الخمس في فقه أهل البيت علیهم السلام المجلد 2

هوية الكتاب

الخمس في فقه أهل البيت

بحوث سماحة آية الله الشيخ مسلم الداوري حفظه الله

تأليف: محمد عيسى البناي

تحقّيق: مؤسّسة الإمام الرّضا(علیه السلام) للبحث والتحقّيق العلمي

الناشر:

الإخراج الفنّي: محمد باقر الأسدي

الکمّية: 1000نسخة

الطبعة: الأوّلى: 1435ه-/2015م

عدد الصفحات والقطع: 471 صفحة. وزيري

المطبعة: نگين

محرر الرقمي:محمد المنصوري

مركز التوزيع: مؤسسة الإمام الرضا للبحث والتحقّيق العلمي 37742903- 25- 0098http://www.ridhatorath.com info@ridhatorath.com

ص: 1

اشارة

ص: 2

عکس

ص: 3

الخمس في فقه أهل البيت

بحوث سماحة آية الله الشيخ مسلم الداوري حفظه الله

تأليف: محمد عيسى البناي

تحقّيق: مؤسّسة الإمام الرّضا(علیه السلام) للبحث والتحقّيق العلمي

الناشر:

الإخراج الفنّي: محمد باقر الأسدي

الکمّية: 1000نسخة

الطبعة: الأوّلى: 1435ه-/2015م

عدد الصفحات والقطع: 471 صفحة. وزيري

المطبعة: نگين

ویراستار دیجیتالی:محمد منصوری

مركز التوزيع: مؤسسة الإمام الرضا للبحث والتحقّيق العلمي 37742903- 25- 0098http://www.ridhatorath.com info@ridhatorath.com

ص: 4

عکس

ص: 5

ص: 6

عکس

ص: 7

ص: 8

المبحث السادس: الأرض الّتي اشتراها الذمّي من المسلم[1]:

وفيه جهات:

الجهة الأوّلى: في أصل ثبوت الحكم:

[1] المشهور بين المتأخرين وجوب الخمس في هذا النوع، «بل في الروضة(1) نسبته إلى الشيخ والمتأخرين أجمع، بل في المنتهى والتذكرة نسبته إلى علمائنا، بل في الغنية الإجماع عليه» (2).

ونسب إلى كثير من القدماء كابن أبي عقيل وابن الجنيد والمفيد وسلاّر

ص: 9


1- الروضة البهيّة 2: 73.
2- جواهر الكلام 16: 65.

والتقي إنكار ذلك(1)؛ لخلوّ كلماتهم من التعرّض إليه لدى تعداد الأقسام.

ومال إلى عدم الخمس فيه الشهيد الثاني في فوائد القواعد(2)، كما استشكل في ثبوته بعض المتأخرين منهم الشهيد الصدر(قدس سره) (3).

واستدل على المشهور - مضافاً إلى الإجماع - بصحيحة أبي عبيدة الحذّاء، قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) يقول: «أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس»(4).

المؤيّدة بمرسلة المفيد(قدس سره) عن الصادق(علیه السلام) قال: «الذمّي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس»(5).

ونوقش في الصحيحة بأمور:

الأمر الأوّل: ضعف السند(6).

وهذا لا وجه ل-ه؛ لأنّ جميع من في السند من الأجلاّء العدول، بل في

ص: 10


1- نفس المصدر.
2- فوائد القواعد: 281.
3- في تعليقته على منهاج الصالحين 1: 454.
4- تهذيب الأحكام 4: 108 ، الحديث 354 ، من لا يحضره الفقيه 2: 42 ، الحديث 1655، ووسائل الشيعة 9: 505 ، الباب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث 1.
5- المقنعة: 283 ، ووسائل الشيعة 9: 505 ، الباب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث2.
6- وهو ما نسب إلى الشهيد الثاني في فوائد القواعد. اُنظر الحدائق الناضرة 12: 359 ، وكذلك مدارك الأحكام 5: 386 ، وجواهر الكلام 16: 65.

المدارك: أنّها في أعلى مراتب الصحّة(1) ، فإنّها رويت بطرق ثلاث:

الطريق الأوّل: الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان، عن أبي عبيدة الحذّاء.

وهذا الطريق في غاية الصحّة، وتتضح صحّة الطريق من أمرين:

أوّلاً: إنّ أحمد بن محمد وإن كان مردّداً بين ابن عيسى وابن خالد، لكونهما يرويان عن ابن محبوب إلاّ أنّ هذا الترديد غير ضائر بعد وثاقتهما.

على أنّ الظاهر أنّه أحمد بن محمد بن عيسى؛ لأنّ الشيخ(قدس سره) روى عين هذه الرواية في موضعين من التهذيب: أحدهما في كتاب الخمس بعنوان: أحمد بن محمد(2) ، وثانيهما في باب الزيارات منه(3) بعنوان: أبي جعفر، الذي هو كنية أحمد بن محمد بن عيسى، كما صرّح به في كثير من الروايات.

هذا مضافاً إلى أنّه أكثر رواية عن ابن محبوب من ابن خالد، كما أنّه واقع في طريق الصدوق والنجاشي (قدس سرهما) إلى كتاب ابن محبوب.

فتخرج الرواية بذلك عن الترديد، وإن كانت صحيحة على التقديرين، على أنّها لو لم تكن صحيحة فلا أقلّ من أنّها موثّقة(4) فهي معتبرة لحجيّة

ص: 11


1- مدارك الأحكام 5: 386.
2- تهذيب الأحكام 4: 108 ، الحديث 354.
3- تهذيب الأحكام 4: 122 ، الحديث 392.
4- نقل الحرّ العاملي في هامش الوسائل عن الشهيد الثاني(قدس سره): أنّ السند موثّق. وتعجب منه؛ لأنّه في أعلى مراتب الصحّة. (وسائل الشيعة 9: 505).

الموثّق كالصحيح.

وثانياً: إنّ للشيخ(قدس سره) طريقاً صحيحاً إلى جميع كتب وروايات ابن محبوب(1)، ومنها هذه الرواية.

الطريق الثاني: الصدوق بإسناده عن أبي عبيدة الحذّاء.

وهو وإن لم يذكره في مشيخة الفقيه، إلاّ أنّ ل-ه طريقاً معتبراً إلى جميع روايات ابن محبوب، ومنها هذه الرواية، بشهادة طريق الشيخ فيصبح طريقه أيضاً معتبراً ويخرج عن الإرسال.

الطريق الثالث: المحقّق في المعتبر عن الحسن بن محبوب(2)، ولا يبعد أن يكون للمحقّق طريق معتبر إلى جميع روايات الحسن بن محبوب بواسطة الشيخ الطوسي.

فالظاهر صحة جميع هذه الطرق.

الأمر الثاني: عدم إرادة الجدّ فيها؛ فإنّها موافقة للعامّة فلابدّ من طرحها، فإنّ المنسوب إلى مالك أنّ الذمّي إذا اشترى أرضاً من مسلم وكانت عشرية ضوعف عليه العشر وأخذ منه الخمس(3)، فالرواية جارية مجرى التقيّة حيث إنّ سائر الروايات الواردة في الخمس خالية عن التعرّض لهذا الخمس.

ص: 12


1- 13.الفهرست: 112 / 162.
2- 14.المعتبر 2: 624.
3- 15.الحدائق الناضرة 12: 360 ، وجواهر الكلام 16: 67.

وأجيب عن هذا الأمر بوجوه:

الوجه الأوّل: عدم المقتضي للحمل على التقيّة؛ لأنّ الترجيح بمخالفة العامّة إنّما يكون في حال التعارض، والرواية سالمة عن المعارض، ولا يوجد بإزائها ما يدل على نفي الوجوب حتى يجمع بينهما بالحمل على التقيّة.

الوجه الثاني: عدم المقتضي للحمل على التقيّة أيضاً، فإنّ المخالف وهو مالك لم يكن مشتهراً بالفتوى في عهد الإمام الباقر(علیه السلام) الذي رويت الرواية عنه، فلا مقتضي للاتّقاء منه، بل لعلّه لم تكن ل-ه فتوى في زمان الإمام الباقر(علیه السلام) ، فإنّ مولد مالك كان سنة 96 ، أي بعد إمامة الباقر بسنتين، وكانت وفاة الإمام الباقر(علیه السلام) سنة 114 فكان عمر مالك حينئذٍ يقارب 20 سنة، ولم يكن حينها صاحب فتوى فضلاً عن اشتهارها، بل لعلّ الرواية صدرت قبل وفاته(علیه السلام) بسنين فلم يكن مالك بالغاً فضلاً عن كونه صاحب فتوى.

الوجه الثالث: إنّ مورد فتوى مالك هي الأرض العشريّة، أي الأرض التي عليها الزكاة أو الخراج، والأرض في هذه الرواية مطلقة تعمّ الزراعيّة وغيرها، كما أنّ الزراعيّة تعمّ الزكويّة وغيرها فلا موجب لتخصيصها بالعشريّة لتحمل على التقيّة.

الأمر الثالث: ضعف الدلالة؛ وذلك لاحتمال أن يكون المراد بالخمس فيها هو تكرار العُشر المتعلّق بحاصل الأرض بعنوان الزكاة، إلاّ أنّه إنّما ضوعف على الذمّي لئلاّ يرغب أهل الذمّة في شراء أراضي المسلمين، وهذا الاحتمال وإن كان خلاف المعهود من إطلاق الخمس إلاّ أنّه تقرّب إرادته من جهات:

ص: 13

الأوّلى: عدم ذكر هذا المورد في كلمات الأصحاب قبل الشيخ(قدس سره).

الثانية: عدم ذكره في غير رواية أبي عبيدة الحذّاء، وأمّا رواية الشيخ المفيد فلعلّها متحدة مع رواية الحذّاء، وقد كانت الرواية عن أبي جعفر(علیه السلام) فاشتبه الراوي ونسبها إلى الصادق(علیه السلام).

الثالثة: إنّ ثبوته مخالف للروايات الحاصرة لموارد الخمس؛ فإنّها خالية عن ذكر هذا المورد، ومفهومها ينافي ثبوت هذا.

الرابعة: إنّ أول من تعرّض لهذا المورد هو الشيخ(قدس سره) ولذلك نسب إليه وإلى المتأخّرين عنه القول به. كما يظهر من المبسوط والنهاية(1) ، لكن يظهر من كتابه الخلاف أنّ المراد من الخمس هو العشران اللذان يتعلّقان بحاصل الأرض بعنوان الزكاة، فقد قال في كتاب الزكاة في مسألة 85:

«إذا اشترى الذمّي أرضاً عشريّة وجب عليه فيها الخمس، وبه قال أبو يوسف فإنّه قال: عليه فيها عشران» إلى أن قال: «دليلنا: إجماع الفرقة، فإنّهم لا يختلفون في هذه المسألة، وهي مسطورة لهم منصوص عليها. روى ذلك أبو عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) يقول: أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس» (2).

وقال في المسألة 86: «إذا باع تغلبيّ - وهم نصارى العرب - أرضه من مسلم وجب على المسلم فيها العشر أو نصف العشر، ولا خراج عليه، وقال الشافعي: عليه العشر. وقال أبو حنيفة: يؤخذ منه عشران.

ص: 14


1- 16.المبسوط في فقه الإمامية 1: 327 ، والنهاية ونكتها 1: 448.
2- 17.كتاب الخلاف 2: 73 - 74 ، المسألة 85.

دليلنا: إنّ هذا ملك قد حصل لمسلم، ولا يجب عليه في ذلك أكثر من العشر، وما كان يؤخذ من الذمّي من الخراج كان جزية، فلا يلزم المسلم ذلك»(1).

وقال في المسألة 87: «إذا اشترى تغلبي من ذمّي أرضاً لزمته الجزية كما كانت تلزم الذمّي. وقال أبو حنيفة وأصحابه: عليه عشران، وهذان العشران عندهم خراج يؤخذ باسم الصدقة. وقال الشافعي: لا عشر عليه ولا خراج.دليلنا: إنّ هذا ملك قد حصل لذمّي فوجب عليه فيه الجزية كما يلزم في سائر أهل الذمّة» (2).

والظاهر من هذه المسائل أنّ الكلام كله في الأراضي العشريّة، والمقصود من العشر والعشرين هو ما يتعلّق بحاصل الأرض بعنوان الصدقة والزكاة. وأنّ الشيخ(قدس سره) قد حمل رواية أبي عبيدة على هذا المورد.

ويؤيّده كلام المحقّق في المعتبر فإنّه قال: «روى جماعة من الأصحاب أنّ الذمّي إذا اشترى أرضاً من مسلم فإنّ عليه الخمس، ذكر ذلك الشيخان ومن تابعهما، ورواه الحسن بن محبوب عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان عن أبي عبيدة الحذّاء... وقال مالك: يمنع الذمّي من شراء أرض المسلم إذا كانت عشريّة؛ لأنّه يمنع الزكاة(3) ، فإن اشتروها ضوعف عليهم العشر فأخذ منهم

ص: 15


1- 18.كتاب الخلاف 2: 74 ، المسألة 86.
2- 19.كتاب الخلاف 2: 274 ، المسألة 87.
3- 20.في المصدر: إذا كانت عشيرته لأنّه تمنع الزكاة، وما ذكرناه أظهر، قال في المجموع 5: 561: «وقال مالك: لا يصحّ البيع حتّى لا تخلو الأرض من عشر أو خراج».

الخمس، وهو قول أهل البصرة وأبي يوسف، ويروى عن عبيد الله بن الحسن العنبري، وظاهر هذه الأقوال يقتضي أن يكون ذلك مصرف الزكاة عندهم لا مصرف خمس الغنيمة.

وقال الشافعي وأحمد: يجوز بيعها من الذمّي، ولا خمس عليه ولا زكاة...»(1).

الخامسة: إنّه ورد التعبير بالخمس في بعض الروايات التي تتضمّن أحكام أهل الذمّة، والمراد منه مضاعفة العشر.

فمن ذلك صحيحة محمد بن مسلم التي يقول فيها: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): أرأيت ما يأخذ هؤلاء من هذا الخمس من أرض الجزية ويأخذون من الدهاقين جزية رؤوسهم أما عليهم في ذلك شيء موظّف؟ فقال: «كان عليهم ما أجازوا على نفوسهم، وليس للإمام أكثر من الجزية، إن شاء الإمام وضع ذلك على رؤوسهم، وليس على أموالهم شيء، وإن شاء فعلى أموالهم وليس على رؤوسهم شيء» فقلت: فهذا الخمس؟ فقال: «إنّما هذا شيء كان صالحهم عليه رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)»(2).

ومنه ما رواه الصدوق مرسلاً عن أبي الحسن الرضا(علیه السلام): «إنّ بني تغلب أنفوا من الجزية وسألوا عمر أن يعفيهم فخشي أن يلحقّوا بالروم

ص: 16


1- 21.المعتبر 2: 624.
2- 22.من لا يحضره الفقيه 2: 51 ، الحديث 1673 ، وتهذيب الأحكام 4: 103 ، الحديث 336، والاستبصار 2: 71 ، الحديث 176 ، ووسائل الشيعة 15: 149 ، الباب 68 ، من أبواب جهاد العدو و ما يناسبه ، الحديث 1 مع اختلاف يسير في الجميع.

فصالحهم على أن صرف ذلك عن رؤوسهم، وضاعف عليهم الصدقة، فرضوا بذلك، فعليهم ما صالحوا عليه ورضوا به إلى أن يظهر الحقّ» (1).

ومضاعفة الصدقة عليهم عبارة أخرى عن الخمس.

فالظاهر أنّ هذا الأمر كان شائعاً ومعمولاً به عند من تصدّى للخلافة، وقد أمضاه الإمام(علیه السلام) إلى أن يظهر الحقّ.

والحاصل: أنّه بقرينة هاتين الروايتين يمكن حمل رواية أبي عبيدة على هذا المعنى.

ولكن يمكن تضعيف هذه الجهات كلّها:

أمّا الأوّلى: فلأنّ عدم تعرّض القدماء لهذا المورد ليس بمعنى نفيهم للحكم، ولعلّ عدم وجدان ذكره من جهة عدم الوصول إلينا، وإلاّ كيف ادّعى ابن زهرة(قدس سره) الإجماع عليه في الغنية؟

وأمّا الثانية: فإنّه يكفي في تسويغ الحكم وجود رواية واحدة معتبرة فضلاً عن روايتين بطرق متعدّدة.

وأمّا الثالثة: فلأنّ الحصر في روايات الخمس إضافي قطعاً وإلاّ لزم خروج بعض الموارد المتّفق على كونها من الخمس.

وأمّا الرابعة: فإنّ الشيخ(قدس سره) وإن جعل محل الخلاف الأرض العشريّة واستدل برواية الحذّاء وطبّقها عليها، إلاّ أنّ هذا لا يدل على أنّ نظره إلى

ص: 17


1- 23.من لا يحضره الفقيه 2: 29 ، الحديث 1613 ، ووسائل الشيعة 15: 152، الباب 68 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ، الحديث 5.

أنّ تمام مورد الرواية هي الأرض العشريّة، فقد يكون نظره إلى أنّه لما وقع الخلاف في الأرض العشريّة جعلها(قدس سره) محلاًّ للكلام، وحيث إنّ الرواية شاملة بعمومها للأرض العشريّة أيضاً بنظرهم فلذلك استدل بها، لا أنّ تمام موردها هي الأرض العشريّة.

وأمّا الخامسة: ففيها:أوّلاً: إنّ إطلاق الخمس على تضعيف العشر في موردٍ مع القرينة لا يوجب رفع اليد عن ظهور الخمس في معناه الاصطلاحي الظاهر فيه في لسان الروايات.

وثانياً: لعلّ المراد بالخمس المذكور فيها غير الزكاة، بل أُريد المعنى المصطلح، كما يستفاد من رواية ابن شهرآشوب في المناقب: «وكتب رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) عهداً لحي سلمان بكازرون: «هذا كتاب من محمد رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، سأله الفارسي سلمان وصيّة لأخيه مهاد بن فروخ بن مهيار وأقاربه وأهل بيته وعقبه - إلى أن قال - وقد رفعت عنهم جزّ النّاصية والجزية والخمس والعشر وسائر المؤن والكلف» الخ قال: والكتاب إلى اليوم في أيديهم»(1).

قال المحدّث النوري: «ووجدت العهد بتمامه في طومار عتيق منقولاً من نسخة الأصل... وفي آخره: «كتب علي بن أبي طالب بأمر رسول الله(علیهما السلام) بحضوره»(2).

ص: 18


1- 24.مناقب آل أبي طالب(علیهم السلام) 1: 151 ، ومستدرك الوسائل 11: 99 ، الباب 41 من من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ، الحديث 1.
2- 25.مستدرك الوسائل 11: 100 ، الباب 41 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ، الحديث 1 - 2.

سواء كانت أرض مزرع أو مسكن أو دكّان أو خان أو غيرها، فيجب فيها الخمس [1].

والمستفاد منها أنّه كان يؤخذ من أهل الذمّة الخمس والزكاة معاً.

وبالجملة فظاهر النص في المقام حجّة ما لم يقم دليل على خلافه، وهذه الجهات قد يوجب بعضها الإجمال في الدلالة كالجهتين الأخيرتين، لكن رفع اليد عن ظاهر النص مشكل. فالأقوى هو ما ذهب إليه المشهور.

الجهة الثانية: في متعلّق الخمس:

[1] فهل هو مطلق الأرض كما يظهر من الجواهر والشيخ الانصاري والماتن والسيد الأستاذ(قدس سرهما) وغيرهم(1)، أو خصوص أرض الزراعة كما حكي عن جماعة - كالفاضلين والمحقّق الثاني وغيرهم(2) - ، أو الأرض الخالية غير المشغولة بالبناء أو الأشجار، كما عن المحقّق الهمداني والسيد الحكيم(3)

وغيرهما، أقوال:

والدليل على القول الأوّل هو: إطلاق النص بعد صدق الأرض على الجميع

ص: 19


1- 26.جواهر الكلام 16: 66 ، كتاب الخمس: 101 - 102 ، والمستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 177.
2- 27.المعتبر 2: 624 ، ومنتهى المطلب 8: 544 ، وجامع المقاصد 3: 52.
3- 28.مصباح الفقيه 14: 143 ، ومستمسك العروة الوثقى 9: 507 - 508.

بمناط واحد سواء كانت زراعيّة أم خالية أم مسكناً أم دكّاناً أم غير ذلك؛ فإنّ الأرض في جميع هذه الموارد مورد للشراء والانتقال للذمّي فلا وجه لتقييد الأرض بالزراعة أو الخلو عن البناء أو الأشجار.

وأمّا القول الثاني والثالث فيبتنيان على التقييد.

أوّلاً: من جهة أنّ المتبادر من إطلاق الأرض هو أرض الزراعة في مقابل الدار والبستان أو الأرض الخالية، ففرق بين عنوان الأرض وعنوان الدار في الإطلاقات العرفيّة، فقد يقال: الأرض في مقابل السماء، وقد تطلق الأرض في مقابل الدار والبستان، والشائع هو الثاني كما ورد في ألسنة الأخبار كقوله(صلی الله علیه و آله و سلم): «من أحيى أرضاً مواتاً فهي ل-ه»(1)، أو قوله(علیه السلام):«قبالة الأرض العشر» أو نصف العشر(2) وأمثال ذلك.

وثانياً: بأنّ ظاهر النصّ هو أنّ الشراء قد تعلّق بالأرض، وهي ملحوظة تبعاً، فلا نظر إليها في مقام الشراء بالذات، بل بتبع البنيان والأشجار فلا يقال إنّه اشترى أرضاً، بل يقال: اشترى داراً أو دكّاناً أو حمّاماً.

وأجيب عنهما:

أمّا عن التبادر فبالمنع منه، فإنّ الأرض كما تطلق على أرض الزراعة كذلك تطلق على أرض البستان وأرض الدار بلا تأمّل وتسامح، فتارة يقال: الأرض ويراد منها أرض الزراعة وأخرى أرض البستان وهكذا.

ص: 20


1- 29.وسائل الشيعة 25: 412 باب 1 من أبواب إحياء الموات ، الحديث 5.
2- 30.وسائل الشيعة 9: 182 باب 4 من أبواب زكاة الغلاّت ، الحديث 1.

وأمّا ما ورد في بعض الأخبار فالتخصيص فيها بالأرض الخالية إنّما هو لوجود القرينة في البين؛ بأنّ الإحياء لا يكون إلاّ في الأرض الخالية وكذلك السبق وما يكون الواجب فيها العشر أو نصفه.وأمّا عن الثاني: فبمنع التبعيّة، فإنّ الأرض من الأجزاء المقوّمة للدار أو البستان أو الدكّان، وهي ملحوظة بحيال ما ذكر في مقام الشراء ومقصودة بالذات من غير تبعيّة.

نعم هي تابعة لعنوان البستان مثلاً، وما وقع عليه الشراء ليس العنوان، بل هي الأجزاء المكوّنة للكلّ، ومنها الأرض، وليس حكمها حكم الأسلاك والمصابيح ونحوهما ممّا لم يكن منظوراً ولا ملتفتاً إليه عند الشراء.

والشاهد على ذلك أنّه يقسّط عليها الثمن وتتبعّض الصفقة فيما لو انكشف أنّها لغير البائع، ويثبت الخيار للمشتري فيصحّ البيع بالنسبة إلى البنيان مثلاً مع خيار تبعّض الصفقة، ويكون البيع فضوليّاً في رقبة الأرض مناطاً بإجازة مالكها، كما أنّه قد تباع الأرض دون البنيان أو بالعكس، وقد يكون أحدهما ملكاً لشخص والآخر ملكاً لشخص آخر فيشتري المجموع منهما أو أحدهما من واحد منهما، فليست الأرض تبعاً في الشراء وإن كانت تبعاً في عنوان الدار أو البستان، ولذلك يصحّ أن يقال: إنّه اشترى الأرض والبناء أو الأرض والأشجار بدون أي عناية، فمن ذلك يظهر أنّ النصّ بمفاده وهو «اشتراء الذمّي الأرض من المسلم» صادق على المقام، فلابدّ من تخميسها.

والجوابان وجيهان.

ص: 21

ومصرفه مصرف غيره من الأقسام على الأصحّ [1].

الجهة الثالثة: مصرف هذا القسم من الخمس:

[1] ظاهر الأصحاب أنّ مصرف هذا القسم مصرف غيره من الأقسام، بل عن الشيخ(قدس سره) نفي الخلاف فيه بعد ذكره الإجماع عليه(1).

ولكن عن صاحب المدارك والمنتقى الإشكال فيه، واحتملا أن يكون مصرفه هو مصرف الزكاة(2).

والظاهر أنّ منشأ الاحتمال هو تخيّل تقيّد الأرض بالزراعة، وأنّ الخمس متعلّق بحاصلها بدلاً عن الزكاة فإنّه خراج.

ولا وجه لذلك؛ لانصراف إطلاق الخمس إلى إرادة الخمس المعهود، إمّا بدعوى صيرورته حقّيقة فيه في عصر الصادقين(علیهما السلام) وغيرها من الأسامي، أو لا أقلّ من كونه حقّيقة متشرعيّة في هذا المعنى، وكان الإطلاق ينصرف إليه بحيث لو كان المراد غيره لوجب بيانه، وعدم البيان في مثل المقام كاشف عن إرادة الخمس المعهود الذي يقسّم بين أرباب الخمس.

ص: 22


1- 31.كتاب الخلاف 2: 74.
2- 32.مدارك الأحكام 5: 386 ، ومنتقى الجمان 2: 443.

وفي وجوبه في المنتقلة إليه من المسلم بغير الشراء من المعاوضات إشكال، فالأحوط اشتراط مقدار الخمس عليه في عقد المعاوضة، وإن كان القول بوجوبه في مطلق المعاوضات لا يخلو عن قوّة [1].

الجهة الرابعة: هل يختص ّالحكم بالشراء أو يعم مطلق المعاوضات؟ أو يعم مطلق الانتقال؟

[1] هل يختصّ الحكم بالشراء، أو يعمّ مطلق المعاوضة كالصلح أو يعمّ مطلق الانتقال وإن لم يكن معاوضة كالهبة، وجوه، بل أقوال:

نسب الأوّل إلى ظاهر المشهور، ومنهم المحقّق الهمداني والسيد الحكيم في المستمسك(1)، ويظهر الثاني من بعضٍ كالشيخ كاشف الغطاء والماتن(قدس سرهما)(2). والثالث عن جماعة منهم الشهيدان وصاحب المفاتيح، فإنّهم عنونوا المسألة بالأرض المنتقلة، واختاره السيد الأستاذ(قدس سره) في المستند(3).

والوجه في هذه الأقوال:

أمّا الأوّل: فإنّ مقتضى الجمود على ظاهر النص والفتوى هو اختصاص

ص: 23


1- 33.مصباح الفقيه 14: 144 - 145 ، ومستمسك العروة الوثقى 9: 508.
2- 34.كشف الغطاء 4: 204.
3- 35.الروضة البهيّة 2: 72 ، ومفاتيح الشرائع 1: 226 ، والمستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 180.

الحكم بالشراء فقط، اقتصاراً في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على مقدار ما قام عليه النصّ، وعدم التعدّي عنه.وأمّا الثاني: فلعدم الخصوصيّة للشراء، بل العرف يرى مطلق الانتقال بعوض، فيتعدى لسائر المعاوضات.

وأمّا الثالث: فلأنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي الاعتبار بمطلق الانتقال من المسلم إلى الذمّي ولو لم يكن بمعاوضة، وتكون خصوصيّة الشراء ملغاة بحسب الفهم العرفي، وإنّما ورد التعبير بالشراء في النصّ مع أنّ المراد الأعم؛ لكونه الفرد الغالب في أسباب النقل، وغيره نادر، فإنّ العرف لا يكاد يرتاب في عدم الفرق بين أن يكون النقل بلفظ «بعت واشتريت» أو «صالحت» أو «وهبت» أو غيرها من النواقل.

فالعرف لا يرى لخصوص الشراء دخلاً في الحكم ولا لغيره من أقسام العقود، ونظيره منع المسلم عن بيع العبد المسلم أو المصحف من الكافر، فإنّ العرف لا يرى خصوصيّة في البيع، بل الملاك هو مطلق الانتقال كيفما اتّفق، وتمكينه من العين وإن لم يكن بصورة البيع.

والسرّ في ذلك: أنّ الحكم لم يكن متعلّقاً بنفس العقد كما في بيع الغرر مثلاً، بل الحكم متعلّق بالنقل والانتقال من جهة خصوصيّة إسلام البائع وكفر المشتري، فهذه الخصوصيّة هي الباعثة على تشريع الخمس بلا نظر لخصوصيّة البيع في حدّ نفسه، فيتعدّى العرف إلى مطلق النواقل، وهذا هو الأقوى.

ولعلّ السر في تشريع هذا النوع من الخمس هو عدم كون هذا الانتقال

ص: 24

في مصلحة المسلمين، فإنّه موجب لتسلط الكفّار على أراضي المسلمين، وبه تقوى كلمة الكفر، فشرّع هذا النوع لتقليل هذا الانتقال كي لا يقع المحذور المزبور وتكون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ففرض عليه الخمس حتى تقلّ رغبته في الشراء لتضرّره منه غالباً.

ثمّ إنّ الماتن(قدس سره) - بعد الاستشكال في التعدّي عن الشراء - ذكر أنّ الاحتياط باشتراط مقدار الخمس عليه في عقد سائر المعاوضات.

والظاهر أنّ المقصود هو شرط الفعل؛ بأن يلتزم الذمّي بدفع مقدار الخمس من الأرض، وحينئذٍ فيدفع مقدار الخمس إلى أصحابه على كل حال سواء كان راجعاً إليهم واقعاً أم لا.

ولكن هذا لا يكفي في التوصّل إلى لزوم الخمس عليه، إلاّ إذا قلنا بوجوب الاشتراط وعدم صحّة المعاوضة بدونه، مضافاً إلى لزوم إعمال الخيار وهو الفسخ عند تخلّف الشرط - لا إمضاء العقد - وكلاهما مورد للإشكال.

ص: 25

وإنّما يتعلّق الخمس برقبة الأرض دون البناء والأشجار والنخيل إذا كانت فيه [1].

الجهة الخامسة: في كيفيّة استيفاء هذا الخمس:

اشارة

[1] وفيها عدة أمور:

الأوّل: تعلّق الخمس برقبة الأرض:

إنّ هذا الخمس متعلّق بالعين ورقبة الأرض دون البناء والأشجار والنخيل إذا كانت فيها؛ وذلك لما تقدّم من ظاهر النصّ والفتوى، فإنّ ظاهر صحيحة الحذّاء وفتوى العلماء: أنّ الخمس متعلّق بنفس الأرض، وما ذكر من البناء والأشجار والنخيل كلّها خارجة عن مفهوم الأرض، إذ هي المتعلّق للخمس لا ما يكون فيها، فلا مقتضي لعموم الحكم لها.

ص: 26

ويتخيّر الذمّي بين دفع الخمس من عينها أو قيمتها [1].

الثاني: تخيّر الذمّي في دفع الخمس بين العين والقيمة:

[1] الثاني: تخيّر الذمّي في دفع الخمس بين العين والقيمة:

إنّ الذمّي يتخيّر بين دفع الخمس من عين الأرض أو من قيمتها؛ وذلك لأنّ مقتضى القاعدة وإن كان وجوب الدفع من نفس المال المتعلّق به الحقّ، إلاّ أنّه وردت الرخصة من الشارع المقدّس في دفع القيمة في مطلق ما تعلّق به الخمس، كما في صحيحةالبرقي حيث ورد فيها: «أيّما تيسّر يخرج» (1) ، والحكم لا يختصّ بمورد دون مورد، بل هو شامل لجميع الموارد التي يتعلّق بها الخمس، فالظاهر جواز دفع مقدار الخمس من قيمة الأرض، وإن كان في دفعه من مال آخر كلام يأتي.

ص: 27


1- 36.الكافي 3: 55 ، كتاب الزكاة ، الباب 311 ، الحديث 1 ، ومن لا يحضره الفقيه 2: 32 ، الحديث 1625 ، وتهذيب الأحكام 4: 83 ، الحديث 270 ، ووسائل الشيعة 9: 167 ، الباب 14 من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث 1.

ومع عدم دفع قيمتها يتخيّر وليّ الخمس بين أخذه وبين إجارته[1]. وليس ل-ه قلع الغرس والبناء، بل عليه إبقاؤهما بالأجرة.

الثالث: الحكم في حال عدم دفع الخمس:

[1] الثالث: الحكم في حال عدم دفع الخمس:

إذا لم يؤدّ الذمّي خمس الأرض فلوليّ الخمس أن يختار القيمة بإجارة الأرض، أو يختار رقبة الأرض، كما نصّ عليه جملة من الأصحاب(1) ، وعلى كلا التقديرين تارة تكون الأرض خالية، وأخرى مشغولة بالبناء أو الغرس.

أمّا إذا كانت الأرض خالية فلا إشكال في أخذ نفس الأرض، وأمّا إذا اختار إجارتها والحال هذه فهل ل-ه ذلك إذا كان فيها مصلحة لأرباب الخمس أو لا؟ فيه كلام.

فإنّا إذا قلنا بأنّ ل-ه الولاية على ذلك جاز ل-ه إجارتها، وأمّا إذا لم نقل بذلك وأنّ ل-ه مجرّد ولاية القبض عن السادة والصرف عليهم دون التصرّف بإيجار ونحوه، المحتاج إلى دليل مفقود في المقام - وهو الحقّ - فلا يجوز ل-ه التصرّف في هذا القسم بهذا النحو.

نعم يجوز ل-ه التصرّف بالإجارة ونحوها في النصف الراجع للإمام(علیه السلام) متى ما أحرز رضاه(علیه السلام) ، فإنّه نائبه، والتصرّف فيه منوط برضاه(علیه السلام) ، فإذا

ص: 28


1- 37.الروضة البهيّة 2: 72 ، ومسالك الأفهام 1: 466 ، ومصباح الفقيه 14: 148 ، وجواهر الكلام 16: 68.

وإن أراد الذمّي دفع القيمة وكانت مشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء تقوّم مشغولة بها مع الأجرة فيؤخذ منه خمسها [1].

أحرز رضاه بالإيجار لمصلحة يراها جاز ل-ه ذلك.

وأمّا إذا كانت الأرض مشغولة واختار أخذ الأرض فهل ل-ه قلع الغرس وهدم البناء أو لا؟

الظاهر المتسالم عليه أنّ ل-ه ذلك فيما إذا رضي صاحب الغرس أو البناء، وأمّا إذا لم يرض فليس ل-ه ذلك، ول-ه أخذ الأرض مع الأجرة على شغلها بالزرع أو البناء؛ فإنّها ملك للمشتري فقد اشتراهما بوصفهما غرساً وبناءً لا لكونهما حطباً وآجرّاً، وهو لم يحدث البناء أو الغرس بعد شرائه الأرض، فلا يسوغ للحاكم القلع أو الهدم، وبما أنّه ليس للحاكم إبقاء مقدار الخمس من الأرض مجّاناً - لكونه ملكاً لأربابه - فيلزم على الذمّي دفع الأُجرة. فمقتضى القاعدة في الجمع بين الحقّين هو بقاء العين، مع لزوم دفع الأُجرة.

ومن ذلك يظهر الحكم في الصورة الأخيرة، وهي ما إذا أراد ولي الخمس أخذ الأجرة، فإنّه يقتصر على أخذ أجرة الأرض المشغولة دون الأرض الخالية.

الرابع لو أراد الذمّي دفع القيمة:

[1] الرابع لو أراد الذمّي دفع القيمة:

إذا أراد الذمّي دفع القيمة دون الأرض: فهل عليه أداء خمس الأرض

ص: 29

ولا نصاب في هذا القسم من الخمس [1].

المجرّدة أو الأرض المشغولة بالبناء أو الغرس؟

الظاهر هو الثاني؛ لأنّها انتقلت إليه مشغولة فيجب عليه تخميسها كما تلقّاها عن مالكها الأصلي، وإن كانت قيمتها مشغولة أقل من قيمتها مجردة، وبما أنّ للأرض منفعة الاشتغال فتكون أجرتها مشغولة لصاحب الأرض دون صاحب الغرس أو البناء، فإنّ ل-ه حقّ الإبقاء فقط، وأمّا المنفعة فلابدّ من تخميسها.

الخامس: النصاب في الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم:

[1] الخامس: النصاب في الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم:

هل يراعى النصاب في وجوب هذا القسم من الخمس أو لا؟

لا ينبغي الإشكال في عدم مراعاة النصاب في هذا القسم، بل في المستند الإجماع عليه(1) ؛ وذلك لإطلاق النص والفتوى، بل قد يقال: إنّ التعرّض ل-ه بلا وجه؛ لعدم توهّمه من أحد، فإنّه كالتنبيه على عدم دخل سائر الأوصاف والخصوصيّات المعلوم عدم دخلها في الحكم.

ص: 30


1- 38.مستند الشيعة 10: 57.

ولا يعتبر فيه نيّة القربة حين الأخذ حتى من الحاكم، بل ولا حين الدفع إلى السادة [1].

السادس: نيّة القربة عند الأخذ من الذمّي أو الدفع إلى السادة:

[1] السادس: نيّة القربة عند الأخذ من الذمّي أو الدفع إلى السادة:

هل يعتبر قصد القربة عند الاستيفاء من الذمّي أو الدفع للسادة أو لا؟

أمّا الذمّي فلا إشكال في عدم اعتباره في حقّه؛ لعدم إمكان صدور قصد القربة من الكافر، وعلى فرض الإمكان لا دليل على اعتباره في خصوص هذا القسم من الخمس؛ لعدم إطلاق الدليل وعدم وجود دليل آخر يدل على اعتباره على الذمّي.

وأمّا الحاكم وولي الخمس فقد يقال بوجوب النيّة عليه عند الأخذ والدفع كما عن المسالك(1) حيث إنّ الخمس أمر عبادي، ولابد من صدوره عن قربة.

ولكن الظاهر عدم اعتباره على الحاكم أيضاً، فإنّ عباديّة الخمس في سائر الأنواع لم تستفد من دليل لفظي لكي يتمسك بإطلاقه، بل هي مستفادة - مضافاً إلى الإجماع والارتكاز والسيرة القطعيّة - من كون الخمس بدلاً عن الزكاة التي هي من مباني الإسلام، ومن المعلوم أنّ مبنى الإسلام لا يكون مجرد الأخذ أو الدفع لشيء من الأموال ونحو ذلك، بل لابدّ وأن يكون

ص: 31


1- 39.مسالك الأفهام 1: 466 ، وقرّبه الشهيد الأوّل في الدروس قائلاً «أقربه الوجوب عنهما لا عنه عند الأخذ والدفع». الدروس 1: 259.

مسألة 40: لو كانت الأرض من المفتوحة عنوة وبيعت تبعاً للآثار ثبت فيها الحكم؛ لأنّها للمسلمين، فإذا اشتراها الذمّي وجب عليه الخمس، وإن قلنا بعدم دخول الأرض في المبيع وأنّ المبيع هو الآثار، ويثبت في الأرض حقّ الاختصاص للمشتري.

وأمّا إذا قلنا بدخولها فيه فواضح، كما أنّه كذلك إذا باعها منه أهل الخمس بعد أخذ خمسها فإنّهم مالكون لرقبتها ويجوز لهم بيعها [1].

أمراً عباديّاً كالصلاة، ومن البيّن اختصاص ذلك بالمسلمين فلا يعمّ الخمس المأخوذ من الذمّي فإنّه نحو ضريبة ماليّة متعلّقة بما يشتريه من المسلم فلا تعتبر فيها القربة.

فثبت من هذا أنّه لا تعتبر القربة من الذمّي ولا من الحاكم مطلقاً كما أفاده في المتن لا حين الأخذ ولا حين الدفع إلى السادة.

بيع الأرض المفتوحة عنوة تبعاً للآثار:

[1] للمسألة صور: فإنّه تارة يكون البائع هو مالك الخمس، وأخرى يكون الحاكم، وثالثة يكون من آحاد المسلمين.

أمّا الصورة الأوّلى: فإذا قلنا بأنّ الأرض المفتوحة عنوة متعلّقة للخمس

ص: 32

- كما هو المشهور على ما تقدّم في أوائل الكتاب(1) - وجب الخمس على الذمّي بلا إشكال؛ لأنّه اشتراها من مالكها الشخصي، الذي هو مالك لرقبة الأرض على هذا المبنى، وهي سهمه الذي وصل إليه على الفرض، فيشمله قوله(علیه السلام): «أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس» (2).

وأمّا إذا لم نقل بوجوب الخمس في الأرض المفتوحة عنوة فالحكم هو حكم الصورة الثالثة الآتية.وأمّا الصورة الثانية: وهي ما إذا كان البائع هو الحاكم الذي ل-ه الولاية على البيع وباع الأرض لبعض المصالح العامّة المقتضية لذلك فلا إشكال في وجوب الخمس على الذمّي، فإنّ الحاكم وإن لم يكن مالكاً للأرض إلاّ أنّه يملك أمر البيع، ول-ه الحقّ في النقل، والأرض ملك لعامّة المسلمين، فيشمله إطلاق دليل الذمّي إذا اشترى أرض مسلم، ولم يعتبر فيه أن تكون الأرض ملكاً شخصيّاً للمسلم.

وأمّا الصورة الثالثة: وهي ما إذا كان البائع من آحاد المسلمين، وهنا تارة تكون الأرض خربة وقد أحياها المسلم فملكها، وأخرى تكون محياة بإحداثه الآثار فيها.

أمّا الأوّل فإذا قلنا بمقالة المشهور من صيرورتها ملكاً شخصيّاً ل-ه بالإحياء مطلقاً أي ولو كانت مفتوحة عنوة، لعموم قوله(علیه السلام): «من أحيى أرضاً مواتاً

ص: 33


1- 40.في شرح قول الماتن «مسألة9: إذا كان المعدن في معمور...».
2- 41.وسائل الشيعة 9: 505 ، الباب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، ح 1.

فهي ل-ه»(1) لمطلق الأرض، فلا إشكال في وجوب الخمس على الذمّي كالصورتين المتقدّمتين.

وكذا الحكم في الثاني إذا قلنا إنّه بثبوت الآثار تتحقّق ملكيّة متزلزلة ومحدودة، تزول بزوال الآثار؛ لأنّها تكون حينئذٍ ملكاً طلقاً لشخصه إلاّ أنّه ملك مؤقت غير دائم، ولا فرق في وجوب الخمس على الذمّي بين ما كانت الأرض المشتراة من المسلم ملكاً دائميّاً ل-ه أم مؤقّتاً؛ لإطلاق الدليل الشامل لصورة الملك المؤقت للأرض.

وأمّا إذا قلنا بعدم صيرورة الأرض المفتوحة عنوة ملكاً لأحد بالإحياء ولو بالآثار، وكونها باقية على ملك عامّة المسلمين، وليس لمن أحياها منها إلاّ حقّ الانتفاع المعبّر عنه بحقّ الاختصاص، نظير الحقّ الثابت في الأوقاف من أنّ من سبق إلى ما لا يسبقه إليه مسلم فهو أحقّ به(2)، فكأنّ المبيع عبارة عن مجرّد الآثار من البناء والغرس دون رقبة الأرض، فالظاهر من الشيخ الانصاري(3) والماتن(قدس سرهما) وجوب الخمس على الذمّي أيضاً؛ لأنّ الأرض تبع للآثار وقد صارت تحت تصرّف الذمّي، وصار مستحقّاً لها، وإن كانت غير مملوكة، فتقابل الأرض بمال من حيث إنّها مستحقّة غير مملوكة فهو في حكم شراء الأرض عرفاً، ويصدق عرفاً أنّه اشترى الأرض والآثار، فعليه خمس ذلك المال.

ص: 34


1- 42.وسائل الشيعة 25: 412 ، باب 1 من كتاب إحياء الموات، الحديث 5.
2- 43.عوالي اللئالي 3: 480 ، باب إحياء الموات ، الحديث 4.
3- 44.كتاب الخمس: 104- 105.

مسألة 41: لا فرق في ثبوت الخمس في الأرض المشتراة بين أن تبقى على ملكيّة الذمّي بعد شرائه، أو انتقلت منه بعد الشراء إلى مسلم آخر، كما لو باعها منه بعد الشراء أو مات وانتقلت إلى وارثه المسلم أو ردّها إلى البائع بإقالة أو غيرها، فلا يسقط الخمس بذلك، بل الظاهر ثبوته أيضاً لو كان للبائع خيار ففسخ بخياره [1].

ولكنّ الحكم بذلك مشكل؛ فإنّ الظاهر من النصّ هو اشتراء الأرض حقّيقة وصيرورتها ملكاً ل-ه، لا مجرد الانتفاع وحقّ الاختصاص، ويكون إطلاق المالك عليه بنحو العناية والتسامح، فهذا خارج عن موضوع النصّ، والنصّ منصرف عنه، فبما أنّه لا يوجد ملك ولا شراء حقّيقي فلا يكاد يشمل النصّ المقام أصلاً.

لو أنّ الأرض التي اشتراها الذمّي انتقلت عنه بعد الشراء:

[1] هل يكفي مجرد حدوث الملك بالشراء في وجوب الخمس على الذمّي أم أنّه مشروط بالبقاء فيسقط الخمس عنه بالخروج عن ملكه بقاءً بالنقل إلى مسلم آخر بأي نحو كالبيع أو الهبة ونحوهما؟

الظاهر هو الأوّل؛ لإطلاق النصّ، ولم يقيّد بالبقاء، فلو اشترى الذمّي الأرض من مسلم وباعها بلا فصل لمسلم آخر أو اشتراها فمات وانتقلت إلى وارثه المسلم أو ردّها إلى البائع بإقالة أو بالفسخ لم يسقط عنه الخمس.

ص: 35

والانتقال والخروج عن ملكه يتحقّق بأمور: فتارة يكون بالمعاوضة والنقل، وأخرى بالإرث، وثالثة بالإقالة، ورابعة بالفسخ.

فإن كان الخروج بالمعاوضة أو الإرث فلا إشكال في عدم سقوط الخمس عنه لما تقدّم، ويكون ضامناً ل-ه، فإن وفى فهو وإلاّ كان للحاكم الشرعي الرجوع إلى الذمّي أو المسلم المنتقل إليه بمقتضى توارد الأيدي؛ لبطلان البيع بالإضافة إلى مقدار الخمس المتعلّق بالأرض.

نعم، إذا أجاز الحاكم البيع أو النقل انتقل الخمس المتعلّق بالعين إلى العوض، وهو الثمن في مثل البيع، وإلى ذمّة الذمّي في غير المعاوضة كالهبة، كما أنّه إذا كان المنتقل إليه إماميّاً وقلنا بأنّ مقتضى أخبار التحليل - بناء على شمولها للتجارات - أنّ الإماميإذا تلقى المال ممّن لا يعتقد الخمس أو لا يخمّس عصياناً لا خمس عليه، بل يكون الخمس في هذا الفرض في ذمّة الذمّي، فلا يسقط الخمس المتعلّق بالأرض على كل تقدير عن الذمّي.

وأمّا إذا كان قد ردّها بالإقالة فكذلك؛ لأنّه فسخ من حينها، وإن احتمل في البيان والمسالك سقوط الخمس حينئذٍ(1)، ولا وجه ل-ه إلاّ بناءً على كونها فسخاً من أول الأمر، أو أنّ النصّ منصرفٌ إلى الملك المستقر، وكلاهما ممنوعان.

وأمّا إذا كان قد ردّها بالفسخ إلى البائع قد اختار جماعة منهم الماتن والسيد الأستاذ(قدس سره) عدم السقوط أيضاً؛ لإطلاق النصّ وشموله للملك

ص: 36


1- 45.البيان: 346 ، ومسالك الأفهام 1: 466.

المستقر والمتزلزل(1).

وتأمّل في الحكم صاحب الجواهر والمحقّق الهمداني مضافاً لما تقدّم عن البيان والمسالك(2) بدعوى التبادر من النصّ وانصرافه إلى الملك المستقر، فلا يعمّ ما إذا ردّها بخيار كان ل-ه بشرط أو غيره، خصوصاً في مثل المجلس، فإنّ العرف لا يرون - مع حصول الفسخ - أنّ الذمّي اشترى شيئاً.

والظاهر أنّ هذا التأمّل في محلّه، ومقتضى الأصل عدم وجوب الخمس حينئذٍ، هذا إذا كان إعمال الخيار من البائع وأمّا إذا كان من المشتري وقلنا بوجوب الخمس عليه فبناءً على تعلّق الخمس برقبة الأرض فالردّ يوجب تبعّض الصفقة فلابد في صحّته إمّا من حصول رضا الناقل أو إجازة أرباب الخمس إذا كان الناقل غير إمامي فينتقل الخمس حينئذ إلى ذمّة الناقل، ولعلّ الماتن لم يتعرّض لهذه الصورة وخصّ كلامه بفسخ البائع لوضوحها.

وأمّا بناءً على عدم وجوب الخمس في رقبة الأرض فلا يعتبر في الردّ شيء كما هو واضح.

ص: 37


1- 46.المستند في شرح العروة الوثقى ، كتاب الخمس: 187.
2- 47.جواهر الكلام 16: 67 ، ومصباح الفقيه 14: 147.

مسألة 42: إذا اشترى الذمّي الأرض من المسلم وشرط عليه عدم الخمس لم يصحّ، وكذا لو شرط كون الخمس على البائع. نعم، لو شرط على البائع المسلم أن يعطي مقداره عنه فالظاهر جوازه [1].

لو شرط الذمّي على المسلم عدم الخمس في الأرض التي يشتريها:

[1] هذا الشرط على أنحاء ثلاثة:

فإنّه تارة يشترط إسقاط الخمس عنه، وأخرى يشترط لزوم الخمس على البائع المسلم، وثالثة يشترط على البائع أداء مقدار الخمس عنه.

أمّا الأوّل والثاني فهما باطلان؛ لأنّهما غير مشروعين، ومخالفان للسنّة، والشرط المخالف للسنّة باطل؛ فإنّ الثابت في الشرع هو وجوب الخمس على الذمّي المشتري للأرض من المسلم فشرط السقوط أو الثبوت في ذمّة البائع المسلم مخالف للشرع.

وأمّا الثالث فهو نافذ؛ لأنّه شرط عمل كشرط أن يؤدّي عنه دينه، ولا مانع منه، لشمول عموم أدلّة الشرط ل-ه. ولكن لا يسقط عن الذمّي بمجرد هذا الشرط إلاّ بعد وفاء المسلم بشرطه، لكون التكليف بالخمس متوجّهاً إلى الذمّي بنفسه، فلو لم يف المسلم يثبت للمشتري خيار تخلّف الشرط، فلو فسخ يدخل حينئذٍ في المسألة السابقة، فإن قلنا بأنّه لا يسقط الخمس بالفسخ فلابدّ عليه من أداء الخمس، فإذا أدّى من القيمة فله حقّ الردّ.

ص: 38

مسألة 43: إذا اشتراها من مسلم ثم باعها منه أو من مسلم آخر ثم اشتراها ثانياً وجب عليه خمسان: خمس الأصل للشراء أوّلاً، وخمس أربعة أخماس للشراء ثانياً [1].

وأمّا إذا لم يؤدّه تعلّق الخمس برقبة الأرض، وكان أرباب الخمس شركاء معه فيها بنسبة الخمس، فإذا ردّ الأرض على البائع فقد ردّها وخمسها للغير، وهم أرباب الخمس، فيوجب الردّ تبعّض الصفقة على البائع، فإن رضي البائع بالردّ فهو، وإلاّ فيسقط خياره بالردّ.

وأمّا إذا قلنا بأنّه لا يثبت الخمس بالفسخ كما هو الظاهر فيجوز ل-ه الردّ ولا يجب عليه الخمس أصلاً.ثم إنّه إذا وفى البائع بالشرط سقط الخمس عن ذمّة الذمّي ويملك خمس الأرض بلا كلام، ولكن هل هذا بحكم ملك جديد فيجب عليه الخمس في هذا الخمس أو لا؟ يأتي الكلام في ما يتّحد في الحكم.

لو أنّ الذمّي اشترى الأرض ثانية من مسلم بعد بيعها:

[1] هذه المسألة في بيان أنّ الشراء إذا تكرّر من الذمّي للأرض الواحدة فهل يكون حكمها كشراء الأراضي المتعدّدة أو يكفي فيها خمس واحد؟

الظاهر هو الأوّل؛ لأنّ كل شراء يكون موضوعاً وسبباً مستقلاًّ لوجوب الخمس، ولا وجه للتداخل ووحدة الخمس. فلا إشكال في تعدّد الخمس.

ص: 39

وأما كيفيّة الخمس فهل يجب ثانياً خمس تمام الأرض أو أربعة أخماسها لكون خمسها صار ملكاً لأربابه؟

لابدّ من التفصيل بين ما إذا لم يؤدّ خمسها أوّلاً وتعلّق الخمس برقبة الأرض ثم باعها واشتراها ثانياً فيجب عليه الخمس في أربعة أخماس الأرض؛ لأنّ المفروض أنّ خمس الأرض كان ملكاً لأرباب الخمس وليس ل-ه حقّ معه، وهكذا إذا تكرر البيع ثالثاً ورابعاً.

وبين ما إذا أدّى خمسها أوّلاً من القيمة ثم باعها من مسلم واشتراها ثانياً فإنّه يجب عليه خمس الأرض جميعها. لكون الشراء الثاني موضوعاً لوجوب الخمس عليه.

وكذا لو كان المشتري منه إماميّاً وقلنا بشمول أخبار التحليل للمتاجر، فإنّه يجب عليه الخمس ثانياً كالأوّل؛ لأنّ الشيعيّ يملك بالشراء الأرض كلّها بلا حاجة إلى إجازة ولي الخمس، وينتقل الخمس إلى ذمّة الذمّي، فيكون شراء الذمّي ثانياً متعلّقاً بالعين كلّها، ولأجل ذلك يجب تخميس الجميع.

ص: 40

مسألة 44: إذا اشترى الأرض من المسلم ثم أسلم بعد الشراء لم يسقط عنه الخمس. نعم، لو كانت المعاملة ممّا يتوقف الملك فيه على القبض فأسلم بعد العقد وقبل القبض سقط عنه؛ لعدم تماميّة ملكه في حال الكفر [1].

لو أسلم الذمّي بعد شراء الأرض:

[1] للمسألة صور:

فإنّ الذمي تارة يسلم بعد شراء الأرض وأداء الخمس، وأخرى يسلم بعد الشراء وقبل أداء الخمس، وثالثة يسلم بعد الشراء وقبل القبض ولم يكن الملك متوقّفاً على القبض، ورابعة يسلم بعد الشراء وقبل القبض وكان الملك متوقّفاً على القبض.

أمّا الأوّلى والأخيرة فحكمهما واضح؛ لأنّه في الأوّلى لم يخرج بإسلامه عن موضوع دليل التخميس الظاهر في كونه كافراً حال شراء الأرض من المسلم، فيشمله الإطلاق.

كما أنّ الشراء في الصورة الأخيرة لم يتحقّق منه؛ إذ ما صدر منه هو مجرد الإنشاء غير المحقّق للشراء بعد كونه فاقداً للشرط وهو القبض، فلم يتحقّق معه موضوع التخميس، وهذا نظير ما لو اشتري له من المسلم فضوليّاً فأسلم قبل تحقّق الإجازة، فلم يتحقّق موضوع الشراء والملكيّة، فإنّه لم يصدر منه حال الكفر غير العقد الإنشائي الذي لا يؤثر من غير الإجازة. فما وقع حال

ص: 41

الكفر لم يتّصف بعنوان الشراء، وما اتّصف به لم يقع حال الكفر، وعليه، فلا يجب عليه الخمس؛ لعدم تحقّق موضوعه وهو الشراء حال الكفر.

