جمهرة أنساب العرب»(5)، و كتاب «أيام العرب»: ألف و سبعمائة يوم، و كتاب «دعوة الأطباء»، و كتاب «تحف الوسائد في أخبار الولائد». و جمع «ديوان أبي تمام» و لم يرتبه على الحروف بل على الأنواع كما هو الآن في نسخة مصر، و جمع «ديوان أبي نواس»، و جمع «ديوان البحتري» و لم يرتبه على الحروف بل على الأنواع كما فعل «بديوان أبي تمام». و له أيضا «كتاب في النغم»(6)، «و رسالة في الأغاني»(7).

وفاته

توفي أبو الفرج في 14 ذي الحجة سنة 356 ه في بغداد، و كان قد خلّط قبل أن يموت. و مات في هذه السنة عالمان كبيران، و ثلاثة ملوك كبار. فالعالمان: أبو الفرج، و أبو عليّ القالي. و الملوك: سيف الدولة بن حمدان، و معز الدولة بن بويه، و كافور الإخشيدي. هذا ما عليه الأكثر في تاريخ وفاته، و قال ابن خلكان: إنه الأصح. و قيل توفي سنة 357 ه. و في «الفهرست» لابن النديم أنه توفي سنة نيف و ستين و ثلاثمائة. و في «معجم الأدباء» طبع مصر، بعد ذكر تاريخ وفاته سنة 356، حديث يقتضي أن أبا الفرج عاش إلى ما بعد سنة 362؛ و قد وضع هذا الحديث بين قوسين و نصه: [وجدت على الهامش بخط المؤلف تجاه وفاته ما صورته: وفاته هذه فيها نظر و تفتقر إلى تأمّل؛ لأنه ذكر في كتاب «أدب الغرباء» من تأليفه: حدّثني صديق قال: قرأت على قصر معزّ الدولة بالشماسيّة «يقول فلان بن فلان الهروي: حضرت هذا الموضع في سماط معزّ الدولة و الدنيا عليه مقبلة و هيبة الملك عليه مشتملة، ثم عدت إليه في سنة 362 فرأيت ما يعتبر به اللبيب» يعني من الخراب. و ذكر في موضع آخر من كتابه هذا قصة له مع صبي كان يحبه ذكرتها بعد هذا، يذكر فيه موت معز الدولة و ولاية ابنه بختيار، و كان ذلك في سنة 356، و يزعم في تلك الحكاية أنه كان في عصر شبابه؛ فلا أدري ما هذا الاختلاف. آخر ما كان على الهامش].

ص: 24


1- أشار إلى هذا الكتاب في أوّل مقدّمته في كتاب «الأغاني» حيث قال في الصفحة الأولى: و لم يستوعب كل ما غنى في هذا الكتاب و لا أتى بجميعه؛ إذ كان قد أفرد لذلك كتابا مجرّدا من الأخبار و محتويا على جميع الغناء المتقدّم و المتأخر.
2- طبع هذا الكتاب بطهران في سنة 1307 ه.
3- ذكر صاحب «الفهرست» هذا الكتاب، و ذكر له كتابا آخر باسم كتاب «صفة هارون».
4- كذا في «معجم الأدباء» و «تاريخ ابن شاكر». و في «تاريخ ابن خلكان» في مآثر العرب و مثالبها».
5- نبه على ذلك المؤلف في كتاب «الأغاني» جزء 19 ص 53 (طبعة بولاق).
6- ورد ذكر هذا الكتاب في كتاب «الأغاني» ج 9 ص 49.
7- ورد ذكر هذه الرسالة في كتاب «الأغاني» ج 5 ص 53 (طبعة بولاق).

كتاب الأغاني و ثناء أهل العلم و الأدب عليه

اشارة

قال أبو محمد المهلبي: سألت أبا الفرج في كم جمعت هذا الكتاب؟ فقال: في خمسين سنة، و إنه كتبه مرة واحدة في عمره، و هي النسخة التي أهداها إلى سيف الدولة بن حمدان فأعطاه ألف دينار. و بلغ ذلك الصاحب بن عبّاد فقال: «لقد قصّر سيف الدولة، و إنه ليستحق أضعافها؛ إذ كان مشحونا بالمحاسن المنتخبة و الفقر الغريبة، فهو للزاهد فكاهة، و للعالم مادّة و زيادة، و للكاتب و المتأدّب بضاعة و تجارة، و للبطل رجلة و شجاعة، و للمضطرب(1)رياضة و صناعة، و للملك طيبة و لذاذة. و لقد اشتملت خزانتي على مائة ألف و سبعة عشر ألف مجلد ما فيها سميري غيره. و لقد عنيت بامتحانه في أخبار العرب و غيرهم فوجدت جميع ما يعز(2) عن أسماع من قرفه(3) بذلك قد أورده العلماء في كتبهم، ففاز بالسبق في جمعه و حسن وضعه و تأليفه».

و ذكر ابن خلكان أن الصاحب بن عباد كان يستصحب في أسفاره حمل ثلاثين جملا من كتب الأدب، فلما وصل إليه هذا الكتاب لم يكن بعد ذلك يستصحب غيره لاستغنائه به عنها.

و قال أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف كاتب عضد الدولة: لم يكن «كتاب الأغاني» يفارق عضد الدولة في سفره و لا حضره، و إنه كان جليسه الذي يأنس إليه و خدينه الذي يرتاح نحوه.

و قال ياقوت: و لعمري إن هذا الكتاب جم الفوائد عظيم العلم، جامع بين الجدّ البحت، و الهزل النحت.

و قال أبو جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد: اتّصل بي أن مسوّدة «كتاب الأغاني»، و هي أصل أبي الفرج، أخرجت إلى سوق الورّاقين ببغداد لتبتاع، فأنفذت إلى ابن قرابة، و سألته إنفاذ صاحبها لابتاعها منه لي، فجاءني و عرّفني أنها بيعت في النداء بأربعة آلاف درهم، و أن أكثرها في ظهور و بخط التعليق، و أنها اشتريت لأبي أحمد بن محمد بن حفص؛ فراسلت أبا أحمد، فأنكر أنه يعرف شيئا من هذا؛ فبحثت كل البحث فما قدرت عليها.

قال ياقوت: قرأت على ظهر جزء من نسخة «لكتاب الأغاني» لأبي الفرج: حدّث ابن عرس الموصلي، و كان المترسل بين عز الدولة و بين أبي تغلب بن ناصر الدولة و كان يخلف أبا تغلب بالحضرة، قال: قال كتب إليّ أبو تغلب يأمرني بابتياع «كتاب الأغاني» لأبي الفرج الأصبهاني، فابتعته له بعشرة آلاف درهم من صرف ثمانية عشر درهما بدينار، فلما حملته إليه و وقف عليه و رأى عظمة و جلالة ما حوى قال: لقد ظلم ورّاقه المسكين، و إنه ليساوي عندي عشرة آلاف دينار، و لو فقد لما قدرت عليه الملوك إلا بالرغائب، و أمر أن تكتب له نسخة أخرى و يخلد عليها اسمه، فابتدأ بذلك، فما أدري أتمت النسخة أم لا.

و روى صاحب «نفح الطيب»: أنّ الحكم المستنصر أحد خلفاء بني أمية بالأندلس بعث في «كتاب الأغاني» إلى مصنفه أبي الفرج الأصفهاني، و كان نسبه في بني أمية، و أرسل إليه فيه بألف دينار من الذهب العين، فبعث إليه نسخة منه قبل أن يخرجه بالعراق.

ص: 25


1- كذا بالأصل. و صوابه «و للمتظرف» عن «كتاب تجريد الأغاني».
2- كذا بالأصل. و لعلها «يعزب» بمعنى يغيب و يخفى.
3- قرفه بكذا: اتهمه به.

و قال ابن خلدون في «مقدّمته»: و قد ألّف القاضي أبو الفرج الأصبهاني، و هو ما هو، «كتابه في الأغاني»، جمع فيه أخبار العرب و أشعارهم و أنسابهم و أيامهم و دولهم، و جعل مبناه على الغناء في مائة الصوت التي اختارها المغنون للرشيد، فاستوعب فيه ذلك أتم استيعاب و أوفاه. و لعمري إنه ديوان العرب، و جامع أشتات المحاسن التي سلفت لهم في كل فن من فنون الشعر و التاريخ و الغناء و سائر الأحوال، و لا يعدل به كتاب في ذلك فيما نعلمه، و هو الغاية التي يسمو إليها الأديب و يقف عندها، و أنّى له بها.

نقد «كتاب الأغاني»

قال ياقوت: و قد تأملت هذا الكتاب و عنيت به و طالعته مرارا و كتبت منه نسخة بخطي في عشر مجلدات، و نقلت منه إلى كتابي الموسوم «بأخبار الشعراء» فأكثرت، و جمعت تراجمه فوجدته يعد بشيء و لا يفي به في غير موضع منه؛ كقوله في أخبار أبي العتاهية: «و قد طالت أخباره هاهنا و سنذكر خبره مع عتب(1) في موضع آخر» و لم يفعل. و قال في موضع آخر: «أخبار أبي نواس مع جنان إذ كانت سائر أخباره قد تقدّمت(2)» و لم يتقدّم شيء، إلى أشباه لذلك. و الأصوات المائة هي تسعة و تسعون، و ما أظنّ إلا أن الكتاب قد سقط منه شيء أو يكون النسيان غلب عليه، و اللّه أعلم.

«مختصرات كتاب الأغاني»

اختصر «كتاب الأغاني» جماعة: منهم الوزير الحسين بن علي بن حسين أبو القاسم المعروف بابن المغربي المتوفى سنة 418 ه.

و منهم القاضي(3) جمال الدين محمد بن سالم المعروف بابن واصل الحموي المتوفى سنة 697 ه.

و منهم أبو القاسم عبد اللّه المعروف بابن باقيا الكاتب الحلبي المتوفى سنة 485 ه. قال عنه ابن خلكان:

و اختصر «الأغاني» في مجلد واحد.

و منهم الأمير عز الملك محمد بن عبد اللّه بن أحمد الحرّاني المسبّحي الكاتب المتوفى سنة 420 ه.

و منهم الإمام اللغوي جمال الدين محمد بن المكرم الأنصاري صاحب «لسان العرب» المتوفى سنة 711 ه «و مختاره» مرتب على حروف الهجاء سماه «مختار الأغاني في الأخبار و التهاني»(4)».

ص: 26


1- الذي في «الأغاني»: «و لم أذكر هاهنا مع أخبار أبي العتاهية أخباره مع عتبة و هي من أعظم أخباره لأنها طويلة و فيها أغان كثيرة و قد طالت أخباره هاهنا فأفردتها» (جزء 3 ص 183 طبعة بولاق).
2- الذي في «الأغاني» جزء 18 ص 2: «إذا كانت أخباره قد أفردت خاصة».
3- و سمي كتابه «تجريد الأغاني من ذكر المثالث و المثاني». و قال في مقدمته إنه جرد الأغاني من ذكر الأصوات و ما احتوت عليه من أنواع النغم و الإيقاعات مما لا فائدة من ذكره كما جرده من الأسانيد و المكرّرات و الأخبار و الأشعار المشتركة، و اقتصر فيه على غرر فوائده و درر فوائده، و أضاف إليه فوائد أخرى تتعلق به و شرح بعض المستغلق من ألفاظه. و يوجد منه بدار الكتب المصرية الجزء الأوّل في ثلاثة مجلدات برقم 5071 أدب مأخوذة بالتصوير الشمسي عن نسخة خطية محفوظة بمكتبة أيا صوفية بالآستانة برقم 1400 مكتوبة بخط محمد بن محمد النصيبي كتبها بمحروسة حماة و فرغ من كتابتها سنة 666 ه و جعلها برسم خزانة السلطانة أبي الفتح محمود بن الملك المنصور محمد بن الملك المظفر أبي الفتح عمر بن شاهنشاه بن أيوب.
4- و يوجد منه بدار الكتب المصرية الجزء الثاني أوّله حرف الباء: وقعة بدر و ينتهي إلى أثناء الكلام على ترجمة حمزة بن بيض الحنفي الشاعر من حرف الحاء، في ثلاثة مجلدات برقم 4646 أدب مأخوذة بالتصوير الشمسي من النسخة الخطية المحفوظة بمكتبة كوبريلي بالآستانة. ثم الجزء الثاني أيضا يبتدئ من بقية حرف الألف بترجمة أبي عطاء أفلح السندي و ينتهي إلى أثناء حرف الجيم مأخوذ بالتصوير الشمسي عن النسخة المحفوظة بمكتبة المجلس البلدي بالإسكندرية المخطوطة بخط ولده عبد اللّه علي بن محمد بن المكرم، فرغ من كتابته في الرابع من شهر ربيع الأوّل سنة 683 ه في 175 لوحة و كل لوحة تشتمل على صفحتين في الربع في مجلدين، برقم 7421 أدب. ثم ثلاثة مجلدات تبتدئ من أوّل حرف الحاء إلى حرف الميم آخره المغيرة الأقيشر مأخوذة بالتصوير الشمسي من نسخة خطية محفوظة بمكتبة الأزهر و هما برقم 5503 أدب. و قد طبع منه الجزء الأوّل هذا العام بالمطبعة السلفية بمصر و ينتهي إلى آخر أخبار إسحاق الموصلي.

و منهم الرشيدي أبو الحسين أحمد بن الرشيد بن الزبير.

و قد اختصر أيضا «كتاب الأغاني» حضرة أستاذنا الفاضل محمد الخضري بك المفتش بوزارة المعارف و حذف منه الأسانيد و ما لم يستحسن ذكره من الفحش و المخل بالأدب، و روى الشعر كما قاله الشعراء لا كما غنى به المغنون فتمم بعض القصائد المنقوصة، و رتب بعض القطع المشوشة بعد الرجوع إلى أصولها، و جعله في قسمين:

في القسم الأوّل الشعراء، و في الثاني المغنون. و رتب الشعراء ثلاث طبقات: الأولى طبقة الشعراء الجاهليين، و الثانية طبقة الشعراء الإسلاميين، و الثالثة طبقة الشعراء المحدثين، و جعل المخضرمين بين كل طبقتين مع الأولى منهما، و نظم في سلك شعراء كل قبيلة في كل طبقة، فبدأ بشعراء قحطان ثم ثنّى بشعراء عدنان، و بدأ بالأوّلين بشعراء حمير و أثنى بشعراء كهلان، و بدأ الآخرين بشعراء ربيعة و أثنى بشعراء مضر. و قد طبع الكتاب في ثمانية أجزاء: الأوّل و الثاني في الطبقة الأولى من الشعراء الجاهليين و المخضرمين، و الثالث و الرابع في الطبقة الثانية من الشعراء الإسلاميين و مخضرمي الدولتين، و الخامس و السادس في الطبقة الثالثة من الشعراء المحدثين، و السابع في المغنين و فيه مقدّمة في الغناء العربي، و الثامن فيه الفهارس و الملحوظات.

كتب الأغاني المؤلفة قبل هذا الكتاب و المسماة باسمه

ليس «كتاب الأغاني» لأبي الفرج الأصبهاني أوّل كتاب ألّف في هذا الفنّ؛ فقد ألّف قبله عدّة كتب في الغناء سميت باسمه. و نعرف من هذه الكتب:(1) «كتاب أغاني إسحاق» التي غنى بها.

(2) «كتاب الأغاني الكبير» - و قد اختلف في نسبة هذا الكتاب إلى إسحاق. قال ابن النديم في «الفهرست» ص 141:

«قرأت بخط أبي الحسن علي بن محمد بن عبيد بن الزبير الكوفي الأسديّ، حدّثني فضل بن محمد اليزيديّ قال: كنت عند إسحاق بن إبراهيم الموصليّ فجاءه رجل فقال: يا أبا محمد، أعطني «كتاب الأغاني»؛ فقال: ما «كتاب الأغاني»: الذي صنفته أو الكتاب الذي صنّف لي؟ يعني بالذي صنفه كتاب أخبار المغنين واحدا واحدا، و بالكتاب الذي صنّف له أخبار «الأغاني الكبير» الذي في أيدي الناس.

ثم ذكر حكاية أخرى لتأييد ذلك و هي(1):

حدّثني أبو الفرج الأصفهاني قال حدّثني أبو بكر محمد بن خلف وكيع قال سمعت حماد بن إسحاق يقول:

ص: 27


1- ستأتي هذه الحكاية في خطبة كتاب «الأغاني» على نحو ما حكاها صاحب «الفهرست».

ما ألّف أبي هذا الكتاب قط - يعني كتاب «الأغاني الكبير» - و لا رآه. و الدليل على ذلك أن أكثر أشعاره المنسوبة إنما جمعت لما ذكر معها من الأخبار و ما يجيء فيها إلى وقتنا هذا، و أن أكثر نسبه إلى المغنين خطأ. و الذي ألّفه أبي من دواوين غنائهم يدلّ على بطلان هذا الكتاب؛ و إنما وضعه ورّاق كان لأبي بعد وفاته سوى «الرخصة» التي هي أوّل الكتاب، فإنّ أبي ألفها؛ لأن أخباره كلها من روايتنا. و قال أبو الفرج: هذا ما سمعته من أبي بكر وكيع حكاية فحفظته و اللفظ يزيد و ينقص. و أخبرني جحظة أنه يعرف الورّاق الذي وضعه، و كان يسمى سندي بن علي، و حانوته في طاق الزبل، و كان يورّق لإسحاق، فاتفق هو و شريك له على وضعه. و هذا الكتاب يعرف في القديم «بكتاب الشركة»، و هو أحد عشر جزءا لكل جزء أوّل يعرف به؛ فالجزء الأوّل من الكتاب: الرخصة، و هو تأليف إسحاق لا شك فيه و لا خلف.

(3) «كتاب الأغاني» لحسن بن موسى النصيبي، و هو مرتب على حروف المعجم. قال ابن النديم في كتاب «الفهرست» ص 145: «ألفه للمتوكل، و ذكر في هذا الكتاب أشياء من الأغاني لم يذكرها إسحاق و لا عمرو بن بانة، و ذكر من أسماء المغنين و المغنيات في الجاهلية و الإسلام كل طريف و غريب».

(4) «كتاب الأغاني»، هو أيضا لحسن بن موسى المذكور آنفا. قال ابن النديم في «الفهرست» بعد أن عزا إليه الكتاب السالف: و له «كتاب الأغاني» على الحروف.

الكلمات الاصطلاحية الواردة في كتاب الأغاني

جاء في مقال نشر المجلد الخامس من مجلة المقتبس صفحة 208 تحت عنوان «مصطلحات آلات الطرب و أغاني العرب» بحث في اصطلاح الأصوات و أنواع الألحان الواردة في «كتب الأغاني». و هو مأخوذ من كتاب مخطوط اسمه «نيل السعود في ترجمة الوزير داود» كتب سنة 1232 ه كما ذكر في وصفه في المجلد الثاني من مجلة المقتبس ص 385. و عنوان البحث في هذا الكتاب: «العود و مصطلحاته».

و إذ كانت الأصوات الواردة أسماؤها في «كتاب الأغاني» غير معروفة على كثرة بحث العلماء عنها، رأينا نقل ما له تعلق ببيان اصطلاحها من هذا المقال إفادة للقرّاء. و هو.

قال صاحب الكتاب: «العود و مصطلحاته» في الصفحة 221 من المخطوط و ما يليها:

«كثيرا ما كنت أطالع في «كتاب الأغاني» ألفاظا في مصطلح الغناء و ما كنت أتوصل إلى فهمها، حتى ظفرت أخيرا برسالة لعبد القادر بن غيبي الحافظ المراغي المشهور بعلم الألحان، فأخذت عنه ما يتعلق بفتح مغلق الكلام الخاص بهذا العلم فأقول:

اعلم أن الألفاظ الواردة في «كتاب الأغاني» تتعلق كلها بالعود العربيّ، فإذا علمت تركيب هذه الآلة هان عليك فهم ما أشكل عليك من مصطلحها. فهذه الآلة طولها مثل عرضها مرّة و نصف مرة، و غورها كنصف عرضها، و عنقها كربع طولها في الراحة و ثخن الورقة من خشب خفيف. و وجهها أصلب، و تمدّ عليه أربعة أوتار أغلظها البمّ بحيث يكون غلظه مثل المثلث الذي يليه مرة و ثلثا، و المثلث إلى المثنى كذلك، و المثلث(1) مثل الزير كذلك. و قد ضبطوها بطاقات الحرير فقالوا:

ص: 28


1- كذا في المجلة المنقول عنها هذا الموضوع. و لعله و المثنى إلى الزير كذلك.

يجب أن يكون البم أربعا و ستين طاقة، و المثلث ثمانيا و أربعين، و المثنى ستا و ثلاثين، و الزير سبعا و عشرين.

و تجعل رءوسها من جهة العنق في ملاو، و الأخرى كمشط فتتساوى أطوالها. ثم يقسم الوتر أربعة أقسام طولا و يشدّ على ثلاثة أرباعه مما يلي العنق، و هذا دستان الخنصر. ثم ينقسم الآخر تسعة و يشدّ على تسعه مما يلي العنق، و هذا دستان السبابة. ثم يقسم ما تحت دستان السبابة إلى المشط اتساعا متساوية و يشدّ على التسع مما يلي المشط، و يسمى دستان البنصر، فيقع فوق دستان الخنصر مما يلي دستان السبابة. ثم يقسم الوتر من دستان الخنصر مما يلي المشط ثمانية أقسام، و ضعّف إليها جزءا مثل أحدها مما بقي من الوتر و شدّه فهو دستان الوسطى، و يكون وقوعه بين السبابة و البنصر. فهذه الاصطلاحات هي المصححة للنسب. فإذا جذب وتر منها إلى غاية معلومة سمي الزير، فيجذب المثنى على نسبة تليه في الانحطاط، و هذا مع الجنس(1) بالخنصر و الضرب حتى يقع التساوي.

و تكلم بعد هذا على مناسبة أنواع الوتر للعناصر و الطباع. ثم قال: قوانين الغناء لا تخرج عن ثمانية:

ثقيل أوّل، و رسمه:

تنّ تنّ تنّ. تنّ تنّ تنّ.

و هو مركب من تسع نقرات هي ثلاث متواليات و واحدة كالسكون فخمس مطوية الأوّل.

و ثقيل ثان، و هذا رسمه:

تنّ تنّ تن. تنّ تنّ تن.

و هو مركب من إحدى عشرة و هي ثلاث متواليات فواحدة ساكنة فثقيلة فأربع مطوية الأوّل.

و خفيف الثقيل الثاني و يسمى الماخوري، و هذا رسمه:

تن تن تنّ تن تن تنّ.

و هو مركب من ست: ثلاث متواليات فسكون ثم ثلاث.

و رمل و يسمى ثقيل الرمل، و هذا رسمه:

تنّ تن تن. تنّ تن تن.

و هو مركب من سبع و هي ثقيلة أولى فمتواليتان فسكون و هكذا إلى آخره.

و خفيفه، و هذا رسمه:

تن تن. تن تن. تن تن. تن تن.

و هو مركب من ثلاث نقرات متوالية متحركة.

و خفيف الخفيف، و رسمه:

تن تن تن. تن تن تن.

و هو مركب من نقرتين بينهما سكون قدر واحدة.

و هزج، و رسمه:

تن تن تن تن. تن تن تن تن.

ص: 29


1- لعله «الجسّ».

و هو مركب من نقرة كالسكون ثم سكون قدر نقرة ثم بين كل اثنتين سكون.

فهذه أصول التراكيب و إنما تكرر بحسب استيفاء الأدوار.

و تكلم بعد هذا على أنواع أخرى من الأغاني ثم قال:

و اعلم أن اللحن يسمى مطلقا إذا لم يكن مقيدا بلفظة تدل على وصفه كالثقيل و الخفيف و خفيف الخفيف.

و يذكر بعد اللحن موقع الأصبع الذي يبتدأ به ليهتدي إلى قراره، فيقال مثلا: ثاني ثقيل مطلق أو ثاني ثقيل بالوسطى أو بالخنصر في مجرى البنصر أو خفيف رمل بالبنصر أو خفيف ثقيل أوّل بالبنصر إلى غير ذلك، و هو المعروف عند أصحاب هذا الفن بمواقع الأصابع من الدساتين.

نسخ الأغاني

اشارة

نسخ الأغاني الموجودة بدار الكتب و التي روجعت عليها هذه الطبعة هي:

(1) نسخة ت

و هي النسخة التيمورية المرموز إليها بالحرف «ت». و ليس لدينا منها سوى الجزء الأوّل استعرضناه من حضرة صاحب السعادة أحمد تيمور باشا عند ما بدأنا في تصحيح «كتاب الأغاني». و قد أخبرنا سعادته أن ليس لديه من هذه النسخة سوى هذا الجزء. و هو جزء مخطوط يقع في 246 ورقة تنتهي بآخر المجنون (قيس بن الملوّح).

و قد كتب على الصفحة الأولى منه عنوان الكتاب و اسم مؤلفه و فهرس لما فيه من التراجم، بخط واضح بيّن.

و في أعلى الصفحة جملة لم يبن منها سوى هذه الكلمات: «في ملك.. العلي... الحنبلي عفا اللّه عنه و عافاه».

و في وسط الصفحة كتب بخط كبير كلمات شطب عليها و لم نتبيّن منها بعد الشطب بمنتهى الصعوبة سوى: «شرى من دار السلام أحد و عشرون جزءا من كتب العبد الفقير إلى اللّه تعالى... بن يوسف بن عمر... بن رسول عفا اللّه عنه». و في جانبها الأيمن من الأسفل خط مشطوب لم نتبين منه بعد الجهد سوى هذه الكلمات: «حاز النسخة الشيخ العالم... من تركة... العبد الفقير إلى ربه الغنيّ الغفار سنة 937». و في الجانب الآخر كتب بحبر أحمر لم نتبينه كله و هو: «هذا خط ملك اليمن... الملك... رحمة اللّه عليهم أجمعين... و كل منهما ترجم عثمان و أنشد لشيخ الإسلام(1):

مذ مدّ مجد الدّين في أيامه *** من بعض أبحر علمه القاموسا

نسخت صحاح الجوهريّ كأنها *** سحر المدائن حين ألقى موسى

و يبلغ طول الصفحة منها 24 سنتيمترا و عرضها 16 سنتيمترا و طول ما رسم منها 19 سنتيمترا بعرض 11 سنتيمترا و في كل صفحة 15 سطرا.

و ليس بهوامشها سوى بعض كلمات أو جمل سقطت من الأصل فاستدركها الناسخ و يكتب في نهايتها كلمة «صح» إشارة إلى سقوطها من الأصل، أو روايات مختلفة عن نسخ أخرى، و يكتب فوقها الحرف «خ» إشارة إلى روايتها بهذا النص في نسخة أخرى.

ص: 30


1- نسب هذين البيتين السيد مرتضى في «شرح خطبة القاموس» لنور الدين علي بن محمد العفيف المكي المعروف بالعليفي.

أما خطها فهو الخط النسخيّ، و يرجع عهده إلى ما قبل القرن العاشر بدليل تملكها في هذا التاريخ كما كتب في أوّل صفحة منها، و إن كنا لم نستطع الحكم بالضبط عن سنة نسخها؛ لأنه لم يتبين فيها سنة نسخها بالضبط و لا الخزانة التي كتبت برسمها و لا موضع كتابتها و لا مقابلتها بنسخة أخرى و لا شيء من ذلك.

و النسخة مضبوط أكثر كلماتها بالحركات، و تغلب عليها الصحة. و قد وجدنا بها زيادة نحو سبع صفحات ليست في نسخة أخرى فأثبتناها في هذه الطبعة، و هي الموجودة بين قوسين مربعين من ابتداء السطر الثالث من صفحة 156 إلى السطر الخامس من صفحة 163.

(2) نسخة أ

لم نجد بها مناسبة لحرف من الأحرف و لذلك اصطلحنا على تسميتها بالحرف «أ»، و هي نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية تحت رقم 1318 أدب، تقع في أربعة عشر مجلدا، ينقص منها الجزء الرابع و الثامن و الحادي عشر و الثاني عشر مكتوبة بخطوط مختلفة.

و الجزء الأوّل منها يقع في 231 ورقة و ينتهي بآخر أخبار قيس بن الملوّح.

و ليس في الصفحة الأولى منها سوى اسم الكتاب. و كتب في أحد جوانبها جملة لا علاقة لها بشيء من ذلك، و هي «عورك اسمه الحسن بن عتبة اللهبيّ في ترجمة معبد».

و يبلغ طول الصفحة منها 26 سنتيمترا و عرضها 18 سنتيمترا و طول ما رسم من الكتابة في الصفحات 16 سنتيمترا بعرض 11 سنتيمترا و في كل صفحة 17 سطرا. و ليس على هوامشها سوى بعض تعليقات سقطت من الأصل فاستدركها الناسخ و يكتب في نهايتها غالبا لفظ «صح» إشارة سقوطها من الأصل، أو روايات مختلفة عن نسخ أخرى و يكتب فوقها الحرف «خ» إشارة إلى روايتها بهذا النص في نسخة أخرى.

و في أوّل هذا الجزء ورقتان مكتوبتان بخط مخالف لخط الكتاب، أما بقية الكتاب فمكتوب بخطين مختلفين:

أحدهما قديم كتب قبل سنة 693 ه إذ وجد في الجزءين الثاني و السابع عشر هذه العبارة في الورقة الأولى منهما و هي: «تملكه شرعا علي بن الأمير الدلقيدي» سنة 693 ه. و أما الخط الآخر فهو خط موسى الشعراني و قد كتب في سنة 1155 كما ورد في آخر الجزء المتم العشرين من الكتاب.

أما نوع الخط فهو في كلا الخطين الخط النسخي المعهود. و الخط القديم مضبوط أكثر كلماته بالحركات، غير أنّنا لم نعتمد عليه في ضبط نسختنا هذه؛ لأن فيه كثيرا من الكلمات لم يضبط على وجهه الصحيح.

أما الخط الحديث فعار عن الضبط إلا قليلا، و لم نعتمد أيضا في نسختنا هذه عليه.

و لم تتبين في النسخة الخزانة التي كتبت برسمها و لا موضع كتابتها و لا مقابلتها بنسخة أخرى. و إن في آخر الكتاب ما يفيد أن الشيخ حسنا العطار طالعها، و ناهيك بمقدار علمه و أدبه؛ فقد كان من أدباء عصره و له مؤلفات مشهورة.

(3) نسخة ج

لم نجد بها مناسبة لحرف من الأحرف فاصطلحنا على تسميتها بالحرف «ج». و هي نسخة في مجلدين كبيرين

ص: 31

بالمجلد الأوّل 636 ورقة و بالثاني 765 ورقة و هي كلها بخط موسى الشعراني، صرح بهذا في آخر الجزء الثاني و أنه تم نسخها في يوم الجمعة 20 شعبان سنة 1142 ه. و أما المجلد الأوّل فلم يذكر فيه اسم الناسخ و إنما ذكر أنه تم في يوم الخميس 18 محرّم الحرام سنة 1143 ه. و مكتوب بجانب هذا ما نصه: «تملكت هذه النسخة و طالعتها و صححتها بقدر استطاعتي و أنا الفقير عثمان المورويّ عفا اللّه عنه و عن والديه». و الصفحة الأولى من هذه النسخة ليس بها شيء خاص بعنوان الكتاب أو اسم مؤلفه، و ليس بها سوى هذه الجملة مكتوبة بخط واضح و هي:

«استصحبه العبد الفقير شفيق الحسين أصلح اللّه تعالى شأنه، و صانه عما شانه في سنة 234». و هذه الجملة مكتوبة بشكل مثلث على رأس روايته الحرف «م». و في الصفحة الثانية ختم «صالح نائلي». و يبلغ طول الصفحة منها 32 سنتيمترا تقريبا و عدد سطورها 45 سطرا. و بحواشيها بيان معاني بعض الكلمات اللغوية أو استدراك ما سقط من الأصل و يكتب في آخرها كلمة «صح» إشارة إلى ذلك، أو بيان بعض الروايات المختلفة عن نسخة أخرى و يكتب في آخرها الحرف «خ» و النسخة عارية عن الضبط إلا في الشعر فإنه مضبوط في كثير من كلماته.

و نوع الخط فيها هو الخط النسخيّ.

و لم نتبين في النسخة اسم الخزانة التي كتبت برسمها و لا موضع كتابتها و لا مقابلتها بنسخة أخرى.

(4) نسخة م

و هي نسخة في ثلاثة مجلدات، تشتمل على أكثر الكتاب. و هي إحدى نسخ المكتبة القيمة التي أهداها المرحوم مصطفى فاضل باشا لدار الكتب. و قد استحسنا أن نسميها بالحرف «م» تنبيها إلى ذلك و لأن كتبه بدار الكتب تعطي الرقم الخاص بها ملحقا بها هذا الحرف.

و بالمجلّد الأوّل 270 ورقة و بالثاني 237 ورقة و بالثالث 333 ورقة.

و ليس في الصفحة الأولى و لا الأخيرة من هذه النسخة شيء خاص بعنوان الكتاب و لا اسم مؤلفه و لا من تملك هذه النسخة و لا الخزانة التي كتبت برسمها و لا سنة نسخها و لا اسم ناسخها و لا موضع كتابتها أو مقابلتها بنسخة أخرى. و طول صفحتها 33 سنتيمترا و عرضها 21 سنتيمترا. و طول ما رسم من الكتابة 26 سنتيمترا بعرض 16 سنتيمترا. و عدد الأسطر 25 سطرا. و ليس بحواشيها شيء من التعليقات. و هي عارية عن الضبط. و لا يوثق بصحتها كثيرا لكثرة ما فيها من التحريف.

(5) نسخة د

و هي نسخة بها عشرة مجلدات، الثمانية الأولى بها من أول الجزء الأوّل إلى آخر الثامن و بالمجلدين التاسع و العاشر الجزءان الرابع عشر و الخامس عشر.

و لم نجد مناسبة لتسميتها بحرف من الحروف فسميناها بالحرف «د». و بالجزء الأوّل 176 ورقة كتبها حسن بن محمد الشماوي، صرح بهذا في الجزء الرابع منها. و ليس في هذه النسخة ما يدل على الخزانة التي كتبت برسمها و لا من تملكها و لا سنة نسخها و لا موضع كتابتها أو مقابلتها بنسخة أخرى.

و هذه النسخة تغلب عليها الجدّة. و هي عارية عن الضبط، و لا يوثق بها لكثرة ما فيها من التحريف.

ص: 32

و طول الصفحة منها 24 سنتيمترا و عرضها 17 سنتيمترا و طول ما رسم من الكتابة 18 سنتيمترا بعرض 10 سنتيمترات. و عدد سطورها 21 سطرا.

(6) نسخة ر

و هذه النسخة طبعت في أوربا (الجزء الأوّل) و لذلك سميناها بالحرف «ر»، و هي مطبوعة في مدينة جزيپيز فولد سنة 1840 م نقلها عن مخطوطات عربية و معها ترجمة لاتينية و ملاحظات «المسيو روز جارتن».

و ينتهي هذا الجزء قبل آخر أخبار ابن محرز و نسبه. و كل كلماتها مضبوطة بالحركات.

(7) نسخة ب

و قد اصطلحنا على تسميتها بالحرف «ب» و هي نسخة كاملة رقمها بالدار 144 أدب ش في 20 جزءا مطبوعة بمطبعة بولاق الأميرية سنة 1285 ه و هي نسخة العلامة المرحوم الشيخ محمد محمود بن التلاميذ التركزي الشنقيطي. و قد صحح بعض ما بها من تحريف تبينه أثناء مطالعة الكتاب، و كان أحيانا يكتب صواب الكلمة بالهامش و طورا يكشطها ثم يكتب صوابها بغاية الدقة في موضعها الأصليّ، أو يصلح الحرف المحرّف بالحرف الصحيح كالدال في موضع الراء، و مرة يكشط نقطة أو يضيف على الموجودة أخرى أو يعجم الحرف المهمل أو يهمل المعجم، و ذلك كله في نفس الكلمة المطبوعة و بطريقة لا تكاد تظهر إلا بإنعام النظر و كثرة التأمل.

و لا يغيب عن القارئ أن الأستاذ الشنقيطيّ لم يتعمد تصحيح «كتاب الأغاني»، و إنما كان يعنّ له أثناء مطالعته في نسخته الخاصة بعض تحريفات فيصححها، و إلا فالكتاب مملوء تحريفا أكثر بكثير مما أصلحه لنسخته، كما يتبين ذلك من مراجعة هذه الطبعة و مقارنتها بطبعتي بولاق و الساسي، و بعضه تحريف ظاهر. و عدم تنبه الأستاذ الشنقيطي لتصويبه في نسخته يدل على أنه لم يقرأه.

(8) نسخة س

و هي نسخة الساسي، و قد اصطلحنا على تسميتها بالحرف «س»، و هي نسخة طبعها المرحوم الحاج محمد أفندي ساسي المغربي و أضاف إليها الجزء الحادي و العشرين.

(9) نسخة ط

و قد اصطلحنا على تسميتها بالحرف «ط» لأن كاتبها هو محمد بن أبي طالب البدري و ذلك في شهور سنة 614 ه. و لم نرمز لها بالحرف «م» من محمد أو «ب» من البدري، لأننا رمزنا بهذين الحرفين لنسختين أخريين.

أما هذه النسخة فالموجود منها بدار الكتب المصرية أربعة أجزاء في أربعة مجلدات و هي:

(1) الجزء الثاني، أوله في الصفحة الأولى ذكر عديّ بن زيد، ثم ما يلي هذه الصفحة مخروم، و الخرم يستغرق كل أخبار عدي ثم جزءا من أخبار الحطيئة و يبلغ مقداره نحو 28 صفحة و نصف صفحة من طبعة بولاق.

و تبتدئ الصحف الموجودة بهذا البيت:

ص: 33

باستك إذ خلفتني خلف شاعر *** من الناس لم أكفئ و لم أتنحل

و تنتهي بآخر أخبار بشار بن برد الشاعر و نسبه.

و رسم بوجه الصفحة الأولى صورة ملوّنة بالأحمر و الأخضر و الأسود و اللازوردي، و فيها بعض التذهيب، و هي تمثل مجلسا من مجالس الرقص و الغناء و قد ضم عددا من الجواري و القيان. و في هامش ظهر هذه الصفحة طبع خاتم لم يظهر منه إلا «أبو الحسن علي الشريف» و بدائرته «لا إله إلا اللّه وحده صدق وعده». و يقع هذا الجزء في 173 صفحة. و يبلغ طول الصفحة منه 32 سنتيمترا، و عرضها 23 سنتيمترا، و طول ما كتب منها 24 سنتيمترا بعرض 16 سنتيمترا، و في كل صفحة 15 سطرا.

و ليس بهوامشه سوى بعض كلمات أو جمل سقطت من الأصل فاستدركها الناسخ و كتب في نهايتها كلمة «صح» إشارة إلى سقوطها من الأصل، أو روايات مختلفة عن نسخ أخرى، و يكتب فوقها الحرف «خ» إشارة إلى روايتها بهذا النص في نسخة أخرى.

أما خط الجزء فهو النسخ المعهود. و هو واضح متقن، و أوله محلى بالذهب و تراجمه كذلك، و قد ضبطت ألفاظه بالحركات، و ورد بآخره هذه العبارة:

«الحمد للّه وحده. طالعه الفقير حسن بن محمد العطار الأزهري، غفر اللّه له». و هو عالم جليل و مؤلف معروف، تولى مشيخة الأزهر الشريف سنة 1246 ه.

كما ورد أيضا: «طالعه الفقير درويش سنة 1016».

(2) الجزء الرابع، و أوله أخبار طويس و نسبه، و ينتهي إلى آخر نسب إبراهيم الموصلي و أخباره. و في أول هذا الجزء ورقة مكتوبة بخط مخالف لخط الكتاب تشمل أسماء من ترجم لهم صاحب «الأغاني» في هذا الجزء كما كتبت فيها هذه العبارة بخط مخالف لهذا النمط أيضا و هي: «الحمد للّه وحده. قد دخل هذا الجزء الذي هو الرابع من «الأغاني» في نوبة عبد اللّه ابن الفقير إليه محمد بن محمود الجزائري الشهير بابن العتابي - كان اللّه له - بثمن قدره تسع ريالات صغيرة جزائرية و ربع واحدها، و ذلك بتاريخ أواخر شعبان سنة خمس عشرة و اثني (كذا) عشر (كذا) مائة أحسن اللّه عاقبتها بحمده إليه».

و قد رسم بوجه الصحيفة الأولى منه صورة بالألوان كالسابقة إلا أنها تخالفها في الوضع. و هي تمثل أميرا و حوله الغواني و القيان و في أيديهنّ العود و الدف و القيثارة.

و أوصافه من جهة الخط و المقياس تنطبق على أوصاف المجلد السابق لأنه مخطوط بخط الناسخ المتقدّم، و يقع في 205 صفحة، و به خروم في الوسط.

و قد كتب بآخره: «الحمد للّه. طالعه الفقير حسن بن محمد العطار الأزهري سامحه اللّه. طالعه محمد أحمد السروجي المالكي في ثاني ذي العقدة سنة سبع و سبعين و ثمانمائة غفر اللّه له و للمسلمين و صلّى اللّه على محمد و آله و سلّم».

(3) الجزء الحادي عشر، و أوله خبر أساقفة نجران مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ينتهي إلى أخبار سويد بن أبي كاهل و نسبه، و هو مخطوط بخط الناسخ المتقدّم أيضا و أوصافه كأوصاف سابقيه و يقع في 208 صفحة.

ص: 34

و قد كتب بآخره: «الحمد للّه. طالعه الفقير حسن بن محمد العطار الأزهري سامحه اللّه» و «الحمد للّه.

طالعه فقير [إلى] رحمة ربه الغني محمد أحمد السروجي المالكي في حادي عشر محرم الحرام سنة ثمان و سبعين و ثمانمائة... و صلّى اللّه على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلّم» و «الحمد للّه وحده. و صلّى اللّه على سيدنا محمد، طالع في هذا الكتاب المبارك الفقير سليمان جاويش الشهير بالأخرس و بابن أزدمر غفر اللّه له بمنه. و ذلك في أوائل شهر المحرم الحرام سنة ثلاثة (كذا) عشر بعد ألف» و «طالع في هذا الكتاب المفتقر إلى رحمة ربه و مغفرته و رضوانه الحقير رمضان آغا ابن المرحوم سليمان جاويش الخدم العالية غفر اللّه لهما و لوالديهما و لمن طالع فيه و أهدى ثواب لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه لهما مع الفاتحة في شهر ذي القعدة سنة 1015» و «الحمد للّه. تعلق به نظرا الفقير أحمد بن محمد بن محمد بن محمد الهواني».

(4) الجزء الثالث عشر و هو مخروم من الأول و الأثناء و الآخر، و أول ما فيه من أثناء أخبار عبد اللّه بن الزبير، و ينتهي إلى أثناء أخبار عمرو بن بانة، و هو مخطوط بخط الناسخ المتقدّم أيضا، و أوصافه كأوصاف الأجزاء السابقة. و الموجود منه 172 صفحة.

الجزء الحادي و العشرون من الأغاني

طبع «كتاب الأغاني» بالمطبعة الأميرية في عشرين جزءا تنتهي بأخبار عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن عطية الخطفي، و بتمام هذه الترجمة تمام الجزء المتم العشرين و هو آخر «كتاب الأغاني». و قد نشر المستشرق رودلف برونو الأمريكي جزءا طبعه في مدينة ليدن سنة 1305 ه - 1888 م و قال عنه: إنه الجزء الحادي و العشرون من «الأغاني». و نحن نشك في أن هذا الجزء من الكتاب للأسباب الآتية:(1) أنه لم يصدّره بمقدمة يبين فيها أصل النسخة التي نشره عنها و لا في أيّ المكتبات عثر على هذه الزيادة.(2) أن أسلوبه ضعيف، لا يشبه أسلوب أبي الفرج في العشرين جزءا المتقدّمة.(3) أنه يشرح في كثير من الأحيان الألفاظ الغريبة التي ترد في أبيات الشعر و هي طريقة غير معهودة في الكتاب، فالجزء الأوّل مثلا على كثرة ما فيه من الألفاظ الغريبة لم يشرح إلا القليل النادر، و قد لا يعدو ما شرح في هذا الجزء من هذا القبيل أربع كلمات أو خمس كلمات(1).

(4) أنه في هذا الجزء يشرح أحيانا المعاني التركيبية لبعض الأبيات و لم نعهد مثل ذلك في الأجزاء الماضية(2).

(5) أنه يكتب كثيرا كلمة «صوت» على شعر لم يغنّ فيه. و طريقة الكتاب ألا تكتب هذه الكلمة إلا على الشعر الذي يتحدّث بعد أنه وقع فيه غناء(3). و لو لا خوف الإطالة لأتينا لك بجملة أمثلة تؤيد ما ذهبنا إليه.

ص: 35


1- انظر صفحات 56 و 188 و 192 و 193 و 198 و 199 و 200 و 201.
2- انظر صفحات 198 و 199 و 200 و 201 و 203.
3- انظر صفحات 73 و 112 و 114.

طريقة تصحيح هذا الكتاب

روجعت هذه النسخة على هذه النسخ المبينة آنفا. و قد امتازت هذه الطبعة بهذه المميزات:

(1) ترقيم الكتاب - اتبعنا في ترتيب هذا الكتاب أن نضع كل ترجمة على حدتها، و قد قسمنا كل ترجمة منها إلى المسائل التي تكلم عليها أبو الفرج في هذه الترجمة، و عنونا لها بهامش الكتاب بعنوان حاولنا على قدر الجهد أن يكون وافيا للمعنون عنه في صلب الكتاب. و من ذلك يتكوّن الفهرس الذي سميناه فهرس الموضوعات. و قد جعلنا كل مسألة مبتدئة بسطر جديد.

و وضعنا الأسانيد مبتدئة بلفظ «أخبرني» أو «حدّثني» أو «حدّثنا» أو «نسخت من كتاب فلان» أو غير ذلك، مكتوبة بخط أكبر من خط الكتاب ليميز القارئ هذه الأسانيد و يمرّ عليها مرا إن كان في غنية عنها. و قد أردنا بادئ بدء أن نكتب هذه الأسانيد بخط أصغر من خط الكتاب لو لا أنه حال دون ذلك أن المطبعة لم يتوفر فيها الشكل اللازم لضبط الأعلام من هذا الحجم الصغير. و ضبط الأعلام لم نستطع الاستغناء عنه بحال، بل كان يأخذ منا مجهودا كبيرا. و يعلم اللّه كم قاسينا من العناء في ضبط الأعلام مستندين في ذلك إلى أوثق المصادر مع التنبيه على ذلك في الحاشية إن كان العلم غير مشهور أولا يتيسر لكثير من القرّاء الاهتداء إليه.

و بعد أن ينتهي ذكر السند نبتدئ الحكاية المروية من أوّل السطر حتى تنتهي، فاصلين جملها بعضها عن بعض بنقطة إن انتهت الجملة، أو بالعلامة (،) التي اصطلح على تسميتها بالشولة، في الجملة ذات المعاني الكثيرة المرتبط بعضها ببعض، أو بشولة تحتها نقطة بين الجملتين التي يكاد ينقطع المعنى بينهما و لم ينقطع تماما. و قد وضعنا الآيات القرآنية بين قوسين () كما وضعنا الأحاديث بين هاتين العلامتين "" و وضعنا الأمثال بين هاتين العلامتين «». و وضعنا الزيادات التي استحسنا وضعها عن إحدى نسخ الأغاني أو عن كتاب آخر بين قوسين مربعين هكذا [].

و في ظننا أن هذا الترتيب يسهل على القرّاء كثيرا فهم تراكيب في الكتاب قد لا يتيسر فهمها لكثير من القرّاء بدونها.

(2) ضبط الأعلام - ضبطنا الأعلام الواردة في الكتاب. و قد وصلنا إلى ضبط أكثر أعلامه اللهم إلا القليل النادر الذي لم نتوصل إلى ضبطه بعد البحث عنه في المظانّ الكثيرة. على أنا نعتقد أنه ببحث أطول من بحثنا قد يوفق القارئ لضبطه أو قد يراه أحد القرّاء مضبوطا في كتاب لم نصل إليه أو لم يخطر لنا أنه مضبوط فيه. و إنا نرجو كل من يصل إلى ضبط علم من الأعلام لم نهتد إليه أن يكتب لنا عنه و عن المصدر الذي ضبطه منه، لنصدر ملحقا بذلك للكتاب أو لنضبطه في الأجزاء الآتية حين وروده فيها.

(3) ضبط الغريب و الشعر - و قد ضبطنا أيضا ما ورد في الكتاب من الألفاظ الغريبة. و قد أردنا أن ينتفع بالكتاب طبقات كثيرة، فضبطنا كثيرا من ألفاظه، و تركنا الألفاظ الظاهرة التي لا تستعصى على كثير من الناس.

و كذلك ضبطنا الشعر ضبطا يكاد يكون كاملا بحيث لا يخطئ في قراءته من توافر له حظ قليل من العمل. و شرحنا الكلمات الغريبة في أسفل الصفحات ليكون القارئ مستغنيا عن الكشف في كتب اللغة أو الأدب أو غيرها و قد لا يصل إلى شرحها إلا بعد وقت غير قليل. و قد التزمنا كذلك شرح ما في الشعر من غريب و شرح معناه التركيبي إن ظننا أنه ليس في قدرة كثير من الناس فهمه أو إدراك كنهه.

ص: 36

(4) بيان الأماكن - و كذلك ضبطنا أسماء الأماكن و البلدان مع بيان مواقعها، مسترشدين في ذلك بالكتب المؤلفة في هذا الباب.

(5) بيان الألفاظ الاصطلاحية أو الدخيلة - و كذلك شرحنا ما ورد في الكتاب من أسماء مولدة أو معرّبة مما لا يوجد في كتب اللغة المقصورة على بيان ذكر الألفاظ العربية الفصيحة: كأسماء الأطعمة و غيرها من المعاني المحدثة في عهد الأمويين أو العباسيين فمن بعدهم.

(6) الروايات المختلفة في نسخ الأغاني - إذا اختلفت نسخ الأغاني الموصوفة آنفا ننظر إلى ما هو الصحيح أو الأنسب بالمقام فنضعه في الصلب، و ننبه على باقي النسخ في أسفل الصفحة.

و ربما وجدنا النسخ كلها متفقة على خطأ في بعض الكلمات و نجد صوابها في بعض كتب اللغة أو الأدب، فنضع الكلمة في الأصل على وجهها الصحيح و ننبه في أسفل الصحيفة على مأخذها، ثم نذكرها بالحال التي وردت عليها في نسخ الأغاني.

ص: 37

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ *

مقدمة نهج أبي الفرج في تأليف الكتاب

اشارة

/هذا كتاب ألّفه عليّ بن الحسين بن محمد القرشيّ الكاتب المعروف بالأصبهانيّ، و جمع فيه ما حضره و أمكنه جمعه من الأغاني(1) العربية قديمها و حديثها، و نسب كلّ ما ذكره منها إلى قائل شعره و صانع لحنه و طريقته من إيقاعه و إصبعه التي ينسب إليها من طريقته، و اشتراك إن كان بين المغنّين فيه، على شرح لذلك و تلخيص و تفسير للمشكل من غريبه و ما لا غنى عن علمه من علل إعرابه و أعاريض شعره التي توصّل إلى معرفة تجزئته و قسمة ألحانه.

و لم يستوعب كلّ ما غنّي به في هذا الكتاب و لا أتى بجميعه؛ إذ كان قد أفرد لذلك كتابا مجرّدا من الأخبار و محتويا على جميع الغناء المتقدّم و المتأخّر. و اعتمد في هذا [الباب](2) على ما وجد لشاعره أو مغنّيه أو السبب الذي من أجله قيل الشعر أو صنع اللحن خبرا يستفاد و يحسن بذكره ذكر الصوت معه، على أقصر ما أمكنه و أبعده من الحشو و التكثير بما تقلّ الفائدة فيه. و أتى في كل فصل من ذلك بنتف تشاكله، و لمع تليق به، و فقر إذا تأمّلها قارئها لم يزل متنقّلا بها من فائدة إلى مثلها، /و متصرّفا فيها(3) بين جدّ و هزل، و آثار و أخبار، و سير و أشعار، متصلة بأيام العرب المشهورة و أخبارها المأثورة، و قصص الملوك في الجاهلية و الخلفاء في الإسلام، تجمل بالمتأدّبين معرفتها، و تحتاج الأحداث إلى دراستها، و لا يرتفع من فوقهم من الكهول عن الاقتباس منها؛ إذ كانت منتخلة(4) من غرر الأخبار، و منتقاة من عيونها، و مأخوذة من مظانّها، و منقولة عن أهل الخبرة بها. فصدّر كتابه هذا و بدأ فيه بذكر المائة الصوت المختارة لأمير المؤمنين الرشيد/ - رحمه اللّه تعالى - و هي التي كان أمر إبراهيم الموصليّ و إسماعيل بن جامع و فليح بن العوراء باختيارها له من الغناء كلّه؛ ثم رفعت(5) إلى الواثق باللّه - رحمة اللّه عليه - فأمر إسحاق بن إبراهيم بأن يختار له منها ما رأى أنه أفضل مما كان اختير متقدّما، و يبدل ما لم يكن على هذه الصفة بما(6) هو أعلى منه و أولى بالاختيار؛ ففعل ذلك. و أتبع هذه القطعة بما اختاره غير هؤلاء من متقدّمي المغنّين و أهل العلم بهذه الصناعة من الأغاني، و بالأصوات التي تجمع النّغم العشر المشتملة على سائر نغم الأغاني

ص: 38


1- الأغنية (بضم الهمزة و كسرها، و تشديد الياء و قد تخفف): ما يترنم و يتغنى به من الشعر و نحوه و الجمع أغانيّ و أغان.
2- زيادة في أ، ء، م.
3- كذا في أ، م، ء. و في ب، س، ح، ر: «متصرفا بها».
4- كذا في ح. و قد صوّبه الأستاذ الشنقيطي في نسخته بوضع نقطة فوق الحاء. و في الأصول كلها: «منتحلة» بالحاء المهملة، و هو تصحيف.
5- كذا في أ، م، ء. و في سائر النسخ: «وقعت».
6- كذا في جميع النسخ بتعدية الفعل إلى المتروك بنفسه إلى غير المتروك بالباء، و هو على غير المعروف من أن الباء تدخل على المتروك.

و الملاهي، و بالأرمال الثلاثة المختارة، و ما أشبه ذلك من الأصوات التي تتقدّم غيرها في الشهرة كمدن معبد و هي سبعة أصوات، و السبعة التي جعلت بإزائها من صنعة ابن سريج و خيّر بينهما فيها، و كأصوات معبد المعروفة بألقابها، و زيانب يونس الكاتب؛ فإن هذه الأصوات من صدور الغناء و أوائله و ما لا يحسن تقديم غيره أمامه. و أتبع ذلك بأغاني الخلفاء و أولادهم، ثم بسائر الغناء الذي عرف له قصة تستفاد و حديثا يستحسن؛ إذ ليس لكلّ الأغاني خبر [نعرفه](1)، و لا في كلّ ما له خبر فائدة، و لا لكلّ ما فيه بعض الفائدة رونق يروق الناظر و يلهي السامع.

/و وقّع على أوّل كلّ شعر فيه غناء صوتا(2) ليكون علامة و دلالة عليه يتبيّن بها ما فيه صنعة من غيره. و ربما أتى في خلال هذه الأصوات و أخبارها أشعار قيلت في تلك المعاني و غنّي بها و ليست من الأغاني المختارة و لا من هذه الأجناس المرتّبة، فلا يوجد من ذكرها معها بدّ؛ لأنها إذا أفردت عنها كانت إمّا منقطعة الأخبار غير مشاكلة لنظائرها أو معادة أخبارها؛ و في كلتا الحالتين خلاف لما يجيء به هذا الكتاب. و قد يأتي أيضا منها الشيء الذي تطول أخباره و تكثر قصص شاعره مع غيره من الأصوات و الأخبار، فلا يمكن شرحها جمعاء(3) في ذلك الموضع لئلاّ تنقطع الأخبار المذكورة بدخوله(4) بينها، فيؤخّر ذكره إلى مواضع يحسن فيها، و نظائر له يضاف إليها، غير قاطع اتّساق غيره منها و لا مفرد للقرائن بتوسّطه لها، و يكون ذكره على هذه الحال أشكل و أليق.

عدم ترتيبه على طرائق الغناء أو طبقات المغنين

قال مؤلف هذا الكتاب: و لعلّ [بعض](5) من يتصفّح ذلك ينكر تركنا تصنيفه أبوابا على طرائق الغناء أو على طبقات المغنّين في أزمانهم و مراتبهم أو على ما غنّي به من شعر شاعر. و المانع من ذلك و الباعث على ما نحوناه علل:

منها: أنّا لمّا جعلنا ابتداءه الثلاثة الأصوات المختارة كان شعراؤها من المتأخرين(6)، و أوّلهم أبو قطيفة و ليس من الشعراء المعدودين و لا الفحول، ثم عمر بن أبي ربيعة، ثم نصيب. فلما جرى أوّل الكتاب هذا المجرى و لم يمكن ترتيب الشعراء فيه، ألحق آخره بأوّله و جعل على حسب(7) ما حضر ذكره. و كذلك سائر المائة الصوت المختارة، فإنها جارية على غير ترتيب الشعراء و المغنين. و ليس المغزى في الكتاب/ترتيب الطبقات، و إنما المغزى فيه، ما ضمّنه من ذكر الأغاني بأخبارها، و ليس هذا ممّا يضرّ فيها(8).

و منها: أن الأغاني قلّما يأتي منها شيء ليس فيه اشتراك بين المغنّين في طرائق مختلفة لا يمكن معها ترتيبها على الطرائق؛ إذ ليس بعض الطرائق و لا بعض المغنّين أولى بنسبة الصوت إليه من الآخر.

و منها: /أن ذلك لو لم يكن كما ذكرنا لم يخل فيها - إذا أتينا بغناء رجل [رجل](9) و أخباره و ما صنّف إسحاق

ص: 39


1- زيادة في ت.
2- كذا في ت. و في سائر النسخ: «و وقّع... صوت».
3- في ت: «أجمع» و في سائر النسخ: «جمعا».
4- كذا في ت. و في ب، س، ح، ر: «لدخوله فيها» و في أ، م، ء «لدخولها فيها فيؤخر ذلك الخ».
5- زيادة في ت.
6- كذا في ت. و في سائر النسخ: «المهاجرين و الأنصار».
7- كذا في ت. و في ب، س، ح، ر: «على نسب» و في أ، م، ء: «سبب».
8- كذا في ت، ح، ر، ء. و في سائر النسخ: «بها».
9- زيادة عن ت. و المراد: بغناء واحد واحد.

و غيره - من أن نأتي بكلّ ما أتى به المصنّفون و الرواة منها على كثرة حشوه و قلّة فائدته، و في هذا نقض ما شرطناه من إلغاء الحشو، أو أن(1) نأتي ببعض ذلك فينسب الكتاب إلى قصور عن مدى غيره. و كذلك تجري أخبار الشعراء. فلو أتينا بما غنّي به شعر شاعر منهم و لم نتجاوزه حتى نفرغ منه، لجرى هذا المجرى، و كانت للنفس عنه نبوة، و للقلب منه ملّة، و في طباع البشر محبة الانتقال من شيء إلى شيء، و الاستراحة من معهود إلى مستجدّ.

و كلّ منتقل إليه أشهى إلى النفس من المنتقل عنه، و المنتظر(2) أغلب على القلب من الموجود. و إذا كان هذا هكذا، فما رتّبناه أحلى و أحسن، ليكون القارئ له بانتقاله من خبر إلى غيره، و من قصة إلى سواها، و من أخبار قديمة إلى محدثة، و مليك إلى سوقة، و جدّ إلى هزل، أنشط لقراءته و أشهى لتصفّح فنونه، لا سيّما و الذي ضمّنّاه إيّاه أحسن جنسه، و صفو ما ألّف في بابه، و لباب ما جمع في معناه.

و كلّ ما ذكرنا فيه من نسب الأغاني إلى أجناسها فعلى مذهب إسحاق بن إبراهيم الموصليّ و إن كانت رواية النسبة عن غيره؛ إذ كان مذهبه هو المأخوذ به اليوم دون/ [مذهب](3) من خالفه، مثل إبراهيم بن المهديّ، و مخارق و علّوية و عمرو بن بانة و محمد بن الحارث بن بُسخُنَّر(4) و من وافقهم؛ فإنهم يسمّون الثّقيل الأوّل و خفيفه الثقيل الثاني و خفيفه، و يسمّون الثقيل الثاني و خفيفه الثقيل الأوّل و خفيفه، و قد اطّرح ما قالوه الآن و ترك، و أخذ الناس بقول إسحاق.

الباعث لأبي الفرج على تأليف الكتاب

قال مؤلف هذا الكتاب: و الذي بعثني على تأليفه أنّ رئيسا من رؤسائنا كلّفني جمعه له، و عرّفني أنه بلغه أن الكتاب(5) المنسوب إلى إسحاق مدفوع أن يكون من تأليفه، و هو مع ذلك قليل الفائدة، و أنه شاكّ في نسبته(6)؛ لأن أكثر أصحاب إسحاق ينكرونه، و لأن ابنه حمّادا أعظم الناس إنكارا لذلك. و قد لعمري صدق فيما ذكره، و أصاب فيما أنكره.

أخبرني محمد بن خلف وكيع قال: سمعت حمّادا يقول: ما ألّف أبي هذا الكتاب قطّ و لا رآه. و الدليل على ذلك أنّ أكثر أشعاره المنسوبة التي جمعت فيه إلى ما ذكر معها من الأخبار ما غنّى فيه أحد قطّ، و أنّ أكثر نسبه إلى المغنّين خطأ؛ و الذي ألّفه أبي من دواوين الغناء(7) يدلّ على بطلان هذا الكتاب، و إنما وضعه ورّاق كان لأبي بعد وفاته، سوى الرّخصة(8) التي هي أوّل الكتاب؛ فإن أبي - رحمه اللّه - ألّفها؛ /لأن أخبارها كلّها من روايتنا. هذا ما سمعته من أبي بكر حكاية [فحفظته](9) و اللفظ يزيد و ينقص.

ص: 40


1- في الأصول: «و أن» تحريف.
2- في م، ء، أ: «و المبتكر».
3- زيادة في ت.
4- كذا يرد هذا الاسم في نسخة ط التي سيأتي وصفها في الجزء الثاني. و قد صححه كذلك بهذا الضبط الأستاذ الشنقيطي بهامش نسخته. و في ت، ح، ر: «بشخير» و في سائر النسخ: «شخير».
5- هو كتاب «الأغاني الكبير» كما في «فهرست ابن النديم» طبع ليبزج ص 141.
6- كذا في ب، س. و في سائر النسخ: «نسبه».
7- كذا في أ، م، ء و فيهما عن نسخة أخرى «الشعراء». و في ت: «غنائهم». و في باقي النسخ: «غنائه».
8- قال في «الفهرست»: «و هذا الكتاب (يريد كتاب «الأغاني الكبير») يعرف في القديم بكتاب «الشركة»، و هو أحد عشر جزءا لكل جزء أوّل يعرف به؛ فالجزء الأول من الكتاب «الرخصة» و هو تأليف إسحاق لا شك فيه و لا خلف».
9- هذه الكلمة ساقطة من ب، س، ح، ر.

و أخبرني أحمد بن جعفر جحظة أنه يعرف الورّاق الذي وضعه، و كان يسمّى بسند(1) الورّاق، و حانوته في الشّرقية في خان الزّبل(2)، و كان يورّق لإسحاق بن إبراهيم، فاتفق هو و شريك له على وضعه. و ليست الأغاني التي فيه أيضا مذكورة الطّرائق، و لا هي بمقنعة من جملة ما في أيدي الناس من الأغاني، و لا فيها من الفوائد ما يبلغ الإرادة؛ فتكلّفت ذلك له على مشقّة احتملتها منه، و كراهة أن يؤثر عنّي في هذا المعنى ما يبقى على الأيام مخلّدا، و إليّ على تطاولها منسوبا، و إن كان مشوبا بفوائد جمّة و معان من الآداب شريفة. و نعوذ باللّه/مما أسخطه من قول أو عمل، و نستغفره من كلّ موبقة و خطيئة و قول لا يوافق رضاه، و هو وليّ العصمة و التوفيق، و عليه نتوكّل و إليه ننيب. و صلّى اللّه على محمد و آله عند مفتتح كل قول و خاتمته و سلّم تسليما. و حسبنا اللّه و نعم الوكيل كافيا و معينا.

ص: 41


1- في «فهرست ابن النديم» طبع ليبزج: «سندي بن علي».
2- في ت عن نسخة أخرى و «الفهرست»: «طاق الزبل». و أصل الطاق البناء المعقود. و الخان: المكان الذي ينزله المسافرون.

ذكر المائة الصوت المختارة

إجماع المغنين على اختيار الأصوات الثلاثة الشاملة لجميع نغم الغناء

أخبرنا أبو أحمد يحيى بن عليّ بن يحيى المنجّم قال حدّثني أبي قال:

حدّثني إسحاق بن إبراهيم الموصليّ أنّ أباه أخبره أنّ الرشيد - رحمة اللّه عليه - أمر المغنّين، و هم يومئذ متوافرون، أن يختاروا له ثلاثة أصوات من جميع الغناء، فأجمعوا على ثلاثة أصوات أنا أذكرها بعد هذا إن شاء اللّه.

قال إسحاق: فجرى هذا الحديث يوما و أنا عند أمير المؤمنين الواثق باللّه، فأمرني باختيار أصوات من الغناء القديم، فاخترت له من غناء أهل كل عصر ما اجتمع علماؤهم على براعته و إحكام صنعته، و نسبته إلى من شدا به، ثم نظرت إلى ما أحدث الناس بعد ممّن شاهدناه في عصرنا و قبيل ذلك، فاجتبيت منه ما كان مشبها لما تقدّم أو سالكا طريقه، فذكرته و لم أبخسه ما يجب له و إن كان قريب العهد؛ لأن الناس قد يتنازعون الصوت في كلّ حين و زمان، و إن كان السّبق للقدماء إلى كل إحسان.

و أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني هارون بن الحسن(1) بن سهل و أبو العبيس(2) بن حمدون و ابن دقاق و هو محمد بن أحمد بن يحيى المعروف بابن دقاق بهذا الخبر، فزعم:

أن الرشيد أمر هؤلاء المغنّين أن يختاروا له مائة صوت فاختاروها، ثم أمرهم باختيار عشرة منها فاختاروها، ثم أمرهم أن يختاروا منها ثلاثة ففعلوا. و ذكر نحو ما ذكره يحيى بن عليّ، و وافقه في صوت من الثلاثة الأصوات، /و خالفه في صوتين. و ذكر يحيى بن عليّ بإسناده المذكور أنّ منها لحن معبد في شعر أبي قطيفة و هو من خفيف الثّقيل الأوّل:

القصر فالنّخل فالجمّاء بينهما *** أشهى إلى القلب(3) من أبواب جيرون

و لحن ابن سريج في شعر عمر بن أبي ربيعة، و لحنه من الثّقيل الثاني:

تشكّى الكميت الجري لمّا جهدته *** و بيّن لو يسطيع أن يتكلّما

و لحن ابن محرز في شعر نصيب، و هو من الثّقيل الثاني أيضا:

أهاج هواك المنزل المتقادم؟ *** نعم، و به ممّن شجاك(4) معالم

ص: 42


1- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «الحسين». و قد صححه الشنقيطي بهامش نسخته، و هو الوزير المعروف في خلافة المأمون و صهره في ابنته بوران. (انظر «تاريخ ابن جرير الطبريّ» طبع مدينة ليدن قسم 3 ج 4 ص 1.29 في حوادث سنة 202 ه).
2- راجع الحاشية الرابعة ص 96.
3- في ت، أ، م، ء: «النفس».
4- في ت، ر: «مما شجاك».

و ذكر جحظة عمن روى عنه أن من الثلاثة الأصوات لحن ابن محرز في شعر المجنون، و هو من الثقيل الثاني:

إذا ما طواك الدهر يا أمّ مالك *** فشأن المنايا القاضيات و شانيا

و لحن إبراهيم الموصليّ في شعر العرجيّ، و هو من خفيف الثقيل الثاني:

إلى جيداء قد بعثوا رسولا *** ليحزنها، فلا صحب الرسول

و لحن ابن محرز في شعر نصيب، و هو على ما ذكر هزج:

/أ هاج هواك المنزل المتقادم؟ *** نعم، و به ممن شجاك معالم

و حكى عن أصحابه أنّ هذه الثلاثة الأصوات على هذه الطرائق لا تبقى نغمة في الغناء إلاّ و هي فيها.

رواية أن المغنين أجمعوا على صوت واحد من هذه الثلاثة و تفنيد أبي الفرج لهذه الرواية

أخبرني الحسن بن عليّ الأدميّ(1) قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد(2)الورّاق قال حدّثني أبو توبة صالح بن محمد قال حدّثني محمد بن جبر(3) المغنّي قال حدّثني إبراهيم بن المهديّ:

/أنّ الرشيد أمر المغنّين أن يختاروا له أحسن صوت غنّي فيه، فاختاروا له لحن ابن محرز في شعر نصيب:

أهاج هواك المنزل المتقادم؟

قال: و فيه دور كثير، أي صنعة كثيرة. و الذي ذكره أبو أحمد يحيى بن عليّ أصحّ عندي. و يدلّ على ذلك تباين ما بين الأصوات التي ذكرها و الأصوات الأخر في جودة الصنعة و إتقانها و إحكام مباديها و مقاطعها و ما فيها من العمل، و أن الأخرى ليست مثلها و لا قريبة منها. و أخرى هي أن جحظة حكى عمن روى عنه أنّ فيها صوتا لإبراهيم الموصليّ، و هو أحد من كان اختار هذه الأصوات للرشيد، و كان معه في اختيارها إسماعيل بن جامع و فليح بن العوراء، و ليس أحد منهما دونه إن لم يفقه، فكيف يمكن أن يقال: إنهما ساعدا إبراهيم على اختيار لحن من صنعته في ثلاثة أصوات اختيرت من سائر الأغاني و فضّلت عليها! أ لم يكونا لو فعلا ذلك قد حكما لإبراهيم على أنفسهما بالتقدّم و الحذق و الرّئاسة و ليس هو كذلك عندهما؟ و لقد أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى المنجّم عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه:

أنه أتى أباه إبراهيم بن ميمون يوما مسلّما، فقال له أبوه: يا بنيّ، ما أعلم أحدا بلغ من برّ ولده ما بلغته من برّك، و إني لأستقلّ ذلك لك، فهل من حاجة أصير فيها إلى محبّتك؟ قلت: قد كان - جعلت فداك - كلّ ما ذكرت فأطال اللّه لي بقاءك، و لكنّي أسألك واحدة: يموت هذا الشيخ غدا أو بعد غد و لم أسمعه، فيقول الناس لي ما ذا و أنا أحلّ منك هذا المحلّ. قال لي: و من هو؟ قلت: ابن جامع. قال: صدقت يا بنيّ، أسرجوا(4) لنا. فجئنا

ص: 43


1- من يبيع الجلود، نسبة إلى الأدم و هو الجلد (انظر «تاج العروس» مادة «أدم»).
2- في ح، ر: «سعيد».
3- كذا في ت، ح. و في ر: «جبير» و في سائر النسخ: «جرير» و كلاهما تحريف. و قد ورد هذا الاسم في «الأغاني» طبع بولاق ج 14 ص 92 هكذا: «محمد بن جبر».
4- أسرجوا لنا أي شدوا على الخيل سروجها لتركبها.

ابن جامع، فدخل عليه أبي و أنا معه، فقال: يا أبا القاسم، قد جئتك في حاجة، فإن شئت فاشتمني، و إن شئت فاقذفني، غير أنه لا بدّ لك من قضائها. هذا عبدك و ابن أخيك إسحاق قال لي كذا و كذا، فركبت معه أسألك أن /تسعفه فيما سأل. فقال: نعم، على شريطة: تقيمان عندي أطعمكما مشوشة(1) و قليّة(2) و أسقيكما من نبيذي التّمريّ و أغنّيكما، فإن جاءنا رسول الخليفة مضينا إليه و إلاّ أقمنا يومنا. فقال أبي: السمع و الطاعة، و أمر بالدوابّ فردّت. فجاءنا ابن جامع بالمشوشة و القليّة و نبيذه التمريّ فأكلنا و شربنا، ثم اندفع فغنّانا، فنظرت إلى أبي يقلّ في عيني و يعظم ابن جامع حتى صار أبي في عيني كلا شيء. فلما طربنا(3) غاية الطّرب جاء رسول الخليفة فركبا و ركبت معهما. فلما كنا في بعض الطريق قال لي أبي: كيف رأيت ابن جامع يا بنيّ؟ قلت له: أو تعفيني جعلت فداك! قال: لست أعفيك فقل. فقلت له: رأيتك و لا شيء أكبر عندي منك قد صغرت عندي في الغناء معه حتى صرت كلا شيء. ثم مضيا إلى الرشيد، و انصرفت إلى منزلي؛ و ذلك لأني لم أكن بعد وصلت إلى الرشيد. فلما أصبحت أرسل إليّ أبي فقال: يا بنيّ، هذا الشتاء قد هجم عليك و أنت تحتاج فيه إلى مئونة(4)، /و إذا مال عظيم بين يديه، فاصرف هذا المال في حوائجك. فقمت فقبّلت يده و رأسه و أمرت بحمل المال و اتّبعته، فصوّت بي:

يا إسحاق ارجع، فرجعت. فقال لي: أ تدري لم وهبت لك هذا المال؟ قلت: نعم، جعلت فداك! قال: لم؟ قلت:

لصدقي فيك و في ابن جامع. قال: صدقت يا بنيّ، امض راشدا. و لهما في هذا الجنس أخبار كثيرة تأتي في غير هذا الموضع متفرقة في أماكن تحسن فيها و [لا] يستغني بما ذكر هاهنا عنها. فإبراهيم يحلّ ابن جامع هذا المحلّ مع ما كان بينهما/من المنافسة و المفاخرة ثم يقدم على أن يختار فيما هو معه فيه صوتا لنفسه يكون مقدّما على سائر الغناء، و يطابقه هو و فليح عليه! هذا خطأ لا يتخيّل. و على ما به فإنّا نذكر الصوتين اللذين رويناهما عن جحظة المخالفين لرواية يحيى بن عليّ، بعد ذكرنا ما رواه يحيى، ثم نتبعهما باقي الاختيار(5). فأوّل ذلك من رواية أبي الحسن عليّ بن يحيى.

الكلام على أحد هذه الأصوات الثلاثة صوت فيه لحنان

القصر فالنّخل فالجمّاء بينهما *** أشهى إلى القلب من أبواب جيرون

إلى البلاط فما حازت قرائنه *** دور نزحن عن الفحشاء و الهون

قد يكتم الناس أسرارا فأعلمها *** و لا ينالون حتى الموت مكنوني

عروضه من أوّل البسيط. القصر الذي عناه هاهنا: قصر سعيد بن العاص بالعرصة. و النخل الذي عناه: نخل كان لسعيد هناك بين قصره و بين الجمّاء و هي أرض كانت له، فصار جميع ذلك لمعاوية بن أبي سفيان بعد وفاة سعيد،

ص: 44


1- زيت يضرب مع بياض البيض فيصنع منه طعام دسم ا ه عن «قاموس ستينجاس» المطبوع في لندن.
2- «القلية كغنية: مرقة تتخذ من أكباد الجزور و لحومها، و قد قليتها قليا: أنضجتها في المقلاة، و القلاّء: من حرفته ذلك». انظر «تاج العروس» للسيد مرتضى (مادة قلى) و «المخصص» لابن سيده ج 4 ص 126.
3- في ت: «فلما طربنا عليه الطرب الكثير».
4- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «معونة».
5- في ت: «الأخبار».

ابتاعه من ابنه عمر و باحتمال دينه عنه؛ و لذلك خبر يذكر بعد. و أبواب جيرون بدمشق. و يروى: «حاذت قرائنه» من المحاذاة. و القرائن: دور كانت لبني سعيد بن العاص متلاصقة؛ سمّيت بذلك لاقترانها. و نزحن: بعدن، و النازح: البعيد؛ يقال: نزح نزوحا. و الهون: الهوان. قال الراجز:

لم يبتذل مثل كريم مكنون *** أبيض ماض كالسّنان المسنون

كان يوقّى نفسه من الهون

و المكنون: المستور الخفيّ، و هو مأخوذ من الكنّ. الشعر لأبي قطيفة المعيطيّ، و الغناء لمعبد، و له فيه لحنان:

أحدهما خفيف ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها من رواية إسحاق و هو اللحن المختار، و الآخر ثقيل أوّل بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة.

التراجم

1 - خبر أبي قطيفة و نسبه

نسب أبي قطيفة

هو عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط. و اسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب. هذا الذي عليه النسّابون.

و ذكر الهيثم بن عديّ في «كتاب المثالب» أنّ أبا عمرو بن أميّة كان عبدا لأمية اسمه ذكوان فاستلحقه. و ذكر أن دغفلا النّسّابة دخل على معاوية فقال له: من رأيت/من علية قريش؟ فقال: رأيت عبد المطلب بن هاشم و أمية بن عبد شمس. فقال: صفهما لي. فقال: كان عبد المطلب أبيض مديد القامة حسن الوجه، في جبينه نور النبوّة و عزّ الملك، يطيف به عشرة من بنيه كأنهم أسد غاب. قال: فصف أميّة. فقال: رأيته شيخا قصيرا نحيف الجسم ضريرا يقوده عبده ذكوان. فقال: مه، ذاك ابنه أبو عمرو. فقال: هذا شيء قلتموه بعد و أحدثتموه، و أمّا الذي عرفت فهو الذي أخبرتك به. ثم نعود إلى سياقة النّسب من لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة. و النضر عند أكثر النسّابين أصل قريش، فمن ولده النضر عدّ منهم، و من لم يلده فليس منهم. و قال بعض نسّابي قريش: بل فهر بن مالك [أصل](1) قريش، فمن لم يلده فليس من قريش. ثم نعود للنسب إلى النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. و ولد إلياس يقال لهم خندف، سمّوا بأمّهم خندف و هو لقبها(2)، و اسمها ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، و هي أمّ مدركة و طابخة و قمعة بني إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن/عدنان بن أدّ بن أدد بن الهميسع بن يشجب - و قيل: أشجب - بن نبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم، هذا النسب الذي رواه نسّابو العرب و روي عن ابن شهاب الزّهريّ و هو من علماء قريش و فقهائها.

و قال قوم آخرون من النسّابين ممن أخذ - فيما يزعم - عن دغفل و غيره: معدّ بن عدنان بن أدد بن آمين(3) بن

ص: 45


1- التكلمة من ت.
2- كان إلياس خرج في نجعة فنفرت إبله من أرنب، فخرج إليها عمرو فأدركها و خرج عامر فتصيّدها و طبخها و انقمع عمير في الخباء و خرجت أمهم تسرع، فقال لها إلياس: أين تخندفين (تسرعين) فقالت: ما زلت أخندف في أثركم؛ فلقّبوا مدركة و طابخة و قمعة و خندف. انظر «القاموس» (مادة خندف).
3- في ب، س، ح: «أميق».

شاجيب بن نبت بن ثعلبة بن عنز بن سرائج(1) بن ملحم(2) بن العوّام بن المحتمل بن رائمة بن العقيان بن علّة(3)ابن شحدود(4) بن الضرب(5) بن عيفر(6) بن إبراهيم بن إسماعيل بن رزين(7) بن أعوج بن المطعم بن الطمح بن القسور ابن عتود(8) بن دعدع بن محمود بن الرائد(9) بن بدوان بن أمامة(10) بن دوس بن حصين(11) بن النّزّال بن الغمير(12) بن محشر بن معذر بن صيفيّ بن نبت بن قيدار بن إسماعيل ذبيح اللّه ابن إبراهيم خليل اللّه صلّى اللّه عليهما و على أنبيائه أجمعين و سلّم تسليما. ثم أجمعوا أن إبراهيم بن آزر و هو اسمه بالعربية كما ذكره اللّه تعالى في كتابه، و هو في التوراة بالعبرانية تارح بن ناحور، و قيل: النّاحر بن الشّارع(13) و هو شاروغ بن أرغو و هو الرامح بن فالغ(14)- و هو قاسم الأرض الذي قسمها بين أهلها - بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ و هو الرافد بن سام بن نوح صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ابن لامك و هو في لغة العرب ملكان ابن المتوشلخ و هو المنوف بن أخنخ و هو إدريس نبيّ اللّه عليه السّلام بن يارد(15) و هو الرائد/بن مهلايل بن قينان و هو قنان بن أنوش و هو الطاهر بن شيث و هو هبة اللّه. يقال له أيضا: شاث بن آدم أبي البشر صلى اللّه عليه و على سائر الأنبياء و على نبينا محمد خاصة و سلّم تسليما. هذا الذي في أيدي الناس من النّسب على اختلافهم فيه.

و قد روي عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم تكذيب للنسّابين و دفع لهم. و روي أيضا خلاف لأسماء بعض الآباء. و قد شرحت ذلك في «كتاب النسب» شرحا يستغنى به عن غيره.

ذكر العنابس و الأعياص من بني أمية و أن أبا قطيفة من الأوّلين

و أبو قطيفة و أهله من العنابس من بني أمية. و كان لأمية من الولد أحد عشر ذكرا، كلّ واحد منهم يكنى باسم صاحبه، و هم العاص و أبو العاص، و العيص و أبو العيص، و عمرو و أبو عمرو، و حرب و أبو حرب، و سفيان و أبو سفيان، و العويص لا كنى له(16). فمنهم الأعياص فيما أخبرنا حرميّ بن أبي العلاء - و اسمه أحمد بن محمد بن إسحاق.، و الطّوسيّ - و اسمه أحمد بن سليمان - قالا: حدّثنا الزّبير بن بكّار عن محمد بن الضّحّاك الحزاميّ عن أبيه قال: الأعياص: العاص و أبو العاص و العيص و أبو العيص و العويص. و منهم العنابس و هم حرب

ص: 46


1- في ت، ح، ر: «بريح».
2- في ء: «ملحم».
3- في ت، م، ء: «عله» بالهاء.
4- في ت، ح: «محدود».
5- في ت: «الصريب».
6- في ت، ح، ر: «عبقر».
7- في ت، ح، ر: «رزن».
8- في ت: «عبود» و في ح: «عبدد».
9- في م، ء، ر: «الزائد» و في ت: «الرابد».
10- في م، ء: «أسامة».
11- في ح: خضر».
12- في ت، م، ء، ر: «القمير».
13- في أ: «الشارغ و هو شاروغ...» و رواه في «سبائك الذهب» بالعين المهملة و بالخاء و بالغين.
14- و يقال فيه فالخ بالخاء المعجمة، و في ب، س: «قانع» و هو تحريف.
15- في الأصول كلها: «برد» و هو تحريف.
16- كذا في ت. و في ح، ر: «لا كنى لهم». و في سائر النسخ: «لا يكنى بهم».

و أبو حرب و سفيان و أبو سفيان و أبو عمرو. و إنما سمّوا العنابس لأنهم ثبتوا مع أخيهم حرب بن أمية بعكاظ و عقلوا أنفسهم و قاتلوا قتالا شديدا فشبّهوا بالأسد، و الأسد يقال لها العنابس، واحدها عنبسة. و في الأعياص يقول عبد اللّه بن فضالة الأسديّ:

من الأعياص أو من آل حرب *** أغرّ(1) كغرة الفرس الجواد

و السبب في قوله هذا الشعر ما أخبرنا به أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال: حدّثنا عمر بن شبّة، و حدّثنا محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز(2)، قال: حدّثنا المدائنيّ و ابن غزالة، قالوا:

خبر عبد اللّه بن فضالة مع ابن الزبير و ما هجاه به من الشعر

أتى عبد اللّه بن فضالة بن شريك الوالبيّ ثم الأسديّ من بني أسد بن خزيمة عبد اللّه بن الزّبير، فقال له:

نفدت نفقتي و نقبت(3) راحلتي. قال: أحضرها، فأحضرها. فقال: أقبل بها، أدبر بها، ففعل. فقال: ارقعها بسبت(4) و اخصفها بهلب و أنجد بها يبرد خفّها و سر البردين تصحّ. فقال ابن فضالة: إني أتيتك مستحملا و لم آتك مستوصفا، فلعن اللّه ناقة حملتني إليك! قال ابن الزبير: إنّ و راكبها. فانصرف عنه ابن فضالة و قال(5):

/أقول لغلمتي شدّوا ركابي *** أجاوز بطن مكة في سواد

فما لي حين أقطع ذات عرق *** إلى ابن الكاهليّة من معاد(6)

ص: 47


1- أغرّ صفة لسميدع في البيت السابق (انظر هذه القصيدة في التعليق رقم 3 ص 15).
2- في ت: «الخزاز» بزايين معجمتين.
3- نقب البعير بكسر القاف: رقّت أخفاف.
4- السبت (بكسر السين و سكون الموحدة): جلود البقر المدبوغة بالقرظ تحذي منها النعال السبتية. و الخصف: أن يظاهر الجلدين بعضهما إلى بعض و يخرزهما؛ و لذلك قيل للمخرز المخصف. و الهلب بضم الهاء: شعر الخنزير الذي يخرز به، الواحد هلبه. و أنجد: إذا أخذ في بلاد نجد؛ و نجد موصوف بالبرد. و البردان: الغداة و العشيّ (انظر «اللسان» في هذه المواد و البغداديّ في الخزانة طبع بولاق ج 2 ص 100 و 101).
5- نسب البغداديّ هذا الشعر لعبد اللّه بن الزّبير الأسديّ، و نقل عن الحصريّ في «زهر الآداب» ما يؤيده. و أورد الأصبهانيّ عن ابن حبيب أن هذا الشعر لفضالة بن شريك و رواه. شكوت إليه أن تعبت قلوصى فردّ جواب مشدود الصفاد يضنّ بناقة و يروم ملكا محال ذلكم غير السداد و ليت إمارة فبخلت لما و ليتهم بملك مستفاد فإن وليت أمية أبدلوكم بكل سميدع و ارى الزناد من الأعياص أو من آل حرب أغرّ كغرة الفرس الجواد إذا لم ألقهم بمنى فإني ببيت لا يهش له فؤادي سيدنيني لهم نصّ المطايا و تعليق الأداوي و المزاد و ظهر معبّد قد أعلمته مناسمهن طلاع النجاد و عين الحمض حمض خناصرات و ما بالعرف من سيل الفؤاد فهن خواضع الأبدان قود كأن رءوسهن قبور عاد كأن مواقع الغربان فيها منارات بنين على عماد فلما ولى عبد الملك بعث إلى فضالة يطلبه فوجده قد مات، فأمر لورثته بمائة ناقة تحمل أوقارها برّا و تمرا. (انظر «البغدادي» ج 2 ص 100-103 و «الأغاني» طبع بولاق ج 10 ص 173).
6- ذات عرق مهلّ أهل العراق و هو الحدّ بين نجد و تهامة (ياقوت). و الكاهلية: زهراء بنت خثراء امرأة من بني كاهل بن أسد و هي أم خويلد بن أسد بن عبد العزّى (انظر «الأغاني» ج 10 ص 173 طبع بولاق).

سيبعد بيننا نصّ المطايا *** و تعليق الأداوى و المزاد(1)

و كلّ معبّد قد أعلمته *** مناسمهن طلاّع النّجاد(2)

أرى الحاجات عند أبي خبيب *** نكدن و لا أميّة بالبلاد(3)

من الأعياص أو من آل حرب *** أغرّ كغرّة الفرس الجواد

أبو خبيب: عبد اللّه بن الزّبير، كان يكنى أبا بكر. و خبيب: ابن له هو أكبر ولده، و لم يكن يكنيه به إلا من ذمّه، يجعله كاللقب له(4). قال: فقال ابن الزبير لمّا بلغه هذا الشعر: علم أنها شرّ أمّهاتي فعيّرني بها و هي خير عمّاته(5). قال اليزيديّ: «إنّ» هاهنا بمعنى نعم، كأنه إقرار بما قال. و مثله قول ابن قيس الرّقيّات:

و يقلن شيب قد علا *** ك و قد كبرت فقلت إنّه(6)

عود إلى نسب أبي قطيفة

و أمّ أبي معيط آمنة بنت أبان بن كليب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، و لها يقول نابغة بني جعدة: /

و شاركنا قريشا في تقاها *** و في أنسابها(7) شرك العنان

بما ولدت نساء بني هلال *** و ما ولدت نساء بني أبان

و كانت آمنة هذه تحت أميّة بن عبد شمس، فولدت له العاص و أبا العاص و أبا العيص/و العويص و صفيّة و توبة و أروى بني أميّة. فلما مات أميّة تزوّجها بعده ابنه أبو عمرو - و كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك، يتزوّج الرجل امرأة أبيه بعده - فولدت له أبا معيط، فكان بنو أميّة من آمنة إخوة أبي معيط و عمومته، أخبرني بذلك كلّه الطوسيّ عن الزّبير بن بكّار.

قال الزّبير: و حدّثني عمّي مصعب قال: زعموا أنّ ابنها أبا العاص زوّجها أخاه أبا عمرو، و كان هذا نكاحا تنكحه الجاهلية. فأنزل اللّه تعالى تحريمه، قال اللّه تعالى: (وَ لاٰ تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ إِلاّٰ مٰا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كٰانَ فٰاحِشَةً وَ مَقْتاً وَ سٰاءَ سَبِيلاً) ، فسمّي نكاح المقت.

مقتل عقبة بن أبي معيط و النضر بن الحارث و ما قالته قتيلة بنت الحارث من الشعر ترثي أخاها

ص: 48


1- نص المطايا: استخراج أقصى ما عندها من السير. و الأداوي: جمع إداوة و هي وعاء الماء. و المزاد: جمع مزادة و هي الراوية يحمل فيها الماء. قال أبو عبيدة: و لا تكون إلا من جلدين توصل بثالث بينهما لتتسع. (انظر «اللسان» في هذه المواد).
2- المعبد: الطريق المذلل. و أعلمته مناسمهن: أثّرت فيه بأخفافها. و النجاد: جمع نجد و هو ما غلظ من الأرض و ارتفع.
3- يقال: نكده حاجته إذا منعه إياها و لم يقضها. و في ب، ح: «نكرن» و هو تحريف.
4- قال الثعالبيّ في «لطائف المعارف»: كان لابن الزبير ثلاث كنى: أبو خبيب و أبو بكر و أبو عبد الرحمن، و كان إذا هجى كنى بأبي خبيب. (انظر «الخزانة» ج 2 ص 101).
5- روى البغداديّ أنه قال: لو علم أن لي أمّا أخس من عمته الكاهلية لنسبني إليها. (انظر «الخزانة» ج 2 ص 100).
6- يرى سيبويه أن هذه الهاء للسكت، و يرى أبو عبيدة أنها اسم إن، أي إنه كذلك، (انظر «المغني» طبع بولاق ج 1 ص 51).
7- في «اللسان»: «و في أحسابها». و الأصل في شرك العنان و شركة العنان: اشتراك شخصين في شيء خاص دون سائر أموالهما، كأنه عنّ لهما شيء فاشتركا فيه. (انظر «اللسان» مادة عنّ).

و أسر عقبة بن أبي معيط في يوم بدر، فقتله رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم صبرا(1). حدّثنا بذلك محمد بن جرير الطّبريّ قال حدّثنا محمد بن حميد الرّازيّ قال حدّثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق في خبر ذكره طويل، و حدّثني به أحمد بن محمد بن الجعد قال حدّثنا محمد بن إسحاق المسيّبي قال حدّثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزّهريّ، قالوا جميعا.

قتله رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم صبرا. فقال له - و قد أمر بذلك فيه -: يا محمد، أ أنا خاصّة من قريش؟ قال نعم. قال:

فمن للصّبية بعدي؟ قال: النار. /فلذلك يسمّى بنو أبي معيط صبية النار. و اختلف في قاتله، فقيل: إنّ عليّ بن أبي طالب - صلوات اللّه عليه - تولّى قتله. و هذا من رواية بعض الكوفيين، حدّثني به أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة(2) قال: أخبرني المنذر بن محمد اللّخميّ قال حدّثنا سليمان بن عبّاد قال حدّثني عبد العزيز بن أبي ثابت المدنيّ(3) عن أبيه عن محمد بن عبد اللّه بن حسن بن حسن(4) عن أبيه عن جدّه عن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام:

أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم أمر عليّا يوم بدر فضرب عنق عقبة بن أبي معيط و النّضر بن الحارث. و روى(5) ابن إسحاق أن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح(6) الأنصاريّ قتله، و أنّ الذي قتله عليّ بن أبي طالب عليه السّلام النضر بن الحارث بن كلدة.

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني الحسن بن عثمان قال حدّثني ابن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن أصحابه، و حدّثنا محمد بن جرير قال حدّثنا [أحمد](7) بن حميد قال حدّثنا سلمة عن ابن إسحاق عن أصحابه، قالوا:

قتل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يوم بدر عقبة بن أبي معيط صبرا: أمر عاصم بن ثابت فضرب عنقه، ثم أقبل من بدر حتى إذا كان ب «الصّفراء»(8) قتل النّضر بن/الحارث بن كلدة أحد بني عبد الدار، أمر عليّا عليه السّلام أن يضرب عنقه، قال عمر بن شبّة في حديثه ب «الأثيل»(9)، فقالت أخته(10) قتيلة بنت الحارث ترثيه:

يا راكبا إنّ الأثيل مظنّة *** من صبح خامسة و أنت موفّق

ص: 49


1- أي «حبسا». و في الحديث: «أنه نهى عن قتل شيء من الدواب صبرا»، و كل من حبس لقتل أو يمين قيل له قتل صبرا و حلف صبرا.
2- كذا في ب، ر، م. و في أ، ء: «عقبة». و في سائر النسخ «عفرة» بالفاء و كلاهما تحريف إذ هو لقب والد أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن المعروف بابن عقدة الحافظ الكوفيّ. (انظر «تاج العروس» في مادة «عقد»).
3- في أ، م، ء: «المديني» و هو تحريف إذ هو عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدنيّ الأعرج المعروف بابن أبي ثابت (راجع «الخلاصة في أسماء الرجال» و «تهذيب التهذيب» و «تقريب التهذيب».
4- في أ، م، ء: «حسين» و هو تحريف.
5- في أ، م، ء: «و روى عن ابن إسحاق».
6- كذا في ر. و في سائر النسخ: «الأفلح» بالفاء و هو تحريف؛ إذ هو عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح بالقاف، و هو صحابيّ كان يضرب الأعناق بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم. (انظر «تاج العروس» مادة «فلح»).
7- زيادة في أ، م، ء، و هو أحمد بن حميد الطّريثيثيّ أحد حفّاظ الكوفة.
8- الصفراء: واد من ناحية المدينة كثير النخل و الزرع، و هو على مرحلة من بدر.
9- الأثيل: موضع قرب المدينة بين بدر و وادي الصفراء.
10- في ياقوت في مادة «الأثيل» أنها ابنته.

أبلغ به ميتا بأنّ تحيّة *** ما إن تزال بها النجائب تخفق(1)

منّي إليك و عبرة مسفوحة *** جادت بدرّتها و أخرى تخنق(2)

هل يسمعنّ النضر إن ناديته *** إن كان يسمع هالك لا ينطق(3)

ظلّت سيوف بني أبيه تنوشه *** للّه أرحام هناك تشقّق

/صبرا يقاد إلى المنيّة متعبا *** رسف المقيّد و هو عان موثق(4)

أ محمد و لأنت نسل نجيبة *** في قومها و الفحل فحل معرق(5)

ما كان ضرّك لو مننت و ربّما *** منّ الفتى و هو المغيظ المحنق

أو كنت(6) قابل فدية فليأتين *** بأعزّ ما يغلو لديك و ينفق

و النضر أقرب من أخذت بزلّة *** و أحقّهم إن كان عتق يعتق(7)

فبلغنا أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته». فيقال: إن شعرها أكرم شعر موتورة(8)و أعفّه و أكفّه و أحلمه. قال ابن إسحاق: و حدّثني أبو عبيدة بن محمد بن عمّار بن ياسر أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا كان بعرق /الظّبية(9) قتل عقبة بن أبي معيط. قال حين أمر به أن يقتل: فمن للصّبية يا محمد؟ قال: النار. فقلته عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أحد بني عمرو بن عوف.

حدّثني أحمد بن الجعد قال حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن إسحاق الأدميّ قال حدّثنا الوليد بن مسلم قال حدّثني الأوزاعيّ قال حدّثني يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم التّيميّ قال حدّثني عروة بن الزّبير قال:

سألت عبد اللّه بن عمرو فقلت: أخبرني بأشدّ شيء صنعه المشركون برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يصلّي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنق رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فخنقه به خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر - رحمة اللّه عليه - حتى أخذ بمنكبه فدفعه عن رسول صلى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: أ تقتلون رجلا أن يقول ربّي اللّه!

ولاية الوليد بن عقبة الكوفة في خلافة عثمان ثم عزله عنها

و كان الوليد بن عقبة أخا عثمان بن عفّان لأمّه، أمّهما أروى بنت عامر بن كريز، و أمّها أمّ حكيم البيضاء بنت

ص: 50


1- في «ديوان الحماسة» و ياقوت و أ: «بلغ به ميتا فإن تحية». و في ت، ج، ر: «الركائب».
2- في أ «ديوان الحماسة»: «مني إليه» و يروى فيه: «جادت لمائحها» تعنى أباها لأنه هو الذي يستبكيها و يستنزف دمعها.
3- روى «فليسمعنّ النضر إن ناديته». و روى الشطر الثاني: «إن كان يسمع هالك أو ينطق».
4- رسف المقيد: مشيه.
5- روى: «أ محمد و لأنت ضنء نجيبة» و روى «أ محمد يا خير ضنء كريمة». و الضنء: النسل.
6- صححه الشنقيطي: «لو كنت قابل فدية...» و روى في ب: «إن كنت...» و في سائر النسخ كما في الصلب، و هو مستقيم و صحيح.
7- روى: «و النضر أقرب من أصبت وسيلة». (انظر «شرح ديوان الحماسة» للتبريزيّ طبع بولاق ج 3 ص 14 و 15).
8- الموتور: من قتل له قتيل فلم يدرك بدمه.
9- عرق الظبية (بضم الظاء و سكون الباء): موضع، قال الواقديّ هو من الرّوحاء على ثلاثة أميال مما يلي المدينة. و به مسجد للنبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم. (ياقوت).

عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. و البيضاء و عبد اللّه أبو رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم توأمان. و كان عقبة بن أبي معيط تزوّج أروى بعد وفاة عفّان، فولدت له الوليد و خالدا و عمارة و أمّ كلثوم، كلّ هؤلاء إخوة عثمان لأمّه. و وليّ عثمان الوليد بن عقبة في خلافته الكوفة، فشرب الخمر و صلّى بالناس و هو سكران فزاد في الصلاة، و شهد عليه بذلك عند عثمان فجلده الحدّ. و سيأتي خبره بعد هذا في موضعه.

و أبو قطيفة عمرو بن الوليد يكنى أبا الوليد. و أبو قطيفة لقب لقّب به. و أمّه بنت الرّبيع بن ذي الخمار من بني أسد بن خزيمة.

نفى ابن الزبير أبا قطيفة فيمن نقله عن المدينة في وقعة الحرّة

و قال أبو قطيفة هذا الشعر حين نفاه ابن الزّبير مع بني أميّة عن المدينة، مع نظائر(1) له تشوّقا إليها. حدّثني بالسبب في ذلك أحمد بن محمد بن شبيب بن أبي شيبة البزّار(2)، قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز(3) عن المدائنيّ، و أخبرني ببعضه أحمد بن محمد بن الجعد قال حدّثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدّثني أبي قال حدّثني وهب بن جرير عن أبيه في كتابه المسمّى «كتاب الأزارقة»، و نسخت بعضه من كتاب منسوب إلى الهيثم بن عديّ. و اللفظ للمدائنيّ في الخبر ما اتّسق، فإذا انقطع أو اختلف نسبت الخلاف إلى راويه. قال الهيثم بن عديّ أخبرنا ابن عيّاش عن مجالد عن الشّعبيّ و عن ابن أبي الجهم(4) و محمد بن المنتشر:

خروج ابن الزبير على بني أمية و وفد يزيد بن معاوية له

أنّ الحسين بن عليّ بن أبي طالب - عليه و على أبيه السّلام - /لمّا سار إلى العراق، شمّر ابن الزبير للأمر الذي أراده و لبس المعافريّ(5) و شبر بطنه و قال: إنما بطني شبر، و ما عسى أن يسع الشبر(6)! و جعل يظهر عيب بني أميّة و يدعو إلى خلافهم. فأمهله يزيد سنة، ثم بعث إليه عشرة من أهل الشام عليهم النّعمان بن بشير. و كان أهل الشام يسمّون أولئك العشرة النّفر الرّكب، منهم عبد اللّه بن عضاه الأشعريّ، و روح بن زنباع الجذاميّ، و سعد بن حمزة الهمدانيّ، و مالك بن هبيرة السّكوني(7)، و أبو كبشة السّكسكي، و زمل بن عمرو العذريّ، و عبد اللّه بن مسعود، و قيل: ابن مسعدة الفزاريّ، و أخوه عبد الرحمن، و شريك بن عبد اللّه الكنانيّ، و عبد اللّه بن عامر الهمدانيّ، و جعل عليهم، النعمان بن بشير، فأقبلوا حتى قدموا مكة على عبد اللّه ابن الزّبير، و كان النعمان/يخلو به في الحجر كثيرا. فقال له عبد اللّه بن عضاة يوما: يا ابن الزّبير، إنّ هذا الأنصاريّ و اللّه ما أمر بشيء إلا و قد أمرنا بمثله إلا أنه قد أمّر علينا، إني و اللّه ما أدري ما بين المهاجرين و الأنصار. فقال ابن الزّبير: يا ابن عضاه، ما لي و لك! إنما أنا

ص: 51


1- النظائر: الأشياء جمع نظيرة بالتاء؛ لأن فعائل يطرد في فعالة و شبهه بتاء أو بغير تاء، و المراد أنه قال هذا الشعر مع قصائد نظائر له. و أما جمع النظير مذكرا بمعنى المناظر و هو المقابل و المماثل فنظراء.
2- في ب، ح: «البزاز» بزايين معجمتين.
3- في ب، ر: «الخزاز» بزايين معجمتين.
4- في أ، م، ء: «أبي الجهم» بسقوط لفظة «ابن».
5- نسبة إلى معافر: اسم قبيلة من اليمن تنسب إليها هذه الثياب.
6- يريد أنه إنما يخرج على بني أمية لمصلحة الأمة لا لمطامع مادية.
7- في جميع الأصول: «السلولي». و التصويب من «تهذيب التهذيب» و «الخلاصة في أسماء الرجال»، و الطبري، و «الكامل» لابن الأثير. و السكوني: نسبة إلى سكون و هي قبيلة من كندة.

بمنزلة حمامة من حمام مكة، أ فكنت قاتلا حماما من حمام مكة؟ قال: نعم، و ما حرمة حمام مكة! يا غلام، ائتني بقوسي و أسهمي، فأتاه بقوسه و أسهمه، فأخذ سهما فوضعه في كبد القوس ثم سدّده نحو حمامة من حمام المسجد و قال: يا حمامة، أ يشرب يزيد بن معاوية الخمر؟ قولي نعم، فو اللّه: لئن فعلت لأرمينّك. يا حمامة، أ تخلعين يزيد بن معاوية و تفارقين أمّة محمد صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و تقيمين في الحرم حتى يستحلّ بك؟ و اللّه لئن فعلت لأرمينّك. فقال ابن الزّبير: ويحك! أ و يتكلم الطائر؟ قال: لا! و لكنك يا ابن الزبير تتكلم. أقسم باللّه لتبايعنّ طائعا أو مكرها أو لتتعرّفنّ راية الأشعريّين في هذه البطحاء، ثم لا أعظّم من حقّها ما تعظّم(1). فقال ابن الزبير: أو تستحلّ(2)الحرم! قال: إنما يستحلّه من ألحد فيه. فحبسهم شهرا ثم ردّهم إلى يزيد بن معاوية و لم يجبه إلى شيء. و في رواية أحمد بن الجعد: و قال بعض الشعراء - و هو أبو العباس الأعمى، و اسمه السائب بن فرّوخ يذكر ذلك و شبر ابن الزبير بطنه -:

ما زال في سورة الأعراف يدرسها *** حتى بدا(3) لي مثل الخزّ في اللّين

لو كان بطنك شبرا قد شبعت و قد *** أفضلت فضلا كثيرا للمساكين(4)

قال الهيثم: ثم إنّ ابن الزّبير مضى إلى صفيّة بنت أبي عبيد(5) زوجة عبد اللّه بن عمر، فذكر لها أنّ خروجه كان غضبا للّه تعالى و رسوله - عليه السّلام - و المهاجرين/و الأنصار من أثرة معاوية و ابنه [و أهله](6) بالفيء(7)، و سألها مسألته أن يبايعه. فلما قدّمت له عشاءه ذكرت له أمر ابن الزبير و اجتهاده، و أثنت عليه و قالت: ما يدعو إلاّ إلى طاعة اللّه جلّ و عزّ، و أكثرت القول في ذلك. فقال لها: أ ما رأيت بغلات معاوية اللواتي كان يحجّ عليهنّ(8)الشّهب، فإنّ ابن الزبير ما يريد غيرهنّ! قال المدائنيّ في خبره: و أقام ابن الزبير على خلع يزيد و مالأه(9) على ذلك أكثر الناس. فدخل عليه عبد اللّه بن مطيع و عبد اللّه بن حنظلة و أهل المدينة المسجد و أتوا المنبر فخلعوا يزيد.

فقال عبد اللّه بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزوميّ: /خلعت يزيد كما خلعت عمامتي، و نزعها عن رأسه و قال: إني لأقول هذا و قد وصلني و أحسن جائزتي، و لكنّ عدوّ اللّه سكّير خمّير. و قال آخر: خلعته كما خلعت نعلي. و قال آخر: خلعته كما خلعت ثوبي. و قال آخر: قد خلعته كما خلعت خفّي، حتى كثرت العمائم و النّعال و الخفاف، و أظهروا البراءة منه و أجمعوا على ذلك، و امتنع منه عبد اللّه بن عمر و محمد بن عليّ بن أبي طالب - عليهما السّلام - و جرى بين محمد خاصّة و بين أصحاب ابن الزبير فيه قول كثير، حتى أرادوا إكراهه على ذلك،

ص: 52


1- في أ، ت، م، ء: «ما يعظم».
2- هكذا في ت. و في سائر الأصول: «أ و يستحل الحرم، قال إنما يحله الخ».
3- كذا في أ، ء. و في سائر النسخ: «فؤادي».
4- في أ، ت، م، ء: «المساكين».
5- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «عبيد اللّه». و الذي في «كتب التراجم» أن زوجة ابن عمر هي صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفية.
6- زيادة في ب، س، ح.
7- الفئ: ما أفاء اللّه من أموال المشركين على المسلمين من غير حرب و لا جهاد مثل الجزية و ما صولحوا عليه؛ إذ أصل الفئ الرجوع، كأنه كان لهم فرجع إليهم. و الغنيمة: ما اغتنم في الحرب. و النّفل مثلها.
8- في ت: «التي كان يحج عليها» و في النسخ جميعا: «فإن ابن الزبير ما يريد غيرهن».
9- كذا في ت. و في سائر النسخ: «و مالأ» بدون الضمير.

فخرج إلى مكة، و كان هذا أوّل ما هاج الشرّ بينه و بين ابن الزبير.

وقعة الحرّة

اشارة

قال المدائنيّ: و اجتمع أهل المدينة لإخراج بني أمية عنها، فأخذوا عليهم العهود ألاّ يعينوا عليهم الجيش، و أن يردّوهم عنهم، فإن لم يقدروا على ردّهم لا يرجعوا إلى المدينة معهم. فقال لهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان: أنشدكم اللّه في دمائكم و طاعتكم! فإنّ الجنود تأتيكم و تطؤكم، و أعذر لكم ألاّ تخرجوا أميركم، /إنكم إن ظفرتم و أنا مقيم بين أظهركم فما أيسر شأني و أقدركم على إخراجي! و ما أقول هذا إلاّ نظرا لكم أريد به حقن دمائكم. فشتموه و شتموا يزيد، و قالوا: لا نبدأ إلاّ بك، ثم نخرجهم بعدك. فأتى مروان(1) عبد اللّه بن عمر فقال:

يا أبا عبد الرحمن، إنّ هؤلاء القوم قد ركبونا بما ترى، فضمّ عيالنا. فقال: لست من أمركم و أمر هؤلاء في شيء.

فقام مروان و هو يقول: قبح اللّه هذا أمرا و هذا دينا. ثم أتى عليّ بن الحسين - عليهما السّلام - فسأله أن يضمّ أهله و ثقله(2) ففعل، و وجّههم و امرأته أمّ أبان(3) بنت عثمان إلى الطائف و معها ابناه: عبد اللّه و محمد. فعرض حريث رقّاصة - و هو مولى لبني بهز(4) من سليم كان بعض عمّال المدينة قطع رجله فكان إذا مشى كأنه يرقص، فسمّي رقاّصة - لثقل مروان و فيه أمّ عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، فضربته بعضا فكادت(5) تدقّ عنقه، فولّى و مضى. و مضوا إلى الطائف و أخرجوا بني أميّة. فحسّ(6) بهم سليمان بن أبي الجهم العدويّ و حريث رقّاصة، فأراد مروان أن يصلّي بمن معه فمنعوه، و قالوا: لا يصلّي(7) و اللّه بالناس أبدا، و لكن إن أراد أن يصلّي بأهله فليصلّ، فصلّى بهم و مضى. فمرّ مروان بعبد الرحمن بن أزهر الزّهريّ، فقال له: هلمّ إليّ يا أبا عبد الملك، فلا يصل إليك مكروه ما بقي رجل من بني زهرة. فقال له: وصلتك رحم، قومنا على أمر(8) فأكره أن أعرّضك لهم.

و قال ابن عمر بعد ذلك - لمّا أخرجوا و ندم على ما كان قاله لمروان -: لو وجدت/سبيلا الى نصر هؤلاء لفعلت، فقد ظلموا و بغي عليهم. فقال ابنه سالم: لو كلّمت هؤلاء القوم! فقال: يا بنيّ، لا ينزع هؤلاء القوم عمّا هم عليه، و هم بعين اللّه، إن أراد أن يغيّر غيّر. قال: فمضوا «إلى ذي خشب»(9)، و فيهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان و الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، و اتّبعهم العبيد و الصّبيان و السّفلة يرمونهم. ثم رجع حريث رقّاصة و أصحابه إلى المدينة، و أقامت بنو أميّة ب «ذي خشب» عشرة أيام، و سرّحوا حبيب بن كرة(10) إلى يزيد بن معاوية يعلمونه،

ص: 53


1- هو مروان بن الحكم و كان إذ ذاك في المدينة أخرجوه مع عثمان بن محمد بن أبي سفيان في وقعة الحرّة. (انظر «العقد الفريد» ج 2 ص 311).
2- الثقل: متاع المسافر و حشمه.
3- قال السيد مرتضى: أبان كسحاب مصروف، ثم قال: و أكثر النحاة و المحدّثين على منعه من الصرف للعلمية و الوزن (انظر «تاج العروس» مادة ابن).
4- في ت: «لبني نهد» و هو تحريف».
5- في ت: «بعصا كادت».
6- يقال: حس بالشيء و أحس به و أحسه إذا شعر به.
7- كذا في ب، س، ح، ر: و في ت: «لا تصلي و اللّه بالناس أبدا» و في أ، م، ء: «لا نصلي و اللّه أبدا».
8- أي بيت قومنا على أمر فأكره الخ، أو أن المراد الإمر بالكسر و هو الأمر العظيم الشنيع، و منه قوله تعالى: (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً).
9- خشب كجنب: واد على مسيرة ليلة من المدينة له ذكر كثير في الحديث و «المغازي» (ياقوت) و يقال له ذو خشب (انظر «تاج العروس» مادة خشب).
10- كذا في ب، س، ح، غير مضبوط. و في سائر النسخ: «كره» بالهاء غير مضبوط أيضا، و لم نجد ضبطه في «كتب اللغة». و ضبط في «تاريخ ابن جرير الطبريّ» طبع ليدن قسم 2 ص 408 بضم الكاف و تشديد الراء المفتوحة. و لعل ضبطه «كرة» بفتح الكاف و تشديد الراء المفتوحة، سمّى بالمرة من الكرّ.

و كتبوا اليه يسألونه(1) الغوث. و بلغ أهل المدينة أنهم وجّهوا رجلا إلى يزيد، فخرج محمد بن عمرو بن حزم و رجل من بني سليم من بهز(2) و حريث رقّاصة و خمسون راكبا فأزعجوا/بني أميّة منها، فنخس حريث بمروان(3) فكاد يسقط عن ناقته، فتأخّر عنها و زجرها و قال: اعلى و اسلمي. فلما كانوا «بالسّويداء»(4) عرض لهم مولى لمروان، فقال: جعلت فداك! لو نزلت فأرحت و تغدّيت! فالغداء حاضر كثير قد أدرك(5). فقال: لا يدعني رقّاصة و أشباهه، و عسى أن يمكّن اللّه منه فتقطع يده. و نظر مروان إلى ماله ب «ذي خشب» فقال: لا مال إلا ما أحرزته العياب(6).

فمضوا فنزلوا «حقيلا»(7) أو «وادي القرى»، و في ذلك يقول الأحوص:

/لا ترثينّ لحزميّ رأيت به *** ضرا و لو سقط الحزميّ في النار

الناخسين بمروان بذي خشب *** و المقحمين على عثمان في الدار

قال المدائنيّ: فدخل حبيب بن كرة على يزيد - و هو واضع رجله في طست لوجع كان يجده - بكتاب بني أميّة و أخبره الخبر. فقال: أ ما كان بنو أميّة و مواليهم ألف رجل؟ قال: بلى! و ثلاثة آلاف. قال: أ فعجزوا أن يقاتلوا ساعة من نهار؟ قال: كثرهم(8) الناس و لم تكن لهم بهم طاقة. فندب الناس و أمّر عليهم صخر بن أبي الجهم القينيّ، فمات قبل أن يخرج الجيش، فأمّر مسلم بن عقبة الذي يسمّى مسرفا. قال: و قال ليزيد: ما كنت مرسلا إلى المدينة أحدا إلا قصّر و ما صاحبهم غيري، إنّي رأيت في منامي شجرة غرقد(9) تصيح: على يدى مسلم، فأقبلت نحو الصوت فسمعت قائلا يقول: أدرك ثأرك(10) أهل المدينة قتلة عثمان فخرج مسلم و كان من قصّة الحرّة ما كان على يده، و ليس هذا موضعه. فقال أبو قطيفة في ذلك - لما أخرجوا عن المدينة -:

صوت من غير المائة فيه لحنان
شعر أبي قطيفة في تشوّقه إلى المدينة

بكى أحد لما تحمّل أهله *** فكيف بذي وجد من القوم آلف

من اجل أبي بكر جلت عن بلادها *** أميّة، و الأيام ذات تصارف

ص: 54


1- كذا في ب، س، ح، ر. و في سائر النسخ: «و كتبوا إليه الغوث الغوث».
2- في ب، س، ح، ر: «سليم بن بهز» و هو تحريف.
3- في ت: «مروان» من غير باء.
4- السويداء: موضع على ليلتين من المدينة على طريق الشام. (ياقوت).
5- أي حان إناه و انتهى نضجه.
6- العياب: جمع عيبة و هي وعاء من أدم يكون فيها المتاع.
7- حقيل: موضع. و وادي القرى: واد بين المدينة و الشام من أعمال المدينة كثير القرى، و إليه ينسب عمر الوادي (ياقوت).
8- أي غلبوهم بكثرتهم.
9- الغرقد: الشجر العظيم.
10- ثأرك: الرجل الذي أصاب حميمك؛ و منه: قتلت به ثأري و أدركت ثؤرتي

عروضه من الطويل، و فيه ثقيل أوّل(1). و الغناء لسائب خاثر، خفيف ثقيل أوّل بالوسطى، ذكر ذلك حمّاد عن أبيه، و ذكر أن فيه لحنا آخر لأهل المدينة لا يعرف صاحبه. قال الهيثم في خبره: و قال أبو العباس الأعمى في ذلك:

/

قد حلّ في دار البلاط(2) مجوّع *** و دار أبي العاص التّميميّ حنتف(3)

فلم أر مثل الحيّ حين تحمّلوا *** و لا مثلنا عن مثلهم يتنكّف(4)

و قال أبو قطيفة أيضا:

صوت من غير المائة فيه ثلاثة ألحان

بكى أحد لمّا تحمّل أهله *** فسلع فدار المال أمست تصدّع

و بالشأم إخواني و جلّ عشيرتي *** فقد جعلت نفسي إليهم تطلّع

عروضه من الطويل. غنّى فيه دحمان، و لحنه ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر من رواية إسحاق.

و فيه لمعبد ثقيل أوّل بالوسطى من رواية حبش. و ذكر إسحاق أن فيه لحنا في خفيف الثّقيل الأوّل بالخنصر في مجرى البنصر مجهول الصّانع. و قال أبو قطيفة أيضا:

صوت من غير المائة المختارة

ليت شعري: هل البلاط كعهدي *** و المصلّى إلى قصور العقيق؟

لا مني في هواك يا أمّ يحيى *** من(5) مبين بغشّه أو صديق

عروضه من الخفيف. غنّاه معبد و يقال دحمان، و لحنه ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى الوسطى، و ذكر إسحاق أنه لا يعرف صاحبه.

/حدّثني أحمد بن عبيد اللّه بن عمّار قال حدّثني محمد بن يونس بن الوليد قال: كان ابن الزّبير قد نفى أبا قطيفة مع من نفاه من بني أميّة عن المدينة إلى الشام، فلما طال مقامه بها قال:

ص: 55


1- كذا في الأصول.
2- البلاط: موضع بالمدينة بين المسجد و السوق مبلّط «(قاموس».
3- هو الحنتف بن السجف بن سعد بن عوف بن زهير بن مالك، كان يكنى أبا عبد اللّه و كان دينا شريفا، و له منزلة من عبيد اللّه بن زياد. و لما وقعت فتنة ابن الزبير سار حبيش بن دلجة القيني من قضاعة إلى المدينة يريد قتال ابن الزبير، فعقد الحارث بن عبد اللّه المخزومي و هو أمير البصرة للحنتف لواءه فسار في سبعمائة، و خرج إليه حبيش من المدينة فلقيهم بالربذة فقتل الحنتف حبيشا و عبد اللّه بن الحكم أخا مروان بن الحكم و انهزم الحجاج بن يوسف و أبوه يومئذ، ثم سار الحنتف نحو الشام، حتى إذا كان بوادي القرى سمّ بطعامه فمات هناك (انظر «المعارف» لابن قتيبة ص 212-213 و ابن جرير الطبري طبع أوروبا قسم 2 ص 578-579 و «شرح القاموس» مادة حنتف).
4- من نكف عن الشيء إذا عدل عنه. و لم نعثر على هذه الصيغة من هذه المادة في المظان. و في ب، س: «يتكنف».
5- قد تزاد «من» في الإثبات؛ و حمل عليه قوله تعالى: (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)، و قول عمر بن أبي ربيعة: و ينمي لها حبها عندنا فما قال من كاشح لم يضر

ألا ليت شعري هل تغيّر بعدنا *** قباء و هل زال العقيق و حاضره؟

و هل برحت بطحاء قبر محمد *** أراهط غرّ من قريش تباكره

لهم منتهى حبّي و صفو مودّتي *** و محض الهوى منّي و للناس سائره

قال و قال أيضا:

صوت من غير المائة المختارة

ليت شعري و أين منّي ليت *** أعلى العهد يلبن فبرام؟

أم كعهدي العقيق أم غيّرته *** بعدي الحادثات و الأيام؟

و بأهلي بدّلت عكّا و لخما *** و جذاما، و أين منّي جذام(1)!

و تبدّلت من مساكن قومي *** و القصور التي بها الآطام

كلّ قصر مشيّد ذي أواس *** يتغنّى على ذراه الحمام

أقر منّي السّلام إن جئت قومي *** و قليل لهم لديّ السّلام

عروضه من الخفيف، غنّاه معبد، و لحنه ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى البنصر. و «يلبن» و «برام»:

موضعان(2). و الآطام: جمع أطم، و هي القصور و الحصون. و قال الأصمعيّ: الآطام: الدّور المسطّحة السّقوف.

و في رواية ابن عمار: «ذي أواش» بالشين معجمة، كأنه أراد به أنّ هذه القصور موشيّة أي منقوشة. و رواه إسحاق:

«أواس» بالسين غير معجمة، و قال: واحدها آسيّ، و هو الأصل. قال و يقال: فلان في آسيّه، أي في أصله. و الآسيّ و الأساس واحد. و ذرا كلّ شيء: أعاليه، و هو جمع، واحدته ذروة. و يروى:

أبلغنّ السّلام إن جئت قومي

/و روى الزّبير بن بكّار هذه الأبيات لأبي قطيفة، و زاد فيها:

أقطع الليل كلّه باكتئاب *** و زفير فما أكاد أنام

نحو قومي إذ فرّقت بيننا الدا *** ر و جادت(3) عن قصدها الأحلام

خشية أن يصيبهم عنت الدّه *** ر و حرب يشيب منها الغلام

فلقد حان أن يكون لهذا الدّهر عنّا تباعد و انصرام

عفو ابن الزبير عن أبي قطيفة و عودته إلى المدينة و موته حين وصوله إليها

رجع الخبر إلى سياقته من رواية ابن عمّار. و أخبرنا بمثله من هذا الموضع الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الحزاميّ، و هو إبراهيم بن المنذر، عن مطرّف بن عبد اللّه

ص: 56


1- عك بفتح أوّله: قبيلة يضاف إليها مخلاف باليمن (ياقوت)، و لخم و جذام: قبيلتان معروفتان.
2- يلبن: جبل قرب المدينة. و يرام (بفتح أوّله و كسره و الفتح أكثر): جبل في بلاد بني سليم عند الحرّة من ناحية البقيع. (ياقوت).
3- في ت: «و جارت».

/المدنيّ(1) قالا: إن ابن الزّبير لمّا بلغه شعر أبي قطيفة هذا قال: حنّ(2) و اللّه أبو قطيفة و عليه السّلام و رحمة اللّه، من لقيه فليخبره أنه آمن فليرجع. فأخبر بذلك فانكفأ إلى المدينة راجعا، فلم يصل إليها حتى مات. قال ابن عمّار:

فحدّثت عن المدائنيّ أنّ امرأة من أهل المدينة تزوّجها رجل من أهل الشام، فخرج بها إلى بلده على كره منها، فسمعت منشدا ينشد شعر أبي قطيفة هذا، فشهقت شهقة و خرّت على وجهها ميّتة، هكذا ذكر ابن عمّار في خبره.

و أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد: قرأت على أبي عن أيّوب بن عباية قال قال حدثني سعيد بن عائشة مولى آل المطّلب بن عبد مناف قال:

/خرجت امرأة من بني زهرة في خفّ(3)، فرآها رجل من بني عبد شمس من أهل الشام فأعجبته، فسأل عنها فنسبت له، فخطبها إلى أهلها فزوّجوه [إياها] بكره منها، فخرج بها إلى الشام. [و خرجت مخرجا](4)، فسمعت متمثّلا يقول:

صوت من غير المائة المختارة

ألا ليت شعري هل تغيّر بعدنا *** جبوب(5) المصلّى أم كعهدي القرائن؟

و هل أدؤر(6) حول البلاط عوامر *** من الحيّ أم هل بالمدينة ساكن؟

إذا برقت نحو الحجاز سحابة *** دعا الشوق منّي برقها المتيامن

فلم أتركنها رغبة عن بلادها *** و لكنّه ما قدّر اللّه كائن

- عروضه من الطويل، يقال: إن لمعبد فيه لحنا - قال: فتنفّست بين النساء فوقعت ميّتة. قال أيّوب(7):

فحدّثت بهذا الحديث عبد العزيز بن أبي ثابت الأعرج فقال: أتعرفها؟ قلت لا. قال: هي و اللّه عمّتي حميدة بنت عمر بن عبد الرحمن بن عوف.

أخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الرّياشيّ قال أخبرني ابن عائشة قال: لمّا أجلى ابن الزّبير بني أميّة عن الحجاز قال أيمن بن خريم الأسديّ:

كأنّ بني أميّة يوم راحوا *** و عرّي عن منازلهم صرار(8)

ص: 57


1- كذا في م، د. و في سائر النسخ: «الهذلي» و هو خطأ؛ إذ الذي ورد في «كتب التراجم» أنه مطرّف بن عبد اللّه بن مطرف المدنيّ الفقيه شيخ البخاريّ، و أنه روى عنه إبراهيم بن المنذر.
2- في ب، س: «أحسن».
3- كذا في ب، س. و في ر: «حي» و في سائر النسخ: «حق» و كلاهما تحريف؛ يقال: خرج فلان في خف من أصحابه أي في جماعة قليلة.
4- هذه العبارة ساقطة من أ، م، ء، و المراد أنها خرجت مرة.
5- في جميع الأصول: «جنوب» بالنون و هو تصحيف. و التصويب عن ياقوت. و الجبوب: الحجارة و الأرض الصلبة.
6- كذا في أ، س. و في سائر النسخ من غير همز، و كلاهما صحيح.
7- كذا في ت. و في سائر النسخ: «أبو أيوب».
8- في ب، س، م، أ: «صدار» بالدال. و صدار كغراب: موضع قرب المدينة. و صرار: جبل، و قد أورده. ياقوت و ذكر فيه هذا الشعر.

شماريخ الجبال إذا تردّت *** بزينتها و جادتها القطار(1)

/و أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا محمد بن سعد الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن العتبىّ(2) قال:

كتب أبو قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة إلى أبيه و هو متولّي الكوفة لعثمان بن عفّان:

من مبلغ عنّي الأمير بأنني *** أرق بلا داء سوى الإنعاظ

إن لم تغثني خفت إثمك أو أرى *** في الدار محدودا(3) بزرق لحاظ

يعني دار عثمان التي تقام فيها الحدود. فابتاع له جارية بالكوفة و بعث بها إليه. أخبرني عبد اللّه بن محمد الرّازي قال حدّثنا الخرّاز عن المدائنيّ قال:

كان أبو قطيفة من شعراء قريش، و كان ممن نفاه ابن الزبير مع بني أمية إلى الشام، فقال في ذلك:

و ما أخرجتنا رغبة عن بلادنا *** و لكنّه ما قدّر اللّه كائن

أحنّ إلى تلك الوجوه صبابة *** كأنّي أسير في السّلاسل راهن

/و كان يتحرّق(4) على المدينة، فأتى عبّاد بن زياد ذات يوم عبد الملك فقال له: إنّ خاله أخبره أن العراقين قد فتحا. فقال عبد الملك لأبي قطيفة لما يعلمه من حبّه المدينة: أ ما تسمع ما يقوله عبّاد عن خاله؟ قد طابت لك المدينة الآن. فقال أبو قطيفة:

إنّي لأحمق(5) من يمشي على قدم *** إن غرّني من حياتي خال عبّاد

أنشا يقول لنا المصران قد فتحا *** و دون ذلك يوم شرّه بادي

قال: و أذن له ابن الزّبير في الرجوع، فرجع فمات في طريقه.

قصر سعيد بن العاص بالعرصة و شيء من أخباره

و أمّا خبر القصر الذي تقدّم ذكره و بيعه من معاوية، فأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال ذكر مصعب بن عمّار(6) بن مصعب بن عروة بن الزّبير:

/أنّ سعيد بن العاص لمّا حضرته الوفاة و هو في قصره هذا، قال له ابنه عمرو: لو نزلت الى المدينة! فقال:

يا بنيّ، إنّ قومي لن يضنّوا عليّ بأن يحملوني على رقابهم ساعة من نهار، و إذا أنا مت فآذنهم(7)، فإذا واريتني فانطلق الى معاوية فانعني له، و انظر في ديني، و اعلم أنه سيعرض عليك قضاءه فلا تفعل، و اعرض عليه قصري

ص: 58


1- شماريخ الجبال: رءوسها، و أحدها شمراخ. و القطار: جمع قطر و هو المطر.
2- في ت، ح، س: «الضّبّي»:
3- مقاما عليّ الحد.
4- يتلهف شوقا إليها.
5- في ت، أ، م، ح، ر: «لأجبن».
6- كذا في أكثر النسخ. و في ت، ح: «عثمان» و في ر: «مصعب بن عثمان بن عروة». و عثمان بن عروة ذكره ابن قتيبة في «المعارف» ص 114.
7- اذنهم: أعلمهم.

