کتاب الطهارة فقه استدلالی بطرز بدیع خاص المجلد 2

هوية الکتاب

کتاب الطهاره

فقه استدلالی بطرز بدیع خاص

تألیف

العلامه المحقق الحجه

الشیخ محمدرضا الفیض السّمنانی السرخه

طاب ثراه

یطلب من مکتبة

مرکز نشر الکتاب بطهران

الفهرست

غسل مس الميت 2

القطعة الميانة 7

غسل الميت 2

عيادة المريض 19

مندوبات الاحتضار 23

تجهيز الميت 32

تغسيل الميت 36

التغسيل كفائي 44

وقد لا يعتبر التماثل 62

احكام الشهيد 75

احكام المحل 84

خصوصيات التغسيل 92

الصبي في البطن 105

التكفين 109

جنس الكفن 123

آداب التكفين 129

تشييع الميت 139

الصلوة على الميت 149

كيفية الصلوة 163

خصوصيات الصلوة 183

دفن الميت 191

النازل في القبر 201

تعزية المصاب 216

الاغسال المندوبه 227

في التيمم 239

احكام التيمم 249

في كيفية التيمم 262

احكام التيمم 275

فيما يتيمم به 288

الطهارة عن الخبث 307

البول 309

منها الغائط 314

المنى 321

الميتة 326

الدم 341

الكلب 348

الخنزير 352

المسكرات 357

ص:1

العصير العنبى 371

منها الكافر 387

في الجبر والتفويض 392

الخوارج 395

سهو النبی «ص» 401

في المذاهب والملل 408

ولد الزنا 429

في المسوخ 432

عرق الجنابة 435

اقسام المياه 445

احكام القليل 449

الكر واحكامه 453

خصوصية التطهير 470

احكام البئر 479

النزح في ماء البئر 489

احكام ماء البئر 505

تطهير البول 512

في الاستنجاء 517

احكام التخلى 529

في ستر العورة 532

الدم المعفو عنه 542

تطهير الاوانی 569

في الولوغ 574

الغسالة وحكمها 579

جلود الحيوان 597

احكام النجاسة

مطهرية التراب 608

مطہرات آخر620

ص:2

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلوة والسلام على سيد المرسلين ، وآله الطيبين المعصومين . وبعد : فمن من الله تعالى على رواد العلم ، ان وفق اهلبيت العلامة المؤلف ( طاب ثراه ) ولا سيما سبطه الشاب الصالح الاقا ابراهيم السماوى، فبذلوا مما فى ايديهم وما ورثوا من ابيهم، فى طبع هذا السفر القيم والاثر الخالد ، فجاء بحمد الله تعالى مطبوعاً ، فها كه ايها الطالب والمفتي زاداً نافعاً وجامعاً كاملا . ان ماحصل من التحقيق والنظر ان المؤلف استفاد من محضر درس العلامة آية الله الشيخ محمدهادى الطهرانی (رضوان الله عليه) قريباً من سنة، وبعد وفاته حضر مجلس درس السيد حسين الكوهكمرى الى ان ارتحل الى ايران قريباً من خمس دم سنوات ، وكانت بينهما مكاتبات متواصلة وارتباطات مترادفة رأيناها عند سبطه.

وهي تكشف عن سمو مقامه وعلو در جثه وشدة محبة السيد الاستاذ و علاقته له وهذه صورة شطر من آخر كتاب من كتب السيد استاذه العلامة له.

از حال خودتان اطلاع دهید و چگونگی امور را اعلام نمایید

محسن الحسین

بنده در گاه علی فارقان خواص سلام محصور مبارک دارد بوظیفه شخصیه که نایب االزیارہ و دعا گوئی باشد اشتغفر الله و دارم السلام عليكم ورحمة اله وبرکاته

ص:3

وفي ذيل الكتاب كماترى : خط المولى على الخار قانى،

وخط السيد العلامة آية الله السيد على البهبهانى النزيل اليوم باهواز .

ويكفيك فى مقام اجمال حالات المؤلف ما كتبنا في خاتمة المجلد الاول،

و اما شرح احوال العلامة الطهراني وتلامذته ومبانيه في الفقه والأصول وتأليفاته: فقد استقصيناها في مقدمة كتاب ( اشعه نور در ترجمه تفسیر آیه نور) فليراجع الى هناك .

ثم انه قد وقع غلط فى طبع الخاتمة للمجلد الأول في ص 646 سن 13 (الرامهر) مزى حجة الاسلام والصحيح، الرامهر مزى في جواب كتاب حجة الاسلام.

1345/4/21

حسن المصطفوى

ص:4

المجلد الثاني من كتاب الطهارة

يبحث عن فقه مسائل الطهارة على ما اقتضاه الكتاب

والسنة والعقل وفتاوى فقهاء الشيعه بطرز بدیع دقیق

تألیف

العلامة المحقق الحجة الشيخ محمدرضا

الفيض السمنانی

طاب ثراه

يطلب من مكتبة

مركز نشر الكتاب - بطهران

1384 - ه

ص: 1

بسم الله الرحمن الرحیم

( ومنها اى من الاحداث التى يناقض الطهارة الكبرى الحدث المنتزع من مس الميت الادمى بعد برده و قبل تغسيله).

عن

اما كون المس موجباً للغسل فيما اشتهر بين الفقهاء رضوان الله عليهم شهرة عظيمة وحكى عن علم الهدى رضوان الله عليه أنه حكم باستحباب غسل المس والاخبار الواردة فى هذا الباب ظاهرة فى الوجوب ففي صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما قال قلت الرجل يغمض الميت اعليه غسل قال اذا مسته بحرارته فلا ولكن اذا مسه بعد ما يبرد فليغتسل قلت فالذي يغسله يغتسل قال نعم قلت فيغسله ثم يلبسه اكفانه قبل ان يغتسل قال يغسله ثم يغسل يديه من العالق ثم يلبسه اکفانه ثم يغتسل قلت فمن حمله عليه غسل قال لا قلت فمن ادخله القبر عليه الوضوء قال لا الا ان يتوضاً من تراب القبر انشاء الله تعالى.

وفي صحيحة عاصم بن حميد قال سئلته عن الميت اذا مسه الانسان افيه غسل قال فقال اذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل.

وفي صحيحة معوية بن عمار قال قلت لابي عبد الله الذي يغسل الميت اعليه غسل قال نعم قلت فاذا مسه وهو سخن قال لاغسل عليه فاذا برد فعليه الغسل قلت والبهائم والطير اذا مسها عليه غسل قال لا ليس هذا كالانسان .

وفى مكاتبة محمد بن الحسن الصفار قال كتبت اليه رجل اصاب يده او بدنه ثوب

ص: 2

الميت الذى يلى جلده قبل ان يغسل هل يجب عليه غسل يديه او بدنه فوقع اذا اصاب يدك جسد الميت قبل ان يغسل فقد یجب عليك الغسل.

و قال اسماعيل بن جابر في الصحيح دخلت على ابي عبد الله حين مات ابنه اسماعيل الاكبر فجعل تقبله و هو ميت فقلت جعلت فداك اليس لا ينبغي يمس الميت بعد ما يموت و من مسه فعليه الغسل فقال اما بحرارته فلا بأس انما ذاك اذا برد .

وفي صحيحة اخرى لمحمد بن مسلم عن أبي عبد الله قال من غسل ميتاً وكفنه اغتسل غسل الجنابة وفي حديث سماعة عن ابی عبدالله قال وغسل من مس ميتاً واجب .

و روى يونس عن بعض رجاله عن ابی عبد الله قال الغسل في سبعة عشرموطناً منها الفرض ثلث قلت ما الفرض منها قال غسل الجنابة وغسل من مس ميتاً وغسل الأجرام وفي كتاب على بن جعفر عن اخيه موسى قال سئلته عن رجل مس ميتاً اعليه الغسل قال فقال ان كان الميت لم يبرد فلاغسل عليه وان كان قد برد فعليه الغسل اذا مسه و اقترانه بغسل الاحرام لا يمنع من كونه فرضا لان الاقتران يوجب شدة الاعتناء بغسل الاحرام لان السؤال عن الفرض ففى الجواب مبالغة المحبوبية غسل الاحرام لأضعف الطلب بالنسبة الى غسل المس.

وقال الرضا فيما روى الفضل بن شاذان عنه انما امر من يغسل الميت بالغسل لعلة الطهارة مما اصابة من نضح الميت لان الميت اذا خرج منه الروح بقى اكثر آفته والناظر في هذه الروايات لا يتأمل فى وجوب غسل المس لما فيها من لفظ الوجوب ولفظ امروعينه وهيأت الامر ولامه وسؤال اسماعيل بن جابر عن ابي عبد الله اليس لا ينبغى الخ يكشف عن ان وجوب الغسل من المسلمات عند اصحاب الائمة ولذا سئل عن وجه مسه و صدقه الامام في وجوب المس ونيه ان مورده بعد البرد ولا يكشف عن عدم الوجوب ذكره في عداد الاغسال المسنونة لكثرة ما ورد في الاخبار من الجمع بين الواجب و المسنون في الذكر وتعليل

ص: 3

ابي الحسن الرضا للامر بالغسل مما يزيد في الاطمينان بالوجوب فكان مشروعية الغسل بعد المس لاجل دفع سریان آفات الميت الى من مسته فجعل لحفظ الصحة فهو واجب عقلى قرد وجوبه في الشرع واكد تأكيداً تاماً كاشفاً عن شدة الاعتناء به .

قال شيخنا الانصاري قدس الله نفسه الزكية وحمل جميع ما فيها من الاوامر صيغة ومادة و لفظ الوجوب على الاستحباب مما يوجب اضمحلال الشريعة اذ قلما يتفق ورود مثلها اودونها في الواجبات الاخر فلا ينبغى الاشكال في المسئلة وارجاع ما یوهم المنافاة من الاخبار المعبر منها بلفظ السنة او بغيره مما یوهم الاستحباب اليها انتهى كلامه ولا يخفى على الخبير صحته ومتانته.

فظهر فساد التمسك بالاصل لمنع الوجوب لانقطاعه بما ذكر من الاخبار كالتمسك باقترانه بالمندوبات لان الاقتران بين الوجوب والندب كثير في الاخبار فترى اقتران غسل الجنابة الذي لا ريب في وجوبه مع الاعمال التي لا ريب في استحبابها .

و قد يستدل بمكاتبة الحميري للقائم عليه الصلوة و روى لنا عن العالم انه سئل عن امام صلى بقوم بعض صلوتهم وحدث عليه حادثة كيف يعمل من خلفه فقال يؤخر ويتقدم بعضهم ويتم صلوته ويغتسل من مسه فوقع روحی فداه ليس على من مسه بحرارة الا غسل اليد واذا لم يحدث حادثة تقطع الصلوة يتم صلوته مع القوم ولادلالة لهذا التوقيع الشريف على عدم الوجوب بعد البرد لانه ناظر الى ما قبل البرد ويكشف عن هذا ما ورد فى مكاتبة اخرى وروى عن العالم ان من ميتاً بحرارته غسل يده ومن مسه و قد برد فعليه الغسل و هذا الميت في الحالة لا يكون الابحرارته فالعمل فى ذلك على ما هو ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه فکیف يجب عليه الغسل.

(التوقيع) اذا مسه على هذه الحال لم يكن عليه الاغسل يده انتهى ولاربط الدليل على المدعى لان المدعى هو وجوب الغسل على من مسه بعد برده و قبل

ص: 4

تغسيله فالتوقيعان حكما بعدم وجوب الغسل اذا كان المس بحرارة الميت .

واما قوله جواباً عن اغتسال امير المؤمنين النبي طاهر و مطهر ولكن أمير المؤمنين فعل وجرت به السنة فلادلالة فيه على مطلوب المنكر لان السنة ليس معناها الندب لانها اعم من الوجوب والندب هنا لان المراد منها الطريقة المستقيمة السوية المستدامة الحسنة واما ما فى الرضوى الفرض من تلک غسل الجنابة و الواجب غسل الميت وغسل الاحرام و الباقي سنة فلا ينفع المخصم لانه ليس بحجة لعدم ثبوت كونه من الامام.

بقى دليل آخر وهو انه لو وجب لكان اما لنفسه اولغيره والاول باطل عند الخصم والثانى لادلالة فى شيء من النصوص عليه.

وفيه ان بطلان الوجوب النفسي عند البعض لا يستلزم البطلان عند الجميع حيث انه لامانع من الوجوب بل تعليل ابى الحسن الرضا يكشف عن ان الغسل واجب اوجبه الشرع لدفع سريان آفة الميت الى من مسه و رواية محمد بن سنان عن الرضا الله اوضح دلالة على الوجوب النفسى قال انما امر من يغسل الميت بالغسل لعلمة الطهارة مما اصابه من نضح الميت لان الميت اذا خرج منه الروح بقى اکثر آفته فلذلك يتطهر منه ويطهر لدلالتها على ان المس يصيب الماس من آفات الميت الباقية بعد الروح والغسل يطهر هذه الافة وتطهير الافات من الواجبات عقلا وشرعاً فوجوب الغسل بالوجوب النفسى مما لا اشكال فيه فلودل دليل على منشأية المس للحدث المانع من صحة الصلوة يكون وجوبه باعتبارين النفسي والمقدمى والا فوجوبه العقلى لادافع له بعد دلالة الدليل عليه ولا منافات بين وجوب الغسل بالوجوب النفسى و بين عدم كون المس منشأ المحدث المناقض للطهارة كما انه لا ملازمة بين الوجوب النفسى وبين وجوب المقدمى فالتارك معاقب لتركه الواجب و تصح صلوته مع ترك الغسل لعدم وجود الحدث و مع وجوب الغسل باعتبارين ها يعاقب باعتبارين تركه للغسل الواجب نفسا واستلزام الترك لبطلان الصلوة .

و قوله اذا دخل الوقت وجب الصلوة والطهور ناظر الى الطهارة من

ص: 5

الاحداث لا الطهارة من الافات فلا ينبغى الاستدلال به على نفى الوجوب النفسى و يمكن الاستدلال للوجوب الغيرى المقدمى بحسنة شهاب بن هاشم قال سئلت ابا عبدالله عن الجنب يغسل الميت و من غسل الميت يأتى اهله قال هما سواء لا بأس بذلك اذا كان جنبا غسل يديه وتوضأ وغسل الميت وان غسل الميت ثم اتى اهله توضأ ثم اتى اهله و يجزيه غسل واحد لهما فان الظاهر كما قال الانصاري قدس سره ان وضوء كل من الماس والجنب لتخفيف الحدث و لكن احتمال كون وضوء الماس لدفع سراية الافة يبطل الاستدلال والحكم بالتسوية بينهما انما هو فى عدم البأس لا فی جميع الجهات.

ولكن الاحتياط لا يدفع حسنه دافع خصوصا مع ذهاب مهرة الفن وجل الاصحاب الى الوجوب المقدمى الغيرى الذى لا ينافي الوجوب النفسى .

و اما التقييد بكون المس بعد البرد وقبل التغسيل فلوروده في غير واحد من الاخبار التي مر ذكرها ولا وقع لرواية عمار الساباطي الدال على تعميم وجوب الغسل على الميت الذى غسل لما عرفت مراراً من اعوجاج فهمه واشتمال رواياته على الغرائب سيما مع معارضتها مع الصحاح .

ويدل على تخصيص وجوب الغسل يكون الممسوس الميت الادمى دون سایر الحيوانات صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما فى رجل مس ميتة اعليه الغسل قال لا انما ذلك من الانسان وصحيحة الحلبى قال سئلت ابا عبد الله عن الرجل الميتة اينبغي ان يغتسل منها فقال لا انما ذلك من الانسان وحدة و يظهر من يمس هذه الرواية عدم صلاحية الميتة للغسل عن مسها وفى مرسلة يونس عن ابي عبدالله ما يدل على عدم التضرر عن مس الميتة قال سئلته هل يحل ان الثعلب يمس والارنب اوشيئا من السباع حيا او مينا قال لا يضره ولكن يغسل يده وفي هذه المرسلة اشعار بان وجوب الغسل فى الانسان لاضرار المس .

و اما ما رواه محمد بن بابويه فى عيون الاخبار والملل باسانيده عن الفضل بن شاذان عن الرضا الله قال انما لم يجب الغسل على من مس شيئاً من الاموات

ص: 6

غير الانسان كالطيور والبهائم والسباع وغير ذلك لان هذه الاشياء كلها ملبسة ريشاً و صوفا وشعرا و و برا وهذا كله زكى لا يموت وانما يماس منه الشيء الذي هو زكى من الحى والميت فمفاده ان الحكمة فى عدم ايجاب الغسل على من مس هذه الحيوانات هي تلبسها بما يمنع وصول اليد الى ما يقبل الموت منها من الريش والصوف وغيرهما فالتلبس علة لعدم الجعل فيها وتسمى علة الجعل وعدمه بالحكمة فحيث انه علة لعدم الجعل لا تكون الميتات من غير الانسان مورداً لهذالحكم فلا يجب الغسل على من رفع المانع ومس بشرة الحيوان التي تقبل الموت بل عدم ايجاب مسها الغسل لا يحتاج الى دليل يدل عليه لان العدم لا يعلل فيكفي في الحكم بعدم الايجاب عدم ورود الدليل عليه.

قطعة المبانة

(قطعة المبانة)

و مقتضى كون علة الغسل بقاء الافة بعد خروج الروح عدم الفرق بين مس قطعة ذات عظم البينت من الميت او من الحي و بين قطعة غير ذات العظم ضرورة ان ايانة القطعة لا تخرجها عن هذه الخاصية في صورة خلوها عن العظم كما انها لا تخرجها عن عنوان الميت اذا كانت قبل الابانة معنوناً بهذا العنوان.

ومرسلة أيوب بن نوح عن أبي عبد الله اذا قطع من الميت قطعة فهي ميتة فاذا مسه انسان فكلما كان فيه عظم فقد وجب على كل من مسه الغسل وان لم تكن فيه عظم فلا غسل عليه لا ينبغى تقييد الاطلاقات بها لعدم العلم بحال الواسطة بينه وبين الامام .

كما ان المنقول عن الرضوى واذا مست شيئاً من جسد اكيل السبع فعليك الغسل ان كان فيما مسسته عظم وما لم يكن فيه عظم فلاغسل عليك في مسه لا يعتمد عليه لعدم العلم بصدوره عن المعصوم سلام الله عليه فالفرق بين ذات العظم وبين غير ذات العظم من القطعة المبانة من الميت ليس على ما ينبغي لان القطعة اذا كانت حین الاتصال مشتملة على خاصية يوجب الغسل بمسها فالابانة والتجرد عن العظم لا يرفعان هذه الخاصية عنها و اما المبانة من الحى فحيث ان الابانة هى الموجبة المفارقة الروح عنها لا يجرى فيها التقرير المذكور الا انها بالموت يشتمل على هذه الخاصيته ما

ص: 7

لبقاء الافات بعد مفارقة الروح فوجوب الغسل بمسها منوط بصدق الميت عليها و بعض محققى المتأخرين ينكر صدق الميت عليها بتقرير ان الموت عدم الحيوة ممن من شأنه ان يكون حيا ولا يتصف العضو بالحيوة الا تبعا للمكل فالحيوة في الحقيقة من صفات الانسان فانقطاع تعلق روح الكل عن بعض اجزائه وانحصار محله في باقيها لا يوجب عند التحقيق صدق الموت على ذلك الجزء الامجازاً لعدم التحرك والنمو والحس كما يشهد به صدقه حال اتصال العضو المفروض ولوسلم الصدق لكن لاشك ان الميت فى الأخبار هو الانسان الذى خرج عنه الروح وثبوت الحكم لبعض اجزاء الميت قد عرفت انه لاجل نفهامه من ادلة الميت كما يفهم النجاسة انتهى كلامه رفع مقامه.

و لكن دقيق النظر يرشد الناظر الى ان الجزء المبان من الحي يصدق عليه انه جزء ميت و ان لم يكن جزءاً للميت فمنعه صدق الموت عليه ممنوع لمفارقة الروح عنه بعد ما كان فيه فقوله فان الموت عدم الحيوة ممن من شأنه ان يكون حياً في غاية الصحة الاانه لا يمنع اتصاف الجزء بالحيوة والموت ضرورة ان الكل ليس الا الاجزاء فليس فيه وراء الاجزاء شيء يكون هو المنشأ لاتصافه بالحيوة والموت فالاجزاء عين الكل كما ان الكل نفس الاجزاء و اتصاف الجزء بالحيوة تبعاً لا ينافي صدق الموت عليه بعد مفارقة الروح عنه فهو حى عند الاتصال ولوتبعا ميت بعد الانفصال لمفارقة الروح عنه قوله وانحصار محله في باقيها لا يوجب صدق الموت على ذلك الجزء الامجازاً لعدم التحرك والنمو والحس فيه ان عدم التحرك والنمو والحس معلولات عن عدم الروح بعد ما كان كما انها في الكل كذلك فصدق الموت عليه كصدقه على الكل فالتأمل الصادق يشهد ان اطلاق الميت على الجزء المبان من الكل ليس كاطلاقه على الجمادات التى ليس من شأنها ان يكون الحيوة صفة لها ثم قال ( قده ) فالعمدة في الحكم عموم المرسلة بل ظهورها في الحى مع انجبارها بالاجماع المتقدم عن الخلاف المصرح فيه بالتعميم بل قد عرفت انها العمدة ايضاً فى وجوب تغسيل هذه القطعة فى باب غسل الميت لا حصول صفة الموت

ص: 8

في نفسها.

فانظر الى هذه المقالة تراها اشبه شيء بالمناقضة فان صريح المرسلة ان القطعة المبانة ميت ووجوب الغسل بالمس على ما فيه عظم متفرع على كونها مينة فالعامل بالمرسلة لانجبارها بالاجماع وخروجها عن الضعف لابد له الا ان يقول بموت القطعة المقطوعة وايجاب مس ذات العظم منها الغسل الصراحتها في موتها .

والحاصل ان المرسلة فرقت بين ذات العظم من القطعة المقطوعة وبين المجرد عنه في الحكم بعد ما صرحت بكونها مينة فكل من يعتمد عليها يحكم بالتفصيل بين ذات العظم وغيرها من هذه الميتة لدلالة المرسلة به لا ان المجرد من العظم لا يصدق عليه الموت بتقرير ما قرر هذه المحقق ( قده ( على ان المرسلة قيدت المقطوعة بكونها من الميت ولا نظر لها الى المقطوعة من الحى فالتعميم لاجل صدق الميتة على المقطوعة من الحى كصدقها على المقطوعة من الميت الاان في بعض النسخ اذا قطع من الرجل قطعة عوض الميت ولعل هذه النسخة اصح فلامعنى للمتقييد بالميت فيشمل الحى والميت بل فى الحى اظهر .

عظم المجود

(عظم المجود)

واما العظم المجرد فمقتضى التعليل السابق ذكره عدم وجوب الغسل بمسه لقوله اذا خرج منه الروح بقى فيه اكثر آفاته والعظم لا يخرج منه الروح لانه ليس مما تحلمه الحيوة وقد عرفت في اللحم المجرد عن العظم ثبوت الغسل فليس وجوب الغسل دائر؛ مدار العظم كي يستند بالدوران على وجوب الغسل بمس المجرد من العظم كما ذهب اليه الشهيد قدس الله نفسه مع ان عدم الوجوب في اللحم المجرد لا يدل على الدوران لاحتمال تأثير المركب منهما في وجوب الغسل كما قرره الانصاري (قده) الا انا بينا أن لحم المجرد من العظم يجب الغسل بمسه نظراً الى التعليل وضعفنا رواية ايوب بن نوح فالامر على ما بينا يدور مدار خروج الروح من الممسوس.

وقد عرفت من حسنة فضل بن شاذان عن الرضا ان الحكمة في عدم ايجاب الغسل بمس الطيور والبهائم والسباع تلبسها بالريش والشعر والوبر والصوف

ص: 9

فيستفاد منها ان لخروج الروح تأثيراً فى ايجاب المس الغسل ولا يتحقق الخروج فيما لم يكن فيه روح ولا فرق بين المتصل من العظم المجرد وبين المنفصل منه لاشتراكهما في فقد الروح كما ان الشعر والظفر كذلك واما السن فقيل بايجاب__ه مسه الغسل وقيل بان الشيخ ابن سينا قائل بكون الاسنان مما تحله الحيوة فلو تم وصح اشتماله على الحيوة يترتب على مسه الوجوب ولكنه ليس كذلك واما اعتبار حيوة الماس فلاجل ان ما لا تحله الحيوة لا يتأثر من المس ولا يسرى اليه آفة الممسوس .

و مقتضى كون العنوان مس الانسان الميت عدم الفرق بين الكافر والمسلم والمؤمن والمنافق والكبير والصغير وعدم ارتفاع النجاسة عن الكافر بالغسل لا يخرجه عن موضوع هذا الحكم فانظر الى صحيحة معوية بن عمار قلت له فالبهائم والطير اذا مسها عليه غسل قال لا ليس هذا كالانسان ترى ظهورها فى اثبات الغسل في مس مطلق الانسان من غير فرق بين افراده فالصغير يغتسل بعد البلوغ ويصح منه بعد التميز بل لا يبعد القول بوجوب امر الولى اياه بعد التميز لما عرفت من كون تشريع هذا الغسل لدفع الافات بل ان اوجب احد على الولى تغسيله قبل التميز والنية من قبله لدفع الافة ما اتى بمنكر الا ان التفرد بهذا الايجاب مانع من ارتكابه وحيث ان الانسان باطلاقه موضوع لهذا الحكم ولا يعتبر فيه غير كونه ميتا يجب السقط اذا كان بعد ولوج الروح فيه لانه مات بعد ما كان حياً ويجب الغسل على من وطى الميت ولاكن يتداخل مع غسل الجنابة كما ان خروج الطفل الميت من المرئة الحية مما يوجب الغسل عليها ويتداخل مع غسل النفاس ان خرج الدم ايضاً همه او بعده ويجب على الطفل الحى اذا خرج من المرئة بعد موتها ليتحقق المس في جميع هذه الموارد.

و اما الشهيد ومن يقدم غسله ممن لا يجب تغسيله فقيل بعدم وجوب الغسل بمسه وعلل بان الظاهر من جعل وجوب الغسل معنى بما قبل التغسيل هو ثبوته في محل يجب التغسيل.

ص: 10

وفيه ان جعل وجوب الغسل معنى بما قبل التغسيل محمول على الغالب لندرة الشهيد والمقدم غسله فلا دلالة على عدم الوجوب وبعض الاطلاقات شامل لهما ففى مكاتبة الصفار اى صحيحة عاصم بن حميد اذا مست جسده حين يبرد فاغتسل وفي غسل أمير المؤمنين بعد تغسيل النبي وجريان السنة به دلالة على ان تشريع غسل مس الميت وان كان لبقاء آفات الميت والنبى اطهر الطاهرين من جميع الجهات الا ان دفع الافة علة يجعل هذا الحكم فلا ينا في تخلف العملة عن المعلول فالاستدلال بما يدل على ان الغسل لنجاسة الميت المفقودة فى الشهيد والمقدم للمغسل في غير محله وليس في الاخبار استثناء بالنسبة اليهما ومقتضى عدم وجوب غسلهما عدم ما يمنع من وجوب غسل الماس بعد بردهما ويرفع هذا الوجوب لاعدم الوجوب ضرورة ان الشهيد مثلا ميت فاذا برد اوجب مسه الغسل ولا يغسل حتى يرفع هذا الوجوب فاستثناء لا يجب غسله من من الاموات عن هذا الحكم استثناء بلادليل.

ثم ان مقتضى كون الغسل رافعا لموضوع الحكم عدم الارتفاع قبل كمال الغسل لان الغسل آنى الحصول ولا يحصل الا بعد كمال الغسل لانه امر بسيط ينتزع من غسل جميع البدن مع الشرائط المعتبرة فيه فليس لكل عضو من اعضاء الميت او الحى غسل برأسه لان الغسل واجب واحد منتزع من غسل الاعضاء ولا ينا في تعدد منشأ الانتزاع وحدة الامر المنتزع لان منصب المنشئية اعطى الافعال باللحاظ الوحد اني فمس عضو من أعضاء الميت الذى فرغ الغاسل من غسله موجب للغسل ما لم يفرغ من جميع افعال الغسل لعدم حصول الغسل بعد وليس وجوب الغسل دائراً مدار النجاسة كى يقال ارتفعت عن العضو لغسله لان غاية بقاء الحكم هي تحقق الغسل بالضم وهو لا يحصل الا بغسل جميع الاعضاء فالبدن امر واحد لا يلاحظ فيه الاعضاء في المقام فما بقى شيء منه ولم يغسل بعد لم يحصل غسل البدن بل تحصيل عند الفراغ عن آخر جزء من البدن مع مراعات الشرايط المعتبرة فمن اكتفى في سقوط الغسل عن الماس بغسل العضو المموس لم يعتبر في السقوط الغسل بالضم لعدم حصوله للعفوقبل الاتمام فالاكتفاء بغسل العضو في السقوط يلائم جعل الموجب

ص: 11

للغسل نجاسة الممسوس المرتفعة عن كل عضو مغسول لكن الاخبار دلت على ان المسقط للوجوب هو الغسل بالضم الذي لا يحصل الاباكمال الغسل لجميع الاعضاء بل مقتضى القواعد وجوب غسل جميع الاعضاء قبل الشروع في الغسل تطهيراً للبدن مقدمة للغسل فالغسل يقع على البدن المغسول المطهر من الخبث فلا معنى للمنع من زوال النجاسة عن العضو قبل كمال الغسل فاشتراط صحة الغسل بطهارة البدن عن الخبث وحصول الطهارة من الخبث عند كمال المغسل دور صريح يظهر بادنى تأمل.

قال شيخنا الانصارى رحمة الله عليه ففى سقوط الغسل كما عن المصنف (قده) في غير هذا الكتاب والشهيد وجماعة او عدمه كما عن المدارك والذخيرة ومحتمل الذكرى وجامع المقاصد وظاهر الروض قولان اقوايهما الثاني للاصل والاطلاقات و منع دوران وجوب الغسل مدار النجاسة لعدم الدليل على التلازم بل منع زوال النجاسة عن العضو قبل كمال الغسل ولا منافاة فيه للقواعد الفقهية كما في الروض.

وعن الحدائق من ان طهارة المحل من الخبث يحصل بمجرد انفسال الغسالة ولا يتوقف على تطهير جزء آخر وتوضيح عدم المنافاة ان ما ذكر انما يكفى فيما اذا علق الشارع الزوال على الغسل بالفتح بل على مطلق اصابة الماء للمحل الى الذي يحصل من دون توقف على غسل جزء آخر دون ما اذا علقه على الغسل بالضم الذي لا يحصل الا بغسل تمام الاجزاء فالطهارة فى كل مقام يتوقف على حصول ما جعل مطهراً وهذا غاية المراعات للقواعد الفقهية نعم اصل توقف زوال الخبث على تحقق امرزائد على الغسل بالفتح بل على مطلق اصابة الماء للمحل مناف ظاهراً لما ثبت في نظائره من حصول الطهارة بمجرد اصابة الماء اومع انفصاله لكن التأمل يعطى ان ذلك انما هو تطهير المتنجس لا نجس العين فالحاصل ان طهارة الميت بالغسل بالضم حكم خاص لموضوع خاص لا نظير له من حيث الحكم ولا من حيث الموضوع فافهم.

وفيه ان تعليق زوال النجاسة على الغسل بالضم مما لا يدل عليه دليل ولا موجب للذهاب اليه بل ما ذهب اليه في الحدائق هو الحقيق للاتباع و قوله لكن التأمل

ص: 12

يعطى ان ذلك انما هو فى تطهير المتنجس لا نجس العين فيه ان الميت وان كان نجس العين الا انه فى حكم المتنجس فى التطهير ولولم يكن كذلك لم يمكن تطهيره لان نجس العين لا يمكن تطهيره ولا يشترط فى ايجاب المس الغسل كونه مع الرطوبة لاطلاق الاخبار الآمرة بالغسل فليس سريان الافة كسريان النجاسة فقد يوجب المس الغسل دون الغسل بالفتح كما اذا مسه بعد البرد وقبل الغسل من دون رطوبة و قد يوجب الغسل بالفتح دون الغسل بالضم كما اذا مسه بعد الموت وقبل البرد مع الرطوبة وقد يوجب كليهما كما اذا مسه بعد البرد مع الرطوبة وقد لا يوجب واحداً منهما كما اذا مسه قبل البرد من دون رطوبة ولا فرق في ايجابه الغسل كون الممسوس من غير اعضاء الماس او من اعضائه لعدم الفارق فلو قطعت احدى يديه و مسة باليد الاخرى وجب الغسل .

والشاك فى المس يستصحب عدمه فليس عليه شيء والشاك فى موت الممسوس يستصحب عدمه ايضاً كالشاك فى البرودة فليس عليهما شيء والشاك في انسانية الممسوس يستصحب عدمها ومعنى هذا الاستصحاب هو قاعدة اليقين اعنى الاخذ بالمقتضى وعدم الاعتناء بالمانع فان كل شيء لو خلى وطبعه عار من جميع الخصوصيات والانسانية خصوصية زائدة موجبة للحكم فما لم يعلم هذه الخصوصية لم يترتب حكمها على ما لم يعلم اشتماله بها وليس المراد منه الاعتماد على الحالة السابقة كي يستشكل بعدم العلم بعدم الانسانية وحدوثها فان الحالة السابقة ايضاً مشكوك و قد بينا مراراً ان قاعدة اليقين التي هي الاخذ بالمقتضى وعدم الاعتناء بالمانع لا يعتبر فيها الحالة السابقة واما الشك فى كون الميت الممسوس شهيداً اولا بناء على استثناء الشهيد عن هذا الحكم فالاصل عدم كونه شهيداً فيؤثر المس وجوب الغسل ما لم يعلم كونه شهيداً لان الشهادة يمنع عن الوجوب وهي غير معلومة وقد عرفت عدم الاستثناء فلااثر لهذا الشك.

والشك في كون المس قبل الغسل او بعده لا يؤثر في دفع الوجوب لان المس مقتض للوجوب والغسل يمنع من هذا الوجوب وهو غير معلوم .

ص: 13

واذا مس عضوا من الميت و شك في كون الممسوس مما تحله الحيوة اولا يستصحب عدم الحيوة التي موجبة لحكم خاص .

واذا شك فى اصل الغسل فالاصل عدمه ما لم يكن هناك ظهور موجب للاطمينان ككون الممسوس في مقابر المسلمين واما مع ظهور موجب للاطمينان فلا يعتمد على الاصل فان الموجب للاطمينان هو الدليل الرافع لمموضوع الاصل واما الظن الغير البالغ حد الاطمينان فلا اثر له في قبال الاصل فيجرى اصل عدم الغسل فالمعيار في تزاحم الاصل والظاهر هو الوصول الى حد الاطمينان وعدمه بقى الكلام في تنزل تيهم الميت منزلة غسله بالنسبة الى اسقاط غسل المس وعدمه فعموم البدلية للمتيمم الغسل يقضى بالحاق المتيمم بالمغتسل وعدم ايجاب مس الميت المتيمم الغسل واطلاق الاخبار يحكم بعدم السقوط ومن حكم بالسقوط جعل ادلة البدلية حاكمة على الاطلاقات فالتيمم عنده يؤثر اثر الغسل والحاكم بعدم السقوط يمنع بدايته عنه في تمام الاثار لانه طهارة اضطرارية يتوقف قيامها مقام الاختياري في جميع الاثار على التيمم في مرحلة التنزيل ولا يكفى صرف التنزيل فى جهة خاصة فبدلية التيمم عن غسل الميت لم يثبت بالنسبة الى حكم المس و يحتاج الى دليل غير ما دل على قيامه مقام الغسل.

وقد يناقش في عموم البدلية بكونه بدلا فيما يكون المؤثر هو الماء فقط لا الماء مع السدر والكافور .

وتندفع بان الظاهر من جعل التيمم بدل غسل الميت تأثيره اثر الغسل ورفع حدث الميت و آفته الموجبة لغسل المس فلا يبقى اثر للميت بعد التيمم ولامانع من تأثيره في رفع الافة اودفع سرايته الى من مسه ومعنى قيام التيمم مقام الغسل كون اثره اثره ولا فرق بينهما الا ان الغسل تطهير واقعي وتنظيف حقيقى والتيمم لكونه بدلا تطهير تنزيلى وتنظيف اكتفائى والرؤف الذي يقيم شيئاً مقام شيء آخر يعطيه تمام اثاره ليتم الامتنان و تكمل الحكمة و اما بالنسبة الى نجاسته فلم ينزل شيئاً منزلة الماء فى رفع النجاسة فهى باقية بحالها بعد التيمم و ليست النجاسة هي

ص: 14

الموجبة لوجوب الغسل بمسه كى ينتج عدم السقوط لما مر من تعليل الامام ببقاء اکثر آفاته بعد خروج الروح وقضية غسل أمير المؤمنين النبي لا ينافي ما بينا لان النبي صلى الله عليه و آله طاهر مطهر من جميع انحاء الادناس من الافات والارجاس.

فقوله النبى طاهر مطهر اى بدنه الشريف طاهر مطهر من الافة

الموجبة لغسل المس .

ومنها اى ومن الاحداث التي تناقض الطهارة الكبرى الحدث المنتزع من الموت

ومنها اى ومن الاحداث التي تناقض الطهارة الكبرى الحدث المنتزع من الموت

من ای سبب كان سوى القتل بين الصفين فان الشهيد لا يحدث ولا ينافي هذا الاستثناء التعليل الوارد في الاخبار بان علة وجوب غسل الميت خروج المنى عنه لامكان عدم الخروج اذاستند الموت الى القتل وسوى المقدم غسله للقصاص اوغيره لا مكان منع تقديم الغسل عن الخروج.

و يفترق هذا الحدث من الاحداث السابقة بكون موضوعه الميت وموضوعها الاحياء وبوجوب رفعه على غير المحدث ووجوب رفعها على المحدثين و باختلاف كيفية رفعه مع كيفية رفع الاحداث الآخر.

و بينا في اول الكتاب ان البحث عن غسل الاموات وان كان هو المقصود بالذات الاان ساير احكام الاموات يبحث عنها استطراد افينبغي ذكر احكام الاموات هنا وجمعها في مبحث الغسل حفظا لانتشارها فى ابواب الفقه وتعسر ضبطها ولنقدم ذكر جملة مما يتعلق بحال المرض.

فنقول بعون الله تعالى شأنه العزيز ينبغى للمريض ادامة حمد الله و شكره تعالى شأنه فى حال المرض كما كان له فى حال الصحة لرجاء ان يكون مرضه من افضل نعمائه لما فيه من التنبه من غفلته والتذكر لما قدمت يداه مما ليس مرضياً

ص: 15

لربه والعلية للتوبة والانابة الى الله جل شأنه والاستغفار من الذنوب والتجهيز للوفود الى ربه العزيز مع كونه تطهيراً للمؤمن وكفارة لذنوبه وموجبا لكتب الملك مثل ما كان يعمل فى صحته من الخير في يومه وليلته .

فانظر الى رواية عبد الله بن سنان عن ابی عبد الله قال قال ان رسول الله رفع رأسه الى السماء فتبسم فسئل عن ذلك قال نعم عجبت لملكين هبطا من السماء الى الارض يلتمسان عبداً صالحاً مؤمناً في مصلى كان يصلى فيه ليكتبا اله عمله في يومه وليلته فلم يجداه في مصلاه فعرجا الى السماء فقالا ربنا عبدك فلان المؤمن التمسناه في مصلاه لنكتب له عمله ليومه وليلته فلم نعسيه فوجدناه في حبالك فقال الله عز وجل اكتبا لعبدى مثل ما كان يعمل فى صحته من الخير في يومه وليلته مادام فى حبالى فان على ان اكتب له أجر ما كان يعمل اذا حبسته عنه.

و الى رواية ابي الصباح الكناني قال قال ابو جعفر سهر ليلة من مرض افضل من عبادة سنة و رواية عبدالله بن سنان عن ابي عبد الله قال سمعته يقول ف الحمى رائد الموت وهى سجن الله تعالى في الارض وهى في الأرض وهي حظ المؤمن من النار.

ورواية زرارة عن احدهما السلام قال سهر ليلة من مرض او وجع افضل واعظم اجراً من عبادة اسمة وروايت درست عن ابی ابراهیم قال سمعت ابا ابراهیم يقول اذا مرض المؤمن الحفى الله عز وجل الى صاحب الشمال لا تكتب على عبدى مادام في حبسی و وثاقي ذنبا و يوحى الى الصاحب اليمين ان اكتب لعبدي ماكنت تكتب له في صحته من الحسينات وفي وصية النبي لعلى صلوات الله عليه قال ت يا على الين المؤمن تسبيح واطيامه تهليل و نو مى على الفلاش عبادق وتقلبه من وجنب الى جنب جهادة في سبيل الله تعالى قان عوفی مشى في الناس وما من ذنب .

و رواية جابر عن أبي جعفر قال اذا احب الله عبدل نظر اليه فاذا نظر اليه اتحفة بواحدة من ثلث امار صداع و امار حمی واما رمدا قال أمير المؤمنين ا اذا عاد سلمان الفارسي له يا سلمان ما من احد من شيعتناء بصبيع وجع الإبذنب

ص: 16

قد سبق منه وذلك الوجع تطهير له قال سلمان فليس لنا في شيء من ذلك اجر خلا التطهير قال على صلوات الله عليه ياسلمان لكم الاجر بالصبر عليه والتضرع الى الله والدعاء له بهما تكتب لكم الحسنات وترفع لكم الدرجات فاما الوجع خاصة فهو تطهير وكفارة.

ورواية درست بن عبد الحميد عن ابى ابراهيم قال قال رسول الله المريض اربع خصال يرفع عنه القلم ويامر الله الملك فيكتب له كل فضل كان يعمل في صحته ويتبع مرضه كل عضو في جسده فيستخرج ذنوبه منه فان مات مات مغفوراً له وان عاش عاش مغفوراً له .

ورواية عبدالله بن مسعود عن رسول الله انه تبسم فقيل له مالك يارسول الله صَل الله عليه واله تبسمت فقال عجبت للمؤمن وجزعه من السقم ولو يعلم ما له في السقم من الثواب لاحب ان لايزال سقيما حتى ؛ ربه عز وجل تقدر على تصديق ما بينا فينبغي للمريض الصبر والدعاء والتضرع وان لا يشكوا مما اصاب من الوجع او الحمى او الرمد الى احد من الناس.

روى الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد الصادق عن ابيه عن آبائه في حديث المناهى قال قال رسول الله من مرض يوماً وليلة فلم يشك الى ان واده بعثه الله عو يوم القيمة مع ابراهيم خليل الرحمن حتى يجوز الصراط كالبرق اللامع وفى مرسلة احمد بن حسن الميثمى عن ابي عبد الله قال من مرض ليلة فقبلها بقبولها كتب الله له عبادة ستين سنة قلت وما معنى قبلها بقبولها قال لا يشكوا ما اصابه فيها الى احد.

و روى جابر عن أبي جعفر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل من مرض ثلثا فلم يشك الى احد من عواده ابدلته لحماً خيراً من لحمه ودماً خيراً من دمه فان عافيته عافيته ولا ذنب له وان قبضة قبضة الى رحمتى وقال جابر قلت لابی جعفر يرحمك الله ما لصبر الجميل قال ذلك صبر ليس فيه شكوى الى الناس وليس الاخبار عن المرض واظهاره شكاية بل الشكاية ان يقول لقد ابتليت بما لا يبتل

ص: 17

به احد ويقول لقد اصابني ما لم يصب احداً .

روی جمیل بن صالح في الحسن عن أبي عبد الله قال سئل عن حد الشكاة للمريض فقال ان الرجل يقول حممت اليوم وسهرت البارحة وقد صدق وليس هذا شكاة وانما الشكوى ان يقول لقد ابتليت بما لم يبتل به احد ويقول لقد اصابني ما لم يصب احداً و ليس الشكوى ان يقول سهرت البارحة وحممت اليوم ونحو هذا وارسل حماد بن عيسى عن ابي عبد الله قال ليس الشكاية ان يقول الرجل مرضت البارحة او وعكت البارحة ولكن الشكاية ان يقول ابتليت بما لم يبتل به احد .

ويستحب للمريض ايذان اخوانه بمرضه لصحيحة عبد الله بن سنان قال سمعت ابا عبد الله ينبغى للمريض منكم ان يؤذن اخوانه بمرضه فيعودونه فيوجر فيهم ويوجرون فيه قال فقيل له نعم هم يوجرون لممشاهم اليه فكيف يوجر هو فيهم قال فقال له باكتسابه لهم الحسنات فيوجر فيهم فيكتب له بذلك عشر حسنات ويرفع له عشر درجات و يمحى بها عنه عشر سيئات.

ويستحب له الاذن فى الدخول عليه لرواية يونس قال قال ابوالحسن اذا مرض احدكم فلياذن الناس يدخلون عليه فانه ليس من احد الاوله دعوة مستجابة وروى الوشاء عن الرضا الا في حديث قال اذا مرض احدكم فلياذن الناس يدخلون عليه فانه ليس من احد الاوله دعوة مستجابة ثم قال اتدرى من الناس قلت امة محمد قال الناس هم شيعتنا وكما انه يستحب للمريض الايذان والاذن يستحب لاخوانه عيادته لانها حق من حقوق المؤمن على المؤمن .

ولرواية صفوان عن ابي عبد الله قال من عاد مريضاً من المسلمين وكل الله به ابداً سبعين الفاً من الملئكة يغشون رحله ويسبحون فيه و يقدسون ويهللون ويكبرون الى يوم القيمة نصف صلوتهم لعايد المريض .

و لقول ابی عبدالله في موثقة فضيل بن يسار قال من عاد مريضاً شیعه سبعون الف ملك يستغفرون له الى منزله ولقوله ابى جعفر في موثقة ابي الجارود كان فيما ناجی به موسى ربه تعالى ان قال يارب ما يبلغ من عيادة المريض

ص: 18

الاجر فقال الله عز وجل اوكل به ملكاً من يعوده في قبره الى محشره و يكفي في تاكد استحباب العيادة قول النبى الله على ما رواه اسحق بن جعفر عن اخيه موسی بن جعفر عن آبائه عنه قال يعير الله عز وجل عبداً من عباده واله وستر يوم القيمة فيقول عبدى ما منعك اذا مرضت ان تعودني فيقول سبحانك سبحانك انت رب العباد لا تمرض ولا تألم فيقول مرض اخوك المؤمن فلم تعده فوعزتي وجلالي ولو عدته لوجدتني ثم لتكفلت بحوائجك فقضيتها لك وذلك من كرامة عبدى المؤمن وانا الرحمن الرحيم.

وفي رواية ابى هريرة عن النبى قال عز وجل يقول ابن آدم مرضت فلم تعدنى قال يارب كيف اعودك وانت رب العالمين قال تعالى مرض فلان عبدى ولو عدته لوجدتني عنده واستسقيتك فلم تسقنى فقال كيف وانت رب العالمين فقال استسقاك عبدى فلان و لوسقيته لوجدت ذلك عندى و استطعمتك فلم تطعمنى قال كيف وانت رب العالمين قال استطعمك عبدى فلم تطعمه ولواطعمته لوجدت ذلك عندى ويتاكد استحباب العيادة في الصباح والمساء.

روى معوية بن وهب عن ابي عبد الله قال ايما مؤمن عاد مؤمناً مريضاً حين يصبح شيعه سبعون الف ملك فاذا قعد غمرته الرحمة واستغفروا له حتى يمسى و ان عاده مساءاً كان له مثل ذلك حتى يصبح ويستحب للعائد ان يلتمس المريض ان يدعوا له .

روى ابان بن عثمان عن مولينا الصادق الله قال عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان فى علته فقال يا سلمان ان لك فى علتك ثلث خصال انت من الله عزوجل بذكر ودعائك فيه مستجاب ولا تدع العلة عليك ذنباً الاحطته متعك الله بالعافية الى انقضاء اجلك وقال الصادق الا فى رواية سيف بن عميرة اذا دخل احدكم على اخي___ه عائداً فيسئله يدعوله فان دعائه مثل دعاء الملئكة والروايات في هذه المراحل اكثر

من ان تحصى وفيما ذكرناه كفاية.

العوذات المأثورة

(العوذات المأثورة)

ويستحب للمريض تعويذ نفسه بالعوذات المأثورة روى ابو حمزه الثمالي عن

ص: 19

مولانا الباقر قال قال امير المؤمنين من اصابه الم في جسده فليعوذ علينه نفسه وليقل اعوذ بعزة الله وقدرته على الاشياء اعيد نفسى بجبار السماء اعيد نفسى بمن لا يضر مع اسمه سم ولاداء اعيد نفسى بالذي اسمه بركة و شفاء فانه اذا قال ذلك لم يضره الم ولاداء.

و قال الحارث الاعور على ما روى عنه شكوت الى امير المؤمنين الما ووجعاً في جسدى فقال اذا شتکی احدكم فليقل بسم الله و بالله وصلى الله على رسول الله و آله و اعوذ بعزة الله وقدرته على ما يشاء من شر ما اجد فانه اذا قال ذلك صرف الله عنه الداء انشاء الله تعالى.

الاستغفار

(الاستغفار)

والاخبار فى هذا الباب فوق حد الاحصاء.

ويجب على كل من آمن بالله وبرسوله واليوم الاخر من الصحيح والمريض مع التأكد في المريض التوبة الى الله تعالى والانابة اليه والندامة عن افعاله الغير المرضية والاستغفار من الذنوب الصغاير منها والكباير والاتيان بما يوصل التوبة الى درجة القبول من العزم على ترك العود الى المعصية ابداً وتادية حقوق المخلوقين اليهم وتأدية كل فريضة ضيعها وذوب اللحم النابت على السحت بالاحزان واذاقه الجسم الم الطاعة كما اذاقه حلاوة المعصية .

قال أمير المؤمنين لقائل قال بحضرته استغفر الله تكلتك امك اتدرى مالاستغفار ان الاستغفار درجة العلميين وهو اسم واقع على ستة معان اولها الندم على ما مضى والثانى العزم على ترك العود اليه ابدا والثالث ان تؤدى الى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله ابلس ليس عليك نبعة والرابع ان تعمد الى كل فريضة عليك ضيعتها فتودى حقها والخامس ان تعمد الى اللحم الذى نبت على السحت فتذيبه بالاحزان حتى يلصق الجلد بالعظام وينشأ بينهما لحم جديد والسادس ان تذيق الجسم الم الطاعة كما اذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول استغفر الله ويستحب الممريض اكثار الذكر من التسبيح والتحميد والتكبير ويوكد في التهليل لان كلمة لا اله الا الله حصن الله ومن دخل فى هذا الحصن امن من عذابه عزوجل

ص: 20

روی رئيس المحدثين ابو جعفر محمد بن على بن موسى بن بابويه القمي في عدة طرق عن على بن موسى الرضا عن ابيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن ابيه محمد بن على عن أبيه سيد العابدين على بن الحسين عن ابيه سيد الشهداء حسين بن على عن ابيه سيد الأوصياء على بن ابى طالب صلوات الله وسلامه عليهم قال حدثني محمد بن عبدالله سید الانبياء قال حدثنى جبرئيل سيد الملئكة قال الله سيد السادات عزوجل انى انا الله لا اله الا انا فمن اقر لى بالتوحيد دخل حصنى ومن دخل حصنى امن من عذابي.

وفى طريق آخر عن النبي ان يقول سمعت الله عز وجل يقول لا اله الا الله حصنى فمن دخل حصنى امن من عذابي.

وقال الرضا بعد الرواية بشروطها وانا من شروطها قال ابن بابویه من شروطها الاقرار للرضا عليه السلام بانه امام من قبل الله عز وجل على العباد مفترض الطاعة.

وروى رضوان الله عليه فى التوحيد باسناده عن ابن عباس قال قال رسول الله والذي بعثني بالحق نبياً لا يعذب الله بالنار موحداً ابداً و ان اهل التوحيد ليشفعون فيشفعون ثم قال انه اذا كان يوم القيمة امر الله تبارك و تعالى بقوم سائت اعمالهم فى دار الدنى الى النار فيقولون يا ربنا كيف تدخلنا النار وقد كنا نوحدك في دار الدنى و كيف تحرق قلوبنا وقد عقدت على ان لا اله الا انت وكيف تحرق بالنار السنتنا وقد نطقت بتوحيدك في دار الدنى ام كيف تحرق وجوهنا وقد عصرنا هالك فى التراب ام كيف تحرق ايدينا وقد رفعناها بالدعاء اليك فيقول الله جل جلاله عبادی سائت اعمالكم فى دار الدنيا فجزائكم نار جهنم فيقولون ياربنا عفوك اعظم ام خطيئتنا فيقول عزوجل عفوى فيقولون رحمتك اوسع ام ذنوبنا فيقول عز وجل رحمتى فيقولون اقرارنا بتوحيدك اعظم ام ذنوبنا فيقول عزوجل اقرار كم بتوحيدى اعظم فيقولون ياربنا فليسعنا عفوك و رحمتك التي وسعت كل شيء فيقول الله جل جلاله ملئکتی و عزتی وجلالی ما خلقت خلقاً احب الى من المقرين لي بتوحيدى و انه لا اله غيرى وحق على ان لا اصلی بالنار اهل توحیدی

ص: 21

ادخلوا عبادى الجنة والاخبار فى هذا المعنى كثيرة فى الغاية فينبغى للمريض ادامة التهليل ليكون آخر كلامه في الدنيا هو كلمة لا اله الا الله.

ففى ثواب الاعمال باسناده عن جعفر بن محمد عن ابيه عن آبائه رسول الله قال القنوا موتاكم لا اله الا الله فان من كان اخر كلامه لا اله الا الله دخل الجنة و باسناده عن أبي جعفر قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله لقنوا موتاكم لا اله الا الله فانها تهدم الذنوب فقالوا يا رسول الله فمن قال في صحته فقال ذلك اهدم ان لا اله الا الله انس للمؤمن فى حيوته وعند موته وحين يبعث•

وحقيق على المريض والصحيح استتباع كلمة لا اله الا الله بجملة محمد رسول الله فان جابر روى عن ابى جعفر في حديث ان ملك الموت يقول اني لملقن المؤمن عند موته شهادة أن لا اله الا الله وان محمداً رسول الله .

و فى رواية ابي خديجة عن ابيعبد الله قال ما من احد يحضره الموت الا وكل به ابليس من شياطينه من يأمره بالكفر و يشككه في دينه حتى يخرج نفسه فمن كان مؤمناً لم يقدر عليه فاذا حضرتم موتاكم فلقنواهم شهادة ان لا اله الا الله وان عمداً رسول الله ولان الانفع بحال المؤمن بعد الموت وقبله هو الاعتقاد الراسخ بمفاد لا اله الا الله وعمداً رسول الله وكثرة التكرار بهاتين الجملتين توجب كثرة ذكر القلب و ذكر القلب كثيراً توجب الرسوخ بالنسبة الى الاعتقاد فيصر ملكه لا يزول بتشكيك المشككين لعنة الله عليهم اجمعين ومن هنا يعلم ان الاقرار بالائمة المعصومين واحدا بعد واحد من المستحبات المؤكدة لانه من متممات الايمان و مكملات الايقان ولان ولايتهم سلام الله عليهم اجمعين مما بنى عليه الاسلام و شید به ارکان الایمان والاخبار فيهذا المعنى بحد التواتر ونحن نذكر بعضها تيمناً.

روى فضيل بن يسار عن أبي جعفر قال بنى الاسلام على خمس على لصلوة والزكوة والحج والصوم والولاية الحديث .

وروى زرارة عن أبي جعفر قال بنى الاسلام على خمسة اشياء على الصلوة

ص: 22

والزكوة والحج والصوم والولاية قال زرارة فقلت واى شيء من ذلك افضل فقال الولاية افضل لانها مفتاحهن والوالى هو الدليل عليهن الحديث .

و قال عمرو بن حريث لا بي عبد الله الله الا اقص عليك دينى فقال بلى قلت ادين الله بشهادة ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمداً رسول الله و اقام الصلوة و ايتاء الزكوة وصوم شهر رمضان وحج البيت والولاية وذكر الائمة فقال يا عمر و هذا الله و دین آبائى الذى ادين الله به في السر والعلانية دین الحديث.

وروى ابو حمزة الثمالى قال قال ابو جعفر بنى الاسلام على خمس اقام الصلوة و ايتاء الزكوة وحج البيت وصوم شهر رمضان والولاية لنا اهل البيت فجعل في اربع منها رخصة و لم يجعل فى الولاية رخصة من لم يكن له مال لم يكن عليه الزكوة و من لم يكن له مال فليس عليه حج و من كان مريضاً صلى قاعداً و افطر في شهر رمضان والولاية صحيحاً كان او مريضاً اوذا مال ولامال فهي لازمة.

ويستحب له ايضاً قوله اللهم اغفر لى الكثير من معاصيك واقبل منى اليسير من طاعتك لان سالم بن ابي سلمة روى عن ابيعبد الله قال حضر رجلا الموت فقيل يا رسول الله ان فلانا قد حضره الموت فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ناس من اصحابه حتى اتاه وهو مغمى عليه قال الا فقال يا ملك الموت كف الله عليه الرجل حتى اسئله فافاق الرجل فقال له النبي ما رايت قال رايت بياضاً وا الله وسنة كثيراً وسواداً كثيراً قال فايهما كان اقرب اليك فقال السواد فقال النبي قل اللهم اغفر لى الكثير من معاصيك واقبل منى اليسير من طاعتك فقال ثم اغمى عليه فقال ياملك الموت خفف عنه حتى اسئاله فافاق الرجل فقال الله ما رايت قال رايت بياضا كثيراً وسواداً كثيراً قال فايهما اقرب اليك فقال البياض فقال رسول الله صل الله عليه واله وسلم غفر الله لصاحبكم.

قال فقال ابو عبدالله اذا حضرتم ميتاً فقولوا له هذالكلام ليقوله وقال ابو جعفر بن بابويه في حديث.

ص: 23

وقال الصادق الا اعتقل لسان رجل من اهل المدينة فدخل عليه رسول الله فقال له قال لا اله الا الله فلم يقدر عليه فاعاد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقدر عليه وعند رأس الرجل امرئة فقال لها هل لهذا الرجل امّ قالت نعم يارسول ال انا امه فقال ان افراضية انت عنه ام لا فقالت بل ساخطة فقال لها رسول الله فانى احب ان ترضى عنه فقالت قد رضيت عنه لرضاك يارسول الله فقال له قل لا اله الا الله فقال لا اله الا الله فقال قل يا من يقبل اليسير و يعفوا عن الكثير اقبل منى اليسير واعف عنى الكثير انك انت العفو الغفور فقالها فقال له ما ذا ترى فقال اسودين قد دخلا على فقال اعدها فاعادها فقال ما ترى فقال قد تباعدا عنى و دخل ابيضان و خرج الاسودان فما اراهما ودنا الابيضان منى الآن يأخذان بنفسى فمات من ساعته.

و يظهر من هذ الحديث ان سخط الام يوجب اعتقال اللسان ولرضائها دخل في فتحه فينبغي للامهات ان يرضين عن اولادهن ليسهل عليم الموت ويفتح لسانهم بالتهليل والاستغفار و ينبغي للحاضرين التماس الامهات الساخطات حتى يرضين كما ارضى النبي صلى الله عليه و آله تلك المرئة ومما يفيد للمريض في تلك الحال كلمات الفرج .

الرواية زرارة عن أبي جعفر الا قال اذا ادركت الرجل عند النزع فلقنه كلمات الفرج لا اله الا الله الحليم الكريم لا اله الا الله العلى العظيم سبحان الله رب السموات السبع ورب الارضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين.

ولرواية الحلبى عن ابی عبد الله له ان رسول الله دخل على رجل من بني هاشم وهو يقبض فقال له رسول الله قال لا اله الا الله العلى العظيم لا اله الا الله المدرسة الحليم الكريم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الارضين السبع وما بينهن وما تحتهن و رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين فقالها فقال رسول الله الحمد لله الذى استنقذه من النار وكل ما بينا يستحب للمريض الاقدام عليه ما دام

ص: 24

شاعراً ملتفتا واذا غفل عنها يستحب لغيره تلقينه .

ولا ينبغى غفلة الناس عن تلقين ما ذكر فان فيها آثاراً عجيبة ففي رواية ابي بكر الحضر مى قال قال ابو عبد الله والله لوان عابد وثن وصف ما تصفون عند خروج نفسه ما طعمت النار من جسده شيئاً ابداً.

سهولة النزح

) سهولة النزح )

ومن الامور المؤثرة عند الاحتضار قرائة سورة والصفات صفا لما روى سليمان الجعفرى فى الصحيح قال رايت ابا الحسن يقول لابنه القاسم قم يا بنى فاقرء عند رأس اخيك والصافات صفا حتى تتمها فقرء فلما بلغ اهم اشد خلقا امن خلقنا قضى الفتى فلما نجى وخرجوا اقبل اليه يعقوب بن جعفر فقال له كنا نعهد الميت اذا نزل به يقرء عنده يس والقرآن الحكيم وصرت تامرنا بالصافات فقال يا بني لم يقرء عند مكروب من موت قط الا عجل الله راحته.

و مما له تأثير في سهولة النزع وضع المحتضر في مصلاه الذي كان يصلى فيه ويكشف عن هذا صحيحة عبد الله بن سنان عن ابی عبد الله قال اذا عسر على الميت موته ونزعه قرب الى مصلاه الذي كان يصلى فيه وقال زرارة اذا اشتد عليه النزع فضعه في مصلاه الذي كان يصلى فيه وليس زرارة ممن يقول من عند نفسه ولیجهد ناقله الى مصلاه ان لا يستتبع النقل اتعابه و ايذائه فينقلب الاستحباب الى الكرامة بل الحرمة.

استقبال القبلة

) استقبال القبلة)

واما توجيه المحتضر الى القبلة فمما وقع الخلاف في وجوبه واستحبابه فذهب اكثر الاصحاب رضوان الله عليهم الى الاول وقليل منهم الى الثانى ومستند من اوجب هو رواية سليمان بن خالد المعدودة من الصحاح على الصحيح المروية في الكافي

ص: 25

و التهذيب قال سمعت ابا عبد الله يقول اذا مات لاحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة وكذلك اذا غسل يحفر له فيكون مستقبلا بباطن قدميه ووجهه الى القبلة وما ارسله الصدوق في الفقيه عن امير المؤمنين قال دخل رسول الله على رجل من ولد عبد المطلب وهو فى السوق وقد وجه لغير القبلة فقال وجهوه الى القبلة فانكم اذا فعلتم ذلك اقبلت عليه الملئكة واقبل الله عزوجل عليه بوجهه فلم يزل حتى يقبض.

وقال فى الوسائل بعد نقل هذا المرسل ورواه في العلل عن محمد بن على ما جيلويه عن محمد بن يحيى عن محمد بن احمد عن احمد بن أبيعبد الله عن ابى الجوزاء المنبه بن عبدالله عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن على عن آبائه عن على وفى ثواب الاعمال عن محمد بن موسى المتوكل وعن عبدالله بن جعفر احمد بن ا بيعبد الله وارسل عن الصادق قال سئل الصادق عن توجيه الميت فقال استقبل بباطن قدميه القبلة.

و موثقة معوية بن عمار قال سئلت ابا عبد الله الله عن الميت فقال استقبل بباطن قدميه القبلة.

وموثقة ابراهيم الشعيرى عن ابيعبد الله له فى توجيه الميت قال يستقبل بوجهه القبلة وتجعل قدميه مما يلى القبلة.

وقد يناقش في الاستدلال بهذه الروايات من حيث السند والدلالة قال المحقق في المعتبر استقبال القبلة بالميت واجب على أحوط القولين هذا مذهب المفيد (ره) وسلار (قده) ثم استدل بالمرسل عن على وموثقة معوية بن عمار ورواية سليمان بن خالدة ثم قال ولانه سنة للمسلمين مستمرة بين الاصحاب و التابعين و ظاهرها الوجوب ثم نقل عن الشيخ (ره) في الخلاف الاستحباب ثم قال واعلم ان ما استدللنا به على الوجوب ضعيف ولان التعليل في الرواية كالقرينة الدالة على الفضيلة مع انه امر فى واقعة معينه فلا يدل على العموم والاخبار الاخر المنقولة عن اهل البيت ضعيفة السند لا يبلغ ان يكون حجة فى الوجوب فاذن ما ذكره الشيخ اولى لان

ص: 26

استقبال القبلة فى مواطن الادعية والاسترحام حسن على كل حال وانما قلنا احوطهما الوجوب لان معه يحصل احتياط في البعيد واستظهار في البرائة انتهى.

فهو (قده) حيث رأى ضعف الاستدلال ذهب الى ما ذهب اليه الشيخ (قده) من الاستحباب مع ان الاستحباب ايضاً لا يمكن اثباته بالمدرك الضعيف لانه ايضاً حكم من الاحكام الشرعية لا يصح الافتاء به الا بالدليل الذي يطمئن النفس به وانما نظره الشريف باخبار من بلغ من الثواب وهى لا تنهض دليلا على الاستحباب لان مفادها ان العامل بما ورد فى الشرع ثواب للعمل به رجاء ان يعطى من الثواب الذى بلغه يعطى الله ذلك الثواب و ان لم يكن الأمر كما بلغه لا ان حكم الواقع ينقلب الى الاستحباب بعد ان لم يكن كذلك وقوله (قده) والاخبار الاخر المنقولة عن اهل البيت ضعيفة السند يشعر بان ما نقله (قده) ليس من الاخبار الضعيفة سنداً فضعف ما استدل به يكون فى الدلالة والتعليل الوارد فى المرسل لا يمنع من ايجاب الاستقبال بل الوجوب اولى واحرى بالتأكيد والتعليل مع ان الاعتبار العقلى يؤيد الوجوب لان من هو في السوق وافد إلى الله عز وجل والوفود اليه تعالى يناسب الاستقبال بالبدن ايضاً.

وقوله (قده) مع انه امر فى واقعة معينة فيه ان المأمور به ليس مما يختص به بعض دون بعض مع انه (قده) قائل باستحبابه على الجميع بلا مخصص بالبعض مع انه افتى بالوجوب في الشرائع .

وقال في المدارك عند شرح قول المحقق ويجب فيه توجيه الميت الى القبلة الخ هذا هو المشهور بين الاصحاب قال جدى ( قده ) و مستنده من الاخبار السليمة سنداً ومتناً ما رواه محمد بن يعقوب الكليني رضوان الله تعالى عليه من على بن ابراهيم عن ابيه عن ابن ابي عمير عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد قال سمعت ابا عبدالله لا يقول اذا مات لاحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة وكذلك اذا غسل يحفر ل_ه موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبل باطن قدميه ووجهه الى القبلة واما غيره من الاخبار التي استدل بها على الوجوب فلا يخلو من شيء اما في السنداو الدلالة

ص: 27

هذا كلامه رحمة الله عليه.

و يمكن المناقشة فى هذه الرواية من حيث السند بابراهيم بن هاشم حيث لم ينص علماؤنا على توثيقه و بان راويها وهو سليمان بن خالد لم يثبت توثيقه ايضاً و من حيث المتن بان المتبادر منها ان التسجيه تجاه القبلة انما يكون بعد الموت لا قبله و من ثم ذهب جمع من الاصحاب منهم المصنف في المعتبر استضعافا لادلة الوجوب وهو متجه انتهى.

و يظهر من كلام الشهيد الثاني (قده) ان رواية سليمان بن خالد سليمة عن الضعف مع ان في طريقه ابراهيم بن هاشم ووثقه فى الرجال ايضاً كما ان سليمان مع ايضاً ثقة عنده ووثقه في الخلاصة على ما نقل في منتهى المقال و ابراهيم بن هاشم من مشايخ الاجازة و من وجوه الاصحاب المحدثين وشأنه اجل من ان يوثقه غيره و العجب من السيد رضوان الله عليه انه عد الرواية التي هو في طريقه من الحسان ومع هذا ناقش في كونه ثقة فانظر الى الروايات التي رواها في آخر كتاب المدارك ترى انه عد الرواية التي رواها الكليني عن معوية بن عمار من الحسان حيث قال الخامس عشر ما رواه الكلينى ايضاً في الحسن عن معوية بن عمار قال قال ابو عبد الله اذا اردت ان تخرج من المدينة فاغتسل ثم انت قبر النبي و بعد ما تفرغ من حوائجك و اصنع ما صنعت عند دخولك وقل اللهم لا تجعل آخر العهد من زيارة قبر نبيك فان توفيتنى قبل ذلك فاني اشهد في مماتي على ما شهدت عليه في حيوتى ان لا اله الا انت وان عمداً عبدك ورسولك وعين هذه الرواية في الكافي روى عن على بن ابراهيم عن ابيه عن ابن ابي عمير عن معوية بن عمار فسبحان من لا یسهو.

قال مولانا البهبهانى فى تعليقاته على المدارك قوله و يمكن المناقشة اه هذه المناقشة ليست فى مكانها سيما بالنسبة الى سليمان المسلمية كونه ثقة عندهم حتى الشارح رحمة الله تعالى ولم يتأمل فيه اصلا.

وقال ابو جعفر بن بابويه في اول كتاب من لا يحضره الفقيه ولم اقصد فيه قصد

ص: 28

المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت الى ایراد ما افتی به و احكم بصحته واعتقد فيه انه حجة فيما بيني و بين ربى تقدس ذكره وتعالت قدرته .

وهذه المقالة تكشف عن اعتبار كل ما فى ذلك الكتاب وصحته فما ارسل عن امير المؤمنين الا ارسله معتقداً بحجيته وهو (قده) عارف باحوال الرواة ورواياتهم ودلالة المرسل واضحة لا اشكال فى كونه ناظرا الى الاحتضار و اما رواية سليمان بن خالد ففى دلالتها على زمان الاحتضار نوع خفاء لظهور التسجيه فى بعد الموت لا قبله كما حكم به السيد (قده) الا ان قوله وكذلك اذا غسل يحفر له موضع الله المغتسل تجاه القبلة يصرفها عن هذا لظهور لظهور الميت بقرينة قوله اذا غسل في المشرف على الموت . صملة

قال صاحب الجواهر (قده) واما ما ذكره في المتن ففيه ان الظاهران المراد من الميت انما هو المشرف على الموت لا بعد الموت كما عساه يشعر به قوله كذلك ذا غسل توجيهه عند التغسيل قطعا لا بعده لكن الانصاف يمنعنا ان نحمل على المشرف بالموت لان التسجيه لا يناسب المحتضر الا ان يقال بما قال صاحب الجواهر ان الظاهر ان المراد بالتسجيه هنا تجاه القبلة كناية عن التوجه لما عرفت وليست بمعنى التغطية لان استحباب التغطيه مطلق وليس مقيدا بالاستقبال اجماعا.

وربما يستدل على الوجوب باستمرارسيرة المسلمين على الالتزام به في جميع الاعصار حتى انهم يعدون فوته على خلاف القبلة من الشايع على الميت واهله من سوء توفيق الميت لكن لا يخفى على المتأمل عدم دلالة هذا النحو من الاستحسانات على الحكم الشرعى مع انه اعم من الوجوب والندب.

ولو فرض اقتدار المحتضر الاستقبال بلا معاونة معاون فمع الوجوب يجب عليه لان عمدة الفائدة راجعة اليه والتوجيه الى القبلة فضيلة ل_ه فيجب عليه مع التمكن اولا وعلى وليه ثانياً و اما كيفية الاستقبال حين الاحتضار فما اجاب مولانا الصادق له معوية بن عمار حين قالت استقبل بباطن قدميه الى القبلة ومراده كون المحتضر بحيث لو جلس كان مستقبلا ولذا قال في موثقة ابراهيم ثقة ابراهيم الشعيري

ص: 29

يستقبل بوجهه القبلة ويجعل قدميه مما يلى القبلة وقال في رواية زريح واذا وجهت القبلة فاستقبل بوجهه القبلة لا تجعله معترضاً كما يجعل الناس .

واما بعد الموت فمن يقول بوجوب الاستقبال فيه يجب استمراره مع حصوله قبل الموت لوجوبه او استحبابه او لاتفاقه ومع عدم الحصول تجب المبادرة عند تحقق الموت و مستند الوجوب بعد الموت هو رواية سليمان خالد بن بعد حملها على ما بعد الموت لكن الوجوب لا يستفاد منها سيما مع ذكر التسجيه التي لا اشكال في عدم وجوبه .

و ما رواه المفيد (قده) في ارشاده في وفاة النبي قال في وصيته لعلى عند استحضاره فاذا فاضت نفسى فتناولها بيدك فامسح بها وجهك ثم وجهنى الى القبلة وتول امرى الى ان قال ثم قبض و يد امير المؤمنين اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها فرفعها الى وجهه فمسحه بها ثم وجهه وغمضه ومد عليه ازاده حيث اخر التوجيه فى وصية النبي وفعل الوصى لكن الرواية ال مستلزمة لامر تابى نفوس المسلمين سيما الامامية منهم عن قبوله وهو كونه على خلاف القبلة في تلك الحال مع انه كان يوصى توجيه المحتضر الى القبلة وحمله على الاستمرار كما ترجى صاحب الجواهر فى غاية البعد بل لا يحتمله متن الرواية فكيف يمكن حمل جملة ثم وجهه على استمرار التوجه و لفظة ثم تکشف عن كون التوجيه بعد المسح فامثال هذه الروايات بالطرح و عدم الاستدلال بها اولى كما ان فى كل مما استدلوا به على الوجوب نوع قصور عن أفادته وما دل على كيفية التوجيه اعم من الوجوب والاستحباب فالقول بتاكد الاستحباب اقرب و انسب بالمدارك و ما بينا من الاعتبار العقلى استحسان لا يعتمد عليه في مرحلة الاستنباط الا ان حسن الاحتياط سيما في المقام مما لا ينكره احد .

ص: 30

و استحباب تغميضه و شد لحييه و تغطيه

) ويستحب تغميضه و شد لحييه و نغطيه )

لموثقة زرارة قال ثقل ابن الجعفر وابو جعفر جالس في ناحية وكان اذا دنى منه انسان قال لا تمسه فانه إنما يزداد ضعفاً واضعف ما يكون في هذه الحال ومن مسه على هذه الحال اعان عليه فلما قضى الغلام امر به لغمض عيناه وشد لحياه ويظهر من هذه الرواية كراهة مسه بل حرمته لان الاعانة عليه حرام قطعاً.

و روی ابو کهمش قال حضرت موت اسماعیل و ابو عبدالله جالس عنده فلما حضره الموت شد لحييه وغمضه وغطى عليه الملحفة على ان هذه الامور يزيد على احترام الميت فيمنع بعضها عن قبح المنظر و بعضها عن انفتاح الفم ودخول الهوام في فيه وبعضها عن استرخاء اللحية فكلما يزيد فى احترامه لا مانع من القول باستحبابه لان احترام المحتضر و الميت سيما المؤمن منهما الاثنا عشرى محبوب في الشرع مطلوب للشارع فلا يحتاج اثبات استحبابه الى ورود خبر خاص او نص مخصوص فمد يديه الى جنبيه حيث انه اطوع للغاسل واسهل للدرج يزيد فى احترامه فيصح القول باستحبابه وكذلك اطباق فيه فان منعه من دخول الهوام وقبح النظر يكفي في ازدياد احترامه فيكفى لاستحبابه .

الوصية

) الوصية )

بقى من وظائف المحتضر أمران لم نذكرهما مع كونهما اهم مما ذكر احدهما الوصية على من عليه حق فيجب التوصية لادائه ومن لم يكن عليه حق فيستحب مؤكداً روى محمد بن على بن الحسين بإسناده عن محمد بن ابي عمير عن حماد بن عثمان قال قال ابو عبد الله الله ما من ميت يحضره الوفاة الارد الله عليه من بصره وسمعه وعقله للموصية اخذ الوصية او ترك وهى الراحة التي يقال لها راحة الموت فهى حق على كل مسلم وباسناده عن العلا عن محمد بن مسلم قال قال ابو جعفر

ص: 31

الوصية حق و قد اوصى رسول الله فينبغي للمؤمن ان يوصى وباسناده عن محمد بن الفضيل عن ابى الصباح عن ابي عبد الله قال سئلته عن الوصية فقال هي حق على كل مسلم و يزيد في تأكد استحبابها ان ترك خيراً فيستحب له مؤكداً ان يوصى للوالدين والأقربين بشيء معروف من الخير.

قال الله تبارك وتعالى كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيراً الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين.

وثانيهما حسن الظن بالله تبارك وتعالى فان من احسن الظن بالله فقد هيأثمن

هلال

بن

الجنة روى الحسن بن محمد بن الحسن الطوسى فى مجالسه عن هلال بن محمد الحفار عن اسماعيل بن على الدعيلى عن محمد بن ابراهيم كثير عن ابى نواس الحسن بن هاني عن حماد بن سلمة عن يزيد الرقاشي عن انس قال قال رسول الله الله لا يموتن احدكم حتى يحسن ظنه بالله عزوجل فان حسن الظن بالله تعالى ثمن الجنة.

وروى ابو جعفر بن بابويه فى عيون الاخبار باسناده عن الحسن بن على العسكرى ال عن آبائه عليهم السلام قال سئل الصادق عليه السلام عن بعض اهل مجلسه فقيل عليل فقصده عائداً و حبس عند رأسه فوجده دنفاً فقال له احسن ظنك بالله فقال اما ظني بالله فحسن الحديث

التعجيل للتجهيز

) التعجيل للتجهيز (

و من احترامات المؤمن التى يوجب الاستحباب التعجيل في تجهيزه حيث ان الابطاء فى التجهيز يوجب قلة الاعتناء بشأنه و هى موجبة لتقليل احترامه امر في الشرع بتعجيل تجهيزه حفظا لاحترامه قال محمد بن على بن الحسين رضى عنه قال رسول الله الكرامة الميت تعجيله وروى السكوني عن ابيعبد الله قال قال رسول الله اذا مات الميت اول النهار فلا يقبل الا في قبره وفيهذه الرواية

ص: 32

تحديد لمدة التجهيز و اشعار بان التجاوز عن وقت القيلولة اذا كان الموت أول النهار ابطاء في التجهيز و قال جابر قلت لا بي جعفر اذا حضر الصلوة على الجنازة في وقت صلوة مكتوبة فبايهما ابدا فقال عجل الميت الى قبره الا ان تخاف ان يفوت وقت الفريضة ولا تنتظر بالصلوة على الجنازة طلوع الشمس ولا غروبها.

وفي رواية اخرى لجابر عن أبي جعفر قال قال رسول الله يا معشر الناس لا الفين رجلامات له ميت ليلافا نتظر به الصبح ولا رجلا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها عجلوا بهم الى مضاجعهم يرحمكم الله فقال الناس وانت يارسول الله يرحمك الله والروايات في هذا الباب كثيرة وفيما ذكرناه كفاية وحيث ان كرامة الميت تعجيله كما في مرسلة الصدوق رضى الله عنه لا ينظر الى اسنادها لتحقق الكرامة بالتعجيل.

و يجب التأخير

( و يجب التأخير)

في التجهيز مع الشبهة وجوبا مؤكداً فيحرم المبادرة اليه قبل اليقين بالموت لامكان حيوته وموته بالتجهيز ولا ترتفع الحرمة بالظن والحرص والتخمين وانما الرافع لها وتبديلها بالاستحباب هو اليقين الثابت الجازم بحيث لا يشوبه شك ابداً وكل ما قيل من امارات الموت من انحساف صدغيه وميل انفه وامتداد جلدة وجهه و انخلاع کنه من ذراعه و استرخاء قدميه وتقلص انثية الى فوق طرق الى اليقين ولا موضوعية لها فلو فرض تخلف اليقين عنها لا يستند اليها كما ان ما قيل من الصبر عليه الى ثلثة ايام لاجل كون الغالب فى تلك المدة الموت ولومضى عليه الايام الثلثة ولم يظهرامرها وبقى الاشتباه لا يجوز المبادرة الى التجهيز فالمناط كل المناط اليقين بالموت و يشتد وجوب الاحتياط قبل اليقين لان اهلاك النفس من اشد المحرمات ويكره حضور الجنب والحائض ما لم يتحقق الموت لما ورد من تأذى الملئكة بهما فغاية الكراهة تحقق الموت لانصراف الملئكة حينئذ فما لم يتحقق الموت لا ينبغي

ص: 33

لهما ان يحضرا عنده مع احتمال الحيوة و ان مضت عليه ثلثة ايام ان قلت كيف تمنعون الاستناد الى مضى ثلثة ايام في جواز التجهيز وقد روى هشام بن الحكم عن ابى الحسن الاول الا فى المصعوق والفريق قال الله ينتظر ثلثة ايام الا ان يتغير قبل ذلك والرواية حسنه وفى مضمرة اسحاق بن عمار قال سئلته عن الغريق ايغسل قال نعم ويستبرء قلت وكيف يستبرء قال يترك ثلثة ايام قبل ان يدفن وكذلك ايضا صاحب الصاعقة فانه ربما ظنوا انه مات ولم يمت ونقل الشهيد ( قده ) في الذكرى عن جالينوس انه مع الاشتباه منع الدفن قبل يوم وليلة الى ثلثة منتهى ما يمكن معه الاشتباه.

قلت قد بينا ان التحديد بثلثة ايام محمول على الغالب وكلامنا فيما فرض بقاء الاشتباه بعد مضى ثلثة ايام فمن يتجرء على دفن انسان يحتمل ان يكون حياً ويموت بالدفن مع ان الروايتين فى الغريق ولمصعوق وردتا ويمكن الفرق بين الغريق والمصعوق وبين غيرهما.

روى عمار في الموثق عن ابيعبد الله قال الغريق يحبس حتى يتغير الله و يعلم انه قد مات ثم يغسل ويكفن قال وسئل عن المصعوق فقال اذا صعق حبس يومين ثم يغسل ويكفن فجعل المناط العلم فغسل المصعوق وكونه بعد يومين انما يكون بعد العلم وقد اطلق مولانا الصادق في صحيحة شهاب بن عبدربه الانتظار وجعل غايته التغير حيث قال اللا خمس ينتظر بهم الى ان يتغيروا الغريق والمصعوق والمبطون والمهدوم والمدخن فلم يجعل الغاية ثلثة ايام ولا يومين .

ولمولانا ابى ابراهيم كلام يمنع من سمعه عن المبادرة الى التجهيز روى الكلينى رضوان الله عليه عن على بن ابى حمزة قال اصاب الناس بمكة سنة من السنين صواعق كثيرة مات من ذلك خلق كثير فدخلت علی ابی ابراهیم فقال مبتدءاً من غير ان اسئله ينبغى للمغريق والمصعوق ان تربصن به ثلثا لا يدفن الا ان يجيء منه ريح يدل على موته قلت جعلت فداك كانك تخبرني انه قد دفن ناس كثير احياء فقال نعم يا على قد دفن ناس كثير احياء ما ماتوا الا في قبورهم و اما ما نقل

ص: 34

من كلام جالينوس مع انه ليس بحجة لنا معارض بما قال شيخ الرئيس في بحث السكتة من القانون على ما نقل حيث قال وقد يعرض ان يسكت الانسان فلا يفرق بينه وبين الميت ولا يظهر منه تنفس ولاشيء ثم انه يعيش ويسلم وقد راينا منهم خلقاً كثيرا كانت هذه حالهم واولئك فان النفس لا يظهر فيهم والنبض يسقط تمام السقوط منهم ويشبه ان الحار الغريزى فيهم ليس بشديد الافتقار فى الترويح ونقص البخارة الدخاني عنه الى نفس كثير لما عرض له من البرد ولذلك يستحب ان يؤخر دفن المشكل من الموتى الى ان يستبرء حاله ولااقل من الاثنين والسبعين ساعة انتهى .

فترى انه حكم بان اقل ما يستبرء هو ثلاثة ايام ولا منافات بين ما بيناه وبين ما حكى عن العلامة (قده) انه قال فى المنتهى ولا ينتظر به اكثر من ذلك للعلم بانه اذا لم يحصل منه افعال الحيوة من الحس والحركة فيهذه المدة فانه يكون ميتاً انتهى لانه (قده) ادعى العلم بالموت فيهذه المدة ونحن نفرض عدم العلم فالمناط حصول العلم بالموت وحينئذ يتبدل الحرمة بالاستحباب وقول الشيخ الرئيس لذلك يستحب ان يؤخر الخ لا يخلوا عن المسامحة لان التأخير حينئذ واجب.

يستحب الاسراج

يستحب الاسراج

واما الاسراج المذكور في بعض المتون استحبابه مقيدا بموته ليلا فلاجل دخوله في عموم احترام الميت ضرورة ان الاسراج يزيد في احترامه كما ان تركه ينقص عنه واما الرواية الحاكية عن مولانا الصادق انه امر بالسراج في البيت له الذي كان يسكنه ابو جعفر بعد ما قبض ابو جعفر وادام فى الاسراج حتى قبض ابو عبد الله ثم امر ابو الحسن موسى بمثل ذلك في بيت ابيعبد الله (ع) حتى اخرج به الى العراق فليس فيها تقييد بموته ليلا وتدل على استحباب دوام الاسراج في البيت الذى يسكنه الميت ويمكن اختصاصه ببيوت المعصومين ع فهو امر بين وراء ما ذكر.

ص: 35

واما طرح الحديد على بطنه فاشتهر كراهته غاية الاشتهار والاخبار خالية عن ذكره موضوعا وحكما وذهب الجمهور الى استحبابه دفعا من علوبطنه وهو تشريع محرم و حكى عن بعض الاقدمين من اصحابنا انه قال تضع على بطنه شيئاً يمنع ربوه وحيث ان هذا الفعل غير مستتبع لاحترام الميت ولم يرد نص عليه فهو بالحرمة اقرب من الكراهة لان التشريع محرم والكراهة غير واردة .

هذه جملة القول فى الاحتضار اعاننا الله عليه وثبتنا بالقول الثابت لديه بحق محمد و آله صلى الله عليه وعليهم .

تغسيل الميت

) تغسيل الميت)

و اما الغسل الذى هو المقصود الاصلى من احكام الاموات فقد بينا انه رافع المحدث العارض المميت بخروج الروح منه المستتبع لخروج المنى منه و بينا ان الحدث عارض للميت ورفعه واجب على الحى .

فينبغي ان يجعل العنوان التغسيل والتطهير لا الغسل لان المقصود بيان وظيفة الاحياء بالنسبة الى الاموات لان الميت ليس عليه حكم من الاحكام .

و اما اتصافه بالحدث ونقيضه اعنى الطهارة فلاجل تنزيله منزلة الحي في الاتصاف ببعض الاوصاف.

فالميت محدث يجب رفع حدثه على الحى مع ان رفع الحدث العارض على الحى لا يجب عليه الالاتيان العبادة المشترطة بالطهارة فطهارة الميت عن الحدث مطلوبة بالذات لا لكونها شرطا للعبادة ففى رواية فضل بن شاذان عن الرضا قال انها امر بغسل الميت لانه اذا مات كان الغالب عليه النجاسة والافة والاذى واجب ان يكون طاهراً اذا باشر اهل الطهارة من الملئكة الذين يلونه ويماسونه فیما نظيفاً موجها به الى الله عز وجل و ليس من ميت يموت الاخرجت منه الجنابة فلذلك ايضاً واجب الغسل وفيما كتب الله الى محمد بن سنان في جواب مسائله

ص: 36

علة غسل الميت انه يغسل ليطهر وينظف عن ادناس امراضه و ما اصابه من صنوف علله لانه يلقى الملئكة ويباشر اهل الآخرة فيستحب اذا ورد على الله عز وجل ولقى اهل الطهارة ويماسونه ويماسهم ان يكون طاهراً نظيفا متوجها به الى الله عزوجل ليطلب وجهه وليشفع له و علة اخرى انه يخرج منه المني الذي منه خلق فيجنب فيكون غسله له.

والظاهر من هاتين الروايتين وامثالهما ان تجهيزات الميت سيما الغسل والغسل والتنظيف والتلقين لاجل تذكر الاحياء وتنبههم بان الميت بعد انتقاله من هذه النشائة الدنية ليس مماترك سدى مهملا بحيث لا اثر له اصلا بل له حالات واطوار ومباشرة مع ففيها موعظة بالغة توجب استعداد الملئكة الاطيبين و ملاقات و مماسة معهم الاحياء لامور آخرتهم وزوال غفلتهم وتصحيح للعقايد الفاسدة التي كان عليها مشركوا قريش وغيرهم من انكار السؤال عن الابدان وحشرهم وحيوتهم في النشائة الآخرة فعمدة الفوائد المستفادة من التجهيزات راجعة الى الاحياء و ان كان الميت ايضا يستفيد منها ففائدة الغسل على كيفية مخصوصة هو الطهارة عن الحدث المعلول من خروج المنى عند الموت و التنظيف عن ادناس امراضه و ما أصابه من صنوف علله ودرن بدنه واما الطهارة عن الخبث بمعنى النجاسة فتتوقف على تنجسه بالموت فهو بعد التغسيل مطهر من الاحداث والادناس والاخبان ان كان نجساً.

والمشهور بالشهرة العظيمة التى كادت ان تكون اجماعا هو نجاسة الميت الأدمى وحينئذ فتطهيره من الخبث يتحقق فى ضمن الاغسال الثلثة فهي تطهير من الخبث والحدث معا ان قلنا ببقاء النجاسة كالحدث الى آخر الغسل بالقراح ويمكن ان يزول الخبث بالغسل بالسدر او به و بالغسل بالكافور معا فيكون الرافع للحدث الغسل بالقراح على الثانى او بالكافور والقراح معا على الأول ويمكن ان يقال ان الميت نجس ومحدث معا و يجب رفع النجاسة قبل الاغسال الثلثة والاغسال رافعة للحدث فقط و هذه فروض و احتمالات و يحتمل ضعيفا عدم نجاسة الميت فيكون الاغسال لرفع الحدث ولا يتوقف على تطهيره من الخبث لعدم نجاسته .

ص: 37

مستند القول بنجاسته

مستند القول بنجاسته

واما مستند القول بالنجاسة فروايات.

فمنها رواية ابراهيم بن میمون قال سئلت ابا عبدالله عن رجل يقع ثوبه على جسد الميت قال ان كان غسل الميت فلا تغسل ما اصاب ثوبك منه وان كان لم يغسل فاغسل ما اصاب ثوبك منه يعني اذا برد الميت .

و حسنة الحلبى عن ابيعبد الله في حديث قال سئلته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت فقال يغسل ما اصاب الثوب.

وما عن الطبرسى فى احتجاجه قال مما خرج عن صاحب الزمان روحی وروح من سواه فداه وسلام الله عليه الى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري حيث كتب اليه روی لنا عن العالم انه سئل عن امام قوم صلى بهم بعض صلوته وحدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه فقال يؤخر ويتقدم بعضهم ويتم صلوتهم ويغتسل من مسه التوقيع ليس على من نحاه الاغسل اليد و اذا لم يحدث حادثة يقطع الصلوة يتم صلوته مع القوم وكتب اليه صلوات الله عليه وروى عن العالم ان من مس ميتا بحرارته غسل يديه و من مسته و قد برد فعليه الغسل و هذا الميت في هذه الحالة لا يكون الابحرارته فالعمل فى ذلك على ما هو ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه فكيف یجب عليه الغسل التوقيع اذا مسه على هذه الحالة لم يكن عليه الاغسل يده.

مستند القول بعدم نجاسته

مستند القول بعدم نجاسته

والمتأمل في هذه الاخبار حق التأمل يقطع بعدم دلالتها على النجاسة لان الأمر بالغسل اعم من كونه للنجاسة اوالافة بعد دلالته على الوجوب فيمكن ان يامر الشارع الرئوف بغسل ما اصاب الثوب من جسد الميت دفعا لسراية آفة الميت الى صاحب الثوب كما انه يمكن ان يأمر بالغسل لدفع النجاسة العرضية التي اصابت

ص: 38

الميت فارجع الى رواية فضل بن شاذان عن الرضا العلام التي مر ذكرها حيث قال انما امر بغسل الميت لانه اذا مات كان الغالب عليه النجاسة والافة والاذى الخ تصدق ما بينا مع ان احتمال كون الأمر بالغسل لدفع الافة والاذى والنجاسة العرضية اللاحقة بالميت كاف الابطال الاستدلال.

كما ان حصر ما على ألماس على هذه الحالة في غسل اليد الوارد في التوقيعين يمكن ان يكون لدفع الافات والاذى لا للنجاسة فلم لا يجوز ان يوجب مس الميت بحرارته غسل اليد اعنى العضو الماس كما انه بعد البرد يوجب الغسل فيشتد الافة والاذى بعد البرد بحيث لا يكفى غسل العضو الماس لدفع سريانها بل يحتاج الى الغسل بل من كان له ادنى مسكة وفطنة يستظهر من قوله اذا مات كان الغالب ال عليه النجاسة عدم كونه نجسا لانه ل فى مقام التعليل للغسل ومن المعلوم ان التعليل بالنجاسة المعلول من الموت الذاتية للميت اولى من النجاسة العرضية المستفادة من قوله الا كان الغالب عليه النجاسة ان قلت كثيراً ما يامر الامام في اجوبة المسائل بالغسل والمقصود منه الحكم بنجاسة ما امر بالغسل فكيف تمنع من دلالة الأمر بالغسل على النجاسة.

قلت فرق بين الميت الادمى وبين الموضوعات الاخرلان للميت احكام متعددة من ايجاب مسه الغسل و وجوب غسله واشتماله على الافة المسرية والاذى وحيث يمكن ان يكون الأمر بالغسل لدفع سراية الأذى والافة يمنع هذا الامكان عن الاستدلال بالأمر بالغسل على النجاسة ويؤيد هذا المعنى الأمر بالغسل من دون تقييد بالرطوبة دلان سريان الافة لا يشترط بالرطوبة.

والحاصل ان نجاسة الميت الآد لا دليل يدل عليها في الاخبار لان ما تمسكوا به هو الروايات التي ذكرناها وليس فيها دلالة على النجاسة لان الامر بالغسل اعم من النجاسة من غير فرق بين كونه وجوبيا او استحبابياً لامكان وجوب الغسل مع طهارة الممسوس .

قال في المدارك فى باب النجاسات .

ص: 39

(الثانية ) ميتة الادمى وقال المصنف ان علمائنا مطبقون على نجاسته نجاسة عينية كغيره من ذوات الانفس ومستنده حسنة الحلبي عن ابي عبد الله قال سئلته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت قال يغسل ما اصاب الثوب ومثلها رواية ابراهيم بن ميمون عنه و اطلاق الروايتين يقتضى تعدى نجاسته مع الرطوبة واليبوسة و هو خيرة العلامة (ره) فى اكثر كتبه لكن قال فى المنتهى ان النجاسة مع اليبوسة حكمية فلولاقى بيديه بعد ملاقاته المميت رطبا لم يؤثر في تنجيسه وقيل انها كغيرها من النجاسات لا يتعدى الامع الرطوبة للاصل وقوله في موثقة عبد الله بن بكير كل يابس ذكى وقال ابن ادریس رحمه الله تعالى اذا لاقى جسد الميت اناء وجب غسله ولولاقى ذلك الاناء ما يعاً لم ينجس المايع لانه لم يلاق جسد الميت وحمله على ذلك قياس والاصل فى الاشياء الطهارة الى ان يقوم دليل ومقتضى كلامه ان ما لاقی جسد الميت لا يحكم بنجاسته وانما يجب غسله تعبداً والمسئلة محل تردد انتهى وانما نقلناه بطوله ليعلم الناظر فيه ان الأمر بالغسل اعم من نجاسة المغسول و ان وجوب الغسل لا يستلزم النجاسة فان النجاسة احد موجبات الغسل ويظهر من كلام ابن ادريس ان وجوب الغسل تعبدى ليس لاجل النجاسة و ان اطلاق النجاسة على الحالة المكتسبة من ملاقات جسد الميت لاجل ايجابها الغسل و لذا نفى النجاسة عن المايع الملاقي لما لاقى جسد الميت وقول العلامة في المنتهى ان النجاسة مع اليبوسة حكمية معناه تأثير الملاقات فى الملاقي مع اليبوسة اثرا موجبا للغسل فقط من دون ان ينجس شيئاً ملاقيه رطبا وهذا الكلام فى غاية المتانة الا ان الانسب باطلاق الروايتين تعميم هذا الحكم بالنسبة الى حالتى الرطوبة واليبوسة لا التخصيص بالثانية·

وقال صاحب الجواهر ا على الله مقامه واما ميتة الادمى من ذى النفس فنجسة بلا خلاف اجده فيه بل فى الخلاف والغنية والمعتبر والمنتهى والذكرى والروض وعن ظاهر الطبريات والتذكرة وصريح نهاية الاحكام وكشف الالتباس وغيرها الاجماع عليه وهو الحجة مضافا الى اطلاق او عموم بعض ما تقدم من ميتة ذى النفس وغيره

ص: 40

فعمدة ما استند عليه في الحكم بالنجاسة هو الاجماع واضاف اليه العموم او الاطلاق من مينة ذى النفس ثم استند الى خبر ابراهيم بن ميمون والى حسن الحلبي والى التوقيعين وقد عرفت عدم دلالتها على المطلوب واما عموم او اطلاق من ميتة ذى النفس الذي تمسك به فليس ما يشمل مينة الادمى.

ثم قال فما في المفاتيح من الميل الى انكار ذلك هنا بل ومطلق الميتة كاد يكون انکار ضروری مذهب بل دین قال بعد حسن الحلبي لا دلالة فيه لامكان ان يكون المراد منه ازالة ما اصاب الثوب مما على الميت من رطوبة او قذر تعديا اليه اذ لو كانت الميت نجس العين لم يطهر بالتغسيل.

ثم قال والمستفاد من بعض الاخبار عدم تعدى نجاسة الميتة مطلقا ولا بعد فيه لان معنى النجاسة لا ينحصر في وجوب غسل الملاقي كما ياتي بيانه في حكم نجاسة الكافر وقد قال هناك بعد ذكره ما دل من الاخبار على عدم النجاسة وفي هذا الاخبار دلالة على ان معنى نجاستهم خبثهم الباطن لا وجوب غسل الملاقي كما مرت الاشارة اليه انتهى .

و فيه من الغرابة ما لا يخفى ان اراد عدم النجاسة بالمعروف فيه نفسه ايضاً فضلا عن ملاقيه كما يشعر به ذيل عبارته بل و تعليله بعدم طهارته بالغسل لو كان نجساً عيناً وكانه هو الذى الجائه الى تلك الدعوى انتهى.

والمقصود من نقل هذه العبارة بيان ان صرف الأمر بالغسل لا يدل على النجاسة لانه اعم منها و اما الاجماع الذي ذكره وحكى عن مهرة الفن فلا ينبغى الاستناد اليه بعد وضوح كون المدرك هو الاخبار المذكورة الغير الدالة على المطلوب .

واما تعليل صاحب المفاتيح عدم النجاسة بانه لو كانت الميت نجسا لم يطهر بالتغسيل فلعل نظره الى ان التغسيل يتوقف صحته على طهارة المغسل فلو كانت الطهارة معلولة منه تدور المسئلة بالدور الصريح وحيث ان الميت طاهر بعد التغسيل بالقطع واليقين ولا يمكن التطهير بالتغسيل يعلم ان الميت الادمى ليس بنجس .

وفيه ان النجاسة من الامور المجعولة في الشرع وكيفية التطهير ايضا كذلك

ص: 41

فالمناط دلالة الدليل على نجاسة الميت الادمى فلو فرض دلالة الدليل الذي استدلوا به على نجاسته لا مانع من جعل الغسلات سبباً لتطهيره من الحدث و الخبث معاً او جعل الغسل بالسدر مطهراً للخبث والغسل بالقراح مطهرا له من الحدث او جعل الاولين مزيلا للخبث والثالث مزيلا للحدث ومع الاباء من قبول احد هذه الشقوق فالواجب القول بتطهير الميت من الخبث قبل التغسيل تصحيحاً له لا انكار النجاسة راساً وليس ايجاب التطهير قبل التغسيل انكر من انكار سببية التغسيل لرفع النجاسة مع اليقين بطهارته من الحدث والخبث بعده والمنكر للنجاسة يكفيه التشبث بالاصل ما لم يدل عليها دليل و بعد دلالة الدليل عليها لا مناص من القول بها تشبثاً بعدم امكان التطهير بالتغسيل لعدم امتناع جعل التغسيل مطهراً من الحدث والخبث و تحقق الطهارة منهما دفعة واحدة وتشبيه غسل الميت بغسل الجنابة لا يدل على كونه الخصوصيات فيجوز عدم اعتبار الطهارة من الخبث قبل التغسيل اذا مثله في جميع كان مستنداً بالموت ولا ينافي وجوب التطهير عن النجاسة العرضية قبل التغسيل واعتباره في تحقق الطهارة عن الحدث لما عرفت من كون النجاسة و الطهارة من الامور الاعتبارية المجعولة في الشرع وكذلك كيفية التطهير عن الحدث والخبث فالمتبع في جميع هذه الموارد الدليل فقوله اذ لو كانت الميت نجس العين لم يطهر بالتغسيل ليس على ما ينبغى لان تطهير نجاسة المكتسب من الموت لم يرد بغير التغسيل كما ان تطهير الميت من الحدث لا يكون الابالتغسيل يكفيه خاصة.

فظهر انه لا معنى لما قيل في المقام من انه لا يتصور تطهير بدن الميت عن النجاسة قبل الغسل لمكان نجاسته ولا وجه لرفع نجاسة حال ثبوت اخرى لعدم يمنع من زوال نجاسة و بقاء اخرى عن موضوع واحد بعد ما كان تطهيره عن احدى النجاستين بما يخالف التطهير عن الأخرى حيث ان تطهير الميت من النجاسة العرضية انما يكون كتطهير غيره وتطهيره عن النجاسة المستندة الى الموت بالتغسيل و بعد ثبوت التطهيرين المختلفين فى الشرع الانور لا مانع من تحقق احدهما دون الاخر .

ص: 42

والحاصل ان امر الميت الادمى دائر بين الأمرين الطهارة والنجاسة ولا يستتبع احد الامرين محذوراً فمع الأولى يكون التغسيل لرفع الحدث المستحدث من الموت ويجب ازالة النجاسة العرضية عنه لتصحيح التغسيل كما يجب في الجنب سيما مع ورود كون غسل الميت كغسل الجنابة فبعد التغسيل طاهر من الحدث والخبث ومع الثانية يؤثر التغسيل اثرين رفع الحدث وازالة الخبث المستند بالموت ويجب ازالة النجاسة العرضية قبل التغسيل المساوات غسل الميت مع غسل الجنابة ووجوب ازالة النجاسة عن بدن الجنب قبل الغسل وقوله في رواية الكاهلي ثم ابدء بفرجه بماء السدر والحرض فاغسله ثلث غسلات وفى رواية يونس و اغسل فرجه وانقه ثم اغسل رأسه بالرغوة وفى رواية علاء بن سيابة اذا سئل عن رجل قتل فقطع راسه في معصية الله اذا قتل في معصية الله يغسل اولامنه الدم.

فعلى كل حال لا يستتبع اشكالا الا ان الاظهر في النظر طهارة بدن الميت الادمى لقصور دلالة ما استدلوا به على النجاسة كما عرفت سيما مع قول الرضا اللللا في رواية فضل بن شاذان كان الغالب عليه النجاسة الاان المخالفة ة مع هؤلاء الاساطين من المتقدمين والمتاخرين فيما اطبقوا عليه لا يخلوا عن الجرئة سيما مطابقة مع ما اطبقوا عليه مع الاحتياط الذي لا ينكر حسنه احد.

قال في المدارك قال جدى (قده) وهذ الاشكال منتف على قول السيد المرتضى د رضوان الله عليه لانه ذهب الى كون بدن الميت ليس بخبث بل الموت عنده من قبيل الاحداث كالجنابة فحينئذ تجب ازالة النجاسة الملاقية لبدن الميت كما اذا بدن الجنب هذا كلامه (ره) ومقتضاه انه لا يجب تقديم الازالة على الشروع في الغسل بل يكفى طهارة كل جزء من البدن قبل غسله وهو خلاف ما صرحوا به هنا مع ان في تحقق الخلاف في نجاسة بدن الميت نظراً فان المنقول عن المرتضى رضوان الله تعالى عليه عدم وجوب غسل المس لاعدم نجاسة الميت بل حكى المصنف في المعتبر عنه في شرح الرسالة التصريح بنجاسته وعن الشيخ في الخلاف انه نقل على ذلك الاجماع انتهى ويمكن ذهاب السيد الى الطهارة ثم الرجوع وذهابه (قده)

ص: 43

الى النجاسة في شرح الرسالة او بالعكس فيصح نقل المحقق والشهيد الثاني قدس الله سرهما وكيف كان فالمانع من الذهاب الى الطهارة اطباقهم قدس الله اسرارهم على النجاسة مع حسن الاحتياط.

التغسيل واجب كفائي

) التغسيل واجب كفائي)

ثم ان تغسيل الميت على المشهور فرض على الكفاية بمعنى وجوبه على الجميع وسقوطه بفعل البعض عنهم وعقاب الكل مع الترك لاصرف سقوطه عن الجميع بفعل البعض لا مكان سقوط الواجب لفعل المستحب فالمطلوب فى الواجب الكفائي وجود المأمور به فى الخارج من دون ان يلاحظ صدوره عن مأمور خاص حيث ان ايجاد المامور المامور به فى الخارج ووجوده فيه يلاحظ فيه امران تحقق الفعل في الخارج واتصاف الفاعل به فالواجب العينى المقابل للكفائي يلاحظ فيه الامر ان التحقق والاتصاف معا والواجب الكفائى يلاحظ فيه التحقق لا الاتصاف وقد يلغى خصوصية الفاعل فالمطلوب تحقق المامور به عن المكلف بالمباشرة او التسبب و بعبارة اخرى لا بد ان يكون التحقق من ناحية المكلف سواء اوجده بنفسه او بغيره بالامر او الالتماس او الاستيجار و هذا القسم برزخ بين القسمين فالقائل بالفرض الكفائي نظره مقصور بتحقق المامور به وتعلق الحكم على المأمورين لابد ان يكون على حد سواء من دون ميز وخصوصية ومن هنا تفطن بعض الاصحاب بمنافات الوجوب الكفائي اولوية بعض المامورين من الآخرين وحيث ان اولوية من هو اولى بالميراث من غيره باحكام الاموات وردت في الشرع ودلت الروايات باناطة جواز فعل غير الاولى بامره واذنه منع من الوجوب الكفائى وافتى بالوجوب على الولى. قال في الجواهر بعد ما استدل للفرض الكفائى بالاجماع وعدم تعيين المباشر في الاخبار ولكن قديتخيل في بادى النظر ان ذلك كله مناف لما في كلام الاصحاب و اخبار الباب من ذكر الولى كقول المصنف هنا من ان اولى الناس به ای بالغسل

ص: 44

اولاهم بميراثه وكذا في الصلوة ثم شرع فى نقل الاقوال والاستدلال بالروايات الدالة على اولوية الولى الى ان قال ووجه التنافى بين ذلک کله و بین ما قلناه من الوجوب الكفائى واضح اذ لا معنى لاناطة الواجب على بعض المكلفين والفرض انه مطلق لا مشروط وهو الذى اشار اليه الشهيد فى الروض على ما حكى عنه تبعا للمحقق الثانى فى جامع المقاصد حيث قال فيه واعلم ان ظاهر الاصحاب ان اذن الولى انما يتوقف عليها الجماعة لااصل الصلوة لوجوبها على الكفاية فلا يناط راى احد من المكلفين فلوصلوا فرادى بغير اذن اجزء انتهى .

وهم وان ذكر ذلك في خصوص الصلوة لكنه لا يخفى عليك جريانه في غيرها من احكام الميت التي ادعى فيها الوجوب الكفائى من التغسيل و نحوه فقضية ذلك فيهما وجوب عدم اعتبار الاذن فى صحة ما وجب كفاية من احكام الميت لما تقدم من التنافى ومن العجيب من الشهيد بعد ما سمعته منه فى الروض قال في المسالك في المقام ولا منافاة بين الاولوية ووجوبه على الكفاية وكذا توقف فعل غير الولى على اذنه لا ينافي اصل الوجوب انتهى ولم يذكر وجه عدم المنافاة ولعله الذي اشار اليه في المدارك بعد حكاية كلام جده فى الروض قال و قد يقال انه لا منافات بين الوجوب كفائيا و بين اناطته برای بعض المكلفين على معنى انه ان قام به سقط الفرض عن الجميع وكذا ان اذن لغيره وقام به ذلك الغير والاسقط اعتباره وانعقدت الصلوة جماعة وفرادی بغیر اذنه انتهى.

و ربما ظهر من الرياض متابعته فى ذلك ايضا كما عن الذخيرة وناقش فيه بعضهم بان البحث ليس فى سقوط الفعل عن الغير اذا قام به الولی او نصب من قام به الولى ولا في سقوط اعتباره اذا امتنع عن الاذن و المباشرة انما البحث في ان المقتضى للوجوب الكفائى تعلق خطابه بجملة المكلفين على حد واحد وانه متى قام به بعضهم سقط عن الباقي ومقتضى اناطة الأمر به اختصاصه ومن قدمه بذلك وانه متى قيم بدون اذنه لم يكن مجزياً فالمنافاة بحالها حينئذ وكيف يتصور الوجوب المطلق على كل مكلف مع اشتراط صحة الفعل المكلف به بما ليس من قبله كالاذن

ص: 45

من شخص آخر ونحوذلك نعم هو واجب مشروط فتأمل انتهى.

والتأمل في هذه المقالات والمنقولات يرشد المتامل الى ان اناطة صحة فعل غير الولى باذنه ينافي كونهما في عرض واحد فى توجه الخطاب اليهما وتعلق الوجوب بجملة المكلفين على حد واحد وعدم جواز فعل الغير وعدم صحته بغير الاذن لا يجتمع مع وجوبه عليه على حد وجوبه على الولى ومن الامور الغير الخفية على احد عدم ارتفاع المنافات المذكورة بالاجماع فلو فرض انعقاد الاجماع يكون اجماعا على تحقق طرفي الضد.

قال فى الجواهر بعد تلك المقالة بل لعله لذا وشبهه بالغ المحدث البحراني في حدائقه واخوه في احيائه فى انكار الوجوب الكفائي على ساير المكلفين بل هو مختص بالولى نعم لو امتنع الولى مع عدم التمكن من اخباره اولم يكن ولی انتقل الحكم حينئذ الى المسلمين بالادلة العامة زاعما ان ذلك هو الظاهر من الاخبار المتقدمة التي تعرض فيها لذكر الولى مضافا الى ما عساه يشعر به زيادة على ذلك ما في رواية جابر عن أبي جعفر الله معاشر الناس لا الفين رجلامات له ميت ليلا فانتظر به الصبح ولامات له ميت نهاراً فانتظر به الليل وما في صحيحته عنه ايضاً فى المرئة توأم النساء قال لا الا على الميت الا اذا لم يكن احد اولى بها وما في صحيحته الأخرى عن الصادق انه سئل عن القبركم يدخله قال ذاك الى الولى انشاء ادخل وتر او انشاء ادخل شفعا الى غير ذلك مما ظاهره توجيه الخطاب بذلك كله من الواجب والمستحب الى الولى .

ثم ان الأول منهما بالغ فى انكاره ذلك غاية المبالغة حتى قال انه وان اشتهر بينهم الا انه لا اعرف له دليلا يعتمد عليه ولا حديثاً يرجع اليه كما ان الثاني تعجب الاصحاب كيف جمعوا بين القول بذلك وبين القول بالاولوية المذكورة سيما من في الغسل والصلوة مع توافقهما انتهى.

ويظهر من هذين المحققين انكارهما لامكان الجمع بين الحكمين المتنافبين و من الاول ان الوجوب الكفائى لا دليل عليه بل الدليل على خلاف ذلك فرواية

ص: 46

جابر عن ابى جعفر التى هى من الاخبار النبوية ظاهره في اختصاص امر التجهيز بمن مات له الميت كما ان الصحيحتين صريحتان في رجوع امر الميت الى وليه على ان امر كل شخص راجع اليه اولا وبالذات ومع عدم قدرة ذلك الشخص على تنظيم امره لصغره او جنونه او مرضه اوموته يرجع ذلك الامر الى اقرب الناس اليه فلو هيا الميت امر تجهيزه قبل موته بالوصية وتعيين مال يصرف فيه يتبع ومع عدم التعيين يرجع أمره إلى من هو اقرب اليه وانسب وهو الاولى به نعم للمشارع الأولى با نفس المؤمنين و اموالهم ایجاب امر التجهيز على غير الاقرب والانسب لكنه ما رد في الشرع هذا النحو من الايجاب بل ايد ما هو الاصلى العقلائي من رجوع امره الى اقرب المعبر عنه بالولى .

وما قیل من ان الظاهر من الاخبار ان مراد الشارع ابراز ذلك في الوجود الخارجي لامن مباشر معين حتى من اخبار الولاية معناه ما بينا من الغاء خصوصية المباشر وبروز الامر من شخص الولى بل وجوب بروزه في الخارج من ناحيته سواء كان بالمباشرة او بالالتماس او الامر و معنی امر ولى الميت غيره بامر التجهيز كون الغير منه بحيث يصح صدور الامر منه بالنسبة الى المأموربان كان ممن يجب اطاعته ولو بسبب الاستيجارفان اخذ الاجرة من الولى لفعل ما يجب عليه لامانع منه بعد ما كان أمر الميت راجعا اليه وجوباً مع الغاء خصوصية المباشرة و انما يحرم اخذ الاجرة لعمل واجب على العامل.

و لاينافي ما بينا من وجوب امره على الولى كون الولى احق بذلك من غيره لان الاقربية الى الميت له اثر ان احقية الاقرب عن غيره ووجوب الامر عليه كما ان التعبير في الاخبار بالامر والاذن ايضاً يؤيد الايجاب عليه لانه دال على شدة ارتباط امر الميت الى الولى بحيث لا بد ان يكون مختصا به وقد اشتهر ان من له الغنم فعليه الغرم ومن لاغنم له لاغرم له فالمقام مقام اثبات حق ومنصب للولى والحق والمنصب يوجبان رجوع الامر اليه بخصوصه لاان لولى الميت على غيره ولاية وحق بحيث لوامره بامر من امور الميت لوجب عليه امتثاله ضرورة ان موت احد لا يجعل

ص: 47

لوليه ولاية على غيره.

والحاصل ان الاصل الاولى العقلائى رجوع امر كل فرد من افراد الانسان اليه ضرا ونفعاً ومع عجزه عن تنظيم امره يرجع الى اقرب الناس اليه وانسبهم منه ولا يتجاوز عن هذا الاصل الا بامر من هو اولى بجميع الناس منهم باموالهم وانفسهم خالقهم تعالى شأنه وعظم ثنائه فلا یصح القول بوجوب تجهيز الميت على غير وليه الا بعد ايجاب الشارع وليس في الاخبار ما يشعر بذلك بل الوارد فيها هو ما يوافق الأصل لما عرفت من الروايات الدالة على رجوع امر الميت الى وليه و يدل ايضاً على اختصاص الولى بامره ما روى الشيخ عن غياث بن ابراهيم الزرامى عن جعفر عن ابيه عن على قال يغسل الميت اولى الناس به .

والمناقشة فيهذه الرواية من حيث السند مندفعة بما بين في الجواهر وتوصيف ابراهيم بالزرامى مع عدم ذكره بهذا الوصف في الرجال لا ينافي توثيقه بعد ما كان الراوى عنه الثقة الجليل عبد الله بن مغيرة الذي اجمعت العصابه بتصحيح ما يصبح عنه وقال الصدوق في الفقيه قال امير المومنين يغسل الميت اولى الناس به اومن يامره الولى بذلك.

و روی ابن ابی عمیر عن بعض اصحابه عن ابي عبدالله قال يصلى على الجنازة اولى الناس بها اويامر من يحب.

و روی احمد بن محمد بن ابي نضر عن بعض أصحابنا عن ابيعبد الله قال يصلى على الجنازة اولى الناس به او يامر من يحب ولا فرق بين الصلوة والتغسيل في الاختصاص والانحصار.

وسيجيء في باب الصلوة على الميت ما يدل على تقدم الامام ا ونبين وجهه و نبين ايضاً وجه تقدم الزوج في الصلوة على الزوجة وساير احكامها بهذه الروايات تدل على ان امر الغسل والصلوة راجع الى ولى الميت بالمعنى الذي بينا من الغاء خصوصية شخص الولى و وجوب كونه من ناحيته وليس في اخبار اهل العصمة ما يدل على وجوب امر من امور الميت على غير الولى مع وجوده.

ص: 48

عند فقد الولى

( عند فقد الولى)

بل مع فقده لان امر الميت مع فقد الولى يكون من الحسبيات الراجعة امرها الى سلطان الاسلام ضرورة رجوع امر الرعية الى السلطان مع فقد الاقارب كرجوع مالها اليه عند فقد المناسب والمسابب ومع فقد السلطان اوعدم بسط يده لانعزا له عن مقامه يرجع الامر الى اهل بلد الميت كما ان ماله أيضا يرجع اليهم ولا يترك ملقى على الارض لمنافات ترك تجهيزه احترامه الواجب على غيره من المؤمنين كما ان ماله لا يصرف فى مصارف لا تعود عائدته الى المؤمنين لأن المؤمن اخ المؤمنين فحينئذ يكون الاخ فى الدين قائماً مقام الاخ في النسب وقد ورد في روايات الارث انه كان على يقول في الرجل يموت وترك مالا وليس له احد اعطى المال هشاريجه وفى رواية اخرى مات رجل على عهد امير المؤمنين ع لم تكن له وارث فدفع امير المؤمنين ميراثه الى همشريجه وفى حسنة الحلبي عن ابيعبد الله قال من مات وترك دنياً فعلينا دينه والينا عياله ومن مات وترك مالا فلورثته و من مات وليس له موالى فماله من الانفال فالميت الفاقد للورثة اعنى الاولياء الذين عليهم تجهيزه يرجع امره الى السلطان رجوع امر الرعية الى السلطان و مع فقده او عدم بسط يده لا يختل امره بحيث يترك سدى بل يرجع امره الى اخوتهم المؤمنين القائمين مقام السلطان في بعض الأمور الحسبية التي منها تجهيزات الميت الى ان يدفن وحينئذ يصيح القول بالوجوب الكفائى لان المؤمنين في عرض واحد بالنسبة الى الميت ولا يحتاج ثبوت الوجوب الكفائى الى دليل خاص بل يكفي في وجوب التجهيز على الجميع عدم تقدم بعضهم من بعض وحيث ان المقصود الاصلى تحقق امر التجهيز فى الخارج يسقط فعل البعض عن الاخرين وما بينا من رجوع الأمر الى السلطان سيرة مستمرة فى جميع الاول فترى الدولة تجعل مال الميت من رعيته اذا لم يكن له وارث فى بيت المال و يأمر بتجهيزه من التغسيل و التكفين والصلوة عليه والدفن وان لم يكن له مال .

ص: 49

والى ما بينا ينظر ما فى الحدائق من انتقال الحكم انتقال الحكم مع فقد الولى الى المسلمين بالادلة العامة فهو قدس سره وان اهمل ذكر السلطان عند فقد الولى الاانة اصاب في ذهابه الى انتقال الحكم الى المسلمين بعد فقد الولى الاان يكون مراده من فقد الولى هو الاعم من السلطان الذى هو ولى عام بالنسبة الى جميع المسلمين او يكون كلامه ناظراً الى زمن الغيبة مع عدم بسط يد نواب الامام العامة.

وكيف كان فيما ذهب اليه صاحب الجواهر قدس الله نفسه من نسبة قوله وقول اخيه الى الشذوذ بحيث لا يلتفت اليه للاجماع ليس على ما ينبغي ثم قال بعد نسبة قولهما الى الشذوذ مضافا الى ما يظهر من ملاحظة الاخبار ان مراد الشارع ابراز ذلك في الوجود الخارجي لامن مباشر بعينه حتى من اخبار الولاية ايضاً لتضمنها الاكتفاء بمن امره الولى بذلك المشعر بعدم ارادة وقوعه من خصوص الولى ويزيده وضوحاً خصوصاً حيث يفقد الولى شرط جواز المباشرة كما لو كان الميت امرئة والولى رجلا لا يباشرها او بالعكس .

وفيه ان وجوب تنظيم امر الميت على الولى ليس معناه وجوب مباشرته ضرورة ان وجوب تغسيل الميت مثلا على شخص ليس كوجوب الصلوة عليه والصوم بل معنى الوجوب هناكون هذالامر بعهدته والوقوع من ناحيته ولو باستيجار الغير او الالتماس او الامر فهذ الكلام اجنبى عن المقام بل هو جواب لمن يدعى وجوب اقدام الولى بشخصه.

عند غيبة الولى

) عند غيبة الولى )

واما مع غيبة الولى فان كان الانتظار لقدومه موجبا لهتك حرمة الميت لبعد المسافة فهى كفقده و ان لم يكن كذلك و يمكن حضوره مع حفظ احترامه ينتظر لمجيئه والاقدام بامره ومع حضوره وامتناعه من الاقدام يجبره الحاكم ان كان ومع عدم حضور الحاكم او مع عدم بسط يده يكون وجود الولى كعدمه و يرجع الامر الى المؤمنين فيجب عليهم بالكفاية .

ص: 50

والحاصل من طول المبحث ان امر التجهيز راجع الى اقرب الناس الى الميت المعبر عنه بالولى لان معنى الولى هو المتصل بالشيء شدة الاتصال بل الاصل العقلى الأولى رجوع امر كل شخص الى نفسه فلو فرض امکان صدور امر التجهيز عن شخص الميت لكان هو اولى من غيره ولذا لوهيا لنفسه قبراً ممهدا لرقدته او مكانا معينا لحفر قبره ليس لاحد من الاولياء وغيرهم تغير ماهياه ومهده كما ان تعيينه للكفن المخصوص بل الماء المعين للغسل نافذ لا يغير وحيث ان بعض الامور لا يمكن الا بعد الموت فلو اوصى بامر لا يجوز رده لان الامر امره و وجوبه على الولى لاتصاله به وقربه منه فلايكون اولى منه نفسه.

وكذا لواوصى الميت الى شخص بتجهيزه لا يجوز للولى مزاحمة الوصى اليه لانه قائم مقام الميت فيما اوصى اليه والميت ابصر بمنافعه ومضاره ووجوب التجهيز انما هو لاحترامه وحفظ شئونه وليس هذه الوصية غير مشروعة كي يتمسك بان ادلة الوصية تختصه بالنص والاجماع بالوصية المشروعة لعدم ما يمنع من مشروعيته سوى ما يتخيل من كون الولى اولى من غيره فى امر الميت وكون عمومات ولاية الاولياء رافعة لموضوع عموم حرمة تبديل الوصية و يندفع هذالتخيل بان ارجاع امر الميت الى الولى فى الشرع لاجل اتمام امر تجهيزه و رفع نواقصه واختلال امره حفظاً لاحترامه و شئونه وصونا لرتبته عن الانحطاط و ابقاء لكرامته التي في تعجيل تجهيزه ومع تعيين الميت الوصى لتجهيزه لا يبقى مورد لاقدام الولى ومنع الموصى اليه عما اوصى الميت اليه مخالف لاحترامه واكرامه وتضيع لحقه فاللايق بالمقام ان يقال ان ايصاء الميت رافع لموضوع عمومات ولاية الولى.

و بتقرير اوفى واخصر ان عمدة فوائد التجهيز راجعة الى الميت والمثوبات المترتبة على الاقدام بامره انما هو لتعظيم الميت وتكريمه واولوية الولى عن غيره لقربه منه و شدة اتصاله به فهو مقدم على غيره لا الوصى القائم مقام الميت فتقديم الولى على الموصى اليه في حكم تقديمه على الموصى و هو مخالف لاحترامه و اکرامه.

ص: 51

واما الولى الأولى من غيره فهو الاقرب الى الميت واشد اتصالا به لان معنی الولاء القرب فالقريب اولى من الاجنبى والاقرب أولى من القريب وآية او لو الارحام بعضهم اولى ببعض فى كتاب الله ناسخة للتوارت بالهجرة والنصرة لدلالتها على ان من كان اقرب الى الميت بالنسب كان اولى بالميراث و ان الاقرب يمنع الابعد فمعنى قوله لا يغسل الميت او يصلى عليه اولی الناس به ان الاقرب اليه لغسله ويصلى عليه وبعبارة اخرى الاولى بالميراث اولى بالاحكام فكل من يرث من الميت لا اولی ممن يين والطبقة الاولى اولى من الثانية و الثانية اولى من الثالثة الى ضامن الجريرة واما الامام فهو وارث من لاوارث له فرجوع المال اليه بعد فقد الوارث لاجل ان مال الرعية راجع الى السلطان اذا لم يكن له وارث كما ان امر تجهیزه راجع اليه عند فقد الوارث.

واما تعدد الورثة مع كونهم من طبقة واحدة يوجب تقديم الذكور على الاناث كتقديم الاب على الام والاخوة على الاخوات والاعمام على العمات و الاخوال على الخالات و تقديم الافضل على غيره كتقديم الاب على الابن والولد الاكبر على الاصغر والعم على الخال والاخ الاكبر على الاصغر وتقديم الأقوى في النسبة من الاضعف كتقديم الاخ من الابوين من الاخ من الاب او الام والاخ من الاب من الاخ من الام .

و تقديم الأقرب من الطبقة الواحدة على غيره كتقديم الابن من ابن الابن والاخ من ابن الاخ والعم والحال من ابنيهما.

وتقديم الاصل في النسب من الفرع كتقديم الجد من الاخ لأن الجد مخرج لولد الولد واما الاخ فنسبته الى الاخ لاجل الاجتماع في البيت والنظر في صحيحة هشام بن سالم عن يزيد الكناسي عن أبي جعفر يزيد في الاطلاع في هذا الباب قال ابنك اولى بك من ابن ابنك وابن ابنك اولى من اخيك قال واخوك لا بيك وامك اولى بك من اخيك لا بيك قال واخوك لا بيك اولى بك من اخيك لامك قال وابن اخيك لا بيك وامك اولى بك من ابن اخيك لا بيك قال وابن اخيك من ابيك

ص: 52

اولى بك من عمك قال وعمك اخوابيك من ابيه وامه اولى بك من عمك اخي ابيك من ابيه قال وعمك اخوابيك لابيه اولى بك من عمك اخي ابيك من ابيه قال و ابن عمك اخى ابيك من ابيه وامه اولى بك من ابن عمك اخى ابيك لابيه قال و ابن عمك اخى ابيك من ابيه اولى بك من ابن عمك اخى ابيك لامه.

والتأمل في هذه الصحيحة يرشد المتأمل الى معنى الاولوية.

الزوج والزوجة

(الزوج والزوجة)

واما الزوجة فالاولى بها فى احكام الاموات هو الزوج وليس تقدم الزوج على غيره من الاقرباء لاجل قربه منها بل لان الزوج فى حكم المالك والزوجة في حكم المملوكة ومن المعلوم ان امر المملوك راجع الى المالك حياً وميتاً الى ان الى القبر فالقبر بمنزلة المسكن والكفن بمنزلة اللباس وساير الاشياء بمنزلة النفقة ومع فقد الزوج يرجع امرها الى الاقرباء الأولى منهم فالأولى والراجع الى الزوج ليس صرف الاعمال بل يجب عليه جميع لوازم التجهيز من الاموال والاعمال سواء كان للزوجة مال ام لا و اما الاقرباء فالواجب عليهم الاقدام في امر التجهيز من حيث العمل من مال الميت مع کونه نه ذا مال و مع فقد المال يعطى من بيت مال المسلمين لان امر افراد المسلمين راجع الى الدولة الاسلامية وبيت المال اعد لمصالح الأفراد.

ويدل على أولوية الزوج باحكام الزوجة عن الاقرباء موثقة اسحق بن عمار عن الصادق الله قال الزوج احق بامرئته حتى يضعها في قبرها.

ورواية ابى بصير عن أبي عبد الله قال قلت له المرئة تموت من احق بالصلوة عليها قال زوجها قلت الزوج احق من الاب والولد والاخ قال نعم ويغسلها ورواية اخرى له عن ابي عبد الله قال سئلته عن المرئة تموت من احق ان يصلى عليها قال الزوج احق من الاب والاخ والولد قال نعم ولا يعارض هذه الروايات صحيحة حفص عن الصادق الا الله فى المرئة تموت ومعها اخوها وزوجها ايهما يصلى

ص: 53

عليها قال اخوها احق بالصلوة عليها ولا رواية عبد الرحمن عن مولانا الصادق قال سئلته عن المرئة الزوج احق بها اوالاخ قال الاخ لموافقتهما لطائفة الرشد في خلافها ولاعراض الاصحاب عنهما ولا فرق بين الزوجة المدخول بها و بين غيرها لتحقق الزوجية فيهما والظاهر بقاء هذا الحكم فى المطلقة الرجعية لما ورد من انها في حكم الزوجة و اما المنقطعة فمقتضى الاطلاق انها كا الدائمة لعدم الفرق بينهما في نفس الزوجية كما ان غير المدخولة كالمدخولة لصدق الزوجة عليهما بلا تفاوت.

و اما جواز تغسيل الزوج زوجته فلا ينبغى التوقف فيه و يكفي في الحكم بالجواز صدوره من امير المؤمنين عليه صلوات المصلين فبعد اقدامه على هذا الامر لم يبق مجال للتأمل فيه.

والتعليل بان الصديقة لا يغسلها الا الصديق لا ينافي اصل الجواز و عدم انکار من لا يعتقد هذه القضية عليه يكشف عن اشتهار هذ الحكم في الصدر الاول فلولم يكن الجواز من البديهيات عند الاصحاب لا نكروا عليه التوغلهم في اظهار نقص له وتصلبهم فى العناد بالنسبة اليه الا فصدور هذا الامر عنه في ذلك الزمان كاشف عن كونه من بديهيات الاسلام فلا وقع لما ورد من تقييد الجواز لعدم وجود المرئة كخبر ابي حمزة عن أبي جعفر لا يغسل الرجل امرئته الا ان لا توجد امرئة ومن التقييد بالسفر كخبر ابي بصير يغسل الزوج امرئته في السفر والمرئة زوجها في السفر اذا لم يكن معهم رجل لانهما محمولان على استحباب التماثل فى الغاسل والمغسول كما ان تعليل غسل أمير المؤمنين فاطمة يكونها صديقة لا يغسلها الا صديق لدفع توهم عدم مراعات الاستحباب في التماثل وان التماثل في الصديقية مقدم على التماثل فى الذكورة والانوثة .

واما رواية زرارة عن أبي عبد الله الناهية عن غسل الرجل امرئته لانه ليس منها في عدة فمحمولة على النقية كما حكى عن صاحب المنتقى قدس سره لموافقتها لاشهر مذاهب العامة وحملها الشيخ على انه لا يغسلها مجردة وحملها صاحب الوسائل على الكرامة والاول اشبه بالواقع وكون المرئة في العدة من الزوج ليس

ص: 54

هو المجوز لتغسيلها اياه كي يقال بعدم جواز تغسيلها اياها لعدم وجود العدة بل العدة تمنع عن جواز تزويجها بالغير واما ساير الاحكام من النظر والتغسيل فلادليل على استنادها بالعدة لان المحرمية باقية بينهما من دون العدة على ان التكلم في اطراف هذا الحكم والبحث عنه بعد اقدام رئيس الاسلام مما لا ينبغي لاحد من المسلمين لان المعيار في الحل والحرمة هو فعل صاحب الشرع الانور فتأثير العدة في الجواز و عدم تأثيرها فيه يعرف من فعل المعصوم فلا معنى للتمسك بما دل على ان الزوج لا يغسل الزوجة لعدم كونه في العدة منها بل يجب القول على عدم تأثير العدة في الجواز بعد ثبوت الفعل عن المعصوم.

وحيث ان المحرمية بين الشخصين حكم واحد الطرفين ولا يمكن التفكيك بين محرمية شخص من الاخر ومحرميته منه يجرى حكم الجواز الى المرئة فيجوز لها تغسيل الزوج لا لاجل ان الزوجة فى عدة من الزوج بل لثبوت المحرمية بينهما وبقائها بعد الوفات لعدم كون الموت قاطعا للمعصمة والمستند هو فعل المعصوم وعدم انفكاك المحرمية عنهما ولا معنى للتمسك بالاستصحاب في المقام لان موضوع الاستصحاب هو الشك المفقود في المقام .

نعم لولم يدل دليل على البقاء بعد الموت وحصل الشك بكونه مزيلا للمحرمية ورافعاً المعصمة صح التمسك بالقاعدة الشريفة اعنى الاخذ بالمقتضى وعدم الاعتناء بالمانع اى المزيل والحكم ببقاء العصمة ولافرق فى عدم جريان الاصل بعد وجود الدليل بين كون الدليل مطابقا لمفاد الاصل وبين كونه مخالفا له .

ويدل على بقاء العصمة صحيحة عيد بن مسلم عن مولانا الباقر ان امرئة توفيت ايصلح لزوجها ان ينظر الى وجهها ورأسها قال نعم.

واما مضمرة الشحام الصحيحة عن رجل مات فى السفر مع نساء ليس معهن رجل فقال ان لم يكن فيهن امرئته فليدفن بثيابه ولا يغسل وان كان له فيهن امرئته فليغسل فى قميص من غير ان تنظر الى عورته فهى ايضاً تدل على بقاء العصمة وعدم النظر الى العورة ليس لانقطاع العصمة بل لمكان ركاكته وكراهته كما ان الغسل

ص: 55

مع الثياب لاجل اكرام المغسول واحترامه فظهر ان القول بوجوب كون التغسيل من وراء الثياب في غير محله سواء كان المغسول الزوج او الزوجة كلما ورد في الاخبار من كون التغسيل من وراء الثوب محمول على الاستحباب ورفع الركاكة والكراهة بل هوليس من الاستحبابات المصطلحة المقابلة للوجوب بل المقصود ان التغسيل من وراء الثوب من العادات الحسنة لما فيه من اكرام الميت و احترامه والحاصل ان بقاء العصمة بين الزوج والزوجة بعد موت احدهما مما لا ينبغى الشك فيه بعد ما سمعت من فعل المعصوم .

و مقتضى بقاء العصمة عدم الفرق بين الزوج والزوجة لان العصمة حكم يتوقف ثبوته على الطرفين ولا يمكن التفكيك يكون احدهما واجداً للعصمة والاخر اجنبياً منه وبعض الاخبار صريح في جواز التجريد كقوله يلقى على عورتها خرقة وقوله انما يمنعها اهلها لفضيا وما دل على جواز نظر الزوج الى وجه الزوجة ورأسها .

بل رواية عبدالله بن سنان تدل على اولوية الزوجة عن ساير موالى الزوج حيث قال اذا مات الرجل مع النساء غسلته امرئته وان لم تكن امرئته معه غسلته اولاهن به وتلف على يدها خرقة .

والتغسيل من وراء الثوب قد يكون مع لصوق الثوب ببدن الميت وقد لا يكون كذلك لان المقصود هو كراهة النظر لا كراهة التجريد ويرتفع الكرامة بان يغطى الميت بالثوب مرتفعاً عنه غير ملصق به فلو كان التغسيل مع الصاق الثوب وصب الماء فوق القميص مثلا فطهارة الميت بعد التغسيل مما لا اشكال فيه لكنها هل لاجل عدم نجاسة الميت كى يكتسب الثوب النجاسة ثم سرايتها ببدن الميت كما قوينا فيما تقدم لعدم ما يدل على النجاسة اولاجل ارتفاع النجاسة عن الثوب بصرف الماء عليه من دون عصر جريانه مجرى ما لا يمكن عصره و مجرى الخرقة الساترة للعورة او للتفكيك بين الثوب وبين بدن الميت فى النجاسة والطهارة والحكم بطهارة الميت والنجاسة الثوب اولاجل عدم تنجس الثوب رأساً و ان قلنا بنجاسة الميت وسراية

ص: 56

نجاسته الى غير الثوب وجوه اظهرها (الاول) ( ثم الثانى ) ( ثم الرابع) واحوطها ( الثالث ) ولا منافات بين نجاسة الثوب وطهارة الميت فيحتاج تطهير الثوب حينئذ الى العصر .

قو لقب هذا بالنسبة الى نجاسة الميت المستند الى الموت و اما النجاسة الخارجة من الميت من البول والغائط فهى خارجة عن هذه الوجوه فانه يترتب عليها احكامها .

والمراد بالثياب الثياب المعهودة فلا تجب تغطية الوجه والكفين والقدمين لان هذه الاعضاء مما وضعت عنه الثياب واما الرأس فهو موضع للثوب وليس مما وضع عنه الثوب فيشمله الحكم واما تعميم الحكم على الوجه والكفين والقدمين فلا دليل عليه سيما مع ذكر القميص والدرع في الاخبار الظاهر في ارادة الثياب المعهودة ومقتضى اطلاق الروايات فى الزوجة عدم الفرق بين الدائمة و المنقطعة والمدخول بها وغير المدخول بها والمطلقة بالطلاق الرجعي في حكم الزوجة في جواز تغسيل الزوج لعدم استثناء ذلك عن عموم كونها زوجة حكماً فلومات الزوج وهى فى عدة الطلاق يجوز لها تغسيله لانها زوجته وتعتد عدة الوفات واما اذا مات بعد خروجها عن العدة فهى كالمطلقة بايناً فهى اجنبية بالنسبة اليه وحكى عن الشهيد (قده) انه قال فى الذكرى لا عبرة بانقضاء عدة المرئة عندنا بل لو نكحت جاز لها تغسيله وان كان الفرض عندنا بعيداً انتهى.

ولعل نظره قدس الله سره ان الطلاق وان كان موجباً للفراق بين الزوج والزوجة الا انه ليس كالفسخ فى ايجاب الفراق لان الفسخ عبارة عن حل عقدة الزوجية الحاصلة بين حبلى الزوج والزوجة والطلاق عبارة عن جعل الحبل على غارب الزوجة فيبقى بين الزوج والزوجة علقة ضعيفة تؤثر في بعض الموارد فالطلقاء ليسوا باحرار خالصة فى الحرية بل يبقى فيهم شائبة من العبودية والزوجة المطلقة و ان باينت عن الزوج بحيث يتزوج بزوج آخر الا ان العلقة ما ارتفعت كارتفاعها بالفسخ لعدم اغلال العقدة وجعل الحبل على عاتق الزوجة وغاربها واثر هذه العلقة الضعيفة الباقية جواز تغسيلها اياه ولا يرتفع ايضا بموت احدهما ولامنافات بین بقاء

ص: 57

هذ الاثر وصحة ازدواج الزوجة بزوج آخر وصحة ازدواج الزوج بالرابعة اواخت الزوجة.

وهذا معنى دقيق يدرك بعد التأمل التام الا ان مقتضى صحة هذا المعنى عدم الفرق بين اقسام الطلاق لان للطلاق حقيقة واحدة فاقسام الطلاق ليست بحقايق مختلفة.

وبيان اوضح الزوجية علقة حاصلة من المقد فهى عقدة بين حبلى الزوج فيما يلى الزوج بيده والطرف الاخر متصل برقبة الزوجة فانها مملوكة للزوج في جهة خاصة والفسخ حل لهذه العقدة فاذا وقع الفسخ لم يبق ربط بينهما و اما الطلاق فليس حلا للعقدة بل جعل للحبل على عاتقها من دون حل العقدة فحبل الزوج على عاتقها بعد الطلاق ولهذا لحبل اثر بعد الطلاق ولا ينافي نكاحها لان النكاح من آثار انقطاع الحبل من يد الزوج وتخليته طريقها وجعلها مطلق العنان وفي ادراك هذا المعنى غموض وصعوبة فتجويز الشهيد تغسيلها اياه بعد النكاح ناظر الى ما بيناه عندنا و قوله قدس سره مشعر باتفاق الامامية وبعد الفرض في زمان الشهيد (ره) معلوم و لكن في هذا الزمان لا بعد لهذا الفرض حيث شاع ابقاء الميت مدة مديدة لغرض من الاغراض وما استشكل بعض المتأخرين بانها حينئذ اجنبية في غير محله لما عرفت من عدم انقطاع العصمة بالموت والطلاق بحيث يحرم عليها تغسيله وخروج العدة لا يؤثر فى الاجنبية فان عدة الوفات شرعت لاحترام الميت في تلك المدة لا لصيرورتها اجنبية بعد انقضاء العدة.

والحاصل ان بعد ما تحققت الزوجية بين الزوجين لا يرتفع آثارها اجمع الا بالفسخ الذى هو حل للمعقد واذهاب للمزوجية واما الطلاق والموت فليسا كالفسخ رافعين لجميع آثارها لانهما لم يذهبا بها رأساً لما بينا ان الطلاق ليس حلا للعقد بل جعل للحبل على غارب الزوجة واما الموت فلا يفرق بين الزوجين لبقاء الزوجية بعده ونكاح الاخت والرابعة لاين فى بقاء الزوجية بين الزوجين مع موت احدهما لان حرمة نكاح الاخت والرابعة من احكام الاحياء فيحرم الجمع بين

ص: 58

الاختين مع حيوتهما وكذا يحرم نكاح الخامسة مع حيوة الاربع لا مطلقا في الموضعين و حيث ان الموت والطلاق رافعان لما هو العمدة من احكام الزوجية حل للزوج نكاح الاخت والرابعة و للزوجة ان تنكح زوجاً غير الميت و هذه الحلية لا تنافى بقاء بعض احكام الزوجية كتغسيل كل منهما الاخر ونظر الزوج الى الزوجة بعد الموت وبالعكس.

واما المحارم من الاقارب

( واما المحارم من الاقارب)

فيغسلون الاقارب مع الاحتراز عن النظر الى ما لم يكن له النظر في حيوته اعضاء المحرم لا يجوز النظر اليه للمحرم ولا يتبدل حرمة النظر في زمن الحيوة الى الجوار بعد الموت كما ان الجواز ايضاً لا يتبدل الى الحرمة وفي حكم النظر في ازوم الاحتراز و عدمه بالنسبة الى اعضاء الميت مس بشرته لان الاعضاء مختلفة في جواز المس وعدمه كالنظر فلما ورد فى الاخبار من الستر ولف اليد الخرقة او القائها على العودة ينظر الى هذا المعنى فاحكام المحارم بالنسبة الى النظر لا تختلف في الحيوة وبعد الموت وكذلك لمس الاعضاء .

روى زيد الشحام قال سئلت ابا عبدالله عن امرئة ماتت وهي في موضع ليس فيهم امرئة غيرها قال ان لم يكن فيهم لها زوج ولا زورحم دفنوها بثيابها ولا يغسلونها وان كان معهم زوجها او ذورحم لها فيغسلونها من غيران ينظر الى عورتها فيحتمل عود ضمير ينظر الى ذورحم ومع شمول النهى عن النظر الزوج يكون بالنسبة اليه الكرامة وبالنسبة الى ذى رحم الحرمة قال وسئلته عن رجل مات في السفر مع نساء ليس فيهن رجل قال ان لم يكن له فيهن امرئة فليدفن في ثيابه ولا يغسل وان كان له فيهن امرئة فليغسل فى قميصه من غير ان تنظر الى عورته .

و موثقة سماعة عن رجل مات وليس عنده الا نساء قال تغسله امرئة ذات محرم منه وتصب النساء عليه الماء ولا يخلع ثوبه ويمكن ان يكون النهي عن خلع الثوب لحضور النساء غير المحرم والامر بكون الغسل فى القميص من غير النظر الى العورة لان غير الزوجة ليس لها النظر الى العورة وان كانت من المحارم واما

ص: 59

بالنسبة الى الزوجة فلرفع الكرامة وقد قدمنا ان ما ورد في الاخبار من كون التغسيل من وراء الثوب محمول على الاستحباب ورفع الركاكة والكرامة فحرمة النظر والمس بعد الحيوة تابعة بحر متهما في زمن الحيوة.

عند فقد المماثل والمحرم

) عند فقد المماثل والمحرم )

ويستفاد من الاخبار المذكورة سقوط الغسل عند فقد المماثل والمحرم لقوله فليدفن في ثيابه وقوله الدفنوها بثيابها ولا يغسلونها فالامر بالدفن والنهي التغسيل يكشف عن وجوب الدفن وعدم جواز الغسل.

و في المقام روايات ضعيفة تدل على الجواز ففى رواية ابي حمزة لا يغسل الرجل المرئة الا ان لا توجد المرئة وفى رواية ابن سنان عن مولانا الصادق المرئة اذا ماتت مع الرجال فلم يجدوا امرئة تغسلها غسلها بعض الرجال من وراء الثوب ويستحب أن يلف على يديه خرقة.

و رواية جابر عن أبي جعفر في رجل مات ومعه نسوة ليس معهن رجل قال يصببين عليه الماء من خلف الثوب و يلففنه فى اثوابه من تحت الستر ويصلين عليه صفاً والمرئة تموت مع الرجال ليس فيهم امرئة قال يصبون عليه الماء من خلف الثوب ويلففونها فى أكفانها ويصلون ويدفنون.

ورواية ابي بصير عن الصادق اذا ماتت المرئة مع قوم ليس فيهم محرم يصبون عليها الماء صباً ورجل مات مع نسوة ليس فيهن له محرم فقال ابو حنيفة يصبون عليها الماء صبا فقال بل يحل لهن ان يمسن منه ما كان يحل لهن أن ينظرن اليه وهو حى فاذا بلغن الموضع الذى لا يحل لهن النظر اليه ولامسه وهو حي صبين عليه الماء صباً ورواية زيد بن على عن أبيه عن آبائه عن على إذا مات الرجل في السفر مع النساء ليس فيهن امرئته ولا ذو محرم من نسائه يوزروا به الى الركبتين ويصببين عليه الماء صباً ولا ينظرن إلى عورته ولا يمسنه بايديهن و يطهرنه

ص: 60

قال شيخنا الانصاري (قده) وهذه الروايات ضعيفة السند مع قصور دلالة بعضها ومع ذلك فالكل قابل للحمل على الاستحباب كما عن الاستبصار وزيارات التهذيب و ربما يستشكل فى ذلك ايضاً من جهة النهي عن التغسيل والأمر بدفن الميت كما هو فى ثيابه لكن الاشكال في غير محله لعدم دلالة الادلة السابقة على الحرمة نعم ينبغى تقييده بما اذا لم يستلزم نظراً اومساً محرما.

وفيه ان النهى بعد ما لم يدل على الحرمة وقيل بالجواز يجب التغسيل لان الغسل واجب و مع عدم دليل على الحرمة يبقى على وجوبه فلا معنى للجواز بالمنا ارقصت لا اريا ابتال ال مالا والاستحبات لا مورد له.

ويمكن حمل النهي عن التغسيل على النهي على التغسيل الخاص اعنى تغسيل المماثل والمحرم فالاجنبي يصب الماء اذا لم يكن مماثلا والمحرم والمماثل يغسلان كاملا وان ابت الادلة الناهية عن هذا لحمل فلا مناص من طرح هذه الروايات الاان الرواية الأولى ليست بصريحة في غسل الرجل الاجنبى المرئة مع عدم وجود المرئة لاحتمال ان يكون المراد مراعات التماثل في الغاسل والمغسول وتقدم المماثل المحرم استحبابا وكذلك الرواية الثانية مع كون الغسل من وراء الثياب مستحبا كاستحباب لف الخرقة على يديه بل فيها نحو من الصراحة في كون الغاسل المحرم لقوله ع ويستحب الخ لعدم جواز مس الاجنبى.

أما رواية أبي بصير فبالطرح اولى مع قطع النظر عن مخالفتها مع النهي عن التغسيل لما فيها من تحليل مسهن ما يحل لهن النظر و اما رواية جابر و زيد بن على فيمكن العمل بهما بحمل النهي عن التغسيل على التغسيل الذي لا مانع منه كتغسيل المماثل والمحرم وحينئذ فصب الماء خلف الثوب يجب على الاجانب ما لم يستتبع النظر المحرم او المس.

و اما الروايات الدالة على وجوب التيمم او وجوب تغسيل مواضع التيمم حتى باطن الكفين اوغسل مواضع الوضوء اوغسل الكفين من الميت وان كانت في غاية الشذوذ بحيث لم يعمل بها احد الا ان العمل ما لم يستلزم محرماً موافق للاحتياط.

ص: 61

الا ان الرواية الدالة على وجوب التيمم موافقة لما حكى عن ابي حنيفة ووقع اتفاق الاصحاب على نفيها على ما حكى الانصاري (ره) عن التذكرة وظاهر الخلاف.

و اما مع وجود المماثل والمحرم كليهما فالانسب تغسيل المماثل مع جواز تغسيل المحرم والنهي عن غسل الرجل المرئة ما دام وجود المرئة محمول على الكراهة .

واما الخنثى المشكل فلا يجوز لها تغسيل غير المحارم لانها كالرجل بالنسبة الى المرئة و كالمرئة بالنسبة الى الرجل فلا يتحقق التماثل بينها و بين احد من الرجل والمرئة والاختلاف بينها وبين خنثى اخرى في الجهتين لان كلا منهما فيها جهتان الذكورة والانوثة فلا يجوز لغير المحرم تغسيلها ايضاً.

ولا يعتبر التماثل

) ولا يعتبر التماثل (

بين الغاسل والمغسول اذا كان الثانى ذكرا غير متجاوز عن ثلث سنين فتغسله النساء وورد هذا لتحديد فيما رواه الكليني باسناده عن ابى النمير مولى الحارث بن المغيرة المنقرى قال قلت لابي عبد الله حدثني عن الصبي الى كم تغسله النساء فقال (ع) الى ثلث سنين و هذه الرواية وان كان في سندها ضعف الا انها لامعارض لها و لم يردها احد من الاصحاب قال فى التذكرة اجمع العلماء على ان للنساء غسل الطفل مجرداً من ثيابه وان كان اجنبيا اختياراً واضطراراً ولان المرئة تربيه ولا تنفك الاطلاع على عورته لكن اختلفوا في تقديره .

فلعلمائنا قولان قال الشيخ يغسل ابن ثلث سنين وهو اولى لقول ابی عبدالله علیه السلام وقد قيل له حدثنى الى هذه الرواية فضعفها منجبر بعمل الاصحاب وبها يقيد اطلاق ما رواه عمار الساباطي عن ابی عبدالله (ع) انه سئل عن الصبى تغسله امرئة فقال انما تغسل الصبيان النساء وعن الصبية تموت فلا تصاب امرئة تغسلها قال ويغسلها رجل اولى الناس بها و يستفاد من ذيل رواية عمار حكم تغسيل الرجل

ص: 62

الصبية بنحو الاجمال فان اولى الناس بها اعم من المحرم وغيره كما ان الصبية اعم من المتجاوزة عن ثلث سنين وغير المتجاوزة وغير البالغة الى هذا الحد ولا يمكن رفع الاجمال ببيان رواية ابى النمير لامكان اختلاف البنت والابن في حكم الغسل فالقدر المتيقن واقل من ثلث سنين .

واما ما روى ان الجارية تموت مع الرجل فقال اذا كانت بنت اقل من خمس سنين اوست سنين دفنت ولم تغسل فالظاهران لفظ اقل وهم من الراوى كما ذهب اليه ابن طاوس على ما نقل عنه قال لفظ اقل هنا وهم واصله اكثر وحينئذ فمعنى الرواية ان الجارية لم تغسل بعد خمس سنين مع الرجل الاجنبي فتبقى فيما بين الثلث والخمس لا حكم لها و يمكن ان يقيد جواز الغسل بين الثلث و الخمس بالاضطرار وقبل الثلث الى الثلث يحكم بالجواز من دون قيد الاضطرار .

واما التماثل في الاسلام

) واما التماثل في الاسلام)

فمقتضى القواعد وجوبه لان وجوب تغسيل الميت لا يعم الكفار ولا يصح منهم لانه عبادة مشترط صحتها بقصد القربة وهو لا يمكن من المنكرين لدين الاسلام سيما المنكرين للمبدء والمعاد و اما اهل الكتاب وان لم يكونوا من المنكرين للمبدء والمعاد الا انهم لا نكارهم للاسلام لا يمكن لهم قصد القربة في العمل بحكم من احکامه و يمنع من صحة تغسيلهم ايضاً عدم طهارتهم فلا يمكن لهم تطهير الميت بناء على القول بنجاستهم لتنجس الميت بمباشرة النجس في التغسيل .

ولك ان تتصور كيفية فى التغسيل لا توجب نجاسة الميت بجعله في الجاري او الكر وتنظيفه باحدهما ثم قطع الماء عنه وابقائه الى ان ينشف او نشفه بما لا يوجب سراية المنشف اليه اوستره ونشف غيره بالستر وان تقول بان كتابي الغاسل منزل منزلة الالة للمسلم الأمر له بالغسل ويقصد الامر القربة فكانه غسل الميت بهذه الالة و لكن التصوير المذكور فى غاية العسرة وآلية الكتابي تنافى استقلاله في الاعتماد والقصد .

ص: 63

ان قلت ان النجاسة والطهارة من الاحكام الوضعية المجعولة في الشرع وكذا سراية النجاسة وتنجس الطاهر من النجس بالملاقات فيمكن في الشرع تخصيص مورد من الموارد بعدم التنجس بملاقات النجس كما خصص بعض الاشياء بالنجاسة والاخر بالتطهير فلم لا يجوز تخصيص الميت بعدم التنجس بملاقاته بنجاسة مخصوصه في حالة خاصة والاكتفاء بقصد المسلم ونيته بفعل الكتابي بتنزيله منزلة الآلة للمسلم فان صحة هذه الافعال و بطلانها يتوقفان على تصحيح الشارع وابطاله فبعد ورود الرواية بصحة تغسيل الكتابى الميت المسلم وجوازه عند فقد المسلم الحى لا يكون لاحد انكاره والحكم ببطلان التغسيل .

والحاصل ان تغسيل الكتابى الميت المسلم ليس مما يمتنع جوازه في الشرع عقلا بل يتوقف جوازه ورود الاذن من الشارع.

وقد روى الكليني رضوان الله عليه فى كتابه الكافي باسناده عمار بن عن موسى عن ابي عبد الله انه سئل عن الرجل المسلم يموت في السفر وليس معه رجل مسلم ومعه رجال نصاری و سعه عمته وخالته مسلمتان كيف يصنع في غسله قال تغسله عمته وخالته في قميصه ولا تقربه النصارى وعن المرئة تموت في السفر وليس معها امرئة مسلمة ومعها نساء نصاری و عمها و خالها مسلمان قال يغسلانها ولا تقربها النصرانية كما كانت المسلمة تغسلها غيرانه يكون عليها درع فيصب الماء من فوق الدرع قلت فان مات رجل مسلم و ليس معه رجل مسلم ولا امرئة مسلمة من ذى قرابته ومعه رجال نصاری و نساء مسلمات ليس بينه وبينهن قرابة قال يغتسل النصراني ثم يغسله فقد اضطر وعن المرئة المسلمة تموت وليس معها امرئة مسلمة ولارجل مسلم من ذوى قرابتها ومعها نصرانية ورجال مسلمون ليس بينها و بينهم قرابة قال تغتسل النصرانية ثم تغسلها وعن النصراني يكون في السفر وهو مع المسلمين فيموت قال لا يغسله مسلم ولا كرامة ولا يدفنه ولا يقوم على قبره .

و روى الصدوق والشيخ رضوان الله عليهما باسنادهما عن عمار بن موسى عن ابي عبد الله مثل رواية الكليني (ره) وروى الشيخ رضى الله عنه باسناده عن زيد

ص: 64

بن على عن آبائه عن على قال اتى رسول الله نفر فقالوا ان امرئة توفيت و ليس معها ذو محرم فقال الله كيف صنعتم فقالوا صببنا عليها الماء صباً فقال اوما وجدتم امرئة من اهل الكتاب تغسلها قالوا لا قال صلى الله عليه وآله افلا تيمموها.

فهاتان الروايتان تدلان على جواز تغسيل الكتابي والكتابية المسلم والمسلمة.

قلت ضعف الروايتين يمنع من العمل بهما ورفع اليد عن القواعد الكلية فان الفطحية والزيدية خارجتان عن الطريقة المستقيمة و عمار بن موسى ممن يجتهد ويجعل رايه جزءاً للرواية ولذا لا يعمل الاصحاب بما انفرد من الروايات والانحراف عن الطريقة الحقة مما يسلب الاطمينان عن المنحرف سيما فيما انفرديه.

وقال المحقق (قده) في المعتبر اذا مات الرجل بين نساء اجانب ورجال كفار ولا مسلم فيهم او المرئة بين رجال اجانب ونساء كافرات ولا مسلمة فيهن قال الشيخان يامر المسلمة او المسلم الرجال الكفار او النساء الكافرات بالاغتسال ثم يغسل المسلم او المسلمة واحتج في التهذيب لذلك بما رواه عمار بن موسى عن ابی عبدالله قلت ان مات مسلم الى آخر الرواية التى مر ذكرها ثم قال و في رواية سعد بن عبدالله عن ابى الجوزاء عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن على آبائه عن على قال اتى رسول الله نفر الى آخر الرواية المذكورة ثم قال ووجه دلالة هذا الحديث انه نبه على جواز تغسيل امرئة من اهل الكتاب لها فكان جائزا ثم قال وعندى فى هذا توقف والاقرب دفنها من غير غسل لان غسل الميت يفتقر الى النية والكافر لا يصح منه نية القربة.

واما الحديثان فالاول رواه الحسن بن على بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى والسند كله فطحية وهو مناف للاصل والحديث الثاني رجاله زيدية وحديثهم مطرح بين الاصحاب.

هذا البيان كاف لنفى الجواز.

وقال شيخنا الانصاري (قده) عند شرح قول العلامة وتامر المرئة المسلمة مع

ص: 65

فقد المسلم و ذات الرحم الكافر بالغسل ثم بتغسيل الميت وكذا الاجنبي كما عن الاسكافي والصدوقين والشيخين وسلار وابن حمزة وابن سعيد بل هو المشهور كما صرح به جماعة وعن الذكرى انى لا اعلم في الحكم مخالفا سوى المحقق بل وعن التذكرة نسبته الى علمائنا لروايتى عمار الساباطی وزید بن على وهذا الحكم لا يخلو من اشكال لمخالفته للقواعد وعدم الوثوق بالروايتين وعدم تعرض كثير للحكم الظاهر في رجوعهم فى المسئلة الى عمومات اعتبار اسلام المغسل و من هنا توقف المحقق وحكم بالدفن لغير غسل وحكى ذلك عن ظاهر الشهيدين والمحقق الثاني والمحقق الاردبيلي و صاحب المدارك ومحشيه وصاحب الحدائق لكن الأقوى في النفس الاول بحصول الظن لصدق الروايتين و اشتهارهما بين ارباب الحديث ولا يقدح مخالفتهما للقواعد من جهة اعتبار النية فى الغسل بناء على اعتبارها فيه ومن جهة نجاسة الكافر المتعدية الى الميت وكيف كان فهو احوط سيما اذا تمكن المسلم من امر الكافر باغتساله فى الماء الكثير والجاري بحيث لا يلزم نجاسة

الميت انتهى .

وانت خبيربان الراوى اذا لم يكن من اهل الطريقة الحقة لا يحصل الوثوق والاطمينان بروايته مع انفراده بتلك الرواية واشتهارهما بين ارباب الحديث لا يرفع ضعفهما الذى معلول من انحراف الراوى على ان الكافر الذي لا يعتقد بحقانية الاسلام لا تطمئن النفس باتيانه على الوجه الذى يعلمه المسلم فلا يحصل اليقين بانغساله الميت بالغسل المطلوب فى الشرع و عدم استلزامه تغسيل الكافر نجاسة الميت بعيد فى الغاية وحكمه (قده) بكونه احوط ليس على ما ينبغي لان الروايتين ان كانتا مما يجب العمل بهما فمفادهما وجوب الامر وان لم تكونا مما لا يعمل بهما فالاحوط عدم الأمر به لاستلزامه تنجس الميت.

لكن التأمل التام يقتضى الحكم بوجوب امر الذمى بل الكافر الاعم منه ان قيل بعدم نجاسة الغاسل وكونه كالآلة للمسلم الأمر له بالغسل او فرض غسله و اجتماع الغسل مع عدم السراية لاجل العمومات لا لاجل هاتين الروايتين الماعرفت

ص: 66

سابقا من ان معنى وجوب الغسل على الولى او على من يجب تحققه من ناحيته لا مباشرته بنفسه فيجب على الولى ايجاد الغسل في الخارج مهما امكن فمع طهارة الغاسل او فرض امكان عدم سراية النجاسة بايجاد الغسل مع عدم لزوم مباشرة الغاسل بالنية وكونه كالالة للمسلم يجب الامر من الولى لانه حينئذ قادر على ايجاد الغسل المطلوب في الشرع وبهذالبيان يظهران تخصيص الحكم بالذمي لكونه على خلاف القاعدة فيقتصر على مورد النص لا معنى له لان هذا التخصيص يصح اذا كان المدرك للحكم هو هاتين الروايتين وكونه على خلاف القاعدة واما اذا كان المدرك هو العمومات بتقرير ما ذكر لا يكون الحكم على خلاف القاعدة.

قال في المدارك بعد ذكر الروايتين وهما ضعيفتا السند جداً ومن ثم توقف في هذا الحكم المصنف فى المعتبر واستقرب الدفن من غير غسل لان الغسل مفتقر الى النية والكافر لاتصح منه نية القربة والحق انه متى ثبت نجاسة الذمي او توقف الغسل على النية تعين المصير الى ما قاله فى المعتبر وان توزع فيهما امكن اثبات هذا الحكم بالعمومات لا بهذين الخبرين وهذه المقالة فى غاية الصحة والمتانة .

وسيجئى فى محله ان نجاسة الذمى فضلا عن الكافر الغير الكتابي مما لا اشكال فيها فلا مناص عما استقرب المحقق فى المعتبر من الدفن بلاغسل .

و لايجوز للمسلم أن يغسل الكافر سواء كان من اهل الكتاب اولم يكن وسواء كان كافراً أصلياً أو مرتداً فطريا اوملياً مع عدم التوبة لان الغسل من العبادات الموظفة فى الشرع فلايجوز ما لم يرد تجويزه من الشارع بل يكون بدعة وللا يات الناهية عن اتخاذ الكفار اولياء وعن توليهم لان التغسيل من آثار التولى ولاجماع الامامية باسرهم و لما روى عمار بن موسى الساباطي عن ابي عبدالله الا انه سئل عن النصراني يكون فى السفر و هو مع المسلمين فيموت قال لا يغسله مسلم ولا كرامة ولا يدفنه ولا يقوم على قبره وان كان اباه ولا يكفى في جواز الغسل ووجوبه اظهار الميت الشهادتين اذا علم كونه من احدى الفرق الباطلة كالخوارج والنواصب والغلاة والمجسمة ومنكرى ضرورى من ضروريات الاسلام كالصلوة والصوم والزكوة

ص: 67

والحج فان وجوبها ضرورى فى الدين فمن انكرها او بعضها فهو كافر كما ان الفرق المذكورة كفار و ان اظهروا الشهادتين .

وكل من خالف امير المؤمنين وقاتله كمعاوية واصحابه و طلحة و زبير و اصحابهما من الكفار لعدم امكان كون الشخص سلماً لله تعالى وحرباً لحجته ولا اثر لشهادة هؤلاء بالالوهية والرسالة لان من قاتل مع أمير المؤمنين اواحد من اولاده من ائمة المسلمين فقد قاتل مع الله ورسوله لانهم سلام الله عليهم منزلون منزلة الرسول الله الذى محاربه محارب الله تعالى.

فكل فرقة من الفرق المذكورة من الخوارج وان اشتهر اطلاق الخوارج على من خرج على على امير المؤمنين فالنا كثون والقاسطون والمارقون في حكم واحد وفي حكمهم من خرج على ابي عبد الله الحسين لانهم بمحاربتهم الحسين حاربوا الله و رسوله و منكر ضرورى الدين ليس من اهل ذلك الدين لان ضروريات الدين لا يخفى على اهله فالمنكر ليس من اهل هذالدين ويدل على كون اتباع معاوية وطلحة وزبير خوارج كفار لا يجوز غسلهم للمسلم ما روى في الاحتجاج عن صالح بن كيسان قال لما قتل معوية حجر بن عدى و اصحابه حج ذلك العام فلقى الحسين بن على فقال يا اباعبدالله هل بلغك ما صنعنا بحجر بن عدى واصحابه واشياعه وشيعة ابيك قال لا وما صنعت قال قتلناهم وكفناهم وصلينابهم عليهم فضحك الحسين ثم قال خصمك القوم يا معوية لكنا لوقتلنا شيعتك ما كفناهم ولا صليناهم ولا قبر ناهم الحديث .

فقوله ع خصمك القوم يا معوية معناه ان فى التكفين والصلوة دلالة على اسلامهم وعدم جواز قتلهم وقوله لكنا الخ يدل على ان معوية و اتباعه كفار لا يجوز تغسيلهم ولا تكفينهم ولا الصلوة عليهم ولادفنهم لافساق مسلمين لان المسلم الفاسق ما لم يبلغ الفسق الى حد الكفر يغسل ويكفن ويصلى عليه .

واما المخالف الذى يقدم الخلفاء الثلثة على امير المؤمنين في الخلافة ويعتقد خلافته بعد الثلثة فمن اعتقد بكفره لم يجوز للمؤمن غسله كالمفيد رضوان

ص: 68

الله عليه قال فى المقنعة ولا يجوز لاحد من اهل الايمان ان يغسل مخالفا للحق في الولاية ولا يصلى عليه الا ان تدعوه ضرورة الى ذلك من جهة التقية فيغسله تغسيل اهل الخلاف ولا يترك معه جريدة واذا صلى عليه لعنه فى صلاته و لم يدع له فيها وقال الشيخ فى التهذيب فالوجه فيه ان المخالف لاهل الحق كافر فيجب ان يكون حكمه حكم الكافر الا ما خرج بالدليل واذا كان غسل الكافر لا يجوز فيجب ان يكون غسل المخالف ايضاً غير جائز واما الصلوة عليه فيكون على حد ما كان يصلى النبي و الائمة على المنافقين.

ثم استدل على عدم جواز غسل الكافر باجماع الامة ورواية عمار بن موسى ابي عبد الله التي مر ذكرها.

وكلام الشيخين يدل على انهما يعتقدان كفر المخالف وان عدم تجويزهما للمؤمن غسله لكفره و لم يستدلا على كفره بدليل و استدل بعض المتاخرين على كفره بان اصول الدين خمسة التوحيد والنبوة والامامة والعدل والمعاد والمخالفون منكرون للامامة باسرهم و بعضهم ينكر العدل ايضاً و يمكن الاستدلال على قول ستمالة الع_ المفيد رضوان الله عليه بان المخالفين منكرين بضرورة من ضروريات الدين اعنى الولاية لان النبى الا لله نص فى ملا من اصحابه الذين يزيدون على سبعين على امامة على و وجوب ولايته و اخذ منهم البيعة له فلم يبق المسلمين من الحاضرين فى ذلك المكان والغائبين منه الا ثبت له هذالامر و علم بامامته و وجوب ولايته علما ضروريا لا يتطرق فيه الشبهة فانكروا هذا الامر المعلوم بالعلم الضرورى فكان امر الولاية والامامة والامارة في ذلك الزمان اوضح امر الصلوة والصيام وساير ضروريات الدين لتبليغه صلى الله عليه وآله هذ الامر با بلغ بيان فمن يحكم بكفر من ينكر الصلوة والصيام وساير ضروريات الدين يجب عليه ان يحكم بكفر منكر الامامة والولاية لان هذا لا سرابده من تلك الامور وآكد الله عند النبي .

ومن لم يعتقد بكفره يجوز الصلوة عليه وغسله ودفنه وساير تجهيزاته مع

ص: 69

الفرق فى كيفياتها ويستدل المجوز للغسل بكونه مسلماً في المشهور فيشمله عموم ما دل على وجوب تغسيل كل مسلم من الاجماع والنصوص مثل قوله اغسل كل الموتى الغريق واكيل السبع الامن قتل بين الصفين وقوله غسل الميت واجب وعموم ادلة وجوب الصلوة على كل مسلم بضميمة عدم القول بالفصل وما دل على وجوب تجهيز الميت الذى قذفه البحر الى الساحل .

ولا يخفى على المتأمل الماهر عدم دلالة ما ذكر على التجويز اما على القول بعدم كونه مسلما فظاهر فان الاستدلال بكونه مسلماً اشبه شيء بالمصادرة واما على القول باسلامه فلعدم عموم فيما ذكر اما الاجماع فلوجود المخالف واما قوله اغسل كل الموتى الخ لانه تمهيد لاستثناء المقتول بين الصفين فالمقصود من الكل وكل مؤمن من المؤمنين ولا دليل على كون المقصود هو كل مسلم من المسلمين بمعنى المظهر للشهادتين و ان انكر امامة امير المؤمنين صلوات الله عليه و ولايته و امارته و اما قوله غسل الميت واجب فهو من القضاياء المهملة التي هي في قوة الجزئية .

و اما ادلة وجوب الصلوة على كل مسلم مع عدم القول بالفصل فالمتتبع لا يخفى عليه انه لا يكون عموم يعم اهل الخلاف المنكرين لولاية فلا يستفاد من رواية وجوب الصلوة على المخالف و انما التعميم على السارق و الزاني و الشارب للخمر من اهل الولاية مع اعتقادهم بحرمة العمل فلا يجوز بالنسبة الى من يعتقد بحلية الشرب فانه حينئذ يكون مرتداً.

واما وجوب تجهيز الميت الذى قذفه البحر الى الساحل فليس فيما دل عليه تعميم ولا نظر فى دليله الى مذهب المغسول بل السؤال عن كيفية الصلوة والدفن فلا عموم فيه ولا اطلاق لان السؤال كان عمن قذفه البحر والجواب يرجع اليه .

واما رواية طلحة بن زيد عن ابي عبد الله عن ابيه قال صل على من مات من اهل القبلة وحسابه على الله تعالى فمفادها ان فسق الفساق لا يمنع من الصلوة عليه فان حسابهم على الله فيما فعلوا نظير قول رسول الله صلوا على المرحوم

ص: 70

من امتى وعلى القاتل نفسه من امتى لا تدعوا احداً من امتى بلاصلوة فلا تشملان المنكرين للولاية الذين ليس لهم نصيب من الاسلام فكيف يمكن شمول قوله الله امتى على منكر الولاية وهو الله قال من كنت مولاه فهذا على مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه في الصافى عند تفسير قوله عز وجل یا ایها الذین آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان وفى تفسير الامام اللا يعنى في السلم في المسالمة الى دين الاسلام كافة جماعة ادخلوا فيه وادخلوا جميع الاسلام فتقبلوه واعملوا به ولا تكونوا ممن يقبل بعضه ويعمل به و یابی بعضه ويهجره قال ومنه الدخول في قبول ولاية على فانه كالدخول فى نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه لا يكون مسلماً من قال ان محمداً رسول الله فاعترف به ولم يعترف بان علميا وصيه و خليفته و خيرامته الحديث.

و الحاصل ان التفکیک بین قبول الرسله و الولایه تفکیک بین الشیء و لوازمه الغیر المنفکه.

اما تجويز حضور المؤمن للصلوة على المخالف فليس لكونه مسلما يجب الصلوة عليه بل فيه حكمة اخرى كالتقية او اخفاء الاعتقاد بكفره دفعاً لتهييج عداوتهم مع اقتدار هم و تسلطهم مع ان الحاضر للصلوة مامور باللعن على الميت لا الدعاء والصلوة ليست الا الدعاء فالمقصود هو حفظ الصورة لمصلحة من المصالح والتفصيل في الصلوة على الميت وانما رمنا هنا عدم دلالة جواز الحضور في الصلوة على جواز غسل المخالف.

ان قلت ما تقول فيمن اشتبه عليه الأمر وايقن واعتقد ان الخلفاء الثلثة

محقون في دعواهم الخلافة وان امير المؤمنين لم يدع الخلافة عند ارتحال الرسول بل كان تقدم ابى بكر برضائه بل بتقديمه اياه .

قلت اذا لم يكن تأخيره المقدم وتقديمه المؤخر من باب التعصب و العناد والجحود واشتبه عليه الامر وكان بحيث لو ارتفعت الشبهة عنه وتعينت عليه خطيئة رجع عن مذهبه الفاسد و سلك طريق الحق فهو مؤمن بحسب الواقع و اشتبه عليه

ص: 71

الامر فهو فى النشائة الاخرة يحشر في زمرة المؤمنين ومن علم بحاله من المؤمنين يجب عليه ان يعامل معه معاملة المؤمن اذا لم يكن في قلبه مثقال ذرة من عداوة اهل البيت ومن لم يعلم بانه كذلك فليس له عده في عداد المؤمنين وان كان هو كذلك فى النشائة الاخرة فانه بظاهره من المنحرفين عن الطريقه الحقة.

وهذا المعيار جار فى ساير فرق الامامية الذين يطلق عليهم انهم امامية كالكيسانية والزيدية والناووسية والفطحية والاسماعيلية والواقفية القائلين بحيوة مولانا وسيدنا موسى بن جعفر و مهدويته مع اشكال في هذه الفرقة لان الظاهر من كتب الرجال والاخبار ان حدوث هذا المذهب لم يكن لاشتباه اهله بل كان لاجل الاموال المجتمعة عند وكلائه فادعوا هذه الدعوى الفاسدة لئلا يرد والاموال الى على بن موسى الرضا الله لكن المعتقدين بهذ الاعتقاد في هذه الازمنة يمكن ان يكون للاشتباه كما يمكن ان يكون للعصبية واللجاج .

والحاصل ان المسلم لا بد ان يكون سلما للخالق في جميع ما يتعلق بالاعتقاد فمن انكر الامامة من الأصل فهو كمن انكر النبوة ومن انكر النبوة كمن انكر الالوهية و من انكر احداً من الائمة كمن انكر جميعهم و من انكر ضروريا من ضروریات الدین کمن انکر الاتى بالدين لان معنى الضروري هو ما لا يخفى على احد من اهل الدين فانكاره يكشف عن انكاره الصاحب اللدين.

و التفصيل في الكافر والمسلم و تميزه منه و معرفة الطوائف منهما ياتي في محله انشاء الله تعالى وانما المقصود في المقام بيان من يجوز تغسيله حتى يجب على اهله ومن لايجوز فإظهار الشهادتين مقتض لحقن الدماء وحفظ الاموال والنواميس ما لم يمنع من هذا لاقتضاء مانع كاعتقاد المظهر ما يناقض الاعتقاد بالنبوة او فعله ما يكشف عن الاعتقاد المناقض.

و اما تأثيره فى النشائة الاخرة يتوقف على ترتب جمیع آثاره عليه من المعتقدات وفعل ما يجب فعله وترك ما فعله وترك ما يجب تركه ويحرم فعله.

واما ارتكاب المحرمات وترك الواجبات لا يمنع من ترتب الاثار في هذه النشاة

ص: 72

ما لم يكشف عن الاعتقاد المناقض للاعتقاد بالنبوة .

واما تجهيز الميت فمن آثار هذه النشاة لانه من اعمال الديني و من افعال الاحياء فما لم يدفن الميت يعامل المسلم معاملة المسلم اذا اظهر الشهادتين ولم يظهر منه ما يناقض ذلك الاظهار.

واما الغلاة فليسوا من المسلمين والموحدين لانهم اعتقدوا الوهية غير الا له فهم من المشركين .

واما النواصب فهم كفار لان نصب العداوة مع اهل بيت الرسالة ينافي الاسلام تمام المنافاة والامر فى الخوارج والناكثين والقاسطين اظهر لانهم اشد عداوة بالنسبة الى اهل البيت من تلك الطوائف.

فالمناط تمام المناطكون الانسان سلما لله ورسوله واهل بیت رسوله و حرباً لمن حارب الله ورسوله واهل بيته .

و اذا اقتضت الضرورة تجهيز المخالف كالتقية فيعمل بمقتضاه بحيث يدفع الفساد وقد تقتضى مصلحة اخرى غير التقية كظهور الوحدة بين طوائف المسلمين لدفع شرور الكفار ومنع غلبتهم عليهم والاستنقاذ من نعوذاتهم المعلولة من اختلافات المسلمين و احداث النفاق بينهم فلا يمكن التخلص من هذه الاسرة الا بالاتحاد والاتفاق ورفع الخلاف والنفاق فمعاملة المؤمن مع اموات الطوائف الغير الحقة من المسلمين اعنى غير الاثناعشرية معاملة اموات الحيوانات توجب اشتداد العداوة والنفاق بين الطوائف والمؤمنين و من المعلوم ان العداوة والنفاق توجبان العجز والذلة وغلبة غيرهم من الكفار عليهم.

ومن الأمور الغريبة المحيرة للعقول ظهور العداوة والبغضاء والنفاق والشقاق بين المسلمين وحدوث الوداد والمحابة بينهم وبين الكفار المنكرين للاسلام .

والحاصل ان ايجاد الوداد والاتحاد بين طوائف المسلمين مهما امكن واجب في هذه الازمنة لرفع السلطة الحاضرة للكفار على المسلمين ورفع ما يتوقع وجودها بعد هذا الزمان فكل ما يوجب وحدة الكلمة بين المسلمين يجب عليهم

ص: 73

ایجاده فالواجب في العصر الحاضر مما شاة المؤمنين مع سائر المسلمين في الامور الموجبة للوحدة و منها تجهيز كل طائفة من المسلمين اموات الاخرى على وجه يوجب الالتيام والاتفاق بين الطائفتين فكيفية التجهيز لابد ان تكون موافقة لمرام اولياء المجهز لان المخالفة مع مرامهم نقض للغرض وموجب الفقد الفائدة المنظورة .

و ولد المؤمن يلحق به في الغسل والدفن والكفن حتى السقط اذا تم ل_ه اربعة اشهرلان الجنين اذا تم له اربعة اشهر يلج فيه الروح ويصدق عليه الميت اذا بعد ولوج الروح فيشمله عمومات غسل الميت و يدل على كون هذه المدة اول تماميته ما ورد في الاخبار من الدعاء ان يجعل الله تعالى ما في بطن الحبلى ذكراً سوياً ما بينها وبين اربعة اشهر وفى بعض الاخبار انه يتردد النطفة في الرحم اربعين يوماً ثم تصير علقة وبعد اربعين يوماً تصير مضغة ثم بعد ذلك يبعث الله ملكين خلاقين ينفخان فيه الروح والحيوة ويشقان له السمع والبصر وجميع الجوارح والظاهر ان المراد من استواء الخلقة هو تشكيل الاعضاء والجوارح .

روى سماعة عن أبي عبد الله قال سئلته عن السقط اذا استوت خلقته يجب عليه الغسل واللحد والكفن قال نعم كل ذلك يجب اذاستوا وفى مرفوعة احمد بن محمد قال اذا تم للسقط اربعة اشهر غسل وضعف سند الروايتين منجبر بعمل الاصحاب ولا معارض لهما قال في المعتبر ولا مطعن على الروايتين بانقطاع سند الاولى وضعف سماعة في طريق الثانية لانه لامعارض لهما مع قبول الاصحاب لهما .

ويدل على التحديد باربعة اشهر رواية زرارة عن أبي عبدالله المروية في الكافى قال السقط اذا تم له اربعة اشهر غسل فهذه الروايات توجب سكون النفس بثبوت مفادها فى الشرع اذا لوحظت مجموعة وان كانت ضعافاً بحسب السند.

واما التام الذى يستلزم مضى ستة اشهر فمعناه كفاية هذه المدة للتعيش في بعض الاحيان والاشخاص.

واما السقط الذى لم يتم له اربعة اشهر فيكفى فى سقوط الغسل عنه الاصل

ص: 74

و عدم ما يدل على وجوب غسله و ينبغى حمل مكاتبة محمد بن فضيل الى ابى جعفر الثاني على من ولد لاقل من اربعة اشهر كما فعله الشيخ رضوان الله عليه قال كتبت الى ابى جعفر اساله عن السقط كيف يصنع به فكتب الى السقط يدفن بدمه فى موضعه ومع المناقشة في سندها يكتفى بالاصل مع أنها لا تثبت بها حكم من الاحكام بل يؤيد عدم انقطاع الاصل عن مقتضاه.

واما ما نقل عن الاطباء من امكان ولوج الروح فى اقل من اربعة اشهر فليس مدركاً للاحكام لان المتبع هو ما ورد عن اهل بيت القدس والعصمة ولست انكر امكان ما نقل عنهم الا ان ذلك الامكان ليس مورداً للحكم عند آل عل ولعل تخصیص اربعة اشهر للحكم لاجل ندرة غير هذه المدة والله اعلم.

والشهيد

) والشهيد )

يصلى عليه ويدفن بثيابه بلا غسل ولا كفن والمراد منه كل من قتل في جهاد حق سواء كان بين يدى النبى الله او الامام الا اولم يكن بين يدى احدهما فيكفى في حقية الجهاد كونه بامر النبي ع او الامام او من يجب طاعته فيه وهو المراد من قول مولانا الصادق الملا فى حسنة ابان بن تغلب الذى يقتل في سبيل الله تعالى يدفن بثيابه ولا يغسل الا ان يدركه المسلمون و به رمق ثم يموت بعد فانه يغسل و يحنط ويكفن ان رسول الله صلى الله عليه و آله كفن حمزة له في ثيابه ولم يغسله

شعاع ولكن صلى عليه.

وهو المقصود من المقتول بين الصفين كما فى مضمرة ابي خالد اغسل كل الموتى الغريق واكيل السبع وكل شيء الا ما قتل بين الصفين فان كان به رمق غسل والا فلا.

وفى حسنة اسماعيل بن جابر وزرارة عن أبي جعفر اسمى بالشهيد قال قلت له كيف رايت الشهيد يدفن بدمائه قال نعم فى ثيابه بدمائه ولا يحنط ولا يغسل و يدفن كما هو ثم قال دفن رسول الله ا عمه حمزة في ثيابه ولم يغسله لكنه

ص: 75

صلى عليه.

والروايات فى هذا المعنى متظافرة فلو ادرك المسلمون الشهيد و به رمق ثم مات بعد ادراكهم اياه حياً ليس موردا للاستثناء عن التغسيل و التكفين بل يغسل ويكفن ويحنط سواء نقل عن المعركة اولم ينقل واما اطلاع احد من المسلمين عليه قبل انقضاء الحرب ولم ينقل من المعركة الى المعسكر فلا يوجب التغسيل ومع النقل الى المعسكر يغسل وان مات قبل انقضاء الحرب فالادراك الموجب للتغسيل متحقق بانقضاء الحرب او النقل من المعركة الى المعسكر قبل انقضاء الحرب او بعده فالموت في المعسكر يوجب التغسيل مطلقا.

ولو كان به رمق عند انقضاء الحرب ومات بعده من دون ادراك المسلمين فالظاهر عدم سقوط الغسل ايضا فان فى رواية ابى خالد فان كان به رمق غسل والافلا فالمناط كونه حيا عند انقضاء الحرب وموته بعده في صورة عدم النقل الى المعسكر وليس للادراك تأثيراً في وجوب الغسل فان الاصل وجوب غسل الميت خرج منه من قتل بين الصفين قبل انقضاء الحرب و يظهر من قوله ثم يموت بعده ان الفوت بعد الحرب لا اثر له فى سقوط الغسل بل المسقط هو الموت قبل انقضاء الحرب والادراك طريق للعلم بحدوته بعد الحرب فبعد العلم بحيوته بعد نقضاء الحرب يجب غسله لانه مقتضى الاصل.

ولا فرق في هذ الحكم بين الصغير والكبير والرجل والمرئة والحر والعبد ولا بين من عاد سلاحه اليه فقتله وغيره ولا بين من قتل بالجرح او بغيره من اسباب القتل لاطلاق قوله الا الذى يقتل في سبيل الله ولا يشترط بكون المقتول ممن يجب عليه القتال حتى يخرج الصغير والمرئة عن هذا الحكم بل يكفى كون القتال الذي يقتل فيه احد من المذكورين في سبيل الله و ان كان شخص المقتول ممن لا يجب عليه القتال وكان من توابع المقاتلين ولعلك سمعت ما قيل من دفن مولانا سيد الشهداء ارواحنا له الفداء رضيعة المقتول من دون غسل بدمه وثوبه ولم يسمع من احد تيممه اياه.

ص: 76

وفي بعض الروايات انه كان فى قتلى بدر واحد بعض الصغار كحارثة بن نعمان و عمر بن ابی وقاص ولم يقل احد بان النبي الا امر بغسلهم .

ولا يسقط الغسل عن المقتول فى غير الجهاد وان قتل ظلما اودون ماله ونفسه و اهله لان الاصل وجوب الغسل والكفن والدفن ولم يدل دليل على سقوط الغسل عن كل من قتل مظلوماً بل قال مولانا الصادق عليه السلام اغسل كل الموتى الامن قتل بين الصفين.

واستدل بعض العامة على سقوط الغسل بقول النبي من قتل دون ماله فهو شهید و اطلاق الشهيد عليه لا يستلزم السقوط لانه باعتبار الفضيلة كاطلاقه على المبطون والمطعون والغريق و المهدوم عليه فيغسلون و يكفنون ويصلى عليهم و يدفنون لان الاطلاق اعم من ترتب الاحكام لان اطلاق الشهيد على هؤلاء مجاز و على فرض كونه حقيقة يكون موضوع الاحكام شهيداً مخصوصاً اعنى المقتول في الجهاد .

و يغسل المقتول في معصية الله للاصل و عدم ما يدل على الاستثناء ورواية العلاء بن سيامة قال سئل ابو عبدالله الا وانا حاضر عن رجل قتل فقطع رأسه في معصية الله ايغسل ام يفعل ما يفعل بالشهيد فقال له اذا قتل في معصية الله تعالى يغسل اولا منه الدم ثم يصب عليه الماء صباً ولا يدلك جسده و يبدء باليدين والدبر و يربط جراحاته بالقطن والحنوط و اذا وضع عليه القطن عصب وكذلك موضع الرأس يعنى الرقبة و يجعل له من القطن شيء كثير و يذر عليه الحنوط ثم يوضع القطن فوق الرقبة و ان استطعت ان يعصبه فافعل قلت فان كان الرأس قد بان من الجسد وهو معه كيف يغسل فقال يغسل الرأس اذا غسل اليدين والسفلة بدء بالرأس ثم بالجسد ثم توضع القطن فوق الرقبة ويضم اليه الرأس ويجعل في الكفن وكذلك اذا صرت الى القبر نتاولته مع الجسد وادخلته اللحد ووجهته المقبلة ولا اختصاص للجنب والحائض والنفساء اذا استشهدوا فيسقط عنهم غسل الميت لشهادتهم ولا يجب على غيرهم تغسيلهم غسل الجنابة او الحيض او النفاس وحكى عن السيد رضوان الله

ص: 77

عليه في شرح الرسالة والاسكافى (قده) ايجاب غسل الجنابة و لعل لما ورد من ان الميت الجنب يغسل غسلين كرواية عيص بن القاسم عن ابيعبد الله قال اذا مات الميت وهو جنب غسل غسلا واحداً ثم اغتسل بعد ذلك.

ورواية له قال قلت لا بيعبد الله الله الرجل يموت وهو جنب قال يغسل من الجنابة ثم يغسل غسل الميت.

ورواية اخرى لعبد الله بن المغيرة عن بعض اصحابنا عن عيص عن ابيعبد الله عن ابيه في حديث قال اذا ماتت الميت وهو جنب غسل غسلا واحداً ثم يغسل بعد ذلك والاصل فى هذه الروايات هو العيص ولا يعتنى بالخبر الواحد المخالف لاخبار كثيرة كرواية حسنة زرارة قال قلت لابي جعفر ميت مات و هو جنب كيف يغسل وما يجزيه من الماء قال يغسل غسلا واحداً يجزى ذلك للجنابة و لغسل الميت لانهما حرمتان اجتمعا في حرمة واحدة .

و موثقة عمار الساباطى عن ابيعبد الله انه سئل عن المرئة اذا ماتت في نفاسها كيف تغسل قال مثل غسل الطاهر وكذلك الحائض وكذلك الجنب انما يغسل غسلا واحداً فقط.

ويظهر من هذه الرواية ان الواجب هو غسل الميت وان غسل النفاس لا يجب بعد الموت لقوله مثل غسل الطاهر.

وموثقة ابراهيم بن هاشم عن حسين بن سعيد عن على ابى ابراهيم قال سئلته عن الميت يموت وهو جنب قال غسل واحد موثقة أبي بصير عن احدهما في الجنب اذا مات قال ليس عليه الاغسل واحد.

قال الشيخ رضى الله عنه بعد نقل هذه واخبار عيص بن القاسم فلا تنافي بين هذه الاخبار وبين ما قدمناه اولا لان هذه الروايات الاصل فيها كلها عيص بن القاسم و هو واحد ولا يجوز ان تعارض بواحد جماعة كثيرة لما بيناه في غير موضع ولوصح لاحتمل ان يكون محمولا على ضرب من الاستحباب دون الفرض والايجاب على انه يمكن ان يكون الوجه فى هذه الاخبار ان الامر بالغسل بعد غسل الميت غسل

ص: 78

الجنابة انما يوجه الى غاسله فكانه قيل له ينبغى ان تغسل الميت غسل الجنابة ثم تغتسل انت انتهى .

اما الرواية الأولى فهى ظاهرة فيما اول الشيخ (قده) وكذالثانية وكذا رواية ابن مغيرة لان فى كل منها اعتبر وحدة الغسل للميت فالغسل الآخر يكون للغاسل لاجل المس.

و اما الثالثة فلا يحتمل تأويل الشيخ اعنى كون الامر لغسل الغاسل غسل المس فهى بالاشتباه اقرب واما الحمل على الاستحباب حمل بعيد وحيث ان الروايات لا دلالة لها على التعدد فلا تكون مدركا لهما رضوان الله عليهما والدليل الآخر ما روى من تغسيل الملئكة حنظلة بن الراهب حيث اتفق خروجه الى الجهاد جنبا لان النبى الله قال ما شان حنظلة رايت الملئكة يغسلونه فقيل له جامع فسمع الصيحة فخرج الى الجهاد وهذا الدليل على خلاف المقصود ادل لان تغسيل الملئكة كاف له فلا يحتاج الى تغسيل الانسان و اذا لم يامر النبي بتغسيل حنظلة بعد ما اطلع على تغسيل الملئكة اياه .