إنّما الكلام في الصورتين الثانية والثالثة، فالظاهر تحقّق موضوع الخمس فيهما وهو ملكيّة الكافر لأرض المسلم حال كفره، فإنّ الصورتين تشتركان في أنّ الإسلام وقع بعد تملّك الذمّي للأرض، وإن كان في إحداهما قبل القبض إلاّ أنّ المفروض عدم توقّف الملكيّة عليه. ومقتضى ذلك وجوب الخمس عليه وعدم السقوط عنه.نعم، قد يتوهّم السقوط عنه استناداً إلى حديث الجب فإنّه لا يطالب بما تعلّق بذمّته من الحقّوق كالزكوات والأخماس والفرائض الفائتة منه قبل إسلامه.

ولكنّ الظاهر أنّه لا مجال للقول بالسقوط هنا؛ وذلك لأنّ الحكم قد تعلّق بالموضوع بوصف كون المشتري ذمّياً فهو نظير تعلّق حكم الزكاة أو الجهاد بالمكلّف بما أنّه ضرري فلا تشمله أدلة نفي الضرر فكذلك المقام، فإنّ الحكم ثبت له حال كفره وبوصف كونه ذمّياً بحيث كان يطالب به حال كفره وقبل أن يسلم فلا مقتضي لسقوطه بالإسلام اللاحقّ.

نعم، إذا تعلّق الحكم به حال كفره من حيث إنّه مكلّف بالفروع كالأصول كسائر آحاد المسلمين كما عليه المشهور والتزمنا به أيضاً فبعد إسلامه يحكم بسقوطه كما لا يخفى.

ص: 42

مسألة 45: لو تملّك ذمّي من مثله بعقد مشروط بالقبض فأسلم الناقل قبل القبض ففي ثبوت الخمس وجهان، أقواهما الثبوت [1].

لو تملّك الذّمي من مثله بعقد مشروط بالقبض:

[1] إذا اشترى الذمّي الأرض من الكافر فلا إشكال في عدم وجوب الخمس عليه إذا أسلم البائع بعد تماميّة العقد والقبض.

وأمّا إذا كان إسلامه قبل القبض فتارة لا تتوقّف الملكيّة وتماميّة العقد على القبض فالظاهر أيضاً عدم وجوب الخمس عليه؛ لتحقّق الملكيّة والشراء من الكافر.

وأخرى تتوقّف الملكيّة على القبض كالهبة؛ فإنّه لو وهب الكافر الأرضَ للذمّي وأسلم الواهب قبل قبض الذمّي لها فإنّ العقد وإنشاء الهبة في حال الكفر، وحصول الملكيّة وتأثير العقد وقع في حال الإسلام، والقبض شرط في النقل بلا ريب فهو جزء من المؤثر، لا أنّه كاشف عنه، فهو نظير القبول بالنسبة إلى الإيجاب في تأثير العقد، فكما يصدق الانتقال من المسلم إذا كان الإيجاب في حال الكفر والقبول في حال الإسلام، فكذلك هنا فيجب الخمس على الذمّي؛ لتحقّق موضوعه وهو الاشتراء وتحقّق الانتقال من المسلم.

هذا كلّه بناءً على كون موضوع الخمس هو مطلق الانتقال، وأمّا إذا كان الموضوع هو خصوص الشراء جموداً على ظاهر النصّ - كما قوّاه الماتن(قدس سره)

ص: 43

مسألة 46: الظاهر عدم سقوطه إذا شرط البائع على الذمّي أن يبيعها بعد الشراء من مسلم [1].

- فيمكن فرض المسألة فيما إذا بيعت الأرض سلفاً. ويمكن فرضها فيما إذا كانت الأرض ثمناً في بيع سلم واقع بين ذمّيين فأسلم صاحب الأرض قبل القبض، بناءً على عدم اعتبار كون الثمن من النقود على ما هو المعروف، فباع أحد الذمّيين مقداراً من الحنطة من صاحبه سلفاً وجعل الثمن الأرض، وأسلم المشتري قبل إقباضها، فيصدق تملّك الذمي الأرض من مسلم في شراء مشروط بالقبض ثمناً لا مثمناً، وحيث إنّ الظاهر عدم الفرق في تملّك الذمي أرض المسلم بالشراء بين كون الأرض ثمناً أو مثمناً فمقتضى القاعدة هو وجوب الخمس عليه في هذه الصورة كما إذا كانت الأرض مبيعة.

لو شرط البائع على الذمّي أن يبيع الأرض بعد شرائها مِن مسلم:

[1] في المسألة جهتان:

الأوّلى: هل هذا الشرط صحيح؟ أو أنّه باطل لكونه خلاف مقتضى العقد؟

الظاهر عدم الإشكال في صحّته فإنّه شرط سائغ لم يحرّم حلالاً ولم يحلّل حراماً، وعموم أدلّة الشرط تشمله، ونتيجته الخيار لو تخلّف المشروط عليه.نعم، لو شرط البائع عليه أن يبيعه منه ثانياً فهو محل الخلاف، والمشهور على عدم صحته، وقد دلّت روايات على ذلك، ولكنّ المفروض هنا هو

ص: 44

مسألة 47: إذا اشترى المسلم من الذمّي أرضاً ثم فسخ بإقالة أو بخيار ففي ثبوت الخمس وجه، لكن الأوجه خلافه، حيث إنّ الفسخ ليس معاوضة [1].

اشتراطه للبيع لمسلم آخر.

الثانية: هل يوجب هذا الشرط سقوط الخمس عن الذمّي أو لا؟

الظاهر عدم سقوطه؛ وذلك لأنّ الموضوع ل-ه هو مجرّد تملّك الذمّي حدوثاً، ولا يعتبر فيه البقاء كما عرفت فاشتراط الخروج كنفس الخروج لا أثر ل-ه في سقوط الخمس عنه فإنّ الدليل مطلق.

ولا وجه لدعوى انصراف الدليل عن ذلك، فالظاهر وجوب الخمس على الذمّي، وإن كان ملزماً ببيعها بمقتضى الشرط، وإخراجها عن ملكه وفاءً به.

لو اشترى المسلم من الذمّي أرضاً ثم فسخ:

[1] وذلك لأنّ الفسخ سواء تحقّق بالإقالة أو بالخيار لا يُعدّ معاوضة وتملّكاً جديداً، بل يُعدّ إزالة للسبب الحادث، فلا يتحقّق بذلك موضوع الانتقال من مسلم إلى ذمّي حتى يجب عليه الخمس، سواء قلنا بأنّ الخيار فسخ من حينه أو من حين العقد، بلا فرق بين أن يكون موضوع الخمس الأرض التي ملكها الذمّي بالشراء أو بالمعاوضة أو بالانتقال.

ص: 45

مسألة 48: من بحكم المسلم بحكم المسلم [1].

حكم من كان بحكم المسلم:

[1] أي في المقام، فإذا اشترى الذمّي أرض أطفال المسلمين أو مجانينهم فهو بمنزلة الشراء من المسلم فيجب عليه الخمس، وذلك إمّا من جهة إطلاق أدلّة التنزيل، أو من جهة التعميم المستفاد من أدلّة المقام، فإنّ الموضوع وإن كان الأرض المشتراة من المسلم، إلاّ أنّ المقصود - بمناسبة الحكم والموضوع - هو انتقال ملك المسلمين إلى الذمّي، ولذا فإنّه يجب عليه الخمس إذا كان الملك من الموقوفات أو أرضاً مفتوحة عنوة.

نعم، لابد من اعتبار الإسلام والكفر ذمّةً في كل من الناقل والمنقول إليه، فلا عبرة بكون العاقد كذلك، كما إذا كان وكيل المسلم ذمّياً أو وكيل الذمّي مسلماً فاشترى الأرض من مسلم، وإنّما يلاحظ في ذلك الموكِّل. وأمّا إذا كان المشتري من أطفال الذمّيين أو من مجانينهم فهل يجب عليه الخمس من جهة إطلاق أدلّة التنزيل أو التعميم في أدلّة المقام أو لا؟

لا يبعد القول بالوجوب إذا قلنا بتعلّق الخمس بمال الصبي والمجنون كما تقدّم.

وأما على القول بعدم تعلّقه بهما فلا دليل على وجوبه بالخصوص عليهم.

ص: 46

مسألة 49: إذا بيع خمس الأرض التي اشتراها الذمي عليه وجب عليه خمس ذلك الخمس الذي اشتراه وهكذا [1].

لو بيع خمس الأرض التي اشتراها الذمّي:

[1] لهذه المسألة ثلاث صور:الأوّلى: إذا أعطى الذمّي خمس الأرض التي اشتراها، وبعد الإقباض وتسليمها لأرباب الخمس اشتراها منهم. فهنا يجب عليه خمس ما اشتراه ثانياً؛ لتحقّق موضوعه، وهكذا بالنسبة لشرائه مرة ثانية وثالثة وهكذا إلى أن لا يبقى منه شيء يقبل التخميس، فإنّه في كل مرّة يحدث موضوع جديد لشراء الذمّي الأرض من المسلم فيشمله النصّ.

الثانية: أن يشتري منهم قبل دفع الأرض إليهم بمعنى أنّه يريد دفع قيمة الأرض لا نفسها حتى تخلص ل-ه الأرض بأجمعها، فحينئذٍ على القول بأنّ متعلّق الخمس هو ماليّة الأرض لا شخصيّتها، فشراء ماليّة الأرض لا يكون مصداقاً لشراء الأرض، والموضوع للخمس هو شراء الأرض لا شراء ماليّة الأرض، فلم تخرج عن ملكه حتى يملكها ثانياً ويتحقّق موضوع جديد لوجوب الخمس فلا يجب عليه الخمس ثانياً.

الثالثة: نفس الصورة المتقدمة بناءً على القول بالإشاعة أو الكلي في المعيّن، فإنّه إذا اشترى خمس الأرض المتعلّق لأربابه فيصدق أنّه اشترى أرض المسلم فيجب عليه الخمس، فلا فرق بناءً على هذا بين القولين في

ص: 47

السابع: ما يفضل عن مؤونة سنته [1] ومؤونة عياله من أرباح التجارات ومن سائر التكسّبات من الصناعات والزراعات والإجارات حتى الخياطة والكتابة والتجارة والصيد وحيازة المباحات وأجرة العبادات الاستئجاريّة من الحج والصوم والصلاة والزيارات وتعليم الأطفال وغير ذلك من الأعمال التي لها أجرة.

كون الشراء بعد الدفع والإقباض أو قبله.

ونتيجة ذلك أنّ الذمّي لايتخلّص من وجوب الخمس عليه إذا أراد دفع القيمة وتملّك الخمس أبداً، وهذا من لوازم دفع القيمة في هذا المقام. والله العالم.

المبحث السابع: ما يفضل عن مؤونة السنة:

[1] هذا المبحث أهم المباحث في الخمس لعموم البلوى به بخلاف المباحث السابقة فإنّ الابتلاء بها نادر ما يتّفق.

ويقع البحث حوله في خمس جهات، أولها: في أصل الحكم، والثانية: في متعلّق الحكم، والثالثة: في شرائطه، والرابعة: في مستحقّي الخمس، والخامسة: في المراد من تحليله.

الجهة الأوّلى: في أصل الحكم: الظاهر تسالم الأصحاب واتفاقهم قديماً وحديثاً على وجوب هذا القسم من الخمس، بل في الجواهر أنّه: «الذي

ص: 48

استقرّ عليه المذهب والعمل في زماننا هذا، بل وغيره من الأزمنة السابقة التي يمكن دعوى اتصالها بزمان أهل العصمة(علیهم السلام)»(1). وخالفهم فقهاء العامّة، كما حكاه الشيخ في الخلاف(2) وجعل السيد المرتضى في الانتصار الحكم بوجوبه من متفرّدات الإماميّة(3).

وقد استدلّ على وجوبه بالكتاب والسنّة والإجماع.

أمّا الكتاب فبقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}(4). وقد قُرِّب بوجهين:

الوجه الأوّل: أنّ الآية الشريفة تدل بإطلاقها على وجوب الخمس في كل ما يغنمه الإنسان ؛ فإنّ الغُنْم في اللغة هو الفوز بالشيء بلا مشقّة كما في لسان العرب والقاموس وتاج العروس وغيرها(5). وفي مجمع البحرين أنّها (الفائدة المكتسبة)(6) ، والظاهر أنّ هذا التعريف هو الصحيح؛ لشموله لما لا يحصل إلاّ بالمشقة وهي الغنائم الحربيّة، فإنّه لو اعتبرنا قيد (بلا مشقّة) في

ص: 49


1- 48.جواهر الكلام 16: 45.
2- 49.كتاب الخلاف 2: 118 ، مسألة 139.
3- 50.الانتصار: 225 ، مسألة 114.
4- 51.سورة الأنفال 8: 41.
5- 52.لسان العرب 3: 2941 ، مادة غنم، والقاموس المحيط 4: 222 مادة (غنم) ، وتاج العروس 17: 527 مادة (غنم).
6- 53.انظر مجمع البحرين: 961 مادة (غنم).

تعريف الغنيمة لخرج أبرز مصاديقها عن التعريف وهي الغنائم الحربيّة.

وقد اعترف جملة من مفسري العامّة بعموم معنى الغنيمة في اللغة، ولكنّهم ذهبوا إلى الاختصاص بالغنائم الحربيّة وذلك للاتفاق على ذلك، والعرف الشرعي هو الذي أوجب تقييد اللفظ بهذا المعنى، وغير ذلك من الوجوه والتمحّلات التي التجأوا إليها في صرف الآية عن العموم(1).ولا إشكال في لزوم حمل اللفظ على معناه اللغوي إذا لم تكن قرينة على خلافه أو ما يحتمل القرينيّة، وهو المعنى العام في المقام.

ولا يتوهّم أنّ الغنيمة ظاهرة في غنيمة دار الحرب ؛ لأنّ التتبّع في الاستعمالات عند نزول الآية وبعده يعطي أنّها تستعمل في المعنى اللغوي الأعم، فقد وردت الغنيمة بمشتقاتها في روايات العامّة والخاصّة عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) وأمير المؤمنين والأئمة(علیهم السلام) وغيرهم بهذا المعنى. وقد أحصينا سبعين مورداً من موارد استعمالاتها بصيغها المختلفة كلّها جاءت بهذا المعنى.

ثم إنّه على فرض ثبوت ظهور للفظ غنيمة أو المغانم في الاختصاص، فإنّ المذكور في الآية هو الفعل غنمتم المرادف لربحتم واستفدتم وغيرهما، ولم يدّع أحد اختصاصها بدار الحرب(2).

كما لا يتوهّم وجود القرينة الصارفة أو ما يحتمل القرينيّة، وهي ذكر القتال

ص: 50


1- 54.الجامع لأحكام القرآن 4: 244- 245. والتفسير الكبير 15: 138 وتفسير روح المعاني 10: 279 ، والتفسير الحديث 7: 51.
2- إذا ثبت عموم هيئة (غنم) لمطلق الفائدة ثبت العموم لهيئة (غنيمة) أيضاً، فإنّه من الضرورة بمكان عدم دلالة هيئة فعيلة على الاختصاص.

في الآيات السابقة عليها واللاحقّة لها، لأنّه من المعلوم أنّ المورد لا يخصّص الحكم الوارد عليه، وإلاّ لم يمكن التعدّي عن المورد لغزوات أخرى أيضاً، فإنّه لا ريب أنّ الآية نازلة في شأن غزوة بدر كما لا يخفى.

فالظاهر تماميّة الاستدلال بالآية الشريفة على المطلوب مع ما فيها من التأكيدات المتعدّدة التي تدل على اهتمام الشارع بهذا الحكم.

هذا، ومع ذلك فقد نوقش في هذا الاستدلال بأمور:

الأوّل: ما هو المعروف من أنّ الآية لو كانت مطلقة وكان هذا القسم من الخمس ثابتاً في الشريعة المقدّسة فلِم لم يعهد أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) أو أحداً من المتصدّين بعده - حتى خليفته ووصيه(علیه السلام) في زمن خلافته الظاهريّة - تصدى لأخذ الأخماس من الأرباح والتجارات مع أنّهم كانوا يبعثون العمّال لجباية الزكاة فلم يوجد ذلك لا في كتب الحديث ولا في كتب التاريخ، ولو كان ثابتاً متداولاً لنقل ذلك إلينا.

بل لم يوجد لهذا القسم أثر في صدر الإسلام إلى عهد الصادقين(علیهما السلام) حيث إنّ الروايات القليلة الواردة في المقام كلّها صدرت منذ هذا العصر، وأمّا ما سبقه فلم يرد له ذكر.

ولكنّه يندفع أوّلاً: بما مرّ في مقدمة الكتاب من ورود عدّة روايات فيها من كتب النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) إلى رؤساء القبائل والوفود ما يثبت أمر هذا القسم من الخمس، وكذا رسائله لأشخاص معيّنين يأمرهم بأخذ الأخماس من أقوامهم، وبعثه لآخرين إلى بعض المناطق والبلدان وتوليته لهم في أمر الخمس، وقد كان من ضمنهم أمير المؤمنين(علیه السلام) حين بعثه(صلی الله علیه و آله و سلم) إلى اليمن.

ص: 51

وعليه فتكون دعوى عدم ثبوت هذا الحكم من صاحب الشرع وعدم تعيينه لمن يقبض الخمس كما هو في الزكاة وعدم وجدان الروايات فيه إلى عهد الصادقين(علیهما السلام) في غير محلّها.

وثانياً: على فرض التنزّل والقبول بصحة تلك الدعوى فإنّ ذلك لا يوجب وهناً في الحكم؛ لأنّه إنّما يلزم ما ذُكر إذا لم يكن الحكم سياسيّاً واقتصاديّاً موجباً لدعم طائفة لتكون ضد الطائفة الأخرى المتسلّطة على الحكم، كما هو الحال في الصلاة والصيام وأمثالهما ، وأمّا إذا كان مثل الخمس الذي هو مختصّ ببني هاشم - زادهم الله شرفاً - المدافعين عن الحقّ وعن ولاية أمير المؤمنين(علیه السلام) فلا عجب أن لا يكون ل-ه في الروايات عين ولا أثر، فقد ثبت أنّ أول من منع الخمس هو الخليفة الأوّل(1) وتابعه على ذلك الثاني والثالث واستمر منعه إلى زمان عمر بن عبد العزيز الأمويّ الذي ردّ فدك وقسّم الخمس على بني هاشم ثم عاد الأمر بعده كما كان. حتى جاءت دولة بني العباس ولم تكن أحسن حالاً من دولة بني أُميّة ، مع أنّ أئمة أهل البيت(علیهم السلام) كانوا يطالبون به كلّما اقتضت المصلحة ذلك، فليس العجيب بعد هذا أن لا يكون ل-ه ذكر في الروايات ، بل العجيب هو وجود هذا المقدار منها ووصولها إلينا مع كل هذا التعمّد للإخفاء. بل إنّ خفاء هذا الحكم - مع توفّر الدواعي على إخفائه - أولى من خفاء كثير من أحكام الإسلام الأساسيّة بسبب الدولة الأمويّة مثل زكاة الفطرة فقد روى أبو داود في سننه عن ابن عباس أنّه خطب في البصرة وذكر زكاة الفطرة فلم يعرفوها حتى أمر من

ص: 52


1- 56.صحيح البخاري 4: 252، الحديث 3711 و 3712 ، ومسند الإمام أحمد بن حنبل 1: 9 الحديث 15 ، وشرح نهج البلاغة 16: 159-160.

معه أن يعلّم الناس(1) ، ومثل أنّ الوضوء على مَن أحدثَ(2) ، والجاهل بهذا الحكم الكثير الابتلاء كان جيشاً بأكمله يفترض فيه أن يكون حاملاً لأحكام الإسلام؛ لأنّه كان من جيوش الفتح.ويقول الزهري: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت ل-ه: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً ممّا أدركت إلاّ هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيّعت(3) ، إلى غير ذلك من الأمثلة.

وثالثاً: ما ذكره صاحب الجواهر(4) وتبعه عليه السيد الأستاذ(قدس سره)(5) من أنّه لا خلاف بيننا وبين العامّة في عدم جواز دفع الزكاة لبني هاشم، وأنّ الصدقة عليهم حرام، حتى أنّه لا يجوز استعمالهم عليها والدفع من سهم العاملين، وقد رووا في ذلك روايات متواترة من الطرفين.

فمن الخاصّة: قوله(علیه السلام): «وإنّما جعل الله هذا الخمس خاصّة لهم دون مساكين النّاس وأبناء سبيلهم عوضاً لهم من صدقات النّاس تنزيهاً لهم من الله لقرابتهم من رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وكرامة لهم عن أوساخ النّاس، فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيّرهم في موضع

ص: 53


1- 57.سنن أبي داود: 304 الحديث 1622.
2- 58.كنز العمّال 9: 470 ، الحديث 27004.
3- 59.صحيح البخاري 1: 152 الحديث 530.
4- 60.جواهر الكلام 15: 406.
5- 61.المستند في شرح العروة الوثقى ، كتاب الزكاة 2: 179.

الذل والمسكنة» (1).

ومن العامّة: أنّ عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث قال: اجتمع ربيعة بن الحارث والعبّاس بن عبد المطلب فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين - قالا لي وللفضل بن عبّاس - إلى رسول الله صلى الله عليه ]وآله[ وسلم فكلّماه فأمّرهما على هذه الصدقات فأدّيا ما يؤدي النّاس وأصابا ممّا يصيب النّاس - إلى أن قال: - ثم قال: إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنّما هي أوساخ الناس، ادعوا لي محميّة - وكان على الخمس - ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب قال: فجاءاه فقال لمحميّة: أنكح هذا الغلام ابنتك (للفضل بن عبّاس) فأنكحه، وقال لنوفل بن الحارث: أنكح هذا الغلام ابنتك (لي) فأنكحني، وقال لمحميّة: أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا(2).

ومن الواضح الضروري أنّ الحرب ليست قائمة بين المسلمين والكفار مدى الدهر ليتحقّق بذلك موضوع الخمس من غنائم الحرب حتى يدفع إليهم منها، وذلك:

إمّا لاستيلاء الكفّار كما في هذه الأعصار وما تقدّمها بكثير، ولعلّ ما سيلحقّها أيضاً بأكثر، أو لاستيلاء الإسلام كما في عهد الإمام المنتظر - عجل الله فرجه وجعلنا من أنصاره - فموضوع الغنائم منتفٍ.

فلو كان الخمس مقصوراً على الغنائم الحربيّة بلا تعلّق له بما له دوام

ص: 54


1- 62.تهذيب الأحكام 112:4 ، الحديث 365 ، وسائل الشيعة 9: 513 ، باب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8 مع أختلاف يسير.
2- 63.صحيح مسلم 2: 752 الحديث 1072.

واستمرار من الأرباح والتجارات فكيف يعيش الفقراء من بني هاشم في عصر الهدنة الذي هو عصر طويل الأمد، والمفروض تسالم الفريقين على منع بني هاشم من الزكاة أيضاً، فما هو الخمس المجعول لهم عوضاً عنها في عصر الهدنة؟

فلا مناص من الالتزام بتعلّق الخمس - كما هو الحال في الزكاة - لما له دوام واستمرار وثبات في جميع الأعصار لتتحقّق البدليّة وتستقيم العوضيّة، وليس هنالك إلاّ خمس الأرباح والتجارات ، فإنّه المورد الوحيد الذي تكون ل-ه الاستمراريّة والثبات، فلا يكون الهاشمي أقلّ نصيباً من غيره(1).

وهذا الوجه لا بأس به، وهو مؤيّد قوي ومؤكّد لأصل الحكم، ويظهر ما في بقيّة كلام السيد الأستاذ(قدس سره) ممّا ذكرناه.

الثاني: إجمال معنى المغنم، فإنّ ل-ه ثلاثة احتمالات:

أحدها: ما يؤخذ من العدو بالقوة والغلبة.

ثانيها: الفائدة المحضة التي يحصل عليها الإنسان مجاناً وبلا توقّع، وهذا المعنى أعمّ من الأوّل حيث إنّه يشمل مثل الكنز والغوص والمال المطروح في الصحراء، بل يشمل كل ما يستحصله الإنسان مجّاناً من غير توقّع ل-ه بحسب الطريقة المتعارفة لاستحصال المال.

نعم، لا يشمل أرباح المكاسب وما يحصل عليه الإنسان من أنواع الاستفادات بالطرق المتعارفة والمتوقّعة.

ص: 55


1- 64.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 200.

ثالثها: مطلق الفائدة والربح، فيكون أعمّ من المعنيين السابقين حيث إنّه يشمل بالإضافة إلى ما سبق في المعنيين السابقين أرباح المكاسب والفوائد الحاصلة بالطرق المتعارفة.والمتتبّع لاستعمالات هذه المادّة في الكتاب الكريم والأحاديث الشريفة يجد شيوع استعمالها في المعنيين الأوّل والثاني، كما أنّ أكثر كلمات اللّغويين تناسب المعنى الثاني، وعليه فيمكن أن يقال إنّا لا نحرز كون المعنى الثالث هو المعنى الحقّيقي للفظ على الأقل دون المعنيين الأوّلين، فلا يصحّ التمسّك بالإطلاق المذكور.

وهذا الأمر مخدوش بوجوه:

الأوّل: أنّ الإجمال المدعى بين المعنى الثالث والمعنيين الأوّلين مخالف لإجماع الفريقين؛ لأنّ الخاصّة يرون ظهور الآية الشريفة في المعنى الثالث ، والعامّة قصروا الآية على المعنى الأوّل. وأمّا المعنى الثاني فلم يقل به أحد.

الثاني: إنّه قد سبق الكلام في أنّ التتبّع لاستعمالات الأحاديث وأكثر المعاجم يوجب القطع بإرادة المعنى الثالث، فما ادعي من أنّ استعمال مادة غنم في الآيات الشريفة كان في خصوص ما يؤخذ في دار الحرب ليس بصحيح؛ فإنّه قد استعمل في غير هذا المعنى في قوله تعالى: {فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ}(1) ، فقد فسّرها الخاصّة والعامّة بالفواضل والنعم والرزق(2) والثواب

ص: 56


1- 65.تفسير سورة النساء: 94.
2- 66.تفسير مجمع البيان 3: 146 ، وتفسير الطبري 5: 261 تفسير الآية المتقدمة.

الكثير(1).

وأمّا الأحاديث الشريفة فقد ورد في أكثر من سبعين مورداً منها بالمعنى الأعم ولم يكن ذلك مختّصاً بالمعنيين الأوّلين.

وأمّا المعاجم اللّغوية وإن ورد في أكثرها التقييد بكون الحصول من دون مشقة، لكنّ الظاهر عدم صحة التقييد به كما قدّمنا، وأنّه يلزم عليه خروج أظهر أفراد الغنيمة وهي الغنيمة الحربيّة.

وممّن صرّح بزيادة هذا القيد في تفسير الغنيمة محمد رشيد رضا في تفسير المنار حيث قال: إنّ صاحب القاموس أضاف هذا القيد أي (من غير مشقّة) على حسب ذوق اللغة، ولكنّه غير دقيق، فالمتبادر من الاستعمال: أنّ الغنيمة والغنم ما يناله الإنسان ويظفر به من غير مقابل مادي يبذله في سبيله كالمال في التجارة مثلاً، فإن جاءت الغنيمة بغير عمل ولا سعي مطلقاً سمّيت الغنيمة الباردة(2).

الثالث: إنّ الجمع بين ما يؤخذ بالمغالبة والمعادن والغوص وبين اعتبار قيد عدم المشقّة هو جمع بين المتنافيين كما لا يخفى.

والحاصل: إنّ الظاهر المستفاد من موارد استعمال هذا اللفظ في الآيات والأحاديث والمعاجم هو المعنى الثالث أي مطلق الفائدة والربح الحاصل من الاكتساب سواء كان ذلك مع المشقّة أم بدونها، وسواء كان من دار الحرب

ص: 57


1- 67.تفسير المنار 5: 294 ولكن ورد فيه (من رزقه وفواضل نعمه) ، والتفسير الكبير 11: 5.
2- 68.تفسير المنار 10: 5.

أم من غيرها، فلا يكون اللفظ مجملاً كما ادعي.

نعم، الاستعمال في الغنائم الحربيّة مع القرينة الحاليّة أو المقاليّة ممّا لا ينكر، إلاّ أنّه لا يوجب اختصاص اللفظ بهذا المعنى كما هو ظاهر.

وممّا يؤيد أنّ المراد هو هذا المعنى - مضافاً لما تقدّم - أنّ الآية الشريفة إذا لم تكن بصدد بيان هذا المعنى فإنه يلزم عدم الدليل من الكتاب على وجوب الخمس في المعدن والكنز والغوص وغيرهما ممّا هو مورد للاتفاق، ويكون الدليل عليه منحصراً بالسنة، وهذا لا يلائم كون القرآن تبياناً لكل شيء، بخلاف القول بأنّ المراد من المغنم هو المعنى العام، فتكون الآية الشريفة متكفلة لبيان الأصل الكليّ في الحكم بوجوب الخمس وهو كل ما يستفيده الإنسان.

الوجه الثاني في تقريب الآية: الاستدلال بها بمعونة الأخبار التفسيريّة، وهي كثيرة:

منها: صحيحة علي بن مهزيار قال: كتب إليه أبو جعفر(علیه السلام) - وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة - قال: «الذي أوجبت في سنتي هذه، وهذه سنة عشرين ومائتين فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كلّه خوفاً من الانتشار، وسأفسّر لك بعضه إن شاء الله تعالى، إنّ مواليّ - أسأل الله صلاحهم - أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك فأحببت أن أطهّرهم وأزكّيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس، قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ @ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الله هُوَ

ص: 58

يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ الله هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ @ وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(1) ، ولم أوجب ذلكعليهم في كل عام، ولا أوجب عليهم إلاّ الزكاة التي فرضها الله عليهم، وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضّة التي قد حال عليها الحول، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلاّ ضيعة سأفسّر لك أمرها تخفيفاً منّي عن مواليّ، ومنّاً مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذاتهم.

فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام، قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِالله وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(2)، والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر عظيم، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف ل-ه صاحب، ومن ضرب ما صار إلى قوم من مواليّ من أموال الخرمية الفسقة، فقد علمت أنّ أموالاً عظاماً صارت إلى قوم من مواليّ، فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصل إلى وكيلي، ومن

ص: 59


1- 69.سورة التوبة: 103 - 105.
2- 70.سورة الأنفال: 41.

كان نائياً بعيد الشقة فليتعمّد لإيصاله ولو بعد حين، فإنّ نيّة المؤمن خير من عمله، فأمّا الذي أوجب من الغلاّت والضياع في كل عام فهو نصف السدس ممّن كانت ضيعته تقوم بمؤنته، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤنته فليس عليه نصف السدس ولا غير ذلك»(1).

وهذه الصحيحة وقعت مورداً للاختلاف من جهة فقه الحديث، فإنّ ظاهرها وجوب الخمس في الذهب والفضّة إذا حلّ عليهما الحول، وهو غير معهود، وإيجاب نصف السدس في الضياع والغلاّت كذلك، كما أنّ مقتضاها اندراج الجائزة الخطيرة والميراث الذي لا يحتسب والمال الذي لا يعرف صاحبه وما يحلّ تناوله من مال العدو في اسم الغنائم، فيكون مصرف الخمس فيها مصرف خمس الغنائم.

ولكنّ الظاهر تماميّة دلالة الصحيحة، ولا يرد عليها شيء من هذه الإشكالات، وذلك:

لأنّ الإمام(علیه السلام) قسّم موارد الخمس إلى أقسام أربعة:

الأوّل: الذهب والفضّة، وحكم(علیه السلام) بوجوب الخمس فيهما إذا تحقّق الشرط وهو مضي الحول عليهما عند المكلّف، وهذا واضح بناء على كونهما من الربح لا بعنوانهما كما هو غير بعيد، فإنّه(علیه السلام) يكون قد استثناهما من الأرباح التي أسقط الخمس عنها. وأمّا لو كان المراد به الذهب والفضّة بعنوانهما فلا ضير في ذلك أيضاً؛ إذ إيجابه(علیه السلام) الخمس فيهما في هذه السنة

ص: 60


1- 71.تهذيب الأحكام 4: 124 الحديث 397، والاستبصار 2: 80 الحديث 198 مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 9: 501 ، الباب 8 من أبواب وجوب الخمس، الحديث 5 مع اختلاف يسير.

المشار إليها لمصلحة رآها بمقتضى ولايته الكليّة على هذه الأمور وغيرها. فله إسقاط الخمس عن التجارة وإيجابه ل-ه في الذهب والفضّة ولو مؤقّتاً.

الثاني: المتاع والآنية والدواب والخدم وأرباح التجارة ، والضياع. ويجمعها الفوائد المكتسبة، وقد أباحها(علیه السلام) لشيعته في هذه السنة منّاً منه وتخفيفاً عليهم.

الثالث: الفوائد غير المكتسبة كالميراث غير المحتسب والهديّة الخطيرة وغيرهما، وقد حكم(علیه السلام) بلزوم إعطاء خمسها في كل عام، واستدل على ذلك بالآية الكريمة.

الرابع: الضيعة، وقد أوجب(علیه السلام) فيها نصف السدس في كل عام بعد إخراج المؤونة.

والحمل على الزكاة في هذا القسم لا وجه ل-ه؛ حيث إنّ المجعول هو ما يقابل الزكاة، وحكم الضيعة هو الخمس إلاّ أنّه(علیه السلام) اكتفى عنه بهذا المقدار، ويدل على ذلك صريحاً مكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني لمولانا الهادي(علیه السلام) الآتية.

فالحاصل: أنّ الصحيحة ظاهرة الدلالة على وجوب الخمس في الغنائم والفوائد فيصحّ الاستدلال بها على ذلك، وإن أسقط الإمام(علیه السلام) حقّه الشخصي في بعض الموارد في بعض السنين، فذلك ل-ه لكونه ولي الأمر.

ومنها: معتبرة حكيم مؤذن بني عيس عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: قلت

ص: 61

له:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}(1) قال: هي والله (الإفادة يوماً بيوم...) (2) وقد دلّت على أنّ الغنيمة في الآية هي ما يستفيده المكلّف في يومه فيجب فيه الخمس.

وأمّا السنة: فهي روايات كثيرة جداً ولا يبعد تواترها إجمالاً:منها: مكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني: عن علي بن مهزيار قال: كتب إليه إبراهيم بن محمد الهمداني: أقرأني عليّ كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤنة، وإنّه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤنته نصف السدس ولا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤنة مؤنة الضيعة وخراجها لا مؤنة الرجل وعياله، فكتب - وقرأه علي بن مهزيار -: «عليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان»(3).

ومنها: ما عن علي بن مهزيار قال: قال لي أبو علي بن راشد قلت ل-ه: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأيّ شيء حقّه؟ فلم أدر ما أُجيبه، فقال: «يجب عليهم الخمس» فقلت: ففي أيّ شيء؟ فقال: «في أمتعتهم وضياعهم» (4).

ص: 62


1- 72.سورة الأنفال: 41.
2- 73.وسائل الشيعة 9: 546 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام) الحديث 8 .
3- 74.تهذيب الأحكام 108:4 ، الحديث 353 ، والاستبصار 74:2 ، الحديث 183 مع اختلاف يسير، و وسائل الشيعة 9: 500 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 مع اختلاف يسير.
4- تهذيب الأحكام 108:4 ، الحديث 352، والاستبصار 74:2 ، الحديث 182، و وسائل الشيعة 9: 500 الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 3 مع اختلاف يسير.

ومنها: صحيحة علي بن مهزيار الأخرى عن محمد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني(علیه السلام): أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصنّاع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه: «الخمس بعد المؤنة» (1).

ومنها: موثّقة سماعة قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن الخمس؟ فقال: «في كل ما أفاد النّاس من قليل أو كثير» (2).

ومنها: الروايات الآتية الدالّة على وجوب الخمس في مطلق الفائدة وإن لم تحصل بالاكتساب.

وأمّا الإجماع: فالظاهر تسالم الأصحاب واتفاقهم على الوجوب، ولم ينسب الخلاف إلى أحد قديماً وحديثاً إلاّ إلى ابن الجنيد وابن أبي عقيل،(3) ولكن عبارة ابن الجنيد غير صريحة في الخلاف، قال في الحدائق «ولم نقف لما نقل عن ابن الجنيد وابن ابي عقيل على دليل معتمد سوى ما نقله في المختلف فقال: احتجّ ابن الجنيد بأصالة براءة الذمّة وبما رواه عبد الله بن سنان...»(4) وعلى فرض التنزّل فإنّ مخالفتهما لا تضر بتحقّق الإجماع.

ص: 63


1- 76.تهذيب الأحكام 4: 108 الحديث 351 ، والاستبصار 2: 73 الحديث 181 مع اختلاف يسير، و وسائل الشيعة 9: 499 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
2- 77.الكافي 1: 624 كتاب الحجة، باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 11، ووسائل الشيعة 9: 503 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
3- 78.الحدائق الناظرة 12: 347.
4- 79.الحدائق الناظرة 351:12.

بل الأحوط ثبوته في مطلق الفائدة وإن لم تحصل بالاكتساب[1].

الجهة الثانية: في متعلّق الحكم:

[1] لا إشكال في تعلّق الخمس بالفوائد الحاصلة بالتكّسب من أرباح التجارات والصناعات والزراعات والإجارات ونحو ذلك من الفوائد المقصودة فهي القدر المتيقن من أخبار الباب، إنّما الكلام في الفوائد الحاصلة بغير الاكتساب مثل الهديّة والميراث وغيرهما، وأنّ الحكم هل يعمّ مطلق الفائدة أو لا؟

الحقّ هو الأوّل، لوجوه:

الأوّل: إطلاق الآية الشريفة؛ فإنّ الغنيمة فيها شاملة لمطلق ما يحصّله الإنسان ويملكه، ولا تختصّ بما كان من ذلك بالسعي والقصد؛ فإنّ لفظ غنم وإن أسند للمخاطبين في الآية أي ما حصّلتم من الغنائم، ومقتضاه كونه مقصوداً، إلاّ أنّه ممّا لا يمكن الالتزام به ، لأنّ استعمالات العرف تفيد أنّه مطلق، فإذا قالوا، (غنم فلان كذا) كان مرادهم أنّه حصل له وإن لم يقصد حصوله أو يسعى لذلك، وهو نظير قوله(علیه السلام) (في كل ما أفاد النّاس من قليل أو كثير)، فإنّه لا يلاحظ في ذلك خصوصيّة القصد والتحصيل، بل هو بمعنى أنّ ما أصابه النّاس وحصل عندهم فهو ممّا أفادوه، فالآية شاملة لما يفيده النّاس مطلقاً سواء كان ذلك بالاكتساب أو بغيره وعن سعي وقصد أو عن غير سعي وقصد.

ص: 64

الثاني: الروايات الدالّة على ثبوت الخمس في مطلق الفائدة، وهي كثيرة:

منها: معتبرة سماعة قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن الخمس؟ فقال: (في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير)(1).

دلّت بالعموم الوضعي فيها على تعلّق وجوب الخمس بمطلق الفائدة، كما هو المدعى، فكلمة (أفاد) لا تختصّ بالتكسّب ولا القصد إلى تحصيل الفائدة، بل هي للأعم من ذلك، ويظهر هذا خصوصاً بعد قوله(علیه السلام) بعد ذلك: (من قليل أو كثير).وقد يقال: إنّ كلمة أفاد كما في معاجم اللغة(2) لها معنيان:

أحدهما: الاعطاء، ويعتدّى لمفعولين، يقال: (أفاد زيد عمراً) أي أعطاه مالاً أو علماً أو غيرهما.

الثاني: الاكتساب، ويتعدّى لمفعول واحد، يقال: (أفدت المال) أي اكتسبته.

والمقصود في الرواية هو المعنى الثاني، فلا يشمل الهديّة والميراث والوصيّة ونحوها ممّا لا كسب فيه.

إلا أنّه مردود، لأنّ الظاهر من الاستعمالات العرفيّة أنّه لا يلاحظ في الإفادة السعي والقصد فيطلق على كل ما يملكه النّاس ويحصّلونه؛ فإنّه يقال - على السواء: أفاد وحصلت له الفائدة، فلا يختصّ ذلك بصورة القبول حتى

ص: 65


1- 80.وسائل الشيعة 9: 503 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
2- 81.المصباح المنير 2: 485 ، الصحاح 2: 521 ، لسان العرب 3: 341.

يخرج ما ذُكر.

ومنها: صحيحة علي بن مهزيار، حيث ورد فيها تفسير الغنائم والفوائد بقوله(علیه السلام): (والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن...)(1).

وهي صريحة في وجوب الخمس في الفائدة غير المكتسبة والمقصودة، حيث عدّ فيها من أنواع الفائدة: الجائزة التي لها خطر.

ويمكن التمسّك أيضاً بقوله(علیه السلام) قبل ذلك (ولم أوجب ذلك عليهم في متاع)، فإنّه شامل لما يحصل عن طريق التكسّب ولما يحصل عن طريق الهبة ونحوها.

والقول بأنّ هذا المقطع من الصحيحة ليس بحجّة معرض عنه، وأنّ من حكي عنه القول بثبوت الخمس في الهبة والميراث لم يفصّل بين مصاديقهما، فهذه الفقرة - وكذا بعض فقرات الصحيحة الأُخر - موهونة بمخالفتها للإجماع. غير سديد، لأنّ الصحيحة غير مخالفة للاجماع، فإنّها لو كانت في مقام بيان موارد ما يجب فيه الخمس لأتى الإشكال، لكنّ الظاهر أنّها ليست في مقام البيان من هذه الجهة، بل هي في مقام بيان تخفيف حكم الخمس في بعض الموارد واثباته تامّاً في موارد أخرى، كما في الغنائم والفوائد من الجائزة الخطيرة والميراث غير المحتسب وما لا يعرف له صاحب والمأخوذ من العدو.

ص: 66


1- 82.وسائل الشيعة 9: 502 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث 5.

وكيفيّة التخفيف إمّا بالالغاء المحض كما في المتاع والآنية والخدم، أو بالالغاء الجزئي كما في الضيعة فقد أوجب فيها الإمام(علیه السلام) نصف السدس، فالرواية بصدد بيان ما ذكرناه، لا أنّها بصدد الاحتراز واثبات وجوب الخمس في بعض الموارد دون بعض، فلا تدلّ على عدم الخمس في سائر الموارد الأخرى غير المذكورة فيها.

ومنها: ما رواه ابن ادريس في آخر السرائر عن أبي بصير عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هديّة تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب(علیه السلام): الخمس في ذلك(1).

وهي صريحة في وجوب الخمس في الهديّة، ولكن نوقش فيها من جهة السند لاشتمالها على أحمد بن هلال الضعيف على ما صرّح به الشيخ في الاستبصار(2)، كما أنّ ابن الوليد استثناه من اسناد كتاب نوادر الحكمة، وتبعه على ذلك أبو جعفر ابن بابويه وأبو العباس بن نوح(3)، بل ورد الأمر بالتبري منه(4)، إلا أنّ السيد الأستاذ(قدس سره) قال بعدم منافاة ذلك لوثاقته في الحديث(5)، وما أفاده(قدس سره) صحيح؛ فإنّه وإن كان فاسد العقيدة، بل عن الشيخ الانصاري(قدس سره)

ص: 67


1- 83.وسائل الشيعة 9: 504 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث 10.
2- 84.الاستبصار 3: 28، باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لا يجوز، الحديث 90.
3- 85.رجال العلاّمة: 272، الفائدة الرابعة.
4- 86.كتاب الغيبة: 214.
5- 87.معجم رجال الحديث 3: 152.

أنّ مثله لم يكن يتديّن بدين، وقد رجّحنا ضعفه في خاتمة كتابنا أصول علم الرجال، ومع ذلك قلنا بامكان الأخذ بروايته حال استقامته(1)، وقد نسب إلى ابن الضائري أنّه قال - مع توقفه في روايته - : إنّه اذا روى عن ابن محبوب أو ابن أبي عمير أخذ بروايته(2)، ومقامنا منه، فإنّه روى عن ابن أبي عمير، وهذا تامّ على فرض التسليم بثبوت كتاب ابن الغضائري.

كما أنّ لابن ادريس طريقاً صحيحاً من جهة الشيخ إلى جميع كتب وروايات ابن أبي عمير، وبهذا يرتفع الاشكال من جهة السند.

ومنها: ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى بن يزيد (عن يزيد) قال: كتبت: جعلت لك الفداء، تعلّمني ما الفائدة وما حدّها؟ رأيك أبقاك الله أن تمنّ عليّ ببيان ذلك لكي لا أكون مقيماً على حرام لا صلاة لي ولا صوم ، فكتب: الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام، أو جائزة)(3).

وهي واضحة الدلالة على المراد، إنّما الكلام في سندها، فإنّ (بن يزيد) غلط، إذ لم يعرف لأحمد بن محمد جدّ ولو غير مباشر باسم يزيد، والصحيح (عن يزيد)، والظاهر أنّه يزيد بن اسحاق شعر الذي يروي عنه أحمد بن محمد بن عيسى ويروي هو عن الإمام الصادق(علیه السلام)، كما أنّه صاحب كتاب مشهور فينصرف إليه عند الاطلاق. وهو ثقة لوروده في أسناد نوادر الحكمة.

ص: 68


1- 88.أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 2: 346 - 347.
2- 89.رجال العلاّمة: 202.
3- 90.وسائل الشيعة 9: 503 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.

ومنها: صحيحة علي بن مهزيار قال: قال لي أبو علي بن راشد قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك... فقال: يجب عليهم الخمس، فقلت: ففي أي شي؟ فقال: في أمتعتهم وصنائعهم...(1).

فإنّ اطلاق قوله(علیه السلام): (في أمتعتهم) يدل على المرام، فإنّ المتاع اسم لمطلق ما يتمّتع به الإنسان ويستفيد منه.

ومنها: ما رواه محمد بن الحسن الأشعري، قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني(علیه السلام) أخبرني عن الخمس، أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه: (الخمس بعد المؤونة)(2).

إلا أنه نوقش فيها من جهة السند ومن جهة الدلالة؛ أمّا من جهة السند فلعدم توثيق محمد بن الحسن الأشعري.

لكنّه ورد في أسناد نوادر الحكمة(3) فيكون ثقة فلا اشكال من هذه الجهة.

وأمّا من جهة الدلالة فبما مرّ في معتبرة سماعة من المناقشة في كلمة أفاد، فلا تشمل هذه الرواية المقام.

وقد أجبنا عنه هناك بأنّ الظاهر عرفاً من الاستفادة هو مطلق تحصيل الفائدة وما يملكه الإنسان سواء كان بالتكسّب والقصد أو بغيره، ولاسيما مع

ص: 69


1- 91.وسائل الشيعة 9: 500 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
2- 92.وسائل الشيعة 9: 499 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
3- 93.تهذيب الأحكام 7: 228، الحديث 1094.

قوله (من قليل وكثير من جميع الضروب) فإنّه يؤكد هذا المعنى.

وهناك روايات أُخرى تصلح لأن تكون مؤيّدة لما نحن فيه:

منها: رواية تحف العقول عن الرضا(علیه السلام) - في كتابه إلى المأمون - قال: (والخمس من جميع المال مرة واحدة)(1).

ومنها: ما رواه ابن طاوس في كتاب الطرف من قول الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) لأبي ذر وسلمان والمقداد (... وإخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من النّاس)(2).

ويمكن الاستدلال للقول بأنّ الموضوع هو الفوائد والأرباح الحاصلة بالاكتساب بوجوه:

الأوّل: الإجماع على اختصاص الخمس بالمكاسب من التجارات والصناعات والزراعات وغيرها، فإنّه الظاهر من معاقد الإجماعات وفتاوى الأصحاب، قال ابن إدريس(قدس سره): ويجب الخمس أيضاً في أرباح التجارات والمكاسب وفيما يفضل من الغلاّت والزراعات على اختلاف أجناسها عن مؤونة السنة ل-ه ولعياله... وعندنا - بلا خلاف - أنّ في الاستفادة الخمس بعد المؤونة... وقال بعض أصحابنا: إنّ الميراث والهديّة والهبة فيه الخمس، ذكر ذلك أبو الصلاح الحلبي في كتاب الكافي الذي صنّفه، ولم يذكر أحد من أصحابنا إلاّ المشار إليه، ولو كان صحيحاً لنقل نقل أمثاله متواتراً، والأصل

ص: 70


1- 94.وسائل الشيعة 9: 490 ، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث 13.
2- 95.وسائل الشيعة 9: 553 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالامام(علیه السلام)، الحديث 21.

براءة الذمّة فلا نشغلها ونعلّق عليها شيئاً إلاّ بدليل(1).

وقد أجيب عنه صغرى وكبرى:

أمّا الصغرى فإنّه يوجد في كلمات القدماء التصريح بالتعميم كما أنّه ظاهر بعضهم فالحلبي ممّن صرّح بالتعميم، وهو الظاهر ممّا نقل من كلام ابن الجنيد فإنّه قال: «فأمّا ما استفيد من ميراث أو كدّ بدن أو صلة أخ أو ربح تجارة أو نحو ذلك فالأحوط إخراجه، لاختلاف الرواية في ذلك، ولأنّ لفظ فرضه محتمل هذا المعنى»(2)، وهو الظاهر من الشيخ في النهاية حيث قال(قدس سره): «يجب الخمس أيضاً في جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح التجارات والزراعات وغير ذلك بعد إخراج مؤنته ومؤنة عياله» (3)، فقد جعل الميزان هو مطلق ما يغنمه الإنسان لاخصوص المكاسب، وقوله «وغير ذلك» يشمل كل فائدة يستفيدها سواء كانت من التجارة أم من غيرها.وكذلك السيّد في الغنية فقد قال: «ويجب الخمس أيضاً في الفاضل عن مؤونة الحول على الاقتصاد من كل مستفاد بتجارة أو زراعة أو صناعة أو غير ذلك من وجوه الاستفادة أيّ وجه كان، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط»(4)، بل يمكن استظهار ذلك من سائر عبارات الأصحاب الذين اقتصروا على العناوين المذكورة من التجارات والصناعات والزراعات، لأنّ

ص: 71


1- 96.السرائر: 491 - 496.
2- المعتبر في شرح المختصر 2: 623.
3- 98.النهاية ونكتها 1: 447.
4- 99.غنية النزوع: 129.

هذه الأمور هي الغالب في اكتساب الفوائد وهي العمدة في وجوه الاستفادة.

وأمّا الاستفادة الحاصلة من غير هذه الوجوه وبلا تعب كالهبة والهديّة والمال الموصى به ونحو ذلك فهي فوائد نادرة وليس عليها بناء المجتمع، ولعلّه لذلك اقتصر الأصحاب على ذكر العناوين السابقة دون هذه.

هذا، مضافاً إلى أنّ المحقّق في المعتبر والشهيد في الدروس نسبا وجوب الخمس في مثل الهديّة والهبة إلى المشهور، وذكرا أنّ المخالف هو ابن إدريس خاصّة(1).

وبالجملة فقد اتضح من ذلك كلّه عدم انعقاد الإجماع في المسألة.

وأمّا الكبرى: فعلى فرض ثبوت الإجماع فهو غير مغنٍ بعد أن لم يحرز كونه تعبديّاً؛ لاحتمال استناده إلى بعض الوجوه الآتية.

الثاني: التمسك بسيرة المتشرّعة، فإنّه لا ريب في عدم تعارف الخمس في كل الفوائد وإلاّ لشاع واشتهر بين الشيعة لكثرة الابتلاء به، قال المحقّق الهمداني(قدس سره): «لا ينبغي الارتياب في عدم تعارفه بين المسلمين في زمان النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ولا بين الشيعة في عصر أحد من الأئمة(علیهم السلام) وإلاّ امتنع عادة اختفاء مثل هذا الحكم، أعني وجوب صرف خمس المواريث، بل وكذلك العطايا مع عموم الابتلاء به على النساء والصبيان من المسلمين، فضلاً عن صيرورته خلافيّاً بين العلماء، أو صيرورة خلافه مشهوراً لو لم يكن مجمعاً عليه، فوقوع الخلاف في مثل المقام أمارة قطعيّة على عدم معروفيّته في عصر

ص: 72


1- 100.المعتبر 2: 623 والدروس الشرعيّة 1: 258.

الأئمة(علیهم السلام) ، بل ولا في زمان الغيبة الصغرى، وإلاّ لقضت العادة بصيرورته من ضروريّات الدين لو كان في عصر النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، أو المذهب لو كان في أعصار الأئمة(علیهم السلام)»(1).

وقد أجيب عن هذا الوجه: بأنّه كيف تثبت السيرة مع الخلاف الموجود الذي اعترف به المحقّق الهمداني نفسه، مضافاً لما تقدّم من تصريح بعضهم بالخلاف.

ولعل التقيّة والتكتّم على مثل هذا النوع من الأحكام هو السبب في عدم كون هذه المسألة ضروريّة في أعصار الأئمة(علیهم السلام).

الثالث: إعراض المشهور عن الروايات الدالّة على وجوب الخمس في مطلق الفائدة ممّا يوجب ضعفها. مع مخالفتها للنصوص المستفيضة التي تحدّد الخمس في خمسة موارد.

وفيه: أوّلاً: إنّه لم يثبت إعراض المشهور عنها ، بل لعلّهم اعتمدوا على هذه الروايات المطلقة إلاّ أنّهم فهموا منها خصوص المكاسب فقط، وهذا لا يوجب وهناً في السند لكون الإعراض - لو سلّم - ناشئاً عن عدم فهمهم للتعميم، ولا ربط لذلك بالسند، كما أنّه لا يوجب وهناً في الدلالة، لأنّ فهمهم ليس بحجّة على غيرهم.

وثانياً: على فرض التسليم فقد بيّنا في محلّه أنّ إعراض المشهور لا يوجب الوهن بحيث يسقط الخبر عن الحجّية كما أنّ عملهم لا يجبر الخبر الضعيف.

ص: 73


1- 101.مصباح الفقيه 14: 121.

الرابع: أنّه مقتضى الجمع بين الروايات وحمل المطلق على المقيّد، وبيانه:

إنّ الروايات الواردة في المقام على قسمين:

أحدهما: ما كانت فيه الروايات مطلقة وشاملة لمطلق الفوائد.

والثاني: ما كانت فيه الروايات مقيّدة بالمكاسب من التجارات والزراعات والصناعات وغيرها.ومن الواضح عدم تعلّق الحكم بالعنوانين بأن يتعلّق الحكم تارة بعنوان الفوائد، وأخرى بعنوان المكاسب، ويكون الدخل لكليهما في الحكم بلزوم الخمس، بل هو حكم مجعول لأحد العنوانين إمّا لمطلق الفائدة، وإمّا للعناوين المذكورة، ومقتضى حمل المطلق على المقيّد تعيّن القول بالتقييد بالمكاسب، لأنّ ظهور المقيّد أقوى من إطلاق المطلق كما لا يخفى.

وقد أجيب عنه: بعدم ثبوت رواية معتبرة على التقييد، والعناوين المذكورة إنّما وردت في كلام السائل كلاًّ أو بعضاً، ولم ترد في جواب الإمام(علیه السلام)، وذلك لا يدل على التقييد جزماً.

وأمّا التعبير في بعضها بالاستفادة كما في معتبرة محمد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني(علیه السلام): أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه: «الخمس بعد المؤنة» (1). فلا

ص: 74


1- 102.تهذيب الأحكام 4: 108، الحديث 351 ، والاستبصار 2: 73 الحديث، 181 مع اختلاف يسير ، ووسائل الشيعة 9: 499 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 مع اختلاف يسير.