هذا، فإنّي إنما اتخذته نزهة و ليس بمال. فلما مات آذن به الناس، فحملوه من قصره حتى دفن بالبقيع، و رواحل عمرو بن سعيد مناخة، فعزّاه الناس على قبره و ودّعوه، فكان هو أوّل من نعاه لمعاوية(1)، فتوجّع له و ترحّم عليه، ثم قال: هل ترك دينا؟ قال نعم. [قال: كم هو؟ قال](2) ثلاثمائة ألف [درهم](2). قال: هي عليّ. قال: قد ظنّ ذلك و أمرني ألاّ أقبله منك، و أن أعرض عليك بعض ماله فتبتاعه فيكون قضاء دينه منه. قال: فاعرض [عليّ](3).

قال: قصره بالعرصة. قال: قد أخذته بدينه. قال: هو لك على أن تحملها إلى المدينة و تجعلها بالوافية(4). قال:

نعم. فحملها له إلى المدينة و فرّقها في غرمائه، و كان أكثرها عدات(5). فأتاه شابّ من قريش بصكّ فيه عشرون ألف درهم بشهادة سعيد على نفسه و شهادة مولى له عليه. فأرسل إلى المولى فأقرأه الصّكّ، فلما قرأه بكى و قال:

نعم هذا خطّه و هذه شهادتي عليه. فقال له عمرو: من أين يكون لهذا الفتى عليه عشرون ألف درهم و إنما هو صعلوك من صعاليك قريش؟ قال: أخبرك عنه، مرّ سعيد بعد عزله، فاعترض له هذا الفتى و مشى معه حتى صار إلى منزله، فوقف له سعيد فقال: أ لك حاجة؟ قال: لا، إلاّ أنّي رأيتك تمشي وحدك فأحببت أن أصل جناحك. فقال لي: ائتني بصحيفة، فأتيته بهذه، فكتب له على نفسه هذا الدّين و قال: إنك لم(6) تصادف عندنا شيئا فخذ هذا، /فإذا جاءنا شيء فأتنا.

فقال عمرو: لا جرم و اللّه لا يأخذها إلا بالوافية، أعطيه إيّاها، فدفع إليه عشرين ألف درهم وافية.

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا الصّلت بن مسعود قال حدّثنا سفيان بن عيينة قال حدّثنا هارون(7) المدائنيّ قال:

كان الرجل يأتي سعيد بن العاص يسأله فلا يكون عنده، فيقول: ما عندي، و لكن اكتب عليّ به، فيكتب عليه كتابا، فيقول: تروني(8) أخذت منه ثمن هذا؟ لا، و لكنه يجيء فيسألني فينزو(9) دم وجهه في وجهي فأكره ردّه.

فأتاه مولى لقريش بابن مولاه و هو غلام فقال: إنّ أبا هذا قد هلك و قد أردنا تزويجه. فقال: ما عندي، و لكن خذ ما شئت في أمانتي. فلما مات/سعيد بن العاص جاء الرجل إلى عمرو بن سعيد فقال: إنّي أتيت أباك بابن فلان، و أخبره بالقصّة. فقال له عمرو: فكم أخذت؟ قال: عشرة آلاف. فأقبل عمرو على القوم فقال: من رأى أعجز من هذا! يقول له سعيد: خذ ما شئت في أمانتي فيأخذ عشرة آلاف! لو أخذت مائة ألف لأدّيتها عنك.

اعتداد أبي قطيفة بنسبه و هجوه عبد الملك بن مروان

أخبرني عمّي قال: حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن ابن الكلبيّ قال: قال أبو قطيفة - و كانت أمّه و أمّ

ص: 59


1- في أ، م، ء، ب، س: «إلى معاوية» و كلاهما صحيح.
2- زيادة في ت.
3- زيادة في ب، س، ح، ر.
4- الدرهم الوافي درهم و أربعة دوانق، و الدانق: سدس الدرهم.
5- عطايا وعد بها.
6- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «لن» و هو لا يناسب المقام.
7- في ت، ح، ر: «أبو هارون» و لم نعثر في «كتب التراجم» على هارون أو أبي هارون المدائنيّ حتى نرجح إحدى الروايتين. و ما عثرنا عليه فيها هو أن موسى بن أبي عيسى الغفاريّ أبا هارون المدنيّ الحنّاط روى عنه سفيان بن عيينة، و هو مشهور بكنيته؛ فلعله هو.
8- في ب، س، ح، ر: «أ تروني» بذكر همزة الاستفهام.
9- كأن دم وجهه يثب في وجهي لشدّة احمراره خجلا من ذل السؤال. و في ب، س: «فيتردّد وجهه في وجهي...».

خالد بن الوليد بن عقبة عمّة أروى بنت أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتّب(1) -

/أنا ابن أبي معيط حين أنمى *** لأكرم ضئضئ(2) و أعزّ جيل

و أنمي للعقائل من قصيّ *** و مخزوم فما أنا بالضّئيل

و أروى من كريز قد نمتني *** و أروى الخير بنت أبي عقيل

كلا الحيّين من هذا و هذا *** لعمر أبيك في الشّرف الطويل

فعدّد مثلهن أبا ذباب *** ليعلم ما تقول ذوو العقول

فما الزّرقاء لي أمّا فأخزى *** و لا لي في الأزارق من سبيل

قال: يعني بأبي الذّباب عبد الملك. و الزّرقاء: إحدى أمهاته من كندة، و كان يعيّر بها.

أخبرني الحسن بن عليّ قال أخبرني محمد بن زكريا قال حدّثنا قعنب بن المحرز قال حدّثنا المدائنيّ قال:

بلغ أبا قطيفة أنّ عبد الملك بن مروان يتنقّصه، فقال:

نبّئت أنّ ابن العملّس(3) عابني *** و من ذا من الناس البريء المسلّم؟

من انتم من انتم خبّرونا من انتم(4) *** فقد جعلت أشياء تبدو و تكتم!

فبلغ ذلك عبد الملك فقال: ما ظننت أنّا نجهل، و اللّه لو لا رعايتي لحرمته لألحقته بما يعلم، و لقطّعت جلده بالسّياط.

شعر أبي قطيفة في امرأته بعد طلاقها

أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن العتبيّ قال:

/طلّق أبو قطيفة امرأته، فتزوّجها رجل من أهل العراق، ثم ندم بعد أن رحل(5) بها الرجل و صارت له، فقال:

فيا أسفا لفرقة أمّ عمرو *** و رحلة أهلها نحو العراق

فليس إلى زيارتها سبيل *** و لا حتّى القيامة من تلاقي

و علّ اللّه يرجعها إلينا *** بموت من حليل أو طلاق

فأرجع شامتا و تقرّ عيني *** و يجمع شملنا بعد افتراق

ص: 60


1- في ح، ر: «عمرو بن معتب» و في ب، س: «عامر بن قعنب».
2- الضئضئ: الأصل و المعدن.
3- في ت، ر: «القلمس». و القلمس في اللغة: الرجل الداهية المفكر البعيد الغور. و العملس: الذئب الخبيث أو كلب الصيد الخبيث؛ و قد رجحناه لمناسبته لمقام الهجاء. و قد ورد هذا الشعر في «تاريخ ابن جرير الطبريّ» طبع ليدن قسم 2 ص 1175 «القلمس» و في تعليقاته عن نسخة أخرى: «العملس».
4- في «تاريخ ابن جرير الطبريّ» ص 1776 فمن أنتم ها خبّرونا من انتم
5- كذا في ت. و في سائر النسخ: «دخل».

مقتل سعيد بن عثمان بالمدينة

أخبرني عمّي و محمد بن جعفر قالا حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثنا محمد بن عليّ بن أبي(1) حسّان عن هشام بن محمد(2) عن خالد بن سعيد عن أبيه قال:

استعمل معاوية سعيد بن عثمان على خراسان، فلمّا عزله قدم المدينة بمال و سلاح و ثلاثين عبدا من السّغد(3)، فأمرهم أن يبنوا له دارا. فبينا هو جالس فيها و معه ابن سيحان و ابن زينة و خالد بن عقبة و أبو قطيفة إذ تآمروا(4) بينهم فقتلوه، فقال أبو قطيفة يرثيه - و قيل إنها لخالد بن عقبة -:

يا عين جودي بدمع منك تهتانا *** و ابكي سعيد بن عثمان بن عفّانا

/إن ابن زينة لم تصدق مودّته *** و فرّ عنه ابن أرطاة بن سيحانا(5)

2 - ذكر معبد و بعض أخباره

نسب معبد و نشأته و وفاته

هو معبد بن وهب، و قيل ابن قطنيّ(6) مولى ابن قطر(7)، و قيل ابن قطن مولى العاص بن وابصة المخزوميّ، و قيل بل مولى معاوية بن أبي سفيان.

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه الزّهريّ قال:

معبد المغنّي ابن وهب مولى عبد الرحمن بن قطر.

و أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال قال ابن الكلبيّ: معبد مولى ابن قطر، و القطريون موالي معاوية بن أبي سفيان.

و أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو غسّان قال: معبد بن وهب مولى ابن قطن و هم موالي آل وابصة من بني مخزوم، و كان أبوه أسود و كان هو خلاسيّا(8) مديد القامة أحول.

ص: 61


1- في أ، م، ء: «بن حسان» بسقوط لفظة «أبي».
2- انفردت نسخة ت بزيادة «عن أبيه». و في «كتب التراجم» أن هشام بن محمد يروى عن خالد بن سعيد. فلعل هذه الزيادة غير صحيحة.
3- السغد (بضم أوّله و سكون ثانيه): ناحية كثيرة المياه نضرة الأشجار مؤنقة الرياض تمتد مسيرة خمسة أيام لا تقع الشمس على كثير من أراضيها و لا تبين القرى من خلال أشجارها، و قصبتها «سمرقند»، و ربما قيلت بالصاد. (ياقوت).
4- مرجع الضمير فيه هم هؤلاء العبيد. قال ابن قتيبة: كان سعيد بن عثمان أعور بخيلا و قتل، و كان سبب قتله أنه كان عاملا لمعاوية على خراسان فعزله معاوية فأقبل معه برهن كانوا في يديه من أولاد الصغد إلى المدينة و ألقاهم في أرض يعملون له فيها بالمساحى «المجارف»، فأغلقوا يوما باب الحائط و وثبوا عليه فقتلوه، فطلبوا فقتلوا أنفسهم. (انظر «المعارف» لابن قتيبة طبع ألمانيا ص 101).
5- في ح: و فرّ عنه ابن سيحان بن أرطانا
6- لعل ضبطه بفتح القاف و الطاء و النون المكسورة و الياء المشدّدة؛ إذ أنه سمّى كثيرا بقطن بهذا الضبط، و لعل ذلك نسبة إليه.
7- لم نعثر له على ضبط و لعله بفتح القاف و إسكان الطاء.
8- الخلاسيّ بالكسر: الولد بين أبوين أبيض و أسود.

و ذكر ابن خرداذبه(1) أنه غنّى في أوّل دولة بني أمية، و أدرك دولة بني العباس، و قد أصابه الفالج و ارتعش و بطل، فكان إذا غنّى يضحك منه و يهزأ به. و ابن خرداذبه قليل التصحيح(2) لما يرويه و يضمّنه كتبه. و الصحيح أن معبدا مات في أيام الوليد بن يزيد بدمشق و هو عنده. و قد قيل: إنه أصابه الفالج قبل موته و ارتعش و بطل صوته.

فأمّا إدراكه دولة بني العباس فلم يروه أحد سوى ابن خرداذبه و لا قاله و لا رواه عن أحد، و إنما جاء به مجازفة.

/أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أيّوب بن عمر أبو سلمة المدينيّ قال حدّثنا عبد اللّه بن عمران بن أبي فروة قال حدّثني كردم بن معبد المغنّي مولى ابن قطن قال:

مات أبي و هو في عسكر الوليد بن يزيد و أنا معه، فنظرت حين أخرج نعشه إلى سلاّمة القسّ (جارية يزيد بن عبد الملك) و قد أضرب الناس عنه ينظرون إليها و هي آخذة بعمود السّرير، و هي تبكي(3) أبي و تقول:

قد لعمري بتّ ليلي *** كأخي الدّاء الوجيع

و نجيّ(4) الهمّ منّي *** بات أدنى من ضجيعي

كلّما أبصرت ربع *** خاليا فاضت دموعي

قد خلا من سيّد كا *** ن لنا غير مضيع

لا تلمنا إن خشعنا *** أو هممنا بخشوع

قال كردم: و كان يزيد أمر أبي أن يعلّمها هذا الصوت، فعلّمها إياه فندبته به يومئذ. قال: فلقد رأيت الوليد بن يزيد و الغمر أخاه متجرّدين في قميصين و رداءين يمشيان بين يدي سريره حتى أخرج من دار الوليد، لأنه تولّى أمره و أخرجه من داره إلى موضع قبره.

فأمّا نسبة هذا الصوت، فإنّ الشعر للأحوص، و الغناء لمعبد، ذكره يونس و لم يجنّسه. و ذكر الهشاميّ أنه ثاني ثقيل بالوسطى، قال: و فيه لحبابة(5) خفيف ثقيل، و لابن المكّيّ ثقيل أوّل نشيد. و فيه لسلاّمة القسّ عن إسحاق لحن من القدر الأوسط من الثّقيل الأوّل/بالوسطى في مجراها.

/أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال قال أبو عبيدة:

ذكر مولى لآل الزّبير - و كان منقطعا إلى جعفر و محمد ابني سليمان بن عليّ -: أنّ معبدا عاش حتى كبر و انقطع صوته، فدعاه رجل من ولد عثمان، فلمّا غنّى الشيخ لم يطرب القوم، و كان فيهم فتيان نزول(6) من ولد

ص: 62


1- كذا ضبط بالقلم في كتابه «المسالك و الممالك» المطبوع في ليون سنة 1307 هجرية ص 3، و ضبطه شارح «القاموس» بالعبارة مادة روم بقوله: «بضم الخاء و سكون الراء و فتح الدال بعدها ألف و كسر الذال المعجمة و سكون الياء التحتية و آخره هاء». و كذا وجد مضبوطا بالقلم في ت.
2- في ت «التحصيل».
3- في ت، ح، ر: «و هي تندب» أي تبكيه و تذكره بحسن فعاله و جميل خصاله.
4- النجىّ: المناجي، من النجوى و هي الحديث سرّا.
5- في م، ب، س: «لحنان» و هو تحريف.
6- هذه الكلمة ساقطة من ت، ح، ر.

أسيد بن أبي العيص بن أميّة، فضحكوا منه و هزءوا به، فأنشأ يغنّي(1):

فضحتم قريشا بالفرار و أنتم *** قمدّون(2) سودان(3) عظام المناكب

فأمّا القتال لا قتال لديكم *** و لكنّ سيرا في عراض المواكب

- و هذا شعر هجوا به قديما - فقاموا إليه ليتناولوه؛ فمنعهم العثمانيّ من ذلك و قال: ضحكتم منه حتى إذا أحفظتموه(4) أردتم أن تتناولوه، لا و اللّه لا يكون ذلك! قال إسحاق: فحدّثني ابن سلاّم قال أخبرني من رآه على هذه الحال فقال له: أصرت إلى ما أرى؟ فأشار إلى حلقه و قال: إنّما كان هذا؛ فلمّا ذهب ذهب كلّ شيء.

اعتراف المغنين لمعبد بالتفوق و السبق في صناعة الغناء

قال إسحاق: كان معبد من أحسن الناس غناء، و أجودهم صنعة، و أحسنهم حلقا(5)؛ و هو فحل المغنّين و إمام أهل المدينة في الغناء، و أخذ عن سائب خاثر، و نشيط مولى عبد اللّه بن جعفر، و عن جميلة مولاة بهز (بطن من سليم)، و كان زوجها مولى لبني الحارث بن الخزرج؛ فقيل لها مولاة الأنصار لذلك. و في معبد يقول الشعر:

أجاد طويس و السّريجي بعده *** و ما قصبات السّبق إلا لمعبد

/قال إسحاق قال ابن الكلبيّ عن أبيه: كان ابن أبي عتيق خرج إلى مكة فجاء معه ابن سريج إلى المدينة، فأسمعوه غناء معبد و هو غلام، و ذلك في أيام مسلم بن عقبة المرّيّ، و قالوا: ما تقول فيه؟ فقال: إن عاش كان مغنّي بلاده. و لمعبد صنعة لم يسبقه إليها من تقدّم، و لا زاد عليه فيها من تأخّر. و كانت صناعته التجارة في أكثر أيام رقّه، و ربّما رعى الغنم لمواليه، و هو مع ذلك يختلف إلى نشيط الفارسيّ و سائب خاثر مولى عبد اللّه بن جعفر، حتى اشتهر بالحذق و حسن الغناء و طيب الصّوت. و صنع الألحان فأجاد و اعترف له بالتقدّم على أهل عصره.

أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد قرأت على أبي:

قال الجمحيّ: بلغني أن معبدا قال: و اللّه لقد صنعت ألحانا لا يقدر شبعان ممتلئ و لا سقّاء يحمل قربة على الترنّم بها و لقد صنعت ألحانا لا يقدر المتّكئ أن يترنّم بها حتى يقعد مستوفزا(6)، و لا القاعد حتى يقوم.

قال إسحاق: و بلغني أن معبدا أتى ابن سريج و ابن سريج لا يعرفه، فسمع منه ما شاء، ثم عرض نفسه عليه و غنّاه و قال له: كيف كنت تسمع جعلت فداءك؟ فقال له: لو شئت كنت قد كفيت بنفسك الطلب من غيرك. قال:

و سمعت من لا أحصي من أهل العلم بالغناء يقولون: لم يكن فيمن غنّى أحد أعلم بالغناء من معبد. قال: و حدّثني أيّوب بن عباية قال: دخلت على الحسن بن مسلم أبي العراقيب و عنده جاريته عاتكة، فتحدّث فذكر معبدا فقال:

ص: 63


1- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «يقول».
2- في جميع الأصول: «تمدّون» بالتاء و هو تحريف. و التصويب عن «خزانة الأدب» للبغداديّ. و القمدّ (بضم القاف و الميم و تشديد الدال): القويّ الشديد.
3- سودان: جمع سود و هو جمع أسود، من السيادة. و الشعر للحارث بن خالد المخزوميّ. (انظر «البغدادي» طبع بولاق ج 1 ص 217).
4- أغضبتموه.
5- كذا في ت بالحاء المهملة، و في سائر النسخ: «خلقا» بالخاء المعجمة.
6- قعدة المستوفز، هي قعدة الجالس على هيئة كأنه يريد القيام.

أدركته يلبس ثوبين ممشّقين(1)، و كان إذا غنّى علا منخراه(2). فقالت عاتكة: يا سيّدي أ و أدركت معبدا؟ قال: إي و اللّه و أقدم من معبد. فقالت: استحييت لك من هذا الكبر(3).

علوّ كعبه في صناعة الغناء

أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حمّاد: قرأت على أبي أخبرني محمد بن سلاّم قال حدّثني جرير/قال: قال معبد: قدمت مكة فقيل لي: إنّ ابن صفوان قد سبّق(4) بين المغنّين جائزة، فأتيت بابه فطلبت الدخول، فقال لي آذنه: قد تقدّم إليّ ألاّ آذن لأحد عليه و لا أوذنه(5) به. قال فقلت: دعني أدنو(6) من الباب فأغنّي صوتا. قال: أمّا هذا فنعم. فدنوت من الباب، فغنّيت [صوتا](7)، فقالوا: معبد! و فتحوا لي، فأخذت الجائزة يومئذ.

أخبرني الحسين قال نسخت من كتاب حمّاد: قال أبي: و ذكر عورك - و هو الحسن بن عتبة اللّهبيّ - أن الوليد بن يزيد كان يقول: ما أقدر على الحجّ. فقيل له: و كيف ذاك؟ قال: يستقبلني أهل المدينة بصوتي معبد:

القصر فالنخل فالجمّاء بينهما

و «قتيلة»(8) يعني لحنه:

يوم تبدي لنا قتيلة عن جي *** د تليع(9) تزينه الأطواق

قال إسحاق: قيل لمعبد: كيف تصنع إذا أردت أن تصوغ الغناء؟ قال: أرتحل قعودي و أوقع بالقضيب على رحلي و أترنّم عليه بالشّعر حتى يستوي لي الصوت. فقيل له: ما أبين ذلك في غنائك! /قال إسحاق: و قال مصعب الزّبيريّ قال يحيى(10) بن عبّاد بن حمزة بن عبد اللّه بن الزّبير حدّثني أبي قال:

قال معبد: كنت غلاما مملوكا لآل قطن مولى(11) بني مخزوم، و كنت أتلقّى الغنم بظهر الحرّة، و كانوا تجارا أعالج لهم التجارة في ذلك، فآرتي صخرة بالحرّة ملقاة بالليل فأستند إليها(12)، فأسمع و أنا نائم صوتا يجري في مسامعي، فأقوم من النوم فأحكيه، فهذا كان مبدأ غنائي.

ص: 64


1- مصبوغين بالمشق بالكسر و الفتح، و هو المغرة و هي صبغ أحمر.
2- المنخر: ثقب الأنف.
3- في ت، ح، ر: «من هذه الكبرة».
4- يقال: سبّق إذا أخذ السّبق أو أعطاه فهو من الأضداد. (انظر «اللسان» في مادة سبق).
5- أي أمرني ألا أدخل عليه أحدا و لا أعلمه به.
6- في ت، ح، ر: «أدن» بغير واو و كلاهما صحيح.
7- زيادة في ت.
8- كذا في ت. و في ح، ر: «و قتيلة يعني لحنه في» و هو قريب من الأوّل. و في سائر النسخ: «و قبيلة تغنّي في لحنه: في يوم تبدى لنا الخ» و هو تحريف ظاهر.
9- تليع: طويل. و البيت للأعشى. (انظر «التاج» في مادة تلع).
10- كذا في جميع النسخ. و قد ذكر في «تقريب التهذيب»: «يحيى بن عباد بن حمزة بن عبد اللّه بن الزبير. و صوابه: عن عباد بن حمزة، و ما ليحيى مدخل في ذلك». يعني أن يحيى يروي عن عباد بن حمزة، و ليس ابنا له.
11- في ب، س: «موالي بني مخزوم».
12- كذا في ت. و في سائر النسخ: «بها».

اعتراف مالك بن أبي السمح لمعبد بالتفوّق عليه في صنعة الغناء

أخبرني الحسين بن يحيى قال: نسخت من كتاب حمّاد: قال أبي قال محمد بن سعيد الدّوسيّ عن أبيه و محمد بن يزيد عن سعيد الدوسيّ عن الرّبيع بن أبي الهيثم قال:

كنّا جلوسا مع عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب، فقال إنسان لمالك: أنشدك اللّه، أنت أحسن غناء أم معبد؟ فقال مالك: و اللّه ما بلغت شراكه قطّ، و اللّه لو لم يغنّ معبد إلا قوله:

لعمر أبيها لا تقول حليلتي *** ألا فرّ عنّي مالك بن أبي كعب

و هم(1) يضربون الكبش تبرق بيضه *** ترى حوله الأبطال في حلق شهب

لكان حسبه!. قال: و كان مالك إذا غنّى غناء معبد يخفّف(2) منه، ثم يقول: أطال الشعر معبد و مطّطه، و حذفته أنا. و تمام هذا الصوت:

صوت من غير المائة المختارة

لعمر أبيها لا تقول حليلتي *** ألا فرّ عنّي مالك بن أبي كعب

و هم يضربون الكبش تبرق بيضه *** ترى حوله الأبطال في حلق شهب

إذا أنفدوا الزّقّ الرّويّ و صرّعوا *** نشاوى فلم أقطع بقولي لهم حسبي

بعثت إلى حانوتها فسبأتها *** بغير مكاس في السّوام و لا غصب(3)

عروضه من الطويل. و الشعر لمالك بن أبي كعب بن القين الخزرجيّ أحد بني سلمة. هكذا ذكر إسحاق، و غيره يذكر أنه من مراد. و لهذا الشعر خبر طويل يذكر بعد هذا. و الغناء في البيتين الأوّلين لمعبد ثقيل أوّل بالوسطى، و من الناس من ينسبه إلى ابن سريج. و لمالك في الثالث و الرابع من الأبيات لحن من الثّقيل الأوّل بالسّبابة في مجرى البنصر عن إسحاق، و من/الناس من ينسب هذا اللحن إلى معبد و يقول: إنّ مالكا أخذ لحنه فيه فحذف بعض نغمه و انتحله، و إن اللحن لمعبد في الأبيات الأربعة. و قد ذكر أنّ هذا الشعر لرجل من مراد، و روي له فيه حديث طويل. و قد أخرج خبره في ذلك و خبر مالك بن أبي كعب الخزرجيّ أبي(4) كعب بن مالك صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و آله في موضع آخر أفرد له، إذ كانت له أخبار كثيرة، و لأجله لا تصلح أن تذكر هاهنا.

رجع الخبر إلى معبد - أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو غسّان عن يونس الكاتب قال:

ص: 65


1- الكبش: سيد القوم و قائدهم. و البيض: واحدتها بيضة و هي الخوذة توضع على الرأس وقت الحرب، و هي البيض بكسر الباء، جمع أبيض، و هي السيوف. و الحلق: واحدته حلقة، و هي الدرع.
2- في ب، م: «تخفّف منه».
3- سبأ الخمر و استبأها: اشتراها. و ماكسه مماكسة و مكاسا: شاحّه. و السوام (بالضم) كالسوم: عرض السلع و تقدير أثمانها من البائع أو من المشتري.
4- في ب، س: «أبيّ بن كعب بن مالك» و هو تحريف ظاهر.

معبد و ابن محرز

أقبلت من عند معبد، فلقيني ابن محرز ببطحان(1)، فقال: من أين أقبلت؟ قلت: من عند أبي(2) عبّاد.

فقال: ما أخذت عنه؟ قلت: غنّى صوتا فأخذته. قال: و ما هو؟ قلت:

ما ذا تأمّل واقف جملا *** في ربع دار عابه قدمه

- الشعر لخالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد - فقال لي: ادخل معي دار ابن هرمة و ألقه عليّ، فدخلت معه، فما زلت أردّده عليه حتى غنّاه، ثم قال: ارجع معي إلى أبي عبّاد، فرجعنا فسمعه منه، ثم لم نفترق(3) حتى صنع فيه ابن محرز لحنا آخر.

نسبة هذا الصوت

صوت

ما ذا تأمّل واقف جملا *** في ربع دار عابه قدمه

أقوى و أقفر غير منتصب *** لبد الرّمادة ناصع حممه(4)

غنّاه معبد، و لحنه ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى الوسطى. و فيه خفيف ثقيل أوّل بالوسطى ينسب إلى الغريض و إلى ابن محرز. و ذكر عمرو بن بانة أنّ الثقيل الأوّل للغريض. و ذكر حبش أن فيه لمالك ثاني ثقيل بالوسطى. و فيه رمل بالوسطى ينسب إلى سائب خاثر، و ذكر حبش أنه لإسحاق.

قدوم ابن سريج و الغريض المدينة ثم ارتدادهما عنها بعد سماعهما صوت معبد

أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حمّاد: قال أبي قال ابن الكلبيّ:

قدم ابن سريج و الغريض المدينة يتعرّضان لمعروف أهلها، و يزوران من بها من صديقهما(5) من قريش و غيرهم. فلما شارفاها(6) تقدّما ثقلهما ليرتادا منزلا، حتى إذا كانا بالمغسلة(7) - و هي جبّانة على طرف المدينة يغسل فيها الثياب - إذا هما بغلام ملتحف بإزار و طرفه على رأسه، بيده حبالة يتصيّد بها الطير و هو يتغنّى و يقول:

القصر فالنخل فالجمّاء بينهما *** أشهى إلى النفس من أبواب جيرون

و إذا الغلام معبد. قال: فلمّا سمع ابن سريج و الغريض معبدا مالا إليه و استعاداه الصوت فأعاده، فسمعا شيئا

ص: 66


1- بضم فسكون، كذا يقوله المحدّثون أجمعون. و حكى أهل اللغة: بطحان كقطران، و قيل فيه بطحان بفتح فسكون. و هو أحد أودية المدينة الثلاثة، و هي العقيق و بطحان و قناة. (انظر «التاج» مادة بطح).
2- كذا في جميع النسخ. و في ب، س: «من أين أقبلت؟ قلت من عند معبد، فلقيني ابن أبي عباد فقال الخ» و هي زيادة مخلة بالمعنى.
3- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «فسمعته منه ثم لم نعترف» و هو تحريف.
4- لبد الرمادة: متلصّقها؛ يقال: تلبد الشعر و الصوف إذا تلصّق، و تلبد التراب و الرمل كذلك، و لبده المطر. و هو وصف لربع في البيت السابق. و الحمم: واحدته حممة، و هي الرماد و الفحم و كل ما احترق من النار.
5- الصديق: يقال للواحد و الجمع؛ قال تعالى: (فَمٰا لَنٰا مِنْ شٰافِعِينَ وَ لاٰ صَدِيقٍ حَمِيمٍ).
6- شارف الشيء: دنا منه و قرب.
7- ضبطه في «القاموس» كمنزلة.

لم يسمعا بمثله قطّ. فأقبل أحدهما على صاحبه فقال: هل سمعت كاليوم قطّ؟ قال: لا و اللّه! فما رأيك؟ قال ابن سريج: هذا غناء غلام يصيد الطير، فكيف بمن في الجوبة(1)! - يعني المدينة - قال: أمّا أنا فثكلته والدته إن لم أرجع. قال: فكرّا راجعين.

قدوم معبد مكة و ما وقع بينه و بين الغريض

قال: و قال معبد: قدمت مكة، فذهب بي بعض القرشيّين إلى الغريض، فدخلنا عليه و هو متصبّح(2)، فانتبه من صبحته و قعد، فسلّم عليه القرشيّ، و سأله فقال له: هذا معبد قد أتيتك به، و أنا أحبّ/أن تسمع منه. قال: هات، فغنّيته أصواتا. فقال بمدرى(3) معه في رأسه، ثم قال: إنك يا معبد لمليح الغناء. قال: /فاحفظني ذلك، فجثوت على ركبتيّ، ثم غنّيته من صنعتي عشرين صوتا لم يسمع بمثلها قطّ، و هو مطرق واجم قد تغيّر لونه حسدا و خجلا.

ما وقع بين معبد و بين حكم الوادي

قال إسحاق: و أخبرت عن حكم الواديّ قال: كنت أنا و جماعة من المغنّين نختلف إلى معبد نأخذ عنه و نتعلّم منه، فغنّانا يوما صوتا من صنعته و أعجب به، و هو:

القصر فالنخل فالجمّاء بينهما

فاستحسنّاه و عجبنا منه. و كنت في ذلك اليوم أوّل من أخذه عنه و استحسنه منّي فأعجبتني نفسي. فلما انصرفت من عند معبد عملت فيه لحنا آخر و بكّرت على معبد مع أصحابي و أنا معجب بلحني. فلما تغنّينا أصواتا قلت له: إنّي قد عملت بعدك في الشعر الذي غنّيتناه لحنا، و اندفعت فغنّيته صوتي، فوجم معبد ساعة يتعجّب منّي ثم قال: قد كنت أمس أرجى منّي لك اليوم، و أنت اليوم عندي أبعد من الفلاح. قال حكم: فأنسيت - يعلم اللّه - صوتي ذلك منذ تلك الساعة فما ذكرته إلى وقتي هذا.

ما وقع بين معبد و هو في طريقه إلى بعض أمراء الحجاز و بين العبد الأسود

قال إسحاق: و قال معبد: بعث إليّ بعض أمراء الحجاز - و قد كان جمع له الحرمان - أن اشخص إلى مكة، فشخصت. قال: فتقدّمت غلامي في بعض تلك الأيام، و اشتدّ عليّ الحرّ و العطش، فانتهيت إلى خباء فيه أسود و إذا حباب(4) ماء قد برّدت، فملت إليه فقلت: يا هذا، اسقني من هذا الماء. فقال لا. فقلت: فأذن لي في الكنّ(5)ساعة. قال لا. فأنخت ناقتي و لجأت إلى ظلّها فاستترت به، و قلت: لو أحدثت لهذا الأمير شيئا من الغناء أقدم به

ص: 67


1- كذا في الأصل. و قد ذكر ياقوت للمدينة تسعة و عشرين اسما لم يذكر من بينها هذا الاسم. و أقرب الأسماء إليه «المحومة». فلعل ما هنا محرّف عنه، أو أنه هو الذي أطلق هذا الاسم على المدينة؛ لأن الجوبة هي الموضع ينجاب في الحرّة، و المدينة بين حرّتين تكتنفانها.
2- التصبّح: النوم بالغداة.
3- قال ابن الأثير: العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال و تطلقه على غير الكلام و اللسان، فتقول: قال بيده أي أخذ، و قال برجله أي مشى و قالت له العينان سمعا و طاعة أي أومأت؛ و منه الحديث «قال بالماء على يده» أي قلب، و «قال بثوبه هكذا» أي رفعه، و كل ذلك على المجاز و الاتّساع. فهو هنا من هذا القبيل. و المراد أنه حكّ رأسه بهذه المدرى، و هي حديدة يحكّ بها الرأس.
4- جمع حب (بالضم) و هي الجرّة صغيرة كانت أو كبيرة.
5- الكنّ: ما وقاك من حرّ أو برد، أي ائذن لي في أن أستظلّ بكنك ساعة من جهد الحرّ و العطش.

عليه، و لعلّي إن حرّكت لساني أن يبلّ حلقي اريقي فيخفّف عنّي بعض ما أجده من العطش! فترنّمت بصوتي:

القصر فالنخل فالجمّاء بينهما

/فلما سمعني الأسود، ما شعرت به إلا و قد احتملني حتى أدخلني خباءه، ثم قال: أي، بأبي أنت و أمي! هل لك في سويق السّلت(1) بهذا الماء البارد؟ فقلت: قد منعتني أقلّ من ذلك، و شربة ماء تجزئني. قال: فسقاني حتى رويت، و جاء الغلام فأقمت عنده إلى وقت الرّواح. فلما أردت الرّحلة قال: أي، بأبي أنت و أمي! الحرّ شديد و لا آمن عليك مثل الذي أصابك، فأذن لي [في](2) أن أحمل معك قربة من ماء على عنقي و أسعى بها معك، فكلّما عطشت سقيتك صحنا و غنّيتني صوتا! قال: قلت ذاك لك. فو اللّه ما فارقني يسقيني و أغنّيه حتى بلغت المنزل.

نسخت من كتاب جعفر بن قدامة بخطّه: حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الزّبير(3) عن جرير قال:

معبد و ابن سريج، التقاؤهما عفوا ببطن مرّ ثم تعارفهما بصوتيهما

اشارة

كان معبد خارجا إلى مكة في بعض أسفاره، فسمع في طريقه غناء في «بطن مرّ»(4) فقصد الموضع، فإذا رجل جالس على حرف بركة فارق شعره حسن الوجه، عليه درّاعة(5) قد صبغها بزعفران، و إذا هو يتغنّى:

صوت

حنّ قلبي من بعد ما قد أنابا *** و دعا الهمّ شجوه فأجابا

ذاك من منزل لسلمى خلاء *** لابس من خلائه جلبابا

عجبت فيه و قلت للرّكب عوجوا(6) *** طمعا أن يردّ ربع جوابا

فاستثار المنسيّ من لوعة الحب و أبدى *** الهموم و الأوصابا

//فقرع معبد بعصاه و غنّى:

منع الحياة من الرجال و نفعها *** حدق تقلّبها النساء مراض

و كأنّ أفئدة الرجال إذا رأوا *** حدق النساء لنبلها أغراض

فقال له ابن سريج: باللّه أنت معبد؟ قال: نعم، و باللّه(7) أنت ابن سريج؟ قال: نعم، و و اللّه لو عرفتك ما غنّيت بين يديك.

ص: 68


1- قال الليث: السّلت: شعير لا قشر له أجرد؛ زاد الجوهريّ كأنه الحنطة، يكون بالغور و الحجاز، يتبرّدون بسويقه في الصيف. و السويق: ما يتخذ من الحنطة و الشعير.
2- زيادة في ت. و في أ، م، ء: «بأن».
3- في ح، ر: «الزبيري».
4- بطن مرّ (بفتح الميم و تشديد الراء): من نواحي مكة عنده يجتمع وادي النخلتين فيصيران واديا واحدا (ياقوت). و قال في «القاموس»: إنه موضع على مرحلة من مكة و يقال له: «مرّ الظهران».
5- الدّرّاعة: جبة مشقوقة المقدّم.
6- في «الديوان»: ظلت فيه و الركب حولى وقوف و عجت فيه: وقفت به و أقمت
7- في أ، ب، س، م، ء: «قال نعم، فسألته أ أنت ابن سريج الخ».

نسبة هذين الصوتين و أخبارهما

صوت

حنّ قلبي من بعد ما قد أنابا *** و دعا الهمّ شجوه فأجابا

فاستثار المنسي من لوعة الحبّ *** و أبدى(1) الهموم و الأوصابا

ذاك من منزل لسلمى خلاء *** مكتس من عفائه جلبابا

عجت فيه و قلت للرّكب عوجوا *** طمعا أن يردّ ربع جوابا

ثانيا من زمام و جناء عنس *** قانيا لونها يخال خضابا(2)

جدّها الفالج الأشمّ من البخ *** ت و خالاتها انتخبن عرابا(3)

/الشعر لعمر بن أبي ربيعة. و الغناء لابن سريج، و له فيه لحنان: رمل بالسّبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق، و خفيف ثقيل أوّل(4) بالبنصر عن عمرو.

صوت

منع الحياة من الرجال و نفعها *** حدق تقلّبها النساء مراض

و كأنّ أفئدة الرجال إذا رأوا *** حدق النساء لنبلها أغراض

الشعر للفرزدق، و الغناء لمعبد ثقيل أوّل عن الهشاميّ:

أخبرني محمد بن مزيد(5) بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن سياط قال حدّثني يونس الكاتب قال:

رحلة معبد إلى الأهواز و ما وقع بينه و بين الجواري المغنيات بالسفينة

اشارة

كان معبد قد علّم جارية من جواري الحجاز الغناء - تدعى «ظبية»(6) - و عني بتخريجها، فاشتراها رجل من أهل العراق فأخرجها إلى البصرة و باعها هناك، فاشتراها رجل من أهل الأهواز، فأعجب بها و ذهبت به كلّ مذهب

ص: 69


1- في ح، ر: «و سوى» و في ت: «و سر» و هما محرفان عن «شرى» التي في «الديوان».
2- روى في «الديوان»: ثانيا من زمام و جناء حرف عاتك لونها يحاكي الضبابا و الوجناء: الناقة الشديدة. و اشتقاقه من الوجين و هي الأرض الصلبة أو الحجارة. و العنس هنا: الناقة الصلبة القوية. و الحرف من الإبل: النجيبة الماضية التي أنضتها الأسفار، شبهت بحرف السيف في مضائها و نجائها و دقتها و قنأ كمنع قنوءا و قنا قنوّا: اشتدت حمرته، و العاتك: الأحمر، يقال: عتكت القوس إذا احمرّت من القدم و طول العهد.
3- قال الجوهريّ في «الصحاح»: الفالج: الجمل الضخم ذو السنامين يحمل من السند للفحلة. و البخت و البختية: الإبل الخراسانية تنتج من بين عربية و فالج. و العراب: العربية و هي خلاف البراذين و البخاتي، جمع عربي و هو جمع خاص بالخيل و الإبل، يقال في الناس: عرب و أعراب، و في الخيل و الإبل: عراب. قال في «اللسان»: و قد قالوا: خيل أعرب و إبل أعرب. و قد روى في ت: «من النجب» و هي مستقيمة أيضا.
4- هذه الكلمة ساقطة من ت، ح، ر.
5- في ح، ب، س: «يزيد». و لم نعثر على هذا الاسم حتى نرجح إحدى الروايتين.
6- في ت: «طيبة».

و غلبت عليه، ثم ماتت بعد أن أقامت عنده برهة(1) من الزمان و أخذ جواريه أكثر غنائها عنها، فكان لمحبّته إيّاها و أسفه عليها لا يزال يسأل عن أخبار معبد و أين مستقرّه، و يظهر التعصّب له و الميل إليه و التقديم لغنائه على سائر أغاني أهل عصره إلى أن عرف ذلك منه. و بلغ معبدا خبره، فخرج من مكة حتى أتى البصرة، فلمّا وردها صادف الرجل قد خرج عنها في ذلك اليوم إلى الأهواز فاكترى سفينة. و جاء معبد يلتمس سفينة ينحدر فيها إلى الأهواز، فلم يجد غير سفينة الرجل، و ليس يعرف أحد منهما صاحبه، فأمر الرجل الملاّح أن يجلسه معه في مؤخّر السفينة ففعل و انحدروا. فلما صاروا في فم نهر الأبلّة(2)/تغدّوا و شربوا، و أمر جواريه فغنّين، و معبد ساكت و هو في ثياب السّفر، و عليه فرو و خفّان غليظان و زيّ جاف من/زيّ أهل الحجاز، إلى أن غنّت إحدى الجواري:

صوت

بانت سعاد و أمسى حبلها انصرما *** و احتلّت الغور فالأجزاع من إضما(3)

إحدى بليّ و ما هام الفؤاد بها *** إلاّ السفاه و إلاّ ذكرة حلما(4)

- قال حمّاد: و الشعر للنابغة الذّبيانيّ. و الغناء لمعبد، خفيف ثقيل أوّل بالبنصر، و فيه لغيره ألحان قديمة و محدثة - فلم تجد أداءه، فصاح بها معبد: يا جارية، إنّ غناءك هذا ليس بمستقيم. قال: فقال له مولاها و قد غضب: و أنت ما يدريك الغناء ما هو؟ أ لا(5) تمسك و تلزم شأنك! فأمسك. ثم غنّت أصواتا من غناء غيره و هو ساكت لا يتكلّم، حتى غنّت:

صوت

بابنة الأزديّ قلبي كئيب *** مستهام عندها ما ينيب

و لقد لاموا فقلت دعوني *** إنّ من تنهون عنه حبيب

إنّما أبلى عظامي و جسمي *** حبّها و الحبّ شيء عجيب

ص: 70


1- قال ابن السكيت: البرهة بالفتح و الضم: الزمان الطويل، و قال غيره: الزمان مطلقا.
2- الأبلّة: بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة. و يقال فيه: الأبلة بفتح الهمزة و الباء (ياقوت).
3- كذا في ح، ر. و ب، س: «الغور فالأجراع» بالراء المهملة. و في أكثر النسخ الخطية: «الغور و الأجزاع». و «الغور»: المطمئن من الأرض، و «الأجراع»: جمع جرع و هو مفرد أو هو جرعة، و هي الرملة الطيبة المنبت لا وعوثة فيها. و «إضم» بكسر ففتح: واد بجبل تهامة، و هو الوادي الذي فيه المدينة. و قد ورد هذا البيت في «ديوان النابغة» المطبوع بباريس هكذا: بانت سعاد و أمسى حبلها انجذما و احتلت الشّرع فالأجزاع من إضما و «شرع»: قرية على شرقيّ ذرة مزارع و نخيل على عيون، و واديها يقال له: رخيم. و «الأجزاع»: جمع جزع بالكسر - و قال أبو عبيدة: اللائق به أن يكون مفتوحا -: منعطف الوادي. و في «التاج» مادة «أضم» و احتلت الشرع فالخبتين من إضما و الخبت: المتسع من بطون الأرض. (انظر ياقوت و «القاموس» و «شرحه» في هذه المواد).
4- «بليّ» كغنيّ: اسم قبيلة. و السفاه: الطيش و خفة الحلم. و الذكرة (بالكسر و الضم): نقيض النسيان. و في ت: إلا السفاه و إلا ذكرها حلما
5- في ت: «لم لا تمسك الخ».

أيّها العائب عندي هواها *** أنت تفدي من أراك تعيب

- و الشعر لعبد الرحمن بن أبي بكر، و الغناء لمعبد ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى البنصر - قال: فأخلّت ببعضه.

فقال لها معبد: يا جارية، لقد أخللت بهذا الصوت إخلالا شديدا. فغضب الرجل و قال له: ويلك! ما أنت و الغناء! أ لا تكفّ عن هذا الفضول! فأمسك. و غنّى الجواري مليّا، ثم غنّت إحداهنّ:

صوت

خليليّ عوجا فابكيا(1) ساعة معي *** على الرّبع نقضي حاجة و نودّع

و لا تعجلاني أن ألمّ بدمنة *** لعزّة لاحت لي ببيداء بلقع

و قولا لقلب قد سلا: راجع الهوى *** و للعين: أذري من دموعك أو دعي

فلا عيش إلا مثل عيش مضى لنا *** مصيفا أقمنا فيه من بعد مربع

- الشعر لكثيّر، و الغناء لمعبد خفيف ثقيل بالسبّابة في مجرى الوسطى، و فيه رمل للغريض - قال: فلم تصنع فيه شيئا. فقال لها معبد: يا هذه، أ ما تقوين(2) على أداء صوت واحد؟ فغضب الرجل و قال له: ما أراك تدع هذا الفضول بوجه و لا حيلة! و أقسم باللّه لئن عاودت لأخرجنّك من السفينة، فأمسك معبد، حتى إذا سكتت/الجواري سكتة اندفع يغنّي الصوت الأوّل حتى فرغ منه، فصاح الجواري: أحسنت و اللّه يا رجل! فأعده. فقال: لا و اللّه و لا كرامة. ثم اندفع يغنّي الثاني، فقلن لسيدهنّ: ويحك! هذا و اللّه أحسن الناس غناء، فسله أن يعيده علينا و لو مرّة واحدة لعلّنا نأخذه عنه، فإنه إن فاتنا لم نجد مثله أبدا. فقال: قد سمعتنّ سوء ردّه عليكنّ و أنا خائف مثله منه، و قد أسلفناه الإساءة، فاصبرن حتى نداريه. ثم غنّى الثالث، فزلزل عليهم الأرض. فوثب الرجل فخرج إليه و قبّل رأسه و قال: يا سيّدي/أخطأنا عليك و لم نعرف موضعك. فقال له: فهبك لم تعرف موضعي، قد كان ينبغي لك أن تتثبّت و لا تسرع إليّ بسوء العشرة و جفاء القول. فقال له: قد أخطأت و أنا أعتذر إليك مما جرى، و أسألك أن تنزل اليّ و تختلط بي. فقال: أمّا الآن فلا. فلم يزل يرفق به حتى نزل إليه. فقال(3) له الرجل: ممن أخذت هذا الغناء؟ قال: من بعض أهل الحجاز، فمن أين أخذه جواريك؟ فقال: أخذنه من جارية كانت لي ابتاعها رجل من أهل البصرة من مكة، و كانت قد أخذت عن أبي عبّاد معبد و عني بتخريجها، فكانت تحلّ منّي محلّ الروح من الجسد، ثم استأثر اللّه عزّ و جلّ بها، و بقي هؤلاء الجواري و هنّ من تعليمها، فأنا إلى الآن أتعصّب لمعبد و أفضّله على المغنّين جميعا و أفضّل صنعته على كل صنعة. فقال له معبد: أو إنك(4) لأنت هو! أ فتعرفني؟ قال لا. قال: فصكّ(5) معبد بيده صلعته ثم قال: فأنا و اللّه معبد، و إليك قدمت من الحجاز، و وافيت البصرة ساعة نزلت السفينة لأقصدك بالأهواز، و و اللّه لا قصّرت في جواريك هؤلاء، و لأجعلنّ لك في كلّ واحدة منهنّ خلفا من الماضية. فأكبّ الرجل و الجواري على يديه و رجليه يقبّلونها و يقولون: كتمتنا نفسك طول/هذا

ص: 71


1- في جميع الأصول: «عوجا منكما». و التصويب من نسخة «مسالك الأبصار» المخطوطة بدار الكتب المصرية تحت رقم 99 تاريخ م.
2- في أ، ت، ء، م: «أ ما تقومين».
3- في ت: «فقال: أيها الرجل».
4- في ت: «و إنك لأنت هو» بغير همزة الاستفهام.
5- صكّ: ضرب.

[اليوم](1) حتى جفوناك في المخاطبة، و أسأنا عشرتك، و أنت سيّدنا و من نتمنّى على اللّه أن نلقاه. ثم غيّر الرجل زيّه و حاله و خلع عليه عدّة خلع، و أعطاه في وقته ثلاثمائة دينار و طيبا و هدايا بمثلها، و انحدر معه إلى الأهواز، فأقام عنده حتى رضي حذق جواريه و ما أخذنه عنه، ثم ودّعه و انصرف إلى الحجاز.

غناء معبد للوليد بن يزيد

اشارة

أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف و عبد الباقي بن قانع قالا: حدّثنا محمد بن زكريّا الغلابيّ(2) قال حدّثني مهديّ بن سابق قال حدّثني سليمان بن غزوان مولى هشام قال حدّثني عمر القاري(3) بن عديّ قال:

قال الوليد بن يزيد يوما: لقد اشتقت إلى معبد، فوجّه البريد إلى المدينة فأتى بمعبد، و أمر الوليد ببركة قد هيّئت له فملئت بالخمر و الماء، و أتيّ بمعبد فأمر به فأجلس و البركة بينهما، و بينهما ستر قد أرخى، فقال له غنّني يا معبد:

صوت

لهفي على فتية ذلّ الزمان لهم *** فما أصابهم إلا بما شاءوا

ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم *** حتى تفانوا و ريب الدهر عدّاء

أبكى فراقهم عيني و أرّقها *** إنّ التفرّق للأحباب بكّاء

- الغناء لمعبد خفيف ثقيل، و فيه ليحيى المكّيّ رمل، و لسليمان هزج، كلّها رواية الهشاميّ - قال: فغنّاه إيّاه، فرفع الوليد السّتر و نزع ملاءة مطيّبة كانت عليه/و قذف نفسه في تلك البركة، فنهل فيها نهلة، ثم أتى بأثواب غيرها و تلقّوه بالمجامر(4) و الطّيب، ثم قال غنّني:

صوت

يا ربع مالك لا تجيب متيّما *** قد عاج نحوك زائرا و مسلّما

جادتك كلّ سحابة(5) هطّالة *** حتى ترى عن زهرة(6) متبسّما

- الغناء لمعبد ثاني ثقيل بالوسطى و الخنصر عن ابن المكيّ. و فيه لعلّويه ثاني ثقيل/آخر بالبنصر في مجراها

ص: 72


1- زيادة في ت.
2- في ت: «العلائي» و هو تحريف؛ إذ هو أبو بكر محمد بن زكريا بن دينار الغلابيّ البصري. كذا أورده السيد مرتضى في مادة غلب في كلامه على من سمى بغلاب كسحاب. و ضبطه السمعاني بفتح الغين المعجمة و اللام. و أورده ابن النديم في «الفهرست» و قال: إنه أبو عبد اللّه محمد بن زكريا بن دينار الغلابي أحد الرواة للسّير و الأحداث و المغازي و غير ذلك، و ذكر له أسماء مؤلفات عدّة (انظر «الفهرست» طبع ليبزج ص 108).
3- كذا في أ، ء. و في ح، ر، ب، س: «عمرو بن القارئ بن عدي». و في ت: «عمر بن القاري بن عدي» و في م: «عمر القادري بن عدي». و لم نعثر على هذا الاسم حتى ترجح بعضها. و قد ورد هذا الاسم في الصفحة الآتية: «القارئ بن عدي».
4- المجامر: جمع مجمرة (بكسر الميم) و هي المبخرة. و المجمر بحذف الهاء: ما يبخر به من عود و غيره، و قد يراد به ما يراد بالمجمرة أيضا.
5- في ح: «سحية» بالحاء و هي محرّفة عن «سخيّة».
6- الزّهرة: البهجة و النضارة و الحسن. و قد صوّبه الشنقيطيّ: حتى يرى عن زهره متبسما بالالتفات من الخطاب إلى الغيبة.

عنه - قال: فغنّاه فدعا له بخمسة عشر ألف دينار فصبّها بين يديه، ثم قال: انصرف إلى أهلك و اكتم ما رأيت.

و أخبرني بهذا الخبر عمّي فجاء ببعض معانيه و زاد فيه و نقص، قال: حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزّيات قال حدّثني سليمان بن سعد(1) الحلبيّ قال:

سمعت القاري بن عديّ يقول: اشتاق الوليد بن يزيد إلى معبد، فوجّه إليه إلى المدينة فأحضر. و بلغ الوليد قدومه، فأمر ببركة بين يدي مجلسه فملئت ماء ورد قد خلط بمسك و زعفران، ثم فرش للوليد في داخل البيت على حافة البركة، و بسط لمعبد مقابله على حافة البركة، ليس معهما ثالث، و جيء بمعبد فرأى سترا مرخى و مجلس رجل واحد. فقال له الحجّاب: يا معبد، سلّم على أمير المؤمنين و اجلس في هذا الموضع؛ فسلّم فردّ عليه الوليد السّلام من خلف السّتر، ثم قال له: حيّاك اللّه يا معبد! أ تدري لم وجّهت/إليك؟ قال: اللّه أعلم و أمير المؤمنين.

قال: ذكرتك فأحببت أن أسمع منك. قال معبد: أ أغنّي ما حضر أم ما يقترحه أمير المؤمنين؟ قال: بل غنّني:

ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم *** حتى تفانوا و ريب الدهر عدّاء

فغنّاه، فما فرغ منه حتى رفع الجواري السّجف، ثم خرج الوليد فألقى نفسه في البركة فغاص فيها ثم خرج منها، فاستقبله الجواري بثياب غير الثياب الأولى، ثم شرب و سقى معبدا، ثم قال له: غنّني يا معبد:

يا ربع مالك لا تجيب متيّما *** قد عاج نحوك زائرا و مسلّما

جادتك كلّ سحابة هطّالة *** حتى ترى عن زهرة متبسّما

لو كنت تدري من دعاك أجبته *** و بكيت من حرق عليه إذا دما

قال: فغنّاه، و أقبل الجواري فرفعن السّتر، و خرج الوليد فألقى نفسه في البركة فغاص فيها ثم خرج، فلبس ثيابا غير تلك، ثم شرب و سقى معبدا، ثم قال له: غنّني. فقال: بما ذا يا أمير المؤمنين؟ قال غنّني:

عجبت لمّا رأتني *** أندب الربع المحيلا(2)

واقفا في الدار أبكي *** لا أرى إلا الطّلولا

كيف تبكي لأناس *** لا يملّون الذّميلا؟(3)

كلّما قلت اطمأنّت *** دارهم قالوا(4) الرّحيلا

قال: فلمّا غنّاه رمى نفسه في البركة ثم خرج، فردّوا عليه ثيابه، ثم شرب و سقى معبدا، ثم أقبل عليه الوليد فقال له: يا معبد، من أراد أن يزداد عند الملوك حظوة/فليكتم أسرارهم. فقلت: ذلك ما لا يحتاج أمير المؤمنين إلى إيصائي به. فقال: يا غلام، احمل إلى معبد عشرة آلاف دينار تحصّل(5) له في بلده و ألفي دينار لنفقة طريقه،

ص: 73


1- في ت: «سعيد» و في خ، ر: «سعيد الخير». و لم نعثر على هذا الاسم حتى نرجح إحدى ما في الأصول.
2- المحيل: الذي أتت عليه أحوال فغيّرته.
3- الذميل كأمير: السير اللّين ما كان أو هو فوق العنق.
4- في ت: «صاحوا» و في «نهاية الأرب» ج 4 ص 281: «جدّوا».
5- أي تدفع و تسلّم.

فحملت إليه كلّها، و حمل على البريد(1) من وقته إلى المدينة.

خبر معبد مع الرجل الشاميّ الذي لم يستحسن غناءه

قال إسحاق: و قال معبد: أرسل إليّ الوليد بن يزيد فأشخصت إليه. فبينا أنا يوما في بعض حمّامات الشام إذ دخل عليّ رجل له هيبة و معه غلمان له، فاطّلى(2) و اشتغل به صاحب الحمّام عن سائر الناس. فقلت: و اللّه لئن لم أطلع هذا على بعض ما عندي لأكوننّ/بمزجر الكلب؛ فاستدبرته حيث يراني و يسمع منّي، ثم ترنّمت، فالتفت إليّ و قال للغلمان: قدّموا إليه [جميع](3) ما هاهنا، فصار جميع ما كان بين يديه عندي. قال: ثم سألني أن أسير معه إلى منزله فأجبته، فلم يدع من البرّ و الإكرام شيئا إلا فعله، ثم وضع النبيذ، فجعلت لا آتي بحسن إلاّ خرجت إلى ما هو أحسن منه و هو لا يرتاح و لا يحفل لما(4) يرى منّي. فلما طال عليه أمري قال: يا غلام، شيخنا شيخنا، فأتي بشيخ، فلما رآه هشّ إليه، فأخذ الشيخ العود ثم اندفع يغنّي.

سلّور في القدر و يلي علوه(5) *** جاء القطّ أكله و يلي علوه(5)

- /السّلّور: السّمك الجرّيّ(6) بلغة أهل الشام - قال: فجعل صاحب المنزل يصفّق و يضرب برجله طربا و سرورا. قال: ثم غنّاه:

و ترميني حبيبة بالدّراقن(7) *** و تحسبني حبيبة لا أراها

- الدّراقن: اسم الخوخ بلغة أهل الشام - قال: فكاد أن يخرج من جلده طربا. قال: و انسللت منهم فانصرفت و لم يعلم بي. فما رأيت مثل ذلك اليوم قطّ غناء أضيع، و لا شيخا أجهل!

ص: 74


1- البريد: مسافة تقدّر باثني عشر ميلا، و يطلق على الرسول المرتب لنقل الرسائل. و قد قال الخليل بن أحمد: إنه عربيّ مشتق من بردت الحديد إذا أرسلت ما يخرج منه، أو من برد إذا ثبت لأنه يأتي بما تستقرّ عليه الأخبار. و ذهب آخرون إلى أنه فارسيّ معرّب. قال ابن الأثير في «النهاية»: إن أصله «بريده دم» و معناه مقصوص الذنب. و ذلك أن ملوك الفرس كان من عادتهم أنهم إذا أقاموا بغلا في البريد قصّوا ذنبه ليكون علامة على أنه من بغال البريد. و قد كان البريد موجودا في عهد الأكاسرة من ملوك الفرس و القياصرة ملوك الروم. أما في الإسلام فقد ذكر أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل»: أن أوّل من وضعه في الإسلام معاوية بن أبي سفيان و أحكمه بعده عبد الملك بن مروان ا ه باختصار عن «صبح الأعشى» ج 14 ص 366-372.
2- اطّلى: لطخ نفسه بنورة أو نحوها.
3- زيادة في ت.
4- الذي في «اللسان»: حفله و حفل به، مثل بالاه و بالى به.
5- لعلّ هذه لهجة شامية إذا ذاك في كلمة «عليه».
6- الجرّيّ كذميّ: حوت يكون بنيل مصر طويل أملس ليس له فصوص و لا ريش و له رأس إلى الطول و فم مستطيل كالخرطوم، و سماه ديسقوريدوس «سلورس». و قال إسحاق بن سليمان: أهل مصر يسمون الجرّيّ «السّلّور» (انظر «مفردات ابن البيطار» مادة أرى). و قد ضبطه صاحب «القاموس» في مادّة «صلور» بأنه كسنّور. و ذكره ابن الأثير في «النهاية» في حديث عمّار: «لا تأكلوا السلور و الأنقليس» و فسر الصلور بالجرّيّ، و الأنقليس بالمارماهي، و قال: إنهما نوعان من السمك كالحيات.
7- الدّراقن كعلابط و قد تشدّد الراء، قال السيد مرتضى: و هو المشهور على الألسنة، و قد فسره صاحب «القاموس» بأنه المشمش. و ذكر السيد مرتضى قول ابن دريد: إن عرب الشام يسمون الخوخ «الدراقن» و قال: إن تفسيره بالمشمش غير معروف. (انظر «تاج العروس» مادة دراقن).

معبد و ابن عائشة

قال إسحاق: و ذكر لي شيخ من أهل المدينة عن هارون بن سعد: أن ابن عائشة كان يلقي عليه و على ربيحة(1) الشّمّاسيّة، فدخل معبد فألقى عليهما صوتا، فاندفع ابن عائشة يغنّيه و قد أخذه منه؛ فغضب معبد و قال:

أحسنت يا ابن عاهرة(2) الدّار، تفاخرني! فقال: لا و اللّه - جعلني اللّه فداءك يا أبا عبّاد - و لكنّي أقتبس منك، /و ما أخذته إلاّ عنك، ثم قال: أنشدك(3) اللّه يا ابن شمّاس، هل قلت لك: قد جاء أبو عبّاد فاجمع بيني و بينه أقتبس منه؟ قال: اللّهم نعم.

أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه(4) قال:

قيل لابن عائشة، و قد غنّى صوتا أحسن فيه فقال: أصبحت أحسن الناس غناء، فقيل له: و كيف أصبحت أحسن الناس غناء؟ قال: و ما يمنعني من ذلك و قد أخذت من أبي عبّاد أحد عشر صوتا، و أبو عبّاد مغنّي أهل المدينة و المقدّم فيهم!(5)أخبرنا وكيع قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال حدّثني أبي قال حدّثني أيّوب بن عباية عن رجل من هذيل قال:

قدومه مكة و التقاؤه بالمغنين بها

اشارة

قال معبد: غنّيت فأعجبني غنائي و أعجب الناس و ذهب لي به صيت(6) و ذكر، فقلت: لآتينّ مكّة فلأسمعنّ من المغنّين بها و لأغنّينّهم و لأتعرّفنّ إليهم، فابتعت حمارا فخرجت عليه إلى مكّة. فلمّا قدمتها بعت حماري و سألت عن المغنّين أين يجتمعون؟ فقيل: بقعيقعان(7) في بيت فلان، فجئت إلى منزله بالغلس(8) فقرعت الباب، فقال:

من هذا؟ فقلت: انظر عافاك اللّه! فدنا و هو يسبّح و يستعيد كأنه يخاف، ففتح فقال: من أنت عافاك اللّه؟ قلت:

رجل من أهل المدينة. قال: /فما حاجتك؟ قلت: أنا رجل أشتهي الغناء، و أزعم أني أعرف منه شيئا، و قد بلغني أنّ القوم(9) يجتمعون عندك، و قد أحببت أن تنزلني في جانب منزلك و تخلطني بهم، فإنه لا مئونة عليك و لا عليهم منّي(10). فلوى(11) شيئا ثم قال: انزل على بركة اللّه. قال: فنقلت متاعي فنزلت في جانب حجرته. ثم جاء القوم حين أصبحوا واحدا بعد واحد(12) حتى اجتمعوا، فأنكروني و قالوا: من هذا الرجل؟ قال: رجل من أهل المدينة

ص: 75


1- لم نعثر على ضبطه و قد ضبطناه قياسا على تسميتهم «ربيح» بالتصغير.
2- كذا في ر. و في أ م،: «يا ابن عائشة» و في سائر النسخ: «يا ابن عاهة الدار».
3- في ح، ر: «أنشدك باللّه» و كلاهما صحيح.
4- في س: «أخبرني الحسين عن ابن حماد عن أبيه» و في ب، ر: «أخبرني الحسين بن حماد عن أبيه» و في ح: «أخبرني الحسن بن حماد عن أبيه» و كلها أسانيد مضطربة. و قد اعتمدنا ما أثبتناه في الصلب و قد تقدّم مرارا.
5- كذا في ح، ر. و في ت: «و متقدّمهم» و في سائر النسخ: «و المقدّم منهم عليهم».
6- في ت، ح، ر: «صوت». و الصوت و الصّات و الصّيت: الذكر.
7- قعيقعان: اسم قرية بها مياه و زروع و نخيل قرب مكة بينها و بين مكة اثنا عشر ميلا (ياقوت).
8- الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح.
9- في ت: «المغنّين».
10- في ت: «في ذلك».
11- أي تمكّث قليلا.
12- في ت «واحدا واحدا».

خفيف يشتهي الغناء و يطرب عليه، ليس عليكم منه عناء(1) و لا مكروه. فرحّبوا بي و كلّمتهم، ثم انبسطوا/و شربوا و غنّوا، فجعلت أعجب بغنائهم و أظهر ذلك لهم و يعجبهم مني، حتى أقمنا أيّاما، و أخذت من غنائهم و هم لا يدرون أصواتا و أصواتا و أصواتا. ثم قلت لابن سريج: أي(2) فديتك! أمسك عليّ صوتك:

قل لهند و تربها(3) *** قبل شحط(4) النّوى غدا

قال: أو تحسن شيئا؟ قلت: تنظّر(5)، و عسى أن أصنع شيئا، و اندفعت فيه فغنّيته، فصاح و صاحوا و قالوا: أحسنت قاتلك اللّه! قلت: فأمسك(6) عليّ صوت كذا فأمسكوه عليّ، فغنّيته، فازدادوا عجبا و صياحا.

فما تركت واحدا منهم إلا غنّيته من غنائه أصواتا قد تخيّرتها. قال: فصاحوا حتى علت أصواتهم و هرفوا(7) بي و قالوا: /لأنت أحسن بأداء غنائنا عنّا منّا. قال: قلت: فأمسكوا عليّ [و لا تضحكوا(8) بي حتى تسمعوا من غنائي(9)]، فأمسكوا عليّ؛ فغنّيت صوتا من غنائي فصاحوا بي، ثم غنّيتهم آخر و آخر فوثبوا إليّ و قالوا: نحلف باللّه إنّ لك لصيتا و اسما و ذكرا، و إنّ لك فيما هاهنا لسهما عظيما، فمن أنت؟ قلت: أنا معبد. فقبّلوا رأسي و قالوا: لفّقت(10) علينا و كنّا نتهاون بك و لا نعدّك شيئا و أنت أنت. فأقمت عندهم شهرا آخذ منهم و يأخذون منّي، ثم انصرفت إلى المدينة.

نسبة هذا الصوت
صوت

قل لهند و تربها *** قبل شحط النّوى غدا

إن تجوي فطالما *** بتّ ليلي مسهّدا

أنت في ودّ بيننا *** خير ما عندنا يدا

حين تدلي مضفّرا *** حالك اللّون أسودا

الشعر لعمر بن أبي ربيعة، و الغناء لابن سريج عن حمّاد و لم يجنّسه. و فيه لمالك خفيف ثقيل أوّل بالبنصر في مجراها عن إسحاق. و قال الهشاميّ: فيه لابن محرز خفيف ثقيل بالوسطى.

ص: 76


1- في ت: «غبن» و في بعض النسخ «عين أو غين» و هما مصحفان عنها.
2- كذا في ت، ح، ر يريد: يا مولاي، أو يا سيدي، فأي للنداء، و المنادى محذوف و في سائر الأصول: «إني فديتك».
3- التّرب: اللّدة و هو من يماثلك في سنّك، و أكثر ما يستعمل التّرب في الإناث.
4- الشّحط: البعد.
5- تنظّر: تأنّ و تريّث.
6- في ح، ر: «و أمسك».
7- هرف بفلان (من باب ضرب) هنا: مدحه حتى جاوز القدر في الثناء و الإطراء.
8- يقال: ضحك به و منه بمعنى.
9- هذه الجملة ساقطة من ت، ح، ر.
10- أي سترت علينا أمرك حتى لم نعرفك.
و من الثلاثة الأصوات المختارة
صوت فيه أربعة ألحان من رواية عليّ بن يحيى
ثاني الثلاثة الأصوات المختارة

تشكّى الكميت الجري لمّا جهدته *** و بيّن لو يسطيع أن يتكلّما

لذلك أدنى دون خيلي(1) مكانه *** و أوصي به ألاّ يهان و يكرما(2)

فقلت له: إن ألق للعين قرّة *** فهان علي أن تكلّ و تسأما

عدمت إذا و فري و فارقت مهجتي *** لئن لم أقل قرنا(3) إن اللّه سلّما

عروضه من الطويل. قوله: «لئن لم أقل قرنا»، يعني أنه يجدّ في سيره حتى يقيل بهذا الموضع، و هو قرن المنازل، و كثيرا ما يذكره في شعره.

الشعر لعمر بن أبي ربيعة المخزوميّ، و الغناء في هذا اللّحن المختار لابن سريج، ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى. و فيه لإسحاق أيضا ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو بن بانة. و فيه ثقيل أوّل يقال إنه ليحيى المكّي. و فيه خفيف رمل يقال إنه لأحمد بن موسى المنجّم. و فيه للمعتضد ثاني ثقيل آخر في نهاية الجودة. و قد كان عمرو بن /بانة صنع فيه لحنا فسقط لسقوط صنعته.

أخبرني جحظة قال حدّثني أبو عبد اللّه الهشاميّ قال:

صنع عمرو بن بانة لحنا في «تشكّي الكميت الجري» فأخبرني بعض عجائزنا بذلك، قالت فأردنا أن نعرضه على متيّم لنعلم ما عندها فيه، فقلنا لبعض من أخذه عن عمرو: غنّ «تشكّى الكميت الجري» في اللحن الجديد، فقالت متيّم: أيش(4) هذا اللحن/الجديد و الكميت المحدث؟ قلنا: لحن صنعه عمرو بن بانة. فغنّته الجارية، فقالت متيّم لها: اقطعي اقطعي، حسبك حسبك هذا! و اللّه لحمار حنين المكسور أشبه منه بالكميت.

ص: 77


1- في «ديوانه» «رباطه».
2- ورد هذا البيت في «الديوان» بعد البيت: «عدمت إذا و فرى...».
3- في «ديوانه» «إذا».
4- منحوتة من «أيّ شيء».

3 - ذكر خبر عمر بن أبي ربيعة و نسبه

نسب عمر بن أبي ربيعة

هو عمر بن عبد اللّه بن أبي ربيعة، و اسم أبي ربيعة: حذيفة بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر. و قد تقدّم باقي النسب في نسب أبي قطيفة. و يكنى عمر بن أبي ربيعة «أبا الخطّاب». و كان أبو ربيعة جدّه يسمّى «ذا الرّمحين»، سمّي بذلك لطوله، كان يقال: كأنه يمشي على رمحين.

أخبرني بذلك الحرميّ بن أبي العلاء قال حدثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي و محمد بن الضّحّاك عن أبيه الضّحّاك عن عثمان بن عبد الرحمن اليربوعيّ. و قيل: إنه قاتل يوم عكاظ برمحين فسمّي «ذا الرّمحين» لذلك.

و أخبرني بذلك أيضا عليّ بن صالح بن الهيثم قال حدّثني أبو هفّان عن إسحاق بن إبراهيم الموصليّ عن مصعب الزبيريّ و المدائنيّ و المسيّبيّ و محمد بن سلاّم(1)، قالوا: و فيه يقول عبد اللّه بن الزّبعرى:

/ألا للّه قوم و *** لدت أخت بني سهم

هشام و أبو عبد *** مناف مدرة(2) الخصم

و ذو الرّمحين أشباك(3) *** على القوّة و الحزم

فهذان يذودان *** و ذا من كثب يرمي

أسود تزدهي(4) الأقرا *** ن منّاعون للهضم

و هم يوم عكاظ م *** نعوا الناس من الهزم

و هم من ولدوا أشبوا(5) *** بسرّ الحسب الضّخم

فإن أحلف و بيت اللّ *** ه لا أحلف على إثم

ص: 78


1- قال في «كتاب المغني» المطبوع بهامش «تقريب التهذيب» طبع الهند: سلام كله بالتشديد إلا عبد اللّه بن سلام و أبا عبد اللّه محمد ابن سلام شيخ البخاريّ. ثم قال: و شدّده جماعة و المختار فيه التخفيف. أ ه بشيء من التصرّف. و قد جاء بعده في ب، س: «و العسيبي» و هي زيادة لم تستند إلا إلى نسخة ح المخطوطة. و لعله ذكر فيها هذا الاسم محرّفا عن المسيبيّ لاتفاق أكثر النسخ على ذلك.
2- المدرة: زعيم القوم و خطيبهم و المتكلم عنهم، و قد أطلق تجوّزا الآن على المحامي.
3- في جميع النسخ: «أشبال» و هو تحريف. و التصويب عن «أمالي القالي» طبع دار الكتب المصرية ج 3 ص 208 قال: و يقال أشباك بفلان كما يقال حسبك بفلان، و أنشد هذا البيت. و قد ضبطه الشنقيطي بهامش نسخته بضمتين فوق الكاف و هو خطأ.
4- تزدهي الأقران: تستخفّ بهم و تتهاون.
5- يقال: أشبى فلان إذا ولد له ولد كيّس.

لما من إخوة بين *** قصور الشام و الرّدم(1)

بأزكى من بني ريط *** ة أو أوزن في الحلم

أبو عبد مناف: الفاكه بن المغيرة. و ريطة هذه التي عناها هي أمّ بني المغيرة، و هي بنت سعيد بن سعد بن سهم، ولدت من المغيرة هشاما و هاشما ربيعة و الفاكه.

/و أخبرني أحمد بن سليمان بن داود الطّوسيّ و الحرميّ بن أبي العلاء قالا: حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن أبي ثابت قال أخبرني محمد بن عبد العزيز عن(2) ابن أبي نهشل عن أبيه قال:

قال لي أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام - و جئته أطلب/منه مغرما - يا خال، هذه أربعة آلاف درهم و أنشد هذه الأبيات الأربعة و قل: سمعت حسّان ينشدها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم. فقلت: أعوذ باللّه أن أفتري على اللّه و رسوله، و لكن إن شئت أن أقول: سمعت عائشة تنشدها فعلت. فقال: لا، إلاّ أن تقول: سمعت حسّان ينشدها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم جالس، فأبى عليّ و أبيت عليه، فأقمنا لذلك لا نتكلّم عدّة ليال. فأرسل إليّ فقال: قل أبياتا تمدح بها هشاما - يعني ابن المغيرة - و بني أميّة. فقلت: سمّهم لي، فسمّاهم و قال: اجعلها في عكاظ و اجعلها لأبيك. فقلت:

ألا للّه قوم و *** لدت أخت بني سهم

... الأبيات. قال: ثم جئت فقلت: هذه قالها أبي. فقال: لا، و لكن قل: قالها ابن الزّبعري. قال: فهي إلى الآن منسوبة في كتب الناس إلى ابن الزّبعري.

قال الزبير: و أخبرني محمد بن الحسن(3) المخزوميّ قال: أخبرني محمد بن طلحة أنّ عمر بن أبي ربيعة قائل هذه الأبيات:

ألا للّه قوم و *** لدت أخت بني سهم

/أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ و حبيب بن نصر المهلّبيّ قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني محمد بن يحيى قال حدّثني عبد العزيز بن عمران قال حدّثني محمد بن عبد العزيز عن ابن أبي نهشل عن أبيه بمثل ما رواه الزّبير عنه. و زاد فيه عمر بن شبّة: قال محمد بن يحيى: و «أخت بني سهم التي عناها ريطة بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ بن غالب، و هي أمّ بني المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم و هم:

هشام و هاشم و أبو ربيعة و الفاكه، و عدّة غيرهم لم يعقبوا(4)، و إيّاهم يعني أبو ذؤيب بقوله:

ص: 79


1- ورد هذا البيت و الذي بعد في «الأمالي» هكذا: ما إن إخوة بين قصور الشام و الردم كأمثال بني ريط ة من عرب و لا عجم و في ب، س: «تبني قصور الشام» و هو تحريف.
2- كذا في ت، و في ب، س، ح: «عبد العزيز بن أبي نهشل» و في م، ء، أ: «عبد العزيز عن أبي نهشل» و كلاهما تحريف و قد تكرر كما في الصلب قريبا في الصفحة التالية.
3- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «الحسين» و هو تحريف؛ إذ هو محمد بن الحسن بن زبالة المخزوميّ المدنيّ.
4- لم يعقبوا: لم يجيئوا بنسل.

صخب الشّوارب لا يزال كأنه *** عبد لآل أبي ربيعة مسبع(1)

ضرب بعزّهم المثل. [قال](2): و كان اسم عبد اللّه بن أبي ربيعة في الجاهلية بحيرا(3)، فسمّاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم عبد اللّه، و كانت قريش تلقّبه «العدل»، لأنّ قريشا كانت تكسو الكعبة في الجاهلية بأجمعها من أموالها سنة، و يكسوها هو من ماله سنة، فأرادوا بذلك أنه وحده عدل لهم جميعا في ذلك.

و فيه يقول ابن الزّبعري:

بحير بن ذي الرّمحين قرّب مجلسي *** و راح عليّ خيره غير عاتم(4)

و قد قيل: إن العدل هو الوليد بن المغيرة.

و كان عبد اللّه بن أبي ربيعة تاجرا موسرا، و كان متجره إلى اليمن، و كان من أكثرهم مالا. و أمّه أسماء بنت مخرّبة(5)، و قيل: مخرّمة، و كانت عطّارة يأتيها/العطر من اليمن. و قد تزوّجها هشام بن المغيرة أيضا، فولدت له أبا جهل و الحارث ابني هشام، فهي أمّهما و أمّ عبد اللّه و عيّاش ابني أبي ربيعة.

أخبرني الحرميّ و الطّوسيّ قال: حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمّي عن الواقديّ قال:

كانت أسماء بنت مخرّبة تبيع العطر بالمدينة. فقالت الرّبيّع بنت معوّذ بن عفراء الأنصاريّة - و كان أبوها قتل أبا جهل بن هشام يوم بدر و احتزّ رأسه عبد اللّه بن مسعود - و قيل: بل عبد اللّه بن مسعود هو الذي قتله - فذكرت أنّ أسماء بنت مخرّبة دخلت عليها و هي تبيع عطرا لها في نسوة، قالت: /فسألت عنّا، فانتسبنا لها. فقالت: أ أنت ابنة قاتل سيّده؟ تعني أبا جهل. قلت: بل أنا بنت قاتل عبده. قالت: حرام عليّ أن أبيعك من عطري شيئا.

قلت: و حرام عليّ أن أشتري منه شيئا، فما وجدت لعطر نتنا غير عطرك، ثم قمت، و لا و اللّه ما رأيت عطرا أطيب من عطرها، و لكنّي أردت أن أعيبه لأغيظها.

و كان لعبد اللّه بن أبي ربيعة عبيد من الحبشة يتصرّفون في جميع المهن، و كان عددهم كثيرا، فروي عن سفيان بن عيينة أنه قيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حين خرج إلى حنين: هل لك في حبش بني المغيرة تستعين بهم؟ فقال: «لا خير في الحبش إن جاعوا سرقوا و إن شبعوا زنوا، و إنّ فيهم لخلّتين(6) حسنتين إطعام الطعام و البأس يوم البأس». و استعمل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم عبد اللّه بن أبي ربيعة على الجند و مخلفيها(7)، فلم يزل عاملا عليها حتى قتل

ص: 80


1- هذا وصف لحمار الوحش. و في «لسان العرب»: يقال حمار صخب الشوارب: يردّد نهاقه في شواربه. و الشوارب: مجاري الماء في الحلق. و عبد مسبع: مهمل جريء ترك حتى صار كالسبع. (انظر «اللسان» في مادتي صخب و سبع).
2- زيادة عن ت.
3- كذا في أ، ء. و في سائر النسخ: «بجير» بالجيم و هو تحريف؛ إذ هو بجير بن أبي ربيعة المخزوميّ (انظر «تاج العروس» مادة بحر).
4- عاتم: مبطئ.
5- مخرّبة كمحدّثة «قاموس».
6- الخلة: الخصلة وزنا و معنى.
7- الجند (بالتحريك): ولاية إسلامية من ولايات اليمن الثلاث، و هي الجند و صنعاء و حضر موت. و بالجند مسجد بناه معاذ بن جبل رضي اللّه عنه. و المخاليف: جمع مخلاف، و هو الكورة و الرستاق (القرية و السواد).

عمر بن الخطّاب/رضي اللّه عنه. هذا من رواية الزّبير عن عمّه. قال: و حدّثني ابن الماجشون(1). عن عمّه أنّ عثمان بن عفّان - رحمه اللّه - استعمله أيضا عليها.

أمّ عمر بن أبي ربيعة و أخوه الحارث الملقب بالقباع

و أمّ عمر بن أبي ربيعة أمّ ولد يقال لها «مجد»، سبيت من حضر موت، و يقال من حمير. قال أبو محلّم(2)و محمد بن سلاّم: هي من حمير، و من هناك أتاه الغزل، يقال: غزل يمان، و دلّ حجازيّ.

و قال عمر بن شبّة: أمّ عمر بن أبي ربيعة أمّ ولد سوداء من حبش يقال لهم: فرسان(3). و هذا غلط من أبي زيد(4)، تلك أمّ أخيه الحارث بن عبد اللّه الذي يقال له: «القباع»، و كانت نصرانيّة. و كان الحارث بن عبد اللّه شريفا كريما ديّنا و سيّدا من سادات قريش.

قال الزّبير بن بكّار: ذكره عبد الملك بن مروان يوما و قد ولاّه عبد اللّه بن الزّبير، فقال: أرسل عوفا و قعد(5)! «لا حرّ بوادي(6) عوف». فقال له يحيى/بن الحكم: و من الحارث ابن السّوداء! فقال له عبد الملك: ما ولدت و اللّه أمة خيرا مما ولدت أمّه!.

و أخبرني عليّ بن صالح عن أبي هفّان عن إسحاق بن إبراهيم عن الزّبير و المدائنيّ و المسيّبيّ: أن أمّه ماتت نصرانيّة و كانت تسرّ ذلك منه. فحضر الأشراف جنازتها، و ذلك في عهد عمر بن الخطّاب - رحمة اللّه عليه - فسمع الحارث من النساء لغطا(7)، فسأل عن الخبر، فعرّف أنها ماتت نصرانيّة و أنه وجد الصليب في عنقها، و كانت تكتمه ذلك. فخرج إلى الناس فقال: انصرفوا رحمكم اللّه، فإنّ لها أهل دين هم أولى بها منّا و منكم فاستحسن ذلك منه و عجب الناس من فعله.

ص: 81


1- معرّب ماه كون أي لون القمر «قاموس». و هو مثلث الجيم كما في «تاج العروس». و قال السيد مرتضى: إن النوويّ في «شرح مسلم» و الحافظ بن حجر في «التقريب» اقتصرا على كسر الجيم و ضم الشين.
2- لم نعثر له على ضبط. و قد جاء في «اللسان» في مادة حلم «محلّم اسم رجل و من أسماء الرجال محلّم» فلعل ضبطه كذلك.
3- في أ، م، ء. «مرسان» و لم نعثر عليه. و في ياقوت: فرسان بالفتح و التحريك و آخره نون. ثم قال: و قال ابن الحائك: من جزائر اليمن جزائر فرسان. و فرسان قبيلة من تغلب كانوا قديما نصارى و لهم في جزائر فرسان كأس قد خربت... و يحملون التجار إلى بلد الحبش ا ه.
4- أبو زيد: كنية عمر بن شبة، و اسم أبيه زيد. و إنما قيل له ابن شبة لأن أمه كانت ترقصه و تقول: يا بابي يا شبّا و عاش حتى دبّا شيخا كبيرا خبا ا ه من «بغية الوعاة» للسيوطيّ.
5- في ب، س: «أرسل عوفا و قعد و قال: لا حر بوادي عوف» الخ و المراد أنه اعتمد على عظيم و استراح.
6- هو عوف بن محلم بن ذهل بن شيبان، و قد طلب منه عمرو بن هند أن يسلم إليه مروان القرظ و كان قد أجاره، فمنعه و أبى أن يسلمه؛ فقال الملك: «لا حرّ بوادي عوف» أي إنه يقهر من حلّ بواديه، فكلّ من فيه كالعبيد له لطاعتهم إياه. يضرب مثلا للرجل يسود الناس فلا ينازعه أحد منهم في سيادته. (انظر «أمثال الميدانيّ» ج 2 ص 157).
7- في ب، س، ح: «لفظا» و هو تحريف.

نسبة ما في هذه الأخبار من الغناء

الغناء في «ألا للّه قوم»... الأبيات
صوت

ألا للّه قوم و *** لدت أخت بني سهم

هشام و أبو عبد *** مناف مدرة الخصم

و ذو الرّمحين أشباك *** على القوّة و الحزم

فهذان يذودان *** و ذا من كثب يرمي

عروضه من مكفوف الهزج(1). الغناء لمعبد خفيف رمل من رواية حمّاد.

رأي يزيد بن عبد الملك في غناء معبد و ابن سريج

أخبرني محمد بن خلف وكيع قال قال إسماعيل بن مجمّع أخبرنا المدائنيّ عن رستم ابن صالح قال:

/قال يزيد بن/عبد الملك يوما لمعبد: يا أبا عبّاد، أني أريد أن أخبرك عن نفسي و عنك، فإن قلت فيه خلاف ما تعلم فلا تتحاش أن تردّه عليّ، فقد أذنت لك. قال: يا أمير المؤمنين، لقد وضعك ربّك بموضع لا يعصيك إلا ضالّ، و لا يردّ عليك إلا مخطئ. قال: إن الذي أجده في غنائك لا أجده في غناء ابن سريج: أجد في غنائك متانة، و في غنائه انحناثا(2) ولينا. قال معبد: و الذي أكرم أمير المؤمنين بخلافته، و ارتضاه لعباده، و جعله أمينا على أمّة نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، ما عدا(3) صفتي و صفة ابن سريج، و كذا يقول ابن سريج و أقول، و لكن أن رأى أمير المؤمنين أن يعلمني هل وضعني(4) ذاك عنده فعل(5). قال: لا و اللّه، و لكنّي أوثر الطّرب على كلّ شيء.

قال: يا سيدي فإذا كان ابن سريج يذهب إلى الخفيف من الغناء و أذهب أنا إلى الكامل التامّ، فأغرّب أنا و يشرّق هو، فمتى نلتقي؟ قال: أ فتقدر أن تحكي رقيق بن سريج؟ قال نعم، فصنع من وقته لحنا من الخفيف في:

ألا للّه قوم و *** لدت أخت بني سهم

الأربعة الأبيات. فغنّاه، فصاح يزيد: أحسنت و اللّه يا مولاي! أعد فداك أبي و أمّي، فأعاد، فردّ عليه مثل قوله الأوّل، فأعاد. ثم قال: أعد فداك أبي و أمّي، فأعاد فاستخفّه الطّرب حتى وثب و قال لجواريه: افعلن كما أفعل، و جعل يدور في الدار و يدرن معه و هو يقول:

ص: 82


1- في جميع نسخ الأصل «مكفوف الرمل» و هو خطأ و صوابه «مكفوف الهزج». و تقطيع الهزج: مفاعيلن مفاعيلن مرتين. و الكف: حذف السابع الساكن. و مطلع هذه القصيدة و أكثر أبياتها حذفت فيها نون مفاعيلن الثانية، فصارت بذلك من مكفوف الهزج.
2- في أ، م، ء: «ألحانا» و في ب، س: «انحناء» و كلاهما تحريف.
3- أي ما جاوز ما قلت صفتى و صفة ابن سريج.
4- وضعني: حطّ من قدري.
5- كذا في ت و في سائر النسخ: «فليفعل».

يا دار دوّريني *** يا قرقر امسكيني

/آليت منذ حين *** حقا لتصرميني

و لا تواصليني *** باللّه فارحميني

لم تذكري يميني!

قال: فلم يزل يدور كما يدور الصّبيان و يدرن معه، حتى خرّ مغشيا عليه و وقعن فوقه ما يعقل و لا يعقلن، فابتدره الخدم [فأقاموه(1)] و أقاموا من كان على ظهره من جواريه، و حملوه و قد جاءت نفسه أو كادت.

سيرة جوان بن عمر بن أبي ربيعة

اشارة

رجع الخبر إلى ذكر عمر بن أبي ربيعة و كان لعمر بن أبي ربيعة بن [صالح(2)] يقال له «جوان»، و فيه يقول العرجيّ:

شهيدي جوان على حبّها *** أ ليس بعدل عليها جوان

فأخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني يحيى بن محمد بن عبد اللّه بن ثوبان قال:

جاء جوان بن عمر بن أبي ربيعة إلى زياد بن عبد اللّه الحارثيّ و هو إذ ذاك أمير على الحجاز، فشهد عنده بشهادة، فتمثّل:

شهيدي جوان على حبها *** أ ليس بعدل عليها جوان

- و هذا الشعر للعرجيّ - ثم قال: قد أجزنا شهادتك، و قبله. و قال غير الزّبير: إنه جاء إلى العرجيّ فقال له: يا هذا! ما لي و ما لك تشهّرني(3) في شعرك! متى أشهدتني على صاحبتك هذه! و متى كنت أنا أشهد في مثل هذا! قال: و كان امرأ صالحا.

/و أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني بكّار بن عبد اللّه قال: استعمل بعض ولاة مكة جوان بن عمر على تبالة(4)، فحمل على/خثعم في صدقات أموالهم حملا شديدا، فجعلت خثعم سنة جوان تاريخا، فقال ضبارة بن الطّفيل:

أ تلبسنا ليلى على شعث بنا *** من العام أو يرمى بنا الرّجوان(5).

ص: 83


1- زيادة في ت.
2- زيادة في ب، س، ح.
3- في ب، س، ح: «تشهدني» بالدال.
4- تبالة: بلدة مشهورة من أرض تهامة في طريق اليمن. قال المهلّبيّ: تبالة في الإقليم الثاني عرضها تسع و عشرون درجة أ ه. بينها و بين مكة اثنان و خمسون فرسخا. و كانت أوّل عمل وليه الحجاج، فسار إليها، فلما قرب منها قال للدليل: أين تبالة؟ و على أيّ سمت هي؟ فقال: ما يسترها عنك إلا هذه الأكمة. فقال: لا أراني أميرا على موضع تستره عنّي هذه الأكمة. أهون بها ولاية! و كرّ راجعا. و لذلك قيل في مثل: «أهون من تبالة على الحجاج».
5- يقال: لبست قوما، أي تمليت بهم دهرا، و لبست فلانة عمري أي كانت معي شبابي، و البس الناس على قدر أخلاقهم أي عاشرهم. و الرجوان: مثنّى رجا، و هو جانب البئر. و قد أورد الميدانيّ المثل: «حتى متى يرمي بي الرّجوان». و رمي به الرّجوان: استهين به كما يستهان بالدلو يرمي به رجوا البئر.
صوت

رأتني كأشلاء(1) اللّجام و راقها *** أخو غزل ذو لمّة و دهان

و لو شهدتني في ليال مضين لي *** لعامين مرّا قبل عام جوان

رأتنا كريمي معشر حمّ(2) بيننا *** هوى فحفظناه بحسن صيان

نذود النفوس الحائمات(3) عن الصّبا *** و هنّ بأعناق إليه ثواني

ذكر حبش أنّ الغناء في هذه الأبيات للغريض ثاني ثقيل بالبنصر، و ذكر الهشاميّ أنه لقراريط.

أمة الواحد بنت عمر بن أبي ربيعة

قالوا: و كان لعمر أيضا بنت يقال لها: «أمه الواحد» و كانت مسترضعة في هذيل، و فيها يقول عمر بن أبي ربيعة - و قد خرج يطلبها فضلّ الطريق -:

/لم تدر و ليغفر لها ربّها *** ما جشّمتنا أمة الواحد

جشّمت الهول براذيننا(4) *** نسأل عن بيت أبي خالد

نسأل عن شيخ بني كاهل(5) *** أعيا خفاء نشدة الناشد

مولد عمر يوم قتل عمر بن الخطاب و وفاته و قد قارب السبعين

أخبرني بذلك محمد بن خلف بن المرزبان عن أبي بكر العامريّ أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ و حبيب بن نصر المهلّبيّ قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني يعقوب بن القاسم(6) قال حدّثنا أسامة بن زيد بن الحكم بن عوانة عن عوانة بن الحكم - قال: أراه عن الحسن(7) - قال:

ولد عمر بن أبي ربيعة ليلة قتل عمر بن الخطّاب - رحمة اللّه عليه - فأيّ حقّ رفع، و أيّ باطل وضع!. قال عوانة: و مات و قد قارب السّبعين أو جاوزها.

أخبرني الجوهري و المهلّبيّ قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني يعقوب بن القاسم قال حدّثني عبد اللّه بن الحارث عن ابن جريج عن عطاء قال: كان عمر بن أبي ربيعة أكبر منّي كأنّه ولد في أوّل الإسلام.

عمر بن أبي ربيعة في مجلس ابن عباس بالمسجد الحرام و إنشاده شعره

أخبرني الجوهريّ و المهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني هارون بن عبد اللّه

ص: 84


1- أشلاء اللجام: حدائده بلا سيور.
2- حمّ: قضي و قدّر.
3- في أ، م، ء: «الحاميات».
4- البراذين: جمع برذون و هو خلاف العراب من الخيل، و أكثر ما تجلب من بلاد الروم.
5- كذا في «الديوان». و في جميع الأصول: «أبي كاهل».
6- في ت: «الهيثم» و قد ورد ذكره في السند الآتي بعد: «يعقوب بن القاسم» في جميع النسخ.
7- في ت: «قال حدّثنا أسامة بن زيد بن الحكم قال أراه عن الحسن الخ» و في م: «حدّثنا أسامة بن زيد بن الحكم بن عوانة بن الحكم قال أراه عن عوانة عن الحسن».

الزّهريّ(1) قال: حدّثنا ابن أبي ثابت، و حدّثني به عليّ(2) بن صالح بن الهيثم عن أبي هفّان عن إسحاق عن المسيّبيّ و الزّبيريّ و المدائنيّ و محمد بن سلاّم، قالوا: قال أيّوب/بن سيّار، و أخبرني به الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن الحسن المخزوميّ عن عبد العزيز بن عمران عن أيّوب بن سيّار عن عمر الركاء(3) قال: بينا ابن عبّاس في المسجد الحرام و عنده نافع بن الأزرق و ناس من الخوارج يسألونه، إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين مورّدين أو ممصّرين(4) حتى دخل و جلس، فأقبل عليه ابن عباس فقال أنشدنا فأنشده:

أ من آل نعم أنت غاد فمبكر *** غداة غد(5) أم رائح فمهجّر

حتى أتى على آخرها. فأقبل عليه نافع بن الأزرق فقال: اللّه يا ابن عبّاس! إنّا نضرب إليك أكباد الإبل(6) من أقاصي البلاد نسألك عن الحلال و الحرام فتتثاقل عنّا، و يأتيك غلام(7) مترف من مترفي قريش فينشدك:

/رأت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت *** فيخزى و أمّا بالعشىّ فيخسر

فقال: ليس هكذا قال. قال: فكيف قال؟ فقال: قال:

رأت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت *** فيضحى و أمّا بالعشىّ فيخصر(8)

فقال: ما أراك إلا و قد(9) حفظت البيت! قال: أجل! و إن شئت أن أنشدك القصيدة أنشدتك إيّاها. قال فإنّي أشاء، فأنشده القصيدة حتى أتى على آخرها. و في غير رواية عمر بن شبّة: أنّ ابن عباس أنشدها من أوّلها إلى آخرها، /ثم أنشدها من آخرها إلى أوّلها مقلوبة، و ما سمعها قطّ إلا تلك المرّة صفحا(10). قال: و هذا غاية الذكاء. فقال له بعضهم: ما رأيت أذكى منك قطّ. فقال: لكنّي ما رأيت قطّ أذكى من عليّ بن أبي طالب - عليه السّلام -. و كان ابن عباس يقول: ما سمعت شيئا قط إلا رويته، و إني لأسمع صوت النائحة فأسدّ أذنيّ كراهة أن أحفظ ما تقول. قال: و لامه بعض أصحابه في حفظ هذه القصيدة: «أ من آل نعم...» فقال: إنّا نستجيدها(11).

و قال الزّبير في خبره عن عمّه: فكان ابن عباس بعد ذلك كثيرا ما يقول: هل أحدث هذا المغيريّ شيئا بعدنا؟.

قال: و حدّثني عبد اللّه بن نافع بن ثابت قال:

ص: 85


1- في ت: «الزبيري».
2- في ب، س، ح، ر: «بن أبي صالح». و قد تكرر ذكره كثيرا «علي بن صالح».
3- لم نعثر على هذا الاسم. و لعله مضاف إلى اسم موضع. و هو كما في ياقوت - بوزن كتاب - موضع عن ابن دريد، و ابن فارس بفتح الراء. أو لعله وصف له من ركا الأرض ركوا إذا حفرها.
4- قال أبو عبيد: الثياب الممصّرة: التي فيها شيء من صفرة ليست بالكثيرة.
5- في م، ء، أ، ب: «أو».
6- في ت، ح: «المطىّ».
7- لم توجد هذه الكلمة إلا في ح، ب.
8- يضحى: يظهر للشمس. و عارضت: قابلت. و الضمير فيه محذوف أي عارضته. و يخصر: يبرد.
9- كذا في ت. و في سائر النسخ: «إلا قد كنت حفظت...».
10- أي مرورا؛ يقال: صفحت الجيش على الأمير إذا أمررته عليه.
11- كذا في ت: و في سائر النسخ: «فقال: إنها أ من آل نعم، يستجيدها».

كان عبد اللّه بن الزّبير إذا سمع قول عمر بن أبي ربيعة:

فيضحى و أمّا بالعشيّ فيحضر

قال: لا، بل:

فيخزى و أمّا بالعشيّ فيخسر

قال عمر بن شبّة و أبو هفّان و الزّبير في حديثهم: ثم أقبل على ابن أبي ربيعة فقال: أنشد، فأنشده:

تشطّ غدا دار جيراننا

و سكت، فقال ابن عباس:

و للدّار بعد غد أبعد

فقال له عمر: كذلك قلت - أصلحك اللّه - أ فسمعته؟ قال: لا، و لكن كذلك ينبغي.

شعره و خلقه و شهادة الشعراء فيه

أخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني يعقوب بن إسحاق قال:

كانت العرب تقرّ لقريش بالتقدّم في كلّ شيء عليها إلا في الشعر، فإنها كانت لا تقرّ لها به، حتى كان عمر بن أبي ربيعة، فأقرّت لها الشعراء بالشعر أيضا و لم تنازعها شيئا.

قال الزّبير: و سمعت عمّي مصعبا يحدّث عن جدّي أنه قال مثل هذا القول. قال: و حدّثني عدّة من أهل العلم أن النّصيب قال: لعمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربّات الحجال.

قال المدائنيّ قال سليمان بن عبد الملك لعمر بن أبي ربيعة: ما يمنعك من مدحنا؟ قال: إني لا أمدح الرجال، إنما أمدح النساء. قال: و كان ابن جريج يقول: ما دخل على العواتق(1) في حجالهنّ شيء أضرّ عليهنّ من شعر عمر بن أبي ربيعة.

قال الزّبير و حدّثني عمّي عن جدّي - و ذكره أيضا إسحاق فيما رويناه عن أبي هفّان عنه عن المدائنيّ - قال قال هشام بن عروة: لا تروّوا(2) فتياتكم(3) شعر عمر بن أبي ربيعة لا يتورّطن في الزّنا تورّطا، و أنشد:

لقد أرسلت جاريتي *** و قلت لها خذي حذرك

و قولي في ملاطفة *** لزينب: نوّلي عمرك

/أخبرنا عليّ بن صالح قال حدّثني أبو هفّان عن إسحاق عن الزّبيريّ(4) قال حدّثني أبي عن سمرة الدّومانيّ(5) من حمير قال:

ص: 86


1- جمع عاتق، و هي الفتاة التي قد أدركت فخدّرت في بيت أهلها و لم تتزوّج؛ سميت بذلك لأنها عتقت عن خدمة أبويها و لم يملكها زوج بعد.
2- أي لا تحملوهنّ على روايته؛ يقال: روّيته الشعر و أرويته إياه، إذا حملته على روايته.
3- في، ح، ر، م: «فتيانكم... لا يتورّطوا».
4- كذا في ب، س، ح، ر: و في سائر النسخ: «الزبير» و لعله تحريف؛ إذ هو مصعب بن ثابت بن عبد اللّه الزبيريّ، و هو يروي عن أبيه.
5- نسبة إلى «دومان» (بضم أوّله و ميم مفتوحة بعدها ألف و في آخره نون): بطن من همدان. و همدان: قبيلة باليمن. كذا ضبطه السمعاني في «الأنساب». و قد ضبط بالقلم في «القاموس» في الطبعة الثالثة الأميرية «دومان» بفتح أوّله و سكون ثانيه.

إنّي لأطوف بالبيت فإذا أنا بشيخ في الطّواف، فقيل لي: هذا عمر بن/أبي ربيعة. فقبضت على يده و قلت له:

يا ابن أبي ربيعة. فقال: ما تشاء؟ قلت: أ كلّ ما قلته في شعرك فعلته؟ قال: إليك عنّي. قلت: أسألك باللّه! قال:

نعم و أستغفر اللّه.

قال إسحاق و حدّثني الهيثم بن عديّ عن حمّاد الرّاوية: أنه سئل عن شعر عمر بن أبي ربيعة فقال: ذاك الفستق(1) المقشّر.

أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير عن عمّه قال:

سمع الفرزدق شيئا من نسيب(2) عمر فقال: هذا الذي كانت الشعراء تطلبه فأخطأته و بكت الديار، و وقع هذا عليه. قال: و كان بالكوفة رجل من الفقهاء تجتمع إليه الناس فيتذاكرون العلم، فذكر يوما شعر عمر بن أبي ربيعة فهجّنه. فقالوا له: بمن ترضى؟ و مرّ بهم حمّاد الراوية فقال: قد رضيت بهذا. فقالوا له: /ما تقول فيمن يزعم أنّ عمر بن أبي ربيعة لم يحسن شيئا؟ فقال: أين هذا؟ اذهبوا بنا إليه. قالوا: نصنع به ما ذا؟ قال: ننزو على أمّه لعلّها تأتي بمن هو أمثل من عمر.

قال إسحاق: و قال أبو المقوّم الأنصاريّ: ما عصى اللّه بشيء كما عصي بشعر عمر بن أبي ربيعة.

قال إسحاق: و حدّثني قيس بن داود(3) قال حدّثني أبي قال: سمعت عمر بن أبي ربيعة يقول: لقد كنت و أنا شابّ أعشق و لا أعشق، فاليوم صرت إلى مداراة الحسان إلى الممات. و لقد لقيتني فتاتان مرّة فقالت لي إحداهما:

أدن منّي يا ابن أبي ربيعة أسرّ إليك شيئا. فدنوت منها و دنت الأخرى فجعلت تعضّني، فما شعرت بعضّ هذه من لذّة سرار هذه.

قال إسحاق: و ذكر عبد الصّمد بن المفضّل(4) الرّقاشيّ عن محمد بن فلان الزّهريّ - سقط اسمه - عن إسحاق عن عبد اللّه بن مسلمة(5) بن أسلم قال: لقيت جريرا فقلت له: يا أبا حزرة، إنّ شعرك رفع إلى المدينة و أنا أحبّ أن تسمعني منه شيئا. فقال: إنكم يأهل المدينة يعجبكم النّسيب، و إنّ أنسب الناس المخزوميّ. يعني ابن أبي ربيعة.

قال إسحاق: و ذكر محمد بن إسماعيل الجعفريّ عن أبيه عن خاله عبد العزيز(6) بن عبد اللّه بن عيّاش بن أبي ربيعة قال: أشرف عمر بن أبي ربيعة على أبي قبيس، و بنو أخيه معه و هم محرمون، فقال لبعضهم: خذ بيدي فأخذ بيده، و قال/: و ربّ هذه البنيّة(7) ما قلت لامرأة قطّ شيئا لم تقله لي، و ما كشفت ثوبا عن حرام قطّ. قال:

ص: 87


1- في أ، م، ء: «الفاسق المفسد» و هو تحريف؛ بدليل قول حماد نفسه في الحكاية التالية.
2- في ب، س، م، ء، أ: «تشبيب»، و النسيب و الغزل و التشبيب كلها بمعنى واحد.
3- في ب، س، ح: «رافد» و في ر: «راقد».
4- في ب، س، م: «الفضل».
5- في ت، ح، ر: «سلمة».
6- في ت: «عن خاله عن عبد العزيز».
7- في ت، أ، م، ء: «الكعبة» و هما اسمان لها.

و لمّا مرض عمر مرضه الذي مات فيه جزع أخوه الحارث جزعا شديدا. فقال له عمر: أحسبك إنما تجزع لما تظنّه بي، و اللّه ما أعلم أنّي ركبت فاحشة قطّ! فقال: ما كنت أشفق عليك إلاّ من ذلك، و قد سلّيت عنّي.

قال إسحاق: حدّثني مصعب الزّبيريّ قال قال مصعب بن عروة بن الزّبير: خرجت أنا و أخي عثمان إلى مكة معتمرين أو حاجّين، فلما طفنا بالبيت مضينا إلى الحجر نصلّي فيه، فإذا شيخ قد فرج بيني و بين أخي فأوسعنا له.

فلما قضى صلاته أقبل علينا فقال: من أنتما؟ فأخبرناه. فرحّب بنا و قال: يا ابني أخي، إني موكّل بالجمال أتبعه، و إني رأيتكما فراقني حسنكما و جمالكما، فاستمتعا بشبابكما قبل أن تندما عليه، ثم قام، فسألنا عنه فإذا هو عمر بن أبي ربيعة.

أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني محمد بن الضّحّاك قال:

عاش عمر أبي ربيعة ثمانين سنة، فتك منها أربعين سنة، و نسك أربعين سنة.

قال الزّبير و حدّثني إبراهيم بن حمزة و محمد بن ثابت عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه قال:

حججت/مع أبي و أنا غلام و عليّ جمّة(1). فلما قدمت مكة جئت عمر بن أبي ربيعة، فسلّمت عليه و جلست معه، فجعل يمدّ الخصلة من شعري ثم يرسلها فترجع على ما كانت عليه، و يقول: وا شباباه! حتى فعل ذلك مرارا.

ثم قال لي: يا ابن أخي، قد سمعتني أقول في شعري: قالت لي و قلت لها، و كلّ مملوك لي حرّ إن كنت كشفت/عن فرج حرام قطّ! فقمت و أنا متشكّك في يمينه، فسألت عن رقيقه فقيل لي: أمّا في الحوك(2) فله سبعون عبدا سوى غيرهم.

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثتني ظبية(3) مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب قالت:

مررت بجدّك عبد اللّه بن مصعب و أنا داخلة منزله و هو بفنائه و معي دفتر، فقال: ما هذا معك؟ و دعاني.

فجئته و قلت: شعر عمر بن أبي ربيعة. فقال: ويحك! تدخلين على النساء بشعر عمر بن أبي ربيعة! إنّ لشعره لموقعا من القلوب و مدخلا لطيفا، لو كان شعر يسحر لكان هو، فارجعي به. قالت: ففعلت.

[قال إسحاق](4): و أخبرني الهيثم بن عديّ قال:

قدمت امرأة مكة و كانت من أجمل النساء. فبينا عمر بن أبي ربيعة يطوف إذ نظر إليها فوقعت في قلبه، فدنا منها فكلّمها، فلم تلتفت إليه. فلما كان في الليلة الثانية جعل يطلبها حتى أصابها. فقالت له: إليك عنّي يا هذا، فإنك في حرم اللّه و في أيام عظيمة الحرمة. فألحّ عليها يكلّمها، حتى خافت أن يشهّرها. فلما كان في الليلة الأخرى قالت لأخيها: اخرج معي يا أخي فأرني المناسك، فإنّي لست أعرفها، فأقبلت و هو معها. فلما رآها عمر أراد أن يعرض لها، فنظر إلى أخيها معها فعدل عنها، فتمثّلت المرأة بقول النابغة(5):

ص: 88


1- الجمة بالضم: مجتمع شعر الرأس.
2- في ت: «الحول» و في م، ء: «الخوك» و لم نعثر عليه. و لعله اسم موضع.
3- في ت: «طيبة».
4- هاتان الكلمتان ساقطتان من أ، م، ء.
5- كذا في ت. و في سائر النسخ: «جرير» تحريف. و قد ورد هذا البيت في كتاب «شرح الأشعار الستة» للأعلم الشنتمري المخطوط بدار الكتب المصرية تحت رقم 81 أدب ش ضمن قصيدة ميمية للنابغة، مطلعها: قالت بنو عامر خالوا بني أسد يا بؤس للجهل ضرّارا لأقوام خالوا بني أسد: قاطعوهم، من خالاه مخالاة و خلاء: فارقه.

تعدو الذئاب على من لا كلاب له *** و تتّقي صولة المستأسد الحامي(1)

قال إسحاق: فحدّثني السّنديّ(2) مولى أمير المؤمنين أن المنصور قال - و قد حدّث بهذا الخبر -: وددت أنه لم تبق فتاة من قريش في خدرها إلاّ سمعت بهذا الحديث.

قال إسحاق: قال لي الأصمعيّ: عمر حجّة في العربية، و لم يؤخذ عليه إلا قوله:

ثم قالوا تحبّها قلت بهرا(3) *** عدد الرّمل(4) و الحصى و التّراب

و له في ذلك مخرج، إذ قد أتى به على سبيل الإخبار(5). قال: و من الناس من يزعم أنه إنما قال:

قيل لي هل تحبّها قلت بهرا

نسبة ما مضى في هذه الأخبار من الأشعار التي قالها عمر بن أبي ربيعة و غنّى فيها المغنّون إذ كانت لم تنسب هناك لطول شرحها

شعر عمر الذي غنى فيه المغنّون
اشارة

منها ما يغنّى فيه من قوله:

صوت

أ من آل نعم أنت غاد فمبكر *** غداة غد أم رائح فمهجّر

لحاجة نفس لم تقل في جوابها(6) *** فتبلغ عذرا و المقالة تعذر

/أشارت(7) بمدراها و قالت لأختها *** أ هذا المغيريّ الذي كان يذكر؟

فقالت: نعم لا شكّ غيّر لونه *** سر الليل يطوي نصّه(8) و التهجّر

ص: 89


1- في جميع الأصول: «الضاري» و هو من قصيدة ميمية، كما سبق. و أورده في «اللسان» (مادة ثفر) «المستثفر الحامي». يقال: استثفر الكلب، إذا أدخل ذنبه بين فخذيه حتى يلزقه ببطنه.
2- في أ، م، ء: «المسندي».
3- أي أحبها حبا بهرني بهرا أي غلبني غلبة. و قيل: معناه عجبا. عن «المغني».
4- في ت: «القطر» و في «ديوانه»: «النجم».
5- و قد خرّج أيضا على أنه استفهام بتقدير الهمزة. و الأخفش يجيز حذف الهمزة في الاختيار، و غيره لا يجيزه إلا في الضرورة (راجع المغني مع حاشية الأمير ج 1 ص 12).
6- يريد: في جواب سؤالها، أي في جواب السؤال عنها. و تعذر هنا: تبدي العذر. يريد: لحاجة نفس كتمتها فلم تقل في جواب السؤال عنها شيئا يبلغ سائليك عذرك؛ فإن التصريح بما تنتويه، يكشف عذرك و يبديه.
7- في «ديوانه»: قفي فانظري أسماء هل تعرفينه و المدرى و المدراة: حديدة يحك بها الرأس.
8- نص السرى: إسراعه. و أصل النص: حث الدابة و استخراج أقصى ما عندها من السير.

رأت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت *** فيضحى و أمّا بالعشيّ فيخصر

/أخا سفر جوّاب أرض تقاذفت *** به فلوات فهو أشعث أغبر

و ليلة ذي دوران(1) جشّمتني السّرى(2) *** و قد يجشم الهول المحبّ المغرّر

فقلت: أباديهم(3) فإمّا أفوتهم *** و إمّا ينال السيف ثأرا فيثأر

هذه الأبيات جمعت على غير توال؛ لأنه إنما ذكر منها ما فيه صنعة. غنّى في الأوّل و الثاني من الأبيات ابن سريج خفيف رمل بالبنصر عن أحمد بن المكيّ و ذكر حبش أن فيهما لمعبد لحنا من الثّقيل الأوّل بالبنصر.

و غنّى ابن سريج في الثالث و الرابع أيضا خفيف ثقيل بالوسطى، و ذكر حبش أن فيهما لحنا من الهزج بالوسطى لحكم(4). و غنّى ابن سريج في الخامس و السادس لحنا من الرّمل بالوسطى عن عمرو بن بانه. و ذكر يونس أن في السّابع و الثامن لابن سريج لحنا و لم يذكر طريقته، و ذكر حبش أن فيهما لمالك لحنا من الثقيل الثاني بالبنصر.

/أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان(5) قال أخبرني محمد بن إسحاق قال أخبرني محمد بن حبيب(6) عن هشام بن الكلبيّ:

أنّ عمر بن أبي ربيعة أتى عبد اللّه بن عباس و هو في المسجد الحرام فقال: متّعني اللّه بك! إنّ نفسي قد تاقت إلى قول الشّعر و نازعتني إليه، و قد قلت منه شيئا أحببت أن تسمعه و تستره عليّ. فقال: أنشدني، فأنشده:

أ من آل نعم أنت غاد فمبكر

فقال له: أنت شاعر يا ابن أخي، فقل ما شئت. قال: و أنشد عمر هذه القصيدة طلحة بن عبد اللّه بن عوف الزّهريّ و هو راكب، فوقف و ما زال شانقا(7) ناقته حتى كتبت له.

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني الحسين بن إسماعيل قال حدّثنا ابن عائشة عن أبيه قال:

ص: 90


1- ذو دوران (بفتح أوّله و بعد الواو راء مهملة و آخره نون): موضع بين قديد و الجحفة (ياقوت).
2- أي كلّفتني السير ليلا.
3- أجاهرهم و أظهر لهم و مرجع الضمير فيه ظاهر في قوله من القصيدة: فلما تقضي الليل إلا أقله و كادت توالي نجمه تتغوّر أشارت بأن الحيّ قد حان منهم هبوب و لكن موعد منك عزور فما راعني إلا مناد: ترحّلوا و قد لاح معروف من الصبح أشقر فلما رأت من قد تنبه منهم و إيقاظهم قالت: أشر كيف تأمر
4- في ب، س: «عن الحكم».
5- المرزبان، بفتح الميم و سكون الراء و ضم الزاي و فتح الباء الموحدة و بعد الألف نون، و هو يطلق في اللغة الفارسية على الرجل العظيم القدر، و معناه بالعربية حافظ الحدّ، قاله ابن الجواليقيّ في كتابه «المعرّب». (انظر ابن خلكان ج 1 ص 725).
6- كذا في ت. و في سائر النسخ: «محمد بن أبي حبيب» و هو تحريف؛ إذ هو محمد بن حبيب أبو جعفر. قال ياقوت: من علماء بغداد باللغة و الشعر و الأخبار و الأنساب و كان ثقة مؤدّبا، و لا يعرف أبوه، و إنما نسب إلى أمّه. قال السيد مرتضى: «و محمد بن حبيب نسّابة، و حبيب هذه أمّه أو جدّته». و كتبه صحيحة، و له مصنفات في الأخبار، منها كتاب «المحبّر» و «الموشّى» و غيرهما. مات بسامرّا في ذي الحجة سنة 245 في أيام المتوكل (راجع ترجمته في «معجم الأدباء» لياقوت «و بغية الوعاة» للسيوطيّ).
7- يقال: شنق البعير (من بابي ضرب و نصر) إذا جذبه بالشّناق حتى يرفع رأسه. و الشناق كالزمام و زنا و معنى.

كان جرير إذا أنشد شعر عمر بن أبي ربيعة قال: هذا شعر تهاميّ إذا أنجد(1) وجد البرد، حتى أنشد قوله:

/رأت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت *** فيضحى و أمّا بالعشيّ فيخصر

قليلا على ظهر المطيّة ظلّه *** سوى ما نفى عنه الرداء المحبّر(2)

و أعجبها من عيشها ظلّ غرفة *** و ريّان ملتفّ الحدائق أخضر

و وال كفاها كلّ شيء يهمّها *** فليست لشيء آخر الليل تسهر

فقال جرير: ما زال هذا القرشيّ يهذي حتى قال الشعر.

أخبرني محمد بن خلف قال أخبرني أبو عبد اللّه اليماميّ قال حدّثني الأصمعيّ قال:

قال لي الرشيد: أنشدني أحسن ما قيل في رجل قد لوّحه(3) السّفر، فأنشدته قول عمر بن أبي ربيعة:

رأت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت *** فيضحى و أمّا بالعشيّ فيخصر

أخا سفر جوّاب أرض تقاذفت *** به فلوات فهو أشعث أغبر

... الأبيات كلّها. قال: فقال لي الرشيد: أنا و اللّه ذلك الرجل. قال: و هذا بعقب قدومه من بلاد الرّوم.

أخبرني الفضل بن الحباب الجمحيّ أبو خليفة في كتابه إليّ: قال حدّثنا محمد بن سلاّم قال أخبرني شعيب بن صخر قال:

كان بين عائشة بنت طلحة و بين زوجها عمر بن عبيد اللّه بن معمر كلام، فسهرت ليلة فقالت: إن ابن أبي ربيعة لجاهل بليلتي هذه حيث/يقول:

و وال كفاها كلّ شيء يهمّها *** فليست لشيء آخر الليل تسهر

أخبرني عليّ بن صالح قال حدّثنا أبو هفّان قال حدّثني إسحاق عن المدائنيّ قال:

/عرض يزيد بن معاوية جيش أهل الحرّة، فمرّ به رجل من أهل الشام معه ترس(4) خلق سمج، فنظر إليه يزيد و ضحك و قال له: ويحك! ترس عمر بن أبي ربيعة كان أحسن من ترسك. يريد قول عمر:

فكان مجني دون من كنت اتّقي *** ثلاث شخوص كاعبان و معصر(5)

أخبرنا جعفر بن قدامة قال حدّثني محمد بن عبد اللّه بن مالك الخزاعيّ قال: سمع أبو الحارث جمّيز(6) مغنّية تغنّي:

ص: 91


1- كذا في ت، ح، ر، و كتاب «الموشح للمرزباني» المخطوط بدار الكتب المصرية تحت رقم 3293 أدب. و في سائر النسخ «أنشد».
2- المحبّر: المزيّن المحسّن.
3- لوّحه السفر: غيره.
4- الترس: صفحة من الفولاذ مستديرة تحمل للوقاية من السيف و نحوه. و الخلق (بالتحريك): البالي، يقال للمذكر و المؤنث؛ يقال: ثوب خلق و جبّه خلق. و السمج (بسكون الميم و كسرها): القبيح.
5- المجن: الترس. و حذفت هاء التأنيث من العدد حملا على المعنى؛ لأنه أراد بالشخص المرأة. و الكاعب: التي نهد ثديها. و المعصر: التي دخلت في عصر شبابها.
6- ورد في الأصول التي بأيدينا «جمين». قال في «القاموس» في مادة جمن: «و أبو الحارث جمين كقبيط المدينيّ ضبطه المحدّثون بالنون، و الصواب بالزاي المعجمة؛ أنشد أبو بكر بن مقسم: إن أبا الحارث جمّيزا قد أوتي الحكمة و الميزا» و هو صاحب النوادر و المزاح (راجع «تاج العروس» مادة جمن).

أشارت

بمدراها و قالت لأختها *** أ هذا المغيريّ الذي كان يذكر؟

فقال جمّيز: امرأته طالق إن كانت أشارت إليه بمدراها إلا لتفقأ بها عينه، هلاّ أشارت إليه بنقانق(1) مطرف بالخردل(2)، أو سنبوسجة(3) مغموسة في الخلّ، أو لوزينجة(4) شرقة(5) بالدّهن! فإن ذلك أنفع له، و أطيب لنفسه، و أدلّ على مودّة صاحبته.

/أخبرني الحرميّ قال: حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد العزيز بن أبي أويس عن عطّاف بن خالد الوابصيّ(6) عن عبد الرحمن بن حرملة قال:

أنشد سعيد بن المسيّب قول عمر بن أبي ربيعة:

و غاب قمير كنت أرجو(7) غيوبه *** و روّح رعيان و نوّم(8) سمّر

فقال: ما له قاتله اللّه! لقد صغّر ما عظّم اللّه! يقول اللّه عز و جلّ: (وَ الْقَمَرَ قَدَّرْنٰاهُ مَنٰازِلَ حَتّٰى عٰادَ كَالْعُرْجُونِ(9) الْقَدِيمِ) .

شعر عمر في فاطمة بنت محمد بن الأشعث الكندية

اشارة

و منها ما فيه غناء لم ينسب في موضعه من الأخبار فنسب هاهنا:

صوت

تشطّ(10) غدا دار جيراننا *** و للدّار بعد غد أبعد

إذا سلكت غمر(11) ذي كندة *** مع الصّبح(12) قصد لها الفرقد(13)

ص: 92


1- جاء في «شفاء الغليل»: لقانق (باللام بدل النون الأولى): اسم لأحد الأمعاء؛ و به سمى معى الغنم المحشوّ المقليّ.
2- لعل المراد أنه محسّن بالخردل يوضع عليه. و لم نجد في كتب اللغة ما يساعد على التثبت من هذا المعنى. و الخردل: حب شجر معروف، كما في «القاموس». قال ابن البيطار: إذا دق كان داخله أصفر و فيه نداوة أ ه و هو المعروف باسم (La moutarde) .
3- السّنبوسج - و ورد بالقاف و الكاف بدل الجيم -: ما يحشى بقدر (قطع) اللحم و الجوز و نحوه من الرّقاق المعجون بالسمن أو الشّيرج. «أقرب الموارد».
4- اللّوزينج: من الحلواء شبه القطائف يؤدم بدهن اللوز. «أقرب الموارد».
5- شرقة: غاصّة ممتلئة.
6- في ب، س، ح، ر: «الواصبيّ». و في ت: «الواقصيّ» و كلاهما تحريف؛ إذ هو عطاف بن خالد بن عبد اللّه بن العاص بن وابصة، كما في «تهذيب التهذيب».
7- في «ديوانه»: «أهوى».
8- نوّم: نام، و التضعيف فيه «للمبالغة».
9- العرجون: أصل العذق الذي يعوّج و تقطع منه الشماريخ فيبقى على النخل يابسا؛ سمّى بذلك لانعراجه.
10- تشط: تبعد.
11- غمر ذي كندة: موضع وراء وجرة بينه و بين مكة مسيرة يومين.
12- في «ديوانه»: «مع الركب».
13- الفرقد: نجمان في السماء من نجوم الدب الأصغر و هي في الشمال، و يقال الفرقد بالأفراد، و الفرقدان بالتثنية. و لعله يريد أنها تسير جهته؛ لأن العراق التي تقصده في الشمال الشرقيّ من مكة. و في ت: «القرقد» بقافين. و لعله تحريف؛ إذ لم نجد في هذه المادة سوى «قرقد» هكذا بدون أداة التعريف اسم جبل قرب مكة.

عراقيّة، و تهامي الهوى *** يغور بمكة أو ينجد(1)

و حثّ الحداة بها عيرها(2) *** سراعا إذا ما ونت تطرد(3)

/هنالك إمّا تعزّي الفؤاد *** و إمّا على إثرها تكمد

و ليست ببدع(4) إذا(5) دارها *** نأت و العزاء إذا أجلد

صرمت و واصلت حتّى علم *** ت أين المصادر و المورد

و جرّبت من ذاك حتّى عرف *** ت ما أتوقّى و ما أحمد

فلما دنونا لجرس(6) النّبا *** ح و الضوء، و الحيّ لم يرقدوا(7)

[نأينا(8) عن الحيّ حتّى إذا *** تودّع(9) من نارها الموقد]

بعثنا لها باغيا ناشدا(10) *** و في الحيّ بغية من ينشد

أتتنا تهادى(11) على رقبة(12) *** من الخوف أحشاؤها ترعد

تقول و تظهر وجدا(13) بنا *** و وجدي و إن أظهرت أوجد

لممّا شقائي تعلّقتكم *** و قد كان لي عندكم(14) مقعد

و كفّت سوابق من عبرة *** على الخدّ يجري(15) بها الإثمد

ص: 93


1- يأتي الغور و النجد. و الغور: المطمئن من الأرض. و النجد: ما غلظ و ارتفع منها. و المراد أنه لا يزيم أغوار مكة و نجادها و محبوبته عراقية لا يتمكن أن يصل إليها.
2- العير: الإبل، و لا واحد له من لفظه.
3- الحداة: جمع حاد، و أصله المغنّي للإبل لتنشط في السير، و قد يراد به الزاجر و السائق. و ونت: ضعفت و تباطأت. و تطرد: تساق.
4- في ت «تروع».
5- كذا في ت. و في سائر النسخ و «الديوان»: «لئن».
6- الجرس: الصوت.
7- في «الديوان»: فلما دنونا لجرس النباح إذا الضوء، و الحيّ لم يرقدوا
8- أثبتنا هذا البيت عن «ديوانه» لتوقف المعنى عليه؛ و ليلاحظه مكانه في الألحان؛ فالتاسع صار به العاشر، و هكذا.
9- تودّع: سكنت ناره و انطفأت.
10- في «الديوان»: و ناموا بعثنا لها ناشدا.
11- تتهادى: تمشي في تمايل و سكون.
12- الرقبة: التحفّظ و الفرق.
13- الوجد: الشغف و الشوق الشديد.
14- كذا في أكثر النسخ «و الديوان». و المراد: من شقائي أني تعلقتكم و قد كان لي عندكم مكانة و منزلة. و في ت: «عنكم». و معناه: و قد كان لي منأى عنكم.
15- في «ديوانه» المطبوع بأوروبا: «جال». و الإثمد: حجر الكحل. و قد ورد هذا البيت في «الديوان» بعد قوله «أتتنا تهادى... البيت» و السياق يقتضيه. و قد أبقيناه كما هو في الأصل؛ لأن البيان الآتي بعد يتبع هذا الترتيب.

//

فإنّ الّتي شيّعتنا الغداة *** مع الفجر قلبي بها مقصد(1)

[كأنّ أقاحيّ مولية(2)*** تحدّر من ماء مزن ندي](3)

غنّى معبد في الأوّل و الثاني و الثالث من الأبيات خفيف ثقيل من أصوات قليلات الأشباه عن إسحاق. و غنّى فيها أشعب [المعروف(4) بالطامع] ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ. و للغريض في الأبيات الأربعة الأول ثاني ثقيل(5) بالوسطى عن عمرو. و لابن سريج في الرابع عشر و هو:

و كفّت سوابق من عبرة

ثم الأوّل و التاسع رمل بالوسطى عن ابن المكيّ. و لمالك - و يقال إنه لمعبد - خفيف ثقيل في الرابع عشر و الثالث عشر و الأوّل عن الهشاميّ. و في السابع و الثامن و الأوّل لابن جامع ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ. و في الأوّل و الحادي عشر لابن سريج رمل بالبنصر في مجراها عن إسحاق، و فيهما(6) ثاني ثقيل بالسّبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق و لم ينسبه إلى أحد، و ذكر أحمد بن المكّيّ أنه لأبيه. و في الرابع و الخامس رمل لمعبد عن ابن المكيّ، و قيل: إنه من منحول أبيه إلى معبد. و في الثالث عشر و السادس ليونس خفيف رمل عن الهشاميّ. و في الأوّل و الثاني عشر ثاني ثقيل تشترك فيه الأصابع عن ابن المكيّ، و قال أيضا: فيه للأبجر لحن آخر من الثّقيل الثاني. و لمعبد في الرابع و السادس ثاني ثقيل آخر عنه، و فيهما/أيضا رمل لابن سريج عنه و عن حبش. و لإسحاق في الأوّل و الثاني رمل من كتابه. و لعليّة بنت المهديّ في الثالث عشر و الأوّل ثقيل أوّل. و لابن مسجح(7) في الثاني عشر و الأوّل رمل، و يقال إنه للرّطّاب، و ذكر حبش أنه لابن سريج. و في الخمسة الأبيات الأولى متوالية خفيف رمل بالوسطى ينسب إلى معبد و إلى يحيى المكيّ، و زعم حبش أنّ فيها رملا بالوسطى لابن محرز. و الذي ذكره يونس في كتابه أنّ في:

تشطّ غدا دار جيراننا

خمسة ألحان: اثنان لمعبد، و اثنان لمالك، و واحد ليونس. و ذكر أحمد بن عبيد أنّ الذي عرف صحته من الغناء فيه سبعة ألحان: ثقيل أوّل، و ثاني ثقيل، و خفيف ثقيل، و رمل، و خفيفه(8).

أخبرني بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه بن المرزبان أنّ الذي أحصي فيه إلى وقته ستة عشر لحنا. و الذي

ص: 94


1- في «ديوانه»: فتلك التي شيعتها الفتاة إلى الخدر قلبي بها مقصد و مقصد: مقتول.
2- و ليت الأرض وليا إذا مطرت بالوليّ أو الولي بالتسكين، و هو المطر يأتي بعد المطر؛ سمّى بذلك لأنه بلى الوسميّ. و الوسميّ: مطر الربيع الأوّل.
3- لم يرد هذا البيت بتلك القصيدة في «ديوانه». و لعله مدسوس على شعره لاختلاف رويّه.
4- زيادة في ت.
5- في ت: «ثاني خفيف بالبنصر» و في ح، ر: «ثاني ثقيل بالبنصر».
6- كذا في ت. و في سائر النسخ: «و فيها».
7- في ت «و لابن سريج... و ذكر حبش أنه لابن مسجح».
8- كذا ورد في جميع النسخ عدا نسخة ت، م، ء. و المذكور منها خمسة ألحان لا سبعة، و لكن ورد في ت: «و ثانيا ثقيل» بدل «و ثاني ثقيل، و ورد في م، ء: «و خفيفا ثقيل» بدل: «و خفيف ثقيل»؛ و بذلك تكون الألحان سبعة لا خمسة كما ورد في أكثر النسخ.