ولو وجد في المعركة ميت و لم يعلم بانه مات بسبب القتل و احتمل موته بغير القتل فلو كان عليه اثر القتل سقط الغسل لان الظاهر انه قتل فلا يجرى اصالة عدم القتل بعد وجود اثر القتل الظاهر فيه فان الظاهر هنا مقدم على الاصل ومقتضى تقدم الظاهر هو الحكم بوقوع القتل وثبوت الشهادة المانعة عن وجوب الغسل و اثبات المانع للغسل بالظهور ليس عملا باصل البرائة بناء على ان الاشتباه في مصداق العنوان المخرج من العام يوجب عدم جواز التمسك بعموم العام لان بالظهور ارتفع الاشتباه ولم يبق الشك فليس من موارد الرجوع الى الاصل لارتفع موضوعه والاشتباه المصداقي يمنع من التمسك بعموم العام لذا كان عنوان المخرج منوعاً اوكان الخارج جزئياً حقيقياً واما اذا كان عنوان المخصص رافعاً فلا يمنع من التمسك بالعام مانع فان بالاصل يدفع المانع فيوثر المقتضى اثره ففى المقام المقتضى هو الموت والمانع هو الشهادة المتحققة بالقتل فاذا شك في وجود المانع

ص: 79

يدفع بالاصل و يعمل بالمقتضى و يوخذ به ولا يعتنى بالمانع فيغسل الميت الغير المعلوم شهادته فان تأثير الموت فى وجوب التغسيل ليس بشرط كونه حتف الانف بل نفس الموت يقتضى وجوب التغسيل والشهادة مانعة من تأثيره اثر الوجوب واذا شککنا بوجود المانع ندفعه بالاصل ونحكم بتأثير المقتضى اى الموت مادام بقاء الشك كما اذا لم يكن في الميت اثر وجوزنا قتله واما اذا كان فيه اثر القتل الظاهر فيه وقدمنا الظاهر فلامجال لاجراء اصل عدم القتل فانه ثبت بوجود اثره.

ولا يشترط فى دفن الميت بثيابه وصول الدم اليهما لاطلاق الامر ولا فرق بين السراويل وغيره لانه من الاثواب واما الفرووالعمامة والمنطقة والخف والقلنسوة والحديد الذي معه فنزع منه لعدم ما يدل على وجوب دفنها معه مع كون الدفن تضييعاً للمال وذهب المفيد فى المقنعة الى نزع السراديل اذا لم يصبه الدم وحكى عن الاسكافى من دون تقييد باصابة الدم ولعل نظر المفيد (ره) الى رواية عمرو بن خالد عن زيد بن على عن آبائه قال قال امير المؤمنين ينزع عن الشهيد الفرو والخف والقلنسوة والعمامة والمنطقة والسراويل الا ان يكون اصابه دم فان اصابه دم ترك ولا يترك عليه شيء معقود الاحل.

ولا ينبغى تقييد اطلاق لأخبار الموثقة بهذا الخبر الضعيف واما لاسكافى رحمه الله فالاخبار حجة عليه الا ان يدعى عدم كون السراويل من الثياب وهو كما ترى .

ولوجرد الميت كفن لعدم مايدل على دفنه مجردا والمعلوم من منع الشهادة الكفن هو اذا كان مع الثياب واما مع التجرد عن الثياب فلامانع من الكفن لان الاصل عدم دفن الميت مجردا.

ولرواية ابان بن تغلب الصحيحة قال سئلت ابا عبد الله عن الذي يقتل في سبيل الله ايغسل ويكفن ويحفط قال يدفن كما هو فى ثيابه الا ان يكون به رمق ثم مات فانه يغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه ان رسول الله صلى على حمزة وكفنه لانه كان جرد ولا تعارض بين هذه الصحيحة و بين صحيحته الاخرى قال سمعت ابا عبد الله يقول الذي يقتل في سبيل الله يدفن في ثيابه ولا يغسل الا ان

ص: 80

يدركه المسلمون و به رمق ثم يموت بعد فانه يغسل ويكفن و يحفط ان رسول الله كفن حمزة في ثيابه ولم يغسله ولكنه صلى عليه لان الظاهر ان حمزة سلام الله عليه جرد عن بعض ثيابه وكان عليه بعضها فابقى عليه ما كان وكفن ما جرد برداه .

ووجوب دفنه بثيابه عينى ولا تخير بينها وبين الكفن وحكى الانصاري (قده) عن الروض انه متفق عليه وظاهر الامر يقتضى التعين.

واذا وجد بعض الميت فان كان عظماً بلالحم يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن الصحيحة على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر قال سئلته عن الرجل ياكله السبع والطير فيبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع قال يغسل ويكفن ويصلى عليه و يدفن و اما اذا كان لحما بلا عظم فلا يغسل لعدم ما يدل على وجوب غسله ولان ا با جعفر قال في حسنة محمد بن مسلم اذا قتل قتيل فلم يوجد الا لحم بلا عظم لم يصل عليه وان وجد عظم بلا لحم صلى عليه وما لم يصل عليه لم يغسل.

و اما اذا كان البعض مركبا من العظم واللحم فإن كان الصدر فحكمه حكم الميت لصدق الميت عليه لأن العمدة من البدن الصدر فيقال وجد ميت بلا رأس و رجل ولا يقال على الرأس والرجل وجد الميت بلا صدر ولان الصدر محل القلب الذى لاجله اختص الانسان بهذا الاحكام ولقول ابى الحسن في صح صحيحة اخيه على بن جعفر فاذا كان الميت نصفين صلى على النصف الذي فيه القلب ولكون الصدر هو العمدة من البدن قيل ان المقصود من العضو التام فى مر سلة محمد خالد هو الصدر روى عمن ذكره عن ابي عبد الله قال اذا وجد الرجل قتيلا فان وجد عضو من اعضائه تام صلى على ذلك العضو ودفن وان لم يوجد له عضو تام لم يصل عليه ودفن.

و في مرسلة عبد الله بن الحسين عن بعض اصحابنا عن ابي عبد الله قال اذا وسط الرجل بنصفين صلى على النصف الذى فيه القلب ونقل المحقق (قده) من كتاب الجامع لاحمد بن حمد بن ابي نصر البزنطى عن بعض اصحابنا رفعه قال المقتول

ص: 81

اذا قطع اعضاؤه يصلى على العضو الذى فيه القلب و عن ابن المغيرة انه قال بلغنى عن ابى جعفر انه يصلى على كل عضو رجلا كان اويدا اوالرأس جزءاً فما زاد فاذا نقص عن رأس اويد اورجل لم يصل عليه.

و روى القلانسي عن أبي جعفر قال سئلته عن الرجل ياكله السبع او الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف تصنع به قال يغسل ويكفن و يصلى عليه و يدفن فاذا كان الميت نصفين صلى على النصف الذي فيه قلبه.

فجل الأخبار يدل على كون الصلوة على ما كان فيه القلب و هو الصدر والظاهر تأثير وجود القلب فعلا واما رواية فضل بن عثمن الاعور عن الصادق عن ابيه الله فى الرجل يقتل فيوجد رأسه في قبيلة ووسطه وصدره ويداه في قبيلة قال ديته على من وجد في قبيلته صدره ويداه والصلوة عليه وان لم يذكر فيه القلب الا ان الغالب فى الصدر وجود القلب واما ذكر اليدين فلاجل ذكرهما في السؤال فلا منافات بينها وبين ما دل على وجود القلب .

فالمستفاد من الاخبار ترتب الحكم من الغسل والكفن والدفن والصلوة على بعض الانسان الذى فيه القلب او العظام اذا انفصلت من اللحوم و اما رواية ابن المغيرة عن أبي جعفر فتحمل على الاستحباب واما رواية العضو التام فقد انها محمولة على الصدر والظاهر ان رواية ابن مغيرة متحدة المفاد مع رواية العضو التام فينبغي ان يحملا على الاستحباب لرواية طلحة بن زيد عن ابي عبد الله انه قال لا يصلى على عضو رجل من رجل اويد اورأس منفرداً.

قال المحقق نور الله ضريحه في المعتبر والذي يظهر لى انه لا يجب الصلوة الا ان يوجد ما فيه القلب او الصدر واليدان او عظام الميت ثم استدل برواية على بن جعفر عن اخيه موسى (ع) وقول ابن بابويه وان لم يوجد منه الا الرأس لم يصل ورواية البزنطى فى جامعه و بان القلب محل العلم وموضع الاعتقاد الموصل الى النجاة فله مزية على غيره من الاعضاء ورواية فضل بن عثمان الاعور فجعل الصدر واليدين معا في قبال وجود القلب وجعل وجود اليدين مع الصدر كوجود القلب .

ص: 82

وقال قبل هذا مسئلة واذا وجد الميت وفيه الصدر فهو كما لو وجد كله وهو مذهب المفيد وقال الشيخ ان كان موضع الصدر صلى عليه ولم يذكر اليدين وكان من رايه بيان الحكم على وفق المشهور كانه قائل به ثم يظهر ما هو عليه ونقل عن خلاف الشيخ نقله عن الشافعى ان العضو اذا كان من ميت يصلى عليه لان يد عبدالرحمن بن السيد القاها طائر بمكة عقيب وقعة الجمل وعرفت بخاتمه فصلى عليها اهل مكة بمحضر من الصحابة ولم ينكر احد فصار اجماعاً .

ثم قال بعد الاستدلال و بعض المتاخرين عاب على الشيخ رحمه الله حكايته القاء يد عبد الرحمن غياث بمكة وقال قد ذكر البلاذرى انها وقعت باليمامة وهو الصحيح فان البلاذري ابصر بهذا الشأن وهو اقدام على شيخنا ابى جعفر رحمه الله وجراة من غير تحقق فانا لا نسلم ان البلاذرى ابصر منه بل لا يصل غايته والشافعي ذكر انها القيت بمكة واحتج لمذهبه بالصلوة عليها بمحضر من الصحابة ولا يقول احد ان البلاذرى ابصر من الشافعى وشيخنا اورد منقول الشافعى فلاماخذ عليه نعم يمكن ان يقول للشافعي كما ورد انها القيت بمكة فقد روى انها القيت باليمامة و مع اختلاف النقل يخرج عن كونه حجة ولوسلمنا بمكة لم يكن الصلوة عليها حجة لانه لم يبق بعد خروج الجيش مع على من يعتد بفعله على انه يحتمل ان يكون الذى صلى عليها ممن يرى الصلوة على الغايب وسنبين ضعفه ثم نقل رواية ابن المغيرة ومرسلة ابن خالد وقال الروايتان مقطوعنا السند واكثر الاصحاب بطرحهما فليسقط اعتبارهما ولان الصلوة على الميت يجب بحسب الدلالة فينتفى مع عدمهما و يظهر من هذه المقالة عدم صحة القول بالاستحباب لهاتين الروايتين لان ساقط الاعتبار لا يثبت به حكم وجوباً كان او استحباباً .

ومن وجب رجمه اوقتله قصاصاً يغتسل ويحنط ويلبس كفنه ويسقط ذلك بعد قتله لرواية مسمع كردين عن ابيعبد الله قال المرجوم والمرحومة يغسلان و يلبسان الكفن قبل ذلك ثم يرجمان ويصلى عليهما والمقتص منه بمنزلة ذلك يغسل ويحنط ويلبس الكفن ويصلى عليه .

ص: 83

روى الكليني (ره) هذه الرواية وروى الشيخ (ره) باسناده عنه و باسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن علي بن ريان عن اسحق بن راشد عن بعض اصحابنا عن مسمع كردين وروالصدوق (ره) مرسلا عن امير المؤمنين وفي طريق الكليني نور الله ضريحه سهل بن زياد وفيه كلام عن محمد بن حسن بن شمون و هو غال وفي طريق الشيخ الاخر ارسال كما ان رواية الصدوق مرسلة فلا اعتماد بمثل هذه الرواية الا ان الاصحاب افتوا بمدلولها ولم ينكروها قال المحقق (قده) في المعتبر بعد يضعف الروايتين غير ان الخمسة افتوا بذلك و اتباعهم ولم اعلم لاصحابنا فيه خلافا ولا طعن بالارسال مع العمل كما لاحجة فى الاسناد المنفرد وان اتصل فانه كما لا يفيد العلم لا يفيد العمل انتهی.

ومراده (قده) من الخمسة الشيخان والسيد وابنا بابويه رضوان الله عليهم.

والمحرم

( والمحرم)

كالمحل في جميع الاحكام الا فى الطيب والكافور فيغسل كالمحل ولا يقرب الكافور وتغطى وجهه ورأسه وقال ابن ابی عقیل نور الله ضریحه ولا يغطى وجهه ورأسه ويدل على المختار صحيحة عبدالرحمن بن ابی عبدالله عن ابي عبد الله قال سئلته عن المحرم يموت فكيف يصنع به فقال ان عبد الرحمن بن الحسن مات بالابواء مع الحسين وهو محرم ومع الحسين عبد الله بن العباس وعبدالله بن جعفر فصنع به كما يصنع بالميت وغطى وجهه ولم يمسه طيباً قال وذلك في كتاب على عليه الصلوة و.

وموثقة محمد بن مسلم التى هى كالصحيحة عن أبي جعفر وعن ابيعبد الله قال سئلتهما عن المحرم كيف يصنع به اذا مات قال يغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالمحل غيرانه لا يقرب طيباً .

وموثقة ابى مريم عن ابی عبد الله قال خرج الحسين بن على و

عبدالله عبدالله و عبیدالله ابنا العباس و عبدالله بن جعفر ومعهم ابن للحسن يقال له

ص: 84

عبد الرحمن فمات بالابواء وهو محرم فغسلوه وكفنوه ولم يحنطوه و خمروا وجهه ورأسه ودفنوه وغيرها من الاخبار .

و احتج ابن ابي عقيل (قده) بان تغطية الرأس والوجه مع تحريم الطيب لا يجتمعان و الثاني ثابت فالاول منتف و بيان عدم الاجتماع ان حكم الاحرام اما ان يكون باقياً بعد الموت اولا وعلى كلا التقديرين يثبت التنافى اما على التقدير الأول فلانه يستلزم تحريم التغطية واما على التقدير الثانى فلانه يستلزم اباحة الطيب عملا بالاصل السالم عن معارضة بقاء حكم الاحرام ولان ملزوم تحريم التغطية فيثبت التحريم بيان المقدمة الاولى ما روى عن النبي أنه قال لا تقربوه طيباً فانه يحشر يوم القيمة ملبياً والثانية ظاهرة .

والجواب ان الاحرام ينتفى بالموت لعدم وجوبه على الميت ولا يقرب الطيب اليه المنصوص المتظافرة لا لكونه محرما بعد الموت ولا يصح التمسك بالاصل مع اختلاف الموضوع بالحيوة والموت والنبوى ناظر الى ان من مات في خلال افعال الحج يحشر مع الحجاج ويثاب بما يثاب الحجاج لابقاء حكم الاحرام بعد الموت ولو سلم بقاء الاحرام لا يمنع مانع من اختلاف حكم المحرم الحى و حكم محرم الميت كما انه لا مانع من بقاء بعض احكام المحرم الحى و زوال بعض آخر فبعد ورود النص على بقاء حكم الطيب و زوال حكم التغطية فلا مجال للاجتهاد في مقابل النص.

ومع قطع النظر عن النصوص الواردة في جواز التغطية وحرمة تقريب الطيب ينبغي تجويز التقريب لا تحريم التغطية لما عرفت من عدم بقاء الاحرام واحكامه وعدم امكان اجراء الاصل واسراء حكم الحى الى الميت لانتفائه بالموت ولذا لا نقول بالحاق المعتكف بالمحرم وان حرم عليه الطيب فى حال الحيوة ولا نلحق المعتدة للوفاة بالمحرم لعدم وجوب الحداد عليها بعد الموت وحيث ان النص حصر المنع بتقريب الطيب لا يمنع من لبس المخيط لعدم ما يدل على المنع ولا يمنع من تغطية الرجلين فانه كالمحل في غير الطيب.

ص: 85

ويغسل ولد الزناء مع اظهاره الايمان الموجب لغسله ولا يحكم بكفره ما لم يظهر منه ما يوجب الكفر ولومات في حال الصغر لا يمنع من غسله كونه ولدالزناء لعدم ايجابه الكفر و القائل بكفره لا يجوز غسله وسنبين في محله انه ليس بكافر ما لم يظهر منه ما يوجب الكفر.

ولو وجد ميت لا يعلم انه مسلم او كافر ينظر الى العلامات كالختان فان دلت علامة على اسلامه يغسل و ان دلت على كفره لا يغسل وان لم يظهر من العلامات احدى الحالتين فان كان في دار الاسلام يغسل والافلا ويمكن القول بالتخيير لدوران الامر بين الوجوب والحرمة.

و لقائل ان يقول ان كان الاسلام شرطا لوجوب التغسيل لا يغسل حتى يعلم تحقق الشرط وان كان الكفر شرطا لحرمته يغسل حتى ان يعلم شرط الحرمة وان كان الاسلام والكفر شرطين الموجوب والحرمة فمع عدم العلم باحدهما يتخير بين الغسل والترك والظاهر كونهما شرطين لهما فالاقوى التخير.

وان خيف تناثر جسد الميت يكتفى بصب الماء عليه مع الامكان لانه مرتبة من مراتب الغسل ومع عدم الامكان اجزاء تيممه روى الضريس عن على بن الحسين او عن أبي جعفر عن آبائه ع آبائه عن على أنه سئل عن رجل يحترق بالنار فامرهم ان يصبوا عليه الماء صباً وان يصلى.

و روى فى رواية اخرى عن زيد بن على عن آبائه عن على قال ان قوما اتو رسول الله فقالوا يا رسول الله مات صاحب لها وهو مجدورفان غسلناه انسلخ فقال تيمموه.

ولا يجوز ان يقص من الميت ظفر او شعر لان مولانا الصادق الله قال في مرسلة ابن ابی عمیر لايقص من الميت شعر ولا ظفر وفى موثقة غياث عن ابي عبد الله قال کره امير المؤمنين ان تحلق عانة الميت اذا غسل او يقلم له ظفر او يجزله شعر وفي رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله ما يدل على عدم جواز قص الظفر والشعر وغمض مفصله قال كره ان يقص من الميت ظفر او يقص له شعر او تحلق له

ص: 86

عانة او يغمض له مفصل وفى موثقة عبدالرحمن بن ابيعبد الله عن ابی عبد الله قال سئلت ابا عبد الله عن الميت يكون عليه الشعر فيحلق عنه او يقلم قال لا يمس منه بشيء اغسله وادفنه.

واما كيفية الغسل فتظهر ببيان ما ورد في الروايات مجملا ومفصلا ففى حسنة الحلبي عن ابيعبد الله قال اذا اردت غسل الميت فاجعل بينك وبينه ثوبا يستر عنك عورته اما قميص و اما غيره ثم تبدأ بكفيه ورأسه ثلث مرات بالسدر ثم ساير جسده وابدء بشقه الايمن فاذا اردت ان تغسل فرجه فخذ خرقة نظيفة فلفها على يدك اليسرى ثم ادخل يدك من تحت الثوب الذى على فرج الميت فاغسله من غير ان ترى عورته فاذا فرغت من غسله بالسدر فاغسله مرة اخرى بماء وكافور وشيء من حنوطه ثم اغسله بماء بحت غسلة اخرى حتى اذا فرغت من ثلث جعلته في ثوب ثم جففته.

وفي صحيحة ابن مسكان عن أبي عبد الله ما يقرب من الحسنة قال سئلته عن غسل الميت فقال اغسله بماء وسدر ثم اغسله على اثر ذلك غسلة اخرى بماء و كافور وذريرة ان كانت و اغسله الثالثة بماء قراح قلت ثلث غسلات لجسده كله قال نعم قلت يكون عليه ثوب اذا غسل قال ان استطعت ان يكون قميص فغسله من تحته وقال احب لمن غسل الميت ان يلف على يده الخرقة حين يغسله.

و هاتان الروايتان تدلان على وجوب ستر عورة الميت بالقميص او غيره والابتداء بكفيه ورأسه والغسل بالسدر ثلث مرات والابتداء بشقه الايمن ولف الخرقة على اليد اليسرى حين غسل فرجه وغسله بالماء والكافور وشيء من الحنوط ثم الغسل بالماء الخالص واستحباب ان يلف على يده الخرقة من اول الغسل الى آخره وكون القميص عليه و الغسل من تحت القميص و يفهم من استحباب الخرقة على اليد في الغسل لزوم الدلك في الغسل ويظهر من تكرار الغسل بالسدر كونه للتنظيف واما الابتداء بالشق الايمن فقد عرفت مما سلف ايضاً في غسل الجنابة ووجهه كونه اشرف من الايسر.

ص: 87

و اما التفصيل فيعرف من الروايات الطويلة فارجع الى مرسلة ابراهيم بن هاشم عن يونس عنهم ورواية عبدالله بن الكاهلى المرويتان في الكافي يظهر لك تفاصل غسل الميت.

أما الأولى قال اذا اردت غسل الميت فضعه على المغتسل مستقبل القبلة فان كان عليه قميص فاخرج يده من القميص واجمع قميصه على عورته وارفعه من رجليه الى فوق الركبة وان لم يكن عليه قميص فالق على عورته خرقة و اعمد الى السدر فصيره في طست وصب عليه الماء واضربه بيدك حتى ترتفع رغوته واعزل الرغوة في شيء وصب الاخر في الاجانة التى فيها الماء ثم اغسل يديه ثلث مرات كما يغسل الانسان من الجنابة الى نصف الذراع ثم اغسل فرجه ونقه ثم اغسل رأسه بالرغوة وبالغ في ذلك واجتهد ان لا يدخل الماء منخريه ومسامعه ثم اضجعه على جانبه الايسر وصب الماء من نصف رأسه الى قدميه وادلك بدنه دلكا رفيقا وكذلك ظهره وبطنه ثم اضجعه على جانبه الايمن وافعل به مثل ذلك ثم صب ذلك الماء من الاجانة واغسل الاجانة بماء قراح واغسل يديك الى المرفقين ثم صب الماء في الآنية والق فيه حبات كافور وافعل به كما فعلت في المرة الأولى ابدء بيديه ثم يفرجه وامسح بطنه مسحاً رفيقا فان خرج شيء فانقه ثم اغسل رأسه ثم اضجعه على جنبه الايسر واغسل جنبه الايمن وظهره وبطنه ثم اضجعه على جنبه الأيمن واغسل جنبه الايسركما فعلت اول مرة ثم اغسل يديك الى المرفقين والانية وصب فيها ماء القراح واغسله بماء القراح كما غسلته في المرتين الاولتين ثم نشفه بثوب طاهر واعمر الى قطن فذر عليه شيئاً من وضعه على فرجه قبل ودبر واحش القطن في دبره لئلا يخرج منه شيء وخذ خرقة طويلة عرضها شبر فشدها من حقويه و ضم فخذيه ضماً شديداً ولفتها في فخذيه ثم اخرج رأسها من تحت رجليه الى جانب الايمن واغرزها في الموضع الذى لففت فيه الخرقة وتكون الخرقة طويلة تلف فخذيه من حقويه الى ركبيته لفاً شديدا انتهت المرسلة

فاول مقدمات الغسل وضع الميت على المغتسل و هو موضع يصنع لغسل

ص: 88

الميت ويهيؤ له ويستحب ان يكون موضعا لا يتلطخ الميت بوضعه عليه كالساحة او الحجر روى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الرفق لم يوضع على شيء الا زانه ولانزع من شيء الاشانه الاشانه ومن المعلوم ان تلطخ الميت بالتراب شين له مع ما فيه من سهولة امر الغسل

و يدل قوله المستقبل القبلة على محبوبية الاستقبال التي هی اعم من الوجوب والاستحباب والاصل عدم الوجوب وفي صحيحة يعقوب بن يقطين ما يؤيد عدم الوجوب قال سئلت ابا الحسن الرضاعة الله عن الميت كيف يوضع على المغتصل موجها وجهه نحو القبلة او يوضع على يمينه ووجهه نحو القبلة قال الخلا يوضع ك_ كيف تيسر فاذا طهر وضع كما يوضع في قبره.

و يمكن ان يكون مراد الامام من قوله كيف تيسر هو ما تيسر ق من الكيفيتين المذكورتين فى السؤال وفي كلتا الكيفيتين مراعات الاستقبال وحينئذ لا ينافي وجوب الاستقبال .

قوله فان كان عليه قميص الخ ان الواجب هوستر العورة وقوله واعمد الى السدر الخ يكشف ان السدر لاجل التنظيف لان عنوان السدر هو ذلك.

قوله ثم اغسل يديه ثلث مرات الخ يدل على استحباب غسلهما مع عدم النجاسة للتشبيه بغسل الجنابة.

قلنا قوله ثم اغسل فرجه ونقه يدل على المبالغة فى غسل الفرج، قوله ثم اغسل رأسه بالرغوة و بالغ يدل على ان غسل الرأس لا بد ان يكون بعد غسل الفرج ويؤيده عزل الرغوة التى حصلت بالضرب قبل غسل اليدين وكون الغسل بالرغوة يدل على المبالغة وتنظيف الرأس .

قوله ثم اضجعه على جانبه الايسر يدل على وجوب تقديم الايمن ويدل عليه الاعتبار العقلى لكون الايمن اشرف من الايسر وقوله عليه وادلك بدنه دلكا رفيقا الخ يدل على استحباب الرفق بالميت فى الغسل بل وجوبه لان التشديد الاوجه له مع حصول المقصود بالرفق والتخفيف.

ص: 89

وقوله وصب الماء من نصف رأسه الى قدميه يدل على جواز غسل نصف الرأس ونصف البدن فى غسلة واحدة و على وجوب الابتداء من الرأس والاختتام بالرجل ويؤيده الاعتياد .

و قوله ثم صب ذلك الماء من الاجانة الى واغسل يديك الى المرفقين يدل على التأكيد في تنظيف ماء الغسل بالكافور.

وقوله ثم صب الماء فى الانية والق فيه حبات كافور يدل على عدم اعتبار مقدار مخصوص من الكافور بحسب الوزن لعدم تعيين عدد الحبات وعدم تعين وزنها و قوله علیه و افعل به كما فعلت بالمرة الأولى يدل على عدم الاختلاف غسل مع الاول في المبدء والمنتهى ثم بين بقوله ابدء بيديه الى قوله ثم اغسل يديك وقوله وامسح بطنه مسحا رفيقا يدل على استحباب المسح لخروج ما يخرج من البطن لان لا يخرج بعد الغسل .

وقوله ثم اغسل يديك الى المرفقين الى قوله ثم نشفه يدل على وجوب الغسل بالماء القراح مع مراعات وحدة المبدء والمنتهى ويدل قوله ثم نشفه بثوب طاهر استحباب تنشيفه لانه ابلغ في الصيانة من الدرن.

وقوله واعمد الى قطن الى آخر الرواية يدل استحباب وضع القطن بعد شيء من الحنوط عليه على فرجه قبل ودبر وحش القطن في دبره دفعا لخروج شيء منه و استحباب شد اللفافة على فخذيه بعد ضمهما ضماً شديداً وكون اللفافة بقدر الشبر عرضاً و بقدر ما يكفى شد ما بين الحقوين والركبتين طولا و اخراج رأس اللفافة من تحت رجلى الميت والى جانب الايمن وغرزها في الموضع الذي لفت. واما رواية عبدالله الكاهلى فتقرب من مرسلة ابن هاشم قال سئلت ابا عبدالله عن غسل الميت فقال استقبل بباطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل القبلة ثم تلين مفاصله فان امتنعت عليك فدعها ثم ابدا بفرجه بماء السدر والحرض فاغسله ثلث غسلات واكثر من الماء وامسح بطنه مسحا رفيقاً ثم تحول الى رأسه و ابدء بشقه الايمن من لحيته ورأسه ثم شن بشقه الايسر من راسه ولحيته ووجهه وغسله

ص: 90

برفق واياك والعنف واغسله غسلا ناعما ثم اضجعه على شقه الايسر ليبدولك الايمن ثم اغسله من قرنه الى قدميه وامسح يدك على ظهره وبطنه ثلث غسلات ثم رده على جانبه الايمن حتى يبدولك الايسر فاغسله بماء من قرنه الى قدمه وامسح يدك على ظهره و بطنه بثلاث غسلات ثم رده على قفاه فابدء بفرجه بماء الكافور فاصنع كما صنعت اول مرة فاغسله بثلاث غسلات بماء الكافور والحرض وامسح يدك على بطنه مسحاً رفيقا ثم تحول الى رأسه فاصنع كما صنعت اولا من جانبيه كليهما وراسه ووجهه بماء الكافور ثلث غسلات ثم رده الى الجانب الايسر حتى يبدولك الايمن ثم من قرنه الى قدمه ثلاث غسلات وادخل يدك تحت منكبيه وذراعيه ويكون الذراع والكف مع جنبيه طاهرة كلما غسلت شيئاً منه ادخلت يدك تحت منكبيه وفي باطن ذراعيه ثم رده الى ظهره ثم اغسله بماء القراح كما صنعت اولا تبدء بالفرج ثم تحول الى الرأس واللحية والوجه حتى تصنع كما صنعت اولا بماء القراح ثم اذفره بالخرقة ويكون تحتها القطن تذفره به اذفارا قطنا كثيراً ثم تشد فخذيه على القطن بالخرقة شداً شديداً حتى لايخاف ان يظهر شيء واياك ان تقعده اوتغمز بطنه واياك ان تحشو فى مسامعه شيئا فان . ان يظهر من المنخر شيء فلا عليك ان تصير ثم قطنا فان لم تخف فلا تجعل فيه شيئا ولا تخلل اظفاره وكذلك غسل المرئة انتهى .

ويظهر من ذكر الحرض ما بينا من كون المقصود من السدر التنظيف ويظهر منها ان الرأس يغسل منفردا ويغسل مع البدن ايضاً في الغسلات الثلث وتدل على استحباب تكثير الماء وتدل على كراهة اقعاده وغمز بطنه فما رواه ابو العباس عن ابي عبد الله قال سئلته عن غسل الميت فقال اقعده واغمز بطنه عمراً رقيقاً ثم طهره من عمر البطن ثم تغسله تبدأ بميامنه وتغسله بالماء والحرض ثم بماء وكافور ثم تغسله بماء القراح و اجعله فى أكفانه يجب حمل اشتماله على الافعاد وغمز البطن على التقية كما فعله الشيخ رحمه الله في التهذيب اذ قال قال محمد بن الحسن ما تضمن هذا الخبر من قوله اقعده غیر معمول عليه والوجه فيه النقية لموافقته لمذهب العامة وتدل على كراهة حشوشى فى مسامعه وتخليل اظفاره ويمكن القول بحرمة

ص: 91

ما نهى عنه لان احكام الميت توقيفية يتوقف جوازها على ورودها عن اهل العصمة فما لم يرد عنهم يجوز تجويزه.

و يظهر من الروايات ان غسل الميت لابد من كونه على الترتيب المذكور فيها لعدم ما يدل على جواز الغسل بطريق الارتماس مع كثرة ما ورد في كيفية الغسل واما قوله غسل الميت مثل غسل الجنب فلا ظهور له على جواز الغسل رمساً ولكن التأمل التام يرشدنا الى الجوازلان غسل الميت عمل واحد ولا يلاحظ فيه الاجزاء فلا تعددفيه فالاصل الجواز ولا ينقطع بتعليم الترتيب لانه لسهولة العمل ومراعات الميت بل الانقطاع يتوقف على النهي عن الارتماس ولم يرد فلو امكن غسله رمساً مع مراعات الرفق به لا يمنع منه مانع ولاينافي جواز الرمس فضل الترتيب لانه اسهل و ارفق بالميت وتصوير الارتماس بالغسل في السدر والكافورا بعد من___ه بالقراح ويظهر من رواية الكاهلى استحباب تليين مفاصله.

و اما وضوء الميت فيظهر من صحيحة يعقوب بن يقطين عدم مشروعيته حيث انه سئل أبا الحسن عن غسل الميت افيه وضوء الصلوة ام لا فاجاب عن هذا السؤال ببيان كيفية الغسل واعرض عن جواب وضوء الصلوة فلو كان مشروعاً واجباً او مستحيا لما اعرض عن الجواب لان من شأن الامام بيان الاحكام بعد السؤال وعدم المانع وحيث ان اهل الخلاف مطبقون على الاستحباب فاعراضه يكشف عن عدم مشروعيته قال سئلت العبد الصالح عن غسل الميت افيه وضوء الصلوة ام لا فقال غسل الميت يبدء بمرافقه فيغسل بالحرض ثم يغسل وجهه ورأسه بالسدر ثم يفاض عليه الماء ثلث مرات ولا يغسل الا في قميص يدخل رجل يده و يصب عليه من فوقه و يجعل فى الماء شيء من سدر و شيء من كافور ولا يعصر بطنه الا ان يخاف شيئاً قريباً فيمسح مسحاً رفيقا من غير ان يعصر ثم يغسل الذي غسله يده قبل ان يكفنه الى المنكبين ثلث مرات ثم اذا كفنه اغتسل.

قال في التذكرة اختلف علمائنا في استحباب وضوء الميت قال في المبسوط قيل انه يوضا فمن عمل به كان جائزا غير ان عمل الطائفة على ترك العمل به لان

ص: 92

غسل الميت كغسل الجنابة ولا وضوء في غسل الجنابة للنقل المستفيض عن اهل البيت انه كغسل الجنابة والانتقال من تليين اصابعه وغسل يديه الى غسل رأسه وجسده من غير ذكر الوضوء وكذا في الخلاف وفى الاستبصار يستحب انتهى.

وقد عرفت مما سبق عدم انحصار غسل الجنابة بهذ الحكم لكون الوضوء مع الغسل بدعة اى غسل كان ومع ذلك لايدل على كونه بدعة في الميت لان احكام الاحياء وراء احكام الاموات ضرورة ان الميت لا يجب عليه شيء وانما الواجب على الولى تغسيله ولا ينافى وجوب التغسيل استحباب الوضوء و تشبيه غسل الميت بغسل الجنابة لايدل على كون الوضوء بدعة لان التشبيه في الكيفية لا في جميع

الاحكام.

و اما اعراض الامام عن بيان حكمه مع كون السؤال عنه بخصوصه واضح الدلالة على عدم استحبابه بل على عدم مشروعيته ضرورة ان اعراض الامام ليس لاجل السهو او النسيان لاستحالة اتصافه بهما سيما عند بيان الاحكام وقوله غير ان عمل الطائفة على ترك العمل به يشعر بان الاقدمين من اصحابنا الامامية رضوان الله عليهم لا يحكمون باستحبابه مع كون الاخبار المجوزة بمرئى منهم والعجب منه قدس سره الحكم باستحبابه في الاستبصار مع كون عمل الطائفة على ترك العمل به و اعجب منه توفيقه بين الروايات الامرة بالوضوء و بين رواية يعقوب بن يقطين بقوله لان الذي تضمن الخبر يعنى خبر يعقوب بن يقطين بيان غسل الميت ولم يحتج الى بيان شرح الوضوء لان ذلك معلوم ولم يعدل عن شرحه لانه غير واجب لان الراوى لم يسئل عن شرح الوضوء بل كان سؤاله عن كون الوضوء في الغسل فشرح الغسل من اوله الى اخره بعد هذا السؤال مع عدم ذكر عن الوضوء كالصريح فى نفى الوضوء و نفى مشروعيته ولم يمنع مانع من جواب هذا السؤال غير ان الوضوء عند اهل الخلاف مستحب وعنده ليس بمستحب لانه مع الموافقة في الراي لم يمسك عن الجواب بعد السؤال فحمل الاخبار الامرة المجوزة على التقية اولى من حملها على الاستحباب سيما مع كون عمل الطائفة على ترك العمل به.

ص: 93

قال المحدث العاملى فى الوسائل بعد نقل الاخبار اقول وتقدم ما يدل على ان كل غسل يجزى عن الوضوء واحاديث كيفية الغسل السابقة اكثرها خال عن ذكر الوضوء وكذا ما دل على ان غسل الميت مثل غسل الجنابة مما يدل على عدم وجوب وضوء و احاديث استحبابه لا بأس بالعمل بها وان احتملت النقية والنسخ و ظاهر كلام الشيخ في بعض كتبه نقل اجماع الامامية على نفى الوضوء هنا وترك استعماله والله اعلم انتهى ، و مراده من احتمال النسخ بالنسبة الى رواية ام انس

بن مالك.

و اما الاخبار الآمرة المروية فى طريق الامامية فمنها صحيحة حريز قال اخبرني ابو عبد الله قال الميت يبدء بفرجه ثم : ضؤوضوء الصلوة وهذه الرواية لا قدح فيها سنداً ودلالة الا انها صدرة تقية لرواية ابن يقطين ومنها رواية عبدالله بن عبيد عن ابيعبد الله قال سئلته عن غسل الميت قال يطرح عليه خرقة ثم يغتسل فرجه ويوضو وضوء الصلوة ثم يغسل رأسه بالسدر والاشنان ثم بالماء والكافور ثم بالماء القراح يطرح فيه سبع ورقات صحاح فى الماء و هذه لا تعارض صحيحة

ابن يقطين مع احتمال التقية.

ومنها رواية ابن ابى عمير عن حماد بن عثمان اوغيره عن ابيعبد الله قال في كل غسل وضوء الا الجنابة وهى مع انها يضعف بالترديد بين حماد وغيره موردها غسل الاحياء لا الاموات وقد بينا فى محله ان الوضوء مع كل غسل بدعة داما مرسلة على بن محمد عن بعض اصحابه عن الوشاء عن ابى خثيمة عن ابي عبد الله وفيها ثم قال تبدء فتغسل يديه ثم توضيه وضوء الصلوة فارسالها كافية للاعراض عنها. و اما رواية معوية بن عمار قال امرنی ابو عبدالله ان اعصر بطنه ثم اوضيه ال فليس فيها وضوء الصلوة فلا يبعد كون المراد من قوله اوضيه غسل الذراعين و تنظيفه واما خبر ام انس بن هالك رسول الله الله فلا اعتماد له.

وعلى القول بمشروعية الوضوء نمنع من استحباب المضمضة والاستنشاق لما فيهما من اذية الميت واحتمال وصول الماء الى جوفه ثم الخروج بعد التكفين .

ص: 94

ولا يجب التسمية لعدم دليل يدل على وجوبها والاصل عدمه ويستحب الدعاء بالمأثور لقول ابى جعفر ايما مؤمن غسل مؤمناً فقال اذا قلبه اللهم هذا بدن عبدك المؤمن قد اخرجت روحه منه وفرقت بينهما فعفوك عفوك عفوك الا غفر الله له ذنوب سنه الا الكبائر.

ويستحب للغاسل كتم ما يرى من الميت بل لا يجوز اظهار ما فيه شين للميت ففى ثواب الاعمال باسناده عن عبدالله بن سنان عن ابي عبد الله قال من غسل مؤمنا ميتاً فادى فيه الامانة غفر الله له قيل وكيف يؤدى فيه الامانة قال لا يخبر بما يرى وفى عقاب الاعمال باسناد تقدم فى عيادة المريض عن رسول الله انه قال في خطبة طويلة من غسل ميتا فادى فيه الامانة كان له بكل شعرة منه عتق رقبة ورفع له مائة درجة قيل يا رسول الله كيف يؤدى فيه الامانة قال صلى الله عليه علمية و آله يستر عورته ويستر شينه وان لم يستر عورته ويستر شينه حبط اجره وكشف عورته في الدنى والاخرة .

و يكره تغسيل الميت بالماء المسخن بالنار الا ان يخاف الغاسل على نفسه البرد المرسلة عبد الله بن مغيرة عن رجل عن أبي جعفر وابيعبد الله قالا يقرب الميت ماءاً حميماً وروى زرارة قال قال ابو جعفر لا يسخن الماء للميت وروى يعقوب بن يزيد عن عدة من أصحابنا عن ابيعبد الله (ع) قال لا يسخن للميت الماء لا يعجل له النار ولا يحفط بمسك و مرسلة ابن بابویه (ره) قال قال ابو جعفر (ع) لا يسخن الماء للميت قال وروى في حديث آخر الا ان يكون شتاء بارداً فتوقى الميت مما توقى منه نفسك.

ولا يجوز ازالة شيء من شعر الميت او ظفره لمرسلة ابن ابی عمیر عن ابی عبدالله قال لا يمس عن الميت شعر ولا ظفر وان سقط منه شيء فاجعله في كفنه و رواية غياث عن ابيعبد الله (ع) قال كره امير المؤمنين (ع) ان يحلق عانة الميت اذا غسل او يقلم له ظفر او يجزله شعر.

ويكره غمز مفاصله لرواية حمران بن اعين قال قال ابوعبدالله(ع) اذا غسلتم

ص: 95

الميت معكم فارفقوا به ولا تعصروه ولا تغمزوا له مفصلا وروى طلحة بن زيد عن ابيعبد الله (ع) قال كره ان يقص من الميت ظفر او يقص له شعرا و يحلق له عانة او يغمز له مفصل .

ويكره ارسال ماء غسل الميت الى الكنيف وينبغى ارساله فى البالوعة لمكاتبة حمد بن الحسن الصفار الى ابي محمد اللهم هل يجوز ان يغسل الميت وماؤه الذي يصب عليه يدخل الى بئر كنيف او الرجل يتوضأ وضوء الصلوة ان ينصب ماء وضوئه في كنيف فوقع (ع) لا يكون ذلك في بلاليع و روى الشيخ عن محمد بن الحسن الصفار مع ترك ذكر الوضوء و يمكن القول بالحرمة لان السؤال عن الجواز و نفاه (ع) لقوله لا.

و يستحب تكثير الماء فى غسل الميت الى ان يبلغ الى سبع قروب روى حفص بن البختري في الصحيح عن ابيعبد الله (ع) قال (ع) قال رسول الله لعلى يا على اذا انامت فاغسلني بسبع قرب من بئر غرس وبئر غرس بئر معروفة بالمدينة غسل منها النبي.

و روی فضیل سکره قال قلت لا بيعبد الله (ع) جعلت فداك هل للماء الذي يغسل به الميت حد محدود قال ان رسول الله قال لعلى (ع) اذا انامت فاستق صاءات لی ست قرب من ماء بئر غرس فاغسلني و كفنی و حنطنى الحديث ولا ينافي استحباب سبع قرب مكاتبة عيد بن الحسن الى ابى محمد فى الماء الذي يغسل به الميت كم حده فوقع (ع) حد غسل الميت يغسل حتى يظهره فلو لم يطهر سبع قرب يجب ازيد منه الى ان يصل حد التطهير فاستحباب السبع اذا امكن التطهير ب__ه

وبما دونه.

و يجوز غسل الميت فى الفضاء ويستحب الستر بينه و بين السماء لصحيحة على بن جعفر عن اخيه ابي الحسن (ع) قال سئلته عن الميت هل يغسل في الفضاء قال لاباس وان ستر بستر فهو احب الى وروى طلحة بن زيد عن ابيعبد الله (ع) ان ا باه كان يستحب ان يجعل بين الميت وبين السماء سترا يعنى اذا غسل .

ص: 96

وهل يجب في غسل الميت النية الاصح نعم لانه عبادة شرعية متوقفة صحته على النية ومن نفى وجوب النية نظرا الى ان غسل الميت ازالة النجاسة وهي تتحقق بدون النية.

و فيه ان الاخبار دلت على ان المطلوب من غسل الميت تطهيره من المستند الى الموت ولذا ورد ان علة غسل الميت هى خروج النطفة التي خلقت الميت منه و من المعوم ان رفع الحدث يتوقف على النية ومن هنا يظهر أن الماء المغصوب لا يطهر الميت ولا يصح الغسل به لما عرفت مما اسلفناه ان اثر الماء على ضربين ذاتي و مجعول شرعى والاثر الذاتي يترتب على المؤثر من دون احتياج الى الملكية واما الاثر المجعول في الشرع فلا يترتب عليه الامع تجويز الشرع فالماء يذهب بالدرن والوسخ من دون توقف الى الملكية لان ذهاب الدرن والوسخ اثر ذاتى له واما رفع الحدث فلا يمكن ب_ه الا ان يكون مباحاً بان يكون ملكا للميت او ما يقوم مقام الملك لان النماء تابع للاصل وقد اشبعنا الكلام فى مبحث الوضوء .

و اما المكان المغصوب فليس رفع الحدث من الميت نماءاً له فغسل الميت فيه لا يمنع من تطهيره وان اثم الغاسل.

ولا يستحب الدخنة بالعود او بغيره كما انه لا يستحب التجمير عند التغسيل لعدم ما يدل على استحبابهما والمستحب حكم شرعى لا يثبت بغیر دلیل شرعی بل ورد ما يدل على كراهتهما كرواية روى الشيخ باسناده عن الحسن بن محبوب عن على بن ابی حمزة قال قال ابو جعفر لاتقربوا موتاكم النار يعنى الدخنة وروى محمد بن مسلم عن ابي عبد الله قال قال امير المؤمنين لا تجمروا الأكفان ولا تمسحوا موتاكم بالطيب الا بالكافور فان الميت بمنزلة المحرم.

واما الذريرة فيستحب لورودها في صحيحة ابن مسكان التي مر ذكرها حيث قال ثم اغسله على اثر ذلك غسلة اخرى بماء وكافور و ذريرة ان كانت و في قوله ان كانت اشعار بالاستحباب .

قال شيخنا البهائى فى الحبل المتين على ما نقل عنه ما تضمنه الخبر من

ص: 97

اضافة الذريرة الى الكافور محمول على الاستحباب ولعل في قوله ان كانت نوع اشعار بعدم تحتمها والذريرة على ما قاله الشيخ (ره) فى التبيان قناة قصب الطيب و هو قصب يجاء به من الهند كانه قصب النشاب وقال فى المبسوط والنهاية يعرف بالقمحة بضم القاف وفتح الميم المشددة والحاء المهملة او بفتح القاف و اسكان الميم وقال ابن ادريس (قده) هو نبات طيب غير الطيب المعهود تسمى القمحان بالضم والتشديد وقال فى المعتبر انها الطيب المسحوق و نقل انه وجد بخط شيخنا الشهيد رضوان الله عليه نقلا عن بعض الفضلاء ان قصب الذريرة أى القمحة التي توثق بها من ناحية نهاوند واصلها قصب نابت في آجمة بعض الرساتيق تحيط بها حيات والطرق اليها على عده عقبات فاذا طال ذلك القصب ترك حتى يجف ثم يقطع عقدا وكعاباً ثم يعبي في الجوالقات فاذا اخذ على عقبة من تلك العقبات المعروفة غض وصار ذريرة ويسمى قمحة وان سلك به على غير تلك العقبات بقى قصباً لا يصلح الا للوقود.

واختلف فى الناوى هل هو من يصب الماء اومن يقلب الميت اذا كان الصاب غير المقلب او كلاهما اما الصاب فيجب عليه النية لانه غاسل حقيقة و اما المقلب فليس لغاسل بحسب الحقيقة و ان اطلق عليه الغاسل الا ان الغسل يتحقق بالصب والتقليب معا فمن اوجب النية عليهما فقد سلك طريق الاحتياط .

ويكره جعل الغاسل الميت بين رجليه ويستحب وقوفه على جانبه .

لقوله ابي عبد الله في رواية عمار ولا يجعله بين رجليه في غسله بل يقف من جانبه .

وقوله في رواية العلاء بن سيابه لابأس ان تجعل الميت رجليك بين وان تقوم من فوقه فتغسله اذا قلبته يميناً وشمالا تضبطه برجليك كيلا يسقط لوجهه.

فيظهر من نفى الباس ان النهى تنزيهي وينبغى تقييد نفى الباس بوحدة الغاسل و احتياج الضبط بجعله بين الرجلين والاستناد برواية عمار وقع من المحقق (قده) في المعتبر قال بعد نقل رواية ابن سيابة قال فى التهذيب هذا الخبر محمول على

ص: 98

الجواز وان كان الافضل غيره وقال فى الاستبصار هذا يدل على رفع الحضر لان المسنون والافضل ان يقف من جانب الميت ولا يركبه قلت وهذا هو الذي يعتمد لرواية عمار عن ابي عبد الله قال ولا يجعله بين رجليه فى غسل بل يقف من جانبه و قال صاحب المدارك ( قده) عند شرح قول المحقق و يكره ان يجعل الميت بين رجليه لقوله في خبر عمار ولا يجعل بين رجليه فى غسله بل يقف من جانبه .

وقال صاحب الجواهر عند شرح هذه الجملة واستدل عليه جماعة بخبر عمار ولا يجعله بين رجليه في غسله.

و قال الانصاري قدس الله سره عند شرح قول العلامة وقوف الغاسل على جانبه لقول الصادق له ولا يجعله بين رجليه بل يقف على جانبه.

و قال العلامة فى التذكرة مسئلة يستحب وقوف الغاسل على جانبه الايمن . و يكره جعله بين رجليه لقول الصادق ولا يجعله بين رجليه في غسله بل يقف من جانبه والظاهر ان مقصودهما من قوله هو قوله في رواية عمار واما توصيف الجانب بالايمن فليس مما نقل و لعل لشرافته على الايسر و في الرياض بعد قول المحقق وجعله بين رجلى الغاسل وفاقاً للاكثر للنهي عنه في الخبر فاستنادى الى هذا القول اعنى قوله ولا يجعل بين رجليه الخ انما هو لاعتمادي على هؤلاء الاعلام ولكنى ما وجدت هذه الجملة في رواية عمار ولا في رواية غير عمار و عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود وعندى من كتب الاخبار الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار والوسائل وما ظفرت فى هذه الكتب هذه الجملة والامر سهل بعد ما نفى البأس في رواية العلاء.

و اما طهارة الماء فاشتراطها بديهى فى الشرع لان النجس لا يرفع الحدث ولا الخبث وقد يذكر في الشروط اطلاق الماء وقد مر فى صدر المبحث ان المعتصر من الاجسام ليس بماء حقيقة بل جزء مايع من ذلك الجسم واما المتمزج فالحكم للغالب وبعد غلبة الممتزج به يخرج من الماء حكما.

واذا لم يوجد سدر ولا كافور فهل يكتفى بالغسل بالقراح مرة واحدة او يغسل

ص: 99

به ثلث مرات فلكل من القولين قائل فمن او جبت ثلث غسلات بالقراح ينظر الى استلزام وجوب المركب وجوب اجزائه فوجوب الغسل بالماء والكافور ينحل عنده الى وجوبين فمع فقد الكافور يبقى الغسل بالماء واجباً وكذالحال في السدر .

ومن اكتفى بالغسل بالقراح مرة واحدة ينظر الى ان الغسل بالماء والخليط نوع خاص من الغسل يتعذر بفقد الخليط ويسقط عند التعذر ودقة النظر تقوى جانب السقوط ضرورة ان ماء السدر او الكافور عنوان منتزع من الماء لان الخليط ليس مما يغسل به لان الغسل من خاصية الماء وانما يوجب عنواناً خاصاً للماء و مع فقده لا يحدث هذا لعنوان فيتعذر ويسقط وبعبارة اخرى لا يلزم من وجوب الغسلات على هيئة مخصوصة وجوب مطلق الغسلات لان خلط الخليط بالماء يوجب حدوث وصف للماء لا أنه جزء للمركب الذى يحصل به الغسل لان الغسل مما يتحقق بالماء فقط لا بالماء والسدر أو الكافور والتعبير في الرواية بالغسل بالماء و السدر انما هو لاحداث التركيب هيئة خاصة للماء و اذا فقدت هذه الهيئة لفقد التركيب يسقط وجوب الغسل بماء السدر او الكافور لعدم امكانه ويدل على عدم وجوب التعدد ان ايجاب تركيب الخليط لابد وان يكون لخاصية ملحوظة فيه ومع فقده تفقد تلك الخاصية ولا فائدة لتكرار الغسل بالقراح .

قال المحقق ( قده ) في المعتبر مسئلة لو تعذر السدر والكافور كفت المرة بالقراح تمسكاً بالاصل فإن المراد بالسدر الاستعانة على ازالة الدرن و بالكافور لطيب الميت وحفظه بخاصية الكافور من اسراع التغيير وتعرض الهوام فلا فائدة في تكرار الماء مع حصول النقاء.

ثم انك عرفت مما سبق من الاخبار استحباب مسح بطن الميت في الغسلتين الاوليين لدفع خروج شيء منه بعد اتمام الغسل فلولم يؤثر المسح اولم يمسح و خرج من الميت بعد اتمام الغسل شيء فان لم يكن من النواقض غسل للنظافة وان كان منها غسل منه ما خرج وينظف وهل يجب اعادة الغسل ام لا قولان فقال ابن - ابی عقيل رحمه الله يعاد الغسل على ما حكى عنه في التذكرة ومستنده ان القصد في

ص: 100

غسل الميت ان يكون خاتمة امره الطهارة الكاملة وظاهر باقى العلماء غسل النجاسة فلوكان المقصود من الروايات الامرة بالغسل هو رفع الحدث الأكبر فلا يجب اعادة الغسل لارتفاعه به وعدم عوده بخروج النجاسة منه وان كان المقصود منها تحصيل الطهارة الكبرى يجب الاعادة لانتقاضها به .

ويظهر من بعض الروايات عدم الوجوب كرواية روح بن عبدالرحيم عن ابی عبدالله قال ان بدأ من الميت شيء بعد غسله فاغسل الذي بدأ منه ولا تعد الغسل ورواية عبدالله بن يحيى الكاهلى والحسين بن المختار عن ابی عبدالله قالا سئلناه عن الميت يخرج منه الشيء بعد ما يفرغ من غسله قال لا يغسل ذلك ولا يعاد عليه الغسل وفى مرفوعة سهل قال اذا غسل الميت ثم احدث بعد الغسل فانه يغسل الحدث ولا يعاد الغسل.

والظاهر ان مورد هذه الروايات هو خروج الشيء منه بعد الغسل وقبل ان يكفن واما بعد التكفين فروى ابن ابى عمير عن بعض اصحابنا عن ابي عبدالله انه قال اذا خرج من الميت شيء بعد ما يكفن فاصاب الكفن قرض منه وفي رواية عبد الله بن يحيى الكاهلى عن ابيعبد الله قال اذا خرج من منخر الميت الدم اوالشيء بعد الغسل واصاب العمامة والكفن قرض بالمقراض قال المحدث العاملي في المرسلة حمله بعض علمائنا على عدم امكان الغسل و بعضهم على ما لو وضع الميت في القبر وتتميم الكلام فى التكفين.

ولو تعذر من غسل الميت

) ولو تعذر من غسل الميت )

لفقد الماء او للمبرد المانع من استعماله وعدم امكان تسخينه او للاحتياج اليه لحفظ النفس المحرمة عن الهلاك او لفقد مايشترى به مع وجوده من لا تتبرع به اولغير ما ذكر من علل التعذر تيممه الولى عوضاً عن الغسل لان الطهارة الترابية بدل عن المائية عند فقدها وكيفية هذا التيمم لا تخالف كيفية تيمم الاحياء الا ان اليد في تيمم الميت هى يد الولى تضرب بيديه على الارض او ما يصح عليه التيمم

ص: 101

ويمسحها على جبهة الميت وعلى ظهر كفيه وسيجئى فى بابه ما يجب فيه وفي صحته.

و يدل على وجوب التيمم عند تعذر الغسل ما دل على كون الميت جنبا لخروج المنى منه فحيث ان حكمه حكم الجنب يدل على وجوب التيمم على الولى ما دل على وجوبه على الجنب والى هذا ينظر الاستدلال على وجوب تيممم الميت بعموم ما دل على بدلية الطهارة الترابية من الطهارة المائية.

ويدل على البدلية رواية زيد بن على عن آبائه عن على (ع) قال ان قوماً اتو رسول الله فقالوا يا رسول الله مات صاحب لنا و ه ومجدور فان غسلناه انسلخ فقال تيمموه .

ورواية رواها ابو جعفر بن بابویه باسناده عن عبدالرحمن بن ابی نجران انه سئل ابا الحسن موسى بن جعفر عن ثلاثة نفر كانوا في سفر احدهم جنب والثاني ميت والثالث على غير وضوء وحضرت الصلوة ومعهم من الماء قدر ما يكفى احدهم من ياخذ الماء وكيف يصنعون قال يغتسل الجنب ويدفن الميت بتيمم ويتيمم الذی هو على غير وضوء لان غسل الجنابة فريضة وغسل الميت سنة والتيمم لاخر جايز.

قال فى المدارك بعد نقل رواية زيد وهى ضعيفة السند باشتماله على جماعة من الزيدية فان كانت المسئلة اجماعية على وجه لا يجوز مخالفته فلا بحث والا امكن التوقف فى ذلك لان ايجاب التيمم زيادة تكليف والاصل عدمه خصوصاً ان قلنا ان الغسل ازالة نجاسة كما يقوله المرتضى رضوان الله عليه وربما ظهر من بعض الروايات عدم الوجوب ايضاً كصحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن ع في الجنب والمحدث و الميت اذا حضرت الصلوة ولم يكن معهم من الماء الا بقدر ما يكفى احدهم قال يغسل الجنب ويدفن الميت ويتيمم الذي هو على غير وضوء لان الغسل من الجنابة فريضة وغسل الميت سنة والتيمم لاخر جايز ومع ذلك فالعمل على المشهور وينبغى القطع بالاكتفاء بتيمم واحد واحتمال التعدد بتعدد الغسلات بعيد انتهى .

وهو (قده) قال في اول كلامه هذا مذهب الاصحاب قال الشيخ في التهذيب

ص: 102

و به قال جميع الفقهاء الا الأوزاعي فيظهر منه اتفاق المسلمين فضلا الامامية عن ومع هذا فلا يناسب قوله فان كانت المسئلة الجماعية ويظهر من كلامه (قده) انه لايرى دلالة ما يدل على بدلية التيمم عن الغسل والوضوء على وجوب التيمم .

و اما استدلاله ( قده ) بصحيحة عبدالرحمن بن الحجاج على عدم الوجوب فليس على ما ينبغى لان دفن الميت اعم من كونه مع التيمم او بدونه فليس فيها ما يدل على نفى الوجوب صريحا لان السؤال عن تخصيص الماء باى من الثلث لا وظيفة الباقين.

مع ان الرواية التي استدل بها بالمتن و السند الذين ذكرهما لا يوجد في شيء من الاصول ففي الفقيه و سئل عبدالرحمن بن ابی نجران ابا الحسن موسى بن جعفر الم عن ثلثة نفر كانوا في سفر احدهم جنب والثانى ميت والثالث على غير وضوء وحضرت الصلوة ومعهم من الماء قدر ما يكفى احدهم من ياخذ الماء وكيف يصنعون فقال يغتسل الجنب ويدفن الميت بتيمم ويتيمم الذي هو على غير وضوء .

و روى الشيخ عن عبد الرحمن عن رجل حدثه قال سئلت ابا الحسن وساق الحديث الى ان قال ويدفن الميت من دون الأمر بالتيمم و يمكن ان يكون قوله يتيمم بعد يدفن الميت ساقطاً عن قلم الشيخ او قلم الناسخ للنسخة التي عنده قدس سره لان المحدث العاملي بعد نقل الرواية عن الصدوق نقل عن الشيخ باسناده عن عبدالرحمن بن ابى نجران عن رجل حدثه قال سئلت ابا الحسن الرضا وقال المحدث وذكر نحوه فيظهر من هذا القول ان فى النسخة التي عنده الامر بالتيمم بالنسبة الى الميت والا لم يكن نحو خبر الذي رواه الصدوق وكان عليه ان يقول الا قوله بتيمم كما هو داب المحدثين.

وقال فى الجواهر بعد نقل ما فى المدارك وكلام له مع انا لم نقف على هذه الرواية بهذالمتن و السند في شيء من الأصول المشهورة نعم هي في التهذيب بهذا المتن لكن عن عبد الرحمن بن ابى نجران عن رجل حدثه قال سئلت ابا الحسن فهى مرسلة وفى الفقيه بالسند المذكور من غير ارسال لكن فيها بعد قوله ويدفن

ص: 103

الميت بتيمم و يتيمم الذى عليه وضوء فهو لنا لا علينا اذ لعله سقط ذلك من قلم الشيخ او النساخ لتوهم التكرار فتأمل انتهى.

والظاهر انه ( قده ) اشتبه عليه الراوى لان ابن الحجاج ليس له في هذه المسئلة رواية .

ولومات احد في سفينة في البحر يوضع في خابية ويوكي رأسه و يطرح في الماء لصحيحة أيوب بن الحرقال سئل ابو عبد الله عن رجل مات في سفينة في البحر كيف يصنع به قال يوضع في خابية و يوكي رأسه ويطرح في الماء ولا تنافي بين هذه الرواية و بين مرسلة أبان عن ابيعبد الله حيث قال في الرجل يموت مع القوم فى البحر يغسل ويكفن ويصلى عليه ويثقل ويرمى به في البحر لان الصحيحة وردت في مورد امكان الخابية والمرسلة فى مورد عدمه وينبغي ان يقيد الالقاء في البحر بصورة عدم القدرة على ايصاله الى الشط المرفوعة سهل بن زياد عن ابيعبد الله قال اذا مات الرجل في السفينة ولم يقدر على الشط قال يكفن و يحنط و يلف في الثوب ويلقى فى الماء لان المطلق لا بد ان يحمل على المقيد.

ولولم يوجد من الماء الابقدر ما يكفى لغسل واحد يصرف في الغسل بالسدر لعدم جواز التيمم مع وجود الماء ووجوب تقديم غسل السدر على الاخيرين ولو كفى للغسلين يصرف فى غسل السدر و الكافور لتاخر القراح عنهما ولو كان الماء بقدر غسل واحد مع فقد السدر يصرف فى الغسل بالكافور ويسقط الغسل بالسدر ولوفقد الكافور مع وجود السدر يصرف فى الغسل بالسدر و يسقط الغسل بالكافور وكل ساقط قبل استعمال الماء يسقط التيمم ايضا لان التيمم مع وجود الماء في غير محله ولو صرف في الغسل بالسدر والكافوراواحدهما يجب التيمم بدلا عن الغسل بالقراح لان الطهارة الترابية بدل عن المائية ولو صرف فى غسل السدر وغسل القراح لفقد الكافور سقط غسله ولا يجب التيمم لانه تيمم مع وجود الماء فلووجب التيمم يجب قبل الغسل بالقراح لانه بدل عما هو مقدم على القراح وحينئذ يكون تيمما مع وجود الماء مع انك قد عرفت مما تقدم سقوط غسل احد الخلطين اذا لم يوجد ومع

ص: 104

سقوط الاصل لا معنى للبدل وكذالكلام اذا صرف في الغسل بالكافور و و القراح لفقد السدر .

ولو فقد الخليطان وغسل بالقراح ثم وجدا اواحدهما قبل الدفن غسل بهما او باحدهما ثم غسل بالقراح مع مراعات الترتيب وكذا لو فقد احدهما ثم وجد بعد الغسلين فمع فقد السدر و وجوده بعد الغسل بالقراح يجب الغسلات الثلاث بعد الوجدان وكذا اذا وجد بعد الغسل بالكافور لوجوب الترتيب ومع فقد الكافور ووجوده بعد القراح يجب الغسلان لصحة الغسل بالسدر.

وان ماتت المرئة

) وان ماتت المرئة)

وفي بطنها صبى حى يجب اخراجه ولو بشق البطن حفظاً للنفس ويكفى في وجوب الاخراج احتمال تعيش الولد ولو كان من الاحتمال الضعيف لان حفظ النفس امر مهم وبعد الشق والاخراج يخاط بطنها لما فى الخياطة من احترام الميت. ويدل على كلا الامرين مرسلة ابن ابى عمير عن بعض اصحابنا عن ابي عبدالله في المرئة تموت ويتحرك الولد فى بطنها ايشق بطنها ويخرج الولد فقال نعم و يخاط بطنها ويدل موثقة على بن يقطين على الاول قال سئلت العبد الصالح عن المرئة تموت وولدها في بطنها قال يشق بطنها ويخرج ولدها قال نعم.

وفي رواية ابن وهب عن ابي عبد الله الدلالة على الامر الاول قال قال امير المؤمنين اذا ماتت المرئة وفى بطنها ولديتحرك يشق بطنها ويخرج الولد و قال فى المرئة تموت فى بطنها الولد فيتخوف عليها قال لا بأس ان يدخل الرجل يده فيقطعه ويخرجه ولابد من تقييد جواز ادخال الرجل يده بعدم امكان الاخراج بتوسط المرئة لان هذه الرواية رواها الكلينى مرتين وفي احداهما اذا لم ترفق به النساء.

واذا وجد الماء بعد تيمم الميت وقبل دفنه يغتسل لان المجوز لتبديل الغسل بالتيمم هو فقدان الماء الى ان يدفن لا مطلقا وبعد الدفن لا يخرج للغسل مطلقا سواء

ص: 105

كان المفقود خليطا او ماءاً والمقصود من الدفن المانع من الاخراج هو الموارات في الارض الحاصلة اصب التراب او وضع اللبن واما الوضع في القبر من دون ص التراب اوما يحصل به الموارات فلا يمنع من الاخراج والغسل لان المانع بحسب الواقع هو النبش المحرم فلواتفق خروجه بسبب من الأسباب كالسيل او خسف الارض اواخرج للمعاينة الازمة يجب الغسل حينئذ لعدم استلزام النبش المحرم .

ثم انك قد عرفت مما سبق استحباب مسح بطن الميت في الغسلين الأولين لخروج ما يخرج منه حتى لا يخرج منه بعد الغسل واستثنى من هذ الاستحباب مسح بطن المرئة اذا كانت حبلى حذرا من الاجهاض وقال فى المدارك عند شرح قول المحقق الا ان يكون المرئة حاملا حذرا من الاجهاض قال في البيان ولو اجهضت بذلك فعليه عشر دية امه.

و قال شيخنا الانصارى ( قده ) عند شرح قول العلامة الا الحامل التي مات ولدها في بطنها حذرا من الاجهاض وللنبوى له اذا توفت المرئية وارادوا ان يغسلوها فليبدءوا ببطنها و لتمسح مسحا رقيقا ان لم تكن حبلى و ان كانت حبلى فلا تحركها و فى (ض) عن البيان لو اتفق الاجهاض بسببه لزم الفاعل عشردية امه و اعترف بعض المعاصرين بعدم وجدان ذلك في نسخة البيان و ذلك فدليله مع غير واضح .

وفى الجواهر عند شرح قول المحقق (قده) الا ان يكون الميت امرئة حاملة فلا يستحب بل يكره كما عن الوسيلة والجامع والمنتهى للنص عليه حذراً من الاجهاض و الخبر ام انس بن مالك عن النبى الله اذا توفيت المرئة وارادوا ان يغسلوها فليبدوا ببطنها وتمسح مسحاً رقيقاً ان لم تكن حبلى وان كانت حبلى فلا تحركها وظاهره الحرمة كما عساه ان يظهر من المصنف في المعتبر حيث قال انه لا يؤمن معه الاجهاض وهو غير جائز كما لا يجوز له التعرض له في الحية ويحتمله في الذكرى وجامع المقاصد مع ما في الاخير انها لو اجهضت فعشر دية امه نبه ذلك في البيان انتهى.

ص: 106

لكن الذى يقوى فى النظر عدم الحرمة فى نحو مسح الرقيق لقصور الخبر عن افادته فيبقى الاصل سالما نعم قد يقال بها مع العنف كما في الحية للاستصحاب ولحرمة المؤمن ميتاً كحرمته حيا انتهى ولم يحضرني كتاب البيان ولم يمكنني استحضار ما فيه اما قول شيخنا الانصاري (قده) فدليله غير واضح فلاجل ان فرض المسئلة عنده هو موت ما فى بطن الحامل ومع هذا لفرض يصح قوله فدليله غير واضح لان الاجهاض بعد موت ما فى البطن لا يوجب الدية لان الدية لاتلاف النفس او الاطراف واما عبارة البيان فمع عدم الاطلاع عليها لا يحكم بعدم وضوح دليلها فيمكن ان يكون فرضه (قده) مع حيوة ما في البطن في أن المسح وموته بالمسح وحينئذ يكون ديته على الماسح الذى هو سبب للاجهاض واما عبارة المحقق فليس فيها ذكر عن حيوة ما فى البطن وموته فيحتمل الامرين وقول صاحب الجواهر لكن الذي يقوى فى النظر الخ فليس على ما ينبغى لان الخبر استثنى الحبلى عن المسح الرقيق فحينئذ لا معنى لتجويز المسح الرقيق مستنداً الى قصور الخبر عن الافادة والاصل و اما اثبات الحرمة مع العنف بالاستصحاب بعيد عن التحقيق لان اثبات حكم الحى المميت اسراء للحكم من موضوع الى آخر وليس هذا من الاستصحاب المتفق عليه بل الاتفاق واقع على بطلان الاستصحاب مع اختلاف الموضوع و ان قيل بثبوت الحرمة للمؤ من الاعم من الحى والميت فلامعنى للاستصحاب لفقد الشك.

و لو نظر الغاسل الى عورة الميت حين الغسل مع حرمة النظر عليه اثم ولم يبطل الغسل لعدم ارتباط النظر الى الغسل فانهما امران متغايران لا يتحدان في الخارج فلا معنى للمحكم بالابطال حتى على القول بعدم جواز اجتماع الامر والنهي.

واذا تحقق الموت وارتفعت الشبهة يصح الغسل ولولم يرد لان الحرارة بعد الموت ليست من موانع صحة الغسل ولا البرودة شرطاً لها الا ان اليقين بالموت مع بقاء الحرارة فى نهاية الاشكال ولذا لا يجب غسل المس اذا كان قبل البرد فالمناط هو تحقق الموضوع فلوشك في تحقق الموت لا يصح الغسل فلوغسل ميت على الظاهر و انکشف بعد الغسل عدم موته عند الشروع بالغسل و وقوع بعض واجبات الغسل

ص: 107

حال الحيوة وجب الاستيناف.

ولودفن الميت بلاغسل او مجرداً من الكفن جاز نبش القبر المغسل او التكفين اولهما لان حرمة نبش القبر ليست على اطلاقها بل اذا كان الدفن على الوجه المشروع ومن المعلوم ان الدفن بلاغسل او كفن ليس مما يجوز في الشرع وفي حكم ترك الغسل ترك بعض الغسل او بطلانه او بطلان البعض وفي حكم ترك التكفين كون الكفن مصوبا واذا جاز النبش للغسل وجب لان الغسل والتكفين واجب فالمراد من الجواز هو عدم الحرمة المانعة منه وليست الصلوة عليه كالغسل والتكفين في هذا الحكم لجواز الصلوة عليه بعد الدفن لما ورد من الروايات ولامكان الصلوة عليه مع الدفن بدون النبش وعدم امكانهما بدونه ولاينافى هذا ما بينا من عدم جواز النبش للغسل لاختلاف الحكم بين الدفن المشروع وغير المشروع.

ولو كان ماء الغسل مما يشترى وللميت وارث صغير ولم يوص لوصيه فلا يجوز تكثيره بل لابد من الاكتفاء باقل الواجب وكذا مع كبر الوارث اذا لم يرضى باكثر مما يكتفى به .

وكذالكلام فى السدر والكافور لعدم ورود مقدار مخصوص على وجه الايجاب و اختلاف التقادير في الاخبار يكشف عن عدم وجوب مقدار معين فقد عرفت في خبر يونس ان الامام لقال والق فيه حبات كافور وفى خبر عمار عن الصادق قدربنصف الحبة .

وروى مغيرة مؤذن بنى عدى عن ابي عبد الله قال غسل على بن ابيطالب رسول الله بدئه بالسدر والثانية بثلاثة مثاقيل من كافور ومثقال من ودعا بالثالثة بقربة مشدودة فافاضها ثم ادرجه و قدر المفيد بنصف مثقال وهو اعم من الوجوب وحكى عن ابن سعيد ايضاً تقديره بنصف مع انه لم يوجب الخليط وكذا عن سلار مع انه لا يوجب الاغسلا واحداً وفى رواية الحلبي يطرح فيه الكافور الظاهر فى كفاية المسمى وفى رواية ابن مسكان اغسله بماء وسدر ثم اغسله على اثر ذلك اخرى بماء كافور و ذريرة انكانت فاذا لم يثبت وجوب مقدار مخصوص

ص: 108

وكان وارثه صغيرا لااثر لترخيصه او كبيراً امسك عن تجويز الزائد عن المسمى لابد ان يكفى باقل ما يجب واما الذريرة فقد عرفت فيما سبق عدم وجوبها فلا يجوز صرف مال الصغير فى شىء منها وكذا الكبير الممسك.

واما الرواية المرسلة لابن ابى نجران عن ابی عبدالله قال اقل ما يجزى من الكافور للميت مثقال ومرسلة اخرى له عن أبي عبد الله قال قال ما يجزى من الكافور للميت مثقال ونصف فالظاهر ان هذا التقدير في الحنوط لا الكافور المطروح في ماء الغسل ولوابى الخصم عن قبول ما قلناه وتمسك بقوله من الكافور وتخصيص الكافور هنا باسم الحنوط يقال ان هذا التقدير محمول على كراهة كونه اقل المقدر كما ترى الاختلاف فى المرسلتين مع ان الصدوق قال اتى جبرئيل النبي باوقية كافور من الجنة والاوقية اربعون درهماً ومن المعلوم كما سيجنى في محله انه كان للحنوط ويسمى بالكافور.

الحاصل ان المستحبات في الغسل اذا يعطى بازائه المال تترك اذا كان للميت وارث صغير او كبير يمسك عن الاجازة فتكثير الماء وتثليث كل من الغسلات الثلاث وصرف السدر والكافور ازيد من اقل الواجب في غير هاتين الصورتين.

في التكفين

( في التكفين )

بعد اختتام امر التغسيل يبادر الولى او من امره بالتكفين وفيه مباحث:

(الأول) فى علته الموجبة روى محمد بن على بن الحسين ابو جعفر بن بابويه في عيون الأخبار والعلل باسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا قال انها امران يكفن الميت ليلقى ربه عز وجل طاهر الجسد ولئلا تبدو عورته لمن يحمله او يدفنه ولئلا ينظر الناس على بعض حاله وقبح منظره و لئلا يقسو القلب بالنظر الى مثل ذلك للعامة والفساد وليكون اطيب لا نفس الاحياء ولئلا يبغضه حميمه فيلغى ذكره ومودته فلا يحفظه فيما خلف واوصاه به وامره به واحب وهذه الرواية كافية لمن له درية وتعقل.

ص: 109

(الثاني) عدد اثوابه الواجبة فالمشهور ان الواجب من الكفن ثلثة اثواب المئزر والقميص والازار والمراد به ما يعم جميع البدن واكتفى سلار (قده) بثوب واحد يعم جميع البدن و مستنده الاصل على ما نقل العلامة في المختلف قال (قده) و قال سلار (قده) الواجب قطعة واحدة والباقيتان سنة و قال بعد الاحتجاج لوجوب الثلاثة احتج سلار بان الاصل عدم الوجوب واجاب بان الاصل مع وجود الدليل وترجى شيخنا الانصارى كون مستنده صحيحة زرارة قلت لابي جعفر العمامة للميت من الكفن قال لا انما الكفن المفروض ثلثة اثواب اوثوب تام يوارى فيه جسده فما زاد فهوسنة الى ان يبلغ خمسة فما زاد مبتدع والعمامة سنة انتهى الرواية قال (قده) ولعلها مع الأصل مستند سلار (قده) .

فان كان مستنده هذه الرواية فهو فسرها بان المفروض ما يوارى فيه الجسد والموارات قد تحصل بثوب واحد تام وقد تحصل بثلثة اثواب ومقتضى التخيير المستفاد من كلمة او الاكتفاء بواحد من الأمرين ولم تحضرني عبارته حتى استفيد منها مراده قدس سره فان كان المراد من ثلثة اثواب الاثواب المشهورة فيكون التخيير بين الزائد والناقص الثلاثة والواحد و ان كان مراده من الثلثة التي احد طرفي التخيير ما يوارى الجسد بمجموع الثلاثة بحيث لا يحصل الموارات بالواحد والاثنين فلا يرد عليه التخيير بين الزائد والناقص لان الثلاثة حينئذ بحكم الواحد التام فالمورد عليه لابد ان يطلع على مراده من كلامه ولا ينافي استناده بالاصل الشق الثاني لان الاصل حينئذ يرجع الى الكيفية بان الاصل عدم وجوب الموارات بثلاثة اثواب مع حصولها بواحد و يمكن الجواب عن الاعتراض مع كون الثلثة هي المشهورة بان التخيير ليس بين الزائد والناقص فى الوجوب بل التخيير بين الاخذ باقل الواجب الذى هو الواحد التام وبين الاخذ بالواجب والعمل بالاستحباب معه بضم الباقين مع الواجب فمعنى الرواية حينئذ ان المفروض هو الموارات الحاصلة بالواحد التام على كلا التقديرين الا ان ضم المئزر و القميص مع التام مستحب و يكون قوله الا فمازاد مرتبطا الى ثوب تام اى ما زاد عن الثوب سنة واخذه

ص: 110

الموارات فى بيان فرض الكفن يشعر بان المناط هو الموارات الحاصلة بالواحد التام او الثلاثة او الخمسة الا ان الخبير لا يخفى عليه ان هذا خلاف ظاهر الرواية لان الظاهر منها هو الاكتفاء بالواحد التام مع التعذر من الثلثة فليست كلمة او نصا في التخيير بين الشيئين او الاشياء بمعنى التساوى فى المطلوبية بل ربما يستعمل في اختيار احد الشيئين او الاشياء مع فقد ما هو الواجب او الافضل كقول الامر بالعطاء اعط السائل ديناراً او درهما او فلوسا وحيث ان الامام قال الكفن المفروض ثلثة اثواب وعقبه او ثوب تام يوارى فيه جسده يعرف المخاطب بان الواحد التام انما هو مع الثلثة وليس هذا الموارد من موارد فقد الافضل لتنصيصه بالمفروض .

ويمكن ان يكون الهمزة زائدة ويكون متن الرواية وثوب تام يوارى جسده لان الكلمينى روى عين هذه الرواية عن على بن ابراهيم عن ابيه عن حماد بن عثمن عن حريز عن زرارة ومحمد بن مسلم معا قالا قلنا لا بي جعفر العمامة للميت من الكفن قال لا انما الكفن المفروض ثلثة أثواب وثوب تام لااقل منه الرواية وحينئذ يكون معنى الحديث وثوب من الثلثة يكون ثوبا تاما لتحصيل الموارات المطلوبة من التكفين ولا خلاف بين الفقهاء والمحدثين ان الكليني اضبط من الشيخ و ان كان من الجلالة بمكان والوسائط بين الكلينى و بين الامام خمسة والوسائط بين الشيخ و بينه ثمانية لانه (قده) روى عن المفيد عن جعفر بن محمد عن ابيه عن سعد عن احمد بن محمد بن عيسى عن على بن حديد و ابن ابی نجران جميعا عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر الا وكثرة الوسائط اقرب الى الخطاء قال شيخنا الانصاري بعد قوله ولعلها مع الاصل مستند سلار.

وفيه مع مخالفتها لما عرفت انه تخير في الواجب بين الاقل والاكثر لامع كون الاكثر مستحباً لانه فى مقام بيان ما عدا المستحبات ولا مع مغايرة بينهما لوجه كما في القصر والاتمام فلذلك لابد اما من ارتكاب التأويل فيه بجعل او تقسيما بالنسبة الى حالتى الاختيار والاضطرار او بجعل او بمعنى الواو فلا يخالف المشهور كما سياتي و اما من التزام زيادة همزة او فقط ليوافق نسخة الكافى او تمام كلمة

ص: 111

العطف اوهومع المعطوف كما في الروض وعن كثير من نسخ الشيخ والجملة على الأولين مستانفة يعنى ثوب من تلك الأثواب تام والمراد به اللفافة وكلمة تام على الثالث خبر مبتدء محذوف او بدل من ثلثة اثواب واما من حملها على التقية او غير ذلك مما قيل وكيف كان فهذه الرواية لولم تكن دليلا للمشهور لا ينهض دليلا عليهم انتهى.

وانت خبير بان الوجوه المذكورة لا شاهد لها الا زيادة همزة او الحمل على التقية ان ثبت ذهاب العامة كلا او بعضاً يتقى منهم و اما زيادة الهمزة فالشاهد لها رواية الكليني (ره) اما جعل او بمعنى الواو فلا معنى له لعدم كونها بمعناها حقيقة و عدم جواز التجوز فى الحروف ان قلت اذا بنيت على حذف الهمزة حكمت على وجوب اربعة اثواب لان الظاهر من العطف بالواو الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه فلابد من ان يكون كل واحد من الثلاثة غير التام وهذا خلاف ما عليه الاصحاب قلت قد بينا ان معنى الحديث مع كون العاطف الواو وثوب من الثلثة ثوب تام .

و مع ذلك كله ففى القلب بعد شيء لان اثبات الاحكام بهذه التوجيهات والاعتبارات خلاف المعهود من الشرع فالاقوى جعل كلمة او تقسيماً بين حالتي الاختيار والاضطرار ومع فرض كون العاطف هو الواو يكون معنى الرواية ان المفروض من الكفن هو ثلثة اثواب مرة وثوب واحد يوارى فيه جسده اخرى لان الثوب الواحد يكتفى به بقوله يوارى فيه جسده و هاتان المرتان هما الحالتان الاختياري والاضطراري.

هذا اذا فرض دلالة الاخبار الواردة على وجوب ثلاثة اثواب في الكفن ومع فرض عدم الدلالة سوى الرواية المذكورة يشكل الأمر لان الرواية ليست بناصة على خلاف ما ذهب اليه سلار ( قده ( فمن الروايات التي استدل بها على وجوب الثلاثة موثقة سماعة قال سئلته عما يكفن به الميت فقال ثلثة اثواب و انما كفن رسول الله في ثلثة اثواب ثوبين صحارتين وثوب جرة والصحارية تكون باليمامة

ص: 112

و كفن ابو جعفر في ثلثة اثواب ولا تدل هذه الرواية على وجوب الثلثة لان التكفين اعم من الواجب والمستحب.

ومنها حسنة الحلبى عن ابي عبد الله قال كتب ابي في وصيته ان اكفنه بثلثة اثواب احدها رداء له حبرة كان يصلى فيه يوم الجمعة وثوب آخر وقميص فقلت لابي لم تكتب هذا فقال اخاف ان يغلبك الناس فان قالوا كفنه في اربعة أو خمسة فلا تفعل قال و عممنى تعد بعمامة وليس تعد العمامة من الكفن انما يعد ما يلف به الجسد وهذه كسابقته فى عدم الدلالة على الوجوب فتعيينه الثلثة لأجل منع غلبة الناس ابنه في الزايد عن الثلثة كما هو صريح الرواية واما وجوب الثلثة فلا يستفاد منها لجواز كونها للاستحباب .

و منها صحيحة ابى مريم الانصاري قال سمعت ابا جعفر يقول كفن رسول الله فى ثلثة اثواب برد احمر حبرة وثوبين ابيضين صحاريين وعدم دلالتها على الوجوب اوضح مما سبق لانه بين عدد كفن الرسول و من دون تعرض لوجوبه واستحبابه .

ومنها مرسلة يونس عن ابی عبد الله و ابی جعفر قال الكفن فريضة للرجال ثلثة اثواب والعمامة والخرقة سنة واما النساء ففريضته خمسة اثواب وهذه المرسلة وان كانت بظاهرها دالة على الوجوب لكن الفريضة ليست بمعنى الواجبة بقرينة قوله واما النساء ففريضته خمسة لعدم وجوب الخمسة للنساء فلابد ان لله يحمل الفرض على الاستحاب المؤكد او على الجعل الاعم من الوجوب والاستحباب

و منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال يكفن الرجل في ثلثة اثواب والمرئة اذا كانت عظيمة فى خمسة درع ومنطق وخمار ولفافتين وليس فيها ما يدل على الوجوب لان التكفين بمجرده لا يدل على الوجوب لكونه اعم من الوجوب والاستحباب والظاهران العظمة في قوله هو الشرافة والمنزلة لا العظمة بحسب الجثة فهو ظاهر في استحباب الخمسة .

والحاصل ان الروايات الواردة في المقام لا تدل على وجوب ثلثة اثواب في

ص: 113

الكفن ولما رأى سلار (قده) عدم دلالتها على الوجوب ورواية زرارة المشتملة على كلمة اوظاهرة في التخيير بين الاقل والاكثر فى الوجوب مع عدم تباين الاقل مع الاكثر تمسك بالاصل على عدم الوجوب واما الاصحاب را وهذه الروايات دالة على الوجوب بمعنى ظهورها فيه والمطلع على اطباقهم (قدهم) على الوجوب وانفراده (قده) على الاستحباب لا يتجرء بنسبة الخطاء الى قاطبة الاصحاب واسناد الصواب اليه مع تفرده ولا يجوز التمسك بالاجماع لاثبات الوجوب لان انعقاد الاجماع لاجل هذه الروايات فالمدرك الواقعى الاولى اذا لم يكن له دلالة على المطلوب لا يتمسك بالمدرك الثانوى المتفرع عليه وقد يستدل بلزوم التأسى بعد ما ثبت ان النبي و الائمة كفنوا بثلثة اثواب و فيه ان الأثواب الثلثة لو كانت مستحبة لهم صلوات الله عليهم لا يوجب انقلاب الاستحباب الى الوجوب .

و قد يحمل التخيير الواقع فى صحيحة زرارة على التقية لكون الاكتفاء بالثوب الواحد مذهب العامة وقيام هذا الاحتمال يمنع من الافتاء بالتخيير بين الثلثة اثواب و بين الثوب التام فهى كالروايات الاخر فى عدم دلالتها على الوجوب.

و بعد تسليم كون الواجب الثلثة لابد من اثبات كونها الاثواب المذكورة اعنى الازار والقميص والمئزر اما المئزر فيدل على كونه احد الاثواب رواية معوية بن وهب عن ابيعبد الله قال يكون الميت من خمسة اثواب قميص لايزر عليه و ازار و خرقة يعصب بها وسطه و برد يلف فيه وعمامة يعتم بها و يلقى فضلها على صدره فالمقصود من الازار في هذه الرواية هو المئزر بقرينة قوله عليه السلام و برد

يلف فيه.

وصحيحة عبدالله بن سنان قال قلت لابي عبد الله كيف اصنع بالكفن قال تؤخذ خرقة فيشد بها على مقعدته ورجليه قلت فالازار قال لا انها لا تعد شيئاً انما تصنع لتضم ما هناك لئلا يخرج منه شيء وما يصنع من القطن افضل منهما ثم يخرق القميص اذا غسل وينزع من رجليه قال ثم الكفن قميص غير مزرور ولا مكفوف وعمامة يعصب بها راسه ويرد فضلها على وجهه وجه الدلالة انه بعد ما قال

ص: 114

في تكفين الميت تؤخذ خرقة قال الراوى ومقصوده ان بعد شد الخرقة ما يصنع بالازار فاجاب بان الخرقة ليست من الكفن بل هي لاجل دفع خروج شيء منه ولا ينافي وجوب الازار فلولم يكن المقصود من الازار هو المئزر لما توهم الراوى الاكتفاء بالخرقة وعدم وجوب الازار لان الازار اذا اطلق على اللفافة ليس مورداً للتوهم لان اللفافة يشمل جميع البدن.

و صحيحة محمد بن مسلم التي مر ذكرها بقوله يكفن الرجل في ثلثة اثواب والمرئة اذا كانت عظيمة فى خمسة درع ومنطق وخمار ولفافتين والزايد للمرئة الخمار المختص بها واحد اللفافتين فللرجل الدرع والمنطق واحدى اللفافتين والمقصود من المنطق هو المئزر.

ورواية رواها ابراهيم بن هاشم عن رجاله عن يونس عنهم قال في تحنيط الميت وتكفينه قال ابسط الحبرة بسطاً ثم ابسط عليها الازار ثم ابسط القميص عليه وترد مقدم القميص عليه الحديث فذكر الحبرة قبل الازار يدل على ان المراد من الازار هو المئزر لان الحبرة يراد بها اللفافة.

وفي موثقة عمار الساباطى ما دلالته اوضح قال ثم تبدء فتبسط اللفافة طولا ثم تدر عليها من الذريرة ثم الازار طولا حتى يغطى الصدر والرجلين ثم الخرقة عرضها قدر شبر ونصف ثم القميص تشد الخرقة الى اخر الرواية فان الازار المذكور بعد اللفافة يراد به المئزر .

واطلاق الازار على المئزر شايع في الاخبار روى حماد بن عيسى عن جعفر عن ابيه عن على قال قيل له ان سعيد بن عبدالملك يدخل مع جواريه الحمام قال وما بأس اذا كان عليه وعليهن الازار لا يكونون عراة كاطهر ينظر بعضهم الى سوئة بعض وروى محمد بن مسلم قال سئلت ابا جعفر كان امير المؤمنين ينهى عن قرائة القرآن فى الحمام فقال لا انما نهى ان يقرء الرجل و هو عريان فاما اذا كان عليه ازار فلا بأس.

وروی ابو بصير قال سئلته عن القرائة فى الحمام فقال اذا كان عليك ازار فاقرء

ص: 115

القرآن ان شئت كله وروى عبدالرحمن بن مسلم المعروف بسعدان قال كنت في الحمام فى البيت الاوسط فدخل على ابو الحسن وعليه النورة وعليه ازار فوق النورة فقال السلام عليكم الحديث.

و روی حنان بن سدير عن ابي عبد الله قال كنت عنده جالساً فسئل عن رجل يحرم فى ثوب فيه حرير فدعا بازار قرفى فقال اما احرم في هذا وفي رواية معوية بن عمار قال ولا تلبس سراويل الا ان لا يكون لك ازار وحكى عن الصحاح ان المئزر الازار وفي مجمع البحرين معقد الازار من الحقوين وفسر في كنز اللغة الازار بلنك كوچك و استعمال الازارة فى المئزر اكثر منه في اللفافة اى ما تحيط جميع البدن فكل ما استعمل من دون قرينة يجب حمله على المئزر مع ان ذكر اللفافة معه قرينة على ارادة المئزر كما ان استعمال المئزر معه قرينة على ارادة اللفافة•

واما الازار بمعنى اللغافة فقد مر في رواية معوية بن وهب ذكرها حيث قال فيها وبرد يلف فيه.

وفى رواية محمد بن مسلم درع ومنطق و خمار ولفافتين وبينا ان المختصة بالمرئة احدى اللفافتين واللفافة الاخرى لكليهما وفى مرسلة ابن هاشم قال ابسط الحبرة بسطاً والمقصود منها اللفافة و فى موثقة عمار الساباطى قال ثم تبدء وتبسط اللفافة طولا ففى اكثر الاخبار الواردة فى باب التكفين ذكر من اللفافة و اما القميص فهو ايضاً مذكور فى الاخبار كما عرفت الا ان الاسكافى ( قده ( ذهب الى استحباب القميص و اكتفى بثلثة اثواب يدرج فيه الميت لرواية رواها محمد بن سهل عن ابيه قال سئلت ابا الحسن عن الثياب التى يصلى فيها الرجل ويصوم ايكفن فيها ع قال احب ذلك الكفن يعني قميصاً قلت يدرج في ثلثة اثواب قال لابأس به والقميص احب الى ولا دلالة لهذه الرواية على ما ذهب اليه لان الراوى سئل عن الثياب التي يصلى فيها الرجل ويصوم في التكفين والامام يخص المحبوبية بالقميص الذي صلى فيه فاعاد الراوى السؤال بقوله يدرج فى ثلثة اثواب في قبال تخصيص الامام

ص: 116

فمقصوده ان الكفن ثلثة اثواب فتخصيص القميص لاى سبب من الاسباب فاجاب الامام ثانيا بان التكفين بثلثة اثواب لا ينا فى محبوبية القميص الذي صلى فيه فقول الراوى يدرج فى ثلثة اثواب لم يرد منه الأثواب التى ليس فيها القميص بل اراد من اعادة السؤال ان القميص الذى احد الاثواب باى خصوصية زائدة خص بهذه الفضيلة واجاب ال بانه احب الى وحبه للشيء دليل على مزية في ذلك الشيء ء فالقميص الذى احب اليه هو القميص الذي صلى فيه قال في الرياض بعد ذكر الحديث لكنه قاصر سنداً بل ودلالة لاحتمال كون الالف واللام في القميص للعهد اى القميص الذي يصلى فيه احب الى لا مطلق القميص حتى يقال یجوز انه تركه وهو وان كان بعيداً الا انه بأس بالمصير اليه جمعا الادلة فالقول باستحبابه كما عن الاسكافي والمعتبر و به صرح غیره ضعیف انتهى فهو (قده) وان قال ببعد ما بین الا انه متعين لما بينا .

من

قال صاحب المدارك (قده) بعد ذكر جملة من الروايات ويستفاد الروايات التخيير في الواجب بين الأثواب الثلثة وبين القميص والثوبين وهو اختيار ابن الجنيد (ره) والمصنف (ره) في المعتبر وقال الشيخان والمرتضى وابن بابويه بتعيين القميص لوصية الباقر به و لما رواه الشيخ (ره) عن الحسن بن محبوب عن حمران بن اعين عن ابی عبد الله قال قلت فالكفن قال يوخذ خرقة ويشهد بها سفله وتضم فخذيه بها لتضم ما هناك وما يصنع من القطن افضل ثم يكفن بقميص ولفافة وبرد يجمع فيه الكفن وهو محمول على الاستحباب لما يدل عليه رواية محمد بن سهل عن ابيه عن ابى الحسن ثم ذكر الرواية والاستدلال بهذه الرواية منه (قده) عجيب فانه لا يعمل بامثال هذه الرواية .

وقال مولانا البهبهاني (قده) واما رواية محمد بن سهل ففى المقاومة سنداً بل و دلالة ايضاً محل مناقشة اذ صدرها هكذا فذكر الحديث بتمامه فقال اذ لعل الالف واللام في القميص للمعهد يعنى القميص المذكور و يكون المراد من قوله يدرج الخ ، انه يدرج فيها كما يدرج غيره مع وجود ذلك القميص له ويقربه ان القميص

ص: 117

المعتبر فى الكفن المعمول المتعارف ليس بقميص حقيقة عرفاً فتامل فيه اذالانصاف انه لا يخلوا عن ظهور لكن يبعد عن طريقة الشارح (ره) العمل بمثلها فتأمل انتهى فرواية محمد بن سهل اذا كان حالها ما ترى من حيث السند و الدلالة لا ينبغى رفع اليد عما سواها مما يدل على تعين القميص و اما الاخبار المطلقة التي ليس فيها ذكر من خصوصيات اثواب الكفن فلا ينافي الاخبار المقيدة ضرورة ان المطلق يحمل على المقيد.

(الثالث) فيما يستحب من اثواب الكفن فعلى قول سلار قدس سره من عدم وجوب الزائد عن ثوب واحد يكون كل ما ورد فى الاخبار غير الواحد مستحبا و اما على المشهور من وجوب ثلثة اثواب مر ذكرها يستحب للرجل عمامة لا تعد من الكفن وخرقة تشد فخذيه وهى ايضاً ليست من الكفن ففى رواية عبدالله بن سنان عن ابي عبد الله الميت يكمن فى ثلثة سوى العمامة والخرقة يشد بها وركه لكيلا يبدو الا منه شيء والخرقة والعمامة لابد منهما و ليستا من الكفن ومر في صحيحة توخذ خرقة فيشد بها على مقعدته ورجليه قلت فالازار قال لا انها لا تعد شيئا انها تصنع لتضم ما هناك لئلا يخرج منه شيء الى ان قال وعمامة يعصب بها رأسه ويرد فضلها على وجهه و يعرف من يعرف من هذه الصحيحة ان قوله في الرواية السابقة والخرقة والعمامة لابد منهما لا يدل على الوجوب ومر في مرسلة يونس عن ا بيعبد الله اوابی جعفر السلام قال الكفن فريضة للرجال ثلثة اثواب والعمامة والخرقة سنة.

وفي رواية معوية بن وهب وخرقة يعصب بها وسطه و برد يلف فيه وعمامة يعتم بها ويلقى فضلها على صدره وفى حسنة الحلبي وعممنى بعد بعمامة وليس تعد العمامة من الكفن والاخبار في هذالباب متظافرة.

( الرابع ) في استحباب ثوبين آخرين غير ما ذكر للمرئة وتبديل العمامة في المرئة بالخمار قال عبد الرحمن بن ابی عبدالله عن ابی عبدالله قال سئلت ابا عبدالله في كم يكفن المرئة قال يكفن فى خمسة اثواب احدها الخمار وفي رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال يكفن الرجل في ثلثة اثواب والمرئة اذا كانت عظيمة

ص: 118

في خمسة اثواب درع ومنطق وخمار ولفافتين.

وفى مرفوعة سهل بن زياد قال سئلته كيف يكفن المرئة فقال كما يكفن الرجل غيران تشد على ثديها خرقة تضم الثدى الى الصدر وتشد على ظهرها وتصنع لها القطن اكثر مما يضع للرجال و يحشى القبل والدبر بالقطن والحنوط ثم تشد عليها الخرقة شداً شديداً فذكر الخمار في رواية محمد بن مسلم يدل على استحبابه كما ان ذكر اللفافتين يدل على استحباب احديهما و يظهر من المرفوعة استحباب الخرقة المشدودة على الثدى .

فيستفاد من مجموع هذه الاخبار ان اصل الكفن الذي لا يجوز الاقل منه هو ثلثة اثواب للرجل و المرئة وان الرجل يستحب له العمامة و الخرقة يشد بها فخذاه و هذه الخرقة تسمى فى لسان الفقهاء بالخامسة وان المرئة تستحب بها هذه الخرقة وعوض العمامة الخمار اى القناع و خرقة اخرى لثدييها ولفافة زيادة على اللفافة التي من الثلثة الاصلية فمجموع الأثواب للرجل خمسة وللمرئة سبعة الاان العمامة لا یسمی بالثوب كما انها مع الخرقة ليستا من الكفن واما الحبرة فليس في الاخبار ما يدل على استحباب ازديادها على الثلثة بل فيها دلالة على استحباب جعلها احدى الاثواب الثلثة ففي صحيح ابى مريم الانصاري كفن رسول الله في ثلثة اثواب برد احمر حبرة وثوبين ابيضين صحاريين الى ان قال ان الحسن بن على عليهما الصلوة والسلام كفن اسامة بن زيد في برد احمر حبرة وان عليا كفن سهل بن حنيف في برد احمر حبرة .

وفى موثقة سماعة سئلته عما يكفن به الميت قال ثلثة اثواب وانما كفن

رسول الله فى ثلثة اثواب ثوبين صحاريين وثوب حبرة.

وفى حسنة الحلبى عن ابي عبد الله قال كتب ابي في وصيته ان اكفنه في ثلثة اثواب احدها رداء له خبرة كان يصلى فيه يوم الجمعة وثوب آخر وقميص فقلت لابي لم تكتب هذا فقال اخاف ان يغلبك الناس فان قالوا كفنه في اربعة اوخمسة فلا تفعل والناظر فى هذه الاخبار يرى صراحتها في كون الحبرة من الأثواب الثلثة

ص: 119

و يقطع بانها ليست بزائدة عليها ووصية مولانا الباقر صريحة في المنع عن الزيادة على الثلثة التي احديها الحبرة بل مقتضى دقة النظر عدم استحباب كون احد الاثواب حبرة لان التكفين اعم من الوجوب والاستحباب والاتفاق وتعينها في الوصية انما هو لاجل كونها مما يصلى فيه يوم الجمعة لالاجل كونها حبرة

وكيف كان فلو فقد الأثواب الثلثة يكتفى بما تيسر لان الضرورة يجوز دفنه بغير كفن فمع فقد البعض أولى بالاكتفاء ومع امكان احدها يكفن باللفافة اعنى المحيط ومع دوران الامر بين القميص والمئزر فان كان القميص مما يستر به العورة فالظاهر تقدمه فكل ما كان اشمل مقدم على غيره والساتر للعورة مقدم على غيره واما الخرقة المسماة بالخامسة فقد مر انها مستحبة وعرفت كيفية شدها فيما سبق من مبحث الغسل.

و اما العمامة فقد مر استحبابها وعدم كونها من الكفن وكيفية التعميم ان يلف بها رأسه بان يوخذ وسطها فتثنى على راسه بالتدوير ثم يلقى فضل الايمن على ا السلام الايسر والايسر على الايمن وتمد على صدره كذا في رواية يونس عنهم وفي رواية معوية بن وهب وعمامة يعم ويلقى فضلها على وجهه وفى رواية عثمن النوا واذا عممته فلا تعممه عمة الأعرابي قلت كيف اصنع قال خذ العمامة من وسطها وانشرها على رأسه ثم ردها الى خلفه واطرح طرفيها على صدره وفي صحيحة عبدالله بن سنان وعمامة يعصب بها رأسه ويردفضلها على رحليه وقال بعض المحدثين ان رحليه لصحيف وجهه و رواية يونس اشهر فى العمل و يستحب التحنيك لمرسلة ابن ابي عمير عن ابي عبد الله العلا في العمامة للميت قال حنكه.

ثم ان فى بعض الكلمات ازدياد النمط للمرئة وليس في اخبار اهل البيت ذكر منه ولا من استحباب ازدياده لها ونقل عن ابن ادريس انه (قده) فسره بالحبرة فان كان تفسيره مطابقا للواقع ليس للقول باستحبابه معنى لعدم ما يدل على استحباب الحبرة للمرئة زائداً على ما سبق واستدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال يكفن الرجل فى ثلثة اثواب والمرئة اذا كانت عظيمة في

ص: 120

خمسة درع ومنطق وخمار ولفافتين ولا دلالة فيهذه الرواية على استحباب النمط بوجه من الوجوه وفسر بعضهم بان النمط ثوب من الصوف وذولون من الالوان قال الطريحى و فى الغربيين النمط ما يفرش من مفارش الصوف الملونة وعليه يحمل قول الصدوق (ره) في كيفية ترتيب الكفن تبدء بالنمط فتبسطه يريد به الفراش الذي يفرش تحت الكفن ليبسط الكفن عليه وحيث ان الاخبار خالية عن ذكر النمط وكونه من اثواب الكفن وذكره الصدوق (ره) في ترتيب الكفن يبادر الذهن الى ان اول من ذكر النمط فى اثواب الكفن اشتبه عليه الامر من كلام الصدوق رحمه الله فالقول باستحبابه في كفن المرئة زائداً على ما سبق قول بلادليل قال الصدوق رحمه الله وغاسل الميت يبدء بكفنه فيقطعه يبدء بالنمط فيبسطه ويبسط عليه الحبرة وينثر عليه شيئاً من الذريرة ويبسط الازار على الحبرة وينثر عليه شيئاً من الذريرة ويبسط القميص على الازار وينثر عليه شيئاً من الذريرة الى اخر كلامه فنشأ الاشتباه من قوله يبدء بالنمط بتخيل ان هذا الكلام من أبي جعفر المذكور قبله ولو كان المدرك هذا لكلام فلا معنى لتخصيص النمط بالمرئة لان الكلام في ترتيب الكفن من دون تقييد بكونه للمرئة والذي يظهر من المختلف ان اول من قال بالنمط هو على بن بابويه.

الرابع مأخذه

( الرابع مأخذه )

لا اشكال ولا خلاف ان كفن الميت لابد وان يأخذ من ماله لانه مقدم على الدين والورثة اذا لم يوص وصية نافذة يعين فيها الكفن فهو للميت كاللباس للمحى كما ان القبر كالدار له فلولم يكن له مال فيجب على ولى المسلمين مع بسط يده كما ان ماله راجع اليه مع فقد الوارث فامر الرعية راجع الى السلطان غنما وغرماً فيعطى من بيت المال ويضع الراجع اليه فيه فلو فقد شخصا أو وصفا يدفن بلا كفر لان الكفن لا يجب على المسلمين وانما الواجب عليهم على القول به هو الاعمال الراجعة الى التغسيل والتكفين و الدفن لا الاموال لاكن تكفين المسلم من المستحبات

ص: 121

سيما الفاقد للكفن.

قال ابو جعفر فمن كفن مؤمناً كمن ضمن كسوته الى يوم القيامة وقال النبى لعلى (ع) عند وفاة امه (ع) خذ عمامتي هذه وخذ ثوبي هذين تكفنها فيهما ومر النساء فليحسنن غسلها.

وروى ابو جعفر بن بابویه باسناده عن عيسى بن عبدالله عن ابيه عن جده في حديث ان رسول الله دفن فاطمة بنت اسد وكفنها في قميصه ونزل قبرها وتمرغ في لحدها والاخبار فى هذا الباب كثيرة كا الاحاديث فى ان الائمة كانوا يبعثون الاكفان الى شيعتهم ومواليهم .

ويجوز ان يعطى من الزكوة لاشتراء الكفن فى صورة فقد المال للميت فلو كان له ولى يقوم بامره يدفع اليه ليجهزه هو ولو لم يكن له ولى يشترى معطى الزكوة الكفن والحنوط ولوازم التجهيز ويحتسب بذلك من الزكوة.

روى الشيخ (قده) في التهذيب باسناده عن الفضل بن يونس الكاتب في الموثق قال سئلت ابا الحسن موسى فقلت له ما ترى في رجل من اصحابنا يموت ولم يترك ما يكفن به اشترى له كفنه من الزكوة فقال اعط عياله من الزكوة قدر ما يجهزونه فيكونون هم الذين يجهزونه قلت فان لم يكن له ولد ولا احد يقوم بامره فاجهزه انا من الزكوة قال كان ابي يقول ان حرمة بدن المؤمن ميتاً كحرمته حيا فوار بدنه وعورته وجهزه وكفنه وحنطه واحتسب بذلك من الزكوة وشيع جنازته قلت فان ايتجر عليه بعض اخوانه بكفن آخر وكان عليه دين ايكفن بواحد و يقضى دينه بالاخر قال لا ليس هذا ميراثا تركه انما هذا شيء صار اليه بعد وفاته فليكفنوه بالذى ايتجر عليه ويكون لهم يصلحونه به شأنهم ويستفاد من ذيل الرواية ان الكفن الذى تصدق عليه بعض اخوانه لا يقضى به دين الميت لان الدين مأخذه ماله.

والمرئة كفنها على زوجها لانه بمنزلة كسوتها كما ان القبر بمنزلة سكناها وعلى الزوج كسوتها وسكناها روى الشيخ باسناده عن اسماعيل بن مسلم السكوني

ص: 122

عن جعفر عن ابيه ان امير المؤمنين قال على الزوج كفن امرئته اذا ماتت وروى ابو جعفر بن بابويه عن عبدالله بن سنان عن ابی عبد الله في حديث قال كفن المرئة على زوجها اذا ماتت .

ولا يشترط في وجوب الكفن على الزوج فقدان المال للزوجة كما انه لا يشترط في الكسوة والنفقة والسكنى.

و يشترط وجود المال للزوج فى تنجزه عليه و من فقهاء المسلمين من لم يوجب الكفن على الزوج استناداً الى ان النفقة تتبع التمكين من الاستمتاع و قد انقطع بالموت.

وفيه ان النفقة والكسوة والسكنى من آثار عقد المزاوجة ومن اثاره وجوب التمكين وانما المانع من هذه المفاهيم هو النشوز ولا يطلق على الزوجة بعد الموت الناشزة ولا الممكنة لانها حينئذ ليست من اهل النشوز والتمكين فيؤثر المقتضى مع عدم المانع من ان ما قيل اجتهاد في قبال النص و اما المملوك فيجب كعنه على المالك لاستمرار حكم رقيته الى الوفاة ولا خلاف فيه بين المسلمين و يلاحظ حال الزوجة فى الشرافة والضعة فتكفن على وفق الحال لان كسوة الازواج مختلفة باختلاف حالاتهن.

ولو كان عليه دين مستفرق يكفن باقل الواجب مع ملاحظة شئونه و ليس المديان المنع من الكفن لانه فى حكم اللباس ولامن وصفه المناسب لشانه لان حرمة الميت كحرمة الحي.

ولك ان تمنع الوصف المناسب اذا كان استغراق دينه لاجل صرف المال في ما لا يجوز صرفه فانه حينئذ يبقى بلا احترام موجب للوصف.

الخامس فى جنسه

( الخامس فى جنسه )

يجب كون الكفن ثوبا وحيث انه لا يطلق على الجلد و ظاهر في المنسوج لا يجوز تكفينه بالجلود كائناً ما كان الجلد سواء كان من جلد ما يؤكل لحمه اوغيره

ص: 123

فهو خارج عن جنس الثوب.

ولا يجوز في الحرير المحض وان كان من الاثواب روی حسین بن راشد قال سئلته عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل القصب اليماني من قز و قطن هل يصلح ان يكون فيها الموتى قال اذا كان القطن اكثر من القز فلا بأس دلت بمفهومها على ان التكفين بثوب لم يكن قطنه اكثر من القز فيه باس فلا يرتفع البأس مع مساوات القز والقطن لعدم اكثرية القطن و روى ابو جعفر بن بابويه هذه الرواية عن ابي الحسن الثالث مرسلا.

وفى الروايات الدالة على عدم جواز تكفين الميت من ثوب البيت دلالة على عدم جواز كون الكفن من الابريسم ففى مرسلة مروان بن عبدالملك قال سئلت ابا الحسن عن رجل اشترى من كسوة الكعبة شيئاً فقضى ببعضه حاجته وبقى الله بعضه في يده هل يصلح بيعه قال يبيع ما زاد و يهب ما لم يرد و يستنفع به ويطلب بركته قلت ايكفن به الميت قال لا وروى ابو جعفر بن بابویه مرسلا وروی الشيخ عن حسن بن عمارة عن أبي جعفر قال سئلته عن الرجل اشترى من البيت شيئاً هل يكفن به الميت قال لا وعن عبدالملك بن عتبة الهاشمي قال سئلت ابا الحسن موسى عن رجل اشترى من كسوة البيت شيئاً هل يكفن به الميت قال لا والظاهر ان النهى لاجل كونها من الابريسم .

واما رواية اسماعيل بن ابي زياد عن جعفر عن آبائه عن على قال (ع) قال رسول الله نعم الكفن الحلة و نعم الاضحية الكبش الاقرن فقال الشيخ رضوان الله عليه هذا الخبر يوافق العامة ولسنا نعمل به لانا بينا ان الكفن لا يجوزان يكون من الابريسم و يحتمل ان يكون الحلة غير خالصة من الأبريسم لامكان ان يعمل بعض الحلل من القطن والابريسم بحيث لا يمنع من الجواز و على كل حال لا تعارض ما دل على عدم جواز الابريسم المحض في الكفن.

و اما الصوف فمقتضى الاطلاق جواز التكفين به و ما سيجئى من استحباب القطن لا يمنع من جوازه

ص: 124

واما الكتان فالظاهر كراهة التكفين به كراهة شديدة لرواية أبي خديجة عن ابی عبدالله قال الكتان كان لبنى اسرائيل يكفنون به والقطن لامة محمد و رواية يعقوب بن يزيد عن عدة من أصحابنا عن أبي عبد الله قال لا يكفن الميت في كتان ومن استنبط من هاتين الروايتين عدم جواز التكفين بالكتان لا ينبغي نسبة الخطاء اليه لعدم خلوهما عن ظهور فيه قال ابو جعفر بن بابويه في من لا يحضره الفقية ولا يجوز ان يكون الميت في كتان ولا ابريسم ولكن في القطن واما لشعر والوبر فالظاهر انهما كالصوف لعدم ما يدل على عدم الجواز .

وظهر استحباب كونه من القطن من رواية ابي خديجة .

کتاب

السادس في وصفه يستحب كون الكفن ابيض لقول مولانا الصادق قال رسول الله البسو البياض فانه اطيب واطهر وكفنوا فيه موتاكم ، وقول مولانا الباقر قال النبي ليس من الباسكم شيء احسن من البياض فالبسوه وكفنوا فيه موتاكم.

ولابد ان يقيد استحباب هذا لوصف بغير الحبرة من اثواب الكفن لما مر من قول مولانا الباقر كفن رسول الله فى ثلثة اثواب برد احمر حبرة وثوبين الله ابيضين صحاريين ويكره التكفين بالسواد لمقطوعة حسين بن المختار عن ابيعبد الله قال لا يكفن الميت فى السواد و فى رواية اخرى قال قلت لابي عبد الله الرجل يحرم في ثوب اسود قال لا يحرم في الثوب الاسود ولا يكفن به و اما ساير الالوان فما ورد في الاخبار كراهتها ولا استحبابها .

واما الاباحة والطهارة فى الكفن فمما لا ينبغى خفاء اعتباره لان حرمة الغصب من البديهيات و يكفى فى اعتبار الطهارة وجوب ازالة النجاسة عنه اذا اصابته بعد التكفين بالغسل قبل الدفن و بالقرض بعده فلو كفن فى المغصوب و دفن يجوز النبش لاخذه لان حرمة النبش لاحترام الميت وتجريده من المغصوب ابلغ في حفظ الاحترام.

ولا بد ان يكون النبش بعد الياس عن رضاء المالك فمهما امكن تحصيل

ص: 125

الرضا لا يجوز النبش بل يجب على من ارتكب الغصب تحصیل رضائه و تمام هذا الكلام في النبش انشاء الله .

)السابع في ساير مستحباته( يستحب ان يكون من ثوب احرم فيه لحج او عمرة لما فيه من الشرافة والفضيلة ولقول مولانا الصادق في حسنة معوية بن عمار كان ثوبا رسول الله اللذان احرم فيهما يمانيين عبرى واظفار وفيهما كفن ولقول مولانا الكاظم في رواية يونس بن يعقوب انى كفنت ابي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما وفي قميص من قمصه.

و يستحب ايضاً ان يكون من ثوب كان يصلى فيه المرسلة عبدالله بن مغيرة عن بعض اصحابه قال يستحب ان يكون فى كفنه ثوب كان يصلى فيه نظيف وصحيحة عيد بن مسلم عن أبي جعفر ان تكفنه فان استطعت ان يكون في كفنه ثوب كان يصلى فيه نظيف فافعل فان ذلك يستحب ان يكفن فيما كان يصلى فيه ومضى في رواية محمد بن سهل وحسنة الحلبى ما يدل على المطلوب .

و يستحب اجادة الأكفان و المقالات فى اثمانها لقول ابى جعفر لابي عبدالله كفنى في ثوب كذا وكذا وثوب كذا وكذا واشتر لى برداً وعمامة واجدهما فان الموتى يتباهون باكفانهم والمرسلة ابن ابى عمير عن بعض اصحابنا عن ابيعبد الله قال اجيدوا اكفان موتاكم فانها زينتهم ولقول ابى الحسن الاول (ع) اني كفنت ابی ثوبین شطويين كان يحرم فيهما وفى قميص من قمصه وعمامة كانت لعلى بن الحسين الا وفي برد اشتريته باربعين ديناراً ولو كان اليوم ساوى اربعمأة دينار والروايات فى هذا الباب متظافرة مع ان فى اجادة الاكفان ومغالات اثمانها اظهار للنعمة التى انعم الله بها واظهار النعمة شكر لها .

و يستحب نزع ازرار القميص اذا كان ملبوسا و ابقاء الكم حينئذ لصحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع قال سئلت ابا جعفر (ع) ان يامر لي بقميص اعده لكفنى فبعث به الى فقلت كيف اصنع فقال انزع از داره ولولم يكن ملبوساً و قطع له فلا يجعل له كم المرسلة محمد بن سنان عمن اخبره عن ابي عبدالله (ع) قال قلت الرجل

ص: 126

يكون له القميص ايكفن فيه فقال اقطع از راره قلت وكمه قال لا انما ذلك اذا قطع له وهو جديد لم يجعل له اكماما و اما اذا كان ثوبا لبيسا فلا يقطع منه الا الازرار و روی ابو جعفر بن بابویه مرسلا هذا الحديث وقال ايضا قال الصادق ينبغي ان يكون القميص للميت غير مكفوف ولا مزرور .

ويستحب اعداد الكفن وجعله في بيته فى مرئى منه وتكرار نظره اليه لما فيها من تذكر الانسان فى اكثر الاوقات وزجر النفس عن مشتيهاتها وردعها عن هو اجسها ولما روى السكونى عن ابي عبد الله الله قال الله اذا اعد الرجل كفته فهو ماجور كلما نظر اليه ومحمد بن سنان عمن اخبره عن ابی عبدالله قال من كان كفنه معه فی بيته لم يكتب من الغافلين ولرواية اسماعيل بن مسلم عن مولانا الصادق عن آبائه قال قال رسول الله اذا اعد الرجل كفنه كان ماجوراً كلما نظر اليه قال المحدث العاملي (قده) والاحاديث فى ان الائمة وخواص شيعتهم كانوا يعدون أكفانهم كثيرة.

ويستحب ان يكون الكفن من طهور المال لرواية أبي جعفر بن بابويه ان السندى ابن شاهك قال لابى الحسن موسى بن جعفر احب ان تدعنى اكفنك فقال (ع) انا اهل بيت حج ضرورتنا ومهور نسائنا واكفاتنا من اموالنا وهذه المقالة انما صدرت من الامام اقناعاً لهذا الملعون لان تخصيص هذه الاشياء الثلثة بطهور المال لا يليق بهم (ع) لعدم الشبهة في شيء من اموالهم لاستحالة تصرفهم في شربة من الماء المشتبه ولعل مقصوده (ع) من هذا الكلام تخصيص هذه الاشياء باموالهم (ع) و ذكر الطهور لاجل فقد غير الطهور فى اموالهم فالمراد نفى الطهارة عن ماله لعنه الله.

ولو بدل الاستحباب بالوجوب لكان اشبه واقرب الى الواقع.

و يستحب ان يغسل المكفن يديه الى المنكبين قبل التكفين ان كان هو الغاسل لقول العبد الصالح (ع) في حديث رواه يعقوب بن يقطين ثم يغسل الذي يغسله يده قبل ان يكفنه الى المنكبين ثلث مرات ثم اذا كفنه اغتسل وقول احدهما علام في حديث عمد بن مسلم يغسله ثم يغسل يديه من العاتق ثم يلبسه أكفانه ثم

ص: 127

يغتسل ويستفاد من حديث عمار بن موسى عن ابی عبدالله (ع) استحباب غسل اليدين الى المرافق والرجلين الى الركبتين حيث قال ثم تغسل يدك الى المرافق ورجليك الى الركبتين ثم يكفنه.

و يستحب ان يكتب على الكفن اسم الميت وانه يشهد ان لا اله الا الله روى احمد بن على بن ابى طالب الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبدالله جعفر الحميري عن صاحب الزمان روحی فداه انه كتب اليه قد روى لنا عن الصادق (ع) انه كتب على ازار ابنه اسماعيل يشهد ان لا اله الا الله فهل يجوز لنا نكتب مثل ذلك بطين القبر اوغيره فاجاب يجوز ذلك ويدل عليه ايضاً ما رواه الشيخ (ره) عن على بن بابويه (قده) باسناده عن ابي كهمش قال حضرت موت اسماعيل (ع) وابو عبدالله للمجالس عنده فلما حضره الموت شد لحيته و غمضه و غطى عليه الملحفة ثم امر بتهيته فلما فرغ من امره دعا بكفنه فكتب في حاشية الكفن اسماعيل يشهد ان لا اله الا الله.

وروی ابو جعفر بن بابویه باسناده عن ابى كهمش رواية اطول من تلك وقال في آخره دعى بكفنه وكتب في حاشيته اسماعيل يشهد ان لا اله الا الله .

و يستحب ان يكت على الكفن القرآن كله او بعضه لماروى ابو جعفر بن بابویه في عيون اخبار الرضا (ع) ان سليمان بن جعفر الجعفرى غسل وحاط بحنوط فاخر و کفن موسى بن جعفر (ع) بكفن فيه حبرة استعملت له بالفى وخمسماة دينار و عليها القرآن كله الخ.

ويناسب كتبه الاقرار و الشهادة بالرسالة بعد الالوهية وامامة الأئمة الاثناعشر بعد الرسالة بقصد التبرك والاستشفاع والاستدفاع بل الاقرار بالبعث والعقاب والثواب و يكفي في جواز كتب ماذكر و رجحانه عدم ورود النهى عنه مع عدم كونه بقصد التشريع وكونه بقصد التبرك ورجاء نفعه بحال الميت فاندفع توهم التشريع واما الاستخفاف المرجوح فيرتفع بكتب ما ذكر في محل من الكفن لا يتحقق معه التلوث بما يخرج من بدن الميت كما كتب مولانا الصادق (ع) الشهادة في حاشية

ص: 128

الكفن قال بعض مشايخنا في رسالته عند ذكر المستحبات (العاشر) ان يكتب على حاشية جميع قطع الكفن من الواجب والمستحب حتى العمامة اسمه و اسم ابيه بان يكتب فلان بن فلان يشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان عمداً رسول الله و وان علياً والحسن والحسين وعلياً و محمدا وجعفراً وموسى وعلياً وعداً وعلياً والحسن والحجة القائم اولیاء الله و اوصیاء رسول الله صلوات الله عليهم اجمعين وان البعث والثواب والعقاب حق .

وروى ان امير المؤمنين الملا كتب على كفن سلمان رضوان الله عليه:

وفدت على الكريم بغير زاد

من الحسنات والقلب السليم

و حمل الزاد اقبح كل شيء

اذا كان الوفود على الكريم

كفين الميت و مما قيل

فلك ان تقول باستحباب كتب هذين البيتين باستحبابه كتبه عليه دعاء الجوشن الكبير لما حكى عن جنة الامان بسنده الى سيد الساجدين عن أبيه عن أمير المؤمنين و قال نزل هذا الدعاء على النبي في بعض غزواته وعليه جوشن ثقيل المه ثقله فقال جبرئيل يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول اخلع هذا الجوشن و اقرء هذا الدعاء فانه امان لك ولامتك وساق الكلام الى ان قال ومن كتبه على كفنه استحيى الله تعالى ان يعذبه بالنار و ساق الحديث الى ان قال.

وقال الحسين او صابی ابی لحفظ هذا الدعاء و ان اكتبه على كفته و ان اعلمه عليه الخير كذا في اهلى وحثهم علیه الخبر کذا فی کتاب شيخنا الانصاري (قده) وحكى بعض المحدثين عن بلد الامين والمصباح للمكفعمي مثل ذلك.

قال بحر العلوم في منظومته وسن ان يكتب فى الاكفان شهادة الاسلام

والايمان وهكذا كتابة القرآن والجوشن المنعوت بالامان.

وحقيقة هذالامر اعنى الكتب في الاكفان ان العبد الراجع الى الله الواقف على عظمته في مظنة ان يبهت ويتحير ويعقد لسانه عن اظهار عقايده الحقة التي هو مأمور باعتقادها وعقد القلب عليها ولذا يكتب على اطراف اكفانه و جريدته ما

ص: 129

هو المطلوب منه من المعتقدات الحقة و ما له تأثير في سهولة امره عند الله عز وجل برجاء ان يعفو عن سيئاته ويغفر ذنوبه ويشبه امر هذا الميت بامر من ليس له اقتدار باظهار مطالبه و بیان مقاصده عند السلطان لجلالة قدره وهيبته فيكتب مراداته ومنوياته في كتاب قبل الحضور عند السلطان فيقرء عنده او يوصله الى بعض امنائه ليقرئه عنده رجاء ان يعطف عليه بعواطفه الخاصة ويتوجه اليه بتوجهاته المخصوصة.

فمع الالتفات الى هذه النكتة يناسب ان يكتب عليه السند المعروف المسمى بسلسلة الذهب وهو حدثنا محمد بن موسى المتوكل قال حدثنا ابو الحسين محمد بن جعفر الاسدى على بن ابراهيم قال حدثنا محمد بن الحسين الصولى قال حدثنا يوسف بن عقيل عن اسحق بن راهويه قال لما وافى ابو الحسن الرضا نيسابور واراد ان يخرج منها الى المامون اجتمع عليه اصحاب الحديث فقالوا له يا بن رسول الله ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث فنستفيده منك وكان قد قعد في العماريه فاطلع راسه و قال سمعت ابی موسی بن جعفر يقول سمعت ابی جعفر بن محمد يقول سمعت ابی محمد بن على (ع) يقول سمعت ابى على بن الحسين (ع) يقول سمعت ابی الحسین بن على يقول سمعت ابی امیرالمؤمنین علی بن ابی طالب (ع) يقول سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول سمعت الله عزوجل يقول لا اله الا الله حصنى فمن دخل حصنى امن من عذابى قال فلما مرت الراحلة نادى اما بشروطها و انا من شروطها.

وفي طريق آخر حدثنا ابو نصر أحمد احمد الحسين بن بن عبيد الضبي بن قال حدثنا ابو القاسم محمد بن عبيد الله بن بابويه الرجل الصالح قال حدثنا ابوعد احمد بن محمد بن ابراهيم بن الهاشم الحافظ قال حدثنا الحسن بن على بن محمد بن على بن موسى بن جعفر ابوالسيد المحجوب امام عصره بمكة قال حدثنى ابى على بن محمد النقى قال حدثنی ابی محمد بن على التقى قال حدثني أبي على بن موسى الرضا قال حدثنی ابن موسى بن جعفر الكاظم قال حدثنى ابى جعفر بن محمد الصادق قال حدثنی ابی محمد بن على الباقر قال حدثنى ابى على بن الحسين السجاد زين العابدين

ص: 130

قال حدثنی ابی حسین بن علی سید شباب اهل الجنة قال حدثنی ابی علی بن ابیطالب سيد الأوصياء قال حدثني محمد بن عبد الله سید الانبياء قال حدثنى جبرئیل سید الملئكة قال قال الله سيد السادات عز وجل انى انا الله لا اله الا انا فمن اقرلى بالتوحيد دخل حصنى ومن دخل حصنى امن من عذابي.

واتم من هذين السند الآخر وهو حدثنا احمد بن الحسن القطان قال حدثنا عبدالكريم (عبدالرحمن خل) بن محمد الحسيني قال حدثنا محمد بن ابراهيم بن محمد الفرازى (عبدالرحمن بن بحر خل) قال حدثنا عبد الله بن يحيى الاهوازي قال حدثني ابو الحسن على بن عمرو قال حدثنا الحسن بن محمد بن جمهور قال حدثنا على بن بلال عن على بن موسى الرضا (ع) عن الرضا (ع) عن ابيه عن آبائه عن على بن ابيطالب لا عن النبي ا عن جبرئيل عن ميكائيل عن اسرافيل عن اللوح عن القلم قال يقول الله عز وجل ولاية على بن ابيطالب حصنى فمن دخل حصنى امن عذابي و يحسن كتابة منه كل ما يرجى النفع بحال الميت من غير ان يقصد الورود والاولى كتابة ما يكتب على الكفن بتربة قبر ابيعبد الله الحسين (ع) اوتربة ساير الائمة او يجعل في المداد شيء من التربة و يكفي ان يكتب بالطين والماء بل بالاصبع من غير مداد و يستحب كتابة الجوشن الكبير فى جام بكافور ثم غسله ورشه على الكفن ولا يبعد الكفن بضريح احد الأئمة او اكثر بعد غسله بماء الفرات او بماء تأثير مسح زمزم واذا كتب على فص الخاتم العقيق الشهادتان و اسماء الائمة والاقرار بامامتهم كان حسنا ويرجى تأثيره ويستحب وضع شيء من التربة الحسينية مع الميت والحنوط والكفن في القبر لرواية محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري قال كتبت الى الفقيه اساله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك ام لا فاجاب وقرات التوقيع ومنه نسخت توضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه وروى الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان في حديث قال وسئل عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك ام لا فاجاب روحى فداه يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه انشاء الله تعالى .

ص: 131

وقال العلامة فى منتهى المطلب على ما حكى عنه امرئة كانت تزنى وتوضع اولادها وتحرقهم بالنارخوفاً من اهلها ولم يعلم بها غير امها فلما ماتت دفنت فانكشف التراب عنها ولم تقبلها الارض فنقلت من ذلك المكان الى غيره فجرى لها ذلك فجاء اهلها الى الصادق الا وحكوا له القضية فقال لامها ما كانت تصنع هذه في حيوتها من المعاصی فاخبرته بباطن امرها فقال الصادق ان الارض لا تقبل هذه لانها كانت تعذب خلق الله بعذاب الله اجعلوا في قبرها شيئاً من تربة الحسين الا ففعل ذلك بها فستر الله تعالى .

الثامن في كيفية التكفين والتحنيط فتستفادان من اخبار نذكرها و نكتفى بها لما فيها من الكفاية لهما .

مفاصله

وقد عرفت فى مبحث الغسل وكيفيته استحباب لف خرقة طويلة على فخذيه وضمهما وتشديد اللف بعد الغسل دفعا لخروج شيء منه و بعد هذا الملف يؤخذ بالتكفين روى الكلمينى رضوان الله عليه عن على بن ابراهيم عن ابيه عن ر عن رجاله عن يونس عنهم قال في تحنيط الميت وتكفينه قال ابسط الحبرة بسطا ثم ابسط عليها الازار ثم ابسط القميص عليه وترد مقدم القميص عليه ثم اعمد الى كافور سحوق فضعه على جبهته موضع سجوده و امسح بالكافور على جميع من قرنه الى قدمه وفى رأسه وفى عنقه ومنكبيه ومرافقه وفي كل مفصل من مفاصله من اليدين والرجلين وفى وسط راحتيه ثم يحمل فيوضع على قميصه ويرد مقدم القميص عليه و يكون القميص غير مكفوف ولا مزرور وتجعل له قطعتين من جريد النخل رطبا قدر ذراع تجعل له واحدة بين ركبتيه نصف مما يلى الساق ونصف مما يلى الفخذ ويجعل الاخرى تحت ابطه الايمن ولا يجعل فى منخريه ولا في بصره ولا في مسامعه ولا على وجهه قطناً ولا كافورا ثم يعمم يؤخذ وسط العمامة فتثنى على رأسه بالتدوير ثم يلقى فضل الشق الايمن على الايسر والايسر على الايمن ثم يمد على صدره وروى الحلبى فى الحسن عن أبي عبد الله قال اذا اردت ان تحنط الميت فاعمد الى الكافور فامسح به اثار السجود منه ومفاصله كلها ورأسه ولحيته وعلى صدره من

ص: 132

الحنوط وقال حنوط الرجل والمرئة سواء واكره ان يتبع بمجمرة .

و في موثقة سماعة عن أبي عبد الله الله قال اذا اكفنت الميت. فذر على كل ثوب شيئاً من ذريرة وكافور.

وفي صحيحة عبدالرحمن بن ابی عبدالله عن ابی عبدالله الا قال لا تجعل في مسامع الميت حنوطاً.

وفي رواية الكاهلى والحسين بن المختار عن ابی عبد الله قال يوضع الكافور من الميت على موضع المساجد وعلى اللبة وباطن القدمين وموضع الشراك من القدمين وعلى الركبتين والراحتين والجبهة واللبة بفتح اللام و تشديد الباء كحبة المنحر وموضع القلادة والجمع لبات كحبات والناظر في الاخبار المذكورة يهتدي الى كيفية التكفين و التحنيط ولا يخفى عليه من امرهما شيء فما في موثقة عبدالله عبد الله بن سنان قال قلت لا بى عبد الله اللا كيف اصنع بالحنوط قال تضع في فمه ومسامعه لا بد ان يحمل على النقية وحمل الشيخ (قده) قوله في فمه على انه على فيه لانه ليس من السنة ان يجعل الحنوط فى الفم انتهى وهو بعيد.

و اما مقدار الحنوطه فيعرف من مرفوعة ابراهيم بن هاشم قال السنة في الحنوط ثلثة عشر درهما وثلث اكثره وقال ان جبرئيل نزل على رسول الله بحنوط فكان وزنه اربعین درهما فقسمها رسول الله لا ثلاثة اجزاء جزءاً له وجزءاً لعلى وجزءاً لفاطمة فهذه المقدار اكمله واكثره فيمكن القول بكراهة الاكثر بل حرمته لعدم ورود الاذن.

و روی ابو جعفر بن بابویه ان جبرئيل اتى النبي باوقية كافور من الجنة والاوقية درهما فجعلها النبي ثلثة اثلاث ثلثا ل_ه وثلثا لعلى وثلثا لفاطمة عليهما الصلوة فيستحب المقدار المذكور وفي صورة التقليل ينبغى ان لا ينقص من اربعة مثاقيل لرواية الكاهلى وحسين بن المختار عن ابيعبد الله قال القصد من الكافور اربعة مثاقيل وفى مرسلة ابن ابى نجران اقل ما يجزى من الكافور الميت مثقال ونصف وفى مرسلة اخرى له اقل ما يجزى من الكافور الميت

ص: 133

مثقال والظاهران المقدار المذكور اعنى ثلثة عشر درهما وثلث للمحنوط فقط ولا يؤخذ منه ما يصرف فى الغسل لقوله السنة فى الحنوط وقوله نزل بحنوط وفي رواية رواها على بن موسى بن طاوس في كتاب الطرف عن موسى بن جعفر عن ابيه قال قال على بن ابي طالب كان في الوصية ان يدفع الى الحنوط فدعاني رسول الله قبل وفاته بقليل فقال يا على و يا فاطمة هذا حنوطى من الجنة دفعه الى جبرئيل وهو يقرئكما السلام ويقول لكما اقسماه واعز لامنه لى ولكما فلى ثلثه وليكن الناظر في الباقى على بن ابيطالب فبكى رسول الله وضمهما اليه وقال يا على قل في الباقى قال نصف ما بقى لها والنصف لمن ترى يارسول الله قال هولك فاقبضه فترى قول على اللا يدفع الى الحنوط وقول النبي هذا حنوطى من الجنة وما يصرف فى الغسل لا يطلق عليه الحنوط.

وفى مرسلة ابن ابى عمير عن ابيعبد الله قال لا يجمر الكفن وفي رواية يعقوب بن يزيد عن عدة من اصحابنا عن ابيعبد الله قال لا يسخن للميت الماء لا تعجل له النار ولا يحيط بمسك وعرفت من حسنة الحلبى ان الرجل والمرئة في الحنوط سواء كما انك عرفت من رواية يونس استحباب الجريدتين.

والروايات فى هذا الباب متظافرة روى المفيد مرسلا قال وروى عن الصادق ان الجريدة تنفع المحسن والمسيىء .

و روى الحسن بن زياد الصيقل عن أبي عبد الله قال يوضع للميت جريدتان واحدة في اليمين والاخرى في الايسر قال قال الجريدة تنفع المؤمن والكافر.

و روى زرارة في الصحيح او الحسن قال قلت لا بي جعفر ارايت الميت اذا مات لم تجعل معه الجريدة قال تجافى عنه العذاب والحساب ما دام العود رطباً قال والعذاب كلمه فى يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل القبر ويرجع القوم وانما جعلت السعفتان لذلك فلا يصيبه عذاب ولاحساب بعد جفوفها انشاء الله تعالى.

و في رواية فضل بن يسار عن ابي عبد الله قال توضع للميت جريدتان

ص: 134

واحدة في الايمن والأخرى في الايسر و روى عبدالله بن مغيرة عن رجل يحيى بن عبادة عن ابی عبدالله قال توخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع واشار بيده من عند ترقوته الى يده تلف مع ثيابه قال وقال الرجل لقيت ابا عبدالله بعد فسئلته عنه قال نعم قد حدثت به يحيى بن عبادة وما تركنا من الاخبار الواردة في الجريدة اكثر مما ذكرناه الا ان فيما ذكر كفاية لاصل الاستحباب.

وقال المفيد رضى الله عنه في المقنعة والاصل في وضع الجريدة ان آدم لما اهبطه الله تعالى من جنة المأوى الى الارض استوحش فسال الله تعالى ان يونسه بشيء من اشجار الجنة فانزل الله تعالى اليه النخلة فكان يانس بها في حيوته فلما حضرته الوفاة قال لولده انى كنت أنس بها في حيوتى وارجو الانس بها بعد وفاتي فاذا مت فخذوا منها جريدا فشقوه بنصفين وضعوهما معى في اكفاني ففعل ولده ذلك وفعلته الانبياء بعده ثم اندرس ذلك فى الجاهلية فاحياة النبي وفعله فصارت سنة متبعة انتهى .

وفى بعض الروايات ان النخلة خلقت من فضل طينة آدم وورد اكرموا عمتكم النخلة فلا يبقى ريب في استحباب الجريدة ولكن الاخبار مختلفة في مقدارها بحسب الطول و موضع وضعها ففى بعضها كما عرفت يقدر طولها بذراع و في الاخرى بشير و في بعض الاخبار يعين موضعها بين ركبية نصف مما يلى الساق و نصف مما يلى الفخذ لاحديهما والاخرى تحت الابط وفي رواية يحيى بن عبادة مقدارها الذراع وموضعها الترقوه .

وفي بعض الروايات الاكتفاء بجريدة واحدة كما في حسنة جميل قال سئلته عن الجريدة توضع من دون الثياب اومن فوقها قال فوق القميص ودون الخاصرة فسئلته من اى جانب فقال من الجانب الايمن ويظهر من هذه الحسنة ان موضعها فوق القميص ودون الخاصرة.

وهذه الاختلافات كاشفة من ان خصوصيات الموضع والمقدار غير ملحوظة فيها بل التأثير لمصاحبة الجريدة مع الميت في القبر فيحمل الاختلافات على تخيير

ص: 135

الواضع والجاعل في كيفيات الوضع وخصوصيات الجعل من حيث الطول والموضع والصاقها بالبدن ولفافها بالكفن سئل عبدالرحمن بن ابيعبد الله عن ابيعبد الله عن الجريدة توضع في القبر قال لاباس.

ويظهر من مرفوعة سهل بن زياد ان استحباب وضع الجريدة بمكان من التاكيد قال قيل له جعلت فداك ربما حضرنى من اخافه فلا يمكن وضع الجريدة على ما رويتنا قبل ادخلها حيث ما امكن .

و روی الصدوق مرسلا قال مر رسول الله على قبر يعذب صاحبه فدعا بجريدة فشقها نصفين فجعل واحدة عند رأسه والاخرى عند رجليه وانه قيل وضعتها فقال انه يخفف عنه العذاب ما كانتا خضراوين فما يؤثر هذ التاثير لا يبعد القول بوجوبه لان الوضع امر قليل المؤنة وكثير الفائدة وكل ما كان كذلك يحكم العقل بوجوبه ولكن الوارد في الشرع هو الاستحباب المؤكد ولابد ان تكون الجريدة رطبة فلا يكفى بل لا يجوز وضع اليابسة لقول مولانا الكاظم حين سئله الملا محمد بن على بن عيسى عن السعفة اليابسة اذا قطعها بيده هل يجوز للميت توضع معه في حفرته لا يجوز اليابس ولان التاثير للمرطبة.

ومع فقد الجريدة من النخلة يوضع من شجر آخر رطب لرواية أبي جعفر بن بابويه عن على بن بلال انه كتب الى ابى الحسن الثالث الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل فهل يجوز مكان الجريدة شيء من الشجر غير النخل فانه روى عن آبائك انه يتجافى عنه العذاب ما دامت الجريدتان رطبتين وانها تنفع المؤمن والكافر فاجاب يجوز من شجر آخر رطب و ظاهر قوله من شجر آخر رطب عدم الفرق بين الاشجار الرطبة بعد فقد النخل ولكن في مسئلة سهل بن زياد عن غير واحد من اصحابنا قالوا قلنا جعلنا الله فداك و ان لم نقدر على الجريدة فقال عود السدر قلت فان لم نقدر على السدر فقال عود الخلاف ففيها تقديم السدر ثم الخلاف و يمكن ان يكون الجواب من اجل كونهما من بعض الاشجار و تسميه السدر والخلاف من باب التمثيل ولذا ورد فى رواية اخرى يجعل بدلها عود الرمان .

ص: 136

ولا ينبغي لاحد التشكيك فى تأثير الجريدة هذا الأثر العظيم اعنى رفع العذاب والحساب عن الميت فان الشك فيه منشأ عن عدم الاحاطة والخبرة باسرار الشريعة المطهرة و الخواص المجعولة فى الاشياء و استبعاد عن العواطف الالهية والرافة الرحيمية المستند الى ضعف الايمان والاعتقاد بالنسبة الى ما ورد في الشرع الانور حكى في المدارك عن علم الهدى رضوان الله عليهما انه قال والتعجب من ذلك كتعجب الملحدة من الطواف والرمى وتقبيل الحجر بل من غسل الميت وتكفينه مع سقوط التكليف عنه وكثير من الشرايع مجهولة العلل انتهى .

ولولم توجد الجريدة الا الواحدة توضع في اليمين لما مر فى حسنة جميل من تعيين اليمين للوضع .

ولو سرق الكفن بعد الدفن و قبل أن يتلاشى الجسد يجب تجديد الكفن

على من كان واجبا عليه في اول الامر .

ولو فقد الميت وبقى الكفن يرجع الى ماكان له قبل التكفين وان مات فالى ورثته لا الى ورثة الميت الا ان يكون من ماله وكفن بوصية او بلا وصية منه.

ولو كان الحنوط اقل من كفاية جميع المساجد يخصص ببعضها و التقدم للجبهة لانها اشرف من ساير المساجد ثم الايمن من اليدين ثم الايسر ثم الايمن من الركبتين ثم الايسر ثم الايمن من ابهامى الرجلين ولودار امر الكافور بين ان يصرف في الغسل او يصرف فى التحنيط يصرف فى الاول لتقدم الغسل على التحنيط في تجهيز الميت .

واما بقية مكروهاته اى التجهيز وضع الحنوط على النعش لرواية السكوني عن ابي عبد الله ان النبى نهى ان يوضع على النعش الحنوط والمماكسة فى شراء الكفن لما فى وصية النبي لعلى (ع) قال يا على لا تماكس في اربعة اشياء فى شراء الاضحية والكفن والنسمة والكرا الى مكة ومرفوعة حمد بن عيسى عن أبي جعفر انه قال لاتماكس في اربعة اشياء الاضحية والكفن وثمن النسبة والكرا الى مكة

ص: 137

استحباب الجريدة لا يختص بالرجال ولا بالكبير ولا بالعاصى لاطلاق

الروايات و لما روى ان الجريدة تنفع المحسن و المسىء والتعليل بدفع الحساب والعذاب لا يوجب التخصيص ببعض دون بعض لان التخصيص حصرا المحكم والتعليل لا ينظر الى الحصر بل هولبيان حكمة جعل الجريدة والحكمة علة للجعل اى جعل الحكم لا الجعل حتى ينتفى بانتفائها ووضعها لآدم على نبينا و آله و صفى الله يرشدك الى ما بينا وحيث ان تأثير الجريدة باق ببقاء رطوبتها فلا يبعد استحباب ما يوجب البطؤ في يبوستها .

واذا لم يتمكن من الكافر رسقط وجوب الحنوط لما ورد من ان الحنوط هو الكافور لاغير قال داود بن سرحان مات ابو عبيدة الحذاء وانا بالمدينة فارسل الى ابو عبد الله اللا بدينار فقال اشتر بهذا حنوطا و اعلم ان الحنوط هو الكافور ولكن اصنع كما يصنع الناس قال فلما مضيت اتبعنى بدينار وقال اشتر بهذا كافوراً فاذا نحصر الحنوط فى الكافور يسقط وجوبه بفقده وعدم التمكن منه ولا يقوم مقامه طيب آخر من المسك والعنبر وغيرهما لما عرفت من المنع بالنسبة الى المسك وعدم ورود جواز طيب آخر واما الذريرة فتجوز لورودها لكنها ليست من الحنوط وروى عبدالله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد على ما فى الوسائل عن محمد بن على بن خلف عن ابراهيم بن محمد الجعفرى قال رايت جعفر بن محمد ينفض بكمه المسك عن الكفن ويقول ليس هذا من الحنوط في شيء .

ولو ماتت النفساء وكثر دمها بحيث يتلطخ الكفن تدخل في الاديم النظيف اومثل الاديم مما يمنع من سراية الدم الى الكفن ويحشى القبل والدبر بالقطن ثم يكفن المرفوعة حسن بن محبوب قال المرئة اذا ماتت نفساء وكثر دمها ادخل الى السرة فى الاديم او مثل الاديم نظيف ثم يكفن بعد ذلك ويحشى القبل والدبر بالقطن وروى الصدوق رحمه الله عن الصادق مثلها الا انه قال وتنظف حتى يحشى القبل والدبر ثم يكفن بعد ذلك .

و في الكافي سهل بن زياد عن ابن محبوب و احمد بن محمد في المرئة اذا

ص: 138

ماتت نفساء وكثر دمها ادخلت الى السرة في الادم او مثل الادم نظيف ثم تكفن بعد ذلك .

ولنختم بذكر موثقة حمران بن اعين لجامعتها لاحكام التغسيل و التكفين قال قال ابو عبدالله الا اذا غسلتم الميت منكم فارفقوا به ولا تقصروه ولا تعمزوا لها مفصلا ولا تقربوا اذنيه شيئاً من الكافور ثم خذوا عمامة فانشروها مثنية على راسه واطرح طرفها من خلفه و ابرز جبهته قلت فالحنوط كيف اصنع به قال يوضع في منخره وموضع سجوده ومفاصله قلت فالكفن قال يؤخذ خرقة فيشد بها سفله ويضم فخذيه بها ليضم ما هناك وما يصنع من القطن افضل ثم يكفن بقميص ولفافة وبرد ويجمع فيه الكفن و المراد من المنخر هوم وضع الرغم وليس المقصود وضع الحنوط داخل المنخر و اما الجمع بين اللفافة والبرد يكشف عن ان البرد لا يلف البرد لا يلف به بل يطرح عليه وبعد ادخال القبر يوضع تحت خده وجبينه وتدل على ما بينا صحيحة عبدالله بن سنان عن ابي عبد الله قال البرد لا يلف ولكن يطرح عليه طرحاً واذا ادخل القبر وضع تحت خده وتحت جبينه.

واما تشييع الميت

) واما تشييع الميت )

فمن المستحبات المؤكدة لما فيه من اداء الحقوق كحق وحدة النوع ووحدة المذهب المعبر عنها بالاخوة فى الدين وحق الجوار وحق المعاشرة وحق السلام وحق ال الكلام و حق الانعام و حق الصداقة وحق القرابة والتذكر بالموت الرادع له عن المعاصى و تجليل الميت وتعظيم الشعائر وتسلية اوليائه واهل حزانته وترغيب الناس لتشييع جنازته عند موته مضافا الى ما ورد من الروايات في فضله وثوابه .

ففى حسنة جابر عن أبي جعفر قال اذا ادخل المؤمن قبره نودى الاان اول حبائك الجنة الا وان اول حباء من تبعك المغفرة .

وفى مرسلة داود الرقى عن أبي عبدالله قال من شيع جنازة مؤمن حتى يدفن في قبره وكل الله عز وجل به سبعين ملكاً من المشيعين يشيعونه ويستغفرون له

ص: 139

اذا خرج من قبره الى الموقف.

وفي رواية اسحق بن عمار عن ابي عبد الله قال اول ما يتحف به المؤمن يغفر لمن شيع جنازته.

وفي رواية جابر عن أبي جعفر قال من شيع مؤمناً حتى يصلى عليه كان له قيراط من الاجر و من بلغ معه الى قبره حتى يدفن كان له قيراطان من الاجر والقيراط مثل جبل احد.

وفي رواية ابى بصير قال سمعت ابا جعفر الكلام يقول من مشى مع جنازة حتى يصلى عليها ثم رجع كان له قيراط من الاجر فاذا مشى حتى تدفن كان له قيراطان والقيراط مثل جبل احد

وفى موثقة ميسر قال سمعت ابا جعفر الله يقول من تبع جنازة مسلم اعطى يوم القيمة اربع شفاعات ولم يقل شيئاً الا وقال الملك ولك مثل ذلك .

و يظهر منها استحباب طلب المغفرة من الله عز وجل للميت و ان له كل ما طلب الميت.

و في حسنة الاصبغ عن امير المؤمنين ع قال من تبع جنازة كتب الله عز وجل له اربع قراريط قيراط باتباعه و قيراط للصلوة عليها و قيراط للانتظار حتى يفرغ من دفنها وقيراط للتعزية .

و في موثقة أبي الجارود عن أبي جعفر قال فيما ناجی به موسی ربه قال يارب ما لمن شيع جنازة قال اوكل به ملائكة من ملائكتي معهم رایات يشيعونهم من قبورهم الى محشرهم .

و يظهر من سئواله عنه عز وجل عظمة امر التشييع وجوابه عزوجل اظهر فى العظمة والروايات فى هذالباب كثيرة وفيما أوردناه كفاية.

واعظم اجراً من التشييع حمل الجنازة سيما مع التربيع قال ابو جعفر في حسنة جابر من حمل جنازة من اربع جوانبها غفر الله له اربعين كبيرة و قال ابو عبد الله فى مرسلة سليمان بن خالد من اخذ بقائمة السرير غفر الله له خمسا

ص: 140

وعشرين كبيرة واذار بع خرج من الذنوب وفى مرسلة عيسى بن راشد عن ابيعبد الله قال سمعته يقول من اخذ بجوانب السرير الاربعة غفر الله له اربعين كبيرة .

وليس فى حمل الجنازة انحطاط رتبة الحامل ولا سقوط مروة له لان النبي حمل جنازة سعد بن معاذ والصحابة والتابعون مقدمون على ذلك لما فيه من البر والاكرام الممؤمن ووروده في شرع الاسلام يكشف عن كونه مما يزيد في علو الرتبة والسعادة ضرورة ان الاسلام لايزيد للمسلم الاعزا و احكام الاسلام باسرها مما يزيد فى شرافة الدنيا والاخرة .

واما كيفية التربيع فيظهر من مرسلة فضل بن يونس عن مولانا الكاظم ان السنة فيها ان تبدء باليد اليمنى ثم بالرجل اليمنى ثم بالرجل اليسرى ثم باليد اليسرى .

قال سئلت ابا ابراهيم عن تربيع الجنازة قال اذا كنت في موضع تقية فابدء باليد اليمنى ثم بالرجل اليمنى ثم ارجع من مكانك الى ميامن الميت لا تمر خلف رجله البته حتى تستقبل الجنازة فتاخذ يده اليسرى ثم رجله اليسرى ثم ارجع . من مكانك ولا تمر خلف الجنازة البته حتى تستقبلها تفعل كما فعلت اولا فان لم تكن تتقى فيه فان تربيع الجنازة الذى جرت به السنة ان تبدء باليد اليمنى ثم بالرجل اليمنى ثم بالرجل اليسرى ثم باليد اليسرى حتى تدور حولها.

ولا يخفى على المتامل ان البدئة باليد اليمنى من الميت عبادة اخرى عن البدئة بالجانب الايسر من السرير والختم باليد اليسرى من الميت لتحصيل الدور ختم بالجانب الايمن من السرير لان اليمين واليسار للسرير يلاحظان مع اليمين واليسار من المشيعين واما اليمين واليسار من الميت فلا يلاحظان مع احد لان له يمين ويسار ومن الضروريات ان اليمين واليسار من الميت على العكس منها بالنسبة الى السرير.

فلامنافات بين هذه الرواية وبين رواية على بن يقطين عن مولانا الكاظم قال سمعته يقول السنة فى حمل الجنازة ان تستقبل جانب الايسر بشقك الايمن

ص: 141

فتلزم الايسر بكتفك الايمن ثم تمر عليه الى الجانب الاخر و تدور من خلفه الى الجانب الثالث من السرير ثم تمر عليه الى الجانب الرابع مما يلى يسارك فقوله فتلزم الايسر بكتفك الايمن يعنى به الايسر من السرير الذي هو عين ايمن الميت والمراد من الجانب الآخر هو القائمة اليسرى من السرير المتحدة مع الرجل اليمنى من الميت ويظهر ايضا ان المراد من الجانب الثالث هو الرجل اليسرى وان المراد من الجانب الرابع هو اليد اليسرى من الميت وتحصيل الدور بما ذكر فلا منافات بين هاتين الروايتين بل هما متحدتان مفاداً واما مارواه البزنطي عن ابن - ابي يعفور عن ابی عبدالله المنقول في آخر السرائر قال السنة ان تستقبل الجنازة من جانبها الايمن وهو ما يلى يسارك ثم تصير مؤخره وتدور عليه حتى ترجع الى مقدمه فهو ظاهر فى خلاف الروايتين المقدمتين فى المبدء والمنتهى وكذا رواية علاء بن سيابة عن أبي عبد الله قال تبدء فى حمل السرير من الجانب الايمن تمر عليه من خلفه الى الجانب الاخر ثم تمر عليه حتى ترجع الى المقدم كذلك دوران الرحى عليه•

و طريق التوفيق بين الروايات هوان السنة فى التربيع هو تحصيل الدور دوران الرحى سواء كان الابتداء من جانب اليمين من السرير الذي هو جانب اليسار من الميت والانتهاء الى جانب اليسار من السرير الذى هو جانب اليمين من الميت او بالعكس فإن في كليهما يحصل دوران الرحى والابتداء والانتهاء ليسا منظورين في السنة وخلاف السنة هو ترك المرور خلف الجنازة اى الانتقال من الرجل اليمنى الى الرجل اليسرى او العكس ولذا نهى اللا عن المرور خلف الجنازة حتى يستقبل الجنازة و يفعل كما فعل لا لا يحصل الدوران والظاهر ان العامة يمنعون الدوران الذي شبه الطواف.

والسنة حاصلة بالدوران من غير فرق بين الابتداء من الايمن والانتهاء الى الايسر او العكس ولذا ترى ابا ابراهيم يحكم بحصول السنة بالبدئ_ة باليد اليمنى التى هى جانب الايسر من الجنازة وترى ابا عبدالله عليه السلام بان السنة

ص: 142

ان تستقبل الجنازة من جانبها الايمن وليس هذا الالاجل ان السنة عبارة عن الدوران الحاصل بكليهما.

و اما ما رواه ابو جعفر بن بابويه باسناده عن حسين بن سعيد انه كتب الى ابي الحسن الرضا يسئله عن سرير الميت يحمل اله جانب يبدء به في الحمل من جوانبه الاربعة اوما خف على الرجل يحمل من اى الجوانب شاء فكتب من أيها شاء فلا ينافي الروايات المتقدمة لان المكاتبة نافيه لوجوب الابتداء بجانب من الجوانب ونفى الوجوب لا ينافي الاستحباب فلا تعارض بينها وبينها فصحة المكاتبة من حيث السند لا يوجب رفع اليد عن غيرها وقد عرفت عدم الاختلاف فيها بالنسبة الى ما هو السنة.

ويكره الركوب فى التشييع الامع العذر او العسر الشديد مع المشى المرسلة ابن ابی عمیر عن ابی عبدالله قال راى رسول الله قوماً خلف جنازة ركباناً فقال (ع) ما استحيى هؤلاء ان يتبعوا صاحبهم ركباناً وقد اسلموه على هذالحال و في مقطوعة عبدالرحمن بن ابی عبدالله قال مات رجل من الانصار من اصحاب رسول الله فخرج رسول الله في جنازته يمشى فقال له بعض اصحابه (ع) الا تركب يا رسول الله فقال انى لاكره ان اركب و الملئكة يمشون و ابي ان يركب.

و اما المشى ففى خلف الجنازة افضل منه بين يديها لان حقيقة التشييع هو المشى هو التبعية فيناسب الخلف ولموثقة اسحاق بن عمار عن ابی عبدالله (ع) قال (ع) المشى خلف الجنازة افضل من المشى بين يديها و يظهر من صحيحة محمد بن مسلم جواز المشى من اى جانب من الجوانب الاربعة قال سئلته عن المشى مع الجنازة فقال بين يديها وعن يمينها وعن شمالها وخلفها ويكره التقدم بالنسبة الى جنازة الجاحد للحق لرواية يونس بن ظبيان عن ابی عبدالله قال امش امام جنازة المسلم العارف ولا تمش امام جنازة الجاحد فان امام جنازة المسلم ملئكة يسرعون به الى الجنة وامام جنازة الكافر ملئكة يسرعون به الى النار وهذه الرواية

ص: 143

وان كانت فى غاية الضعف لكنها تتقوى برواية السكونى عن ابي عبد الله عليه السلام قال سئل كيف اصنع اذا خرجت مع الجنازة امشى امامها الخلفها اوعن يمينها او عن شمالها فقال ان كان مخالفا فلا تمش امامه فان ملئكة العذاب يستقبلونه بالوان العذاب.

واما ما يستحب من القول عند روية الجنازة ففى مرسلة ابان قال كان على بن الحسين (ع) اذا راى جنازة قد اقبلت قال الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم وفى مرفوعة ابى الحسن النهدى قال كان ابو جعفر (ع) اذا راى جنازة قال الحمد لله الذى لم يجعلني من السواد المخترم.

وروى عنبسة بن مصعب عن ابی عبدالله (ع) قال قال رسول الله من استقبل جنازة او رآها فقال الله اكبر هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله و رسوله اللهم زدنا ايماناً وتسليما الحمد لله الذى تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت لم يبق فی السماء ملك الا بكى رحمة لصوته.

و روى عمار الساباطي عن ابی عبدالله (ع) قال سئلته عن الجنازة اذا حملت كيف يقول الذي يحملها قال يقول بسم الله و بالله وصلى الله على محمد وآل محمد اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات .

و المراد من السواد الوارد في الروايتين الشخص و من المخترم الهالك المستاصل فالحمد لعدم جعله من الهالكين اى الاموات ولا ينافي هذا حب لقاء الله لان البقاء فى الدنيا وطول العمر مما يرجى به لقاء الله بطريق لقاء احبائه اياه وبالموت ينقطع الرجاء ولوكان حين الحمد من احبائه تعالى شأنه العزيز فالحمد لازدياد المحبة بالاعمال الموجبة له وتحصيل رضائه وحبه زائداً على ما حصل عند الحمد قال الله تبارك و تعالى ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبكم الله ولا ينافي قوله (ع) من احب لقاء الله احب الله لقائه و من كره لقاء الله كره الله لقائه لانه صل الله عليه قبل له (ع) انا لنكره الموت فقال (ع) ليس ذلك ولكن المؤمن اذا حضره الموت بشر برضوان الله تعالى وكرامته وليس شيء احب اليه مما امامه فاحب لقاء الله

ص: 144

واحب الله لقائه وان الكافر اذا حضره الموت بشر بعذاب فليس شيء اكره مما امامه كره لقاء الله فكره الله لقائه وفى الخبر عن امير المؤمنين فقال النبى لا يتمنى احدكم الموت ولايدع به من قبل ان يأتيه انه اذا مات المؤمن انقطع عمله وانه لايزيد المؤمن عمره الاخيراً .

و يستحب بقاء المشيع مع الجنازة الى ان يصلى عليه و يدفن و يعزى اهله لان لكل من هذه الامور اجراً لقول امير المؤمنين من تبع جنازة كتب له اربع قراريط قيراط باتباعه وقيراط للصلوة عليها وقيراط بالانتظار حتى يفرغ من دفنها وقيراط للتعزية فهنا امور مستحبة لكل منها اجر عليحدة .

ولاير تفع الاستحباب مع اذن ولى الميت لرواية زرارة قال كنت مع ابى جعفر في جنازة لبعض قرابته فلما ان صلى على الميت قال وليه لابي جعفر ارجع یا ابا جعفر ماجوراً ولا تعينى لانك تضعف عن المشى فقلت لابي جعفر قد اذن لك في الرجوع فارجع ولى حاجة اريد ان اسئلك عنها فقال لى ابوجعفر انما هو فضل واجر فبقدر ما يمشى مع الجنازة يوجر الذي يتبعها فاما باذنه فلیس باذنه جئنا ولا باذنه نرجع.

ويكره اتباع الجنازة بالنار والمجمرة لقول ابى جعفر الا لا تقربوا موتاكم النار يعنى الدخنة ولرواية غياث ان ابا عبدالله الجلا كان يكره ان يتبع الميت بالمجمرة وقول الصادق له في ذيل رواية الحلبى واكره ان يتبع مجمرة .

ولاباس بالمصابيح اذا اخرج الميت للدفن لقول مولانا الصادق الا في مرسلة الصدوق (ره) ان ابنة رسول الله اخرجت بها ليلا ومعها مصابيح .

وفي رواية عمرو بن ابی المقدام وزياد بن عبدالله اتى رجل اباعبدالله (ع) فقال يرحمك الله هل شيعت الجنازة بنار تمشى معها و بجمرة او قنديل او غير ذلك مما يضاء به فذكر حديثا طويلا فيه مرض فاطمة و وفاتها الى ان قال فلما قضت نحبها وهم في جوف الليل اخذ على (ع) في جهازها من ساعته و اشعل النار في جريد النخل ومشى مع الجنازة بالنار حتى صلى عليها ودفنها ليلا الحديث.

ص: 145

ظهر ايضاً جواز دفن الميت بالليل كما انه ظهر عنه بيان استحباب تعجيل الدفن.

وقد مر قول رسول الله يا معشر الناس لا الفين رجلا مات له ميت ليلا فانتظر به الصبح ولا رجلا مات له ميت نهاراً فانتظر به الليل لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها عجلوا بهم الى مضاجعهم يرحمكم الله قال الناس وانت يارسول الله ان يرحمك الله.

ولا يجوز صراخ النساء مع الجنازة ولكن لا تمنع حرمته عن استحباب التشييع لحسنة زرارة قال حضر ابو جعفر (ع) جنازة رجل من قريش و انا معه و كان فيها عطاء فصرخت صارخة فقال عطاء لتسكتن اولنرجعن فلم تسكت فرجع عطاء قال فقلت لا بي جعفر (ع) ان عطاء قد رجع قال ولم قلت صرخت هذه الصارخة فقال لها لتسكتن اولنرجعن فلم تسكت فرجع فقال امض فلوانا اذا راينا شيئاً من الباطل مع الحق تركنا له الحق لم نقض حق مسلم قال فلما صلى على الجنازة قال وليها لا بي جعفر (ع) ارجع ماجوراً رحمك الله تعالى الحديث .

ويجوز خروج النسوان اذا كان بغير مفسدة ونهى المرئة الشابة عن الخروج لاجل ذلك روى ابو بصير عن ابي عبد الله (ع) قال ليس ينبغى للمرئة الشابة تخرج الى الجنازة تصلى عليها الا ان تكون المرئة قد دخلت في السن .

و يستحب التوسط فى المشى بحيث لا ينافي الرفق بالميت ولاسرعة التجهيز لان كليهما مطلوبان في الشرع فينبغي مراعات الامرين روى الحسن بن محمد الطوسي في المجالس سنداً عن النبي الله قال النبي عليكم بالسكينة عليكم بالقصد في المشي بجنازتكم.

و يستحب ادامة القيام او المشى لمن شيع الجنازة الى ان يوضع الميت في لحده الصحيحة عبدالله بن سنان عن ابيعبد الله (ع) قال ينبغى لمن شيع جنازة ان لا يجلس حتى يوضع في لحده فاذا وضع فى لحده فلا باس بالجلوس و اما حسنة داود بن لقمان الاتية المشتملة على جلوس ابي الحسن (ع) قبل الوضع في اللحد

ص: 146

فمحمولة على بيان جواز الجلوس وعدم حرمته او على عسيه .

وينبغى اعتبار حامل الجنازة وتذكره عند حمله بحيث يحسب نفسه محمولا الى قبره سائلا ربه الرجوع الى الدنيا واستجابة مسئوله فلا يعمل بقية عمره الا ما يوافق رضاء ربه لقول ابيعبد الله له العجلان ابی صالح یا اباصالح اذا انت حملت جنازة فكن كانك انت المحمول وكانك سئلت ربك الرجوع الى الدنيي ففعل فانظر فاذا تسانف قال ثم قال عجب لقوم حبس اولهم عن آخرهم ثم نودى فيهم الرحيل وهم يلعبون .

و يظهر من هذه المقالة كراهة للهو واللعب والضحك في جميع الاوقات سيما حين التشييع وحمل الجنازة ويكره القيام عند مرور الجنازة الا ان تكون جنازة كافر لصحيحة زرارة قال كنت عند أبي جعفر وعنده رجل الانصار من فمرت به جنازة فقام الانصارى ولم يقم ابو جعفر فقعدت معه ولم يزل الانصاري قائماً حتى مضوا بها ثم جلس فقال ابو جعفر ما اقامك قال رايت الحسين بن على تفعل ذلك فقال ابو جعفر والله ما فعله الحسين ولا قام لها احد منا اهل البيت قط فقال الانصارى شككتنى اصلحك الله قد كنت اظن اني رايت .

وفي رواية مثنى الحناط عن ابيعبد الله قال كان الحسين بن على السلام جالساً فمرت عليه جنازة فقام الناس حين طلعت الجنازة فقال الحسين (ع) مرت جنازة يهودى و كان رسول الله على طريقها جالساً فكره ان تعلو راسه جنازة يهودي فقام لذلك.

ويظهر من هذه الرواية ان القيام اذا كانت الجنازة لليهودى ليس على اطلاقه بل مقيد بان تعلوا راسه كما ان الحسن بن على كان جالساً ومعه اصحاب له فمر بجنازة فقام بعض القوم ولم يقم الحسن (ع) فلما مضوا بها فقال بعضهم الاقمت عافاك الله فقد كان رسول الله يقوم الجنازة اذا مروا بها فقال الحسن (ع) انما قام رسول الله مرة واحدة وذلك انه مر بجنازة يهودى وقد كان المكان ما عليه ضيقا فقام رسول الله وكره ان تعلو راسه .

ص: 147

وروى السكوني عن ابيعبد الله (ع) عن ابيه عن آبائه قال قال رسول الله ثلثة ما ادرى ايهم اعظم جرماً الذى يمشى مع الجنازة بغير رداء و الذي يقول قفوابه والذي يقول استغفروا له غفر الله لكم والرواية ضعيفة ولوقيل بدلالتها على كراهة هذه الامور ينبغي ان يقيد الأول بغير صاحب المصيبة لما في مرسلة ابن ابی عمیر عن ابيعبد الله قال (ع) ينبغى لصاحب المصيبة ان يضع ردائه حتى يعلم الناس انه صاحب المصيبة.

وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) انه قال ينبغي لصاحب المصيبة ان لا يلبس رداء وان يكون في قميس حتى يعرف.

و في رواية حسين بن عمر او عثمان قال لما مات اسماعيل بن ابيعبد الله (ع) خرج ابو عبدالله (ع) فتقدم السرير بلاحذاء ولا رداء.

وفي رواية أبي بصير عن ابی عبدالله (ع) قال (ع) ملعون ملعون من وضع ردائه في مصيبة غيره و هذه الرواية في الضعف مثل رواية السكوني الا انها يؤيد رواية السكونى ويفسرها بان كراهة وضع الرداء في غير صاحب المصيبة .

ويكره ضرب اليد على الفخذ فى المصيبة لرواية عبد الله بن الفضل الهاشمي عن ابی عبدالله (ع) قال ثلثة لا ادرى ايهم اعظم جرماً الذي يمشى خلف جنازة في مصيبة غيره بغير رداء و الذى يضرب على فخذه عند المصيبة و الذي يقول ارفقوا وترحموا عليه يرحمكم الله.

ولا يجوز حمل الرجل والمرئة على سرير واحد لما فيه من توهين الرجل بل المرئة و لمكاتبة محمد بن حسن الصفار قال كتبت الى ابى محمد الحسن العسكرى عليه السلام ايجوز ان يحمل الميتين على جنازة واحدة في موضع الحاجة وقلة الناس وان كان الميتان رجلا وامرئة يحملان على سرير واحد ويصلى عليهما فوقع عليه السلام لا يحمل الرجل مع المرئة على سرير واحد فنهى عن الحمل مع كون السؤال عن الجواز و تخصيص النهى بالرجل والمرئة مع كون السؤال اعم يكشف عن عدم البأس اذا كان الميتان رجلين او امرئتين

ص: 148

و في رسالة بعض مشايخنا قيل ينبغى ان يمنع الكافر والمنافق والفاسق من التشییع.

والاخبار بظاهرها لا يدل على شيء مما ذكر ولعل القائل بهذا لقول استظهر حسن المنع من قول مولانا الصادق العلا في صحيحة ابن سنان او حسنته ينبغى لاولياء الميت منكم ان يؤذنوا اخوان الميت فيشهدون جنازته ويصلون عليه ويستغفرون ليكتب لهم الاجر ويكتب للميت الاستغفار و يكتسب هو الاجر منهم وفيما اكتسب لميتهم من الاستغفار حيث ان الكافر والمنافق لا ينتفعون من التشييع نفعا ولا يكتسبون اجرا ولا ينتفع المؤمن منهم نفعاً فلا اثر لحضورهم عند جنازة المسلم و تشييعهم تكثير له الا اظهار المسرة من موته وتشديد عموم اولياء الميت و تهييج احزانهم و تکثیر همومهم لما يرون من الابتهاج والمسرة والانبساط.

و اما الفاسق فان كان ممن يمكن تنبهه عن الغفلة وتأثره من موت الغير و تذكره امور الاخرة فلاحسن فى منعه بل يحرم منعه لما فيه من ازدياد فسقه وبعده عن الطريق المستقيم وان كان من المتوغلين فى الفسق الذي لا يرجى تاثير ه_م ولا فائدة فى حضوره لتذكره فتم عليه الحجة فلا يحسن منعه في الصورتين وتخصيص استحباب التشييع بالعدول من المؤمنين يوجب تضييع امر التجهيز واختلاله فينجر الى بقاء الاموات مهملين وتعسر الأمر على العدول من المؤمنين و يستحب ايثار تجهيز الميت على الحضور فى الوليمة لان الحضور فى الوليمة مذكر للمدنيى وحضور الجنازة مذكر للاخرة ومن المعلوم ان امر الاخرة مقدم على امر الدنيا .

و اما الصلوة على الميت

) و اما الصلوة على الميت)

فموضعها بعد التكفين والتحنيط وقبل الدفن وهى عبارة عن الشهادة بالالوهية والرسالة والصلوة والسلام على محمد وآله والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات والاستغفار الميت ان كان من المؤمنين فى خلال التكبيرات الخمس ولو كان من المنافقين يهمل بالاستغفار للميت ويوتى بما بقى في خلال التكبيرات الاربع فعلى الاول يكبر

ص: 149

المصلى ويشهد بالشهادتين ثم يكبر ويصلى ويسلم على نبينا و آله ثم يكبر ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات ثم يكبر و يستغفر للميت ثم يكبر وينصرف وعلى الثاني ينصرف بعد التكبير الرابع و له ان ياتي بجميع ما ذكر بين التكبيرين الاولين و بجميعها بين الثاني والثالث وبين الثالث والرابع وبين الرابع والخامس على الاول. وعلى الثانى جميعها ذكر سوى الاستغفار للميت بين كل تكبيرتين ومنشأ هذا الاختلاف ان التكبيرات لصلوة الميت أخذت من دعائم الاسلام الصلوة والزكوة والصوم والحج والولاية و المؤمن لاعتقاده على الدعائم الخمس يكبر له خمس تكبيرات والمنافق لا نكاره الولاية نقص من صلوته تكبيرة و الاستغفار قبلها و ليس في صلوة الجنازة قرائة ولا دعاء معين ولا تسليم فما جاء في الروايات من الامر بالقرائة والتسليم لاجل التقية وينبغي ان ينضاف على الشهادتين الاعتراف بالمعاد لانه تكميل الديانة وعلى الصلوة على نبينا و آله الصلوة على جميع الانبياء والمرسلين لقوله عز وجل لا نفرق بين احد من الرسل ولما ورد من ان انکار واحد منهم انکار جميعهم وكذالاعتراف بولاية امير المؤمنين لما مر من كونه من اركان الدين والائمة من بعده من اولاده المعصومين سلام الله عليهم اجمعين لان انكار واحد منهم کانکار جميعهم صلوات الله عليهم وليس فيهذه المراتب اعتبار الفاظ خاصة او عبارات مخصوصة بل تكفى ما يفيد التشهد والصلوة والاستغفار .

كما انه ليس فى صلوة الجنازة دعاء مخصوص ولذا اختلف عبارات الروايات في كيفية الصلوة.

ففى حسنة الحلبي عن ابي عبد الله قال تكبر ثم تشهد ثم تقول انا لله وانا اليه راجعون الحمد لله رب العالمين رب الموت والحيوة صل على محمد و اهل بيته جزى الله محمداً خير الجزاء بما صنع بامته وبما بلغ من رسالات ربه ثم تقول اللهم عبدك ابن عبدك ابن امتك ناصيته بيدك خلا من الدنيا واحتاج الى رحمتك و انت غنى عن عذابه اللهم انا لا نعلم منه الاخيراً و انت اعلم به اللهم ان كان محسنا فزد فى احسانه وتقبل منه وان كان مسيئاً فاغفر له ذنبه وارحمه وتجاوز عنه برحمتك

ص: 150

اللهم الحقه بنبيك وثبته بالقول الثابت فى الحيوة الدنيي و في الاخرة اللهم اسلك بناو به سبيل الهدى واهدنا واياه صراطك المستقيم اللهم عفوك عفوك ثم تكبر الثانية وتقول مثل ما قلت حتى تفرغ من خمس تكبيرات.

ويظهر منها جواز ايراد جميع ما يذكر في الصلوة اربع مرات يعني في خلال كل تكبيرتين .

وفي رواية محمد بن مهاجر عن امه ام سلمة ما يدل على تفريق الجملات بين التكبيرات قالت سمعت ابا عبد الله يقول كان رسول الله اذا صلى على ميت كبر وتشهد ثم كبر وصلى على الانبياء و دعا ثم كبر ودعا للمؤمنين ثم كبر الرابعة و دعى للميت ثم كبر و انصرف فلما نهاه الله عز وجل عن الصلوة على المنافقين ن كبر وتشهد ثم كبر وصلى على النبيين عليهم الصلوة والسلام ثم كبر و دعا للمؤمنين ثم كبر الرابعة وانصرف ولم يدع للميت دلت على عدم جواز الدعاء للمنافق وتفريق الجملات بين التكبيرات الاربع.

وفي رواية ابي ولاد قال سئلت ابا عبدالله عن التكبير على الميت فقال خمس تكبيرات تقول في اولهن اشهد ان لا اله الا الله وحده لاشريك له اللهم صل على محمد و آل محمد ثم تقول اللهم ان هذا المسجى قدامنا عبدك وابن عبدك وقد قبضت روحه اليك وقد احتاج الى رحمتك و انت غني عن عذابه اللهم لا نعلم من ظاهره الاخيراً وانت اعلم بسريرته اللهم ان كان محسناً فزد في احسانه فضاعف حسناته وان كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته ثم تكبر الثانية وتفعل ذلك في كل تكبيرة .

واهمل فى هذه الرواية ذكر الدعاء على المؤمنين ولعله سقط عن قلم الراوى.

ويظهر من رواية سماعة جواز ايراد التشهد والصلوة والاستغفار بين التكبيرتين الاولين فقط وتخصيص اوساط التكبيرات بالدعاء للميت لانه قال سئلته عن الصلوة على الميت فقال تكبر خمس تكبيرات تقول اول ما تكبر اشهد ان لا اله الا الله وحده لاشريك له و اشهد ان محمداً عبده ورسوله اللهم صل على محمد و آل محمد وعلى الائمة الهداة واغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين

ص: 151

آمنوا ربنا انك رئوف رحيم اللهم اغفر لا حيائنا من المؤمنين والمؤمنات والف قلوبنا على قلوب اخيارنا واهدنا لما اختلف فيه من الحق باذنك انك تهدى من تشاء الى صراط مستقيم فان قطع عليك التكبيرة الثانية فلا يضرك تقول اللهم عبدك ابن عبدك و ابن امتك انت اعلم به منى افتقر الى رحمتك واستغنيت عنه اللهم فتجاوز عن سيئاته وزد في حسناته و اغفر له وارحمه ونور له في قبره ولقنه محبة والحقه بنبيه ولا تحرمنا اجره ولا تفتنا بعده تقول هذا حتى تفرغ من خمس تكبيرات ترى انه ادرج بين التكبيرة الاولى والثانية الشهادتين والصلوة والاستغفار والدعاء للمؤمنين والمؤمنات وقال بعد التكبيرات الثانية الى آخر الصلوة ما يرجع معظمه الى الميت .

والاخبار في باب صلوة الميت كثيرة و هى مع كثرتها و اختلاف مفاداتها لا تخلوا عما ذكرنا من الامور الاربعة او الثلثة على الوجهين كما انها لا تزيد عنها والمراد من قطع التكبيرة الثانية ان قطع الامام بالتكبيرة الثانية ما يقال بين الأولى والثانية من الدعاء.

ويظهر من بعض الروايات الاكتفاء بالصلوة على النبي والدعاء للمصلين والاستغفار للميت فكان بالتكبير اكتفاء بالتشهد لاستلزامه له لان معنى الله اكبر الله اكبر من ان يوصف فهو مستلزم للشهادة.

ففى حسنة زرارة عن أبي عبد الله في الصلوة على الميت قال تكبر ثم تصلى على النبى ثم تقول اللهم عبدك ابن عبدك ابن امتك لا اعلم منه الاخيراً وانت اعلم به منى اللهم ان كان محسناً فزد في احسانه وتقبل منه وان كان مسيئاً فاغفر له ذنبه وارحمه وافسح له في قبره واجعله من رفقاء محمد ثم تكبر صلى الله الثانية وتقول اللهم ان كان زاكياً فزكه وان كان خاطئاً فاغفر له ثم تكبر الثالثة وتقول لا تحرمنا اجره ولا تفتنا بعده ثم تكبر الرابعة وتقول اللهم اسكنه عندك في عليين و اخلف على عقبه فى الغابرين واجعله من رفقاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم تكبر الخامسة وانصرف.

ص: 152

فما امر بالتشهد وجعل معظم الصلوة الاستغفار والدعاء للميت فالمستفاد من جمیع الاخبار هوان المقصود هو الدعاء والاستغفار له والتشهد والصلوة على النبي و الانبياء والأئمة لاجل التقريب الى الاستجابة كما ان كل دعاء يبدء بالحمد والثناء والصلوة على النبي اقرب الى الاستجابة من غيره فالدعاء للميت يبدء بالصلوة والتشهد لاجل التقريب لا انهما داخلان في حقيقة الصلوة على الميت لان الصلوة عليه عبارة عن الدعاء له واما التكبيرات فلا يجوز الاهمال بها لانها مأخوذة في الدعاء له ولذا وردت في جميع الاخبار فهي تحسب من كيفية الصلوة .

واما الاختلاف بالاربع والخمس فلاجل ان المنافق لاصلوة له فيحذف التكبيره المشتملة على الدعاء و اما التكبيرات الاربع فيذكر في خلالها ما لا يفيد بحال المنافق فليس الفرق بين الصلوتين بصرف حذف التكبيرة وذكرها فالكيفية التي علمها مولانا الصادق الله فى حسنة زرارة لا يجوز فى صلوة المنافق و ان حذفت الخامسة لان اكثر ما ذكر فيها هو الدعاء والاستغفار للميت بل الصلوة عليه يذكر فيها التشهد والصلوة والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات والانصراف بعد الرابعة .

وقد مر عليك خبر محمد بن مهاجر وكيفية الصلوة على المنافق .

وان شئت ان لا يخلو من ذكر المنافق فادع عليه كما فعل سيدنا و مولانا ابو عبد الله الحسين روى عامر بن سمط عن ابی عبدالله ان رجلا من الله المنافقين مات فخرج الحسين بن على يمشى معه فلقيه مولى له فقال له الحسين این تذهب يا فلان فقال له (ع) مولاه امر من جنازة هذا المنافق ع ان اصلى عليها فقال له الحسين انظر أن تقوم على يمهنى فما تسمعنى اقول فقل مثله فلما ان كبر عليه وليه قال الحسين الله اكبر اللهم العن فلاناً عبدك الف لعنة مؤتلفة غير مختلفة اللهم اخز عبدك فى عبادك و بلادك واصله حر نارك و اذقه اشد عذابك فانه كان يتولى اعدائك و يعاد اوليائك و يبغض اهل بيت نبيك ويظهر من هذه الرواية كفاية الدعاء عليه فى الصلوة وعدم وجوب التشهد والصلوة لقوله (ع) فلما ان كبر عليه وليه قال الحسين وهذه الجملة ظاهرة انه (ع)

ص: 153

دعى عليه عند التكبيرة الأولى من الولى ويقرب من هذا المضمون رواية احمد بن عد بن ابي نصر وفي رواية حماد بن عثمان عن ابی عبدالله او عمن ذكره عن ابيعبد الله قال ماتت امرئة من بني امية فحضرتها فلما صلوا عليها ورفعوها وصارت على ايدى الرجال قال اللهم ضعها ولا ترفعها ولا تزكها وقال وكانت عدوة لله قال ولا اعلمه

الا قال ولنا•

و في حسنة محمد بن مسلم عن احدهما قال ان كان جاحداً للحق فقل اللهم املا جوفه وقبره نارا وسلط عليه الحيات والعقارب وذلك قاله ابوجعفر لامرئة سوء من بني امية صلى عليها ابي وقال هذه المقالة واجعل الشيطان لها قريناً.

ويكفى في تحقق النفاق تقديم احد على امير المؤمنين والقول بامامة شخص قبل امامته فان التقديم مستلزم لولاية المقدم الذي هو عدو لاهل البيت و عدادتهم وان انكر عداوتهم واما الناصب فهو الذي يظهر العداوة بالنسبة الى اهل البيت فهو اخص من المنافق فان المنافق اعم من ان يظهر العداوة او لم يظهر فالصلوة على الناصب كالصلوة على المنافق فاما ان يدعو عليه ويلعنه كما مراويكتفى بالتشهد والصلوة على النبي وآله صلوات الله عليهم والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات وينصرف بعد الرابعة من دون ان يسمى الميت والظاهر ان الدعاء عليه واللعن من وظيفة غير الامام في الصلوة الذي يقدر على اخفاء اللعن والاكتفاء بالتشهد والصلوة والاستغفار وظيفة للامام الذي لا يقدر على الاخفاء.

واما المستضعف الذى لا يميز الحق عن الباطل لضعف ادراكه ولا يعرف شيئاً ففى حسنة محمد بن مسلم عن احدهما قال الصلوة على المستضعف والذي لا يعرف الصلوة على النبي والدعاء للمؤمنين والمؤمنات تقول ربنا اغفر للذين تابوا ليه واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم الى اخر الايتين .

و في حسنة فضيل بن يسار عن أبي جعفر قال اذا صليت على المؤمن فادع واجهد له في الدعاء وان كان واقفاً مستضعفاً فكبر وقل اللهم اغفر للمذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم.

ص: 154

و ان كان مجحول الحال عندك فادع له شارطا كما ان المستضعف ان كان منك بسبيل ويحب ان يستغفر له تستغفر له على وجه الشفاعة لا على وجه الولاية لان المستضعف لا يعرف الولاية والمراد من السبيل كا القرابة او الجوار اوسبب من اسباب المودة انظر الى حسنة الحلبى المروية عن ابي عبد الله قال ان كان مستضعفا فقل اللهم اغفر للذين تابوا واتبغوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم واذا كنت لا تدرى ما حاله فقل اللهم ان كان يحب الخير واهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه وان كان المستضعف منك بسبيل فاستغفر له على وجه الشفاعة فالمستفاد من مجموع الاخبار ان الميت ان كان معلوم الحال من الايمان والنفاق و النصب و الاستضعاف فادع له اوعليه بحسب حاله وان كان مجهول الحال عندك فادع له شارطا في الدعاء له كونه ممن يحب الخير واهله كما عرفت من حسنة الحلبي.

واما الصلوة على الطفل فيقال فيها اللهم اجعله لابويه ولنا سلفا وفرطا واجرا لرواية زيد بن على عن أبيه عن آبائه (ع)عن على (ع) انه كان يقول في الصلوة على الطفل اللهم اجعله لابويه الى اخره وليس فى الصلوة على الميت ركوع ولا سجود لصحيحة عيد بن مسلم عن أبي جعفر قال تصلى على الجنازة في كل ساعة انها ليست بصلوة ركوع وسجود .

وروى ابو جعفر بن بابویه باسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا قال انما لم يكن في الصلوة على الميت ركوع ولا سجود لانه انما اريد بهذه الصلوة الشفاعة لهذا العبد الذى قد تخلى مما خلف و احتاج الى ما قدم قال و انما جوز الصلوة على الميت لغير وضوء لانه ليس فيها ركوع ولا سجود ويظهر من هذه الرواية عدم وجوب الطهارة فى صلوة الجنازة .

و في موثقة يونس بن يعقوب قال سئلت ابا عبدالله عن الجنازة ايصلى عليها على غير وضوء فقال نعم انما هو تكبير وتحميد وتسبيح وتهليل كما تكبر و تسبح في بيتك على غير وضوء و اما استحباب الطهارة فلا ينافي كونها من التكبير والتسبيح فان الذكر مع الطهارة افضل منه بغيرها ولقول مولانا الكاظم تكون

ص: 155

على طهر احب الى ويظهر من حسنة الحلبى استحباب التيمم حين فوت الصلوة مع الوضوء قال سئل أبو عبد الله عن الرجل تدركه الجنازة و هو على غير وضوء وان ذهب يتوضأ فاتته الصلوة عليها قال يتيمم ويصلى وكذا من مضمرة سماعة قال سئلته عن رجل مرت به جنازة وهو على غير وضوء كيف يصنع قال يضرب بيديه على الحاط اللبن فليتيمم .

وليس لصلوة الجنازة وقت مخصوص اوساعة خاصة فى الليل والنهار بل يجوز اتيانها في كل ساعة من ساعات الليل لعدم اختصاص شيء من الاوقات بهذه الصلوة فيصلي في اول وقت بعد التغسيل والتحنيط.

و مرسلة محمد بن مسلم كاشفة عن هذا الحكم قال سئلت ابا عبدالله الاهل يمنعك شيء من الساعات عن الصلوة عن الجنائز فقال لا وكذا صحيحته عن ابي جعفر قال تصلى على الجنازة فى كل ساعة انها ليست بصلوة ركوع ولا سجود وانما تكره الصلوة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود لانها تغرب بين قرنى شیطان و تطلع بين قرنی شیطان و سیاتی انشاء الله كتاب الصلوة بيان عدم الكراهة بالنسبة الى ذات الركوع والسجود .

ولو حضرت صلوة الجنازة فى وقت اليومية المكتوبة تقدم المكتوبة على صلوة الجنازة فى صورة فوتها ومع سعة وقتها تقدم صلوة الجنازة سيما اذا كان الميت مبطونا او نفساء او نحو ذلك مما يخاف فساده ففى رواية جابر قلت لابی جعفر اذا حضرت الصلوة على الجنازة فى وقت مكتوبة فبايهما ابدأ فقال عجل الميت الى قبره الا ان تخاف ان تفوت وقت الفريضة ولا تنتظر بالصلوة على الجنازة طلوع الشمس ولا غروبها.

وفي رواية هرون بن حمزة عن ابي عبد الله ما يدل على تقديم المكتوبة في غير الضرورة وان كان فى سعة وقتها قال اذا دخل وقت صلوة مكتوبة فابدأ بها قبل الصلوة على الميت الا ان يكون الميت مبطونا او نفساءاً او نحو ذلك وروى على قال بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر قال سئلته عن الصلوة على الجنائز اذا

ص: 156

احمرت الشمس ايصلح اولا قال لا صلوة فى وقت صلوة و قال اذا وجبت الشمس فصل المغرب ثم صل على الجنائز فالاولى تقييد تقديم صلوة الجنازة على اليومية المكتوبة بالضرورة و حمل رواية جابر عليها ثم ان مقتضى ما سلف من وجوب التكبيرات الخمسة عدم كفاية اقل منها بل عدم جوازه الا مع التقية اوكون الميت منافقاً وان نقص سهواً اتمها ما لم تفت الموالات ومع فواتها استانف.

ولوشك بين الاقل والاكثر بنى على الاقل لان الاصل عدم الاتيان بالاكثر . وهل يعتبر العربية فيها او تصح بكل لسان من الفارسية والتركية وغيرهما مقتضى الاصل عدم اعتبار لسان من الالسنة لان الصلوة على الميت دعاء وما ورد ما يدل على اعتبار شيء سوى كونها دعاء من اللغات والالسنة و لكن التكبيرات ففى اطلاقها على ما يقال بغير العربية نوع خفاء وكون المراد من التكبيرات ما يدل على كبريائه وعظمته بعيد فى الغاية فيمكن القول بوجوب العربية في التكبيرات وعدم وجوبها في ساير الصلوة من التشهد والصلوة والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات والميت لتحقق الدعاء والتشهد والصلوة والاستغفار بكل لسان فالعربية خصوصية زائدة يتوقف وجوبها على امر الشارع وليس فى الاخبار ما يدل على اعتبار هذه الخصوصية ولا تدل على الاعتبار كون صلوة النبي و الائمة صلوات الله عليهم بالعربية لانهم صلوات الله عليهم كانوا يصلون بالسنتهم والسنتهم كانت عربية فلا يدل على اعتبارها. وقيل يجب العربية فى الادعية بالقدر الواجب وفيما زاد عليه يجوز الدعاء بالفارسية ونحوها وهو تفصيل بلادليل وصحة اطلاق الدعاء على الفارسية وغيرها مع كون الصلوة على الميت هي الدعاء تهديك الى عدم الفرق بين اللغات والالسنة واما التكبيرات فليس كساير الصلوة لخفاء صحة اطلاق التكبير ترجمة الله اكبر.

وليس فيها اذان ولا اقامة ولا فاتحة الكتاب ولا الركوع ولا السجود ولا القنوت ولا التسليم و فقدانها لهذه الامور يؤيد كونها دعاءاً محضا فبعد كونها ممحضا في الدعاء لا معنى لاعتبار لغة مخصوص او لسان خاص بل الاعتبار يقوى كون الصلوة بلسان المصلى افضل لان كل ذى لهجة بمفادات كلمات تلك اللهجة ابصر و اعرف

ص: 157

فالدعاء بلسانه أقرب الى الاجابة وكل ما ذكر من خروجه من حقيقة الصلوة فلواتى به المصلى بقصد الورود فقد ابدع في الدين و ادخل فيه شيئاً ليس منه والبدعة من اشد المحرمات .

وياتي بالكنايات الراجعة الى الميت على التذكير مع كونه مذكراً وعلى التأنيث مع الانوثة ولوجهل بحال الميت من الذكورة والانوثة له ان ياتي بالمذكرة بلحاظ الشخص اوالبدن او النعش وبالمؤنثة بلحاظ الجثة والجنازة .

ومقتضى ما بينا من كون الصلوة على الميت ممحضا في الدعاء عدم بطلانها بالاخلال بالطهارة من الحدث كما مر و الطهارة من الخبث بالنسبة الى البدن واللباس واباحة اللباس و ستر العورة وعدم كون اللباس حريرا او من اجزاء م_ا لا يوكل لحمه لعدم اعتبار شيء من هذه المذكورات في الدعاء و ان كان مراعات جمیع ما ذكر افضل لان مراعاتها يقرب الدعاء الى الاجابة سيما اباحة اللباس لما في الغصب من بعد العبد من المولى كما ان الافضل مراعات ترك الموانع للصلوة المكتوبة كالتكلم في الاثناء والضحك والالتفات من القبلة لمنافاتها للخضوع والخشوع المطلوبين في جميع الاحوال سيما حال الدعاء.