يوجب قصر الحكم على المكاسب فحسب، إذ الظاهر من كلمة يستفيد - بحسب الظهور العرفي - مطلق الفائدة وما يملكه الإنسان، سواء كان ذلك بالتكسّب والقصد إلى ذلك أم بغيره، ولا سيّما مع قوله «من قليل وكثير من جميع الضروب» فإنّه يؤكد هذا المعنى.

نعم، ورد الاكتساب في معتبرة عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «على كل امرىء غنم أو اكتسب الخمس» (1) ، وهو واقع في كلام الإمام(علیه السلام) لا في كلام السائل ، وهذا مع القول بأنّ (غنم) هنا بمعنى غنيمة دار الحرب، فيمكن استظهار التقييد من هذه المعتبرة.

ولكن فيه:

أوّلاً: أنّه يحتمل أن يكون من عطف الخاص على العام، بل هو الظاهر وإلاّ لزم خروج بعض أقسام الخمس التي لا اكتساب فيها كالكنز، وعليه لا تكون دليلاً على التقييد.

وثانياً: على فرض التسليم بوجود روايات وردت فيها العناوين المذكورة في كلام الإمام(علیه السلام) فإنّها لا تصلح أيضاً للتقييد، لعدم ظهور كونها دخيلة في الحكم، بل هي - بحسب المتفاهم العرفي - محمولة على الغالب، فإنّها المصاديق البارزة للفائدة، والتي يكون بناء المجتمع عليها ومدار المعيشة على تحقّقها، بل يرى العرف أنّ مناط وجوب الخمس في غيرها من الميراث والجائزة والهبة وأمثالها أولى، وعليه فلا تجري قاعدة حمل المطلق على

ص: 75


1- 103.تهذيب الأحكام 4: 107، الحديث 347 ، والاستبصار 2: 73، الحديث 180، ووسائل الشيعة 9: 503 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.

المقيّد في المقام.

هذا، مضافاً إلى ورود التصريح بوجوب الخمس في الجائزة والهديّة في بعض الروايات الدالّة على الوجوب في مطلق الفوائد، كما أنّ بعضها كان نصّاً في عموم الفائدة، ولا ريب في أنّ هذا الظهور أقوى في الإطلاق والتعميم من ظهور تلك الروايات المشتملة على العناوين المذكورة في التقييد، فمقتضى الجمع العرفي عكس ما ذكر، فلابد من رفع اليد عن الظهور في التقييد وحملها على الغالب والمصاديق البارزة، والأخذ بالمطلقات.

الخامس: الروايات الدالّة على عدم وجوب الخمس في مطلق الفائدة:

منها: صحيحة علي بن مهزيار الطويلة فقد ورد فيها: «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام... والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف ل-ه صاحب»(1) فقد جُعلت الجائزة الخطيرة والميراث غير المحتسب متعلّقة للخمس دون غيرهما فهي تدلّ على عدم وجوب الخمس في مطلق الجائزة والميراث، من جهة مفهوم الوصف أو ظهور القيد في عدم وجوب الخمس في المطلق، وإلاّ للزمت لغويّة التقييد في البين.

وبهذا تقيّد الروايات المطلقة الدالّة على وجوب الخمس في مطلق الفائدة في الجملة.

ص: 76


1- 104.وسائل الشيعة 9: 501 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

ثم إنّ هذا بانضمام عدم القول بالفصل يقال بعدم وجوب الخمس في غير المكاسب مطلقاً.

والجواب: أنّ الإمام(علیه السلام) لم يكن بصدد بيان موارد الخمس حتى يؤخذ بالقيد في كلامه، بل هو في مقام بيان التخفيف بالنسبة إلى بعض الموارد فليس في وجود القيد في كلامه(علیه السلام) دلالة على عدم الخمس في فرض انتفاء القيد.وأمّا جعله(علیه السلام) الجائزة الخطيرة والميراث الذي لا يحتسب وأخويهما من الغنائم وإيجابه الخمس فيها فلأنّها لا تعدّ من الأسباب المتعارفة بخلاف غيرهما، ولذلك تدخل في الأقسام المتقدّمة، ومع الغض عن كونها من الغنيمة فهي داخلة تحت عنوان الفائدة بلا ريب.

ومنها: ما عن علي بن مهزيار قال: كتبت إليه: يا سيدي رجل دفع إليه مال يحجّ به هل عليه في ذلك المال - حين يصير إليه - الخمس، أو على ما فضل في يده بعد الحجّ؟ فكتب(علیه السلام): «ليس عليه الخمس»(1) ، وتقريب الاستدلال أن يقال: إنّه يتعيّن حملها على ما إذا كان الدفع من باب الصلة، وصرف المال في سبيل التسبّب للحجّ؛ لأنّه الظاهر من السؤال، لا أنّ الدفع كان من باب الأُجرة حتى يدخل في أرباح المكاسب. وبهذا تتم الدلالة على عدم الوجوب في مطلق الفائدة.

والجواب: أنّها ضعيفة سنداً، ودلالة، أمّا السّند فلوجود سهل بن زياد فيه،

ص: 77


1- 105.الكافي 1: 627 ، كتاب الحجة باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 22، وسائل الشيعة 9: 507 ، الباب 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

وأمّا الدلالة فلأنّ السؤال لعلّه كان عن وقت وجوب الخمس فنفى الإمام(علیه السلام) أن يكون عليه الخمس فعلاً، ولعلّه لعدم بقاء المال في يده إلى نهاية السنة.

ومنها: رواية علي بن الحسين بن عبد ربّه قال: سرّح الرضا(علیه السلام) بصلة إلى أبي فكتب إليه أبي: هل عليّ فيما سرّحت إليّ خمس؟ فكتب إليه: «لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس» (1).

وهي دالّة على عدم الخمس في الهديّة في الجملة بعد إلغاء الخصوصيّة.

وقد نوقش فيها من جهة السند والدلالة:

أمّا السند فلوجود سهل بن زياد فيه.

وأمّا الدلالة فلأنّه لا وجه لإلغاء الخصوصيّة، فإنّ تسريح الإمام وولي الخمس بهديّة يختلف عن إهداء غيره، والظاهر أنّ هذا الأمر هو المنشأ لسؤال السائل، فإنّ المرتكز عند السائل هو وجوب الخمس في الهديّة لكنّه يشك في لحوق الحكم لما أهداه وليُّ الخمس، فلابد من الأخذ بهذا الوصف لكونه موضوعاً في المقام، لا في مطلق الهبة، فدلالة الرواية على وجوب الخمس في غير هذا المورد من الهديّة أظهر من دلالتها على عدم الوجوب.

ومنها: رواية أحمد بن محمّد بن عيسى(2) عن يزيد قال: كتبت: جعلت لك الفداء تعلّمني ما الفائدة وما حدّها؟ رأيك أبقاك الله تعالى أن تمنّ عليّ ببيان

ص: 78


1- 106.الكافي 1: 627 ، كتاب الحجة باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس الحديث 23 ، وسائل الشيعة 9: 508 الباب 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
2- 107.ورد في نسخة: أحمد بن محمد بن عيسى بن يزيد والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه في المتن.

ذلك لكي لا أكون مقيماً على حرام لا صلاة لي ولا صوم، فكتب: «الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام، أو جائزة»(1). فقد فسّر الإمام(علیه السلام) الفائدة بالفائدة الاختياريّة كأرباح التجارات والزراعات والجائزة فقط دون غير الاختياريّة كالإرث والوصيّة والدية وأمثالها.

وقد نوقش فيها من جهة السند ومن جهة الدلالة.

أمّا من جهة السند فبجهالة الراوي لها.

وأمّا من جهة الدلالة فبأنّ الإمام(علیه السلام) فسّر الفائدة أوّلاً بنحو كلّي بقوله: «الفائدة ممّا يفيد إليك» أي مطلق الفائدة، ثم ذكر أمثلة لها، لا أنّ المراد حصر الفائدة في هذه الثلاثة، وإلاّ لم يكن وجه لعدم ذكر الصناعة فإنّها من الفوائد والمكاسب بلا إشكال.

فإذا ثبت أنّ الأمور المذكورة مجرد أمثلة على الفائدة لم تكن للرواية دلالة على الحصر، بل تكون دلالتها على مطلق الفائدة أظهر.

ومنها: صحيحة علي بن مهزيار قال: قال لي أبو علي بن راشد قلت ل-ه: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك فأعلمت مواليك ذلك، فقال لي بعضهم: وأيّ شيء حقّه؟ فلم أدر ما أجيبه، فقال: «يجب عليهم الخمس» فقلت: ففي أيّ شيء؟ فقال: «في أمتعتهم وضياعهم» قال: والتاجر عليه والصانع بيده؟

ص: 79


1- 108.الكافي 1: 624 كتاب الحجّة، باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 12، ووسائل الشيعة 9: 503 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7 مع اختلاف يسير.

فقال: «ذلك إذا أمكنهم بعد مؤنتهم» (1) ، فإنّ الظاهر من تفريع السائل بقوله: التاجر عليه والصانع بيده، على ما ذكره الإمام(علیه السلام) من الأمتعة والصنائع يدل على كون متعلّق الخمس هو المكتسب بمثل التجارة أو الصناعة، لا مطلق الفائدة.قال المحقّق الهمداني(قدس سره): «ظاهر هذه الرواية عدم تعلّقه بمطلق ما يملكه الإنسان، فإنّ المتاع كما في القاموس المنفعة والسلعة والأداة وكل ما تمتّعت به من الحوائج جمعه أمتعة، وفي المجمع المتاع: المنفعة وكل ما ينتفع به كالطعام والبر وأثاث البيت إلى أن قال: والجمع أمتعة، والأنسب بالمقام إمّا إرادة المعنى الأوّل أي المنفعة أو السلعة، وعلى الثاني أيضاً لا يبعد انصرافها إلى إرادة الخمس فيما يستفيد بها لا في ذواتها، ولعلّ السائل أيضاً لم يفهم من كلامه(علیه السلام) إلاّ ذلك فأراد بقوله: فالتاجر عليه والصانع بيده: التفريع على ما فهمه من كلامه(علیه السلام) من اقتضائه انحصار الخمس في التاجر ومن يكتسب شيئاً بكدّ يمينه، لا كلّ من ملك شيئاً ولو بإرث ونحوه، فنبّهه الإمام(علیه السلام) على أنّ ذلك أيضاً ليس على إطلاقه، بل إنّما ذلك إذا أمكنهم بعد مؤنتهم» (2).

ولكن لا يخفى ما فيه من الضعف، فإنّ الظاهر أنّ السائل يريد تأكيد التعميم، وأنّ هذا الحكم هل هو عام وشامل للتاجر ومن يكتسب بكدّ يمينه أو أنّه يختصّ بغيرهما فأجاب الإمام(علیه السلام) بشمول الحكم لهما، ولكن بعد

ص: 80


1- 109.تهذيب الأحكام 4: 108، الحديث 352، والاستبصار 2: 74، الحديث 182 مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 9: 500 الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 3 مع اختلاف يسير.
2- 110.مصباح الفقيه 14: 117.

المؤونة، فدلالة الرواية على مطلق الفائدة أقوى.

فالظاهر عدم تماميّة الوجوه التي استدل بها على هذا القول، فموضوع الخمس هو مطلق الفائدة إلاّ ما خرج بالدليل.

الجهة الثالثة: في شرط الحكم:

وهو أنّ الخمس إنّما يجب أداؤه بعد المؤونة، والمؤونة على قسمين: مؤونة التحصيل، ومؤونة السنة، فالكلام يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في مؤونة التحصيل.

واشتراط وجوب الخمس بعدها ممّا لا إشكال فيه، وذلك:

أوّلاً: لأنّه مقتضى القاعدة فلا يحتاج إلى دليل، لعدم صدق الموضوع - وهو الفائدة والربح - إلاّ فيما زاد على المؤونة، فإنّا لو فرضنا أنّ التاجر أو الصانع أو الفلاّح صرف خمسين ديناراً ثم حصّل مائة دينار فإنّه لا يقال إنّه ربح واستفاد مائة دينار، بل يقال: إنّ فائدته وربحه خمسون ديناراً ليس غير، وهذا واضح، فلا يكون متعلّق الخمس إلاّخمسين ديناراً.

وثانياً: إنّه المستفاد من جملة من الروايات:

منها: صحيحة علي بن مهزيار وفيها: كتب(علیه السلام): «عليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان»(1) ، فإنّ السؤال كان عن مؤونة الرجل وعياله بعد المفروغيّة عن مؤونة الصرف والتحصيل فأجاب الإمام(علیه السلام)

ص: 81


1- 111.وسائل الشيعة 9: 500 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

بالشمول، وأنّه يعتبر استثناء مؤونة نفسه وعياله بالإضافة لمؤونة الضيعة وأكّد - مع ذلك - استثناء خراج السلطان، حتى لا يتوهم عدم الشمول ل-ه.

ومنها: صحيحة علي بن مهزيار أيضاً عن محمد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني(علیه السلام): أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصّنّاع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه: «الخمس بعد المؤونة»(1) ، فإنّ المراد بالمؤونة إمّا خصوص مؤونة الصرف والتحصيل كما ادعي، أو الأعم من التحصيل و القوت، أوخصوص مؤونة الرجل وعياله.

والأمر واضح على التقديرين الأوّلين، وأمّا على التقدير الثالث فيمكن القول بشمولها لمؤونة التحصيل من جهة مفهوم الأوّلوية، فإنّه إذا ادعي في تعلّق الخمس اشتراط مؤونة السنة فإنّ مراعاة مؤونة التحصيل أولى قطعاً.

ومنها: صحيحة البزنطي قال: كتبت إلى أبي جعفر(علیه السلام): الخمس أُخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة؟ فكتب: «بعد المؤونة» (2) ، ودلالتها كالسابقة.

ومنها: رواية محمد بن علي بن شجاع النيسابوري، أنّه سأل أبا الحسن الثالث(علیه السلام) عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ ما يزكّى فأخذ منه العشر عشرة أكرار، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّاً، وبقي في يده ستون كرّاً ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك

ص: 82


1- 112.وسائل الشيعة 9: 499 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
2- 113.وسائل الشيعة 9: 508 ، الباب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

عليه شيء؟ فوقّع(علیه السلام): «لي منه الخمس ممّا يفضل من مؤونته» (1) ، فإنّ استثناء مؤونة التحصيل قد وقع في كلام السائل وقرّره الإمام(علیه السلام) على ذلك، بل أضاف(علیه السلام) استثناء مؤونة الرجل أيضاً.ولكن الإشكال في سندها، فتكون مؤيدة.

ومنها: معتبرة أحمد بن محمد بن عيسى عن يزيد، قال: كتبت: جعلت لك الفداء تعلمني ما الفائدة وما حدّها... فكتب: «الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من ربحها، وحرث بعد الغرام، أو جائزة» (2)، فإنّها واضحة الدلالة على أنّ مطلق التجارة ليس متعلّقاً للخمس، بل المتعلّق هو ربحها، وكذا بالنسبة للحرث فمطلقه ليس متعلقاً للخمس، بل يكون كذلك بعد الغرام، أي ما يلزم إنفاقه والخسارة عليه.

وأمّا السند فالظاهر أنّ المراد بيزيدكما سبق هو يزيد بن إسحاق شعر ، وهو من رجال أسانيد نوادر الحكمة(3) وعليه فالرواية معتبرة الإسناد وإن كانت مضمرة فإنّ قوله جعلت لك الفداء يدل على أن المسؤول هو الامام(علیه السلام) فيتم الاستدلال بها.

المقام الثاني: في مؤونة السنة.

ص: 83


1- 114.تهذيب الأحكام 4: 17، الحديث 39 والاستبصار 2: 25، الحديث 48. وسائل الشيعة 9: 500، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 مع اختلاف يسير.
2- 115.وسائل الشيعة 9: 503 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.
3- 116.تهذيب الأحكام 7: 73 الحديث 341 ، وأنظر أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 1: 243.

واعتبار استثنائها في وجوب الخمس هو المعروف بين الفقهاء، وفي الجواهر أنّه صريح أكثر الأصحاب، بل في المدارك نسبته إليهم مشعراً بدعوى الإجماع عليه، كنسبته في المنتهى والتذكرة إلى علمائنا، بل في السرائر دعواه صريحاً عليه غير مرّة، كظاهر إجماع غيرها(1).

وقد يقال إنّ استثناء هذا القسم على مقتضى القاعدة كالقسم السابق، وذلك لأنّ الغنيمة المذكورة في الآية الشريفة والروايات المعنونة للفائدة لا يتحقّق مصداقها إلاّ فيما زاد عن مؤونة السنة، لأنّ الزيادة غير متوقعة فإنّ المتعارف هو التكسّب بمقدار المعيشة وما زاد عن ذلك غنيمة.

وقد أورد عليه:

أوّلاً: بأنّه يلزم على ذلك وجوب استثناء هذه المؤونة في سائر الأقسام لعدم صدق الفائدة والغنيمة إلاّ بعد استثنائها - على الفرض - لأنّ الإفادة مأخوذة فيها أيضاً بالإضافة إلى خصوصيّات أُخرى كالمغنميّة أو المعدنيّة أو غيرهما، فإذا فرض عدم صدق الفائدة على المقدار المصروف في المؤونة كان استثناؤها على القاعدة في هذه الأقسام أيضاً، فهي خارجة تخصّصاً ولا حاجة لخروجها تخصيصاً.

وثانياً: إنّه يلزم أخذها قيداً في أصل التعلّق لا وجوب الدفع، مع أنّه ليس كذلك.

والظاهر تماميّة الإيرادين إن كان مقصود المستشكل أنّ للإفادة دخلاً

ص: 84


1- جواهر ا لكلام 16: 58.

في الحكم بالخمس في جميع الأقسام - كما هو ظاهر كلامه - وأمّا إذا كان المقصود أنّ لها دخلاً في صدق عنوان الفائدة والغنيمة على هذه الأقسام مع عدم دخلها في الحكم، والمدخليّة في الحكم إنّما هي لعنوان القسم كالمعدنيّة والمغنميّة والكنزيّة وغيرها فلا يتمّ الإيراد، وهو غير مفيد ل-ه في مدّعاه.

وكيف كان فاستثناء هذا القسم من المؤونة يحتاج إلى دليل - بعد أن لم يكن على القاعدة - ويكون خروجه تخصيصاً من الأدلة الدالّة على عدم استثنائه عن خمس الغنيمة، بل وسائر أقسام الخمس ما عدا هذا القسم.

وقد استدل على ذلك بوجهين:

الأوّل: الإجماع المدعى في كلمات جملة من الفقهاء ظاهراً وصريحاً منضمّاً إلى السيرة العمليّة للمتشرّعة على ذلك بحيث يطمئن بثبوت الإجماع وأنّه كاشف عن قول المعصوم(علیه السلام).

الثاني: الروايات الدالّة على ذلك:

منها: صحيحة علي بن مهزيار فقد جاء فيها أنّ «عليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله...» (1).

ومنها: صحيحته الأخرى، وفيها: «ذلك إذا أمكنهم بعد مؤنتهم»(2)،

ص: 85


1- 118.تهذيب الأحكام 4: 108، الحديث 353، و وسائل الشيعة 9: 500 ، باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
2- 119.تهذيب الأحكام 4: 108 ، الحديث 352، ووسائل الشيعة 9: 500 الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3 مع اختلاف يسير.

والضمير في قوله «مؤنتهم» ضمير جمع للعقلاء، ويراد به هنا الرجل وعياله لا مؤونة الصرف.

ومنها: صحيحته الطويلة وقد جاء فيها: «ممّن كانت ضيعته تقوم بمؤونته»(1).

ومنها: رواية النيسابوري ففيها: «لي منه الخمس ممّا يفضل من مؤنته»(2) فإنّه ظاهر في مؤونة الرجل لا في مؤونة المال، ولأنّها قد استثنيت في سؤال السائل وكان سؤاله عن الباقي بعد استثناء مؤونة التحصيل.

ومنها: صحيحة البزنطي قال: كتبت إلى أبي جعفر(علیه السلام): الخمس أخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة؟ فكتب: «بعد المؤونة» (3) ، فإنّ إطلاق المؤونة شامل لمؤونة الرجل وعياله.

فهذا الحكم أيضاً ممّا لا إشكال فيه.

ثم إنّ الكلام يقع في أمور:

الأوّل: إنّ الظاهر المتسالم عليه كون المراد بمؤونة الرجل وعياله هي

ص: 86


1- 120.وسائل الشيعة 9: 501 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
2- 121.تهذيب الأحكام 4: ،17 الحديث 39، والاستبصار 2: 25، الحديث 48، ووسائل الشيعة 9: 500 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
3- 122.الكافي 1: 625 كتاب الحجّة، باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 13، و وسائل الشيعة 9: 508 ، الباب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

مؤونة السنة. والتحديد بهذا المقدار وإن لم يصرّح به في الروايات إلاّ أنه يمكن استفادته من وجوه:

أحدها: الإجماع المؤيّد بالسيرة العمليّة من المتشرعة، فإنّه قد ورد في كلام الشيخ في الخلاف وابن إدريس في السرائر والمحقّق في المعتبر والعلاّمة في التذكرة وغيرهم الإجماع على ذلك(1) ومع تأييده بالسيرة وعمل المتشرّعة - مع كونه محلاًّ للابتلاء كثيراً - لا يبعد إيجابه للاطمئنان بحجيّته وأنه كاشف عن رأي المعصوم(علیه السلام).

الثاني: التبادر وانصراف إطلاق المؤونة الوارد في الروايات إلى هذا المقدار، وذلك لأنّ المتعارف في الخارج - خصوصاً في الأزمنة السابقة - هو تهيئة مؤونة السنة من الحنطة والأرز والتمر ونحو ذلك ممّا يحتاجون إليه ويدّخرونه إلى العام المقبل. فإذا ورد لفظ المؤونة بلا تقييد فإنّه ينصرف إلى ما هو المتعارف، ولذا فإنّه إذا قيل: إنّ فلاناً يملك مؤونته أو لا يملك مؤونته كان معناه مؤونة السنة.

الثالث: ما يستشعر من بعض روايات الباب:

منها: صحيحة علي بن مهزيار حيث قال الإمام(علیه السلام): «فأمّا الذي أوجب من الضياع والغلاّت في كل عام فهو نصف السدس ممّن كانت ضيعته تقوم بمؤونته، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته فليس عليه نصف

ص: 87


1- 123.كتاب الخلاف 2: 118 ، المسألة 139 ، والسرائر 1: 494، والمعتبر في شرح المختصر 2: 627 ولكن ورد فيه: (وعليه اتفاق علمائنا) ، وتذكرة الفقهاء 5: 428 ، المسألة 319، ومنتهى المطلب 8 : 537.

السدس ولا غير ذلك» (1).

ومنها: صحيحته الأخرى: «فكتب - وقرأه علي بن مهزيار -: «عليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان» (2) فإنّه بقرينة أنّ خراج السلطان كان أمراً متكرّراً سنويّاً، فكذلك مؤونة الرجل وعياله، يمكن استفادة حدّ المؤونة من هاتين الروايتين.

إلاّ أنّ الإنصاف أنّه لا يخرج عن حد الاستئناس منها لإثبات المطلوب.

الرابع: ما ورد في تحديد الغنى والفقر بوجدان مؤونة السنة وعدمها.

منها: مرسل حماد عن أبي الحسن الأوّل(علیه السلام) قال: «يقسم بينهم على الكفاف والسعة ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شيء يستغنون عنه فهو للوالي، وإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، وإنّما صار عليه أن يموّنهم لأنّ ل-ه ما فضل عنهم» (3).

فإنّ المستفاد منها أنّ المراد بالمؤونة عند الشارع هي مؤونة السنة، من جهة لزوم إنفاق الوالي من عنده عليهم إذا نقص ما يُعطونه لمؤونة السنة، ومن جهة أخذه للباقي إذا زاد وفضل عن مؤونة سنتهم.

ص: 88


1- 124.وسائل الشيعة 9: 501 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
2- 125.وسائل الشيعة 9: 500 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
3- 126.تهذيب الأحكام 4: 112 الحديث 365 ، ووسائل الشيعة 9: 520 الباب 3 من أبواب قسمة الخمس ، الحديث 1 مع اختلاف يسير.

ودلالة هذه الرواية واضحة جداً إلاّ أنّها مرسلة، وقد يقال: إنّ وجودها في الكافي وكون المرسِل من أصحاب الإجماع مضافاً إلى احتمال كونها رواية ليونس بن عبد الرحمن أيضاً على ما يُفهم من نسخة التهذيب، وعمل الأصحاب بها في موارد عديدة يقوّي اعتبارها.

ويمكن استفادة ذلك أيضاً ممّا ورد في الزكاة فقد لوحظت مؤونة السنة وفسّر بها المراد من المؤونة.

فمنها: معتبرة علي بن إسماعيل الدغشي قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن السائل وعنده قوت يوم أيحلّ ل-ه أن يسأل؟ وإن أُُعطي شيئاً من قبل أن يسأل يحلّ ل-ه أن يقبله؟ قال: «يأخذ وعنده قوت شهر ما يكفيه لسنته من الزكاة لأنّها إنّما هي من سنة إلى سنة» (1).

ومنها: معتبرة أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «يأخذ الزكاة صاحب السّبعمائة إذا لم يجد غيره» ، قلت: فإنّ صاحب السّبعمائة تجب عليه الزكاة؟ قال: «زكاته صدقته على عياله، ولا يأخذها إلاّ أن يكون إذا اعتمد على السّبعمائة أنفدها في أقل من سنة»(2).

ومنها: رواية يونس بن عمّار قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة، وتجب الفطرة على من عنده قوت

ص: 89


1- 127.علل الشرائع 2: 371 ، الباب 97 ، الحديث 1 ، و وسائل الشيعة 9: 233 ، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 7 مع اختلاف يسير.
2- 128.وسائل الشيعة 9: 231 ، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

السنة» (1).

وهذا بناءً على أنّ الخمس عوض عن الزكاة وهو بمنزلتها في الحكم إلاّ ما خرج بالدليل.

الأمر الثاني: في المراد من السنة، فهل هي السنة القمريّة أو الشمسيّة أو كلاهما؟

الظاهر أنّ كل ما ورد في الشرع من أحكام مترتّبة على السنة يكون المراد بها السنة القمريّة كالبلوغ والحج والصوم وغيرها، ولكن إذا كانت هناك قرينة على كون المراد بها الشمسيّة كأخذ الفصول فلابد من اعتبارها، ولعل الأمر كذلك بالنسبة إلى الضياع، فإنّ الاعتبار بالوقت الذي يحصد فيه الزرع فتحسب حينئذٍ السنة من هذا الوقت إلى القابل من عين الوقت، فيكون المراد السنة الشمسيّة، وأما في الأرباح من التجارات والصناعات فحيث إنّه لا وقت معيّناً لها فيلاحظ ما هو المتعارف عند الشارع من السنة القمريّة فيجب عليه الخمس بعد تماميّة اثني عشر شهراً لا عند دخول الشهر الثاني عشر، وذلك إمّا للنصّ الخاص الوارد فيه أو لاستظهار ذلك من التعبير بحَوَلان الحول.

الأمر الثالث: هل يكون تقييد الخمس بمؤونة السنة تقييداً لموضوع الخمس بحيث لا يتعلّق الخمس إلاّ بالفاضل عن المؤونة أو هو تقييد للحكم التكليفي بوجوب دفع الخمس بحيث يتعلّق الخمس بكل فائدة - من أول ظهورها - حتى بالمقدار المصروف في المؤونة، غايته إنّه لا يجب عليه دفع الخمس إلاّ بعد استثناء مؤونة السنة إرفاقاً به؟

ص: 90


1- 129.وسائل الشيعة 9: 234 ، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 10.

وبناء على الأوّل هل يكون استثناء مؤونة السنة شرطاً زمانيّاً والبعديّة بعديّة زمانيّة بحيث يتعلّق الخمس بالفائدة الباقية آخر السنة، أو أنّها بعديّة رُتبيّة بمعنى أنّ ما عدا المقدار الذي يوازي المؤونة يتعلّق به الخمس من أول حصول الربح؟

وتترتّب ثمرات على هذه التقادير، وسوف يتعرّض الماتن لهذا البحث في المسألة (1).

الأمر الرابع: هل يختصّ استثناء مؤونة السنة بالأرباح أو يشمل غيرها من الموارد؟

الظاهر المتسالم عليه هو الأوّل، وتلزم الفوريّة ولا يعتبر الحول في بقيّة أقسام الخمس.

ويمكن الاستدلال لذلك بوجهين:

الأوّل: دعوى الإجماع وعدم الخلاف.

الثاني: إطلاقات الأدلّة كتاباً وسنّة.أمّا الكتاب فواضح.

وأمّا السنّة فبما تقدّم من الروايات الواردة في سائر الأقسام من غير تقييد باستثناء المؤونة في شيء منها.

وأمّا الروايات الخاصّة التي تعرّضت لاستثناء المؤونة فمورد أكثرها هو خمس الأرباح.

ص: 91


1- 72.سورة الأنفال: 41.

نعم، ورد السؤال في صحيحة البزنطي عن الخمس وأنّه بعد المؤونة أو قبلها فأجاب الإمام(علیه السلام) بأنّه بعد المؤونة(1) ، فيمكن أن يقال: إنّ هذه الصحيحة مطلقة من جهة المورد وشاملة لجميع أقسام الخمس، كما أنّ المؤونة مطلقة، وتشمل مؤونة التحصيل بالإضافة لمؤونة السنة، فبناء على ثبوت الإطلاق يحكم بثبوت استثناء كلتا المؤونتين من جميع الأقسام.

ولكن يمكن أن يقال:

أوّلاً: بعدم الإطلاق من جهة المورد وذلك بقرينة قوله: «أُخرجه قبل المؤونة أو بعدالمؤنة» فيكون ناظراً للوظيفة الفعليّة في ما يقع في يده ويحصل من الأرباح والفوائد المتعارفة لا الفوائد النادرة كالكنز والمعدن والغنيمة الحربيّة ونحوها.

نعم مع فرض الشك فمقتضى الأصل عدم جواز التصرّف فيما وقع متعلّقاً للخمس وحقّ الغير إلاّ مع العلم بالإذن من الشارع أو مالكه فلابد من الاحتياط.

وثانياً: على فرض ثبوت الإطلاق لابد من تقييده بما ورد من الروايات في جملة الأقسام التي دلّت على وجوب دفع الخمس بلا ملاحظة مؤونة السنة.

فمنها: صحيحة علي بن مهزيار الطويلة(2) ، حيث فصّلت بين خمس الغنيمة والفائدة المطلقة وخمس الضياع والتجارات ونحوها، فغير الغنيمة يستثنى منه المؤونة بخلافها - بعد كون المعدن والكنز والغوص غنيمة موضوعاً أو

ص: 92


1- 130.وسائل الشيعة 9: 508 ، الباب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
2- 131.وسائل الشيعة 9: 501 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

حكماً- .

ومنها: صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله(علیه السلام): في الغنيمة قال: «يخرج منه الخمس ويقسم ما بقي بين من قاتل عليه وولي ذلك» (1) فإنّ الغنيمة لو لزم استثناء مؤونة القوت منها لما جاز أخذ الخمس أوّلاً، بل لزم أخذه ممّا يفضل عن حصص المقاتلين.

ولا يضرّ وجود محمد بن سالم في سندها بعد أن كانت كُتبُ عبد الله بن سنان مشهورة، ولذا حكمنا بصحتها.

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله(علیه السلام): في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم، ويكون معهم فيصيب غنيمة، قال: «يؤدي خمسها ويطيب ل-ه»(2). وهي كالصريحة في وجوب دفع الخمس فعلاً، لكون السؤال عن الوظيفة الفعليّة، فلو كان الخمس بعد المؤونة لما أمره(علیه السلام) بالدفع فوراً، بل هي ظاهرة في كون الغنيمة إنّما تطيب للغانم بعد دفع خمسها أوّلاً، وهو منافٍ لجواز صرفه في المؤونة.

ومنها: معتبرة حفص بن البختري: «خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس» (3) ، وتقريب دلالتها كالسابقة.

ص: 93


1- 132.تهذيب الأحكام 4: 166 الحديث 368، ووسائل الشيعة 9: 489 ، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.
2- 133.تهذيب الأحكام 4: 109 الحديث 356، ووسائل الشيعة 9: 488 ، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8 ، ولكن ورد فيها (خمسنا) بدل (خمسها).
3- 134.تهذيب الأحكام 4: 107 الحديث 349، ووسائل الشيعة 9: 487 الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6

فهذه الروايات أخصّ، وتوجب تقييد صحيحة البزنطي على تقدير ثبوت إطلاقها، وتكون شاهدة على أنّ المراد بالمؤونة هي مؤونة الأرباح خاصة دون سائر الأقسام.

الجهة الرابعة: في تحليل الخمس للشيعة من قبل الأئمة(علیهم السلام):

فيه خلاف، فقد نسب إلى المشهور القول بإباحة المناكح والمساكن والمتاجر، كما في الحدائق(1) ، وعن بعضهم الإباحة مطلقاً أو في الجملة في زمن الغيبة(2) وعن بعضهم الإباحة مطلقاً.

ومقتضى الأصل الثابت في المقام عدم جواز التصرّف في مال الإمام(علیه السلام) بغير إذنه كسائر الأموال بالنسبة إلى ملاّكها، وإلاّ كان التصرّف غصباً، والفائدة الحاصلة للإمام(علیه السلام)، من غير فرق بين زمان الحضور والغيبة وهذا ممّا لا إشكال فيه.

إنّما المهم هو التعرّض للروايات الواردة في المقام وهي على طوائف، وسنتعرّض لها ولما يستفاد منها عند تعرّض الماتن للمسألة إن شاء الله.

ص: 94


1- 135.الحدائق الناضرة 12: 444.
2- 136.انظر السرائر 1: 503 - 504، ومنتهى المطلب 8: 585 - 586.

كالهبة والهديّة والجائزة والمال الموصى به ونحوها، بل لا يخلو عن قوّة [1].

[1] تعرّض الماتن(قدس سره) لبيان حكم عدة موارد بالخصوص:

المورد الأوّل: حكم الهبة والهديّة والجائزة:

وهي وإن كانت مختلفة من جهة الاعتبار إلاّ أنّها متّحدة من جهة الحكم، وقد اختلفت الأقوال فيها بحيث إنّه نسب إلى المشهور تارة القول بعدم الوجوب كما يظهر من السرائر حيث قال - بعد نسبة القول بوجوب الخمس إلى الحلبي في الكافي - : «ولم يذكره أحد من أصحابنا إلاّ المشار إليه، ولو كان صحيحاً لنقل نقل أمثاله متواتراً، والأصل براءة الذمّة» (1).

وأخرى القول بالوجوب كما يظهر من المحقّق والشهيد حيث أسند في الدروس القول بالخلاف إلى ابن إدريس خاصّة، وفي المعتبر إلى بعض المتأخرين - إشارة إلى ابن إدريس(2) فكأنّ الوجوب متسالم عليه، وإن نسباه إلى أبي الصلاح الحلبي.

وقد صرّح الشهيد الثاني والشيخ الانصاري(قدس سرهما) بإدخال الهديّة في عنوان التكسّب من جهة احتياجها إلى القبول فتكون نوعاً من التكسّب فتدخل في

ص: 95


1- 137.السرائر 1: 496.
2- 138.الدروس الشرعيّة 1: 258 ، والمعتبر في شرح المختصر 2: 623.

القدر المتيقّن من موضوع الخمس، وهو ما يحصل بالتكسّب(1).

وكيف كان فالمهم في المقام هو النظر إلى ما يستفاد من الأدلة، وهي على قسمين: مطلقة وخاصّة.

أمّا المطلقة: فأولها: الآية الشريفة: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} (2) بناءً على أنّ المراد بالغنيمة فيها مطلق الفائدة التي يستفيدها الإنسان، فتشمل الهديّة والهبة والجائزة بلا ريب، بل حتى على تفسيرها بذلك مع قيد (بلا مشقّة) كما هو واضح.

وثانيها: الروايات:

ومنها: موثّقة سماعة قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن الخمس؟ فقال: «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير» (3) فهي دالّة وضعاً على وجوب الخمس في مطلق الفائدة الشاملة للهديّة والهبة والجائزة.

وأمّا الخاصّة: فمنها: صحيحة علي بن مهزيار الطويلة، قال(علیه السلام) فيها: «والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر» (4) ، فإنّها صريحة الدلالة على وجوب الخمس في الجائزة في الجملة.

ص: 96


1- 139.الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 2: 74 ، وكتاب الخمس: 87 .
2- 140.سورة الأنفال: 41.
3- 141.الكافي 1: 624 كتاب الحجة، الباب 187 الحديث 11 ، ووسائل الشيعة 9: 503 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
4- 142.وسائل الشيعة 9: 501 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

وأمّا التقييد بالخطيرة فقد حمل بعض الفقهاء كالسيد الأستاذ(قدس سره) القيد على الغالب، حيث إنّ غير الخطيرة لا تبقى إلى نهاية السنة، حتى يجب فيها الخمس، بل هي تصرف في المؤونة غالباً، فليس للقيد مفهوم، أو أنّ إثبات الحكم في فرد لا يدل على عدمه في فرد آخر بعدم القول بالفصل فيمكن إثبات الوجوب في غير الخطيرة أيضاً. ومع الغضّ عن كل هذا يمكن إثباته بالإطلاق في بقيّة الروايات(1). وقد أخذ بعضهم بظاهر القيد ولم يوجب الخمس في اليسيرة(2).

ولكن بناءً على ما تقدّم من أنّ الرواية ليست في مقام بيان موارد الخمس وحصرها، بل هي في مقام بيان التعميم لمتعلّق الخمس لا يدلّ القيد على المفهوم، فالذي يدل عليه أنّ الجائزة إذا كانت خطيرة فهي داخلة في الغنائم والفوائد ويجب تخميسها بلا استثناء للمؤونة كنظائرها المذكورة في الصحيحة، وأمّا غيرها فهي داخلة في مطلق الفائدة التي عفى الإمام(علیه السلام) عن حقّه في تلك السنة منها إرفاقاً بمواليه.

ومنها: معتبرة أبي بصير ففيها: في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هديّة تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب(علیه السلام): «الخمس في ذلك» (3) ودلالتها واضحة، وسندها معتبر وإن اشتمل على أحمد بن هلال، لأنّها قد وردت في كتاب محمد بن علي بن محبوب فيتبيّن

ص: 97


1- 143.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 213.
2- 144.كتاب الخمس للمحقّق الحائري: 173.
3- 145.وسائل الشيعة 9: 504 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث10.

أنّها كانت قبل انحرافه، كما بيّننا ذلك في أصول علم الرجال(1).ومنها: المعتبرة التي تقدّمت عن أحمد بن محمد بن عيسى عن يزيد(2).

وربّما يؤيّد الحكم برواية علي بن الحسين بن عبد ربّه(3) ، فإنّها تشعر بوجوب الخمس في ما يسرّح به غير صاحب الخمس، وإلاّ لجاء في الجواب «لا خمس في ما يسرّح به مطلقاً».

المورد الثاني: حكم المال الموصى به:

والوصيّة على قسمين: فإنّها تارة تكون عهديّة - بأن عهد الموصي إلى وصيّه أن يعطي شخصاً مقداراً من المال بعد وفاته - وحالها حال الهبة، فإنّ المال يُعطى للشخص كهديّة يتسلمها بعد وفاة الموصي فيجري فيها ما مرّ في الهديّة.

وأخرى تمليكيّة - كأن قال: ثلث مالي لزيد بعد وفاتي - فإن قلنا بمقالة المشهور من اعتبار القبول من الموصى ل-ه كان حاله حال الهبة أيضاً لتوقّفها حينئذٍ على القبول فيجري فيها ما سبق، لكونها جائزة من الميت يهديها بعد وفاته، ولا يشترط فيها أن تكون من الحي.

ص: 98


1- 146.أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 2: 347.
2- 147.وسائل الشيعة 9: 503 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.
3- 148.وسائل الشيعة 9: 508 ، الباب 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

نعم، لا خمس في الميراث إلاّ في الذي ملكه من حيث لا يحتسب، فلا يترك الاحتياط فيه، كما إذا كان له رحم بعيد في بلد آخر لم يكن عالماً به فمات وكان هو الوارث له[1].

وإن قلنا بأنّ الوصيّة التمليكيّة إنشاء محض غير محتاج للقبول، كان المال الموصى به داخلاً في ملك الموصى ل-ه قهراً فيكون داخلاً في مطلق الفائدة فتشمله الإطلاقات، وإن افترق عن الهبة في عدم اشتراط القبول فيه دونها.

فتحصّل أن مقتضى القاعدة وجوب الخمس في هذا المورد على جميع التقادير.

[1] المورد الثالث: حكم الميراث:

وهو على قسمين: محتسب وغير محتسب.

أمّا المحتسب فهو المحتمل عادة، وأمّا غير المحتسب فهو غير المحتمل، وقد قيّده بعضهم بكون الرحم بعيداً في بلد آخر ولم يكن عالماً به، ولعل هذين القيدين من باب المثال ولتعيين أغلب الأفراد، وإلاّ فلا يعتبر في صدق عنوان الإرث الذي لا يحتسب عدم الكون في بلد الوارث ولا عدم العلم بوجوده، فإنّه قد يتفق اجتماعهما في بلد واحد ويحصل العلم بالوجود، ولكن لا يكون الإرث منه بالحسبان.

فمثلاً: إذا كانا أخوين وكان أحدهما أصغر سنّاً ول-ه أوّلاًد كثيرون بحيث

ص: 99

لا يحتمل موته مع جميع أوّلاًده ليرثه أخوه الأكبر، ولا سيّما إذا كان الأكبر شيخاً عمره ثمانون سنة - مثلاً - والأصغر كهلاً عمره خمسون فصادف أن وقعت حادثة سماويّة أو أرضيّة فأهلكت الأصغر وأوّلاًده، واشتبه الحال أو مات الأصغر بعدهم، فإنّ الأكبر هو الوارث إذا كان باقياً، وهذا الإرث غير محتمل.

وعلى كلٍّ فالأقوال في المسألة ثلاثة: قول بالوجوب مطلقاً، ونسب إلى الحلبي. وقول بعدم الوجوب مطلقاً، ولعلّه المشهور. وقول بالتفصيل بين الإرث المحتسب فلا يجب الخمس فيه وغير المحتسب فيجب. (1)

أمّا القول بالوجوب فيرده:

أوّلاً: عدم صدق الفائدة والغنيمة على الإرث، وقد قيل في وجه عدم الصدق وجوه:

أحدها: ما ذكره السيد الأستاذ(قدس سره) من انصراف كلمة الغنيمة والفائدة عن مثل الإرث(2) ، فإنّ مَنْ ورث شيئاً لا يقال إنّه استفاد أو أفاد أو غنم.

الثاني: ما عن بعض الأعلام(3) من أنّ الاغتنام إنّما يصدق مع تبدّل الأموال وانتقالها، بينما المتحقّق بنظر العرف في الإرث هو تبدّل الملاّك لا الأموال، فإنّها ثابتة وباقية على حالها، والتبدّل إنّما طال الملاّك بحسب ما يقتضيه نظام

ص: 100


1- 149.انظر المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 215 - 216.
2- 150.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 216.
3- 151.انظر: محاضرات في فقه الاماميّة، كتاب الخمس: 92.

الوجود.

الثالث: إنّ المعتبر في صدق الفائدة والغنيمة أن يكون الربح زائداً عن العوض، وأمّا إذا كان مساوياً أو أقل فلا يصدق عليه عنوان الفائدة والغنيمة، والحال في الميراث كذلك فإنّ ما فقده ممّن يعزّ عليه فقده لا يقاس بما انتقل إليه عرفاً ولا يقابل به، بل إنّ العرف ليشمئز من القول بأنّه ربح أو استفاد مهما كان المقدار الذي وصل إليه.

ولعل هذا هو سبب الانصراف عرفاً في الوجه الأوّل، بل يمكن أن يقال برجوعه إليه ، وأمّا الوجه الثاني فليس المدار في صدق الفائدة على تبدّل الأموال كما هو واضح.

وعلى كلّ فالظاهر أنّ الانصراف متحقّق فلا يلتفت لما يدعى من صدق الربح والفائدة، وأنّ المال الموروث من أوضح مصاديق الاستفادة عرفاً وعقلائياً، وقد أطلق عليه عنوان الغنيمة والفائدة في صحيح ابن مهزيار، فإنّها مجرد دعوى، وإطلاق الغنيمة والفائدة على الإرث غير المحتسب أمر في محلّه، وهو خارج عن محل الكلام، لأنّه كمن لم يفقد شيئاً بعد عدم العلم وعدم الاحتساب، فما حصل ل-ه من فائدة خارج تخصّصاً.

وثانياً: بما ذكره المحقّق الهمداني(قدس سره) في المصباح من عدم تعارف وجوب الخمس في الميراث «بين المسلمين في زمان النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ولا بين الشيعة في عصر أحد من الأئمة(علیهم السلام) وإلاّ لامتنع عادة اختفاء مثل هذا الحكم... مع عموم الابتلاء به على النساء والصبيان من المسلمين فضلاً عن صيرورته خلافيّاً بين العلماء أو صيرورة خلافه مشهوراً لو لم يكن مجمعاً

ص: 101

عليه، فوقوع الخلاف في مثل المقام أمارة قطعيّة على عدم معروفيّته في عصر الأئمة(علیهم السلام) ، بل ولا في زمان الغيبة الصغرى وإلاّ لقضت العادة بصيرورته من ضروريّات الدين لو كان في عصر النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) أو المذهب لو كان في أعصار الأئمة(علیهم السلام)»(1).

وفيه: أنّ ما أفاده(قدس سره) وإن تمّ في الإرث المحتسب إلاّ أنّه غير تام في الإرث غير المحتسب؛ وذلك لأنّ هذا القسم من الإرث نادر وشاذّ وخارج عن محل ابتلاء العموم، فعدم التعرّض ل-ه في كلمات الفقهاء المتقدّمين لا يدل على عدم التزامهم بالوجوب فيه.

ولعل السرّ في عدم قبول هذه الدعوى هو وجود الروايات الصريحة في الهديّة والجائزة بخلاف الميراث فإنّه لم يرد فيه غير صحيحة ابن مهزيار وقد نوقش في دلالتها.

إلّا أنّا قلنا بأن دلالتها تامّة على أنّ الميراث غير المحتسب يجب فيه الخمس، وهو من الندرة بمكان فلا يرد عليه هذا الوجه الأخير، فالصحيح هو التفصيل بين الإرث المحتسب وغير المحتسب كما هو مقتضى كلام الماتن(قدس سره).

ص: 102


1- 152.مصباح الفقيه 14: 121.

وكذا لا يترك الاحتياط في حاصل الوقف الخاص [1].

المورد الرابع: حكم حاصل الوقف الخاص:

[1] المورد الرابع: حكم حاصل الوقف الخاص:

وهو تارة لا يحتاج إلى القبول كما إذا وقف الملك على أن يكون نماؤه لأوّلاًده، وهذا حكمه حكم الوصيّة التمليكيّة بناء على عدم احتياجها إلى القبول.

وأُخرى يحتاج إلى القبول كما إذا وقف الملك على أن يعطى نماؤه لأوّلاًده، وهذا حكمه حكم الهبة والجائزة.

وعلى كل تقدير تصدق الفائدة والغنيمة فيدخل في الإطلاقات الدالّة على وجوب الخمس في مطلق الفائدة.

نعم، بناء على القول بأنّ موضوع الخمس هو التكسّب لا يدخل فيه بكلا قسميه، وبناء على القول بأنّ الموضوع هو الفائدة التي تحتاج إلى القبول يخرج القسم الأوّل بلا ريب.

وأمّا حاصل الوقف العام، فبما أنّ الخمس لا يجب إلاّ على ما يملكه المكلّف بشخصه، والموقوف عليه في الوقف العام هو الكلّي فيكون تعلّق الخمس منوطاً بقبض الموقوف عليه شخصاً ليدخل في ملكه فحينئذ يجب عليه الخمس فيما إذا زاد على المؤونة، ويكون حاله حال الهبة في أنّه تكسّب بقبوله وقبضه.

ص: 103

بل وكذا في النذور [1].

المورد الخامس: حكم النذور:

[1] المورد الخامس: حكم النذور:

وهي على قسمين، فتارة تكون نذر نتيجة بأن ينذر أنّ المال لفلان، وأخرى تكون نذر فعلٍ بأن ينذر بأنّه إن قضيت حاجته فإنّه يعطي المال لفلان.

أمّا القسم الأوّل - بناءً على صحته - فحكمه حكم الميراث غير المتحسب، لأنّه لا يحتاج إلى قبول، وعليه فإن قلنا بأنّ موضوع الخمس هو مطلق الفائدة وجب فيه الخمس، بخلاف ما إذا قلنا بأنّه الفائدة المكتسبة أو التي تحتاج إلى القبول.

وأمّا القسم الثاني فلمّا كان محتاجاً للقبول كان حكمه حكم الهبة والجائزة، فعلى القول بكون الموضوع في الخمس هو مطلق الفائدة أو الفائدة التي تحتاج إلى القبول فيجب الخمس فيه، دون ما إذا قيل بالفائدة المكتسبة وإنّ قبول الهبة ليس اكتساباً فلا يجب.

ص: 104

والأحوط استحباباً ثبوته في عوض الخلع والمهر ومطلق الميراث حتى المحتسب منه ونحو ذلك [1].

المورد السادس: حكم عوض الخلع والمهر:

[1] المورد السادس: حكم عوض الخلع والمهر:

اختار الماتن(قدس سره) عدم الوجوب فيهما، وهو المشهور، ولكن في نجاة العباد وتبعه السيد الحكيم في المستمسك - إلحاقهما بالهبة والجائزة(1).

وفصّل بعضهم بين عوض الخلع والمهر فقال بالوجوب في الأوّل؛ لصدق الفائدة عليه دون الثاني، حتى أنّ صاحب الحدائق قال: «وأمّا عدّ الصداق في ذلك فلم أقف على قائل به» (2).

وقد استدل للقول المشهور بوجهين:

أحدهما: عدم صدق الفائدة أو الغنيمة التي هي موضوع وجوب الخمس على المهر وعوض الخلع.

أمّا المهر: فلأنّه إنّما يقع بإزاء الزوجيّة فهو عوض عن جعل الزوجة نفسها تحت تصرّف الزوج فتمنحه اختيار نفسها في مقابل ما تأخذه من المهر، فهو شبه معاوضة، نظير ما لو بدّل مالاً بمال كالكتاب بالفرس، فتكون الزوجة قد أعطت شيئاً بإزاء شيء، ولا يصدق على ذلك الفائدة، وإنّما هو من قبيل

ص: 105


1- 153.نجاة العباد: 86 ، الخامس: ما يفضل عن مؤنته له ولعياله ، ومستمسك العروة الوثقى 9: 524.
2- 154.الحدائق الناضرة 12: 353.

تبديل مالٍ بمال.

وأمّا الخلع: فهو رفع الزوج يده عن حقّه وسلطانه بإزاء عوض وإيكاله إلى الزوجة، فهنا أيضاً لا تصدق الفائدة، بل هو من تبديل المال بالمال، فهو والمهر من وادٍ واحد، ولذا لا يصحّ قياسهما على باب الإجارات؛ فإنّ متعلّق الإجارة سواء كان عملاً أو منفعة ليس ل-ه بقاء وقرار، ولا يمكن التحفّظ عليه؛ فإنّه يتلف لو لم ينتفع منه الأجير أو غيره، فمثلاً الخيّاط لو لم يشتغل بخياطة الثوب الذي هو متعلّق الإجارة في الساعة الكذائيّة ولم يشتغل بخياطة ثوب نفسه فعمله في هذه الساعة تالف لا محالة، فعليه لو آجر نفسه في هذه الساعة لخياطة ثوب زيد وأخذ الأُجرة لصحّ أن يقال: إنّه ربح واستفاد، إذ لو لم يفعل لتلف وقته وذهب سدى.

وهذا بخلاف الزوجة فإنّ للزوجة أن لا تسلّم زمام نفسها للزوج بالعوض وهو المهر، وتكون مالكة لأمرها، وسلطتها هذه لها ثبات وبقاء، كما أنّ لها بدلاً عند الشرع والعقلاء وهو المهر، فما تأخذه من الزوج يكون بدلاً عن السلطة الممنوحة ل-ه فلا يصدق على المهر عنوان الغنيمة والفائدة، بل هو من قبيل تبديل مالٍ بمال كما عرفت.وأمّا عوض الخلع فكذلك؛ لأنّ للزوجة أن تبقي سلطنة زوجها عليها، وهذه السلطنة لها ثبات وبقاء كما أنّ لها بدلاً وهو عوض الخلع، فما تعطيه للزوج بدل عن السلطنة التي ستحصل عليها فلا يصدق على الزوج أنّه استفاد أو ربح؛ لأنّه إنّما أخذ عوضاً عمّا أعطى من السلطة.

فلا يجب الخمس لا في نفس المهر ولا في عوض الخلع.

ص: 106

الثاني: السيرة القطعيّة المستمرة على عدم الخمس فيهما، إذ المسألة ممّا تعمّ بها البلوى في جميع الأعصار والأمصار، فلو كان الوجوب فيهما ثابتاً لكان واضحاً ولم يقع فيه أيّ إشكال مع أنّه لم يقل به أحد من الفقهاء كما مرّ عن صاحب الحدائق(قدس سره).

ومن ذلك يظهر ضعف القول بالوجوب فيهما وعدم الفرق بينهما وبين الهبة والجائزة؛ فإنّه قد وردت أدلة خاصّة في الهبة والجائزة بالإضافة إلى أنّهما من أوضح مصاديق الفائدة والغنيمة بخلاف المقام الذي هو أشبه بتبديل مال بمال كما عرفت.

وكذا يظهر ضعف التفصيل بين عوض الخلع والمهر، فيقال باشتراك الأوّل مع الهديّة والجائزة في صدق الفائدة والحصول بالاختيار بخلاف المهر، فإنّه عوض عن التنازل ورفع اليد عن السلطنة ، إذ لا فرق بينهما من هذه الجهة.

فالأقوى هو قول المشهور، وإن كان الأحوط استحباباً إخراج الخمس فيهما وفي مطلق الميراث وكل ما يُملك عملاً بالروايات الدالّة على ثبوت الخمس في كل ما يملكه الإنسان.

ثم إنّ السيد الأستاذ(قدس سره) ذكر مسألة هنا وهي: أنّه إذا آجر نفسه أو منفعةً سنين عديدة، فلو آجر نفسه للخياطة سنتين أو آجر داره للسكن عشر سنين مثلاً، وتسلّم فعلاً تمام الأجرة، فهل يجب عليه تخميس تمام ما أخذه في انتهاء السنة بعد استثناء المؤونة؛ لكون الأُجرة كلها من أرباح هذه السنة؟ أو لا يجب إلاّ تخميس ما يتعلّق بهذه السنة إن لم يصرف في المؤونة، والزائد عليه يكون من أرباح السنين الآتية، فيراعي أجرة كل سنة في سنتها؟ وكذا

ص: 107

إذا آجر نفسه لعمل في السنة الآتية كفريضة الحج أو أنّه آجر داره للسكن في السنة الآتية وقد تسلّم الأجرة فعلاً فهل يجب تخميسها إذا بقيت ولم تصرف في المؤونة؟

أمّا بالإضافة إلى إجارة الأعمال فلا إشكال في عدم احتساب الزائد على السنة الواحدة، لعدم صدق الفائدة على الأكثر من ذلك. فإنّه وإن ملك أجرة السنين اللاحقّة وتسلّمها إلّا أنّه مدين بالعمل فعلاً في السنين اللاحقّة، ولابد من استثناء الدين في تعلّق الخمس باعتباره من المؤن، فلا يصدق أنّه استفاد بلا عوض حتى يتعلّق به الخمس.