وجدته فيه مما جمعته هاهنا - سوى ما لم يذكر يونس طريقته - تسعة عشر لحنا: منها في الثقيل الأوّل لحنان، و في خفيف الثقيل لحنان، و في الثّقيل الثاني ستة، و في الرّمل سبعة، و في خفيف الرّمل لحنان.

و هذا الشعر يقوله عمر بن أبي ربيعة في امرأة من ولد الأشعث بن قيس حجّت فهويها و راسلها، فواصلته و دخل إليها و تحدّث معها و خطبها، فقالت: أمّا هاهنا فلا سبيل إلى ذلك، و لكن إن قدمت إلى بلدي خاطبا تزوّجتك، فلم يفعل.

أخبرني بهذا الخبر الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا محمد بن الحسن المخزوميّ عن محرز بن جعفر مولى أبي هريرة عن أبيه قال: /سمعت بديحا يقول: حجّت بنت محمد بن الأشعث الكنديّة، فراسلها عمر بن أبي ربيعة و وعدها أن يتلقّاها مساء الغد، و جعل الآية بينه و بينها أن تسمع ناشدا ينشد - إن لم يمكنه أن يرسل رسولا - يعلمها بمصيره إلى المكان الذي وعدها. قال بديح: فلم أشعر به/إلا متلثّما، فقال لي: يا بديح، ائت بنت محمد بن الأشعث فأخبرها أنّي قد جئت لموعدها، فأبيت أن أذهب و قلت: مثلي لا يعين على مثل هذا.

فغيّب بغلته عنّي ثم جاءني فقال لي: قد أضللت بغلتي فانشدها لي في زقاق(1) الحاجّ. فذهبت فنشدتها، فخرجت عليّ بنت محمد بن الأشعث و قد فهمت الآية، فأتته لموعده، و ذلك قوله:

و آية ذلك أن تسمعي *** إذا جئتكم ناشدا ينشد

قال بديح: فلمّا رأيتها مقبلة عرفت أنه قد خدعني بنشدي البغلة، فقلت له: يا عمر، لقد صدقت الّتي قالت لك:

فهذا سحرك النّسوا *** ن، قد خبّرنني خبرك(2)

قد سحرتني و أنا رجل! فكيف برقّة قلوب النساء و ضعف رأيهنّ! و ما آمنك بعدها، و لو دخلت الطّواف ظننت أنك دخلته لبليّة. قال: و حدّثها بحديثي، فما زالا ليلتهما يفصلان حديثهما بالضحك منّي.

قال الزّبير: فحدّثني أبو الهندام(3) مولى الرّبعيّين عن أبي الحارث بن عبد اللّه الرّبعيّ قال: /لقي ابن أبي عتيق بديحا فقال له: يا بديح، أخدعك(4) ابن أبي ربيعة أنه قرشيّ؟ فقال بديح: نعم! و قد أخطأه ذلك عند القسريّ(5) و صواحبه. فقال ابن أبي عتيق: ويحك يا بديح! أنّ من تغابى لك ليغبى عنك، فقد ضمّت عليه قبضتك إن كان لك ذهن، أ ما رأيت لمن كانت العاقبة؟ و اللّه ما بالى ابن أبي ربيعة أوقع عليهنّ أم وقعن عليه!.

ص: 95


1- في ت، ح: «رقاق».
2- يجوز أن يقرأ هذا البيت هكذا: فهذا سحرك، النسوا ن قد خبرتني خبرك
3- في ت: «الهيذام». و قد ذكر ابن النديم في «الفهرست» طبع ليبزج ص 82 أبا الهندام و قال إن اسمه كلاب بن حمزة من أهل حرّان و قد أقام بالبادية و قيل إنه كان معلما، و كان عالما شاعرا، و له من الكتب «كتاب النحو» و «كتاب ما تلحن فيه العامة» أ ه بتصرّف. و لم ندر أ هو هذا أم غيره. و الهيذام في اللغة: الرجل الشجاع أو الأكول.
4- كذا في ت. و في ب، س، أ، م، ء: «أحدّثك» و في ح، ر. «أخذك».
5- يراد به - فيما يظن صاحب «الأغاني» - خالد بن عبد اللّه القسري المعروف بالخرّيت. و قد روى عنه أنه نشأ بالمدينة، و كان في حداثته يتخنّث و يتتبع المخنّثين و المغنّين و يمشي مع عمر بن أبي ربيعة و يترسل بينه و بين النساء (انظر ج 19 من «الأغاني» طبعة بولاق في أخبار خالد بن عبد اللّه).

أخبرني عمّي قال حدّثنا محمد بن سعد الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن كعب بن بكر(1) المحاربيّ: أنّ فاطمة بنت محمد بن الأشعث حجّت، فراسلها عمر بن أبي ربيعة فواعدته أن تزوره، فأعطى الرسول الذي بشّره بزيارتها مائة دينار.

أخبرني عليّ بن صالح عن أبي هفّان عن إسحاق عن رجاله المذكورين، قالوا: حجّت بنت لمحمد بن الأشعث [- هكذا قال إسحاق و هو عندي الصحيح -](2) و كانت معها أمّها و قد سمعت بعمر بن أبي ربيعة فأرسلت إليه، فجاءها فاستنشدته، فأنشدها:

تشطّ غدا دار جيراننا *** و للدّار بعد غد أبعد

و ذكر القصة(3) بطولها. قال: و قد كانت لمّا جاءها أرسلت بينها و بينه سترا رقيقا تراه من ورائه و لا يراها، فجعل يحدثها حتى استنشدته، فأنشدها هذه القصيدة، /فاستخفّها الشعر فرفعت السّجف، فرأى وجها حسنا في جسم ناحل، فخطبها و أرسل إلى أمّها بخمسمائة دينار، فأبت و حجبته و قالت للرسول: تعود(4) إلينا. فكأن الفتاة غمّها ذلك، فقالت لها أمّها: قد قتلك الوجد به فتزوّجيه. قالت: لا و اللّه لا يتحدّث أهل العراق عنّي(5) أنّي جئت ابن أبي ربيعة أخطبه، و لكن إن أتاني إلى العراق تزوّجته. قال: و يقال: إنها راسلته و واعدته أن تزوره، فأجمر(6) بيته و أعطى المبشّر مائة دينار، فأتته و واعدته إذا صدر(7) الناس أن يشيّعها، و جعلت علامة ما بينهما أن يأتيها رسوله ينشدها ناقة له(8). فلما صدر الناس فعل ذلك عمر. و فيه يقول و قد شيّعها:

صوت

/

قال الخليط(9) غدا تصدّعنا(10)*** أو بعده(11)، أ فلا تشيّعنا

أمّا الرّحيل فدون بعد غد *** فمتى تقول(12) الدار تجمعنا

لتشوقنا هند و قد علمت(13)*** علما بأنّ البين يفزعنا(14)

ص: 96


1- كذا في ت. و في سائر النسخ: «بكير» و لعله تحريف؛ إذ الغالب أنه أخو لقيط بن بكر المحاربيّ الآتي بعد في صفحة 99 من هذا الجزء.
2- هذه الجملة ساقطة في أ، م، ء.
3- كذا في ب، ج، ر. و في سائر النسخ: «القصيدة».
4- في ت: «لا تعود إلينا».
5- كذا في ت. و في سائر النسخ: «خلفي».
6- أجمر بيته: بخّره بعود و نحوه.
7- صدر الناس: انصرفوا و رجعوا.
8- في ب، س: «ناقة له ضلت».
9- الخليط: القوم المختلطون الذين أمرهم واحد. و قد كثرت هذه الكلمة في الشعر العربيّ؛ لأنهم كانوا ينتجعون أيام الكلأ فتجتمع منهم قبائل شتى في مكان واحد فيتآلفون و يتحابّون، فإذا افترقوا ساءهم ذلك، و قال شعراؤهم في هذا المقام ما شاءت لهم فصاحتهم و بلاغتهم.
10- تصدّع القوم: تفرّقوا.
11- في «ديوانه»، ت، أ، م، ء: «شيعه»؛ يقال: أقام فلان شهرا أو شيعه، أي مقداره أو قريبا منه.
12- تقول هنا: تظن.
13- في «ديوانه»: «قتلت».
14- في ب، س، ح، «يقرعنا». و في «ديوانه»، ت، أ، م، ء: «فاجعنا».

/

عجبا لموقفنا و موقفها *** و بسمع تربيها(1) تراجعنا!

و مقالها سر ليلة معنا *** نعهد(2) فإنّ البين فاجعنا(3)!

قلت العيون كثيرة معكم *** و أظنّ أنّ السّير مانعنا

لا بل نزوركم بأرضكم *** فيطاع قائلكم و شافعنا

قالت أ شيء أنت فاعله *** هذا لعمرك أم تخادعنا؟

باللّه حدّث ما تؤمّله *** و اصدق فإنّ الصّدق واسعنا

اضرب لنا أجلا نعدّ(4) له *** إخلاف موعده تقاطعنا(5)

الغناء لابن سريج ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق، و ذكر عمرو أنه للغريض بالوسطى. و فيه لابن سريج خفيف رمل عن الهشاميّ، و ذكر حبش أنه لموسى شهوات.

شعره في زينب بنت موسى الجمحية

اشارة

و منها ممّا لم ينسب أيضا

صوت

لقد أرسلت جاريتي *** و قلت لها: خذي حذرك

و قولي في ملاطفة *** لزينب: نوّلي عمرك

فهزّت رأسها عجبا *** و قالت: من بذا أمرك

أ هذا سحرك(6) النّسوا *** ن، قد خبّرنني خبرك

/غنّى فيها(7) ابن سريج خفيف رمل(8) بالبنصر عن عمرو، و قال قوم: إنه للغريض. و فيها لمالك خفيف ثقيل عن ابن المكّيّ. و في هذا الشعر ألحان كثيرة، و الشعر فيها على غير هذه القافية، لأنّ هذه الأبيات لعمر من قصيدة رائيّة موصولة(9) الرّاءات بألف، إلاّ أنّ المغنّين غيّروا هذه الأبيات في هذين اللّحنين،

ص: 97


1- في الأصول التي بأيدينا: «تربتها». و التصويب عن «الديوان».
2- نأخذ عليك العهد و الميثاق أن تلقانا بعد افتراقنا.
3- في «ديوانه»، ت: «شائعنا» أي متعقبنا و ملازمنا.
4- أي نحسب الأيام و الليالي في انتظاره. و في ت: «يعدّ لكم» و في أ، م، ء: «نعدّ لكم».
5- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «يقاطعنا».
6- كذا في ح، ر، س. و في سائر النسخ: «خدعك».
7- في ح، ر، ب، س: «فيه»، و الضمير عائد على الشعر أو الصوت، و هو في «فيها» عائد على الأبيات.
8- كذا في ب، ح، ر. و في سائر النسخ؛ «خفيف ثقيل».
9- كذا في ت. و في سائر النسخ: «مردفة». و حرف الوصل في اصطلاح علماء العروض هو الذي يقع بعد الرويّ، و هو على ضربين: أحدهما ما كان بعده خروج (و هي الألف التي بعد الصلة في القافية) كقوله: عفت الديار محلها فمقامها و الثاني ألاّ يكون بعده خروج، كقوله: ألا طال هذا الليل و ازورّ جانبه و أرّقني أن لا حبيب ألاعبه و هو يقع بحروف اللين أو الهاء تأتي عقب الرويّ. و الردف: حرف ساكن من حروف المدّ و اللين يقع قبل حرف الرويّ ليس بينهما شيء. و هو إن كان ألفا لم يجز معها غيرها، و إن كان واوا جاز معه الياء (انظر «اللسان» في مادتي «وصل» و «ردف») و بذلك تكون النسخ صحيحة إذا أريد المعنى اللغويّ، و أما إذا أريد المعنى الاصطلاحيّ فلا تصح إلا نسخة ت.

فجعلوا مكان الألف كافا، و أنّما هي:

لقد أرسلت جاريتي *** و قلت لها: خذي حذرا

و أوّل القصيدة:

صوت

تصابى القلب و ادّكرا *** صباه و لم يكن ظهرا

لزينب إذ تجدّلنا *** صفاء لم يكن كدرا

أ ليست بالتي قالت *** لمولاة لها ظهرا

أشيري بالسّلام له *** إذا هو نحونا خطرا(1)

/ [لقد أرسلت جاريتي *** و قلت لها: خذي حذرا(2)]

و قولي في ملاطفة *** لزينب: نوّلي عمرا(2)

فهزّت رأسها عجبا *** و قالت: من بذا أمرا!

أ هذا سحرك النسوا *** ن، قد خبّرنني الخبرا

غنّى ابن سريج في الثالث و الرابع و الخامس(3) و الأوّل خفيف ثقيل أوّل بإطلاق الوتر/في مجرى البنصر من رواية إسحاق. و ذكر عمرو بن بانة في نسخته الأولى أنه لابن سريج، و أبو إسحاق ينسبه في نسخته الثانية إلى دحمان. و للغريض في الأوّل من الأبيات لحن من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بالوسطى في مجراها، و أضاف إليه بيتين ليسا من هذه القصيدة و هما:

طربت و ردّ من تهوى *** جمال الحيّ فابتكروا

فقل للمالكيّة(4) لا *** تلومي القلب إن جهرا(5)

و ذكر يونس أنّ لمعبد في هذا الشعر الذي أوّله:

تصابى القلب و ادّكرا

ص: 98


1- في «ديوانه»: «نظرا».
2- نقلنا هذا البيت من «الديوان» و وضعناه في مكانه من ترتيب الشعر لتوقف السياق عليه.
3- صار الآن السادس بالبيت الذي أثبتناه من «الديوان». و كلمة: «و الأوّل» بعده ليست في ت.
4- في ت، أ، م، ء: «للبربرية».
5- في ح، ر: «هجرا».

لحنين لم يذكر جنسيهما، و ذكر الهشاميّ: أنّ أحدهما خفيف ثقيل(1) و الآخر رمل. و في الأبيات التي غنّى فيها الغريض رمل لدحمان عن الهشاميّ، قال: و يقال إنه لابنة الزّبير. و زينب التي ذكرها عمر بن أبي ربيعة هاهنا، يقال لها: زينب بنت موسى أخت قدامة بن موسى الجمحيّ.

/أخبرني بذلك محمد بن خلف بن المرزبان عن أبي بكر العامريّ. و أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد العزيز الزّهريّ قال حدّثني عمّي عمران(2) بن عبد العزيز قال:

شبّب عمر بن أبي ربيعة بزينب بنت موسى الجمحيّة في قصيدته التي يقول فيها:

صوت

يا خليليّ من ملام(3) دعاني *** و ألمّا الغداة بالأظعان

لا تلوما في آل زينب إنّ ال *** قلب رهن بآل زينب عاني

ما أرى ما بقيت(4) أن أذكر المو *** قف منها بالخيف(5) إلا شجاني

- غنّى في هذه الأبيات الغريض خفيف رمل بالبنصر عن عمرو -

لم تدع للنساء عندي حظّا(6)*** غير ما قلت(7) مازحا بلساني

هي أهل الصّفاء و الودّ منّي *** و إليها الهوى فلا تعدلاني

حين قالت(8) لأختها(9) و لأخرى *** من قطين(10) مولّد: حدّثاني

كيف لي اليوم أن أرى عمر المر *** سل سرّا في القول أن يلقاني(11)؟

/قالتا: نبتغي رسولا إليه *** و نميت الحديث بالكتمان

إنّ قلبي بعد الذي نلت منها *** كالمعمّى عن سائر النّسوان(12)

ص: 99


1- هذه الكلمة ليست في ت، م، ء.
2- كذا في ت، ح، و في سائر النسخ: «حدّثني عمي أن عمران بن عبد العزيز»، و زيادة «أن» غير صحيحة كما هو ظاهر من السند نفسه.
3- في ح: «ململام» بحذف نون «من».
4- في «ديوانه» «ما حييت».
5- الخيف: ما ارتفع عن مجرى السيل و انحدر عن غلظ الجبل.
6- في «ديوانه» «نصيبا».
7- في «ديوانه»: «كنت».
8- في «ديوانه»: «ثم قالت».
9- في «ديوانه»، ت، أ، م، ء: «لتربها».
10- القطين: الخدم و الأتباع و الحشم. و المولد من العبيد و الإماء: من ولد بين العرب و نشأ مع أولادهم.
11- في «الديوان»: «... المر سل بالهجر قبل أن يلقاني».
12- في «ديوانه»: «كالمعنّى» أي المأسور المحبوس عن غيرها.

قال: و كان سبب ذكره لها أنّ ابن أبي عتيق ذكرها عنده يوما فأطراها، و وصف من عقلها و أدبها و جمالها ما شغل قلب عمر و أماله إليها، فقال فيها الشعر و شبّب بها، فبلغ ذلك ابن أبي عتيق، فلامه فيه و قال له: أ تنطق الشعر في ابنة عمّي؟ فقال عمر:

صوت

لا تلمني عتيق حسبي الذي بي *** إنّ بي يا عتيق ما قد كفاني

لا تلمني و أنت زيّنتها لي *** أنت مثل الشيطان للإنسان

إنّ بي داخلا من الحبّ قد أب *** لى عظامي مكنونه و براني

/لو بعينيك يا عتيق نظرنا *** ليلة السّفح قرّت العينان

إذ بدا الكشح و الوشاح من الدّ *** رّ و فصل فيه من المرجان(1)

قد قلى قلبي النساء سواها *** غير ما قلت مازحا بلساني(2)

/و أوّل هذه القصيدة:

إنّني(3) اليوم عاد لي أحزاني *** و تذكّرت ما مضى من زماني

و تذكّرت ظبية أمّ رئم(4) *** هاج لي(5) الشوق ذكرها فشجاني

غنّى أبو العبيس(6) بن حمدون في «لا تلمني عتيق...» لحنا من الثقيل الأوّل المطلق. و فيه رمل طنبوريّ مجهول.

ص: 100


1- لم يرد هذا البيت بتلك القصيدة في «ديوانه». و الكشح: ما بين الحجبة - و هي رأس الورك الذي يشرف على الخاصرة - إلى الإبط. و الوشاح: شبه قلادة ينسج من أديم عريض يرصع بالجواهر تشدّه المرأة بين عاتقيها.
2- ذكر في «ديوانه» صدر هذا البيت آخر و عجزه لبيت ثان هكذا: لم تدع للنساء عندي نصيبا غير ما كنت مازحا بلساني و قلى قلبي النساء سواها بعد ما كان مغرما بالغواني
3- في «ديوانه»: إنني اليوم عادني أحزاني و تذكّرت ميعتي في زماني و الميعة: أوّل الشباب و أنشطه.
4- الرثم: ولد الظبية.
5- في «ديوانه»: صدع القلب ذكرها فشجاني
6- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «أبو العنبس». و قد تكرر ذكر هذين الاسمين كثيرا في «الأغاني» في أجزاء مختلفة، و ذكرهما السنيور جويدي مرتب فهرس «الأغاني» على أنهما علمان لشخصين مختلفين، و ذكر عمن ظنه أبا العبيس أنه غنى إبراهيم بن المدبّر، و عمن حسبه أبا العنبس أنه أثنى على ألحان عبد اللّه بن طاهر. و الحقيقة أنهما علمان لشخص واحد ذكر في الأصل الذي نقلت عنه النسخة الأولى أبا العنبس و مرة أبا العبيس. و لا يبعد أن يكون اسمه أبا العبيس نودي به مصغرا تصغير ترخيم أبا العبيس. و كذلك تختلف النسخ التي بين أيدينا في أكثر المواضع التي ورد فيها هذا الاسم؛ ففي الموضع الواحد يذكره بعضها أبا العبيس و بعضها أبا العنبس كما هنا. و مما يدل على أنهما علمان لشخص واحد أنه ورد ذكره في «الأغاني» ج 9 في أخبار إبراهيم بن العباس و نسبه أبا العبيس و أنه غنى في هذين البيتين: فلو كان للشكر شخص يبين إذا ما تأمله الناظر لمثلته لك حى تراه فتعلم أنى امرؤ شاكر قال أبو الفرج: «الغناء لأبي العبيس ثقيل أوّل و فيه لرذاذ ثاني ثقيل. حدّثني أبو يعقوب إسحاق بن يعقوب النوبختي قال: حدّثني جماعة من عمومتي و أهلنا أن رذاذا صنع في هذين البيتين لحنا أعجب به الناس و استحسنوه، فلما كثر ذلك صنع فيه أبو العبيس لحنا آخر فسقط لحن رذاذ و اختار الناس لحن أبي العبيس» ا ه و ذكر أبو الفرج في ج 12 في أخبار العتابي و نسبه هذين البيتين و ذكر أن الغناء فيهما لأبي العنبس (هكذا) ابن حمدون ثقيل أوّل و لرذاذ خفيف ثقيل (هكذا)، و ذكر القصة المتقدّمة بنصها أو قريب منه. و ما أشار إليه السنيور جويدي من أن أبا العبيس غنى إبراهيم بن المدبر و أن أبا العنبس أثنى على ألحان عبد اللّه بن طاهر لا ينهض دليلا على ما زعم؛ فقد كانا متعاصرين تقريبا. فأما عبد اللّه بن طاهر فقد كان في عصر المأمون، و كان المأمون كثير الاعتماد عليه حسن الالتفات إليه، و كان واليا على الدّينور ثم ولي الشام و مصر. و كان عبد اللّه أديبا ظريفا جيد الغناء، نسب إليه صاحب «الأغاني» أصواتا كثيرة أحسن فيها و نقلها أهل الصنعة عنه. و له شعر مليح و رسائل ظريفة. توفي بمرو في سنة 230 ه. و أما إبراهيم بن المدبر فقد كان في عصر المتوكل، و كان كاتبا متقدّما من وجوه كتّاب أهل العراق و متقدّميهم و ذوي الجاه و المتصرّفين في كبار الأعمال، و كان المتوكل يقدّمه و يؤثره و يفضله. و كانت بينه و بين عريب حال مشهورة، كان يهواها و تهواه، و لهما في ذلك أخبار كثيرة و أشعار جيدة ذكرها صاحب «الأغاني» في أخبار عريب في ج 18 و في أخبار ابن المدبر في ج 19. و قد ورد هذا الاسم بهذا الاختلاف في «مسالك الأبصار»؛ فكان يذكر باسم أبي العنبس في سرد أحاديث الغناء، و لكنه حين أفرد بالترجمة ذكر باسم أبي العبيس. و قد يكون في هذا ترجيح لاختيار الاسم الأخير؛ لأن الناسخ عادة يكون أكثر تنبها عند تقييد التراجم؛ إذ كان يكتبها في سطر واحد و بلون خاص، و ليست كذلك حاله و هو يسرد الأحاديث. و قد أثبتناه في هذه الطبعة «أبا العبيس» و سننبه في كل موضع يرد فيه على اختلاف النسخ في رسمه.

/أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال أخبرني عبد الملك بن عبد العزيز عن يوسف بن الماجشون قال:

أنشد عمر بن أبي ربيعة قوله:

يا خليليّ من ملام دعاني *** و ألمّا الغداة بالأظعان

لا تلوما في آل زينب إنّ ال *** قلب رهن بآل زينب عاني

القصيدة. قال: فبلغ ذلك أبا وداعة السّهميّ فأنكره و غضب. و بلغ ذلك ابن أبي عتيق و قيل له: إنّ أبا وداعة قد اعترض لابن أبي ربيعة من دون زينب بنت موسى، و قال: لا أقرّ لابن أبي ربيعة أن يذكر امرأة من بني هصيص في شعره. فقال ابن أبي عتيق: لا تلوموا أبا وداعة أن ينعظ من سمرقند على أهل عدن! /قال الزّبير: و حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد العزيز الزّهريّ قال حدّثني عمّي عمران بن عبد العزيز قال: شبّب عمر بن أبي ربيعة بزينب بنت موسى في أبياته التي يقول فيها:

لا تلوما في آل زينب إنّ ال *** قلب رهن بآل زينب عاني

فقال له ابن أبي عتيق: أمّا قلبك فقد غيّب عنّا، و أمّا لسانك فشاهد عليك.

قال عبد الرحمن بن عبد اللّه قال عمران بن عبد العزيز: عذل ابن أبي عتيق عمر في ذكره زينب في شعره، فقال عمر:

لا تلمني عتيق حسبي الذي بي *** إنّ بي يا عتيق ما قد كفاني

لا تلمني و أنت زيّنتها لي قال: فبدره ابن أبي عتيق، فقال:

أنت مثل الشيطان للإنسان

ص: 101

فقال ابن أبي ربيعة: هكذا و ربّ البيت قلته. فقال ابن أبي عتيق: إنّ شيطانك و ربّ القبر(1) ربّما ألمّ بي، فيجد عندي من عصيانه خلاف ما يجد عندك من طاعته، فيصيب منّي و أصيب منه.

أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الملك بن عبد العزيز قال حدّثني قدامة بن موسى قال:

خرجت بأختي زينب إلى العمرة، فلما كنت(2) بسرف(3) لقيني عمر بن أبي ربيعة على فرس فسلّم عليّ.

فقلت له: إلى أين أراك متوجّها يا أبا الخطّاب؟ فقال: /ذكرت لي امرأة من قومي برزة الجمال، فأردت الحديث معها. فقلت: هل علمت أنها أختي؟ فقال: لا! و استحيا و ثنى عنق فرسه راجعا إلى مكة.

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن الهيثم قال حدّثنا العمريّ عن لقيط بن بكر(4)المحاربيّ/قال:

أنشدني ابن أبي عتيق قول عمر:

صوت

من(5) لسقيم يكتم الناس ما به *** لزينب نجوى صدره و الوساوس

أقول لمن يبغي الشّفاء متى تجيء *** بزينب تدرك بعض ما أنت لامس

فإنّك(6) إن لم تشف من سقمي بها *** فإنّي من طبّ الأطبّاء آيس

و لست بناس ليلة الدار مجلسا *** لزينب حتى يعلو الرأس رامس(7)

خلاء(8) بدت قمراؤه و تكشّفت *** دجنّته و غاب من هو حارس

و ما نلت منها محرما غير أنّنا *** كلانا من الثوب المورّد(9) لابس

ص: 102


1- في ت: «البشر». و من عادة أهل المدينة القسم بالقبر و صاحب القبر. يريدون قبر النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم.
2- في الأصول: «فلما كانت».
3- سرف ككتف: موضع على عشرة أميال من مكة قرب التنعيم و به تزوّج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي اللّه عنها سنة تسع من الهجرة في عمرة القضاء و هناك بنى بها و هناك توفيت و هو مصروف، و بعضهم ترك صرفه، جعله اسما للبقعة. (ياقوت «و شرح القاموس»).
4- كذا في ت. و في سائر النسخ: «بكير» و هو تحريف؛ إذ هو أبو هلال لقيط بن بكر المحاربيّ الكوفيّ، كان من الرواة للعلم المصنفين للكتب عاش إلى سنة 190 ه (انظر «فهرست ابن النديم» طبع مدينة ليبزج سنة 1872 ص 94).
5- كذا في «الديوان»، ت. و في سائر الأصول: «و من لسقيم» بالواو. و قد دخل عليه الخرم و هو حذف الفاء من فعولن؛ و الخرم جائز في مطلع القصيدة.
6- في «ديوانه»: فإنك إلاّ تأت يوما بزينب
7- الرامس: الدافن في الرّمس و هو القبر.
8- كذا في «ديوانه». و في الأصول كلها: «فلما بدت».
9- في ت، أ، م، ء: «و الثوب المطارف». و المطارف. جمع مطرف بالضم و الكسر، و هو رداء. من خز مربع ذو أعلام. قال الفرّاء: و أصله الضم لأنه في المعنى مأخوذ من أطرف أي جعل في طرفيه العلمان، و لكنهم استثقلوا الضمة فكسروه. و المورّد: الذي صبغ على لون الورد.

نجيّين نقضي اللهو في غير مأثم *** و إن رغمت م الكاشحين المعاطس

/قال: فقال ابن أبي عتيق: أمنّا(1) يسخر ابن أبي ربيعة! فأيّ محرم بقي! ثم أتى عمر فقال له: يا عمر، أ لم تخبرني أنّك ما أتيت حراما قطّ؟ قال بلى! قال: فأخبرني عن قولك:

كلانا من الثّوب المورّد لابس

ما معناه؟ قال: و اللّه لأخبرنّك! خرجت أريد المسجد و خرجت زينب تريده، فالتقينا فاتّعدنا(2) لبعض الشّعاب، فلما توسّطنا الشّعب أخذتنا السماء، فكرهت أن يرى بثيابها بلل المطر، فيقال لها: أ لا استترت بسقائف المسجد أن كنت فيه، فأمرت غلماني فسترونا بكساء خزّ كان عليّ؛ فذلك حين أقول:

كلانا من الثوب(3) المطارف لابس

فقال له ابن أبي عتيق: يا عاهر! هذا البيت يحتاج إلى حاضنة! الغناء في هذه الأبيات التي أوّلها:

من(4) لسقيم يكتم النّاس ما به

لرذاذ ثقيل أوّل، و كان بعض المحدثين ممن شاهدناه يدّعي أنه له، و لم يصدّق.

أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الملك بن عبد العزيز عن يوسف بن الماجشون قال:

قال عمر بن أبي ربيعة في زينب بنت موسى:

صوت

طال من آل زينب الإعراض *** للتعدّي و ما بها الإبغاض(5)

و وليدين كان علّقها القل *** ب إلى أن علا الرءوس بياض

حبلها عندنا متين و حبلي *** عندها واهن القوى أنقاض(6)

الغناء في هذه الأبيات لابن محرز خفيف رمل بالبنصر عن عمرو. و قال الهشاميّ: فيه لابن جامع خفيف رمل آخر.

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال قال عبد الرحمن بن عبد اللّه و حدّثني إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز عن أبيه قال:

لمّا قال عمر بن أبي ربيعة في زينب:

ص: 103


1- كذا في ت. و في سائر النسخ: «أبنا سخر الخ». و في «اللسان» في مادة سخر: «الجوهريّ، حكى أبو زيد سخرت به و هو أردأ اللغتين».
2- اتعدنا: تواعدنا.
3- في س: «من أثواب المطارف».
4- كذا في ت. و في سائر النسخ: «و من».
5- كذا في «ديوانه»، ر، ب، أ. و في ت، س، م: «للصغيرى و ما بها الإبغاض» و هو تحريف. و في سائر النسخ: «للمغيرى و ما بها الإبغاض». و هذه رواية جيدة، غير أن «أعرض» إنما تتعدى بعن لا باللام.
6- أنقاض: جمع نقض بالكسر، و هو الحبل الذي لم يجوّد فتله و لم يبرم.

لم تدع للنساء عندي نصيبا *** غير ما قلت مازحا بلساني

قال له ابن أبي عتيق: رضيت لها بالمودّة، و للنساء بالدّهفشة(1). قال: و الدّهفشة: التّجميش(2) و الخديعة بالشيء اليسير. [و قال(3) غير الزّبير في هذا الخبر: الدهقشة(4)، مكان الدهفشة].

/و مما قاله عمر في زينب و غنّي فيه قوله:

صوت

أيّها الكاشح المعيّر(5) بالصّر *** م تزحزح فما لها الهجران(6)

لا مطاع في آل زينب فارجع *** أو تكلّم حتّى يملّ(7) اللّسان

نجعل الليل موعدا حين نمسي *** ثم يخفي حديثنا الكتمان

كيف صبري عن بعض نفسي و هل يص *** بر عن بعض نفسه الإنسان!

و لقد أشهد المحدّث عند ال *** قصر فيه تعفّف و بيان(8)

في زمان من المعيشة لدن(9) *** قد مضى عصره(10) و هذا زمان

الغناء في هذه الأبيات لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو و دنانير. و ذكر يونس أنّ فيه لحنا لابن محرز و لحنا لابن عباد الكاتب، أوّل لحن ابن عبّاد الكاتب:

لا مطاع في آل زينب......

و أوّل لحن ابن محرز:

و لقد أشهد المحدّث......

ص: 104


1- في ب، س، ح، ر، ء: «و للنساء الدهشنة». و في ت: «و للنساء بالدهشنة» بالنون. و في م، ء: «و للنساء الدهشنة». و كل ذلك محرّف عن «الدهفشة» بالفاء.
2- التجميش: المداعبة و المغازلة.
3- زيادة في ت.
4- في هذه النسخة كذا: «الدهفشة مكان الدهنشة» و هو محرّف عما أثبتناه. قال السيد مرتضى: «و مما يستدرك عليه الدهفشة بالقاف لغة في الفاء، أورده صاحب «اللسان» و أهمله الجماعة».
5- في «ديوانه»: «المعرّض».
6- الكاشح: عدوّك الذي يولّيك كشحه و يعرض عنك بوجهه. و الصرم: الهجر.
7- في ت: «يكلّ».
8- كذا في أكثر النسخ و «الديوان». و لعله يريد بالمحدّث مكان التحدّث أو التحدّث نفسه. يعني أنه و إياها كانت لهما عند القصر أحاديث فيها التعفف و البيان في زمان الخ. و في ح: و لقد أشهد المحدّث عنها ال قسّ فيه تعفف و بيان و القس (بالفتح) هنا: رئيس من رؤساء النصارى في الدين و العلم. و لعله يريد أن القس إذا ذكرها أفصح في بيان محاسنها و عفّ في حديثه عن خلقها و فضائلها.
9- كذا في أ، م، ء. و اللدن: اللين. و في سائر النسخ «لذّ» و اللذ؛ اللذيذ؛ قال تعالى: (مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشّٰارِبِينَ).
10- في ب، س: «عسره» و هو تحريف.

و مما غنّي فيه لابن محرز من أشعار عمر بن أبي ربيعة في زينب بنت موسى قوله:

صوت

يا من لقلب متيّم كلف *** يهذي بخود(1) مريضة النّظر

تمشي الهوينى إذا مشت فضلا(2) *** و هي كمثل العسلوج(3) في الشّجر

- للغريض في هذين البيتين خفيف رمل بالوسطى، و لابن سريج رمل بالبنصر عن الهشاميّ و حبش -

ما زال طرفي يحار إذ برزت(4)*** حتى رأيت النقصان في بصري

أبصرتها ليلة و نسوتها *** يمشين بين المقام و الحجر

ما إن طمعنا بها و لا طمعت *** حتّى التقينا ليلا على قدر(5)

بيضا حسانا خرائدا قطفا(6)*** يمشين هونا كمشية البقر

قد فزن بالحسن و الجمال معا *** و فزن رسلا(7) بالدّلّ و الخفر

ينصتن يوما لها إذا نطقت *** كيما يشرّفنها على البشر

قالت لترب لها تحدّثها *** لنفسدنّ الطّواف في عمر

قومي تصدّي له ليعرفنا *** ثم اغمزيه يا أخت في خفر

/قالت لها قد غمزته فأبى *** ثم اسبطرّت(8) تسعى على أثري

من يسق بعد المنام ريقتها(9)*** يسق بمسك و بارد خصر(10)

[غنّى في هذا الشعر الغريض خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. و غنّ فيه ابن سريج رملا بالبنصر عن الهشاميّ و حبش](11).

[و منها](12):

ص: 105


1- الخود: الفتاة الحسنة الخلق النابة ما لم تصر نصفا و هي المرأة بين الحدثة و المسنة.
2- كذا في «ديوانه»، ح، ر. و الفضل بضمتين: المختالة التي تفضل من ذيلها. و في سائر النسخ: «قطفا» تحريف.
3- العسلوج: الغصن اللّين الأخضر.
4- في «ديوانه»، ح، ر: «نظرت».
5- على قدر: على غير موعد. يريد أن التقاءهما كان مقدّرا في الأزل لا علم له به و لا سعى إليه؛ كما قيل: جاء الخلافة أو كانت له قدرا كما أتى ربه موسى على قدر
6- جمع قطوف، و هي البطيئة في السير.
7- الرسل بالكسر هنا: الرفق و التؤدة. و الخفر: شدّة الاستحياء.
8- اسبطرت: أسرعت.
9- كذا في «الديوان». و في جميع النسخ: من يسق بعدي الكرى بريقتها
10- كذا في «ديوانه». و في الأصول: يسق بكأس ذي لذة خصر و الكأس مؤنثة. و الخصر: البارد.
11- زيادة في ت.
12- زيادة في ح، أ، ء، م. و مرجع الضمير فيه الأشعار التي قالها عمر في زينب بنت موسى و غنى فيها.
صوت

ألا يا بكر قد طرقا *** خيال هاج لي الأرقا

لزينب(1) إنها همّي *** فكيف بحبلها خلقا

خدلجّة(2) إذا انصرفت *** رأيت وشاحها قلقا(3)

و ساقا تملأ الخلخا *** ل فيه تراه مختنقا

/إذا ما زينب ذكرت *** سكبت الدمع متّسقا

كأنّ سحابة تهمي *** بماء حمّلت غدقا(4)

الغناء لحنين رمل عن الهشاميّ. و فيه لابن عبّاد(5) خفيف ثقيل، و يقال: إنه ليونس. و مما قاله [فيها(6)] أيضا و غنّي فيه:

صوت

ألمم بزينب إنّ البين قد أفدا(7) *** قلّ الثّواء لئن كان الرّحيل غدا

قد حلفت ليلة الصّورين(8) جاهدة *** و ما على المرء إلا الحلف(9) مجتهدا

لأختها و لأخرى من مناصفها(10) *** لقد وجدت به فوق الذي وجدا

لو جمّع الناس ثم اختير صفوهم *** شخصا من الناس لم أعدل به أحدا

الغناء لابن سريج رمل بالسّبّابة و البنصر في الأوّل و الثاني عن يحيى المكّيّ، و له فيه أيضا خفيف رمل بالوسطى في الثاني و الثالث و الرابع عن عمرو. و لمعبد ثقيل أوّل في الأوّل و الثاني عن الهشاميّ(11). و فيه خفيف ثقيل ينسب إلى الغريض و مالك.

أخبرني عليّ بن صالح قال حدّثنا أبو هفّان عن إسحاق عن مصعب الزّبيريّ قال:

اجتمع نسوة فذكرن عمر بن أبي ربيعة و شعره و ظرفه و مجلسه و حديثه، فتشوّقن إليه و تمنّينه. فقالت سكينة:

ص: 106


1- كذا في ح، ر. و في سائر النسخ و «الديوان»: «بزينب» بالباء.
2- الخدلجة (مشدّدة اللام): المرأة الممتلئة الذراعين و الساقين.
3- كذا في «الديوان»، ت، أ، ء، م. و في سائر النسخ: «ألفت السهد و الأرقا».
4- الغدق: الماء الكثير.
5- هو محمد بن عباد أبو جعفر مولى بني مخزوم، مكيّ من كبار المغنين. ستأتي ترجمته في الجزء السادس (طبعة بولاق).
6- زيادة في ت.
7- أفد كفرح هنا: دنا و حضر.
8- الصوران: موضع بالمدينة بالبقيع. و قد ذكره ياقوت و استشهد بالبيت.
9- في «ديوانه»: «الصبر».
10- المنصف (كمنبر و مقعد): الخادم، و الأنثى بالهاء، جمعه مناصف.
11- في ت: «و في الأبيات الأربعة خفيف ثقيل الخ».

أنا لكنّ به، فبعثت إليه رسولا أن يوافي الصّورين ليلة سمّتها، فوافاهنّ على رواحله، فحدّثهنّ حتى طلع الفجر و حان انصرافهنّ. فقال لهنّ: و اللّه إني لمحتاج إلى زيارة قبر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و الصلاة في مسجده، و لكنّي لا أخلط بزيارتكنّ شيئا(1). ثم انصرف إلى مكة و قال في ذلك:

ألمم بزينب إنّ البين قد أفدا

و ذكر الأبيات المتقدّمة.

عود إلى شهادة جرير و الغريب و غيرهما في شعر عمر

اشارة

أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن لقيط قال: أنشد جرير قول عمر بن أبي ربيعة:

الصوت

سائلا الربع بالبليّ(2) و قولا *** هجت شوقا لي(3) الغداة طويلا

أين حيّ حلّوك إذ أنت محفو *** ف بهم آهل أراك جميلا؟

قال ساروا فأمعنوا و استقلّوا(4) *** و برغمي لو استطعت سبيلا

سئمونا و ما سئمنا مقاما *** و أحبّوا دماثة و سهولا

فقال جرير: إنّ هذا الذي كنّا ندور(5) عليه فأخطأناه و أصابه هذا القرشيّ. و في هذه الأبيات رملان: أحدهما لابن سريج بالسّبّابة في مجرى الوسطى، و الآخر لإسحاق مطلق في مجرى البنصر جميعا من روايته. و ذكر عمرو:

أن فيها رملا ثالثا بالوسطى، لابن جامع. و قال الهشاميّ: فيها(6) ثلاثة أرمال لابن سريج، و ابن جامع، و إبراهيم.

و لأبي العبيس(7) بن حمدون فيها ثاني ثقيل. و فيها هزج لإبراهيم الموصليّ من جامع أغانيه.

أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال: وجدت كتابا بخطّ محمد بن الحسن ذكر فيه أنّ فليح بن إسماعيل حدّثه عن معاذ(8) صاحب الهرويّ أن النصيب(9) قال:

عمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربّات الحجال.

/أخبرني الطّوسيّ: قال حدّثنا الزّبير قال حدّثتني ظمياء مولاة فاطمة بنت عمر(10) بن/مصعب قالت: سمعت جدّك يقول - و قد أنشد قول عمر بن أبي ربيعة:

ص: 107


1- في ت: «غيرها».
2- البليّ (بضم ففتح و ياء مشدّدة): تل قصير أسفل حاذة بينها و بين ذات عرق (ياقوت).
3- في «ديوانه»: «لنا».
4- استقلوا: واصلوا السير و جدّوا في الارتحال.
5- يقال: دار عليه و به و حوله، إذا طاف. و المراد: أن هذا الذي كنا نبحث عنه لنصل إليه.
6- في جميع النسخ: «فيه». و ما أثبتناه هو المناسب لما ورد من الضمائر قبله و بعده.
7- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «و لأبي العنبس».
8- في ح، ر، أ: «معاضد». و في م، ء هكذا: «معاخر».
9- سيأتي في ترجمته في هذا الجزء أن أهل البادية كانوا يدعونه النصيب (بزيادة أل) تفخيما له.
10- كذا في ح، ر. و في ت: «عم مصعب» و في سائر النسخ: «عمرو بن مصعب».
صوت

يا ليتني قد أجزت الحبل نحوكم *** حبل المعرّف أو جاوزت ذا عشر(1)

إنّ الثّواء بأرض لا أراك بها *** فاستيقنيه ثواء حقّ ذي كدر

و ما مللت و لكن زاد حبّكم *** و ما ذكرتك إلا ظلت كالسّدر(2)

و لا جذلت بشيء كان بعدكم *** و لا منحت سواك الحبّ من بشر

الغناء في هذه الأربعة الأبيات لسلاّم بن الغسّانيّ رمل بالسّبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. و فيه لابن جامع وقفا(3) النجار لحنان من كتاب إبراهيم و لم يجنّسهما. و تمام الأبيات:

أذري الدموع كذى سقم يخامره *** و ما يخامرني سقم سوى الذّكر

كم قد ذكرتك لو أجدى(4) تذكّركم *** يا أشبه الناس كلّ الناس بالقمر

- قالت: فقال جدّك: إن لشعر عمر بن أبي ربيعة لموقعا في القلب، و مخالطة للنفس ليسا لغيره، و لو كان شعر يسحر لكان شعره سحرا.

/أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمامة بن عمر(5) قال: رأيت عامر بن صالح بن عبد اللّه بن عروة بن الزّبير يسأل المسور بن عبد الملك عن شعر عمر بن أبي ربيعة، فجعل يذكر له شيئا لا يعرفه، فيسأله أن يكتبه(6) إيّاه فيفعل، فرأيته يكتب و يده ترعد من الفرح.

المفاضلة بين شعره و بين شعر الحارث بن خالد.

أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون عن عمّه يوسف قال:

ذكر شعر الحارث بن خالد و شعر عمر بن أبي ربيعة عند ابن أبي عتيق في مجلس رجل من ولد خالد بن العاصي(7) بن هشام، فقال: صاحبنا - يعني الحارث بن خالد - أشعرهما. فقال له ابن أبي عتيق: بعض قولك

ص: 108


1- أجزت: جاوزت. و الحبل: حبل عرفة، و هو موضع بعرفات. يقال عرّف القوم، إذا وقفوا بعرفة. و المعرّف: موضع الوقوف بها. و ذو عشر (بوزن زفر): واد بين البصرة و مكّة.
2- السدر ككتف: المتحير.
3- كذا في ت، ب، س، ح. و في ر: «قفي النجار». و في م: «مبشر النجار». و في أ، ء: «بشر النجار». و لم نعثر على أحد هذه الأسماء علما لمغنّ. فلعل هذا الأخير محرّف عن «نقش النضار»، و هو لقب لنافع بن طنبورة المغنّي (و سيأتي ذكره في «الأغاني» في الجزء الثامن).
4- في «ديوانه» و «الأمالي» (الطبعة الأميرية ج 1 ص 199): «أجزى بذكركم».
5- في ت: «غمامة بن عمرو». و في ر: «غمامة بن عمر».
6- الإكتاب: الإملاء؛ يقال: أكتبني هذه القصيدة أي أملها عليّ.
7- كذا في ح، ب، س. و في سائر النسخ: «العاص» بحذف الياء. و المبرد يقول: هو العاصي بالياء لا يجوز حذفها و قد لهجت العامة بحذفها. و قال غيره: إنه من الأسماء المنقوصة يجوز فيها إثبات الياء و حذفها أ ه باختصار عن «شرح القاموس». و قال ابن دريد في «كتاب الاشتقاق» المطبوع في مدينة جوتنچن سنة 1854 ص 34 في الكلام على عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية ما نصه: «و العاص اشتقاقه من قولهم عصى يعصي عصيانا و معصية، أو من قولهم فصيل عاص إذا لم يتبع أمه، و اعتاصت الناقة إذا نفرت من الفحل، و كل مستصعب معتاص و المصدر الاعتياض الخ». و قد روى بالروايتين في ابن جرير الطبري أوروبا قسم 1 ص 3257 قوله: لأصبحنّ العاصي بن العاصي سبعين ألفا عاقدي النواصي مجنّبين الخيل بالقلاص مستحقبين حلق الدّلاص هكذا بإثبات الياء، كما روى «لأصبحنّ العاص و ابن العاص» بحذفها.

يا ابن أخي، لشعر عمر بن ربيعة نوطة(1) في القلب، و علوق بالنفس، و درك للحاجة ليست لشعر، و ما عصي اللّه جلّ و عزّ بشعر أكثر ممّا عصي بشعر ابن أبي ربيعة، فخذ عنّي/ما أصف لك: أشعر قريش من دقّ معناه، و لطف مدخله، و سهل مخرجه، و متن حشوه، و تعطّفت حواشيه، و أنارت معانيه، و أعرب عن حاجته. فقال المفضّل للحارث: أ ليس صاحبنا الذي يقول:

إنّي و ما نحروا غداة منّى *** عند الجمار يؤدها(2) العقل

لو بدّلت أعلى مساكنها *** سفلا و أصبح سفلها يعلو

فيكاد يعرفها(3) الخبير بها *** فيردّه الإقواء و المحل(4)

لعرفت مغناها بما احتملت *** منّي الضلوع لأهلها قبل

فقال له ابن أبي عتيق: يا ابن أخي، استر على نفسك، و اكتم على صاحبك، و لا تشاهد المحافل بمثل هذا، أما تطيّر الحارث عليها حين قلب ربعها فجعل عاليه سافله! ما بقي إلا أن يسأل اللّه تبارك و تعالى لها حجارة من سجّيل(5). ابن أبي ربيعة كان أحسن صحبة للربع من صاحبك، و أجمل مخاطبة حيث يقول:

سائلا الربع بالبليّ و قولا *** هجت شوقا لي الغداة طويلا

/و ذكر الأبيات الماضية. قال: فانصرف الرجل خجلا مذعنا.

شيء من أخبار الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة الملقب بالقباع

أخبرني عليّ بن صالح قال حدّثني أبو هفّان عن إسحاق عن رجاله المسمّين، و أخبرني به الحرميّ عن الزّبير عن عمّه عن جدّه، قالوا: /كان الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة أخو عمر بن أبي ربيعة رجلا صالحا ديّنا من سروات قريش، و أنما لقّب القباع لأن عبد اللّه بن الزّبير كان ولاّه البصرة، فرأى مكيالا. لهم فقال: إنّ مكيالكم هذا لقباع - قال: و هو الشيء الذي له قعر - فلقّب بالقباع.

و أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان و أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ و حبيب بن نصر المهلّبيّ قالوا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني عبد اللّه بن محمد الطائيّ قال حدّثنا خالد بن سعيد قال:

استعمل ابن الزّبير الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة على البصرة، فأتوه بمكيال لهم، فقال لهم: إنّ مكيالكم هذا لقباع، فغلب عليه. و قال أبو الأسود الدّؤليّ - و قد عتب عليه - يهجوه و يخاطب ابن الزّبير:

ص: 109


1- النوطة: التعلّق. و في ت، ح، ر: «لوطة بالقلب»؛ أي لصوق به.
2- كذا في ت، ح، ر. و معناه يثقلها. و في سائر النسخ: «يؤدّها» من أدّه الأمر يؤدّه و شده إذا دهاه، و العقل: الحبس.
3- في ت، أ، م، ء: «ينكرها». و هي لا تستقيم مع الشطر الثاني.
4- أقوت الدار: أقفرت و خلت من أهلها. و المحسل: الجدب.
5- السجيل: الطين المتحجر، و هو فارسي معرّب؛ و أصله سنك أي حجارة و كل أي طين.

أمير المؤمنين جزيت خيرا *** أرحنا من قباع بني المغيرة

بلوناه و لمناه فأعيا *** علينا ما يمرّ(1) لنا مريرة

على أنّ الفتى نكح أكول *** و ولاّج مذاهبه كثيرة

شعر عمر في تشوقه إلى مكة بعد أن خرج منها إلى اليمن

اشارة

قالوا: و كان الحارث ينهى أخاه عن قول الشعر فيأبى أن يقبل منه، فأعطاه ألف دينار على ألاّ يقول شعرا، فأخذ المال و خرج إلى أخواله بلحج(2) و أبين مخافة أن يهيجه مقامه بمكة على قول الشعر، فطرب يوما فقال:

صوت

هيهات من أمة الوهّاب منزلنا *** إذا حللنا بسيف(3) البحر من عدن

و احتلّ أهلك أجيادا(4) و ليس لنا *** إلا التذكّر أو حظّ من الحزن

لو أنها أبصرت بالجزع عبرته *** من أن يغرّد قمريّ على فنن(5)

إذا رأت غير ما ظنّت بصاحبها *** و أيقنت أنّ لحجا ليس من وطني

ما أنس لا أنس يوم الخيف موقفها(6) *** و موقفي و كلانا ثمّ ذو شجن

و قولها للثّريّا و هي باكية(7) *** و الدمع منها على الخدّين ذو سنن(8)

باللّه قولي له في غير معتبة *** ما ذا أردت بطول المكث في اليمن

إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت(9) بها *** فما أخذت بترك الحج من ثمن

قال: فسارت القصيدة حتى سمعها أخوه الحارث، فقال: هذا و اللّه شعر عمر، قد فتك و غدر. قال: و قال ابن جريج: ما ظننت أنّ اللّه عزّ و جلّ ينفع أحدا بشعر عمر بن أبي ربيعة حتى سمعت و أنا باليمن منشدا ينشد قوله:

ص: 110


1- كذا في ت. و في سائر النسخ: «فأتمرّ فينا» و هو تحريف. و المريرة و المرير: الحبل الجيد الفتل. و أمره: أحكمه و أبرمه. و المراد أنه لا يحسن أن يسوسهم.
2- لحج و أبين: مخلافان باليمن.
3- سيف البحر: ساحله.
4- أجياد: موضع بمكة؛ سمى بذلك لأن تبّعا لما قدم مكة ربط خيله فيه، فسمى بذلك. و هما موضعان: أجياد الكبير و أجياد الصغير.
5- كذا في ت. و قد مزج هذا البيت و الذي بعده في سائر النسخ بيتا واحدا هكذا: لو أنها أبصرت بالجزع عبرته ظنت بصاحبها أن ليس من وطني و هو تحريف شنيع. و في «ديوانه». فلو شهدن غداة البين عبرتنا لأن تغرد قمريّ على فنن لاستيقنت غير ما ظنت بصاحبها و أيقنت أن عكّا ليس من وطني و عك: قبيلة يضاف إليها مخلاف باليمن:
6- في «ديوانه»: بل ما نسيت ببطن الخيف موقفها. و الخيف: موضع بمنى و به سمى مسجد الخيف.
7- في «ديوانه»: و قولها للثريا يوم ذي خشب.
8- ذو سنن: ذو طرائق.
9- كذا في ت. و في «ديوانه»: «نعمت». و في سائر النسخ: «رضيت».

/

باللّه قولي له في غير معتبة *** ما ذا أردت بطول المكث في اليمن

إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت بها *** فما أخذت بترك الحج من ثمن

فحرّكني ذلك على الرجوع إلى مكة، فخرجت مع الحاجّ و حججت.

غنّى في أبيات عمر هذه ابن سريج، و لحنه رمل بالبنصر في مجراها عن إسحاق. و فيها للغريض ثقيل أوّل بالوسطى/عن عمرو.

طلب الوليد من يخبره عن الطائف فدل على عمر

أخبرني عليّ بن صالح قال حدّثنا أبو هفّان قال حدّثني إسحاق عن السّعديّ(1) قال: قدم الوليد بن عبد الملك مكة، فأراد أن يأتي الطائف فقال: هل [لي](2) في رجل علم بأموال(3) الطائف فيخبرني عنها؟ فقالوا: عمر بن أبي ربيعة. قال: لا حاجة لي به. ثم عاد فسأل فذكروه له فردّه. ثم عاد فسأل فذكروه [له ثم ردّه. ثم عاد فسأل فذكروه له(4)]، فقال: هاتوه. فركب معه يحدّثه، ثم حرّك عمر رداءه ليصلحه على كتفه، فرأى على منكبه أثرا.

فقال: ما هذا الأثر؟ فقال: كنت عند جارية إذ جاءتني جارية برسالة من عند جارية أخرى، فجعلت تسارّني، فغارت التي كنت أحدّثها فعضّت منكبي، فما وجدت ألم عضّها من لذّة ما كانت تلك تنفث في أذني، حتى بلغت ما ترى، و الوليد يضحك. فلما رجع عمر قيل له: ما الذي كنت تضحك أمير المؤمنين به(5)؟ فقال: ما زلنا في حديث الزّنا حتى رجعنا.

المفاضلة بينه و بين عبد اللّه بن قيس الرقيات

أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني محمد بن عبد اللّه(6) البكريّ و غيره عن عبد الجبّار بن سعيد المساحقيّ عن أبيه قال: دخلت مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم مع نوفل بن مساحق، فإنه لمعتمد على يدي، إذ مررنا بسعيد بن المسيّب في مجلسه و حوله جلساؤه، فسلّمنا عليه فردّ علينا، ثم قال لنوفل: يا أبا سعيد، من أشعر: صاحبنا أم صاحبكم؟ يريد: عبد اللّه بن قيس، أو عمر بن أبي ربيعة(7). فقال نوفل: حين يقولان ما ذا يا أبا محمد؟ قال: حين يقول صاحبنا:

خليليّ ما بال المطايا كأنّما *** نراها على الأدبار بالقوم تنكص(8)

و قد قطعت أعناقهن صبابة *** فأنفسنا مما يلاقين شخّص

ص: 111


1- في ء، م، أ، ح: «السعيديّ».
2- زيادة في ت. و في ح، ر: «أن يأتي الطائف فقال: من يخبرني عنها فقالوا عمر الخ».
3- كذا في الأصول. و لعله. «بأحوال».
4- زيادة في ت.
5- في ث: «ما الذي كنت تحدث به أمير المؤمنين فأضحكه».
6- كذا في ت، أ، ء. و في سائر النسخ: «محمد بن عمر بن عبد اللّه...».
7- كذا في ح، ر. و في ت: «يريد عبد اللّه بن قيس أم عمر بن أبي ربيعة». و في سائر النسخ: «يريد عبد اللّه بن قيس أو عمر بن أبي ربيعة». و كله صحيح.
8- تنكص: ترجع و تولّى و تحجم.

و قد أتعب الحادي سراهنّ و انتحى *** بهنّ فما يألو عجول مقلّص(1)

يزدن بنا قربا فيزداد شوقنا *** إذا زاد طول العهد و البعد ينقص

و يقول صاحبك ما شئت. فقال له نوفل: صاحبكم أشعر في الغزل، و صاحبنا أكثر أفانين شعر. فقال سعيد: صدقت. فلما انقضى ما بينهما من ذكر الشعر، جعل سعيد يستغفر اللّه و يعقد(2) بيده حتى وفّى مائة.

فقال البكريّ في حديثه عن عبد الجبّار: قال مسلم: فلما انصرفنا قلت لنوفل: أ تراه استغفر اللّه من إنشاد الشعر /في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم؟ فقال: كلا! هو كثير الإنشاد و الاستنشاد للشعر فيه، و لكن أحسب ذلك للفخر بصاحبه.

المفاضلة بينه و بين جميل بن معمر العذري

أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال قال أبو عبيدة حدّثنا عوانة بن الحكم و أبو يعقوب الثّقفيّ: أنّ الوليد بن يزيد بن عبد الملك قال لأصحابه ذات ليلة: أيّ بيت قالته العرب أغزل؟ فقال بعضهم: قول جميل:

يموت الهوى منّي إذا ما لقيتها *** و يحيا إذا فارقتها فيعود

و قال آخر: قول عمر بن أبي ربيعة:

كأنّني حين أمسي لا تكلّمني *** ذو بغية يبتغي ما ليس موجودا

فقال الوليد: حسبك و اللّه بهذا! أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الحميد(3) عن شيخ من أهله عن أبي الحارث مولى هشام/بن الوليد بن المغيرة - قال: و هو الذي يقول فيه عمر بن أبي ربيعة:

يا أبا الحارث قلبي طائر *** فأتمر أمر رشيد مؤتمن(4) -

قال: شهدت عمر بن أبي ربيعة، و جميل بن عبد اللّه بن معمر العذريّ، و قد اجتمعا بالأبطح، فأنشد جميل قصيدته التي يقول فيها:

لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي *** بثينة أو أبدت لنا جانب البخل

يقولون مهلا يا جميل و إنّني *** لأقسم مالي عن بثينة من مهل

/حتى أتى على آخرها، ثم قال لعمر: يا أبا الخطّاب، هل قلت في هذا الرّويّ شيئا؟ قال نعم.

ص: 112


1- مقلص: مشمّر جادّ في السير.
2- يعقد: يحسب؛ يقال: عقد الحاسب يعقد عقدا أي حسب.
3- في ت: «محمد بن إسماعيل بن عبد الحميد». و في ر: «محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد اللّه بن عبد الحميد».
4- كذا في ت. و في سائر النسخ: «مؤتمر» بالراء و هو تحريف؛ إذ أن هذه القصيدة نونيّة مطلعها في «ديوانه»: من رسوم باليات و دمن عاد لي همّي و عاودت ددن و في هذا الجزء ص 157: أمن الرسم و أطلال الدمن عاد لي وجدي و عاودت الحزن

قال: فأنشدنيه، فأنشده قوله:

جرى ناصح بالودّ بيني و بينها *** فقرّبني يوم الحصاب(1) إلى قتلي

فطارت بحدّ من فؤادي(2) و قارنت(3) *** قرينتها حبل الصّفاء إلى حبلي

فلمّا تواقفنا عرفت الذي بها *** كمثل الذي بي حذوك النعل بالنعل

فقلن(4) لها هذا عشاء و أهلنا *** قريب أ لمّا تسأمي مركب البغل

فقالت فما شئتنّ قلن لها انزلي *** فللأرض خير من وقوف على رحل(5)

نجوم دراريّ(6) تكنّفن صورة *** من البدر وافت غير هوج(7) و لا عجل

فسلّمت و استأنست خيفة أن يرى *** عدوّ مقامي أو يرى كاشح فعلي

فقالت و أرخت جانب السّتر إنّما *** معي فتكلّم غير ذي رقبة أهلي

فقلت لها ما بي لهم من ترقّب *** و لكنّ سرّي ليس يحمله مثلي

فلمّا اقتصرنا دونهنّ حديثنا *** و هنّ(8) طبيبات بحاجة ذي الشّكل

عرفن الذي تهوى(9) فقلن ائذني لنا *** نطف ساعة في برد ليل و في سهل

/فقالت فلا تلبثن قلن تحدّثي *** أتيناك، و انسبن انسياب مها الرّمل

و قمن(10) و قد أفهمن ذا اللّبّ أنّما *** أتين(11) الذي يأتين من ذاك من أجلي

فقال جميل: هيهات يا أبا الخطّاب! لا أقول و اللّه مثل هذا سجيس الليالي(12)، و اللّه ما يخاطب النساء مخاطبتك أحد. و قام مشمّرا.

قال أبو عبد اللّه الزّبير قال عمّي مصعب: كان عمر يعارض جميلا، فإذا قال هذا قصيدة قال هذا مثلها.

ص: 113


1- الحصاب كالمحصّب: موضع رمى الجمار.
2- كذا في «ديوانه». و في الأصول: «سهامى».
3- في «ديوانه»: «و نازعت قريبتها». و في ت، م، ء: «و قربت قرينتها».
4- كذا في «ديوانه» و ت. و في سائر النسخ: «فقلت» و هو تحريف.
5- كذا في «ديوانه» و أ، ر. و في سائر النسخ: «رجل».
6- دراري، ممنوعة من الصرف، و نوّنت لضرورة الشعر.
7- هوج: جمع هوجاء و هي المتعجلة في السير كأن بها هوجا و حمقا.
8- كذا في ت. و في «ديوانه»: «و هنّ طبيبات بحاجة ذي التبل». و في سائر النسخ: و هنّ ظنينات بحاجة ذي الشكل و هو تحريف. و الشّكل: دلّ المرأة و غزلها. و التبل: أن يسقم الهوى صاحبه و يغلب عليه.
9- في ت، ر، ح: «نهوى».
10- في «الديوان»: «فقمن» بالفاء. و قد ذكره المؤلف بعد في هذه الصفحة كرواية «الديوان».
11- في «ديوانه». فعلن الذي يفعلن في ذاك من أجلي
12- هذه كلمة تستعمل للتأبيد؛ يقل: لا آتيك سجيس اللبالي، أي لا آتيك أبدا.

فيقال: إنه في الرائيّة و العينيّة أشعر من جميل، و إنّ جميلا أشعر منه في اللاّميّة، و كلاهما قد قال بيتا نادرا ظريفا، قال جميل:

خليليّ فيما عشتما هل رأيتما *** قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي

و قال عمر:

فقالت و أرخت جانب السّتر إنّما *** معي فتكلّم غير ذي رقبة أهلي

كلمة الفرزدق و قد سمع شعر عمر

أخبرني عليّ بن صالح قال حدّثنا أبو هفّان عن إسحاق عن المدائنيّ قال: سمع الفرزدق عمر بن أبي ربيعة ينشد قوله:

جرى ناصح بالودّ بيني و بينها *** فقرّ بني يوم الحصاب إلى قتلي

و لمّا بلغ قوله:

فقمن و قد أفهمن ذا اللبّ أنما *** أتين الذي يأتين من ذاك من أجلي

/صاح الفرزدق: هذا و اللّه الذي أرادته الشعراء فأخطأته، و بكت على الديار.

نسبة ما في هذه الأشعار من الغناء

الغناء في قصيدتي جميل و عمر اللاميتين
اشارة

منها في قصيدة جميل التي أنشدها عمر، و استنشده ما له في وزنها:

صوت

خليليّ فيما عشتما هل رأيتما *** قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي

أبيت مع الهلاّك(1) ضيفا لأهلها *** و أهلي قريب موسعون ذو و فضل

أفق أيها القلب اللّجوج عن الجهل *** و دع عنك «جملا» لا سبيل إلى جمل

فلو تركت عقلي معي ما طلبتها *** و لكن طلابيها(2) لما فات من عقلي

الغناء للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو في الأوّل و الثاني من الأبيات.

و ذكر الهشاميّ الأبيات كلّها و وصف أنّ الثّقيل الثاني الذي يغنّى به فيها لمعبد. و ذكر يحيى المكّيّ: أن لابن محرز في الثالث و ما بعده من الأبيات ثاني ثقيل بالخنصر و البنصر. و في هذه الأبيات التي أوّلها الثالث هزج بالبنصر يمان عن عمرو. و في الرابع و الخامس لابن طنبورة خفيف رمل عن الهشاميّ. و فيها لإسحاق ثقيل أوّل عن

ص: 114


1- الهلاك هنا: الصعاليك الذين ينتابون الناس ابتغاء معروفهم.
2- طلابيها: مطالبتي إياها.

الهشاميّ أيضا. و ذكر حمّاد عن أبيه: أن لنافع الخير مولى عبد اللّه بن جعفر في هذه الأبيات لحنا، و لم يجنّسه.

و ذكر حبش أنّ الثقيل الأوّل لابن طنبورة. و منها في شعر جميل أيضا:

صوت

لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي *** بثينة أو أبدت لنا جانب البخل

فلو تركت عقلي معي ما طلبتها *** و لكن طلابيها لما فات من عقلي

الغناء لابن مسجح ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ.

/و منها في شعر عمر بن أبي ربيعة المذكور في أوّل الخبر:

صوت

فقالت و أرخت جانب السّتر إنّما *** معي فتحدّث غير ذي رقبة أهلي

فقلت لها ما بي لهم من ترقّب *** و لكنّ سرّي ليس يحمله مثلي

جرى ناصح بالودّ بيني و بينها *** فقرّ بني يوم الحصاب إلى قتلي

غنّى في هذه الأبيات ابن سريج، و لحنه رمل مطلق(1) في مجرى البنصر عن إسحاق و عمرو(2). و ذكر يونس(3): أنّ فيه لحنا لمالك لم يجنّسه، و ذكر الهشاميّ: أنّ لحن مالك خفيف ثقيل. و ذكر حبش(4): أنّ لمعبد فيه لحنا من الثّقيل الأوّل بالبنصر، و لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى. [و ليس حبش ممن يعتمد في هذا على روايته(5)].

استحسان الناس شعر عمر و تفضيله على شعراء عصره

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال:

أدركت مشيخة(6) من قريش لا يزنون بعمر بن أبي ربيعة شاعرا من أهل دهره في النّسيب، و يستحسنون منه ما كانوا يستقبحونه من غيره من مدح نفسه، و التّحلّي/بمودّته، و الابتيار في شعره و الابتيار: أن يفعل الإنسان الشيء فيذكره و يفخر به. و الابتهار: أن يقول ما لم يفعل.

نقد ابن أبي عتيق أبيات عمر الرائية

اشارة

أخبرني محمد بن خلف قال أخبرني عبد اللّه بن عمر(7) و غيره عن إبراهيم بن المنذر

ص: 115


1- في ت: «بإطلاق الوتر».
2- هذه الكلمة ساقطة من ت.
3- فيء، م، أ: «و ذكر عمر».
4- في ت: «حبش بن موسى».
5- هذه الجملة ساقطة من أ، م، ء.
6- مشيخة: جمع لشيخ.
7- في ح، ر: «عمرو».

الحزاميّ(1) عن عبد العزيز بن عمران قال: قال ابن أبي عتيق لعمر و قد أنشده قوله:

صوت

بينما ينعتنني أبصرنني *** دون قيد(2) الميل يعدو بي الأغر

قالت الكبرى أ تعرفن الفتى *** قالت الوسطى نعم هذا عمر

قالت الصغرى و قد تيّمتها(3) *** قد عرفناه و هل يخفى القمر

- الغناء في هذه الأبيات لابن سريج خفيف رمل بالبنصر - فقال له ابن أبي عتيق: - و قد أنشدها - أنت لم تنسب بها، و إنما نسبت بنفسك، كان ينبغي أن تقول: قلت لها فقالت لي، فوضعت خدّي فوطئت عليه.

عود إلى سيرته و خلقه

أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال:

لم يذهب على أحد من الرّواة أنّ عمر كان عفيفا يصف و لا يقف(4)، و يحوم و لا يرد.

أخبرني محمد بن خلف قال حدّثنا أحمد بن منصور عن ابن الأعرابيّ، و حدّثني عليّ بن صالح قال حدّثنا أبو هفّان عن إسحاق الموصليّ عن رجاله، قالوا: كان ابن أبي ربيعة قد حجّ في سنة من السنين. فلما انصرف من الحج ألفى الوليد بن عبد الملك و قد فرش له في ظهر الكعبة و جلس، فجاءه عمر فسلّم عليه و جلس إليه. فقال له: أنشدني شيئا من شعرك. فقال: يا أمير المؤمنين، أنا شيخ كبير و قد تركت الشعر، و لي غلامان هما عندي بمنزلة الولد، و هما يرويان كلّ ما قلت و هما لك. قال: ائتني بهما ففعل، فأنشداه قوله:

أ من آل نعم أنت غاد فمبكر

فطرب الوليد و اهتزّ لذلك، فلم يزالا ينشدانه حتى قام، فأجزل صلته و ردّ الغلامين إليه.

مميزات شعره

اشارة

حدّثني عليّ بن صالح بن الهيثم الأنباريّ الكاتب الملقّب «كيلجة»(5) قال حدّثني أبو هفّان قال حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الموصليّ عن مصعب بن عبد اللّه الزّبيري، و أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار عن عمه مصعب أنه قال: راق عمر بن أبي ربيعة الناس وفاق نظراءه و برعهم بسهولة الشعر و شدّة الأسر، و حسن الوصف، و دقّة المعنى و صواب المصدر، و القصد للحاجة، و استنطاق الربع، و إنطاق القلب، و حسن العزاء، و مخاطبة النساء، و عفّة المقال، و قلّة الانتقال، و إثبات الحجّة، و ترجيح الشكّ في موضع اليقين، و طلاوة

ص: 116


1- في ت: «الحراميّ». و في ب، س: «الخزاميّ» و كلاهما تصحيف؛ إذ هو إبراهيم بن المنذر بن عبد اللّه بن المنذر بن المغيرة بن عبد اللّه بن خالد بن حزام الأسدي الخزاميّ. (انظر «تقريب التهذيب»).
2- قيد الميل: قدره.
3- تيمتها: استوليت عليها و شغلت قلبها.
4- في ت: «يصف و يقف» و المراد على روايتها أنه يقف عند الوصف لا يجاوزه.
5- ورد في «تهذيب التهذيب» أنه لقب محمد بن صالح بن عبد الرحمن البغدادي أبي بكر الأنماطي. ثم قال: و يقال اسمه أحمد ا ه و لم يضبطه. و لعل كيلجة لقب لعلي بن صالح كما هو لقب لمحمد هذا. و في «القاموس»: «كيلجة لقب محمد بن صالح» و ضبطه بالفتح: و ضبطه السيد محمد مرتضى بكسر الكاف و فتح اللام، ثم قال: و مثله في «المصباح» و «المغرب» و «شرح التقريب» للحافظ السخاوي.

الاعتذار، و فتح الغزل، و نهج العلل، و عطف المساءة(1) على العذّال، و أحسن التفجّع، و بخّل المنازل، و اختصر الخبر، و صدق الصّفاء، إن قدح أورى، و إن اعتذر أبرا، و إن تشكّى أشجى، و أقدم عن خبرة و لم يعتذر بغرّة، و أسر النوم، و غمّ الطّير، و أغدّ السّير، و حيّر ماء الشباب، و سهّل و قوّل، و قاس الهوى فأربى، و عصى و أخلى، و حالف بسمعه و طرفه، و أبرم(2) نعت الرسل و حذّر، و أعلن الحبّ و أسرّ، و بطن به و أظهر، و ألحّ و أسفّ، و أنكح النوم، و جنى الحديث، و ضرب ظهره لبطنه، و أذلّ صعبه، و قنع بالرّجاء من الوفاء، و أعلى قاتله، و استبكى عاذله، و نفّض النوم، و أغلق رهن منّي و أهدر قتلاه، و كان بعد هذا/كلّه فصيحا.

/فمن سهولة شعره و شدّة أسره(3) قوله:

صوت

فلمّا تواقفنا و سلّمت أشرقت(4) *** وجوه زهاها الحسن أن تتقنّعا

تبالهن بالعرفان لمّا رأينني *** و قلن امرؤ باغ أكلّ و أوضعا(5)

الغناء لابن عبّاد رمل عن الهشاميّ، و فيه لابن جامع لحن غير مجنّس عن إبراهيم.

و من حسن وصفه قوله:

لها من الرّيم عيناه و سنّته(6) *** و نخوة(7) السابق المختال إذ(8) صهلا

و من دقة معناه و صواب مصدره قوله

صوت

عوجا نحيّ الطّلل المحولا(9) *** و الرّبع من أسماء و المنزلا

بسابغ البوباة لم يعده(10) *** تقادم العهد بأن يؤهلا

ص: 117


1- في ت: «المسألة».
2- في ر: «و أبرم و بعث». و في ب، س: «و أبرص ينعت». و في أ، ء، م: «و أنذر و بعث» و في ت: «و أبرض نعت» و في ح: «و أبرص و بعث»، و كلها تحريف. و قد أثبتنا ما في الصلب لما سيرد بعد في صفحة 139 نقلا عن نسخة ء: «و من إبرامه نعت الرسل قوله... الخ».
3- الأسر في كلام العرب: الخلق؛ و في التنزيل العزيز: (نَحْنُ خَلَقْنٰاهُمْ وَ شَدَدْنٰا أَسْرَهُمْ) أي شددنا خلقهم، كما في «اللسان». و المراد من شدّة الأسر هنا إحكام النسج و متانة التركيب.
4- كذا في «الديوان»، ت. و في ر، ح: «أقبلت». و في بقية النسخ: «أشرفت» بالفاء.
5- أكلّ: أعيا. و أوضع: أسرع في السير.
6- سنته صورته. و في النسخة المخطوطة التيمورية من «ديوانه»: «و لفتته».
7- كذا في م، ء، أ، ت و «الديوان». و في بقية النسخ: «و غرّة».
8- في ح، ر: «إن».
9- المحول و المحيل: الذي أتت عليه أحوال كثيرة فغيرته.
10- البوباة: الفلاة و اسم لصحراء بأرض تهامة إذا خرجت من أعالي وادي النخلة اليمانية، و هي بلاد بني سعد بن بكر بن هوازن (ياقوت). و في «اللسان» (مادة («حول»): بجانب البوباة لم يعفه

الغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالسّبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. قال إسحاق بن إبراهيم: يعني أنه لم يؤهل فيعدوه تقادم العهد. و قال الزبير: قال بعض المدنيّين: يحيّيه بأن يؤهل، أي يدعو له بذلك.

و من قصده للحاجة قوله:

صوت

أيّها المنكح الثّريّا سهيلا(1) *** عمرك اللّه كيف يلتقيان

هي شاميّة إذا ما استقلّت *** و سهيل إذا استقلّ يماني

و يروى: «هي غوريّة»(2). الغناء للغريض خفيف ثقيل بالبنصر عن عمرو و ابن المكيّ.

و من استنطاقه الربع قوله:

صوت

سائلا الرّبع بالبليّ و قولا *** هجت شوقا لي الغداة طويلا

أين حيّ حلّوك إذ أنت محفو(3) *** ف بهم آهل(4) أراك جميلا

قال ساروا فأمعنوا(5) و استقلّوا *** و برغمي لو قد وجدت(6) سبيلا

و يروى:

و بكرهي لو استطعت سبيلا

سئمونا و ما سئمنا جوارا(7)

و أحبّوا دماثة(8) و سهولا

فيه رملان: أحدهما لابن سريج بالسّبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق، و الآخر لإسحاق مطلق في مجرى البنصر، و فيه لأبي العبيس(9) بن حمدون ثاني ثقيل. و قد/شرحت نسبته مع خبره في موضع آخر(10). قال إسحاق: أنشد جرير هذه الأبيات فقال: إنّ هذا الذي كنّا ندور عليه فأخطأناه.

ص: 118


1- هي الثريا ابنة علي بن عبد اللّه بن الحارث بن أمية الأصغر ابن عبد شمس بن عبد مناف الأموية. و قال السهيليّ في «الروض الأنف»: هي الثريا ابنة عبد اللّه، و لم يذكر عليا. ثم قال: و قتيلة بنت النضر جدّتها؛ لأنها كانت تحت الحارث بن أمية، و عبد اللّه ولدها هو والد الثريا، تزوّجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ رضي اللّه عنه و نقلها إلى مصر، فقال عمر هذا الشعر يضرب المثل بالثريا و سهيل النجمين المعروفين (راجع ابن خلكان ج 1 ص 538).
2- غوريّة: نسبة إلى غور الأردنّ بالشأم بين بيت المقدس و دمشق (ياقوت).
3- كذا في «الديوان» و أكثر النسخ. و في ر، ح: «مسرور».
4- في «الديوان»، ت: «آهلا» أي أراك آهلا جميلا.
5- في «الديوان»: «بأجمع» أي ساورا بأجمعهم.
6- كذا في ر، ح. و في سائر الأصول: «و لو وجدت».
7- في ح، ر: «سقاما». و في «ديوانه» «ببين».
8- يقال: دمثت الأرض دماثة، إذا سهلت و لانت.
9- كذا في ح، ت، ر. و في سائر النسخ: «لأبي العنبس».
10- في ت: «و لهذا الشعر أخبار قد كتبت في موضع آخر لئلا ينقطع ما هاهنا».

و من إنطاقه القلب قوله:

قال لي فيها عتيق مقالا *** فجرت مما يقول الدموع

قال لي ودّع سليمى و دعها *** فأجاب القلب: لا أستطيع

الغناء للهذليّ ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ. قال: و فيه ليحيى المكيّ ثقيل أوّل نسب إلى معبد و هو من منحوله.

و من حسن عزائه قوله:

صوت

صوت(1)

أ الحقّ إن(2) دار الرّباب تباعدت *** أو انبتّ حبل أنّ قلبك طائر

أفق قد أفاق العاشقون و فارقوا ال *** هوى و استمرّت بالرّجال(3) المرائر

زع(4) النفس و استبق الحياء فإنّما *** تباعد أو تدني الرّباب المقادر

أمت حبّها و اجعل قديم وصالها *** و عشرتها كمثل من لا تعاشر

و هبها كشيء لم يكن أو كنازح *** به الدار أو من غيّبته المقابر

و كالناس(5) علّقت الرّباب فلا تكن *** أحاديث من يبدو و من هو حاضر(6)

الغناء في بعض هذه الأبيات و أوّله «زغ النفس» لابن سريج ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو. و فيه لعمر الواديّ رمل بالبنصر عن ابن المكّيّ. و فيه ل «قدار»(7) لحن من/كتاب إبراهيم غير مجنّس. و هذه الأبيات يرويها بعض أهل الحجاز لكثيّر، و يرويها الكوفيون للكميت بن معروف الأسديّ، و ذكر بعضها الزّبير بن بكّار عن أبي عبيدة لكثيّر في أخباره(8).

و من حسن غزله في مخاطبة النساء

اشارة

- قال مصعب الزّبيريّ: و قد أجمع أهل بلدنا ممن له علم بالشعر أنّ هذه الأبيات أغزل ما سمعوا - قوله:

ص: 119


1- زيادة في ت، ر.
2- في «الديوان»: «أ حقا لئن دار».
3- كذا في «الديوان»، ح، ر. و المراد أنّ الرجال قد أفاقوا و استحكمت عزائمهم. ينصح قلبه أن يسلو سلوهم. و في سائر النسخ: «بالرحيل».
4- أي ازجرها و كفّها عن هواها.
5- و في «الديوان»: «فإن كنت علقت».
6- أي من يقيم في البدو و من يقيم في الحضر.
7- في «القاموس» أنه سمّي بقدار كغراب. و في م، ء: «قرار» براءين.
8- كذا في ت. و في سائر النسخ؛ و هذه الأبيات تنسب إلى كثير أيضا و إلى الكميت بن معروف الأسديّ، و لكلّهم فيها أخبار قد ذكرتها في مواضعها».
صوت

تقول غداة التقينا الرّباب *** أيا ذا أفلت أفول السّماك

و كفّت سوابق من عبرة *** كما ارفضّ(1) نظم ضعيف السّلاك

فقلت لها من يطع في الصّدي *** ق أعداءه يجتنبه(2) كذاك

أغرّك أنّي عصيت الملا *** م فيك و أنّ هوانا هواك

و ألاّ أرى لذّة في الحياة *** تقرّ بها العين حتى أراك

فكان من الذلنب لي عندكم *** مكارمتي و اتّباعي رضاك

فليت الذي لام في حبّكم *** و في أن تزاري(3) بقرن(4) وقاك

هموم الحياة و أسقامها *** و إن كان حتف جهيز(5) فداك

الغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى. و ذكر إبراهيم أنّ فيه لحنا لحكم. و قيل: إن فيه لحنا آخر لابن جامع.

و من عفّة مقاله قوله:

صوت

طال ليلي و اعتادني اليوم سقم *** و أصابت مقاتل القلب نعم

حرّة الوجه و الشمائل و الجو *** هر تكليمها لمن نال غنم

و حديث بمثله تنزل العص(6) *** م رخيم يشوب ذلك حلم

هكذا وصف ما بدا لي منها *** ليس لي بالذي تغيّب علم

إن تجودي أو تبخلي فبحمد *** لست يا نعم فيهما من يذمّ(7)

الغناء لابن سريج رمل عن الهشاميّ.

و من قلة انتقاله قوله:

صوت

أيها القائل غير الصواب *** أمسك النّصح و أقلل عتابي

ص: 120


1- كذا في «ديوانه»، س بالراء. و في سائر النسخ: «انفضّ» بالنون. و السلاك، لعله جمع سلك، و لم نجده في «كتب اللغة»؛ على أن القياس لا يأباه لأن فعالا يطرد في فعل كذئب و ذئاب و قدح و قداح (انظر الأشموني طبع بولاق ج 3 ص 172).
2- في ت: «نجتنبه» بالنون.
3- في «الديوان»: تزارى برغم». و في م، ء، ب، أ: «توازى».
4- المراد به قرن المنازل، و كثيرا ما يذكره عمر في شعره.
5- جهيز: سريع.
6- العصم: جمع أعصم، و هو من الظباء و الوعول ما في ذراعيه بياض، و هي تعتصم غالبا بقنن الجبال.
7- في ت: ليس فيما أتيته لك ذمّ

/

و اجتنبني و اعلمن أن ستعصى *** و لخير لك طول اجتنابي

إن تقل نصحا فعن ظهر غشّ *** دائم الغمر(1) بعيد الذّهاب

ليس بي عيّ بما قلت إنّي *** عالم أفقه(2) رجع الجواب

إنّما قرّة عيني هواها *** فدع اللّوم وكلني لما بي

/لا تلمني في الرّباب و أمست *** عدلت(3) للنفس برد الشّراب

هي و اللّه الذي هو ربّي *** صادقا أحلف غير الكذاب

أكرم الأحياء طرّا علينا *** عند قرب منهم و اجتناب(4)

خاطبتني ساعة و هي تبكي *** ثم عزّت(5) خلّتي في الخطاب

و كفى(6) بي مدرها لخصوم *** لسواها عند حدّ تبابي(7)

الغناء لكردم ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق في الأوّل و الخامس ثم الثاني و الثالث. و فيه لمعبد خفيف ثقيل بالبنصر عن يحيى المكيّ.

و من إثباته الحجّة قوله:

خليليّ بعض اللوم لا ترحلا(8) به *** رفيقكما حتّى تقولا على علم

خليليّ من يكلف بآخر كالذي *** كلفت به يدمل(9) فؤادا على سقم

خليليّ ما كانت تصاب مقاتلي *** و لا غرّتي حتى وقعت(10) على نعم

خليليّ حتى لفّ حبلي(11) بخادع *** موقّى إذا يرمى صيود إذا يرمي

/خليليّ لو يرقى خليل من الهوى *** رقيت بما يدني النّوار(12) منه العصم

ص: 121


1- الغمر (بالكسر): الحقد و الغل.
2- كذا في «ديوانه». و في جميع النسخ: ليس لي علم بما قلت إني عالم أفهم رجع الجواب
3- عدلت: ساوت.
4- في «الديوان»: «و اغتراب».
5- عزّت هنا: غلبت؛ و منه قوله تعالى: (وَ عَزَّنِي فِي الْخِطٰابِ).
6- كذا في ت. و في سائر النسخ «و الديوان»: «و كفاني».
7- كذا في الديوان. و قد اضطربت الأصول كلها في هذه الكلمة و هي محرّفة؛ و لذلك عدلنا عنها إلى ما في «الديوان». يريد: حسبي أن أكون غالبا لكل خصم سواها إلى حدّ هلاكي.
8- يقال: رحل فلان فلانا بما يكره، إذا أثقله بإسماعه إياه. و في ت: «لا توجعا».
9- يدمل: يطوى. قال في «اللسان»: و يقال: ادمل القوم، أي اطوهم على ما فيهم.
10- في «الديوان» «دللت».
11- يكني بهذا عن الوقوع في شركها.
12- النوار: النافرة. و العصم: الظباء التي في أذرعها بياض.

خليليّ إن باعدت لانت و إن ألن *** تباعد فلم أنبل بحرب و لا سلّم(1)

و من ترجيحه الشكّ في موضع اليقين قوله:

صوت

نظرت إليها بالمحصّب من منى *** و لي نظر لو لا التّحرّج عارم(2)

فقلت: أشمس أم مصابيح بيعة *** بدت لك خلف السّجف أم أنت حالم

بعيدة(3) مهوى القرط إمّا لنوفل *** أبوها و إمّا عبد شمس و هاشم

و مدّ عليها السّجف يوم لقيتها *** على عجل تبّاعها و الخوادم

فلم أستطعها غير أن قد بدا لنا *** عشيّة راحت وجهها و المعاصم

معاصم لم تضرب على البهم(4) بالضّحى *** عصاها و وجه لم تلحه السّمائم

نضار(5) ترى فيه أساريع(6) مائه *** صبيح تغاديه الأكفّ النّواعم

إذا ما دعت أترابها فاكتنفنها *** تمايلن أو مالت بهنّ المآكم(7)

طلبن الصّبا حتى إذا ما أصبنه *** نزعن و هنّ المسلمات الظّوالم

الغناء لمعبد ثقيل أوّل بالسبابة في مجرى(8) البنصر عن إسحاق و ابن المكيّ. و فيها لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق أيضا. و فيها للغريض [خفيف(9)] ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ.

و من طلاوة اعتذاره قوله:

صوت

عاود القلب بعض ما قد شجاه *** من حبيب أمسى هوانا هواه

يا لقومي فكيف أصبر عمّن *** لا ترى النفس طيب عيش سواه

أرسلت إذ رأت بعادي ألاّ *** يقبلن بي محرّشا(10) إن أتاه

ص: 122


1- لم أنبل: لم أصب، أو لم أحسن الرمي. و في «ديوانه»: «فما ترجى لحرب و لا سلّم. و في ح، ر: «فلم أبلل بحرب و لا سلّم». و في م: «فلم أبتل».
2- عارم: شرس. و في «الديوان»، أ، ب، م، ح: «عازم».
3- هذا كناية عن طول العنق؛ و به فسر في المثل السائر (طبع بولاق ص 383).
4- البهم: جمع بهمة، و هي الصغير من أولاد الضأن و المعز و البقر.
5- في «الديوان»: «نضير».
6- أساريع الماء: طرائقه. و المراد أنه يترقرق فيه ماء الشباب.
7- المآكم: جمع مأكمة و هي العجيزة.
8- كذا في ر، ح، و في سائر النسخ: «بالسبابة و البنصر».
9- زيادة في ت، ح.
10- المحرّش: المغري، من التحريش و هو الإغراء و الإفساد.

دون أن

يسمع المقالة منّا *** و ليطعني فإنّ عندي رضاه

لا تطع بي فدتك نفسي عدوّا *** لحديث على هواه افتراه

لا تطع بي من لو رآني(1) و إيّا *** ك أسيري ضرورة ما عناه

ما ضراري نفسي بهجري(2) من لي *** س مسيئا و لا بعيدا ثراه(3)

و اجتنابي بيت الحبيب و ما الخل *** د بأشهى إليّ من أن أراه

الغناء لمعبد خفيف ثقيل بالخنصر(4) في مجرى الوسطى عن إسحاق. و فيه لابن جامع ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو. و قال عمرو، فيه خفيف ثقيل بالوسطى للهذليّ. و فيه لابن محرز ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو، و ابتداؤه نشيد أوّله: «ما ضراري نفسي». و قال الهشاميّ: و فيه لعليّة بنت المهديّ و سعيد بن جابر لحنان من الثقيل الثاني

و من نهجه العلل قوله:

و آية ذلك أن تسمعي *** إذا جئتكم ناشدا ينشد(5)

فرحنا سراعا و راح الهوى *** دليلا إليها بنا يقصد

فلمّا دنونا لجرس النّبا *** ح و الصوت، و الحيّ لم يرقدوا

بعثنا لها باغيا ناشدا *** و في الحيّ بغية من ينشد

و قد نسبت هذه الأبيات إلى من غنّى فيها مع:

تشطّ غدا دار جيراننا

و من فتحه الغزل قوله:

إذا أنت لم تعشق و لم تدر ما الهوى *** فكنّ حجرا من يابس الصّخر جلمدا(6)

و من عطفه المساءة على العذّال قوله:

صوت

لا تلمني عتيق حسبي الذي بي *** إنّ بي يا عتيق ما قد كفاني

ص: 123


1- كذا في ت. و في سائر النسخ: «يراني».
2- في ت، ح، ر و «الديوان»: «بهجرة».
3- الثرى: الخير. و في «الديوان»، ت: «نواه» و النوى هنا: الدار. و في ح، ر: «ثواه» و الثواء ممدودا و قصر لضرورة الشعر: الإقامة.
4- في ت: «بالبنصر».
5- في ب، س، م، ء: «منشدا ينشد».
6- في ت، أ: فكن حجرا بالحزن من صخرة أصم. و قد ورد هذا البيت في صفحة 230 موافقا لما في الصلب، و ورد بيت مثله في صفحة 67 في قصيدته التي مطلعها «هجرت الحبيب اليوم من غير ما اجترم» هكذا: إذا أنت لم تعشق و لم تتبع الهوى فكن صخرة بالحجر من حجر أصم

لا تلمني و أنت زيّنتها لي *** أنت مثل الشيطان للإنسان

الغناء لأبي العبيس(1) بن حمدون ثقيل أوّل مطلق من مجموع أغانيه. و فيه رمل طنبريّ محدث، و فيه هزج لأبي عيسى بن المتوكّل.

و من حسن تفجّعه قوله:

صوت

هجرت الحبيب اليوم من غير ما اجترم *** و قطّعت من ذي ودّك الحبل فانصرم

أطعت الوشاة الكاشحين و من يطع *** مقالة واش يقرع السّنّ من ندم

أتاني رسول(2) كنت أحسب أنه *** شفيق علينا ناصح كالذي زعم(3)

فلما تباثثنا(4) الحديث و صرّحت *** سرائره عن بعض ما كان قد كتم

/تبيّن لي أنّ المحرّش(5) كاذب *** فعندي لك العتبى على رغم من رغم

فملآن(6) لمت(7) النفس بعد الذي مضى *** و بعد الذي آلت و آليت من قسم

ظلمت و لم تعتب و كان رسولها *** إليك سريعا بالرّضا لك إذ ظلم

/الغناء لابن سريج رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. و قال يونس: فيه لابن سريج لحنان، و ذكر الهشاميّ أنّ لحنه الآخر ثقيل أوّل، و أن لعلّويه فيه رملا آخر.

و من تبخيله المنازل قوله:

اشارة

ص: 124


1- كذا في ح، ر، ب. و في سائر النسخ: «العنبس».
2- كذا في «ديوانه». و في الأصول: «عدوّ».
3- ترتيب هذه الأبيات في النسخة المخطوطة التيمورية من «ديوانه» هكذا: أتاني رسول كنت أحسب أنه شفيق علينا ناصح كالذي زعم فلما تناثثنا الحديث و بينت سريرته أبدى الذي كان قد كتم تخبرني أن المحرّش كاذب من يطع الواشين أو زعم من زعم يصرّم بظلم حبله من خليله وشيكا و يجذم قوّة الجبل ما جذم و قلت لها لما خشيت لجاجة من الصرم منها تورث الحزن و الألم فإن كنت للعتبى عتبت لجاجة فعندي لك العتبى على رغم من رغم ظلمت و لم تعتب و كان رسولها إليك سريعا بالرضا لك إذ ظلم فملآن لمت النفس بعد الذي مضى و بعد الذي آلت و آليت من قسم إذا أنت لم تعشق و لم تتبع الهوى فكن صخرة بالحجر من حجر اصم و قد أثرنا أن ننقل هذه الأبيات كاملة من «ديوانه»؛ لأن المعنى المراد غير واضح في رواية الأصول و لا في رواية «الديوان» المطبوع.
4- بثّ الحديث و نثه: أفشاه.
5- المحرّش: المغري؛ يقال: حرّش بين القوم، إذا أفسد بينهم.
6- أصله فمن الآن. و يرى الخليل أن «الآن» مبنيّ على الفتح. و يرى بعضهم أنه يجرّ بالكسرة؛ و أنشد: كأنهما ملآن لم يتغيرا
7- كذا في ديوانه، ت. و في سائر النسخ: «فلم أر لوم النفس».
صوت

عرفت مصيف الحيّ و المتربّعا(1) *** ببطن حليّات(2) دوارس بلقعا

إلى السّرح(3) من وادي المغمّس(4) بدّلت *** معالمها و بلا و نكباء(5) زعزعا(6)

فيبخلن أو يخبرن بالعلم بعد ما *** نكأن(7) فؤادا كان قدما مفجّعا

الغناء للغريض ثاني ثقيل بالوسطى.

و من اختصاره الخبر قوله:

صوت

أ من آل نعم أنت غاد فمبكر *** غداة غد أم رائح فمهجّر

بحاجة نفس لم تقل في جوابها *** فتبلغ عذرا و المقالة تعذر

أشارت بمدراها و قالت لتربها(8) *** أ هذا المغيريّ الذي كان يذكر

لئن كان إيّاه لقد حال بعدنا *** عن العهد و الإنسان قد يتغيّر

الغناء لابن سريج رمل بالسبّابة في مجرى البنصر، و له في بيتين آخرين من هذه القصيدة، و هما:

و ليلة ذي دوران جشّمتني السّرى *** و قد يجشم الهول المحبّ المغرّر(9)

فقلت أباديهم(10) فإمّا أفوقهم *** و إمّا ينال السّيف ثأرا فيثأر

رمل آخر بالوسطى عن عمرو. قال الزّبير حدّثني إسحاق الموصلي قال: قلت لأعرابيّ ما معنى قول ابن أبي ربيعة:

ص: 125


1- الذي في «الديوان»: أ لم تسأل الأطلال و المتربعا و ما في «الديوان» أصح. قال أبو علي القالي في «أماليه» ج 2 ص 51 الطبعة الأميرية - بعد أن أورده بمثل ما في «الديوان» -: و أملى علينا أبو عبد اللّه: «عرفت مصيف الحيّ و المتربعا»، و هو غلط؛ لأن «عرفت مصيف الحيّ» أوّل قصيدة جميل.
2- حليات (بضم الحاء المهملة و فتح اللام و تشديد الياء): اسم موضع ذكره البكري و ياقوت و لم يبيناه. و لعله موضع قرب مكة بقرينة ذكره مع المغمس الوارد في البيت بعده.
3- السرح: موضع.
4- المغمّس (بتشديد الميم و فتحها كما في «ياقوت»، و ضبطه البكري في «معجمه» بكسر الميم و تشديدها): موضع قرب مكة في طريق الطائف، مات فيه أبو رغال و قبره يرجم؛ لأنه كان دليل أبرهة صاحب الفيل. و في ح: «إلى السرح من وادي العقيق تبدّلت». و في «ديوانه»: إلى الشّري من وادي المغمس». و الشري كما قال ياقوت: موضع يذكره ابن أبي ربيعة كثيرا في شعره. و سيرد في صفحة 176 من هذا الجزء. «إلى السفح من وادي المغمس...» في جميع النسخ.
5- النكباء: الريح التي تنكب عن مهابّ الرياح.
6- يقال: ريح زعزع أي شديدة، و كذلك زعزاع و زعزوع.
7- نكأ الجرح: قشره قبل أن يلتئم.
8- في «ديوانه»: قفي فانظري أسماء هل تعرفينه
9- غرّر بنفسه: عرّضها للهلكة و حملها على غير ثقة.
10- أباديهم: أجاهرهم و أظهر لهم.

بحاجة نفس لم تقل في جوابها *** فتبلغ عذرا و المقالة تعذر

فقال: قام كما جلس.

و من صدقه الصفاء قوله:

اشارة

كلّ وصل أمسى لديك لأنثى *** غيرها وصلها إليها أداء

كلّ أنثى و إن دنت لوصال *** أو نأت فهى للرّباب الفداء

/و قوله:

صوت

أحبّ لحبّك من لم يكن *** صفيّا لنفسي و لا صاحبا

و أبذل ما لي لمرضاتكم *** و أعتب من جاءكم(1) عاتبا

و أرغب في ودّ من لم أكن *** إلى ودّه قبلكم راغبا

و لو سلك الناس في جانب *** من الأرض و اعتزلت جانبا

ليمّمت طيّتها(2) إنّني *** أرى قربها العجب العاجبا

الغناء لابن القفّاص رمل عن الهشاميّ و يحيى المكّيّ، و فيه للرّبعيّ لحن من كتاب إبراهيم/غير مجنّس.

و مما قدح فيه فأورى قوله:

صوت

طال ليلي و تعنّاني(3) الطّرب(4) *** و اعتراني طول همّ و وصب

أرسلت أسماء في معتبة *** عتبتها و هي أحلى من عتب

أن أتى منها رسول موهنا(5) *** وجد الحيّ نياما فانقلب

ضرب الباب فلم يشعر به *** أحد يفتح بابا إذ ضرب(6)

قال: أيقاظ و لكن حاجة *** عرضت تكتم منّا فاحتجب

/و لعمدا ردّني، فاجتهدت *** بيمين حلفة عند الغضب

ص: 126


1- في «ديوانه» المخطوط: «جاءني».
2- طيتها: ناحيتها و قصدها.
3- تعنّاني: أوقعني في العناء؛ قال الشاعر: فقلت لها الحاجات يطرحن بالفتى و همّ تعنّاني معنى ركائبه
4- الطرب: خفة تعتري الإنسان عند شدّة الفرح أو الحزن و الهمّ.
5- الموهن: نحو من نصف الليل.
6- في «الديوان» و ء، ت، م، أ... أحد يفتح عنه إذا ضرب

يشهد(1)

الرحمن لا يجمعنا *** سقف بيت رجبا بعد رجب

قلت حلا فاقبلي معذرتي *** ما كذا يجري محبّ من أحبّ

إنّ كفّيّ لك رهن بالرّضا *** فاقبلي يا هند، قالت قد وجب

الغناء لمالك خفيف ثقيل بالسّبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. و فيه لدحمان ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو. و فيه لمعبد لحن من كتاب يونس لم يجنّسه، و ذكر الهشاميّ أنه خفيف ثقيل. و فيه لابن سريج رمل عن الهشاميّ.

قال من حكينا عنه في صدر أخبار عمر روايته التي رواها عليّ بن صالح عن أبي هفّان عن إسحاق عن رجاله و الحرميّ عن الزّبير عن عمّه:

كان عمر بن أبي ربيعة يهوى امرأة يقال لها «أسماء»، فكان الرسول يختلف(2) بينهما زمانا و هو لا يقدر عليها. ثم وعدته أن تزوره، فتأهّب لذلك و انتظرها، فأبطأت عنه حتى غلبته عينه فنام، و كانت عنده جارية له تخدمه، فلم تلبث أن جاءت و معها جارية لها، فوقفت حجرة(3) و أمرت الجارية أن تضرب الباب، فضربته فلم يستيقظ. فقالت لها: تطلّعي فانظري ما الخبر؟ فقالت لها: هو مضطجع و إلى جنبه امرأة، فحلفت لا تزوره حولا، فقال في ذلك:

طال ليلي و تعنّاني الطّرب

قال أبو هفّان في حديثه: و بعث إليها امرأة كانت تختلف بينه و بين معارفه، و كانت جزلة(4) من النساء، فصدقتها عن قصّته و حلفت لها أنه لم يكن عنده إلا جاريته، فرضيت. و إيّاها يعني عمر بقوله:

/

فأتتها طبّة(5) عالمة *** تخلط الجدّ مرارا باللّعب

تغلظ القول إذا لانت لها *** و تراخي عند سورات الغضب

لم تزل تصرفها عن رأيها *** و تأنّاها(6) برفق و أدب

قال إسحاق في خبره: و حدّثني ابن كناسة(7) قال أخبرني حمّاد الرواية قال: استنشدني الوليد بن يزيد، فأنشدته نحوا من ألف قصيدة، فما استعادني إلا قصيدة عمر بن أبي ربيعة:

طال ليلي و تعنّاني الطرب

ص: 127


1- في ت: «شهد». و في ح، ر: «تشهد الرحمن».
2- يختلف: يتردّد.
3- حجرة: ناحية.
4- الجزلة من النساء: العاقلة الأصيلة الرأي.
5- طبة: حاذقة رفيقة.
6- تأناها (بحذف إحدى تاءيه): تتمهل عليها؛ يقال: تأنيتك حتى لا أناة بي.
7- هو أبو يحيى محمد بن عبد اللّه بن عبد الأعلى الأسدي، و يعرف بابن كناسة، قيل: إن كناسة لقب جدّه، و قيل: لقب أبيه؛ و هو ابن أخت إبراهيم بن أدهم من أهل الكوفة، كان عالما بالعربية و أيام الناس و الشعر، سمع هشام بن عروة و سليمان الأعمش، و روى عنه أحمد بن حنبل و محمد بن إسحاق الصاغاني. مات بالكوفة سنة سبع و مائتين (راجع «أنساب السمعاني» في مادة الكناسيّ).

فلما أنشدته قوله:

فأتتها طبّة عالمة *** تخلط الجدّ مرارا باللّعب

إلى قوله:

إنّ كفّي لك رهن بالرّضا *** فاقبلي يا هند قالت قد وجب

فقال الوليد: ويحك يا حمّاد! اطلب لي مثل هذه أرسلها إلى سلمى. يعني امرأته سلمى بنت/سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان، و كان طلّقها ليتزوج أختها ثم تتبّعتها نفسه.

قال إسحاق و حدّثني جماعة منهم الحرميّ و الزّبيريّ(1) و غيرهما: أنّ عمر أنشد ابن أبي عتيق هذه القصيدة، فقال له ابن أبي عتيق: الناس يطلبون خليفة [مذ قتل عثمان(2)] في صفة قوّادتك هذه يدبّر أمورهم فما يجدونه!.

/رجع(3) إلى خبر عمر الطويل

قالوا: و من شعره الذي اعتذر فيه فأبرأ قوله:

فالتقينا فرحّبت حين سلّم *** ت و كفّت دمعا من العين مارا(4)

ثم قالت عند العتاب رأينا *** منك عنّا تجلّدا و ازورارا(5)

قلت كلاّ لاه(6) ابن عمّك بل خف *** نا أمورا كنّا بها أغمارا(7)

فجعلنا الصّدود لمّا خشينا *** قالة الناس للهوى أستارا

ليس كالعهد إذ عهدت(8) و لكن *** أو قد الناس بالنميمة نارا

فلذاك الإعراض عنك و ما آ *** ثر قلبي عليك أخرى اختيارا

ما أبالي إذا النّوى قرّبتكم *** فدنوتم من حلّ أو من سارا

فاللّيالي إذا نأيت طوال *** و أراها إذا قربت قصارا

و من تشكّيه الذي أشجى فيه قوله:

صوت

ص: 128


1- كذا في ت، ب، س. و في سائر النسخ: «الزبير» و هو تحريف؛ إذ هو مصعب بن عبد اللّه الزبيريّ، و إسحاق بن إبراهيم الموصليّ يروى عنه كثيرا.
2- زيادة في ت.
3- في ج: «نرجع».
4- مار: جرى و سال. و في أ، ب، س، م، ء: «ثارا» أي هاج و انبعث.
5- الازورار: الإعراض.
6- لاه ابن عمك، أي للّه ابن عمك؛ و منه قول ذي الإصبع العدواني: لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب عني و لا أنت دياني فتخزوني
7- الغمر (بضم الغين و فتحها مع سكون الميم، و بفتحتين، و بفتح فكسر): الغر الجاهل الذي لم يجرب الأمور.
8- أي ليس الأمر كما تعهدين من قبل.

لعمرك ما جاورت غمدان(1) طائعا *** و قصر شعوب أن أكون به صبّا

/و لكنّ حمى أضرعتني(2) ثلاثة *** مجرّمة(3) ثم استمرّت بنا غبّا(4)

و حتّى لو أن الخلد تعرض إن مشت *** إلى الباب رجلي ما نقلت لها إربا(5)

فإنّك لو أبصرت يوم سويقة(6) *** مناخي و حبسي العيس دامية جدبا(7)

و مصرع إخوان(8) كأنّ أنينهم *** أنين المكاكي(9) صادفت بلدا خصبا

إذا لاقشعرّ الرّأس(10) منك صبابة(11) *** و لاستفرغت عيناك من سكبة غربا(12)

غنّى في الأوّل و الثاني من هذه الأبيات معبد و لحنه خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو. و فيهما لمالك ثقيل أوّل عن الهشاميّ، و نسبه يونس إلى مالك و لم يجنّسه.

و من إقدامه عن خبرة و لم يعتذر بغرّة قوله:

و من إقدامه عن(13) خبرة و لم يعتذر بغرّة قوله:

صرمت و واصلت حتّى عرف *** ت أين المصادر و المورد

و جرّبت من ذاك حتّى عرف *** ت ما أتوقّى و ما أعمد

و من أسره النوم قوله:

نام صحبي و بات نومي أسيرا *** أرقب النّجم موهنا أن يغورا

ص: 129


1- غمدان كعثمان: قصر باليمن بناه «يشرح بن يحصب» (و قال السيد مرتضى: و في بعض النسخ بالمهملات و في بعضها بزيادة اللام على التحتية) بأربعة وجوه: أحمر و أبيض و أصفر و أخضر، و بنى داخله قصرا بسبعة سقوف بين كل سقفين أربعون دراعا («قاموس» مادة «غمد»). و قصر شعوب: قصر عال مرتفع باليمن أيضا.
2- أضرعتني: أضعفتني و أذلّتني.
3- مجرّمة كمعظمة: تامة. يريد ثلاثة كاملة.
4- الغبّ من الحمى: ما تأخذ يوما و تدع يوما.
5- أي ما حرّكت لها عضوا. و في الأصول: «يعرض».
6- سويقة: موضع.
7- حدبا: جمع أحدب و حدباء. و أصل الحدب: ما ارتفع من الأرض؛ و منه قيل: حدب الإنسان حدبا من باب تعب، إذا خرج ظهره و ارتفع من الاستواء، فهو أحدب و الأنثى حدباء. يريد أنه أعياها السير فهي دامية متقوّسة الظهور هزالا. و في أ، م، ء: «جربا» جمع أجرب و جرباء.
8- كذا في ح، ر. و في سائر النسخ: «إخواني» بياء المتكلم.
9- كذا في الأصول. و هو يستقيم لو كان هكذا: «صادفت بلدا جدبا» و في «ديوانه»: المطبوع بليپزج: أنين مكاك فارقت بلدا خصبا و المكاكي: جمع مكّاء. و الأصل في الجمع تشديد الياء؛ إذ هو على وزن «فعاليل»، غير أنه حذفت الياء في الجمع هنا للتخفيف، كما يقال في مفاتيح مفاتح؛ و لذلك حذفت الياء في رواية «الديوان» لأنه صار منقوصا مثل جوار. و المكاء: طير يشبه القبّرة إلا أن في جناحيه بلقا، و هو حسن الصوت في تغريده.
10- في ت: «الجلد».
11- كذا في «الديوان». و في جميع النسخ: «عجابة».
12- في «الديوان»: «من عبرة سكبا».
13- في ت: «على» و كلاهما صحيح.

و من غمّه الطير قوله:

فرحنا و قلنا للغلام اقض حاجة *** لنا ثم أدركنا و لا تتغبّر

/

سراعا نغمّ(1) الطير إن سنحت لنا *** و إن تلقنا الرّكبان لا نتخبّر(2)

تتغبر، من قولهم: غبر فلان أي لبث.

و من إغذاذه السير قوله:

و من إغذاذه(3) السير قوله:

قلت سيرا و لا تقيما ببصرى(4) *** و حفير(5) فما أحبّ حفيرا

و إذا ما مررتما بمعان(6) *** فأقلاّ به الثّواء و سيرا

إنّما قصرنا(7) إذا حسّر(8) السي *** ر بعيرا أن نستجدّ بعيرا

و من تحييره ماء الشباب قوله:

صوت

أبرزوها مثل المهاة تهادى *** بين خمس كواعب أتراب

ثم قالوا تحبّها قلت بهرا(9) *** عدد القطر و الحصى و التراب

و هي مكنونة تحيّر منها *** في أديم الخدّين ماء الشباب

الغناء لمحمد بن عائشة خفيف ثقيل بالبنصر. و فيه لمالك خفيف ثقيل آخر عن الهشاميّ، و قيل: بل هو هذا.

و من تقويله و تسهيله قوله:

قالت على رقبة يوما لجارتها *** ما تأمرين فإنّ القلب قد تبلا(10)

ص: 130


1- لعله يريد: نحزنها بالسبق، أو نبهرها و نغلبها؛ من قولهم غمّ القمر النجوم، إذا بهرها و كاد يستر ضوأها. و في هامش النسخة التيمورية المخطوطة من «ديوانه»: «و يروى نعيف الطير». و عيافة الطير: زجرها و هي التفاؤل أو التطيّر بأسمائها و أصواتها و ممرّها. و هي رواية جيدة يستقيم بها معنى البيت، و لو لا أن أبا الفرج اعتمد الرواية الأولى و عنون الشعر بها لأثبتناها في الأصل.
2- التخبّر: السؤال عن الخبر.
3- أغذ السير و أغذ فيه: أسرع.
4- بصرى: بلد بالشام.
5- حفير: نهر بالأردن ببلاد الشام.
6- في ت: «مغان» بالغين، و لعله محرّف عن «معان» بالعين. و معان (بالفتح، و المحدّثون يقولونه بالضم): مدينة في طرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء. و في سائر النسخ: «بعمان» و لعله تحريف لعدم اتفاقه مع أسماء المواضع في البيت السابق. و في «ديوانه»: فإذا ما مررتما بحفير.
7- قصرنا أي قصارانا و غايتنا.
8- حسّر السير بعيرا: أجهده و أعياه.
9- يزاد على ما في الحاشية الرابعة ص 79 أنه قيل: إن معنى «بهرا» هنا: جمّا أي كثيرا.
10- المتبول: من أسقمه الهوى و غلبه الحب على أمره. و في ديوانه: «شغلا».

و هل لي اليوم من أخت مواخية *** منكنّ أشكو إليها بعض ما فعلا

فراجعتها حصان(1) غير فاحشة *** برجع قول و لبّ لم(2) يكن خطلا

لا تذكري حبّه حتى أراجعه *** إنّي سأكفيكه إن لم أمت عجلا

فاقني(3) حياءك في ستر و في كرم *** فلست أوّل أنثى علّقت رجلا

و أما ما قاس فيه الهوى فقوله:

و قرّبن أسباب الهوى لمتيّم *** يقيس ذراعا كلّما قسن إصبعا

و من عصيانه و إخلائه قوله:

و أنصّ المطيّ يتبعن بالرّك *** ب سراعا نواعم الاظعان(4)

فنصيد الغرير(5) من بقر الوح *** ش و نلهو بلذّة الفتيان

/في زمان لو كنت فيه ضجيعي *** غير شكّ عرفت لي عصياني

و تقلّبت في الفراش و لا تد *** رين إلا الظّنون أين مكاني

و من محالفته بسمعه و طرفه قوله:

سمعي و طرفي حليفاها على جسدي *** فكيف أصبر عن سمعي و عن بصري

لو طاوعاني على ألاّ أكلّمها *** إذا لقضّيت من أوطارها و طري

و من إبرامه نعت الرسل قوله:

و من إبرامه(6) نعت الرسل قوله:

فبعثت كاتمة الحدي *** ث رفيقة(7) بجوابها

و حشيّة إنسيّة *** خرّاجة من بابها

فرقت فسهّلت المعا *** رض من سبيل نقابها

و من تحذيره قوله:

صوت

لقد أرسلت جاريتي *** و قلت لها خذي حذرك

ص: 131


1- حصان: عفيفة. و الخطل: الفاسد المضطرب.
2- كذا؟ و في «الديوان»: «و أمر».
3- اقنى حياءك: لا تفرطي فيه.
4- في «ديوانه»: و أنصّ المطيّ بالركب يطلب ن سراعا بواكر الأظعان
5- الغرير هنا: الغافل.
6- كذا فيء. و في ر: «إبرامه ببعث». و في ب، س، م، ت: «إبراصه بعث». و في ح: «إبراضه ببعث». و إبرام النعت: إحكامه.
7- في أ، ء، م: «رقيقة».

و قولي في ملاطفة *** لزينب نوّلي عمرك

فإن داويت ذا سقم *** فأخزى اللّه من كفرك

فهزّت رأسها عجبا *** و قالت من بذا أمرك

أ هذا سحرك النّسوا *** ن، قد خبّرنني خبرك

و قلن إذا قضى و طرا *** و أدرك حاجة هجرك

/غنّى ابن سريج في هذه الأبيات، و لحنه خفيف ثقيل. و لابن المكّيّ فيها هزج بالوسطى. و فيها رمل ذكر ذكاء وجه(1) الرّزّة عن أحمد بن أبي العلاء عن مخارق أنه لابن جامع، و ذكر قمريّ أنه له و أنّ ذكاء(2) أبطل في هذه الحكاية. قال الزّبير(3): حدّثني عمّي قال حدّثني أبي قال: قال شيخ من قريش: لا تروّوا نساءكم شعر عمر بن أبي ربيعة لا يتورّطن في الزّنا تورّطا، و أنشد:

لقد أرسلت جاريتي *** و قلت لها خذي حذرك

... الأبيات.

و من إعلانه الحبّ و إسراره قوله:

شكوت إليها الحبّ أعلن بعضه *** و أخفيت منه في الفؤاد غليلا

و مما بطن به و أظهر قوله:

و مما بطن به(4) و أظهر قوله:

حبّكم يا آل ليلى قاتلي *** ظهر الحبّ بجسمي و بطن

ليس حبّ فوق ما أحببتكم *** غير أن أقتل نفسي أو أجنّ

و مما ألحّ فيه و أسفّ قوله:

ليت حظّي كطرفة العين منها *** و كثير منها القليل المهنّا

أو حديث على خلاء يسلّي *** ما يجنّ الفؤاد منها و منّا

كبرت ربّ نعمة منك يوما *** أن أراها قبل الممات و منّا

و من إنكاحه النوم قوله:

اشارة

ص: 132


1- كذا في ت، أ، م، ء. و في سائر النسخ: «وجه الررة» و لم نتثبت منه غير أنه غلام أحمد بن يوسف (انظر «الأغاني» 14 في ذكر هاشم بن سليمان و بعض أخباره). و ذكاء: اسم للشمس.
2- كذا في ت. و في أ، م، ء: «و إن كان ذكاء أبطل الخ». و في سائر النسخ: «و إن كان ذكاء أبطن الخ» و هو تحريف.
3- كذا في ت. و في ح: «ابن الزبير». و في سائر النسخ: الزبيري» و لعلهما تحريف؛ إذ قد تكرر أن الزبير بن بكار يروي عن عمه، و عمه يروي عن أبيه.
4- في كل النسخ هنا: «بطن فيه».
صوت

حتّى إذا ما الليل جنّ ظلامه *** و نظرت غفلة كاشح(1) أن يعقلا(2)

و استنكح النوم الذين نخافهم *** و سقى الكرى بوّابهم فاستثقلا(3)

خرجت تأطر في الثياب كأنّها *** أيم يسيب على كثيب أهيلا(4)

الغناء لمعبد خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق. و فيه ألحان لغيره و قد نسبت في غير هذا الموضع مع قوله(5):

ودّع لبابة(6) قبل أن تترحّلا

و من جنيه الحديث قوله:

و جوار مساعفات على اللّه *** و و مسرّات باطن الأضغان(7)

صيّد للرجال يرشقن بالمطرّ *** ف حسان كخذّل(8) الغزلان

/قد دعاني و قد دعاهنّ للّه *** و شجون مهمّة(9) الأشجان

فاجتنينا من الحديث ثمارا *** ما جنى مثلها لعمرك جاني

و من ضربه الحديث ظهره لبطنه قوله:

في خلاء من الأنيس و أمن *** فبثثنا غليلنا و اشتفينا

و ضربنا الحديث ظهرا لبطن *** و أتينا من أمرنا ما اشتهينا(10)

فمكثنا بذاك عشر ليال *** في قضاء لديننا و اقتضينا(11)

ص: 133


1- و في ح، ر: «حارس».
2- كذا في أ، ء. و في سائر النسخ: «يغفلا» و في «ديوانه»: و رقبت غفلة كاشح أن يمحلا من المحل و هو المكر و الكيد.
3- يقال: أثقله النوم فهو مستثقل، بصيغة المفعول. و في «ديوانه»: فتخبلا».
4- أصله تتأطر، فحذفت إحدى تاءيه، و معناه تتثنى. و الأيم: الأفعى. و يسيب: يمشي. و الكثيب الأهيل: الرمل المنهال. و في «ديوانه» المخطوط: ريح تسيّب عن كثيب أهيلا و في «ديوانه» المطبوع: «تسنّت» و ليس له معنى مناسب.
5- هذه الجملة: «مع قوله... تترحلا» غير موجودة في ح، ر. و في ب، س، م: ذكرت هذه الجملة من غير لفظ «مع».
6- كذا في س. و في سائر النسخ: «لبانة» بالنون، و هو تحريف: إذ هي لبابة بنت عبد اللّه بن العباس امرأة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان.
7- في «ديوانه»: فجوار مستقتلات إلى الله و حسان كناضر الأغصان
8- الخذل: جمع خاذل، و هي الظبية تتخلف عن صواحباتها أو أولادها.
9- أي مثيرة الأشجان. و في ديوانه: «من أعجب الأشجان».
10- كذا في «ديوانه». و في الأصول: «هويتا». و فيه السّناد هو أن يخالف بين الحركات التي تلى الأرداف في الرويّ؛ كقوله: شربنا من دماء بني تميم بأطواف القنا حتى روينا أ لم تر أن تغلب بيت عز جبال معاقل ما يرتقينا
11- في «ديوانه»: فقضينا ديوننا و اقتضينا

و من إذلاله صعب الحديث قوله:

فلما أفضنا في الهوى نستبينه *** و عاد لنا صعب الحديث ذلولا

شكوت إليها الحبّ أظهر بعضه *** و أخفيت منه في الفؤاد غليلا

و من قناعته بالرجاء من الوفاء قوله:

فعدي نائلا و إن لم تنيلي *** إنه ينفع(1) المحبّ الرجاء

قال الزّبير: هذا أحسن من قول كثيّر:

و لست براض من خليل بنائل *** قليل و لا أرضى له بقليل

و من إعلائه قاتله قوله:

فبعثت جاريتي و قلت لها اذهبي *** فاشكي إليها ما علمت و سلّمي

قولي يقول تحرّجي(2) في عاشق *** كلف بكم حتّى الممات متيّم

/و يقول إنّك قد علمت بأنّكم *** أصبحتم يا بشر أوجه(3) ذي دم

فكّي رهينته فإن لم تفعلي *** فاعلي(4) على قتل ابن عمّك و اسلمي

فتضاحكت عجبا و قالت حقّه *** ألاّ يعلّمنا بما لم نعلم

علمي به - و اللّه يغفر ذنبه - *** فيما بدا لي، ذو(5) هوى متقسّم

طرف(6) ينازعه إلى الأدنى(7) الهوى *** و يبتّ خلّة ذي الوصال الأقدم

و من تنفيضه النوم قوله:

فلمّا فقدت الصوت منهم و أطفئت *** مصابيح شبّت بالعشاء و أنور(8)

و غاب قمير كنت أرجو غيوبه *** و روّح رعيان و نوّم سمّر(9)

و نفّضت عنّي أقبلت مشية ال *** حباب و ركني خشية القوم أزور(10)

ص: 134


1- كذا في جميع النسخ و «الديوان». و يحتمل أن يكون «يقنع».
2- أي كفّي عن الحرج و الإثم.
3- أي أحقّ إنسان آخذ منه بدمى.
4- يقال: علا يعلو كسما يسمو، و على يعلى كرضى يرضى.
5- على تقدير: علمي به أنه ذو هوى متقسم.
6- الطّرف: من لا يثبت على امرأة و لا صاحب.
7- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «أدنى» و هو تحريف.
8- في «ديوانه»: «أنؤر» و كلاهما جمع نار، يهمز و لا يهمز، كما في «الكامل» للمبرّد طبع ليپزج ص 383.
9- روّح: من الرواح و هو وقت العشيّ. و الرعيان: جمع راع كالرّعاء و الرّعاء و الرعاء. و نوّم الرجل تنويما: مبالغة في نام.
10- في ب، س، أ: «و لكن» بدل «و ركني». و الحباب: الحية. و أزور: مائل. و في «ديوانه»: و شخصي خشية الحيّ أزور

و من إغلاقه رهن منى و إهداره قتلاه قوله:

اشارة

فكم من قتيل ما يباء(1) به دم *** و من غلق(2) رهنا إذا لفّه(3) منى

/و من مالئ عينيه من شيء(4) غيره *** إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمى(5)

و كان بعد هذا كلّه فصيحا شاعرا مقولا(6).

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير قال حدّثني عمّي، و أخبرنا به عليّ بن صالح عن أبي هفّان عن إسحاق عن رجاله:

أنّ عمر بن أبي ربيعة نظر إلى رجل يكلّم امرأة في الطّواف، فعاب ذلك عليه و أنكره. فقال له: إنها/ابنة عمّي. قال: ذاك أشنع لأمرك. فقال: إنّي خطبتها إلى عمّي، فأبى عليّ إلا بصداق أربعمائة دينار، و أنا غير مطيق ذلك، و شكا إليه من حبّها و كلفه بها أمرا عظيما، و تحمّل(7) به على عمّه. فسار معه إليه فكلّمه. فقال له: هو مملق، و ليس عندي ما أصلح به أمره. فقال له عمر: و كم الذي تريده منه؟ قال: أربعمائة دينار. فقال له: هي عليّ فزوّجه، ففعل ذلك.

و قد كان عمر حين أسنّ حلف ألاّ يقول بيت شعر ألاّ أعتق رقبة. فانصرف عمر إلى منزله يحدّث نفسه، فجعلت جارية له تكلّمه فلا يردّ عليها جوابا. فقالت له: إنّ لك لأمرا، و أراك تريد أن تقول شعرا، فقال:

صوت

تقول وليدتي لمّا رأتني *** طربت و كنت قد أقصرت حينا

أراك اليوم قد أحدثت شوقا(8) *** و هاج لك الهوى داء دفينا

و كنت زعمت أنّك ذو عزاء *** إذا ما شئت فارقت القرينا

/بربّك هل أتاك لها رسول *** فشاقك أم لقيت لها خدينا(9)

فقلت شكا إليّ أخ محبّ *** كبعض زماننا إذ تعلمينا

ص: 135


1- يقال: أباء القاتل بالقتيل، إذا قتله به. و المراد هنا: فكم من قتيل يطلّ دمه و لا يؤخذ له بثأر.
2- يقال: غلق الرهن في يد المرتهن يغلق غلقا، إذا لم يقدر الراهن على افتكاكه في الوقت المشروط. يريد: و كم من قلوب أسيرة لا يقدر أصحابها على افتكاكها.
3- في «الديوان»: «ضمه».
4- في ر: «من سيّئ عبرة» يريد: من فيض عبرة.
5- الدمى: جمع دمية و هي الصورة المنقّشة من العاج و نحوه.
6- المقول: الحسن القول المفصح المبين.
7- يقال: تحمل بفلان على فلان، إذا استشفع به لديه.
8- في ح، ر: «أمرا».
9- الخدين: الصديق الذي يخادنك فيكون معك في كل أمر ظاهر و باطن؛ و منه خدن الجارية: محدّثها. و كان العرب في الجاهلية لا يمتنعون من خدن يحدّث الجارية، فجاء الإسلام بهدمه. و في التنزيل العزيز: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ) إلى قوله: (وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذٰا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسٰافِحِينَ وَ لاٰ مُتَّخِذِي أَخْدٰانٍ). الآية.

فقصّ عليّ ما يلقى بهند *** فذكّر بعض ما كنّا نسينا(1)

و ذو الشّوق القديم و إن تعزّى(2) *** مشوق حين يلقى العاشقينا

و كم من خلّة(3) أعرضت عنها *** لغير قلى(4) و كنت بها ضنينا

أردت بعادها فصددت عنها(5) *** و لو جنّ الفؤاد بها جنونا

ثم دعا تسعة من رقيقه فأعتقهم لكلّ بيت واحد(6). الغناء لابن سريج رمل بالبنصر عن عمرو و الهشاميّ.

و فيه ثقيل أوّل يقال: إنه للغريض. و ذكر عبد اللّه بن موسى أنّ فيه لدحمان خفيف رمل.

عمر بن أبي ربيعة و عروة بن الزبير

أخبرني الحرميّ قال حدّثنا أحمد بن عبيد أبو عصيدة(7) قال:

ذكر ابن الكلبيّ أنّ عمر بن أبي ربيعة كان يساير عروة بن الزّبير و يحادثه، فقال له: و أين زين المواكب؟ يعني ابنه محمد بن عروة، و كان يسمّى بذلك لجماله.

/فقال له عروة: هو أمامك، فركض يطلبه. فقال له عروة: يا أبا الخطّاب، أ و لسنا أكفاء كراما لمحادثتك و مسايرتك؟ فقال: بلى بأبي أنت و أمي! و لكنّي مغرى بهذا الجمال أتبعه حيث كان. ثم التفت إليه و قال:

إنّي امرؤ مولع(8) بالحسن أتبعه *** لا حظّ لي فيه إلا لذّة النّظر

ثم مضى حتى لحقه فسار معه، و جعل عروة يضحك من كلامه تعجّبا منه.

عمر بن أبي ربيعة و مالك بن أسماء بن خارجة

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا مصعب ابن عبد اللّه قال:

رأى عمر بن أبي ربيعة رجلا يطوف بالبيت قد بهر الناس بجماله و تمامه، فسأل عنه فقيل له: هذا مالك بن أسماء بن خارجة. فجاءه فسلّم عليه و قال له: يا ابن أخي ما زلت أتشوّقك منذ بلغني قولك:

إنّ لي عند كلّ نفحة بستا *** ن من الورد أو من الياسمينا(9)

نظرة و التفاتة أتمنّى *** أن تكوني حللت فيما يلينا

و يروى:

«... أترجّى *** أن تكوني حللت...»

عمر و أبو الأسود الدؤلي و قد عرض لامرأته في الطواف

ص: 136


1- في ديوانه: فوافق بعض ما قد تعرفينا و في ت: فذكر ما كنا لقينا
2- في «ديوانه»: «و ذو القلب المصاب و لو تعزى».
3- الخلة: الخليلة.
4- في «الديوان»: «من آجلكم».
5- في «ديوانه»: «أردت فراقها و صبرت عنها».
6- كذا في ت، و في سائر النسخ: «واحدا» على تقدير: أعتق لكل بيت واحدا. و هذه الجملة: «لكل بيت واحد» ساقطة من أ، م، ء.
7- كذا في ت، ح. و في سائر الأصول: «أبو عبيدة» و هو تحريف؛ فإن الموجود في «كتب التراجم» أنّ أحمد بن عبيد يكنى أبا عصيدة.
8- في ت: «موزع».
9- في «المصباح»: الياسمين بكسر السين و بعضهم يفتحها.