و من اثار كون الصلوة على الميت ممحضا في الدعاء جواز صلوة الحائض والجنب على الميت مع كونهما محدثين بالحدث الاكبر ففى حسنة محمد بن مسلم قال سئلت ابا عبد الله عن الحائض تصلى على الجنازة قال نعم ولا تصف معهم وفي مرسلة حريز عن أبي عبد الله قاتل الصامث تصلى على الجنازة لانه ليس فيها ركوع ولا سجود والجنب يتيمم ويصلى على الجنازة.

و في مرسلة عبدالله بن مغيرة عن ابي عبدالله قال سئلته عن الحائض تصلى على الجنازة فقال نعم ولا تقف معهم والجنب تصلى على الجنازة وتجويز الصلوة لهما ليس الا لاجل ان الصلوة على الميت دعاء له و الدعاء لا ينافي الحدث والخبث وساير موانع الصلوة .

و دلت الحسنة والمرسلة على عدم جواز وقوف المرئة الحائض مع المصلين

ص: 158

في الصف ووجوب قيامها بارزة عن الصف ويستفاد من رواية سماعة ايضا عن ابيعبد الله قال سئلته عن المرئية الطامث اذا حضرت الجنازة قال تتيمم و تصلى عليها وتقوم وحدها بارزة عن الصف وفي رواية عبدالرحمن بن ابی عبدالله عن ابی عبد الله قال قلت تصلى الحائض على الجنازة قال نعم ولا تصف معهم تقوم مفردة وظاهر النهى فى الروايات التحريم لان الامام ينهى عن الصف عهم مع عدم السؤال عنه فيدل على الاهتمام في ترك الصف ومن حكم بالكرامة نظرا الى ان النهى لايدل على التحريم لان مفاد النهى الزجر وهو اعم من منه.

و اما مكان صلوة الميت فينبغى ان يكون المواضع المعدة لها التي هي مظان كثرة المصلين فان لم يكن موضعاً معدألها فلا فرق بين الامكنة بعد مراعات اباحتها.

و اما المساجد فمقتضى قول مولانا الصادق ع (نعم) في جواب السائل هل يصلى على الميت في المسجد جواز الصلوة فيها وكذا قول احدهما في جواب محمد بن مسلم الا ان ابا بكر بن عيسى بن احمد العلوى قال كنا في المسجد وقد جهي بجنازة فاردت ان اصلى عليها فجاء ابو الحسن الاول فوضع مرفقه في صدري فجعل يدفعني حتى اخر جنى من المسجد ثم قال يا ابا بكر ان الجنازة لا يصلى عليها في المسجد وفعله(ع) مع قوله ظاهر ان فى عدم الجواز وحكى عن الشيخ (قده) انه حملهما على الكراهة وانت خبير بان الدفع والاخراج من المسجد مع قوله (ع) ان الجنازة لا يصلى عليها في المسجد لا يناسبان الكراهة بل ظاهر ان فى المنع المؤكد المناسب للحرمة فالأمر دائر بين الحرمة و بين طرح رواية ابي بكر لانها لا تصلح للحمل على الكراهة والطرح اولى لان الرواية الدالة على الجواز وردت بطرق عديدة وفيها صحيح وموثق فلا بد من العمل بها وهو لا يجتمع مع التحريم فمع دوران الأمر بين الحرمة والطرح و عدم صلاحيتها للحمل على الكراهة يجب طرحها ويكره الصلوة بالحذار ويجوز بالخف لرواية سيف بن عميرة عن ابی عبدالله قال لا يصلى على جنازة بحذار ولا بأس بالخف .

ص: 159

و يجب كون رأس الميت الى يمين الامام و رجليه الى يساره فمع العكس يعاد الصلوة لموثقة عمار الساباطي عن ابيعبد الله في حديث انه سئل عمن صلى عليه فلما سلم الامام فاذا الميت مقلوب رجلاه الى موضع رأسه قال (ع) يستوى و يعاد الصلوة عليه وان كان قد حمل ما لم يدفن فان دفن فقد مضت الصلوة ولا يصلى عليه وهو مدفون

و يقف الامام قرب رأس الميت انكان انثى وقرب وسطه مع كونه رجلا ففى مرسلة عبدالله بن مغيرة عن ابيعبد الله (ع) قال قال امير المؤمنين صلوات الله عليه فمن صلى على امرئة فلا يقوم في وسطها ويكون مما يلى صدرها واذا صلى على الرجل فليقم في وسطه.

و في رواية موسى بن بكرعن ابى الحسن (ع) قال اذا صليت على المرئة فقم عند رأسها واذا صليت على الرجل فقم عند صدره وفي رواية جابر عن أبي جعفر الله قال كان رسول الله يقوم من الرجال بحيال السرة ومن النساء من دون ذلك قبل الصدر واختلاف هذه الاخبار محمول على التخيير.

و يكتفى بصلوة واحدة على جنائز متعددة ويراعى الكنايات الراجعة الى الاموات من التذكير والتأنيث والتثنية والجمع.

واما كيفية وضع الجنايز فيستفاد من رواية هشام بن سالم التخيير بين تقديم الرجل وتأخير المرئة او العكس روى عن ابي عبدالله (ع) قال لاباس ان يقدم الرجل ويؤخر المرئة وتؤخر الرجل وتقدم المرئة وروى ابو جعفر بن بابويه عن هشام بن سالم الاانه قال ويقدم المرئة ويؤخر الرجل

و يظهر من صحيحة الحلبى المضمرة كون الرجل اقرب الى القبلة والمرئة اقرب الى الامام قال سئلته عن الرجل والمرئة يصلى عليهما قال يكون الرجل بين يدى المرئة مما يلى القبلة فيكون رأس المرئة عند وركى الرجل مما يلى يساره و يكون راسها ايضا مما يلى يسار الامام و رأس الرجل مما يلى يمين الامام و يظهر من موثقة محمد بن مسلم وضع الرجال مما يلى الرجال والنساء خلف الرجال عكس

ص: 160

ما في المضمرة قال سئلته يعنى ابا جعفر كيف يصلى على الرجال و النساء فقال يوضع الرجال والنساء خلف الرجال وكذا من صحيحة الحلبي عن ابيعبد الله قال فى الرجل والمرئة كيف يصلى عليهما فقال يجعل الرجل وراء المرئة ويكون الرجل مما يلى الامام فالاختلاف في الوضع الوارد في الروايات مع التخيير المستفاد من رواية هشام بن سالم يرشدنا الى عدم الفرق في التقديم و والتأخير بالنسبة الى الرجال والنساء الا ان رواية عبد الرحمن بن ابی عبدالله عن ابيعبد الله ترجح تقديم الرجال على النساء لانه قال بعد ما سئل عن جنائز الرجال والنساء اذا اجتمعت يقدم الرجال في كتاب على (ع)

ويؤيدها رواية محمد بن مسلم الصحيحة عن احدهما (ع) حيث قال سئلته عن الرجال و النساء كيف يصلى عليهم قال الرجال امام النساء مما يلى الامام يصف بعضهم على اثر بعض كذا موثقة عمار الساباطي عن ابيعبد الله له في الرجل يصلى على ميتين اوثلثة اموات كيف يصلى عليهم قال ان كان ثلثة او اثنين اوعشرة اواكثر من ذلك فليصل عليهم صلوة واحدة يكبر عليهم خمس تكبيرات كما يصلى على ميت واحد وقد صلى عليهم جميعا يضع ميتاً واحدا ثم يجعل الاخر الى الية الاول ثم يجعل رأس الثالث الى الية الثانى شبه المدرج حتى يفرغ منهم كلهم ما كانوا فاذا سو اهم هكذا قام فى الوسط فكبر خمس تكبيرات يفعل كما يفعل اذا صلى على ميت واحد سئل فان كان الموتى رجالا ونساءاً قال يبدء بالرجال فيجعل رأس الثانى الى الية الاول حتى يفرغ من الرجال كلهم ثم يجعل رأس المرئة الى الية الرجل الاخير ثم يجعل رأس المرئة الأخرى الى الية المرئة الاولى حتى يفرغ منهم كلهم فاذا سوى هكذا قام فى الوسط وسط الزجال فكبر وصلى عليهم كما يصلى على ميت واحد الحديث .

فهذه الموثقة حاكمة بالبدئة بالرجال كما انها كاشفة عن كيفية وضع الموتى من حيث الشمال والجنوب و موضع قيام المصلى و اشتمالها على الامر بخمس تكبيرات يدل على ان الجمع بين الموتى فى الصلوة انما يصح اذا كانوا باجمعهم

ص: 161

ممن يصلى عليه بالتكبيرات الخمس فلو كان بعضهم من المنافقين الذين لا يكبر في الصلوة عليهم ازيد من اربع تكبيرات فلا يجمع بينهم وبين المؤمنين في الصلوة ويمكن القول بالجمع وتخصيص الدعاء بين الرابع والخامس بالمؤمنين .

واما الصبى اذا اجتمع مع الكبير يدعى على كل واحد منهما مما يناسب حاله. ولو حضرت جنارة فى اثناء الصلوة على الأخرى فالمصلين على الاولى اتمام صلوتهم عليها ثم رفعها ثم الصلوة على الثانية ورفعها .

ويجوز الابتداء بعد الصلوة على الاولى بالصلوة على الثانية قبل رفع الأولى ثم رفعهما بعد الصلوة على الثانية ويجوز تشريك الثانية فيما بقى من التكبيرات على الأولى وترك الاولى حتى يتم الصلوة على الثانية ورفعهما بعدها و يجوز لمن احضر الثانية الصلوة عليها من غير الشركة مع المصلين على الاولى ورفع الاوليين الأولى من غير الشركة مع المصلين على الثانية ورفعهم الثانية بعد الصلوة عليها لخروج جميعهم عن العهدة بكل واحد من هذه الفروض.

روى على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر (ع) قال سئلته عن قوم كبروا على جنازة تكبيرة او اثنتين ووضعت معها اخرى كيف يصنعون قال ان شائوا تركوا الأولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة وان شاءوا رفعوا الاولى واتموا ما بقى على الاخيرة كل ذلك لا باس به.

والمقصود من فاعل شاءوا وتركوا هم الذين كبروا على الجنازة الاولى ولا دلالة لهذه الرواية بين قطع الصلوة على الاولى و استينافها عليهما و بين اكمال الصلوة على الاولى و افراد الثانية بصلوة ثانية لان الظاهر تشريك الجنازتين ببعض الصلوة بالنسبة الى من كبر على الاولى ومن وضع الأخرى فلورفع الاولون الجنازة الاولى بعد صلوتها لم يقطعو الصلوة على الاولى بل لم يشركوها في بقية الصلوة فالتخيير بين رفعها وتخصيص ما بقى من الصلوة بالثانية وبين تركها وتشريكها في بقية الصلوة ورفعهما بعد الصلوة ويجوز لهم تركها اى الاولى بحالها وتخصيص البقية من الصلوة بالثانية ورفعها بعد الصلوة فالاستدلال بها على الجواز والتخيير بين

ص: 162

قطع الصلوة على الأولى واستينافها عليهما وبين اكمال الصلوة على الاولى وافراد الثانية بصلوة ثانية ليس في محله.

قال الشهيد (قده) في الذكرى على ما حكى عنه والرواية قاصرة عن افادة المدعى اذ ظاهرها ان ما بقى من تكبير الاولى محسوب للجنازتين فاذا فرغ من تكبير الاولى يخيروا بين تركها بحالها حتى يكلمو التكبير على الاخيرة وبين رفعها من مكانها والاتمام على الاخيرة انتهى .

وقال المحدث العاملي و يحتمل ان يراد بالتكبير هنا مجموع التكبير على الجنازتين اعنى التكبيرات العشر بمعنى انهم يتمون الأولى ويستانفون صلوة الاخرى و يتخيرون في رفع الأولى وتركها (وحينئذ ) لا يدل على ما قالوه ولا على ما قاله الشهيد وهذا هو الاحوط وقوله (ع) واتموا ما بقى على الاخيرة ينافي الاستيناف.

واما القيام في الصلوة

) واما القيام في الصلوة )

فالظاهر انه واجب مع الامكان والقدرة وقد مر فى رواية جابر عن ابيجعفر انه كان رسول الله (ع) يقوم من الرجال بحيال السرة وفي رواية موسى بن بكير عن ابی الحسن (ع) قال اذا صليت على المرئة فقم عند رأسها واذا صليت على الرجل فقم عند صدره .

و هاتان الروايتان كافيتان فى اثبات وجوب القيام في صلوة الجنازة وكذا كل ما ذكر فيه القيام كرواية ابى هاشم الجعفرى عن الرضاء (ع) المبنية لكيفية الصلوة على المصلوب وقد يستند على اصالة الاشتغال للشك في برائة الذمة بالصلوة من غير قيام.

وفيه ان الصلوة على الجنازة دعاء ومسئلة كما في رواية فضل بن شاذان عن الرضا وليس فى حقيقة الدعاء القيام فلولا الامر بالقيام لاكتفينا بالدعاء والمسئلة على كل حال من القيام والقعود و لكن الأمر بالقيام اوجب اتيانها قائماً مع القدرة و مع العجز كفى اتيانها قاعداً لما عرفت من ان القيام وجب بسبب

ص: 163

الامر به وليس ماخوذا في حقيقة الصلوة على الجنازة فالصلوة واجبة والقيام واجب آخر والعجز عن القيام لا يسقط وجوب الصلوة لانه واجب آخر سوى الصلوة فيصح التمسك بقاعدة الميسور ولوكان ماخوذا في حقيقة الصلوة على الجنازة لم يصح التمسك بالقاعدة.

ولكن النظر الدقيق يقتضى خلاف ما ذكر لان القيام والقعود من كيفيات الصلوة ومعنى وجوب القيام اناطة صحة الصلوة عليه وبطلانها على فقده وتنزل القعود منزلة القيام يتوقف على قيام دليل على التنزيل وقاعدة الميسور لاتدل على وجوب القعود واتيانها قاعداً لان عدم سقوط الميسور انما هو فى مورد يكون للميسور اثر مع فقد المعسور ولم يثبت هذا المعنى وكذا قاعدة ما لا يدرك كله لا يترك كله لان اتيان البعض يجب مع العجز عن اتيان الكل اذا كان هو واجباً براسه واما لو كان الكل واجباً واحدا ولم يمكن اتيانه بسبب العجز عن البعض فلااثر لاتيان البعض الممكن الا مع ورود الاكتفاء بالبعض الممكن عن الكل.

وفي القلب بعد شيء لان معنى كون هذه الصلوة دعاءاً ومسئلة وجوب اتيانها بلا قيام لان القيام والقعود من الكيفيات وليس معنى وجوب القيام اناطة صحة الصلوة عليه و بطلانها على فقده حتى مع العجز عن القيام لعدم استلزام الدعاء والمسئلة حالة خاصة من القيام او القعود ويكفى فى وجوب اتيانها جالسا مع العجز عن القيام كون حقيقتها الدعاء والمسئلة ووجوب القيام في مرحلة الاتيان لا ينافي خروجه عن حقيقة الصلوة فبعد العجز عنه يسقط ويؤتى بما هو واجب اعنى الدعاء

جالساً فالقيام واجب في مرحلة الامتثال مع القدرة فالعجز مسقط لوجوبه .

و هل تسقط الصلوة عمن يقدر على الاتيان قائما بصلوة العاجز فعلى القول باختصاص الوجوب على الولى لا تسقط عنه بصلوة العاجز مع قدرته بالقيام فلوامر العاجز بالصلوة على الميت وصلى جالساً للعجز يجب عليه الاتيان بها قائماً ضرورة ان القدرة موجبة لتنجز الصلوة على القادر فلا يكفى اتيان العاجز عن القادر بل لو كان الميت وليان احدهما يقدر على القيام و الثاني يعجز عنه يجب على القادر

ص: 164

الصلوة قائماً لعدم سقوط الكامل بالناقص لان القادر يجب عليه الكامل والعاجز لا يقدر عليه ويبقى فى ذمته ويحصل العصيان بالنسبة الى القادر وان برئت ذمة العاجز باتيان الناقص بل لا يبعد وجوب استنابة العاجز القادر مع عدم كون القادر من اوليائه لان الولى العاجز يقدر على الصلوة الكامل بالاستنابة لما بينا مراراً ان وجوب امور التجهيز على الولى معناه تحققه من ناحيته لا وجوب الاتيان بشخصه و منها

الصلوة•

واما على القول بوجوبها على جميع المؤمنين وفيهم عاجز وقادر فصلوة العاجز لا يسقط عن القادر المتمكن لان معنى الوجوب الكفائى وجوب صدور الواجب عن المكلفين باجمعهم غاية الامر كفاية فعل البعض عن الجميع اذا فعل على طبق الامر وصلوة العاجز ليس على طبق الامر فلا يكفى عن المتمكن وان برئت ذمة العاجز و اشتمال العمومات للعاجز انما ينفع فى اسقاط فعله عن غيره اذ انحصر المكلف في العاجز وتعذر الصلوة الكاملة واما مع وجود المتمكن عنها انحصر التكليف بالمتمكن بمعنى ان المسقط هو الصلوة الكاملة لا ان العاجز ليس طرفا للتكليف (حينئذ) لان التكليف تعلق به فلواثم القادر ولم يات بالتكليف يجب على العاجز اتيان الناقص المبرء لذمته ء لذمته ومع عدم الاتيان اثم هو ايضا لانه قادر بالنسبة الى اصل المكلف به و ان عجز عن وصفه و عدم اسقاط هذه الصلوة الناقصة ن الكاملة لا ينافي وجوبها على العاجز وسقوطها عنه بفعل الكامل او الناقص بعد اثم القادر ولافرق في وجوب الصلوة على العاجز و ائمه مع الترك بين وجود القادر قبل صلوة العاجز او بعدها الا ان بعد الصلوة لا يتصور الترك لان العاجز والقادر يجب عليهما الصلوة ولافرق بينهما في اصل الوجوب الا ان القادر يقدر على اتيان الكامل والعاجز يعجز عنه فصلوة العاجز لا يسقط عن الكامل المقدور للقادر و الكامل مسقط عن العاجز و اما مع ترك القادر واثمه لا يسقط عن العاجز.

فما ذهب اليه بعض الافاضل من انحصار التكليف بالمتمكن اذا وجد قبل صلوة العاجز والاشكال فى مشروعية صلوة العاجز ( حينئذ ) ليس على ما ينبغى لان

ص: 165

معنی انحصار التكليف كفاية صلوة القادر فى اسقاط الوجوب عن غيره لانفى الوجوب عن العاجز لان العاجز كالقادر في كونه مكلفا بالصلوة وعجزه بالنسبة الى الوصف لا يوجب حصر التكليف بالقادر فمع ائمه بعدم الاتيان يجب على العاجزاتيان الناقص لعدم المسقط وياثم مع الترك .

واما الاستقبال فان كان الاصل عدم وجوبه فى صلوة الجنازة لعدم توقف تحقق الدعاء والمسئلة على استقبال القبلة لكن المشهور شهرة عظيمة وجوبه و يمكن استظهار وجوبه عن بعض الروايات الواردة في مواضع مختلفة كصحيحة ابي الهاشم الجعفرى عن الرضاء (ع) الواردة فى الصلوة على المصلوب قال سئلته عن المصلوب فقال (ع) اما علمت ان جلدى (ع) صلى على عمه قلت اعلم ذلك ولكن لا افهمه مبيناً قال (ع) ابينه لك ان كان وجه المصلوب الى القبلة فقم على منكبه الايمن فان كان قفاه الى القبلة فقم على منكبه الايسر فان بين المشرق والمغرب قبلة وان كان منكبه الايسر الى القبلة فقم على منكبه الايمن وان كان منكبه الايمن الى القبلة فقم على منكبه الايسر وكيف كان منحرفا فلا تزائل مناكبه وليكن وجهك الى ما بين المشرق والمغرب لا تستقبله ولاتستدبره البة قال ابوهاشم وقد فهمت انشاء الله فهمته والله .

و دلالة هذه الصحيحة واضحة فترى انه علل فيها وجوب القيام على منكبه الايسر بقوله فان ما بين المشرق والمغرب قبلة وامر بالقيام على المنكب المخالف للمقبلة الموجب لمواجهة القبلة.

ولا تمنعنا ندرتها وغرابتها عن العمل بها لانها لامعارض لها وحكى عن الشهيد (قده) في الذكرى انه قال وهذه الرواية وان كانت غريبة نادرة كما قال الصدوق واكثر الاصحاب رحمهم الله ولم يذكروا مضمونها في كتبهم الاانه ليس لها معارض ولاراد.

قال فى المختلف بعد ذكر هذه الرواية فان عمل بهذه الرواية فلاباس.

و خبر جابر قال لابی جعفر ارايت ان فاتتنى تكبيرة او اكثر قال تقضى ما فاتك

ص: 166

قلت استقبل القبلة قال بلى وانت تتبع الجنازة وقد مر فى كيفية الصلوة على الجنائز المتعددة ما يدل على وجوب الاستقبال القبلة بل على كونه مفروغا عنه.

واما المصلى على الميت فقد بينا في ما سلف ان الاولى باحكام الميت هو الاولى بميراثه.

ومن الاحكام الصلوة الاان فى الصلوة خصوصية ليست في ساير الاحكام وهى كونها مسئلة من الله تعالى شانه و توجهاً اليه للاستغفار للميت فالانسب لها هو الاقرب الى ساحة القدس لانه ابصر فى التوسط فى الاستغفار ومسئلته اقرب الى الاجابة فالامام (ع) الاولى من غيره وكذا نايبه المنصوب من قبله (ع) فامناء الله تعالى للمتقدم اولى و للمتوسط عنده جل شأنه اليق و ابصر على وجود الامام و حضوره عند الصلوة يجب على ولى الميت تقديمه (ع) للصلوة على الميت فارياب المناصب اولى في التقدم في الصفوف المتوجهة الى الله تعالى وهذه الخصوصية خاصة للصلوة وساير الاحكام فاقدة لها قال فى المختلف مسئلة قال الشيخ اولى الناس بالصلوة على الميت اولاهم بالميراث وان كان امام الاصل حاضر اقدمه الولى وجوبا ولا يخير الولى في تقديم من شاء وان كان بشرائط الامامة جاز ان يتقدم.

فحكم (قده) بوجوب تقديم الامام على الولى اذا كان حاضرا .

ثم قال وقال ابن الجنيد قدس الله سره الاولى بالصلوة على الميت امام المسلمين ثم خلفائه ثم امام القبيلة ومستنده ما رواه طلحة بن زيد عن ابيعبد الله قال اذا حضر الامام الجنازة فهو احق الناس بالصلوة عليها ثم قال (قده) بعد قول ابن - الجنيد ثم امام القبيلة .

لنا ما رواه ابن ابي عمير فى الحسن عن بعض اصحابه عن الصادق ع قال يصلى على الجنازة اولى الناس بها او يامر من يحب.

وعن السكوني عن جعفر عن ابيه عن آبائه قال قال امير المؤمنين (ع) اذا حضر سلطان من سلطان الله تعالى جنازة فهو احق بالصلوة عليها ان قدمه ولى الميت والا فهو غاصب فاستدلاله (قده) بعد نقل قول الشيخ و ابن الجنيد بهاتين

ص: 167

الروايتين انه استظهر من كلام الشيخ (ره) عدم اولوية الامام بالصلوة لصدر كلامه وليس كذلك لان صدر كلامه لا ينظر الى وجود الامام وحضوره ومن المعلوم ان الولى اولى من غيره ( حينئذ ) واما مع وجوده و حضوره فقد صرح بوجوب تقديم الامام على الولى الذى يناسب اولويته (ع) و حكم بتخير الولى في تقديم من شاء عند عدم حضور الامام ورواية ابن ابی عمیر الدالة على اختيار الولى الصلوة على الميت اوامر من يحب محمولة على عدم حضور الامام (ع) بل ظاهرة فيه لان حضور الامام يسلب هذا الاختيار عن الولى اترى ان الولى مختار فى الأمر بالصلوة على الميت لغير الامام مع حضوره (ع) ما هكذا لظن بك .

و اما رواية السكونى فهى كالصريح فى اولوية الامام (ع) و وجوب تقديم الولى اياه فضمير هو راجع الى الولى وهو الغاصب فان مقتضى احقية الامام بالصلوة وجوب تقديم الولى اياه فمع عدم التقديم يكون غاصباً.

والحاصل ان هذه الرواية دالة على تقديم الامام للصلوة عند حضوره وغاصبية الولى مع عدم تقديمه.

ثم قال (قده) (واحتج) بان له ولاية الصلوة فى الفرائض ففى الجنائز اولى والجواب المنع من الملازمة (هذا) احتجاج آخر من ابن الجنيد (قده) وهو ناظر الى ما بيناه من تقديم الامام و اولويته في خصوص الصلوة لكونه من ارباب المناصب الذين يقدمون في الصفوف المتوجهة الى الله كالصلوة والدعاء والمسئلة فهذ الاستدلال لا يصح ان يجاب بالمنع من الملازمة.

فان مقصود المستدل ان السلطان المنصوب من قبل الله تعالى شأنه اذا كان في جماعة يتوجهون الى الله لحاجة من الحوائج فسلطنته مقتضية بتقديمه من افراد الجماعة لانه اقرب الى جناب القدس ومسئلته اقرب الى الاجابة لانه من جنده وحزبه واعوانه وانصاره فبعد تاثير هذا الاقتضاء فى الصلوة الفريضة لكونها اهم ففى الجنائز اولى وليس هذ الاستدلال اثبات حكم لموضوع لثبوته في موضوع آخر كي يجاب بعدم الملازمة بل كلا الموضوعين من باب واحد والاولوية ناشئة عن اهمية الاخر.

ص: 168

و اما النائب من قبله فلاجل تنزله منزلته فبعد نصبه اياه يكون المنصوب كالاصل فهوايضاً جند الله وحزبه فيقوم مقام الامام عند عدم حضوره ومع فقد الامام ونائبه فامر الصلوة راجع الى الولى كساير امور الميت وترتيب تقدم الاولياء بعضهم عن بعض هو ترتيب تقدم الورثة بعضهم عن بعض سوى الزوجة لان تجهيزاتها راجعة الى الزوج من الغسل الى الدفن فانها في حكم مملوك الزوج ثم قال (قده) مسئلة قال المفيد رحمه الله اذا حضر الصلوة رجل من بني هاشم وصلى كان اولى بالتقدم عليه بتقديم وليه له ويجب على الولى تقديمه وان لم يقدمه لم يجزله التقدم .

فان اراد المفيد رحمه الله بالرجل الذى اشار اليه امام الاصل فهو حق والا فهو ممنوع بل الأولى للمولى التقديم اما الوجوب فلا لنا عموم الاية انتهى .

و قد عرفت تقدم امام الاصل في خصوص الصلوة فقوله لم تجز التقدم ليس في محله ان كان المراد هو امام الاصل وان كان غير امام الأصل من بني هاشم فقوله يجب على الولى تقديمه في غير محله لعدم دليل يدل على وجوب غير الامام من بنى هاشم و اما استدلال العلامة (قده) بعموم الاية فجوابه ان مدلول الاية رجوع امر الميت الى الولى و معناه تحقق التجهيز من ناحيته وهو لا ينا في تقديم الامام (ع) مع حضوره في خصوص الصلوة لاختصاصه بالمنصب والظاهر من كلام المفيد عليه الرحمة انه اراد من الهاشمى غير الامام لانه اجل شانا من ان يتكلم بمثل هذا الكلام بالنسبة الى الامام .

و قال فى المختلف قال ابن الجنيد ( قده ( الموصى اليه اولى بالصلوة من القرابات ولم يعتبر علمائنا ذلك لنا عموم قوله تعالى و اولوالارحام بعضهم اولی ببعض احتج بعموم قوله تعالى شانه فمن بدله بعد ما سمعه انتهى.

اما استدلاله (قده) بعموم اولى الارحام فيه ان اولوية بعضهم ببعض لا ينافي تقديم الموصى اليه لان الموصى اليه قام مقام الموصى باستخلافه فهو هو و القريب اولويته بالاحكام لقربه بالميت والخليفة نفس المستخلف فهو اولى من القريب فلو فرض امکان اقدام الميت باحكام نفسه يكون اولى من القريب فخليفته ايضا كذلك.

ص: 169

واجاب قدس سره من احتجاج ابن الجنيد(ره) بان الوجوب مختص بالحقوق لقوله ان ترك خيراً وفيه ان المورد لا يخصص فالاثم لاجل مخالفة الموصى في وصيته لاخصوص الوصية بالمال .

والصلوة على الميت قبل الدفن و بعد التكفين و مع فقد الكفن يجعل في القبر ويستر عورته ثم يصلى عليه قبل الدفن ففى موثقة عمار بن موسى قال قلت لا بيعبد الله (ع) ما تقول في قوم كانوا في سفر لهم يمشون على ساحل البحر فاذاهم برجل ميت عريان قد لفظه البحر وهم عراة وليس معهم الازار كيف يصلون عليه وهو عريان وليس معهم فضل ثوب يكفنونه به قال يحفر له ويوضع في لحده ويوضع اللبن على عورته فيستر عورته باللبن وبالحجر ثم يصلى عليه ثم يدفن قلت فلا يصلى عليه اذا دفن فقال لا يصلى على الميت بعد ما يدفن ولا يصلى عليه وهو عريان حتى یواری عورته.

وروى محمد بن اسلم عن رجل قال قلت لأبي الحسن الرضا ع قوم كسر بهم بحر فخرجوا يمشون على الشط فاذاهم برجل ميت عريان والقوم ليس عليهم فضل ثوب يوارون الرجل فكيف يصلون عليه وهو عريان فقال اذا لم يقدروا على ثوب يوارون به عورته فليحفروا قبره ويضعوه في لحده يوارون عورته بلبن او احجارا وتراب ثم يصلون عليه ثم يوارونه في قبره قلت ولا يصلون عليه وهو مدفون بعد ما يدفن قال لا لوجاز ذلك لاحد لجاز لرسول الله فلا يصلى على المدفون ولا على العريان.

وهما صريحتان في عدم جواز الصلوة قبل التكفين اعنى مع كونه عرياناً ووجوب الوضع في القبر وستر عورته ثم الصلوة عليه وعدم جواز الصلوة بعد الدفن ويدل على عدم جواز الصلوة بعد الدفن رواية زرارة او محمد بن مسلم قال الصلوة على الميت بعد ما يدفن انما هو الدعاء قال قلت فالنجاشى لم يصل عليه النبي (ص) قال انما دعى

له.

وتدل ايضا على عدم الجواز صحيحة أبي بصير عن الحسن بن موسى عن جعفر

ص: 170

بن عيسى قال قدم ابو عبدالله (ع) مكة فسالني عن عبد الله بن اعين فقلت مات فقال مات قلت نعم قال فانطلق بنا الى قبره حتى نصلى عليه قلت نعم فقال لا ولكن نصلى عليه هيهنا فرفع يديه يدعو واجتهد فى الدعاء وترحم عليه وهنا روايات اخرى لا دلالة فيها على المطلوب كرواية يونس بن ظبيان عن مولانا الصادق (ع) عن ابيه الله قال نهى رسول الله (ص) ان يصلى على قبرا ويقعد عليه او يبنى عليه لضعفها وظهور النهي عن اقامة الصلوة

و رواية عمار عن ابيعبد (ع) الله فی میت صلی عليه فاذا هو مقلوب رجلاه الى موضع رأسه قال يسوى ويعاد الصلاة عليه وان كان قد حمل ما لم يدفن وان كان قد دفن فقد مضت الصلاة ولا يصلى عليه وهو مدفون لظهورها في الاكتفاء بالصلاة عليه مقلوباً بعد ما دفن وان كانت لا تخلو عن ظهور.

وفى المقام روايات تدل على الجواز بل على الوجوب كرواية السكوني عن جعفر عن ابيه عن آبائه (ع) قال قال رسول الله صلوا على المرجوم من امتى وعلى القاتل نفسه من امتى لا تدعوا احداً من امتى بلاصلاة .

و رواية هشام بن سالم فى الصحيح عن ابيعبد الله (ع) قال لا باس ان يصلى الرجل على الميت بعد ما يدفن.

والتوفيق بين هاتين الطائفتين من الروايات يحصل بحمل ما يدل على الجواز على ما لم يصل عليه ودفن بلا صلاة وحمل ما دل على عدم الجواز على ميت صلى عليه قبل الدفن.

قال العلامة (قده) فى المختلف بعد نقل الاقوال والاقرب عندى انه ان لم يصل على الميت اصلا بل دفن بغير صلاة صلى على قبره والافلا انتهى وبهذا التفصيل يحصل التوفيق بين الروايات.

واما رواية مالك مولى الجهم عن مولانا الصادق قال اذا فاتتك الصلاة على الميت حتى يدفن فلا باس بالصلاة عليه وقد دفن فيحمل الفوت المفهوم من قوله فاتتك على عدم الصلاة عليه اصلا لان الميت اذا صلى عليه احد اجزئت

ص: 171

عن غيره فلم تفت الصلاة عنه لقيام صلاة الواحد مقام صلاة الجميع و ان كان لهذا الحمل بعد لكنه أقرب من الحمل الاخر المنسوب الى الشيخ (ره) حيث قال لما ورد الأمر بالصلوة على المدفون والنهى عنها جمعنا بينهما فجعلنا الأمر بذلك في اليوم الذي دفن فيه والنهى لما بعده كما انه اقرب مما صار اليه سلان (قده) بالصلاة عليه الى ثلثة ايام لعدم ما يدل على هذه التحديدات الزمانية .

وحكى العلامة (قده) عن ابن جنيد (قده) انه قال يصلى عليه ما لم يعلم منه تغير صورته وهذا لحمل اولى من التحديد بالزمان لكن ما ذهب اليه العلامة اقرب وانسب من جميع ما ذكر في المقام .

و اما من يصلى عليه فهو كل من اعترف بالالوهية والتوحيد و الرسالة اعنى رسالة محمد بن عبدالله ابن عبدالمطلب بن هاشم و لم ينكر ضروريا من ضروريات المذهب و لم يعتقد ما يناقض الاعتراف المذكور ولم يات ما ينافيه بحسب الاعتقاد واما ارتكاب المحرمات وترك الواجبات عصيانا مع الاعتقاد بالحرمة والوجوب فلا يمنع من الصلوة عليه فلوسئل عنه من عمله ولم يستحسنه واعترف بقبحه ومخالفته للشرع فلا يخرجه من الايمان سيما اذا سائته سيئة لما ورد من ان من سرته حسنة وسائته سيئة فهو مؤمن.

ومن هذا البيان يظهران الخوارج والغلاة واهل البدع والناكثين والقاسطين ومن يتبعهم ويحذو حذوهم من الذين لا يجوز عليهم الصلوة وان الشارب للخمر مع الاعتقاد بحرمته و الزاني كذلك والقاتل لنفسه يجب الصلاة عليهم لان الطوائف الاولى خارجين عن الاسلام فضلا عن الايمان ولو كانوا قائمين في الليل صائمين في النهار .

والطوائف الثانية ليسوا بخارجين من الايمان فضلا عن الاسلام وان كانوا من الفاسقين لان عمل الجوارح لا يفيد مع الاعتقاد المناقض للايمان بل الاسلام اترى استحقاق من حارب امير المؤمنين واولاده المعصومين المصلوة لكونه من الصائمين والقائمين كلاما هكذا لظن بك كما انه لا يضر مع كون عامله ممن يعتقد بعقايد الاسلام

ص: 172

وما ذكرنا هو المعيار في استحقاق الصلاة وعدم جوازها فالروايات الواردة في المقام ناظرة الى ما بيناه فقوله (ص) صلوا على المرجوم من امتى وعلى القاتل نفسه من عليه واله امتى لاتدعوا احداً من امتى بلاصلاة يفسر بمن لم يخرج عن الاسلام بفعل ما يوجب الرجم وقتل نفسه ولذا كرر (ص) لفظ من امتى مرارا و كذا قول مولانا الصادق الاصل على من مات من اهل القبلة وحسابه على الله .

وكذا قوله (ع) نعم في جواب هشام بن سالم قال قلت له شارب الخمر والزاني و السارق يصلى عليهم اذا ماتوا فقال نعم لما بينا من ان اعمال الجارحة لا تخرج العامل من الاسلام ما لم يعتقد شرعيتها وما ورد عن امير المؤمنين عليه صلواة المصلين ان الاغلف لا يصلى عليه الا ان يكون ترك خوفا على نفسه لابد ان يحمل على الجاحد بشرعية الختان بعد ثبوتها عنده لحصول الارتداد حينئذ .

كما انه يحمل قول رسول الله الله الا اصلى على فريق خمر وقوله الله شارب الخمر ان مرض فلا تعودوه و ان مات فلا تحضروه على الشارب المستحل ولا تعارض بين ما منع عن الصلاة وبين ما جوز الصلوة عليه لاختلاف الموضوعين

والحاصل ان ظاهر الروايات فى الباب مختلفة فما ظاهره المنع عن الصلاة عليه محمول على الخارج عن الاسلام و ما ظاهره الأمر بالصلوة عليه مع كونه من اهل العصيان محمول على العاصى الذى يعتقد بعقائد الاسلام واما الخوارج والغلاة والناصب فهم ليس لهم من الاسلام نصيب فضلا عن الايمان ولا اثر لصلوتهم وصيامهم وعباداتهم الاخرى بل اثر عباداتهم البعد عن جوار الله تعالى شانه لان عباداتهم مع معتقداتهم الفاسدة المخرجة عن الاسلام تحذو حذو الاستهزاء بالشرع الانور الذى يزيد في طغيانهم وكفرهم ولايزيدهم الا خسارا.

وسيجيء في مبحث النجاسات ما يميز الكافر عن المسلم ومناط الاسلام والكفر والواجب في المقام بيان وجوب الصلوة على المسلم وعدم جوازها على الكافر ومجمل الكلام في الموضوع ان من كان مسلماً لله تعالى شأنه بعد الاعتراف بتوحيده في جميع المراحل من النبوة والامامة ولم ينكر ما هو ضروري في الاسلام بحيث

ص: 173

لا يخفى على المسلم فهو مسلم وان غلبت عليه نفسه وبعثته على ارتكاب بعض ما نهى عنه اذا يرى نفسه عاصياً في هذا العمل فهو مسلم يجب الصلوة عليه ومن لم يكن كذلك بانكار بعض المراحل فهو كافر لا يجوز الصلوة عليه.

و اما الاطفال فمن بلغ منهم ست سنين تجب الصلاة عليه و من لم يبلغ ست سنين لا تجب فهل يجوز عليه أم لا الظاهر عدم الجواز الا مع التقية اما الاول فلصحيحة زرارة وعبيد الله بن على الحلبي عن ابيعبد الله انه سئل عن الصلاة على الصبى متى صلى عليه قال اذا عقل الصلاة و المراد البلوغ ست سنين لان ابا جعفر (ع) سئل متى تجب الصلاة عليه فقال اذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين فقوله (ع) و كان ابن ست سنين بيان لزمان عقل الصلاة.

روى زرارة في الصحيح قال مات ابن لابی جعفر (ع) فاخبر بموته فامر به فغسل و کفن ومشى معه وصلى عليه وطرحت خمره وقام عليها ثم قام على قبره حتى فرغ منه ثم انصرف وانصرفت معه حتى انى لامشى معه فقال اما انه لم يكن يصلى على مثل هذا وكان ابن ثلث سنين كان على يامر به فيدفن ولا يصلى عليه ولكن الناس صنعوا شيئاً فنحن نصنع مثله قال قلت فمن تجب الصلاة عليه فقال اذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين الحديث.

فترى انه (ع) جعل عقل الصلاة والبلوغ ست سنين معاً مقياساً للصلاة عليه فزمان عقل الصلاة هو بلوغ ست سنين .

واصرح من هذه الروايات ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن احدهما (ع) في الصبى متى تصلى عليه فقال اذا عقل الصلاة قلت متى يعقل الصلاة ويجب عليه قال ست سنين فهذه الرواية صريحة فى ان المراد من عقل الصلاة الوارد في الروايات هو بلوغ ست سنين ولذا ذهب الاكثر ومنهم الشيخ والمرتضى وابن ادريس رضوان الله عليهم الى انه يشترط في وجوب الصلاة عليه بلوغ الحد الذي يمرن فيه على الصلاة وهو ست سنين فكل ما ورد فى الاخبار التحديد بعقل الصلاة يحمل على بلوغ ست سنين فقول المفيد رضى الله عنه في المقنعة لا يصلى على الصبى حتى يعقل

ص: 174

الصلاة موافق للقول المشهورفان المراد منه هو بلوغ الست فكل ما وردمن الاخبار على خلاف ما بينا لابد ان يطرح ويحمل على النقية.

بن

وقال ابن الجنيد قدس سره يجب على المستهل محتجا بصحيحة عبدالله بن سنان عن ابيعبد الله قال لا يصلى على المنفوس وهو المولود الذي لم يستهل ولم يصح ولم يورث من الدية ولا من غيرها فاذا استهل فصل عليه وورثه

وهذه الصحيحة وردت تقية لانها موافقة للعامة واجاب عنه الشيخ (ره) في کتابی الاخبار بالحمل على الاستحباب او التقية و نحن نبين عدم الاستحباب ونحمله على التقية فقد عليك في صحيحة زرارة قول ابيجعفر (ع) اما انه لم يكن يصلى على مثل هذا وكان ابن ثلث سنين كان على (ع) يامر به فيدفن ولا يصلى عليه ولكن الناس صنعوا شيئاً فنحن نصنع مثله و انت خبير بان عليا (ع) لا يمكن ان يا مر به من غير صلاة مع استحبابها وليس المعروف من اخلاقه (ع) ترك السنن بل كان متصلبا في حفظ السنن والمندوبات ولفظ كان ظاهر فى دوام الأمر بالدفن من غير صلاة والعجب كيف يرضى الناظر في هذه الرواية حمل تلك على الاستحباب مع ان مفاد هذه عدم الجواز ضرورة عدم امکان امره (ع) بالدفن من غير صلاة مع استحبابها. مع ان مفاد هذه

و في صحيحة اخرى لزرارة ان ابنا لا بيعبد الله (ع) فطيما درج مات فخرج ابو جعفر (ع) فى جنازته وعليه حبة خز صفراء وعمامة خز صفراء و مطرف خز اصغر الى ان قال فصلى عليه فكبر عليه اربعاً ثم أمر به فدفن ثم اخذ بيدي فتنحى ثم قال انه لم يكن يصلى على الاطفال انما كان امير المؤمنين (ع) يامر بهم فيدفنون من وراء ولا يصلى عليهم وانما صليت عليه من اجل اهل المدينة كراهية ان يقولوا لا يصلون على اطفالهم وظهور هذه الصحيحة فى عدم الجواز لا يخفى على الخبير فالامام (ع) بعد ما صلى تقية بين الزرارة ان فعله (ع) الصلاة ليس لورودها في الشرع كي يتخذ فعله مدركا للحكم الشرعي فبين ان الحكم الشرعي على خلاف ذلك لان امير المؤمنين (ع) كان يامر بدفن الاطفال من غير صلاة وان صلوته لاجل

ص: 175

التقية من المخالفين.

و من الروايات التي حملها الشيخ على التقية او الاستحباب صحيحة على بن يقطين قال سئلت ابا الحسن لکم يصلى على الصبي اذا بلغ من السنين والشهور قال يصلى عليه على كل حال الا ان يسقط لغير تمام .

قال سيد المدارك (ره) فى كتابه بعد نقل الرواية استدلالا بها لقول المحقق ويستحب الصلاة على من لم يبلغ ذلك وقال في الاستبصار الوجه فيهذا الخبر ما قلناه في خبر عبدالله بن سنان من الحمل على النقية اوضرب من الاستحباب دون الفرض و الايجاب انتهى كلام الشيخ (ره) ثم قال السيد (ره) و اقول ان مقتضى كثير من الروايات تعين الحمل على النقيقة.

فمن ذلك ما رواه الكلينى فى الصحيح عن زرارة ونقل صحيحة زرارة بطولها ثم قال و عن على بن عبدالله قال سمعت ابا الحسن موسى يقول انه لما قبض ابراهيم بن رسول الله جرت فيه ثلث سنين و الرواية طويلة قال في اثنائها فقام على ا فغسل ابراهيم و غسله وحنطه وكفنه ثم خرج به و مضى رسول الله حتی انتهى به الى قبره فقال الناس ان رسول الله انسى ان يصلى على ابراهيم لما دخله من الجزع عليه فانتصب قائما ثم قال يا ايها الناس اتانی جبرئیل بما قلتم زعمتم اني نسيت ان اصلى على ابنى لما دخلنى من الجزع الا و انه ليس كما ظننتم ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات وجعل لموتاكم من كل صلاة تكبيرة و امرنى ان لا اصلى الاعلى من صلى انتهى الحديث و قبل قوله فقام فغسل قال يا على قم فجهزا بني ثم قال (قده) بعد نقل الرواية والمسئلة محل اشكال الا ان المقام مقام استحباب والأمر فيه هين انتهى.

ولا يبقى على الناظر فيهذه الروايات اشكال لما عرفت من امر امير المؤمنين لا بالدفن قبل الصلاة ولا ينا في قوله لا اصلى الاعلى من صلى وجوب الصلاة ست سنين لانه لم يقل الأعلى من صلى وجوبا فيشمل الصلاة على على من وجه التمرين ولذا قال العلامة في المختلف ان جريان القلم محمول على بلوغ ست.

ص: 176

سنين لانه حينئذ يجرى عليه القلم بالتمرين فمن صلى تمريناً یصح ان يقال عليه انه صلى ولو كان صلوته المتمرين .

واحتج ابن ابی عقیل (قده) على عدم الوجوب بعد ما قال به بان من لم يبلغ لا يحتاج الى الدعاء له والاستغفار والشفاعة فلا يجب الصلاة على غير البالغ و بما رواه عمار عن ا بيعبد الله انه سئل عن المولود ما لم يجر عليه القلم هل يصلى عليه قال لا انما الصلاة على الرجل والمرئة اذا جرى عليهما القلم.

والجواب عن الاول بعدم انحصار الصلاة على المحتاج ضرورة ورود الامر بالصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و الائمة مع ان المصلين محتاجون ع الى شفاعتهم .

وعن الثاني بما عرفت من كون جريان القلم اعم من التمرين والتكليف.

قال الوحيد في عصره عطر الله رمسه يمكن ان يكون المراد من جريان القلم كتابة الثواب ل_ه لا العقاب عليه ايضا لان الحق ان عبادات الطفل لا مانع من ترتب الثواب له بل هو الظاهر من الاخبار وحديث رفع القلم ظهر في رفع العقاب والمؤاخذة لا الثواب ايضاً ولا اجماع على عدم الثواب انتهى وهو في غاية المتانة و الصحة الا انه لا يعم من لم يبلغ لم يبلغ ست سنين لما عرفت من النهي عن الصلاة عليه والامر بدفنه قبل الصلاة واما البالغ ست سنين فهو ممن جرى عليه القلم وورد الامر بالصلاة عليه فيتبع ما ورد.

فالقول باستحباب الصلاة على غير بالغ الست ليس على ما ينبغى لان الاصل برائة الذمة خرجنا من الاصل بالنسبة الى البالغ لدلالة الدليل وبقى من لم يبلغ الست على الاصل وحيث ان العبادات توقيفية لابد من ورودها في الشرع فعدم الامر به كاف في عدم مشروعيته مع ان الاخبار دلت على عدم الجواز من غير تقية وكون المقام مقام الاستحباب لا يوجب الامرفيه هيناً لان الافتاء بالاستحباب مع عدم الثبوت يساوق الافتاء بالوجوب مع عدم الثبوت فى عدم الجواز وان لم يكن فعل المستحب وتركه بمثابة ترك الواجب وفعله.

ص: 177

و الحاصل ان البالغ الى ست سنين كالبالغ المكلف المسلم لانه تابع لابويه الاسلام وان كان احدهما مسلماً دون الآخر فالولد تابع لاشرف ابويه فيجرى عليه حكم المسلم كما انه يجرى حكم المسلم على الملقوط في دار الاسلام لظهور كونه من المسلم مع ان امكان كونه تبعا للمسلم يكفى في اجراء حكم المسلم عليه تغليباً للاسلام على الكفر و لقوله (ص) كل مولود يولد على الفطرة فابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه فكل مولود غير معلوم الحال لابد ان يعامل معه معاملة المسلم حتى يعلم تولده من الكافرين فانه حينئذ تابع لابويه في الكفر وكذا اذا كان في دار الكفر ليس فيها مسلم يمكن تولده منه.

والمراد من دار الاسلام بلد بنى فى الاسلام ولم يقربها المشركون مثل بغداد و بصرة فان وجد لقيط فيهما و امثالهما فانه يحكم باسلامه لجواز كونه من المسلم ولا يمنع من الحكم باسلامه احتمال كونه من غير المسلم ويعد من بلاد الاسلام بلدكان دار كفر فغلب عليه المسلمون واخذوه صلحا واقروهم على ما كانوا عليه على ان يؤدو الجزية فان وجد لقيط فيهذا النحو من البلاد فان كان هناك مسلم مستوطن يمكن تولده منه فيحكم باسلامه لان الاسلام يقدم على غير الاسلام ويغلب عليه في الاحكام وان لم يوجد فى البلد مسلم اصلا حكم بكفره فان الدار اذا لم يكن فيها مسلم اصلا يكون دار كفر وقد يكون بلد من بلاد الاسلام لكن المشركين والكافرين يغلبون عليها فاذا وجدت فيها لقيطا نظرت فان كان هناك مسلم مستوطن حكم باسلامه وان لم يكن فيها مسلم لم يحكم باسلامه ولااثر لاحتمال ان يكون هناك مسلم فخفى للنقية لان هذا الاحتمال يعم جميع ديار الكفر.

واما لقيط دار الكفر فان كان فيها مسلم يمكن تولده منه يحكم باسلامه لان كل مولود يولد على الفطرة ولم يعلم تهويد الابوين او تنصرهما او تمجيسهما فالاصل الاسلام و مع عدم المسلم فيها فهو محكوم بالكفر لان الدار دار كفر ولا يجدى الاحتمال.

و اما المسبى بيد المسلم فمقتضى قوله (ص) كل مولود يولد على الفطرة

ص: 178

وانقطاعه عن ابويه قبل تصرفهما فيه جريان حكم المسلم عليه ولكن مقتضى استقرار التبعية فيه وعدم ما يزيل هذا الاقتضاء يستصحب فتبعيته المستقرة تبقى على حالها ما لم يدل دليل على ان السبى يزيلها وتمام الكلام فى محله واما ولدالزنا المتخلق من ماء المسلم ففى تبعيته له في الاسلام و عدمه وجهان فمن حيث انه تولد من___ه حقيقة وكونه ولدا له لغة يتبعه في الاسلام ولذا يحرم نكاحه لامه الزانية ونكاحها لابيها الزاني .

وحيث انه ليس من ولده شرعا فينتفى التبعية فى البنوة شرعاً فلا يشمله ادلة التبعية فلا يرث من ابويه ولا يرثان منه.

اما الوجه الأول فلا يصح الاستناد به لاثبات التبعية لان موضوع حرمة النكاح هو تولده منهما كيف اتفق اى من النكاح او السفاح او الشبهة فلا دلالة للتولد على التبعية في جميع الاحكام اذا كان من السفاح لامكان كون التبعية من آثار المتولد اذا كان من النكاح فسريانها في جميع اقسام التولد لابد ان يدل عليه دليل آخر.

واما الوجه الثانى فكالاول في عدم جواز الاستناد به لان التولد من الزناء مانع من تأثير النسبة المقتضية للارث ولم يثبت ما نعيته من ساير احكام النسبة فيمكن ان يكون مانعا من الارث ولا يمنع من التبعية في التجهيز .

ولك ان تقول ان النسبة مقتضية للتبعية ولم يثبت ما نعية السفاح لها ولاشرطية كونها من النكاح فيحكم بالتبعية ما لم يدل دليل على المنع ودلالة الادلة على عدم تأثير النسبة في بعض الاحكام ومنع الزناء من ترتب الاثار لا يستلزم المنع من التبعية فى الصلوة والاحكام الاخر من الغسل والدفن والتكفين .

فالمتخلق من ماء المسلم تابع له فى احكام الاموات ومن ماء الكافر تابع له وقد يقال بوجوب تجهيز المتخلق من الكافر لعدم ثبوت كفره فيشمله العمومات الدالة على تغسيل كل ميت مع ما دل على ان كل مولود يولد على الفطرة .

وفيه ان عدم وجوب الصلوة على غير المسلم من المسلمات في شرع الاسلام و تبعية المتخلق من ماء الكافر له مما لاشبهة فيه كما ان المتخلق من ماء المسلم

ص: 179

لودل دليل على عدم تبعيته له لا يحكم بوجوب تجهيزه بل لا يحكم بجوازه فتجهيزات الميت من الغسل الى الدفن مختصة بالمسلمين ومن يتبعهم في الاحكام والعمومات لا تشمل غير المسلم وما دل على ان كل مولود يولد على الفطرة لايدل على اجراء احكام المسلم على من استقر حكم تبعيته للمكافر فبعد استقرار حكم التبعية يجرى عليه احكام الكفر .

و اما المجنون فان طرء عليه الجنون بعد ما بلغ عاقلا فله حكم نفسه من الاسلام او الكفر مع العلم بحاله واما مجهول الحال فيجرى عليه حكم المسلم اذا كان في بلاد الاسلام ولم يكشف عن انحرافه شيء لانه مسلم بحسب الظاهر ولا يجرى عليه حكم التبعية لانه استقل بالبلوغ في الاحكام وجرى عليه حكم نفسه واما لو طر عليه الجنون فى صغر سنه فيبقى فى التبعية فلا يخرجه الجنون عن التبعية.

و اما الشهيد الذي منع فى الشرع تغسيله وتكفينه فهو كغيره في وجوب

الصلوة عليه .

واما رواية عمار الساباطى عن جعفر عن ابيه (ع) ان عليا (ع) لم یغسل عمار بن ياسر ولاهاشم بن عتبة المرقال ودفنهما في ثيابهما ولم يصل عليهما فمن اوهام الراوى وقد عرفت فيما سبق ان عمار الساباطى ممن يجتهد ويلحق معتقده بالحديث بحيث يحسب من كلام الامام .

فقد روى عن ابيعبد الله قال الرجل احق بماله مادام فيه الروح ان اوصی به کله فهو جائز فترى انه اجتهد والحق بكلام الامام فان قوله ان اوصى به كله فهو جائز ليس من كلام الامام (ع) ضرورة كون الوصية من الثلث .

قال الشيخ (قده) قوله لم يصل عليهما وهم من الراوى لان الصلوة لا تسقط عته قال و يجوز ان يكون الوجه فيه ان العامة تروى ذلك عن على (ع) فخرج هذا موافقاً لهم .

واذا وجد بعض الميت فان كان فيه القلب يصلى عليه ولا يصلى على غير القلب وقد يقال يصلى على الجزء التام لرواية محمد بن خالد عن بعض اصحابه عن ابيعبد الله .

ص: 180

قال اذا وجد الرجل قتيلا فان وجد له عضو تام صلى عليه ودفن وان لم يوجد له عضو تام لم يصل عليه ودفن.

و روى عن ابن المغيرة انه قال بلغنى عن أبي جعفر انه كان يصلى على كل عضو رجلا كان اويدا او الرأس جزءا فما زاد فاذا نقص عن رأس او يد او رجل لم يصل عليه.

و في عدة روايات انه يصلى على القلب اوما فيه القلب ففى رواية الفضل بن عثمن الاعور عن الصادق عن ابيه (ع) في الرجل يقتل فيوجد راسه في قبيلة ووسطه و صدره ويداه في قبيلة قال دينه على من وجد في قبيلته صدره ويداه والصلوة عليه وفي رواية القلانسي عن أبي جعفر (ع) قال سئلته عن الرجل ياكله السبع او الطير فيبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به قال يغسل ويكفن ويصلى عليه و يدفن فاذا كانت الميت نصفين صلى على النصف الذي فيه قلبه وفي مرسلة البزنطي المرفوعة قال المقتول اذا قطع اعضائه يصلى على العضو الذى فيه القلب والظاهر ان ما يدل على الصلوة على القلب لا ينافى ما دل على الصلوة على العضو التام لأن مفاد الأول تقديم القلب على ساير الاعضاء وهو لا ينافى ما دل على العضو التام مع فقد القلب قال الكليني وروى انه يصلى على الرأس اذا افرد عن الجسد بل المنافي ل_ه هو رواية طلحة بن زيد عن ابي عبد الله انه قال لا يصلى على عضو رجل من رجل او يد او راس منفردا فإذا كان البدن فصلى عليه وان كان ناقصا من الرأس واليد والرجل فظاهر قوله (ع) لا يصلى على عضو رجل عدم جواز الصلوة عليه لان مع استحباب الصلوة على العضو لا يعبر الامام (ع) بعبارة لا يصلى عليه فحمل ما دل على الصلوة على العضو التام على الاستحباب في غير محله كما ان حمله على الصدر ينا في التصريح بالراس واليد.

فالحمل على التقية اولى كما ذهب اليه المحدث العاملي.

و اما رواية اسحق بن عمار عن الصادق (ع) عن ابيه (ع) ان عليا (ع) وجد قطعا من ميت فجمعت ثم صلى عليها ثم دفنت محمولة على ما فيه الصدر.

ص: 181

و اذا فرق بين اللحوم و العظام فان وجد العظام دون اللحوم صلى عليها ولا يصلى على اللحوم اذا وجد بلاعظم لحسنة محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال اذا قتل قتيل فلم يوجد لحم بلاعظم لم يصل عليه فان وجد عظم بلا لحم صلى عليه.

ثم ان مقتضى وجوب الاستقبال فى صلوة الجنازة بطلانها بدونه مع الامكان ومع عدم الامكان سقط الوجوب فلو صلى عليه مستدبراً ثم امكن بعد انقضاء الصلوة وجبت الاعادة ما لم يدفن بل الظاهر وجوب الاعادة اذا امكن بعد الدفن لان الصلوة مستدبراً لا يسقط الوجوب الا اذا دام العجز عن الاستقبال.

و اما مع اشتباه القبلة فيجب التكرار بما يحصل الاستقبال ما لم يخف عن فساد الميت ومع الخوف يكتفى بما لم يفسد وكذا يكتفى بالواحدة اذاظن واطمئن بكون جهة من الجهات هي القبلة.

و مقتضى كون صلوة الميت دعاء له لا تبطل بالتكلم في اثنائها لعدم ما يدل على البطلان واما ترك التكلم اقرب الى الاحتياط كما انه اقرب الى الاجابة .

وإذا شك احد ممن يجب عليه الصلوة فى ان غيره صلى عليه ام لا صلى عليه لان الاصل عدم صلوة الغير وكذا صلى عليه ان علم بصلوة الغير له مع فساد صلوتها فان الصلوة الفاسدة في حكم العدم و اما لو علم بصلوة الغير و لم يعلم بصحتها فلا يجب عليه الصلوة لعدم ما يدل على بطلان صلوته مع كون الظاهر الصحة ولوكان الغير المصلى على الميت فاسقا وحصل الاطمينان بصلوته كفت وان لم يحصل الاطمينان بصحة صلوته لعدم مبالاته لم تكف بل يجب على من يجب الصلوة عليه ان يصلى عليه ثانيا لان الفسق قد يكون بمثابة لا يطمئن النفس باتيانه صحيحاً بل يحتمل تعمده في الابطال.

ولوشك في عدد التكبيرات بنى على الاقل لان الاصل عدم الزيادة ولا دليل للبناء على الاكثر·

وهل يجوز ادراج صلوة الميت فى الصلوة الفريضة اذا لم تكن ماحية بصورتها كما اذا ادرجها في قنوتها واقتصر على التكبيرات واقل الواجبات من الادعية وجهان.

ص: 182

من انها دعاء للميت واستغفار له وصلوات على النبي وآله وساير الانبياء والمؤمنين والمؤمنات والميت من احد المؤمنين او المؤمنات فيجوز .

ومن ان العبادات توقيفية ولم يرد في الشرع هذا النوع من الصلوة فلا يجوز والاقوى الجوازلان القنوت شرع للادعية ولم يرد منع من الدعاء على الميت الحاضر المسجى عنده وكل ما يقال فيها مشروع في القنوت·

والاحوط الترك لانه اشبه شيء بالتشريع ولان ابا جعفر (ع) اذا سئله جابر عن الابتداء بالفريضة او صلوة الجنارة اذا حضرت الصلوة على الجنازة في وقت المكتوبة قال عجل الميت الى قبره الا ان تخاف ان تفوت وقت الفريضة ولا تنتظر بالصلوة على الجنازة طلوع الشمس ولا غروبها ولوجاز الادراج لامر عليه السلام به عند هذا السؤال لان به يرتفع خوف فوت الفريضة ويحصل التعجيل في صلوة الجنازة.

ويستحب اتيان صلوة الجنازة جماعة لكن الامام لا يتحمل عن الماموم شيء من الصلوة لان الدعاء من الامام لا يحسب من الماموم ولان الاصل اتيان جميع المصلين جميع الصلوة وتحمل الامام عن قرائة الماموم في اليومية على خلاف الاصل دل عليه الدليل بخلاف صلوة الجنازة فانها باقية على اصلها .

ولو انعقدت باثنين يقوم الماموم خلف الامام ولا يقوم بجنبه لرواية اليسع بن زكريا القمى قال سئلت ابا عبدالله السلام عن رجل يصلى على جنازة وحده قال نعم قلت فاثنان يصليان عليها قال نعم ولكن يقوم الآخر خلف الاخر ولا يقوم بجنبه والظاهر ان القيام خلف الاخر في صورة الاقتداء به وهذا الحكم في اليومية بخلاف الجنازة لان فيها يستحب قيام الماموم فى صورة وحدته بجنب الامام كما سيجيء في محله انشاء الله تعالى كما انه يستحب اختيار الوقوف في الصف الأخير في صلوة الجنازة بخلاف اليومية لاستحباب الوقوف فى الاول فيها روى السكوني عن ابيعبد الله (ع) قال قال رسول الله (ص) خير الصفوف في الصلوة المقدم وخير الصفوف في عليه الله الجنائز المؤخر قيل يا رسول الله ولم قال (ع) صار سترة للنساء و روى سيف بن عميرة عن ابي عبدالله (ع) مثل ذلك.

ص: 183

ويجوز ان تؤم المرئة جماعة النساء فتقوم في الصف فتكبر ويكبرن ولا تتقدم عليهن لرواية زرارة عن ابيجعفر (ع) قال قلت المرئة تؤم النساء قال لا الا على الميت اذا لم يكن احد اولى منها تقوم وسطا معهن في الصف فتكبر وتكبرن .

و تدل على عدم التقدم رواية الحسن الصيقل عن أبي عبد الله (ع) قال كيف تصلى النساء على الجنازة اذا لم يكن معهن رجل قال يصففن جميعا فلا تتقدمن امرئة ورواية جابر عن أبي جعفر قال اذا لم يحضر الرجل تقدمت امرئة وسطهن وقام النساء عن يمينها وشمالها وهى وسطهن تكبر حتى تفرغ من الصلوة ومعنى قوله (ع) تقدمت امت.

وظاهر المنع من التقدم عدم جوازه وقيل بالكراهة لعدم كون النهى حقيقة في الحرمة .

وظاهر رواية الحسن الصيقل انحصار صحة الصلوة فى عدم التقدم لان السؤال عن الكيفية فاجاب الامام بان كيفية صلوة الجنازة وامامة المرئة ان لا تتقدم من تؤم لكن المتامل لا يخفى عليه ان بطلان الجماعة لا يدل على بطلان اصل الصلوة سيما في الصلوة على الجنازة لما عرفت من عدم تحمل الامام شيئاً من صلوة المأمومين في صلوة الجنازة فمع عدم مراعاتهن كيفية الوقوف لا يحكم ببطلان صلوتهن جميعاً من الامام والمأموم بل الاخلال بالكيفية في التصفيف مع وجوبها یوجب الاخلال بالجماعة فيكن فى صلوتهن منفردات و حينذ) تبطل صلوة من بعدت عن الجنازة بما يفرد من كان بينه وبينها حائل ومن خرجت عن المحاذاة .

ويجوز صلوة العراة على الميت جماعة وفرادى ومع الجماعة يقوم الامام في الصف كالمرئة فى الجماعة فلا يتقدم ولا تبر زعن الصف لانه احفظ للفرج و يجب عليهم حفظ فروجهم عن نظر الغير وغض ابصارهم عن النظر الى فرج الغير فيجب عليهم ستر العورة ولو باليد وليس الساتر شرطا في صحة صلوة الجنازة لعدم دليل يدل عليه وما ورد في وجوب التستر فى الصلوة اليومية لا يدل على وجوبه هنا لانها ليست بصلوة حقيقة واطلاق الصلوة عليه لا يدل على اعتبار ما يعتبر في اليومية

ص: 184

قال صاحب المدارك ( قده ) ليس الستر معتبراً فى صلوة الجنازة لان اسم الصلوة لا تقع عليها الابطريق المجاز وقيل بالوجوب لاطلاق الاسم عليها وهو ضعيف انتهى.

و نفيه (قده) اعتبار الستر في صلوة الجنازة جيد فى غاية الجودة الاان تعليله باطلاق اسم الصلوة عليه مجازا لا يخلو عن نظر لان اطلاق اسم الصلوة عليها حقيقة لا يوجب اعتبار الستر فيها لعدم المنافات بين كونها من الصلوة وبين عدم اعتبار الستر فيها ما لم يدل دليل على اعتباره فيها لما بينا من عدم الملازمة بين اعتبار الستر في اليومية وبين عدمه فيها لان ما دل على اعتبار الستر يختص بالصلوة الفريضة كما لا يخفى على الناظر في الاخبار الدالة على اعتبار الستر في الصلوة .

والحاصل ان كون صلوة الجنازة نوعاً خاصاً من الصلوات يقتضى اختلاف احکامها مع احكام النوع الاخر وقد عرفت عدم اشتمالها على الركوع والسجود وعدم اعتبار الطهارة فيها وعدم وجوب القرائة فيها وكذلك التسليم فالحاصل ان اختلاف نوع الصلوة يقتضى اختلاف احكام النوعين بحسب الاصل و ثبوت حكم احد النوعين الآخر يتوقف على دليل يدل عليه والدال على اعتبار الستر في غير الجنازة لاينظر اليها وليس فى تلك الاخبار عموم يشمل صلوة الجنازة .

ثم ان مقتضى ما بينا سابقا من انحصار وجوب تجهيزات الميت باوليائه عدم وجوب الصلوة على غير الولى و ( حينئذ ) لادليل الجواز صلوة الميت على العريان اذا لم يكن من اوليائه اذا كان هناك دلى يصلى عليه لان جواز صلوة الولى عرياناً لاجل كون اصل الصلوة مما يجب عليه وغير الولى لا يجب عليه الصلوة وليس في عهدته اتيان الصلوة كى يجوز الحضور للصلوة عريانا الا فى صورة انحصار المصلى في غير الولى ( فحينئذ يجب عليه الصلوة ويجب عليه الحضور لها ولو عرياناً

و اما رفع اليدين في كل تكبيرة من صلوة الجنازة فمقتضى اكثر الروايات استحبابه ففى رواية يونس قال سئلت الرضا (ع) قلت جعلت فداك ان الناس يرفعون ايديهم في التكبير على الميت فى التكبيرة الاولى ولا يرفعون فيما بعد ذلك فاقتصر على التكبيرة الأولى كما يفعلون او ارفع يدى فى كل تكبيرة فقال ارفع يديك في

ص: 185

كل تكبيرة .

وفي صحيحة عبدالرحمن بن العزرمى عن ابي عبد الله قال صليت خلف ابی عبد الله على جنازة فكبر خمسا يرفع يده في كل تكبيرة.

وفي رواية محمد بن عبد الله بن خالد مولى بنى الصيداء انه صلى خلف جعفر بن محمد (ع) فراه يرفع يديه في كل تكبيرة .

و هذه الروايات سيما رواية يونس كاشفة عن استحباب الرفع في كل تكبيرة فلو لا الاستحباب لم يامر (ع) برفع اليدين في كل تكبيرة كما ان هذه الرواية تدل على كون داب الناس وديدنهم عدم رفع اليد فى غير التكبيرة الاولى فلا يدل ما ورد ان عمل امير المؤمنين (ع) بمثل عمل الناس على عدم استحباب الرفع في غير الاولى لجواز كون الكشف عن تركه (ع) لاجل التقية .

روى غياث بن ابراهيم عن ابيعبد الله عن ابيه عن على (ع) انه كان لا يرفع يديه فى الجنازة الامرة واحدة .

وفي رواية اسماعيل بن اسحق بن ابان الوراق عن جعفر عن ابيه (ع) قال كان امير المؤمنين يرفع يديه في اول التكبير على الجنازة لا يعود حتى ينصرف. وورود هاتين الروايتين اوجب اختلاف الامامية رضوان الله عليهم في هذا الحكم في غير التكبيرة الاولى بعد اجتماعهم باستحبابه فيها فقال الشيخ قدس سره في النهاية والمبسوط على ما حكى عنه العلامة (قده) فى المختلف والمفيد والسيد المرتضى وابو الصلاح وابن البراج وسلار و ابن ادريس وابن حمزة رضوان الله عليهم بعدم استحباب الرفع وقال الشيخ فى الاستبصار يرفع يديه فى الجميع و استقرب العلامة القول الأول لكونه اشهر بين الاصحاب وللروايتين اللتين مرذكرهما واستضعف الروايات الدالة على الاستحباب فى الجميع بعدم معلومية كون ابيعبد الله المروى عنه هو المعصوم ويكون سهل بن زياد فى طريق رواية يونس وعدم معروفية رواة رواية مولى بنى السيداء الا ان الشيخ (قده) اسند الى كتاب الرجال لابن عقدة وكان زيدياً والعمدة في الامتناع عن الذهاب الى الاستحباب الاشتهار عند قدماء الاصحاب والافالروايات

ص: 186

الدالة على الاستحباب مما يطمئن به النفس.

قال الشيخ (قده) في التهذيب بعد نقل الروايتين وهذه الروايات وان كانت قد وردت فلوان انساناً رفع يديه في جميع التكبيرات لم يكن بذلك ماثوما بل كان يستحق به الثواب والذي يدل على ذلك ونقل الروايات التي مر ذكرها ثم قال على ان الروايات الاولة موافقة لمذاهب بعض العامة فيوشك ان يكون خرجت مخرج التقية انتهى والعجب من العلامة (قده) انه يرجح رواية غياث بن ابراهيم وهو يصرح في الخلاصة انه تبرى .

ومما يؤيد كون الروايتين خارجتين مخرج التقية قول مولانا الصادق (ع) في رسالة طويلة كتبها لاصحابه دعوا رفع ايديكم في الصلوة الامرة واحدة حين تفتح الصلوة فان الناس قد اشتهر وكم بذلك ويظهر من هذه المقالة ان العامة كانوا يعرفون الرفض في رفع اليد في جميع التكبيرات في صلوة الجنازة .

فظهر مما بيناه ان الترجيح المروايات الدالة على الاستحباب لان نفى الرفع موافق للعامة الذين امرنا باخذ ما يخالفهم ورواية الفعل متاخرة عن الترك لان رواية يونس عن الرضا (ع) و رواية الترك عن مولانا الصادق (ع) ومن المرجحات الاخذ بالاحدث.

ويظهر من رواية فضل بن شاذان عن ابى الحسن الرضا (ع) ان رفع اليدين عند التكبير بنفسه من الابتهال والتبتل والتضرع وان فى رفع اليدين احضار النية واقبال القلب وان فيه خواص توجب الكمال بالنسبة الى العبادة روى حمد بن على بن الحسين باسانيد تاتى عن الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) قال انما ترفع اليدان بالتكبير لان رفع اليدين ضرب من الابتهال والتبتل والتضرع فاحب الله عزوجل ان يكون العبد في وقت ذكره له متبتلا متضرعا مبتهلا ولان في رفع اليدين احضار النية واقبال القلب على ما قال وقصد لان الغرض من الذكر الاستفتاح وكل سنة فانما تودى على جهة الغرض فلما ان كان فى الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين احب ان يؤد والسنة على جهة ما يودى الفرض انتهى الحديث .

ص: 187

والناظر في هذه الرواية لا يخفى عليه حسن رفع اليدين في التكبير وكونه ذاتيا له بحيث لا يتخلف عنه في مورد من الموارد ضرورة ان الابتهال والتضرع والتبتل يحسن في جميع الاوقات ولعل الى ما بينا ينظر قول المحقق رحمة الله عليه لنا ان رفع اليدين مراد الله فى اول التكبير وهو دليل اختصاصه بالرجحان فيكون مشروعاً في الباقي تحصيلا لتلك الارجحية فيكون مراده (قده) من هذالكلام كون الرجحان ذاتيا له والا فكون الرفع مراد الله في اول التكبير لا يدل على مشروعيته في الباقى لجواز ان يكون الاول متخصصا بخصوصية ترجح الرفع واما مع الحسن الذاتي فلا يتخلف عنه فى مورد من الموارد .

و قال في الشرايع ويرفع يديه فى اول تكبيرة اجماعاً وفى البواقي على الاظهر فتخصيص الرفع بالتكبيرة الاولى وان كان اشهر عند قدماء الاصحاب لكن الامر انقلب عند المتاخرين فالاشهر عندهم استحباب الرفع في جميع التكبيرات قال بعض افاضل العصر الشارح للمعة الشهيد (قده) عند قوله ورفع اليدين بالتكبير كله على الاقوى كما في الشرايع ، والنافع ، و القواعد ، والارشاد ، و المدارك ، والذخيرة ، والمعتبر ، والدروس ، والذكرى ، والبيان ، وكشف اللثام، والمستند و جواهر الكلام ، وحاشية الروضة للمحقق جمال الدين ، والروضة ، والرياض والاستبصار، ومحكى التحرير، ونهاية الاحكام ، والتلخيص ، والتذكرة ، والجامع، والتهذيب ، والموجز ، والتنقيح ، وكشف الالتباس ، وقواعد الشرايع ، وجامع -المقاصد ، والروض ، والمفاتيح ، والمسالك ، ومجمع البرهان ، والحدائق .

و في شرح الروضة وهو المشهور بين الطائفة كما عن كشف الالتباس بل عن الروض ان عمل الآن عليه بل ادعى الاجماع عليه بعض الاجلة كما عن شرح الجعفرية وهو المستند في المسئلة انتهى.

فترى ان عمدة اصحابنا المتاخرين شكر الله مساعيهم على استحباب رفع اليدين في جميع التكبيرات وانما نقلناه بطوله دفعاً لاضطراب من يضطرب فيهذا القول لاجل ذهاب أكثر الأقدمين على اختصاص التكبيرة الاولى برفع اليدين

ص: 188

وقوله ( قده ) و هو المستند مما يوجب الحيرة لعدم الكشف في الاجماع سيما مع مخالفة جل من الاقدمين رضوان الله عليهم و العجب ان هذالفاضل بعد الاستدلال بالاجماع المنقول والاستناد إليه ونقل الاخبار الدالة على المدعى يقول خلافا في ذلك لغير واحد من الاصحاب بل للاكثر كما في المدارك _ والذكرى _ والرياض والروضة.

ومنهم الشيخ فى المبسوط والنهاية والسيد بن زهرة في الغنية وابن حمزة في الوسيلة والحلبي في الاشارة وسلار في المراسم وحكى عن السيد المرتضى (ره) و القاضى فى شرح الجمل والبصرى والديلمي والعماد الطوسي و غيرهم بل في كشف اللثام _ و شرح الروضة نسبة ذلك الى الشهرة بل ادعى عليه الاجماع غير واحد من الاجلة كما عن شرح الجمل للقاضى والسرائر وظاهر الناصريات والغنية وهو الحجة لهم مضافا الى موثقة غياث بن ابراهيم التبرى (الخ) فترى بان الحكم الواحد صار معقداً للاجماعين المتناقضين بالنسبة الى اثباته ونفيه فكيف يبقى الاعتماد على الاجماعات المنقولة فى الكتب الفقهية والاحتجاجات بها لاثبات الاحكام الشرعية.

وقال الشهيد الثاني عند شرح قول الشهيد الاول ورفع اليدين بالتكبير كله على الاقوى والاكثر على اختصاصه بالاولى وكلاهما مروى ولا منافاة فان المندوب قد يترك احياناً وبذلك يظهر وجه القوة

وانت خبير بان الاستدلال بالخبرين ليس لاجل دلالتهما على الترك لان قوله انه كان لا يرفع يده فى الجنازة الأمرة واحدة ظاهر في دوام هذالامر عن على صلوات الله عليه والدوام ينافي الاستحباب مع انا لانظن بامير المؤمنين عليه صلواة المصلين ترك المستحب في بعض الاحيان ايضا لانه كان متصلبا من حفظ المندوبات .

وقوله (قده) والاكثر على اختصاصه بالاولى يكشف عن كون التخصيص اشهر في زمانه والاشتهار على الاستحباب فى الجميع وقع فى الازمنة المتاخرة والحق

ص: 189

مع المتاخرين لا للاجماع المنقول بل لدلالة الروايات المروية من آل الرسول صلوات الله عليهم اجمعين.

ويستحب ان يقف الامام موقفه حتى ترفع لما رواه الشيخ (ره) عن حفص بن غياث عن جعفر عن ابيه (ع) ان عليا (ع) كان اذا صلى على جنازة لم يبرح من مصلاه حتى يراها على ايدى الرجال والرواية مطلقة لم تفرق بين الامام والماموم ولم يكن على صلوات الله عليه اماماً في جميع ما صلى على الجنازة ولذا عمموا الحكم بالنسبة الى الامام والماموم .

واما تخصيص الحكم بالامام لما قد يتفق صلوة جميع الحاضرين على الجنازة فمع التعميم لا ترفع الجنازة على ايدى الرجال مع عمل الجميع بالاستحباب فقوله الا الله كان اذا صلى على جنازة يحمل على زمان رياسته الظاهرية لعدم كونه مأموماً في هذا لزمان و على القائل بالتعميم استثناء جمع يتحقق بهم رفع الجنازة اذا صلوا جميعاً ولم يرد فى الشرع استثناء مع ان استثناء بعض غير معلوم لا يرفع المناقشة.

قال صاحب المدارك رضوان الله عليه بعد نقل التخصيص عن الشهيد تبعا لا بن الجنيد قدس سرهما ونقل الرواية والرواية مطلقة ولو قلنا بتعميم واتفق صلوة جميع الحاضرين استثنى منهم اقل ما يمكن بهم رفع الجنازة و قد عرفت ان هذا الاستثناء لا يرفع المناقشة.

و اما الصلوة على المصلوب فقد عرفت كيفيتها في مبحث وجوب الاستقبال من صحيحة ابى الهاشم الجعفرى ولقد مر عليك هناك ما حكينا عن الشهيد (قده) انه قال وهذه الرواية وان كانت غريبة نادرة كما قال الصدوق عليه الرحمة واكثر الاصحاب رضى الله عنهم ولم يذكروا مضمونها في كتبهم الا انه ليس لها معارض ولاراد.

وقال فى المختلف بعد ذكرها فان عمل بهذه الرواية فلا باس فليس لاحد التشكيك فى غرابته وندرته فمن اراد كيفيتها فليراجع في ذلك المبحث لان المدرك لكيفية الصلوة على المصلوب هو تلك الرواية ورواها المشايخ الثلثة الكليني –

ص: 190

والصدوق - والشيخ رضوان الله عليهم .

هذا اذا لم يمكن للمصلين تنزيل المصلوب من الخشبة واما مع الامكان فينزل من الخشبة و يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن و ( حينئذ ) فلا خصوصية للمصلوب في الصلوة عليه وأما المدة التي يبقى على الخشبة فقد عينت بثلثة ايام وتعيينه راجع الى الأمر بالصلب .

واما الدفن

( واما الدفن )

فهو الموارات في الارض وهو معنى عرفي لا يحتاج الى زيادة شرح وبيان الاان صرف الموارات لا يكفي في دفن الميت بل يعتبر فيه كونه على وجه لا يطلع احد على فساد جسده وقبح منظره وتغير رائحته ولا يتاذى الاحياء بريحه و آفته وفساده و يحترس من السباع جثته و يكون مستورا عن الأولياء والاعداء فلا يشمت عدوه ولا يحزن صديقه.

روی محمد بن على بن الحسين بن بابويه عن الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) قال انما امر بدفن الميت لئلا يظهر الناس على فساد جسده و قبح منظره وتغير رائحته ولا يتاذى الاحياء بريحه وما يدخل عليه من الافة والفساد و ليكون مستوراً عن الاولياء والاعداء فلا يشمت عدوه ولا يحزن صديقه ولا يكفى احراز هذه المفاهيم من غير دفن لقوله (ع) انما امر بدفن الميت لئلا يظهر على الناس (الخ) فالمطلوب هو الدفن اى الموارات فى الأرض لاحراز هذه الاشياء فليس صرف الدفن كافيا ولا تحصيل هذه الاوصاف مخرجاً عن العهدة.

فلمولم يكن هناك انسان يتاذى عن ريحه ولاسبع يجب الاحتراس عنه لا يكتفى بصرف الموارات لان هذه المفاهيم علل لجعل هذا الحكم ولا يكون عللا لنفس الحكم کي يهمل عند فقد العلل وبعبارة اخرى ما قيل في المقام حكمة للحكم لاعلة له والحكمة ما يوجب جعل الحكم و بعد الجعل يجب العمل بالمجعول عند فقد علة الجمل وما بينا هو الفرق بين علة الحكم وبين علة جعله ودقة النظر في كلام الامام (ع)

ص: 191

يرشد الناظر الى كون الاوصاف المذكورة علة لجعل الحكم حيث قال انما امر بدفن الميت لئلا يظهر الناس (الخ) حيث جعل الاشياء علة للامر بالدفن وبعد الامر يجب على المأمور اتيان المامور به للامر الذى هوايجاب للدفن وليس له الاعتذار بفقد ما اوجب الأمر وترك المامور به .

وحيث ان الدفن ينفع للاحياء والميت يستحب حفر القبر سيما مع المباشرة لما فيه من دفع الايذاء عن الاحياء وحفظ احترام الميت روى سعد بن طريف عن ابی جعفر (ع) قال (ع) من حفر لميت قبراً كان كمن بواه بينا موافقا الى يوم القيمة.

وفي عقاب الاعمال عن رسول الله (ص) قال من احتفر المسلم قبرا محتسبا حرمه الله على النار وبواه بيتا من الجنة واورده حوضا فيه من الاباريق عدد نجوم السماء عرضه ما بين عملة وصنعاء.

هنا ومن

ومن هنا يتفطن الفطن الى استحباب بذل الارض المملوكة لدفن المؤمن فيها .

روى عقبة بن علقمة قال اشترى امير المؤمنين (ع) ارضا ما بين الخورق الى الحيرة الى الكوفة من الدهاقين باربعين الف درهم و اشهد على شرائه قال فقلت له يا امير المؤمنين تشترى هذا بهذا المال وليس بنيت خطا فقال سمعت رسول الله (ص) يقول كوفان كوفان يرد اولها الى آخرها يحشر من ظهرها سبعون الف يدخلون الجنة بغير حساب فاشتهيت ان يحشروا في ملكي.

و حيث ان دفن الميت لاجل حفظه و حفظ الاحياء فكل ما ورد من تحديد عمق القبر يرجع الى الحفظ فلوكان بعض الاراضى مما يتوقف الحفظ فيه الى ازيد مما ذكر يجب ما يتحقق به ففى بعض الاخبار نهى ان يعمق القبر فوق ثلثة اذرع و في مرسلة ابن ابی عمیر عن ابی عبدالله (ع) حد القبر الى الترقوة وقال بعضهم الى الثدى وقال بعضهم قامة الرجل حتى يمد الثوب على راس من في القبر و اما الليد فيقدر ما يمكن فيه الجلوس قال ولما حضر على بن الحسين (ع) الوفاة قال احفروا لى حتى تبلغوا الرشح.

ص: 192

فترى اختلاف هذه التحديدات فالبلوغ الى الرشح قد يتحقق باقل من الترقوة والثدى فضلا عن القامة وقد لا يتحقق باكثر من القامة فالواجب هو صدق الدفن مع حصول الوصفين فلو لم يحصل الدفن أو حصل ولم يحصل الوصفان مع التجاوز عن الثلثة ازرغ يجب ان يعمق فوقها وكذالقامة والترقوة والندى و البلوغ الى الرشح فان النهى عن التجاوز عن الثلثة ازرع محمول على المورد الذى يحصل الدفن والوصفان وكذا تحديد القامة والثدى والترقوة لتحصيل الدفن والوصفين.

واما الاستدلال بقوله تعالى منها خلقناكم وفيها نعيدكم فينبغي ان يكون بمعونة الاخبار الدالة على كيفية العود في الارض فلا يتمسك باطلاقه لكفاية وضع الميت فى الارض كيف ما اتفق لان النبي علا الله و الائمة المعصومين (ع) هم العارفون بمفادات القرآن ومرادات منزلة.

وكذا في قوله تعالى شأنه الم نجعل الارض كفاتاً احياءاً وامواتاً في الصافي نقلا عن القمى قال نظر امير المؤمنين (ع) في رجوعه من صفين الى المقابر فقال هذه كفات الاموات ثم نظر الى بيوت الكوفة فقال هذه كفات الاحياء ثم تلا هذه الاية و الكفات المساكن ولابد فى المساكن حفظ الساكنين فيها احياء كانوا ام امواتاً ولا ينافى ما ورد فى الكافى عن مولانا الصادق الا في هذه الاية قال دفن الشعر والظفر فان الأمر بدفنهما يريد حفظهما عن التفرق والضياع .

و بالتامل فيما بيناه يقطع المتامل بعدم الاجتزاء بمسمى الدفن مع عدم الامن من الوصفين ولا يجتزي بحصول الوصفين مع عدم صدق الدفن.

وظهر مما بينا عدم جريان اصالة البرائة وكذا اصالة الاشتغال لان بعد دلالة الدليل على وجوب ما ذكر لا معنى لاصالة البرائة لارتفاع الشك بالدليل ولا اصالة الاشتغال لانها وان كان موافقا للدليل الا انها لا يجرى مع الدليل وهل يصدق الدفن بوضعه في تابوت من صخر اوغيره .

الظاهر عدم الصدق لعدم صدق الموارات فى الأرض على ذلك الوضع و اما مع دفن ذلك التابوت فالظاهر صدق الدفن بالنسبة الى الميت فلا مانع منه ( ح )

ص: 193

وما تسمع احياناً من عدم جواز وضع الميت فى الصندوق فالمراد الاكتفاء بالوضع في الصندوق عن الدفن واما مع الوضع والدفن بعد الوضع و ان قيل بكراهته ولكن لم يقل احد بحرمته وعدم اجزائه ويجب دفن الميت على الكيفية التي بينا القدرة فلو تعذر تلك الكيفية فان كان العذر للبعد عن الارض بما يوجب النقل اليها تغير الميت وفساده فيلقى فى البحر ولقد مر بيان كيفية الالقاء ولو كان لصلابة الارض ذاتاً او عرضا فيحرس ويحفظ بغير الدفن كا لجعل في البناء او الصندوق ولولم يمكن الحفظ والحراسة بشيء يسقط ويحتمل ويحتمل وجوب نقله الى البحر مع قربه وعدم فساد الميت لان تجويز الالقاء فى البحر انما هو للمنع عن فساد الميت و تغيره والتاذى عنه فان السفينة قد تصل الى الساحل ولو بعد حين.

واما لوخف على الميت اخراج العدوله للاحراق فالنقل الى البحر والالقاء فيه واجب قطعاً لقول مولانا الصادق (ع) لسليمان بن خالد اولا او لا او قرتموه یعنى زيداً جديداً والقيتموه فى الفرات (ص) ولعن قاتله حيث انه (ع) تالم مما فعلوه بعمه زيد من الاحراق بعد دفنه.

ولودار الأمر بين صدق الدفن وبين حصول الوصفين من غير دفن فالواجب هو الثاني لان الدفن لو كان فاقداً للوصفين لا اثر له (ح) فهو مقدمة لها فمع تجرده عنهما لم يبرء الذمة .

ومن فروض الدفن على ما اشتهر عند الاصحاب اضجاعه اى الميت على جانبه الايمن وتوجيهه الى القبلة والاصل في الحكم الثانى صحيحة معوية بن عمار عن ابی عبد الله (ع) قال كان البراء بن معرور الانصارى بالمدينة وكان رسول الله (ص) بمكة وانه حضره الموت وكان رسول الله (ص) والمسلمون يصلون الى البيت المقدس فاوصى البراء اذا دفن يجعل وجهه الى النبي (ص) الى القبلة وانه اوصى بثلث ماله فجرت به السنة وفى طريق آخر ان يجعل وجهه الى رسول الله الى القبلة وانه اوصى بثلث ماله فنزل به الكتاب وجرت به السنة ولا يخفى على الناظر في متن هذا الحديث اضطرابه فان الجمع بين الرسول والقبلة مع عدم كون مكة في ذلك

ص: 194

الزمان قبلة للمسلمين فإن كان مقصود البراء توجيهه الى الرسول (ص) لم يجر به السنة وان كان المقصود والتوجيه الى مكة فلا يناسب ذكر القبلة لعدم كونها قبلة فى ذلك الزمان والظاهر ان هذه الرواية رويت بالمعنى وما رويت بالفاظها .

واما رواية العلاء بن سيابة عن أبي عبد الله (ع) في القتيل اذا قطع راسه قال اذا صرت انت الى القبر تناولته مع الجسد وادخلته الحد ووجهته الى القبلة وان كانت مؤيدة بالنسبة الى الرأس ولكن البدن فليس له ذكر فيها الا ان التامل يهدينا الى استلزام توجيه الرأس الى القبلة توجيه البدن.

ولاجل عدم دليل قاطع على الوجوب ذهب ابن حمزة (قده) الى استحباب التوجيه ولو طالب احد القائلين بالوجوب عن دليله فليس لهم ما يدل عليه حتى احالوا به.

واما الاستحباب فيكفي فيه حسن الاستقبال في الشرع للاحياء والاموات .

و اما جعل جنبه الأيمن على الأرض لتحصيل التوجيه الى القبلة فليس في الاخبار ما يشعر به وليس التوجيه الى القبلة مما لا يمكن بغيره لامكان جعل الايسر على الارض مع التوجيه الا ان موضع الراس يتبدل بموضع الرجلين .

ولكن لا وقع لهذه المقالات بعد وضوح الامر عند الامامية واستمرار العمل من زمن الأئمة الى زماننا هذا وليس لهذين الحكمين خفاء في الشرع بحيث يحتاج الفقيه الى توضيحها فكل منهما من ضروريات مذهب الامامية حتى تصدى الاصحاب رضوان الله عليهم ببيان كيفية دفن الامية الحامل من مسلم اذا ماتت و مات الولد في بطنها لاجل تحصيل توجيه الولد الى القبلة قال المحقق في الشرايع عند ذكر واجبات الدفن و ان يضجعه على جانبه الايمن مستقبلة القبلة الا ان يكون امرئة غير مسلمة حاملا من مسلم فيستد برامها القبلة ومن ان هذا الاستثناء المنقطع لاجل تحصيل الاستقبال للحمل حيث ان وجه الحمل على خلاف وجه الحامل فباستدبارها يحصل الاستقبال له.

و اطلاق العبارة يشمل غير الذمية فحيث ان مناط هذا الحكم هو حفظ

ص: 195

احترام المسلم فى كل حال ولو بالاسلام التبعى فلا يفترق الحال بكونها ذمية او غيرها من طوائف الكفر.

كما ان احترام المسلم التبعى يقتضى دفن اليهودية والنصرانية اذا كانت حاملا من مسلم مع ان دفن النصراني ممنوع في الشرع ففي حديث عمار بن موسى عن ابی عبد الله (ع) انه سئل عن النصراني يكون في السفر وهو مع المسلمين فيموت قال لا يغسله مسلم ولا كرامة ولا يدفنه ولا يقوم على قبره وان كان اباه ومع هذا لمنع الاكيد روى يونس قال سئلت الرضا (ع) عن الرجل يكون له الجارية اليهودية والنصرانية فيواقعها فتحمل ثم يدعوها الى ان تسلم فتابى عليه فدنى ولادتها فماتت وهي تطلق والولد في بطنها و مات الولد ايدفن معها على النصرانية او يخرج منها ويدفن على فطرة الاسلام فكتب يدفن معها فالامر بدفن النصرانية مثلا مع المنع الاكيد في خبر عمار بدفن النصرانى ليس الا لاجل احترام الحمل اذا كان من المسلم و بعد دفنه مع الحامل ينبغى استدبارها لتحصيل استقبال الحمل .

و اما محل الدفن فلابد ان يكون مما يجوز ان يدفن فيه المسلم الترتب احكام المسلم على الحمل وكفر امها لا يمنع من دفنهما في مقابر المسلمين كما انه لا يمنع من دفن الام وعدم الدليل على شق البطن و اخراج الحمل مع احترامه يكفي في ترخيص دفن امه في مقابر المسلمين فالامر دائر بين اجراء احكام الاسلام في الدفن وبين اجراء احكام النصرانية.

ومن المعلوم عند كل احد ان نصرانية الام لا يمنع من اجراء احكام الاسلام فاسلام الحمل يجوز دفن الحامل فهى كالصندوق للحمل و على المتصدى للدفن مراعات ما يجب مراعاته فى الدفن فيجب عليه توجيه الميت الى القبلة الحاصل باستدبار الام .

و اما لوماتت الام وكان الولد حياً في بطنها فيستخرج الولد من بطنها فان امكن الاستخراج من دون شق البطن لا يشق البطان واذا لم يمكن خروجه بدون

ص: 196

الشق شق جوفها لاحترام النفس ووجوب حفظها والاخبار مستفيضة ففى مرسلة ابن ابی عمیر عن مولانا الصادق (ع) فى المرئة تموت ويتحرك الولد في بطنها ايشق بطنها ويخرج الولد فقال نعم ويخاط بطنها.

و روى على بن يقطين عن العبد الصالح له عن المرئة تموت و ولدها في بطنها قال يشق بطنها ويخرج ولدها•

وروى محمد بن مسلم ان امرئة سئلته فقالت لى بنت عروس ضربها الطلق فما زالت تطلق حتى فاتت والولد يتحرك فى بطنها ويذهب ويجيى، قال قلت يا امة الله سئل محمد بن على الباقر الا عن مثل ذلك فقال يشق بطن الميت ويستخرج الولد .

ولو انعكس الامر و مات الولد في بطن الام وهي حية يستخرج الميت من بطن امه ويراعى فى الاستخراج تقليل الاذية للام وروى عن امير المؤمنين (ع) اذا ماتت المرئة وفي بطنها ولد يتحرك يشق بطنها و يخرج الولد و قال في المرئة يموت في بطنها الولد فيخوف عليها قال لاباس بان يدخل الرجل يده فيقطعه و يخرجه والاخبار في هذين الحكمين متظافرة والاعتبار العقلى كاف في اثبات هذا النحو من الاحكام لان حفظ النفوس من بديهيات الشرع و العقل و وجوبه وكذا تقليل الايذاء واما خياطة البطن بعد الشق والاخراج فمقتضى احترام الميت وتغسيلها وتكفينها بسهولة من غير مثلة ولا فرق فى الشق المذكور بين رجاء بقاء الولد بعد الخروج وعدم الرجاء لاطلاق الروايات وكلمات الاصحاب ولا يعتنى بخلاف من حكى الخلاف عنه من اهل الخلاف و اما وجود القوابل وعدمها فكالرجاء و عدمه مع فرض اقتدارهن بالاخراج من غير شق لان بالشق يتوسل الى اخراج الولد و بعد امكان الاخراج من غير شق لا مجوز له لكونه هتكا لها الا مع فرض موت الولد باخراجهن.

هذا مع اليقين بحيوة الولد فى البطن اما مع عدم القطع بالحيوة.

قيل فالظاهر الحرمة محافظة على حرمة الميت ولما يفهم من التامل في اخبار المقام ولا يثمر استصحابها قبل موتها و ان قلنا بوجوب الانتظار حتى يقطع بموته

ص: 197

لو كان حيا لعدم التلازم بين الأمرين انتهى.

ولك ان تقول ان شق بطن الميت مع احتمال كون الولد حياً لا يوجب هتك حرمة الميت لان انقاذ الولد من الموت مع كونه حيا من المهمات المانعة من تحقق الهتك وانقاذ الحى من الموت وان لم يكن من اليقينيات الاان احتماله يكفي في تجويز الشق وبعد الجواز يجب فالامر دائر بين احتمال حفظ الولد وعدم ترتب الاثر على الشق واستصحاب الحيوة يعطى الحكم بكونه حياً وليس الشق في الحرمة بمرتبة حرمة قتل النفس حتى يقال ان الاول يقيني و الثاني مشكوك لان الاول مثلة والثاني قتل ومن موارد تنجيز الاحتمال مورد حفظ النفس فاحتمال حفظ النفس منجز وشق البطن من مقدمات حفظ النفس.

و قول القائل ولما يفهم من التامل فى اخبار المقام ناظر الى ان في الاخبار ما يكشف عن حيوة الولد لان الحركة من كواشف الحيوة وفيه ان عمومات حفظ النفس كافية لايجاب الانقاذ الاحتمالي ولاحاجة الى التمسك بهذه الاخبار حتى يصح هذا القول مع ان رواية على بن يقطين مطلقة ليس فيها ما يكشف عن الحيوة كما مرت عليك و يؤيد ما بينا ما قيل بوجوب الانتظار حتى يقطع بموته لوكان حياً لات وجوب الانتظار لاجل منعه عن القتل الاحتمالي وهو متحقق في منع الشق المنحصر بقاء الولد عليه فالمانع من الشق سعى في قتل الولد في قتل الولد مع حيوته و هذا معنى التلازم بين وجوب الانتظار و بين وجوب الشق و القول بالتلازم ناظر الى هذا المعنى .

والحاصل ان حفظ النفس في الشرع بمرتبة ينجز احتماله فلو شك الرامي في كون مر ماه الانسان او الجماد يجب عليه الفحص ولو عجز عن الفحص لا يجوز له الرمی و ليس له اجراء اصل عدم كونه انساناً وليس هذا الا للاهتمام بالنفوس فا بقاء الولد في بطن امه بعد الموت اهلاك له مع كونه حياً وليس لاحد الاعتذار بعدم القطع مع قيام الاحتمال .

ولو كان معاً حيين و خشى على كل منهما فيجب انتظار امر الله وقضائه وليس

ص: 198

في الشرع ترجيح احدهما ولامسرح احدهما ولا مسرح للعقل كي يتشبث بالامور الاعتبارية ويستحب وضع الجنازة على الارض عند القبر هنية قبل الدفن روى عبدالله بن سنان في الصحيح عن ابي عبد الله السلام قال ينبغي ان يوضع الميت دون القبر هنية ثم داره·

و في مرسلة محمد بن عطية قال اذا اتيت باخيك الى القبر فلا تقدحه به ضعه اسفل من القبر بذراعين اوثلثة حتى ياخذ اهبته ثم ضعه في لحده

و في رواية محمد بن عجلان قال سمعت صادقاً يصدق على الله يعنى ابا عبدالله (ع) قال اذا جئت بالميت الى قبره فلا تفدحه بقبره ولكن ضعه دون قبره بذراعين اوثلثة اذرع ودعه حتى يتاحب للقبر ولا تفدحه به .

و روی یونس قال حديث سمعته عن ابى الحسن موسى (ع) ما ذكرته و انا في بيت الاضاق على يقول اذا اتيت بالميت شفير قبره فامهله ساعة فانه ياخذ اهبته للسؤال ودلالة هذه الاخبار على وضع الجنازة عند القبر هنية للتاهب واضحة لاخفاء فيها وزاد بعض الاصحاب وضع الميت على الارض قبل الانزال في القبر ونقله الى القبر تدريجاً بان يوضع على الارض ثم ينقل الى القبر ثلث دفعات والاخبار المذكورة لا تدل على الدفعات الا ان رئيس المحدثين (قده) قال في كتاب من لا يحضره الفقيه واذا حمل الميت الى قبره فلا يفاجأ به القبر لان للقبر اهو الا عظيمة ويتعوذ حامله بالله تعالى من هول المطلع ويضعه قريب شفير القبر ويصبر عليه هنية ثم يقدمه قليلا و یصبرعليه هنية لياخذ اهبته ثم يقدمه الى شفير القبر وقال المحدث العاملي في الوسائل بعد ذكر الروايات قال الصدوق (قده) .

وفي حديث آخر اذا اتيت بالميت فلا تفدح به القبر فان للمقبراهولا عظيمة وتعوذ من هول المطلع ولكن ضعه قرب شفير القبر واصبر عليه هنية ثم قدمه قليلا واصبر عليه لياخذ اهبته ثم قدمه الى شفير القبر والظاهر ان ما في الفقيه من مقالته (قده) وليس برواية فما فى الوسائل لعله منقول من العلل.

وقال صاحب الجواهر عند شرح قول المحقق ثلث دفعات بادخال النقل الاول

ص: 199

السابق على وضعه قريب القبر فيها او يدعى فهم ذلك من الخبر المروى من العلل الذى هو مستند هذا الحكم ثم نقل الخبر ومن المعلوم ان ادخال النقل الاول السابق على وضعه بعيد فى الغاية ولكن الخبر المنقول من العلل وان كان مرسلا يمكن التمسك به لاثبات استحباب الدفعات.

وقال صاحب المدارك عند شرح قول المحقق وان في ثلث دفعات ظاهر العبارة ان النقل ثلثا بعد وصوله الى القبر فعلى هذا يكون انزاله اليه في ثلث دفعات ثم ذکر کلام ابن بابويه (ره) فى من لا يحضره الفقيه مع اختلاف يسير ثم قال ونحوه قال الشيخ (ره) فى المبسوط والظاهر ان ذلك هو مراد المصنف (ره) كما صرح به فى المعتبر وان كانت العبارة قاصرة عن تادية المطلوب ثم نقل رواية عبدالله بن سنان الصحيحة ومرسلة محمد بن عطية ورواية محمد بن عجلان ثم قال ولا يخفى انتفاء دلالة هذه الروايات على ما ذكره الاصحاب بل انما تدل على استحباب وضعه دون القبر هنية ثم دفنه و بمضمونها افتى ابن الجنيد والمصنف فى المعتبر في آخر كلامه وهو المعتمد و عدم دلالة الروايات على تكرار الوضع لاخفاء فيه واما مرسلة الصدوق العلل فلاضير فى التمسك بها لاثبات تكرار الوضع واستحبابه .

المنقولة عن ولا فرق بين الرجال و النساء فى اصل الوضع عند القبر و عدم المفاجات بالقبر لاطلاق الروايات و عدم ما يخصص احدهما بهذا الحكم واما مكان الوضع فيفرقن النساء عن الرجال لان مكان وضع الرجال هو اسفل القبر اى من جانب الرجل ومكان وضع النساء ما يلى القبلة.

والفارق ما رواه محمد بن على بن الحسين في الخصال باسناده عن الاعمش عن جعفر بن محمد علام في حديث شرايع الدين قال والميت يسل من قبل رجليه سلا والمرئة تؤخذ بالعرض من قبل اللحد والقبور تربع ولا تسنم.

فظهر ان ما ورد أن لكل شيء باباً وباب القبر مما يلى الرجلين ليس لانزال المرئة في القبر بل ما يلى الرجلين باب لانزال الرجل وخروج من يدخل في القبر .

ص: 200

ودلت الرواية على ان انزال الرجل لابد وان يكون براسه لان العرض لا يمكن من قبل الاسفل كما انها دلت على ان انزال المرئة من قبل القبلة ويؤخذ بالعرض.

واما النازل في القبر

( واما النازل في القبر)

فالزوج اولى من غيره بالنسبة الى المرئة و يليه من كان يراها في حيوتها ففى رواية اسحق بن عمار عن أبي عبدالله قال الزوج احق با مرثته حتى يضعها في قبرها وفى رواية السكونى عن ابی عبدالله (ع) قال قال امير المؤمنين(ع) مضت السنة من رسول الله (ص) ان المرئة لا يدخل قبرها الامن كان يراها في حيوتها وليكن اولى الناس بها في مؤخرها لرواية زيد بن على عن آبائه عن امير المؤمنين (ع) قال يكون اولى الناس بالمرئة في مؤخرها.

و ليكن اولى الناس بالرجل عند راسه لرواية محمد بن عجلان عن ابي عبدالله (ع) قال اذا وضعته فى لحده فليكن اولى الناس مما يلى راسه .

ويكره نزول الوالد في قبر ولده لانه من مظان غلبة الشيطان على الانسان و تبدیل صبره بالجزع ولرواية على بن عبدالله قال سمعت ابا الحسن موسى (ع) قال في حديث لما قبض ابراهيم بن رسول الله (ص) قال يا على الا انزل فالحد ابنى فنزل على (ع) فالحد ابراهيم فى لحده فقال الناس لا ينبغي لاحد ان ينزل في قبر ولده اذ لم يفعل رسول الله الا الله (ص) فقال لهم رسول الله (ص) يا ايها الناس انه ليس عليكم بحرام ان تنزلوا في قبور اولادكم ولكني لست آمن اذاحل احدكم الكفن عن ولده ان يلعب به الشيطان (لع) فيدخله عند ذلك من الجزع ما يحبط اجره ثم انصرف (ص).

وفى حسنة حفص بن البخترى عن ابي عبد الله لا قال يكره للرجل ان ينزل فى قبر ولده والاخبار فى هذالباب فوق حد الاستفاضة.

ويكره الدخول في القبر مع النعلين او الخفين والعمامة والرداء والقلنسوة.

ويكشف عما قلناه رواية ابن أبي يعفور عن ابي عبدالله (ع) قال لا ينبغي لاحد

ص: 201

ان يدخل القبر في نعلين ولاخفين ولا عمامة ولارداء ولا قلنسوة.

وروى على بن يقطين قال سمعت ابا الحسن اللا يقول لا تنزل في القبر وعليك العمامة ولا القلنسوة ولا الحذاء ولا الطيلسان وحل ازرارك و بذلك سنة رسول الله (ص) جرت و يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم و ليقرء فاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله احد وآية الكرسى وان قدر ان يحسر عن خده و يلصقه بالارض فليفعل وليشهد وليذكر ما يعلم حتى ينتهى الى صاحبه.

وفي رواية محفوظ الاسكاف عن ابي عبد الله (ع) قال اذا اردت ان تدفن الميت فليكن اعقل من ينزل فى قبره عند راسه وليكشف خده الأيمن حتى يفضى به الى الارض و يدني فمه الى سمعه ويقول اسمع افهم ثلث مرات الله ربك و محمد نبيك والاسلام دينك وفلان امامك اسمع وافهم واعدها ثلث مرات هذا التلقين قوله (ع) اعقل من ينزل فى قبره معناه الاقرب والاولى ولذا يلقن الميت وقوله (ع) ويكشف عن خده الأيمن يدل على ان الاضجاع لابد وان يكون بميا من الميت كما هو المشهور بل المجمع عليه بل ضروري المذهب.

ويظهر من حسنة زرارة استحباب قرائة آية الكرسي وضرب اليد على منكبه الايمن وتلقينه ربوبية الرب ويكون الاسلام ديناً له وكون محمد (ص) نبيا له وامامة على وتسمية امام زمانه قال اذا وضعت الميت في لحده قرات آية الكرسي واضرب يدك على منكبه الايمن ثم قل يا فلان قد رضيت بالله رباً و بالاسلام ديناً و بمحمد (ص) نبياً وبعلى (ع) اماماً وسم امام زمانه .

و في حسنة محمد بن مسلم عن احدهما (ع) المقال اذا وضع الميت في لحده فقل بسم وفى سبيل الله وعلى ملة رسول الله عبدك و ابن عبدك نزل بك وانت خير منزول به اللهم افسح له في قبره والحقه بنبيه اللهم انا لا نعم منه الاخيرا وانت اعلم به فاذا وضعت عليه اللبن فقل الهم صل وحدته و آنس وحشته و اسکن الیه من رحمتك رحمة تغنيه عن رحمة من سواك فاذا خرجت من قبره فقل انا لله وانا اليه راجعون والحمد لله رب العالمين اللهم ارفع درجته فى اعلى عليين واخلف على

ص: 202

عقبه في الغابرين يارب العالمين .

والاخبار فى هذالباب كثيرة وفى ما ذكرناه كفاية.

ولا اشكال في عدم استناد زرارة قوله الى معصوم لان زرارة ممن لا يقول من عند نفسه ولا يقول من احد سوى المعصوم سلام الله عليه فالمطلوب عند الدفن الاستغفار والدعاء للميت والاسترجاع والحمد لله وتلقين الميت اصول مذهبه.

ويستحب ان يخرج من القبر من قبل الرجلين لرواية السكونى عن ابيعبد الله قال من دخل القبر فلا يخرج الا من قبل الرجلين و مرفوعة سهل بن زياد قال يدخل الرجل القبر من حيث شاء ولا يخرج الا من قبل رجليه قال الكليني رضوان الله عليه و في رواية اخرى قال قال رسول الله ان لكل بيت باباً وان باب القبر من قبل الرجلين .

وامر وحدة النازل فى القبر وتعدده راجع الى ولى الميت الصحيحة زرارة حيث سئل أبا عبدالله عن القبركم يدخله قال ذاك الى الولى ان شاء ادخل وتراً وان شاء شفعا والظاهر ان المراد بالوتر هو الواحد وبالشفع هو الاثنان لا ازيد من هذا .

و يظهر من صحيحة ابى مريم الانصاری جواز دخول أزيد من اثنين لانه قال سمعت ابا جعفر(ع) يقول كفن رسول الله (ص) الى ان قال ثم دخل على اللا القبر فوضعه على يديه وادخل الفضل بن العباس فقال رجل من الانصار من بنى الخيلا يقال له اوس بن خولی انشدكم الله ان يعطوا حقنا فقال له على (ع) ادخل فدخل معها (الحديث).

و يستحب توسيع اللحد بما لم يصادم راس الميت سقفه ليمكن له الجلوس ولقوله (ع) فى مرسلة ابن ابي عمير واما اللحد فبقدر ما يمكن فيه الجلوس ولقول الرضا (ع) مخاطباً الى ابى الصلت الهروى سيحفر لى فى هذا الموضع فتامرهم ان يحفروا لي سبع مراقى الى اسفل و ان يشق لى ضريحة فان ابوا الا ان يلحدوا فتامرهم ان يجعلوا اللحد ذراعين وشبراً فان الله سيوسعه ما يشاء.

ص: 203

و يظهر من هذالخبر جواز شق الضريح دون المحد وتدل ايضا على الجواز ما رواه اسماعيل بن همام عن ابى الحسن الرضا (ع) قال قال ابو جعفر(ع) اذا انامت فاحفروا لي وشقوا لى فان قيل لكم ان رسول صلى الله عليه وآله لحد ل_ه فقد صدقوا.

وفي رواية الحلبي عن ابي عبد الله (ع) قال ان ابى كتب في وصيته الى الى ان قال و شققت له الأرض من اجل انه كان بادناً و من مستحبات دخول القبر حل الازرار لقول ابي عبد الله (ع) لا تنزل القبر وعليك العمامة ولا القلنسوة ولا رداء ولا حذاء وحلل ازرارك .

واما رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع قال رايت ابا الحسن (ع) دخل القبر ولم يحل ازراره فيحمل على النقية لان الامام (ع) لا يترك المستحب من دون مانع ويمكن ان يكون له (ع) مانع آخر سوى التقية .

و يستحب حل عقد الكفن لرواية ابى حمزة قال قلت لاحدهما (ع) يحل عقد كفن الميت قال (ع) نعم وبرز وجهه وفى مقطوعة ابى بصير قال سئلت ابا عبدالله (ع) عن عقد كفن الميت فقال اذا ادخلته القبر فحلها ويقرب من ذلك رواية اسحق بن عمار عن ابی عبدالله .

عن

و يستحب ان يجعل للميت وسادة من تراب وجعل المدرة خلف ظهره منعاً عن الاستلقاء روى محمد بن على بن الحسين باسناده عن سالم بن مكرم عن ابی عبدالله (ع) انه قال يجعل له وسادة من تراب ويجعل خلف ظهره مدرة لئلا يستلقى ويحل عقد كفنه كلها ويكشف عن وجهه ثم يدعى له وفى مرسلة ابن ابی عمیر عن ابيعبد الله (ع) يشق الكفن من عند راس الميت اذا ادخل قبره ولعل المراد من الشق حل عقد الكفن وحمل العلامة وغيره على تعذر الحل .

و يجوز ان يفرش القبر بالساج او بالثوب عند الاحتياج لما روى الكليني رضوان الله عليه باسناده عن على بن محمد القاسانى انه قال كتب على بن بلال الى ابي الحسن (ع) انه ربما مات الميت عندنا وتكون الارض ندية فتفرش القبر

ص: 204

بالساج او نطبق عليه فهل يجوز ذلك فكتب ذلك جائز وعن يحيى بن ابى العلا عن ابی عبدالله (ع) قال القى شقران مولى رسول الله (ص) في قبره القطيفة.

ومما قيل باستحبابه وضع شيء من تربة ابي عبدالله الحسين (ع) مع الميت في قبره ويكفى فى اثبات هذ الاستحباب كونها مما يتبرك بها وكونها امانا من كل خوف كما في بعض الاخبار وصحيحة محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري قال كتبت الى الفقيه اسئله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك ام لا فاجاب لو قرات التوقيع ومنه نسخت يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه انشاء الله تعالى.

وروى في المنتهى وغيره على ما فى الجواهر من ان امرئة كانت تزنى فتضع اولادها فتحرقهم بالنار خوفاً من اهلها ولم يعلم بها غير امها فلما ماتت دفنت وانكشفت التراب عنها ولم تقبلها الارض ونقلت عن ذلك الموضع الى غيره فجرى لها ذلك فجاء اهلها الى الصادق (ع) وحكوا له القصة فقال لامها فما كانت تصنع هذه في حيوتها من المعاصى فاخبرته بباطن امرها فقال الصادق (ع) ان الارض لا تقبل هذه لانها كانت تعذب خلق الله بعذاب الله اجعلوا في قبرها شيئاً من تربة الحسين (ع) ففعل ذلك فسترها الله تعالى قال فى المدارك قال الشيخ نجیب الدین (ره) في درسه يصلح ان يكون هذا مستمسكا حكام في الذكر وفيه ما فيه.

فالشيخ نجيب الدين رحمه الله لما وقف بهذا التاثير الغريب من التربة الحسينية رجى ان تكون وضعه في قبر الميت مفيدا بحاله فحكم بصلاحية هذا الخبر مستمسكا للاستحباب واما صاحب المدارك (قده) راى عدم الارتباط بين الرواية وبين الاستحباب لان مولانا الصادق امر بجعل شيء منها في قبرها لرفع تلك الفضيحة واما استحباب جعلها في قبر الاموات من الاحكام التى يتوقف ثبوتها على دلالة وهذه القضية لاتدل على الاستحباب.

ومن المستحبات في الدفن شرج اللبن وهوان ينضده بالطين على وجه يمنع وصول التراب اليه .

ص: 205

انظر الى موثقة اسحق بن عمار تهتدى الى بابيناه قال سمعت ابا عبد الله (ع) يقول اذا نزلت في قبر فقل بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله (ص) ثم سل الميت سلا فاذا وضعته في قبره فحل عقدته وقل اللهم يارب عبدك وابن عبدك نزل بك وانت خير منزول به اللهم ان كان محسنا فزد في احسانه وان كان مسيئاً فتجاوز عنه بنبيه محمد (ص) وصالح شيعته واهدنا واياه على صراط مستقيم اللهم عفوك عفوك ثم تضع يدك اليسرى على عضده الايسر وتحركه تحريكا شديدا ثم تقول يا فلان بن فلان اذا سئلت فقل الله ربى ومحمد (ص) نبي والاسلام دینی و القرآن کتابی و علی (ع) امامی حتى تسوق الائمة ثم تعيد عليه القول ثم تقول افهمت يا فلان فقال (ع) فانه واله يجيب ويقول نعم ثم تقول ثبتك الله بالقول الثابت و هداك الله الى صراط مستقيم عرف الله بينك وبين اوليائك في مستقر من رحمته ثم تقول اللهم جاف الارض عن جنبيه و اصعد بروحه اليك ولقنه منك برهاناً اللهم عفوك عفوك ثم تضع الطين واللبن فما دمت تضع اللبن والطين تقول اللهم صل وحدته و آنس وحشته و آمن روحته واسكن اليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك فانما رحمتك للظالمين ثم تخرج من القبر وتقول انا لله وانا اليه راجعون اللهم ارفع درجته في اعلا عليين واخلف على عقبه فى الغابرين وعندك تحتسبه يارب العالمين.

ويظهر من هذه الموثقة استحباب تحريك الميت بالحركة الشديدة والاسترجاع عند الخروج واستيفاء الأئمة باجمعهم (ع) واعادة القول عليه.

وفي حسنة ابي بصير عن أبي عبد الله (ع) و اذا وضعته في اللحد فضع فمك الله على اذنه وقل الله ربك والاسلام دينك ومحمد (ص) نبيك والقرآن كتابك وعلى ر الدوستان امامك ولاضير فى اختلاف الفاظ الروايات لان معانيها متقاربة والمقصود تلقين الميت بما يهمه وفى رواية ان النبي (ص) لحد رجلا فراى فرحة فسواها بيده (ص) ثم قال (ص) اذا عمل احدكم عملا فليتقن والاخبار المذكورة مع الاخبار الواردة في مسائلة القبر ما فوق حد التواتر فكم قد ضل من انكر السؤال في القبر عن البدن وهو يرى هذه الاخبار واخبار المسائلة في القبر ودلالة الكتاب عليه قال

ص: 206

الله تبارك وتعالى كيف تكفرون بالله وكنتم امواتاً واحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون وقال في سورة المؤمن قالوا ربنا امتنا اثنتين واحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل الى خروج من سبيل.

ولا يضر الميت تبديل اللبن بالأجر لصحيحة ابان بن تغلب قال سمعت ابا عبدالله (ع) يقول جعل على صلوات الله عليه على قبر النبى (ص) لبناً فقلت ارايت ان جعل الرجل عليه أجراً هل يضر الميت قال (ع) لا ويستفاد منها الجواز .

وبعد اختتام امر اللحد وخروج المتصدى يهيل الحاضرون عليه التراب ونعنى بالاهالة الحثا ويستحب ان يدعوله عند الاشتغال بالاهالة والروايات في هذا الباب كثيرة .

منها حسنة داود بن نعمان عن ابى الحسن (ع) قال سمعت ابالحسن (ع) يقول ما شاء الله لا ماشاء الناس فلما انتهى الی القبر تنحى فجلس فلما ادخل الميت لحده قام الله فحثى عليه التراب بيده .

و منها صحيحة عمر بن اذينة قال رايت ابا عبدالله يطرح التراب على الميت و يمسكه ساعة في يده ثم يطرحه ولا يزيد على ثلثة اكف قال فسئلته عن ذلك فقال كنت اقول ايماناً بك وتصديقاً ببعثك هذا ما وعد الله ورسوله (ص) الی

قوله تسليماً هكذا كان يفعل رسول الله (ص) و به جرت السنة ورواية السكوني تقرب واله وستار من رواية ابن اذينة وقال فى اخره وقال امير المؤمنين صلوات الله عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول من حنا على ميت وقال هذا القول اعطاء الله بكل ذرة حسنة.

منها رواية محمد بن سلم المقطوعة قال كنت مع أبي جعفر(ع) في جنازة رجل من اصحابنا فلما دفنوه قام الى قبره فحتى عليه مما يلى راسه ثلثا بكفه ثم بسط كفه على القبر ثم قال اللهم جاف الأرض عن جنبيه واصعد اليك روحه ولقه منك رضوانا واسكن قبره من رحمتك ما تغنيه عن رحمة من سواك ثم مضى.

ويظهر من اختلاف الروايات فى كيفية الدعاء ان المطلوب هو الدعاء على الميت

ص: 207

بما يفيده من دون اعتبار الفاظ مخصوصة.

و يكره لاب الميت و ذوى قرابته طرح التراب لاستلزامه قساوة القلب الموجب للبعد من ربه تدل عليه موثقة عبيد بن زرارة قال مات لبعض اصحاب ابی عبد الله ولد فحضر ابو عبد الله العلا فلما الحد تقدم ابوه فطرح عليه التراب فاخذ ابو عبد الله بكفيه و قال لا تطرح عليه التراب و من كان منه ذارحم فلا يطرح عليه التراب فان رسول الله لا نهى ان يطرح الوالد و ذورحم على ميته التراب فقلنا يابن رسول الله اتنهانا عن هذا وحده فقال انها كم ان تطرحوا التراب على ذوى ارحامكم فان ذلك يورث القسوة في القلب ومن قسى قلبه بعد من رب__ه ولا تنافى هذه الكراهة رجوع امر التجهيز الى اولى الناس بالميت كما بينا سابقا لما عرفت هناك من ان رجوع الامراليه لا يستلزم مباشرته بالعمل فمعنى الرجوع تحقق العمل من قبله ولو بامر الغير.

و يرتفع الكراهة من ذوى الارحام مع فقد غيرهم والله الرؤف يمنع من تاثيره الذاتى لامره تعالى بالتجهيز وانحصار المجهز في ذوى الارحام .

و بعد انقضاء امر الحثا يربع ا يربع القبر ويرش عليه الماء ويرفع من الارض اربع اصابع اما التربيع فقد مر عليك قول مولانا الصادق الله في رواية اعمش والقبور تربع ولا تسنم.

و في مرسلة الحسن بن وليد عن أبي عبدالله قال قلت لاى علة يربع القبر قال لعلمة البيت لانه نزل تربعاً.

وروى الكليني (قده) في الكافي عن قدامة بن زائدة قال سمعت ابا جعفر (ع) يقول ان رسول الله سل ابراهيم ابنه سلا وربع قبره .

و يعرف من رواية اعمش كراهة التسنيم بل حرمته لانه بدعة و كل بدعة ضلالة.

و روی حماد بن عثمان ابی عبد الله له فى الحسن قال ان ابي قال لى ذات یوم فى مرضه يا بنى ادخل اناساً من قريش من اهل المدينة حتى اشهدهم قال فادخلت

ص: 208

عليه اناساً منهم فقال يا جعفر (ع) اذا انا مت فغسلنى و کفنی و ارفع قبری اربع اصابع ورشه بالماء فلما خرجوا قلت يا ابى لو امرتني بهذا صنعت ولم ترد ان ادخل عليك قوما تشهدهم فقال يا بنى اردت ان لا تنازع وهذه الرواية تدل على استحباب رفع القبر اربع اصابع ورشه بالماء وحيث ان رفع القبر اربع اصابع مناف للتسنيم لانه يحتاج الى ارتفاع ازيد من اربع اصابع وكان من شعار العامة تسنيم القبر اشهد ابو جعفر (ع) حتى لا ينازع احد منهم ابنه في ترك التسنيم ويمكن ان يكون الاشهاد لرشه بالماء او كليهما واما رفع القبر من الارض مقدار اربع اصابع فيدل عليه روايات ففى موثقة سماعة عن أبي عبد الله العلا قال يستحب ان يدخل معه في قبره جريدة رطبة ويرفع قبره من الأرض قدر اربع اصابع مضمومة و ينضح عليه الماء ويخلى عنه وفى هذه الرواية استحباب نضح الماء ايضا .

و في رواية الحلبي عن ابی عبدالله قال ان ابی امرني ان ارفع القبر اربع اصابع مفرجات وذكر ان الرش بالماء حسن ولامنافات بينها وبين رواية حماد لان رواية حماد مطلقة وهذه الرواية مقيدة بتفريج الاصابع ولا تنافي بين المطلق والمقيد و في رواية عمر بن واقد عن ابى الحسن موسى بن جعفر (ع) ولا ترفعوا قبری فوق اربع اصابع مفرجات وهى كرواية الحلبي.

واما التنافى بين هاتين الروايتين وبين رواية سماعة بتقييد انفراج الاصابع فيهما وانفراجها فيها فلاجل استحباب رفع القبر مقدار اربع اصابع مضمومة وكراهه رفعه ازيد من اربع اصابع مفرجة ولذا قال ابو الحسن (ع) ولا ترفعوا قبرى فوق اربع اصابع مفرجات فنهى (ع) عن الزائد عن هذا المقدار .

واما ما روى أن قبر رسول الله (ص) رفع شبراً من الارض فيمكن ان يكون ارتفاع الشبر مختصا بها فلا ينافي رواية الاصابع .

و في رواية اخرى رفع من الارض قدر شبر و اربع اصابع و يحتمل حذف الهمزة وكون متن الرواية او اربع اصابع وعلى كل حال لاتعارضان روايات الاصابع مع ان رواية عقبة بن بشير عن أبي جعفر تعارض رواية الشبر لانه (ع) قال قال

ص: 209

النبي(ص) لعلي (ع) يا على ادفنى فى هذا المكان وارفع قبرى من الارض اربع اصابع ورش عليه من الماء ونهى مولانا الكاظم عن ازدياد الارتفاع عن اربع اصابع مفرجات يكفي للمقول بالكراهة.

واما كيفية الرش على القبر ان يستقبل القبلة ويبدء من عند الراس الى عند الرجل ثم تدور على القبر من الجانب الاخر ثم يرش على وسط القبر لرواية موسى بن اكيل النميرى عن أبي عبد الله (ع) قال السنة في رش الماء ان تستقبل القبلة وتباء من عند الراس الى عند الرجل ثم تدور على القبر من الجانب الاخر ثم يرش على وسط القبر فكذلك السنة.

واما تاثير الرش هو تجافى العذاب عن الميت مادام الندى فى التراب المرسلة ابن ابی عمیر عن ابی عبد الله (ع) في رش الماء قال يتجافى عنه العذاب مادام الندى في التراب.

وما يعرف من رواية الكشى فى كتاب الرجال على ما في الوسائل استحباب تكرار الرش على القبر اربعين يوماً او اربعين شهرا فى كل يوم مرة ففى ذلك الكتاب عن على بن الحسن عن محمد بن الوليد ان صاحب المقبرة سأله عن قبر يونس بن يعقوب و قال من صاحب هذا القبر فان ابا الحسن على بن موسى (ع) امرنى ان ارش قبره اربعین شهرا اواربعين يوما في كل يوم مرة ولامانع من العمل بهذه الرواية لعدم ما يمنع عنه وعدم ورود معارض له

و اما استحباب وضع اليد على القبر بعد النضح عند الراس مستقبل القبلة وتفريج الاصابع وغمز الكف فمقتضى اطلاق صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) ثبوته لعموم من حضر بعد الحثا قال قال واذا حتى عليه التراب وسوى قبره فضع كفك على قبره عند راسه وفرج اصابعك واغمز كمك عليه بعد ما ينضح بالماء وليس فيهذه الرواية تخصيصا ببعض الحاضرين واما موثقة اسحق بن عمار عن ابي الحسن (ع) تخصيص بمن لم يحضر الصلوة على الميت قال قلت لابى الحسن الاول (ع) ان اصحابنا يصنعون شيئاً اذا حضر والجنازة ودفن الميت لم يرجعوا حتى يمسحوا ايديهم

ص: 210

على القبر افسنة ذلك ام بدعة فقال (ع) ذلك واجب على من لم يحضر الصلوة عليه و يقرب من هذه الرواية ما روى محمد بن اسحق قال قلت لابي الحسن الرضا (ع) شيء يصنعه الناس عندنا يضعون ايديهم على القبر اذا دفن الميت قال انما ذلك لمن لم يدرك الصلوة عليه فاما من ادرك الصلوة عليه فلا.

وتقييد المطلق امر شايع فى الاخبار لا ينكر الا ان في متن رواية اسحق بن عمار اضطراب فان توصیف ابي الحسن بالاول ما كان شايعا في زمان حيوته (ع) وفي سندها ضعف ولا تقاوم تقييد الصحيحة وكذا رواية محمد بن اسحق وقال بعض المحدثين في الجمع بينها وبينهما بتاكد الاستحباب مع عدم حضور الصلوة و عدم تا کده معه مع ان في رواية محمد بن اسحق النهى مع ادراك الصلوة وفي رواية اسحق اعراض عن جواب ما سئل السائل بالنسبة الى من لم يدرك الصلوة فالعمل باطلاق الصحيحة اولى من التقييد بهما.

واما ما روى زرارة في الصحيح او الحسن عن أبي جعفر (ع) قال كان رسول الله (ص) يصنع بمن مات من بنى هاشم خاصة شيئاً لا يصنعه باحد من المسلمين كان اذا صلى على الهاشمى ونضح قبره بالماء وضع رسول الله (ص) كفه على القبر حتى يرى اصابعه في الطين فكان الغريب يقدم أو المسافر من اهل المدينة فيرى القبر الجديد عليه اثر کف رسول الله (ص) فيقول من مات من آل محمد (ص) فيحمل وجوها كثيرة من تخصيص بنى هاشم بهذه العلامة واختصاص الرسول (ص) و وكون صاحب القبر تحت ولايته (ص) وكون الحكم عاماً في الاولياء وكون من فعل بقبورهم صاحب مزية من المزايا وغيرها من الوجوه.

والظاهر ان هذا لحكم مخصوص بالنبي الله لان الائمة بعده(ع) لم يسمع ولم ينقل منهم هذا العمل ولو كان استحبابه عاماً لم يتركوا .

ويستحب التلقين الثالث من الولى بعد انصراف الناس عن القبر .

روى جابر بن يزيد عن أبي جعفر (ع) قال يا على احدكم اذا دفن ميته وسوى عليه و انصرف عن قبره ان يتخلف عند قبره ثم يقول يا فلان بن فلان هل

ص: 211

انت على العهد الذي عهدناك به من شهادة ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله (ص) وان عليا امير المؤمنين ع امامك وفلان وفلان حتى ياتي على آخر هم فانه اذا فعل ذلك قال احد الملكين لصاحبه قد كفينا الوصول اليه و مسئلتنا اياه فانه قد لقن فينصر فان عنه ولا يدخلان عليه.

و في رواية يحيى بن عبدالله وضع الفم عند راسه و النداء باعلى صوته قال سمعت ابا عبد الله (ع) يقول ما على اهل الميت منكم ان يدرؤا عن ميتهم لقاء منكر ونكير قال قلت كيف تصنع قال اذا فرد الميت فليتخلف عنده اولى الناس به فيضع فمه عند راسه ثم ينادى باعلى صوته يا فلان بن فلان او يا فلانة بنت فلان هل انت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله سيد النبيين (ص) و ان عليا امير المؤمنين سيد الوصيين وان ما جاء به محمد حق وان الموت حق والبعث حق وان الساعة آتية لاريب فيها وان الله يبعث من فى القبور قال فيقول منكر لنكير انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجته و يظهر من هاتين الروايتين ان التلقين يوجب ترك سؤال الملكين وانصرافهما عن الميت وما يؤثر هذا الاثر فيتاكد استحبابه ويقرب بالوجوب .

و يظهر من مرسلة ابراهيم بن هاشم عن ابي عبد الله (ع) المروية في العمل على ما فى الوسائل قال ينبغى ان يتخلف عند قبر الميت اولى الناس به بعد انصراف عنه ويقبض على التراب بكفيه ويلقنه برفيع صوته فاذا فعل ذلك كفى الميت المسئلة في قبره.

و يكره ان يوضع على القبر من غير ترابه لا ه ثقل على الميت ولما روى السكوني عن ابی عبد الله (ع) ان النبى (ص) ما نهى ان يزاد على القبر تراب لم يخرج منه وعن ابي عبد الله (ع) قال لا تطينو القبر من غير طينه.

ومرسلة صدوق قال قال الصادق ع كل ما جعل على القبر غير تراب القبر فهو ثقل على الميت.

وروى اصبغ بن نباته عن امير المؤمنين صلوات الله عليه قال من حدد قبرا

ص: 212

او مثل مثالا فقد خرج من الاسلام ورواها الصدوق مرسلا فنقل عن الصفار انه روى بالجيم وفسر بانه لا يجوز تجديد القبر ولا تطيين جميعه بعد مرور الايام وبعد ما طين ولكن اذا مات ميت وطين قبره فجائز ان يرم سائر القبور.

و نقل عن سعد بن عبدالله انه روى حدد بالحاء المهملة يعنى به من تسنم وعن البرقي انه روى من حدث قبرا بالجيم والثاء و يمكن ان يكون معناه من جعل قبر انسان قبرا لغيره لان معنى الجدث هو القبر .

و قال الصدوق بعد نقل هذه الاقوال في الفقيه و الذي اذهب اليه انه جدد بالجيم ومعناه نبش قبراً لان من نبش قبراً جدده واحوج إلى تجديده وقد جعل__ه جدثاً محفوراً واقوال ان التجديد على المعنى الذي ذهب اليه محمد بن الحسن الصفار والتحديد بالحاء غير المعجمة الذي ذهب اليه سعد بن عبدالله و الذي قاله البرقى من انه حدث كله داخل في معنى الحديث فان من خالف الامام في التجديد والتسنيم والنبش و استحل شيئاً من ذلك فقد خرج من الاسلام و قولى في ذلك قول ائمتي صلوات الله عليهم فان اصبت فمن الله على السنتهم وان اخطات فمن عند نفسي انتهى كلامه رفع مقامه .

و قال الشيخ في التهذيب بعد نقل الاقوال المذكور وكان شيخنا محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله يقول ان الخبر بالخاء والدالين وذلك ماخوذ من قوله تعالى قتل اصحاب الاخدود والخد هو الشق يقال خددت الارض خداً اى شققتها وعلى هذه الروايات يكون النهى تناول شق القبر اما ليدفن فيه او على جهة النبش على ما ذهب اليه محمد بن على وكل ما ذكرناه من الروايات و المعانى محتمل والله اعلم بالمراد والذي صدر الخبر عنه عليه انتهى كلامه رضى الله عنه ومقتضى النظر الدقيق ان الانسب ، الاقرب هو ما ذهب اليه سعد بن عبدالله فانظر الى رواية السكونى عن ابی عبدالله (ع) قال قال امير المؤمنين (ع) بعثني رسول الله (ص) فقال لا تدع صورة الامحوتها ولا قبرا الا سويته ولا كلبا الا قتلته تصدق بكون التحديد انسب لان التسوية تقابل التسنيم الذي هو التحديد.

ص: 213

و اما التجديد بالجيم والتفسير بالنبش فبعيد عن الذهن و النبش اوضح من التجديد واما التجديد مع تفسير الصفار يساوق التفسير بالنبش فبعيد عن الذهن مثله.

و اما ما ذهب اليه البرقي قلنا في ظاهر اللفظ و ان صح كان حديث آخر ولا دليل على التصحيف مع ان تصحيف الدال بالثاء غريب في الغاية.

واما ما ذهب اليه المفيد فهو عبارة أخرى عن النبش ان فسر بالشق واما الاخدود فمعناه الحفرة ولا ينظر الى الشق وكيف كان فكل ما صدر من هولاء الاعلام صحیح فی غاية الصحة من غير ان يكون معنى لهذا الخبر لان هذا الخبر موافق لقول الرسول لا تدع صورة الا محوتها ولا قبراً الا سويته و التسوية تقابل التحديد والتسنيم .

ولو وقع مسلم في بئر ومات فيها فان امكن اخراجه منها يخرج و يغسل و يكفن و يصلى عليه و يدفن وان لم يمكن اخراجه منها تعطل البئر وتجعل قبراً للمسلم لرواية العلاء بن سيابة عن أبي عبد الله (ع) في بئر مخرج فوقع فيه فمات فيه فلم يمكن اخراجه من البئر ايتوضى فى تلك البئر قال لا يتوضى فيه تعطل و تجعل قبرا وان امكن اخراجه اخرج وغسل ودفن قال رسول الله (ص) حرمة المرء المسلم ميتاً كحرمته وهو حى سواء و يستحب الترحم على الميت بعد تسوية القبر ففى موثقة سماعة عن ابي عبد الله (ع) اذا سويت عليه التراب فقل اللهم جاف الارض الله عن جنبيه واصعد روحه الى ارواح المؤمنين في عليين والحقه بالصالحين وفي مقطوعة محمد بن سلم قال كنت مع ابي جعفر (ع) فى جنازة رجل من اصحابنا فلما ان دفنوه قام الى قبره محنا التراب عليه مما يلى راسه ثلثا بكفه ثم بسط كفه على القبر ثم قال اللهم جاف الارض عن جنبيه واصعد اليك روحه ولقه منك رضواناً واسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك.

ثم ويجوز وضع الحصبا واللوح على القبر وكتابة اسم الميت عليه لمرسلة ابان عن بعض اصحابه عن ابی عبد الله (ع) قال قبر رسول الله محصب حصباء حمراء و رواية يونس بن يعقوب قال لما رجع ابوالحسن موسى (ع) من بغداد ومضى الى

ص: 214

المدينة ماتت له ابنة بفيد فدفنها وامن بعض مواليه ان يجصص قبرها و يكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر.

و روى الصدوق (قده) في اكمال الدين باسناده عن جارية لابي محمد (ص) ان ام المهدى ماتت في حيوة ابي محمد (ص) و على قبرها لوح مكتوب عليه هذا قبرام محمد (ص) و سيجيء رواية على بن جعفر وغيره عن ابى الحسن (ع) السلام عدم صلاحية تجصيص القبر ولعل امره (ع) بعض مواليه بتخصيص قبر ابنته كان لمصلحة مقتضية مجوزة له في ذلك المكان اوذلك الزمان اوكان التجصيص لنصب اللوح على القبر فان الامام (ع) لا يامر بالمكروه فحمل رواية يونس على الجواز ورواية على بن جعفر على الكراهة ليس على ما ينبغى.

و يكره البناء على القبور لرواية على بن جعفر قال سئلت ابا الحسن موسى اللا عن البناء على القبر والجلوس عليه هل يصلح قال لا يصلح البناء عليه ولا الجلوس ولا تجصيصه ولا تطينه فترى ان الامام (ع) نفى الصلاحية عن التجصيص والتطيين مع كون السؤال عن البناء والجلوس.

وفى رواية يونس بن ظبيان عن ابي عبد الله (ع) قال نهى رسول الله (ص) ان يصلى على قبر او يقعد عليه او يبنى عليه فتدل على كراهة الصلوة عليه و القعود عليه والبناء.

وفي حديث المناهي نهى رسول الله (ص) ان يجصص المقابر وفي مرفوعة القاسم بن عبيد عن النبي (ص) أنه نهى عن تقصيص القبور قال وهو التجصيص وفي را الدوسر القعود على القبر نوع اهانة على الميت فلا يبعد عدم جوازه ويرتفع كراهة التجصيص والتطيين اذا انحصر حفظ الميت عليهما و يظهر من رواية جراح المدائني عن ابی عبد الله (ع) عدم جواز البناء على القبور وتصوير سقوف البيوت حيث قال لاتبنوا على القبور ولا تصوروا سقوف البيوت فان رسول الله (ص) كره ذلك فان الكراهة واله وستة في اصطلاح الفقهاء رضوان الله عليهم هو المنع من غير عقاب على الفعل فمعناه اولوية الترك لا الوجوب واما كراهة رسول الله (ص) دليل على وحدة مفادها

ص: 215

المعنى المصطلح فان لفظ الكراهة بحسب اصل اللغة يفيد المنع من الفعل ووجوب الترك فهو يساوق لفظ الحرمة.

فان انكاره يقابل المرتد و قوله تعالى ايجب احدكم ان ياكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه يهدينا الى ما هو الحق فتصدق بان الكاره لايرضى بالعمل بالمكروه ولا يعمل به .

واما التعزية فهو من المحسنات العقلية التي قررها الشرع وجاء في الكتاب با بلغ بيان واوفاه ففى سورة البقرة يا ايها الذين آمنو استعينوا بالصبر والصلوة ان الله مع الصابرين ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله اموات بل احياء ولكن لا تشعرون ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع و نقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله و انا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون

خمس آیات و فيها من انواع التعزية واقسام التسلية فاى الم يبقى للصابرين بعد علمهم بان الله و اى حزن يبقى لهم بعد ما وردت البشارة من الله الرؤف بعد الاسترجاع بل كيف يمكن بقاء الهم والغم للمصاب بعد اطلاعه بان عليه صلوات من ربه و رحمة و ان الله نسب الاهتداء اليه فلا يتصور تعزية فوق ما عزاه الله الا انها تحصل بكل ما يوجب تسكين اضطراب المصاب وتقليل همه وغمه حتى ارائة نفسه الصاحب المصيبة القول (ع) كفاك من التعزية ان يراك صاحب المصيبة.

وافضل اقسام التعزية تذكره المصاب المصائب الواردة على ساداتنا وموالينا من النبي (ص) و الائمة (ع) لان كل مصيبة صغيرة اذا لو حظت مع المصيبات الواردة عليهم الله فكل من تذكر ما ورد على اهل بيت النبي (ص) بارتحاله عن هذه النشأة الدنية وما ورد على امير المؤمنين والحسن والحسين (ع) بفجائهم برحلة سيدة نساء العالمين بعد النبي صلى الله عليهما وعلى اولاد على بفقده (ع) يصغر المصيبة الواردة عليه اى مصيبة كانت ولو فرض بقاء شيء من الألام يتذكر ما ورد على الحسنين سيما الحسين صلى الله عليهما .

ص: 216

ومما يوجب تسكين القلب ورفع الهموم الدعاء له بالخلف ان كان اصاب بالولد والاجر الجزيل والثواب الجميل وائمتنا (ع) كانوا يعزون اصحابهم بما يرون تاثيره بصاحب المصيبة ويحثون بالتعزية ويثبتون لها الاجر والثواب ففى رواية السكوني عن ابي عبدالله عن آبائه (ع) قال قال رسول الله (ص) من عزى حزيناً کسى في الموقف حلة يجر بها وفي رواية وهب عن ابی عبدالله (ع) قال قال رسول الله (ص) من على مصاباً كان له مثل أجره من دون ان ينقص من أجرالمصاب شيء.

و روى محمد بن على بن الحسين قال قال رسول الله التعزية تورث الجنة و في ثواب الاعمال باسناده عن السكوني عن جعفر بن محمد الصادق (ع) عن ابيه عن آبائه (ع) قال قال رسول الله التعزية تورث الجنة وفى المقنع عن أبي عبد الله (ع) قال من عزى مؤمنا كسى فى الموقف حلة يجربها والاخبار في هذالباب كثيرة.

وكلما اشتدت الحزن والكتابة يتفاضل التعزية والتسلية روى ابو الجارود عن ابى جعفر (ع) قال كان فيما ناجی به موسی علی نبینا و على نبينا و آله (ع) و ربه ربه قال يار به ما لمن عزى الثكلى قال اظله فى ظل يوم لا ظل الا ظلمي و في قوله عز وجل اظله اشارة الى عظم شان من عزى الثكلى و روى في ثواب الاعمال ايضا ثم ان هذا العمل يحسن في كل وقت من الاوقات قبل الدفن و بعده لان اصل التعزية الرفع الحزن والهم عن المصاب وهما حاصلان له قبل الدفن وبعده.

روى هشام بن الحكم فى الصحيح قال رايت موسى بن جعفر (ع) يعزى قبل الدفن وبعده الاان بعد الدفن يتاكد استحباب التعزية بمثابة يعبر عنه بالوجوب ففى مرسلة ابن ابى عمير عن مولانا الصادق (ع) قال التعزية لاهل المصيبة بعد ما يدفن وفى مرسلة الصدوق التعزية الواجبة بعد الدفن وكذا في مرسلة محمد بن خالد عن ابي عبد الله اللام التعزية الواجبة بعد الدفن.

وان شئت معرفة كيفية تعزية الائمة نذكر لك رواية حاكية عنها ففى مرسلة

ص: 217

رفاعة النخاس عن رجل عن أبی عبدالله (ع) قال عزی ابوعبدالله (ع) رجلا بابن له فقال الله عز وجل خير لابنك منك وثواب الله خير لك من ابنك فلما بلغه شدة جزعه بعد ذلك عاد اليه فقال له قد مات رسول الله (ص) فما لك به اسوة فقال انه كان مراهقاً فقال ان امامه ثلث خصال شهادة ان لا اله الا الله ورحمة الله وشفاعة رسول الله الله فلن تفوته واحدة منهن انشاء الله تعالى.

وان شئت الزيادة فنز يدك برواية عمرو بن سعيد الثقفي عن أبي جعفر (ع) قال قال ان اصبت بمصيبة فى نفسك او فى مالك اوفى ولدك فاذكر مصابك برسول الله (ص) فان الخلايق لم يصابوا بمثله قط ورواية جابر عن ابی عبدالله عليه السلام عليه واله قال من قدم من المسلمين ولدين يحتسبهما عند الله عز وجل حجباه من النار باذن الله تعالى.

وفي صحيحة ابي اسماعيل السراج عن ابی عبدالله (ع) قال ولد يقدمه الرجل افضل من سبعين ولدا يخلعهم بعد كلهم قد ركبوا الخيل وجاهدوا في سبيل الله والروايات في هذا الباب فى غاية الكثرة وفيما ذكرناه تحصل العبرة .

ويستحب اتخاذ النعش لحمل الميت سيما اذا كان امرئة لصحيحة الحلبي عن ابی عبدالله (ع) قال سئلته عن اول من جعل له النعش قال فاطمة ال وروى الصدوق مرسلا عن ابی عبدالله (ع) قال قال الصادق (ع) اول من جعل له النعش فاطمة بنت محمد صلوات الله عليهما.

وفي رواية سليمان بن خالدعن ابی عبدالله (ع) قال سئلته عن اول من جعل له النعش فقال فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليهما و يظهر من بعض الروايات انه صنعت لها (ع) اسماء بنت عميص حين شكت عن رؤية الناس حجم جثتها (ع) على السرير حيث قالت الى قد استقبحت ما يصنع بالنساء انه يطرح على المرئة الثوب فنصفها لمن راى فقالت اسماء يا بنت رسول الله انا اصنع لك شيئاً رايته بارض الحبشة قالت فدعوت بجريدة رطبة فحبستها ثم طرحت عليها ثوباً كما انه يستحب تغطية القبر عند وضع الميت اذا كان امرئة ويجوزان كان رجلا لرواية جعفر بن كلاب

ص: 218

قال سمعت جعفر بن محمد (ص) يقول يغشى قبر المرئة بالثوب ولا يغشى قبر الرجل وقد مد على قبر سعد بن معاذ ثوب والنبى (ص) شاهده فلم ينكر ذلك.

ويستحب التوضا بعد ادخال الميت القبر روى عبدالله بن العلى الحلبى وتحمل بن مسلم عن احدهما (ع) في حديث قال توضا اذا ادخلت الميت القبر وفي رواية محمد بن مسلم عن احدهما قال قلت له من ادخل الميت القبر عليه وضوء قال لا الاان يتوضا من تراب القبر ان شاء ويظهر من هذه الرواية ان الامر بالتوضا في السابقة ليس لاستحباب الوضوء بل لاستحباب التوضا اى الغسل من تراب القبر.

واما دفن الميتين او اكثر في قبر واحد فمقتضى قوله (ص) للانصار يوم احد احفروا ووسعوا وعمقوا واجعلوا الاثنين والثلثة فى القبر الواحد الجواز وحمل هذا الحديث على الضرورة لان يوم الاحد قد كثر القتلى فما كان في وسعهم ان يحفروا لكل قتيل قبراً ( وفيه ( ان الكثرة موجب للضرورة اذا تعذر الحفر لكل واحد منهم والتعذر غير معلوم بل المعين هو التعسر و هو لا يوجب الضرورة و ما يجوزه التعسر مع الامكان لا يكون حراما فقول الامام (ع) لا يدفن في قبر اثنان يدل على الكراهة لا الحرمة .

هذا اذا دفن اثنان في اول الامر معاً و اما مع دفن واحد بحيث دفن غيره معه يوجب نبش القبر فحرام لاستلزام الدفن الثاني نبش قبر الاول لا لتعدد الميت ووحدة القبر الا ان يمنعه مانع آخر ككون القبر ملكا لاحد لا يعلم برضائه للثاني او ملكا للميت فاوصى بدفنه فى ملكه او كان دفن الثانى موجبا للضيق للاول بما لا يجوز تضيق القبر من اول الأمر بتلك المثابة فمع قطع النظر عن حرمة النبش واستتباع دفن الثانى محرما فاصل الاثنينية موجب للكراهة لا الحرمة لعدم ما يدل على الحرمة فى اخبار اهل البيت (ع).

واما نقل الميت الى بلد آخر غير المشاهد المشرفة فما لم يوجب تغييراً بحال الميت فمكروه لفوات استحباب تعجيل التجهيز ومع التغير فيحرم النقل (ح) لمنافاته لحكمة الدفن وتزول الكراهة مع عدم التغيير اذا كان النقل لوصية

ص: 219

الميت لان العمل بوصيته اهم من التعجيل في تجهيزه اولم يكن في بلد الميت محل مباح للدفن بل يجب النقل (ح) .

واما نقل الميت الى بعض مشاهد الائمة فمقتضى اطلاق قول النبي (ص) عجلوا بهم الى مضاجعهم وقوله لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولاغروبها وكذا اطلاق قوله (ص) اذا مات الميت اول النهار فلا يقيل الا فى قبره وامثالها مما يامر بالتعجيل او ينهى عن التأخير عدم جواز نقل الميت من بلد الموت لمنافات النقل التعجيل وايجابه التاخير وليس في الاخبار تصريح بالاذن في النقل بل تكشف ان التاخير فى امر التجهيز موجب لاهانة الميت لقول الرسول صلى الله عليه و آله كرامة الميت تعجيله.

الا ان الاصحاب ذهبوا الى جواز النقل بل استحبابه وتمسكوا بامور :

منها الاجماح العملى فذكروا ان عليه عمل الامامية من زمن الائمة الى الان من غير تناكر فهواما اجماع منهم او اقوى منه بل لا يبعد دعوى كونه اقوى منه بمراتب كثيرة وهذا لقدر كاف فى اثبات المسئلة .

ومنها خبر اليماني الذي قد بابيه على ناقة الى الغرى المروى في إرشاد - القلوب وفرحة الغرى للسيد عبد الكريم بن السيد بن طاوس.

وفيه انه كان امير المؤمنين (ع) اذا اراد الخلوة بنفسه ذهب الى طرف الغرى فبينما هوذات يوم هناك فشرف على النجف فاذا رجل قد اقبل من اليمن راكباً على ناقة قد امه جنازة فحين راى عليا قصده حتى وصل اليه وسلم عليه فرده عليه وقال من اين قال من اليمن قال (ع) و ما هذه الجنازة التى معك قال جنازة ابي لا دفنه في هذا الارض فقال له على (ع) الا دفنته فى ارضكم قال اوصی و قال انه يدفن هناك رجل يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر فقال (ع) اتعرف ذلك الرجل قال لا فقال انا والله ذلك الرجل ثلثا فادفن فقام فدفنه.

واللبيب المتامل لايرى فى هذه الرواية دلالة على المطلوب لان اليمانى جاء بابيه الى الغرى وبعد مجيئه به لابد و ان يدفن فامر (ع) بدفنه لان التسريع

ص: 220

في الدفن (ح) يحصل بدفنه فى الغرى وامره (ع) بدفنه ليس امضاءاً لعمله على ان هذا خاص لمن وصى بالنقل والمطلوب اعم منه والخاص لا يدل على العام .

ومنها نحوى رواية محمد بن مسلم عن مولانا الباقر(ع) المروية عن مجمع - البيان وقصص الانبياء للراوندى قال لما مات يعقوب (ع) حمله يوسف (ع) في تابوت الى ارض الشام فدفنه في بيت المقدس.

ويمكن ان يكون لنقله ال(ع) اياه (ع) مصلحة مختصة في ذلك الزمان فلا يدل على محبوبية النقل في شرع الاسلام مع التأكيدات الواردة فيه باسراع التجهيزكما مر عليك.

ومنها رواية الحسن بن على الفضال عن مولانا ابى الحسن المروية في الفقيه والعيون والخصال وفى الرياض عن الكافى والخصال والعيون والفقيه عن الصادقين (ع) ولكن في الفقيه عن الصادق (ع) ان الله تبارك وتعالى اوحى الى موسى بن عمران (ع) ان اخرج عظام يوسف (ع) من مصر و وعده طلوع القمر فابطأ طلوع القمر عليه فسال عن من يعلم موضعه فقيل له هيهنا عجوز تعلم علمه فبعث اليها فاتي بعجوز مقعدة عمياء فقال اتعرفين قبر يوسف (ع) قالت نعم قال فاخبريني بموضعه قالت لا افعل حتى تعطينى خصالا تطلق رجلى وتعيد الى بصرى وترد الى شبابي فاجعلني معك في الجنة فكبر ذلك على موسى على نبينا و (ع) فاوحى الله عز وجل اليه ان اعطها ما سئلت فاعطاها فدلته على قبر يوسف (ع) فاستخرجه من شاطى النيل فى صندوق مرمر فلما اخرجه طلع القمر فحمله الى الشام فلذلك يحمل اهل الكتاب موتاهم الى الشام وعدم دلالتها على المطلوب لا يخفى على المتامل لان ه_ذه قضية شخصية لا تستفاد منها قاعدة كلية سارية فى جميع الموارد سيما مع اختلاف الشريعة فيجوزان يكون لنقل عظام يوسف عليه صلوات الله خصوصية لاجلها امر الله به فيمكن ان يكون قرب القبر الى شاطى النيل هو السبب اوشيء آخر غير

معلوم لنا.

مع ان هذه القضية يشتمله على اخراج العظام من القبر فمن يستدل بها

ص: 221

فيستدل بها على جواز الاخراج المستلزم للنبش المحرم وهو كما ترى .

ومنها رواية المفضل عن مولانا الصادق (ع) المروية عن كامل الزيارة قال ان نوحاً على نبينا وعليه الصلوة والسلام نزل في الماء الى ركبتيه بعد ان طاف في البيت واستخرج تابوتاً فيه عظام آدم على نبينا و آله و (ع) وحملها حتى دفنها بعد ان بلعت الارض الماء فى الارض الغرى وهذه كسابقته في عدم الدلالة لعدم ظهور الوجه فيها مع ان الغرى مما يقرب نزول السفينة .

و منها رواية على بن سليمان قال كتبت اليه اسئله عن الميت يموت بعرفات يدفن بعرفات او ينقل الى الحرم فايهما افضل فكتب يحمل الى الحرم ويدفن افضل وهذه مكاتبة مضمرة لا يستدل بها على الاحكام مع ان البعد بين الحرم والعرفة ليس بمثابة يتغير الميت فيهذا المقدار من البعد كما ان خبر سليمان كتبت الى ابي الحسن اسئله عن الميت يموت بمنی او عرفات دون منی قريب من الحرم ومن المعلوم ان كراهة النقل في صورة عدم التغير يرتفع اذا كان المكان المنقول هو الحرم اوما هو منزل منزلته كالمشاهد المشرفة.

و حكى عن الشهيد رضوان الله عليه انه نقل عن الغرية انه قد جاء حديث يدل على رخصة فى نقل الميت الى بعض مشاهد آل الرسول صلى الله عليه و آله ان اوصى الميت بذلك ولم ينقل الحديث اليناكى نرى مفاده ودلالته على المطلوب.

والحاصل ان ما تمسكوا من الاخبار على جواز نقل الموتى االى المشاهد المشرفة لايدل عليه على الاطلاق فلولم يدل السيرة على جواز النقل لا ينبغى الحكم بالجواز فضلا عن الاستحباب وقد افرط كاشف الغطاء (قده) على ما نقل عنه اذ قال لو توقف نقله على تقطيعه اربا اربا جاز ولاهتك فيه.

و من استعار ارضا من انسان للدفن و دفن فيها لم يجز للغير الرجوع اليها قبل البلالان مقتضى اعارة الأرض للدفن بقاء الميت الى ان يبلى ولان النبش محرم قبل ان يبلى الميت ولو دفن قتيل ثم وجد منه جزء لم ينبش القبر لالحاق الجزء الى بدنه بل يدفن بجنبه او موضع آخرلان النبش محرم وتفرقة الجزء بعد ما يوجد

ص: 222

ليس بمحرم .

ولو مات الاغلف لم يختتن بعد الموت بل يدفن بعد الغسل والكفن و عليه فتوى العلماء كما فى المعتبر لعدم جواز ابانة جزء من الميت وتكليف الحيوة لا يجرى بعد الموت.

ولو بلع انسان جوهرا او مالا ومات فالظاهر انه لم يشق بطنه لاخراج ما يبلع لما ورد عن النبى ان حرمة الميت كحرمة الحى فكلما لا يشق بطن الحي لا يشق بطن الميت من غير فرق بين ان يكون ما بلع مالا له او لغيره و نقل عن الشافعى التفصيل بين الفرضين فجوز الشق اذا كان مالا للغير ولعل نظره الى احترام مال الغير وهو ضعيف وحيث انه حال بين الغير وماله يجب اخذ بدل الحيلولة من ماله ان كان له مال وان لم يكن له مال فما بلع باق فى ملك مالكه فلواندرس وبلى الجسد وتفرق اجزائه وانكشف المال ياخذه مالكه ولو بالنبش لعدم حرمة النبش (ح) وفقد الهتك.

ولوكان في يد الميت خاتم او فى اذنه حلقة ياخذ ولا يدفن معه لان الدفن تضييع للمال وهو محرم ولو توقف الاخذ الى كسر الخاتم او الحلقة يكسر ويؤخذ .

قال في المعتبر قال في المبسوط الجلوس للتعزية يومين او ثلثة مكروه اجماعا و انكر هذا لقول بعض المتاخرين و استدل بانه اجتماع و تزاور فيكون مستحبا.

والجواب ان الاجتماع والتزاور من حيث هو مستحب اما اذا جعل لهذا لوجه واعتقد شرعيته فانه يفتقر الى الدلالة والشيخ استدل بالاجماع على كراهيته اذام ينقل من احد من الصحابة اوالائمة الجلوس لذلك فاتخاذه مخالفة لسنة السلف لكن لا يبلغ ان يكون حراماً انتهى.

اما الاجماع فلو علم دخول المعصوم فيه فلار ادله الاان صرف عدم النقل عن احد من الصحابة اوالائمة الجلوس لذلك لا يدل على اجتماعهم بكرامته واما الافتقار الى الدلالة فالكراهة اولى بها لان الجواز والاباحة فيكفي فيه الاصل بعد فقد

ص: 223

الدلالة ولكن الكرامة فحيث انها حكم شرعى على خلاف الاصل تحتاج الى الدلالة و قد عرفت ان عدم النقل لا يدل عليها مع ان الاعتقاد بشرعية الجلوس اذا توقف على الدلالة ولم تثبت فان كان تشريعاً يناسب الحرمة لا الكراهة .

وان كان المراد بشرعيته انه غير ممنوع في الشرع لعدم الدلالة على المنع فلا ينبغى الحكم بالكراهة لان الاصل الجواز وكل من الكرامة والحرمة والاستحباب والوجوب يحتاج الى الدلالة المفقودة و لك ان تقول ان استحباب التعزية يقتضى عدم المنع من الجلوس لان الجلوس من مقدمات التعزية و به تتكثر التعزية المطلوبة فالدليل ينحصر بالاجماع مع تحقق شرطه وتمامية اركانه.

ويجوز النوح والبكاء من غير كراهة والدعى العلامة (قده) في التذكرة الاجماع والاخبار فى طرق العامة والخاصة مختلفة فمنها ما يجوزها ومنها ما يمنع عنهما و بالجواز قال احمد من العامة على ما حكى عنه العلامة وورد في طرقهم ان النبي صلى الله عليه و آله قبل عثمن بن مظعون وهو ميت ورفع راسه وعيناه تهرقان ومن طريق الخاصة.

قال

روى ابو بصير عن احدهما (ع) قال لما ماتت رقية بنت رسول الله (ص) قال رسول الله (ص) الحقى بسلفنا الصالح عثمن بن مظعون و اصحابه وفاطمة الا على شفير القبر تنحدر دموعها في القبر.

وروى ابو جعفر بن بابويه قال قال الصادق (ع) لما مات ابراهيم بن رسول الله (ص) قال رسول الله (ص) حزاً عليك يا ابراهيم وانا الصابرون يحزن القلب وتدمع العين ولا نقول ما يسخط الرب تعالى قال و قال (ع) من خاف على نفسه من وجد بمصيبة فليفض من دموعه فانه يسكن عنه قال و قال (ع) ان رسول الله (ص) حين جائته وفاة جعفر بن ابی طالب وزيد بن حارثة كان اذا دخل بيته كثر بكائه عليهما جداً ويقول كانا يحدثانى ويونسانى فذهبا جميعا .

ويظهر من قوله (ع) من خاف على نفسه (الخ) ان البكاء (ح) محبوب لارتفاع الحزن بها وبكاء الامام زين العابدين (ع) من ادل الدلائل على الاستحباب الاان البكاء

ص: 224

على الحسين (ع) واولاده واصحابه لايقاس بها البكاء على غيرهم(ع) وفي الاخبار ع الاخر كفاية على الجواز وما تركنا من الاخبار اكثر مما نقلناه واحتج من ذهب الى تحريم النوح من العامة بما روت ام عطية قالت اخذ علينا النبي (ص) عند البيعة الاتنوح وهذه الرواية بعد تسليم ورودها محمولة على النياحة المتضمنة على القول بالباطل المسخط للرب تعالى شانه والكاشف عن عدم الرضا بقضاء الله تبارك وتعالى وهذا النحو من النوح لا اشكال في حرمته ولايقول بجوازه احد من المسلمين فضلا عن الامامية قدس الله اسرارهم.

فالحاصل ان الواردة فى المقام طائفتان من الروايات من طرق العامة والخاصة الاولى منهما و هى اكثر تدل على الجواز والاخرى على المنع وهى مع ندرتها محمولة على النياحة المتضمنة على الحرام .

هذا كله مع قطع النظر عن خصوصيات الميت.

واما اذا لاحظها فضيلته عند ربه ومنقبته فكل من اقرب الى الله تعالى شانه فالبكاء عليه افضل و لذا نعتقد ان البكاء على النبي (ص) و اهل بيته المعصومين سلام الله عليهم اجمعين من اكمل الطاعات وافضل القربات .

بل ورد في الشرع يدل على استحباب البكاء على المؤمن روى الكليني باسناده عن على بن رئاب عن ابى الحسن (ع) قال سمعت ابا الحسن الاول (ع) يقول اذا مات المؤمن بكت عليه الملئكة وبقاع الارض التي كانت يعبدالله عليها وابواب السماء التي كان يصعد اعماله فيها وثلم ثلمة فى الاسلام لا يسدها شيء لان المؤمنين حصون الاسلام كحصون سور المدينة.

وفي رواية اخرى بين ان المؤمنين الفقهاء .

وما ورد من انه لا يصلح الصياح على الميت وان الصبر خير محمول على غير من له منزلة و قرب عند الله تعالى شانه و من لم يثلم بموته ثلمة في الاسلام فانظر الى جواب ابى محمد الحسن بن العلى العسكرى ما كتب اليه ابوعون الابرش ان الناس قد استوهنوا من شقك على ابى الحسن (ع) فقال يا احمق مالك وذاك قد شق موسى

ص: 225

على هارون وفي طريق آخر فكتب اليه ابوعون من رايت و بلغك من الائمة شق قميصه في مثل هذا فكتب اليه ابو محمد (ع) يا احمق و ما يدريك ما هذا قد شق موسی على هرون و معنی کلامه سلام الله عليه ان مثل عون و امثاله لا يدرون معنی شق الجيب على مثل ابى الحسن (ع) فان شق الجيب عليه (ع) لاجل وقوع ثلمة عظيمة فى الاسلام لا يسدها شيء لانه قطب دائرة الاسلام ولولاه اومن يقوم مقامه لساخت الارض باهلها فشق جيبه له (ع) لانثلام حصن الاسلام بموته كما ان شق موسى جيبه لاخيه هرون (ع) لكونه وزيرا له وشريكا له في امر الهداية وشق الجيب اعلى من الصراخ والصياح على الميت فلابد ان يحمل عدم صلاحية الصياح وحسن الصبر على من حملناه لان الصراخ والصياح وشق الجيب لموت اركان الدين تنشأ من العلاقة بالاسلام و اعوانه و اركانه فكل من لايدرى ان فعل المعصوم نبياً كان او وصياً لاجل هذه العلاقة المطلوبة المحبوبة حقيق لاسناد الحمق اليه سيما مع اظهاره و انكاره على المعصوم.

و يستحب السلام على اهل القبور و الترحم عليهم فصحيحة عبدالله بن سنان قال قلت لا بى عبد الله (ع) كيف التسليم على اهل القبور فقال نعم تقول السلام على اهل الديار من المؤمنين والمسلمين انتم لنا فرط ونحن انشاء الله بكم لاحقون وصحيحة منصور بن حازم قال تقول السلام عليكم من ديار قوم مؤمنين وانا انشاء الله بكم لاحقون و منصور لا يقول من عند نفسه و في رواية جراح المدائني قال سئلت ابا عبد الله (ع) كيف التسليم على اهل القبور قال تقول السلام على اهل الديار من المسلمين والمؤمنين رحم الله المتقدمين منا والمتاخرين وانا انشاء الله بكم لاحقون والروايات فيهذا الباب كثيرة و يتاكد الاستحباب فى الاثنين والخميس والسبت من الاسبوع ففى صحيحة هشام بن سالم او حسنته عن ابی عبدالله (ع) قال سمعته يقول عاشت فاطمة (س) بعد ابيها خمسة وسبعين يوماً لم تركاشرة ولاضاحكة تاتى قبور الشهداء فى كل جمعة مرتين الاثنين والخميس فيقول هيهنا كان رسول الله هيهنا كان المشركون.

ص: 226

و في رواية يونس عن ابی عبدالله (ع) قال ان فاطمة (س) كانت تاتي قبور الشهداء في كل غداة سبت فتاتى قبر حمزة وتترحم عليه وتستغفر له وفي رواية صفوان الجمال قال سمعت ابا عبد الله (ع) يقول كان رسول الله (ص) يخرج في ملا الله من الناس من اصحابه كل عشية خميس الى بقيع المدينة فيقول السلام عليكم يا اهل الديار ثلثا رحمكم الله ثلثا (الحديث) .

و يستحب وضع اليد على القبر وقرائة انا انزلناه في ليلة القدر سبع مرات لصحيحة محمد بن احمد قال كنت بفيد فمشيت مع على بن بلال الى قبر محمد بن اسماعيل من بزيع فقال على بن بلال قال لى صاحب هذا القبر عن الرضا (ع) قال من اتى قبر اخيه ثم وضع يده على القبر وقرء انا انزلناه في ليلة القدر سبع مرات امن يوم الفزع الأكبر اويوم الفزع .

وأما الاغتسال المندوبة

) وأما الاغتسال المندوبة )

فهى كالواجبة فى انتزاع الطهارة عنها لان منشأ انتزاع الطهارة هو ماهية الغسل من غير اعتبار وجوبه واستحبابه لانهما حكمان لاحقان لها ولا اثر للحكم في تاثير الموضوع للطهارة وحيث ان الغسل منشأ لانتزاع فلامانع من القول باستحبابه في كل ساعة من ساعات الليل والنهار لان محبوبية الطهارة مطلقة ليست مقيدة بوقت من الاوقات او سبب من الاسباب وان كان الاوقات والاسباب من المؤكدات لاستحبابها وفي كلمات المحققين من الاصحاب ما يكشف عن ما ذكرناه .

ومما اكد استحبابه فى الشرع هو غسل الجمعة فهو من المستحبات المؤكدة بحيث عبر بالواجب فى بعض الاخبار واستظهر من ذلك التعبير بعض من الخاصة والعامة وجوبه.

روى الشيخ باسناده عن سماعة قال سئلت ابا عبدالله (ع) عن غسل الجمعة فقال واجب فى السفر والحضر الاانه رخص للنساء في السفر وقلة الماء وقال غسل

ص: 227

الجنابة واجب وغسل الحائض اذا طهرت واجب وغسل الاستحاضة واجب اذا احتشت بالكرسف فجاز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل صلوتين و للفجر غسل فان لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل صلوة وغسل النفساء واجب و غسل المولود واجب و غسل الميت واجب و غسل من غسل ميتاً واجب و غسل المحرم واجب وغسل يوم عرفة واجب وغسل الزيارة واجب الامن علة وغسل دخول البيت واجب وغسل دخول الحرم يستحب ان لا يدخله الابغسل وغسل المباهلة واجب و غسل الاستسقاء واجب وغسل اول ليلة من شهر رمضان يستحب و غسل ليلة احدى وعشرين سنة وغسل ليلة ثلث وعشرين سنة لا يتركها لانه یرجی احديهن ليلة القدر وغسل يوم الفطر وغسل يوم الاضحى سنة لا احب تركها وغسل الاستخارة مستحب.

و روى الصدوق ( قده ) هذه الرواية مع اختلاف يسير وكذالكليني (رض) بحذف بعض الجملات فترى توصيف الامام اكثر الاغسال توصيف الوجوب مع ان الاغسال الواجبة ينحصر في السنة المعروفة وحمل الشيخ رضوان الله عليه الوجوب في غير الستة على الاستحباب المؤكد .

و روى عبدالله بن المغيرة عن ابى الحسن الرضا (ع) قال سئلته عن الغسل يوم الجمعة فقال واجب على كل ذكر وانثى من عبد و حر والمراد بالواجب في هذه الرواية ايضا هو المستحب المؤكد .

قال المحقق في المعتبر مسئلة غسل الجمعة مندوب مؤكد للرجال والنساء سفرا وحضرا وهو مذهب الثلاثة واتباعهم وقال ابو جعفر بن بابويه في كتابه غسل الجمعة واجب على الرجال والنساء في السفر والحضر الاانه رخص للنساء في السفر لقلة الماء وبالوجوب قال الحسن البصرى وداود الطاهرى لنا ما رووه عن ابن عباس و ابن مسعود انهما قالا غسل الجمعة مسنون ومن طريق الاصحاب ما رواه زرارة عن ابی عبدالله (ع) قال عملته عن غسل يوم الجمعة قال سنة في السفر والحضر الاان يخاف المسافر على نفسه التعسر ولا يعارض ذلك ما رواه ابن المغيرة ومحمد بن عبدالله

ص: 228

عن الرضا (ع) قال سئلته عن غسل الجمعة فقال واجب على كل ذكر وانثى من حر و عبد لانا نقول المراد بذلك تاكيد الاستحباب و يدل على ذلك ما رواه على بن يقطين عن ابي الحسن (ع) قال الغسل فى الجمعة والاضحى والفطر سنة وليس بفريضة و فى هذا الكلام كفاية لاثبات الاستحباب ونفى الوجوب الا ان الاستدلال بقول ابن عباس و ابن مسعود ليس على ما ينبغى لعدم الحجية في قولهما.

.

ومما يدل على استحباب غسل يوم الجمعة مع التعبير عن الواجب موثقة حسين بن خالد قال سئلت ابا الحسن الأول (ع) كيف صارغسل يوم الجمعة واجباً قال ان الله تبارك وتعالى اتم صلوة الفريضة بصلوة النافلة واتم صيام الفريضة بصيام النافلة واتم وضوء النافلة بغسل الجمعة ما كان من ذلك من سهو او تقصير او نقصان فتنظير غسل الجمعة بصلوة النافلة وصيام النافلة يرشد اللبيب الى استحباب غسل الجمعة وان عبر الراوى بالواجب الا ان قول الراوى ابا الحسن الأول يوجب اضطراب الرواية لانه ما اشتهر (ع) بابی الحسن الأول في ذلك الزمان .

والحاصل ان صرف التعبير بالوجوب فى الاخبار لا يدل على الوجوب المصطلح لان معنى الوجوب الثبوت فهواعم من الواجب والندب قال الشيخ (قده) في التهذيب بعد نقل الاخبار فان قال قائل كيف تستدلون بهذالاخبار و هي تتضمن ان غسل الجمعة واجب وعندكم انه سنة ليس بفريضة قلنا ما يتضمن هذه الاخبار من لفظ الوجوب فالمراد به ان الاولى على الانسان ان يفعله وقد يسمى الشيء واجباً اذا اذا كان الاولى فعله ثم استدل برواية على بن يقطين ولا يخفى متانته ثم ان ظرفية الجمعة للغسل يتصور على وجوه:

(احدها) كون ظرفيتها له لاجل كونها اشرف من سائر الايام من الاسبوع وليس له ارتباط شديد بها بحيث يكون في ساير الايام قضاء (فح) الجمعة ظرف صرف للغسل مع افضليتها لوقوعه فيها.

(ثانيها) شدة الارتباط بها بحيث تكون عنواناً للعمل كاحياء ليلة القدر او لنصف من شعبان فنسبة الاحياء الى ليلة القدر شديدة غاية الشدة بحيث تكون عنواناً

ص: 229

للاحياء فلا يمكن الاحياء فى ليلة اخرى قضاء لاحياء ليلة القدر فان كونها عنوانا لها يمنع من ايجادها في ليلة اخرى.

(ثالثها ) كون الارتباط اليها متوسطا بين الامرين برزخا بين العاملين فلا يكون فى الشدة كالثانى ولا فى الضعف كالاول و حينئذ يصح قضائه في غير اليوم المعين.

و يظهر من امر المعصوم الغسل فى يوم الخميس لقلة الماء في الجمعة او فقدها فيها ان ظرفية الجمعة للغسل لكونها اشرف ايام الاسبوع لا اختصاصه بها مع الشدة المذكورة ولا برزخية الارتباط لان البرزخية يصحح القضاء ء بعد الوقت ولا يجوز تقديم العمل على الوقت والشدة تمنع من التقديم والتاخير مما لعدم حصول العنوان معهما .

روى الكلينى رضوان الله عليه عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد عن الحسین بن موسى (ع) امه وام احمد بنت موسى (ع) قالنا كنا مع ابي الحسن بالبادية ونحن نريد بغداد فقال لنا يوم الخميس اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة فان الماء بها غداً قليل فاغتسلنا يوم الخميس ليوم الجمعة وروى الشيخ رضوان الله عليه هذه الرواية وروى ايضاً باسناده عن محمد بن الحسين عن بعض اصحابه عن ابی عبدالله (ع) قال قال لاصحابه انكم تاتون غداً منزلا ليس فيه ماء فاغتسلوا اليوم لغد فاغتسلنا یوم الخميس للجمعة .

والناظر المتامل فى هذه الروايات لا يرتاب فى ان اختصاص الجمعة بالغسل ليس بمثابة لا يمكن اتيانه في غيرها فيتفطن ان تشريع غسل الجمعة للتنظيف و جعل الجمعة ظرفا له لاشرفيتها من ساير ايام الاسبوع والا فلا يجوز تقديمه عليها واما التعبير بالقضاء فيكفى فى صحته كون الغسل فيها افضل من غيرها كما ان كونه بين الفجر والزوال افضل من ساير اوقات الجمعة لان اول الزوال وقت النداء لصلوة الجمعة وغسل الجمعة لرفع تاذى الناس عن ارواح الاباط و الاجساد روی ابو جعفر بن بابويه رحمه الله عن مولانا الصادق (ع) انه قال في علة غسل يوم

ص: 230

الجمعة ان الانصار كانت تعمل في نواضحها و اموالها فاذا كان يوم الجمعة حضروا لمسجد فتاذى الناس بارواح اباطهم واجسادهم فامرهم رسول الله (ص) بالغسل فجرت بذلك السنة.

فظهر ان قول مولانا الصادق (ع) في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة اول النهار يقضيه من آخر النهار لاجل ان اول النهار انسب للمغسل فالتعبير بيقضيه ليس لاجل توقيت قبل الزوال للغسل.

ولو اغتسل في الخميس لعذر ثم اصاب الماء يوم الجمعة لم يسقط استحبابه فيه لان المقصود منه هو تحصيل التنظيف فالاعادة يوم الجمعة مستحسن لازدياد التنظيف.

و من الاوقات التي ورد في الشرع استحباب الغسل فيها زائداً على مطلق الاستحباب هو اول ليلة من شهر رمضان وقد مر عليك فى رواية سماعة ذكر هذه الليلة لاستحباب الغسل فيها وفى عيون الأخبار عن الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) في کتاب كتبه الى المامون وغسل يوم الجمعة سنة وغسل العيدين وغسل دخول مكة والمدينة وغسل الزيارة دغسل الاحرام واول ليلة من شهر رمضان وليلة سبع عشرة و ليلة تسع عشرة دليلة احدى وعشرين وليلة ثلث وعشرين من شهر رمضان هذه الاغسال سنة و غسل الجنابة فريضة وغسل الحيض مثله ولا منافات بين ذكره في بعض الروايات و بين عدم ذكره فى الاخرى لان كل رواية تبين فيها عن بعض الاغسال.

ومنها ليلة سبع عشرة وليلة تسع عشرة وليلة احدى وعشرين وليلة ثلث و عشرين اما الثالثة والرابعة فقد مر ذكرهما في رواية سماعة وفي رواية الفضل ذكر خمس ليال من شهر رمضان كما عرفت .

ومنها ليلة النصف من شهرر مضان نقل ابن طاوس في كتاب الاقبال قال روى ابن ابي قرة في كتاب عمل شهور مضان باسناده الى ابي عبد الله (ع) قال يستحب الغسل في اول ليلة من شهر رمضان وليلة النصف منه .

ص: 231

ومن الاوقات يوم الفطر ويوم الاضحى ورواية سماعة مشتملة على هذين اليومين وفى رواية اخرى لسماعة عن ابي عبد الله (ع) قال (ع) غسل يوم الفطر و يوم الاضحى سنة لا احب تركها ورواية على بن يقطين عن ابى الحسن التي مرذكرها صريحة في استحباب غسل يومى الفطر والأضحى حيث قال سئلت ابا الحسن (ع) عن الغسل في الجمعة والاضحى والفطر قال سنة وليس بفريضة ويدل عليه صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (ع) قال اغتسل يوم الاضحى والفطر والجمعة وذكر العيدين في الروايات كثير.

و رواية الحسن بن راشد تدل على استحباب غسل ليلة عيد الفطر قال قلت لابي عبد الله (ع) ان الناس يقولون ان المغفرة تنزل على من صام شهر رمضان ليلة القدر فقال ياحسن ان القاريجار انما يعطى اجرته عند فراغه ذلك ليلة العيد قال قلت جعلت فداك فما ينبغي لنا ان نعمل فيها فقال اذا غربت الشمس فاغتسل واذا صليت الثلث من المغرب فارفع يديك و قل يا ذالمن والطول يا ذالجود يا مصطفياً محمداً وناصره صل على محمد وآله واغفر لى كل ذنب اذنبته احصيته على ونسيته وهو عندك في كتابك وتخر ساجداً وتقول مأته مرة اتوب الى الله و انت ساجد و تسئل

حوائجك.

والقاريجار معرب كازيكر وهو العامل وضبط هذه اللفظة بغير ما بينا تصحيف وروى الشيخ عن الكليني وقال وكذلك العيد وروى الصدوق مع اختلاف في المتن ويظهر من مضمرة بريد ان فى ليلة ثلث وعشرين من شهر رمضان يستحب الغسل مرتين اذ قال رايته اغتسل فى ليلة ثلث وعشرين مرتين مرة من اول الليل ومرة من آخر الليل وفى الوسائل ورواه ابن طاوس في كتاب الاقبال باسناده الى هرون بن موسى باسناده الى بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (ع) مثله الا انه قال ليلة ثلث وعشرين من شهر رمضان.

و من الاوقات يوم عرفة وقد عرفت في رواية سماعة و في رواية عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (ع) قال ان الغسل في اربعة عشر موطنا غسل الميت و غسل

ص: 232

الجنب و غسل من غسل الميت وغسل الجمعة والعيدين و يوم عرفة وغسل الاحرام و دخول الكعبة ودخول المدينة ودخول الحرم والزيارة وليلة تسع عشرة واحدى وعشرين وثلث وعشرين من شهر رمضان

وروى عن عبدالرحمن سيابة قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن غسل يوم العرفة في الامصار فقال اغتسل اينما كنت فظهر ان هذا الغسل لا يختص بمن كان في عرفات من الاوقات اول شهر رجب ووسطه و آخره لان علی بن طاوس قال وجدت في كتب العبادات عن النبي (ص) انه قال من ادرك شهر رجب فاغتسل في اوله ووسطه و آخره خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه وحيث انه (ص) لم يبين ان الوقت هو اليوم او الليل فيمكن التمسك باطلاق قوله (ص) و الحكم بعدم الفرق بين اليوم والليل.

ومنها ليلة النصف من شعبان لما روى أبو بصير عن أبي عبد الله (ع) قال صوموا شعبان و اغتسلوا ليلة النصف منه وذلك تخفيف من ربكم وفي طريق هذه الرواية احمد بن هلال وهو فى غاية الضعف والسقوط.

قال المحقق في المعتبر بعد نقل هذه الرواية وفي مسند هذه الرواية احمد بن هلال العبرتاني وهو ضعيف وذكر الشيخ في المصباح رواية عن سالم مولى حذيفة عن رسول الله (ص) قال من تطهر ليلة النصف من شعبان فاحسن الطهر وساق الحديث الى قوله قضى الله له ثلث حوائج ثم ان سئل ان يراني في ليلة رانى وهذه الروايه ايضاً ضعيفة فالمعول على الاستحباب المطلق انتهى.

وهذه المقالة فى غاية المتانة لضعف الروايتين فى الغاية وقوله (قده) فالمعول على الاستحباب المطلق اشارة الى ما بينا من ان الطهارة مطلوبة في كل ساعة من ساعات الليل والنهار سيما الايام والليالى التى لها شرافة ومنزلة في الشريعة المطهرة وقال (قده) فى استحباب غسل ليلة النصف من شهر رمضان وهو مذهب الثلاثة ولعله لشرف تلك الليلة فاقترانها بالطهر حسن فكانه (قده) لم يرقوة لرواية ابي قرة التي مر ذكرها ومن الاوقات يوم النيروز روى الشيخ في المصباح عن المعلى بن خنيس عن مولانا الصادق (ع) على ما نقل فى الوسائل قال اذا كان يوم النيروز فاغتسل

ص: 233

والبس وانظف ثيابك (الحديث) .

ومن الاوقات يوم التروية لان ابا جعفر بن بابويه قال قال ابوجعفر الغسل فى سبعة عشر موطناً ليلة سبعة عشر من شهر رمضان وليلة تسعة عشر وليلة احدى و عشرين وليلة ثلث وعشرين وفيها يرجى ليلة القدر وغسل العيدين و اذا دخلت الحرمين و يوم تحرم ويوم الزيارة ويوم تدخل البيت ويوم التروية ويوم عرفة واذا غسلت ميتاً وكفنته اومسسته بعد ما يبرد ويوم الجمعة وغسل الكسوف اذ احترق القرص كله فاستيقظت ولم تصل فعليك ان تغتسل وتقضى الصلوة وغسل الجنابة فريضة و من الاوقات يوم الغدير قبل الزوال بنصف ساعة لرواية على بن الحسين المعبدي قال سمعت ابا عبدالله الا يقول صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر عمر الدنيا الى ان قال ومن صلى يغتسل عند زوال الشمس من قبل ان تزول مقدار نصف ساعة الى ان قال عدلت عند الله مائة الف حجة ومائة الف عمرة (الحديث) .

وروی ان رسول الله (ص) يغتسل فى شهر رمضان فى العشر الأواخر في كل ليلة وعن ابي عبدالله (ع) انه قال كان ابي يغتسل في ليلة تسع عشرة و احدى وعشرين وثلث وعشرين وخمس وعشرين وفي رواية اخرى عن ابي عبدالله (ع) انه قال اغتسل ليلة تسع عشرة واحدى وعشرين وثلث وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين يعنى من شهر رمضان واما الاسباب الموجبة لتاكد استحباب الغسل زائداً على مطلق الاستحباب.

فمنها فوات صلوة الكسوف اذ احترق القرص كله واستيقظ المكلف ولم يصل لما عرفت في رواية ابى جعفر بن بابويه اذ قال (ع) واذ احترق القرص كله فاستيقظت ولم تصل فعليك ان تغتسل وتقضى الصلوة و في رواية محمد بن مسلم عن احدهما (ع) قال الغسل فى سبعة عشر موطناً ليلة سبع عشرة من شهر رمضان وهى ليلة النقى الجمعان وليلة تسع عشرة وفيها يكتب الوفد وفد السنة وليلة احدى و عشرين وهى الليلة التي اصيبت فيها اوصياء الانبياء (ع) وفيها رفع عيسى بن مريم و قبض موسى (ع) وليلة ثلث وعشرين يرجى ليلة القدر ويوم العيدين واذا دخلت

ص: 234

الحرمين ويوم تحرم ويوم الزيارة ويوم تدخل البيت ويوم التروية ويوم عرفة واذا غسلت ميتاً او گفته او مسسته بعد ما يبرد ويوم الجمعة وغسل الجنابة فريضة وغسل الكسوف اذ احترق كله فاغتسل .

وفي كلمتا الروايتين تقييد الغسل باحتراق كل القرس ولذا قيد الشيخ (قده) الاستحباب باحتراق الكل واما المفيد وعلم الهدى رضوان الله عليهما اقتصرا على تركها متعمدا والتقييد اولى لان الاصل عدم الاستحباب وما ورد على خلاف الاصل مقيد باحتراق كل القرص كما ان قول سلاد بالوجوب منفى بالاصل.

واما التعمد في الترك فهوايضا شرط لثبوت الاستحباب لقوله الا فاستيقظت ولم تصل في رواية ابن بابويه (ره) و عدم ذكره في رواية محمد بن مسلم لا ينافي اشتراطه لان المطلق يحمل على المقيد وفى مرسلة حريز ما يهدينا على اشتراط التعمد فارسل عن ابي عبد الله (ع) قال اذا انكسف الغمر فاستيقظ الرجل ولم يصل فليغتسل من الغد وليقض وان لم يعلم فليس عليه الا القضاء بغير غسل.

و منها غسل المولود لرواية عثمان بن عيسى عن سماعة عن ابي عبد الله (ع) قال وغسل النفساء واجب وغسل المولود واجب وذهب شاذ منا على الوجوب على ما قال له في المعتبر والظاهر انه استدل بلفظ الواجب وقد عرفت سابقا ان التعبير بالوجوب لتاكد الاستحباب وعثمان بن عيسى وسماعة واقفيان والاصل برائة الذمة عن الوجوب واما الاستحباب فيختص بالمصلحة الراجحة.

و منها غسل التوبة كما هو مذهب الخمسة على ما في المعتبر روى الكليني رضوان الله عليه باسناده عن مسعدة بن زياد قال كنت عند ابی عبدالله (ع) فقال له رجل بابی انت وامى انى ادخل كنيفاً ولى جيران و عندهم جوار يتغنين و يضر بن بالعود فربما اطلت الجلوس استماعاً منى لهن فقال (ع) لا تفعل فقال الرجل والله ما اتيتهن انما هو سماع اسمعه باذنى فقال (ع) يالله اما سمعت الله يقول ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا فقال بلى والله كانى لم اسمع بهذه الاية من كتاب الله من عربي ولا من عجمى لاجرم اني لا اعود انشاء الله و انى

ص: 235

استغفر الله فقال له قم فاغتسل وصل ما بدالك فانك كنت مقيما على امر عظيم ما كان السوء حالك لو مت على ذلك احمد الله وسلمه التوبة من كل ما يكره فانه لا يكره الاكل قبيح والقبيح دعه فان لكل اهلا وهذه الرواية وان كان ضعيف السند الا ان متنها يكشف عن صدورها عن الامام (ع).

و منها الزيارة لانها تناسب نظافته الزائر و طهارته لاحترام المزور وقد مر في رواية سماعة و ابن بابويه و اطلاق الزيارة يعطى عدم الفرق بين حيوة المزور و مماته.

وقد مر في مبحث الجنابة كراهة دخول الجنب بيوت الانبياء والائمة.

ومنها قضاء الحاجة لرواية عبد الرحيم القصير قال دخلت على ابي عبد الله (ع) فقلت جعلت فداك انى اخترعت دعاءاً قال دعنى من اختراعك اذا نزل بك امر فافزع الى رسول الله (ص) وصل ركعتين تهديهما الى رسول الله (ص) قلت كيف اصنع قال تغتسل و تصلى ركعتين تستفتح بهما افتتاح وتشهد تشهد الفريضة فاذا فرغت من التشهد وسلمت قلت اللهم انت السلام ومنك السلام واليك السلام اللهم صل على محمد و آل محمد وبلغ روح محمد منى السلام وارواح الائمة الصادقين سلامي واردد على منهم السلام والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته الهم ان هاتين الركعتين هدية منى الى رسول الله (ص) فاتبنى عليهما ما املت ورجوت فيك و في رسولك يا ولى وا الله وسنة المؤمنين ثم تخر ساجداً وتقول ياحي يا قيوم ياحي لا يموت يا حي لا اله الا انت يا ذالجلال والاكرام يا ارحم الراحمين اربعين مرة ثم ضع حدك الايمن فتقولها اربعين مرة ثم ضع خدك الأيسر فتقولها اربعين مرة ثم ترفع راسك وتمد يدك و تقول ذلك اربعين مرة ثم ترد يدك الى رقبتك وتلوذ بسبابتك وتقول ذلك اربعين مرة ثم خذ لحيتك بيدك اليسرى وابك او تباك وقل يا محمد يا رسول الله (ص) اشکوالی الله واليك حاجتى والى اهل بيتك الراشدين حاجتى وبكم اتوجه الى الله في حاجتي ثم تسجد وتقول يا الله يا الله حتى تنقطع نفسك صل على محمد وآل محمد وافعل بي كذا و كذا قال ابو عبدالله (ع) وانا الضامن على الله عز وجل ان لا يرح حتى تقضى حاجته

ص: 236

انتهى الحديث - وانما نقلنا بطوله لما فيه من الفوائد المهمة وروى مقاتل بن مقاتل قال قلت للرضا (ع) جعلت فداك علمنى دعاءاً لقضاء الحوائج قال (ع) اذا كانت لك حاجة الى الله عز وجل مهمة فاغتسل والبس انظف ثيابك وشم شيئاً من الطيب الحديث ودلالتهما على المقصود مما لاخفاء فيه.

ومنها دخول الحرم كما مر فى رواية سماعة ومحمد بن مسلم وفي رواية لمحمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) و حين تدخل الحرم وقد سبق في رواية ان غسل الاستخارة مستحب.

و في رواية زرارة عن أبي عبدالله (ع) في الامر يطلبه الطالب من ربه فقال يتصدق في يومه على ستين مسكيناً على كل مسكين صاع بصاع النبي (ص) فاذا كان الليل فاغتسل في الثلث الباقى الى ان قال فاذا رفع راسه من السجدة الثانية استخار الله مائة مرة الحديث.

ومنها ارادة دخول البيت الحرام وارادة دخول مسجد الرسول ففي رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر الغسل من الجنابة الى ان قال و اذا اردت دخول البيت الحرام و اذا اردت دخول مسجد الرسول (ص) وفي رواية سماعة وغسل دخول البيت واجب .