فالمقام نظير ما لو استدان مبلغاً وبقي عنده إلى نهاية السنة فإنّه لا خمس فيه وإن كان ملكاً ل-ه لكونه مديناً بمقداره للغير، ولا فرق في استثناء الدين بين المتعلّق بالأموال أو الأعمال، لاشتغال الذمّة الموجب للاحتساب من المؤونة في الموردين بمناط واحد.

وأمّا بالنسبة إلى إجارة المنافع فصريح بعض الأعاظم - كالسيد الحكيم في منهاج الصالحين(1) - هو الاحتساب، وكأنّه لأجل عدم كون المنفعة ديناً فلا تقاس بالعمل، فكانت الأُجرة منفعة خالصة ومصداقاً للفائدة فوجب تخميسها بعد دخولها في عنوان الإجارات.

ولكنّه غير ظاهر، لاستيجاب هذا النوع من الإيجار نقصاً في ماليّة العين، ضرورة أنّ الدار المسلوبة المنفعة سنين عديدة لا تساوي غير المسلوبة، بل هي أقل بلا ريب، فلابد من احتساب النقص ومراعاته عند ملاحظة الفائدة

ص: 108


1- 155.منهاج الصالحين 1: 468 ، كتاب الخمس المسألة 45.

مسألة 50: إذا علم أنّ مورثه لم يؤد خمس ما تركه وجب إخراجه سواء كانت العين التي تعلّق بها الخمس موجودة فيها أو كان الموجود عوضها، بل لو علم باشتغال ذمّته بالخمس وجب إخراجه من تركته مثل سائر الديون [1].

فلا يقتصر على استثناء خصوص مؤونة هذه السنة من الأجرة التي تسلّمها، بل يراعي النقص المذكور أيضاً(1).نعم، الظاهر أنّه إذا كانت الإجارة أكثر ممّا هو المتعارف وأجرة المثل فالزائد يكون ربحاً وهو حاصل في ملكه فعلاً فيجب تخميسه بلا فرق بين أن يكون إجارة العمل أو إجارة المنفعة، فالزائد عن جبر منفعة الدار المسلوبة سنين عديدة ربح دخل في ملكه فعلاً فيكون من أرباح السنة ويتعلّق به الخمس.

لو علم الوارث أنّ المورّث لم يؤد خمس ما تركه:

[1] تارة يعلم بوجود العين المتعلّق بها الخمس في تركة المورّث وأخرى يعلم بوجود بدلها فيها، وثالثة لا يعلم بذلك، بل يعلم باشتغال ذمّة مورثه بالخمس، ورابعة يشك في ذلك.

أمّا الصورة الثالثة فلا ريب في وجوب أداء الدين الذي هو الخمس من

ص: 109


1- 156.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 221 - 222 بتصرّف.

التركة فإنّه أحد مصاديق الدين، ولا إرث إلاّ بعد أداء الدين.

وأمّا الصورة الأوّلى كما إذا مات في أثناء السنة أو بعدها ولكنّه تساهل في الأداء مع كونه ملتزماً بالدفع فلا إشكال أيضاً في وجوب الإخراج، لكون المال مشتركاً بين المالك وأرباب الخمس، ولا دليل على رفع هذا الاشتراك والاختصاص بالورثة، ولا على سقوط وجوب الإخراج بالموت.

وأمّا إذا لم يكن معتقداً بالخمس أو لم يكن ملتزماً، فالأوّل هو المورد المتيقّن من أخبار التحليل، وأمّا الثاني فهو محل خلاف يأتي عند الكلام في تحليل الخمس.

وأمّا الصورة الثانية وهي ما إذا علم بوجود بدل العين المتعلّق بها الخمس في تركة المورّث، كما إذا باع أو اشترى في أثناء السنة أو بعد انتهائها بمال تعلّق به الخمس، فهنا تارة تكون المعاملة شخصيّة بأن يشتري بعين المال، وأُخرى كلّية بأن يشتري في الذمّة ثم يدفع من المال المذكور.

وعلى الأوّل تارة يمضي الحاكم الشرعي المعاملة فتدخل في الصورة الأُولى بلا فرق، فتصحّ وينتقل الخمس إلى العوض - بناء على تعلّق الخمس بالعين بنحو الشركة في العين أو في الماليّة - فإنّ المعاملة إذا كانت مع شيعي وقلنا بعموم أخبار التحليل لما ينتقل إلى الشيعي من شيعي آخر فيستفاد إمضاء المعاملة من أخبار التحليل، وكذا إذا كان الميّت مخالفاً، فإنّ الخمس ينتقل إلى العوض.

وأُخرى لا يمضي الحاكم الشرعي المعاملة وحينئذٍ تكون المعاملة باطلة،

ص: 110

وتكون ذمّة الميت مشغولة بخمس المعوّض، وخمس العوض هو من المقبوض بالعقد الفاسد.

وأمّا على الثاني وهو كون المعاملة كليّة وقد دفع الميّت في مقام الوفاء ما تعلّق به الخمس فالمعاملة صحيحة، والعوض ملك للميّت بأجمعه؛ لكون المعاملة عليه صحيحة، إلّا أنّ ذمّته تكون مشغولة بخمس المعوض لإتلافه بإعطائه لغير مستحقّه، فيجب إخراجه من التركة وإيفاء دين الميّت لأصحاب الخمس.

وأمّا الصورة الرابعة، وهي ما إذا شك في اشتغال ذمّة المورّث بالخمس، وفيها فروض أربعة:

أحدها: أن لا تكون العين المتعلّق بها الخمس موجودة ضمن التركة، ويُعلم باشتغال ذمّة المورّث بالخمس سابقاً؛ لعدم أدائه له من العين جزماً، إمّا لإتلاف أو تلف مضمون عليه أو لأجل النقل إلى الذمّة بإجازة الحاكم الشرعي ونحو ذلك، ويُشك في تفريغ ذمّته بعد ذلك.

ذهب الماتن إلى عدم وجوب إخراج الخمس على الوارث؛ لأنّ تكليف الوارث بإخراج الخمس فرع تكليف المورّث بالأداء حال موته، وهو غير محرز، و لا يمكن إثباته بالاستصحاب؛ لأنّ ثبوت الاستصحاب متقوّم بيقين الميّت وشكّه، ولا عبرة بيقين وشكّ غيره، وما دام شكّ الميّت غير محرز فلا طريق لإثبات تكليف على الوارث.

وناقش فيه السيد الأستاذ(قدس سره) بوجهين:

ص: 111

الوجه الأوّل: أنّ غاية ما يترتّب على عدم جريان الاستصحاب في حقّ الميّت عدم تنجّز التكليف عليه، ويكفي في تعلّق الإخراج بالوارث ثبوت التكليف واقعاً، ولا يلزم أن يكون التكليف متنجزاً على الميّت، فإذا ثبت التكليف بمقتضى الاستصحاب وجب الإخراج على الوارث، وإن لم يكن متنجزاً على الميّت.

الوجه الثاني: أنّه يكفي في لزوم الإخراج من أصل التركة مجرد كون الميّت مديناً، وإن لم يكن مكلّفاً بالدين واقعاً لمانع كالنسيان أو الغفلة - فضلاً عن التنجّز عليه - ؛ لأنّ مقدار الخمس ملك لأربابه فهو مدين لهم به، فيلزم إخراج الدين من التركة بعد ثبوته، وإن لم يكن مكلّفاً به واقعاً فضلاً عن التنجّز عليه(1).

الفرض الثاني: أن تكون العين موجودة ضمن التركة، ونحتمل أنَّ المورّث أدّى الخمس إمّا من نفس العين أو من مالٍ آخر، وكان الشك في أدائه خمس السنة الحاليّة.

أفاد الماتن(قدس سره) هنا: أنّه لا بد للوارث من أن يخرج الخمس؛ لأنّ العين موجودة، وكانت متعلّقة لحقّ أرباب الخمس، والوارث يشك في إخراج مورثه لما وجب عليه فيستصحب بقاء الحقّ فيها، فيجب عليه الإخراج، كما كان يجب على المورّث لو كان حيّاً وشكّ.

الفرض الثالث: نفس الفرض المتقدّم، إلا أنَّ الشك في أدائه خمس السنة السابقة أو ما سبقها.

ص: 112


1- 157.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الزكاة: 24: 300.

اختار الماتن هنا عدم وجوب الإخراج على الوارث لقاعدة التجاوز ومضي المحل، ولجريان أصالة الصحة في فعل المورّث، وهو ابقاء العين تحت يده ابقاءً يسوغ له شرعاً، بأن أدى ما عليه منها أو من مال آخر.

وناقشه السيد الأستاذ أيضاً: بأنّ الخمس ليس من الواجبات الموقتة - وإن كان يلزم أن لا يؤخّر إلى حدّ التهاون - فلا يتحقّق الشك بعد تجاوز المحل أو بعد خروج الوقت حتى يصحّ التمسك بقاعدة التجاوز أو مضي الوقت، وأمّا أصالة الصحة فلا تجري هنا؛ لأن مجراها الفعل الذي ينقسم إلى الصحيح والفاسد، وما صدر من المورّث هو مجرد ابقاء العين، ومثله لا ينقسم إلى الصحيح والفاسد، فالظاهر عدم الفرق بين هذا الفرض وسابقه فيجب الإخراج فيهما على الوارث(1).

الفرض الرابع: أن يُشك في اشتغال ذمّة الميّت ببدل العين لكونها تالفة أو منتقلة إلى الغير، ويحتمل أنَّ المورّث لم يؤدّ خمسها كي يكون مديناً وضامناً.

ذكر الماتن(قدس سره) هنا: أنّ لا يجب على الوارث الإخراج؛ لأنّ تكليفه فرع تكليف الميّت، ولم يحرز كما مرّ في الفرض الأوّل.

وأورد عليه السيد الأستاذ(قدس سره):

أوّلاً: بما مرّ من أنّ الإخراج المتعلّق بالوارث لا يدور مدار التنجّز على المورّث، وأنّه يكفي ثبوت التكليف واقعاً، سواء تنجّز التكليف على المورّث أم لا.

ص: 113


1- 158.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الزكاة: 24: 306.

مسألة 51: لا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة أو الصدقة المندوبة [1].

وثانياً: إنّ موضوع الضمان هو اتلاف مال الغير، وهو غير محرز هنا؛ لاحتمال أنّ المورّث أدى الخمس من نفس العين، واستصحاب عدم الأداء إلى حين الموت لا يثبت الاتلاف، فلا ضمان، بل لو علم بعدم الأداء من العين فأيضاً لا يحرز الاتلاف؛ لاحتمال الأداء من مال آخر، حملاً له على الصحة بعد ثبوت جواز الأداء من مال آخر وعدم اشتراط أن يكون الأداء من نفس العين(1).

حكم ما ملك بالخمس أو الزكاة أو الصدقة المندوبة:

[1] المشهور بين المتأخرين عدم وجوب الخمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة أو الصدقة المندوبة، وعن جماعة الوجوب(2) ومنهم السيّد الأستاذ والسيّد الحكيم(قدس سرهما)(3) ، وعن آخرين التفصيل بين ما ملك بالخمس أو الزكاة فلا يجب فيه الخمس وبين ماملك بالصدقة المندوبة فيجب فيه على الأحوط، كما عن السيّدين الأصفهاني والگلبايگاني(4) والدليل على قول المشهور -

ص: 114


1- 159.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الزكاة: 24: 308.
2- العروة الوثقى 4: 277.
3- 161.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 224 - 225 ، مستمسك العروة الوثقى 525:9.
4- 162.العروة الوثقى 4: 277.

ومنه يظهر وجه الإشكال على القولين الآخرين - أربعة أمور:

الأوّل: المنع من جهة الكبرى؛ فإنّ موضوع الخمس هو الفائدة المكتسبة فلا يصدق الاكتساب على المستحقّ للخمس أو الزكاة أو الصدقة بما يملكه بهذه العناوين، كما لا يصدق عليها عنوان الهبة والجائزة.

وهذا الوجه تامّ بناء على تماميّة المبنى، ولكن قد تقدّم عدم تماميّته، وأنّ موضوع الخمس هو مطلق الفائدة بدليل الروايات المطلقة والخاصّة.

الثاني: المنع من جهة الصغرى وهي عدم صدق الفائدة، وهو الظاهر من الشيخ الأعظم(قدس سره) فإنّه مع اختياره أنّ الموضوع هو مطلق الفائدة ناقش في وجوب الخمس في المقام استناداً إلى عدم صدق الفائدة، فقال: «ففي وجوبه في مثل الزكاة والخمس إذا فضل شيء منهما عن مؤونة السنة إشكال، نظراً إلى أنّه ملك للسادة والفقراء فكأنّه يدفع إليهم ما يطلبونه فيشكل صدق الفائدة» (1).

وقد أشكل على ذلك بثلاثة إشكالات:

أحدها: أنّه لا يجري في الصدقة المندوبة.

وثانيها: أنّه لا يجري في الزكاة، بناءً على أن يكون الفقير مصرفاً للزكاة لا أنّه مالكٌ لها، وعلى تقدير التسليم فالمالك هو طبيعي الفقير، وأمّا الشخص فإنّما يملكه بالقبض، فيحصل بالقبض على ملك وفائدة، وكذلك في الخمس، فإنّه ملك لكلّي السادة، فشخص السيّد يملك ويحصّل الفائدة بالقبض.

ص: 115


1- 163.كتاب الخمس: 195.

وثالثها: أنّه لا منافاة بين مطالبة الملك وبين صدق الفائدة، فإنّ الأجير أيضاً يطلب ملكه وهو الأُجرة وكذلك من باع بأكثر من الثمن يطلب ما يملكه مع صدق الفائدة فيهما بالضرورة فالكبرى ممنوعة(1).

ولكن يمكن المناقشة في الأخيرين:

أمّا أوّلهما فبأنّه بناءً على أنّ ا لخمس كان ملكاً لكلّي السادة فأخذه وقبضه لا يوجب ملكاً ثانياً، بل هو موجب لتعيّن المالك وتشخّصه، فلا تحصل الملكيّة حتى تصدق عليه الفائدة.

وأمّا ثانيهما فإنّ ما ذكره(قدس سره) من الأمثلة خارج عن محل الكلام، فإنّ الفائدة والملك تتحقّقان فيها بنفس العمل والبيع، ولا يتوقف على المطالبة كما هو ظاهر.

وقد يقال: إنّ النذر الخاصّ بنحو نذر النتيجة هو كالمثالين المذكورين فإنّه مع كونه واجباً والمدفوع ل-ه مالكاً ومستحقّاً ول-ه المطالبة، يصدق عليه عنوان الفائدة فيجب عليه الخمس.

إلّا أنّه - بناء على صحة نذر النتيجة - خارج عن محل الكلام أيضاً، فإنّ الوجوب من نفس الناذر، فهو بمنزلة الهبة والجائزة، بخلاف المقام حيث إنّ الخمس ملك لأربابه من الأوّل، فالظاهر أنّ هذا الوجه قويّ.

وممّا يؤكد ذلك أنّه لو طلب شخص ملكه من شريكه فإنّه لا يقال إنّه أخذ فائدة، وكذلك إذا كان ملكه مشاعاً فإنّه إذا طلبه وأخذه يتعيّن ملكه لا أنّه

ص: 116


1- 164.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 225 بتصرّف.

يملكه بملك جديد، ويقال إنّه فائدة، ففي المقام كذلك، فهو كتعيّن الكلّي في المعيّن في فرد خاص، وكتعيّن الدين في المال الخاصّ.

نعم، بعد الأخذ يتمكّن من الانتفاع بملكه، وقد يعبّر عنه بالفائدة توسعاً من جهة المشابهة وإلّا فهو ليس بفائدة.الثالث: إنّ الموضوع - وهو ما مُلك بالخمس - إنّما يتحقّق بعد ثبوت الحكم بوجوب الخمس؛ لأنّه معلول ومترتّب عليه بلا إشكال، وموضوع كل حكم متقدّم عليه رتبة، فلا يعقل شمول الحكم لما يوجد به ويكون متأخّراً عنه، فإنّه يلزم تقدّم ما هو متأخّر رتبة وهو محال. فملكيّة السّادة والإمام(علیه السلام) إنّما تثبت بما دلّ على وجوب الخمس فلا تكون موضوعاً للخمس.

وبعبارة أخرى: إنّ ما يملك بالخمس هو في طول جعل الخمس وتشريعه فيستحيل أن يكون موضوعاً لنفسه حيث يلزم أخذ الحكم في موضوع نفسه وهذا محال.

وقد أجيب عنه:

أوّلاً: بأنّ هذا الوجه - لو تم - لا يأتي في المملوك بالزكاة أو الصدقة المندوبة.

ثانياً: إنّ القضية الحقّيقيّة انحلاليّة، فهي تنحلّ إلى قضايا عديدة بعدد الموضوعات التي تتحقّق في الخارج، وكون موضوع بعضها في طول ثبوت مجعولات أُخرى على موضوعاتها الثابتة في المرتبة السابقة غير ضائر، وكل فرد من الحكم يولّد موضوعاً يتعلّق به حكم آخر، فالحكم الثابت للفرد

ص: 117

الأوّل يشكّل الحكم الثابت للفرد الآخر، وإن أُنشىء الكل بإنشاء واحد وعلى سبيل القضيّة الحقّيقيّة، وعليه فلا مانع من تعلّق الخمس بكل ما هو مصداق للفائدة، وإن كان ثبوتها معلولاً لتشريع الخمس وإيجابه، فلا يلزم أخذ الحكم في موضوع نفسه.

الرابع: إنّ المستفاد من الأدلة عدم وجوب الخمس فيما يُملك بالخمس.

فمنها: رواية حمّاد عن العبد الصالح(علیه السلام) قال: «وليس في مال الخمس زكاة»(1) فقد دلّت على أنّه لا زكاة في مال الخمس. ويستفاد عموم الحكم، وأنّه لا خمس في مال الزكاة ولا خمس في مال الخمس من عموم التعليل الوارد فيها وهو قوله(علیه السلام): «لأنّ فقراء النّاس جعل أرزاقهم في أموال النّاس على ثمانية أسهم، فلم يبق منهم أحد، وجعل للفقراء قرابات النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) نصف الخمس فأغناهم به عن صدقات النّاس وصدقات النبي [(صلی الله علیه و آله و سلم)] ووليّ الأمر، فلم يبق فقير من فقراء النّاس، ولم يبق فقير من فقراء قرابات النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) إلاّ وقد استغنى، فلا فقير، وكذلك لم يكن على مال النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) والولي زكاة، لأنّه لم يبق فقير محتاج، ولكن عليهم نوائب تنوبهم من وجوه كثيرة ، ولهم من تلك الوجوه كما عليهم»(2). فلا وجه لجعل الزكاة على الخمس ولا لجعل الخمس على الزكاة والخمس.

ص: 118


1- 165.تهذيب الأحكام 4: 112، الحديث 356، ووسائل الشيعة 9: 513 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8 مع اختلاف يسير.
2- 166.المصدر نفسه.

هذا، مضافاً إلى أنّه يستفاد منها ومن غيرها أنّ الزكاة أوساخ ما في أيدي الناس، وقد نزّه الله سبحانه أرباب الخمس وهم قرابة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) عنها.

وقد أجيب عنها بقصور الدلالة، فإنّها إنّما تنتج عدم تعلّق الخمس بالزكاة قبل دفعها إلى مستحقّيها وتملّكهم لها لكونها أموالاً عامّة، وأمّا بعد القبض والتملّك فتكون فوائد شخصيّة لأرباب الخمس لا محالة فيتحقّق في حقّها موضوع الخمس.

ولكنّ الظاهر عدم تماميّة هذا الجواب فإنّ ظاهر الرواية أن لا زكاة في طبيعي مال الخمس بلا تقييد بكون ذلك قبل الدفع، بل يستفاد من التعليل أنّه لا مقتضي لجعل الزكاة في مال الخمس حتى بعد الدفع ولا لجعل الخمس في مال الزكاة، فالدلالة قويّة ومؤكدة بما تقدّم.

نعم، يمكن الإشكال على الرواية من جهة السند فإنّها مرسلة، وإن كان التعبير ببعض أصحابنا قد يشعر بالمدح إلّا أنّه لا يصل إلى مستوى التوثيق، ولذا إن قلنا بأنّ ا لإرسال في روايات أصحاب الإجماع لا يضر باعتبار السند كما عليه جماعة، أو أنّ الشهرة جابرة، أو أنّ وجود الرواية في الكافي كافٍ في الاعتبار فهو، وإلاّ بقي الإشكال بعدم الاعتبار على حاله.

ومنها: معتبرة علي بن الحسين بن عبد ربّه قال: سرّح الرضا(علیه السلام) بصلة إلى أبي، فكتب إليه أبي: هل عليّ فيما سرّحت إليّ خمس؟ فكتب إليه: «لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس» (1) حيث إنّها تدل على أنّ

ص: 119


1- 167.الكافي 1: 627، كتاب الحجّة الباب 187، الحديث 23 ، و وسائل الشيعة 9: 508 ، الباب 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

المال الذي بيد صاحب الخمس - سواء كان إماماً أم غيره من السادة - ليس فيه خمس وإن انتقل إلى شخص آخر بهديّة أو صلة، فكيف به قبل الانتقال؟

وقد أشكل عليها سنداً ودلالة.أمّا السند فلوجود سهل بن زياد فيه وهو لم يوثّق.

وأمّا الدلالة فإنّها إنّما تدلّ على أنّ صلة الإمام(علیه السلام) ليس فيها خمس، ولا تدلّ على أنّ ما ملك بالخمس لا خمس فيه، فالرواية أجنبيّة عن محل الكلام من جهتين:

إحداهما: أنّ الظاهر منها اختصاص الحكم بالإمام المعصوم لقوله(علیه السلام): «صاحب الخمس» وهو من ل-ه الولاية على الخمس، فلا يشمل السادة - زاد الله شرفهم - فإنّهم ليسوا بأصحاب للخمس، بل هم مصرف ل-ه.

الثانية: أنّ الظاهر منها اختصاص الحكم بما يعطيه صاحب الخمس بهديّة أو صلة لا ما يصل إلى الإنسان بعنوان الخمس.

ولكن يمكن الجواب عن كل ما ذُكر:

أمّا عن ضعف السند فبأنّ للشيخ الطوسي طريقاً صحيحاً إلى جميع كتب وروايات محمد بن عيسى(1) الذي روى عنه سهل بن زياد، وبما أنّه(قدس سره) يروي جميع كتب وروايات الكليني(قدس سره) فتدخل هذه الرواية في روايات الشيخ، فيكون سند الرواية من طريق الشيخ صحيحاً.

ص: 120


1- 168.الفهرست: 402 / 612 ، انظر أُصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 1: 171.

وتكون النتيجة: أنّ للشيخ طريقين إلى هذه الرواية: أحدهما طريق الشيخ الكليني وهو ضعيف بسهل، والثاني طريق آخر صحيح.

أو يقال: إنّه إذا كان للشيخ طريق إلى جميع كتب وروايات محمد بن عيسى فكيف لا يكون للكليني مثله مع أنّه أقدم ومن مشاهير أهل الحديث في زمانه؟

وأمّا عن ضعف الدلالة فبأن الظاهر من تقييد المسرّح بكونه صاحب الخمس الدلالة على موضوعيّة عنوان صاحب الخمس ومن ملك الخمس، لا من كان إماماً معصوماً ول-ه الولاية على الخمس، ففيه إشعار بأنّ المعطى هو من مال الخمس لا مطلق المال، كما أنّ الظاهر أنّ المراد من صاحب الخمس هو من كان من حقّه أن يملك الخمس لا من ل-ه الولاية عليه فقط.

فالظاهر من الرواية أنّ مالك الخمس إذا أعطى ما ملكه بالخمس هديةً إلى شخص آخر فليس فيه الخمس.

فالمحتملات المتصوّرة في الرواية ثلاثة:

أحدها: أن يكون المراد بصاحب الخمس هو الإمام(علیه السلام) وما سرّح به هو من أمواله الشخصيّة.

الثاني: أن يكون المراد به هو مالك الخمس بلا خصوصيّة لكونه إماماً، والمراد ممّا سرّح هو مطلق ما أهدى سواء كان من أمواله الشخصيّة، أم ممّا ملكه بالخمس.

الثالث: ما ذكرناه من أنّ المراد هو المالك للخمس وما سرّح به هو ممّا

ص: 121

وإن زاد عن مؤونة السنة [1].

ملكه بالخمس.

والأقرب منها - بمقتضى فهم العرف المتشرّعي - هو الأخير.

نعم، هي أخص من المدعى لأنّها تدلّ على عدم وجوب الخمس فيما ملك بالخمس، وأمّا ما ملك بالزكاة أو الصدقة فلا دلالة فيها على نفي الخمس عنه.

[1] فلا يتعلّق بها الخمس على ما هو مقتضى الوجهين الثاني والرابع، وإن كان الأحوط الإخراج.

ص: 122

نعم، لو نمت في ملكه ففي نمائها يجب كسائر النماءات[1].

[1] لكونه ربحاً جديداً وفائدة، ولا يصدق عليه أنّه صلة من صاحب الخمس، وإن لم يكن كسباً.

ص: 123

مسألة 52: إذا اشترى شيئاً ثم علم أنّ البائع لم يؤدّ خمسه كان البيع بالنسبة إلى مقدار الخمس فضوليّاً، فإن أمضاه الحاكم يرجع عليه بالثمن ويرجع هو على البائع إذا أدّاه، وإن لم يمض فله أن يأخذ مقدار الخمس من المبيع، وكذا إذا انتقل إليه بغير البيع من المعاوضات وإن انتقل إليه بلا عوض يبقى مقدار خمسه على ملك أهله [1].

لو علم المشتري أنّ البائع لم يؤد خمس المبيع:

[1] تارة يكون متعلّق الخمس هو الثمن وأُخرى المثمن. وعلى التقديرين تارة يكون البيع شخصيّاً، وأُخرى كليّاً، وعلى جميع التقادير تارة يعلم المنتقل إليه أنّ الناقل لم يؤدّ خمسه وأُخرى لا يعلم.

فإذا علم بذلك وكان البيع شخصيّاً أو كليّاً وكان الناقل منكراً للخمس فلا يجب على المنتقل إليه شيء.

وأمّا إذا كان الناقل عاصياً فإنّ الخمس يقع على ذمّة المنتقل إليه ويجب عليه أداؤه من نفس المال، وليس ل-ه حقّ الرجوع إلى الناقل؛ لعلمه بعدم إخراجه الخمس ورضاه بذلك. هذا إذا قلنا بعدم شمول أخبار التحليل للعاصي، وأمّا بناءً على دخوله في أخبار التحليل فلا يجب عليه شيء.

وأمّا إذا لم يعلم بذلك، فإن كان الناقل منكراً أو عاصياً وقلنا بأنّ العاصي كالمنكر في شمول أخبار التحليل ل-ه فليس على المنتقل إليه شيء أيضاً كما

ص: 124

هو واضح، بلا فرق بين كون البيع شخصيّاً أو كليّاً.

وأمّا إذا لم نقل بشمولها للعاصي وكان البيع شخصيّاً فالبيع فضوليّ بالنسبة إلى مقدار الخمس، لأنّه باع ما لا يملك، فللحاكم الشرعي الإمضاء إن رأى فيه مصلحة وإلاّ فيبطل.

فإذا أجاز الحاكم فالمعاملة صحيحة ويجب الخمس في العوض، وللحاكم حينئذ أن يرجع إلى البائع فيأخذ خمس الثمن أو إلى المشتري فيأخذه منه بمقتضى تعاقب الأيدي، كما في سائر المعاملات الفضوليّة، وإذا رجع إلى المشتري وأخذ الخمس منه، كان للمشتري الرجوع إلى البائع.

وأمّا إذا لم يمض الحاكم المعاملة، فإن كان المبيع باقياً أخذ الحاكم الخمس منه، وللمشتري الخيار في أخذ مقابل الخمس من الثمن من البائع، ويكون ل-ه خيار تبعّض الصفقة أو الفسخ. وإذا كان المبيع تالفاً رجع على المشتري.

وأمّا إذا كان المبيع كليّاً ودفع إلى المشتري ممّا فيه الخمس فالمعاملة صحيحة، فإذا أجاز الحاكم الدفع فله أن يرجع في خمس الثمن إلى البائع أو المشتري كما تقدّم.

وأمّا إذا لم يجز رجع إلى نفس المبيع إذا كان باقياً، ويرجع المشتري إلى البائع، وإذا لم يكن المبيع باقياً كان الضمان على البائع فيرجع إليه الحاكم، ولا شيء على المنقول إليه.

وكذا الحال فيما إذا انتقل بغير البيع من العقود، وينتقل الخمس إلى البدل

ص: 125

مسألة 53: إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلّق بها الخمس أو تعلّق بها لكنه أداه فنمت وزادت زيادة متصلة أو منفصله وجب الخمس في ذلك النماء، وأمّا لو ارتفعت قيمتها السوقيّة من غير زيادة عينيّة لم يجب خمس تلك الزيادة لعدم صدق التكسّب ولا صدق حصول الفائدة، نعم لو باعها لم يبعد وجوب خمس تلك الزيادة من الثمن.هذا إذا لم تكن تلك العين من مال التجارة ورأس مالها، كما إذا كان المقصود من شرائها أو إبقائها في ملكه الانتفاع بنمائها أو نتاجها أو أُجرتها أو نحو ذلك من منافعها.

وأمّا إذا كان المقصود الاتجار بها فالظاهر وجوب خمس ارتفاع قيمتها بعد تمام السنة إذا أمكن بيعها وأخذ قيمتها[1].

إن كان لذلك العقد بدل أو إلى الذمّة إذا لم يكن للعقد بدل كما في الهبة.

أحكام النماء والزيادة:

[1] النماء إمّا حقّيقي أو حكمي، والحقّيقي إمّا متّصل بمعنى أن يكون الزائد والمزيد عليه موجوداً واحداً في الخارج لا تعدّد فيه كالسمن ونمو الشجر ونحوهما.

وإمّا منفصل بمعنى كون الزائد معدوداً موجوداً آخر غير المزيد عليه

ص: 126

كالنتاج في الحيوان والثمار في الأشجار.

وأمّا النماء الحكمي وهو زيادة القيمة السوقيّة فتارة تفرض في ملك العين بغير معاوضة، كما إذا ملكها بالحيازة أو الإرث أو الهبة وأمثال ذلك، وأُخرى فيما يملك بالمعاوضة كالشراء ونحوه، والمقصود منه تارة التحفّظ عليه والانتفاع بنمائه كالبستان والأغنام، وأخرى لا يكون المقصود منه التحفّظ عليه، بل التحفّظ على ماليته والاتجار به.

والزيادة إن تحقّقت في العين التي تعلّق بها الخمس ولم يؤدّه، لا إشكال في لزوم الخمس في هذه الزيادة سواء كانت حقّيقيّة أم حكميّة، ضرورة أنْ خمس العين كلّها ملك لأرباب الخمس فلابد من أدائه من نفس العين أو من قيمتها الفعليّة. وهذا ليس محلّاً للخلاف، وهو خارج عن محلّ الكلام.

لكن إن تحقّقت الزيادة في العين التي لم تكن متعلّقة للخمس أصلاً كالإرث المحتسب أو التي قد أدى خمسها وأصبحت ملكاً طلقاً ل-ه، فزادت ونمت بزيادة منفصلة كنتاج الحيوان أو ثمرة الشجرة، فلا إشكال في وجوب الخمس على القول بأنّ موضوع الخمس هو مطلق الفائدة، لصدق الفائدة، وكذلك على القول بأنّ الموضوع هو الفائدة المكتسبة فيما إذا كان المقصود من إبقاء العين هو الاسترباح والتكسّب كما قيّده بذلك جماعة منهم المحقّق الهمداني(قدس سره) (1) ، لصدق الفائدة المكتسبة حينئذٍ.

وأمّا إذا كانت الزيادة في العين متصلة كالسمن في الغنم والنمو في الشجر فيأتي فيها الكلام المتقدّم في الزيادة المنفصلة.

ص: 127


1- 169.مصباح الفقيه 14: 124.

إلاّ أنّه قد يظهر من بعض الأعلام الإشكال في صدق الفائدة على الزيادة المتصلة(1).

ولكنّ الظاهر عدم الوجه فيه لحكم العرف بصدق الفائدة التي كانت العين فاقدة لها، كما إذا كان عنده فسيل وهو الآن شجر كبير، فالفائدة صادقة واقعاً وعرفاً، وإن كان الزائد والمزيد عليه موجوداً واحداً في الخارج.

وأمّا الزيادة السوقيّة ففيها صور:

الصورة الأوّلى: ما إذا ملك المال بغير معاوضة كالمنتقل إليه بالإرث أو الإحياء مع حاجته إلى ما أحيا لأجل الصرف في السكنى مثلاً أو الاستيلاء على مال مباح لا ربّ ل-ه من البر أو البحر أو هبة مصروفة في ا لمؤونة. وقد حكم الماتن(قدس سره) في هذه الصورة بعدم وجوب الخمس إذا زادت القيمة، لعدم صدق التكسّب ولا الفائدة.

أمّا عدم صدق التكسّب فواضح، وأمّا عدم صدق الفائدة فلأنّه لم يستفد شيئاً وإن باع العين بأغلى الثمن، فإنّ غايته أنّه بدّل عيناً مكان عين حينئذٍ، فهو لم يشتر شيئاً حتى يربح أو يخسر، وزيادة القيمة أمر اعتباري ينتزع من كثرة الباذل، فكان الشخص مالكاً للبستان - مثلاً - سابقاً والآن كذلك إذا لم يبع والعين باقية عنده، وهو مالك لعين أخرى إذا باع، فلا يصدق عليه عنوان الربح والفائدة.

ويلحقّ بذلك ما هو شبه المعاوضة كالمهر الذي هو بإزاء الزوجيّة، فلو

ص: 128


1- 170.مستمسك العروة الوثقى 9: 526.

أمهرها داراً أو عقاراً فترقّت القيمة لم يجب الخمس، سواء باعها أم لا.

ولكن يلاحظ عليه: بأنّ الظاهر أنّ صدق الربح والفائدة لا يتوقّف على كون الملك واقعاً عن شراء ومعاوضة، بل يصدق الربح حتى لو حصل في الملك ما يوجب الزيادة فيه متصلة أو منفصلة مع كونه مملوكاً بغير معاوضة، وفي حكم المتصلة ما إذا تغيّرت العين كما إذا كان خلّاً حديثاً فصار عتيقاً، أو صوفاً فصار قماشاً، وفي حكم المنفصل ما إذا زادت قيمة العقار مثلاً لمناسبة موقعه لافتتاح مؤسسة مهمّة فيه أو محل تجاري كذلك بحيث زادت قيمته أضعافاً بذلك فلا ينبغي الريب في صدق الفائدة والربح حينئذٍ.

نعم، لو فرض أنّ الزيادة كانت بحيث إنّه لو أريد تعويضه عن العقار لما أُعطي غير القيمة الأوّلى لم يصدق على ذلك عنوان الربح كما لا يخفى.

الصورة الثانية: ما إذا ملك المال بسبب المعاوضة، وكان الغرض الانتفاع من نفس العين كسكنى الدار أو ركوب السيارة، أو من أجرتها كما لو أعدّهما للإيجار، أو من نمائها أو نتاجها كما لو اشترى غنماً أو بقراً لينتفع من أصوافها أو ألبانها أو ما يتولّد منها ولو ببيع ونحوه مع التحفّظ على أصل العين كما هو الفرض.

وقد قوّى جماعة عدم وجوب الخمس مطلقاً، وفصّل آخرون بين البيع وعدمه فلا يجب الخمس في الثاني لانتفاء الفائدة ويجب في الأوّل لحصول الزيادة على ما اشترى لو باع بالزائد.

أمّا القول الأوّل فالوجه فيه ما تقدّم من عدم صدق التكسّب فإنّه منتفٍ بلا إشكال، ومن عدم صدق الفائدة لعدم قصد الاتجار، فإنّه اشترى العين بقصد

ص: 129

إبقائها والانتفاع منها فالزيادة الحاصلة وعدمها سيّان عنده.

وأمّا القول الثاني فالوجه فيه صدق حصول الربح والزيادة على ما اشتراه أوّلاً عند ازدياد القيمة، وهو معنى الربح عرفاً فإذا كان رأس ماله مائة فصار ألفاً - مثلاً - فقد ربح تسع مائة، والربح يقاس بالإضافة إلى رأس المال عرفاً.

هذا إذا صدر منه البيع، وأمّا قبل البيع فلا يصدق عنوان الربح والفائدة أصلاً. فيفصّل كما أشرنا إليه - بين البيع فيجب لحصول الزيادة على ما اشترى وهو معنى الربح عند العرف، وبين عدم البيع لعدم صدق الفائدة.

ولا فرق في ذلك بين ما إذا كان الثمن من جنس ما اشترى وبين ما إذا كان من جنس آخر، كما لو اشترى شياهاً بالدنانير ثم باعها بالبعير، لعدم الفرق في صدق الزيادة المحقّقة لعنوان الفائدة بين كون الثمن من النقود أو العروض، إذ الاعتبار - في نظر العقلاء - بماليّة ما يدخل في الكيس عوضاً عمّا خرج في تحقّق الربح وعدمه، ولا نظر إلى الخصوصيّة الشخصيّة أصلاً. وعليه فلا وجه لما ذكره في المستمسك من عدم صدق الزيادة إذا باعه بجنس آخر(1).

هذا، ولكن يأتي فيه ما تقدّم من أنّ ارتفاع القيمة إذا كان بحيث يعدّ من النماء المتّصل أو المنفصل فيصدق عليه أنّه فائدة وربح، ويحكم بحكمها فيجب الخمس سواء باع العين أم لم يبعها.

الصورة الثالثة: ما إذا ملك المال بسبب المعاوضة، وكان الغرض الاتّجار بالتحفّظ على الماليّة وازديادها من غير نظر إلى خصوصيّة المال الفرديّة كما

ص: 130


1- 171.مستمسك العروة الوثقى 9: 527.

هو الحال في أغلب التجار، فالظاهر عدم الإشكال في تعلّق الخمس بالزيادة لصدق الزيادة المكتسبة، وهي المنصوصة في الروايات المتقدّمة، فلو اشترى السلعة في أوّل السنة بمائة مثلاً فازدادت قيمتها آخر السنة بأن أصبحت تساوي المائتين فالظاهر وجوب الخمس في الزيادة لصدق الربح والفائدة.

ولكنّ الكلام في أنّه هل يعتبر في ذلك الصدق فعليّة البيع كما عن جماعة منهم السيّدان البروجردي والخوانساري(قدس سرهما) (1) أو يكفي مجرد إمكان البيع وأخذ القيمة كما يظهر من الماتن(قدس سره) والسيد الأستاذ(قدس سره) (2).

أمّا الوجه في الأوّل فواضح حيث إنّه مع تحقّق البيع وقبض القيمة لا يبقى شكّ في صدق الربح والفائدة، بل هذا هو القدر المتيقّن من الفائدة المكتسبة.وأمّا الوجه في الثاني فلما يقال من عدم توقّف صدق الفائدة والربح عرفاً على تحقّق البيع في الخارج، لأنّ الاستفادة منوطة - في نظر العقلاء - بزيادة القيمة المقتضية لإمكان التبديل بمال أكثر، ولا يعتبر فعليّة التبديل، ولذا يقال بهذا الاعتبار: إنّ فلاناً أكثر ثروة من فلان، بمعنى أنّ الأموال التي يملكها يمكن بيعها بأكثر ممّا يباع به مال الآخر، فالعبرة بنظرهم بأوفريّة القيمة لا بفعليّة التبديل خارجاً، وعليه يجب الخمس في زيادة القيمة سواء باع بالزيادة أم لم يبع.

وهذا ممّا يؤكد ما ذكرناه من التعليق في الصورتين الأوّليين.

ص: 131


1- 172.العروة الوثقى 4: 280.
2- 173.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 233.

مسألة 54: إذا اشترى عيناً للتكسّب بها فزادت قيمتها السوقيّة ولم يبعها غفلة أو طلباً للزيادة ثم رجعت قيمتها إلى رأس مالها أو أقل قبل تمام السنة لم يضمن خمس تلك الزيادة لعدم تحقّقها في الخارج.

نعم، لو لم يبعها عمداً بعد تمام السنة واستقرار وجوب الخمس ضمنه [1].

نقصان القيمة السوقيّة بعد زيادتها:

[1] زيادة قيمة العين السوقيّة ورجوعها إلى رأس المال أو الأقل منه على أربع صور لأنّ ذلك إمّا أن يقع في أثناء السنة أو أنّ الارتفاع في أثنائها والرجوع بعد تمام السنة وقبل أداء الخمس وعلى كلّ فتارة يكون عدم البيع عند الزيادة والارتفاع لعذر شرعي كطلب الزيادة في الأثناء أو كان ذلك منه عن غفلة وأُخرى يكون عن تعمّد.

والماتن(قدس سره) تعرّض لصورتين من الصور الأربع، وتفصيل الصور أن يقال:

الصورة الأوّلى: أن تحصل الزيادة في أثناء السنة وكذا الرجوع ولم يبع المالك العين غفلة أو طلباً للزيادة أو غير ذلك من وجود عذر عقلائي، فلا إشكال في عدم ضمانه للخمس بذلك، لأنّ للمالك إبقاء المال في ملكه وعدم تعجيل أداء الخمس بعد ترخيص ولي الأمر(علیه السلام) وإجازته، فيده يد أمانة فالتلف في يده لا يوجب الضمان، إذ لم يكن بتفريط منه.

ص: 132

أضف إلى ذلك أنّه لم يستقرّ وجوب الخمس على هذه الزيادة قبل تلفها، إذ استقرار الخمس إنّما هو بعد انتهاء السنة وفيما يزيد على المؤن المصروفة فيها أو التالفة قهراً خلالها كما في المقام، بعد أن كان الخمس متعلّقاً بالربح من أوّل ظهوره.

ولعل المقصود من تعليل الماتن(قدس سره) بعدم تحقّق الزيادة في الخارج هو عدم تحقّق الزيادة التي وجب خمسها لا مجرد فعليّة الزيادة، فلا يشكل عليه بما في المستمسك من أنّ ما أفاده هنا مخالف لما ذكره في المسألة السابقة من إمكان البيع، فلو كان عدم التحقّق خارجاً مانعاً لما افترق هذا الفرض عن المسألة السابقة(1).

الصورة الثانية: وهي الصورة الأوّلى نفسها، ولكن عدم بيع العين هنا عن عمدٍ، وهذه الصورة لم يتعرّض الماتن لحكمها هنا، ولكن يمكن استفادته ممّا ذكره في المسألة (2) حيث أفاد أنّه متى حصل الربح وكان زائداً على مؤونة السنة تعلّق به الخمس... فلو أسرف أو أتلف ماله في أثناء الحول لم يسقط الخمس، وكذا لو وهبه أو اشترى بغبن حيلة في أثنائه(3) ، فحيث إنّه لا يأتي في هذه الصورة الوجهان المتقدمان يكون ضامناً.

الصورة الثالثة: أن تكون الزيادة السوقيّة في أثناء السنة والرجوع بعد تمام السنة وقبل أداء الخمس، وكان عدم بيع العين عن غير عمد، أي مع عذر شرعي كما إذا كان غافلاً عن البيع أو كان في طريق الأداء فرجعت

ص: 133


1- 174.مستمسك العروة الوثقى 9: 529.
2- 72.سورة الأنفال: 41.
3- 175.العروة الوثقى 4: 293 ، المسألة 72.

القيمة وتنزّلت، فالظاهر هنا عدم الحكم بالضمان لكون التأخير مستنداً للعذر الشرعي ، فلم يحصل منه موجب الضمان وهو التعدّي أو التفريط.

نعم، إذا كان ذلك منه طلباً للزيادة وهو غرض عقلائي لم يكن ل-ه الحقّ، فإنّ مال الغير لا يجوز التصرّف فيه بالشراء والبيع بدون الإذن.

ويمكن استفادة ذلك من قوله في المسألة (1): «ولو أتلفه بعد استقراره ضمنه، ولو اتّجر به قبل إخراج الخمس كانت المعاملة فضوليّة بالنسبة إلى مقدار الخمس» (2).الصورة الرابعة: هي نفس الصورة السابقة، إلاّ أنّ عدم البيع كان عن عمد وبلا عذر شرعي، وقد حكم الماتن(قدس سره) بضمان خمس الزيادة، وظاهر كلامه(قدس سره) أنّ الضمان يتعلّق بالخمس من تلك الزيادة التالفة، فلو فرض أن العين كانت تساوي خمسين ديناراً فزادت قيمتها وبلغت مائة دينار ثم تنزّلت قيمتها بعد تمام السنة إلى خمسين ديناراً ضمن عشرة دنانير التي هي خمس الزيادة التالفة، وهذا قد يوجب استيعاب الخمس تمام المال كما إذا بلغت الزيادة في المثال ثلاث مائة ثم رجعت إلى خمسين فإن خمس الزيادة وهو خمسون يساوي تمام المال، بل قد يزيد على ذلك بحيث يحتاج في إتمام الضمان إلى مال آخر، كما إذا بلغت الزيادة في المثال المذكور ثلاث مائة وخمسين ثم رجعت إلى خمسين فخمس الزيادة هو ستون، وهو يزيد على المال بعشرة دنانير، هذا ظاهر كلام الماتن(قدس سره).

وقد ناقش فيه السيّد الأُستاذ بوجهين:

ص: 134


1- تهذيب الأحكام 108:4 ، الحديث 352، والاستبصار 74:2 ، الحديث 182، و وسائل الشيعة 9: 500 الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 3 مع اختلاف يسير.
2- 176.العروة الوثقى 4: 296 - 297 ، المسألة 75.

الأوّل: في تعبيره(قدس سره) بالضمان، فقال بعدم صحّة ذلك، لأنّ موجب الضمان منحصر بتلف العين ذاتاً أو وصفاً، كما لو جعله معيباً فإنّه يضمن حينئذٍ صفة الصحّة، وأمّا تلف الماليّة التي هي أمر اعتباري فلا تستوجب الضمان بتاتاً لأنّها لا تقع تحت اليد، فليس هو من موجبات الضمان، إلاّ إذا أتلف تمام الماليّة بحيث كانت العين معه في حكم التالف وإن كانت موجودة، كما لو غصب نقداً رائج المعاملة - كالدينار - فسقط عن الاعتبار وأصبح قرطاساً لا يعادل بفلس واحد، فهو نظير المال الملقى في البحر في السقوط عن الماليّة وإن كانت العين موجودة. وأمّا دون البلوغ لهذا الحدّ بحيث كانت الماليّة باقية وإن نقصت عمّا كانت عليه فطرأ التلف على مقدار من الماليّة لا على نفس المال فلم يدل دليل على ضمانها.

ومن ثمّ لو غصب مالاً فأبقاه عنده حتى نزلت قيمته السوقيّة ثمّ ردّه إلى المالك خرج عن عهدة الضمان وإن كان آثماً، إذ أنّ ضمان اليد مغيّى بالأداء بمقتضى قوله(علیه السلام): «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» (1) ، وقد أدى العين بنفسها حسب الفرض، ولا دليل على ضمان الماليّة التالفة التي هي أمر اعتباري لا يقع تحت اليد، فالتعبير بالضمان في غير محلّه، وكان الأوّلى أن يعبّر الماتن(قدس سره) بعدم سقوط الخمس بدلاً عن التعبير بالضمان، فإنّه لا موجب لسقوط الخمس بعد استقراره بالتنّزل، بل الخمس باقٍ في العين بنفس النسبة التي كانت عليها.

الثاني: أنّه بناء على استقرار الخمس عليه وعدم سقوطه فاللازم حينئذٍ أداء

ص: 135


1- 177.مستدرك وسائل الشيعة 14: 7 ، باب 1 من أبواب كتاب الوديعة، الحديث 12.

الخمس من عين المال على النسبة التي كانت عليها سابقاً، لا ضمان نفس الخمس من الزيادة التالفة كما هو ظاهر عبارته(قدس سره) ، وذلك لأنّه بعد ثبوت الخمس واستقراره فإنّ هذا المقدار يتعلقّ برقبة العين مع بقائها بناءً على القول بتعلّق الخمس بالعين على نحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن فحينئذٍ إذا كانت العين المشتراة بعشرين قد ارتفعت قيمتها إلى مائة وعشرين يتعلّق الخمس بالمائة الزائدة، وبما أنّ المالك يملك رأس المال بضميمة أربعة أخماس الزيادة فمرجع ذلك إلى تعلّق حقّ السادة بسدس ماليّة العين الفعليّة؛ لأنّ نسبة العشرين التي هي خمس الزيادة إلى المائة والعشرين التي هي القيمة الفعليّة هي السدس، فإذا رجعت القيمة وتنزّلت إلى ما كانت عليه من العشرين يستحقّ السادة حينئذٍ من العين نفس النسبة التي كانوا يستحقّونها أوّلاً وهي السدس، فتقسّم العشرون ستة أجزاء: جزء منها للسادة والباقي للمالك، لا أنّه يضمن ذلك الخمس لكي يؤدي تمام العشرين.

نعم، إذا قلنا بأن الخمس يتعلّق بالماليّة وأنّها من قبيل الكلّي في المعيّن، وجب الخروج عن عهدة ذلك المقدار المعيّن من الكلّي، ولا أثر لتنزّل القيمة أو ارتفاعها في ذلك أبداً، نظير ما لو كان الميّت مديناً بمبلغ معيّن - كمائة دينار- أو أوصى بمقدار معيّن من ثلثه - كعشرة دنانير- فإنّه لابد من إخراج هذا المقدار من عين التركة قبل التقسيم على الورثة ، سواء ترقّت القيمة السوقيّة للتركة أم تنزّلت.

وفي مقامنا - بناءً على هذا المبنى - لمّا ارتفعت القيمة من العشرين إلى المائة والعشرين في المثال واستقر عليه خمس الزيادة - وهو العشرون - لزمه الخروج عن عهدة هذا المقدار المعيّن واشتغلت ذمته للسادة بهذه الكميّة

ص: 136

الخاصّة، ولا تأثير لتنزّل القيمة في تغيير الذمّة عمّا اشتغلت به، وإن عادت إلى ما كانت عليه قبل ذلك وهو العشرون على ما هو الشأن في عامّة موارد الكلّي في المعيّن، ولكنّ الماتن(قدس سره) لا يلتزم بهذا المبنى(1).

ولكن يمكن الذبّ عن الماتن والإجابة عن كلا الوجهين بما تقدّم في المسألة السابقة من أنّ ارتفاع القيمة يكون بمنزلة النماء المتصل أو المنفصل، هذا مع ملاحظة أنّ الخمس متعلّق به دون العين، فإنّ المفروض عدم كون العين متعلّقة للخمس، فبعد ملاحظة الأمرين يتمّ ما ذكر الماتن(قدس سره) من الحكم بالضمان، لأنّه قد أتلف النماء على أرباب الخمس، أي أتلف المنافع التي كان جزء منها ملكاً لهم، وليست يد المالك عليها يد أمانة، بل هي يد غير مأذون لها شرعاً في التصرّف، وقد تصرّفت فيجبالضمان، كما هو قول الأكثر في المنافع المغصوبة كمنفعة الدار المغصوبة، فإنّه يضمن منافعها حتى مع عدم استيفائها فيضمن أُجرة المثل للمدّة المغصوبة؛ لأنّه أتلفها عليه، وكذا في مثل حبس الحر الكسوب، فإنّه يضمن أُجرة مثل عمله، إلى غير ذلك من الموارد.

وأمّا حكمه بوجوب أداء خمس الزيادة فذلك لكون العين غير متعلّقة للخمس أصلاً، والزيادة - وهي المنفعة - هي المتعلّقة للخمس أوّلاً وبالذات، وإنّما يجوز ل-ه أداؤه من العين، كما هو الحال في الخمس المتعلّق بالنماء متصلاً أو منفصلاً، وهذا بلا فرق بين المباني في كيفيّة تعلّق الخمس من الإشاعة أو الكلّي في المعيّن أو الماليّة، فإنّه حتى على القول بأنّه متعلّق بالعين

ص: 137


1- 178.انظر المستند في شرح العروة الوثقى كتاب الخمس: 236 - 238.

مسألة 55: إذا عمّر بستاناً وغرس فيه أشجاراً ونخيلاً للانتفاع بثمرها وتمرها لم يجب الخمس في نمو تلك الأشجار والنخيل، وأمّا إن كان من قصده الاكتساب بأصل البستان فالظاهر وجوب الخمس في زيادة قيمته وفي نموّ أشجاره ونخيله [1].

دون الماليّة يصحّ الحكم بضمان خمس الزيادة التي هي متعلّقة للخمس إمّا على نحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن، وإن كان للمالك هنا أداء الخمس من نفس العين بأن يبيعها ويؤدّي خمسها أو يقيّمها ولو على نفسه ويعطي خمس قيمة الزيادة.

هذا كلّه إذا صدق عليها عنوان الفائدة غير الزيادة السوقية، وأمّا إذا كان الحاصل هو مجرد الزيادة السوقيّة فكلام السيد الأستاذ(قدس سره) متين فيما إذا أراد أن يعطي من نفس العين، وأمّا إذا أراد إعطاء القيمة فالأحوط مراعاة القيمة الأعلى من وقت الضمان إلى زمان الأداء.

تعمير البستان للانتفاع بثمره أو للاكتساب به:

[1] القصد من تعمير البستان وغرس الأشجار فيه يكون تارة للانتفاع بثمرها ، وأخرى يكون للتكسّب بنماء أشجاره، بأن يبيعها ويتعيّش بثمنها، وثالثة يكون للتكسّب بأصل البستان ببيع أشجاره أو بيع نفس البستان.

وقد حكم الماتن(قدس سره) بعدم وجوب الخمس في الصورة الأوّلى؛ لكون النماء من الثمرة والتمر وغيرهما معدوداً من المؤونة، فهو نظير البقرة التي

ص: 138

يشتريها لينتفع بلبنها ولحمها، فلا خمس فيها مطلقاً لا في النماء المتصل ولا المنفصل ولا في الزيادة الحكميّة كارتفاع القيمة.

كما حكم في الصورة الثالثة بوجوب الخمس في جميع النماءات المنفصلة والمتصلة وزيادة القيم؛ وذلك لصدق الإفادة والكسب فيه، فيتعلّق الخمس به على جميع المباني.

وأمّا الصورة الثانية وهي ما إذا كان قصده من تعمير البستان وغرس الأشجار فيه التكسّب بنماء الأشجار فلم يتعرّض الماتن لحكمها في هذه المسألة، وقد ظهر مفصلاً ممّا تقدّم حكم هذه الصورة، وأنّه يجب عليه الخمس إذا باعها وأمّا قبل البيع فلا يجب عليه الخمس.

وممّا يدل على ذلك في خصوص النماءات المنفصلة ما رواه ابن إدريس الحلي في آخر السرائر نقلاً من كتاب محمد بن علي بن محبوب مسنداً عن أبي بصير عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هديّة تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب(علیه السلام): الخمس في ذلك، وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنّما يبيع منه الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً، هل عليه الخمس؟ فكتب: أمّا ما أكل فلا، وأمّا البيع فنعم، هو كسائر الضياع(1).

ص: 139


1- 179.السرائر 3: 644، ووسائل الشيعة 9: 504 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس،الحديث 10.