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا عبد اللّه/بن محمد قال حدّثنا العباس بن هشام عن أبيه قال أخبرني مولى لزياد قال:

حجّ أبو الأسود الدّؤليّ(1) و معه امرأته و كانت جميلة. فبينا هي تطوف بالبيت إذ عرض لها عمر بن أبي ربيعة، فأتت أبا الأسود فأخبرته، فأتاه أبو الأسود/فعاتبه. فقال له عمر: ما فعلت شيئا. فلما عادت إلى المسجد عاد فكلّمها، فأخبرت أبا الأسود، فأتاه في المسجد و هو مع قوم جالس فقال له:

و إنّي ليثنيني عن الجهل و الخنا *** و عن شتم أقوام خلائق أربع

حياء و إسلام و بقيا(2) و أنّني *** كريم و مثلي قد يضرّ و ينفع

فشتّان ما بيني و بينك إنّني *** على كل حال أستقيم و تظلع(3)

فقال له عمر: لست أعود يا عمّ لكلامها بعد هذا اليوم. ثم عاود(4) فكلّمها، فأتت أبا الأسود فأخبرته، فجاء إليه فقال له:

أنت الفتى و ابن الفتى و أخو الفتى *** و سيّدنا لو لا خلائق أربع

نكول عن الجلّى و قرب من الخنا *** و بخل عن الجدوى و أنك تبّع(5)

ثم خرجت و خرج معها أبو الأسود مشتملا على سيف. فلما رآهما عمر أعرض عنها، فتمثّل أبو الأسود:

تعدو الذّئاب على من لا كلاب له *** و تتّقي صولة المستأسد الحامي(6)

رأي الفرزدق في شعر ابن أبي ربيعة

أخبرني ابن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن الهيثم الفراسيّ(7) قال حدّثنا العمريّ(8) قال أخبرنا الهيثم بن عديّ قال:

ص: 137


1- في ح، ر: «الديلي». و النسبة إلى «الدئل» بضم الدال و كسر الهمزة، و هي قبيلة من كنانة «الدّؤليّ» بضم الدال و فتح الهمزة. و إنما فتحت الهمزة لئلا تتوالى الكسرات؛ كما قالوا في النسبة إلى نمرة نمريّ بالفتح، و هي قاعدة مطردة. و يقال فيها: الدّولي (بواو غير مهموزة)، و الدّئلي (بضم الدال و كسرة الهمزة) و هي نادرة. و أما الديلي (بكسر الدال) و الدولى (بضمها) فنسبتان لقبيلتين أخريين. (انظر «القاموس» و «شرحه» مادة دأل).
2- أبقيت عليه بقيا: أشفقت و رحمته.
3- يقال: ظلع يظلع ظلعا من باب نفع، إذا عرج و غمز في مشيه.
4- في ت، ح: «عاودت».
5- يقال: هو تبع نساء و تبّعهنّ، إذا جدّ في طلبهنّ.
6- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «الضاري». (انظر الحاشية رقم 4 ص 78 و الحاشية رقم 1 ص 79 من هذا الجزء).
7- كذا في جميع النسخ عدا نسخة ت، و لم نعثر عليه. و لعله نسبة إلى بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة. و في ت: «الفراشي» بالشين المعجمة، و لعله نسبة إلى فراشة بفتح الفاء و الراء: قرية بين بغداد و الحلّة، أو موضع بالبادية، كما في «القاموس». و يجوز أن يكون «الفراشي» بكسر الفاء و فتح الراء نسبة إلى بني فراشة بن سلمة بن عبد اللّه المروزي الفراشيّ، كما في أنساب السمعاني و «شرح القاموس». (انظر «القاموس» و «شرحه» و أنساب السمعاني في هاتين المادتين).
8- كذا في ت، ح. و في سائر النسخ: «الغمري» بالغين المعجمة، و هو تصحيف؛ إذ لم نجد هذه النسبة في كتب «الأنساب»، على أنه قد ورد ذكره كثيرا في الأسانيد العمري» بالعين المهملة.

/قدم الفرزدق المدينة و بها رجلان يقال لأحدهما صريم(1)، و للآخر ابن أسماء، وصفا له فقصدهما، و كان عندهما قيان(2)، فسلّم عليهما و قال لهما: من أنتما؟ فقال أحدهما: أنا فرعون، و قال الآخر: أنا هامان.

قال: فأين منزلكما في النار حتى أقصدكما؟ فقالا: نحن جيران الفرزدق الشاعر! فضحك و نزل، فسلّم عليهما و سلّما عليه و تعاشروا مدّة. ثم سألهما أن يجمعا بينه و بين عمر بن أبي ربيعة ففعلا، و اجتمعا و تحادثا و تناشدا إلى أن أنشد عمر قصيدته التي يقول فيها:

فلمّا(3)

التقينا و اطمأنت بنا النّوى *** و غيّب عنّا من نخاف و نشفق

حتى انتهى إلى قوله:

فقمن لكي يخليننا(4) فترقرقت *** مدامع عينيها و ظلّت تدفّق

و قالت أ ما ترحمنني! لا تدعنني *** لدى غزل جمّ الصّبابة يخرق(5)

فقلن اسكتي عنّا فلست مطاعة *** و خلّك منّا - فاعلمي - بك أرفق(6)

فصاح الفرزدق: أنت و اللّه يا أبا الخطّاب أغزل الناس! لا يحسن و اللّه الشعراء أن يقولوا مثل هذا النّسيب و لا أن يرقوا مثل هذه الرّقية! و ودّعه و انصرف.

عمرو و عبد الرحمن بن الحارث بن عبد اللّه بن عياش بن أبي ربيعة

أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الجبّار بن سعيد(7) المساحقيّ عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه:

أنه حجّ مع أبيه(8) الحارث بن عبد اللّه بن عيّاش بن أبي ربيعة، فأتى عمر بن أبي ربيعة و قد أسنّ و شاخ، فسلّم عليه و ساء له ثم قال له: أيّ شيء أحدثت بعدي يا أبا الخطّاب؟ فأنشده:

يقولون(9): إنّي لست أصدقك الهوى *** و إنّي لا أرعاك حين أغيب

/فما بال طرفي(10) عفّ عما تساقطت *** له أعين من معشر و قلوب

ص: 138


1- كذا في ت. ح، ر. و في سائر النسخ: «صويم» بالواو. و لم نرجحه إذ لم نقف على أنه سمي به.
2- في ت: «فتيان».
3- في «ديوانه» المطبوع و المخطوط: «لما» بدون الفاء. و هو الصواب؛ لأن هذا البيت مطلع هذه القصيدة، و قد دخله الخرم.
4- يخليننا: يجعلننا في خلوة منهنّ.
5- يخرق: يحمق. و البيت في «ديوانه»: و قالت أ ما ترحمنني أن تدعنني لديه و هو فيما علمتنّ أخرق
6- في ديوانه: ......... فغير مطاعة لهو بك منا - فاعلمي ذاك - أرفق
7- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «سعد» و هو تحريف. (انظر «أنساب السمعاني» في مادة المساحقي).
8- في جميع النسخ عدا نسخة ت: «معه ابنه». و في ت: «مع ابنه» و كلاهما تحريف. و لعل الأخيرة محرّفة عن «مع أبيه»؛ إذ أن أبا عبد الرحمن هو الحارث بن عبد اللّه بن عياش بن أبي ربيعة. (انظر «تقريب التهذيب» فيمن اسمه المغيرة).
9- في ت: «تقولين».
10- في ت: «قلبي».

عشيّة لا يستنكف القوم أن يروا *** سفاه امرئ ممن(1) يقال لبيب

و لا فتنة من ناسك أومضت(2) له *** بعين الصّبا كسلى القيام لعوب

تروّح يرجو أن تحطّ ذنوبه *** فآب و قد زيدت عليه ذنوب

و ما النّسك أسلاني و لكنّ(3) للهوى *** على العين منّي و الفؤاد رقيب

عمرو و النسوة اللاتي واعدهنّ بالعقيق

اشارة

أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا عيسى بن إسماعيل عن القحذميّ قال: واعد عمر بن أبي ربيعة نسوة من قريش إلى العقيق ليتحدّثن معه، فخرج إليهنّ و معه الغريض، فتحدّثوا مليّا و مطروا، فقال عمر و الغريض و جاريتان للنسوة فأظلّوا/عليهنّ بمطرفه و بردين له حتى استترن من المطر إلى أن سكن، ثم انصرفن. فقال له الغريض: قل في هذا شعرا حتى أغنّي فيه، فقال عمر:

صوت

أ لم تسأل المنزل المقفرا *** بيانا فيكتم أو يخبرا

ذكرت به بعض ما قد شجاك(4) *** و حقّ لذي الشّجو أن يذكرا

مقام المحبّين(5) قد ظاهرا(6) *** كساء و بردين أن يمطرا

و ممشى الثلاث به موهنا *** خرجن إلى زائر زوّرا

إلى مجلس من وراء القبا *** ب سهل الرّبا طيّب أعفرا(7)

غفلن عن اللّيل حتّى بدت *** تباشير من واضح أسفرا(8)

فقمن يعفّين آثارنا *** بأكسية الخزّ أن تقفرا(9)

مهاتان شيّعتا جؤذرا(10) *** أسيلا مقلّده(11) أحورا(12)

ص: 139


1- كذا في «الديوان». و في الأصول: «مما».
2- أومضت له: سارقته النظر.
3- كذا في جميع النسخ و «الديوان». و لعل اسم «لكن» ضمير الشأن و الجملة بعده خبر. على أنه يستقيم لو كان: «و لكنه الهوى» أو «و لكنما الهوى».
4- في «الديوان»: ذكرت به بعض ما قد مضى
5- في «الديوان»: «مبيت الحبيبين».
6- يقال: ظاهر بين الثوبين، إذا لبس أحدهما على الآخر.
7- أعفر: ذي رمل أحمر.
8- في «ديوانه»: «أشقرا».
9- يقال: قفر الأثر قفرا، إذا اقتفاه و تبعه.
10- كذا في «الديوان». و في الأصول: «ربربا». و الجؤذر (بضم أوّله و ضم الذال و فتحها): ولد البقرة. و الربرب: القطيع من بقر الوحش و قيل من الظباء، و لا واحد له من لفظه.
11- المقلد: موضع القلادة، و يراد به الجيد.
12- ورد هذا البيت في «ديوانه» بعد قوله: «و ممشى الثلاث» البيت.

و

قمن و قلن لو انّ النها *** ر مدّ له اللّيل فاستأخرا

قضينا به بعض أشجاننا(1)*** و كان الحديث به أجدرا

/ذكر ابن المكيّ أنّ الغناء في الخمسة الأبيات الأولى لابن سريج ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر، و ذكر الهشاميّ أنّ هذا اللحن للغريض، و أنّ لحن ابن سريج رمل بالوسطى. قال: و لدحمان فيه أيضا ثاني ثقيل آخر بالوسطى. و فيها لابن الهربذ خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى. و قال حبش: فيها لمعبد خفيف ثقيل بالوسطى.

عمرو ابن أبي عتيق

أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أبو العبّاس المدينيّ(2) قال أخبرنا ابن عائشة قال:

حضر ابن أبي عتيق عمر بن أبي ربيعة و هو ينشد قوله:

و من كان محزونا بإهراق عبرة *** و هي غربها(3) فليأتنا نبكه غدا

نعنه على الإثكال إن كان ثاكلا *** و إن كان(4) محروبا و إن كان مقصدا(5)

قال: فلمّا أصبح ابن أبي عتيق أخذ معه خالدا الخرّيت و قال له: قم بنا إلى عمر. فمضيا(6) إليه، فقال له ابن أبي عتيق: قد جئناك لموعدك. قال: و أيّ موعد بيننا؟ قال: قولك: «فليأتنا نبكه غدا». قد جئناك، و اللّه لا نبرح أو تبكي إن كنت صادقا في قولك، أو ننصرف على أنك غير/صادق. ثم مضى و تركه. قال ابن عائشة: خالد الخرّيت هو خالد بن عبد اللّه القسري.

عود إلى خلق عمر

أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا دماذ(7) عن الهيثم بن عديّ عن عبد اللّه(8) بن عيّاش الهمدانيّ قال:

ص: 140


1- في «ديوانه»: لقينا به بعض ما نشتهي
2- كذا في أكثر النسخ المخطوطة. و في ح، ر: «المدنيّ». و في ب، س: «المدائنيّ».
3- و هي غربها، يريد: ضعف دمعها. و نبكه هنا نعنه في البكاء، مثل أحلبه، إذا أعانه في الحلب. و لم نجد «أبكاه» بهذا المعنى في «كتب اللغة».
4- كذا في «الديوان». و المحروب: من سلب ماله. و في الأصول: «محزونا».
5- المقصد: من طعن أو رمي بسهم فلم يخطئ مقاتله.
6- في جميع الأصول: «فمضينا».
7- في ت: «ذماد». و في ح: «دمارذ». و في م: «دماد». و في أ، ء: «دمار». و في ر: «حماد» و لعلها محرّقة عن «دماذ» و لم نعثر على ضبطه. و قد ورد ذكره في «الأمالي» الطبعة الأميرية ج 3 ص 18 و 108 و 189، و ضبط في الصفحة الأخيرة بالقلم بفتح الدال و الميم، و ذكر فيها أنه رفيع بن سلمة العبدي المعروف بدماذ و ذكر له قصيدة. و ذكره ابن النديم في «الفهرست» طبع أوروبا ص 54 و ضبط هكذا «دمّاد» و ذكر أن كنيته أبو غسان و اسمه رفيع بن سلمة بن مسلم بن رفيع العبدي، روى عن أبي عبيدة و كان يورّق كتبه و أخذ عنه «الأنساب» و «الأخبار» و «المآثر». و ذكره أبو الفرج في «الأغاني» ج 3 ص 55 و ج 12 ص 33 طبعة بولاق، و قال عنه في الأخيرة: إنه من رواة البصرة. و ذكره السيوطي في «بغية الوعاة» ص 248 طبع مصر سنة 1326 ه، فقال: إنه رفيع بن سلمة المعروف بدماث (هكذا) و لعله محرّف عن دماذ - و نقل أنه كان كاتب أبي عبيدة و أوثق الناس عنه، و منه سمع المازنيّ.
8- في م، ء: «عبيد اللّه بن العباس». و في ت: «عبد اللّه بن عباس». و في أ: «عبد اللّه بن العباس».

لقيت عمر بن أبي ربيعة فقلت له: يا أبا الخطّاب، أ كلّ ما قلته في شعرك فعلته؟ قال: نعم، و أستغفر اللّه.

قدوم عمر الكوفة و نزوله على عبد اللّه بن هلال

أخبرني عليّ بن صالح عن أبي هفّان عن إسحاق عن عبد اللّه بن مصعب قال:

قدم عمر بن أبي ربيعة الكوفة، فنزل على عبد اللّه بن هلال الذي كان يقال له صاحب إبليس، و كان له قينتان حاذقتان، و كان عمر يأتيهما فيسمع منهما، فقال في ذلك:

يأهل بابل ما نفست(1) عليكم *** من عيشكم إلاّ ثلاث خلال

ماء الفرات و طيب ليل بارد *** و غناء مسمعتين لابن هلال

وصف الشعراء للبرق و ما قاله عمر في ذلك

أخبرني عليّ بن صالح عن أبي هفّان عن إسحاق عن رجاله:

أن عمر بن أبي ربيعة و الحارث بن خالد و أبا ربيعة المصطلقيّ و رجلا من بني مخزوم و ابن أخت الحارث بن خالد، خرجوا يشيّعون بعض خلفاء بني أمية. فلمّا انصرفوا نزلوا «بسرف» فلاح لهم برق؛ فقال الحارث: كلّنا شاعر، فهلمّوا نصف البرق. فقال أبو ربيعة:

أرقت لبرق آخر الليل(2) لامع *** جرى من سناه ذو الرّبا فينابع(3)

فقال الحارث:

أرقت له ليل التّمام(4) و دونه *** مهامه موماة و أرض بلاقع(5)

فقال المخزوميّ:

يضيء عضاه(6) الشّوك حتّى كأنّه *** مصابيح أو فجر من الصّبح ساطع

فقال عمر:

أيا ربّ لا آلو المودّة جاهدا *** لأسماء فاصنع بي الذي أنت صانع

ثم قال: ما لي و للبرق و الشوك!

بقية خبر اجتماع عمر و النسوة اللاتي واعدهنّ بالعقيق

اشارة

أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدثنا العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال:

ص: 141


1- نفس عليه كذا: جسده عليه.
2- في ح، ر: «لاح في الليل».
3- كذا في ت. و «ينابع»: اسم مكان أو جبل أو واد في بلاد هذيل. و في سائر النسخ: «فيتابع» بالتاء، و هو تصحيف.
4- ليل التمام: أطول ليالي الشتاء.
5- المهامة: جمع مهمة و هو المفازة البعيدة. و الموماة: الفلاة الواسعة الملساء. و البلاقع: جمع بلقع و هي الأرض القفراء؛ قال في «اللسان» (مادة «بلقع»): و أرض بلاقع، جمعوا لأنهم جعلوا كل جزء منها بلقعا.
6- العضاه: كل شجر يعظم و له شوك، و هو كثير الأنواع.

كان عمر بن أبي ربيعة و خالد القسريّ معه - و هو خالد الخرّيت - ذات يوم يمشيان، فإذا هما بهند و أسماء اللتين كان يشبّب بهما عمر بن أبي ربيعة تتماشيان، /فقصداهما و جلسا معهما مليّا، فأخذتهم السماء و مطروا. ثم ذكر مثل خبر تقدّم، و رويته آنفا عن هاشم بن محمد الخزاعيّ، و ذكر الأبيات الماضية، و لم يذكر فيها خبر الغريض. و حكى أنه قال في ذلك:

صوت

أ في(1) رسم دار دمعك المترقرق(2) *** سفاها! و ما استنطاق ما ليس ينطق!

بحيث التقى «جمع» و مفضى «محسّر» *** مغاني قد كادت على العهد تخلق(3)

ذكرت به ما قد مضى من زماننا *** و ذكرك رسم الدار ممّا يشوّق(4)

مقاما لنا عند(5) العشاء و مجلسا *** به لم يكدّره علينا معوّق(6)

و ممشى فتاة بالكساء تكنّنا(7) *** به تحت عين برقها يتألّق

يبلّ أعالي الثوب قطر و تحته *** شعاع بدا يعشي العيون و يشرق

فأحسن شيء بدء أوّل ليلنا(8) *** و آخره حزن إذا نتفرّق

//ذكر يحيى بن المكيّ أنّ الغناء في ستة أبيات متوالية من هذا الشعر لمعبد خفيف ثقيل بالسبابة و الوسطى، و ذكر الهشاميّ أنه من منحول يحيى.

عمر و ليلى بنت الحارث البكرية و ما قاله فيها من الشعر

اشارة

[أخبرنا(9) الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال أخبرني مصعب قال:

ص: 142


1- في «ديوانه»: «أ من».
2- ترقرق الدمع: سال.
3- في ج: «و مفضى مجمر». و «مغاني» نصب على القطع. و لعل صوابه: «مغانيه قد كادت...». و رواية البيت في «الديوان»: بحيث التقى جمع و أقصى محسّر معالمه كادت على العهد تخلق و جمع: المزدلفة. و محسر: موضع بين منى و المزدلفة. و المجمّر: موضع رمي الجمار. و يقال: خلق الشيء (من بابي كرم و فرح) و أخلق و اخلولق، كل ذلك بمعنى بلي.
4- في «ديوانه»: ذكرت به ما قد مضى و تذكر ال حبيب و رسم الدار مما يشوّق
5- في «ديوانه»: «ذات العشاء».
6- معوّق: عائق و مانع. و قيل هذا البيت في «ديوانه»: ليالي من دهر إذا الحيّ جيرة و إذ هو مأهول الخميلة مؤنق
7- كذا «بالديوان». و في الأصول: «يكنها». و العين هنا: السحاب.
8- كذا في «ديوانه» و في الأصول: فأحسن شيء بدء أوّل ليلة
9- هذه الزيادة المبدوءة بهذا القوس و المختومة بمثله في صفحة 163 لم توجد إلا في النسخة التيمورية فأثبتناها عنها.

لقي عمر بن أبي ربيعة ليلى بنت الحارث بن عمرو البكريّة و هي تسير على بغلة لها، و قد كان نسب بها، فقال: جعلني اللّه فداك! عرّجي هاهنا أسمعك بعض ما قلته فيك. قالت: أو قد فعلت؟ قال نعم! فوقفت و قالت:

هات. فأنشدها:

صوت

ألا يا ليل إنّ شفاء نفسي *** نوالك إن بخلت فنوّلينا

و قد حضر الرّحيل و حان منّا *** فراقك فانظري ما تأمرينا(1)

فقالت: آمرك بتقوى اللّه و إيثار طاعته و ترك ما أنت عليه. ثم صاحت ببغلتها و مضت.

و في هذين البيتين لابن سريج خفيق ثقيل بالوسطى عن يحيى المكيّ، و ذكر الهشاميّ أنه من منحوله إلى ابن سريج. و فيهما رمل طنبوري لأحمد بن صدقة.

/أخبرني بذلك جحظة عنه. و أخبرني بهذا الخبر عبد اللّه بن محمد الرّازيّ قال: حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن ابن الأعرابيّ: أنّ ليلى هذه كانت جالسة في المسجد الحرام، فرأت عمر بن أبي ربيعة، فوجّهت إليه مولى لها فجاءها به. فقالت له: يا ابن أبي ربيعة، حتّى متى لا تزال سادرا(2) في حرم اللّه تشبّب بالنساء و تشيد بذكرهنّ! أ ما تخاف اللّه! قال: دعيني من ذاك و اسمعي ما قلت. قالت: و ما قلت؟ فأنشدها الأبيات المذكورة.

فقالت له القول الذي تقدّم أنها أجابته به. قال: و قال لها: اسمعي أيضا ما قلت فيك، ثم أنشدها قوله:

أمن الرّسم و أطلال الدّمن *** عاد لي وجدي و عاودت الحزن(3)

إنّ حبّي آل ليلى قاتلي(4) *** ظهر الحبّ بجسمي(5) و بطن

يا أبا الحارث قلبي طائر(6) *** فأتمر أمر رشيد مؤتمن

التمس للقلب وصلا عندها(7) *** إنّ خير الوصل ما ليس يمنّ(8)

ص: 143


1- في «ديوانه» المطبوع بليپزج ذكر هذا البيت بعد بيت آخر هكذا: أحنّ إذا رأيت جمال سعدى و أبكي إن رأيت لها قرينا و قد أفد الرحيل فقل لسعدى لعمرك خبّري ما تأمرينا
2- السادر: الذي لا يهتم و لا يبالي ما صنع.
3- رواية هذا البيت في «ديوانه»: من رسوم باليات و دمن عاد لي همّي و عاودت ددن و الددن كبدن: اللهو و اللعب، و مثله الدّد.
4- كذا في «ديوانه»، و في الأصل: حبكم يا آل نعم قاتلي
5- في الأصل: «بقلبي». و قد تقدّمت روايته في صفحة 140 كما أثبتناه.
6- في «ديوانه»: يا أبا الخطاب قلبي هائم
7- في «ديوانه»: اطلبن لي صاح و صلا عندها
8- كذا في «الديوان». و معناه ما ليس يقطع؛ و منه قوله تعالى: (وَ إِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ). و في الأصل: «يعنّ».

علق القلب، و قد كان صحا، *** من بني بكر غزالا قد شدن(1)

أحور المقلة كالبدر، إذا *** قلّد الدّرّ فقلبي ممتحن(2)

/ليس حبّ فوق ما أحببتكم *** غير أن أقتل نفسي أو أجنّ

خلقت للقلب منّي فتنة *** هكذا يخلق معروض الفتن

قال: و فيها يقول:

إنّ ليلى و قد بلغت المشيبا *** لم تدع للنساء عندي نصيبا

هاجر بيتها لأنفي عنها *** قول ذي العيب إن أراد عيوبا

نسبة ما في هذين الشعرين من الغناء

الغناء في الأبيات الأولى النونية لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو. و فيها لابن عائشة ثقيل أوّل، يقال: إنه أوّل ثقيل غنّاه، كان يغنّي الخفيف، فعيب بذلك فصنع هذا اللحن. و فيه لعبد اللّه بن يونس الأبلّي رمل عن الهشاميّ.

و الغناء في:

إنّ ليلى و قد بلغت المشيبا

لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو. و فيه لكردم ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو أيضا. و ذكر إبراهيم أنّ فيه لحنا لعطرّد، و لم يجنّسه.

حديثه مع النوار و ما قاله فيها من الشعر

اشارة

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني محمد بن منصور الأزديّ قال حدثني أبي عن الهيثم بن عديّ قال:

بينما عمر بن أبي ربيعة منصرف من المزدلفة يريد منى إذ بصر بامرأة في رحالة(3) ففتن، و سمع عجوزا معها تناديها: يا نوار استتري لا يفضحك ابن أبي ربيعة. فاتّبعها عمر و قد شغلت قلبه حتى نزلت بمنى في مضرب(4) قد ضرب لها، فنزل إلى/جنب المضرب، و لم يزل يتلطّف حتى جلس معها و حادثها، و إذا أحسن الناس وجها و أحلاه(5) منطقا، فزاد ذلك في إعجاب عمر بها. ثم أراد معاودتها فتعذّر ذلك عليه، و كان آخر عهده، فقال فيها:

ص: 144


1- رواية هذا البيت في «ديوانه»: علق القلب غزالا شادنا يا لقوم لغزال قد شدن و شدن: شبّ و ترعرع.
2- ممتحن: واقع في محنة.
3- الرحالة: مركب للنساء يوضع على البعير.
4- ضبطه السيد مرتضى شارح «القاموس» كمنبر، قال: و ضبطه شيخنا كمجلس، و العامة ينطقون به كمقعد، و هو الفسطاط العظيم.
5- في «لسان العرب» (مادة «حنا»): «و روى أبو هريرة: أن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «خير نساء ركبن الإبل خيار نساء قريش أحناه على ولد في صغره و أرعاه على زوج في ذات يده». قوله أحناه أي أعطفه. و قوله أرعاه على زوج: إذا كان لها مال واست زوجها. قال ابن الأثير: «و إنما وحّد الضمير ذهابا إلى المعنى، تقديره أحنى من وجد و من خلق أو من هناك؛ و منه أحسن الناس خلقا و أحسنه وجها، يريد أحسنهم، و هو كثير من أفصح الكلام». ا ه.
صوت

علق النّوار فؤاده جهلا *** و صبا فلم تترك له عقلا

و تعرّضت لي في المسير فما *** أمسى الفؤاد يرى لها مثلا(1)

ما نعجة(2) من وحش ذي بقر(3) *** تغذو بسقط صريمة طفلا(4)

بألذّ منها إذ تقول لنا *** و أردت كشف قناعها: مهلا

دعنا فإنك لا مكارمة *** تجزي و لست بواصل حبلا

و عليك من تبل الفؤاد و إن(5) *** أمسى لقلبك ذكره شغلا

فأجبتها إنّ المحب مكلّف(6) *** فدعي العتاب و أحدثي بذلا

/الغناء لابن محرز خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق. و فيه ثاني ثقيل بالبنصر ينسب إلى ابن عائشة.

حديثه مع أم الحكم و ما قاله فيها من الشعر

اشارة

أخبرني محمد بن خلف قال حدّثني أبو عبد اللّه السّدوسي عن عيسى بن إسماعيل العتكيّ عن هشام بن الكلبيّ عن أبيه قال:

حجّت امرأة من بني أمية يقال لها أمّ الحكم، فقدمت قبل أوان الحج معتمرة. فبينا هي تطوف على بغلة لها إذ مرّت على عمر بن أبي ربيعة في نفر من بني مخزوم و هم جلوس يتحدثون و قد فرعهم(7) طولا و جهرهم(8) جمالا و بهرهم شارة و عارضة(9) و بيانا، فمالت إليهم و نزلت عندهم، فتحدّثت معهم طويلا ثم انصرفت. و لم يزل عمر

ص: 145


1- في «ديوانه»: «شكلا».
2- في «الديوان» و «ياقوت»: «ما ظبية».
3- ذو بقر: موضع.
4- سقط الصريمة: منتهاها. و الصريمة: الرملة المنصرمة من الرمال ذات الشجر.
5- كذا في الأصول و «الديوان». و لعلها: «و من أمسى...».
6- مكلّف لهج بالحب؛ يقال: كلف بالشيء كلفا أي لهج به فهو كلف و مكلّف. و الأبيات من الكامل الأحذّ، و هو ما حذف من عروضه و ضربه الوتد المجموع «علن» من «متفاعلن». و قد جاء عروض هذا البيت تاما على خلاف بقية الأبيات. و ظاهر أن حذف الوتد في اصطلاح علماء العروض علة. و العلة إذا لحقت بعروض أو ضرب لزم استعمالها في سائر الأبيات. و لو كان: فأجبتها إني بكم كلف لخلت القصيدة من هذا العيب
7- فرعهم طولا: علاهم و طالهم.
8- جهرهم: راعهم جماله و هيئته.
9- العارضة: قوّة الحجة.

يتردّد إليها إلى أن انقضت أيّام الحج، فرحلت إلى الشام. و فيها يقول عمر:

تأوّب ليلى بنصب(1) و همّ *** و عاودت ذكرى لأمّ الحكم

فبتّ أراقب ليل التّما *** م، من نام من عاشق لم أنم

فإما ترينني على ما عزا *** ضعيف القيام شديد السّقم

كثير القلب قوق الفرا *** ش ما إن تقلّ قيامي قدم(2)

بالمديحة طيّب نشرها *** هضيم الحشا(3) عذبة المبتسم

في أول الأبيات الثلاثة غناء. و قبلها و هو أوّل الصوت:

صوت

و فتيان صدق صباح الوجو *** ه لا يجدون لشيء ألم

من آل المغيرة لا يشهدو *** ن عند المجازر لحسم الوضم(4)

الغناء في هذه الأبيات لمالك خفيف ثقيل الثاني بالبنصر و هو الذي يقال له الماخوريّ، عن عمرو. و فيه ثاني ثقيل ينسب إلى ابن سريج و العريض و دحمان. و فيه لابن المكيّ خفيف رمل.

حديثه مع سكينة بنت الحسين و ما قاله فيها من الشعر

اشارة

أخبرني عليّ بن صالح قال حدّثنا أبو هفّان عن إسحاق عن أبي عبد اللّه الزّبيريّ قال:

اجتمع نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف، فتذاكرن عمر بن أبي ربيعة و شعره و ظرفه و حسن حديثه، فتشوّقن إليه و تمنّينه، فقالت سكينة بنت الحسين عليهما السّلام: أنا لكنّ به. فأرسلت إليه رسولا و واعدته الصّورين، و سمّت له الليلة و الوقت، و واعدت صواحباتها، فوافاهنّ عمر على راحلته، فحدّثهنّ حتى أضاء الفجر و حان انصرافهنّ. فقال لهنّ: و اللّه إني لمحتاج إلى زيارة قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و الصلاة في مسجده، و لكن لا أخلط بزيارتكنّ شيئا. ثم انصرف إلى مكة و قال:

صوت

قالت سكينة و الدموع ذوارف *** منها على الخدّين و الجلباب(5)

ص: 146


1- النصب (بالفتح و الضم و بضمتين): البلاء و الشر.
2- في هامش ت عن نسخة أخرى: «ما تستقل بساقي قدم».
3- الحشا: الحضن و هو ظاهر البطن هضيم الحشا: هيفاء لطيفة الخصر.
4- الوضم: ما وقي به اللحم عن الأرض من خشب و حصير. قال أبو منصور: إن من عادة العرب في باديتها إذا نحر بعير لجماعة الحيّ يقتسمونه أن يقلعوا شجرا كثيرا و يوضم (يوضع) بعضه على بعض، و يغضّى (يقطع) اللحم و يوضع عليه، ثم يلقى لحمه من عراقه (عظامه) و يقطع على الوضم هبرا للقسم، و تؤجج نار؛ فإذا سقط جمرها اشتوى من شاء من الحيّ شواءة بعد أخرى على جمر النار لا يمنع أحد من ذلك. فإذا وقعت فيه المقاسم و حاز كل شريك في الجزور مقسمة حوّله عن الوضم إلى بيته و لم يعرض له أحد. و المراد وصفهم بالترفّع عن شهود اللحم يقتسمه الناس.
5- الجلباب: القميص أو هو الخمار، و هو ما تغطي به المرأة رأسها.

ليت المغيريّ الذي لم أجزه *** فيما أطال تصيّدي و طلابي

كانت تردّ لنا المنى أيّامنا *** إذ لا نلام على هوى و تصابي

خبّرت ما قالت فبتّ كأنّما *** ترمي(1) الحشا بنوافذ النّشّاب(2)

أ سكين(3) ما ماء الفرات و طيبه *** منّي على ظمأ و فقد شراب(4)

بألذّ منك و إن نأيت و قلّما *** ترعى النساء أمانة الغيّاب

الغناء للهذليّ رمل بالوسطى عن الهشاميّ. و فيه للغريض خفيف ثقيل بالوسطى عن حبش. قال و قال فيها:

صوت

أحبّ لحبّك من لم يكن *** صفيّا لنفسي و لا صاحبا

و أبذل نفسي(5) لمرضاتكم *** و أعتب من جاءكم عاتبا

و أرغب في ودّ من لم أكن *** إلى ودّه قبلكم راغبا

و لو سلك الناس في جانب *** من الأرض و اعتزلت جانبا

ليمّمت طيّتها، إنّني *** أرى قربها العجب العاجبا

/فما نعجة(6) من ظباء الأرا *** ك تقرو(7) دميث(8) الرّبا عاشبا

بأحسن منها غداة الغميم(9) *** و قد(10) أبدت الخدّ و الحاجبا

غداة تقول على(11) رقبة *** لخادمها:(12) يا احبسي الراكبا

فقالت لها: فيم هذا الكلام *** و أبدت لها عابسا قاطبا(13)

ص: 147


1- كذا في الأصل و «الديوان» المخطوط. و في «الديوان» المطبوع: «رمى».
2- النّشّاب: النّبل.
3- في «أمالي القالي» الطبعة الأميرية ج 1 ص 31: «أ عليّ». و في ج 2 ص 26: «أ سكين».
4- كذا في «الأمالي» في الموضعين السابقين. و في «ديوانه»: «و حب شراب». و في الأصل: «و برد شراب».
5- بهامش ت عن نسخة أخرى: «ما لي».
6- في «الديوان»: «فما ظبية».
7- قراه يقروه: تتّبعه.
8- دميت الربا: سهلها و لينها. و في «ديوانه»: «دماث». و الظاهر أنه تحريف؛ لأن دماثا: جمع دمث أو دمثة أو دميث، و قوله «عاشبا» إنما يناسب أن يكون حالا من المفرد لا من الجمع.
9- الغميم كأمير: موضع بين مكة و المدينة.
10- في «الديوان» «إذا».
11- الخادم: واحد الخدم غلاما كان أو جارية.
12- أي وجها عابسا. و هذا البيت و ما بعده في «ديوانه» هكذا: غداة تقول على رقبة لقيمها: احبس الراكبا فقال لها فيم هذا الكلى م في وجهها عابسا قاطبا
13- قاطبا: من القطوب، و هو تزوّي ما بين العينين من العبوس.

فقالت كريم أتى زائرا *** يمرّ بكم هكذا جانبا

شريف أتى ربعنا زائرا *** فأكره رجعته خائبا(1)

] غنّى في الأوّل و الثاني و الرابع و الخامس(2) من هذه الأبيات ابن القفّاص(3) المكيّ، و لحنه رمل من رواية الهشاميّ.

بغوم ابن أبي ربيعة

اشارة

و حدّثني(4) وكيع و ابن المرزبان و عمّي قالوا حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا إبراهيم بن المنذر الحزاميّ قال حدّثنا محمد بن معن الغفاريّ قال حدّثني سفيان بن عيينة قال:

/بينا أنا و مسعر بن كدام مع إسماعيل بن أميّة بفناء الكعبة إذا(5) بعجوز قد صلعت علينا عوراء متكئة على عصا يصفّق أحد لحييها على الآخر، فوقفت على إسماعيل فسلّمت عليه، فردّ عليها السّلام، و ساءلها فأحفى(6)المسألة، ثم انصرفت. فقال إسماعيل: لا إله إلا اللّه! ما ذا تفعل الدنيا بأهلها! ثم أقبل علينا فقال: أ تعرفان هذه؟ قلنا: لا و اللّه، و من هي؟ قال: هذه «بغوم»(7) ابن أبي ربيعة التي يقول فيها:

حبّذا أنت يا بغوم و أسما *** ء و عيص(8) يكنّنا و خلاء

انظرا(9) كيف صارت، و ما كان بمكة امرأة أجمل منها. قال: فقال له مسعر: لا و ربّ هذه البنيّة، ما أرى أنه كان عند هذه خير قطّ. و في هذه الأبيات يقول عمر:

صوت

صرمت حبلك البغوم و صدّت *** عنك في غير ريبة أسماء

و الغواني إذا رأينك كهلا *** كان فيهنّ عن هواك التواء

حبّذا أنت يا بغوم و أسما *** ء و عيص يكنّنا و خلاء

و لقد قلت ليلة الجزل لمّا *** أخضلت ريطتي عليّ السماء(10)

ص: 148


1- إلى هنا انتهت الزيادة عن النسخة التيمورية.
2- في ت: «في الأوّل و الرابع و الخامس... و في أ: «غنى في الأول و الثاني و الخامس».
3- في م، ء: «ابن العقاص» و قد تقدّم في صفحة 133 «ابن القفاص» في جميع النسخ.
4- الجملة الموضوعة بين هذين القوسين المربعين و التي أوّلها في هذه الصفحة و تنتهي في صفحة 168 غير موجودة في نسختي ح، ر.
5- في الأصول: «و إذا» بزيادة الواو.
6- كذا في ت، أ، م. و معناه ردّد المسألة و بالغ فيها. و في سائر النسخ: «فأخفى» و هو تصحيف.
7- في ت: «هذه بغوم جارية عمر بن أبي ربيعة».
8- كذا في «الديوان». و العيص: الشجر الكثير الملتفّ. و فيء، أ، ت: «و عيش يكفّنا». و في سائر النسخ: «و عيس يكفّنا» تحريف.
9- كذا في ت، و في سائر النسخ: «انظر» تحريف.
10- الجزل: موضع قرب مكة. و أخضل: بلّ. و الربطة: ملاءة كلها نسج واحد و قطعة واحدة.

/ليت شعري -

و هل يردّنّ ليت - *** هل لهذا عند الرّباب جزاء

كلّ وصل أمسى لديّ لأنثى *** غيرها وصلها إليها أداء

كل خلق و إن دنا لوصال *** أو نأى فهو للرّباب الفداء

فعدي نائلا و إن لم تنيلي *** إنّما(1) ينفع(2) المحب الرجاء

لمعبد في: «و لقد قلت ليلة الجزل...» و الذي بعده خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن يونس و إسحاق و دنانير، [و هو من مشهور غنائه(3)].

أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني ظبية(4) مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب عن ذهيبة(5) مولاة محمد بن مصعب بن الزّبير قالت:

كنت عند أمة الواحد أو أمة المجيد(6) بنت عمر بن أبي ربيعة في الجنبذ(7) الذي في بيت سكينة بنت خالد بن مصعب أنا و أبوها عمر و جاريتان له تغنّيان، يقال لإحداهما البغوم، و الأخرى أسماء. و كانت أمة المجيد بنت عمر تحت محمد بن مصعب بن الزبير.

/قالت: فقال عمر بن أبي ربيعة و هو معهم في الجنبذ(8) هذه الأبيات. فلما انتهى إلى قوله:

و لقد قلت ليلة الجزل لمّا *** أخضلت ريطتي عليّ السماء

/خرجت البغوم ثم رجعت إليه فقالت: ما رأيت أكذب منك يا عمر! تزعم أنك بالجزل و أنت في جنبذ(8)محمد بن مصعب، و تزعم أنّ السماء أخضلت ريطتك و ليس في السماء قزعة(9)! قال: هكذا يستقيم هذا الشأن.

و أخبرني عليّ بن صالح عم أبي هفّان عن إسحاق عن المسيّبيّ و محمد بن سلاّم. أنّ عمر أنشد ابن أبي عتيق قوله:

ص: 149


1- في ت «إنه».
2- تقدّم في صفحة 143 في الحاشية رقم 3 احتمال أنه «يقنع».
3- زيادة عن ت.
4- في ت: «طيبة».
5- في ت: «ذهبية».
6- في ت.: «كنت عند أمة الحميد بنت عمر... و كانت أمة الحميد الخ». و قد تقدّم أن لعمر بن أبي ربيعة ابنة يقال لها أمة الواحد، و فيها يقول: لم تدر و ليغفر لها ربها ما جشمتنا أمة الواحد
7- في الأصول: «الجنيد» تحريف. و الجنبذ، كما في «شرح القاموس» (مادة جنبذ) كل مرتفع مستدير من الأبنية و الآزاج كالقبة. و في «القاموس» و «شرحه» مادة جبذ و «اللسان» و ابن الأثير مادة جنبذ: أن الجنبذة (هكذا بالتاء) القبة عن ابن الأعرابي. و في الحديث في صفة أهل الجنة: «وسطها من جنابذ من ذهب و فضة يسكنها قوم من أهل الجنة كالأعراب في البادية». و في حديث آخر: «فيها جنابذ من لؤلؤ». قال السيد محمد مرتضى: و هو فارسيّ معرب، و أصله كنبد. و قال «ياقوت» في مادة حنبذ: حنبذ من قرى نيسابور، العجم تقول كنبذ بالكاف، معناها عندهم الأزج المدوّر كالقبة، و نحوها.
8- انظر الحاشية رقم 7 في الصفحة السابقة.
9- القزعة: قطعة الغيم.

حبّذا أنت يا بغوم و أسما *** ء و عيص يكنّنا و خلاء

فقال له: ما أبقيت شيئا يتمنّى يا أبا الخطّاب إلا مرجلا يسخّن لكم فيه الماء للغسل.

عمرو و أم محمد بنت مروان بن الحكم

اشارة

أخبرني ابن المرزبان قال حدّثني إسماعيل بن جعفر عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ قال:

حجّت أمّ محمد بنت مروان بن الحكم، فلمّا قضت نسكها أتت عمر بن أبي ربيعة و قد أخفت نفسها(1) في نسوة، فحدّثها مليّا. فلما انصرفت أتبعها عمر رسولا عرف موضعها و سأل عنها حتى أثبتها(2)، فعادت إليه بعد ذلك فأخبرها بمعرفته إيّاها.

/فقالت: نشدتك(3) اللّه أن تشهّرني بشعرك! و بعثت إليه بألف دينار، فقبلها و ابتاع بها حللا و طيبا فأهداه إليها، فردّته. فقال لها: و اللّه لئن لم تقبليه لأنهبنّه(4)، فيكون مشهورا، فقبلته و رحلت. فقال فيها:

صوت

أيّها الراكب(5) المجدّ ابتكارا *** قد قضى من تهامة الأوطارا

من يكن قلبه صحيحا سليما *** ففؤادي بالخيف أمسى معارا

ليت ذا الدهر كان حتما علينا *** كلّ يومين حجّة و اعتمارا

الغناء لابن محرز و لحنه من القدر الأوسط من الثّقيل الأوّل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق، و فيه أيضا له خفيف ثقيل بالوسطى عن ابن المكّيّ. و فيه لذكاء وجه الرّزّة(6) المعتمديّ ثقيل أوّل من جيّد الغناء و فاخر الصّنعة ليس لأحد من/طبقته و أهل صنعته مثله. و أنشد ابن أبي عتيق قول عمر هذا، فقال: اللّه أرحم بعباده أن يجعل عليهم ما سألته ليتمّ لك فسقك.

ص: 150


1- كذا في ت. و في ب، س: «بيتها».
2- أثبتها: عرفها و تحققها.
3- يقال: نشدتك اللّه و نشدتك باللّه و ناشدتك اللّه أن تفعل كذا، أي سألتك به برفع نشيدي أي صوتي. و المراد هنا سألتك باللّه ألا تشهرني في شعرك. و قد تحذف «لا» النافية إذا دل عليها سياق الكلام. و قد حمل على ذلك آيات من القرآن الكريم؛ قال صاحب «اللسان» (مادة لا): «... عن أبي زيد في قول اللّه عزّ و جلّ: (يُبَيِّنُ اللّٰهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) قيل في تفسيره مخافة أن تضلوا أو حذار أن تضلوا. ثم قال: و لو كان: يبين اللّه لكم أن لا تضلوا، لكان صوابا. و منه قوله تعالى: (إِنَّ اللّٰهَ يُمْسِكُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولاٰ) يريد: أن لا تزولا. و قوله تعالى: (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمٰالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لاٰ تَشْعُرُونَ) يريد: أن لا تحبط». و قد تحذف «لا»، و هذا مقيس، فيكون حذفها و ذكرها سواء؛ و ذلك إذا وقعت قبل المضارع في جواب القسم، فيكون عدم توكيد الفعل دليل حذفها. و من حذفها قوله تعالى: (قٰالُوا تَاللّٰهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) أي لا تفتأ؛ و قول الشاعر: و آليت آسي على هالك و أسأل نائحة ما لها أي لا آسي و لا أسأل.
4- لأنهبنه: لأبيحنّه لمن شاء نهبا.
5- في «الديوان»، ت: «الرابح».
6- كذا في ت، ب، س. و في سائر النسخ هكذا: «وجه الررة» (انظر الحاشية رقم 1 ص 141 من هذا الجزء).
عمر و حميدة جارية ابن تفاحة

أخبرني ابن المرزبان قال أخبرني أحمد بن يحيى القرشيّ عن أبي الحسن الأزديّ عن جماعة من الرّواة:

أنّ عمر كان يهوى حميدة جارية ابن تفّاحة(1)، و فيها يقول:

صوت

حمّل القلب من حميدة ثقلا *** إنّ في ذاك للفؤاد لشغلا

إن فعلت الذي سألت فقولي *** حمد خيرا و أتبعي(2) القول فعلا

و صليني فأشهد(3) اللّه أنّي *** لست أصفي سواك ما عشت وصلا

الغناء لمعبد خفيف ثقيل بالوسطى عن يحيى المكيّ و الهشاميّ. و فيها يقول:

صوت

يا قلب هل لك عن حميدة زاجر *** أم أنت مدّكر الحياء فصابر

فالقلب من ذكرى حميدة موجع *** و الدّمع منحدر و عظمي(4) فاتر

قد كنت أحسب أنّني قبل الذي *** فعلت على ما عند حمدة قادر

حتّى بدا لي من حميدة خلّتي(5) *** بين و كنت من الفراق أحاذر

/ [الغناء لمعبد خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق(6)].

حديث عمر مع بعض جواري بني أمية في موسم الحج

/أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف(7) قال حدّثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني أبو مسلم المستملي(8) عن ابن أخي زرقان(9) عن أبيه قال:

أدركت مولى لعمر بن أبي ربيعة شيخا كبيرا، فقلت له: حدّثني عن عمر بحديث غريب، فقال: نعم! كنت معه ذات يوم، فاجتاز به نسوة من جواري بني أمية قد حججن، فتعرّض لهنّ و حادثهنّ و ناشدهنّ مدّة أيام حجّهنّ، ثم قالت له إحداهنّ: يا أبا الخطّاب، إنّا خارجات في غد فابعث مولاك هذا إلى منزلنا ندفع إليه تذكرة تكون عندك تذكرنا بها. فسرّ بذلك و وجّه بي إليهنّ في السّحر، فوجدتهنّ يركبن، فقلن لعجوز معهن: يا فلانة، ادفعي إلى مولى

ص: 151


1- في ب، س: «ابن ماجة» و لم نوفق لترجيح أحد الاسمين.
2- كذا في ت. و في سائر النسخ و «الديوان»: «أو اتبعي».
3- في ت: «و صليني و أشهد».
4- كذا في ت. و في سائر النسخ و «الديوان»: «و دمعي».
5- خلتي: صديقتي.
6- في ت: «الغناء لمعبد ذكره له إسحاق و لم يجنسه و ذكر الهشاميّ أنه ثقيل أوّل». و إلى هنا انتهى الكلام الساقط من نسختي ح، ر.
7- الخفّاف: بائع الخفاف.
8- في ء: «المشتمل» و في: ح «المستهلي» و كلاهما تحريف؛ لأن الاستملاء صناعة من كانوا كتبة لما يملى عليهم من الأكابر و العلماء، و به لقّب كثير من العلماء.
9- في ب، س، م، أ، ء: «ذروان» و زرقان و ذروان كلاهما مسمّى به. و لم نعثر على ما يرجح أحدهما.

أبي الخطّاب التّذكرة التي أتحفناه بها. فأخرجت إليّ صندوقا لطيفا مقفلا مختوما، فقلن: ادفعه إليه و ارتحلن.

فجئته به و أنا أظنّ أنه قد أودع طيبا أو جوهرا. ففتحه عمر فإذا هو مملوء من المضارب (و هي الكير نجات(1)، و إذا على كلّ واحد منها اسم رجل من مجّان مكّة، و فيها اثنان كبيران عظيمان، على أحدهما الحارث بن خالد و هو يومئذ أمير مكة. و على الآخر عمر بن أبي ربيعة. فضحك و قال: تماجنّ عليّ و نفذ(2) لهنّ. ثم أصلح مأدبة.

/و دعا كلّ واحد ممن له اسم في تلك المضارب. فلما أكلوا و اطمأنوا للجلوس قال: هات يا غلام تلك الوديعة، فجئته بالصندوق، ففتحه و دفع إلى الحارث الكيرنج الذي عليه اسمه. فلما أخذه و كشف عنه غطاءه فزع و قال: ما هذا أخزاك اللّه! فقال له: رويدا، اصبر حتّى ترى. ثم أخرج واحدا واحدا فدفعه إلى من عليه اسمه حتّى فرّقها فيهم ثم أخرج الذي باسمه و قال: هذا لي. فقالوا له: ويحك! ما هذا؟ فحدّثهم بالخبر فعجبوا منه، و ما زالوا يتمازحون بذلك دهرا طويلا و يضحكون منه.

قصة عمر مع البنات اللاتي أبصرنه من وراء المضرب

اشارة

قال و حدّثني هذا المولى قال: كنت مع عمر و قد أسنّ و ضعف، فخرج يوما يمشي متوكئا على يدي حتّى مرّ بعجوز جالسة، فقال لي: هذه فلانة و كانت إلفا لي، و عدل(3) إليها فسلّم عليها و جلس عندها و جعل يحادثها، ثم قال: هذه التي أقول فيها:

صوت

أبصرتها ليلة و نسوتها *** يمشين بين المقام و الحجر

بيضا حسانا نواعما(4) قطفا *** يمشين هونا كمشية البقر

قالت لترب لها تلاطفها *** لنفسدنّ الطّواف في عمر

قومي تصدّي له ليعرفنا *** ثم اغمزيه يا أخت في خفر

قالت لها قد غمزته فأبى *** ثم اسبطرّت(5) تشتدّ في أثري

بل يا خليليّ عادني ذكري *** بل اعترتني الهموم بالسّهر(6)

/ - الغناء لابن سريج في السادس و الأوّل و الثاني خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو. و فيها لسنان الكاتب رمل بالوسطى عنه و عن يونس. و فيها للأبجر خفيف رمل بالوسطى عنه. و في:

ص: 152


1- الكيرنجات: جمع الكيرنج، و هي كلمة فارسية مركبة من كلمتين هما «كير» بمعنى عضو التناسل و «رنج» و هو بالفارسية رنك و معناه الشكل و اللون. و ذلك مثل «نيرنج» المركب من كلمتين الأولى «نو» أو «ني» بمعنى الجديد، و رنج أي اللون و الشكل؛ و ذلك مجاز عن المكر و الخديعة، فمعناه البدعة الجديدة. و المضارب: جمع مضرب، و لعله يريد آلة الضراب و هو السفاد؛ يقال: ضرب الفحل الناقة يضربها ضرابا، إذا نزا عليها.
2- أي نفذ لهنّ تماجنهنّ و تم لهنّ ما أردن.
3- في ب، س، ح، ر: «فعدل».
4- في «ديوانه»: «خرائدا»: جمع خريدة و هي البكر التي لم تمسس قط، أو الحيّية الطويلة السكوت الخافضة الصوت الخفرة المتسترة.
5- اسبطرّت: أسرعت. و في ت: «استطيرت»؛ يقال استطير الفرس، إذا أسرع في الجري فهو مستطار. و تشتدّ: تعدو.
6- لم يذكر هذا البيت بتلك القصيدة في «ديوانه»: و إنما ذكر بعد البيت الذي قبله بيتان آخران هما: من يسق بعد المنام ريقتها يسق بمسك و بارد خصر حوراء ممكورة محبّبة عسراء للشكل عند مجتمر

قالت لترب لها تلاطفها

لعبد اللّه بن العباس خفيف رمل بالبنصر عن الهشاميّ، و فيه للدّلال خفيف ثقيل عنه أيضا. و لأبي سعيد مولى فائد(1) في الأوّل و الثاني ثقيل أوّل/عن الهشاميّ أيضا، و من الناس من ينسب لحنه إلى سنان الكاتب و ينسب لحن سنان إليه - قال: و جلس معها يحادثها، فأطلعت رأسها إلى البيت و قالت: يا بناتي، هذا أبو الخطّاب عمر بن أبي ربيعة عندي، فإن كنتنّ تشتهين أن ترينه فتعالين. فجئن إلى مضرب(2) قد حجزن(3) به دون بابها فجعلن يثقبنه و يضعن أعينهن عليه يبصرن. فاستسقاها عمر، فقالت له: أيّ الشراب أحبّ إليك؟ قال: الماء. فأتي بإناء فيه ماء، فشرب منه، ثم ملأ فمه فمجّه عليهنّ. في(4) وجوههنّ من وراء الحاجز، فصاح الجواري و تهاربن و جعلن يضحكن. فقالت له العجوز: ويلك! لا تدع مجونك و سفهك مع هذه السنّ! فقال: لا تلوميني، فما ملكت نفسي لمّا سمعت من حركاتهن أن فعلت ما رأيت.

حديث عمر مع المرأة التي رآها في الطواف و ارتحل معها إلى العراق

اشارة

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أحمد بن منصور بن أبي العلاء(5) الهمدانيّ(6) قال حدّثني عليّ بن طريف(7) الأسديّ قال:

/سمعت أبي يقول: بينما عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت إذ رأى امرأة من أهل العراق فأعجبه جمالها، فمشى معها حتّى عرف موضعها، ثم أتاها فحادثها و ناشدها و ناشدته(8) و خطبها. فقالت: إنّ هذا لا يصلح هاهنا، و لكن إن جئتني إلى بلدي و خطبتني إلى أهلي تزوّجتك. فلما ارتحلوا جاء إلى صديق له من بني سهم و قال له: إنّ لي إليك حاجة أريد أن تساعدني عليها، فقال له نعم. فأخذ بيده و لم يذكر له ما هي، ثم أتى منزله فركب نجيبا له و أركبه نجيبا [آخر(9)]، و أخذ معه ما يصلحه، و سارا لا يشكّ السّهميّ في أنه يريد سفر يوم أو يومين، فما زال يحفد(10) حتّى لحق بالرّفقة، ثم سار بسيرهم يحادث المرأة طول طريقه و يسايرها و ينزل عندها إذا نزلت حتّى ورد العراق. فأقام أيّاما، ثم راسلها يتنجّزها وعدها، فأعلمته أنها كانت متزوجة ابن عمّ(11) لها و ولدت منه أولادها ثم

ص: 153


1- في ت: «قائد».
2- المضرب (كمنبر و مقعد): الفسطاط العظيم.
3- في ت، أ، ء، م: «حجرت به».
4- كذا في ت. و في سائر النسخ: «و في وجوههن».
5- في ت، ح، ر: «ابن العلاء» بدون «أبي».
6- في ت، ب، س: «الهمذاني» بالذال المعجمة.
7- كذا في ت، ر. و في سائر النسخ: «ظريف». و لم نعثر على أنه سمّى به.
8- كذا في ت. و في سائر النسخ: «و أنشدته». و لم توجد هذه الكلمة في ح.
9- زيادة في ت.
10- حفد (من باب ضرب): خفّ و أسرع. و في ت: «يحثّ»؛ يقال: حثه و استحثّه و احتثه فاحتثّ، أي استعجله و حضّه على السير. و في أ، م، ء: «يخبّ» و الخبب: ضرب من العدو، و قيل هو الرمل و هو الهرولة في السير.
11- كذا في ت. و في سائر النسخ: «متزوّجة بابن عم». قال في «اللسان» نقلا عن «التهذيب»: و ليس من كلامهم تزوّجت بامرأة و لا زوّجت منه امرأة. و قوله تعالى: (وَ زَوَّجْنٰاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) * أى قرنّاهم بهنّ. و قال الفراء: تزوّجت بامرأة لغة في أزد شنوءة.

مات و أوصى بهم و بماله إليها ما لم تتزوج، و أنها تخاف فرقة أولادها و زوال النعمة، و بعثت إليه بخمسة آلاف درهم و اعتذرت، فردّها عليها و رحل إلى مكة، و قال في ذلك قصيدته التي أوّلها:

صوت

نام صحبي و لم أنم *** من خيال بنا ألمّ

/طاف بالركب موهنا *** بين خاخ(1) إلى إضم(2)

ثم نبّهت صاحبا *** طيّب الخيم(3) و الشّيم

أريحيّا مساعدا *** غير نكس و لا برم(4)

قلت يا عمرو شفّني *** لا عج الحبّ و الألم

ايت هندا فقل لها *** ليلة الخيف ذي السّلم(5)

الغناء لمالك خفيف رمل بالسّبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق و يونس. و فيه لعبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ خفيف رمل من رواية عمرو بن بانة، و ذكر حبش أنّ لحن عبد اللّه بن العباس رمل آخر عن الهشاميّ.

عود إلى شهادة جرير في شعر عمر

أخبرني محمد بن خلف قال حدّثنا الحسين بن إسماعيل عن ابن عائشة عن أبيه قال:

كان جرير إذا أنشد شعر عمر بن أبي ربيعة قال: شعر تهاميّ/إذا أنجد وجد البرد، حتّى أنشد قوله:

رأت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت *** فيضحى و أمّا بالعشيّ فيخصر

... الأبيات. فقال: ما زال هذا يهذي حتى قال الشعر.

حنين عمر إلى ذكر الغزل بعد أن كبرت سنه

أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي عن عثمان بن إبراهيم الخاطبيّ،

ص: 154


1- خاخ: موضع بين الحرمين، و يقال له: روضة خاخ، بقرب حمراء الأسد من المدينة، يصرف باعتبار المكان و لا يصرف باعتبار البقعة مع العلميّة.
2- إضم: واد بجبل تهامة، و هو الوادي الذي فيه المدينة؛ قال الأحوص: يا موقد النار بالعليا من إضم أوقد فقد هجت شوقا غير مضطرم إلى قوله: و ما طربت بشجو أنت نائله و لا تنوّرت تلك النار من إضم ليست لياليك من خاخ بعاهدة كما عهدت و لا أيام ذي سلّم بعاهدة: بوافية كما وفيت؛ من عهد فلان وعده: وفاه. و يجوز أن تكون «بعائدة» بمعنى راجعة كما عرفت. و في ت، ح، ر: بين خاخ إلى عظم و ذو عظم بضمتين: عرض من أعراض خيبر فيه عيون جارية و نخيل عامرة. و يروى عظم بفتحتين.
3- الخيم: الطبيعة و السجية.
4- النكس: الضعيف. و البرم: الذي لا نفع فيه.
5- في «الديوان»، ح، ر: ليلة الخيف بالسلم

و أخبرني به محمد بن خلف بن المرزبان(1) قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم عن محمد بن أبان قال أخبرني العتبيّ عن أبي زيد الزّبيريّ عن عثمان بن إبراهيم الخاطبيّ قال:

أتيت عمر بن أبي ربيعة بعد أن نسك بسنين و هو في مجلس قومه من بني مخزوم، فانتظرت حتى تفرّق القوم، ثم دنوت منه و معي صاحب لي ظريف و كان قد قال لي: تعال حتى نهيجه على ذكر الغزل، فننظر هل بقي في نفسه منه شيء. فقال له صاحبي: يا أبا الخطّاب، أكرمك اللّه! لقد أحسن العذريّ و أجاد فيما قال. فنظر عمر إليه ثم قال له: و ما ذا قال؟ قال: حيث يقول:

لو جدّ بالسّيف رأسي في مودّتها *** لمرّ يهوي سريعا نحوها راسي(2)

/قال: فارتاح عمر إلى قوله و قال: هاه! لقد أجاد و أحسن! فقلت: و للّه درّ جنادة العذريّ! فقال عمر حيث يقول ما ذا ويحك؟ فقلت: حيث يقول:

سرت لعينك سلمى بعد مغفاها *** فبتّ مستنبها(3) من بعد مسراها

و قلت أهلا و سهلا من هداك لنا *** إن كنت تمثالها أو كنت إيّاها

من حبّها أتمنّى أن يلاقيني *** من نحو بلدتها ناع فينعاها

كيما أقول فراق لا لقاء له *** و تضمر النفس يأسا ثم تسلاها

و لو تموت لراعتني و قلت ألا *** يا بؤس للموت ليت الموت أبقاها

قال: فضحك عمر ثم قال: و أبيك لقد أحسن و أجاد و ما أبقى(4)! و لقد هيّجتما عليّ ساكنا، و ذكّرتماني ما كان عنّي غائبا، و لأحدّثنّكما حديثا حلوا:

قصة عمر مع هند بنت الحارث المرّيّة و ما قاله فيها من الشعر

اشارة

ص: 155


1- كذا في ب، ح، ر. و في سائر النسخ: «الحاطبيّ» بالحاء المهملة و هو تصحيف. و قد ذكره السيد مرتضى في مادة خطب و قال عنه: إنه من أئمة اللغة.
2- في بعض الأصول: «لو جز». و بقية هذا الشعر في «زهر الآداب» المطبوع بالمطبعة الرحمانية سنة 1925 الجزء الأوّل ص 229: و لو بلى تحت أطباق الثرى جسدي لكنت أبلى و ما قلبي لكم ناسي أو يقبض اللّه روحي صار ذكركم روحا أعيش به ما عشت في الناس لو لا نسيم لذكراكم يروّحني لكنت محترقا من حرّ أنفاسي و قد روى فيه الخبر على غير هذا الوجه؛ فقد روى فيه أنه قيل لعمر: أ يعجبك قول الفرزدق: سرت لعينك سلمى بعد مغفاها... الأبيات؛ فلم يهش لها. فقيل له: أ يعجبك قول العذري: «لو جذ بالسيف الخ» فنحرّك ثم قال: يا ويحه!! أبعد ما يحزّ رأسه يميل إليها!. و في «الأمالي» الطبعة الأميرية ج 2 ص 50 أن القائل للشعر الأوّل هو رسبان العذري (هكذا)، و للشعر الثاني نحبة بن جنادة العذري (هكذا). و في النسختين المخطوطتين المحفوظتين بدار الكتب المصرية تحت رقمي 61 أدب ش و 62 أدب ش أن الأوّل هو ريسان العذري بتقديم الياء المثناة على السين، و أن الثاني هو نجبة ابن جنادة العذريّ بالجيم المعجمة لا بالحاء المهملة. و قد أردنا أن نتحقق نسبة هذا الشعر للفرزدق فلم نعثر عليه في «ديوانه» المطبوع بباريس سنة 1875.
3- استنبه من نومه: استيقظ. و في ح، ر: «مستلهيا».
4- كذا في ح، ر. و في سائر النسخ: «و ما أساء».

بينا أنا منذ أعوام جالس، إذ أتاني خالد الخرّيت، فقال لي: يا أبا الخطّاب، مرّت بي أربع نسوة قبيل(1)العشاء يردن موضع كذا و كذا لم أر مثلهن في بدو و لا حضر، فيهنّ هند بنت الحارث المرّيّة، فهل لك أن تأتيهنّ متنكّرا فتسمع من حديثهنّ و تتمتّع بالنظر إليهنّ و لا يعلمن من أنت؟ فقلت له: ويحك! و كيف لي أن أخفي نفسي؟ قال: تلبس لبسة أعرابيّ ثم تجلس على قعود [ثم ائتهنّ فسلّم عليهنّ(2)]، فلا يشعرن إلاّ بك قد هجمت(3)عليهنّ. ففعلت ما قال، و جلست على قعود، ثم أتيتهنّ فسلّمت عليهنّ ثم وقفت بقربهنّ. فسألنني أن أنشدهنّ و أحدّثهنّ، فأنشدتهنّ لكثيّر و جميل و الأحوص و نصيب و غيرهم. فقلن لي: ويحك يا أعرابيّ! ما أملحك و أظرفك! لو نزلت فتحدّثت معنا/يومنا هذا! فإذا أمسيت انصرفت في حفظ اللّه. قال: فأنخت بعيري ثم تحدّثت معهنّ و أنشدتهنّ، فسررن بي و جذلن بقربي و أعجبهنّ حديثي. قال: ثم أنهنّ تغامزن و جعل بعضهنّ يقول لبعض: كأنّا نعرف هذا الأعرابيّ! ما أشبهه بعمر بن أبي ربيعة! فقالت إحداهنّ: فهو(4) و اللّه عمر! فمدّت هند يدها فانتزعت عمامتي فألقتها عن رأسي ثم قالت لي: هيه(5) يا عمر! أتراك خدعتنا منذ اليوم! /بل نحن و اللّه خدعناك و احتلنا عليك بخالد، فأرسلناه إليك لتأتينا في أسوأ هيئة و نحن كما ترى. قال عمر: ثم أخذنا في الحديث، فقالت هند: ويحك يا عمر! اسمع منّي، لو رأيتني منذ أيام و أصبحت عند أهلي، فأدخلت رأسي في جيبي، فنظرت إلى حري فإذا هو ملء الكفّ و منية المتمنّي، فناديت يا عمراه يا عمراه! قال عمر: فصحت يا لبّيكاه يا لبّيكاه! ثلاثا و مددت في الثالثة صوتي، فضحكت. و حادثتهنّ ساعة، ثم ودّعتهنّ و انصرفت.

فذلك قولي:

صوت

عرفت مصيف الحيّ و المتربّعا(6) *** ببطن حليّات دوارس بلقعا

إلى السّفح(7) من وادي المغمّس بدّلت *** معالمه و بلا و نكباء زعزعا

لهند و أتراب لهند إذ الهوى *** جميع و إذ لم نخش أن يتصدّعا

و إذ نحن مثل الماء كان مزاجه *** كما(8) صفّق(9) الساقي الرحيق المشعشعا

و إذا لا نطيع الكاشحين(10) و لا نرى *** لواش لدينا يطلب الصّرم موضعا(11)

ص: 156


1- كذا في م، أ، و في ت، ح، ر: «قبيل». و في باقي النسخ: «قبل العشاء».
2- زيادة في ت، أ، ء، م.
3- في ت: «قد نجمت»؛ يقال: نجم بمعنى طلع و ظهر.
4- في ت: «هو».
5- كذا في ب، س، ء. و في ت: «هية باللّه يا عمر». و في ح، ر: «باللّه يا عمر».
6- راجع الحاشية رقم 1 ص 131.
7- ورد هذا البيت في ص 131: «إلى السرح» في جميع النسخ.
8- كذا في «ديوانه». و في الأصول كلها: «إذا».
9- صفق الشراب: مزجه.
10- في «ديوانه»: «العاذلين».
11- في «الديوان»، ح، ت، ر،: «مطعما».

/الغناء للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ و من نسخة عمرو الثانية(1). و فيه لابن جامع و ابن عبّاد لحنان من كتاب إبراهيم. و فيها يقول - و فيه غناء -:

صوت

فلمّا تواقفنا و سلّمت أشرقت *** وجوه زهاها الحسن أن تتقنّعا

تبالهن بالعرفان لمّا رأينني(2) *** و قلن امرؤ باغ أكلّ و أوضعا(3)

و قرّبن أسباب الهوى لمتيّم *** يقيس ذراعا كلّما قسن إصبعا

الغناء لابن عبّاد رمل عن الهشاميّ. و فيه لابن جامع لحن من كتاب إبراهيم غير مجنس. [هذه الأبيات مقرونة بالأولى، و الصنعة في جميعها مختلفة، يغنّي المغنّون بعض هذه و بعض تلك و يخلطونها، و الصنعة لمن قدّمت ذكره](4). و هي قصيدة طويلة، ذكرت منها ما فيه صنعة.

و مما قاله في هند هذه و غنّي فيه قوله:

صوت

أ لم تسأل الأطلال و المنزل الخلق *** ببرقة ذي ضال(5) فيخبر إن نطق؟

ذكرت به(6) هندا فظلت كأنّني *** أخو نشوة لاقى الحوانيت(7) فاغتبق(8)

/الغناء لعطرّد و لحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأوّل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. و فيه لمعبد ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ. و ذكر حبش أنّ فيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى. و منها:

صوت

أسبح القلب مهيضا(9) *** راجع الحبّ الغريضا(10)

ص: 157


1- في ح، ر: «الثالثة».
2- كذا في ح، ر. و في سائر الأصول: «عرفني».
3- أكلّ: أعيا. و أوضع: أسرع في سيره.
4- زيادة في ح، ر. و في ت ذكرت هذه الزيادة بعد الشعر مباشرة.
5- الضال، السّدر البرّيّ. و السدر: شجر النبق. و لم نعثر في «ياقوت» و لا في «البكريّ» على «برقة ذي ضال» هكذا علما على موضع خاص. و قد ورد فيهما «برقاء ذي ضال»، و نقل البكريّ عن ابن الأعرابيّ أنها هضبة ذات رمل في ديار عذرة، و استشهد بقول جميل العذريّ: فمن كان في حبّي بثينة يمتري فبرقاء ذي ضال عليّ شهيد و في «الديوان»: «ببرقة أعواء»، و هو محرّف عن «ببرقة أعيار» بالراء و قد ذكر ياقوت برقة أعيار، و استشهد بالنصف الثاني من البيت هكذا: ببرقة أعيار فخبر إن نطق
6- كذا في «الديوان»، ت، ح. و في سائر النسخ: «بها».
7- الحوانيت: بيوت الخمارين، واحدها حانوت.
8- الاغتباق: شرب العشيّ.
9- كذا في «الديوان» أ، ت، ء، م. و في سائر النسخ: «مريضا». و المهيض: المكسور.
10- الغريض: الغض الطريّ، وصف الحب به على سبيل المجاز.

و أجدّ(1) الشوق وهنا *** أن رأى برقا(2) وميضا(3)

ثم بات الرّكب نوّا *** ما و لم أطعم غموضا

ذاك من هند قديما *** تركها(4) القلب مهيضا

و تبدّت ثم أبدت *** واضح اللّون نحيضا(5)

/و عذاب(6) الطّعم غرّا *** كأقاحي(7) الرّمل بيضا

الغناء لابن محرز خفيف ثقيل بالسبّابة في مجرى البنصر. و فيه لحكم هزج بالوسطى عن عمرو، و قيل: إنه يمان. و من الناس من ينسب لحن ابن محرز إلى ابن مسجح. و منها:

صوت

أربت(8) إلى هند و تربين مرّة *** لها إذ تواقفنا بفرع(9) المقطّع

[لتعريج(10) يوم أو لتعريس(11) ليلة *** علينا بجمع الشّمل قبل التّصدّع

فقلن لها لو لا ارتقاب صحابة *** لنا خلفنا عجنا و لم نتورّع]

و قالت(12) فتاة كنت أحسب أنّها *** مغفّلة(13) في مئزر لم تدرّع(14)

لهنّ - و ما شاورنها - ليس ما أرى *** بحسن جزاء للحبيب المودّع

ص: 158


1- أجدّ هنا: جدّد. الوهن: نحو من نصف الليل، كالموهن.
2- في «ديوانه»: «وجها».
3- يقال. و مض البرق يمض و مضا و وميضا، إذا لمع لمعا خفيا و لم يعترض في نواحي الغيم.
4- في أ، ح، ر: «رجعها» و في «الديوان»: «ودّع القلب».
5- النّحيض: يراد به البضّ الممتلئ. و في النسخة التيمورية المخطوطة من «ديوانه»: «محيضا» و فسّر في الهامش بأنه فعيل من المحض و هو الخالص. غير أنا لم نجد هذه الصيغة من هذه المادة فيما بين أيدينا من كتب اللغة.
6- يريد بها الأسنان.
7- الأقاحىّ: جمع أقحوان و هو القرّاص عند العرب و البابونج أو البابونك عند الفرس، و هو كما قال الجوهريّ: نبت طيب الريح حواليه ورق أبيض و وسطه أصفر، و كثير ما تشبّه به الأسنان.
8- أرب بكذا: كلف به، و أرب إلى كذا: احتاج إليه. و لعل المراد: عاني الشوق إليهنّ. و في ت: «أريت» بالياء المثناة يقال: أرت الدابة إلى الدابة تأرى، إذا انضمّت إليها و ألفت معها معلفا واحدا. و في الحديث أنه دعا لامرأة كانت تفرك زوجها (تبغضه) فقال: «اللهم أرّ بينهما» أي ألف و أثبت الودّ بينهما. و المعنى عليها أنه اتصل بهنّ و انضم إليهن.
9- في ب، س: «بفرغ المقطع» بالغين المعجمة. و في «ديوانه»: «بقرن المقطع». و لم نعثر في «ياقوت» على أحد هذه الأسماء علما لموضع خاص.
10- زيادة من «الديوان» يتوقف عليها السياق.
11- التعريس، قيل: هو نزول القوم في السفر آخر الليل يستريحون قليلا ثم يرحلون مع الصبح، و قيل: هو النزول أوّل الليل، و قيل: النزول في أي وقت كان من ليل أو نهار.
12- في «الديوان»: «فقالت».
13- كذا في «ديوانه». و في ر: «معقلة». و في سائر النسخ: «معلقة» و كلاهما تحريف.
14- لم تدرّع: لم تلبس الدرع؛ يقال: درّعت الصبية إذا ألبست الدرع. و الدرع: جبة مشقوقة المقدّم.

فقلن لها لا شبّ(1) قرنك فافتحي *** لنا باب(2) ما يخفى من الأمر نسمع

/و هي أبيات. الغناء للغريض و لحنه من القدر الأوسط من الثّقيل الأوّل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق، و ذكر ابن المكّيّ أنه لابن سريج. و منها:

صوت

لمّا ألمّت بأصحابي و قد هجعوا *** حسبت وسط رحال القوم عطّارا

فقلت من ذا المحيّى و انتبهت له *** و من محدّثنا هذا الذي زارا؟

ألا انزلوا نعمت دار بقربكم *** أهلا و سهلا بكم من زائر زارا(3)

/فبدّل الرّبع ممّن كان يسكنه *** عفر(4) الظّباء به يمشين أسطارا(5)

ص: 159


1- كذا في «الديوان»، ت. و في سائر النسخ: «لا شاب فرنك». قال الأصمعي: يقال: أشبه اللّه و أشبّ اللّه قرنه بمعنى واحد، و هو الدعاء له بأن يشبّ و يكبر. و القرن زيادة في الكلام ه. و القرن: الضفيرة. و المراد التعجب من حديثها؛ كما يقال في مقام التعجب: قاتلك اللّه.
2- كذا في أكثر النسخ. و في «الديوان»، ء: «بابه تخفى». و البابة هنا: الوجه و الطريق؛ قال تميم بن مقبل: بني عامر ما تأمرون بشاعر تخير بابات الكتاب هجائيا أي تخبّر هجائي من وجوه الكتاب، كما فسره صاحب «اللسان». و للبابة معان أخرى لا بأس من إيرادها، و هي القبيل و النوع كما قال الجاحظ في «كتاب الحيوان» ج 2 ص 45: «فليس الديك من بابة الكلب لأنه إن ساوره قتله قتلا ذريعا». و قال أيضا في ج 7 ص 43: «و قد أيقنا أنهما ليسا من بابته». و قال في كتاب «البخلاء» ص 45، 143: «أنت من ذي البابة... و أما سائر حديث هذا الرجل فهو من هذه البابة». و مثل ذلك (في «نفخ الطيب» ج 1 ص 559 طبع ليدن، ج 1 ص 398 طبع بولاق سنة 1279 ه) قول القاضي محمد بن بشير الأندلسي: إنما أزرى بقدري أنني لست من بابة أهل البلد و إذا قال الناس: «من بابتي» فمعناه من الوجه الذي أريده و يصلح لي. و الشرط - و مثله ما في «تاج العروس»: هذا بابته أي شرطه. و الغاية - و يستعمل ذلك في الحساب و الحدود. و في «شفاء الغليل» إنهم يقولون للعب خيال الظل بابة، فيقولون: بابات خيال الظل؛ و على ذلك قول ابن إياس المؤرّخ المصري: فكانوا مثل بابات خيال الظل، فشيء يجيء و شيء يروح. «بدائع الزهور في وقائع الدهور» ج 1 ص 347). و يجوز أن يسمى به كل فصل من فصول التمثيل المسماة الآن فصول الرواية. (انظر كتاب «التاج» للجاحظ ص 38 و 39).
3- وردت هذه الأبيات الثلاثة في «الديوان» مع بيت آخر بهذا الترتيب: قلن انزلوا نعمت دار بقربكم أهلا و سهلا بكم من زائر زارا لمّا ألمّت بأصحابي و قد هجعوا حسبت وسط رحال القوم عطارا من طيب نشر التي تامتك إذ طرقت و نفحة المسك و الكافور إذ ثارا فقلت من ذا المحيي و انتبهت له أم من محدّثنا هذا الذي زارا و في الشعر إيطاء على كلتا الروايتين، و هو أن تتفق قافيتان على كلمة واحدة معناهما واحد. قال الأخفش: و هو عيب عند العرب لا يختلفون فيه، و قد يقولونه مع ذلك. قال ابن جنّى: و وجه استقباح العرب الإيطاء أنه يدل على قلة مادة الشاعر و نزارة ما عنده حتّى يضطرّ إلى إعادة القافية الواحدة في القصيدة بلفظها و معناها، فيجري هذا عندهم لما ذكرنا مجرى العيّ و الحصر. و قال أبو عمرو بن العلاء: الإيطاء ليس يعيب في الشعر عند العرب. و روى عن ابن سلاّم الجمحيّ أنه قال: إذا كثر في الشعر فهو عيب. (راجع «لسان العرب» مادة وطأ).
4- عفر: جمع اعفر و عفراء. و العفر من الظباء ما يعلو بياضها حمرة.
5- الأسطار: جمع سطر، و هو الصفّ من كل شيء.

الغناء لابن سريج رمل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. و فيه ليونس خفيف ثقيل. و فيه لأبي(1) فارة هزج بالبنصر. و أوّل هذه القصيدة التي فيها ذكر هند قوله:

يا صاحبيّ قفا نستخبر الدارا *** أقوت و هاجت لنا بالنّعف(2) تذكارا

و قد أرى مرّة سربا بها حسنا *** مثل الجآذر لم يمسسن أبكارا(3)

فيهنّ هند و هند لا شبيه لها *** فيمن أقام من الأحياء أو سارا

تقول ليت أبا الخطّاب وافقنا(4) *** كي نلهو اليوم أو ننشد(5) أشعارا

فلم يرعهنّ إلاّ(6) العيس طالعة *** بالقوم(7) يحملن ركبانا و أكوارا(8)

/و فارس يحمل البازي فقلن لها *** ها هم أولاء و ما أكثرن إكثارا(9)

لما وقفنا و عنّنّا(10) ركائبنا *** بدّلن بالعرف بعد الرّجع(11) إنكارا

و منها:

ص: 160


1- كذا في أكثر النسخ. و في ت، ر: «لابن فارة». و في ح: «لابن فادة». و قد سمّي بفأرة، و ممن عرف بابن فأرة أحمد بن عبد الكريم بن عليّة المصري (راجع «تاج العروس» مادة فأر).
2- النعف: ما انحدر عن غلظ الجبل و ارتفع عن مجرى السيل كالخيف. و لعله يريد بالنعف هنا «نعف مياسر» و هو موضع بين الدّوداء و بين المدينة. و الدّوداء كما في «ياقوت»: موضع قرب المدينة.
3- في «الديوان»: مثل الجآذر أثيابا و أبكارا و لم نعثر على أثياب جمعا لثيب. و لعله محرّف عن أنياب جمعا لناب و هي الناقة المسنة. و في هامش النسخة المخطوطة التيمورية من الديون: «و يروى أثناء». و الثنى من النوق: ما ولدت بطنين، و ولدها الثاني: ثنيها، و الجمع أثناء. و استعاره لبيد للمرأة فقال: ليالي تحت الخدر ثنى مصيفة
4- وافقنا: صادفنا؛ يقال: وافقت فلانا في موضع كذا، إذا صادفته فيه.
5- كذا في «الديوان». و في ب، س: «أو ينشدنا». و في سائر النسخ: «أو ينشدن» و كلاهما تحريف.
6- في ح، ر: «غير».
7- في ح، ر: «بالغور». و في «الديوان»: يحملن بالنعف ركّابا و أكوارا و الأكوار: جمع كور و هو هنا رحل الناقة بأداته.
8- في ح، ر: «أوقارا». و الأوقار: جمع وقر و هو الحمل الثقيل.
9- كذا في «الديوان». و في ح، ر: و فارس يحمل البازي فقلن له ها من أولاء و ما أكبرن إكبارا» و في أ: «فقلن لها ها من أولاء و لم يكبرن إكبارا» و في سائر النسخ: «فقلن له من هؤلاء و ما أكبرن إكبارا» و قوله: يحمل البازي، يشير به إلى خروجهم للصيد.
10- كذا في النسخة المخطوطة التيمورية من «الديوان». و عنّن الفرس: حبسه بعناية. و في ت: «و عيتنا ركائبنا». و في ر: «و عييّنا مراكبنا». و في ح: «و غيبنا مراكبنا». و لعلّ كل ذلك محرّف عن «و عنّنا» أو «و عنينا» من التعنية و هي الحبس. و في سائر النسخ: «و ريعنا ركائبنا» و لم نعثر له على معنى مناسب.
11- الرجع هنا: ترديد النظر؛ قال تعالى: (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خٰاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ). يريد أنهن بعد أن تأمّلن فيّ أنكرنني بعد أن عرفنني.
صوت

أ لم تربع(1) على الطّلل *** و مغنى الحيّ كالخلل(2)

لهند إنّ هندا حبّ *** ها قد كان من شغلي

[فلمّا(3) أن عرفت الدا *** ر عجت لرسمها جملي

و قلت لصحبتي عوجوا *** فعاجوا هزّة الإبل]

و قالوا قف و لا تعجل *** و إن كنّا على عجل

قليل في هواك اليو *** م ما نلقى من العمل

/الغناء لابن سريج ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق، و فيه [له](4) أيضا رمل عن الهشاميّ و حبش. و منها:

صوت

هاج ذا القلب منزل *** بالبليّين(5) محول

غيّرت آية الصّبا(6) *** و جنوب و شمأل

إنّ هندا قد ارسلت *** و أخو الشوق مرسل(7)

ص: 161


1- أ لم تربع: أ لم تقف عليه محتبسا نفسك عنده.
2- الخلل: جمع خلّة و هي بطانة يغشّى بها جفن السيف تنقش بالذهب و غيره، و يشبه بها الطلل. قال الشاعر: لمية موحشا طلل يلوح كأنه خلل و قال عبيد بن الأبرص الأزدي: دار حيّ مضى بهم سالف الده ر فأضحت ديارهم كالخلال
3- زيادة من «الديوان» يتوقف عليها المعنى.
4- زيادة في ت.
5- البليّين: كأنه تثنية بليّ، و الشعراء يثنونه كأنه مضموم إلى موضع آخر أو لوزن الشعر. و قد قاله بالإفراد عمر بن أبي ربيعة في قوله: سائلا الربع بالبلىّ و قولا هجت شوقا لنا الغداة طويلا (انظر الحاشية رقم 1 صفحة 106). و في «ديوانه»: دارس الآي محول
6- الصبا: ريح تأتي من المشرق إلى المغرب؛ سميت بذلك لأن النفوس تصبو إليها لطيب نسيمها و روحها. و العرب تحب الصبا لرقتها و لأنها تجيء بالسحاب، و المطر فيها و الخصب، و هي عندهم اليمانية. (انظر نهاية «الأرب» ج 1 ص 97).
7- كذا في جميع النسخ و «ديوانه» المخطوط. و قد آثرنا أن ننقل من «ديوانه» هذه القصيدة ليتبين مقدار الحلاف في الرواية بينه و بين ما في الأصول: و لقد كان آهلا فيه ظبي مبتّل طيب النشر واضح أحور العين أكحل فلئن بان أهله فبما كان يؤهل قد أرانا بغبطة فيه نلهو و نجذل بجوار خرائد ذاك و الودّ يبذل إذ فؤادي بزينب أمّ يعلى موكّل و هي فينا و لا تبا ليه تلحى و تعذل قبل أن يستفزها قول واش يحمل حين أرسلت تهللا و أخو الودّ مرسل باعتذار من سخطها علّ أسماء تقبل فأتتني بما هوي ت من القول تهلل حين قالت تقول زي نب إنا سنفعل أنا من ذاك آيس غير أني أعلل و أخ يستحثني و ينادي و يبذل كلما قال لي انطلق قلت اربع سأفعل

/

أرسلت تستحثّني *** و تفدّي و تعذل

أيّنا بات ليله(1)*** بين غصنين يوبل(2)

تحت عين، يكنّنا *** برد عصب مهلهل(3)

في هذه الأبيات خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر، ذكر إسحاق أنه لمالك، و ذكر عمرو أنه لابن محرز.

و ذكر يونس أنّ فيها لحنا لابن محرز و لحنا لمالك. و قال عمرو في نسخته الثانية: إنه لابن زرزر(4) الطّائفيّ خفيف ثقيل بالوسطى، و روت مثل ذلك دنانير عن فليح(5). و فيها لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن /إسحاق. و فيها لعبد اللّه بن موسى الهادي ثاني ثقيل من مجموعه و رواية الهشاميّ(6) و فيه(7) لحكم هزج

ص: 162


1- في ت، ر و «ديوانه» المخطوط: «ليلة».
2- يوبل: يمطر وابلا، و في ب، س: «يذبل» و هو تحريف.
3- العين هنا: السحاب. و كنّه يكنّه: صانه؛ و في التنزيل العزيز: (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ). و العصب: ضرب من البرود، لا يثني و لا يجمع، و إنما يثني و يجمع ما يضاف إليه؛ فيقال بردا عصب و برود عصب. و المهلهل: الرقيق النسج. و هو في جميع النسخ هكذا «يكننا» و لعله «يكنه». و قد أورده في «اللسان» في مادة كنن: تحت عين كناننا ظل برد مرحّل قال ابن بري: و صاب إنشاده برد و صواب مرحل ثم قال: و أنشده ابن دريد: تحت ظل كناننا فضل برد يهلل و قد ورد في النسخة التيمورية المخطوطة من «الديوان»: تحت غصن سماؤه برد عصب مهلل و فسر في الهامش بقوله: أي هلّ عليه السحاب بالمطر. و قد راجعنا مادة «هلل» في «كتب اللغة» فلم نعثر على هذه الصيغة بهذا المعنى، و إنما يقال: هلّ السحاب إذا قطر قطرا له صوت، و أهلّه اللّه، و انهل المطر و استهلّ. و من أجل ذلك تترجح الرواية التي أثبتناها في الأصل. و البرد المرحل: ضرب من برود اليمن؛ سمّي بذلك لأن عليه تصاوير رحل.
4- في ب، س، ح، ر: «زرزور».
5- هذا الكلام الذي أوّله: في هذه الأبيان خفيف ثقيل... إلى هنا ورد مكانة في ت هكذا: «الغناء لمالك خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق، و فيه خفيف ثقيل آخر بالسبابة في مجرى الوسطى لابن زرزر الطائفي عن ابن المكيّ و عمرو و دنانير و فليح».
6- كذا في جميع النسخ الخطية عدا نسختي م، ء؛ ففي أولاهما: «و فيها لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق، و فيه لعبد اللّه بن موسى الهادي ثاني ثقيل، و فيه لحكم الخ». و في الثانية: «و فيها لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق من مجموعة و رواية الهشاميّ، و فيه لعبد اللّه بن موسى الهادي ثاني ثقيل و فيه لحكم الخ» و في ب، س المطبوعتين: «و فيه لابن سريج رمل من مجموعة و رواية الهشاميّ بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق، و فيه لعبد اللّه بن موسى الهادي ثاني ثقيل و فيه لحكم الخ».
7- ورد الضمير هنا و فيما بعده مذكرا باعتبار المعنى و هو الشعر.

بالخنصر و البنصر عن ابن المكّيّ. و فيه للحجبيّ رمل عن الهشاميّ(1) و فيه ثقيل أوّل نسبه ابن المكّي إلى ابن محرز، و ذكر الهشاميّ أنه منحول. و فيه خفيف رمل ذكر الهشاميّ أنه لحن ابن محرز. و منها:

صوت

يا صاح هل تدري و قد جمدت(2) *** عيني بما ألقى(3) من الوجد

لمّا رأيت ديارها درست *** و تبدّلت أعلامها بعدي(4)

و ذكرت مجلسها و مجلسنا(5) *** ذات العشاء بمهبط(6) النّجد

و رسالة منها تعاتبني *** فرددت(7) معتبة على هند

الغناء ليحيى المكّيّ رمل(8) بالوسطى. و فيه لغيره ألحان أخر. و منها:

صوت

ليت هندا أنجزتنا ما تعد *** و شفت أنفسنا مما تجد

و استبدّت مرّة واحدة *** إنّما العاجز من لا يستبدّ

و لقد قالت لجارات لها *** ذات يوم و تعرّت تبترد(9)

- و يروى:

زعموها سألت جاراتها -

أ كما ينعتني تبصرنني

عمر كنّ اللّه أم لا يقتصد

فتضاحكن(10) و قد قلن لها

حسن في كلّ عين من تودّ

حسدا حمّلنه من أجلها

و قديما كان في الناس الحسد

الغناء لابن سريج رمل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. و فيه لحن لمالك من كتاب يونس غير

ص: 163


1- وردت هذه الجملة في ح، ر آخر الجمل كلها بعد قوله: «ذكر الهشاميّ أنه لحن ابن محرز» هكذا: «و ذكر غيره أنه للحجبيّ رمل عن الهشاميّ و حبش».
2- في «ديوانه» المخطوط: «و قد جهدت نفسي».
3- كذا في «الديوان»، ح. و في سائر النسخ: «أخفى».
4- في «ديوانه» المخطوط: و تبدّلت من أهلا بعدي و في «ديوانه» المطبوع بليپزج: و تبدّلت أهلا بها بعدي
5- في «ديوانه» المخطوط: و ذكرت من هند مجالسها
6- في «ديوانه»: «بمسقط».
7- في «ديوانه» المخطوط: «فازددت».
8- في ت: «ثقيل أوّل عن الهشاميّ».
9- تبترد: تغتسل بالماء البارد.
10- في «الكامل» للمبرّد طبع ليپزج ص 594: «فتهانفن». و التهانف كالإهناف و المهانفة: ضحك فيه فتور كضحك المستهزئ. و هي رواية جيدة تؤدّي المعنى المراد خير أداء.

مجنّس. و فيه لابن سريج خفيف رمل بالبنصر عن عمرو، و ذكره إسحاق في خفيف الثقيل بالخنصر في مجرى البنصر و لم ينسبه إلى أحد. و فيه ثاني ثقيل يقال/إنه لحن لمالك، و يقال إنه لمتيّم(1). و منها:

صوت

هاج القريض(2) الذّكر *** لمّا غدوا فانشمروا(3)

على بغال شحّج(4) *** قد ضمّهنّ السّفر

فيهنّ هند ليتني *** ما عمّرت أعمّر(5)

حتّى إذا ما جاءها *** حتف أتاني القدر

لابن سريج فيه لحنان: رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق، و خفيف رمل عن الهشاميّ. و منها:

صوت

يا من لقلب دنف مغرم *** هام(6) إلى هند و لم يظلم

هام إلى ريم(7) هضيم الحشى *** عذب الثّنايا طيّب المبسم

/لم أحسب الشمس بليل بدت *** قبلي لذي لحم و لا ذي دم(8)

ص: 164


1- هذه الجملة: «الغناء لابن سريج...... إنه لمتيم» هكذا في جميع النسخ عدا نسخة ت. و فيها: «الغناء لابن سريج رمل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق، و له فيه أيضا خفيف رمل بالخنصر في مجرى البنصر عن ابن المكيّ و عمرو، و ذكره إسحاق في هذه الطريقة و لم ينسبه إلى أحد. و فيه لمالك ثقيل أوّل عن الهشاميّ و يونس. و فيه لمتيم ثاني ثقيل».
2- كذا في «ديوانه» و أكثر النسخ. و في ب، س، ح: «الغريض» بالغين. و سيرد في الجزء الثاني من «الأغاني» في أخبار الغريض المغنى هذا الشعر منسوبا إلى عمر بن أبي ربيعة: هاج القريض الذكر بالقاف، فجعله الغريض لما غنى فيه «الغريض» بالغين، يعني نفسه.
3- في ديوانه: فابتكروا». و انشمر: مرّ جادّا مسرعا.
4- شحج: جمع شاحج، و الشّحاج: صوت البغل. و في «ديوانه»: «وشّج». و وسج الإبل و وسيجها و وسجائها: إسراعها.
5- هذا البيت و الذي بعده من قصيدة أخرى في «ديوانه» مطلعها: قد هاج قلبي محضر أقوى و ربع مقفر
6- هام تتعدى بالباء. و قد ضمنت هنا معنى صبا؛ و لهذا تعدّت بإلى. و في ح، ر: «هاج».
7- في «ديوانه»: «رئم» بالهمز. و الرئم: الظبي الأبيض الخالص البياض، و قيل ولد الظبي، يهمز و لا يهمز.
8- بين هذا البيت و الذي قبله في «ديوانه»: كالشمس بالأسعد إذا أشرقت في يوم دجن بارد مقتم يريد بالأسعد هنا سعود النجوم، و هي عشرة: أربعة منها في برج الجدي و الدلو ينزلها القمر، و هي سعد الذابح و سعد بلع و سعد الأخبية و سعد السعود و هو كوكب منفرد نيّر. و أما الستة التي ليست من المنازل فسعد ناشرة و سعد الملك و سعد البهام و سعد الهمام و سعد البارع و سعد مطر. و كل سعد من هذه الستة كوكبان بين كل كوكبين في رأي العين قدر ذراع و هي متناسقة. و أما سعد الأخبية فثلاثة أنجم كأنها أثافيّ و رابع تحت واحد منهن. انظر «المرتضى» و «المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية» للإمام العيني المطبوع بهامش «الخزانة» ج 1 ص 508 في الكلام على البيت: إذا دبران منك يوما لقيته أؤمّل أن ألقاك غدوا بأسعد و قال في «اللسان» (مادة «سعد») بعد أن ذكر هذه السعود: فأحسن ما تكون الشمس و القمر و النجوم في أيامها لأنك لا ترى فيها غيرة. و قد ذكرها النابغة الذبياني فقال: قامت تراءى بين سجفي كلة كالشمس يوم طلوعها بالأسعد و قد ضبط خطأ في اللسان بفتح العين. و قال: بيضاء كالشمس وافت يوم أسعدها لم تؤذ أهلا و لم تفحش على جار

قالت ألا إنّك ذو ملّة *** يصرفك الأدنى عن الأقدم(1)

قلت لها بل أنت معتلّة *** في الوصل يا هند لكي تصرمي

الغناء لابن سريج رمل بالسّبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. و فيه لبديح(2) لحن قديم. و قيل: إن فيه رملا آخر لعمّارة مولاة عبد اللّه بن جعفر. و منها:

صوت

تصابى و ما بعض(3) التّصابي بطائل *** و عاود من هند جوى غير زائل

عشيّة قالت صدّعت غربة النّوى(4) *** فما من تلاق قد أرى دون قابل(5)

و ما أنس م الأشياء لا أنس مجلسا(6) *** لنا مرّة منها بقرن المنازل(7)

بنخلة بين النّخلتين(8) يكنّنا *** من العين عند العين(9) برد المراجل

/الغناء للغريض ثقيل(10) أوّل بالبنصر عن عمرو. و فيه للعمانيّ(11) خفيف ثقيل عن دنانير و الهشاميّ. و منها:

ص: 165


1- روى هذا البيت و الذي بعده في «ديوانه» هكذا: قالت و قد جدّ رحيل بها و العين إن تطرف بها تسجّم إن ينسنا الموت و يؤذن لنا نلقك إن عمّرت بالموسم إن لم تحل إنك ذو ملّة يصرفك الأدنى عن الأقدم قلت لها بل أنت معتلة في الوصل يا هند لكي تصرمي
2- كذا في ت. و في ب، س: «لابن سريج». و في ء: «لسريج». و في أ، م: «لشريح». و هذه الجملة غير موجودة في ح، ر.
3- في ب، س، ح، ر: «و ما كل التصابي».
4- غربة النوى: بعدها. و النوى: المكان الذي تنوي أن تأتيه في سفرك.
5- دون قابل، أي دون عام قابل.
6- كذا في «الديوان»، ت. و في سائر النسخ: «قولها».
7- قرن المنازل: جبل مطلّ على عرفات، و هو ميقات أهل اليمن.
8- النخلتان هما الشامية و اليمانية، و هما واديان على ليلتين من مكة كما في «ياقوت»، أو ليلة كما في «القاموس». و أحدهما يصب من الغمير، و الآخر يصب من قرن المنازل. و قال الأزهري: في بلاد العرب واديان يعرفان بالنخلتين: أحدهما باليمامة و يأخذ إلى قرى الطائف، و الآخر يأخذ إلى ذات عرق. و نخلة: موضع بين مكة و الطائف ا ه. من شرح «القاموس».
9- كذا في النسخة التيمورية المخطوطة من «ديوانه». و فسر في الهامش بأن العين الأولى الباصرة و الثانية عين الماء. و في «ديوانه» المطبوع بليپزج: من العين خوف العين برد المراجل و في أكثر النسخ: من الغيث عند العين برد المراجل و المرجل كمنبر و مقعد - الفتح عن ابن الأعرابيّ وحده و الكسر عن الليث - ضرب من برود اليمن، و الجمع مراجل. و قد ورد ق م، ء: «برد المراحل» بالحاء المهملة. و المراحل: جمع مرحّل كمعظّم، و هو برد فيه تصاوير رحل.
10- في ح، ر: «ثاني ثقيل أوّل».
11- في ت: «للغمامي».
صوت

لجّ قلبي في التّصابي *** و ازدهى عنّي(1) شبابي

و دعاني لهوى هن *** د فؤاد غير نابي

/قلت لمّا فاضت العي *** نان دمعا ذا انسكاب

إن جفتني اليوم هند *** بعد ودّ و اقتراب

فسبيل الناس طرّا *** لفناء و ذهاب

الغناء لأهل مكة(2) رمل بالوسطى.

قصة عمر مع فاطمة بنت عبد الملك بن مروان

اشارة

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أبو عليّ الأسديّ - و هو بشر ابن موسى بن صالح - قال حدّثني أبي موسى بن صالح عن أبي بكر القرشيّ قال:

كان عمر بن أبي ربيعة جالسا بمنى في فناء مضربه و غلمانه حوله، إذ أقبلت امرأة برزة(3) عليها أثر النّعمة فسلّمت، فرد عليها عمر السّلام، فقالت له:؛ أنت عمر بن أبي ربيعة؟ /فقال لها: أنا هو، فما حاجتك؟ قالت له: حيّاك اللّه و قرّبك! هل لك في محادثة أحسن الناس وجها، و أتمّهم خلقا، و أكملهم أدبا، و أشرفهم حسبا؟ قال: ما أحبّ إليّ ذلك! قالت: على شرط. قال: قولي. قالت: تمكنني من عينيك حتى أشدّهما(4) و أقودك، حتى إذا توسّطت الموضع الذي أريد حللت الشّدّ، ثم أفعل ذلك بك عند إخراجك حتى أنتهى بك إلى مضربك.

قال: شأنك، ففعلت ذلك به. قال عمر: فلمّا انتهت بي إلى المضرب الذي أرادت كشفت عن وجهي، فإذا أنا بامرأة على كرسيّ لم أر مثلها قطّ جمالا و كمالا، فسلّمت و جلست. فقالت: أ أنت عمر بن أبي ربيعة؟ قلت: أنا عمر. قالت: أنت الفاضح للحرائر؟ قلت: و ما ذاك جعلني اللّه فداءك؟ قالت: أ لست القائل:

صوت

قالت و عيش أخي و نعمة(5) والدي *** لأنبّهنّ الحيّ إن لم تخرج(6)

ص: 166


1- كذا في الأصول. و لعله: «مني».
2- في ب، س، ح، ر: «لإسحاق».
3- البرزة من النساء: البارزة الجمال أو التي تبرز للقوم يجلسون إليها و يتحدّثون معها.
4- في ت: «فأشدّهما».
5- في ح، ر: «و حرمة والدي». و في ت: «و تربة والدي». و في «الديوان»: «و عيش أبي و حرمة إخوتي». و في «الكامل» للمبرد طبع ليپزج ص 165: قالت و عيش أبي و أكبر إخوتي و في العيني على هامش «الخزانة» ج 3 ص 279: قالت و عيش أبي و عدّة إخوتي
6- نست هذه الأبيات إلى جميل بن معمر العذريّ فيما نقله ابن عساكر عن أبي بكر محمد بن القاسم الأنباري (راجع ترجمة جميل في «وفيات الأعيان» ج 1 ص 161-164). و قد عزى البيت الثالث في «اللسان» و «شرح القاموس» في مادة سنج لجميل أيضا. و رويت الأبيات الثلاثة الأخرى في مادة حشرج في «اللسان» لعمر بن أبي ربيعة، و قال ابن برّي: إنها لجميل و ليست لعمر، و قد رويت الأبيات في «الكامل» للبرد طبع ليپزج ص 165 قال المبرد: و أنشدني أبو العالية قال: قيل إن الشعر لعروة بن أذنية. و في شرح العيني بهامش «خزانة البغدادي» ج 3 ص 279-282 في الكلام على البيت «فلثمت فاها..»: أن قائل هذا الشعر هو عمر بن أبي ربيعة، و قيل هو جميل و هو الأصح. و كذا قاله الجوهري. و في «الحماسة البصرية»: قائله عبيد بن أوس الطائي في أخت عديّ بن أوس الطائي.

فخرجت خوف(1)

يمينها فتبسّمت *** فعلمت أنّ يمينها لم تحرج(2)

فتناولت رأسي لتعرف مسّه *** بمخضّب الأطراف غير مشنّج(3)

فلثمت(4) فاها آخذا بقرونها *** شرب(5) النّزيف(6) ببرد ماء الحشرج

/ - الغناء لمعبد ثقيل أوّل بالبنصر عن يونس و عمرو -.

ثم قالت: قم فاخرج عنّي، ثم قامت من مجلسها. و جاءت المرأة فشدّت عينيّ، ثم أخرجتني حتى انتهت بي إلى مضربي، و انصرفت و تركتني. فحللت عينيّ و قد دخلني من الكآبة و الحزن ما اللّه به أعلم. و بتّ ليلتي، فلما أصبحت إذا أنا بها، فقالت: هل لك في العود؟ فقلت: شأنك، ففعلت بي مثل فعلها بالأمس، حتى انتهت بي إلى الموضع. فلما دخلت إذا بتلك الفتاة على كرسيّ. فقالت(7): إيه يا فضّاح الحرائر! قلت: بما ذا جعلني اللّه فداءك؟ قالت: بقولك:

صوت

و ناهدة الثديين قلت لها اتّكي *** على الرمل من جبّانة(8) لم توسّد

فقالت على اسم اللّه أمرك طاعة *** و إن كنت قد كلّفت ما لم أعوّد

فلمّا دنا الإصباح قالت فضحتني *** فقم غير مطرود و إن شئت فازدد

- الغناء لأهل مكة ثقيل أوّل عن الهشاميّ(9) - ثم قالت قم فاخرج عنّي، فقمت فخرجت ثم رددت. فقالت

ص: 167


1- في ت: «خيفة حلفها».
2- لم تحرج: لم تضق و لم تكن جادّة هي في حلفها فلا تأثم إذا لم تبرّ فيها. و تجوز روايته: «لم تحرج» أي لم توقعها في الحرج و الإثم. و روى في «وفيات الأعيان» لابن خلكان و في العيني بهامش «خزانة الأدب» ج 3 ص 280: «لم تلجج» أي لم تعتزم؛ يقال: لج في الأمر، إذا تمادى عليه و أبى أن ينصرف عنه.
3- مشنّج: متقبّض.
4- لثم يلثم من باب فرح بمعنى قبّل، و لثم يلثم من باب ضرب بمعنى تلثّم. و ربما قيل الأوّل بالفتح؛ روى ابن كيسان أنه سمع المبرد ينشد هذا البيت: «فلثمت فاها الخ» (انظر «اللسان» مادة لثم).
5- نصب «شرب» على المصدر المشبه به، لأن في اللثم معنى امتصاص الريق، فكأنه قال: شربت ريقها شرب النزيف من ماء الحشرج البارد.
6- النزيف كالمنزوف: من عطش حتى يبست عروقه و جف لسانه، أو هو المحموم الذي منع الماء. و الحشرج: النقرة في الجبل يجتمع فيها الماء فيصفوا، أو هو كوز صغير لطيف. (راجع «اللسان» مادتي نزف و حشرج و العيني بهامش «الخزانة» ج 3 ص 281).
7- إيه: كلمة استزادة و استنطاق، و هي مبنية على الكسر و قد تنوّن؛ تقول لرجل إذا استزدته من حديث أو عمل: إيه بكسر الهاء. و قال ابن السّريّ: إذا قلت: إيه يا رجل فإنما تأمره بأن يزيدك من الحديث المعهود بينكما كأنك قلت: هات الحديث، و إن قلت: إيه بالتنوين فكأنك قلت: هات حديثا ما. و في ح، ر: «إيها» بالتنوين. و إيه بالفتح و إيها بالتنوين: أمر بالسكوت و الكفّ.
8- الجبّانة و مثله الجبّان: الصحراء، و تسمى بهما المقابر لأنها تكون بها. و في ت: «من ديمومة لم تمهد». و الديمومة: الفلاة الواسعة يدوم السير فيها لبعدها. و لم تمهد: لم تذلل و لم تصلح و لم تسوّ.
9- في ت كتبت هذه الجملة بهامشها و كتب بعدها كلمة «صح». و في الصلب. «فيه هزج يمان بالبنصر عن يحيى المكي».

لي: لو لا و شك الرّحيل، و خوف الفوت، و محبّتي لمناجاتك و الاستكثار من محادثتك، لأقصيتك، هات الآن كلّمني و حدّثني و أنشدني.

/فكلّمت آدب الناس و أعلمهم بكلّ شيء. ثم نهضت و أبطأت العجوز و خلا لي البيت، فأخذت انظر، فإذا أنا بتور(1) فيه خلوق(2)، فأدخلت يدي فيه ثم خبأتها في ردني(3). و جاءت تلك العجوز فشدّت عينيّ و نهضت بي تقودني، حتى إذا صرت على باب المضرب أخرجت يدي فضربت بها على المضرب، ثم صرت إلى مضربي، فدعوت غلماني فقلت: أيّكم يقفني على باب مضرب عليه خلوق كأنه أثر كفّ فهو حرّ و له خمسمائة درهم(4).

فلم ألبث أن جاء بعضهم فقال: قم. فنهضت معه، /فإذا أنا بالكفّ طريّة، و إذا المضرب مضرب فاطمة بنت عبد الملك بن مروان. فأخذت في أهبة الرّحيل، فلمّا نفرت نفرت معها، فبصرت في طريقها بقباب و مضرب و هيئة جميلة، فسألت عن ذلك، فقيل لها: هذا عمر بن أبي ربيعة، فساءها أمره و قالت للعجوز التي كانت ترسلها إليه: قولي له نشدتك اللّه و الرّحم أن تصحبني(5)، ويحك! ما شأنك و ما الذي تريد؟ انصرف و لا تفضحني و تشيط(6) بدمك(7). فسارت العجوز إليه فأدّت إليه ما قالت لها فاطمة. فقال: لست بمنصرف أو توجّه إليّ بقميصها الذي يلي/جلدها، فأخبرتها ففعلت وجّهت إليه بقميص من ثيابها، فزاده ذلك شغفا. و لم يزل يتبعهم لا يخالطهم(8)، حتى إذا صاروا على أميال من دمشق انصرف و قال في ذلك:

ضاق الغداة بحاجتي صدري *** و يئست بعد تقارب الأمر

و ذكرت فاطمة التي علّقتها(9) *** عرضا(10) فيا لحوادث(11) الدّهر

و في هذه القصيدة مما يغنّى فيه قوله:

ص: 168


1- التور: إناء صغير؛ سمّى بذلك لأنه يتعاور و يردّد، أو سمى بالتور و هو الرسول الذي يتردّد و يدور بين العشاق. قال الشاعر: و التور فيما بيننا معمل يرضى به المأتيّ و المرسل و مأخذه من التارة؛ لأنه تارة عند هذا و تارة عند هذا. (راجع أساس «البلاغة» مادة تور).
2- الخلوق: نوع من الطيب.
3- الردن: الكمّ.
4- في ح، ر: «دينار».
5- كذا في ت. تريد: ألا تصحبني. (و انظر الحاشية رقم 1 صفحة 167). و في سائر النسخ: «أن فضحتني».
6- هذه الواو ينصب بعدها الفعل، و الشرط فيها أن يتقدّم الواو نفي أو طلب كقوله تعالى: وَ لَمّٰا يَعْلَمِ اللّٰهُ الَّذِينَ جٰاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصّٰابِرِينَ، و كقول الشاعر: لا تنه عن خلق و تأتي مثله و سمّى الكوفيون هذه الواو واو الصرف؛ و ذلك لأنها لا يستقيم عطف ما بعدها على ما قبلها. (انظر «المغنى» طبع مصر ج 2 ص 35 و «اللسان» مادة «وا»).
7- أشاط دمه و بدمه: أهدره و عرّض نفسه «القتل». و ف ب، س: «و انشط بدمك» أي فز به مسرعا و لا تهدره.
8- في ت، م، أ، ء: «و لا يخالطهم» بالواو.
9- راجع الحاشية رقم 7 في صفحة 159 من هذا الجزء.
10- في «ديوانه»: «غرضا». و الغرض هنا: الشوق.
11- هذه اللام يجوز فيها الفتح على أنها داخلة على المتعجب منه، و الكسر على أنها داخلة على المستغاث من أجله و المستغاث محذوف؛ كأنه قال: يا للناس لحوادث الدهر.
صوت

ممكورة(1) ردع(2) العبير بها *** جمّ(3) العظام لطيفة الخصر

و كأنّ فاها عند رقدتها(4) *** تجري عليه سلافة الخمر

الغناء لإبراهيم بن المهديّ ثاني ثقيل من جامعه. و فيه لمتيّم رمل من جامعها أيضا. و تمام الأبيات و ليست فيه صنعة:

[فسبت(5) فؤادي إذ عرضت لها *** يوم الرّحيل بساحة القصر

بمزيّن ودع العبير به *** حسن التّرائب(6) واضح النّحر]

/و بجيد(7) آدم(8) شادن(9) خرق(10) *** يرعى الرّياض ببلدة قفر

لمّا رأيت مطيّها حزقا(11) *** خفق الفؤاد و كنت ذا صبر

و تبادرت(12) عيناي بعدهم *** و انهلّ دمعهما على الصّدر

و لقد عصيت ذوي القرابة(13) فيكم *** طرّا و أهل الودّ و الصّهر

حتى لقد قالوا و ما كذبوا *** أ جننت أم بك داخل السّحر

شعره في فاطمة بنت عبد الملك بن مروان دون التصريح باسمها خوفا من عبد الملك و من الحجاج

اشارة

أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني إسحاق عن(14) محمد بن أبان قال حدّثني الوليد بن هشام القحذميّ عن أبي معاذ القرشيّ قال:

ص: 169


1- الممكورة: الحسناء المرتوية الساقين المدمجة الخلق.
2- الردع: أثر الخلوق و الطيب في الجسد. و العبير: ضرب من الطيب ذو لون يجمع من أخلاط.
3- جمّ العظام: دقيقتها مكتنزة اللحم. و المعروف و في وصف المؤنث من هذه المادة جماء. فلعل الأصل «جمّا العظام» مقصورة لضرورة الوزن.
4- في «الديوان»، ت، ر، ح: «بعد ما رقدت».
5- زيادة عن «الديوان».
6- الترائب: عظام الصدر، واحدتها تريبة.
7- في «الديوان»: «و بعين».
8- الأدمة: السمرة، و قيل: في الإنسان السمرة، و في الظباء لون مشرب بياضا.
9- شدن الظبي: شبّ و ترعرع.
10- الخرق: الخائف المتحير.
11- كذا في «الديوان»، ح. و في ت، أ، ر «خرقا» و الخرقة و الحزقة: الجماعة من كل شيء. و في ء: «خرفا». و في ب، س: «حزبا» و كلاهما تحريف.
12- تبادرت عيناي: سألت دموعها. و في حديث اعتزال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم نساءه قال عمر: «فابتدرت عيناي» أي سالتا بالدموع.
13- كذا في «الديوان». و في الأصول. «ذوي أقاربها» و الإضافة فيه غير صحيحة. و لعلها: «ذوي قرابتها». لتصح الإضافة و يستقيم الوزن. (و راجع الحاشية رقم 7 ص 159 من هذا الجزء).
14- كذا في ر. و في سائر النسخ: «إسحاق بن محمد بن أبان».

لمّا قدمت فاطمة بنت عبد الملك بن مروان مكة جعل عمر بن أبي ربيعة يدور حولها و يقول فيها الشعر و لا يذكرها باسمها فرقا من عبد الملك بن مروان و من الحجّاج، لأنه كان كتب إليه يتوعّده إن ذكرها أو عرّض باسمها. فلما قضت حجّها و ارتحلت أنشأ يقول:

صوت

كدت يوم الرّحيل أقضي حياتي *** ليتني متّ قبل يوم الرّحيل

لا أطيق الكلام من شدّة الخو *** ف و دمعي يسيل كلّ مسيل

/ذرفت عينها و فاضت دموعي *** و كلانا يلقى(1) بلبّ أصيل

/لو خلت خلّتي أصبت نوالا *** أو حديثا يشفي من التّنويل(2)

و لظلّ الخلخال فوق الحشايا *** مثل أثناء(3) حيّة مقتول

فلقد قالت الحبيبة لو لا *** كثرة الناس جدت بالتّقبيل

غنّى فيه ابن محرز و لحنه ثقيل أوّل من أصوات قليلة الأشباه عن إسحاق و فيه لعبادل خفيف ثقيل بالبنصر عن عمرو، و يقال إنه للهذليّ(4). و فيه لعبيد اللّه بن أبي غسّان ثاني ثقيل عن الهشاميّ.

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرني أبو عليّ الحسن(5) بن الصّبّاح عن محمد بن حبيب أنه أخبره: أن عمر بن أبي ربيعة قال في فاطمة بنت عبد الملك بن مروان:

صوت

يا خليلي شفّني الذّكر *** و حمول الحيّ إذ صدروا

ضربوا حمر القباب لها *** و أديرت حولها الحجر

سلكوا شعب النّقاب(6) بها *** زمرا تحتثّها(7) زمر

ص: 170


1- في نسخة «الديوان» المخطوطة التيمورية: «يأتي بوجد». و في ح، ر: «يأتي بوجه أصيل» و هو محرّف عن «بوجد».
2- «من» هنا، للبدل. أي أو حديثا يشفى بدل التنويل. و التنويل: إعطاء النوال، و قد يراد به هنا التقبيل؛ و به فسر في قول وضاح اليمن: إذا قلت يوما نوّليني تبسمت و قالت معاذ اللّه من نيل ما حرم فما نوّلت حتى تضرعت عندها و أنبأتها ما رخص اللّه في اللّمم و في نسخة «الديوان» المخطوطة التيمورية: و حديثا يشفي مع التنويل
3- أثناء الحية: مطاويها و تضاعيفها إذا تثنّت. و الحية: يطلق على الذكر و الأنثى.
4- في ح، ر: «لإبراهيم بن المهديّ».
5- في ح، ر: «الحسين» و هو تحريف؛ إذ هو الحسن بن الصباح بن محمد البزّار أبو علي الواسطيّ البغداديّ، روى عن أحمد بن حنبل و روى عنه البخاريّ و الترمذيّ مات سنة 249 ه (انظر «تهذيب التهذيب» فيمن اسمه الحسن).
6- النقاب: موضع من أعمال المدينة يتشعب منه طريقان إلى وادي القرى و وادي المياه. «ياقوت». و في «ديوانه»: سلكوا خلّ الصّفاح لهم زجل أحداجهم زمر و الصفاح: موضع بين حنين و أنصاب الحرم على يسرة الداخل إلى مكة. و الخلّ: الطريق في الرمل. و الزجل: الجلبة و رفع الصوت.
7- تحتثها: تستعجلها و تحضّها على السير.

و طرقت الحيّ مكتتما(1) *** و معي عضب(2) به أثر(3)

و أخ لم أخش نبوته *** بنواحي(4) أمرهم خبر(5)

فإذا ريم على فرش *** في حجال(6) الخزّ مختدر(7)

حوله الأحراس ترقبه *** نوّم من طول ما سهروا

شبه(8) القتلى و ما قتلوا *** ذاك إلاّ أنهم سمروا

فدعت بالويل، ثم دعت *** حرّة من شأنها الخفر(9)

ثم قالت للّتي معها *** ويح نفسي قد أتى عمر

ما له قد جاء يطرقنا *** و يرى الأعداء قد حضروا

لشقائي كان علّقنا *** و لحيني ساقه القدر

/قلت عرضي(10) دون عرضكم *** و لمن ناواكم الحجر(11)

هذا البيت الأخير مما فيه غناء مع:

و طرقت الحيّ مكتتما

للغريض و في(12): يا خليلي شفّني الذّكر و في: قلت عرضي دون عرضكم و في: ثمّ قالت للتي معها

ص: 171


1- في ح، ر: فطرقت الحيّ ملتمثا
2- العضب: السيف القاطع.
3- أثر السيف: فرنده.
4- في ح، ر، ب، س: «يتوخّى أمرهم».
5- خبر: خبير.
6- الحجال: جمع حجلة، و هي قبة تزيّن بالستور و الثياب.
7- في «ديوانه» فإذا ريم على مهد في حجال الخز مستتر
8- كذا في «ديوانه» و أكثر النسخ. و في ح، ر، ب، س: «أشبهوا القتلى».
9- في «ديوانه»: فدعت بالويل آونة حين أدناني لها النظر و دعت حوراء آنسة حرّة من شأنها الخفر
10- العرض هنا: النفس و الجسد؛ قال حسان: فإن أبي و والده و عرضي لعرض محمد منكم وقاء و منه الحديث: «يجري من أعراضهم مثل ريح المسك».
11- في «ديوانه»: «و لمن عاداكم جزر». و الجزر: كل شيء مباح للذبح. يريد: أبذل نفسي لمن عاداكم فداء لكم.
12- في ت، أ، ء، م: «في» من غير واو؛ و بذلك تبتدئ الجملة من قوله «للغريض في...... إلى قوله عن عمرو».

و في: ماله قد جاء يطرقنا [ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو(1)] و في: ضربوا حمر القباب لها و ما بعده أربعة متوالية خفيف رمل بالوسطى للهذليّ و في: «و طرقت» و بعده: «فإذا ريم» و بعده: «حوله الأحراس» و البيتين اللذين بعده لابن سريج خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو. و فيها بعينها ثقيل أوّل يقال إنه للأبجر، و ينسب إلى غيره عن الهشاميّ.

عمر و عائشة بنت طلحة بن عبد اللّه و ما قاله فيها من الشعر

اشارة

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال أخبرني عبد الملك بن عبد العزيز عن رجل من قريش قال:

/بينا عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت، إذ رأى عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه، و كانت من أجمل أهل دهرها، و هي تريد الرّكن تستلمه، فبهت لمّا رآها و رأته، و علمت أنها قد وقعت في نفسه، فبعثت إليه بجارية لها و قالت: قولي له اتّق اللّه/و لا تقل هجرا، فإنّ هذا مقام لا بدّ فيه مما رأيت. فقال للجارية: أقرئيها السّلام و قولي لها: ابن عمّك لا يقول إلا خيرا(2). و قال فيها:

صوت

لعائشة ابنة التّيميّ عندي *** حمى في القلب ما يرعى حماها(3)

يذكّرني ابنة التّيميّ ظبي *** يرود بروضة سهل رباها

فقلت له - و كاد يراع قلبي - *** فلم أر قطّ كاليوم اشتباها

سوى حمش(4) بساقك مستبين *** و أن شواك(5) لم يشبه شواها

و أنّك عاطل عار و ليست *** بعارية و لا عطل يداها(6)

و أنّك غير أفرغ(7) و هي تدلي *** على المتنين أسحم(8) قد كساها

و لو قعدت و لم تكلف بودّ *** سوى ما قد كلفت به كفاها

أظلّ إذا أكلّمها كأنّي *** أكلّم حية غلبت رقاها

ص: 172


1- هذه الجملة ساقطة من ح، ر.
2- كذا في ت. و في سائر النسخ: «حسنا».
3- في ح، ر: «لا يرعى حماها».
4- الحمش: دقة الساقين.
5- الشوى: الأطراف.
6- في ح، ر: «براها» و هو تحريف.
7- الأفرع: طويل شعر الرأس.
8- الأسحم: الأسود. يريد به الشعر.

تبيت إليّ بعد النوم تسري *** و قد أمسيت لا أخشى سراها

/الغناء في البيتين الأوّلين من هذه الأبيات لأبي فارة(1) ثقيل أوّل. و فيهما(2) لعبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ(3) خفيف ثقيل جميعا عن الهشاميّ. و ذكر إسحاق أنّ هذا الصوت مما ينسب إلى معبد، و هو يشبه غناءه إلا أنه لم يروه عن ثبت(4) و لم يذكر طريقته. قال: و قال فيها أشعارا كثيرة، فبلغ ذلك فتيان بني تيم، أبلغهم إيّاه فتى منهم و قال لهم: يا بني تيم بن مرّة، هاللّه ليقذفنّ بنو مخزوم بناتنا بالعظائم و تغفلون! فمشى ولد أبي بكر و ولد طلحة بن عبيد اللّه إلى عمر بن أبي ربيعة فأعلموه بذلك و أخبروه بما بلغهم. فقال لهم: و اللّه لا أذكرها في شعر أبدا. ثم قال بعد ذلك فيها - و كنى عن اسمها - قصيدته التي أوّلها:

صوت

يا أمّ طلحة إنّ البين قد أفدا(5) *** قلّ الثّواء لئن كان الرّحيل غدا

أمسى العراقيّ لا يدري إذا برزت *** من ذا تطوّف بالأركان أو سجدا

- الغناء لمعبد ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو و يونس - قال و لم يزل عمر ينسب بعائشة أيّام الحج و يطوف حولها و يتعرض لها و هي تكره أن يرى وجهها، حتى وافقها و هي ترمي الجمار سافرة، فنظر إليها فقالت: أما و اللّه لقد كنت لهذا منك كارهة يا فاسق! فقال:

صوت

إنّي و أوّل ما كلفت بذكرها(6) *** عجب و هل في الحبّ(7) من متعجّب

نعت النساء فقلت لست بمبصر *** شبها لها أبدا و لا بمقرّب

فمكثن حينا ثم قلن توجّهت *** للحجّ، موعدها لقاء الأخشب(8)

أقبلت انظر ما زعمن و قلن لي *** و القلب بين مصدّق و مكذّب

فلقيتها تمشي تهادى موهنا(9) *** ترمي الجمار عشيّة في موكب

ص: 173


1- في ر: «لابن فارة».
2- كذا في ت. و في سائر النسخ: «و فيها».
3- في ت: «الربعي» و هو تحريف؛ إذ هو عبد اللّه بن العباس بن الفضل بن الربيع. و النسبة إلى الربيع ربيعي بالياء. و ستأتي ترجمته في الجزء السابع عشر من «الأغاني».
4- الثبت: الراوي الحجّة الثقة. قال في «شرح القاموس»: «الثبت محركة و هو الأقيس، و قد يسكّن وسطه». و في المصباح: «و قيل الحجة ثبت بفتحتين إذا كان عدلا ضابطا، و الجمع الأثبات كسبب و أسباب».
5- أفد هنا: دنا و حضر.
6- في «الديوان»: «بحبّها».
7- في أ، م، ح، ر: «في الدهر». و في «ديوانه»: «و ما بالدهر». و في ب، س: «في الحيّ» و هو تحريف.
8- الأخشب: أحد الأخشبين، و هما جبلان بمكة: أحدهما أبو قبيس و الآخر قعيقعان، و يقال: هما أبو قبيس و الجبل الأحمر المشرف هنالك. و قد يقال لكل واحد منهما: الأخشب بالإفراد؛ قال ساعدة بن جؤيّة: و مقامهن إذا حبسن بمأزم ضيق ألّف و صدّهنّ الأخشب
9- في «ديوانه»: فلقيتها تمشي بها بغلاتها

/

غرّاء يعشي الناظرين بياضها *** حوراء في غلواء(1) عيش معجب

إنّ الّتي من أرضها و سمائها *** جلبت لحينك ليتها لم تجلب

الغناء لمعبد في الأوّل و الثاني و الرابع و السابع ثقيل أوّل بالوسطى(2) عن عمرو. و فيها للغريض خفيف ثقيل(3) عن الهشاميّ، يبدأ فيه بالثالث.

أخبرني عليّ بن صالح قال حدّثنا أبو هفّان عن إسحاق قال أخبرني مصعب الزّبيريّ: أن عمر بن أبي ربيعة لقي عائشة بنت طلحة بمكة و هي تسير على بغلة لها، فقال لها: قفي حتى أسمعك ما قلت فيك. قالت: أو قد قلت(4) يا فاسق؟ قال: نعم! فوقفت فأنشدها:

صوت

يا ربّة البغلة الشّهباء هل لك في *** أن تنشري ميّتا لا ترهقي(5) حرجا

- [و يروى هل لكم *** في عاشق دنف(6)] -

قالت بدائك مت أو عش تعالجه *** فما نرى لك فيما عندنا فرجا

قد كنت حمّلتنا غيظا نعالجه *** فإن تقدنا(7) فقد عنّيتنا حججا

حتّى لو اسطيع مما قد فعلت بنا *** أكلت لحمك من غيظ و ما نضجا

- الغناء لابن سريج ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. و فيه لابن سريج ثلاثة ألحان ذكرها إسحاق و لم يجنّس منها إلا واحدا، و ذكر الهشاميّ أنّ أحدها خفيف رمل بالوسطى، [و ذكر عمرو(8) أنّ الثالث هزج بالوسطى]. و لإسحاق فيها هزج من مجموع صنعته - فقالت: لا و ربّ هذه البنيّة! ما عنّيتنا طرفة عين قطّ. ثم قالت لبغلتها: عدس(9)، و سارت. و تمام هذه الأبيات:

ص: 174


1- في غلواء عيش: في أنضره و أرغده.
2- في ح، ر: «بالسبابة بالوسطى».
3- في ت: «خفيف ثقيل أوّل».
4- في ت، ح، ر: «أوقد فعلت».
5- أرهقه حرجا أو عسرا: أغشاه إياه. يريد: لا تحمّليه حرجا و لا تكلفيه أكثر من طاقته.
6- هذه الجملة ساقطة من النسخ ت، أ، م، ء. و في «الديوان» المطبوع: «... هل لكم أن ترحمى عمرا...» و في «ديوانه» المخطوط: ......... هل لكم أن تنجحوا غير إلاّ ترهقوا حرجا و كتب في هامشه: «تنجحوا أي تسرعوا، من السير النجيح و هو السريع».
7- القود: القصاص: يقال: أقدت القاتل بالقتيل، إذا قتلته به. و المراد: فإن ترد القصاص منا على هذا الهجر فقد عنّيتنا و جشمتنا أعواما طوالا.
8- مكان هذه الجملة في م، ء، أ: «و لإسحاق فيها الثالث هزج بالوسطى». و في ب، س: «و لإسحاق فيها هزج بالوسطى. و لإسحاق...». و قد سقطت الجملتان من ح، ر.
9- عدس: كلمة تزجر بها البغال.

/

فقلت لا و الذي حجّ الحجيج له *** ما محّ حبّك من قلبي و لا نهجا(1)

و لا رأى القلب من شيء يسرّ به *** مذبان منزلكم(2) منّا و لا ثلجا

ضنّت بنائلها عنه فقد تركت *** في غير ذنب أبا الخطّاب مختلجا(3)

قال: فلم تزل عائشة تداريه و ترفق به خوفا من أن يتعرّض لها حتى قضت حجّها و انصرفت إلى المدينة. فقال في ذلك:

إنّ من تهوى مع الفجر ظعن *** للهوى و القلب متباع الوطن

بانت الشمس و كانت كلّما *** ذكرت للقلب عاودت الدّدن(4)

صوت

يا أبا الحارث(5) قلبي طائر(6) *** فأتمر أمر رشيد مؤتمن

نظرت عيني إليها نظرة *** تركت قلبي لديها مرتهن

ليس حبّ فوق ما أحببتها *** غير أن أقتل نفسي أو أجنّ

فيها ثاني ثقيل بالوسطى نسبه عمرو بن بانة إلى ابن سريج، و نسبه ابن المكّي إلى الغريض. و فيها رمل لأهل مكة.