و منها المباهلة والاستسقاء ففى رواية سماعة وغسل المباهلة واجب وغسل الاستسقاء واجب.

منها دخول الكعبة و مكة والمدينة كما في رواية ابن سنان عن ابی عبدالله (ع) قال الغسل من الجنابة الى ان قال وعند دخول مكة والمدينة ودخول الكعبة.

و منها الاحرام كما في هذه الرواية وحين تحرم وورد استحباب الغسل لمن قتل وزغا او نظر الى مصلوب.

فالاغسال المسنونة فى غاية الكثرة فكثير منها لم نذكره و اكثر الروايات الواردة فى هذالباب خارج عن حد الحسان والصحاح الاان عمل الاصحاب والمصلحة الراجحة جابران لها والاكد من الجميع غسل الجمعة ولذا وردت كراهة تركه

ص: 237

زائدا على استحباب فعله ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) لا تدع الغسل يوم الجمعة فانه سنة وشم الطيب واليس صالح ثيابك وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال فاذا زالت فقم وعليك السكينة والوقار وقال الغسل واجب يوم الجمعة وفى رواية الاصبغ قال كان امير المؤمنين اذا اراد ان يوبخ الرجل يقول والله لانت اعجز من تارك الغسل يوم الجمعة فانه لا يزل في طهر الى الجمعة الأخرى .

وافضلية يوم الجمعة وكثرة ورود الادعية والاوراد والتاكيد في قرائة القرآن فيها من الموجبات لتاكد استحباب الغسل فيها.

ويجب النية لتعيين الغسل المندوبات بالاسباب لان الواجب يكفي فيه نية رفع الحدث وتحصيل الطهارة.

واما المؤكد بالاوقات فالظاهر كفاية وقوع الغسل في ذلك الوقت فغسل الجمعة مثلا لا يحتاج الى نية كونه غسل الجمعة بعد ما وقع فيها ولو فرض تعين الغسل من دون نية لا يجب نية السبب ايضا واما نية الاستحباب فلا يجب كنية الوجوب لان الاحكام خارجات عن حقيقة الموضوع فالوجوب والاستحباب خارجان عن حقيقة الغسل بل الغسل الواحد مجزء عن الاغسال المتعددة من الواجب والمستحب لموثقة زرارة عن أحدهما السلام قال اذ اغتسلت بعد طلوع الفجر اجزاك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والذبح والزيارة فاذا اجتمعت الله عليك حقوق اجزئها عنك غسل واحد قال ثم قال وكذلك المرئة يجزيها غسل واحد لجنابتها واحترامها وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها .

ويظهر من هذه الموثقة عدم تعيين واحد من الاغسال المجتمعة لعدم الفرق بينها فاتيان الغسل بقصد القربة يجزء عن جميع ما تعلق به من الواجب والمستحب فلا يجب نية الجنابة لاجزائه عن غيرها لان الغسل امر واحد لا يتعدد بتعدد الاسباب والاوقات والوجوب والاستحباب.

وحقيق على اللبيب ان يتفطن ان المقصود ليس هو الافعال اعنى غسل جميع البدن حتى يحتاج الى تعدد الافعال لتعدد الاسباب والموجبات بل المقصود هو

ص: 238

الطهارة المنتزعة من الافعال وهى تحصل بالغسل الواحد ويجزء عن الجميع وليس هذا من باب تداخل الاغسال لانها مقدمة لتحصيل الطهارة المطلوبة ولو كان المقصود من الغسل هو نفس غسل البدن فيتعدد بتعدد الموجبات والاسباب ولا ينافي ما بينا ما مر في غسل الجمعة من انه شرع لتحصيل النظافة ورفع رياح المنتنه لان المنشأ لجعل الحكم لا يجب دوامه الى الابد فانه حكمة والمجعول هو الطهارة المنتزعة من الغسل وان كان الباعث لهذا لجعل هو تنظيف ابدانهم ورفع رياح اباطهم ومر في الحديث فامر رسول الله (ص) بذلك فجرت به السنة وظهر منها ايضا ان النحر والحلق والذبح من الاسباب

والحاصل ان الطهارة المطلوبة المحبوبة اذا انتزعت من منشأ الانتزاع اجزئت من جميع ماله تاثير فى وجوبه واستحبابه من الاسباب والاوقات.

وأما التيمم

(وأما التيمم)

. فهو في اللغة القصد وفي الشرع هو قصد الصعيد او ما يقوم مقامه بمسه ثم مسح الوجه واليدين وليس المعنى الشرعى معنى مغايراً للمعنى اللغوى بل هو مصداق من مصاديق المعنى اللغوى رتب الشارع عليه احكاما خاصة وقد عرفت في اوائل مبحث الطهارة ان التيمم لا ينتزع منه الطهارة ولا يرفع الحدث بل يغطى الحدث ويزيل اثره ويكتفى به عن الوضوء والغسل فهو منزل منزلة الغسل والوضوء و الحالة المنتزعة منه منزلة الطهارة فهو منشأ لانتزاع حالة يكتفى بها عن الطهارة مادام بقاء العذر وقد يقال بهذه الحالة انها طهارة اضطرارية باقية ببقاء الاضطرار فبعد ارتفاع الاضطرار تنعدم هذه الطهارة مع ان امكان الوضوء والاقتدار على الغسل ليسا من الاحداث الناقضة للطهارة فالمتيمم محدث حين اشتغاله بالعبادة المشروطة بالطهارة وصحة عبادته لاجل تنزيل التيمم منزلة الوضوء او الغسل وتنزيل الحالة المنتزعة منه منزلة الطهارة وحيث ان التنزيل لاجل الاضطرار فبعد ارتفاعه يرتفع

ص: 239

التنزيل ويؤثر الحدث السابق على التيمم .

اذا عرفت هذا فنقول يقع الكلام في مقامات :

(المقام الاول) فى السبب المجوز لهذا التنزيل وهو امور يجمعها امر واحد وهو العجز عن استعمال الماء للغسل والوضوء .

و اسباب العجز ثلثة ( الاول )فقدان الماء قال الله عزوجل في سورة النساء يا ايها الذين آمنوا لا تقربوا الصلوة و انتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا الاعابرى سبيل حتى تغتسلوا وان كنتم مرضى او على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط او لمستم النساء فلم تجدوا ماءاً فيتمموا صعيدا طيباً فامسحوا بوجوهكم و ايديكم وفي سورة المائدة يا ايها الذين آمنوا اذا قمتم الى الصلوة فاغسلوا وجوهكم و ايديكم الى المرافق وامسحوا براوسكم وارجلكم الى الكعبين وان كنتم جنباً فاطهروا وان كنتم مرضی او على سفر اوجاء احد منكم من الغائط اولمستم النساء فلم تجدوا ماءاً فتيمموا صعيدا طيباً فامسحوا بوجوهكم و ايديكم منه ما یرید الله ليجعل عليكم من حرج وليكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون.

فترى ان الله عز وجل رتب في كلتا الايتين تيمم الصعيد على عدم وجدان المكلف الماء فاكتفى بالتيمم عن الغسل والوضوء و نزل التيمم منزلتهما فيكون الطهارة المنتزعة منه منزلة منزلة الطهارة المنتزعة عنهما .

و يتحقق الفقدان المعبر عنه فيهما بعدم الوجدان بعد الطلب وعدم الوصول الى الماء فمجرد عدم وجوده في رحله لا يكفى فى تحقق الفقدان بل يشترط التفحص الماء فيما يحتمل وجود الماء فيه من الامكنة و السؤال ممن له خبرة بوجود الماء ولو توقف الطلب على صعود الجبل لصعد او النزول منه لنزل حتى يتيقن بعدم الماء ولودله احد الى ماء في مكان فعليه الذهاب الى ذلك المكان ما لم يخف على نفسه او عرضه وعليه الطلب عن رفقائه مع احتمال وجود الماء عندهم واعطائهم اياه فمع اليقين بعدم الوجود او عدم الاعطاء فلا يجب الطلب لانه لغو (ح) بل مع احتمال الثانى يكره الطلب لان السؤال عنه ذل وحكى عن ابي حنيفة عدم وجوب الطلب

ص: 240

لانه غير عالم بوجود الماء فجاز التيمم وفيه ان شرط جواز التيمم هو عدم وجدان الماء لاعدم العلم بالماء وعدم الوجدان لا يتحقق الا بالطلب.

ولا بد ان يطلب من جوانبه الاربعة لاحتمال وجود الماء فيها ويدل على وجوب الطلب صحيحة زرارة عن احدهما (ع) قال اذا لم يجد المسافر الماء فليطلب مادام في الوقت فاذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم وليصل وتقييد الامام (ع) بالمسافر كما في الاية محمول على الغالب لندرة عدم الوجود فى الحضر فلو فقد الحاضر الماء يطلبه لتحقق عدم الوجدان بالطلب وان افترق كيفية الطلب للحاضر والمسافر ولو كان حكم جواز التيمم مختصاً بالمسافر كما قال به ابو حنيفة لكان الحاضر الفاقد للماء كفاقد الطهورين قال اذا عدم الماء فى الحضر لا يصلى على ما نقل عنه العلامة لانه تعالى شرط في جواز التيمم السفر وقد عرفت ان ذكر السفر خرج مخرج الغالب لندرة الفقدان فى الحضر وهو استدل بالمفهوم وهو ليس بحجة.

هذا مع كون السفر توطئة للفقدان ولكن التحقيق ان الكون على سفر هو بنفسه من المجوزات للتيمم من دون ان يحتاج الى الفقدان ولذا عبر بهذا التعبير فمعنى الكون على السفر هو الاشتغال بالسير الذى يخاف على نفسه او ماله او عرضه مع طلب الماء الموجود في يمينه اويساره للوضوء والغسل فيتيمم دفعا للضرر المظنون.

فقوله عز وجل ولم تجدوا ماءاً شرط للمجيىء من الغائط او لمس النساء الموجبين للحدث ولا نظر له الى الكون على سفر فالكائن على سفر كالمرضى فكما ان المرضى يجوز لهم التيمم للمرض اذا تضرر باستعمال الماء فكذلك الكائن على سفر اعنى المشتغل بالسير اذاخاف على نفسه او ماله والفرق ان المريض يتضرر من استعمال الماء والكائن على السفر يخاف على نفسه الاتيان على الماء الموجود.

فانظر الى رواية يعقوب بن سالم قال سئلت ابا عبدالله (ع) عن رجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين او نحو ذلك قال لا آمره ان يغرر بنفسه فيعرض له لص او سبع يهتدى الى ما قلنا لان الامام (ع) لم يامره باتيان

ص: 241

الماء الموجود عن يمينه اويساره لا يقع في الهلكة.

ولوكان جواز التيمم منحصرا في المسافر لكان المناسب العطف بالواوفعطف المجيىء عن الغائط على المرضى والكائنين على السفر يرشدنا الى ان كلا من هذه الامور يستقل فى السببية لتجويز التيمم لان المرض تجويزه له ليس لاجل فقد الماء يقينا واتفاقا فهو من الاسباب فلوكان السفر مختصاً لتجويزه ولم يجز للمحاضر التيمم لقال عزوجل بعد قوله على سفر وجاء احد منكم من الغائط لان المجيء من الغائط ولمس النساء ليسا من اقسام المسافر مع العطف باويل يكونان قسمين له فيستقل السفر بجواز التيمم من دون ملاحظة فقدان الماء فتجويزه للمتيمم لاجل كونه مظبة للخوف كما حكم به الامام فلا يرتبط جملة ولم تجدوا ماء الى المرضى والكائنين على سفر لانهما يجوز لهما التيمم مع وجود الماء للخوف فهما ليسا من باب عدم وجدان الماء.

ولاينافي ما بيناه ما ورد من طلب المسافر الماء اذا لم يجده لان المسافراعم ممن كان على سفر مع ان الامر بالطلب في صورة عدم الخوف ففى حسنة زرارة عن عن احدهما (ع) قال اذا لم يجد المسافر الماء فليطلب مادام في الوقت فاذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم وليصل فى آخر الوقت فاذا وجد الماء فلا قضاء و ليتوضأ لما يستقبل ومما يدل على ما بينا رواية داود الرقى قال قلت لا بيعبد الله (ع) اكون في السفر وتحضر الصلوة وليس معى ماء ويقال ان الماء قريب منا اذا طلب الماء وانا في وقت يمينا وشمالا قال لا تطلب الماء ولكن تيمم فانى اخاف عليك التخلف عن اصحابك فتصل فيا كلك السبع فترى انه (ع) نهى عن طلب الماء القريب و امر بالتيمم لخوف الهلاك فتيمم هذا السائل ليس لاجل فقد الماء لان فقد الماء لايتم بدون الطلب وقد اخبر بقرب الماء.

وللطلب عند فقد الماء حد محدود لا يتجاوز عنه لما روى الشيخ قدس سره باسناده عن السكوني عن جعفر بن محمد عن ابيه عن على (ع) قال يطلب الماء في ما السفر ان كان الحزونة فغلوة و ان كانت سهولة فغلوتين لا يطلب اكثر من ذلک والسكونى وان كان ضعيفاً الا ان روايته مقبولة عند الاصحاب اذا لم يعارض برواية

ص: 242

اخرى ولذا عمل الاصحاب بهذه الرواية وافتوا بمضمونها وصارت الغلوة والغلوتين حداً لانتهاء الطلب وهذه الرواية محمولة على عدم الخوف والا لايجوز الطلب و يجب التيمم كما انه يجب عليه الطلب مع عدم الخوف لو اطمئن بوجود الماء مع التجاوز عن الغلوة والغلوتين لانه (ح) كواجد الماء فالحمد لمن لا يعلم بوجود الماء و یجب الطلب مع تجويز وجود الماء و اما مع اليقين بالعدم فيكون الطلب عبثاً الا ان عدم الوجدان لا يتحقق الا بالطلب .

ولو اخل بالطلب من وجب عليه وتيمم لم يصح التيمم لتوقف تمامية كونه ممن لم يجد الماء على الطلب فلم يستقر العذر بعد و تنزيل التيمم منزلة الغسل والوضوء على خلاف الاصل ولم يثبت فى غير الطلب روى زرارة في الصحيح عن احدهما الالم قال اذا لم يجد المسافر الماء فيطلب ما دام في الوقت فاذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم وليصل فى اخر الوقت فاذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضا لما يستقبل ولا قضاء عليه ويظهر عند التامل ان نفى القضاء انما هومع الطلب المحقق لعنوان عدم الوجدان و من تامل في الاخبار حق التامل يصدق ان عدم الوجدان انما يكون مع الطلب فكل ما فيه لم يجد الماء معناه انه طلب و لم يجد الماء وهذا المعنى يظهر مع التامل التام .

ويجب الطلب بعد دخول الوقت فلا يجزيه طلب قبل الوقت مع تجويز وجود الماء بعد الوقت بل يجب عليه تجديد الطلب واما مع التفحص في مواضع الطلب والعلم بعدم تجدد شيء يسقط الطلب فكانه طلب بعد الوقت بل ينبغي تجديد الطلب اذا وقع الطلب منه فى اول الوقت واحتمل تجدد الماء في مواضع الطلب في وقت يجوز له الصلوة عنده مع التيمم.

وكذا يجب عليه تجديد الطلب اذا طلب فى وقت صلوة وتيمم لعدم الوجدان وصلى ثم دخل وقت صلوة اخرى الا اذا علم عدم تجدد شيء _ ولوراي ركباً في اثناء الطلب او بعده وجب عليه السؤال عنهم عن الماء ما لم يخف الفوت ويطلب من كل واحد الى اخر الوقت الذى لا يجوز التجاوز عنه.

ص: 243

وفيهذا الوقت اختلاف (فقيل) اخر الوقت ما يمكن فيه التيمم والصلوة بتمامها (وقيل) ما يمكن فيه التيمم وادراك ركعة من الصلوة لان من ادرك ركعة كمن ادرك الصلوة كلها .

( والاول ) اشبه بالواقع لان الظاهر ان الاكتفاء بالركعة من الصلوة انما هو لعذر غير فقد الماء و اما فقد الماء فليس من الاعذار الموجبة للاكتفاء بالركعة لانه عذر يرتفع بالبدل.

وحكى عن المرتضى رضوان الله عليه ان فاقد الماء في الحضر يتيمم ويصلى و يعيد لانه عذر نادر واذا وقع لا يتصل فلا يسقط القضاء كالحيض في رمضان وليس بجيد لان الامتثال يوجب الخروج عن العهدة ( و حيث ) ان العنوان عدم الوجدان فلابد له من الطلب لتحقق عنوان عدم الوجدان و الطلب فى الحضر ان ينظر في مظان وجوده ويلتمس عن الجار و الصديق ومن يحتمل وجود الماء عنده مع احتمال ضعيف لاعطائه اياه فالطلب فى الحضر لغاية الطلب و بدون الطلب لا يتحقق عدم الوجدان فلا دليل لاجزاء التيمم و عدم وجوب القضاء ولعل نظر السيد رضوان عليه الى هذا الفرض .

قال العلامة (قده) فى التذكرة لو كان فى برية لاتعهد بالماء وجب الطلب لا مكانه وتحقيقا لقوله تعالى فلم تجدوا ماءاً وفى هذا الكلام دلالة على ما بينا من توقف عدم الوجدان على الطلب .

ولو امر غيره بالطلب ولم يجد الماء فهل يجوز للأمر التيمم اولا وجهان عدم الجواز لعدم صدق الطلب وعدم الوجدان على الأمر والجواز للاعتماد بالظن الحاصل من اخبار الثقة.

( والاول) اشبه بالواقع لان المجوز للمتيمم هو عدم الوجدان الغير الحاصل بطلب الغير الا ان يكون عاجزا من الطلب بشخصه فحينئذ ينزل طلب الغير مقام طلبه.

والقادر على شراء الماء واجد له فيجب عليه الشراء ولا يجوزله التيمم وتتحقق

ص: 244

بالقدرة بوجود الثمن وعدم تزلزل اركان معيشته باعطائه حالا او مالا ولا ينحصر الثمن بالدراهم او الدنانير بل كل مال يعطى بازائه الماء ولا يمنع الزيادة على ثمن المثل ما لم يصل الى حد الاجحاف .

روى صفوان فى الصحيح سألت أبا الحسن (ع) عن رجل احتاج الى وضوء الصلوة وهو لا يقدر على الماء فوجد قدرما يتوضأ به بمأة درهم اوالف درهم وهو واجد لما یشتری به ليتوضا او يتيمم قال بل يشترى قد اصابني مثل هذا فاشتريت وتوضات وما يسرني بذلك مال كثير .

والظاهر ان مائة درهم اوالف درهم زائد على ثمن المثل وقول الراوى و هو واجد لما يشترى معناه يقدر على اعطائه الثمن مع زيادته من دون ان يجحف به و اما آخر الرواية ففى الكافى ما يسرني والبدل ما يسوئنى وفي التذكرة وما يشترى. وفى الوسائل وما يسرنى ونقل عن الصدوق (ره) انه قال و ما يسوئنى وفى التهذيب وما يشترى بذلك مال كثير وقد وقع فيهذه الجملة غلط ويمكن ان يكون اعراب المال هو النصب وكذلك الكثير ويكون الفعل ما يسوئنى وبعده بذلك بان يكون المال مفعولا للبذل.

وكيف كان فاشتراء الماء واجب بعد الاقتدار ما لم يجحف به ولم تزلزل اركان معيشته والزيادة على ثمن المثل لا يمنع من الاشتراء مع القدرة التامة.

وحيث ان الطهارة الترابية بدل عن المائية مع العجز منها وفقدان الماء فلا يصح التيمم ما يمكن ارتفاع العذر والوضوء او الغسل ثم الصلوة في الوقت لان العذر لابد ان يكون فى تمام الوقت فرجاء زوال العذر يمنع من تحققه بل امكان الزوال مانع من تحقق العذر فلا يجوز التيمم الذى هو البدل الا في آخر الوقت اعنى آخر الوقت الذي يمكن فيه الوضوء او الغسل والصلوة في الوقت .

وتدل على وجوب التأخير صحيحة محمد بن مسلم عن ابی عبدالله (ع) قال سمعته يقول اذا لم تجد ماءاً واردت التيمم فاخر التيمم الى آخر الوقت فان فاتك الماء لم تفتك الارض وقد مر فى حسنة زرارة عن احدهما (ع) قال اذا لم يجد

ص: 245

المسافر الماء فليطلب مادام فى الوقت فاذا خاف ان يفوته الوقت فيتيمم و البصل في آخر الوقت وفى موثقة عبد الله بن بكير عن ابى عبد الله (ع) قال قلت له رجل ام قوماً و هو جنب و قد تيمم وهم على طهور قال لا بأس فاذا تيمم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت فان فاته الماء فلن تفوته الارض وفى موثقة اخرى له قال سئلت ابا عبد الله (ع)عن رجل اجنب فلم يجد ماءاً تيمم و يصلى قال لا حتى اخر الوقت انه ان فاته الماء لم تفته الارض.

وفي رواية محمد بن حمران عن ابی عبد الله (ع) قال قلت رجل تيمم ثم دخل في الصلوة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يوتى بالماء حين يدخل في الصلوة قال يمضى في الصلوة واعلم انه ليس ينبغي لاحد ان تيمم الا في آخر الوقت.

وهذه الروايات صريحة فى ان التيمم لابد ان يكون في آخر الوقت لان عدم وجدان الماء لا يتحقق الا بدوام الفقدان فى جميع الوقت ضرورة ان واجد الماء آخر الوقت لا يصدق عليه انه فاقد المماء غير واجد له.

ومقتضى وجوب تاخير التيمم الى آخر الوقت عدم جواز تقديمه عليه وعدم صحة الصلوة بذلك التيمم فمعنى وجوب التاخير عدم بدلية الترابية عن المائية على الاطلاق وانحصارها في آخر الوقت فالمقدم للتيمم قد صلى فاقداً للطهارة وتمييز آخر الوقت انما هو على المتعارف لاعلى الدقة الفلسفية الحكمية ضرورة عدم امكان التمييز كذلك فقد يبقى من الوقت شيء بعد الصلوة فلو كان اول الشروع في التيمم او الغسل آخر الوقت بحسب المتعارف صحت الصلوة وان يبقى من الوقت شيء بشرط ان لا يسع الباقى للطهارة والصلوة فان وسع الباقى للطهارة والصلوة يجب عليه الاعادة لان مولانا الصادق (ع) قال في جواب منصور بن حازم في رجل تيمم فصلى ثم اصاب الماء اما انا فكنت فاعلا اني كنت اتوضا واعيد ولان معنى توقيت التيمم فى آخر الوقت عدم بدليته قبل آخر الوقت.

و لقول مولانا ابى الحسن (ع) فى جواب يعقوب بن يقطين اذا سئله (ع) عن رجل تيمم فصلى فاصاب بعد صلوته ماء ايتوضأ ويعيد الصلوة ام يجوز صلوته.

ص: 246

اذا وجد الماء قبل ان يمضى الوقت توضأ و اعاد فان مضى الوقت فلا اعادة عليه وفي خبر زرارة عن احدهما قيد عدم وجوب القضاء عليه بالخوف عن الفوات والصلوة فى آخر الوقت واما الروايات التى بظاهرها تدل على تمامية الصلوة وعدم اعادتها فمعناها ما بينا من كون الوقت الباقى غير واسع للطهارة والصلوة كصحيحة زرارة قال قلت لابي جعفر (ع) فان اصاب الماء وقد صلى بتيمم وهو في وقت قال تمت صلوته ولا اعادة عليه فقول الراوى وهو في وقت اراد به وقتا لا يسع للصلوة و قد عرفت ان الوقت الباقى اذا لم يسع المصلوة فكانه لم يبق شيء منه لان تمييز آخر الوقت هو بحسب المتعارف وينكر الوقت مشعر بارادة شيء قليل منه ومثل هذه الصحيحة رواية يعقوب بن سالم عن ابيعبد الله (ع) في رجل تيمم وصلى ثم اصاب الماء وهو في وقت قال (ع) قد مضت صلوته ويتطهر.

ورواية معوية بن ميسرة اوضح مفاداً من هاتين الروايتين قال سئلت اباعبدالله (ع) عن الرجل في السفر لا يجد الماء ثم صلى ثم اتى الماء وعليه شيء من الوقت ايمضى على صلوته ام يتوضا ويعيد الصلوة قال يمضى على صلوته فان رب الماء هو رب التراب فقول الراوى شيء من الوقت ظاهر فى قليل الوقت الذي لايسع للصلوة و المتامل فى هذه الرواية لا يبقى له ريب فى ان الوقت الباقى ليس المقصود منه الوقت الواسع او الاعم ومثل هذه الروايات موثقة أبي بصير حيث سئل ابا عبد الله (ع) عن رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل ان يخرج الوقت فقال (ع) ليس عليه اعادة الصلوة فانها محمولة على الوقت الضيق الذي لايسع الصلوة.

والحاصل ان الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات يحصل من حمل ما يدل على الاعادة على ما يسع الوقت الباقى للصلوة لعدم تأخير التيمم وعدم بدليته للغسل والوضوء قبل آخر الوقت وحمل ما يدل على عدم الاعادة على ما لا يبقى للوقت بمقدار اداء الصلوة لان هذا الوقت غير واف لاداء الصلوة فكانه لم يبق من الوقت شيء والسر فى تنزيل هذا المقدار من الوقت منزلة عدم بقاء شيء من الوقت هوما عرفت من ان تمييز آخر الوقت بحسب المتعارف لعدم امكان تمييز آخر الوقت

ص: 247

بالدقة الحكمية فقد يبقى من الوقت شيء فان كان الباقى ما يمكن ايقاع الصلوة فيه فينكشف انه لم يؤخر التيمم الى آخر الوقت و ان لم يمكن الصلوة فيه لقلته فهو منزلة العدم .

وقد سلك الشيخ رضوان الله عليه للجمع مسلكا آخر فقال في التهذيب بعد ایراد رواية زرارة فالمعنى فيه انه حين صلى بتيهم هو فى الوقت انه حين اصاب الماء كان في الوقت لانه لو كان في وقت اصابته للماء الوقت لوجب عليه اعادة الصلوة حسب ما تقدم وكذلك الخبر الذي رواه محمد بن احمد بن يحيى الى ان قال عن يعقوب بن سالم الى اخر الخبر فيحتمل ما ذكرناه من انه حين تيمم كان في الوقت لا انه حين اصاب الماء كان الوقت باقيا ويجوز ان يكون المراد انه اصاب الماء وهو في الوقت غير انه لم يفرغ من الصلوة على تمامها وانما صلى منها ركعة اوركعتين فقال مضت صلوته يعنى ما صلى منها فاما قوله وليتطهر يكون محمولا على انه يتطهر لما يستانف من صلوة اخرى وقال بعد ايراد رواية معوية بن ميسرة ان قوله ثم صلى المراد به دخل في الصلوة ولا يكون قد فرغ منها فانه لا يجب عليه الانصراف بل ينبغي ان يمضى فى صلوته ولو كان قد فرغ من صلوته و الوقت باق كان عليه الاعادة على ما قدمناه.

و بعد ایراد رواية ابى بصير فالوجه فيه ايضا ما قدمناه في الاخبار الاوله .

وقال في الاستبصار بعد ايراد روایتی محمد بن مسلم وزرارة ولا ينافي هذا الخبر ما أوردناه من الاخبار فى باب اعادة الصلوة المتضمنة لمن صلى ثم وجد الماء والوقت باق لا يجب الاعادة بان يقال لو كان الوجوب متعلقا بآخر الوقت لكان عليه الاعادة لانا قد بينا الوجه فى تلك الاخبار وقد قلنا ان الوجوب تعلق بآخر الوقت لا يجوز غيره وحملنا قوله والوقت باق على ان يكون متعلقا بحال الصلوة دون وجود الماء وعلى هذا لا تعارض بين هذه الاخبار وبينها على حال وما تضمنه خبر على بن سالم فى الباب الأول من قول السائل اتيمم واصلى ثم اجد الماء وقد بقى على وقت فقال لا تعد الصلوة ويكون تقديره اتيمم واصلى وقد بقى وقت يعنى مقدار ما يصلى فيه

ص: 248

الصلوة فيصلى ويخرج الوقت وما قال (قده) في الاستبصار متحد المقال مع قوله في التهذيب فيتعلق بقاء الوقت بحال الصلوة دون وجود الماء فحيث ان وجود الماء ليس في الوقت ليس عليه الاعادة وانت خبير بان هذالبيان خارج عن حد التبيان لان هذا التفسير على خلاف القواعد العربية على ان السؤال (ح) يكون عن الصلاة فى الوقت مع عدم وجود الماء فيه ولا ينبغي لاحد من الرواة هذا لنحو من السؤال.

وما ذهبنا اليه اقرب وانسب بالسؤال لان الباعث للراوى على السؤال على ما بينا هو وجود الماء في وقت لا يسع الصلوة فيتحير من ان الماء قد وجد في وقت ولكن الوقت ليس بمقدار يمكن ايراد الصلوة فيه و اما مع عدم وجود الماء في الوقت مع الصلوة فيه ليس ما يحيره و يبعثه للسؤال لان وجود الماء بعد انقضاء الوقت لا يؤثر اثرا يوجب الحيرة لان اظهر مصاديق عدم الاعادة هو هذا الفرض لان ما يجوز التيمم عدم وجدان الماء داخل الوقت.

والحاصل ان المعيار فى امضاء الصلوة والاعادة اذا صلى بتيمم ووجد الماء بعد الصلوة هو انقضاء الوقت عند وجدان الماء وعدمه فان وجد الماء قبل ان يمضى الوقت فعليه تحصيل الطهارة المائية واستقبال الصلوة لان الصلوة مع التيمم مع بقاء الوقت للطهارة المائية باطلة لا تبرء الذمة لعدم بدلية الترابية عن المائية ما لم يتضيق الوقت وامكن تحصيل الطهارة والصلوة و ان تضيق الوقت ولم يجد الماء فتيمم وصلى ثم وجد الماء فصلوته ماضية لا اعادة عليه .

و اصرح ما يدل على هذا التفصيل هو صحيحة يعقوب بن يقطين قال سئلت ابا الحسن (ع) عن رجل تيمم فصلی فاصاب بعد صلوته ماءاً ايتوضأ ويعيد الصلوة ام يجوز صلوته قال اذا وجد الماء قبل ان يمضى توضاً واعاد فان مضى الوقت فلا اعادة عليه وقد مران الوقت الغير المتسع للطهارة والصلوة مما لا اثر له وهذا لتفصيل يستفاد من غير هذه الصحيحة وان لم يكن بصراحتها كرواية زرارة وقد مر ذكرها و بعد ما تبين ان المعيار فى امضاء الصلوة و وجوب الاعادة هو التفصيل المذكور يجب اتباعه و اجرائه فى جميع الموارد من دور فرق بين وجود الماء في اثناء

ص: 249

الصلوة و بين وجوده بعد الصلوة .

ان قلت اذا وجد الماء و هو فى الصلوة فاجراء المعيار قد يكون مستلزما لقطع الصلوة وقطع الصلوة ابطال له

وقوله عز وجل لا تبطلوا اعمالكم يمنع من قطع الصلوة قلت مقتضى المعيار قطع الصلوة التي اقيمت قبل الوقت الذى يجوز التيمم فيه و (ح) فالصلوة باطلة قبل القطع لان بدلية التيمم للوضوء والغسل ليس على الاطلاق بل اذا لم يجد الماء الى آخر الوقت وقطع الصلوة التي اقيمت قبل جواز التيمم ليس ابطالا للعمل لاستحالة تحصيل الحاصل فكل ما ورد من مضى الصلوة محمول على الصلوة التي اقيمت في وقتها اعنى آخر الوقت فوجدان الماء فى اثناء تلك الصلوة انما يكون في وقت لا يسع للطهارة والصلوة .

فتذكر رواية محمد بن حمران حيث سئل عن ابيعبد الله (ع) عن رجل تيمم ثم دخل في الصلوة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يوتى بالماء حين يدخل في الصلوة فاجاب (ع) يمضى فى الصلوة واعلم انه ليس ينبغي لاحد ان تيمم الا في آخر الوقت تعلم ان امضاء الصلوة مع التيمم في آخر الوقت لان القطع والوضوء او الغسل ثم الصلوة يوجب خروج الوقت و وقوع الصلوة خارج الوقت و كذلك روايتي محمد بن مسلم وزرارة وان لم يكن فيهما دخول الصلوة لان التيمم في آخر الوقت لم تقيد فيهما بعدم دخول الصلوة واما رواية عبدالله بن عاصم المروية بطرق عديدة قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن الرجل لا يجد الماء فتيمم و يقوم في الصلوة فجاء الغلام فقال هو ذالماء فقال ان كان لم يركع فلينصرف وليتوضا وان كان ركع فليمض في صلوته .

فالوجه فيه ما بينا سابقا من ان تمييز آخر الوقت ليس بالدقة الحكمية بل على متفاهم العرف فكثيرا ما يتفق تقدم التيمم عن آخر الوقت الحقيقي بما لوقطع الصلوة قبل الركوع وتوضأ واغتسل وصلى لم يخرج عن الوقت وجوز له قطع الصلوة والتطهير والاستيناف على الاطلاق فان التاخير عن آخر الوقت في غاية

ص: 250

الندرة فلوايقن ان ما بين وجدان الماء وآخر وقت الاداء لا يتسع للطهارة المائية والصلوة لا يقطع الصلوة ويمض في صلوته .

و رواية زرارة الصحيحة عن أبي جعفر (ع) كرواية ابن عاصم قال قلت لابی جعفر (ع) يصلى الرجل بتيمم واحد صلوة الليل والنهار كلها فقال نعم ما لم يحدث او يصب ماءاً قلت فان اصاب الماء ورجا ان يقدر على ماء آخر وظن انه يقدر عليه فلما اراده تعسر عليه ذلك قال ينقض ذلك تيممه وعليه ان يعيد التيمم قلت فان اصاب الماء وقد دخل في الصلوة قال فلينصرف فليتوضا ما لم يركع فان كان قد ركع فليمض في صلوته فان التيمم احد الطهورين وقوله (ع) فان التيمم احد الطهورين يكشف عن ان التيمم كان فى آخر الوقت لانه قبل الوقت ليس طهورا كما عرفت فالوجه ما بينا فى رواية ابن عاصم .

و يظهر من هذه الصحيحة ان التيمم الواحد يصلى ب_ه صلوة الليل والنهار والسر فيه ان الطهارة الترابية كالمائية من الكيفيات التي تبقى ابدا ما لم يرفعه رافع فلا تزول قبل المزيل اى الناقض واما زواله باصابة الماء فلاجل ان حيثيتها البدلية و الاضطرارية ومن المعلوم ان البدل لا اثر له بعد امكان المبدل فيصرف وجود الماء و القدرة على المائية يرتفع الترابية و ان لم يحصل المكلف المائية لان ارتفاع البدل بامكان المبدل منه لا بوجوده كما ان صحته يتوقف على العجز عنه ولذا حكم (ع) بانتقاض التيمم باصابة الماء وعدم تاثير الرجاء على الماء الاخر لبقاء اثره.

و في صحيحة اخرى لزرارة عن أبي عبد الله (ع) في رجل تيمم قال يجزيه ذلك الى ان يجد الماء فترى انه (ع)جعل غاية اجزاء التيمم وجود الماء وفي رواية السكونى عن جعفر عن أبيه (ع) عن ابي ذر رضى الله عنه انه اتى النبي (ص) فقال يا رسول الله (ص) هلكت جامعت على غير ما قال فامر النبي صلى الله عليه وآله بمحمل فاستترت به ودعا بماء فاغتسلت انا وهى ثم قال يا اباذر يكفيك الصعيد عشر سنين و هذه الجملة مشعرة ببقاء الطهارة الترابية ما لم يحدث او يصب الماء و ان

ص: 251

لم يكن صريحة فيه.

والامر بالتيمم بعد عدم وجدان الماء يدل على زوال اثره باصابة الماء لارتفاع العذر وعنوان عدم الوجدان باصابة الماء .

قال العلامة قدس سره في التذكرة (مسئلة) لو وجد الماء في اثناء الصلوة فلعلمائنا اربعة اقوال احدها يمضى ) مطلقا ( ولو تلبس بتكبيرة الاحرام اختاره الشيخان والمرتضى وعليه اعمل و به قال الشافعى ومالك وابوثور و داود واحمد في رواية لقوله تعالى ولا تبطلوا اعمالكم ولقوله (ع) ينصرف احدكم حتى يسمع صوتاً او يجد ريحاً وقول الصادق (ع) وقد سئل عن رجل تيمم ثم دخل في الصلوة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يوتى بالماء حين يدخل في الصلوة يمضى في الصلوة ولانه بدل من الماء وقد تحقق متصلا بالمقصود فيسقط اعتبار المبدل كما لا عبرة بوجود الطول بعد نكاح الامة و لانه وجد المبدل بعد التلبس بالمقصود فلم يلزم الخروج كما لو وجد الرقبة بعد التلبس بالصوم انتهى كلامه رفع مقامه.

اما استدلاله بالاية فقد عرفت فيما سبق ان النهي عن ابطال العمل الصحيح وعمل واجد الماء مع بقاء الوقت واتساعه للطهارة المائية ليس من الاعمال الصحيحة لزوال اثر الطهارة الترابية بوجود الماء لما عرفت ان التيمم لا يرفع الحدث بل يكتفى به عن المضطر وقد ارتفع الاضطرار .

واما الاستدلال بقوله (ع) ولا ينصرف احدكم (الخ) فجوابه ان سماع الصوت ووجدان الريح انما هو لاحراز الحدث والمصلى بالتيمم محدث على قول المستدل ايضاً والاكتفاء به لاجل الاضطرار المرتفع بوصول الماء.

و اما الاستدلال بقول مولانا الصادق (ع) وقد سئل عن رجل (الخ) فنحن قائلون بمفاده لما بينا ان هذا النحو من الاخبار محمول على عدم بقاء الوقت المتسع للطهارة والصلوة وقول السائل وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه فيه اشعار ان دخوله في الصلوة عند آخر الوقت .

و قوله ولانه بدل من الماء وقد تحقق متصلا بالمقصود جوابه ان الطهارة

ص: 252

المائية شرط لصحة الصلوة ولابد من دوامها الى آخر الصلوة و ليس شرطا للتلبس بالصلوة كي يؤثر البدل اثر المبدل منه على ان مع بقاء الوقت يكشف وجود الماء انه ماكان مضطراً الى التيمم فما كان له الاكتفاء به لوجود الماء وبقاء الوقت والتنظير بوجود الطول بعد نكاح الأمة فى غير محله لان الطول مانع عن ايجاد النكاح لاعن ابقائه والطهارة شرط لتمام الصلوة لا لدخوله.

وقوله ولانه وجد البدل بعد التلبس بالمقصود (الخ) ليس على ما ينبغى لما عرفت من ان الطهارة ليست بشرط لدخول الصلوة فقط حتى يؤثر البدل اثره والصوم ليس بدلا من الرقبة بل واجب مرتب عليها.

ثم قال (قده) الثانى يرجع ما لم يركع وهو قول الشيخ والمرتضى رضوان الله عليهما لقول الباقر (ع) و قد سئل فان اصاب الماء وقد دخل في الصلوة فلينصرف و ليتوضأ ما لم يركع فان كان قد ركع فليمض في صلوته فان التيمم احد الطهورين وهو محمول على الشروع في الصلوة واطلق عليه اسم الركوع اطلاقا لاسم الجزء على الكل واراد اولا بالدخول في الصلوة الشروع في مقدماتها من الاذان وغيره.

وانت خبير ان هذا لحمل بعيد فى الغاية و اطلاق هذه الالفاظ وارادة تلك المعاني لا يخلو من الاغراء بالجهل سيما مع عدم القرينة و اطلاق اسم الجزء على الكل ليس من الاطلاقات الصحيحة فلا ينسب الى المعصوم (ع) سيما في مورد بيان الاحكام فعلاقة الجزئية والكلية ليست من العلايق المصححة كما بينا في محله و بينا فيما سبق أن قوله (ع) فان التيمم احد الطهورين ان التيمم كان في آخر الوقت لانه قبل الوقت ليس بطهور فالوجه ما بيناه فى رواية ابن ابن عاصم.

ثم ان زرارة روى عن أبي جعفر (ع) قال سئلته عن رجل صلى ركعة على تيمم ثم جاء رجل ومعه قربتان من ماء قال يقطع الصلوة ويتوضأ ثم يبنى على واحدة و هذه الرواية مشتملة على ما لا يشتمل الطائفتان من الاخبار فهى مخالفة بكلتا الطائفتين ولكنها محمولة على من اذا صلى واحدث ما ينقض الوضوء ساهيا من غير

ص: 253

عمد بشهادة رواية اخرى له ولمحمد بن مسلم قال قلت له في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلوة فيتيمم ويصلى ركعتين ثم اصاب الماء اينقض الركعتين او يقطعهما و يتوضا ثم يصلى قال لا ولكنه يمضى فى صلوته ولا ينقضهما لمكان انه دخلها وهو على طهر و تيمم قال زرارة فقلت له دخلها وهو متيمم فيصلى ركعة واحدث فاصاب ماءاً قال يخرج ويتوضا و يبنى على ما مضى من صلوته التي صلي بالتيمم وزرارة و محمد بن مسلم لا يضمران عن غير المعصوم فهاتان الروايتان تدلان على ان من تيمم وصلى واحدث فى الصلوة من غير عمد عليه ان يتوضأ ويبنى على صلوته واما العامد في الحدث فليس له البناء لانه ابطل صلوته بالحدث فعليه التوضا والاستيناف ولابد ان يكون تيممه في آخر الوقت لانه لو كان في اول الوقت بطل وبطلت الصلوة فلا يمكن البناء عليه .

ولا يجرى الوضوء هذا المجرى لان الأصل في وقوع الحدث اثناء الصلوة بطلان الطهارة المستلزمة لبطلان الصلوة فالبناء على ما صلى على خلاف الاصل فلا نذهب اليه فى غير مورد النص .

والسبب الثانى للعجز هو الخوف عن استعمال الماء مع وجوده فقد يكون الخوف من المرض قال عز وجل و ان کنتم مرضی او علی صفر الاية فالخوف من المرض مجرز المتيمم سواء كان الخوف من حدوث المرض اومن شدته او بطوئه فشدة المرض مرض زائد وكذلك البطو الا ان الأول في الكيفية والثاني في المدة و من هذا لباب الخوف من العطش.

فلو تضرر من استعمال الماء فى بدنه تيمم والمريض اذا خاف التلف او فساد عضو من اعضائه بان يسقط او يذهب فائدته تيمم فيشمل قوله عز وجل وان كنتم مرضی ایاه .

ويدل على الاكتفاء بالتيمم صحيحة داود بن سرحان عن ابی عبدالله (ع) في الرجل تصيبه الجنابة و به جروح اوقروح او يخاف على نفسه البرد فقال لا يغتسل ويتيمم وكذلك موثقة محمد بن مسلم عن احدهما (ع) في الرجل يكون به القروح

ص: 254

في جسده فيصيبه الجنابة قال تيمم.

ورواية محمد بن أبي عمير عن محمد بن سكين وغيره عن ابيعبد الله (ع) تكشف عن حرمة استعمال الماء مع قوة احتمال الضرر قال قيل له ان فلانا أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات فقال قتلوه الاسئلوا الاتيمموه ان شفاء الغى السؤال قال وروى ذلك فى الكسير والمبطون فيتيمم ولا يغتسل وروى جعفر بن ابراهيم الجعفري عن ابيعبد الله (ع) قال ان النبي (ص) ذكر له ان رجلا اصابته جنابة على جرح كان به فامر بالغسل فاغتسل فكن فمات فقال رسول الله (ص) قتلوه قتلهم الله انما كان دواء الغى السؤال.

وفي مرسلة ابن ابی عمیر عن ابی عبدالله (ع) قال قال يتيمم المجدور والكسير بالتراب اذا اصابته الجنابة .

وفى مرفوعة على بن احمد عنه (ع) قال سئلته عن مجدور اصابته جنابة قال ان اجنب هو فليغتسل وان كان احتلم فليتيهم .

و في صحيحة احمد بن محمد بن ابي نصر عن ابى الحسن الرضا النهي عن الاغتسال والامر بالتيمم فانه سئل عنه فى الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح او جروح اويخاف على نفسه البرد قال لا يغتسل يتيمم.

والروايات في جواز التيمم بل حرمته مع قوة احتمال الضرر فيما تلف النفس كثيرة و فيما نقلناه كفاية و يظهر من مرفوعة على بن احمد ان التعمد في الجنابة يمنع من التيمم ويوجب الغسل حيث قال ان اجنب هو فليغتسل وان احتلم فليتيمم ومثلها مرفوعة على بن ابراهيم قال ان اجنب نفسه فعليه ان يغتسل على ما كان منه وان احتلم يتيمم .

ويقرب من هاتين المرفوعتين ما رواه سليمان بن خالد وعبدالله بن سليمان عن ابی عبدالله (ع) انه سئل عن رجل كان فى ارض باردة فتخوف ان هواغتسل ان تصيبه عنت من الغسل كيف يصنع قال يغتسل و ان اصابه ما اصابه قال و ذكر انه كان وجعا شديدا لوجع فاصابته جنابة وهو فى مكان بارد وكانت ليلة شديدة الريح

ص: 255

باردة فدعوت الغلمة فقلت لهم احملونی فاغسلونی فقالوا انا نخاف عليك فقلت لهم ليس بد فحملوني ووضعونى على خشبات ثم صبوا على الماء فغسلوني ونظير هذه الرواية رواية محمد بن مسلم الصحيحة قال سئلت ابا عبدالله (ع) عن رجل تصبه الجنابة فى ارض باردة ولا يجد الماء وعسى ان يكون الماء جامداً يغتسل على ما كان حدثه رجل انه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد فقال اغتسل على ما كان فانه لابد من الغسل وذكر ابو عبد الله (ع) انه اضطر عليه وهو مريض فاتوه به مسخناً فاغتسل وقال لابد من الغسل

قال الشيخ (قده) بعد نقل هذه الروايات وروى الحسين بن سعيد عن فضالة عن حسين بن عثمان عن ابن سكان عن عبد الله بن سليمان مثل حديث النضر - قال المفيد رحمه الله وان اجنب نفسه مختاراً وجب عليه الغسل وان خاف منه على نفسه ولم يجزه التيمم .

واستدل الشيخ (قده) في التهذيب لهذه المقالة بهذه الروايات ولم ينكره بل ظاهر الاستدلال تفيدها .

وهذه الروايات مما يحير العقول لانها توجب الغسل احتمال التلف فلابد مع ان يكون صدورها لعلة من العلل ضرورة ان حفظ النفس من اهم الاشياء والمتعمد و ان اخطأ في التعمد في الجنابة لكن الخطاء لا يوجب اتلاف نفسه لانه حرج منفى في الشريعة السهلة السمحة فهذه الاخبار لم تصدر من المعصوم لبيان الاحكام به بل له وجه آخر سوى بيان الحكم و لعل لقطع طمع بعض الضعفاء في الدين يسئلون هذا النحو من السؤالات لتحصيل الرخصة للتيمم مع التعمد في الجنابة و يمكن ان يكون الباعث لهذه الروات لهذه السؤالات هو بعض المنافقين

يلعبون بالاحكام الشرعية فاجاب الامام رغما لآ نافهم .

ويمكن ان تحمل هذه الروايات على المشقة الشديدة الغير البالغة الى حد خوف التلف.

قال العلامة (قده) في التذكرة لو تعمد الجنابة قال الشيخان لم يجزله التيمم

ص: 256

وان خاف التلف او الزيادة فى المرض لقول الصادق (ع) في الرجل تصيبه الجنابة في ليلة باردة قال اغتسل على ماكان فانه لابد من الغسل وللشيخ قول في المبسوط بجواز التيمم وهو اجود رفعا للمشقة والحرج لقول الصادق (ع) تصيبه الجنابة وبه قروح او جروح اويخاف على نفسه من البرد فقال لا يغتسل ويتيمم ويحمل الاول على المشقة التي لايخاف معه التلف والشين و هذا كلام تام جامع بين الطائفتين من الاخبار .

ولو تمكن خائف البرد من اسخان الماء وجب عليه ولا يجزئه التيمم والواجد لثمن الاسخان متمكن للطهارة المائية فلا يجوز له التيمم والقول في مقدار الثمن

هو ما مر فى شراء الماء والمرض المانع من استعمال الماء المجوز للتيمم هو ما لا يتحمله عامة الناس من العقلاء لا المرض اليسير السريع في الزوال الذي لا يعتد به العاقل فالاشخاص مختلفون فى هذا الأمراى تحمل المرض لاختلافهم في القوة والضعف ويرجع المريض فى معرفة التضرر إلى ما يوجب الظن لان ظن الضرر مخوف له فلو حصل من قول غير العادل اوغير البالغ يتيمم لان المناط هو حصول الظن بالضرر المخوف للظان استعمال الماء ولا دخل لوصف المخبر بعد حصول الخوف الظان كما انه لو اخبر عادل عارف بالضرر ولم يحصل له ظن بل اعتقد حصول الشبهة فلا يجوز له التيمم (ح) .

ولا فرق بين المسلم والكافر بعد حصول ما هو المناط لكن الغالب عدم الحصول مع اخبار الكافر او المنافق.

واما الخائف من العطش يحفظ الماء ويتيمم لان حفظ النفس من اهم الواجبات ولصحيحة عبدالله بن سنان عن ابي عبد الله (ع) انه قال في رجل اصابته جنابة في السفر وليس معه الاماء قليل يخاف ان هو اغتسل ان يعطش قال ان خاف عطشاً فلا يهرق منه قطرة وليتيمم بالصعيد فان الصعيد احب الى.

و الموثقة سماعة قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته قال يتيمم بالصعيد و يستبقى الماء فان الله عزوجل جعلهما

ص: 257

طهوراً الماء والصعيد و لصحيحة الحلبى قلت لابي عبدالله الا الجنب يكون معه الماء القليل فان هو اغتسل به خاف العطش ايغتسل به اويتيمم قال بل يتيمم و وكذلك اذا اراد الوضوء ولا فرق بين الخوف من العطش عاجلا او اجلا لوجود المقتضى في كليهما .

وقد يكون الخوف من العدو او اللص .

و قد مر عليك قول مولانا الصادق لا تطلب الماء و لكن تيمم فاني اخاف عليك التخلف عن اصحابك فتضل وياكلك السبع وقوله (ع) اذا سئله يعقوب بن سالم عن رجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق اويساره غلوتين اونحوذلك لا آمره ان يغرد بنفسه فيعرض له لص اوسبع .

وقوله في جواب داود الرقى لا تطلب الماء يمينا ولا شمالا ولا في بئران وجدته على الطريق فتوضأ منه و ان لم تجده فامض لان هذا القول محمول على الخوف والخطر والروايات الدالة على عدم جواز الطلب مع الخوف وجواز التيمم معه كثيرة والخوف للاطراف كالخوف من النفس.

واما الخوف من العرض فهو للمنع من الطلب اولى عند الغيور فلو خافت المرئة المكابرة على نفسها مع السعى الى الماء سقط السعى ووجب التيمم ولا اعادة لما فيه من التعرض للزناء والهتك المعرض ولا يخفى على من له ادنى دراية انه لودار الامر بين الهتك او ترك الطهارة المائية وتبديلها بالترابية لكان الثاني اولى و في حكم المرئة الغلام الخائف على عرضه و المنكر لهذه المسئلة غير قابل للمتخاطب ولو خاف من دون سبب يخاف عنه فالوجه التيمم لان الاثر مرتب على الخوف لا على السبب.

ولواشتبه عليه بان ظن شبحا مرئيا عدواً فتيمم وصلى ثم تبين عليه عدم كونه عدوا مضت صلوته ولا اعادة عليه الا ان يكون الوقت باقيا فتجب الاعادة بالمائية والاظهر في المقام وجهان عدم الاعادة لانه اتى بالمامور به والاعادة تنظيراً له بناسى الماء في رحله .

ص: 258

ولو قال بهذا التفصيل استناداً ببقاء الوقت في الاعادة و الاتيان بالمامور مع عدم بقاء الوقت كان احسن لان الاتيان بالمامور يصدق على ما اتى اذا كان في آخر الوقت اما مع اتساع الوقت للطهارة والاعادة فليس ما اتى به ماموراً به لوجوب التيمم فى آخر الوقت واما التنظير بناسى الماء في رحله فقياس مع الفارق لان النسيان عذر فى مرحلة المؤاخذة لا فى مرحلة الصحة والناسي قد اخل بالطلب دون ظان لعدم وجوب الطلب عليه .

ولوخاف على نفس محترمة غير نفسه كرفيقه اومؤمن اخر حفظ الماء يجب والتيمم بل لوخاف على حيوان محترم لان حفظ الماء والتيمم يجمع الامرين الصلوة مع الطهارة و حفظ نفس محترمة ولان حفظ النفس أكد من الصلوة ولذا يجب قطع الصلوة وانقاذ الغريق .

و اما لوصيفنا النفس والحيوان بالاحترام فللاحتراز عن المرتد و الحربي والكلب العقور والخنزير لعدم الاحترام لهم وعدم جواز ترك الطهارة المائية وابقاء الماء لحفظهم فمن تيمم وحفظ الماء لحفظ من ليس له الاحترام في الشرع الانور بطلت صلوته ووجب عليه الاعادة فى الوقت والقضاء مع انقضاء الوقت واما المحترم فيجب بذل الماء له اذا كان عطشانا.

ولوكان للخائف ماء ان طاهر و نجس يجب عليه حفظ المائين مع ظن احتياجه اليهما والتيمم للعبادة فان كفى الطاهر احراق النجس لان النجس لا يفيد للطهارة واما الشرب فيجوز عند فقد الطاهر واضرار العطش والقول بشرب النجس والتطهير اعنى الوضوء او الغسل بالطاهر استناداً الى ان الطاهر فى وقت العبادة كالمعدوم فيجوز شرب النجس خال عن التحقيق لان حفظ النفس مقدم على العبادة وشرب النجس مع وجود الطاهر حرام فلا يكون كالمعدوم .

ولو كان معه الفاضل عن شربه لكنه يحتاج الى ثمنه لنفقته الواجبة وجب عليه بيع الفاضل لنفقته والتيمم لعبادته لان الاحتياج اليه يجعله كالمعدوم ولافرق في هذا الحكم بين المسافر والحاضر وان كان المسافر احوج لان المناط هو الاحتياج

ص: 259

الموجود في الحاضر على الفرض.

وان كان له ماء بقدر ما يتوضأ او يغتسل وله احتياج الى الماء بقدر الموجود وتمكن من الغسل مثلا و حفظ المتساقط منه للشرب فان كان ممن يشمئز ويتنفر طبعا من شرب هذا الماء يتيمم ويستبقى الماء للشرب وان كان ممن يهنأ لشربه فيجمع بين الغسل والماء فان المتنقر طبعه من شربه كالفاقد للماء.

وكذا لو تمكن من حفظ المتساقط للطهارة الأخرى بعد ادخار ما يكفى لشربه فان كان المتساقط مما لا يصح الوضوء او الغسل منه لاكتسابه القذارة يتيمم وان لم يكن كذلك بل امكن التوضاً منه او الاغتسال يجب عليه حفظه والوضوء او الغسل منه ثانياً.

ولورجى وجود الماء غدا ولم يعلمه على التحقيق تيمم واستبقى الماء ولا اعادة عليه لان احتمال وجود الماء ورجائه لا يجوز ان اتلاف الماء بالغسل او الوضوء لان حفظ النفس من اوجب الواجبات فالمنجز هو احتمال العدم ورجاء الوجود واحتماله لا يجوز ان اهمال هذا الواجب فيكون وظيفته التيمم فلا اعادة ولا قضاء لعدم مورد للإعادة وعدم موجب للقضاء .

ولومات صاحب الماء من الرفقة والاحياء عطشى يمموه فيدفنوه و يشربون الماء لان حفظ الانفس اهم من غسل الموتى ويغرمون للمورثة قيمة الماء حفظاً لحقهم وتلاحظ فى القيمة يوم الاتلاف والقول بالمثل لكون الماء مثليا شطط لا يعتنى به لاختلاف قيمة الماء بحسب الامكنة والازمنة وكون المثل مما لا قيمة له في اغلب الاوقات هذا اذا لم يكن للميت وارث مصاحب للرفقة واما مع وجود الوارث فينتقل الماء اليه و القيمة و البيع يكونان راجعين اليه وان زال المرض في اثناء الصلوة قيل لم تبطل الصلوة لانه دخل في الصلوة مشروعاً وهو جيد ولوقيل يقطع ويتطهر بالماء ان كان الوقت متسعا للطهارة والصلوة كان اجود لكشف حاله بانه لم يكن منظراً الى التيمم فلقدرته على الاصل لا يكون له الرجوع إلى البدل والجهل بالزوال عند الشروع بالعمل لايجوز الادامة مع زوال العذر.

ص: 260

السبب الثالث المعجز

(السبب الثالث المعجز )

للعجز تعذر الاستعمال مع وجود الماء كما لو وجد الماء في بئر لا يمكن له الورود فيه و ليس له حبل ودلو ينزح بهما الماء منه ولا يمكنه ايقاع ثوب في___ه وعصره ولو بمعين او يكثر المغترفين من البئر على التناوب بحيث لا تصل النوبة اليه في الوقت او يمكن له النزول لكن يفسد الماء بالنزول فيه او يمنع من الوصول اليه الزحام كالعرفة او الجمعة فلو امكن له الوصلة الى الماء ولو بايقاع الثوب في البئر وعصره بعد الاخراج ليس له التيمم ويجب عليه الوضوء او الغسل .

فانظر الى صحيحة ابن أبي يعفور وعنبسة بن مصعب عن ابي عبد الله (ع) قال اذا اتيت البئر وانت جنب ولم تجد دلواً ولا شيئاً تغرف به فتيمم بالصعيد فان رب الماء و رب الصعيد واحد ولا تقع فى البئر ولا تفسد على القوم مائهم و قال حسين بن أبى العلا سئلت ابا عبدالله (ع) عن الرجل يمر بالركبة وليس معه دلو قال ليس عليه ان ينزل الركبة قال ان رب الماء هو رب الارض فليتيمم تهتدى الى ما قلنا من ان عدم الوصلة الى الماء مجوز للتيمم.

فلو امكن له اشتراء الدلو والحبل او استيجارهما ونزح الماء بهما لا يجوز له التيمم لانه واجد الماء (ح) و ازدياد الثمن عن ثمن المثل لا يمنع من الاشتراء الا ان يتزلزل به اركان معيشته فحكمه حكم اشتراء الماء.

والبحر لراكب السفينة كالبئر فى الاحكام الا انه لا يفسد بالوقوع فيه فالمجوز للتيهم عدم الاقتدار على اغتراف الماء وتحصيل الطهارة به و من مصاديق تعذر الاستعمال مع وجوده منع الزحام عن الوصول الى الماء كما لو كان في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم العرفة ولا يستطيع الخروج عن المسجد من كثرة الناس فالممنوع يجوز له التيمم والصلوة بالطهارة الحاصلة منه ومقتضى جواز التيمم له الاكتفاء به وعدم الاعادة الا ان رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن على (ع) أنه سئل عن رجل يكون وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج عن المسجد

ص: 261

من كثرة الناس قال يتيمم ويصلى معهم ويعيد اذ انصرف فالامر بالاعادة معناه عدم الاكتفاء بتيهم الممنوع من الزحام فاما يحمل الامر بالاعادة على الاستحباب او يعد من القادرين على استعمال الماء لعدم دوام المنع الى آخر الوقت و يحمل الامر بالتيمم والصلوة معهم على الاستحباب لدرك فضيلة الجماعة و الثاني اولى و اشبه بالواقع ضرورة ان القادر على الوضوء او الغسل بالماء في الوقت لا يعد عاجزا عن استعمال الماء.

المقام الثاني في كيفية التيمم

) المقام الثاني في كيفية التيمم )

قال الله تعالى ان لم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم و ايديكم و فى سورة المائدة منه بعد قوله تعالى و ايديكم فقوله تبارك و تعالى فامسحوا بوجوهكم وايديكم عبارة عن كيفية التيمم والمسح هو امرار اليد على الشيء فلا يكتفى بالمس الذى هو وصول اليد الى الشيء ولولم يكن فيه امرار.

والاتيان بالباء وتعليق المسح على الوجوه بها مع كون مادة المسح من المواد المتعدية فيه دلالة واضحة على عدم وجوب الاستيعاب في المسح على الوجوه والايدى فقد عرفت في مبحث الوضوء ان حرف الباء لمطلق الربط ولذا عبر عنه بالالصاق الذي عبارة اخرى عن ارتباط الشيء بالشيء وحيث ان المسح مما يتعدى بنفسه من غير احتياج الى الاداة فاتيان هذه الاداة التي لمطلق الربط هداية للسامع الى ان تعليق المسح الى الممسوح انما هو لمجرد الارتباط اليه بل يكفي فيه تحقق عنوان المسح الذي يتحقق بصرف الامرار.

وليس هذا لكون الباء للتبعيض حتى يقال ان سيبويه صرح في مواضع من كتابه ان الباء ليس للتبعيض و النقل عن الاصمعي ان الباء للتبعيض جواباً لهذا القول ضرورة ان الباء ليس للتبعيض لانها حرف والتبعيض من المعانى الاسمية فلا يجوز استعماله فى التبعيض لانها ليست حقيقة فيه ولامجاز فى الحروف بل التبعيض يستفاد من اتيان الباء التى لمطلق الربط في مورد يستفاد منه الاستيعاب من تعليق

ص: 262

الحكم على الموضوع و لذا قال الامام فى مقام الاستدلال لمكان الباء ولم يقل فايراد الباء في هذا المورد يستفاد منه التبعيض وقد اشبعنا الكلام فيهذا المعنى في مبحث الوضوء.

ولا بد من تجديد ذكر الحديث الوارد في المقام تشييداً للمرام (فنقول) روى المحمدون الثلث في الصحيح عن زرارة قال قلت لابي جعفر (ع) تخبرني من این علمت وقلت ان المسح ببعض الراس و بعض الرجلين فضحك ثم قال يا زرارة قال رسول الله (ص) نزل به الكتاب من الله لان الله عز وجل يقول فاغسلوا وجوهكم عليه واله فعرفنا ان الوجه كله ينبغي ان يغسل ثم قال و ايديكم الى المرافق ثم فصل بين الكلام فقال و امسحوا برؤسكم فعرفنا حين قال برؤسكم ان المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم وصل الرجلين بالراس كما وصل اليدين بالوجه فقال وارجلكم الى الكعبين فعرفنا حين وصلها بالراس ان المسح على بعضها ثم فسر ذلك رسول الله الله الناس فضيعوه ثم قال فلم تجدوا ماءاً فتيمموا صعيدا طيباً فامسحوا بوجوهكم و ايديكم منه فلما وضع الوضوء ان لم تجدوا الماء ثبت بعض الغسل مسحاً لانه قال بوجوهكم وصل بها و ايديكم ثم قال منه اى من ذلك التيمم لانه علم ان ذلك اجمع لم يجر على الوجه لانه يعلق ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها ثم قال ما يريد الله ليجعل عليكم فى الدين من حرج والحرج الضيق.

فانظر الى هذا الحديث الساطع منه انوار الامامة والعصمة و تامل فيه حق التامل تهتدى الى اسراره واشتماله على دقايق الاستنباط حيث انه (ع) جعل ربط الغسل الى الوجوه من دون تقييد لقيد سبباً لمعرفة ان كل الوجه ينبغي ان يغسل و هذا عبارة أخرى من ان ربط الحكم الى الكل موجب لسريانه الى ابعاض ذلك كما ان الربط الى الكلى موجب لسريانه في جزئيات ذلك الكلى ما لم يقيد بقيد اويحدد بحد فتحديد الايدى بالمرافق منع من سريانه الى مافوق المرفق ثم قال ثم فصل بين الكلام وفيه اشعار بان تغير اسلوب الكلام كاشف عن تبدل نظر المتكلم وقوله و امسحوا برؤسكم فعرفنا حين قال برؤسكم ان المسح ببعض الرأس

ص: 263

لمكان الباء ان تعليق المسح بالباء الموضوع لمطلق الربط مع كونه بالمادة متعديا لا يحتاج الى التعدية بالباء دليل على اكتفاء مطلق ربط المسح الى الرؤس وهو منع عن سريان الحكم المتعلق على الكل الى جميع ابعاضه فيستفاد منه التبعض من دون ان يكون الباء المتبعيض و لذا قال (ع) لمكان الباء ولم يقل للباء ثم قال ثم وصل الرجلين بالراس كما وصل اليدين بالوجه (الخ) معناه ان عطف شيء على شيء موجب الجريان حكم المعطوف عليه على المعطوف وشبه العطف بالعطف اشعاراً بان حكم الوجه يجرى في اليدين.

ثم بين كيفية التيمم استنباطاً من قوله عز وجل فلم تجدوا ماءاً فيتمموا صعيدا طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه وحكم بان وضع الوضوء لعدم الوجدان دليل على اثبات المسح في موضع الغسل واستدل لهذا الاثبات بقوله فامسحوا بوجوهكم و ایدیکم و قال لانه قال بوجوهكم فتبعض الوجوه للمسح لاجل ان المسح متعد بنفسه وعلقه بالباء واستدل لتبعض الايدى بعطفها على الوجوه .

ثم بين ان ضمير منه راجع الى التيمم المراد من مجموع ما سبق المستفاد منه او من قوله عز وجل فتيمموا لان المصدر يستفاد من الفعل.

ثم قال لانه علم ان ذلك اجمع يجر على الوجه المراد منه انه علم بمجعوله لانه عزوجل جعل المسح على بعض الوجه ببعض الكف ولا يعلق ببعضا الآخر.

و المقصود انه تعالى حيث جعل المسح على بعض الوجه ببعض الكف وام يجعل بتمام الكف فهو عالم بمجعوله فاتى فى البيان بالباء الموضوع لايجاد المعنى في غيره فهنا اوجد البعضية في الوجوه والايدى.

وهذا النحو من التكلم شايع عند البلغاء فيجعلون علم الجاعل كناية عن جعله لانه ابلغ واصرح في المكنى عنه .

والحاصل ان الآية الكريمة بمعونة تفسير الرواية الشريفة تدل على ان المسح على الوجه فى التيمم بالنسبة الى بعضه ومسح بعض الوجه يتحصل بامرار بعض اليد على بعض الوجه واما الشروع من الاعلى فلا يستفاد من ظاهر الاية فالمرجع

ص: 264

فيه هو العرف فلوخلى الشخص وطبعه و اراد مسح وجهه يمسح من الاعلى طبعا والوارد فى الشرع اذا لم يبين فيه كيفيته يراجع الى العرف ولك ان تقول ان المسح على الوجه والايدى الذى يتيمم منه التيمم بدل من الوضوء و قد ثبت في الوضوء ان غسل الوجه من الاعلى الى الاسفل فنجرى فى البدل مجرى المبدل منه وكذا في الايدى.

و مقتضى اطلاق الاية وجوب مسح بعض الوجه من دون فرق بين مواضع الوجه من الجبهة والخدين لصدق الوجه عليهما وعليها .

و ليس فى اكثر الروايات الواردة في المقام تعيين لموضع من الوجه فانظر الى مضمرة الكاهلى قال سئلته عن التيمم فضرب على البساط فمسح بهما وجهه ثم مسح كفيه احديهما على ظهر الأخرى والضرب على البساط لكونه تعليما للكفية.

واما موثقة زرارة قال سئلت ابا جعفر (ع) عن التيمم فضرب بيده على الارض ثم رفعهما فنقضهما ثم مسح بهما جبهته وكفيه مرة واحدة.

ففى المضمرة بين بلفظ الوجه و فى الموثقة بلفظ الجبهة و في ذكر الجبهة و جهان احدهما كونها من الوجه وثانيهما اختصاصها في المسح

وفي صحيحة داود بن نعمان سئلت ابا عبدالله عن التيمم قال ان عماراً اصابته جنابة فمعك كما تمعك الدابة فقال رسول الله و هو يهزء به يا عمار تمعكت كما تمعك الدابة فقلنا له فكيف التيمم فوضع يديه على الأرض ثم رفعهما فمسح وجهه ويديه فوق الكف قليلا وفى موثقة سماعة فمسح بها وجهه وذراعيه.

وروى محمد بن ادريس في آخر السرائر على ما حكى عنه المحدث العاملي نقلا من كتاب نوادر احمد بن محمد بن ابي نصر البزنطى عن ابن بكير عن زرارة عن ابی جعفر (ع) قال اتى عمار بن یاسر رسول الله (ص) فقال يا رسول الله (ص) اني اجنبت الليل فلم يكن معى ماء قال كيف صنعت قال طرحت ثيابی وقمت على الصعيد فتمعكت فيه فقال هكذا يصنع الحمار اما قال الله عز وجل فتيمموا صعيداً طيباً فضرب بيديه على الارض ثم ضرب احديهما على الأخرى ثم مسح بجبينيه ثم مسح

ص: 265

كل واحدة على ظهر الأخرى فمسح اليسرى على اليمنى واليمنى على اليسرى وفى هذه الرواية اتى بلفظ الجبين ففى قضية عمار اتى بوجهين وفي رواية اخرى لزرارة عن أبي جعفر بعد ذكر صنع عمار فوضع ابو جعفر الكفيه على الارض ثم مسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشيء و في موثقة اخرى لزرارة عن ابی جعفر وتمسح بهما وجهك ويديك فالروايات مختلفة في ذكر الوجه والجبين والجبهة والاكثر ذكر الوجه لكن مسح الجبين والجبهة لاريب في صحته لانه من الوجه على انا بينا ان الابتداء بالاعلى هو المتعارف والجبين والجبهة اعلى الوجه فلا اشكال في الذهاب الى صحته وعدم صحة مسح الخدين وليس في الاخبار ما يدل على جعل انتهاء المسح طرف الانف وليس مسح الجبهة مستلزماً للانتهاء الى طرف الانف سيما مع كفاية مسح بعض الوجه فيصدق على المسح الى منتصف الجبهة مسح الوجه بل ورود الجبهة فى بعض الروايات والجبين في الاخرى يكشف عن صحة التيمم مع مسح كل موضع من مواضع الوجه بل دقة النظر يقتضى عدم ارتباط مسح الجبين الى طرف الانف لان الانف تحت الجبهة والجبين هو طرف الجبهة يميناً وشمالا فالجبينان طرفاء الجبهة والمنقول عن القاموس الجبينان طرفان يكتنفان الجبهة من جانبيها فيما بين الحاجبين مصعداً الى قصاص الشعر فليس طرف الانف محاذيا لاحد من الجبينين لانه تحت الجبهة والجبينان طرفان للجبهة.

والعمدة فيهذ الحكم هو الاجماع المنقول من الروضة وشرحها و من انتصار السيد رضى الله عنه و فى الجواهر بعد نفى استيعاب الوجه واثبات بعضه قال انما البحث في تعيين ذلك البعض فمنه الجبهة من القصاص الى الطرف الاعلى من الانف اجماعا محصلا و منقولا مستفيضا بل متواتراً و لكنك خبير بان الاجماع المنقول مدركه الاخبار المذكورة فظن الناظر فى هذه الاخبار ظهورها .

قال شارح اللمعة عند قول الشهيد فيمسح بهما جبهته من قصاص الشعر الى طرف الانف الاعلى كما هو ظاهر غير واحد من الاصحاب بل صريح جلهم وهو المشهور منهم بل ادعى بعضهم الاجماع عليه كما في الروضة وشرحها، والذكرى، وجامع المقاصد

ص: 266

و شرح المفاتيح الوحيد البهبهاني ، والمفاتيح ، والغنية ، وعن السيد في الانتصار والناصريات الاجماع على مسح ما بين القصاص الى طرف الانف وفي جواهر الكلام ادعى الاجماع محصلا ومنقولا مستفيضا بل متواترا على مسح الجبهة من القصاص الى طرف الاعلى من الانف وغيرها من كتب الاجلة.

و بالجملة فحكاية الاجماع على وجوب مسح الجبهة من قصاص الشعر الى طرف الانف الاعلى فى عبائر الاجلة مستفيضة وهو الحجة الكافية ويدل عليه بعد ذلك ما ياتى من الاخبار الكثيرة الدالة على المسئلة بالظهور بل الصراحة وهذا هو المقدار المتيقن من حد الممسوح والتامل في هذه المقالة يرشد المتامل الى ان مدرك هذا القول هوظن ظهور الاخبار الواردة في المقام في كون المسح من قصاص الشعر الى طرف الانف الاعلى بل صراحتها .

اما كون مبدء الممسوح هو قصاص الشعر يدل عليه كونه من الطرف الاعلى من الوجه وما عرفت من ان قضية المتعارف الشروع من اعلى العضو·

واما انتهاء المسح الى طرف الانف الأعلى فليس في الاخبار ما هو ظاهر فيه لان حكاية ضرب اليد على الأرض ومسح الجبهة لا يدل على استيعاب الجبهة في المسح مع ان بعض الجبهة كاف في تحقق بعض الوجه وكذلك حكاية مسح الوجه او الجبين فعدم دلالتهما على المدعى اوضح .

و الحاصل ان الاخبار لا تدل على انتهاء المسح الى طرف الانف لعدم ذكر منه فيها وعدم استلزام شيء من مسح الوجه او الجبين او الجبهة طرف الانف لتحققه بتحقق بعض الوجه والجبين والجبهة.

فبعد ما تبين من كون المسح على بعض الوجه لدلالة الآية وتفسير الرواية يقطع الناظر في الاخبار ان كل ما ورد فيها لتحقق هذا البعض سواء كان بلفظ الوجه او الجبين او الجبهة لانهما ايضا من الوجه فمن مسح الجبين مسح الوجه ومن مسح الجبهة كمن مسح الجبين فمقتضى الاية و الرواية وجوب المسح على بعض الوجه ومقتضى عدم ذكر الابتداء وعدم تعيين المبدء تعين الاعلى بمقتضى العرف واما انتهاء

ص: 267

المسح فليس في الاية ولا في الرواية ذكر منه وقد عرفت ان مفهوم المسح يتحقق بشيء من امرار اليد الذى لا يتوقف ايصاله الى طرف الانف.

والعجب من هؤلاء الاعلام ذكر طرف الانف فى التيمم والامام يفسر الاية بما ليس فيه ذكر من طرف الأنف والروايات المبينة لكيفية التيمم مع اختلافها في الالفاظ متفقة فى بيان البعض وليس فيها منتهى المسح فالمستفاد من جميع الاخبار كفاية بعض الوجه للمسح ولزوم كونه من اعلى الوجه المنطبق على الجبهة والجبين ولا ينا فى هذا ذكر الجبينين في بعض الاخبار و اليدين لان كفاية احد الجبينين غير مناف لهما وانما المنافى حصر احدهما للمسح والمنع عن الآخر.

وظهر مما ذكرنا كفاية اليد الواحدة للمسح ضرورة حصول المطلوب بها.

قال العلامة في التذكرة الاظهر من عبادة الاصحاب وجوب مسح الوجه بالكفين فلو مسح باحدهما لم يجز ويحتمل الجواز والظاهر ان مراده (قده) مسح تمام الجبهة بيد واحدة لانه قال قبل هذا الفرع لو اهمل جزءا من الجبهة ومسح يديه لم يجزئه مسحهما فيمسح الوجه و يعيد الكفين لوجوب الترتيب وهذ الكلام عبارة اخرى عن عدم كفاية بعض الجبهة .

(وفيه) ان ايجاب اليدين اولى من ايجاب استيعاب الجبهة لان الاول مفهوم من الروايات بالنص والثانى بالظهور عند من يعرفه منها بل عرفت مما سبق عدم ظهورها فيه .

وقد عرفت ان المطلوب فى التيمم هو مسح بعض الوجه كما هو صريح الاية فكلما ورد فيهذا الباب من الجبهة والجبين والوجه انما هو لبيان بعض الوجه والبعض يتحقق بتحقق مسح الجبهة كلها أو بعضها او مسح الجبين احدهما او كليهما كما ان مسح الجبهة والجبينين معا الى طرف الاعلى من الانف لا يتعدى من المطلوب لانها بعض الوجه وبهذالبيان يظهران الماسح يصح ان يكون باليدين او يد واحدة ولعل نظر من ذهب الى الاجتزاء باليد الواحدة الى ما بينا فقد حكى عن ابن الجنيد لاجتزاء باليد اليمنى و ترجى بعض افاضل العصر كون مستند هذا لقول الاصل واطلاق

ص: 268

الاية الشريفة والمساواة للوضوء وكون البدل في حكم المبدل منه.

وصحيحة داود بن نعمان عن مولينا الصادق (ع) وفيها فقلنا له فكيف التيمم فوضع يده على الارض ثم رفعها ومسح وجهه وصحيحة أيوب الخزاز عنه (ع) وفيها فقلت له فكيف التيمم فوضع يده على السبخ ثم رفعها فمسح وجهه .

(وفيه) ان القول باجتزاء بعض الجبهة او احد الجبينين يكفى فى صحته ما ورد من كون المسح ببعض الوجه وكون الجبهة و الجبين من الوجه فلا يتوقف على دليل سوى ما ذكرنا من الاصل والمساواة للوضوء وكون البدل في حكم المبدل منه واما الروايتان فهما في مقام بيان كيفية التيمم فلا نظر لهما الى وحدة اليد او تعدده.

فالحاصل ان ما يجب مراعاته فى التيمم هو مسح بعض الوجه الاعلى من الجبينين او الجبهة باليد او اليدين وليس هذا من باب التخيير بين الزائد و الناقص حتى يتطرق فيه الاشكال بل من باب حصول المطلوب من كليهما فمجموع الجبهة والجبينين من بعض الوجه كما ان بعض الجبهة كذلك كاحد الجبينين وباليد الواحدة يحصل المسح كما انه يحصل باليدين.

قال بعض الافاضل وهل يجب استيعاب الجبهة بالمسح باليدين ظاهر الاصحاب وجوب الاستيعاب لعدم صدق الجبهة مثلا مع ظهور الاخبار السابقة في ذلك ودعوى بعض الاجلة الاجماع في ذلك.

و هذا من غرائب الكلمات فليت شعرى كيف يرضى هذا الفاضل ان يقول بعدم صدق الجبهة على بعضها وهو يذعن ان بعض الوجه يصدق عليه الوجه مع ان الجبهة انما يصح المسح عليها في التيمم لكونها بعض الوجه ولا اثر لاطلاق الجبهة على ذلك البعض وكذلك الجبين والجبينان ام كيف يستند الى دعوى بعض الاجلة الاجماع في ذلك مع ما يرى من وجود المخالف وكون مستند الاجماع على فرض انعقاده هو الاخبار المتفقة فى كون الواجب هو المسح على بعض الوجه والأمر في اليد اوضح لان الضرب على الارض والمسح على الوجه لا يستلزم امرار جميع الكف

ص: 269

على الوجه ضرورة ان بعض الوجه يمسح ببعض اليد ولا دلالة في الاخبار على وجوب المسح بجميع اليد فلا يجب نزع الخاتم لمباشرة جميع محل الفرض للمسح. ثم ان الروايات المختلفة من حيث الوضع والضرب ففي صحيحة زرارة قال سئلت ابا جعفر (ع) عن التيمم فضرب بيده على الارض (الحديث) .

و في رواية ليث المرادي عن مولينا الصادق في التيمم قال تضرب يكفيك الارض.

وفي صحيحة اخرى لزرارة تضرب بيديك (الحديث) وفي صحيحة اسماعيل بن همام التيمم ضربة للوجه وضربة للمكفين (الخبر) و في رواية محمد بن مسلم عن ابی عبد الله (ع) فضرب بكفيه الارض (الحديث) .

وفي رواية عمرو بن ابی المقدام عن ابی عبد الله (ع) انه وصف التيمم فضرب بيديه على الارض (الخبر).

وفي صحيحة داود بن نعمان عن ابی عبد الله (ع) فقلنا له فكيف التيمم فوضع يديه على الارض ثم رفعهما فمسح وجهه وفى صحيحة زرارة قال سمعت ابا جعفر (ع) يقول وذكر التيمم وما صنع عمار فوضع ابو جعفر (ع) كفيه في الارض ثم مسح وجهه وصحيحة اخرى لزرارة عن مولينا الباقر (ع) قال رسول الله (ص) ذات يوم لعمار في سفر له يا عمار بلغنا انك اجنبت الى ان قال اولا صنعت كذا ثم اهوى بيديه الى الارض فوضعهما على الصعيد (الحديث).

وفى حسنة ابي ايوب الخزاز عن أبي عبد الله (ع) بعد ذكر قضية عمار فقلت له كيف التيمم فوضع يده على المسح ثم رفعها فمسح وجهه ثم مسح فوق الكف قليلا فترى فى بعض الروايات التعبير بالضرب وفى اخرى التعبير بالوضع .

وذكروا رضوان الله عليهم وجوهاً للتوفيق بين الطائفتين من الاخبار.

منها ان الوضع اعم من الضرب لان الضرب هو الوضع مع الدفع فيحمل العام على الخاص لان العامل بالخاص عامل بالعام ايضاً.

منها ان الضرب هو الوضع مقيدا بالدفع والشدة وحمل المطلق على المقيد

ص: 270

امر شايع فى كلمات الاصحاب وعبارات ائمتنا الاطياب .

منها ان الضرب والوضع ليسا من الاعم والاخص ولا من المطلق والمقيد بل هما مفهومان متباينان وورودهما في الروايات موجب لتعارض الطائفتين من الاخبار و التعارض فى المتبائنين اذا لم يكن لاحدهما ترجيح على الاخر يوجب التخيير بين المفادين .

وقد يقال ولو سلمنا كون التعارض بالتبائن فالظاهر ترجيح اخبار الضرب على اخبار الوضع بالشهرة بل الاجماع وكونه لفظ المفهوم والوضع لفظ الراوى وورود الأمر بالضرب في كثير من الأخبار .

والاصح هو التخيير بين الضرب والوضع لا لاجل التباين لان الضرب لايباين الوضع لانه هو مع الشدة والدفع بل لان المامور به يحصل بكل منهما لان كلا منهما مصداق للمقصد الذى هو المامور به واقعاً فإن قصد الصعيد يتحقق بالضرب والوضع وتعليم المكلف بالضرب تارة وبالوضع اخرى يكشف كشفاً تاماً عن تحصل قصد الصعيد الذي هو المامور به بكل منهما.

و ببيان اوضح ان المامور به هو ما بين الله عز وجل في محكم كتابه بقوله تعالى فتيمه وا صغيداً طيباً و رسوله (ص) الله وخلفائه المعصومون الذين هم تراجمة لوحيه و امنائه فى بيان احكامه يبينون الاحكام من كتابه الكريم كما عرفت بيان مولانا الصادق (ع) دقايق مفادات الاية الكريمة لزرارة و هم صلوات الله وسلامه عليهم ببياناتهم الفعلية والقولية بينوا مدلول الاية تارة بالضرب و اخرى بالوضع و وصل الينا كل من البيانين بالاخبار الصحاح التى لا مانع من العمل بها فلا داعى يدعونا الى طرح طائفة من الطائفتين بعد كون مفادهما مصداقا للمامور به فليس المقام مقام اعمال المرجحات.

والضرب و ان كان يتحقق بإيصال اليد على الارض مع الشدة فهو زايد على الوضع و فى طوله الا انه في عرضه فى مرحلة المصداقية يقصد الصعيد الذي هو المأمور به بحسب الواقع وكذلك اليد ان بالنسبة الى اليد الواحد فباليد الواحدة

ص: 271

ايضاً يحصل المطلوب كما يحصل من اليدين .

و ظهر مما بينا من كونهما مصداقين للقصد ان حمل الضرب على الوضع استناداً الى اصالة البرائة مما لا معنى له كما انه لا معنى لحمل الوضع على الضرب تمسكا باصالة الاشتغال لعدم وجود تمسك موجب للرجوع الى الاصل بعد بيان اهل بيت الطهارة والعصمة .

فما قيل بعدم كفاية الوضع اختياراً وكفايته حين الاضطرار بعدم التمكن من الضرب لوجع او آفة مع التمكن من الوضع بعيد عن الحق لعدم الفرق بينهما في مرحلة المصداقية ومن غرائب الخيال نفى البعد عن كفاية الوضع لقاعدة الميسور بعد تصريحه في الاخبار وبيان كيفية التيمم به على ان قاعدة الميسور انما يتمسك بها اذا كان الميسور حكم والمتعسر حكم آخر فبتعسر المتعسر لا يترك الميسور وليس امر الضرب والوضع اذا تعسر الضرب كذلك لعدم اثر للوضع بعد حصر الأثر للضرب فكفاية الوضع (ح) تحتاج تنزيله منزلة الضرب و الاخبار حكمت بكفاية الوضع من دون تنزيل له منزلة الشيء الآخر .

ويشترط في صحة التيمم اباحة الصعيد الذى يضرب عليه اليد او توضع لما بينا مرارا من ان الفائدة للمشيء ترجع الى مالكه فلا ترجع الى غير المالك الاباباحته له ولايقاس بالفوائد القهرية الذاتية المشيء كرفع العطش الماء ولوكان الشارب غاصبا فليس انتزاع الطهارة من الماء او التراب كرفع العطش والتبريد او التنظيف لانها من الفوائد القهرية و انتزاع الطهارة من المجعولات الشرعية المتوقفة على جعل الشارع ومن المعلوم عدم جعل الانتزاع من المغصوب .

فالفاقد للماء الواجد للصعيد المغصوب دون المباح فاقد للطهورين فمن يتيمم بالتراب المغصوب وصلى بطلت صلوته لبطلان تيممه فان كان مع امكان التيمم بالمباح وجب عليه الاعادة ومع عدم الامكان فيجرى عليه حكم فاقد الطهورين .

ويعتبر الضرب او الوضع باطن الكف لان الضرب بباطن الكف هو المعهود المطابق للطبع والمتعارف واطلاق اليد ينصرف الى المتعارف في ذلك العمل المستند

ص: 272

اليها ومع التعذر بالباطن يضرب او يوضع ظهر اليد لان اليد اسم للمجموع فمع تعذر الباطن يتعين الظهر.

ولو كان التعذر بالباطن لنجاسته فان كانت النجاسة مما يمكن ازالتها وجبت ان كانت متعدية لانها تسرى الى الصعيد والله عز وجل وصفه بالطيب والمراد بالطيب الطاهر من الخبث و ان لم يمكن الازالة مع التعدى ينتقل الى ظهر اليد و ان لم يمكن الازالة مع عدم التعدى فلادليل على الانتقال وطهارة امام اسح مع عدم التعدى مما لا دليل عليها ولا يقاس على الطهارة المائية لانه قياس مع الفارق لان التطهير بالماء يستلزم نجاسة الماسح و الممسوح بخلاف التطهير بالتراب لعدم استلزامه النجاسة في صورة عدم التعدى.

و اما ما قيل من ان ظاهر الآية الكريمة اشتراط طهارة الصعيد قبل التيمم فلا يضر نجاسته به يكشف عن قلة تدبر قائله و ان امكن الازالة مع عدم التعدى فالاولى ازالتها وان صح التيمم بدونها فلا ينتقل الى ظهر اليد .

و الانتقال من باطن اليد الى الظهر في صورة التعدى مع عدم امكان الازالة يشترط بعدم امكان رفع التعدية ايضا كالتجفيف واما مع الامكان فيجب التجفيف. ورفع التعدية والمسح بالباطن لانه المعهود والمتعارف ونقل عن المستند من ان المسلم اشتراط طهارة التراب قبل الضرب و المسح و اما النجاسة الحاصلة بالضرب والمسح فلادليل على ما نعيته اصلا وهذا الكلام فى غاية الوهن والسقوط لان توصيف الصعيد بالطهارة لاعتبار طهارة ما يتيمم به فهى شرط فى تمام اجزاء التيمم و بعد صيرورته نجسا بالضرب والمسح فلا يصلح كونه سببا للطهارة و المراد من اشتراط الطهارة مانعية النجاسة لما مر مراراً ويجئى فى مبحث الطهارة والنجاسة ان الطهارة امر عدمى لا يقع شرطا لشيء فكل ما عبر عن اشتراط الطهارة تسامح في التعبير والمقصود ما نعية النجاسة .

ولو كان الظهر كالباطن فى النجاسة والتعدية وعدم امكان رفعها فحكم المكلف (ح) حكم الاقطع فيمسح بالجبهة على الارض او يمسح الجبهة بذراعيه بعد ضربهما

ص: 273

على الارض او يتعين عليه التولية وجوه اوجها الثاني منها لبدلية الذراع من اليد في كثير من الامور الراجعة اليها عند القطع فهذا امر طبیعی واقعی قهری .

ولو قطع احدى اليدين يمسح بباطن الاخرى الجبهة بعد الضرب او الوضع على الارض ويمسح بذراع المقطوع ظهر الصحيح وكذلك عند نجاسة اليد بالنجاسة المتعدية الغير الممكنة الازالة والرفع وتفصيل حكم الاقطع في مبحثه.

واما الترتيب واجب في التيمم بل هو كالموالات محقق لحقيقة التيمم لانه من المجعولات الشرعية والوارد في الشرع كتاباً وسنة هو تقديم الضرب على مسح الوجه وتقديمه على مسح ظهر اليمنى وتقديمه على مسح ظهر اليسرى وغير هذا الترتيب ليس من التيمم لانه لم يجعل في الشرع.

فما قيل بوجوب الترتيب معناه فقد التيمم وعدم حصوله بفقد الترتيب وعدم حصوله لا الوجوب المصطلح اى ما يوجب تركه العقاب فالمخل بالترتيب لا يتحقق له التيمم حتى ينتزع منه الطهارة وقد مر عليك الاخبار و الكتاب فى بيان التيمم ورايت الترتيب المذكور فيها .

و اما الموالات فهى كالترتيب في بطلان التيمم مع الاخلال بها لما بينا في الوضوء من ان منشائية الغسلتين و المسحتين لانتزاع الطهارة بلحاظ الوحدة في الافعال المتعددة المتحققة بايجاد الافعال على التوالى والتيمم ايضا ينتزع منه الطهارة بلحاظه الوجدانى الذى لا يوجد الا بالاتصال الزمانى فى الافعال فالفصل المعتدبه يوجب بطلان التيمم ومعنى البطلان عدم انتزاع الطهارة بل عدم تحقق التيهم لان الوارد في الشرع هو الافعال المتوالية المتصلة بحسب الزمان فلم نعرف التيمم الاهذه الافعال مع وصف الاتصال ولايقاس بالغسل لان الغسل هو غسل البدن والبدن امر واحد لا تعدد فيه فى مرحلة الاغتسال فيتحد الاغسال المتعددة بوحدة المغسول فلا يحتاج بالاتصال الزماني الذي هو عبارة أخرى عن الموالات.

واما الضرب او الوضع على الصعيد في التيمم ففى عدده اختلاف فذهب على بن بابویه رضوان الله عليه الى تعدد الضرب اى كونه مرتين الموجه واليدين في

ص: 274

بدل الوضوء والغسل وتبعه المحدث العاملي (قده) .

وذهب الشيخان وابوجعفر بن بابويه وسلار وابوالصلاح وابن ادريس على ما نقل عنهم العلامة فى المختلف الى التفصيل بين البدل من الوضوء وبين البدل من الغسل فاكتفوا بالمرة فى الأول وأوجبوا مرتين في الثاني.

وذهب علم الهدى رضوان الله عليه الى الاكتفاء بالمرة فيهما.

ويدل على ما ذهب اليه على بن بابويه صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما (ع) قال سئلته عن التيمم فقال مرتين مرتين للوجه واليدين وحسنة اسماعيل بن همام الكندى عن ابى الحسن الرضاع (ع) قال التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين.

و هاتان الروايتان صریحتان فى التعدد وليس منهما ما يوهم كونهما للغسل فقط فاطلاقها شامل للبدل من الوضوء والغسل•

و يدل ايضاً على ما ذهب اليه ابن بابويه صحيحة زرارة عن أبي جعفر(ع) واستدل هو بها وبصحيحة محمد بن مسلم قال زرارة قلت كيف التيمم قال هو ضرب واحد للوضوء و الغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنقضهما نفضة مرة للوجه و مرة لليدين .

ودلالة هذه الرواية لاخفاء فيها لان ظاهر الجواب ان التيمم قسم واحد للوضوء والغسل من الجنابة وبيانه الضرب باليدين مرتين ثم نفضهما والمسح مرة للوجه ومرة لليدين.

(والقول) بان والغسل من الجنابة كلام مستانف وان الضرب الواحد للموضوع فبعيد فى الغاية لايصار اليه على ان اختلاف الكيفية فى بدل الوضوء وبدل الغسل على خلاف الاصل لان للتيمم حقيقة واحدة والبدلية عن شيئين لا توجب الاختلاف في الحقيقة .

فالحقيق للاتباع هو هذا القول ورواية اسماعيل بن همام الكندى اوضح دلالة من غيرها لان ابا الحسن الرضا بين التيمم من دون ان يسئله احد فلو كان المرتان من كيفية بدل الغسل لما اطلق لانه في مقام البيان·

ص: 275

واستدل السيد اعنى علم الهدی رضوان الله عليه بصحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) فبعد ذكر التيمم وصنع عمار وضع ابو جعفر (ع) كفيه على الارض ثم مسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشيء ولان الثابت في الذراعين بشيء ولان الثابت في الذمة بيقين هو الواحدة فالزائد منفى عملا بالبرائة الاصلية السالمة عن معارضة دليل مزيل عنها .

(والجواب) عن الاستدلال بالرواية ان الامام (ع) في مقام بيان كيفية التيمم لا وحدة الضرب وتعدده والعمدة هو اثبات عدم وجوب المسح على الذراعين مع ان الرواية لم يتعرض بوحدة الضرب و تعدده وكون عمار ممن يجب عليه الغسل لا يقتضى التعدد عند بيان الكيفية سيما مع كون النظر هو نفى المسح عن الذراعين فالتعدد والوحدة امر والكيفية امر آخر واما اثباته (قده) المرة باليقين ونفى الزائد بالبرائة الاصلية.

(فالجواب) عن هذ الاستدلال ان التيمم و اجزائه مما ينتزع عنه الطهارة الاضطرارية وليس التيمم ولا اجزائه من الواجبات الشرعية كي يتمسك بالاقل وينفى الزائد بالأصل ومع البناء على اجراء الاصل فالقدر المتيقن للمنشائية للانتزاع هو المشتمل على الضربتين و الاصل عدم سببية المشتمل على الضرب الواحد لانتزاع الطهارة.

واستدل العلامة فى المختلف على التفصيل وقال لنا على الوحدة في الوضوء ما رواه زرارة عن الباقر (ع) وقد تقدم فى المسئلة السابقة والمتقدم ما رواه زرارة في الموثق قال سئلت ابا جعفر (ع) عن التيمم فضرب بيديه الارض ثم رفعهما ونفضهما ثم مسح بهما جبهته وكفيه مرة واحدة و عن زرارة فى الموثق عن الباقر (ع) في التيمم قال تضرب بكفيك الارض ثم تنفضهما وتمسح وجهك ويديك.

و في الحسن عن عمرو بن ابى المقدام عن الصادق (ع) انه وصف التيمم فضرب يديه على الارض ثم رفعهما فتفضهما ثم مسح على جبينه وكفيه مرة واحدة. (والجواب) ان هذه الروايات لبيان كيفية التيمم لابيان العدد فى الضرب ولذا ترى ان الامام اذا يبين بالقول لا يقول بالمرة والمرة الواحدة في بيانه الفعلى وهى

ص: 276

كافية لتعليم السائل كيفية التيمم على انه يحتمل كون المرة متعلقة بالمسح فقط لا الضرب وليس فى عدد المسح كلام للاتفاق على وحدته.

وهو (قده) اجاب عن استدلال علم الهدى رضوان الله عليه انه (ع) بين كيف التيمم ومسحه وحد اعضائه وسياقه الحديث تدل عليه في قوله ولم یمسح الذراعين واذا سيق لهذا وجب بيانه خاصة واهمل عدد الضربات فيه وكل ما قال في جوابه رضوان الله عليهما يجىء فى ما استدل به و سكوت الراوى عن عدم مسح الامام الذراعين لا يدل على الوحدة لانه من كلام الراوي في رواية علم الهدى.

والحاصل ان الروايات لادلالة فيها على الوحدة حتى يحمل على التيمم البدل من الوضوء و على التعدد في الغسل استدل برواية اسماعيل بن همام الكندى عن الرضا (ع) في الحسن قال (ع) التيمم ضربة للوجه وضربة للمكفين و صحيحة محمد بن مسلم حيث قال سئلته عن التيمم فقال مرتين مرتين للوجه واليدين و انت ترى اطلاق الروايتين بلا ايهام انهما لاجل البدل عن الغسل و بينا ان الروايتين تدلان على كون التيمم على ضربتين سواء كان بدلا عن الوضوء او الغسل.

و حيث انه (قده) يرى اطلاق الطائفتين من الروايات وهو خص كل طائفة الى بدل واحد من الغسل والوضوء.

( قال ) لا يقال هذه الاحاديث التي ذكرتموها فى الموضعين غير دالة على المطلوب اذ هي مطلقة لا اشعار فيها ببدلية الوضوء او الغسل.

( لانا نقول ) يستحيل تناقض الاخبار ولا يمكن اهمالها ولا العمل بها على عمومها فلابد وان تخصص كل واحد بصورة لا يتناولها الحكم الاخر و ليس ذلك الاعلى ما قلناه اذ لا يمكن صرف الكثرة الى ما هو بدل من الوضوء فان وجوب الاستيعاب فى الغسل يناسب كثرة الضربات وعدم استيعابها فى الوضوء يناسب وحدتها ولانهما حدثان مختلفان فى المبدل فيختلفان في البدل انتهى كلامه.

اما استدلاله بالروايتين على تعدد الضربات في الغسل فمطابق للمواقع وفى غاية الصحة الا ان حصر الدلالة على التعدد فى الغسل ليس في محله لعدم شاهد

ص: 277

على هذا الحصر.

وقد عرفت ان الروايات المستدل بها على المرة لا تدل عليها لانها لاجل بيان كيفية التيمم من غير نظر الى تعدد الضرب ووحدته و ليس فيها حصر بالمرة في كلام المعصوم وانما الراوى بين ان الامام بين الكيفية بضرب واحد ومن المعلوم ان بيان الكيفية يحصل من المرة فلا تعارض بين الطائفتين من الاخبار ولا يحتاج في رفعه الى الحمل المذكور الذى لا شاهد له و استيعاب جميع البدن في الغسل لا شاهد لتعدد الضرب فى البدل منه كما ان عدم الاستيعاب في الوضوء لا يشهد على المرة فى البدل ولا تناسب بين الاستيعاب والتعدد ولا بين عدمه والوحدة بل الامر بالعكس لان الغسل عمل واحد يناسب وحدة العمل الذى بدل منه والوضوء اعمال متعددة مناسبة لتعدد البدل وقد عرفت فيما سبق ان الملحوظ في الغسل هو غسل البدن من دون ملاحظة اعضائه وتعددها ولذا لا يشترط في انتزاع الطهارة منه الى الموالات لتحصل وحدة الغسل من وحدة المغسول واما الوضوء فالملحوظ فيه غسل الاعضاء ومسحها فهوا فعال متعددة ولا جامع لهذه الاعضاء حتى تكون لها جهة وحدة فيحتاج في تحصل وحدته الى الاتصال الزماني الذي هو الموالات

والحاصل ان التناسب لابد وان يلاحظ في وحدة البدل والمبدل منه وتعددهما ومن الواضح ان الغسل فعل واحد هو غسل البدن والوضوء افعال متعددة من الغسلات و المسحات فيناسب الاول وحدة البدل والثانى تعدده فالاستيعاب حيث انه موجب لوحدة الغسل يناسب وحدة الضرب فى البدل وعدم الاستيعاب في الوضوء حيث انه اوجب تعدد اعماله ناسب تعدد الضرب فى البدل و هذا البيان مع فرض التعارض بين الطائفتين من الروايات لكنا بينا عدم التعارض و عدم الاحتياج الى الحمل المذكور لدفع التناقض المستحيل عن الروايات .

ومما يؤيد عدم الفرق بين بدل الوضوء وبين بدل الغسل موثقة عمار بن موسى الساباط عن ابی عبد الله لا قال سئلته عن التيمم من الوضوء والجنابة ومن الحيض للنساء سواء فقال نعم .

ص: 278

وموثقة ابى بصير قال سئلته عن رجل كان في سفر وكان معه ماء فنسيه فتيمم وصلى ثم ذكر ان معه ماء قبل ان يخرج الوقت قال عليه ان يتوضأ ويعيد الصلوة قال وسئلته عن تيمم الحائض والجنب سواء اذا لم يجد ماء قال نعم وهذه الموثقة وان لم يكن فيها ذكر من تيمم الوضوء الا ان الظاهر عند دقة النظر ان السؤال عن التسوية بين تيمم الحائض والجنب مع تيمم الوضوء لا التسوية بينهما وليس بصريحة في المقصود كموثقة عمار .

فتلخص من التفاصيل ان ما ينبغى ان يستفاد من الروايات هوما ذهب اليه علی بن بابویه رضوان الله عليه من وجوب الضربتين في كل من بدل الوضوء والغسل وان الروايات ليست بمتعارضة وعلى فرض التعارض لا شاهد لما ذهب اليه الجمهورمن الحمل المذكور بل العكس اولى لتعدد افعال الوضوء ووحدة فعل الغسل •

قال المحدث العاملي رحمه الله فى الوسائل اقول وما تقدم من الاقتصار على الضربة الواحدة في الباب السابق بعضه يحتمل النسخ وكله يحتمل ان يكون المراد بيان الكيفية لا الكمية وتقرير الاعضاء الممسوحة لاعدد الضربات بقرينة الضرب على البساط و الاقتصار على الواحدة فى قضية عمار مع ان تيممه بدل عن الغسل وغير ذلك والاحتياط يؤيد ما قلناه (انتهى) واحتمال النسخ بعيد غاية البعد واما بيان الكيفية ففى غاية الصحة وقوله والاحتياط يؤيد ما قلناه يصح ان كان التعدد والوحدة مما لم ينوع التيمم بل كان التعدد واجباً في الوضوء واما لوكانا منوعين له بان يكون بضرب واحد نوعاً و بضربتين نوعا آخر فالاحتياط في تكرار التيمم تارة بضرب واحد واخرى بضربتين.

ثم قال رحمه الله وقد استدل العلامة في المنتهى ومعه الشهيدان على التفصيل بحديث محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (ع) ان التيمم من الوضوء مرة واحدة و من الجنابة مرتان وهذا وهم عجيب لان الحديث المدعى لاوجود له بل هو حديث ابن - اذينة عن محمد بن مسلم السابق لكن الشيخ اشار الى مضمونه على احد الاحتمالين في اثناء كلامه فى التهذيب فحصل الوهم من تاديه معناه وظن العلامة و غيره انه

ص: 279

حديث آخر صريح وليس كذلك وقد حققه صاحب المنتفى ومن راجع كلام الشيخ (ره) يحقق ذلك انتهى.

واصل هذه القضية هوان الشيخ رضوان الله عليه بعد ما اورد الاخبار وخصص ما فيه المرة بالبدل من الوضوء وما فيه المرتين بالبدل من الغسل .

احدهما

الم السلام

قال ( ان قال قائل ) ان الخبرين الاولين الذين احدهما عن أبي بصير ليث المرادي عن أبي عبدالله (ع) والثاني عن اسماعيل بن همام الكندى عن الرضا (ع) مع الخبر الذي رواه صفوان بن يحيى عن العلا عن محمد بن مسلم عن احدهما (ع) ليس فى ظاهرها ان الضربتين او المرتين انما هي لغسل الجنابة دون الوضوء فمن این لكم انه مقصود على حكم الجنابة ومالاقلتم بما ذهب اليه غيركم من ان الفرض في الوضوء ايضا مرتان.

(قيل له) اذا ثبت اخبار كثيرة تتضمن ان الفرض فى التيمم مرة مرة ثم جائت هذه الاخبار متضمنة للدفعتين حملنا ما يتضمن الحكم مرة على الوضوء وما يتضمن الحكم مرتين على غسل الجنابة لئلا يتناقض الاخبار مع انا قد اوردنا خبرين مفسرين لهذه الاخبار احدهما عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (ع) والآخر عن ابن ابي عمير عن ابن اذينة عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) و ان التيمم من الوضوء مرة واحدة ومن الجنابة مرتان فلما رأى العلامة هذه العبارة عن الشيخ رضوان الله عليهما توهم ان حديث محمد بن مسلم الذى ذكر الشيخ حديث آخر سوى حديث ابن ابى عمير عن ابن اذينة عن محمد بن مسلم عن أبی عبدالله (ع) فاستدل به على التفصيل وتفطن صاحب المنتفى بهذا التوهم واقتبس منه المحدث العاملي رحمهما الله ولعل وجه توهم العلامة (قده) ان حديث ابن اذينة عن محمد بن مسلم لا يدل على مطلوب الشيخ بوجه من الوجوه .

والشاهد على كون الحديث هو ما ذكره رضوان الله عليه و عدم كونه غيره كلامه (قده) في الاستبصار بعد ايراد الطائفتين من الروايات و حمل ما فيه المرة على البدل من الوضوء وما فيه المرتين على البدل من الغسل.

ص: 280

فالوجه فى الجمع بين هذه الروايات ان ما تضمنت من الضربة الواحدة يكون مخصوصة بالطهارة الصغرى وما تضمنت من الضربتين بالطهارة الكبرى لئلا يتناقض الاخبار و الذى يدل على هذا لتفصيل ما رواه الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال قلت له كيف التيمم فقال هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة تضرب يديك مرتين ثم نفضهما نفضة مرة للوجه ومرة لليدين و متى اصبت الماء فعليك الغسل ان كنت جنباً و الوضوء ان لم تكن جنبا الحسين بن سعيد عن ابن ابي عمير عن ابن اذينة عن محمد بن مسلم قال سئلت ابا عبدالله (ع) عن التيمم فضرب بكفيه الأرض ثم مسح بهما وجهه ثم ضرب شماله الارض فمسح بها مرفقه الى اطراف الاصابع واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها ثم ضرب بيمينه الارض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه ثم قال هذا التيمم على ما كان فيه الغسل و فى الوضوء الوجه واليدين الى المرفقين والقى ما كان عليه مسح الراس والقدمين فلا يؤمم بالصعيد (انتهى).

ولا يخفى على احد ان مقصود الشيخ فى التهذيب هذه الرواية وليس لمحمد بن مسلم رواية غير ما ذكر فما نبه به العاملي ان الرواية هي هذه المذكورة وتوهم العلامة ان فى المقام رواية اخرى لمحمد بن مسلم .

واما استشهاد الشيخ بهاتين الروايتين على التفصيل مع صراحتهما على خلافه زاد في الحيرة و اوجب التعجب لان خبر زرارة يفيد ان التيمم على قسم واحد في الوضوء والغسل واتمام الكلام في كلمة للوضوء وجمل والغسل من الجنابة كلاماً مستانفاً لا يليق بالامام وادخال اللام على الوضوء و عدم ادخاله على الغسل شاهد على العطف اذ مع الاستيناف يحتاج الى ادخال اللام كما يشهد به التامل و الشاهد الاخر هو قوله (ع) ضرب واحد فلولم يكن المقصود منه هو القسم القال (ع) ضربة مع تاء الوحدة كما يشهد به الممارسة في الاخبار.

وخبر محمد بن مسلم اصرح في التعدد لان الامام الا بعد ضرب الكفين والمسح بهما على الوجه و ضرب الشمال على الارض والمسح بها على اليمين من

ص: 281

المرفق الى اطراف الاصابع وضرب اليمين والمسح على الشمال كالمسح على اليمين قال هذا التيمم على ما كان فيه الغسل وفى الوضوء الوجه واليدين الى المرفقين والقى ما كان عليه الراس والقدمين فلا يؤمم بالصعيد ومعناه ان بالصعيد ومعناه ان فى التيمم يمسح ما يغسل فيه في الوضوء و يكون الممسوح من الوضوء اعنى الراس والقدمين متروكا فلا يؤمم بالصعيد ولا يكون اصرح من هذا الكلام في تادية معنى التعدد في الوضوء فلو فرض التعارض فى الاخبار والتمسك فى دفعة بهذا الخبر يجب القول بتعدد الضرب فى الوضوء والواحدة في الغسل و لكنك عرفت عدم التعارض ودلالة الاخبار على التعدد في بدل الوضوء والغسل وان ما ذكر فيه المرة فهو لبيان كيفية التيمم وليس فيه لحاظ الوحدة والتعدد و اما مسح المرفق فمحمول على النقية او الحكم كما حکم به الشيخ (قده) والحمل بالتقية اولى.

واما التفريق بين ضرب الشمال واليمين لا يوجب ان يكون الضربات ثلثا لان ضربة اليدين بالتعاقب لليمين والشمال تجب ضربة واحدة .

ثم ان الحائض والنفساء والمستحاضة يكتفين بالتيمم الواحد لانا بينا ان الغسل مجز عن الوضوء اى غسل كان فكذا التيمم البدل من الغسل واما على ما ذهب اليه الاكثر من عدم اجزاء غسل غير الجنابة عن الوضوء فلان التيمم منشأ للطهارة الاضطرارية عند فقد الماء من غير فرق بين الغسل والوضوء فحيث انه يقع بدلا عنهما ويذهب باثر هما ظاهرا ما دام فقد الماء فالوضوء والغسل كالغسلين بالنسبة الى التيمم وبعبارة اخرى انه لا يختلف الحال فى الاحداث الصغرى والكبرى في ارتفاع حكمها اذا لم يوجد الماء وقام التيمم مقام الغسل او الوضوء موقتا فلا معنى للقول بتعدد التيمم فانه كالقول بتعدد الغسل اوالوضوء.

وقد مر عليك حديث عمار الساباطي عن ابي عبد الله (ع) حين سئله عن التيمم من الوضوء والجنابة ومن الحيض سواء وجوابه (ع) نعم فمعنى هذا الحديث انه لا يفترق الاحداث من حيث الصغر والكبر في تاثير التيمم لكن يشكل الأمر على القول بالتفصيل بين التيمم البدل من الوضوء وبين البدل من الغسل مع كون الوحدة

ص: 282

و التعدد منوعاً للتيمم فالقائل بالتفصيل والتنويع لابد وان يقول بوجوب التيممين الحائض والنفساء و المستحاضة اما على القول باجزاء الغسل عن الوضوء لا يجب ازيد من التيمم الواحد.

واما مسح اليدين فالمستفاد من الاية وبعض الروايات ان الواجب مسح بعض اليدين و المستفاد من مرسلة حماد بن عيسى ان مسح اليدين من اصول الاصابع فروى عن بعض اصحابه عن ابي عبد الله (ع) انه سئل عن التيمم فتلا هذه الاية والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما وقال اغسلو او جوهكم وايديكم الى المرافق وقال وامسح على كفيك من حيث موضع القطع وقال ما كان ربك نسيا ومن المعلوم ان موضع القطع من اصول الاصابع عند الاصحاب .

و نقل ابن ادريس (قده) عن بعض الاصحاب ان المسح على اليدين من اصول الاصابع الى رؤسها .

وقال ابن بابويه والد الصدوق امسح يديك من المرفقين الى الاصابع .

وذهب الأكثر الى ان الواجب مسح الكفين من الزند الى اطراف الاصابع على ظاهرهما دون باطنهما واما مفاد المرسلة فلا ينبغى الذهاب اليه لضعف مدركه بالارسال ومعارضة مع الروايات و احتمال كونه تعليما للمراوي اعنى السائل الاستدلال على العامة بما يوافق مذهبهم فى السرقة ويبطل مذهبهم في التيمم فكانه قال لما اطلق الايدى فى آيتى السرقة والتيمم وقيدت في الوضوء علم ان القطع والتيمم ليس من المرفقين تفطن بهذ الاحتمال المحدث العاملي قدس سره .

واحتج ابن بابویه بان الله عز وجل بين في الغسل الوجه واليدين واحال في التيمم عليه و بما رواه سماعة قال سئلته كيف التيمم فوضع يديه على الارض فمسح بهما وجهه وذراعيه الى المرفقين ولان طهارة الماء اكمال وقد وجب فيها الاستيعاب فايجابه في الانقص اولى.

و الجواب عن الاول ان بيانه عزوجل الوجه واليدين في الغسل و التيمم لا ينافي تعليق الحكم في الغسل على وجه الاستيعاب وفي التيمم على وجه التبعيض

ص: 283

فترى انه عزوجل علق الغسل على الوجه واليدين مجرداً عن الباء و علق المسح في التيمم عليهما مع الباء التى لمطلق الربط المستفاد منه التبعيض .

وعن الثانى ان رواية سماعة محمولة على التقية لانها موافقة للعامة فلا یصح العمل بها وامثالها من الروايات التي فيها ذكر من مسح الذراع لما عرفت من بيانات مولانا الصادق (ع) في صحيحة زرارة حيث سئل عنه مدرك التبعيض في الوضوء وعن الثالث انه استحسان واضح لا يتمسك به في مرحلة الاستنباط فلا مسرح للعقل فى الاحكام الشرعية الموقوفة على صدورها من صاحب الشرع مع ان التيمم لا يرفع الحدث بل يكفى به عن الغسل والوضوء مادام فقد الماء ولذا يجب الوضوء او الغسل بعد وجدان الماء مع انه ليس بناقض فلا يعتبر فيه ما يعتبر فيهما.

و استدلوا للقول المشهور بقوله تعالى وامسحوا بوجوهكم و ايديكم منه ولا خفاء في عدم دلالته عليه سواء فسرت اليد بما يتصل احد طرفيه الى المنكب و طرقه الآخر هو رؤس الاصابع اوقيل بالاشتراك اللفظى بينه وبين ابعاضه او فسرت بالكف و عدم تناولها ما فوق الرسغ لان وجود البعضية و البعض اعم من الكف اى الزند الى اطراف الاصابع لان البعض صادق على التفسير بما دون المنكب على العضد والذراع والكف من الزند الى اطراف الاصابع و على اصول الاصابع الى رؤسها بل على ابعاض هذه الاعضاء لان بعض البعض بعض للشيء ولا تقدم على احد هذه الابعاض على الاخر وكذا من مع الاشتراك اللفظى .

ومع التفسير الآخر يصدق البعض على ظهر الكف الى اصول الاصابع والى اطرافها وعلى اصول الاصابع الى اطرافها وعلى بطن الكف كذلك فان الماسح على كل من هذه الابعاض له ان يقول مسحت بعض الكف وتخصيص ظهر الكف من الزند الى اطراف الاصابع بوجوب المسح عليه مستدلا بالاية الكريمة تجاوز عن حد الاستفادة من الالفاظ اذ ما بين الزند وبين اصول الاصابع ايضا بعض اليد فمن اين يحكم بوجوب ايصال المسح الى رؤس الاصابع مع عدم ذكر من الاصابع في الاية فالاية تدل على مسح بعض اليد لان الباء لايجاد مطلق الربط فهي صالحة لنفى

ص: 284

استيعاب اليد للمسح لمكان الباء و اما تعيين ذلك البعض من الزند الى اطراف الاصابع فلا يستفاد من ظاهر اللفظ واما ظهر الكف من اليد فيفهم من كون المسح عليه موافقاً للطبع فيجهل الأمر عليه واما البدئة من الزند فيدل عليها ما دل على البدئة من المرافق فى الوضوء اعنى كونها من المتعارف عند الناس واوفق بالطبع و يصار اليها في التيمم بعد ثبوت كون اليد من الزند الى رؤس الاصابع كما ذهب اليه صاحب المدارك قدس الله نفسه الزكية قال فى المدارك الواجب الخامس مسح ظاهر الكفين وحدهما الزند بفتح الزاء وهو موصل الكف الى الذراع ويسمى الرسغ بضم الراء والسين المهملة والغين المعجمة قاله فى الجمهرة ونقل ابن ادريس عن بعض الاصحاب ان المسح على اليدين من أصول الاصابع الى رؤسها وقال على بن بابويه (ره) الله تعالى امسح يديك من المرفقين الى الاصابع والمعتمد الأول لنا قوله تعالى فامسحوا بوجوهكم و ايديكم والباء للمتبعيض كما بيناه وايضا فان اليد هي الکف الى الريخ يدل عليه قوله تعالى السارق والسارقة فاقطعوا ايديهما والاجماع منا و من العامة منعقد على انهما لا تقطع من فوق الرسخ وما ذاك الا لعدم تناول اليد له حقيقة

ويدل عليه ايضا الاخبار المستفيضة كقول ابى جعفر في صحيحة زرارة ثم مسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشيء.

وقول الرضا (ع) فى صحيحة اسماعيل بن همام التيمم ضربة للوجه وضربة للمكفين.

و قول الصادق في صحيحة داود بن النعمان فمسح وجهه و يديه فوق الكف قليلا و ادخال الرسغ فى المسح من باب المقدمة يستلزم المسح من فوق الكف بقليل انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه·

اما استدلاله قدس سره بالاية على مدعاه فقد ظهر حاله فليس مفادها مسح الكف من الزند الى اطراف الاصابع قوله والباء للتبعيض عرفت استحالة كونها معناه الا ان يكون مقصوده ايجاد البعضية فى مدخوله والتبعيض يستفاد منه لا یدل

ص: 285

على مدعاه لان البعض اعم من تمام الظهر ومن الزند الى اصول الاصابع ومن تمام الباطن كذلك وقوله ( قده ) وايضا فان اليد هى الكف الى الرسغ الى والاجماع لا دلالة لهذه الآية على مرامه لان عدم قطع فوق الرسغ لا ينافي كون اليد الى المرفق او الى المنكب ضرورة كون قطع اصول الاصابع قطعا للميد على جميع التفاسير.

و قوله والاجماع الى قوله حقيقة مما يزيد في الحيرة لان اجماع العامة لا كشف فيه للمجمع عليه و اجماع الخاصة لا اثر له في المقام لان عدم قطع فوق الرسغ يعرف من اخبار اهل بيت العصمة فلو فرض انعقاد الاجماع لا يؤثر بعد وضوح المدرك مع انك عرفت ان عدم قطع فوق الرسغ لا ينا في كونه من اليد .

و اما صحيحة زرارة فدلالتها على عدم وجوب المسح من المرفقين واضحة لا اشكال فيها لكنها لا تدل على وجوب ايصال المسح الى اطراف الاصابع ضرورة ان مسح الكفين لا يستلزم ايصاله الى اطراف الأصابع سيما مع التبعيض فصح ان يقال لمن مسح من الزند الى اصول الاصابع انه مسح بعض اليد وكذا صحيحة اسماعيل بن همام فان قوله ضربة للمكفين يفيد اختصاص احدى الضربتين بالكف من دون تعيين مقدار الممسوح بحسب الكل والبعض ولا بحسب الظهر والبطن و مثل هاتين الصحيحتين صحيحة داود بن النعمان فى عدم الدلالة على وجوب مسح الاصابع و تزيد عنهما بدلالتها على ان القطع بمسح الكف من طرف الاعلى يحصل بمسح فوق الكف قليلا واما بالنسبة الى الاصابع فلا دلالة لها ابدا.

وقال العلامة (قده) فى المختلف مسئلة المشهور مسح الیدین من الذند الذي هو المفصل الى رؤس الاصابع وقال ابن ادريس عن بعض علمائنا ان المسح من اسفل الاصابع الى رؤسها .

و قال ابن بابويه اذا تيمم للوضوء ضرب على الأرض مرة واحدة ونفضهما و مسح جبينه وحاجبيه ومسح على ظهر كفيه واذا كان التيمم للجنابة ضرب يديه على الارض مرة اخرى ومسح على ظهر اليدين فوق الكفين قليلا·

ص: 286

( لنا) ما تقدم من الاحاديث الدالة على مسح كفيه احتج ابن بابويه بما رواه داود بن النعمان في الصحيح قبل سئلت ابا عبد الله (ع) عن التيمم الى ان قال ثم رفعهما فمسح وجهه ويديه فوق الكف قليلا.

( والجواب ) يحتمل ان الراوى راى الامام (ع) ما سحا من اصل الكفين فتوهم المسح من بعض الذراعين مع انه يحتمل ان يكون قوله فمسح وجهه ويديه فوق الكفين اشارة الى ان المسح على الكفين وقوله قليلا يشير به الى انه لا يجب ايعمال الغبار الى جميع العضو وان وجب استيعابه بالمسح وبالجملة فلا دلالة فيه على ما اختاره انتهى .

وقد عرفت عدم دلالة الاحاديث المتقدمة على المشهور لعدم ذكر الاصابع فيها و عدم ما يدل على الاستيعاب فان ربط المسح الى الكف على سبيل الحكاية لا تدل على الاستيعاب فترى الامام الملا يقول ضربة للوجه وضربة لليدين او الكفين مع اليقين بكون المسح ببعض الوجه وبعض اليدين وحمل ما في الرواية من قوله قليلا الى عدم وجوب ايصال الغبار الى جميع العضو حمل بعيد في غاية البعد مع ان ادخال ما فوق اليد فيها لاجل احراز وصول المسح اعلى اليدكادخال شيء من فوق المرفق في الغسل لاحراز تمام الغسل على الذراع امر شايع في كلمات الاصحاب لذا بین صاحب المدارك ان مسح فوق الزند قليلا انما هو من باب المقدمة

والحاصل ان الاية الكريمة والاحاديث تدل على وجوب المسح بعد الضرب او الوضع بعض الوجه و بعض اليدين فالحكاية عن فعل الامام (ع) مسح الجبين او الجبهة او الكف عبارة أخرى عن ايصال المسح الى هذه المواضع الكلية والبعضية والاستيعاب وعدمه لا يستفاد من هذه الاخبار فالممسوح في التيمم لابد وان يكون بعض الوجه وبعض اليدين والبدئة بالاعلى يستفاد من كونها موافقة للطبع والمتعارف وكذا تخصيص ظهر الكف بالمسح و اما استيعاب ظهر اليد و ايصال المسح الى رؤس الاصابع فلا يستفاد من حديث من الاحاديث ولا ينبغى القول بوجوبه كما انه لا ينبغى الشك في كفاية مسح ظهر اليد من الزند الى اصول الاصابع و اجراء

ص: 287

اصالة الاشتغال .

و اما الماسح فالمشهور وجوب كون المسح باليدين معاً و قال ابن الجنيد فاذا حصل الصعيد براحته مسح بيمينه وجهه نقل عنه العلامة في المختلف بعد نقل قول المشهور واستدل للمشهور بالاحاديث المتقدمة الدالة على المسح بكفيه.

(وفيه) ان الاحاديث لم تنف جواز المسح باليد الواحدة و ذكر اليدين في اكثر الروايات لاجل مسح الكفين وافراد اليد في بعض الروايات فيه اشعار بكفاية اليد الواحدة للوجه وقد عرفت سابقا عدم وجوب استيعاب العضو الممسوح ومسح البعض يتحقق باليد الواحدة.

واحتج ابن الجنيد ( قده ) بان الوضوء يغسل باليمنى فكذا التيمم يمسح بها(وفيه) انه قياس لا يجوز الاعتماد عليه وبدلية التيمم عن الوضوء لا يقتضى ذلك.

المقام الثالث فيما يتيه هم به

) المقام الثالث فيما يتيه هم به )

و صريح الاية انه الصعيد الطيب واختلف الاصحاب في معناه والمراد منه وكلمة صعيد مركبة من مادة هو الصعود وهيئة هي الفعيل ومفادهيئة الفعيل الحاملية فمعنى الصعيد هو حامل الصعود فهو يلاحظ بالنسبة الى عمق الأرض فالصاعد من العمق هو وجه الأرض اعنى السطح الماس للهواء وان لوحظ السعود من الارض الى الهواء فهوايضا وجه الارض الا انه ينحصر بالتراب ولا يطلق على الحجر بهذا المعنى لان صلابته يمنع ان يصعد الى السماء واما التراب فهولين يصعد الى السماء فيصير هباءاً منثوراً والاظهر هو الوجه الاول ولذا فسر لوجه الارض الذى هواعم من التراب والحجر والرمل وعلى الثانى فالمقصود هو التراب لكن فعلية الصعود لا يلاحظ في موضوعيته لحكم التيمم فيكفى في كونه صعيداً صلاحيته للمصعود بحسب اصل الخلقة ولا يمنعه التصلب والتحجر بملاقات الرطوبة والحرارة مع الاستعداد الذاتي فلا فرق بين جعل موضوع الحكم هو مطلق وجه الارض الشامل للتراب والحجر و المدر والرمل وبين جعله هو التراب الخالص الغير الممتزج بشيء آخر لان الحجر والرمل

ص: 288

والمدر من مصاديق التراب وليس احد منها خارجا عن حقيقته لان التغير في الاوصاف لا يوجب تبدل الحقيقة بحقيقة اخرى .

فلا ينبغى وقوع الاختلاف فيما يتيمم به و ذهاب بعض الى جوازه على وجه الارض ترابا كان او حجرا اور ملا وذهاب بعض اخر اختصاص التراب الخالص بجواز التيمم عليه.

وعلم الهدی رضوان الله عليه بعد ما حكم بجواز التيمم على وجه الارض في المصباح قيد في شرح الرسالة الجواز بكونه ترابا خالصا واحتج لهذا الاختصاص بان الصعيد هو التراب بالنقل عن اهل اللغة حكاه ابن دريد عن ابي عبيدة وبقوله جعلت لى الأرض مسجدا و ترابها طهورا فلو لم يكن للتراب اختصاص في جواز التيمم لكان ذكرها لغوا واجاب عنه فى المعتبر بانه لا يلزم من تسمية التراب صعيداً ان لاتسمى به الارض بل جعله اسما للارض اولى لانه يستعمل فيهما فيجعل حقيقة للمقدر المشترك بينهما وهو الارضية دفعاً للاشتراك والمجاز فيكون التراب صعيدا باعتبار كونه ارضاً لا باعتبار كونه ترابا وعن الرواية بان التمسك بها تمسك بدلالة الخطاب وهي متروكة في معرض النص.

و في كلا الاستدلال والجواب نظر ) اما الاول ( فانك عرفت ان لفظ صعيد مركب من مادة و هيئة فالموضوع هو المادة اعنى الصعود والهيئة هي المفيدة للحاملية فليس له مركباً وضع على حده فمعرفة مفاده لا ترجع الى اللغوى على ان اباعبيدة خالف غيره من اللغويين كالخليل و الزجاج و ابن الاعرابي على ما نقل عنهم .

مع ان اللغوى انما يبين موارد الاستعمال فمثل هذه الالفاظ اذا ورد في القرآن فالمرجع فى فهم المراد هو التفسير الوارد عن النبي (ص) واهل بيته (ع) وورد عن النبي (ص) انه قال جعلت لى الارض مسجدا وطهورا من دون

ذكر التراب.

فمع صحة صدور الحديث الذى احتج رضوان الله عليه به لا ينبغي المبادرة الى

ص: 289

تخصيص التراب الخالص واهمال غيره من الحجر والرمل والمدر لان هذه الاشياء من مصاديق التراب بل لابد من بيان وجه وجيه لذكر التراب بعد ذكر الارض لخروجه عن اللغوية.

يهم

ولو تصدى احد لاخراج ذكر التراب عن اللغوية بانه لدفع توهم المخاطب ان المقصود من الارض هو ما يشمل الاشجار والنبات الخارجة من الارض وجواز التيمم بها كما يجوز السجود عليها وقد قال (ع) جعلت لى الارض مسجدا وان موضوعية الارض للمتيمم ليست بمثابة موضوعيتها للسجود في التعميم بل الارض جعلت طهورا مادام بقاء اسم الارض عليها فلا يشمل الاشجار والنبات الخارجة منها بخلاف كونها مسجدا لجواز السجود عليها مع انها لا تسمى تسمى ارضا فقوله (ص) ترابها طهوراً یعم جمیع اقسامه من الحجر والرمل وغيرهما لا يسمى هذالتصدى مجازفا .

(و اما الثانى) فلان الارض و التراب ليسا مما وضع له الصعيد لما عرفت ان لفظه مركب من مادة وهيئة وليس له مركبا وضع بل الارض والتراب من مصاديق الصعيد لانهما واجد ان لمعنى حاملية الصود بالمعنى الذى عرفت والاستدلال بالرواية ليس تمسكاً بدلالة الخطاب لانه رضوان الله عليه في مسئلة حجية مفهوم الوصف المنكرين وقد قال المحقق فى بيان دليل العقل وتقسيمه في المعتبر.

(الثالث) دليل الخطاب وهو تعليق الحكم على احد وصفى الحقيقة كقوله (ص) فى سائمة الغنم الزكوة فالشيخ (قده) يقول هو حجة وعلم الهدى ينكره وهو الحق بل تمسكه بالرواية لاجل ان الارض مذكورة فى متن الرواية وهى شاملة للتراب وغيرها فذكر التراب بعد ذكر الارض يلغواذا لم يكن له اختصاص في الجواز فالمهم فى الجواب هو بيان ما ترتفع به اللغوية عن الكلام .

وقد عرفت ان ذكر التراب لدفع توهم كون كل ما يجوز عليه السجود يجوز عليه التيمم .

واما الروايات الواردة فى هذا المقام فمنها مرسلة ابان بن عثمان عن ابي عبد الله (ع) قال ان الله تبارك وتعالى اعطى محمدا (ص) شرایع نوح وابراهيم وموسى وعيسى

ص: 290

وجعل له الأرض مسجدا وطهورا.

وروى ابن بابويه عن النبي (ص) قال قال النبى (ص) اعطيت خمساً لم يعطها احد قبلى جعلت لى الارض مسجداً وطهوراً (الحديث) و عن ابي امامة قال قال رسول الله (ص) فضلت باربع جعلت لى الارض مسجداً وطهوراً وايما رجل من امتى اراد الصلوة ولم يجد ماءاً و وجد الارض فقد جعلت له مسجدا و طهورا و نصرت بالرعب مسيرة شهر واحلت لامتى الغنائم وارسلت الى الناس كافة وعن ابن عباس قال قال رسول الله اعطیت خمساً لم يعطها احد قبلى جعلت لى الارض مسجداً و طهوراً ونصرت بالرعب واحل لى المغنم و اعطيت جوامع الكلم و اعطيت الشفاعة ولا يخفى على المتتبع في اخبار الباب كثرة ذكر الارض فيها كقول المعصوم لان رب الماء هو رب الأرض و قوله (ع) تضرب يكفيك على الارض و قوله (ع) فان فاته الماء فلن تفوته الارض و قوله لم تفته الارض و قول الراوى فوضع كفيه على الارض وقوله وضع يديه على الارض وقوله وضرب بيده على الارض .

ولا منافات بينها و بين ما ذكر فيه التراب لان التراب من الارض ايضاً بل الاجزاء الارضية جميعا من التراب الا ان الحكمة الالهية اقتضت توديع خواص و و استعدادات فى بعض الاجزاء فيستبدل بعض بالحجر والاخر بالرمل وبعض آخر بالجص وغيرها فاصل جميع اجزاء الارض هو التراب و اختلاف الاسامي باختلاف الخصوصيات لا يوجب اختلاف الاحكام ما لم يخرج عن حقيقة التراب بالاستحالة كما ان اختلاف الالوان لا يغير الحكم فكل ما يوجد في الارض يصح التيمم عليه قبل الاستحالة وتبدل الحقيقة ويظهر من رواية السكونى ان الجص والنورة لم يخرجا عن الارضية حيث روى عن جعفر عن أبيه عن على (ع) أنه سئل عن التيمم بالجص فقال نعم فقيل بالنورة فقال نعم فقيل بالرماد فقال لا انه ليس يخرج من الارض انما يخرج من الشجر و يظهر من هذه الرواية ان المناط في صحة التيمم كون الشيء من اجزاء الارض وان صحة التيمم من التراب لاجل كونه من الارض لان الامام (ع) علل جواز التيمم يكون الشيء خارجا من الارض وعدم الجواز على

ص: 291

الرماد بعدم خروجه من الأرض فلولم تكن موضوعاً للمتيمم لما علل عدم الجواز بعدم الخروج من الأرض .

والحاصل ان موضوع التيمم هو الارض والتراب من الأرض بل ليست الارض بحسب اصل الخلقة سوى التراب وهو يتبدل باشياء آخر كالحجر والرمل والجص والنورة وغيرها فالمعيار في صحة التيمم عليه كون الشيء من الأرض خارجا عنها مع عدم تبدله بشيء آخر بالاستحالة فكلما يبحث في جواز التيمم عليه يبحث في تمييز الموضوع وكونه من الأرض فما شك في كونه من الأرض لم يصح التيمم عليه للشك في تحقق الموضوع وما ثبت كونه من اجزاء الارض وشك في خروجه وصيرورته شيئا آخر لاجل تغير وصف او حال منه يصح التيمم عليه لاستصحاب ارضيته فالمناط في صحة التيمم صدق الارض على ما يتيمم وعدم خروجه من الارض .

فتجویز ابن ابی عقيل قدس الله نفسه الزكية التيمم على الكحل والزرنيخ يمكن ان يكون لأجل بقائهما في الارضية وعدم خروجهما عنها كما ان عدم تجويز ابن الجنيد ( قده ( التيمم بالسبخة لاعتقاده بخروجها عن الارضية لانه احتج على عدم الجواز بانها استحالت فاشتبهت المعادن فهذا لنحو من الاختلاف اختلاف في الموضوع .

قال صاحب الجواهر (قده) عند شرح قول المحقق ولا يجوز التيمم بالمعادن اجماعا محكياً في الغنية وصريح المنتهى وظاهره وعن الخلاف ان لم يكن محصلا للخروج عن اسم الارض قطعاً فيدخل (ح) فيما سمعته سابقا من الادلة على عدم جواز التيمم بغيرها فما عن ابن ابي عقيل من جوازه بالارض وبكل ما كان من جنسها كالكحل والزرنيخ ضعيف والعرف اعدل شاهد عليه ان كان ذلك منه لعدم الخروج و فاسد محجوج بما عرفت ان كان مراده الجواز وان خرج عن مسمى الارض (انتهى).

فنسبة الضعف الى قول هذا المحقق بالدوران والترديد ليس على ما ينبغى لظهور كلامه (قده) فى الشق الأول حيث عدهما من جنس الارض والاستشهاد بالعرف على الخروج ليس فى محله لاختلاف العرف في هذا الموضوع كما انه من اعقل اهل

ص: 292

العرف ولا يشهد على الخروج و اما الاجماع المحكى فلا يكشف عن الواقع لعدم الملازمة بينهما فالاجماع مع انعقاده ان كان على الخروج من الارض فهو اجماع في الموضوعات وان كان على عدم الجواز مع عدم الخروج فهو تخصيص لعموم جواز التيمم على الارض و هو كما ترى و مع الخروج فينقطع الاحتياج الى الدليل بل الاثبات على مدعى الجواز (ح).

ثم قال (قده) ومفهوم التعليل في خبر السكونى ومروى الراوندى المتقدمين لا جابر له في المقام بل معرض عنه بالنسبة الى ذلك بين الاصحاب لما سمعت من الاجماعات لكن قد ظهر لك ان مبنى المنع في المعادن عند الاصحاب الخروج عن اسم الارض كما يظهر من استدلالهم عليه بل جعل بعضهم الحكم فيها دائرا مداره فغير الخارج عن ذلك فيها لو كان يتجه فيه (ح) الجواز واحتمال مانعية نفس المعدنية وان لم يخرج تمسكا باطلاق معقد الاجماع المحكى فى غاية الضعف كالقول بلزوم الخروج عن الارض للمعدنية لما ستعرفه في تحقيق معنى المعدن في باب السجود انشاء الله تعالى .

وهذا الكلام منه قدس سره لدفع توهم المتوهم عدم جواز التيمم على المعدن (مط) وان لم يخرج من اسم الارض لان صرف المعدنية لا يمنع من الجواز ما يطلق عليه اسم الارص و التمسك بمعقد الاجماع ضعيف كضعف القول باستلزام المعدنية الخروج من الارض ولا يصح التمسك بمفهوم تعليل خبرى السكوني و الراوندی حيث علل عدم جواز التيمم على الرماد بعدم خروجه من الارض وخروجه عن الشجر لعدم الجابر لضعف التعليل لعدم عمل الاصحاب واعراضهم عنه.

فالمنع من التيمم على الكحل والزرنيخ لخروجهما عن اسم الارض فغير الخارج من اسم الأرض من المعادن يتجه فيه الجواز .

وهذا الكلام فى غاية الصحة والمتانة لكنك عرفت ان الكحل والزرنيخ ايضا لم يخرجا من اطلاق اسم الأرض عليهما بحسب الحقيقة لعدم صحة سلب الارض عنهما وان كان اطلاق اسم الأرض منصرفا الى غيرهما وحكم جواز التيمم ثابت

ص: 293

لحقيقة الارض لا لما ينصرف اليه الاطلاق.

فلا فرق بين اجزاء الارض فى هذا الحكم ولذا ترى الامام (ع) يرشد السائل الى التيمم من غبار الثوب وليد السرج وغبار عرف الدابة .

روى رفاعة في الصحيح عن أبي عبدالله (ع) قال اذا كان الارض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر اجف موضع تجده فتيمم منه قال ذلك توسيع من الله عز وجل قال فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره ارشيء مغبر و ان كان في حال لا يجد الا الطين فلا باس ان يتيمم منه وسئل زرارة عن أبي جعفر (ع) ارايت المواقف ان لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول قال يتيمم من البده او سرجه او معرفة دابته فان فيها غباراً ويصلى .

وفى موثقة زرارة عن أبي جعفر (ع) قال ان كان اصابه الثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره او من شيء و ان كان في حال لا يجد الا الطين فلا باس ان يتيمم منه وفي رواية اخرى لزرارة عن احدهما (ع) قال قلت رجل دخل الاجمة ليس فيها ماء وفيها طين ما يصنع قال يتيمم فانه الصعيد قلت فانه راكب ولا يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء قال ان خاف على نفسه من سبع او غيره وخاف فوات الوقت فليتيمم ضرب بيده على اللبد او البروعة ويتيمم ويصلى فارشاده المعصوم الى الغبار انما هو لكونه ترابا بحسب الحقيقة فهو من الأرض فلولم يكن الغبار من الارض يكون المكلف فاقداً للطهورين.

و ظهر من هذه الروايات جواز التيمم على الطين ايضا وليس الا لاجل كونه من الارض .

واما تقييد الجواز على فقد التراب لعدم الاحتياج اليه مع وجوده مع كون التيمم على التراب اسهل منه على الغبارلا لعدم صحة التيمم على الغبار مع وجود التراب لانه هو والا لم يجز التيمم عليه ورواية زرارة تدل على تقدم الطين ايضاً على العبار حيث قال ان خاف على نفسه من سبع او غيره وخاف فوات الوقت فهو كالتراب في التقدم على الغبار.

ص: 294

فالقول بوجوب التيمم على التراب اذا لم يفقده اشعارا بعدم صحته على الغبار مع وجود التراب تمسكا بالاجماع بعيد عن التحقيق لما عرفت من كون الغبار من الأرض التى هى الصعيد فلا فرق بين التراب والغبار في صحة اطلاق الصعيد عليهما مع ان الاجماع المحكى مدركه الاخبار المذكورة والاخبار لادلالة فيها على الترتب وعدم صحة التيمم على الغبار مع وجود التراب لان مع وجوده لا يحتاج المكلف الى غيره فقوله (ع) فان كان فى ثلج بيان لوقت احتياج المكلف الى لبد السرج او البروعة او عرف الدابة لا للمترتب بين التراب والطين والغبار ضرورة انها من مصاديق الصعيد ولا تقدم لواحد منها على الاخير بل الطين والغبار ليسا غير التراب الا ان التراب له تقدم طبعى عليهما.

ثم ليعلم ان مورد النزاع فى غير ما اذ انفض اجتمع ترابا لان هذا النحو من الغبار لا اشكال فى مساواته مع التراب بل القول بالمساوات لا يخلو عن مسامحة لعدم الاختلاف فيهما وذهاب بعض الاصحاب الى عدم كون الغبار من الصعيد شاهد قوى على ان مورد البحث هو غير ما يجتمع ترابا بالنفض لاستحالة نفى الصعيد عن ذلك الغبار لان سلب الشيء عن نفسه مستحيل و بعد ما عرفت ان الغبار والطين والتراب من مصاديق الصعيد وليس بينها ترتب وتقدم و تاخر عرفت عدم الفرق بين القليل منها و بين الكثير فى التقدم والتاخر بعد ما تحقق مسمى التيمم فلو كانت القلة بحد لا يتحقق التيمم بالقليل فهو كالعدم من غير فرق بين التراب الساكن وبين الغبار والطين كما ان مع تحقق المسمى كذلك اى لافرق بين التراب الساكن وبين الغبار والطين.

و يظهر من بعض الكلمات تقدم الغبار على الطين ورواية زرارة ظاهرة في العكس لان بعد قول الراوى رجل دخل الاجمة ليس منها ماء وفيها طين ما يصنع قال الامام يتيمم فانه الصعيد ثم قال (؟) اوى فانه راكب ولا يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء قال ان خاف على نفسه من سبع او غيره وخاف فوات الوقت فليتيمم ضرب يده على اللبد و البروعة و يتيمم و يصلى ولا يخفى ظهورها في تقدم

ص: 295

الطين على الغبار لكن الامر بينهما كالامر بين التراب و بين الغبار فبعد وجود الطين لا يحتاج المكلف الى الغبار.

ولابد لواجد الطين تجفيفه تسهيلا للمتيمم به ودفعاً للمتدرن لا لعدم صحة التيمم على الطين قبل التجفيف لانه صعيد كما حكم به الامام في رواية زرارة حيث قال يتيمم به فانه الصعيد فبعد صدق الصعيد عليه لا معنى لبطلان التيمم عليه ووجوب التجفيف وتصيرها ترابا يابساً وقوله (ع) في رواية رفاعة فانظر اجف موضع تجده فتيمم منه تعليم للسائل حفظ النظافة والصون عن الدرن و ليس التجفيف مقدمة للمواجب بعد صحة التيمم على المبتل .

ولا يخفى على عاقل ان تجفيف الطين ثم التيمم بيابسه اولى لانه انظف ولكن ليست الاولوية بمثابة الوجوب الموجب لبطلان التيمم على المبتل .

وكيفية التيمم على الطين ككيفيته على التراب والمجرد غيرهما لعدم ورود كيفية خاصة للمتيمم به الا ان الضرب او الوضع عليه يختلف مع الضرب او الوضع على التراب قهرا لان التراب يزول عن اليدين بالنقض سريعا ولا تتلطخ اليد بالتراب كتلطخها بالطين ولا يزول الطين عن اليد بالنفض فيلاحظ المتيمم على الطين ويسعى في تقليل التلطخ والتدرن طبعاً فيكتفى بالوضع من الضرب ويفرك اليد عوض النقض ومع عدم المراعات يصح التيمم ايضاً فمقتضى الأمر بالتيمم على الطين على الاطلاق من دون اعتبار كيفية خاصة صحته كيف ما اتفق واما ضرب اليد على الطين والصبر الى جفافه و مسح الوجه والكفين بعد الجفاف مناف للموالات المعتبرة فى التيمم فيوجب البطلان الا ان يجدد الضرب والمسح بعد الجفاف والنفض من اليد فيصح يقينا الا انه ليس من التيمم بالطين بل هو من مصاديق التيمم بالتراب ولواخل الفرك بالموالات يبطل لاعتبارها في حقيقة التيمم حقيقة التيمم كما سبق.

و اما الثلج والجمد فلا يصح التيمم عليهما لانهما ليسا من مصاديق الصعيد فمع امكان الذوب و التطهير بالماء يجب لامكان التطهير به و مع عدم الامكان ولو بمقدار ما يحصل منه التدهين مع فقد ما يتيمم به فيحسب المكلف (ح) ممن يفقد

ص: 296

الطهورين ومع امکان التدهين يجب عليه الطهارة المائية لعدم صدق فاقد الماء عليه وقد عرفت كيفية التدهين فى مبحث الوضوء فيعتبر فى الغسل امرار الماء من جزء من البشرة الى جزء آخر.

و اما السبخة المفسرة بالارض المالحة النشاشة فذهب ابن الجنيد قدس الله سره الى عدم جواز التيمم عليها و باقی الاصحاب الى جوازه مع الكرامة والاخبار لا تدل على الكراهة ولا على عدم الجواز فان كانت من الارض و یصح اطلاق و الصعید عليها بلاكراهة وان لم تكن من الارض ولا يطلق عليها الصعيد فلا يجوز التيمم عليها ولا ينتزع الطهارة من ذلك التيمم لان الاية والروايات دلت على حصر موضوع التيمم أى ما يصح عليه على الصعيد الطيب فالخارج عن الصعيد لا يتيمم عليه .

فالقول بالكراهة لا دليل يدل عليه كما ان القول بعدم الجواز قول لا مدرك له قال صاحب المدارك عند شرح قول المحقق و يكره بالسبخة و الرمل المراد بالسبخة الارض المالحة النشاشة والحكم بجواز التيمم بالارض السبخة والرمل على كراهة فيهما مذهب فقهائنا اجمع عدا ابن الجنيد فانه منع السبخ حكى ذلك المصنف (ره) في المعتبر واما الجواز فلان اسم الارض يقع عليهما حقيقة فان الرمل اجزاء ارضية اكتسبت حرارة اوجبت لها التشتت و السبخة ارض اكتسبت حرارة او جبت لها تغير اما في الكيفية لا تخرج به عن الحقيقة الارضية ومتى ثبت كونهما ارضا جاز التيمم بهما تمسكاً بظاهر الاية والنصوص التي تلوناها سابقاً واما الكراهة فلم اقف فيها على اثر و ربما كان الوجه فيها التفصى من احتمال خروجها بتلك الحرارة المكتسبة عن الحقيقة الارضية او الخروج من خلاف ابن الجنيد في السبخ وخلاف بعض العامة في الرمل (انتهى) وهو في غاية الصحة والمتانة ولكن ما ذكر في الوجه من التفصى ليس بوجيه لان الاحتمال لا يوجب الكراهة وكذلك الخروج

من الخلاف سيما خلاف بعض العامة.

واما المطر فهو ماء اذا اصاب شخصا فغسله فلا يحتاج الى التيمم لاجزاء غسل

ص: 297

المطروان لم يكن بمثابة يتحقق به الغسل يجب التيمم فانه ايضاً فاقد للماء وكذلك في الوضوء .

روى على بن جعفر عن اخيه (ع) قال سئلته عن رجل يصيبه الجنابة فلا يقدر على الماء ويصبه المطر هل يجزيه ذلك ام يتيمم قال ان غسله اجزاه والاعليه التيمم قال قلت ايهما افضل اتيمم ام يمسح بثلج وجهه و جسده و راسه قال الثلج ان بل راسه وجسده افضل وان لم يقدر على ان يغتسل يتيمم وقد بينا حكم الثلج والجمد بما يتحد بمفاد الرواية .

واما رواية محمد بن مسلم قال سئلت ابا عبدالله (ع) عن الرجل يجنب في السفر لا يجد الا الثلج قال يغتسل بالثلج اوماء النهر فمفادها التسوية بين الثلج و ماء النهر فى الاثر لا التخيير لان فرض الراوى عدم وجود شيء من الماء وانحصار الثلج فى الوجود و (ح) فلا يصح الجواب بالتخيير بين الثلج وماء النهر فلابد ان يحمل على التسوية بينهما ولا يتحقق التسوية الا بذوب الثلج اذ لا يمكن الاغتسال بالثلج الا بعد الذوب فمفاد هذه الجملة انه لافرق بين الاغتسال بماء النهر او الماء الحاصل من ذوب الثلج واما الجمد فحكمه حكم الثلج لانه هو بحسب الواقع ولا فرق بينهما الاكون انجماد الثلج قبل اتصال القطرات و انجماد الجمد بعده .

ولا مانع من التيمم بتراب القبر لصدق الصعيد عليه من دون فرق بين المنوش وغيره ولابد ان يكون خاليا من النجاسة ولوشك فى نجاسته فالاصل عدم التنجس .

ولا يجوز التيمم على الرماد المتخذ من النبات لانه نبات فرقت اجزائه بالاحراق ولا يطلق عليه اسم الصعيد و اما الرماد المتخذ من التراب فلا مانع من التيمم لانه تراب محترق ولم يخرج من الارضية بل اطلاق الرماد عليه ناش عن المسامحة.

وكذا لا يجوز على المنسحق من النبات كالاشنان وامثاله من النباتات.

(واما التراب) المستعمل في التيمم فلا معنى للبحث عنه لان استعماله في التيمم

ص: 298

بعده قابليته والتيمم عليه لا يخرجه عن القابلية ومخالفة بعض العامة مخالفة للحق والقياس على الماء المستعمل في الطهارة ليس من مذهب الامامية مع ان القياس مع الفارق ليس بحجة عند احد من اهل القياس

والحاصل من هذه التفاصيل ان ما يصح به التيمم هو الصعيد الطيب فكل ما شك في كونه من الصعيد لا يصح عليه التيمم لعدم احراز الموضوع و كل ما شك في خروجه عن الارضية بعد احراز كونه منها يستصحب عدم الخروج ولا يعتبر فيه شيء سوى اباحة التصرف لما عرفت كراراً من عدم عود فوائد الشيء الشرعية الى غير المالك و اما مانعية النجاسة فيعرف من الطيب مع ان النجس لا يليق ان يكون مطهراً.

وحيث ان الصعيد لابد ان يكون طيباً فكل ما هو اقرب لهذالوصف احرى ان يتيمم به و اولى و يعبر عن هذه الاولوية بالاستحباب فيستحب أن يكون التيمم من عوالى الارض و ربوها لانها اقرب الى الطيب و ابعد من ملاقات النجاسة من المهابط·

وروى غياث بن ابراهيم عن ابي عبد الله (ع) قال نهی امیر المؤمنين (ع) ان يتيمم الرجل بتراب من اثر الطريق وفي رواية الكليني باسناده عن النوفلي عن غياث بن ابراهيم عن ابي عبد الله (ع) قال قال امير المؤمنين (ع) لا وضوء من موطأ قال النوفلي يعنى ما تطأ عليه برجلك وهاتان الروايتان لاجناح ان يعمل بهما لعدم ما يعارضهما ويحكم بكرامة التيمم بتراب من اثر الطريق ومن الموطأ ولاحتمال النجاسة فيهما .

ومن كان بعض اعضائه مريضا بالمرض المانع من الغسل او المسح يجب علیه التيمم لانه فى حكم فاقد الماء و مشمول لقوله تبارك وتعالى و ان کنتم مرضی لان المقصود من المرض هو المرض المانع من الغسل او الوضوء والمراد من المسح هو ما يعم المسح على الجبيرة فبعد ما منع من الغسل او المسح ولو على الجبيرة تيمم ولا يبعض طهارته بامراد الماء عليه للغسل او مسحه مع الصحة واعمال التراب على

ص: 299

العضو المريض ضرورة انتزاع الطهارة من مجموع افعال الوضوء من الغسل والمسح وغسل جميع البدن في الغسل و من مجموع افعال التيمم وهو مرتب على الوضوء او الغسل و مشروع عند التعذر عنهما وتلفيق التطهير من الماء والتراب لم يرد في الشريعة والقول به بدعة والبدعة ضلالة وتقسيم الطهارة الى الوضوء والغسل والتيمم وجعل الأولين بالماء والثالث بالتراب شاهد قوى على عدم جواز التلفيق واشتراك الماء و التراب فى طهارة واحدة لانه ابداع تقسيم رابع للطهارة وادخال لما ليس من الدين فيه وهو عبارة أخرى عن البدعة وللشافعى في المقام قولان احدهما عدم التبعيض كما قلبا والاخر التبعيض استنادا الى ما اسندوا الى جابر قال خرجنا سفر فاصاب رجلا منا حجر فشجه فى راسه ثم احتلم فسال أصحابه هل تجدون لى رخصة فى التيمم قالوا ما نجد لك رخصة وانت تقدر على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على النبي معه الا الله أخبر بذلك فقال قتلوه قتلهم الله الاسئلوا اذا لم يعلموا فان شفاء الغى السؤال انما كان يكفيه ان يتيمم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليه ويغسل سایر جسده وهذ الاسناد مع انه غير معلوم لا يدل على مرامهم لان قوله يكفيه ان يتيمم كلام تام وقوله و يعصب على جرحه ثم يمسح عليه ويغسل ساير جسده كلام آخر معناه یمسح بالماء ويغسل ساير جسده بعد التيمم اذا اراد الغسل لان التيمم لا يرفع الحدث فيحتاج الى الغسل وفي قول الراوى فشجه في راسه دلالة على ان المسح بالماء لعدم كون الراس موضعا للمتيمم ولكن الناقد البصير يعرف ان هذا الكلام لا يشبه كلام النبي صلى الله علیه و آله ومنتهى كلامه دواء الغى السوال والباقي الحاق بكلامه

فمن كان فى اعضائه ما يمنع من الوضوء التام او الغسل التام فعليه الاتيان بالبدل وليس له تبعيض الطهارة بالماء والتراب.

و يستحب نفض اليدين بعد ضربهما على الارض لقول ابى جعفر (ع) في صحيحة زرارة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما مرة للوجه ومرة لليدين ورواية ابي المقدام عن مولانا الصادق انه وصف التيمم فضرب بيديه على الارض ثم

ص: 300

رفعهما فنقضهما ثم مسح على جبينه.

و اطلاق النفض يشمل ما لم يبق شيء من اجزاء الصعيد على اليد فلا يجب على هذا ابقاء شيء على اليد عند المسح على الوجه واليدين وقد نقل عن ابن الجنيد وجوب المسح بالمرتفع على اليدين لقوله تعالى شانه فامسحوا بوجوهكم و ايديكم منه .

وقال الكاشاني ان النقض لتقليل ما التصق على اليد لئلا يشوه الوجوه وبعض الاصحاب جعل الامر بالنفض دليلا على عدم وجوب المسح باجزاء الصعيد لار الصعيد اعم من التراب ومن الحجر الرخوة منه والصلب المغبر وغيره ومعنى صحة التيمم على الحجر الصلب الصلد عدم وجوب نقل شيء مما يتيمم به الى الوجه والكفين وضمير منه راجعا الى التيمم لا الصعيد لان مولانا الصادق (ع) قال اى من ذلك التيمم واستظهر الكاشانى من تعليله ان المراد بالتيمم الذي بين الأمام هوما يتيمم به .

حيث قال مولانا الباقر في آخر حديث زرارة فلما وضع الوضوء ان لم يجدوا الماء اثبت بعض الغسل مسحا لانه قال بوجوهكم ثم وصل بها وايديكم ثم قال منه اى من ذلك التيمم لانه علم ان ذلك اجمع لم يجر على الوجه لانه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها قال الكاشاني بعد نقل آخر الرواية (قوله) من ذلك التيمم الظاهران المراد به المتيمم به بدليل قوله ان ذلك يعنى الصعيد اجمع لم يجر على الوجه ويستفاد منه ان لفظة من فى منه المتبعيض وانه يشترط علوق التراب بالكف وانه لا يجوز التيمم بالحجر الغير المغبر كما مضى تحقيقه (انتهى).

والاقوى فى النظر صحة ما ذهب اليه الاكثر لان الامر بالنفض المستلزم لذهاب اجزاء الصعيد من اليد ولوفي بعض الاحيان ترخيص المسح مجردا عن ذلك الاجزاء الملصقة ولا يمكن ارادة ما يتيمم به عن التيمم لعدم العلاقة المصححة بينهما فذيل هذه الرواية مجمل لا بيان له ولا يجوز التمسك به لاثبات عدم جواز التيمم بالحجر الغير المغیر.

ص: 301

ولو كان المراد هو ما يتيمم به فالمقصود من الجريان هو اتصال الصعيد باليد واتصال اليد بالوجه كتقبيل الحجر الاسود بمسح اليد عليه وتقبيل اليد عند الزحام و كمسح الضرايح المقدسة باليد ثم تقليل اليد ومعنى يعلق اى يتصل ومعنى لا يعلق اى لا يتصل فليس معنى الجريان انتقال الاجزاء بتوسط اليد الى الوجه.

و لقائل ان يقول ان الأمر بالنقض ليس خبتريص للمسح مجردا عن اجزاء السعيد ضرورة بقاء شيء من الاجزاء بعد النقض لان النفض وارد في روايات الامرة بضرب اليد على الارض وليس فى الروايات المذكور فيه الوضع ذكر من النفض و ليس هذا الا لاجل ان الضرب انفذ للميد في الأرض ويصوق اجزاء الارض باليد اكثر وحيث ان الوضع يقل فيه اللصوق لم يرد فيه نفض فصدق قول من قال ان الامر بالنفض لتقليل الاجزاء الملصقة دفعاً لتشوية الوجوه و تفسير الجريان بما فسر خروج عن طريق المحاورات و فهم المعانى من الالفاظ لان ارادة هذا المعنى بعيد غاية البعد لكونها اشبه شيء بالمعمى و العلاقة المصححة علاقة التمحض هی لان ما عين المكلف التيمم به من الصعيد تمحض للمتيمم بعد اليقين فيصح اطلاق التيمم على الصعيد و (ح) فلا مانع من تخصيص التراب او الصعيد الذي فيه رخاء يمكن انتقال بعض اجزائه بتوسط اليد الى الوجه وظهر الكفين وعد التراب او الصعيد احد الطهورين مؤيد لما بيناه و ذهاب الاكثر الى شيء لا يمنع من الذهاب الى غيره مع مساعدة الدليل وصحيحة زرارة لا اجمال فيها بعد وجود العلاقة وليس ما بينا رجوعاً عما ذهبنا اليه من جواز التيمم على غير التراب من الارض بل تقييد له بما يمكن انتقال بعض اجزائه الى الوجه و اليدين والحق الحقيق بالاتباع هو ما بينا فى شرح الحديث فمعناه انه علم بمجعوله فاتى في البيان بالباء الموضوع لا يجاد المعنى في غيره .

و اذا امتزج التراب بما لا يصيح التيمم عليه فمناط الصحة استهلاك التراب الخليط بحيث لا يتيميز ويصدق على الممتزج اسم التراب لصدق الصعيد عليه •

قال في المدارك قال في المنتهى لو اختلط بما لا يتعلق باليد كالشعر جاز التيمم

ص: 302

منه لان التراب موجود فيه والحائل لا يمنع من التصاق اليد به و هو مشكل اذ المعتبر مماسة باطن الكفين باسرهما للصعيد وما اصاب الخليط من اليد لما يماس التراب.

وما استشكله متين اذا ثبت اعتبار ما حكم باعتباره والاخبار خالية عن هذا التضييق ووضع اليد على الارض لا يستلزم مماسة جميع باطن اليد والأمر به ليس امرا بها فيكفى مماسة ما يماس بالوضع.

ولا يخفى على المتامل ان هذا النحو من الاعتبارات والتضييقات موجب للضيق المنفى فى الدين الحنيف والشريعة السهلة السمحة .

واذا اجتمع ميت وجنب ومحدث بالحدث الأصغر ومعهم من الماء ما يكفى احدهم فان كان ملكا لاحدهم اختص به ضرورة اولوية المالك من غيره وليس للمحدث والجنب بذله المغير لوجوب الطهارة عليهما واما الميت فليس من اهل البذل فيجب صرف الماء فى غسله ولو لم يكن ملكا لاحدهم فان كان من المباحات فلكل من الجنب والمحدث حيازته فكل من سبق فى الحيازة فهوله ولو كان بالغلبة على الاخر لان الغلبة موجبة للاثم ولا يمنع الحيازة عن التاثير فى الملكية ولو كان لغيرهم فهو مختار فى بذله و عدم بذله و تخصيص من اراد منهم بالبذل ولو اراد الغير بذل الماء لمن هو اولى واحوج بالبذل.

فمقتضى صحيحة عبدالرحمن ابي نجران اولوية الجنب بهذا الماء وبذل الغير له لانه سئل ابا الحسن موسى بن جعفر (ع) عن ثلثة نفر كانوا في سفر احدهم جنب والثانى ميت والثالث على غير وضو، وحضرت الصلوة ومعهم من الماء قدر ما يكفى احدهم من يأخذ الماء وكيف يصنعون فقال يغتسل الجنب و يدفن الميت و يتيمم الذى هو على غير وضوء لان الغسل من الجنابة فريضة وغسل الميت سنة والتيمم للاخر جايز والمقصود من الفريضة اعنى الثابت بالقرآن ومن السنة الثابت بالاخبار و يمكن ان يكون المراد من الفريضة هو الواجب المؤكد ومن السنة الواجب ليصح تقدم الجنب على المحدث فان على المعنى الاول الوضوء ايضا فريضة وحيث

ص: 303

ان الغسل من الجنابة اوجب من الوضوء يقدم الجنب فى اخذ الماء اذا اتفق الجنب والمحدث وهذه الصحيحة كافية لاثبات هذا الحكم مع ان لعبد الرحمن رواية مرسلة عن ابي الحسن (ع) مثل هذه الصحيحة.

ويمكن ان يكون المرسلة عين الصحيحة المسندة لان الصحيحة مروية في الفقيه ومرسلة في التهذيب .

ويؤيد هذه الصحيحة رواية الحسن التفليسى قال سئلت ابا الحسن (ع) عن میت و جنب اجتمعا و معهما ماء يكفى احدهما ايهما يغتسل قال اذا اجتمعت سنة وفريضة بدى بالفريضة.

ومثل هذه الرواية رواية الحسين بن نصر الارمني قال سئلت ابا الحسن الرضا (ع) عن القوم يكونون فى السفر فيموت منهم ميت و معهم جنب ومعهم ماء قليل قدر ما يكفى احدهما ايهما يبدء به قال يغتسل الجنب ويدفن الميت لان هذا فريضة وهذا سنة .

فلا مجال لمعارضة مرسلة محمد بن على عن بعض اصحابه عن ابي عبد الله (ع) قال قلت له الميت والجنب يتفقان في مكان لا يكون فيه الماء الا بقدر ما يكتفى بة احدهما ايهما اولى ان يجعل الماء له قال يتيهم الجنب و يغتسل الميت بالماء لان فى الروايات الدالة لتقديم الجنب على الميت تعليل للتقديم و في المعارض مفادا ارسال يوجب الضعف فلابد من طرح ما يعارض والعمل بالصحيحة وما يؤيدها.

و قد يستدل لتقديم الميت على الجنب بان الجنب يستدرك طهارته و الميت لا استداراك لطهارته ولا دلالة فيهذا النحو من الاعتبارات بعد ورود النص الصحيح الصريح المعلل لتقديم الجنب على الميت مع ان الجنب يستبيح بالطهارة العبادات من الواجبات والمندوبات وليس للميت عبادة بعد الموت فالمتبع النص الوارد عن المعصوم الصحيح المؤيد بالروايات لا الاعتبارات المذكورة في الطرفين.

وكذا لا يعارض الصحيحة رواية ابى بصير عن مولانا الصادق (ع) حيث سئله عن قوم كانوا في سفر فاصاب بعضهم جنابة وليس معهم من الماء الا ما يكفى الجنب

ص: 304

لغسله ايتوضؤن هم هو افضل او يعطون الجنب فيغتسل وهم لا يتوضؤن فقال يتوضؤن هم ويتيمم الجنب لان الظاهر من هذه الرواية ان الماء الذي معهم كان ملكاً لا جمعهم و قول الراوي او يعطون الجنب يؤكد هذا الظهور و قد عرفت ان كل مالك احق بملكه بل لايجوز بذله مع احتياجه اليه في تحصيل الطهارة الواجبة عليه على ان الرواية تكشف عن تعدد المحدثين ووحدة الجنب والصحيحة مفادها وحدة كل من الجنب والمحدث و الميت فلا معنى للمتعارض بينهما.

مميتيلة و يعلم من اعطاء الامام الضابط في رواية التفليسى بقوله (ع) اذ اجتمعت سنة وفريضة بدء بالفريضة والتعليل الوارد في صحيحة ابن ابی نجران و ابن نضر تقدم الجنب على ماس الميت و الحائض والنفساء لكون غسل الجنب فريضة ثابتا بالكتاب وغسل الماس والنفساء من السنة يقيناً وغسل الحيض على قرائة التخفيف كما ان الوضوء ايضا ثابت بالكتاب الكريم فالمحدث بالحدث الاصغر ايضاً مقدم على غير الجنب ممن يجب عليه الغسل على هذا الضابط و اما غيرهما فليس واحد منهم اولى من الآخر فمن يرجع اليه امر الماء مخير في تقديم واحد منهم في البذل اذا لم يكن هو ممن يجب عليه الغسل او الوضوء واما اذا كان الماء مملوكا لمجموع من يجب التطهير فلا يتعين احدهم الا بالقرعة ان قلنا بجريانها في المقام ولو كان لاحد ممن يجب عليه التطهير مزية على الاخرين فيتعين بالاخذ من دون قرعة كالناذر للغسل في ذلك الوقت اى وقت حضور الصلوة مع وجوب الغسل عليه باحد الاسباب فان الغسل الواجب بالنذر لا يقبل البدل فلا يخرج بالتيمم عن العهدة.

ولو جامعهم مزيل طيب للاحرام يمكن القول باولويته لان التراب لا يؤثر اثر الماء في ازالة الطيب فلو اوصى احد بالماء للاولى او التمس يعطى الجنب ثم من يجب عليه الوضوء ثم الناذر للتطهير ثم المزيل للطيب ثم من عينه القرعة و يمكن تقديم الحائض على غير الجنب والمحدث بالحدث الاصغر كما يمكن القرعة بين الناذر والمزيل و يحتمل تقديم المزيل على الناذر لان ازالة الطيب واجب من الله والنذر من فعل الناذر ولو كان الماء بقدر ما يتوضا ولا يكفى للغسل يعطى المحدث

ص: 305

للتوضاً وان كان هناك جنب لعدم كفايته للغسل ولو امكن له التوصل الى ما يتم به الغسل اذ انضم بالماء الموجود ولو بعد ساعة يعطى الموجود له لعدم الموالات في الغسل واما العطشان فمقدم على جميع من يجب عليه التطهير لاولوية حفظ النفس.

و اما وجوب التيمم على الجنب والحائض للخروج من المسجدين فقد ثبت فيما سلف و بينا تقييده بكثرة مدة المرور بحيث يقل مدة التيمم عن مدة المرور و ان كانت الرواية الدالة على هذا الحكم مطلقة لان ابا جعفر (ع) قال ان كان الرجل نائماً في المسجد الحرام او مسجد الرسول (ص) فاحتلم فاصابته جنابة فليتيمم ولايمر في المسجد الامتيمماً حتى يخرج منه ثم يغتسل وكذلك الحائض اذا اصاب الحيض تفعل ذلك (الحديث) .

قال الشيخ رحمه الله فى المبسوط يجوز ان يتيمم لصلوة الجنازة مع وجود الماء ويجوز ان يصلى عليها وان لم يتيمم ايضاً .

اما تجويزه الصلوة على الجنازة من دون تيمم فلاجل ان الصلوة على الجنازة دعاء وترحم ولا يجب الطهارة لهما واما تجويزه (قده) التيمم مع وجود الماء فلا اعلم له وجها والتيمم شرع لمن لم يجد الماء فمن وجده لااثر لتيممه فلو فقد الماء قبل انتقاض التيمم لا يجوز الصلوة بذلك التيمم فكما ان وجود الماء بعد التيمم يرفع اثره فكذلك التيمم عند وجوده لا اثر له بل لفائل ان يقول بعدم جوازه لانه غير مشروع ولم ينعقد اجماع على مشروعيته مع وجود الماء ان استدل به على ما قبل ورواية زرعة عن سماعة قال سئلته عن رجل مرت به جنازة وهو على غير طهر قال يضرب يديه على حائط لبن فيتيمم مع الاغماض عن ضعفه لاضمارها وانحراف راويها لا دلالة منها على جواز التيمم مع وجود الماء بل يجب تقييد اطلاقها بفاقد الماء لعدم مشروعيته مع وجود الماء والقدرة على استعماله ففى صورة فقد الماء اوفوات الصلوة اذا اراد التوضاً یصح القول بجوازه بل استحبابه وتدل على الاستحباب حسنة الحلبي قال سئل ابو عبدالله عن الرجل تدركه الجنازة وهو على غير وضوء فان ذهب فيتوضا فاتته الصلوة عليها قال يتيمم ويصلى.

ص: 306

ولا ينتقض التيمم الا بالحدث واما وجود الماء فليس بناقض له الاان الطهارة المنتزعة منه لا اثر له لانه بدل عن الوضوء والغسل ومع الاقتدار على المبدل منه لا اثر للبدل وبعبارة اخرى الطهارة المنتزعة من التيمم طهارة اضطرارية وبعد ارتفاع الاضطرارية لا يكتفى بها و اما الارتداد فلا ينقض التيمم لعدم ما يدل على النقض فيصلى بذلك التيمم بعد التوبة.

والكافر لا يصح منه التيمم كساير العبادات لعدم وجود شرط الصحة اعنى قصد القربة و عدم الاعتقاد باحكام الاسلام فلا يقدر على نية كون الافعال منشأ لانتزاع الطهاره.

و العاصى بسفره يصح منه التيمم اذا لم يجد الماء فهو مشمول لعموم الاية والروايات ولم يرد في الشرع ما يدل على ما نعية العصيان بالسفر لصحة العبادة .

هذه جملة القول في الطهارة عن الحدث ونواقضها.

وأما الطهارة عن الخبث

( وأما الطهارة عن الخبث )

فهي عبارة عن خلو الشيء عن الخبث المعبر عنه بالنجاسة والقذارة والدناسة فهي امر عدمي موافق لاصل لانها ليست بشيء موجود في الخارج يحتاج في اثباته الى دليل من الادلة فان العدم لا يعلل وليس بعلة لشيء لانه لا اثر له فلا يكون شرطا ولاسبباً لتحقق مفهوم من المفاهيم كما انه لا يكون مانعا لشيء ولا يمنع من اقتضاء مقتض فكل ما ينسب اليه من الشرطية مرجعه الى مانعية نقيضه وكل ما قرع سمعك من ما نعية يرجع امره الى شرطية نقيضه وعدم كون العدم من ما يؤثر في الوجود من البديهيات وما يقال من ان عدم العلة علة لعدم المعلول مسامحة فى التعبير لان العدم لا يعلل كي يحتاج الى العملة بل وجود المعلول يحتاج الى وجود العلة.

و الحاصل ان الطهارة من الخبث ليس كالطهارة من الحدث امراً وجوديا له اثر من الآثار بل الأمر الوجودي هو الخبث المجعول في الشرع و قد يقال عليه

ص: 307

النجاسة او القذارة او الدناسة فما اشتهر من كون الطهارة من الخبث شرطاً لصحة الصلوة معناه ان النجاسة مانعة للصحة لان الطهارة ليست بشيء موجود حتى يؤثر في الصحة بل النجاسة لكونها وجوديا يمنع من الصحة وتوجب الفساد وهذا لمعنى لاغبار عليه بل من الواضحات عند العقلاء.

فموضوع الاحكام هو الخبث اى النجاسة لانه امر وجودى مجعول في الشرع فالشارع المقنن احدث في بعض الاشياء صفة القذارة أى النجاسة اولا ثم رتب على هذه الصفة الاحكام ولذا يعنونون الاصحاب هذالباب بباب النجاسات فالمطلوب في هذا المقام بيان حقيقة النجاسة وبيان الاشياء المتصف بهذه الصفة وبيان اثارها واحكامها اما الحقيقة فهى كما عرفت سابقا صفة قذارة معنوية مجعولة في الشرع فوصف بها موضوعات عديدة سيجيء بيانها ولا تحس هذه الصفة بالحس الظاهرى كالدرن لما عرفت من انها من المعانى ولا طريق الى معرفتها سوى الشرع الانور وقد يقال على بعض الاشياء انه نجس تشبيها لخباثته الذاتية او العرضية بالنجاسة فان موضوعات النجاسة هى الاجسام فتوصيف فعل من الافعال اوهيئة من الهيآت تشبيه لخباثتهما بالنجاسة كتوصيف الميسر بالرجس.

وموضوع النجاسة الكلى من الكليات والمصاديق الخارجية نجاستها لاتحادها مع الكلى و الكلى قد يكون حقيقة من الحقايق فسريان النجاسة في المصاديق لاجل سريان الطبيعة الكلية فيها وقد يكون مفهوما عرضيا فاتصاف المصاديق بها لكون المفهوم واسطة في العروض.

(فالاول) كالبول والميت والدم لانها حقايق كلية صارت موضوعات للنجاسة ومصاديقها تتصف بها لانطباقها عليها.

) والثانى) كالمسكر و الكافر بناء على نجاسته فانهما واسطنان في عروض النجاسة على مصاديقهما فكل ماصدق عليه المسكر او الكافر تتصف بالنجاسة لعروض احد المفهومين عليه ويكون المبدء من هذين المفهومين واسطة في ثبوت النجاسة فالاسكار واسطة فى ثبوت النجاسة كالكفر لجعل المقنن اياهما علتين للنجاسة والكافر

ص: 308

والمسكر واسطتان في عروض النجاسة على الشيء النجس فتقول هذا المايع مسكر وكل مسكر نجس فهذا لمايع نجس او هذا الشخص كافر وكل كافر نجس فهذا الشخص نجس اوتقول هذا لمايع نجس لاسكاره او هذا لشخص نجس للكفره .

اما قولك هذا لحيوان خنزير وكل خنزير نجس فهذا لحيوان نجس و ان كان كترتيب القياس لكنه ليس بقياس بحسب الحقيقة بل تطبيق للمكلى على الفرد وكذلك قولك هذا المايع خمر وكل خمر نجس فهذا لمايع نجس لانه تطبيق للكلى على الفرد فليس فيه استدلال بالعلة على المعلول ولا انتقال منها اليه.

والاشياء المتصفة بصفة النجاسة أمور :

(منها) البول مما لا يؤكل لحمه من غير فرق بين الانسان وغيره من الحيوانات وهذا الحكم اجماعى لا ينكره احد من العلماء والنصوص الواردة عن الائمة (ع) بغسل البول عن المحل الذى اصابه كثيرة وهى ظاهرة فى نجاسة البول الا ان الاكثر آمرة بغسل بول الانسان و يدل على نجاسة بول ساير الحيوانات حسنة عبد الله بن سنان حيث قال قال ابو عبدالله اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه وهى شاملة لغير الانسان .

و في موثقة سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال اذا اصاب الثوب شيء من بول السنور فلا تصح الصلوة فيه حتى تغسله وفى موثقة اخرى له قال سئلته عن ابوال الكلب والسنور والحمار فقال كابوال الانسان واشتمالها على الحمار لا ينافي الحكم بنجاسة بول السنور لانه محمول على التقية وفى الروايات النافية للمباس عن ابوال ما يؤكل لحمه اشعار بان فى ابوال ما لا يوكل لحمه باس والباس هو النجاسة في المقام ولعبد الله بن سنان رواية اخرى عن ابي عبد الله (ع) قال اغسل ثوبك من بول كل ما لا يوكل لحمه.

و الحاصل ان الروايات الدالة على نجاسة بول ما لا يوكل لحمه و ان كان اكثرها في بول الانسان الا انها لا يخلو عن الدلالة على نجاسة بول جميع مالايوكل لحمه ولا فرق في اصل النجاسة بين بول الصبى و الصبية والرجل والمرئة الا ان

ص: 309

بول الصبى اسهل تطهيرا واسرع ازالة.

ويشترط في نجاسة البول كون الحيوان مما له نفس سائلة والمراد من النفس السائلة كون دمه بحيث لو قطع العرق المجتمع فيه الدم خرج بالدفع والشدة فلو خرج رشحا لا يحكم بنجاسة بوله لضعف حيوانية ذى الدم الغير السيال و كونه ملحقا بالحشار ولا دليل على هذا لوصف الا الاختبار ولا يدل عليه عظم الجثة لان القوة في الحيوانية امر وراء عظم الجثة فترى ان السمك ليس له هذا الوصف ولو كان عظيما في الجنة و الفارة واجدة له مع صغر الجثة و الشك فى هذا الوصف مستتبع الشك في نجاسة بوله والاصل عدم وجود هذا لوصف في الحيوان المشكوك وصفه لان هذه الخصوصية امر زائد على الحيوانية لا يثبت بغير دليل وليس المراد من هذا الاصل هو الاستصحاب بمعنى الاخذ بالحالة السابقة كى يقال ان هذا الوصف مشكوك فى اول وجود الحيوان وليس له حالة سابقة معلومة شك في زوالها وطرو حاله غيرها.

بل المراد الاستصحاب بمعنى الاخذ بالمقتضى وعدم الاعتناء بالمانع المسمى بالقاعدة الشريفة فبينا فى موارد عديدة ان الاستصحاب بهذا المعنى هو الحجة وتحققه وحجيته لا يتوقف على الحالة السابقة.

و ذهب ابن الجنيد قدس الله نفسه الزكيه الى عدم نجاسة بول الصبي قبل ان ياكل اللحم على ما حكى عنه العلامة ( قده ( فى المختلف حيث قال مسئلة المشهور ان بول الرضيع قبل ان ياكل الطعام نجس لكن يكفى الماء عليه من غير عصر حتى ان السيد المرتضى رضوان الله عليه ادعى اجماع العلماء على نجاسته·

وقال ابن الجنيد (قده) بول البالغ وغير البالغ من الناس نجس الاان يكون

غير البالغ صبياً ذكراً فان بوله ولبنه ما لم ياكل اللحم ليس بنجس.

(لنا) انه بول آدمى فكان نجسا كالبالغ و ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي قال سئلت ابا عبد الله الله عن بول الصبى قال يصب عليه الماء فان كان

ص: 310

قد اكل فاغسله غسلا.

وفي هذا الاستدلال نظر لان المستفاد من الاخبار الفرق بين بول الصبى وغيره فصرف كونه بول الادمى لا يدل على نجاسته فليس فى الاخبار عموم مبرم يدل على نجاسة كل فرد من افراد الادمى فالاستدلال بكونه بولاً لادمى ليس على ما ينبغى .

واما الامر يصب الماء عليه فهواعم من النجاسة لجواز ان يكون الاستحباب كغسل الثوب من ابوال الدواب والبغال والحمير والنضح منها مع الشك احتج ابن الجنيد (قده) بما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه (ع) ان عليا (ع) قال لبن الجارية وبولها يغسل من الثوب قبل ان يطعم لان لبنها يخرج من مثانة امها ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا من بوله قبل ان يطعم لان لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين ولانه لو كان نجسا لوجب غسله كبول البالغ ولم يكتف بالصب كغيره من الأبوال اما الرواية فضعيفة ويزيد فى ضعفها اشتمالها على نجاسة لبن الجارية.

و اما الاكتفاء بالصب فلما بينا من كونه اسرع في الازالة لعدم غلظة جسمه قبل الاطعام و اما بعده فيستغلظ ويجب غسله وفى تعيينه (قده) اللحم عوض الطعام خروج عن طريق الاستنباط لان الطعام اعم من اللحم .

واما ابوال الدواب والبغال والحمير فطاهرة لكونها ماكولة اللحم وكراهة اكل لحمها لا يوجب نجاسة ابوالها بل توجب استحباب غسلها والتنزه عنها فكل ما ورد من الأمر بغسل ابوالها محمول على هذا المعنى روى زرارة في الحسن عنهما انهما قالا لا تغسل ثوبك من كل شيء يؤكل لحمه وهو شامل بهذه الاصناف وروى ايضاً عن احدهما (ع) في ابوال الدواب تصب الثوب فكرهه فقلت اليس لحومهما حلالا قال بلى ولكن ليس مما جعله الله تعالى للاكل .

قال الشيخ (قده) في التهذيب بعد نقل هذا الخبر يقضى على ساير الاخبار التي تضمنت الأمر بغسل الثوب من بول هذه الاشياء و روثها فان المراد بها ضرب من الكراهة

ص: 311

وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال لا باس برون الحمير و اغسل ابوالها فنفى البأس عن الروس يدل على ان الامر بغسل الابوال لأجل التنزه كما ان الحكم بحلية اللحوم يستلزم الحكم بطهارة الابوال.

واما بول الخشاف ففيه روايتان مفاد احديهما الطهارة ومفاد الاخرى النجاسة اما الثانية فرواية داود الرقى قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن بول الخشاشيف يصب ثوبي فاطليه فلا اجده قال اغسل ثوبك واما ما يدل على الطهارة فهوما رواه غياث عن جعفر عن ابيه (ع) قال لا باس بدم البراغيث والبق وبول الخشاشيف والطهارة مطابقة للاصل وكلتا الروايتين ضعيفتان.

قال الشيخ (قده) في التهذيب بعد ذكر هذين الخبرين ولا ينافي ذلك يشير الى خبر داود الرقى ما رواه احمد بن محمد عن محمد بن يحيى عن غياث ثم ذكر خبر غياث وقال بعد ذكر خبر غياث لان هذه الرواية شاذة و يجوز ان يكون وردت للمتقية و نظره قدس سره الى قول ابی عبدالله عليه السلام اغسل ثوبك من ابوال ما لا تؤكل لحمه

قال العلامة (قده) فى المختلف (مسئلة) قال الشيخ في المبسوط بول الطيور و زرقها كلها طاهر الا الخشاف فانه نجس وقال ابن ابی عقیل كل ما استقل بالطيران فلا باس بذرقه وبالصلوة فيه وقال ابن بابويه لا باس بخرء ماطار وبوله ولا باس ببول كل شيء اكلت لحمه والمشهور نجاسة رجيع ما لا يؤكل لحمه من الطيور وغيرها وهو المعتمد.

(لنا) ما رواه الشيخ فى الحسن عن عبدالله بن سنان قال قال ابو عبد الله (ع) اغسل ثوبك من ابوال مالا يؤكل لحمه وهو عام فى صورة النزاع ولان الذمة مشغولة بالصلوة قطعاً ولا تبرء بادائها قطعاً مع ملاقات الثوب او البدن لهذه الابوال فتبقى في عهدة التكليف.

اما احتجاجه (قده) برواية ابن سنان ففيه ان ما لا يؤكل لحمه منصرف الى الحيوان غير الطيورلان للطير عنواناً خاصاً لا يتمسك لحكم من احكامه على ما ينصرف

ص: 312

الى غيره واما احتجاجه باصل الاشتغال فليس فى محله لان اصالة الطهارة حاكمة على اصل الاشتغال فبعد التمسك بها يرتفع موضوع اصل الاشتغال .

والحقيق بالتمسك في المقام هو حسنة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال كل شيء يطير فلا باس بخرئه و بوله و هذا الكلام صريح في ان للطير عنواناً خاصاً لا يشمله قوله (ع) ما لا يؤكل لحمه ولذا قال ابن ابی عقیل رضوان الله عليه كل ما استقل بالطيران فلا بأس بذرقه و بالصلوة فيه وقال ابن بابويه لاباس بخرء ما طار و بوله فمفاد الاخبار وكلمات الاخيار هوان نجاسة جميع غير ماكول اللحم لا تعم الطيور بل لها عنوان خاص فى النجاسة ، الطهارة ولذا ترى الامام ينفى الباس عن خرء و بول كل شيء يطير من دون استثناء طير من الطيور فعدم اكل اللحم مناط للنجاسة فى غير الطير والحشار.

ثم قال (قده) احتج الشيخ بما رواه ابو بصير فى الحسن عن أبي عبد الله (ع) قال كل شيء يطير فلا باس بخرئه وبوله ولان الاصل الطهارة.

والجواب عن ( الاول ) انه مخصوص بالخشاف اجماعاً فيختص مما يشاركه فى العلة وهو عدم كونه ماكولا.

وعن (الثاني) بالمعارضة بالاحتياط (وفيه) ان اسراء حكم الخشاف الى غيره من الطيورقياس مردود لا يعتمد عليه ضرورة امكان ان تكون فى الخشاف خصوصية اخرى لها دخل في نجاسة بوله سوى كونه مما لا يؤكل لحمه مع ان الاجماع على تخصيص الخشاف المدعى في كلامه ليس فيه كشف عن الواقع وكلام ابني ابي عقيل و بابويه مطلق ليس فيه استثناء للخشاف.

و اما الجواب عن ( الثانى ) اعنى معارضة اصل الطهارة بالاحتياط ففى غاية البعد عن التحقيق بحيث لا يشبه بكلامه اعلى الله فى الفردوس مقامه لان اصل الطهارة مقدم على اصل الاحتياط فمعنى اجراء اصل الطهارة ان الموضوع خال عن النجاسة ومع خلوه عنهما لا يبقى مورد للاحتياط.

و الحاصل ان حسنة أبي بصير صريحة في طهارة خرء جميع الطيور و بولها

ص: 313

وليس فيها استثناء لبول الخشاف ورواية داود الرقى معارضة برواية غياث ولا ترجيح في البين مع ضعف الروايتين فالمرجع هو العموم واصل الطهارة لا مورد لجريانه لارتفاع الشك بالعموم .

ولا فرق فى عدم جريان الأصل بعد ورود الدليل بين موافقة المفادين وبين المخالفة لاعتبار الشك فى جريانه المرتفع بالدليل.

منها الغائط و الخرء من الادمى و من كل ما لا يؤكل لحمه من الحيوانات دون ما يؤكل لحمه ودون الطيور ويشترط فى النجاسة كون الحيوان ذا نفس سائلة ويدل على نجاسة عذرة الادمى المعبر عنها بالغائط الاخبار في موارد متعددة كباب الاستنجاء وكيفية التطهير والفرق بين اليابس والرطب فى التنجيس ووجوب نفض ما يصيب الثوب والراس اذا هبت الرياح و اصاب للصلوة والامر باعادة الصلوة لمن نسى الاستنجاء وصلى وامر النبى (ص) بعض نسائه ان تامر نساء المؤمنين ان يستنجين بالماء و ايجاب غسل الظاهر من الجسد من الغائط دون باطمه و التخيير الماء بين والاحجار فى الاستنجاء الغائط والاقتصار على الماء في الاستنجاء من البول الى غير ما ذكر من الموارد مع ان نجاسة الغائط وخرء ما لا يؤكل من الحيوانات من بديهيات الفقه بل من ضروريات الدين بل لا يليق للفقيه البحث عن نجاسة البول والغائط سواء كان من الانسان او من الحيوانات الاخرى بل الاليق بالبحث هو تأثير النجاسة وحكمها وكيفية الازالة والتطهير فلاء عنى لاتعاب النفس في تحصيل الاجماع على نجاسة البول والغائط مما لا يؤكل لحمه من الانسان وغيره لان ضروری الدین ما لا يحتاج الى الاثبات.

واما الطيور فنجاسة ذرق ما لا يؤكل منها ليست من البديهيات ولا من المجمع عليها فعلى المدعى الاثبات و اما ذرق الدجاج فقد قيل بنجاسته لرواية فارس قال كتب اليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج يجوز الصلوة فيه فكتب لا والرواية ضعيفة لان فارس لا يعتمد عليه ولم يسم المسؤل عنه فى الرواية ويحتمل كونه غير المعصوم فمثل هذه الرواية لا يخصص العمومات ولا تقيد المطلقات وقد ذكرنا حسنة أبي بصير

ص: 314

عن ابی عبد الله (ع) قال كل شيء يطير فلا باس بخرئه وبوله.

و ان رام الخصم دعوى صحة سلب اسم الطير عن الدجاج او عدم صحة حمله عليه او انصراف الطير الى غير الدجاج يقرء عليه رواية زرارة في الحسن احدهما عن السلام انهما قالا لا تغسل ثوبك من بول كل شيء يؤكل لحمه مع ان الطهارة عن الخبث مطابق للاصل فما لم يدل دليل على خباثة شيء يحكم بطهارته و ليس في المقام غير رواية فارس وقد عرفت عدم دلالتها على النجاسة و رواية وهب بن وهب عن جعفر عن ابيه الا انه قال لاباس بخرء الدجاج والحمام يصيب الثوب مؤيدة للقول بالطهارة والشيخ اعلى الله مقامه مع انه استدل في التهذيب برواية فارس على نجاسة ذرق الدجاج احتج فى الاستبصار على الطهارة برواية وهب المذكورة وقل بعد ذكر رواية فارس فلوجه فى هذه الرواية انه لا يجوز الصلوة فيه اذا كان الدجاج جلالا ويجوز ان يكون ايضاً محمولا على ضرب من الاستحباب او محمولا على النقية لان ذلك مذهب كثير من العامة.

كما عن

قال في الجواهر ورواية فارس قال كتب اليه رجل يسئله عن ذرق الدجاج يجوز الصلوة فيه فكتب لامع انها مكاتبة ومضمرة ولا ملازمة بين عدم جواز الصلوة والنجاسة بل كثير من الطاهر منع من الصلوة فيه وموافقة المحكى عن ابي حنيفة ضعيفة جداً بفارس لانه على ما قيل المراد به هنا ابن حاتم القزويني و هو کما عن الشيخ غال ملعون بل في الخلاصة انه فسد مذهبه وقتله بعض اصحاب ابی محمد العسكرى وله كتب كلها تخليط و عن الفضل بن شاذان ان من الكذابين المشهورين الفاجر فارس بن حاتم القزويني الى غير ذلك مما ورد من القدح فيه محتملة للكراهة او المنقية او الجلال اوارادة رفع الايجاب الكلى المفهوم من السائل اوغير ذلك فلا وجه للخروج عن قاعدة الماكول الثابتة بما عرفت بمثلها انتهى والعجب من الشيخ (ره) ان مع اعتقاده بانه غال ملعون لم يتمسك لرد روايته بفساد الراوى .

و الحاصل ان ذرق الدجاج لا دليل على نجاسته فهو باق على اصل الطهارة وروی عمار عن ابی عبد الله (ع) قال كل ما اكل لحمه فلاباس بما يخرج منه وهذه

ص: 315

مؤيدة لطهارة ذرق الدجاج .

و اما خرء الطيور التى لا يوكل لحمها فمقتضى قوله (ع) كل شيء يطير فلاباس بخرئه وبوله طهارته لعدم دليل على تخصيص هذه الكلية بمفهوم من المفاهيم فان الامام (ع) جعل العنوان الطيران وقد عرفت ان للطيور عنواناً خاصاً وان رواية ابن سنان منصرفة الى غير الطيور من الحيوانات مع عدم ذكر الخرء فيها ولا يصح التمسك بمفهوم رواية عمار بن موسى عن ابي عبدالله (ع) قال خرء الخطاب لا باس به وهو مما يحل اكله ولكن كره اكله لانه استجار بك و آوى في منزلك وكل طير يستجير بك فاجره لانه (ع) لم يسند عدم الباس بخرئه على حلية اكله کی يكون مفهومه الباس عن خرء ما يحرم اكله فليس في الاخبار م_ا يدل على الفرق بين الصنفين من الطيور في نجاسة الطيور فى نجاسة خرئها وطهره و اشتراط سيلان الدم لما قلنا من ضعف حيوانية ما ليس له الدم السائل ولحوقها بالحشار.