مسألة 56: إذا كان ل-ه أنواع من الاكتساب والاستفادة كأن يكون ل-ه رأس مال يتّجر به وخان يؤجره وأرض يزرعها وعمل يد مثل الكتابة أو الخياطة أو النجارة أو نحو ذلك، يلاحظ في آخر السنة ما استفاده من المجموع من حيث المجموع، فيجب عليه خمس ما حصل منها بعد خروج مؤونته [1].

تعدّد أنواع الاكتساب والاستفادة:

[1] تقدّم اعتبار استثناء مؤونة السنة في خمس الأرباح لكي يتحقّق الفاضل عن المؤونة، وهذا الاستثناء ممّا يمتاز به هذا القسم عن بقيّة أقسام الخمس.

وبعد الفراغ عن اعتبار أصل الاستثناء يقع البحث في عدّة جهات مع تطبيقاتها وأهمّها أربع:

الأوّلى: هل تلحظ المؤونة المستثناة بالقياس إلى كل فائدة فائدة أو مجموع فوائد السنة الواحدة وأرباحها ولو كانت من تكسّبات مختلفة؟

الثانية: هل يكون مبدأ سنة المؤونة - والتي يكون الخمس بعد إخراج مؤونتها - حين حصول الربح مطلقاً أو في خصوص غير التكسّبات، وأمّا فيها فيكون من حين الشروع في التكسّب؟

الثالثة: في مناط المؤونة ومقدارها.

الرابعة: في جواز تأخير الخمس إلى آخر السنة إرفاقاً والآثار المترتّبة

ص: 140

على ذلك.

والمسألة الحاليّة هي من فروع مسألة استثناء مؤونة السنة.

أمّا الجهة الأوّلى: فإنّ الربح إذا كان واحداً أو متعدّداً في زمان واحد فلا إشكال بالنسبة إلى تعيين السنة ومقدار استثناء المؤونة.

وأمّا إذا كان الربح من أنواع متعدّدة في أزمان متفاوتة فتحصل الأرباح متدرّجة، فهل يجعل المجموع من حيث المجموع ربحاً واحداً وتستثنى منه المؤن المصروفة في مجموع السنة أو يكون لكل ربح سنة مستقلّة وتكون المؤونة الواقعة بعد كل ربح ممّا يمكن استثناؤه منه إذا كانت في سنة ذلك الربح؟

ذهب المشهور ومنهم الماتن إلى الأوّل، واختار الشهيد الثاني في الروضة والمسالك وغير واحد ومنهم السيّد الأستاذ(قدس سره) الثاني (1).

وتظهر الثمرة بين القولين تارة: في المؤن المصروفة بين الربحين، فلو ربح أوّل محرّم عشرة دنانير وأوّل رجب ثلاثين وصرف ما بينهما في مؤونته عشرين.

فعلى القول الأوّل: تستثنى هذه المؤونة في آخر السنة عن مجموع الربحين - أي الأربعين - فلا خمس إلاّ في العشرين الزائدة.

وأمّا على الثاني: فلا وجه لاستثنائها إلاّ عن الربح الأوّل لعدم ظهور الربح

ص: 141


1- 180.الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 2: 78 ، ومسالك الأفهام 1: 467 - 468 ، والمستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 243.

بعد المؤونة، ويعتبر كونه قبلها، فلو بقي الربح الثاني إلى انتهاء سنته وجب إخراج خمسه، ففي المثال عليه تخميس الثلاثين بتمامها من غير استثناء المؤونة السابقة عليها، ويكون توفيراً لأرباب الخمس من هذه الجهة.

وأخرى: في تخميس الربح المتأخّر وعدمه، فلو فرض أنّه ربح في شهر محرم عشرة دنانير وصرفها في مؤونته، وكذا في شهر صفر إلى الشهر الأخير، وصرف ما ربحه في الشهر في مؤونة ذلك الشهر، وربح في ذي الحجّة مائة دينار صرف منها عشرة في مؤونته وبقي لديه تسعون في نهاية السنة.

فعلى القول الأوّل: يجب تخميس هذه التسعين لزيادتها على مجموع الأرباح الملحوظة في هذه السنة.

وأمّا على القول الثاني: فإنّ مبدأ سنة هذا الربح الأخير هو ذو الحجّة وتنتهي سنته في ذي الحجّة من السنة اللاحقّة فيجب عليه تخميسه في شهر ذي الحجّة من السنة القادمة إذا لم يصرفه في هذه المدة في مؤونته، فيكون على الأوّل توفيراً لأرباب الخمس بخلافه على القول الثاني.

وثالثة: في الخسارة الواقعة على المكلّف قبل الربح الثاني، فإنّها تنقص من الربح المتأخر على القول الأوّل دون الثاني.واستدل للقول الأوّل بوجوه:

الأوّل: بما يظهر من صحيحة ابن مهزيار الطويلة، من قوله(علیه السلام): «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام» (1) فقد أخذ فيها الفوائد

ص: 142


1- 181.وسائل الشيعة 9: 501 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

المضافة إلى سنة، فالعبرة هي بملاحظة ربح السنة بما هي سنة، وتعدّ الأرباح مجتمعة بمنزلة الربح الواحد في العام وكذا تلاحظ المؤونة.

الثاني: إنّ لحاظ المؤونة بالإضافة إلى كل ربح يوجب الاختلال والهرج والمرج وهذا ينافي سهولة الأحكام وسماحة الشريعة.

الثالث: إنّ اختيار السنة لمجموع الأرباح واستثناء المؤونة منها موافق للاحتياط، بل إنّ مقتضى الاقتصار على القدر المتيقّن من الخروج عن إطلاق الأدلّة ذلك، فإنّ القدر المتيقّن من المخصّص لأدلّة الخمس من استثناء المؤونة هو هذا المقدار، وأمّا أخذ سنة مستقلّة لكل ربح فهو خارج عن القدر المتيقّن.

الرابع: ما ورد في صحيحة ابن راشد حيث ذكر أنّ الخمس واجب على الصانع والتاجر في الأمتعة والصنايع إذا أمكنهم بعد مؤونتهم(1) ، الظاهرة في مؤونة السنة، لا مؤونة كل يوم يوم، بمعنى أنّه يخرج المؤونة من مجموع الأمتعة والصنايع في تلك السنة ثم يعطي خمس الزائد على ذلك.

وقد أجيب عن هذه الوجوه جميعها:

أمّا عن الأوّل: فبما ذكره السيّد الأستاذ(قدس سره) من أنّ الصحيحة غير ناظرة إلى الضم ولا إلى عدمه، وإنّما هي بصدد التفرقة بين الغنائم وغيرها، حيث إنّه(علیه السلام) أسقط الخمس في سنته تلك عن جملة من الموارد، واكتفى في بعضها بنصف السدس، وأمّا في الغنائم والفوائد فلم يسقط خمسها، بل أوجبه

ص: 143


1- وسائل الشيعة 9: 500 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

بكامله في كل عام.

وأمّا كيفية الوجوب من ملاحظة الأرباح منضمّة أو مستقلّة فهي ليست في مقام البيان من هذه الناحية بتاتاً، فلا دلالة لها على ذلك أبداً(1).

وأورد عليه: بأنّ ما ذكره(قدس سره) وإن كان صحيحاً في الجملة حيث إنّ الرواية في مقام التفصيل بين موارد الخمس، ولكن التعبير ورد بقوله(علیه السلام) «في كل عام» مع إمكان تبديله بلفظ آخر ككل يوم أو كل شهر أو دائماً، فللعام مدخليّة في ملاحظة الفوائد كما تقدّم.

هذا، ولكنّ الظاهر تماميّة ما ذكره(قدس سره) فإنّ العام في هذا المقطع من كلامه(علیه السلام) في مقابل ما ورد في صدر الرواية من قوله(علیه السلام): «في سنتي هذه» وقوله(علیه السلام) في أثنائها: «وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه» وقوله(علیه السلام) في آخرها: «فأمّا الذي أوجب من الضياع والغلات في كل عام فهو نصف السدس» فهو راجع إلى جعل الخمس في قبال ما ذكر في صدر الرواية وأثنائها وذيلها، فليس التقييد ب- «كل عام» لموضوع الخمس، فلا يبقى مفهوم لهذا التعبير، والإمام(علیه السلام) كان بصدد التفريق بين أقسام الخمس لا في مقام بيان كيفيّة المؤونة.

وأمّا عن الثاني: فقد أجاب السيّد الأستاذ(قدس سره) أيضاً بأنّ ما ذكر (من أنّ لحاظ المؤونة بالإضافة إلى كل ربح يوجب الاختلال والهرج والمرج، فلا نعقل ل-ه معنى محصّلاً حتى في التدريجيّات مثل العامل أو الصانع الذي يربح في كل يوم ديناراً - مثلاً - فإنّه إن لم يبق كما هو الغالب حيث يصرف

ص: 144


1- 183.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 243.

ربح كل يوم في مؤونة اليوم الثاني فلا كلام، وإن بقي يخمّس الفاضل على المؤونة.

نعم، لا بأس بجعل السنة، لسهولة الأمر وانضباط الحساب كما هو المتعارف عند التجار حيث يتخذون لأنفسهم سنة جعليّة يخرجون الخمس بعد انتهائها، واستثناء المؤن المصروفة فيها، وإن كانت الأرباح المتخلّلة فيها تدريجيّة الحصول بطبيعة الحال، فإنّ هذا لا ضير فيه، إذ الخمس قد تعلّق منذ أوّل حصول الربح، غايته أنّه لا يجب الإخراج فعلاً، بل يجوز - إرفاقاً - التأخير إلى نهاية السنة والصرف في المؤونة، فبالإضافة إلى الربح المتأخر يجوز إخراج خمسه وإن لم تنته سنته، فإنّ ذلك إرفاق محض، ولا يلزم منه الهرج والمرج بوجه، كما يجوز أن يخرج الخمس من كل ربح فعلاً من غير اتخاذ السنة)(1).

وما ذكره(قدس سره) صحيح أيضاً ، لكنّ الكلام في الفرض المذكور في كلامه وهو ما إذا كان يربح في كل يوم بمقدار مؤونة اليوم الثاني أو أكثر، فلو كان يربح في بعض الأيّام ما ينقص عن مؤونته، وفي بعضها الآخر ما يفضل عنها كما لعلّه المتعارف عندالصنّاع والتجّار، فإنّهم يربحون في تجارة ويخسرون في أُخرى، فإنّ ضبط هذه الموارد واستثناء المؤونة أو الخسارة في بعضها دون بعض أو الاشتراك فيها ومراعاة الكسر والانكسار هو الموجب للهرج وصعوبة الأمر.

فالظاهر أنّ ما ذكره(قدس سره) تام في الجملة، ولكن غاية ما يقتضيه هو أنّ

ص: 145


1- 184.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 245.

الالتزام بهذه الطريقة موجب للعسر لا اختيارها، فللمكلف أن يختار الطريقة الأوّلى حتى لا يقع في عسر، وليس عليه الالتزام بهذه الطريقة، ومع ذلك فلا يوجب القول الثاني العسر والحرج المنفيين.

وأمّا عن الثالث: فبأنّ هذا إنّما يتمّ فيما إذا لم يوجد في الروايات ما يكون ظاهراً في الطريق الثاني، هذا أوّلاً.

وثانياً: - على فرض التسليم - فإنّ مقتضى هذا الوجه، وهو الأخذ بالقدر المتيقّن من المخصّص هو إعطاء الخمس عند انتهاء السنة الجعليّة، ولكنه لا يقتضي احتساب المؤن السابقة من الربح اللاحقّ وكذلك الخسائر والديون، فلابد عليه من الاقتصار على بعض هذه الآثار دون الجميع.

وأمّا عن الرابع: فقد يقال بعدم ظهور الرواية في ما ذكر، فإنّ المذكور فيها هو استثناء المؤونة من الأمتعة والصنائع، فكما يمكن أن يكون على نحو المجموع يمكن أن يكون على نحو التعدّد كما هو مقتضى الطريق الثاني. فلا ظهور للجملة في الطريق الأوّل، بل كلا الاحتمالين واردان.

وأمّا القول الثاني فقد استدل عليه أيضاً بوجوه:

الأوّل: يستفاد من ظاهر الآية المباركة والروايات الدالّة على أنّ الخمس في كل ما أفاد النّاس من قليل أو كثير أنّ الحكم انحلالي فكل فرد من أفراد الربح والفائدة موضوع مستقل لوجوب الخمس، كما كان هو الشأن في الكنوز والمعادن، فلو كنّا وهذه الأدلّة ولم يكن دليل على استثناء المؤونة لالتزمنا بوجوب الخمس فوراً وبمجرد ظهور الربح، ولكنّ دليل الاستثناء أوجب ارتكاب التقييد في الوجوب التكليفي إرفاقاً، وإن كان الحقّ ثابتاً من

ص: 146

الأوّل فلا يجب عليه المبادرة إلى إخراج الخمس، بل ل-ه التأخير والصرف في مؤونة السنة، فيتقيّد وجوب الخمس بعدم الصرف في مؤونة السنة.

وأمّا ارتكاب تقييد آخر وضمّ الأرباح بعضها إلى بعض بحيث يستثنى حتى المؤن الحاصلة قبل الربح المتجدّد - أي المؤن المتخلّلة بين الأرباح - فهذا لم يقم عليه دليل، فالضّم يحتاج إلى دليل، ولا دليل في البين.

الثاني: إنّ ظاهر أدلّة استثناء المؤونة من الربح هو فعليّة الاستثناء والترتّب على الربح، فلابد من فعليّة الربح في زمان المؤونة، فلا تشمل المؤونة الواقعة قبل حصول الربح؛ لعدم كون الاستثناء فعليّاً، وإنّما هو جبران وتعويض لما صرف في المؤونة من الربح الحاصل فيما بعد، لا استثناء المؤونة من الربح فعلاً فلا تكون مشمولة لأدلّة الاستثناء.

الثالث: صحيحة ابن أبي نصر قال: كتبت إلى أبي جعفر(علیه السلام): الخمس، أخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة؟ فكتب: «بعد المؤونة» (1) ، فإنّها ظاهرة في لزوم تحقّق الربح المتعلّق للخمس ثم استثناء المؤونة منه وإخراج خمس الباقي.

وقد أُجيب عن هذه الوجوه:

أمّا عن الأوّل: فبأنّ هذا يبتني على أن يكون متعلّق الكل هي الفائدة على نحو العموم الاستغراقي، فإنّ متعلّق التكليف يكون على أنحاء فتارة يكون على نحو العموم الاستغراقي وهو كل فائدة، وأخرى على نحو العموم

ص: 147


1- 185.وسائل الشيعة 9: 508 ، الباب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

المجموعي، وهو مجموع الفوائد، وثالثة على نحو الطبيعة وهو مطلق الفائدة.

وما ذكر من الانحلال وجعل كل فائدة موضوعاً مستقلاًّ فيجب إخراج الخمس بعد المؤونة يتمّ فيما إذا كان المتعلّق على النحو الأوّل من العموم الاستغراقي.

وأمّا إذا كان على النحو الثاني فلابدّ من لحاظ المجموع كفائدة واحدة واستثناء المؤونة منها ثم إخراج الخمس بعد ذلك، وهذا ظاهر كالسابق.وأمّا إذا كان على النحو الثالث - كما في المقام - فيجب إخراج الخمس من طبيعة الفائدة بعد استثناء المؤونة، فكل ما يصدق عليه عنوان الفائدة يجب فيه الخمس بعد استثناء المؤونة بلا فرق بين الفائدة الحاصلة في أوّل السنة أو آخرها، فلا يتوقّف ذلك على ضمّ بعض الأرباح والفوائد إلى بعض ولحاظ المجموع حتى يلزم تقييد آخر، بل إنّ ذلك هو مقتضى كون المتعلّق هو الطبيعة.

وأمّا المؤونة فإن قلنا بأنّ المراد منها هي طبيعة المؤونة فهي تصدق على المؤونة المصروفة في أوّل السنة أو آخرها، بلا فرق بين المؤونة المتقدّمة أو المتأخّرة، فلا يلزم - على هذا - التصرّف في المتعلّق وهو الفائدة، ولا في المستثنى وهو المؤونة.

ولكن هذا الجواب يبتني على أن يكون المتعلّق هو الطبيعة لا كل فائدة وهذا وإن كان هو مفاد الآية الشريفة وأكثر الروايات، ولكن المذكور في بعض الروايات هو «كل ما أفاد» فتدبّر.

ص: 148

وأمّا عن الثاني والثالث: فبأنّ ظهور الاستثناء وكذلك ظهور الصحيحة في الفعليّة ممّا لا ينكر، ولكن هذا يتمّ فيما إذا لم نقل بظهور بعض الروايات الأخرى في استثناء مطلق المؤونة سواء كانت سابقة على الربح أم لاحقّة عليه، وأما إذا قلنا بذلك يكون الظهور الثاني حاكماً على الأوّل، لأنّ مفادها هو أنّ المؤن السابقة كاللاحقّة وهما في حكم واحد فيستثنيان معاً بلا فرق، وهذا معنى كونه حاكماً ومقدّماً.

والظاهر هو تماميّة هذه الدعوى، لظهور بعض الروايات في ذلك:

منها: صحيحة الريّان بن الصلت قال: كتبت إلى أبي محمد(علیه السلام): ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى أرض في قطيعة لي، وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: «يجب عليك فيه الخمس، إن شاء الله تعالى»(1) ، فإنّ اجتماع هذه الأمور واستثناء المؤونة منها - مع أنّ بدو الربح في كل واحد يختلف عن الآخر - وإخراج الخمس من الزائد ظاهر في مؤونة السنة الجعليّة.

ومنها: صحيحة علي بن مهزيار قال: كتب إليه إبراهيم بن محمد الهمداني: أقرأني علي كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة، وأنّه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤونته نصف السدس ولا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة مؤونة الضيعة وخراجها لا مؤونة الرجل وعياله.

ص: 149


1- 186.تهذيب الأحكام 122:4، الحديث 393 وسائل الشيعة 9: 504 ، باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9 مع اختلاف يسير.

فكتب - وقرأه علي بن مهزيار - : «عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله، وبعد خراج السلطان» (1) ، فإنّ مؤونة الضيعة تكون متقدّمة لا محالة، وخراج السلطان قد يكون متقدّماً أو متأخّراً، وكذا مؤونة الرجل، إلاّ أنّه قد جمعت هذه الأمور في الحكم بشمول المؤونة لمؤونة الرجل ومؤونة عياله - بعد ذهاب الأصحاب لعدم شمولها لمؤونة الرجل وعياله - فيعلم من ذلك أنّ المؤونة المستثناة هي الأعم من السابقة واللاحقّة.

ومنها: ما رواه أبو علي بن راشد(2) ، فإنّ قوله(علیه السلام): «في أمتعتهم وضياعهم» وأنّ الخمس يجب «بعد مؤونتهم» حكم واحد انصبّ على الأمتعة والضياع - بعد استثناء المؤونة - مع أنّ الأمتعة مختلفة عادة وبعضها يكون متأخّراً وبعضها متقدّماً، وكذا الحال في الصنائع، فيستفاد من ذلك أنّ المؤونة واحدة بالنسبة للجميع لا أنّها مؤن متعدّدة.

فالظاهر أنّ الأقوى هو قول المشهور، وإن كان الاحتياط في الأخذ بالقدر المتيقّن من الاستثناء.

هذا تمام الكلام في الجهة الأوّلى، وسيأتي التعرّض إلى الجهات الأخرى في المسائل اللاحقّة.

ص: 150


1- 187.تهذيب الأحكام 108:4، الحديث 353 والاستبصار 74:2 الحديث 183 وسائل الشيعة 9: 500 ، باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 مع اختلاف يسير.
2- 188.وسائل الشيعة 500:9 الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 3.

(المسألة 57): يشترط في وجوب خمس الربح أو الفائدة استقراره، فلو اشترى شيئاً فيه ربح وكان للبائع الخيار لا يجب خمسه إلاّ بعد لزوم البيع ومضي زمن خيار البائع[1].

اشتراط استقرار الربح في وجوب الخمس:

[1] المستفاد من كلام الماتن في هذه المسألة أُمور:الأوّل: أنّ الاستقرار شرط في تعلّق الوجوب بالربح الحاصل من جهة الماليّة، بأن اشترى شيئاً بقيمة أقلّ ، أو باع بقيمة أكثر. وأمّا إذا كان الربح من غير هذه الجهة: كما في النماء المنفصل مثلاً فلا يعتبر فيه هذا الشرط.

الثاني: أن يكون التزلزل من جهة الخيار ، لا من جهة أصل المعاملة، وبهذا تخرج الهبة والجائزة وأمثالهما عن المقام؛ فإنّ الخمس يتعلّق بهما - على القول به - بلا اعتبارٍ للاستقرار.

الثالث: أن يكون التزلزل من طرف البائع، وأمّا إذا كان من طرف المشتري: كخيار الحيوان أو خيار العيب أو خيار الشرط للمشتري فلا يعتبر فيه ذلك، بل يجب على المشتري إعطاء الخمس، وإذا فسخ يكون ما أعطاه من كيسه.

الرابع: أن يكون اللزوم والاستقرار واقعين في غير سنة الشراء، وأمّا إذا كانا في سنة واحدة فلا أثر لهذا الشرط، ولا يعتبر مضيّ زمان الخيار؛ لأنّ الربح حاصل في السنة الجعليّة، فلابدّ من إخراج الخمس من الربح في هذه

ص: 151

السنة.

والأقوال المذكورة في المقام أربعة:

الأوّل: ما اختاره الماتن وأكثر المحشّين، من: اعتبار الاستقرار، فيعدّ الربح بعد ذلك من أرباح السنة اللاحقّة، ويخرج منه الخمس(1).

الثاني: اعتبار الاستقرار أيضاً ولكن يعدّ الربح من أرباح السنة السابقة بنحو الشرط المتأخر، كما اختاره جماعة منهم: السيد الحكيم ((قدس سره)) (2).

الثالث: التفصيل بين ما إذا كان الربح حاصلاً مع ملاحظة الخيار والتزلزل، فيكون من أرباح السنة اللاحقّة، وهي سنة لزوم البيع ، وبين ما إذا كان الربح حاصلاً بدون لحاظ الخيار والتزلزل ، فيدخل في أرباح سنة البيع. وقد ذكر هذا التفصيل السيد الأستاذ ((قدس سره)) (3).

الرابع: عدم اعتبار الاستقرار أصلاً، وأنّ الخمس يتعلق بالربح الحاصل، ولو مع الخيار والتزلزل ، كما اختاره السيد البروجردي ((قدس سره))(4).

دليل القول الأوّل هو: أنّ موضوع الخمس منتفٍ قبل اللزوم: إمّا من جهة عدم صدق الربح والفائدة عرفاً قبله؛ فإنّ مَنْ اشترى شيئاً بخمسمائة - وهو يساوي ألفاً - مع الخيار للبائع إلى شهر مثلاً لم يصدق عرفاً: أنّه ربح

ص: 152


1- 189.العروة الوثقى 4: 282 - 283.
2- 190.مستمسك العروة الوثقى 9: 533.
3- 191.المستند في شرح العروة الوثقى ، كتاب الخمس: 246 - 247.
4- 192.العروة الوثقى 4: 282.

خمسمائة إلاّ بعد مضي زمن الخيار ولزوم البيع.

وإمّا من جهة أنّ المنصرف من أدلة الخمس إرادة الربح الذي إذا أُخرج خمسه لم يكن هناك خسارة على المالك، كما لا يكون ضامناً له؛ فإنّ الوارد في النصوص: أنّ الخمس يتعلّق بما زاد عن مؤونته ومؤونة عياله وسائر المؤن، لا مطلق الفائدة. فإذا فسخ البائع هنا يكون المشتري ضامناً لما أعطاه خمساً، ويلزم أن يقع ما دفعه من كيسه، وهذا لا يلائم لسان تلك الأدلّة، فلا يكون مثل هذا الربح مشمولاً لها.

ولا يتوهم ممّا تقدّم عدم وجوب الخمس إذا كانت المعاملة جائزة من أصلها: كالهبة والجائزة ؛ وذلك:

أوّلاً: لصدق الفائدة عرفاً.

وثانياً: لعدم ضمانه ما أعطاه من الخمس فيما إذا رجع الواهب في هبته ؛ إذ له حينئذٍ الرجوع في الباقي منها، وما أُخرِجَ خمساً لها فهو لأرباب الخمس، ولا يقع من كيس المُهدى إليه ، ولا يكون مضموناً عليه.

وأمّا دليل القول الثاني فهو: أنّ متعلّق الخمس هو الربح والفائدة وما يصدق عليه الربح واقعاً، وهذا مراعى بعدم الفسخ بنحو الشرط المتأخّر، فإذا انقضى زمن الخيار ولم يفسخ البائع كشف ذلك عن تحقّق الربح في السنة السابقة وكان من أرباحها ، لا من أرباح السنة اللاحقّة.

وقد أُورد عليه: بأنّ التعليق في التكوينيّات أمر غير معقول؛ فإنّ الأمور الخارجيّة - ومنها الربح -: إمّا موجودة أو ليست بموجودة، ولا يتصوّر أن

ص: 153

تكون موجودة بشرط تحقّق أمر استقبالي.

نعم ، يصحّ ذلك في الأمور الاعتباريّة بلا ريب.

ولكن هذا الإيراد واضح الفساد؛ لأنّ الأمر الخارجي إذا كان متوقّفاً على أمرٍ اعتباري فلا مانع من كونه معلّقاً على شرط في الموقوف عليه، كما في المقام، فإنّ صدق الربح والفائدة واقعاً متوقّف على الملكيّة المستقرّة، وهي أمر اعتباري قابل للتعليق.

إلّا أنّه يرد على هذا القول إشكال آخر يظهر من القول الثالث.

وأمّا دليل القول الثالث فهو: أنّ قيمة العين المشتراة بالبيع الخياري تنقص عادة عن قيمة العين المشتراة بالبيع اللازم، فما يساوي عشرة آلاف في البيع اللازم قد يساوي ثمانية آلاف بالبيع الخياري، وعلى هذا فإذا كان الثمن المقرّر في البيع الخياري - المفروض في المقام - معادلاً لقيمة العين بوصف كونه بيعاً خياريّاً فلم يتحقّق ثمّة أيّ ربح في السنة السابقة ليجب خمسه، ولا يكشف اللزوم المتأخر عن الربح في هذه السنة بوجه؛ لعدم الفائدة بعد أن اشترى شيئاً بقيمته المتعارفة.

نعم ، في السنة اللاحقّة عندما يزول النقص؛ باعتبار استقرار البيع ترتفع القيمة، فيتحقّق موضوع الخمس، وهو الربح، ويكون من أرباح هذه السنة دون السنة السابقة، إن كانت العين قد أعدّها للتجارة، وإلاّ فلا يجب الخمس إلّا إذا باعها خارجاً، كما هو الشأن في سائر موارد ارتفاع القيمة السوقيّة.

وأمّا إذا كان الثمن المقرّر في البيع الخياري أقلّ من قيمة العين بوصف

ص: 154

كون البيع خياريّاً، كما لو اشترى عيناً بخمسة آلاف، وهي تساوي ثمانية آلاف بالبيع الخياري، فقد تحقّق الربح عند الشراء، سواء لزم البيع بعد ذلك أم لا؛ لجواز بيعه من شخص آخر بثمانية آلاف، فقد ربح فعلاً ثلاثة آلاف، فيجب خمسه، ويكون من أرباح هذه السنة، لا السنة الآتية، لكن يعتبر في العين كونها معدّة للتجارة.

وعليه فينبغي التفصيل في المسألة بين هاتين الصورتين، وإن كان الظاهر من عبارة الماتن: أنّ محل الكلام إنّما هي الصورة الأوّلى ، على ما هو المتعارف في البيع الخياري من الشراء بالقيمة العاديّة.

والظاهر تماميّة هذا الوجه، فليس الربح حينئذٍ للسنة السابقة ، لا واقعاً ولا ظاهراً.

والتحقّيق: أنّ هذا القول يرجع إلى القول الأوّل، ولكن بوجه آخر ، وهو عدم تحقّق موضوع الربح والفائدة واقعاً في سنة البيع، وإنّما يتحقّق في سنة الاستقرار ومضيّ الخيار.

وأمّا دليل القول الرابع فهو: أنّ الخمس متعلّق بحدوث الربح، فلا يعتبر فيه البقاء: كالجائزة والهبة.

وقد ظهر ضعفه ممّا تقدّم، وكذا ضعف قياس المقام بالجائزة والهبة.

وعلى فرض تحقّق الشك فهو شك في التكليف لا محالة، ومقتضى الأصل عدم وجوب الخمس، فالأقوى هو القول الثالث، والله العالم.

ص: 155

(مسألة 58): لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازماً ، فاستقاله البايع فأقاله ، لم يسقط الخمس، إلاّ إذا كان من شأنه أن يقيله، كما في غالب موارد بيع شرط الخيار إذا ردّ مثل الثمن [1].

إقالة البائع بعد لزوم البيع وتعلّق الخمس:

[1] الإقالة أمر مستحب مؤكّد عليه شرعاً، وتعني قبول الفسخ، وهي تارة تقع بعد انتهاء السنة، وأُخرى في أثنائها، ويقع الكلام في أنّ حكمها حكم خيار الفسخ أو لا؟ والذي يظهر من جماعة منهم السيّد البروجردي ((قدس سره)) سقوط الخمس مطلقاً: سواء أكان في أثناء السنة، أم بعد انتهائها، ويظهر من المحقّق الحائري ((قدس سره)) عدم السقوط مطلقاً(1).

والظاهر من الأكثر ولعلّه المشهور هو التفصيل بين ما إذا كانت الإقالة بعد انتهاء السنة، فلا يسقط الخمس، وبين ما إذا كانت في أثنائها، فيسقط إذا كان من شأنه الإقالة.

أمّا وجه عدم سقوط الخمس إذا حدثت الإقالة بعد انتهاء السنة فلأنّ الخمس قد ثبت عليه، فلا يجوز له التصرّف فيه بغير إذن أرباب الخمس ، فلا تصحّ منه الإقالة بمقدار الخمس من الربح إلّا مع إذنهم.

وأمّا إذا وقعت الإقالة في أثناء السنة: فإن كان من شأنه الإقالة عُدّ ذلك من

ص: 156


1- 193.العروة الوثقى 4: 283.

مؤونته، ويكون مستثنى من الأرباح.

ولعلّ نظر الماتن في سقوط الخمس إذا كان من شأنه الإقالة لهذه الصورة، أي: صورة وقوع الإقالة في أثناء السنة، لا بعدها، فيكون موافقاً للتفصيل المذكور.

والظاهر: أنّ هذا الوجه تام، وبذلك يظهر ما في القولين الآخرين.

ومن الغريب: أنّ السيّد البروجردي(قدس سره) التزم بثبوت الخمس وعدم سقوطه في مسألة الفسخ، والتزم بسقوط الخمس هنا في مسألة الإقالة(1)، مع أنّ الإقالة والفسخ من باب واحد، فكلاهما يشتركان في رفع اليد عن العقد من حينهما.

نعم، إذا كانت الإقالة ورفع اليد عن العقد من حين وقوع العقد يتمّ ما ذكره من سقوط الخمس لعدم تحقّق الفائدة عرفاً، وإلّا فلا.

ص: 157


1- 194.العروة الوثقى 4: 282 - 283.

(مسألة 59): الأحوط إخراج خمس رأس المال إذا كان من أرباح مكاسبه، فإذا لم يكن له مال من أوّل الأمر فاكتسب، أو استفاد مقداراً وأراد أن يجعله رأس المال للتجارة ويتّجر به، يجب إخراج خمسه على الأحوط، ثم الاتّجار به[1].

حكم رأس المال إذا كان من أرباح المكاسب:

[1] رأس المال على قسمين:

أحدهما: ما لا يحتاج إليه في أمر المعيشة، فيتّجر به لغرض الربح، وهذا لا يحتسب من المؤونة، وفيه الخمس بلا إشكال ولا خلاف.

وثانيهما: ما يحتاج إليه في أمر معاشه، وهل يعدّ من المؤونة فلا يجب فيه الخمس، أو لا يعدّ منها فيجب فيه؟ فيه أقوال:

القول الأوّل: أنّه من المؤونة مطلقاً.

القول الثاني: أنّه ليس من المؤونة مطلقاً.

القول الثالث: التفصيل بوجوه تأتي قريباً.

أمّا القول الأوّل فيظهر من جماعة منهم: الشيخ الأعظم(قدس سره)، تبعاً ل- «غنائم الأيّام»؛ فإنّه قال: والظاهر أنّه لا يشترط التمكّن من تحصيل الربح منه بالفعل، فيجوز صرف شيء من الربح في غرس الأشجار، لينتفع بثمرها ولو بعد سنين،

ص: 158

وكذلك اقتناء إناث أوّلاًد الأنعام لذلك»(1).ونحوه ما يظهر من المحقّق الهمداني، حيث قال: «ما يحتاج إلى الانتفاع به بالفعل في تعيّشه من بستان أو غنم ونحوهما لا يبعد أن يعدّ عرفاً من المؤونة، وكذا ما يحتاج إليه أرباب الصنايع في صنايعهم من الآلات والأدوات» (2).

وأمّا القول الثاني فهو الظاهر من صاحب «الجواهر»(قدس سره) ، حيث قال: «خصوصاً في رأس المال المحصّل للربح؛ فإنّ كلامهم كالصريح في عدم احتساب شيء منه في المؤونة»(3). ويظهر ذلك أيضاً من الماتن(قدس سره) ، حيث إنّه احتاط بإخراج الخمس.

وأمّا القول الثالث فهو التفصيل بوجوه:

أحدها: بين رأس المال الذي يحتاج إليه في إعاشة سنته، أو حفظ مقامه، بحيث إذا أخرج خمسه لزم التنزّل إلى كسب لا يفي بمؤونته، أو لا يليق بمقامه وشأنه، ويوجب مهانة له عرفاً، فيعدّ من المؤونة ، ولا يجب فيه الخمس، وبين ما لا يحتاج إليه في ذلك، فيجب فيه؛ لعدم صدق المؤونة عليه حينئذٍ، وقد اختاره جماعة منهم المحقّق النائيني والسيد البروجردي(قدس سرهما)(4).

وثانيها: بين رأس المال المعادل لمؤونة سنته والمحتاج إليه في إعاشته

ص: 159


1- 195.انظر كتاب الخمس: 201 ، وراجع غنائم الأيام 4: 331.
2- 196.مصباح الفقيه 14: 131.
3- 197.جواهر الكلام 16: 63.
4- 198.العروة الوثقى 4: 284.

ومؤونته، بحيث لم يكن له مال آخر يجعله رأس مال، أو لم يمكنه العيش بلا تجارة، فهذا داخل في المؤونة، ولا يجب فيه الخمس، وبين الزائد على مؤونة السنة، وفيه الخمس. وقد اختاره السيّد الأستاذ(قدس سره) (1).

وثالثها: التفصيل المتقدّم بإضافة قيد آخر، وهو أن لا يكون له مال آخر. اختاره الشهيد الصدر(قدس سره) في حاشيته على المنهاج(2).

وقد روعي في هذا التفصيل ثلاثة قيود، وهو أخصّ من التفصيلين المتقدّمين، كما أنّ التفصيل الثاني أخصّ من التفصيل الأوّل.

ومنشأ هذه الأقوال هو الاختلاف في المؤونة المستثناة من الأرباح: فهل تختصّ بما يصرف فعلاً في إعاشة نفسه وعياله من المأكل والمشرب والمسكن وغير ذلك من الأُمور اللائقة به، أو إنّها تشمل مع ذلك ما يصرفه فيما يتولّد منه إعاشة نفسه وعياله من تجارة أو صناعة أو زراعة ؟

وبعبارة أخرى: هل المؤونة هي خصوص المستهلكة بلا واسطة ، أو إنّها تشمل المستهلكة حتى مع الواسطة أيضاً ؟

وعلى التقدير الثاني هل تصدق المؤونة على ما تكون الواسطة فيها لائقة بشأنه، وإن لم تتوقّف الإعاشة في السنة عليها، أو يقتصر على ما يتوقّف عليه الإعاشة، ولم يكن زائداً على مؤونة سنته، أو يعتبر - إضافة إلى ذلك - عدم وجود مالٍ آخر يتعيّش به. وبناء على القول بأنّ المؤونة تشمل هذا المقدار

ص: 160


1- 199.المستند في شرح العروة الوثقى ، كتاب الخمس: 249.
2- 200.تعليقة الشهيد الصدر على منهاج الصالحين للسيد محسن الحكيم 1: 465 المسألة 35.

من الواسطة يكون المستثنى هو مؤونة السنة، لا مؤونة عمره وما دام حيّاً، فإذا حصّل مقداراً يفي بمؤونة سنته كما لو كان مصرفه في كل يوم ديناراً فحصل على ثلاثمائة وستّين ديناراً، فلا فرق بين أن يضعها في صندوق ويصرف منها كل يوم ديناراً، وبين أن يشتري بها سيارة - مثلاً - ويعيش بأُجرتها لكلّ يوم ديناراً؛ إذ الصرف في المؤونة لا ينحصر في صرف العين نفسها وإتلاف المال بذاته، بل المحتاج إليه هو الجامع بين صرف العين وصرف المنافع؛ لتحقّق الإعاشة بكل من الأمرين، فهو مخيّر بينهما، ولا موجب لتعيين الأوّل بوجه.

وعليه فلابدّ من التفصيل بين ما إذا كان محتاجاً إلى رأس المال ولم يكن له رأس مال آخر، بحيث توقّفت إعاشته اليوميّة على صرف هذا المال عيناً أو منفعة، فهذا المقدار لا يكون متعلّقاً للخمس، وبين غيره ففيه الخمس.

هذا، أو مع إضافة شيء آخر، وهو اعتبار عدم وجود مالٍ آخر يعيش به، ويصرفه في مؤونته، كما هو المذكور في التفصيل الأخير.

والظاهر: أنّ مقتضى إطلاقات أدلّة الخمس أو عمومها هو: أنّ الخمس متعلّق بمطلق الفائدة، ولكن استثني من ذلك بأدلّة أخرى ما يصرف في المؤونة، فيجوز للمكلّف تأخير الخمس إلى ما بعد المؤونة، وهذا المقدار واضح لا إشكال فيه.

إنّما الكلام في المؤونة المستثناة: فهل هي خصوص ما يصرفه المكلّف في حوائجه اليوميّة ويستهلكه مباشرة، أو هي الأعمّ منها، فتشمل ما يصرفه في الواسطة.

ص: 161

والأمثلة المذكورة في الروايات موردها القسم الأوّل من المأكل والمشرب والملبس وغيرها.

ولكن المورد لا يخصّص، فإذا استظهرنا أنّ المنصرف من المؤونة عند الشارع أو عند العرف هو الأعم بما يصرفه في حوائجه اليوميّة مباشرة وغيره، فيثبت القول الأوّل.

وأمّا إذا قلنا بأنّها ظاهرة في القسم الأوّل أو أنّها مجملة فلابد من الاقتصار على القدر المتيّقن من المستثنى المنفصل، وحينئذٍ يثبت القول الثاني.

وأمّا إذا قلنا - مع ذلك: إنّ المستفاد من لسان تلك الأدلّة هو الإرفاق بحال المكلّف، ومراعاة أن لا يقع في ضيق أو مهانة، فيثبت القول الثالث ، وهو التفصيل الأوّل؛ فإنّه يظهر من مثل قولهم(علیهم السلام): «بعد مؤونة الضيعة وخراج السلطان ومؤونته ومؤونة عياله، إذا أمكنه» أنّ ما زاد عن جميع مصارفه اللائقة بحاله - ومنها المسكن والخادم وغيرهما ممّا يكون مناسباً لشأنه - ففيه الخمس.

وكذا بالنسبة إلى كسبه اللّائق بشأنه، فلا يجب عليه التنزّل عن كسبه اللّائق بشأنه ، ولو كان ذلك بسبب دفعه الخمس من رأس المال الذي يتكسّب به، إذا كان في الكسب الأدون ضيق عليه أو مهانة.

وأمّا إذا قلنا بعدم ثبوت هذا النحو من الإرفاق، وإنّ المتيقّن هو الإرفاق من جهة المؤونة المستهلكة فحسب، فحينئذٍ يمكن اختيار التفصيلين الأخيرين؛ فإنّهما موافقان للاحتياط، خصوصاً التفصيل الأخير.

ص: 162

(مسألة 60): مبدأ السنة التي يكون الخمس بعد خروج مؤونتها حال الشروع في الاكتساب فيمن شغله التكسّب. وأمّا من لم يكن مكتسباً وحصل له فائدة اتفاقاً فمن حين حصول الفائدة [1].

نعم، الأحوط هو القول الثاني ، وهو إخراج الخمس من رأس المال مطلقاً.

ولكن لا يبعد أن يكون القول الثالث هو الأقوى في فرض وجود المصداق. أي إذا كان دون شأنه واقعاً.

مبدأ سنة المؤونة:

[1] هذه هي الجهة الثانية الراجعة إلى المؤونة ، وهي تعيين مبدأ السنة، والأقوال فيها أربعة:

الأوّل: أنّ مبدأ السنة هو أوّل زمان التكسّب: اختاره جماعة منهم الشهيد في «الدروس»(1) وصاحب«الحدائق»(2)، والشيخ(3) والماتن، وهو ظاهر البروجردي(4) وغيره(5)، ولعلّه المشهور بين المتأخرين.

ص: 163


1- 201.الدروس الشرعية 259:1.
2- 202.الحدائق الناضرة 354:12.
3- 203.كتاب الخمس: 201.
4- العروة الوثقى، 285:4.
5- 205.العروة الوثقى، 285:4.

الثاني: أنّه أوّل ظهور الربح. اختاره الشهيد الثاني في «الروضة» و«المسالك»(1)، وصاحب «المدارك»(2) ، ومال إليه صاحب «الجواهر» (3) ، واختاره السيد الأستاذ(قدس سره)(4).

الثالث: التفصيل بين ما إذا كان الربح تدريجيّاً يوماً فيوماً مثلاً ، فيكون المبدأ هو أوّل التكسّب، وبين غيره: كما في الزارع ومن كان لديه نخيل وأشجار أو أغنام ونحو ذلك، فمن حين حصول الربح. اختاره السيّد أبو الحسن الأصفهاني ، والسيّد الگلپايگاني(قدس سرهما) (5).

الرابع: التخيير بين جعل المبدأ أوّل الشروع، وبين جعله حين ظهور الربح. اختاره المحقّق الهمداني (قدس سره)(6).

هذا كلّه فيمن كان له مكسب وحصلت الفائدة عن طريق الاكتساب، وأمّا إذا حصلت له الفائدة اتفاقاً: كما في الجائزة والميراث الذي لا يحتسب - بناء على تعلّق الخمس بكل فائدة - فمن حين حصول الربح والفائدة بلا كلام.

ولا يخفى: أنّ هذه الجهة - أي: تعيين مبدأ السنة - جهة مستقلة ، لا تتوقّف على الجهة المتقدّمة، وهي كون المراد من السنة سنة الربح أو السنة الجعليّة؛

ص: 164


1- 206.مسالك الأفهام 468:1.
2- 207.مدارك الأحكام 5: 391.
3- 208.جواهر الكلام 82:16.
4- 209.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 250.
5- 210.العروة الوثقى 285:4.
6- 211.مصباح الفقيه 196:14.

إذ يمكن - على كلا التقديرين - أن يجعل مبدأ السنة أوّل ظهور الربح أو يجعله حين الشروع فيالاكتساب؛ فإنّه على التقدير الأوّل - وهو أن لكل ربح سنة - يمكن أن يقال: إنّ مبدأه حين الشروع في اكتساب كل ربح، كما أنّه يمكن أن يقال: إنّ المبدأ حين حصول الربح.

كما أنّه على التقدير الثاني - وهو جعل سنة واحدة لمجموع الأرباح - يمكن أن يقال: بأنّ المبدأ حين الشروع في الاكتساب ،كما يمكن أن يقال: إنّ المبدأ حين حصول الربح الأوّل.

والظاهر أنّ جلّ الأدلّة المتقدّمة من كلا الطرفين تأتي هنا.

ولذا فكلّ من قال بالأوّل وأنّ لكل ربح سنة التزم هنا بأنّ مبدأ السنة هو ظهور الربح ؛ بدليل ظهور الاستثناء في الفعليّة، وأنّه هو القدر المتيقّن من المخصّص المنفصل، وبدليل الاستظهار من بعض الروايات.

وأمّا من قال في تلك المسألة بجواز جعل السنة لجميع الأرباح فقد استدل هنا بما تقدّم من الروايات، و بأنّه هو المتعارف عند الناس.

وعلى هذا لا نرى وجهاً لإعادة ما تقدّم، وما ذكرناه هناك من أنّ الأقوى هو قول المشهور كان استناداً إلى ما استظهرناه من الروايات كصحيحة أبي علي بن راشد وغيرها الدالّة على جعل سنة المؤونة من أوّل الشروع في الاكتساب، وقد مرّ أنّ الظاهر من المؤونة في تلك الروايات هو مطلق المؤونة سواء كانت سابقة على الربح أم لاحقّة، فتكون دليلاً في المقام أيضاً على القول الأوّل، كما اختاره الماتن(قدس سره).

ص: 165

(مسألة 61): المراد بالمؤونة - مضافاً إلى ما يصرف في تحصيل الربح - ما يحتاج إليه لنفسه وعياله في معاشه بحسب شأنه اللّائق بحاله في العادة من: المأكل والملبس والمسكن ، وما يحتاج إليه لصدقاته وزياراته وهداياه وجوائزه وأضيافه، والحقّوق اللّازمة له بنذر أو كفارة أو أداء دين أو أرش جناية أو غرامة ما أتلفه عمداً أو خطأ، وكذا ما يحتاج إليه من دابّة أو جارية أو عبد أو أسباب أو ظرف أو فرش أو كتب، بل وما يحتاج إليه لتزويج أوّلاًده أو ختانهم، ونحو ذلك مثل ما يحتاج إليه في المرض وفي موت أوّلاًده أو عياله، إلى غير ذلك ممّا يحتاج إليه في معاشه. ولو زاد على ما يليق بحاله ممّا يعدّ سفهاً وسرفاً بالنسبة إليه لا يحسب منها [1].

ويستفاد من تلك الروايات أيضاً عدم الوجه في التفصيل بين كون الربح تدريجيّاً وبين غيره.

المراد بالمؤونة:

[1] هذه هي الجهة الثالثة المبحوثة في المؤونة، وهي تتضمّن ثلاث نقاط:

الأوّلى: ما يتعلّق بمؤونة التحصيل على نحو الإطلاق.

الثانية: ما يتعلّق بما يحتاج إليه ويصرفه على نفسه وعياله في معاشه بحسب شأنه اللّائق بحاله، وما يحتاج إليه لصدقاته وزياراته وغير ذلك.

ص: 166

الثالثة: ما يتعلّق بما يتلفه عمداً أو خطأ.

أمّا النقطة الأوّلى - وهي البحث في مؤونة التحصيل - فلا إشكال في استثنائها؛ بمقتضى القاعدة والأدلّة الخاصّة، بلا فرق بين طول المدّة وقصرها، فكل ما يصرف في تحصيل المؤونة يكون خارجاً عن وجوب الخمس.

ومؤونة التحصيل على قسمين:

أحدهما: ما يحصل بالمباشرة.وثانيهما: ما يحصل بالتسبيب.

والأوّل: ما يصرف لتحصيل الربح حين الاشتغال والتكسّب من نفقات السفر كالزاد والراحلة للتجار ومن إجارة الدكّان وما يستهلك من الآلات.

وهذا القسم يعدّ من المؤونة، وهي المستثناة من الربح بلا كلام، بل إنّ الربح في الحقّيقة لا يصدق إلّا على ما زاد عنها.

والثاني: ما يصرف في سبيل مقدمات التحصيل، كأن يسافر إلى بلد آخر غير بلده؛ ليجد عملاً، أو يعطي مبلغاً من المال لشخص ؛ ليبيع له بضاعته.

والظاهر من الأعلام شمول المؤونة لكلا القسمين، فالقسمان داخلان في المؤونة ، فيشملهما الاستثناء ، كما لا يخفى.

وقد يقال: إنّ الداخل في المؤونة هو خصوص القسم الأوّل، وهو ما يصرف على العمل مباشرة حين يشرع فيه.

وأمّا ما يصرف مقدّمة للوصول إلى الربح فلا تصدق عليه مؤونة العمل

ص: 167

أو الربح.

ولكنّ الظاهر عدم الفرق بينهما في صدق المؤونة للتحصيل عرفاً.

وعلى فرض عدم إحراز ذلك بتنقيح المناط يقال: إنّ الظاهر من الإطلاق أنّ الربح هو ما زاد عمّا صرفه في سبيل تحصيل الربح سواء كان من القسم الأوّل أم من القسم الثاني.

وأمّا النقطة الثانية: وهي البحث في مؤونة نفسه وعياله، فتارة يكون ما يصرفه من مؤونة في الأُمور الدنيويّة، وأُخرى في الأُمور الأُخرويّة.

أمّا الأوّل فيتقيّد بقيدين:

أحدهما: أن يكون الصرف لائقاً بشأنه.

وثانيهما: أن لا يكون الصرف إسرافاً.

ويحتمل أن يكون القيدان قيداً واحداً، ويكون القيد الثاني توضيحيّاً، كما يحتمل أن يكون احترازيّاً، فإنّ ما يكون خارجاً عن شأنه قد يكون إسرافاً في بعض الموارد، وقد لا يعد إسرافاً في موارد أخرى، وعلى كل تقدير يستثنى هذا المقدار، وهذا الاستثناء هو مقتضى الأدلّة الواردة الدالّة على استثناء المؤونة على نحو الإطلاق وعدم تحديدها، فتنصرف إلى ما هو المتعارف عند العرف، كما هو الشأن في كل مورد ينصبّ فيه الحكم على موضوع غير محدّد شرعاً، فإنّه لابدّ من الرجوع في تحديده إلى العرف، والمؤونة من هذا القبيل كما لا يخفى، فكل ما عدّ من أسباب جلب المنافع ودفع المكروه يعدّ من المؤونة بحسب العرف.

ص: 168

فإذا كان ما أعدّه للمؤونة لائقاً بشأنه حُسب من المؤونة، سواء كان ذلك لنفسه أو لعياله من مسكن وملبس وغيرهما.

وأمّا إذا كان ما أعدّه للمؤونة غير لائق بشأنه وزائداً عمّا يناسب شأنه بحيث يعدّ سفهاً فإنّ عدم عدّه من المؤونة المستثناة من الظهور بمكان، للانصراف وعدم إذن الشارع المقدّس في هذا النوع من الصرف؛ لكونه إسرافاً، فيقتصر على القدر المتيقّن في الاستثناء، وهو ما ليس فيه سفه ولا إسراف.

فهذان القيدان يعتبران في القسم الأوّل وهي المؤونة في الأمور الدنيويّة.

وأمّا القسم الثاني وهو ما يصرفه المكلّف في الأعمال والأمور الراجعة إلى الآخرة فهو نوعان:الأوّل: الواجبات، كالحجّ والعمرة الواجبين وغيرهما من الواجبات الماليّة.

والثاني: المستحبّات كالحجّ والعمرة المستحبين والزيارات للعتبات العاليات، والصدقات والهدايا، وبناء المساجد والمدارس وأمثال ذلك من المستحبات الماليّة.

أمّا الواجبات الماليّة فلا إشكال في دخولها في المؤونة المستثناة، بلا قيد ولا شرط.

وأمّا المستحبات فقد استشكل بعضهم في دخولها في المؤونة المستثناة، كصاحب المناهل وتبعه في ذلك صاحب المستند، حيث قال: «وكذا تظهر صحّة استشكال بعض الأجلّة في احتساب الصلة والهدية اللّائقان بحاله، وقال: إنّه لا دليل على احتسابه.

ص: 169

وكذا ترديده في مؤنة الحجّ المندوب وسائر سفر الطاعة المندوبة.

وهما في موقعهما، بل الظاهر عدم كونها من المؤنة، وهو كذلك، فلا يحتسب إلاّ مع دعاء الضرورة العاديّة إليهما» (1).

وعن جماعة - كما يظهر من الماتن، وصريح غيره، ولعلّه المشهور - التفصيل بين ما كان بحسب شأنه وما يليق بحاله في العادة فيستثنى ويُعدّ من المؤن، وبين غيره فلا يُعدّ من المؤن ولا يستثنى.

وعن بعضهم كالسيّد الأستاذ(قدس سره) أنّ الأعمال الأُخرويّة كلّها من شأن المسلم، فإنّ له القيام بكل عمل قربي، والتصدّي للمستحبات الشرعيّة امتثالاً للأمر الإلهي وابتغاءً لمرضاته وطلباً لجنّته، فالكل مفتقر إلى رضوان الله تعالى، فهي تناسب الجميع، ولا معنى للتفكيك بجعله مناسباً لشأن مسلم دون آخر، فلو صرف أحد جميع وارداته بعد إعاشة نفسه وعائلته ممّا زاد عن مؤونته ومؤونة عياله في سبيل الله ذخراً للآخرة ولينتفع به بعد موته كان ذلك من الصرف في المؤونة، ولا يعدّ ذلك إسرافاً بوجه بعد أمر الشارع المقدّس بذلك(2).

والظاهر تماميّة ما ذكره(قدس سره)؛ فإنّ المراد من المؤونة - كما ذكرناه - هي كل ما يحتاج إليه الإنسان في جلب المصالح ودفع المضار عن نفسه، وعمل الخيرات والمبرّات كلّها من مصاديق جلب المنافع، فكيف لا تعدّ من المؤونة.

هذا في الصرف المجاز من الشارع المقدّس والمعدود من المؤونة.

ص: 170


1- 212.مستند الشيعة 10: 67.
2- 213.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 253.

وأمّا غيره فلابد من مراجعة العرف فيه.

وأمّا النقطة الثالثة: وهي البحث في النذور والكفارات وأروش الجنايات وما يتلفه عمداً أو خطأ، فالظاهر مجيء القيدين السابقين فيها أيضاً، فلابد من كونها بحسب شأنه، وأن لا تعد سفهاً ولا سرفاً. وإن كان من المحتمل عدم ذلك.

وتفصيل المقام أن نقول:

أمّا بالنسبة للنذور فإن كانت من شأنه ولائقة بحاله فلا إشكال في دخولها في المؤونة. وأمّا البواقي وهي الكفارات والأروش والغرامات فإن كانت عن خطأ فهي أيضاً داخلة في المؤونة ولا كلام فيها.

وأمّا إذا كانت عن عمد كما إذا أفطر عمداً أو أتى بالتروك عمداً في الحجّ أو جنى على شخص عمداً أو أتلف مال الغير، كما إذا ألقى ماله في البحر عمداً فهل تحسب من المؤونة حينئذٍ أو لا؟

الظاهر من المشهور هو الاحتساب لعدم التعليق على كلام الماتن من أحد من المحشّين، والوجه في ذلك هو أنّه بعد تعلّق هذه الأمور بذمّة المكلّف يكون تفريغها من جملة المؤونة، بل من أهمّها، وهذا لا ينافي كون أصل صدور العمل من المكلّف محرّماً وبدون إذن الشارع، ويلاحظ حاله بعد ذلك، فبعد اشتغال ذمّته ووجوب تفريغها عن آثار هذه الأمور تعدّ من المؤونة بلا إشكال.