و مما يغنّي فيه من أشعاره في عائشة بنت طلحة قوله في قصيدته التي أوّلها:

/صوت

من لقلب أمسى رهينا(7) معنى *** مستكينا قد شفّه(8) ما أجنّا

إثر شخص نفسي فدت ذاك شخصا *** نازح الدّار بالمدينة عنّا

ليت حظّي كطرفة العين منها *** و كثير منها القليل المهنّا

ص: 175


1- محّ الثوب يمح (كضرب و نصر) محا و محوحا، و يمحّ (كفرح) مححا: أخلق و بلي. و كذلك نهج الثوب (مثلثة الهاء). و قال أبو عبيد: و لا يقال: نهج الثوب (بالفتح) و لكن نهج (بالكسر). و في «ديوانه» المخطوط: «ما باد حبّك الخ».
2- في «ديوانه» المخطوط: «من بعد نأيكم عنّا».
3- مختلج: مضطرب.
4- الدّدن: اللهو و اللعب. و في «ديوانه» المخطوط: ذكرت للقلب عادت دنّ دن و كتب في هامش النسخة: «قوله دن دن: حكاية صوت النحل و الذباب و استعاره لتغنّي الطربان لأنه غالبا يتغنى». يريد بالطربان الطروب.
5- كذا في ت، ب. و في سائر النسخ و «الديوان»: «يا أبا الخطاب».
6- في س: و «الديوان»: «هائم».
7- كذا في أ، ء، ب، س: و في سائر النسخ و «الديوان»: «حزينا».
8- شفّه يشفّه: هزله و أسقمه.

الغناء لإبراهيم خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق.

عمر و كلثم بنت سعد المخزومية

أخبرني الحسن بن علىّ الخفّاف و محمد بن خلف قالا حدّثنا محمد بن زكريّا الغلابيّ قال حدّثني محمد بن عبد الرحمن التّيميّ عن هشام بن سليمان بن(1) عكرمة بن خالد المخزوميّ قال:

كان عمر بن أبي ربيعة يهوى كلثم بنت سعد(2) المخزوميّة، فأرسل إليها رسولا(3) فضربتها و حلقتها(4)و أحلفتها ألاّ تعاود، ثم أعادها ثانية ففعلت بها مثل ذلك، فتحاماها رسله. فابتاع أمة سوداء لطيفة رقيقة و أتى بها منزله، فأحسن إليها و كساها و آنسها و عرّفها خبره و قال لها: إن أوصلت لي رقعة إلى كلثم فقرأتها فأنت حرّة و لك معيشتك ما بقيت. فقالت اكتب لي مكاتبة(5) و اكتب حاجتك في آخرها، ففعل ذلك. فأخذتها و مضت بها إلى باب كلثم فاستأذنت، فخرجت إليها أمة لها فسألتها عن أمرها؛ فقالت: مكاتبة لبعض أهل مولاتك جئت أستعينها في مكاتبتي، و حادثتها/و ناشدتها حتى ملأت قلبها؛ فدخلت إلى كلثم و قالت: إنّ بالباب مكاتبة لم أر قطّ أجمل منها و لا أكمل و لا آدب. فقالت: ائذني لها، فدخلت. فقالت: من كاتبك؟ قالت: عمر بن أبي ربيعة الفاسق! فاقرئي مكاتبتي. فمدّت يدها لتأخذها. فقالت لها: لي عليك عهد اللّه أن تقرئيها؛ فإن كان منك إليّ شيء مما أحبّه و إلاّ لم يلحقني منك مكروه؛ فعاهدتها(6) و فطنت. و أعطتها الكتاب، فإذا أوّله:

من عاشق صبّ يسرّ الهوى *** قد شفّه الوجد إلى كلثم

رأتك عيني فدعاني الهوى *** إليك للحين و لم أعلم

قتلتنا، يا حبّذا أنتم، *** في غير ما جرم و لا مأثم

و اللّه قد أنزل في وحيه *** مبيّنا في آية المحكم

من يقتل النفس كذا ظالما *** و لم يقدها نفسه يظلم

و أنت ثأري فتلافى دمي *** ثم اجعليه نعمة تنعمي

و حكّمي عدلا يكن بيننا *** أو أنت فيما بيننا فاحكمي

و جالسيني مجلسا واحدا *** من غير ما عار و لا محرم(7)

و خبّريني ما الذي عندكم *** باللّه في قتل امرئ مسلم

قال: فلمّا قرأت الشعر قالت لها: إنّه خدّاع ملق، و ليس لما شكاه أصل. قالت: يا مولاتي! فما عليك من

ص: 176


1- في ح، ر، ت: «عن عكرمة» و هو تحريف لورود هذا الاسم في «كتب التراجم» كما أثبتناه.
2- في ت، م، ء: «سعيد».
3- رسول: فعول بمعنى مفعول، و يجوز استعماله للذكر و المؤنث و المثنى و الجمع.
4- حلقتها، لعل المناسب من معاني هذه الكلمة هنا: أوجعتها في حلقها.
5- المكاتبة: أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤدّيه إليه منجّما (مقسّطا)، فإذا أدّاه صار حرا؛ سميت كذلك لأن العبد يكتب على نفسه لمولاه ثمنه، و مولاه يكتب له عليه عتقه.
6- في ت: «فقالت هاتي».
7- كذا في «الديوان»، ر، ح. و المحرم: الحرام. و في ت: «مأثم». و في سائر النسخ: «مجرم» بالجيم المعجمة.

امتحانه؟ قالت: قد أذنت له، و ما زال حتى ظفر ببغيته؛ فقولي له: إذا كان المساء فليجلس في موضع كذا و كذا حتى يأتيه رسولي. فانصرفت الجارية فأخبرته؛ /فتأهّب لها. فلمّا جاءه رسولها مضى معه حتّى/دخل إليها و قد تهيّأت أجمل هيئة، و زيّنت نفسها و مجلسها و جلست له من وراء ستر، فسلّم و جلس. فتركته حتى سكن، ثم قالت له: أخبرني عنك يا فاسق! أ لست القائل:

هلاّ استحيت(1) فترحمي صبّا *** صديان(2) لم تدعي له قلبا

جشم الزيارة في مودّتكم *** و أراد ألاّ ترهقي ذنبا(3)

و رجا مصالحة فكان لكم(4) *** سلما و كنت ترينه حربا

يا أيّها المعطي(5) مودّته *** من لا يراك مساميا خطبا(6)

لا تجعلن أحدا عليك إذا *** أحببته و هويته ربّا

وصل الحبيب إذا شغفت(7) به *** و اطو الزيارة دونه غبّا

فلذاك أحسن(8) من مواظبة *** ليست تزيدك عنده قربا

لا بل يملّك عند دعوته *** فيقول هاه(9) و طالما لبّى

ص: 177


1- في «ديوانه»: «ارعويت».
2- في «الديوان»: هذيان لم تذري له قلبا
3- في «ديوانه»: فأراد ألاّ تحقدي ذنبا
4- كذا في «الديوان». و في «الأصول»: فردّكم».
5- في «ديوانه»: «المصفى».
6- هكذا في ح، ر. و الخطب: الخاطب. و في «الديوان»، ت، م، ء: من لا يزال مساميا خطبا و في سائر النسخ: من لا يزال مسامتا خطبا
7- في «ديوانه»: «كلفت».
8- في «الديوان»: «خير».
9- كذا في «الديوان». و هاه: كلمة وعيد، و حرّك لضرورة الشعر. و البيت في «ديوانه»: لا بل يملّك ثم تدعو باسمه فيقول هاه و طالما لبى و في ح، ر: «فيقول هاك» و هاك: اسم فعل بمعنى خذ. و لا يستقيم به المعنى. و في سائر النسخ: «فيقول هاء» بالهمزة، و هاء، كما في «القاموس» و شرحه مفتوح الهمزة: تلبية، ثم استشهد بالبيت هكذا: لا بل يجيبك حين تدعو باسمه فيقول هاء و طالما لبّى و هذه الرواية انفرد بها «اللسان» و «شرح القاموس»، و هي لا تتفق مع البيتين السابقين و إن كان البيت في نفسه مستقيم المعنى. و في نسخة أ: كتب فوق كلمة «هاء» كلمة «أف» و فوقها «خ» إشارة إلى أنها نسخة أخرى؛ و هي رواية يستقيم بها المعنى أيضا.

/فقال لها: جعلت فداك! إنّ القلب إذا هوي نطق اللسان بما يهوى. فمكث عندها شهرا لا يدري أهله أين هو. ثم استأذنها في الخروج. فقالت له: بعد أن فضحتني! لا و اللّه لا تخرج إلا بعد أن تتزوّجني. ففعل و تزوّجها؛ فولدت منه ابنين أحدهما جوان؛ و ماتت عنده.

عمر و لبابة بنت عبد اللّه بن العباس امرأة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان

اشارة

أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عبد الجبّار بن سعيد(1) قال حدّثني إبراهيم بن يعقوب بن أبي عبد اللّه عن أبيه عن جدّه:

أنّ عمر رأى لبابة بنت عبد اللّه بن العباس امرأة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان تطوف بالبيت، فرأى أحسن خلق اللّه، فكاد عقله يذهب، فسأل عنها فأخبر بنسبها؛ فنسب بها و قال فيها:

صوت

ودّع لبابة قبل أن تترحّلا *** و اسأل فإنّ قلاله(2) أن تسألا

البث بعمرك ساعة و تأنّها *** فلعلّ ما بخلت به أن يبذلا

قال ائتمر(3) ما شئت غير مخالف *** فيما هويت فإنّنا لن نعجلا

لسنا نبالي حين تقضي(4) حاجة *** ما بات أو ظلّ المطيّ معقّلا

حتى إذا ما اللّيل جنّ ظلامه *** و رقبت غفلة كاشح أن يمحلا(5)

/خرجت تأطّر(6) في الثياب كأنّها *** أيم(7) يسيب على كثيب أهيلا

رحّبت حين رأيتها فتبسّمت(8) *** لتحيّتي لمّا رأتني مقبلا

وجلا القناع سحابة مشهورة *** غرّاء تعشي الطّرف أن يتأمّلا

فلبثت أرقيها بما لو عاقل(9) *** يرقى به ما استطاع ألاّ ينزلا

ص: 178


1- في م: «سعد» و هو تحريف. (انظر الحاشية رقم 1 صفحة 150 من هذا الجزء).
2- كذا في ت. و القلال كغراب و سحاب: القليل. و في «ديوانه»: «قليله». و في سائر النسخ: «قلالة» بالتاء، و لم نجده في كتب اللغة.
3- ائتمر ما شئت: افعل ما شئت فإننا لا نعصي لك أمرا.
4- كذا في م. و في أكثر النسخ: «نقضي» و في «ديوانه»: «تدرك». و في ح، ر: «ندرك».
5- كذا في «ديوانه». و في «الأصول»: و نظرت غفلة حارس أن يغفلا
6- (تأطر محذوفة إحدى تاءيه) هنا: تتثنى.
7- كذا في «الأصول». و الأيم: الحية. و في النسخة المخطوطة من «ديوانه»: ريح تسيّب عن كثيب أهيلا و في النسخة المطبوعة منه: «تسنت» بدل «تسيب» و هو تصحيف.
8- في «ديوانه»: سلمت حين لقيتها فتهللت
9- عقل الوعل يعقل عقولا: امتنع في الجبل؛ و به سمى الوعل عاقلا، على حدّ التسمية بالصفة؛ و منه المثل: «إنما هو كبارح الأروى قليلا ما يرى». و الأروى: (جمع أرويّة) و هي تيوس الجبل البرية، و مساكنها في قنان الجبال و لا يكاد الناس يرونها سانحة و لا بارحة إلا في الدهر مرّة. (انظر «اللسان» مادة عقل و برح).

غنّى في هذه الأبيات معبد خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق، ابتداؤه نشيد. و فيها لابن سريج ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها عن إسحاق أيضا. و فيها لابن سريج في الأوّل و الرابع من الأبيات رمل عن ابن المكيّ، و لأبي دلف(1) القاسم بن عيسى في هذين/البيتين خفيف ثقيل بالسبابة و البنصر، و ابتداؤه نشيد من رواية ابن المكيّ. و فيه لمحمد بن الحسن بن مصعب هزج.

أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: لمّا حجّ الغمر بن يزيد بن عبد الملك دخل إليه معبد فغنّاه:

ودّع لبابة قبل أن تترحّلا

فلم يزل يردّده عليه، ثم أخرجه معه لمّا رحل عن المدينة، فغنّاه في المنزل به حتى أراد الرّحيل، فحمله على بغلة له و ذهب غلام له يتبعه؛ فقال: إلى أين؟ فقال: أمضي/معه حتى أجيء بالبغلة. فقال: هيهات! ارجع يا بنيّ، ذهبت و اللّه لبابة ببغلة مولاك. و قد روي هذا الخبر لغير الغمر بن يزيد.

عمر و الثريا بنت عليّ بن عبد اللّه بن الحارث بن أمية الأصغر

و هذه الأبيات التي فيها الغناء المختار و هو:

تشكّى الكميت الجري لمّا جهدته

يقولها عمر بن أبي ربيعة في الثّريّا بنت عليّ بن عبد اللّه بن الحارث بن أميّة الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف، و هم الذين يقال لهم العبلات؛ سمّوا بذلك لجدّة لهم يقال لها عبلة بنت عبيد بن خالد بن خازل(2) بن قيس بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، و هي من بطن من تميم يقال لهم البراجم، غير براجم بني أسد.

نسب الثريا بنت عليّ بن عبد اللّه بن الحارث

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّه قال:

كانت عبلة بنت عبيد بن خالد بن خازل بن قيس بن حنظلة، عند رجل من بني جشم بن معاوية، فبعثها بأنحاء(3) سمن تبيعها له بعكاظ، فباعت السمن و راحلتين كان عليهما، و شربت بثمنها الخمر. فلما نفذ ثمنها(4)رهنت ابن أخيه و هربت، فطلّقها. و قالت في شربها الخمر:

شربت براحلتي محجن *** فيا ويلتي، محجن قاتلي

و بابن أخيه على لذّة *** و لم أحتفل عذل(5) العاذل

ص: 179


1- في ت: «و فيها لأبي دلف القاسم بن عيسى خفيف ثقيل بالسبابة في البنصر.. و لمحمد بن الحسن بن مصعب هزج». و ستأتي ترجمة أبي دلف هذا في الجزء الثامن من هذه الطبعة.
2- كذا في أكثر النسخ. و في ت: «عبلة بنت عبيد اللّه بن خالد بن حازل و قيل حاذل بالذال». و بعده بقليل: «عبيد بن خالد بن جازل». و في ح، ر: «عبيد بن خارك بن قيس». و في «شرح القاموس» مادة عبل: «قال الدار قطني: هي عبلة بنت عبيد بن جازل بن قيس إلخ. و قال غيره: هي عبلة بنت نافذ بن قيس بن حنظلة».
3- أنحاء: جمع نحي و هو الزقّ أو ما كان للسمن خاصّة.
4- في الأصول: «ثمنه».
5- في ب، س: «عذلة». و في ح، ر: «لومة».

/قال: فتزوّجها عبد شمس بن عبد مناف؛ فولدت له أميّة الأصغر و عبد أميّة(1) و نوفلا، و هم العبلات.

و قد ذكر الزّبير بن بكّار عن عمّه: أنّ الثّريّا بنت عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه بن الحارث بن أمية الأصغر، و أنها أخت محمد بن عبد اللّه المعروف بأبي جراب العبليّ الذي قتله داود بن عليّ؛ و هو الذي يقول فيه ابن زياد المكّيّ:

ثلاث حوائج(2) و لهنّ جئنا *** فقم فيهنّ يا بن أبي جراب

فإنّك ماجد في بيت مجد *** بقيّة معشر تحت التراب

قال: و له يقول ابن زياد المكّي أيضا:

إذا متّ لم توصل بعرف قرابة *** و لم يبق في الدنيا رجاء لسائل

قال الزبير: و هذا أشبه من أن تكون بنت عبد اللّه بن الحارث، و عبد اللّه إنما أدرك سلطان معاوية و هو شيخ كبير، و ورث بقعدده(3) في النّسب دار عبد شمس/بن عبد مناف، و حجّ معاوية في خلافته، فجعل(4) ينظر إلى الدار، فخرج إليه عبد اللّه بن الحارث بمحجن(5) ليضربه به و قال: لا أشبع اللّه بطنك! أ ما تكفيك الخلافة حتى تطلب هذه الدار! فخرج معاوية يضحك.

قال مؤلّف هذا الكتاب: و هذا غلط من الزّبير عندي، و الثّريّا أن تكون بنت عبد اللّه بن الحارث أشبه من أن تكون أخت الذي قتله داود بن عليّ؛ لأنها ربّت الغريض/المغنّي و علّمته النّوح بالمراثي على من قتله يزيد بن معاوية من أهلها يوم الحرّة. و إذا كانت قد ربّت الغريض حتى كبر و تعلّم النّوح على قتلى الحرّة [و هو رجل](6)- و هي وقعة كانت بعقب موت معاوية - فقد كانت في حياة معاوية امرأة كبيرة، و بين ذلك و بين من قتله داود بن عليّ من بني أميّة نحو ثمانين سنة، و قد شبّب بها عمر بن أبي ربيعة في حياة معاوية، و أنشد عبد اللّه بن عباس شعره فيها، فكيف تكون أخت الذي قتله داود بن عليّ و قد أدركت عبد اللّه بن عباس و هي امرأة كبيرة! و قد اعترف الزّبير أيضا في خبره بأن عبد اللّه بن الحارث أدرك خلافة معاوية و هو شيخ كبير؛ فقول من قال: إنها بنته، أصوب من

ص: 180


1- في ر: «عبد اللّه».
2- قال في «اللسان»: و جمع الحاجة حاج و حاجات، و حوائج على غير قياس، كأنهم جمعوا حائجة. و كان الأصمعيّ ينكره و يقول هو مولد... قال ابن بري: إنما أنكره الأصمعيّ لخروجه عن قياس جمع حاجة، و النحويون يزعمون أنه جمع لواحد لم ينطق به و هو حائجة. قال: و ذكر بعضهم أنه سمع حائجة لغة في الحاجة. و أما قوله إنه مولد فإنه خطأ منه؛ لأنه قد جاء ذلك في حديث سيدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «إن للّه عبادا خلقهم لحوائج الناس يفزع الناس إليهم في حوائجهم أولئك الآمنون يوم القيامة». و قال الأعشى: الناس حول قبابه أهل الحوائج و المسائل و قال الشماخ: تقطع بيننا الحاجات إلا حوائج يعتسفن مع الجريء (انظر «اللسان» مادة حوج ففيه كلام طويل تحسن مراجعته).
3- بقعدده: بتمكنه في القرابة من الميت أي بكونه أقرب الطبقات إليه.
4- كذا في ح، ر. و في سائر النسخ: «و دخل ينظر».
5- المحجن: عصا. معقّفة (منحنية) الرأس كالصولحان.
6- زيادة في ت.

قول من قرنها بمن قتله داود بن عليّ. و هذا القول الذي قلته قول ابن الكلبيّ و أبي اليقظان، أخبرني به الحسن بن عليّ عن أحمد بن الحارث عن المدائنيّ عن أبي اليقظان، قال و حدّثني به جماعة من أهل العلم بنسب قريش.

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني مسلمة بن إبراهيم بن هشام المخزوميّ عن أيّوب بن مسلمة، أنه أخبره أنّ عمر بن أبي ربيعة/كان مسهبا(1) بالثّريّا بنت عليّ بن عبد اللّه بن الحارث بن أميّة الأصغر، و كانت عرضة(2) ذلك جمالا و تماما، و كانت تصيف(3) بالطّائف، و كان عمر يغدو عليها كلّ غداة إذا كانت بالطائف على فرسه، فيسأل(4) الرّكبان الذين يحملون الفاكهة من الطائف عن الأخبار قبلهم. فلقي يوما بعضهم فسأله عن أخبارهم؛ فقال: ما استطرفنا(5) خبرا؛ إلا أنّني سمعت عند رحيلنا صوتا و صياحا عاليا على امرأة من قريش اسمها اسم نجم في السماء و قد سقط(6) عني اسمه. فقال عمر: الثّريّا؟ قال نعم. و قد كان بلغ عمر قبل ذلك أنها عليلة، فوجّه فرسه على وجهه إلى الطائف يركضه ملء(7) فروجه و سلك طريق كداء(8) - و هي أخشن(9)الطّرق و أقربها - حتى انتهى إلى الثّريّا و قد توقّعته و هي تتشوّف له و تشرف، فوجدها سليمة عميمة(10) و معها أختاها رضيّا(11) و أمّ عثمان(12)، فأخبرها الخبر؛ فضحكت و قالت: أنا و اللّه أمرتهم لأختبر مالي عندك. فقال عمر في ذلك هذا الشعر:

/

تشكّى الكميت الجري لمّا جهدته *** و بيّن لو يسطيع أن يتكلّما

فقلت له إن ألق للعين قرّة *** فهان عليّ(13) أن تكلّ و تسأما

لذلك أدنى دون خيلي رباطه *** و أوصي به ألاّ يهان و يكرما

عدمت إذا و فري و فارقت مهجتي *** لئن لم أقل قرنا(14) إن اللّه سلّما

قال مسلمة بن إبراهيم: قلت لأيّوب بن مسلمة: أ كانت الثريّا كما يصف عمر بن أبي ربيعة؟ فقال: و فوق

ص: 181


1- كذا في أكثر النسخ. و المسهب: من أسقمه الحب و أذهب عقله.. و في ر: «مستهترا» أي مولعا. و في ح: «مشتهرا». و في ء: «مشهبا» و هو مصحف عن «مسهبا».
2- أي كانت أهلا لأن يشغف بها لجمالها و تمامها، كأنها متصدّية للناس بجمالها توقعهم في شركها فيهيمون بها و إن لم يريدوا؛ من قولهم: بعير عرضة للسفر أي قويّ عليه.
3- تصيف بالطائف: أي تقيم به في الصيف.
4- في ت، ر: «فيسائل».
5- ما استطرفنا خبرا، أي ليس عندنا شيء طريف حادث نحدّثك به.
6- في «الأصول»: سقط عليّ اسمه». يريد: ذهب و غاب عني فلا أذكره.
7- الفروج: ما بين قوائم الفرس؛ يقال: ملأ فروج فرسه و سدّ فروجه، إذ ملأ قوائمه عدوا، كأن العدو ملأ قوائمه و سدّها.
8- كداء (كسماء): جبل بأعلى مكة عند المحصّب، دار إليه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم من ذي طوى. و قد دخل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم مكة عام الفتح منه و خرج من كدي (مضموم مقصور)، و هو جبل بأسفل مكة. و أما كديّ بالتصغير فإنما هو لمن خرج من مكة إلى اليمن، و ليس من هذين الطريقين في شيء.
9- في ت: «أحسن».
10- جارية عميمة و عمّاء: طويلة تامة القوام و الخلق.
11- في «تاج العروس»: «و من أسمائهنّ رضيّا كثريا، تصغير رضوي و ثروي».
12- في ت: «أم كلثوم».
13- في «الديوان»، ح، ر: علينا».
14- أقل: من القيلولة. و القرن: قرن المنازل، و كثيرا ما يذكره عمر في شعره. يريد: لئن لم أقل فيه.

الصّفة، كانت و اللّه كما قال عبد اللّه بن قيس:

حبّذا الحجّ و الثّريّا و من بال *** خيف من أجلها و ملقى الرّحال

يا سليمان إن تلاق الثريّا *** تلق عيش الخلود قبل الهلال(1)

درّة من عقائل(2) البحر بكر *** لم تشنها(3) مثاقب اللألّ(4)

/تعقد المئزر السّخام(5) من الخ(6) *** زّ على حقو بادن(7) مكسال

عمر بن أبي ربيعة و رملة بنت عبد اللّه بن خلف الخزاعية

اشارة

/قال إسحاق في خبره عمّن أسند إليه أخبار عمر بن أبي ربيعة، و ذكر مثله الزّبير بن بكّار فيما حدّثنا عنه الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني مؤمن(8) بن عمر بن أفلح مولى فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم قال حدّثني بلال مولى ابن أبي عتيق:

أنّ الحارث بن عبد اللّه بن عيّاش بن أبي ربيعة قدم للحج، فأتاه ابن أبي عتيق فسلّم(9) عليه و أنا معه.

فلمّا قضى سلامه و مساءلته عن حجّه و سفره، قال له: كيف تركت أبا الخطّاب عمر بن أبي ربيعة؟ قال: تركته في بلهنية(10) من العيش. قال: و أنّى ذلك؟ قال. حجّت رملة بنت عبد اللّه بن خلف الخزاعيّة فقال فيها:

ص: 182


1- ورد هذا البيت في «ديوانه» قبل البيت الأوّل، و قبله بيتان هما مطلع هذه القصيدة و هما: و سلاف مما يعتقّ حلّ زاد في طيبها ابن عبد كلال ذكرتني المخنّثات لدى الحج ر ينازعنني سجوف الحجال يريد بالحجر حجر الكعبة، و بسجوف الحجال الخمر. و لعله يريد بالهلال المعروف. و ربما كان الشاعر أتى به للتناسب بينه و بين الثريا، و هو ما يسميه علماء البديع مراعاة النظير. يقول: إن لقيتها لقيت عيش النعيم قبل أن يجيء موسم الحج و هو شوّال و ذو القعدة و عشر من ذي الحجة، و هذه يحرم فيها الرفث و الفسوق؛ كما قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاٰ رَفَثَ وَ لاٰ فُسُوقَ وَ لاٰ جِدٰالَ فِي الْحَجِّ). أو لعله يريد بالهلال الدفعة من المطر، فيكون المعنى: إن تلق الثريا ينعم بالك و يخصب عيشك قبل أوان الخصب.
2- كذا في ح، ر، أ. و في سائر النسخ: «عقائد» و هو تحريف. و العقائل: جمع عقيلة، و هي في الأصل: المرأة الكريمة المخدّرة، ثم استعمل في الكريم من كل شيء، و منه عقائل البحر، و هي درره الكبيرة الصافية.
3- في «ديوانه»: «لم تنلها».
4- اللّئال: بائع اللؤلؤ أو ثقّابه. قال الفراء: سمعت العرب تقول لصاحب اللّئال بالهمز، و كره قول الناس: لأل. و قال علي بن حمزة: خالف الفراء في هذا الكلام العرب و القياس؛ لأن المسموع لألّ، و القياس لؤلؤيّ، لأنه لا يبنى من الرباعي فعّال، و لألّ شاذ.
5- السخام هنا: اللين.
6- كذا في «الديوان»، ت. و في سائر النسخ: «الحر» أو «الحز»، و كلاهما تصحيف.
7- الحقو بالفتح و الكسر: معقد الإزار و هو الخاصرة.
8- كذا في ح، ر. و في ت: «ميمون». و في سائر النسخ: «موسى». و سيأتي في صفحة 222 من هذا الجزء أنه «مؤمن» في جميع النسخ.
9- في ح، ر: «يسلم».
10- البلهنية و مثله الرّفهنية و الرّفغنية: سعة العيش؛ يقال: هو في بلهنية من العيش، و هو في عيش أبله، كأن صاحبه في غفلة عن الطوارق لا يحسب لها حسابا.
صوت

أصبح القلب في الحبال(1) رهينا *** مقصدا يوم فارق الظّاعنينا

/قلت من أنتم فصدّت و قالت *** أ مبدّ(2) سؤالك العالمينا(3)

نحن من ساكني العراق و كنّا *** قبله قاطنين مكة حينا(4)

قد صدقناك إذ سألت فمن أن *** ت عسى أن يجرّ شأن شئونا

و نرى أننا عرفناك بالنّع *** ت بظنّ و ما قتلنا يقينا

بسواد الثّنيّتين و نعت *** قد نراه(5) لناظر مستبينا

- غنّى معبد في البيتين الأوّلين خفيف ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها عن إسحاق. و غنّى في الثاني و ما بعده ابن سريج خفيف ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى البنصر عنه أيضا. و ذكر حبش أن فيه للغريض أيضا لحنا من الثقيل الأوّل بالبنصر - قال: فبلغ ذلك الثّريّا، بلّغتها إيّاه أمّ نوفل، و كانت غضبى عليه، و قد كان انتشر خبره عن الثّريا حتى بلغها من جهة أمّ نوفل و أنشدتها قوله:

/

أصبح القلب في الحبال رهينا *** مقصدا يوم فارق الظاعنينا

فقالت: إنه لوقاح(6) صنع(7) بلسانه، و لئن سلمت له لأردّنّ من شأوه(8)، و لأثنينّ من عنانه، و لأعرّفنّه نفسه. فلمّا بلغت إلى قوله:

قلت من أنتم فصدّت و قالت *** أ مبدّ سؤالك العالمينا

ص: 183


1- في «ديوانه» المطبوع بليپزج: «الجمال».
2- مبدّ، من قولهم: أبددت القوم المال أو الطعام، إذا فرّقته بينهم و أعطيت كل واحد بدّته أي نصيبه و قال في «اللسان» (مادة بدد) بعد أن أورد هذا الشطر: «معناه أ مقسم أنت سؤالك على الناس واحدا واحدا حتى تعمهم. و قيل: معناه أ ملزم أنت سؤالك الناس؛ من قولك: مالك منه بدّ».
3- بين هذا البيت و الذي قبله عدة أبيات، و قد نقلناها عن «ديوانه» لترتب البيت الثاني عليها، و هي: عجلت حمّة الفراق علينا برحيل و لم نخف أن تبينا لم يرعني إلا الفتاة و إلا دمعها في الرداء سحّا سنينا و لقد قلت يوم مكة سرّا قبل و شك من بينكم نوّلينا أنت أهوى العباد قربا و دلاّ لو تنيلين عاشقا محزونا قاده الطرف يوم مرّ إلى الحي ن جهارا و لم يخف أن يحينا فإذا نعجة تراعى نعاجا و مها بهّج المناظر عينا
4- بين هذا البيت و الذي قبله في «ديوانه» بيتان هما: قلت باللّه ذي الجلالة لما أن تبلت الفؤاد أن تصدقينا أيّ من تجمع المواسم قولي و أبيني لنا و لا تكتمينا
5- كذا في «الديوان»، ح. و في سائر النسخ: «تراه».
6- الوقاح: القليل الحياء.
7- الصنع: الحاذق؛ يقال: رجل صنع اللسان و صنع بلسانه، إذا كان ذلق اللسان فصيحا.
8- الشأو هنا: الزمام.

فقالت: إنه لسأّل ملحّ(1)، [قبحا(2) له!] و لقد أجابته إن وفت. فلمّا بلغت إلى قوله:

نحن من ساكني العراق و كنّا *** قبله قاطنين مكة حينا

قالت: غمزته(3) الجهمة(4). فلمّا بلغت إلى قوله:

قد صدقناك إذ سألت فمن أن *** ت عسى أن يجرّ شأن شئونا

قالت: رمته الورهاء(5) بآخر ما عندها في مقام واحد. و هجرت عمر.

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب: أنّ رملة بنت عبد اللّه بن خلف حجّت، فتعرض لها عمر بن أبي ربيعة فقال فيها:

أصبح القلب في الحبال رهينا *** مقصدا يوم فارق الظاعنينا

/و قال في هذه القصيدة:

/

فرأت حرصي الفتاة فقالت *** خبّريه، من أجل من تكتمينا(6)؟

نحن من ساكني العراق و كنّا *** قبله قاطنين مكة حينا

قد صدقناك إذ سألت فمن أن *** ت عسى أن يجرّ شأن شئونا

قال الزّبير: و رملة هذه أمّ طلحة بن عمر بن عبيد اللّه بن معمر التّيميّ، و هي أخت طلحة الطّلحات بن عبد اللّه بن خلف الخزاعيّ.

قصيدة كثير عزة التي أوّلها: ما عناك الغداة من أطلال

اشارة

قال: فبلغت هذه الأبيات كثيّرا، فغضب لذلك و قال: و أنا و اللّه لا أتمارى أن سيجرّ شأن شئونا(7). ثم ذكر نسوة من قريش فساقهنّ في شعره من الحج حتى بلغ بهنّ إلى ملل(8)، ثم أشفق فجاز(9)، و لم يزد على ذلك، و هو قوله في قصيدته التي أوّلها:

ما عناك الغداة من أطلال *** دارسات المقام مذ أحوال(10)

ص: 184


1- في ت، أ، م، ء: «متيح» و المتيح: من يعرض في كل شيء و يدخل فيما لا يعنيه، و الأنثى بالهاء.
2- زيادة في ح، ر.
3- في أ، ء، ب: «غمرته». و في ح، ر هكذا: «عمرت به الجهتان» و هو تحريف. و أصل معنى الغمز الإشارة بالعين و الحاجب و الجفن.
4- الجهمة: الضعيفة العاجزة. تريد أنها لضعفها لانت له بعد استعصائها.
5- الورهاء: الحمقاء. تريد أنها رمت بنفسها بين يديه و أسلمت نفسها له.
6- لم يوجد هذا البيت بتلك القصيدة في «ديوانه».
7- في ت، ح، ر: «أنا و اللّه أرى أيضا أن سيجرّ شأن شئونا».
8- ملل - و يقال له أملال -: موضع على طريق المدينة إلى مكة على ثمانية و عشرين ميلا من المدينة. قال كثير: سقيا لعزة خلة سقيا لها إذ نحن بالهضبات من أملال و سيأتي «أملال» في هذه القصيدة أيضا.
9- أي مرّ تاركا التعرّض لهنّ.
10- كذا في ت. و في سائر النسخ بعد هذا البيت قوله: «و قال فيها الخ». و السياق يأباه.
صوت

قم تأمّل فأنت أبصر منّي *** هل ترى بالغميم(1) من أجمال

قاضيات لبانة من مناخ *** و طواف و موقف بالجبال(2)

/قلن عسفان(3) ثم رحن سراعا *** هابطات عشيّة من غزال(4)

واردات الكديد(5) مجترعات(6) *** جزن وادي الحجون(7) بالأثقال

قصد لفت(8) و هنّ متّسقات(9) *** كالعدوليّ(10) لاحقات(11) التّوالي

طالعات الغميس(12) من عبّود(13) *** سالكات الخويّ(14) من أملال

فسقى اللّه منتوى(15) أمّ عمرو *** حيث أمّت(16) بها صدور الرّحال

حبّذا هنّ من لبانة قلبي *** و جديد الشّباب من سربالي

ربّ يوم أتيتهنّ(17) جميعا *** عند بيضاء رخصة(18) مكسال

غير أنّي امرؤ تعمّمت حلما *** يكره الجهل(19) و الصّبا(20) أمثالي

/غنّى ابن سريج في الثلاثة الأبيات الأول خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو و يونس. و ذكر الهشاميّ أنّ فيها

ص: 185


1- الغميم كأمير: موضع قرب المدينة بين رابغ و الجحفة.
2- فيء، أ، ب، س: «الحبال». و في ح: «الخبال» و هو مصحف عن الجبال أو عن الخيال بالباء و هي أرض لبني تغلب كما في «القاموس» و «ياقوت». و قد ذكر ياقوت البيتين (في مادة «الغميم») و فيه «الخيال» بالياء.
3- عسفان (كعثمان): موضع على مرحلتين من مكة في طريق المدينة و الجحفة.
4- غزال - و يقال له قرن غزال -: أحد الأودية الثلاثة بين ثنية هرشي و بين الجحفة، و هو لخزاعة خاصة.
5- الكديد: ماء بين الحرمين كما في «القاموس»، أو موضع على اثنين و أربعين ميلا من مكة بين عسفان و رابغ.
6- اجترع الماء: ابتلعه.
7- الحجون: جبل بمعلاة مكة عنده مدافن أهلها.
8- كذا في أكثر النسخ. و لفت (بالكسر): واد قريب من هرشي (عقبة بالحجاز بين مكة و المدينة). و قد ذكر ياقوت فيه لغتين أخريين، هما لفت (بفتح فسكون) و لفت (بفتحتين). و في ح، ر، ب، س: «مقبلات و هن».
9- متسقات: منتظمات يسير بعضها وراء بعض.
10- العدولي: جمع عدولية و هي السفينة منسوبة إلى عدولي: قرية بالبحرين.
11- في «ياقوت» (مادة «لفت»): «اللاحقات التوالي» و لاحقات التوالي: يسير بعضها وراء بعض و يلحق تاليها الذي قبله.
12- الغميس (بفتح أوّله و كسر ثانيه)، قال ابن إسحاق في غزاة بدر: مرّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم على تربان ثم على ملل ثم على غميس الحمام. كذا في «ياقوت».
13- عبود كتنور: جبل بين السيالة و ملل. و السيالة: أرض في طريق الحاج، قيل: هي أوّل مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة.
14- كذا في ر. و الخويّ: واد بناحية الحمى. و في ت، ء، م، أ: «الحوى» و في سائر النسخ: «الحوبى» و كلاهما تحريف.
15- المنتوى: المكان الذي تنتوي أن تذهب إليه.
16- أمت: قصدت.
17- في ت، ح، ر: «رأيتهن».
18- رخصة ناعمة البشرة رقيقتها.
19- الجهل: الحمق.
20- الصبا: جهله الفتوة.

للحجبيّ رملا بالبنصر.

شعر عمر حين هجرته الثريا

قالوا: فلمّا هجرت الثّريّا عمر قال في ذلك:

من رسولي إلى الثّريّا فإنّي(1) *** ضقت ذرعا(2) بهجرها و الكتاب(3)

فبلغ ابن أبي عتيق قوله، فمضى حتى أصلح بينهما. و هذه الأبيات تذكر مع ما فيها من الغناء و مع خبر إصلاح ابن أبي عتيق بينهما بعد انقضاء خبر رملة التي ذكرها عمر في شعره.

قال مصعب بن عبد اللّه في خبره: و كانت رملة جهمة(4) الوجه، عظيمة الأنف، حسنة الجسم، و تزوّجها عمر بن عبيد اللّه بن معمر، و تزوّج عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه و جمع بينهما، فقال يوما لعائشة: فعلت في محاربة الخوارج مع أبي فديك(5) كذا، و صنعت كذا، يذكر لها شجاعته و إقدامه. فقالت له عائشة: أنا أعلم أنّك /أشجع الناس، و أعرف لك يوما هو أعظم من هذا اليوم الذي ذكرته. قال: و ما هو؟ قالت: يوم اجتليت(6) رملة و أقدمت على وجهها و أنفها.

قال مصعب و حدّثني يعقوب بن إسحاق قال: لمّا بلغ الثّريا قول عمر بن أبي ربيعة [في رملة(7)]:

/

وجلا بردها و قد حسرته *** نور بدر يضيء للناظرينا

قالت: أفّ له ما أكذبه! أ و ترتفع(8) حسناء بصفته لها بعد رملة! و ذكر ابن أبي حسّان عن الرّياشيّ عن العبّاس بن بكّار عن ابن دأب: أن هذا الشعر قاله عمر في امرأة من بني جمح كان أبوها من أهل مكة، فولدت له جارية لم يولد مثلها بالحجاز حسنا. فقال أبوها: كأنّي بها و قد

ص: 186


1- في «ديوانه»: «بأني».
2- الذرع: الطاقة؛ يقال: ضاق بالأمر ذرعه و ضاق به ذرعا، إذا ضعفت طاقته عن احتماله و لم يجد منه مخلصا.
3- في «الكامل» للمبرّد طبع ليپزج ص 379: «و قوله: ضقت ذرعا يهجرها و الكتاب، قوله «و الكتاب» قسم». على أنه يحتمل أن يكون: ضقت ذرعا بهجرها و مكاتبتها.
4- الوجه الجهم: الغليظ في سماجة.
5- هو رأس من رءوس الخوارج، و اسمه عبد اللّه بن ثور بن قيس بن ثعلبة بن تغلب، غلب على البحرين في سنة اثنين و سبعين من الهجرة، و قتل نجدة بن عامر الحنفيّ أحد رءوس الخوارج بعد أن كان بايعه، ثم كان ممن اختلفوا على نجدة لأمور نقموها عليه. و بعث إليه خالد بن عبد اللّه القسري أخاه أمية بن عبد اللّه في جند كثيف فهزمه أبو فديك، فكتب خالد بذلك إلى عبد الملك بن مروان، فوجه عبد الملك عمر بن عبيد اللّه بن معمر لقتال أبي فديك و أمره أن يندب معه من أحب من أهل البصرة و أهل الكوفة، فندب منهم عشرة آلاف و سار إلى البحرين فقاتلوا أبا فديك و أصحابه و قتلوا أبا فديك و استباحوا عسكره، و قتلوا منهم نحوا من ستة آلاف و أسروا ثمانمائة، ثم انصرفوا إلى البصرة. (انظر «الكامل» لابن الأثير طبع أوربا ج 4 ص 281 و كتاب «الملل و النحل» للشهرستاني طبع مصر ص 45 و 46 و «خزانة الأدب» للبغدادي ج 2 ص 97).
6- اجتلى عروسه: نظر إليها مجلوّة ليلة زفافها. و في «الأغاني» (ج 11 من هذه الطبعة في أخبار عائشة بنت طلحة و نسبها): أن عمر بن عبيد اللّه قال لعائشة بنت طلحة و قد أصاب منها طيب نفس: ما مرّ بي مثل يوم أبي فديك؛ فقالت له: اعدد أيامك و اذكر أفضلها؛ فعدّ يوم سجستان و يوم قطريّ بفارس و نحو ذلك. فقالت عائشة: قد تركت يوما لم تكن في أيامك أشجع منك فيه. قال: و أيّ يوم؟ قالت: يوم أرخت عليها و عليك رملة الستر. تريد قبح وجهها.
7- زيادة في ت.
8- في ت: «لن ترتفع».

كبرت، فشبّب بها عمر بن أبي ربيعة و فضحها و نوّه باسمها كما فعل بنساء قريش، و اللّه لا أقمت بمكة. فباع ضيعة له بالطائف و مكة و رحل بابنته إلى البصرة، فأقام بها و ابتاع هناك ضيعة، و نشأت ابنته من أجمل نساء زمانها(1).

و مات أبوها فلم تر أحدا من بني جمح حضر جنازته، و لا وجدت لها مسعدا(2) و لا عليها داخلا. فقالت لداية(3)لها سوداء: من/نحن؟ و من أيّ البلاد نحن؟ فخبّرتها. فقالت: لا جرم و اللّه لا أقمت في هذا البلد الذي أنا فيه غريبة! فباعت الضيعة و الدار، و خرجت في أيام الحج. و كان عمر يقدم فيعتمر(4) في ذي القعدة و يحلّ(5)، و يلبس تلك الحلل و الوشي، و يركب النّجائب المخضوبة بالحنّاء عليها القطوع(6) و الدّيباج، و يسبل لمّته، و يلقّى العراقيّات فيما بينه و بين ذات عرق محرمات، و يتلقّى المدنيّات إلى مرّ، و يتلقّى الشاميات إلى الكديد. فخرج يوما للعراقيّات فإذا قبّة مكشوفة فيها جارية كأنها القمر، تعادلها(7) جارية سوداء كالسّبجة(8).

فقال للسوداء: من أنت؟ و من أين أنت يا خالة؟ فقالت: لقد أطال اللّه تعبك، إن كنت تسأل هذا العالم من هم و من أين هم. قال: فأخبريني عسى أن يكون لذلك شأن. قالت: نحن من أهل العراق، فأمّا الأصل و المنشأ(9)فمكة، و قد رجعنا إلى الأصل و رحلنا(10) إلى بلدنا، فضحك. فلما نظرت إلى سواد ثنيّتيه قالت: قد عرفناك.

قال: و من أنا؟ قالت: عمر بن أبي ربيعة. قال: و بم عرفتني؟ قالت: بسواد ثنيتيك و بهيئتك التي ليست إلاّ لقريش، فأنشأ يقول:

قلت من أنتم فصدّت و قالت *** أ مبدّ سؤالك العالمينا

و ذكر الأبيات:

فلما يزل عمر بها حتى تزوّجها و ولدت له.

خبر صلح الثريا و عمر و وساطة ابن أبي عتيق في ذلك

اشارة

قال: فلما صرمت الثريّا عمر قال فيها:

ص: 187


1- في ت، ح، ر: «نساء أهل زمانها».
2- المسعد: من تساعد المرأة في النوح على فقيدها من جاراتها أو ذوات قرابتها.
3- الداية: المرضع، و قد تظل مع الطفلة تربيها حتى تشبّ؛ قال الفرزدق: ربيبة دايات ثلاث رببنها يلقمنها من كل سخن و مبرد
4- أصل معنى الاعتمار الزيارة في موضع عامر. و هي في الشرع زيارة البيت الحرام بالشروط المخصوصة المعروفة و هي الطواف بالبيت و السعي بين الصفا و المروة. و العمرة تكون في السنة كلها بخلاف الحج فإنه لا يكون إلا في أشهره المعلومة و لا يصح إلا مع الوقوف بعرفة.
5- يحل: يخرج من إحرامه في العمرة.
6- القطوع: جمع قطع و هو الطنفسية يجعلها الراكب تحته و تغطى كتفي البعير.
7- تعادلها: تركب معها في أحد شقي المحمل.
8- السبجة: كساء أسود.
9- في ح، ر: «و البيت».
10- في ت: «و دخلنا».
صوت

من رسولي إلى الثريا فإنّي(1) *** ضقت ذرعا بهجرها و الكتاب

سلبتني مجّاجة(2) المسك عقلي *** فسلوها ما ذا أحلّ اغتصابي

و هي مكنونة تحيّر منها *** في أديم الخدّين ماء الشباب

أبرزوها مثل المهاة تهادى(3) *** بين خمس كواعب أتراب

ثم قالوا تحبّها قلت بهرا *** عدد القطر و الحصى و التراب

الغناء لابن(4) عائشة خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو، و ذكر حبش أنه لمالك.

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني مؤمن بن عمر بن أفلح مولى فاطمة بنت الوليد قال أخبرني بلال مولى ابن أبي عتيق قال: أنشد ابن أبي عتيق قول عمر:

من رسولي إلى الثريّا فإني *** ضقت ذرعا بهجرها و الكتاب

/فقال ابن أبي عتيق: إيّاي أراد و بي نوّه! لا جرم و اللّه لا أذوق أكلا(5) حتى أشخص(6) فأصلح بينهما، و نهض و نهضت معه، فجاء إلى قوم من بني الدّيل بن بكر لم تكن تفارقهم نجائب لهم فره(7) يكرونها(8)، فاكترى منهم راحلتين و أغلى(9) لهم. فقلت له: /استوضعهم أو دعني أماكسهم، فقد اشتطّوا(10) عليك.

فقال: ويحك! أ ما علمت أنّ المكاس ليس من أخلاق الكرام! ثم ركب أحدهما و ركبت الأخرى، فسار سيرا شديدا، فقلت: أبق على نفسك، فإنّ ما تريد ليس يفوتك. فقال: ويحك!

أبادر حبل الودّ أن يتقضّبا(11)

و ما حلاوة الدنيا إن تمّ الصّدع(12) بين عمر و الثريّا! فقدمنا ليلا غير محرمين، فدقّ على عمر بابه، فخرج إليه و سلّم عليه و لم ينزل عن راحلته، فقال له: اركب أصلح بينك و بين الثريّا، فأنا رسولك الذي سألت عنه. فركب معنا و قدمنا الطائف، و قد كان عمر أرضى أمّ نوفل فكانت تطلب له الحيل لإصلاحها فلا يمكنها. فقال ابن أبي عتيق

ص: 188


1- في «ديوانه»: «بأني».
2- مجاجة المسك، يريد بذلك وصفها بطيب ريقها و بأنه كالمسك.
3- تهادى، يريد يهدي بعضها بعضا في مشيتها («الكامل» للمبرد طبع ليپزج ص 379).
4- في ح، ر: «لابن سريج».
5- في ر: «أكالا». و الأكل بالضم و بضمتين و الأكال كسحاب: ما يؤكل.
6- أشخص: أذهب. و الشخوص: السير من بلد إلى بلد.
7- في ت: «فرهة». و الفره و الفرهة بالضم، و الفرّه و الفرهة بضم الفاء و تشديد الراء، من جموع فاره. و الفاره من الدواب: النشيط الحادّ القوي.
8- يكرونها: يؤجرونها.
9- أغلى لهم: بذل لهم أجرا غاليا.
10- أي أسألهم أن يحطوا عنك بعض هذا الأجر، أودعني أشاحهم فقد جاوزوا القدر.
11- يتقضب: يتقطع.
12- أصل معنى الصدع الشق في الشيء الصلب كالزجاجة و الحائط و غيرهما. و المراد به هنا التفرّق.

للثريّا: هذا عمر قد جشّمني السفر من المدينة إليك، فجئتك به معترفا لك بذنب لم يجنه، معتذرا إليك من إساءته إليك، فدعيني من التّعداد و التّرداد، فإنه من الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون، فصالحته أحسن صلح و أتمّه و أجمله، و كررنا إلى مكة، فلم ينزلها ابن أبي عتيق حتى رحل. و زاد عمر في أبياته:

أزهقت أمّ نوفل إذ دعتها *** مهجتي(1)، ما لقاتلي من متاب

حين قالت لها أجيبي فقالت *** من دعاني؟ قالت أبو الخطّاب

فاستجابت عند الدعاء كما لبّى رجال يرجون حسن الثواب /قال الزّبير: و ما دعتها أمّ نوفل إلا لابن أبي عتيق، و لو دعتها لعمر ما أجابت. قال: و سألت عمّي عن أمّ نوفل، فقال: هي أمّ ولد عبد اللّه بن الحارث أبي(2) الثريّا. و سألته عن قوله:

................. كما لبّى *** رجال يرجون حسن الثواب

فقال: كرّرت في التلبية كما يفعل المحرم، فقالت: لبّيك لبيك.

و أخبرني حبيب بن نصر قال حدّثنا الزّبير بن بكّار عن عمّه أنّ(3) بعض المكّيّين قال: كانت الثريّا تصبّ عليها جرّة ماء و هي قائمة فلا يصيب ظاهر فخذيها منه شيء من عظم عجيزتها.

و أخبرني حبيب بن نصر قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو غسّان محمد بن يحيى بخبر الثريّا هذا مع عمر، فذكر نحوا مما ذكره الزّبير، و قال فيه: لمّا أناخ ابن أبي عتيق بباب الثريّا أرسلت إليه: ما حاجتك؟ قال: أنا رسول عمر بن أبي ربيعة و أنشدها الشعر. فقالت: ابن أبي ربيعة فارغ(4) و نحن في شغل، و قد تعبت فانزل بنا.

فقال: ما أنا إذا برسول. ثم كرّ راجعا إلى ابن أبي ربيعة بمكة فأخبره الخبر فأصلح بينهما.

حدّثني أحمد بن عبيد(5) اللّه بن عمار قال حدّثني يعقوب بن نعيم قال حدّثني إبراهيم بن إسحاق العنزيّ(6)قال حدّثني عبد اللّه بن إبراهيم الجمحيّ، و أخبرني به الحسين(7)/بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن أيّوب بن عباية، و أخبرني به الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير عن مؤمن بن عمر بن أفلح عن(8) عبد العزيز بن عمران، قالوا: قدم عمر بن أبي ربيعة المدينة، فنزل على ابن أبي عتيق - و هو عبد اللّه [بن محمد(9)] بن عبد الرحمن بن أبي بكر - فلمّا استلقى قال: أوّه!.

ص: 189


1- في «الكامل» للمبرد طبع ليپزج ص 379: «و قوله: أزهقت أم نوفل إذ دعتها مهجتي، تأويله: أبطلت و أذهبت؛ قال اللّه عز و جل: (فيدمغه فإذا هو زاهق)». يريد: أذهبت أم نوفل نفسي إذ كنت أخشى ألا تجيبها الثريا لوصالي.
2- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «ابن الثريا» و هو تحريف.
3- في ت، أ، م، ء: «عن بعض».
4- فارغ: ليس عنده ما يشغله.
5- في ح، ر: «عبد اللّه» و هو تحريف إذ تقدّم ذكره مرارا «عبيد اللّه».
6- لا ندري أ هو منسوب إلى عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان أم إلى عنز بن وائل بن قاسط، و كلاهما أبو قبيلة. و في ت: «العمري». و في ح، ر: «المقري».
7- في ح، ر: «الحسن» و هو تحريف. و قد تقدّم ذكره مرارا «الحسين بن يحيى».
8- كذا في ح، ر. و في سائر النسخ: «أفلح بن عبد العزيز» و هو تحريف.
9- زيادة ليست في الأصول؛ لأن اسم أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، و اسم ابن أبي عتيق عبد اللّه.

/

من رسولي إلى الثريّا فإنّي *** ضقت ذرعا بهجرها و الكتاب

فقال ابن أبي عتيق: كلّ مملوك لي حرّ إن بلّغها ذاك غيري. فخرج، حتى إذا كان بالمصلّى مرّ بنصيب و هو واقف فقال: يا أبا محجن. قال لبّيك! قال: أ تودع إلى سلمى(1) شيئا؟ قال: نعم. قال: و ما ذاك؟ قال: تقول لها يا ابن الصّدّيق: إنك مررت بي فقلت لي أ تودع إليها شيئا، فقلت:

أ تصبر عن سلمى و أنت صبور *** و أنت بحسن العزم منك جدير

و كدت و لم أخلق من الطير إن بدا *** سنى بارق نحو الحجاز أطير

قال: فمرّ بسلمى و هي في قرية يقال لها «القسريّة(2)»، فأبلغها الرّسالة، فزفرت زفرة كادت أن تفرّق(3)أضلاعها. فقال ابن أبي عتيق: كلّ مملوك لي حرّ إن لم يكن جوابك أحسن من رسالته، و لو سمعك الآن لنعق و صار غرابا. ثم مضى إلى الثريّا فأبلغ الكتاب. فقالت له: أ ما وجد رسولا أصغر منك! انزل فأرح(4). فقال: لست /إذا برسول! و سألها أن ترضى عنه، ففعلت. و قال الزّبير في خبره: فقال لها: أنا رسول ابن أبي ربيعة إليك، و أنشدها الأبيات، و قال لها: خشيت أن تضيع هذه الرسالة. قالت: أدّى اللّه عنك(5) أمانتك. قال: فما جواب ما تجشّمته إليك؟ قالت: تنشده قوله في رملة:

و جلا بردها و قد حسرته(6) *** ضوء بدر أضاء للناظرينا

فقال: أعيذك باللّه يا ابنة أخي أن تغلبيني بالمثل السائر. قالت: و ما هو؟ قال: «حريص لا يرى عمله(7)».

قالت: فما تشاء؟ قال: تكتبين إليه بالرضا عنه كتابا يصل على يدي، ففعلت. فأخذ الكتاب و رجع من فوره حتى قدم مكة، فأتى عمر. فقال له: من أين أقبلت؟ قال: من حيث أرسلتني. قال: و أنّى ذلك؟ قال: من عند الثريّا،

ص: 190


1- سيأتي في أخبار نصيب ص 364 من هذا الجزء هذا الخبر بنص قريب من هذا و أن اسمها «سعدى»، و أن الشعر أ تصبر عن سعدى و أنت صبور البيتين.
2- في أ، م، ء: «القشيرية» و لم نعثر عليهما في «ياقوت» و «البكري». على أن قسرا بطن من قيس، و قيسا بطن من بجيلة ينسب إليها خالد بن عبد اللّه القسري. و القشيرية: نسبة إلى قشير و هو أبو قبيلة من هوازن، ينسب إليه أبو الحسن مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري أحد أئمة الحديث، و صحيحه معروف مشهور.
3- في ح، ر: «تفرّق بين أضلاعها».
4- أي فأرح دابتك و أرح نفسك.
5- في ح، ر، ب، س: «أدّى اللّه عن أمانتك».
6- ورد هذا الشطر في ت هكذا: وجلا برد بركة جنديّ فإن كانت هذه الرواية صحيحة فالمراد من البركة نوع من برود اليمن، كما في «شرح القاموس» (مادة «برك»)؛ قال مالك بن الريب: إنا وجدنا طرد الهوامل بين الرّسيسين و بين عاقل و المشي في البركة و المراجل خيرا من التأنان في المسائل و في «اللسان» مادتي «أنن» و «همل»: «و المسائل». و الجنديّ: نسبة إلى الجند و هو أحد مخاليف اليمن. و في أ، م، ء: «و جلا بردها بركة جندي» و هو تحريف.
7- قد يراد به ما يراد بالمثل الوارد في الميداني و هو: «الحريص محروم» أو «الحرص قائد الحرمان». يريد أن يقول لها: إنه لا يريد أن يحرم نتيجة عمله كما يحرم الحريص عادة.

أفرخ(1) روعك! هذا كتابها بالرضا عنك إليك.

تغنّي ابن عائشة بشعر عمر في مجلس حسن بن حسن بن عليّ

أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن أيّوب بن عباية قال:

اجتمع ابن عائشة و يونس و مالك(2) عند حسن بن حسن بن عليّ - عليهم السّلام - فقال الحسن لابن عائشة:

غنّني «من رسولي إلى الثريا...»؛ فسكت عنه فلم يجبه. فقال له جليس له: أ يقول لك غنّني فلا تجيبه! فسكت.

فقال له الحسن: مالك؟ ويحك! أ بك خبال(3)! كان و اللّه ابن أبي عتيق أجود منك بما عنده؛ فإنّه لمّا سمع هذا الشعر قال لابن أبي ربيعة: أنا رسولك إليها، فمضى نحو الثريّا حتى أدّى رسالته، و أنت معنا في المجلس تبخل أن تغنّيه(4) لنا! فقال له: لم أذهب حيث ظننت، إنما كنت أتخيّر لك أيّ الصوتين أغنّي: أقوله:

من رسولي إلى الثريّا فإنّي *** ضافني الهمّ و اعترتني الهموم

يعلم اللّه أنّني مستهام *** بهواكم و أنّني مرحوم

/أم قوله:

من رسولي إلى الثريّا فإنّي *** ضقت ذرعا بهجرها و الكتاب

فقال له الحسن: أسأنا بك الظّنّ أبا جعفر، غنّ بهما جميعا، فغنّاهما. فقال له الحسن: لو لا أنّك تغضب إذا قلنا لك: أحسنت، لقلت لك: أحسنت و اللّه! قال: و لم يزل يردّدهما بقيّة يومه.

عمر و ابن أبي عتيق و إنشاده شعره في الثريا

/أخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني يعقوب بن إسحاق الرّبعيّ عن أبيه قال:

أنشد عمر بن أبي ربيعة ابن أبي عتيق قوله:

ص: 191


1- أفرخ روعك: سكّن جائشك و أمن. و يقال: ليفرخ روعك، أي ليذهب عنك رعبك و فزعك؛ فإن الأمر ليس على ما تحاذر. و هو مثل، و أصله لمعاوية كتب به إلى زياد. و ذلك أنه كان على البصرة، و كان المغيرة بن شعبة على الكوفة فتوفى بها، فخاف زياد أن يولّى معاوية عبد اللّه بن عامر مكانه، فكتب إلى معاوية يخبره بوفاة المغيرة و يشير عليه بتولية الضحاك بن قيس مكانه؛ ففطن له معاوية و كتب إليه: قد فهمت كتابك فأفرخ روعك أبا المغيرة، و قد ضممنا إليك الكوفة مع البصرة. و يقال: ليفرخ فؤادك؛ قال الشاعر: و قل للفؤاد إن نزا بك نزوة من الروع أفرخ أكثر الروع باطله قال الأزهريّ: كل من لقيته من اللغويين يقول: أفرخ روعه، بفتح الراء، إلا ما أخبرني به المنذريّ عن أبي الهيثم أنه كان يقول: إنما هو أفرخ روعه بضم الراء. قال: و معناه خرج الرّوع من قلبه... و الروع بالضم و هو القلب موضع الروع بالفتح؛ فالرّوع في الرّوع كالفرخ في البيضة؛ فكما يقال: أفرخت البيضة إذا انفلقت عن الفرخ فخرج منها، يقال: أفرخ فؤاد الرجل إذا خرج روعه منه؛ قال ذو الرمة و قد قلبه لوضوح المعنى: جذلان قد أفرخت عن روعه الكرب قال الأزهريّ: و الذي قاله أبو الهيثم بيّن غير أني أستوحش منه لانفراده بقوله. و قد استدرك الخلف على السلف أشياء ربما زلوا فيها، فلا تنكر إصابة أبي الهيثم كان له حظ من العلم موفر رحمه اللّه.
2- في ح، ر: «و خالد».
3- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «إنك بخيل».
4- في ح، ر: «بأن»؛ و كلاهما صحيح.

لم تر العين للثريّا شبيها *** بمسيل التّلاع(1) يوم التقينا

فلما بلغ إلى قوله:

ثم قالت لأختها قد ظلمنا *** إن رددناه(2) خائبا و اعتدينا

قال: أحسنت و الهدايا(3) و أجادت. ثم أنشده ابن أبي عتيق متمثّلا قول الشاعر:

أريني(4) جوادا مات هزلا لعلّني *** أرى ما ترين أو بخيلا مخلّدا

فلمّا بلغ عمر إلى قوله في الشعر:

في خلاء من الأنيس و أمن

/قال ابن أبي عتيق: أمكنت للشّارب(5) الغدر «من عال بعدها فلا انجبر»(6).

فلمّا بلغ إلى قوله:

فمكثنا كذاك عشرا تباعا *** في قضاء لديننا و اقتضينا(7)

قال: أما و اللّه ما قضيتها ذهبا و لا فضة و لا اقتضيتها إيّاه، فلا عرّفكما اللّه قبيحا! فلمّا بلغ إلى قوله:

كان ذا في مسيرنا إذ حججنا *** علم اللّه فيه ما قد نوينا

ص: 192


1- التلاع: جمع تلعة و هي مجرى الماء من أعلى الوادي إلى بطون الأرض.
2- في «ديوانه»: «رجعناه».
3- في ب، س: «ردّ الهدايا» و هو تحريف؛ إذ أن الواو هنا للقسم. و الهدايا: جمع هدية و هي ما يهدى إلى البيت الحرام من النعم لتنحر.
4- كذا فيء، س، أ، م. و في سائر النسخ: «أروني جوادا... ما ترون». و البيت لحاتم الطائي يخاطب امرأته.
5- في ت: «أمكنت الشاب العذر». و في أ، م، ء: «أمكنت للشارب العذر». و ورد في سائر النسخ هو و ما بعده بيت شعر هكذا: أمكنت السائب الغرر من عال بعدها فلا انجبر و كل ذلك تحريف. و الصواب: مكنت للشارب الغدر و هو مأخوذ من قول عمر بن أبي ربيعة في قصيدته التي أوّلها: يا خليلي هاجني ذكر و حمول الحيّ إذ صدروا و منها: سلكوا خلّ الصّفاح لهم زجل أحداجهم زمر قال حاديهم لهم أصلا أمكنت للشارب الغدر و الغدر: جمع غدير و هو القطعة من الماء يغادرها السيل أي يتركها. قال ابن سيده: هذا قول أبي عبيد، فهو إذن فعيل في معنى مفعول على اطراح الزائد. و قد قيل: إنه من الغدر لأنه يخون ورّاده فينضب عنهم، و يغدر بأهله فينقطع عند شدة الحاجة إليه. يريد أن يقول له: قد أمكنتك الفرص فانتهزها و أنت مستكنّ و إياها في خلاء من الناس و في مأمن منهم.
6- هذا مثل أورده الميداني «و لسان العرب»: «من عال بعدها فلا اجتبر». يقال: جبرته فجبر و انجبر، أي استغنى. و عال: افتقر. و هو من قول عمرو بن كلثوم: من عال منّا بعدها فلا اجتبر و لا سقى الماء و لا رعى الشجر و في «اللسان» مادة جبر: و لا سقى الماء و لا راء الشجر يضرب في اغتنام الفرصة عند الإمكان.
7- في «ديوانه»: فقضينا ديوننا و اقتضينا

قال: إنّ ظاهر أمرك ليدلّ على باطنه، فأرود(1) التفسير، و لئن متّ لأموتنّ معك، أفّ للدنيا بعدك يا أبا الخطّاب! فقال له عمر: بل عليها بعدك العفاء يا أبا محمد! /قال: فلقي الحارث بن خالد ابن أبي عتيق فقال: قد بلغني ما دار بينك و بين ابن أبي ربيعة، فكيف لم تتحلّلا منّي(2)؟ فقال له ابن أبي عتيق: يغفر اللّه لك يا أبا عمرو، إن ابن أبي ربيعة يبرئ القرح(3)، و يضع الهناء مواضع النّقب(4)، و أنت جميل الخفض(5). فضحك الحارث بن خالد و قال: «حبّك الشيء يعمي و يصمّ»(6). فقال: هيهات أنا بالحسن عالم نظّار!

خبر السواد في ثنيتي عمر

اشارة

و أمّا خبر السّواد في ثنيّتي عمر فإن الزبير بن بكّار ذكره عن عمّه مصعب في خبره: أنّ امرأة غارت عليه فاعترضته بمسواك كان في يدها فضربت به ثنيّتيه فاسودّتا.

و ذكر إسحاق الموصليّ عن أبي عبد اللّه(7) المسيّبيّ و أبي الحسن المدائنيّ: أنه أتى الثريّا يوما و معه صديق له كان يصاحبه و يتوصّل بذكره في الشعر، فلمّا كشفت الثريّا السّتر و أرادت الخروج إليه، رأت صاحبه فرجعت. فقال لها: إنه ليس ممّن أحتشمه(8) و لا أخفي عنه شيئا؛ و استلقى فضحك - و كان النساء إذ ذاك يتختّمن في أصابعهنّ العشر - فخرجت إليه فضربته بظاهر كفّها، فأصابت الخواتيم ثنيّتيه/العليين فنغضتا(9) و كادتا تسقطان، فقدم البصرة فعولجتا له، فثبتتا و اسودّتا. فقال الحزين الكنانيّ يعيّره(10) بذلك - و كان عدوّه و قد بلغه خبره -:

ما بال سنّيك أم ما بال كسرهما(11) *** أ هكذا كسرا في غير ما باس

ص: 193


1- في م، أ، ء: «فأورد بالتفسير». و في سائر النسخ عدا نسخة ت: «فأورد التفسير». و أورد إنما يتعدّى بنفسه لا بالباء. و لعل المراد قد بان لنا أمرك و دل على باطنك ظاهرك فصرّح بما كان. و في ت: فأرود بالتفسير». يقال: أرود به إروادا إذا رفق؛ و منه الحديث: «رويدك رفقا بالقوارير». و هو يتعدّى بالباء. و يقال: أرود إذا ترك، و هو يتعدّى بنفسه لا بالباء و هو الذي يقتضيه سياق الكلام. فلعل الباء هنا من زيادة الناسخ. و المراد: إن ظاهر أمرك ليدل على باطنه، فدع التفسير فلا حاجة إليه.
2- لم تتحللا مني: لم تسألاني أن أجعلكما في حلّ.
3- قال الليث: القرح: جرب شديد يأخذ الفصلان فلا تكاد تنجو. و الفصلان: جمع فصيل و هو ولد الناقة. و قال الأزهريّ: الذي قاله الليث من أن القرح جرب شديد الخ غلط، إنما القرحة داء يأخذ البعير فيهدل مشفره منه.
4- النّقب و النّقب: القطع المتفرقة من الجرب، الواحدة نقية؛ و قيل: هي أوّل ما يبدو من الجرب؛ قال دريد بن الصمة: متبذلا تبدو محاسنه يضع الهناء مواضع النّقب
5- الخفض: الدعة.
6- أي يخفى عليك مساويه، و يصمّك عن سماع العذل فيه.
7- في ت: «عبيد اللّه».
8- قال في «اللسان» و «شرح القاموس» (مادة حشم): و قد احتشم عنه و منه؛ و لا يقال: احتشمه، فأما قول القائل: و لم يحتشم ذلك فإنه حذف «من» و أوصل الفعل. و في أساس البلاغة: «أنا أحتشمك و أحتشم منك، أي أستحي».
9- كذا في ح، ر. و في ت: «فنغضتا و خاف أن يسقطا». و نغضت سنه تنغض و تنغض: قلقت و تحرّكت. و في سائر النسخ: «و كادت أن تقلعهما و خاف أن يسقطا».
10- ستأتي ترجمته في الجزء الرابع عشر من «الأغاني».
11- في ت: «أم ما شأن حسنهما».

أم نفحة(1) من فتاة(2) كنت تألفها *** أم نالها(3) وسط شرب(4) صدمة الكاس

قال: و لقيه الحزين الكنانيّ يوما فأنشده هذين البيتين؛ فقال له عمر: اذهب(5) اذهب، ويلك! فإنك لا تحسن أن تقول:

صوت

ليت هندا أنجزتنا ما تعد *** و شفت أنفسنا مما تجد

و استبدّت مرة واحدة *** إنّما العاجز من لا يستبدّ

/لابن سريج في هذا الشعر(6) رمل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق، و خفيف رمل [أيضا](7) في هذه الإصبع و هذا المجرى عن ابن المكيّ. و لمالك [فيه](8) ثقيل أوّل عن الهشاميّ. و لمتيم ثاني ثقيل عن ابن المعتزّ. و ذكر أحمد(9) بن أبي العلاء عن مخارق أنّ خفيف الرّمل ليحيى المكيّ صنعه و حكى فيه لحن [هذا الصوت](10):

اسلمي يا دار من هند(11)

خبر الثريا مع الحارث بن عبد اللّه الملقب بالقباع

حدّثني عليّ بن صالح قال حدّثني أبو هفّان عن إسحاق الموصليّ عن رجاله المذكورين:

أنّ الثّريّا واعدت عمر بن أبي ربيعة أن تزوره، فجاءت في الوقت الذي ذكرته، فصادفت أخاه الحارث قد

ص: 194


1- كذا في ت. و في سائر الأصول: «أنفحة». و النفحة: الضربة.
2- في ر: «أناة» و الأناة من النساء: التي فيها فتور عن القيام و تأنّ، و الوهنانة نحوها.
3- أعاد الضمير على المثنى مفردا بتأويل المذكور أو ذلك، مما يصح إطلاقه على الواحد و المتعدّد؛ و مثاله قوله تعالى: (وَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ)، و قول رؤبة: فيها خطوط من سواد و بلق كأنه في الجلد توليع البهق روى أن أبا عبيدة قال لرؤبة لما أنشد هذا البيت: إن أردت الخطوط فقل كأنها، أو السواد و البلق فقل كأنهما؛ فقال: أردت ذلك. (انظر «المغنى» مع حاشية الدسوقي طبع بولاق ج 2 ص 392 و «تفسير الآلوسي» طبع بولاق الجزء الثالث ص 331). و قد يوجه بأنه جعل السنّين كالمثنى الذي حكمه حكم الواحد كالعينين و الأذنين؛ فإنك تقول: رأته عيناي فما كذبتها. و على هذا لو كان «كسرت» بدل «كسرا» في البيت الأول لكان خيرا من تذكير الضمير.
4- الشرب: الجماعة يشربون الخمر.
5- لم تتكرر هذه الكلمة في ت، ح، ر.
6- في ت: «في هذين البيتين».
7- زيادة في ت.
8- زيادة في ر.
9- كذا في ت. و في سائر النسخ: «و لأحمد بن أبي العلاء عن مخارق خفيف الرمل ليحيى المكيّ الخ».
10- زيادة في ت.
11- سيأتي في الجزء الخامس من «الأغاني» (ص 200 من هذه الطبعة) في نسب إبراهيم الموصليّ و أخباره هذا الشعر: «ليت هند الخ» و بعده: «الشعر لعمر بن أبي ربيعة... إلى قوله: و فيه لمالك خفيف ثقيل بالخنصر و البنصر عن يحيى المكيّ، و ذكره إسحاق في هذه الطريقة و لم ينسبه إلى أحد، و قال الهشاميّ: أدل شيء على أنه لمالك شبهه للحنه: اسلمي يا دار من هند الخ»

طرقه(1) و أقام عنده، و وجّه به في حاجة له و نام مكانه و غطّى وجهه بثوبه، فلم يشعر إلا بالثريّا قد ألقت نفسها عليه تقبّله، فانتبه و جعل يقول: اعزبي(2) عنّي فلست بالفاسق، أخزاكما اللّه! فلمّا علمت بالقصّة انصرفت. و رجع عمر فأخبره الحارث بخبرها؛ فاغتمّ لما فاته منها، و قال: أما و اللّه لا تمسّك النار أبدا و قد ألقت نفسها عليك. فقال له الحارث: عليك و عليها لعنة اللّه.

/و أخبرني بهذه القصّة الحرميّ بن أبي العلاء عن الزبير بن بكّار عن يعقوب بن إسحاق الربعيّ عن الثقة عنده عن ابن جريج عن عثمان بن حفص الثّقفيّ:

أنّ الحارث بن عبد اللّه زار أخاه، ثم ذكر نحوا من الذي ذكره إسحاق، و قال فيه: فبلغ عمر خبرها، فجاء إلى أخيه الحارث و قال له: جعلت فداءك! مالك و لأمة الوهّاب [ابنتك](3)؟ أتتك مسلّمة عليك فلعنتها و زجرتها(4) و تهدّدتها، و ها هي تيك(5) باكية. فقال: و إنها لهي! قال: و من تراها تكون؟ قال: فانكسر(6) الحارث عنه و عن لومه.

تزوّج الثريا بسهيل في غيبة عمر و ما قاله من الشعر في ذلك

اشارة

أخبرني عليّ بن صالح قال حدّثني أبو هفّان عن إسحاق بن إبراهيم عن جعفر بن سعيد عن أبي سعيد مولى فائد(7) هكذا قال إسحاق، و أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني جعفر بن سعيد عن أبي عبيدة بن محمد بن عمّار(8). و رواه أيضا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن جعفر بن سعيد(9) فقال فيه: عن أبي عبيدة العمّاريّ(10)، و لم يذكر أبا سعيد مولى فائد، قالوا(11):

تزوّج سهيل بن عبد العزيز بن مروان الثريّا - و قال الزبير: بل تزوّجها أبو الأبيض سهيل بن عبد الرحمن بن عوف - فحملت إليه و هو بمصر. و الصواب(12)/قول من قال: سهيل بن عبد العزيز؛ لأنه كان هناك منزله، و لم يكن لسهيل بن عبد الرحمن هناك موضع. فقال عمر:

ص: 195


1- طرقه: جاءه ليلا.
2- في ت، ح، ر: «اغربي» و كلاهما بمعنى واحد و هو البعد.
3- زيادة في ت.
4- في ت: «فزبرتها و نهرتها». و الزّبر و النّهر بمعنى واحد.
5- في ت: «تلك».
6- انكسر: انكفّ و انصرف.
7- في. ت: «قائد».
8- كذا في ت. و في سائر الأصول: «عمارة» و الموجود في «كتب التراجم»: «أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر».
9- كذا في ت، و هو الموافق لما تقدم في جميع النسخ. و في سائر النسخ: «بن معبد».
10- كذا في ت، ر، و هو الصواب، إذ هو أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر المذكور قبله. و في سائر النسخ: «العمري» و هو تحريف.
11- في ت: «قال».
12- الذي في ابن خلكان ج 1 ص 538: أنه سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، و مثله ما في «خزانة الأدب» ج 1 ص 238، ثم قال: و زعم بعضهم أن سهيلا هذا هو ابن عبد العزيز بن مروان، و الصحيح الأوّل أ ه.
صوت

أيّها المنكح الثريّا سهيلا *** عمرك اللّه(1) كيف يلتقيان

هي شاميّة إذا ما استقلّت(2) *** و سهيل إذا استقلّ يماني(3)

الغناء للغريض خفيف ثقيل بالبنصر. و فيه لعبد اللّه بن العباس ثاني ثقيل بالبنصر. و أوّل هذه القصيدة:

//

أيّها الطارق الذي قد عناني(4)*** بعد ما نام سامر(5) الرّكبان

زار من نازح(6) بغير دليل *** يتخطّى إليّ حتى أتاني

و ذكر الرّياشيّ عن ابن(7) زكريّا الغلابيّ عن محمد بن عبد الرحمن التّيميّ عن أبيه عن هشام بن سليمان بن(8) عكرمة بن خالد المخزوميّ قال:

كان عمر بن أبي ربيعة قد ألحّ على الثريّا بالهوى، فشقّ ذلك على أهلها، ثم إنّ مسعدة بن عمرو أخرج عمر إلى اليمن في أمر عرض(9) له، و تزوّجت الثريّا و هو غائب، فبلغه تزويجها و خروجها إلى مصر، فقال:

أيّها المنكح الثريّا سهيلا *** عمرك اللّه كيف يلتقيان

و ذكر الأبيات. و قال في خبره: ثم حمله الشوق على أن سار إلى المدينة فكتب إليها:

ص: 196


1- قال الجوهري: إذا قلت عمرك اللّه فكأنك قلت: بتعميرك اللّه أي بإقرارك له بالبقاء. و قول عمر بن أبي ربيعة: عمرك اللّه كيف يجتمعان يريد سألت اللّه أن يطيل عمرك؛ لأنه لم يرد القسم بذلك. و قال المبرد في قوله عمرك اللّه: إن شئت جعلت نصبه بفعل أضمرته، و إن شئت نصبته بواو حذفته فكأنك قلت و عمرك اللّه، و إن شئت كان على قولك عمّرتك اللّه تعميرا و نشدتك اللّه نشيدا، ثم وضعت «عمرك» في موضع التعمير؛ و أنشد فيه: عمّرتك اللّه إلا ما ذكرت لنا هل كنت جارتنا أيام ذي سلّم يريد ذكّرتك اللّه. و الكسائيّ يرى أن عمرك اللّه نصب على معنى عمرتك اللّه أي سألت اللّه أن يعمرك؛ كأنه قال: عمّرت اللّه إياك. (راجع «اللسان» مادة عمر).
2- استقلّت: ارتفعت.
3- بين الثريا و سهيل تورية لطيفة؛ فإن الثريا يحتمل المرأة المذكورة و هي المعنى البعيد المورّى عنه. و هو المراد، و يحتمل ثريا السماء و هي المعنى القريب المورّى به. و سهيل يحتمل الرجل المذكور و هو المعنى البعيد المورّى عنه و هو المراد، و يحتمل النجم المعروف بسهيل. فتمكن للشاعر أن ورّى بالنجمين عن الشخصين، ليبلغ من الإنكار على من جمع بينهما ما أراد. و هذه أحسن تورية وقعت في شعر المتقدّمين. و قد كانت الثريا مشهورة في زمانها بالحسن و الجمال، و كان سهيل قبيح النظر، و هذا مراده بقوله: عمرك اللّه كيف يلتقيان أي كيف يلتقيان مع تفاوت ما بينهما في الحسن و القبح أ ه من «خزانة الأدب» للبغدادي ج 1 ص 239.
4- عناني: قصدني.
5- السامر: يطلق على الواحد و الجمع؛ قال تعالى: (مستكبرين به سامرا تهجرون). قال أبو إسحاق في تفسيره: سامرا يعني سمّارا.
6- من نازح: من مكان بعيد. و في «ديوانه» المطبوع بليپزج، ضبط هكذا: «من نازح» يريد الذي هو نازح. و هو وجه بعيد.
7- كذا في ر، و هو الصواب؛ إذ هو أبو بكر محمد بن زكريا بن دينار الغلابي (انظر الحاشية رقم 2 ص 52 من هذا الجزء). و في ت، أ هكذا: «ركويه». و في ء: «زكوية» و كلاهما محرّف عن «زكرويه» و قد ورد في «أنساب السمعاني» فيمن نسبته الغلابي بالتخفيف في «ترجمة» ابن زكريا أنه عرف «بزكرويه». و في سائر النسخ: «أبي زكريا» و هو تحريف.
8- كذا في ت. و في سائر النسخ: «عن عكرمة» و هو تحريف (انظر الحاشية رقم 3 صفحة 198 من هذا الجزء).
9- في م، ء: «غرض» و هو تصحيف. و في ت: «علق به عليه».

كتبت إليك من بلدي *** كتاب مولّه كمد

كئيب واكف(1) العيني *** ن بالحسرات منفرد

يؤرّقه لهيب الشّو *** ق بين السّحر(2) و الكبد

فيمسك قلبه بيد *** و يمسح عينه بيد

/و كتبه في قوهيّة(3) و شنفه(4) و حسّنه و بعث به إليها. فلمّا قرأته بكت بكاء شديدا، ثم تمثّلت:

بنفسي من لا يستقلّ بنفسه *** و من هو إن لم يحفظ(5) اللّه ضائع

و كتبت إليه تقول:

أتاني كتاب لم ير الناس مثله *** أمدّ(6) بكافور و مسك و عنبر

و قرطاسه قوهيّة و رباطه *** بعقد من الياقوت صاف و جوهر

و في صدره: منّي إليك تحيّة *** لقد طال تهيامي بكم و تذكّري

و عنوانه من مستهام فؤاده *** إلى هائم صبّ من الحزن مسعر

قال مؤلف هذا الكتاب: و هذا الخبر عندي مصنوع، و شعره مضعّف يدلّ على ذلك، و لكنّي ذكرته كما وقع إليّ(7).

قال أبو سعيد مولى فائد و من ذكر خبره مع الثّريّا: فمات عنها سهيل أو طلّقها، فخرجت إلى الوليد بن عبد الملك و هو خليفة بدمشق في دين عليها، فبينا هي عند/أمّ البنين بنت عبد العزيز بن مروان، إذ دخل عليها الوليد فقال: من هذه؟ فقالت: الثريّا جاءتني، تطلب(8) إليك في قضاء دين عليها و حوائج لها. فأقبل عليها الوليد فقال: أ تروين من شعر عمر بن أبي ربيعة شيئا؟ قالت: نعم، أما إنه يرحمه اللّه كان عفيفا عفيف الشّعر، أروي قوله:

ص: 197


1- في ت: «واكف العبرات»؛ يقال: و كفت العين، إذا سألت دموعها.
2- السحر: الرئة.
3- ثوب قوهيّ: منسوب إلى قوهستان، و هي كورة من كور فارس بين نيسابور و هراة، و قصبتها قاين. و هو ثوب أبيض، و كل ثوب يشبهه يقال له قوهيّ و إن لم يكن منها.
4- اضطربت الأصول في هذه الكلمة ففيء، م: «و شقه». و في ح: «و شافه». و في ر: «و شأنه» و في ت: «و سفنه»، و في ب: س، أ: «و شنفه». يقال: شنف المرأة، إذا ألبسها الشّنف و هو الذي يلبس في أعلى الأذن و قيل هو و القرط سواء. فلعل المراد أنه حسّن الكتاب كما تحسّن المرأة بلبس الشنف، أو أنه محرف عن شنقه أي جعل له شناقا، و هو في الأصل كل خيط علقت به شيئا؛ يقال: شنق القربة و أشنقها إذا أوكاها. فلعل المراد أنه أرسل لها كتابا مكتوبا على قماش من هذا النوع (و ربما زاد في حسنه أنه كان من الأنواع الثمينة من الحوير أو نحوه) و أطبقه و ربطه بعقد من الياقوت بدل الخيط الذي يربط به في العادة كما سيأتي في الأبيات، أو أنه محرّف عن «مشقه» أو نمّقه» أو رقّنه» بمعنى زيّنه.
5- في ح، ر: «إن لم يرحم اللّه».
6- أي جعل مداده من هذه الأخلاط الثلاثة. و في «الخزانة» ج 1 ص 239: «أبين».
7- هذه الجملة: «قال مؤلف هذا الكتاب... كما وقع إليّ» غير موجودة في ت.
8- كذا في ت. و في ح: «جاءتين إليك في قضاء دين عليها» و في سائر النسخ: «جاءتني إليك أطلب في قضاء الخ». و المراد جاءتني ترغب إليك في قضاء دين عليها و حوائج لها.
صوت

ما على الرّسم بالبليّين لو ب *** يّن رجع السّلام(1) أو أجابا

فإلى قصر ذي العشيرة(2) فالصّا *** ئف(3) أمسى من الأنيس يبابا(4)

و بما قد أرى به حيّ صدق(5) *** ظاهري(6) العيش نعمة و شبابا

/إذ فؤادي يهوى الرّباب و أنّي ال *** دّهر(7) حتّى الممات أنسى الرّبابا

و حسانا جواريا خفرات *** حافظات عند الهوى الأحسابا

/لا يكثّرن في الحديث و لا يت *** بعن ينعقن(8) بالبهام(9) الظّرابا(10)

ص: 198


1- في «ديوانه»: «التسليم».
2- قال الأزهري: هو موضع بالصّمّان معروف نسب إلى عشرة نابتة فيه، و العشر: من كبار الشجر و له صمغ حلو يسمى العشر و غزا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم ذا العشيرة، و هي من ناحية ينبع بين مكة و المدينة. و قال أبو زيد: حصن صغير بين ينبع و ذي المروة يفضل تمره على سائر تمور الحجاز إلا الصّيحانيّ بخيبر و البرديّ و العجوة بالمدينة. قال عروة بن أذينة: يا ذا العشيرة قد هجت الغداة لنا شوقا و ذكرتنا أيامك الأولا ما كان أحسن فيك العيش مؤتنقا غضّا و أطيب في آصالك الأصلا
3- كذا في ت، أ، م، ء. و الصائف كما في «ياقوت»: من نواحي المدينة. و قال نصر: الصائف: موضع حجازيّ قريب من ذي طوى. و في «ديوانه»: «الصالف» باللام، و هو كما في «ياقوت» جبل بين مكة و المدينة. و في «اللسان»: «و في حديث ضميرة قال: يا رسول اللّه إني أحالف ما دام الصالفان مكانه. قال: «بل ما دام أحد مكانه». قيل: الصالف جبل كان يتحالف أهل الجاهلية عنده».
4- يبابا: خرابا.
5- يريد أنه حيّ جامع لصفات الخير. قال في «اللسان» يقال: رجل صدق مضاف بكسر الصاد، و معناه نعم الرجل هو.
6- كذا في أكثر النسخ. يريد أن أثر النعمة ظاهر فيهم. و في «ديوانه»: «كامل» بالإفراد، و الحي يوصف بالجمع باعتبار معناه و بالمفرد باعتبار لفظه. و في ت «طاهري». و لعله تصحيف.
7- في ديوانه المطبوع بليپزج: «......... و يأبى الدهر حتى الممات ينسى الربابا»
8- النعيق هنا: دعاء الراعي الشاء؛ يقال: نعق الراعي بالغنم ينعق نعقا و نعاقا و نعيقا و نعقانا، إذا صاح بها و زجرها، يكون ذلك في الضأن و المعز. قال الأخطل: انعق بضأنك يا جرير فإنما منّتك نفسك في الخلاء ضلالا و في ح، ب، س: «يبغين» و هو تحريف.
9- البهام: جمع بهمة و هي الصغير من أولاد الغنم: الضأن و المعز و البقر و الوحش و غيرها، الذكر و الأنثى في ذلك سواء. و قال أبو عبيد: يقال لأولاد الغنم ساعة تضعها من الضأن و المعز جميعا ذكرا كان أو أنثى: سخلة و جمعها سخال، ثم هي البهمة الذكر و الأنثى. و قال ابن السكيت: إذا اجتمعت السخال و البهام قلت لها جميعا: بهام.
10- الظراب: الروابي الصغار، واحدها ظرب ككتف. يريد أنها ليست من الرعاة للغنم؛ كما قال في قصيدة أخرى: معاصم لم تضرب على البهم بالضحى عصاها و وجه لم تلحه السمائم و قد آثرنا أن ننقل هذه القصيدة من «ديوانه» لاختلاف ترتيب الأبيات في الأصول عما في «الديوان». و هي بعد البيتين الأوّلين: موحشا بعد ما أراه أنيسا من أناس يبنون فيه القبابا أصبح الربع قد تغير منهم و أجالت به الرياح الترابا فتعفّى من الرباب فأمسى ال قلب في إثرها عميدا مصابا و بما قد أرى به حيّ صدق كامل العيش نعمة و شبابا و حسانا جواريا خفرات حافظات عند الهوى الأحسابا لا يكثرن في الحديث و لا يت بعن ينعقن بالبهام الظرابا طيبات الأردان و النشر عينا كمها الرمل بدّنا أترابا إذ فؤادي يهوى الرباب و يأبى ال دهر حتى الممات ينسى الربابا ضربت دوني الحجاب و قالت في خفاء فما عييت جوابا قد تنكرت للصديق و أظهر ت لنا اليوم هجرة و اجتنابا قلت لا بل عداك واش فأصبح ت نوارا ما تقبلين عتابا

/فقضى حوائجها و انصرفت بما أرادت منه. فلمّا خلا الوليد بأمّ البنين قال لها: للّه درّ الثريّا! أ تدرين ما أرادت بإنشادها ما أنشدتني من شعر عمر؟ قالت: لا.

قال: إني لمّا عرّضت لها به عرّضت لي بأن أمّي أعرابيّة(1). و أمّ الوليد و سليمان ولاّدة بنت العبّاس بن جزيّ(2) بن الحارث بن زهير بن جذيمة العبسيّ.

الغناء في الأبيات التي أنشدتها الثريّا الوليد بن عبد الملك لمالك بن أبي السّمح خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر. و فيها لابن سريج رمل بالخنصر في مجرى البنصر. و فيها لإبراهيم خفيف ثقيل بالسّبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. و ذكر حبش أيضا أنّ فيها لابن مسجح خفيف رمل بالوسطى. و ذكر عمرو بن بانة أن لابن محرز فيها خفيف ثقيل بالوسطى.

و مما يغنّى فيه من أشعار عمر بن أبي ربيعة التي قالها في الثريّا من القصيدة التي أوّلها «من رسولي»(3):

صوت

و تبدّت حتّى إذا جنّ قلبي *** حال دوني ولائد(4) بالثّياب(5)

يا خليليّ فاعلما أنّ قلبي *** مستهام بربّة المحراب(6)

ص: 199


1- الأعرابيّ: واحد الأعراب و هم سكان البادية الذين ينتجعون الكلأ و يتتبّعون مساقط الغيث، سواء أ كانوا من العرب أم من مواليهم. و أما العربيّ فهو خلاف العجميّ سواء أ كان من سكان البادية أم الحاضرة. و الأعرابيّ إذا قيل له: يا عربيّ فرح لذلك و هشّ له؛ و العربيّ إذا قيل له: يا أعرابي غضب له.
2- كذا في أكثر النسخ، و لم نعثر على ضبطه. و في «شرح القاموس» مادة «جزى»: أنه سمى بجزيّ كسمىّ و بجزيّ كعديّ. و في ح، ر: «حزن» و في ت: «حزين». و في الطبري طبع مدينة ليدن رقم 2 ص 1174: «جزء» بالهمز. و في «العقد الفريد» ج 2 ص 327: «حربى». و قد ورد أنه سمى بكل ذلك.
3- البيتان الآتيان و البيتان اللذان بعدهما من قصيدة أخرى له مطلعها: شاق قلبي تذكر الأحباب و اعترتني نوائب الأطراب الأطراب: جمع طرب؛ قال ذو الرمة: استحدث الركب عن أشياعهم خبرا أم راجع القلب من أطرابه طرب
4- الولائد هنا: الإماء، واحدته وليدة.
5- في «ديوانه»: فتراءت حتى إذا جنّ قلبي سترتها ولائد بالثياب
6- المحراب هنا: الغرفة؛ قال وضّاح اليمن: ربة محراب إذا جئتها لم ألقها أو أرتقي سلّما و الغرفة لا تكون في الطبقة الأولى من الدار بل فيما بعدها.

الغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو. و منها:

صوت

اقتليني قتلا سريعا مريحا *** لا تكوني عليّ سوط عذاب(1)

شفّ عنها محقّق(2) جنديّ(3) *** فهي كالشمس من خلال السّحاب

الغناء للغريض ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو. و منها:

صوت

قال لي صاحبي ليعلم ما بي *** أ تحبّ البتول أخت الرّباب(4)

قلت وجدي بها كوجدك بالما *** ء إذا منعت برد الشّراب

الغناء لمالك رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق. و منها:

صوت

أذكرتني من بهجة الشمس لمّا *** برزت من دجنّة و سحاب

أزهقت أمّ نوفل إذ دعتها *** مهجتي، ما لقاتلي من متاب

حين قالت لها أجيبي فقالت *** من دعاني؟ قالت أبو الخطّاب

الغناء للغريض خفيف رمل عن الهشاميّ و حمّاد بن إسحاق.

و منها:

صوت

مرحبا ثم مرحبا بالّتي قا *** لت غداة الوداع عند الرّحيل(5)

ص: 200


1- كذا في «ديوانه». و في الأصول: اقتليه قتلا سريحا مريحا لا تكوني عليه سوط عذاب و رواية «الديوان» هي المناسبة لبقية الشعر؛ لأن البيت الذي قبله: افعلي بالأسير إحدى ثلاث فأفهميهنّ ثم ردّي جوابي و بعده: أو أقيدي فإنما النفس بالنف س قضاء مفصلا في الكتاب أوصليه وصلا يقرّ عليه إن شرّ الوصال وصل الكذّاب و لعله غنى فيه كما في الأصول. و سريحا: سريعا.
2- محقق: ثوب عليه وشي على صورة الحقق، كما يقال: ثوب مرحّل: عليه تصاوير رحل، و ثوب مرجل: عليه تصاوير رجل. و ثوب ممرجل: فيه صور المراجل. أو هو الثوب المحكم النسج؛ قال الشاعر: تسربل جلد وجه أبيك إنا كفيناك المحققة الرقاقا
3- جنديّ: نسبة إلى الجند، و هو أحد مخاليف اليمن.
4- هذا البيت هو مطلع القصيدة في «ديوانه».
5- في «ديوانه»: «يوم الرحيل».

للثّريّا قولي له أنت همّي *** و منى النّفس خاليا و خليلي(1)

الغناء لابن محرز ثقيل(2) مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. و فيه لابن سريج خفيف/رمل بالوسطى عن عمرو.

/و منها:

صوت

زعموا بأنّ البين بعد غد *** فالقلب مما أزمعوا(3) يجف(4)

تشكو و نشكو ما أشتّ بنا(5) *** كلّ لوشك(6) البين يعترف(7)

حلفوا لقد قطعوا ببينهم *** و حلفت ألفا مثل ما حلفوا(8)

الغناء للغريض خفيف ثقيل بالوسطى.

و منها:

صوت

فلوت رأسها ضرارا(9) و قالت *** لا و عيشي و لو رأيتك متّا(10)

حين آثرت بالمودّة غيري *** و تناسيت وصلنا و مللتا

قد وجدناك إذ خبرت(11) ملولا *** طرفا(12) لم تكن كما كنت قلتا

ص: 201


1- في «ديوانه» المخطوط: «و الخليل» معطوفا على النفس. و في «ديوانه» المطبوع: «و الجليل» و هو تصحيف.
2- في ت: «خفيف ثقيل مطلق».
3- في «ديوانه»: «أحدثوا».
4- و جف القلب يجف كوعد يعد: خفق و اضطرب، قال تعالى: (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وٰاجِفَةٌ).
5- كذا في ت، ح. و المعنى: نشكو ما فرّق مذاهبنا بنا. و في ب، س: تشكو و أشكو ما أجد بنا. و في سائر النسخ: تشكو و أشكو ما أحلّ بنا. و في «ديوانه»: نشكو و تشكو بعض ما وجدت.
6- و شك البين: قربه.
7- في ديوانه: «معترف». و يعترف هنا: يصطبر، يقال عرف للأمر و اعترف، إذا صبر، قال قيس بن ذريح: فيا قلب صبرا و اعترافا لما ترى و يا حبها قع بالذي أنت واقع
8- لم يوجد هذا البيت بتلك القصيدة في «ديوانه».
9- كذا في «ديوانه»، ر. و في سائر النسخ: «ضراري» بياء المتكلم.
10- في «ديوانه» المطبوع: و لوت رأسها ضرارا و قالت إذ رأتني اخترت ذلك أنتا و مثله ما في «ديوانه» المخطوط، غير أنه فيه: «و لوت رأسها ضراء...». و كتب بهامشه: «الضراء و الضرر سواء. فقوله ضراء أي لتضرّني بذلك». و لم نجد في «كتب اللغة» ما يؤيد ذلك. فلعله محرّف عن «ضرارا» بالراء.
11- في «ديوانه»: «فوجدناك إذ خبرنا».
12- الطرف: من لا يثبت على امرأة و لا صاحب.

/الغناء لمالك رمل ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو. و فيه لابن سريج خفيف ثقيل عن الهشاميّ، و كذا روته دنانير عن فليح، و قد نسب قوم لحن مالك إلى الغريض. و منها:

صوت

يا خليليّ سائلا الأطلالا *** و محلاّ بالرّوضتين(1) أحالا

- و يروى:

بالبليّين إن أحرن(2) سؤالا

و سفاه لو لا الصّبابة حبسي *** في رسوم الدّيار ركبا عجالا

بعد ما أقفرت من آل الثريّا *** و أجدّت فيها النّعاج ظلالا

الغناء لابن سريج هزج خفيف مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. و فيه لحكم الواديّ ثقيل أوّل من جامع أغانيه. و ذكر ابن دينار(3) أنّ فيه لابن عائشة لحنا لم يذكر طريقته. و ذكر إبراهيم أنّ فيه لدحمان لحنا و لم يجنّسه.

و قال حبش: فيه لإسحاق ثقيل أوّل بالوسطى.

عمر و الثريا و قد نقلها زوجها إلى الشام بعد تزوّجه إياها

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أبو عبد اللّه التّميميّ [يعني أبا العيناء(4)] عن القحذميّ عن أبي صالح السّعديّ قال:

لمّا تزوّج سهيل بن عبد العزيز الثّريّا و نقلها إلى الشام، بلغ عمر بن أبي ربيعة الخبر، فأتى المنزل الذي كانت الثريّا تنزله، فوجدها قد رحلت منه يومئذ، فخرج في أثرها فلحقها على مرحلتين، و كانت قبل ذلك مهاجرته لأمر أنكرته عليه. فلما أدركهم نزل عن فرسه و دفعه إلى غلامه و مشى متنكّرا حتى مرّ بالخيمة، فعرفته الثريّا و أثبتت(5)حركته و مشيته، فقالت لحاضنتها(6): كلّميه، فسلّمت عليه و سألته عن حاله و عاتبته على ما بلغ الثريّا عنه، فاعتذر و بكى، فبكت الثريّا، فقالت: ليس هذا وقت العتاب مع وشك الرّحيل. فحادثها إلى وقت طلوع الفجر ثم ودّعها

ص: 202


1- كذا في أكثر النسخ. و قد أورد ياقوت أسماء روضات كثيرة في بلاد العرب و ذكر أن عددها مائة و ست و ثلاثون روضة، و أنها ترد في الشعر مرة بالإفراد و أخرى بالتثنية و الجمع، فيقال: روضة و روضتان و روضات و رياض، و كل ذلك للضرورة. و لم ندر أيّ الروضات أراد عمر بن أبي ربيعة في شعره، و لكنه يقرب أن تكون هذه الروضة بنواحي المدينة، فلا يبعد أن يكون أراد «روضة آجام» بالبقيع من نواحي المدينة، أو «روضة ذي الخزرج» أو «روضة ذي الغصن» بنواحي المدينة أيضا، أو «روضة ذات كهف» أو «روضة عرينة»، و كل هذه الروضات و كثير غيرها بنواحي المدينة. و في ح، ر، م: «الرومتين» بالميم. و في ت: «الروبتين» بالباء. و لعلهما تحريف، إذ لم نعثر فيما أورده «ياقوت» و «البكري» على هذين الاسمين.
2- يقال: كلمته فما أحار إليّ جوابا، أي مارد جوابا، و كلمته فما أحار سؤالا مثله، قال الأخطل: هلا ربعت فتسأل الأطلالا و لقد سألت فما أحرن سؤالا و في «ديوانه»: «إن أجزن». و في م، أ، ء: «إن أجاروا» و كلاهما تحريف.
3- في ت: «ابن هفان».
4- زيادة في ت.
5- أي عرفتهما حق المعرفة.
6- لحاضنتها: لمربيتها.

و بكيا طويلا، و قام فركب فرسه و وقف ينظر إليهم و هم يرحلون(1)، ثم أتبعهم بصره حتى غابوا، و أنشأ يقول:

يا صاحبيّ قفا نستخبر الطّللا *** عن حال(2) من حلّه بالأمس ما فعلا

فقال لي الرّبع لمّا أن وقفت به *** إنّ الخليط أجدّ(3) البين فاحتملا(4)

و خادعتك النّوى(5) حتى(6) رأيتهم *** في الفجر يحتثّ(7) حادي عيسهم(8) زجلا(9)

//لمّا وقفنا نحيّيهم و قد صرخت *** هواتف البين و استولت بهم أصلا(10)

صدّت بعادا و قالت للّتي معها *** باللّه لوميه في بعض الذي فعلا

و حدّثيه بما حدّثت و استمعي *** ما ذا يقول و لا تعيي به(11) جدلا

حتى يرى أنّ ما قال الوشاة له *** فينا لديه إلينا كلّه نقلا(12)

و عرّفيه به كالهزل و احتفظي *** في بعض(13) معتبة أن تغضبي(14) الرجلا

فإنّ عهدي به و اللّه يحفظه *** و إن أتى الذنب ممن يكره العذلا

لو عندنا اغتيب أو نيلت نقيصته *** ما آب مغتابه من عندنا جذلا

قلت اسمعي فلقد أبلغت في لطف *** و ليس يخفى على ذي اللّبّ من هزلا

ص: 203


1- يرحلون: يشدّون على إبلهم الرحال.
2- في «ديوانه»: «عن بعض».
3- أجدّ البين: اعتزمه.
4- احتمل: ارتحل.
5- النوى: الفراق و البعد.
6- كذا في «ديوانه» و في الأصول: «لما».
7- يحتث: يسوق.
8- في «الديوان»: «عيرهم».
9- زجلا: رافعا صوته في حداء الإبل لتسرع في السير. و أصل الزجل الجلبة و رفع الصوت، و خص به التطريب، و أنشد سيبويه في وصف حمار وحش: له زجل كأنّه صوت حاد إذا طلب الوسيقة أو زمير و ذكره في باب ما يحتمل الشعر من استباحة الضرورة، و هي هنا حذف الواو المبينة لحركة الهاء. في قوله «كأنه». و الوسيقة: أنثاه التي يضمها و يجمعها، من وسقت الشيء: جمعته.
10- في «ديوانه»: لما وقفنا نحييهم و قد شحطت نعامة البين فاستولت بهم أصلا و شحطت نعامة البين: ارتحلوا و فرّقهم البين. و في «اللسان» (مادتي نعم و شال): يقال للقوم إذا ارتحلوا عن منزلهم أو تفرّقوا: قد جفّت نعامتهم و شالت نعامتهم. و الأصل: جمع أصيل و هو العشيّ، و قيل هو مفرد، أنشد ثعلب: و تمذّرت نفسي و لم أزل بدلا نهاري كلّه حتى الأصل فقوله «بدلا نهاري كله» يدل على أن الأصل هاهنا واحد.
11- لا تعيي به جدلا: لا تعجزي في مجادلته.
12- في «ديوانه» المخطوط: في القول فينا و ما قد أكثروا بطلا
13- في «ديوانه»: «في غير».
14- كذا في «ديوانه» و أكثر النسخ. و في ب: «أن تخطئ» و في م، ء، أ: «أن تسخطي».

هذا أرادت به بخلا لأعذرها *** و قد أرى أنها لن تعدم العللا

ما سمّي القلب إلاّ من تقلّبه *** و لا الفؤاد فؤادا غير أن عقلا(1)

/أمّا الحديث الذي قالت أتيت به *** فما عبأت(2) به إذ جاءني حولا(3)

ما إن أطعت(4) بها بالغيب قد علمت *** مقالة الكاشح الواشي إذا محلا(5)

إني لأرجعه فيها بسخطته *** و قد يرى أنّه قد غرّني زللا(6)

و هي قصيدة طويلة مذكورة في شعره.

وفاة الثريّا

اشارة

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ و حبيب بن نصر و محمد بن خلف بن المرزبان قالوا حدّثنا عمر بن شبّة قال أخبرنا محمد بن يحيى قال زعم(7) عبيد بن يعلى قال حدّثني كثير(8) بن كثير السّهميّ قال:

لمّا ماتت الثّريّا أتاني الغريض فقال لي: قل أبيات شعر أنح بها على الثّريّا فقلت:

صوت

ألا يا عين مالك تدمعينا *** أ من رمد بكيت فتكحلينا

أم انت حزينة تبكين شجوا *** فشجوك مثله أبكى العيونا

غنّى الغريض في هذين البيتين لحنا من خفيف الثّقيل الأوّل بالوسطى عن عمرو و يحيى المكيّ و الهشاميّ و غيرهم.

وفاة عمر بن أبي ربيعة

/أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عبد الجبّار بن سعيد المساحقيّ قال

ص: 204


1- قال في «اللسان»: و التفؤد: التوقد، و الفؤاد: القلب لتفؤده و توقده. و قال في «القاموس» و «شرحه»: و التفؤد: التحرّق و التوقد، و منه الفؤاد: للقلب، لأنّ عقل الفؤاد للمعلومات نتيجة اشتغاله و توقده و تحرّكه و جولته فيها حتى يمحصها و يميز الصحيح من الفاسد و الحق من الباطل.
2- كذا في «ديوانه» المخطوط. و في «ديوانه» المطبوع: «عنيت» في الأصول: «غلبت».
3- كذا في «ديوانه». و الحول: الحيلة. يريد أن الحديث الذي أوصله إليّ الوشاة لم أعبأ به لأنه ليس إلا حيلة لصرف القلب عن حبها. و في الأصول: «تبلا» و لا معنى له.
4- في «ديوانه»: «و ما أقر بالغيب الخ».
5- محل به عند السلطان أو ذي جاه: كاده و سعى به عنده.
6- أي يرى أنه قد أوقعني في الخطيئة و الزلل.
7- في ح، ر: «قال حدّثنا عمر بن عبيد بن يعلى». و لم نعثر على هذين الاسمين في «كتب التراجم». و قد تكرر هذا السند بعينه مرة أخرى في هذه الحكاية نفسها في الجزء الثاني في أخبار الغريض.
8- هو كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة القرشيّ السهميّ المكيّ، كما في «تهذيب التهذيب» و لم يضبطه. و قد اعتمدنا في ضبطه على ما ورد في كتاب المغني المطبوع على هامش «تقريب التهذيب» في الكلام على يحيى بن كثير من أنه بكاف مفتوحة و كسر الثاء المثلثة، و قال: و كذا كثير بن كثير و جعفر بن كثير ا ه.

حدّثني إبراهيم بن يعقوب بن أبي عبد اللّه عن أبيه عن جدّه عن ثعلبة بن عبد اللّه بن صعير(1):

أنّ عمر بن أبي ربيعة نظر في الطّواف إلى امرأة شريفة، فرأى أحسن خلق اللّه صورة، فذهب عقله عليها، و كلّمها فلم تجبه، فقال فيها:

الرّيح تسحب أذيالا و تنشرها *** يا ليتني كنت ممّن تسحب الريح

كيما تجرّبنا(2) ذيلا فتطرحنا *** على الّتي دونها مغبرّة(3) سوح(4)

أنّى بقربكم أم كيف لي بكم *** هيهات ذلك ما أمست لنا روح

فليت ضعف الذي ألقى يكون بها *** بل ليت ضعف الذي ألقى تباريح(5)

إحدى بنيّات عمّي دون منزلها *** أرض بقيعانها القيصوم(6) و الشّيح

//فبلغها شعره فجزعت منه. فقيل لها: اذكريه لزوجك، فإنه سينكر عليه قوله. فقالت: كلاّ و اللّه لا أشكوه إلا إلى اللّه. ثم قالت: اللّهم إن كان نوّه باسمي ظالما فاجعله طعاما للريح. فضرب الدهر من ضربه(7)، ثم إنه غدا يوما على فرس فهبّت ريح فنزل فاستتر بسلمة(8)، فعصفت الريح فخدشه غصن منها فدمي و ورم به و مات من ذلك.

ص: 205


1- كذا في «تهذيب التهذيب» و «تقريب التهذيب» و «شرح القاموس». و فيء، ح: «صقر». و في م: «صفر». و في ر: «صفوان» و في سائر النسخ: «صعر» و كلها تحريف. قال في «تهذيب التهذيب»: ثعلبة بن صعير و يقال ابن عبد اللّه بن صعير و يقال ابن أبي صعير و يقال عبد اللّه بن ثعلبة بن صعير العذريّ. و قال الدارقطنيّ: الصواب فيه عبد اللّه بن ثعلبة بن أبي صعير، لثعلبة صحبه و لعبد اللّه رؤية ا ه.
2- يجوز في الفعل الواقع بعد «كيما» وجهان الرفع على أن «ما» كافة لكي عن العمل، و النصب على أن «ما» زائدة و كي عاملة فيما بعدها. و قد روي بالوجهين: إذا أنت لم تنفع فضرّ فإنما يرجّى الفتى كيما يضرّ و ينفع
3- مغبرة، يريد بها الفلاة المجدبة.
4- سوح: جمع ساحة و هي الفضاء.
5- تباريح الشوق: توهجه. قال السيد محمد مرتضى: قال شيخنا و هو من الجموع التي لا مفرد لها، و قيل: مفرده تبريح، و استعمله المحدثون و ليس يثبت.
6- قال في «اللسان»: القيصوم: ما طال من العشب، ثم قال: و القيصوم من نبات السهل. قال أبو حنيفة: القيصوم من الذكور و من الأمرار، و هو طيب الرائحة من رياحين البر و ورقة هدب و له نورة صفراء، و هي تنهض على ساق و تطول.
7- يقال: ضرب الدهر ضربانه و من ضربانه و من ضربه، أي مر من مروره و ذهب بعضه. و المراد أنه مرت مدّة من الدهر وقع فيها بعض حوادثه.
8- السلم: شجر من العضاه و ورقه القرظ الذي يدبغ به الأديم. و في ت، ر: «بقفلة». و القفلة واحدة القفل، و هو الشجر اليابس و لا ينبت إلا بمنجاة من السيل. و في ح: «بمقلة» و المقلة واحدة المقل و هو حمل الدوم، و هي شجرة تشبه النخلة، و هو غير مناسب، فلعله محرّف عن «قفلة».

4 - أخبار ابن سريج و نسبه

نسب ابن سريج و شيء من أوصافه

هو عبيد(1) بن سريج، و يكنّى أبا يحيى، مولى بني نوفل بن عبد مناف. و ذكر ابن الكلبيّ عن أبيه و أبي مسكين أنه مولى لبني الحارث بن عبد المطّلب.

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا محمد بن يحيى أبو غسّان قال: ابن سريج مولى لبني ليث، و منزله(2) مكة.

و أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: سألت الحسن بن عتبة اللّهبيّ عن ابن سريج فقال: هو مولى لبني عائذ بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم. و في بني عائذ يقول الشاعر:

فإن تصلح فإنّك عائذيّ *** و صلح العائذيّ إلى فساد

/قال إسحاق: و قال سلمة بن نوفل بن عمارة: ابن سريج مولى عبد الرحمن بن أبي حسين بن الحارث بن نوفل، أو ابن عامر بن الحارث بن نوفل بن عبد مناف.

أخبرني أحمد بن عبد العزيز عن أبي أيّوب المدينيّ(3) قال: ذكر إبراهيم بن زياد بن عنبسة بن سعيد بن العاص:

أنّ ابن سريج كان آدم أحمر ظاهر الدّم سناطا(4) في عينيه قبل(5)، بلغ خمسا و ثمانين سنة، و صلع فكان يلبس جمّة(6) مركّبة، و كان أكثر ما يرى مقنّعا(7)، و كان منقطعا إلى عبد اللّه بن جعفر.

و قال ابن الكلبيّ عن أبيه قال: كان ابن سريج مخنّثا أحول أعمش يلقّب «وجه الباب»، و صلع فكان يلبس جمّة، و كان لا يغنّي إلا مقنّعا يسبل القناع على وجهه.

و قال ابن الكلبيّ عن أبيه و أبي مسكين: كان ابن سريج أحسن الناس غناء، و كان يغنّي مرتجلا و يوقع بقضيب، و غنّى في زمن عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه، و مات في خلافة هشام بن عبد الملك.

ص: 206


1- كذا في ح، ر، أ. و في ب، س: «عبيد اللّه». و في سائر النسخ: «عبد اللّه» و كذلك في ترجمته في الجزء الرابع من نهاية «الأرب» و سيأتي فيما بعد أن النسخ متفقة على «عبيد بن سريج».
2- في ح، ر: «و ولد بمكة».
3- في ح، ر: «المدني».
4- السناط: الذي لا لحية له أو الخفيف العارض أو من لحيته بالذقن و ليس بالعارضين شيء.
5- القبل في العين: إقبال إحدى الحدقتين على الأخرى.
6- الجمة: مجتمع شعر الرأس. و المراد أنه كان يلبس شعرا مصطنعا. و في ح، ر: «كمة» و الكمة: القلنسوة المدوّرة.
7- مقنعا: لابسا القناع و هو ما يوضع على الرأس.

قال إسحاق: و كان الحسن بن عتبة اللّهبيّ يروي مثل ذلك فيه. و ذكر أنّ قبره بنخلة(1) قريبا من بستان ابن عامر(2).

/قال إسحاق و حدّثني الهيثم بن عديّ عن صالح بن حسّان قال: كان عبيد بن سريج من أهل مكة و كان أحسن الناس غناء. قال إسحاق قال عمارة بن أبي طرفة الهذليّ: سمعت ابن جريج يقول: عبيد بن سريج من أهل مكة مولى آل خالد بن أسيد.

قال إسحاق و حدّثني إبراهيم بن زياد عن أيّوب بن سلمة المخزوميّ قال: كان في عين ابن سريج قبل حلو لا يبلغ أن يكون حولا، و غنّى في خلافة عثمان رضي اللّه عنه، و مات بعد قتل الوليد بن يزيد، و كان له صلع في جبهته، و كان يلبس جمّة مركّبة فيكون فيها أحسن شيء، و كان يلقّب «وجه الباب» و لا يغضب من ذلك، و كان أبوه تركيّا.

و قال أبو أيّوب المدينيّ: كان ابن سريج، فيما روينا عن جماعة من المكّيّين، مولى بني جندع بن ليث بن بكر، و كان إذا غنّى سدل قناعه على وجهه حتى لا يرى حوله(3)، و كان/يوقع بقضيب و قيل: إنه كان يضرب بالعود، و كانت علّته التي مات منها الجذام.

ابن سريج أوّل من ضرب بالعود الفارسي على الغناء العربي

قال إسحاق و حدّثني أبي(4) قال: أخبرني من رأى عود ابن سريج و كان على صنعة عيدان الفرس، و كان ابن سريج أوّل من ضرب به على الغناء العربيّ بمكة. و ذلك أنه رآه مع العجم الذين قدم بهم ابن الزّبير لبناء الكعبة، فأعجب أهل مكة غناؤهم. فقال ابن سريج: أنا أضرب به على غنائي، فضرب به فكان أحذق الناس.

أمّ ابن سريج

قال إسحاق و ذكر الزّبيريّ: أنّ أمّ ابن سريج مولاة لآل المطلّب يقال لها «رائقة»، و قيل: بل أمّه هند أخت رائقة، فمن ثمّ قيل: إنه مولى بني المطلّب بن/حنطب. و كان ابن سريج بعد وفاة عبد اللّه بن جعفر قد انقطع إلى الحكم بن المطّلب بن عبد اللّه بن المطلّب بن حنطب أحد بني مخزوم، و كان من سادة قريش و وجوهها. و أخذ ابن سريج الغناء عن ابن مسجح.

الأشخاص المعدودون أصولا للغناء العربيّ

قال إسحاق: و أصل الغناء أربعة نفر: مكّيّان و مدنيّان، فالمكّيان: ابن سريج و ابن محرز، و المدنيان: معبد و مالك.

أوّل شهرة ابن سريج بالغناء

قال إسحاق: و قال سلمة بن نوفل بن عمارة: أخبرني بذلك من شئت من مشيختنا: أنّ يوما شهر فيه ابن

ص: 207


1- المراد بها نخلة اليمانية، و هي واد يصبّ فيه يدعان و به مسجد لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و به عسكرت هوازن يوم حنين.
2- بستان ابن عامر، هو مجتمع النخلتين، و كذلك يسميه العامة. و الصواب فيه بستان بن معمر، لأنه كان لعمر بن عبيد اللّه بن معمر.
3- في ح، ر: «لا يؤبه له» و هو تحريف.
4- كذا في ح، ر، ب، س. و في سائر النسخ: «الأصمعيّ».

سريج بالغناء في ختان ابن مولاه عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي حسين(1). قال لأمّ الغلام: خفّضي عليك بعض الغرم و الكلفة، فو اللّه لألهينّ نساءك حتى لا يدرين ما جئت به و لا ما عزمت عليه.

شهادة هشام بن المربّة في ابن سريج

قال إسحاق: و سألت هشام بن المرّيّة، و كان قد عمّر، و كان عالما بالغناء فلا يبارى فيه، فقلت له: من أحذق الناس بالغناء؟ فقال لي: أ تحبّ الإطالة أم الاختصار؟ فقلت: أحبّ الاختصار الذي يأتي على سؤالي. قال: ما خلق اللّه تعالى بعد داود النبيّ عليه الصلاة و السّلام أحسن صوتا من ابن سريج، و لا صاغ اللّه عزّ و جلّ أحدا أحذق منه بالغناء، و يدلّك على ذلك أن معبدا كان إذا أعجبه غناؤه قال: أنا اليوم سريجيّ.

شهادة يونس بن محمد الكاتب فيه

قال و أخبرني إبراهيم - يعنى أباه - قال: أدركت يونس بن محمد الكاتب فحدّثني عن الأربعة: ابن سريج و ابن محرز و الغريض و معبد. فقلت له: من أحسن الناس غناء؟ فقال: أبو يحيى. قلت: عبيد بن سريج؟ قال نعم. قلت: و كيف ذاك؟ قال: إن شئت فسّرت لك، و إن شئت أجملت. قلت: أجمل. قال: كأنه خلق من كلّ قلب، فهو يغنّي لكل إنسان ما يشتهي.

شهادة إبراهيم الموصليّ فيه

أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال قال حمّاد بن إسحاق: أخبرني أبي عن الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك قال: سألت إبراهيم الموصليّ ليلة و قد أخذ منه النبيذ: من أحسن الناس غناء؟ فقال لي: من الرجال أم من النساء؟ فقلت: من الرجال. فقال: ابن محرز. قلت: و من النساء؟ قال: ابن سريج. ثم قال لي: إن(2) كان ابن سريج إلاّ كأنّه خلق من كلّ قلب فهو يغنّي له ما يشتهي!

شهادة إسحاق الموصليّ فيه

أخبرني جحظة قال حدّثني عليّ بن يحيى المنجّم قال: أرسلني محمد بن الحسين(3) بن مصعب إلى إسحاق أسأله عن لحنه و لحن ابن سريج في:

تشكّى الكميت الجري لمّا جهدته أيّهما أحسن؟ فصرت إليه فسألته عن ذلك، فقال لي: يا أبا الحسن، و اللّه لقد أخذت بخطام راحلته فزعزعتها(4) و أنختها و قمت بها فما بلغته. فرجعت إلى محمد ابن الحسين فأخبرته؛ فقال: و اللّه إنه ليعلم أنّ لحنه /أحسن من لحن ابن سريج، و لقد تحامل لابن سريج على نفسه، و لكن لا يدع تعصّبه للقدماء. و قد أخبرنا يحيى بن عليّ بن يحيى هذا الخبر عن أبيه، فذكر نحو ما ذكره جحظة في خبره و لم يقل: أرسلني محمد بن الحسين إلى إسحاق. و قال جحظة في خبره: قال عليّ بن يحيى: و قد صدق محمد بن الحسين؛ لأنه قلّما غنّي في صوت

ص: 208


1- في ت: «ابن أبي حسان» و هو تحريف، إذ هو عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي حسين بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف النوفليّ، المكيّ كما في «كتب التراجم».
2- «إن» نافية.
3- في ت: «الحسن».
4- كذا في ت، خ، ر و معناه حرّكتها و سقتها سوقا عنيفا. و في سائر النسخ: «فذعرتها». و الذعر: الخوف. و المراد أني حثثتها و أخفتها فسارت سيرا شديدا.

واحد لحنان فسقط خيرهما، و الذي في أيدي الناس الآن من اللحنين لحن إسحاق، و قد ترك لحن ابن سريج، فقلّ من يسمعه إلا من العجائز المتقدّمات و مشايخ المغنّين. هذا أو نحوه(1).

لحن إسحاق في تشكى الكميت... مأخوذ من لحن الأبجر في يقولون. أبكاك البيت

و أخبرني يحيى بن عليّ قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ عن إبراهيم بن عليّ بن هشام قال: يقولون: إنّ ابتداء غناء إسحاق الذي في(2):

تشكّى الكميت الجري لمّا جهدته

أنّما أخذه من صوت الأبجر:

يقولون ما أبكاك(3) و المال غامر(4)

نسبة هذا الصوت

صوت

يقولون ما أبكاك و المال غامر *** عليك و ضاحي(5) الجلد منك كنين(6)

فقلت لهم لا تسألوني و انظروا *** إلى الطّرب النّزاع(7) كيف يكون

غنّاه الأبجر ثقيلا أوّل بالبنصر، عن عمرو و دنانير. و ذكر الهشاميّ أنّ فيه لعزّة المرزوقيّة(8) ثاني ثقيل بالوسطى.

مولد ابن سريج و وفاته و كيف اشتغل بالغناء بعد أن كان نائحا

أخبرني رضوان بن أحمد الصّيدلانيّ قال حدّثنا يوسف بن إبراهيم قال حدّثني إبراهيم بن المهديّ قال حدّثني إسماعيل بن جامع عن سياط قال:

/كان ابن سريج أوّل من غنّى الغناء المتقن بالحجاز بعد طويس، و كان مولده في خلافة عمر بن الخطّاب، و أدرك يزيد بن عبد الملك و ناح عليه، و مات في خلافة هشام. قال: و كان قبل أن يغنّي نائحا و لم يكن مذكورا، حتى ورد الخبر مكة بما فعله مسرف(9) بن عقبة بالمدينة، فعلا على أبي قبيس و ناح بشعر هو اليوم داخل في أغانيه، و هو:

ص: 209


1- يريد: قال هذا أو قريبا منه.
2- في ت، ح، ر: «الذي فيه الصياح في... الخ».
3- كذا في ا، ء، م. و في سائر النسخ: «أبلاك» أي ما الذي أصابك بهذا الشرّ و أوقعك في هذا البلاء.
4- غامر: كثير. و أصله من غمره الماء إذا غطاه.
5- ضاحي الجلد: عاريه الذي يتعرّض للشمس.
6- كنين: مكنون مستور.
7- نزعت نفسه إلى الشيء نزاعا و نزوعا: حنّ إليه و اشتاق.
8- في ح، ر: «عزة الميلاء». و عزة المرزوقية غير عزة الميلاء، و إن كنا لم نعثر لها على ترجمة خاصة. (انظر الكلام على الغناء في «لمن الديار عرفتها...» البيت في الجزء الحادي عشر من «الأغاني» في أخبار محمد بن أميّة و أخيه على بن أميّة).
9- هو لقب مسلم بن عقبة المرّي صاحب وقعة الحرّة الذي وجهه يزيد بن معاوية في جيش عظيم لقتال ابن الزبير بالمدينة، فقاتل أهلها و هزمهم و أباح المدينة ثلاثة أيام. و قد لقّب مسرفا لأنه أسرف في القتل في هذه الوقعة. قال عليّ بن عبد اللّه بن عباس: و هم منعوا ذماري يوم جاءت كتائب مسرف و بنو اللكيعة (و قد تقدمت الإشارة إلى هذه الوقعة في هذا الجزء ص 23-26).

يا عين

جودي بالدّموع السّفاح(1)*** و ابكي على قتلى قريش البطاح(2)

/فاستحسن الناس ذلك منه، و كان أوّل ما ندب(3) به.

قال ابن جامع: و حدّثني جماعة من شيوخ أهل مكة أنهم حدّثوا: أنّ سكينة بنت الحسين عليهما السّلام بعثت إلى ابن سريج بشعر أمرته أن يصوغ فيه لحنا يناح به، فصاغ فيه، و هو الآن داخل في غنائه. و الشعر:

يا أرض ويحك أكرمي أمواتي *** فلقد ظفرت بسادتي و حماتي

فقدّمه ذلك عند أهل الحرمين على جميع ناحة مكة و المدينة و الطائف.

قال و حدّثني ابن جامع و ابن أبي الكنّات(4) جميعا: أن سكينة(5) بعثت إليه بمملوك لها يقال له عبد الملك، و أمرته أن يعلّمه النّياحة، فلم يزل يعلّمه مدّة طويلة، ثم توفّي عمّها أبو القاسم محمد بن الحنفيّة عليه السّلام، و كان ابن سريج عليلا علّة صعبة فلم يقدر على النّياحة. فقال لها عبدها عبد الملك: أنا أنوح لك نوحا أنسيك به نوح ابن سريج. قالت: أو تحسن ذاك؟ قال نعم. فأمرته/فناح؛ فكان نوحه في الغاية من الجودة، و قال النساء: هذا نوح غريض؛ فلقّب عبد الملك الغريض. و أفاق ابن سريج من علّته بعد أيام و عرف خبر وفاة ابن الحنفيّة، فقال لهم:

فمن/ناح عليه؟ قالوا: عبد الملك غلام سكينة. قال: فهل جوّز(6) الناس نوحه؟ قالوا: نعم و قدّمه بعضهم عليك. فحلف ابن سريج ألاّ ينوح بعد ذلك اليوم، و ترك النوح و عدل إلى الغناء، فلم ينح حتى ماتت حبابة(7)،

ص: 210


1- السفاح: جمع سافح من سفح الدمع سفحا و سفوحا و سفحانا: انصبّ. و يقال أيضا: سفحت العين الدمع سفحا و سفوحا، إذا أرسلته.
2- البطاح: جمع بطحاء. و البطحاء: مسيل فيه دقاق الحصى. و قريش البطاح كما قال ابن الأعرابي: الذين ينزلون الشعب بين أخشبي مكة، و قريش الظواهر: الذين ينزلون خارج الشعب، و أكرمهما قريش البطاح. و قال الزبير بن أبي بكر: قريش البطاح بنو كعب بن لؤيّ، و قريش الظواهر ما فوق ذلك، سكنوا البطحاء و الظواهر. و قبائل بني كعب منهم عديّ و جمح و سهم و تيم و مخزوم و زهرة و أسد و عبد مناف، كل هؤلاء قريش البطاح. و أما قريش الظواهر فهم بنو عامر بن لؤيّ؛ و إنما سموا بذلك لأن قريشا اقتسموا فأصاب الأوّلون البطحاء و أصاب الآخرون الظواهر. فهذا تعريف للقبائل لا للمواضع، فإن البطحاويين لو سكنوا الظواهر كانوا بطحاويين، و كذلك الظواهر لو كانوا سكنوا البطحاء كانوا ظواهر. و قد جمعا معا في قول الشاعر: فلو شهدتني من قريش عصابة قريش البطاح لا قريش الظواهر و قد قيل بصيغة الجمع و ليس في مكة إلا بطحاء واحدة، لأن العرب تتوسع في كلامها و شعرها فتجعل الواحد جمعا و مثنى، و ينقلون الألقاب و يغيرونها لتستقيم لهم الأوزان، قال أبو تمام يمدح الواثق: يسمو بك السفاح و المنصور و ال مهديّ و المعصوم و المأمون و أراد بالمعصوم المعتصم. و قال ابن نباته: فأقام باللورين حولا كاملا يترقب القدر الذي لم يقدر و ما في البلاد إلا اللور المعروفة. و إذا صح بإجماع أهل اللغة أن البطحاء الأرض ذات الحصى، فكل قطعة من تلك الأرض بطحاء. (انظر «ياقوت» في مادة البطاح و «ديوان» أبي تمام طبع مصر ص 330).
3- كذا في ب، س، ح، ر. و في سائر النسخ: «فكان أوّل ما قدّم به».
4- لم نعثر على ضبطه، و قد ورد ذكره في نهاية «الأرب» للنويري في الجزء الرابع في ترجمته: «الكبات» بالباء. و الكنة: زوج الابن أو الأخ. و ستأتي ترجمته في الجزء السابع عشر من «الأغاني».
5- تقدم في ص 211 من هذا الجزء: أن الثريا بنت عليّ بن عبد اللّه بن الحارث هي التي ربّت الغريض المغنّي و علمته النوح بالمراثي على من قتله يزيد بن معاوية من أهلها يوم الحرّة.
6- أي أساغوا له ذلك و ارتضوه.
7- ضبط في «الكامل» لابن الأثير طبع بولاق جزء 5 صفحة 50 سطر 3 بتخفيف الباء الموحدة، إذ يقول: سلامة بتشديد اللام، و حبابة بتخفيف الباء الموحدة، و ذلك في ذكره لسيرة يزيد بن عبد الملك. و في ترجمة حبابة في الجزء الثالث عشر من «الأغاني» شعر يدل على أنه بتخفيف الباء أيضا و هو: أبلغ حبابة أسقى ربعها المطر ما للفؤاد سوى ذكراكم و طر إن سار صحبي لم أملك تذكركم أو عرّسوا فهموم النفس و السهر

و كانت قد أخذت عنه و أحسنت إليه فناح عليها، ثم ناح بعدها على يزيد بن عبد الملك، ثم لم ينح بعده حتى هلك.

قال: و لمّا عدل ابن سريج عن النّوح إلى الغناء عدل معه الغريض إليه، فكان لا يغنّي صوتا إلا عارضه فيه.