قال في المعتبر البول والغائط مما لا يوكل لحمه نجس وهو اجماع علماء اهل الاسلام سواء كان ذلك من الانسان اذا كان ذا نفس مسائلة في قول الشافعي الا البول من الرسول (ص) فان ام ايمن شربته فلم ينكر واما رجيع ما لانفس له كالذباب والخنافس ففيه تردد الاشبه انه طاهر لان منيه و دمه و لعابه طاهر فصارت فضلاته كعصارة النبات.

وفي رجيع الطير قولان احدهما هو طاهر و به قال ابو حنيفة ولعل الشيخ استند الى رواية ابى بصير عن أبي عبد الله (ع) قال كل شيء يطير فلا بأس بخرئه و بوله والاخر فما اكل فذرقه طاهر وما لا يؤكل فذرقه نجس و به قال اكثر الاصحاب و محمد بن الحسن الشيباني.

( لنا) ما دل على نجاسة العذرة مما لا يؤكل لحمه يتناول موضع النزاع لان الخرء والعذرة مترادفان ورواية ابى بصير وان كانت حسنة لكن العامل بها من الاصحاب قليل ولان الوجه المقتضى لنجاسة خرء ما لا يؤكل من الحيوان مقتض لنجاسته ما لا يؤكل لحمه من الطير انتهى النقل .

ص: 316

(قوله) وهو اجماع علماء الاسلام مؤيد لما بينا من كون نجاسة ما لا يؤكل لحمه من بديهيات الفقه.

واما طهارة رجيع ما لانفس له فلعدم الدليل على نجاسته فهو باق على اصل الطهارة لعدم شمول ما دل على نجاسة شيء من النجاسات له لان الحشار لا يطلق عليها الحيوان.

(قوله) (قده) لنا الى قوله مترادفان بعيد عن التحقيق لاختصاص العذرة على الغائط اى مدفوع الانسان بحسب الوضع او الانصراف او مطلق البهيمة ويكفى احتمال الاختصاص لابطال هذ الاستدلال.

(وقوله) ورواية ابى بصير وان كان حسنة (الخ) ابعد لان الاعتراف بكونها من الحسان و الاعراض عنها لقلة العامل خروج عن طريق الاستنباط لان قلة العامل لا يضعف الرواية لان القوة والضعف فى الرواية مستند ان الى حال رواتها لا الى قلة العامل بها وكثرته .

(وقوله) (قده) ولان الوجه المقتضى النجاسة الى آخره یصح اذا عرف ان الوجه المقتضى للنجاسة هو صرف كون الشىء النجس من الحيوان غير ماكول اللحم ولا ينكر في العقول كون الطيران عنواناً خاصاً له حكم مخالف لغير الطير ولوكان مشاركا للغير في صفة من الصفات فبعد ورود الفرق من اهل بيت العصمة والطهارة ليس لاحد تشريكهما في حكم من الاحكام لانه قياس ممنوع في مذهب الامامية .

واما نجاسة خرء الحيوان الغير الماكول لحمه فقد عرفت انها من بديهيات

الفقه ولذا اجمع علماء الاسلام كافة من العامة والخاصة عليها وقوله (ع) في موثقة عمار كل ما اكل لحمه فلاباس مما يخرج منه بمفهومه يدل على نجاسة ما لم ياكل لحمه لان بناء هذا الكلام في المقام لبيان الضابط والمعيار كما صرح به شيخنا الانصاري اعلى الله مقامه وليس هذا تمسكا بصرف مفهوم الوصف كي يناقش في حجيته لظهور الكلام في اعطاء الضابط .

وفى موثقة اخرى لعمار عن ابي عبد الله (ع) انه سئل عن الدقيق يصيب فيه

ص: 317

خروء الفار هل يجوز اكله قال اذا بقى منه شيء فلا باس يؤخذ اعلاه ومن المعلوم ان اخذ الاعلى ليس الا لنجاسة ما اصابه .

قال شيخنا الانصارى اعلى الله مقامه فى الفردوس عند شرح قول العلامة في بيان النجاسات البول و الغائط من الحيوان ذى النفس السائلة غير الماكول لحمه اجماعا محققا في الجملة ومستفيضاً كالاخبار ففى حسنة ابن سنان بابن هاشم اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه ومفهوم حسنة زرارة لا تغسل ثوبك من بول شىء من ما يؤكل لحمد والنبوى المحكى عن قرب الاسناد لا باس ببول ما يوكل لحمه وموثقة عمار كل ما اكل لحمه فلا باس بما يخرج منه دلت على المطلوب بمفهوم الوصف الوارد فى مقام بيان الضابط والمعيار كالقيد الماخوذ في الحدود انتهى وهذه المقالة كافية لاثبات نجاسة خروء غير ماكول اللحم لان الامام في مقام بيان الضابط للنجاسة والطهارة وقوله الا مما يخرج منه يعم الخرء والبول فهذالكلام حاصر للباس على الخارج مما لا يؤكل لحمه فدلالته على نجاسة خرء غير الماكول لحمه وان كان بالمفهوم الا ان كونه في مقام بيان الضابط يوجب توجهه الى المفهوم اعنى نجاسة غير ما يوكل لحمه وهذا المعنى دقيق فى الغاية يدرك بالتامل التام .

وقلة السؤال عنه فى الاخبار لقلة الابتلاء به اولان نجاسته كان من الواضحات المفروغة عنها و الشبهة فى خرء ما يوكل لحمة ولذا ورد الاخبار لبيان طهارته.

ولا فرق بين الذاتى من غير الماكول لحمه وبين العرضى منه في النجاسة بالنسبة الى بوله وخرئه لان موضوع النجاسة هو بول ما لا يوكل لحمه وخرئه وهو اعم من الذاتي والعرضى قبول حيوان الجلال وخرئه و بول الموطوء وخرئه نجس لشمول العمومات اياها لعدم ما يميز الذاتى من العرضى كما انه لافرق في هذا الحكم بين ذرق الدجاج الجلال وبين خرء الحيوان الاخر اذا كان جلالا كالابل والغنم والبقر سواء قيل بنجاسة الجلال نفسه اولا وان كان الحكم بنجاسة البول والخرء على الاول اولى واظهر ضرورة استحالة طهارة الخرء والبول مع نجاسة الحيوان نفسه وكذا ان قلنا بنجاسة عرقه لان العرق يستحدث من رطوبات بدن الحيوان

ص: 318

ولا معارضة بين ما دل على طهارة البول والخرء من الحيوان الماكول لحمه وما دل على نجاسة الجلال من ذلك الحيوان لان الجلال من الحيوان الماكول اللحم اخص من ذلك الحيوان مطلقا ولا منافات بين طهارته و نجاسته بل الامراظهر من ذلك لان الجلل يخرج الجلال من عنوان ماكول اللحم فحلية اللحم الذاتية يتبدل بالحرمة العرضية فحين الجلل ليس مما يؤكل لحمه فليس يطهر بوله ولا خرثه ولا يتحقق التعارض الا بعد وحدة الموضوع والجلل غير العنوان الذي هو موضوع الطهر الى نقيضه.

قال في المعتبر وبول الجلال وذرقه نجس لان لحمه حرام حتى تزول الجلل فيكون رجيعه نجسا اما تحريم لحمه فسياتي واما اذا كان حراما كان رجيعه نجسا فقد سلف قال الشيخان عرق الابل الجلالة نجس يغسل منه الثوب وقال سلار غسله ندب وهو مذهب من خالفنا وربما يحتج الشيخ برواية هشام بن سالم عن ابيعبد الله ا قال لا يؤكل لحوم الابل الجلالة وان اصابك من عرقها فاغسله و استناد سلار الى الاصل وانه يجرى مجرى عرق الحيوانات الطاهرة وان لم يوكل لحمها كعرق السنور والنمر والفهد وتحمل الرواية على الاستحباب انتهى .

وقول سلار اوفق بالموازين لان حرمة اللحم لا تستلزم نجاسة العرق لاجتماع طهارة العرق وحرمة اللحم فى اكثر الحيوانات كالسنور و النمر والفهد و الذئب وغيرها واما طهارة البول والخرء فلا تجتمع في حيوان من الحيوانان مع حرمة اللحم وفى متن الرواية اشعار بالفرق بين اكل اللحم وغسل العرق فانه (ع) نفى اكل اللحم بصيغة المضارع وأمر بغسل ما اصاب العرق .

لكن الأمر بالغسل لبيان نجاسة ما يصيب المغسول امر شايع في الاخبار فترى ان اكثر بيانات المعصومين (ع)فى نجاسة النجس بالأمر بغسل ما اصابه فالامر كناية عن تنجس المغسول باصابة النجس وليس الامر في هذا الباب للوجوب كي يحمل على الاستحباب في بعض الموارد بل مفاد الامر بالغسل هو النجاسة .

و بينا في الاصول ان مفاد الأمر هو البعث و يختلف المقصود من البعث في

ص: 319

المقامات غاية الاختلاف و اما اجتماع طهارة العرق وحرمة اللحم في كثير من الحيوانات فلا ينافي نجاسة عرق الجلال لامكان ان يؤثر الجلل سوى حر حرمة اللحم اثرا آخر و هو نجاسة العرق لكنها ينافي طهارة بدن الجلال فمن يحكم بنجاسة العرق لا بد له الا ان يحكم بنجاسة البدن لان العرق من رطوبات البدن فقول سلار اقوى لموافقته للاصل و عدم صراحة الأمر بالغسل هنا على النجاسة و ان شاع في بيان النجاسة.

قال (ره) فى المختلف مسئلة قال الشيخان يجب ازالة عرق الجنب من الحرام و عرق الابل الجلالة عن الثوب والبدن وهو اختيار ابن البراج و قال ابو جعفر بن بابويه تحرم الصلوة فى ثوب عرق الجنب من الحرام والمشهور الطهارة وهو اختيار سلار و ابن ادريس رحمهما الله وهو المعتمد لنا الاصل الطهارة ولان الجنب من حرام والابل الجلالة ليسا بنجسين فلا ينجس عرقهما كغيرهما من الحيوانات الطاهرة وكغير الابل من الجلالات و ما رواه ابواسامة في الحسن قال سئلت ابا عبدالله (ع) عن الجنب يعرق فى ثوبه او يغتسل فعانق امرئته ويضاجعها وهي حائض او جنب فتصب من عرقها قال هذا كله ليس بشيء ولم يفصل بين الحرام والحلال وعن حمزة بن حمران عن ابي عبد الله (ع) يجنب الثوب الرجل ولا يجنب الرجل الثوب فاستدل بالرواية الاولى للمرام لترك الاستفصال و هو استدلال صحيح ان لم يناقش بظهورها فى الجنب من الحلال واما الرواية الثانية فهى اجنبية عما نحن فيه لان عدم سراية الجنابة من الرجل الى الثوب وبالعكس لا ربط لها بنجاسة عرق الجنب لان الجنابة من الاحداث والنجاسة من الاخباث و من المعلوم ان الحدث لا يحدث من الثوب كما انه ليس موردا للحدث و اما النجاسة فتوثر التنجيس في صورة الملاقات فاستناده (ره) بالاصل فيه كفاية لاثبات المرام بعد الجواب عن دليل الخصم

ثم قال (قده) احتج الشيخان بما رواه محمد الحلبي في الحسن قال قلت لابی عبد الله (ع) رجل اجنب فى ثوبه و ليس معه ثوب غيره قال يصلى و اذا وجد الماء غسله.

ص: 320

قال الشيخ (ره) لا يجوز ان يكون المراد بهذا الخبر الا عن عرق في الثوب من جنابة اذا كانت من حرام لانا قد بينا ان نفس الجنابة لا تتعدى الى الثوب وذكرنا ايضا ان عرق الجنب لا ينجس الثوب فلم يبق معنى يحمل عليه الخبر الا عرق الجنابة من حرام فحملناه عليه على انه يحتمل ان يكون المعنى فيه ان يكون اصاب الثوب فحينئذ يصلى فيه ويعيد.

و بما رواه حفص بن البخترى فى الحسن عن ابيعبد الله (ع) قال لا تشرب من البان ابل الجلالة وان اصابك شيء من عرقها فاغسله وفي الصحيح عن هشام بن سالم عن ابی عبد الله (ع) قال لا تاكلوا لحوم الجلالة وان اصابك شيء من عرقها فاغسله.

(والجواب) عن (الاول) ان المراد بالحديث اذا اصابت الجنابة الثوب فانه يصلى لعدم وجدان غيره على ما ساله السائل ثم يغسله اذا وجد الماء لوجود النجاسة فان السائل سئل عن رجل اجنب فى ثوبه وانما يفهم منه اصابة الجنابة الثوب وعن الحديثين حمل الحديثين على الاستحباب مع عدم المعارض لا يخلو من الحال منه الاخرين انهما محمولان على الاستحباب انتهى .

وجواب العلامة (قده) في غاية الصحة والمتانة والعجب من الشيخ رضوان الله عليه كيف ذهب وهمه الى هذا المعنى مع ظهور السؤال في اصابة الجنابة الثوب و ليس من العرق ولا من كون الجنابة من الحرام اسم في الرواية فهذالتوهم من الشيخ اعلى الله مقامه بعيد غاية البعد.

(منها) المنى من كل حيوان ذى نفس سائلة.

و الاخبار الدالة على نجاسة المنى و ان كانت مطلقة لكنها منصرفة الى منى الانسان فلا يمكن التمسك باطلاقها على نجاسة المنى من كل حيوان له نفس سائلة حتى غير الماكول لحمه لعدم استلزام نجاسة منى الانسان منى حيوان مع قلة ابتلاء الانسان بمنى الحيوان الاخر سيما الماكول لحمه و قد سبق قوله (ع) في موثقة عمار وكل ما يوكل لحمه فلاباس بما يخرج منه وقوله (ع) في موثقة زرارة

ص: 321

الواردة في لباس المصلى وكل شيء منه مما أحل الله اكله فالصلوة في شعره ووبره و بوله وروثه وكل شيء منه جائز و ما يخرج منه شامل للمنى وكذا كل شيء منه ولاجل الانصراف .

قال شيخنا الانصارى عند شرح قول الماتن الثالث المنى من كل حيوان ذى نفس سائلة بالاجماع المحقق والمستفيض وهو المعتمد في اطلاق الحكم دون اطلاقات الاخبار لانصرافها الى منى الانسان وليس كذلك اطلاق معاقد الاجماع للقطع بارادة المطلق عنها مع ان المحكى عن التذكرة وكشف اللثام التصريح بالعموم انتهى.

الا ان خبر محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (ع) قال ذكر المنى وشدده وجعله اشد من البول ثم قال ان رايت المنى قبل او بعد ما تدخل في الصلوة فعليك اعادة الصلوة وان انت نظرت فى ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رايته بعد فلا اعادة عليك وكذلك البول يمكن ان يتمسك به على نجاسة منى الحيوان الذي لا يوكل لحمه لان كون المنى اشد من البول لا يختص بمنى الانسان فان منى كل حيوان اشد من بوله وابوال ما لا يؤكل لحمه ثبت نجاستها فيما سلف فمنيها ايضا كذلك بل مقتضى كونه اشد من البول كونه انجس منه وهذا المعنى لا ينافي الانصراف المذكور لان بيان كون المنى اشد من البول امر وراء بيان نجاسة المنى فكانه جملة معترضة والظاهر من هذا البيان ان جنس المنى اشد خباثة من البول لا المنى الخارج من الانسان فلا غبار في دلالة هذا الخبر على نجاسة منى حيوان غير الماكول لحمه واما الحيوان الذى يؤكل لحمه فلادليل نجاسة منيه سوى اطلاق معاقد الاجماع للقطع بارادة المطلق منها كما صرح به الشيخ الانصاري (قده).

وقال فى التذكرة المنى من كل حيوان ذى نفس سائلة ادمياً كان او غيره نجس عند علمائنا اجمع ولم يستشن الماكول لحمه فمن يرى حجية الاجماع عليه ان يحكم بنجاسته واما من لا يرى حجية الاجماع فيشكل الأمر عليه لان مقتضى الاصل الطهارة وليس في الاخبار ما يدل على النجاسة ولا يتجرء مخالفة الاجماع

ص: 322

ففى مقام العمل يمكن له الاحتياط واما فى مقام الافتاء بالنجاسة فلا يقدر عليه ضرورة أن من لم يعتقد بشيء لا يجوز ان يفتى به فضلا عن الاعتقاد بخلافه واما منى ما ليس له نفس سائلة فلم يذهب الى نجاسته من لا يعتد به بل ادعى بعضهم الاجماع على وفاق الأصل اعنى الطهارة وحيث قلنا بعدم دلالة الاخبار على نجاسة منى ما لا يؤكل لحمه فعلينا ذكر الاخبار الواردة فى الباب لامكان خفاء ما يدل عليها علينا فمنها حسنة الحلبي عن ابی عبد الله (ع) قال اذا احتلم الرجل فاصاب ثوبه منى فليغسل الذى اصابه فان ظن انه اصابه منى ولم يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء.

ومنها صحيحة محمد بن مسلم التي مر ذكرها ومنها رواية ابن أبي يعفور عن ابي عبد الله (ع) قال سئلته عن المنى يصيب الثوب قال ان عرفت مكانه فاغسله فان خفى عليك مكانه فاغسله كله.

ومنها رواية سماعة قال سئلته عن المنى يصيب الثوب قال اغسل الثوب كله اذا خفى عليك مكانه قليلا كان او كثيرا وغيرها من الاخبار الواردة بهذه المضامين كرواية عنبسة بن مصعب ورواية زيد الشحام فترى صراحة بعضها في منى الانسان وتبادره عن البعض وانصرافها اليه.

واما الودى بالدال المهملة الذى يخرج عقيب البول والمذى بالذال المعجمة الذى يخرج عقيب الملاعبة والملامسة فيكفى فى اثبات طهارتهما حسنة زرارة عن ابی عبدالله (ع) قال ان سال من ذكرك شيء من مذى اووني وانت في الصلوة فلا تغسله ولا تقطع له الصلوة ولا تنقض له الوضوء وان بلغ عقبيك فانما ذلك بمنزلة النخامة وكل شيء يخرج منك بعد الوضوء من الحبائل او من البواسير وليس بشيء فلا تغسله من ثوبك الا ان تقذره.

و روى عمر بن حنظلة قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن المدى فقال ما هو والنخامة الابسواء .

وروی بريد بن معاوية في الحسن قال سئلت احدهما (ع) عن المذى فقال لا ينقض الوضوء ولا يغسل منه ثوب ولا جسد انما هو بمنزلة المخاط والبزاق و روى

ص: 323

محمد بن مسلم في الحسن قال سئلت ابا جعفر (ع) عن المذى يسيل حتى يصيب الفخذ فقال لا يقطع صلوته ولا يغسله من فخذه انه لم يخرج من مخرج المنى انما هو بمنزلة النخامة فطهارة المذى والودي من البديهيات كما ان نجاسة منى ما لا يؤكل لحمه كذلك ولكن المحكى عن الشافعى طهارة منى الانسان مستدلا بانه مبدء نشو الادمى الشريف ولا يناسب نجاسته مع انه قائل بنجاسه العلقة التي هو اقرب ببدن الانسان من المنى و بما روى عن عايشة كنت افرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فيصلى فيه وليس فيها تصريح بعدم الغسل والاكتفاء بالتفريك مع ان اصابة المنى ثوبه ( ص) الله في غاية البعد مع ان رواية عايشة مما لا تطمئن النفس لصحتها

وقال فى المعتبر في جواب الشافعى ولانه مستحيل عن الدم والاستحالة عند الشافعى لاتطهر (انتهى) ومعناه ان من لم ير بتطهير الاستحالة فعليه ان يقول ببقاء نجاسته و هذا الاستدلال اثبات حق بقول ولو ثبت كون اصل المنى هو الدم فيمكن ان يتفطن احد بان الدم لم يستحل بالمنى بل المنى هو الدم في حال المنوية فلم يتغير ذاته بذات آخر بل تغير صفة الذات فاستغلظ وابيض وصار مسمى باسم آخر وهو المنى فحقيقة المنى الدم المستغلظ المبيض الخارج من المثانة فهو نجس لانه دم (وح) فليس الحتكم بنجاسة منى حيوان ذى النفس الماكول لحمه حكماً بلادليل لنجاسة دم هذا الحيوان.

وذهب ابن الجنيد من اصحابنا الى نجاسة المذى الناقض وجعل المذى الناقض ما خرج عقيب شهوة لا ما كان من الخلقة حكى عنه في المختلف واحتج بما رواه الحسين بن ابی العلا قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن المذى يصيب الثوب قال ان عرفت مكانه فاغسله وان خفى مكانه عليك فاغسل الثوب كله وهذه الرواية ضعيفة لا تقاوم ما اسلفناه من الروايات الدالة على الطهارة فلابد من احد الامرين الطرح او الحمل على الاستحباب .

وبرواية اخرى عنه قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن المذى يصيب الثوب فليلتزق

ص: 324

به تغسله ولا يتوضا وهى كسابقها مع ان هذا الراوى روى عن ابی عبدالله (ع) ما ينا في هاتين الروايتيين حيث قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن المذى يصيب الثوب قال لاباس به فلما رددنا عليه قال ينضحه بالماء ويحتمل صدورهما لاجل التقية لذهاب الشافعي و ابي حنيفة و احمد في رواية ان المذى والودى نجسان ولانه خارج من السبيلين (وفيه) انه ليس فى الباب ما يدل على ان كل ما يخرج من السبيلين فهو نجس وان كان بقياسه الى البول والمنى فليس من مذهب الامامية.

و الحاصل ان الرطوبات الخارجة عن المخرجين باسرها طاهرة سوى المنى والغائط والبول والدم سواء كان مديا او وديا او وديا والوذى بالذال المعجمة ما يخرج من الأدواء.

قال مولانا الصادق (ع) ليس فى المذى من الشهوة ولا من الانعاظ ولامن القبلة ولا من مس الفرج ولا من المضاجعة وضوء ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد وقد عرفت فى صدر البحث ان الطهارة من الخبث امر عدمى مطابق للاصل فلا تحتاج في اثباتها الى الاخبار والروايات فيكفى فى القول بطهارة شيء من الاشياء عدم وجود الدلالة على نجاسة ذلك الشيء وكذالرطوبات الخارجة من المنافذ الاخر لعدم دليل على نجاستها سواء كان من الراس او من المعدة فلوسئل سائل عن طهارة القيء ونجاسته يجب ان يجاب بانه طاهر لعدم دليل على نجاسته قال في التذكرة (الثالث) القى طاهر على الاشهر عملا بالاصل ونقل الشيخ عن بعض علمائنا النجاسة و له قال الشافعى لانه غذاء متغير الى الفساد و يمنع صلاحيته للعلية فلو لم يتغير فهو طاهر اجماعاً ولو تغير غائطا فهو نجس اجماعا (انتهى) فصرف التغير الى الفساد لم يجعله نجسا.

ثم قال (الرابع) كلما يخرج من المعدة او ينزل من الراس من الرطوبات كا البلغم والمرة الصفراء فهو طاهر بالاصل وقال الشافعى البلغم طاهر والمرة نجسة وكذا الرطوبة الخارجة من المعدة لان المعدة نجسة وما يخرج منها نجس و هو ممنوع ( انتهى ) لعدم الفرق بين البلغم والمرة ولم يبين الفرق بينهما و التمسك

ص: 325

بنجاسة المعدة لنجاسة الخارج منها ليس على ما ينبغى لان الباطن ليس له حكم النجاسة قال وقال المزنى البلغم نجس لتغيره وفيه ان صرف التغير لا يوجب النجاسة.

منها المينة من الحيوان ذى النفس العائلة

) منها المينة من الحيوان ذى النفس العائلة )

وهی منقسمة على القسمين ميتة الانسان وميتة غيره من االحيوانات.

و يستدل على نجاسة مينة الانسان بصحيحة الحلبى عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت قال يغسل ما اصاب الثوب منه وصحيحة ابراهيم بن ميمون قال سئلت ابا عبد الله الله عن الرجل يقع ثوبه على جسد الميت قال ان كان غسل فلا يغسل ما اصاب ثوبك منه وان كان لم يغسل فاغسل ما اصاب ثوبك منه يعنى بعد البرد .

وما روى فى الاحتجاج عن مولانا القائم عجل الله فرجه وارواحنا فداه كتب اليه (ع) الحميرى انه روى لنا عن العالم (ع) انه سئل عن امام قوم صلى بهم بعض صلوته وحدثت عليه حادثة فكيف يعمل من خلفه قال يؤخر بعضهم و يقدم بعضهم ويتم صلوتهم ويغتسل من مسه فكتب عجل الله فرجه ليس على من نحاه الا غسل اليد وعنه ايضا انه كتب اليه انه روى عن العالم (ع) ان من مس مينا بحرارته غسل يده ومن مسه ببرد فعليه الغسل وهذه الميت في هذه الحالة لا يكون الابحرارته فالعمل في ذلك على ما هو ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه فكيف عليه الغسل التوقيع اذا مسه على هذه الحالة لم يكن عليه الاغسل يده.

وقوله (ع) في ذيل رواية ابن ميمون يعنى بعد البرد يقيد اطلاق رواية الحلبي لان السؤال فيهما عن موضوع واحد و اما اطلاقهما بالنسبة الى الرطب و اليابس فلم يقيد بشيء فيبقى على حاله والامر بالغسل مع الاطلاق لا يستفاد منه النجاسة بل الأظهر فى النظر ان الامر لاجل ازالة بعض الذرات من جسد الميت المنتقلة الى الثوب دفعاً لسراية آفات الميت بتوسط ثوب المصيب الى ذى الثوب كما انه اذا مس بدن الحى بعد البرد يجب عليه الغسل لدفع سراية الآفات و اما

ص: 326

قبل البرد فيستحب غسل الماس لضعف احتمال السراية فقوله روحى فداء في التوقيع اذا مسه على هذه الحالة لم يكن عليه الاغسل يده يستفاد منه استحباب الغسل لان المس في تلك الحالة على الحرارة .

ويمكن دلالته على الوجوب لان اليد خلاف الثوب فتأثير المس باليد فى صورة بقاء الحرارة يقابل تاثر اصابة الثوب بعد البرد لقوة السراية مع اليد وضعفها مع الثوب واما النجاسة فلا تستفاد من هذه الروايات ضرورة عدم تاثير النجس في نجاسة ملاقيه مع اليبوسة و اشتراط تأثيره بملاقاته فى حال الرطوبة وقوله (ع) كل يابس زكى عام لم يتخصص بمخصص و اما تقييد الاطلاق بما هو مركوز في اذهان المتشرعة من اعتبار الرطوبة كما صرح به شيخنا الانصاري (قده) فضعيف في الغاية ودعاه قدس سره الى هذا التقييد زعمه ان الامر بالغسل كناية عن النجاسة ولم يتفطن بان لميتة الادمى اختصاصا موجبا للمغسل تارة والغسل اخرى وان الامر بالغسل لا ينحصر في ازالة النجاسة فما فى المنتهى من وجوب غسل ما لاقاه يابساً في غاية الصحة اذا لم يكن لاجل تنجسه بصرف الملاقات ولو يابساً .

واما ما ورد في وقوع الانسان فى البئر فستعرف في مبحث منزوحات البئر ان النزح ليس لاجل النجاسة .

و رواية فضل بن شاذان عن مولانا الرضا (ع) تكشف عن ان الامر بالغسل ليس لاجل نجاسة الميت بل له علل اخرى قال انما امر بغسل الميت لانه اذا مات كان الغالب عليه النجاسة والافة والاذى فاحب ان يكون طاهراً اذا باشر اهل الطهارة من الملائكة الذين يلونه ويماسونه فيما سهم نظيفا موجها به الى الله عزوجل وفي جواب مسائل ابن سنان ما يقرب رواية ابن شاذان وفى هاتين الروايتين تصريح بان الامر بالغسل ليس لاجل نجاسة الميت بل لاجل درنه وعلمه و آفته واذاه.

وقد بينا في مبحث غسل الميت ان الاظهر فى النظر عدم نجاسة الميت الا ان مخالفة الاساطين من المتقدمين والمتاخرين لا يخلوا من الجرئة سيما مع كون ما ذهبوا اليه موافقاً للاحتياط لكن الناظر الى الروايتين لا يبقى له ريب في عدم

ص: 327

نجاسته فلا معنى للبحث عن اختصاص نجاسته بما بعد البرد اوانه نجس بمجرد الموت.

و اما رفع الافة و الاذى فيحسن بمجرد الموت و بعد البرد اولى و يختص الغسل بمس البدن .

واما نجاسة ميتة غير الادمى من الحيوانات التى لها نفس سائلة فمن بديهيات الفقه وضروريات المذهب ولا ينبغي لاحد الارتياب في هذه المسئلة.

ويدل عليها من الكتاب قوله الكتاب قوله عز من قائل الا ان يكون ميتة اودما مسفوحا او لحم خنزير فانه رجس بماء على رجوع الضمير الى ما تقدم ذكره فالتعليل يناسب رجوع الضمير الى ما تقدم ذكره فيشمل الميتة والدم والرجس و ان كان اعم من النجس لاطلاقه عليه وعلى اللعنة والعذاب الا ان المقام لا يناسب غير النجس ومن الاخبار قوله الا الله الميتة نجسة ولو د بغت .

و ما ورد فى نجاسة الماء المتغير بالجيفة وما روى ابن بابویه رحمه الله عن ابی عبدالله (ع) قال قال الصادق (ع) عشرة اشياء من الميتة ذكية القرن والحافر والعظم والسن و الانفحة واللبن والشعر والصوف والريش والبيض و تخصيص هذه الاشياء من الميتة بالطهارة يكشف عن نجاسة غيرها.

ومرفوعة محمد بن يحيى عن أبي عبد الله الله قال لا يفسد الماء الا ما كانت له نفس سائلة وما ورد من غسل الاناء الذي تصيب الجرز ميتاً سبع مرات.

و رواية القماط فانه سئل ابا عبد الله (ع) عن الرجل يمر بالماء البقيع فيه المينة و الجيفة فقال الله اذا كان الماء قد تغير ريحه او طعمه فلا تشرب منه ولا تنوضاً.

ورواية قاسم الصيقل قال كتبت الى الرضا (ع) انى اعمل اعمال السيوف من جلود الحمر االميتة فتصب ثيابي فاصلى فيها فكتب الى اتخذ ثوباً لصلوتك فكتبت الى ابى جعفر الثاني (ع) كنت كتبت الى ابيك (ع) بكذا وكذا فصعب على ذلك فصرت اعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية فكتب الى كل اعمال البر بالصبر يرحمك الله فان كان ما تعمل وحشيا زكيا فلا باس.

ص: 328

و روی حریز بن عبد الله عن ابي عبد الله (ع) انه قال كلما غلب على ريح الله الجيفة فتوضاً الماء واشرب فاذا تغير الماء وتغير الطعم فلا تتوضأ منه ولا تشرب من عن ابی عبدالله (ع) قال سئلته و روی سماعة عن الرجل يمر بالماء وفيه دابة ميتة قد انتنت قبل اذا كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ ولا تشرب .

وروى عبدالله بن سنان فى الحسن عن أبي عبد الله (ع) قال سئل رجل اباعبدالله (ع) وانا حاضر عن غدير اتوه وفيه جيفة فقال ان كان الماء قاهراً ولا يوجد منه الريح فتوضا الى غيرها من الاخبار الواردة فى الموارد المختلفة ففيها دلالة على نجاسة الميتة مفهوما و منطوقا صريحا كناية فالنهي عن التوضأ والشرب كناية عن النجاسة كما ان الامر بالتوضا مع قاهرية الماء كناية عن الطهارة فمفهوم كون الماء قاهرا وعدم وجود الريح هو كون الماء مقهوراً ووجود الريح فمع الوصفين يكون الماء نجسا و صاحب المدارك قدس الله نفسه الزكية لما يمر في الاخبار لفظ النجاسة تخيل عدم دلالتها على النجاسة قال بعد ذكر بعض الروايات و نفى دلالتها على النجاسة .

و بالجملة فالروايات متظافرة بتحريم الصلوة فى جلد الميتة بل الانتفاع به مطلقا و اما نجاسته فلم اقف فيها على نص يعتد به مع ان كان ابن بابويه رحمه الله تعالى روى في اوايل كتابه من لا يحضره الفقيه مرسلا عن الصادق (ع) انه سئل عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن والسمن والماء ما ترى فيه فقال لا باس بان يجعل فيها ما شئت من ماء اولبن اوسمن وتتوضا منه وتشرب ولاكن لا تصل فيها و ذكر قبل ذلك من غير فصل يعتد به انه لم يقصد في كتابه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل انما قصدت الى ایراد ما افتی به و احكم بصحته و اعتقد فيه انه حجة مما بينى وبين ربى تقدس ذكره وتعالت قدرته والمسئلة قوية الاشكال انتهى .

(وفيه) ان جعل الماء واللبن والسمن فى الجلود لا يستلزم مماستها لها لانها يصب في ظروف و تجعل معها فى الجلود فلا تتصل بالجلود ولذا عبر (ع) بلفظ ان تجعل موافقا للسؤال فجعل الاشياء المذكورة فى الجلود غير صبها فيه كما عبر

ص: 329

الصدوق الله رحمه تعالى بعد سطر ونصف من هذا المرسل ما تصب حيث قال وكل آنية يصب فيها ذلك الماء فمنشا الاشتباه توحيد معنى الجعل مع معنى الصب مع ان بين المعنيين فرق واضح.

و قد يجاب عن هذا الاستدلال بان الصدوق رحمه الله رجع عما التزم به في اول كتابه لكن هذ الجواب بمعزل عن الصواب لعدم فصل معتد به بين الالتزام و بين نقل المرسل ولو فرض رجوعه عنه فلا يكون بهذه الفاصلة القليلة و لذا بين السيد رحمه الله ان الالتزام قبل المرسل من غير فصل معتد به وبعد الاهتداء بما بينا لا يبق حاجة الى التثبت برجوعه فليس فى المسئلة اشكال فضلا عن قوته فالجلود التي يجعل فيها المايعات كالمحفظة وليست مصبا للمايعات كي تكتسب النجاسة مع انه قدس سره قد روى ما يدل على نجاسة الميتة حيث قال و سئل عمار بن موسى الساباطى ابا عبد الله (ع)عن الرجل يجد فى انائه فارة وقد توضا من ذلك الاناء مرارا او اغتسل منه او غسل ثيابه وقد كانت الفارة متسلخة فقال ان كان رآها في الاناء قبل ان يغتسل او يتوضا او يغسل ثيابه ثم فعل ذلك بعد ما رآها في الاناء فعليه ان يغسل ثيابه ويغسل كل ما اصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلوة وان كان انما رآها بعد ما فرغ من ذلك وفعله فلا بمس من الماء شيئاً وليس عليه شيء لانه لا يعلم متى سقطت فيه ثم قال لعله ان يكون انما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها.

و قال رحمه الله وسئل الصادق (ع) عن غدير فيه جيفة فقال ان كان الماء قاهراً لها لا يوجد الريح منه فتوضأ و اغتسل ولا يخفى على الفقيه ان قاهرية الماء لأجل منع سراية نجاسة الجيفة فى الماء فان مفهوم المرفوعة ان مع عدم قاهرية الماء لا تتوضا ولا يغتسل وليس النهي عن المتوضا والاغتسال الا لاكتساب النجاسة عن الجيفة كما ان غسل الثياب و غسل كل ما اصابه ماء الاناء واعادة الوضوء والصلوة لا منشأ له سوى نجاسة ماء الاناء ولو ابي الاذهان عن قبول ما بينا من الفرق بين الجمل والصب فعلى اولى الاذهان الابيه علاج آخر لذلك المرسل فعل بعض الاصحاب وحمل الجلود على جلود ما ليس له نفس سائلة لاحمل الروايات الدالة

ص: 330

على النجاسة على غير ما يظهر منها لصراحة بعضها فى النجاسة وظهور بعض آخر.

والحاصل ان نجاسة الميتة لوضوحها في الشرع لا ينبغي تطويل البحث فيه .

واما اجزائها فحكمها حكمها سواء كانت متصلة او منفصلة وعلى الثانى سواء كان الانفصال بعد موت الجزء اوكان الموت مستندا الى الانفصال فالموضوع للنجاسة هو الميتة والمناط صدق الميتة ولا اثر للانفصال والاتصال في هذه المرحلة فالاجزاء عین الكل كما ان الكل نفس الاجزاء وبعض الاجزاء بعض للكل والحيوة والموت صفتان للحيوان والحى والميت مصداقان له وكون الحيوة و الموت في الاجزاء بالتبع لا يمنع من اتصافها بصفة الكل .

و ما رواه ابو بصير عن ابي عبد الله (ع) انه قال في اليات الضان تقطع وهي احياء انها ميته معناه ان حكم الميتة جاء على المقطوعة من الاحياء لا بيان كونها ميتة بالقطع فليس من شان الامام اظهار الواضحات كما ان قول مولانا الصادق الا في مرسلة ايوب بن نوح اذا قطع من الرجل قطعة ميتة بيان لترتب اثر الميتة عليه لان كون المقطوع ميتة من البديهيات .

قال المحقق (ره) في الشرايع وكل ما ينجس بالموت فما قطع من جسده نجس حياً كان اوميتاً اى حيا كان المقطوع منه اوميتاً فالمقطوع نجس لانه بعد القطع ميتة.

و قال صاحب المدارك في شرحه هذا الحكم مقطوع به في كلام الاصحاب و احتج عليه فى المنتهى بان المقتضى لنجاسة الجملة الموت وهذا المعنى موجود في الاجزاء فيتعلق بها الحكم وضعفه ظاهر اذ غاية ما يستفاد من الاخبار نجاسة جسد الميت وهو لا يصدق على الاجزاء قطعا (نعم) يمكن القول بنجاسة القطعة المبانة من الميت استصحابا لحكمها حالة الاتصال.

(وفيه) ان اجزاء جسد الميت لا يباين الكل وعنوان النجس هو الميتة وهو متحقق في كل من الاجزاء والجسد فلذا حكم المحقق بانه بعد القطع ميتة فان معنى الميتة ماكان فيه الروح فزهق عنه وهذا المعنى شامل على الكل والاجزاء

ص: 331

ولولم يكن الاجزاء ميتة لا يمكن استصحاب ما ثبت لها و الحكم بنجاسة الاجزاء ضرورة ان الاستصحاب لا يجرى الا مع بقاء الموضوع على ان استصحاب النجاسة یصح اذا كان المقطوع ميتاً قبل القطع وكلام المحقق (ره) اعم من هذا لانه (ره) قال حيا كان او ميتا واحتجاج العلامة فى نهاية الصحة والمتانة لانه استدلال بالعلة على المعلول على ان ما ذهب اليه من تخصيص الموضوع بجسد الميت وعدم صدقه على الاجزاء يستتبع فروعا لا يقول بها احد حتى شخصه (قده) فلو قطعت الميتة من اول الامر قطعا متعددة يكون طاهرة لا تتنجس بالموت على ما ذهب اليه لعدم صدق الجسد عليه على قوله.

بل يلزم كون تقطيع الميتة بعد الموت قطعاً متعددة من المطهرات لعدم صدق الجسد على القطع وعدم جريان الاستصحاب لعدم بقاء الموضوع.

قال وحيد عصره مولانا البهبهانى فى حاشيته على المدارك قوله ما يستفاد من الاخبار لوتم ما ذكره يلزم طهارة الميت الثابت نجاسته بمجرد تفريقه وتقطيعه بل و بصيرورته نصفين بل وبانفصال جزء منه بحيث لا يصدق على الباقى جسد الميت بل و مطلقا ايضا لان المتبادر من جسد الميت على الاطلاق هو التام الكامل فيلزم مما ذكره كون التقطيع من جملة المطهرات مع ان ميتة ماكول اللحم اذا صارت طاهرة بمجرد التقطيع يمكن الحكم بحلية الاكل ايضا لان الاصل في الاشياء الاباحة والمانع كان نجاسة الميتة وقد ارتفع (فت_).

و هذا الكلام لهذا المحقق يرشدك الى ما بينا من استتباع ما ذهب اليه فروعا لم يقل بها احد حتى شخصه (قده) و قول هذا المحقق يمكن الحكم بحلية الاكل ايضا ليس على ما ينبغى لان موضوع الميتة محرم مما يؤكل لحمه ولوفرض انفكاكها من النجاسة بان الميتة و النجس موضوعان لحرمة الاكل تصادقا على شيء واحدا وتفارقا .

ثم قال ( قده ) و من ذلك يظهر قوة القول بطهارة ما ينفصل من البدن من الاجزاء الصغيرة حول الثبور والثالول لاصالة الطهارة السالمة من المعارض و يشهد

ص: 332

له صحيحة على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر (ع) قال سئلته عن الرجل يكون به الثالول والجراح هل يصلح له ان يقطع الثالول وهو في صلوته او ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه قال ان لم يتخوف ان يسيل الدم فلا باس وان تخوف الدم فلا يفعل وترك الاستفصال بعد السؤال يفيد العموم (انتهى) .

و دلالة هذه الصحيحة على طهارة ما ينفصل من البدن واضحة لا ريب فيها وفيها تاييد لما بينا من عدم نجاسة الميت الادمى فطهارة الاجزاء المنفصل من بدن الادمى لاجل عدم نجاسة الكل ولا تدل على الفرق بين الكل و بين الاجزاء كما انه لا تدل عدم نجاسة الميتة من غير الادمى لاختلاف الحكم بين الادمى وغيره .

قوله ( قده ) ومن ذلك يظهر قوة القول (الخ) (فيه) ان طهارة الاجزاء المنفصلة من الحى الا دمی ليس لعدم صدق جسد الميت على الاجزاء لان موضوع النجاسة ليس جسد الميت من حيث انه جسد الميت بل موضوعها هو الميتة وهى تصدق على الاجزاء من دون فرق بين انفصالها من الحى او الميت ولا احتياج الى الاستصحاب.

و مقتضى كون الموضوع هو الميتة عدم نجاسة الاجزاء التي لا تحله الحيوة لعدم صدق الميتة على تلك الاجزاء والاصل في الاشياء الطهارة فالاصل كاف في الحكم على الطهارة لان الحكم بالنجاسة يحتاج الى دليل مفقود في المقام.

ووردت روايات دالة على طهارة تلك الاجزاء كصحيحة الحلبي عن ابيعبد الله (ع) قال لاباس بالصلوة فيما كان من صوف الميتة ان الصوف ليس فيه روح وهذه الصحيحة مشتملة على التنصيص بعلة الحكم و هذا التعليل معناه عدم العلة للنحاسة وكون الطهارة مقتضى الاصل لا ان عدم الروح علة والطهارة معلول لما عرفت مراراً ان الطهارة من الخبث عبارة عن عدم الخبث والعدم لا يعلل كما ان عدم الروح لا يمكن ان يكون علة لاستحالة علية العدم فمفاد الصحيحة ان النجاسة معلولة عن الموت وموضوعها الميتة فما ليس له روح لا يتحقق فيه الموت الذي هو العلة ولا الميتة التي هي الموضوع.

ص: 333

ولذا قال الامام ابو عبدالله (ع) في رواية صحيحة لزرارة ومحمد بن مسلم على ما روى حريز الملبن واللبا والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكل شيء ينفصل من الشاة والدابة فهو ذكى وان اخذته منه بعد ان يموت فاغسل وصل فيه وقد مر عليك فيما سبق ما روى ابن بابويه رحمه الله عن ابي عبد الله (ع) قال قال الصادق (ع) عشرة اشياء من الميتة ذكية القرن والحافر والعظم والسن والانفحة واللبن والشعر والصوف والريش والبيض.

و روى زرارة في الصحيح عن ابي عبد الله (ع) قال سئلت عن الانفحة يخرج من الجدى الميت قال لا باس به قلت اللبن يكون في صرع الشاة و قد ماتت قال لاباس به قلت فالصوف والشعر وعظام الفيل والبيضة يخرج من الدجاجة فقال كل هذا لا باس به.

وروى حسين بن زرارة فى الموثق قال كنت عند ابي عبدالله (ع) وابي يسأله عن اللبن من الميتة والبيضة من الميتة وانفحة الميتة قال كل هذا ذكى وقال وزاد فيه على بن عقبة و على الحسن بن رباط قال و الشعر والصوف كله ذكي قال الكلينى رضوان الله عليه وفي رواية صفوان عن الحسين بن زرارة عن ابيعبد الله (ع) قال الشعر والصوف والريش وكل نابت لا يكون مينا قال وسئلته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة قال تاكلها .

و يظهر من قوله (ع) كل نابت ان المناط للنجاسة هو كون الشيء ميتا وهذه الرواية كالتفسير لصحيحة الحلبى المذكورة فترى ان الامام (ع) قد اكتفى لبيان الطهارة بعدم كون الشيء ميتاً و ليس الا لاجل ان الطهارة ليست بمعللة عن شيء بل المعلل هو النجاسة ومن العلل الموت وكون الشيء ميتاً وحيث لم يتحقق الموت لم يتحقق النجاسة فيكفى فى بيان الطهارة بيان عدم كون الشيء ميتاً والروايات في هذا المعنى كثيرة حد التظافر بالنسبة الى المجموع.

الا ان في المقام خلافا بين الاصحاب بالنسبة الى بعض الاشياء المذكورة كالبيض و اللبن اما البيض فمقتضى اطلاق الروايات طهارة البيض المستخرج من

ص: 334

المينة مطلقا ولكن قيدت الطهارة فى كلمات الاصحاب بما اذا كان قد اكتسبى القشر الاعلى لرواية رواها غياث بن ابراهيم عن ابي عبدالله (ع) في بيضة خرجت من الست دجاجة ميتة فقال (ع) ان كانت قد اكتسبت الجلد الغليظ فلا باس بها وضعفها غير خفى على احد ومع الضعف لا ينبغى تقييد الاخبار الصحيحة بها لكن المقيد راى ضعفها مجبورة بعمل الاصحاب.

ويقتضى اطلاق الروايات الحاكمة بطهارة البيض التسوية بين ما كان من ماكول اللحم وغيره وخص العلامة ( قده ( على ما حكى عنه في النهاية والمنتهى بما كان من ماكول اللحم وحكم بنجاسة غيره ولم يبين دليل الفرق ولعله (قده) ناظر الى ان الروايات الدالة على الطهارة لها ظهور في بيض ماكول اللحم .

و لكنك خبير بان التعليل الواقع في صحيحة الحلبى يعم كل ما ليس ل_ه روح مع ان الطهارة موافق للاصل لاحوج لها الى دليل يدل عليها .

واما اللبن فقد عرفت من الروايات طهارتها لكن وقع الاختلاف فيها فذهب ابن ادريس والمحقق والعلامة رضوان الله عليهم الى نجاسته على ما حكى عنهم صاحب المدارك لملاقاته الميتة ولرواية وهب بن وهب عن ابي عبد الله (ع) ان عليا (ع) سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن فقال على(ع) ذلك الحرام محضا.

قال صاحب المدارك رضوان الله عليه بعد ذكر الدليلين والدليل الاول لا يخلوا عن مصادرة والرواية ضعيف السند جداً فان وهب الراوى قال النجاشي (ره) انه كان كذابا وله احاديث مع الرشيد عليه اللعنة والعذاب في الكذب فلا تعويل عليها انتهى قوله (قده).

والدليل الاول لا يخلوا عن مصادرة لان الكلام فى طهارة لبن المينة ونجاستها فجعل الملاقات للمنجس اعنى الميتة دليلا على نجاسته مصادرة صرفة لان مدعى الطهارة يدعى طهارته مع ملاقات الميتة ويستدل عليها بالروايات سيما الصحيحتين ولا ينكر في العقول الحكم بطهارة اللبن و نجاسة الميتة وكون الملاقات للمنجس مع الرطوبة منجسا للملاقى لا ينافي تخصيص اللبن و اخراجه عن هذا الحكم فلم

ص: 335

لا يجوز ان يرد في الشريعة قاعدة لتنجيس الملاقات مع الرطوبة و تخصيص لتلك القاعدة ضرورة ان النجاسة وموضوعاتها و اسبابها امور شرعية لا يحكم بها الا بعد الورود في الشرع .

فاللازم على الفقيه اثبات ورود ما يدعى من احد هذه الامور ورواية وهب بن وهب لاير كن اليها في اثبات نجاسة اللبن من المينة مع ورود الروايات الصحيحة والموثقة على طهارته وكونها على طبق الاصل فان هذه الروايات مخصصة لما ورد من تنجيس النجس مع الملاقات بالرطوبة فبعد ما صرح الامام (ع) بعدم الباس فى جواب سؤال السائل اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت و يكون المنفصل الشاة ذكيا من يعد اشياء متعددة منها اللبن بقوله كل شيء ينفصل من الشاة والدابة فهو ذكى لم يبق لمن له ادنی تدبر ريب في عدم جریان قاعدة التنجيس بالملاقات رطبا فى اللبن الملاقي .

و رواية وهب بن وهب لا تقاوم الاخبار الصحيحة والموثقة الحاكمة لعدم الباس مع الاغماض عن قول النجاشي (ره) انه كان كذابا وحديثه مع الرشيد لعنه الله وان لم يكن دليلا على كونه كذاباً ولكن كونه عاميه يكفي في ضعفه وضعف روايته سيما مع توحده فى الرواية ومعارضتها مع الريات الصحيحة والموثقة و اما قول الرشيد في حقه اشهد ان قفاه قفا كذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا حدثه ان الرسول صل الله قال لا سبق الا فى خف او حافر او ريش لا يدل على كذبه لان الحديث بهذا المضمون وارد في كتب الامامية واحاديثهم .

روى محمد بن على بن الحسين رضوان الله عليهم عن ابي عبد الله (ع) قال قال الصادق (ع) ان الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والخف والريش والنصل .

و روی محمد بن الحسن شيخ الطائفة باسناده عن احمد بن حمد بن عيسى عن محمد بن موسى عن احمد بن الحسن عن ابيه عن على بن عقبة عن موسى بن النميرى عن العلاء بن سيابة عن ابي عبد الله (ع) قال سمعته يقول لاباس بشهادة الذي يلعب

ص: 336

بالحمام ولا باس بشهادة المراهن عليه فإن رسول الله (ص) الله قد اجزى الخيل و سابق وكان يقول ان الملئكة تحضر الرهان فى الخف و الحافر والريش و ما سوى ذلك فهو قمار حرام .

و اشار الى هذا الوحيد (قده) فى تعليقاته على المدارك حيث قال بعد حكاية وهب مع الرشيد لكن لا يخفى ان الحديث بهذا المضمون ورد في كتبنا المعتبرة على وجه يظهر ان الحاق المذكور ليس كذباً بل في الحقيقة صحيح لكن لما لم يكن ذلك في احاديث العامة لنسبوه الى الكذب واشتهر به مع انه قال بعض الماهرين ان الحديث والحكاية كان من غياث بن ابراهيم وقيل كان عن حفص بن غياث ولم يظهر بعد انه كان عن وهب و قد حقق فى الرجال ان الحديث الضعيف يصير حجة بانجباره من جوابر والجابر هنا قول ابن ادريس رحمه الله في السرائر هذا اللبن نجس بغير خلاف عند المحققين لانه مايع في ميتة انتهى النقل.

و انجبار الضعيف بعمل بعض الاصحاب لا يوجب مقاومته مع الاحاديث الصحيحة والموثقة مع كثرتها وقوله لانه مايع فى ميتة اشارة الى تنجيس النجس الملاقي مع الرطوبة وهو صحيح ما لم يدل دليل على خلافه واما بعد دلالة الاخبار الصحيحة لا مورد لهذا التعليل لعدم استحالة كون ملاقات النجس منجسا الا في موارد مخصوصة.

و وقع الخلاف في معنى الانفحة فقيل ان كرش السخلة قبل الاكل يسمى بالانفحة كما انها بعد الاكل يقال لها الكرش وقيل انها شيء اصفر يستخرج من بطن الجدى .

و يظهر من رواية ابى حمزة الثمالى ان الانفحة هى طرف اللبا وليس لها عروق ولادم فلا يكون لها روح تصدق عليها الميتة بذهاب الروح فروى ابوحمزة رواية طويلة الى ان قال قال قتادة فاخبرني عن الجبن فتبسم ابو جعفر (ع) ثم قال رجعت مسائلك الى هذا قال ضلت على فقال لا باس به فقال انه ربما جعلت فيه انفحة الميت قال ليس لها باس ان الانفحة ليس لها عرق ولا فيها دم ولا لها عظم

ص: 337

انها تخرج من بين فرن ودم ثم قال وان الانفحة بمنزلة دجاجة ميتة خرجت منها بيضة فهل تاكل تلك البيضة فقال قتاده لا ولا آمر باكلها فقال له ابو جعفر (ع) ولم فقال لانها من الميتة قال (ع) فان حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة اتاكلها قال نعم قال فما حرم عليك البيضة وحلل لك الدجاجة ثم قال (ع) فكذلك الانفحة مثل البيضة فاشتر الجبن من اسواق المسلمين من ايدى المضلين ولا تسئل عنه الا ان ياتيك من يخبرك عنه.

قول السائل انه ربما جعلت فيه انفحة الميت معناه ان اللباء التي تستعمل في صنع الجبن قد تستعمل مع ظرفه وهى ظرفه وهى ميتة فاجاب الامام ان الانفحة لا تكون ميتة لانها ليس لها عرق ولا فيها دم ولا لها عظم و اذا لم يكن فيها احد من هذه الاشياء لم تكن مما لها الروح كي تصر ميتة بذها به وقوله الا يخرج من بين فرث ودم اشارة الى ان تخلقها وتكونها من اللبن التفاتا الى قوله عز من قائل نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين .

والمنقول عن ابن عباس ان العلف المستقر في جوف الحيوان يصير اعلاه دما و اسفله ثغلا و ما بينهما لبنا فجرى الدم الى العروق و اللبن الى الضرع و يبقى الثقل كما هو.

و في مجمع البيان روى الكليني عن ابن عباس قال اذا استقر العلف في الكرش صار اسفله فرثا و اعلاه دماً و وسطه لبناً فجرى الدم في العروق و اللبن في الضرع و يبقى الفرن كما هو وحكى عن القاموس بانها شيء يستخرج من بطن الجدى الرضيع اصفر يعصر فى صوفة مبتلة فيغلظ كالجبن و اذا اكل الجدى فهى كرش وتفسير الجوهرى الانفحة بالكرش سهو وعن الفيوحى انه حكى عن بعض بانه لا يكون الانفحة الا لكل ذى كرش وهو شيء يستخرج من بطنه اصفر يعصر في خرقة مبتلة فيغلظ كالجبن ولا يسمى انفحة الا وهو رضيع و اذارعی قبل استكرس ای صارت انفحته کرشا .

و الظاهر ان جميع هذا الاختلافات يرجع الى امر واحد فلا منافات بين

ص: 338

التفسير بالشيء الاصفر المستخرج من بطن الجدى و بين التفسير بما قبل الرعى والاكل وصيرورتها كرشا بالرعى والأكل بالشيء الاصفر هو الذي يصير كرشا بالرعى وقال في مجمع البحرين والانفحة بكسر الهمزة وفتح الفاء مخففة و هی كرشى الحمل والجدى ما لم ياكل واذا اكل فهو كرش حكاه الجوهرى عن ابي زيد فنسبه السهو الى الجوهري في غير محله.

ثم قال وفى المغرب انفحة الجدى بكسر الهمزة وفتح الفاء وتخفيف الحاء و تشديدها وقد يقال منفحة ايضا و هو شيء يخرج من بطن الجدى اصفر يعصر في صوفه مبتلية فى اللبن فيغلظ كالجبن ولا يكون الا بكل ذى كرش ويقال هي كرشة الا انه وضعا سمی ذلك الشيء انفحة واذا فطم ورعى العشب قبل استكرش .

ويستفاد من بيانات اهل اللغة ان معنى الانفحة هو ما يستقر فيه اللباء التي يستعمل فى صنع الجبن واما طهارتها فاستفيدت من الاخبار مع كونها الاصل في الاشياء واما اكتسابها النجاسة من المماسة بالميتة فليس فى الاخبار ما يشير اليه نفيا و اثباتاً والقاعدة تقتضى التنجيس ولا يقاس باللبن لانه مايع يتعذر تطهيره اويتعسر واما الانفحة فليس من المايعات ويمكن تطهيره بالغسل فذهاب العلامة (قده) وجوب غسل ظاهرها راجع الى ما بينا. وفي حكم الانفحة البيض المستخرج من الدجاجة الميتة فى وجوب غسل الظاهر ومن تردد في التنجس حكم يكون الغسل احوط .

ولا يختص هذا لحكم بانفحة ما يؤكل لحمه لان الاصل و التعليل بعدم كون الدم والعرق والعظم فيها يعمان ما لا يؤكل لحمه فلادليل على نجاستها لانها ليست بميتة من اى حيوان كانت.

واما المسك فلا شك في طهارته لان النبى (ص) كان يتطيب به وروى عبدالله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) في الصحيح قال كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ممسكة اذا توضا اخذها بيده و هى رطبة وكان اذا خرج عرفوا انه رسول الله صلى الله عليه وسلم برائحته والمنقول من التحفة ان المسك اقساما اربعة :

) احدها ) المسك التركى و هو دم يقذفه الظبي بطريق الحيض والبواسير

ص: 339

فيجمد على الاحجار .

(الثاني) الهندى ولونه اخضردم زبح الظبى المعجون مع روثه وكبده ولونه اشقر ومقتضى القواعد نجاسة هذين القسمين لانهما من اقسام الدم النجس.

(الثالث) دم يجتمع فى سرة الظبي بعد صيده يحصل من شق موضع الفارة وتغميز اطراف السرة حتى يجتمع الدم فيجمد ولونه اسود وهو طاهر مع التذكية نجس لامعها .

( الرابع ) مسك الفارة وهو دم يجتمع في اطراف سرته ثم يعرض الموضع كله تسقط بسببها الدم مع جلدة هي وعاء له.

وهذا هو الذي اجمع العلماء على طهارته وهو الذى كان يتطيب به النبي (ص) ويتعاطى المسلمون فطهارته اما لاستحالته وخروجه عن حقيقة الدم (فح) يكون له خروج موضوعى واما لتخصيص النجاسة بغير هذالدم .

فيكون خارجا من حكم الدم ويمكن ان يقال ان المسك ليس من اقسام الدم من اول الامر و ان اشبه به بحسب اللون بل شيء يحدث في سرة الظبي مع فارة المسماة بالنافحة معرب نافه ثم يسقط بعد مرور از منة طويلة وينفك من السرة فليس من جسد الظبي حتى يكون ميتة بموته ولا من دمه المستحيل ولامن دمه الفعلى الخارج من الموضوع اوالحكم فتبين وجه طهارة الفارة ايضا لانها باقية في اصالة الطهارة لعدم ما يخرجها عن الاصل قال العلامة رضوان الله عليه في التذكرة المسك طاهر اجماعاً لان رسول الله (ص) كان يتطيب به وكذا فارته عندنا سواء اخذ من حية اوميتة وللشافعى فيهما وجهان .

والحكم بطهارتهما لا يجامع كونهما جزئين من الحيوان الذين لهما الحيوة مع نجاسة المقطوع من الحيوان فلا ينطبق طهارتهما الاعلى ما بيناه سيما الفارة لعدم استحالته من شيء على قول من الاقوال .

واما ميتة ما لانفس له فظاهرة لعدم ما يدل على نجاستها واصالة الطهارة كافية لاثبات طهارتها ويدل عليها روايات كموثقة عمار الساباطى عن ابی عبدالله (ع) قال

ص: 340

سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما اشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه قال كل ما ليس له دم فلا باس ورواية غيان عن جعفر عن ابيه (ع) قال لا يفسد الماء الا ماكانت له نفس سائلة.

ومثلها مرفوعة محمد بن يحيى عن أبي عبد الله (ع) وصحيحة على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر العالم حيث سئله عن العقرب والخنفساء واشباههما يموت في الجرة اوالدن يتوضاً منه للصلوة قال لاباس.

وموثقة سماعة قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن جرة وجد فيها خنفساء قد مات قال القه وتوضأ منه.

منها دم دم ما له نفس سائلة فالدم بالنسبة الى النجاسة و الطهارة ينقسم على قسمين قسم منهما وهو دم ما له نفس سائلة نجس والاخر طاهر (والاول) مقيد بكونه من غير المتخلف في الذبيحة اى بقيد كونه من عرق ولاخراج المتخلف قيد بعض الاصحاب الدم النجس بكونه مسفوحاً لان المتخلف ليس بمسفوح كما ان دم ما لا نفس له كذلك.

وان شئت قلت الدم على قسمين (الاول) دم ما ليس له نفس (والثاني) دم ما له نفس (والثاني) على قسمين دم مسفوح يخرج من العرق ودم غير مسفوح فالقسم (الاول) ( والثانى ( من القسم (الثاني) طاهر ان (والاول) من القسم (الثاني) نجس وطهارة الطاهر يكفي في الحكم بها الاصل وعدم دليل على النجاسة لما عرفت من انها عبارة عن عدم الخبث والعدم لا يعلل واما نجاسة الدم المسفوح فيدل عليها قوله عز من قائل الا ان يكون ميتة او دماً مسفوحاً اولحم خنزير فانه فانه رجس بناء على ارجاع الضمير الى ما تكون من ميتة او دماً مسفوح او لحم خنزير لان ظاهر التعليل رجوعه الى جميع ما ذكر وقول النبي (ص) يغسل الثوب من المنى والدم ول الله علية والبول و قول مولانا الصادق (ع) فى موثقة عمار كل شيء من الطير يتوضا مما يشرب منه الا ان ترى فى منقاره دماً فان رايت في منقاره دماً فلا تشرب ولا تتوضاً.

و قوله (ع) في جواب سعيد الاعرج اذا سئله عن الجرة تسعمائة رطل من

ص: 341

ماء يقع فيها اوقية من دم اشرب منه واتوضا لا .

و قول مولانا الكاظم (ع) في جواب اخيه على بن جعفر (ع) اذا سئله عن رجل رعف فالتحظ فصار ذلك الدم قطعاً صغارا فاصاب اناه ولم يستين ذلك في الماء هل يصلح له الوضوء منه ان لم يكن شيئاً يستبين فى الماء فلا باس و ان كان شيئاً بينا فلا تتوضا منه واذا سئله عن رجل رعف و هو يتوضأ فتقطر قطرة فى انائه هل يصلح الوضوء منه لا.

والاخبار في هذا المعنى كثيرة فى موارد مختلفة لا يخفى على المتتبع دلالتها على نجاسة الدم.

( ان قلت ) ليس فى الاخبار الدالة على نجاسة الدم تقييد بالمفسوح فانها مطلقة فالواجب تعميم الحكم بغير المسفوح و اخراج ما دل الدليل على طهارته و استثنائه من عموم الحكم .

(قلت) معنى المسفوح هو ما ينصب من العرق وله اقتضاء الانصباب اعنى ما من شانه ان ينصب فهو شامل لجميع افراد الدم سوى دم ما لانفس له ودم المتخلف في الذبيحة ولذا استدل العلامة فى المنتهى والمحكى فى السرائر على ما حكى عنهما على على طهارة دم السمك بانه ليس بمفسوح واستدل المحقق الثاني وكاشف اللثام على المحكى عنهما على طهارة المتخلف في الذبيحة بذلك.

وقال العلامة فى المختلف في مبحث الدم بعد نقل كلمات عن الشيخ وبعض قدس الله اسرارهم وقال السيد المرتضى رحمه الله السمك طاهر وكذلك ما لادم دم له سائل نحو البراغيث والبق وهو المعتمد لنا الاجماع على ذلك وعبارات اصحابنا لا يعول فيها على خلاف ما قلناه فانهم ينصون في كتبهم على ان دم مالانفس له سائلة ومينته طاهران وقوله تعالى احل لكم صيد البحر وطعامه وهو يدل على اباحة تناول كل اجتزائه وقوله تعالى قل لا احد فيما اوحى الى محرما على طاعم يطعمه الى قوله اودماً مسفوحاً وهو يدل على اباحة الجميع غير ما دلت الاية عليه ترك العمل به فى بعض الاشياء للاجماع فيبقى الباقى ولانه لا يجوز اكله بدمه من غير ان

ص: 342

يسفح منه اجماعا ولوكان نجساً لحرم اكله ولان اكل الدم المتخلف في عروق الحيوان الماكول اللحم سائغ و هو طاهر لا يجب غسل اللحم منه اجماعاً لانتفاء المقتضى للتنجيس وهو السفح فيكون فى السمك كذلك لوجود العملة (انتهى).

فترى ان المقتضى لتنجيس الدم عنده هو السفح وعلى انتفائه في السمك رتب الحكم بالطهارة فموضوع النجاسة فى الدماء هو الدم المسفوح اعنى ما له اقتضاء الانصباب فطهارة غير المسفوح منه من باب خروجه من الموضوع و يدل على عدم نجاسة دم السمك مضافاً على الاصل رواية السكونى عن ابی عبدالله (ع) قال ان عليا كان لا يرى باسا بدم ما لم يذك يكون فى الثوب فيصلى فيه الرجل يعني دم السمك وعلى عدم نجاسة دم البراغيث رواية ابي يعفور الصحيحة عن ابي عبدالله (ع) قال لیس به باس قلت انه يكثر وينقاص قال وان كثر وتقدم رواية غياث عن جعفر عن ابيه قال لا باس بدم البراغيث والبق وبول الخشاشيف ونفى الباس عن هذا الدماء لاجل خروجها عن موضوع النجس اعنى الدم المسفوح لاانه تخصيص للمعام فليس في الباب عموم يركن اليه وتعميم الحكم في الدماء كي يخصص ما حكم بطهارته والتتبع النام يرشد المتتبع الى ان كل ما ورد فى نجاسة الدماء ناظر الي دم مخصوص لا عموم له وقوله الا الا ان ترى فى منقاره دماً وان لم يكن ظاهرا في دم مخصوص الا ان التامل التام يذهب بالشك عن المتامل ان ما لانفس له لا يتلطخ بدمه منقار الطير بل ليس من افراد الدم على قول ابن الجنيد حيث قال على ما في المختلف الدماء كلها ينجس الثوب بحلولها فيه واغلظها نجاسة دم الحيض فاما ما يظهر من السمك بعد موته فليس ذلك عندى دما وكذلك دم البراغيث و هو الى ان يكون نجواً لها اولى من ان يكون دماً وكذلك المتخلف في الذبيحة ليس مما يتلطخ به منقار الطير لان المقصود من الطير هوما ياكل الجيفة .

والذبيحة ليست مما ياكله الطير في الاغلب وقوله تعالى شأنه حرمت عليكم الميتة والدم لا يشمل الدماء جميعا فان الظاهر انه الدم المسفوح فان القرآن يفسر بعضه بعضا ولااقل من الاحتمال والامر

ص: 343

في دم الرعاف والدماء الثلثة ودم القروح والجروح ودم حكة الجلد ودم الاسنان في غاية الوضوح.

و الحاصل ان الادلة الدالة على نجاسة الدماء ليس فيها عموم محكم مبرم کاشف عن سريان النجاسة على جميع افراد الدم فلا ينبغى القول بان كل دم نجس الاما خرج بالدليل بل كل فرد من افراد الدم يتوقف الحكم بنجاسته على الدليل المخرج عن اصالة الطهارة و الخارج منها قطعا هو الدم المسفوح و لذا ترى بعض الاصحاب يستدل على طهارة المتخلف في الذبيحة وبعض آخر يستدل على طهارة دم السمك وما لانفس له بكونها غير المسفوح مع ان طهارة غير المسفوح من الدم مطابقة الاصل و القاعدة ولا حوج فى اثباتها الى الدليل كما انه لا فرق في طهارة المتخلف في الذبيحة بين الذبيحة الماكول لحمها وبين غير الماكول اللحم مما يذكى لفقد ما هو المناط في النجاسة اعنى السفح وحرمة اكل اللحم لا ينافي طهارة الدم لان الحرمة اعم من نجاسة الدم وطهارته فلا ملازمة بين حرمة اكل اللحم ونجاسة الدم ومن حكم بنجاسة الدم من غير الماكول من المذكى يرى ان كل دم الا ما اخرجه الدليل وقد عرفت عدم ما يدل على الكلية .

و من هنا يظهر ان الحكم بنجاسة العلقة معللا بعموم نجاسة الدم بعيد عن الصواب لعدم ثبوت الاصل حتى يصح التفريع كما ان الاستناد الى الاجماع كما حكى عن الخلاف لا يذهب بالارتياب لان نجاستها متفرعة على كونها دماً مسفوحاً مما له نفس سائلة فان ثبت كونها منه ثبت نجاستها والا فلا لكن الظاهر كونها منه فالنجاسة ثابتة لها لانا بينا ان اعتبار السفح فى الدم انما هو بالاقتضاء وهى مشتملة باقتضاء السفح قال شيخنا الانصارى اعلى الله مقامه واستدل عليه في محكى الخلاف اولا باجماع الفرقة على نجاسته وثانيا بان ما دل على نجاسة الدم يدل على نجاستها انتهى النقل.

اما الاجماع فقد عرفت مرة بعد اخرى انه لا ملازمة بينه وبين الواقع واما الدليل الثانى فيتم بكونها من الدم المسفوح لعدم نجاسة غير المسفوح فليس في

ص: 344

نجاسة العلقة تاييد لعموم نجاسة الدم لانها دم مسفوح اقتضاء ولو انكر احدكونها دما مسفوحا ينتج انكاره عدم نجاستها لاعموم نجاسة الدم .

والحاصل ان اعتبار السفح فى الآية في كون الدم رجساً يقتضى اختصاص الدم المسفوح بالرجس فكل ما حكم بنجاسته يعلم بكونه من افراد المسفوح كما ان العلم بكونه مسفوحاً يستلزم العلم بكونه نجسا فالعلقة بعد ما ثبت اقتضاء السفح فيه يحكم بنجاسته وكذا العكس لان كون الدم مسفوحا اعتبر في كونه رجساً . ولا فرق بين العلقة التى توجد فى البيضة وبين ما يستحيل اليها النطفة لان علقة الموجودة فى البيض ايضاً مستحيلة من نطفة الحيوان فنجاستها منوطة بوجود اقتضاء السفح فيها .

و من ابي كون العلقتين مشتملتين على السفح ولو اقتضاء ليس له الحكم بنجاستهما لعدم دليل يدل على نجاستهما سوى كونهما دما مسفوحا فتقييد الدم بالمسفوح في الكتاب العزيز والحكم بحرمته من ادل الدلائل على ان ما ليس مسفوحا ليس بحرام وما ليس بحرام ليس بنجس ضرورة استلزام النجاسة الحرمة كما يظهر من تعليله تعالى الحرمة بكونه رجسا وحرمة دم الحيوان الغير المأكول لحمه لاجل كونه جزءاً لذلك الحيوان لا بصدق الدم عليه فلا منافات بين حرمته و طهارته .

والحاصل ان العلقة ان دل دليل انها من الدم المسفوح لاريب في نجاستها والا فلا دليل على نجاستها وكونها من مصاديق الدم لا يدل على نجاستها لعدم ثبوت نجاسة غير المسفوح منه لما بينا من فقد ما يدل على العموم واما ما يتكون من غير الحيوان كالدم المخلوق آية لموسى بن عمران على نبينا و آله و (ص) والمتكون المصيبة سيد شباب اهل الجنان عليه صلوات الله الملك المنان فلادليل على نجاسته على القولين لعدم كونه مسفوحا وعدم كونه من دماء الحيوان .

واما الخارج من الاشجار فهوليس من مصاديق الدم واطلاقه عليه لشباهته به لا لكونه دما حقيقة.

ص: 345

ولواشتبه الطاهر من الدم مع النجس منه فمقتضى كون الطهارة على طبق الاصل و النجاسة على خلافه وجوب الحكم بطهارة المشتبه ضرورة توقف ثبوت النجاسة على قيام دليل على خلاف الاصل وصرف كونه من افراد الدم لا يدل على نجاسته لان الدم اعم من النجس والطاهر كما ان النجس اعم من الدم وغيره .

و قد عرفت اعتبار السفح فى موضوع النجاسة فلا يحكم بنجاسة الدم ما لم يحرز كونه مسفوحاً فالحاكم بطهارة المشتبه من الدم ناظر الى هذا المعنى

قال شيخنا الانصاري ( قده ( ولو اشتبه الفرد المحكوم بطهارته من الدم بالمحكوم بنجاسته كالدم المرئى فى بدن الانسان او ثوبه المردد بين دم البراغيث ودم الجلد فالاقوى الحكم بطهارته وفاقا للمحكى عن النهاية، والذكرى، والدروس والموجز وشرحه، والمدارك ، وكشف الغطاء ، والحدائق بل في الاخير انه لاخلاف في ذلك بين الاصحاب لاصالة الطهارة المتفق عليها في مثل المقام من الشبهة الموضوعية (انتهى) فذهاب هؤلاء الاعلام الى الحكم بطهارة المشتبه ليس الا لاجل ان الدم على نوعين طاهر و نجس والطهارة من الخبث امر عدمى موافق للاصل واما النجاسة فلا يحكم بها الا بعد احراز كونه من الدم المخصوص اعنى المسفوح على ما ذهبنا اليه اوكونه من دم ماله نفس سائلة فحقيقة الدم لا اثر لها في النجاسة ثم قال لكن المصرح به في شرح المفاتيح نسبة وجوب الاجتناب الى الشيخ وغيره بل يظهر منه ميله اليه ولا اعرف له وجهاً عدى الموثقة الاتية و ما يتوهم لهم من اطلاق ادلة نجاسة الدم و وجوب الاقتصار على ما علم خروجه من ذلك فيقال ان عمومات النجاسة كما انها تشتمل كل قسم من الدم الا ما خرج بالدليل كذلك يشمل الدم المشتبه (انتهى).

( وفيه ( ما عرفت من عدم عموم فى الباب فليس فى الاخبار ما يدل على نجاسة عموم الدم و اخراج بعض الدم من ذلك العموم مع ان المسئلة المفروضة لا ربط لها بالشك الناشى عن الالفاظ ودلالتها على العموم و عدم دلالتها عليه لان المسئلة بعد الفراغ عن دلالة الادله وتمييز النجس من الدماء عن الطاهر منها فالشك

ص: 346

نشأ من الامور الخارجية فان بدن الانسان محل لدم البراغيث المتيقن طهارته ودم الجلد المتيقن نجاسته و حيث انه مورد للدم الطاهر و النجس قد يشتبه احدهما على الآخر ولاربط لها الى العموم ولا يمكن شمول العام مع فرض تحققه على هذا المشتبه ضرورة عدم دلالة الدليل الدال على ثبوت الحكم للكلى على ثبوته لما لا يعلم كونه من افراد ذلك الكلى لاستحالة تشخيص الصغرى بما دل على ثبوت الحكم في الكبرى .

والحاصل انه لا يجوز التمسك بالعموم فى الشبهات المصداقية اذا دار امر شيء بين كونه مما خرج وكونه من غير ما خرج وانما يجوز التمسك بعموم العام حيث يكون عنوان المخصص رافعا كما اذا قيل اكرم العلماء الا الفساق وعلمنا ان الفسق مانع والعلم مقتضى للاكرام فلا يمنع احتمال فسق عالم من العلماء عن وجوب اکرامه و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل لان للدم عنوانين احدهما عنوان ما له نفس سائلة والاخر عنوان ما لا نفس له والدليل دل على نجاسة الأول بل المفسوح منه فاذا اشتبه دم امره ولم يعلم كونه من الاول فلا معنى لشمول الدليل الدال على الأول هذا المشتبه.

واما الموثقة فالمراد منها هو موثقة عمار وفيها كل شيء من الطير يتوضأ مما يشرب منه الا ان تراى فى منقاره دماً وقد عرفت عدم دلالتها على العموم فإن المراد من الدم النجس منه و هذا القول في قوة قوله ان كان في منقاره قذر لم يتوضا ولم يشرب وان لم يعلم ان منقاره قذراً فتوضا منه واشرب .

و الحاصل ان فى اخبار الباب ليس ما يدل على العموم و مع فرض وجوده لا يدل على نجاسة المشتبه بين الطاهر والنجس لان نجاسة المسفوح من الدم اودم ذى النفس وطهارة غيره فقد دل الدليل عليهما ووقع الاشتباه بعد الفراغ عنهما و مع فرض وجود العموم لا يشمل المشتبه من المصاديق.

ص: 347

و منها الكلب

( و منها الكلب )

و نجاسته مما اجمع عليه الامامية والاصل فى هذا لحكم الاخبار المستفيضة بل المتواترة .

قال النبي (ص) طهور اناء احدكم اذا ولغ الكلب فيه ان يغسله سبع مرات. وقال مولانا الصادق (ع) اذا سئله محمد بن مسلم عن الكلب يصيب شيئاً من جسد الرجل يغسل المكان الذى اصابه وقال ابوسهل القرشي سئلت ابا عبد الله (ع) عن لحم الكلب فقال هو مسخ قلت اهو حرام قال هو نجس اعيده عليه ثلث مرات كل ذلك يقول هو نجس .

وروى ابن بابويه فى الخصال باسناده عن على (ع) على ما حكى عنه المحدث العاملي قال تنزهوا عن قرب الكلاب فمن اصاب الكلب وهو رطب فليغسله وان كان جافا ينضح ثوبه بالماء.

و قال مولانا الصادق (ع) في رواية الفضل ابى العباس ان اصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله وان اصابه جافا فاصب عليه الماء قال قلت ولم صار بهذه المنزلة قال لان النبى (ص) امر بقتلها وسئل الفضل ابو العباس ابا عبد الله (ع) عن الكلب فقال (ع) رجس نجس لا يتوضا بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب اول مرة ثم بالماء وسئل معوية بن شريح عن ابي عبد الله (ع) عن سؤر الكلب يشرب منه او يتوضا قال لا قال اليس هو سبع قال لا والله انه قال لا والله انه نجس لا والله انه نجس وفى موثقة ابى بصير عن ابي عبد الله (ع) في حديث قال لا يشرب سؤر الكلب الاان يكون حوضا كبيرا يستقى منه .

وروى محمد بن مسلم في الصحيح عن ابي عبد الله (ع) قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن الكلب السلوقي فقال او امسته فاغسل يدك.

وفي مرسلة حريز عن أبي عبدالله (ع) قال اذا ولغ الكلب في الاناء فصبه.

ص: 348

وقال مولانا الصادق (ع) في رواية عبد الله ابي يعفور ان الله لم يخلق خلقا انجس من الكلب والاستقصى فى الاخبار لا يبقى ل_ه ريب في نجاسة هذا الحيوان ولا يرتاب فى عدم اختصاص صنف خاص من هذا النوع لاطلاق اخبار الباب وعدم تقييده بقيد مخصوص فلا فرق بين السلوقي وغيره ولا بين كلب الصيد وبين غيره .

و اما البحرى منه فليس موردا لهذا الحكم لانصراف الاطلاقات الى البرى منه لا لان اطلاق الكلب عليه من باب المجاز فكلب الماء ايضا كلب حقيقة الاان الاطلاق لا ينصرف اليه كما انه لا يعم جميع السباع نظرا الى ان الكلب بحسب الاصل هو كل سبع عقور غلب على هذا النايح ورواية معوية بن شريح صريحة في عدم التعميم و اصرح منها رواية الفضل ابى العباس قال سئلت اباعبدالله عن فضل الهرة والشاة والبقرة والابل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم اترك شيئا الاسئلت عنه فقال لا باس به حتى انتهيت الى الكلب فقال رجس نجس لاتتوضا بفضله فأصبب ذلك الماء واغسله بالتراب اول مرة ثم بالماء .

وصحيحة ابن الحجاج تدل على عدم التعميم بالنسبة الى البحرى مع كونه كلباً حقيقة حيث قال سئل ابا عبد الله (ع) رجل عن جلود الخز فقال ليس بها باس فقال الرجل جعلت فداك انها في بلادى و انما هي كلاب تخرج من الماء فقال ابو عبد الله (ع) اذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء فقال الرجل لا قال لا باس فترى الامام الا نفى الباس عن جلود الخز مع كونها من الكلاب على ما بين الرجل ولم يمنع الامام منه في صورة عدم تعيشها خارجة من الماء وفي حصر عدم الباس في هذه الصورة اشعار بالباس في صورة التعيشر.

فالنجس هو الكلب البرى المحض لا البحترى المحض ولا البحرى الذى لا يعيش في البر اذا خرج .

وظهر من الصحيحة ان كلب الماء ليس بنجس مع كونه كلباً حقيقة وليست طهارته لكون صدق الكلب عليه من باب المجاز.

حقيق واجزاء الكلب مثله فى النجاسة من دون فرق بين ما تحله الحيوة وبين ما

ص: 349

لا تحله لان موضوع النجاسة هو الكلب وعدم حلول الحيوة لا يخرجها عن هذه الحقيقة ولايقاس باجزاء الميتة لان اجزاء الميتة اذا لم تحلها الحيوة لا تكون ميتة بموت الحيوان لعدم كونها من الاحياء واما اجزاء الكلب فلا يستند كونها جزءا المكلب الى حيوته ولا الى موته فالمناط صدق الجزئية للكلب والمناط في الحيوان تحقق الموت وما لا تحله الحيوة لايموت فلا يكون ميتة وما ينسب الى السيد المرتضى رضوان الله عليه من طهارة شعر الكلب والخنزير بل وساير ما لا تحله الحيوة منهما لا يليق بادنى تلميذ من تلامذته لما عرفت من كون نجاسة الاجزاء مستندا الى صدق جزء الكلب او الخنزير عليها.

و اظن ان الداعى له الى ما نسب اليه حكاية جده الناصر الاجماع عليه لانه (قده) قد سبقه في دعوى الاجماع على ما يحكى عنه.

واما الحيوان المتولد من الحيوانين فان كان والداه نجسين كالحيوان المتولد من الكلب والخنزير فهو نجس قطعا وان كان والداه طاهرين كالحيوان المتولد من الذئب والنمر فهو طاهر يقيناً لان (الاول) برزخ بين الكلب والخنزير مركب منهما وكلاهما نجسان والمركب من النجسين البرزخ بينهما لا اشكال في نجاسته (والثاني) مركب من الذئب والنمر برزخ بينهما ولا دليل على نجاسته والمتولد من النجس والطاهر كالمتولد من الكلب والذئب نجس لان المركب من النجس والطاهر نجس ضرورة ان نجاسة احد الابوين يسرى في الولد سواء كان النجس ابا او اما و ليس طهارة احد الابوين من المطهرات وكون المتولد برزخا بين الطاهر و النجس لا طاهراً صرفا ولا نجسا محضا لا يخرجه من النجاسة لانه لا يخرجه من الحقيقتين و معنى البرزخية اشتماله على كلتا الحقيقتين اللتين احدهما نجس و ما قيل من انه حقيقة ثالثة ليس معناه انه ليس فيه من الحقيقتين شيء بل معناه تركبه منهما وعدم تمحضه في احدهما .

ولا يعتنى في هذه الصور الى هيئة المتولد وشكله وصدق اسم حيوان نجس اوطاهر عليه بعد العلم بحاله ومعرفة ابويه لان وحدة الولد مع ابويه في الحقيقة

ص: 350

في صورة وحدة حقيقتهما وبرزخيته بينهما فى صورة الاختلاف مقتضى العادات فلا يتولد بحسب العادة حيوان من حيوان مختلف معه فى ذاته وحقيقته كما ان العادة قاضية ببرزخية المتولد من الحيوانين المختلفين بمعنى الذي ذكرناه اى كونه مركبا منهما مشتملا عليهما فما قيل من تبعية الولد للطاهر من الابوين وطهارة المتولد من الكلب والخنزير اذا كان هرة مثلا ما لا يعبوء لان المتولد من الطاهر والنجس لا يكون طاهرا لكونه برزخا والمتولد من الكلب والخنزير لا يمكن ان يكون هرة بحسب العادة.

و مع الاشتباه و احتمال تولده من الطاهرين او النجسين او المختلفين فان كشف الامارات عنوانا خاصا له وعرفنا من هيئته او صفته انه حيوان مخصوص فیجری عليه حكمه و مع بقاء الاشتباه يتمسك باصالة الطهارة و يحكم بطهارته لقوله كل شيء لك طاهر حتى تعلم انه قذر ونجرى الاستصحاب بمعنى الاخذ بالمقتضى وعدم الاعتناء بالمانع المعبر عنه بالقاعدة الشريفة لان الاستصحاب بهذا المعنى لا يتوقف على الحالة السابقة كما عرفت مراراً ضرورة ان القذارة امر طار على الشيء فالشيء طاهر ما لم يطرء القذارة عليه فلا حكم للواقع و الحال هذه لو فرض كونه نجسا بحسب الواقع.

وكون المتولد من الحيوانين مركبا منهما يكفى في حرمة لحم المتولد من النجس و الطاهر بل المتولد من الطاهرين اذا كان احد الابوين مما لا يؤكل لحمه لان المركب من الحرام والحلال حرام.

والحاصل ان مقتضى التوالد اتحاد نوع المتولد والوالدين مع وحدة نوعهما و برزخيته بينهما مع اختلاف نوعهما و ما اشتهر من كون الحكم تابعاً للاسم انما هو فيما لم يعرف نوع الوالدين واما مع العلم بان حيواناً تولد من الحيوانين فلا يتبع الاسم لان الاسم بمجرده ليس له حكم بل الاحكام تدور مدار الاسماء مع كشفها عن حقايق المسميات و عند العلم بحقيقة الوالدين لا اثر للاسم لان وحدة المتولد بحسب النوع مع وحدة ما تولد منهما و برزخيته بمعنى اشتماله للنوعين مع اختلاف

ص: 351

الحقيقتين مقتضى العادات فمع العلم بنجاسته الوالدين لا يبقى ريب في نجاسة الولد وعدم تاثير الاسم وكذا مع العلم بنجاسة احدهما لانه مركب من النجس والطاهر و المركب منهما نجس لاشتماله على النجس وكذالكلام في المتولد من الحيوانين بالنسبة الى الحل والحرمة فالمتولد من الحرامين حرام وان اختلف اسمه مع اسمهما والمتولد من الحرام والحلال حرام لاشتماله على الحرام كما ان المتولد من الطاهرين طاهر لعدم اختلاف نوعه مع نوع والديه عادة والمتولد من الحلالين حلال لاقتضاء التناسل وحدة المتولد مع الوالدين مع اتحادهما في الحقيقة وبرزخيته في صورة الاختلاف اما مع وحدة حقيقة الوالدين فظاهر و اما مع اختلافهما مع كونهما حلالين لعدم دليل على الحرمة واصالة الحل و البرزخية بين الحلالين لا يوجب حرمته فالمركب من الحلالين لا دليل على حرمته فلا مخرج من اصالة الحل

ومنها الخنزير

) ومنها الخنزير)

ونجاسة هذا الحيوان اوضح من نجاسة الكلب ولذا حكم بنجاسته بعض من حكم بطهارة الكلب والاصل فى هذا الحكم هو الكتاب العزيز قال عز من قائل الا ان تكون ميتة اودما او لحم خنزیر فانه رجس و في مقابلته بالميتة بذكرهما معا دلالة على ان نجاسته ليست لعدم وقوع التذكية عليه بل موضوع النجاسة هو عنوان الخنزير.

وروى على بن جعفر عن اخيه اللي قال سئلته عن خنزير يشرب من اناء كيف يصنع به قال يغسل سبع مرات .

وقال سليمان الاسكاف سئلت ابا عبد الله (ع) عن شعر الخنزير يحرز به قال لا باس به ولكن يغسل يده اذا اراد ان يصلى وقال خيران الخادم كتبت الى الرجل (ع) اسئله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير ايصلى فيه ام لا فان اصحابنا قد اختلفوا فيه فقال بعضهم صل فيه فان الله تبارك و تعالى انما حرم شربها و قال

ص: 352

بعضهم لا تصل فيه فكتب (ع) لا تصل فيه فانه رجس وفي حديث على بن رئاب عن ابي عبد الله (ع) في الشطرنج قال المقلب لها كالمقلب لحم الخنزير قال قلت ما على من قلب لحم الخنزير قال يغسل يده.

و في صحيحة على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر (ع) قال سئلته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فيذكر وهو فى صلوته كيف يصنع به قال ان كان دخل في صلوته فليمض وان لم تكن دخل في صلوته فلينضح ما اصاب من ثوبه الاان يكون فيه اثر فيغسله .

ولا يخفى على الناظر في هذه الروايات دلالتها على نجاسة الخنزير بل ثبوت هذا الحكم في الشرع الأنور من الضروريات عند الامامية واكثر العامة موافقون مع الامامية وتعليل النهي عن الصلوة بكونه رجساً يرشدنا ان الى ان معنى الرجس هو النجس والاظهر اختصاص حكم النجاسة بخنزير البر لا الاعم منه و من خنزير البحر لانصراف الاطلاقات الى البرى وعدم انفهام البحرى منها و في تعليل طهارة الكلب البحرى بعدم تعيشه خارج الماء اشارة الى طهارة الخنزير البحرى مع عدم الدلالة على نجاسته كاف في الحكم على طهارته لانها موافقة للاصل وحكم المتولد منه ومن غيره فقد ظهر فيما سبق فالمتولد منه ومن طاهر نجس لانه مركب من الطاهر والنجس وكذا حكم الحل والحرمة فالمتولد منه و من حيوان محلل نجس حرام کتركبه منه ومن محرم فاشتماله بالخنزير كاف للنجاسة والحرمة و هذا البيان يغنينا عن التمسك بفحوى النص الدال على تحريم الجدى المرتضع من لبن خنزير حتى كبر وشب واشتد عظمه وتحريم نسله من الغنم التي استفحله فيها.

روی حنان بن سدير قال سئل أبو عبد الله (ع) و انا حاضر عنده عن جدى يرضع من خنزيرة حتى كبر و شب و اشتد عظمه ثم ان رجلا استفحله في غنمه فاخرج له نسل فقال (ع) اما ما عرفت من نسله بعينه فلا تقربنه واما ما لم تعرفه فكله فهو بمنزلة الجبن ولا تسئل عنه وهذه الموثقة تدل على حرمة نسل الرضيع من لبن الخنزيرة مع اشتداد عظمه منه ومثلها في الدلالة موثقة بشر بن مسلمة عن

ص: 353

ابی الحسن (ع) فى جدى يرضع من خنزيرة ثم ضرب في الغنم قال هو بمنزلة الجبن فما عرفت بانه ضربه فلا تاكله وما لم تعرفه فكله وكذا مرفوعة ابي حمزة قال قال لا تاكل من لحم حمل يرضع من خنزيرة.

والحاصل ان هذه الروايات تدل على حرمة لحم نسل الراضع من الخنزيرة مع اشتداد عظمه منه الا اننا فى غنى من التمسك بفحوى هذه النصوص لاثبات حرمة لحم المتولد من الخنزير و من غيره لكفاية تولده منه لاثبات الحرمة بل التامل التام يمنعنا من التمسك بها لاثبات ذلك الحكم لانه قياس يتبرء الامامية منه.

وقد يستدل للحرمة باصالة حرمة اللحم عند الشك ومقصود المستدل ان الاصل عدم وقوع التذكية على الحيوان المشكوك في صحة تذكيته (وفيه) ان هذا الاصل لا اصل له لان الاصل وقوع التذكية على كل حيوان عد اما استثنى فان التذكية توثر فى طهارة المذكي وحليته بالنسبة الى بعض الحيوان اعنى ما يوكل لحمه و فى طهارته بالنسبة الى بعض آخر اعنى ما لا يؤكل لحمه سوى الكلب والخنزير ولا يؤثر اثر الطهارة والحل فيهما فالقول بان الاصل عدم وقوع التذكية على الحيوان المشكوك في صحة تذكيته في قوة القول بان الاصل في الحيوان الحرمة مع ان اصل الحل ثابت بالاية والرواية .

و قد يقرر هذا الاصل بان الحرمة الثابتة لحيوان قبل الموت ينقلب بالحل الكلمات تضييع بعد الموت بالتذكية والاصل عدم وقوعها والاستماع لهذا النحو من الموقت لان الكلام فى الحرمة الذاتية التى لا يؤثر التذكية فى حليته .

وقد يستند بكون المحلللات محصورة والمحرمات غير محصورة وهذا استناد بالغبة لرفع اليد عن اصالة الحل والكتاب العزيز على خلافه فقوله عز من قائل قل لا اجد فيما اوحى الى محرما صريح في حلية الماكولات قبل ثبوت الحرمة وقد يؤيد اصالة الحرمة ببناء الروات وغيرهم السؤال عن المحللات غفلة عن لزوم اجراء الاصل تقديم الفحص وعدم جواز الاجراء قبل الفحص.

وساير الحيوانات طاهرة والنجس منحصر فى الكلب والخنزير .

ص: 354

وقد يقال بنجاسة غيرهما من الثعلب والارنب والفارة والوزغة والغطاية .

قال في المدارك اختلف الاصحاب فى حكم الثعلب والفارة والوزغة فقال السيد المرتضى رضوان الله عليه لا باس باسعار جميع حشرات الارض و سباع ذات الاربع الا ان يكون كلباً او خنزيرا وهذا يدل على طهارة ماعدا هذين فيدخل فيه الثعلب والارنب والفارة والوزغة وقال الشيخ فى المبسوط وبالطهارة قال ابن ادريس وعامة المتاخرين و قال الشيخ (قده) فى النهاية واذا اصاب ثوب الانسان كلب او خنزير او ثعلب او ارنب او فارة او وزغة وكان رطبا وجب غسل الموضع الذى مع الرطوبة .

وقال المفيد (ره) في المقنعة وكذلك الحكم فى الفارة والوزغة يرس الموضع الذى مساه من الثوب وان لم يؤثر فيه وان رطباه واثرا فيه غسل بالماء ونقل عن ابی الصلاح (ره) انه افتى بنجاسة الثعلب والارنب و المعتمد الطهارة في الجميع لنا التمسك بمقتضى الاصل فيما لم يقم دليل على خلافه.

وما رواه الشيخ ( قده ) فى الصحيح عن الفضل بن ابی العباس قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن فضل الهرة و الشاة والبقرة والابل والحمار والخيل و البغال و الوحش السباع فلم اترك شيئا الاسئلته عنه فقال لاباس حتى انتهيت الى الكلب فقال رجس نجس لا يتوضا بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب اول مرة ثم بالماء و في الصحيح عن على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر (ع) قال وسئلته عن الغطاية والحية والوزغ تقع فى الماء فلا يموت فيه التوضأ منه للصلوة فقال لاباس به وسئلته عن فارة وقعت في حب دهن فاخرجت قبل ان يموت ايبيعه من مسلم قال نعم ويتدهن منه انتهى .

اما التمسك بمقتضى الاصل فليس على ما ينبغى لان جواز التمسك به منحصر في ما لا يدل على الحكم ولو على طبق الاصل وفي المقام ورد الاخبار على خلافه و وفاقه.

و اما صحيحة الفضل فليس فيها ذكر من الثعلب والارنب والفارة و الوزغة ولا يطمئن النفس بقوله فلم اترك شيئاً بسؤاله عما ذكر لان من الوحوش الخنزير

ص: 355

وليس فى سؤاله لقوله (ع) لاباس فيمكن عدم سؤاله عما ذكر ايضا و اما صحيحة على بن جعفر فسؤاله منحصر فى الغطاية والحية والوزغ والفارة وليس من الثعلب والارنب ذكر فيها وذكر السباع لا يوجب الاطمينان بذكرهما لكثرة السباع والظاهر ان السؤال كان من افراد السباع لا من العنوان فالانسب الاستدلال بحسنة محمد بن مسلم عن ابی عبدالله (ع) قال سئلته عن الكلب يشرب من الاناء قال اغسل الاناء وعن السنور قال لاباس ان تتوضأ من فضلها انما هي من السباع .

وروى ابو الصباح عن ابي عبدالله (ع) انه يقول قال كان على (ع) يقول لاتدع فضل السنور ان تتوضا منه انما هي سبع.

وروى زرارة عن أبي عبد الله(ع) ان قال ان الهرسبع ولاباس بسئوره الخبر فالتعليل للطهارة بكونها من السباع يكشف ان عنوان السبع طاهرا لا ما خرج بالدليل والثعلب والارنب من السباع فيجب ان يكونا طاهرين.

ثم قال صاحب المدارك (قده) احتج العلامة رحمه الله في المختلف للقائلين بالنجاسة فى الفارة لصحيحة على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر(ع) قال سئلته عن الفارة قد وقعت في الماء تمشى على الثياب ايصلى فيها قال اغسل ما رايت من اثرها و ما لم تره فانضحه بالماء وفى الثعلب والارنب بمرسلة يونس بن عبد الرحمن عن بعض اصحابه عن ابی عبد الله (ع) قال سئلته هل يجوز ان يمس الثعلب والارنب او شيئا من السباع حيا وميتا قال لا يضره ولاكن يغسل يده وفى الوزغة بورود الامر بنزح ثلث في وقوعها في البئر فلولا نجاستها لما وجب لها النزح (انتهى)

واما الرواية الأولى فيحمل على الاستحباب لمعارضتها مع صحيحة على بن جعفر الماضية الدالة على عدم نجاستها ولو دلت على الوجوب المستلزم للنجاسة توجب طرح الصحيحة.

والرواية (الثانية) اولى بالحمل على الاستحباب لاشتمالها على السباع المعللة طهارة السنور بكونه منها.

واما الامر بالنزح فلا دلالة له على النجاسة لانه اعم من النجاسة والاستحباب

ص: 356

للتنظيف وسيجيى فى باب النزح عدم دلالة شيء من الأوامر على نجاسة ماء البئر.

و في احتجاج العلامة قدس سره ما لم يذكرها صاحب المدارك قال بعد الاستدلال بمرسلة يونس وما رواه عمار الساباطى عن الصادق في حديث طويل وسئل عن الكلب والفارة اذا اكلا من الخبز وشبهه قال يطرح منه و يؤكل الباقي و عن العطاية تقع فى اللبن قال يحرم اللبن وقال ان فيها السم.

و الجواب ان الامر بالطرح بالنسبة الى الكلب لحرمته لنجاسته و بالنسبة الى الفارة لكراهته والحكم بحرمة ما تقع فيه الغطاية لاشتمالها على السم .

منها المسكرات

( منها المسكرات)

المايعة بالاصالة وان انجمدت لذهاب مائه والمسكر قد يتخذ من العنب وقد يتخذ من التمر وقد يتخذ من اشياء اخر كالزبيب والعسل والشعير وكلها خمر و يختص كل واحد منها باسم مخصوص ويؤخذ من الذرة ايضا.

ففي صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن ابي عبد الله (ع) قال قال رسول الله (ص) الخمر من خمسة العصير من الكرم والنقيع من الزبيب و البتع من العسل والمرز من الشعير والنبيذ من التمر وفى مرسل الحسن الحضرمي عن من اخبره عن على بن الحسين (ع) الخمر من خمسة اشياء من النمر و الزبيب و الحنطة والشعير والعسل.

وفي رواية على بن اسحاق الهاشمى عن ابي عبد الله (ع) قال قال رسول الله (ص) الخمر من خمسة العصير من الكرم والنقيع من الزبيب والبتع من العسل والمرز من الشعير والنبيذ من التمر.

و روى الحسن بن محمد الطوسى باسناده عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله (ص) يقول ايها الناس ان من العنب خمرا وان من الزبيب خمراً وان من التمر خمراً وان من الشعير خمراً الا ايها الناس انها كم عن كل مسكر.

وروي محمد بن مسعود العياشي عن عامر بن سمط عن على بن الحسين (ع)

ص: 357

قال الخمر من ستة اشياء التمر والزبيب والحنطة والشعير والعسل والذرة .

وهذه الروايات ظواهر بل نصوص فى ان هذه المايعات المتخذة من هذه الاشياء مصاديق للخمر وان المحرم هو عنوان الخمر وان حرمته انما هي لاسكاره ويظهر ايضا ان الخمر وصف لهذه الاشياء وان معنى هذا لوصف هو المسكر فالناظر فيها سيما رواية نعمان عن رسول الله (ص) يبقى له ريب ان حرمة هذه الاشياء واله وست لاسكارها لانه (ص) بين اولا ان من العنب والزبيب و التمر و الشعير خمرا فقال الا ايها الناس انها كم عن كل مسكر فبين موضوع الحرمة ومناطها وان اطلاق الخمر على المتخذ من هذه الاشياء على سبيل الحقيقة لان وصف الاسكار الذي هو معنى الخمر موجود في جميع هذه الاشياء فالخمر من المشتقات لا من الجوامد ولذا یصح اطلاقه على جميع هذه الاشياء مع ان كل واحد منها له اسم خاص ولاينافي كونه في العصير اشهر لان الاشهرية مستندة بكثرة الاطلاق فى الزمن المتاخر فيه.

فانظر إلى رواية رواها على بن ابراهيم القمى فى تفسيره عن أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله تعالى شانه انما الخمر والميسر الآية اما الخمر فكل مسكر من الشراب اذا اخمر فهو خمر وما اسكر كثيره فقليله حرام وذلك ان ابا بكر شرب قبل ان تحرم الخمر فسكر الى ان قال فانزل الله تحريمها بعد ذلك

وانما كانت الخمر يوم حرمت بالمدينة فضيخ البسر والتمر فلما نزل تحريمها خرج رسول الله ا(ص) فقعد فى المسجد ثم دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فاكفاها كلها وقال هذه كلها خمر حرمها الله فكان اكثر شيء اكفى في ذلك اليوم الفضخ ولم اعلم اكفى يومئذ من خمر العنب شيء الا اناء واحد كان فيها زبيب وتمر جميعا فاما عصير العنب فلم يكن منه يومئذ بالمدينة شيء وحرم الله الخمر قليلها وكثيرها و بيعها وشرائها والانتفاع بها قال وقال رسول الله (ص) من شرب الخمر فاجلدوه فان عاد فاجلدوه فان عاد الرابعة فاقتلوه وقال حق على الله ان يسقى من يشرب الخمر مما يخرج من فروج المومسات و المومسات الزواني يخرج من فروجهن صديد والصديد قيح ودم غليظ مختلط يوذى اهل النار حره ونتنه قال وقال رسول الله (ص)

ص: 358

من شرب الخمر لم تقبل منه صلوة أربعين ليلة فان عاد فاربعين ليلة من يوم شربها فان مات في تلك الاربعين ليلة من غير توبة سقاه الله يوم القيمة القيمة من طينة خبال (الحديث) تستيقن ان الخمر مفهوم عام يشمل جميع المسكرات المايعة لقوله (ع) هذه كلها خمر و اكفانه (ع) آنيهم التي ينبذون فيها بنزول الآية مع عدم الله عليه مكون العصير العنبى فى اوانيهم في ذلك اليوم و لقوله (ع) ما اسكر كثيره فقليله حرام و تعلم عدم اختصاص مصداق من المصاديق باسم الخمرية والحرمة لقوله (ع) اما الخمر فكل مسكر من الشراب اذا اخمر فهو خمر .

قال الطريحي (قده) و الخمر فيما اشتهر بينهم كل شراب مسكر ولا يختص بعصير العنب قال في القاموس والعموم اصح لانها حرمت وما في المدينة خمر عنب وما كان شرابهم الا التمر والبسر .

واما نجاسة المسكر فقد وقع الخلاف فيها فالاكثر من المسلمين من العامة والخاصة حكموا بنجاسته وقليل منهم قائلون بطهارته ومنشأ الاختلاف عند الخاصة اختلاف الروايات وكون الرجس الوارد في الكتاب اعم من النجس.

حجة القائلين بالنجاسة امور (الاول) الاجماع ولا دلالة فيه سيما بعد ثبوث النزاع والخلاف .

(والثاني) قوله تعالى شانه العزيز أنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه .

فالرجس وان كان اعم من النجس الا ان المراد به هنا النجس .

و يرشدنا الى هذا المعنى رواية خيران الخادم المروية في الكافي والتهذيب والاستبصار حيث قال كتبت الى الرجل اسئله عن الثوب يصيب الخمر ولحم الخنزير ايصلى فيه ام لا فان اصحابنا قد اختلفوا فقال بعضهم صل فيه فان الله انما حرم شربها وقال بعضهم لا تصل فيه فكتب الله لا تصل فيه فانه رجس فانها تشهد بان المراد من الرجس فى الآية هو النجس وهى دالة على المقصود بنفسها ايضا ولا منافات بين كون المراد من الرجس فى الاية النجس بالنسبة الى الخمر وعطف الميسر والانصاب

ص: 359

والازلام عليه لان معنى الرجس ما يعم النجس والاثم واللعنة والعذاب والعقاب والغضب وغيرها والجامع لهذالشتات هو ما يجب الاجتناب عنه كما انه لا منافات بين كون المقصود من الخمر هو العين والمقصود من الميسر هو الفعل والمقصود من الانصاب هو الاحجار المنصوبة والازلام هى الاقداح لان وجوب الاجتناب شامل الجميع فلا وقع لما قيل في المقام من ان المقصود من الخمر هو الشرب وهو فعل من افعال المكلف فلا دلالة فى الاية على نجاسة عينه فكان القائل اغتر بما راى من كون الميسر من الافعال.

والحاصل ان لفظ الرجس و ان لم يكن مختصاً في الوضع بالنجس الا ان ارادة هذا المعنى منه لامانع منها فالاية تدل على المراد بمئونة الاخبار .

( والامر الثالث) هو الاخبار فمنها ما ذكرنا اعنى خبر خيران الخادم.

ومنها رواية على بن مهزیار قال قرات في كتاب عبدالله بن محمد الى ابى الحسن جعلت فداك روى زرارة عن ابی جعفر وابي عبد الله (ع) في الخمر يصيب ثوب الرجل انهما قالا لا باس ان يصلى فيه انما حرم شربها .

و روى غير زرارة عن أبي عبد الله (ع) انه قال اذا اصاب ثوبك خمر اونبيذ يعنى المسكر فاغسله كله فان صليت فيه فاعد صلوتك فاعلمنى ما آخذ به فوقع بخطه (ع) وقراته خذ بقول ابی عبدالله (ع) ولا يرتاب احد ان المراد با بی عبدالله (ع) هو الذى سئله غير زرارة لامسئول زرارة لان زرارة سئل عنه (ع) وعن ابيجعفر (ع) فافراده بالذكر يكشف عن كون ابي عبدالله هو مسئول غير زرارة فدلالة التوقيع على نجاسة المسكر مما لا ينبغي لاحد ان يرتاب فيها.

ولا يخفى ان هاتين الروايتين مع دلالتهما على نجاسة الخمر تدلان على ان الروايات المعارضة لما تدل على النجاسة لا يجوز العمل بها لانها ليست لبيان الواقع و منها رواية ابى بصير قال دخلت ام خالد العبدية على ابی عبدالله (ع) و انا عنده فقالت جعلت فداك انه يعتريني قراقر في بطنى وقد وصف لى اطباء العراق النبيذ بالسويق وقد وقفت وعرفت كراهتك له فاحببت ان اسئلك عن ذلك فقال لها و ما

ص: 360

يمنعك من شر به قال قد قلدتك دينى فالقى الله عز وجل حين القاه فاخبره ان جعفر بن محمد (ع) امرنی و نهانی فقال يا اباعمل الاتسمع الى هذه المرئة والى هذه المسائل لا والله لا آذن لك فى قطرة منه فانما تندمين اذا بلغت نفسك ههنا واومى بيده الى حنجرته يقول لها ثلثا افهمت قالت نعم ثم قال ابو عبد الله (ع) ما يبل الميل ينجس حياً من ماء يقولها ثلثا ودلالتها واضحة لا تحتاج الى البيان.

و منها مرسلة يونس عن ابی عبد الله (ع) قال اذا اصاب ثوبك خمر او نبيذ مسكر فاغسله ان عرفت موضعه و ان لم تعرف موضعه فاغسله كله و ان صليت فيه قاعد صلوتك وتقييد النبيذ بكونه مسكراً لاجل اطلاق النبيذ على غير المسكر الغير المحرم ويفهم من هذا التقييد ان عنوان المسكر هو الواسطة في عروض النجاسة على المسكرات.

ومنها موثقة عمار عن أبي عبد الله (ع) قال لا تصل في بيت فيه خمر ولا مسكر لان الملئكة لا تدخله ولا تصل فى ثوب قد اصابه خمر او مسكر حتى تغسله.

ومنها رواية ابي جميلة البصرى قال كنت مع يونس ببغداد وانا امشي في السوق وفتح صاحب الفقاع فقاعه فقفز فاصاب يونس فرايته قد اغتم لذلك حتى زالت الشمس فقلت یا ابا محمد الا تصل فقال ليس اريد ان اصلى حتى ارجع الى البيت فاغسل هذا الخمر من ثوبي فقلت هذا رای رایته اوشیء ترویه فقال اخبرني هشام بن الحكم انه سئل الصادق (ع) عن الفقاع فقال لا تشربه انه خمر مجهول فاذا اصاب ثوبك فاغسله و فى قوله (ع) فاذا اصاب ثوبك فاغسله اشعار بان النجاسة متفرعة على الخمرية التى هى الاسكار ودلت الرواية ايضا ان الفقاع من مصاديق الخمر .

منها موثقة عمار الساباطی عن ابی عبدالله (ع) قال سئلته عن الدن يكون فيه الا الخمر ا يصلح ان يكون فيه خل او ماء او كامخ اوزيتون قال اذا غسل فلا باس وعن الابريق وغيره يكون فيه خمر ايصلح ان يكون فيه ماء قال اذا غسل فلاباس وقال في قدح او اناء يشرب فيه الخمر قال يغسله ثلث مرات سئل يجزيه ان يصب الماء فيه قال يجزيه حتى يدلكه بيده و يغسله ثلث مرات منها ما في منزوحات البئر

ص: 361

في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال اذا سقط فى البئر شيء صغير فمات فيها فانزح منها دلاء فان وقع جنب فانزح منها سبع دلاء فان مات فيها بعير او صب فيها خمر فلينزح فجعل الخمر فى الأثر معا دلا للمبعير الميتة ومختارنا في النزح و ان كان للتنظيف لعدم تاثر البئر عن النجس و لكن الاستدلال بهذه الرواية لاجل كون الخمر مثل ميتة البعير في النجاسة والتأثير.

منها ما رواه زكريا بن آدم قال سئلت ابا الحسن (ع) عن قطرة خمر او نبيذ مسكر قطرة في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير قال بهراق المرق او يطعمه اهل الذمة او الكلب واللحم اغسله وكله قلت فانه قطر الدم فيه قال الدم تاكله النار انشاء الله تعالى قلت مخمر او نبيذ قطر في عجين اودم قال فقال فسد قلت ايبيعه من اليهود و النصارى و ابين لهم قال نعم فانهم يستحلون شربه قلت والفقاع هو بتلك المنزلة اذا قطر في شيء من ذلك قال فقال اكره ان اكله اذا قطر في شيء من طعامى وهذه الرواية لاضطرابها لا تنهض دليلا الا انها لا تخلو من تاييد والروايات في هذالباب كثيرة وقيل بتواترها والناظر فيها يستيقن نجاسة المسكر بجمیع اقسامه.

وقال العلامة (قده) فى المختلف بعد ذكره بعض الروايات ولان الصلوة في الذمة ولا يبرء المكلف عن العهدة الابيقين ولا يقين مع الصلوة فى ثوب اصابه الخمر و المسكر و انت خبير بان ما بينه ليس دليلا براسه مع قطع النظر عن الاية والروايات سيما مع كون النجاسة على خلاف الاصل.

وقال بعد ذكر الاية الكريمة والاستدلال به من وجهين (الاول) ان الرجس هو النجس (الثاني) قوله تعالى فاجتنبوه وهو يدل على وجوب اجتنابه وعدم مباشرته على الاطلاق ولا نعنى بالنجس سوى ذلك وفيه ان كون الخمر محرما شربه يكفى للامر بالاجتناب و الامر بالاجتناب اعم من الحرمة والنجاسة فلا يستفاد من الامر الاطلاق واحتج ابن بابویه و ابن ابي عقيل لما ذهب اليه من عدم النجاسة بالاصل (وفيه) ان التمسك بالاصل لا معنى له بعد قيام الدليل ولو على وفاق الأصل لانه وظيفة

ص: 362

المكلف بعد الياس من الدليل .

وبما رواه ابوبكر الحضر مى قال قلت لابي عبد الله (ع) اصاب ثوبی نبیذ اصلی فيه قال نعم قلت قطرة من نبيذ فى حب اشرب منه قال نعم ان اصل النبيذ حلال وان اصل الخمر حرام.

) وفيه ) ان النبيذ اعم من الحرام والحلال والاعم لا يدل على حكم الاخص لامكان كون المراد منه هو غير الحرام.

فانظر الى رواية عمر بن حنظلة عن ابي عبد الله تعرف ان المراد من النبيذ ليس ما هو محرم في الشرع قال قلت لابي عبد الله (ع) ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى تذهب عاديته و يذهب سكره فقال لا والله ولا قطرة تقطر منه فى حب الا اهريق ذلك الحب فترى انه (ع) لم يرض بشرب قطرة من المسكر الواردة فى حب وحكم باعراق ذلك الحب الكاشف من نجاسته فكيف يمكن ان يرضى بالصلوة في الثوب الذى اصابه المسكر وكيف يحكم بحلية شربه مع ان في قوله (ع) أصل النبيذ حلال اشعار بكونه غير المسكر والا فاصل الخمر ايضا حلال فلوسلم كونه من المسكر فيجب حمل الرواية على النقية.

و بما رواه حسين بن ابى سارة قال قلت لا بى عبد الله (ع) ان اصاب ثوبي شيء من الخمر اصلى فيه قبل ان اغسل قال لاباس ان الثوب لا يسكر.

و هذه الرواية و ان كانت صريحة فى طهارة الخمر المسكر الا انها محمولة على التقية ويدل على كون صدورها تقية ما رواه ابن بابويه فانه رحمه الله قال سئل ابو جعفر وابو عبد الله (ع) انا نشترى ثياباً يصيبها الخمر وودك الخنزير عند حابكها ايصلى فيها قبل ان يغسلها قالا نعم ان الله انما حرم اكله وشربه ولم يحرم لبسه ولمسه والصلوة فيه فترى انهما (ع) يجوز ان الصلوة فى ودك الخنزير مع ان نجاسته مما لاشبهة فيها فلولم يكن الجواب عنهما تقية وكان الخمر طاهراً لفصلا بين الخمر وورك الخنزير الذى هو انجس من كل نجس ومما استدل بها في المقام رواية ابن بكير عن ابي عبد الله (ع) قال سئل رجل عن أبي عبد الله (ع) و انا عنده عن

ص: 363

المسكر والنبيذ يصيب الثوب قال لاباس وفى الباب روايات أخرى قريب المضامين بما ذكر وكل ما يدل على الطهارة لابد من حمله على التقية لما مر عليك من الروايات الدالة على النجاسة والاية الدالة عليها بمؤنة الروايات.

قال شيخنا الانصارى ويظهر من رواية خيران الخادم وجود الخلاف في المسئلة بین القدماء من اصحاب الحديث فذهب جماعة على ما فى الروض الى ذلك و هو ظاهر المقدس الأردبيلى او صريحة وتبعه اصحاب المدارك والذخيرة والمشارق وهو ضعيف والاخبار محمولة على النقية من امراء الوقت والوزراء و جهال بني امية و بنى عباس كما عن حبل المتين واشتهار النجاسة بين علمائهم لا يدفع التقية من الائمة (ع) في اظهارها كما لا يخفى.

و في شرح المفاتيح ان الاصحاب حملوا اخبار طهارة الخمر والمسكر على التقية وكانه من فتوى ربيعة الرى الموجود في زمن الصادق (ع) وهو من شيوخ مالك و في هذه المقالة من هذا المحقق (قده) كفاية لبيان كون الاخبار تقية مع ذهاب اكثر علماء العامة الى نجاسة المسكر.

ثم قال (قده) ويكفى فى الحكومة بين اخبار الطرفين رواية على بن مهزیار ونقلها بطولها و قال و رواية خيران الخادم ونقلها (انتهى) وقدمنا ذكر الروايتين الحاكمتين على تبعية الاخبار الدالة على النجاسة.

ثم ان العلامة قدس سره قال بعد ما نقل احتجاج ابن بابویه و ابن ابی عقیل من الاصل والاخبار ولان المسكر لا يجب ازالته عن الثوب والبدن بالاجماع لوقوع الخلاف فيه وكل نجس يجب ازالته عن الثوب والبدن بالاجماع اذ لا خلاف في وجوب ازالة النجاسة عنهما عند الصلوة وينتج ان المسكر ليس بنجس و هذا الاستدلال من المغالطات ضرورة ان النفى فى الصغرى يتوجه الى قيد القضية اى كون وجوب الازالة اجتماعيا ولذا علله بقوله لوقوع الخلاف فيه فمفاد الصغرى ان مسئلة وجوب ازالة المسكر عن الثوب والبدن ليست مما اعتمد عليه الاجماع ومفاد الكبرى ان وجوب ازالة النجس عن الثوب اجماعی ولذا علله بقوله اذ لا خلاف (الخ) فنتيجة

ص: 364

هاتين المقدمتين ان وجوب ازالة المسكر عنهما اى نجاسته ليس باجماعى لما بينا من توجه النفى الى قيد القضية اعنى كونها اجماعية وامثال هذه الاستدلالات لا تليق بادنى تلميذ للعلامة (قده) والظاهرانه نقل منه عن القائلين بالطهارة لامن احتجاجه ( قده ( الطهارة المسكر تشحيذا للاذهان كما هو المشهور وقال به شيخنا الانصاری رضوان الله عليه وكيف كان فالجواب ما بيناه و اجاب عن هذا المنسوج هو وشيخنا الانصارى فى المختلف والطهارة بما يرجع الى ما بينا.

ثم قال (قده) بعد هذ الاستدلال ولانه لو كان نجسا لكان المقتضى للنجاسة انما هو الاسكار والتالى باطل بالاجسام الجامدة كالبنج وشبهه فالمقدم مثله بيان الشرطية ان جميع الاوصاف غير صالحة لذلك فيبقى هذا الوصف عملا بالسبر و التقسيم (انتهى كلامه ) و انت خبير بان من الجايز ان يكون لميعان المسكر دخلا لهذا الحكم وكون المقتضى للنجاسة هو اسكان المسكر المايع لا اسكار المسكر على الاطلاق فقوله والتالى باطل لا معنى له ومع فرض انحصار الاسكار في الاقتضاء لا نبالي بالحكم بنجاسة الاجسام الجامدة لوجود الاقتضاء و عدم ما يمنع و كل ما ورد في هذا الباب ينبأ عن نجاسة المسكر المايع وما لم يذكر فيه المايع منصرف اليه فلا يستدل باطلاق بعض الروايات لتعميم الحكم الى الجامد.

والحاصل من طول المبحيث ان المسكر المايع نجس فالموضوع هو المسكر المايع لا مطلق المسكر والمقتضى هو اسكار المايع لا الاسكار على الاطلاق كي يعم الحكم الجامد من المسكرات .

ولا فرق بين الخمر و ساير المسكرات من النبيذ و الفقاع والمتخذ من الاجسام الاخر كما عرفت من العسل و التمر والذرة والحنطة وغيرها بعد احراز الاسكار لدلالة الروايات على علية الاسكار للنجاسة ودوران حكم النجاسة مداره•

فمن تامل فى مفادات الاخبار حق التامل يستيقن بعدم الفرق وكون مناط النجاسة هو اسكار المايع وظهران جعل العصير بعد الاشتداد والغليان عنواناً عليحدة والبحث في نجاسته وجعل حكمه حكم الخمر بعيد عن الصواب لان العصير اذا بلغ

ص: 365

حد الاسكار فهو من المسكر المايع وهو خمر حقيقة لا انه بحكمه فما يبل الميل منه ينجس حبا من الماء وما يقطر قطرة منه فى حب لابد من احراقه وما لم يبلغ منه حد الاسكار فليس بخمر ولا دليل على نجاسته وليس في الاخبار الواردة في بيان حكم العصير مع كثيرتها ما يشعر بنجاسته.

وقال شيخنا الانصاري رضوان الله عليه عند نقل الاقوال في بيان حكم العصير ولذا قال في المقاصد العلية ان تحقق القولين فى المسئلة غير معلوم .

ومع ذلك فقد اختار الطهارة فى شرح القواعد المنسوب اليه تبعا للعماني و الشهيد في الدروس بل الذكرى حيث قال فيها ان فى حكم المسكرات العصير اذا غلى واشتد عندا بي حمزة وفى المعتبر يحرم مع الغليان حتى يذهب ثلثاه ولا ينجس الامع الاشتداد كانه یری الشدة المطربة اذ الثخانة حاصلة بمجرد الغليان و توقف الفاضل في نهايته ولم نقف لغيرهم على قول ولا دليل على نجاسة غير المسكر (انتهى). وتبعهم فى ذلك المحقق الاردبيلى وتلميذاه وكاشف اللثام واصحاب الذخيرة والمفاتيح والحدايق والرياض انتهى فترى الشهيد (قده) ينفى الدليل على نجاسة غير المسكر من العصير.

وعبارة المحقق في المعتبر وفى نجاسة العصير بغليانه قبل اشتداده تردد اما التحريم فعليه اجماع فقهائنا ثم منهم من اتبع التحريم النجاسة والوجه الحكم بالتحريم مع الغليان حتى يذهب الثلثان و وقوف النجاسة على الاشتداد ( انتهى ) فترى انه (قده) فرق بين التحريم والنجاسة واكتفى للاول بالغليان وللثانية لم يكتف به وحكم بتوقفها على الاشتداد ولذا قال الشهيد (قده) كانه يرى الشدة المطربة وحاصل قوله توقف النجاسة على كونه مسكرا وهو عبارة عما بيناه من عدم الدليل على نجاسته ما لم يسكر .

وقال شيخنا الانصاري بعد نقله الاقوال والارجح في النظر النجاسة لموثقة معاوية بن عمار قال سئلت اباعبد الله (ع) عن الرجل من اهل المعرفة ياتيني بالنجج ويقول قد طبخ على الثلث وانا اعلم انه يشربه على النصف افاشربه بقوله وهو يشرب

ص: 366

على النصف فقال خمر لا تشربه (الحديث) .

فان حمل الخمر عليه اما حقيقة كما نقل عن جماعة من الخاصة والعامة بل عن المهذب البارع ان اسم الخمر حقيقة في عصير العنب اجماعاً واما للمشابهة الموجبة لثبوت الاحكام الظاهرة ومنها النجاسة والخدشة في الرواية بخلو الرواية على ما في الكافي عن ذكر قوله خمر مع انه اضبط من الشيخ مردودة بان الظاهر عدم الزيادة حتى من الشيخ الذى يكثر منه الخلل كما قيل ثم ايده بتعبير والد الصدوق في رسالته اليه .

و فيه ان السؤال ليس من حال البختج لان الراوى لم يشك في عدم حرمة شربه مع الثلث وحرمة شربه على النصف وانما السؤال عن تقديم قول اهل المعرفة انه طبخ على الثلث واعتقاده الحلية مع الطبخ على النصف فيناسب الجواب التجريد عن لفظ الخمر فانه قدم اعتقاده في التبعية على قوله وعدم شرب ما قال بطبخه على الثلث لعدم الاطمينان بالقول اذا خالف الاعتقاد لا ان الاعتقاد يؤثر في خمرية البختج.

قوله (قده) مردودة بان الظاهر عدم الزيادة حتى من الشيخ الذي يكثر منه الخلل يصلح للاستماع اذا لم تكن الرواية خالية عن لفظ الخمر في طريق الكليني مع وحدة الرواية المروية فى الكافى والتهذيب لان الكليني (قده) رواها عن محمد بن یحی عن احمد بن محمد عن محمد بن اسماعيل عن يونس بن يعقوب عن معاوية بن عمار قال سئلت ابا عبدالله (ع)عن الرجل من اهل المعرفة بالحق ياتيني بالبختج ويقول قد طبخ على الثلث وانا اعلم انه يشربه على النصف افاشر به بقوله وهو يشر به على النصف فقال لا تشربه قلت فرجل من غير اهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث ولا يستحله على النصف يخبرنا ان عنده بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه وبقى ثلث فشرب منه قال نعم.

و روى الشيخ (قده) عن احمد بن حمد عن محمد بن اسماعيل عن يونس بن يعقوب عن معوية بن عمار قال سئلت ابا عبد الله (ع) وذكر الحديث الى اخره الاانه

ص: 367

ذكر قبل قوله لاتشر به خمر والتامل فى فقرات الرواية والالتفات الى ان المقصود من السؤال تقدم قول الرجل او اعتقاده يرشد ان المسترشد الى ان الاظهر خلو الرواية عن لفظة خمر لعدم خفاء امر البختج عنده بالنسبة الى حالتي النصف والثلث وانما المخفى عليه تقدم قول من يرى الحل فى النصف بانه طبخ على الثلث او تقدم رايه على قوله فاجاب (ع) بتقديم الراوى والاعتقاد حتى ان اعتقاد غير اهل المعرفة مقدم على قوله فذكر الخمر اجنبى عن المقام فليس الظاهر عدم الزيادة حتى من الشيخ الذى يكثر منه الخلل ومع التسليم بظهوره فخلوالرواية عن لفظ الخمر اظهر لقلة الخلل من الكليني (قده) وكون ذكر الخمر اجنبياً لعدم ارتباطه بالسؤال فالارجح فى النظر عدم النجاسة لعدم ما يدل عليها.

وقد يؤيد القول بالنجاسة بما ورد من انه لاخير في العصير اذا غلى ولا يخفى على البصير ان الحرمة كافيه في سلب الخير عن الحرام ولا يحتاج الى النجاسة كما ان قوله الا في قضية منازعة ابليس (لع) مع نوح (ع) في شجرة العنب فما كان فوق الثلث من طبخها فلابليس وهو حظه وماكان من الثلث فما دونه فهو لنوح (ع) وهو حظه وذلك الحلال الطيب فليشرب لا دلالة فيه على نجاسة مافوق الثلث لان الطيب مقابل للخبيث وهو اعم من الحرام والنجس والاعم لا يدل على جميع افراده بعد اليقين على كون الحرام مراداً منه فمع وجود القدر المتيقن يجرى الاصل والتامل شاهد على ما بيناه .

مع ان مثل هذه الروايات ليس مدركا للاحكام لانه من الاجوبة الاقناعية . ولا يجب اشتمال العصير على الاسكار او النجاسة لثبوت الحرمة لانها اعم منهما فكم من حرام خال عن الاسكار والنجاسة كالتراب والحشرات والسموم.

و اما الغليان والاشتداد العارضان على العصير طبعا فيوجبان خمريته فهو نجس (ح) لانه خمر مسكر وما بينا من عدم النجاسة وتحقق الحرمة فمورد العصير المغلى المشتد بالنار وتفسير الغليان بالقلب فى الرواية لا ينافي عدم نجاسة العصير المغلى بالنار والفرق بين المغلى طبعا والمغلى بالنار ان الاول خمر مسكر قطعا

ص: 368

والثاني غير معلوم الخمرية فلو علم خمريته واسكاره فهو كالاول وقول ابی عبدالله (ع) في رواية محمد بن عاصم لاباس بشرب المصيريتة ايام وتفسير ابن ابی عمیر عدم مضى ستة ايام بعدم الغليان يكشف ان العصير اذا زاد بقائه عن ستة ايام تغير حاله وغلى بدون النار وهذالغليان ينجسه لانه يصيره خمراً والمراد من الاشتداد هو النش المذكور في رواية دريح عن ابي عبد الله (ع) قال سمعت ابا عبدالله (ع) يقول اذانش المصير اوغلى حرم و اتيانه (ع) العطف با وكاشف عن تعدد الغليان والنش وان كان الغليان مستلزما للمنش لانه موجب للثخانة والقوام.

وما يحكى عن ابن ابى حمزة من تخصيص النجاسة بما اذا على بنفسه وعدم نجاسة ما على بالنار لعل ما خذه ما بينا من صيرورة الاول خمرا وعدم خمرية الثاني واما الحرمة فقد عرفت انها لا تتوقف على الخمرية والاسكار كما ان صرف الغليان يوجب النجاسة ما لم يسكر و الغليان بالنار لا يوجب الاسكار بل الاغلاء بالنار علاج لعدم الاسكار ودفع له الا ان الدفع لا يحصل الا بذهاب الثلثين وقبله لا يا من من الفساد والاختمار واما النش فهوايضاً اعم من المسكر فقوله (ع) اذا نش العصير اوغلى حرم تدل على ان النش والغليان يوجبان الحرمة ولومع عدم الاسكار واما مع الاسكار فيوجبان النجاسة ايضاً وعدم الاتيان بالنجاسة والاكتفاء بالحرمة يكشف عن أن المراد من الغليان و النش هو المجرد عن الاسكار لما عرفت من استلزام الاسكار النجاسة.

والحاصل ان الغلميان و النش ليسا موضوعين للنجاسة بل الموضوع للنجاسة هو المسكر المايع وهما قد يوجبان الاسكار فينجس المايع المسكر وقد يجردان عن الاسكار فيحرم من دون تنجس.

و مثل رواية دريح صحيحة ابن سنان حيث يقول مولانا الصادق (ع) كل عصير اصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه والاكتفاء بالحرمة اقوى شاهد لعدم النجاسة لان بين النجاسة و الحرمة عموم و خصوص مطلقا فكل نجس حرام و بعض الحرام ليس بنجس فذكر الحرام من دون اشارة الى النجاسة يدل

ص: 369

على عدمها فانه لو كان نجسا ايضاً كان الانسب ذكر النجاسة لاستلزامها الحرمة دون العكس .

واستفاضة الروايات بتعليق الحرمة في النبيذ وغيره على الاسكار وعدمها على عدمه وبحرمة العصير اذا غلى من دون تفصيل بين المسكر وغيره لاتدل على اشتماله بالاسكار لعدم ثبوت اسكار العصير بصرف الغليان فليست الحرمة مستندة الى الاسكار فما سبق الى بعض الاوهام من استناد حرمته الى اسكاره لينتج نجاسته لا يليق بالاستماع وصرف الاحتمال لا اثر له وقد عرفت ان الحرمة اعم من الاسكار ولامانع من تحريم العصير المغلى قبل ذهاب ثلثيه من غير استناد الى الاسكار فحرمته ليست لكونه من مصاديق المسكر وانطباق عنوان المسكر عليه ولو فرض ضرورة بعض مصاديقه مسكراً تكون حرمته مسببة منه مسببة عن الاسكار ايضا كما ان اليقين بخلوه عنه لا يمنع من الحكم بحرمته لان الروايات مطلقة لا تقييد فيها بالاسكار.

والحاصل ان الاسكار علة لنجاسة المسكر المايع و حرمته و العصير المغلى موضوع للحرمة من دون ملاحظة الاسكار فالحرمة لادلالة فيها للنجاسة.

واما عصير التمر المغلى بالنار لا يحزم وان لم يذهب ثلثاه من غير فرق بين الرطب والتمر لعدم دليل يدل على الحرمة و اطلاق العصير عليه لا يوجب حرمته ضرورة اختصاص عصير العنب عند الاطلاق لانصرافه اليه وظهور العصير في العنبي بل التمر لا يصح اطلاق العصير على المستخرج منه لان العصير معناه الماء المستخرج من الثمر بالعصر والماء هو المايع من الثمر لا الماء المطلق الوارد عليه فعصير العنب هو عنب استخرج المايع منه واما الماء المطلق الوارد عليه المختلط بالاجزاء الرقيقة من الزبيب لا يصح اطلاق العصير عليه ماذا استخرج بالخلط والعصر فاذا وصل العنب في الجفاف بمرتبة لم يبق فيه مايع يستخرج بدون معونة الماء المطلق يصح اطلاق الزبيب عليه فليس للمزبيب عصير لان الجفاف بهذالحد ماخوذ في صيرورة الزبيب زبيباً وما لم يبلغ الجفاف بهذا الحد وبقى فيه مايع يستخرج منه بالعصر فهو عنب لا يصدق عليه الزبيب.

ص: 370

فالبحث عن عصير الزبيب لا معنى له لان العصير لابد ان يكون مايعا وليس في الزبيب مايع يعتصر واطلاق العصير على المستخرج من الزبيب من باب التشبيه بل المسامحة ولا يتحقق فيه الغليان ضرورة ان الجاف لا يغلى وغليان الماء الممتزج بالاجزاء الرقيقة لاحكم له فقولك لا يحرم عصير الزبيب سالبة بانتفاء الموضوع لعدم وجود عصير الزبيب.

ومع فرض صدق العصير على المستخرج من الزبيب المختلط بالماء فلادليل على حرمته فضلا عن نجاسته و في محكى الذخيرة انى لا اعلم قائلا بنجاسته وعن الحدائق الظاهرانه لا خلاف فى طهارته بل عن شرح الوسائل لبعض معاصری صاحب الحدائق ان الاجماع منعقد على عدم نجاسة عصير غير العنب والقائل بحجية اجماع المنقول يكفيه هذا لنقل والمنكر لها يحتج بالعموم السالم عن المعارض مع عدم دليل يدل على نجاسته ولاعلى حرمته لان الاجماع مع انه ليس بدليل على خلاف النجاسة والحرمة والقرآن ليس فيه ما يدل عليهما والاخبار التي يتمسك بها لا دلالة فيها عليهما.

و العقل لا مسرح له في الاحكام الالهية والاصل لا يتمسك به في المقام بعد عمومات الحل والطهارة لان الاصل دليل فقاهى لا معنى للتشبث به بعد قيام الدليل الاجتهادى وان كان موافقاً له وكذ الاستصحاب لانه اصل ايضا.

و يظهر من بعض الاعلام التمسك باستصحاب حكمه الثابت له حال العنبية بتقريب ان العصير العنبى اذا غلا واشتدكان نجساً قطعاً وبعد صيرورته زبيباً بطریان حالة ثانوية نشك في ان عصيره ايضاً نجس ام لا فتستصحب الكحم الثابت له حال العنبية وهو النجاسة وانت خبير بان منشأ الشك على تقدير تحققة هو الجهل بالموضوع فحيث ان الشاك جاهل بالموضوع ولا يعلم ان وصف العنبية له دخل في ثبوت هذا الحكم او الموضوع هو الجامع بين العنب و الزبيب يشك في ثبوت الحكم الثابت لعصير العنب لعصير الزبيب فاجراء حكم عصیر العنب الى المستخرج من الزبيب الممتزج بالماء المطلق اسراء لحكم موضوع الى موضوع آخر و ليس استصحابا

ص: 371

لان الاستصحاب عبارة عن التشبث بالاقتضاء وعدم الاعتناء بالرافع و المزيل مع وحدة الموضوع ولاشك في تغاير الموضوع في المقام اما على ما بينا من عدم صدق العصير على المستخرج من الزبيب فالتغاير من الواضحات و اما مع فرض صدقه عليه فلان الاول من اجزاء العنب (والثانى ) عبارة عن الماء الممتزج مع اجزاء الزبيب.

وما قيل في المقام من استصحاب الملازمة بين الغليان والحرمة وسببيته لها ليس مما يصغى اليه لعدم ثبوت الملازمة الا بين غليان عصير العنب والحرمة واما الملازمة بين غليان الماء مع المستخرج من الزبيب و الحرمة فليست بثابت بل عدمها معلوم لعدم دليل يدل عليها فيبوسة العنب التى بها يتحصل الزبيب ليست رافعة لحكم من احكامه بل هى توجب تبدل الموضوع ولوفرض ثبوت الحكم للجامع بين العنب والزبيب كي لا تبتدل الموضوع باليبوسة فلامجال للاستصحاب (ح) لعدم تحقق السك مع هذا الفرض .

قال شيخنا الانصاري ( قده ) بعد رد الاستدلال بالاستصحاب بتغير الموضوع وربما يجاب عن هذ الاستصحاب بان المستصحب تعليقى وهى حرمة العنب لو غلى وهوليس بحجة (وفيه) ان هذا ليس من الاستصحاب التعليقى بل هو استصحاب حكم شرعی تنجزی وهى سببية غليانه للحرمته واستلزامه لها فالمستصحب هو الاستلزام المنجز لا ثبوت اللازم المعلق وتمام الكلام في محله.

( وفيه ) ما أفاد رئيس المحققين رضوان الله عليه ان الشك انما هو في عموم الملازمة لهذه الصورة لا في بقائها بعد حدوثها فالشك فى حدوث الملازمة بين غليان عصير الزبيب والحرمة فالشك في الحدوث حتى بالنسبة الى الوجود التقديري

و قال بعض افاضل العصر بعد نفى ما يدل على نجاسة العصير من الكتاب والاجماع والدليل المقلى وعدم دلالة ما استدل به من الاخبار نعم قد يظهر من بعضهم التمسك باستصحاب حكمه الثابت له حال العنبية كما قد يحكى عن العلامة الطباطبائي بتقريب ان العصير العنبى اذا غلى واشتد كان نجسا قطعا وبعد صيرورته

ص: 372

زبيباً بطريان حالة ثانوية نشك فى ان عصيره ايضا نجس ام لا فيستصحب الحكم الثابت له حال العنبية و هو النجاسة وقد يجاب عن ذلك اما اولا فبانه معارض باستصحاب الطهارة قبل الغليان فانه بعد تعارض الاستصحابين وتساقطهما يبقى اصالة الطهارة سليمة عن المعارض وفيه ان استصحاب الاول وارد عليه ومزيل بالنسبة اليه لانه مسبب فى انه هل حصل له النجاسة بعد الغليان ام لا وبعد ثبوتها بحكم الاستصحاب فلا معنى لاستصحاب الطهارة .

(وفيه) ان مقصود المستدل ان الشك في الموضوع فلا معنى لترجيح الحرمة الثابتة فى حال الرطوبة اى حال العنبية على استصحاب الاباحة وحكومة الاصل السببي على المسببي انما يكون على تقدير كون الشك في الرافع بعد العلم بالمقتضى ثم قال واما ثانياً فبان المستصحب تعليقى وهو حرمة ماء العنب لوغلا و هوليس بحجة وفيه انه ليس من الاستصحاب التعليقى بل هو استصحاب لحكم شرعى تنجزى و هو سببية غليانه للحرمة واستلزامها فالمستصحب هو الاستلزام لا ثبوت اللازم المعلق .

وبعبارة اخرى ان المستصحب فى الحقيقة هو الملازمة الثابتة لحرمة العصير عند الغليان فكان المستصحب يريد باعمال الاستصحاب اثبات فعلية الملازمة المذكورة المزبيب عند الغليان ولاضير في ذلك نظراً الى وجود المقتضى للصحة وهو شمول الأخبار الدالة على عدم جواز نقض اليقين وعدم صلاحية ما يذكر في مقام المانعية مانعاً ولذا تلقاه جماعة بالقبول (انتهى النقل).

وعبارة بعض الاجلة المانع من الاستصحاب انه يشترط في حجية الاستصحاب ثبوت امر او حکم وضعی او تكليفى فى زمان من الازمنة قطعاً ثم يحصل الشك في ارتفاعه بسبب من الاسباب ولا يكفى مجرد قابلية الثبوت باعتبار من الاعتبارات فالاستصحاب التقديرى باطل (انتهى) .

والمقصود من هذه المقالة ان الاستصحاب المذكور ليس من الاخذ بالمقتضى و عدم الاعتناء بالمانع ضرورة ان يبوسة العنب ليست رافعة لحكم من احكامه فالشك يتحقق من الجهل بالموضوع فحيث ان الشخص جاهل بموضوع الحرمة ولا يعلم

ص: 373

بانه الجامع بين العنب والزبيب حتى يبقى الحكم فى حال الزبيبية او العنب عنوان يدور الحكم مداره فلا يبقى بعد اليبوسة شك فى حكم عصير الزبيب فترى انه ( قده ) يقول ثم يحصل الشك فى ارتفاعه بسبب من الاسباب ولا يكفى (الخ) وهذا الكلام ينادى بان الشك حصل من الجهل بالموضوع لا بسبب من الاسباب حصل الشك في ارتفاعه فالشك نشاء من تبدل عنوان العنب بالزبيب وليس هذا الا من عدم معرفة الموضوع ولا معنى للشك في المقام الامن الجهل بالموضوع ضرورة ان كل واحد من العنوان والاعم اذا عرف موضوعيته لامجال للشك كما يظهر بالتامل.

واما الاخبار فما يتوهم دلالتها على النجاسة غير دال عليها والتي يمكن ان يستدل بها روايات عديدة ناظرة الى دفع الحرمة والنجاسة وتحصيل خاصية من الخواص .

روی عمار الساباطی قال وصف لى ابو عبدالله (ع) المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالا قال تاخذ ربعاً من زبيب وتنقيه ثم تطرح عليه اثنى عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة فاذا كان ايام الصيف وخشيت ان ينش جعلته في تنور مسجود قليلا (ح) لا ينش ثم تنزع الماء كله حتى اصبحت صببت عليه الماء بقدر ما يغمره ثم تغليه حتى تذهب حلاوته ثم تنزع مائه الآخر فيصبه على الماء الأول ثم تكيله كله فتنظركم الماء ثم تكيل ثلثه فتطرحه فى الاناء الذى تريدان تطبخه فيه وتصب بقدر ما يغمره وتقدره بعود وتجعل قدره قصبة اوعوداً فتحدها على قدر منتهى الماء ثم تغلى الثلث الاخر حتى يذهب الماء الباقى ثم تغليه بالنار فلا تزال تغليه حتى يذهب الثلثان و يبقى الثلث ثم تاخذ لكل ربع رطلا من العسل فتغليه حتى يذهب رغوة العسل و يذهب غشاوة العسل في المطبوخ ثم تضربه بعود ضربا شديداً حتى يختلط وان شئت ان تطيبه بشيء من زعفران او بشيء من زنجبيل فافعل ثم اشربه فان احببت ان يطول مكثه عنده فروقه.

وهذه الرواية كما ترى لا اشعار فيها على نجاسة عصير الزبيب ولا حرمته ومنشا الاشتباه ما فى صدر الرواية اعنى قول الراوى حتى يصير حلالا ضرورة انه

ص: 374

لم يكن حراما حتى يصير حلالا بمعنى ازالة الحرمة عنه بل المقصود هو دفع صيرورته حراماً بل التامل التام يرشدنا الى ان المقصود هداية الراوى الى دقايق الطبخ وكيفيته الموجبة لكمال المطبوخ وطيبه المانعة من فساده ففي الحقيقة بيان المحكم الطبي ولا نظر له الى الاحكام التكليفية مع انها مضطربة من حيث المتن كما ان هذا الراوى من دابه الاندماج والاضطراب فى جميع الموارد و يظهر من هذه الرواية ان الراوى نقل بالمعنى .

وقد بينا لك سابقا ان هذا الراوى يزيد فى الرواية بما يراه وروى عنه (ع) قال سئل عن الزبيب كيف طبخه حتى يشرب حلالا فقال (ع) تاخذ ربعاً من زبيب فتنقيه ثم تطرح عليه اثنى عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة فاذا كان من الغد نزعت سلافته ثم تصب عليه من الماء بقدر ما يغمره ثم تغليه بالنار غلية ثم تنزعه مائه فتصبه على الماء الأول ثم تطرح فى اناء واحد جميعا ثم توقد تحته النارحتى يذهب ثلثاه ويبقى الثلث وتحته النار ثم تاخذ رطلا من العسل فتغليه بالنار غلية وتنزع رغوته ثم تطرحه على المطبوخ ثم تضربه حتى يختلط به و اطرح فيه ان شئت زعفراناً و ان شئت تطيبه بزنجبيل قليل فاذا اردت ان تقسمه اثلاثا لتطبخه فكله بشيء واحد حتى تعلم كم هو تطرح ثلثة الأول فى الاناء الذى تغليه فيه ثم تضع فيه مقداراً وحده حيث يبلغ الماء ثم اطرح الثلث الأخر ثم حده حيث يبلغ الماء ثم تطرح الثلث الاخير ثم حده حيث يبلغ الاخر ثم توقد تحته بنار لينة حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه.

و هذه الرواية ايضاً لا دلالة فيها على شيء من الحرمة و النجاسة بل تعليم لحفظ المطبوخ عن الفساد ولا دلالة لقوله حتى يشرب حلالا على حرمته قبل ذهاب الثلثين ضرورة ان هذا المايع المطبوخ ليس عصيرا عنبياً يحرم بالغليان فتعليم الامام الله الدفع صيرورته نقيعا مسكراً لانه نجس و حرام والطبخ بهذه الكيفية يمنع عن صيرورته نقيعا فهو علاج لدفع الفساد فبعد ذهاب الثلثين و بقاء الثلث مامون من الفساد ويترتب عليه اثره على الوجه الاتم بل قوله حتى يشرب حلالاً

ص: 375

ظاهر في دفع الفساد والحرمة .

ويمكن ان يكون الراوى سمع الرواية من الامام مرة واحدة ونقل بالمعنى على اختلاف الالفاظ ولا يبعد هذا المعنى عن هذالراوى ومقتضى كون الغليان موجبا للنجاسة تنجس الماء الذي يرد عليه المغلى مع السلافته فقوله (ع) فاذان كان من الغد نزعت سلافته ثم تصب عليه من الماء بقدر ما يغمره ثم تغليه بالنار عليه ثم تنزع مائه فتصبه على الماء الأول كاشف عن عدم ايجاب الغليان النجاسة لعدم ما يزيل هذه النجاسة و دقيق النظر يحكم بان ذهاب الثلثين لا يوجب طهارة الثلث الباقي لان الذهاب اور عدمى والعدم لااثر له في شيء فالمقصود من اذهاب الثلثين حصول كيفية للمثلث الباقى مانعة عن صيرورته خمراً ببقائه في مدة طويلة.

قال بعض افاضل العصر و في الرواية شواهد كثيرة لا يخفى على المتامل دلنا حمل الروايتين على ان الغرض من طبخه حتى يذهب ثلثاه انما هو لعدم صيرورته خمراً ببقائه في مدة طويلة لما قيل من ان مياه الثمار الحلوة جميعا بعد غليانها يعتريها الاسكار بسبب تطاول الازمان فان عليه على الحد الذي نطق به الرواية يذهب الاجزاء المائية التى يصير بها خمرا لو مكث مدة كذلك ويعدهها على ان الاصل والعمومات الدالة على الاباحة من الكتاب والسنة بعد انصراف ما دل على حرمة العصير الى العصير العنبى كافية فى نفى التحريم (انتهى).

واظهر من هاتين الروايتين في كون المراد هو الدفع لا الرفع مرسلة اسماعيل بن الفضل الهاشمى قال شكوت الى ابيعبد الله (ع) قراقر تصيبني في معدتي وقلة استمرائى الطعام فقال لى لم لا تتخذ نبيذا نشر به نحن وهو يمرء الطعام و يذهب بالقراقر والرياح من البطن قال فقلت له صفه لى جعلت فداك فقال لي تاخذ صاعا من زبيب فتنقى حبه ومافيه ثم تغسل بالماء غسلا جيدا ثم تنقعه في مثله من الماء او ما يغمره ثم تتركه فى الشتاء ثلثة ايام بلياليها و في الصيف يوماً وليلة فاذا اتى عليه ذلك القدر صفيته و اخذت صفوته وجعلته في اناء و اخذت مقداره بعود ثم طبخته طبخاً رقيقا حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ثم تجعل عليه نصف رطل عسل وتاخذ مقدار العسل

ص: 376

ثم تطبخة حتى تذهب تلك الزيادة ثم تاخذ زنجبيلا وخولنجاناً ودارجينى والزعفران وقر نقلا ومصطكى وتدقه وتجعله فى خرقة رقيقة وتطرحه فيه وتغليه معه غلية ثم تنزله فاذا برد صفيته و اخذت منه على غداتك وعشائك قال ففعلت فذهب عنى ما كنت اجد و هو شراب طيب لا يتغير اذا بقى انشاء الله ولا يخفى على الناظر في هذه المرسلة ان المراد من التعليم هو علاج القراقر والرياح من البطن و قول الراوى في آخر الرواية وهو شراب طيب لا يتغير اذا بقى انشاء الله يكشف عن ان اذهاب الثلثين لدفع التغير مع البقاء فى طول الازمنة و ليس فيهذه الرواية ما يدل على حرمته فضلا عن نجاسته.

واما رواية زيد الرسى عن الصادق الا فى الزبيب يدق ويلقى في القدر ويصب عليه الماء فقال حرام حتى تذهب ثلثاه قلت الزبيب كما هو يلقى في القدر قال هو كذلك سواء اذا ادت الحلاوة الى الماء فقد فسد كلما غلا بنفسه أو بالنار فقد حرم حتى يذهب ثلثاه وان لم يكن قاصرة من الدلالة على الحرمة ولكنها لا اشعار فيها على النجاسة وفى سندها ضعف يمنع من التمسك بها واثبات الحرمة لها ايضا.

قال بعض الأفاضل لما عن الشيخ ( قده ) في الفهرست ان له اصل لم يروه محمد بن على بن الحسين بن بابويه اولم يروه محمد بن الحسن بن وليد وكان يقول انه موضوع و قد قيل في حقه غير ذلك ونقل عن خلاصة العلامة قدس سره اني لم احد لاصحابنا تعديلا له ولا طعنا فيه توقفت عن قبول روايته فلا يحصل مع ذلک اطمينان بها حتى يثبت الحكم المخالف للاصل والعمومات الدالة على الاباحة من الكتاب والسنة انتهى كلام العلامة رضوان الله عليه ومن كان حاله عند القدماء من الاصحاب بهذه المثابة حتى يقال بما رواه انه موضوع لا يحصل الاطمينان لنا ايضاً فلا تخصص العمومات بهذه الرواية .

بقى في المقام عموم ما دل على حرمة العصير كقول الامام (ع) اى عصير اذا مسته النار فقد حرم اوكل عصير اصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه و نحوهما فقد عرفت مما اسلفنا ان هذه العمومات لا تشمل ما يستخرج من

ص: 377

الزبيب الممتزج مع الماء المطلق لما بينا من انه ليس من مصاديق العصير ومع فرض صحة اطلاق العصير عليه ينصرف العمومات الى العصير العنبي اما عدم كونه مصاديق العصير فان المستخرج من الزبيب يختص باسم النقيع كما ان ما يؤخذ من التمر يسمى بالنبيذ فلا يطلق عليهما العصير في اللغة ولا في الشرع قال المحدث البحراني في حدائقه على ما حكى عنه ان اللغة والشرع والعرف على خلافه وان ما يؤخذ من التمر يسمى نبيذاً و ما يؤخذ من الزبيب يسمى نقيعا و استظهر ذلك من المصباح ونهاية ابن الأثير والقاموس و مجمع البحرين في مادة عصر ونقع ونبذ .

و من قول الصادق الا في الصحيح قال رسول الله (ص) الخمر من خمسة العصير من الكرم والنقيع من الزبيب والتبع من العسل والمرر من الشعير والنبيذ من التمر وغاية ما يمكن تعميم اطلاق العصير الى غير ماء العنب هو الاجسام التي لها مائية فيطلق على استخراج مائها كالرمان والحصرم واما استخراج ما في الاجسام الصلبة كالتمر والزبيب بمعونة الماء المطلق فلا يطلق عليه العصير لعدم خروج شيء منهما بالعصر فظهر عدم صحة اطلاق العصير عليهما وما قلنا من انصراف الاطلاق الى عصير العنب فهو منوط على فرض صحة الاطلاق على المستخرج من الزبي بيب ومن هذا البيان ظهر حكم المستخرج من التمر ايضا .

و حيث ان بعض المحققين من الفقهاء رضوان الله عليهم لم يرض بدعوى اختصاص العنب شرعاً اولغة باطلاق العصير على مائه تمسكنا بعدم انصراف الاطلاق الى المستخرج من الزبيب والا فالتحقيق ما قلنا من عدم صحة الاطلاق على غير ماء العنب.

وقال شيخنا المرتضى ( قده ) ان دعوى الاختصاص شرعا اولغة بعصیر العنب مشكلة لكن دعوى المعهودية فى لفظ العصير في الاخبار مما لا ينكر ضرورة عدم ارادة العموم منها والالزم التخصيص المستهجن فلولم ندع ظهور العهد في خصوص المعتصر من العنب فلا ظهور في المعتصر من مطلق ثمرة الكرم والنخل (انتهى).

ص: 378

وقال في الجواهر بعد نقل عبارة الحدائق وهو وان امكن مناقشة في جميع ذلك لكن الانصاف انه ان لم يكن حقيقة فيه الا انه المنساق الى الذهن من اطلاق الادلة بل هو المعهود المعبر عنه فيها تارة بالعصير واخرى بالطلاء وثالثة بالبختج (انتهى).

فترى هذين الجليلين غير قاطعين باختصاص العنب بهذا الوصف اى اطلاق العصير على مائه ومستندين في عدم نجاسة ماء الزبيب المستخرج من الزبيب المختلط الماء المطلق و عدم حرمته بانصراف الاطلاق الى العصير العنبي وكان الانسب مع الاستناد بعدم صحة الاطلاق عليه واما الاستناد بانصراف الاطلاق الى العصير العنبى فيصح الحكم بعدم سببية غليان ماء الرمان و ما له مايع من الثمرات يخرج منه بالعصر كالاجاس وغيره مما يشبهه كماء التوت والتفاح والورد والسفرجل فان اطلاق العصير على المياه الخارج منها بالعصر اطلاق حقيقى الا ان ما في الاخبار من حكم العصير اذا على بالنار لا يشمل هذه المياه بل منصرف الى ماء العنب المعتصر منه وقد كتب الى ابى الحسن الأول (ع) جعفر بن محمد المكفوف على ما روى الكليني رضوان الله عليه فى الكافى سئله عن السكنجبين والجلاب ورب التوت ورب التفاح ورب الرمان فكتب حلال من غيران يشترط بشيء .

وفى رواية اخرى عن هذا الراوى قال كتبت الى ابى الحسن الاول (ع) اسئله عن الشربة تكون قبلنا السكنجبين والجلاب ورب التوت ورب الرمان و رب السفرجل ورب التفاح اذا كان الذي يبيعها غير عارف وهي تباع في اسواقنا فكتب جائز لا باس بها .

وروى ابراهيم بن مهزیار عن خليل بن هشام قال كتبت الى ابى الحسن (ع) والمراد الهادى (ع) جعلت فداك عندنا شراب يسمى الميبه نعمد الى السفرجل فنقشره وتلقيه فى الماء ثم نعمد الى العصير فنطبخه على الثلث ثم ندق ذلك السفرجل و ناخذ مائه ثم نعمد الى ماء هذا المثلث وهذا السفرجل فتلقى فيه المسك والافادى والزعفران والعسل فنطبخه حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ايحل شربه فكتب لا باس

ص: 379

به ما لم يتغير والمراد من الجلاب هو ماء الورد الذي يعتصر منه.

و هذه الاخبار الحاكمة بالجواز و عدم الباس عن هذه المايعات المغلية لا تعارض ما دل على حرمة العصير المغلى لان العصير ينصرف الى العصير العنبى و هذه المايعات المعتصرة من هذه الثمرات المغلية بالبار باقية على طهارتها وحليتها و اشار مولانا الهادي (ع) الى ان الحلية يتبدل بالحرمة اذا تغيرت عن حالها وقول ابى الحسن الاول (ع) الحلال يكشف عن ان السؤال عن الحرمة والحلية واما الطهارة والنجاسة فبينا ان الطهارة هي الاصل في الاشياء والنجاسة في المايعات منوطة الى اسكارها فلا يحكم بها الا بعد احرازه والتغير الذي هو منتهى حلية الشرب ان كان اسكاراً فيستبع النجاسة ايضا وان كان صرف الخباثة فيتبدل الحل بالحرمة لخباثتها لكن الظاهر هو الثاني لعدم اسکار هذا لنحو من المعتصرات.

وحاصل المبحث ان المستخرج من الزبيب المختلط مع الماء المطلق لا دليل على حرمته فضلا عن نجاسته و ما قيل بدلالته فقد عرفت عدم دلالته و يشارك في هذا الحكم التمر لانه كالزبيب فى عدم صدق العصير على المستخرج منه المختلط مع الماء فهو خارج عن العصير موضوعا واما الرطب منه وان يصدق عليه اى على المايع المعتصر منه العصير ولاكن لا يشمله الحكم لانصراف الاطلاق الى العصير العنبي فمقتضى كون العصير من الكرم والنقيع من الزبيب والنبيذ من التمر اختصاص العصير بالعنب واما النقيع والنبيذ المتخذان من الزبيب والتمر فهما يحرمان مع الاسكار الذى يستلزم النجاسة ايضا فحرمة ماء العنب المغلى ليس لاسكاره حتى ترتب عليه النجاسة فإذهاب ثلثى عصير العنب بعد ما غلى يجب اصالة لدلالة الروايات على حرمة المغلى منه قبل ذهاب ثلثيه.

و اما ما ورد من اذهاب ثلثى ماء التمر فلاجل الدفع عن الفساد بالاختمار لطول المكث فالتمسك بموثقة عمار للمحرمة ليس على ما ينبغى سئل عن النضوح العتيق كيف يصنع حتى تحل قال خذ التمر فاغسله حتى يذهب ثلثا ماء التمر مع ان متن هذه الموثقة لا يخلو عن اضطراب فان الامر باغلاء التمر والتمر ليس له ماء يذهب ثلثاه وله موثقة اخرى قال سئلته عن النضوح قال يطبخ التمر حتى يذهب

ص: 380

ثلثاه و يبقى ثلثه و يتمشطن لان اذهاب الثلثين دفع لصيرورة النضوح مسكرا لان النضوح على ما قيل طيب مايع ينقعون التمر والسكر والقرنفل والتفاح والزعفران واشباه ذلك في قارورة مخصوصة فيها قدر مخصوص من الماء ويصبرون اياما حتى ينش ويتخمر فلعل الامر باذهاب الثلثين لدفع الاختمار والاسكار الموجب لنجاسته فلذا امر مولانا الصادق باهراقه فى البالوعة .

روى عيثمة قال دخلت علی ابی عبد الله (ع) و عنده نساؤه قال فشم رائحة النضوح فقال ما هذا قالوا نضوح يجعل فيه الضياح فامر به فاهريق في البالوعة فامره (ع) بالاهراق لاجل كونه مسكراً نجسا و الضياح بالضاد المعجمة و الياء المثناة من تحت هو اللبن الرقيق الممزوج بالماء وفى بعض النسخ بالصاد المهملة المفتوحة والياء المشددة على وزن كتان عطر او عسل وقد يفسر الضياح بالضاد باللبن الخاشر وكيف كان النضوح المامور بالاهراق هو الذي اختمر و اسكر و صار نجسا .

فملخص البحث ان النجاسة في هذه المايعات اى مايع كان دائرة مدار الاسكار فلا ينجس الا به و لیس اسم من اسامى هذه المايعات مما يوجب نجاسة المسمى اذ انفرد عن الاسكار فقد عرفت فى النبيذ انه يطلق على ما يسكر وعلى غير المسكر فينجس و يحرم الاول ولا يحرم الثانى فضلا عن النجاسة واما العصير العنبي المغلى فانه يحرم من غير نجاسة.

ثم انه لا فرق في هذا الحكم بين ان يغلى العصير بالانفراد وبين غليانه ممزوجا مع شيء آخر فيحرم بعد الغليان وقبل ذهاب الثلثين ويحل بعد الذهاب فالمناط في حليته بعد حرمته بالغليان هو ذهاب ثلثيه بعد الغليان منفردا كان او ممتزجا لعموم ما دل على حرمة العصير بعد الغليان وقبل ذهاب الثلثين وعدم ما يدل على ما نعية الامتزاج لهذا الحكم او تخصيصه بالانفراد.

ويدل على عدم الفرق ما عن مستطرفات السرائر عن كتاب مسائل الرجال عن ابى الحسن حيث كتب محمد بن عيسى اليه (ع) عندنا طبيخ نجعل فيه الحصرم

ص: 381

وربما يجعل فيه العصير من العنب وانما هو لحم طبخ وقد روى عنهم (ع) ان العصير اذا جعل على النار لم يشرب حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه فان الذي يجعل في القدر العصير بتلك المنزلة وقد اجتنبوا اكله الى ان يستأذن مولانا في ذلك فكتب (ع) بخطه لاباس بذلك فان الظاهر من هذه المكاتبة ان المجتنبين عن اكله اشتبه علیهم الامر في حلية العصير الذي غلى و ذهب ثلثاه اذا كان ممزوجاً مع الاشياء الاخر فظنوا ان ذهاب الحرمة بذهاب الثلثين انما هو مع الانفراد لاعلى كل من الانفراد والامتزاج فكتب (ع) بعدم الباس اى عدم الفرق بين الحالين.

و ما فى السؤال فان الذى يجعل فى القدر من العصير بتلك المنزلة معناه ان العصير في القدر على وذهب ثلثاه فالمانع من اليقين بحليته هو الامتزاج بغيره وذهب الى ما بيناه من تفسير الرواية صاحب الحدائق (قده) ففى الجواهر بعد نقل الرواية لمنافاتها لحرمتها الممتزج مع غيره لكن فى الحدائق ان الخبر ظاهر في ان حكم العصير مطبوخا مع غيره حكمه منفردا وكان السائل توهم اختصاص الحكم المذكور بالعصير أوشك في جريان ذلك فيه ان طبخ مع غيره لان ظاهر قوله يجعل فى القدر من العصير بتلك المنزلة يعنى يذهب ثلثاه كما روى فاجابه بنفى الباس مع ذهاب الثلثين اشارة الى ان هذا الحكم ثابت ل_ه مطلقا منفرداً او مع غيره.

وهذا التفسير عن هذا المحقق فى غاية الصحة والمتانة ويظهر منه ان غير المثلث منه حرام مطلقا كما انه يظهر من الرواية حكم عصير الحصرم وانه لاحرمة فيه في حال من الحالات فما حكى صاحب الحدائق عن بعض محدثى البحرين الاحتياط لاحتمال شمول الاخبار له لا يعتنى به لانصراف العصير الى عصیر العنب و اما اخبار نزاع ابليس فقد اشرنا فيما سلف إنها ليست مدارك للاحكام والافاصل النزاع يوجب الاحتياط في العنب ايضاً لان ظاهرها يعطى كون ثمرة الكرم مشتركة بين ابليس ونوح لا العصير منها .

وهل للعصر دخل في حرمة العصير المغلى او المناط في الحرمة هو غليان

ص: 382

ذلك المايع عصر او لم يعصر ظاهر الاخبار يعطى ان الموضوع للحرمة هو غلیان العصير اى عصير المغلى ولا يطلق العصير على ما فى حبات العنب قبل خروجه من الحبات بالعصر فالظاهر ان العصير عنوان يدور الحكم مداره.

ولكن شيخنا الانصارى ذهب الى ان المناط هو غليان المايع وقال ان التعبير عن الموضوع فيها بالعصير من باب التعبير بالغالب والا فلابد ان لا يحكم بالحرمة اذ استخرج ماء العنب لا بالعصر بل بالغليان وهو واضح الفساد فلوغلى ماء العنب حبه من دون ان يخرج حرم و دعوى انه لا يتحقق معه القلب المفسر بالغليان في رواية حماد بن عثمان و في كلمات الاصحاب بصيرورة اعلاه اسفله مدفوعة بان الظاهر تحققه في حب العنب بحسب حاله اذ الظاهر انه يكفي في ذلك مجرد حرکته.

وفي موثقة ذريح اذ انش العصير اوغلا حرم نعم ربما يستفاد من مفهوم قوله (ع) في رواية زيد المتقدمة فى القاء الزبيب في القدر کما هو اذا ادت الحلاوة الى الماء فقد فسد فان ضمير فسد و ان قلنا برجوعه الى الماء مع اقتضاء المقام البيان يدل على العدم الا ان الرواية ضعيفة وعلى ما ذكرنا فتحرم حبات العنب بل تنجس اذا غلت بالشمس قبل ان يصير زبيبا (انتهى) .

وهذا خروج عن ظواهر الاخبار وحمل العصير على الغالب وجعل الموضوع هو المايع الاعم تصرف بلامجوز وقوله والا فلابد ان لا يحكم الى قوله واضح الفساد قول بلادليل ووضوح فساده على زعمه قدس سره ولوكان فساده من الواضحات لما ذهب اليه المحقق الاردبيلى على ما حكاه عنه قال بعد قوله ان يصير زبيباً فما عن المحقق الاردبيلى من التامل فى تحريم ذلك مع اعترافه بانهم صرحوا به محل نظر .

قال في شرح الارشاد على ما حكى عنه وظاهر النصوص اشتراط كونه معصوراً فلوغلى ماء العنب فى حبه لم يصدق عليه انه عصير على ففى تحريمه تامل ولكن صرحوا به فتامل والاصل والعمومات وحصر المحرمات دليل الحل حتى تعلم الناقل

ص: 383

انتهی كلام الاردبيلي (قده ) وكلامه سيما آخره يدل على انه لا يقول بحرمة غير العصير من ماء العنب ثم قال الانصاری ( قده) و قد عرفت ان التعبير في الاخبار محمولة على الغالب .

(وفيه) انه لاداعى يدعونا الى هذا الحمل وتعميم الحكم على الاعم من العصير عنوانا للحكم يدور مداره كما هو ظاهر الروايات وليس في شيء منهما ما يدل على ان الموضوع هو الاعم حتى نلتجأ الى هذا الحمل وقوله ( قده ) بل ينجس اذاغلت بالشمس قبل ان يصيرز بيبا حكم منه بنجاسة المايع فى الحب بعد الغليان وطهارته بعد الجفاف وصيرورته زبيباً مع ان نجاسة المايع يوجب تنجس ما اتصل به ولا مطهر له بعد الجفاف لان يبوسة العنب ليس من المطهرات والزبيب ليس له حقيقة مخالفة لحقيقة العنب حتى يقال بتبدل الذات الى ذات آخر ويقال بمطهرية الاستحالة وما سمعت من تبدل الموضوع لا ينافي وحدة الحقيقة لان التبدل يحصل بتغير الوصف على ان الحكم بالنجاسة من غير العلم بالاسكار لا معنى له وقد تظافرت الروايات بانحصار الاسكار في علية النجاسة بالنسبة الى المايعات فالارجح في النظر هو عدم حرمة ما فى حبات العنب ما لم يعلم باسكاره بصرف حركته فيها فضلا عن نجاسته لعدم تحقق العنوان ومع فرض العلم باسكاره يحكم بنجاسته و حرمته لنجاسته لا لحركته فيها ومع ذلك كله لا يخفى حسن الاحتياط على احد.

ثم ان حكم الحرمة محمول على العصير ما لم يطرء عليه عنوان آخر ومع الطريان ينقلب حكمه فلوصار العصير خلا ينقلب الحرمة بالحل لان عنوان الخل هو الحل كما ان الخمر اذا صار خلا ينقلب نجاسته بالطهارة وحرمته بالحل لان الاحكام تابعة لموضوعاتها .

ولا يطرد هذا المعنى فى الدبس فلوصار دبساً قبل ذهاب ثلثيه لا يحل ووجهه ان الدبس يعتبر فيه ذهاب ثلثيه وبدونه لا يصير دبسا بحسب الواقع بل يترائي صيرورته دبساً و لو فرض صيرورته دبساً واقعا فنقول على هذا لا يكون الدبس حلالا على الاطلاق بل الحلال منه هو ما ذهب ثلثاه واما قبل ذهاب الثلثين فباق على حرمته

ص: 384

و ان اطلق عليه الدبس فان العصير المغلى حرام قبل ذهاب ثلثيه و اطلاق الدبس عليه لا يرفع حكمه.

ثم ان مقتضى ما عرفت من كون الاسكار هو العلة للنجاسة والموضوع هو المسكر المايع ثبوت حكم النجاسة لكل ما يسكر ولا فرق فيما ذكر وغير ما ذكر فلواتفق اتخاذ المسكر من جسم غير ما ذكر يكون نجساً لاسكاره فبعد تحقق الموضوع يترتب الحكم عليه وبعد وجود الغلة يثبت المعلول ولم يظهر من الاخبار خصوصية للاشياء المذكورة بحيث ينحصر المتخذ منها بالحكم بل المعلوم من الاخبار علية الاسكان المنجاسة من اى شىء كان وباي كيفية اتفق.

فتامل جواب الرسول الاكرم (ص) الوافدين اليه اذا سئلوا عن النبيذ روى محمد بن جعفر عن ابيه (ع) قال قدم على رسول الله (ص) من اليمن قوم فسئلوه معالم دينهم فاجابهم فخرج القوم باجمعهم فلما ساروا مرحلة قال بعضهم لبعض نسينا ان نسئل رسول الله (ص) عما هواهم الينا ثم نزل القوم ثم بعثوا وفداً لهم فاتى الوفد رسول الله (ص) فقالوا يا رسول الله (ص) ان القوم بعثوابنا اليك يسئلونك عن النبيذ فقال رسول الله و ما النبيذ صفوه لى فقالوا يؤخذ من التمر فينبذ في اناء ثم يصب عليه الماء حتى يمتلى ويوقد تحته حتى ينطبخ فاذا انطبخ اخذوه فالقوه في اناء آخر ثم صبوا عليه ماء ثم يمرس ثم صفوه بثوب ثم يلقى في اناء ثم يصب عليه من عكر ما كان قبله ثم يهدر ويغلى ثم يسكن على عكرة.

(فقال) رسول الله (ص) يا هذا قد اكثرت افيسكر قال نعم (قال (ص)) فكل مسكر حرام قال فخرج الوفد حتى انتهوا الى اصحابهم فاخبروهم بما قال رسول الله (ص) فقال القوم ارجعوا بنا الى رسول الله (ص) حتى نسئله عنها شفاها ولا يكون بيننا وبينه فرجع القوم جميعاً فقالوا يا رسول الله (ص) ان ارضا ارض دوية ونحن الله قوم نعمل الزرع ولا نقومى على العمل الا بالنبيذ فقال لهم رسول الله (ص) صفوم لى فوصفوه له كما وصف اصحابهم فقال لهم رسول الله (ص) افيسكر فقالوا نعم فقال كل مسكر حرام وحق على الله ان يسقى شارب كل مسكر من طينة خبال افتدرون ما

ص: 385

طينة خيال قالوا لا قال (ص) الصديد اهل النار يظهر لك ان المناط في الحكم هو الاسكار و ان المتخذ منه لا عبرة له فقوله قد اكثرت افيسكر يرشدنا ان الكيفيات الخاصة في جعل النبيذ ليس لها اثر بل ذكرها اكثار المكلام وقوله (ص) كل مسكر حرام في جواب الوفد والقوم دليل على ان الاثر اللاسكار من كل شيء كان ولا فرق في الحرمة والنجاسة بعد ما ثبتت نجاسة المسكر.

ويدل على ما بيناه صحيحة على بن يقطين عن ابى الحسن الماضي (ع) قال ان الله عز وجل لم يحرم الخمر لاسمها ولكنه حرمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر فهى صريحة فى ان الحكم مرتب على اثر الخمر الذي هو الاسكار ولا عبرة بما يتخذ منه .

و روى فضيل بن يسار عن مولانا ابى جعفر (ع) قال سئلته عن النبيذ فقال حرم الله الخمر بعينها وحرم النبى (ص) من الاشربة كل مسكر لم يفرق بين ان يغلى النبيذ بالنار ولم يذهب ثلثاه وبين ان لا يغلى وفى هذه الرواية دلالة على عدم العبرة بسبب الاسكار ايضا كما انه لا عبرة بشيء يتخذ منه المسكر.

و روی مولى حريز عن مولانا الصادق (ع) قال فقلت له انى اصنع الاشربة من العسل وغيره وانى يكلفونى فى صنعتها فاصنعها لهم قال اصنعها لهم وادفعها اليهم وهى حلال قبل ان تصير مسكراً فترى ان الرادى قال من العسل و غيره وحكم الامام بحليته قبل ان تصير مسكراً و لم يسئل عن الغير ما هو فيعلم عدم الاعتبار بالذى يتخذ منه المسكر

فما تداول في هذه الاعصار من تصنع مايع متخذ من غير ما ذكر من العنب زبيب والتمر والرطب والحنطة والشعير والعسل والذرة من الاخشاب والنبات و يسمونه بالالكل الصنعتى يستعمل في التزريقات والاشياء الاخر يتوقف الحكم بنجاسته و عدمها اتصافه بالاسكار وعدمه وليس لاحد المبادرة بالحكم بنجاسته قبل العلم باسكاره .

ص: 386

منها الكافر

( منها الكافر )

والمراد منه هو الخارج عن ربقة الاسلام سواء كان اصليا غير داخل في الاسلام بعد او كان خارجا بالارتداد الفطرى او الملى بعد ما كان داخلا فيه .

و الكفر يتحقق بامرين احدهما النمرد و الطغيان بالرد على الله او دعوى الربوبية فى مقابله تعالى شانه والثانى الجحد والانكار بوجود واجب الوجود راساً او با نگار ما يستلزم انكاره تعالى بعد الاقرار (فالاول) ككفر ابليس لعنه الله تعالى ومن يحذو حذوه كشداد البانى للجنة ونمرود الذى قال انا احيى واميت وفرعون الذي قال انا ربكم الأعلى وكل من ادعى الالوهية او الربوبية وهذا اشد انواع الكفر واظهر مصاديقه سواء اعتقد في نفس الامر وجود الواجب تعالى شانه اولم يعتقد بل الامر مع الاعتقاد اشد فترى الابليس لعنة الله يعترف بخالقية الخالق ومخلوقية نفسه وحقية المعاد اذ قال لعنه الله خلقتنى من نار وخلقته من طين وانظر نیالی يوم يبعثون وكفره اشد انواع الكفر وهو العن من جميع طوايف الكفار و اشد عذابا منهم في حكمه من اعترض اعتراضا بالله في حكم من احكامه او اعطاء مزية من المزايا او خصوصية من الخصوصيات احدا من عباده المكرمين كعمر و بن هشام المكنى بابى جهل اذ قال لم جعل الله تبارك و تعالى النبوة في بني هاشم وخص محمداً الله بها فان هذا التخصيص موجب لمزية بني هاشم وتقدمهم على بني مخزوم ولذا صار كالشيطان الرجيم و ساوى فرعون في الخباثة والملعنة ولك ان تقول بكونه لعنه الله تعالى اخبث والعن من فرعون لانه لم يومن بعد ما راى الباس و فرعون قد آمن بعد رؤية الباس وان لم يعد بحاله وينبغى ان يتفطن الفطن ان الاكثار في القول ( بلم ) ( وبم ( قد ينجر الى اللحوق بابى جهل اللئيم و الشيطان الرجيم فان اللسان اذا اطلق العنان يسبق الجنان.

ص: 387

(والثاني) اى الكفر بالانكار فالكافر بانكار واجب الوجود الصانع لما سواه عظم ثنائه راسا هو الطائفة الدهرية خذلهم الله الذين يقولون لا رب ولا جنة ولانار ويقولون ما يهلكنا الا الدهر ومعنى قولهم هذا ان اهلا كنا مرور الدهوراعنى كر الليالي والايام من دون اعتقادهم بوجود واجب ينتهى اليه الاهلاك او الايجاد وهؤلاء اظهر مصاديق الزنادقة.

ويتلوهم الطبيعيون ايضا القائلون باستناد امر الايجاد والاهلاك الى الطبايع الجزئية فلا يعتقدون هؤلاء ايضاً برب ولاجنة ولا نار وبعد هذه الطائفة الخبيثة الثنوية بالنسبة الى بعض الاشياء فانهم قائلون باليزدان الخالق للخيرات والاهريمن الخالق المشرور مثل القحط والغلاء والوباء و الامراض والفلق والمحن مستدلين بان هذه الشرور لا يجوز صدورها من المبدء الخير المحض السلام الرحيم الغنى عن العالمين فلابد لها من مبدء مستقل تصدر عنها فهم قائلون باصلين قديمين .

واجاب الاشراقيون من الحكما يكون الشرور باسرها اعداماً ليس لها وجود كي يحتاج الى اصل قديم والمشائون قسموا الموجود بالخير المحض والخير الكثير الغالب على الشر والخير المساوى مع الشر و الشر الغالب على الخير والشر المحض وما لا يجوز العقل وجوده من الخير المحض السلام الغنى عن العالمين هو الثلثة الاخيرة واما الاولان فلامانع من صدوره فترك ما خيره اكثر من شره اهمال للخير وهو لا يليق بالحكيم .

و هذه الطائفة بحسب الواقع من المنكرين لواجب الوجود لان وجوب الوجود لا تعدد فيه ويستحيل ان يتعدد الواجب لدلائل التوحيد فالمعتقد باصلين قديمين منكر بالله القديم عظم ثنائه وشرك في خالقيته فحالهم حال الدهرية بحسب الواقع مع ان الدهرية نافون للرب راسا والثنوية مثبتين من فوق الواحد فلا يعتنى باثباتهم الخالق.

والقائل بجواز وجود هويتين بسيطتين مختلفتين بتمام الذات وانتزاع وجوب الوجود عنهما وكونه عرضيا لهما وكونهما واجبى الوجود بذاتهما يضاهل الثنوية

ص: 388

بل اسوء حالا منهم لان الثنوية قائلون باصلين قديمين وقول هذا المجوز يستلزم كثرة الواجب ازيد من الاثنين وفيه ان المعنى الواحد لا ينتزع من الشيئين المختلفين ما لم يتحدا في جهة من الجهات تكون منشأ لانتزاع المنتزع الواحد و اذا وجد في الواجبين المفروضين ما هو سبب للانتزاع فحصل في كل منهما التركيب فمن يعتقد بهذا الاعتقاد منكر بالله لاستحالة التعدد في واجب الوجود فالمعتقد بالتعدد منكر له.

وقد يتحق الخروج عن الاسلام بانكار من جاء بالاسلام وعدم تصديق الرسول سواء كان عارفا به وعالما بمجيئه اولم يعرفه ولم يعلم بمجيئه اوعرفه ولم يعلم بمجيئه والى المنكرين مع العلم والمعرفة اشار في القرآن لقوله وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جائهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين.

وفي رواية ابى بصير عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فقال (ع) كانت اليهود تجد في كتبها ان مهاجر محمد (ص) ما بين عير واحد فخرجوا يطلبون الموضع فمروا بجبل يسمى حداد فقالوا حداد واحد سواء فتفرقوا عنده فنزل بعضهم بتيماء و بعضهم بغدك و بعضهم بخيبر فاشتاق الذين بتيماء الى بعض اخوانهم فمر بهم اعرابی من قيس فتكاروا منه وقال لهم امر بكم ما بين غير واحد فقالوا له اذا مررت بهما فآذننا بهما فلما توسط بهم ارض المدينة قال لهم ذاك غير وهذا احد فنزلوا عن ظهر ابله وقالوا قد اصبنا بنيتنا فلا حاجة لنا فى ابلك فاذهب حيث شئت وكتبوا الى اخوانهم الذين بفدك وخيبر انا قد اصبنا الموضع فهلموا الينا فكتبوا اليهم انا قد استقرت بنا الدار و اتخذنا الاموال وما اقربنا منكم فاذا كان ذلك فما اسرعنا اليكم فاتخذوا بارض المدينة الاموال فلما كثرت اموالهم بلغ تبع فغزاهم فتحصنوا منه فحاصرهم وكانوا يرقون بضعفاء اصحاب تبع فيلقون اليهم بالميل التمر والشعير فبلغ ذلك تبع فرق لهم و آمنهم فنزلوا اليه فقال لهم انى قد استطبت بلادكم ولا اراني الامقيما فيكم فقالوا انه ليس ذلك لك انها مهاجر نبى وليس ذلك لاحد حتى يكون ذلك فقال لهم انى

ص: 389

مخلف فيكم من اسرتى من اذا كان ذلك ساعده ونصر. فخلف حيين الأوس والخزرج فلما كثروا كانوا يتناولون اموال اليهود وكانت اليهود تقول لهم انا لوقد بعث محمد (ص) ليخر جنكم من ديارنا و اموالنا فلما بعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وآله امنت به الانصار و كفرت به اليهود وهو قول الله عز وجل وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جائهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين .

فترى هذه الطوائف من اليهود كفروا بنبوة خاتم النبيين (ص) و بعد معرفتهم بشخصه و بنبوته ورسالته كمال المعرفة ولو فرض انكار احد من الاحاد نبوته مع عدم المعرفة بحاله فلا فرق بينه وبين العارف بحقه فى الكفر و احكامه ولو كان بينهما فرق بالنسبة الى شدة العذاب وخفته في النشأة الاخرى لان مناط الكفر والخروج من الاسلام هو انكار النبي (ص).

واما انكار احد من الانبياء غير نبينا على نبينا و آله وعليهم السلام مع الاعتراف بالوهية الاله وربوبيته يوجب الكفر اذا كان عارفا بحقه (فح) انکاره مستلزم لانكار الالوهية ولا ينفعه الاعتراف واما مع عدم المعرفة فلا يستلزم انكار الاله واما انكار نبينا (ص) فايجابه الكفر على كل حال فلا يجابه الخروج عن الاسلام و هو دين حاضر وليس انكار الانبياء مستلزماً للخروج عن اديانهم لعدم بقاء الاديان.

نعم لو علم ان في دين الاسلام اثبات لذلك النبي (ص) يستلزم انكاره الكفر لانكار ما جاء به النبي (ص).

واما انكار الملئكة فيوجب الكفر لانه يستلزم تكذيب النبي (ص) والقرآن الكريم لما ثبت فى القرآن وجودهم سلام الله عليهم سواء كان في انكاره تعيين باسم احدهم سلام الله عليهم الذي في القرآن كجبرئيل وميكائيل وملك الموت سمی عليهم سلام الله او كان الانكار على نحو ا و التعميم و في حكم انكارهم اظهار العداوة بالنسبة الى احدهم او توصيفهم باوصاف لا يليق بحالهم كالعصيان بالنسبة الى الله تبارك وتعالى لانهم رسل الله وامنائه لا يعصون ما امرهم الله عزوجل·

ومما يوجب الكفر الاستخفاف باحد من الانبياء والمرسلين سيما اولى العزم

ص: 390

منهم سيما خاتم النبيين وسيد المرسلين او احد من الملئكة المقربين صلوات الله و سلامه عليهم اجمعين والكتب المنزلة من الله على رسله اى نوع من الاستخفاف كان كسب احد من الانبياء او الملئكة او حرق احد من الكتب السماوية او استخفاف على نوع آخر لان المستخف في مقام الطغيان بالله و استخفاف احد من امنائه او کتابه استخفاف بالله جل جلاله فلا يبقى المستخف فى ربقة الاسلام ان اعترف به ومع عدم الاعتراف يشتد كفره فمع عدم الاعتراف كافر بالمعنيين المذكورين.

وفي حكم هذا من استخف بالاماكن المتبركة كبيت الله الحرام و مسجد الرسول (ص) و مشاهد الائمة(ع) و مسجد الكوفة وبيت المقدس وكل مسجد من المساجد فى اى مكان كان مع اختلاف واضح في شدة الكفر.

ومشاهد اولاد المعصومين (ع) يحذوا حذو مشاهدهم ولكن المراتب محفوظة والاستخفاف يحصل بكل مالا يليق بها من التنجيس واتخاذها محالا للزبال فاذا كان لاجل عدم الاعتناء يكون فاعله كافرا ومع العناد يشتد كفره.

و اما التخريب للاصلاح و التعمير فليس من هذا الباب بل عمارة المساجد والمشاهد من اكمل الطاعات وافضل القربات واما انكار الأوصياء للانبياء فان كانوا انبياء فهم داخلون في زمرتهم وان لم يكونوا انبياء فمع معرفة المنكر بنصب النبى له من غير توسط او مع التوسط فانكاره انكار للموصى واما مع عدم المعرفة بحاله فان كان المنكر ممن يعترف به مع العلم به فلاضيران لم يقصر في مقدمات المعرفة و اما مع التقصير او كونه ممن ينكر مع العلم فهو كافر لان الانكار مقتض للكفر والعلم شرط فمع فرض كون المنكر ممن ينكر بعد العلم ايضا فيؤثر المقتضى اثره ويمكن ان يقال ان بعد فرض كون العلم بالحال شرطا لتاثير الانكار فلام عنى لاثر المقتضى قبل وجود الشرط وكونه بحيث ينكر مع العلم ايضا لا اثر له كما انه يمكن القول بان الانكار والجحود علة للكفر وترتيب الاثار الفقهية وكونه اى الانكار عن جهل و الفرق بين الجاهل بالتقصير و الجاهل بالقصور يفرق في ترتيب الاثار الاخروية.

ص: 391

اما القائلون بالجبر بالنسبة الى افعال العباد فكفرهم لاجل منافات هذا الاعتقاد السخيف الشرايع والاديان والتكاليف و الثواب والعقاب والجنة والنار و حكمة القادر المختار و عدله ضرورة ان العبد اذا لم يكن مختاراً في فعله وكان مضطراً في عمله لا يجوز عقابه من طرف الحكيم الغير المحتاج الى عقابه فيمتنع صدوره منه تعالى شانه و امتناعه من البديهيات الأولية فالقائل بالجبر منكر لعدله وحكمته والمنكر لهما منكر لوجوب وجوده فهو من اشد اقسام الكفار.

و في حكم الجبرية من حيث الكفر المفوضة القائلون بتفويض الامر الى العباد وانعزال ربهم عن الفعل بحيث لم يكن له دخل في افعالهم كما قال اليهود يد الله مغلولة فالمعتقد بهذه العقيدة اسوء حالا من القائل بالجبر لانها انكار لخالقيته و قادريته فهاتان الطائفتان فى طرفي الافراط والتفريط الذين في كليهما انحراف عن الدين القويم والطريق المستقيم لان الحق الحقيق بالاعتقاد هو مفاد الامر بين الامرين اعنى كون العبادة والطاعة بتوفيق الله تبارك وتعالى شانه والمعصية بخذلانه عظم ثنائه ومعنى الخذلان هو ما يقابل التوفيق الذى هو توجيه الاسباب نحو المطلوب الخير فالخذلان عدم منعه من المعصية وعدم توجيه الاسباب له وجعله في عهدته و الخذلان ليس من الامور الوجودية التي لها تأثير فى المعصية بل عبارة عن عدم منع العاصى عن معصيته وليس هذا من الانعزال عن الامور بل له القدرة التامة في كل آن من الابات والعباد مستمدون من مدره تعالى شانه وكلما اراد ان يمنع من الكفار فعل من الافعال يمنع ا منع من قتل الانبياء في بعض الموارد و يرفع في بعض الاحيان ظلم الظالمين عن المظلومين واذا لم يمنع وفعل العبد سيئة فعل باختياره وعدم منع الله تعالى يكون باختياره وخذلان العاصى لا لانعزاله تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

واوضح من هذا البيان ان فعل العبد على وفق مرضات الله باتيانه ما هو طاعة انما يكون بتوفيق الله جل جلاله وتركه معصية من المعاصي يكون بعونه عظم ثنائه وهذا معنى قولك لاحول ولا قوة الا بالله.

ص: 392

روی جابر بن يزيد الجعفى عن أبي جعفر محمد بن على الباقر (ع) قال سئلته عن معنى لاحول ولا قوة الا بالله فقال (ع) معناه لا حول لنا عن معصية الله الابعون الله ولاقوة لنا على طاعة الله الا بتوفيق الله عز وجل (انتهى الحديث).

فالعبد ما دام على الاستقامة والاطاعة الاتى بما هو طاعة والتارك لما هو معصية انما هو تحت ظل حمایته تعالی شانه فاطاعته بتوفيقه وترك معصيته بحوله وفي بعض الادعية حول حالنا الى احسن الحال اعنا في ترك المعصية و اذا انحرف عن الطريق المستقيم يظهر ان الله خذله ولم يمنعه عن معصيته ولم يجبره بطاعته و هذا معنى قولهم (ع) الطاعة بتوفيق الله والمعصية بخذلان الله فالعبيد في كل من الطاعة والعصيان مختارون الطاعة من توفيق الله وتوجيهه الاسباب والمعصية بعدم منعه عنها وهو الخذلان مع قدرته تعالى شانه بالمنع .

فظهر من هذه البيانات معنى قولهم الأمر بين الأمرين ولا جبر ولا تفويض فان معنى الجبر هو اغرائه العبد الى الفعل عبادة كان او معصية وهذا لا يصدر من مخلوق عاقل فضلا عن خالق العقلاء ومعنى التفويض ارجاع الامر الى العبد وانتزاله عن الفعل تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

روى عن الرضا (ع) القائل بالجبر كافر والقائل بالتفويض شرك وقال مولانا الصادق (ع) قال ان الناس في القدر على ثلثة اوجه رجل زعم ان الله تعالى اجبر الناس على المعاصى فهذا قد اظلم الله في حكمه فهو كافر ورجل يزعم ان الامر مفوض اليهم فهذا قد او من الله في سلطانه فهو كافر ورجل يزعم ان الله كلف العباد ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون واذا احسن حمد الله واذا اساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ وقال الرضا (ع) في رواية رواها الصدوق فى التوحيد من قال بالتشبيه و الجبر فهو كافر.

و يظهر من هذه الرواية حال المشبهة فانهم يثبتون له تعالى شانه صفات المخلوقين و يشبهونه بالبلور و السبيكة وهم الذين يقولون ان الله تعالى في جهة الفوق يمكن ان يرى كما ترى الاجسام.

ص: 393

ومع هذه العقيدة الفاسدة يلزمه تعالى ما يلزم الجسم من الحدوث والتركيب والافتقار تعالى شانه عما يقول الكافرون الظالمون واما المجسمة فهم فرقة من المشبهة ولا ينبغي لاحد الارتياب فى كفر هؤلاء وما ينسب الى هشام بن الحكم من التجسم افتراء وبهتان وشانه اجل من هذه الخرافات وما يحكى من تصحيح قوله بانه قائل بانه جسم لا كالاجسام غلط واضح لا يرضى له احد من المسلمين و ما قيل بانه في مقابل القول بانه شيء لا كالاشياء اغلوطة اخرى المفرق الواضح بين القولين.

قال امير المؤمنين (ع) في اول خطبة من خطب نهج البلاغة اول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به وكمال التصديق به توحیده و کمال توحيده الاخلاص له وكمال الاخلاص له نفى الصفات عنه فشهادة كل صفة انها غير الموصوف وشهادة كل موصوف انه غير الصفة فمن وصف الله سبحانه فغد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزاء و من جزاء فقد جهله و من جهله فقد اشار اليه ومن اشار اليه فقد حده ومن حده فقد عده و من قال فيم فقد ضمنه ومن قال على (م) فقد اخلى منه كائن لا عن حدث موجود لاعن عدم مع كل شيء لا بمقارنة وغير كل شيء لا بمزايلة لاعن فاعل لا بمعنى الحركات والآلة بصير اذ لا منظور اليه من خلقه متوحد اذ لا مسكن لیستانس به ولا يستوحش لفقده .