ولكن يظهر من الجواهر الاستشكال في ذلك حيث قال: «وكذا الإشكال

ص: 171

في احتساب أروش جناياته وقيم متلفاته العمديّة منها، بخلاف الخطائيّة، وإن كان قد يدفع بأنّه من الديون التي قد عرفت احتسابها من المؤونة، بل هي ممّا يحتاجه الناس في كثير من الأوقات، بل هو من أعظم مؤنهم» (1).ويمكن أن يقال في وجه ذلك: إنّ ما فعله المكلّف حيث كان حراماً وغير مأذون من الشارع المقدّس فما يترتّب عليه من الدين على ذمّته بحكم الدين الذي تعلّق به سفهاً وإسرافاً، فهو خارج عن المؤونة المعتادة بغير سفهٍ وإسرافٍ.

وبذلك يشكل عدّه من المؤونة المقيّدة بكونها معتادة بغير سفه وإسراف، فمقتضى القاعدة مع الشك هو الأخذ بالقدر المتيقّن من المؤونة وهو غير هذه الموارد المذكورة.

وهذا الوجه وجيه، ولا أقلّ من الاحتياط في المسألة.

وأمّا الكلام في الدين فسيأتي تفصيله في المسألة (2).

ص: 172


1- 214.جواهر الكلام 16: 62.
2- 71.تهذيب الأحكام 4: 124 الحديث 397، والاستبصار 2: 80 الحديث 198 مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 9: 501 ، الباب 8 من أبواب وجوب الخمس، الحديث 5 مع اختلاف يسير.

(مسألة 62): في كون رأس المال للتجارة مع الحاجة إليه من المؤونة إشكال، فالأحوط كما مرّ إخراج خمسه أوّلاً، وكذا في الآلات المحتاج إليها في كسبه مثل آلات النجارة للنجّار وآلات النساجة للنسّاج وآلات الزراعة للزرّاع، وهكذا، فالأحوط إخراج خمسها أيضاً أوّلاً[1].

الآلات المحتاج إليها في الكسب:

[1]سبق الكلام بالنسبة لرأس المال مفصّلاً، ونفس الكلام يأتي في الآلات المحتاج إليها، فلا نعيد.

ص: 173

(مسألة 63): لا فرق في المؤونة بين ما يصرف عينه فتتلف مثل المأكول والمشروب ونحوهما، وبين ما ينتفع به مع بقاء عينه مثل الظروف والفرش ونحوها، فإذا احتاج إليها في سنة الربح يجوز شراؤها من ربحها وإن بقيت للسنين الآتية أيضاً [1].

أقسام المؤونة:

[1] المؤونة على خمسة أقسام:

تارة لا تبقى عينها وأخرى تبقى.

وعلى الثاني تارة لا يستغنى عنها في نفس السنة، وهذه على قسمين:

أحدهما: ما يحتاج إليه في السنين اللاحقّة كالفرش والمسكن.

وثانيهما: ما يستغنى عنها في بعض السنين اللاحقّة كالحلي الذي تستغني عنه المرأة بعد أيام شبابها.

وأخرى يستغنى عنها في نفس السنة، وهي أيضاً على قسمين:

أحدهما: ما يكون احتياجه إليها في مدة قصيرة كيوم أو بعض يوم.

وثانيهما: ما يكون احتياجه إليها في مدّة طويلة كشهر أو أكثر.

أمّا القسم الأوّل - وهو ما كانت المؤونة فيه غير باقية العين - فهو مستثنى من الخمس بلا إشكال، وهو القدر المتيقّن من استثناء المؤونة.

ص: 174

وأمّا القسمان الثالث والخامس: فيأتي حكمهما في المسألة رقم (1) ، حيث تعرّض الماتن لحكمهما بالتفصيل.وأمّا القسم الرابع - وهو ما استغني فيه عنها في نفس السنة، وكان الاحتياج إليه في مدة قصيرة - فهذا غير مستثنى، لأنّ شراء مثل هذا الشيء لمدّة قصيرة جداً لا يحسب من المؤونة عادة، كما أنّ مقتضى العادة هي استعارته للانتفاع به، فيكون شراؤه خلاف العادة، فلا يكون داخلاً في المؤونة المعتادة.

وأمّا القسم الثاني - وهو ما بقيت فيه العين ولم يستغن عنها في السنوات اللاحقّة - فالمشهور والمعروف هو عدم وجوب الخمس فيه، فيستثنى.

ولكن ربّما يظهر الإشكال فيه من الجواهر بقوله: «نعم قد يقال: إنّ ظاهر تقييد المؤونة بالسنة يقتضي وجوب إخراج خمس ما زاد منها عليها من غير فرق بين المأكل وغيره من ملبس أو فرش أو أواني أو غير ذلك، إلاّ المناكح والمساكن، فإنّها إذا أُخذت من ربح سنة لا يجب إخراج خمسها بعد السنة، بخلاف غيرهما فإنّه يجب إخراج خمس الجميع بعد السنة، ولعلّه لهذا استثنيت المناكح والمساكن كما ستسمع الكلام فيهما دون غيرهما، لإطلاق أدلّة الخمس المقتصر في تقييدها على المتيقّن، وهو مؤونة السنة» (2).

وقال في مسألة التحليل: «ويمكن أن يراد باستثناء المناكح والمساكن أنّه لا بأس باتخاذهما من الربح في أثناء السنة، وإن تعلّق به الخمس، وأنّه لا

ص: 175


1- 67.تفسير المنار 5: 294 ولكن ورد فيه (من رزقه وفواضل نعمه) ، والتفسير الكبير 11: 5.
2- 215.جواهر الكلام 16: 64 - 65.

يجب إخراجه بعد السنة بخلاف غيرهما من المؤن، فإنّه لا يستثنى له إلاّ مقدار السنة، ويجب عليه الخمس فيها بعد السنة، كما أشرنا إليه في بحث المؤونة» (1).

وبالجملة فبما نقلناه من كلامه(قدس سره) يظهر الوجه فيما ذكره. ، وقد استدل على قول المشهور بوجوه:

أحدها: أنّ ذلك هو مقتضى القاعدة، وهي أصالة عدم وجوب الخمس لهذا الشيء، سواء قلنا إنّ الأصل هو البراءة، أو استصحاب عدم الخمس، فإنّه قبل انقضاء السنة لم يجب فيه الخمس قطعاً فيستصحب عند الشك.

الثاني: أنّ الخارج عن أدلة وجوب الخمس هي المؤونة على نحو الإطلاق، وإنّما قيّدت بالسنة من جهة التبادر والإجماع، وهما لا يجريان في المقام، فإنّه بعد بقاء الاحتياج وعدم خروج الشيء عن كونه مؤونة يبقى خارجاً عن أدلّة الخمس، ولا يكون مشمولاً لأدلتها.

الثالث: أنّه لا دليل على دخول الفرد المخصّص بعد خروجه عن العام، وتفصيل ذلك: إنّه تارة يكون التخصيص أفراديّاً، كما إذا خصّص زيد من «أكرم العلماء» ، فإنّه إذا خرج ولو في زمان واحد يؤخذ بإطلاق دليل المخصّص المقدّم على عموم العام؛ لعدم لزوم زيادة في التخصيص على التخصيص المعلوم، فلا مجال للتمسّك بعموم العام حينئذٍ.

وأخرى يكون التخصيص أزمانيّاً، وهو على قسمين:

ص: 176


1- 216.جواهر الكلام 16: 154.

فإنّه تارة يلاحظ الزمان ظرفاً لاستمرار الحكم، فالثابت على كل فرد من العام حكم واحد مستمر لا أحكام متعدّدة انحلاليّة، وفي هذا القسم لا مجال للتمسّك بالعام أيضاً، حتى إذا لم يجر الاستصحاب في نفسه بالنسبة للمخصّص، إذ لا يلزم من استدامة الخروج تخصيص آخر زائداً على ما ثبت أوّلاً.

وأخرى يلاحظ الزمان قيداً مفرّداً، وأنّ كل زمان فرد مستقل للعام في قبال الزمان الآخر، وفي هذا القسم يكون المرجع هو عموم العام فيما عدا المقدار المتيقّن من التخصيص، حتى إذا جرى استصحاب التخصيص في نفسه، مع أنّه غير جارٍ لتعدّد الموضوع.

والحاصل: أنّه إذا كان التخصيص أزمانيّاً بأن تكفّل دليل المخصّص الإخراج في زمان خاص فيصحّ الرجوع إلى العام، وإلّا فلا.

إذا تقرر هذا فنقول:إنّ الظاهر من قوله(علیه السلام): «الخمس بعد المؤونة» - الذي هو بمنزلة المخصّص لعموم ما دلّ على وجوب الخمس في كلّ فائدة - أنّ هذا الفرد من الفائدة - أعني ما يحتاج إليه في مؤونة السنة - خارج عن عموم الدليل.

والظاهر أنّه تخصيص أفرادي لا أزماني.

وعلى فرض التسليم بكون الخروج بلحاظ الزمان فهو من القسم الأوّل الذي يكون الزمان فيه ظرفاً للمخصّص لا مفرّداً له، فإذا سقط الحكم - والحال هذه - عن فردٍ في زمان بدليل التخصيص احتاج عوده إلى دليل

ص: 177

آخر، بل يؤخذ بإطلاق دليل المخصّص إذا كان له إطلاق، والإطلاق هنا هو عبارة عن المؤونة المستثناة، سواء أكانت باقية للسنوات اللّاحقّة أم لم تكن باقية، فهذا الإطلاق أيضاً يقتضي عدم وجوب الخمس.

هذه هي عمدة الوجوه، وهناك وجوه أخرى ليست بمهمة.

وقد وقعت هذه الوجوه مورداً للمناقشة:

أمّا الوجه الأوّل: فبأنّه إنّما يؤخذ بالأصل إذا لم يكن دليل لفظي في البين؛ من إطلاق أو عموم، ومع فرض وجود إطلاقات أدلّة وجوب الخمس في كل فائدة لا تصل النوبة إلى الأصل.

وأمّا الوجه الثاني: فبأنّ ظاهر أدلّة استثناء المؤونة أنّه لا إطلاق لها في نفسها لأكثر من جواز إخراج مؤونة السنة، بلا حاجة إلى الإجماع والتبادر، فيكون المرجع في الزائد عموم الخمس في كل فائدة، فتكون مشمولة لأدلّة وجوب الخمس.

وأمّا الوجه الثالث: فبأنّ الظاهر من التخصيص أنّه من القسم الثالث، وعلى فرض الشك ودوران الأمر بين الأوّلين وبين الثالث يتعيّن الثالث؛ لأنّه أقلّ تصرّفاً وتقييداً، فالخارج عن الخمس هي المؤونة ما دامت مؤونة، فهي قد لوحظت في الاستثناء حدوثاً وبقاءً، فما دام العنوان صادقاً على شيء أنّه من المؤونة يكون خارجاً عن أدلّة وجوب الخمس، وما لم يصدق عليه ذلك العنوان فهو داخل فيما يجب فيه الخمس.

وبما أنّه قد أُخذ في موضوع الحكم - وهو إخراج مؤونة السنة - فالحكم

ص: 178

دائر مدار هذا العنوان وجوداً وعدماً، فإذا خرج الشيء عن كونه مؤونة للسنة فلا يكون مشمولاً لدليل الاستثناء، ويكون داخلاً في أدلّة وجوب الخمس.

هذه هي أهم المناقشات.

ولكنّ الظاهر عدم تماميّة هذه المناقشات؛ وذلك لأنّ هذه الأمور من الأواني والفرش وغيرها ممّا يحتاج إليها الفرد في معيشته ولا يستغني عنها فهي من مؤونته ومن شؤونه، ومع فرض الاحتياج وعدم الاستغناء عنها في السنوات الآتية، يعتبر اقتناؤها وإبقاؤها من مؤونته وشؤونه في هذه السنة عرفاً، فهي نظير ما يسمى - في بعض البلاد - بالجهيزيّة التي لابد من تهيئتها وتحصيلها بمرور الأيام حتى يأتي وقتها في السنوات الآتية فتصرف لإعانة البنت في زواجها فإنّها من المؤونة عرفاً.

فكما أنّها تحسب من مؤونته وشؤونه فعلاً، مع عدم كونها مورداً للاحتياج لها فعلاً، فكذلك بالنسبة إلى الأمور المذكورة من أثاث البيت، والمركب، والمسكن، والتي يحتاج إليها فعلاً ويبقى احتياجه إليها في السنوات اللّاحقّة أيضاً.

فتعدّ هذه الأمور من مؤونته وشؤونه فعلاً بطريق أولى، وعلى هذا هي غير خارجة عن كونها مؤونة حتى ترد الوجوه المتقدمّة.

ولعلّ هذا هو السرّ في عدم شمول التبادر والإجماع المقيّدين للمؤونة بالسنة في مثل هذه الأمور.

نعم، مع فرض الاستغناء عنها يمكن أن تأتي الوجوه المتقدّمة إثباتاً ونفياً، كما يأتي في المسائل القادمة إن شاء الله تعالى.

ص: 179

(مسألة 64): يجوز إخراج المؤنة من الربح وإن كان عنده مال لا خمس فيه بأن لم يتعلّق به أو تعلّق وأخرجه، فلا يجب إخراجها من ذلك بتمامها ولا التوزيع وإن كان الأحوط التوزيع، وأحوط منه إخراجها بتمامها من المال الذي لا خمس فيه. ولو كان عنده عبد أو جارية أو دار أو نحو ذلك ممّا لو لم يكن عنده كان من المؤنة لا يجوز احتساب قيمتها من المؤنة وأخذ مقدارها، بل يكون حاله حال من لم يحتج إليها أصلاً[1].

المال الذي يجوز إخراج المؤونة منه:

[1] هذه المسألة تتضمّن فرعين:

الفرع الأوّل: إذا لم يكن للمكلّف مال آخر، فلا ريب في جواز إخراج المؤونة من الربح، وأمّا إذا كان له مال آخر فتارة لم تجر العادة بصرفه في المؤونة كالدار والبستان ورأس المال وأمثال ذلك، فحكمه كالأوّل فيجوز إخراج المؤونة من الربح.

وأخرى يكون له مال زائد يمكن صرفه في المؤونة، فهل يجوز إخراجها من الربح بتمامها أو يتعيّن إخراجها من المال الآخر بتمامها أو لابدّ من التوزيع؟ فيه أقوال:

القول الأوّل: جواز إخراجها من الربح، نسب إلى المشهور، منهم المحقّق

ص: 180

الثاني وصاحب المدارك والكفاية والذخيرة وشارح المفاتيح(1) ، واستجوده في الحدائق(2) وقوّاه في الجواهر(3) ، وكذلك الشيخ الانصاري(قدس سره) وغيرهم من المتأخرين.

القول الثاني: تعيّن إخراجها من المال الآخر، وهو ظاهر المحقّق الأردبيلي(4).

القول الثالث: لزوم التوزيع، وإخراجها منهما بالنسبة، فتخرج المؤونة من جميع ما يملك من الربح والمال الآخر بنسبتهما من النصف أو الثلث ونحوهما، فلو كانت المؤونة خمسين والربح مائة والمال الآخر أيضاً مائة يخرج نصف المؤونة من الربح والنصف الآخر من المال الآخر، وهكذا حسب اختلاف النسب، نسب إلى الدروس (5) والمسالك(6).

واستدل على الأوّل بأصل البراءة عن وجوب الصرف من المال الآخر وإطلاقات الأدلّة؛ فإنّ ما دلّ على أنّ الخمس بعد المؤونة مطلق يشمل ما إذا كان له مال آخر أو لم يكن.

ولا وجه لدعوى انصرافها إلى صورة الاحتياج وعدم مال آخر، فإنّ الظاهر من تلك الأدلّة هو أنّ العبرة بالاحتياج إلى الصرف، وهي متحقّقة، وأمّا أنّ

ص: 181


1- 217.راجع كتاب الخمس للشيخ الانصاري: 204 ، وانظر جواهر الكلام 16: 63.
2- 218.الحدائق الناضرة 12: 354.
3- 219.جواهر الكلام 16: 63.
4- 220.مجمع الفائدة والبرهان 4: 318.
5- 221.الدروس الشرعيّة 1: 259.
6- 222.مسالك الأفهام 1: 465.

الاحتياج مسوّغ للصرف في المؤونة من خصوص الربح فلا دلالة فيها على ذلك، بل هي مطلقة من هذه الجهة، وتدل على أنّه يجوز صرف الربح في المؤونة مع الاحتياج سواء كان له مال آخر أم لا.

فما استدلّ به المحقّق الأردبيلي(قدس سره) - من أنّ ما دلّ على جواز صرف الربح في المؤونة ضعيف السند، وأنّ اعتبار المؤونة ثابت على تقدير الاحتياج بالإجماع ودليل نفي الضرر، وأمّا مع عدم الحاجة لوجود مال آخر فلا إجماع، وأنّ مقتضى إطلاق أدلّة الخمس إخراجه من غير استثناء ، ومع قطع النظر عن المناقشة في السند فالدليل منصرف إلى صورة الاحتياج - لا يخلو من تأمّل وهو: -

أمّا ما ذكره من ضعف سند ما دلّ على المؤونة، فهو بلا وجه، لما تقدّم من صحّة أسانيد أكثر تلك الأدلّة. ومعه لا يحتاج استثناء المؤونة إلى التمسّك بالإجماع أو دليل نفي الضرر.

وأمّا ما ذكره من الانصراف فقد تقدّم عدم تماميّة ذلك.

وأضعف منه ما استدل به على القول الثالث؛ من أنّ مقتضى قاعدة العدل والإنصاف هو التوزيع بين الربح وبين المال الآخر، وذلك لما تقدّم مفصّلاً من أنّ هذه القاعدة وإن كانت ثابتة إلاّ أنّها في موارد معيّنة، وهي الشبهات الموضوعيّة، فلا تجري في الشبهات الحكميّة والتي منها محل الكلام.

مضافاً إلى أنّه إذا قلنا بتماميّة إطلاقات أدلّة الاستثناء فلابد من اختيار القول الأوّل، وجواز صرف تمام المؤونة من الربح، وإذا قلنا بعدم تماميّتها فلابد من اختيار القول الثاني، وصرف جميع المؤونة من المال الآخر، فلا

ص: 182

يبقى وجه للقول بالتوزيع مستنداً للقاعدة.

الفرع الثاني: إذا كان عنده عبد أو جارية أو دار أو نحو ذلك من المؤن، فهل يجوز له احتساب قيمتها وأخذ مقدارها من المؤونة أو لا؟

ولهذا الفرع أقسام ثلاثة؛ فإنّه تارة يكون قد اشترى تلك الأشياء من مالٍ آخر لم يكن معدّاً للصرف كرأس المال.

وأخرى يكون قد اشتراها من مال آخر معدّ للصرف كالمال الزائد.

وثالثة تحصل عنده بغير الشراء كالإرث والهديّة والصداق، إذا قلنا بعدم تعلّق الخمس بها.

أمّا القسم الأوّل فلا إشكال في جواز احتسابها من الربح، كما تقدّم في الفرع السابق، ولعلّه المتعارف عند التجار؛ فإنّهم يصرفون من المال المخلوط المكوّن من رأس المال ومن الأرباح إلى آخر السنة، ثم ينقصونها من الربح بعد الحساب.

وأمّا القسم الثاني فالظاهر أيضاً أنّ حكمه حكم الأوّل فيجوز احتسابها من المؤونة، وهو قول كل من قال بجواز الصرف من الربح مع وجود مالٍ آخر له.

إنّما الكلام في القسم الثالث، فإنّ الظاهر من الجواهر والشيخ الانصاري(1) وأكثر المحقّقين كالماتن والمعلّقين على العروة(2) هو عدم جواز احتساب

ص: 183


1- 223.جواهر الكلام 16: 64 ، كتاب الخمس: 95 و 206.
2- 224.العروة الوثقى 4: 287.

مقابلها من الربح.

أمّا الدليل على قول المشهور فيظهر من الجواهر ومن الشيخ الانصاري(قدس سرهما):

قال في الجواهر: «نعم قد يقوى عدم احتساب ما عنده من دار وعبد ونحوه ممّا هو من المؤونة إن لم يكن عنده من الأرباح، لظهور المؤونة في الاحتياج وإرادة الإرفاق، فمع فرض استغنائه عن ذلك ولو بسبب انتقالٍ بإرث ونحوه ممّا لا خمس فيه، وقد بنى على الاكتفاء به يتّجه حينئذٍ عدم تقرير احتساب ذلك من المؤونة، بل قد يتّجه مثله في ربح مال مَن قام غيره بمؤونته لوجوب شرعي كالزوجة أو تبرّع قد رضي المتبرّع له به، كما أنّ المتّجه الاكتفاء بما بقي من مؤن السنة الماضية ممّا كان مبنيّاً على الدوام كالدار والعبد ونحوهما بالنسبة إلى السنة الجديدة، فليس له حينئذٍ احتساب ذلك وأمثاله من الربح الجديد...» (1).

وقال الشيخ الانصاري: «ولو تبرّع متبرّع بمؤنته فالظاهر عدم وضع مقدار المؤونة، لما سيجيء من أنّ العبرة بما ينفقه فعلاً، بل كذلك لو اختار المؤونة كلّاً أو بعضاً من المال الآخر غير المخمس، فليس له الاندار من الربح، وما تقدّم من اختيار إخراج المؤونة من الربح فمعناه جواز الإخراج من الربح، لا استثناء مقابل المؤونة من الربح وإن أخرجها من غيره، أو أسقطها مسقط تبرّعاً، أو تركها الشخص تقتيراً» (2).

والمستفاد من كلامهما(قدس سرهما) أنّ المستند لعدم الاحتساب وجهان:

ص: 184


1- 225.جواهر الكلام 16: 64.
2- 226.كتاب الخمس: 206.

الوجه الأوّل: إنّ الظاهر في الاستثناء هو ما يحتاج إليه، ومع وجود الأمور المذكورة يكون مستغنياً غير محتاج.

والوجه الثاني: إنّ ظاهر دليل استثناء مقدار الربح الراجع للمؤونة هو خصوص ما يصرف ويبذل لتحصيلها، لا استثناء مقدارها مطلقاً.

وهذان الوجهان ذكرهما في المستمسك أيضاً وقال بأنّهما يفترقان في أنّ مقتضى الوجه الأوّل هو المنع من شراء دار أخرى للسكنى مثلاً، إذا كان مستغنياً بداره الموجودة، والثاني لا يمنع من ذلك، ويشتركان في عدم جواز احتساب قيمة ما يجده من المؤن(1).والحاصل: أنّه مع وجود هذه الأعيان وتملّكها والاستغناء بها لا يبقى موضوع للمؤونة، فلا مقتضي للإخراج من الربح.

وأمّا إخراج المقدار وقيمتها فلا دليل عليه، لأنّ المستفاد من الأدلّة - كما يأتي في المسألة الآتية - هي المؤونة الفعليّة لا التقديريّة.

ثم على فرض الإجماع والقول بعدم ظهور الأدلّة في ذلك فإنّ مقتضى الأصل هو إطلاقات أدلّة الخمس، والاكتفاء في المخصّص المنفصل بالمقدار المتيقّن وهي المؤونة الفعليّة دون غيرها.

فالظاهر أنّ ما أفاده الماتن(قدس سره) - وهو القول المشهور - هو الأقوى، مع أنّه أحوط.

ص: 185


1- مستمسك العروة الوثقى 9: 541.

(مسألة 65): المناط في المؤونة ما يصرف فعلاً لا مقدارها، فلو قتّر على نفسه لم يحسب له. كما أنّه لو تبرّع بها متبرّع لا يستثنى له مقدارها على الأحوط. بل لا يخلو عن قوة [1].

المناط في المؤونة:

[1] تقدّم أنّ الظاهر من استثناء المؤونة هو ما يصرفه المكلّف على نفسه وعياله فعلاً لا تقديراً كما هو شأن كل عنوان أُخذ في موضوع الحكم؛ فإنّ قوله(علیه السلام): «الخمس بعد المؤونة» أو «بعد مؤونة نفسه وعياله» ظاهر فيما يصرفه المكلّف على نفسه وعياله فعلاً، ويتفرّع على ذلك فروع ثلاثة:

أحدها: ما تقدّم من أنّه إذا كان عنده أشياء لا يحتاج إليها، وكان بحيث لو لم تكن عنده لصرف ممّا عنده فيها، فهذا الصرف تقديري، ولا يحسب من المؤونة حتى يستثنى من الربح.

وثانيها: ما إذا قتّر على نفسه ولم يصرفه، بحيث لو لم يقتّر على نفسه وصرفه كان من المؤونة، فهذا أيضاً لا يحسب من المؤونة، ولا ينقص من الربح.

وثالثها: ما إذا تبرّع له متبرّع بالمؤونة ورضي بذلك، ولم يصرفه، بحيث لو لم يكن متبرّع لصرف المقدار في المؤونة، فهذا أيضاً لا يحسب من المؤونة، ولا ينقص من الربح.

ص: 186

(مسألة 66): إذا استقرض من ابتداء سنته لمؤونته أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح يجوز له وضع مقداره من الربح [1].

فالميزان هو فعليّة الصرف وتحقّقه خارجاً من المكلّف، ولا فرق في التقدير وعدم الفعليّة بين الفروع الثلاثة، فلا يخرج معادل هذه الموارد من الربح، وإن نسب الخلاف في الفرع الثاني وهو التقتير إلى العلاّمة والشهيدين والمحقّق الثاني، بل استظهر في المناهل عدم الخلاف في أنّه لو قتّر على نفسه حسب له(1). وإن كان المشهور بين المتأخرين ومنهم الماتن والمحشّون على المتن عدم احتساب ذلك من الربح(2).

الاستقراض للمؤنة أو صرف بعض رأس المال فيها:

[1] الاستقراض للمؤونة فيه جهتان من البحث:

الجهة الأوّلى: أنّ أداء الدين هل يحسب من المؤونة أو لا؟

وسيأتي الكلام في هذه الجهة مفصلاً في (المسألة 71) إن شاء الله تعالى.

الجهة الثانية: في استثناء المؤونة من الربح المتأخر إذا استقرض لمؤونته من ابتداء سنته أو صرف بعض رأس المال في المؤونة. وهذا نظير ما إذا

ص: 187


1- 228.كتاب الخمس، للشيخ الانصاري: 207.
2- 229.العروة الوثقى 4: 288.

صرف مالاً آخر له في المؤونة.

الظاهر عدم الخلاف في جواز احتساب هذا المقدار من المؤونة فيجوز له استثناؤه من الربح المتأخر؛ لما تقدّم من أنّه إذا كان له مال آخر غير معدّ للصرف في المؤونة، كأن يكون رأس مال للتجارة مثلاً، فلا خلاف في احتسابه من المؤونة.

وهذا مبني على أن يكون مبدأ السنة من حين الشروع في الاكتساب.

وأمّا على القول بأنّ مبدأ السنة ظهور الربح مطلقاً، كما عن جماعة منهم السيّد الأستاذ(قدس سره) ، فإخراج مقدار ما صرفه سابقاً في المؤونة، ووضعه من الربح المتأخر بلا دليل؛ لأنّه من المؤونة السابقة على سنة الربح.

والحاصل: أنّ هذا الحكم مبني على القول الأوّل المشهور بين الأصحاب.

ص: 188

(مسألة 67): لو زاد ما اشتراه وادّخره للمؤونة مثل الحنطة والشعير والفحم ونحوها ممّا يصرف عينه فيها يجب إخراج خمسه عند تمام الحول، وأمّا ما كان مبناه على بقاء عينه والانتفاع به مثل الفرش والأواني والألبسة والعبد والفرس والكتب ونحوها فالأقوى عدم الخمس فيها، نعم لو فرض الاستغناء عنها فالأحوط إخراج الخمس منها، وكذا في حلي النسوان إذا جاز وقت لبسهن لها [1].

لو زاد المُشترَى للمؤونة عن السنة:

[1] المؤونة - كما سبق في المسألة 63 - على خمسة أقسام، وبيّنا حكم ثلاثة منها، وبقي الكلام في حكم القسمين الباقيين، وقد تعرّض الماتن(قدس سره) لهما في هذه المسألة:

القسم الأوّل: ما زاد على ما استهلكه خلال السنة، ممّا يستغنى عنه في نفس السنة وكان احتياجه إليه في مدة طويلة نسبيّاً كشهر أو أكثر. فهذا القسم لا ريب في عدم عدّه من المؤونة، فلا وجه لاستثنائه، فتشمله إطلاقات الخمس في كل فائدة.

القسم الثاني: ما لا يستغنى عنه في نفس السنة، ويستغنى عنه في بعض السنين الّلاحقّة، بل من شأنه البقاء سنين كثيرة كبعض أنواع الفرش والألبسة والأواني المعدنيّة، والدور والعبيد والكتب وغير ذلك، فالأقوى - كما عن الماتن وجماعة - عدم الخمس فيها.

ص: 189

نعم لو فرض الاستغناء عنها فالأحوط إخراج الخمس منها، وذهب جماعة منهم السيّد الأصفهاني والسيّد الأستاذ(قدس سرهما) إلى عدم وجوب الخمس فيها في كلا القسمين، أي سواء كان الاستغناء عنها في نفس السنة أم كان بعدها(1).

كما أنّ الظاهر من المستمسك التفصيل بين ما إذا كان الاستغناء عنها في أثناء السنة فيجب إخراج خمسها، إلّا إذا كان من شأنها ادّخارها للسنين الآتية كالملابس الصيفيّة والشتائيّة والأواني المعدّة للطبخ في أيام مخصوصة، فلا يجب إخراج خمسها.

وبين ما إذا كان الاستغناء بعد سنة الربح فلا يجب إخراج خمسها(2).

وقد تقدّم الكلام في الدليل على النفي والإثبات فيما إذا كان الاحتياج باقياً في السنوات الآتية(3).

وعمدة تلك الأدلّة على نفي الخمس هو أنّ الشيء بعدما خصّص يخرج عن حكم الفائدة فدخوله فيه يحتاج إلى دليل، وقوله(علیه السلام): «الخمس بعد المؤونة» بمثابة المخصّص لعموم ما دلّ على وجوب الخمس في كل فائدة، فهذا الفرد - وهو ما يحتاج إليه في خلال السنة - خارج عن عموم الدليل، فيسقط عنه وجوب الخمس تكليفاً ووضعاً، فإذا كان كذلك فشموله له ثانياً يحتاج إلى دليل، ومقتضى الأصل البراءة. ولكن يأتي فيه الإشكال المتقدّم وهو أنّ المأخوذ عنواناً في المخصّص هو المؤونة، الملاحظة حدوثاً وبقاء،

ص: 190


1- 230.العروة الوثقى 4: 288 - 289.
2- 231.انظر مستمسك العروة الوثقى 9: 544.
3- 232.تقدم في شرح قول الماتن «مسألة 63 لا فرق في المؤونة....»

فما دام هذا العنوان صادقاً على شيء فهو داخل في المخصّص، وأمّا إذا لم يصدق عليه ذلك العنوان أو خرج عن كونه مصداقاً له، فيدخل في حكم العام وهو وجوب الخمس في كل فائدة بلا ريب.

ولاشكّ أنّ أصل كونه فائدة أمر وجداني، وأمّا كونه مؤونة فهو يتوقّف على كونه مورداً للاحتياج إليه فعلاً، فإذا خرج عن كونه مورداً للاحتياج دخل في عموم ما دلّ على وجوب الخمس في كل فائدة، سواء كان في عام الربح أو في غيره من السنوات.وبعبارة أخرى: التخصيص الأفرادي الذي يحتاج إلى الدليل في دخوله في العموم بعد الخروج هو ما إذا كان المخصَّص هو الذات كزيد مثلاً، دون العنوان كالفاسق مثلاً، فإنّه إذا كان المخصَّص هو العنوان فهو دائر مدار العنوان وجوداً وعدماً، فمع انتفاء العنوان يرجع إلى العموم، ومع الشك في ذلك ودوران الأمر بين كون المخصَّص هو الذات، والعنوان حيثيّة تعليليّة، وبين كون المخصَّص هي الصفات، والحيثيّة تقييديّة، يقتصر على الأخذ بالقدر المتيقّن من التخصيص المنفصل وهو الثاني، ومقتضى ذلك أيضاً الرجوع إلى العموم، ووجوب الخمس عند الاستغناء، ولا يكون مجرى لأصالة البراءة.

وما ذكره في المستمسك - من التفصيل وصدق الفائدة لهذا العام، إذا خرجت عن كونها مؤونة قبل آخر السنة بمدّة فيجب فيها الخمس، دون ما إذا خرجت عن ذلك في العام اللّاحقّ؛ لأنّ المفروض أنّها لم تكن من فوائد عام الربح، وأمّا العام اللّاحقّ فلا يصدق عليها أنّها فائدة فيه حتى يجب فيها

ص: 191

(مسألة 68): إذا مات المكتسب في أثناء الحول بعد حصوله الربح سقط اعتبار المؤونة في باقيه، فلا يوضع من الربح مقدارها على فرض الحياة [1].

الخمس، وبذلك قال بالفرق بينهما - لا يرجع إلى شيء، وذلك لأنّه إذا كان المقصود نفي كون الباقي من الفوائد أصلاً فهو خلاف الوجدان، وإذا كان المقصود عدم كونه من فوائد العام اللّاحقّ فلا يكون متعلّقاً للخمس في هذه السنة فمعناه أنّه يعتبر في تعلّق الخمس أن يكون من فوائد نفس العام لا العام السابق، وهو بلا وجه، فإنّه لا دليل على اعتبار ذلك.

نعم يعتبر في المؤونة ذلك بمقتضى التبادر أو الإجماع، وأمّا الفائدة فلا يعتبر فيها ذلك، فإن أفاد شيئاً في العام السابق ولم يؤدّ خمسه لمانع من الموانع ثم دخل في العام اللّاحقّ وجب عليه الخمس بلا إشكال.

ولا فرق في المانع بين أن يكون من جهة كون الشيء محسوباً من المؤونة وارتفع ذلك المانع وبين أن يكون من جهة عدم تمكّنه من التصرّف فيه أو غير ذلك ثم ارتفع المانع، فإنّه في جميع الأحوال يتعلّق به الخمس لحيثيّة صدق عنوان الفائدة عليه.

لو مات المكتسب في أثناء الحول:

[1] تقدّم أنّ الاعتبار بالمؤونة الفعليّة لا التقديريّة، فلا يستثنى من الربح إلّا المقدار الذي صرفه خارجاً، فلذا لو قتّر على نفسه ولم يصرفه لا يعدّ مقدار

ص: 192

(مسألة 69): إذا لم يحصل له ربح في تلك السنة، وحصل في السنة اللّاحقّة لا يخرج من مؤونتها من ربح السنة اللّاحقّة[1].

الصرف المقتّر مؤونة ويستثنى، وكذلك الحال فيما إذا مات نفس المكتسب أو مَن يعوله في أثناء الحول فإنّه لا يحسب مقدار الصرف المقدّر إلى آخر السنة من المؤونة، بل يستثنى المقدار الذي صرفه خارجاً حال حياته، ويكون الباقي داخلاً في عموم وجوب الخمس في كل فائدة، فيخرج الخمس وسائر الديون والوصيّة، ثم يقسّم الباقي على ورثته.

لو لم يحصل الربح في سنة وحصل في السنة اللّاحقّة لها:

[1] هذا الحكم واضح سواء قلنا بالقول المشهور وهو أن يجعل للأرباح عاماً واحداً مبدؤه أوّل الشروع في الاكتساب، أم قلنا بأنّ لكل ربح عام مبدؤه ظهور الربح.

فإنّه على كلا التقديرين لا تحسب المؤونة التي تكون من السنة السابقة على السنة اللّاحقّة أو على الربح اللّاحقّ.

نعم يظهر الفرق بين القولين في المؤونة السابقة في نفس العام، فإنّه على الأوّل تحسب من مؤونة العام وتنقص من الأرباح في هذا العام وإن كانت متأخرة، بخلاف القول الثاني كما تقدّم.

وأمّا الكلام في إجارة الأعمال أو الدار أو البستان إلى سنوات فقد تقدّم في ذيل المسألة التاسعة والأربعين.

ص: 193

(مسألة 70): مصارف الحج من مؤونة عام الاستطاعة، فإذا استطاع في أثناء حول حصول الربح وتمكن من المسير بأن صادف سير الرفقة في ذلك العام احتسب مخارجه من ربحه، وأمّا إذا لم يتمكّن حتى انقضى العام وجب عليه خمس ذلك الربح، فإن بقيت الاستطاعة إلى السنة الآتية وجب وإلاّ فلا، ولو تمكّن وعصى حتى انقضى الحول فكذلك على الأحوط. ولو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعدّدة وجب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة، وأمّا المقدار المتمّم لها في تلك السنة فلا يجب خمسه إذا تمكّن من المسير، وإذا لم يتمكّن فكما سبق يجب إخراج خمسه [1].

مصارف الحج:

[1] في المسألة أربع صور:

الصورة الأوّلى: ما إذا استطاع أثناء حول الربح وأتى بالحج في عام الاستطاعة، فلا إشكال في احتساب مصارفه من المؤونة، بل هذه المصارف من أوضح مصاديق المؤونة فلا يجب الخمس فيها قطعاً.

الصورة الثانية: ما إذا استطاع أثناء حول الربح، ولكنّه لم يتمكّن من المسير إلى الحج حتى انقضى العام، فلا ينبغي الإشكال في هذه الصورة في وجوب الخمس على ذلك الربح، لأنّ عدم التمكّن كاشف عن عدم وجوب الحج عليه، فلم تكن مؤونة لكي تستثنى، وعليه لابد من إخراج خمس المال،

ص: 194

فإن بقيت الاستطاعة إلى السنة الآتية وجب الحج، وإلاّ فلا.

وقد يقال في هذه الصورة: إنّه إذا كان المتعارف هو الاكتساب وجمع المال تدريجيّاً حتى يستطيع، فلا يجب عليه الخمس والحال هذه، وسيأتي التعرّض له فيما بعد.

الصورة الثالثة: ما إذا استطاع وتمكّن من الحج، ولكنّه عصى ولم يسر إلى الحج حتى انقضى الحول.

وقد احتاط الماتن(قدس سره) وجوباً بإخراج الخمس حينئذٍ.

ولكنّ أكثر المحشّين حكموا بوجوب الإخراج(1) ، وعدم الفرق بين هذه الصورة والصورة السابقة، لأنّ المناط في المؤونة - كما تقدّم - هو الصرف الفعليّ، فإذا بقي المال عنده ولم يصرفه في الحج - سواء كان ذلك من جهة عدم التمكّن أم من جهة العصيان - تعلّق به الخمس، بل زاد بعضهم كالسيّد البروجردي(قدس سره) وجوب إخراج الخمس في المقدار المتمّم للمال الذي حصّله في عام وجوب الحج إذا عصى ولم يسر في عامه.

والظاهر أنّ الوجه في حكم الماتن بالاحتياط في المقام هو احتمال كون المال من المؤونة؛ فإنّه وإن لم يصرف المال فعلاً في الحج لعصيانه امتثال الحج، إلّا أنّه مأمور بالإتيان به في العام القابل، فيجب عليه إبقاء المال حتى يتمكّن من تداركه، ومع إلزام الشارع بذلك يُعدّ هذا المال من المؤونة ولا يحسب من الأرباح، فلا يجب عليه إخراج خمسه.

ص: 195


1- 233.العروة الوثقى 4: 289 - 290.

كما ورد نظيره في الزكاة من أنّه لو وجب الصرف في مورد لم تجب الزكاة؛ لعدم تمكّنه من التصرّف في المال. فكذلك هنا.

وبهذا الوجه تمتاز هذه الصورة عن الصورة السابقة، حيث إنّه مع عدم التمكّن من السير إلى الحج ظهرت عدم استطاعته، فلم يجب عليه الحج حتى يلزم عليه صرف المال فيه، بخلافه هنا؛ فإنّ وجوب الحج ثابت عليه.

ومع ذلك لم يجزم الماتن(قدس سره) بعدم وجوب الخمس، وهو في محلّه، لأنّ الثابت هو وجوب الحج على ذمّة المكلّف، سواء كان بهذا المال أو بغيره أو بإتيانه به متسكّعاً، لا أنّه يُلزم بالإتيان بالحج من خصوص هذا المال، بلا فرق بين العاصي وغيره، فلا يستثنى المال الباقي من الخمس.

وأمّا المتمّم له من أرباح العام الذي يحج فيه فالحكم فيه مشكل أيضاً، ومقتضى الاحتياط هو إخراج خمسه كالباقي.

الصورة الرابعة: ما إذا كانت الاستطاعة حاصلة من أرباح سنين عديدة، وقد حكم الماتن(قدس سره) بوجوب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة.وأمّا المقدار المتمّم لها في تلك السنة فحكمه حكم الاستطاعة بتمامها في عام الربح، فلا يجب تخميسه إذا تمكّن من المسير وأداء الحج.

وأمّا إذا لم يتمكّن فأيضاً يجب إخراج خمسه.

وإذا تمكّن وعصى، فيأتي ما تقدّم من الحكم في الصورة السابقة.

ولكن قد يقال: إن إخراج الخمس في الأرباح إنّما يجب فيما لم يكن من شأنه جمع الأرباح حتى يستطيع، فإذا كان المتعارف هو تحصيل الأرباح

ص: 196

(مسألة 71): أداء الدين من المؤونة إذا كان في عام حصول الربح أو كان سابقاً ولكن لم يتمكن من أدائه إلى عام حصول الربح، وإذا لم يؤد دينه حتى انقضى العام، فالأحوط إخراج الخمس أوّلاً وأداء الدين ممّا بقي[1].

تدريجاً في السنوات المتعدّدة إلى أن يستطيع فلا يجب الخمس حينئذٍ على تلك الأرباح.

والظاهر أنّه إذا تحقّقت الصغرى، وهي كون تحصيل الاستطاعة بهذا النحو أمراً متعارفاً في الخارج، فلا بأس، وإلاّ فلابد من إخراج الخمس كما ذكره الماتن(قدس سره).

أداء الدين:

[1]يقع الكلام في مقامين:

المقام الأوّل: في المراد من متن المسألة.

والمقام الثاني: في تفصيل الأقوال في المسألة.

أمّا المقام الأوّل: فيوجد تفسيران للمتن:

أحدهما: ما يظهر من بعض الأجلّة من أنّ قوله(قدس سره): «وإذا لم يؤدّ دينه حتى انقضى العام» معناه: أنّه إذا تمكّن من الأداء ولم يؤدّ دينه حتى انقضى العام، أي العام السابق فالأحوط إخراج الخمس أوّلاً وأداء الدين ممّا بقي،

ص: 197

فتكون جملة «وإذا لم يؤدّ دينه... الخ» شقّ آخر لقوله: «ولكن لم يتمكّن من أدائه».

والثاني: ما يظهر من جماعة من المحشّين على المتن من أنّه بمعنى: إذا لم يتمكّن من أداء دينه ولم يوفّه من الأرباح في هذه السنة حتى انقضى العام ودخل في العام الثالث، فالأحوط إخراج الخمس أوّلاً، وأداء الدين ممّا بقي.

فهذه الجملة تتمة للجملة السابقة، ومحصّل المعنى: أنّه إذا لم يتمكّن من أداء دينه إلى عام حصول الربح، فتارة يؤدي الدين في نفس العام، ويحسب من المؤونة.

وأخرى لا يؤدي دينه حتى ينقضي العام، وحينئذٍ لا يعدّ من المؤونة، بل الأحوط إخراج الخمس أوّلاً.

والظاهر أنّ مراده ((قدس سره)) إنّه اذا تمكّن من أداء دينه من أرباح هذا العام سواء كان من السابق أو من هذا العام فلم يؤدّ حتى انقضى العام فالأحوط إخراج الخمس أوّلاً وأداء الدين ممّا بقى.

وأمّا المقام الثاني: فالمسألة تتضمّن ثلاثة فروض:

الفرض الأوّل: ما إذا كان الدين في عام الربح.الفرض الثاني: ما إذا كان الدين في عام سابق على عام الربح.

الفرض الثالث: النذور والكفارات ونحوهما.

أمّا الفرض الأوّل: فله صور، لأنّ الاستدانة تارة تكون لاشتراء شيء من

ص: 198

المؤونة، وأخرى للاتّجار والاسترباح، وثالثة لغيرهما ممّا لا يعدّ مؤونة ولا يعدّ تجارة، كالزينة وأمثالها.

وعلى جميع هذه التقادير إمّا أن يكون الشيء المشترى باقياً أو يكون تالفاً، والحكم في هذه الصور ظاهر:

أمّا الصورة الأوّلى: فهي من أظهر مصاديق المؤونة المستثناة من الخمس، فإن وفّى هذا الدين من أرباح السنة فهو، وإلّا فلابد من استثناء هذا المقدار من الربح وتخميس الباقي؛ لأنّ المستفاد من الروايات هو أنّ المقدار المصروف في المؤونة غير متعلّق للخمس، سواء صرفه من عين الربح أو صرفه من مال آخر أو من الدين، بلا فرق في ذلك، بل لا يُعدّ هذا المقدار ربحاً في نظر العرف أيضاً بعدما صرفه في مؤونته أو مؤونة كسبه، سواء كان مقابله كالدار والفراش وأمثالهما موجوداً أم تالفاً.

فالحكم في هذه الصورة واضح ولم يستشكل فيه أحد.

وأمّا الصورة الثالثة: فكالصورة الأوّلى حكمها واضح؛ فإنّ الظاهر من الروايات كما تقدّم استثناء المؤونة المحتاج إليها واللّائقة بشأنه.

وأمّا الخارج عن ذلك فلا يحسب من المؤونة، سواء صرفه من نفس الربح أو صرفه من مالٍ آخر، أو استدان وجعله في ذمّته، وسواء كان مقابله موجوداً أم تالفاً.

أمّا إذا كان موجوداً فواضح، وأمّا إذا كان تالفاً فإنّه وإن كان ملزماً بالوفاء، ولكن بما أنّ منشأه الإسراف والتبذير فلا يكون مشمولاً لأدلّة المؤونة التي

ص: 199

كانت إرفاقاً بالمالك، فهي منصرفة عنها موضوعاً.

وأمّا الصورة الثانية: فقد يفرق فيها بين ما إذا كانت العين المشتراة موجودة وقد أدّى الدين قبل انقضاء الحول فتحسب من الأرباح، وتقوّم في آخر السنة ويخرج خمسها، سواء كانت قيمتها أقل من الدين أم مساوية له أم أكثر، فيجوز له إيفاء دينه من أرباح السنة، لأنّه كما يجوز له الاتجار بنفس الأرباح كذلك يجوز له الاتجار من مال آخر، أو من الدين، والأداء من الأرباح.

وأمّا إذا لم يؤدّ الدين حتى انقضى الحول فلابد من تقويم ذلك الشيء المشترى آخر الحول، ويلاحظ الدين الذي عليه منه؛ فإذا كانت قيمته زائدة على الدين - كما إذا اشتراه بخمسين وكانت قيمته في آخر السنة مائة، فالخمسون ربح، فيخمسه، وأمّا الأخرى فهي في مقابل الدين ولا تحسب ربحاً.

وأمّا إذا كانت قيمته مساوية للدين أو كانت أقلّ منه، فلا شيء عليه، لأنّه ليس بربح حتى يتعلّق به الخمس.

وبين ما إذا كانت العين تالفة، فإنّه إذا أدّى دينه خلال السنة فلا إشكال؛ فإنّ الخروج عن عهدة أداء الدين الثابت عليه يكون من المؤونة، سواء كانت قيمة الشيء مساوية للدين أم أقل أم كانت تالفة أصلاً.

وأمّا إذا لم يؤدّ دينه حتى انقضى الحول - كما هو المفروض - فإيفاء الدين من ربح السنة واستثناؤه منه مشكل جداً، حيث إنّه خسارة وتلف لمالٍ خارج عن الأرباح، وعن التجارة، وهو نظير ما إذا اشترى بالمال الآخر غير الأرباح

ص: 200

شيئاً، وتلف، فإنّه لا تجبر خسارته من الأرباح، لأنّه شيء أجنبي عن أرباح السنة، فكذلك في المقام.

فلابدّ من التفريق بين وفاء هذا الدين من الأرباح في أثناء السنة فيجوز ذلك ويعدّ من المؤونة وبين عدم وفائه إلى انقضاء السنة، فيجب إخراج الخمس من الأرباح ثم أداء الدين.

وأمّا الفرض الثاني: وهو ما إذا كان الدين في عام سابق على عام الربح. فتأتي فيه الصور المتقدّمة.والصورة الأوّلى: ما إذا كانت الاستدانة لمؤونته في السنة السابقة، سواء أكان مقابل الدين باقياً أو تالفاً، فهل يجوز أداء ذاك الدين من أرباح هذه السنة ويعدّ من المؤونة أم لا؟ فيه أقوال:

أحدها: عدم جواز إيفاء الدين منها قبل إخراج الخمس، ولا يعدّ الدين من المؤونة لهذا العام، بل يكون من المؤونة للعام السابق؛ وذلك لأنّه لا موضوعيّة للدين، فإنّه تابع لمقابله، فإذا صرف مقابله في السنة السابقة حسب من مؤونة السنة السابقة، بلا فرق بين أن يكون المقابل موجوداً أو تالفاً، اختاره بعض الأعلام(قدس سره) (1).

ثانيها: أنّ أداء الدين معدود من المؤونة، ويجوز أداؤه من أرباح هذه السنة مطلقاً، سواء كان متمكّناً من الأداء إلى عام حصول الربح أم لم يتمكّن من ذلك. اختاره المشهور من المتأخرين ومنهم صاحب الجواهر(2) والمحقّق

ص: 201


1- 234.العروة الوثقى 4: 291.
2- 235.جواهر الكلام 16: 62.

النائيني والسيّد البروجردي والسيّد الحكيم والسيّد الأستاذ(1) وغيرهم(2).

والظاهر منهم أنّه إذا لم يؤدّ دينه من الأرباح حتى انقضى العام فالأقوى أنّه لا يستثنى من الربح، بل لابدّ من إخراج الخمس أوّلاً ثم أداء الدين.

ثالثها: التفصيل بين ما إذا تمكّن من الوفاء في العام السابق فلا يحسب من المؤونة، وليس له أن يؤديّه من أرباح هذه السنة حتى يخرج الخمس.

وبين ما إذا لم يتمكّن من الأداء فيجوز له الوفاء من أرباح هذه السنة، ولكن مع ذلك إذا لم يؤدّه إلى آخر السنة فلا يستثنى من الأرباح، كما تقدّم في القول الثاني.

اختاره الشيخ الانصاري(قدس سره) وتبعه السيّد الماتن.

قال الشيخ الانصاري (رحمه الله): «وأما الدين السابق على عام الاكتساب، فإن كان لمؤونة عام الاكتساب فهو للمقارن، وإلّا فإن لم يتمكّن من وفائه إلاّ في هذا العام أو تمكّن ولم يؤدّ مع عدم بقاء مقابله إلى هذا العام، أو مع بقائه واحتياجه إلى ذلك المقابل، بحيث لو أدّاه سابقاً احتاج إلى تحصيله في هذا العام، فالظاهر أنّه كذلك، لأنّه من المؤونة.

وإن تمكّن من وفائه قبل هذا، وكان الوفاء باقياً إلى هذا العام مع عدم الاحتياج إليه في نظام أمره، ففي احتسابه من المؤونة - وإن قلنا بورود المؤونة

ص: 202


1- 236.العروة الوثقى 4: 291 - 292 ، مستمسك العروة الوثقى 546:9 ، المستند في شرح العروة الوثقى كتاب الخمس: 271.
2- 237.انظر العروة الوثقى 4: 290 - 292 ، الدروس الشرعيّة 1: 259.

على الربح دون غيره ممّا لا يتعلّق به الخمس - إشكال، لعدم وضوح كونه من مؤونة هذه السنة، وإن وجب إخراجه فيها» (1).

والظاهر أنّ منشأ الخلاف وتعدّد الأقوال يرجع إلى نحو النظر إلى وفاء الدين؛ فإنّه إمّا أن ينظر إليه مطلقاً وبنفسه فيحسب من الحاجات والمؤن عرفاً، فله موضوعيّة في صدق عنوان المؤونة بلا لحاظ مقابله وزمانه.

أو ينظر إليه من جهة مقابله وزمانه لا بحسب نفسه، فإذا كان مقابله مؤونة للسنة السابقة حسب الدين أيضاً من مؤونة السنة السابقة.

أو التفصيل بين التمكّن من الوفاء في العام السابق، فيعدّ من السابق، وبين عدمه وحاجته فعلاً فيعدّ من مؤونة السنة اللاحقّة.

والظاهر أنّ التفصيل بين التمكّن وعدمه بلا وجه، لأنّا إذا قلنا بصدق كون الوفاء مؤونة في نظر العرف للزوم الخروج عن عهدة الدين، ولا سيّما مع مطالبة الدائن، بل يكون حينئذٍ من أظهر مصاديق المؤونة، فلا فرق بين صورة التمكّن وعدمه، فإنّهما سيّان في هذا الصدق.

ونظير ذلك ما إذا استدان للسنة الحاضرة واشترى لمؤونته شيئاً؛ من دار أو سيارة أو غيرهما من مالٍ آخر له، فإنّه لا إشكال في صدق المؤونة على هذا الدين، فيعدّ من المؤونة لهذه السنة، ويجوز أداؤه من أرباحها.

فتحصّل أنّ هذا التفصيل بلا وجه، كما هو المشهور.

ص: 203


1- 238.كتاب الخمس: 203.

والمهم هنا البحث في وجه القولين الآخرين:

أمّا وجه القول الأوّل: فهو أنّ المؤونة لا تصدق فعلاً على الدين الذي استدين لأجل السنة السابقة، بل يصدق عليه أنّه مؤونة السنة السابقة؛ فإنّ الدين بنفسه لا موضوعيّة له، وإنّما يلاحظ بحسب مقابله وزمانه، فإذا كان مقابله للسنة السابقة أو أنّه صرف فيها، فهو مؤونة للسنة السابقة لا الحاضرة.

والسرّ في ذلك: هو أنّ الوفاء وأداء الدين يختلف عن الحاجات التكوينيّة الأخرى؛ لأنّ تلك الحاجات تكون بنفسها وعلى نحو الموضوعيّة مؤونة متى ما تحقّقت، بخلاف باب الدين، فإنّ الوفاء كأنّه نحو مبادلة بينه وبين مقابل الدين، فكأنّ مال الوفاء مصروف في مقابل الدين، فمن ذلك تتحقّق الطريقيّة في الدين، ويقال: بأنّ مقابله إذا كان من مؤونة السنة السابقة فلا يحسب من مؤونة هذه السنة ولا يحتسب من أرباح هذه السنة بلا فرق بين فرض التمكّن وعدمه.

وأمّا وجه القول الثاني: فهو أنّ وفاء الدين بنفسه مؤونة فعليّة في نظر العرف، سواء كان منشؤه قد تحقّق سابقاً أو لاحقّاً، فذلك غير ملاحظ فيه، فإنّ لزوم الخروج عن عهدة الدين وتفريغ الذمّة فعلاً - ولا سيّما مع مطالبة الدائن - من أظهر مصاديق المؤونة، بل من أهم الحوائج العقلائيّة، فالوفاء بنفسه يعدّ من الحوائج، وصرف المال في ذلك يعدّ من الصرف في الحاجة والمؤونة، وهو صادر من أهله في محلّه، ولا يلاحظ سببه ومقابله؛ فإنّ من كان مريضاً سابقاً ولم يتمكّن من علاج المرض إلاّ في هذه السنة أو كان متمكّناً وأخّر العلاج عامداً؛ فإنّه على التقديرين إذا صرف من أرباح هذه

ص: 204

السنة في معالجة نفسه فقد صرفه في مؤونته، وإن كان سببها المرض السابق، فليست العبرة بسبق السبب، بل المدار على فعليّة المؤونة.