ابن سريج و عطاء بن أبي رباح

اشارة

أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلانيّ قال حدّثنا يوسف بن إبراهيم قال:

حدّث(1) إسحاق بن إبراهيم الموصليّ أبا إسحاق إبراهيم بن المهديّ و أنا حاضر أنّ يحيى المكّيّ حدّثه أن عطاء بن أبي رباح لقي ابن سريج بذي طوىّ(2)، و عليه ثياب مصبّغة و في يده جرادة مشدودة الرّجل بخيط يطيّرها و يجذبها به كلّما تخلّفت(3)؛ فقال له عطاء: يا فتّان، أ لا تكفّ عما أنت عليه! كفى اللّه الناس مئونتك. فقال ابن سريج: و ما على الناس من تلويني ثيابي و لعبي بجرادتي؟ فقال له: تفتنهم أغانيك/الخبيثة. فقال له ابن سريج:

سألتك بحقّ من تبعته من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و بحقّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليك، إلاّ ما سمعت منّي بيتا من الشعر، فإن سمعت منكرا أمرتني بالإمساك عما أنا عليه. و أنا أقسم باللّه و بحقّ هذه البنيّة لئن أمرتني بعد استماعك منّي بالإمساك عما أنا عليه لأفعلنّ ذلك. فأطمع ذلك عطاء في ابن سريج، و قال: قل. فاندفع يغنّي بشعر جرير:

صوت

إنّ الذين غدوا بلبّك غادروا *** و شلا(4) بعينك لا يزال معينا(5)

غيّضن(6) من عبراتهنّ و قلن لي *** ما ذا لقيت من الهوى و لقينا

- لحن ابن سريج هذا(7) ثقيل أوّل بالوسطى عن ابن المكّيّ و الهشاميّ، و له أيضا فيه رمل. و لإسحاق فيه رمل آخر بالوسطى. و فيه هزج بالوسطى ينسب إلى ابن سريج و الغريض - قال: فلمّا سمعه عطاء اضطرب اضطرابا شديدا و دخلته أريحيّة، فحلف ألاّ يكلّم أحدا بقية يومه إلا بهذا الشّعر، و صار إلى مكانه من المسجد الحرام؛ فكان كلّ من يأتيه سائلا عن حلال أو حرام أو خبر من الأخبار، لا يجيبه إلا بأن يضرب إحدى يديه على الأخرى و ينشد

ص: 211


1- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «قال حدّثنا يوسف بن إبراهيم قال حدّثنا إسحاق الموصليّ أن أبا إسحاق إبراهيم بن المهديّ قال الخ» و هو من تحريف النساخ.
2- ذو طوى: موضع عند مكة.
3- في ت: «تحلقت» و لم نجد فيما بين أيدينا من «كتب اللغة» هذه الصيغة بمعنى حلق الطائر إذا ارتفع في الهواء و استدار كهيئة الحلقة. و يستأنس لذلك بما ورد في شعر مهيار الديلميّ في قوله: و زاد عزا أنفسا تحلّقت فوق السها و ما انتهت أقدارها
4- الوشل: الماء و الدمع القليل و الكثير. و المراد هنا الدمع الكثير.
5- المعين: الجاري السائل على وجه الأرض. و قد قيل في اشتقاقه إنه اسم مفعول من عان الماء: أساله. و قيل هو اسم مفعول لا فعل له، و قيل هو صفة مشبهة من معن الماء يمعن فهو معين إذا جرى و سال. (انظر «اللسان» مادتي عين و معن).
6- غيضن من عبراتهن: أرسلن دموعهن حتى نزفنها.
7- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «لحن ابن سريج هذا الصوت ثقيل أوّل الخ».

هذا الشّعر(1) حتى صلّى المغرب، و لم يعاود ابن سريج بعد هذا و لا تعرّض له.

ابن سريج و يزيد ابن عبد الملك

أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه، و أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني الفضل بن محمد اليزيديّ قال حدّثني إسحاق عن ابن جامع عن سياط عن يونس الكاتب قال:

لمّا قال عمر بن أبي ربيعة:

نظرت إليها بالمحصّب من منى *** و لي نظر لو لا التّحرّج عارم

غنّى فيه ابن سريج.

قال: و حجّ يزيد بن عبد الملك في تلك السنة بالناس، و خرج عمر بن أبي/ربيعة و معه ابن سريج على نجيبين رحالتاهما(2) ملبستان بالدّيباج، و قد خضبا النجيبين و لبسا حلّتين، فجعلا يتلقّيان الحاجّ و يتعرّضان للنساء إلى أن أظلم الليل، فعدلا إلى كثيب مشرف و القمر طالع يضيء، فجلسا على الكثيب، و قال عمر لابن سريج: غنّني صوتك الجديد؛ فاندفع يغنّيه، فلم يستتمّه إلا و قد طلع عليه رجل راكب على فرس عتيق، فسلّم ثم قال: أ يمكنك - أعزّك اللّه - أن تردّ هذا الصوت؟ قال: نعم و نعمة عين(3)، على أن تنزل و تجلس معنا. قال: أنا أعجل من ذلك، فإن أجملت و أنعمت أعدته! و ليس عليك من وقوفي شيء و لا مئونة، فأعاده. فقال له: باللّه أنت ابن سريج؟ قال نعم. قال: حيّاك اللّه! و هذا عمر بن أبي ربيعة؟ قال نعم. قال: حيّاك اللّه يا أبا الخطّاب! فقال له: و أنت فحيّاك اللّه! قد عرفتنا فعرّفنا نفسك. قال: لا يمكنني ذلك. فغضب ابن سريج و قال: و اللّه لو كنت يزيد بن عبد الملك لما زاد. فقال له: أنا يزيد بن عبد الملك. فوثب إليه عمر فأعظمه، /و نزل ابن سريج إليه فقبّل ركابه؛ فنزع حلّته و خاتمه فدفعهما إليه، و مضى يركض حتى لحق ثقله. فجاء بهما ابن سريج إلى عمر فأعطاه إياهما، و قال له: إنّ هذين بك أشبه منهما بي. فأعطاه عمر ثلاثمائة دينار و غدا فيهما إلى المسجد، فعرفهما الناس و جعلوا يتعجّبون و يقولون: كأنهما و اللّه حلّة يزيد بن عبد الملك و خاتمه، ثم يسألون عمر عنهما فيخبرهم أنّ يزيد بن عبد الملك كساه ذلك.

و أخبرني بهذا الخبر جعفر بن قدامة أيضا قال و حدّثني ابن عبد اللّه بن أبي سعيد قال حدّثني عليّ بن الصّبّاح عن ابن الكلبيّ قال:

غناء ابن سريج في طريق الحاج و وقفه الناس بحسن غنائه

اشارة

حجّ عمر بن أبي ربيعة في عام من الأعوام على نجيب له مخضوب بالحنّاء مشهّر الرّحل بقراب(4)

ص: 212


1- في أ، م، ب، س: «هذا الصوت».
2- الرحالة: سرج من جلود لا خشب فيه يتخذ للركض الشديد يكون للخيل و النجائب من الإبل. و في ب، س: «راحلتاهما» و هو تحريف.
3- نعمة عين: مثلثة النون. قال سيبويه: نصبوه على إضمار الفعل المتروك إظهاره أي أفعل ذلك كرامة لك و إنعاما لعينك (أي قرّة لها).
4- قال الأزهريّ: قراب السيف: شبه جراب من أدم يضع الراكب فيه سيفه بجفنه و سوطه و عصاه و أداته. و قال ابن الأثير: هو شبه الجراب يطرح فيه الراكب سيفه بغمده و سوطه و قد يطرح فيه زاده من تمر و غيره.

مذهب(1)، و معه عبيد بن سريج على بغلة له شقراء، و معه غلامه جنّاد يقود فرسا له أدهم(2) أغرّ محجّلا، و كان عمر بن أبي ربيعة يسمّيه «الكوكب»، في عنقه طوق ذهب - و جنّاد هذا هو الذي يقول فيه:

صوت

فقلت لجنّاد خذ السيف و اشتمل *** عليه برفق و ارقب الشمس تغرب

و أسرج لي الدّهماء و اعجل بممطري(3) *** و لا تعلمن خلقا من الناس مذهبي

الغناء لزرزر(4) غلام المارقيّ خفيف ثقيل و هو أجود صوت صنعه - قال: و مع عمر جماعة من حشمه و غلمانه و مواليه و عليه حلّة موشيّة يمانية، و على ابن سريج/ثوبان هرويّان(5) مرتفعان، فلم يمرّوا بأحد إلاّ عجب من حسن هيئتهم، و كان عمر من أعطر الناس و أحسنهم هيئة(6)، فخرجوا من مكة يوم التّروية بعد العصر يريدون منّى، فمرّوا بمنزل رجل من بني عبد مناف بمنى قد ضربت عليه فساطيطه و خيمه، و وافى الموضع عمر فأبصر بنتا للرجل قد خرجت من قبّتها، و ستر جواريها دون القبّة لئلا يراها من مرّ. فأشرق عمر على النّجيب فنظر إليها، و كانت من أحسن النساء و أجملهنّ. فقال لها جواريها: هذا عمر بن أبي ربيعة. فرفعت رأسها فنظرت إليه، ثم سترتها الجواري و ولائدها عنه و بطّن دونها بسجف القبّة حتى دخلت. و مضى عمر إلى منزله و فساطيطه بمنى، و قد نظر من/الجارية إلى ما تيّمه و من جمالها إلى ما حيّره، فقال فيها:

نظرت إليها بالمحصّب من منى *** و لي نظر لو لا التّحرّج عارم

فقلت أشمس أم مصابيح بيعة *** بدت لك خلف السّجف أم أنت حالم

بعيدة مهوى القرط إمّا لنوفل *** أبوها و إمّا عبد شمس و هاشم

و مدّ عليها السّجف يوم لقيتها *** على عجل تبّاعها و الخوادم

فلم أستطعها غير أن قد بدا لنا *** على الرّغم منها كفّها و المعاصم

معاصم لم تضرب على البهم بالضّحى *** عصاها و وجه لم تلحه السّمائم

نضير ترى فيه أساريع مائه *** صبيح تغاديه الأكفّ النّواعم

إذا ما دعت أترابها فاكتنفنها *** تمايلن أو مالت بهنّ المآكم

طلبن الصّبا حتى إذا ما أصبنه *** نزعن و هنّ المسلمات الظّوالم

ص: 213


1- الإذهاب و التذهيب واحد و هو الطلاء بالذهب.
2- في ح، ر: «أشقر».
3- الممطر و الممطرة: ثوب يتخذ لتوقي المطر.
4- في ح، ر، ب، س: «زرزور».
5- ثوب هرويّ: منسوب إلى هراة. و لم نعثر في «لطائف المعارف» للثعالبي و نهاية «الأرب» للنويري على ميزة خاصة لهذه الثياب، غير أنه قد يكون صبغها أصفر. قال في «القاموس» و «شرحه»: هرّى ثوبه تهرية: اتخذه هرويا أو صبغه و صفره. ثم قال: و كانت سادة العرب تلبس العمائم الصفر و كانت تحمل من هراة مصبوغة، و يقال لمن لبسها: قد هرّى عمامته.
6- في ح، ر: «لبسة».

/ثم قال عمر لابن سريج: يا أبا يحيى، إني تفكّرت في رجوعنا مع العشيّة إلى مكة مع كثرة الزّحام و الغبار و جلبة الحاجّ فثقل عليّ، فهل لك أن نروح رواحا طيّبا معتزلا، فنرى فيه من راح صادرا إلى المدينة من أهلها، و نرى أهل العراق و أهل الشّأم و نتعلّل(1) في عشيّتنا و ليلتنا و نستريح؟ قال: و أنّى ذلك يا أبا الخطّاب؟ قال: على كثيب أبي شحوة(2) المشرف على بطن يأجج(3) بين منى و سرف، فنبصر مرور الحاجّ بنا و نراهم و لا يرونا. قال ابن سريج: طيّب و اللّه يا سيّدي. فدعا بعض خدمه فقال: اذهبوا إلى الدار بمكّة، فاعملوا لنا سفرة(4) و احملوها مع شراب إلى الكثيب، حتّى إذا أبردنا(5) و رمينا الجمرة(6) صرنا إليكم - قال: و الكثيب على خمسة أميال من مكّة مشرف على طريق المدينة و طريق الشّأم و طريق العراق، و هو كثيب شامخ/مستدق(7) أعلاه منفرد عن الكثبان - فصارا إليه فأكلا و شربا. فلمّا انتشيا أخذ ابن سريج الدّفّ(8) فنقره و جعل يغنّي و هم ينظرون إلى الحاجّ. فلمّا أمسيا رفع ابن سريج صوته يغنّي في الشّعر الذي قاله عمر، فسمعه الرّكبان فجعلوا يصيحون به: يا صاحب الصّوت أ ما تتّقي اللّه! قد حبست الناس عن مناسكهم! فيسكت قليلا، حتى إذا مضوا رفع صوته و قد أخذ فيه الشّراب فيقف آخرون، إلى أن مرّت(9) قطعة من الليل، فوقف عليه في الليل رجل على فرس عتيق(10) عربيّ مرح مستنّ(11) فهو كأنه ثمل، حتى وقف بأصل الكثيب و ثنى رجله على قربوس(12) سرجه، ثم نادى: يا صاحب الصوت، أ يسهل عليك أن تردّ شيئا مما سمعته؟ قال: نعم و نعمة عين، فأيّها تريد؟ قال: تعيد عليّ:

ألا يا غراب البين مالك كلّما *** نعبت(13) بفقدان عليّ تحوم

أ بالبين من عفراء أنت مخبّري *** عدمتك من طير فأنت مشوم

- قال: و الغناء لابن سريج - فأعاده، ثم قال له ابن سريج: ازدد إن شئت. فقال: غنّني:

ص: 214


1- نتعلل: نتلهى و نتسلى.
2- في ت: «أبي شجوة». و في ا، ء، ب، س: «أبي سجرة». و في سائر المنسخ: «أبي شجرة» و كل ذلك محرّف عن «أبي شحوة» بالشين المعجمة المفتوحة و الحاء المهملة الساكنة ثم واو مفتوحة، ذكره ياقوت و عرّفه كما في الأصل.
3- يأجج كيسمع و ينصر و يضرب: موضع من مكة على ثمانية أميال، و كان من منازل عبد اللّه بن الزبير. (انظر «شرح القاموس» مادة يأجج).
4- السفرة بالضم: طعام يتخذ للمسافر (كاللّهنة للطعام الذي يؤكل بكرة) و أكثر ما يحمل في جلد مستدير، فنقل اسم الطعام إليه و سمي به كما سميت المزادة راوية، و في حديث عائشة: «صنعنا لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و لأبي بكر سفرة في جراب (أي طعاما) لما هاجر هو و أبو بكر رضي اللّه عنه». و في ح، ر: «سفرا» بصيغة الجمع.
5- أبردنا: دخلنا في آخر النهار.
6- الجمرة: واحدة جمرات المناسك و هي ثلاث جمرات ترمى بها الجمار، بين كل واحدة الأخرى غلوة (رمية) سهم. و سمي موضع رمي الجمار بمنى جمرة لأنه يرمى بالجمار (جمع جمرة و هي الحصاة) أو أنه سمي جمرة لأنه مجمع الحصى التي ترمى بها، من الجمرة و هي اجتماع القبيلة على من ناوأها.
7- كذا في ح، ر. و في سائر النسخ: «و هو كثيب شامخ مشيد و أعلاه مفرد عن الكثبان».
8- الدف بالضم و يفتح، قال في «القاموس»: و بالضم أعلى، و حكى الجوهريّ أن الفتح فيه لغة.
9- في ب، س: «سرت».
10- العتيق من الخيل: الرائع الكريم الأصل.
11- فرس مستنّ: نشيط.
12- القربوس (بفتح الراء و لا يسكن إلا في ضرورة الشعر. و حكى أبو زيد أن السكون فيه لغة): مقدّم السرج و مؤخرة (و يقال لهما حنوا السرج) كل منهما قربوس.
13- كذا في ب، س، و في ح: «نعبت» بالياء المثناة. و في سائر النسخ: «علوت».

/

أ مسلم(1) إنّي يا بن كلّ خليفة *** و يا فارس الهيجا و يا قمر(2) الأرض

شكرتك إنّ الشكر حبل(3) من التّقى *** و ما كلّ من أقرضته نعمة يقضي

/و نوّهت لي باسمي و ما كان خاملا *** و لكنّ بعض الذكر أنبه من بعض

فغنّاه، فقال له: الثالث و لا أستزيدك. فقال: قل ما شئت. فقال: تغنّيني

يا دار أقوت بالجزع(4) فالكثب(5)*** بين مسيل العذيب(6) فالرّحب(7)

لم تتقنّع(8) بفضل مئزرها *** دعد و لم تسق دعد في(9) العلب

/فغنّاه. فقال له ابن سريج: أبقيت لك حاجة؟ قال: نعم، تنزل إليّ لأخاطبك شفاها بما أريد. فقال له عمر: انزل إليه، فنزل. فقال له: لو لا أنّي أريد وداع الكعبة و قد تقدّمني ثقلي و غلماني لأطلت المقام معك و لنزلت عندكم، و لكنّي أخاف أن يفضحني الصبح، و لو كان ثقلي معي لما رضيت لك بالهوينى، و لكن خذ حلّتي هذه و خاتمي و لا تخدع عنهما، فإن شراءهما ألف و خمسمائة دينار. و ذكر باقي الخبر مثل ما ذكره حماد بن إسحاق.

ص: 215


1- يريد مسلمة بن عبد الملك. و سيأتي هذا الشعر في أخبار أبي نخيلة و نسبه في الجزء الثامن عشر من «الأغاني» و أن أبا نخيلة وفد على مسلمة بن عبد الملك فمدحه و لم يزل به حتى أغناه قال يحيى بن تميم: فحدّثني أبو نخيلة قال: وردت على مسلمة بن عبد الملك فمدحته و قلت له: أ مسلم الخ». قال فقال لي مسلمة: ممن أنت؟ فقلت: من بني سعد. فقال: ما لكم يا بني سعد و القصيد! و إنما حظكم في الرجز. قال فقلت: أنا و اللّه أرجز العرب. قال: فأنشدني من رجزك، فكأني و اللّه لما قال ذلك لم أقل رجزا قط، أنسانيه اللّه كله، فما ذكرت منه و لا من غيره شيئا إلا أرجوزة لرؤبة قد كان قالها في تلك السنة فظننت أنها لم تبلغ مسلمة فأنشدته إياها فنكس و تتعتعت، فرفع رأسه إليّ و قال: لا تتعب نفسك فأنا أروي لها منك. قال: فانصرفت و أنا أكذب الناس عنده و أخزاهم عند نفسي، حتى استضلعت بعد ذلك و مدحته برجز كثير فعرفني و قرّبني، و ما رأيت ذلك فيه يرحمه اللّه و لا قرعني به حتى افترقنا.
2- في ت، ا، م، ء: «و يا جبل الأرض».
3- في ا، س، ء، م: «جزء».
4- الجزع: منعطف الوادي. و لعله يريد به جزع الدواهي و هو موضع بأرض طيء.
5- الكثب (بالتحريك و يسكن): واد في ديار طيء.
6- العذيب: ماء بين القادسية و المغيثة. أو هو واد لبني تميم، و هو من منازل حاج الكوفة، و قيل هو حد السواد. و كتب عمر رضي اللّه عنه يوصي سعد بن أبي وقاص، و ذكر في كتابه «عذيب الهجانات» و «عذيب القوادس» (راجع «معجم البلدان»).
7- الرّحب بضم الراء و فتح الحاء المهملتين: موضع، و لم يذكره أبو عبيد و لا ياقوت، و قد ورد في هذا الشعر: يا دار أسماء بين السفح فالرحب أقوت و عف عليها ذاهب الحقب (انظر «خزانة الأدب» للبغدادي ج 1 ص 166).
8- أي لم تجعل فضل مئزرها قناعا لها، و القناع و المقنع و المقنعة: ما تغطي به المرأة رأسها و محاسنها. و في «لسان العرب» مادة لفع و «شرح الأشموني» طبع بولاق ج 2 ص 475: «تتلفع». و اللفاع و اللفعة: ما تلفّع له.
9- في «اللسان» مادة لفع و ت، ح، ر: «بالعلب». و العلب: جمع علبة، و هي كما قال الأزهريّ: جلدة تؤخذ من جنب جلد البعير إذا سلخ و هو فطير، فتسوّى مستديرة ثم تملأ رملا سهلا ثم تضم أطرافها و تخل بخلال و يوكي عليها مقبوضة بحبل و تترك حتى تجفّ و تيبس، ثم يقطع رأسها و قد قامت قائمة لجفافها، تشبه قصعة مدوّرة كأنها نحتت نحتا أو خرطت خرطا، و يعلقها الراعي و الراكب فيجلب فيها و يشرب بها، و للبدويّ فيها رفق خفتها و أنها لا تنكسر إذا حركها البعير أو طاحت إلى الأرض. (انظر «اللسان» مادة علب). يريد أنها ليست من البدويات الفقيرات التي تشتمل بفضل مئزرها ترفعه على رأسها، و لا ممن يشرب ألبان الإبل في هذه العلب، و لكنها ممن نشأ في نعمة و كسي أحسن كسوة.

نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني

صوت

نظرت إليها بالمحصّب من منى *** و لي نظر لو لا التّحرّج عارم

فقلت أشمس أم مصابيح بيعة *** بدت لك خلف السّجف أم أنت حالم

بعيدة مهوى القرط إمّا لنوفل *** أبوها و إمّا عبد شمس و هاشم

الشعر لعمر بن أبي ربيعة. و الغناء لمعبد ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق. و فيه لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر عنه. و قد نسب في مواضع من هذا الكتاب.

صوت

ألا يا غراب البين مالك كلّما *** نعبت بفقدان عليّ تحوم

أبا لبين من عفراء أنت مخبّري *** عدمتك من طير فأنت مشوم

الشعر لقيس بن ذريح، و قيل: إنه لغيره. و الغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن الهشاميّ.

صوت

أ مسلم إني يا بن كلّ خليفة *** و يا فارس الهيجا و يا قمر الأرض

شكرتك إنّ الشكر حبل من التّقى *** و ما كلّ من أوليته نعمة يقضي

و نوهت لي باسمي و ما كان خاملا *** و لكنّ بعض الذكر أنبه من بعض

الشعر لأبي نخيلة(1) الحمّانيّ(2). و الغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى، و قد أخرج هذا الصوت مع سائر أخبار أبي نخيلة في موضع آخر.

إحلال المغنين لابن سريج و علوّ كعبه في صنعة الغناء

اشارة

حدّثني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار حدّثني محمد بن سلاّم الجمحيّ قال حدّثني عمر(3)بن أبي خليفة قال:

كان أبي نازلا في علو، فكان المغنّون يأتونه. قال فقلت: فأيّهم كان أحسن غناء؟ قال: لا أدري، إلاّ أنّي كنت أراهم إذا جاء ابن سريج سكتوا.

ص: 216


1- أبو نخيلة بضم النون و فتح الخاء، و ستأتي ترجمته في الجزء الثامن عشر من «الأغاني»، و أن أبا نخيلة اسمه لا كنيته. و قال ابن قتيبة: اسمه يعمر، و كنى أبا نخيلة لأن أمه ولدته إلى جنب نخلة. (انظر «خزانة الأدب» البغدادي ج 1 ص 79 و «الأغاني» ج 18 في ترجمته).
2- الحمانيّ (بكسر الحاء المهملة و فتح الميم المشدّدة و في آخرها نون بعد الألف): نسبة إلى بني حمان، و هي قبيلة نزلت الكوفة.
3- كذا في م. و في سائر النسخ: «عمران» و هو تحريف؛ إذ لم نعثر في «كتب التراجم» على من تسمى بعمران بن أبي خليفة. و الذي ورد فيها عمر بن أبي خليفة توفي سنة 189 و هو من شيوخ محمد بن سلام الجمحيّ.

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم الموصليّ قال حدّثني الزّبيريّ - يعني عبد اللّه بن مصعب - عن عمرو(1) بن الحارث، قال إسحاق: و حدّثنيه المدائنيّ و محمد/بن سلاّم عن المحرز بن جعفر عن عمر(2) بن سعد مولى الحارث بن هشام قال:

/خرج ابن الزّبير ليلة إلى أبي قبيس فسمع غناء، فلما انصرف رآه أصحابه و قد حال لونه، فقالوا: إنّ بك لشرّا. قال: إنه ذاك. قالوا: ما هو؟ قال: لقد سمعت صوتا إن كان من الجنّ(3) إنه لعجب، و إن كان من الإنس فما انتهى منتهاه شيء! قال: فنظروا فإذا هو ابن سريج يتغنّى:

صوت

أ من رسم دار بوادي غدر(4) *** لجارية من جواري مضر

خدلّجة(5) السّاق ممكورة(6) *** سلوس(7) الوشاح كمثل القمر

تزين(8) النساء إذا ما بدت *** و يبهت(9) في وجهها من نظر

الشعر ليزيد بن معاوية. الغناء لابن سريج رمل بالبنصر عن يونس و حبش.

قال إسحاق: و ذكر المدائنيّ في خبره أنّ عمر بن عبد العزيز مرّ أيضا فسمع صوت ابن سريج و هو يتغنّى:

بتّ الخليط قوى الحبل الذي قطعوا

فقال عمر: للّه درّ هذا الصوت لو كان بالقرآن! قال المدائنيّ: و بلغني من وجه آخر أنه سمعه يغنّي:

/

قرّب جيراننا جمالهم *** ليلا فأضحوا معا قد ارتفعوا

ما كنت أدري بوشك بينهم *** حتى رأيت الحداة قد طلعوا

فقال هذه المقالة.

ص: 217


1- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «عمر» بدون واو. و لم نعثر في «كتب التراجم» على من تسمى بعمر بن الحارث.
2- في ت، ح، ر: «عمير».
3- كذا في جميع النسخ بغير فاء الجزاء و على تقديرها، و جوّزه أبو الحسن الأخفش و خرّج عليه قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوٰالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ).
4- كذا في ح، ر، ب، س. و في سائر النسخ: «عذر». و غدر (بضم ففتح): من مخاليف اليمن و به حصن ناعط (و هو حصن في رأس جبل بناحية اليمن قرب عدن). قيل هو مأخوذ من الغدر و هو الموضع الكثير الحجارة الصعب المسلك، و يصحف بعذر.
5- الخدلجة: الرّيا الممتلئة الذراعين و الساقين.
6- الممكورة: المطوية الخلق المكتنزة اللحم.
7- سلوس الوشاح: قلقة الوشاح لينته.
8- تزين و تزون: لغتان، و كلاهما متعدّ بنفسه. قال في «اللسان»: قالت أعرابية لابن الأعرابيّ: «إنك تزوننا إذا طلعت كأنك هلال...».
9- بهت كقرب و تعب و بهت مطاوع بهته فبهت: دهش و تحيّر و انبهر.

نسبة هذين الصوتين

صوت

بتّ الخليط قوى(1) الحبل الذي قطعوا *** إذ ودّعوك فولّوا ثم ما رجعوا(2)

و آذنوك(3) ببين من وصالهم *** فما سلوت و لا يسليك ما صنعوا

يا بن الطّويل و كم آثرت من حسن *** فينا و أنت بما حمّلت مضطلع(4)

نحظى و نبقى بخير ما بقيت لنا *** فإن هلكت فما في ملجأ طمع

الشعر للأحوص. و الغناء لابن سريج(5) رمل بالسّبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق و ذكر حبش أنّ فيه رملا بالوسطى عن الهشاميّ.

نسبة الصوت الآخر

صوت

قرّب جيراننا جمالهم *** ليلا فأضحوا معا قد ارتفعوا

ما كنت أدري بوشك بينهم *** حتى رأيت الحداة قد طلعوا

/على مصكّين(6) من جمالهم *** و عنتريسين(7) فيهما خضع(8)

يا قلب صبرا فإنه سفه *** بالحرّ أن يستفزّه الجزع

الغناء لابن سريج ثقيل أوّل من أصوات قليلة الأشباه عن إسحاق. و فيه رمل بالسّبابة/في مجرى الوسطى ذكره إسحاق و لم ينسبه إلى أحد، و ذكر أيضا فيه خفيف رمل بالسّبابة في مجرى الوسطى و لم ينسبه. و ذكر الهشاميّ أنّ الرمل للغريض و خفيف الرّمل لابن المكّيّ و ذكرت دنانير و الهشاميّ أنّ فيه لمعبد ثاني ثقيل. و ذكر عمرو بن بانة

ص: 218


1- القوى: جمع قوّة و هي الطاقة الواحدة من طاقات الحبل.
2- في ت، أ: «ربعوا». و ربعوا: وقفوا و انتظروا.
3- آذنوك: أعلموك.
4- اضطلع بالأمر: نهض به و قوى عليه.
5- في ت، ر: «لابن عباد». و في ح: «لأبي عباد». و أبو عباد كنية معبد المغنّى الذي تقدّمت ترجمته. و ابن عباد هو محمد بن عباد مولى بني مخزوم و يكنى أبا جعفر، مكيّ من كبراء المغنّين. و ستأتي ترجمته في الجزء السادس من «الأغاني».
6- المصك كمجنّ: القويّ.
7- العتريس: الناقة الصلبة الوثيقة الشديدة الكثيرة اللحم الجواد الجريئة، و قد يوصف به الفرس. قال سيبويه: هو من العترسة التي هي الشدّة، لم يحك ذلك غيره.
8- الخضع: تطامن في العنق و دنوّ الرأس إلى الأرض. و المراد أنها جدّت في السير؛ و ذلك أن الإبل إذا جدّ بها السير خضعت أعناقها. قال الكمت: خواضع في كل ديمومة يكاد الظليم بها يحل و قال جرير: و لقد ذكرتك و المطي خواضع و كأنهن قطا فلاة مجهل

أنّ الثقيل الأوّل للغريض. و ذكر عبد اللّه بن موسى أن لحن ابن - سريج خفيف ثقيل.

عدد الأصوات التي غنّى فيها ابن سريج و حوار إبراهيم بن المهدي و إسحاق الموصليّ في ذلك

أخبرني رضوان بن أحمد الصّيدلانيّ قال حدّثني يوسف بن إبراهيم قال:

حضرت أبا إسحاق إبراهيم بن المهديّ و عنده إسحاق الموصليّ، فقال إسحاق: غنّى ابن سريج ثمانية و ستّين صوتا. فقال له أبو إسحاق: ما تجاوز قطّ ثلاثة و ستّين صوتا. فقال بلى. ثم جعلا ينشدان أشعار الصّحيح منها حتى بلغا ثلاثة و ستين صوتا و هما يتّفقان على ذلك، ثم أنشد إسحاق بعد ذلك أشعار خمسة أصوات أيضا.

فقال أبو إسحاق: صدقت، هذا من غنائه، و لكنّ لحن هذا الصوت نقله من/لحنه في الشعر الفلانيّ، و لحن الثاني من لحنه الفلانيّ، حتى عدّ له الخمسة الأصوات. فقال له إسحاق: صدقت. ثم قال له إبراهيم: إن ابن سريج كان رجلا عاقلا أديبا، و كان يغنّي(1) الناس بما يشتهون، فلا يغنّيهم صوتا مدح به أعداؤهم و لا صوتا عليهم فيه عار أو غضاضة، و لكنّه يعدل بتلك الألحان إلى أشعار في أوزانها، فالصّوتان واحد لا ينبغي أن نعدّهما(2) اثنين عند التحصيل منّا لغنائه، فصدّقه إسحاق. فقال له إبراهيم: فأيّها أولى عندك بالتّقدمة(3)؟ فقال:

و إذا ما عثرت في مرطها(4) *** نهضت باسمي و قالت يا عمر

فقال له إبراهيم: أحسبك(5) يا أبا محمد - متّعت بك - ما أردت إلاّ مساعدتي(6). فقال: لا، و اللّه ما إلى هذا قصدت، و إن كنت أهوى كلّ ما قرّبني من محبّتك.

فقال له: هذا أحبّ أغانيه إليّ، و ما أحسبه في مكان أحسن منه عندي، و لا كان ابن سريج يتغنّاه أحسن مما يتغنّاه جواريّ، و لئن كان كذلك فما هو عندي في حسن التّجزئة و القسمة و صحّتهما مثل لحنه في:

صوت من المائة المختارة من رواية جحظة

حيّيا أمّ يعمرا(7) *** قبل شحط من النّوى

أجمع الحيّ رحلة *** ففؤادي كذى الأسى

قلت لا تعجلوا الرّوا *** ح فقالوا ألا بلى

/ - الغناء لابن سريج من القدر الأوسط من الثّقيل الأوّل مطلق في مجرى الوسطى. و فيه للهذليّ خفيف ثقيل بالبنصر عن ابن المكّيّ. و فيه لمالك ثقيل أوّل البنصر عن عمرو. و فيه لحنان من الثقيل الثاني: أحدهما لإسحاق و الآخر لأبيه(8)، و نسبه قوم إلى ابن محرز، و لم يصحّ ذلك - قال: فاجتمعا معا على أنه أوّل أغانيه و أحقّها

ص: 219


1- في ت، ح، «يعاشر».
2- في ت، ح: «لا ينبغي أن يعتدّ بهما اثنين».
3- في ح، ر: «بالتقديم».
4- المرط بالكسر: كساء من خز أو صوف أو كتان.
5- كذا في ح، ر. و في سائر النسخ: «حسبك يا أبا محمد».
6- في ت، أ، م، ء: «أردت مساعدتي».
7- كذا في «الديوان»، ح، ر، ت، س. و في سائر النسخ: «أم معمر».
8- في ب، س، م: «لابنه»، و هو تصحيف.

بالتقديم. و أمرني أبو إسحاق بتدوين ما يجري بينهما و يتّفقان عليه، فكتبت هذا الشعر. ثم اتّفقا على أن الذي يليه:

و إذا ما عثرت في مرطها *** نهضت(1) باسمي و قالت يا عمر

فأثبتّه أيضا. ثم تناظرا في الثالث فاجتمعا على أنّه:

/فتركته جزر(2) السّباع ينشنه(3) *** ما بين قلّة(4) رأسه و المعصم(5)

فقال إسحاق: لو قدّمناه على الأغاني التي تقدّمته كلّها لكان يستحقّ ذلك. فقال أبو إسحاق: ما سمعته منذ عرفته إلا أبكاني، لأنّي إذا سمعته أو ترنّمت به وجدت غمرا على فؤادي(6) لا يسكن حتى أبكي. فقال إسحاق: إنّ مذهبه فيه ليوجب ذلك، فدوّنته ثالثا. ثم اتّفقا على الرابع و أنه:

فلم أر كالتّجمير(7) منظر ناظر *** و لا كليالي الحجّ أفتنّ ذا هوى

و تحدّثا بأحاديث لهذا الصوت مشهورة. ثم تناظرا في الخامس، فاتّفقا على أنه:

عوجي علينا ربّة الهودج *** إنّك إلاّ تفعلي تحرجي(8)

فأثبتّه. ثم تناظرا في السادس و اتّفقا على أنه:

ألا هل هاجك الأظعا *** ن إذ جاوزن مطلحا(9)

فأثبتّه. ثم تناظرا في السابع فاتّفقا على أنه:

غيّضن من عبراتهنّ و قلن لي *** ما ذا لقيت من الهوى و لقينا

فأثبتّه. و تناظرا في الثامن فاتّفقا على أنه:

تنكر الإثمد لا تعرفه *** غير أن تسمع منه بخبر

فأثبتّه. و تناظرا في التاسع فاتّفقا على أنه:

ص: 220


1- في ح، ر، ب، س: «هتفت».
2- جزر السباع: اللحم الذي تأكله؛ يقال: تركوهم جزرا (بالتحريك) إذا قتلوهم و قطعوهم إربا إربا و جعلوهم معرّضين للسباع و الطير.
3- ينشنه: يتناولنه.
4- قلة كل شيء: أعلاه.
5- في «ديوان» عنترة. يقضمن حسن بنانه و المعصم و القضم: الأكل بمقدّم الأسنان.
6- في ح، ر: «على قلبي».
7- التجمير: رمى الجمار.
8- تحرجى: تأثمي.
9- مطلع، قال ياقوت: هو موضع في قوله: «و قد جاوزن مطلحا»، و لم يبينه. و قال في «الأغاني» (ج 2 ص 214 من هذه الطبعة) في أخبار ابن عائشة بعد أن ذكر سبعة أبيات منها هذا البيت: الشعر ترويه الرواة جميعا لعمر بن أبي ربيعة سوى الزبير بن بكار فإنه رواه عن عمه و أهله لجعفر بن الزبير بن العوّام، م قال: و رواه الزبير: «إذ جاوزن من طلحا»، و قال: ليس على وجه الأرض موضع يقال له مطلح» ا ه و طلح: كل و أعيا. و في هذا الجزء نفسه (ص 255) في أخبار ابن أرطأة بعد أن روى أبياتا لابن سيحان قال قال: «أبو عمر: و ابن سيحان الذي يقول: ألا هل هاجك الأظعا ن إذ جاوزن مطلحا و الناس يروونه لعمر بن أبي ربيعة لغلبته على أهل الحجاز جميعا» ا ه.

و من أجل ذات الخال أعملت ناقتي *** أكلّفها سير الكلال مع الظّلع(1)

نسبة هذه الأصوات و أجناسها

اشارة

منها:

صوت

و إذا ما عثرت في مرطها *** نهضت باسمي و قالت يا عمر

الشعر لعمر بن أبي ربيعة. و الغناء لابن سريج خفيف رمل بالوسطى عن الهشاميّ.

و منها:

صوت

فتركته جزر السّباع ينشنه *** ما بين قلّة رأسه و المعصم

الشعر لعنترة بن شدّاد العبسيّ. و الغناء لابن سريج ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو(2).

/و منها:

صوت

فلم أر كالتّجمير منظر ناظر *** و لا كليالي الحجّ أفتنّ ذا هوى

الشعر لعمر بن أبي ربيعة. و الغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو(3).

و منها:

صوت

عوجي علينا ربّة الهودج *** إنّك إلاّ تفعلي تحرجي

الشعر للعرجيّ. و الغناء لابن سريج ثقيل بالوسطى عن عمرو.

و منها:

صوت

/ألا هل هاجك الأظعا *** ن إذ جاوزن مطلحا(4)

الشعر لعمر. و الغناء لابن سريج ثقيل أوّل(5) مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. و فيه للغريض لحنان:

ص: 221


1- كذا في ت، ح، ر، ء. و في سائر النسخ: و كلّفتها سير الكلال على الظلع.
2- في ت، ح، ر: «عن الهشامي».
3- في ت: «ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو». و في ح، ر: «ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ».
4- انظر الكلام عليه في الصفحة السابقة.
5- في ح، ر: «ثقيل أوّل ثالث بالخنصر في مجرى البنصر».

ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها عن إسحاق، و خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو. و فيه لمعبد ثقيل أوّل ثالث بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق.

و منها:

صوت

غيّضن من عبراتهنّ و قلن لي *** ما ذا لقيت من الهوى و لقينا

الشعر لجرير. و الغناء لابن سريج رمل بالبنصر. و فيه لإسحاق رمل بالوسطى. و فيه للهذليّ ثاني ثقيل(1)بالوسطى عن الهشامي.

و منها:

صوت

تنكر الإثمد لا تعرفه *** غير أن تسمع منه بخبر

الشعر لعبد الرحمن بن حسّان. و الغناء لابن سريج رمل بالوسطى.

و منها:

صوت

و من أجل ذات الخال أعملت ناقتي *** أكلّفها سير الكلال مع الظّلع

الشعر لعمر بن أبي ربيعة. و الغناء لابن سريج رمل بالبنصر. و فيه لإسحاق رمل بالوسطى(2).

تنافر معبد و مالك بن أبي السمح إلى ابن سريج في صوتين غنياهما

أخبرني رضوان بن أحمد قال حدّثنا يوسف بن إبراهيم قال حدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهديّ قال حدّثني الزّبير بن دحمان أنّ أباه حدّثه:

أنّ معبدا تغنّى:

آب ليلي بهموم و فكر(3) *** من حبيب هاج حزني و السّهر

يوم أبصرت غرابا واقعا *** شرّ ما طار على شرّ الشّجر

فعارضه مالك فغنّى في أبيات من هذا الشعر، و هي:

و جرت(4) لي ظبية يتبعها *** ليّن الأظلاف(5) من حور(6) البقر

ص: 222


1- في ح، ر: «و فيه للهذليّ ثقيل بالوسطى».
2- في أ، ء: «و الغناء لابن سريج رمل بالوسطى و فيه لإسحاق رمل بالبنصر».
3- في ت، ح، ر: «و ذكر» بالذال المعجمة.
4- في ح، ر، م: «و جنت».
5- الظلف للبقرة و الشاة و الظبي و شبهها: بمنزلة القدم للإنسان.
6- حور: جمع أحور و حوراء. و الحور: اشتداد بياض العين و اشتداد سوادها.

كلّما كفكفت(1) منّي عبرة *** فاضت العين بمنهلّ درر(2)

/قال: فتلاحيا جميعا فيما صنعاه من هذين الصّوتين، فقال كلّ واحد منهما لصاحبه: أنا أجود صنعة منك.

فتنافرا(3) إلى ابن سريج فمضيا إليه بمكة. فلمّا قدماها سألا عنه، فأخبرا أنه خرج يتطرّف(4) بالحنّاء في بعض بساتينها. فاقتفيا أثره، حتى وقفا عليه و في يده الحنّاء، فقالا له: إنّا خرجنا إليك من المدينة لتحكم بيننا في صوتين صنعناهما. فقال لهما: ليغنّ كلّ واحد منكما صوته. فابتدأ معبد يغنّي لحنه. فقال له: أحسنت و اللّه على سوء اختيارك للشّعر! يا ويحك! ما حملك على أن ضيّعت هذه الصّنعة الجيّدة في حزن و سهر و هموم و فكر! أربعة ألوان من الحزن في بيت واحد، و في البيت الثاني شرّان في مصراع واحد، و هو قولك:

شرّ ما طار على شرّ الشّجر

ثم قال لمالك: هات ما عندك، فغنّاه مالك. فقال له: أحسنت و اللّه ما شئت! فقال له مالك: هذا و إنّما هو ابن شهره، فكيف تراه يا أبا يحيى يكون إذا حال عليه الحول! قال دحمان: فحدّثني معبد أنّ ابن سريج غضب عند ذلك غضبا/شديدا، ثم رمى بالحنّاء من يديه و أصابعه و قال له: يا مالك، أ لي تقول ابن شهره! اسمع منّي ابن ساعته، ثم قال: يا أبا عبّاد أنشدني القصيدة التي تغنّيتما فيها. فأنشدته القصيدة حتى انتهيت إلى قوله:

تنكر الإثمد لا تعرفه *** غير أن تسمع منه بخبر

فصاح بأعلى صوته: هذا خليلي و هذا صاحبي، ثم تغنّى فيه، فانصرفنا مفلولين مفضوحين من غير أن نقيم بمكة ساعة واحدة.

نسبة هذه الأغاني كلها

صوت

آب ليلي بهموم و فكر *** من حبيب هاج حزني و السّهر

يوم أبصرت غرابا واقعا *** شرّ ما طار على شرّ الشّجر

ينتف الرّيش على عبريّة(5) *** مرّة المقضم من روح العشر(6)

ص: 223


1- كفكف دمع العين: ردّه.
2- درر: جمع درّة. و الدرّة في الأمطار: أن يتبع بعضها بعضا؛ قال النمر بن تولب: سلام الإله و ريحانه و رحمته و سماه درر أي ذات درر. و هو يريد بمنهل ذي درر. و قيل: الدرر: الدارّ؛ كقوله تعالى: (دِيناً قِيَماً) أي قائما.
3- تنافرا: تحاكما. قال أبو عبيد: المنافرة: أن يفتخر الرجلان كل واحد منهما على صاحبه ثم يحكّما بينهما رجلا.
4- يتطرّف بالحناء: يخضب أطراف أصابعه به.
5- قال صاحب «اللسان» في مادة عبر: العبرية واحدة العبريّ و هو من السّدر (شجر النبق) ما نبت على عبر النهر و عظم، منسوب إلى العبر بالكسر على غير قياس. و قال يعقوب: العبري و العمري منه ما شرب الماء و الذي لا يشرب يكون بريا و هو الضال. و قال أبو زيد: العبري السدر و ما عظم من العوسج (و العوسج شجر من شجر الشوك و له تمر أحمر مدوّر كأنه خرز العقيق). و ليس شيء من هذه المعاني يتفق و قوله في آخر البيت «من دوح العشر». فلعله يريد سنا: على عبرية بكسر العين أي على شجرة من شجر العشر نابتة على عبر النهر.
6- قال أبو حنيفة: العشر من العضاه و هو من كبار الشجر له صمغ حلو و هو عريض الورق ينبت صعدا في السماء و له سكّر يخرج من شعبة و مواضع زهره يقال له سكر العشر. و في سكره شيء من مرارة، و يخرج له نفّاخ كأنها شقاشق الجمال التي تهدر فيها، و له نور مثل نور الدّفلى مشرب مشرق حسن المنظر و له ثمر.

الشّعر لعبد الرحمن بن حسّان بن ثابت يقوله في رملة بنت معاوية بن أبي سفيان، و له معها و مع أبيها و أخيها في تشبيبه بها أخبار كثيرة ستذكر في موضعها إن شاء اللّه. و من الناس من ينسب هذا الشعر إلى عمر بن أبي ربيعة، و هو غلط. و قد بيّن ذلك مع أخبار عبد الرحمن في موضعه.

و الغناء لمعبد خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن يحيى المكّيّ، و ذكر عمرو بن بانة أنه للغريض، و له لحن آخر في هذه الطريقة.

صوت

و جرت لي ظبية يتبعها *** ليّن الأظلاف(1) من حور البقر

خلفها أطلس(2) عسّال(3) الضّحى *** صادفته يوم طلّ و حصر(4)

/الغناء لمالك خفيف ثقيل بالبنصر في مجراها عن إسحاق.

صوت

إنّ عينيها لعينا جؤذر *** أهدب الأشفار من حور البقر

تنكر الإثمد لا تعرفه *** غير أن تسمع منه بخبر

الغناء لابن سريج رمل بالسّبّابة(5)، عن عمرو و يحيى المكّيّ.

مضادة ابن سريج للغريض و معارضة الغريض له

أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد قال أبي قال محمد بن سعيد:

لمّا ضادّ ابن سريج الغريض و ناوأه، جعل ابن سريج لا يغنّي صوتا إلا عارضه فيه الغريض فغنّى فيه لحنا غيره، و كانت ببعض أطراف مكة دار يأتيانها في كل جمعة و يجتمع لهما ناس كثير، فيوضع لكل واحد منهما كرسيّ يجلس عليه ثم يتناقضان(6) الغناء و يترادّانه. قال: فلمّا رأى ابن سريج موقع الغريض و غنائه من الناس لقربه من النّوح و شبهه به، مال إلى الأرمال و الأهزاج فاستخفّها الناس. فقال له الغريض: يا أبا يحيى، قصرت الغناء و حذفته و أفسدته. فقال له: نعم يا مخنّث، جعلت تنوح على أبيك و أمّك، أ لى تقول هذا! و اللّه لأغنّينّ غناء ما غنّى أحد أثقل منه و لا أجود. ثم تغنّى:

تشكّى الكميت الجري لمّا جهدته

ص: 224


1- كذا في ح، ر. و في سائر و النسخ: «الأطراف».
2- الأطلس من الذئاب: ما في لونه غبرة إلى السواد.
3- عسل الذئب يعسل عسلا و عسلانا: مضى مسرعا و اضطرب في عدوه و هزّ رأسه.
4- الخصر: البرد.
5- في ت، ح، ر: «بالوسطى».
6- يتناقضان الغناء: ينقض كل منهما غناء الآخر، بأن يصنع أحدهما لحنا، و يصنع الآخر لحنا آخر يكون نقيضا له.

تقدير ابن أبي عتيق لابن سريج

قال حمّاد: و قرأت على أبي عن/هشام بن المرّيّة قال: كان ابن عتيق يسوق في كلّ عام عن ابن سريج بدنة و ينحرها عنه، و يقول: هذا أقلّ حقّه علينا.

اعتراف معبد لابن سريج بالسبق عليه في صنعة الغناء

قال حمّاد: قال أبي و قال مخلد بن خداش المهلّبيّ: كنّا بالمدينة في مجلس لنا و معنا معبد، فقدم من مكة إلى المدينة فدخل علينا ليلا، فجلس معبد يسائله عن/الأخبار و هو يخبره و لا نسمع ما يقول. فالتفت إلينا معبد فقال: أصبحت أحسن الناس غناء. فقيل له: أ و لم تكن كذلك؟ قال: لا(1) حيث كان ابن سريج حيّا، إنّ هذا أخبرني أنّ ابن سريج قد مات. ثم كان بعد ذلك إذا غنّى صوتا فأعجبه غناؤه قال: أصبحت اليوم سريجيّا.

أبو السائب المخزوميّ و أغاني ابن سريج

قال حمّاد: حدّثني أبي قال حدّثني أبو الحسن المدائنيّ قال: قال معبد: أتيت أبا السّائب - المخزومي و كان يصلّي في كل يوم و ليلة ألف ركعة - فلمّا رآني تجوّز(2) و قال: ما معك من مبكيات ابن سريج؟ قلت قوله:

و لهنّ بالبيت العتيق لبانة *** و البيت يعرفهنّ لو يتكلّم

لو كان حيّا قبلهن ظعائنا *** حيّا الحطيم وجوههنّ و زمزم

لبثوا ثلاث منى(3) بمنزل غبطة *** و هم على سفر لعمرك ما هم

متجاورين بغير دار إقامة *** لو قد أجدّ(4) تفرّق لم يندموا

فقال لي: غنّه، فغنّيته. ثم قام يصلّي فأطال، ثم تجوّز إليّ فقال: ما معك من مطرباته و مشجياته؟ فقلت: قوله:

لسنا نبالي حين ندرك حاجة *** ما بات أو ظلّ المطيّ معقّلا

فقال لي: غنّه، فغنّيته. ثم صلّى و تجوّز إليّ و قال: ما معك من مرقصاته؟ فقلت:

فلم أر كالتّجمير منظر ناظر *** و لا كليالي الحجّ أفتنّ ذا هوى

فقال: كما أنت حتى أتحرّم لهذا بركعتين.

تغني ابن سريج و الغريض بمسمع من عطاء بن أبي رباح و تفضيله ابن سريج على الغريض

قال حمّاد: و أخبرني أبي عن إبراهيم بن المنذر الحزاميّ، و ذكر أبو أيّوب المدينيّ عن الحزاميّ قال حدّثني عبد الرحمن بن إبراهيم المخزوميّ قال:

ص: 225


1- في ح، ر: «قال: لا، لم أكن كذلك حيت كان ابن سريج حيا».
2- تجوّز في صلاته: خفّف فيها.
3- يريد ثلاث ليالي التشريق و هي التي يبيت فيها الحاجّ بمنى.
4- أجدّ يستعمل لازما و متعدّيا؛ يقال: أجدّ الرجل في الأمر إذا كان فيه ذا جدّ، و أجدّ الرجل السير أو الرحيل: اعتزمه.

أرسلتني أمّي و أنا غلام أسأل عطاء بن أبي رباح عن مسألة، فوجدته في دار يقال لها دار المعلّى - و قال أبو أيّوب في خبره: دار المقلّ(1) - و عليه ملحفة معصفرة، و هو جالس على منبر و قد ختن ابنه و الطعام يوضع بين يديه و هو يأمر به أن يفرّق في الخلق(2)، فلهوت مع الصّبيان ألعب بالجوز حتى أكل القوم و تفرّقوا و بقي مع عطاء خاصّته، فقالوا: يا أبا محمد لو أذنت لنا فأرسلنا إلى الغريض و ابن سريج! فقال: ما شئتم، فأرسلوا إليهما. فلمّا أتيا قاموا معهما و ثبت عطاء في مجلسه فلم يدخل، فدخلوا بهما بيتا في الدار، فتغنّيا و أنا أسمع. فبدأ ابن سريج فنقر بالدفّ و تغنّى بشعر كثيّر:

بليلى(3) و جارات لليلى كأنّها *** نعاج الملا(4) تحدى بهن الأباعر

أ منقطع يا عزّ ما كان بيننا *** و شاجرني يا عزّ فيك الشّواجر(5)

إذا قيل هذا بيت عزّة قادني *** إليه الهوى و استعجلتني البوادر(6)

أصدّ و بي مثل الجنون لكي يرى *** رواة الخنا أنّي لبيتك هاجر

فكأن القوم قد نزل عليهم السّبات(7)، و أدركهم الغشي فكانوا كالأموات(8)، ثم أصغوا/إليه بآذانهم و شخصت إليه أعينهم(9) و طالت أعناقهم. ثم غنّى الغريض بصوت أنسيته/بلحن آخر. ثم غنّى ابن سريج و أوقع بالقضيب، و أخذ الغريض الدّفّ فغنّى بشعر الأخطل:

فقلت اصبحونا(10) لا أبا لأبيكم *** و ما وضعوا الأثقال إلا ليفعلوا

و قلت اقتلوها عنكم بمزاجها *** فأكرم بها مقتولة حين تقتل

أناخوا فجرّوا شاصيات(11) كأنها *** رجال من السّودان لم يتسربلوا

فو اللّه ما رأيتهم تحرّكوا و لا نطقوا إلا مستمعين لما يقول. ثم غنّى الغريض بشعر آخر و هو:

هل تعرف الرّسم و الأطلال و الدّمنا *** زدن الفؤاد على ما عنده(12) حزنا

دار لصفراء(13) إذ كانت تحلّ بها *** و إذ ترى الوصل فيما بيننا حسنا

ص: 226


1- في ح، ر: «و قال أبو أيوب في حجرة دار المعلى».
2- في ح: «الخلق» جمع حلقه و هي حلقة القوم. قال أبو عبيد: أختار في حلقة القوم إسكان اللام و يجوز التحريك، بعكس حلقة الحديد.
3- في ح، ر: «لليلى» باللام.
4- الملا: الصحراء. و في ح، ر: «الفلا».
5- الشواجر: جمع شاجرة؛ يقال: شجرة عن الأمر، إذا صرفه عنه. يريد: أ ينقطع ما بيننا و قد نازعني فيك الصوارف.
6- البوادر: الدموع.
7- السبات: نوم خفيّ كالغشية.
8- في ت، ح، ر: «نزل عليهم السبات فما تسمع حسّا و أصغوا الخ».
9- في ت، ح، ر: «أحداقهم».
10- أصبحونا: ائتونا بالصبوح و هو ما يشرب في الغداة إلى القائلة.
11- الشاصيات، انظر شرح المؤلف لها في صفحة 285.
12- في «ديوان عمر»: «على علاّته».
13- في «ديوان عمر بن أبي ربيعة» المطبوع بلبيزج و النسخة المخطوطة التيمورية: «دار لأسماء».

إذ تستبيك بمصقول عوارضه(1) *** و مقلتي جؤذر لم يعد أن شدنا

ثم غنّيا جميعا بلحن واحد، فلقد خيّل لي أن الأرض تميد، و تبيّنت ذلك في عطاء أيضا. و غنّى الغريض في شعر عمر بن أبي ربيعة، و هو قوله:

كفى حزنا تجمع الدار شملنا *** و أمسي قريبا لا أزورك كلثما

دعي القلب لا يزدد خبالا مع الذي *** به منك أو داوى جواه المكتّما

/و من كان لا يعدو هواه لسانه *** فقد حلّ في قلبي هواك و خيّما

و ليس بتزويق(2) اللسان و صوغه *** و لكنّه قد خالط اللحم و الدّما

و غنّى ابن سريج أيضا:

خليليّ عوجا نسأل اليوم منزلا *** أبى بالبراق(3) العفر(4) أن يتحوّلا

ففرع النّبيت(5) فالشّرى(6) خفّ أهله *** و بدّل أرواحا جنوبا و شمالا

أرادت فلم تسطع كلاما فأومأت *** إلينا و لم تأمن رسولا فترسلا

بأن بت عسى أن يستر الليل مجلسا *** لنا أو تنام العين عنّا فتقبلا(7)

و غنّى الغريض أيضا:

يا صاحبيّ قفا نقضّ لبانة *** و على(8) الظّعائن قبل بينكما اعرضا

ص: 227


1- العوارض: الثنايا؛ سميت بذلك لأنها في عرض الفم، و قيل: هي الأسنان التي تبدو من الفم عند الضحك؛ قال كعب: تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت كأنه منهل بالراح معلول و قال جرير: أتذكر يوم تصقل عارضيها بفرع بشامة سقى البشام
2- الترويق: التحسين و التزين و أصله من الزاووق و هو الزئبق (و كذلك يسميه أهل المدينة) و هو يدخل في التصاوير؛ و لذلك قيل لكل مزيّن مزوّق، ثم استعمل في كل مزين و إن لم يكن فيه زئبق.
3- البراق: جمع برقة، و هي الأرض الغليظة مختلطة بحجارة و رمل، فإذا اتسعت البرقة فهي الأبرق و جمعه أبارق. و إنما سميت كذلك لرقة رملها.
4- العفر: جمع عفراء. و العفرة: بياض ليس بالناصع الشديد.
5- لم نعثر على هذا الموضع هكذا بالإضافة اسما لموضع خاص. و إنما الفرع (بضم فسكون كما في «ياقوت»): قرية من نواحي الربذة عن يسار السقيا بينها و بين المدينة ثمانية برد على طريق مكة و قيل أربع ليال، بها منبر و نخل و مياه كثيرة، و هي قرية غناء كبيرة و هي لقريش الأنصار (كذا بالأصل و لعل كلمة قريش هنا زائدة) و مزينة، و بينها و بين المريسيع ساعة من نهار، و هي كالكورة، و فيها عدّة قرى و منابر و مساجد لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و النبيت، قال في ا «لقاموس» (مادّة نبت): و النبيت أبو حي باليمن. و في «كتاب ما يعوّل عليه في المضاف و المضاف إليه» المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 78 أدب م: بنو النبيت بطن من الأوس من الأزد. و في «النوادر» لأبي على القالي الطبعة الأولى الأميرية ج 3 ص 156 ما يفيد أن النبيت قبيلة. فلعل هذه القرية المعروفة بالفرع كانت تسكنها هذه القبيلة.
6- الشرى: اسم لمواضع كثيرة، فالشرى: مأسدة بجانب الفرات. و قال نصر: الشرى جبل بنجد في ديار طيء، و جبل بتهامة موصوف بكثرة اسباع. و الشرى: موضع عند مكة. و الشرى: واد من عرفة على ليلة بين كبكب و نعمان. و الظاهر أن الشاعر أراد أحد هذين الأخيرين.
7- في ت، أ، ء، س: «فتغفلا».
8- كذا في «ياقوت» في الكلام على محسر و أكثر النسخ. و في أ، م، ء: «عن». و الظعائن هنا: جمع ظعينة و هي المرأة في الهودج. يريد: أعرضا حاجتكما على الظعائن قبل فراقكما.

/

لا تعجلاني أن أقول بحاجة(1)*** رفقا(2) فقد زوّدت زادا مجرضا(3)

و مقالها بالنّعف نعف محسّر(4)*** لفتاتها هل تعرفين المعرضا(5)

هذا الذي أعطى مواثق عهده *** حتى رضيت و قلت لي لن ينقضا

و أغانيّ أنسيتها، و عطاء يسمع على منبره(6) و مكانه، و ربما رأيت رأسه قد مال و شفتيه تتحرّكان حتّى بلغته الشمس، فقام يريد منزله. فما سمع السامعون شيئا أحسن منهما و قد رفعا أصواتهما و تغنّيا بهذا. و لمّا بلغت(7)الشمس عطاء قام و هم على طريقة واحدة في الغناء، فاطّلع في كوّة البيت. فلما رأوه قالوا: يا أبا محمد، أيّهما أحسن غناء؟ قال: الرّقيق الصوت. يعني ابن سريج.

نسبة ما في هذه الأخبار من الأصوات

صوت

و لهنّ بالبيت العتيق لبانة *** و البيت يعرفهنّ لو يتكلّم

لو كان حيّا قبلهنّ ظعائنا *** حيّا الحطيم وجوههنّ و زمزم

و كأنهنّ و قد حسرن(8) لواغبا(9) *** بيض بأكناف الحطيم مركّم

/لبثوا ثلاث منى بمنزل غبطة *** و هم على سفر لعمرك ما هم

متجاورين بغير دار إقامة *** لو قد أجدّ رحيلهم لم يندموا

عروضه من الكامل. الشعر لابن أذينة. و الغناء لابن سريج ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق.

و أخبار ابن أذينة تأتي بعد هذا في موضعها إن شاء اللّه.

و منها الصوت الذي أوّله في الخبر:

لسنا نبالي حين ندرك حاجة

ص: 228


1- كذا في ت، ح، ر. أي أنطق بها و أصرّح. و في سائر النسخ. «لحاجة» باللام.
2- كذا في ح، ر. و في سائر النسخ: «وقفا».
3- كذا في ت بالجيم؛ يقال: أجرضه بريقه، إذا أغصّه. و في أ، م، ء: «محرضا» يقال: أحرضه المرض» إذا أشفى منه على الموت. و في سائر النسخ: «ممرضا».
4- محسر: موضع بين مكة و عرفة، و قيل بين منى و عرفة، و قيل بين منى و المزدلفة، و ليس من منى و لا مزدلفة بل هو واد برأسه. و النعف: ما انحدر عن السفح و غلظ و كان له صعود و هبوط.
5- قبل هذا البيت في «ديوانه»: ما أنس لا أنس الذي بذلت لنا منها على عجل الرحيل لتمرضا
6- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «سريره».
7- في ت، ح، ر: «و بلغت الشمس عطاء و البيت الذي هم فيه على طريقه فاطلع في كوّة الباب فلما رأوه الخ».
8- حسر كضرب هنا: كشف.
9- لواغبا: جمع لاغبة. و اللغوب: التعب و الإعياء.
صوت

ودّع لبابة قبل أن تترحّلا *** و اسأل فإن قليله أن تسألا

و انظر بعينك ليلة و تأنّها *** فلعلّ ما بخلت به أن يبذلا

لسنا نبالي حين ندرك حاجة *** ما راح أو ظلّ المطيّ معقّلا

حتّى إذا ما الليل جنّ ظلامه *** و رجوت غفلة حارس أن يعقلا

خرجت تأطّر في الثياب كأنّها *** أيم يسيب على كثيب أهيلا(1)

الشعر لعمر بن أبي ربيعة. و الغناء لابن سريج ثقيل أوّل بالوسطى في مجراها. و فيه لمعبد لحن من خفيف الثّقيل الأوّل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى، و هو من مختار أغانيه و نادرها و صدور صنعته و ما يقدّم على كثير منها.

الغمر بن يزيد و شعر عمر بن أبي ربيعة

أخبرني أحمد بن محمد بن إسحاق الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه الزّهريّ عن عبد اللّه بن عمران بن أبي فروة قال:

كنت أسير مع الغمر بن يزيد، فاستنشدني فأنشدته لعمر بن أبي ربيعة:

ودّع لبابة أن تترحّلا *** و اسأل فإنّ قليله أن تسألا

/قال ائتمر ما شئت غير مخالف *** فيما هويت فإنّنا لن نعجلا

نجري أيادي كنت تبذلها لنا *** حق علينا واجب أن نفعلا

حتّى إذا ما الليل جنّ ظلامه *** و رجوت غفلة حارس أن يعقلا

خرجت تأطّر في الثياب كأنّها *** أيم يسيب على كثيب أهيلا

رحّبت لمّا أقبلت فتعلّلت(2) *** لتحيّتي لمّا رأتني مقبلا

فجلا القناع سحابة مشهورة *** غرّاء تعشي الطّرف أن يتأمّلا

فظللت أرقيها بما لو عاقل *** يرقى به ما اسطاع ألاّ ينزلا

تدنو فأطمع ثم تمنع بذلها *** نفس أبت للجود أن تتبخّلا

قال: فأمر غلامه فحملني على بغلته التي كانت تحته. فلمّا أراد الانصراف طلب الغلام منّي/البغلة، فقلت: لا أعطيكها، هو أكرم و أشرف من أن يحملني عليها ثم ينتزعها منّي. فقال للغلام: دعه يا بنيّ، ذهبت و اللّه لبابة ببغلة مولاك.

ص: 229


1- تقدّمت هذه القصيدة مع شرحها في صفحتي 207 و 208 من هذا الجزء.
2- في «الديوان»: سلّمت حين لقيتها فتهللت

إذا أعجزك أن تطرب القرشي فغنه غناء ابن سريج في شعر ابن أبي ربيعة

اشارة

أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه، و أخبرنيه الحسن بن عليّ عن هارون بن الزّيّات عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني عثمان بن حفص الثّقفيّ عن إبراهيم بن عبد السّلام بن أبي الحارث عن ابن تيزن(1) المغنّى قال/قال أبو نافع الأسود - و كان آخر من بقي من غلمان ابن سريج -: إذا أعجزك أن تطرب القرشيّ فغنّه غناء ابن سريج في شعر عمر بن أبي ربيعة فإنك ترقصه. قال: و أبو نافع هذا أحذق(2) غلمان ابن سريج و من أخذ عنه، و كان أحسن رواته موتا(3).

و منها:

صوت

بليلى و جارات لليلى كأنّها *** نعاج الملا تحدى بهنّ الأباعر

أ منقطع يا عزّ ما كان بيننا *** و شاجرني يا عزّ فيك الشّواجر

إذا قيل هذا بيت عزّة قادني *** إليه الهوى و استعجلتني البوادر

أصدّ و بي مثل الجنون لكي يرى *** رواة الخنا أنيّ لبيتك هاجر

ألا ليت حظّي منك يا عزّ أنّني *** إذا بنت باع الصبر لي عنك تاجر

عروضه من الطويل. الشعر لكثيّر. و الغناء لمعبد ثقيل أوّل بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمرو. و فيه لابن سريج لحن أوّله: «أصدّ و بي مثل الجنون» خفيف رمل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق.

و منها:

صوت

أناخوا فجرّوا شاصيات كأنّها *** رجال من السّودان لم يتسربلوا

فقلت اصبحوني لا أبا لأبيكم *** و ما وضعوا الأثقال إلا ليفعلوا

تمرّ بها الأيدي سنيجا و بارحا(4) *** و ترفع باللّهمّ حيّ و تنزل

ص: 230


1- اختلفت النسخ ففي هذه الكلمة، ففي م، ء، س: «ابن أبي مزن». و في أ، ت، هكذا: «ابن أبي نيزن» من غير نقط. و في ب: «ابن أبي نيزن». و في ح، ر: «ابن بنون». و لعل كل ذلك محرّف عن ابن تيزن؛ فقد ورد في الجزء السادس من «الأغاني» في أخبار ابن جامع عن داود المكّي: «قال كنا في حلقة ابن جريج و هو يحدّثنا و عنده ابن المبارك و جماعة من العراقيين إذ مر به ابن تيزن - قال حماد: و يقال ابن بيرن - و قد ائتزر بمئزره على صدره...... ثم قال له (يعني ابن جريج): غني الصوت الذي أخبرتني أن ابن سريج غناه في اليوم الثالث من أيام مني على جمرة العقبة فقطع الطريق على الذاهب و الجائي حتى تكسرت المحامل فغناه الخ».
2- في ت، ح، ر: «أحد غلمان...».
3- كذا في ح، ر: و في سائر النسخ: «و كان آخر رواته موتا».
4- السنيح: ما جاء عن يمينك يريد شمالك، و البارح بعكسه. يريد أنها تدار عليهم من يمين إلى شمال، و من شمال إلى يمين.

/قال: عروضه من الطويل. الشاصيات: الشّائلات قوائمها من امتلائها، يعني الزّقاق، يقال: شصا يشصو و شصا ببصره إذا رفعه كالشاخص، و أنشد:

و ربرب خماص *** يطعن بالصّياصي(1)

ينظر من خصاص(2) *** بأعين شواصي

كفلق الرّصاص *** تسمو إلى القنّاص

الشعر للأخطل، و ذكره يأتي في غير هذا الموضع، من قصيدة يمدح بها خالد بن عبد اللّه بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة. و الغناء لمالك و له فيه لحنان: أحدهما في الأوّل و الثاني رمل بالبنصر في مجراها عن إسحاق، و الآخر في الثالث و الأوّل و الثاني خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. و فيه لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو. و فيه لابن محرز خفيف ثقيل أوّل بالبنصر في مجراها. و فيه رمل آخر لإبراهيم عن عمرو أيضا.

و منها:

صوت

/هل تعرف الرسم و الأطلال و الدّمنا

و ذكر الأبيات الثلاثة و قد تقدّمت. عروضه من البسيط. الشعر لذي الإصبع العدوانيّ. و الغناء لابن عائشة ثاني ثقيل بالبنصر.

و منها:

صوت

كفى حزنا أن تجمع الدار شملنا

صوت

و هو من المائة المختارة في رواية جحظة عن أصحابه

دعي القلب لا يزدد خبالا مع الذي *** به منك أو داوي جواه المكتّما

و من كان لا يعدو هواه لسانه *** فقد حلّ في قلبي هواك و خيّما

و ليس بتزويق اللسان و صوغه *** و لكنّه قد خالط اللّحم و الدّما

- عروضه من الطّويل. الشعر للأحوص، و قيل: إنه لسعيد بن عبد الرحمن بن حسّان. و الغناء لمعبد ثقيل أوّل

ص: 231


1- الربرب: القطيع من بقر الوحش. و خماص: جمع خمصان و خمصانة. و المخمصة: خلاء، البطن من الطعام جوعا. و الصياصي: قرون البقر جمع صيصية بتخفيف الياء.
2- الخصاص، واحدته خصاصة و هي شبه كوّة في قبة أو نحوها إذا كانت واسعة قدر الوجه. و بعضهم يجعل الخصاص الواسع و الضيق، حتى قالوا الخروق المصفاة و المنخل و الباب و البرقع: خصاص.

بإطلاق الوتر في مجرى البنصر. و ذكر يونس أنّ لمالك لحنا فيه -

أ كلثم فكّي عانيا بك مغرما *** و شدّي قوى حبل لنا قد تصرّما

فإن تسعفيه مرّة بنوالكم *** فقد طالما لم ينج منك مسلّما

كفى حزنا أن تجمع الدار شملنا *** و أمسي قريبا لا أزورك كلثما

و بعده هذه الأبيات التي مضت.

اتفاق المغنين على تفضيل لحن ابن سريج «و ليس بتزويق اللسان... الخ»

أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد و ذكر الثّقفيّ عن دحمان قال: تذاكرنا و نحن في المسجد أنا و الرّبيع بن أبي الهيثم الغناء أيّه أحسن، فجعل يقول و أقول فلا نجتمع على شيء. فقلت: اذهب بنا إلى مالك بن أبي السّمح.

فذهبنا إليه فوجدناه في المسجد، فقال: ما جاء بكما؟ فأخبرناه. فقال: قد جرى هذا بيني و بين معبد و قال و قلت، فجاءني معبد يوما و أنا في المسجد و قال: قد جئتك بشيء لا تردّه. فقلت: و ما هو؟ قال: لحن ابن سريج:

و ليس بتزويق اللسان و صوغه *** و لكنّه قد خالط اللحم و الدّما

/ثم قال لي معبد: أسمعكه؟ قلت: نعم، و أريته أنّي لم أسمعه قبل، فقال: اسمعه منّي؛ فغنّى فيه و نحن في المسجد، فما سمعت شيئا قطّ أحسن منه، فافترقنا و قد اجتمعنا عليه.

و قرأت في فصل لإبراهيم بن المهديّ إلى إسحاق الموصليّ. «و كتبت رقعتي هذه و أنا في غمرة(1) من الحمّى تصدف(2) عن المفترضات. و لو لا خوفي من تشنيعك و تجنّيك لم يكن فيّ للإجابة فضل، غير أنّي قد تكلّفت الجواب على ما اللّه به عالم من صعوبة علّتي و ما أقاسيه من الحرارة الحادثة بي.

و ليس بتزويق اللّسان و صوغه *** و لكنّه قد خالط اللّحم و الدّما»

تفضيل غناء ابن سريج على غناء معبد و مالك بن أبي السمح

و قال إسحاق حدّثني شيخ من موالي المنصور قال: قدم علينا فتيان من بني أميّة(3) يريدون مكّة، فسمعوا معبدا و مالكا فأعجبوا بهما، ثم قدموا مكّة فسألوا عن ابن سريج فوجدوه مريضا، فأتوا صديقا(4) له فسألوه أن يسمعهم غناءه، فخرج معهم حتى دخلوا عليه. فقالوا: نحن فتيان من قريش، أتيناك مسلّمين عليك، و أحببنا أن نسمع منك. فقال: أنا/مريض كما ترون. فقالوا: إنّ الذي نكتفي منك به يسير - و كان ابن سريج أديبا طاهر الخلق عارفا بأقدار الناس - فقال: يا جارية، هاتي جلبابي(5) و عودي، فأتته خادمه بخامة(6) فسدلها على وجهه

ص: 232


1- غمرة: شدّة.
2- في ت، ح، ر: «تصدّ ذويها عن المفترضات».
3- في ب، ر، م، ء: «من موالي بني أمية».
4- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «صديقا لهم».
5- الجلباب: الرداء و الإزار.
6- لم نجد هذا اللفظ في «كتب اللغة» إلا بمعنى خامة الزرع، و هي أوّل ما ينبت منه على ساق واحدة أو الطاقة الغضة منه أو الشجرة كذلك. و قال ابن الأعرابي: الخامة: السنبلة. و الخامة: الفجلة. و ليس من هذه المعاني شيء يناسب السياق. و لعل ذلك كان اصطلاحا في ذلك العصر على أنها القناع الذي يتقنع به، أو لعله محرّف عن الحملة و هي الثوب الذي له خمل (هدب). و قد تقدّم في ص 249 من هذا الجزء أن ابن سريج كان يلبس جمة و كان لا يغني إلا مقنعا مسبل القناع على وجهه.

- و كان يفعل ذلك إذا/تغنّى لقبح وجهه - ثم أخذ العود فغنّاهم، فأرخى ثوبه على عينيه و هو يغنّي، حتى إذا اكتفوا ألقى عوده و قال: معذرة. فقالوا: نعم، قد قبل اللّه عذرك فأحسن اللّه إليك، و مسح(1) ما بك، و انصرفوا يتعجّبون مما سمعوا. فمرّوا بالمدينة منصرفين، فسمعوا من معبد و مالك، فجعلوا لا يطربون لهما و لا يعجبون بهما كما كانوا يطربون. فقال أهل المدينة: نحلف باللّه لقد سمعتم بعدنا ابن سريج! قالوا: أجل! لقد سمعناه فسمعنا ما لم نسمع مثله قطّ، و لقد نغّص(2) علينا ما بعده.

تغني رقطاء الحبطية برمل ابن سريج في شعر ابن عمارة السلميّ

اشارة

و ذكر العتّابيّ(3) أنّ زكريّا بن يحيى حدّثه قال حدّثني عبد اللّه بن محمد بن عثمان العثمانيّ عن بعض أهل الحجاز قال: التقى قنديل الجصّاص و أبو الجديد(4) بشعب الصّفراء(5)، فقال قنديل لأبي الجديد: من أين و إلى أين؟ قال: مررت برقطاء الحبطيّة(6) رائحة تترنّم برمل ابن سريج في شعر ابن عمارة السّلميّ:

صوت

/

سقى مأزمي(7) نجد إلى بئر خالد *** فوادي نصاع(8) فالقرون(9) إلى عمد(10)

و جادت بروق الرائحات بمزنة *** تسحّ شآبيبا(11) بمرتجز(12) الرّعد

ص: 233


1- في ح، ر: «مصح» بالصاد، و كلاهما بمعنى أذهب اللّه علتك و استأصلها. و في حديث الدعاء للمريض «مسح اللّه عنك ما بك». و قال ابن سيده: يقال مصح اللّه ما بك: أذهبه. و قال الهرويّ في «الغريبين»: إن مصح لا يتعدّى بنفسه و إنما يتعدّى بالباء أو الهمزة؛ يقال: مصح اللّه بما بك أو أمصح اللّه ما بك بمعنى أذهبه.
2- في ح، ر: «لقد بغّض إلينا ما بعده».
3- في ت: «الغياثي».
4- في ت، ح، ر: «و أبو الحديد» بالحاء المهملة.
5- الصفراء: واد بناحية المدينة كثير النخل و الزرع و الخير في طريق الحاج، و سلكه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غير مرة، و بينه و بين بدر مرحلة. و الشعب: مسيل الماء في بطن الأرض.
6- في ت: «الحنطية». و الحبطية: نسبة إلى الحبط ككنف و سبب، و هو الحارث بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم. و سمى الحبط لأنه كان في سفر فأصابه مثل الحبط (انتفاخ البطن) الذي يصيب الماشية. و قال ابن الكلبيّ: كان أكل طعاما فأصابته منه هيضة. و قال ابن دريد: كان أكل صمغا فحبط عنه، و تسمى بنوه الحبطات. و ما لحنطبية: نسبة إلى حنطب. و ممن اشتهر بهذا الاسم «المطلب بن عبد اللّه بن حنطب».
7- المأزم: الطريق الضيق بين الجبال. و في ح، ر: «مأزمي فج». و في «ياقوت» (مادة «نصاع»): «سقى مأزمي فخ» بالخاء المعجمة. و فج: موضع أو جبل في ديار سليم بن منصور. و فخ: واد بمكة و ماء أقطعه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عظيم بن الحارث المحاربيّ. و بئر خالد، لم نعثر عليها في «معجمات البلدان».
8- كذا في «ياقوت» مادة «نصاع». و في ت، م، ء، أ: «فوادي نطاع» و في ج، ر: «فوادي قطاع». و في ب، س: «غوادي قطاع» و كلها محرّفة. و قد ذكر ياقوت وادي نصاع و قال عنه: إنه موضع في قول الشاعر، و استشهد بالبيت و لم يبيّنه.
9- لم نعثر على ما يسمى بالقرون إلا قرون البقر، و هو موضع في ديار بني عامر، و كان به يوم من أيام العرب. و في ح، ر: «الفروق». و الفروق بضم الفاء: موضع في ديار بني سعد. و الفروق بالفتح: عقبة دون هجر إلى نجد بين هجر و مهب الشمال، و كان فيه يوم من أيامهم لبني عبس على بني سعد بن زيد مناة بن تميم.
10- قال في «تاج العروس»: وادي عمد، بحضر موت اليمن.
11- الشآبيب: جمع شؤبوب و هو الدفعة من المطر.
12- ارتجز الرعد: سمع له صوت متتابع.

منازل هند إذ تواصلني بها *** ليالي تسبيني(1) بمستطرف(2) الودّ

ينير ظلام الليل من حسن وجهها *** و تهدي بطيب الرّيح من جاء من نجد

- الغناء لابن سريج رمل بالبنصر عن الهشاميّ - فزففت(3) خلفها زفيف النّعامة، فما انجلت غشاوتي إلا و أنا بالمشاش(4) حسير(5)، فأودعتها قلبي و خلّفته لديها، و أقبلت أهوي كالرّخمة(6) بغير قلب. فقال لي قنديل:

ما دفع أحد من المزدلفة أسعد منك، سمعت شعر ابن عمارة في غناء ابن سريج من رقطاء الحبطيّة؛ لقد أوتيت /جزءا من النبوّة. قال: و كانت رقطاء هذه من أضرب الناس؛ فدخل رجل من أهل المدينة منزلها فغنّته صوتا.

فقال له بعض من حضر: هل رأيت قطّ أو ترى أفصح من وتر هذه؟ فطرب المدنيّ و قال: عليّ العهد إن لم يكن و ترها من معي بشكست(7) النّحويّ، فكيف لا يكون فصيحا! و بشكست هذا كان نحويّا بالمدينة، و قتل مع الشّراة(8) الخارجين مع أبي حمزة صاحب عبد اللّه بن يحيى الكنديّ الشّاري المعروف بطالب الحقّ.

غناء ابن سريج مخلوق من قلوب الناس جميعا

قال محمد بن الحسن و حدّث(9) عن إسحاق عن أبيه أنه كان يقول:

غناء كلّ مغنّ مخلوق من قلب رجل واحد، و غناء ابن سريج مخلوق من قلوب الناس جميعا. و كان يقول:

الغناء على ثلاثة أضرب، فضرب مله(10) مطرب يحرّك و يستخفّ، و ضرب ثان له شجا و رقّة، و ضرب ثالث حكمة و إتقان صنعة.

قال: و كل هذا مجموع في غناء ابن سريج.

التقاء ابن سلمة الزهريّ و الأخضر الجدّي ببئر الفصح و تغني ابن سلمة بغناء ابن سريج

اشارة

قال العتّابيّ(11) و حدّثني زكريّا بن يحيى عن عبد اللّه بن محمد العثمانيّ قال: ذكر بعض أصحابنا الحجازيّين قال:

التقى ابن سلمة الزّهريّ و الأخضر الجدّيّ(12) ببئر الفصح(13)، فقال ابن سلمة: هل لك في الاجتماع نستمتع

ص: 234


1- في ب: «تشبيني» تصحيف.
2- مستطرف الودّ: مستحدثة.
3- زففت: أسرعت.
4- في «ياقوت»: المشاش بالضم، قال عرّام: و يتصل بجبال عرفات جبال الطائف و فيها مياه كثيرة أو شال و عظائم قنيّ منها المشاش، و هو الذي يجري بعرفات و يتصل إلى مكة.
5- حسير: كالّ معى.
6- الرخمة: طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة، و يقال له لأنوق.
7- كذا ضبط في ر. و لم نعثر على ضبطه في موضع آخر.
8- الشراة: الخوارج؛ سموا بذلك لقولهم: إن شرينا أنفسنا في طاعة اللّه أي بعناها بالجنة حين فارقنا الأئمة الجائزة، و الواحد شار.
9- في ح، ر: «قال محمد بن الحسين و حدّثنا محرز عن إسحاق الخ».
10- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «منه».
11- في ت: «الغياثي».
12- لا ندري أ هو منسوب إلى جدّه البلدة المعروفة أم إلى الجدّ بفتح الجيم و كسرها، و كلاهما قد نسب إليه. و لم نطلع على نص يرجح أحد الاحتمالين.
13- في ت: «الفصيح». و لم نعثر عليه و لم نهتد إلى ضبطه.

بك؟ فقال له الأخضر: لقد كنت إلى/ذلك مشتاقا، /قال: فقعدا يتحدّثان، فمرّ بهما أبو السائب، فقال:

يا مطربي الحجاز، أ لشيء كان اجتماعكما؟ فقالا: لغير موعد كان ذلك، أ فتؤنسنا؟ قال: فقعدوا يتحدّثون. فلما مضى بعض الليل قال الأخضر لابن سلمة: يا أبا الأزهر، قد ابهارّ الليل(1) و ساعدك القمر، فأوقع بقهقهة(2)ابن سريج و أصب معناك(3). فاندفع يغنّي:

صوت

تجنّت بلا جرم و صدّت تغضّبا *** و قالت لتربيها مقالة عاتب

سيعلم هذا أنّني بنت حرّة *** سأمنع نفسي من ظنون كواذب

فقولي له عنّا تنحّ فإنّنا *** أبيات فحش طاهرات المناسب

- الغناء لابن سريج و لم يذكر طريقته - قال: فجعل أبو السّائب يزفن(4) و يقول: أبشر حبيبي؛ فلأنت أفضل من شهداء قزوين(5). قال: ثم قال ابن سلمة للأخضر: نعم المساعد على همّ الليل أنت! فأوقع بنوح ابن سريج و لا تعد معناك(6). فاندفع يغنّي:

صوت

فلمّا التقينا بالحجون(7) تنفست *** تنفّس محزون الفؤاد سقيم

و قالت و ما يرقا(8) من الخوف دمعها *** أ قاطنها أم أنت غير مقيم

/فإنّا غدا تحدى بنا العيس بالضّحى *** و أنت بما نلقاه غير عليم

فقطّع قلبي قولها ثم أسبلت *** محاجز(9) عيني دمعها بسجوم(10)

قال: فجعل أبو السّائب يتأفّف و يقول: أعتق ما أملك إن لم تكن فردوسيّة الطّينة، و إنّها بعلمها لأفضل من آسية امرأة فرعون.

ص: 235


1- ابهارّ الليل: انتصف؛ و هو مأخوذ من بهرة الشيء و هو وسطه، و قيل: ابهارّ: ذهبت عامته و أكثره و بقى نحو من ثلثه.
2- القهقهة: مدّ الصوت و ترجيعه.
3- كذا في أكثر الأصول. و لعله يريد: ليكن غناؤك ممثلا لمعنى ما تغنيه. و في ء، ب، س: «مغناك» و هذا إن صح فهو بالضم و الفتح و تشديد النون، مصدر ميمي بمعنى الغناء من «غنى».
4- يزفن: يرقص.
5- لعله يريد الإشارة إلى الأحاديث الواردة في فضل قزوين و فضل المرابطة بها و القتال فيها. و هي أحاديث موضوعة أضربنا صفحا عن ذكرها. (انظر «ياقوت» في الكلام على قزوين و «اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة» للسيوطى طبع المطبعة الأدبية بمصر سنة 1317 ه في الكلام على مناقب البلاد من ص 239-341).
6- في ب، س: «مغناك» بالمعجمة.
7- الحجون: جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها.
8- و ما يرقأ: ما يجف و ما يسكن.
9- المحاجر: جمع محجر كمجلس، و هو ما دار بالعين من جميع جوانبها.
10- سجمت العين الدمع سجما و سجوما: أسالته.

تغني الذلفاء بلحن ابن سريج

اشارة

أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال:

بلغني أنّ أبا دهبل الجمحيّ قال: كنت أنا و أبو السّائب المخزوميّ عند مغنّية بالمدينة يقال لها «الذّلفاء»، فغنّتنا بشعر جميل بن معمر العذريّ، و اللحن لابن سريج:

صوت

لهنّ الوجى(1) لم كنّ عونا على النّوى *** و لا زال منها ظالع و كسير(2)

كأنّي سقيت السّمّ يوم تحمّلوا *** و جدّ بهم حاد و حان مسير

فقال أبو السائب: يا أبا دهبل، نحن و اللّه على خطر من هذا الغناء، فنسأل اللّه السّلامة و أن يكفينا كلّ محذور، فما آمن أن يهجم بي على أمر يهتكني(3). قال: و جعل يبكي.

تأثير غناء ابن سريج في الحاج في موسم الحج

أخبرني محمد بن خلف وكيع(4) قال حدّثنا الزّبير بن بكّار عن بكّار بن رباح(5) عن إسحاق بن مقمّة(6) عن أمّه قالت: سمعت ابن سريج على أخشب(7) منى غداة النّفر(8) و هو يغنّي:

جدّدي الوصل يا قريب(9) وجودي *** لمحبّ فراقه قد ألمّا(10)

ليس بين الحياة(11) و الموت إلاّ *** أن يردّوا(12) جمالهم فترمّا(13)

- و نسبة هذا الصوت تأتي بعد هذه الأخبار - قالت: فما تشاء أن تسمع من خباء و لا مضرب/حنينا و لا أنينا إلاّ سمعته.

ص: 236


1- الوجى: الحفا؛ يقال: وجيت الدابة توجى وجى، إذا حفيت.
2- في ت، أ، ء: «و حسير».
3- في ت: «يهلكني».
4- كذا في ح، ر. و في سائر النسخ: «أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدّثني عبد اللّه بن شبيب قال حدّثنا الزبير بن بكار الخ». و لم نعثر في «كتب التراجم» على من تسمى بعبد اللّه بن شبيب، على أنه قد تقدّم كثيرا أن محمد بن خلف وكيعا يروي عن الزبير بن بكار.
5- في ت: «رياح».
6- في ح، ر: «عن إسحاق يرفعه عن أمه».
7- أخشب مني: أحد الأخشبين، و هما جبلان يضافان تارة إلى مكة و تارة إلى منى و هما واحد: أحدهما أبو قبيس و الآخر قعيقعان، و يقال: بل هما أبو قبيس و الجبل الأحمر المشرف هنالك.
8- نفر الحاج من منى كضرب نفرا و نفورا خرجوا و ارتحلوا، و هو يوم النّفر و النّفر.
9- كذا في الأصول. و قد ضبط في ح، ر، أ مصغرا بضم القاف و فتح الراء و أهمل ضبطها في الباقي. و قد سمى بقريبة بضم القاف و قريبة بفتحها، كما في «القاموس». و في «ديوان» عمر بن أبي ربيعة المطبوع بليپزج: «جدّدي الوصل لي سكين».
10- في «ديوانه»: «قد أحما». و أحمّ: دنا و حان وقته. و ألم: نزل.
11- كذا في ح، ر، ب، س. و في سائر النسخ: «الرحيل».
12- في ح، ر: «يزمّوا رحالهم».
13- يقال: زمّ الناقة يزمّها زمّا، إذا وضع فيها الزمام. و الزمّ أيضا: الشدّ

مذاكرة إبراهيم بن المهدي و إسحاق بن إبراهيم الموصلي في تفضيل ابن سريج على معبد

و ذكر يوسف بن إبراهيم أنه حضر إسحاق بن إبراهيم الموصليّ ليلة و هو يذاكر(1) إبراهيم بن المهديّ، إلى أن قال إسحاق في بعض مخاطبته إيّاه: هذا صوت قد تمعبد فيه ابن سريج. فقال له إبراهيم: ما ظننت أنّك يا أبا محمد مع علمك و تقدّمك تقول مثل هذا في ابن سريج، فكيف يجوز أن تقول: تمعبد ابن سريج، و إنما معبد إذا أحسن قال: أصحبت سريجيّا! قد أغنى اللّه ابن سريج عن هذا و رفع/قدره عن مثله، و أعيذك باللّه أن تستشعر مثله في ابن سريج. قال: فما رأيت إسحاق دفع ذلك و لا أباه، و لا زاد على أن قال: هي كلمة يقولها الناس، لم أقلها اعتقادا لها فيه، و إنما تكلّمت بها على العادة.

اعتراف معبد لابن سريج بالتفوّق عليه في صنعة الغناء

أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا محمد بن إسماعيل قال حدّثنا محمد بن سلاّم قال: قال لي شعيب بن صخر: كان معبد إذا غنّى فأجاد قال: أنا اليوم سريجيّ.

كان المغنون يغنون فإذا جاء ابن سريج سكتوا

حدّثني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن سلاّم قال حدّثنا شعيب بن صخر قال: كان نعمان المغنّي عندي نازلا، و كان يغنّي، و كنت أراه يأتيه قوم. قال أبو عبد اللّه: فقلت له: فأيّهم كان أحذق؟ قال: لا أدري، إلاّ أنّهم كانوا إذا جاء ابن سريج سكتوا.

الأحوص و ابن سريج

اشارة

أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني الهيثم(2) بن عيّاش قال حدّثني عبد الرحمن بن عيينة(3) قال: بينما نحن بمنى و نحن نريد الغدوّ إلى عرفات، إذ أتانا الأحوص فقال: أبيت بكم الليلة؟ قلنا:

بالرّحب و السّعة. فلما جنّه الليل لم يلبث أن غاب عنّا ثم عاد و رأسه يقطر ماء. قلت: مالك؟ قال:

صوت

تعرّض سلماك لمّا حرم *** ت(4) ضلّ ضلالك(5) من محرم!

تريد به البرّ يا ليته *** كفافا من البرّ و المأثم(6)

/ - الغناء لابن سريج و لم يجنّسه - قال قلت: زنيت و ربّ الكعبة! قال: قل ما بدا لك. ثم لقي ابن سريج فقال: إنّي قد قلت بيتين حسنين أحبّ أن تغنّيني بهما. قال: ما هما؟ فأنشده إيّاهما؛ فغنّى بهما من ساعته، ففتن من حضر ممّن سمع صوته.

ص: 237


1- كذا في ت، ر. و في سائر النسخ: «يذكر» و هو تحريف.
2- في ح، ر: «الهيثم عن ابن عياش».
3- في ح، ر: «عنبسة».
4- حرم الحاج و أحرم: دخل الحرم.
5- يريد: ضللت ضلالا بعيدا.
6- يريد: يا ليتك تعادل إثمك و برّك، فتخرج لا أنت آثم و لا بارّ.

ارتحال جرير من المدينة إلى مكة ليسمع غناء ابن سريج في سفره

أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني إسحاق بن يحيى بن طلحة قال:

قدم جرير بن الخطفى المدينة و نحن يومئذ شباب نطلب الشّعر، فاحتشدنا له و معنا أشعب. فبينا نحن عنده إذ قام لحاجة و أقمنا لم نبرح. و جاء الأحوص بن محمد الشاعر من قباء على حمار فقال: أين هذا؟ فقلنا: قام لحاجة، فما حاجتك إليه؟ قال: أريد و اللّه أنّ أعلمه أنّ الفرزدق أشعر منه و أشرف. قلنا: ويحك! لا تعرض له و انصرف، فانصرف و خرج. فجاء جرير فلم يكن بأسرع من أن أقبل الأحوص الشاعر فأقبل عليه، فقال: السّلام عليك يا جرير. قال جرير: و عليك السّلام. فقال الأحوص: يا بن الخطفى، الفرزدق أشرف منك و أشعر. قال جرير: من هذا أخزاه اللّه! قلنا: الأحوص بن محمد بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. فقال: نعم! هذا الخبيث ابن الطيب، أ أنت القائل:

يقرّ بعيني ما يقرّ بعينها *** و أحسن شيء ما به العين قرّت

/قال نعم. قال: فإنه يقرّ بعينها أن يدخل فيها مثل ذراع البكر، أ فيقرّ ذلك بعينك؟! قال: و كان الأحوص يرمى بالحلاق(1) فانصرف، فبعث إليهم بتمر و فاكهة. و أقبلنا على جرير نسائله، و أشعب عند الباب و جرير في مؤخّر البيت، فألحّ عليه أشعب/يسأل. فقال: و اللّه إنّي لأراك أقبحهم(2) وجها و أراك ألأمهم حسبا؛ فقد أبرمتني(3)منذ اليوم. قال: إنّي و اللّه أنفعهم و خيرهم لك. فانتبه جرير و قال: ويحك! كيف ذاك؟ قال: إني أملّح شعرك و أجيد مقاطعه و مبادئه. فقال: قل، ويحك! فاندفع أشعب فنادى بلحن ابن سريج:

يا أخت(4) ناجية السّلام عليكم *** قبل الرّحيل و قبل عدل(5) العذّل

لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكم *** يوم الرّحيل(6) فعلت ما لم أفعل

فطرب جرير و جعل يزحف نحوه حتى ألصق بركبته ركبته، و قال: لعمري لقد صدقت، إنك لأنفعهم لي و قد حسّنته و أجدته و زيّنته، أحسنت و اللّه، ثم وصله و كساه. فلمّا رأينا إعجاب جرير بذلك الصوت، قال له بعض أهل المجلس: فكيف لو سمعت واضع هذا الغناء؟ قال: أو إن له لواضعا غير هذا؟ فقلنا نعم. قال: فأين هو؟ قلنا:

بمكّة قال: فلست بمفارق حجازكم حتى أبلغه. فمضى و مضى معه جماعة ممن يرغب في طلب الشعر في صحابته و كنت فيهم، فأتيناه جميعا، فإذا هو في فتية من قريش كأنّهم المها مع ظرف كثير، فأدنوا و رحّبوا و سألوا عن الحاجة، فأخبرناهم الخبر، فرحّبوا بجرير و أدنوه و سرّوا بمكانه، و أعظم عبيد بن سريج موضع جرير و قال: سل ما تريد جعلت فداءك! قال: أريد أن تغنّيني لحنا سمعته بالمدينة أزعجني إليك. قال: و ما هو؟ قال:

ص: 238


1- الحلاق: صفة تنافي الرجولة، و قد أشار إليه ابن سيده بقوله: الحلاق بضم الحاء و فتح اللام: صفة سوء، كأن متاع الإنسان يفسد فتعود حرارته إلى هنالك. (انظر «اللسان» مادّة حلق).
2- في أ، م، ب، س: «اوقحهم».
3- أبرمتني: أضجرتني.
4- في «ديوان» جرير المطبوع بالمطبعة العلمية بمصر سنة 1313: «يا أم ناجية».
5- في ت، ح، ر: «لوم العذل».
6- كذا في «ديوانه» و أكثر النسخ. و في ح، ر: «الوداع».

يا أخت

ناجية السّلام عليكم *** قبل الرّحيل و قبل عذل العذّل

فغنّاه ابن سريج و بيده قضيب يوقع به و ينكت، فو اللّه ما سمعت شيئا قطّ أحسن/من ذلك. فقال جرير: [للّه درّكم](1) يا أهل مكّة، ما أعطيتم! و اللّه لو أنّ نازعا نزع(2) إليكم ليقيم بين أظهركم فيسمع هذا صباح مساء لكان أعظم الناس حظّا و نصيبا، فكيف و مع هذا بيت اللّه الحرام، و وجوهكم الحسان، و رقّة ألسنتكم، و حسن شارتكم(3)، و كثرة فوائدكم! أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن جدّه إبراهيم(4) قال:

الوليد بن عبد الملك و ابن سريج

اشارة

كتب الوليد بن عبد الملك إلى عامل مكة أن أشخص إليّ ابن سريج، فأشخصه. فلمّا قدم مكث أيّاما لا يدعو به و لا يلتفت إليه. قال: ثم إنه ذكره، فقال: ويلكم! أين ابن سريج؟ قالوا: هو حاضر. قال: عليّ به. فقالوا:

أجب أمير المؤمنين. فتهيّأ و لبس و أقبل حتى دخل عليه فسلّم. فأشار إليه أن اجلس، فجلس [بعيدا(4)]. فاستدناه [فدنا(5)] حتى كان منه قريبا، و قال: ويحك يا عبيد! لقد بلغني عنك ما حملني على الوفادة بك من كثرة أدبك و جودة اختيارك مع ظرف لسانك و حلاوة مجلسك. فقال: جعلت فداءك يا أمير المؤمنين! «تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه». قال الوليد: إني لأرجو ألاّ تكون أنت ذاك، ثم قال: هات ما عندك. فاندفع ابن سريج فغنّى بشعر الأحوص:

أ منزلتي سلمى على القدم اسلما *** فقد هجتما للشوق قلبا متيّما

و ذكّرتما عصر الشّباب الذي مضى *** و جدّة وصل حبله قد تجذّما(6)

//و إني إذا حلّت ببيش(7) مقيمة *** و حلّ بوج(8) جالسا(9) أو تتهما(10)

يمانية شطّت فأصبح نفعها *** رجاء و ظنّا بالمغيب مرجّما

أحبّ دنوّ الدار منها و قد أبى *** بها صدع شعب(11) الدار إلاّ تثلّما

ص: 239


1- زيادة في ح، ر.
2- نزع إليكم هنا: ذهب إليكم.
3- الشارة: الهيئة و اللباس.
4- زيادة في ت.
5- زيادة في ح، ر.
6- تجذم: تقطع.
7- لم نضبطه؛ لأنا لا ندري أ هو بيش بفتح أوّله و سكون ثانيه و قد ذكره ياقوت و قال: إنه أحد مخاليف اليمن و فيه عدّة معادن، أم بيش بكسر أوّله من بلاد اليمن أيضا قرب دهلك.
8- وج: اسم واد بالطائف بالبادية؛ سمى بوجّ بن عبد الحيّ من العمالقة.
9- جالسا: آتيا الجلس و هو نجد؛ قال عبد اللّه بن الزبير: قل للفرزدق و السفاهة كاسمها إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس أي ائت نجدا.
10- تتهم: أتى تهامة.
11- الشعب يطلق على التفرّق و على الاجتماع، يقال: التأم شعبهم إذا اجتمعوا بعد التفرّق، و تفرّق شعبهم إذا تفرّقوا بعد الاجتماع. و في ح، ر: «صدع شمل الدار».

بكاها و ما يدري سوى الظّنّ من بكى *** أحيا يبكى(1) أم ترابا و أعظما

فدعها و أخلف للخليفة مدحة *** تزل عنك بؤس أو تفيدك(2) أنعما

فإنّ بكفّيه مفاتيح رحمة *** و غيث حيا يحيا به الناس مرهما(3)

إمام أتاه الملك عفوا و لم يثب *** على ملكه مالا حراما و لا دما

تخيّره ربّ العباد لخلقه *** وليّا و كان اللّه بالناس أعلما

فلمّا قضاه(4) اللّه لم يدع مسلما *** لبيعته إلاّ أجاب و سلّما

ينال الغنى و العزّ من نال ودّه *** و يرهب موتا عاجلا من تشأّما(5)

فقال الوليد: أحسنت و اللّه و أحسن الأحوص! عليّ بالأحوص. ثم قال: يا عبيد هيه! فغنّاه بشعر عديّ بن الرّقاع العامليّ يمدح الوليد:

صوت

طار الكرى و ألمّ(6) الهمّ فاكتنعا(7) *** و حيل بيني و بين النّوم فامتنعا

كان الشّباب قناعا أستكنّ به *** و أستظلّ زمانا ثمّت انقشعا

فاستبدل الرأس شيبا بعد داجية *** فينانة(8) ما ترى في صدغها نزعا(9)

فإن تكن ميعة(10) من باطل ذهبت *** و أعقب اللّه بعد الصّبوة الورعا

فقد أبيت أراعي الخود(11) راقدة *** على الوسائد مسرورا بها ولعا

برّاقة الثّغر تشفي القلب لذّتها *** إذا مقبّلها في ريقها كرعا(12)

كالأقحوان بضاحي الرّوض صبّحه *** غيث أرشّ بتنضاح(13) و ما نقعا(14)

ص: 240


1- بكاه بكاء بالتخفيف و بكاه بالتشديد، كلاهما بكى عليه و رثاه.
2- رفع الفعل هنا على توهم أن الأوّل مرفوع كأنه قيل: تزيل عنك بؤسي أو تفيدك أنعما، أو على أنه مستأنف كأنه قيل أو هي تفيدك أنعما. انظر «كتاب سيبويه» طبع المطبعة الأميرية ج 1 ص 429 و «المغني» مع حاشية الأمير (ج 2 ص 197-198)
3- أرهمت السماء: أتت بالرّهام جمع رهمة، و هي المطر الضعيف الدائم.
4- في ت: «ارتضاه».
5- تشأم بمعنى تشاءم.
6- ألم: نزل.
7- اكتنع: دنا و حضر.
8- فينانة: حسنة الشعر طويلته.
9- النزع: انحسار مقدّم شعر الرأس عن جانبي الجبهة.
10- ميعة كل شيء: معظمه و حدّته.
11- الخود: الفتاة الحسنة الخلق الشابة ما لم تصر نصفا.
12- كرع في الماء (كمنع و سمع) كرعا و كروعا: تناوله بفيه من موضعه من غير أن يشرب بكفيه و لا بإناء.
13- التنضاح: من النضح و هو الرش. يريد أنه يبله بقليل من المطر.
14- ما نقعا، أي ما أروى.

صلّى الذي الصّلوات الطّيّبات له *** و المؤمنون إذا ما جمّعوا الجمعا

على الذي سبق الأقوام ضاحية *** بالأجر و الحمد حتى صاحباه معا

هو الذي جمع الرحمن أمّته *** على يديه و كانوا قبله شيعا(1)

عذنا بذي العرش أن نحيا و نفقده *** و أن نكون لراع بعده تبعا

إنّ الوليد أمير المؤمنين له *** ملك عليه أعان اللّه فارتفعا

لا يمنع الناس ما أعطى الذين هم *** له عباد و لا يعطون ما منعا

فقال له الوليد: صدقت يا عبيد! أنّى لك هذا؟ قال: هو من عند اللّه. قال الوليد: لو غير هذا قلت لأحسنت أدبك. قال ابن سريج: ذلك فضل اللّه يؤتيه/من يشاء. قال الوليد: يزيد في الخلق ما يشاء. قال ابن سريج: هذا من فضل ربّي ليبلوني أ أشكر أم أكفر. قال الوليد: لعلمك و اللّه أكبر و أعجب إليّ من غنائك! غنّني. فغنّاه بشعر عديّ بن الرّقاع/العامليّ يمدح الوليد:

عرف الدّيار توهّما فاعتادها(2) *** من بعد ما شمل البلى أبلادها(3)

و لربّ واضحة العوارض(4) طفلة(5) *** كالرّيم قد ضربت بها أوتادها

إنّي إذا ما لم تصلني خلّتي(6) *** و تباعدت منّي اغتفرت بعادها

صلّى الإله على امرئ ودّعته *** و أتمّ نعمته عليه و زادها

و إذا الرّبيع تتابعت أنواؤه(7) *** فسقى خناصرة(8) الأحصّ فجادها

نزل الوليد بها فكان لأهلها *** غيثا أغاث أنيسها و بلادها

أو لا ترى أنّ البريّة كلّها *** ألقت خزائمها إليه فقادها

و لقد أراد اللّه إذ ولاّكها *** من أمّة إصلاحها و رشادها

ص: 241


1- شيعا: فرقا
2- اعتادها هنا: أعاد النظر إليها مرة بعد أخرى لدروسها حتى عرفها.
3- أبلادها: آثارها جمع بلد و هو الأثر.
4- العوارض: الثنايا؛ سميت بذلك لأنها في عرض الفم.
5- في ت، أ، م، ء: «حرة» و الطفلة: الرخصة الناعمة.
6- خلتي: صديقتي.
7- أنواء: جمع نوء و هو النجم إذا مال للمغيب، و قيل: معناه سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر و طلوع رقيبه و هو نجم آخر يقابله من ساعته في المشرق. و إنما سمي نوءا لأنه إذا سقط الغارب ناء الطالع و ذلك الطلوع هو النوء. و بعضهم يجعل النوء السقوط كأنه من الأضداد. و كانت العرب في الجاهلية إذا سقط نجم و طلع آخر قالوا: لا بدّ من أن يكون عند ذلك مطرا أو رياح، فينسبون كل غيث يكون عند ذلك إلى ذلك النجم فيقولون: مطرنا بنوء الثريا و الدبران و السماك الخ. و الأنواء ثمانية و عشرون، و هي منازل القمر التي أشار إليها الكتاب الكريم في قوله تعالى: (وَ الْقَمَرَ قَدَّرْنٰاهُ مَنٰازِلَ حَتّٰى عٰادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) و قد ذكرها صاحب «اللسان» بأسمائها فراجعها في مادة نوأ.
8- خناصرة: بليدة من أعمال حلب تحاذي قنّسرين نحو البادية، و هي مدينة كان ينزلها عمر بن عبد العزيز، و هي صغيرة، و قد خربت الآن إلا اليسير منها، و هي قصبة كورة الأحص، و هي كورة كبيرة مشهورة ذات قرى و مزارع بين القبلة و بين الشمال في مدينة حلب. (انظر «ياقوت» مادتي الأحص و خناصرة).

/

أعمرت أرض المسلمين فأقبلت *** و كففت عنها من يروم فسادها

و أصبت في أرض العدوّ مصيبة *** عمّت أقاصي غورها و نجادها

ظفرا و نصرا ما تناول مثله *** أحد من الخلفاء كان أرادها

فإذا نشرت له الثناء وجدته *** جمع المكارم طرفها و تلادها

فأشار الوليد إلى بعض الخدم، فغطّوه بالخلع و وضعوا بين يديه كيسا من الدّنانير و بدرا من الدّراهم، ثم قال الوليد بن عبد الملك: يا مولى بني نوفل بن الحارث، لقد أوتيت أمرا جليلا. فقال ابن سريج: يا أمير المؤمنين! لقد آتاك اللّه ملكا عظيما و شرفا عاليا، و عزّا بسط يدك فيه فلم يقبضه عنك و لا يفعل إن شاء اللّه. فأدام اللّه لك ما ولاّك، و حفظك فيما استرعاك، فإنك أهل لما أعطاك، و لا نزعه منك إذ رآك له موضعا. قال: يا نوفليّ، و خطيب أيضا! قال ابن سريج: عنك نطقت، و بلسانك تكلّمت، و بعزّك بيّنت(1). و قد كان أمر بإحضار الأحوص بن محمد الأنصاريّ و عديّ بن الرّقاع العامليّ. فلمّا قدما عليه أمر بإنزالهما حيث ابن سريج، فأنزلا منزلا إلى جنب ابن سريج. فقالا: و اللّه لقرب أمير المؤمنين كان أحبّ إلينا من قربك يا مولى بني نوفل، و إنّ في قربك لما يلذّنا(2) و يشغلنا عن كثير مما نريد. فقال لهما ابن سريج: أو قلّة شكر! فقال له عديّ: كأنّك يا بن اللّخناء تمنّ علينا! عليّ و عليّ إن جمعنا و إيّاك سقف بيت أو صحن دار [إلا(3)] عند أمير المؤمنين. و أمّا الأحوص فقال: أو لا تحتمل(4) لأبي يحيى الزّلّة و الهفوة! و كفّارة(5) يمين خير من عدم المحبّة، و إعطاء النّفس سؤلها خير/من لجاج(6) في غير منفعة! فتحوّل عديّ، و بقي عنده الأحوص. و بلغ الوليد ما جرى بينهم، فدعا ابن سريج و أدخله بيتا و أرخى دونه سترا، ثم أمره إذا فرغ الأحوص و عديّ من كلمتيهما أن يغنّى. فلما دخلا و أنشداه مدائح فيه، رفع ابن سريج صوته من حيث لا يرونه و ضرب بعوده. فقال عديّ: يا أمير المؤمنين، أ تأذن لي أن أتكلّم؟ فقال: قل يا عامليّ. قال: أمثل هذا عند أمير المؤمنين، و يبعث إلى ابن سريج يتخطّى به رقاب قريش و العرب من تهامة إلى الشام، ترفعه أرض و تخفضه أخرى فيقال: من هذا؟ فيقال: عبيد بن سريج/مولى بني نوفل بعث أمير المؤمنين إليه، ليسمع غناءه! فقال: ويحك يا عديّ! أ و لا تعرف هذا الصوت(7)؟ قال: لا، و اللّه ما سمعته قطّ و لا سمعت مثله حسنا، و لو لا أنه(8) في مجلس أمير المؤمنين لقلت: طائفة من الجنّ يتغنّون. فقال: اخرج عليهم، فخرج فإذا ابن سريج. فقال عديّ: حقّ لهذا أن يحمل! حقّ لهذا أن يحمل! - ثلاثا - ثم أمر لهما بمثل ما أمر لهما بمثل ما أمر به لابن سريج، و ارتحل القوم. و كان الذي غنّاه ابن سريج من شعر عمر بن أبي ربيعة:

باللّه يا ظبي بني الحارث *** هل من وفى بالعهد كالنّاكث

ص: 242


1- في ح، ر: «أثنيت».
2- كذا في أكثر النسخ. و لم نجد هذا الفعل في «كتب اللغة» متعدّيا بنفسه؛ إذ لا يقال: لذني الشيء بل لذ لي الشيء و لذذته و لذذت به. و في ر، ح: «بلدنا»، و لعله مصحف عن «يلدّنا» بمعنى يحبسنا و هي لغة هذلية.
3- التكملة عن أ، ح، ر.
4- كذا في ح، ر. و في سائر النسخ: «أو لا تحمل».
5- في ح، ر: «كفارة» بدون الواو.
6- اللجاج: التمادي في الخصومة، أو هو أن يحلف على شيء و يرى أن غيره خير منه فيقيم على يمينه و لا يحنث، فذلك آثم.
7- في ب، س، ء، م بعد قوله: «أولا تعرف هذا الصوت» هذه الجملة: «فهذا عبيد بن سريج» و هي لا يقتضيها السياق.
8- في ر «أني».

لا تخدعنّي بالمنى باطلا *** و أنت بي تلعب كالعابث

حتّى متى أنت لنا هكذا(1) *** نفسي فداء لك يا حارثي

يا منتهى همّي و يا منيتي *** و يا هوى نفسي و يا وارثي

عتاب الناس لابن سريج في صنعة الغناء ثم رجوعهم بعد أن يسمعوا صوته

اشارة

قال: و بلغني أنّ رجلا من الأشراف(2) من قريش من موالي ابن سريج عاتبه يوما على الغناء و أنكره عليه، و قال له: لو أقبلت على غيره من الآداب لكان أزين بمواليك و بك! فقال: جعلت فداك! امرأته طالق إن أنت لم تدخل الدار. فقال الشّيخ: ويحك! ما حملك على هذا؟ قال: جعلت فداك قد فعلت. فالتفت النوفليّ إلى بعض من كان معه متعجّبا مما فعل. فقال له القوم: قد طلقت امرأته إن أنت لم تدخل الدار. فدخل و دخل القوم معه.

فلمّا توسّطوا الدار قال: امرأته طالق إن أنت لم تسمع غنائي. قال: اعزب عنّى يا لكع! ثم بدر الشيخ ليخرج. فقال له أصحابه: أ تطلّق امرأته و تحمل وزر ذلك؟! قال: فوزر الغناء أشدّ. قالوا: كلاّ! ما سوّى اللّه عزّ و جلّ بينهما.

فأقام الشيخ مكانه. ثم اندفع ابن سريج يغنّي في شعر عمر بن أبي ربيعة في زينب:

أ ليست بالّتي قالت *** لمولاة لها ظهرا(3)

أشيري بالسّلام له *** إذا هو نحونا خطرا

و قولي في ملاطفة *** لزينب نوّلي عمرا

أ هذا سحرك النّسوا *** ن قد خبّرنني الخبرا

فقال للجماعة: هذا و اللّه حسن! ما بالحجاز مثله و لا في غيره. و انصرفوا.

أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن الأصمعيّ قال: قال عبد اللّه بن عمير(4) اللّيثيّ لابن سريج: لو تركت الغناء! و عاتبه على ذلك. فقال: جعلت فداك! لو سمعته ما تركته. ثم قال: امرأته طالق ثلاثا إن لم تدخل الدار حتّى تسمع غنائي. فالتفت عبد اللّه إلى رفيق له كان معه فقال: ما تنتظر؟ ادخل بنا و إلاّ طلقت امرأة الرجل. فدخلا مع ابن سريج، فغنّى بشعر الأحوص:

صوت

لقد شاقك الحيّ إذ ودّعوا *** فعينك في إثرهم تدمع

و ناداك للبين غربانه(5) *** فظلت كأنّك لا تسمع

ثم قال: امرأته طالق إن أنت لم تستحسنه لأتركنّه. فتبسّم عبد اللّه و خرج.

ص: 243


1- كذا في ر، ح و «الديوان». و في سائر النسخ: هذا متى أنت لنا هكذا
2- هذه الكلمة ساقطة في ت، ح، ر.
3- يحتمل أن يكون «ظهرا» بالتحريك فعلا، و بالضم ظرفا.
4- في ح، ز، م، ء: «ابن عمر».
5- في ح، ر: و ناداك بالبين غربانهم.

نسبة ما في هذه الأخبار من الأصوات

اشارة

منها: الصوت الذي أوّله في الخبر:

جدّدي الوصل يا قريب وجودي

أوّله:

صوت

إنّ طيف الخيال حين ألمّا *** هاج لي ذكرة و أحدث همّا(1)

جدّدي الوصل يا قريب(2) وجودي *** لمحبّ فراقه قد ألمّا

ليس بين الحياة و الموت ألاّ *** أن يردّوا(3) جمالهم فتزمّا

و لقد قلت مخفيا لغريض *** هل ترى ذلك الغزال الأحمّا(4)

هل ترى مثله من الناس شخصا *** أكمل الناس(5) صورة و أتمّا

/عروضه من الخفيف. الشعر لعمر بن أبي ربيعة، و الغناء لابن سريج ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ. و فيه للغريض أيضا ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق(6).

أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن سعيد الدّمشقيّ قال حدّثنا الزّبير قال:

أنشد جعفر بن محمد بن زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السّلام قول عمر:

ليس بين الحياة و الموت إلاّ *** أن يردّوا جمالهم فتزمّا

فطرب و ارتاح و جعل يقول: لقد عجّلوا البين، أ فلا يوكون(7) قربة! أ فلا يودّعون صديقا! أ فلا يشدّون رحلا! حتى جرت دموعه.

و حدّثنا الحرميّ بن أبي العلاء عن الزّبير فذكر مثله.

و منها:

صوت

يا أخت ناجية السّلام عليكم *** قبل الرّحيل و قبل عذل العذّل

ص: 244


1- كذا في أكثر الأصول و «الديوان». و في ر، ح: «سقما».
2- في ح، ر: «جدّدي الوصل يا سكين».
3- في ح، ر: «أن تداني».
4- كذا في «الديوان» و أكثر النسخ. و في أ، ء، س: «الأجما» و كلاهما بمعنى القريب.
5- في ت، ح، ر: «أكمل اليوم». و لعلّه محرّف عن القوم.
6- هذه الكلمة ساقطة من ت، ح، ر.
7- أوكى القربة: شدّها بالوكاء و هو الرّباط الذي يشدّ به رأسها.

لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكم *** يوم الرّحيل فعلت ما لم أفعل

عروضه من الكامل. الشعر لجرير. و الغناء لابن سريج ثقيل أوّل بالسّبّابة في مجرى الوسطى عن ابن المكّيّ، و ذكره إسحاق في هذه الطريقة و لم ينسبه إلى أحد. و فيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن ابن المكيّ أيضا.

و مما يشكّ فيه/أنه لمعبد أو لكردم ابنه في البيت الثاني و الأوّل ثاني ثقيل. و لعريب(1) في هذين البيتين لحن من رواية ابن المعتزّ غير مجنّس.

و منها:

صوت

أ منزلتي سلمى على القدم اسلما *** فقد هجتما للشوق قلبا متيّما

و ذكّرتما عصر الشّباب الذي مضى *** و جدّة وصل حبله قد تجذّما

عروضه من الطّويل. و الشعر للأحوص. و الغناء لكردم ثاني ثقيل بالوسطى، و قيل: إنّ هذا الثقيل الثاني لمحمد الرّفّ(2)، و إنّ فيه لحنا من الثقيل الأوّل لكردم.

و منها:

صوت

عرف الديار توهّما فاعتادها *** من بعد ما شمل البلى أبلادها

إلاّ رواكد(3) كلّهن قد اصطلى *** حمراء أكثر(4) أهلها إيقادها

/عروضه من الكامل. الشعر لعديّ بن الرّقاع العامليّ. و الغناء لابن محرز ثقيل أوّل/مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. و فيه لمالك ثقيل أوّل بالبنصر عن عمرو. و فيه لحن لإبراهيم، و في هذه الأخبار أنه لابن سريج، و ذكر حمّاد في كتاب ابن محرز أنه مما ينسب إلى ابن مسجح [أو إلى ابن محرز(5)].

و منها:

ص: 245


1- ضبط هذا الاسم في الجزء الحادي و العشرين من «الأغاني» طبع ليدن ص 184 بالقلم بضم أوّله، و كذا ضبط في «المحاسن و الأضداد» للجاحظ طبع أوروبا ص 197 بالقلم أيضا بضم أوّله و فتح ثانيه. و في ترجمة عريب في الجزء الثامن عشر من «الأغاني» شعر يدل على ضبطه بفتح أوّله و كسر ثانيه و هو: لقد ظلموك يا مظلوم لما أقاموك الرقيب على عريب و لو أولوك إنصافا و عدلا لما أخلوك أنت من الرقيب
2- كذا في جميع النسخ بالراء، و هو هكذا في ترجمته الآتية في الجزء الثالث عشر من «الأغاني». و قد ورد في الجزء الخامس من «الأغاني» في نسب إبراهيم الموصلي و أخباره هكذا «محمد الزف» بالزاي المعجمة. و قد يرجح هذا الرسم أن الزف في اللغة السرعة، و هو قويّ المناسبة بما سيأتي في «ترجمة» في الجزء الثالث عشر من «الأغاني» من أنه كان أروى خلق اللّه للغناء و أسرعهم أخذا لما سمعه منه، ليست عليه في ذلك كلغة و إنما يسمع الصوت مرة واحدة فيأخذه.
3- الرواكد هنا: الأثافيّ، مشتق من الركود و هو الثبوت.
4- في ت، ح، ر: «أشعل».
5- هذه الكلمة غير موجودة في ح، ر.
صوت

باللّه يا ظبي بني الحارث *** هل من وفى بالعهد كالنّاكث

لا تخدعنّي بالمنى باطلا *** و أنت بي تلعب كالعابث

عروضه من السّريع. الشعر لعمر بن أبي ربيعة. و الغناء لابن سريج و لحنه خفيف ثقيل أوّل بالوسطى، و ذكر عمرو بن بانة أنه لسياط. و ذكر الهشاميّ و بذل أنّ فيه لإبراهيم الموصليّ لحنا آخر. و فيه خفيف رمل بالبنصر ذكر حبش أنه لإبراهيم بن المهديّ، و غيره ينسبه إلى إسحاق.

و منها:

صوت

- و هو الذي أوّله في الخبر:

أ ليست بالتي قالت *** لمولاة لها ظهرا

تصابى القلب فادّكرا *** هواه و لم يكن ظهرا

لزينب إذ تجدّ لنا *** صفاء لم يكن كدرا

أ ليست بالتي قالت *** لمولاة لها ظهرا

أشيري بالسّلام له *** إذا هو نحونا نظرا(1)

و قولي في ملاطفة *** لزينب نوّلي عمرا

/فهزّت رأسها عجبا *** و قالت من بذا أمرا

أ هذا سحرك النّسوا *** ن قد خبّرنني الخبرا

طربت و ردّ من تهوى *** جمال الحيّ فابتكرا(2)

فقل للبربريّة لا *** تلومي القلب إن جهرا

بطرت و هكذا الإنسا *** ن ذو بطر إذا ظفرا

فأين العهد و الميثا *** ق لا تخبر(3) بنا بشرا

عروضه من الوافر(4). الشعر لعمر بن أبي ربيعة. و الغناء لابن سريج في الثالث و الرابع و الخامس و الأوّل

ص: 246


1- في ر: «خطرا».
2- هذا البيت مطلع قصيدة أخرى في ديوانه، و منها البيت الذي بعده ثم البيت الأخير، و قد وردا فيه هكذا: فأين العهد و الميثا ق لا تشعر بنا بشرا و قولا في ملاطفة أ زينب نوّلي عمرا و قل للمالكية لا تلومي القلب إن هجرا
3- في ب، س، ر: «لا تختر».
4- هو من مجزوء الوافر، و هو ما حذف جزء من صدره و آخر من عجزه.

خفيف ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. و للغريض في السابع و الثامن و الأوّل لحن من القدر الأوسط من الثّقيل الأوّل بالوسطى في مجراها عن إسحاق. و لمعبد في هذا الأبيات كلّها لحن عن يونس و دنانير و لم يجنّساه، و ذكر الهشاميّ أنه خفيف ثقيل. و في السابع و الثامن و التاسع رمل لدحمان، و يقال إنه للزّبير ابنه.

و لمالك لحن أوّله:

صوت

لقد أرسلت جاريتي *** و قلت لها خذي حذرك

و قولي في ملاطفة *** لزينب نوّلي عمرك

/فهزّت رأسها عجبا *** و قالت من بذا أمرك

أ هذا سحرك النسوا *** ن قد خبّرنني خبرك

/و لحن مالك هذا خفيف ثقيل بالوسطى من رواية ابن المكّيّ. و هذا يروي الشعر و يجعل قوافيه كلّها على الكاف. و في هذا الأبيات بعينها على هذا القافية خفيف رمل ينسب إلى ابن سريج و إلى الغريض. و ذكر حبش أنّ فيه لمعبد لحنا من الرّمل أوّله الثالث من الأبيات الأول المذكورة.

رجع الخبر إلى سياقه أحاديث ابن سريج

ابن سريج أحسن الناس غناء

أخبرنا يحيى(1) بن عليّ و وكيع و جحظة قالوا: حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: قال لي الفضل بن يحيى: سألت أباك ليلة و قد أخذ منه الشراب عن أحسن النّاس غناء، فقال لي؛ من النّساء أم من الرجال؟ قلت: من الرجال. قال: ابن محرز. فقلت: فمن النّساء؟ قال: ابن سريج، قال إسحاق لي: و يقال أحسن الرجال غناء من تشبّه بالنساء، و أحسن النساء غناء من تشبّه بالرجال. قال يحيى بن عليّ خاصّة: ثم كان ابن سريج كأنه خلق من قلب كلّ واحد، فهو يغنّي له بما يشتهي.

ابن سريج ببعض أندية مكة

أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد: قرأت على أبي عن الهيثم بن عديّ قال: قال ابن سريج: مررت ببعض أندية مكة و فيه جماعة، فحصرت(2) فقلت: كيف أجوزهم مع تعبي و ما أنا فيه! فسمعتهم يقولون: قد جاء ابن سريج، فقال بعضهم ممّن لم يعرفني: و من ابن سريج؟ فقال: الذي يغني:

ألا هل هاجك الأظعا *** ن إذ جاوزن مطلحا

ص: 247


1- كذا في ح، ر. و في سائر النسخ: «عليّ بن يحيى». و سيأتي قوله قريبا: «قال يحيى بن عليّ خاصة الخ»، و اتفقت كل النسخ على ذلك.
2- كذا في ح. و معناه أحجمت عن المرور عليهم. و كل من امتنع من شيء لم يقدر عليه فقد حصر عنه. و في سائر النسخ: «فحضرت» و هو تصحيف.

/قال ابن سريج: فلمّا سمعت ذلك قويت نفسي و اشتدّت منّتي(1)، و مررت بهم أخطر في مصبّغاتي. فلمّا حاذيتهم قاموا بأجمعهم فسلّموا عليّ، ثم قالوا لأحداثهم: امشوا مع أبي يحيى.

ابن سريج مع فتية من بني مروان
اشارة

و قد حدّثني عمّي بهذا الخبر فقال حدّثني أبو أيّوب المدينيّ قال حدّثني محمد بن سلاّم عن جرير قال:

قال لي ابن سريج: دعاني فتية من بني مروان، فدخلت إليهم و أنا في ثياب الحجاز الغلاظ الجافية، و هم في القوهيّ(2) و الوشي يرفلون كأنهم الدّنانير الهرقليّة(3)، فغنّيتهم و أنا محتقر لنفسي عندهم لحنا لي، و هو:

صوت

أبا لفرع لم تظعن مع الحيّ زينب *** بنفسي عن النّأي الحبيب المغيّب

بوجهك عن مسّ التّراب مضنّة(4) *** فلا تبعدي إذ كلّ حيّ سيعطب

- و لحن ابن سريج هذا رمل بالخنصر في مجرى البنصر - قال: فتضاءلوا في عيني حتى ساويتهم في نفسي لما رأيتهم عليه من الإعظام لي. ثم غنّيتهم:

ودّع لبابة قبل أن تترحّلا *** و اسأل فإن قلاله أن تسألا

فطربوا و عظّموني و تواضعوا لي، حتى صرت في نفسي بمنزلتهم لما رأيتهم عليه، و صاروا/في عيني(5)بمنزلتي. ثم غنّيتهم:

ألا هل هاجك الأظعا *** ن إذ جاوزن مطلحا

/فطربوا و مثلوا بين يديّ و رموا بحللهم كلّها عليّ حتى غطّوني بها، فمثّلت لي نفسي أنها نفس الخليفة و أنهم لي خول(6)، فما رفعت طرفي إليهم بعد ذلك تيها. و قد مضت نسبة «ودّع لبابة» في أخبار عمر بن أبي ربيعة و غيره. و أمّا:

ألا هل هاجك الأظعا *** ن.......

فنذكر نسبته.:

نسبة هذا الصوت

صوت

ألا هل هاجك الأظعا *** ن إذ جاوزن مطلحا

ص: 248


1- منّتي: قوّتي.
2- انظر الحاشية رقم 1 ص 236 من هذا الجزء.
3- نسبة إلى هرقل أحد ملوك الروم و هو أوّل من ضرب الدنانير.
4- المضنة بفتح الضاد و كسرها: البخل.
5- كذا في ت. و في م، ء، أ: «فطربوا و عظموني و تواضعوا لي و استخفوا في أنفسهم حتى وجدت في نفسي بشاشة لهم و صاروا في عيني أقل شيء ثم غنيتهم الخ» و في سائر النسخ: «حتى صرت في نفسي كمنزلتهم و صاروا في نفسهم كمنزلتي».
6- الخول: العبيد و الإماء و غيرهم من الحاشية، الواحد و الجميع و المذكر و المؤنث في ذلك سواء.

نعم و لو شك بينهم *** جرى لك طائر سنحا(1)

أجزن الماء من ركك(2) *** و ضوء الفجر قد وضحا

/فقلن مقيلنا قرن(3) *** نباكر ماءه صبحا(4)

تبعتهم بطرف العي *** ن حتّى قيل لي افتضحا

يودّع بعضنا بعضا *** و كلّ بالهوى جرحا

فمن يفرح ببينهم *** فغيري إذ غدوا فرحا

عروضه من الوافر(5). الشّعر لأبي دهبل(6) الجمحيّ. و الغناء لمالك و له فيه لحنان: ثقيل أوّل بالبنصر عن إسحاق، و خفيف ثقيل بالوسطى [عن عمرو(7). و لمعبد فيه ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى الوسطى]. و لابن سريج في الخامس و ما بعده ثقيل أوّل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق. و فيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش(8).