وقال قبل هذا ليس بصفته حد محدود ولا بعت موجود ولا وقت معدود ولا اجل محدود فتفكر في هذه الكلمات الباهرات تعلم ان ما ينسب اليه هؤلاء الكفرة من التشبيه والتجسم والجبر و التفويض من صفات الاله الذي في اوهامهم ولا يليق بواجب الوجود الخارج من سلسلة الممكنات الذى ان وصفته قرنته وان قرنته ثنيته وان ثنيته جزيته و ان جزيته جهلته و ان جهلته اشرت اليه و ان اشرت اليه فقد حددته ومن حددته فقد عددته فكيف يلتئم هذه البيانات الشافية مع نسبة التجسم اليه ام كيف يمكن تشبيهه بشيء من الممكنات اى ممكن كان عقلا كان او نفسا وكيف يرضى المسلم العارف بمفادات كلامه (ع) ان يسمع من احد انه تعالى شانه في جهة الفوق وهو يقول ومن قال (فيم) فقد ضمنه ومن قال على (م) فقد اخلى منه

ص: 394

وكيف يمكن التوفيق بين هذه البيانات مع نسبة الجبر اليه ولا ينسب من له ادنى مسكة الى مخلوق من العقلا او التفويض الذى يستلزم الاهانة لسلطانه عز وجل

و اذا تامل المنامل بما يقول هؤلاء الكفرة لا يقنع بقولهم لا اله الا الله محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم في عددهم في عداد المسلمين لان معنى الله في شهادة من يعتقد بجواز انتسابه تعالى الى هذه الأوصاف هو غير واجب الوجود الصانع للموجودات الذي ليس لصفته حد محدود الى اخره.

بل هذان الكلامان يدلان على اسلام القائل بهما اذ اعتقد ما قال مولانا الصادق(ع) لم يزل الله ربنا عز وجل والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور ولما احدث الاشياء وقع العلم على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور واعتقد ان کلما ميز الناس باوهامهم فى ادق معانيه فهو مخلوق مثلهم مردود اليهم كما قال به مولانا الصادق (ع) ومنافات هذه الاعتقادات الفاسدة مع الاسلام لا يشك فيها من له ادنى درية ومسكة

واما الخوارج فكفرهم من الواضحات لا يحتاج الى البيان فاى كافر اشد كفرا ممن يحارب امير المؤمنين وسيد الوصيين ويرى ان قتله (ع) مما يتقرب به الى الله تعالى فكيف يمكن نسبة الاسلام اليهم بصرف اظهارهم الشهادتين وهم يقاتلون نفس النبي (ص) بشهادة نص القرآن الكريم ومن نزل فى حقه انما وليكم الله ورسوله الاية ومن يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ومن ضربته يوم الخندق افضل من عبادة الثقلين ومن امر الله تعالى رسوله بتبليغ رسالته بنصبه علما للخلافة لقوله تعالى يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك الاية.

و من نزل فى شانه و شان اهلبيته سورة هل اتى و من قال النبي (ص) في موارد عديدة على منى وانا من على ومن قال فى حقه النبي (ص) على منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبى بعدى ام كيف يشك احد في كفر من يقاتل من قال في حقه رسول رب العالمين من كنت مولاه فهذا على مولاه بعد سؤاله (ص)عن

ص: 395

الاصحاب الست اولى بكم من انفسكم و جواب اصحابه بلى فهل يرتاب احد في ان قنال على (ع) هو قتال الرسول (ص) الذي قتاله هو قتال مع الله عز وجل وما اشتهر من ان الاقرار بالشهادتين مما يتحقق به الاسلام لا يشمل من يحارب رسول الله ومن بمنزلته سيما من قام الاسلام بسيفه.

و لذا قال النبي (ص) في وصفهم انهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرامي و ورد عن أبي جعفر (ع) انه قال ان الخارجى مشرك كما عن الفضل دخل على ابی جعفر رجل محصور عظيم البطن فجلس معه على سريره فحياه و رحب به فلما قام قال هذا من الخوارج كما هو قال قلت مشرك فقال مشرك والله مشرك.

وفى الزيارة الجامعة ومن حاربكم مشرك والأنصاف ان كفر هؤلاء الكفرة ليس بمثابة من الوضوح يمكن انكاره بل لا ينبغى الاستدلال في اثباته بل من البديهيات التي لا تخفى على من له انس باحكام الاسلام.

فلا فرق بين الخوارج وبين معاوية واصحابه ويزيد واصحابه الذين لايشك احد في كفرهم لانهم مشتركون في محاربتهم اوصياء الرسول و قتالهم خلفاء الله و لذا قال مولانا ابوعبدالله الحسين (ع) في جواب معوية لعنة الله حين قال له یا ابا عبدالله هل بلغك ما صنعنا بحجر بن عدی و اصحابه واشياءه وشيعة ابيك قال عليه الصلوة والسلام وما صنعت بهم قال لعنة الله عليه قتلناهم وكفناهم وصلينا عليهم فضحك (ع) ثم قال خصمك القوم يا معوية لكننا لوقتلنا شيعتك ما كفناهم ولا صلينا عليهم ولا قبر ناهم (الحديث).

و معنى قوله (ع) ان كفن حجر بن عدی و اشیاعه والصلوة عليهم يكشف عن اسلامهم فانت قتلت طائفة من المسلمين ولكننا لو قتلنا شيعتك ما كفناهم ولا صلينا عليهم لانهم كفار لكونهم شيعتك.

والحاصل ان المارقين كالناكثين وهما كالقاسطين فهم في حكم واحد فكلهم كفرة بالله وبرسوله وبخلفاء الله.

ص: 396

ولا يعتنى باقوالهم بعد ما عرفت عقائدهم ولو لم يكن شيعة معوية كفاراً لما قال الامام عليه صلوات الله الملك العلام ما كفناهم ولا صلينا عليهم ولا قبر ناهم والروايات الدالة على كفر من انكر علميا في غاية الكثرة ولاضير في نقل ما احطنابه.

(منها ) ما عن المحاسن يسنده الى النبي (ص) انه قال لحذيفة يا حذيفة ان حجة الله بعدى عليك على بن ابی طالب (ع) الكفر به كفر بالله و الشرك به شرك بالله والشك فيه شك فى الله والالحاد فيه الحاد في الله والانكاز له انكار الله والايمان به ایمان بالله لانه اخو رسول الله و وصيه و امام امته و مولاهم وهو حبل الله المتين وعروة الوثقى لا انفصام لها (الحديث) .

وفى الكافي بسنده الى الباقر (ع) قال ان الله تعالى نصب علياً علماً بينه و بین خلقه فمن عرفه كان مؤمناً ومن انكره كان كافرا ومن جهله كان ضالا.

وعن الصادق (ع) من عرفنا كان مؤمناً ومن انكرنا كان كافراً .

منها رواية ابي حمزة قال سمعت ابا جعفر (ع) يقول ان عليا باب فتحه الله من دخله كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا .

منها رواية أبي بصير عن ابی عبدالله (ع) قال قال رسول الله (ص) طاعة على ذل ومعصيته كفر بالله قيل يارسول الله (ص) كيف كان طاعة على (ع) ذلا ومعصيته كفراً قال (ع) على يحملكم على الحق فان اطعتموه ذللتم وان عصيتموه كفرتم بالله عز وجل .

ومنها رواية فضيل بن يسار قال سمعت ابا جعفر (ع) يقول ان الله نصب علياً علما الله بين خلقه فمن عرفه كان مؤمناً و من انكره كان كافرا و من جهله كان ضالا ومن نصب معه شيئاً كان شركا ومن جاء بولايته دخل الجنة ومن جاء بعداوته دخل النار .

منها رواية ابراهيم بن بكر عن ابى ابراهيم (ع) ان عليا باب من ابواب الجنة فمن دخل بابه كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في طبقة الذين الله فيهم المشية .

ص: 397

و منها رواية فضيل قال دخلت على ابى جعفر (ع) وعنده رجل فلما قعدت قام الرجل فخرج فقال لى يا فضيل ما هذا عندك قلت وما هو قال حروری قلت کافر قال اى والله مشرك والحرورية طائفة من الخوارج تسكن قرية تسمى حروراء.

(منها) رواية ابى مسروق قال سئلنى ابو عبدالله عن اهل البصرة فقال لى ما هم قلت مرجئة وقدرية وحرورية فقال لعن الله تلك الملل الكافرة المشركة التي لا تعمد الله على شيء .

و منها رواية زرارة عن أبي جعفر (ع) قال ذكر عنده سالم بن ابي حفصة و اصحابه فقال انهم ينكرون ان يكون من حارب عليا (ع) المشركين فقال ابو جعفر (ع) فانهم يزعمون انهم كفار ثم قال لى ان الكفر اقدم من الشرك ثم ذكر كفر ابليس حين قال له اسجد فابى أن يسجد وقال الكفر اقدم من الشرك فمن اجترء على الله فابي الطاعة و اقام على الكبائر فهو كافر يعنى مستخف کافر و ما تركناه اكثر مما ذكرناه.

قال شيخنا الانصاري قدس سره بعد ذكره جملة من الاخبار الى غير ذلك مما لا يطيق مثلى الاحاطة بعشر معشاره بل ولا قطرة من بحاره (انتهى) وفيا ذكر كفاية لاثبات ما نحن بصدره.

والناظر في هذه الاخبار بعين البصيرة لا يتوهم تقييدها بقيد من القيود اوشرط من الشروط.

فقوله صلى الله عليه وسلم الكفر به كفر بالله الى قوله (ص) و الانكار له انكار الله والايمان به ایمان بالله يهديك الى ان انكار على موجب لكفر المنكر على الاطلاق من دون قيد ولو كان له قيد لبينه لان المقام مقام البيان وليس من موارد الاهمال و تعليله صلى الله عليه و آله بقوله لانه اخو رسول الله اشعار بالتسوية بين الرسول و بين الوصى لان الاخوة هنا بمعنى التساوى وهو عبارة عن كونه (ع) منه بمنزلة هارون من موسى وقوله (ص)و هو حبل الله المتين في هذا المقام اشارة بل الا تصريح بان انكار على (ع) موجب الانقطاع المنكر عن الله تعالى شانه الذي هو عين الكفر لانه انكر الحبل الموجب لاتصاله الى الله تعالى وترى في بقية الاخبار حمل

ص: 398

الكافر والمشرك على المنكر من دون تقييد بقيد و انظر في رواية ابي مسروق كيف يعد الامام الله المرجئة والقدرية والحرورية من الملل الكافر المشركة التى لا تعبد الله على شيء و يقول (ع) في رواية أبي بصير وان عصيتموه كفرتم بالله عز وجل.

بل مقتضى التدبر فى حالات هؤلاء الكفرة ومقالاتهم لعنهم الله انهم ما كانوا عارفين بحق امير المؤمنين عليه صلوات المصلين قبل التحكيم ووقوع هذه الناقشات لان من صفاته العصمة المانعة عن ارتكاب المعصوم ما هو ممنوع في الشرع فالحق يعرف به لان المعصوم لايرضى بالباطل فاقدامه التحكيم يكشف عن حقانيته وحيث ان هذه الطائفة لم يعرفوا امامهم بانه معصوم لا يتطرق فى افعاله الباطل انكروا ما رضی به وحاربوه لعنهم الله تعالى .

ومما يزيد على كفرهم انه صلوات الله عليه احتج عليهم بفعل الرسول (ص) وتحكيمه سعد سعد بن معاذ والرضا بحكمه فى اقدامه مع بني قريضة والرضا بما قالوا كفار قريش فى الحديبية من محو الرسالة عن الكتاب وتغير التسمية عن ما كتب كفاراً بما قالوا فان عدم تأثير الاحتجاج بفعل رسول الله (ص) ان يكشف عن كونهم قبل هذه الحادثة ولذا رجع بعض من طغى ممن اشتبه عليه الامر الى امير المؤمنين وتابوا عن عصيانهم و بقى في طغيانهم بعض آخر فكفر من بقى بحال الطغيان لا ينبغي خفائه على احد من المسلمين الواقفين بحقيقة الامر .

فظهر من اعمالهم انهم لم يكونوا من المسلمين وان مخالفتهم مع امير المؤمنين عليه صلوات الله الملك الحق المبين نشئت من كفرهم المكنون و نفاقهم المخفى وكانهم كانوا متر صدين لاظهار الكفر والعناد المخفى المستور في قلوبهم فاقدامهم على المخالفة و المحاربة كان للعناد و العصبية لا لاجل شبهة حاصلة مع ان هذا الاقدام موجب لكفر المقدم ولو كان المشبهة لما عرفت من دلالة الاخبار من النبي(ص) واوصيائه (ع) على كفرهم على الاطلاق فترى شدة عنادهم وتعصبهم بحيث لم يؤثر فيهم الاحتجاج بفعل النبي (ص) وذهاب بعض الاعلام الى ان المراد بهذا

ص: 399

الكفر المقابل للايمان الذى هو اخص من الاسلام مما لا يليق بالاصغاء ضرورة ان انكارهم بما احتج الامير به بفعل الرسول (ص) وعدم ارتداعهم عما عليه مستلزم

لانكار الرسول (ص) الموجب للخروج عن الاسلام الذى هواعم .

وكان من ذهب الى ما ذهب اغتر من عباداتهم من القيام والصيام ولم يتفطن ان العبادة مع قتال امير المؤمنين لا اثر لها ولا تخرجهم من الكفر الى الاسلام.

ولو فرض فارض بان اظهار هذه الطائفة ما اظهروا لاجل خطائهم و اشتباههم بحيث يروا انفسهم من المهتدين ولو وقفوا على خطائهم لرجعوا و تابوا كما تاب جملة منهم ( قيل له ان هذا لفرض يحذو حذو فرض المحال الذي لا يمكن وقوعه و مع ذلك لا يخرجون عن الكفر لان من اعتقد وجوب قتل امير المؤمنين عليه صلوات المصلين يستحيل ان يبقى على اسلامه ولو لم يعتقد واظهر الاعتقاد فهو كمن حارب الله ورسوله مع العلم برسالته فكل من وقف على حالهم واعمالهم يجب عليه تكفيره وقتله وان كانوا مخطئين مشتبهين.

فالحاصل ان وظيفة من اطلع على حالهم معاملة الكفار عهم من دون ان يفرق بين المتعمد والمخطىء .

واما الغلاة فكفرهم ليس مما ينبغى الشك فيه فان اثبات الالوهية لاحد من المخلوقين كائناً كان عبارة أخرى عن الجحد و الانكار سواء التفت الى هذا الاستلزام ام لا ممن قال بالوهية مولانا امير المؤمنين صلوات الله عليه او عيسى (ع) او غیرهما من احاد الخلق معصوما كان اولا انكر الالوهية راسا فلا فرق بينه وبين الدهرية المنكرين لالاهية الاله القائلين بقولهم ما يهلكنا الا الدهر .

وان كان معتقدا بوجوب واجب الوجود و الوهيته ايضا فهو يحذو حذو من يقول بتعدد الاله كالثنوية لعنهم الله تعالى وان كان نسبة الالوهية الى احد للاعتقاد بان الله تعالى اتحد به لحلوله فيه فكفره يستند الى انكار الواجب لاستحالة حلول واجب الوجود في ممكن الوجود لاستلزامه ما يمنع من وجوبه و لقد سمعت من خطبة امير المؤمنين عليه صلوات المصلين قوله ومن قال (فيم) فقد ضمنه ومن قال

ص: 400

(م) فقد اخلى منه وقوله (ع) مع كل شيء لا بمقارنة فمعنى كونه تعالى مع شيء احاطته بكل شيء علماً وكونه تعالى أقرب من حبل الوريد معناه عدم خفاء امر احد عليه فلا يتحد الواجب تعالى شانه مع احد من المخلوقين فان الاتحاد يقتضى امكانه وهو معنى فقد واجب الوجود او وجوب من حل فيه وهو يستلزم تعدد الواجب تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا .

وعلى كل فرض يكون الغالى كافراً بالذات لاستلزام الغلونفى واجب الوجود على كل فرض من الفروض.

واما نفى السهو عن النبى (ص) فهو ليس من مصاديق الغلوبل هو من الالطاف وستان الالهية التي مقربة للعباد الى تصديق النبي (ص) و شدة الاطمينان بصدقه الذي والدور هو من اكمل الطاعات وافضل القربات ضرورة ان الاعتقاد بوجود هذه الخاصية في المخبر يسهل التصديق بمقالاته ويشدد الاطمينان بتطابقها للمواقع ومع تطرق السهو اليه يحصل الفتور فى الاطمينان وان كان السهو في غير تبلیغاته و رسالاته فايداع المرسل للمرسل هذه الخاصية فيهم يكشف عن شدة اعتنائه بما يامرهم بتبليغه من الاحكام على ان وقوع السهو من الرسول (ص) سيما في عبادة من العبادات كالصلاة مثلا یوجب شماتة المعاندين من الكافرين والمشركين و المنافقين و يكون سبباً التغليطهم على المؤمنين امر دينهم والقاء الشبهة في قلوبهم وصدهم عن سبيل الاسلام والايمان بل يجب امناء الدين : هذه الخاصية في الأوصياء والخلفاء الذين هم

وفى عهدتهم حفظ الاسلام والايمان لان مع فقدها يصعب عليهم الخروج عن العهدة فالقول بعصمتهم سلام الله عليهم يستلزم نفى السهو عنهم ففى الزيارة الجامعة عصمكم الله من الزلل.

و من مصاديق الغلو نسبة الربوبية الى احد من الائمة و النبي لانها من خواص الالوهية وليس لاحد ان يتخذ ربا سوى رب العالمين فانظر الى قوله تعالى في سورة آل عمران قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضا ارباباً من دون الله فان تولوا فقولوا

ص: 401

اشهدوا بانا مسلمون تعرف ان اخذ بعض بعضا اربابا من دون الله في حكم الشرك و عبادة غير الله و ان الاخذ ليس من المسلمين وهذا المعنى هو كلمة بين المسلمين و العيسويين فاتخاذ الرب سوى الله خروج عن الاسلام فلذا قال الله تبارك و تعالى فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون لعدم اتخاذ احد منا ربا فهذا الكلام اشارة بان من تول فهو كافر.

ومن هنا ظهر كفر المخمسة وهم فرقة من الغلاة يقولون ان سلمان واباذر و المقداد وعمار و عمر و بن امية الضميرى هم الموكلون بمصالح العالم من قبل الرب والرب عندهم على (ع).

وكذلك النصيرية وهم فرقة اخرى من الغلاة اصحاب محمد بن نصير الفهرى يقولون بربوبية على بن محمد العسكرى الهادى على ما قيل والمشهود في هذه الازمنة من النصيرى من يقول بربوبية امير المؤمنين (ع).

وكيف كان فكفر من قال بربوبية غير رب العالمين لا اشكال فيه سواء كان الغير من الانبياء والمرسلين ا ومن الائمة المعصومين سلام الله عليهم اجمعين ومن الغلاة البزيعية وهم اصحاب بزيع الحائك اقروا بنبوته وزعموا ان الائمة كلهم انبياء وزعموا انهم لا يموتون ولكن يرفعون وزعم بزيع انه صعد الى السماء وان الله مسح على راسه ومج فى فيه وان الحكمة ثبتت في صدره وفى التعليقة البزيعية فرقة من الخطابية يقولون الامام بعد ابی الخطاب بزيع و كان ابوالخطاب يزعم ان الائمة انبياء ثم آلهة والهة نور من النبوة ونور من الامامة ولا يخلوا العالم من هذه الانوار وان الصادق هو الله وليس هو المحسوس الذى يرونه بل انه لما نزل الى العالم لبس هذه الصورة الانسانية لئلا ينفر منه ثم تمادى الكفر به الى ان قال انه الله انفصل عن الصادق وحل فيه وانه اكمل الله تعالى من ذلك علوا كبيرا .

وهذه المقالات الفاسدة والعقايد الكاسدة الباطلة تخرج قائلها ومعتقدها عن الاسلام لاستلزامها الجحد بالله تعالى وكان القائلين بها خرجوا عن الانسانية فضلا عن الاسلام فهؤلاء اضل من البهائم بل من الحشار والديدان واما التوسل الى النبي

ص: 402

(ص) والأئمة المعصومين (ع) ليس من مصاديق الغلولان المتوسل لا يرى استقلالهم (ع) في انجاح حوائجهم وقضاء ما مولهم بل يعتقد انهم (ع) يستدعون من الله تعالى شانه قضاء حاجاتهم ولقربهم (ع) عند الله تعالى لا يرد ما يستدعون ويقضى حوائج السائلين المتوسلين .

و الحاصل ان التجاوز عن الحد في الدين و اعطاء احد من الانبياء و الائمة مقاما فوق مقامهم مما يخرج المتجاوز عن الاسلام لان التجاوز ليس من الاسلام في المجمع قوله تعالى لا تغلو في دينكم اى لا تجاوزوا الحد بان ترفعو عيسى الى ان تدعو له الالهية ( يق ) غلا في الدين غلوا من باب قعد تصيب و تشدد حتى تجاوز الحد والمقدار (انتهى ) فاعطاء احد من المخلوقين ما هو خاص لله تشريكه مع الله في ذلك الأمران لم يخصه بذلك وان خصه به فهو ممن يجحد الهية الاله اوخالقيته اور ازقيته ولذا ورد في الاخبار عن الأئمة الاطهار نزلونا عن الربوبية مع انهم وصلوا في القرب مقاما ما وصل احد غيرهم.

و اما النواصب فقد يعرف حالهم في الكفر و الاسلام من تعريف الناصب فان كان معنى الناصب هو عدو امير المؤمنين لا ينفك عن عداوة سيد المرسلين عليهما صلوات الله وعداوتهما لا ينفك عن عداوة اله العالمين لان حب على (ع) الله ورسوله

حب الله وحب الله والرسول اياه مما ثبت في الاسلام عند العامة والخاصة ولا يجتمع حب ورسوله وعداوة امير المؤمنين في قلب واحد فعدو على عدو الله ورسوله وهو اظهر مصاديق الكافر وعداوته اظهر مصاديق الكفر ويظهر بالتامل وعن القاموس النواصب والناصبة و اهل النصب المتدينون ببغض على (ع) لانهم نصبوا له اى عادوه و عن الصحاح النصب العداوة و عن المعتبر فى باب الاسناد انهم الذين يقدحون في على (ع) و عن السعيد انه من نصب العداوة لاهل البيت وتظاهر بغضهم و عن التذكرة انه الذى يتظاهر بعداوة اهل البيت (ع) والمنقول عن شرح المقداد ان الناصب يطلق على خمسة اوجه (الاول) القادح في على (ع) (الثاني) من ينسب الى احدهم (ع) ما يسقط العدالة (الثالث) من ينكر فضلهم (ع) لو سمعها (الرابع)

ص: 403

من يعتقد فضيلة غير على (ع) ( الخامس )من انكر النص على على عليه السلام بعد سماعه.

و هذه الوجوه متقاربة لا يخلوا واحد منها عن العداوة لاهل بيت النبوة مع فرق بين آحادها شدة وضعفاً فان القدح في من نفسه نفس النبي (ص) ينشأ من العداوة لامحالة كما ان نسبة ما يسقط العدالة عن احدهم (ع) مع كونهم معصومين لا يمكن من غير العدو وكذا انكار فضلهم فلولا العدادة كيف يتصور انكار فضل من هو افضل من جميع الامم و اعتقاده فضل غير على (ع) يستحيل ممن عرفه (ع) وعرف غيره فالمعتقد بفضيلة غير على لا يخلوا من شخصين اما غير عارف له (ع) واما عدو له وحيث ان عدم معرفته (ع) بعد الانتحال للاسلام مما يستحيل عادة فيكون ذلك المعتقد الاعداء مع ان تفضيل احد على غيره كائنا من كان لا يتصور مع الجاهل بحال الغير فينحصر معتقد فضيلة غير على (ع) عام في اعدائه.

و من انكر النص على على العلا بعد سماعه كيف يمكن سلب العداوة عنه بل شدة العداوة لان بعض من هو من اعدائه لا ينكر النص عليه وبالجملة فكل من هذه الوجوه مستلزم بعداوة اهل البيت .

و يظهر من رواية محمد بن على بن عيسى ان تقديم غير على (ع) عليه يكفى في نصب من يقدم قال كتبت اليه والمقصود من الكناية هو الهادي (ع) اسئله عن الناصب هل احتاج في امتحانه الى اكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاده با ما متهما فرجع الجواب من كان على هذا فهو الناصب و وجه هذا الجواب هو ان تقديم الجبت والطاغوت و الاعتقاد بامامتهما مع نصب النبي (ص) علياً (ع)علما للخلافة والامامة لانصافه (ع) بالاوصاف التي يجب اتصاف الامام بها و عدم وجود تلك الاوصاف فيهما لا يمكن من المسلم المعترف بالرسالة فان مقتضى اسلامه قبول من عين الرسول (ص) فعدم تأثير المقتضى لابد ان يمنع عنه مانع وليس الاعداوته لمن نصب الرسول التي لا تنفك عن عداوة الرسول (ص) المستلزمة لعداوة الله عز وجل فلا مانع يمنعنا عن نسبة النصب الى القائلين بامامتهما وتقديمهم اياهما عليه

ص: 404

صلوات الله عليه الا أن يكون القائل من المستضعفين الذين يهتدون الى شيء ولا يميزون بين الحق والباطل .

فبعد ما ثبت النصب لاحد ثبت كفره وفي رواية فضيل بن يسار تصريح بكفر الناصب قال سئلت ابا جعفر (ع) عن المرئة العارفة هل ازوجها الناصب قال (ع) لا لان الناصب كافر وروى هذا الراوى عن ابي عبد الله (ع) قال ذكر النصاب فقال لا تناكحهم ولا تاكل ذبيحتهم ولا تسكن معهم .

واما ما ورد من ان الناصب ليس من نصب لنا اهل البيت لعدم وجود من يقول انا ابغض محمداً وآل محمد بل الناصب من نصب لكم و هو يعلم انكم تتولونا و انكم من شيعتنا كما في رواية عبد الله بن سنان ومعلى بن خنيس فلا ينافي ما قدمناه من كفر الناصب بل يؤيده لان النصب لشيعة اهل البيت لتشيعهم عين النصب لهم (ع) وعدم وجود من يقول انا ابغض عمداً وآل محمد لاجل اخفائهم بغضائهم بالنسبة الى محمد وآل محمد (ع) فهذا لتعليم من الامام (ع) الله شيعته معر فة الناصب وان نصب الناصب لشيعة آل الرسول يكفى فى كونهم من النواصب لان اخفاء عداوتهم للرسول و آله نفاق منهم لا انهم من محبيهم صلى الله عليهم .

فالحاصل ان المستفاد من الاخبار تعميم النصب لكل من انكر فضائلهم وقدم غيرهم عليهم واسقاطهم من العدالة وانكار النص على على الا فان انكار النص عليه (ع) يجرى في جميع الائمة (ع).

والحاصل ان كفر الناصب مما لا اشكال ولا خلاف فيه وان وقع الخلاف في مصادیقه و كفره كفر الطغيان والتمرد مع كفر الجحود يساوق كفر ابليس.

واما المغيرية فهم طائفة من المجسمة لانهم اصحاب المغيرة بن سعيد لعنه الله تعالى قالوا ان الله جسم على صورة رجل من نور على راسه تاج من نور وقلبه منبع الحكمة وقد مر كفر المجسمة .

ثم ان طائفة من المسلمين على زعمهم تسمى بالمفوضة غير المقابل للمجبرة اء لان هذه الطائفة قائلون بان الله خلق محمدا (ص) وفوض اليه امر العالم ثم الى على

ص: 405

بن ابی طالب ثم الى سائر الأئمة فهم الخلاق للدنيا وما فيها وكفر هؤلاء اشد من كفر المفوضة المقابلة للمجبرة.

واما البيانية القائلون بنبوة بيان الذى تاول قول الله تعالى هذا بيان للناس انه هو و يقول بالتناسخ فلاريب في كفرهم لاستلزام قولهم تكذيب النبي قوله (ع) لا نبى بعدى وقولهم بالنسخ المستلزم لانكار المعاد و استلزام قولهم بنبوته نسخ الشريعة النبوية ان لم يقل بترويجه للاسلام .

واما البترية او التبرية على اختلاف القولين هم الذين دعوا الى ولاية امير المؤمنين (ع) اثم خلطوا بولاية ابى بكر وعمر ويثبتون لهما الامامة ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعايشة ويرون الخروج مع بطون ولد على بن ابى طالب (ع) و يثبتون لكل من خرج من ولد على (ع) عند خروجه الامامة ورؤسائهم على ما قيل كثير النوا والحسن بن صالح بن حى وسالم بن ابى حفصة والحكم بن عينية و سلمة بن كهيل وابو المقدام والمغيرة بن سعيد والسليمانية والصلحية متحدون معهم في الاعتقاد.

و اما الجارودية فلا يعتقدون امامتهما و لكن يقولون حيث رضى على (ع) بهما و لم ينازعهما جريا مجرى الأئمة فى وجوب الطاعة و هؤلاء كلهم من الزيدية فالجارودية لا يصح القول بكفرهم لانهم لا يقولون بفضيلتها على على وقولهم ان عليا (ع) رضى بهما ليس مما يوجب الكفر لامكان رضائه (ع) رياستهما لمصلحة من المصالح لكن هذا الاعتقاد على خلاف الواقع لانه (ع) لم يرض بامامتهما ولارياستهما وعدم نزاعه (ع) اياهما انما كان لحفظ الاسلام وصيانته عن الضياع ورجوع الناس الى الجاهلية وعبادة الأوثان وحيث انهم استندوا لوجوب اطاعتهما الى رضاء على (ع9 لا ينسب اليهم الكفر لعدم اعتقادهم بامامتهما وفضيلتهما.

واما من اعتقد بامامتهما فهو كافر لاشك في كفره لاستلزام امامتهما تقدمهما

على على (ع) وانكار النص عليه (ع) ومع عدم الانكار يستلزم تكذيب النبي صلى الله عليه واله وسلم والخروج عن ربقة الاسلام راسا.

ص: 406

والحاصل ان بعض من يعترف بنص النبي (ص) علیا علما للامامة والرياسة العامة يعتقدون ان المسلمين بعد النبى (ص) راوان امر الخلافة والامامة يتزلزل مع رجوعه الى على (ع) لتصليه فى اجراء احكام الاسلام وكثرة اعدائه (ع) لقتله كثيراً من الناس وعدم فرقه بين آحاد المسلمين في التقسيم وغير ذلك من الاسباب رجعوا الى ابي بكر و على (ع) رضى بذلك ابقاء للاتفاق بين المسلمين و دفعا لتشتت آرائهم الموجب لوجود الاختلاف بينهم الموجب لارتداد البعض او الكل ولم يكن رجوعهم الى ابى بكر لا نكارهم النص على علّى (ع) اوكون ابي بكر اليق للخلافة فليس هو وصاحبه امامين واجبي الاطاعة لاصل الامامة بل وجوب اطاعتهما لاجل رضاء من اليه الأمر وصيانة الاسلام عن الضياع.

و هذه الكلمات بمكان من الوهن والسقوط لا يتفوه له احد ممن فيه عرق الاسلام فهى من الخرافات والمنسوجات التي نسجت لاخفاء الحق وترويج الباطل ولكن القائل بها حيث يعترف بالنص من النبى (ص) على علّى وعدم لياقتهما للامامة ليس بكافر لعدم ما يوجب كفره و هذا المنسوج ولوكان من الاغلاط لكنه ليس مما يوجب كفر من نسجه بل يكشف عن غاية جهالته وشدة حماقته فكيف يرضى امير المؤمنين عليه صلوات المصلين برجوع الناس الى ابي بكر والامامة خاصة له ولا ولاده المعصومين على انه (ع) يعلم بان ابا بكر وصاحبه جاهلان باحكام الاسلام ظالمان لا ينال عبد الله اليهما وأن الرضا بالرجوع اليهما تضييع للامامة واضلال للمناس فهذه الكلمات لا يليق بالاصغاء اصلا فكل من انكر النص او اعترف و قدم غير على عليه السلام عليه راد على الله ورسوله خارج عن الاسلام الا ان يكون من المستضعفين الذين لا يعرفون حقيقة الامامة والنص عليها وتقديم من قدم الله وتاخيرمن اخره.

ولقائل ان يقول ان عدم معرفة المستضعف حقيقة الامامة لا يمنع من كفره يمنع من لان الرد على الله مستلزم للمكفر قطعا ويترتب عليه احكام الكفر في هذه النشائة و استضعافه يؤثر فى النشائة الأخرى بالنسبة الى الثواب والعقاب بان ما يكتب به

ص: 407

الثواب ويحترز عن العقاب هو العقل فاذا كان ضعيفاً لا يطلب منه اثر القوى.

ومثل القائلين بامامة ابى بكر القائلون بامامة عباس عم النبي(ص) من لعدم ما يدل على امامته وخلافته فالموجب للمكفر هو انكار خلافة على (ع) سواء اعتقد وقال بامامة أبي بكر او عباس اوغيرهما.

واما القائلون بخلافة امير المؤمنين (ع) و امامته فاختلفوا وتفرقوا فرقا كثيرة والناجي من هذه الفرق هو الاثنى عشرية القائلون بامامة احد عشر اماما من اولاده (ع) وحيوة ثانى عشر هم المهدی الموعود والذي يملا الله به الارض قسطا وعدلا بعد

ما ملئت ظلما وجورا.

وغير هذه الطائفة الناجية كافر لاستلزام انكار احد من الائمة انكار النبي (ص) وتكذيبه ولو كان الانكار للشبهة وعدم الوصول الى الحق لا للعناد والعصبية لا يخرجه عن الكفر لما ورد من ان انكار احد من الائمة انكار لجميعهم كما ان انكار احد من الانبياء انكار لجميعهم صلوات الله عليهم اجمعين وكون الانكار لا عن عناد و عصبية بل من شبهة حصلت له يؤثر فى النشاة الآخرة لا فى الدنيا فان وظيفة المكلف عد منكر امامة الامام من الكافرين خارجاً من المسلمين لكن الرب الرئوف العالم بالاسرار و الخفيات اجل شانا من ان يعاقب من لم يكن معاندا و كان مشتبهاً في معتقده بحيث لو رفع اشتباهه لرجع الى الحق.

فمن المنحرفين عن الصراط المستقيم الكيسانية القائلون بامامة محمد بن الحنفية بعد مولانا ابي عبدالله الحسين (ع) الزاعمون انه حي في جبل رضوى وهم اصحاب المختار بن ابي عبيدة ولقبه كيسان لقول امير المؤمنين عليه صلوات المصلين وهو طفل ياكيس ياكيس كذا قيل ومنشأ هذا القول رجوعه الى محمد بن الحنفية واستيذانه منه فى امر خروجه وقتله القتلة وهذه القضية لا تدل على كون المختار على هذا المذهب لان رجوعه اليه لاجل استيذانه له من سيدالساجدين حيث انه (ع) لم يكن يجلس لمراجعة الناس عموما وانما كان يرجع اليه الخواص من اصحابه او اقربائه فاقدام المختار بما اقدم كان باذن سيد الساجدين (ع) لا محمد بن الحنفية وانما

ص: 408

هو كان واسطة فى الاستيذان لشدة التقية.

و قال (ع) في جواب محمد رضوان الله عليه ياعم لوان عبدا زنجيا تعصب لنا اهل البيت لوجب على الناس موازرته وقد وليتك هذا الامر فاصنع ما شئت وكان هذا الكلام من الامام (ع) واصل القضية على ما بينه ابن نما ان جماعة من الذين بايعوا مختارا منهم عبدالرحمن بن شريح جائوا الى محمد بن الحنفية فبدء عبدالرحمن بن شريح بحمد الله والثناء عليه وقال اما بعد فانكم اهل بيت خصكم الله بالفضيلة وشرفكم بالنبوة وعظم حقكم على هذا الامة وقد اصبتم بحسين (ع) مصيبة عمت المسلمين وقد قام المختار يزعم انه جاء من قبلكم وقد دعانا الى كتاب الله وسنة نبيه و الطلب بدماء اهل البيت عليهم السلام فبايعناه على ذلك فان امرتنا باتباعه اتبعناه وان نهينا اجتبنا فلما سمع محمد بن الحنفية كلامه وكلام غيره حمد الله واثنى ماء عليه وصلى على النبي (ص).

وقال اما ما ذكرتم مما خصنا الله فإن الفضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم واما مصيبتنا بالحسين (ع) وذلك في الذكر الحكيم و اما الطلب بدمائنا (قال جعفر بن نما فقد رويت عن والدى انه قال لهم قوموا بنا الى امامي وامامكم على بن الحسين (ع) فلما دخل و دخلوا عليه اخبره خبرهم الذي جاءوا لاجله قال على بن الحسين (ع) ياعم الى آخر ما سمعت فترى ان محمد بن الحنفية يعترف بامامة على بن الحسين (ع) فكيف يعتقد المختار بامامته.

ومنهم الزيدية وقد سمعت عقايدهم السخيفة.

ومنهم الناووسية وهم الذين يعتقدون بالامامة الى مولانا جعفر بن محمد الصادق (ع) ويقفون عليه ويعتقدون مهدويته وغيبته وحيوته وظهوره واظهار امره .

ومنهم الاسماعيلية وهم القائلون بالامامة الى مولانا الصادق (ع) وبعده بامامة اسماعيل ابنه.

ومنهم الفطحية وهم الذين يعتقدون بامامة الائمة الاثنى عشر مع عبد الله الافطح ابن الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) بعد ابيه وقبل اخيه الكاظم(ع).

ص: 409

و منهم الواقفة و هم الذين قالوا بمهدوية موسى بن جعفر (ع) و عدم موته ذهابهم الى الوقف انه كان له (ع) وكلاء وقوام اجتمع عندهم اموال في ايام حبس هارون لعنه الله اياه (ع) و بعد ما قبض (ع) عظمت تلك الاموال في عيونهم وشحت انفسهم في ردها إلى مولانا على بن موسى الرضا الام فانكروا موته لا طمعا في تلك الاموال وحرصاً عليها وكان عند زياد القندى سبعون الف دينار وعند على بن حمزة ثلثون الف دينار.

روى الصدوق عليه الرحمة فى العيون عن يونس بن عبدالرحمن رضوان الله عليه قال لما مات ابوالحسن (ع) ليس من قوامه احد الا وعنده المال الكثير وكان ذلك سبب وقفهم و جحودهم وقفهم وجحودهم لموته (ع) وكان عند زياد القندى سبعون الف دينار و عند على بن حمزة ثلثون الف دينار قال فلما رايت ذلك وتبين لي الحق و عرفت من امر ابى الحسن الرضا (ع) ما عرفت تكلمت ودعوت الناس اليه قال فبعثا الى وقالا لى ما يدعوك الى هذا ان كنت تريد المال نحن نغنيك وضمنا لك عشرة رة آلاف دينار وقالا لى كف فابيت وقلت انا روينا عن الصادقين الالام انهم قالوا اذا ظهرت البدع فعلى العالم ان يظهر علمه وان لم يفعل سلب نور الايمان وما كنت لادع الجهاد فى امر الله عز وجل على كل حال فناسباني واضمر الى العداوة .

و عن احمد بن حماد قال كان احد القوام عثمان بن عيسى الرواسي وكان یکون بمصر وكان عنده مال كثير وست جواری قال فبعث اليه ابو الحسن الرضا (ع) فيهن وفى المال وقال فكتب اليه ان اباك لم يمت قال فكتب اليه ان ابي قد مات وقد اقتسمنا ميراثه وقد صحت الاخبار بموته واحتج عليه فيه قال وكتب اليه ان لم يكن ابوك قد مات فليس لك من ذلك شيء وان كان قد مات على ما تحكى فلم يامرني بدفع شيء اليك وقد اعتقت الجواري وتروضهن .

فهذه الفرق يعدون من فرق الشيعة و الفطحية حيث لم ينكروا احداً من الائمة يمكن القول بعدم كفرهم لاحتمال ان يكون اعتقادهم بامامة عبدالله الجهلهم بحقيقة الامر فليس فيهم الجحود والعناد و مع القول به فليسوا مثل ساير الفرق

ص: 410

في الشدة يظهر من رواية احمد بن محمد بن مطهر عن الصادق الا ان من زاد اماماً کم جحد اماماً .

و اما الواقفيه فهم اشد كفرا من جميع الفرق لما عرفت من استناد انكارهم الى محبة الاموال فيمكن عدهم من النواصب لما سمعت من يونس بن عبدالرحمن عليه الرحمة والرضوان ان زياد القندى وعلى بن ابى حمزة ناصباني واضمرا لي العداوة وقولهما له كف عن ترويج ابى الحسن (ع) يدل على عنادهما بالنسبة اليه عليه السلام ورد عثمن بن عيسى ابالحسن الرضا عليه السلام انكار وعناد منه بالنسبة اليه (ع).

واما باقى الفرق فهم كافرون لانكارهم بعض الائمة وقد عرفت سابقا ان انكار احدهم (ع) انکار لجميعهم و انکار هم مساوق لانكار النبي صلى الله عليه وآله فكل من انكر واحدا من الائمة (ع) او جميعهم كافر مع الفرق بين فرق الكفار كافر شدة وضعفاً.

روى يحيى بن ابى القاسم عن مولانا الصادق جعفر بن محمد عن ابيه عن جده عن على(ع) قال قال رسول الله (ص) الائمة بعدى اثنا عشر اولهم على بن ابيطالب (ع) وآخرهم القائم (ع) هم خلفائی و اوصیائی و اولیائی وحجج الله على امتى بعدى المقربهم مؤمن والمنكر لهم كافر فترى تصريح الرسول (ص) بكفر من انكر الائمة وليس لاحد ان يقول ان كفر منكر الائمة هو الكفر المقابل للايمان لا الكفر المقابل للاسلام لان كفر منكر الائمة يساوق كفر منكر الرسول وليس كفر منكر الرسول كفرا مقابلا للايمان انظر الى رواية رراها ابو حمزة الثمالى عن مولانا جعفر بن عيد الصادق (ع) عن ابيه عن آبائه (ع) قال قال رسول الله (ص) حدثني جبرئيل (ع) عن رب العزة تعالى شانه و جل جلاله انه قال من علم انه لا اله الا انا وحدى وان محمداً عبدی ورسولی وان علی بن ابی طالب خليفتي وان الأئمة من ولده حججى ادخله الجنة برحمتى وانجيه من النار بعفوى وابحت له جواری و اوجبت له کرامتی واتممت عليه نعمتى وجعلته من خاصتي و خالصتى ان ناداني لبيته وان دعانى احبته

ص: 411

وان سئلنى اعطيته وان سكت ابتداته وان اساء رحمته وان فرمنی دعوته وان رجع الى قبلته وان قرع بابي فتحته له.

و من لم يشهد ان لا اله انا وحدى ولم يشهد ان محمداً عبدی و رسولی او شهد بذلك ولم يشهد ان على بن ابيطالب خليفتي او شهد بذلك ولم يشهد ان الائمة من ولده حججی جحد نعمتی وصغر عظمتی و کفر بآیاتی و کتبی ان قصدني مجبته وان سئلنى حرمته و ان نادانى لم اسمع ندائه و ان دعانى لم استجب دعائه وان رجانی خيبته وذلك جزائه منى وما انا بظلام المعبيد.

فقام جابر بن عبدالله الانصارى فقال يا رسول الله (ص) ومن الأئمة من ولد علی بن ابی طالب قال (ع) الحسن - الحسين سيدا شباب اهل الجنة _ ثم سيد العابدين في زمانه علی بن الحسين (ع) - ثم الباقر محمد بن على وستدركه يا جابر فاذا ادركته فاقراه منى السلام - ثم الصادق جعفر بن محمد _ ثم الكاظم موسى بن جعفر - ثم الرضا على بن موسى - ثم التقى محمد بن على - ثم النقى على بن محمد _ ثم الزكى الحسن بن على _ ثم ابنه القائم بالحق مهدى امتى الذي يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما هؤلاء یا جابر خلفائى و اوصیائی واولادى وعترتي من اطاعهم فقد اطاعنى ومن عصاهم فقد عصاني ومن انكرهم او انكر واحداً منهم فقد انكرني بهم يمسك الله عز وجل السماء ان تقع على الارض الا باذنه وبهم يحفظ الارض ان تميد باهلها.

وهذه الرواية ظاهر الدلالة على ان ابكار احد من الائمة يساوق انكار الرسول بل انکار رب العزة جل جلاله وقوله تعالى وابحت له جواری اقوی، شاهدان الجوارى لا يباح لمن لم يعلم الالوهية والنبوة والامامة وقوله جحد نعمتى وصغر عظمتی و کفر بآیاتى وكتبى صريح في ان من عدم الشهادة على ان الائمة من ولد علی بن ابی طالب (ع) کافر وقول الرسول (ص) ومن انكرهم او انكر واحداً منهم فقد انكرنى دليل على ان الأئمة لشدة اتصالهم به (ص) منزلون منزلته فانكار واحد منهم انكار للنبى (ص) و ومن الواضحات ان منكر النبي (ص) كافر بالكفر

ص: 412

المقابل للاسلام لا الايمان .

وروى الصدوق (ره) باسناده عن على بن الحسن السائح قال سمعت الحسن بن على العسكرى ال قال حدثني أبي عن ابيه عن جده (ع) قال قال رسول الله (ص) لعلى بن ابيطالب (ع) يا على لا يحبك الى مؤمن طابت ولادته ولا يبغضك الا عليه من خبثت ولادته ولا يواليك الامؤمن ولا يعاديك الاكافر فقام عليه عبدالله بن مسعود فقال يا رسول الله (ص) قد عرفنا علامة خبيث الولادة و الكافر في حيوتك ببغض على وعداوته فما علامة خبيث الولادة والكافر بعدك اذا اظهر الاسلام بلسانه واخفى مكنون سريرته.

فقال عليه الصلوة والسلام يا بن مسعود على بن ابيطالب امامكم بعدى وخليفتى عليكم فاذا مضى فابنى الحسن امامكم بعده وخليفتي عليكم فاذا مضى فا بنى الحسين امامكم بعده وخليفته عليكم ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد ائمتكم وخلفائى عليكم تاسعهم قائمهم قائم امتى يملأ الأرض قسطا وعدلا كما مائت جوراً وظلما لا يحبهم الا من طابت ولادته ولا يبغضهم الامن خبثت ولادته ولا يواليهم الا مؤمن ولا يعاديهم الاكافر و من انكر واحداً منهم فقد انكرنى و من انکرنی فقد انكر الله عز وجل ومن جحد واحداً منهم فقد جحدنی و من جحدني فقد جحد الله عز وجل لان طاعتهم طاعتى و طاعتى طاعة الله و معصيتهم معصيتى و معصيتى معصية الله عز وجل يا بن مسعود اياك ان تجد في نفسك حرجاً مما اقضى فتكفر بعزة ربى وما انا متكلف ولا ناطق عن الهوى فى على والائمة من ولده.

ثم قال (ع) و هو رافع يديه الى السماء الهم وال من والى خلفائى وائمة امتى بعدى وعاد من عاداهم وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم ولا تخلوا الارض من قائم منهم بحجتك ظاهرا او خافي مغمور لئلا يبطل دينك وحجتك و برهانك و بيناتك ثم قال (ع) يا بن مسعود قد جمعت لكم في مقامي هذا ما ان فارقتموه هلكتم وان تمسكتم به نجوتم والسلام على من اتبع الهدى (انتهى الحديث) .

والناظر فى هذه الرواية بعين التحقيق يتيقن بعدم الفرق بين احد من

ص: 413

الائمة و بين النبى صلوات الله عليهم اجمعين فالجاحد باحدهم (ع) جاحد بالنبي (ص) و منكر احدهم منكر النبي (ص) و اذا تأملت في قوله (ع) يا بن مسعود اياك ان تجد في نفسك حرجا (الخ) لا تتامل بكفر من جحد واحداً من الائمة بل يظهر من قوله (ع) ان من يرى فى نفسه حرجا اى شكاً و ريباً فهو كافر برب العزة جل جلاله ومن قوله (ع) ما انا متكلف (الخ) التاكيد في هذالامر وان ما يقول في حقهم ليس من المبالغات لانه الا الله لا ينطق عن الهوى بل اظهار عن متن الواقع قوله ومن انكر واحدا منهم فقد انكرنى (الخ) صريح في ان منكر واحد من الائمة من الكفرة لان انكاره انكار الله ومنكر الاله خارج عن الاسلام وقول عبدالله بن مسعود في سؤاله فما علامة خبيث الولادة والكافر بعدك اذا اظهر الاسلام بلسانه واخفى مكنون سريرته و جواب النبي (ص) اياه يدلان على عدم منافات اظهار الاسلام مع الكفر كما يظهر بالتامل.

وروی عبدالله بن ابی یعفور عن مولانا الصادق (ع) قال قال ابو عبد الله الصادق الا من أقر بالائمة من آبائی وولدى (ع) وجحد المهدى من ولدى كان كمن اقر الانبياء لا وجحد ما نبوته (ص) فقلت ياسيدى ومن المهدى من ولدك قال (ع) الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته .

وروى ثابت الثمالى عن على بن الحسين (ع) قال قال على بن الحسين (ع) ان دين الله عز وجل لا يصاب بالعقول الناقصة و الاراء الباطلة والمقاييس الفاسدة ولا يصاب الا بالتسليم فمن سلم لنا سلم ومن اقتدى بناهدى ومن كان يعمل بالقياس والراى هلك ومن وجد في نفسه شيئاً مما نقوله او نقضى به حرجاكفر بالذی انزل السبع المثاني والقرآن العظيم وهو لا يعلم والاخبار فى هذا الباب كثيرة وفي جملة من الاخبار عن الائمه الابراران من مات ولم يعرف امام زمانه فقد مات ميتة الجاهلية ومن المعلوم ان زمان الجاهلية لم يكن اسلام وايمان حتى يقال ان المراد من هذه الاخبار كون غير العارف كافرا بالكفر المقابل للايمان لا المقابل للاسلام لكن الظاهر ان كفر غير العارف يظهر اثره بعد الموت على ان عدم المعرفة اعم من الجحد والانكار

ص: 414

والمخرج عن الاسلام هو الجحد والانكار لاعدم المعرفة ولذا ورد ان من لم يعرف امام زمانه ليس بمؤمن ولكنه مسلم وورد ايضا ان سلمان رضى الله عنه قال يارسول الله انك قلت من مات وليس له امام مات ميتة الجاهلية من هذا الامام يا رسول الله (ص) قال من اوصیائی یا سلمان فمن مات من امتى وليس له امام يعرفه فمات ميتة جاهلية فان جهله وعاداه فهو مشرك وان جهله ولم يعاده ولم يوال له عدوا فهو جاهل وليس بمشرك.

وقال مولانا الصادق (ع) الامام علم فيما بين الله عزوجل و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا ومن انكره كان كافراً ولم يقل (ع) ومن لم يعرف كان كافرا لان عدم المعرفة اعم من الانكار والجحود .

وروى زرارة عن ابي عبد الله (ع) قال لو ان العباد اذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا فالموجب للمكفر الجحد والانكار لاعدم المعرفة .

وقد يتحقق الكفر بانكار وجوب الواجبات عليه لاتصاله الى حضرة رب العزة و الفناء فى وجوده فالقائلون بهذا القول ذهبوا الى ان اعناقهم خرجت عن ربقة الاسلام اعنى التكاليف لوصولهم الى هذه الدرجة وكفرهم ليس بمثابة من الوضوح يمكن الشك فيه و اما القائلون بالسريان و استحالة الايجاد وتمثيلهم الواجب و الممكنات بالبحر والامواج او المداد و الكلمات المرقومة وغير هذه المزخرفات فلا ينبغى البحث عن حالهم فكفرهم اظهر من الشمس وابين من الامس واظهار هذه الطوائف الشهادتين لا يخرجهم عن الكفرلان الشهادتين تكشفان عن الاسلام القائل بهما ما لم يعتقد بهذه الاعتقادات الفاسدة فالشهادتان مقتضيان لاسلام الشاهد وهذه الاعتقادات موانع لتاثر الاقتضاء لعدم قابلية المحل نعم الشهادتان توثران مع ذهاب العقايد الفاسدة.

ومما يوجب الكفر انكار المعاد الجسماني والاكتفاء بالمعاد الروحاني لان المعاد الجسماني مما اجمعوا عليه جميع المليون من الأولين و الآخرين فمن انکره کذب جميع الانبياء والمرسلين سيما خاتم النبيين صلوات الله عليهم اجمعين

ص: 415

و انكر القرآن الكريم فهو من ضروريات الشرايع من لدن آدم (ع) إلى الخاتم و يظهر من الآيات الكريمة القرآنية ان المراد بالمعاد الجسماني ان هذا البدن الانسانى المحسوس الملموس بمادته واعضائه واجزائه وصورته يعاد في المعاد بحيث اذا رائيته عرفته .

فانظر الى قوله عز وجل ايحسب الانسان ان ان نجمع نظامه بلی قادرین على ان نسوی بنانه تری تصریحه عز وجل باعادة المادة فان بنانه اما يراد به رؤس الاصابع او السلابينات بمعنى فقرات الظهر واصرح من هذه الاية في الدلالة قوله عزوجل اولم ير الانسان انا خلقناه من نطفة فاذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا قال من يحبى العظام وهي رميم قل يحييها الذي انشأها اول مرة وهو بكل خلق عليم فتری وضوح دلالته على ان المراد من المعاد الجسماني عود بدن الانسان مع مادته واعضائه واجزائه فان العظام من المواد ومن اعضاء البدن .

روى العياشي رضوان الله عليه على ما في الصافي عن مولانا الصادق (ع) قال جاء ابی بن خلف فاخذ عظما باليا من حائط ففته ثم قال يا محمد صلى الله عليه وسلم اذا كنا م الله عليه عظاما ورفاتا ائنا لمبعوثون خلقا جديدا فنزلت و فى الاحتجاج عن امير المؤمنين عليه صلوات المصلين مثله وعن الصادق الا ان الروح مقيمة في مكانها روح المحسن في ضياء و فسحة وروح المسيئى في ضيق وظلمة والبدن يصير تراباً كما منه خلق وما تقدف به السباع والهوام من اجوافها مما اكلته ومزقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة فى ظلمات الارض ويعلم عدد الاشياء ووزنها وان تراب الروحانيين بمنزلة الذهب فى التراب فإذا كان حين البعث مطر النشور فتربو الارض ثم تمخض مخض السقاء فيصر تراب البشر كحصير الذهب من التراب اذا غسل بالماء والزبد من اللبن اذا مخض فيجمع تراب كل قالب الى قالبه فينتقل باذن الله القادر الى حيث الروح فتعود الصور باذن المصور كهيئتها و تلج الروح فيها فاذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا.

فترى الرواية الساطعة منها انوار العصمة والامامة كيف يبين المعاد الجسماني

ص: 416

لا تغادر شيئاً من البدن الانسانى من مادته وصورته وهيئته واعضائه واجزائه وروحه وترى انه (ع) لم يثق لاحد فيه مجالا للاشكال واجاب عن شبهة الاكل والماكول بان ما ياكله السباع والهوام لا يصير جزءاً للاكل وان احد من الباحثين من المعاد الجسماني ابي من قدف السباع و و الهوام ما في اجوافها و اعتقد صيرورة الماكول جزءاً للاكل نبهه بان بعد ما دلت الآيات والروايات على ان المعاد في المعاد هو البدن الانساني المحسوس مع مادته واجزائه واعضائه يجب علينا الاعتقاد بمفاد الايات والروايات والذهاب الى عود ما اكله الاكل جزءاً للماكول لان بعد ما سبق في علم الله القادر من اعادة الانسان بمادته يمنع من صيرورة الماكول جزءاً للاكل بقدرته الكاملة ليتم امر العود لاصرف الآيات والروايات عن ظاهرها وحملها الى ان المراد هو عود بدن الانساني بصورته مستدلا بان هوية كل شيء بصورته واذا حفظ صورته لا يقدح اختلاف المادة والتمثيل بالسرير لان الايات تدل على ان المعاد هو المادة مع الصورة فنزول آية او لم ير الانسان (الى آخرها) جوابا لابی بن خلف حيث فت العظم البالي و قال يا محمد (ص) اذا كنا عظاما ورفاتا اعنا لمبعوثون مما لا يبقى لاحد شبهة فى ان المراد هو عود جميع الاعضاء والاجزاء من المادة الكائنة فی الدنيا فترى الامام (ع) يقول فاذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئاً .

واقوى دلالة من هاتين الايتين قوله عز وجل في سورة بنی اسرائیل انظر كيف ضر بوالك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا وقالوا اذا كنا عظاماورفاتاا انا لمبعوثون خلقاً جديدا قل كونوا حجارة او حديداً او خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم اول مرة فسينغضون اليك رؤسهم ويقولون متى هو قل عسی ان يكون قريباً.

فامر الله تبارك وتعالى نبيه (ص) ان يقول للمنكرين للمعاد الجسماني ان صيرورة الانسان عظاما ورفاتا لا يخرجه عن قدرة الله عز وجل الذي فطره من اول الامر بل كونهم حجارة او حديداً لا يوجب استحالة عودهم الى ما كانوا من اول الامر بل لوفرضتم صيرورتكم اشياء يكبر في صدوركم اعادتها الى حال الاولى فان

ص: 417

الاختلاف الذي ترون في الاشياء بالنسبة الى الاعادة فى السهولة والصعوبة انما هو في اعينكم و اما القادر الذي خلق الاشياء من لا شيء فلا فرق عنده عز وجل اعادة الاشياء الى ما كانوا لعدم ما يسلب عنه القدرة .

فاستبعاد هؤلاء الكفار فى اعادة العظام و الرفات نشأ من ضعف عقايدهم و جهلهم بكمال قدرته او ضعف عقولهم في تمييز الممتنعات من الممكنات والايات في هذا المعنى كثيرة من اول القرآن الى اخره كما ان الروايات فوق التواتر فالمنكر للمعاد الجسماني منكر لهذه الآيات راد للروايات بحسب الواقع وكفر منكر آيات القرآن لا يخفى على احد.

وحيث ان احصاء جميع انواع الكفر مما يطول ويصعب نكتفى بذكر الضابط وهو الاستكبار والتمرد والطغيان او الجحود بالله تعالى شانه او النبی صلى الله عليه وسلم اوالائمة اوما يستلزم جحده و انکاره انکاره تعالى او نبيه او خلفائه واما انکار ضروری من ضروريات الدين فلاستلزامه انکار ما جاء النبي (ص) المستلزم لا نكاره (ص) قال الله عليي امكن عدم الملازمة بين الانكارين في مورد من الموارد ككون المنكر حديث العهد بالاسلام قليل الاطلاع باحكامه الضرورية بحيث لو اطلع على ذلك الضرورى اذعن واسلم فلا يحكم بكفره لانه ليس في مقام الطغيان والجحود.

وحيث ان النجاسة ليست من ذاتيات الكفر فالحكم بنجاسة احد من الكفار يتوقف على دليل يدل عليها سوى كون الموضوع هو الكافر و الدليل ينحصر في الكتاب والسنة لان العقل لا مسرح له فى احكام الدين لان دين الله لايصاب بالعقول والاجماع فالمحصل منه غير موجود والمنقول منه ليس بينه وبين الواقع ملازمة فمن الكتاب قوله عز من قائل انما المشركون نجس فلا يقربوالمسجد الحرام .

والمراد من النجس هو النجاسة المقابلة للطهارة بقرينة قوله عز وجل فلا يقربوا المسجد الحرام و جعل المشركين موضوعاً و النجس محمولا صريح في اتصافهم بالنجاسة وكون المحمول مصدراً لا ينافي في حمله لشيوع حمل المصدر على الذات للمبالغة وتصدير الكلام بكلمة انما التي هی الحصر مبالغة اخرى و تاكيد

ص: 418

لثبوت هذا المحمول لهذا الموضوع.

و قوله عز من قائل قبل هذه الجملة ياايها الذين آمنوا دليل آخر على ان المراد بيان احكام الشرع فجعل المؤمنين طرفا للخطاب له ظهور في ان مفاد هذه الجملة يترتب عليه عمل المؤمنين فعليهم منع قرب المشركين المسجد الحرام لنجاستهم فليس المراد من النجس صفة اخرى غير التقابل المطهارة فمفادات هذه الكريمة وكيفيات بيانه عز وجل من المداقة بمكان ومع تدبر التام لا تبقى شبهة لاحد في كون المراد من الكريمة هو الحكم بنجاسة المشركين وكون المؤمنين مكلفين بمنعهم عن القرب بمسجد الحرام لنجاستهم الموجبة لتلوث المسجد بورودهم فيه و التعبير بالقرب تاكيد في المنع عن الدخول كما هو المقرر في المحاورات وتمهيد للرد على من يمكن ان يقول ان النهى عن الحج لا يستلزم النهى عن الدخول لاستلزام الدخول القرب المنهى عنه.

والحاصل ان دلالة الآية الكريمة على نجاسة المشركين لا ينبغي التامل فيها كما انه لا ينبغى تخصيص حكم النجاسة على بعض المشركين لان جعل الموضوع المشتق اشعار الى علية مبدء اشتقاقه فكل من له شرك فى مرحلة من المراحل شريك فى هذا الحكم لتحقق مبدء الاشتقاق فيه من دون فرق بين كون اشراكه في مرحلة الأيجاد كالثنوية والمانوية والايصانية القائلين بالنور والظلمة او اليزدان والاهر من اوفى مرحلة الربوبية كالمخمسة وامثالها اوفى مرحلة العبادة كالعابدين للاوثان والشمس والكواكب والعجل والنيران والنور لصدق المشرك على جميع

هؤلاء الكفرة لعنهم الله تعالى .

فالمجوس يعبدون النيران واليهود يقولون بنبوة العزير و النصارى بالوهية عیسی و قوله عز وجل سبحانه وتعالى الله عما يشركون بعد حكايته انهم اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله دليل قاطع على كونهم مشركين وقوله عز وجل ا انت قلت للناس اتخذونى وامى الهين واضح الدلالة على كون النصارى مشركين في مرحلة الالوهية وكذا قولهم انه ثالث ثلثة وكون المراد من المشركين في الاية

ص: 419

المعهودين لا يمنع من اثبات النجاسة على كل مشرك لانه تعالى جعل الموضوع المشرك الذى هواءم من جميع المذكورين.

(واما الدهرية) القائلون بقولهم وما يهلكنا الا الدهر فشركهم لاجل نسبة الاهلاك الى الدهر و اما المفوضة باحد المعانى بمعنى ارجاع مصالح العالم الى المخلوق فلاخفاء في كونهم مشركين .

(واما القائلون بالسريان) فهم اظهر مصاديق المشركين لانهم يجعلون جميع

الاشياء الهاً .

(واما الواصلية) القائلون بخروج رقابهم عن ربقة التكليف بفنائهم في وجوده لاستلزام هذه العقيدة شركتهم فى وجوب الوجود لان الفناء في وجود الواجب معناه خروجه عن سلسلة الممكنات لان الممكن المكلف لا يخرج عن ربقة التكليف بعد ما كان فيها باى مقام وصل فى العبادة فترى سيد المرسلين (ص) يصلى ويصوم الى آخر عمره .

کا

بحسب

و اما الخوارج فقد عرفت كونهم مشركين لتنصيص الامام بشركهم و لقد سمعت من أبي جعفر (ع) بعد ما سئل عن شرك الخارجي مشرك والله مشرك فحكمه(ع) بشر که وتاكيده بالحلف اما ان يكون لاجل كونه مشرکا بحسب الواقع كما هو الظاهر او كونه فى حكم المشرك فيترتب عليه ما يترتب عليه فهو نجس على كل حال وهذا كقول الامام (ع) الفقاع خمر فانه اما خمر كما هو الظاهر من الحمل او بحكم الخمر فهو نجس على كل حال .

و اما النواصب فلا حاجة لنا فى الحكم بنجاستهم الى اثبات كونهم مشركين لما ورد في رواية ابن أبي يعفور التصريح بنجاسة الناصب حيث قال الصادق (ع) فيها ان الله تعالى لم يخلق خلقاً انجس من الكلب وان الناصب لنا اهون على الله تعالى من الكلب.

و فى رواية اخرى موثقة عنه (ع) ايضا ان الله تعالى لم يخلق خلقا انجس من الكلب وان الناصب لنا اهل البيت انجس.

ص: 420

وفي رواية القلانسى بعد ما سئل عن مصافحة الذمى و جوابه امسحها بالتراب (قلت) والناصب (قال) اغسلها.

واستشكل فيهذا الحكم ان الظاهر من الاخبار والتواريخ ان كثيراً من اصحاب النبي (ص) والكائنين في زمن الامير(ع) و اصحاب الجمل والصفين و اصحاب معاوية بل كافة اهل الشام واهل الحرمين كانوا فى اشد العداوة لاهل البيت (ع) فقد روى ان اهل الشام شر من اهل الروم وان اهل مكة يكفرون بالله جهرة واهل المدينة اخبث منهم سبعين ضعفا ومع ذلك لم ينقل الاحتراز عنهم بل كانت المخالطة معهم كالمخالطة مع اصحاب الائمة (ع).

و يرتفع الاشكال بان في زمان النبى (ص) و ما كان الاعداء مظهرين لعداوتهم آل الرسول (ص) وبعده (ص) لم يمكن للامير واولاده المعصومين الاحتراز عنهم الم يقرع سمعك ان امير المؤمنين (ع) لم يقدر على عزل شريح القاضى لانه كان منصوبا من جانب الثاني فبعد ما كان الحال كذلك كيف يمكن الاحتراز عنهم والمعاملة معاملة المشركين فاذا كان الامر كما بينه المستشكل من كون اهل الشام شرا من الروم واهل مدينة شرا من اهل مكة واخبث مع كون اهل مكة يكفرون بالله جهرة لا يمكن الاحتراز و ترك المخالطة ضرورة ان الاحتراز من جميع الناس الا القليل منهم الذى غير كاف للمعاشرة خارج عن حيز الامكان فما كان للمؤمنين اجتماع كاف للعشرة يرجع اليه كل مؤمن من كل مكان مع ان الاحتراز و ترك المخالطة فى ذلك الزمان كان موجباً للعسر والحرج المنفيين في دين الاسلام على ان الاحتراز منهم كان مخالفا للمتقية والامام (ع) يقول التقية ديني ودين آبائي بل يظهر من بعض الروايات ان التقية باقية الى زمان ظهور الحجة عليه صلوات الله و يظهر من هذه المقالة ان اظهار هذا الحكم فى الزمان الحاضر مما لا يجوز لانه مخالف للنقية بل يستتبع مفاسد لا تحصى.

و اما الكافر الذي كفره بسبب الجحد من دون ان يشرك في مرحلة من المراحل فقد يستدل لنجاسته بعدم القول بالفصل بل القول بعدم الفصل وانت خبير

ص: 421

بان عدم القول بالفصل ليس فيه دلالة على شيء وكذلك القول بعدم الفصل بعدم الملازمة بينهما وبين الواقع.

ولك ان تقول ان المشرك له جهتان جهة وفاق مع الاسلام وجهة خلاف معه والحكم بكفره لاجل الثانية لا الاولى وهو عين الكفر ففى مرحلة الايجاد المشرك قائل بايجاد اليزدان والاهر من والسبب للكفره هو القول بايجاد الاهر من لان هذا القول عبارة أخرى عن اتخاذ الشريك مع الله وهو عين الكفر وكذلك في مرحلة العبادة فان عابد الأوثان لعبادته لها يصير مشركا بالله لاعبا ادته لله فالكفر هو المنشأ للشرك و هو الموجب للنجاسة فى المشركين فان جهة الوفاق للاسلام لا يؤثر في النجاسة وليس هذا قياساً حتى يقال ليس من مذهبنا بل الموضوع للنجاسة هو الكفر و جعل الموضوع المشركين لرفع توهم ان جهة الوفاق تمنع عن جهة الخلاف في تأثيرها النجاسة فليس نجاسة المشرك لاجل اعتقاده ان الله حقيق للعبادة بل يستحيل ان يكون هذ الاعتقاد موجباً للنجاسة بل نجاسة المشرك معلولة من اعتقاد بان الاوثان لايقة للعبادة مقربة للمعابد لها الى الله زلفى.

والحاصل ان كل مشرك كافر بلحاظ اشراكه غير الله تعالى معه في مرحلة من المراحل ونجاسته لهذه العقيدة الخبيثة و هذه العقيدة كفر بالله لاستلزامها الجحود و الانكار فاتضح بعون الله تعالى شانه ان الكافر هو النجس و ان المشرك نجاسته لكفره .

( وقد يقال) بان تلك الاية معارضة بقوله تعالى شانه وطعام الذين اوتو الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم بتقريب ان حلية طعام الكفار المسلمين تدل على طهارته وطهارته تدل على طهارة الكفار المباشرة اهل الكفر بالطعام مع كونهم غالبا غیر منفكين عن الرطوبة ) والجواب ) ان المراد من الطعام هو الحبوب من العدس والحمص والبروغيرها روى ابو جعفر بن بابويه (ره) عن هشام بن سالم في الصحيح عن ابي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل وطعام الذين اوتو الكتاب حل لكم قال (ع) العدس والحمص وغير ذلك .

ص: 422

وروى الشيخ (ره) في الصحيح عن قتيبة قال سئل رجل ابا عبدالله الا فقال له الرجل اليوم احل لكم الطيبات وطعام الذين اوتو الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم الحبوب والبقول.

وفي مجمع البحرين الطعام ما يؤكل وربما خص بالبرالى ان قال قوله تعالى وطعامكم حل لكم قال العدس والحمص وفي خبر آخر وطعام الذين اوتوالكتاب حل لكم قال عنى بطعامهم ههنا الحبوب والفاكهة واطلاق الطعام على غير الحبوب لا يوجب اختصاصه به فلا يعارض هذه الاية تلك لجواز كون المراد من الطعام هنا هو الحبوب مع قطع النظر عن التفاسير كيف وقد عرفت ان المراد منه هنا الحبوب فلا معارضة بين الايتين ولا اشكال في البين.

بل نقل عن (ابن الاثير) نقلا عن الخليل ان الغالب في كلام العرب انه البر خاصة وعن (الصحاح) انه ربما خص اسم الطعام بالبر وعن (المصباح) اذا اطلق اهل الحجاز عنوا به البر خاصة بل يظهر من بعض الكلمات ان اطلاق الطعام على غير البر اطلاق مجازی قال (الاقطع) على ما حكى عنه والاصل في ذلك ان الطعام المطلق اسم للحنطة ودقيقها وعن محمد صاحب ابي حنيفة في باب الوكالة بالبيع وان دفع اليه دراهم وقال اشتر لى طعاماً فاشترى له بها حنطة جاز على الامر و ان اشترى بها فاكهة او لحما لم يجز على الامر مع ان احتمال كون المراد منه البر والحبوب الاخر كاف في رفع المعارضة.

ولك ان تقول ان الاية لا تنظر الى نجاسة الطعام وطهارته بل المراد منها حلية الطعام المنسوب الى اهل الكتاب من حيث انه منسوب اليهم لدفع توهم ان نسبة الطعام اليهم موجبة لحرمته و اما من حيث الطهارة والنجاسة فلا تنظر الاية اليهما فلا معنى للاستدلال بها للطهارة ضرورة عدم المنافات بين حلية الطعام من حيث الانتساب اليهم وبين نجاسته بامر آخر اعنى ملاقاته لهم بالرطوبة .

واما قوله تعالى كذلك يجعل الله الرجس على الذين يؤمنون وان تمسك به بعض النجاسة الكفار الا ان المقام لا يساعده لان المراد من الرجس في هذه الاية

ص: 423

هو الشك والاضطراب والضيق والحرج كما ورد بها التفاسير .

واما السنة فمنها موثقة الاعرج عن الصادق الا في سؤر اليهودي والنصراني ايو كل او يشرب قال (ع) لا.

وجوابه (ع) وان احتمل احتمالا ضعيفا كراهة الاكل والشرب ككراهة اكل ور الفارة الا ان ظاهره نجاسة الطائفتين .

ومنها رواية ابن مسلم عن رجل صافح مجوسيا قال يغسل يده ولا يتوضا وهذه

الرواية اظهر من سابقه في النجاسة .

ومنها رواية أبي بصير في مصافحة اليهودي والنصراني قال من وراء الثياب فان صافحك بيده فاغسل يدك و المصافحة في الروايتين محمولة مع رطوبة اليد وهذه الرواية صريحة فينجاسة اليهودي والنصراني.

واصرح مما ذكر رواية على بن جعفر (ع) عن اخيه موسى بن جعفر (ع) قال سئلته عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام قال اذا علم انه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام الاان يغتسل وحده على الحوض فيغسله ويغتسل .

ومنها رواية ابن ابي يعفور اخبرني عن ماء الحمام يغتسل منه الجنب واليهودى والنصراني والمجوسى فقال ان ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا ومن الواضح ان التطهير يتحقق مع النجاسة واحتمال كون النجاسة من نجاسة بدن الجنب من المنى ممالا يعتنى به لانه خلاف الاصل مع ان الامام لم يفصل بين الجنب وغيره فلو كان الجواب لذلك الاحتمال لقد فصل بينه وبينهم .

وروى على بن جعفر عن اخيه ابی الحسن موسى (ع) وقال سئلته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة وارقد معه على فراش واحد واصافحه قال لا فروى هارون بن خارجة قال قلت لا بيعبد الله (ع) اني اخالط المجوس فآ كل من طعامهم فقال لا وعن عبدالله بن يحيى الكاهلى قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن قوم مسلمين ياكلون وحضرهم رجل مجوسى ايدعونه الى طعامهم فقال اما انا فلا او اكل المجوسى واكره ان احرم عليكم شيئاً تصنعونه في بلادكم دلت الرواية على حرمة مؤاكلة

ص: 424

المجوسى ووجوب التقية .

رواية اخرى لعلى بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر (ع) قال سئلته عن فراش اليهودي والنصرانی اینام عليه قال لاباس ولا يصلى فى ثيابهما وقال لا ياكل المسلم مع المجوسى فى قصعة واحدة ولا يقعد على فراشه ولا مسجده ولا يصافحه قال و سئلته عن رجل اشترى ثوبا من السوق للبس لا يدرى لمن كان هل يصلح الصلوة فيه قال ان اشترى من مسلم فليصل فيه وان اشتراه من نصراني فلا يصلى فيه حتى يغسله .

وصحيحة محمد بن مسلم قال سئلت ابا جعفر الا عن آنية اهل الذمة والمجوس فقال لا تاكلوا في آنيتهم ولا من طعامهم الذى يطبخون ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر وذكر آنية الخمر بعد النهي عن الاكل فى الانية على الاطلاق دليل على ان العلة فى الاجتناب ليس لنجاسة الخمر فقط وفى الروايات الحاصرة لحلية طعام اهل الكتاب فى الحبوب دلالة على المنع من غير الحبوب وليس الا لنجاسته والروايات الدالة على نجاسة اهل الكتاب وغيرهم كثيرة متفرقة في الابواب ومما نقلناه كفاية لاثبات المرام بل الاية كافية مع فرض فقد الروايات .

وحيث ان فقهاء العامة كانوا على طهارة اهل الكتاب بل بعضهم على طهارة الكلب ومقتضى النقية الموافقة معهم وردت في اخبارنا جملة من الروايات تدل على طهارة اهل الذمة ولكن الفقيه الماهر لا يخفى عليه ان وجه صدور هذه الروايات هو التقية لا الاخبار عن الواقع وفي صحيحة اسماعيل بن جابر علائم التقية واضحة قال قلت لا بيعبد الله (ع) ما تقول فى طعام اهل الكتاب فقال لا تاكله ثم سكت هنيئة ثم قال لا تاكله ثم سكت هنيئة ثم قال لا تاكله ولا تتركه تقول انه حرام ولكن تتركه تنزها عنه ان في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير فالناظر في هذه الرواية لايشك في ان جواب الامام بهذه الكيفية لاجل دوران الأمر له بين المحذورين وانه (ع) لا يقدر على بيان الواقع فكلما رويت رواية دالة على الطهارة لابد ان يحمل على التقية والاخبار الموافقة للعامة العمياً لا تعارض الروايات المخالفة لهم وان كانت

ص: 425

الموافقة اكثر من المخالفة لان الرشد فى خلافهم مع ان الروايات المخالفة موافقة المكتاب العزيز و نحن نذكر بعض الروايات الدالة على الطهارة ليطلع الناظر في هذه الاوراق عليها.

منها رواية زكريا بن ابراهيم قال كنت نصرانيا فاسلمت فقلت لا بيعبد الله (ع)ان اهل بيتى على دين النصرانية فاكون معهم في بيت واحد وآكل من آنيتهم فقال لى اياكلون لحم الخنزير قلت لا قال لاباس.

ومنها رواية ابراهيم بن ابى محمود قال قلت للرضا(ع) الجارية النصرانية تخدمك و انت تعلم انها نصرانية لا تتوضا ولا تغتسل من جنابة قال لا باس تغسل يديها.

ومنها صحيحة ابن سنان انى اعير الذمى ثوباً و انا اعلم انه يشرب الخمر و ياكل لحم الخنزير ثم يرده على فاغسله قبل ان اصلى فيه فقال ابو عبدالله (ع) صل فيه ولا تغسله من اجل ذلك فانك اعر ته اياه وهو طاهر ولم تستيقن انه نجسه فلا باس ان تصلى فيه حتى تستيقن انه نجسه.

وقوله (ع) من اجل ذلك معناه ان لاجل شرب الخمر واكل لحم الخنزير لا يجب عليك الغسل ويحل لك الصلوة لجريان الاصل وفيه ايهام ان تنجس الثوب لا ينحصر فى شرب الخمر واكل لحم الخنزير فالمناط عدم يقينك بانه ينجسه فان نجاسة بدنه يمكن ان يسرى الى الثوب لاجل الرطوبة وحيث كان المقام مقام التقية لم يصرح بهذالبيان ولكن اوهمه بقوله من اجل ذلك.

ومنها رواية اخرى لابن ابى محمود عن مولانا ابى الحسن الرضا عليه السلام الخياط والقصار يكون يهوديا او نصرانيا وانت تعلم انه يبول ولا يتوضا ما تقول في

عمله قال لا باس .

ومنها رواية العيس عن ابيعبد الله (ع) فى مؤاكلة اليهودي والنصراني فقال لاباس اذا كان من طعامك.

و منها صحيحة ابن خنيس لا باس بالصلوة فى الثياب التي يعملها النصارى

ص: 426

والمجوس واليهود وهذه الرواية يمكن ان يكون المراد منها ان عمل هذه الطوائف لا يمنع من حلية الصلوة فى الثياب لعدم ذكر للطهارة والنجاسة في المتن .

ومنها رواية ابن مسلم لا تاكلوا في آنيتهم ان ياكلون فيها ميتة والدم ولحم الخنزير الى غير ما ذكر من الروايات الدالة على طهارة هؤلاء الكفار.

وقد يتمسك بهذه الروايات والاصل وما دل من الايات على حلية اكل طعام اهل الكتاب على الطهارة .

وانت خبير بان الاصل انقطع بالاية الكريمة والروايات الدالة على النجاسة و هذه الروايات محمولة على النقية لموافقها مع العامة الذين في خلافهم الرشد والاية محمولة على البقول والحبوب لورود التفسير بها و تنصيص اهل اللغة بل الفطن العارف يعلم بالعلم القطعى انه يستحيل صدور رواية واحدة من المعصوم على نجاستهم ما لم يكن الواقع كذلك لان في نجاستهم التضيق في امر المعاشرة فالنجس يمكن ان يحكم بطهارته لمعنى من المعانى ولا يمكن العكس فالدال على النجاسة لاظهار الواقع والدال على الطهارة للتقية.

والمنقول عن علم الهدى (ره) ان القول بالنجاسة من متفردات الامامية (وح) فحمل اخبار الطهارة على التقية مما لابد منه ثم ان لفاضل المقداد كلاما في كنزالعرفان ينبغى ذكره (والجواب) عنه.

و هو انه عندى فى كلام الاصحاب اشكال تقريره ان الحبوب وغيرها من الجامدات داخلة فى الطيبات وعطف الخاص على العام نص اهل البلاغة على انه لا يجوز الا لنكتة او فضيلة كعطف جبرئيل وميكائيل على الملائكة فاى نكتة هنا اقتضت الاخراج والعطف على قولكم نعم النكتة متوجهة على قول الخصم وذلك لانه لما ذكر انه حرم ما لم يذكر اسم الله عليه وان اهل الكتاب مشركون و انهم يكفرون اهل الاسلام وانهم من اهل الخبائث امكن ان يقال ان طعامهم مطلقا ليس من الطيبات فناسب اخراجه وعطفه بيانا للرخصة واما على قولكم فان ذلك عزيمة وللرخصة مزبة فى بيان الاحكام خصوصا فيما ورد في معرض الامتنان

ص: 427

وهو بهذه الاية وارجومن الله ان يفتح على الجواب عن هذ الاشكال بكرمه ( انتهى كلامه رفع مقامه ) .

والنظر الدقيق مقتض لعكس ما بينه لان كمال البينونة بين المسلمين والكفار و شدة المنافرة بين الطائفتين والمباعدة الاعتقادية والمباينة الدينية بينهما يوهم لزوم الاجتناب عن جميع ما فى ايدى الكفار من الاشياء لانتسابها اليهم بل يوهم وجوب الانقطاع عنهم ولزوم نجاسة تمام ما ينتسب اليهم فوردت الآية الشريفة دفعا بهذه المتوهمات و بيانا ان الجوامد والحبوب من الاطعمة داخلة في الطيبات والانتساب بالكفار لا يخرجها عنها ولولا هذه الآية لم يعلم المسلمون ان الجامدات مع انتسابهم اليهم داخلة تحت الطيبات فالعلم بكونها من الطيبات حصل بهذه الاية الكريمة لا بمطلق الطيبات قال بعض الافاضل فى مقام رفع الاشكال فكانه قيل أحل لكم الطيبات ومنها طعام الذين اوتو الكتاب.

والحاصل انه لولا هذه الاية لم يعرف كون الجوامد مع انتسابها الى الكفار من الطيبات فالأمر منعکس علیه قدس سره .

والمنقول عن فاضل الهندي (قده) انه قال بانه كما يمكن ان يتوهم ان ذبايحهم اوما ماسوه بالرطوبة ليس من الطيبات لا شبهة فى انه يمكن ان يتوهم ان ما ماسوه مطلقا اوما يحتمل ان يكون ماسوه بالرطوبة كذلك وان كان التوهم فى الاول اقوى مضافا الى ان مفاد الآية هو حلية طعامهم وحلية طعامهم من حيث هو لا ينافي نجاسته من حيث مباشر تهم بنفوسهم ومما ستهم اياه بايديهم وهذه المقالة من هذا الفاضل (قده) كافية لرفع الشكوك والشبهات والاشكالات.

قال بعض الافاضل بعد نقل كلام الفاضل بل قد يقال ان المراد بالذين اوتو الكتاب المؤمنين منهم لما قال المفيد (قده) في مسئلة ذبايح اهل الكتاب وذلك ان المسلمين تجنبوا ذبايحهم بعد الاسلام كما كانوا يجتنبونها قبله فاخبرهم الله تعالى شانه با باحتها لتغير احوالهم عما كانت عليه من الضلالة قال قالوا يعنى الجماعة من الاصحاب الذين اوتوالكتاب وليس بمنكر ان يسميهم الله تعالى شانه اهل الكتاب

ص: 428

وان دانوا بالاسلام كما سمى امثالهم من المنتقلين عن الذمة الى الاسلام .

حيث يقول و ان من اهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل اليكم وما انزل اليهم خاشعين الله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلا اولئك لهم اجرهم عند ربهم ان الله سريع الحساب فاضافهم بالتسمية الى الكتاب وان كانوا على مل_ة الاسلام فهكذا يسمى من اباح ذبيحته من المنتقلين من الذمة عن الذمة وان كانوا على الحقيقة من اهل الايمان والاسلام .

و مما يدل على هذه الارادة قوله تعالى وطعامكم حل لهم فان مقصوده تعالى شانه انما هو بيان الاحكام للمؤمنين اذ لا فائدة لبيانها للكفار و هذه الفقرة انما سبقت لبيان حلية الطعام لاهل الكتاب فلابد من ان يكون المراد باهل الكتاب المؤمنين منهم.

وهذا الكلام بمكان من الدقة واللطافة حقيق للاستماع والاتباع الاان اخبار الحبوب الواردة في تفسير طعام اهل الكتاب يمنعنا عن اتباع مفاد هذا الكلام لعدم الفرق بين اطعمة المؤمنين بعد ايمانهم وان كانوا من اهل الكتاب قبل الايمان فالحق بالاتباع هو قول الفاضل الهندى اذ قال مضافا الى ان مفاد الاية هو حلية طعامهم وحلية طعامهم من حيث هو لا ينافي نجاسته من حيث مباشر تهم بنفوسهم و مماستهم اياه بايديهم لان معنى حلية طعامهم ان كفرهم و انتساب الطعام اليهم لا يخرج الطعام على ما كان عليه من الحلية ونجاسته من حيث المباشرة عبارة اخرى عن تنجس الملاقي بالنجس بالملاقات به ولامنافات بین هذين الحكمين .

و اما بيان الاحكام للمؤمنين وعدم فائدة بيانها للكفار لا ينافي قوله تعالى وطعامكم حل لهم لان المقصود من البيان معرفة المسلمين بهذا الحكم لانتفاعهم بها

واما ولد الزناء

( واما ولد الزناء )

فالمشهور عند الاصحاب طهارته ما لم يصدر منه ما يدل على كفره فيكون نجسا فعنوان ولدالزناء ليس من موضوعات النجاسة والاصل في الاشياء الطهارة لما

ص: 429

عرفت مراراً من ان الطهارة عن الخبث امر عدمى لا يتوقف على شيء من العلل لان العدم لا يعلل والمحتاج الى العلة هو النجاسة التي امر وجودي تحققه منوط الى العلة فولد الزناء كساير الناس فى النجاسة و الطهارة ومقتضى الاصول والقواعد طهارته والنجاسة لا يحكم عليها ما لم يدل دليل.

و ما قيل فى الاستدلال على النجاسة غير كافية لاثباتها.

فمما تمسكوا عليها ما ورد من انه لا يبغض عليها (ع) الا ولد الزناء وان على (ع) علامة طيب المولد وبغضه علامة الزناء وفيه ان ولد الزناء ليس منحصراً في المبغض بل المبغض منحصر فيه فليس كل من ولد من الزناء مبغضا له (ع) بل كل مبغض له (ع) مولود من الزناء فان كان مراد المستدل اثبات الكفر والنجاسة لمن يبغض عليا (ع) فهو حق متين لان المبغض كافر داخل في النواصب وقد مر الكلام فيه وان كان مراده اثباتهما للاعم من المبغض وغيره فهو فى حيز المنع واثبات الحكم للاخص لا يسرى في الاعم .

ومنها مرفوعة سليمان الديلمى الى الصادق (ع) وفيها ان ولد الزناء يقول فما ذنبي فما كان لي في امرى صنع فيناديه مناد ويقول له انت شر الثلثة اذنب والداك فنشأت عليهما وانت رجس ولن يدخل الجنة الا طاهر.

و يكفى فى رد هذه الرواية كونها مرفوعة غير معروف الراوي على ان متن الرواية مشتمل الى امر لا يجوز استادها الى الرب الغفور الرحيم الذي لا يؤاخذ احداً بذنب غيره تعالى عن ذلك علواً كبيرا وهو يقول في كتابه ولا تزر وازرة وزر اخرى والرجس الوارد في الرواية ان كان المراد منه الكفر لعلة جحوده او تمرده او شركه فهو راجع الى الكفار وان كان المراد منه الرجس الذي نشأ من فعل والديه كما هو الظاهر فيستلزم كون التكليف عليه لغوا عبثا لان هذا الرجس لا یتنزع منه ولا يمكن ان يتطهر منه فبعد كونه ما نعاً في دخول الجنة لا اثر لعباداته المرتبة على التكاليف.

والحاصل ان كون ولدالزناء رجساً مانعا من دخول الجنة وكونه مكلفا

ص: 430

بالعبادات اعنى الاوامر والنواهى الموجبتين للثواب مع الاطاعة والموافقة والعقاب مع المعصية والمخالفة مما لا يجتمعان ضرورة ان موافقة التكاليف والاطاعة مع الايمان تستدعى دخول الجنة والرجس الغير المنفك منه يمنع منه فيلغوالتكليف لكن اجماع المسلمين قائم بتعلق التكليف عليه فليس لاحد بعد كونه طرفا للتكليف نسبة النجاسة اليه لانه يستلزم نسبة الأمرين المتمانعين الى الله عز وجل فالحاكم بنجاسته حكم من دون تدبر في لوازم هذالحكم .

( ومنها) رواية ابن أبي يعفور لا تغتسل من البئر التي تجمع فيها غسالة الحمام فان فيها غسالة ولدالزناء وهو لا يطهر الى سبعة آباء .

وكون المراد من النهى فى هذه الرواية الكراهة لا يخفى على احد سيما مع قوله ولا يطهر الى سبعة آباء لعدم الخلاف في ولده الاول اذا كان من نكاح ورواية ابی بصير عن مولانا الصادق (ع) المروى عن عقاب الاعمال ان نوحاً (ع) لحمل في السفينة الكلب والخنزير ولم يحمل فيه ولدالزناء ولا تدل على مطلوبهم لان عدم الحمل محمول على شيء سوى النجاسة كما حمل الكلب والخنزير وهو صلوات الله

عليه اعلم بما فعل.

( ومنها ) ا مرسلة الوشاء عن مولانا الصادق (ع) انه كره سور ولد الزناء و اليهودي والنصرانى والمشرك وكل من خالف الاسلام وكان اشد ذلك عنده سؤر الناصب وارسالها كاف في ردها مع ان الكراهة اعم من الحرمة ويمكن ان يكون الكرامة بالنسبة الى ولدالزناء هي المقابلة للحرمة وبالنسبة الى غيره هي الحرمة و ليس هذا من استعمال اللفظ الواحد فى اكثر من معنى واحد لان الحرمة من افراد الكراهة .

( ومنها ) موثقة زرارة عن أبي جعفر الباقر (ع) الاخير في ولدالزناء وبشره ولا في شعره ولافي لحمه ولا في دمه ولا في شيء منه وعدم الخير لا يدل على النجاسة وحسنة ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية احب الى من ولدالزناء ولا دلالة فيها على نجاسة - لامكان كون لبنه ذا اثر من الاثار لا يوجد

ص: 431

في لبن الطوائف المذكورة.

(منها) ما ورد من ان ديته كدية اليهودى ثمانمائة درهم وعدم دلالتها واضحة لعدم الملازمة بين مقدار الدية والنجاسة مع ان هذا التقدير غير معلوم .

والحاصل ان ما تمسكوا به من الادلة غير ناهض على ما راموه وغير كاف لرفع اليد عن الاصول والقواعد فالاولى ان يقال ان هذا الشخص المتنازع فيه وان صعب عليه المشى فى طريق الصواب لكنه لا يستحيل صدور العبادة عنه فإسلامه كا سلام ساير المسلمين فلو اسلم واعترف بما يجب الاعتراف به داخل في ربقة الاسلام فله للمسلمين وعليه ما عليهم و بعد ما آمن بما آمن به اهل الايمان يجرى ما يجرى عليهم.

فهل يمكن لاحد التوهم فى ان الشخص المتنازع فيه لو اسلم كساير المسلمين و آمن وعمل الصالحات واتمر بأوامر الاله جل جلاله وانتهى عما نهاه كما ورد في الشرع فمات وحشر في القيامة لن يقبل الله الرؤف الرحيم الحكيم المنجز الوعد شيئاً من عباداته وطاعاته واعتقاداته مع تطابقها للواقع ويواخذه بفعل ابويه وصريح كلامه تعالى شانه انه لاتزر وازرة وزر اخرى كلا ثم كلا فهذا المتوهم لايق بأن يقال عليه انه لم يعرف الهه وخالقه كما هو حقه ومستحقه.

في المسوخ

( في المسوخ )

وقد يظهر من بعض الاساطين الذهاب الى نجاسة المسوخ من الحيوانات والمراد منها حيوانات على صورة المسوخ الاصلية فانها لم تبق اكثر من الثلثة وقد عد في الاخبار على الاختلاف فى العدد والجنس ففى رواية الحسن الاشعرى عن ابي الحسن الرضا (ع) قال (الفيل) مسخ كان ملكاً زناء (والذئب) مسخ كان اعرابياً ديوثاً ) والارنب ( مسخ كانت امرئة تخون زوجها ولا تغتسل من حيضها و الوطواط مسخ كان يسرق نمور الناس ) والقردة والخنازير ( قوم من بنى اسرائيل اعتدوا

ص: 432

في سبت ( والجريث والضب ) فرقة من بنى اسرائيل لم يؤمنو احين نزلت المائدة على عيسى بن مريم عليه السلام فتاهوا فوقعت فرقة فى البحر وفرقة في البر (والقارة) وهى الفويسقة ( والعقرب) كان نماماً (والدب ) ( والوزغ) كان والزنبور لحاما يسرق فى الميزان .

و في ررواية على بن مغيرة عن ابي عبدالله عليها السلام عن ابيه عن جده عليهما السلام قال المسوخ من بنى آدم ثلثة عشر صنفاً منهم القردة والخنازير والخفاش والضب والفيل والدب والدعموص والجريث والعقرب والسهيل والقنفذ و الزهرة والعنكبوت ثم ذكر سبب مسخهم.

وفي رواية جعفر بن محمد عن آبائه عن علی بن ابی طالب عليهم صلوات الله قال سئلت رسول الله لا عن المسوخ فقال ثلثة عشر الفيل والدب والخنزير والقردة والجريث والضب والوطواط والدعموص والعقرب و العنكبوت و الارنب و السهيل والزهرة ....

قال فى الجواهر وعددها المحصل من حسن الحلبى عن الصادق عليه السلام و صحیح محمد بن الحسن الاشعرى عن الرضاء (ع) و خبر الحسين بن خالد وخبر سليمان الجعفرى عن ابى الحسن عليه السلام وخبرى على بن جعفر وعلى بن مغيرة عن الصادق والكاظم عليهما السلام المرويين عن العلمل بعد الجمع بينهما نيف وعشرون الضب والفارة والقرد والخنازير والفيل والذئب والارنب والوطواط والجريث والعقرب والدب والوزغ والزنبور والطاووس والخفاش و الزمر والمار ماهى والوتر والورس والدعموص والعنكبوت والقنفذ والسهيل والزهرة وهما دابتان من دواب البحرو زاد في كشف الغطاء الكلب والحية والغطاية والبغوص القملة والعيفيقا والخنفساء ولعله لاخبار آخر كما ان مافيا الفقيه ايضا من النعامة والثعلب واليربوع والوطواط كذلك او لتعدد اسما بعضها ( انتهى النقل ) فترى تجاو و زعددها عن الثلثين و الاختلاف فيها لا يضر على القول بالطهارة لعدم الفرق بينها وبين غرها.

واما على القول بالنجاسة فيحكم بالطهارة للاصل ما لم يثبت العنوان

ص: 433

ويكفي في الحكم بالطهارة الاصل وعدم ما يدل على نجاستها فقد عرفت فيما اسلفناه ان الطهارة من الخبث من العدميات التي لا تحتاج الى الدليل بل الاصل كاف للاعتقاد بها ولم يثبت نجاسة شيئى من الحيوانات سوى الكلب والخنزير.

وقد مر عليك صحيح البقباق قال سئلت ابا عبدالله (ع) عن فضل الهرة والشاة والبقرة واللابل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم اترك شيئاً الاسئلته عنه فقال لا باس حتى انهيت الى الكلب فقل جس نجس لا يتوضا بفضله ( الحديث ) ورايت ان اكثر ماذكر في المسوخ داخل في السئوال واجاب الامام (ع) بعدم الباس فى فضله وروى على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السلام ف_ى حديث قال سئله عن الغطاية والحية و الوزغ يقع فى الماء فلا يموت يتوضأ منه الصلواة قال لاباس به وسئلته عن فارة وقعت في حب دهن واخرجت قبل ان تموت ابيعه من مسلم قال نعم ويدهن منه ونفى الباس عن الامشاط بعظام الفيل دلالة على الطهارة .

و روی محمد بن علی بن الحسين رضوان الله عليه قال قال موسى بن جعفر عليه السلام تمشطوا بالعاج فانه يذهب بالوباء و بعض ما قيل من المسوخ بسيلزم العسر والحرج نجاسته ومستند القائل بالنجاسه الاجماع على عدم جواز بيع القرد و انت خير لعدم قيام الاجماع على عدم الجواز وعدم دلالة عدم الجواز على النجاسة.

وذهب العلامة الى طهارة المسوخ ( قال ) فى المختلف (مسئلة ) حكم الشيخ رحمته الله بنجاسة المسوخ ( قال ) في الخلاف في كتاب البيوع يحرم بيع القرد لانه مسخ نجس و كذا سلار و ابن حمزه و الا قرب عندى الطهارة ( لنا ) رواية الفضل أبي العباس وقد تقدمت فى المسئلة الأولى وما رواه عمار الساماتي عن ابي عبد الله الا الله (ع) في الحديث الطويل و قال كل شيئى نظيف حتى تعلم انه قذر و اذا علمت فقد قذر وما لاتعلم فليس عليك ولان الفيل احد انواع المسوخ ولو كان نجسة لكان عظمه نجساً كعظم الكلب و التالى باطل لما رواه عبدالحميد بن سعيد قال

ص: 434

سئلت ابا ابراهيم عن عظام الفيل يحل بيمه او شرائه الذي يجعل منه الامشاط فقال لاباس قد كان لابى مشط او امشاط اختجوا بانه يحرم بيعها على ما ياتى ولامانع سوى النجاسة والجواب المقدمتان ممنوعتان (انتهى ) .

و مراده من منع المقدمتين ان بيع المسوخ ليس بحرام ومع فرض حرمته لا يدل على نجاسته لان حرمة البيع لا تدل على النجاسة لانها اعم منها.

وقال الشيخ رحمة الله فى المبسوط في فصل ما يجوز بيعه و مالا يجوز بعد تقسيم المبيع الى النجس وغيره وان كان نجس العين مثل الكلب والخنزير و الفارة والخمر والدم وما توالد منهم وجميع المسوخ وما توالد من ذلک او من احد هما فلا يجوز بيعه وهذه العبارة يكشف ان الفارة والمسوخ من النجاسات وقد عرفت مما سلف ان لادليل له على ذلك.

وما قبل بنجاسة المرق من الجنابة اذا كانت من حرام

وما قبل بنجاسة المرق من الجنابة

اذا كانت من حرام

حكى عن الصدوقين والاسكافي والشيخين في المقنعة والخلاف والنهاية وابن زهره و القاضي قال شيخنا الانصاري قدس سره و الاقوى نجاسة عرق الجنب م_ن الحرام وفاقاً للمحكى عن الصدوقين والاسكافى والشيخين في المقنعة و الخلاف والنهايه والقاضى و ابن زهره والظاهر انه المشهور بين القدماء وعليه جماعة من المتاخرين .

وفي الرياض عند شرح قول المحقق وفى عرق الجنب من الحرام مطلقا .

واعلم ان الاظهر الا شهر بين قدماء الطائفه فى عرق الجنب من الحرام مطلقا یقل هذا بيع قطع النظر عن ضعف اللاسناد ولو لوخط الاسناد فضعفها كاف في طرحها وانما بينا عدم دلالتها لمن سوى صدورها عن اللامام .

ص: 435

حين الجنابة كان ام بعده وربما خص بالاول هو النجاسة بل عده في الأمالي من دين الاماميه وصرح بالاجماع فى خلاف شيخ الطائفه رحمة الله وهو الظاهر من عبارة ابن زهره ونحوها عبارة سلار قوماً الا ان اختياره الطهارة بعد الحكاية بلا فاصلة يعين ارادتة منهما الشهرة العظيمة النصوص المستفيضة منها الرضوى ان عرقت في ثوبك وانت جنب وكانت الجنابة من الحلال فيجوز الصلوة فيه .

وان كانت من حرام فلا يجوز الصلوة فيه حتى تغتسل ونحوه في الذكرى عن زياد الكفرثوثى وفى البحار عن مناقب ابن شهر آشوب نقلا کتاب من المعتمد في الاصول عن على بن مهزيار وفيها ان كان من حلال فصل فيه وان كان من حرام فلا تصل فيه ونحوهما خبر آخر روى في الجهاد وقصور اسانيدها منجز بالشهرة العظيمة بين القدماء والاجماعات المحكية والدلالة وان لم تكن ناصة بالنجاسة الا ان الملازمة بينها وبين عدم جواز الصلوة المصرح فيها هنا ثابتة بناء على عدم القائل بما فيها صاصة من القائلين بالطهارة والقول به خاصه دون الاحكام الاخر المترتبة على النجاسة احداث قول في المسئلة ( انتهى ) .

فانظر الى هذا المحقق الشريف انه بعد اعترافه بقصور السند وفقد الدلالة يجر القصور بالشهرة العظيمة و الاجماعات المحكية بعد اعترافه ( قده ) بان مراد سلار من الاجماع هو الشهرة واما لدلالة فالرضوى منها لا قصور في دلالته لانه نص في المطلب الا ان القائل به غير معروف فهو لا يعارض قول واحد من الاصحاب المعروفين واما غير الرضوى فلملادلالة فيه على المطلوب فان عدم حلية الصلوة لا يدل على النجاسة فانه اعم منها مطلقا فكيف يعرف من عدم حلية الصلوة نجاستة العرق وليس منها اسم فى الروايات فلم لا يجوز ان تحرم الصلوة فيه معى عدم نجاسة مثل جلد المذكى من الحيوانات الذى لا يوكل لحمه والمغصوب من اللباس وغير هما وقوله ( قده ) الاان الملازمة بينها و بين عدم جواز الصلواة المصرح فيها هنا ( الح ) اثبات للملازمه من الطرفين بعدم جواز قول ثالث وانت خبير بان القول بعدم النجاسة والقول بعدم جواز الصلوة فيه لا تنافى بينهما سواء قال به احد اولم

ص: 436

قال النجفي ( قده ) فى الجواهر بعد النقل عن جماعة القول بالنجاسة و الاستدلال لهم بما فى الفقه الرضوی و بما قد يشعر به قول ابي الحسن في مرسل على بن الحكم الى ان قال وبما في الذكرى روى محمد بن همام باسناده الى ادريس بن زياد الكفر ثوثى انه كان يقول بالوقف فدخل سر من راى في عهدابي الحسن واراد ان يسئله عن الثوب الذى يعرق فيه الجنب ايصلى فيه فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره حركة ابو الحسن عليه السلام بمقرعه و قال مبتدأ ان كان من حلال فصل فيه وان كان من حرام فلا تصل فيه ( الحديث) .

و بما في البحار نقلا من كتاب المناقب لابن شهر آشوب من كتاب المعتمد في الاصول قال قال على بن مهزیار وردت العسكر وانا شاك فى الامامة فرايت السلطان قد خرج الى الصيد فى يوم من الربيع الا انه صائف و الناس عليهم ثياب الصيف وعلى ابي الحسن البابيد وعلى فرسه تحفاف لبود وقد عقد ذنب فرسه والناس يتعجبون ويقولون الاترون الى هذا المدنى وماقد فعل بنفسه فقلت لو كان اماماً ما فعل هذا فلما خرج الناس الى الصحراء لم يلبثوا اذا ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق احد الا ابتل ثم غرق بالمطر فعاد (ع) وهو سالم من جميع ذلك فقلت في نفسى يوشك ان يكون هو الامام ثم قلت اريد ان اسئله عن الجنب اذا عرق في الثوب فقلت في نفسى ان كشف عن وجهه فهو الامام فلما قرب منى كشف عن وجهه وقال (ع) ان كان الجنب عرق فى الثوب و جنابته من حرام لا يجوز الصلوة فيه و ان كانت جنابته من حلال فلا باس به فلم يبق فى نفسى بعد ذلك شك (الحديث ).

و بما روى في البحار ايضاً اني وجدت في كتاب عتيق من مؤلفات قدماء اصحابنا بل فيما حضرني من نسخة البحار اظنه مجموع الدعوات لمحمد بن هارون موسی التلعكبرى رواه عن ابي الفتح غازي بن محمد الطريفي عن على بن عبدالله الميموني عن محمد بن علی بن معمر عن علی بن مهزیار من موسى الاهوازي عنه (ع) مثله و قال ان كان من حلال فالصلوة فى الثوب حلال وان كان من حرام فالصلوة في الثوب حرام وبما عن موضع من المبسوط من نسبته الى رواية بعض اصحابنا وعن موضع

ص: 437

آخر منه ايظاً انه ان عرق فيه وكانت الجنابة من حرام روى اصحابنا انه لا يجوز الصلوة فان كانت من حلال لم يكن به باس ( قلت ) لكن عدم حجة الرضوى عندنا وضعف الاشعار السابق وقصور دلالة الباقى لا عمية حرمة الصلوة من النجاسة وعدم وضوح سند خبر ذكرى والمناقب وظهور ضعف سند الموجود في الكتاب المتيق لعلى بن عبدالله الميمون فانه فاسد الاعتقاد والرواية كما عن حبش وغالباً ضعيفا كما عن غض و خلو الكتب المعمتدة عنها و عدم ورود خبر يعضدها من النبي (ص) والائمه الماضين عليهم السلام مع كثرة الرواية واللواط والزنا واقامة الحدود عليهم في تلك الاوقات وفتوى المتاخرين بخلافها وان كان الاحتمال بل عدم ظهور عثورهم عليها وغير ذلك يمنع من تحكيمها على مادل على الطهارة من الاصل بل الاصول والعمومات ( انتهى ) .

فترى انه رضوان الله عليه ضعف اسناد ما فيه حرمة الصلوة مع انه جعل الحرمة اعم من النجاسة.

و بعد ما ضعف الاستناد و كان الحرمة اعم من النجاسة لا يصح الاستناد اليها للحكم بالنجاسة مع كون الاصل في الاشياء الطهارة .

لكنا فى غنية في تضعيف السند لكفاية عدم الدلالة على عدم الحكم ب_ل الناظر في خبر على بن مهزیار تطمئن بوقوع هذه القضية الحاوية للاعجاز الا ان النجاسة لا يستفاد منه ضرورة عدم دلالة الاعم على الاخص و اما بالنسبة الى حرمة الصلوة في العرق اذا كانت الجنابة من الحرام فلانتامل فيها لما عرفت من اطمينان النفس بوقوع هذه القضية وصدور هذه المقالة من الامام عليه السلام وعدم ورود خبر معاضد عن النبي (ص) والأئمة الماضين عليهم السلام لا ينافي الاطمينان بصدوره عن مولانا ابي الحسن الهادي (ع) وقد يستدل للمختار بالاصل والاجماعات وما في الاخبار من العموم والاطلاق الشامل لما نحن فيه كعموم حسنة ابي اسامة قال سئلت اب_ا عبد الله (ع) عن الجنب يعرق فى ثوب او يغتسل فيعانق امرئته ويضاجعها وهي حائض او جنب فيصيب جسده من عرقه قال هذا كله ليس بشيء فعمومها الناشى من ترك

ص: 438

لاستفصال بين الحرام والحلال تدل على المطلوب .

( وفيه ) ان الرواية ظاهرة فى الحلال وترك الاستفصال مع الظهور لايدل على العموم.

وخبر عمر بن خالد عن زيد بن على عن أبيه عن جده عن على عليهم السلام قال سئلت رسول الله (ص) عن الجنب والحائض يعرقان في الثوب حتى يلصق ا مافيه عليهما فقال (ص) ان الحيض والجنابة حيث جعلهما عزوجل ليس فى العرق فلا يغسلان ثوبهما .

وهذا الخبر كسابقه فى الظهور فى الحلال وخبر ابی بصیر قال سئلت رسوالله (ص) الى ابا عبد الله (ع) عن القميص يعرق فيه الرجل وهو جنب حتى يبتل القميس فقال الله عليه لاباس وان احب ان يرشه بالماء فليفعل واطلاق قول مولانا الصادق في خبر حمزة بن حمران لا يجنب الثوب الرجل ولا يجنب الرجل الثوب وهذان كسابقيهما فى عدم الدلالة مع ان خبر ابن حمران اجنى عن المقام لان الجنابة من الاحداث والنجاسة من الاخباث والاستدلال له على عدم النجاسة فى غير محله وقد بينا سابقا عند استدلال العلامة ( قده ) بهذا الخبر و قدبينا هناك ان استفاده ( قده ) بالاصل كاف لاثبات المرام وبينا ايضا ان الاستدلال بترك الاستفصال صحيح ان لم يناقش بظهورها في الجنب من الحلال.

قال الوحيد البهبهانی اعلی اله مقامه عند استدلال صاحب المدرك برواية ابي اسامه استدلاله بهذه تامل لا يخفى لان الجنابة من الحرام من الأفراد التي لا ينساق الذين اليها عند الاطلاق مضافاً الى ان الاصل فى فعل المسلم الصحة فتامل فقوله (قده ) لان الجنابة من الحرام ( الخ ) فى كمال المتانة واما قوله مضافاً الى ان الاصل ( الخ ) فيه ان المقام ليس مقام تميز الصحة عن الفاسد و لعل امره بالتائل لتفطنه الى هذا.

والحاصل من هذا التطويل ان النجاسة امر وجودى مجعول فى الشرع لا يحكم عليها الا بعد دلالة الدليل ولا نحتاج فى اثبات الطهارة لموضوع من الموضوعات

ص: 439

الى دليل يدل عليها لانها ليست الاعدم النجاسة فليست بشرط لامر ولامانع وبعدما كانت الطهارة امراً عدميا غير مجهول ولا معلول يكفى فى اثباته الاصل اعنى الاستصحاب بمعنى الاخذ بالاقتضاء وعدم الاعتناء بالمانع وكل موضوع من الموضوعات لو خلى وطبعه يكون عاريا من جميع ما يتوقف طروه بشيئى على الجعل فكل جسم من الاجسام عار عن وصف النجاسة مالم يدل دليل على طروها عليه فبعد مازيفنا ما استدل به على نجاسة العرق من الجنب من الحرام فيستصحب الطهارة وليس هذا هو الاستصحاب بمعنى الاخذ بالحالة السابقة كي يناقش بان كل موضوع مشكوك النجاسة عند وجوده وليس له حالة سابقة لان الاستصحاب بهذ المعنى ليس بحجة و و الاخذ بالمقتضى وعدم الاعتناء بالمانع لا يشترط التمسك بوجود الحالة السابقة .

وهذا الاصل جار في جميع الاجسام من النبات والحيوان والانسان من الاحیاء والاموات وما خرج منه الا ما بيناء فالنجاسات تسعة ان قلنا بدخول الفقاع في المسكر المايع وعدم كونه عنواناً براسه كما ذهبنا اليه وعشرة على القول بكونه

موضوعا عليحده.

واما الحديد والقيح المجرد عن الدم فلادلالة في نجاستهما روى ابو جعفر بن بابويه باسناده عن زراره عن أبي جعفر عليهما السلام انه قال له الرجل يقلم اظفاره ويجز شاربه وياخذ من شعر لحيته وراسه هل ينقض ذلك وضوئه فقال يازرارة كل هذا سنة الى ان قال وان ذلك ليزيده تطهير أو السئوال وان كان عن نقض الطهارة عن الحدث الا ان قوله (ع) ليزيده تطهيراً كشف عن عدم نجاسته لان الامام (ع) لا يهمل حكم النجاسة.

وروى سعيد الاعرج قال قلت لابي عبدالله عليه السلام آخد من اظفارى ومن شار بی و احلق راسی فاغتسل قال لاليس عليك غسل قلت فاتوضاً قال لاليس عليك وضوء قلت فامسح على اظفارى الماء قال هو طهور ليس عليك مسح قال في الوسائل اقول من المعلوم ان الحق في ذلك الوقت والى الان لا يكون الا مع الرطوبة

ص: 440

وروى الكلينى رضوان الله عليه باسناد ابي الحسن بن الجهم قال ارانی ابوالحسن سيلا من حديد و مكحلة من عظام قال هذا كان لابي الحسن (ع) فالتحل به فاكتحلت والميل لابد من ملاقاته رطوبة العين.

والشواهد على طهارة الحديد كثيرة فى تضاعيف ابواب الفقه لا يخفى على المتتبع مع ان الذى يهدى المتامل الى ان نجاسة الحديد يوجب العسر الشديدو والضيق الاكيد والاخلال في امر المعيشة لكثرة احتياجات الانسان اليه و الضيق والعسر منافيان لسهولة الشريعة وسماحة الملة.

وروی عمار الساباطي عن ابی عبدالله عليه السلام فى رجل قص اظفاره بالحديد اوجز من شعره او حلق قفاه فان عليه ان يمسحه بالماء قبل ان يصلى سئل فان صلى و لم يمسح من ذلك بالماء قال يعيد الصلوة لان الحديد نجس و قال لان الحديد لباس اهل النار و الذهب لباس اهل الجنة وعمار هذا فطحى لا اعتبار بروايته سيما مع مخالفتها للاخبار الكثيرة .

وهذه الرواية حاوية المتناقضين لان المسح بالنار ليس تطهير اللممسوح وقوله لان الحديد نجس يقتضى الأمر بالغسل ولذا حمل نجس نبحس بالنون والباء المهملة (فح ) يرتفع التناقض من البين.

والحاصل ان كل ما يرد من الروايات الدالة على نجاسة الحديد لا بد من الطرح او الحمل الى امر آخر فرواية موسى بن اكيل في لباس المصلى عن ابي عبدالله عليه السلام قال لاتجوز الصلوة فى شيئر من الحديد فانه نجس ممسوخ تحمل على النحس بحسب الحروف او على شدة النجوسة ان قرء بالجيم .

و اما لقيح فلا دليل على نجاسته مع تجرده من الدم و اما مع امتزاجه به فيكون لاجله لا لاجله.

و اما الصديد فقد يفسر بالقيح وقد يؤخذ مع الامتزاج بالدم ففى القاموس واصد الحرج قيح و في الصحاح صديد الحرج مالؤه الرقيق المختلط بالدم قبل ان يغلظ المدة يقول اصد الحرج اى صار فيه المدة و فى مجمع البحرين الصديد

ص: 441

قيح و دم وقيل القیح كانه الماء في رقته والدم في شكله فمع فرض كونه مجرداً عن الدم لا معنى للقول بالنجاسة كما ان التفسير بما يكون مع الدم لا اشكال في نجاسته و على كل حال ليس موضوعاً من موضوعات النجاسة زائدا على ما مر فان الدم المسفوح نجس واشتمال الصديد عليه يكفى فى نجاسته فليس موضوعاً على حده.

واما لقى فلا دليل على نجاسته و كون الرجيع هو الماكول النجس بعينه امر وراء عنوان القيى فمن أكل شيئا نجسا و رجع ذلك النجس فلا اشكال في نجاسة الا ان هذا ليس من نجاسة القى وان صدق على هذا الرجيع القى فان نجاسته ليس لاجل كونه من القيى فكان نجساً قبل كونه قيئاً فهو قاء نجسا لا ان القى يكون نجسا لهذا العنوان وتفصيل صاحب الوسيلة بين ما اذا اكل شيئاً نجساً او اكل شياً طاهر أف النجاسة على الاول والطهارة على الثانى خارج عن المبحث لعدم استناد النجاسة على الاول الى القى لسبقها عليه.

و بعدما عرفت معنى النجاسة وعلمت عددها بين لك اثارها ولواحقها .

فمن اثارها تنجس ملاقيها اذا كانت الملاقات مع الرطوبة و اما الملاقات من غير رطوبة فلا تنجس الملاقي.

فالنجس مقتضى لنجاسة الملاقي و شرط تاثیر المقتضى رطوبة احد الملاقين او كليهما ومع فقد الشرط لا يوثر المقتضى اثره كما ان المانع يمنع من تاثير المقتضى

فملاقات النجس الكر من الماءلاي نجسه لان الكرية اعنى بلوغ الماء مقدار الكر بحسب الكثرة مانع عن تاثير المقتضى وتعبر عن هذا المعنى بالعاصم فذات النجس مقتضى للتنجيس و الوصول اعنى الملاقات شرط لتأثير المقتضى اثره اذا كانت مع الرطوبة وكثرة الماء وبلوغه مقدار الكرمانع عن تأثير المقتضى اى عاصم عن صيرورة الماء متنجساً من ملاقات النجس و يرتفع العصمة عن العاصم اذا تغير احد اوصاف الماء الثلثة اللون والطعم والريح بالنجاسة فتغير احد هذه الاوصاف يكشف عن غلبة النجاسة على العصمة فترفع فيؤثر المقتضى اثره .

ص: 442

و في كل هذه المراتب يستند الى الاصل مع الشك فالشاك في ملاقات النجس يجرى اصالة عدم الملاقات و مع العلم بالملاقات و الشك في الرطوبة يجرى اصالة عدم الرطوبة لان صرف الملاقات لا تنجس الملاقي اذا لم يكن احدهما رطباً.

ولو علم بالملاقات و الرطوبة وشك فى المانع فالاصل عدم وجود المانع فيحكم بنجاسة الملاقي و تاثير المقتضى اثره ضرورة ان المقتضى والشرط يجب احراز هما في تحقق الاثر فمع الشك وعدم الاحراز لا يحكم بتحقق الاثر .

واما المانع فحيث ان عدمه لا يؤثر في تأثير المقتضى بلى وجوده يمنع في تاثيره فاذاشك فى وجوده يجرى الاصل و يحكم بتحقق الاثر.

واما مع احراز المانع والعلم بتحقق العصمة مع الشك في تغير احد الاوصاف الرافع للعصمة فالاصل عدم التغير و عدم ارتفاع العصمة فلا يحكم بنجاسة الكر الملاقي المنجس بعد العلم بكريته والشك في تغيره لان وجود المانع محرز وارتفاعه مشكوك والاصل عدم الارتفاع.

ولو تحقق العاصم اعنى كرية الماءوتيقن وجوده ثم شك في ارتفاع العاصم بنقص ورد على الموضوع لا يحكم بتنجسه اعتذارابان ورود النقص عليه يمنع من جريان الاستصحاب لان منشأ الشك (ح) ذهاب بعض اجزاء الموضوع لان ذهاب بعض الاجزاء لا يمنع من جريان الاستصحاب ما لم يوجب تبديل القطع بما يقطع المخالف وكون منشأ الشك في بقاء العصمة ذهاب بعض اجزاء الموضوع لا يوجب تبدل الموضوع لأن المقدار عارض على الجسم فان الجسم التعليمى من عوارض الجسم الطبيعي فجريان الاستصحاب بهذا اللحاظ فان اعلمنا عروض العصمة ببلوغ الماء مقدار الكر وهذه الحالة تبقى مالم ينقلب الى مقدار يرتفع العصمة لقلته كما ان قبل البلوغ عادم لصفة العصمة ولا يحكم بوجود هذه الصفة الا بعد البلوغ والعلم به .

فلو كان الماء كثيراً معلوم الكرية فتنقص بما لم يعلم نقصا به من الكر نحكم بكريته بقاء عصمة و لو كان قليلا معلوم قصان فازداد الى ان بلغ مبلغاً اوجب

ص: 443

الشك في كريته نحكم بنقصه وعدم كريته لاختلاف مقتضى الاستصحاب في الموردين فلو كان لنا حبان احدهما مائه اكثر من الكر قطعا وثانيهما اقل منه يقيناً فازداد الثاني مقدارا اوجب الشك في بلوغه كراو تنقص الاول الى ان بلغ ذلك المقدار يجب الحكم ببقاء كويته الزائد عنه وعدم وصول الناقص مع كون المائين متساويين بحسب المقدارلان اقتضاء الاستصحاب مختلف في الموردين .

وحقيقة اعطاء العصمة لمقدار من الماء هو تحديد اثر الميعان الموجب لتنجس المايع و سريان النجاسة في جميع الاجزاء مع الاتصال بما دون ذلك المقدار فحيث ان الميعان اثره سريان التنجس فى جميع اجزاء المايع الملاقي للمنجس كائناً ما كان المايع بحسب المقدار والجنس دفع الشارع هذا السريان بعد بلوغ الماءمقدار الكر باعطاء منصب العصمة بجنس الماء البالغ بذلك المقدار و تاثير الميعان باق في ساير المايعات وحيث ان الميمان موجب لوحدة اجزاء المايع في التنجس فبعد اعطاء العصمة يؤثر الميعان في وحدة اجزاء العاصم في عدم الانفعال من النجس فلا يتنجس الجزء الملاقي ايضا.

و اما ساير المايعات فحيث انها فاقدة لوصف العصمة واحدة لصفة الميعان ينفعل من النجس بالملاقات ويسرى النجاسة الى تمام اجزاء الملاقي وهذه الصفة اعنى صفة العصمة لا توجد الا فى الماء و اما ساير المايعات ففاقدة لها و ان قيل عليه الماء احيانا لانها من خواص حقيقة الماء واطلاق الماء على مايع من المايعات بلحاظ من اللحاظات لا يجوز ترتيب آثار حقيقة الماء على ذلك المايع فماء الرمان رمان و ماء البطيخ بطيخ و ماء العنب كذلك لا انها من المياه المضافة و لذا لا يصح اطلاق الماء عليها على الاطلاق فقولك ماء الرمان ماء البطيخ معناه ان منزلته هذا المايع من الرمان والبطيخ هى منزلة الماء من الاشياء التى لها قوام به فلفظ الماء استعمل في معناه الحقيقى لكن مفاد هذه الجملة هو المنزلة.

واما المختلط بالاجسام فهو مركب من الماء و ذلك الجسم والحكم يترتب على الغالب فالماء المختلط مع التراب يترتب عليه حكم الماء مالم يغلب عليه التراب فاذا غلب

ص: 444

عليه يتخلف عنه حكم الماء فلا يقال عليه الماء بحسب العرف ف من قسم الماء الى المطلق و المضاف فقد قسم الشيىء بنفسه و غيره ضرورة عدم وجود المقسم في المضاف كما ان تقسيم الماء الى القليل والكثير اعنى ما دون الكر والكر لاجل اختلاف حكم القليل والكثير فى التنجس بملاقات النجس و عدم التنجس و من ال معلوم عدم الثالث لهما في جمل ماء البئر قسما خاصا القليل والكثير ما سوی يعرف له وجه صحيح فان ماء البئر ان كان كثير ألا ينجسه شيىء و لا يحمل نجسا و لو لم يكن كثيراً يتنجس بالملاقات بالنجس وكثرة ماء البئر اما ان يكون لأجل بلوغه بمقدار السكر او لاجل كونه ذا منبع و مادة يقوم مقام الكرية ويعبر عن هذا المعنى بالواسع حيث ان الاشتمال على المادة يمنع عن نفاد الماء بالنزح لجبران البيع ما ينقص بالنزح وكذا جعل الجارى قسما آخر سوى القليل والكثير وماء البئر فان الجارى معناه منشا الجريان فان كان للماء مادة يمتد جريانه لاجل تلك المادة فهو ماء كثير لاشتماله عليها وان لم يكن كذلك فصرف حركة الماء على سطح الارض لا تلحقه الى كثير الا ان يبلغ مبلغ الكر والحاصل ان للماء حقيقة واحدة لا اختلاف فيها فالتقسيم بالاقسام لاجل الانفعال وعدمه و وكونه من ماء البئر او ماء العين او الحمام لا يوجب كثرة الاقسام لان المناط للمتقسيم قابليته للانفعال وعدمهاء و هذا المعنى لا يتجاوز عن القسمين لانه اما قابل للانفعال او غير قابل و من جعل ماء البئر قسماً آخر للماء يرى تنجسه مع الكثرة وسيجيىء عدم انفعاله مع الكثرة فالصحيح في التقسيم ان يقال الماء اما بالغ قدر الكر او غير بالغ و الثانى يتنجس والاول لا ينفعل من النجاسة.

واما الجارى فان كان له مادة فهو كثير يترتب عليه حكمه وان لم يكن له مادة وكان اطلاق الجاري بصرف جريانه على الارض من دون بلوغه قدر الكر فهو قليل يترتب عليه حكمه وليس فى المقام ما يدل على كون صرف الجريان من دون مادة ومقدار مساوقاً للكر جاريا مجراء في الحكم .

فالجارى فاعل من الجريان وهيئة الفاعل تفيد المنشئي المنوة شئية يختلف

ص: 445

باختلاف المواد فمنشاء الجريان هو المشتمل لاقتضائة بحيث لو ارتفع المانع لجرى وامتد جريانه وهذا المعنى لا يكون الافيماله مادة مقتضية للجريان وامتداده ويختلف في القوة والضعف بحسب اشتداد الاستعداد وضعفه.

فالحاصل أن الماء اما قليل لم يبلغ الكر واما كثير بلغه.

والاشتمال على المادة فى حكم الكثرة وقول الامام ماء البئر واسع لا يفسده شيىء الاان يتغير به ناظر الى هذا المعنى .

وفى حكم ماء البئر ماء الحمام في كونه مثل الكثير اذا كان له مادة فانظر الا قول ابا جعفر (ع) الماء الحمام لاباس به اذا كانت له مادة وقول ابي عبدالله (ع) في رواية حنان قال سمعت رجلا يقول لابي عبد الله (ع) انى ادخل الحمام في السحر وفيه الجنب وغير ذلك فاقوم فاغتسل فينضح على بعد ما افرغ من مائهم قال اليس هو جار قلت بلى قال لاباس.

و في حكم الكثير ماء المطر حال نزوله والسر فيه ان الشارع جمل قطرات المطر شيئاً واحدا اذا كان فى الكثرة بحيث يجرى على الارض بعد اتصال القطرات فانظر الى صحيحة على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال سئلت عن البيت يبال على ظهره ويغتسل من الجنابة ثم يصيبه المطرا يؤخذ من مائه فيتوضا به الصلوة فقال (ع) اذا جرى فلا باس قال وسئله عن الرجل يمر فى ماء المطر وقد صب فيه خمر فاصاب ثوبه هل يصلى فيه قبل ان يغسله فقال لا يغسل ثوبه ولا رجله ويصلى فيه و لاباس به وفي طريق الحميري عن عبدالله بن الحسن عن جده على بن جعفر مثلة وزاد وسئلته عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر فيكف فيصيب الثياب ايصلى فيها قبل ان تغسل قال اذا جرى من ماء المطر لاباس وفى الوسائل و رواه على بن جعفر في كتابه وزادو يصلى فيه و كذ الذي قبله والى صحيحة هشام بن الحكم عن ابى عبد الله (ع) في ميزابين سالا احدهما بول والاخر ماء المطر فاختلطا فاصاب ثوب رجل لم يضره ذلك و روى ابو جعفر بن بابویه باسناده عن هشام بن سالم انه سال ابا عبدالله (ع) عن السطح

ص: 446

يبال عليه فيصبه السماء فيكف فيصيب الثوب فقال لاباس به ما اصابه من الماء أكثر منه وفي رواية اخرى عن على بن جعفر المنقولة من كتابه عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال سئلته عن المطر يجرى فى المكان فيه العذرة فيصيب الثوب ايصلى فيه قبل ان يغسل قال اذ أجرى فيه المطر فلاباس الى غير ذلك من

الاخبار.

وسوى الكثير و الملحق به يتنجس بملاقات النجس لعدم ما يمنع من تنجسه واقتضاء النجس التنجس اذا كان مع الشرط .

والروايات فيهذا المعنى متضافرة بل متواترة بل فوق التواتر.

فكل ماروى في عدم تنجس الماء اذا بلغ قدر كرفانه بمفهومه تدل على نجاسة ما لم يبلغ مقدار الكر.

وما رواه على بن جعفر في كتابه عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال سئلته عن رجل رغ فامتخط فصار ذلك الدم قطعا صغاراً فاصاب اناه و . لم يستبين ذلك فى الماء هل يصلح له التوضوع منه فقال ان لم يكن شيئا يستبين في الماء فلا باس وان كان شيئاً بينا فلا تتوضامنه قال وسئلته عن رجل رعف وهو يتوضا فتقطر قطرة في انائه هل يصلح الوضوء منه قال لا ودلالة هذه الرواية على المسئلة واضحة وادل منها موثقة سماعة قال سئلت ابا عبدالله ال لا لها في رجل معه انا كان فيهما ماء وقع في احدهما قذر لايدرى ايهما هو وليس يقدر على ماء غيره قال يهريقهما جميعا ويتيمم وروى سماعة في. وثقة اخرى عن أبي بصير عنهم عليهم السلام قال اذا ادخلت يدك في الاناء قبل ان تغسلها فلاباس الا ان يكون اصابها قذر بول او جنابة فان ادخلت يدك في الماء وفيها شبى من ذلك فاهرق ذلك الماء.

وروا على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السلام في كتابه قال سئلته عن جرة ماء فيه الف رطل وقع فيه اوقية ول هل يصلح شر به او الوضوء منه قال لا يصلح وله رضوان الله عليه رواية أخرى عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال سئلته عن الدجاجة والحمامة واشباههما تطاء القذرة ثم تدخل في الماء يتوضا منه

ص: 447

للصلوة قال لا الاان يكون الماء كثيراً قدر كر من ماء ولعمار الساباطي رواية قريبة المضامين مع رواية سماعة قال سئمل يعنى ابا عبد الله (ع) عن رجل معه اناثان فيهما ماء وقع في احدهما قذر لا يدرى ايهما هو و حضرت الصلوة وليس يقدر على ماء غيرهما قال يهريقهما جميعا ويتيمم والروايات فى هذا الباب لاتحصى كثرة و روى ابو جعفر بن بابويه قال سئل الصادق (ع) عن ماء شربت دجاجة فقال ان كان في منقارها قذر لم تتوضو منه ولم تشرب وان لم يعلم فى منقارها قذر توضا منه واشرب فالروايات المخالفة بحسب المفاد عن هذه الروايات فان كان فيها اطلاق يقيد بالكثير اوعام يخصص به .

وان كان مع تنصيص القلة كرواية محمد بن ميسر فلا بدان يحمل على التقية لموافقتها لمذهب كثير من العامة روى محمد بن ميسر قال سئلت اباعبدالله عن الرجل الجنب ينتهى الى الماء القليل فى الطريق ويريد ان يغتسل منه وليس معه اناء يغرف به ويداه قذرتان قال يضع يده ثم يتوضا ثم يغتسل هذا مما قال الله عز وجل ماجعل عليكم في الدين من حرج و علائم التقية لائحة منها و الامر بالتوضأ والاغتسال معاً كاشف قوى واضطراب المتن لا يخفى على دقيق النظر.

فالروايات المخالفة لا تقاوم ما يدل على انفعال القليل لكثرته ومخالفته لمذهب كثير من العامة فالماء القليل كساير المايعات في الانفعال من النجس و سراية النجاسة بجميع اجزائه ويظهر بالتأمل ان القلة ليس شرطا لتنجس بل الكثرة مانعة من الانفعال لما فيها من وصف العصمة واما القليل فحيث انه فاقد لهذا لوصف يؤثر فيه المقتضى فتنجس بصرف الملاقات والكثرة المانعة هو البالغ مقدار الكر والروايات فيهذ المعنى متظافرة بل متواترة .

( منها ) صحيحة محمد بن مسلم عن ابی عبدالله (ع) سئل عن الماء الذي تبول فيه الدواب وتليغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب قال اذا كان الماء قدركر لم ينجسه شيىء.

(منها) صحيحة على بن جعفر قال سئلت عن الدجاجة واشباههايطاء العذرة

ص: 448

ثم يدخل في الماء يتوضوء منه للصلاة قال لا الا ان يكون كثيراً قدر كرمنا ماء

( منها ) صحيحة اسماعيل بن جابر قال سئلت ابا عبدالله (ع) عن الماء الذي لا ينجسه شيء قال کو.

( منها ) صحيحة معوية بن عمار قال سمعت ابا عبدالله الملا يقول اذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء .

( منها ) صحيحة اخرى لمعوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال اذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء.

( منها ) رواية سن بن صالح الثورى عن ابي عبدالله (ع) قال اذا كان الماء في الركي كرا لم ينجسه شيئى قلت وكم الكر قال ثلثة اشبار ونصف عمقها في ثلثة اشبار ونصف عرضها و اعتبار الكر فى الركى فى عدم التنجس لفقد المادة

و راوی هذه الرواية وان كان زيديا تبريا الا ان مفادها ليس مخالفالاصل من الاصول او قاعدة من القواعد فالر كي لا يجب ان يكون له مادة فيطلق عل_ى المسي الذي ليس له مادة ( وح ) فيجب اعتبار الكر فى عدم التنجس و اشتراطه فقده التنجس والشيخ رضوان الله عليه حيث لم يفرق بين القليل والكثير في تنجس البئر حمل هذه الرواية على التقية وضعفها لضعف راوية وسنبين فيما ياتي الابار و بينا سابقا ايضاً ان الاشتمال على المادة فى حكم الكثرة وان البئر لا ينفعل من غير تغير.

ومنها الروايات التي يعين مقدار الكر من حيث الارطال والاقطار.

والرطل على ما بين اهل الحجاز و العراق عراقی و مکی و مدنی فالمکی ضعف العراقي والمدنى ثلثة ارباع المكى فيكون واحدا ونصفا للعراقي .

والوارد فى الاخبار الف وما تا رطل والمراد منه هو العراقي الرواية ابن ابي عمير عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (ع) قال الكر عن الماء الذي لا ينجسه شیء.

ص: 449

الف وما تارطل هكذا في التهذيب وفى الكافى مثله باسقاط قوله الذي لا ينجسه شيء وقال هذ الراوى روى لى عن عبد الله بن المغيرة يرفعه الى ابي عبدالله (ع) ان الكر ستمائة رطل.

وروى محمد بن مسلم في الصحيح عن ابي عبد الله في حديث قال والكر ستمائة رطل وابن ابى عمير من اهل العراق ومحمد بن مسلم طائفى و الطائف من قرى المكة وكلا هما ممن اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهما ولذا تعد العصابة مراسيلهما كالمسانيد فبعد كون الرطل المكي ضعف العراقي وكون محمد بن مسلم من قرى مكة وكون ابن ابي عمير من اهل العراق لا يرتاب احد من الواقفين بهذه المراتب ان المراد بالستمائه هو المكى و ضعفه الف وماتا رطل وهو بالعراقي ولا ينبغي لاحد التشكيك فيهذا المعنى سيما مع الالتفات الى استحالة التعارض بين الاخبار.

واما المدنى فلم يقل به احد ولا ينبغي لاحد توهمه .

واما مقدار الرطل فعلى الاشهر الاظهر مائة وثلثين درهم وقد يقال باقل من ذلك بدرهمين والدرهم عبارة عن اثنى عشرة حمصة و ثلثة اخماس حمصة اربع و عشرين منها مثقال صير فى وضرب مائة وثلثين فى هذا المقدار يحصل ثمانية وستين مثقالا صیر فيا وربع مثقال منه كما يظهر بالتأمل فمجموع الف وماتي رطل يكون مائة و ثمانية وعشرين هنا بالمن التبريزى الاعشرين مثقالا و بالمن التمام المعبر عنه بالمن الشاهى يكون اربعة وستين منا الاعشرين مثقالا فيا و بتقرير آخر العراقى مائة وثلثين درهما وكل درهم سبعة اعشار المثقال الشرعى و هو عبارة عن ثلثة ارباع المثقال الصير فى فيكون نسبة الدرهم اليه هو النصف و ربع العشر ونصف مائة وثلثين يكون خمس وستين مثقالا و ربع عشره يكون ثلثة مثقال مثقال وربع فالمجموع ثمانية وستين مثقالا بزيادة ربع المثقال وضرب هذا المقدار في الف وماتين يحصل احد وثمانين الفا وتسع مائة مثقال وحيث ان المن التبريزى عبارة عن ستمائة مثقال صير فی و اربعین مثقالا و ضرب هذا المقدار فى مائة وثمانية وعشرين يزيد عن ذلك المقدار بعشرين مثقالا فنقول ان الكر بالمن التبريزى عبارة عن مائة

ص: 450

و عشرين منا بنقيصة عشرين مثقالا ويعرف فى الاوزان الاخر بمعرفة نسبتها الى المن الشاهي او التبريزى .

فمن عرف ان حقة الاسلامبول هی مائتان و ثمانون مثقالا يعرف بالتامل ان الكر بهذه الحقة مائتا حقة واثنتان وتسعون حقة ونصف حقة لان الحاصل من ضرب مائتى وثمانين فى ماتى واثنتى و تسعين ونصف هو احد وثمانين الفا وتسعمائة مثقال كما لا يخفى عند المحاسب وهذا المقدار هو مقدار الكر كما عرفت و الناقص منه ولو بنصف مثقال يجرى عليه حكم القليل.

واما الكر بالاقطار المسمى بالكر بالمساحة.

فالروايات في تعيينه مختلفة ( فمنها ) ما يدل على ان الكرهو ما بلغ تكسيره بالاشبار اثنين واربعين وسبعة اثمان شبر يدل على هذا التحديد رواية ابي بصير قال سئلت ابا عبد الله عليه السلام عن الكر من الماء كم يكون قدره قال اذا كان الماء ثلثة اشبار ونصف فى مثله ثلثة اشبار ونصف في عمقه فى الارض فذلك الكر من الماء و رواية حسن بن صالح الثورى عن ابی عبدالله عليه السلام قال اذا كان الماء في الركي كرا لم ينجسه شيىء قلت وكم الكر قال ثلثة اشبار ونصف عمقها في ثلثة اشبار ونصف عرضها وفي ذكر العرض كفاية عن ذكر الطول لان الطول ازيد من العرض اويساويه و اورد على الاستدلال الاول من حيث السند والدلالة اما الاول فلاشتماله على احمد بن محمد بن يحيى وهو مجهول و عثمان بن عيسى وهو واقفى و ابي بصير وهو مشترك واما الثاني فلعدم اشتماله على الابعاد الثلثة واجاب بعض الافاضل اما عن السندبان الشهرة بل الاجماع المنقول جابرة المضعف على تقديره واحمد بن محمد بن يحيى قد قيل بانه من مشايخ الاجازة وهو كاف في التعديل والوثاقة مضافا الى ان ما في الكافي محمد بن يحي عن احمد بن محمد ظاهر فى احمد بن محمد بن عيسى بقرينة الراوى والمروى عنه ويؤيده ما قبل من ان العلامة وغيره لم يطعنوا في الرواية من هذه الجهة واما عثمان بن عيسى الرواسي فقد وثقه جماعة من محققى المتاخرين الدعوى الاجماع على كونه ممن اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم والعلامة ره مرة حسن طريق الصدوق

ص: 451

الى سماعة بن مهران وهو فيه ومرة اخرى صحح طريقه الى معوية بن شريح و هو فيه و نسبته الى الوقف انما هو فى اول امره و اما بعده فلا كما عن نصر بن صباح من رجوعه عن الوقف حيث قال ان عثمان بن عيسى كان واقفيا وكان وكيل موسی ابی الحسن علیه السلام و فی یده مال فمنعهای الرضا علیه السلام فسخط عليه الرضا (ع) قال ثم تاب عثمان و بعث اليه بالمال مضافا الى ما عن الكشى من ان عثمان بن عيسى راى في منامه انه يموت بالحيرة وابناء معه فقال لا ا برح حتى يمضی الله مقادیره و اقام يعبد ربه عز وجل حتى مات ودفن وصرف ابناء الى الكوفة وكفانا في ذلك دعوى الشيخ في العده اجماع الطائفة على العمل بروايته واما ابو بصير فقد ذكر نافي كتابنا المسمى بنتيجة المقال في علم الرجال ان هذه الكنية مشتركة بين اربعة ليث المرادى من البختري و يحيى بن القاسم الاسفرى وعبد الله بن محمد الاسدمی و یوسف بن الحارث الا ان الملاحظة في سند الاخبار و التدبر فى كلمات الاخيار شاهد اصدق على ان الاخرين ليسا ممن يرجع و ينصرف اليهما اطلاق ابي بصير الواقع في اسانيد الآثار نظراً الى عدم اشتهارهما بل اعمالهما في كتب الرجال فیبقی اطلاق ابی بصیر مشتر كابين الاولين وقد ذكرنا في كتابنا المزبور ان كليهما ثقنان اذقد ذكر في حق كل واحد منهما امور يطمئن بها النفس في مقام التعديل والتوثيق و هذه المقالة من هذا المحقق واقعة موقع القبول الاتوثيقه عثمان بن عيسى لما عرفت في مبحث الكفر أنه رد على الرضا صلوات الله عليه و اسخطه وكتب في جوابه عليه السلام ما يسخط الرب تعالى شانه و هذا المعنى منه مقطوع به و اما توبته لا يطمئن النفس بصحتها.

و ليس في دعوى الشيخ و حكاية الكشى ما يؤثر في عدالته وتوثيقه وتوبته فالرواية التى هذا الشخص في سندها حقيق بالطرح الا ان عمل القدماء الذين معرفتهم بحال الرواة اكثر و ازيد منا يمنعنا من طرح الرواية وفي القلب بعد شيء و امارواية الثورى فقد عرفت انه زیدی تبرى وليس في روايته ما يخالف الاصول و مفادها متحد مع مفاد رواية ابى بصير و اتحاد مفادهما يزيد في قوتهما.

و اما دلالتها فاورد عليها انها ليست مشتملة على الابعاد الثلثة وليس لهذ الايراد

ص: 452

مورد لان قوله عليه السلام ثلثة اشبار و نصف فى مثله ثلثة اشبار و نصف في عمقه ظاهر في العرض والطول فان ذكر العمق بعد احد الطرفين من العرض او الطول خارج عن المتعارف فان مثل هذا البيان يورد فى ما يكون العرض والطول مساويين و عدم ذكر الطول او العرض يكشف عن تساويهما في المقدار فلا يرد على هذا البيان انه غير مشتمل على الابعاد الثلثة الا ان الظاهر من هذا البيان ان وعاء الماء دوری و (ح) لا بد ان يضرب نصف قطره في نصف دوره و دوره احد عشر شبراً لان الدور ثلثة مقادير القطر وسبعه لان نسبة الدور الى القطر نسبة اثنين وعشرين إلى السبعة فلا بدان يضرب واحد و ثلثة ارباع فى نصف الدائره وهو خمسة ونصف فيحصل تسعة اشبار و نصف شبرو ثمنه و بعبارة اخرى تسعة اشبارو خمسة اثمان شبر واذا ضربته في ثلثة و نصف يحصل ثلثة وثلثين شبراً ونصف شبر وثمنه و نصف ثمنه وبعبارة اخرى ثلثة و ثلثين شبراً و خمسة اثمان شبر و نصف ثمنه والعجب من بعض المحقيقين انه جعل الدور ثلثة مقادير القطر وجعل نصف الدور خمسة و ربع و جعل حاصل الضرب ما بينا و من المعلوم ان حاصل الضرب على ما بينه من الدائرة لا يبلغ ما ذكرناه و حيث ان الرواية ساكنة من حيث الدورو التربيع وليس ظهورها في الدور بمثابة تطمئن النفس به يغلب عليها الاجمال و يزيد على اجمالها اجمال الاشبار لكثرة اختلافها وعدم وضوح استواء الخلقة الذى يرتفع به الاجمال فيصير المطلب مجملا في مجمل متوغلا فى الاجمال فلا مجال للعمل بهاتين الروايتين لان تعيين الكر بهما والحال ما عرفت يساوق الرجم بالغيب.

و منها ما يبلغ مكسر الاشبار فيها الى سبعة وعشرين شبراً روى الصدوق في المحاسن قال وروى من ان الكر هو ما يكون ثلثة اشبار طولا في ثلاثة اشبار عرضا في ثلثة اشبار عمقا وروى اسماعيل بن جابر قال سئلت اباعبدالله عليه السلام عن الماء الذي لا ينجسه شيىء فقال کر قلت وما الكر قال ثلثة اشبار في ثلثة اشبار وهذه الرواية رويت فى ثلث طرق وقوله ثلثة اشبار المقصود منها العرض والطول وقوله في ثلثة اشبار العمق وصدور هذه الرواية ليس فيه اشكال الا ان الاجمال الناشى من

ص: 453

اختلاف الاشبار لا يرتفع شيىء.

و منها ما يبلغ مكسر الاشبار فيها الى تسعة وثلثين شبر أبناء على كون الذراع شبرين كصحيحة اسماعيل بن جابر قال قلت لابي عبدالله عليه السلام الماء الذي لا ينجسه شییء قال ذراعان عمقه فى ذراع وشبر سعة والكافي مجملة من حيث الذراع والشبر.

ومنها ما لا يمكن تقديره بمقدار معين لا شبهة فيه كرواية الصدوق عليه الرحمة في المقنع روى ان الكر ذراعان وشبر في ذراعين و شبر المراد من الأول العرض والطول و من الثاني العمق والذراع ما بين المرفق و اطراف الاصابع و يزيد من شبرين بيسير فالذراعان و شبر يزيد عن خمسة اشبار بنصف شبر تقريباً فضرب احدمن العرض والطول فى الاخر و ضرب الحاصل في العمق يزيد حاصله عن مائة وست وستین شبرا بثمن شبر وحيث ان تعيين الكر بهذا المقدار لم يقل به احد قال المحدث العاملي في الوسائل يمكن ان يراد بالذراع ها هنا عظم الذراع وهو يزيد على الشبريسيرا فيصير موافقاً لرواية أبي بصير و لا شاهد لارادة عظم الذراع منه بل يستحيل ان يريد المعصوم من الذراع عظم الذراع مع كون معناه المشتهر هو ما بين المرفق واطراف الاصابع ولا داعى لهذا الاحتمال فهذه الرواية فى غاية الاجمال بحسب المتن مضافا الى الاجمال الناشى من تفاوت الاشبار والذراع .

و منها ما لا يمكن في هذه الازمنة تعيين ما هو المستفاد منه و ان كان في زمان صدوره معيناً كمرسلة عبد الله بن المغيرة عن ابی عبدالله عليه السلام قال الكر من الماء نحو حبى هذا و اشار الى حب من تلك الحباب التى تكون بالمدينة و تلك الحباب و ان كان فى ذلك الزمان معلومة الا انها في زماننا هذا مجهولة لا مسرح لنا الاحاطة بكميته ويقرب منها رواية اخرى مرسلة العبد الله بن المغيرة عن بعض اصحابنا عن ابی عبدالله عليه السلام قال اذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شيء فان مقدار القلة مجهول في هذه الازمنة و ان كان معلوما في زمان الامام عليه السلام ونقل المحقق في المعتبر عن ابن الجنيد (قده) انه قال الكر قلتان و مبلغ وزنه الف و ما تارطل و يظهر من

ص: 454

هاتين المرسلتين ان القلة نصف الحب الذى اشار الامام اليه قال في الوسائل بعد نقل الروايات.

ثم ان اختلاف احاديث الاشبار يحتمل الحمل على اختلاف وزن الماء خفة و ثقلا والحمل على اختلاف الاشبار طولا وقصراً وهذان الحملان في غاية البعد على انهالا يغنيان فى مقام العمل انما يؤثران فى دفع التعارض عن الاخبارثم قال والحمل على ان الاقل كاف و اعتبار الاكثر على وجه الاستحباب والاحتياط ذكره جماعة من علمائنا وهذا هو الاقرب (انتهى ) .

و لا يخفى على المتامل في هذه الروايات انها لا يمكن الاعتماد عليها في مقام العمل و ما حكى عن ابن الجنيد في القلتين موافق مع الارطال و تعيين الكر بالارطال لا اجمال فيها فيجب العمل طبق الارطال فكل ماء بلغ بحسب الوزن الى مائة وثمانية وعشرين منا تبريزيا او اربعة وستين مناشاهياً بنقيصة عشرين مثقالا فيها فهو لا يتنجس بصرف ملاقات النجس لان هذا المقدار عاصم للماء من التنجس بملاقات النجس الا ان يتغير لونه او طعمه اوريحه باكتساب احد الاوصاف عن النجس لارتفاع العصمة ( ح ) و لو نقس عن المقدار المذكور و لو بنصف مثقال لم يبلغ كرا ويتنجس بصرف الملاقات وحيث ان هذا المنصب من خصايص حقيقة الماء فاذا شك في مايع بالغ مبلغ الكر انه ماء حتى يمنع من التنجس او مايع آخر لا يمنع منه فالاصل عدم المنع فيحكم بتنجسه لان ملاقات النجس مقتض للتنجيس والمانع من هذا الاقتضاء هو كرية الماء و المائية غير معلوم فيؤثر المقتضى اثره ويدفع المانع بالاصل لان المائية خصوصية زائدة على المايع فعالم تحرز هذه الخصوصية لا يحكم بمانعية الكر من كل مايع قال في العروة اذاشك فى مايع انه مضاف او مطلق فان علم حالته السابقة اخذ بها و الا فلا يحكم عليه بالاطلاق ولا بالاضافة لاكن لا يرفع الحدث و الخبث و ينجس بملاقات النجاسة ان كان قليلا و ان كان بقدر الكر لا ينجس لاحتمال كونه مطلقا و الاصل الطهارة و فيه احتمال الاطلاق لا يمنع عن تأثير المقتضى لان معنى الاطلاق هو كونه ماء و احتمال المائية غير كاف العاصمية لما عرفت من ان هذا المنصب من خواص

ص: 455

الماء و يرتفع عنه هذا الوصف اذا تغير باللون والطعم او الريح فحينئذ يتنجس بملاقات النجس او المتنجس وهذه المسئلة لا شبهة في كونها اجماعية بالاجماع المتضمن لقول المعصوم الا ان الاخبار تغنينا عن التمسك به لكنا ان تمسكنا به ليس لاحد الاشكال علينا بانك كثير أما قلت بعدم الملازمة بين الاجماع وبين الواقع لان ما نفينا الملازمة بينه وبين الواقع هو الاجماع الغير المعلوم تضمنه لقول المعصوم و اما الاجماع في المقام فتضمنه لقول المعصوم معلوم ذلك ان يقول ان ما علم قول المعصوم فالحجة هو الاجماع .

و اما الاخبار فمنها النبوى المعروف الذى قدادعى تواتره كما عن العماني و الاتفاق على روايته كما عن الحلى خلق الماء طهوراً لا نجسه شيء الا ماغير طعمه أو لونه أو رائحته وحكى عن الذخيرة انه مما عمل الامة مجد لونه وقبلوه.

و منها المرتضوى المروى فى الأئم وليس ينجسه شيىء الا ماغير اوصافه طعيه نه وريحه و منه ايضاً و ان كان قد تغير ذلك طعمه اوريحه اولونه فلا تشرب منه و لا تتوضا ولا تظهر منه ( ومنها الرضوى وكل غدير فيه من الماء اكثر من كر ) لا ينجسه ما يقع فيه من النجاسات الا ان يكون فيه الجيف فتغير لونه و طعمه ورائحته وفيه تفسير الخبرين السابقين ان المراد من الماء هو ما بلغ قدر الكر لا الاعم من القليل والكثير فلا معنى للتمسك باطلاقه على عدم انفعال القليل من ملاقات النجاسة فان الاخبار الواردة في الشرع الانور بمنزلة كلام واحد فبعضها يقيد اطلاق البعض الاخر و بعضها يخصص عموم الآخر وبعضها يبين اجمال الآخر فلا وقع لاستدلال من استدل باطلاقهما على عدم الفرق بين القليل والكثير في عدم النجاسة مالم يتغير.

( ومنها ) صحيح القماط في الماء يمر به الرجل وهو نقيع فيه الميتة الجيفة فقال ان كان الماء قد تغير ريحه او طعمه فلا تشرب ولا نتوضا منه.

و منها صحيح الحريز كلما غلب الماء ريح الجيفة فتوضا منه و اشرب فاذا تغير الماء وتغير الطعم فلا تتوضا منه ولا نشرب (ومنها) الصحيح المروي في البصائر جئت لتسئل عن الماء الراكد فى البئر قال فاذا لم يكن فيه تغير اوريح غالبة قلت

ص: 456

فما التغير قال الصفرة فتوضأ منه فكلما غلب عليه كثرة الماء فهو طاهر .

(منها صحيح ابن سنان عن غدير اتوه و فيه جيفة قال اذا كان الماء قاهراً ولا يوجد فيه الريح فتوضا .

منها خبر ابن الفضيل عن الحياض يبال فيها قال لا باس اذ اغلب لون الماء لون البول و منها خبر ابي بصير عن الماء النقيع تبول فيه الدواب فقال ان تغير الماء فلا تتوضا و ان لم يغيره ابوالها فتوضا وكذلك الدم اذ اسال في الماء و اشباهه .

منها خبر سماعة قال سئلته عن الرجل يمر بالماء و فيه دابة ميتة قد انتنت قال اذا كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضا.

صحیح محمد بن اسماعيل عن الرضا عليه السلام قال ماء البئر واسع لا يفسده شيء الا ان يتغير ريحه او طعمه فينز ح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لان له مادة وهذا الخبر يفيد وسعة ماء البئر و معنى الفساد النجاسة ووسعته كريته ولاستثناء من عدم الافساد بتغير الريح او الطعم والتعليل بان له مادة احتجاج بان الاشتمال على المادة الموجب التنزله منزلة الكر فلم يبق لاحد مجال في هذا المضمار فلو لم يكن من الروايات سوى هذه الصحيحة يكفى فى الدلالة على هذه المسائل دلالة على لما يرتاب احد فيها اعنى تنجس القليل من المياه و عدم تنجس الكثير المعبر عنه بالواسع تنجس الكثير مع التغير وذكر الاوصاف الثلثة فى بعض الروايات والاثنين منها فى البعض والاكتفاء بالواحد في الاخر يكشف عن كفاية تغير احد الاوصاف في تنجس المتغير وكذالاكتفاء بالتغير و القهر والغلبة.

و يطهر القليل الغير المتغير الذى ينجس بصرف الملاقات بملاقات الك_ر بحيث يعد الملاقي و الملاقي ماءاً واحداً في العرف فالكر لا ينجس بملاقات النجس من دون التغير والماء الواحد يستحيل ان يكون له حكمان مختلفان فيصير القليل النجس طاهراً وهذا المعنى لا ينبغي ان يشك فيه احد و اما النجس المتغير فلا بدمن تطهيره بزوال التغير و ملاقات الكر معاً فلو بقى بعد الملاقات التغير يحتاج الى ملاقات كر آخر وكذا الى ان يزول التغير و لوزال التغير قبل الملاقات لا يطهر بصرف الزوال

ص: 457

بل يتوقف بالقاء الكرولوزال التغير بالملاقات يطهران لم يبق التغير بعد الملاقات ولو بلحظة البقاء النجاسة فى تلك اللحظة واحتياجها الى كر آخر و لوتغير بعض الماء الكثير وبقى البعض الآخر وهو كر تنجس المتغير خاصة ويبقى الكر الباقى على طهارته لبقاء عصمته فلوزال التغير عن البعض المتنجس يطهر لملاقاته الكر مع زوال التغيرلان المناط هو حصول الملاقات لا حدوثه ولا يطهر القليل المتنجس بالقاء الطاهر عليه و اتمامه كر ا اذ كان الملقى اقل من الكولان الكر المانع من التنجس هو الكر الطاهر لا المركب من النجس والطاهر بل يتنجس الطاهر القليل بملاقات الجاسة وهذ المعنى في كمال الظهور واظهر منه ما اذا كان كلا المائين نجسين ضرورة ان ضم نجس الى نجس آخر لا يؤثر اثر الطهارة وبتقرير آخر ما وردان الماء اذا بلغ قدركر لم ينجسه شيء ان الكر الظاهر لا يتاثر من النجاسة لا ان بلوغ الكرية يزيل النجاسة عنه اذا كان نجسا ضرورة ان النجس لا يطهر النجس و في حكم الكر في تطهير النجس و عدم التنجس من ملاقات النجس الماء النابع لما عرفت من ان الاشتمال على المادة بمنزلة الكثرة.

و بينا ان الجارى هو ما له المادة لان الجريان انما هو بالاقتضاء لا الفعلية وماله المادة هو جار بالاقتضاء فمع ارتفاع المانع يجرى وكالكر والجارى ماء المطرحين نزوله بحيث يجرى باتصال قطراته لما عرفت من تنزله منزلة الكثير.

واما ماء الحمام فليس فيه خصوصية بانتسابه الى الحمام فالحكم دائر مدار الكثرة و القلة فان كان له نبع فهو كثير فهو واسع لان له مادة ولولم يكن له مادة و نبع يلاحظ بلوغه مبلغ الكر فكونه ماء الحمام ليس له اثر فالماء المتنجس يطهر بملاقات كل مما ذكر لانه لاقى كرا ولا يشترط فيها اى الملاقات الممازجة لان ممازجة جميع اجزاء المتنجس مع جميع اجزاء المطهر متعذر و ان اتفق فالعلم به متعذر وامتزاج البعض مع البعض حاصل بالاتصال الموجب لوحدة المائين فماء المطر يطهر باتصال قطرة منه حال التقاطر المتنجس فان الاتصال بالقطرة اتصال بجميع قطرات المطر فترى ان المطريطهر مع استحالة الامتزاج بالجميع .

ص: 458

ولو تنجس بعض الجارى بالتغير يطهر بزواله سواء كان بدفع الباقي او بغير الدفع فاتصال اجزاء المتنجس بالمادة كاف في تطهيره انما المانع هو التغير فبعد ارتفاع المانع يؤثر المقتضى ولا يشترط في زوال المانع كيفية خاصة لان ما يمنع و جوده يرتفع المنع بارتفاعه مقتضى ما بينا من كون ميعان الماء هو الموجب لتنجسه لوحدة اجزائه وكذالمايعات وكون الكرية المطهرة والعاصمة من التنجس من خصايص الماء تنجس الماء الذي جمد بعضه و بقى غير الجامد اقل من الكر فبلوغ مجموع الجامد والمايع قدر الكر لا يمنع من التنجس اذا لم يكن المايع كراً و لوذاب الجامد تنجس لملاقاته النجس وكذا الثلج اذا ذاب منه مالم يبلغ كراً و لاقى النجس تنجس و ما يتصل من الثلج وكل ما ذاب منه تنجس بملاقاته للنجاسة.

فالحاصل ان حقيقة الماء وان كان موجوداً في الجمد و الثلج لكن العاصمية من خصايص الماء مع ميعانه.

و لا فرق بين انحاء الاتصال مع الكر في التطهير من تساوي السطحين و كون الكر اعلى او اسفل لما عرفت من ان المناط اتحاد المائين بحسب العرف فاذا كان الكر القى من الاعلى وانقطع بعد الاتصال بالماء النجس طهر لانه لاقى كراو اما العكس فقد يقال بعدم طهارة النجس الوارد على الكر اذا انقطع بعد الاتصال واختصاص الطهارة بما اتصل بالكر .

و هذا التخصيص يصح اذا كان النجس المنقطع متغيرا( فحينئذ) انقطاعه من الكر موجب لبقاء النجاسة لبقاء التغير واما اذا لم يكن متغيراً و تنجس لقلته او زال تغيره قبل الاتصال لامانع من طهارة المنفصل لاتصال الجميع اولا فيكفى وصول الماء المتنجس بالكر او بالجارى اعنى ماله مادة فى تطهيره الا في صورة بقاء تغيره بعد الانفصال لاشتراط زوال التغير فى التطهير فكثرة الماء موجب لطهارة الماء المتنجس القليل او الكر المتغير مع زوال التغير قبل الوصول او معه بشرط ان لا يتغير الكر او بعض اجزائه بملاقات النجس بحيث لا يبقى غير الزائل بمقدار الكر فلو تغير بعض الكر قبل زوال تغير النجس ولم يبق غير المتغير بمقدار الكريتنجس ويحتاج

ص: 459

تطهيره الى ملاقات كر آخر كذلك ولو تغير بعض الراكد وتنجس بملاقات النجاسة و البعض الباقى يبلغ كرا يطهر المتنجس منه بصرف زوال التغير لان ملاقات الكر حاصلة قبل الزوال و بينا ان المؤثر هو حصول الزوال لا حدوثه و لا يمكن تطهير الماء النجس بغير الماء الكثير لقوله عليه السلام الماء يطهر ولا يطهر فان المراد تطهره بغير الماء وطهارة الماء النجس بصيرورته بخارا بالتصعيد ثم بصيرورة البخار ماء على القول بها ليس من تطهير الماء بغير الماء بل من اجل انعدام ماء النجس بالتبخير و تحصل الماء الاخر ببرد البخار و سيجى تحقيق فى هذه المسئلة في محله.

واذا وقع النجس في احد من المائين احدهماكر قطعا والاخر اقل منه يقيناً فمقتضى الاصول والقواعد عدم الحكم بنجاسة احدهما لان العلم الجمالي لا اثر له في المقام لعدم تنجس الكر فيكون الشك في الاقل شكا بدوياً وكذا ان كان غير الاقل نجسا قبل وقوع النجاسة لعين ما قلناه من صيرورة الشك في الاقل بدويا ومقتضى ما بينا من كون النجس مقتضيا للتنجس و الملاقات شرطا لتأثيره و الكرية مانعة منه تنجس الماء اذا وصل اليه نجس وحصل له الكرية و لم يعلم تقدم الوصول او الحصول المعلم بالمقتضى والشرط والجهل بالمانع لان حصول الكرية يمنع من تاثير المقتضى اثره اذا كان حاصلا عند الملاقات فيجب تقدمه على الوصول و المفروض الجهل بهذا المعنى هذا اذا جهل تاريخهما وليس القلة شرطا للتنجس كى يجب احرازها عند الملاقات بل الكثرة مانعة ولم يعلم وجود المانع .

ولو علم تاريخ الكرية دون تاريخ الملاقات يحكم بطهارة الماء لعدم دليل يدل على سبق الملاقات والاصل تاخر الحادث بمعنى عدم ترتيب الأثر مالم يعلم ففى الحقيقة هذا الاصل يرجع امره الى عدم تقدم الحادث بمعنى اختصاص ترتيب الاثر بعد العلم بوقوع الحادث و لو انعكس بان علم تاريخ الملاقات و لم يعلم تاريخ حصول الكرية انعكس الحكم وحكم بالنجاسة لعدم العلم بالمانع عن تأثير المقتضى لما عرفت من ان ترتيب الاثر بعد العلم بوجود المؤثر والمفروض الجهل بالكرية عند ملاقات النجس و ليس للقلة تأثير فى تنجيس النجس فان العدمى لا يكون شرطا كما انه لا

ص: 460

يكون مانعاً .

والكر اذ انقص من الكرية ولاقى نجسا ولم يعلم تقدم النقصان و الملاقات يحكم بالطهارة لانه كان واجداً للمانعية والعاصمية.

وكذا يحكم بالطهارة اذا علم تاريخ الملاقات دون النقصان لاستصحاب الكرية حين الملاقات و اما اذا علم تاريخ النقصان و خفی تاریخ الملاقات لم ينعكس الامر بل يستصحب عدم الملاقات فى هذا الزمان اى زمان القلة.

الماء المشكوك كرينه مع الجهل بحالته السابقه في حكم القليل يتنجس بوقوع النجاسة فيه و كذا الحكم اذا كان قليلا قبل الشك واما اذا كان كثيراً قبل الشك يستصحب كريته قال بعض مشايخ العصر الماء المشكوك كريته مع عدم العلم بحالته السابقة في حكم القليل على الاحوط وان كان الأقوى عدم تنجسه بالملاقات ( نعم ) لا يجرى عليه حكم الكر فلا يطهر ما يحتاج تطهيره الى القاء الكر عليه و لا يحكم بطهارة متنجس غسل فيه و ان علم حالته السابقة يجرى عليه حكم تلك الحالة وليت شعرى كيف كان الاقوى عدم تنجسه بالملاقات مع الشك وعدم العلم بالحالة السابقة فكان الحاكم بهذا الحكم يرى اشتراط القلة في تنجس الماء ولقد عرفت مراراً ان القلة ليست بشرط كما انها ليست بمانعة .

الماء الجارى على الأرض النابع سواء جرى على وجه الارض كالعيون اوتحتها كالقنوات لا ينجس بملاقات النجس لان له مادة و قد عرفت ان الاشتمال على المادة فى حكم الكر لان هناك ماعاً كثيرا كما ان المتغير منه اذازال تغيره يطهر بصرف الاتصال مع المادة فملاقات الكر حاصلة قبل التغير ومعه و بعده و ان انقطع الاتصال عن المادة وكان المنقطع اقل الكر فحكمه حكم الراكديتنجس بملاقات النجس ولو اتصل بعد الانقطاع طهر ولوشك فى ان له مادة ام لا يتنجس بالملاقات مع القلة لان ما يمنع من التنجس هو الاشتمال على المادة الذى بمنزلة الكر و هو غير معلوم و قد يستدل على عدم انفعال الجارى بملاقات النجاسة بروايات كموثقة ابن بكير عن ابي عبدالله عليه السلام قال لاباس بالبول في الماء الجاري وصحيحة فضيل عن أبي عبدالله (ع)

ص: 461

قال لا باس ان يبول الرجل في الماء الجارى وكره ان يبول في الماء الراكد ورواية عنبسة بن مصعب قال سئلت ابا عبد الله عن الرجل يبول فى الماء الجاري قال لا باس به اذا كان الماء جاريا و هذه الروايات تدل على عدم تنجس الجارى و تنجس الراكد الغير البالغ مبلغ الكرو بمعونة ما بينا من معنى الجارى وكونه منزلا منزلة الكر والاخبار الصريحة التي مرذكرها فلو اغمضنا عن غيرها يمكن القول بان ما في هذه الاخبار محمول على الحكم التكليفى و ان الفرق بين الجارى و الراكد هو قلة التاثير في الماء بالنسبة الى الجارى وكثرة التاثير فى الراكد لكن المقصود من الجارى قد عرفت انه ماله مادة لاصرف الجريان على الارض.

واماماء الحمام فقد بينا انه لا خصوصية له فان كان كثيرا اوله مادة في حكم الكثير يترتب عليه اثاره و ان لم يكن كثير أولا ذا نبع ينجس بصرف الملاقات روى بكر بن حبيب عن أبي جعفر علیه السلام قال ماء الحمام لاباس به اذا كانت له مادة و روی حنان بن سد ير قال سمعت رجلا يقول لابي عبدالله عليه السلام اني ادخل الحمام في السحر وفيه الجنب و غير ذلك فاقوم فاغتسل فينتضح على بعد ما افرغ من مائهم قال اليس هو جار قلت بلى قال لا بأس و هاتان الروايتان صريحتان في ان ماء الحمام اذا كان له مادة لا بأس به و فيه اشعار بانه قد يكون ذا نبع ومادة وقدلا يكون كذلك فكل ما دل على عدم الباس راجع الى ماله مادة وكذا ما يدل على تطهيره فما روی ابن ابی یعفور عن ابی عبد الله عليه السلام قال قال لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيه غسالة الحمام فان فيها غسالة ولدالزنا وهو لا يطهر الى سبعة اباء و فيها غسالة الناصب وهو شر هما ان الله لم يخلق خلق أشر ا من الكلب وان الناصب اهون على الله من الكلب قلت اخبرني عن ماء الحمام يغتسل منه الصبى والجنب واليهودي والنصراني والمجوسى فقال ان ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضاً فتشبيه ماء الحمام بماء النهر ويطهر بعضه بعضاً لاجل كونه ذا نبع و مادة و مرسلة ابي يحيى الواسطي عن ابى الحسن الماضى علیه السلام قال سئل عن مجمع الماء فى الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب قال لاباس لابدان يحمل على ذى النبع من الماء او كثيره .

ص: 462

وكذا الروايات التي تدل على طهارته.

و اما صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام قال سئلته عن ماء الحمام فقال ادخله با زار و لا تغتسل عن ماء آخر الا ان يكون فيه جنب او يكثر اهله فلا تدرى فيهم جنب ام لا فلابدان يحمل على فقدان الماء المادة فان مباشرة الجنب الماء الذي ليس له مادة تفسده كذا قال الشيخ بعد نقل هذه الرواية لكنك خبير بان صرف مباشرة الجنب لا يوجب نجاسة ما لا نبع له الا مع العلم بنجاسة الجنب وقلة الماء فلابدان يقيد الجنب بمن لم يطهره والماء بمالا يعلم كثرة .

و لو تنجسما في الحياض يطهر بمجرد اتصال المادة به سواء حصل الامتزاج ام لالان امتزاج المياه يحصل باتصال بعض سطوح مع سطوح الآخر و لايمكن بحسب العادة اتصال جميع قطراته مع جميع قطرات الاخر فلابدان يكتفى لوحدة المائين المتصلين فترى بعض الاصحاب الاكتفاء في تطهير الغدير النجس باتصاله بالكرمن دون اعتبار الامتزاج و استدلالهم بان اتصال القليل بالكثير قبل النجاسة كاف في رفع النجاسة وان لم يمتزج به فكذا بعدها لان عدم قبول النجاسة في الاول انما هو لصيرورة المائين ماءاً واحداً بالاتصال و بان الامتزاج اناريد به امتزاج كل جزء من الماء النجس بجزء من الطاهر لم يمكن الحكم بالطهارة اصلا لعدم العلم بذلك وان اكتفى بامتزاج البعض لم يكن المطهر للبعض الآخر هو الامتزاج بل مجرد الاتصال فيلزم اما القول بعدم طهارته اصلا او القول بالاكتفاء بمجرد الاتصال نقل هذا الاحتجاج صاحب المدارك قدس الله سره عن القائلين بالاكتفاء بمجرد الاتصال .

وهذا الاحتجاج فى كمال القوة ثم قال بعد نقل كلام من المنتهى.

احتج المشترط بامتياز الطاهر من النجس مع عدم الامتزاج وذلك يقتضى اختصاص كل بحكمه قلنا ذلك محل النزاع في الاستدلال به مصادرة انتهى وذلك من الواضحات لان الدليل عين المدعى .

لان المانع من الاشتراط يكتفى فى طهارة النجس اتصاله مع الكر و من خصايص الماء حصول الاتحاد بالاتصال والامتياز بين المائين يمنع من الاتحاد اذا كان باحد الاوصاف الموجبة لتنجس الماء اذا تغير احد تلك الاوصاف واما الامتياز

ص: 463

في الحيز و الاختلاف بالشرقية والغربية والشمالية والجنوبية لا يمنع من التطهر لكفاية وحدة السطح لاتحادهما فان سطح النجس اذا اتصل بسطح الكر الطاهر يوجب طهارة النجس وهذه الاجزاء المتطهرة يوجب ازدياد الكر فيطهر ما يليها الى آخر ماء النجس من دون تخلل زمان بين طهارة الاول وبين طهارة الاخر لان ميعان الماء يعطيه الوحدة وان كان كثيراً كما ان ميعان المايعات الاخر يوجب وحدة تمام اجزائه في الحكم فلو اتصل جزء من المايع الكثير ولو بمقدار البحر الى النجاسة تنجس جميعها دفعة وهذا معنى سريان النجاسة فى المايعات والفرق بين الماء والمايعات الاخر ان الماء لا يتنجس كثيره بخلاف المايعات والماء المتنجس بعد زوال تغيره اذا تصل بالكر يتحد مع الكر لاتحاد جنسه دون المايعات .

و مقتضى ما بينا من كون التغير بالنجاسة موجبا لتنجس الكثير ان تغير الماء بممازجة الطاهر لا يوثر فى التنجيس مادام الماء باقيا بحاله بحيث يطلق عليه و لو اخرجه الممازج لكثرته عن المائيه بحيث لا يطلق عليه الماء لكثرة الخليط فانه ) حينئذ ( يتنجس بملاقات النجاسة لما عرفت من ان العاصمية من خواص الماء و الممتزج بما يغلب عليه ويخرجه عن المائية لا يصح اطلاق الماء عليه وان كان موجودا فيه فلا يترتب عليه حكمه .

ثم انك قد عرفت سابقا ان العماني اعنى ابن عقيل ذاهب الى عدم انفعال الماء قليلا كان او كثيراً مالم يتغير احد اوصافه.

و عرفت ايضا ان اخبار الكر يفصل بين القليل والكثير وكذا الروايات الدالة على اهراق المائين الذين كاناطاهرين فوقع في احدهما النجس ولم يعلم والتيمم للصلوة .

روى سماعة عن ابی عبدالله عليه السلام قال سئلته عن رجل معه اناثان فيهما ماء وقع في احدهما قذر لا يدرى ايهما هو وليس يقدر على ما عغيره قال يهريقهما يتيمم و كذا صحيحة على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال سئلته عن الدجاجة و الحمامة واشباههن تطاء العذرة ثم تدخل في الماء يتوضا منه المصلوة قال لا الا

ص: 464

الايكون الماء كثيرا قدر كر من ماء وصراحة هذه الصحيحة لا يخفى على احد·

و رواية ابي بصير عن ابی عبدالله علیه السلام قال سئلته عن الجنب يجعل الركوة او النود فيدخل اصبعه فيه قال ان كانت يده قذرة فاهرقه وان كان لم يصبها قذر فليغتسل منه هذا مما قال الله تعالى ما جعل الله عليكم فى الدين من حرج وروى سماعة عن ابی عبدالله علیه السلام قال اذا اصابت الرجل جنابة فادخل يده في الاناء فلاباس ان لم يكن اصاب يده شيء من المنى والروايات فى هذه المسئلة كثيرة لا تحصى كثرة و لذا صارت كا البديهيات في الفقه احتج ابن ابی عقیل رضوان الله عليه بانه قد تواتر عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام ان الماء الطاهر لا ينجسه شيء الا ما غير احد اوصافه لونه او طعمه او رايحته و انه سئل عليه السلام عن الماء النقيع و الغدير واشباههما فيه الجيف و القذر و ولوغ الكلاب و يشرب منه الدواب وتبول فيه ايتوضا منه فقال لسائله ان كان ما فيه من النجاسة غالبا على الماء فلا تتوضا و ان كان الماء غالبا على النجاسة فتوضا منه و اغتسل و روى عنه عليه السلام في طريق مكة ان بعض مواليه استقى له من بئر دلواً من ماء فخرج فيه فارتان فقال ارقه فاستقى آخر فخرج فيه فارة فقال ارقه ثم استقى دلواً آخر فلم يخرج فيه شيء فقال صبه فى الاناء فتوضا منه و اشرب وسئل الباقر عليه السلام عن القربة و الجرة يسقط فيهما فارة او جرذ اوغيره فيموتون فيهما اذ اغليت رائحته على طعم الماء اولونه فارقه و ان لم يغلب عليه فاشرب منه و توضاء الطرح الميتة اذا اخرجتها طرية و ذكر بعض علماء الشيعة انه كان بالمدينة رجل يدخل الى ابى جعفر محمد بن علی علیهم السلام و كان في طريقه ماء فيه العذرة والجيف كان يامر الغلام يحمل كوزا من ماء يغسل رجله اذا اصابه فابصره يوماً ابو جعفر عليهم السلام فقال ان هذا لا يصيب شيئاً الأطهره فلا تعد منه غسلا وهذه الاحاديث عامة فى القليل والكثير والاخبار الدالة على الكر مقيدة ولا يجوزان يكونا فى وقت واحد للمتنافي بينهما بل احدهما سابق فالمتاخر يكون ناسا والمتاخر هنا مجهول فلا يجوز ان يعمل باحد الخبرين دون الآخر ويبقى التعويل على الكتاب الدال على طهارة الماء مطلقا وايضا ليس القول بنجاسة ماء الطاهر

ص: 465

لمخالطته للنجاسة باولى من القول بطهارة النجس لملاقاة الماء الطاهر مع ان الله تعالى جعل الماء مزيلا للنجاسة (انتهى) .

و فيهذ الكلام انظار يظهر بادنی تامل ( منها ( حكمه قدس سره بالتنافي بين الطائفتين من الاحاديث ضرورة ان المقيد لا ينافى المطلق كما ان المبين لا ينافي المجمل فاخبار الكر يقيد مطلقات ما ذكرو يين مجملاته فما المانع من ورود اطلاقات في الروايات بعدم تنجس المياه بملاقات النجس من غير تغير الاوصاف ثم ورد روايات مقيدة لتلك الاطلاقات بان عدم التنجس مقيد ببلوغ الماء حد الكر.

منها ان النسخ يحتمل اذا كان جميع الروايات صادرة من الرسول صلى الله عليه و آله و هو معترف بعدم كونها كذلك لان رواياته عن ائمة الهدى صلوات الله عليهم و النسخ منسوخ فى از منتهم لاختصاصه بالوحى المخصوص بزمان النبي صلى الله عليه و آله .

منها ان الرواية المروية عنه عليه السلام فى طريق مكة على خلاف مرامه ادل لامره مرتين باهراق ماء الدلو فلو لا انفعال ماء الدلو لم يمنع مانع من التوضا عن الدلوين و اما الامر بالتوضا والشرب فى الدلو الثالث فلا دلالة فيه بعدم الانفعال لجواز كون البئر كراً يطهر بورود الدلو فيه ثالثا.

منها ان الاخبار الدالة على الكر ليست منحصرة في تقييد المطلقات و بيان المجملات لان الاخبار الآمرة باهراق المائين الذين وقع في احدهما النجس والاكتفاء بالتيمم الدال على انحصار الماء فى الانائين يدل على انفعال القليل من دون ذكر كر فيها وكذا الموارد التي تسئل عن ملاقات النجس و امر هم سلام الله عليهم با هر اقها و حكمهم بتنجسها فتخصيصه (ره) اخبار الكر بالذكر لا معنى له و اما ما روى عن ابی جعفر علیه السلام من وقوع الفارة والجرذ فى القربة والجرة و تفصيله بين المتغير و غيره وان كان حملها على الكر فى غاية البعد الا ان هذه الرواية في غاية الضعف لان في طريقها على بن حديد و هو فطحى وضعفه الشيخ (قده) في كتابي الاخبار مع

ص: 466

انه خبر واحد والاخبار الدالة على تنجس القليل متجاوزة عن حد التواتر كما لا يخفى على المتتبع فلا يمكن معارضته معها .

و قوله قدس سره وليس نجاسة الماء باولى من طهارة النجاسة لا يليق بامثال جنابه لان الاولوية راجعة الى الشارع وترى ان الاحاديث المتواترة دالة على اولوية نجاسة الماء مع ان الفارة و الجرذ لا يمكن طهارتهما بعد الموت فكيف يحمل فيهما اولوية طهارة النجاسة وينحصر هذا المعنى فى المتنجس و اما جعل الله تعالى شانه الماء مزيلا للنجاسة فلامنافات بينه وبين تنجس القليل بملاقات النجاسة فللازالة للنجاسة موارد و شرائط و من شرائطهما الورود على المتنجس اذا كان قليلا.

و قد افرط هذا المحقق في اعطاء العصمة للماء.

و فرط فى مقابله شيخنا المفيد وسلار رضوان الله عليهما حيث حكما بتنجس ماء الحياض والآنية سواء زادت عن الكرام لا و احتجا بعموم النهي عن استعمال ماء الاوانى مع نجاستها وانت خبير بان النهى محمول على الغالب ضرورة ان الآنية لا تسع اكثر من الكر من الماءغالبا ولاكرامنه ونبين الافراط والتفريط عدم نجاسة الماء القليل اذاورد على النجاسة و تنجسه اذا ورود النجاسة عليه وينسب هذا المعنى الى علم الهدی ره قال العلامة في المختلف بعدما نقل عن الشيخ ما نقل و قال السيد المرتضى في المسائل الناصرية حكاية عن الناصر لا فرق بين ورود الماء على النجاسة وورود النجاسة عليه ثم قال المرتضى و هذه المسئلة لا اعرف فيها نصا لاصحابنا ولا قولا صريحا و والشافعي يفرق بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه فيعتبر القلتين في ورود النجاسة على الماء و لا يعتبر ذلك في ورود الماء على النجاسة وخالفه ساير الفقهاء في هذه المسئلة قال (قده) ويقوى فى نفسى عاجلا الى ان ارتفع التامل لذلك صحة ماذهب اليه الشافعى واختاره ابن ادريس لنا انه ماء قليل لاقته نجاسة فتنجس وما رواه عبدالله بن سنان عن ابی عبدالله علیه السلام قال الماء الذي يغسل به الثوب او يغتسل به من الجنابة لا يجوز ان يتوضا منه واشباهه احتج السيد المرتضى رضوان الله على بانا لو حكمنا بنجاسة الماء القليل الوارد على النجاسة لادى ذلك الا ان الثوب لا يطهر من

ص: 467

النجاسة الا بايراد كر من الماء عليه و التالى باطل للمضيقة المنفية بالاصل فالمقدم مثله.

بيان الشرطية ان الملاقي للمثوب ماء قليل فلو تنجس حال الملاقاة لم يطهر الثوب لان النجس لا يطهر غيره .

و الجواب المنع من الملازمة فانا نحكم بطهارة الثوب والنجاسة في الماء بعد انفصاله عن المحل.

و فى هذا الجواب نظر و هو ان الملاقات تحصل قبل التطهير والانفصال و المؤثر فى التنجيس هو الملاقات لا الانفصال ولا التطهير فمن حكم ببقاء طهارته بعد _ الملاقات وتطهيره النجس ليس له الحكم بتنجسه بالانفصال بعد التطهير لان الانفصال ليس بمقتض للتنجيس واما استدلاله (قده) للتنجس بانه ماء قليل لاقته النجاسة فينجس مصادرة فان النزاع في ان الملاقات مع ورود الماء هل ينجس املا و النافي له منكر المكلية و يمنع من تاثر الوارد على النجاسة عنها لان الوارد مزيل لها فلا يتاثر عنها و اما رواية عبدالله بن سنان لا اعتماد بها لان في طريقها احمد بن هلال وقال (قده) في انه غال ورد فيه ذم كثير وفي ست كان غاليا متهما في دينه وفي كش عنهم عليهم السلام ما يدل على الذم هذا حال السند و في دلالتها على مدعاه قصور لعدم ذكر فيها من ورود الماء الذى هو محل النزاع و مطلق عدم الجواز يقيد بما اذا وردت النجاسة و قد يحمل على التقية لموافقة بعض العامة والآخر على الكراهة ولا شاهد لكون هذ الماء نجسا بل يحتمل كون عدم الجواز لاجل اكتسابه الدرن بقرينة اخرها اذقال واما الذي يتوضا الرجل به فيتغسل به وجهه ویده فی شیء نظیف فلا باس ان ياخذه غيره و يتوضا به و عليهذا فمعنى عدم الجواز هو الكراهة.

و الحاصل ان امكان التطهير بالماء القليل يستلزم عدم تنجسه بصرف الملاقات ضرورة ان النجس لا يطهر و الانفصال ليس من مقتضيات التنجيس ولا اظنه راجعاً عما اعتقد به قبل التامل بعده و يمكن ان يكون الماء متغيرا.

فلا يجوز التوضا به لانه نجس اجماعاً ولكنه بعيد في الغاية و من اعجب

ص: 468

الامور استدلال العلامة برواية عبد الله بن سنان و هو (قده) اجاب عن الشيخ ره في استدلاله بهذه الرواية بعدم جواز رفع الحدث بهذا الماء بالمنع من صحة السند فان في طريقه الحسن بن على فان كان ابن فضالة ففيه قول و فى طريقها ايضا احمد بن هلال و هو من الغلاة و ذمة مولانا ابو محمد العسكرى عليه السلام و قدذکر نا حاله فی کتاب الرجال

و لا فصل بين هاتين المسئلتين.

و اما ماء البئر فليس فيه خصوصية زائدة وليس بخارج من القسمين الكثير والقليل فان كان قليلا ينجس بصرف الملاقات ويطهر بملاقات الكر كما عرفت في رواية حسن بن صالح الثورى عن ابی عبد الله علیه السلام قال اذا كان الماء في الركي كرا لم ينجسه شيء قلت وكم الكر قال ثلثة اشبارو نصف في عمقها في ثلثة اشبار ونصف عرضها وان كان كرا لا ينجسه شيء للروايات الواردة في الكر حيث قال الامام عليه السلام الماء اذا بلغ الكر لم تنجسه شيء وتلك الروايات كثيرة وكون الماء ماء بئر لا يحدث فيه ما يوجب تنجسه بصرف ملاقات النجاسة.

و صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع عن مولانا الرضا عليه السلام قال ماء البئر واسع لا يفسده شيء الا ان يتغير و في حكم الكر ماكان له مادة لرواية محمد بن اسماعيل الصحيحة قال كتبت الى رجل اسئله ان يسئل ابا الحسن الرضا عليه السلام قال ماء البئر واسع لا يفسده شيء الا ان يتغير ريحه اوطعمه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه لانه له مادة و معنى الافساد هو التنجيس ومعنى الوسعة كونه كثيرا لا يؤثر فيه النجاسة بصرف الملاقات مالم يتغير.

و اختلف الاصحاب (قدهم) على اقوال فذهب الاكثر بتنجسها مطلقا و قوم آخر عدم نجاستها (مطلقا ) .

و قوم فصل بين ما اذا كان الماء كرا ام لا فحكم بنجاسته مع عدم كونه كرا وعدم تنجسه مع كونه كراو فصل بعضهم بين بلوغ الماء الذراعين في كل من الابعاد وعدم البلوغ اليهما وهذا التفصيل يكون قولا رابعاً ان لم يكن لاجل الاختلاف

ص: 469

في مقدار الكرو الايرجع الى التفصيل السابق و يكون الأقوال ثلثة.

فمستند القول بعدم الانفعال امور

( الاول ) الاصل فقد يراد من الاصل اصل الطهارة بتقرير ان كل شيء فاقدة لوصف النجاسة و معنى الطهارة هو عدم النجاسة واتصاف ماء البئر بالنجاسة على خلاف الاصل فلا يحكم به قبل قيام الدلالة و لا راد لهذا الاصل و القائل بالانفعال لا يرد هذا الاصل لانه يقول به قبل قيام الدلالة بل يدعى دلالة الاخبار و يدعى انقلاب هذا لاصل و ذهابه بالدليل فالاستدلال بعدم الانفعال بفقدان الاشياء في اصل الخلقة في وصف النجاسة في غير محله لان الخصم يدعى قيام الدليل على نجاسة ماء البئر وانفعاله من ملاقات النجاسة فالشان ابطال دليل الخصم و بیان عدم دلالته على التنجيس .

و قد يفسر الاصل بالقاعدة لما ورد من ان كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر و ظاهر هذه القاعدة بيان ان الشك فى شىء فى طهارته و نجاسته لا يعتنى به و يحكم بطهارته مالم يعلم انه قذرلان الطهارة المقابلة للقذارة و النجاسة امر عدمى والعدم لا يعلل كما يستحيل ان يكون علة شيء والنجاسة امر وجودى يحتاج في اثباته الى دليل يدل عليه و هذا المعنى اجنبى عن موضع النزاع لان النزاع في تاثر ماء البئر عن النجس مالم يتغير و القابل بالتاثر يدعى قيام الادلة عليه.

فالمدعى لبطلان دعواه وبقاء الماء على طهارته عليه رد ادلة المدعى و ان ما استدلوا به لا يدل على مرامهم وليس المقام مقام التمسك بالاصول .

والحاصل ان النجاسات مما يؤثر فى التنجيس بالملاقات والمدعى لعدم انفعال ماء البئر الكثير او الواجد لمادة يدعى عدم ميز بين ماء البئر والمياه الاخر في كونه عاصما من التنجس قبل التغير فعليه ابطال دليل من يدعى الانفعال واثبات عدم الفرق و توسع البئر و تنزله منزلة الكثير اذا كان له مادة.

و قد يفسر الاصل بالاستصحاب اى استصحاب الطهارة في الماء وما يلاقيه من الاعيان بتقريران الماء طاهر قبل ملاقات النجاسة فيستمر بعده عملا بالاستصحاب و معنى هذا الاستصحاب عدم تاثیر ملاقات النجاسة في تنجيس الماء الملاقي لان الحكم

ص: 470

باستمرار طهارة الماء قبل الماء الى بعد الماء لا معنى له سوى نفى الأثر عن النجس مع وجود شرطه فيرجع الى كون الكر مانعا وتنزل الاشتمال على المادة منزلة الكر فيما لم يكن الماء كراً و انت خبير بان هذا المعنى لا يمكن اثباته بالاستصحاب لان الاستصحاب ليس من الادلة بل هو اصل والاصل لا يمكن ان يكون مثبتاً فمفاده الاخذ بالمقتضى وعدم الاعتناء بالمانع والمزيل و اثبات المانعية للكر وتنزيل الاشتمال على المادة منزلته من شان الدليل.

قد يفسر هذا الاصل بان الاصل برائة الذمة عن وجوب اجتنابها والتكليف بتطهيرها وتطهير ملاقيها·

وانت خيبر بان برائة الذمة عن التكاليف اجنبية عن ما نحن فيه لان عدم وجوب الاجتناب مرتب على الطهارة بمعنى عدم النجاسة ولا يمكن نفى الوجوب الا بعد ثبوت الطهارة فهذا الحكم الوضعى بمنزلة الموضوع لهذا الحكم التكليفي بل موضوع له حقيقة و استصحاب عدم الوجوب في قبال من يدعى دلالة الدليل على النجاسة و الوجوب خارج عن موازين الاحتجاج على ان كلا من المتخاصمين يدعى اليقين بالنسبة الى الحكم التكليفى فان القائل بالطهارة يدعى عدم وجوب الاجتناب والقائل بالنجاسة يتيقن وجوب الاجتناب والاصول يجرى مع الشك ولاشك في المقام مع ان للخصمان يعكس الامر و يتمسك امرامه بالاستصحاب بتقرير ان النجس مقتض للمتنجيس وشرطه الملاقات فبعد احراز المقتضى والشرط ندفع المانع بالاستصحاب لان معناه الاخذ بالمقتضى وعدم الاعتناء بالمانع المشكوك لكنه يجاب بعدم الشك في المقام لان ما نعية الكر لتاثير النجس ما دل عليه الاخبار المتواترة ولم يرد في الشرع ما يدل على خروج ماء البئر عن هذا المنصب الا ما توهمه ويظهر ان ما تمسكوا به لا يصح الركون به.

وقال يستدل لهذا القول بانها لو نجست لما طهرت والتالى باطل اتفاقا ولانه حرج فالمقدم مثله.

بيان الشرطية انه لا طريق الى التطهير (ح) و الالزم احداث الثالث وليس

ص: 471

يصلح لذلك.

اما اولا فانه لم يعهد فى الشرع بطهرشیء باعدام بعضه.

و اما ثانياً فلانه غالبا قد يسقط من الدلو الاجزاء الى البئر فيلزم تنجسها ولا ينفك المكلف من النزح وذلك ضرر عظيم واما ثالثاً فلان الاخبار اضطربت في تقديره فتارة دلت على التضيق في التقديرات المختلفة وتارة دلت على الاطلاق و ذلك مما لا يمكن ان يجعله الشارع طريقا الى التطهير هذا محكى عن المنتهى وحكى مثله عن نهاية الاحكام .