وكذا لو خربت داره في السنة السابقة ولم يعمّرها، سواء كان متمكّناً من تعميرها أم غير متمكّن حتى دخلت السنة اللاحقّة، فإنّ تعميرها في السنة اللاحقّة معدود من مؤونته أيضاً. ووفاء الدين أيضاً من هذا القبيل؛ فإنّه وإن كان من مؤونة السنة السابقة، إلاّ أنّه لما لم يؤدّه وبقي على ذمّته، فأداؤه في هذه السنة يعدّ من مؤونته ومن حاجاته المهمّة، ولا ينظر إلى أنّ منشأه كان من مؤونة السنة السابقة أو لا، بلا فرق بين أن يكون متمكّناً فعلاً من أدائه من مال آخر أو غير متمكّن، ولا بين أن يكون متمكّناً سابقاً من الأداء أو غير متمكّن.

والظاهر أنّ الأقوى هو ما عليه المشهور؛ فإنّ نفس الوفاء يعدّ من المؤونة لا أنّ أصل الدين كذلك، فإن وفى فهو، ولكن إن أخّر ولم يوفِ حتى انقضى الحول لم يستثنَ من الأرباح كما تقدّم.

بقي أمران لا بأس بالإشارة إليهما:

أحدهما: أنّه قد أشكل على قول المشهور نقضاً بأنّه يلزم على هذا القول أن يكون أداء الدين من المؤونة مطلقاً، فيمكن للمكلّف التخلّص من خمس الأرباح التي يصرفها سرفاً ومن غير حاجة مع عدم بقاء مقابلها، وذلك بالاستدانة لأجل الصرف المذكور ثم إيفاء الدين بتلك الأرباح من دون تخميس.

والجواب عن هذا الإشكال: يظهر ممّا تقدّم؛ فإنّ أداء الدين الذي يعدّ

ص: 205

من المؤونة هو ما لم يكن في جهة الإسراف والعصيان، وأمّا ما كان في جهة الإسراف والعصيان فهو خارج موضوعاً عن كونه من المؤونة، على ما يستفاد من الروايات.

وثانيهما: أنّه نسب صاحب المستمسك إلى صاحب الجواهر - عند اختياره لقول المشهور- أنّ أداء الديون السابقة من المؤونة بلا شرط، وأمّا الدين المقارن فيشترط في اعتباره من المؤونة الحاجة إليه.

ثم ذكر اعتراض الشيخ(قدس سره) عليه: بأنّ وفاء الدين إذا فرض أنّه بنفسه من مصاديق المؤونة فلا فرق في الاستدانة للحاجة وغيرها بين أداء دين سابق أو لاحقّ.

وأيّد ذلك بأنّ صرف المال في وفاء الدين ليس تضييعاً ولا صرفاً له فيما لا ينبغي، فكيف لا يكون من المؤونة؟(1)

ولكن ضعّف بعضُ المعاصرين هذه النسبة إلى كلام الجواهر فراراً من الإشكال، وقال: بأنّه لا يستفاد هذا الفرق من كلامه، بل مراده غير ذلك(2).

ولعل مراد صاحب الجواهر(قدس سره) من الحاجة هي المؤونة؛ فإنّه لا يعتبر ذلك في الدين السابق كما تقدّم تفصيلاً (3) ، بل إذا كان للاتجار أيضاً يجوز أداؤه من أرباح السنة اللاحقّة على التفصيل المتقدّم، بخلاف ما إذا كان في

ص: 206


1- 239.مستمسك العروة الوثقى 9: 546 - 548 و انظر جواهر الكلام 16: 62.
2- 240.بحوث في الفقه كتاب الخمس 289:2.
3- 241.في ضمن شرح هذه المسألة 71 «أداء الدين من المؤونة...»

هذه السنة؛ فإنّه لا يعدّ حينئذٍ من المؤونة، بل لابد من اعتبار الحاجة فيه، لا أنّ مراده(قدس سره) من عدم اعتبار الحاجة في الزمان السابق حتى ما كان للسرف والزينة وأمثالهما، وبذلك يمكن دفع الاعتراض عنه(قدس سره) فليتدبر.

وأمّا الفرض الثالث: فهو في الديون التي لم تقع مقابلة للمال كالنذور، والكفارات، والشروط، وأُروش الجنايات، وقيم المتلفات، وغيرها.

وما ذكرناه من الوجوه المتقدّمة تأتي هنا، وإن كان الظاهر من الأعلام المعلّقين على المتن التسالم على أنّها تعدّ مؤونة لسنة الأداء، وإن كان سببها في السنين السابقة، فالمعيار فيها هو وقت الأداء، فإن أدّاها من أرباح السنة عدّت من المؤونة، وإن أخّر ولم يؤدّها لم تستثن من الربح، بل يخرج الخمس أوّلاً ثم الأداء من الباقي(1).

هذا، وإن كان الحكم بالنسبة إلى أُروش الجنايات وقيم المتلفات مطلقاً شاملاً لما كان عن خطأ أو عن عمد، إلاّ أنّه تقدّم الاستشكال في ذلك من صاحب الجواهر(قدس سره) في مسألة المؤونة(2) ، وقد أيّدنا الإشكال وقلنا: إنّ المتلفات والأُروش العمديّة وكذا الكفارات ككفارة الإفطار في شهر رمضان أو كفارة الإحرام عمداً، وغيرها ممّا يكون أصل العمل حراماً، لا يبعد أن تكون خارجة عن المؤونة المستثناة، وأدلّة المؤونة غير شاملة لها.

وعلى فرض الشك لابدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن، فالأحوط عدم احتسابها من المؤونة، والله العالم بالصواب.

ص: 207


1- 242.العروة الوثقى 4: 293 وانظر مستمسك العروة الوثقى 9: 550.
2- 243.تقدم في شرح المسألة 61.

(مسألة 72): متى حصل الربح وكان زائداً على مؤونة السنة تعلّق به الخمس، وإن جاز له التأخير في الأداء إلى آخر السنة، فليس تمام الحول شرطاً في وجوبه وإنّما هو إرفاق بالمالك لاحتمال تجدّد مؤنة أخرى زائداً على ما ظنّه، فلو أسرف أو أتلف ماله في أثناء الحول لم يسقط الخمس، وكذا لو وهبه أو اشترى بغبن حيلة في أثنائه [1].

زمان تعلّق الخمس بالربح:

[1] المسألة تتضمن أمرين:

الأوّل: جواز تأخير أداء الخمس إلى آخر السنة.

والثاني: أنّ الحكم بالجواز هو من جهة الإرفاق بالمالك، وأنّ تعلّق الخمس بالربح عند ظهوره، لا أنّه يتعلّق به بعد انتهاء السنة، ويترتّب على ذلك أنّه لو أسرف في المال أو أتلفه ضمن.

وتفصيل الكلام في ذلك:

أنّه تارة لا يكون على المكلّف المكتسب مؤونة نفسه كالمرأة التي يتحمّل زوجها مؤونتها، ويقوم بجميع شؤونها.

وأخرى يكون عليه مؤونة نفسه ومن يعوله بحسب شأنه.

أمّا الأوّل: فلا إشكال في وجوب أداء الخمس عليه بعد حصول الربح،

ص: 208

وعدم الانتظار إلى انتهاء السنة.

وأمّا الثاني: فالكلام فيه تارة في جواز تأخير أداء الخمس إلى انتهاء السنة سواء علم بأنّ له مؤونة أو احتمل ذلك أم علم بعدم احتياجه إلى المؤونة.

وأخرى في أنّه بناء على الجواز فهل ذلك من جهة الإرفاق فحسب، وإن كان الخمس متعلّقاً بالمال عند ظهور الربح، أو أنّه من جهة عدم تعلّقه إلاّ بعد المؤونة وانتهاء السنة، فالكلام يقع في مقامين:المقام الأوّل: إنّه لا إشكال ولا خلاف ظاهراً - كما ادعاه في الجواهر(1) - في جواز تأخير أداء الخمس عند ظهور الربح، ويجوز للمالك التصرّف فيه إلى انتهاء السنة، إذا علم بأنّ له مؤونة أو احتمل ذلك.

والمهم هو إثبات ذلك فيما إذا علم بعدم حاجته إلى المؤونة أو كان الربح زائداً على المؤونة، استدل على جواز التأخير على نحو الإطلاق بوجوه:

أحدها: الإجماع والسيرة القطعيّة من المتشرعة القائمة على أنّهم لا يرتابون في جواز التأخير إلى نهاية السنة، ولا يبادرون إلى إخراج الخمس بمجرد ظهور الربح بالضرورة، ولو كان واجباً لكان من الواضحات، مع أنّ المسألة عامّة البلوى، وهذه السيرة مستمرّة إلى زمان الأئمة(علیهم السلام).

ولكن يمكن الإشكال على هذا الوجه بأنّ سيرة المتشرعة دليل لبّي، والقدر المتيقّن منها هو ما إذا كان يعلم بالحاجة إلى المؤونة أو احتملها، وأمّا إذا علم باستغنائه عنها وعدم حاجته إليها فهذا خارج عن القدر المتيقّن،

ص: 209


1- 244.جواهر الكلام 16: 79.

فلا تكون السيرة المذكورة حجّة فيه، ولابد من الاقتصار على القدر المتيقّن.

ثانيها: ما تقدّم من الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ الخمس بعد المؤونة(1)، وهي وإن ورد فيها أنّ الخمس بعد المؤونة، والمؤونة يراد بها طبيعة المؤونة لا المؤونة الشخصيّة خاصّة، إلاّ أنّا ذكرنا أنّ الظاهر منها بحسب فهم العرف إرادة مؤونة السنة لا مؤونة اليوم والشهر، فالمستفاد من هذه الروايات أنّ الخمس أو وجوب أدائه إنّما يكون بعد مؤونة السنة وانتهاء الحول إرفاقاً بالمالك وحتى لا يقع في ضيق من ذلك، ولازم ذلك عدم وجوب الإخراج عليه عند ظهور الربح.

ويمكن الإشكال عليه بأنّه قد فرض وجود المؤونة في هذه الروايات، فلابدّ من العلم بوجودها أو احتمال ذلك، وأمّا إذا علم بعدم الحاجة إليها فلا يستفاد من الروايات جواز التأخير، فإنّ الحكم منتفٍ بانتفاء الموضوع حينئذٍ.

ثالثها: ما ورد في صحيحة علي بن مهزيار من قوله(علیه السلام): «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام» (2). فقد علّق وجوب الخمس في الغنائم والفوائد على العام، لا على كل يوم أو على ظهور الربح، فيمكن الاستدلال بها على المقام، ويقال بجواز تأخير الخمس إلى انتهاء السنة، فلا يجب الأداء في الأثناء أو عند ظهور الربح، وإن علم بأن لا مؤونة له.

وهذه الصحيحة وإن كانت أظهر دلالة ممّا سبق إلّا أنّه يمكن المناقشة فيها بما تقدّم من احتمال كونها ناظرة إلى عدم التخفيف بالنسبة للغنائم

ص: 210


1- 245.تقدم في شرح قول الماتن «بل الأحوط ثبوته في مطلق الفائدة...»
2- 246.وسائل الشيعة 9: 501 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

والفوائد فإنّها واجبة دائماً، بمعنى أنّها واجبة أبداً في كل عام، بخلاف سائر الأشياء كالذهب والفضّة الواردين في صدر الصحيحة، وكالغلاّت والضياع في غيرها، فسائر ما يتعلّق به الخمس غير ما ذكر فيه نوع من التخفيف، وعلى هذا لا يمكن الاستدلال بها على ما نحن فيه.

رابعها: ما ورد في صحيحة ابن أبي نصر قال: كتبت إلى أبي جعفر(علیه السلام): الخمس، أُخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة؟ فكتب: «بعد المؤونة» (1).

والمؤونة - وإن احتمل السيّد الأستاذ(قدس سره) أنّها مؤونة الربح(2) - هي الأعم من مؤونة الربح ومؤونة نفسه وعياله، وقد علّق الإخراج في الصحيحة على ما بعد المؤونة، فتدل على أنّه لا يجب الإخراج وأداء الخمس قبل ذلك سواء علم بوجود المؤونة أو احتمل ذلك أو علم بعدم مؤونة له.

وفيه: ما تقدّم من أن وجوب الإخراج بعد المؤونة إنّما علّق على وجود المؤونة، فلابدّ من فرض وجودها، وأمّا مع العلم بعدمها فلا يبقى موضوع لوجوب الإخراج بعد المؤونة، فهذه الصحيحة أيضاً قاصرة عن الدلالة على جواز التأخير.

خامسها: ما ذكره السيّد الأستاذ(قدس سره) وجعله العمدة في المقام(3) ، وهو يبتني على تمهيد أمور:

ص: 211


1- 247.الكافي 1: 625 ، باب الفئ والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 13، وسائل الشيعة 9: 508، الباب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
2- 248.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 276.
3- 249.المستند في شرح العروة الوثقى ، كتاب الخمس: 276 - 277.

الأمر الأوّل: لا إشكال في جواز صرف الربح في المؤونة، والمؤونة على قسمين:أحدهما: المصارف الضروريّة التي لابد منها، وهي غالباً محدودة بحد معيّن معلوم المقدار، ولا أقلّ من وجود القدر المتيقّن فيها عند الشك في المقدار، كالمأكل والمسكن والملبس.

ثانيهما: المصارف غير الضرورية ممّا يكون للفرد أن يفعلها وأن لا يفعلها، كالهبة اللّائقة بشأنه، والحج المندوب، والزيارات، وما يصرف في أعمال الخير والبر، فإنّها تعدّ من المؤونة وليست محدودة بحد.

الأمر الثاني: أنّ جواز الصرف غير منوط بالصرف الخارجي، بل هو ثابت حتى في حقّ من يقطع من نفسه بعدم الصرف في هذه السنة؛ وذلك لأنّ المستفاد من الأدلّة هو تعلّق الخمس بالربح عند ظهوره، إلّا أنّه مشروط بعدم الصرف في المؤونة بقسميها بنحو الشرط المتأخر.

وقد تقرّر في الأصول: أنّ الواجب المشروط لا ينقلب إلى الواجب المطلق بحصول شرطه فضلاً عن العلم به كوجوب الحج المشروط بالاستطاعة، فإنّه يكون مشروطاً دائماً حتى بعد تحقّق الاستطاعة وحصولها خارجاً، إذ أنّ موضوع الحكم لا ينقلب عمّا هو عليه بوجه.

الأمر الثالث: أنّ جواز صرف الربح في المؤونة ملازم لجواز الإبقاء إلى آخر السنة بطبيعة الحال لأنّ جواز الصرف لا يجتمع مع وجوب الأداء فعلاً؛ فإنّهما متخالفان.

ص: 212

وبالجملة: القطع بعدم فعليّة الصرف خارجاً لا ينافي جوازه شرعاً لعدم استلزام الجواز تحقّق الصرف بالضرورة، فهو مرخّص في إعدام موضوع الخمس وإسقاطه بالصرف في المؤونة إلى نهاية السنة، ومن الواضح أنّ هذا ملازم لجواز الإبقاء، فكيف يجتمع ذلك مع وجوب الإخراج فوراً ومن لدن ظهور الربح؟! للتهافت الواضح بين الإلزام بالإخراج في هذا الحال وبين الحكم بجواز الصرف في المؤونة إلى نهاية السنة كما هو ظاهر جداً (1). هذا ما ذكره(قدس سره).

ويمكن المناقشة في هذا الوجه بالخدشة في الأمر الثالث فيقال: إنّ ما ذكره من التهافت والتنافي بين جواز الصرف وبين وجوب الأداء في صورة العلم بعدم الصرف غير تام؛ وذلك لأنّ المولى إذا قال لعبده: «يجوز لك صرف هذا المال في إعاشة نفسك وعيالك إلى آخر الشهر، وإذا علمت بأنّك لا تصرفه فتصدّق به على الفقراء»، فهل يوجد بين الحكمين تهافت؟ فإنّ الحكم الثاني بما أنّه في طول الحكم الأوّل ومترتّب عليه فلا تنافي بينهما، فبناء على صحة الترتّب - كما اختاره(قدس سره) - لا يكون الحكم الأوّل - وهو جواز الصرف - منافياً لوجوب الإخراج في صورة العلم بعدم الصرف.

نعم بناء على عدم صحة الترتّب يتمّ ما ذكره.

ولكنّ الذي يسهّل الخطب أنّ حصول القطع بعدم الصرف مستبعد جداً، وذلك لما ذكره(قدس سره) من وجود القسم الثاني من المؤونة وأنّها ليست محدودة بحدّ، فمن المحتمل أن يبدو لصاحب المال في أثناء السنة أو في آخرها

ص: 213


1- المستند في شرح العروة الوثقى ، كتاب الخمس: 276 - 278.

أن يصرف الربح في أحد تلك الوجوه، أو أن يتفق احتياجه إلى صرفٍ غير متوقّع؛ فإنّ الإنسان محل الحوادث والآفات، فأصل تحقّق العلم والقطع بعدم الصرف في محل المنع.

ولعلّ عدم الإشارة إليه في الروايات، وكذا في كلمات الأعلام كان لهذه الجهة.

نعم، لو فرض وجوده فمقتضى القاعدة هو وجوب الإخراج وأداء الخمس إلى أربابه، حيث إنّه ملك لهم، وإبقاء ملك الغير تحت تصرّف شخص آخر يحتاج إلى دليل ، والمفروض فقدانه في المقام.

المقام الثاني: في أنّ الحكم بجواز التأخير هل هو إرفاق بالمالك، وأنّ الخمس متعلّق بالربح عند ظهوره، أو أنّه متعلّق به بعد انتهاء السنة.

المشهور هو الأوّل، ونسب إلى الحلّي في السرائر الثاني، حيث قال: «وأمّا ما عدا الكنوز والمعادن من سائر الاستفادات والأرباح والمكاسب والزراعات، فلا يجب فيها الخمس بعد أخذها وحصولها، بل بعد مؤونة المستفيد ومؤونة من تجب عليه مؤونته، سنة هلالية على جهة الاقتصاد»(1).

ولعلّ مراده من البعديّة البعديّة الرتبيّة لا الزمانيّة، فيكون موافقاً للمشهور، وقد ورد مثل هذا التعبير في المنتهى(2) مع أنّه موافق للمشهور وادعى على ذلك الإجماع.

ص: 214


1- 251.السرائر 1: 494.
2- 252.منتهى المطلب 8: 537.

وعلى كل تقدير يمكن الاستدلال على القول الثاني بوجهين:

الوجه الأوّل: ما ورد من الروايات الدالّة على استثناء المؤونة، وأنّ الخمس بعد المؤونة؛ وذلك لأنّه وإن كان مقتضى إطلاق الآية الكريمة والروايات التي منها موثّقة سماعة الدالّة على «أنّ الخمس في كل ما أفاد النّاس من قليل أو كثير»(1) ، أنّ الخمس ثابت من حين صدق الفائدة، وهو أوّل ظهور الربح، إلاّ أنها تقيّد بهذه الروايات التي دلّت على أنّ الخمس بعد المؤونة؛ فإنّ مقتضى الجمع بينهما: أنّ تعلّق الخمس بالربح إنّما يكون بعد انتهاء السنة وإخراج المؤونة.

وقد أجيب عنه:

أوّلاً: بأنّ الظاهر من البعديّة في هذه الروايات ليست البعديّة الزمانيّة حتى تدل على أنّ حدوث الخمس متأخّر عن إخراج المؤونة، بل المراد منها البعديّة الرتبيّة نظير قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (2) ، بمعنى أنّ مرتبة الخمس متأخّرة عن المؤونة، كما أنّ مرتبة الإرث متأخّرة عن الوصيّة والدين، ولا نظر فيهما إلى الزمان أصلاً؛ وذلك لأنّ كلمة «بعد» ظرف مبهم، لا يفهم معناه إلّا بما يضاف إليه، فإن كان زماناً أو زمانيّاً فالمراد بالبعديّة البعديّة الزمانيّة، كما في «ائتني بعد ساعة، أو بعد يوم، أو بعد الحجّ».

وإذا كان مكاناً أو مكانيّاً، فالمراد بها البعديّة المكانيّة، كما في «الكوفة بعد البصرة».

ص: 215


1- 253.وسائل الشيعة 9: 503، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 6.
2- 254.سورة النساء: 11.

وإذا كان حقّاً أو مالاً فالمراد بها البعديّة في الحقّ والمرتبة، كما هو الحال في الآية المباركة، وحيث إنّ المراد بالمؤونة - والتي هي المضاف إليه - المال المصروف في إعاشة نفسه وعياله، فيكون الظاهر من البعديّة عرفاً البعديّة في المرتبة، بمعنى أنّ حقّ المكلّف في المؤونة مقدّم على حقّ صاحب الخمس، فيقدّم عليه.

وعلى هذا لا وجه لرفع اليد عن إطلاق الآية والروايات المفيدة لكون تعلّق الخمس بالربح عند ظهوره؛ لأنّه يقع متعلّقاً للخمس من أوّل الأمر.

غاية ما هناك أنّ مقتضى الجمع بينهما هو أنّ الربح وإن كان متعلّقاً للخمس من حين حدوثه، ولكنّه مشروط بعدم صرفه في المؤونة.

ثانياً: يلزم على ذلك جواز إتلاف الربح والإسراف فيه أثناء السنة، أو هبته في غير شأنه، أو نقله حيلة حتى لا يبقى موضوع للخمس، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به حتى ممّن يقول بهذا القول.

الوجه الثاني: ما ورد في صدر صحيحة ابن مهزيار من قوله(علیه السلام): «وإنّما أُوجب عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضّة التي قد حال عليهما الحول» (1).

بأن يقال: إنّ المستفاد منها عدم وجوب الخمس في الذهب والفضّة قبل انتهاء الحول، وبضميمة عدم القول بالفصل بينهما وبين غيرهما من سائر ما

ص: 216


1- 255.الاستبصار 2: 80، الحديث 198 ، وسائل الشيعة 9: 501 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5 مع اختلاف يسير.

يتعلّق به الخمس يتمّ المطلوب.

وأُجيب عن هذا الوجه أيضاً: بأنّ هذه الصحيحة ليست في مقام بيان أحكام الخمس، بل إنّما وردت في مقام التخفيف والعفو، ولم يعلم سبب هذا التقييد في كلامه(علیه السلام) بالنسبة إلى الذهب والفضّة، خصوصاً مع ملاحظة أنّ هذا القيد إنّما يعتبر في زكاة النقدين لا في الخمس.

ومن المحتمل أن يكون السبب في التقييد بمرور الحول عليهما هو التخفيف منه(علیه السلام) على شيعته، لا أنّ المعنى أنّ ذلك شرط في تعلّق التكليف، فمع وجود هذا الاحتمال لا يصحّ التمسّك بهذه الرواية أيضاً على المدعى.فظهر ممّا تقدّم أنّ ما ذهب إليه المشهور من تعلّق الخمس بالربح عند حدوثه وظهوره معلّقاً على عدم صرفه في المؤونة هو مقتضى الجمع بين الأدلّة.

ويترتّب على ذلك ما ذكره الماتن(قدس سره) من أنّه لو أسرف أو أتلف ماله في أثناء الحول لم يسقط عنه الخمس، وكذا لو وهبه ولم يكن لائقاً بشأنه، أو اشترى بغبن حيلة في أثناء الحول فإنّه لا يسقط عنه الخمس.

بقي شيء:

وهو هل أنّ مقتضى الجمع بين الروايات الدالّة على أنّ الخمس بعد المؤونة وما دلّ على تعلّقه من لدن ظهور الربح هو تعليق الخمس على عدم الصرف في المؤونة بنحو الشرط المتأخّر بالنسبة للحكم الوضعي والتكليفي معاً؛ بأن لا يدخل الخمس في ملك أرباب الخمس عند ظهور الربح إذا

ص: 217

صرف في المؤونة، ولا يجب إخراجه.

أو أنّ التعليق يكون في الحكم التكليفي دون الوضعي، فيدخل الخمس في ملك أربابه بمجرد ظهور الربح إلّا أنّ الإخراج والأداء يسقطان إذا صرف في المؤونة.

أو التفصيل بين مؤونة الاكتساب وما يصرف في سبيل الاسترباح فيقال: إنّ التعليق على عدم الصرف فيها بالنسبة للحكم الوضعي والتكليفي معاً، وبين مؤونة السنة فيكون المتقيّد بعدم الصرف فيها هو الحكم التكليفي وهو وجوب الخمس؟

وبعبارة أخرى: إنّ المشروط بعدم الصرف في مؤونة الاكتساب على نحو الشرط المتأخّر هو أصل تعلّق الخمس والوجوب.

وأّما في مؤونة السنة فالمشروط بعدم الصرف فيها هو وجوب الخمس لا أصل تعلّق الخمس. وجوه، استظهر السيّد الأستاذ(قدس سره) الأخير(1) وحيث إنّ الخلاف في ذلك قليل الأثر اكتفينا بالإشارة إليه، وإن كان الأقوى هو ا لوجه الأوّل.

ص: 218


1- 256.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 275.

(مسألة 73): لو تلف بعض أمواله ممّا ليس من مال التجارة أو سرق أو نحو ذلك لم يجبر بالربح وإن كان في عامه، إذ ليس محسوباً من المؤونة [1].

لو وقع التلف في غير مال التجارة:

الأموال التي تقع فيها

الخسارة أو التلف نوعان:

أحدهما: أموال التجارة.

الثاني: الأموال الخارجة عن مال التجارة.

أمّا النوع الأوّل - وهو مال التجارة - فله أقسام تعرّض لها الماتن(قدس سره) في المسألة الآتية.

وأمّا النوع الثاني فهو على أقسام:

فإنّه تارة يكون التالف من المؤونة وما يحتاج إليه في إعاشة نفسه. كما إذا انهدمت داره فاحتاجت إلى التعمير، أو تلف أثاث بيته، فصرف الربح في تعميرها أو اشترى بدلها.

وأخرى نفس الصورة المتقدّمة إلّا أنّه لم يصرف الربح في التعمير أو اشتراء البدل مثلاً، بل بقي الأمر على حاله.

وثالثة لم يكن التالف من المؤونة كما لو كانت له مواشٍ فتلفت.

ص: 219

أمّا القسم الأوّل - وهو ما إذا كان التالف من المؤونة فصرف الربح في التعمير ونحوه - فالظاهر أنّه خارج عن محل كلام الماتن(قدس سره)، لأنّه لا إشكال في الجبر حينئذٍ، فإنّه يعدّ من المؤونة المستثناة، وصرف الربح في التعمير ونحوه كان صرفاً في المؤونة.

وأمّا القسمان الآخران فهما محل الكلام بين الأعلام.

اختار الماتن(قدس سره) - ولعلّه المشهور - عدم الجبر مطلقاً.

ويظهر من بعض الأعلام كالسيد الحكيم في المستمسك الجبر مطلقاً(1).

كما ينسب التفصيل إلى بعضهم بين القول بأنّ متعلّق الخمس هو خصوص الفائدة المكتسبة فعليه لا جبر، وبين القول بأنّ متعلّق الخمس هو مطلق الفائدة فيجبر.

واستدل على قول المشهور بأنّ المقتضي لتعلّق الخمس موجود والمانع مفقود؛ فإنّ موضوع الخمس مؤلّف من أمرين: الربح، وعدم الصرف في المؤونة، وكلاهما متحقّقان في المقام، لصدق الربح والفائدة حقّيقة بحيث يصحّ أن يقال: إنّه استفاد في تجارته أو ربح في كسبه، ولم يصرفه في المؤونة حسب الفرض.

نعم وردت عليه خسارة خارجيّة أجنبيّة عن تجارته، ووقعت في مال آخر ليس بينه وبين تجارته ارتباط حتى يجبر أحدهما بالآخر، فالجبر يحتاج إلى الدليل، وهو مفقود في المقام، فلا مفرّ من التخميس.

ص: 220


1- 257.مستمسك العروة الوثقى 9: 552.

واستدل على القول الثاني بالمنع من تحقّق المقتضي، وهو صدق الفائدة؛ فإنّ العرف لا يساعد على صدق الاستفادة عليه مع التلف والخسران، فالعرف يرى أنّه استفاد وربح، إذا لم تقع في أمواله خسارة أصلاً سواءكان ذلك في مال التجارة أو غيره. لأنّ الربح والفائدة إنّما يحسبان بالنسبة إلى شخص واحد في مجموع ماله، لا بالنسبة إلى بعض أمواله دون بعض آخر، بل قد يقال: إنّ ذلك يحسب في مجموع السنة في جميع أمواله، فإذا لم يصدق على هذا الشخص أنّه استفاد أو ربح فلابدّ من الحكم بالجبر مطلقاً.

وعلى فرض الشك، يقال بأنّ الشك يرجع إلى أنّ هذا المال يصدق عليه عنوان الربح والفائدة حتى يجب فيه الخمس أو لا يصدق فلا يجب فيه الخمس، ومن المعلوم أنّ المرجع في ذلك إلى البراءة.

واستدل على القول الثالث: بأنّه إذا قلنا إنّ متعلّق الخمس هو خصوص الفائدة المكتسبة فصدق الفائدة بالنسبة لاكتسابه وتجارته محقّق فيتعلّق به الخمس، ولا يجبر التلف أو الخسارة من ربح التجارة.

بخلاف ما إذا قلنا بأنّ متعلّق الخمس هو مطلق الفائدة، سواء كانت الفائدة مكتسبة أم غير مكتسبة فإنّه لا يصدق عليه أنّه أفاد أو ربح على نحو الإطلاق، ولابدّ من القول بجبر الخسارة أو التلف.

هذا، ولكن الظاهر قوّة القول المشهور وضعف القولين الآخرين.

أمّا ضعف الأوّل فبما ذكره السيّد الأستاذ(قدس سره) من صدق الفائدة وجداناً وعرفاً على ما ربحه في تجارته(1):

ص: 221


1- 258.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 279.

أمّا وجداناً فمعلوم، وأمّا عرفاً فلأنّه يقال عنه إنّه رابح في كسبه وتجارته، غاية الأمر أنّه وردت عليه خسارة من غيرها، فهم يفصّلون بين الفائدة الحاصلة من تجارته فيعدّونه رابحاً لها وبين الخسارة في مال آخر، وبما أنّ أحدهما أجنبي عن الآخر فلا مقتضي لجبر أحدهما بالآخر، فالحكم هو التخميس في الفائدة، وإن وردت عليه خسارة في مال آخر.

نعم إذا شككنا في صدق عنوان الربح والفائدة مع التلف أو الخسارة، فيكون شكّاً في التكليف حيث إنّ هذا المال هل يصدق عليه عنوان الربح حتى يخمّس أو لا يصدق فلا يجب فيه الخمس، ومقتضى الشك في التكليف البراءة. ولكن لا تصل النوبة إلى ذلك مع الظهور الذي ذكرناه.وأمّا ضعف الثاني فبما ذكره أيضاً(قدس سره) من عدم الفرق بين القول باختصاص الخمس بأرباح المكاسب، أو التعميم لمطلق الفائدة الخارجة عن الكسب كالهبة أو الوصيّة أو غيرهما؛ فإنّ كلامنا في الجبر لا فيما يجب فيه الخمس، فمتعلّق الوجوب أيّاً ما كان من العنوان الخاص أو العام لا تنجبر به الخسارة الخارجيّة؛ لأنّه لا توجد علاقة ولا ارتباط بين الفائدة أو الربح وبين الخسارة لأجنبيّة كل منهما عن الآخر، وتلك الخسارة كما أنّها لا توجب زوال الربح لا توجب زوال الفائدة أيضاً بمناط واحد، فلا وجه لابتناء الجبر وعدمه على تلك المسألة(1).

ص: 222


1- 259.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 279.

(مسألة 74): لو كان له رأس مالٍ وفرّقه في أنواع من التجارة فتلف رأس المال أو بعضه من نوع منها فالأحوط عدم جبره بربح تجارة أخرى، بل وكذا الأحوط عدم جبر خسران نوع بربح أخرى، لكن الجبر لا يخلو عن قوة خصوصاً في الخسارة.

نعم، لو كان له تجارة وزراعة - مثلاً - فخسر في تجارته أو تلف رأس ماله فيها فعدم الجبر لا يخلو عن قوّة، خصوصاً في صورة التلف، وكذا العكس.

وأمّا التجارة الواحدة فلو تلف بعض رأس المال فيها وربح الباقي فالأقوى الجبر، وكذا في الخسران والربح في عام واحد في وقتين، سواء تقدّم الربح أو الخسران، فإنّه يجبر الخسران بالربح[1].

التلف أو الخسارة في رأس المال:

[1] إذا وقع التلف أو الخسارة في رأس المال ففيه صور:

إحداها: أن يجعل رأس المال في كسب واحد من تجارة واحدة أو زراعة واحدة.

الثانية: أن يفرّق رأس المال في أنواع من كسب واحد، كالتجارة في بيع القماش والتجارة في بيع الحبوب، أو في أنواع من الزراعة، كزراعة الحبوب، وزراعة الفواكه، وكذا في الصناعة وغيرها.

ص: 223

الثالثة: أن يفرّق رأس المال في أنواع من الاكتساب كأن يجعله في الزراعة والصناعة والتجارة مثلاً.

وفي الصور الثلاث: تارة يقع التلف وأخرى تقع الخسارة.

وعلى كل تقدير: تارة يقع ذلك قبل حصول الربح وأخرى يقع بعد حصوله، فالمجموع اثنا عشرة صورة. والسيّد الماتن(قدس سره) فصّل بين الصور الثلاث:

فحكم في الصورة الأولى: بالجبران مطلقاً، بلا فرق بين التلف والخسارة، ولا بين ما إذا كانا متقدّمين على الربح أو متأخرين عنه.

والظاهر عدم الخلاف في هذا الحكم إلّا من بعضٍ كما سنشير إليه.

وأمّا في الصورة الثانية: ففصّل بين التلف وبين الخسارة، فقال بعدم الجبر في التلف، وبالجبر في الخسارة على نحو الإطلاق.

وأمّا في الصورة الثالثة: فاختار عدم الجبر مطلقاً بلا فرق بين التلف والخسارة، ولا بين ما إذا كانا متقدّمين على الربح أو متأخرين عنه.

وفي قبال هذا القول توجد أقوال أخرى في المسألة:

فقد قيل بالجبر في جميع الصور كما يظهر من عدة من الأعلام كالسيّد البروجردي(1) والمحقّق النائيني وسيد المستمسك (2).

ص: 224


1- 260.زبدة المقال: 87.
2- 261.العروة الوثقى 4: 295.

وقيل بعدم الجبر مطلقاً إلّا في التجارة الواحدة أو الزراعة الواحدة ونحوهما في خصوص الخسارة دون التلف، كما يظهر من صاحب الجواهر(1).

وقيل بالتفصيل بين التلف والخسارة فيحكم بعدم الجبر في التلف مطلقاً وبالجبر في الخسارة مطلقاً كما يظهر من الشيخ الانصاري(قدس سره) (2).

وقيل بالتفصيل بين التلف والخسارة المتقدّمين على الربح فلا جبر، وبين ما إذا كانا متأخرين عن الربح فيجبران، كما عن السيّد الأستاذ(قدس سره)(3).

والتحقّيق في وجه الخلاف في ذلك:

هو أنّه بعدما ثبت بالأدلّة أنّ موضوع الخمس هو كل فائدة وربح يحصلان للمكلّف في أثناء السنة، وأنّه يجب على المكلّف إخراج خمس الفائدة والربح، وأيضاً ثبت بالأدلّة استثناء المؤونة، وأنّ الخمس إنّما يخرج بعد المؤونة، سواء كانت المؤونة مؤونة الربح والاكتساب أم مؤونة السنة ينظر في نحو لحاظ الملاك في الجبر.

فسبب تعدّد الأقوال في المسألة يرجع إلى الاختلاف في لحاظ الملاك في الجبر، والمتصوّر فيما يكون ملاكاً للجبر أحد أُمور ثلاثة:

الأوّل: التعميم في الربح والفائدة:

بأن يكون الملاحظ في الفائدة هو مجموع أنواع الكسب في عام واحد،

ص: 225


1- 262.جواهر الكلام 16: 61.
2- 263.كتاب الخمس: 212 - 213.
3- 264.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 283.

فيحسب الربح بالنسبة إلى المجموع لا بالنسبة لكل نوع مستقلاً، فإنّه لا يقال عرفاً لمن ربح في الصناعة وخسر في الزراعة مثلاً إنّه ربح وأفاد في هذا العام، لأنّ العرف يرى أنّ جميع صرفه وأنواع اكتسابه في طريق واحد وهو تحصيل الفائدة والربح، فلو ربح في أحدهما وخسر في أخرى فهم لا يرون صدق الربح أو الاستفادة.

الثاني: التعميم في المؤونة:

بأن يقال: إنّ مؤونة التجارة مثلاً - وهي ما يصرف في سبيل تحصيل الربح - لا تنحصر في تجارة واحدة، بل المقصود من مؤونة الاكتساب هي مجموع أنواع الكسب إذا كان الجميع في طريق واحد، وهو طريق الربح والفائدة. والتلف أو الخسارة في أيّ منها يعدّ من مؤونة الاكتساب والربح، سواء وقع الجبر من نفس هذا الكسب أو من نوع آخر منه. فإذا صدق على التالف مؤونة العمل شمله إطلاق دليل الاستثناء.

فإذا قلنا بأحد الأمرين كان القول بالجبر مطلقاً قويّاً.

الثالث: اختصاص الربح والفائدة بكل تجارة بخصوصها. والمؤونة المستثناة مختصّة بمؤونة نفس الربح والفائدة الحاصلة من التجارة بخصوصها ولا تشمل مؤونة تجارة أخرى، لأنّها لا تحسب من مؤونتها.

وعلى القول بهذا الملاك يختصّ الجبر بالصورة الأولى، ومن ذلك يظهر الوجه في الحكم في الصورة الثانية، وفي سائر الأقوال.

والحاصل: إنّ الملاك في الخلاف في المسألة هو إمّا بالتعميم في الربح

ص: 226

والفائدة وعدمه أو التعميم في المؤونة وعدمه. والفرق بين التعميمين واضح، لأنّه في فرض الشك في الملاك الأوّل وهو صدق الفائدة والربح وعدمه المرجع هو البراءة عن الوجوب.

وأمّا في فرض الشك في الملاك الثاني وهو تعميم المؤونة وأنّها هل تشمل المجموع أو لا، مقتضى الأصل هو الاحتياط والاقتصار على ا لقدر المتيقّن.والمهم في المقام هو استظهار أحد الملاكين أو عدمهما، والظاهر هو التعميم؛ لإمكان استفادة ذلك من عدّة روايات:

منها: معتبرة محمد بن الحسن الأشعري، قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني(علیه السلام): أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب، وعلى الصنّاع، وكيف ذلك؟ فكتب بخطه: «الخمس بعد المؤونة» (1).

ولكون الجواب مطلقاً ولم يستثن الإمام(علیه السلام) شيئاً ممّا ذكر في السؤال، والسؤال جاء فيه «من جميع الضروب» فيستفاد التعميم كما هو واضح.

ومنها: خبر أحمد بن محمد بن عيسى عن يزيد قال: كتبت: جعلت لك الفداء تعلمني ما الفائدة وما حدّها؟ رأيك - أبقاك الله - أن تمنّ عليّ ببيان ذلك لكي لا أكون مقيماً على حرام لا صلاة لي ولا صوم، فكتب: «الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام أو جائزة» (2).

ص: 227


1- 265.وسائل الشيعة 9: 499 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
2- 266.وسائل الشيعة 9: 503 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.

وهذا الخبر معتبر سنداً، فإنّ الظاهر أن المراد بيزيد هو يزيد بن إسحاق شعر بقرينة رواية أحمد بن محمد بن عيسى عنه، وقد ورد في نوادر الحكمة، وهذا كافٍ في توثيقه.

كما أنّ دلالته كدلالة الرواية السابقة؛ فإنّ ذكر الإمام(علیه السلام) للتجارة والحرث إنّما هو على سبيل التمثيل، ولأنّهما أقوى أسباب الاكتساب، لا أنّ الاكتساب منحصر فيهما، فالتعميم فيها ظاهر.

وأوضح منها صحيحة الريّان بن الصلت قال: كتبت إلى أبي محمد(علیه السلام): ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلة رحى في أرض قطيعة لي، وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: «يجب عليك فيه الخمس، إن شاء الله تعالى» (1).

ويؤيّدها رواية أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر(علیه السلام): «... لقد يسّر الله على المؤمنين أنّه رزقهم بخمسة دراهم، وجعلوا لربهم واحداً، وأكلوا أربعة حلالاً» ثم قال: «هذا من حديثنا صعب مستصعب لا يعمل به ولا يصبر عليه إلّا ممتحن قلبه للإيمان» (2).

وإنّما جعلناها مؤيدة لورود أبي محمد في أوّل السند، وهو وإن كان شيخ الصفار إلّا أنّه مجهول.

ص: 228


1- 267.تهذيب الأحكام 4: 122، الحديث 392، وسائل الشيعة 9: 504 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9 مع اختلاف يسير.
2- 268.بصائر الدرجات 1: 44 الباب 12 ، نادر من الباب ، الحديث 5 ، وسائل الشيعة 9: 484 ، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6 مع اختلاف يسير.

ودلالتها على أنّ المراد من الفائدة هو مجموع ما يحصل لهم لا ما يحصل منها في كل تجارة تجارة واضحة؛ فإنّ الإمام(علیه السلام) عبّر بالأرزاق وأضافها إليهم، ولا يخفى ما في ذلك من التعميم.

ويؤيدها أيضاً رواية تحف العقول عن مولانا الرضا(علیه السلام) في كتابه إلى المأمون، قال: «والخمس من جميع المال مرة واحدة» (1).

ويستفاد منها أنّ الخمس متعلّق بكل ما يملكه المكلّف ويحصّله بأي سبب من أسباب الملك، إلّا أنّ الرواية مرسلة، وإن شهد مؤلف الكتاب بأنّ رواياته كلّها مسندة، وقد حذف أسانيدها لقصد التخفيف والإيجاز، وأنّ ما هو موجود في كتابه نقله الثقات عن الأئمة(علیهم السلام).

ونحن قد بحثنا عن الكتاب ومؤلفه وحقّقنا في شهادته تلك في كتابنا أصول علم الرجال، وانتهينا إلى عدم صراحة شهادته في إرادة وثاقة جميع السند، بل هي تحتمل أيضاً إرادة وثاقة الراوي الأخير فقط، فلابدّ من التعامل مع روايات الكتاب بالاحتياط(2).

فالحاصل: إنّه يستفاد من هذه الروايات أنّ الفائدة والربح يلاحظان بحسب المجموع لا كل واحد على حدة، مضافاً إلى أنّه موافق لنظر العرف فإنّهم يحكمون بأنّ من ربح في نوع من التجارة وخسر في أخرى لا يعدّ رابحاً ومستفيداً إلّا بعد الكسر والانكسار، فإذا بقي من الربح شيء قيل إنّه

ص: 229


1- 269.تحف العقول: 415 ، ووسائل الشيعة 9: 490 ، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 13.
2- 270.أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 1: 482 - 483.

استفاد هذا المقدار.

بلا فرق بين أن يكون له دفتر واحد وحساب واحد وبين أن يكون له أكثر من ذلك؛ فإنّه لا موضوعيّة لوحدة الدفتر والحساب عندهم في الواقع، والفائدة وعدمها من الأمور الواقعيّة، فإذا بقي له شيء في الواقع - بعد الكسر والانكسار - صدق عليه أنه أستفاد وربح، وإلاّ لم يصدق.

ولعلّه يمكن استفادة ذلك من قوله(علیه السلام) في موثّقة سماعة: «في كلّ ما أفاد النّاس من قليل أو كثير» (1) ، فإنّه يفهم منها أنّ كلّ ما استفاده النّاس ففيه الخمس، بناء على كون أفاد بمعنى استفاد، ويكون لفظ «النّاس» فاعلاً.

وبالجملة: التعميم كما أنّه موافق لفهم العرف هو موافق لظاهر الروايات.

ومن ذلك يظهر التعميم أيضاً بالنسبة إلى المؤونة؛ فإنّه بعد ثبوت الدليل على استثناء المؤونة وهي أعم من مؤونة الربح ومؤونة السنة فطبعاً يكون الاستثناء أيضاً أعم، مع أنّه يمكن استفادة التعميم من ظاهر رواية الأشعري السابقة حيث إنّ الإمام(علیه السلام) بعد تقريره أنّ الخمس على جميع الضروب قال: «بعد المؤونة» وهي ظاهرة في مؤونة الجميع، والله العالم بالصواب.

ص: 230


1- الكافي 1: 624 باب الفئ والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 11، وسائل الشيعة 9: 503 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

(مسألة 75): الخمس بجميع أقسامه متعلّق بالعين[1].

نحو تعلّق الخمس:

[1] تعرّض الماتن(قدس سره) في هذه المسألة لخمسة أحكام:

الحكم الأوّل: أنّ الخمس متعلّق بالعين لا بالذمّة، وهذا الحكم هو العمدة في هذه المسألة، وتترتّب عليه ثمرات مهمّة كما ستأتي الإشارة لبعضها.

وتفصيل الكلام فيه: أنّ الصور المحتملة في كيفيّة تعلّق الخمس بالمال واستحقّاق أربابه، خمس: لأنّه إمّا أن يتعلّق بالمال على نحو الملكيّة، بمعنى أنّ لأرباب الخمس حقّاً في عين المال، أو لا يتعلّق كذلك.

وعلى الأوّل إمّا أن يتعلّق بالعين من حيث الماليّة مع خصوصيتها الشخصيّة، على نحو الإشاعة فيها أو على نحو الكلّي في المعيّن.

وإمّا أن يتعلّق بالعين من حيث الماليّة فحسب.

وإمّا أن يتعلّق بها لا من جهة الماليّة، بل من جهة تعلّق حقّهم بها، فالخمس حقّ قائم بالعين فهو كحقّ الرهانة المتعلّق بالعين المرهونة، أو كتعلّق حقّ أرش الجناية المتعلّق بالعبد الجاني أو غيرهما.

وإمّا أنّه ليس متعلّقاً بالعين مطلقاً، بل هو على ذمّة المالك.

فهنا خمسة أقوال.

ص: 231

أمّا أصل تعلّق الخمس بالعين فهو المشهور والمعروف، بل المظنون عدم الخلاف فيه، كما في رسالة الشيخ(قدس سره) (1) ، بل ادعي في الزكاة - كما عن التذكرة - نسبته إلى علمائنا(2) ، وعن المنتهى أنّه مذهب علمائنا أجمع(3).

وأمّا القول بأنّه على نحو الإشاعة فظاهر جماعة منهم صاحب الجواهر(قدس سره)(4) واختاره السيّد الأستاذ(قدس سره).

وأمّا القول بأنّه على نحو الكلّي في المعيّن فقد اختاره جماعة من المتأخرين منهم الماتن(قدس سره) (5).

وأمّا القول بأنّه على نحو الشركة في الماليّة فاختاره السيّد الشهيد الصدر وجمع آخرون (6).

وأمّا القول بأنّه على نحو الحقّ القائم بالعين فظاهر العلاّمة في التذكرة(7)، وهو ظاهر الشيخ والمستمسك في الزكاة - وإن تردد في المقام -(8) وبعض

ص: 232


1- 272.كتاب الخمس: 278.
2- 273.تذكرة الفقهاء 5: 186 المسألة 123.
3- 274.منتهى المطلب 8: 244.
4- 275.جواهر الكلام 15: 138 والمستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 237.
5- 276.انظر العروة الوثقى 4: 296.
6- 277.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 284 ، وبحوث في الفقه، كتاب الخمس 2: 328 - 329.
7- 278.تذكرة الفقهاء 5: 186، المسألة 123.
8- 279.كتاب الخمس: 278 ، مستمسك العروة الوثقى 9: 175-176 ، والمصدر نفسه: 559.

آخرين.

وأمّا القول بأنّ الخمس متعلّق بالذمّة لا بالعين فقيل إن قائله مجهول أو شاذ(1).

وأمّا الثمرات المترتّبة على هذه الأقوال فهي كثيرة وسيتبيّن بعضها فيما يأتي من الفروع.

فمنها: جواز التصرّف ومنه البيع لجميع المال على القول بتعلّق الخمس بالذمّة، دون غيره من الأقوال.

فإنّه على القول بالإشاعة يجوز له التصرّف ولو بالبيع لنصف المال مثلاً - فيما إذا كان مقدار الخمس باقياً - على نحو الإشاعة، و كذا يجوز له التصرّف فيه معيّناً على القول بالكلّي في المعيّن أو الشركة في الماليّة، إذا كان مقدار الخمس باقياً.

وأمّا على القول بأنّ التعلّق على نحو الحقّ القائم بالعين فإنّه لا يجوز التصرّف فيه أصلاً.

ومنها: أنّه يجوز - على القول بالشركة في الماليّة - أداء الخمس من مال آخر، بخلافه على القولين من الإشاعة أو الكلّي في المعيّن.

والمهم في المقام هو بيان أدلّة هذه الأقوال وتعيين الحقّ منها، وذلك يتطلّب الكلام في مقامين:

ص: 233


1- 280.مستمسك العروة الوثقى 9: 175.

الأوّل: في البحث عن مقتضى الأدلّة، وأنّها هل تدل على أنّ الخمس يتعلّق بالعين أو أنّه يتعلّق بالذمّة.

الثاني: بعد ثبوت تعلّقه بالعين، يأتي البحث عن النحو الذي تتعلّق به من الأنحاء الأربعة.

أمّا المقام الأوّل: فالظاهر من الأدلّة كتاباً وسنّة أنّ الخمس متعلّق بالعين.

أمّا الكتاب: فلقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى...} (1)، فإنّ الظاهر من اللام أنّها لام الملكيّة، ومتعلّقها هو «ما غنمتم» والمعنى: أنّ خمس المغنم والفائدة يكون لله سبحانه ولرسوله ولذي القربى، لا أنّ الخمس حكم تكليفي متعلّق بذمّة الغانمين فحسب، ولا تعلّق له بما غنموه.

هذا، وإن كان يتولّد ممّا استظهرناه حكم تكليفي بوجوب الأداء وإخراج الخمس من العين أو من مال آخر على خلافٍ يأتي، متعلقٌ بذمّة المكلّف أيضاً.

وما أُورد على ذلك - من أنّ المأخوذ في الآية هو الغنيمة والفائدة المستندة إلى الشخص المتوقّف صدقها على الملكيّة فموضوعه ملكيّة المالك، فلا محالة يكون تعلّق الخمس في طول الملكيّة ولا يعقل إلّا بأن يكون حقّاً متعلّقاً بما استند إلى المالك على وجه الغنم، وإلّا لو كان خمس المال ملكاً لأرباب الخمس لما صحّ استناد الغنم بتمامه إلى المالك - لا يرجع إلى محصّل، فإنّ

ص: 234


1- 281.سورة الأنفال: 41.

استناد الغنيمة إلى الشخص الغانم لا يتوقّف على الملكيّة، بل مجرد الاحتواء والتسلّط على المال كافٍ في الاستناد.

مضافاً إلى أنّه على فرض التسليم لا يلزم أن يكون مجموعها ملكاً له، فإنّه يكفي في الاستناد أن يكون أغلبها ملكاً له.

ولذا ورد في بعض الروايات المتضمنة للآية الشريفة أنّ للإمام(علیه السلام) صفو المال من الدابة الفارهة والجارية الحسناء والسيف القاطع وأمثال ذلك، ولا ريب أنّ هذه الأمور تكون ملكاً للإمام(علیه السلام) لا أنّها متعلّقة بذمّة الغانمين، وكذلك الخمس سبيله سبيل صفو المال، فالظاهر عدم الإشكال في دلالّة الآية على أنّ الخمس يتعلّق بعين المال.

وأمّا السنّة: فيمكن التمسك بطوائف من الروايات:

الطائفة الأوّلى: ما ورد من أنّ الخمس في الفائدة:منها: صحيحة علي بن مهزيار وفيها: «... فقال: يجب عليهم الخمس، فقلت: ففي أي شيء؟ فقال: في أمتعتهم وضياعهم ، قلت: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: ذلك إذا أمكنهم بعد مؤنتهم» (1).

ومنها: موثّقة سماعة قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن الخمس؟ فقال: «في كل ما أفاد النّاس من قليل أو كثير» (2).

ص: 235


1- 282.تهذيب الأحكام 4: 108، الحديث 352 ، والاستبصار 2: 74، الحديث 182 مع اختلاف يسير، وسائل الشيعة 9: 500 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3 مع اختلاف يسير.
2- 283.وسائل الشيعة 503:9 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

ومنها: صحيحة الريّان بن الصلت قال: كتبت إلى أبي محمد(علیه السلام): ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى في أرض قطيعة لي وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: «يجب عليك فيه الخمس، إن شاء الله تعالى» (1).

ومنها: معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: كتبت إليه: في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هديّة تبلغ ألفي درهم أو أقلّ أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب(علیه السلام): «الخمس في ذلك...» (2).

ومثلها الروايات الورادة في خصوص الغنائم أو المعادن أو الكنز أو عدّة أشياء أخر.

منها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) يقول: «ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصّة» (3).

ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: «كل ما كان ركازاً ففيه الخمس...» (4).

ص: 236


1- 284.وسائل الشيعة 504:9، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9.
2- 285.وسائل الشيعة 9: 504 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.
3- 286.من لا يحضره الفقيه 2:40، الحديث 1648 ، تهذيب الأحكام 4: 109، الحديث 358 ، والاستبصار 2: 74، الحديث 184 ، وسائل الشيعة 9: 485 ، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
4- 287.تهذيب الأحكام 4: 107، الحديث 346 ، وسائل الشيعة 9: 492 ، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم، جاء فيها: «هذا المعدن فيه الخمس...»(1).

ومنها: معتبرة عمّار بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس» (2).

ولم يرد في الروايات أنّ الخمس في خمسة أشياء، بل ورد «على خمسة أشياء» فهي ليست داخلة فيما ذكرناه.

وذلك لأنّ الظاهر من كلمة «في» الواردة في هذه الروايات وغيرها الظرفيّة، فإنّها حقّيقة فيها، سواء أُريد الظرفيّة الحقّيقيّة أم الاعتباريّة، وعليه يكون المال الخارجي، من الغنيمة أو الفائدة أو المعدن أو الكنز ظرفاً لهذا المقدار وهو الخمس.

ولا وجه لرفع اليد عن هذا الظهور وحملها على السببيّة كما هو الحال في قولهم: «في القتل خطأ الدية» أو «في الإفطار في شهر رمضان الكفارة» ونحوهما من الموارد.

وذلك للفرق بين المقام والموارد المشار إليها حيث إنّ إرادة الظرفيّة في هذه الموارد التي يكون الظرف هو فعل المكلّف من القتل خطأ أو الإفطار لا معنى له، لعدم مناسبة كون الفعل ظرفاً للمال الخارجي، فلابدّ من حملها

ص: 237


1- 288.تهذيب الأحكام 4: 107، الحديث 348 ، وسائل الشيعة 9: 492 ، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
2- 289.الخصال 1: 321 باب الخمسة، الحديث 51 ، وسائل الشيعة 9: 494 ، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

على السببيّة التي تستعمل فيها كلمة «في» أيضاً، وإن كان هذا الاستعمال على خلاف ظهورها الأوّلي.

وهذا بخلاف أمثال المقام فإنّه يمكن أن تستعمل في الظرفيّة، لأنّ المظروف أيضاً مال خارجي، فكلاهما من سنخ واحد، ولا محذور في أن يكون أحدهما ظرفاً والآخر مظروفاً، فلا وجه لرفع اليد عن الظهور في الظرفيّة وحملها على السببيّة.

الطائفة الثانية: ما دلّ على عدم جواز التصرّف في الخمس، وأنّ أكله أكلٌ للحرام:

منها: معتبرة أبي بصير عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «... لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقّنا» (1).