مدح جرير الشاعر لغناء ابن سريج

أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال: قدم جرير المدينة أو مكة فجلس مع قوم، فجعلوا يعرضون عليه غناء رجل رجل من المغنّين، حتى غنّوه لابن سريج، فطرب و قال: هذا أحسن ما أسمعتموني من الغناء كلّه.

ص: 249


1- سنح الطائر: ولاّك ميامنه، و برح: ولاّك مياسره. قال ابن بري: العرب تختلف في العيافة يعني في التيمن و التشاؤم بالسانح بالبارح؛ فأهل نجد يتيمنون بالسانح، كقول ذي الرمة و هو نجديّ: خليليّ لا لا لاقيتما حيّيتما من الطير إلا السانحات و أسعدا و قال النابغة و هو نجديّ فتشاءم بالبارح: زعم البوارح أن رحلتنا غدا و بذاك تنعاب الغراب الأسود و قال كثيّر و هو حجازيّ ممن يتشاءم بالسانح: أقول إذا ما الطير مرّت مخيفة سوانحها تجري و لا أستثيرها فهذا هو الأصل. ثم قد يستعمل النجديّ لغة الحجازيّ؛ فمن ذلك قول عمرو بن قميئة و هو نجديّ: فبيني على طير سنيح نحوسه و أشأم طير الزاجرين سنيحها (انظر «اللسان» مادة سنح).
2- ركك: محلة من محالّ سلمى أحد جبلي طيء. قال الأصمعي: قلت لأعرابي: أين ركك؟ قال: لا أعرفه و لكن هاهنا ماء يقال له ر ك. و قد فكّ في الشعر للضرورة؛ كما قال زهير: ثم استمرّوا و قالوا إن موعدكم ماء بشرقيّ سلمى فيد أو ركك (انظر «معجم ياقوت»).
3- المراد به قرن المنازل، و قد شرح فيما مضى مرارا.
4- حرك هنا لضرورة الشعر؛ لأن القصيدة من مجزوء الوافر الضرب السالم و القافية فيها كلها مفاعلتن بالتحريك.
5- يريد أنه من مجزوء الوافر.
6- أبو دهبل الجمحيّ: نسبة إلى جمح. و بنو جمح من قريش و هم بنو جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ (انظر «شرح القاموس» مادة جمح).
7- ما بين هذين القوسين غير موجود في ح، ر.
8- كذا في أكثر النسخ. و في ت: «و لابن سريج في الخامس و ما بعده ثم الأوّل و ما بعده ثقيل أوّل الخ». و في ح، ر: «و لابن سريج في الخامس و ما بعده ثقيل أوّل مطلق بالوسطى عن حبش».

قالوا: و كيف قلت ذاك يا أبا حزرة؟ قال: مخرج كلّ ما أسمعتموني من الغناء من الرأس، و مخرج هذا من الصّدر.

تحكيم الأفلح المخزوميّ في غناء رقطاء الحبطية و صفراء العلقمية

أخبرني الحسن(1) بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني أبي قال حدّثني إبراهيم بن محمد الشافعيّ قال:

/جاء سندة(2) الخيّاط المغنّي إلى الأفلح(3) المخزوميّ - و كان يوصف بعقل و فضل - فقال له: من أين أقبلت؟ و إلى أين تمضي؟ فقال: إليك قصدت من مجلس لبعض القرشيّين أقبلت محاكما إليك. قال: في ما ذا؟ قال:

كنت عند هذا الرجل و حضرت مجلسه رقطاء الحبطيّين،(4) و صفراء العلقميّين، فتناولتا بينهما رمل ابن سريج:

ليت شعري كيف أبقى ساعة *** مع ما ألقى إذا الليل حضر

من يذق نوما و يهدأ ليله *** فلقد بدّلت بالنوم السّهر

قلت مهلا إنها جنّيّة *** إن نخالطها تفز منها بشرّ

/فغنّتاه جميعا، و اختلفنا في تفضيلهما، ففضّل كلّ فريق منّا إحداهما، فرضينا جميعا بحكمك، فاحكم بيننا و بينهما. قال: فوجم ساعة - و أهل الحجاز إذا أرادوا أن يحكموا تأمّلوا ساعة ثم حكموا، فاذا حكم المحكّم مضى حكمه كائنا ما كان، ففضّل من فضّله و أسقط من أسقطه، إذا تراضى الخصمان به - فكره الأفلح أن يرضي قوما و يسخط آخرين، فقال لسندة(2): صفهما أنت لي كيف كانتا إذ غنّتاه و اشرح لي مذهبهما فيه كما سمعت، و أنا أحكم بعد ذلك. فقال: سندة(2) أمّا جارية الحبطيين(4)، فإنها كانت تلوك لحنه كما يلوك الفرس العتيق لجامه، ثم تلقيه في هامة لدنة ثم تخرجه من منخر أغنّ(5)، و اللّه ما ابتدأته فتوسّطته و أنا أعقل، و لا فرغت منه فأفقت إلا و أنا أظنّ أنّي رأيته في نومي. و أما صفراء العلقميّين، فإنها أحسنهما حلقا، و أصحّهما صوتا، و ألينهما تثنّيا، و اللّه ما سمعها أحد قطّ فانتفع بنفسه و لا دينه. /هذا ما عندي، فاحكم أنت يا أخا بني مخزوم. فقال: قد حكمت بأنهما بمنزلة العينين في الرأس، فبأيّهما نظرت أبصرت، و لو كان في الدنيا من عبيد بن سريج خلف لكانتا. قال: فانصرفوا جميعا راضين بحكمه.

ثناء جرير المدينيّ على ابن سريج

أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه عن محمد بن سلاّم قال:

سألت جريرا المدينيّ(6) عن ابن سريج، فقال: أتذكره ويحك باسمه، و لا تقول: سيّد من غنّى و واحد من ترنّم!

ص: 250


1- في ح، ر: «الحسين» و هو تحريف؛ إذ هو الحسن بن عليّ الخفاف، و قد تقدّم كثيرا أنه يروي عن محمد بن القاسم بن مهرويه.
2- لم نعثر على ضبطه.
3- في ر: «الأقلح». و في ت: «الأبلج». و في أ، م، ء: «الأبلح». و لم نعثر عليه حتى نرجح إحداها.
4- في ح، ر: «الحبطية». و في ت، م، ء، أ: «الحنطبيين».
5- في ت: «أرن» من الرنين و هو الصوت.
6- في ح، ر: «المدنيّ».

ثناء الشعبيّ عليه

قال حمّاد و حدّثني أبي عن هارون بن مسلم(1) عن محمد بن زهير السّعديّ الكوفيّ عن أبي بكر بن عيّاش عن الحسن بن عمرو الفقيميّ قال:

دخلت على الشّعبيّ، فبينا أنا عنده في غرفته، إذ سمعت صوت غناء، فقلت: أ هذا في جوارك؟ فأشرف بي على منزله، فإذا بغلام كأنه فلقة قمر و هو يتغنّى - قال إسحاق: و هذا الغناء لابن سريج -:

و قمير بدا ابن خمس و عشري *** ن له قالت الفتاتان قوما(2)

قال: فقال لي الشّعبيّ: أ تعرف هذا؟ قلت لا. فقال: هذا الذي أوتي الحكم صبيّا، هذا ابن سريج.

ثناء ابن سريج على نفسه في تغنيه بشعر لعمر بن أبي ربيعة

اشارة

و أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى قال حدّثني أبو أيّوب المدينيّ قال: حدّثني الهشاميّ الربعيّ عن إسحاق الموصليّ قال:

تغنّى ابن سريج في شعر لعمر بن أبي ربيعة و هو:

صوت

خانك من تهوى فلا تخنه *** و كن وفيّا إن سلوت عنه

و اسلك سبيل وصله و صنه *** إن كان غدّارا فلا تكنه

عسى تباريح(3) تجيء منه *** فيرجع الوصل و لم تشنه

قال المكّيّون: قال ابن سريج: ما تغنّيت بهذا الشعر قطّ إلا طننت أنّي أحلّ محلّ الخليفة.

قال مؤلف هذا الكتاب أبو الفرج الأصفهانيّ: وجدت في هذا الشعر لحنين - أحدهما ثقيل أوّل و الآخر رمل - مجهولين جميعا، فلا أدري أيّهما لحنه.

وصف ابن سريج للمصيب المحسن من المغنين

و نسخت من كتاب العتّابيّ: أخبرني عون بن محمد قال حدّثني عبد اللّه بن العباس بن الفضل بن الرّبيع عن جدّه الفضل عن ابن جامع عن سياط عن يونس الكاتب عن مالك بن أبي السّمح قال:

سألت ابن سريج عن قول الناس: فلان يصيب و فلان يخطئ، و فلان يحسن و فلان/يسيء؛ فقال: المصيب المحسن من المغنّين هو الذي يشبع الألحان، و يملأ الأنفاس، و يعدّل الأوزان، و يفخّم الألفاظ، و يعرف الصواب،

ص: 251


1- في ح: «مروان بن سلمة». و في ر: «هارون بن سلمة».
2- أصله قومن بنون التوكيد الخفيفة ثم أبدلت ألفا؛ كقوله: و لا تعبد الشيطان و اللّه فاعبدا
3- التباريح: توهج الشوق.

و يقيم الإعراب، و يستوفي النّغم الطّوال، و يحسّن مقاطيع النّغم القصار، و يصيب أجناس الإيقاع، و يختلس مواقع النّبرات، و يستوفي ما يشاكلها في الضرب من النّقرات. فعرضت ما قال على معبد، فقال: لو جاء في الغناء قرآن ما جاء إلا هكذا.

يزيد بن عبد الملك و مولى حبابة المغنية

أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثني أحمد بن سعيد الدّمشقيّ قال حدّثني الزّبير بن بكّار عن ظبية(1):

/أنّ يزيد بن عبد الملك قال لحبابة يوما: أ تعرفين أحدا هو أطرب منّي؟ قالت: نعم، مولاي الذي باعني.

فأمر بإشخاصه فأشخص إليه مقيّدا(2)، و أعلم بحاله فأذن في إدخاله، فمثل بين يديه و حبابة و سلاّمة تغنّيان؛ فغنّته سلاّمة لحن الغريض في:

تشطّ غدا دار جيراننا

فطرب و تحرّك في أقياده. ثم غنّته حبابة لحن ابن سريج المجرّد في هذا الشعر، فوثب و جعل يحجل(3) في قيده و يقول: هذا و أبيكما ما لا تعذلاني فيه، حتى دنا من الشّمعة فوضع لحيته عليها فاحترقت، و جعل يصيح:

الحريق الحريق يا أولاد الزّنا. فضحك يزيد و قال: هذا و اللّه أطرب الناس حقّا، و وصله و سرّحه إلى بلده.

سماع عطاء و ابن جريج لغناء ابن سريج

أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا فضل اليزيديّ عن إسحاق:

أنّ ابن سريج كان جالسا، فمرّ به عطاء و ابن جريح، فحلف عليهما بالطّلاق أن يغنّيهما، على أنهما إن نهياه عن الغناء بعد أن يسمعا منه تركه. فوقفا له و غنّاهما:

إخوتي لا تبعدوا أبدا *** و ابلى(4) و اللّه قد بعدوا

فغشي على ابن جريج، و قام عطاء فرقص. و نسبة هذا الصوت و خبره يذكر في موضع آخر.

غناء ابن سريج عند بستان ابن عامر و وقفه الحاج لاستماع غنائه

أخبرني الحسن قال حدّثنا الفضل عن إسحاق:

أنّ ابن سريج كان عند بستان ابن عامر يغنّي:

/

لمن نار بأعلى الخي *** ف(5) دون البئر ما تخبو

ص: 252


1- في ت: «طيبة».
2- في ب، س: «فأمر بإشخاصه إليه مقيدا». و في ت: «فأمر فأشخص إليه مقيدا».
3- حجل المقيد من بابي قتل و ضرب حجلا و حجلانا: رفع رجلا و تريّث في مشيه على رجله الأخرى.
4- كذا في ر. و واهنا: اسم لأعجب؛ كقوله: وا بأبي أنت و فوك الأشنب كأنما ذرّ عليه الزرنب و في سائر النسخ: «و بلي» بغير ألف. و لعلها سقطت من الناسخ.
5- في ح، ر: «الخبت» و كلاهما اسم موضع. و الخبت في الأصل: المطمئن من الأرض. و الخفيف: ما انحدر عن غلظ الجبل و ارتفع عن مسيل الماء.

أرقت لذكر موقعها *** فحنّ لذكرها القلب

إذا ما أخمدت ألقي *** عليها المندل(1) الرّطب

فجعل الحاجّ يركب بعضهم بعضا، حتى جاء إنسان من آخر القطرات(2) فقال: يا هذا! قد قطعت على الحاجّ و حبستهم، و الوقت قد ضاق، فاتّق اللّه و قم عنهم! فقام و سار الناس.

استحقاق ابن سريج لجائزة سليمان بن عبد الملك للسابق من المغنين

أخبرني الحسن قال حدّثني محمد بن زكريّا قال حدّثني يزيد بن محمد عن إسحاق الموصليّ:

أنّ سليمان بن عبد الملك لمّا حجّ سبّق(3) بين المغنّين بدرة(4). فجاء ابن سريج و قد أغلق الباب، فلم يأذن له الحاجب، فأمسك حتى سكتوا و غنّى:

سرى همّي و همّ المرء يسري فأمر سليمان بدفع البدرة إليه.

نسبة هذا الصوت

صوت

سرى همّي و همّ المرء يسري *** و غاب النّجم إلا قيس(5) فتر

/أراقب في المجرّة(6) كلّ نجم *** تعرّض للمجرّة كيف يجري

لهمّ لا أزال له مديما *** كأنّ القلب أسعر حرّ جمر

على بكر أخي ولّى حميدا *** و أيّ العيش يصفو بعد بكر

الشعر لعروة بن أذينة، و الغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى. و فيه لأبي عبّاد(7) رمل بالوسطى، و ذكر الهشاميّ أنّ هذا اللحن لصاحب الحرون(8).

ص: 253


1- المندل: العود.
2- كذا في ر. و القطرات: جمع قطر و هو جمع لقطار. و في سائر النسخ: «القطران» بالنون. و لم نجد هذا الجمع في «كتب اللغة» و لا هو قياسيّ في هذا المفرد.
3- سبّق بين المغنين بدرة: جعلها سبقا بينهم، من غلب أخذها.
4- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «ببدرة». و قد استعمله الزمخشريّ في أساس البلاغة متعدّيا بنفسه لا بالباء. و البدرة: كيس فيه ألف درهم أو عشرة آلاف درهم أو سبعة آلاف دينار.
5- القيس و القاس: القدر. و الفتر: ما بين طرف الإبهام و طرف المشيرة.
6- المجرّة: منطقة ضيقة بيضاء غير منتظمة تقسم الكرة السماوية قسمين متساويين تقريبا من الشمال الشرقيّ إلى الجنوب الغربيّ و عرضها متغير جدّا. و يرى «هرشل» أن عدد النجوم التي تشتمل عليها المجرّة لا تقلّ عن خمسين مليونا من النجوم و لا يمكن رؤية نجم منها على انفراده بالعين المجرّدة. و ضوأها اللبنيّ الذي يرى في الليالي الخالية من القمر و عند ما يكون الجوّ صافيا ناشئ من اجتماعها و انضمام بعضها إلى بعض.
7- كذا في ح، ر، ب، س. و في سائر النسخ: «لابن عباد» و قد تقدّم غير مرة أن أبا عباد كنية معبد المغني و قد تقدمت ترجمته، و أن ابن عباد هو محمد بن عباد مولى بني مخزوم. و ستأتي ترجمته في الجزء السادس من «الأغاني».
8- كذا في أكثر النسخ. و في ح، ر: «لحاجب الحزور». و قد ورد في ح، ر، ب، س بعد هذه الجملة قوله: «فقال سليمان: ينبغي أن يكون ابن سريج، قالوا: هو هو. قال: أدخلوه فأدخل، فأمره بإعادة الصوت فأعاده. فقال: خذ البدرة، و أمر للمغنين بأخرى». و ظاهر أن هذه الجملة إنما يناسب أن تكون بعد قوله: و غنى: سرى همى و هم المرء يسرى و لا حاجة إذا إلى قوله فيما مضى: فأمر سليمان بدفع البدرة إليه».

وفاة ابن سريج في خلافة سليمان بن عبد الملك أو في آخر خلافة الوليد

اشارة

أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:

قال ابن مقمّة: دخلت على ابن سريج في مرضه الذي مات فيه، فقلت: كيف أصبحت يا أبا يحيى؟ فقال:

أصبحت و اللّه كما قال الشاعر:

/كأنّي من تذكّر ما ألاقي *** إذا ما أظلم الليل البهيم

سقيم ملّ منه أقربوه(1) *** و أسلمه المداوي و الحميم

ثم مات.

قال إسحاق: قال ابن مقمّة: لمّا احتضر ابن سريج نظر إلى ابنته تبكي فبكى، و قال: إنّ من أكبر همّي أنت، و أخشى أن تضيعي بعدي. فقالت: لا تخف؛ فما غنّيت شيئا إلا و أنا أغنّيه. فقال: هاتي. فاندفعت تغنّي أصواتا و هو مصغ إليها، فقال: قد أصبت ما في نفسي، و هوّنت عليّ أمرك. ثم دعا سعيد بن مسعود الهذليّ فزوّجه إيّاها؛ فأخذ عنها أكثر غناء أبيها و انتحله؛ فهو الآن ينسب إليه. قال إسحاق: فقال كثير بن كثير(2) السّهمي يرثيه:

ما اللهو بعد عبيد حين يخبره *** من كان يلهو به منه بمطّلب

للّه قبر عبيد ما تضمّن من *** لذاذة العيش و الإحسان و الطرب

لو لا الغريض ففيه من شمائله(3) *** مشابه(4) لم أكن فيها بذي أرب

قال إسحاق: و حدّثني هشام بن المريّة أنّ قادما قدم المدينة فسارّ معبدا بشيء، فقال معبد: أصبحت أحسن الناس غناء. فقلنا: أ و لم تكن كذلك؟ فقال: أ لا تدرون ما أخبرني به هذا؟ قالوا لا. قال: أعلمني أن عبيد بن سريج مات، و لم أكن أحسن الناس غناء و هو حيّ. و في ابن سريج يقول عمر بن أبي ربيعة:

صوت

قالت و عيناها تجودانها *** صوحبت و اللّه لك الرّاعي

يا ابن سريج لا تذع سرّنا *** قد كنت عندي غير مذياع

غنّى فيه ابن سريج من راوية يونس.

ص: 254


1- في «خزانة الأدب» للبغدادي: سليم بان عنه أقربوه
2- في ح، ر: «كثير بن أبي كثير».
3- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ : «ففيه من مشابهة شمائل».
4- يقال: فيه مشابه من فلان أي أشباه (أشياء يتشابهان فيها) و لم يقولوا في واحدته مشبهة و قد كان قياسه ذلك، و لكنهم استغنوا بشبه عنه؛ فهو من باب ملامح و محاسن و مساوئ و مقابح واحدها لمحة و حسن و سوء و قبح، استغنوا بها عن لفظ واحدها.

قال أبو أيّوب المديني: توفّي ابن سريج بالعلّة التي أصابته من الجذام بمكة، في خلافة سليمان بن عبد الملك أو في آخر خلافة الوليد، بمكة و دفن في موضع بها يقال له دسم(1).

وقفة على قبر ابن سريج بدسم

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال أخبرني هارون(2) بن أبي بكر قال حدّثني إسحاق بن يعقوب العثمانيّ مولى آل عثمان عن أبيه قال:

إنّا لبفناء دار عمرو(3) بن عثمان بالأبطح في صبح خامسة من الثّمان - يعني/أيام الحجّ - قال: كنت جالسا أيام الحجّ، فما إن دريت إلا برجل على راحلة على رحل جميل و أداة حسنة، معه صاحب له على راحلة قد جنب إليها فرسا و بغلا، فوقفا عليّ و سألاني، فانتسبت لهما عثمانيّا. فنزلا و قالا: رجلان من أهلك لهما حاجة و نحبّ أن تقضيها قبل أن نشده(4) بأمر الحجّ. فقلت ما حاجتكما؟ قالا؟ نريد إنسانا يقفنا(5) على قبر عبيد بن سريج. قال:

فنهضت معهما حتى بلغت بهما محلّة بني أبي قارة(6) من خزاعة بمكة، و هم موالي عبيد بن سريج، فالتمست لهما إنسانا يصحبهما حتّى/يقفهما على قبره بدسم، فوجدت ابن أبي دباكل(7) فأنهضته معهما. فأخبرني بعد: أنه لمّا وقفهما(8) على قبره نزل أحدهما عن راحلته فحسر عمامته عن وجهه، فإذا هو عبد اللّه بن سعيد بن عبد الملك بن مروان، فعقر ناقته و اندفع يندبه بصوت شجيّ كليل حسن و يقول:

وقفنا على قبر بدسم فهاجنا *** و ذكّرنا بالعيش إذ هو مصحب(9)

فجالت بأرجاء الجفون سوافح *** من الدّمع تستتلي الذي يتعقّب

إذا أبطأت عن ساحة الخدّ ساقها *** دم بعد دمع إثره يتصبّب

فإن تسعدا نندب عبيدا بعولة(10) *** و قلّ له منّا البكا و التّحوّب(11)

ثم نزل صاحبه فعقر ناقته، و قال له القرشيّ: خد في صوت أبي يحيى؛ فاندفع يتغنّى(12):

ص: 255


1- دسم: موضع قرب مكة، كما في «ياقوت».
2- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «أخبرني أخي هارون بن أبي بكر».
3- في ت، ر: «عمر».
4- نشده أي نشغل.
5- كذا في ت، ح، ر و في سائر النسخ: «يوقفنا» و هما لغتان، و الثلاثي أفصح، بل قيل إن الرباعي غير مسموع، و قيل إنه غير فصيح. (انظر «القاموس» و «شرحه» للمرتضى مادة وقف).
6- في ر: «بني قارة» و في ب، أ، ء: «بني أبي فارة». و في ت، ح: «بني فارة».
7- كذا ضبطه في «شرح القاموس» (مادة دبكل) و قال: إنه شاعر خزاعيّ من شعراء الحماسة، و معناه الغليظ الجلد السمج. و قال التبريزي في «شرح الحماسة» طبع أوروبا ص 594: إنه علم مرتجل و ليس منقولا من جنس.
8- كذا في ت، ح، ر، م. و في سائر الأصول: «أوقفهما».
9- المصحب: الذليل المنقاد بعد صعوبة.
10- يقال: أعول و عوّل، إذا رفع صوته بالبكاء و الصياح، و الاسم منه العول و العولة و العويل.
11- التحوّب: التوجع. و في ح، ر، ب، س: «التنحب» من النحيب و هو أشدّ البكاء. و لم نجد هذه الصيغة من هذه المادة في «كتب اللغة».
12- الشعر لكثير بن كثير بن الصلت السهمي، كما في «ياقوت» مادتي الحصاب و السباب.

أسعداني بعبرة أسراب(1) *** من دموع كثيرة التّسكاب

إنّ أهل الحصاب قد تركوني *** مولها مولعا بأهل الحصاب

أهل بيت تتابعوا(2) للمنايا *** ما على الموت بعدهم من عتاب

فارقوني و قد علمت يقينا *** ما لمن ذاق ميتة من إياب

/كم بذاك الحجون(3) من أهل(4) صدق *** كهول أعفّة و شباب

سكنوا الجزع جزع بيت أبي مو *** سى إلى النّخل من صفيّ السّباب(5)

فلي الويل بعدهم و عليهم *** صرت فردا و ملّني أصحابي

قال ابن أبي دباكل: فو اللّه ما تمّم صاحبه منها ثلاثا(6) حتى غشي على صاحبه، و أقبل يصلح السّرج على بغلته و هو غير معرّج عليه. فسألته من هو؟ فقال: رجل من جذام. قلت: بمن تعرف؟ قال: بعبد اللّه بن المنتشر.

قال: و لم يزل القرشيّ على حاله ساعة ثم أفاق، ثم جعل الجذاميّ ينضح الماء على وجهه و يقول كالمعاتب له:

أنت أبدا مصبوب(7) على نفسك! و من كلّفك ما ترى! ثم قرّب إليه الفرس، فلمّا علاه استخرج الجذاميّ من خرج على بغل قدحا و إداوة ماء، فجعل في القدح ترابا من تراب قبر ابن سريج و صبّ عليه ماء من الإداوة، ثم قال: هاك فاشرب هذه السّلوة(8) فشرب، ثم فعل هو مثل ذلك، و ركب على البغل و أردفني. فخرجا و اللّه ما يعرّضان بذكر شيء مما كنا فيه، و لا أرى في وجوههما شيئا مما كنت أرى قبل/ذلك. فلمّا اشتمل علينا أبطح مكة قالا: انزل يا خزاعيّ فنزلت. و أومأ الفتى إلى الجذاميّ بكلام، فمدّ يده إليّ و فيها شيء فأخذته، فإذا هو عشرون دينارا، و مضيا. فانصرفت إلى قبره/ببعيرين، فاحتملت عليهما أداة الراحلتين اللتين عقراهما فبعتها(9) بثلاثين دينارا.

ص: 256


1- كذا في أكثر النسخ، و هو جمع سرب و هو الماء السائل. و في ب، س، ح: «أترابي» و لعله تحريف.
2- في س: «تتايعوا» بالياء المثناة. و التتايع: الوقوع في الشر من غير فكر و لا روية و المتابعة عليه و التهافت فيه، و لا يكون في الخير. و قد قيل: إن التتابع في الشر كالتتابع في الخير.
3- الحجون: جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها.
4- رواية ياقوت في الكلام على صفيّ السباب: كم بذاك الحجون من حيّ صدق من كهول أعفّة و شباب
5- قال الزبير: بيت أبي موسى الأشعري و صفي السباب: ما بين دار سعيد الحرشيّ التي تناوح بيوت أبي القاسم بن عبد الواحد التي في أصلها المسجد الذي صلّى عنده على أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور، و كان به نخل و حائط لمعاوية فذهب، و يعرف بحائط خرمان. (انظر «معجم البلدان» لياقوت).
6- كذا في ج، ر. و في سائر النسخ: «ثالثا».
7- كذا في ت، ح، ر، أي محثوث على اتباعها تستغويك فتسلس لها القياد. و في سائر النسخ: «منصوب» و لعله تحريف.
8- قال ابن سيده: و السّلوة و السّلوانة: خرزة شفافة إذا دفنتها في الرمل ثم بحثت عنها رأيتها سوداء يسقاها الإنسان فتسليه، و قيل: أن يؤخذ من تراب قبر ميت فيذرّ على الماء و يسقاه العاشق ليسلو؛ قال عروة بن حزام: جعلت لعرّاف اليمامة حكمه و عرّاف نجد إن هما شفياني فقالا نعم نشفي من الداء كله و قاما مع العوّاد يبتدران فما تركا من رقية يعرفانها و لا سلوة إلا و قد سقياني
9- في الأصول: «فبعتهما». و مرجع الضمير «أداة الراحلتين».

صوت من المائة المختارة

ثالث الثلاثة الأصوات المختارة

و هو الثالث من الثلاثة المختارة.

أهاج هواك المنزل المتقادم *** نعم و به ممّن شجاك معالم

مضارب أوتاد و أشعث(1) داثر *** مقيم و سفع(2) في المحلّ جواثم

عروضه من الطّويل. الشعر لنصيب. و الغناء في اللّحن المختار لابن محرز ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، و له فيه أيضا هزج بالسّبّابة في مجرى البنصر، و ذكر جحظة عن أصحابه أنه هو المختار. و حكى عن أصحابه أنه ليس في الغناء كلّه نغمة إلا و هي في الثلاثة الأصوات المختارة التي ذكرها.

و من قصيدة نصيب هذا مما يغنّى فيه قوله:

لقد راعني للبين نوح حمامة *** على غصن بان جاوبتها حمائم

هواتف أمّا من بكين فعهده *** قديم و أمّا شجوهنّ فدائم

الغناء لابن سريج ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن يونس و يحيى المكّيّ و إسحاق، و أظنّه مع البيتين الأوّلين و أن الجميع لحن واحد، و لكنه تفرّق لصعوبة اللّحن و كثرة ما فيه من العمل. فجعلا صوتين.

ص: 257


1- الأشعث: الوتد. و دائر: قديم.
2- السفع: الأثافي و هي التي أوقدت بينها النار فسوّدت صفاحها التي تلي النار. و جواثم: رواس.

5 - ذكر نصيب و أخباره

نسب نصيب و نشأته

هو نصيب بن رباح(1)، مولى عبد العزيز بن مروان، و كان لبعض العرب من بني كنانة السّكّان بودّان(2)، فاشتراه عبد العزيز منهم، و قيل: بل كانوا أعتقوه، فاشترى عبد العزيز ولاءه منهم، و قيل: بل كاتب مواليه، فأدّى عنه مكاتبته.

و قال ابن دأب: كان نصيب من قضاعة ثم من بليّ. و كانت أمّه سوداء فوقع عليها سيّدها فحبلت بنصيب، فوثب عليه عمّه بعد وفاة أبيه فباعه من عبد العزيز.

و قال أبو اليقظان: كان أبوه من كنانة من بني ضمرة. و كان شاعرا فحلا فصيحا مقدّما في النّسيب و المديح، و لم يكن له حظّ في الهجاء، و كان عفيفا، و كان يقال: أنه لم ينسب قطّ إلا بامرأته.

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال؛ كتب إليّ عبد اللّه(3) بن عبد العزيز بن محجن بن نصيب بن رباح يذكر عن عمّته غرضة(4) بنت النّصيب:

أنّ النّصيب كان ابن نوبيّين سبيّين كانا لخزاعة، ثم اشترت سلامة(5) أمّ نصيب امرأة من خزاعة ضمريّة حاملا بالنّصيب، فأعتقت ما في بطنها.

/أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن محمد بن كناسة قال:

كان نصيب من أهل ودّان عبدا لرجل من كنانة هو و أهل بيته. و كان أهل البادية يدعونه النّصيب تفخيما له، و يروون شعره. و كان عفيفا كبير النّفس مقدّما عند الملوك، يجيد مديحهم و مراثيهم.

أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه عن ابن الكلبيّ قال:

كان نصيب من/بليّ بن عمرو(6) بن الحاف بن قضاعة. و كانت أمّه أمة سوداء، وقع عليها أبوه فحملت ثم

ص: 258


1- في م، ء، ر: «رياح» بالياء المثناة. و يرجح الأولى أن رباحا بالباء معروف في أسماء العبيد و السودان. قال في كتاب «المشتبه في أسماء الرجال» للذهبي طبع ليدن ص 212: و رباح بالموحدة أكثره في الموالي.
2- ودّان بالفتح، ثلاثة مواضع: أحدها بين مكة و المدينة قرية جامعة من نواحي الفرع، بينها و بين هرشى ستة أميال و بينها و بين الأبواء نحو ثمانية أميال قريبة من الجحفة، و هي لضمرة و غفار و كنانة، و قد أكثر نصيب من ذكرها في شعره.
3- في ح، ر: «كتب إلىّ عبد العزيز بن محجن الخ».
4- في ت: «عرضة» بعين فراء. و في كتاب «الموشح» للمرزباني المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 3293 أدب في الكلام على ابن أبي ربيعة: «عوضة» بالواو.
5- قد سمى بسلامة بتخفيف اللام و بتشديدها. و قد عد المرتضى في «شرح القاموس» أسماء كثيرة من النوعين، و لم يذكر هذه ضمن واحد منهما.
6- كذا في أكثر النسخ. و في ت، ح، ر: «عمران». و يؤيد أنه عمرو ما في «شرح القاموس» مادّة بلى.

مات، فباعه عمّه أخو أبيه من عبد العزيز بن مروان.

مبدأ قوله الشعر و اتصاله بعبد العزيز بن مروان بمصر

قال حمّاد و أخبرني أبي عن أيّوب بن عبابة، و أخبرنا الحرميّ عن الزّبير عن عمّه و عن إسحاق بن إبراهيم جميعا عن أيّوب بن عبابة قال حدّثني رجل من خزاعة من أهل(1) كليّة - و هي قرية كان فيها النّصيب و كثيّر - قال:

بلغني أنّ النّصيب قال: قلت الشّعر و أنا شابّ فأعجبني قولي، فجعلت آتي مشيخة من بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة - و هم موالي النّصيب - و مشيخة من خزاعة، فأنشدهم القصيدة من شعري، ثم أنسبها إلى بعض شعرائهم الماضين، فيقولون: أحسن و اللّه! هكذا يكون الكلام! و هكذا يكون الشّعر! فلمّا سمعت ذلك منهم علمت أني محسن، فأزمعوا و أزمعت(2) الخروج إلى عبد العزيز بن مروان، و هو يومئذ بمصر، فقلت لأختي أمامة و كانت عاقلة جلدة: أي أخيّة، إنّي قد قلت شعرا، و أنا أريد عبد العزيز بن مروان، و أرجو أن يعتقك اللّه عزّ و جلّ به و أمّك، /و من كان مرقوقا من أهل قرابتي. قالت: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون! يا بن أمّ، أ تجتمع عليك الخصلتان: السّواد، و أن تكون ضحكة(3) للناس! قال: قلت فاسمعي، فأنشدتها فسمعت، فقالت: بأبي أنت! أحسنت و اللّه! في هذا و اللّه رجاء عظيم، فاخرج على بركة اللّه. فخرجت على قعود لي حتى قدمت المدينة، فوجدت بها الفرزدق في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فعرّجت إليه فقلت: أنشده و استنشده و أعرض عليه شعري.

فأنشدته، فقال لي: ويلك! أ هذا شعرك الذي تطلب به الملوك؟ قلت: نعم. قال: فلست في شيء. إن استطعت أن تكتم هذا على نفسك فافعل. فانفضخت عرقا(4)، فحصبني(5) رجل من قريش كان قريبا من الفرزدق، و قد سمع إنشادي و سمع ما قال لي الفرزدق، فأومأ إليّ فقمت إليه. فقال: ويحك! أ هذا شعرك الذي أنشدته الفرزدق؟ قلت: نعم. فقال: قد و اللّه أصبت، و اللّه لئن كان هذا الفرزدق شاعرا لقد حسدك، فإنّا لنعرف محاسن الشعر، فامض لوجهك و لا يكسرنّك. قال: فسرّني قوله، و علمت أنه قد صدقني فيما قال، فاعتزمت على المضيّ.

قال: فمضيت فقدمت مصر، و بها عبد العزيز بن مروان، فحضرت بابه مع الناس، فنحّيت عن مجلس الوجوه، فكنت وراءهم، و رأيت رجلا جاء على بغلة حسن الشّارة سهل المدخل، يؤذن له إذا جاء. فلمّا انصرف إلى منزله انصرفت معه أماشي بغلته. فلما رآني قال: أ لك حاجة؟ قلت: نعم، أنا رجل من أهل الحجاز شاعر، و قد مدحت الأمير و خرجت إليه راجيا معروفه. و قد ازدريت فطردت من الباب و نحّيت عن الوجوه. قال: فأنشدني، فأنشدته.

فأعجبه شعري، فقال: ويحك! أ هذا شعرك؟ فإيّاك أن تنتحل، فإنّ الأمير/رواية عالم بالشّعر و عنده رواة، فلا تفضحني و نفسك. فقلت: و اللّه ما هو إلا شعري. فقال: ويحك! فقل أبياتا تذكر فيها حوف(6) مصر و فضلها على غيرها، و القني بها غدا. فغدوت عليه من غد فأنشدته قولي:

ص: 259


1- كلية (بالضم و الفتح و تشديد الياء): واد يأتي من شمنصير بقرب الجحفة. و بكلية على ظهر الطريق ماء آبار يقال لتلك الآبار كلية، و بها سمى الوادي، و كان النصيب يسكنها.
2- في ت، ح، ر: «فأجمعوا و أجمعت».
3- الضحكة (بضم فسكون): من يضحك منه الناس. و الضّحكة (بضم ففتح): من يضحك من الناس كثيرا.
4- فانفضخت عرقا: تدفقت عرقا.
5- حصبني: رماني بالحصباء.
6- الحوف بمصر: حوفان الشرقيّ و الغربيّ و هما متصلان، أوّل الشرقيّ من جهة الشام، و آخر الغربي قرب دمياط، يشتملان على بلدان و قرى كثيرة. و حوف رمسيس: موضع آخر بمصر.

سرى الهمّ تثنيني إليك طلائعه *** بمصر و بالحوف اعترتني روائعه

/و بات و سادي ساعد قلّ لحمه *** عن العظم حتى كاد تبدو أشاجعه(1)

قال: و ذكرت فيها الغيث فقلت:

و كم دون ذاك العارض البارق الذي *** له اشتقت من وجه أسيل مدامعه

تمشّى(2) به أفناء(3) بكر و مذحج *** و أفناء عمرو و هو خصب مرابعه(4)

فكلّ مسيل من تهامة طيّب *** دميث الرّبا تسقي البحار(5) دوافعه(6)

أعنّي على برق أريك وميضه *** تضىء دجنّات الظّلام لوامعه

إذا اكتحلت عينا محبّ بضوئه *** تجافت به حتّى الصّباح مضاجعه

هنيئا لأمّ البختريّ(7) الرّوي(8) به *** و إن أنهج الحبل الذي أنا قاطعه

/و ما زلت حتّى قلت إنّي لخالع *** ولائي من مولى نمتني قوارعه(9)

و مانح قوم أنت منهم مودّتي *** و متّخذ مولاك مولى فتابعه

نصيب و أيمن بن خريم الأسدي

فقال: أنت و اللّه شاعر! احضر بالباب حتّى أذكرك للأمير. قال: فجلست على الباب و دخل، فما ظننت أنه أمكنه أن يذكرني حتّى دعي بي. فدخلت فسلّمت على عبد العزيز، فصعّد فيّ بصره و صوّب، ثم قال: أنت شاعر؟ ويلك!.

قلت: نعم، أيّها الأمير. قال: فأنشدني. فأنشدته، فأعجبه شعري. و جاء الحاجب فقال: أيّها الأمير، هذا أيمن بن خريم(10) الأسديّ بالباب. قال: ائذن له، فدخل فاطمأنّ. فقال له الأمير: يا أيمن بن خريم، كم ترى ثمن هذا العبد؟ فنظر إليّ فقال: و اللّه لنعم الغادي في أثر المخاض(11)، هذا أيها الأمير أرى ثمنه مائة دينار. قال: فإنّ له

ص: 260


1- الأشاجع: أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف.
2- أصله تتمشى حذفت إحدى تاءيه.
3- في «اللسان»: أعناء الناس و أفناؤهم أي أخلاطهم؛ يقال: هؤلاء من أفناء القبائل أي نزّاع من هاهنا و هاهنا. و رجل من أفناء القبائل أي لا يدري من أي قبيلة هو. و قيل: إنما يقال قوم من أفناء القبائل و لا يقال رجل أ ه.
4- في ح، ر، ت: «مراتعه» بالتاء المثناة.
5- في ح، ر: «النجاد». و البحار هنا: المدن و القرى و الأراضي الواسعة، الواحدة بحرة (بالفتح).
6- الدوافع: أسافل الميث حيث تدفع في الأودية، أسفل كل ميثاء دافعة، أو الدافعة: التلعة من مسايل الماء تدفع في تلعة أخرى إذا جرى في صبب و حدور من حدب، فترى له في مواضع قد انبسط شيئا و استدار ثم دفع في أخرى أسفل منها، فكل واحد من ذلك دافعة و الجميع الدوافع، و مجرى ما بين الدافعتين مذنب.
7- كذا في ر. و في سائر النسخ: «البحتري» بالحاء المهملة. و ربما رجح الرواية الأولى أن البحتري سمي به كثيرا. و أما البحتري فنسبة إلى بحتر بن عنود الطائي جدّ أبي عبادة البحتري الشاعر المعروف.
8- الروى (بكسر ففتح): الماء الكثير المروي.
9- كذا في جميع النسخ. و لعله «فوارعه» بالفاء، بمعنى أعاليه و أصوله التي تفرعه.
10- كذا في أ. و في سائر النسخ: «خزيم» و هو تصحيف. و ستأتي ترجمته في الجزء الحادي و العشرين من «الأغاني».
11- المخاض: الحوامل من النوق. و عبارة المحكم: التي أولادها في بطونها، واحدتها خلفة على غير قياس و لا واحد لها من لفظها، كما قيل لواحدة النساء امرأة، قال ابن سيده: و إنما سميت الحوامل مخاضا تفاؤلا بأنها تصير إلى ذلك. يريد: لنعم هذا العبد راعيا للإبل.

شعرا و فصاحة. فقال لي أيمن: أ تقول الشّعر؟ قلت: نعم. قال: قيمته ثلاثون دينارا. قال: يا أيمن، أرفعه و تخفضه أنت! قال: لكونه أحمق أيّها الأمير! ما لهذا و للشّعر! أمثل هذا يقول الشّعر! أو يحسن شعرا! فقال: أنشده يا نصيب، فأنشدته. فقال له عبد العزيز: كيف تسمع يا أيمن؟ قال: شعر أسود، هو أشعر أهل جلدته. قال: هو و اللّه أشعر منك. قال: أ منّي أيّها الأمير؟ قال: إي و اللّه منك. قال: و اللّه أيّها الأمير، إنك لملول طرف. قال: كذبت و اللّه ما أنا كذلك! و لو كنت كذلك ما صبرت عليك! تنازعني التّحيّة و تؤاكلني الطّعام/و تتّكئ على وسائدي و فرشي و بك ما بك! - يعني وضحا كان بأيمن - قال: ائذن لي [أن] أخرج إلى بشر بالعراق. و احملني على البريد.

قال: قد أذنت لك، و أمر به فحمل على البريد إلى بشر. فقال: أيمن بن خريم:

ركبت من المقطّم في جمادى *** إلى بشر بن مروان البريدا

و لو أعطاك بشر ألف ألف *** رأى حقّا عليه أن يزيدا

أمير المؤمنين أقم ببشر *** عمود الحق إنّ له عمودا

و دع بشرا يقوّمهم و يحدث *** لأهل الزّيغ إسلاما جديدا

كأنّ التاج تاج بني هرقل *** جلوه لأعظم الأيّام عيدا

على ديباج خدّي وجه بشر *** إذا الألوان خالفت الخدودا

قال أيّوب يعني بقوله:

إذا الألوان خالفت الخدودا

أنّه عرّض بكلف كان في/وجه عبد العزيز -.

و أعقب مدحتي سرجا مليحا(1) *** و أبيض جوزجانيّا(2) عقودا(3)

/و إنّا قد وجدنا أمّ بشر *** كأمّ الأسد مذكارا ولودا(4)

ص: 261


1- كذا في س. و لم يرد البيت كله في ح، ر، ب. و في سائر النسخ: «خلنجا». و الخلنج فارسي معرب: شجر تتخذ من خشبة الأواني، و قيل: هو كل جفنة و صحفة و آنية صنعت من خشب ذي طرائق و أساريع موشاة. و ليس لشيء من هذا معنى مناسب في البيت.
2- كذا في «الموشح» للمرزباني. و في جميع النسخ: «خوزجانيا» بالخاء المعجمة. و لم نعثر في «معاجم البلدان» على خوزجان علما لموضع خاص. و جوزجان بالجيم: اسم كورة من كور بلخ بخراسان.
3- يقال: جمل عقد بفتح القاف و كسرها، إذا كان قويا، و ناقة معقودة القرا: موثقة الظهر. فلعل عقودا بمعنى قويا و إن كنا لم نجده بنصه في «كتب اللغة»، أو لعله محرّف عن عتود بالتاء، قال في «اللسان»: و فرس عتد بفتح التاء و كسرها: شديد تام الخلق سريع الوثبة معدّ للجري ليس فيه اضطراب و لا رخاوة، و قيل هو العتيد الحاضر المعدّ للركوب الذكر و الأنثى فيهما سواء. ثم قال و العتود: الجدي الذي استكرش، و قيل هو الذي بلغ السفاد، و قيل هو الذي أجذع. ثم قال: و العتود أيضا: العريض. فلعله يريد بالعتود معنى العتد المتقدّم.
4- قال المرزباني في «الموشح» في الكلام على أيمن بن خريم بعد أن ذكر البيت «و لو أعطاك... الخ» ثم هذين البيتين بعده: فجميع هذا المدح على غير الصواب. و ذلك أنه أومأ إلى المدح بالتناهي في الجود أولا ثم أفسده في البيت الثاني بذكر السرج و غيره، ثم ذكر في البيت الثالث ما هو إلى أن يكون ذما أقرب؛ و ذلك أنه جعل أمه ولودا، و الناس مجمعون على أن نتاج الحيوانات الكريمة يكون أعسر؛ و منه قول الشاعر: بغاث الطير أكثرها فراخا و أم الصقر مقلات نزور

قال: فأعطاه بشر مائة ألف درهم.

عبد اللّه بن أبي فروة أوّل من نوّه باسم نصيب و وصله بعبد العزيز بن مروان

أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه الزّهريّ عن(1) عبد اللّه بن عمران بن أبي فروة قال:

أوّل من نوّه باسم نصيب و قدم به على عبد العزيز بن مروان عبد اللّه بن أبي فروة، قدم به عليه و هو وصيف(2) حين بلغ و أوّل ما قال الشّعر. قال: أصلح اللّه الأمير! جئتك بوصيف نوبيّ يقول الشعر - و كان نصيب ابن نوبيّين - فأدخله عليه، فأعجبه شعره، و كان معه أيمن بن خريم الأسديّ. فقال عبد العزيز: إذا دعوت بالغداء فأدخلوه عليّ في جبّة صوف محتزما بعقال، فإذا قلت قوّموه فقوّموه و أخرجوه و ردّوه عليّ في جبّة وشي و رداء وشي. فلما جلس للغداء و معه أيمن بن خريم أدخل نصيب في جبّة صوف محتزما بعقال، فقال: قوّموا هذا الغلام. فقالوا: عشرة، عشرون، ثلاثون دينارا. فقال: ردّوه، فأخرجوه ثم ردّوه في جبّة وشي و رداء وشي. فقال: أنشدنا، فأنشدهم. فقال: قوّموه، قالوا: ألف دينار. فقال أيمن: و اللّه ما كان قطّ أقلّ في عيني منه الآن، و إنه لنعم راعي المخاض. فقال له: فكيف شعره؟ قال: هو أشعر أهل جلدته. فقال له عبد العزيز: /هو و اللّه أشعر منك. قال: أ منّي أيّها الأمير؟ قال أيمن: إنك لملول طرف. فقال له: و اللّه ما أنا بملول و أنا أنازعك الطعام منذ كذا و كذا، تضع يدك حيث أضعها و تلتقي يدك مع يدي على مائدة، كلّ ذلك أحتملك! - و كان بأيمن بياض - فقال له أيمن: ائذن لي أخرج إلى بشر. فأذن له فخرج، و قال أبياته التي أوّلها:

ركبت من المقطّم في جمادى

و قد مضت الأبيات. قال: فلما جاز بعبد الملك بن مروان، قال: أين تريد؟ قال أريد أخاك بشرا.

قال: أ تجوزني؟! قال: إي و اللّه أجوزك إلى من قدم إلىّ و طلبني. قال: فلم فارقت صاحبك؟ قال: رأيتكم يا بني مروان(3)، تتّخذون للفتى من فتيانكم مؤدّبا، و شيخكم و اللّه محتاج إلى خمسة مؤدّبين. فسرّ ذلك عبد الملك، و كان عازما على أن يخلعه و يعقد لابنه الوليد.

ابتاعه عبد العزيز بن مروان و أعتقه و قيل: أعتقته امرأة من ضمرة

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال:

يقال: إن نصيبا أضلّ إبلا فخرج في بغائها(4) فلم يصبها، و خاف مواليه أن يرجع إليهم، فأتى عبد العزيز بن مروان فمدحه و ذكر له قصته، فأخلف عليه ما ضلّ لمواليه و ابتاعه و أعتقه.

أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا عبد اللّه بن إبراهيم الهلاليّ ثم الدّوسيّ(5) قال:

ص: 262


1- في ح، ر: «عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عمران بن أبي فروة».
2- الوصيف: الخادم غلاما كان أو جارية.
3- في ت، ح، ر،: «يا بني أمية».
4- البغاء بالضم و المدّ: الطلب؛ قال الشاعر: لا يمنعنك من بغا ء الخير تعقاد التمائم
5- كذا في ب، س. و في ح، ر: «الدوأبيّ». و بنو دوأب قبيلة من غنى بن أعصر، كما في «القاموس» و «شرحه» (مادة دأب). و في أ، ء، م: «الرومي». و في ت: «الروسي» من غير إعجام.

/أراد النّصيب الخروج إلى عبد العزيز بن مروان، و هو عبد لبني محرز الضّمريّ، فقالت أمّه له: إنّك سترقد و يأخذك ابن محرز يذهب بك، فذهب و لم يبال بقولها. حتى إذا كان بمكان ماء يعرف بالدّوّ(1)، فبينا هو راقد إذ هجم عليه ابن محرز، فقال حين رآه:

إنّي لأخشى من قلاص ابن محرز *** إذا وخدت بالدّوّ وخد(2) النّعائم

/يرعن بطين(3) القوم أيّة روعة *** ضحيّا إذا استقبلنه غير نائم

فأطلقوه، فرجع فأتى أمّه. فقالت: أخبرتك يا بنيّ أنّه ليس عندك أن تعجز القوم. فإن كنت يا بنيّ قد غلبتني أنّك ذاهب فخذ بنت الفلانة(4)، فإنّي رأيتها وطئت أفحوص(5) بيضات قطاة فلم تفلقهنّ فركبها، فهي التي بلّغته ابن مروان.

قال أبو عبد اللّه بن الزّبير: عندنا أنّ الّتي أعتقته امرأة من بني ضمرة ثم من بني حنبل(6).

أوّل اتصال نصيب بعبد العزيز بن مروان

حدّثنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا الخليل بن أسد قال حدّثنا عبد اللّه بن صالح بن مسلم قال حدّثنا كليب بن إسماعيل مولى بني أميّة و كان حدثا(7) (أي حسن الحديث) قال:

/بلغني أن نصيبا كان حبشيّا يرعى إبلا لمواليه، فأضلّ منها بعيرا، فخرج في طلبه حتى أتى الفسطاط، و به إذ ذاك عبد العزيز بن مروان، و هو وليّ [عهد(8)] عبد الملك بن مروان، فقال نصيب: ما بعد عبد العزيز واحد أعتمده لحاجتي. فأتى الحاجب فقال: استأذن لي على الأمير، فإني قد هيّأت له مديحا. فدخل الحاجب فقال: أصلح اللّه الأمير! بالباب رجل أسود يستأذن عليك بمديح قد هيّأه لك. فظنّ عبد العزيز أنه ممن يهزأ به و يضحكهم، فقال: مره بالحضور ليوم حاجتنا إليه. فغدا نصيب و راح إلى باب عبد العزيز أربعة أشهر، و أتاه آت من عبد الملك فسرّه، فأمر بالسّرير فأبرز للناس، و قال: عليّ بالأسود، و هو يريد أن يضحك منه الناس. فدخل، فلما كان حيث يسمع كلامه، قال:

لعبد العزيز على قومه *** و غيرهم نعم غامره

فبابك ألين(9) أبوابهم *** و دارك مأهولة عامره

و كلبك آنس بالمعتفين *** من الأمّ بالابنة الزائره

و كفّك حين ترى السائلي *** ن أندى من اللّيلة الماطرة

ص: 263


1- الدوّ: أرض ملساء بين مكة و البصرة على الجادة مسيرة أربع ليال ليس فيها جبل و لا رمل و لا شيء. (انظر «ياقوت»).
2- الوخد للبعير: الإسراع أو أن يرمي بقوائمه كمشي النعام.
3- البطين: عظيم البطن، و البعيد. و في ر: «بطيء». و في ب، س: «بطير».
4- في «اللسان» (مادة فلن): فلان و فلانة كناية عن أسماء الآدميين، و الفلان و الفلانة كناية عن غير الآدميين؛ تقول العرب: ركبت الفلان و حلبت الفلانة.
5- الأفحوص بوزن عصفور: مجثم القطاة و هو مبيضها الذي تبيض فيه؛ سمّي بذلك لأنها تفحصه.
6- في ح، ر: «حبيك». و في ت: «حنبك».
7- ضبطه في «اللسان» ككتف و عضد و شبر.
8- التكلمة في ت.
9- في ر: «أيمن أبوابهم».

فمنك العطاء و منّي الثّناء *** بكلّ محبّرة سائره

فقال: أعطوه أعطوه. فقال: إنّي مملوك. فدعا الحاجب فقال: اخرج فابلغ في قيمته، فدعا المقوّمين فقال: قوّموا غلاما أسود ليس به عيب. قالوا: مائة دينار. قال: إنه راع للإبل يبصرها و يحسن القيام عليها.

قالوا: حينئذ مائتا دينار. قال: إنه يبري القسيّ و يثقّفها و يرمي النّبل و يريشها. قالوا: أربعمائة دينار. قال: إنه رواية للشّعر بصير به. قالوا: ستّمائة دينار. قال: إنه/شاعر لا يلحق حذقا(1). قالوا: ألف دينار. قال عبد العزيز: ادفعوها إليه. قال: أصلح اللّه الأمير! ثمن بعيري الذي أضللت. قال: و كم ثمنه؟ قال: خمسة و عشرون دينارا. قال: ادفعوها إليه. قال: أصلح اللّه الأمير! جائزتي لنفسي عن مديحي إيّاك. قال: اشتر نفسك ثم عد إلينا. فأتى الكوفة و بها بشر بن مروان، فاستأذن عليه فاستصعب الدخول إليه. و خرج بشر بن مروان متنزّها فعارضه، فلما ناكبه (أي صار حذاء منكبه) ناداه:

يا بشر يا بن الجعفريّة ما *** خلق الإله يديك للبخل

جاءت به عجز(2) مقابلة(3) *** ما هنّ من جرم(4) و لا عكل

/قال: فأمر له بشر بعشرة آلاف درهم. الجعفريّة التي عناها نصيب: أمّ بشر بن مروان، و هي قطيّة(5) بنت بشر بن عامر ملاعب الأسنّة بن مالك بن جعفر بن كلاب.

أم بشر بن مروان ابن الحكم

أخبرنا اليزيديّ عن الخرّاز عن المدائنيّ عن عبد اللّه بن مسلم و عامر بن حفص و غيرهما:

أنّ مروان بن الحكم مرّ ببادية بني جعفر، فرأى قطيّة بنت بشر تنزع بدلو على أبل لها، و تقول:

/

ليس بنا فقر إلى التّشكّي *** جربّة(6) كحمر الأبكّ(7)

لا ضرع(8) فيها و لا مذكّي(9)

ص: 264


1- في ت، أ، م، ء: «لا يلحن حرفا».
2- عجز: جمع عجوز. يريد بهن أمهاته و جداته.
3- المقابلة: الكريمة النسب من قبل أبويها.
4- جرم: بطن في طيء و مساكنهم صعيد مصر و منهم بقية في نواحي غزة، و هم غير جرم بن زبّان بن حلوان بن عمران بن الحاف: بطن من قضاعة. و عكل: أبو قبيلة فيهم غباوة و قلة فهم؛ لذلك يقال لكل من فيه غفلة و يستحمق: عكليّ.
5- في ت، ح، ر: «قطبة» بالباء الموحدة و قد سمى به، كما في «القاموس».
6- وردت هذه الكلمة في ب، س، ر: «جونية» و في ح: «لجونبة» و في ء: «جرية». و في م، أ: «جريه». و في ت: «حرية». و كل ذلك محرّف عن «جربّة». و الجربة في الأصل: جماعة الحمر. و قد يقال للأقوياء من الناس إذا كانوا جماعة متساوين، و هو المراد هنا. و قد ورد البيت في «اللسان» مادة صلم: صلامة كحمر الأبك لا ضرع فيها و لا مذكّى و الصلامة: القوم المستوون في السنّ و الشجاعة و السخاء.
7- الأبك: الحمر التي يبكّ (يزحم) بعضها بعضا؛ و نظيره قولهم الأعم في الجماعة، و الأمرّ لمصارين الفرث. و الأبك: اسم موضع؛ قال في «اللسان» مادة بكك: و الأبك: موضع نسبت الحمر إليه، فأما ما أنشده ابن الأعرابي «جربة كحمر الأبك» فزعم أنها الحمر يبكّ بعضها بعضا. قال: يضعف ذلك أن فيه ضربا من إضافة الشيء إلى نفسه و هذا مستكره. و قد يكون الأبك هاهنا الموضع فذلك أصح للإضافة.
8- الضرع: الضعيف.
9- المذكى: المسنّ من كل شيء، و خص بعضهم به ذوات الحافر و هو أن يجاوز القروح بسنة. قال الأزهريّ نقلا عن ابن الأعرابي: إذا سقطت رباعية الفرس و نبتت مكانها سنّ فهو رباع و ذلك إذا استتم الرابعة، فإذا حان قروحه سقطت السن التي تلي رباعيته و نبت مكانها نابه و هو قارحه، و ليس بعد القروح سقوط سنّ و لا نبات سنّ. قال: و إذا دخل الفرس في السادسة و استتم الخامسة فقد قرح.

ثم تقول:

عامان ترقيق(1) و عام تمّما(2) *** لم يترك(3) لحما و لم يترك دما

و لم يدع في رأس عظم ملدما(4) *** إلا رذايا(5) و رجالا رزّما(6)

فخطبها مروان فتزوّجها، فولدت له بشر بن مروان.

/أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أحمد بن معاوية عن إسحاق بن أيّوب عن خليل(7) بن عجلان في خبر النّصيب مثل ما ذكره الزّبير و إسحاق سواء.

كان نصيب إذا أصاب شيئا من المال قسمه في مواليه و كان فيه كأحدهم و ظل كذلك حتى مات

أخبرني عمي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن العتبيّ قال:

دعا النّصيب مواليه أن يستلحقوه(8) فأبى، و قال: و اللّه لأن أكون مولى لائقا(9) أحبّ إلىّ من أن أكون دعيّا لاحقا. و قد علمت أنكم تريدون بذلك مالي، و و اللّه لا أكسب شيئا أبدا إلا كنت أنا و أنتم فيه سواء كأحدكم، لا أستأثر عليكم منه بشيء أبدا. قال: و كان كذلك معهم حتى مات، إذا أصاب شيئا قسمه فيهم، فكان فيه كأحدهم.

نصيب و الفرزدق بحضرة سليمان بن عبد الملك

أخبرني الحرميّ قال حدّثنا [الزّبيري، و حدّثنا محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة قال حدّثنا الزّبير](10) قال حدّثنا محمد بن إسماعيل الجعفريّ قال:

دخل النّصيب على سليمان بن عبد الملك و عنده الفرزدق، فاستنشد الفرزدق و هو يرى أنه سينشده مديحا له، فأنشده قوله يفتخر:

ص: 265


1- لعلها تريد وصف حالهم في هذين العامين برقة الحال و الضعف و الهزال، كأن الهزال ظل يأخذهم شيئا فشيئا حتى رقت حالهم، أو لعله محرّف عن ترميق، و تريد أنهم في هذين العامين لم يترك لهم الجدب إلا بمقدار ما يمسك رمقهم.
2- تمم: أجهز.
3- اتّرك بمعنى ترك.
4- لعله محرّف عن مكدما. و الكدم: تمشمش العظم و تعرّقه. تعني أنه لم يبق على العظم لحم.
5- الرذايا: جمع رذيّة و هي المرأة المهزولة؛ قال لبيد: يأوي إلى الأطناب كل رذية مثل البلية قالصا أهدامها أراد كل امرأة أرذاها الجوع و السلال.
6- رزم: جمع رازم، و هو الثابت على الأرض لا يستطيع النهوض هزالا.
7- في ح، ر: «خليد».
8- استلحق الولد: ادّعاه و ألحقه بنسبه.
9- لائقا: لاصقا.
10- زيادة في ت، و كذا في ح، ر غير أن النص فيهما: أخبرني الحرميّ عن الزبير و حدّثني اليزيدي عن أبي خيثمة عن الزبير الخ.

و ركب كأنّ الريح تطلب عندهم *** لها ترة من جذبها(1) بالعصائب(2)

/سروا يركبون الريح(3) و هي تلفّهم *** على(4) شعب الأكوار من كلّ جانب(5)

إذا استوضحوا نارا يقولون ليتها *** و قد خصرت أيديهم نار غالب

قال: و عمامته على رأسه مثل المنسف(6)؛ فغاظ سليمان و كلح(7) في وجهه، و قال لنصيب: قم فأنشد مولاك ويلك! فقام نصيب فأنشده قوله:

أقول لركب صادرين لقيتهم *** قفا(8) ذات أوشال و مولاك قارب(9)

قفوا خبّروني عن سليمان إنّني *** لمعروفه من أهل ودّان طالب

فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله *** و لو سكتوا أثنت عليك الحقائب

و قالوا عهدناه و كلّ عشيّة *** بأبوابه من طالب العرف راكب

هو البدر و الناس الكواكب حوله *** و لا تشبه البدر المضيء الكواكب

/فقال له سليمان: أحسنت و اللّه يا نصيب! و أمر له بجائزة و لم يصنع ذلك بالفرزدق. فقال الفرزدق و قد خرج من عنده:

و خير الشّعر أكرمه رجالا *** و شرّ الشعر ما قال العبيد

النصيب و عبد العزيز بن مروان بجبل المقطم

/أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه

ص: 266


1- كذا في ت، ح، و في سائر النسخ: «جذبهم» بميم الجمع.
2- العصائب هنا: العمائم. و في «اللسان» (مادة عصب): و ركب كأن الريح تطلب منهم لها سلبا من جذبها بالعصائب أي تنقض ليّ عمائمهم من شدّتها، فكأنها تسلبهم إياها. و البيت في «ديوانه» كما في الأصل.
3- في «ديوانه» المطبوع بأوروبا: «يخبطون الليل».
4- كذا في «ديوانه». و في الأصول: «إلى».
5- في ح، ر: «ذات الحقائب». و في ت بعد هذا البيت ما نصه: «أنا أروى فيها بيتا رواه شيخي أبو زكريا رواه له أبو العلاء المعرّي بمعرّة النعمان: يعضّون أطراف العصيّ كأنما يمسّون بالأطراف شوك العقارب أي لا يستطيع السابق - لعلها: الراكب و نحوه - أن يمسّ العصا بيده فيعضّها ما سكا لها بسنّه. إذا استوضحوا نارا يقولون ليتها و قد خصرت أيديهم نار غالب» و قد وجد الناسخ هذه الزيادة بهامش بعض النسخ، فكتبها في الأصل كما هي؛ فإن المعروف أن أبا العلاء المعرّي ولد سنة 363 ه و أبا الفرج الأصفهاني مات سنة 356 ه.
6- المنسف: «شيء طويل متصوّب الصدر أعلاه مرتفع ينفض به الحبّ. و في «الأساس» المنسف الغربال الكبير.
7- الكلح: التكشر في عبوس.
8- قفا ذات أو شال: وراءها. و الأوشال: جمع وشل و هو الماء القليل.
9- في «اللسان»: القارب: طالب الماء ليلا، و لا يقال ذلك لطالب الماء نهارا. و في «التهذيب»: القارب: الذي يطلب الماء، و لم يعين وقتا. و يريد بالمولى نفسه، و الخطاب لسليمان بن عبد الملك.

الزّهريّ(1) عن عمّه موسى بن عبد العزيز قال:

حمل عبد العزيز بن مروان النّصيب بالمقطّم (مقطّم مصر) على بختيّ قد رحله بغبيط(2) فوقه، و ألبسه مقطّعات(3) وشي، ثم أمره أن ينشد؛ فاجتمع حوله السّودان و فرحوا به، فقال لهم: أ سررتكم؟ قالوا: إي و اللّه.

قال: و اللّه لما يسوؤكم من أهل جلدتكم أكثر.

نصيب و جرير

أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلاّم قال حدّثني أبو العرّاف قال:

مرّ جرير بنصيب و هو ينشد، فقال له: اذهب فأنت أشعر أهل جلدتك. قال: و جلدتك يا أبا حزرة.

هشام بن عبد الملك و نصيب

أخبرنا الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني أيّوب بن عباية قال:

بلغني أنّ النّصيب كان إذا قدم على هشام بن عبد الملك أخلى له مجلسه و استنشده مراثي بني أميّة، فإذا أنشده بكى و بكى معه. فأنشده يوما قصيدة له مدحه بها، يقول فيها:

/

إذا استبق الناس العلا سبقتهم *** يمينك عفوا ثم صلّت(4) شمالها

فقال له هشام: يا أسود، بلغت غاية المدح فسلني. فقال: يدك بالعطيّة أجود و أبسط من لساني بمسألتك.

فقال: هذا و اللّه أحسن من الشعر، و حباه و كساه و أحسن جائزته.

نصيب و إعتاقه ذوي قرابته

أخبرني الحسين بن يحيى قال أخبرنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه أيّوب بن عباية قال:

أصاب نصيب من عبد العزيز بن مروان معروفا، فكتمه و رجع إلى المدينة في هيئة بذّة(5)، فقالوا: لم يصب بمدحه شيئا. فمكث مدّة، ثم ساوم بأمّه فابتاعها و أعتقها، ثم ابتاع أمّ أمّه(6) بضعف ما ابتاع به أمّه فأعتقها. و جاءه ابن خالة له اسمه سحيم فسأله أن يعتقه، فقال له: ما معي و اللّه شيء، و لكنّي إذا خرجت أخرجتك معي، لعل اللّه أن يعتقك. فلمّا أراد الخروج دفع غلاما له إلى مولى سحيم يرعى إبله و أخرجه معه، فسأل في ثمنه فأعطاه و أعتقه.

فمرّ به يوما و هو يزفن(7) و يزمر مع السّودان، فأنكر ذلك عليه و زجره. فقال له: إن كنت أعتقتني لأكون كما تريد فهذا و اللّه ما لا يكون أبدا، و إن كنت أعتقتني لتصل رحمي و تقضي حقّي فهذا و اللّه الذي أفعله هو الذي أريده،

ص: 267


1- في ح، ر: «الزبيريّ». و قد تقدّم مرارا أنه عبد الرحمن بن عبد اللّه الزهريّ.
2- الغبيط: الرحل، و هو للنساء يشدّ عليه الهودج و الجمع غبط.
3- المقطعات من الثياب: شبه الجباب و نحوها من الخز و غيره؛ و منه قوله تعالى: (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيٰابٌ مِنْ نٰارٍ) أي خيطت و سوّيت و جعلت لبوسا لهم. و المقطعات: واحدها مقطعة، و قيل لا واحد لها؛ فلا يقال للجبة مقطعة و لا للقميص مقطع، و إنما يقال لجملة الثياب مقطعات و الواحد ثوب.
4- صلّت شمالها؛ جاءت تالية لليمين؛ و من ذلك المصلّى من خيل الحلبة، و هو الذي يجيء بعد السابق لأن رأسه يلي صلا المتقدّم.
5- البذاذة: رثاثة الهيئة.
6- في ب، س: «أم أمامة» و في ح، ر: «أمامة» و في م: «أم أبيه».
7- يزفن: يرقص.

أزفن و أزمر و أصنع ما شئت. فانصرف النّصيب و هو يقول:

إنّي أراني لسحيم قائلا *** إنّ سحيما لم يثبني طائلا

نسيت إعمالي لك الرّواحلا *** و ضربي الأبواب فيك سائلا!

/عند الملوك أستثيب النائلا *** حتى إذا آنست عتقا عاجلا(1)

ولّيتني منك القفا و الكاهلا *** أخلقا شكسا و لونا حائلا

استعجاله جائزة عند عبد العزيز بن مروان، و ليلى أم عبد العزيز

قال إسحاق: و أبطأت جائزة النّصيب عند عبد العزيز، فقال:

و إنّ وراء ظهري يا بن ليلى *** أناسا ينظرون متى أءوب

أمامة منهم و لمأقييها(2) *** غداة البين في أثري غروب(3)

تركت بلادها و نأيت عنها *** فأشبه ما رأيت بها السّلوب(4)

فأتبع بعضنا بعضا فلسنا *** نثيبك لكن اللّه المثيب

/فعجّل جائزته و سرّحه. قال إسحاق: فحدّثني ابن كناسة قال: ليلى أمّ عبد العزيز كلبيّة. و بلغني عنه أنه قال: لا أعطي شاعرا شيئا حتى يذكرها في مدحي لشرفها(5)؛ فكان الشعراء يذكرونها باسمها في أشعارهم.

شرف نصيب لشعره

أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه عن ابن عباية قال:

وقفت سوداء بالمدينة على نصيب و هو ينشد الناس، فقالت: بأبي أنت يا بن عمّ و أمّي! ما أنت و اللّه عليّ بخزي. فضحك و قال: و اللّه لمن يخزيك من بني عمّك أكثر ممّن يزينك.

خطبة ابن نصيب بنت سيده و ما فعله نصيب في ذلك

قال إسحاق و حدّثني ابن عبابة و غيره أنّ ابنا لنصيب خطب بعد وفاة سيّده الذي أعتقه بنتا له من أخيه، فأجابه إلى ذلك، و عرّف أباه. فقال له: اجمع وجوه الحيّ/لهذا(6) الحال فجمعهم. فلمّا حضروا أقبل نصيب على أخي سيّده فقال: أ زوّجت ابني هذا من ابنة أخيك؟ قال نعم. فقال لعبيد له سود: خذوا برجل ابني هذا فجرّوه فاضربوه ضربا مبرّحا، ففعلوا و ضربوه ضربا مبرّحا. و قال لأخي سيّده: لو لا أنّي أكره أذاك لألحقتك به. ثم نظر إلى شابّ من أشراف الحيّ، فقال: زوّج هذا ابنة أخيك و عليّ ما يصلحهما في مالي، ففعل.

ص: 268


1- في ح، ر: «باتلا» أي باتا.
2- مأق العين و مؤقها و موقها و مؤقيها و مأقيها: حرفها الذي يلي الأنف.
3- الغروب: الدموع حين تخرج من العين، واحدها غرب.
4- ظبية سلوب و سالب: سلبت ولدها. يريد: لما تركتها رأيتها أشبه الأشياء بالسّلوب التي فقدت ولدها من حزنها عليّ.
5- في ت: «و ليشرّفها». و لعل الواو زائدة من الناسخ.
6- في ت، ح، ر: «لهذه الحال». و الحال يذكر و يؤنث.

نصيب و عبد الملك بن مروان حين أراد منادمته

أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث عن المدائنيّ قال:

دخل نصيب على عبد الملك فتغدّى معه، ثم قال: هل لك فيما نتنادم عليه؟ فقال: تؤمّنني(1) ففعل.

فقال: لوني حائل، و شعري مفلفل، و خلقتي مشوّهة، و لم أبلغ ما بلغت من إكرامك إيّاي بشرف أب أو أمّ أو عشيرة، و إنما بلغته بعقلي و لساني. فأنشدك اللّه يا أمير المؤمنين أن(2) تحول بيني و بين ما بلغت به هذه المنزلة منك فأعفاه.

سبب تسميته بهذا الاسم

أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثني محمد بن صالح بن النّطّاح قال بلغني عن خلاّد بن مرّة عن أبي بكر بن مزيد قال:

لقيت النّصيب يوما بباب هشام، فقلت له: يا أبا محجن، لم سمّيت نصيبا، أ لقولك في شعرك عاينها(3)النّصيب؟ فقال: لا، و لكني ولدت عند أهل بيت من ودّان، فقال سيّدي: ائتونا بمولودنا هذا لننظر إليه. فلمّا رآني قال: إنه لمنصب(4) الخلق؛ فسمّيت النّصيب، ثم اشتراني عبد العزيز بن مروان فأعتقني.

فصاحته و تخلصه إلى جيد الكلام

أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن محمد بن كناسة أبي يحيى الأسديّ قال:

قال أبو عبد اللّه بن أبي إسحاق البصريّ: لئن وليت العراق لأستكتبنّ نصيبا لفصاحته و تخلّصه إلى جيّد الكلام.

صدق الحديث مع عبد العزيز بن مروان فأجازه

أخبرني الأسديّ قال حدّثني محمد بن صالح عن أبيه عن محمد بن عبد العزيز الزّهريّ(5) قال: حدّثني نصيب قال:

دخلت على عبد العزيز بن مروان، فقال: أنشدني قولك:

إذا لم يكن بين الخليلين ردّة(6) *** سوى ذكر شيء قد مضى درس الذّكر

فقلت: ليس هذا لي، هذا لأبي صخر الهذليّ، و لكنّي الذي أقول:

وقفت بذي دوران(7) أنشد ناقتي *** و ما إن بها لي من قلوص و لا بكر

ص: 269


1- في ت، ح، ر: «تأمّلني».
2- في ب، س: «ألاّ تحول» و كلا التعبيرين صحيح (راجع الحاشية رقم 1 صفحة 167 من هذا الجزء).
3- كذا! و لم نعثر عليه في شعر نصيب.
4- كذا في أكثر النسخ. و منصّب الخلق: مسوّاه مستقيمه. و في ب، س: «لنصيب الخلق». و في ح، ر: «لنصيب فسميت الخ».
5- في ت: «الزبيري» تحريف.
6- الردّة هنا: البقية.
7- كذا في ح، و قد تقدّم الكلام على ذي دوران في الحاشية رقم 3 ص 80 و في سائر النسخ ودان. و قد تقدم الكلام على ودان في الحاشية رقم 2 ص 324 و ربما رجح الرواية الأولى أن ودان لم يرد في «معاجم البلدان» مصدرا بذي، على أنه تقدّم في أوّل ترجمته في الصفحة المشار إليها أنه من أهل ودّان.

فقال لي عبد العزيز: لك جائزة على صدق حديثك، و جائزة على شعرك؛ فأعطاني على صدق حديثي ألف دينار، و على شعري ألف دينار.

أوصاف نصيب الجسمية

أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن عثمان بن حفص عن أبيه قال: رأيت النّصيب و كان أسود خفيف العارضين ناتئ الحنجرة.

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزّبير قال حدّثني إبراهيم بن يزيد(1)/السّعديّ عن جدّته جمال بنت عون بن مسلم عن أبيها عن جدّها قال:

/رأيت رجلا أسود مع امرأة بيضاء، فجعلت أعجب من سوداه و بياضها، فدنوت منه و قلت: من أنت؟ قال:

أنا الذي أقول:

ألا ليت شعري ما الذي تحدثين بي *** غدا غربة النأي المفرّق و البعد

لدى(2) أمّ بكر حين تقترب النّوى *** بنا(3) ثم يخلو الكاشحون بها بعدي

أ تصرمني عند الألى هم لنا العدا(4) *** فتشمتهم بي أم تدوم على العهد

قال: فصاحت: بل و اللّه تدوم على العهد. فسألت عنهما فقيل: هذا نصيب، و هذه أمّ بكر.

النصيب و عبد اللّه بن جعفر

أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثنا محمد بن صالح بن النّطّاح قال حدّثني أبو اليقظان عن جويرية بن أسماء قال:

أتى النّصيب عبد اللّه بن جعفر فحمله و أعطاه و كساه. فقال له قائل: يا أبا جعفر، أعطيت هذا العبد الأسود هذه العطايا! فقال: و اللّه لئن كان أسود إنّ ثناءه لأبيض، و إنّ شعره لعربيّ، و لقد استحقّ بما قال أكثر مما نال.

و ما ذاك! إنما هي رواحل تنضى(5)، و ثياب تبلى، و دراهم تفنى، و ثناء يبقى، و مدائح تروى! أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن المدائني قال قال أبو الأسود: امتدح نصيب عبد اللّه بن جعفر و ذكر مثله.

نصيب و النسوة اللائي أردن يسمعن شعرك

أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا الخرّاز عن المدائنيّ قال:

ص: 270


1- في ح، ر: «زيد».
2- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «أرى» و هو تحريف.
3- كذا في ت، م، ء. و في سائر النسخ «لنا».
4- كذا في جميع النسخ، غير أنه في نخسة ت شطب لفظ الألى و وضع بدله الذين و شطبت كلمة «لنا» و هو بذلك مستقيم الوزن.
5- تنضى: تهزل؛ يقال: أنضاه السفر أي هزله.

/قيل لنصيب: إنّ هاهنا نسوة يردن أن ينظرن إليك و يسمعن منك شعرك. قال: و ما يصنعن بي! يرين جلدة سوداء و شعرا أبيض، و لكن ليسمعن شعري من وراء ستر(1).

تغنى منقذ الهلالي بشعر نصيب

أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن عثمان بن حفص عن رجل ذكره قال:

أتاني منقذ الهلاليّ ليلا، فضرب عليّ الباب. فقلت: من هذا؟ فقال: منقذ الهلاليّ. فخرجت إليه فزعا.

فقال: البشرى. فقلت: و أيّ بشرى أتتني بك في هذا الليل؟ فقال: خير، أتاني أهلي بدجاجة مشويّة بين رغيفين فتعشّيت بها، ثم أتوني بقنّينة من نبيذ قد التقى طرفاها صفاء و رقّة، فجعلت أشرب و أترنّم بقول نصيب:

بزينب ألمم قبل أن يظعن الرّكب

ففكّرت في إنسان يفهم حسنه و يعرف فضله، فلم أجد غيرك، فأتيتك مخبرا بذلك. فقلت: ما جاء بك إلا هذا؟! فقال: أولا يكفي! ثم انصرف.

عفة نصيب في شعره

أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:

قال مسلمة لنصيب: أنت لا تحسن الهجاء. فقال: بلى و اللّه، أ تراني لا أحسن أن أجعل مكان عافاك اللّه أخزاك اللّه؟! قال: فإنّ فلانا قد مدحته فحرمك فاهجه، قال: لا و اللّه ما ينبغي أن أهجوه، و إنما ينبغي أن أهجو نفسي حين مدحته. فقال مسلمة: هذا و اللّه أشدّ من الهجاء.

نصيب و عمر بن عبد العزيز في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

اشارة

أخبرني الحسين قال قال حمّاد: قرأت على أبي عن ابن عباية عن الضّحّاك الحزاميّ(2) قال:

دخل نصيب مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه يومئذ أمير المدينة، و هو جالس بين قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و منبره، فقال: أيّها الأمير، ائذن لي أن أنشدك من مراثي عبد العزيز. فقال: لا تفعل فتحزنني، و لكن أنشدني قولك. «قفا أخويّ»؛ فإنّ شيطانك كان لك فيها ناصحا حين(3) لقّنك إيّاها. فأنشده:

صوت

قفا أخويّ إن الدار ليست *** كما كانت بعهد كما تكون

ليالي تعلمان و آل ليلى *** قطين الدار فاحتمل القطين(4)

فعوجا فانظرا أ تبين عمّا *** سألناها به أم لا تبين

ص: 271


1- في ت، ح، ر: «من وراء وراء».
2- كذا في أكثر النسخ. و في ب، س: «الخزامي» بمعجمتين و هو تصحيف؛ إذ هو الضحاك بن عثمان بن عبد اللّه بن خالد بن حزام الأسدي الحزاميّ أبو عثمان المدنيّ، كما في «الخلاصة في أسماء الرجال» و «المشتبه في أسماء الرجال» للذهبي.
3- كذا في ح. و في سائر النسخ: «حتى» و المقام للأولى.
4- القطين: السكان في الدار، و هو كالخليط لفظ الواحد و الجماعة فيه سواء.

فظلاّ واقفين و ظلّ دمعي *** على خدّي تجود به الجفون(1)

فلو لا إذ(2) رأيت اليأس منها *** بدا أن كدت ترشقك(3) العيون،

برحت(4) فلم يلمك الناس فيها *** و لم تغلق كما غلق الرّهين

/في البيتين الأوّلين من هذه الأبيات و الأخيرين لابن سريج خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. و فيه للغريض خفيف ثقيل أوّل بالوسطى عن عمرو و يونس.

قصة نصيب مع امرأة عجوز بالجحفة كان يختلف إليها

أخبرني الحسين عن حمّاد عن أبيه عن أيّوب بن عباية قال:

كان نصيب ينزل على عجوز بالجحفة إذا قدم من الشام، و كان لها بنيّة صفراء و كان يستحليها، فإذا قدم وهب لها دراهم و ثيابا غير ذلك. فقدم عليهما قدمة و بات بهما، فلم يشعر إلا بفتى قد جاءها ليلا فركضها برجله، فقامت معه فأبطأت ثم عادت، و عاد إليها بعد ساعة فركضها برجله فقالت معه فأبطأت ثم عادت. فلمّا أصبح نصيب رأى أثر معتركهما و مغتسلهما. فلما أراد أن يرتحل قالت له العجوز و بنتها: بأبي أنت! عادتك. فقال لها:

أراك طموح العين ميّالة الهوى *** لهذا و هذا منك ودّ ملاطف

فإن تحملي ردفين لا أك منهما *** فحبّي فرد(5) لست ممن يرادف

و لم يعطها شيئا و رحل.

حديث النصيب مع امرأة من ملل كان الناس ينزلون عندها

قال أيّوب: و كانت بملل امرأة ينزل بها الناس، فنزل بها أبو عبيدة بن عبد اللّه(6) بن زمعة و عمران بن عبد اللّه بن مطيع و نصيب فلمّا رحلوا وهب لها القرشيّان و لم يكن مع نصيب شيء، فقال لها: اختاري إن شئت أن أضمن لك مثل ما أعطياك إذا قدمت، و إن شئت قلت فيك أبياتا تنفعك. قالت: بل الشّعر أحبّ إليّ. فقال:

/ألا حيّ قبل البين أمّ حبيب *** و إن لم تكن منّا غدا بقريب

لئن لم يكن حبّيك حبّا صدقته *** فما أحد عندي إذا بحبيب

تهام(7) أصابت قلبه ملليّة *** غريب الهوى يا ويح كلّ غريب

ص: 272


1- في ت، ح، ر: «الشئون» جمع شأن و هو مجرى الدمع في العين.
2- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «أن». و الظاهر أن «لو لا» هنا للتحضيض، مثلها في قوله تعالى: (لَوْ لاٰ تَسْتَغْفِرُونَ اللّٰهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
3- ترشقك العيون: تحدّ النظر إليك كأنها ترميك بسهام لحظها.
4- كذا في ت. و في سائر النسخ: «ترحت». و لعل أصلها «نزحت».
5- هكذا في جميع النسخ. و في «الحماسة الصغرى» لأبي تمام المعروفة «بالوحشيات» النسخة الفتوغرافية المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 2297 أدب ص 242 «فجبي بردف».
6- كذا في أكثر النسخ، و مثله ما في ياقوت (مادة ملل) و في ر، س: «عبد الملك».
7- كذا في ح، ر و ياقوت (مادة ملل). و تهامة ينسب إليها فيقال: رجل تهاميّ بالكسر و تهام بالفتح. و قال الجوهري: إذا فتحت التاء لم تشدّد الياء كما قالوا رجل يمان و شآم، إلا أن الألف في تهام من لفظها، و الألف في يمان و شآم عوض من ياء النسبة (و هكذا في مادة تهم من «لسان العرب» و «شرح القاموس»). قال المرتضى: و وجدت بخط أبي زكريا ما نصه: الصواب من إحدى يائي النسب. و في «المحكم»: النسب إلى تهامة تهامي و تهام على غير قياس، كأنهم بنوا الاسم على تهمي أو تهمي، ثم عوّضوا الألف قبل الطرف من إحدى الياءين اللاحقتين بعدها، و هذا قول الخليل أ ه (راجع «اللسان» و «شرح القاموس» مادة تهم». و في سائر النسخ: «سهام» و هو تحريف.

فشهرها بذلك، فأصابت بقوله ذلك فيها خيرا.

النصيب و عمر بن عبد العزيز و قد نهاه عن التشبيب بالنساء

قال أيّوب: و دخل النّصيب على عمر بن عبد العزيز - رحمة اللّه عليه - بعد ما ولي الخلافة. فقال له: إيه يا أسود! أنت الذي تشهّر النساء بنسيبك! فقال: إنّي قد تركت ذلك يا أمير المؤمنين، و عاهدت اللّه عزّ و جلّ الاّ أقول نسيبا، و شهد له بذلك من حضر و أثنوا عليه خيرا. فقال: أمّا إذ كان الأمر هكذا فسل حاجتك. فقال: بنيّات لي نفضت عليهنّ سوادي فكسدن، أرغب بهنّ عن السّودان و يرغب عنهنّ البيضان. قال: فتريد ما ذا؟ قال: تفرض لهنّ، ففعل. قال: و نفقة لطريقي. قال: فأعطاه حلية سيفه و كساه ثوبيه، و كانا يساويان ثلاثين درهما.

اجتماع النصيب و الكميت ذي الرمّة و تناشدهم الشعر

أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا/عمر بن شبّة عن إسحاق الموصليّ عن ابن كناسة قال: /اجتمع النّصيب و الكميت و ذو الرّمّة، فأنشدهما الكميت قوله:

هل أنت عن طلب الأيفاع(1) منقلب

حتى بلغ إلى قوله فيها:

أم هل ضغائن بالعلياء(2) نافعة *** و إن تكامل فيها الأنس و الشّنب(3)

فعقد نصيب واحدة. فقال له الكميت: ما ذا تحصي؟ قال: خطأك، باعدت في القول، ما الأنس من الشّنب، أ لا قلت كما قال ذو الرّمّة:

لمياء(4) في شفتيها حوّة(5) لعس(6) *** و في اللّثات و في أنيابها شنب

ص: 273


1- كذا في أكثر النسخ. و يريد بالأيفاع الكواعب التي شارفت البلوغ. و في ح، ء: «الإيقاع» و في ر: «الإبقاع»، و لعلهما تصحيف. و تمام البيت كما في «الأغاني» ج 15 في ترجمة الكميت: أم كيف يحسن من ذي الشيبة اللعب
2- العلياء: اسم بلد، كما في «اللسان» مادة سند في الكلام على السند في شعر النابغة يا دارمية بالعلياء فالسند و لم يذكره ياقوت و البكري في «معجميهما».
3- الشنب: رقة و برد و عذوبة في الأسنان. و قد روى هذا البيت في كتاب «الموشح» لأبي عبيد اللّه محمد بن عمران بن موسى المرزباني المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 3293 كما هنا، ثم رواه من طريق آخر قال: أخبرني محمد بن أبي الأزهر قال حدّثنا محمد بن يزيد النحوي قال: حدّثت أن الكميت بن زيد أنشد نصيبا فاستمع له، فكان فيما أنشده. و قد رأينا بها حورا منعمة بيضا تكامل فيها الدّل و الشنب فثنى نصيب خنصره، فقال له الكميت: ما تصنع؟ قال: أحصي خطأك! تباعدت في قولك: تكامل فيها الدل و الشنب، هلا قلت كما قال ذو الرمة: لمياء في شفتيها حوّة لعس الخ.
4- اللمياء: بيّنة اللمى، و هو سمرة الشفتين و اللثات.
5- الحوّة: سمرة الشفة.
6- اللعس: سواد اللثة و الشفة في حمرة، و هو بدل مما قبله.

ثم أنشدهما قوله:

أبت هذه النفس إلاّ ادّكارا

/حتى بلغ إلى قوله:

إذا ما الهجارس(1) غنّينها *** تجاوبن بالفلوات الوبارا(2)

فقال له النّصيب: و الوبار لا تسكن الفلوات. ثم أنشد حتى بلغ منها:

كأنّ الغطامط(3) من غليها *** أراجيز أسلم تهجو غفارا(4)

فقال النّصيب: ما هجت أسلم غفارا قطّ(5)، فانكسر الكميت و أمسك.

نصيب و عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري

أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن ابن الكلبيّ:

أنّ نصيبا مدح عبد الرحمن بن الضّحّاك بن قيس الفهريّ، فأمر له بعشر قلائص(6)، و كتب بها إلى رجلين من الأنصار، و اعتذر إليه و قال له: و اللّه ما أملك إلاّ رزقي، و إني لأكره أن أبسط يدي في أموال هؤلاء القوم.

فخرج حتّى أتى/الأنصاريّين فأعطاهما الكتاب مختوما. فقرآه و قالا: قد أمر لك بثمان قلائص، و دفعا ذلك إليه.

ثم عزل و ولّي مكانه رجل من بني نصر بن هوازن، فأمر بأن يتتبّع ما أعطى ابن الضّحّاك و يرتجع، فوجد باسم نصيب عشر قلائص، فأمر بمطالبته بها. فقال: و اللّه ما دفع إليّ إلا ثماني قلائص فقال: و اللّه ما تخرج من الدّار حتى تؤدّي عشر قلائص أو أثمانها، فلم يخرج حتى قبض ذلك منه. فلمّا قدم على هشام سمر عنده ليلة و تذاكروا النّصريّ، فأنشده قوله فيه:

أ في قلائص جرب(7) كنّ من(8) عمل *** أردى و تنزع من أحشائي الكبد

ص: 274


1- الهجارس: جمع هجرس و هو القرد و الثعلب أو ولده، و هو الدب أيضا، أو هو من السباع كل ما يعسعس بالليل مما كان دون الثعلب و فوق اليربوع.
2- الوبار: جمع وبر (بسكون الباء) و هو دويبّة على قدر السنور غبراء أو بيضاء من دواب الصحراء حسنة العينين شديدة الحياء تكون بالغور و الأنثى وبرة. كذا في «اللسان» (مادة «وبر»)، و هو لا يتفق مع نقد نصيب أنّ هذه الدابة لا تسكن الفلوات. و لعل المناسب في بيانها هنا ما نقله صاحب «اللسان» عن الجوهري من أنها دابة طحلاء اللون (كلون الطحال) لا ذنب لها تدجن في البيوت.
3- الغطامط بضم الغين: صوت غليان القدر، و قد قيل إن الميم زائدة. قال المرتضى نقلا عن العباب: و البيت للكميت يصف به قدور أبان بن الوليد البجلي.
4- أسلم و غفار: قبيلتان.
5- قد أورد ابن جني في الجزء الثاني ص 123 من كتاب «الخصائص» المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 5 نحوش هذا النقد و سكت عليه، و كذلك السيوطي في «المزهر» طبع بولاق ج 2 ص 250 و لكن السيد مرتضى في مادة غطمط من «شرح القاموس» نقل عن «العباب» ما نصه: و قيل وردت غفار و أسلم إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلما صاروا في الطريق قالت غفار لأسلم: انزلوا بنا. فلما حطت أسلم رحلها مضت غفار فلم تنزل فسبوهم، فلما رأت ذلك أسلم ارتحلوا و جعلوا يرجزون بهجائهم أ ه.
6- في ت، أ، ء: «فرائض» جمع فريضة و هي القلوص التي تكون بنت سنة؛ و إنما سمت كذلك لأنها فرضت في خمس و عشرين من الإبل تؤخذ فيها زكاة، فهي مفروضة و فريضة، و أدخلت فيها الهاء لأنها جعلت اسما لا نعتا.
7- في ت، أ، م، ى: «حور»: جمع حوراء و هي البيضاء.
8- كذا في جميع النسخ. و لعله: «في عمل».

ثمانيا كنّ في أهلي و عندهم *** عشر فأيّ كتاب بعدنا وجدوا

أخانني أخوا الأنصار فانتقصا *** منها فعندهما الفقد(1) الذي فقدوا

و إنّ عاملك النّصريّ كلّفني *** في غير نائرة(2) دينا له صعد(3)

أذنب غيري و لم أذنب يكلّفني *** أم كيف أقتل لا عقل و لا قود

قال: فقال هشام: لا جرم و اللّه، لا يعمل لي النّصريّ عملا أبدا، فكتب بعزله عن المدينة.

شعر لنصيب في الجفر من نواحي ضرية

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرنا الزّبير بن بكّار إجازة عن هارون بن عبد اللّه الزّبيريّ عن شيخ من الجفر(4) قال:

/قدم علينا النّصيب فجلس في هذا المجلس و أومأ إلى مجلس حذاءه، فاستنشدناه، فأنشدنا قوله:

ألا يا عقاب الوكر وكر ضريّة(5) *** سقتك(6) الغوادي من عقاب و من وكر

/تمرّ الليالي ما مررن و لا أرى *** مرور الليالي منسياتي ابنة النّضر

وقفت بذي دوران(7) أنشد ناقتي *** و ما لي لديها من قلوص و لا بكر

و ما أنشد الرّعيان إلا تعلّة *** بواضحة الأنياب طيّبة النّشر

أما و الذي نادى من الطّور عبده *** و علّم أيّام المناسك و النّحر

لقد زادني للجفر حبّا و أهله *** ليال أقامتهنّ ليلى على الجفر

نصيب و عبد الملك بن مروان

أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال أخبرني عمر بن إبراهيم السّعديّ عن يوسف بن يعقوب بن العلاء بن سليمان عن(8) سلمة بن عبد اللّه بن أبي مسروح قال:

قال عبد الملك بن مروان لنصيب أنشدني، فأنشده قصيدته التي يقول فيها:

و مضمر الكشح يطويه الضّجيع به *** طيّ الحمائل لا جاف و لا فقر(9)

ص: 275


1- كذا في ت، ح، ر. و لعله هنا بمعنى المفقود. و في سائر النسخ: «النقد الذي نقدوا».
2- النائرة: الحقد و العداوة.
3- كذا في أ، ب، ء، م. و الصعد هنا: المشقة؛ و منه قوله تعالى: (وَ مَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذٰاباً صَعَداً). و الصّعد أيضا: الصعود. و لعله يشير بذلك إلى الزيادة في الدين الذي تقاضوه إياه، كما هو مبين بالقصة. و في سائر النسخ: «صفد» و الصفد: القيد.
4- الجفر: موضع بناحية ضرية من نواحي المدينة.
5- ضرية: قرية عامرة قديمة على وجه الدهر في طريق مكة من البصرة و نجد.
6- في «اللسان» مادة ضرا: «سقيت الغوادي».
7- كذا في أكثر النسخ. و في ت: «بذي ودّان» (انظر الحاشية رقم 3 ص 342 من هذا الجزء).
8- كذا في ر. و في سائر النسخ: «ابن سلمة».
9- فقر من باب تعب: اشتكى فقاره.

و ذي روادف لا يلغي الإزار بها *** يلوى و لو كان سبعا حين يأتزر

فقال له عبد الملك: يا نصيب، من هذه؟ قال: بنت عمّ لي نوبيّة، لو رأيتها ما شربت من يدها الماء. فقال له: لو غير هذا قلت لضربت الذي فيه عيناك.

رحلة نصيب إلى عبد العزيز بن مروان كل عام يستميحه العطاء

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا الحارث بن محمد بن أبي أسامة قال حدّثنا المدائنيّ قال:

/كان عبد العزيز بن مروان اشترى نصيبا و أهله و ولده فأعتقهم، و كان نصيب يرحل إليه في كلّ عام مستميحا(1) فيجيزه و يحسن صلته. فقال فيه نصيب:

يقول فيحسن القول ابن ليلى *** و يفعل فوق أحسن ما يقول

فتى لا يرزأ(2) الخلاّن إلاّ *** مودّتهم و يرزؤه الخليل

فبشّر أهل مصر فقد أتاهم *** مع النّيل الذي في مصر نيل

نصيب و شاعر هجاه من أهل الحجاز

أخبرني هاشم بن محمد بن هارون بن عبد اللّه بن مالك الخزاعيّ أبو دلف قال حدّثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن عمّه قال:

كان نصيب يكنى أبا الحجناء، فهجاه شاعر من أهل الحجاز فقال:

رأيت أبا الحجناء في الناس حائرا *** و لون أبي الحجناء لون البهائم

تراه على ما لاحه من سواده *** و إن كان مظلوما له وجه ظالم

فقيل لنصيب: أ لا تجيبه! فقال: لا، و لو كنت هاجيا لأحد لأجبته و لكن اللّه أوصلني بهذا الشعر إلى خير، فجعلت على نفسي ألاّ أقوله في شرّ(3)، و ما وصفني إلا بالسواد و قد صدق. أ فلا أنشدكم ما وصفت به نفسي؟ قالوا بلى. فأنشدهم قوله:

ليس السواد بناقصي ما دام لي *** هذا اللسان إلى فؤاد ثابت

من كان ترفعه منابت أصله *** فبيوت أشعاري جعلن منابتي

كم بين أسود ناطق ببيانه *** ماضي الجنان و بين أبيض صامت

إنى ليحسدني الرفيع بناؤه *** من فضل ذاك و ليس بي من شامت

و يروى مكان «من فضل ذاك»، «فضل البيان» و هو أجود.

/أخبرني عمّي و محمد بن خلف/قالا حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني سعيد بن يحيى الأمويّ قال

ص: 276


1- استماحه: سأله العطاء. و في ر: مستمنحا».
2- أي لا يصيب منهم إلا الودّ.
3- في ر، ح: «في سوء».

حدّثني عمّي عن محمد بن سعد قال:

قال قائل للنّصيب: أيّها العبد، مالك و للشّعر؟! فقال: أمّا قولك عبد فما ولدت إلا و أنا حرّ، و لكن أهلي ظلموني فباعوني. و أمّا السواد فأنا الذي أقول:

و إن أك حالكا لوني فإنّي *** لعقل غير ذي سقط وعاء

و ما نزلت بي الحاجات إلاّ *** و في(1) عرضي من الطّمع الحياء

شعر النصيب في جارية طلبت منه أن يشبب بها

أخبرني محمد بن مزيد(2) قال حدّثنا حمّاد عن أبيه قال حدّثت عن السّدوسيّ قال: وقف نصيب على أبيات فاستسقى ماء، فخرجت إليه جارية بلبن أو ماء فسقته، و قالت: شبّب بي. فقال: و ما اسمك؟ فقالت: هند. و نظر إلى جبل و قال: ما اسم هذا العلم؟ قالت: قنا. فأنشأ يقول:

أحبّ قنا(3) من حبّ هند و لم أكن *** أبالي أقربا زاده اللّه أم بعدا

ألا إنّ بالقيعان من بطن ذي قنا *** لنا حاجة مالت إليه بنا عمدا

أروني قنا انظر إليه فإنّني *** أحبّ قنا إنّي رأيت به هندا

قال: فشاعت هذا الأبيات، و خطبت هذه الجارية من أجلها، و أصابت بقول نصيب فيها خيرا كثيرا.

قصة نصيب مع جارية خطبها فأبت ثم تزوّجته

أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا عيسى بن إسماعيل بن نبيه قال حدّثنا محمد بن سلاّم قال:

/دخل نصيب على يزيد بن عبد الملك، فقال له: حدّثني يا نصيب ببعض ما مرّ عليك. فقال: نعم، يا أمير المؤمنين! علّقت جارية حمراء، فمكثت(4) زمانا تمنّيني بالأباطيل، فلمّا ألححت عليها قالت: إليك عنّي، فو اللّه لكأنّك من طوارق(5) الليل. فقلت لها: و أنت و اللّه لكأنّك من طوارق النهار. فقالت: ما أظرفك يا أسود! فغاظني قولها، فقلت لها: هل تدرين ما الظّرف؟ إنما الظّرف العقل. ثم قالت لي: انصرف حتّى انظر في أمرك. فأرسلت إليها هذه الأبيات:

فإن أك حالكا فالمسك أحوى *** و ما لسواد جلدي من دواء

و لي كرم عن الفحشاء ناء(6) *** كبعد الأرض من جوّ السّماء

و مثلي في رجالكم قليل *** و مثلك ليس يعدم في النّساء

ص: 277


1- كذا في جميع النسخ. و لعله محرّف عن «وقى» بالقاف.
2- في ت: «يزيد».
3- كذا في ت. و هو جبل لبني فزارة. و في سائر النسخ: «قبا» بالباء و هو تصحيف.
4- كذا في ت و هو أجود. و في سائر النسخ: «فمكثت عندها زمانا».
5- طوارق الليل: مصائبه التي تفجأ فيه. و في الحديث: «أعوذ بك من طوارق الليل إلا طارقا يطرق بخير».
6- في ت، ح، ر: «ناب».

فإن ترضي فردّي قول راض *** و إن تأبي فنحن على السّواء

قال: فلمّا قرأت الشّعر قالت: المال و الشعر(1) يأتيان على غيرهما، فتزوّجتني.

استجادة الأصمعيّ شعرا لنصيب

أخبرنا هاشم بن محمد قال حدّثنا الرّياشيّ قال:

أنشدنا الأصمعيّ لنصيب و كان يستجيد هذه الأبيات و يقول إذا أنشدها: قاتل اللّه نصيبا ما أشعره!.

فإن يك من لوني السّواد فإنّني *** لكالمسك لا يروى من المسك ذائقه

و ما ضرّ أثوابي سوادي و تحتها *** لباس من العلياء بيض بنائقه(2)

إذا المرء لم يبذل من الودّ مثل ما *** بذلت له فاعلم بأنّي مفارقه

نصيب و جرير

أخبرني الفضل بن الحباب أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلاّم عن خلف: أنّ نصيبا أنشد جريرا شيئا من شعره، فقال له: كيف ترى يا أبا حرزة؟ فقال له: أنت أشعر أهل جلدتك.

نصيب و الوليد بن عبد الملك

/أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران بن محمد(3) عن المسور بن عبد الملك قال:

قال نصيب لعبد الرحمن بن أزهر: أنشدت الوليد بن عبد الملك(4)، فقال لي: أنت أشعر أهل جلدتك، و اللّه ما زاد عليها! فقال لي عبد الرحمن: يا أبا محجن، أ فرضيت منه أن جعلك أشعر السّودان فقط؟ فقال له: وردت و اللّه يا بن أخي أنه أعطاني أكثر من هذا، و لكنّه لم يفعل و لست بكاذبك.

نصيب و وصفه لشعره و شعر غيره من معاصريه

أخبرني محمد بن الحسن بن دريد(5) قال حدّثنا أبو حاتم قال أخبرنا أبو عبيدة قال:

قال لي محمد بن عبد ربّه: دخلت مسجد الكوفة، فرأيت رجلا لم أر قطّ مثله و لا أشدّ سوادا منه، و لا أنقى ثيابا منه، و لا أحسن زيّا. فسألت عنه، فقيل: هذا نصيب. فدنوت منه فحدّثته، ثم قلت له: أخبرني عنك و عن أصحابك. فقال: جميل إمامنا، و عمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربّات الحجال، و كثيّر أبكانا على الدّمن و أمدحنا

ص: 278


1- في ح، ر: «و العقل».
2- البنائق: جمع بنيقة و هي طوق الثوب الذي يضم النحر و ما حوله و هو الجرّبان، و تجمع أيضا على بنيق بحذف الهاء، قال الشاعر: قد أغتدي و الصبح ذو بنيق قال في «اللسان»: جعل له بنيقا على التشبيه ببنيقة القميص لبياضها.
3- هذه الكلمة «بن محمد» ساقطة من ت، ح، ر.
4- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «عن المسور بن عبد الملك عن النصيب قال: دخلت على عبد العزيز بن مروان فقال لي الخ».
5- كذا في سائر النسخ. و في ت: «ذويد» بذال معجمة فواو، و قد سمي به، كما في «القاموس».

للملوك، و أمّا أنا فقد قلت ما سمعت. فقلت له: إنّ الناس يزعمون أنك لا تحسن أن تهجو. فضحك ثم قال: أ فتراهم يقولون: إنّي لا(1) أحسن أن أمدح؟ فقلت لا. فقال: أ فما تراني أحسن أن أجعل مكان عافاك اللّه /أخزاك اللّه؟ قال قلت بلى. قال: فإنّي رأيت الناس رجلين: إمّا رجل(2) لم أسأله شيئا فلا ينبغي أن أهجوه فأظلمه، و إمّا رجل سألته فمنعني فنفسي كانت أحقّ بالهجاء، إذ سوّلت لي أن سأله و أن أطلب ما لديه.

نصيب و كثير و الأحوص في مجلس امرأة من بني أميّة

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني عبد اللّه بن إسماعيل بن أبي عبيد(3) اللّه كاتب المهديّ قال: وجدت في كتاب أبي بخطّه: حدّثني أبو يوسف التّجيبيّ(4) قال حدّثني إسماعيل بن المختار مولى آل طلحة و كان شيخا كبيرا قال:

حدّثني النّصيب أبو محجن أنه خرج هو و كثيّر و الأحوص غبّ يوم أمطرت فيه السماء، فقال: هل لكم في أن نركب جميعا فنسير حتّى نأتي العقيق فنمتّع فيه أبصارنا؟ فقالوا نعم. فركبوا أفضل ما يقدرون عليه من الدّوابّ، و لبسوا أحسن ما يقدرون عليه من الثياب، و تنكّروا ثم ساروا حتّى أتوا العقيق، فجعلوا يتصفّحون(5)و يرون بعض ما يشتهون، حتّى رفع لهم سواد عظيم فأمّوه حتى أتوه، فإذا وصائف و رجال من الموالي و نساء بارزات، فسألنهم أن ينزلوا، فاستحيوا أن يجيبوهنّ من أوّل وهلة، فقالوا: لا نستطيع أو نمضي في حاجة لنا.

فحلّفنهم أن يرجعوا إليهنّ، ففعلوا و أتوهّن، فسألنهم النزول فنزلوا. و دخلت امرأة من النساء/فاستأذنت لهم، فلم تلبث أن جاءت المرأة فقالت: ادخلوا. فدخلنا على امرأة جميلة برزة على فرش لها، فرحّبت و حيّت، و إذا كراسيّ موضوعة، فجلسنا جميعا في صفّ واحد كلّ إنسان على كرسيّ. فقالت: إن أحببتم أن ندعو بصبيّ لنا فنصيّحه و نعرك(6) أذنه فعلنا، و إن شئتم بدأنا بالغداء(7). فقلنا: بل تدعين بالصبيّ و لن يفوتنا الغداء. فأومأت بيدها إلى بعض الخدم، فلم يكن إلا كلا و لا(8) حتّى جاءت جارية جميلة قد

ص: 279


1- في ح، ر: «أ فتراهم يقولون: إني أحسن أن أمدح فقلت: نعم».
2- كذا في أكثر النسخ: «رجل» بالرفع على أنه خبر لمبتدإ و محذوف و التقدير: هما إما رجل الخ و في ح، ر: إما رجلا بالنصب على أنه بدل مما قبله.
3- في ح، ر: «عبد اللّه بن أبي إسماعيل بن أبي عبد اللّه». و في م، ء، أ: «عبد اللّه بن إسماعيل بن أبي عبيد». و كلاهما تحريف، إذ هو أبو عبيد اللّه الدمشقي الحافظ معاوية بن عبيد اللّه بن يسار الأشعريّ كاتب المهديّ. (انظر «تهذيب التهذيب» في ترجمة معاوية بن صالح بن الوزير، و ابن جرير الطبريّ طبع أوروبا القسم الثالث ص 351 و 352 و 355).
4- نسبة إلى تجيب، و هي قبيلة من كندة. و التجيبيون أمهم تجيب بنت ثوبان بن سليم بن رها من مذحج. و في أ، ت: «الحسى» و في م: «الحسيّ». و في ء: «الحتبي». و لعل كل ذلك محرّف عن الحيني نسبة إلى مدينة حينة، ذكره الحافظ الذهبيّ و قال: لا أعرفه. (انظر «شرح القاموس» مادة حين).
5- تصفحت الشيء: نظرت إليه لأتعرّفه.
6- عرك الأذن: دلكها. و هي تقصد العود.
7- الغداء: طعام أوّل النهار ضدّ العشاء.
8- قال في «اللسان» (مادة لا): و العرب إذا أرادوا تقليل مدة فعل أو ظهور شيء خفي قالوا: كان نعله كلا، و ربما كرروا فقالوا: كلا و لا. و من الأول قوله: أصاب خصاصة فبدا كليلا كلا و انغلّ سائره انغلالا و من الثاني: يكون نزول القوم فيها كلا و لا

سترت(1) بمطرف، فأمسكوه عليها حتى ذهب بهرها(2)، ثم كشف عنها و إذا جارية ذات جمال قريبة من جمال مولاتها، فرحّبت بهم و حيّتهم، فقالت لها مولاتها: خذي - ويحك - من قول النّصيب عافى اللّه أبا محجن(3):

/

ألا هل من البين المفرّق من بدّ *** و هل مثل أيّام بمنقطع السّعد(4)

تمنّيت أيّامي أولئك، و المنى *** على عهد عاد ما تعيد و لا تبدي(5)

/فغنّته، فجاءت به كأحسن ما سمعته قطّ بأحلى لفظ و أشجى صوت. ثم قالت لها: خذي أيضا من قول أبي محجن عافى اللّه أبا محجن:

أرق المحبّ و عاده سهده *** لطوارق الهمّ التي ترده

و ذكرت من رقّت له كبدي *** و أبى فليس ترقّ لي كبده

لا قومه قومي و لا بلدي *** - فنكون حينا جيرة - بلده

و وجدت وجدا لم يكن أحد *** قبلي من اجل صبابة يجده(6)

إلاّ ابن عجلان(7) الذي تبلت(8) *** هند ففات(9). بنفسه كمده

قال: فجاءت به أحسن من الأوّل، فكدت أطير سرورا. ثم قالت لها: ويحك! خذي من قول أبي محجن عافى اللّه أبا محجن:

فيا لك من ليل تمتّعت طوله *** و هل طائف من نائم متمتّع(10)

نعم إنّ ذا شجو متى يلق شجوه *** و لو نائما مستعتب(11) أو مودّع

ص: 280


1- كذا في ح، ر. و في سائر النسخ: «قد سترت عليها بمطرف».
2- يريد حتى هدأ روعها و اطمأنّت.
3- في ر: «خذي العود ويحك و غنى من قول النصيب عافى اللّه أبا محجن».
4- منقطع المكان: حيث ينقطع و ينتهي. و السعد: موضع معروف قريب من المدينة بينهما ثلاثة أميال، كانت غزاة ذات الرقاع قريبة منه. و قال نصر: سعد: جبل بالحجاز بينه و بين الكديد ثلاثون ميلا، و عنده قصر و منازل و سوق و ماء عذب على جادّة طريق كان يسلك من فيد إلى المدينة. قال: و الكديد على ثلاثة أميال من المدينة. و أورد ياقوت بيتي نصيب: و هل مثل أيام بنعف سويقة عوائد أياما كما كنّ بالسعد تمنيت أنا من أولئك و المنى على عهد عاد ما تعيد و لا تبدي
5- ما تعيد و لا تبدي، أي لا تأتي بعائدة و لا بادئة. يريد أنه لا نفع فيها.
6- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ : «... لم يكن أحد من أجله بصبابة يجده».
7- يريد عمرو بن العجلان بن عامر بن برد بن منبه أحد بني كاهل بن لحيان بن هذيل المعروف بعمرو ذي الكلب. قال محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي: إنه سمي ذا الكلب لأنه كان له كلب لا يفارقه. و عن الأثرم عن أبي عبيدة أنه قال: لم يكن له كلب لا يفارقه، إنما خرج غازيا معه كلب يصطاد به، فقال له أصحابه: يا ذا الكلب، فثبتت عليه. قال: و من الناس من يقول له: عمرو الكلب و لا يقول فيه «ذا». (راجع نسب عمرو ذي الكلب و أخباره في الجزء المتم العشرين من «الأغاني»).
8- في «أمالي القالي» الطبعة الأولى الأميرية ج 2 ص 223 شعر لقيس بن ذريح: و في عروة العذريّ إن مت أسوة و عمرو بن عجلان الذي قتلت هند
9- أي ذهب كمده بنفسه و أتى عليها فأهلكها.
10- لعلها: و هل نائم من طائف متمتع.
11- الاستعتاب: طلب العتبى، يقال: استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني.

له حاجة قد طالما قد أسرّها *** من الناس في صدر بها يتصدّع

/تحمّلها طول الزمان لعلّها *** يكون لها يوما من الدهر منزع

و قد قرعت في أمّ عمرو لي(1) العصا *** قديما كما كانت لذي الحلم تقرع(2)

قال: فجاءت(3) و اللّه بشيء حيّرني و أذهلني طربا لحسن الغناء و سرورا باختيارها الغناء في شعري، و ما سمعت فيه من حسن الصّنعة و جودتها و إحكامها. ثم قالت لها: خذي أيضا من قول أبي محجن، عافى اللّه أبا محجن:

يا أيّها الرّكب إنّي غير تابعكم *** حتى تلمّوا و أنتم بي ملمّونا

فما أرى مثلكم ركبا كشكلكم *** يدعوهم ذو هوى إلاّ يعوجونا

أم خبّروني عن دائي(4) بعلمكم *** و أعلم النّاس بالداء الأطبّونا(5)

قال نصيب: فو اللّه لقد زهيت(6) بما سمعت زهوا خيّل إليّ أنيّ من قريش، و أنّ الخلافة لي. ثم قالت:

حسبك يا بنيّة! هات الطعام يا غلام! فوثب الأحوص و كثيّر و قالا: و اللّه لا نطعم لك طعاما و لا نجلس لك في مجلس؛ فقد أسأت عشرتنا و استخففت بنا، و قدّمت شعر هذا على أشعارنا، و استمعت(7) الغناء فيه، و إن في أشعارنا لما يفضل شعره، و فيها من الغناء ما هو أحسن من هذا. فقالت: على معرفة كلّ ما كان منّي، فأيّ شعركما أفضل من شعره؟ أقولك يا أحوص:

(يقرّ بعيني ما يقرّ بعينها *** و أحسن شيء ما به العين قرّت

أو قولك يا كثيّر في عزّة:

و ما حسبت ضمريّة جدويّة(8) *** سوى التّيس ذي القرنين أنّ لها بعلا

أم قولك فيها:

إذا ضمريّة عطست فنكها *** فإن عطاسها طرف السّفاد

/قال: فخرجا مغضبين و احتبستني، فتغدّيت عندها، و أمرت لي بثلاثمائة دينار و حلّتين و طيب، ثم دفعت إليّ مائتي دينار و قالت: ادفعها إلى صاحبيك؛ فإن قبلاها و إلا فهي لك. فأتيتهما منازلهما فأخبرتهما القصّة. فأمّا

ص: 281


1- في ت، ح، ر: «لك العصا».
2- يشير بذلك إلى المثل المعروف: «إن العصا قرعت لذي الحلم». و أصله أن حكما من حكام العرب عاش حتى أهتر، فقال لابنته: إذا أنكرت من فهمي شيئا عند الحكم فاقرعي لي المجنّ بالعصا لأرتدع. و هذا الحكم هو عمرو بن حممة الدوسيّ. و قيل: أوّل من قرعت له العصا عامر بن الظرب العدواني أحد حكماء العرب و حكامهم. و المثل يضرب لمن إذا نبّه انتبه. يريد أنه ليم في حبّها قديما.
3- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «فجاءني و اللّه شيء».
4- كذا في ت. و في سائر النسخ: «داء» بغير ياء. و في ح، ر: «أم خبروني بداء لي بعلمكم».
5- الأطبون: البارعون في الطب.
6- كذا في ح، ر. و في سائر النسخ: «زهوت».
7- كذا في ح، ر. و في سائر النسخ: «و أسمعت».
8- نسبة إلى جديّ بن ضمرة بن بكر من كنانة.

الأحوص فقبلها، و أمّا كثيّر فلم يقبلها، و قال: لعن اللّه صاحبتك و جائزتها و لعنك معها! فأخذتها و انصرفت.

فسألت النّصيب: ممن المرأة؟ فقال: من بني أميّة و لا أذكر اسمها ما حييت لأحد.

رثاء نصيب عبد العزيز بن مروان و قد مات بسكر من قرى الصعيد

أخبرني عيسى بن يحيى الورّاق عن أحمد بن الحارث الخرّاز قال حدّثنا المدائنيّ قال:

وقع الطّاعون بمصر في ولاية عبد العزيز بن مروان إيّاها، فخرج هاربا منه فنزل بقرية من الصعيد يقال لها «سكر»(1). فقدم عليه حين نزلها رسول لعبد الملك، فقال له عبد العزيز: ما اسمك؟ فقال: طالب بن مدرك.

فقال: أوّه، ما أراني راجعا إلى الفسطاط أبدا! و مات في تلك القرية. فقال نصيب يرثيه:

أصبت يوم الصعيد من سكر *** مصيبة ليس لي بها قبل

تاللّه أنسى(2) مصيبتي أبدا *** ما أسمعتني حنينها الإبل

/و لا التّبكّي عليه أعوله(3) *** كلّ المصيبات بعده جلل

لم يعلم النّعش ما عليه من ال *** عرف و لا الحاملون ما حملوا

حتى أجنّوه في ضريحهم *** حين انتهى من خليلك(4) الأمل

غنّى في هذه الأبيات ابن سريج، و لحنه رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق، و ذكر الهشاميّ أنّ له فيه لحنا من الهزج، و ذكر ابن بانة أن الرّمل لابن الهربذ(5).

أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن مصعب الزّبيري عن مشيخة من أهل الحجاز:

أنّ نصيبا دخل على عبد الملك بن مروان، فقال له: أنشدني بعض ما رثيت به أخي؛ فأنشده قوله:

عرفت و جرّبت الأمور فما أرى *** كماض تلاه الغابر(6) المتأخّر

و لكنّ أهل الفضل من أهل نعمتي *** يمرّون أسلافا أمامي و أغبر

فإن أبكه(7) أعذر و إن أغلب الأسى *** بصبر فمثلي عند ما اشتدّ يصبر

ص: 282


1- سكر بوزن زفر: موضع بشرقية الصعيد بينه و بين مصر يومان كان عبد العزيز بن مروان يخرج إليه كثيرا.
2- يريد: تاللّه لا أنسى مصيبتي أبدا. و حذف لا يطرد في جواب القسم إذا كان المنفيّ مضارعا، نحو قوله تعالى: (تَاللّٰهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) و قول الشاعر: فقلت يمين اللّه أبرح قاعدا
3- أعول إعوالا: رفع صوته بالبكاء و الصياح.
4- في ياقوت (مادة سكر): «من خليله».
5- كذا في أكثر النسخ. و في ب، س: «لابن الهزبر» و هو تحريف، إذ المغني هو إسماعيل بن الهزبذ مولى آل الزبير بن العوّام. و ستأتي له ترجمة مستقلة في الجزء السادس من «الأغاني».
6- الغابر هنا: الباقي، و يستعمل أيضا في الماضي.
7- كذا في ب، س. و في سائر الأصول: «أبكهم».

و كانت ركابي كلّما شئت تنتحي *** إليك فتقضي نحبها و هي ضمّر(1)

ترى الورد يسرا(2) و الثّواء غنيمة *** لديك و تثنى بالرّضا حين تصدر

فقد عريت بعد ابن ليلى فإنّما *** ذراها لمن لاقت من الناس منظر

/و لو كان حيّا لم يزل بدفوفها(3) *** مراد لغربان الطريق و منقر

فإن كنّ قد نلن ابن ليلى فإنّه *** هو المصطفى من أهله المتخيّر

فلمّا سمع عبد الملك قوله:

فإن أبكه أعذر و إن أغلب الأسى *** بصبر فمثلي عند ما اشتدّ يصبر

قال له: ويلك! أنا كنت أحقّ بهذه الصفة في أخي منك! فهلاّ وصفتني بها! و جعل يبكي.

نصيب و عبد اللّه بن إسحاق البصري

أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أبي يحيى(4) محمد بن كناسة/قال:

قال لي عبد اللّه بن إسحاق البصريّ(5): لو وليت العراق لاستكتبت نصيبا. قلت: لما ذا؟ قال لفصاحته و حسن تخلصه إلى جيّد الكلام، أ لم تسمع قوله:

فلا النفس ملّتها و لا العين تنتهي *** إليها سوام(6) الطّرف عنها فترجع

رأتها فما ترتدّ عنها سآمة *** ترى(7) بدلا منها به النّفس تقنع

نصيب و إبراهيم بن هشام

أخبرني الحرميّ عن الزّبير عن محمد بن الحسن قال:

دخل نصيب على إبراهيم بن هشام فأنشده مديحا له. فقال إبراهيم: ما هذا بشيء! أين هذا من قول أبي دهبل لصاحبنا ابن الأزرق حيث يقول:

ص: 283


1- في ب، س: جماحا فتقضي نحبها و هي تضمر
2- كذا في ت. و في ح، ر: «بشرى». و في م: «بشرا». و لهله مصحف عن «بسرا» و البسر (بضم الباء و فتحها): الماء الطريّ الحديث العهد بالمطر ساعة ينزل من المزن. و في سائر النسخ: «يشرى» و هو تحريف.
3- الدفوف: جمع دف، و هو هنا صفحة الجنب.
4- كذا في ت. و في سائر النسخ: «أبو أيوب» و هو خطأ، إذ هو محمد بن عبد اللّه بن عبد الأعلى بن عبد اللّه بن خليفة بن زهير بن نضلة بن معاوية بن مازن الأسديّ أبو يحيى و يقال أبو عبد اللّه الكوفيّ المعروف بابن كناسة، ولد سنة 123 و مات سنة 207 (انظر ترجمته في «تهذيب التهذيب» لابن حجر العسقلاني).
5- تقدم في ص 342 س 3 «أبو عبد اللّه بن أبي إسحاق البصريّ». و لم نهتد إليه.
6- كذا في ت، م. و في سائر النسخ: «سوى في». و لعل صوابه: «سوامي الطرف منها» أي إذا انتهت إليها نظرات الطرف التي تسمو إليها من العين، تعلقت بها فلم ترجع عنها.
7- الجملة حال من فاعل «فما ترتد» فهي نفي.

إن تغد من منقلي(1) نخلان(2) مرتحلا *** يرحل من اليمن المعروف و الجود

/قال: فغضب نصيب و نزع عمامته و برك عليها، و قال: لئن تأتونا برجال مثل ابن الأزرق نأتكم بمثل مديح أبي دهبل أو أحسن؛ إن المديح و اللّه إنما يكون على قدر الرجال. قال: فأطرق ابن هشام، و عجبوا من إقدام نصيب عليه، و من حلم ابن هشام و هو غير حليم(3).

نصيب و أم بكر الخزاعية

أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه الزّهريّ: أنّ نصيبا كان ربما قدم من الشام فيطرح في حجر أمّ بكر الخزاعيّة أربعمائة دينار، و أنّ عبد الملك بن مروان ظهر على تعلّقه بها و نسيبه فيها، فنهاه عن ذلك حتى كفّ.

حديث نصيب عن نفسه أنه كان يستعصى عليه أحيانا قول الشعر، و شيء من أوصافه الخلقية

أخبرني محمد بن يزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن عثمان بن حفص الثّقفيّ عن أبيه قال:

رأيت النّصيب بالطائف، فجاءنا و جلس في مجلسنا و عليه قميص قوهيّ و رداء و حبرة(4)، فجعل ينشدنا مديحا لابن هشام، ثم قال: إنّ الوادي مسبعة، فمن أهل المجلس؟ قالوا: ثقيف؛ فعرف أنّا نبغض ابن هشام و يبغضنا، فقال: إنّا للّه! أبعد ابن ليلى أمتدح ابن جيداء!(5) فقال له أهل المجلس: يا أبا محجن، أ تطلب القريض /أحيانا فيعسر عليك؟ فقال: إي و الله لربّما فعلت، فآمر براحلتي فيشدّ بها رحلي، ثم أسير في الشّعاب الخالية، و أقف في الرّباع المقوية، فيطربني ذلك و يفتح لي الشعر. و اللّه إني على ذلك ما قلت بيتا قطّ تستحي الفتاة الحييّة من إنشاده في ستر أبيها. قال إسحاق قال عثمان بن حفص فوصفه أبي و قال: كأنّي أراه صدعا(6) خفيف العارضين ناتئ الحنجرة.

نصيب و ابن أبي عتيق

أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد عن أبيه عن محمد بن كناسة قال: أنشد نصيب قوله:

و كدت و لم أخلق من الطير إن بدا *** لها بارق نحو الحجاز(7) أطير

ص: 284


1- هو مثنى منقل. قال في «اللسان»: و المنقل: الطريق في الجبل، و هو أيضا طريق مختصر.
2- كذا في ت. و نخلان، كما في ياقوت، من نواحي اليمن، و استشهد بالبيت. و في سائر النسخ: «نجران».
3- بعد هذا في جميع النسخ عدا نسخة ت: «أخبرني الحرمي عن الزبير عن إبراهيم بن يزيد السعديّ قال حدّثتني جدّتي جمال بنت عون بن مسلم عن أبيها عن جدّها قال: رأيت رجلا أسود و معه امرأة بيضاء حسناء الخ». و قد تقدّمت هذه الحكاية بنصها في ص 342 و 343 و لم تتكرر هذه الحكاية في ت.
4- في ت: «و رداء حبرة» من غير واو. قال في «اللسان»: يقال برد حبرة و برد حبرة بالوصف أو بالإضافة. و الحبرة: ضرب من برود اليمن.
5- جيداء: أمّ محمد بن هشام خال بن عبد الملك، و قد ولاه مكة و كتب إليه أن يحج بالناس، فهجاه العرجيّ بأشعار كثيرة منها: كأن العام ليس بعام حج تغيرت المواسم و الشكول إلى جيداء قد بعثوا رسولا ليخبرها فلا صحب الرسول و لها ذكر في أخبار العرجي الشاعر الآتي في هذا الجزء.
6- الصدع (بالتحريك و بالفتح) الرجل الخفيف اللحم.
7- في ت، ح، «العراق».

/فسمعه ابن أبي عتيق، فقال: يا ابن أمّ، قل غاق فإنك تطير. يعني أنه غراب أسود.

أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال أخبرني أحمد بن محمد الأسديّ أسد قريش قال:

قال ابن أبي عتيق لنصيب: إنّي خارج، أ فترسل إلى سعدى بشيء؟ قال: نعم، بيتي شعر. قال: قل؛ فقال:

أتصبر عن سعدى و أنت صبور *** و أنت بحسن الصبر منك جدير

و كدت و لم أخلق من الطير إن بدا *** سنى(1) بارق نحو الحجاز أطير

/قال: فأنشد ابن أبي عتيق سعدى البيتين، فتنفّست تنفّسة شديدة. فقال ابن أبي عتيق: أوّه! أجبته(2) و اللّه بأجود من شعره، و لو سمعك خليلك لنعق و طار إليك.

نصيب و الحكم بن المطلب

أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم الكاتب قال حدّثني أبو هفّان(3) عن إسحاق الموصليّ عن المسيّبيّ قال:

قال أبو النّجم: أتيت الحكم بن المطّلب فمدحته، و خرج إلى السّعاية(4) فخرجنا معه و معه عدّة من الشعراء.

فبينا هو مع أصحابه(5) يوما واقف(6)، إذا(7) براكب يوضع(8) في السّراب(9) و إذا هو نصيب، فتقدّم إليه فمدحه فأمر بإنزاله، فمكث أياما حتى أتاه فقال: إنّي قد خلّفت صبية صغارا و عيالا ضعافا. فقال له: ادخل الحظيرة(10)فخذ منها سبعين فريضة(11). فقال له: جعلني اللّه فداك قد أحسنت! و معي ابن لي أخاف أن يثلمها(12) عليّ. قال:

فادخل فخذ له سبعين فريضة أخرى؛ فانصرف بمائة و أربعين فريضة.

/أخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء عن الزّبير عن محمد بن الضّحّاك عن عثمان عن أبيه قال:

قيل لنصيب: هرم شعرك. قال: لا! و اللّه ما هرم، و لكن العطاء هرم، و من يعطيني مثل ما أعطاني الحكم بن المطّلب! خرجت إليه و هو ساع على بعض صدقات المدينة، فلمّا رأيته قلت:

أبا مروان لست بخارجيّ(13) *** و ليس قديم مجدك بانتحال

ص: 285


1- في ت، م، : «إن بدا لها بارق».
2- في ب، س: «أجبنيه» بياء بعد تاء المخاطبة، و كلاهما صحيح، و قد استشهد للثاني بقول الشاعر: رميتيه فأقصدت و ما أخطأت في الرمية بسهمين مليحين أعارتكيهما الظبية (انظر «خزانة الأدب» للبغدادي ج 2 ص 401).
3- هفان بفتح الهاء و كسرها و تشديد الفاء: اسم مرتجل غير منقول، مشتق من الهفيف و هو سرعة السير.
4- يقال: سعي سعاية، إذا باشر عمل الصدقات.
5- كذا في ت، م. و في سائر النسخ: «فبينما هو في موضع أضحى به يوما واقفا» و هو تحريف.
6- كذا في ت، م. و في سائر النسخ: «واقفا» و كلاهما صحيح.
7- كذا في ت. و في سائر النسخ: «إذ» و كلاهما للمفاجأة.
8- الإيضاع: الإسراع في السير.
9- في ح، ر: «في السير».
10- الحظيرة: ما أحاط بالشيء و هي تكون من قصب و خشب.
11- انظر الحاشية رقم 6 ص 349 من هذا الجزء.
12- أي يأخذ منها فينقصها.
13- الخارجي هنا: الذي يخرج و يشرف بنفسه من غير أن يكون له قديم. و استشهد صاحب «اللسان» على هذا بالبيت، و لكنه نسبه إلى كثيّر.