وحكى عن جامع المقاصد لو نجست البئر بالملاقات لما طهرت و التالى ظاهر البطلان بيان الملازمة ان الداووالرشاء وجوانب البئر يتنجس بملاقات النجس الماء النجس ونجاسته مانعة عن حصول الطهارة في الماء بالنزح لدوام ملاقاتها و وكذا المتساقط من الدلو حال النزح خصوصا الدلو الاخير وليس ارتكاب الحكم بطهارتها بعد استيفاء ما يجب نزحه باولى من القول بعدم النجاسة بالملاقات.

و هذه المقالات لا يليق بمن هو دون قائليها بمراتب ضرورة ان الطهارة و النجاسة امر ان شرعيان موكولان بجعل الشارع فلم لا يجوز ان يرد في الشرع تخصيص ماء البئر فى النجاسة و الطهارة فكما هو مخصوص بالانفعال مع الكثرة فكذلك مخصوص في التطهير بكيفية فبعد نزح الدلو الاخير من المقدر يحكم بطهارة الدلو والرشا وجوانب البئر فلا ينجس ماء البئر بما يقطر من الدلو والرشاء وجوانب البئر لحكم الشرع بطهارة ما يقطر منها على ان تنجس ماء البئر في صورة التغير من النجاسة الملاقية له اجماعی لا اشكال فيه وفى امكان تطهيره فبطل القول بان البشر لو نجست لما طهرت غاية الامر تطهير البئر اذا تغيرت مخالف للتطهير مع عدم التغير.

فاللازم على القائل بعدم الانفعال ابطال ما تمسك به خصمه واثبات عدم الفرق بین ماء البئر وغيره فيلا حظ فيه ما يلاخط في غيره من مانعية الكر وكثرة ماء البئر يتحقق باشتماله على المادة.

ص: 472

كما قال (ع) ماء البئر واسع لا يفسده شيء الا ان يتغير ريحه اوطعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لان له مادة.

فالغالب فى الابار الاشتمال على المادة التي هي بمنزلة الكر فبعد نزح ما يذهب به الريح ويطيب به الطعم يوثر الكراثره فالمطهر للمتغير هو الكثرة المعبر عنها بالوسعة فالتغير هو المانع للمانع فاذا ارتفع منع المنع يوثر المانع اثره واثره هنا تطهير مارفع عنه التغير .

فاللايق بالتمسك لاثبات المرام هو الروايات الواردة عن اهل بيت القدس و العصمة.

فمنها العمومات الدالة على طهارة الماء ومطهريته كقول النبى (ص) الماء يطهر ولا يطهر وصحيحة داود بن فرقد عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال و قد و سع الله عليكم باوسع ما بين السماء والارض وجعل لكم الماء طهوراً فانظروا كيف تكونون وصحيحة حريز عن ابي عبد الله (ع) انه قال كلما غلب الماءريح الجيفة تتوضا من الماء واشرب واذا تغير الماء وتغير الطعم فلا تتوضا ولا تشرب.

وهذه الروايات شاملة لجميع اقسام المياه من القليل و الكثير وماء البئر وغيره وخرج من العموم القليل اذا ورد عليه النجس اتفاقا و بقى الباقي ومن الباقي ماء البئر ومنها ما ورد في خصوص ماء البئر كرواية رواها العامة والخاصة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وقد سئل عن بئر بضاعة خلق الله الماء طهور الم ينجسه شيء الا ماغير لونه او طعمه اورائحته وادعى الحلى ( قده ) الاتفاق على روايته وعن ابن ابي عقيل دعوی تواتر مضمونه عن الصادق عن ابائه عليهم السلام وهذه الرواية اى التي دعت ابن ابی عقيل الى القول بعدم انفعال القليل وكون مورد السئوال هو بئر بضاعة لا يمنع من دلالتها على عدم انفعال مياه جميع الابار بل جميع المياه بل الفطن العارف يعلم من هذه الرواية ان مقصود النبى عدم تخصيص بئر بضاعة بهذا الحكم لانه (ص) بين حكم حقيقة الماء في جواب السائل فلم يبق فرق بين بئر بضاعة و ماف عليه بين آبار الاخرلان حكم الطهور وعدم التنجيس رتب على حقيقة الماء وان كان

ص: 473

السئوال عن بئر بضاعة فلا حاجة فى التعميم الى التمسك بعدم القول بالفصل .

وكرواية محمد بن اسماعيل الصحيحة التي مر ذكرها حيث رواها عن الرضا (ع) الماء البئر واسع لا يفسده شيء الا ان يغير ريحه او طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لان له مادة ذكر بعض الاجلة بان فيها على المطلوب وجوه من الدلالة وحكى عن المصابيح انه ذكر بعد الاستدلال بهذه الرواية ان هذا الحديث مع صحته وعلوسنده و تعدد طرقه وروايته بالمشافهة والمكاتبة محكم الدلالة على المعنى المطلوب بل نص فيه كما نص عليه جمع من المحققين والتقريب فيه من وجوه.

الاول قوله (ع) البئر واسع فالمراد بالسعة المحكوم بها السعة الحكمية الراجعة الى الطهارة دون السعة الحقيقية التى هى بمعنى الكثرة لتخلفها الابار القليلة ولان التعليل بالمادة يقتضى كونها هي الملة في الحكم دون الكثرة.

اقول ان التعليل بالمادة مناسب للكثرة المعبر عنها في الرواية بالوسعة فالوسعة علة عدم الافساد لما عرفت من كون الماء على قسمين القليل والكثير وحيث ان بعض الابار يمكن ان لا يكون فى الكثرة مبلغ الكر و عدم الانفعال عام لمياه الابار بلغ مائه الموجود مبلغ الكرام لم يبلغ علل (ع) التعميم بوجود المادة فالمادة علة الموسعة والوسعة علة لعدم الانفعال ويؤكد هذا المعنى تنكير الشيء و الاستثناء بتغير الريح والطعم وعدم ذكر اللون لاستلزام تغير الطعم والريح تغيره فاللون يتغير قبل تغير الوصفين .

ثم قال الثانى حكم بانه لا يفسده شيء فان نفى الافساد على سبيل العموم يقتضى انتفاء النجاسة لانه من اظهر انواع الفساد بل الظاهر ان المراد بها هنا خصوص النجاسة كا يقتضيه الحكم بالسعة واستثناء بتغير ويدل عليه استحالة نفى الفساد بغير النجاسة بشهادة الحس وورود الكلام فى بيان الاحكام والفساد بما لا يقتضى التنجيس ممالا يتعلق له غرض شرعى فلا يليق ارادته في كلامه .

اقول وناقش بعضهم ان معناه انه لا يفسده فساداً يوجب التعطيل كما قال النبي (ص) طهارة المؤمن لا يخبث اى لا يصير فى نفسه نجسا ولقول الرضا (ع) ماء الحمام

ص: 474

لا يخبث مع انه يجوز ان يعرض له النجاسة.

وهذه المناقشة فى كمال الوهن والسقوط لان المقام مقام بيان الاحكام و القول بعدم ایجاب شيء افسادا يوجب التعطيل لاربط له بالاحكام وقوله (ع) فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه يكشف عما بيناه مع ان الافساد بالفساد الموجب يستحيل ان ينفيه الامام (ع) ضرورة امكان فساد البئر بما يوجب التعطيل كما اذا صب فيه سم مهلك يفسد مائه واما تنجسه بملاقات النجاسة لا يمكن الا بتغير احد الاوصاف ثم قال.

الثالث استثناء التغير الدال على ثبوت الطهارة بدونه فيكون نسا في عدم الانفعال بالملاقات ولو اريد بالفساد ما هو اعم من النجاسة فلا ريب ان الاستثناء يقوى ارادة العموم فى غير المستثنى ويؤكده كما قرر في محله.

اقول قد عرفت ان معنى الفساد هو التنجس فا الاستثناء ناظر اليه فتنجس مع التغير.

ثم قال الرابع اكتفائه فى طهارته مع التغير بنزح ما يزيل التغير وان زاد مقدره على ذلك او كان الحكم فيه نزح الجميع ولوان الحكم منوط بالتغير خاصة لوجب استيفاء المقدر او نزح الجميع ولو فيما ثبت له ذلك فانه متى وجب ذلك بالملاقات وجب التغير قطعاً لعدم انفكاك التغير بالنجاسة عن ملاقاتها .

وعلى القول بوجوب نزح الجميع للمتغير مطلقا كما عليه اكثر القائلين بالتنجيس يزداد وضوحاً.

( اقول ) دلالة هذه الرواية على كفاية نزح ما يذهب و يزيل التغير فى التطهير في غاية الوضوح كذا دلالتها على عدم التنجس اذا لم تغير ومن هنا يعلم ان المقدرات في نزح البئر ليست لتطهير البئر لعدم تنجسه مالم يتغير والسر في كفاية ما يزيل التغير للتطهير هو اشتماله على المادة الذى هو بمنزلة الكر فبعد مازال ما اوجب التنجيس اى التغير يؤثر المادة المنزلة منزلة الكر اثرها لما عرفت ان الكر عاصم والتغير مانع عن العصمة فبعد زوال المانع يؤثر المقتضى اثره

ص: 475

وما قد يقال من ان هذه الرواية عامة وما دل على النجاسة بالاشياء الخاصة خاص فيقدم الخاص على العام مدفوعة بان التخصيص (ح) يكون مستغرقاً لان من يختار النجاسة قائل بتعميمها والانفعال من جميع النجاسات على ان ظاهر هذه الرواية عدم تنجس من نجاسة من النجاسات لان التعليل بالاشتمال على المادة يكشف عن وجود مانع عن التنجس فى ماء البئر لا يرتفع الا بالتغير.

والمراد من مادل على النجاسة ان كان اخبار النزح فلا دلالة فيها عليها لان النزح اعم من النجاسة لامكان ان يكون لدفع النفرة وتنظيف الماء وطيبها واختلاف دلاء النوح قلة وكثرة باختلاف الحيوانات من حيث الصغر والكبر يويد كونه للتنظيف والطيب لا التطهير على ان التخصيص فرع للمقاومة وهي في المقام مفقودة و كصحيحة اخرى لهذا الراوى عن هذا الامام (ع) وقال ماء البئر واسع لا يفسده شيء الا ان يتغير ودلالتها على المطلوب تستفاد مما مر ذكره .

وكصحيحة على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر (ع) قال سئلته عن بشر ماء وقع فيه زنبيل عذرة يابسة اورطبة اوز نبيل من سرقين ايصلح الوضو منها قال لا باس ودلالة هذه الصحيحة على المرام مما لا يخفى على من له دراية في فهم الكلام لظهور العذرة فى عذرة الانسان التى لا شبهة فى نجاستها سيما مع ذكر السرقين في الصحيحة وترك الاستفصال في هذ السئوال مما يذهب بالشك في كون المراد من العذرة هو عذرة الانسان فلو كان البئر منفعلا من النجاسة تفصل الامام بين العذرة النجسة والطاهرة مع ان عذرة الطاهرة مما لا ينبغي لمثل على بن جعفران يسئل عن الوضوء بالماء الذي وقع فيه شيء طاهر فالمناقشة فى دلالة الصحيحة على عدم الانفعال مما يكون العذرة هى الطهارة او كون المقصود وقوع الزنبيل من غير العذرة والسرقين فى غاية الوهن والسقوط فاظهار هذا النحو من الاحتمالات لا ينبغي ان يصغي اليه واشنع من هذين الاحتمالين احتمال ارادة الامام نفى الباس مع نزح المقدرو لا يخفى على الخبير ان البناء على هذه الاحتمالات يوجب تعطيل الاستنباط ويتولد منه فقه جديد.

ص: 476

وكصحيحة معوية بن عمار عن ابي عبد الله (ع) قال سمعته يقول لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلوة مما وقع فى البئر الا ان ينتن فان انتن غسل الثوب واعاد الصلوة ونزحت البئر.

وجه الاستدلال بهذه الرواية حكم الامام بعدم غسل الثوب وعدم اعادة الصلوة مما وقع في البئر الا ان ينتن فان مجرد وقوع شيئى فى البئر مما يصيح ان ينتن لا ينجسه قبل النتن الذى يوجب التغير وهذا الكلام عبارة أخرى عن عدم تنجس البئر بملاقات النجاسة ما لم يتغير.

وقد وقعت المناقشة فى هذة الرواية سندا ومتناً اما من حيث السند باشتراك حماد بين الثقة والضعيف وبان معوية المذكور المروى عنه حماد المزبور غير معروف اما من حيث المتن بان لفظ البئر يقع على النابعة والغدير فلعل السئوال عن بئر مائها محقون فيكون الاحاديث الدالة على وجوب نزح البئر من اعيان المنزوحات مختصة بالنابعة فيكون هذا متناولا لغيرها فيما هو محقون .

واما المناقشة فى السند فتدفع بما فى الجواهر من ان حماد اذا اطلق فالمتبادر منه انما هو الفرد الكامل المشهور والظاهر انه ابن عيسى او يقال انه يبقى دائراً بينه وبين حماد بن عثمان وكل منهما في غاية الوثاقة وكلاهما من اصحاب الاجماع الذين قد اجمع الكل على تصحيح ما يصح عنهم وقال في الوسائل عند ذكر سند الرواية عن حسين ابن سعيد عن حماد یعنی ابن عيسى عن معاوية بن عمار ويمكن تعيين الاول برواية حسين ابن سعيد عنه و روايته عن معوية بن عمار وفى المدارك ان القطع حاصل بان حماد هذا هو ابن عيسى الثقة الصدوق لرواية الحسين بن سعيد عنه وروايته عن ابن عمار وهذا لسند متكرر في كتب الاحاديث مع التصريح بانه ابن عيسى على وجه تسكن النفس على تعيينه وحكى عن المشارق ان ملاحظة الراوى والمروى عنه يورث الظن القوى بانه حماد بن عيسى الثقة لتكرر مثل هذا السند مع التصريح فيه بابن عيسى .

واما معاويه فهو من معاريف الروات الثقات فهو معاوية بن ابي معاوية الدهني

ص: 477

ابو القاسم من اصحاب الصادق والكاظم (ع) ويروى عنه ابن ابی عمیر وصفوان و فضالة وعلی بن نعمان و محمد بن ابي حمزة الثمالى وابراهيم بن ابى البلاد و ابان بن عثمان ومحمد بن مسكين وحماد بن عيسى و عبدالله بن المغيرة و الغمشاني و ثعلبة بن میمون و عباس بن عامر وابن محبوب .

وقد صرح يكون الرجل هو ابن عمار المحدث العاملي في الوسائل .

واما المناقشة فيها من حيث الدلالة بان الظاهر ان البئر هو خلاف الغدير و اطلاق البئر على الغدير ليس على الحقيقة لكون الغدير خلاف البئر ولا على المجاز لعدم العلاقة بينهما ولفظ النزح وتكرار البئر يكشفان عن ان المراد من لفظ البئر هو معناه الحقيقى وامثال هذه المناشقات بعيدة عن ارباب التحقيق غاية البعد و كصحيحة اخرى لمعوية بن عمار عن ابي عبد الله (ع) في الفارة تقع في البئر فيتوضا الرجل منها ويصلى وهو لا يعلم ليعيد الصلوة و يغسل ثوبه فقال لا يعيد الصلوة ولا يغسل ثوبه ودلالة الصحيحة على المطلوب فى غاية الوضوح و احتمال خروج الفارة عن البئر حياً في غاية البعد وترك الاستفصال يويد العموم ومعوية بن عمار اجل شاناً من ان يخفى عليه حكم الغارة الخارجة عن البئر حياً و هذه الصحيحة متحد المفاد مع رواية ابان بن عثمان عن ابي عبد الله (ع) قال سئل عن الفارة تقع في البشر لا يعلم بها الا بعدما يتوضا منها ايعاد الوضوء فقال لا وكموثقة ابي اسامة وابي يوسف يعثوب بن عثيم عن ابي عبد الله (ع) قال اذا وقع في البئر الطير والدجاجة والفارة فانزح منها سبع دلاء قلنا فما تقول فى صلوتنا و وضوئنا وما اصحاب ثيابنا فقال لاباس به وهذه الرواية تدل على عدم نجاسة البئر بصرف ملاقات النجاسة و عدم منافات النزح مع طهارة الماء لكونه اعم منها فقد ينزح للتنظيف ورفع النفرة و الانزجار و من حكم باستحباب النزح ينظر الى هذه المعاني.

وكموثقة أبي بصير قال قلت لابي عبدالله (ع) بئر يستقى ويتوضا به ويغسل منه الثياب ويعجن به ثم يعلم انه كان فيها ميت قال فقال لاباس ولا يغسل منه الثوب ولا يعاد منه الصلوة ودلالتها واضحة على المطلوب .

ص: 478

وكصحيحة محمد بن مسلم عن ابی جعفر (ع) في البئر يقع فيه الميتة فقال ان كان لها ريح ينزح منها عشرون و هى بالمفهوم تدل على ان مع عدم الريح لا يجب النزح بصرف العلاقات ورواية على بن حديد عن بعض اصحابنا قال كنت مع ابي عبدالله عليه السلام في طريق مكة فصرنا الى بئر فاستسقى غلام ابي عبد الله داوا فخرج فيه فارتان فقال ابو عبد الله (ع) ارقه فاستسقى اخر فخرجت فيه فارة فقال ابو عبدالله (ع) ارقه فاستسقى الثالث فلم يخرج فيه شيء فقال صبه في الاناء ويظهر من هذه الرواية عدم تنجس البئر بوقوع الفارة وتطهير الدلو النجس بورود الميتة فيه بوروده ثانياً في البئر وكفاية المرة في تطهيره.

وكمرسلة الفقيه عن مولانا الصادق (ع) قال كان في المدينة بئر في وسط مزبلة فكانت الريح تهب فتلقى فيه العذرة وكان النبي (ص) يتوضا منه.

وروايته مرسلا عن مولانا الرضا (ع) من البئريكون بينها و بين الكنيف خمسة اذرع او اقل او اكثر يتوضا منه قال ليس يكره من قريب ولا بعيد يتوضأ منها و يغتسل ما لم يتغير الماء و هذه المرسلة دلت على انحصار الاجتناب في صورة تغير الماء و الروايات الدلالة على عدم الانفعال في حد التواتر.

و ما دل على عدم انفعال الجارى يدل على عدم انفعال البئر لما بينا سابقا من ان البئر الذى له مادة من مصاديق الجارى لان اطلاق الجارى عليه بالاقتضاء ولا يشترط صحة الاطلاق فعلية الجريان فذ والمادة من البئر مقتض للجريان و يمنع منه المانع وبعد رفع المانع يخرج من الاقتضاء الى الفعلية وكذا الاخبار الدالة على عدم تنجس الكر تدل على عدم انفعال البئر مع اشتماله على المادة كما قال مولانى الرضا عليه السلام ماء البئر واسع لا يفسده شيء ولقد عرفت بان معنى الوسعة تنزل الاشتمال منزلة الكثرة وروى جميل بن دراج عن ابي اسامه عن ابی عبدالله (ع) في الغارة والسنور والدجاجة والكلب والطير قال (ع) ما لم يتفسح او يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء فان تغير الماء فخذه حتى يذهب الريح .

فترى الامام (ع) يجمع بين اشياء مختلفة فى النجاسة و الطهارة و يكتفى

ص: 479

بخس دلاء فى الكلب والطير كاشف عن عدم انفعال الماء بصرف الملاقات والاخذ الى ذهاب الريح كاشف عن كون المناط فى الانفعال هو التغير فبعد ذهابه يوثر ماء البئر اثره وهو طهارته لاشتماله على المادة.

فالمحصل من طول المبحث عدم انفعال البئر المشتمل على المادة من ملاقات النجاسة ما لم يتغير وطهارة المتغير بعد زوال التغير.

فلو كان الزوال بنزح الماء فلا اشكال فى طهارته و اما لو كان بعلاج غير النزح فلاشتماله على المادة التى بمنزلة الكثرة فهوماء زال تغيره ولاقى كرا فنزح الماء لازالة التغير طريق لها ولا موضوعية له فالعلاج قائم مقامه كما هو الشان فى كل ما هو طريق الى شىء .

ويظهر ايضا ان القول بانفعال البئر على الاطلاق منع المصمة ماء البئر ولو كان ازيد من الكر ضرورة ان الكر مانع من الانفعال اذا كان في الاواني و الغدير ان والدلاء فسلب المانعية عن ماء البئر يرجع امره الى كون الاشتمال على المادة مانع عن تأثير الكراثره ومنعه للانفعال فان الكثرة في غير البئر مانع عن تا ثر النجاسة اثره والبئر لا ميز له الا انه مشتمل للمادة وهذا من غرائب الاوهام .

واما القول باختصاص الكر من الابار بعدم الانفعال فانكار لتاثير الاشتمال على المادة اثر الكر فكان هذا القائل لم يسمع تعليل مولانا الرضا (ع) لوسعة ماء البئر وعدم فساده بعلة كونه ذا مادة .

وعلى القول الأول ينبغى القول بنجاسة مقدار الكر المستخرج من البئر لعدم امکان تاثير الظرف في نجاسة المظروف مع ان احدا لم يتفوه بهذا قال بعض الافاضل على انه من المستبعد جدا ان مقدار الكر من مائها الخارج عنها لا ينجس بالملاقات ومائها وان بلغ الفكر ينجس بمجرد الملاقات مع اعتصامه بالمادة رونه مع انه فيه من الحرج ما لا يخفى واغرب من ذلك طهارته لو كان كراً مع انقطاع النبع وخروجه عن مسمى البئر و نجاسته لو كان الفكر مع دوام النبع

ص: 480

الذي يزداد به كمالا لا نقصانا ( انتهى ) ولا يخفى على المتامل متانة كلامه اعلی الله مقامه.

و احتج القائلون بتنجس البئر بملاقات النجاسة على الاطلاق بامور .

منها الاجماعات المنقولة ففى المحكى عن الغنية امامياه الابار فانها تنجس بكل ما يقع فيها من النجاسات قليلا كان مائها او كثيراً على ما قدمناه بالاجماع وعن المرتضى رضوان الله عليه ومما انفردت به الامامية القول بان ماء البئر ينجس بما يقع فيها من النجاسات وان كان كر او غدر الاماميه فيهما ذهب اليه و الفصل بينها وبين ماء الغدران والانية هو ما تقدم من الحجة المشار اليها بالاجماع .

وعن الحلى في موضع من السرائر واما مياه الابار فهى تجرى و ان كثر مائها مجرى ما نقص عن الكرمن مياه المصانع والغدران والواقف في اي موضع كان في ان حلول النجاسة ووقوعها فيها من غير تغير لها ينجسها سواء بلغ مائها كرا او نقص عنه بغير خلاف من أصحابنا وعن ابن براج نسبة ذلك الى اصحابنا و عن كشف الرموز نسبة ذلك الى فتوى فقهائنا.

و انت خبير بان الاجماع لا دلالة فيه من حيث انه اجماع بل كونه دليلا منوط بكشفه عن راى المعصوم (ع) و رضائه المستلزمان للمواقع و ما ذكر لا يكشف عن قول الامام ورضائه لعدم الملازمة بينهما .

على ان الاجماع الذى مدرکه معلوم اعتباره باعتبار مدرکه و سيجيء ما تمسكوا به من الروايات وعدم دلالتها على المطلب مع ان المتتبع لا يخفى عليه ان الاجماع لم ينعقد على تنجس ماء البئر بصرف الملاقات بالنجس بل هذه المسئلة من المسائل الخلافية عند الاماميه غاية الامر اشهر القولين عند المتقدمين هو التنجس وانقلب الشهرة بين المتاخرين فصار اشهر القولين عدم الانفعال واما ماعن المرتضى رضوان اله عليه من تفرد الامامية بالقول بالنجاسة لانعرف معناه لان ابا حنيفة قال اذا وقعت فى البئر نجاسة نزحت فيكون طهارة لها فان ماتت فيها فارة اوصعوة

ص: 481

اوسام ابرص نزح منها سبعون دلواً الى ثلثين وفى موت الحمامة او الدجاجة او السنور ما بين اربعين الى ستين وفى الكلب او الشاة او الادمى جميع الماء حكى عنه العلامة في التذكرة وقال ايضاً أن خرجت الفارة وقدهر بت من الهرة ينجس الماء والافلاوقال بعد ذكر المقدرات اذا عرفت هذا فعند الشافعى ان ماء البئر كغيره ينجس ان كان دون القلتين وان كان ازيد فلاثم ان تنجس وهو قليل لم يطهر بالنزح لان قعر البئر يبقى نجسا بل يترك ليزداد ا ويساق اليه الماء الكثير وان كان كثيرا بالتغير فيكاثر الى زوال التغير او يترك حتى يزول التغير بطول المكث او ازدياد الماء ولو تفتت الشيء النجس كا الفارة بتمعط شعرها فيه فالماء على الطهارت لعدم التغير ولا ينتفع به لان ما يستقى يوجد فيه شيء من النجاسة فينبغي ان يستقى الى ان يغلب خروج اجزائها ( انتهى النقل ) .

فتری ان روساء اهل السنة قائلون بتنجس البئر من ملاقات النجاسة فلا يصح نسبة التفرد الا الامامية ولاختلاف آرائهم في المسئلة لا معنى للقول بكونها اجماعية

ومما يستند اليه للانفعال مكاتبة محمد بن اسماعيل بزيع في الصحيح قال كتبت الى رجل اسئله ان يسئل ابا الحسن الرضا (ع) عن البئر يكون في المنزل للموضوء فيقطر فيها قطرات من بول اودم او يسقط منها شيء من عذرة كالبعرة ونحوها مالذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها المصلوة فوقع (ع) بخطه في كتابه ينزح منها دلاء فيقول المتمسك ان هذا القول في قوة قوله يطهرها نزح دلاء منها لوجوب تطابق الجواب السئوال وهو قاض بالنجاسة قبل النزح.

وهذا لرواية لا تدل على مرام المتمسك بها بل على خلاف مرامه ادل لان الامام (ع) اجاب بما لا يطابق السئوال على اعترافه و ليس الا لاجل عدم تنجس البئر فاجاب بنزح دلاء مع عدم تعيين عدده و مقداره ولو كان البئر نجسا لم اعدل عن الجواب المطابق فحيث لم يكن نجسا لم يجب بقوله يطهرها نزح دلاء فان هذا الجواب اغراء بالجهل فالفطن العارف بالمحاورات يستدل بهذه المكاتبة على طهارة و نزح الدلاء للتنزه عن الدرن الموجب للمتنفر والاشمئزاز . ومما يستند اليه صحيحة على بن يقطين عن مولانا موسى بن جعفر (ع) قال سئلته

ص: 482

عن البئر يقع فيها الدجاجة والحمامة والفارة او الكلب والهرة فقال يجزيك ان تنزح منها دلاء فان ذلك يطهرها انشاء الله.

وهذه الرواية عليك ان تحملها الى الطهارة اللغوية اى النظافة والنزاهة والجمع بين الكلب والفارة من اقوى الشواهد على عدم كون المراد من الطهارة هی المقابلة للنجاسة واقل ما يطلق عليه الدلاء هو الثلاثة مع ان تقدير الكلب عندهم يكون اربعون دلواً ويمكن ان يكون المراد من الطهارة ما يرفع الكراهة عن استعمال مائها في قبال حرمة الاستعمال المترتبة على النجاسة فصح اطلاق الطهارة علیه و اطلاق لفظ الحل على عدم الكراهة وهذا الحل يجرى في الرواية السابقة ايضاً .

وقد يستند بقول مولانا الصادق (ع) حيث قال في رواية عبدالله بن يعفور و عتبة بن مصعب اذا اتيت البئر و انت جنب فلم تجد دلواً ولا شيئاً يغترف به فتيمم بالصعيد الطيب فان رب الماء رب السعيد ولا تقع في البئر و لا تفسد على القوم مائهم وجه الاستدلال انه لا امر بالتيمم في الصورة المزبورة مع انه مشروط يفقد الماء الطاهر فيظهر من ان مائها تنجس بوقوعه فيها واغتساله منها و نهى عن وقوعه فيها وعن افساده بالوقوع والاغتسال مع ان الظاهر من الافساد هو النجاسة

( وفيه ) ان شرط التيمم عدم امكان استعمال الماء الطاهر لافقده و عدم مع الاذن من مالك البئر لا يمكن استعمال مائها شرعاً والمراد من الافساد منها ما يترتب على الوقوع في البئر من الاثارة والحمائة وتغير الماء مع حاجة الناس اليه في الشرب ومن الواضح عدم جواز الوقوع فى البئر اذا كان اثره المنع عن الشرب و في قوله (ع) ولا تفسد على القوم مائهم اشعار بان البئر من آبار العامة التي يردون عامة الناس عليها والوقوع فيها موجب لتهييج ما كان كامنا فيها من الاوساخ المانع من الارتواد فقد ينجر الى هلاك بعض الناس الذين يتنفرون عن المياه الوسخة ولا اقل من ايذاء الناس لافساده مشر بهم .

بل مقتضى النظر الدقيق دلالة الرواية على الطهارة فلو كان الملاقات سبيا المنجاسة فقال (ع) لانها يتنجس فمثل هذا الكلام مورده عدم التنجس مع ان ظاهر

ص: 483

الرواية يكشف انها من المواعظ وتعليم الاداب وتكميل الاخلاق لا بيان الاحكام

ومما يستند اليه حسنة زرارة ومحمد بن مسلم وابى بصير قالوا قلنا بئريتوضا منها يجرى البول من تحتها اينجسها قالوا فقال لو كانت في اعلى الوادى والوادى يجرى البول من تحتها و كان ما بينهما قدر ثلثة او اربعة اذرع لم ينجس ذلك وان كان اقل من ذلك ينجسها وان كانت البئر في اسفل الوادى و يمر الماء عليها و كان بين البئر وبينه تسمة اذرع لم ينجسها وما كان اقل من ذلك فلا تتوضا منه وجه الاستدلال الحكم بثبوت النجاسة فى حال وبعدمها في حال آخر و هو كاشف قبولها النجاسة والجواب عن هذه الرواية ان مورد السئوال ما اذا كان جريان البول في غالب الاوقات

( فح ) يؤثر فى اوصاف البئر فينجس لتغير احد الاوصاف ولم يقل احد باستحا لة تنجس البئر حتى مع التغير و من المعلوم ان كون البئر في اعلى الوادي و جريان البول تحت الوادى لا يؤثر فى التغير بخلاف ما اذا كان البئر تحت الوادى فانها (ح) يتاثر اوصافه من البول وتغير الا ان يكون البعد بين مجرى البول والبئر تسعة اذرع وما كان اقل من ذلك فلا ينبغى التوضا منها ولذا بين الامام بهذه العبارة ولم يقل ينجسها فالتنجيس في صورة تغير احد الاوصاف وليس مورد السئوال ما اتفق مجرى البول والبئر متقاربتين فقد بينا ان الصدوق رضوان الله علیه روی مرسلا عن ابي الحسن الرضا (ع) من البئر يكون بينها وبين الكنيف خمسة اذرع اواقل او اكثر يتوضا منه قال ليس يكره من قريب ولا بعيد يتوضا منها ويغتسل ما لم يتغير الماء وهذا المرسلة تفسر ان مورد رواية الفضلا هو ما اذا تغير الماء فمفادها

تحديد ما يؤثر في التغير.

وقد يجاب عن الرواية بان المروى عنه والمفتى غير معلوم فلعله غير الامام ممن لا يجب اتباعه لكن هذ الجواب بمغزل عن الصواب لان الفضلاء لا يروون عن غير الامام .

وقد يتمسك بانه لولم ينجس البئر بالملاقات لم يكن فرق بين موت الذباب

ص: 484

و النمل والعقارب والخنافس وغيرها مما ليس له دم سائل فيها وبين موت ماله دم سائل فيها والتالى باطل فا المقدم مثله اما الملازمة فظاهر واما بطلان التالي فلخبرين (احدهما ) خبر عمار عن مولانا الصادق (ع) عن الزباب والنمل و الجراد وما اشبه ذلك تموت في البئر قال كلما ليس له دم فلا باس .

( وثانيهما ) خبر ابن مسكان عنه (ع) قال كل شيء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب والخنافس واشباه ذلك فلا باس.

(وفيه ) انه يكفى الفرق بينهما بعدم التنجس من هذه الحشرات على حال من الاحوال والتنجس من النجاسات اذا اوجبت تغير الماء على ان قوله (ع) في الخبر لا باس ليس نهيا عن نزح شيء من الماء بل مفاده عدم تنجس البئر بوقوع هذه الحشرات والقائل بعدم الانفعال بدون التغير لم يفرق بين هذه الاشياء و النجاسات التي لم يغير الماء فلا معنى للفرق بينهما (ح) .

واما الفرق بينهما في صورة التغير فلاجل كون الموضوع هو التغير من النجاسة والحشرات المذكورة ليست من النجاسات .

(وقد يجاب عن هذه الاستدلال بالمنع من بطلان التالى لانه لم يثبت اعتبار السندين من الروايتين المذكورتين نعم في الذخيرة عن العلامة توصيف الثانية بالصحة ولكنه زيفه بان في طريقها ابن سنان والظاهر انه محمد.

وانت خبير بان عدم ثبوت اعتبار مسند الروايتين لا يضر بالاستدلال لان مفاد الروايتين اعنى عدم تنجس ماء البئر بوقوع الحشرات اجماعى لم ينكره احد كما ان عدم الفرق بين هذه الحشرات وبين النجاسات من ذو تغير عند القائلين بالطهارة مما لاخفاء فيه وليس (ح) المناقشة فى اعتبار السند من اثر وليس المقام مقام الجرح و التعديل لان مفاد الروايتين ثابت عند الطرفين لعدم انكار احد اياه فالا نسب ان يقال في الجواب مالمانع من التسوية بين الحشرات والنجاسات في ملاقاتهما ماء البئر التي لها مادة بعد ما وصل الينا من موالينا (ع) و ان ماء البئر واسع لا يفسده شيء لان له مادة ولم لا يجوز ان يجعل في الشرع بلوغ الماء كراً و ما بمنزلته عاصماً من التنجس مادام غير متغير الاوصاف فهذا الاستدلال في غاية الوهن والسقوط

ص: 485

وهذالجواب اوهن منه واسقط فان عدم الفرق فى المقام هو الاصل بعدم اعطاء منصب العاصمية وما بمنزلته ومثل هذ الاستدلال في الوهن والسقوط هو الاستدلال بان ماء البئر لولم ينجس بالملاقات لجاز الشرب والوضوء منه و استعمال في اذالة الحدث و الخبث بعد وقوع النجاسة فيه وقبل النزح منه والتالى باطل فالمقدم مثله اما الملازمة فظاهر واما بطلان التالى فلجملة من الاخبار منها خبر زرارة ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلى عن أبي جعفر (ع) في البئر يقع فيها الدابة والكلب والطير فيموت قال يخرج ثم ينزح دلاء ثم اشرب وتوضا.

ومنها خبر على بن جعفر عن اخيه موسى (ع) قال سئلته عن رجل ذبح شاة فاضطربت فوقعت في بئر أوداجها تشخب دما هل يتوضا من ذلك البئر قال ينزح ما بین الثلثين الى الاربعين دلواً ثم يتوضا منها ولا باس منه.

ومنها خبر آخر لعلى بن جعفر عن اخيه ابى الحسن (ع) قال سئلة عن رجل ذبح دجاجة او حمامة فوقعت في بئر هل يصلح ان يتوضا منها قال ينزح دلاء يسيرة ومنها خبر ابي العباس الفضل البقباق قال قال ابو عبد الله (ع) في بئر يقع الفارة او الدابة او الكلب او الطير فيموت قال يخرج ثم ينزح من البئر دلاء ثم تشرب منه وتوضا الى غير ذلك والمتامل فيهذه الاخبار لا يخفى عليه ان تقديم المزح على الشرب والتوضا ليس لعدم جواز الشرب والتوضاء قبل النزح لعدم ما يدل عليه فيها فانظر الى جواب ابى الحسن اخاه اذا سئل عنه هل يصلح ان يتوضا منها قال ينزح منها دلاء ولم يقل لا ولم ينف الصلاح وليس في واحد من هذه الاخبار نفى النوضا والشرب قبل النزح و من المعلوم عند كل احد ان التوضا و الشرب بعد النزح احب الى صاحب الشرع ولا دلالة في قوله الا ثم ينزح دلاء ثم اشرب وتوضا الاعلى استحباب تقديم النزح لتصفية الماء واما الوجوب فلا يستفاد منه فقوله اما الملازمة فظاهر قول صحيح متبع واما بطلان التالى فممنوع لا دليل عليه لعدم دلالة الاخبار على عدم الجواز ومن له انس باخبار اهل بيت العصمة والطهارة ومقالاتهم فى بيان الاحكام يعرف ان هذه الاخبار لاتدل على عدم الجواز .

وفي الروايات الدالة على المختار ما يدل على عدم وجوب اعادة الصلوة و

ص: 486

عدم غسل الثوب اذا توضأ من البئر وغسل منه الثياب وعجن ثم علم انه كان فيها ميت كرواية عبد الكريم عن ابی بصیر عن ابي عبد الله (ع) ورواية ابي اسامة وابي يوسف عنه (ع) وصحيحة معوية بن عمار وفي رواية ابان بن عثمان عن ابی عبدالله (ع) قال سئل عن الفارة تقع فى البئر لا يعلم بها الا بعد ما يتوضا بها ايعاد الوضوء فقال لا فلو لم يجز الشرب والتوضا قبل النزح لتنجس مائه لا يمكن ان يجيب الامام بعدم اعادة الوضوء ضرورة عدم صحة الوضوء بالماء النجس.

والحاصل ان بعد الاطلاع على هذه الروايات وفيها صحاح و حسان موثقات يقرب التشكيك فى الطهارة بالوسواس اعاذنا الله تعالى من شره.

ومع الاغماض عما ذكر من عدم دلالة ماستدلوا به من الاخبار فلامقاومة لها مع مادل على عدم الانفعال لكثرته وصراحته في المطلب و مخالفته للعامة و وموافقة مخالفه لهم .

واما القول الثالث أعنى التفصيل بين الكر والقليل في الحكم فقد عرفت ان مرجعه الى عدم تاثير الاشتمال على المادة في شيء وان المناط في الموجود فمع بلوغه مبلغ الكريترتب عليه حكمه ومع عدم البلوغ يترتب عليه حكم القليل وعرفت ايضا صراحة الاخبار في خلاف هذا التفصيل وتنزل الاشتمال على المادة منزلة الوسعة اى الكثرة وغرى هذه التفصيل الى البصروى وذكر له وجوه.

منها عمومات انفعال القليل وان الكر لا ينجسه شيء الا اذا تغير احد اوصافه (وفيه) انه لا منافات بين العمومات المذكورة وبين عدم انفعال ماله مادة من البئر لان ماله مادة خارج عن القليل لتنزيلها منزلة الكثير و ليس هذا من تخصيص العمومات او تقديم ما يدل على عدم الانفعال بعد كون النسبة بينهما عموماً من وجه بل هو تصرف مخصوص في موضوع الحكم وجعل الاشتمال منزلة الكثرة فلا تعارض بينهما فقوله (ع) اذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء شامل لماء البئر اذا كان له مادة لانه كر تنزيلا وهذا التصرف غير التخصيص والتقديم فلا حاجة الى ذكر المرجحات .

و منها ان مقتضى الجمع بين الاخبار الدالة على القول الأول وبين الاخبار

ص: 487

الدالة على القول الثانى هو التفصيل بين الكر وما دونه.

(وفيه) ان هذا الجمع لا شاهد له على انا بينا عدم دلالة الاخبار على القول الثاني فلا معارضة بين الطائفتين من الاخبار ولا يحتاج الى الجمع والجمع بلا شاهد في حكم الفتوى بغير دليل.

ومنها رواية الحسن بن صالح الثورى عن ابی عبدالله (ع) قال اذا كان الماء في الركى كراً لم ينجسه شيء ووجه الاستدلال بعد ارادة البئر من الركي ظاهر

(وفيه) ان الركى اعم من البئر لاطلاقه على ماليس له مادة وهذالرواية ناظرة الى ذلك ولذا عبر بالركى ولى يعبر بالبشر فما ليس له مادة يجب بلوغ الماء كرا فى المنع عن التنجس ان قلت لا نتصور للبئر الفاقدة للمادة معنى.

(قلت) قد يحفر من الارض مالم يصل الى الماء فليس له مادة ينبع منها الماء ولكن يدخر فيه من ماء المطر فقد يكون كراً وقد يكون اقل من الكر فعدم تنجسه منوط ببلوغه كراً فحكمه حكم الاوانى والغدران لانه لفقد المادة ليس منزلا منزلة الكر قال بعض الافاضل عند رد الاستدلال بهذا الرواية مضافا الى احتمال كون الركي عبارة عن المصنع الذى لا يكون له مادة و هذا احتمال قوى فان المصنع هو المحفور من الارض الذى ليس له مادة ومائه من الخارج الا ان المصنع له تعمير من الاحجار او الاجر والركى اعم من المصنع والبئر .

وقد يقال في رد هذا الاستدلال بان حسن بن صالح زیدی تبرى و بينا فيما سلف انه لم يرو ما يخالف روايات الباب كي يرد بضعف الراوى

ومنها موثقة عمار عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة او رطبة فقال لاباس به اذا كان فيها ماء كثير

ولا دلالة لهذه الموثقة على مطلب المستدل بوجه من الوجوه ضرورة ان الابار مختلفة فى الوسعة فبعضها في الكثرة بمثابة لا يتغير بوقوع زنبيل من العذرة يابسة كان او رطبة والاخرى ليست فى الوسعة والكثرة بهذه المثابة وان كانت لها مادة فيتغير بوقوع زنبيل من العذرة فيها ومن الواضح تنجس البئر بالتغير ففرع الأمام عدم الباس الكاشف عن عدم الانفعال على كثرة الماء.

ص: 488

ومنها الرضوى كل بئر عمقها ثلثة اشبار ونصف فى مثلها فسبيلها سبيل الجارى الا ان يتغير لونها او ريحها او طعمها.

( وحيث ) ان الرضوى لاحجية فيها لعدم ثبوت كونه بل ثبوت عدم كونه من الامام فلا معنى المبحث عن دلالته وعدمها على مرام المفصل .

واما التفصيل الثاني فمنقول عن الجعفر من دون ان ينقل عنه دليل لهذا التفصيل فكانه راجع الى التفصيل الاول والاختلاف في مقدار الكر.

والمنقول عن الشافعى ان ماء البئر كغيره ينجس ان كان دون القلتين و ان كان ازيد فلا ولم يعرف له مدرك في هذا لقول .

فتحصل من طول المبحث ان ماء البئر لا ينجس بملاقات النجاسة لان لها مادة منزلة منزلة الكر الا ان يتغير احد اوصافه و طريق تطهيره نزح الماء من البشر حتى يزول التغيرلان الاشتمال على المادة كرتنزيلا فبعد زوال التغير لا يمكن ان يبقى على النجاسة لاتصال بالمادة المنزل منزلة الكر فكما ان غير ماء البئر اذا تنجس بالتغير وزال التغير ولا فى كراً يطهر بصرف الملاقات فكذا ماء البئرلان ملاقاته للمكر حاصل قبل زوال التغير والكر يؤثر اثره بعد زوال المانع.

وفي حكم البئر الغدير الذى له مادة فاذا تنجس بتغير الاوصاف يطهر بزوال التغير والاشتمال على المادة سواء كان الزوال بالاخذ من ماء الغدير وتبدل الماء من الماده او بعلاج آخر ولو بتصفيق الرياح لان النزح والاخذ في البئر و الغدير طريقان لتحقق الزوال فاذا تحقق ارتفع المانع من تطهير المادة .

واما ماء الركى الذى ليس له مادة فاذا تنجس بملاقات النجس مع تغير اوصافه اذا كان كثيرا لا يطهر بصرف زوال التغير لعدم وجود المقتضى المتطهير وكذا ماء الغدير الفاقد للمادة .

وبعد وضوح امر البئر في التنجس والتطهير يتضح أمر النزح في الوجوب والاستحباب لان نزح ماء البئر ليس من الواجبات الاصلية بل من الواجبات المقدمية لتطهير ماء البئر اذا مست الحاجة اليه اواجب من الواجبات كالشرب والوضوء و

ص: 489

والغسل وازالة النجاسة عن الثوب والبدن او تطهير ما يجب تطهيره فيجب النزح لزوال التغير الموجب لتنجسه مقدمة الواجب من الواجبات المتوقفة على الماء الطاهر مع انحصار الماء في هذا البئر المتنجس اما مع عدم الانحصار لوجود المياه الطاهرة فلامعنى لوجوب النزح فما ورد من التقديرات فى المنزوحات ان كان مع تنجس الماء تعليم الطهير لمن اراد ان يطهر وما لم يتنجس فتعليم للتنظيف وتصفية الماء فالنزح لازالة التغير مقدمة للطهارة واجب مع الانحصار لتوقف الواجب عليه ومع عدم النجاسة وعدم الانحصار فان قيل انه مستحب لان النظافة والنزاهة ممدوحتان فى الشرع الانور لامانع من هذا لقول ومن هذا البيان يعلم ان بيان جزئيات مقادير المنزوحات وكيفية النزح وسعة الدلو وما يتعلق به مما لا يتصور له فائدة مهمة لدوران الأمر بين الأمرين تغير الماء و تنجسه لاجله و عدم التغير والبقاء على اصل الطهارة فالاول يطهر بزوال التغير بالنزح كيف اتفق والثاني المطلوب فيه النظافة والنزاهة فلا اثر لقلة الدلاء وكثرته الا ان الاقتداء بما سلف من الاصحاب الذين هم اركان الدين وحفظ شريعة سيد المرسلين رضوان الله عليهم اجمعين في بيان مقادير المنزوحات امر مستحسن و موجب البصيرة الناظر فى اختلافات الروايات فيها .

فنقول انه على القول بتنجس البئر يطهر بما يطهر به ساير المياه المتنجسة من القاء الكر فيه او اتصال الجارى اليها بل لوصول المطر معها بحيث يقال راى المطر لان جميع ماذكر من المطهرات وبينا ان البئر لا خصوصية لها زائدة فتطهيرها كتطهير ساير المياه.

و بنزح جميعها لانصباب الخمر فيها لقوله (ع) فى رواية عبدالله بن سنان فان مات فيها قرداو . فيها خمر نزح الماء كله وفي صحيحة معاوية بن عمار في البئر يبول فيها الصبى او يصب فيها بول او خمر فقال ينزح الماء كله وفي رواية الحلبي وان مات فيها بمير اوصب فيها خمر فتنزح وفي رواية الشيخ عن الكليني رضى الله عنهما فينزح الماء كله ولا تعيين فيهذه الروايات لمقدار الخمر بل اكتفى باطلاق

ص: 490

الصب فلو كان فى القلة بمثابة لم يطلق عليه الصب كا القطرة منه ليس مورد الهذا الحكم اى نزح الجميع واما ما يطلق عليه الصب فينزح ما لها جميعاً ولو كان في نهاية القلة ولا استبعاد فيه لانه اخبث الخبائث و لا ينافي هذا الحكم عدم تنجس ماء البئر لان امتزاج ذرات الخمر مع الماء كاف للحكم بنزح جميع ماله لدفع هذا الخبيث المخبث وعدم تأثيره للتنجيس انما هو العاصمية ماء البئر عن التنجس و في بعض العبارات المسكر عوض الخمر والمراد منه هو الخمر لما ورد عن رسول الله (ص) كل مسكر خمر وعن الكاظم (ع) ما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر وبهذا اللحاظ يكون ذكر الفقاع بعد ذكر المسكر من باب ذكر الخاص بعد العام ولعله تنبيه بكونه خمراً يترتب عليه حكمه لقوله (ع) الفقاع خمر استصغره الناس.

واما القطرة منه يعبر عنها بعبارة قطرت لعدم صدق الصب عليها ففى خبر زرارة عن مولانا الصادق (ع) بئر قطرت فيها قطرة دم او خمر قال الخمر والدم والميت و لحم الخنزير في كل واحد ينزح منه عشرون دلواً فان غلب الريح انزحه حتى يطيب وفي رواية كراويه عبر بالوقوع قال سئلت ابالحسن (ع) عن البشر يقع فيها قطرة دم او نبيذ مسكر او بول او خمرة ينزح منها ثلثون دلواً .

و لا منافات بين هاتين الروايتين و بين الروايات الدالة على نزح الجميع لاختلاف موضوعها فيجوز ان يكون حكم القطرة مخالفا لحكم الزائد عنها سواء كان النزح للتنظيف والتنزيه او المطهير على القول بتنجس البئر و لا داعي يدعونا الى وحدة حكم القطرة والزائد حتى يكون الروايتان مخالفتين للروايات ويحصل التعارض بينهما وبين الاجماع والروايات فنقول بقصورهما عن التعارض فترى الروايات الحاكمة عن نزح الجميع ذكر فيها الصب و في روايتين التقاطر و الوقوع الاختلاف و بين السب الضعيف و بين السب القوى مما لا ينكر عند العقول و لا يعد من التعارض سيما بعد دلالة الدليل على الفرق بينهما .

واما الاختلاف بين مفادى الروايتن فمن الشواهد على عدم تنجس البئر و كون النزح للتنظيف فان الجمع بين الزائد والناقس معناه افضلية الناقص عما

ص: 491

دونه وافضلية الزائد عليه فرفع النفرة والاشمئزاز يحصل من نزح عشرين والافضل نزح ثلثين.

ومما يدل على نزح الجميع لانصباب الخمر مارواه عبدالله بن سنان عن ابی عبد الله (ع) قال ان سقط فى البئر دابة صغيرة او نزل فيها جنب ينزح منها سبع دلاء فان مات فيها ثور اوصب فيها خمر نزح الماء كله ودلالتها واضحة صريحة و فيه دلالة على ان موت الثور فيها كانصباب الخمر ينزح منها الماء كله ثم ان الامام (ع) عبر في الثور بالموت فيها وفى الدابة الصغيرة بالسقوط فيمكن ان يكون بين السقوط فيها حيا ثم الموت وبين السقوط فيها ميتا فرق وهذه الرواية كاشفة عن حكم الموت فيها وفى موضع آخر ان مات فيها ثور او نحوه فيبقى السقوط بعد الموت فيما لانص فيه فان كان الحكم فيه نزح الجميع تساوى الصورتان و ان قيل فيه بنزح ثلثين او اربعين فنزح اربعين افضل فكيف كان يظهر من الرواية ان الثور ينزح له جميع ماء البئر كما ان رواية الحلبي التي مرذكرها تدل على ان موت البعير كالخمر في نزح الجميع.

والبعير فى أصل اللغة هو حامل البعرة فيشمل كل ماله بعرة و لكنه فى الاستعمال اختص بالحيوان المخصوص والظاهر كما قيل انه كلفظ الانسان يطلق على الذكر والانثى فيدخل فى الحكم الجمل والناقة واما الثور فيطلق على ذكور البقر فاسراء الحكم في البقرة يحتاج الى دليل غير ما دل على الحكم في الثور فلو كانت البقرة مما يجب فيه نزح الجميع لكونها مما لا نص فيه كان حكمها كحكم الثور والا فدوران الامر بين الثلثين والاربعين يعطى افضلية الاربعين على القولين.

ويمكن القول بان الذكورة فى الحيوان والانوثة لا يجوز ان يفرق بينهما بين النجاسة والطهاة سيما على القول بالتنظيف وفي رواية عمرو بن سعيد بن هلال عن أبي جعفر ما يدل على نزح الكر من الماء للجمل والتسوية بينه وبين الحمار قال سئلت ابا جعفر عما يقع فى البئر ما بين الفاره والسنور الى الشاة فقال كل

ص: 492

ذلك نقول سبع دلاء قال حتى بلغت الحمار و الجمل فقال كر من ماء قال واقل ما يقع فى البئر عصفور ينزح منها دلو واحد.

وفي هذه الرواية ايضاً شهادة على ان امر النزح ليس لازالة النجاسة بل لتنظيف الماء ضرورة ان الجمع بين الفارة والشاة والجمل والحمار في الحكم جمع بين المختلفات وامر التطهير والازالة فى غير البئر ليس بهذا الاختلاف.

واذا تأملت في الروايات الدالة على نزح الماء للمفارة ايقنت انها وردت المتنظيف لا للتطهر ففى رواية ابي سعيد المكارى عن ابي عبد الله (ع) قال اذا وقعت الفارة في البئر فتسلخت فانزح منها سبع دلاء وفي رواية اخرى فتفسخت وقال معوية بن عمار سئلت ابا عبد الله (ع)عن الفارة والوزغة يقع فى البئر قال ينزح منها ثلث دلاء وفي رواية عبدالله بن سنان مثله و في رواية قاسم عن على قال سئلت ابا عبد الله عن الفارة تقع في البئر قال دلاء ونقل عن الشيخ حمل ما دل على سبع السبع على التفسخ ومادل على الثلثة على عدم التفسخ .

وفي رواية ابي خديجه عن ابي عبد الله (ع) قال سئل عن الفارة تقع في البئر قال اذا ماتت و لم تنتن فاربعين دلوا و اذا انتفحت فيه او نتنت نزح الماء كله وقال المحدث العاملى فى الوسائل على بن جعفر في كتابه عن اخيه (ع) قال سئلته عن فارة وقعت في بئر فماتت هل يصلح للوضوء من مائها قال انزح من مائها سبع دلاء ثم توضا ولا باس قال وسئلته عن فارة وقعت في بئر فاخرجت و قد تقطعت هل يصلح الوضوء من مائها قال ينزح منها عشرون داوا اذا انقطعت ثم يتوضا ولا باس وروى ابو العباس الفضل البقباق عن ابی عبد الله (ع) قال قال ابو عبد الله (ع) في البشر يقع فيه الفارة والدابة والكلب والطير فيموت قال يخرج ثم ينزح من البئر دلا، ثم يشرب منه ويتوضا وروى سماعة قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن الفارة يقع في البئر والطير قال ان ادركته قبل ان ينتن نزحت منها سبع دلاء وان كانت سنوراً او اكبر منه نزحت منها ثلثين دلواً اوار بعين وان انتن حتى يوجد ريح النتن في الماء نزحت البئر حتى يذهب النتن من الماء وفى رواية زرارة ومحمد بن مسلم و بريد بن معاوية عن ابی عبد الله وابي جعفر (ع) في البئر يقع فيها الدابة والفارة والكلب والخنزير والطير فيموت قال يخرج ثم

ص: 493

ينزح من البئر دلاء اشرب وتوضا.

وفي رواية ابي اسامة زيد الشحام عن ابي عبدالله في الفارة و السنور و والدجاجة والكلب والطير قال فاذالم ينفخ او تغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء و ان تغير الماء فخذمنه حتى يذهب الريح و روى عمار الساباطي عن ابی عبدالله عليه السلام قال سئل عن بئر يقع فيها كلب او فارة او خنزير قال تنزح في ذلك كلها وفي رواية ابي بصير قال سئلت ابا عبدالله عليه السلام عما يقع في آباد فقال اما الفارة واشباهها فينزح منها سبع دلاء الا ان يتغير الماء فينزح منها حتى يطيب فان سقط فيها كلب فقدرت ان تنزح مائها فافعل وكل شيء وقع في البئر ليس له دم مثل العقرب والخنافس واشباه ذلك فلا باس .

فترى الروايات في غاية الاختلاف ففى بعضها خمس دلاء وفى الاخر سبع دلاء وفي رواية البقباق دلاء وفى رواية ابي خديجه اربعون دلوا مع عدم النتن ونزح الكل مع النتن وفي رواية البقباق دلاء وفي رواية ابي خديجه اربعون دلوا مع عدم النتن ونزح الكل من النتن وفي رواية ابي سعيد المکاری سبع دلاء مع التسلح وفي رواية على بن جعفر سبع دلاء وعشرون دلاء مع النقطع ومع التغير ففي بعضها امر بنزح الكل وفي بعض بنزح البئر حتى تطيب الماء وفى هذه الاختلافات دلالة على ان نزح الماء ليس لتطهير تنجسه بل لتصفيته وتنظيفه فالاكثر افضل الى ان يصل الى نزح الجميع و اما تطهير الماء فلا يناسب هذه الاختلافات و اما الفرق في النزح مع التغير و والنتن بنزح البئر حتى يطيب الماء و نزح كل مائها فلا اشكال فيه لان الطيب قد يحصل قبل نفاد الماء فيكتفى به وقد لا يحصل لشدة النتن في التغير فيجب نزح الجميع والاختلاف في النزح لوقوع الكلب ايضاً كثير يحير العقول لان في رواية القاسم عن على عن أبي عبدالله عليه السلام قال سئلت ابا عبدالله عليه السلام عن الفارة تقع فى البئر قال سبع دلا، قال وسئلته عن الطير والدجاجة تقع في البئر قال سبع دلاء و السنور عشرون اوثلثون او اربعون دلوا و الكلب و شبهه دلت الرواية على التخير بين هذه الاعداد قال الشيخ في التهذيب بعد نقل هذه الرواية قوله عليه السلام والكلب وشبهه يريد به في قدر جسمه وهذا يدخل فيه الشاة والغزال و

ص: 494

والثعلب والخنزير وفي صحيحة الفضلا عن أبي عبدالله و ابی جعفر عليهما السلام في البئر يقع فيها الدابة و الفارة والكلب والطير فيموت قال يخرج ثم ينزح من البئر دلاء ثم اشرب وتوضا .

و في صحيحة ابي اسامة عن ابي عبدالله عليه السلام في الفارة و السنور و الدجاجة والكلب والطير قال فاذا لم يتفسح اولم يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء وان تغير الماء فخذ منه حتى يذهب الريح فحكم بكفاية خمس د لاء مع عدم التغير وفي رواية البقباق عن ابي عبد الله لا قال في البئر قال يقع فيها الفارة او الدابة او الكلب او الطير فيموت قال يخرج ثم ينزح من البئر دلاء ثم يشرب منه ويتوضا واقل الدلاء الثلثة.

وفي صحيحة ابي مريم قال حدثنا جعفر عليه السلام قال كان ابو جعفر عليه السلام يقول اذا مات الكلب فى البئر نزحت وهذا الصحيحة ظاهر في نزح الجميع ثم قال وقال جعفر عليه السلام اذا وقع فيها ثم اخرج منها حيا نزح منها سبع دلاء فان ذلك يطهرها انشاء الله تعالى وفى موثقة عمار الساباطى عن ابی عبدالله عليه السلام قال وسئل عن بئر يقع فيها كلب او فارة او خنزير قال يزف كلها يعنى قال الشيخ اذا تغير لونه او طعمه فترى ان التوفيق بين هذه الاعداد مما يتحير العقل فيه فان الحكم بنزح سبع دلاء مع خروج الكلب حياً وخمس دلاء مع الموت مما لا يهتدى اليه عقل من العقول والتخير بين العشرين والثلثين و الاربعين مع كون النزح للطهير لا مسرح للعقل فيه ب_ل يحكم بعدم الامكان لان بعد النزح بالقليل لا يبقى نجاسة حتى يطهر باكثر منها لانه تحصيل للمحاصل والثلثون في طول العشرين والاربعون فى طول الثلثين والعشرين فليس التخير في المقام كما يمكن العمل بكل واحد من اطرافه ضرورة ارتفاع الموضوع بالاتيان بالاقل و تبدله بنقيضيه المطلوب تحققه فلا يبقى مواد للاتيان بالاكثر ثم الاكثر فلا مناص من حمل اختلاف الروايات بما لا يستحيل العمل به وهو حملها على التنظيف والتصفية في الاقل مؤثر والاكثر افضل.

و قدر لموت الانسان فى البئر نزح سبعين دلواً قال عمار الساباطي سئل ابو عبدالله عليه السلام عن رجل ذبح طيرا فوقع بدمه في البئر فقال ينزح دلاء هذا اذا

ص: 495

كان ذكيا فهو هكذا وما سوى ذلك مما يقع في بئر الماء فيموت فيه فاكثره الانسان ينزح منها سبعون دلوا واقله العصفور ينزح فيها دلو واحد و ما سوى ذلك فيما بين هذين وفيما حققناه في مبحث غسل الميت ان الانسان لا ينجس بالموت دلالة واضحة على ان نزح ما قدر للانسان ليس لتطهير ماء البئر لان ميت الانسان ليس بنجس فلا ينجس البئر حتى يطهر بالنزح اوغيره.

روی محمد بن علی بن الحسين بإسناده عن الفضل بن شاذان عن مولانا الرضا عليه السلام فى عيون الاخبار فان قال فلم امر لغسل الميت قيل لانه اذا مات كان الغالب عليه النجاسة الافة والاذى فاحب ان يكون طاهراً اذا باشر اهل الطهارة من الملئكة الذين يلونه ويماسونه فيما بينهم نظيفاً موجها به الى الله عز وجل وليس من ميت يموت الاخرجت منه الجنابة فلذلك ايضاً وجب الغسل قال الفضل بن شاذان بعد ذكر العمل واجوبتها سمعت هذه العلل من مولاى ابالحسن بن موسى الرضا عليهما السلام متفرقة فجمعتها والفتها فترى في جواب الامام عليه السلام اذا مات كان الغالب عليه النجاسة فلو كان الموت سببا للنجاسة كانت من لوازمه الدائمة و لم يكن الغالب عليه ففى هذا الكلام دلالة على عدم نجاسة الميت من الانسان فنزح سبعين دلواً لموته ليس لتنجس الماء بل للنظافة والنزاهة بل يكثر الدلاء لعظم جثة الواقع فيها وتقليلها لصغرها شاهد قوى على كون النزح لرفع الدرن والكدر والقذارة دون النجاسة.

واما الخنزير فيعلم مقدره فى النزح من رواية قاسم عن على عن مولانا الصادق عليه السلام والسنور عشرون اوثلثون اواربعون دلواً والكلب وشبهه فالخنزير شبه الكلب فى الجنة والنجاسة فيدخل في شبه الكلب على كل حال وان كان المراد من التشبيه كون ما يشابه الكلب فى الجثة تشمل حكم الكلب غير الخنزير ايضاً من الحيوانات التي تقرب الكلب فى الجنة قال الشيخ (قده) في التهذيب بعد هذه الرواية قوله عليه السلام والكلب وشبهه يريد به في قدر جسمه وهذا يدخل فيه الشاة والغزال والثعلب والخنزير.

ص: 496

وعلم من هذه الرواية حكم السنور ايضا وحكم الطير و الدجاجة انه سبع دلاء ورواية سماعة تقرب من هذه الرواية الا ان التخيير فيها بين الثلثين والاربعين و ليس فيها من العشرين ذكر قال سئلت ابا عبدالله (ع) عن الفارة تقع في البئر والطير قال ان ادركته قبل ان ينتن نزحت منها سبع دلاء وان كانت سنورا او اكبر هنه نزحت منها ثلثين دلواً اوار بعين دلواً وان انتن حتى يوجد ريح النتن في الماء نزحت البئر حتى يذهب النتن من الماء وفى رواية اسحق بن عمار يقدر الدجاجة ومثلها يموت فى البئران ينزح منها دلوان وثلثة فاذا كانت شاة وما اشبها فتسعة او عشرة و يقدر في صحيحة ابي اسامة عن ابي عبدالله (ع) السنور والدجاجة و الطير مع عدم التفسخ والتغير خمس دلاء .

و ترى ان فى هذه الروايات اختلافات كثيرة فى القلة والكثرة لا يناسب كون المنزوحات لتطهير مياه الابار فكيف يمكن التوفيق بين ما دل على نزح ثلثين او اربعين كرواية سماعة وبين ما دل على الاكتفاء بخمس دلاء كرواية ابي اسامة في رواية على بن يقطين عن مولانا الكاظم اللا قدر الحمامة والدجاجة والفارة والكلب والهرة دلاء فقال (ع) يجزيك ان تنزح منها دلاء فجمع بين الهرة والفارة وفرق بينهما في رواية سماعة.

وقد قدر في وقوع الطير في رواية البقباق بالدلاء من دون تعيين العدد وفي رواية سماعة بنزح سبع دلاء قبل النتن و فى رواية ابي اسامة الصحيحة قدر بخمس دلاء مع عدم التفسيخ وليس في احدى الروايات تعين لعظم الطير وفي رواية عمار عين العصفور دلو لانه اقل الطيور جثة ومقتضى الفرق بين عظم الجثة و صغرها الفرق بين النسر والحمامة والصعوة وليس فى الروايات عن النسر اسم فيبقى في الاجمال.

وفي رواية البقباق قدر المدابة دلاء وفي رواية عمرو بن سعيد بن هلال الحمار والجمل قال كر من الماء ويطلق على الحمار الدابة و الدابة المذكورة في روايت البقباق مجهولة من حيث العظم والصغر.

ويظهر من صحيحة مدوية بن عمار وجوب نزح الجميع لبول الصبي فانه روى

ص: 497

عن ابي عبد الله (ع) في البشر يبول فيها الصبى او يصب فيها بول او خمر فقال ينزح الماء كله.

وقال منصور بن حازم حدثنى عدة من أصحابنا عن ابي عبد الله (ع) قال ينزح منها سبع دلاء اذا بال فيها الصبى او وقعت فيه فارة او نحوها فمن عمل بصحيحة معاوية بن عمار الحق بول الصبى بالبعير و من عمل بموثقة منصور الحقه بالفارة وبينهما بون بعيد قال الشيخ فما يتضمن هذا الخبر من ذكر بول الصبي اوصب البول فيه فمحمول على انه اذا غير طعم الماء ورائحته لانه منى لم يتغير الماء فان له قدرا مقدرا ينزح منه ونحن نذكره فيما بعد انشاء الله تعالى وحمل ما قدر لبول الصبى على المتغير فى غاية البعد واما بول الرجل من غير تغير فيكشف عن مقدره رواية على بن ابي حمزة عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن بول الصبي الفطيم يقع في البئر فقال دلو واحد قلت بول الرجل قال ينزح منها اربعون دلواً .

و اما الدم ففى رواية زرارة ان قطرة من الدم ينزح من البئر عشرون دلواً وفيرواية كراويه ينزح منها ثلثون دلوا قال زرارة قلت لابي عبد الله (ع) بئر قطر فيها قطرة دم او خمر قال الدم والخمر والميت ولحم الخنزير في ذلك كله ينزح منه عشرون دلواً فان غلبت الريح نزحت منه حتى يطيب وقال كراويه سئلت ابا الحسن (ع) يقع فيها قطرة دم او بول او خمر قال ينزح فيها ثلثون دلواً لها بان الروايتان مختلفتان بالنسبة الى مقدر قطرة الدم وكلاهما مخالفتان مع صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع حيث قال كتبت الى رجل اسئله ان يسئل ابا الحسن الرضا (ع) عن البئر يكون فى المنزل للموضوء فتقطر فيها قطرات من بول اودم او يسقط شيئى من عذرة كالبعرة او نحوها مالذى يظهرها حتى يحل الوضوء فيها للصلوة فوقع (ع) في كتابه بخطه ينزح منها دلاء كما ان هذه الصحيحة مخالفة مع رواية على بن ابي حمزه في تقدير البول وينبغي ان يفسر الدلاء المذكورة في الصحيحه بالعشرة لرواية أبي بصير قال سئلت ابا عبدالله (ع) عن الجنب يدخل البئر يغتسل فيها قال ينزح منها سبع دلاء وسئلت عن العذرة يقع في البئر

ص: 498

فقال ينزح منها عشرة دلا، فان ذابت فاربعون او خمسون دلواً .

وظهر من هذا الرواية مقدر دخول الجنب البئروانه سبع دلاء ولك الاستدلال بهذا لرواية على كون المنزوحات للتنظيف ورفع الاوساخ فتقول ان الجنب ان دخل البئر مع نجاسة البدن فيتنجس البئر ولا يصح الاغتسال بمائها على القول بتنجسها فيظهر من عدم منع الامام الاغتسال من البئر احد الامرين اما عدم تنجس ماء البئر من نجاسة بدن الجنب وصحة الغسل فيكون النزح للتنظيف و اما عدم نجاسة بدنه.

فح يكون النزح الامر غير النجاسة ايضاً وهو التنظيف فلا يمكن القول بنجاسة بدنه و تنجس البئر مع صحة الغسل وكون النزح لتطهير البئر و هوظاهر ويظهر مقدر دخول الجنب من صحيحة محمد بن مسلم عن احد هما عليهم السلام ايضاً اذا دخل الجنب البئر نزح منها سبع دلاء وروى ايضاً احدهما (ع) في البئر يقع فيه الميتة قال اذا كان لها ريح نزح منها عشرون دلواً وقال اذا دخل الجنب البئر نزح منها سبع دلاء.

وظهر من هذه الصحيحة مقدر الميتة ايضاً .

والظاهر ان الكناية فى لها راجعة الى الميتة لان ماء البئر اذا تغير ريحها من النجاسة يتنجس ولا يطهر الا بنزح ما يزيل التغير.

والاشتراط بالريح لعل لاجل ان ماليس له ريح لا يكون مما له نفس وقدمر ان مالانفس له لا ينزح لموته شيء و يحتمل ضعيفا رجوعها الى البئر و كان الريح مما يرتفع بنزح عشر ين دلواً ومما يجب ان ينزح له سبع دلاء هو سام ابرص اذا تفسخ على القول بالتنجس لرواية يعقوب بن عثيم قال قلت لابي عبد الله (ع) سام ابرص وجدناه قد تفسخ في البئر قال انما عليك ان ينزح منها سبع دلاء قلت فثيابنا التي قد صلينا فيها نغسلها ونعيد الصلوة قال لا ودلالة هذة الرواية على عدم

ص: 499

تنجس البئر وكون النزح للتنظيف اظهر من ان يبين ضرورة ان نجاسة البئر وعدم وجوب غسل الثياب و اعادة الصلوة مما لا يجتمعان وقد حكم بعدم الوجوب و اما نزح الدلاء فلا يستلزم النجاسة ويؤيد عدم النجاسة اى عدم نجاسة سام ابرص رواية جابر بن يزيد الجعفي حيث سئل عن أبي جعفر الا عن السام ابرص في الماء فقال ليس شيء حرك الماء بالدلو وعن المعلوم ان الطاهر لا يتنجس بالتفسخ .

و ينزح الموزعة ثلث دلاء الصحيحة معاوية بن عمار قال سئلت ابا عبدالله (ع) عن الفارة والوزغة تقع فى البئر قال ينزح منها ثلث دلاء وامر الفارة عجيب لانها قد يشترك في الحكم مع الوزغة كما في هذه الرواية و قد يشترك مع الكلب والخنزير كافى رواية عمار الساباطى ادقال وسئل عن بئر يقع فيها كلب اوفارة او خنزير قال ينزف كلها.

ثم انك عرفت فيما سلف انه ينزح لانصباب الخمر وموت البعير والنور جميع ماء البئر وليس الابار با جمعها مما يمكن ان ينزح بل بعضها في الوسعة بمثابة لا يمكن ان ينزح جميع مائها.

(فح) يتراوح اربعة رجل في نزح الماء من اول النهار الى آخره فيقوم التراوح مقام نزح الجميع فينزح رجلان والاخران في راحة فبعد عى النازحين يقوم الذان في الراحة مقامهما الى اخر اليوم وحيث ان المقصود من التراوح هو نزح الماء ولا خصوصية المرجال تقوم النساء مقام الرجال.

وقد خص أكثر الاصحاب الرجال بهذالعمل لقول مولانا الصادق (ع) فان غلب عليه الماء فليزف يوماً الى الليل ثم يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين فينز فون يوما الى الليل والقوم يطلق على الرجال دون النساء.

قال عز من قائل لا يسخر قوم من قوم ولا نساء من نساء ولما روى عن مولانا الرضا (ع) مرسلا قال فإن تغير الماء وجب ان ينزح الماء فان كان كثيراً و صعب نزحه فالواجب عليه ان يكترى اربعة رجال يستسقون منها على التراوح من الغدوة الى الليل ولا تدلان على عدم كفاية النساء و الصبيان

ص: 500

والخناثي لان تخصيص الرجال بالذكر لاجل غلبة رجوع امر النزح اليهم وندرة نزح النساء النساء والصبيان وندرة وجود الخناثي فتخصيص الرجال بالذكر لا ينا في الاكتفاء بغير هم اترى وجوب الاكتراء المنزح وعدم كفاية التبرع المنزح لما ورد في المرسلة فالواجب عليه ان يكترى اربعة رجال ما اظنك على هذا الراى لانك تعلم ان المناط فى التطهير هو تحقق النزح لاخصوصية النازح كما ان تطهير ما يجب تطهيره بالماء يتحقق بوصول الماء اليه باى وجه اتفق ولو بايصال الريح الشيء المتنجس الى الماء و الحاصل ان تحقق النزح لا يتوقف على ذكورية النازح ولا على بلوغه.

واما اليوم المذكور فى كلام الامام فالمقصود منه ما هو بين طلوع الشمس الى غروبها لقوله (ع) من الغدوة الى الليل لان الغدوة عبارة عن اول طلوع الشمس لا طلوع الفجر فاليوم يوم الاجير لايوم الصوم و في قوله (ع) یکتری اشعاربان المراد ما بينا بل اليوم ينتزع من كون الشمس فوق الافق كما ان الليل ينتزع من كون الشمس تحت الافق فبين طلوع الفجر الى طلوع الشمس داخل فى الصبح لا فى اليوم و ليس الصبح من اليوم كما ان المساء ليس من الليل لان الصباح عبارة عما بين الفجر و الظهر والمساء عبارة عما بين الظهر الى الفجر فليس اليوم مرادفا للصباح ولا الليل مرادفا للمساء و ما تسمع من كون الصوم عبادة نهارية ناظر الى التغليب لان اكثر زمان الصوم هو النهار ولا محذور من جمل بعض اجزاء الليل و تمام النهار مدة للصوم و اطلاق نصف النهار على منتصف ما بين طلوع الشمس وغروبها من الشواهد على ما اخترنا من كون مبدء اليوم هو طلوع الشمس وحيث ان ظرف التراوح هو اليوم فلا فرق بين الايام فلا اثر لاختلاف الايام في الطول والقصر فيهذا الحكم لاطلاق اليوم على كليهما والاختلاف في مقدار المياه المنزوحة قلة وكثرة بالنسبة الى الايام بحسب الطول و القصر لا یوجب الاختلاف في الحكم لان الموضوع هو اليوم فلو عطل في اطول ايام السنة ساعة من ذلك اليوم لم يمتثل مع ان المياه المنزوحة فيه اكثر مما نزح في اقصر ايام السنة المنقص الواقع في اليوم.

واما الدم الكثير فالمشهور عند الاصحاب وفي الغنية الاجماع فينزح لانصبابة

ص: 501

في البئر خمسون دلواً .

لكن الكثرة امر نسبى غير معلوم المقدار لان كل دم كثير بالنسبة الى ما دونه قليل بالنسبة الى ما فوقه وتقدير الكثير بدم شاة كما عن ابن ادريس مما لا شاهد له كما ان تقدير نوح دم الشاة بخمسين دلواً مما لا دليل عليه وفي صحيحة على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السلام في رجل ذبح شاة فوقعت في بئر او داجها تشخب دما قال ينزح منها ما بين ثلثين الى اربعين والمنقول عن الصدوق رحمه الله انه ينزح في دم ذبيح الشاة من ثلثين الى اربعين و عن الذكرى استحسانه و عن كشف اللثام انه اقرب وعن المعتبر والمنتهى والمختلف اختياره ايضا فكانهم قدس اسرارهم عاملون بالصحيحة .

و عن علم الهدى رضوان الله عليه ان للدم ما بين دلو الى عشرين .

و في رواية زرارة قال قلت لابي عبدالله عليه السلام بئر قطر منها قطرة دم او خمر قال الدم والخمر والميتة ولحم الخنزير سواء فى ذلك ينزح منه عشرون دلوا .

فالدم الكثير مجهول مقداره وحكمه فلا يعلم حد الكثرة ولا دليل على نزح خمسين دلوا و يمكن التمسك برواية زرارة لعشرين دلواً اذا تقاطر فيها قطرة من الدم .

وبصحيحة على بن جعفر لما بين ثلثين او اربعين بوقوع الشاة المذبوحة كون او داجها تشخب دما ولا منافاة بين الصحيحة و الرواية لامكان كون قطرة من الدم موضوعا مخالفا لما يزيد عنها ودم الشاة المذبوحة موضوعا لما بين ثلثين الى اربعين و الفتوى بغيرها اشتمل عليه الصحيحة و الرواية فنوى بلا دليل بل يشبه الرجم بالغيب ويمكن ان يكون التميز بين القليل والكثير بالقطرة وما فوقها لاختلاف حكمها مع دم الشاة لكن لا شاهد له فيبقى في بقعة الامكان و يمكن ايضا تفسير قليل الدم بما عفى عنه و الكثير بما لم يكن فيه عفو و لكن

ص: 502

عدم الشاهد على الوقوع كاف لعدم الذهاب كما ان القول بوجوب نزح عشرة دلاء القليل الدم لا شاهد له ولا تعيين للقليل كما لا تعيين في الكثير والحوالة الى العرف لا يسمن ولا يفنى من شيء وينا فى هذا القول رواية زرارة حيث سئل عن الامام (ع) عن قطرة دم قطر فيها او خمر واجاب بانه ينزح منه عشرون دلواً وسوى بين الدم والخمر والميتة دم الخنزير.

والقول بان الرواية ضعيف غير منجبر لا يعتنى به لانها لا تكشف عن شيء لا يمكن العمل به ولا مخالفة فيها لرواية صحيحة يوجب طرحها لضعف سندها لعدم استحالة كون مقدر تقاطر القطرة عشرين دلواً ورواية ابن بزيع في البئر تقطر فيها قطرات من بول او دم فقال ينزح منها دلاء وان كانت من الروايات الصحيحة الا انها لا تدفع رواية زرارة لامكان كون الدلاء عشرين دلواً.

ورواية على بن جعفر ايضاً كذلك والسئوال عن الحمامة والدجاجة تقعان في البئر والجواب بنزح دلاء يسيره غير مناف لرواية زرارة لما بينا من عدم تعيين المقليل والكثير فالعشرون يسير بالنسبة الى خمسين كثير بالنسبة الى العشرة مع انه لا تصريح فيهذه الرواية بوقوع الحمامة والدجاجة مع الدم فيجوزان يقعا بعدان يغسلا وكذا رواية عمار الساباطي حيث قال سئل ابو عبدالله عن رجل ذبح طيراً فوقع بدنه في البئر فقال ينزح دلاء.

فح يكون نزح الدلاء التنظيف يقينا بل لا يخفى على البصير ان هذه الاختلافات كاشفة عن عدم كون النزح المتطهير لان البئر لا تنجس بملاقات النجاسة ما لم تنغير

وينزح المعذرة اليابسة عشر دلاء والمراد من اليابس غير الذائب لرواية ابي بصیر سئلت ابا عبد الله (ع) عن المذرة تقع في البئر قال ينزح منها عشر دلاء فان ذابت فاربعون او خمسون فظهر من الرواية ان المناط في القلة والكثرة الذوب والتعبير باليابسة فى بعض العبارات لقلة ذوبها والتخير بين الأربعين والخمسين قد عرفت السر فيه.

ص: 503

واما الطير الشامل للحمامة و الدجاجة والنعامة فيظهر من رواية يعقوب بن عثيم انه ينزح لها سبع دلاء القول مولانا الصادق الله في رواية اذا وقع في البئر الطير والدجاجة والفارة فانزح منها سبع دلاء وفي مضمرة سماعة سئلته عن الفارة تقع فى البئر والطير قال ان ادركته قبل ان ينتن نزح منها سبع دلاء و في رواية سئلته علی بن ابی حمزه عن الطير و الدجاجة تقع في البئر قال سبع دلاء و عن كشف اللثام عن الرضا صلوات اله عليه اذا سقط في البئر فارة او طائر او سنور او ما اشبه ذلك فمات فيها فلم يتفسخ نزح دلاء و قد يقيد الطير بكونه سبع غير العصفور لما مر ان لموته فى البئر ينزح دلو من الماء ولكن بحسب كبر الجنة ليس فيه استثناء حتى النعامة والنسر لشمول الطير عليهما فترى ان الروايات تجمع المختلف وتفرق بين المتفق وقد سمعت في رواية عمار وما سوى ذلك مما يقع في بئر الماء فيموت فاكثره الانسان ينزح منها سبعون دلواً واقله العصفورينزح منها دلو واحد وما سوى ذلك فيما بين هذين ومقتضى هذه المقالة الفرق بين النعامة والحمامة فى مقدار النزح مع ان الروايات شاملة للصغير والكبير من دون فرق

بينهما.

وبعد التامل فى الروايات والاختلافات ان ورودها ليس لتطهير البئر عن النجاسة بل للتنظيف والتنزيه .

و (ح) فلا تعارض بينهما ولا باس بالتخير بين القليل والكثير .

فما ينبغى ان يحرر المقام ان يقال ان البئر لاميزلها بل حكمها حكم مياه غير البئر فان كان كثيراً لا ينجس الا بالتغير الا ان الاشتمال على المادة موجب لكثرته المعبر عنها بالوسمة واما النزح لتطهير ماء البئر اذا تغير وتنجس لانه اسهل للتطهير فينزح حتى يرتفع التغير فهو في حكم الماء الكثير اذا تغير بعضه وتنجس وغير المتغير الذي لم تنجس ازيد من الكر فبعد ارتفاع التغير وزواله يطهر بسبب اتصاله المكر واما المصنع فاذا نقص مائه عن الكر فلاقي نجاسة تنجس وتطهيره يكون بالقاء الكر عليه واذا تغير فلابد من زواله قبل ملاقات الكر او معها بحيث

ص: 504

يبقى بعدها متغيراً فلو لم يزل قبلها او معها وبقى بعد الملاقات متغيرا ولو قليلا لم يطهر بزواله بعد الملاقات بل يجب القاء كر آخر لان زوال التغير ليس من المطهرات كما ان اتمام الكر بالمائين القليلين بالاتصال لا يطهر اذا كان احدهما نجساً او كلاهما نجسين لان الكر يطهر اذا كان طاهراً وقوله (ع) الماء اذا بلغ قدر كر لم ينجسه شيء ظاهر فى منع الكر حدوث النجاسة لارفع ما كان نجسا بنجاسته كما لا يخفى على الخبير بالمحاورات فلو كان المراد اعم من الحدوث والبقاء فقد عبر بغير هذه العبارة لعدم دلالتها على الاعم فالكر دافع لتنجس نفسه رافع لتنجس غيرها ذالم يمنعه التغير واما رفع التنجس عن نفسه فلا يستفاد من الاخبار .

و اما الدلو فلا تعين في الاخبار مقداره فيكتفى بالدلو المعتادة لتلك البئر ولو تعدد فالاكبر افضل ولا صغر فيها الاجزاء لانها دلو لتلك البئر و لو لم تكن لها دلو معتادة او غير معتادة ينزح بالدلو الأخرى من غير تلك البئر و الاكبر افضل والامر على المختار اعتى الطهارة سهل وكذا اذا تغير فتنجس لما بينا فيما استفلناه ان تطهير الماء المتغير يحصل بنزح ما يوجب ذهاب التغير فقد قرئنا عليك رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع قال كتبت الى رجل اسئله ان يسئل ابا الحسن الرضا (ع) فقال ماء البئر واسع لا يفسده شيء الا ان يتغير ريحه او طعمه فينزح منه حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لان له مادة.

وسمعت رواية سماعة عن أبي عبد الله (ع) عن الغارة تقع في البئر والطير قال ان ادركته قبل ان ينتن نزحت منها سبع دلاء وان كانت سنوراً او اكبر منه نزحت منها ثلثين دلواً او اربعين دلواً و ان انتن حتى يوجد ريح النتن في الماء نزحت البئر حتى يذهب النتن من الماء وكذلك صحيحة ابي اسامة عن ابي عبدالله (ع) حيث قال وان تغير الماء فخذ منه حتى يذهب الريح فبعد ما كان المناط في تطهير النجس المتغير زوال التغير لا يفرق بين الدلو الكبيرا و الصغير و لو لم يذهب التغير حتى ينزح الجميع فلابد ان ينزح وان انجرالي التراوح يطهر به و اما على القول بالنجاسة فيستشكل الأمر في النجس بلا تغير فان المناط (ح) هو

ص: 505

اعداد الدلو و مع فقد الدلو المبشر فقد قيل باجزاء اول ما يعتاده الانسان لذلك حكى عن شرح الارشاد وذكر في المسالك بانه اذا لم يكن لتلك البئر دلو معتادة رجع الى المعتادة في بلده ومع التعدد فكما مر ولو لم يكن في بلده داو اعتبرا قرب البلدان اليه فالاقرب ومع ذلك كله فالمحكى عن المدارك انه ينبغى ان يكون المرجع فى الدلو الى العرف العام فانه الحكم فيما لم يثبت فيه وضع من الشارع ولا عبرة بما جرت العادة باستعماله فى ذلك البئر اذا كان مخالفا له

وليس فيهذه الاقوال ما يوجب الاطمينان لان العرف مختلف غاية الاختلاف وكذا لبلاد والدلو المعتادة مما يتبادر عند الاطلاق وعند فقدها يكون المسئلة من المشكلات لعدم تعيين للدلو (ح).

وما قيل ان المراد بالدلو الهجرية التى وزنها ثلثون رطلا او اربعون لا دليل عليه والمستصحب في المقام هو النجاسة فلا بد من القطع بالتطهير ولا يحصل الا بالقاء الكر عليه او نزح الجميع او نزح المقدر باكبرها يتصور من الدلاء بحيث يطمئن النفس بكفايتها للتطهير وينقطع بها الاصل ويستفاد من هذه الاختلافات من مجهولية مقدار الدلو واختلافه باختلاف الازمنه والا مكنة بل النازح قوة وضعفاً ان الحق مع القائلين بالطهارة .

ولو تغير ماء البئر بما له مقدر فمقتضى تحديد التطهير بنزح ما يزيل التغير طهارته بنزح ما يذهب به التغير وان كان اقل من المقدر ولو نزح المقدر وبقى التغیریجب النزح الى ان يزول لان التغير مانع كما عرفت سابقا فما دام باقيا التغير يجب يبقى المنع هذا على ما اخترناه من عدم تنجس البئر واما على الانفعال وكون المقدر مطهراً لها فيجب الجمع بين ازالة التغير ونزح المقدر فيجب نزح تمام المقدر بعد زوال التغير كما يجب الازالة بعد نزح المقدر واما مالانص فيه فحيث نزح الجميع لكن هذا بناء على غير الواقع لانه مستلزم بصيرورة الروايات الامرة بالنزح حتى يذهب التغير لغوا بلا مورد سوى مورد واحد فبعد ما بينا على تنجس البئر فلا يخلوا من احد الامرين اما ان ان يكون له مقدر مخصوص منصوص واما ان يكون

ص: 506

مما لانص فيه فعلى كل حال لا اثر له الا في مورد بقى التغير بعد نزح المقدر

وذهب بعض الاعلام كالمفيد والشهيد فى البيان و ابي الصلاح والعلامة في المنتهى الى الاكتفاء بنزح ما يزيل التغير خاصة سواء كانت النجاسة منصوصة وسواء كان نصها نزح الجميع اولا وسواءهى ما زال به الغير المقدر اوزاد او نقص على المحكى عنهم رضوان الله عليهم واستدلوا على ذلك بوجوه (الاول) الاخبار الكثيرة الدالة على حصول تطهير التغير بنزحه المزيل لتغيره مع عدم تفصيلها بين الامور المذكورة .

واجيب هذا الاستدلال ان اخبار التقدير تعارضها بالعموم والخصوص من وجه ولا بد من اعمال المرجحات فلا ترجيح لتقديم ما ذكر من الاخبار عليها مع ما يقال من ان الترجيح فيما ذكرنا من اخبار التقدير باعتبار تضمن بعضها على ما اعرض عنه القائلون بالنجاسة من عدم التنجس بغير التغير وهو من اسباب الترجيح مضافا الى مخالفتها للاحتياط في بعض الصور وانه مناف لمقتضى الجمع بين الادلة لكونه في الحقيقه تخصيصاً لما دل على نزح المقدرات فالاولى الاشكال على التقريب المذكور في العمل المزبور .

وفيه ان اعراض القائلين بالنجاسة ليس من المرجحات والمخالفة للاحتياط مشترك الورود و الاخبار دالة على طهارة الماء بزوال التغير اقوى في الدلالة و اصرح في بيان المراد بخلاف ما يدل على التقدير والقوة والصراحة في الدلالة اولى المترجيح من اعراض البعض بل مقتضى التحقيق عدم التعارض بين الروايات لان ازالة التغير لاوجه لها سوى التطهير لعلمية التغير للمتنجس ونزح المقدر يمكن ان يكون شيء آخر كما للتنظيف و التصفية ولذا لم تشك احدفى تنجس الماء بعد التغير وشك في تنجس الماء بصرف الملاقات فما جعله منافيا لمقتضى عين مرام الخصم لانه لا يرى فى الاخبار معارضة تتوقف على الجمع

الثانى ان العلة هی التغير بالنص والدوران فى الطريقة على مذهبنا فقد زال فيزول الحكم النابع

ص: 507

وهذ الاستدلال يناسب القول بعدم النجاسة بصرف الملاقات للنجس فمعنى علية التغير عدم المعلول قبل وجود العملة والمفروض تنجسه بصرف الملاقات لكن الفرض على خلاف الواقع والحق ما بينا من عدم التنجس واما علية التغير فمعناه رفع منصب العصمة عن الكر حيث ان نفس التغير ليس علة للتنجس ضرورة ان النجس هو المقتضى للتنجس والملاقات شرط لتاثير النجس اثره والكرعاصم عن التنجس فهو مانع عن تأثير المقتضى والتغير رافع لهذا المانع فاطلاق العلمية عليه من باب التسامح حيث ان التاثير بحسب الحقيقة للنجس وقديجاب بان كون العلة هو التغير ممنوع بل لعله واسطة فى العروض واذا امكن ان يقال بان استصحاب النجاسة محكم في المقام وان كان منشائها التغير.

وفيه ان علية التغير لا ينافي كون المتغير واسطة في العروض بل يستلزمه الا ان عليته فى حيز المنع والاستصحاب بعد دلالة الدليل لا معنى له فقد عرفت صراحة الاخبار فى ان النزح حتى يذهب التغير يطهر.

الثالث انه قبل وقوع المغير طاهر فكذا بعده مع زوال التغير و الجامع المصلحة الناشئة من الطهارة في الحالتين.

وفيه ان قبل وقوع المغير طهارته لاصالة الطهارة في الاشياء و بعد تنجسه لا بد من مطهر يطهره وصرف ذهاب التغير لا يطهره اجماعا فالمستند هو الاخبار الدالة على كون النزح المزيل للتغير مطهراً .

على ان ذالك قياس لا يقول الامامية به.

الرابع ان نزح الجميع حرج وعسر وهو منفى فى الشريعة السهلة السمحة عقلا ونقلا.

وفيه ان بعض مصاديق زوال التغير هو نزح الجميع فقد يبقى المتغير الى ان يزح الجميع و(ح) لا مناص عن نزح الجميع وهو دليل على عدم لزوم المعسر على ان العسر المنفى في الشريعة المطهرة هو ما كان معسراً نوعاً وغالباً لا شخصاً واتفاقاً .

ص: 508

الخامس انه لو لم يكن زوال التغير غاية لزم اما خرق الاجماع او الفرق بین الامور المتساوية بمجرد التحكم او الحاق الامور المختلفة بعضها ببعض لمعنى غير معتبر شرعا والتالى باقسامه باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة انه.

(ح) اما ان لا يطهر بالنزح وهو خرق الاجماع او يطهر فاما بنزح الجميع حالتي الضرورة والاختيار وهو خرق الاجماع ايضاً واما بنزح الجميع حالة الاختيار و بالزوال حالة الضرورة والعجز وهو الفرق بين الامور المتساوية ضرورة تساوى الحالتين في التنجيس او بالجميع في الاختيار و بالتراوح حالة الضرورة قياساً على الاشياء المعينة لنزح الجميع و هو قياس احد المختلفين على الاخر ضرورة عدم النص الدال على الالحاق او نزح شيء وهو خرق الاجماع ضرورة عدم القائل به من الاصحاب .

وفيه ان نزح الجميع فى الاختيار والتراوح حالة الضرورة ليس للمقياس على الاشياء المعينة لنزح الجميع بل التراوح قام مقام نزح الجميع اذا منع الوسعة عنه فظاهر اخبار التراوح جريانه فى كل ما ينزح له الجميع وقوله اما بنزح الجميع حالة الاختيار و بالزوال حالة الضرورة و العجز وهو الفرق بين الامور المتساوية من العجائب لان الاختيار لا تساوى بينه و بين الضرورة والعجز وقوله ضرورة تساوى الحالتين فى التنجيس اعجب لان تساوى الحالتين في التنجس لا يوثر بعد الضرورة والمجز فى بعض المصاديق والقدرة والاختيار في بعضها بالنسبة الى النزح للتطهير.

فلا فائدة فى هذه التشقيقات لان امر النجاسة وتطهرها راجع الى صاحب الشرع و قد بينا فيما سبق ان البئر لا ينجس لغير التغير وان تظهر ما تنجس بالتغير النزح من البئر الى ان يذهب التغير ودلت الروايات على هذا المعنى.

السادس انه يشبه الجارى بمادته فيشبهه في الحكم وقد نص مولانا الرضا (ع) على هذه العلة ولا شك ان الجارى يطهر بتواتر جريانه حتى يزول التغير وكذا لبئر اذا زال التغير بالنزح يعلم حصول الجريان عن النابع الموجب لزوال التغير.

ص: 509

وهذه المقالة فى غاية المتانة والدقة بل المطلب امتن وادق منها لان البئر لاشتمالها على المادة عين الجارى لان الجاري هو المنشاء والمقتضى للجريان ولو ارتفع المانع لجرى وتحقق فعليه الجريان والبئر كذلك ونتيجة هذالمعنى عدم تنجس البئر بعلاقات النجاسة مالم يتغير وهئولاء الاعلام قائلون بتنجسها وهذه المقالة منهم قدس الله اسرارهم اعتراف بما هو الحق من عدم تنجس البئر ما لم يتغير فالان به حصحص الحق وعلم ان القول بالتنجس بصرف الملاقات انحراف عن الطريق المستقيم وان المقدرات من النزح للتنظيف والتصفيه.

و من الاقوال نزح ما يزيل التغير اولا ثم نزح المقدر تماماً انكانت النجاسة مما لها مقدر والا فالجميع وان تعذر فالتراوح.

وهذا من غرائب الاقوال لان بعد نزح ما يزيل التغير لا يبقى نجاسة يرتفع بالتقدير ونزح الجميع او التراوح مع ان المسئلة هى تنجس الماء بماله مقدر و تغير وليس ماليس له مقدر من صور المسئلة فالقول بنزح الجميع او التراوح خارج المسئلة وخلط عن بين المسئلمتين وقد بينا مراراً ان نزح الجميع في صورة عدم زوال التغير قبل نزح الجميع فبعد الزوال لاموجب يوجب نزح الجميع لتطهر ماء البئر بزوال التغير لان البئر من اقسام الجارى وعدم فعلية الجريان للمانع و النزح يوثر في رفع التغير لانه يؤثر فى نبع الماء وتحدده وهو بمنزلة دفع الجارى والامر بالنزح في صورة التغير لرفع التغير الموجب لتطهير النبع الماء وفي صورة عدم التغير لتنظيفه وتصفيته وليس من اسباب النجاسة حتى قيل بتداخل الاسباب حتى يجاب بان الانصاف فهم التداخل في المقام كما صرح به الاصحاب .

ومنها الاكتفاء باكثر الامرين فيما له مقدر وفى غير المنصوص يرجع الى زوال التغير قال بعض الافاضل بعد نقل هذا القول ولعل مستند الاول هو ما مر من التقريب فى القول الأول ومستند الثانى اخبار التغير من غير معارض اذا لمفروض عدم ورود نص على تقدير شيء فيكون المدار هو زوال التغير و لكن قد عرفت سابقاً ان له مقدر قطعاً قبل حصول التغير فلما لم يكن القدر معلوماً وجب نزح

ص: 510

الجميع من باب المقدمة وفى كل من استدلال والجواب نظر اما الاول فلان زوال التغير كاف كما بينا سابقا ولا حاجة الى المقدر فى صورة زوال التغير قبل نزح المقدر.

و اما الثانى فلان حصول التغير موجب لرفعه و بعد رفعه يتطهر فلا وجه للمنزح سواء كان المقدر معلوما ام لا.

ومنها وجوب نزح الجميع وادعى انه المشهور بين القائلين بالتنجس ومستنده صحيحة معاوية بن عمار قال سمعت يقول لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلوة مما وقع في البئر الا ان ينتن فان انتن غسل الثوب واعاد الصلوة ونزحت البئر ورواية ابي خديجه عن أبي عبد الله (ع) قال سئل عن الفارة تقع فى البئر قال اذا ماتت و لم نتن فاربعين دلوا فاذا انتفحت فيه ونتنت نزح الماء كله و خبر منهال قال قلت لابي عبد الله (ع) عن العقرب يخرج من البئر مينة قال استسق منه عشرة دلاء قلت فغيرها من الجيف قال الجيف كلها سواء الاجيفة قد جفت بان كانت جيفة قدا جفت فاستسق منها مائة دلوفان غلبها الريح بعد مائة دلوفا نزحها كلها ولو فرضنا التعارض بين الروايات وقلنا بتساقطهما يبقى الاستصحاب ونحوه سليما عن المعارض مقتضيا لنزح الجميع وروايات التقدير لا تشمل التغير والا لاكتفى بها و ان لم يزل و هو باطل بالاجماع بل قد يقال النجاسة المغيرة لها مقدر فى الشرع لا نعرفه فبعد تعارض تلك الروايات وتساقطهما وجب نزح الجميع للمقدمة و اذا ثبت ذالك فيما له مقدر ثبت فيما ليس له مقدر بطریق اولی انتهى.

اما الصحيحة فتدل على عدم تنجس البئر من دون تغير كما هو مقتضى قوله (ع) لا يغسل الثوب و لا يعاد الصلوة وقوله (ع) نزحت البئر ليس صريحاً ف_ى نزح الجميع بل مجمل يبينه الروايات الدالة على طهارة البئر نزح ما يزيل التغير

وأما رواية ابي خديجه فتحملها على ما بقى النتن الى نزح الجميع مع انها ضعيفة واما رواية منهال فلا تخلو من ظهور بقاء الفتن الى نزح الجميع فبقاء الريح بعد مائة دلو وغلبتها يشعر لعدم زوال التغير بغير نزح الجميع وليس في الروايات

ص: 511

تعارض يوجب تساقطهما كي يتمسك بالاستصحاب لان تلك الروايات اقوى دلالة و سندا واكثر عددا فلا يعارضها هذه الروايات فتلك الروايات قاطعة للاصل ولا يبقى مورد للاستصحاب .

وهذه الاقوال والاختلافات انما هي على القول بالنجاسة و قد عرفت ان الحق على خلاف هذا القول وان البئر لا ينجس بملاقات النجاسة ما لم يتغير ودلت الروايات على طهارتها بعد زوال التغير المانع لما صحيته وعرفت ايضاً مقتضى لزوم زوال التغير للطهارة انها لو لم يزل تغيرها بغير نزح الجميع يجب لازالة التغير فتذكر صحيحة ابن بزيع عن مولانا الصادق (ع) قال ماء البئر واسع لا يفسده شيء الا ان يتغير ريحه او طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب الطعم لان له مادة وموثقة سماعة قال سئلت ابا عبدالله (ع) عن الفارة تقع في البئر او الطير قال ان ادرك قبل ان ينتن نزح منها سبع دلاء وان كان سنوراً او اكبر منها نزحت منها ثلثين او اربعين و ان انتن حتى يوجد النتن فى الماء نزحت البئر حتى يذهب النتن من الماء.

وصحيحة ابي اسامة عن أبي عبد الله (ع) حيث قال و ان تغير الماء فخذمنه حتى يذهب الريح فحيث ثبت عدم تنجس البئر مع الاشتمال على المادة وعدم ميز البئر عن ساير المياه فتطويل المبحث تطويل لا طائل تحته .

فتحصل من طول البحث ان الماء ينقسم على قسمين قليل و كثير و البئر المشتملة على المادة من قسم الثانى وتنجسه يتوقف على التغير كما ان تطهيره بذهاب التغير لان المادة المعبر عنها بالوسعة بمنزلة الكثرة والقليل يطهر بملاقات الكثير اعنى الكر.

واما تطهير البول فيكون بذهابه بالماء فان كان الماء كثيرا فيطهر ما تنجس بالبول بصرف الملاقات و ذهاب البول عنه و ان كان قليلا فلابد من وروده على النجس و اذهابه عن المحل لغليته عليه سواء كان على راس الحشفة اولوضع آخر من البدن وحيث ان البول كالماء بحسب اللون يعتبر

ص: 512

التعدد في صب الماء على المحل تحصيلا لليقين بذها به وهذه الاعتبار معلول من غلبة بقاء الشبهة بالصب مرة واحده وحصول اليقين بالتعدد و ان كان النجس مما يقبل العصر فلا بد من تطهيره بالعصر تحصيلا لليقين بذهاب العين ولوغسل بالكثير يظهر بصرف الملاقات و ذهاب العين اذا نفذ الماء في جميع اجزاء المتنجس فبعد زوال العين يقيناً يطهر لوصول الكثير بجميع اجزاء المتنجس ولو بغير العصر ضرورة كون ملاقات المتنجس أذا لم يكن عين النجاسة باقية مع الكثير موجباً لوحدة حكم الملاقي مع الملاقي فحيث ان الكثير لا يتنجس بالملاقات يطهر المتنجس لوحدة الحكم .

واما القليل فلابد ان ينفصل بالعصر عن المتنجس ولا يكفى صرف الورود عليه و لوزال العين وكانت النجاسة حكميه فان الاصل فى القليل هو التنجس بملاقات النجس وانما حكم في الشرع على خلاف الاصل تسهيلا لامر التطهير فلا بد في القليل من الورود بالصب على المتنجس وانفصاله من المحل والانفصال من الثوب يتحقق بالعصر.

ويدل على ما بينا من الفرق بين الكثير والقليل فى التطهير والاكتفاء بالمرة في الاول ولزوم التعدد فى الثانى الاخبار الواردة لبيان تطهير المتنجس من البول.

فانظر الى صحيحة محمد بن مسلم عن ابی عبد الله (ع) قال سئلته عن الثوب يصيبه البول قال اغسله في المركن مرتين وان غسلته في ماء جار فمرة واحد وصحيحته الأخرى عن الثوب يصيبه البول قال اغسله مرتين.

وصحيحة ابن ابي يعفور قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن البول يصيب الثوب قال اغسله مرتين ومصححة الحسين بن ابی العلا سئلت ابا عبد الله (ع) عن البول يصيب الجسد قال عليه الماء مرتين فانما ماء وسئلته عن الثوب يصيبه البول قال اغسله مرتين ومصححة ابي اسحق النحوى عن مولانا الصادق (ع) سئلته عن البول يصيب الجسد قال صب عليه الماء مرتين.

والرضوى ان اصاب بول ثوبك فاغسله من ماء جار مرة ومن ماء راكد مرتين ثم

ص: 513

اعصره و ان لم يكن حجيته ثابته الا انه مؤيد لما سبق ولا يخفى على احد ان الحكم المذكور في الثوب والجسد انما هو من باب المثال والمقصود من الثوب ما يرسب فيه الماء وفي الجسد مالايرسب ولا اختصاص لهما في الحكم والتخصيص بالذكر لكثرة الابتلاء بهما والتعليل يكون البول ماء فى المصححة للمتعدد لتحصيل العلم بزوال العين حيث ان لون الماء متحد مع لون البول والمناقشة في دلالة الرواية على تعدد الصب باحتمال ارادة القول بالمرتين لا الصب فى غاية الضعف والسقوط لخروج هذه الارادة عن موازين المحاورات فقوله (ع) فانما هو ماء بعد القول بصب الماء عليه مرتين من اقوى الشواهد على ان مرتين مفعول مطلق المصب ومن كلام الامام (ع) فلا يمكن ارادة القول بالمرتين لان مع هذا الاحتمال لابد ان يكون لفظ المرتين من كلام الراوى مع ان التعليل بعد القول بالمرتين وقول الامام في صحيحة محمد بن مسلم اغسله في المركن مرتين وان غسلته فى ماء جار فمرة واحدة شاهد آخر لكون المرتين مفعولا مطلقا المصب لان الفرق بين الصب والغسل لاجل الفرق بين المغسولين والا فالصب هو غسل المجسد وحيث ان الغسل في المركن يكون مع الماء القليل حكم بالمرتين واما مع الماء الجارى فلا يحتاج الى التمدد كما عرفت .

ويظهر ما ذكر ان الاكتفاء بالمرة وعدم لزوم التعدد في البول بعيد عن الصواب فذهاب بعض الفحول الى كفاية المرة تمسكاً بالاصل وحصول الغرض اعنى الازالة وضعف مادل على التعدد سيما فى البدن واطلاقات الغسل من النجاسات او البول مطلقا او من احدهما المتناول للمرة.

اما الاصل فمنقطع بالادلة الدالة على التعدد.

وحصول الغرض بالازالة ممنوع لان الغرض هو حصول الطهارة ودل الدليل على توقف حصول الطهارة على التعدد مع قلة الماء.

واما ضعف مادل على التعدد فممنوع لانجباره لو كان بعمل اكثر الاصحاب و اما الاطلاقات فمقيدة بالتقييدات و حمل المطلق على المقيد مما قرر في الاصول فلا غبار على ماذكر .

ص: 514

ولافرق بين بول الانسان وابوال مالا يؤكل لحمه من الحيوانات في هذا الحكم فاطلاق قوله (ع) اغسل ثوبك من ابوال مالا يؤكل لحمه يقيد بمادل على التعدد فدعوى بعضهم عدم ظهور تناول اطلاق البول لها او ظهور عدم التناول لها لا يعتنى بها ولا يلتفت اليها.

وليس ما يدعى من عدم ظهور تناول الاطلاق او ظهور عدم تناول الاطلاق لبول الصبي كدعوى السابق و لذا اكتفوا فى بول الصبى غير المتغذى بالطعام بالصب فلا يعتبر التعدد وافرد واحكم بول الصبى وقال فى الجواهر ان هذا لعل ظاهر جميع الاصحاب حيث افرد واحكمه بالاكتفاء فيه بالصب دون غيره ثم اعتبر والتعدد في الغسل مع معروفية عدم التعبير عنه بذلك في لسانهم بل يذكرون حكم الصبي مقابل الغسل (انتهى).

و يدل على الفرق بين بول الصبى و بين غيره صحيحة الحلبي قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن بول الصبى قال تصب عليه الماء فان اكل فاغسله بالماء غسلافتری صراحة الصحيحة على الفرق بين بول الرضيع و غيره بل تدل عليه رواية ابى العلا حيث قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن البول يصيب الجسد قال صب عليه الماء مرتين فانما هو ماء وسئلته عن الثوب يصيبه البول قال اغسله مرتين وسئلته عن الصبى تبول على الثوب قال يصب عليه الماء قليلا ثم يعصره .

فدعوى ظهور الادلة فى اختصاص امتيازه عن بول غيره بالصب خاصة دون مرتين ومرة دعوى بلادليل حقيق بعدم الاعتناء .

ثم ان اعتبار التعدد في التطهير عن البول يمكن ان يكون مختصاً بالبول الذى يصيب من الخارج عن الجسد لا الاعم منه ومن محل الاستنجا التفاتاً الى ظهور اخبار التعدد في الاصابة من الخارج وظهور بعض المعبرة فى نفى التعدد بالنسبة الى الاستنجاء ويمكن ان يكون في الاعم نظراً الى كون التعليل بان البول ماء لتحصيل اليقين بزوال العين لكن الاختصاص اظهر لاختصاص كل منهما بدليل خاص لا يتجاوز الى الآخر ثم ان المرتين يتحقق بتحقق الفصل بين الغسلتين ضرورة ان التعدد لا يمكن

ص: 515

الا بالفصل فلوامتد الصب مثلا بمقدار الأول والثانى والفرجة بينهما لا يسمى بالمتعدد ولوكان تاثيره اكثر وازيد فحيث ان احكام الدين لا يصاب بالعقول فيجب علينا اتباع مفادات الاخبار وعدم التجاوز عن ظواهرها فيجوز ان يكون المتعدد مصلحة مخفية لنا يكون الامر به لحصول تلك المصلحة والامتداد لا يحصل تلك المصلحة فالعبد في وثاق أوامر المولى ونواهيه والامتثال لا يتحقق بغير التعدد.

ولا يعتنى بما قيل من ان المناط هو زوال النجاسة وهو يحصل بكل من الامتداد والتعدد لجواز ان يكون للمشارع نظراً خاص في كيفية الازالة فحينئذ لا يحصل الامتثال بالازالة بالامتداد ان قلت القول بالتعدد راجع الى ان كثرة الغسل مانع عن التطهير لان في الفصل تقليلا للغسل فهو منكر عند المقول قلت عدم الاعتداد بالامتداد ليس لاجل كون الكثرة مانعة المتطهر بل لانه مانع من تحقق التعدد المأمور به مفوت للامتثال الذى يتحقق بالتعدد المتوقف على الفصل.

والمربيه للمولد تغسل ثوبها الذى يبول الولد عليه في كل يوم مرة واحدة اذا لم يكن لها ثوب غيره ويغتفر الزائد عن المرة وينبغى لها ان تصلى الظهرين في آخر الوقت والعشائين فى اوله وغسل الثوب قبل الظهر لفعل الصلوة في الثوب الطاهر او قليل النجاسة لرواية أبي حفص عن ابی عبدالله (ع) قال سئل عن امرئة ليس لها الا قميص واحد ولها مولود فيبول عليها كيف تصنع قال تغسل القميص في اليوم مرة.

ولو كان المتنجس ثخيناً كثير الحشو كا الطنفة والفراش يغسل الظاهر منه ويبقى باطنه بحال النجاسة لعدم خروج اجزاء النجس النافذة في الحشو فلا يطهر الباطن الا باخراج اجزاء النجاسة منه فلوا بقى المتنجس في الجارى او الكثير ووصل الماء الى جميع اجزائه وايقن خروج اجزاء النجاسة عنه لطهر ولوشك في خروج اجزاء النجاسة فيستصحب النجاسة حتى ايقن بخروجها .

ويدل على لزوم غسل الظاهر موثقة ابراهيم بن ابی محمود قال قلت المرضا الطنفة والفراش يصيبها البول كيف يصنع به وهو ثخين كثير الحشو قال يغسل ماظهر منه في وجهه.

ص: 516

فالمعتبر في التطهير زوال عين النجاسة عن المحل بالماء واما العصر فاعتباره لتحصيل زوال العين فلو امكن الزوال بغير عصر لما احتاج اليه لعدم كونه ماخوذاً في مفهوم الغسل من غير فرق بين حصول الزوال فى الغسلة الاولى او الثانيه فلواطمئن الغاسل بزواله فى الغسلة الأولى فتجب الثانية لتحصيل التعدد المامور به فان التعدد حينئذ واجب للامر وكونه لليقين بالزوال لا ينافي وجوبه بعده لان اليقين بالزوال علة لجعل هذا الحكم المعبر عنها بالحكمة والفرق بين العلة والحكمة ان الاولى علة لنفس الحكم فبعد تحققه لا يجب والثانية علة بجعل الحكم فيجب بعد تحققه ففى المقام كون البول ما أ علة لجعل التعدد فيجب بعد العلم بالزوال في بعض الاحيان لا لنفس التعدد حتى يقال ان بعد زوال العين لاحاجة الى التعدد لحصول اليقين بالزوال ولولم يزل بالغسلة الاولى واحتاج الى الثانية فلا اشكال في وجوبها فلو فرض عدم الزوال بالثانية يجب الثالثة الى ان يزول العين فالعصر لتحصيل العلم بالزوال فلوازال العين بتكثير ايراد الماء على المتنجس لا يحتاج الى العصر ابداً كما يظهر بالتأمل .

وظهر انه لا فرق بين العصر بعد الغسلتين وبينه بينهما لعدم وجوبه بالاصالة ومن جعل العصر ماخوذاً في حقيقة غسل الثوب فعليه ان يعصر في الأولى والثانية لتحقق الغسل لكنه ليس ماخوذاً فيها كما بينا.

والدلك فى غير الأثواب كالعصر فيها فلا يجب في غير الثوب اذازال العين بدونه فهو ايضا مقدمة لزوال العين ولا يجب بالاصالة كما انه لا يجب التعدد في غير البول الا في الولوغ وفى شرب الخنزير رواية وفى الاستنجاء بالاحجار كلام ومقتضى عدم اعتبار التعدد الاكتفاء بالمرة المزيلة للعين فالمناط هو ازالة العين بالماء من دون اعتبار العدد وفي الاستنجاء يقوم الاحجار والخرق مقام الماء ويكتفى بها اذازالت العين وفي الخمر والجرد رواية بالتعدد.

والاكتفاء بالاحجار والخرق فى الاستنجاء عن الغائط يشترط عدم التجاوز عن موضع النجو ومع التجاوز يحتاج تطهير النجس بالماء كما في ساير البدن واذا كان بالماء

ص: 517

فيكفي فيه ان تنقى بالماء تدل عليه صحيحة عبد الله بن مغيرة عن ابي الحسن الرضا (ع) قال قلت له للاستنجاء حدقال لا حتى ينقى مائمة قلت فانه ينقى مائمة ويبقى الريح

قال الريح لا ينظر .

ويختم بغسل مخرج البول من ذكر الموثقة عمار الساباطی عن ابی عبد الله (ع) قال سئلته عن الرجل اذا اراد ان يستنجى ماء بما يبدء بالمقعده او بالاحليل قال بالمقعده ثم بالاحليل هذه الرواية بظاهرها تدل على تقديم استنجاء المقعده على استنجاء الاحليل وقال بعض الافاضل فى حاشية التهذيب اعلم ان الماتن قدس الله روحه قال و يختم لغسل ذكره لا يخلو عن اشكال لان اسناده واعتماده في هذا الخبر بهذا الحديث لما قاله الراوى عمار الساباطي عن الامام (ع) و قول الامام (ع) بالمقعدة ثم بالاحليل دلالة على الانكار لاعلى الاخبار اى يكون الاستنجاء بالمقعدة ثم بالاحليل فكلام الماتن غير ثابت في هذا الحكم ومع هذا مشقة على الناس وان الله تعالى لا يضيق الدين على الناس فتدبر وعلل بعض الاصحاب تقديم المقعدة على الاحليل بافتقار الاستنجاء من البول الى المسح من المقعدة فربما تتعدى الى اليد اواخر استنجاء المقعدة .

ويستحب تقديم الرجل اليسرى عند الدخول فى المخرج وتقديم اليمنى عن الخروج تحصيلا للمفرق بينه وبين المسجد حيث ان الامر فيه على العكس فيقدم اليمنى عند الدخول واليسرى عند الخروح .

والدعاء بالماثور عند دخول المخرج والخروج عنه الصحيحة معوية بن عمار قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول اذا دخلت المخرج فقل بسم اللهم انى اعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم فاذا خرجت فقل بسم الله الحمد لله الذي عافاني من الخبيث المخبث واماط عنى الاذى واذا توضات فقل اشهد ان لا اله الا الله اللهم اجعلنى من التوابين واجعلني من المتطهرين والحمد لله رب العالمين .

ومن آداب الخلوة تغطية الرأس ان كان مكشوفاً صونا من وصول الرائحة الخبيثة الى دماغه ولما ورد من ان ابا عبد الله (ع) كان يعمله اذادخل الكنيف يقنع راسه

ص: 518

ويقول سراً في نفسه بسم الله وبالله (الحديث) .

ويحرم استقبال القبلة واستدبارها فيجلس على استقبال المشرق او المغرب لما ورد عن امير المؤمنين عليه صلوات الله انه قال لى النبي (ص) اذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولكن شرقوا اوغربوا.

ولما قال ابنه الحسن (ع) اذا سئل عن حد الغائط لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولا تستقبل الريح ولا تستديرها.

ولا يدفع هذا الحكم ماروى عن محمد بن اسماعيل انه قال دخلت على ابى الحسن الرضا (ع) وفى منزله كنيف مستقبل القبلة لعدم دلالة كون الكنيف كذلك قعود الامام (ع) كذلك لان الراوى لم يقل بانه رآه جالساً عليه مستقبل القبلة اومستدبرها و ذلك المنزل مجهول من حيث الملكية والاجارة والعارية كما ان بناء الكنيف مجهول من حيث كونه بامر الامام واطلاعه و رضائه (ع) و عدمه فصرف كون الكنيف كذلك في منزل الامام لا يدل على شيء فلا يمكن التعلق بهذه الرواية لنفى الحرمة واثبات الكراهة او الاباحة.

ولا ينبغى التكلم على الغائط من غير ضرورة الا بذكر الله فانه على كل حسن حال روی سلیمان بن خالد عن ابی عبدالله (ع) قال ان موسی علی نبینا و آله و (ع) قال يارب تمرلى حالات استحيى ان اذكرك فيها فقال يا موسى ذكرى على كل حال حسن وتدل على كراهة التكلم ما فقد روى صفوان بن يحيى عن ابي الحسن الرضا (ع) أنه قال نهى رسول الله (ص) ان يجيب الرجل آخر وهو على الغائط او يكلمه حتى يفرغ.

و يجب الانحراف عن المبنى الى القبلة الى الشرق او الغرب احترازاً من الاستقبال والاستدبار المحرمين .

ومن قال بكراهتهما دون الحرمة فعليه ان يقول باستحباب الانحراف ليحترز من الاستقبال والاستدبار وهل يقوم الحجر الواحد ذو الشعبات والجهات الثلث مقام ثلثة احجار مقتضى كون المطلوب اذالة العين و تحققها بالحجر الواحد مع

ص: 519

الجهات الثلث.

نعم لانه يؤثر اثر الاحجار قال العلامة (قده) فى القواعد و يجزى ذو الجهات الثلث والتوزيع على اجزاء المحل وحكى عنه (قده) انه قال اى عاقل يفرق بين المتصلة والمنفصلة ومقتضى ظاهر الروايات الامرة بالاحجار لا التفاتاً الى ان العقل لا يضب له في فهم الاحكام بالاستقلال فلابد له من اتباع ما يرد عليه من الشرع وظاهر الشرع التعدد ولذا قال هو في القواعد ايضاً ولونقى بدونها وجب الاكمال فلوكان صرف الازالة مطلوباً لما يجب الاكمال و قيل في جوابه و ای عاقل يحكم على الحجر الواحدانه ثلثه.

ويمكن الاستدلال بصحيحة عبد الله بن المغيرة على عدم وجوب الزائد بعد النقاء حيث قال الامام (ع) اذا سئل للاستنجاء حد لا حتى ينقى ماثمة وبعد قال الراوي ينقى ماثمة ويبقى الريح قال الريح لا ينظر اليها فهذه الصحيحة صريحة في نفى الحد للاستنجاء وكون المطلوب هو النقاء عن النجو وازالة النجس فاذا صح هذا يمكن القول بعدم الفرق بين تعدد نفس الاحجار و بين تعدد الجهات والشعبات الحصول النقاء المطلوب والى هذا ينظر قول العلامة (قده) اى عاقل يفرق بين المتصلة والمنفصلة و يجاب عن قول المجيب و اى عاقل يحكم على الحجر الواحدانه ثلثة بان الحجر الواحد واحد لا يحكم عاقل بانه ثلثة لكن يظهر من الرواية ان المطلوب الواقعى هو زوال عين النجاسة عن المحل ولا عبرة بعدد ما يحصل به الزوال .

فذكر الثلثة لندرة حصول الزوال باقل منها فكما يجب الزائد عن الثلثة في صورة عدم حصول النقاء بها يكتفى باقل منها فى صورة حصول النقاء به يزد الاشكال على قوله (قده) ولونقى بدونها وجب الاكمال لانه مناف للقول يكون المطلوب صرف حصول النقاء ويستحب الجمع بين الاحجار والماء اذا لم يتجاوز عن المحل كما انه لا يكتفى بغير الماء مع التجاوز فيجب الاستنجاء بالماء ويستحب الجمع بين الماء والاحجار مع تقديمها على الماء ومقتضى حرمة الاستقبال والاستدبار وجوب الانحراف في المبنى عليهما .

ص: 520

والظاهر عدم الفرق بين البنيان والصحارى فى حرمة الاستقبال والاستدبار لاطلاق الروايات ووحدة ما يوجب الحرمة وهو احترام القبلة.

ولا يجزى المستعمل ولا النجس لان النجس لا يطهر ولا ما يزلق عن النجاسة لعدم حصول الطهارة به ويكره الكراهة الشديدة الاستنجاء باليمين المرسلة يونس عن ابی عبدالله (ع) قال نهی رسول الله (ص) ان يستنجى الرجل بيمينه ورواية السكوني عن ابي عبد الله (ع) قال الاستنجاء باليمين من الجفاء ويستحب الدعاء بالماثور بعد الفراغ من الاستنجاء و قد ذكرنا الدعاء بعضها عند الخروج ( واذا خرجت فقل بسم الله الخ) وروى في الموثق عن عبدالله بن الميمون القداح عن ابی عبدالله عن آبائه (ع) عن على صلوات الله عليه انه كان اذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي رزقني لذته وابقى قوته في جسدى واخرج عنى اذاه يالها نعمة ثلثا.

ويستحب اختيار الماء للاستنجاء على الاحجار خصوصاً لمن لان بطنه لصحيحة هشام بن الحكم عن ابي عبد الله (ع) قال قال رسول الله (ص) يا معشر الانصار ان الله قداحسن اليكم الشناء فماذا تصنعون قال نستنجى بالماء وروى ابو بصیر عن ابی عبدالله (ع) قال الاستنجاء بالماء البارد يقطع البواسير وروى ابو جعفر بن بابويه قال كان الناس يستنجون بالاحجار فاكل رجل من الانصار طعاما فلان بطنه فاستنجى بالماء فانزل الله تبارك وتعالى فيه ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين فدعاه رسول الله (ص) فخشي الرجل ان يكون قد نزل فيه امريسوئه فلما دخل قال له رسول الله (ص) هل عملت في يومك هذا شيئاً قال نعم يا رسول الله (ص) اكلت طعاماً فلان بعلني فاستنجيت بالماء فقال له ابشر فإن الله تبارك وتعالى قد انزل فيك ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين فكنت انت اول التوابين واول المتطهرين ويقال ان هذا الرجل كان البراء بن المعرور الانصاري وفي صحيحة جميل بن دراج عن ابی عبد الله (ع) في قول الله عز وجل ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين قال (ع) كان الناس يستنجون بالكرسف والاحجار ثم احدث الوضوء وهو خلق كريم فامر به رسول الله (ص) وصنعه فانزل الله في كتابه ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وروى ابن بابويه في العلل

ص: 521

باسناده عن ابي خديجه عن أبي عبد الله (ع) هل كان الناس يستنجون بثلثة احجار لانهم کا نوايا كلون البسر وكانوا يبعرون بعر أفاكل رجل من الانصار الدبا فلان بطنه فاستنجى بالماء فبعث اليه النبي صلى الله عليه وسلم قال فجاء الرجل وهو خائف يظن ان يكون الليل ال قد نزل فيه شيء يسؤه فى استنجائه بالماء فقال له هل عملت في يومك هذا شيئاً فقال له نعم يارسول اله (ص) انى والله ما حملني على الاستنجاء بالماء الا اني اكلت طعاماً ر الدوسة فلان بطنى فلم تغن عنى الحجارة شيئاً فاستنجيت بالماء فقال له رسول الله (ص)هنالك فان الله عز وجل قدا نزل فيك آية فابشر ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين فكنت انت اول من صنع هذا واول التوابين واول المتطهرين .

وفي الخصال عن الحسين بن مصعب عن ابی عبد الله (ع) قال جرت في البراء بن معرور الانصارى ثلث من السنن اما اولين فان الناس كانوا يستنجون بالاحجار فاكل البراء بن معرور الدبا فلان بطنه فاستنجى بالماء فانزل الله فيه ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين فجرت السنة فى الاستنجاء بالماء فلما حضرته الوفاة غائباً كان عن المدينة فامر ان تحول وجهه الى رسول الله (ص) و اوصى بالثلث من ماله فنزل الكتاب بالقبلة وجرت السنه بالثلث.

ولا يخفى على الناظر في هذه الروايات ان فيها اختلاف بحسب المفاد فان صحيحة جميل تكشف عن تقدم امر الرسول (ص) و صنعه عن نزول الآية وليس فيها اله وستر عن براء بن معرور اسم و في اكثر الروايات ان نزول الآية لعمله و جرت السنة يفعله الا ان المجموع من الروايات مفيدة للاستحباب و لا خلاف بينها في افادة الاستحباب .

ويكره الاستنجاء بالعظم والروث ويجوز بالمدر والخرق والكرسف و كل جسم طاهر مزيل للنجاسة سوى ما منع منه.

ففى رواية ليث المرادي عن ابی عبد الله (ع) قال سئلته عن استنجاء الرجل بالعظم او النقر او العود فقال اما العظم والروث فطعام الجن وذلك مما اشترطوا على رسول الله الله (ص) فقال لا يصلح بشيء من ذلك.

ص: 522

وروى ابوجعفر بن بابويه ان وفد الجان جائوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله متعنا فاعطاهم الروث والعظم فلذلك لا ينبغي ان يستنجى بهما .

ولك ان تقول اذا كان الامر كذلك يجب الحكم بحرمة الاستنجاء بهمالان ما اعطى الرسول (ص) اليهم يكسب احتراما فيحرم تنجيسه وفي حديث المناهي قال ونهى ان يستنجى الرجل بالروت والرمة .

واما جواز الاستنجاء بكل جسم طاهر مزيل سوى مامنع فللاصل و حصول الغرض وعدم ما يدل على المنع و يمكن التمسك بصحيحة عبدالله بن المغيرة على جواز الاستنجاء بكل جسم طاهر لان الامام قال لا حتى ينقى مائمة.

واما العود المذكور في رواية ليث المرادى فالظاهر انه ليس مما منع وانكان مذكوراً فى سئوال الراوى لان الامام سكت عن منعه فقوله (ع) يصلح بشيء من ذلك راجع الى قوله واما العظم والروث وعدم المنع كاف لجوازه .

ويحرم الاستنجاء بذى الحرمة كتربة الحسين (ع) والمطعوم كالخبز لما فيه من الاهانة مالا يخفى ولما فيه من تغير النعمة الموجبة لذهابها روی عمرو بن شمر عن مولانا الصادق (ع) قال سمعت ابا عبد الله (ع) يقول في حديث ان قوماً افرغت عليهم النعمه وهم اهل الشرثار فعمدوا إلى مخ الحنطة فجعلوه خبز أهجا و جعلوا ينجون به صبيانهم حتى اجتمع من ذلك جبل عظيم قال فمراهم رجل صالح على أمرئة وهي تفعل ذلك بصبي لها فقال ويحكم اتقو الله عز وجل لا تغيروا ما بكم من نعمة فقالت كانك تخوفنا بالجوع اما مادام شرثار نا يجرى فانا لا نخاف من الجوع فاسف الله عز وجل واضعف لهم الشرثار و حبس عنهم قطر السماء و نبت الارض قال فاحتاجوا الى ذلك الجبل فانه كان ليقسم بينهم بالميزان والروايات في اكرام الخبز والنهي عن اهانته وفي التربة ووجوب اكرامها كثيره مذكورة في محالها مع ان حرمة اهانتهما من بديهيات دين الاسلام لا يحتاج الى دليل .

ويكره البول في الصلبة لقوة احتمال نضح البول ويستحب ان يكون في موضع فيه تراب كثير حتى يامن عن النضح اوارتياد مكان مرتفع مامون من وصول الترشح

ص: 523

عليه روى السكوني عن ابي عبد الله (ع) قال قال رسول الله (ص) انه من فقه الرجل ان يرتاد موضعاً لبوله.

ويدل على الكراهة ايضاً موثقة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (ع) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اشد الناس توقيا من البول كان اذا اراد البول تعمد الى مكان مرتفع من الارض اوالى مكان من الامكنة يكون فيه التراب الكثير كراهة ان ينضح عليه البول .

وايضاً مقطوعة سليمان الجعفرى قال بت مع الرضا (ع) في سفح جبل فلما كان آخر الليل قام وتنحى، وصار على موضع مرتفع فبال و توضا و قال من فقه الرجل ان يرتاد لموضع بوله وبسط سراويله وقام عليه وصلى صلوة الليل ويكره.

استقبال الريح ببوله لان فيه شبهة انعكاس البول من الريح وتنجيس ثيابه و جسده تقول مولانا المجتبى (ع) اذا سئل ماحد الغائط لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها.

واما الاستقبال ما بالفرج قرصى الشمس والقمر فروى السكوني عن جعفر عن ابيه عن آبائه عليهم السلام قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول و في موثقة عبدالله بن يحيى الكاهلي بل صحيحته عن ابي عبد الله (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لايبولن احدكم و فرجه باد للقمر يستقبل وفى هاتين الروايتين ليس ذكر من الغائط كما ان النهى لا يدل على الحرمة فمن عمم الحكم الى الغائط كانه حكم بالاولوية ومن حكم بالحرمة للمنهى فكانه يرى النهي حقيقة فيها مع انه اعم من التحريم والتنزيه .

ويكره ان يبول الرجل فى الماء الجارى يدل عليها مرسلة حسين بن سعيد عن بعض اصحابه عن مسمع عن ابی عبد الله (ع) قال قال امير المؤمنين (ع) انه نهى ان يبول الرجل فى الماء الجارى الا من ضرورة وقال ان الماء اهلا وانما حمل النهى على الكراهة مع ان استثناء حال الضرورة يؤيد الحرمة لمضمرة سماعة قال

ص: 524

سئلته عن الماء الجارى يبال فيه قال لاباس وتشتد الكراهة بل يحرم البول فى الماء الراكد لشدة الانفعال عن البول وشدة تأثيره فيه .

روى فضيل بن يسار عن ابي عبد الله (ع) قال لاباس بان يبول الرجل في الماء الجارى وكره ان يبول في الماء الراكد فنفى الباس في الماء الجارى مع ثبوت الكراهة واثبات الكرامة في الراكد يدل على شدة الكراهة او الحرمة و من ينفى الحرمة يتمسك بالاستصحاب لان قوله كره ان يبول لا يدل على الحرمة وكون الكراهة في الراكد أكد لا ينافي عدم الحرمة .

ويكره البول في ثقوب الحيوانات لورود بعض الاخبار الناهية ولانه لا يومن خروج حيوان من الثقب ويسعه قال السيد السند فى المدارك بم دقوله لا يؤمن خروج حيوان يسعه.

فقد حكى ان سعد بن عباده بال في حجر بالشام فاستلقى ميتاً فسمعت الجن تنوح عليه بالمدينة وتقول

نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده

ورميناه بسهمين و لم نخط فؤاده

وهذه الحكاية منه قده مع جلالة قدره وعظم منزلته من العجائب قال مولانا البهبهانى فى تعليقاته على المدارك قوله سعد بن عباده الخ هذا من الشارح ده عجيب حيث اعتقد بهذه الحكاية حتى انه ذكرها في المقام ولاشك في كذب الحكاية وانها مجهولة لمن قتل سعداً بتحريك بعض حتى يهدر دمه ولا يتحقق فتنة حتى ابن ابي الحديد ايضاً صرح بان قاتله لم يكن من الجن بل كان من الانس و ان الحكاية لا اصل لها وبالجملة ماذكرناه محقق في موضعه فلاحظ

ويكره الجلوس في الشوارع والمشارع و افنيه الدور وفيء النزال و تحت الاشجار المثمرة لتنفر النفوس واشمئزازها عن رؤية الغائط و هذه الاماكن مظان ورود الناظرين وتحت الاشجار المثمرة مظنة لوصول الثمرة اليه وتنجسها به على ان للشجرة المثمرة شرافة ذاتيه ينبغي مراعاتها وحفظها والمقصود من المثمرة كونها بحسب الاقتضاء كذلك وتشتد الكراهة مع الفعلية فاسم الفاعل في المقام بلحاظ

ص: 525

كونه مقتضياً للمبدء والاقتضاء فى الاثمار اشتمال الشجرة على خاصية يوجب ظهور الثمرة منها في اوان ظهورها وفصول تلك الثمرة لاصدور المبدء فعلا ولا اتصافها به في تلك الحال .

ودليل ما ذكر هو ما ورد من المعصوم (ع) لا هذه الاعتبارات فانظر الى صحيحة عاصم بن حميد عن أبي عبد الله (ع) قال قال رجل لعلى بن الحسين عليه الصلوة وعليه السلام و على ابيه اين يتوضا الغرباء فقال يتقى شطوط الانهار والطرق النافذة وتحت الاشجار المثمرة ومواضع اللعن قيل له و اين مواضع اللعن قال ابواب الدور تعرف لحاظ الكراهة ولكن الدليل قول المعصوم وان كانت اللحاظات ايضاً كاشفة ويتلوا هذه الصحيحة في المفاد مرفوعة على بن ابراهيم قال خرج ابو حنيفة من عند ابي عبد الله (ع) وابو الحسن موسى (ع) قائم وهو غلام فقال له ابو حنيفة يا غلام اين يضع الغريب ببلادكم فقال اجتنب افنيه المساجد وشطوط الانهار ومساقط الثمار ومنازل النزال ولا تستقبل القبلة بغايط ولا بول وارفع ثوبك وضع حيث شئت

وروى ابراهيم بن زياد الكرخي عن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول الله (ص) من ثلثة من فعلهن ملعون المتغوط فى ظل النزال والمانع الماء المنشاب وساد الطريق المسلوك والتعبير في الحديث بظل النزال يكشف ان المنع توجه بالظل اعم من ان يكون فيئاً او من ظلال الليل فليس للرجوع ميزاً يختص بالنهى واما الافنيه فهي جمع الفناء بالكسر والمراد هو المساحة عند باب المسجد و فناء الدار هي الساحة عند بابها ويحتمل ان يكون المراد حريمها من كل جانب و ابواب الدور التي فسر الامام مواضع اللعن بها ليست من معانيها المطابقية لها فجواب (ع) من سئوال این مواضع اللعن بابواب الدور لانها احد مصاديق مواضع اللعن لانها اعم منها فالتفسير من باب المثال كما ان رواية السكوني عن جعفر عن ابيه عن آبائه (ع) قال نهى رسول الله (ص) ان يتغوط على شفير بئر ماء يستعذب اونهن مستعذب او تحت شجرة فيها ثمرتها ايضاً من مصاديق مواضع اللعن فيمكن القول بتعميم الحكم في كل ما يطلع عليه ويتاذى عنه الناس من المجامع والاماكن المنتابه وقوارع الطريق

ص: 526

وافنية المساجد والدور مما يتاذى عنه الانسان وان كان في بعض الموارد علة اخرى غير تاذى الناس كافى افنية المساجد و حريمها من الجوانب لان فيها هتك لاحترام المسجد ومن هنا يمكن الاستظهار بان المناهى الواردة في هذه الموارد كاشفة عن الحرمة لا الكراهة ضرورة حرمة ايذاء الناس وهتك احترام المساجد ورواية ابراهيم بن زياد الكرخى ظاهرة فى الحرمة لان اللعن يناسبها لا الكراهة ويويد جمال الليل و التغوط في ظل النزال مع المانع الماء المنتاب وساد الطريق المسلوك ضرورة حرمة المنع من الماء والسد عن الطريق ومن ذهب الى الحرمة وعدم الجواز كاصحاب المقنعه والفقيه والهداية والنهاية على ما حكى عنهم ناظر الى ما بينا فحمل ما يدل على الحرمة على الكراهة بعيد عن الصواب.

وقول مولانا الكاظم في جواب ابي حنيفة اجتنب افنية المساجد الى آخره ظاهر في وجوب الاجتناب المستلزم للمحرمة ولا يدعونا الى الحمل على الاستحباب المستلزم لكراهة فعله داع وفي حديث المناهى قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يبول احد تحت شجرة مثمرة واثر التاكيد في هذه العبارة لايخ .

والمروى عن العمل عن مولانا الباقر (ع) ان الله تبارك وتعالى ملئكة وكلهم بنبات الارض من الشجر والنخل فليس من شجرة ولا نخلة الا ومعها من الله عز وجل ملك يحفظها وما كان منها ولولا ان معها من يمنعها لاكلتها السباع وهو ام الارض اذا كان فيها ثمرتها وانما نهى رسول الله (ص) ان يضرب احد من المسلمين خلاء من تحت شجرة او نخلة قد اثمرت لمكان الملئكة الموكلين بها قال و لذلك يكون النخلة او الشجرة انساً اذا كان فيه حمله لان المائكة تحصره والناظر في هذه الرواية يرى شدة احترام الشجرة المثمرة والنهى عن ضرب الخلاء لمكان الملئكة يؤيد جانب الحرمة.

والمراد من تحت الشجرة ما يمكن ان تصل اليه الثمرة في بعض الاحيان لا في جميع الاوان وما ذكر من حكم الكراهة او الحرمة انما هو في المملوك والمباح واما ملك الغير فالحكم هى الحرية قولا واحداً الا اذا كان باذن المالك

ص: 527

فيرجع الى الاختلاف المذكور .

و يكره الاطماح بالبول اى رميه فى الهواء وليس هذا من الارتياد المأمور به فالمراد من الاطماح رميه فى الهواء عن مكان جلوسه بحيث يرتفع عن مكان الجالس والمراد من الارتياد ارتفاع المكان الذي يجلس عليه و تنزل البول الى السفل واما الكراهة فلان هذا الفعل يشبه افعال السفهاء الاعبين الذين نقص في ادراكاتهم وضعف في عقولهم ويعدون من ارذال الناس روى الشيخ عن مولانا الصادق قال قال امير المؤمنين (ع) قال رسول الله (ص) يكره المرجل اوينهى الرجل ان يطمح ببوله من السطح فى الهواء وعن الصدوق رضى الله عنه ونهى رسول الله (ص) ان يطمح ببوله فى الهواء من السطح المرتفع يعنى اى مكان جالس فيه لا يطمح بوله الى الهواء والمروى عن الكلينى رضى الله عنه عن السكوني عن الصادق (ع) قال نهى النبى (ص) أن يطمح الرجل ببوله من السطع او من الشيء المرتفع الى الهواء وهذه الاخبار تدل على الكراهة لان الكراهة من مداليل النهي والحرمة اشدمنها فيدفع الشدة بالاصل ولامنافات بين هذه الاخبار وبين مادل على استحباب الارتياد لان معنى الارتياد اتخاذ الشخص موضعاً للبول رفيعاً يرمى ببوله الى السفل ومعنى الاطماح الرمى فى الهواء مع ميله الى العلوفا لرمى الى العلو ماخوذ في الاطماح بعكس الارتياد ولذا علل العلامة والمحقق الثانى كراهة الاطماح بخوف الرد عليه

ويكره الاكل والشرب في الحالة المذكوة لان فيهما مهانة النفس وخساستها واهانة المأكول والمشروب كما لا يخفى بل لا يبعد كونهما محرمين في تلك الحال روى الصدوق عليه الرحمة مرسلا ان مولانا الباقر (ع) دخل الخلاء فوجد لقمة خبز فى القذر فاخذها وغسلها ودفعها الى مملوك معه فقال تكون معك لاكلها اذا خرجت فلما خرج (ع) قال للمملوك اين اللقمة قال اكلتها يا بن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما استقرت في جوف احد الا وجبت له الجنة فاذهب فانت له الجنة فاذهب فانت حر فاني اكره ان استخدم رجلا من اهل الجنة دلت على ان تاخير الامام (ع) الاكل لاجل كونه في هذه الحاله لعدم المانع من الاكل سوى كونه فى ذلك المكان وقوله (ع) تكون

ص: 528

معك لاكلها اذا خرجت دليل آخر على ان المانع كونه في المكان المعين فالرواية على الكراهة في تلك الحال ادل.

ويكره السواك للمرسل المروى في الفقيه عن مولانا الكاظم (ع) السواك على الخلاء يورث البخر وهو تتن الفم و في التهذيب عن الحسن بن اشيم قال اكل الاشنان يذيب البدن والتدلك بالخزف يبلى الجسد والسواك في الخلاء يورث الخبر والمرسلة تدل على ان الممنوع هو السواك حال التخلى لقوله على الخلاء والمفهوم من التهذيب كراهة السواك في الخلاء لقوله والسواك في الخلاء.

ويجوز حكاية الاذان اذا سمعه و هو في تلك الحال لصحيحة محمد بن مسلم المروية عن علل الصدوق (ره) عن مولانا الباقر (ع) قال يا بن مسلم لا بد عن ذكر الله على كل حال ولو سمعت المنادى ينادى بالاذان وانت على الخلاء فاذكر الله عز وجل وقل كما يقول ورواية ابى بصير عن ابي عبد (ع) قال قال ابو عبدالله (ع) ان سمعت الاذان وانت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذن ولاتدع ذكر الله عز وجل في تلك الحال لان ذكر الله تعالى حسن على كل حال ورواية سليمان بن قال قلت لابی الحسن موسى بن جعفر (ع) لاى علة يستحب للانسان اذا سمع الاذان ان يقول كما يقول المؤذن وان كان على البول والغائط قال ان ذلك يزيد في الرزق ويظهر من هذه الرواية ان المقصود من الجواز المذكور في كتب الاصحاب هو الاستحباب والتعبير بالجواز الذي هو اعم من الاستحباب لرفع شبهة كون تلك الحالة موجبة للحرمة او الكراهة فاذا لم يمنع مانع من مستحب يبقى على استحبابه فالاذان من العبادات المستحبة والحكاية عنه كذلك و لا تمنع الاستحباب تلك الحالة من استحباب الحكاية وتدل هذه الرواية ايضاً على استحباب الحكاية من دون استناد الى كونها من الاذكار فلا معنى لما قيل في المقام من ان الحيلات ليست من الاذكارلان عدم كونها من الاذكار لا ينافي استحباب حكاية الاذان لان استحبابها لاجل انها حكاية عن الاذان وان لم يكن تمام اجزائه من الاذكار لان حكم الاستحبابي موضوعها عنوان الحكاية وان كان بعض اجزائه غير الذكر.

ص: 529

بل مقتضى دقة النظر ان الحيعلات نوع من الاذكار لما فيها من توجهات القائلين بها الى الله تعالى شأنه وان لم تكن مشتملة على اسمائه تعالى شانه فهى مذكرة لقائلها كما يذكر الاسماء الالوهية والاله و لذا قال الامام (ع) فقل مثل ما يقول المؤذن ولا تدع ذكر الله لان الاذان شامل للحيعلات ففيه اشعار بان الحيعلات ايضا من الاذكار وكيف كان فحكاية الاذان فى تلك الحال جايزة اى باقية على استحبابها

و اما قرائة القرآن فالذى يستفاد من صحيحة عمر بن يزيد عدم الترخيص فى الكنيف اكثر من آية الكرسى او آية الحمد لله رب العالمين و حمد الله تعالى فان الراوى سئل عن التسبيح فقال لم يرخص فى الكنيف اكثر من آية الكرسي و يحمد الله او آية الحمد لله رب العالمين فحمد الله او آية الحمد لله داخل في التحميد الذي هو ذكر الله الذى حسن على كل حال فيستفاد من الصحيحة ان قرائة القرآن ممنوعة سوى آية الكرسى و يظهر من رواية الحلبى جواز قرائة ما شاء من القرآن قال سئلته یعنی ابا عبد الله (ع) اتقرء النفساء والحائض والجنب والرجل يتغوط القرآن فقال تقرئون ماشائوا و حمل العاملي (قده) الصحيحة على الكراهة بمعنى نقصان الصواب وهذا الحمل حسن لان الحمل على الحرمة يوجب طرح رواية الحلبي والجمع مهما امكن اولى.

وقيل لعدم قائل يقول بما يستفاد من هذه الرواية فكانها عند الاصحاب مطروحة ويجب ستر العورة عن الناظر المحترم كما انه يحرم النظر عليها وهذان الحكمان لا اختصاص لهما بالمقام لانهما ثابتان في كل زمان ومكان .

واما ذكرهما في المقام فلان مريد التغوط يرفع الثوب عن عورته فعليه سترها عن الناظر كما يحرم عليه النظر فالمقام من مظان ترك الواجب وفعل الحرام و كذالحمام فان الوارد فى الحمام يخلع لباسه ويتجرد عنه فيجب عليه الستر

عن الناظر بالمئزر .

فمعنى الستر هنا جلوسه في الموضع بحيث لا يرى احد عورته ممن يحرم عليه النظر.

ص: 530

قال الله تبارك وتعالى شانه قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك از كى لهم ان الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنين ان يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن والمراد من غض الابصار غضها من الابصار بالنسبة الى عورة من يحرم النظر الى عورته والمراد من حفظ الفروج حفظها عن نظر من يحرم نظره ولافرق بين الرجل والنساء بالنسبة الى الرجل والنساء فعلى الرجل حفظ العورة عن نظر الرجل والمرئه وعلى المرئة حفظ العورة عن نظر المرئة والرجل كما انه يحرم عليهما النظر على عورة كل من الرجل والمرئة روى القمى عن الصادق (ع) كل آية في القرآن في ذكر الفروج فهى من الزنا الا هذه الآية فانها من النظر فلا يحل لرجل مؤمن ان ينظر الى فرج اخيه ولا يحل للمرئة ان تنظر الى فرج اختها

وفى الكافي في باب ان الايمان مبثوث لجوارح البدن كلها في حديث طويل و فرض على البصر ان لا ينظر الى ما حرم الله تعالى عليه وهو عمله و هو من الايمان فقال تبارك وتعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم فنهيهم عن ان ينظروا الى عوراتهم وان ينظر المرء الى فرج اخيه ويحفظ فرجه ان ينظر اليه و قال وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن من ان تنظر احدايهن إلى فرج اختها وتحفظ فرجها من ان ينظر اليها وقال (ع) كل شيء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزناء الا هذه الاية فانها من النظر .

ثم نظم ما فرض الله على القلب واللسان والسمع والبصر في آية اخرى فقالوما كنتم تستترون ان يشهد عليكم سمعكم ولا ابصار كم ولا جلودكم يعنى بالجلود الفرج والافخاذ وقال لا تقف ماليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا فهذا ما فرض الله على العينين من غض البصر عما حرم و هو عملها و هو من الايمان (الحديث).

ودلالتها على وجوب الستر وحرمة النظر مما لاخفاء له

الوكالات الفلاح وفي صحيحة حريز عن أبي عبد الله (ع) لا ينظر الرجل الى عورة اخيه وتدل على وجوب المئزر على من يدخل في الحمام حسنة رفاعة بن موسى عن ابي عبدالله

ص: 531

(ع) قال قال رسول الله (ص) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام الا بمئزر .

وقوية أبي بصير عن ابي عبد الله (ع) يغتسل الرجل بارزاً قال اذا لم يره احد فلاباس تدل على الباس اذا رآه احد .

و رواية حماد بن عيسى عن جعفر عن ابيه عن على (ع) قال قيل له ان سعيد بن عبدالملك يدخل مع جواريه الحمام قال ولاباس اذا كان عليه و عليهن الازار لا تكونون عراة كالحمر ينظر بعضهم الى سوئة بعض دلالتها غير خفية وقول ابى الحسن (ع) في رواية حمزة احمد بعد السئوال عن الحمام ادخله بمئز روغض بصرك كاشف عن حرمة النظر ووجوب الستر وقول على بن الحسين (ع) لما دخل في الحمام بغير ازار وما يمنعكم من الازار فان رسول الله الله (ص) قال عورة المؤمن على المؤمن حرام صريح في حرمة النظر ووجوب الستر .

والمروى عمن حدث محمد بن عمران ابا جعفر (ع) كان يقول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام الا بمئزر قال فدخلت ذات يوم الحمام فتنور فلما ان اطبقت النوره على بدنه القى المئزر فقال له مولى بابی انت وامى انك توصينا بالمئزر و لزومه و قد القيته عن نفسك فقال اما علمت ان النور. قد اطبقت العورة بوجوب الستر وزيادة ان الستر لا يجب ان يكون بالثوب بل تحصيل الامتثال بكل ما يتحقق به الستر صريح الدلالة وروى عن محمد بن جعفر عن ابی عبد الله (ع) قال قال رسول الله (ص) لا يدخل الرجل مع ابيه الحمام فينظر الى عورته وقال ليس للولدان ينظر الى عورة الوالد وقال لعن رسول الله (ص) الناظر والمنظور اليه في الحمام بلامئزر و الاخبار في هذه الباب كثيرة لا يخفى على الناظرين فيها وجوب الستر وحرمة النظر بل الناظر الى عورة الغير والكاشف عورته له محسوبان من البهايم لصحة سلب الانسانية عنهما ولذا شبه الامام الفاقد للميزر بالحمر كما عرفت في رواية حماد بن عيسى.

واما ماورد في بعض الاخبار ان عورة المؤمن علي المؤمن حرام وتفسير هذه المقالة باذاعة السر فلاينافى ما قدمناه لجواز كون المراد من هذه المقالة هو اذاعة

ص: 532

السر روی عبدالله بن سنان عن ابی عبد الله (ع) قال سئلته عن عورة المؤمن على المؤمن حرام فقال نعم فقلت اعنى سفليه فقال ليس حيث تذهب انما هو اذاعة سره ومثل هذه الرواية مارواه حذيفة بن منصور قلت لابي عبد الله (ع) شيء يقول الناس بی عورة المؤمن على المؤمن حرام قال ليس حيث يذهبون انما عورة المؤمن ان يزل زلة او يتكلم بشيء يعاب عليه فيحفظ عليه فيعيره به يوماً فالمقصود من العورة فيهذه الرواية هو الذي يعاب عليه وحرمتها حفظها للتغيير به يوماً من الامام ومن المعلوم ان مایعاب به سر بمعنى عدم رضاية صاحبه انشائه و مثلهما رواية زيد الشحام عن ابی عبد الله (ع) في عورة المؤمن على المؤمن حرام فقال ليس ان يكشف فيرى منه شيئاً انما هوان تبرزی علیه او تعيبه فهذه الروايات تفسير هذه المقالة بخصوصيتها ولا دلالة فيها على ان جميع ما ورد فى الباب من الاخبار يراد به اذاعة السر او التعييب بل هذه الرواية يراد منها اذاعة السر فى بعض الاطلاقات لا في جميع الروايات فراجع الى موثقة حنان قال دخلت انا وابی و عمی و جدى حماماً بالمدينة فاذا رجل دخل بيت المسلخ فقال ممن القوم فقلنا من اهل العراق قال واى العراق قلنا كوفيون قال مرحباً بكم يا اهل الكوفة انتم الشعار دون الاثار ثم قال ما يمنعكم من الازار فان رسول الله (ص) قال عورة المؤمن على المؤمن حرام الى ان قال فسئلنا عن الرجل فاذا هو على بن الحسين (ع) فترى صراحة المقالة على الحرمة بالنسبة الى النظر وقوله (ع) ما يمنعكم من الازار في هذا المقام يكشف عن وجوب الستر ولا يمكن حمل المقالة هنا على الاذاعة كما انه لا يمكن حملها عليها فيما كان مثل المقام ولا ينا فى ارادة الاذاعة منها في بعض الاطلاقات .

كما ان التعبير عن الحرمة بعبارة الكراهة كما ورد في بعض الروايات لادلالة فيه على كون الحكم هو الكراهة ضرورة شيوع التعبير عن الحرمة بالكراهة بل الكراهة ابلغ فى بيان الحرمة الاصطلاحى من لفظها لان معنى الكراهة هو المقابل للارادة ومعنى الحرمة المنع والمنع قد يتحقق بادنى مرتبته فيشمل الكراهة المصطلحة واما الكراهة ففى الحرمة اظهر فلفظة الكراهة ليست بظاهره في معناها

ص: 533

المصطلح بل ظهورها في الحرمة المصطلحة و من ابى عن هذا المعنى فعليه حمل الكراهة على الحرمة لكثرة مادل على الحرمة من الاية و الروايات والاجماع بقسميه ففى موثقة ابن أبي يعفور قال سئلت ابا عبد الله (ع) ايتجردا الرجل عند صب الماء ترى عورته او يصب عليه الماء اوترى هو عورة الناس قال كان ابي يكره ذلك من كل احد ولا يخفى تاكيد الحكم فى هذه الرواية لمن له درية والمروى عن الفقيه عن مولانا الصادق (ع) انه قال انا اكره النظر الى عورة المسلم فاما النظر الى عورة من ليس بمسلم مثل النظر الى عورة الحمار والمقصود من هذا المروى الفرق بين النظر الى عورة المسلم وبين النظر الى عورة غير المسلم ومعادان عورة غير المسلم لا احترام لها كعورة المسلم والمروى الاخر عن الفقيه عن النبي (ص) انه كره دخول مان عليه الحمام الا بميزر ولا يخفى على النظر الصائب ان المراد من الكراهة هو الحرمة فلا يعتنى بماذكر انه لو لم يكن مخافة خلاف الاجماع لامكن القول بكراهة النظر دون التحريم .

ثم ان تقييد الناظر بالمحترم استثناء للزوج والزوجة والمملوكة التي مباح وطيها و اما الطفل الغير المميز فهو خارج عن الناظر على الظاهر لان النظر يستلزم القصد في العمل فليس صرف البصر نظراً والطفل خال عن قصد النظر لانه فاقد للتميز فلايكون مشمولا للادلة .

واما لمطلقة الرجعية فلا يجب عليها الستر مالم تنقضى العدة لانها زوجة

واما الكافر والكافرة فمقتضى اطلاق النص وجوب الستر عنهما وحرمة النظر اليهما والمروى عن النبي (ص) احفظ عورتك الا من زوجتك او ما ملكت يمينك يؤيد الدوسه الاطلاقات وكذا قوله (ص) من نظر إلى عورة غير اهله متعمداً ادخله الله مع المنافقين الذين كانوا يبحثون عن عورات الناس و لم يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله الا ان يتوب فغير الا هل يشمل الكافر والمسلم.

الا ان قول مولانا الصادق (ع) النظر الى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك الى عورة الحمار وفي رواية اخرى انما كره النظر الى عورة المسلم فان النظر الى من

ص: 534

ليس بمسلم مثل النظر الى عورة الحمار بمنع من تعميم الحكم على الكافر والمسلم سيما الرواية الاخيرة المصرحة بحصر حكم الكراهة على النظر الى عورة المسلم واكثر الروايات الواردة فى الباب تقييد المنظور اليه بالاخ المؤمن و قوله (ص) احفظ عورتك الا من زوجتك او ما ملكت يمينك ليس فيه ما يدل على حرمة النظر ما الى الغير بل مفاده وجوب الحفظ عن نظر الغير اليه فيئول الى وجوب الستر و استثناء الزوجة والمملوكه لعدم وجوب الحفظ عنهما و اما النظر فلانظر لهذا القول اليه .

واما قوله (ص) من نظر الى عورة غير اهله متعمداً ادخله الله مع المنافقين(الخ) ظاهر فى النظر الى عورة المسلم فدخول الناظر في زمرة المنافقين الباحثين عن عورات الناس اقوى شاهد على ما بينا لان البحث عن عورات الكفار لا يوجب الافتضاح لانهم ليس من اهل الاحترام فالمراد من الناس هو المسلمون لا الاعم منهم ومن الكفار فليس فى الاخبار اطلاق مبرم يعم الكافر مع ان تشبيه النظر الى عورة الكافر بالنظر الى عورة الحمار تقييد للاطلاق بالنسبة الى النظر واما بالنسبة الى وجوب الستر فلا فرق بين المسلم والكافر فلذا ترى تعميم وجوب الستر عن كل ناظر محترم قال امير المؤمنين (ع) اذا تعرى احدكم نظر اليه الشيطان فاستتروا والتأكيد في الستر واتخاذ الميزر فالمستفاد من الروايات وجوب الستر عن الناظر سوى الزوجة والزوج والمملوكة ومن لاتميز له من غير فرق بين المسلم والكافر وحرمة النظر على عورة المسلمين باجمعهم دون الكفار لعدم الاحترام لهم ولذا شبه الامام ا(ع) عورة الكفار بعورة الحمار فالحصر في كلامه (ع) راجع الى هذا المعنى و معناه ان النظر الى عورة الكافر كالنظر الى عورة الحمار في عدم تعقيبه هتك احترام المنظور الى عورته واما النظر إلى عورة المسلم فيوجب هتك احترامه.

ولك ان تقول ان حرمة النظر الى عورة غير الاهل معلول من علتين احديهما هتك الاحترام وثانيهما بسببية للايقاع فى الزنا والنظر الى عورة الكافر وان كان فاقداً للهتك لعدم الاحترام ولاكن لا يؤمن من تعقبه للعلة الثانية وحرمته من هذه

ص: 535

الحيثية لا يدفعها أمر من الامور والتشبيه بعورة الحمار فيه اشعار بان عدم الحرمة لاجل عدم الريبة التي هي مقدمة للزناء فما لم يكن النظر للريبة لم يحرم واما مع الريبة فلامانع من الحرمة حيث ان عورة الحمار لاريبة في النظر اليها فاذا كان النظر مع الريبه فقد التفاوت بين الكافر والمسلم .

روی علم الهدی رضوان الله عليه في رسالة المحكم والمتشابه نقلا من تفسير النعماني بسنده الاتى عن امير المؤمنين صلوات الله عليه في قوله عز وجل قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك از كى لهم معناه لا ينظر احدكم الى فرج اخيه المؤمن او يمكنه من النظر الى فرجه ثم قال قل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهناى ممن يلحقهن النظر كما جاء في حفظ الفرج فالنظر ، ايقاع الفعل من الزناء وغيره فهو (ع) فسر اولا الغض والحفظ بان لا ينظر احدكم الى فرج اخيه المؤمن او يمكنه من النظر الى فرجه لكنه (ع) علل بسببية النظر لايقاع الفعل من الزناء و غيره فكلما تحقق السبب يتحقق المسبب و ليس لقوله (ع) اخيه المؤمن مفهوم يدل على عدم الحكم مع عدم الايمان لقوله (ع) او يمكنه من النظر الى فرجه فمع المفهوم يسرى عدم الحرمة في التمكين ايضاً و حرمة تمكين الكافر من النظر اشد من تمكين المسلم فيرتفع الفرق بين فرج المسلم وفرج الكافر من هذه الحيثية فيبقى تشبيه المعصوم فرجه بفرج الحمار من حيث عدم الاحترام.

واما العورة فيراد بها القبل والدبر ففى الرجل يراد بها الذكر والانثيان و نفس المخرج وفى المرئة الفرج ومخرج الغائط ولاينافى هذا التفسير حرمة النظر الى المرئة سوى الوجه والكفين والقدمين لان المراد من العورة في المقام ما يحرم النظر اليه للرجل والنساء.

واما ساير البدن فللاجنبى فى حكم العورة اعنى النظر اليه حرام كالنظر الى عورة الرجل بل اشد حرمة منه وقد يفسر العورة بما بين السرة والركبه وقد يفسر بهما وما بينهما والمعنى الأول اشهر والقائل به اكثر وفي محكي السرائر والخلاف

ص: 536

والغنية دعوى الاجماع عليه ويدل عليه من الروايات رواية ابي يحى الواسطى عن بعض اصحابه عن ابى الحسن الماضى (ع) قال العورة عورتان القبل والدبر والدبر مستور بالالتين فاذا سترت القضيب والبيضتين فقدسترت العورة .

وقال الكلينى رضى الله عنه وفى رواية اخرى فاما الدبر فقد سترته الالتيان و اما القبل فاستره بيدك وروى محمد بن على بن الحسين بن بابويه قال قال الصادق (ع) الفخذ ليس من العورة .

وهذه الروايات لاقصور فيها فى الدلالة على المطلوب و يؤيدها المروى عن الصادق (ع) الركبة ليس من العورة و ما روى في الفقيه عن عبد الله الرافقى قال دخلت حماماً بالمدينة فاذا شيخ كبير وهو قيم الحمام فقلت يا شيخ لمن هذا الحمام قال لابي جعفر محمد بن على عليهما السلام فقلت اكان يدخله قال نعم فقلت كيف كان يصنع قال كان يدخل فيبدء فيطلى عانته وما يليها ثم يلف ازاره على اطراف احلیله ويدعونی فاطلی سایر بدنه فقلت له يوماً من الامام الذى تكره ان اراه فقد رايته قال كلا ان النورة سترة.

و هناروايات تدل على القولين الآخرين كالنبوى ان اسفل السرة وفوق الركبة من العورة والنبوى الاخر الفخذ عورة والاخر لا تكشف فخذك ولا تنظر الى فخذحى ولاميت والمروى فى قرب الاسناد عن مولانا الباقر (ع) اذا زوج الرجل امته فلا ينظر الى عورتها والعورة ما بين السرة والركبة والمروى فى الخصال عن مولانا امير المؤمنين ليس للرجل ان يكشف ثيابه عن فخذه ويجلس بين قوم و هذه الروايات فيها دلالة على كون العورة ما بين السرة والركبة.

وروى بشير النبال فى ان ابا جعفر دخل الحمام فاتزر بازار وغطى ركبته و سرته ثم امر صاحب الحمام فطلى ما كان خارجاً من الازار ثم قال اخرج عنى ثم طلى هو ما تحته ثم قال هكذا فافعل وهذه الرواية ظاهرة في كون العورة من فوق السرة الى تحت الركبة فهذه ثلث طوائف من الروايات مختلفة المفاد بايها اخذت طرحت الآخرين فمن تجنب عن طرح الروايات والقائل بان الجمع مهما امكن

ص: 537

اولى يحكم بان العورة الواردة في الروايات الدالة على القول الاول اعنى الحرمة هوما فسر فى الرجل القضيب والانثيين ومخرج الغائط وفى المرئة بالفرج والمخرج کما مر واما الفخذ و بين الركبة والسرة عورة بمعنى الكراهة يعنى تكره النظر اليها كراهة شديدة و اما الركبة والسرة فكونهما عورتين بمعنى الكراهة الضعيفة فان للكراهة مراتب و لاداعى لنا يدعونا بطرح الروايات مع عدم ما يمنعنا عن الحمل المذكور .

والستر واجب مع العلم بوجود الناظر المحترم واما مع الظن فبعض مراتبه المتقاربة بالعلم فحكمه حكمه واما مع الشك في وجود الناظر فالاقوى عدم الوجوب والاحوط الستر واما مع الوهم فالمتبع مقابله .

والظاهر ان الممنوع من نظر الاجنبى هو بشره العورة ولونها لا الحجم والهيكل ومعه فيكفى فى السترساتر لطيف يستر لونها مع ظهور شكلها على ماهى عليه وبعض روايات النوره يؤيد هذا وقدمران النورة سترة وقوله (ع) فی جواب مولاه اما علمت ان النورة قدا طبقت العورة ظاهر فيما قلناه وحكى عن بعض اصحابنا قدس الله اسرارهم وجوب ستر الحجم والهيئة بدعوى صدق النظر على العورة مع النظر الى الحجم .

وليس من الاخبار اسم من اللون او البشرة واخبار النورة لا يمنع من حمله بما لا يتميز حجم القضيب مانع لكنك خبير بان هذا الحمل في غاية البعد وليس هذا النحو من التنوير معهوداً فالمسئلة (لا (يخ) من الاشكال والاحتياط ليس تمسكر عند احد ولكن الاقوى فى النظر كفاية ستر اللون.

ولودار الامر بين كشف العورة وبين الاستقبال او الاستدبار يقدم الاول لان الستراهم فى الشريعة وفى دوران الأمر بين الاستقبال والاستدبار فالاهم هو الاستقبال لانه اشد قبحا من الاستدبار ولودار الأمر بين استقبال الكعبة واستقبال بيت المقدس فالكعبة اولى بالاحترام لانها اشرف من بيت المقدس و كذا الدوران كذا الدوران بين استقبال الكعبة واستقبال المدينة واما لودار الأمر بير المدينة و بيت المقدس فالظاهر من

ص: 538

بعض الاخبار تساويهما في الفضل والشرافة ومقتضى التساوى التخير ويمكن القول بتقديم المدينة على البيت لان المسموس وان تساويا في الفضل والشرافة الا ان للمدينة مزية وهى كونها مدفناً لنبينا (ص).

وذكر سنن الخلوة كان من باب الاستطراد لتطهير البول والغايط والمقصود بیان تطهيرهما وقد عرفت ان البول لا بد فيه من التعدد لوحدة لونه مع لون الماء والغائط لابد في تطهيره من الماء الا فى موضع النجو مع عدم السراية الى الفخذين واما مع السراية فلا يطهر بغير الماء وكذا اذا كان مختلطاً بنجاسة اخرى كالدم مثلا

واما لمنى فتطهيره مختص بالماء ولا بدفيه من زوال العين ولوزالت بدون الماء تبقى نجاسته الحكمية ولا تطهر الا بالماء .

روی ابن ابی یعفور عن ابي عبد الله (ع) قال سئلته عن المنى يصيب الثوب قال ان عرفت مكانه فاغسله فان خفى عليك مكانه فاغسله كله وفي موثقة ميسر قال قلت لابي عبد الله (ع) آمر الجارية فتغسل ثوبى من المنى فلا تبالغ فيغسله فاصلي فيه فاذا هو يابس قال اعد صلوتك اما انك لو كنت اغسلت انت لم يكن عليك شيء وفى موثقة سماعة المضمر قال سئلته عن المنى يصيب الثوب قال اغسل الثوب كله اذا خفى عليك مكانه قليلا كان او كثيراً وفي حسنة الحلبي عن ابی عبدالله (ع)قال اذا احتلم الرجل فاصاب ثوبه منى فليغسل الذى اصابه فانظن انه اصابه منى ولم يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء وان استيقن انه قداصابه ولم ير مكانه فليغسل ثوبه فانه احسن وروى عنبسة بن مصعب عن ابي عبد الله (ع) قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن المنى يصيب الثوب فلایدری این مکانه قال يغسله كله وان علم مكانه فليغسله و في صحيحة محمد بن مسلم قال ذكر المنى فشدده یعنی اباعبدالله (ع) وجعله اشد من البول ثم قال ان رايت المنى قبل او بعد ما تدخل فى الصلوة فعليك اعادة الصلوة وان انت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رايته بعد فلا اعادة عليك و كذلك البول و هذه الرواية وان لم يكن فيها اسم من الغسل لكن جعل المنى اشد من البول و تشبيهه به تدلان على كون تطهيره كتطهيره فهذه الروايات كاشفة عن عدم جواز تطهير المنى

ص: 539

الا بالماء.

وما فى رواية ميسر من التفصيل بين غسل الشخص بنفسه الثوب عن المنى و من ايكال الغسل الى الجارية فى اعادة الصلوة فالظاهر أن اهتمام الشخص في تطهير تو به اشد من اهتمام الجارية (فح) لايختص الحكم بالمنى فيسرى في كل نجاسة موكول تطهيرها الى الجارية وتطهير بقائها بعد الصلوة ويمكن اختصاص هذا الحكم بالمنى وعدم سريانه فى غيره بخصوصية مكمونة فى المنى دون غيره ولا مسرح للعقل فى احكام الشرع ويمكن ان يكون المرادانك لو غسلت انت لازلت النجاسة لاهتمامك فلا يكون عليك الاعادة.

واما تطهير الدم فيختص بالماء ايضاً لعدم ما يدل على جواز تطهيره بغيره فيجب اذالة عين الدم بالماء .

ولا فرق فى هذا بين القليل من الدم والكثير بعد ما ثبت نجاسته و کون مادون الدرهم معفواً في الصلوة امر آخر فلواراد تطهيره لابد من الماء كما ان العفو عنه لا يستلزم طهارته.

قال السيد قدس سره فى المدارك وحكى المصنف فى المعتبر عن ابن الجنيد انه قال اذا كانت سعة الدم دون سعة الدرهم الذى سعته كعقد الابهام الاعلى لم ينجس الثوب و مقتضى كلامه رحمه الله تعالى عدم اختصاص ذلك بالدم فانه قال في كتابه المختصر الاحمدى كل نجاسة وقعت على ثوب وكانت عينها فيه مجمعة او منقسمة دون سعة الدرهم الذي يكون سعته كعقد الابهام الاعلى لم ينجس الثوب بذلك الا ان يكون النجاسة دم حيض اومنيا فان قليلهما وكثيرهما سواء ولم نقف له في ذلك على حجة و يدفعه الأمر بازالة هذه النجاسات عن الثوب والبدن من غير تفصيل (انتهى) ولعله (قده) لا يرى للنجاسة معنى سوى حكمها التكليفى وحيث يرى ان ما دون الدرهم من الدم لا يؤثر في بطلان الصلوة يحكم بطهارته لان النجاسة ليست الا الحكم التكليفى ويقيس غير الدم عليه ولا معنى لهذا الراى ولاقياس غير الدم عليه لان الاحكام الوضعية مباينة للاحكام التكليفية فبطلان الصلوة مثلا من آثار النجاسة

ص: 540

لا انه معنى النجاسة والوضعيات مستقلة في الجعل وقد يترتب عليها التكاليف كما قرر في محله.

وقال ابوجعفر بن بابويه فى كتاب من لا يحضره الفقيه والدم اذا اصاب الثوب فلاباس بالصلوة فيه ما لم يكن مقداره مقدار در هم الوافی والوافي ما يكون وزنه در هما وثلثا وما كان دون الدرهم الوافى فقد يجب غسله ولا باس بالصلوة فيه و ان كان الدم دون حمصة فلا باس بان لا يغسل الايكون دم الحيض فانه يجب غسل الثوب منه ومن البول والمنى قليلا كان او كثيرا وتعاد منه الصلوة علم به اولم يعلم ويستفاد من هذه المقالة ان مافوق الدرهم من الدم نجس ولا عفو فيه و ما دون الدرهم و فوق الحمصة نجس يجب غسله ولكنه لا يبطل الصلوة فهو معفو عنه في الصلوة و ما كان دون الحمصه فليس بنجس لانه (قده) حكم بعدم الباس بان لا يغسل واستثنى منه دم الحيض فانه نجس غير معفو عنه كائناً ما كان مقداره ولم يستند في هذا التفصيل الى رواية من الروايات وحكمه (قده) بعدم نجاسة ما دون الحمصه لادليل عليه و صاحب المدارك (قده) بعد نقل هذه المقالة من كتابه و ربما كان مستنده مارواه مثنى بن عبد السلام عن ابی عبد الله (ع) قال قلت له انى حككت جلدى فخرج منه دم فقال ان اجتمع قدر حمصة فاغسله والا فلا ويشهد له ايضاً رواية الحلبي قال سئلت ا با عبد الله (ع)عن دم البراغيث يكون فى الثوب هل يمنعه ذلك من الصلوة فقال لا و ان كثر ولاباس ايضاً بشبهه من الرعاف ينضحه ولا يغسله ثم ردهما بضعف السند و قال بان مثنى بن عبد السلام ليس بموثق ولا ممدوح وما يعتنى به .

وفي طريق رواية الحلبى ابن سنان والظاهر انه محمد وقد ضعفه علماء الرجال اما رواية المثنى فلا تدل على مطلوبه ولا يحتاج الى تضعيف سندها فانها واردة للسئوال عن جواز الصلوة مع خروج الدم من الجلد فاجاب الامام بغسل مافوق الحمصة و قدرها وجواز ما دون الحمصة ولذا حملها الشيخ على الاستحباب و استدل بالاخبار التي دلت على اباحة الصلوة ما لم يبلغ الدرهم.

قال (قده) فاما مارواه معوية حكيم عن ابن المغيرة عن مثنى بن عبد السلام

ص: 541

عن ابی عبدالله (ع) قال قلت له انى حككت جلدی فخرج منه دم فقال ان اجتمع قدر حمصة فاغسله والافلا فمحمول على الاستحباب دون الوجوب والذي يدل ذلك ما تقدم من الاخبار انه متى لم يبلغ الدرهم فمباح الصلوة في الثوب الذي فيه ذلك الدم (انتهى) فظهر ان الرواية لا تدل على عدم نجاسة شيء من الدم و على خلاف مرامه اولی .

واما رواية الحلبي فلادلالة فيها على عدم نجاسة الدم ايضاً بلغاية ما يستفاد منها الاكتفاء بالنضح في تطهيره اذا كان فى الصغر مثل دم البرغوث لانه يرتفع بالنضح لرقة حجمه.

واما استثناء دم الحيض فى العفو عنه فتدل عليه رواية ابى بصير عن ابی عبدالله و ابی جعفر عليهما السلام قالا لا تعاد الصلوة من دم لم تبصره الادم المنفى فان قليله وكثيره ان راه وان لم يره سواء.

قال في التهذيب بعد نقل هذه الرواية وروى هذا الحديث عن محمد بن عبيد عن محمد بن محمد بن يحيى الاشعرى وزاد فيه وسئلته امرئة ان بثوبي دم الحيض و غسلته ولم يذهب اثره فقال اصبغته بمشق وهذه الرواية لاتدل على استثناء دم الحيض لانه (ع) علمها اذهاب اثر الدم ولا دلالة فى التعليم على الاستثناء لامكان ان يكون نظر المرئه فى اذهاب الاثر امراً آخر سوى تطهير الثوب للصلوة فيه على ان التطهير امر مطلوب و ان كان الاقل من الدرهم معفواً عنه

واما الدرهم الذى يوازن الدم به لمعرفة العفو عنه فالظاهر ان المقصود منه هو سعته لاوزنه لما فى الاستعلام من مقدار وزنه من التعذر الا اذا كان مقداره في الكثرة مالا يشك فيه احد و(ح) يقل الفائدة فى العفو عنه و اما سعة الدرهم فلااشكال في تحصيل العلم به في الموازنة ويظهر من كلام ابن الجنيد ان سعته كسعة عقد الابهام الاعلى وكلام ابن بابویه دل على ان المراد من الدرهم هو الدرهم الوافى الذى وزنه يعادل الدرهم وثلثه فبحسب الوزن يكون ثمانية دوانيق وفي كلمات بعض الاساطين (قدس الله اسرارهم يعبر عن ذلك الدرهم بالبغلى وفي تسميتة بهذا الاسم خلاف فقد يقال

ص: 542

ان نسبته الى ملك يقال له راس البغل وقد يقال ان عليه صورة البغل كما ان لفظته قد يضبط بفتح الباء وسكون الغين وقد يضبط بفتح الباء والغين وتشديد اللام.

وفى وحدة البغلى مع الوافى خلاف وذكر الشهيد في الذكري على ما حكى عنه ان البغلى باسكان الغين منسوب الى راس البغل ضربه الثاني في ولايته بسكه كسروية ووزنه ثمانية دوانيق والبغلية قبل الاسلام بالكسروية فحدث لها هذا الاسم فى الاسلام والوزق بحالة وجرت فى المعاملة مع الطبرية وهى اربعة دوانيق فلما كان زمان عبدالملك جمع منها واخذ الدرهم منها واستقر امر الاسلام على ستة دوانيق و هذه التسمية ذكرها ابن دريد وقيل منسوب الى بغل قرية بالجامعين كان يوجد فيها در هم سعتها من احمص الراحة لتقدم الدراهم على الاسلام قلنا لاريب في تقدمها وانما التسمية حادثه فالرجوع الى المنقول اولى (انتهى).

والمنقول عن الحلى (قده ) انه قال البغلى منسوب الى مدينة قديمة يقال لها بغل من بابل بينهما قريب من فرسخ متصلة ببلاد الجامعين تجد فيها الحفرة والغسالون والنباشون دراهم واسعة شاهدت درهما من تلك الدرهم وهذا الدرهم اوسع من الدينار المضروب بمدينة السلام المعتاد يقرب سعته من سعة احمص الراحة وقال بعض من عاصر به ممن له اطلاع باخبار الناس والانساب ان المدينة والدرهم منسوبة الى ابن ابي البغل رجل من كبار اهل الكوفة اتخذ من هذا الموضع قديماً وضرب هذا الدرهم الواسع فنسب اليه الدرهم البغلى وهذا غير صحيح لان الدرهم البغلية كانت فى زمن الرسول (ص) وقبل الكوفة وفي مجمع البحرين الدرهم بكسر الدال وفتح الراء و لية قاله كسر الهاء لغة واحد الدرهم فارسی معرب وربما قالوا درهام وقد تقدم في نقل معنى ما يعلم منه مقدار الدرهم وفى المصباح الدرهم الاسلامى اسم للمضروب من الفضة و هوستة دوانيق والدرهم نصف دينار وخمسه وكانت الدراهم في الجاهلية فكان بعضها خفافا وهی الطبرية وبعضها ثقالا كل درهم ثمانية دوانيق و كانت تسمى العبديه و قيل البغلية نسبته الى ملك يقال له راس البغل فجمع الخفيف والثقيل وجعلا در همين متساويين فجاء كل درهم ستة دوانيق ويقال ان عمر هو الذي فعل ذلك لانه لما اراد

ص: 543

جباية الخراج طلب بالوزن الثقيل فصعب على الرعية فجمع بين الوزنين واستخرجوا هذا الوزن.

و فى النهاية درهم اهل مكة ستة دوانيق و دراهم الاسلام المعدله كل عشرة سبعة مثاقيل وكان اهل المدينة يتعاملون بالدرهم عند مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فارشدهم الى وزن مكة واما الدنانير فكانت تحمل الى العرب من الروم الى ان ضرب عبدالملك عليه اللعنة بن مروان الدينار فى ايامه.

و قال فى ثقله والمثقال واحد مثاقيل الذهب والمثقال الشرعى على ما هو المشهور المعول عليه فى الحكم عبارة عن عشرين قيراطا والقيراط ثلث حبات حبات من شعير كل حبة عبارة عن ثلث حبات من الارز فيكون بحب الشعير عبارة عن ستين حبة وبالارز عبارة عن مائة وثمانين حبة فالمثقال الشرعى يكون على هذا الحساب عبارة عن الذهب الضنمى كما صرح به ابن الاثير حيث قال يطلق المثقال في العرف على الدينار خاصة والذهب الضمى عبارة عن ثلثه ارباع المثقال الصير في عرف بذلك بالاعتبار الصحيح ومنه يعرف ضبط الدرهم الشرعى فان المشهوران كل سبعة مثاقيل عشرة درهم وعلى هذا فلو بسطنا السبعة على العشرة يكون المثقال عبارة عن درهم وخمس وهو بحساب الشعير يكون عبارة عن اثنين و اربعين حبة من حب الشعير و انت خبيران بسط السبعة على العشرة لا يجعل المثقال عبارة عن درهم وخمس ضرورة ان الدرهم وخمسة اقل من المثقال فترى ان اثنين واربعين وخمسة لا يكون مقدار وهو (قدس سره) صرح بان المثقال الشرعى يكون بحب الشعير عبارة عن ستين حبة فالصحيح ان يقال ان المثقال عبارة عن درهم و ثلثة اسباع درهم كمالا يخفى على المتامل فى النسبة بين السبعة والعشرة فاثنان و اربعون يحصل من ضرب السبعة في الستة والستون يحمل من ضرب العشرة في الستة وصريح كلامه ان المشهور ان كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم فيظهر مما مر ان قوله يكون المثقال عبارة عن در وخمس من سهو القلم اومما غلط فيه النساخ والاقوى الثاني لان في النسخة الاخرى من الكتاب وعلى هذا فلو بسطنا السبعة على العشرة يكون الدرهم عبارة عن

ص: 544

نصف مثقال و خمسه وهذا التفريع صحيح لاشك فيه و هو موافق لما قلنا من ان المثقال درهم وثلثة ارباع در هم فتصف المثقال خمسة وخمسه اثنان والنصف والخمس در هم واذاضم عليه ثلثة اعشار يكون عشرة وهوتمام المثقال.

والحاصل ان المثقال الصيرفى اربع وعشرون خمصة والمثقال الشرعي الذي قد يعبر عنه بالمثقال الصنمى ثلثة ارباع المثقال الصير فى فيكون ثمانية عشره خمصة والدرهم الشرعى سبعة اعشار المثقال الشرعى فوزنه اثنى عشر خمصة و ثلثة اخماس خمصة فاذا ضربت مقدار الدرهم في العشرة يكون حاصل الضرب به وست وعشرون خمصة وحيث انه سبعة اعشار المثقال الشرعى يكون حاصل ضرب المثقال في السبعة موافقاً مع حاصل ضرب الدرهم في العشره كما يظهر بادنى تامل فنسبة الدرهم مع المثقال الشرعى نسبة السبعة مع العشرة و ان شئت قلت نسبة العشرة والنصف مع الخمسة عشر وحيث ان الشرعى ثلثة ارباع الصير فى فيكون نسبة الدرهم مع الصير في نسبة العشرة والنصف مع العشرين وان شئت قلت ان الدرهم نصف المثقال الصيرفي وربع عشرة وليس في الروايات ما يدل على ان المراد من الدرهم اى نوع منها وان البغلى مخالف للموافى او موافق له فذهب بعض الاصحاب الى وحدتهما والبعض الاخر الى تعددهما و اخلاقهما ولا تطمئن النفس باحد القولين كما انه لا طريق الى فهم المراد من الدرهم المذكور فى الروايات لعدم ما يكشف عن بعض الدراهم دون الآخر ولك ان تقول ان المراد الدرهم الشرعى المتداول في زمان الصادقين (ع) لانه كان متداولا في ذلك الزمان وشيخنا البهائى رحمة الله عليه يحكى عنه ان الواجب حمل كلامهم على ما يوافق زمان النبى (ص) لان احكامهم متلقاة عنه (ص) وهى عندهم مثبتة في صحيفة بإملاء رسول الله (ص) وخط على (ع) فتكون مبنية على عرف زمانه والمتعارف عصر هم غير متعارف عصره.

و فيه ان التلقى عنه (ص) لا يستلزم التكلم في كل عصر لمتعارف عصره والدرهم المذكور في الروايات كان معيناً مضبوطاً عند الرواة ولذا لم يسئل احد منهم عن نوعه وكيفيته فلوكان الواجب حمل كلامهم على ما يوافق زمان النبى (ص) لوجب

ص: 545

الاذعان لعدم تبدل ما في زمانه (ص) بما في زمانهم لكن المتعارف في زمان النبي ليس بمعلوم ولو كان البغلى هو المتعارف في زمانه (ص) لم يترك في زمان عبد الملك عليه اللعنة الا ان وزن البغلى غير معلوم لعدم ثبوت وحدته مع الوافي بل مع ثبوت وحدته لا يفيد فائدة فقد عرفت من النهاية ان در هم اهل مكة كان ستة دوانيق ودراهم الاسلام المعدله كل عشرة سبع مثاقيل وكان اهل المدينة يتعاملون بالدراهم عند مقدم رسول الله (ص)فارشدهم الى وزن مكة (انتهى) والوافي ثمانية دوانيق وكذلك البغلى مع فرض الوحدة ومع الاختلاف مجهول القدر ويجوز ان يكون ما ارشدهم الرسول الله هو المعروف في زمان الصادقين (ع) فيترتب الاحكام عليه الا ان المعرفة بالمعروف في زمانهم لا يغنينا عن سعته لان افراد الدراهم اى درهم كان ليست على سعة واحدة لانها ليست مصنوعة بالمكينة فى ذلك الزمان ليتفق قوالب الافراد فالملخص ان سعة الدرهم اى درهم كان مجهولة لا طريق لنا الى در كها ولذا اختلف في سمة الدرهم فترى الاسكافى يحدده بعقد الابهام الاعلى و بعضهم باخمص الراحة و عن العماني انها سعة الدينار وحكى بعض الافاضل عن بعضهم اعتبار سعة العقد الاعلى من السبابة ومن الوسطى مع ان في هذه المقادير ايضاً اختلاف ضرورة عقد الابهام مختلف باختلاف الاشخاص وكذا عقد السبابة والوسطى و عقد الاصبع من كل شخص مخالف بعقد اصبع الاخر بل عقد الابهام من اليمين يخالف اليسار من شخص واحد وكذلك السبابة والوسطى وسمة الدينار ليست بمضبوطة معلومة فالبحث عن الدراهم لافائدة فيها لان موضوع الحكم سعة الدرهم وهي مجهولة من كل فهى اشبه شيء بالاشبار التى مختلفة غاية الاختلاف و بينا ان تعبين الكر بالاشبار ليس معيارا واقعيا ولا ينبغى التعيين الكرية فالمعلوم في المقام هو كون مقدار قليل من الدم معفوا عنه في الصلوة اذا كان على الثوب وذلك المقدار غير معلوم لاطريق الى ادراكة فلابد من رجوع المكلف الى الاصل الجارى فى المقام فالقدر المتيقن هو ادنى المحتملات المقولة في المقام وعقد السبابة الاعلى هوادنى المحتملات في المقام ولو اشتبه واختلف عقود السبابات يجب الاكتفاء بادناها وغسل ما فوقها والحاصلان

ص: 546

الاصل في الدماء وجوب اذالتها من الثياب الا ماثبت العفو عنه.

والمقصود من الدماء الدماء النجسه فعمومات وجوب ازالة النجس عن الثياب تشملها وتدل على الوجوب رواية ابي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال ان اصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه وهو لا يعلم فلا اعادة عليه وان هو علم قبل ان يصلى فنسى وصلى فيه فعليه الاعادة ويدل ايضا رواية سماعة قال سئلت ابا عبد الله (ع) يرى بثوبه الدم فینسى ان يغسله حتى يصلى قال يعيد صلوته كى يهتم بالشيء اذا كان في ثوبه مقوبة لنسيانه قلت فكيف يصنع من لم يعلم ايعيد حين يرفعه قال لا ولكن يستانف وهاتان الروايتان تدلان على وجوب اذالة الدم من الثوب بمعنى بطلان الصلوة معه مع العلم والنسيان بل الروايات التى فيها استثناء مقدار الدرهم فى الابطال دلائل واضحة على ما نعية نجاسة الدم عن صحة الصلوة والاستثناء الواردة فيها مبهم مجمل لا جمال مقداره فما لم يعلم مقدار المستثنى يجب الاكتفاء باقل محتملاته لعدم العلم بما فوقه والاصل ما نعية الدم النجس عن صحة الصلوة مع العلم به فى الثوب والاصل الاولى اعنى عدم مانعية الدم عن صحة الصلوة انقطع بدلالة الدليل اعنى عمومات مانعية النجاسة و خصوص مادل على مانعية الدم وتبدل بالاصل الثانوى وانقطاع هذا الاصل بغير الاقل غير معلوم لعدم قيام حجة على ساير التقديرات .

وقد يستدل لسعة الدينار بالمروى عن على بن جعفر (ع) وان اصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله ولا تصل فيه حتى تغسله واجمال سعة الدينار كاف في عدم الحجية وضعف السند يبعد الحجية عنه.

هذا تمام الكلام فى الثوب واما البدن فليس فى الاخبار اسم منه و مقتضى الاصل ما نعية الدم عن صحة الصلوة اذا اصاب البدن كائناً ما كان مقداره و رواية مثنى بن عبد السلام تدل على عدم وجوب غسل ما نقص من الخمصة لانه سئل عن الصادق (ع) انى حككت جلدى فخرج منه دم قال ان اجتمع قدر خمصة فاغسله والا فلا وجعل صاحب المدارك هذه الرواية مدركا لابي جعفر بن بابويه حيث قال بعدم وجوب غسل الدم اذا نقص من الخمصة واستثنى عنه دم الحيض وضعف سندها بعدم

ص: 547

كون المثنى ممدوحاً و مع ضعف السند لا يمكن التمسك به لاثبات حكم مخالف للاصل ولذا اقتصر بعض الاصحاب فى هذا الحكم على الثوب كما يحكى عن الفقيه وجمل المرتضى رحمه الله والمقنعة والمراسم والهداية والمبسوط والخلاف و ثبوت حكم من الاحكام للثوب لا يدل على ثبوته للبدن ولا دليل على الحاقه به لانهما موضوعان مختلفان واشتراكهما في بعض الاحكام لا يصحح القياس فى الاخرى.

والحق بعض الافاضل البدن بالثوب وعلل باشتراكهما في المشقة الازمة من وجوب الازالة ولا يخفى على الخبير ان هذا التعليل قياس لا يستند اليه الاحكام فان العملة المستنبطه لا يفارق القياس فيجوز ان يكون الموجب امراً اخرى سوى المشقة مع ان مشقة الازالة ليست بمثابة يرتفع الحكم بها بل دقة النظر تهدينا الى عدم المشقة فى ازالة النجاسة عن البدن كمشقتها عن الثوب وكيف كان فلا يستلزم ثبوت العفو عن الثوب ثبوته عن البدن وبعضهم استدل بالاجماع على ثبوت العفو فى البدن لما قال في المنتهى انه لا فرق فى ذلك بين الثوب والبدن ونسب ذلك الى الاصحاب و هو مشعر بالاجماع عليه وكذلك ماعنى بالدلائل من نسبته الى الاصحاب المشعرة به ايضاً بل عن الحدايق ان ظاهر الاصحاب الاتفاق مع دعوى بعضهم بكونهما معقد صريح اجماع الانتصار والخلاف وظاهر اجماع كشف الحق وبكونه مشمولا لاطلاق معقد اجماع المعتبر والمختلف وهو الحجة الكافية في المقام والناظر في هذه المقالة لا يرى فيها ما يوجب اطمينان النفس بهذا الحكم لان نقل الاجماع مع حكاية الخلاف عن بعض الاساطين كما عرفت من الفقيه وجمل المرتضى والمقنعه والمراسم والهداية والمبسوط والخلاف يشبه الجمع بين النقيضين مع انك قد عرفت مرارا أن الاجماع ليس بحجة لاثبات الاحكام لعدم الملازمة بين الواقع وبينه.

فلا يجوز اثبات حكم من الاحكام بالاجماع المنقول مع وجود المخالف من الاساطين فلا يترتب على هذا الاجماع علم ولاظن .

ومقتضى ما بينا من عدم وضوح الدرهم وسعته وعدم العفو عما شك فيه والاكتفاء في العفو بادنى المحتملات عدم الفائدة فى البحث عن حكم مقدار الدرهم من دون

ص: 548

زيادة ونقصان لان المقدار مجهول لا طريق الى معرفته و اما الروايات فيهذا الباب فالصحيح فيها تدل على وجوب الازالة فقدمر فى صحيحة عبدالله بن أبي يعفور قال قلت فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى ان يغسله فيصلى ثم يذكر بعد ماصلي ايعيد صلوته قال يغسله ولا يعيد صلوته الا ان يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد الصلوة وصراحتها فى المطلوب لا يحتاج الى البيان وتتلوها فى صراحة الدلالة مرسلة جميل بن دراج عن أبي جعفر و ابی عبدالله عليهما السلام انهما قالا لاباس بان يصلى الرجل فى الثوب وفيه الدم متفرقا شبه النضح وان كان قدر آه صاحبه قبل ذلك فلا باس به مالم يكن مجتمعاً قدر الدرهم.

واما ما استند القائل بعدم الوجوب فليس فى وضوح الدلالة مثل ماذكر فقال ابو جعفر (ع) فى الدم يكون فى الثوب ان كان اقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلوة وان كان اكثر من قدر الدرهم وقد كان رآه ولم يغسله حتى صلى فليعد صلوته فتری ان هذه الرواية ليست صريحة فانها ساكنة عن حكم مقدار الدرهم من دون زيادة و نقصان وان استند الخصم بقوله (ع) وان كان اكثر من قدر الدرهم الخ يقال له عدم الاعادة الذي هو على خلاف الاصل مرتب على كونه اقل من الدرهم واما الاعادة فهى من مقتضيات مانعية عموم النجاسات وخصوص نجاسة الدم عن صحة الصلوة و ليس لقوله (ع) وان كان اكثر مفهوم يستند عليه للمطلوب لان حكم المفهوم المخالف قدبين فى قوله ان كان اقل فاذا كان المبين فى مقام بيان الحكمين المختلفين بعبارتين مختلفين فليس لهما مفهوم لان المفهوم قد بين بالمنطوق واما التعبير بالاقل والاكثر والسكوت عن مقدار الدرهم لعل لاجل ندرة وجوده فان الاغلب على خلاف مقدار الدرهم وحكم المقدار يعرف من العمومات الدالة على المانعية الموجبة لتبدل الاصل الاولى اعنى البرائة الى الاصل الثانوى اعنى ما نعية النجس المستلزمة لوجوب الازالة فالوجوب وجوب مقدمى والحكم حكم وضعى.

واذا احطت خبراً بما بينا يسهل لك الجواب عن الاستدلال بحسنة محمد بن مسلم فان استدلال الخصم بالتعبير بالاكثر للموجوب وعدم الزيادة لعدم الوجوب ثم انه

ص: 549

هل يشترط فى المنع عن المعفو وصول الدم الى سعة الدرهم او تجاوزه عنه على القولين فعلا بحيث لا يمنع منه مع تفرقه ولو كان المجموع بالفاحد النصاب او يكفى بلوغ نقاط الدم مع فرض الاجتماع حد النصاب خلاف منشائه الاختلاف في تركيب عبارة الروايات ففى صحيح عبدالله بن أبي يعفور عن مولانا الصادق (ع) قال قلت فالرجل يكون فى ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فنسي ان يغسله فيصلى به ثم يذكر بعد ماصلي ايعيد صلوته قال يغسله ولا يعيد صلوته الا ان يكون مقدار الدرهم مجمعاً فيغسله ويعيد الصلوة .

فمن يصنع من منعه للعفو و يشترط فعلية الاجتماع يجعل المقدار اسما ليكون ومجتمعاً خبره وعلى هذا التركيب اشتراط فعلية الاجتماع واضح ومن يقول بكفاية الاجتماع المنع ولو بالفرض يجعل اسم يكون الضمير الراجع الى النقط وخبره المقدار ولفظ مجتمعاً حالا مقدره فيحصل المعنى ان وصول الدم مقدار الدرهم في حال الاجتماع يمنع من المعفو كما لا يخفى على المتامل.

وفى مرسلة جميل عن الباقر والصادق عليهما السلام انهما قالا لا باس بات يصلى الرجل فى ثوب وفيه الدم متفرقا شبه النضح وان كان قد آه صاحبه قبل ذلك فلا باس به مالم يكن مجتمعا قدر الدرهم فالقائل باشتراط اجتماع الفعلى يجعل قدر الدرهم اسما و مجتمعاً خيراً والمكتفى بالاجتماع بالقوة يجعل الاسم الضمير الراجع الى الدم ومجتمعاً حالا والاصل في المسئلة كون بالغ النصاب مانعاً من العفو على الاطلاق لان اطلاق المنع من العبادة لم يقيد وعمومه لم يخصص الا بمادون الدرهم وما كان مقداره اوازيد لم يثبت استثنائه عن المنع والروايتان لادلالة فيهما على الاستثناء لعدم ثبوت كون مجتمعاً خبراً سيما في المرسلة لانه فيها بالحال اشبه وفى حسنة محمد بن مسلم قبل اذا كنت قدرايته وهو اكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه صلوة كثيرة فاعد ماصليت وهو يعم المجتمع والمتفرق وفي حديث اسماعيل الجعفى عن الباقر (ع) وان كان اكثر من قدر الدرهم و كان قدرآ. فلم يغسله حتى صلى فليعد صلوته ولم يفرق بين المجتمع والمتفرق والاكثرية كماهو

ص: 550

متناول المجتمع تناول المتفرق من غير فرق بينهما.

والحاصل ان الاشتغال اليقينى يستدعى البرائة اليقينية فلابد من الاحتياط لتحصيل اليقين بالفراغ وقديستدل بان كل واحد من المتفرق معفو عنه لقصوره عن سعة الدرهم وفيه ان هذا اول النزاع والاستدلال مصادرة والقصور عن سعة الدرهم موجب للمعه و مالم يكن الدم متجاوزا مع الاجتماع فوحدة الثوب كافية لوحدة المتفرقات بل وحدة المكلف توجب وحدة ما اصاب بثوبه و بدنه ذكر البدن على القول بالعفو عن ما اصاب البدن كالثوب فلو كان ما اصاب الثوب والبدن باجتماعهما زايداً عن المعفو يجب تطهيره لان المكلف شخص واحد اصاب ثوبه او بدنه او كليهما الدم البالغ بحد النصاب فيجب عليه الاجتناب عن النجس وازالته وتعدد الثوب والبدن او تعدد الاثواب او تعدد نقاط الدم لا يوجب تعدد المكلف فيصح ان يقال اصاب هذا المكلف الدم المانع عن صحة الصلوة ولا يلاحظ وصول الدم الى البدن او اصابته الى الثوب كما لا يلاحظ اجتماع الدم او تفرقه وهذا المعنى من الواضحات التي لا ينبغي التشكيك فيه والبحث عنه وبعض من يقول بالعفو مع بلوغ نقاط الدم النصاب مع الاجتماع وعدم بلوغ أحد النقاط النصاب يستثنى صورة تفاحش النقاط وليس للتفاحش حد محدود معين فهو مجمل في بيانه اختلاف فقال بعضهم التفاحش يتحقق بربع الثوب والاخر يكون اندم دراعا في دراع وثالث فسره بكونه شبراً فى شبر وما كان فى الاجمال بهذه المثابة لا يجوز تعليق الحكم عليه فالاولى الاعراض عن اصل هذه المسئلة لتوغله فى الاجمال وعدم ما يستند عليه لهذا القول وقد يتمسك له بالمرسلة المحكية في البحار عن دعائم الاسلام عن الباقر و الصادق عليهما السلام انهما قالا في الدم يصيب الثوب يغسل كما يغسل النجاسات وخفيا في النضح اليسر منه ومن ساير النجاسات مثل دم البراغث واشباهه قال فاذا تفاحش غسل وارسالها مانع عن التمسك به و كذا اشتمالها على مالا يقول به الامامية من اجزاء الحكم في ساير النجاسات وموافقتها للعامة يؤيد ورودها مورد التقية مع انها متوغلة في الاجمال المانع عن العمل فمثل هذه الروايات لا يرفع اليد عن الروايات

ص: 551

السابق ذكرها .

وسوى ابن الجنيد رحمه الله بين النجاسات والدم في الحكم المزبور يعنى العفو عما دون الدرهم واستثنى منه المني ودم الحيض وليس له دليل يمكن الاستدلال به لخلو الاخبار عنه واحتج ابن الجنيد بانه نجس فاعتبر فيها الدرهم كالدم و هو قياس مردود لا يعتنى به مع ان الروايات على خلافه بورود الامر بالتطهير في ساير النجاسات من البول والغايط والخمر وغيرها من غير فرق بين الدرهم والاكثر.

والحق القطب الراوندى على ما فى المختلف بدم الاستحاضة والحيض والنفاس في عدم العفو دم الكلب والخنزير والكافر ومنعه ابن ادريس (قده) وادعی انه خلاف اجماع الامامية قال العلامة (قده) والمعتمد قول القطب رحمه الله لان المعفو عنه هو نجاسة الدم والدم الخارج عن الكلب والخنزير والكافر يلاقي اجسامها فيضاعف نجاسته و يكتسب بملاقاة الاجسام النجسة نجاسة اخرى غير نجاسة الدم وتلك لم يعف عنها كما لو اصاب الدم المعفو عنه نجاسة غير الدم فانه يجب اذالته مطلقا وان قل وابن ادريس لم يتفطن لذلك فشنع على قطب الدين بغير الحق .

ولك ان تجيب عن هذا الاستدلال بان الاخبار مطلقة والدم مما استثنى فيها ودم نجس العين وان كان اشد نجاسة من الدماء الاخر الا ان تأثير هذه الشدة في دفع المعفو لا يستفاد من الاخبار ولا يقال على الدماء الثلثه انها نجسة و متنجسة و تخصيص مالم يرد تخصيصه في الروايات بالاستحسان خارج عن طور الاستنباط على انه (قده) ادعى انه خلاف الاجماع ولو تم هذا الدعوى لا يبقى وقع لهذا الاستحسان فعلى العلامة ( قده ( الجواب عن دعوى الاجماع اولا ثم رمى هذا المحقق بعدم التفطن.

قال في سراج الامة و قد يلحق بدم الحيض دم الكلب والخنزير كما عن الشيخ والقطب الراوندى بل مطلق نجس العين الشامل لماذكر و الميتة والكافر كما عن صريح قواعد الفاضل وارشاده ومختلفه ومنتهاه والدروس والبيان والمعالم والرياض وظاهر الروض والتنقيح وجامع المقاصد تمسكا في ذلك بالاصل المتقدم

ص: 552

المستفاد من اطلاق الاخبار الامره بالغسل واستصحاب شغل ذمة القطع المفتقر الى البرائة اليقينية واكتسابه بملاقات البدن النجس نجاسة غير معفوة ومرفوعة البرقى دمك انظف من دم غيرك اذا كان من ثوبك شبه النضح من دمك فلاباس وان كان دم غيرك قليلا او كثيرا فاغسله وعدم شمول اخبار العفوله لان المتبادر منها هو الافراد الشايعة دون الفروض النادرة.

خلافا لجماعة من الاصحاب منهم الحلى مدعياً عليه الوفاق والفاضل النراقي مضعفاً للوجوه المذكورة اما الاول فبانقطاعه بمطلقات العفو و كذا الثاني و اما الثالث فبان المستند فى اكتساب الملاقي للنجاسة النجاسة مطلقا ليس الا الاجماع وتحققه في النجاسة الملاقيه لها غير معلوم واما الرابع فبان مقتضاه عدم العفو عن دم الغير و هو و ان افتى به بعض المحدثين من المتاخرين الا ان الظاهر انعقاد الاجماع على خلافه كما يدل عليه اطلاقاتهم وینادی به خلافهم في دم نجس العين ولا اقل من مخالفته للمشهرة القديمة والجديدة المخرجة له عن الحجية وقصره على دم نجس العين اخراج لغير الواحد وهو غير جائز.

و اما الخامس فبانه لو اوجب عدم شمول اخبار العفو له لاوجب عدم شمول مطلقات الامر بالغسل واعادة الصلوة له ايضاً فيرجع الى اصل عدم وجوب الازالة.

ودقة النظر هادية للمناظر فى هذه المقالات الى ان القول بعدم الفرق بين دم الكلب والخنزير والكافر وساير الدماء وان كان هذه الدماء انجس اقوى لان ملاقات النجس بالنجس الاخر لا يوجب التعدد في النجاسة لكل منهما حكم على خلاف الاخر لان النجس الملاقي يشتد نجاسته بالملاقات ولا يتعدد وليس فيه سوى الاشتداد و تاثير الاشتداد اثرا سوى ما كان قبل الملاقات يحتاج الى دليل غير مادل على تأثير الاول وليس فى الاخبار ما يدل على تأثير الملاقات زايداً على ماكان الملاقي .

والاصل المستفاد من اطلاق الاخبار الامرة بالغسل لا ينافي العفو عن مقدار منه في الصلوة لمصلحة من المصالح بل العفو يتوقف على النجاسة المستفادة من الاخبار فلولا النجاسة لما كان للعفو معنى و استصحاب الشغل لا معنى له بعد دلالة

ص: 553

الدليل على العفو لان الاستصحاب لا يجرى مع دلالة الدليل سواء كان موافقاً له او مخالفاً والندرة المدعاه لو كانت مانعة عن شمول الاخبار تمنع عن شمول الاخبار المفيدة للنجاسة فينقلب الاصل الى اصل عدم وجوب الازالة .

واما مرفوعة الرقى فلا قصور فى دلالتها على مطلوب الخصم الا ان الجهل بحال الوسائط يمنعنا عن العمل بها سيما مع اشتمالها على انحصار العفو بدم المكلف نفسه ووجوب غسل دم الغير قليلا كان او كثيرا وهذا مما لم يظهر افتاء احد به سوى الاسترابادى من المحدثين واشتثناء دم الحيض عن الدماء المعفو عنها يمنع من العمل بالمرفوعة لان دم الغير اعم من دم الحيض مع ان حصر العفو بدم النفس مع استثناء دم الحيض يوجب حصر العفو بالنساء لان الرجال ليسوا من اهل الحيض ولقائل ان يقول لم لا يجوز انحصار العفو بدم المكلف نفسه و وجوب غسل دم الغير قليله وكثيره مع تصريح المرفوعة بالانحصار و عدم ما يخالفها من الاخبار لعدم ما يمنع من حمل المطلقات على المقيد .

والجهل بالوسائط مانع عن العمل بالمرفوعة لو كان لها معارض من الاخبار لا مطلقا على انها موافقة للمطلقات الدالة على وجوب اذالة النجس عن الثوب في غير الدم القليل من المكلف وليس فى الاخبار عموم غير قابل للتخصيص ولا مطلق غير قابل للمتقييد ولا تصريح فى العفو عن دم الغير حتى يعارض المرفوعة واستثناء دم الحيض لا يمنع من الحصر المذكور ويكفى فيه كون النساء مكلفات لوجوب غسله وعدم العفو عنه ولا يوجب حصر العفو بالنساء .

وكون اكثر ابتلاء المكلف بدم نفسه يؤيد هذا الانحصار.

والحاصل ان المرفوعة لامجوز بطرحها لعدم ما يخالفها وهي صريحة في حصر العفو عن مقدار معين من دم المكلف نفسه وقوله في المرفوعة دمك انظف من دم غيرك اشارة الى ان العملة فى الاجتناب عن الدم قذارته وحيث ان دم الشخص نفسه انظف من دم الغير لا يوجب قذارته الاجتناب عنه ما لم يبلغ الدرهم و اما دم الغير فهو باق على اصله فنمنع عن صحة الصلوة قليله وكثيره فالمسئلة لاغبار عليها و

ص: 554

قول هذا القائل حقيق بالاتباع سيما مع موافقته للاحتياط التي هو طريق النجاة ولو اصاب الدم المعفو عنه مايع طاهر فتنجس به فهل ثبت العفو بالنسبة الى اقل الدرهم منه ام لا مقتضى القواعد عدم سراية العفو اليه لانحصار العفو بالدم وتنجسه به لا يثبت حكم المنجس للمتنجس فملاقات الدم يوجب نجاسة الملاقي ولا يجعل المايع الملاقي المدم من الدماء فلا يثبت له حكم الدم النجس فالماء المتنجس موضوع والدم النجس موضوع آخر وسببية الدم لنجاسة الماء لا يقتضى ثبوت العفو له لان العفو من احكام الدم والماء لم ينقلب دما بالنجاسة و النجاسات لها جهتان جهة تعم جميع موضوعات النجسه كتنجيس الملاقي مع الرطوبة ووجوب ازالتها عن الثوب والبدن وجهة مختصة لنجس مخصوص كتطهير البول بالماء وجوبا وكفاية الاحجار في ازالة النجو مع عدم التجاوز ووجوب التعفير في تطهير الولوغ والغسل سبعا فيما لاقى الخنزير وتطهير ذهاب الثلثين نجاسة العصير العنبي المغلى على القول بها والعفو عن الاقل من الدرهم من الدم فالحاق حكم العفو من قليل الدم الى المايع المتنجس به اسراء للحكم الشرعى من موضوع الى موضوع آخر وهو قياس لا يجوز الاعتماد عليه والاستناد بالاولوية المستفادة من عدم زيادة الفرع على الاصل من الهواجس النفسانية ضرورة ان لكون النجس دما دخلا في ثبوت الحكم والمايع المتنجس بسبب الملاقات به مخالف له فى الذات ولامانع من كون خصوصية الموضوع مؤثرة فى الحكم فمالم يرد في الشرع ما يدل على حكم خاص ليس لاحد اثباته بهذه المستندات مع ما ورد فى اخبار اهل بيت القدس والعصمة المنع من الاستناد بالاولوية وناهيك في هذه المسئلة رواية ابان بن تغلب المروية فيدية اصابع المرأه مع ان الاولوية المدعاء في المقام معالم يثبت لجواز ان يكون لحقيقة الدم دخلا في هذا الحكم فلا يحيل في غيره فكف صار المايع المتنجس بالدم اولى بالحكم مع كون حقيقة الدم مؤثرة فيه.

وما قيل من ان معنى نجاسة المتنجس بالملاقات انتقال حكم النجس اليه لا ينافي ما بيناه من اختصاص بعض الآثار ببعض الخصوصية فانتقال حكم الدم النجس

ص: 555

الى المايع لا ينافي عدم سراية حكم العفو اليه لان العفو من خصايص حقيقة الدم والمايع المتنجس ليس من الدم و ما قيل ان قضية الاصل برائة الذمة عن وجوب الازالة قد عرفت بطلانه لان الاصل الاولى انقلب الى الاصل الثانوى المستفاد من الأوامر بالغسل والاعادة وقضية العفو عن مقدار من الدم اعنى عدم ما نعيته من صحة الصلوة تفضل من الشارع على المكلفين في خصوص هذا الموضوع ولا يكفي في اسراء هذا العفوالى المتنجس من الدم المعفو عنه استناداً الى اكتساب النجاسة منه ضرورة ان للدم دخلا في هذا الحكم.

و يعفى عن دم القروح والجروح فى الصلوة فلا تبطل الصلوة به والاصل في هذه المسئلة الروايات ففى رواية ابی بصیر قال دخلت على ابى جعفر (ع) و هو يصلى فقال لي قائدى ان فى ثوبه دماً فلما انصرفت قلت له ان قائدى اخبرني ان بثوبك دماً فقال ان بی دما میل و لست اغسل ثوبي حتى تبره .

و في صحيحة المرادى قلت لابي عبد الله (ع) الرجل يكون به الدماميل والقروح بجلده وثيابه مملوة دماً وقيحاً وثيابه بمنزلة جلده قال يصلى في ثيابه ولا شيء عليه ولا يغسلها.

و في صحيحة عبد الرحمن بن ابی عبدالله قال قلت لا بي عبد الله (ع) الجرح يكون فى مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم والقيح فيصيب ثوبي فقال فلا يضرك بان لا تغسله.

وفي صحيحه محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام قال سئلته عن الرجل تخرج به القروح فلاتزال تدمى كيف يصلى فقال يصلى و ان كانت الدماء تسيل و في رواية سماعة بن مهران عن ابی عبد الله قال اذا كان بالرجل جرح سائل فاصاب ثوبه من دمه فلا تغسله حتى يبرء او ينقطع الدم .

وهذه الروايات تدل على عدم منع الجرح والقروح عن صحة الصلوة وجعل الامام (ع) غاية هذا الحكم برء القروح اذا الجرح المستلزم لانقطاع الدم او انقطاع المستلزم لارتفاع الموضوع وليس العفو مشترطا بشرط من الشروط فترى ان حكم

ص: 556

العفو باق ببقاء القروح او الجرح وتقييد عبد الرحمن في سئواله كون الجرح في مكان لا يقدر على ربطه وسيلان الدم لا يؤثر فى الاشتراط فلا اناطة في جواب المعصوم عدم الضرر على شيء وقوله عليه السلام يصلى وان كانت الدماء تسيل يدل على عدم اشتراط السيلان في العفو عنه.

و رواية ابي بصير تدل على عدم اشتراط العجز عن الغسل فانه (ع) يقول لست اغسل ثوبى حتى برء و هذه المقالة يقال في مورد القدرة و ليس في احدى الروايات اشعار باشتراط استيعاب الدم اوقات الصلوة وعدم الفرجة لادائها وقول محمد بن مسلم فى السئوال لاتزال تدمى لا تدل على اشتراط عدم الزوال لان الامام اجاب على الاطلاق ولم يقل اذا كان كذلك فليصلى .

ولا يشترط ايضاً عدم تعدد الأثواب المصلى و انحصار ثوبه في واحد لاطلاق الروايات بل العموم المستفاد من ترك الاستفصال اترى ان ثوب مولانا الصادق (ع) كان منحصراً في الواحد مع ان قوله(ع) لست اغسل ثوبي حتى بر يكشف امتداد العفو الى البرء وكذا قوله (ع) في رواية سماعة فلا تغسله حتى برء أو ينقطع الدم کاشف عن امتداد العفو الى البرء المستلزم للانقطاع او الانقطاع مع بقاء الجرح بل دقيق النظر حاكم بان ذكر السيلان توطئة لوصول الدم الى الثوب وكذا عدم القدرة على الربط فترى فى صحيحة عبدالرحمن تفريع السيلان على عدم الربط وتفريع اصابة الثوب على السيلان فلا موضوعية بعدم الربط والسيلان فالحاصل من هذه الروايات عدم تاثير دم القروح والجراح فى المنع عن صحة الصلوة والعفو عنهما مالم ينقطع الدم وفى رواية سماعة ايضاً فرع الاصابة على السيلان والحاصل ان موضوع العفو هو دم القروح والجراح من غير اعتبار العجز عن الغسل او تبديل الثوب ومن غير فرق بين البدن والثوب ولا بين استيعاب وقت الصلوة و بين حصول الفترة بقدر اداء الصلوة .

وقد يحكى عن جماعة من الاصحاب رضوان الله عليهم اعتبار استمرار سيلان الدم وعدم انقطاعه ولو لمحة تمسكا بالاصل المستفاد من اطلاق الروايات المعتبرة

ص: 557

الامرة بغسل الدم والحاكمة باعادة الصلوة المستلزم بالاقتصار في العفو على موضع اليقين وفيه ان اليقين حاصل من قوله (ع) لست اغسل ثوبي حتى تبرء وفي رواية سماعة حتى تبرء أو ينقطع الدم من دون ربطه الى عدم انقطاع الدم لمحة وقوله (ع) وان كانت الدماء تسيل من الشواهد على ثبوت الحكم من غير سيلان فان مفاد ان الوصلية كون مدخولها من الافراد الخفية فحال سيلان الدم يطابق حكمها حال عدم السيلان وقول الراوى لاتزال بدمى لم يوثر فى الحكم واذا عبر(ع) بان الوصلية ومضمرة سماعة قال سئلته عن الرجل به القرح والجرح فلا يستطيع ان يربطه ولا يغسل دمه قال يصلى ولا يغسل ثوبه كل يوم الامرة فانه لا يستطيع ان يغسل ثوبه كل ساعة لا يوجب رفع اليد عمادل على عدم الغسل قبل انقطاع الدم والبرء لانها مضمرة لا يعلم المقصود من الضمير ويمكن ان يكون غير المعصوم مع امكان استحباب غسل الثوب فى كل يوم مرة فلا يقاوم صحيحة ليث المرادى حيث قال الامام (ع) منها يصلى في ثيابه ولا يغسلها ولاشيء عليه وفى حكم المضمرة مفهوم رواية محمد بن مسلم المروية فى مستطرفات السرائر حيث قال ان صاحب القرحة التي لا يستطيع ربطها ولا حبس دمها يصلى ولا يغسل ثوبه فى اليوم اكثر من مرة لمامر من رواية عبد الرحمن بن ابی عبدالله عن ابی عبد الله (ع) حيث قال قلت لابي عبد الله الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم والقيح فيصيب ثوبي فقال دعيه فلا يضرك ان لا تغسله فحكم بعدم الضرر من دون ان يامر بغسل الثوب في كل يوم مرة و قديحكى عن بعضهم القول بان مدار العفو على عدم الانقطاع في زمان يتسع اداء الفريضة ولو حصل له الفترة بحيث تتسع اداء الفريضة وجب له الازالة وينسب ذلك الى الجماعة بل الى مذهب الاكثر عن مفتاح الكرامة حيث قال الظاهر من كلام الاكثر ان المدار على المشقة والحرج وكلامهم يعطى لزوم الاستمرار على وجه لا يتيسر الصلوة بدون الدم فيكون حالهما حال صاحب السلس والمبطون والمستحاضة و دائم النجاسة (انتهى).

والمتتبع في كلام القوم لا يخفى عليه عدم ذهاب الاكثر الى ما نسب اليهم

ص: 558

كما ان الناظر في اخبار الباب لا يتامل فى ان عنوان القروح والجراح ليس من باب السلس والمبطون والمضطر فترى الامام يقول لست اغسل ثوبي حتى تبرء من غير استناد الى الاضطرار .

فالظاهر ان عنوان القروح والجراح موضوع لحكم العفو مع قطع النظر عن المشقة والجرح وان كانا . موجبين لجعل هذا الحكم فهما ليسا من العمل الموجبة للحكم مع الوجود ولفقده مع العدم : بعبارة اخرى يمكن ان يكون المشقة والجرح بعض الصور حكمتين لجعل العفو دفعا لتحققهما لا علتين له بحيث يتحقق بوجودهما ويعدم بفقدهما فلو كان القروح والجروح فاقدين المشقة والحرج لا يحكم بعدم العفو.

ولوتنجس الثوب او البدن بالمتنجس من ذلك الدم بان لاقى مايع طاهر دم القروح او الجراح فاصاب الثوب اوالبدن فهل يسرى العفو الى ذلك المتنجس نظراً الى ان منجسه دم معفو عنه ولايزيد اثر الفرع على الاصل اولا يسرى التفاتاً الى ان العفو من احكام دم القروح او الجراح والمتنجس منه لا يسمى بالدم الاوفق بالقواعد و بطلان القياس الثاني ضرورة ان الموضوع دخلا لثبوت الحكم فالمغايرة بين الدم والمتنجس منه كافية لاختلاف الحكمين وليس فى الاخبار ما يدل على السراية وعدم مزية الفرع لا معنى له وليس من القواعد المستفادة من الاخبار و سراية العفو في القيح والعرق لا ينا في عدمها فى غير هما لانهما من اجزاء البدن ففى الحقيقة يرجع العفو الى العفو عن الدم فلذا نقيد العفو فيهما بعدم امكان الاجتناب عنهما فالقيح الملاصق للدم يعفى عنه وكذا العرق فلو تفاطر العرق من موضع غير ملاصق اوجری القيح من موضع غير موضع دم القرح او الجراح وتنجسا به لايسرى العفو اليهما فحكمها حكم المايعات الخارجة من البدن فعند التامل العفو عن العرق الملاصق او القيح المتصل عبارة عن العفو عن الدم ففى غير الملاصق والمتصل لا يجرى العفو وقديستند لسراية العفو بالمشقة والحرج المنافيين لحكمة العفو عن هذا الدم وفيه ان المنع من العفو في الملاقي ليس على الاطلاق الشامل لصورة المشقة والحرج

ص: 559

لان اقتضاء المشقة والحرج لنفى الحكم لا يخفى على احد فالمانع من سراية العفو يمنع سراية الحكم من موضوع الى موضوع آخر فيمنع من سراية العفو من الدم الى الملاقي لاختلاف الموضوع واما المشقة والحرج فليسا من هذا الباب والحاصل ان حكم العفو الثابت للدم لا يجرى فى ملاقيه لان الملاقي ليس من الدم فاذا تنجس ترتب عليه حكم المتنجس والحرج يمنع عن الحكم بمانعية المتنجس عن صحة الصلوة ولو لم يكن متنجساً من دم القروح والجراح فعنوان الحرج والمشقة الغير القابلة للمتحمل لا اختصاص لهما فى هذا الباب لانهما دافعان المحكم باى وجه كان فالبالغ بهذا النصاب لا يترتب عليه حكم النجاسة اعنى المنع من صحة الصلوة اى نجس كان فالقول بالسراية والاستناد الى المشقة والحرج خلط بين.

والمفاضل النراقى (قده) كلام في المستند يرفع الشك عن الناظر فيه وهو ان هذا المايع نجس غير الدم ولم يثبت العفو عنه والعفو عما نجسه لا يوجبه وكون المتنجس اخف نجاسة لا يصلح دليلا (انتهى) وهذا كلام في غاية المتانة لاراد له وهو مع كونه في غاية الاختصار لاقصور فيه للدلالة على المطلوب فكل من تصدى لرده لم يتامل فيه حق التامل.

ومقتضى الاحتياط ايضاً وجوب ازالة نجاسة المتنجس به لان اشتغال الذمة يستدعى اليقين بالبرائة ولا يحصل الا بها.

ولا فرق في العفو عن الدم المذكور بين كونه باقيا في محله او متعدياً الى غير محله لاطلاق الروايات الدالة على العفو و عدم ما يدل على وجوب التحفظ عنه و ظاهر قوله (ع) يصلى وان كانت الدماء تسيل عدم الفرق بين الباقي في المحل وبين المتعدى الى غيره لاقتضاء السيلان التعدى بل هو عين التعدى ولكن لا يشمل التعديه لظهوره في المتعدى بالنفس لا بالغير .

و قد يستشعر من رواية عمار بين التعدى والتعدية حيث قال سئلته يعنى ابا عبد الله (ع) عن الدمل يكون بالرجل فيفجر وهو في الصلوة قال يمسحه ويمسح يده بالحايط او بالارض ولا يقطع الصلوة فان مسح الدمل المنفجر تعدية الممسوح

ص: 560

وفيه ان الدمل اعم من الدم والقيح وليس فى الرواية كون الدمل المنفجر دمويا او مركبا من القيح والدم فيحتمل قويا كون المنفجر قيحا خالصاً كما هو الاكثر فى الدما ميل فلادلالة فيها على عفو الدم المتعدى بالتعدية و راوى هذه الرواية فطحى الاعتماد على ما يختص بروايته قليل وقد اشتهر انه يدخل في بعض الروايات مستنبطاته على ان الاحتياط في المقام لا ينبغى تركه فلا يترك الاحتياط لامثال هذه الروايات المجملة.

ثم ان العفو الثابت لهذا الدم انما هو مع عدم ملاقاته للنجاسة الخارجة عنه و اما مع ملاقاته للنجاسة الأخرى من دم وغيره حتى من دم قرح او جرح لغيره فلا يثبت العفو فدم القرح او الجرح لكل شخص معفوله لالغيره لعدم ما يدل على التعميم واما النجاسة الخارجة فلا يجرى فيه حكم العفو وادلة الاجتناب عن النجس لا يعارضها ادلة العفو والعفو الثابت لشخص من دمه لا يثبت لغيره وثبوته للغير يحتاج الى دليل غير مادل على ثبوته للشخص وليس فليس.

ولا يثبت العفو للدم المشكوك فى كونه من القرح او الجرح وعدم كونه منهما لان الحكم تابع لموضوعه فما لم يثبت لم يثبت والقدر المتيقن من القروح او الجروح ما يكون فى ظاهر البدن واما ما يخرج من الباطن فلا يعفى عنه الا بعد ثبوت كونه منهما والرعاف من الباطن و قديكون منهما وتارة من غيرهما ولا يثبت العفو للدم المشتبه بين القرحة والحيض والاستحاضة لان خصوصية القرحة غير معلومة وخصوصية الحيض والاستحاضة كذلك فالثابت له ما يثبت للجامع وهو العفو عما دون الدرهم لعدم ثبوت كونه من الحيض او الاستحاضة وعدم العفو عن الجميع لعدم ثبوت كونه من القرحة ولايضر بحال حكم الجامع عدم خلوه من احدى الخصوصيتين لان احديهما مشتملة على مزية تكليف فالمناطكون الدم من القروح او الجراح فلافرق بين الظاهر والباطن غير ان الظاهر لا يشتبه الحال فيه الا نادرا .

ومالاعفو فيه للجهل بحاله او العلم بكونه من غير الجروح او القروح يغسل ان انقطع وامن من الضرر ومع الاستدامة لا بد ان يحافظ بالحفظية مع عدم التعسر او التعذر

ص: 561

ومعهما يصلى مع الدم لالاجل العفو عنه بل لاجل التعذر ولكن الاخبار منصرفة الى الظاهر كما لا يخفى على الناظر فيها فيبقى الدماء الخارجة من الباطن على اصل المنع لانها خارجة عن اطلاق ادلة العفو ولا اشعار فى الاخبار بتعميم المعفو الخارج من الباطن وان كان من القروح او الجراح.

و اما الرعاف فقد وردت الاخبار الكثيرة الظاهرة فى عدم العفو من غير فرق بين كونه من الجرح اوالقرحة الموجودة في باطن الانف .

ولورعف في اثناء الصلوة غسله مع حفظ الاستقبال ومع عدم القدرة على الحفظ يغسل الدم ويبنى على صلوته لانه قام الى الصلوة بلامانع يمنع من الدخول ويزيل المانع عن صحة الصلوة بصرف ما وجد قال زرارة قلت له اصاب ثوبی دم رعاف او شيء من منى الى ان قال ان رايته فى ثوبى وانا في الصلوة قال تنقض الصلوة وتعيد اذا شككت فى موضع منه ثم رايته وان لم تشك ثم رايته رطباً قطعت وغسلته ثم بنيت على الصلوة لانك لاتدرى لعله شيء اوقع عليك فليس ينبغي ان تنقض اليقين ابداً بالشك فمعنى هذه الجملة وقوع النجاسة على المصلى فى اثناء صلاته لا ينا في صحتها اذا غسلها وبني عليها لان قبل الوقوع كانت الصلوة صحيحة تامة و اذا علم بالوقوع غسلها وبني عليها فلم يوجد من افعال الصلوة عالما بالنجاسة والقطع والبناء ليسا من مبطلات الصلوة بعد ما اجيزا فى الشرع ومضمرة زرارة كالمصرحة باسم المعصوم لانه اجل قدراً من ان يسئل عن غير الامام (ع) وتعليله (ع) الصحة بعدم الدراية و احتمال الوقوع عليه دليل قاطع على عدم ابطال النجاسة الصلوة مالم يعلم وقوعها قبل فعل شيء من الصلوة واما مع العلم وعدم التطهير فتبطل الصلوة .

ويؤيد هذه الرواية المضمرة رواية داود بن سرحان عن ابی عبدالله (ع) في الرجل يصلى فابصر في ثوبه دماً قال يتم فن اطلاقها شامل لوقوع النجاسة في اثناء الصلوة والدم اعم من مقدار الدرهم واقل منه واكثر وان قال الشيخ المعنى فيه اذا كان الدم اقل من مقدار درهم لعدم دليل على الحمل المذكور فكما يمكن ان يكون الحكم بالاتمام لاجل كون الدم اقل من مقدار الدرهم يمكن ان يكون بوقوع الدم

ص: 562

في اثناء الصلوة او وقوعه قبلها مع عدم علم المصلى بها واما قوله (ع) يتم فله وجهان فيمكن ان يكون المقصود الاتمام بعد غسل الدم والبناء على موضع القطع كما فى المضمرة او يكون المقصود اتمامها مع الدم وغسله بعد الصلوة كما صرح فيمارواه محمد بن ادريس (قده) فى آخر السرائر نقلا من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان عن ابی عبد الله (ع) قال ان رايت في ثوبك دما و انت تصلى و لم تكن رايته قبل ذلك فاتم صلوتك فاذا انصرفت فاغسله قال وان كنت رايته قبل ان تصلى فلم تغسله ثم رايته بعد وانت فى صلوتك فانصرف فاغسله واعد صلوتك ولا منافات بينها وبين المضمرة لجواز كون الغسل بعد الانصراف لعدم وفاء الوقت للقطع والغسل والبناء وكون القطع والغسل والبناء مع وفاء الوقت والحاصل من طول البحث ان الاخبار وان كانت مطلقة بالنسبة الى الظاهر والباطن لكن الانصراف الى الظاهر يمنع من التعميم قدم الباطن لا يعفى عنه ولو علم انه من القروح او الجراح

ولو برء بعض القروح او الجروح في صورة التعدد وبقى بعض آخر فهل يجب غسل دم ما برء اوهو معفو عنه حتى يبرء الكل و بعبارة اخرى القروح المتعدده في حكم قرحة واحدة يعفى عن دمائها الى برء الجميع اوكل قرحة يجرى فيها حكم المعفو والوجوب في الغسل حتى برء تلك القرحة و كذا الجراحة فلوبرء البعض دون البعض يترتب عليه الحكم ولا يتوقف على برء البعض الاخر مقتضى رواية ابي بصير بقاء العفو الى برء الكل حيث قال (ع) ان لى دماميل ولست اغسل ثوبي حتى تبرء فجعل برء الدماميل غاية غسل الدم والظاهر ان تعبير (ع) بلفظ الجمع لبيان كون وقت الغسل هو برء الدماميل كلها لان جواب ابى بصير لا يستلزم التعبير بالجمع لكفاية التعبير بالمفرد وليس فى اخبار الباب ما ينافى مفاد تلك الرواية وقد يتوهم منافات مفاد ثقة سماعة عن ابي عبدالله (ع) مفادها حيث قال (ع) اذا كان بالرجل جرح سائل فاصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى برء أو ينقطع الدم و يتوهم التعارض بينهما بالمفهوم ويرجح اطلاق خبر ابى بصير على اطلاق الموثقة لتعارض الاطلاقين والرجوع الى استصحاب العفو ولا يخفى على الخبير الماهر عدم التعارض بينهمالان

ص: 563

مفاد كلتا الروايتين عدم وجوب غسل الدم قبل البرء وليس المراد من الجرح السائل هو الجرح الواحد ضرورة عدم الفرق بين الواحد والمتعدد فلا معنى لما قيل في المقام من ترجيح الرواية على الموثقة لاجل كونها اخص مر الموثقة فان مفاد الموثقة هو السئوال عن دم الجرح الواحد سواء معه غيره اولا ومفادرواية ابى بصير هو السئوال عن المتعدد تحسب فان الجرح السائل اعم من الواحد والمتعدد و عرفت سابقا ان اعتبار السيلان لاجل تحقق الاصابة بالثوب فاذا اصاب الثوب لايفرق بين الواحد والمتعدد في حكم العفو فالمراد من الجرح السائل هو جنس الجرح المتحقق في الواحد والمتعدد.

والحاصل ان الرواية والموثقة ليس بينهما تعارض لانهما متحدان في المفاد ليس فيهما اختلاف واما الموثقة الاخرى لسماعة المضمرة قال سئلته عن الرجل برء القرح والجرح فلا يستطيع ان يربطه ولا يغسل دمه قال يصلى ولا يغسل ثوبه كل يوم الامرة فانه لا يستطيع ان يغسل ثوبه كل ساعة فمع ضعفها واضمارها لايعارض رواية ابي بصير لانها محمولة على الاستحباب او مطروحة لاعمل بها والثانى اولى لان الاستحباب كالوجوب لا يثبت بنحو هذه الروايات المضمرة التي لا يعين المسئول عنه وليس سماعة من يطمئن النفس بانه لا يسئل عن غير المعصوم

وقوله ان بی دما میل و لست اغسل ثوبي حتى تبرء يكشف عن عدم استحباب الغسل في كل يوم مرة لانه لا يترك الاستحباب من دون مانع.

وما اشتهر من التسامح فى ادلة السنن لا يعتنى به لان السنة كالوجوب حكم من احكام الشرع ليس بينهما فرق فى ضعف الادلة وقوتها فان الدليل الضعيف لا كشف فيها واجبا كان المدلول اوندبا ومفاد اخبار من بلغ امر وراء ماذكر اعنى التسامح في ادلة السنن .

ويظهر من ظواهر الاخبار ان المراد من القروح والجروح هوما في اندماله بطوء و ان المراد بالجروح ما يكون خارجا عن اختيار المكلف كما ان خروج الدماميل خارجة عن اختياره فكل ماروى فى هذا الباب له ظهور في الاضطرار فترى

ص: 564

عدم استناد الجرح في شيء من الروايات الى فعل المكلف فلواستند الجرح الى فعله یجب غسل الدم عن البدن والثوب لعدم شمول اطلاقات الاخبار دم الجرح المستند الى نفسه ولذا يجب غسل دم الحجامة والفصد مالم يمنع مانع لانها من الافعال الاختيارية وسرعة اند مالهما دليل آخر لعدم العفو عن دمهما روى على بن يقطين قال سئلت ابا الحسن (ع) عن الرعاف والحجامة والقى قال لا ينقض هذا شيئاً من الوضوء ولكن ينقض الصلوة.

ولعل قول مولانا الصادق في جواب المثنى بن عبد السلام حين قال له انى حككت جلدی فخرج منه دم ان اجتمع قدر خمصة فاغسله والافلاناظر الى انحك الجلد من فعله الاختيارى فالدم الخارج من الحك اذا بلغ قدر الخمصة تجاوز عن حد القليل المعفو عنه يجب غسله لان الحك الموجب لخروج الدم من فعله الاختيارى فلا يعفى عنه لاجل كونه من الجروح اولاجل كونه سريع الاندمال .

ولوكان بالرجل قرحة وجراحة فبرأت احديهما وبقيت الاخرى و تخلف دم ما برئت فمقتضى تعدد الموضوع وجوب اذالة دم ما برئت و مقتضى وحدة الحكم العفو عن التخلف مالم تبرء الاخرى والازالة موافقة للاحتياط فهو دم برئت موجبه وبقاء الأخرى لا يوجب العفو عنه لتعدد الموضوع والدليل الدال على المعفو قبل البرء لا يشمل المسئلة لانه قال لست اغسل ثوبي حتى تبرء بعد قوله ان بی دماميل ووحدة حكم القرحة والجراحة لا يوجب العفو عما برئت التي تدميه لعدم الدليل عليه فالعفو عن الدم النجس بعد ثبوت ما نعيته عن صحة الصلوة حكم على خلاف الاصل متوقف على وجود دليل يدل عليه واذليس فليس.

ومن هذا البيان يتفطن الفطن ان الحكم بان الدم المشكوك كونه من الدماء المعفوة عنها اوغيرها بكونه من الدماء المعفوة عنها ليس على ما ينبغى ضرورة ان العمومات الدالة على ما نعية النجاسة لصحة الصلوة فى حكم المقتضى و مادل على العفو من دم القروح او الجروح في حكم المانع فالمقتضى يؤثر اثره الا ان يمنع المانع فترتيب اثر المنع على غير ما علم ما نعيته يترتب للحكم على ما لم يعلم موضوعه

ص: 565

فليس بين مادل على المقتضى وبين مادل على المانع تعارض بل المانع يمنع من تاثير المقتضى فهو يتوقف عليه وليس في موضوع المقتضى في المقام قيد كونه غير القروح او الجروح بل موضوع المانع مقيد باحد هذين القيدين فاثبات الحكم للمقتضى لا يتوقف على العلم بكونه غير المانع فان خصوصية الدم ماخوذ في طرف المنع فيكفى فى نفى المنع الجهل بالخصوصية فالعفو حكم موضوعه احدالامرين وما لم يعلم لم يعلم واما حكم المقتضى فموضوعه الدم النجس وليس مقيداً لغييرية الدم من القروح او الجروح بل التامل فى معنى العفوكاف في اثبات ما بينا لان معنى العفو ان في المقام تقصير لكن العواطف الالهية اوجبت الاغماض عن هذا التقصير في موارد مخصوصة فالعفو يتحقق في خصوص تلك الموارد فما لم يتحقق لم يتحقق والاستصحاب يستدعى الاخذ بالعمومات وعدم الاعتناء بالموانع بل هذا معنى الاستصحاب فبعد وجود المقتضى والشرط يحكم بترتب الاثر مع احتمال وجود احتمال وجود المانع لان المانع يدفع بالاصل ضرورة ان عدم المانع ليس من شرائط المقتضى فلا يجب احرازه لان المانع بوجوده يؤثر في المنع ولا تاثير للعدم.

قال بعض الافاضل فى الشبهات الراجعة الى دم القروح والجروح.

السادس انه اذا اشتبه عليه دم انه من الدماء المعفوه او غير المعفوة المانعة للصلوة فالظاهر الحكم عليه بانه من الدماء المعفوة نظراً الى استصحاب جواز الصلوة ان رای قبل دخول الصلوة والى استصحاب صحة الصلوة ان راى فيها وليس للخصم الاقاعدة الاشتغال والعمومات والاول مندفع بالاستصحاب المزبور لكونه وارد عليه والثانى ايضاً معارض بعمومات الدماء المعفوة من الجروح والقروح فالمرجع بعد التساقط هو الاستصحاب.

بيان ذلك انه لا يجوز للخصم ان يقال هذا دم وكل دم لا يصح الصلوة معه و هذا ايضاً لا يصح الصلوة معه اذ كبرى القياس ممنوعة لخروج دم القروح والجروح عن هذا الحكم ولا يجوز لنا ايضاً ان نقول هذا دم الجروح مثلا و كل دم الجروح معفو عنه في الصلوة فهذا معفو عنه لان صغرى القياس ممنوعة فلايجوز الركون الى

ص: 566

شيء من العمومات .

نعم لو قال الخصم بان خروج دم القروح والجروح عن مطلق الدم ليس على الاطلاق بل بعد تعلق العلم به بان يكون كل الدماء غير معفو عنه الا ماعلم انه من دم الجروح والقروح لكان الحق معه اذلاعفو الا بعد احراز انه من دم الجرح والا فالمرجع هو العمومات المانعة لكنه خلاف الظاهر نظراً الى ان الالفاظ موضوعة للمعاني النفس الامرية لا المعلومة (انتهى) وفى هذه المقالة مواقع للنظر.

منها قوله فالظاهر الحكم عليه بانه من الدماء المعفوة نظراً الى استصحاب جواز الصلوة ان راى قبل دخول الصلوة لعدم جواز الاستصحاب بعد وجود الدم فجواز الصلوة مع عدم وجود الدم لا يستصحب مع وجوده لاختلاف وصف المكلف ومن ضروريات الاصول اشتراط بقاء الموضوع بحاله فى جريان الاستصحاب فاستصحاب الجواز مع فقدان الدم بعد وجوده اسراء حكم من موضوع الى موضوع اخر وبطلانه اوضح من بطلان القياس .

منها قوله والى استصحاب صحة الصلوة ان راى فيها فان صحة الصلوة قبل وجود الدم لا يمكن استصحابه بعد وجوده لاختلاف موضوعى القبل والبعد فالاستصحاب في الموضعين عزل للدم عن منصب المانعية لصحة الصلوة من غير وجود سبب العزل اعنى كونه من القروح او الجروح وهو خلاف ما هو المعهود في باب العلل والمعاليل والاسباب والمسببات .

ومنها قوله وليس للخصم الاقاعدة الاشتغال والعمومات والاول مندفع بالاستصحاب المزبور لكونه وارداً عليه .

فانك عرفت حال الاستصحاب وعدم امكان جريانه فما ادعى لا يعتنى به لعدم جواز الدخول فى الصلوة ان راى قبلها وعدم بقاء الصحة ان راى بعد الدخول بل الاستصحاب يجرى في اتصاف الدم بكونه من القروح او الجروح فان خصوصية كونه منهما هو المؤثر فى رفع المانعية عن صحة الصلوة والاصل عدم تلك الخصوصية لانها امر وجودی غیر معلوم فاذا جرى الاصل اعنى الاستصحاب في هذه الخصوصية

ص: 567

يوثر الدم اثره فان المقتضى للبطلان الدم لكونه من النجاسات والمانع من هذا الاقتضاء هوتلك الخصوصية فبعد استصحاب عدم المانع يؤثر المقتضى .

ومنها قوله والثانى ايضاً معارض بعمومات الدماء المعفوة من الجروح والقروح فالمرجع بعد التساقط هو الاستصحاب فان ادلة الموانع لاتعارض ادلة المقتضيات فانها يتوقف عليها فادلة القروح والجروح تدل على كون الدم منهما ما نعاً عن اقتضاء الدم ابطال الصلوة فمالم يدل دليل على الاقتضاء لا يكون لدليل المنع مورد.

و منها قوله لا يجوز للخصم الى قوله اذ كبرى القياس ممنوعة فان الخصم يرتب القياس بكيفية اخرى فيقول هذا دم نجس وكل دم نجس مبطل الصلوة سوى دم القروح وليس هذا الدم من دم القروح للاستصحاب ينتج ان هذا الدم مبطل للصلوة

واما قوله ولا يجوز لنا ايضاً ان نقول الى قوله اذصغرى القياس ممنوعة لعدم ثبوت كونه من القروح بل دليل الفقاهي دل على عدم كونه منه.

ومنها قوله نعم لوقال الخصم بان خروج دم القروح والجروح عن مطلق الدم ليس على الاطلاق الى آخر كلامه لان وضع الالفاظ للمعانى النفس الامرية لاينا فى ترتيب اثر ذلك المعنى عليه بعد احرازه واناطة الترتب على الاحراز .

والحاصل ان عمومات ما دل على مانعية النجاسة لصحة الصلوة واقتضائها ذلك بطلانها لا يجوز رفع اليد عنها لاجل مادل على ما نعية القروح والجروح عن الاقتضاء الا بعد احراز المانع فقوله اذلاعف و الا بعد احراز انه من دم الجرح والا فالمرجع هو العمومات المانعة كلام متين لاراد له الا انه رفع اليد عنه لكون الالفاظ موضوعة للمعانى النفس الامرية غفلة عن ان وضع الالفاظ كذلك لا يجعل المشكوك معلوماً ولا يمنع من جريان الاصل لدفع المانع ولعل المانع من اجراء هذا الاصل هو ما اشتهر بين المتاخرين من كون الاستصحاب هو الاخذ بالحالة السابقة فان الدم ليس له حالة سابقة معلومة بانه ليس من القروح او الجروح ثم طرء الشك في كونه من احدهما لان القرح او الجرح مشكوك فى اول بروزه لان المعلوم كونه من غيرهما لا يمكن الشك فيه انه منهما لكنك قد عرفت مراراً ان الاستصحاب هو الاخذ بالمقتضى

ص: 568

وعدم الاعتناء بالمانع فالدم مقتض لابطال الصلوة وكونه من القروح او الجروح مانع عن هذا الاقتضاء فمالم يعلم المانع لا نحكم بالمانعية للابطال و ناخذ بمقتضى اثر المقتضى اعنى ابطال الصلوة لان كون الدم من احدهما خصوصية فيه و هو هذه الخصوصية لوخلى وطبعه فلا يترتب عليه حكمها مالم تعلم باشتماله بهذه خال عن الخصوصية .

واما تطهير الاواني ففيه اقوال منها الاكتفاء بالمرة بعد الازالة في جميع النجاسات الا الولوغ واستحباب السبع في الخمر والاشربه والجرذ والفارة .

قال العلامة فى المختلف بعد نقل الاقوال والاقرب عندى ان الواجب بعد ازالة العين غسله مرة واحدة فى الجميع الا الولوغ لكن يستحب السبع في الخمر والاشربة وفى الجرذ والغارة لنا ان المقتضى للمنع حصول النجاسة في الاناء وبعد غسلها التعقب لازالة العين ينتفى المانع ويثبت حكم الاصل وهو تسويغ الاستعمال ومارواه عمار بن موسى عن الصادق (ع) قال سئلت عن الدهن يكون فيه الخمر هل يصلح ان يكون فيه الخل اوماء كامخ او زیتون قال اذا غسل فلاباس علق نفى الباس على مطلق الغسل الحاصل بالمرة الواحدة قال وعن الابريق يكون فيه خمر ا يصلح ان يكون فيه ماء قال اذا غسل فلاباس والتقريب ما تقدم هنا.

وفيه ان انتفأ المانع بعد الازالة لغسلة واحدة اول الكلام فهذه الحجة بالمصادرة اشبه ورواية عمار مقيدة بموثقة اخرى له فيها تصريح لوجوب التعدد حيث سئل عن الصادق (ع) عن الكوز والاناء يكون قذرا كيف يغسل و كم مرة يغسل قال ثلث مرات يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ذلك الماء ثم يصب فيه ماء آخر ثم يفرغ منه ذلك الماء ثم يصب فيه ماء آخر ثم يفرغ منه وقد طهر فترى تقييد هذه الموثقة ما فيه مطلق الغسل بل دقيق النظر يرشدك الى ان نفى الباس عن كون الخل والكامخ والزيتون والماء فى الانية المغسلولة لا ينظر الى التعدد والوحدة بل المقصود عدم الباس بعد التطهير الحاصل بالغسل فاصل السئوال عن صب هذه الاشياء فى الاوانى التى كان فيها الخمر فاجاب الامام (ع) بنفى الباس بعد التطهير فالمستفاد

ص: 569

من جوابه (ع) جواز صب هذه الاشياء بعد التطهير وقوله اذ اغسل اشارة الى ان التطهير متوقف على الغسل فالتعدد والوحدة ليسا ملحوظين فى سئوال الراوى ولا في جواب الامام في تلك الموثقة واما الموثقة المقيدة لها ففيها السئوال عن الكيف والكم معاً حيث قال كيف الغسل وكم مرة يغسل وجواب الامام (ع) ايضاً يعين الكم والكيف معاً حيث قال ثلث مرات يصب فيه الماء (الخ) .

وليس ما يدعونا إلى حمل ما يدل على ثلث مرات على الاستحباب لعدم دلالة ما استدل به للمرة عليها لجواز عدم كفاية المرة للتطهير ، فبعد، ورود ما يدل على الثلث يجب العمل به .

واما ضعف السند فمشترك الورود لان الموثقة الاولى ايضاً من عمار و اصالة البرائة لا يجرى فى المقام لان بعد تحقق النجاسة ينقلب الاصل الى اصالة بقاء النجاسة لان الاصل بقاء النجاسة حتى يثبت المزيل ولا يثبت بالموثقة المستدل بها ولا بالاعتبار العقلى الذي ذكره ويظهر من بعض الافاضل الاستدلال باصالة طهارة الملاقي مع انها معارضة باصالة نجاسة الملاقي و من المعلوم ان الثاني مقدم على الاول لانه وارد عليه .

ومنها الاكتفاء بالمرة المزيلة قال صاحب المدارك (قدس الله نفسه الزكيه) عند شرح قول المحقق و من غير ذلك مرة واحدة والثلث احوط و الاصح الاكتفاء بالمرة المزيلة للعين فى الجميع والاقتصار في اعتبار التعدد على نجاسة الثوب خاصة بالبول كما بيناه فيما سلف وليت شعرى كيف يكون الاصح الاكتفاء بالمرة المزيلة المعين فى الجميع ومون ثقة عمار صريح في اعتبار الثلث.

وضعف السند يؤثر فيما اذا كان للرواية معارض وليس في المقام ما يعارض اعتبار الثلث ضرورة جواز اختلاف التطهير فى الاشياء و كون تطهير الاوانى هو غسلها بالثلث.

ثم قال (قده) وقال الشيخ فى الخلاف يغسل الدماء من جميع النجاسات سوى الولوغ ثلث مرآت واحتج عليه بطريق الاحتياط ادمع الغسلات الثلث يحصل الاجماع

ص: 570

على طهارته وبمارواه عن عمار الساباطي عن ابی عبد الله (ع) فى الدماء يكون قدراً قال يغسل ثلث مرات يصب فيه الماء و يحرك و يفرغ والجواب ان الاحتياط ليس بدليل شرعى والرواية ضعيفة السند لجماعة من النطحية ومع ذلك فهل معارضه بما رواه عمار ايضاً عن الصادق من الاكتفاء بالمرة وهى اولى لانها مطابقة لمقتضى البرائة الاصلية (انتهى) فدعوى الشيخ من اعتبار الثلث حق مطابق للواقع واما الاحتياط فهو ليس بدليل اجتهادى فبعد دلالة الرواية على اعتبار الثلث ليس للتمسك بالاحتياط وجه واما ضعف السند فقد عرفت عدم تأثيره فى المقام لعدم وجود المعارض .

وما اشار اليه من الرواية المعارضة ليس فيه الاكتفاء لما عرفت من ان الامر بالغسل وعدم الباس بعد الغسل لا دلالة فيه على الاكتفاء بالمرة فمفهوم تلك الرواية صلاحية كون الماء اوالزيتون او الكامخ فى الانية التى كل فيه الخمر فهى واسعة لبيان اصل وجوب الازالة ولاتدل على الاكتفاء بالمرة وعدمه و هذا معنى ماقيل من ان الاطلاق وارد مورد حكم آخر .

منها لزوم مرتين فى صب الماء يظهر من الشهيد (قده) في اللمعة حيث قال و يصب على البدن مرتين في غيرهما وكذا الاناء قال بعض شراح اللمعة و مستند ما ذكره المصنف من اعتبار المرتين هو ما مرت اليه الاشارة من استصحاب النجاسة و ماورد فى نجاسة الثوب والبدن من الرواية مع دعوى مساوات ساير النجاسات للبول او اولى و ماورد من تعليل غسلتي البول بكون اوليهما للازالة والثانية للانقا مع حمل الثوب والبدن على المثال فى الاخبار المذكورة (انتهى) واستصحاب النجاسة يقتضى اعتبار الثلث لعدم ما يدل على كفاية المرتين ودعوى مساوات ساير النجاسات للبول دعوى بلادليل وكذا الاولوية والتعليل لادلالة فيه على المطلوب لانه قياس ولا مسرح للعقل فى الاحكام الشرعية تكليفية كانت او وضعية فلايفيد علما ولاظناً.

والحاصل ان الاختلاف فى تطهير النجاسات من حيث الوحدة والتعدد يلزمنا الاخذ بالاكثر الا ان يدل دليل على الاكتفاء بالاقل وما عن المبسوط من ورود ولا الرواية بغسل اى اناء من ساير النجاسات مرة واحدة لايصار اليه لعدم معرفة راويها فلااثر

ص: 571

لهذه الرواية فبعد العلم بتنجس شيء لابد من العلم بزوال نجاسته .

واما الكيفية فقد عرفت من الرواية من وجوب صب الماء والتحريك والافراغ ولافرق بين الاناء فى وجوب التحريك والافراغ لان التحريك قائم مقام الد لك و وجوب الافراغ لتحقق التعدد به وهو يتحقق بكب الاناء و انحنائها ومع التعدد كما اذا كانت مثبتة يستخرج الماء بعد التحريك بحيث يصل الى جميع نقاط الجوف بشيء طاهر ولو ملئت الاناء بحيث لا يبقى شيء من الجوف الاوصل الماء اليه فيحرك بعد افراغ شيء من الماء لما قلنا من كون التحريك قائماً مقام الدلك و لوفرض زوال الصغار من اجزاء النجاسة باملاء الماء لم يجب التحريك فان الظاهر ان لاموضوعية له بل هو طريق الى زوال الصغار من النجاسة فلم يجب مع زوالها بشيء آخر فتطهير الأوانى المثبة يحصل باملاء الماء وتحريكه باليد لزوال الصغار من النجاسة وافراغ الماء منه ثلث مرات وحيث انها لا يمكن كبها ولا انحنائها يستخرج الماء منها بشيء طاهر .

ولك ان تاخذ نحوا بريق وتغسل كل جزء منها مبتدأ من الاسفل الى الاعلى وتفرغ مائها بالاستخراج بشيء طاهر ثلث مرات ولوتيسر لك غسل جميع الاجزاء بالابتداء من الاعلى الى الاسفل یصح غسلها كذلك.

ولافرق فى تطهير الاوانى واعتبار الثلث بين نجاسة المستند الى الخمر و بين المستند الى غيره لشمول القذر المسئول عنه فى الموثقة الخمر و خصوص موثقة عمار انه سئل الصادق (ع) عن قدح اواناء يشرب فيه الخمر فقال يغسله ثلثاً وسئل ايجزيه ان يصب فيه الماء قال لا يجزيه حتى يدلكه بيده و يغسله ثلث مرات فهذه الموثقة تفسر الموثقة المسئولة فيها عن الدهن يكون فيه الخمر هل يصلح ان يكون فيه خل اوماء (الخ) فجواب الامام اذا غسل فلاباس مطلق مفسر لقوله يغسله ثلثاً وقوله لا يجزئه حتى يدلكه يدلكه بيده ويغسله ثلث مرات فا بطل هذا التفسير الاستدلال باطلاق الغسل على الاكتفاء بالمرة بل يفهم من التفسير ان قوله اذا غسل فلا باس مجمل ليس فيه اطلاق ومع الفرض فهو مقيد بذلك الموثقة وذهب جماعة الى وجوب السبع استنادا

ص: 572

الى موثقة اخرى لعمار فى الاناء يشرب فيه النبيذ يغسله سبع مرات و كذا الكلب .

وتنقيح المناط تعدداً الى جميع اقسام الخمر والمسكر والاظهر ان السبع مستحب لان القول بالوجوب مستلزم لطرح ما يدل على الثلث والجمع بحمل السبع على الاستحباب والثلث على الوجوب اولى وذكر الكلب في الموثقة مؤيد لهذا الحمل لما تعرف عن قريب ان السبع على سبيل الاستحباب فيه .

وان ولغ الكلب فى الاناء بان شرب ممافيه بلسانه وهذا التفسير لدفع سريان الحكم الأتى الى ساير اعضاء الكلب ففى الصحاح ولغ الكلب يلغ ولوغاً اى شرب باطراف لسانه والمنقول عن المصباح الولوغ هو الشرب و عن القاموس انه عبارة عن ادخال لسانه فى الماء وتحريكه .

وفى المجمع في الحديث سئل عن الاناء يلغ فيه الكلاب هو من ولغ الكلب فى الاناء كوهب وورث و وجل ولوغاً اذا شرب ما فيه باطراف لسانه و يقال الولوغ شرب الكلب من الاناء بلسانه اولطعه به واكثر ما يكون فى السباع .

وفي حديث على (ع) ان رسول الله (ص) بعثه ليدى قوم قتلهم خالد بن وليد فاعطاهم حتى مبلغة الكلب وهى الاناء الذي يلغ فيه الكلب يعنى اعطاهم قيمة كل ماذهب لهم حتى قيمة مبلغة الكلب فيظهر من هذه الكلمات ان الحكم لا يعم ساير اعضاء الكلب فحكى فى التطهير غسل المبلغ ثلث مرات واحدها بالتراب ولا يعرف في اصل العدد خلاف الا ما يحكى عن ابن جنيد (قده) من وجوب السبع ممسكا بالاصل ورواية عاميه من انه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا ولغ الكلب في اناء احدكم فليغسله سبعا اوليهن بالتراب وموثقة عمار عن ابی عبدالله (ع) فى الاناء يشرب فيه النبيذ فقال تغسله سبع مرات وكذا الكلب والاصل بعد ورود الدليل منقطع والرواية العامية لا اعتماد بها سيما مع الارسال وموثقة عمار لا تقاوم صحيحة البقباق عن الصادق (ع) سئلته عن الكلب فقال رجس نجس لاتتوضا بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب اول مرة ثم بالماء مرتين وفقدان هذه اللفظه في بعض النسخ لايضر بالاستدلال بما فيه مذكورة لان الفقدان اما من سهو الناسخ واما من الاصل فمع السهو لا يبقى كلام

ص: 573

و اما كونه من الاصل يكون مجملا مبيناً بما فيه مذكورة و لايبين بالسبع لعدم صحة ما اشتمل على السبع.

ومقتضى قوله (ع) و اغسله بالتراب اول مرة ثم بالماء مرتين تقديم الغسل بالتراب على الغسل بالماء فما قيل بتوسيط التراب والغسل بالماء قبله وبعده تمسكا بدعوى وجود رواية دالة على التوسيط لا ينظر اليه ومع فرض ورود رواية مرسلة دالة على التوسيط لا تكافؤ صحيحة البقباق لصحتها وصراحتها ومقتضى تفسير في المجمع شرب الكلب من الاناء بلسانه او لطعه به كون اللطع من اقسام الولوغ فيحكم بحكمه.

لانه قسم منه لالاجل كون المناط وصول اللعاب الى الاناء وأولم يكن اللطع ايضاً من الولوغ لا يجوز اعطاء حكمه له لعدم ما يدل على كون موضوع الحكم هو وصول اللعاب فى الاناء لان الموضوع هو الولوغ فان كان اللطع من اقسام الولوغ بكونه اعم من الشرب واللطع فلامضايقة في وحدة حكمها لان الموضوع هو الولوغ وهو اعم منهما ومع عدم ثبوت كونه من اقسامه ليس لاحد اعطاء حكم الولوغ اللطع قال في سراج الامه .

فروع الاول ان هذا الحكم مقصور على عنوان الولوغ ولا يتعدى الى مباشرة ساير اعضائه غير اللطع كما هو المشهور ونسب الى الكفاية وشرح المفاتيح واختاره في الجواهر وعلل لدخول اللطع بمساواته و اولويته منه و اعله مبنى على ان المناط وصول اللعاب الى الاناء و كذا لا يبعد الحاق لحوق انائه في الاناء به كما جعله الاحوط شيخنا المرتضى فى الطهارة ووجه عدم التعدى عدم الدليل عليه وقصر الحكم على مادل عليه النص مع انعقاد اشهره عليه شهرة كادت تبلغ الاجماع مع اقتضاء الاصل ذلك ايضاً ولذا نقل عن مجمع البرهان عدم جواز التعدى الى مباشرة لسانه بما لا يسمى ولوغاً حتى اللطع وصرح به في المستند و نسب الى والده ايضاً (انتهى) وفى هذه المقالة كفاية لتميز الحق عن الباطل.

وهل يجب الغسل بالتراب من دون الامتزاج بالماء او يجب مع الامتزاج بالماء

ص: 574

ولا يجب شيء منهما اقوال الاظهر فى النظر كون الغسل الاول بالتراب من دون ماء لظاهر قوله (ع) و اغسله بالتراب اول مرة ثم بالماء مرتين والمقصود من الغسل بالتراب ازالة العين به والمراد منه المعنى الكنائى لان ازالة العين من لوازم الغسل فذكر الملزوم واريد منه اللازم ولامجاز فى الغسل لانه استعمل في معناه الحقيقى لكن المراد هو معناه الكنائى فهو من قبيل كثير الرماد وجبان الكلب و لو كان المراد الغسل بالماء مع التراب لم يعبر (ع) بهذه العبارة وقرينة التقابل ايضاً يكشف عن ان الغسل بالتراب لابد ان يكون بغير الماء كما ان الغسل بالماء يكون بغير التراب الا مع اضمحلاله فى الماء لقلته فليس فى العبارة مجازاً مرسلا و استعمل الغسل في معناه الحقيقي و كذا التراب لان كون التراب هو المغسول به بالمعنى الكنائى لا يوجب التجوز فيه و(ح) يصح كون الماء للاستعانه ومتعلقاً الى الفعل ويكون الظرف لغوا ولا معنى لحمل الباء على الملابسة والمصاحبة ليكون الظرف مستقرا .

ويحتمل كون الغسل استعارة عن الازالة لمشابهته لها فشبهت الازالة بالغسل وهيا بهيئة الأمر فلم يستعمل الا الغسل لان الفعل ليس فيه تجوزاً كما ان الدلالة شبهات بالنطق ثم تهيا بهيئة الماضى فقيل نطقت الحال فلم يستعمل نطقت في دلت بل المستعمل هو النطق فى الدلالة فتشبيه الازالة بالغسل مشهور معروف متداول في الالسنة .

فقده

و

و بعد ما علم ان المقصود هو ازالة العين بالتراب لك ان تقول بجواز الازالة بما يشبه بالتراب كا الاشنان لعدم موضوعية للتراب وتخصيصه بالذكر لكون المتعارف هو الازالة به فيجوز تبديل التراب بشيء آخر مع وجود التراب فضلا عن فقد و ان كان الأولى التراب مع وجوده لتخصيصه بالذكر في الرواية و لوفقد التراب و ما يشبهه معاقيل يغسل ثلث مرات بالماء وفيه ان فقدما يجب في التطهير لا يوجب الاكتفاء بالماء بل ينتظر لتطهيره وجود التراب او ما يشبهه.

واما ولوغ الخنزير فالمنقول من الشيخ (قده) توحيد حكمه مع ولوغ الكلب

ورواية على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر (ع) الصحيحة صريحة في السبع

ص: 575

من دون ذكر للتراب قال وسئلته عن خنزير شرب من اناء كيف يصنع به قال يغسل سبع مرات قال العلامة (قده) في المختلف.

مسئلة قال فى الخلاف والمبسوط حكم الخنزير حكم الكلب في الولوغ فيغسل الاناء من ولوغه ثلث مرات اوليهن بالتراب والذي اخترناه نحن في اكثر كتبنا انه يغسل من ولوغه سبع مرات بالماء لنا مارواه على بن جعفر على الصحيح عن اخيه موسى بن جعفر (ع) وذكر الرواية ثم قال ولانه احوط وابلغ في ازالة ما حصل من لعاب الخنزير ورطوباته والرواية كافية لاثبات السبع ثم قال احتج الشيخ بوجهين الاول ان الخنزير يسمى كلباً لغة فيثبت حكمه له الثانى ان الاناء يغسل من النجاسات ثلث مرات والخنزير نجس وكلا الوجهين غير وجيهة لان تسمية الخنزير كلبا على خلاف الواقع وغسل النجاسات ثلث مرات على جهة العموم ممنوع.

ومع ذلك لا يدل على وجوب التراب شيء ولاداعى لتوحيد حكم الكلب والخنزير سيما مع اختلاف حكميهما في الروايات كما انه لاداعى لنا لحمل ما دل على السبع على الاستحباب وقلة العامل بالصحيحة لا يوجب الومن فيها .

وما يحكى عن المستند من تضعيف امثال تلك الصحيحة نظراً الى ما اسسه من عدم دلالة الجملة الانشائية المنساقه بسياق الخبر على الوجوب فاسد لفساد مبناه اذا الجملة المذكورة ابلغ فى الدلالة على الوجوب من نفس الانشاء.

و کذا يجب السبع لتطهير النجاسة المستندة الى موت الجرد لموثقة عمار الساباطي اذقال الامام اغسل الاناء الذى يصير فيه الجرذ ميتاً سبع مرات وفي بعض النسخ يصيب عوض يصير وهذا الاختلاف غير ضائر للاستدلال بالموثقة لوحدة مآل اللفظين فان الموثقة تعيد المطلقات ولاداعى يدعونا الى الحمل بالاستحباب كما انه لا شاهد لهذا الحمل ولا معارض لها حتى تترك لضعف السند ولامانع لورود هذا الحكم في الشرع ولا ينافيه كون الجرذ طاهراً قبل الموت كما انه لامانع من كون حكم تطهيره مماثلا لتطهير الخنزير مع كونه نجس العين لان احكام النجاسة والطهارة توقيفية كساير احكام الشرع لايصار الى شيء منها الا ما ورد في الشرع ولا وقع لهذه

ص: 576

الاعتبارات العقلية لان العقل لا مسرح له فى الاحكام الشرعية واما الجرذ بضم الجيم وفتح الراء نوع من الفيران ونقل عن مصباح المنير ناقلا عن ابن الانبارى والازهرى هو بضم الجيم وفتح الراء كم مر و رطب الذكر من الفارة وفي المجمع جرذ كممر هو الذكر من الفيران ويكون في الفلوات وهو اعظم من اليربوع اكدر في ذنبه سواد وعن الجاحظ الفرق بين الجرذ والفار كالفرق بين الجاموس والبقر والنجاتي والعراب والجمع جرذان بالكسر كفلمان وعن بعضهم انه اضخم من الفيران ولا يولف البيوت فالحكم المذكور ثابت للمذكر الكبير من الفارة الساكن في القفار لان القدر المتيقن عند اهل اللغة هو هذا النحو من الفيران والفرق بين الذكر والانثى في غاية البعد والظاهر ان المخصوص بهذا الحكم هو الساكن في القفار من دون فرق بين الذكر والانثى.

ولوتكرر الولوغ بعد استعمال التراب يستانف وكذا بعد الغسل بالماء مرة او مرتين لان الولوغ حكمه فى التطهير ما ذكر ولو تنجس ما ولغ فيه الكلب بعد استعمال التراب بنجاسة غير الولوغ ينظر فان كان تطهيره بالمرة فيدخل في المرتين بعد التراب وان كان يطهره بثلث مرات اوسبع فيدخل المرتان في ثلث مرات اوسبع مرات .

واما اواني الخمر فمقتضى القاعدة جواز استعمالها بعد التطهير اى آنية كانت من الدباوا لمزفت والختم والنقير لان المانع من الاستعمال هو وجود ذرات الخمر فاذا زال تلك الذرات بالتطهير وغسل الظرف بما يطمئن النفس بعدم بقاء شيء من ذلك الخبيث لم يبق مانع فنهى رسول الله (ص) عن استعمالها محمول على شدة الاعتناء بحرمة المظروف وتغليظ حرمته والفرق بين الاواني في سهولة بعضها للتطهير وصعوبة بعض الاخر لا يوجب التفريق بين الاواني بالمنع عن استعمال بعضها كالدباو النقير و تجويز استعمال بعض آخر كالختم ففى رواية محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام نهى رسول الله (ص) عن الدبا والمزفت وزدتم انتم الختم يعنى الغضار اللي والزفت يعنى الزفت الذي يكون في الزق ويصب في الخوابي ليكون اجود للخمر

ص: 577

قال وسئالته عن الجرار الخضر والرصاص فقال لا باس بها وروى عن ابی ربیع الشامي عن ابی عبدالله (ع) قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر فكل مسكر حرام فقلت له فالظروف التي يصنع فيها منه فقال نهى رسول الله عن الدبا و المزفت والختم والنقر قلت وماذاك قال الدبا القرع والمزفت الدنان والختم جرار خضر والنقر خشب كانت الجاهلية ينقرونها حتى يصير لها اجواف ينبذون فيها وليس في هاتين الروايتين اشعار لعدم جواز استعمال اواني الخمر وانما النهي عن هذه الاشياء كراهة ان ينبذ فيها لاجل صعوبة تنظيفها وقد سبقت رواية عمار في تطهير الدهن والقدح والاناء الذين يشرب فيهما الخمر قال الشيخ (قده) فى المبسوط اواني الخمر ما كان منها قرعا او خشبا منقورا روى اصحابنا انه لا يجوز استعماله بحال وانه لا يطهر وما كان مقيراً او مدهونا من الجرار الخضر اوخزفا فانه يطهر اذا غسل سبع مرات وعندى ان الاول محمول على ضرب من التغليظ والكرامة دون الحظر وقال العلامة بعد نقل هذه العبارة من المبسوط و قال ابن البراج لا يجوز استعماله غسل اولم يغسل والوجه عندى ما قاله الشيخ رحمه الله لنا انه بعد ازالة عين النجاسة يرتفع المانع من الاستعمال فيكون سائغاً اما المقدمة الأولى فظاهرة لانا نبحث على تقدير ارتفاع العين عن المحل وعلى ان المقتضى المنع انما هو تلك العين و اما الثانية فلان المنع لو بقى بعد ارتفاع سببه لزم بقاء المعلول بعد العلة و ذلك يخرج العلة عن العلية ومارواه عمار بن موسى عن الصادق (ع) وقد سئله عن الابريق يكون فيه خمر ايصلح ان يكون فيه ماء قال اذا غسل فلاباس ولو كان غير المغضور لا يطهر لوجب في الجواب الاستفصال احتج ابن البراج بما رواه محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام قال نهى رسول الله (ص) عن الخشب والمزفت قال وسئلته عن الجرار الخضر والرصاص قال لا باس بها .

ولان في الخمر حدة ونفوذاً في الاجسام الملاقية له فاذا لم تكن الانية مغضورة دخلته اجزائه واستقرت في باطنه فلا ينقذ الماء اليها والجواب ان النهى للكراهة و نفوذ الماء اشد من غيرها فان ما يستقر الخمر فيه يستقر فيه الماء فيصل الى ما

ص: 578

وصل اليه الخمر (انتهى) والنهي عن الخشب والمزفت لا يدل على حرمة الاستعمال لعدم وضوح متعلق النهى فالظاهر ان الممنوع والمنهى ان ينبذ فيهما اما الخشب فلصعوبة تنظيفه يكره ان ينبذ فيه والمزفت فلان الزفت له اثر في تجويد الخمر كما سبق ان الزفت يصب في الخوابي ليكون اجود للخمر.

والحاصل ان المتنجس يطهر بالغسل بعد زوال عين النجاسة عن المحل وليس في المقام ما يدل على خرق القاعدة وعدم امكان تطهير شيء من المتنجس والاخبار ليس فيها دلالة على ذلك.

والغسالة فعالة من الغسل ومفاد هذه اللفظه ما غسل به سواء خرج من الجسم المغسول او بقى فى خلاله وسواء خرج بنفسه او بالعصر ويظهر من بعض الاصحاب تخصيصه بالماء المنفصل قال الشهيد الثاني عند شرح الغسالة من اللمعه و هى الماء وهی المنفصل عن المحل المغسول بنفسه أو بالعصر.

وفى الجواهر ما انفصل بالعصر او بنفسه من المتنجس بعد الصب لتطهر ولو كان المراد من الانفصال مطلق الانفصال ولومن مكان الى مكان في المحل المغسول يتوسع موضع النزاع لكن الظاهر من الانفصال هو الانفصال عن تمام المحل والباقي في المحل بعد الغسل لا ينبغى ان يكون موضع النزاع لانه تابع للمحل كما ان النزاع لا يتصور تحققه مع قول الشيخ الجليل ابن ابي عقيل (قده) القائل بعدم انفعال الماء القليل الا مع التغير وكذا على قول سيدنا المرتضى رضوان الله عليه مع ورود الماء على المتنجس فانه يقول بطهارة الماء الوارد على المتنجس فالنزاع يتحقق بعد الاتفاق على نجاسة الماء القليل بعلاقات النجاسة وان ورد عليها وفيه اقوال .

منها ما ذكر الشهيد (قدس الله نفسه الزكية) في اللمعة من انها كالمحل قبلها ای قبل خروج هذه الغسالة فهى نجسة منجسة لما اصابها فان كان المحل مما يتطهر بالمرة فمصيب الغساله كذلك و ان كان يشترط فى تطهيره التعدد من المرتين او الثلث او السبع فيشترط فيما اصابها كذلك فعلاقى هذه الغسالة كملاقي المحل قبل الغسل.

ص: 579

ومنها انها كالمحل بعدها اى بعد خروج هذه الغسالة وعلى هذا القول يفترق الحال بين ما يجب فى تطهيره التعدد وبين ما يكتفى فيه بالمرة فالثاني تطهر الغسالة والمحل معا والاول ان كان ما يجب فيه المرتان يتنجس الملاقي بالغسالة نجاسة تظهر بالمرة وان كان ما يجب فيه الثلث يتنجس الملاقي بالغسالة نجاسة تطهر بالمرتين وان كان بالسبع فيا الست و منها انها كالمحل قبل الغسل مطلقاً فيجب غسل ما اصابته تمام العدد سواء كانت من الغسلة الاولى او الثانية اوغيرهما .

ومنها ما يحكى عن الشيخ (قده) في الخلاف من التفصيل بين اناء الولوغ و غيره حيث حكم بطهارة غسالة الأول من غير فرق بين الاولى والثانية والثالثة بنجاسة الغسالة الاولى في الثاني دون الثانية.

وقال فى المختلف مسئلة المستعمل فى ازالة النجاسة ان تغير بالنجاسة نجس اجماعاً وان لم يتغير فالاقوى عندى فيه التنجيس سواء كان من الغسلة الاولى او الثانية وسواء بقى على المغسول اثر النجاسة اولا وبه قال الشيخ في المبسوط وقال فيه و من الناس من قال لا ينجس اذا لم يغلب على احد اوصافه وهو قوى والاول احوط وجزم في الخلاف بنجاسة الاولى وطهارة الثانية وقال فيه اذا اصاب الثوب او الجسد مما يغسل به الاناء للمولوغ لا يغسل سواء كان من الاولى او الثانية وهو قوله في المبسوط في باب الاوانى وقال فى المبسوط في باب تطهير الثياب لا يجب غسل الثوب مما يصيبه من الماء الذي يغسل به اناء الولوغ سواء كان من الغسلة الاولى او الثانية و ان قلنا انه يغسل من الغسلة الأولى كان احوط واما الوضوء به فلايجوز ثم قال فيه واذا ترك تحت الثوب النجس اجانة وصب عليه الماء وجرى الماء فى الاجانة لا يجوز استعماله لانه نجس.

وقال السيد المرتضى (رضوان الله عليه) في المسائل الناصرية حكاية عن الناصر لافرق بين ورود الماء على النجاسة وبين ورودها عليه فيعتبر القلتين في ورودها ثم قال المرتضى وهذه المسئلة لا اعرف فيها نصاً لاصحابنا و لا قولا صريحاً والشافعى يفرق بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه فيعتبر القلتين في ورود النجاسة

ص: 580

على الماء ولا يعتبر ذلك في ورود الماء على النجاسة وخالفه ساير الفقهاء في هذه المسئلة قال ويقوى فى نفسى عاجلا الى ان يقع التامل لذلك صحة ما ذهب اليه الشافعي واختاره ابن ادريس (ره) ثم استدل العلامة (ره) بقوله لنا انه ماء قليل لاقته نجاسة فينجس ومارواه عبدالله بن سنان من ابی عبدالله (ع) قال الماء الذي يغسل به الثوب اويغتسل به من الجنابة لا يجوز ان يتوضا منه واشباهه.

ثم قال احتج السيد المرتضى (رحمه الله) بانا لوحكمنا بنجاسة الماء القليل الوارد على النجاسة لادى ذلك الى ان الثوب لا يطهر من النجاسة الا بايراد كر من الماء عليه والتالى باطل للمشقة المنفية بالاصل فالمقدم مثله بيان الشرطية ان الملاقي المثوب ماء قليل فلوتنجس حال الملاقات لم يطهر الثوب لان النجس لا يطهر غيره ثم قال والجواب المنع من الملازمة فانا نحكم بتطهير الثوب والنجاسة في الماء بعد انفصاله عن المحل.

وقال ابو جعفر بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه والماء الذي يتوضوئه الرجل في شيء نظيف فلا باس ان ياخذه غيره فيتوضا به فاما الذي يغسل به الثوب او يغتسل به من الجنابة اويزال به نجاسة فلاية وضابه فاعطى ما يغتسل به الجنابة وما يزال به النجاسة حكماً واحداً فيظهر من توحيد حكمهما عدم نجاسة ما يزال به النجاسة قال في المدارك والتسوية بينه وبين رافع الاكبر يشعر بطهارته وقطع المصنف والعلامة رحمهما الله بالنجاسة مطلقا واستدل عليه فى المعتبر بانه ماء قليل لاقي نجاسة فيجب ان ينجس وبرواية الفيض بن القاسم قال سئلته عن رجل اصابته قطرة من طست فيه وضوء فقال ان كان من بول او قذر فيغسل ما اصابه .

واحتج عليه فى المختلف ايضاً بما رواه عبدالله (ع) بن سنان عن ابی عبدالله قال الماء الذي يغسل به الثوب او يغتسل به من الجنابة لا يجوز ان يتوضأ منه واشباهه وفى الجميع نظر (انتهى).

فترى كثرة التدافع في كلمات الاصحاب وكل ماقيل في المقام لا ينكر في العقول شيء يمنع من صحته اذا ورد فى الشرع ما يثبته انما الكلام في الورود فالملاقات

ص: 581

بالنجاسة مع قلة الملاقي فماورد في الشرع ما يدل على نجاسته على كل حال حتى في مورد التطهير فلا مانع من تخصيص تنجيس النجس ما لاقاه في غير مورد التطهير سيما مع تجويز تطهير النجس بالماء القليل ولذا قال صاحب المدارك بعد قوله و في الجميع نظر اما الاول فلمنع كلية كبراء كما بيناه فيما سبق.

وقال فى الشبهات ذكر جماعة من الاصحاب ان من قال بطهارة الغساله اعتبر فيها ورود الماء على النجاسة وهو الذى صرح به المرتضی رحمه الله في جواب المسائل الناصرية ولا باس به لان اقصى ما يستفاد من الروايات انفعال القليل لورود النجاسة عليه فيكون غيره باقيا على حكم الاصل و ربما ظهر من كلام الشهيد ( قده ) على الذكرى عدم اعتبار ذلك فانه قال الى الطهارة مطلقا و استوجه عدم اعتبار الورود في التطهير لنجاسة الماء بورود النجاسة عليه عنده اللهم الا ان نقول ان الروايات انما تضمنت المنع من استعمال القليل بعد ورود النجاسة عليه وذلك لا ينا في الحكم بطهارة المحل المغسول فيه لصدق الأصل مع الورود و عدمه و سيجيء الكلام فيه انشاء الله تعالى.

والحاصل ان تنجيس الملاقي الملاقي مع القلة من بديهيات الفقه و تطهير الاشياء بالماء القليل ايضاً من البديهيات و بين هاتين البديهتين تدافع واضح معنى كلام السيد رضوان الله عليه تخصيص قاعدة التنجيس بما اذا اريد تطهير النجس بالماء القليل في المركن ولقد عرفت من استدلاله رضى الله عنه ان القول بالتنجس فلا استثناء ادى الى ان الثوب لا يطهر من النجاسة الا بايراد كر من الماء عليه والتالى باطل بالمشقة المنفية بالاصل وبان الشرطية ان الملاقى الثوب ماء قليل فلو نجس حال الملاقات لم يطهر الثوب لان النجس لا يطهر غيره .

ولا يخفى على احد متانة كلامه ودلالته على مرامه حيث استدل على تطهير الماء القليل بطهارة المتنجس وتدل على طهارة الماء القليل اذا غسل به المتنجس صحيحة محمد بن مسلم قال سئلت ابا عبد الله (ع)عن الثوب يصيبه البول قال اغسله فى المركن مرتين قال فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة فلاوقع لما اجاب عنه

ص: 582

فى المختلف بالمنع من الملازمة قال فانا نحكم بتطهير الثوب والنجاسة في الماء بعد انفصاله عن المحل فترى انه (قدس سره) حكم بتعويض الطهارة و النجاسة و تطهير الثوب النجس وتنجيس الماء المطهر.

فالاولى استثناء المياه القليلة المستعملة لتطهير المتنجس من قاعدة تنجيس الملاقي مع القلة وذهاب شيخنا الاقدم الجليل حسن بن ابی عقیل رضوان الله عليه الى عدم انفعال القليل مالم يتغير يقوى القول بعدم تنجس الماء القليل المستعمل في تطهير المتنجس بل عدم الفرق بين الوارد من الماء القليل المستعمل والمورود لاتحاد مناطهما قول قوى الا ان قول السيد رضوان الله عليه امتن لان الماء الماء الوارد اغلب من المورد وقاعدة تنجيس الملاقي القليل لا يتخصص بازيد من صورة واحدة لا بد من تخصيصها على قول السيد رضوان الله عليه فلا اشكال في تطهير النجس بالماء القليل الوارد والصحيحة اعم من الوارد والمورود الا ان تقليل تخصيص قاعدة تنجس الملاقي يمنعنا من التعميم وفى الوارد خصوصية ليست في المورود لان فيه دفع و ليس في المورود دفع .

ومن قال بنجاسة الماء المستعمل في غسل الخبث يستثنى منه ماء الاستنجاء فانه طاهر ام يتنجس باستعماله فى الاستنجاء بشرط عدم تجاوز النجاسته عن موضع المعتاد وعدم تغير الماء من المتنجس باحد الاوصاف و لم يلاق نجاسة خارجة عما يستنجى واعتبار هذه الشروط لاخفاء فيه و عدم التنجس لما في التفضى منه من الحرج والعسر الشديد وتدل على الحكم روايات .

منها صحيحة عبدالملك بن عتبة الهاشمى قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذى استنجى به النجس ذلك ثوبه قال لا و صحيحة محمد بن النعمان عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له استنجى ثم يقع ثوبي فيه وانا جنب قال لاباس به وحسنة الاحول وهو محمد بن نعمان قال قلت لابي عبد الله (ع) اخرج من الخلا فاستنجى فى الماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجیت به قال لاباس به وعدم الباس اعم من المعفو والطهارة لكن الصحيحة الأولى لها ظهور تام في الطهارة

ص: 583

فبعد ما لم ينجس بوقوعه على الماء المتنجس به ينقى على ما كان عليه من الطهارة و عدم تنجيس الواقع فيه عبارة أخرى عن عدم نجاسته و يظهر من هذا الحكم عدم كلية نجاسة الملاقى المنجس ولو كان قليلا فلابد من تخصيص الكلية بما يستعمل في التطهير ويؤيد عدم تنجس الوارد رواية ابى هريرة قال دخل اعرابي المسجد فقال اللهم ارحمنى و محمداً (ص) ولا يرحم معنا احداً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فما لبث ان بال فى ناحية المسجد وكانهم عجلوا اليه فنها هم النبى (ص) ثم أمر بذنوب من ماء فاهريق قال علموا ويسروا ولا تعسروا .

قال الشيخ رحمه الله على ما في المدارك والنبي (ص) يامر الطهارة المسجد بما يزيده تنجيساً فلزم ان يكون الماء ايضاً على طهارة وحيث ان رادى هذه الرواية هو ابو هريرة أوردناها بعنوان التائيد ولولا ضعف السند يدل على المقصود من حيث المتن قال في المدارك واستشكله المصنف (ره) في المعتبر بضعف المخبر ومنافاته الاصل لان الماء المنفصل عن محل النجاسة نجس تغير اولم يتغير انتهى ولا يخلوا عن مصادرة وبينا فيما سبق ان التطهير بالماء القليل من البديهيات في الفقه كما ان تنجس الملاقي للنجاسة كذلك فقوله (قده) ومنافاته الاصل الخ مناف للتطهير بالماء القليل بتقرير سبق من المرتضى رضوان الله عليه.

وقال الوحيد البهبهاني في تعليقاته على المدارك قيل هذه الرواية وردت آخر وهو انه (ص) أمر بنقل التراب النجس ثم أمر بذنوب من ماء أهريق واله وست عليه ولهذا لم يعمل بهذا المتن (انتهى) وراوى هذا المتن مجهول غير معروف لعدم استفاده الى احد وكيف كان فرواية ابى هريرة لا يخلوا من التائيد و في استدلال الشيخ بها تائيد آخر لانه (قده) تلقاها بالقبول .

ولها محامل آخر ككون الذنوب كراً و نقل النجاسة الى العمق و تطهير ظاهر الارض وكون الذنوب فى ذلك الزمان مما يطهر به ولكنها ضعيفة لا يعتمد عليها والاقرب عدم تنجس ما يستعمل فى التطهير و ان كان قليلا .

قال المحقق (ره) في المعتبر قال الشيخ اذا بال على الارض فتطهيرها بسب

ص: 584

الماء حتى يقهره ويزيل لونه وريحه ويبقى الماء الوارد عليه على طهارته ولا يحتاج الى قلع المكان الذى انتهى اليه ذلك الماء خلافا لابي حنيفة واستدل الشيخ برواية ابی هريرة في قصة الاعرابي قال والنبي (ص) لا يامر بطهارة المسجد بما يزيده تنجيساً والد وستة فيلزم ان يكون الماء على طهارة وما ذكره الشيخ يشكل لان الرواية المذكورة عندنا ضعيفة الطريق و منافية الاصل لا نابينا ان الماء المنفصل عن محل النجاسة نجس تغير اولم يتغير لانه ماء قليل لاقى نجاسة (انتهى) وقد عرفت منع الكلية في تنجس الماء القليل لما بينا من استلزام التنجس استحالة التطهير لان النجس لا يطهر النجس فلابد من استثناء ما يستعمل فى التطهير عن الكلية .

ثم قال (ره) ويعارضها رواية ابن معقل عن النبي (ص) انه قال خذوا ما بال عليه من التراب واهر يقوا على مكانه ولو قالوا هذا مرسل قلنا مع ارساله لا يعلم بطلانه ومع الاحتمال لا يسلم روايتهم عن احتمال المعارضة فالاولى اطراح هذه الرواية(انتهى) والظاهر ان رواية ابن معقل هى التى اشار اليها الوحيد (قده).

وبعد التامل يظهر عدم المعارضة بين هاتين الروايتين لعدم التنافي بين مدلوليهما لامكان وقوع كل واحد من المدلولين لانهما طريقان للتطهير.

قوله (قده) قلنا مع ارساله لا يعلم بطلانه حق متين لاريب فيه لامكان وقوع هذه القضية كما ان رواية ابى هريرة ايضاً غير معلوم البطلان لامكان وقوع مفادها فبعد امكان كل منهما وعدم تنافيهما لا يحكم بالتعارض بينهما انما التعارض في صورة وحدة القضية الواقعه فمع احر اذا لوحدة واختلاف مدلولى الروايتين يحكم بالتنافي والتعارض ومع امكان التعدد لا يتصور التنافى والتعارض.

قال في المدارك بعد قوله تغير اولم يتغير ثم حكم لطهارة الارض باشياء وذكر من جملتها ان يغسل مما يغمرها ثم يجرى الى موضع آخر فيكون ما انتهى اليه نجساً ولم يفرق بين رخاوة الارض وصلابتها وقد يحصل التوقف مع الرخاء لعدم انفصال ماء المغسول به عن المحل الا ان يغتفر ذلك هنا كما اغتفر في الحشابا و نقل عن ابن ادريس (قده) انه وافق الشيخ (ره) على جميع هذه الاحكام وهو جيد

ص: 585

على اصله من طهارة الماء الذي يغسل به النجاسة ولا باس به (انتهى).

واما القول فى الانية ففى المرحلتين.

الاولى فى الاكل والشرب منهما وساير الاستعمالات والثانية في اتخاذ الاواني اما المرحلة الاولى فيحرم الأكل والشرب في اوانى الذهب والفضة و كذا سايرالاستعمالات.

روى الجمهور عن على صلوات الله وسلامه عليه انه (ع) قال الذي يشرب في آنية الذهب والفضة انما يجرجر في بطنه نار جهنم والوعيد بالنار دليل على الحرمة وعن النبى (ص) انه قال لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تاكلوا في صحافها فانها لهم فى الدنيا ولكم فى الآخرة والنهى وان لم يكن حقيقة في الحرمة الا ان المراد منه فى هذه الرواية هو الحرمة بقرينة قول امير المؤمنين (ع) يجرجر في بطنه نار جهنم كما ان قوله ولا تاكلوا في صحافها على تعميم الحرمة بالنسبة الى الاكل ايضاً.

ومن طريق الاصحاب روى الكليني رضى الله عنه عن محمد بن اسماعيل بن بزيع قال سئلت ابا الحسن الرضا (ع) عن آنية الذهب والفضة فكرهها فقلت قد روى بعض اصحابنا انه كان لابي الحسن (ع) امرآة ملبسه فضة فقال (ع) و الحمد لله تعالى انما كانت لها حلقة من فضة وهى عندى ثم قال (ع) ان العباس حين عذر عمل له قضيب ملبس من فضة من نحو ما يعمل للصبيان تكون فضته نحوا من عشرة دراهم فامر به ابو الحسن (ع) فكسر والظاهر ان الكراهة فى هذه الرواية هي الحرمة ولذا ترى الراوى يجدد السئوال و يسئل عن كون ملبس المرآة فضة وانكر الامام (ع) و حكى كسر ابي الحسن (ع) القضيب تائيدا للحرمة وهذه الرواية من الصحاح .

وروى فى الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (ع) قال لا تاكل في آنية من فضة ولا في آنية مفضضة .

وعن داود بن سرحان عن ابي عبد الله (ع) لا تاكل في آنية الذهب والفضة و عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع) أنه نهى عن آنية الذهب والفضة وفي هذه الرواية

ص: 586

النهي عن آنية الذهب والفضة من غير اشارة الى الاكل والشرب ويصلح النهي عنها ان يكون عن صنعها واتخاذها.

وعن بريد في الموثق عن ابي عبد الله (ع) انه كره الشرب في الفضة و في القدح المفضض وكذلك ان يدهن فى مدهن مفضض والمشط كذلك والظاهر ان الكراهة الحرمة بقرينة ماسبق.

وعن عمرو بن ابى المقدام قال رایت ابا عبد الله (ع) قداتى بقدح من ماء فيه ضبة فرايته ينزعها باسنانه وعن موسى بن بكر عن ابى الحسن موسى (ع) قال آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون وهاتان الروايتان لهما ظهور في الكراهة و رواية سماعة بن مهران ايضاً ظاهرة فى الكراهة فانه روى عن ابی عبدالله (ع) قال لا ينبغى الشرب عن آنية الذهب والفضة بل هى اظهر منهما فان التعبير بلا ينبغي له ظهور تام فى الكراهة فلا مانع من حمل الروايات الواردة على شدة الكراهة لعدم ابائها عن هذا الحمل سوى ماروى بطريق العامة عن امير المؤمنين على (ع) فان متنها تا بي عن الحمل على الكرامة لكن السند لا اعتماد عليه فلنا طرحها و حمل ساير الروايات على شدة الكراهة لعدم كون واحدة منها نصا فى الحرمة .

ويظهر حكم اتخاذ الاوانى من الذهب والفضة وانه مكروه لاحرمة فيه فان مع عدم حرمة الاكل والشرب فيهما لاتعطيل للمال فى اتخاذ الاوانى منهما .

وكذلك يحرم الماكول والمشروب فيهما بل لا معنى لحرمتهما مع فرض حرمة الاستعمال لعدم استلزام حرمة الاستعمال حرمة الماكول والمشروب .

وافرط بعض الحنابلة على ما حكى عنه المحقق (قده) في المعتبر فا بطل طهارة المتظهر اذا اخذ مائها من احدهما حيث قال لانه استعمال فى العبادة فيحرم كالصلوة في الدار المغصوبة .

وقال المحقق (قده) لو تطهر من آنية الذهب والفضة لم يبطل وضوئه ولاغسله واستدل بان انتزاع الماء ليس جزءاً من الطهارة بل لا يحصل الشروع فيها الا بعده فلا يكون له اثر في بطلان الطهارة وقوله هو استعمال في العبادة قلنا اما انتزاع الماء

ص: 587

فهو استعمال لكنه ليس جزءاً من الطهارة بل لا يقع الطهارة الا بعد انقضاء ذلك الاستعمال فيكون كما لوقهر غيره على تسليم ثوب نفسه ليستر في الصلوة وتمثيله بالصلوة في الدار المغصوبة باطل لان البطلان في الدار المغصوبة نشا من كون التصرف جزءاً من الصلوة لانها قيام وقعود وركوع وسجود وهو منهى عنه في المكان المغصوب بخلاف الطهارة من الاناء انتهى وحكمه بعدم بطلان الوضوء والغسل بالتطهر من آنية الذهب والفضة حق متين لاريب فيه لعدم الدليل على بطلانهما ولكن الاستدلال بما استدل به من عدم كون الانتزاع جزءاً للطهارة ليس على ما ينبغي لان كون انتزاع الماء جزءاً للطهارة لا يستلزم البطلان ايضاً لعدم الدليل على البطلان سوی ما توهم من اجتماع الأمر والنهى وليس هذا من مبطلات العبادة لان الامر تعلق بالطهارة والنهى تعلق بالغصب وهما امران متغايران وقد جمع بينهما المكلف بسوء اختياره فهذا الفرد المجتمع فيه الطهارة والغصب ليس مما تعلق به النهى والامرلان الفرد لا يمكن ان يكون ماموراً به ولا منهيا عنه ضرورة ان الأمر والنهي يتعلقان بالطبيعة وان الفرد ايجاد للمامور به والمنهى عنه فيستحيل تعلق الأمر به لاستحالة ايجاد الفرد و حيث ان الأمر والنهي متعلقان بالطبيعة فلا اجتماع لهما كما انه لامانع من امتثال الأمر بايجاد الفرد وكونه عصياناً باعتبار ايجاد طبيعة الغصب به لا ينافي كونه اطاعة باعتبار ايجاد الطهارة به فهذا الفرد اطاعة وعصيان باعتبارين فصرف اشتمال الفرد الممتثل به على المنهى عنه لا يوجب بطلان العبادة لان النهى تعلق الطبيعة الغصب فبطلان العبادة يتوقف على تصرف آخر من الأمر في مرحلة الامتثال سوی الأمر بالعبادة يوجب فساد العمل فلا تبرء الذمة فالموجد للفرد سوى المشتمل على المأمور به والمنهى عنه امتثل الامر وعصى بالنسبة الى النهى فهو مطيع عاص بايجاد المأمور به والنهى عنه في فرد واحد فهو اعنى الفرد امتثال و عصيان باعتبارين كما انه محبوب باعتبار و مبغوض باعتبار آخر ولا منافات بين محبوبیته وبين مبغوضيته لتعدد الجهة وتمثيل هذا النحو من التطهير بالصلوة في الدار المغصوبة لما جرى ديدنهم في باب الاجتماع اى اجتماع الأمر والنهي تمثيلهم بالصلوة في الدار

ص: 588

المغصوبة ولافرق بين الامثلة فالصلوة فى الدار المغصوبة اطاعة باعتبار كونها صلوة وعصيان باعتبار كونها غصبا مالم يقيد الأمر بالصلوة بكون امتثال المكلف على وجه خاص يكون الغصب مانعاً فان وجوب الامتثال وان كان عقليا يستقل العقل بادراكه الا ان المولى له التصرف فى المرحلة الثالثة وتقييد الأمر بقيد خاص مخالفته مانعة من برائة الذمة يوجب افساد العمل ولكن لا مع هذا التصرف المخصوص لا يبطل العمل باجتماع طبيعة العبادة والعصيان في الفرد لكفاية تعدد الجهة في تحقق العبادة والعصيان والتفاصيل في الاصول.

وظهر مما اسلفناه حكم المذهب والمفضض فالروايات الواردة فيهما محمولة على الكراهة وما ورد من عزل الفم عن موضع المفضض محمول على الاستحباب فامرهما اسهل من امر الذهب والفضة فكراهة استعمالهما اخف من كرامة استعمالهما قال في المدارك عند شرح قول المحقق ويكره المفضضة وقيل يجب اجتناب موضع الفضة اختلف الاصحاب في الأوانى المفضضه فقال الشيخ في الخلاف ان حكمها حكم الاواني المتخذة من الذهب والفضة لمارواه الحلبى فى الحسن عن ابي عبد الله (ع) قال لاتاكل في آنية من فضة ولا في آنية مفضضة وقال فى المبسوط يجوز استعمالها لكن يجب عزل الفم عن موضع الفضة وهو اختيار العلامة في المنتهى وعامة المتاخرين لمارواه عبدالله بن سنان فى الصحيح عن ابی عبدالله (ع) قال لاباس ان يشرب الرجل في القدح المفضض واعزل فمك عن موضع الفضة والامر للوجوب.

وقال المصنف في المعتبر يستحب العزل الظاهر صحيحة معادية بن وهب قال سئل ابو عبدالله عن الشرب في القدح فيه ضبة فضة قال لاباس الا ان يكره الفضة فينزعها عنه انتهى ولا تدل الروايات على ازيد من كراهة الاستعمال واستحباب عزل الفم لعدم دلالة الأمر على الوجوب وعدم دلالة النهى على الحرمة .

و اما اتخاذ ساير الالات من الذهب والفضة فليس فيه منع روى يحيى بن ابی العلا قال سمعت ابا عبد الله (ع) يقول درع رسول الله (ص) ذات الفضول لها حلقتان واله وستة من ورق في مقدمها و حلقتان من ورق فى مؤخرها و قال لبسها على عليه السلام

ص: 589

يوم الجمل.

وروى على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر (ع) قال سئلته عن المرآة هل يصلح امساكها اذا كان لها حلقة من فضة قال نعم انما يكره استعمال ما يشرب به قال وسئلته عن السرج واللجام فيه الفضة ايركب به قال ان كان مموها لا يقدر على نزعه منه فلاباس والا فلاير كب به والنهي دليل على الكراهة لا الحرمة لما سبق وروى الصدوق رضوان الله عليه باسناده عن أبي جعفر (ع) قال ان اسم النبي (ص) في صحف ابراهيم الماحى الى ان قال وكانت له (ص) عمامة تسمى السحاب و كان له واله وستة درع تسمى می ذات الفضول لها ثلث حلقات من فضة حلقة بين يديها و حلقتان خلفها الحديث و عن احمد بن عبدالله قال سئلت ابا الحسن (ع) عن ذى الفقار سيف رسول الله (ص) من این هو قال هبط به جبرئيل(ع) عن السماء وكانت حلقته من فضة وهو عندى.

واما ساير الاشياء النفيسة من الجواهر كالفيروزج والزبرجد والياقوت فليس في اتخاذ الاوانى وغيرها منها واما الصفر فقد صرح الامام بعدم الباس في الشرب من الانية المتخذة منه روى يونس بن يعقوب عن اخيه يوسف قال كنت مع ابي عبدالله (ع) في الحجر فاستسقى ماء فاتي بقدح من صفر فقال رجل ان عباد بن كثير يكره الشرب في الصفر فقال لا باس وقال (ع) للرجل الاسئلته اذهب هو ام فضة و هذا الكلام من الامام (ع) ظاهر في انحصار هذا الحكم في الذهب والفضة.

وفي باب الملابس روايات تدل على ان المراد من الروايات في هذا الباب الكرامة دون الحرمة فقد روى روح بن عبدالرحيم عن ابي عبد الله (ع) قال قال رسول الله (ص) الامير المؤمنين (ع) لا تختم بالذهب فانه زينتك في الآخرة وروى ابن القداح عن ابي عبد الله (ع) قال ان النبي (ص) تختم فييساره بخاتم من ذهب ثم خرج على الناس وطفق الناس ينظرون اليه فوضع يده اليمنى على خنصره اليسرى حتى رجع الى البيت فرمی به فما لبسه وهذه الرواية رواها الكليني في الكافي بطريقين و روی ابو بصیر عن ابی عبدالله (ع) قال قال امير المؤمنين صلوات الله عليه لا تختموا بغير

ص: 590

الفضة فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما طهرت كف فيها خاتم حديد.

والناظر في هذه الروايات يشم عنها رائحة الكراهة.

والمحدث العاملى كلام فى الوسائل ينبغى نقله للناظرين في هذه الاوراق قال بعد نقل بعض اخبار الباب واعلم ان اكثر الاصحاب على تحريم آنية الذهب والفضة و هو المعتمد وقد نقلوا عن جماعة من العامة عدم التحريم فيمكن حمل ما تضمن على التقية او على التحريم (انتهى) .

فلك ان تقول ان عمدة ما هو ظاهر فى الكراهة رواية سماعة بن مهران حيث عبر بعبارة لا ينبغى الظاهرة فى الكراهة وهذا الراوى واقفى لا يطمئن النفس بصدق روايته و ان عد فى كتب الرجال من الثقات فبعد ملاحظة ضعف الرواية و ذهاب جماعة من العامة الى الكراهة كما نقل المحدث العاملي و رواية ما هو نص في الحرمة عن امير المؤمنين عليه السلام يقوى فى النفس صحة ما ذهب اليه اكثر الاصحاب من التحريم.

واما اواني المشركين فلا يحكم بنجاستها بصرف انتسابها اليهم بل يتوقف الحكم بالنجاسة بتنجيسهم لها بمباشرتهم معها في حال الرطوبة و لافرق في هذا الحكم بين الاوانى المملوكة لهم وبين غيرها مما فى ايديهم كما استعار المشرك من المسلم آنية ثم ردها اليه ضرورة ان غير نجس العين لا يحكم بنجاسته قبل العلم بالتنجيس ولا يكفى الظن في الحكم بالنجاسة بل يظهر من الاخبار من اهل البيت (ع) عدم كفاية الظن الاطمينانى فى هذا المقام فالمروى عن مولانا امير المؤمنين عليه صلوات المصلين انه قال ما ابالى ابول اصابني ام ماء اذا لم اعلم وقال مولانا الصادق (ع) كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر واظهر منهما فى افادة هذا المعنى صحيحة عبدالله بن سنان قال سئل ابا عبدالله وانا حاضر انى اعير الذمى ثوبي و انا اعلم انه يشرب الخمر وياكل لحم الخنزير فيرده على فاغسله قبل ان اصلى فيه فقال ابو عبد الله (ع) صل فيه ولا تغسله من اجل ذلك فانك اعرته اياه وهو طاهر ولم تستيقن انه نجسه فلاباس ان تصلى فيه حتى تستيقن انه نجسه فترى انه (ع) حكم بعدم

ص: 591

النجاسة قبل اليقين.

وقوله (ع) ولا تغسله من اجل ذلك معناه ان صرف الاعارة والاستعارة وبقاء مدة عند الذمى لا يوجب الغسل لعدم اليقين على النجاسة بل الموجب هو اليقين بالتنجهس مع ان بقاء الثوب عند الذمى ولبسه اياه يوجب الظن القوى بالتنجيس وهذا القول من الامام لا يمنع من اعتقادك لعدم نجاستهم من هذا الحكم لان الحكم بالتنجيس يتوقف على العلم القطعي بمباشرتهم بما ينجس الثوب فلامنافات بين نجاستهم و عدم سرايتها الى المستعار .

و بهذا الراوى رواية اخرى مخالفة المفاد مع هذه الرواية روى الشيخ رحمه الله باسناده عن على بن مهزیار عن فصالة عن عبد الله (ع) بن سنان قال سئل ابی اباعبدالله عن الرجل يعير ثوبه لمن يعلم انه ياكل الجرى ويشرب الخمر فيرده ايصلى فيه قبل ان يغسله قال لا يصلى فيه حتى يغسله وروى الكليني رضوان الله عليه عن على بن حمد عن سهل بن زياد عن خيران الخادم قال سئلت ابا عبد الله (ع) و ذكر مثل ماذكر ابن سنان وحمل الشيخ (قده) هذه على الاستحباب ونعم ما فعل لان رواية ابن سنان الاولى صحيحة لا تعارضها ماليس كذلك ولا يصح طرحهما فلابد من الحمل على الاستحباب وليس لنا حمل ما يدل على عدم التنجيس على النقية لماروى معاوية بن عمار في الصحيح عن ابی عبدالله (ع) قال سئلت ابا عبدالله (ع) عن الثياب السابرية يعملها المجوس وهم اخباث وهم يشربون الخمروان لهم على تلك الحال البسها ولا اغسلها واصلى فيها قال نعم قال معاوية فقطعت له قميصاً وخطه وقتلت له ازرارا ورداءاً من السابرى ثم بعثت بما اليه فى يوم جمعة حين ارتفع النهار فكانه عرف ما اريد فخرج بها الى الجمعة.

فهذه الرواية تدل على هدم كون جواب الامام المتقية لعدم خروجه (ع) بها الا لبيان الحكم الواقعى ضرورة عدم وجوب الخروج بها الى الجمعة.

ومما يدل على المختار صحيحة عبدالله بن على الحلبى قال سئلت ابا عبدالله عليه السلام عن الصلوة فى الثوب المجوسى قال يرش بالماء فهي صريحة في عدم

ص: 592

نجاسة الثوب .

واما رواية ابراهيم بن ابى محمود قال قلت للرضا (ع) الخياط والقصار يكون يهودياً او نصرانياً وانت تعلم انه يبول ولا يتوضأ ما تقول في عمله قال لاباس فلابد من الحمل على العمل الذى لا يعلم مباشرة العامل بما ينجسه فان القصار لا يمكن عادة عدم تنجيسه للثوب.

وقال مولانا الصادق (ع) فى حسنة الحلبي اذاحتلم الرجل فاصاب و به منى فليغسل الذى اصابه فان ظن انه اصابه ولم يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء ودلالة قوله (ص) على اناطته الحكم بالنجاسة على اليقين واضحة لاريب فيه.

وفى الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميرى انه كتب الى مولانا صاحب الزمان ارواحنا له الفداء عندنا حاكة مجوس ياكلون الميتة ولا يغتسلون من الجنابة وينسحون لنا ثيابا فهل تجوز الصلوة فيها من قبل ان تغسل فكتب (ع) اليه فى الجواب لاباس بالصلوة فيها قال فى الوسائل بعد نقل المكاتبة عن الاحتجاج و رواه الشيخ فى كتاب الغيبة بالاسناد الاتى ونقل عن قرب الاسناد عن الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السلام ان علياً صلوات الله عليه كان لا يرى بالصلوة باسا فى الثوب الذى يشترى من النصارى واليهود والمجوس قبل ان تغسل الثياب والروايات فى هذا الباب متواترة كما يشهد به التامل والفحص فلابد من حمل ما ظاهره المنافات على الاستحباب ان كان أمرا بالغسل وعلى الكراهة ان كان نهياً عن الصلوة مما يدل على النجاسة.

فظهر من الروايات عدم الفرق بين الاوانى والثياب و غيرهما فالحاصل ان كون الأوانى او الثياب او الاشياء الاخر تحت يد المشركين والكفار لاتدل على نجاستها واحتمال ملاقاتهم بما ينجس الاشياء لا يعتنى به وكذا الظن بل لا بد فى الحكم بالتنجيس من اليقين بملاقاتهم بما يوجب النجاسة والمتامل فى الاخبار لا يرتاب فيما بيناه .

ولامانع من تخصيص امر النجاسة بهذه الخصوصية اعنى اعتبار اليقين في رفع

ص: 593

اليد عن الطهارة السابقة وعدم الاكتفاء بالظن و لو كان متاخما بالعلم لان اليقين لا يطلق على الظن.

والاخبار الواردة فى الطهارة والحدث ايضاً كاشفة عن اعتبار اليقين في رفع اليد عن كل واحد منهما.

فالطهارة عن الخبث او الحدث لابد فى رفع اليد عنها اوعن مقابليها من اعتبار اليقين فى ارتفاع السابق .

واما النهي عن استعمال بعض الاوانى مع طهارته فلاشتماله على بعض الخواص

روى على بن اسباط عن مولانا ابى الحسن الرضا (ع) قال سمعته يقول وذكر مصر فقال(ع) قال النبي (ص) لاتاكلوا في فخارها ولا تغسلوا رؤسكم بطينها فانه يذهب بالغيرة ويورث الدياثه .

وفى رواية اخرى رواها على بن اسباط عن مولانا ابي الحسن (ع) قال لا تاكلوا فى فخارها ولا تغسلوا رؤسكم بطينها فانها تورث الذله وتذهب بالغيرة.

وروى داود الرقى عن ابی عبد الله الا في حديث قال قال ابو جعفر (ع) انی اكره ان اطبخ شيئاً في فخار مصر وما احب الى ان اغسل راسي من طينها مخافة ان يورثنى الذل وتذهب بغيرتى .

فالظاهر ان طين هذه البلدة مشتملة لهذه الخاصية السوء فالنهي عن الاكل في فخار المصنوع من هذا الطين للتجنب عن ايراثه هذه الصفة الخبيثه و اذهابه الصفة الحميدة وكذا غسل الراس به.

ويمكن ان يكون النهي كناية عن التجنب عن اهل هذه البلدة و التباعد عنهم لتخلفهم بالاخلاق الفاسدة واتصافهم بالصفات الرذيلة دفعاً لسراية اخلاقهم الى المعاشريهم .

لكن الاول اظهر ويمكن ان يكون السبب لهذه الخاصية الخبيثة هو خباثة ساكني هذه البلدة من الفراعنة والنماردة وتمكين اهلها لهم ما يدعون من الالوهية والربوبية فطول مدة مكثهم فى هذه البلدة اوجب سراية اخلاقهم الدنية وصفاتهم

ص: 594

الرذيلة الى ترابها وطينها وفضائها بحيث يسرى الى من يمس طينها بغسل الراس منه او الاكل من الفخار المصنوع من ذلك الطين و هذا النهي تنبيه للغافلين عن شئامة تلك الصفات وفساد تلك الاخلاق فللعصيان والطغيان مراتب اقصيها واعليها دعوى الالوهية والربوبية فلايتصورظلم اشد من هذا النحو من الظلم وفساد اشد من هذا الفساد والظاهر ان طغيان هذه الطغاة لا يستصغر من طغيان ابليس عليه اللعنة و العذاب و ان كان رئيسهم واستادهم فى العصيان والطغيان فتنفس هذه الطائفة افسد فضاء تلك البلدة و مساس ابدانهم الخبيثة اخبث طينها وترابها بحيث يسرى ذلك الفساد الى المماس بالطين او المصنوع منه.

و اختصاص هذه الصفة من بين الصفات لاجل ان الطغيان بدعوى الالوهية يزاحم عظمة رب الارباب وكبريائه فيناسب سلب الغيرة عن الطاغي لتبدل عزته بالذلة واتصافه بالدياثة.

واما الجلود فهى تابعة للحيوان فان كان نجس العين فالجلد نجس لا يطهر و ان كان طاهراً حال الحيواة وصار ميتة فكذلك لا يطهر سواء دبغ املا لان الدباغ لا يطهر النجس وخالف ابن الجنيد (قده) فى طاهر العين حال حيواته مع المشهور و حكم بطهارته بالدباغ واحتج بمارواه الحسن بن زرارة عن مولانا الصادق (ع) في جلدشاة ميتة يدبغ ويصب فيه اللبن ويشرب ويتوضا قال نعم وقال يدبغ و ينتفع به ولا يصلى فيه .

ولان المقتضى للتنجيس انما هو اتصال الرطوبات فاذازالت الرطوبة بالدبغ كان طاهراً.

وضعيف الرواية يمنعنا عن العمل به مع كونها موافقة للعامة الذين الرشد في خلافهم .

وقوله ان المقتضى للتنجيس انما هو اتصال الرطوبات في حيز المنع فان المقتضى للنجاسة هو الموت و نجاسة الرطوبات لاجل كونها من رطوبات الميتة والدباغ المزيلة للرطوبات لا يخرجها عن كونها ميتة فلايطهر بزوال الرطوبات و

ص: 595

قديستدل له (قده) بما رواه ابو جعفر بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه عن مولانا الصادق (ع) انه سئل عن جلود الميتة يجعل فيه اللبن والسمن والماءماترى فيه قال لاباس بان يجعل فيها ماشئت من ماء اولبن اوسمن ويتوضا منه ويشرب ولكن لا تصل فيها·

قال صاحب المدارك (قدس الله نفسه الزكية) بعد الاستدلال بهذه الرواية لابن الجنيد ونقلها من كتاب من لا يحضره الفقيه والظاهرانه رحمه الله تعالى قال بمضمونها لانه ذكر قبل ذلك من غير فصل يعتد به انه لا يورد فى ذلك الكتاب الا ما يفتى به و يحكم بصحته.

والمتامل فيهذه الرواية لا يخفى عليه عدم دلالتها على مطلوب ابن الجنيد(ره) لان جعل الماء والسمن واللبن فى الجلد لا يستلزم مماسة المايعات له لان ظاهر الجمل ان الشيء يكون في ظرف و يجعل في الجلد، و لولم يكن للمايع ظرفا سوى الجلد لا يعبر عنه بالجعل بل الانسب (ح) الصب كما رايت في رواية ابن زرارة ويمكن ان يكون الأصل فى الرواية هو ما رواه ابو جعفر بن بابویه و بدل ابن زرارة الجعل بالصب لتوهمه توحد معنييهما ومع هذا الاحتمال تزداد تلك الرواية ضعفا.

والحاصل ان لفظ الجعل ظاهر في كون المايع في ظرف وراء الجلد ويظهر هذا المعنى بادنى تامل فلادلالة للرواية على مطلوب من يقول بالطهارة فانظر الى مارواه عبدالرحمن بن الحجاج عن مولانا الصادق (ع) لا يبقى لك ريب في عدم تأثير الدباغ فى رفع نجاسة مادبغ قال قلت اشترى الفراء من سوق المسلمين فيقول صاحبها هي زكية هل يصلح ان ابيعها على انها زكية قال (ع) لا قلت وما انسد ذلك قال (ع) استحلال اهل العراق الميتة وزعموا ان دباغ جلد الميتة زكوته ثم لم يرضوا ان يكذبوا في ذلك الا على رسول الله (ص) دلت على عدم كون دباغ جلد الميتة واله وستة زكوته فالمنشأ بهذا الافتراء هو اهل العراق حيث زعموا ان دباغ جلدالميتةزكوته

وقد اشبعنا الكلام فى مبحث نجاسة الميتة واثبتنا نجاستها وبينا انحصار طهارة الميتة من ذوى النفس في ميتة الادمى فلا معنى لاطالة الكلام هنا واما غير ذوى النفس

ص: 596

فلا يدل على نجاسة جلوده دليل بل عرفت ان حكم الجلد حكم الحيوان .

فملخص المرام ان الحيوان على قسمين ذى النفس وغيره والثاني طاهر في حالتي الحيوة والموت وجلده تابع له والاول على ثلثة اقسام نجس العين في حالتي الموت والحيوة والادمى وهو طاهر فى حال الحيوة اذا لم يكن من اقسام نجس العين كالكافر وفى حال الموت المشهورانه نجس وقد بينا سابقا انه لا فرق بين الحي و بين الميت وثالث الاقسام على قسمين ما يؤكل لحمه ومالا يوكل وكلاهما طاهران في حال الحيوة والميتة منهما نجس كما عرفت سابقاً فان الموت حتف الانف مقتضى للنجاسة و يمنع من هذا المقتضى التذكية فبعد التزكية يطهر كلاهما بمعنى ان التذكية تمنع عن تنجسهما بالموت فان الموت المقتضى للتنجيس هو الموت حتف الانف والتذكية يمنع من تاثير الموت وليس صرف عدم التذكية موجباً للنجاسة والحرمة لان العدم لا علية فيه كما انه لا يعلل فحيث ان التذكية مانعة لتاثير الموت اثره يستصحب عدمها عند الشك فى تحققها فيوثر المقتضى اثره وحيث ان الاخذ بالمقتضى و عدم الاعتناء بالمانع لا يستلزم الحالة السابقة كما مر مرارا.

فلامجال للاشكال بان عدم التذكية لازم اعم لموت حتف الانف والحيوة ولا يمكن اثبات احد الملزومين وهو الموت حتف الانف باستصحاب اللازم الاعم و ان استصحاب عدم التذكية فى الجلد المطروح لاثبات الحرمة والنجاسته على ما هو المشهور فاسد فنشأ الاشكال من اعتبار الحالة السابقة في الاستصحاب و(ح) فلا محيص عن الاشكال ولكن الاستصحاب الذى يتمسك به لاثبات الوظيفة هو الاستصحاب بمعنى القاعدة الشريفة اعنى الاخذ بمقتضى المقتضى وعدم الاعتناء بالمانع فالموت مقتض للنجاسة والحرمة والتذكية مانعة عن تاثير هذا المقتضى وعند الشك في تحقق المانع فلا يعتنى بالاحتمال وياخذ باقتضاء المقتضى واما الاستصحاب بمعنى الاخذ بالحالة السابقة فلاحجية فيه فى اثبات الوظيفه لانه اسراء حكم من موضوع الى موضوع عند المحققين.

قال صاحب المدارك عند شرح قول المحقق رضوان الله عليهما ولا يجوز استعمال

ص: 597

شيء من الجلود (الخ) واعلم ان مقتضى العبارة توقف استعمال الجلد على ثبوت التذكية باحد الطرق المفيدة له ومقتضى ذلك المنع من استعمال ما لم يثبت تذكيته سواء علم موته حتف انفه ام جهل حاله و به قطع الشهيدان (قدهما) والمحقق الشيخ على (قده) و احتجوا باصالة عدم التذكية و يشكل بان مرجع الاصل هنا الى استصحاب حكم الحالة السابقة وقد تقدم هنا الكلام فيه مراراً وبينا ان استمرار الحكم يتوقف على الدليل كما يتوقف عليه ابتدائه لان ما ثبت جازان يدوم وجاز ان لايدوم فلا بدلدوامه من دليل وسبب سوى دليل الثبوت (انتهى) وقد عرفت ان الاستصحاب هنا ليس اخذاً للحالة السابقة كى يقال ان ما ثبت جازان يدوم وجاز ان لايدوم و قد عرفت ايضاً ان عدم التذكية لا اثر له لان العدم لاعلية فيه بل المؤثر هو الموت والتذكية مانعة لتاثيره فمالم يعلم منعها لتاثيره للشك في تحققها لا يعتد باحتمال المانع و هذا ليس من الاخذ بالحالة السابقة كي يتمسك فى دفعه بجواز عدم الدوام فعدم التذكية لا اثر له كما عرفت وانما المؤثر والموت المحقق والمانع من التاثير هو التذكية الغير المعلومة فلا يعتد باحتمال تحققها ولا يحكم بوجود اثرها .

ثم قال (قده) ثم لوسلمنا انه يعمل به فهو انما يفيد الظن والنجاسة لا يحكم بها الا مع اليقين او الظن الذى يثبت اعتباره شرعاً كشهادة العدلين ان سلم عمومه والحاصل ان الجلد المطروح لما جاز كونه منتزعاً من الميتة والمذكى لم يكن اليقين بنجاسته حاصلا لانتفاء العلم بكونه منتزعاً من الميتة فيمكن القول بطهارته كما في الدم المشتبه بالطاهر والنجس و يشهد له قول الصادق (ع) في صحيحة الحلبي صل فيه حتى يعلم انه ميت بعينه وفى رواية اخرى ما علمت انه ميتة فلا تصل فيه.

وفيه ان الاستصحاب ليس من الادلة حتى يعتبر في حجيته افادة العلم ولامن الامارات حتى يجب ثبوت اعتبار الظن الحاصل منه بل هو من الاصول والاصل ليس حجيته لاجل افادته الظن و قد قرر فى باب الاستصحاب ان المقصود من الظن هو الظهور الاصلى .

فالاستصحاب كما عرفت هو الاخذ بالمقتضى وعدم الاعتداد باحتمال المانع

ص: 598

والموت مقتضى ولولا احتمال التذكية يوجب العلم بالنجاسة والحرمة ومعنى عدم الاعتداد بالمانع ترتيب اثار المقتضى عليه وجعل الاحتمال کالعدم قوله ( قده ) و يشهد له قول الصادق (ع) اشارة الى صحيحة الحلبى حيث سأل ابا عبد الله (ع)عن الخفاف التي تباع فى السوق فقال اشتر وصل فيها حتى تعلم انه ميتة بعينه وجوابه (ع) بالاشتراء والصلوة فيه لاجل سوق المسلمين وليس حكم الجلد المطروح حكم المشترى من سوق المسلمین روی احمد بن محمد بن ابي نصر عن مولانا الرضا (ع) قال سئلته عن الخفاف ياتى السوق فيشرى الخف لايدرى اذكى هو املا ماتقول فى الصلوة فيه وهو لايدرى ايصلى فيه قال نعم انا اشترى الخف من السوق ويصنع و اصلى فيه وليس عليكم المسئلة فالاشتراء من يد المسلم يجعل المشترى فى حكم الطاهر وهذا غير الجلد المطروح فالاستشهاد به علیه استشهاد بالاجنى على الاجنى و اظهر في الدلالة مارواه اسماعيل بن عيسى قال سئلت ابا الحسن (ع) عن جلود الضراء يشتريها الرجل في سوق من اسواق الجبل ايسئل عن ذكوته اذا كان البايع مسلما غير عارف قال عليكم انتم ان تسالوا عنه اذار ايتم المشركين يبيعون ذلك و اذار ايتم يصلون فيه فلا تسئلوا عنه ورواية حسن بن الجهم قال قلت لابي الحسن (ع) اعترض السوق فاشترى خفا لا ادرى اذكى هوام لاقال صل فيه قلت فالنعل قال مثل ذلك قلت اني اضيق من هذا قال اترغب عما كان ابو الحسن (ع) يفعل.

فبعد ما كان البايع من المسلمين ليس للمشترى السئوال والتفحص وانى هذا من الجلد المطروح الذى سبب نجاسته معلوم اعنى الموت وما يمنع من تاثير السبب مجهول محتمل يندفع احتماله بالاصل.

وقوله(قده) وفي رواية اخرى ما علمت (الخ) اشارة الى مارواه علی بن ابی حمزة ان رجلا سئل ابا عبد الله (ع) وانا عنده عن الرجل يتقلد السيف ويصلى فيه قال نعم فقال الرجل ان فيه الكنمحت قال وما الكنمحت قلت جلود دواب منه ما يكون ذكياً ومنه ما يكون ميتة فقال ما علمت انه ميتة فلا تصل فيه و انت خبير ان هذا الحكم لا ينافي نجاسة الجلد المطروح وحرمته لان ما في يد المسلم محكوم بالطهارة حتى

ص: 599

يعلم انه نجس والحاصل انه لاشباهة بين الجلد المطروح والمشترى من سوق المسلمين ومن ايديهم لان سوق المسلمين وايديهم بل اراضى الاسلام اذا كان الغالب فيها المسلم لا يسئل عما يشترى فيها فان الشارع حكم بطهارة ما في ايدى المسلمين ما لم يعلم بنجاسته والاخبار فيهذا المعنى متظافرة فلا معنى للحكم بتوحيد حكم الجلد المطروح مع حكم ما فى ايدى المسلمين فانظر فى اسحق بن عمار عن العبد الصالح (ع) انه (ع) قال لاباس بالصلوة فى الفراء اليماني وفيما صنع فى ارض الاسلام قلت فان كان فيها غير اهل الاسلام قال اذا كان الغالب عليها المسلمين فلا باس.

فترى ان غلبة المسلمين كافية فى طهارة ما يصنع فيها فمعنى هذا الحكم ان المسلم اذا عمل عملا ذا وجهين بحسب الاحتمال يحمل على الوجه الصحيح مالم يعلم الوجه الباطل فسوق المسلم ويده بمنزلة الدليل الرافع للشك فلا يبقى مورد للاستصحاب والجلد المطروح لا رافع لشك عدم التذكية والمانع من تاثير الموت اثره هو التذكية فبعد الشك في تحققها يجب الحكم بتاثير المقتضى اثره .

واما مالايؤكل لحمه من الحيوان الطاهر يقبل التذكية و يطهر جلده به و بعد الطهارة لامانع من استعماله وقال علم الهدی و شیخ الطائفة رضوان الله عليهما بعدم جواز استعماله قبل الدبغ ولادليل يدل على اعتبار الدبغ بعد طهارته لعدم تاثير الدبغ فيه سوی تصیره انظف فبعد تأثير التذكية فى طهارة الحيوان جلده لامعنى لتوقف جواز استعمال جلده الطاهر على الدبغ ما لم يدل دليل عليه .

وفى المختلف احتج الشيخ رحمه الله بالاجماع على جواز الاستعمال بعد الدباغ ولادليل قبله.

وفيه ان استعمال الطاهر لا يحتاج الى دليل يدل على جوازه سواء كان قبل الدباغ او بعده بل المتوقف على الدليل هو عدم الجواز وليس لنا دليل على عدم الجواز قبل الدباغ ولا معنى للتفكيك بين حكم القبل وبين حكم البعد بلادليل فارق ويدل على جواز الاستعمال رواية سماعة قال سئلته عن لحوم السباع و جلودها فقال اما لحوم السباع من الطير والدواب فانا نكرهه واما الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا منها شيئاً

ص: 600

تصلون فيه فترى تجويز الركوب مطلقا من الامام (ع) من دون ان يفرق بين ما دبغ وغيره ولاما بين قبل الدباغ وبعده.

ومنع من اللبس حال الصلوة على الاطلاق ايضاً فاعتبار الدباغ في استعماله لا معنى له والاجماع ليس من الادلة لعدم دخول المعصوم في المجتمعين يقيناً مع ان القائلين باعتبار الدبغ في جواز الاستعمال اقل ممن لم يعتبر بل الظاهر انحصار القائل بالاعتبار فيهما رضوان الله عليهما.

على بن ابى حمزة قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن لباس الفراء والصلوة فيها فقال لاتصل فيها الا فيما كان منها ذكياً قال قلت اوليس الذكى ماذكى بالحديد فقال بلى اذا كان مما يوكل لحمه قلت و مالايوكل لحمه من غير الغنم قال لاباس بالسنجاب فانه دابة لاتاكل اللحم وليس هو ممانهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم اذنهى عن كل ذي ناب ومخلب فترى انه (ع) لسوغ الصلوة في المذكى من السنجاب مندون اعتبار الدباغ وقوله (ع) وليس هو مما نهى عنه رسول الله (ص) اشارة الى ان عدم الجواز يتوقف على الدليل لا الجواز.

و اما لدباغ فينبغي ان يكون بالاجسام الطاهرة كقشور الرمان والعقص والقرط فلودبغ بالاجسام النجسة تنجس المدبوغ و مقتضى القاعدة طهارته بالغسل بالماء فحكمه حكم ساير المتنجسات و نقل العلامة ( قده ) عن ابن الجنيد ( قده ) انه لا يطهر.

واحتج بان الدبغ منهى عنه فلا يقتضى ترتب حكم شرعی علیه اذا لمنهى عنه ساقط في نظر الشرع وبمارواه السياري عن ابي يزيد القمى عن ابى الحسن الرضا (ع) انه ساله عن جلود الدارش فقال لاتصل فيها فانها تدبغ بخرء الكلاب.

واجاب عن الاول بمنع عدم ترتب حكم شرعى على المنهي عنه فان كثير أمن المنهى عنه يترتب عليه احكام شرعية.

و عن الثاني يمنع صحة السند اولا و ثانيا ان النهي عن الصلوة لايدل على المطلوب فاما نقول بموجبه اذهو منهي عن الصلوة فيه قبل غسله وفي جوابه (قده) كفاية

ص: 601

الا ان تطهيره بالغسل بالماء بعد التنجس لا يخلوا من صعوبة لان الرطوبات النجسة تدخل في اعماق الجلد و ایصال المطهر الى ما وصل اليه الرطوبة النجسة بمكان من التعسر بل يمكن القول بالتعذر ولذا ترى الامام (ع) ينهى عن الصلوة و لم يامر بالغسل ثم الصلوة فيها فلولا تعذر التطهير لامر بالتطهير بالغسل ثم الصلوة فيها وكيف كان فصحة الصلوة فيها منوط بالتطهير الشرعى فمن امكن له طهر وصلى فيه ومن لم يتمكن فليس له الصلوة فيه .

والاظهر امكانه مع التعسر الشديد بقى الكلام فى المطهرات.

والاصل فى التطهير هو الماء ولا خلاف في كونه مطهراً واما غير الماء ففيه خلاف

و يظهر من صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع عدم كون غير الماء مطهراً و اختصاص الماء بصفة التطهير حيث قال سئلته عن الارض والسطح يصيبه البول وما اشبهه فهل تطهره الشمس من غير ماء قال كيف تطهر من غير ماء فترى صراحة هذه الصحيحة فى عدم مطهرية غير الماء فكل مايترا ای خلاف مضمون الصحيحة لابد ان يحمل على معنى آخر فان تعجب الامام عن تطهير غير الماء تدل على انحصار صفة التطهير بالماء واستحالة التطهير الشرعى بغيره فما روى عمار الساباطي عن مولانا الصادق (ع) قال سئل عن الشمس هل تطهر الارض قال اذا كان الموضع قذراً من البول او غير ذلك فاصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلوة على الموضع جائزة .

لابد ان يئول على ان المقصود صحة الصلوة على الموضع اذا جففته الشمس فمعناه ان اليابس زكى فلو كان المقصود هو تطهير الشمس كان جواب الامام نعم فالرواية على خلاف المطلوب ادل فصحة الصلوة فى الموضع من لوازم طهارته و مع ذلك اجاب عن التطهير بما سمعت مع كفاية قوله نعم .

و ببيان اوضح ان السائل سئل عن التطهير و الامام اجاب بصحة الصلوة بعد الجفاف وصحة الصلوة لازم اعم من التطهير وجفاف الموضع فينبغى القطع بعدم حصول التطهير من الشمس مع ان جواب نعم اخصر بمراتب من هذا الجواب لا يقال لو كان المراد بيان عدم التطهير لكان جوابه لا و هو اخصر من هذا الجواب ايضاً

ص: 602

لانا نقول اراد الامام (ع) بيان صحة الصلوة مع اليبوسة وجواب سئوال السائل ضمنا

قال العلامة (قده) فى المختلف وجه الاستدلال ان نقول السئوال وقع عن الطهارة فلو لم يكن فى الجواب ما يفهم السائل منه الطهارة اوعدمها لزم تاخير البيان عن وقت الحاجة وهو محال لاكن الجواب الذى وقع لا يناسب النجاسة فدل على الطهارة .

وفيه اولا ان تاخير الجواب عن وقت الحاجة محاليته غير معلوم في جميع الموارد لجواز اقتضاء مصلحة من المصالح التاخير او منع مانع عن الاظهار في ذلك الوقت .

واما ثانيا فانا بينا جواب الامام بالنفى على التقرير المذكور فلم لا يجوز ان يعرف السائل من كيفية جواب الامام عدم تطهير الشمس النجاسة.

ثم قال (قده) وايضاً مارواه ابو بكر عن الباقر قال يا ابا بكر ما اشرقت عليه الشمس فقد طهر ولان المقتضى للتنجيس هو الاجزاء التي عدمت باسخان الشمس فيزول الحكم (انتهى) اما الرواية فماولة بماسبق من كون المقصود ان كل يابس زكى لان اشراق الشمس موجب لجفافه .

والعجب منه (قده) انه يؤل رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع مع صراحتها في المطلوب ولايؤل رواية عمار ورواية ابى بكر مع ان هاتين الروايتين اولى بالحمل والتاويل واما قوله (قده) ولان المقتضى للتنجيس (الخ) فاستدلال بزوال الاجزاء بالشمس مع ان المانع يمنع من كون الزوال باسخان الشمس مطهراً فهذا الاستدلال اشبه شيء بالمصادرة لان النزاع في تاثير الشمس الطهارة ولو كان المراد طهارة الموضع بزوال اجزاء النجاسة فهو عبارة أخرى عن عدم التنجس و كون الحكم منوطا بوجود عين النجاسة فاذا زالت العين زال الحكم ومعنى هذا الكلام زوال حكم النجاسة بزوال العين باى وجه اتفق ومعناه عدم تاثر الموضع عن النجس فالحكم باق ببقاء اجزاء النجاسة ويزول بزوالها وهذا معنى دقيق موافق للتحقيق و به يحصل من الروايات التوفيق ويجرى هذا المعنى فى كثير مماقيل فيه بمطهريته غير الماء

ص: 603

كما سيجيء.

ثم قال (قده) احتجوا بان الاستصحاب يقتضى الحكم بالنجاسة وتسويغ الصلوة لا يدل على الطهارة لجوازان يكون معفواً عنه كما في الدم اليسير و بما رواه محمد بن اسماعيل بن بزيع في الصحيح قال سئلته عن الارض والسطح يصيبه البول وما اشبهه فهل تظهر بالشمس من غير ماء قال كيف تطهر من غير ماء والجواب ان حكم الاستصحاب ثابت مع بقاء الاجزاء النجسة اما مع عدمها فلا والتقدير عدمها بالشمس والرواية متاولة لجواز حصول اليبوسة من غير الشمس.

وهذا الجواب لا يتصور له معنى الا ما بينا من عدم التاثر من النجاسة وانحصار الحكم بوجود الاجزاء النجسة وعدم ثبوت النجاسة الحكمية فلو كان قائلا بتاثر الموضع عن ملاقات النجاسة وثبوت النجاسة الحكمية لما فصل بين بقاء الاجزاء النجسة وبين عدمها لان النجاسة المكتسبة من ملاقات النجاسة تبقى بعد زوال الاجزاء ما لم يثبت التطهير الشرعى فحيث لم يثبت مطهرية الشمس تستصحب النجاسة المكتسبة فتفصيله (قده) بين بقاء الاجزاء وعدمها لا يمكن صحته الابعد نفى النجاسة الحكمية وانحصار الحكم بوجود الاجزاء .

والحاصل ان مقتضى القول بالنجاسة الحكمية جريان الاستصحاب بعد زوال الاجزاء لان ما يزول بزوالها هو النجاسة المستندة اليها و اما النجاسة الحكمية المكتسبة تستصحب مع الشك في كون الشمس مزيلا للنجاسة فان معنى الاستصحاب هو الاخذ بالمقتضى وعدم الاعتناء بالمانع فالنجاسة مما يبقى ابدا ولا يزول الابمزيل فالمنع من جريان الاستصحاب مع زوال الاجزاء منع من اكتساب الموضع النجاسة.

واما قوله (قده) والرواية مناولة لجواز حصول اليبوسة من غير الشمس تاويل للرواية من غير دليل.

واما حصر تطهير الشمس بالبول ونفى الحكم عن الخمر في غير محله قال الشيخ (قده) فى المبسوط الارض اذا وقع عليها الخمر لاتطهر بتجفيف الشمس لها

ص: 604

لان حمله على البول قياس لا يجوز استعماله وفيه ان روایتی عمار و ا بن بزيع تدلان على تطهير الخمر ايضاً لان في رواية عمار اذا كان الموضع قذراً من البول اوغير ذلك وفى رواية ابن بزيع يصيبه البول و ما اشبهه فلوتم دلالتهما على تطهير الشمس تعم البول وما اشبهه لكن الدلالة غير معلومة .

والحاصل ان الروايات الواردة فى الباب ليس فيها ما يدل على مطهرية الشمس وليس فيها ما يعارض رواية محمد بن اسماعيل الصحيحة الصريحة في عدم مطهرية غير الماء بل يظهر من تعجب الامام ان القول بمطهرية غير الماء مما يقتضى التعجب فهو من نوادر الاقوال .

و يظهر من كلام القطب الراوندى انها باقية على التنجيس و انما يسوغ الوقوف عليها والسجود على ما حكى عنه العلامة و قال و كان شيخنا ابو القاسم بن سعيد (ره) يختار ذلك قال قطب الدين الارض والبارية والحصير هذه الثلاثة فحسب اذا اصابها البول فجففتها الشمس فحكمها حكم الطاهر في جواز السجود عليها ما لم تصر رطبة اولم يكن الجبين رطبا وهذا الكلام صريح في بقاء النجاسة وعدم تاثر الشمس وعدم كلية هذا الحكم فى تمام الموارد وحصره فى الثلاثة المذكورة فكانه (قده) لم يعتد برواية ابى بكر عن مولانا الباقر (ع) لضعفها كما ان صاحب المدارك رد الاستدلال بها لضعفها حيث قال واما رواية ابى بكر فضعيفة السند جداً لان من جملة رجالها عثمان بن عبدالملك ولم يذكره احد من علماء الرجال فيما اعلم ومع ذلك فهى متروكة الظاهر وتخصيصها لغير المنقول لا دليل عليه فيسقط اعتبارها راساً كما انه (قده) طعن فى رواية عمار بن موسى الساباطی باشتماله على جماعة من الفطحية ثم قال ومع ذلك فغير دالة على الطهارة اذاقصى ماتدل على جواز الصلوة في ذلك المحل مع اليبوسة و نحن نقول به لاكنه لا يستلزم الطهارة و اما رواية زرارة الصحيحة التي رواها ابن بابویه رحمه الله عنه حيث قال سئلت ابا جعفر (ع) يكون على السطح او فى المكان الذى يصلى فيه فقال اذا جففته الشمس فصل فيه فهو طاهر فلو لم يكن ما يعارضها من الصحاح يمكن التمسك بها على طهارة السطح والمكان

ص: 605

الذى يصلى فيه الاان رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع المذكورة تمنع عن الاستدلال بها لانها اصرح فى المطلوب التعجب الامام (ع) عن تطهير غير الماء و هذه الرواية ليست بتلك الصراحة ويمكن ان يكون المقصود من الطهارة هو عدم سراية النجاسة بعد الجفاف وتقديم الامر بالصلوة ثم القول بالطهارة موهم لذلك.

واما استدلال الشيخ فى الخلاف بالاجماع على ما حكى عنه فلا اعتماد عليه مع ذهاب كثير من المحققين على خلافه فلا يكشف عن رضاء المعصوم و وقوله .

بل لقائل ان يقول ان ذكر الشمس فى الروايات لغلبة جفاف الاشياء الرطبة بالشمس و كونها اقوى سبب بين اسباب الجفاف فصحة الصلوة على ماجفه الشمس لنفس الجفاف لا تاثيرها فيه لان صحيحة على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر (ع) حاكمة على صحة الصلوة على الجاف من دون استناده الى الشمس قال سئلته عن البوارى يصيبها البول هل تصلح الصلوة عليها اذا جففت من غير ان تغسل قال نعم .

فالمتامل فى روايات الباب يستكشف ان المقصود منها ليس تطهير الشمس بل جواز الصلوة على الشيء النجس بعد الجفاف حيث انه يمنع من سراية النجاسة والرواية التي سئلت منها عن التطهير بغير الشمس كرواية ابن بزيع حيث كان المقصود اتصاف غير الماء بهذه الصفة وقع التصريح من الامام (ع) بعدمه مع تعجبه (ع) من اتصاف غير الماء بها.

واما رواية عمار الفارقة بين جفاف الشمس وبين جفاف غيره الحاكمة بصحة الصلوة مع الأول وعدمها مع الثاني فلا تعارض صحيحة على بن جعفر لان سندها مشتمل على الفطحية مع ما عرفت من حال عمار من اعوجاج فهمه و اجتهاده و جعل ما فهمه جزءاً من الخبر.

ثم ان مقتضى ما بينا من عدم جواز التطهير لغير الماء بقاء نجاسة ماجف بالشمس او الريح لان جواز الصلوة عليه لا يستلزم الطهارة فبعد ماتبين عدم طهارة ما جففته الشمس و جواز الصلوة على الموضع الجاف امكن الاستدلال بما دل على الجواز على عدم وجوب طهارة موضع السجود فماروى ابن بابويه في الصحيح عن على بن جعفر

ص: 606

عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال سئلته عن البيت والدار لا يصيبهما الشمس ويصيبهما البول ويغتسل فيهما من الجنابة ايصلى فيهما اذا جفا قال نعم يمكن الاستدلال بها على عدم وجوب طهارة المسجد فان هذه الرواية حاكمة على جواز الصلوة على البيت الذي يصيبه البول ولا يصيبه الشمس فان عدم طهارة هذا البيت لا اشكال فيه حتى عند القائمين بامكان التطهير بالشمس الا ان يحمل على الصلوة في هذا البيت سوى السجدة لان قول الراوى ايصلى فيهما ظاهر فيما قلناه للفرق بين الصلوة في المحل والسجدة على الشيء لكن وجوب طهارة ما يصح السجود عليه مدركه الاجماع المنقول فالحكم به متوقف على حجية الاجماع المنقول .

ولك ان تحمل رواية عبدالله بن بكير على موضع السجود قال سئلت اباعبدالله (ع) عن الشاذ كونه تصيبها الاحتلام ايصلى عليها قال لا و رواية زرارة على غير موضع السجود قال سئلته يعنى الباقر(ع) عن الشاذ كونه يكون عليها الجنابة ايصلى عليها في المحل فقال لاباس واحتج ابو الصلاح برواية ابن بكير على اشتراط طهارة المساجد السبعة وعلى هذا تتعارضان الروايتان ولذا طرح العلامه (ره) رواية ابن بكير بالمنع عن صحة السند لكونه فطحيا و على الحمل المذكور لا تعارض بينهما والجمع مهما امكن اولى واحتجاج ابى الصلاح ليس في محله لنفى الباس في رواية زرارة وليس اصابة الاحتلام بتمام الشاذكونه.

ومماقيل بتطهيره النار حيث احالت شيئاً من النجس من حالة الى اخرى اى غيرت صورته النوعية فمعنى التطهير تبديل حقيقة النجس إلى الطاهر بحسب الشرخ.

و او تم هذا المعنى فهو تبديل موضوع النجاسة وليس تطهيرا لان المطهر ما يزيل نجاسة شيء مع بقاء حقيقة فاطلاق المطهر على النار من باب المسامحة فما يبدل الخمر خلا ليس مطهرا له لان كلا منهما حقيقة له حكم خاص في الشرع فمادام يصدق على المايع عنوان الخمرية حكمه النجاسة فإذا انقلبت ماهيته الى ماهية الخل ينقلب الحكم الى الطهارة لان الحكم تابع لموضوعه و ليس هذا الانقلاب ازالة النجاسة والتطهير فالناران فرض كونها مما يبدل الماهية بماهية اخرى فهى مثل

ص: 607

الدواء الذى يبدل الخمر خلا فليست من المطهرات فان تبديل الموضوع امروراء تبديل الحكم .

ومعنى كون الشىء النجس العين انه لا يطهر ولا يزيل شيء نجاسته فلا يتحقق ازالة النجاسة فى نجس العين بل مورد ازالة النجاسة في المتنجس فالماء مزيل للبول من الثوب ويطهره .

واما الكلب فلا يطهره شيء ومع انقلابه الى الملح مثلا ينقلب حكمه بالطهارة لان الملح طاهر فى اصل الشرع لا ان الانقلاب طهر الكلب فاطلاق المطهر على الانقلاب من باب المسامحة وكذا الامر في الخمر والخل.

قال في الشرايع وتطهر النار ما احالته.

وقال في المدارك في شرح هذه العبارة اى اخرجته عن الصورة الاولى من الاعيان النجسة بالذات او بالعرض بان صيرته ناراً اودخاناً (انتهى) فان كان صيرورة الشيء نارا اودخانا انقلاب ماهيته فليس من باب التطهير لما عرفت من ان لكل من المنقلب والمنقلب اليه حكم خاص في الشرع فصيرورة شيء شيئاً اخر مخالفا له في النجاسة والطهارة ليس من المطهرات كما ان انقلاب الطاهر الى النجس ليس منجساً له فلو فرض صيرورة الخل خمراً ليس هذا الانقلاب منجسا للخل لان الخمر نجس فى اصل الشرع والخل طاهر كذلك واطلاق التنجيس على هذا الانقلاب مسامحة کا طلاق التطهير على انقلاب النجس الى الطاهر.

وان لم يكن صيرورة الشيء الى الرماد والدخان انقلاب ماهيته كما هو الاظهر فهو باق على نجاسته و لا يطهر بصيرورته احدهما لان اثر النار تفريق الاجزاء و تفريق الاجزاء ليس من تغيير الماهية فرماد الشيء باق على حقيقة ذلك الشيء و حكمه كذلك وكذلك الدخان.

واختلاف الاصحاب في المقام في الطهارة والنجاسة منشأه اختلافهم في تغيير الماهية بالاحتراق و عدمه فمن حكم بطهارتهما راى تغيير ماهية الشيء بصيرورته رماداً اورخانا ومن قال ببقاء النجاسة راى بقاء حقيقة الشيء المحترق ومن حكم

ص: 608

بالنجاسة تارة وبالطهارة اخرى في كتابيه اختلاف رايه في انقلاب الماهية ومن تمسك بالاصل وحكم بالطهارة حكم بان الرماد موجود جديد مخالف للمحطب الذي صار اليه بالاحتراق فلولم يحكم بتجدد ماهية اخرى وقال ببقاء ماهية المحترق لا يمكن له التمسك باصل الطهارة لان المورد(ح) مورد الاستصحاب ضرورة ان تفرق الاجزاء ليس من المطهرات .

قال صاحب المدارك رضوان الله عليه بعد نقل بعض الاقوال.

والمعتمد الطهارة لانها الاصل في الاشياء و لان الحكم بالنجاسة تعلق على الاسم فيزول بزواله.

فحكمه (قده) بزوال النجاسة بزوال الاسم لابد ان يكون المراد منه تبدل الماهية لان صرف زوال الاسم ولو لتبدل وصف الشيء لا يوجب تبدل الحكم لبقاء موضوع النجاسة اى حقيقة الشيء ومعنى تعلق الحكم على الاسم تعلقه على الحقيقة التى موضوع لهذا الحكم وزواله بزوالها فان الاسم كاشف عن الحقيقة ضرورة عدم اناطة الحكم باللفظ.

ثم قال (قده) ولما نقله المصنف (ره) في المعتبر من اجماع الناس على عدم توقى دواخن السراجين النجسة ولو لم يكن طاهراً بالاستحالة لتورع واعنه ولا معارض لذلك الا التمسك باستصحاب حكم الحالة السابقة و هو لا يصلح للمعارضة لما بينا مراراً من ان استمرار الحكم يتوقف على الدليل كما يتوقف ابتدائه انتهى اما عدم تورع الناس لا يدل على الطهارة لان الناس باجتهادهم حكموا بالاستحالة ومعها الحكم هو الطهارة لكن تحقق الاستحالة غير معلوم بل الاظهر عدمها فان تفرق الاجزاء لا يدل عليها .

و اما نفى الاستمرار لاجل عدم الدليل يصح اذا كان المراد من الاستصحاب هو التمسك على الحالة السابقة لكن المتمسك به في المقام يريد به الاخذ بالمقتضى و عدم الاعتناء بالمانع فان النجاسة مقتض البقاء ابدا الاباد مالم يتيقن المزيل وليس في المقام سوى تفرق الاجزاء وهو لا يصلح للازالة فيبقى النجاسة بحالها.

ص: 609

ثم قال (قده) ويمكن ان يستدل على الطهارة ايضاً بمارواه الشيخ (قده) في الصحيح عن الحسن بن محبوب انه سال ابا الحسن عن الجص يوقد عليه بالمذرة وعظام الموتى ثم يخصص به المسجد ايسجد عليه فكتب اليه بخطه ان الماء والنارقد طهراه وجه الدلالة ان الجص يختلط بالدخان والرماد الحاصل من تلک الاعيان النجسة ولولا كونه طاهراً لما ساغ تجصيص المسجد به والسجود والماء غير مؤثر فى التطهير اجماعاً كما نقله في المعتبر فتعين استناده الى النار وعلى هذا فيكون استناد التطهير الى النار حقيقة والى الماء مجازا او يراد فيهما المعنى المجازى و تكون الطهارة الشرعية مستفادة مما علم من الجواب في جواز تجصيص المسجدبه ولا محذور فيه (انتهى) والاستدلال بهذه الرواية من هذا المحقق يوجب المجبلان متن الرواية مشتمل على حكم مخالف للاجماع كما نقله عن المعتبر وفي الرواية اسند التطهير الى الماء والنار بتثنية الفعل فكيف يفرق بين الاستناد بالحقيقة والمجاز ومادة الطهارة التى فى قوله طهراه استعملت واحدة واسندت اليهما واستعمال اللفظ الواحد واسناده إلى الشيئين بلحاظين الحقيقة والمجاز لا يتصور له معنى صحيح لان الاسناد واحد والمسند اليه اثنان مع ان اسناد التطهير الى الماء يكون على خلاف الواقع ويستحيل صدوره عن المعصوم عليه السلام وصرف صحة السند لا يلزمنا العمل بها مع اشتمالها على المحال فكيف رضى العارف بحق الامام (ع) اسناد هذا الكلام اليه مع ان القائل معترف بانعقاد الاجماع على خلافه فهذه الرواية لاشتماله على ما عرفت بالطرح اولى لاستحالة صدورها عن المعصوم (ع) الاتقية ومعها لا يمكن الاستدلال بها وقد عرفت ان اسناد التطهير على الاستحالة من باب المسامحه لان زوال موضوع النجاسة وتبدله بموضوع الطهارة ليس من التطهير المصطلح فعلى القولين الاستحالة وعدمها لا ينبغى اسناد التطهير الى النار و عدها من المطهرات .

وظهر من هذا البيان ان القول بطهارة اللبن المضروب من الطين النجس بعد صيرورته آجراً على خلاف ما ينبغى لان الاجر ما خرج عن حقيقة التراب والطين فان طبخ الطين لا يخرجه عن حقيقته وكون المطبوخ مختصاً باسم آخر لا يكفي في

ص: 610

تغير حكمه لعدم انقلاب حقيقته كما ان الحنطة بصيرورتها دقيقا لا يخرج من حقيقته وحكمه وكذلك الدقيق النجس لا يطهر بصيرورته خبزاً مع عدم صحة اطلاق الدقيق على الخبز.

ويظهر من بعض الاخبار كون التراب مما يطهر بعض الاشياء النجسة فروى عن النبى (ص) اذا وطى احدكم الاذى بخفيه فطهورهما التراب وفي رواية اخرى اذا وطى احدكم بنعليه الاذى فان التراب له طهور واشتمال هاتين الروايتين بالخف والنعل يكشف عن اختصاص هذا الحكم بهما والظاهر من لفظ الطهور فيهما ازالة الأذى عن الخف والنعل فالمعنى ان النعل والخف ليس فيهما نجاسة حكمية تبقى بعد زوال عين النجاسة وليس هذا معنى مطهرية التراب بالمعنى الذي في الماء فيستفاد منهما عدم تنجس النعل والخف بملاقات النجاسة بحيث يبقى حكمها بعد زوال عينها فلا تعارض لهما مع رواية ابن بزيع الدالة على عدم مطهرية غير الماء حيث سئل الامام عن الارض والسطح يصيبه البول وما اشبهه فهل تطهره الشمس من غير ماء قال (ع) كيف تطهر من غير ماء قال بعض افاضل عصره ان تعجب الامام راجع الى تطهير الشمس من غير ماء فان السائل سئل عن تطهير الشمس من غير ماء فالنفى والاثبات انما يرجمان الى القيد فالمعنى انه هل يطهره جافا من غير رطوبة ولا صب ماء ام يحتاج تطهرها الى التجفيف ونشر الرطوبة فلابد منصب الماء لولم يكن رطوبة ويشر الى ذلك تنكير لفظ الماء (انتهى النقل) وظاهر الرواية ان السئوال من امكان التطهير بغير ماء حيث قال الراوى الأرض والسطح يصيبه البول وما اشبهه واطلق من دون تقييد بالجفاف و نفى (ع) التطهير بغير ماء على الاطلاق بقوله كيف (الخ) فتقييد السئوال بالجفاف مع عدم اشعاره به خارج عن قواعد المحاورة والحاصل ان طهورية التراب ازالته عين النجاسة عن النعل والخف و (ح) لافرق بين المشى والمسح على الارض لان الزوال حاصل فى كليهما .

و يؤيد عدم الفرق موثقة حفص بن ابى عيسى قال قلت لا بي عبدالله (ع) اني وطئت على عذرة بخفى ومسحته حتى لمار فيه شيئاً ما تقول في الصلوة فيه قال لاباس

ص: 611

لان الظاهر نفى الباس من حيث زوال النجاسة بالمسح لا من حيث عدم تمامية الصلوة في الخف وكذا لافرق بين الخف والنعل وبين الرجل لما ورد في بعض الروايات ان الرجل كالخف والنعل في هذا الحكم كالمروى فى مستطرفات السرائر عن كتاب البزنطى عن المفضل بن عمر عن محمد بن على الحلبى عن مولانا الصادق (ع) قال قلت له ان طريقى الى المسجد في زقاق يبال فيه فربما مررت وليس على حذاء فيلصق برجلى من نداوته فقال اليس تمشى بعد ذلك فى ارض يابسة فقلت نعم فقال لا باس ان الارض يطهر بعضها بعضا.

وصحيح الحلبي عن مولانا الصادق (ع) قال نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر فدخلت عليه اى الصادق (ع) فقال این نزلتم فقلت نزلنا في دار فلان فقال ان بينكم وبين المسجد زقاقاً قذراً او قلنا له ان بيننا وبين المسجد زقاقاً قذراً فقال لاباس أن الأرض يطهر بعضها بعضاً فيشمل الرجل والخف ومارواه معلى بن خنيس في الحسن عن مولانا الصادق (ع) حيث سئله عن الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء امر عليه حافياً فقال اليس ورائه شيء جاف قلت بلى قال لاباس لان الارض يظهر بعضها بعضا وهذا الخبر صريح في الرجل

ويظهر من هذه الروايات عدم الفرق بين النداوة وغيرها فان المقصود زوال النجس بالمشى او المسح من دون اعتبار مقدار مخصوص من المقادير فاعتبار الاسكافي وطى خمس عشرة في التطهير نظراً الى رواية الاحول ليس في محله لان التقدير في تلك الرواية لكون الاغلب في زوال العين هذا المقدار من الوطى فقد يزول تارة باقل منه فلا يجب بعد الزوال ولا يزول تارة به فيجب الازيد .

ولذا قال الامام (ع) لا باس اذا كان خمس عشرة زراعاً اونحوذلك روى الاحول عن الصادق (ع) في الرجال يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ مكاناً نظيفا قال لاباس اذا كان خمس عشرة ذراعا او نحو ذلك.

وحيث عرفت ان المقصود من التطهير هو ازالة العين يمكن القول بكفاية المسح ولو بغير الارض كما ذهب اليها ابن الجنيد الحصول الغرض بالمسح ولو بغير

ص: 612

الارض واطلاق رواية زرارة يؤيد هذا القول قال قلت لابي جعفر (ع) رجل وطى على عذرة فساخت رجله فيها اتنقض ذلك وضوئه وهل يجب عليه غسلها فقال لا يغسلها الا ان يقذرها ولكنه يمسحها حتى يذهب اثرها ويصلى فانه (ع) لم يعتبر المسح على الارض واعتبر ذهاب الاثر وهذه الرواية ايضاً مشعرة بما بينا من كون المراد من التطهير هو ذهاب عين النجاسة .

ولا يعتبر فى النجاسة الجفاف لاطلاق الروايات بالنسبة اليها واما الممسوح فيعتبر جفافه لما عرفت من رواية معلى بن خنيس حيث قال اليس وراء شيء جاف وفي رواية محمد الحلبي عن ابی عبدالله عليه السلام اليس تمشى بعد ذلك في ارض يابسة حيث اعتبر (ع) يبوسة الممسوح .

واما طهارة الممسوح فلادليل على اعتبارها شيء لما عرفت من كون المراد من التطهير هو الازالة ورفع النجس من المحل ولا ينافى ما قدمناه من اشتراط طهارة المطهر في التطهير وان النجس لا يطهر لان ذلك في التطهير الواقعي و رفع النجاسة الحكمهة وليس المقصود من التطهير هنا هو رفع النجاسة الحكمية لان ذلك من شان الماء وغير الماء لا يطهر شيئاً كما بينا.

ولا فرق بين النعل والخف وغيرهما مما يجعل وقاءاً للرجل ولو من الخشب كالقبقاب وخشب الأقطع يلحق بالقدم لانه منزل منزلته واما اسفل العصا و كعب الرمح لا يلحقان بالرجل وليس لنا ما يدل على تعميم الحكم بالنسبة اليهما ولا يدل على التعميم اصالة عدم التكليف بغسل النجاسة عن امثالهمالان عموم تنجيس ما يلاقی النجس كان لنجاستهما وامثالهما وبعد تحقق النجاسة يتوقف تطهيره بما هو مطهر في الشرع واخبار الباب لا يشمل غير ما ذكر فيها.

وظهر مما مر عدم اشتراط كون النجس ذاجرم لاطلاق الروايات فما حكى عن بعض العامة اشتراط كونها مما له جرم في حيز البطلان .

وقول الامام عليه السلام فى بعض الروايات ان الارض يطهر بعضها بعضاً معناه ان بعض الارض يطهر بعض الاشياء وليس معناه يطهر بعض الارض لان بعض الروايات

ص: 613

يابي عن ذلك فترى رواية معلى بن خنيس يسئل عن الماء السائل عن الخنزير الخارج من الماء اذا مر حافيا عليه يقول الامام (ع) واليس ورائه شيء جاف فبعد ما قال الراوى بلى قال لاباس لان الارض يطهر بعضها بعضاً فبعض الثاني المنكر هو الماء المماس برجل السائل وكذلك رواية محمد بن على الحلبى اذ النداوة المسئولة عنها ليست سوى الماء ولا يصح تفسير البعض الثاني بالارض لاباء بعض الاخبار وارتكاب المجاز فيها لا مجوزله لعدم ما يوجبه فالمطهر بالفتح اعم من المطهر بالكسر وفى تنكير البعض الثانى اشعار بكونه اعم من الارض.

ويظهر من رواية زرارة جريان الحكم الى حواشى الرجل القريبة من الباطن من كونها معدودة من الظواهر لان ظاهر السوخ وصول العذرة الى الظاهر ايضاً ولكن قوله ولكنه يمسحها حتى يذهب اثرها يفيد كون الظاهر مما يمكن مسحه بالارض لان الظاهر باجمعه لا يمكن مسحه على الارض.

ويظهر مما أسلفنا من انحصار المطهر في الماء ان عد الغيبة من المطهرات لا معنى له ومع الاغماض عن دلالة الدليل على انحصار المطهر في الماء لا يصح اسناد الطهارة اليها ايضاً لانها امر عدمى لا يؤثر اثر الوجودى ضرورة انها ليست الا عدم الحضور والعدم لا تاثير له كما انه لا يعلل فمعنى مطهرية الغيبة في الحيوان المتنجس بعض اجزائه اذا غاب عن النظر ان الحيوان لا يتنجس بالنجاسة الحكمية فبعد زوال عين النجاسة عنه يحكم بالطهارة بمعنى عدم انفعال من ملاقات النجاسة فحكمها باق مادام بقائها و بعد زوالها لا يبقى حكمها.

واما بالنسبة الى بدن الانسان وثيابه فمعنى مطهرية الغيبة كون ظاهر حال المسلم المكلف تطهير بدنه و ثيابه في زمن الغيبة سيما مع ورود تكليف مشروط بالطهارة عليه وليس هذا معنى مطهرية الغيبة واما غير المكلف اذا زالت عنه النجاسة فيقال ان الزوال من فعل وليه فظاهر حال ولى غير المكلف ازالة النجاسة عن بدنه و ثيابه ..

واما اذا لا يمكن نسبة الازالة الى الولى ولم يكن غير المكلف ممن ينتظر منه

ص: 614

التطهير فيشكل الحكم بطهارة موضع ملاقات النجاسة والظاهر بقاء حكم النجاسة لعدم ما يعتمد عليه في زوال النجاسة الحكمية والملاقي مما يتنجس بالملاقات و لا يطهر بزوال العين فلابد من التطهير بالماء.

قال صاحب الجواهر رضوان الله عليه بعد كلام له كما انه قد تقدم البحث في کثیر من الاشياء التى ذكر هنا فيه في عداد المطهرات حتى انهاها الى عشرين من حجر الاستنجاء وخرقه وزوال العين فى الحيوان والغيبة في بدن الانسان بل وثيابه وخروج دم المذبح والمنحر والاستعمال في نحو آلات العصير والبئر وبدن النازح والعاصر وثيابهما وسبق استعمال الماء للمغتسل قبل الصلب والشهادة لبدن الشهيد وغير ذلك ولا يخفى عليك عدم كون الاخيرين من المطهرات بلهما نافيان لاصل تحقق النجاسة (انتهى).

فحجر الاستنجاء وخرقه مما يزول به عين النجاسة وليس المحل مما يتنجس بالعين حتى تبقى حكمه بعد زوال العين وعدم كفاية الحجر والخرقة مع تجاوز العين عن المحل شاهد قوى لكون العجان ممالا يتنجس بخروج عين النجاسة بل الاثر مرتب على عين النجاسة وبعد زوالها يرتفع الاثر فاذا جازت من المحل لا يطهر بغير الماء لتنجس الملاقي بالنجس فيجب الماء لانه المطهر للنجاسة.

واما زوال العين فى الحيوان والغيبة فى بدن الانسان فقد عرفت الحال فيهما واما خروج الدم من المذبح والمنحر فلا معنى لكونه من المطهرات فان غير دم المذبح والمنحر باق على طهارته الاصلية فلا يتصور معنى لكون الخارج مظهر الغيره واما آلات العصير والبئر فقد عرفت سابقا عدم نجاسة العصير والبئر فليس في المقامين ما ينجس الالات وكذلك بدن العاصر والنازح وثيابهما فهى باقية على الطهارة لا انها تنجست وظهرت بالتبعية لعدم دليل على نجاستها واما الشهيد والمصلوب فما تنجسا كي يطهرا بالشهادة وسبق استعمال الماء.

وقد عرفت في مبحث نجاسة الميتة عدم نجاسة الميت الانساني وكون التغسيل تطهيراً وتنظيفا للميت عن ادناس امراضه وما اصابه من صنوف علله لانه يلقى الملئكة

ص: 615

ويباشر اهل الآخرة وقد اشبعنا في ذلك المبحث فالبحث عن طهارة بدن المغسل للميت (ح) لا معنى له وكذلك عن ثيابه لعدم سبب التنجيس.

واما طهارة الحيوان الجلال بتعليف الطاهر مدة معلومة فلاجل ارتفاع العنوان لا تطهير التعليف.

واما بواطن الحيوانات فلم يدل دليل على نجاستها فهي باقية على اصل الطهارة لعدم الدليل على التنجيس ولاحوج الى دلالة الدليل على طهارتها لانها الأصل في الاشياء وما ورد من الاخبار في هذا المقام من هذا الباب.

فمن الاخبار مارواه صفوان عن اسحق بن عمار عن عبد الحميد بن ابی الدیلم قال لمولانا الصادق (ع) رجل شرب الخمر فاصاب ثوبى من بصاقه فقال ليس شيء

و قال مولانا الرضاء (ع) في خبر ابراهیم بن ابی محمود يستنجى ويغسل ماظهر منه على الشرح ولا يدخل فيه الاعلة .

و قال مولانا الصادق (ع) فى خبر عمار انما عليه ان يغسل ماظهر منها يعنى المقعدة وليس عليه ان يغسل باطناً .

وسئل عمار عنه (ع) فى رجل يسيل عن انفه الدم هل عليه ان يغسل باطنه يعنى جوف الانف فقال انما عليه ان يغسل ماظهر.

وفيها دلالة واضحة على عدم تنجس البواطن قال صاحب الجواهر رضى الله عنه وارضاه وقد اجاد الاستاد في شرحه على المفاتيح حيث قال انه لم يتحقق اجماع على تنجيس البواطن لولم يقل بالاجماع على العدم مضافاً الى الاصول والعمومات قلت هو والحيوان مشتركان في مسبب ذلك ضرورة انه انكان عين النجاسة موجوداً فالمتنجس (ح) الملاقي هولا ما كان عليه من البواطن وبدن الحيوان والاكان طاهراً فلم يظهر اثر للحكم (ح) بتنجيسهما بالعلاقات فابقائهما على الطهارة وعدم تاثير عين النجاسة فيهما اولى من الحكم بنجاستهما وطهارتهما بالزوال (انتهى).

والمتامل فى هذه المقالة يسهل له الأمر فى تصور ما بينا من عدم تنجس مالاقي النجاسة وانحصار النجس فى العين وطهارة ما وصل النجس الية وعدم كون ازالة العين

ص: 616

من المحل تطهيراً له والتوفيق بين مادل على انحصار المطهر في الماء و مادل على ازالة التراب والشمس وغيرهما من الاستحالة والانقلاب فملخص ما في الباب هوان ملاقات النجس سبب لنجاسة الملاقي ومطهر هذا المتنجس هو الماء لاغير كما دلت عليه رواية ابن بزيع وكل ما في الاخبار من تاثير الشمس فهو من باب كل طاهر زكى وما يترائى من مطهرية الأرض فمعناه عدم نجاسة الحكمية وزوال العين بالمشى والمسح بالارض واما زوال موضوع النجاسة بالاستحالة والانقلاب وتبدله بموضوع الطهارة فليس من المطهرات لما عرفت من ان موضوع التطهير هو المتنجس بملاقات النجاسة ونجس العين مما لا يمكن تطهيره وذهاب عنوان موجب للنجاسة عن شيء وطرو عنوان عار عن النجاسة لا يسمى تطهيرا الا بالمسامحة في التعبير فطهارة الكافر بعد ما اسلم ليس لاجل كون الاسلام مطهراً وكذا صيرورة الكلب ملحا و الخمر خلافتطهير المتنجس عبارة عن ازالة النجاسة الحكمية بازالة العين بالماء ان كانت وان لم يكن موجودة فبالغسل بالماء لان غير الماء لا يطهر به.

ومع هذا التقرير لا يتصور معارضة بين الاخبار .

وقول النبي (ص) جعلت لى الارض مسجداً و طهوراً معناه ان الارض رافع المحدث بالتيمم عليها ومن اراد تعميم معنى الطهور برافع الحدث والخبث عليه الاثبات ولا دلالة لشيء من الاخبار على التعميم لما عرفت من البيانات السابقة انحصار المطهر فى الماء ثم ان بعض الاصحاب فرق بين النجس والمتنجس وحكم بطهارة النجس بالاستحالة وعدمها في المتنجس التفاتاً الى ان تنجس الطاهر بملاقات النجاسة منوط بجسمية الملاقي فلااثر للسورة النوعية فيتنجس الجسم لصرف العلاقات في اى صورة كان فلاائر للصورة النوعية في التنجس فذهاب هذه الصورة بالاستحالة لا يؤثر في الطهارة لبقاء ما هو تنجس بالملاقات اعنى الجسمية بخلاف عين النجس فان المصورة النوعية دخلا في نجاسته فبعد ذهابها بالاستحالة ارتفع موضوع النجاسة و بعضهم رضوان الله عليهم عمم الطهارة بالاستحالة في النجس والمتنجس نظرا الى ان الاستحالة موجبة لزوال شيء وحدوث شيء آخر وصرف بقاء المادة لا يؤثر في بقاء النجاسة

ص: 617

لان الشيء هو المادة المهيئة بالهيئة النوعية ولا تحصل المادة من غير صورة من الصور وهيئة من الهيآت فلايتنجس المادة مع قطع النظر عن الصورة لعدم تحصلها بدونها فشيئية الشيء بهما والاحكام يترتب على الشيء المركب والقول الثاني ارجح في النظر.

ولا يجب المباشرة في التطهير ولا النية لان المطلوب ازالة النجاسة عن الثوب لانها مانعة من صحة الصلوة ولا اثر للطهارة عن الخبث لما عرفت كرارا انها امر عدمی ليس لها اثر فهى ليست بشرط لصحة العبادات بل النجاسة مانعة عنها ولوازال الاجنبي النجاسة مع كونه ملتفتاً الى معناها وكيفية الازالة مع اطمينان صاحب الثوب او البدن يصلى مع هذا الثوب وموضع النجاسة من البدن وتكشف رواية عبدالاعلى عن أبي عبد الله الله قال سئلته عن الحجامة افيها وضوء قال لا ولا يغسل مكانها لان الحجام مؤتمن اذا كان ينظفه ولم يكن صبيا صغيراً فترى اعتماد الامام بالحجام و تنظيفه واما الصغير الصبى فلا يعتمد على فعله لمدم خبرويته.

ويجوز التطهير بالماء الذى يصب من الفم اذا لم تغلب مائه عليه الصيرورته مضافاً بالغلبة فقد عرفت فيما سبق ان المضاف احد معناه هو الممتزج بجسم آخر مع غلبة الممتزج على الماء.

والمعنى الاخر هو المعتصر من الاجسام كماء الرمان وماه العنب والبطيخ و بينا في اوائل المبحث ان اطلاق الماء على المتخذ من الاجسام من باب المنزلة لانه ليس من افراد المياه ولذا لا يصح اطلاق الماء عليه بدون الاضافة فكيف كان لا يصح التطهير بالماء الممتزج بالجسم مع غلبة ذلك الجسم عليه لان الحكم مع الغالب فيتنجس بملاقات النجاسة وكذلك المتخذ من الاجسام لان الماء المعتصر من الرمان ليس من افراد المياه بل جزء مايع من الرمان وكذا العنب والبطيخ وساير الفواكه والاثمار فالمطهر هو الماء وعدم مطهرية المعتصر لعدم كونه ماء لا لكونه ماء مضافاً وقد اشبعنا الكلام في هذا المعنى فيما سبق.

روى على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال سئلته عن الرجل

ص: 618

هل يصلح له ان يصب الماء من فيه يغسل به الشيء يكون في ثوبه قال لاباس وفي طريق آخر قال سئلته عن الرجل يصب من فيه الماء يغسل به الشيء يكون في ثوبه وهو صائم قال لاباس وهذه الرواية سئل على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر (ع) لبيان حكم الصوم بعد احراز حكم الغسل لصب الماء من الفم والسابقة لبيان حكم غسل المتنجس من الماء المصبوب من الفم و مانعية النجاسة لصحة الصلوة اذا كان ثوب المصلى ولباسه متنجسا مشروطة بكون ذلك الثوب المتنجس مما يتم به الصلوة فيه وحده لا على الاطلاق فتنجس الخف والنعل والتكة والجورب والقلنسوة والكمرة وامثالها مالايتم به الصلوة بانفراده لا يمنع من صحة الصلوة فانظر الى رواية رواها زرارة عن احدهما (ع) قال كل ما كان لا يجوز الصلوة فيه وحده فلا باس بان يكون عليه الشيء مثل القلنسوة والنكة والجورب والى مرسلة حماد بن عثمان عن ابي عبد عبد الله (ع) في الرجل يصلى في الخف الذى قداصابه القذر فقال اذا كان ممالايتم فيه الصلوة واوضح منهما رواية اخرى لزرارة قال قلت لابي عبد الله (ع) ان قلنسوتي وقعت في بول فاخذتها ووضعتها على راسي ثم صليت فقال لاباس وكذا مرسلة ابراهيم بن ابى البلاد عن ابي عبد الله (ع) قال لا باس بالصلوة في الشيء الذي لا تجوز الصلوة فيه وحده يصيبه القدر مثل القلنسوة والتكة والجورب ومرسلة عبدالله بن سنان عن ابی عبد الله انه قال كل ما كان على الانسان او معه مما لايجوز الصلوة فيه وحده فلا باس ان يصلى فيه وان كان فيه قدر مثل القلنسوة والتمكة والكمرة والنعل والخفين وما أشبه ذلك وفي قوله (ع) او معه اشارة الى عدم ابطال حمل النجس اذلم يكن الصلوة فيه وحده جائزة فاذا كان مما يتم به الصلوة فيبطل حمله فهل يكفى كونه ممايتم به الصلوة بالقوة القريبة كالعمامة او يشترط فعليته الاقرب الكفاية لانها وان كانت قبل النشر كالقلنسوة واما بعد النشر ثوب نجاسته مانعة من صحة الصلوة .

ولو رجع ما استحال من النجس الى ما استحال منه يعود اليه النجاسة لان الحكم تابع لموضوعه فبعد تحققه يترتب عليه الحكم واما المستحيل من المتنجس اذا رجع الى ما كان اولا لا يعود حكم النجاسة العارضة لان التنجس يتوقف على

ص: 619

ملاقات النجاسة وهى مفقوده في هذا الراجع .

ثم انك قد عرفت فيما سبق ان التذكية تمنع عن اقتضاء الموت النجاسة فان الموت حتف الانف مقتض لنجاسة الميت و اذا منعت التذكية يبقى الحيوان على الطهارة ولم ينجسه الموت ومقتضى الطهارة اباحة التصرف في جلد المذكى من دون توقف على الدبغ ولكن حكى عن بعض الاعلام وجوب الاجتناب عنه قبل الدباغ و توقف الاباحة عليه وحكم المحقق (قده) باستحباب الاجتناب قبل الدباغ حيث قال في الشرايع ويستحب اجتناب مالايو كل لحمه حتى يدبغ بعد ذكاته وفي المسالك بعد هذه المقاله خروجا من خلاف القائل يتوقف استعماله على الدبغ .

قال في المعتبر البحث الثالث مالا يؤكل لحمه من السباع اذا ذبح جاز استعماله وان لم يدبغ لكن لا تصل فى شيء منه ولودبغ الامانستثنيه وقال الشيخ وعلم الهدى رضوان الله عليهما لا يستعمل حتى يدبغ لنا ان الذكاة تقع عليه فيستغنى بها عن الدباغ لانها لولم يقع لكان ميتة والميتة لايظهر بالدباغ ولكن يكره استعماله قبل الدباغ تفصيا من الخلاف فلهذا كان الاشبه كراهية استعماله قبل الدباغ لاتحريمه (انتهى) اما وجوب الاجتناب قبل الدبغ و حرمة الاستعمال مناقضان لكون التذكية مانعة من النجاسة كما ان تاثير الدبغ في الطهارة خلاف الواقع والفرض ولا معنى للتفصى عن الخلاف بالقول باستحباب الاجتناب قبل الدبغ وكراهة الاستعمال لان الاستحباب مخالف للوجوب والكراهة للحرمة ولا يصح التقصى عن خلافهما بهما فهو (قده) قد اصاب فى الحكم بعدم وجوب الاجتناب قبل الدبغ و عدم تحريم الاستعمال الا انه اخطا في الحكم بالاستحباب والكراهة خروجاً من خلاف القائل بتوقف استعماله على الدبغ لعدم دليل يدل على الاستحباب والخروج عن الخلاف ليس من الادلة مع ما عرفت من عدم تحقق الخروج عن الخلاف بالقول بالاستحباب والمحكى عن كشف المنام انه قال روى فى بعض الكتب عن الرضا (ع) دباغة الجلد طهارته يمكن ان يكون المراد من الطهارة النظافة مع انها رواية مجهولة من حيث السند قال (قده) في الجواهر و هو مع قصوره عن اثبات المطلوب من وجوه محتمل لارادة زوال

ص: 620

الزهومات ونحوها بالدبغ من الطهارة فيه (انتهى) وهذا احتمال جيد و (ح) يجوز الحكم باستحباب الدبغ لتحصيل الطهارة بالمعنى المذكور .

واما ما يجوز تذكيته فالظاهر ان موضوعه هو الحيوان الذي له نفس سائلة غير الانسان والكلب والخنزير اما الكلب والخنزير فلمكونه ما نجسا العين لا يطهران بالتذكية لان نجاستهما ليست مستندة بالموت و اما ما ليس له نفس سائلة فلعدم تأثير التذكية فى طهارته لعدم نجاسة ميته واما الانسان فقد عرفت ان ميته ليس بنجس والكافر حكمه حكم الكلب والخنزير فهو نجس فى حال الحيوة فالانسان لا تنجس بالموت والكافر لا يطهر بالتذكية فالتذكية شرعت لدفع النجاسة عن المذكى فان كان الحيوان مما يوكل لحمه فتاثير التذكية فيه لدفع النجاسة الموجبة للحرمة وان كان مما لا يؤكل لحمه فتاثيرها دفع النجاسة المستندة الى موت حتف الانف و ابقاء طهارة زمان حيوته .

ولذا قال الامام (ع) في جواب سئوال سماعة اذا سئله عن جلود السباع ينتفع بها اذارميت وسميت فانتفع بجلده وفى موثقة اخرى سئلته عن تحريم السباع وجلودها فقال اما اللحوم فدعها واما الجلود فاركبوا عليها ولا تصلوا فيها فالتذكية لا يحدث شيئاً ما كان قبلها بل اثرها ابقاء ما كان من الطهارة والحلية .

واما الحشار فلا يتطرق فيها التذكية لدفع النجاسة فليس لها دم يوجب نجاسة ميتتها و كذا لسمك والجراد فلاما شرعها فيهما لدفع النجاسة بل التذكية فيهما لا بقاء الحلية فاخراج السمك من الماء واخذ الجراد يوجب بقاء حليته لان موتهما من غير تذكية موجب لحرمة اكلهما.

والحاصل ان الحيوانات مختلفة فيهما ماليس فيه تذكية لعدم تأثيرها في طهارته ولا حليته كالكلب والخنزير لعدم الفرق بين الحى منهما والميت في النجاسة والحرمة ومنها ما تؤثر التذكية فيها ابقاء الطهارة والحلية كالحيوان الماكول اللحم فان الموت حتف الانف يوجب نجاسته وحرمة اكله فالتذكية تمنع عن هذا التاثير فيبقى طهارته وحليته.

ص: 621

ومنها ما يؤثر فى طهارته دون حلية كالحيوان الذى لا يؤكل لحمه وهو طاهرحال حيوته فالتذكية تبقى طهارته واما حرمة اكل لحمه فباقية بعد التذكية.

ومنها ما يؤثر فيحليته دون طهارته كالحيوان الماكول اللحم الذي ليس له نفس سائله كالسمك فانه طاهر بعد الموت حرام اذالم يذك فالتذكية سبب لحليته والجراد كالسمك في هذا الحكم واما الغارة وابن عرس والضب فلادليل على وقوع التذكية عليها لانها لا توثر فى حليتها وليس فى طهارة جلودها انتفاع معتدبه والاصل كون الموت موجبا لنجاسة ماله نفس سائلة والتذكية امر مشروع لدفع اقتضاء الموت والثابت هذا الدفع في الحيوان الماكول لحمه ابقاء الطهارته وحليته وفي السباع المحرم لحمها النجسة مينها ابقاء لطهارتها وفي السمك والجراد ابقاءاً لحليتها واما في ساير الحيوانات غير السباع كالفيل والدب والقرد فلم يثبت وقوع التذكية فيها لالاجل كونها من المسوخات لان المسوخ لا يبقى في الحيوة اكثر من ثلثة ايام وهذه الحيوانات اشباه للمسوخات بل لعدم دلالة في الشرع تثبت بها التذكية فيها فتبقى على اصل اقتضاء الموت النجاسة ولا فرق فى التذكية وتأثيرها بين الذبح والنحر والاخد وذكوة الجنين ذكوة امه مع تمامية الخلقة وموته بذكوة امه و تفصيل احكام الذكوة في بابها .

ثم انك قد عرفت فيما تقدم ان الطهارة من الخبث ليست من شرائط صحة العبادة لانها امر عدمى والمدمى لا يقع شرطا لشيء بل المؤثر هو الوجود والوجودى فكل ما يعتبر احيانا من اشتراط صحة العبادة او كمالها بالطهارة عن الخبث فمن باب التسامح في التعبير والمقصود كون النجاسة مانعة من صحة العبادة او كمالها فانها امر وجودى اثرها المنع من صحة بعض العبادات او كمالها وما يقع شرطا للعبادة انما هو الطهارة عن الحدث لكونها امرا وجوديا ولوزاحمت ازالة النجاسة رفع الحدث يقدم التطهير عن الحدث لان الطهارة عن الحدث شرطا وللشرط تأثير فى صحة العبادة و ايجاد الشرط مقدم على رفع المانع ولذا يجب عليه الاعادة اذا علم بعد الصلوة انه لم يتطهر وصلى محدثا ولا يجب عليه الاعادة اذا لم يعلم النجاسة قبل الصلوة وعلم بعدها نجاسة

ص: 622

تو به او بدنه ولو كان محدثا و بدنه نجسا ولم يبق للوقت مقدار يمكن ازالة النجاسة ورفع الحدث معاً يجب عليه رفع الحدث والصلوة مع نجاسة بدنه ولو عكس بطلت صلوته ولوزاحمت الطهارة المائية دون الترابيه فيسع الوقت ازالة الطهارة والتيمم دون الغسل او الوضوء فمن حيث ان الطهارة الترابية بدل من المائية و مع امكان المبدل منه لا يكتفى بالبدل يجب التطهير بالمائية ومع عدم سعة الوقت للازالة يصلى بدونها وهل يجب القضاء بعد الازالة الاقرب عدم الوجوب لانه اتى بالوظيفة ومما يدل على عدم ما نعية النجاسة عند عدم العلم بها عدم بطلان الصلوة مع الجهل بها والعلم بها في الاثناء فان كان النجس هو الثوب ينزعه بعد العلم ويتم الصلوة وان كان البدن فمع امکان تطهيره من دون انحراف فعل ومع العدم ينصرف ويطهر ويبنى ومع القول بالاستيناف فالمبطل هو الانصراف لا النجاسة مع عدم العلم في بعض العبادة ولو تنجس ثوب المصلى او بدنه في اثناء الصلوة فحكمه حكم ما لو كان نجسا ولم يعلم عند افتتاح الصلوة وراى وعلم في الاثناء.

ويعد في بعض المتون ذهاب الثلثين من العصير العنبي اذا غلى و اشتد من المطهرات وهو فرع كون العصير عند الغليان والاشتداد نجسا وقد بينا في ماسبق عدم تنجسه.

وكذا نقص البئر بنزح المقدر منه فانا بينا عدم تنجس البئر.

والعجب من الشهيد (قده) انه لم يعد العصير العنبى اذا غلى واشتد من النجاسات وعد ذهاب الثلثين من المطهرات قال الشهيد الثاني (قده) في شرحه على اللمعة بعد ذكر النجاسات ولم يذكر المصنف هنا من النجاسات العصير العنبي اذا غلی و اشتد و لم يذهب ثلثاه ولعدم وقوفه على دليل يقتضى نجاسته كما اعترف في الذكرى والبيان ولكن سياتى ان ذهاب ثلثيه مطهر وهو يدل على حكمه بتنجيسه فلا عذر في تركه و كونه في حكم المسكر كما ذكره في بعض كتبه لا يقتضى دخوله فيه حيث يطلق و ان دخل في حكمه حيث يذكر على ان اطلاق المطهر على الذهاب والنقص ليس على ما ينبغى لانهما من العدميات والعدمى لا يؤثر ومع فرض تنجس البئر والعصير

ص: 623

عند الغليان والاشتداد فالمطهر النزح في البئر لا النقص وفي العصير الغور لاذهاب الثلثين لا الذهاب.

وقد يعد من المطهرات الانتقال ويمثل الدم المنتقل الى البعوضة والبراغيث من بدن ذى النفس غفلة من ان دم البراغيث والبعوضة طاهر اذا كان جزء لهما لا الدم المنتقل من بدن ذى النفس لانه نجس مالم يهضم وبعد الهضم لا يعد من الدماء و كذا صيرورة الماء النجس بول الحيوان الماكول اللحم الذي عد من المطهرات اذا شرب الماء النجس وصار بولا لذلك الحيوان غفلة عن ان الماء النجس لا يصير بولا الحيوان اذا شرب بل البول يحدث فى الحيوان من رطوبات بدنه لا من الماء المشروب و اما التراب المستعمل في ولوغ الكلب فليس مما يطهر به بل استعماله لاجل تسهيل ازالة المتنجس الملصق بالاناء فالمطهر هو الماء والتراب مزيل لعين النجاسة وليس هذه الازالة تطهيراً و لو كان مراد من يقول بمطهرية غير الماء ما يعم هذه الازالة فلا مضايقة في تعميم المطهر لغير الماء فالشمس ايضا قديؤثر في تطهير ما يجفف فيسهل نفوذ الماء فيه وليس هذا التسهيل تطهيراً والتطهير الذي يقول بانحصاره في الماء هو تطهير النجاسة الحكمية الباقية بعد زوال العين وبعد دقة النظر يظهر اختصاصه بالماء واما زوال عين النجاسة عن المحل فيمكن ان يتحقق من غير ما قيل بتطهيره ايضاً.

واما البواطن كباطن الفم والعين والانف فلا يتنجس حتى تطهر بذهاب عين النجاسة ومعنى تطهير ذهاب العين عدم تنجس الموضع فان النجاسة دائرة مدار وجود عين النجاسة مع ان الذهاب كما عرفت امر عدمى لااثر له و اما الجسم المتنجس في الباطن فلا يطهر بذهاب العين ولابد ان يطهر بالماء فالطعام المتنجس في الفم والكحل المتنجس في العين لا يطهر بزوال عين النجاسة عن الفم والعين .

تمت الطهارة. وقد بذلت جهدى فى تصحيح هذين المجلدين الامازاغ عنه البصر

فى شهر الصيام من سنة ١٣٨٥ - ه_ وانا الاحقر - حسن المسعودى

ص: 624

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.