أغرّ إذا الرّواق(1) انجاب(2) عنه *** بدا مثل الهلال على المثال(3)

تراءاه العيون كما تراءى *** عشيّة فطرها وضح الهلال

قال: فأعطاني أربعمائة ضائنة و مائة لقحة(4)، و قال: ارفع فراشي؛ فرفعته فأخذت من تحته مائتي دينار.

نصيب و كثير عند أبي عبيدة بن عبد اللّه بن زمعة

أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني أسعد(5) بن عبد اللّه المريّ عن إبراهيم بن سعيد بن بشر بن عبد اللّه بن عقيل(6) الخارجيّ عن أبيه قال:

/و اللّه إنّي لمع أبي عبيدة بن عبد اللّه بن زمعة في حواء(7) له، إذ جاءه كثيّر فحيّاه، فاحتفى به، و دعا بالغداء فشرعنا فيه و شرع معنا كثيّر؛ و جاء رجل فسلّم فرددنا عليه السّلام و استدنيناه، فإذا نصيب في بزّة جميلة قد وافى الحجّ قادما من الشام، فأكبّ على أبي عبيدة فعانقه و سأله ثم دعاه إلى الغداء، فأكل مع القوم، فرفع كثيّر يده و أقلع عن الطعام، و أقبل عليه أبو عبيدة و القوم جميعا يسألونه أن يأكل، فأبى فتركوه. و أقبل كثيّر على نصيب فقال:

و اللّه يا أبا محجن، إنّ أثر أهل الشام عليك لجميل، لقد رجعت هذه الكرّة ظاهر الكبر قليل الحياء. فقال له نصيب: لكنّ أثر الحجاز عليك يا أبا صخر غير جميل. [لقد رجعت](8) و إنك لزائد النقص، كثير الحماقة. فقال كثيّر: أنا و اللّه أشعر العرب حيث أقول لمولاتك:

/إذا أمسيت بطن مجاح(9) دوني *** و عمق(10) دون عزّة فالبقيع

ص: 286


1- قال أبو زيد: رواق البيت بالضم و الكسر: سترة مقدّمه من أعلاه إلى الأرض، ضد الكفاء و هو سترة مؤخرة من أعلاه إلى أسفله. و قال ابن الأعرابي: من الأخبية ما يروّق و منها مالا يروّق. فإذا كان بيتا ضخما جعل له رواق و كفاء. و قد يكون الرواق من شقة و شقتين و ثلاث شقق.
2- انجاب: انكشف.
3- المثال هنا: الفراش. و في الحديث أنه دخل على سعد و في البيت مثال رثّ أي فراش خلق. و قال الأعشى: بكلّ طوال الساعدين كأنما يرى بسرى الليل المثال الممهدا
4- اللقحة (بكسر اللام و يفتح): الناقة الحلوب الغزيرة اللبن، و لا يوصف بها فلا يقال ناقة لقحة، و لكن يقال لقحة فلان، و إنما يوصف بلقوح فيقال: ناقة لقوح.
5- في ت، م: «سعد بن عبيد اللّه المزني». و في س: «أسعد بن عبد اللّه المزني».
6- قال المرتضى: «و في «شرح مسلم» للنووي أن عقيلا كله بالفتح إلا ابن خالد عن الزهري و يحيى بن عقيل و أبا قبيلة فبالضم» و ذكر أسماء أخرى مضمومة العين ليس هذا منها.
7- الحواء ككتاب: جماعة البيوت المتدانية.
8- زيادة في ت.
9- في أكثر النسخ: «بطن صحاح» و في ت «بطن محاح» و كلاهما محرّف، و الصواب بطن مجاح بالمعجمة. قال ياقوت: و مجاح: موضع من نواحي مكة. و قد ضبط في ياقوت بفتح الميم و الجيم، و ضبطه المرتضى في مادة مجح ككتاب. و جاء في حديث الهجرة عن ابن إسحاق أن دليلهما أجاز بهما مدلجة لقف ثم استوطن بهما مدلجة محاج، كذا ضبطه بفتح الميم و حاء مهملة و آخره جيم. قال ابن هشام. و يقال مجاج (بجيمين و كسر الميم). قال ياقوت: «و الصحيح عندنا فيه غير ما روياه، جاء في شعر ذكره الزبير بن بكار و هو مجاح بفتح الميم ثم جيم و آخره حاء مهملة. و الشعر هو قول محمد بن عروة بن الزبير: لعن اللّه بطن لقف مسبلا و مجاحا و ما أحب مجاحا و أنا أحسب أن هذه هي رواية ابن إسحاق، و إنما انقلب على كاتب الأصل فأراد تقديم الجيم فقدّم الحاء». (انظر ياقوت و المرتضى مادة مجح).
10- عمق (بفتح أوله و سكون ثانيه): واد من أودية الطائف نزله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما حاصر الطائف، و فيه بئر ليس بالطائف أطول رشاء منها.

فليس بلائمي أحد يصلّي *** إذا أخذت مجاريها الدموع

/فقال له نصيب: أنا و اللّه أشعر منك حيث أقول لابنة عمّك:

خليليّ إن حلّت كليّة(1) فالرّبا(2) *** فذا أمج(3) فالشّعب(4) ذا الماء(5) و الحمض

فأصبح من حوران(6) رحلي بمنزل *** يبعّده من دونها نازح الأرض

و أيأستما أن يجمع الدهر بيننا *** فخوضا لي(7) السمّ المصرّح بالمحض(8)

ففي ذاك من بعض الأمور سلامة *** و للموت خير من حياة على غمض

قال: فاقتحم(9) إليه كثيّر، و ثبت له النّصيب. فلما نالته رجلاه رمحه(10) نصيب بساقه رمحة طاح منها بعيدا عنه، فما زال راقدا حتى أيقظناه عشيّا لرمي الجمار.

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء عن الزّبير عن محمد بن موسى بن طلحة(11) عن عبد اللّه بن عمر بن عثمان النّحويّ عن أنيس(12) بن ربيعة الأسلميّ أنه قال:

/غدوت يوما إلى أبي عبيدة بن عبد اللّه بن زمعة و هو محتلّ(13) بالرّحبة(14)، فألفيت عنده جماعة منا و من غيرنا، فأتاه آت فقال له: ذاك النّصيب منذ ثلاث بالفرش(15) من ملل(16) متلدّد(17) كأنّه واله في أثر قوم ظاعنين. فنهض أبو عبيدة

ص: 287


1- كذا في ت، ح، ر: و كلية (بالضم ثم بالفتح و تشديد الياء): واد يأتي من شمنصير بقرب الجحفة. و في سائر النسخ: «كليبة» و هو تحريف.
2- كذا في م و ياقوت في الكلام على كلية، بالفاء.. و في سائر النسخ: «بالربا» و الربا كما في ياقوت: موضع بين الأبواء و السقيا من طريق الجادة بين مكة و المدينة.
3- كذا في ت، م. و في سائر النسخ: «فذي أمج» بعطفه على الربا المجرورة بالباء. و ذو أمج: بلد من أعراض المدينة.
4- الشعب: اسم لجملة أماكن بين مكة و المدينة.
5- كذا في ت، م. و في سائر النسخ: «ذي الماء».
6- حوران: كورة واسعة من أعمال دمشق من جهة القبلة ذات قرى كثيرة و مزارع و حرار، و لها ذكر كثير في الشعر و قصبتها بصرى، و حوران أيضا: ماء بنجد، قال نصر: أظنه بين اليمامة و مكة.
7- في الأصول: «بي» تحريف.. و الخوض هنا: الخلط.
8- في ت: «المصرح بالمخض». و المصرح: الذي انجلى عنه زبده فخلص. و في أكثر الأصول: «المضرج بالمحض». تصحيف.
9- اقتحم إليه: تقدم إليه.
10- رمحه: رفسه.
11- كذا في ح، ر. و في ت: «قال حدّثنا عبد اللّه بن عثمان النحوي». و في سائر النسخ: «طلحة بن عبد اللّه بن عمر بن عثمان النحوي».
12- في ت: «عن أنس بن زمعة». و في م: «عن أنيس بن زمعة».
13- كذا في ت، م. و في سائر النسخ: «و معه محمد بالرحبة».
14- الرحبة (بالفتح و السكون و بفتحتين): البقعة المتسعة بين أفنية القوم.
15- الفرش: واد بين غميس الحمام و ملل.
16- كذا في ت، م. و ملل: اسم موضع في طريق مكة بين الحرمين. و في سائر النسخ: «متململ» و هو تحريف.
17- تلدد: تلفت يمينا و شمالا و تحيّر متبلّدا.

و نهضنا معه، فإذا نصيب على المنحر(1) من صفر(2). فلمّا عايننا و عرف أبا عبيدة هبط؛ فسأله عن أمره، فأخبره أنه تبع قوما سائرين و أنه وجد آثارهم و محلّهم بالفرش فاستولهه ذلك. فضحك به أبو عبيدة و القوم، و قالوا له:

إنما يهتر(3) إذا عشق من انتسب عذريّا، فأمّا أنت فما لك و لهذا؟! فاستحيا و سكن. و سأله أبو عبيدة: هل قلت في مقامك شعرا؟ قال: نعم! و أنشد:

لعمري لئن أمسيت بالفرش مقصدا *** ثويّاك(4) عبّود(5) و عدنة(6) أو صفر

/ففرّع(7) صبّا أو تيمّم مصعدا *** لربع قديم العهد ينتكف(8) الأثر

دعا أهله بالشأم برق فأوجفوا *** و لم أر متبوعا أضرّ من المطر

لتستبدلن قلبا عينا سواهما *** و إلا أتى قصدا حشاشتك(9) القدر

خليليّ فيما عشتما أو رأيتما *** هل اشتاق مضرور إلى من به أضرّ

نعم ربّما كان الشّقاء متيّحا(10) *** يغطّي على سمع ابن آدم و البصر

قال: فانصرف به [أبو عبيدة](11) إلى منزله، و أطعمه و كساه و حمله(12)، و انصرف و هو يقول:

أصاب دواء علّتك الطبيب *** و خاض(13) لك السّلوّ ابن الرّبيب(14)

ص: 288


1- كذا في النسخ. و لعله محرّف عن «المنجى» و هو الموضع الذي لا يبلغه السيل.
2- صفر: جبل أحمر من جبال ملل قرب المدينة. و قال الأديبيّ: صفر: جبل بفرش ملل، كان عنده منزل أبي عبيدة بن عبد اللّه بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى جد ولد عبد اللّه بن الحسن بن علي بن أبي طالب، و به صخرات تعرف بصخرات أبي عبيدة.
3- أهتر الرجل - بالباء للمفعول و أهتر بالبناء للفاعل نادر -: ذهب عقله من كبر أو مرض أو حزن.
4- كذا في ت، م. و في سائر النسخ: و برّح بي وهج بقلبي أو صفر و الثويان: مثنى ثويّ و هو المقيم معك في مكان واحد.
5- في ياقوت، عبود: جبل بين السّيالة و ملل له ذكر في «المغازي». و قيل إنه البريد الثاني من مكة في طريق بدر.
6- في م، ت: «وعدته» بالتاء و هو مصحف عن عدنه. و عدنه (بضم أوّله و سكون ثانيه): ثنيّة قرب ملل لها ذكر في «المغازي».
7- كذا في ت. و فرّع في الجبل و أفرع: انحدر، قال الشماخ: فإن كرهت هجائي فاجتنب سخطي لا يدركنك إفراعي و تصعيدي و صبا، الظاهر أنها هنا مصدر من صب اللازم، لا وصف من الصبابة، يقال: صب في الوادي، إذا انحدر فيه. و في ر: «يفزع صبا أو سقيما مصعدا». و في م: «يفرع صبا أو هما مصعدا». و يظهر أن كليهما محرّف عن الأوّل. و في سائر النسخ: و جمت شجوني و استهلت مدامعي يريد: كثرت أحزاني و تتابعت دموعي.
8- انتكف الأثر: تتبّعه في مكان سهل، و ذلك لأن الأثر لا يتبين في الأرض الغليظة الصلبة.
9- الحشاشة: رمق بقية من حياة.
10- متيحا: مقدّرا. و لم نجد هذه الصيغة من هذه المادة، و إنما الموجود أتاحه له اللّه: قدّره، و تاح له الأمر: قدر عليه. و في ت: «موكلا».
11- زيادة في ت، م، ر.
12- حمله هنا: أتى له بما يركبه في سفره، قال تعالى: (وَ لاٰ عَلَى الَّذِينَ إِذٰا مٰا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاٰ أَجِدُ مٰا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ).
13- خاض الشراب: خلطه و حرّكه. و انظر الكلام على السلوة في الحاشية رقم 6 ص 322 من هذا الجزء.
14- يريد بابن الربيب أبا عبيدة بن عبد اللّه بن زمعة.

و أبصر من رقاك منفّثات(1) *** و داؤك كان أعرف بالطّبيب

نصيب و يزيد بن عبد الملك

أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعيّ قال:

دخل نصيب على يزيد بن عبد الملك ذات يوم، فأنشده قصيدة امتدحه بها، فطرب لها يزيد و استحسنها، فقال له: أحسنت يا نصيب! سلني ما شئت. فقال:

/يدك يا أمير المؤمنين بالعطاء أبسط من لساني بالمسألة! فأمر به فملئ فمه جوهرا، فلم يزل به غيّا حتى مات.

نصيب و إبراهيم بن هشام

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا أبو غزيّة(2) عن عبد الرحمن بن أبي الزّناد قال:

دخل نصيب على إبراهيم بن هشام و هو وال على المدينة، فأنشده قوله:

/يا ابن الهشامين(3) لا بيت كبيتهما(4) *** إذا تسامت إلى أحسابها مضر

فقال له إبراهيم: قم يا أبا محجن إلى تلك الراحلة المرحولة فخذها برحلها. فقام إليها نصيب متباطئا و الناس يقولون: ما رأينا عطيّة أهنأ من هذه و لا أكرم و لا أعجل و لا أجزل. فسمعهم نصيب فأقبل عليهم و قال: و اللّه إنكم قلّما صاحبتم الكرام! و ما راحلة و رحل حتى ترفعوهما فوق قدرهما!

نصيب و هشام بن عبد الملك

أخبرني الحرميّ و عيسى بن الحسين قالا حدّثنا الزّبير عن عبد اللّه بن محمد بن [عبد اللّه(5) بن] عمرو بن عثمان بن عفّان عن أبيه قال:

استبطأ هشام بن عبد الملك حين ولي الخلافة نصيبا ألاّ يكون جاءه وافدا عليه مدحا له و وجد عليه. و كان نصيب مريضا، فبلغه ذلك حين برأ، فقدم عليه و عليه أثر المرض و على راحلته أثر النّصب، فأنشده قصيدته التي يقول فيها:

/حلفت بمن حجّت قريش لبيته(6) *** و أهدت له بدنا(7) عليها القلائد

ص: 289


1- لعله يريد: و عرف رقي منفثات من رقاك، أي رقى ذات نفث، أي ينفث فيها.
2- كذا في م. و في ت: «قال حدّثنا أبو عونة». و في سائر النسخ: «... الحرمي عن أبي الزبير عن غزبة»، و كلاهما تحريف. و قد تكرر هذا السند نفسه في «الأغاني» في الجزء الثالث في ذكر نسب أبي العتاهية و أخباره، و هو أبو غزية الأنصاري، و كان قاضيا على المدينة.
3- يريد بالهشامين هشام بن عبد الملك بن مروان أباه، و هشام بن إسماعيل المخزوميّ جدّ أبيه لأمه. و في ب، س: «الهشاميّ» تحريف.
4- في ب، س: «كبيتكم».
5- زيادة في ت.
6- في ت، ح، ر، م: «لبرّه».
7- بدنا: جمع بدنة و هي ناقة أو بقرة تنحر بمكة، سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها. و يجمع على بدن أيضا بضمتين.

لئن كنت طالت غيبتي عنك إنّني *** بمبلغ حولي في رضاك لجاهد

و لكنّني قد طال سقمي و أكثرت *** عليّ العهاد(1) المشفقات العوائد

صريع فراش لا يزلن يقلن لي *** بنصح و إشفاق متى أنت قاعد

فلمّا زجرت العيس أسرت بحاجتي *** إليك و ذلّت للّسان القصائد

و إنّي فلا تستبطني(2) بمودّتي *** و نصحي و إشفاقي إليك لعامد(3)

فلا تقصني حتى أكون بصرعة(4) *** فييأس ذو قربي و يشمت حاسد

أنلني و قرّبني فإنّي بالغ *** رضاك بعفو من نداك و زائد(5)

أبت نائما أمّا فؤادي فهمّه *** قليل و أمّا مسّ جلدي فبارد

و قد كان لي منكم إذا ما لقيتكم *** ليان(6) و معروف و للخير قائد

إليك رحلت العيس حتّى كأنّها *** قسيّ السّرى ذبلا(7) برتها الطّرائد(8)

/و حتى هواديها(9) دقاق و شكوها(10) *** صريف و باقي النّقي(11) منها شرائد(12)

و حتّى ونت ذات المراح(13) فأذعنت *** إليك و كلّ الرّاسمات(14) الحوافد

قال: فرقّ له هشام و بكى، قال له: ويحك يا نصيب! لقد أضررنا بك و برواحلك. و وصله و أحسن صلته و احتفل به.

نصيب و عبد الواحد النصري أمير المدينة:

أخبرنا الحرميّ عن الزّبير عن عمّه عن أيّوب بن عبابة قال:

قدم نصيب على عبد الواحد النصريّ و هو أمير المدينة بفرض من أمير المؤمنين يضعه في قومه من بني ضمرة، فأدخلهم عليه ليفرض لهم و فيهم أربعة غلمة لم يحتلموا، فردّهم النصريّ. فكلّمه نصيب كلاما غليظا إدلالا

ص: 290


1- العهاد: جمع عهد و عهدة بفتح العين و كسرها، و هي مطر بعد. مطر يدرك آخره بلل أوّله، سمي بذلك لأن الأوّل عهد بالثاني. و المراد بالعهاد هنا الدموع.
2- يريد: لا تستبطئني، سهّلت الهمزة ياء، ثم حذفت الياء للجزم.
3- كذا في م. و في ت: «إليك لعائد». و في سائر النسخ: «لديك لعامد».
4- أي حتى يحلّ بي الموت.
5- كذا في ت، م. و في سائر النسخ: أنلني و قرّبني فإنك بالغ رضاي بعفو من نداك و زائد
6- الليان بالفتح: نعمة العيش.
7- كذا في ت، م، و هو جمع ذبلاء. و في سائر النسخ: «ذبلى» كقتلى.
8- الطرائد: جمع طريدة، و هي قصبة فيها حزّة توضع على المغازل و العود و القداح فتنحت عليها و تبرى بها.
9- الهوادي: الأعناق: و دقاق: جمع دقيق.
10- شكوها: شكواها. و الصريف: صرير الأنياب.
11- النقى: مخّ العظم.
12- كذا في ت، م. و الشرائد: جمع شريد على غير قياس، و هو: البقية من الشيء. و في سائر النسخ: «الصرائد» و ليس له معنى مناسب.
13- المراح: النشاط.
14- الراسمات: ذوات الرسيم، و هو ضرب من السير سريع مؤثر في الأرض. و الحوافد: المسرعات.

بمنزلته عند الخليفة، فأشار إليه إبراهيم بن عبد اللّه بن مطيع أن اسكت و كفّ و اخرج، فإنّي كافيك. فلمّا خرج إبراهيم لقيه نصيب، فقال له: أشرت إليّ فكرهت أن أغضبك، فما كرهت لي من مراجعته و الصّلابة له و من ورائي المستعتب من أمير المؤمنين؟ فقال إبراهيم: هو رجل عربيّ حديد غلق(1)، و خشيت إن جاذبته شيئا ألاّ يرجع عنه و أن يمضي عليه و يلجّ(2) فيه، و هو مالك للأمر و له فيه(3) سلطان، /فأردت أن تخرج قبل أن يلجّ و يظهر منه ما لا يرجع عنه فيمضي عليه و يلجّ فيه، فتنتظر لتصادف منه طيب نفس فتكلّمه و نرفدك(4) عنده. فقال نصيب:

/يومان يوم لرزيق(5) فسل *** و يومه الآخر سمح فضل

أنا - جعلت فداءك - فاعل ذلك، فإذا رأيت القول فأشر إليّ حتى أكلّمه.

قال: و دخل إليه نصيب عشيّات، كلّ ذلك يشير إليه ابن مطيع ألاّ يكلّمه، حتى صادف عشيّة من العشيّات منه طيب نفس، فأشار إليه أن كلّمه. فكلّمه نصيب فأصاب مختله(6) بكلامه، ثم قال: إنّي قد قلت شعرا فاسمعه أيّها الأمير و أجزه، ثم قال:

أهاج البكا ربع بأسفل ذي السّدر(7) *** (8) عفاه اختلاف العصر بعدك و القطر

نعم فثناني الوجد فاشتقت للّذي *** ذكرت و ليس الشوق إلا مع الذّكر

حلفت بربّ الموضعين(9) لربّهم *** و حرمة ما بين المقام إلى الحجر

لئن حاجتي يوما قضيت و رشتني(10) *** بنفحة عرف من يديك أبا بشر(11)

لتعترفنّ(12) الدّهر منّي مودّة *** و نصحا على نصح و شكرا على شكر

سقى اللّه صوب المزن أرضا عمرتها(13) *** بريّ و أسقاها(14) بلاد بني نصر

ص: 291


1- الغلق هنا: الضيق الخلق العسر الرضا.
2- يلجّ فيه: يتمادى عليه، يقال: لجّ في الأمر، إذا تمادى عليه و أبى أن ينصرف عنه.
3- في ح، ر: «و له فينا سلطان».
4- رفده و أرفده: أعانه.
5- في ت، ح: «لزريق». و الفسل: الرديء الرذل من كل شيء.
6- في ح: «نخيلة كلامه».
7- ذو السدر: اسم موضع بعينه، كذا ذكره ياقوت و لم يبينه.
8- عفت الرّيح الدار كعفّتها: جعلتها دارسة بالية.
9- الموضعين: المسرعين في السير، من الإيضاع و هو سير مثل الخبب.
10- يقال: رشت فلانا، إذا قوّيت جناحه بالإحسان فارتاش و تريّش، قال الشاعر: فرشني بخير طالما قد بريتني و خير الموالي من يريش و لا يبري
11- في ت: «أبا بكر».
12- في ت: «ليعترفن». و في م، ح: «لتعرفن» و كلاهما تحريف. و في سائر الأصول: «إذا تعرفن». و اعترف هنا بمعنى عرف، و مثله قول أبي ذؤيب يصف نعاما: مرته النعامى فلم يعترف خلاف النعامى من الشام ريحا و النعامى: من أسماء ريح الجنوب.
13- كذا في أكثر النسخ. و في ت: «حللتها بريّ». و في ح، ر: «حللتها رهاما». و الرهام: جمع رهمة و هي المطر الضعيف الدائم.
14- كذا في ح، ر. و في سائر النسخ: «فأسقاها».

بوجهك فاستعملت ما دمت خائفا *** لربّك تقضي راشدا آخر الدّهر

/لتنقذ أصحابي و تستر عورة *** بدت لك من صحبي فإنك ذو ستر

فما بأمير المؤمنين إلى الّتي *** سألت فأعطاني لقومي من فقر

و قد خرجت منه إليك فلا تكن *** بموضع بيضات الأنوق(1) من الوكر

قال: فقال عثمان بن حيّان المرّيّ و هو عنده - و كان قد جاءه بالقود من ابن حزم -: قد احتلم الآن القوم أيّها الأمير، و استوجبوا الفرض. و رفده(2) ابن مطيع فأحسن، و اشتدّ عليه أن شركه ابن حيّان في رفده و تشييعه و قال النّصريّ لابن مطيع و ابن حيّان: صدقتما قد احتلموا و استوجبوا الفرض، افرض لهم يا فلان - لكاتب من كتّابه - ففرض لهم.

حديث نصيب عن نفسه أنه عشق أمة لبني مدلج و شعره فيها

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني جعفر بن عليّ اليشكريّ قال حدّثني الرّياشيّ عن العتبيّ قال:

دخل نصيب على عبد العزيز بن مروان، فقال له عبد العزيز و قد طال الحديث بينهما: هل عشقت قطّ؟ قال: نعم، أمة لبني مدلج. قال: فكنت تصنع ما ذا؟ قال: كانوا يحرسونها منّي، فكنت أقنع أن أراها في الطّريق و أشير إليها بعيني أو حاجبي، و فيها أقول:

وقفت لها كيما تمرّ لعلّني *** أخالسها التّسليم إن لم تسلّم

و لمّا رأتني و الوشاة تحدّرت *** مدامعها خوفا و لم تتكلّم

مساكين أهل العشق ما كنت أشتري *** جميع حياة العاشقين بدرهم

/فقال عبد العزيز: ويحك! فما فعلت؟ قال: بيعت فأولدها سيّدها. قال: فهل في نفسك منها شيء؟ قال: نعم، عقابيل(3) أحزان.

حمل عبد العزيز بن مروان دينا عن نصيب في إبل ابتاعها

أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني بهلول بن سليمان بن قرضاب البلويّ:

أنّ إبلا لنصيب أجدبت و حالت(4)، و كان لرجل من أسلم عليه ثمانية/آلاف درهم قال: فأخبرني أبي و عمّي أنه وفد على عبد العزيز بن مروان، فقال له: جعلني اللّه فداءك! إنّي حملت دينا في إبل ابتعتها مجدبات حيال(5)، و قد قلت فيها شعرا.

قال: انشده، فأنشده:

ص: 292


1- الأنوق: الرخمة أو ذكر الرخم، و يضاف البيض إليه لأنه كثيرا ما يحضنها و إن كان ذكرا كما يحضن الظليم بيضه. و قال عمارة: الأنوق عندي: العقاب، و قيل غير ذلك. و في المثل: «أعز من بيض الأنوق»، لأنها تحرزه فلا يكاد يظفر به، لأن أوكارها في رءوس الجبال و الأماكن الصعبة البعيدة. و هو يضرب للشيء العزيز البعيد المنال.
2- في ت: «و وصله».
3- عقابيل أحزان: بقايا أحزان.
4- الحائل من النوق: التي حمل عليها و لم تلقح، أو التي لم تلقح سنة أو سنتين أو سنوات، و كذلك كل حامل ينقطع عنها الحمل سنة أو سنوات حتى تحمل.
5- جمع حائل.

فلمّا حملت الدّين فيها و أصبحت *** حيالا مسنّات(1) الهوى كدت أندم

على حين أن راث(2) الرّبيع و لم يكن *** لها بصعيد من تهامة مقضم

ثمانية للأسلميّ و ما دنا *** لفحش و لا تدنو إلى الفحش أسلم

فقال له عبد العزيز: فما دينك؟ ويحك! قال: ثمانية آلاف، فأمر له بثمانية آلاف درهم. فلمّا رجع أنشد الأسلميّ الشعر فترك ماله عليه، قال: الثمانية الآلاف لك.

نصيب و النسوة الثلاث اللاتي كنّ يتناشدن الشعر في المسجد الحرام

أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني الموصليّ عن ابن أبي عبيدة قال:

/أتى نصيب مكة فأتى المسجد الحرام ليلا. فبينما هو كذلك إذ طلع ثلاث نسوة فجلسن قريبا منه و جعلن يتحدّثن و يتذاكرن الشعر و الشعراء، و إذا هنّ من أفصح النساء و آدابهنّ. فقالت إحداهنّ: قاتل اللّه جميلا حيث يقول:

و بين الصّفا و المروتين ذكرتكم *** بمختلف ما بين ساع و موجف

و عند طوافي قد ذكرتك ذكرة *** هي الموت بل كادت على(3) الموت تضعف

فقالت الأخرى: بل قاتل اللّه كثيّر عزّة حيث يقول:

طلعن علينا بين مروة و الصّفا *** يمرن(4) على البطحاء مور السحائب

فكدن لعمر اللّه يحدثن فتنة *** لمختشع من خشية اللّه تائب

فقالت الأخرى: قاتل اللّه ابن الزّانية نصيبا حيث يقول:

ألام على ليلى و لو أستطيعها *** و حرمة ما بين البنيّة و السّتر

لملت على ليلى بنفسي ميلة *** و لو كان في يوم التّحالق و النّحر

فقام نصيب إليهنّ فسلّم عليهنّ، فرددن عليه السّلام. فقال لهنّ: إنّي رأيتكنّ تتحادثن شيئا عندي منه علم.

فقلن: و من أنت؟ فقال: اسمعن أوّلا. فقلن: هات. فأنشدهنّ قصيدته التي أوّلها:

و يوم ذي سلّم شاقتك نائحة *** ورقاء في فنن و الريح تضطرب

فقلن له: نسألك باللّه و بحقّ هذه البنيّة، من أنت؟ فقال: أنا ابن المظلومة المقذوفة بغير جرم «نصيب».

فقمن إليه فسلّمن عليه و رحّبن به، و اعتذرت إليه القائلة، و قالت: و اللّه ما أردت سوءا، و إنّما حملني الاستحسان لقولك على ما سمعت. فضحك و جلس إليهنّ، فحادثهنّ إلى أن انصرفن.

ص: 293


1- مسنات الهوى: انقطع منها الغرض، فلا يرغب فيها أحد لكبرها.
2- راث: أبطأ.
3- كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «عن» و تضعف بمعنى تزيد إنما تتعدّى بعلي، و في الحديث: «تضعف صلاة الجماعة على صلاة الفذ خمسة و عشرين درجة» أي تزيد عليها. و «عن» هنا بمعنى «على» و في الشعر إقواء.
4- يمرن: يتمايلن جائيات ذاهبات.

6 - أخبار ابن محرز و نسبه

نسب ابن محرز

هو مسلم بن محرز. فيما روى ابن المكّيّ، و يكنّى أبا الخطّاب، مولى بني عبد الدّار ابن(1) قصيّ. و قال ابن الكلبيّ: اسمه سلّم. قال و يقال: اسمه عبد اللّه. و كان أبوه من سدنة(2) الكعبة، أصله من الفرس، و كان أصفر أحنى(3) طويلا.

و أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني/أخي هارون عن عبد الملك بن الماجشون قال:

اسم ابن محرز سلّم، و هو مولى بني مخزوم. و ذكر إسحاق أنه كان يسكن المدينة مرّة و مكّة مرّة، فإذا أتى المدينة أقام بها ثلاثة أشهر يتعلّم الضّرب من عزّة الميلاء، ثم يرجع إلى مكّة فيقيم بها ثلاثة أشهر. ثم شخص(4)إلى فارس فتعلّم ألحان الفرس و أخذ غناءهم، ثم صار إلى الشام فتعلّم ألحان الرّوم و أخذ غناءهم، فأسقط من ذلك ما لا يستحسن من نغم الفريقين، و أخذ محاسنها فمزج بعضها ببعض و ألّف منها الأغاني التي صنعها في أشعار العرب، فأتى بما لم يسمع مثله. و كان يقال له صنّاج(5) العرب.

ابن محرز أوّل من غنى الرمل

أخبرني عمّي قال حدّثني أبو أيّوب المديني عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال: قال أبي: أوّل من غنّى الرّمل ابن محرز و ما غنّي قبله. فقلت له: و لا بالفارسية؟ قال: و لا بالفارسية، و أوّل(6) من غنّى رملا بالفارسية سلمك(7) في أيّام الرشيد، استحسن لحنا من ألحان ابن محرز، فنقل لحنه إلى الفارسية و غنّى فيه.

ص: 294


1- كذا في ت. و في ح، ر: «مولى أبي الخطاب بن قصيّ». و في سائر النسخ: «مولى بني عبد الدار من قصيّ» و كلاهما محرّف. قال في «شرح القاموس»: «و الدار صنم، و به سمي عبد الدار بن قصيّ بن كلاب أبو بطن».
2- السدنة: جمع سادن، و هو خادم الكعبة. و كانت السّدانة و اللواء لبني عبد الدار في الجاهلية، فأقرّها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لهم في الإسلام.
3- كذا في أ، م، ر: و معناه محدودب الظهر، يقال: رجل أحنى الظهر إذا كان في ظهره احديداب. و في سائر النسخ: «أجنى» بالجيم المعجمة. و لعل الأصل «أجنأ» بالهمز و معناه أحدب الظهر أيضا، و يقال: جنئ الرجل يجنأ جنأ و هو أجنأ إذا أشرف كاهله على صدره.
4- كذا في أ، ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «ثم يشخص إلى فارس فيتعلم الخ».
5- الصنج: صفيحة مدوّرة من الصّفر يضرب بها على أخرى مثلها للطرب، و هو أيضا ما يجعل في إطار الدف من الهنات المدوّرة. و أما الصنج ذو الأوتار الذي يلعب به فمختص بالعجم معرّب، و اللاعب به يقال له صنّاج و صناجة، و كان أعشى بكر يسمى صنّاجة العرب، لجودة شعره.
6- و في ت: «أوّل» بغير واو.
7- في ح: «سملك».

كان ابن محرز بعيد عن الناس حمل ذكره فما يذكر منه إلا غناؤه

قال أبو أيّوب و قال إسحاق: كان ابن محرز قليل الملابسة للناس، فأحمل ذلك ذكره فما يذكر منه إلاّ غناؤه، و أخذت أكثر غنائه جارية كانت لصديق له من أهل مكة كانت تألفه، فأخذه الناس عنها. و مات بداء كان به. و سقط إلى فارس فأخذ غناء الفرس، و إلى الشام فأخذ غناء الروم، فتخيّر من نغمهم ما تغنّى به غناءه. و كان يقدم بما يصيبه فيدفعه إلى صديقه ذاك فينفقه كيف شاء، لا يسأله عن شيء منه، حتّى إذا كاد أن(1) ينفد جهّزه و أصلح من أمره، و قال له: إذا شئت فارحل، فيرحل ثم يعود. فلم يزل كذلك حتى مات.

ابن محرز أوّل من غنّى بزوج من الشعر و اقتدى به المغنون في ذلك

[قال(2)]: و هو أوّل من غنّى بزوج من الشّعر، و عمل ذلك بعده المغنّون اقتداء به. و كان يقول: الأفراد لا تتمّ بها الألحان. و ذكر أنه أوّل ما أخذ الغناء أخذه عن ابن مسجح. قال إسحاق: و كانت العلّة التي مات بها الجذام، فلم يعاشر الخلفاء و لا خالط الناس لأجل ذلك.

قال أبو أيّوب قال إسحاق: قدم ابن محرز يريد(3) العراق، فلمّا نزل القادسيّة(4) لقيه حنين، فقال له: كم منّتك نفسك من العراق؟ قال: ألف دينار. قال: فهذه خمسمائة دينار فخذها و انصرف و احلف ألاّ تعود.

علو كعبه في صنعة الغناء

اشارة

و قال إسحاق: و قلت ليونس: من أحسن الناس غناء؟ قال: ابن محرز. قلت: و كيف قلت(5) ذاك؟ قال: إن شئت فسّرت، و إن شئت أجملت. قلت: أجمل. قال: كأنه خلق من كلّ قلب، فهو يغنّي لكل إنسان بما يشتهي.

و هذه الحكاية بعينها قد حكيت في ابن سريج، و لا أدري أيّهما الحقّ.

قال إسحاق: و أخبرني الفضل بن يحيى بن خالد أنه سأل بعض من يبصر الغناء: من أحسن الناس غناء؟ فقال: أ من الرجال أم من النساء؟ فقلت: من الرجال. فقال: ابن محرز. فقلت: فمن النساء؟ فقال: ابن سريج.

قال: و كان إسحاق يقول: الفحول ابن سريج، ثم ابن محرز، ثم معبد ثم الغريض، ثم مالك.

أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد: قرأت على أبي حدّثنا بعض أهل المدينة، و أخبرني بهذا الخبر الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني أخي هارون عن عبد الملك بن الماجشون قال:

كان ابن محرز أحسن الناس غناء، فمرّ بهند بنت كنانة بن عبد الرحمن بن نضلة بن صفوان بن أمية بن محرّث(6) الكنانيّ حليف/قريش، فسألته أن يجلس لها و لصواحب لها، ففعل و قال: أغنّيكنّ صوتا أمرني

ص: 295


1- كذا في أكثر النسخ، و هو غير الفصيح في كاد من عدم اقتران خبرها بأن. و في ح، ر: «كان ينفد» بالنون. و هو تحريف.
2- زيادة في ت، ح، ر.
3- في ت، ح، ر: «بلد العراق».
4- القادسية: بلدة قرب الكوفة بينها و بين الكوفة خمسة عشر فرسخا و بينها و بين العذيب أربعة أميال، و كانت بها وقعة القادسية المعروفة بين المسلمين و الفرس في عهد عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه سنة 16 من الهجرة.
5- في ت: «قلت دع و كيف ذاك».
6- كذا في ت، أ، م، ء. و في سائر النسخ: «محرز». قال في «القاموس» و «شرحه»: و سموا محرّثا كمحمد، قال ابن الأعرابيّ: هو اسم جدّ صفوان بن أميّة بن محرّث، و صفوان هذا أحد حكام كنانة ا ه.

الحارث بن خالد بن العاص بن هشام أن أغنّيه عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه في شعر له قاله فيها و هو يومئذ أمير مكة؟ قلن نعم. فغنّاهنّ:

صوت

فوددت إذ شحطوا و شطّت دارهم *** وعدتهم عنّا عواد تشغل

أنّا نطاع و أن تنقّل أرضنا *** أو أنّ أرضهم إلينا تنقل

لتردّ من كثب إليك رسائلي *** بجوابها و يعود ذاك المرسل(1)

عروضه من الكامل. الغناء في هذه الأبيات خفيف رمل مطلق في مجرى البنصر، ذكر عمرو بن بانة أنه لابن محرز، و ذكر إسحاق أنه لابن سريج.

ابن محرز و حنين الحيري

اشارة

و قال أبو أيّوب المدينيّ في خبره: بلغني أنّ ابن محرز لمّا شخص يريد العراق لقيه حنين فقال له: غنّني صوتا من غنائك. فغنّاه:

صوت

و حسن(2) الزّبرجد في نظمه *** على واضح اللّيت(3) زان العقودا

يفصّل ياقوته درّه *** و كالجمر أبصرت فيه الفريدا(4)

عروضه من المتقارب. الشعر لعمر بن أبي ربيعة. و الغناء لابن محرز ثاني ثقيل بالسّبّابة في مجرى البنصر - قال: فقال له حنين حينئذ: كم أمّلت من العراق؟ قال: ألف دينار. فقال له: هذه خمسمائة دينار فخذها و انصرف. و لمّا شاع ما فعل لامه أصحابه عليه؛ فقال: و اللّه لو دخل العراق لما كان لي معه فيه خبز آكله، و لاطّرحت و سقطت إلى آخر الدهر. و هذا الصوت أعنى:

و حسن الزبرجد في نظمه

/من صدور أغاني ابن محرز و أوائلها و ما لا يتعلّق بمذهبه فيه و لا يتشبّه به أحد. و مما يغنّى فيه من قصيدة نصيب التي أوّلها:

أهاج هواك المنزل المتقادم

صوت

لقد راعني للبين نوح حمامة *** على غصن بان جاوبتها حمائم

ص: 296


1- كذا في ح، ر و في سائر النسخ: «الدخلل» رد خلل الرجل بضم اللام و فتحها: الذي يداخله في أموره كلها و يعرف سرّه.
2- كذا في «ديوانه» و أكثر النسخ. و في ت: «و حرّ». و في ح، ر: «و جرى» و لعله محرّف عن «و حر».
3- الليت: صفحة العنق.
4- الفريد: الدرّ إذا نظم و فصل بغيره.

هواتف أمّا من بكين فعهده *** قديم و أمّا شجوهنّ فدائم

الغناء لابن سريج من رواية يونس و عمرو و ابن المكيّ، و هو ثاني ثقيل بالبنصر، و هو من جيّد الألحان و حسن الأغاني، و هو مما عارض ابن سريج فيه ابن محرز و انتصف منه.

ذكر الأصوات التي رواها جحظة عن أصحابه و حكى أنها من الثلاثة المختارة

صوت

إلى جيداء قد بعثوا رسولا *** ليحزنها فلا صحب الرّسول

كأنّ العام ليس بعام حجّ *** تغيّرت المواسم و الشكول(1)

/الشعر للعرجيّ، و الغناء لإبراهيم الموصليّ، و لحنه المختار ماخوريّ بالوسطى. و هو من خفيف الثّقيل الثاني على مذهب إسحاق. و فيه لابن سريج ثاني ثقيل بالسّبّابة. في مجرى البنصر، و ذكر عمرو بن بانة أنّ الماخوريّ لابن سريج.

ص: 297


1- الشكول: جمع شكل.

7 - أخبار العرجيّ و نسبه

نسب العرجي من قبل أبويه

هو عبد اللّه بن عمر(1) بن عمرو بن عثمان بن عفّان بن أبي العاصي بن أميّة بن عبد شمس. و قد شرح هذا النسب في نسب أبي قطيفة. و أمّ عفّان و جميع بني أبي العاصي آمنة بنت عبد العزّى بن حرثان(2) بن عوف بن عبيد بن عويج بن عديّ بن كعب. و أمّ عثمان أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس. و أمّها البيضاء أمّ حكيم بنت عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف، و هي أخت عبد اللّه بن عبد المطّلب أبى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، لأمّه [و أبيه](3) ولدا في بطن واحد. و أمّ عمرو بن عثمان أمّ أبان بنت جندب الدّوسيّة.

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء و الطّوسيّ قالا حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عليّ بن صالح عن يعقوب بن محمد عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال حدّثني محرز بن جعفر عن أبيه عن جدّه قال:

قدم جندب بن عمرو بن حممة الدّوسيّ المدينة مهاجرا في خلافة عمر بن الخطاب، ثم مضى إلى الشام و خلّف ابنته أمّ أبان عند عمر، و قال له: يا أمير المؤمنين، /إن وجدت لها كفؤا فزوّجه بها و لو بشراك نعله(4)، و إلا فأمسكها حتى تلحقها بدار قومها بالسّراة(5). فكانت عند عمر، و استشهد أبوها، فكانت تدعوا عمر أباها و يدعوها ابنته. قال: فإنّ عمر على المنبر يوما يكلّم الناس في بعض الأمر(6) إذ خطر على قلبه ذكرها، فقال: من له في الجميلة الحسيبة بنت جندب بن عمرو بن حممة، و ليعلم امرؤ من هو! فقام عثمان فقال: إنا يا أمير المؤمنين. فقال أنت لعمر اللّه! كم سقت إليها؟ قال: كذا و كذا. قال: قد زوّجتكها، فعجّله؛ فإنها معدّة. قال: و نزل عن المنبر.

فجاء عثمان رضي اللّه عنه بمهرها، فأخذه عمر في ردنه(7) فدخل به عليها، فقال: يا بنيّة، مدّي حجرك، ففتحت حجرها، فألقى فيه المال، ثم قال: يا بنيّة، قولي اللّهمّ بارك لي فيه. فقالت: اللهم بارك لي فيه، و ما هذا يا أبتاه؟

ص: 298


1- كذا في أكثر النسخ. في ت: «هو عبد اللّه بن عمرو بن عمرو بن عثمان بن عفان». و في ح، م: «عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان» و مثله ما في «القاموس» في الكلام على العرج قال: «و منزل بطريق مكة منه عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان العرجيّ الشاعر». و يظهر أن هذا ناقص؛ فإن المعروف بعبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان شخص آخر محدّث ذكره صاحب «تهذيب التهذيب» و قال: إنه المعروف بالمطرف مات سنة 96 ه، و لهذا يظهر أن في قول شارح «القاموس»: «و في بعض النسخ عبد اللّه بن عمر بن عمرو بن عثمان و لم يتابع عليه». نظرا. و قد ذكره ياقوت في «معجمة» فقال «إنه عبد اللّه بن عمر بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان».
2- كذا في أ، ت. و في ب، س: «حريان». و في ء: «حربان». و في ح: «حدثان». و في م: «حربان» من غير نقط.
3- تكملة يقتضيها الكلام.
4- شراك النعل: سيرها الذي على ظهر القدم. و هو مثل في القلة.
5- سراة كل شيء: أعلاه و هي مضافة إلى عدّة قبائل و مواضع و هي كثيرة. قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح الناس أهل السروات و هي ثلاث، و هي الجبال المطلة على تهامة مما يلي اليمن: أوّلها هذيل و هي تلي السهل من تهامة، ثم بجبلة و هي السراة الوسطى و قد شركتهم ثقيف في ناحية منها، ثم سراة الأزد أزد شنوءة و هم بنو كعب بن الحارث بن كعب بن عبد اللّه بن مالك بن نصر بن الأزد.
6- في ح، ب، س: «الأمور».
7- في ت: «يده». و الردن: الكم.

قال: مهرك. فنفحت به(1) و قالت: وا سوأتاه! فقال: احتبسي منه لنفسك و وسّعي منه لأهلك، و قال لحفصة:

يا بنتاه، أصلحي من شأنها و غيّري بدنها(2) و اصبغي ثوبها، ففعلت. ثم أرسل بها مع نسوة إلى عثمان. فقال عمر لمّا فارقته: إنها أمانة في عنقي أخشى/أن تضيع بيني و بين عثمان، فلحقهنّ فضرب على عثمان بابه، ثم قال: خذ أهلك بارك اللّه لك فيهم. فدخلت على عثمان، فأقام عندها مقاما طويلا لا يخرج إلى حاجة. فدخل عليه سعيد بن العاص فقال له: يا أبا عبد اللّه، لقد أقمت عند هذه الدّوسيّة مقاما ما كنت تقيمه عند النساء. فقال: أما إنه ما بقيت خصلة كنت أحبّ أن تكون في امرأة إلا صادفتها فيها ما خلا خصلة واحدة. قال: و ما هي؟ قال: إنّي رجل قد دخلت في السّنّ، و حاجتي في النساء الولد، و أحسبها حديثة لا ولد فيها/اليوم. قال: فتبسّمت. فلمّا خرج سعيد من عنده قال لها عثمان: ما أضحكك؟ قالت: قد سمعت قولك في الولد، و إني لمن نسوة ما دخلت امرأة منهنّ على سيّد قطّ فرأت حمراء(3) حتى تلد سيّد من هو منه. قال: فما رأت حمراء حتى ولدت عمرو بن عثمان. و أمّ عمر بن عمرو بن عثمان و أمّ ولد. و أمّ العرجيّ آمنة بنت عمر بن عثمان؛ و قال إسحاق: بنت سعيد بن عثمان، و هي لأمّ ولد.

سبب تلقبه بالعرجي و نحوه نحو عمر بن أبي ربيعة في شعره

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي:

أنه إنما لقّب العرجيّ لأنه كان يسكن عرج(4) الطائف. و قيل: بل سمّي بذلك لماء كان له و مال عليه بالعرج.

و كان من شعراء قريش، و من شهر بالغزل منها، و نحا نحو عمر بن أبي ربيعة في ذلك و تشبّه به فأجاد. و كان مشغوفا باللّهو و الصّيد حريصا عليهما قليل المحاشاة(5) لأحد فيهما. و لم يكن له نباهة في أهله، و كان أشقر أزرق جميل الوجه. و جيداء التي شبّب بها هي أمّ محمد بن هشام بن إسماعيل/المخزوميّ، و كان ينسب بها ليفضح ابنها لا لمحبّة كانت بينهما؛ فكان ذلك سبب حبس محمد إيّاه و ضربه له، حتى مات في السّجن.

و أخبرني محمد بن مزيد إجازة عن حمّاد بن إسحاق فذكر أن حمادا حدّثه عن إسحاق عن أبيه عن بعض شيوخه:

أنّ العرجيّ كان أزرق كوسجا(6) ناتئ الحنجرة، و كان صاحب غزل و فتوّة(7)، و كان يسكن بمال له في الطائف يسمّى العرج؛ فقيل له العرجيّ و نسب إلى ماله. و كان من الفرسان المعدودين مع مسلمة بن عبد الملك بأرض الروم، و كان له معه بلاء حسن و نفقة كثيرة.

ص: 299


1- كذا في أ، م، ت، ح. و نفحت به: رمت به و ردّته. و في ب، س: «فنفخت فيه» و معناه رمته و ردته كما تنفخ الشيء إذا دفعته عنك. قال في «اللسان» (مادة نفخ): و في الحديث «رأيت كأنه وضع في يديّ سواران من ذهب فأوحى إليّ أن انفخهما» أي ارمهما و القهما كما تنفخ الشيء إذا دفعته عنك. و إن كانت بالحاء المهملة فهو من نفحت الشيء إذا رميته أ ه. و في ء: «فتعجبت به».
2- البدن: شبه درع إلا أنه قصير قدر ما يكون على الجسد فقط قصير الكمين، و به فسر ثعلب قوله تعالى: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً).
3- فرأت حمراء، كناية عن الحيض. تريد أنها تلد من يفوق أباه.
4- عرج الطائف: قرية جامعة في واد من نواحي الطائف و هي أوّل تهامة، و بينها و بين المدينة ثمانية و سبعون ميلا، و هي في بلاد هذيل.
5- أي قليل المبالاة و الاكتراث بأحد فيهما.
6- الكوسج: الأثطّ و هو الخفيف شعر اللحية أو الخفيف شعر العارضين.
7- في ت: «و فتوّة و مروءة».

قال إسحاق: قد ذكر عتبة بن إبراهيم اللّهبيّ(1): أنّ العرجيّ فيما بلغه باع أموالا عظاما كانت له و أطعم ثمنها في سبيل اللّه حتى نفد ذلك كلّه. و كان قد اتّخذ غلامين، فإذا كان الليل نصب قدره(2) و قام الغلامان يوقدان، فإذا نام واحد قام الآخر، فلا يزالان كذلك حتى يصبحا، يقول: لعلّ طارقا يطرق.

أخبرني حبيب بن نصر قال حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة قال حدّثني مصعب، و أخبرنا الحرميّ عن الزّبير عن عمّه مصعب، و عن محمد بن الضّحّاك بن عثمان عن أبيه قال، دخل حديث بعضهم في بعض، و أخبرني محمد بن مزيد عن حمّاد عن أبيه عن مصعب قال:

العرجيّ خليفة عمر بن أبي ربيعة

كانت حبشيّة من مولّدات مكة ظريفة صارت إلى المدينة، فلمّا أتاهم موت عمر بن أبي ربيعة اشتدّ جزعها و جعلت تبكي و تقول: من لمكة و شعابها و أباطحها و نزهها و وصف نسائها و حسنهنّ و جمالهنّ و وصف ما فيها! فقيل لها: خفّضي عليك؛ فقد نشأ فتى من ولد عثمان رضي اللّه عنه يأخذ مأخذه و يسلك مسلكه. فقالت: أنشدوني من شعره، فأنشدوها؛ فمسحت عينها و ضحكت و قالت: الحمد للّه الذي لم يضيّع حرمه.

العرجيّ و كلابة مولاة عبد اللّه بن القاسم العبلى

اشارة

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب، و أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن عورك(3) اللّهبيّ:

أنّ مولاة لثقيف يقال لها كلابة(4) كانت عند عبد اللّه بن القاسم الأمويّ العبليّ(5)، و كان يبلغها تشبيب العرجيّ بالنساء و ذكره لهنّ في شعره، و كانت كلابة تكثر أن تقول: لشدّ ما اجترأ العرجيّ على نساء قريش حين(6)يذكرهنّ في شعره! و لعمري/ما لقي أحدا فيه خير، /و لئن لقيته لأسوّدنّ وجهه! فبلغه ذلك عنها. قال إسحاق في خبره: و كان العبليّ نازلا على ماء لبني نصر بن معاوية يقال له الفتق(7) على ثلاثة أميال من مكّة على طريق من جاء

ص: 300


1- لا ندري أ هو منسوب إلى أبي لهب عم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أم إلى لهب و هي قبيلة من الأزد، و قد نسب لهما جميعا. و ممن نسب إلى الأوّل إبراهيم بن أبي حميد اللهبي و إبراهيم بن أبي خداش اللهبي من أهل مكة. و لا ندري أ عتبة هذا ابن أحدهما أم لا.
2- في ت: «قدوره».
3- تقدّم هذا الاسم في صفحة 40 من هذا الجزء و قال عنه صاحب «الأغاني»: إنه الحسن بن عتبة. و سيرد في الجزء الثامن من «الأغاني» في ذكر الحارث بن خالد و نسبه و خبره و قال عنه: إنه المعروف بفورك بالفاء.
4- كذا في الأصول عارية عن الضبط غير أنه في نسخة ت ضبطت في هذا الموضع بضم الكاف و فتح اللام. و في أ حين ذكرت في الشعر الآتي بعد ضبطت بضم الكاف فقط. و لم نعثر في «كتب اللغة و التراجم» على التسمية بهذا الاسم، غير أن وزن الشعر يحتم تخفيف اللام. و يغلب على الظن أن وزنها فعالة بضم ففتح؛ و قد سمّي به كثيرا كقحافة و ثمامة و أمامة و غيرها.
5- هو بفتح العين و إسكان الباء نسبة إلى عبلة أم قبيلة من قريش يقال لهم العبلات من بني أمية الصغرى، و النسبة إليهم عبلى بفتح فسكون؛ لأن النسبة إلى الجمع يراعي فيها المفرد. و قال ابن ماكولا: النسبة إليهم عبلى بفتح العين و الباء. قال المرتضى: و التحريك خطأ كما حققه البلبيسي في «الأنساب». و أما العبل - بفتح العين و الباء - بن عمر بن مالك بن زيد بن رعين فأبو قبيلة أخرى.
6- كذا في ت، ب، ح. و في سائر النسخ: «حتى».
7- في الأصول: «الفنق» بفاء فنون. و هو مصحف عن الفتق بفاء فتاء. قال في ياقوت: «الفتق قرية بالطائف. و في كتب «المغازي» أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سيّر قطبة بن عامر بن حديدة إلى تبالة ليغير على خثعم في سنة تسع، فسلك على موضع يقال له فتق. و قرأت بخط بعض الفضلاء: الفتق من مخاليف الطائف بفتح الفاء و سكون التاء. و في «كتاب الأصمعي» في ذكر نواحي الطائف فقال: و «قرية الفتق» أ ه.

من نجران أنو تبالة إلى مكّة، و العرج أعلاها قليلا ممّا يلي الطائف. فبلغ العرجيّ أنه خرج إلى مكّة، فأتى قصره فأطاف(1) به، فخرجت إليه كلابة و كان خلّفها في أهله، فصاحت به: إليك، ويلك! و جعلت ترميه بالحجارة و تمنعه أن يدنو من القصر. فاستسقاها ماء فأبت أن تسقيه، و قالت: لا يوجد و اللّه أثرك عندي أبدا فيلصق بي منك شرّ. فانصرف و قال: ستعلمين! و قال:

صوت

حور بعثن رسولا في ملاطفة *** ثقفا(2) إذا غفل(3) النّسّاءة(4) الوهم(5)

إليّ أن ائتنا هدأ(6) إذا غفلت *** أحراسنا و افتضحنا إن هم علموا

فجئت أمشي على هول أجشمه *** تجشّم المرء هولا في الهوى كرم

إذا تخوّفت من شيء أقول له *** قد جفّ فامض بشيء قدّر القلم

أمشي كما حرّكت ريح يمانية *** غصنا من البان رطبا طلّه(7) الدّيم

/في حلّة من طراز السّوس(8) مشربة(9) *** تعفو(10) بهدّابها ما أثّرت قدم

خلّت سبيلي كما خلّيت ذا عذر(11) *** إذا رأته عتاق الخيل ينتجم(12)

و هنّ في مجلس خال و ليس له *** عين عليهنّ أخشاها و لا ندم(13)

حتى جلست إزاء الباب مكتتما *** و طالب الحاج تحت الليل مكتتم

أبدين لي أعينا نجلا كما نظرت *** أدم هجان أتاها مصعب(14) قطم

ص: 301


1- في ت: «فطاف» و كلاهما فصيح.
2- يقال: رجل ثقف و ثقف و ثقف، إذا كان حاذقا فهما.
3- كذا في ت. و في ح: «استيقظ». و في سائر النسخ: «عقل» و كلاهما ظاهر التحريف.
4- النساءة: صيغة مبالغة في الناسي، و التاء فيه للمبالغة.
5- الوهم: الكثير الوهم و هو السهو و الغلط.
6- الهدء: الثلث الأوّل من الليل، و ذلك ابتداء سكونه و انقطاع الناس عن المشي و الاختلاف في الطرق.
7- طله هنا: أمطره. و الديم: جمع ديمة، و هي مطر يدوم في سكون بلا رعد و برق.
8- السوس: بلدة بخوزستان فيها قبر دانيال النبي عليه السّلام. قال في كتاب «لطائف المعارف» للثعالبي طبع أوروبا ص 107 في ذكر خصائص البلاد: «و منها السوس التي بها طراز الخزوز الثمينة الملوكية».
9- الإشراب: أن تخلط لونا بلون آخر، كأن أحد اللونين سقي الآخر؛ يقال: أشرب الأبيض حمرة إذا علاه ذلك. و في ت: «معلمة». و المعلم: الثوب الذي جعلت فيه علامة.
10- في ت: «أعفو».
11- العذر: جمع عذار، و هو من الافرس كالعارض للإنسان، ثم سمى السير الذي يكون عليه من اللجام عذرا باسم موضعه. و قيل: عذار اللجام السيران اللذان يجتمعان عند القفا.
12- كذا في أكثر النسخ. و في ت: «تنتجم». و لعله مصحف عن تنتحم. و النحيم: صوت يخرج من صدر الفرس كالزحير أو هو فوقه.
13- كذا في أكثر النسخ، و هو هنا بمعنى الأثر. و في ح: «و لا قدم» و هو هنا مجاز عن الشخص الذي يسعى بالشرّ. و بهذا ينتفي الإيطاء لاختلاف المعنى.
14- المصعب: الفحل الذي يودع من الركوب و العمل للفحلة. و القطم: المشتهى للضراب.

قالت كلابة من هذا؟ فقلت لها *** أنا الذي أنت من أعدائه زعموا

أنا امرؤ جدّ بي حبّ فأحرضني(1) *** حتى بليت و حتى شفّني السّقم

لا تكليني إلى قوم لو انّهم *** من بغضنا أطعموا الحمى إذا طعموا

و أنعمي نعمة تجزي بأحسنها *** فطالما مسّني من أهلك النّعم

ستر المحبّين في الدنيا لعلّهم *** أن يحدثوا توبة فيها إذا(2) أثموا

هذي يميني رهن بالوفاء لكم *** فارضي بها و لأنف الكاشح الرّغم(3)

/قالت رضيت و لكن جئت في قمر *** هلاّ(4) تلبّثت حتى تدخل الظّلم

فبتّ أسقي بأكواس(5) أعلّ بها *** من بارد طاب منها الطّعم و النّسم(6)

حتّى بدا ساطع للفجر نحسبه *** سنى حريق بليل حين يضطرم

كغرّة الفرس المنسوب(7) قد حسرت(8) *** عنه الجلال(9) تلالا و هو يلتجم(10)

ودّعتهنّ و لا شيء يراجعني *** إلا البنان و إلا الأعين السّجم(11)

إذا أردن كلامي عنده اعترضت *** من دونه عبرات فانثنى الكلم

تكاد إذ رمن نهضا للقيام معي *** أعجازهنّ من الأنصاف تنقصم

قال: فسمع ابن القاسم العبليّ بالشّعر يغنّى به، و كان العرجيّ قد أعطاه جماعة من المغنّين/و سألهم أن يغنّوا فيه، فصنعوا في أبيات منه عدّة ألحان، و قال: و اللّه لا أجد لهذه الأمة شيئا أبلغ من إيقاعها تحت التّهمة عند ابن القاسم ليقطع مأكلتها من ماله. قال: فلمّا سمع العبليّ بالشعر يغنّى به أخرج كلابة و اتّهمها، ثم أرسل بها بعد زمان على بعير بين غرارتي بعر، فأحلفها بمكّة بين الرّكن و المقام إنّ العرجيّ كذب فيما قاله. فحلفت سبعين يمينا، فرضي عنها و ردّها. فكان بعد ذلك إذا سمع قول العرجيّ:

فطالما مسّني من أهلك النّعم

/قال: كذب و اللّه ما مسّه ذلك قطّ. و قال إسحاق: و قد قيل: إنّ صاحب هذه القصيدة [و القصة](12) أبو

ص: 302


1- في ت: «فأجرضني» بالجيم. و قد تقدّم الكلام عليهما في الحاشية رقم 3 ص 281 من هذا الجزء.
2- في ت، م، ء،: «و إن».
3- الرغم (مثلثة الراء مع سكون الغين): الذل و القسر؛ و أصله أن يلتصق أنفه بالرغام و هو التراب. و قد حرّك في الشعر للضرورة.
4- في م، ء: «ألاّ» و هي بمعنى «هلاّ».
5- كذا في الأصول. و الموجود في «كتب اللغة» جمعا لكأس أكؤس و كئاس و كئوس و كأسات. فلعله محرّف عن «أكواب».
6- النسم و النسيم: الريح الطيبة.
7- المنسوب: الأصيل الكريم.
8- حسر الشيء عن الشيء يحسره و يحسره فانحسر هنا: كشفه.
9- الجلال: جمع جلّ، و هو ما تلبسه الدابة لتصان به.
10- ألجمت الفرس فالتجم أي ألبسته اللجام فلبسه.
11- السجم: جمع سجوم. و السجوم من العيون: الكثيرة سيلان الدمع.
12- زيادة في ت.

حراب(1) العبليّ، و إنّ كلابة كانت أمة لسعدة بنت عبد اللّه بن عمرو(2) بن عثمان، و كان العرجيّ قد خطبها و سمّيت(3) به، ثم خطبها يزيد بن عبد الملك أو الوليد بن(4) يزيد فزوّجته(5)، فقال العرجيّ هذا الشعر فيها. غنّى في قوله:

أمشي كما حرّكت ريح يمانية

عليّ بن هشام هزجا مطلقا بالبنصر، و فيه للمسدود(6) هزج آخر طنبوريّ، ذكر ذلك جحظة. و في:

لا تكليني إلى قوم لو انهم

رمل لابن سريج عن ابن المكّيّ و إسحاق(7) بالسّبّابة في مجرى الوسطى. و في «قالت كلابة» و الذي بعده لعبيد(8) اللّه بن أبي غسّان لحن من خفيف الرّمل. و لنبيه(9) في «أنا امرؤ جدّ بي» و ما بعده، هزج بالوسطى.

و لدحمان في «حور بعثن» و ما بعده، هزج بالوسطى، و روى عنه الهشاميّ فيه ثقيلا أوّل(10). و لأبي عيسى بن المتوكّل في «و أنعمي نعمة» و بيتين بعده، ثقيل أوّل.

/و أخبرني بخبر العرجيّ و كلابة هذه الحرميّ بن أبي العلاء عن الزّبير بن بكّار عن عمّه مصعب، و أخبرني به وكيع عن أبي أيّوب المدينيّ عن مصعب و ذكر نحوا مما ذكره إسحاق؛ و زعما أن كلابة كانت قيّمة لأبي حراب العبليّ و هو محمد بن عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه بن الحارث بن أميّة الأصغر بن عبد شمس.

أيوب بن مسلمة و أشعب يتذكران شعر للعرجيّ

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال أخبرني مسلمة بن إبراهيم بن هشام قال:

كنت عند أيّوب بن مسلمة و معنا أشعب، فذكر قول العرجيّ:

أين ما قلت متّ قبلك أينا *** أين تصديق ما وعدت(11) إلينا

فلقد خفت منك أن تصرمي الحب *** ل و أن تجمعي مع الصّرم بينا

ص: 303


1- كذا بالحاء في أكثر النسخ. و في ب: «أبو جراب» بالجيم و قد سمى بهما. و قد تقدّم في ص 210 من هذا الجزء أنه محمد بن عبد اللّه المعروف بأبي جراب العبلى (بالجيم) الذي قتله داود بن علي و أنه أخو الثريا.
2- في ب، س: «عبد اللّه بن عمر بن عمرو بن عثمان» و هو خطأ (راجع «المعارف» لابن قتيبة ص 99 و 100).
3- الضمير فيه لسعدة بنت عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان، و قد كانت ابنة عم العرجي. و يريد بقوله: و سميت به أنه عرف عند الناس أنها خطيبته.
4- في «تاريخ ابن جرير الطبري» طبع أوروبا قسم 2 ص 1464 و 1465: أن سعدة امرأة يزيد بن عبد الملك، و قد ذكر قصتها مع يزيد في شراء حبابة المغنية، فراجعها.
5- في ب، س: «فتزوّجته».
6- هو مغنّ ستأتي ترجمته في الجزء الحادي و العشرين من «الأغاني».
7- في ت، ح: «و لإسحاق».
8- في ت، ء: «عبد اللّه».
9- كان نبيه في أوّل أمره شاعرا لا يغني، ثم هوى قينة ببغداد فتعلم الغناء من أجلها، و لم يزل يتزيد حتى جاد غناؤه و عدّ في المحسنين. و لم نعثر له على ضبط خاص. و قد سمى بنبيه كأمير و نبيه كزبير.
10- كذا في أكثر النسخ. و في ح: «و لدحمان في حور بعثن و ما بعده ثقيل أوّل عن الهشاميّ».
11- في ت، ح: «عهدت».

ما تقولين في فتى هام إذ ها *** م بمن لا ينال جهلا و حينا

فاجعلي بيننا و بينك عدلا *** لا تحيفي و لا يحيف علينا

و اعلمي أنّ في القضاء شهودا *** أو يمينا فأحضري شاهدينا

خلّتي لو قدرت منك على ما *** قلت لي في الخلاء حين التقينا

ما تحرّجت من دمي علم اللّ *** ه و لو كنت قد شهدت حنينا

قال فقال أيّوب لأشعب: ما تظنّ أنّها وعدته(1)؟ قال: أخبرك يقينا لا ظنّا أنّها وعدته أن تأتيه في شعب من شعاب العرج يوم الجمعة إذا نزل الرجال إلى الطائف للصّلاة، فعرض لها عارض(2) شغل فقطعها عن موعده. قال: فمن كان الشاهدان؟ /قال: كسير و عوير، و كلّ غير خير(3): فند(4) أبو زيد مولى عائشة بنت سعد، و زور(5) الفرق مولى الأنصار. قال: فمن العدل الحكم؟ قال: /حصين بن غرير(6) الحميريّ. قال: فما حكم به؟ قال: أدّت إليه حقّه و سقطت المئونة عنه. قال: يا أشعب، لقد أحكمت صناعتك! قال: سل علاّمة عن علمه.

شعر العرجي في عاتكة زوجة طريح بن إسماعيل الثقفيّ

اشارة

أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن عورك(7) اللّهبيّ قال:

قال العرجيّ في امرأة من بني حبيب (بطن من بني نصر بن معاوية) يقال لها عاتكة، و كانت زوجة طريح بن إسماعيل الثّقفيّ:

يا دار عاتكة التي بالأزهر *** أو فوقه بقفا الكثيب الأحمر(8)

لم ألق أهلك بعد عام لقيتهم *** يا ليت أنّ لقاءهم لم يقدر

ص: 304


1- كذا في م، ء، س. و في ح: «ما نظنها وعدته». و في سائر النسخ: «ما نظن أنها وعدته».
2- في ب. س: «أعرض لها شغل».
3- في «مجمع الأمثال» للميداني: أن أوّل من قال هذا المثل أمامة بنت نشبة بن مرة، تزوّجها رجل من غطفان أعور، فمكثت عنده ثم نشزت عليه فطلقها، فزوّجت من حارثة بن مرة من بني سليم و كان أعرج مكسور الفخذ. فلما دخل بها و رأته كذلك قالت هذا المثل. و في ياقوت في الكلام على كسير: كسير و عوير: جبلان عظيمان مشرفان على أقصى بحر عمان صعبا المسلك و عرا المصعد و أورد المثل: «كسير و عوير و ثالث ليس فيه خير». (انظر «مجمع الأمثال» للميداني و «ياقوت» و «شرح القاموس»).
4- هو فند مولى عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، و كان أحد المغنّين المجيدين، و كان يجمع بين الرجال و النساء، و له يقول ابن قيس الرقيات: قل لفند يشيّع الأظعانا طالما سرّ عيشنا و كفانا و كانت عائشة أرسلته يأتيها بنار، فوجد قوما يخرجون إلى مضر فخرج معهم فأقام بها سنة، ثم قدم فأخذ بنار و جاء يعدو فقال: «تعست العجلة» فصارت مثلا. و لهذا قيل في المثل: «أبطأ من فند».
5- كذا في ب، س، ح. و في م، أ، ت، د: «و زرّ الفرق». و في معاهد التنصيص طبع بولاق ص 321: «و زرّ العذق» و لم نعثر عليه.
6- سيأتي هكذا بعد في صفحة 403 من هذا الجزء و في ب، س، أ، م: «عرير» و في ت: «عوير». و في ح، ء: «عزير».
7- تقدّم هكذا في صفحة 40 من هذا الجزء. و في ت، ح: «غورك». و في سائر النسخ: «عون». (و انظر الحاشية رقم 1 ص 387) من هذا الجزء.
8- في «معجم ياقوت» في مادّة الأزهر: «الأعفر».
صوت

/بفناء بيتك و ابن مشعب حاضر *** في سامر(1) عطر و ليل مقمر

مستشعرين(2) ملاحفا(3) هرويّة *** بالزّعفران صباغها و العصفر

فتلازما عند الفراق صبابة *** أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر

الأزهر: على ثلاثة أميال من الطّائف(4). و ابن مشعب الذي غناه مغنّ من أهل مكّة كان في زمن ابن سريج. و الغناء في هذه الأبيات له رمل بالوسطى. قال إسحاق: كان ابن مشعب من أحسن الناس وجها و غناء(5)، و مات في تلك الأيام، فأدخل الناس غناءه في غناء ابن سريج و الغريض. قال: و هذا الصوت ينسبه من لا يعلم إلى ابن محرز، يعني:

بفناء بيتك و ابن مشعب حاضر

قال: و هو الذي غنّى:

أقفر ممّن يحلّه السّند(6) *** فالمنحنى(7) فالعقيق فالجمد(8)

ويحي(9) غدا إن غدا عليّ بما *** أحذر من فرقة الحبيب غد

و الناس ينسبونه إلى ابن سريج.

حكاية يرويها ابن مخارق عن العرجي

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزبير قال حدّثنا محمد بن ثابت بن إبراهيم الأنصاريّ قال حدّثني ابن مخارق قال:

واعد العرجيّ هوى(10) له شعبا من شعاب عرج الطائف إذا نزل رجالها يوم الجمعة إلى مسجد الطائف.

فجاءت على أتان لها معها جارية لها، و جاء العرجيّ على حمار معه غلام له، فواقع المرأة، و واقع الغلام الجارية، و نزا الحمار على الأتان. فقال العرجيّ: هذا يوم قد غاب عذّاله:

غنى العرجي

أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثنا النّضر بن عمرو عن ابن داحة قال:

ص: 305


1- السامر: مجلس السّمار. و السامر أيضا: اسم جمع بمعنى السمار، كالحاج بمعنى الحجاج.
2- مستشعرين: لابسين؛ يقال: استشعر الثوب أي لبسه، و أصله من الشعار و هو ما يلبس تحت الدثار.
3- الملاحف: جمع ملحف و مثله الملحفة و اللّحاف، و هو كل ما التحف به.
4- في ت: «من مكة». و عبارة ياقوت: «الأزهر موضع على أميال من الطائف».
5- في ت، ح: «أحسن الناس غناء».
6- في «معجم ياقوت»: سند في قول النابغة: يا دارميّة بالعلياء فالسند بلد معروف في البادية. ثم قال و قال الأديبي: سند بفتحتين: ماء معروف لبني سعد.
7- المنحنى: موضع قرب مكة، كما في «شرح القاموس».
8- الجمد: جبل لبني نصر بنجد، كما في ياقوت.
9- في ت: «ويلي».
10- هوى بمعنى مهويّ أي محبوبة، كما في قول الشاعر: هواي مع الركب اليمانين مصعد

كان العرجيّ يستقي على إبله في شملتين(1)، ثم يغتسل و يلبس حلّتين بخمسمائة دينار، ثم يقول:

يوما لأصحابي و يوما للمال *** مدرعة(2) يوما و يوما سربال(3)

أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن بعض رجاله: أنّ العرجيّ كان غازيا فأصابت الناس مجاعة، فقال للتجار: أعطوا الناس و عليّ ما تعطون، فلم يزل يعطيهم و يطعم الناس حتى أخصبوا(4)، فبلغ ذلك عشرين ألف دينار، فألزمها(5) العرجيّ نفسه. و بلغ الخبر عمر بن عبد العزيز فقال: بيت المال أحقّ بهذا، فقضى التّجّار ذلك المال من بيت المال.

العرجيّ و أم الأوقص و هو محمد بن عبد الرحمن المخزومي القاضي

أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير عن عمّه، و أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الزبيري(6) و غيره:

أنّ العرجيّ خرج إلى جنبات(7)/الطائف متنزّها(8)، فمرّ ببطن النّقيع(9) فنظر إلى أمّ الأوقص، و هو محمد بن عبد الرحمن المخزوميّ القاضي، و كان يتعرّض لها، فإذا رآها رمت بنفسها و تستّرت منه، و هي امرأة من بني تميم، فبصر بها في نسوة جالسة و هنّ يتحدّثن، فعرفها و أحبّ أن يتأمّلها من قرب، فعدل عنها و لقي أعرابيّا من بني نصر على بكر له و معه وطبا(10) لبن، فدفع إليه دابّته و ثيابه و أخذ قعوده و لبنه و لبس ثيابه، ثم أقبل على النسوة فصحن به: يا أعرابيّ، أ معك لبن؟ قال: نعم، و مال إليهنّ و جلس يتأمّل أمّ الأوقص، و تواثب من معها إلى الوطبين، و جعل العرجيّ يلحظها و ينظر أحيانا إلى الأرض كأنه يطلب شيئا و هنّ يشربن من اللّبن. فقالت له امرأة منهنّ: أيّ شيء تطلب يا أعرابيّ في الأرض؟ أضاع منك شيء؟ قال: نعم قلبي. فلمّا سمعت التّميميّة كلامه نظرت

ص: 306


1- الشملة: كساء مخمل دون القطيفة يشتمل به. قال أبو منصور: الشملة عند العرب: مئزر من صوف أو شعر يؤتزر به، فإذا لفّق لفقين فهي مشملة يشتمل بها الرجل إذا نام بالليل.
2- قال في «اللسان»: و المدرع: ضرب من الثياب التي تلبس، و قيل جبة مشقوقة المقدم. و المدرعة: ثوب آخر و لا تكون إلا من الصوف خاصة.
3- السربال: القميص أو الدرع، و قيل: كل ما لبس فهو سربال.
4- في ح: «حتى أحصى».
5- في ح: «فالتزمها العرجيّ». و في ب: «فالتزمها العرجيّ نفسه».
6- كذا في ب، س. و في ح: «الزبير». و في سائر النسخ: «الزهري».
7- جنبات: جمع جنبة و هي الناحية.
8- قال ابن سيده: تنزه الانسان: خرج إلى الأرض النزهة (و هي الأرض البعيدة النائية من الأنداء و المياه و الغمق). قال: و العامة يضعون الشيء في غير موضعه و يغلطون فيقولون: خرجنا نتنزه، إذا خرجوا إلى البساتين فيجعلون التنزه الخروج إلى البساتين و الخضر و الرياض، و إنما التنزه: التباعد عن الأرياف و المياه حيث لا يكون ماء و لا ندى و لا جمع ناس، و ذلك شق البادية، و منه قيل: فلان يتنزه عن الأقذار و ينزه نفسه عنها أي يباعد نفسه عنها. قال المرتضى: قال شيخنا نقلا عن الشهاب: لا يخفى أن العادة كون البساتين في خارج القرى غالبا، و لا شك إن الخروج إليها تباعد. (راجع «لسان العرب» و «شرح القاموس» مادّة نزه).
9- كذا في معاهد التنصيص طبع بولاق في ترجمة العرجيّ ص 422، و النقيع كما في «القاموس»: موضع بجنبات الطائف. و في الأصول: «البقيع» بالباء و هو تصحيف.
10- الوطب: سقاء اللبن.

إليه و كان أزرق فعرفته، فقالت: العرجيّ بن عمر و ربّ الكعبة! و وثبت و سترها نساؤها و قلن: انصرف عنّا لا حاجة بنا إلى لبنك. فمضى منصرفا، و قال في ذلك:

أقول لصاحبيّ و مثل ما بي *** شكاه المرء ذو الوجد الأليم

ش

/إلى الأخوين مثلهما إذا ما *** تأوّبه مؤرّقه الهموم

لحيني و البلاء لقيت ظهرا *** بأعلى النّقع(1) أخت بني تميم

فلمّا أن رأت عيناي منها *** أسيل الخدّ في خلق عميم(2)

و عيني جؤذر خرق(3) و ثغرا *** كلون الأقحوان و جيد ريم

حنا أترابها دوني عليها *** حنوّ العائدات على السّقيم

قال إسحاق في خبره: فقال رجل من بني جمع يقال له ابن عامر للأوقص و قضى عليه بقضيّة فتظلّم منه:(4)

و اللّه لو كنت أنا عبد اللّه بن عمر العرجيّ لكنت قد أسرفت عليّ. فضربه الأوقص سبعين سوطا.

أبو السائب المخزومي و شعر العرجي

أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا مصعب بن عبد اللّه عن أبيه قال:

أتاني أبو السّائب المخزوميّ ليلة بعد ما رقد السّامر فأشرفت عليه. فقال: سهرت و ذكرت أخا لي أستمتع به، فلم أجد سواك. فلو مضينا إلى العقيق فتناشدنا و تحدّثنا! فمضينا، فأنشدته في بعض ذلك بيتين للعرجي:

باتا بأنعم ليلة حتّى بدا *** صبح تلوّح كالأغرّ الأشقر

فتلازما عند الفراق صبابة *** أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر

فقال: أعده عليّ، فأعدته. فقال: أحسن و اللّه! امرأته طالق إن نطق بحرف غيره حتّى يرجع إلى بيته.

قال: فلقينا عبد اللّه بن حسن بن حسن، فلمّا صرنا إليه وقف(5) بنا و هو منصرف من ماله يريد المدينة، فسلّم ثم قال: كيف أنت يا أبا السائب؟ فقال:

/فتلازما عند الفراق صبابة *** أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر

فالتفت إليّ فقال: متى أنكرت صاحبك؟ فقلت: منذ الليلة. فقال: إنّا للّه! و أيّ كهل أصيبت منه قريش! ثم مضينا، فلقينا محمد بن عمران التّيميّ قاضي المدينة يريد مالا له على بغلة له و معه غلام على عنقه مخلاة فيها قيد البغلة، فسلّم ثم قال: كيف أنت يا أبا السائب؟ فقال:

/فتلازما عند الفراق صبابة *** أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر

ص: 307


1- النقع: موضع قرب مكة في جنبات الطائف.
2- عميم: تامّ.
3- يقال: خرق الظبي فهو خرق، إذا دهش من فزع.
4- كذا في ح. و في سائر النسخ: «فتظلم منه و قال له الخ». و كلمة «و قال له» مكررة لا داعي إليها.
5- كذا في ت. و في سائر النسخ: «و وقف»؛ بالواو. و قد تزاد الواو في جواب «لما».

فالتفت إليّ فقال: متى أنكرت صاحبك؟ قلت: آنفا. فلمّا أراد المضيّ قلت: أ فتدعه هكذا؟ و للّه ما آمن أن يتهوّر(1) في بعض آبار العقيق! قال: صدقت، يا غلام قيد البغلة، فأخذ القيد فوضعه في رجله و هو ينشد البيت و يشير بيده إليه يري أنه(2) يفهم عنه قصّته. ثم نزل الشيخ و قال لغلامه: يا غلام، احمله على بغلتي و ألحقه بأهله.

فلمّا كان بحيث علمت أنه فاته أخبرته بخبره، فقال: قبّحك اللّه ماجنا! فضحت شيخا من قريش و غررتني.

ابن أبي عتيق و شعر العرجي

أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عروة بن عبد اللّه بن عروة بن الزبير عن عروة بن أذينة(3) قال:

/أنشد ابن جندب الهذليّ ابن أبي عتيق قول العرجيّ:

و ما أنس م الأشياء لا أنس قولها *** لخادمها قومي اسألي لي عن الوتر

فقالت يقول الناس في ستّ عشرة *** فلا تعجلي منه فإنّك في أجر

فما ليلة عندي و إن قيل جمعة *** و لا ليلة الأضحى و لا ليلة الفطر

بعادلة الاثنين عندي و بالحرى *** يكون سواء منهما ليلة القدر

فقال ابن أبي عتيق: أشهدكم أنّها حرّة من مالي إن أجاز ذلك أهلها، هذه و اللّه أفقه من ابن شهاب.

شعر العرجيّ في زوجته أم نعمان بنت بكير بن عمرو بن عثمان بن عفان

أخبرني حبيب بن نصر قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الموصليّ قال:

تزوّج العرجيّ أمّ عثمان بنت بكير بن عمرو بن عثمان بن عفّان، و أمّها سكينة بنت مصعب بن الزّبير، فقال فيها:

إنّ عثمان و الزّبير أحلاّ *** دارها باليفاع(4) إذ ولداها

إنّها بنت كلّ أبيض قرم(5) *** نال في المجد من قصيّ ذراها

ص: 308


1- يتهوّر هنا: يسقط.
2- لعلها: «يريد أن يفهم عنه قصته».
3- كذا في ح. و في ت: «حدّثني عمرو بن الزبير عن عروة بن أذينة». و في سائر النسخ: «حدّثني عروة بن عبد اللّه بن عروة بن الزبير بن عروة بن أذينة». و هذه الرواية ظاهرة التحريف؛ فإن عروة بن الزبير بن العوّام ليس ابنا لعروة بن أذينة. و يظهر أن نسخة ح أقرب للصواب، غير أنه يلاحظ أن فيها عروة بن عبد اللّه بن عروة بن الزبير، و لم يرد هذا الاسم في «كتب التراجم»، و لم يعرف أن لعبد اللّه بن عروة بن الزبير ابنا اسمه عروة، و إنما ابنه عمر بن عبد اللّه بن عروة بن الزبير، و المعروف أنه روى عن أبيه وجده و لم يعرف أنه روى عن عروة بن أذينة. فلعل الصواب في هذه النسخة: «حدّثني عمر بن عبد اللّه عن عروة بن الزبير عن عروة بن أذينة»؛ لأن رواية عروة بن الزبير عن عروة بن أذينة و إن لم يرد في «كتب التراجم» ما يثبتها، أقرب من رواية عمر بن عبد اللّه بن عروة بن الزبير عنه. و أما نسخة ت فلم نستطع التثبت من صحتها؛ لأنه لم يرد في «كتب التراجم» من تسمى بعمرو بن الزبير، حتى نعلم أروى عن عروة بن أذينة أم لا.
4- اليفاع: المشرف من الأرض و الجبل.
5- القرم من الرجال: السيد المعظم.

سكن الناس بالظّواهر منها *** و تبوّا لنفسه بطحاها(1)

قال إسحاق: و لمّا تزوّج الرشيد زوجته العثمانيّة أعجب بها، فكان كثيرا ما يتمثّل بهذه الأبيات.

العرجي و أبو عدي العبلي

أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:

/حدّثت أنّ أبا عديّ العبليّ خرج يريد واديا نحو الطائف يقال له جلدان(2)، فمرّ بعبد اللّه بن عمر العرجيّ و هو نازل هناك بواد يقال له العرج، فأرسل إليه غلاما له فأعلمه بمكانه، فأتاه الغلام فقال له: هذا أبو عديّ، فأمر أن ينزله في مسجد الخيف(3)، فأنزله و أبطأ عليه في الخروج. فقال للغلام: ويحك! ما يحبس مولاك؟ قال: عنده ابن وردان مولى معاوية، و هما يأكلان القسب(4) و الجلجلان(5). ثم بعث إليه بخبز و لبن، و بعث لرواحله بحمض(6) و قدّم إلى رواحل ابن وردان القتّ(7) و الشّعير. فكتب إليه أبو عديّ:

أبا عمر لم تنزل الركب إذ أتوا *** منازلهم و الرّكب يحفون(8) بالرّكب

رفعت لئام الناس فوق كرامهم *** و آثرتهم بالجلجلان و القسب

فأمّا بعيرانا فبالحمض غذّيا(9) *** و أوثر عبّاد بن وردان بالقضب(10)

فكتب إليه العرجيّ:

أتانا فلم نشعر به غير أنّه *** له لحية طالت على حمق القلب

/كراية بيطار(11) بأعلى حديدة(12) *** إذا نصبت لم تكسب الحمد بالنّصب

أتانا على سغب(13) يعرّض بالقرى *** و هل فوق قرض من قرى صاحب السّغب

قال: فارتحل أبو عديّ مغضبا و قال: مزحت معه فهجاني، و أنشأ يقول في العرجيّ:

ص: 309


1- انظر الكلام على قريش الظواهر و قريش البطاح في الحاشية رقم 3 ص 254 من هذا الجزء.
2- قال ياقوت: جلدان - بكسر الجيم و سكون اللام، و اختلف في الدال فمنهم من رواها مهملة و منهم من رواها معجمة -: موضع قرب الطائف يسكنه بنو نصر بن معاوية من هوزان.
3- كذا في ب، س، ح. و الظاهر من سياق الحكاية أنه غير مسجد الخيف المعروف بمنى. و في سائر النسخ: «الضيف» و لم تترجح عندنا إحدى الروايتين.
4- القسب: التمر اليابس يتفتت في الفم صلب النواة.
5- الجلجلان: السمسم.
6- الحمض: ما ملح و أمرّ من النبات و هو كفاكهة الإبل تأكله عند سآمتها من الخلة. و هي ما حلا من النبات.
7- في «المصباح»: القت: الفصفصة إذا يبست. و قال الأزهري: القت: حب بريّ لا ينبته الآدمي، فإذا كان عام قحط و فقد أهل البادية ما يقتاتون به من لبن و تمر و نحوه، دقوه و طبخوه و اجتزءوا به على ما فيه من الخشونة.
8- حفي به يحفى حفاوة و حفاية: بالغ في إكرامه.
9- في ت، أ، م، ء: «ففي الحمض عديا».
10- تقدّم أن الذي قدّم لرواحل ابن وردان هو القت و الشعير. فلعله يريد بالقضب هنا القت و هو أحد معانيه؛ لأن أهل مكة يسمون القت القضب.
11- البيطار: معالج الدواب، من البطر و هو الشقّ. و راية البيطار يضرب بها المثل في الشهرة فيقال: «أشهر من راية البيطار».
12- في ح: «جريدة».
13- السغب بسكون الغين و تحريكها: الجوع. و في ت، أ، ء، م: «سقب» بالقاف و هو تحريف.

سرت ناقتي حتّى إذا ملّت السّرى *** و عارضها عرج الجبانة(1) و الخصب

طواها الكرى بعد السّرى بمعرّس *** جديب(2) و شيخ بئس مستعرض الرّكب

و همّت بتعريس فحلّت قيودها *** إلى رجل بالعرج ألأم من كلب

تمطّى(3) قليلا ثم جاء بصربة(4) *** و قرص شعير مثل كركرة السّقب(5)

فقلت له أردد قراك مذمّما *** فلست إليه بالفقير و لا صحبي

جزى اللّه خيرا خيرنا عند بيته *** و أنحرنا للكوم في اليوم ذي السّغب

لقد علمت فهر بأنّك شرّها *** و آكل فهر للخبيث من الكسب

و تلبس للجارات إتبا(6) و مئزرا *** و مرطا(7) فبئس الشيخ يرفل في الإتب

/يدخّنّ بالعود اليلنجوج(8) مرّة *** و بالضّرو(9) و السّوداء(10) و المائع(11) الرّطب

فإن قلت عثمان بن عفّان والدي *** فقد كان عثمان بريئا من الوشب(12)

و قدما يجيء الحيّ بالنّسل ميّتا *** و يأتي كريم الناس بالوكل(13) الثّلب(14)

له لحية قد مزّقت فكأنّها *** مقمّة(15) حشّاش محالفة العشب(16)

فلمّا بلغ ذلك العرجيّ أتى عمّه عليّ(17) بن عبد اللّه بن عليّ العبليّ فشقّ قميصه بين يديه و شكاه إليه. فبعث

ص: 310


1- كذا في ب، س. و في ت، ح، م: «الخيانة» و في ء: «الحبابة» و في أ هكذا من غير نقط: «ال؟؟؟».
2- كذا في ح، ت. و في سائر النسخ: «و شيخ جديب الخ».
3- تمطى: تمدّد و تبختر في مشيته و تطاول.
4- الصربة بسكون الراء و تحريكها: واحدة الصرب هو اللبن الذي حبس في السقاء أياما حتى اشتدّ حمضه.
5- السقب: ولد الناقة. و الكركرة بالكسر: زور البعير الذي إذا برك أصاب الأرض، و هي ناتئة عن جسمه كالقرصة.
6- الإتب: ثوب يشق في وسطه ثم تلقيه المرأة في عنقها من غير جيب و لا كمين.
7- المرط: كساء من خز أو صوف أو كتان، و قيل: هو الثوب الأخضر و جمعه مروط.
8- اليلنجوج و الألنجوج: عود طيب الريح يتبخر به. (انظر «اللسان» مادة: لنج).
9- في «اللسان»: الضرو بكسر الضاد و فتحها: شجر طيب الريح يستاك به و يجعل ورقة في العطر. ثم قال: و الضرو: المحلب، و يقال الحبة الخضراء. قال أبو حنيفة: و أكثر منابت الضرو باليمن، و قال: إنه من شجر الجبال و هو مثل شجر البلّوط العظيم، له عناقيد كعناقيد البطم غير أنه أكبر حبا، و يطبخ ورقة حتى ينضج، فإذا نضج صفّى ورقه ورد الماء إلى النار فيعقد و يصير كالقبيّطي يتداوى به من خشونة الصدر و وجع الحلق.
10- السوداء: هي الحبة المعروفة، و اسمها بالفارسية الشونيز.
11- المائع الرطب: ضرب من الطيب.
12- الوشب بالكسر: واحد الأوشاب، و هم أوباش الناس و أخلاطهم.
13- الوكل (بفتح الكاف و كسرها): العاجز البليد الذي يكل أمره إلى غيره.
14- كذا في ت. و الثلب: الرجل المعيب المنثلم الذي يتنقصه الناس. و في ح: «الحلب». و في سائر النسخ: «الوثب».
15- المقمة: المكنسة. و الحشاش: الذي يحتش الحشيش و هو اليابس من الكلأ.
16- كذا فيء و هي أنسب النسخ. و في م: «مخالفة العشب» و لعلها مصحفة عن سابقتها. و في ح، أ: «محالفة القشب». و في سائر النسخ: «مخالفة القشب» و قشب الطعام: ما يلقى منه مما لا خير فيه.
17- في ت، ح: «أتى عمه عبد اللّه بن علي».

إلى أبي عديّ فنهاه عنه و قال: لئن عدت لا كلّمتك أبدا، فكفّ عنه.

كان العرجي من أفرس الناس و أرماهم و أبراهم لسهم

أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن سليمان بن عثمان بن يسار: رجل من أهل مكة و كان هيّبا(1) أديبا قال:

كان للعرجيّ حائط يقال له العرج في وسط بلاد بني نصر بن معاوية، فكانت إبلهم و غنمهم تدخل فيه فيعقر كلّ ما دخل منها، فكانت تضرّ به و يضرّ/بأهلها و يشكونه و يشكوهم. و كان من أفرس الناس و أرماهم و أبراهم لسهم، فكان ربّما برى مائة سهم من الرّمّان، ثم يقول: و اللّه لا أنقلب حتى أقتل بها مائة خلفة(2) من إبل بني نصر، فيفعل ذلك.

حبس العرجي

قال إسحاق: فحدّثني ابن غرير(3) قال: لمّا حبس العرجيّ و ضرب و أقيم على البلس(4) قال:

معي ابن غرير واقفا في عباءة *** لعمري لقد قرّت عيون بني نصر

فقال فتى من بني نصر يجيبه - و كان حاضرا لضربه و إقامته -:

أجل قد أقرّ اللّه فيك عيوننا *** فبئس الفتى و الجار في سالف الدّهر

و قال إسحاق في خبره: قال رجل للعرجيّ: جئتك أخطب إليك مودّتك. قال: بل خذها زنا، فإنها أحلى و ألذّ!

تمثل امرأة بشعر العرجيّ و قد ليمت على رفثها في الحج

اشارة

أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا إسماعيل بن مجمّع عن المدائنيّ عن عبد اللّه بن سلّم(5) قال:

قال عبد اللّه بن عمر العمريّ: خرجت حاجا، فرأيت امراة جميلة تتكلّم بكلام أرفثت(6) فيه، فأدنيت ناقتي منها، ثم قلت لها: يا أمة اللّه، أ لست حاجّة! أ ما تخافين اللّه! فسفرت عن وجه يبهر الشمس حسنا، ثم قالت: تأمّل يا عمّ! فإنّني ممّن غنا العرجيّ بقوله:

صوت

أماطت كساء الخزّ عن حرّ وجهها *** و أدنت على الخدّين(7) بردا مهلهلا

من اللاّء لم يحججن يبغين حسبة *** و لكن ليقتلن البريء المغفّلا

ص: 311


1- الهيب: المهيب..
2- الخلفة: الناقة الحامل، و جمعها خلف بكسر اللام، و قيل جمعها مخاض على غير قياس، كما قالوا لواحدة النساء: امرأة.
3- كذا في ح، ر. و في ت: «ابن عزير». و في سائر النسخ: «عرير».
4- كذا في س. و في م، أ: «البليس» و في ء: «التليس» و هما محرّفان عنها. و في سائر النسخ: «على الناس». و البلس: غرائر كبار من مسوح يجعل فيها التين و يشهر عليها من ينكل به و ينادي عليه. و من دعائهم: «أرانيك اللّه على البلس».
5- في ب، س: «سلام».
6- كذا في أكثر النسخ. و في ب، س: «رفثت» و كلاهما صحيح.
7- و يروى: «و أرخت على المتنين».

قال فقلت لها: فإنّي أسأل اللّه ألاّ يعذّب هذا الوجه بالنّار. قال: و بلغ ذلك سعيد بن المسيّب فقال: أما و اللّه لو كان من بعض بغضاء(1) العراق لقال لها: اعزبي قبّحك اللّه! و لكنّه ظرف عبّاد أهل الحجاز. و قد رويت هذه الحكاية عن أبي حازم الأعرج و هو سلمة بن دينار، و قد روى أبو حازم عن أبي هريرة و سهل بن سعد و غيرهما، و روى عنه مالك و ابن أبي أيّوب. و الحكاية عنه في هذا أصحّ منها عن عبد اللّه العمري، حدّثنا بهذا وكيع. و الغناء في هذه الأبيات لعرار المكّيّ ثاني ثقيل. و فيه خفيف ثقيل لمعبد، و فيها لعبد اللّه بن العبّاس الرّبيعيّ ثقيل أوّل، و يقال إنّ خفيف الثقيل لابن سريج، و يقال للغريض.

غناء عبد اللّه بن العباس الربيعي في شعر العرجيّ

أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثني أبو ثوبة قال: قال عبد اللّه(2) بن العبّاس: دعاني المتوكّل، فلمّا جلست مجلس المنادمة قال لي: يا عبد اللّه، تغنّ، فغنّيته في شعر مدحته به، فقال: أين هذا من غنائك في:

أماطت كساء الخزّ عن حرّ وجهها

/و من صنعتك في:

أقفر ممّن يحلّه(3) سرف(4)

فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ صنعتي حينئذ كانت و أنا شابّ عاشق، فإن استطعت ردّ شبابي و عشقي صنعت مثل تلك الصنعة. فقال هيهات! و قد لعمري(5) صدقت، و وصلني. و الأبيات التي فيها الغناء المذكور من شعر العرجيّ يقوله في جيداء أمّ محمد بن هشام بن إسماعيل المخزوميّ، و كان يهجوه و يشبّب بأمه و بامرأته، و كان محمد تيّاها شديد الكبر جبّارا، فلم يزل يتطلّب عليه العلل حتى حبسه و قيّده بعد أن ضربه بالسّوط و أقامه على البلس للناس. و اختلف الرّواة في السبب الذي اعتلّ به عليه، و قد ذكرت ذلك في رواياتهم:

هجاء العرجيّ محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي و تشبيبه بأمه

اشارة

أخبرني بخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ و حبيب بن نصر المهلّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة، و أخبرنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال أخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب و محمد بن الضّحاك الحزاميّ(6) عن الضّحاك بن عثمان، و ذكره حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أيّوب بن عباية،

ص: 312


1- يريد بهم المتزمتين المتغالين في الورع.
2- كذا في ت، ح. و في سائر النسخ: «أبو عبد اللّه بن العباس». و لفظ «أبو» زيادة من الناسخ؛ إذ هو عبد اللّه بن العباس الربيعي، و كان شاعرا مطبوعا و مغنيا محسنا جيد الصنعة نادرها حسن الرواية، حلو الشعر ظريفة، ليس من الشعر الجيد الجزل و لا من المرذول و لكنه شعر مطبوع ظريف مليح المذهب من أشعار المترفين و أولادهم النعم. و ترجمته في الجزء السابع عشر من «الأغاني» طبع بلاق.
3- كذا في أكثر النسخ. و في ت: «من بعد حلة». و الحلة بالكسر: القوم النزول. و في ح: «من بعد خلة» و الخلة: الصديقة.
4- سرف ككتف: موضع على ستة أميال من مكة، و قيل سبعة و تسعة و عشرة و اثني عشر، تزوّج به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ميمونة بنت الحارث و هناك بني بها و هناك توفيت.
5- في ت: «هيهات قد صدقت».
6- كذا في ت. و في ب، س: «الخزاميّ». و في أ، م، ء: «الحراميّ». و لم تذكر هذه الكلمة في ح. و ما في ت هو الصحيح؛ قال الذهبيّ في «المشتبه في أسماء الرجال» في الكلام على الحزامي: و بزاي الضحاك ابن عثمان الحزامي مشهور و ابنه محمد بن الضحاك أ ه.

و نسخته أيضا من رواية محمد بن حبيب قالوا:

كان محمد بن هشام خال هشام بن عبد الملك، فلمّا ولي الخلافة ولاّه مكة، و كتب إليه يحجّ بالناس، فهجاه العرجيّ بأشعار كثيرة.

/منها قوله فيه:

كأنّ العام ليس بعام حجّ *** تغيّرت المواسم و الشّكول

إلى جيداء قد بعثوا رسولا *** ليخبرها فلا صحب الرّسول

و يروى: «ليحزنها» و هكذا يغنّي.

و منها قوله:

ألا قل لمن أمسى بمكة قاطنا *** و من جاء من عمق(1) و نقب المشلّل(2)

دعوا الحجّ لا تستهلكوا نفقاتكم *** فما حجّ هذا العام بالمتقبّل

و كيف يزكّي حجّ من لم يكن له *** إمام لدى تجميره غير دلدل(3)

يظلّ يرائي بالصّيام نهاره *** و يلبس في الظّلماء سمطى(4) قرنفل

فلم يزل محمد يطلب عليه العلل حتى وجدها فحبسه.

قال الزّبير في خبره عن عمّه و محمد الضّحّاك، و قال إسحاق في خبره عن أيّوب بن عباية: كان العرجيّ يشبّب بأمّ محمد بن هشام، و هي من بني الحارث بن كعب، و يقال لها جيداء:

صوت

صوت(5)

عوجي علينا ربّة الهودج *** إنّك إن لا تفعلي تحرجي

إنّي أتيحت لي يمانية *** إحدى بني الحارث من مذحج

/نلبث حولا كاملا كلّه *** ما نلتقي إلا على منهج

في الحجّ إن حجّت و ما ذا منى *** و أهله إن هي لم تحجج

أيسر ما نال محبّ لدى *** بين حبيب قوله عرّج

ص: 313


1- عمق: واد من أودية الطائف نزله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما حاصر الطائف، و فيه بئر ليس بالطائف أطول رشاء منها.
2- المشلل: جبل يهبط منه إلى قديد من ناحية البحر. و النقب: الطريق في الجبل.
3- الدلدل: شبه القنفذ، و هي دابة تنتفض فترمي بشوك كالسهام، و فرق ما بينهما كفرق ما بين الفئرة و الجرذان و البقر و الجواميس و العراب و البخاتيّ. و لعله شبهه بالقنفذ لأنه أكثر ما يظهر بالليل.
4- السمط: الخيط ما دام فيه الخرز و إلاّ فهو سلك.
5- هذه الكلمة موجودة في جميع النسخ عدا نسخة ت و لم يذكر بعد أنه غنى فيه.

نقض إليكم حاجة أو نقل *** هل لي ممّا بي من مخرج

قال إسحاق في خبره: فحدّثني حمزة بن عتبة اللّهبيّ قال: أنشد عطاء بن أبي رباح قول العرجيّ.

في الحجّ إن حجّت و ما ذا مني *** و أهله إن هي لم تحجج

فقال: الخير و اللّه كلّه بمنى و أهله حجّت أو(1) لم تحجّ. قال: و لقي ابن سريج عطاء و هو راكب [بمنى](2) على بغلته، فقال له: سألتك باللّه إلاّ وقفت لي حتى أسمعك شيئا. قال: ويحك! دعني(3) فإنّي عجل. قال: امرأته طالق لئن لم تقف مختارا للوقوف لأمسكنّ بلجام بغلتك ثم لا أفارقها و لو قطعت يدي حتى أغنّيك و أرفع صوتي لا أسرّه. قال: هات و عجّل؛ فغنّاه:

في الحجّ إن حجّت و ما ذا منى *** و أهله إن هي لم تحجج

قال: الخير كلّه و اللّه بمنى، لا سيّما و قد غيّبها اللّه عن(4) مشاعره! خلّ سبيل البغلة.

أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدّثني عبد اللّه بن أبي سعد قال حدّثنا إبراهيم بن المنذر قال حدّثني حمزة بن عتبة اللّهبيّ عن عبد الوهاب(5) بن مجاهد أو غيره قال:

/كنت مع عطاء بن أبي رباح فجاءه رجل فأنشده قول العرجيّ:

إنّي أتيحت لي يمانية *** إحدى بني الحارث من مذحج

نلبث حولا كاملا كلّه *** لا نلتقي إلا على منهج

في الحجّ إن حجّت و ما ذا منى *** و أهله إن هي لم تحجج

فقال عطاء: خير كثير بمنى إذ غيّبها اللّه عن مشاعره.

تشبيبه بجبرة المخزومية زوجة محمد بن هشام

اشارة

قال: و قال في زوجته جبرة المخزوميّة (يعني زوجة محمد بن هشام):

صوت

عوجي عليّ فسلّمي جبر *** فيم الصدود(6) و أنتم سفر

ما نلتقي إلا ثلاث منى *** حتى يفرّق بيننا النّفر

ص: 314


1- في ت، ح: «أم لم» تحريف.
2- زيادة في ح، ب، س.
3- في ب، س، م: «ويحك عني فإني عجل».
4- في ب، س: «من».
5- كذا في ت، ح. و في سائر النسخ: «عبد اللّه». و لم نعثر في «كتب التراجم» على من تسمى بعبد اللّه بن مجاهد. و أما عبد الوهاب بن مجاهد فقد ذكره صاحب «تهذيب التهذيب» و ذكر أنه روى من عطاء.
6- كذا في ح. و في ب، س: «فيم الصدور» و ظاهر تحريفه عن الصدود. و في سائر النسخ: «فيم الوقوف».

الحول بعد الحول يتبعه(1) *** ما الدهر إلا الحول و الشهر

قال حمّاد بن إسحاق في خبره: حدّثني ابن(2) أبي الحويرث الثّقفيّ عن ابن عمّ لعمارة ابن حمزة قال حدّثنا سليمان الخشّاب(3) عن داود المكّيّ(4) قال: كنّا في حلقة ابن جريج و هو يحدّثنا و عنده جماعة فيهم عبد اللّه بن المبارك و عدّة من العراقيّين، إذ مرّ به ابن تيزن(5) المغنّي و قد ائتزر بمئزر على صدره، و هي إزرة الشّطّار(6) عندنا، فدعاه ابن جريج/فقال له: أحبّ أن تسمعني. قال: إنّي(7) مستعجل، فألحّ عليه؛ فقال: امرأته طالق إن غنّاك أكثر من ثلاثة أصوات. فقال له: ويحك! ما أعجلك إلى اليمين! غنّني الصوت الذي غنّاه ابن سريج في اليوم الثاني من أيام منى على جمرة العقبة(8) فقطع طريق الذاهب و الجائي حتى تكسّرت المحامل. فغنّاه:

عوجي عليّ فسلّمي جبر

فقال له ابن جريج: أحسنت و اللّه! (ثلاث مرات)، ويحك! أعده. قال: من الثلاثة فإني قد حلفت. قال:

أعده، فأعاده. فقال: أحسنت! فأعده من الثلاثة، فأعاده و قام و مضى، و قال: لو لا مكان هؤلاء الثّقلاء عندك لأطلت معك حتى تقضي و طرك. فالتفت ابن جريج إلى أصحابه فقال: لعلّكم أنكرتم ما فعلت! فقالوا: إنا لننكره عندنا بالعراق و نكرهه. قال: فما تقولون في الرّجر؟ (يعني الحداء). قالوا: لا بأس به عندنا: قال: فما الفرق بينه و بين الغناء؟!

اضطغان محمد بن هشام على العرجي من هذه الأشعار و حبسه حتى مات في الحبس

قال إسحاق في خبره: بلغني أنّ محمد بن هشام كان يقول لأمّه جيداء [بنت عفيف](9): أنت غضضت منّي بأنك أمّي، و أهلكتني و قتلتني. فتقول له: ويحك! و كيف ذاك؟ قال: لو كانت أمّي من قريش ما ولي الخلافة غيري. قالوا: فلم يزل محمد بن هشام مضطغنا على العرجيّ من(10) هذه الأشعار التي يقولها فيه و متطلّبا(11) سبيلا عليه حتى وجده فيه، فأخذه و قيّده و ضربه و أقامه للناس، ثم حبسه و أقسم: لا يخرج من الحبس ما دام لي(12)

ص: 315


1- في ت: «يجمعنا».
2- في ت: «ابن الحويرث» بدون أبي.
3- في ت، ح: «سليم الخشاب».
4- في ت، س: «الثقفي».
5- انظر الحاشية رقم 2 ص 283 من هذا الجزء.
6- في «القاموس» و «شرحه»: الشاطر: من أعيا أهله خبثا. قال أبو إسحاق: فلان شاطر معناه أنه أخذ في نحو غير الاستواء؛ و لذلك قيل له شاطر لأنه تباعد عن الاستواء. و المراد من الشطار هنا طائفة من أهل الدعارة كانوا يمتازون بملابس خاصة و زي خاص. ففي «أخبار أبي نواس» ج 1 ص 235 طبع مصر ما نصه: «زي الشطار طرّة مصففة و كان واسعان و ذيل مجرور و فعل مطبق». و تختلف أسماؤهم باختلاف البلاد؛ ففي «رحلة ابن بطوطة» ج 1 ص 235 طبع مصر: «الشطار بمعنى الفتاك من اصطلاح العراقيين، و يعرفون في خراسان بسربداران و في المغرب بالصقورة». و ذكر تفشيهم في أيامه و اجتماعهم على قطع الطرق. و في «نفح الطيب» ج 2 ص 766 طبع بولاق: «و لشطار الأندلس من النوادر و التنكيت و التركيبات و أنواع المضحكات ما تملأ الدواوين كثرته» ا ه.
7- كذا في ت، ح. و في سائر النسخ: «أنا».
8- في ت: «فغنى فقطع...».
9- زيادة في ت.
10- في ت: «مضطغنا على العرجيّ هذه الأشعار» بدون من.
11- كذا في ت. و في سائر النسخ: «متطلبا» بغير واو.
12- كذا في ت، ح. و في سائر النسخ: «ما دام له».

سلطان. فمكث في حبسه نحوا من تسع سنين حتى مات فيه.

روايات أخرى في سبب الخصومة بين محمد بن هشام و العرجيّ

و ذكر إسحاق في خبره عن أيّوب بن عباية و وافقه عمر بن شبّة و محمد بن حبيب: أن السبب في ذلك أنّ العرجيّ لاحى(1) مولى كان لأبيه فأمضّه(2) العرجيّ، فأجابه المولى بمثل ما قاله له. فأمهله حتى إذا كان الليل أتاه مع جماعة من مواليه و عبيده فهجم عليه في منزله و أخذه و أوثقه كتافا(3)، ثم أمر عبيده أن ينكحوا امرأته بين يديه ففعلوا، ثم قتله و أحرقه بالنار. فاستعدت امرأته على العرجيّ محمد بن هشام فحبسه.

و ذكر الزبير في خبره عن الضّحّاك بن عثمان: أنّ العرجيّ كان و كلّ بحرمه(4) مولى له يقوم بأمورهنّ، فبلغه أنه يخالف إليهنّ، فلم يزل يرصده حتى وجده يحدّث بعضهنّ، فقتله و أحرقه بالنار. فاستعدت عليه امرأة المولى محمد بن هشام المخزوميّ و كان واليا على مكة في خلافة هشام، و كان العرجيّ قد هجاه قبل ذلك هجاء كثيرا لمّا ولاّه هشام الحجّ فأحفظه. فلمّا وجد عليه سبيلا ضربه و أقامه على البلس للناس(5)، و سجنه حتى مات في سجنه.

و ذكر الزّبير أيضا في خبره عن عمّه و غيره أنّ أشعب كان حاضرا للعرجيّ و هو يشتم مولاه هذا، و أنه طال شتمه إيّاه. فلما أكثر ردّ المولى عليه، فاختلط من(6) ذلك، فقال لأشعب: اشهد على ما سمعت. قال أشعب:

و علام أشهد، قد شتمته ألفا و شتمك واحدة. و اللّه لو أنّ أمّك أمّ الكتاب، و أمّة حمّالة الحطب ما زاد على هذا!

تعذيب محمد بن هشام للعرجيّ و ما كان يقوله العرجي من الشعر في ذلك

اشارة

قال الزّبير و حدّثني حمزة بن عتبة اللّهبيّ قال:

/لمّا أخذ محمد بن هشام المخزوميّ العرجيّ أخذه و أخذه معه الحصين بن غرير(7) الحميريّ، فجلدهما، و صبّ على رءوسهما الزيت، و أقامهما في الشمس على البلس(8) في الحنّاطين بمكة؛ فجعل العرجيّ ينشد:

سينصرني الخليفة بعد ربّي *** و يغضب حين يخبر عن مساقي

عليّ عباءة بلقاء(9) ليست *** مع البلوى تغيّب نصف ساقي

و تغضب لي بأجمعها قصيّ *** قطين البيت و الدّمث(10) الرّقاق

ص: 316


1- لاحاه: خاصمه و شاتمه.
2- أمضه: آلمه و أوجعه.
3- الكتاف: الوثاق و هو الحبل الذي يكتف به.
4- الحرم: النساء.
5- كذا فيء. و في ت: «و أقامه على الناس». و في ح: «و أقامه للناس». و في سائر النسخ: و أقامه على البلس».
6- اختلط هنا: فسد عقله. يريد غضب غضبا شديدا حتى فسد عقله.
7- كذا في أكثر النسخ. و في أ، م: «عزيز». و في ت: «عزيز».
8- في ت: «و أقامهما على الناس في الحناطين».
9- في ت، ح: «برقاء» و البلقاء و البرقاء كلاهما: ما اجتمع فيه اللونان السواد و البياض.
10- الدمث: جمع دمثاء، و هي الأرض اللينة السهلة.

ثم يصيح: يا غرير أجياد(1)، يا غرير أجياد! فيقول له الحميريّ المجلود معه: أ لا تدعنا! أ لا ترى ما نحن فيه من البلاء! يعني بقوله: يا غرير، الحصين بن غرير الحميريّ المجلود معه، و كان صديقا للعرجيّ و خليطا. و ذكر إسحاق تمام هذه الأبيات و أوّلها:

و كم من كاعب حوراء بكر *** ألوف السّتر واضحة التّراقي(2)

بكت جزعا و قد سمرت(3) كبول(4) *** و جامعة(5) يشدّ بها خناقي

/على دهماء مشرفة سموق(6) *** ثناها(7) القمح مزلقة(8) التّراقي

عليّ عباءة بلقاء ليست *** مع البلوى تغيّب نصف ساقي

كأنّ على الخدود و هنّ شعث *** سجال(9) الماء يبعث في السّواقي

فقلت تجلّدا و حلفت صبرا *** أبالي اليوم(10) ما دفعت(11) مآقي(12)

سينصرني الخليفة بعد ربّي *** و يغضب حين يخبر عن مساقي

و تغضب لي بأجمعها قصيّ *** قطين البيت و الدّمث الرّقاق

بمجتمع السّيول إذ تنحّى *** لئام الناس في الشّعب العماق

قال: فكان إذا أنشد هذا البيت التفت إلى ابن غرير فصاح به: يا غرير أجياد، يا غرير أجياد! يعني بني مخزوم، و كانت منازلهم في أجياد، فعيّرهم بأنهم ليسوا من أهل الأبطح.

و قال الزّبير في خبره و وافقه إسحاق فذكر أنّ رجلا مرّ بالعرجيّ و هو واقف على البلس و معه ابن غرير و قد جلدا و حلقا و صبّ الزيت على رءوسهما و ألبسا عباءتين و اجتمع الناس ينظرون إليهما. قال: و كان الرجل صديقا

ص: 317


1- قال أبو القاسم الخوارزمي: أجياد: موضع بمكة يلي الصفا. و قد تقدّم في الحاشية (رقم 2 ص 111) من هذا الجزء أنه إنما سمى بذلك لأن تبّعا لما قدم مكة ربط خيله فيه فسمّى بذلك. و قال السهيليّ: إنه لم يسم بأجياد الخيل لأن جياد الخيل لا يقال فيها أجياد، و إنما أجياد جمع جيد. و ذكر أصحاب الأخبار: أن مضاضا ضرب في ذلك الموضع أجياد مائة رجل من العمالقة؛ فسمى ذلك الموضع بأجياد لذلك. و ردّ ذلك بأن الجوهريّ حكى أن العرب تجمع جوادا على أجياد.
2- التراقي: جمع ترقوة و هي مقدّم الحلق في أعلى الصدر حيثما يترقى فيه النفس.
3- سمرت: شدّت.
4- الكبول: جمع كبل و هو القيد. و في ت: «كبولى».
5- الجامعة هنا: الغل.
6- كذا في أكثر النسخ، و هو صيغة مبالغة من سمق الشيء فهو سامق إذا علا و ارتفع. و في م، ء: «بسوق» و بسق الشيء من هذا المعنى أيضا. و في ت: «سبوق».
7- في م، ء: «بناها القمح».
8- في ت: «مولعة التراقي». و في أ، ب، س: «مزلفة التراقي». و في م، ء: «مزلفة البراقي». و في ح: «ثناها عن مولعة البراق». و لم يظهر لنا فيها معنى نطمئن إليه.
9- كذا في أكثر النسخ. و السجال: جمع سجل و هو الدلو العظيمة مملوءة. و في ت: «سجال الدمع».
10- في ب، س، ح: «إلى ذا اليوم».
11- كذا في ت. و في أ، ء، م: «دمعت». يريد لا أبالي اليوم بما دفعته أو دمعته عيناي من الدموع. و في ب، س، ح: «رفعت».
12- المآقي: جمع مؤق بوزن مؤت، و مؤقى العين كمؤقها و مأقها: حرفها الذي يلي الأنف.

للعرجيّ، و كان/فأفاء، فوقف عليه فأراد أن يتوجّع لما ناله و يدعو له، فلجلج لما كان في لسانه كما يفعل الفأفاء(1). فقال له ابن غرير: عنّي، لا خرجت من فيك أبدا! فقال له الرجل: فمكانك(2) إذا لا برحت منه أبدا.

قال: و مرّ به صبيان يلقطون النّوى، فوقفوا ينظرون إليه، فالتفت إلى ابن غرير و قال له: ما أعرف في الدنيا سخلين أشأم منّي و منك! إنّ هؤلاء الصّبيان لأهلهم عليهم في كلّ يوم على كلّ واحد منهم مدّ نوى، فقد تركوا لقطهم للنّوى، و قد وقفوا ينظرون إليّ و إليك و ينصرفون بغير شيء فيضربون، فيكون شؤمنا قد لحقهم.

قال: و قال العرجيّ في حبسه:

صوت

أضاعوني و أيّ فتى أضاعوا *** ليوم كريهة و سداد(3) ثغر

و صبر(4) عند معترك المنايا *** و قد شرعت أسنّتها بنحري

أجرّر في الجوامع(5) كلّ يوم *** فيا للّه مظلمتي(6) و صبري(7)

كأنّي لم أكن فيهم وسيطا(8) *** و لم تك نسبتي في آل عمرو(9)

أبو حنيفة و جار له كان يغني بشعر العرجيّ

أخبرني محمد بن زكريّا الصّحّاف(10) قال حدّثنا قعنب بن المحرز الباهليّ عن الأصمعيّ قال:

/كان لأبي حنيفة جار بالكوفة يغنّي، فكان إذا انصرف و قد سكر يغنّي في غرفته، و يسمع أبو حنيفة غناءه فيعجبه. و كان كثيرا ما يغنّي:

أضاعوني و أيّ فتى أضاعوا *** ليوم كريهة و سداد ثغر

فلقيه العسس ليلة(11) فأخذوه و حبس. ففقد أبو حنيفة صوته تلك الليلة، فسأل عنه من غد فأخبر، فدعا بسواده(12)

ص: 318


1- كذا في أكثر النسخ. و في ب، س: «الفأفاءة» و لعل التاء زيدت فيه للمبالغة.
2- في ت: «مكانك» من غير فاء.
3- سداد الثغر بالكسر: ما يسد به الثغر من خيل و رجال و غير ذلك من عدد الحرب.
4- في ت: «فصبرا عند معترك المنايا».
5- الجوامع: جمع جامعة و هي هنا الغل.
6- المظلمة بكسر اللام: الظلم.
7- الصبر: الحبس.
8- يقال: فلان وسيط في قومه، إذا كان أوسطهم نسبا و أرفعهم مجدا.
9- يريد عمرو بن عثمان بن عفان.
10- الصحاف كشدّاد: بائع الصحف أو الذي يعملها.
11- العسس: جمع عاسّ، و هو الذي يطوف بالليل يحرس الناس و يكشف أهل الريبة.
12- كان السواد شعارا لبني العباس، و كان أشياعهم يرتدونه؛ و لذلك سمّوا المسوّدة (بكسر الواو المشدّدة). و قد روى أبو الفرج في الجزء التاسع من «الأغاني»، طبع بلاق، في أخبار أبي دلامة و نسبه أن أبا جعفر المنصور أمر أصحابه بلبس السواد و قلانس طوال تدعم بعيدان من داخلها، و أن يعلقوا السيوف في المناطق و يكتبوا على ظهورهم: «(فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّٰهُ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). فدخل عليه أبو دلامة في هذا الزي، فقال له أبو جعفر: ما حالك؟ قال: شرّ حال، وجهي في نصفي و سيفي في استي و كتاب اللّه وراء ظهري، و قد صبغت بالسواد ثيابي؛ فضحك منه و أعفاه من ذلك و قال له: إياك أن يسمع هذا منك أحد.

و طويلته(1) فلبسهما، و ركب إلى عيسى بن موسى فقال له: إنّ لي جارا أخذه عسسك البارحة فحبس، و ما علمت منه إلا خيرا. فقال عيسى: سلّموا إلى أبي حنيفة كلّ من أخذه العسس البارحة، فأطلقوا جميعا. فلمّا خرج الفتى دعا به أبو حنيفة و قال له سرّا: أ لست كنت تغنّي يا فتى كلّ ليلة:

أضاعوني و أيّ فتى أضاعوا

فهل أضعناك؟ قال: لا و اللّه أيّها القاضي، و لكن أحسنت و تكرّمت، أحسن اللّه جزاءك. قال: فعد إلى ما كنت تغنّيه، فإنّي كنت آنس به، و لم أر به بأسا. قال: أفعل.

عبد اللّه بن علي كان كثير التمثل في حبسه بقول العرجيّ أضاعوني البيت

و قال إسحاق في خبره: لمّا حبس المنصور عبد اللّه بن عليّ، كان يكثر التّمثّل بقول العرجيّ:

أضاعوني و أيّ فتى أضاعوا *** ليوم كريهة و سداد ثغر

/فبلغ ذلك المنصور، فقال: هو أضاع نفسه بسوء فعله، فكانت أنفسنا عندنا آثر من نفسه.

حكاية الأصمعيّ من كناس بالبصرة كان يتمثل بهذا البيت

قال إسحاق: و قال الأصمعيّ: مررت بكنّاس بالبصرة يكنس كنيفا و يغنّي:

أضاعوني و أيّ فتى أضاعوا *** ليوم كريهة و سداد ثغر

فقلت له: أمّا سداد الكنيف فأنت مليء به(2). و أما الثغر فلا علم لي بك كيف أنت فيه - و كنت حديث السنّ فأردت العبث به - فأعرض عنّي مليا، ثم أقبل عليّ فأنشد متمثّلا:

و أكرم نفسي إنّني إن أهنتها *** و حقّك لم تكرم على أحد بعدي

قال فقلت له: و اللّه ما يكون من الهوان شيء أكثر مما بذلتها له، فبأيّ شيء أكرمتها؟ فقال: بلى! و اللّه إنّ من الهوان لشرّا مما أنا فيه. فقلت: و ما هو؟. فقال: الحاجة إليك و إلى أمثالك من الناس. فانصرفت عنه أخزى الناس. قال محمد بن مزيد: فحدّثني حمّاد قال قال لي أبي: اختصر الأصمعي - فيما أرى - الجواب، و ستر أقبحه على نفسه، و إلا فكنّاس كنيف قائم يكنسه و يعبث به هذا العبث، فيرضى بهذا الجواب الذي لا يجيب بمثله الأحنف بن قيس لو كانت المخاطبة له!.

اقتصاص الوليد بن يزيد من محمد بن هشام و أخيه إبراهيم بن هشام

و قال إسحاق في خبره: كان الوليد بن يزيد مضطغنا على محمد بن هشام لأشياء(3) كانت تبلغه عنه في حياة هشام، فلمّا ولي الخلافة قبض عليه و على أخيه إبراهيم بن هشام و أشخصا إليه إلى الشام، ثم دعا بالسّياط. فقال له

ص: 319


1- الطويلة: القلنسوة العالية المدعومة بعيدان، كما يستفاد من عبارة «الأغاني» المتقدّمة. و يظهر من البيهقي في المحاسن و المساوي طبع ليپزج ص 213 أنها كانت لباس القضاة.
2- مليء به: مضطلع به.
3- في ت، ح: «أشياء» من غير لام.

محمد: أسألك بالقرابة. قال: و أيّ قرابة بيني و بينك! و هل أنت إلا من أشجع! قال: فأسألك بصهر عبد الملك.

قال: لم تحفظه. فقال له: يا أمير المؤمنين، قد نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم أن يضرب قرشيّ بالسّياط إلا في حدّ. قال: ففي حدّ أضربك و قود، أنت/أوّل من سنّ ذلك على العرجيّ، و هو ابن عمّي و ابن أمير المؤمنين عثمان، فما رعيت حقّ جدّه و لا نسبه بهشام، و لا ذكرت حينئذ هذا الخبر، و أنا وليّ ثأره، اضرب يا غلام، فضربهما ضربا مبرّحا، و أثقلا بالحديد، و وجّه بهما إلى يوسف بن عمر بالكوفة، و أمره باستصفائهما(1) و تعذيبهما حتى يتلفا، و كتب إليه: احبسهما مع ابن النّصرانيّة - يعني خالدا القسريّ - و نفسك نفسك إن عاش أحد منهم.

فعذّبهم عذابا شديدا، و أخذ منهم مالا عظيما حتى لم يبق فيهم موضع للضّرب. فكان محمد بن هشام مطروحا، فإذا أرادوا أن يقيموه أخذوا بلحيته فجذبوه بها. و لمّا اشتدّت عليهما الحال، تحامل(2) إبراهيم لينظر في وجه محمد، فوقع عليه فماتا جميعا، و مات خالد القسريّ معهما في يوم واحد. فقال الوليد بن يزيد لمّا حملهما إلى يوسف بن عمر:

قد راح نحو العراق مشخلبه(3) *** قصاره السّجن بعده الخشبه(4)

يركبها صاغرا بلا قتب *** و لا خطام و حوله جلبه

فقل لدعجاء إن مررت بها *** لن يعجز اللّه هارب طلبه

قد جعل اللّه بعد غلبتكم *** لنا عليكم يا دلدل الغلبه

لست إلى هاشم و لا أسد *** و لا إلى نوفل و لا الحجبه(5)

لكنّما أشجع أبوك سل ال *** كلبيّ(6) لا ما يزوّق الكذبة

الرشيد و إسحاق حين غناه قول العرجيّ أضاعوني البيت

اشارة

قال إسحاق في خبره: غنيت الرشيد يوما في عرض الغناء:

أضاعوني و أيّ فتى أضاعوا *** ليوم كريهة و سداد ثغر

فقال لي: ما كان سبب هذا الشعر حتى قاله العرجيّ؟ فأخبرته بخبره من أوّله إلى أن مات، فرأيته يتغيظ كلّما مرّ منه شيء. فأتبعته بحديث مقتل ابني هشام، فجعل وجهه يسفر و غيظه يسكن. فلمّا انقضى الحديث، قال لي: يا إسحاق! و اللّه لو لا ما حدّثتني به من فعل الوليد لما تركت أحدا من أماثل بني مخزوم إلا قتلته بالعرجيّ.

ص: 320


1- كذا في ت، ح. و معناه أخذ أموالهما. و في سائر النسخ: «باستصعابهما» و هو تحريف.
2- أي تكلف التحرّك بعض الشيء ليرى حالة أخيه.
3- كذا في أكثر النسخ. قال في «اللسان»: و المشخلبة: كلمة عراقية ليس على بنائها شيء من العربية، و هي تتخذ من الليف و الخرز أمثال الحلي، و قد تسمى الجارية مشخلبة لما يرى عليها من الخرز كالحليّ. و في ت: «مخشلبة» بتقديم الخاء المعجمة على الشين المعجمة، و معناهما واحد.
4- أي غايته السجن بعده الصلب.
5- يريد حجبة الكعبة. و كانت الحجابة في بني قصيّ و قد بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و حجابة البيت في يد شيبة بن عثمان بن طلحة بن عبد الدار بن قصى، فأبقاها و اختص بها أولاده من بعده، فهي فيهم إلى الآن.
6- يريد بالكلبي محمد بن السائب بن بشر بن عمرو الكلبيّ النّسابة المعروف.

و الصوت الآخر من رواية جحظة عن أصحابه:

صوت

إذا ما طواك الدّهر يا أمّ مالك *** فشأن المنايا القاضيات و شانيا

تمرّ الليالي و الشهور و تنقضي *** و حبّك ما يزداد إلا تماديا

خليليّ إن دارت على أمّ مالك *** صروف الليالي فابغيا لي ناعيا

و لا تتركاني لا لخير معجّل *** و لا لبقاء تنظران بقائيا

الشعر للمجنون، و من الناس من يروي البيت الأوّل منها لقيس بن الحداديّة(1) و هو جاهليّ. و الغناء لابن محرز ثاني ثقيل بالوسطى. و ذكر حبش و ابن المكيّ أنّ فيه لإسحاق لحنا آخر من الثقيل الثاني بالخنصر و البنصر.

إلى هنا انتهى الجزء الأوّل من كتاب «الأغاني»، و يليه الجزء الثاني منه، و أوّله (أخبار مجنون بني عامر و نسبه).

ص: 321


1- ترجمة قيس في أوّل الجزء الثالث عشر من «الأغاني»، طبع بلاق، و الحدادية اسم أمه، و هي منسوبة إلى حداد (بكسر الحاء المهملة) ابن بلادة بن ذهل بن طريف بن خلف بن محارب بن قيس بن عيلان بن مضر (راجع «أنساب السمعاني» في هذه المادة).

ص: 322

فهرس موضوعات الجزء الأول

الموضوع الصفحة

- كلمة دار إحياء التراث العربي 7

- فصل في صناعة الغناء عن العلامة ابن خلدون في «مقدمته» 10

- ترجمة المؤلف 14

- كتاب الأغاني و ثناء أهل العلم و الأدب عليه و نقده و مختصراته 25

- كتب الأغاني المؤلفة قبل هذا الكتاب و المسماة باسمه 27

- الكلمات الاصطلاحية الواردة في كتاب الأغاني 28

- وصف النسخ الخطية للكتاب 30

- طريقة تصحيح الكتاب 36

- مقدمة المؤلف 38

- ذكر المائة الصوت المختارة 42

التراجم

1 - خبر أبي قطيفة و نسبه 45

2 - ذكر معبد و بعض أخباره 61

3 - ذكر خبر عمر بن أبي ربيعة و نسبه 78

4 - أخبار ابن سريح و نسبه 206

5 - ذكر نصيب و أخباره 258

6 - أخبار ابن محرز و نسبه 294

7 - أخبار العرجي و نسبه 298-321

ص: 323

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.