وسندها وإن كان مشتملاً على علي بن أبي حمزة البطائني الضعيف، إلّا أنّه يمكن القول باعتبار رواياته لما ذكره الشيخ النجاشي من أنّ رواياته كانت قبل وقفه(2).

وأيضاً لوجودها في الكافي.

ومنها: معتبرة لأبي بصير عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: سمعته يقول: «من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره الله، اشترى ما لا يحلّ له»(3).

ص: 238


1- 290.وسائل الشيعة 9: 484 ، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
2- 291.رجال النجاشي: 249 / 656 وفي ج 1 من هذا الكتاب ضمن شرح قول الماتن «من غير فرق بين ما حواه العسكر...».
3- تهذيب الأحكام 4: 120، الحديث 380 ، وسائل الشيعة 9: 484 ، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

وفي سندها الحسين بن القاسم، في نسخة الوسائل، وهو من غلط النسّاخ قطعاً، والصحيح هو «الحسين عن القاسم» ، والمراد بهما الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد الجوهري.

كما رواها أيضاً صاحب الوسائل(قدس سره) في الباب الثالث من الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) الحديث السادس، وفيه: الحسين عن القاسم(1).

والقاسم بن محمد الجوهري روى عنه المشايخ الثقات(2) فالسند معتبر.

مضافاً إلى أنّ للرواية سنداً آخر ليس فيه القاسم بن محمد، بل جاء مكانه «فضالة» وهو فضالة بن أيوب(3) وهو ممّن لا إشكال في وثاقته.

ومنها: رواية أبي حمزة عن أبي جعفر(علیه السلام): «... والله يا أبا حمزة ما من أرض تفتح ولا خمس يخمّس فيضرب على شيء منه إلاّ كان حراماً على من يصيبه فرجاً كان أو مالاً...» الحديث(4).

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله(علیه السلام) في الرجل من أصحابنا يكون

ص: 239


1- 293.وسائل الشيعة 9: 540 ، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 6.
2- 294.الكافي 1: 456 كتاب الحجّة باب مولد أمير المؤمنين (ع)، الحديث 6، وأُصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 2: 206.
3- 295.تهذيب الأحكام 7: 120، الحديث 583، ووسائل الشيعة 17: 369 ، الباب 21 من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث 6.
4- 296.الكافي 8: 227، الحديث 431، ووسائل الشيعة 9: 552 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 19.

في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة، قال: «يؤدّي خمسها ويطيب له» (1).

ومنها: صحيحة علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر(علیه السلام) من رجل يسأله: أن يجعله في حلّ من مأكله ومشربه من الخمس، فكتب بخطه: «من أعوزه شيء من حقّي فهو في حلٍّ» (2).

ومنها: ما رواه الحارث بن المغيرة النصري قال: دخلت على أبي جعفر(علیه السلام) فجلست عنده، فإذا نجيّة قد استأذن عليه فأذن له... قال: «يا نجيّة إنّ لنا الخمس في كتاب الله، ولنا الأنفال، ولنا صفو الأموال، وهما والله أوّل من ظلمنا حقّنا في كتاب الله، وأوّل من حمل النّاس على رقابنا، ودماؤنا في أعناقهما إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت، وإنّ النّاس ليتقلّبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت...» (3).

وغيرها من الروايات.

وهي واضحة الدلالة على أنّ الخمس متعلّق بنفس المال، ولو لم يكن متعلّقاً بالمال، بل كان متعلّقاً بالذمّة، لم يكن وجه لحرمة التصرّف في المال من بيعه وشرائه وأكله وسائر التصرفات فيه. فإنّ غاية ما هنالك حينئذٍ أن

ص: 240


1- 297.تهذيب الأحكام 4: 109، الحديث 356، ووسائل الشيعة 9: 488 ، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8 مع اختلاف يسير.
2- 298.تهذيب الأحكام 4: 126، الحديث 399 ، ووسائل الشيعة 9: 543 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 2.
3- 299.تهذيب الأحكام 4: 127 الحديث 404 ، ووسائل الشيعة 9: 549 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالامام(علیه السلام) الحديث 14 مع اختلاف يسير.

يكون التصرّف فيه سبباً لاشتغال الذمّة لأرباب الخمس، وهذا لا يستلزم أن يقع التصرّف في المال محرماً بقاءً.

الطائفة الثالثة: ما دلّ على تحليل الأئمة(علیهم السلام) الخمس لشيعتهم وإباحتهم له، وتعليلهم لذلك:

منها: صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السلام): «هلك النّاس في بطونهم وفروجهم، لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا وإنّ شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلٍّ» (1).

ويستفاد من كلمة «حقّنا» الواقعة في سياق النفي العموم والشمول للخمس، فتكون دلالتها على المطلوب واضحة.

ومنها: معتبرة ضريس الكناسي قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «أتدري من أين دخل على النّاس الزنا؟» فقلت: لا أدري جعلت فداك، قال: «من قبل خمسنا أهل البيت، إلاّ لشيعتنا الأطيبين فإنّه محلّل لهم ولميلادهم» (2).

ومنها: معتبرة سالم بن مكرّم، وهو أبو خديجة عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: قال رجل وأنا حاضر: حلّل لي الفروج؟ ففزع أبو عبد الله(علیه السلام) ، فقال له رجل:

ص: 241


1- 300.تهذيب الأحكام 4:121، الحديث 385، والاستبصار 2:78، الحديث 191، وسائل الشيعة 9: 543 ، باب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 1.
2- 301.الكافي 1: 626 كتاب الحجّة باب الفيء والأنّفال وتفسير الخمس، الحديث 16، وتهذيب الأحكام 4: 120، الحديث 382 مع اختلاف يسير، والاستبصار 2: 77، الحديث 188 مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 9: 544 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 3 مع اختلاف يسير.

ليس يسألك أن يعترض الطريق إنّما يسألك خادماً يشتريها، أو امرأة يتزوّجها، أو ميراثاً يصيبه، أو تجارةأو شيئاً أُعطيه، فقال: «هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم والغائب، والميّت منهم والحيّ، وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال...» (1).

ومنها: معتبرة محمد بن مسلم، عن أحدهما(علیهما السلام) قال: «إنّ أشد ما فيه النّاس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربِّ خمسي، وقد طيبنا ]حلّلنا[ ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم ولتزكو أوّلاًدهم»(2).

ومنها: رواية حكيم مؤذن ابن عيسى عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: قلت له: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} (3) قال: «هي والله الإفادة يوماً بيوم إلاّ أنّ أبي جعل شيعتنا ]شيعته[ من ذلك في حلّ ليزكوا»(4).

ومنها: ما ورد في التوقيع الشريف عن إسحاق بن يعقوب وفيه: «وأمّا

ص: 242


1- 302.تهذيب الأحكام 4: 120، الحديث 381 ، والاستبصار 2: 77، الحديث 187 ، ووسائل الشيعة 9: 544 الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) الحديث 4 مع اختلاف يسير.
2- 303.تهذيب الأحكام 120:4، الحديث 381 ، والاستبصار 77:2، الحديث 187 ، ووسائل الشيعة 545:9 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) الحديث 5 مع اختلاف يسير.
3- 304.سورة الأنفال: 41.
4- 305.الكافي 1: 624 كتاب الحجّة باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 10، وتهذيب الأحكام 4: 106، الحديث 343 ولكن ورد (حكيم مؤذن بني عبس)، ووسائل الشيعة 9: 546 الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 8 وورد فيه (حكيم مؤذن بني عيس).

الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حلّ إلى أن يظهر أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث»(1).

وغير ذلك من الروايات، وهي دالّة على أنّه لو لم يصدر التحليل وتشرّع الإباحة من قبل الأئمة(علیهم السلام) لشيعتهم في نصيبهم من الخمس لدخل عليهم الزنا وخبثت ولادتهم كسائر النّاس، فهي دالّة على أنّ الخمس متعلّق بالعين بأحد الأنحاء المتقدّمة، وإلّا لم يكن وجه لخبث الولادة ودخول الزنا.

الطائفة الرابعة: ما ورد في كيفيّة تقسيم الغنائم، وهي عدّة روايات:

منها: موثّقة ربعي بن عبد الله بن الجارود، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «كان رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثم يقسّم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه...» الحديث(2).

ومنها: رواية حمّاد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح(علیه السلام) قال: «الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم، ومن الغوص، ومن الكنوز، ومن المعادن، والملاحة، يؤخذ من كل هذه الصنوف الخمس فيجعل لمن جعله الله له، وتقسّم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه وولي

ص: 243


1- 306.كمال الدين 2: 483 الباب 45، الحديث 4 ، ووسائل الشيعة 9: 550 الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) الحديث 16.
2- 307.تهذيب الأحكام 4: 112، الحديث 364 ، وسائل الشيعة 9: 510 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3.

ذلك...» الحديث(1).

وهذه الرواية يمكن القول بصحتها - وإن كانت مرسلة هنا- لوجودها في بعض كتب يونس بن عبد الرحمن ، على ما نقله الشيخ في التهذيب، فإنّ كتب يونس الروائيّة كلّها صحيحة يعتمد عليها بشهادة ابن الوليد(2).

ومنها: صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم، كيف يقسّم؟ قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس لله وللرسول وقسّم بينهم أربعة أخماس...» (3).

وغيرها من الروايات الظاهرة في أنّ سيرة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) والإمام(علیه السلام) كانت على أخذ الخمس من نفس المال.

الطائفة الخامسة: ما ورد في أنّ الخمس عوض عن الزكاة:

منها: مرسلة حمّاد المتقدّمة في الطائفة السابقة، وفيها: «وإنّما جعل الله هذا الخمس خاصّة لهم دون مساكين النّاس وأبناء سبيلهم عوضاً لهم من صدقات النّاس...» الحديث (4).

ص: 244


1- والكافي 1: 619 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 4 تهذيب الأحكام 4: 112، الحديث 365 ووسائل الشيعة 9: 513 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.
2- 309.أُصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 1: 413.
3- 310.الكافي 5: 39 باب قسمة الغنيمة، الحديث 1 ، ووسائل الشيعة 9: 524 ، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 3 مع اختلاف يسير.
4- 311.وسائل الشيعة 513:9 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 10.

ومنها: مرفوعة أحمد بن محمد، وفيها: «... والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد(علیهم السلام) الذين لا تحلّ لهم الصدقة ولا الزكاة، عوّضهم الله مكان ذلك بالخمس» (1).

هذا، مضافاً إلى ما ورد في الزكاة: من أنّ الفقراء شركاء في أموال الأغنياء.

فمن ذلك: موثّقة أبي المغرا(2) ، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إنّ الله تبارك وتعالى أشرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم»(3).وغيرها من الروايات.

ومقتضى الشركة في الأموال أن يكون الخمس كالزكاة متعلّقاً بالعين، وإلّا لم يكن للشركة في المال معنى.

هذا، ويمكن المناقشة في هذا الوجه بأمرين:

الأوّل: منع الصغرى، بأن يقال: إنّ ما ورد من أنّ الخمس عوض عن الزكاة، عبارة عن ثلاث روايات وكلّها ضعاف، فلا يمكن الاعتماد عليها؛ إلّا أن يقال بصحّة مرسلة حمّاد فيكون المدار على منع الكبرى، فإنّه - مضافاً

ص: 245


1- 312.تهذيب الأحكام 4: 111، الحديث 363 ، ووسائل الشيعة 9: 514 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 9.
2- 313.في وسائل الشيعة أبي المغراء.
3- 314.الكافي 3: 535 باب الرجل يعطي من الزكاة من يظن أنّه معسر ثم يجده موسراً ، الحديث3، وسائل الشيعة 9: 215 ، الباب 2 من أبواب المستحقّين للزكاة ووقت التسليم والنية، الحديث 4.

إلى الروايتين اللّتين ذكرناهما في الطائفة الخامسة - ورد أيضاً في رسالة الإمام الصادق(علیه السلام) في الخمس المرويّة في كتاب تحف العقول، إلاّ أنّ هذا الكتاب لم يثبت اعتبار رواياته.

والثاني: منع الكبرى، بأن يقال: إنّ العوضيّة لا تستلزم أن يكون العوض مماثلاً للمعوّض عنه في جميع الأحكام، فلعلّ هذه الروايات جعلت العوضيّة عن الزكاة من حيث كونه حقّاً مجعولاً للأصناف المذكورين في آية الخمس وقصرت النظر على نفس الحقّ، وأنّه مجعول لهم عوضاً عن أوساخ ما في أيدي النّاس، ولا نظر لها إلى مساواته لها في جميع الأحكام، والاختلاف بين العوض والمعوّض في الأحكام الشرعيّة غير عزيز، إلاّ أنّه مع ذلك في دلالة بقيّة الطوائف على المطلوب كفاية.

ومن ذلك كلّه يظهر أنّ القول بتعلّق الخمس في الذمّة ضعيف جدّاً، نعم يمكن التمسّك لصحة هذا القول بوجهين:

أحدهما: ما ورد في بعض الروايات من التعبير في وجوب الخمس بكلمة «على» ، الظاهرة في الذمّة.

منها: صحيحة علي بن مهزيار، ففيها:... فقال لي بعضهم: وأيّ شيء حقّه؟ فلم أدر ما أجيبه، فقال: «يجب عليهم الخمس...» (1).

ومنها: معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: كتبت إليه في الرجل...

ص: 246


1- 315.تهذيب الأحكام 4: 108، الحديث 352 ، والاستبصار 3: 74، الحديث 182 مع اختلاف يسير ، وسائل الشيعة 9: 500 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنّما يبيع منه الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً، هل عليه الخمس؟ فكتب: «أمّا ما أكل فلا، وأمّا البيع فنعم، هو كسائر الضياع»(1) نعم وردت «على» هنا في كلام السائل لكن بمعونة تقرير الإمام(علیه السلام) يتمّ المطلوب.

ومنها: صحيحة أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) يقول: «أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس»(2).

ومنها: صحيحة الريّان بن الصلت قال كتبت إلى أبي محمد(علیه السلام)... فكتب: «يجب عليك فيه الخمس، إن شاء الله تعالى» (3).

وظاهرها التعلّق بالذمة، لأنّ كلمة «على» مفادها الاستعلاء، والاستعلاء الحقّيقي غير ممكن في المقام فيكون المراد به أنّ هذا التكليف ثابت في ذمّة المكلَّف كما في {كتُبَ علَيْكُمُ الصِّيام} (4) ، و {للهِ عَلَى الناسِ حِجُّ البَيْتِ} (5)، وغيرهما.

وما يمكن أن يقع على ذمّة المكلَّف هو المال الذمّي لا المال الخارجي

ص: 247


1- 316.وسائل الشيعة 9: 504 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.
2- 317.تهذيب الأحكام 4: 108، الحديث 354، والمصدر نفسه: 122، الحديث 392، وسائل الشيعة 9: 505 ، الباب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
3- 318.تهذيب الأحكام 4: 122، الحديث 393، ووسائل الشيعة 9: 504 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9.
4- 319.سورة البقرة: 183.
5- 320.سورة آل عمران: 97.

لعدم السنخيّة حينئذٍ بينهما، فما يجب على المكلَّف هو الحقّ أو الدين في ذمّته.

الوجه الثاني: إنّ تشريع الخمس والزكاة واحد على الظاهر، لما ورد في بعض الروايات من أنّ الخمس عوض عن الزكاة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ورد في صحيحة عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله(علیه السلام) أنزلت آية الزكاة {خُذْ مِنْ أمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِها}(1) وأنزلت في شهر رمضان فأمر رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) مناديه فنادى في النّاس: إنّ الله قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة، ففرض الله عزوجل عليهم من الذهب والفضّة، والإبل والبقر والغنم، ومن الحنطة والشعير والتمر والزبيب، فنادى فيهم بذلك في شهر رمضان، وعفا لهم عمّا سوى ذلك...» الحديث(2).

ومقتضى الجهتين تعلّق الخمس - كالزكاة - بذمّة المكلّف، حيث إنّ الزكاة متعلّقة بذمّة المكلّف كما هو المستفاد من هذه الصحيحة.إلّا أنّ كلا الوجهين غير تام، وذلك:

أوّلاً: إنّ ظاهر كلمة «على» وإن كان هو الاستعلاء إلّا أنّه لابدّ من المسانخة بين متعلّقه وبين المستعلى عليه، وهو ذمّة المكلّف، ولكن لا يجب أن يكون متعلّقه هو المال، بل المتعلّق هو أداء المال وإخراجه، وهو مسانخ

ص: 248


1- 321.سورة التوبة: 103.
2- 322.الكافي 3: 490 كتاب الزكاة باب فرض الزكاة وما يجب في المال، الحديث 2، ومن لا يحضره الفقيه 2: 13، الحديث 1600 مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 9: 53 ، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه، الحديث 1 مع اختلاف يسير.

لذمّة المكلّف بمعنى أنّ أداءه كان على عهدة المكلّف، وعليه لا يستلزم ذلك أن يكون المال ذمّيّاً.

والشاهد على ذلك أنّه قد جمع بين «على» و «في» في بعض الروايات، كصحيحة علي بن مهزيار في قوله(علیه السلام): «يجب عليهم الخمس... في أمتعتهم وضياعهم» (1) ، وصحيحة الريّان بن الصلت(2)، ومعتبرة أبي بصير(3)، وغيرها، فهذا الوجه غير تامّ.

وثانياً: على فرض التسليم لابدّ من رفع اليد عن ظهور هذه الروايات بما تقدّم من الآية الشريفة وطوائف الروايات المتقدّمة الظاهرة في أنّ الخمس متعلّق بنفس العين. هذا.

مضافاً إلى ما تقدّم من الإشكال في العوضيّة، ومع ثبوت العوضيّة فكون الحكم في المعوّض - وهو الزكاة - التعلّق بالذمّة، غير ثابت، بل لم يعرف القائل به، فالقياس في غير محلّه.

فالمتحصّل ممّا تقدّم: أنّ ظاهر الأدلّة هو تعلّق الخمس بعين المال، إلاّ أنّ الكلام يقع - بعد ذلك - في نحو تعلّقه بالمال، وأنّه على أيّ نحو من الأنحاء الخمسة؟

ص: 249


1- 323.تهذيب الأحكام 4: 108، الحديث 352، وسائل الشيعة 9: 500 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3 مع اختلاف يسير.
2- 324.تقدم تخريجه في شرح قول الماتن «مسألة 75 الخمس بجميع أقسامه متعلّق بالعين».
3- 325.وسائل الشيعة 504:9، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.

المقام الثاني:

إنّ تعلّق الخمس بالعين هل هو بنحوٍ من الحقّ القائم بالعين أو أنّه بنحو الشركة فيها؟

فيقع الكلام في موضعين:

الموضع الأوّل: اختار جماعة أنّه من باب الحقّ القائم بالعين، وتوضيح ذلك:

إنّ الحقّ القائم بالعين يتصوّر على أنحاء أربعة:

أحدها: حقّ النذر للمنذور له، فإنّ الناذر إذا نذر التصدّق بشيء من أمواله غير المعيّنة للفقير، فإنّ النذر يوجب حكماً تكليفيّاً على الناذر بأن يوفي ويؤدّي المنذور، ويستتبع ذلك حكماً وضعيّاً، وهو تعلّق حقّ الغير بأمواله، إلّا أنّ ذلك لا يخرج شيئاً من أمواله عن ملكه وله حقّ التصرّف فيها كيفما يشاء، ولا يدخل شيء منها في ملك المنذور له ما لم يعطه الناذر خارجاً.

الثاني: حقّ الرهانة، وهو حقّ متعلّق بالعين المرهونة على مالكها، من حيث كونها وثيقة عليه، ومؤدّى هذا الحقّ أنّ للمرتهن أن يستوفي مقدار دينه من العين المرهونة، ولهذا لا يجوز للمدين أن يتصرّف فيها ما لم يؤدّ دينه للدائن، كما أنّ للدائن حقّ الاستيفاء من العين المرهونة إذا امتنع المدين عن أداء الدين.

الثالث: حقّ الجناية المتعلّق بالعبد الجاني خطأ، حيث لا تشتغل ذمّة المولى بشيء، ولا يخرج العبد أيضاً عن ملكه، بل هو مخيّر بين دفع العبد

ص: 250

للاسترقاق، وبين دفع قيمة العبد، فالحقّ متعلّق بالعين فحسب، إلّا أنّه بين الجامع من نفسه أو قيمته، فيجوز للمالك بيعه، لكنّ حقّ الأوّلياء يتعلّق بقيمته.

الرابع: حقّ غرماء الميّت المتعلّق بالتركة، فإنّ ذمّة الشخص ليست مشغولة بشيء - كما في الحقّ المتقدّم - بل التركة هي التي يتعلّق بها الشغل، فلا يجوز التصرّف في العين قبل أداء الحقّ، ويجوز بعد إبراء الحقّ، وبما أنّ الحقّ أمر كلّي فيجوز إبراؤه بأيّ شيء يقع مصداقاً له، ولو كان من مالٍ آخر، وأداؤه بمال آخر يكون أداء لنفس الواجب ولنفس الحقّ لا أنّه بدلٌ عنه.

هذه هي الأنحاء المتصوّرة في الحقّ.والظاهر أنّ مَن يقول بأنّ الخمس حقّ متعلّق بالعين مراده أحد القسمين: الثاني والثالث، دون الآخرين.

وأمّا النحو الأوّل وهو أن يكون على نحو حقّ النذر فهو خلاف ظاهر الأدلّة؛ من عدم جواز التصرّف في المال قبل التخميس.

وأمّا النحو الرابع وهو أن يكون على نحو حقّ الغرماء، فهو خلاف المتسالم عليه بين الفقهاء لأنّه بناءً عليه لا يقسّط الحقّ على المال إذا تلف جزء منه، إذ هو متعلّق بالمجموع من حيث المجموع فما دام حقّ الغرماء يتعلّق بمجموع التركة - إذا لم يكن الدين مستوعباً لها بأكملها- وتلف منها شيء ممّا زاد عن الحقّ فإنّ النقص لا يرد على الغريم، بل يكون النقص وارداً على ما بقي للورثة من التركة ممّا لم يتعلّق به حقّ الغريم.

فإذا كان الخمس حقّاً متعلّقاً بالعين بنحو حقّ الغرماء وتلف جزء من المال

ص: 251

قبل إخراج الخمس؛ فإنّه لا يقسّط الحقّ على المال ولا يرد النقص على أرباب الخمس، وهذا خلاف المتسالم عليه بين الفقهاء. فيدور الأمر بين أن يكون المقصود من الحقّ هو نحو حقّ الرهانة أو حقّ الجناية، وقد صرّح بعضهم(1) أنّه على نحو حقّ الجناية.

وعلى أي تقدير فقد استدلّ على ذلك بوجوه:

أحدها: ما ورد من التعبير بكلمة «على» في بعض الروايات كمرسلة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إنّ الخمس على خمسة أشياء: الكنوز، والمعادن...» الحديث(2).

فإنّ ظاهرها أنّ الأشياء المذكورة متعلّقة للخمس، والخمس حقّ واقع عليها.

نعم، وردت كلمة «في» في بعض الروايات كصحيحة عمّار بن مروان، قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «فيما يخرج من المعادن، والبحر... الخمس» (3).

كما ورد في بعضها كلمة «من» كقوله في مرسل حمّاد عن العبد الصالح(علیه السلام) قال: «الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم، والغوص...»

ص: 252


1- 326.مستمسك العروة الوثقى 9: 184 و 186.
2- الخصال 1: 322 باب الخمسة، الحديث 53 ، ورواها صاحب وسائل الشيعة 9: 486 ، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 مع اختلاف يسير.
3- 328.الخصال 1: 321 باب الخمسة، الحديث 51 ، ووسائل الشيعة 9: 494 ، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

الحديث(1).

فالتعبيران الثاني والثالث وإن كانا لا يدلّان على المقصود - بل ظهور الثاني في الإشاعة أكثر - إلّا أنّ ظهور الأوّل في كونه حقّاً مفروضاً على العين واضح، وهو أقوى، فلابدّ من صرف غيره إليه.

والثاني: أنّ الظاهر من أدلّة الزكاة جعلها في أموال الأغنياء أو أنّها تؤخذ من أموالهم كما في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أمْوالِهِمْ صَدَقَةً} (2) ، وكذلك إطلاق الصدقة على ما يؤدى زكاةً، كل ذلك يدلّ على أنّ المال مالهم، وإنّما الزكاة حقّ قائم بالعين، لا أنّها شركة في العين. وحيث إنّ الخمس والزكاة من باب واحد، وأوّلهما بدل عن الثاني ويتّحدان في كثير من الأحكام، فيكونان على حدٍّ واحدٍ في كيفيّة تعلّقهما بالمال.

والثالث: أنّه لو كان تعلّق الخمس بالمال على نحو الشركة لم يجز للمالك التصرّف في المال وفرز الخمس بدون إذن أربابه، ولم يحقّ له دفع القيمة أو أدائه من مالٍ آخر، ولم يشترط في صحته قصد القربة؛ فإنّ أداء مال الشركة يحصل بمجرد الوصول إلى الشريك ولا يتوقّف على قصدٍ أصلاً، فضلاً عن قصد القربة.

والرابع: ما ورد من التعبير عن الخمس بالحقّ في كثير من الروايات كما في صحيحة الفضلاء التي تقدّمت في الطائفة الثالثة، وصحيحة الحارث بن المغيرة، وغيرهما من الروايات، فإنّها ظاهرة في أنّه حقّ لأرباب الخمس، لا

ص: 253


1- 329.تقدم تخريجه في شرح قول الماتن «مسألة 75 الخمس بجميع أٌقسامه متعلّق بالعين».
2- 330.سورة التوبة: 103.

أنّهم شركاء في أموال الملاّك.

إلّا أنّ هذه الوجوه كلّها قابلة للمناقشة.

أمّا الوجه الأوّل: فبأنّ ما ورد من كلمة «على» في كلام الإمام(علیه السلام) إنّما هو في روايتين فحسب، وهما: مرسلة ابن أبي عمير المتقدّمة، وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(علیه السلام) وهي: قال: «سألته عن معادن الذهب والفضّة والصفر والحديد والرصاص؟ فقال: عليها الخمس جميعاً» (1).

ولم يظهر أنّ الإمام(علیه السلام) كان في مقام بيان كيفيّة تعلّق الخمس، وأنّه على نحو الشركة أو الحقّ؟ بل الظاهر أنّه(علیه السلام) كان في مقام بيان الموضوع ومتعلّق الخمس.

والشاهد على ذلك: أنّه ورد في كثير من روايات هذا الباب - أي باب المعادن - التعبير بكلمة «في» وكذلك وردت «في» في روايات الكنز والغنائم وقد جمع بينها وبين كلمة «على» في صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن العنبر وغوص اللؤلؤ؟ فقال: «عليه الخمس» ، وسألته عن الكنز كم فيه؟ قال: «الخمس» ، وعن المعادن كم فيها؟ قال: «الخمس» ، وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان بالمعادن ]من المعادن[، كم فيها؟ قال: «يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضّة» (2) وان كانتا في كلام

ص: 254


1- 331.تهذيب الأحكام 4: 106، الحديث 344 ، ووسائل الشيعة 9: 491 ، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
2- 332.تهذيب الأحكام 4: 107 ، الحديث 345 ، وسائل الشيعة 9: 498 ، الباب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 ، و نفس المصدر: 492 الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 2.

الراوي.

وأما سائر الروايات فقد ورد فيها كلمة «مِنْ» الصالحة للحمل على الشركة والحقّ. أو كلمة «في» الظاهرة في الشركة وهي كثيرة جدّاً، وقد تقدّمت في الطائفة الأولى، وهي واضحة الدلالة على المراد فمقتضى الصناعة صرف غيرها إليها.

وأمّا الوجه الثاني: فتظهر المناقشة فيه ممّا تقدّم، فإنّه لا يوجد دليل معتبر يدل على أنّ الخمس بدل عن الزكاة أوّلاً.

وثانياً: على فرض ثبوت ذلك والبناء على أنّ تعلّق الزكاة من باب الحقّ، لا دليل على اشتراك الخمس مع الزكاة في جميع الأحكام.

وأمّا الوجه الثالث: فبأنّ هذا يتمّ إذا كان الشريك شخصاً معيّناً ولم يصدر منه إذن عام في ذلك. وأمّا إذا كان الشريك جهة عامّة كفقراء السادة، أو كان مأذوناً بالإذن العام - لكون الآخر شريكاً أعظم حينئذ - فلا مانع من أن يكون له حقّ الفرز وكذا الدفع من القيمة أو من مال آخر.

وأمّا اعتبار قصد القربة فلابدّ من القول بأنّه من باب التعبّد، ولعلّه يكون سبباً لتطهير المال. وإلّا لا يفرّق في الاعتبار وعدمه بين القول بالحقّ أو القول بالشركة.

وأمّا الوجه الرابع: فبأنّ الحقّ - وإن كان يطلق في الاصطلاح على ما يقابل الملك - إلّا أنّه في اللغة والعرف من ذلك، وقد أُطلق كثيراً على الملك

ص: 255

خصوصاً إذا دخلت «في» على الأموال وغيرها، فيقال: حقّ في الأموال أو الدار أو البستان.

وممّا يشهد لذلك ما ورد في صحيحة مسمع بن عبد الملك وقد كان حمل إلى أبي عبد الله(علیه السلام) مالاً في تلك السنة فردّه عليه... «إني قلت له حين حملت إليه المال إنّي كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم، وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم، وكرهت أن أحبسها عنك وأعرض لها وهي حقّك الذي جعل الله تعالى لك في أموالنا...» الحديث(1).

فظهر أنّ الوجوه المتقدمّة لا تصلح للاعتماد في إثبات كون تعلّق الخمس على نحو الحقّ دون الشركة.

الموضع الثاني: أنّه بناءً على أن يكون مقتضى ظاهر الأدلّة تعلّق الخمس بالمال على نحو الشركة، فهل هي الشركة في العين على نحو الإشاعة أو على نحو الكلّي في المعيّن أو هي الشركة في الماليّة دون العين؟ وجوه.

والنسبة بين هذه الأقسام هي نسبة الأقل والأكثر؛ فإنّ مقتضى الإشاعة هو أنّ صاحب الخمس شريك في كل جزء جزء من المال المعيّن الخارجي، كما أنّه بناء على الكلّي في المعيّن تحصل الشركة مع المالك في مقدار من المال المتعيّن الخارجي لا في كله كصاع من صبرة.

وأمّا بناء على الشركة في الماليّة فتحصل الشركة في الماليّة فحسب دون

ص: 256


1- 333.تهذيب الأحكام 4: 126، الحديث 402، ووسائل الشيعة 9: 548 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 12 مع اختلاف يسير.

العين الخارجية.

ويترتب على كل قسم لوازمه، فلا يجوز للمالك التصرّف في كل جزء من المال المتعلّق للخمس، فلا يجوز بيعه إلّا بإذن صاحب الخمس، وإلاّ كان بيعاً فضوليّاً في كل جزء منه بناء على الإشاعة.

وأمّا بناء على الشركة على نحو الكلّي في المعيّن فيجوز له التصرّف في المال حتى يبقى مقدار الخمس، وبيعه نافذ إلى المقدار المذكور ولا يكون فضوليّاً.

نعم، إذا باعه كلّه توقّفت صحة البيع بمقدار الخمس على إذن صاحب الخمس، لأنّه بيع فضولي في هذا المقدار.

وأمّا بناء على الشركة في الماليّة فيجوز له التصرّف في العين إذا لم يؤدّ إلى النقص في الماليّة، وإلاّ لم يجز.

ومن الفقهاء من قال بعدم جواز التصرّف مطلقاً - كالقسم الأوّل - كما ذهب إليه السيّد الأستاذ(قدس سره) (1).

وكذا يجوز له دفع القيمة أو الدفع من مال آخر بدلاً عن الماليّة، بلا حاجة إلى إذن صاحب الخمس، وغير ذلك من اللوازم التي تترتّب على هذه الأقسام.

ثم إنّه يمكن الاستدلال على أنّ الشركة هي الشركة في الماليّة بوجوه:

ص: 257


1- 334.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 287.

أحدها: ظهور أدلّة تشريع الخمس، من الآية الكريمة والروايات الخاصّة، حيث عبّر فيها عن متعلّق الخمس بالغنيمة أو الربح أو الفائدة أو المال، فإنّه يستفاد من هذه التعابير أنّ المقصود بالذات في موضوع الخمس هو حيثيّة الفائدة والربح، وهي متقوّمة بماليّة العين لا بخصوصياتها العينيّة، فالشركة الحاصلة بين صاحب الخمس وبين المالك للعين - بمقتضى هذه الأدلّة - هي الشركة في الماليّة فحسب، وتبقى ملكيّة المالك للخصوصيّات العينيّة ولا يشترك معه صاحب الخمس فيها، وإذا شككنا في ذلك فمقتضى الأصل أيضاً الاقتصار على القدر المتيقّن، وهو الأقل أي الشركة في الماليّة فحسب، وبقاء حقّ المالك في الخصوصيّات العينيّة.

ويضعّف هذا الوجه: بأنّه إنّما تصلح استفادة ذلك من تلك التعابير إذا لم يكن المقصود منها هو ذكر الجامع لما يكتسب، مع أنّ الظاهر منها ذلك؛ فإنّ ما يغتنم بما أنّه أشياء مختلفة، وكذلك ما يكتسب، ويصعب عدّ كل واحد منها، فمن الطبيعي أن يعبّر عنها بلفظ جامع من الغنيمة أو الفائدة.

والشاهد على ذلك: أنّه عدّ في بعض الروايات الأشياء التي يتعلّق بها الخمس بخصوصها، كما في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة وغيرها.

كما عبّر عن سائر الموضوعات المتعلّقة للخمس كالمعادن والكنوز والغوص والمال الحلال المخلوط بالحرام بالجامع بين أفرادها المختلفة، ولم يتوهّم أحد بأنّ لهذه التعابير دخلٌ في الشركة، وفي كيفيّة التعلّق، فكذا في المقام لاشتراك الجميع في كيفيّة تعلّق الخمس.

الوجه الثاني: أنّ ذلك مقتضى بدليّة الخمس عن الزكاة، فإنّ ظاهر بعض

ص: 258

نصوص الزكاة وإن كان هو الشركة بنحو الإشاعة كقوله(علیه السلام): «في كل أربعين شاة شاة»،(1) ولو أُريد الإشاعة بأن كان كل فرد من تلك الأموال مشتركاً بين المالك والفقير لكان دفع الشاة الواحدة دفعاً لما يعادل تلك الأجزاء ويساويها في المقدار لا إخراجاً لنفس الواجب، مع أنّ ظاهر الدليل خلاف ذلك، وأنّه هو الفرض والواجب.

إلّا أنّ هناك طائفة أُخرى من الأدلّة تأبى عن إرادة أيّ من النحوين السابقين منها.

مثل قوله(علیه السلام): «في خمس من الإبل شاة»(2) ونحو ذلك ممّا كان الفرض مبايناً للعين الزكويّة كالحقّة وابن اللبون، وهذا دليل قاطع على لابديّة رفع اليد عن الظهورين المزبورين في بعض النصوص والحمل على إرادة الشركة في الماليّة. هذا في الزكاة.وكذلك في الخمس، وإن كان ظاهر بعض النصوص فيه هي الشركة بنحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن بمقتضى البدليّة، فالشركة في الماليّة نظير شركة الزوجة في استحقّاقها الإرث من الأشجار والأبنية والآلات قيمة لا عيناً، فإنّه يجوز للوارث إعطاؤها حصتها من الماليّة من أيّ مال آخر وتطبيقها عليه بعد أن لم تكن الخصوصيّات العينيّة مورداً لاستحقّاقها.

ص: 259


1- 335.الكافي 3: 526 كتاب الزكاة باب صدقة الغنم، الحديث 1 ، وتهذيب الأحكام 4: 24، الحديث 58 ، و الاستبصار 2: 31، الحديث 61 ، ووسائل الشيعة 9: 116 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.
2- 336.مستدرك الوسائل 7: 60، الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 4.

ويضعّف هذا الوجه أيضاً بما تقدّم من عدم ثبوت البدليّة أوّلاً، وثانياً على فرض الثبوت لا دليل على كون ذلك في جميع الأحكام.

الوجه الثالث: أنّ الخمس كالزكاة نوع من الضرائب والميزانيّات الإسلاميّة العامّة، والمركوز عند العرف والعقلاء أنّها تُجعل بلحاظ ماليّة الأموال الخارجيّة لا بلحاظ خصوصيّاتها العينيّة، بل إنّ تلك الخصوصيّات قد لا تكون مفيدة عادة لتلك الجهات والمصالح، كما أنّ الأنسب بحال المالكين عدم حرمانهم عن تلك الخصوصيّات وتفويتها عليهم.

فهذا الارتكاز العرفي الواضح يوجب استفادة الشركة في الماليّة من أدلّة الخمس والزكاة ونحوهما من الضرائب العامّة، وإن كان ظاهر النصوص فيها قد يدلّ على الشركة الحقّيقيّة من الإشاعة أو الكلّي في المعيّن.

وهذا الوجه أيضاً كسابقيه في الضعف؛ فإنّه يرجع إلى رفع اليد عن ظواهر أدلّة الخمس والزكاة، مع أنّ تلك الضرائب أيضاً تختلف فقد يقصد منها الإعطاء من نفس العين، وإن كان الأغلب فيها هو جعلها في الماليّة.

هذا مع وجود الفرق بين الخمس والضريبة، وذلك:

أوّلاً: إنّ من الضرائب والميزانيّات ما لا يقبل الدفع من غير النقدين، مع أنّه لا إشكال - في محل الكلام - في جواز أن يعطي المالك من نفس العين.

وثانياً: إنّ جلّ الأشياء التي تكون مورداً للخمس والزكاة هي ممّا ينتفع به أرباب الخمس والزكاة، بخلاف الضرائب؛ فإنّ الغالب فيها عدم كون العين مورداً لانتفاع الجهات العامّة.

ص: 260

الوجه الرابع: أنّه يجوز دفع القيمة بدل العين في الخمس كالزكاة، وهو ممّا ورد به النصّ في الزكاة ويُتعدى إلى الخمس أيضاً - كما يأتي - والحكم متسالم عليه بين الأصحاب، ولعلّ السيرة القطعيّة المتّصلة بزمان الأئمة(علیهم السلام) قائمة على ذلك، فإنّه قد ورد في صحيحة مسمع أنّه أتى بثمانين ألف درهم إلى الإمام(علیه السلام) وقال بأنّه خمس ماله الذي أصابه من الغوص، وقرّره الإمام(علیه السلام) على ذلك. وهذا ممّا يدل على أنّ المقصود من الشركة عند العرف هي الشركة في الماليّة، كما أنّ عملهم على ذلك، لا الشركة في نفس العين.

ويمكن الجواب عن هذا الوجه أيضاً: بأنّ جواز دفع القيمة لعلّه كان من باب الإذن العام والتسهيل على المالكين، وربّما يشعر بذلك قوله(علیه السلام) في صحيحة البرقي: «أيّما تيسّر يخرج»(1).

وعليه فلا دلالة واضحة في هذا الوجه على كون الشركة هي الشركة في الماليّة، كالوجوه المتقدمّة.

فالمتحصّل أنّ الوجوه المتقدّمة لا تصلح للتصرّف في ظواهر الأدلّة التي تقتضي الشركة في الماليّة والعين معاً، وصرفها إلى خصوص الماليّة، فيبقى أن تكون الشركة على نحو الإشاعة أو على نحو الكلّي في المعيّن.

ص: 261


1- 337.الكافي 3: 550 كتاب الزكاة باب الرجل يعطي عن زكاته العوض، الحديث 1، من لا يحضره الفقيه 2: 32، الحديث 1625 ، وتهذيب الأحكام 4: 83، الحديث 270، وسائل الشيعة 9: 167 ، الباب 14 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 1 والمصدر نفسه: 192 الباب 9 من ابواب زكاة الغلات، الحديث 1.

والآية المباركة وطوائف الروايات المتقدّمة ظاهرة في الإشاعة، ولكن لابدّ من رفع اليد عنها وحملها على الكلّي في المعيّن لوجهين:

أحدهما: لظاهر بعض الروايات الدالّة على ذلك:منها: مصحّح عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «على كلّ امرىء غَنِم أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة ÷ ، ولمن يلي أمرها من بعدها من ذرّيتها الحجج على النّاس... حتى الخيّاط ليخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانق...» الحديث(1).

ودلالتها واضحة، وإن اشتمل السند على عبد الله بن القاسم الحضرمي(2) وهو ضعيف، إلّا أنّ كتب عبد الله بن سنان مشهورة ومعروفة قد رواها جماعات من النّاس، فتصحّح الرواية من هذه الجهة.

ومنها: رواية أبي حمزة عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: قرأت آية الخمس فقال: «...والله لقد يسّر الله على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربّهم واحداً وأكلوا أربعة أحلّاء» (3).

ص: 262


1- 338.تهذيب الأحكام 4: 107 ، الحديث 347، والاستبصار 2: 73 ، الحديث 180 مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 9: 503 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8 مع اختلاف يسير.
2- 339.في رواية الاستبصار عبيد الله بن القاسم الحضرمي، والصحيح هو عبد الله بن القاسم الحضرمي الذي ترجمه النجاشي قائلاً: كذاب غالٍ، يروي عن الغلاة، لا خير فيه ولا يعتدّ بروايته. رجال النجاشي: 226 / 594.
3- 340.وسائل الشيعة 9: 484 ، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

ودلالتها أيضاً واضحة، لكن في سندها أبو محمد وهو شيخ الصفار لم يُعرف، ولذلك تكون مؤيّدة.

ومنها: صحيحة أبي سيّار مسمع بن عبد الملك قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): إنّي كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم، وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم، وكرهت أن أحبسها عنك وأعرض لها وهي حقّك الذي جعل الله تعالى لك في أموالنا، فقال: «ومالنا من الأرض وما أخرج الله منها إلاّ الخمس؟! يا أبا سيّار، الأرض كلّها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا» قال: قلت له: أنا أحمل إليك المال كلّه؟ فقال لي: «يا أبا سيّار، قد طيّبناه لك وحلّلناك منه فضمّ إليك مالك، وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، ومحلّل ]ويحلّ[ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم، فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم منها صغرة» (1).

الوجه الثاني: أنّ لازم الإشاعة أن يكون لصاحب الخمس سهم معيّن في كل جزء من أجزاء العين، فيكون له في كل حبة من الحنطة أو الشعير مثلاً سهم، وتكون حصّته منتشرة كما هو مقتضى الشركة والإشاعة الحقّيقيتين، ولازم ذلك أن يكون المدفوع إليه من العين - كطنّ من خمسة أطنان من الحنطة، أو درهم من خمسة دراهم - معادلاً لحصته لا نفس الفرض بالذات.

وهذا - كما ترى - مخالف لظاهر النصوص، فإنّها كادت أن تكون صريحة

ص: 263


1- 341.وسائل الشيعة 548:9، الباب4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 12.

ويتخيّر المالك بين دفع خمس العين أو دفع قيمته من مال آخر نقداً أو جنساً[1].

- بمقتضى الفهم العرفي - في أنّ المدفوع هو نفس الفرض بعينه لا شيء آخر بدلٌ عنه.

ومقتضى ذلك هو القول بالشركة في العين على نحو الكلّي في المعيّن، كما اختاره جماعة منهم صاحب المستند(1) والمحقّق العراقي والسيّد الماتن(قدس سرهما)(2).

تخيّر المالك في الدفع بين خمس العين وقيمته:

[1] الحكم الثاني: يتخيّر المالك بين دفع خمس العين أو دفع ذلك من مال آخر نقداً أو جنساً.

ويقع الكلام تارة في جواز دفع القيمة، وأخرى في جواز دفع غيرها من جنس آخر سواء كان مماثلاً للخمس أم لا. بعد وضوح جواز دفع خمس العين نفسها.

أمّا الأوّل: فالمراد بالقيمة كل ما تمحّض في الماليّة من أعيان الأثمان كالدرهم والدينار أو الأوراق الماليّة المتعارفة في هذا الزمان، والمشهور

ص: 264


1- 342.مستند الشيعة 10: 138.
2- 343.انظر العروة الوثقى: 4: 298.

جواز دفع القيمة كما يظهر من الشيخ الانصاري(قدس سره) (1)، بل يستظهر من حاشية المدقّق الخوانساري أنّه مذهب الأصحاب(2) ، واستدل على ذلك بوجوه:

أحدها: الروايات الخاصّة:منها: رواية الحارث بن حصيرة الأزدي قال: وجد رجل ركازاً على عهد أمير المؤمنين(علیه السلام) فابتاعه أبي منه بمائة شاة متبع،... قال: فبدر أبي فانطلق يستقيله فأبى عليه الرجل فقال: خذ منّي عشر شياه، خذ مني عشرين شاة، فأعياه، فأخذ أبي الركاز وأخرج منه قيمة ألف شاة، فأتاه الآخر وقال له: خذ غنمك وآتني ما شئت، فأبى فعالجه فأعياه، فقال: لأضرنّ بك، فاستعدى أمير المؤمنين(علیه السلام) فلما قصّ أبي على أمير المؤمنين(علیه السلام) أمره قال لصاحب الركاز: «أدّ خمس ما أخذت، فإنّ الخمس عليك، فإنّك أنت الذي وجدت الركاز وليس على الآخر شيء، لأنّه إنّما أخذ ثمن غنمه» (3).

ومنها: صحيحة الريّان بن الصلت قال: كتبت إلى أبي محمد(علیه السلام): ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلة رحى أرض في قطيعة لي، وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: «يجب عليك فيه الخمس، إن شاء الله تعالى» (4).

ص: 265


1- 344.كتاب الخمس: 279.
2- 345.نقلها الشيخ الانصاري في كتاب الخمس: 279 فراجع.
3- تهذيب الأحكام 7: 202 ، الحديث 986، ووسائل الشيعة 9: 497 ، الباب 6 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 مع اختلاف يسير.
4- 347.تقدم تخريجه في شرح قول الماتن «مسألة 75 الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين»

ومنها: صحيحة مسمع بن عبد الملك قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): إنّي كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم،وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم، وكرهت أن أحبسها عنك وأعرض لها وهي حقّك الذي جعل الله تعالى في أموالنا...»(1).

ومنها: رواية أبي بصير قال: كتبت إليه... وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال، إنّما يبيع منه الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً، هل عليه الخمس؟ فكتب: «أمّا ما أكل فلا، وأمّا البيع فنعم، هو كسائر الضياع» (2).

وقد نوقش في جميع هذه الروايات:

أمّا الأولى: فبضعف السند من جهة الإرسال، ومن جهة أنّ الحارث الأزدي لم يرد فيه توثيق. وبضعف الدلالة حيث إنّ صحة المعاملة وتعلّق الخمس بالثمن لا يناسبان تعلّق الخمس بالعين، سواء قلنا بأنّه على نحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن.

ولعلّ حكم الإمام(علیه السلام) بتخميس الثمن كان من باب الحكومة، لا مطلقاً. فهي خارجة عن محل الكلام.

وأمّا الثالثة: فبأنّه لم يرد الحكم بجواز دفع القيمة في كلام الإمام(علیه السلام)،

ص: 266


1- 348.وسائل الشيعة 548:9 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 12.
2- 349.تقدم تخريجه في وسائل الشيعة504:9، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث10.

وإنّما كان دفع القيمة من عمل أبي سيّار، وهو ليس بحجّة، وتقرير الإمام(علیه السلام) له ليس بمعلوم.

وأما الثانية والرابعة: فبأنّهما واردتان في تبديل المال وبيعه في أثناء السنة، ولا إشكال في جواز ذلك للمالك، فهما أيضاً خارجتان عن محل الكلام.

الوجه الثاني: ما ورد من جواز ذلك في الزكاة:

كصحيحة البرقي، قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني(علیه السلام): هل يجوز أن أُخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب، دراهم قيمة ما يسوى؟ أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شيء ما فيه؟ فأجاب(علیه السلام): «أيّما تيسّر يخرج»(1).

فإنّه يمكن الاستدلال بهذه الرواية على جواز دفع القيمة في الخمس بأحد وجهين:

أحدهما: أنّ الخمس بدل عن الزكاة، ومقتضى ذلك إلحاقه بها في الحكم.

وقد تقدّم الجواب عن هذا الوجه بمنع الصغرى والكبرى.

الثاني: ما ذكره السيّد الأستاذ(قدس سره) من أنّ صدر الرواية وإن كان ظاهراً في الزكاة، إلّا أنّ ما يجب في الذهب مطلق يشمل الخمس أيضاً؛ فإنّ الواجب عليه قد يكون مورداً لنصاب الزكاة كما قد يكون مصداقاً للفائدة والربح، ومن عدم التقييد بأحدهما يستفاد الإطلاق، وأنّ الواجب فيه سواء كان من

ص: 267


1- 350.تقدم تخريجه في شرح قول الماتن «مسألة 75 الخمس بجميع أقسامه متعلّق بالعين»

جهة أنّه زكاة أو خمس يجوز دفع الدراهم بدلاً عنه.

ومع الإغماض عن ذلك يمكن دعوى القطع بعدم الخصوصيّة للزكاة في نظر السائل، فلم يكن نظره مقصوراً على خصوصها.نعم لو كان هذا مذكوراً في كلام الإمام(علیه السلام) لأمكن دعوى الاختصاص، وأنّ للزكاة خصوصيّة لا نعرفها. إلّا أنّه ما دام مذكوراً في كلام السائل فلا يستفاد منه ذلك(1).

ويمكن المناقشة فيه بأن نقول:

أمّا ما ذكره من إطلاق ما يجب في الذهب الشامل للخمس والزكاة فهو خلاف الظاهر، وذلك: لظهور أنّ الحكم - وهو الوجوب - متعلّق بعنوان الذهب كما هو الحال في الحنطة والشعير، لا من جهةكونه مصداقاً للفائدة والربح، وإلّا فلا وجه لذكر خصوص الذهب والمتعلّق بهذا العنوان إنّما هي الزكاة فقط دون الخمس.

وأمّا ما ذكره من عدم كون نظر السائل مقصوراً على الزكاة فإنّه - ولو كان في الواقع كذلك - إلّا أنّ مقتضى الجمود على النصّ هو عدم التعدّي إلى مورد آخر، ومجرد احتمال أن يكون الجواب للأعم لا يكفي في ذلك.

الوجه الثالث: سيرة المتشرّعة على دفع القيمة بدلاً عن العين، وهي سيرة مستمرة متصلة بزمان الأئمة(علیهم السلام) في الغيبة والحضور؛ فإنّ الشيعة كانوا يرسلون القيم والأموال إلى محضرهم(علیهم السلام) وكذا إلى نوّابهم (رضی الله عنه) وإلى

ص: 268


1- 351.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 286.

الفقهاء، ولم ينكروا عليهم ذلك.

ولم يكن بناؤهم على إرسال نفس الأعيان المتعلّقة للخمس على كثرتها، كما يظهر ذلك جليّاً من صحيحة مسمع المتقدّمة وغيرها من الروايات.

فعدم ردعهم(علیهم السلام) وإمضاؤهم لهذه السيرة دليل واضح على جواز دفع القيمة، ولا ينحصر أداء الواجب بإخراج نفس العين.

والظاهر أنّ هذا الوجه تام، ومقتضاه تخيير المالك بين دفع العين وبين دفع القيمة، سواء كانت من النقود أو من غيرها.

وأمّا الثاني: وهو جواز دفع غير القيمة جنساً أو منفعة، سواء كان الجنس مماثلاً أم غير مماثل، فذهب كثير من الفقهاء إلى جوازه أيضاً كالعراقي والنائيني والسيّدين البروجردي والشيرازي وغيرهم(1).

واختار آخرون عدم الجواز كالسيّد الأستاذ(قدس سره)(2) ، وهو ظاهر كل من قال بعدم جواز ذلك في الزكاة كما عن الذخيرة والمدارك(3).

ولم يقم دليل خاص على جواز إعطاء الخمس من جنس آخر غير العين والقيمة، فالحكم بالجواز يبتني على أحد وجهين:

أحدهما: القول بأنّ الخمس حقّ في الذمّة، أو أنّه حقّ قائم بالعين، لا أنّه بنحو الشركة على الإشاعة أو الكلّي في المعيّن أو في الماليّة.

ص: 269


1- 352.انظر العروة الوثقى4: 296 - 297.
2- 353.المستند في شرح العروة الوثقى ، كتاب الخمس: 286.
3- 354.ذخيرة المعاد 446 - 450 ، مدارك الأحكام 5: 92.

وقد تقدّم ضعف هذا الوجه، وأنّه يكون على نحو الشركة.

ثانيهما: القول بإلحاق الخمس بالزكاة، وأنّه يجوز في الزكاة أداؤها من جنس آخر، وهذا يتوقّف على ثبوت أمرين:

الأمر الأوّل: أن يكون الخمس بدلاً عن الزكاة، وهذا غير ثابت كما مرّ.

الأمر الثاني: إثبات جواز الاكتفاء بجنس آخر في الزكاة، كما نسب إلى الأصحاب، بل عن الخلاف(1) والغنية(2) دعوى الإجماع عليه، وإن كان المستفاد من عبارة الغنية غير ذلك.

واستدل على ذلك.

أوّلاً: بصحيحة البرقي المتقدّمة لعموم: «أيّما تيسّر يخرج» (3).وثانياً: بما ورد في قرب الإسناد، بسنده المعتبر عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): عيال المسلمين أُعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثياباً وطعاماً وأرى أنّ ذلك خير لهم؟ قال: فقال: «لا بأس» (4).

وثالثاً: بإطلاق ما ورد من جواز احتساب الزكاة من الدين، كما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن الأوّل(علیه السلام) عن دَين

ص: 270


1- 355.الخلاف 2: 50 المسألة 59.
2- 356.غنية النزوع 1: 126.
3- 357.وسائل الشيعة 167:9 ، الباب 14 من أبواب زكاة الذهب والفضّة، الحديث 1
4- 358.قرب الاسناد: 49 ، الحديث 159، ووسائل الشيعة 9: 168 ، الباب 14 من أبواب زكاة الذهب والفضّة، الحديث 4.

لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه وهم مستوجبون للزكاة، هل لي أن أدعه وأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: «نعم» (1).

وغيرها من الأخبار.

والدّين فيها مطلق يشمل النقدين وغيرهما.

هذه هي عمدة ما استدل به على جواز الاكتفاء في الزكاة بإخراج غير الجنس الزكوي.

إلّا أنّ دلالتها ضعيفة:

أمّا الأولى: فلأنّه قد يقال: بأنّ ظاهر قوله(علیه السلام): «أيّما تيسّر يخرج» - بقرينة السؤال - أنّه في العين والقيمة، بمعنى أنّ أيّاً منهما تيسّر فإنّ ل-ه إخراجه، وعلى فرض الإجمال لا يمكن الاستدلال بالصحيحة واستفادة العموم منها.

وأمّا الثانية: فلأنّ الظاهر منها أنّ اشتراء الثياب والطعام كان بعد إخراج الزكاة وتعيينها في القيمة فإنّه قال: «فأشتري لهم منها» ، فحينئذ تكون خارجة عن محل الكلام، فإنّه لا إشكال في تبديل الزكاة بالقيمة، كما لا إشكال في عدم جواز التصرّف فيما تعيّن للزكاة وشراء شيء به إلّا بعد إجازة أرباب الزكاة أو وليّهم، ولذا استجاز السائل الإمام(علیه السلام) في التصرّف بالشراء منها، وأجازه الإمام(علیه السلام) في ذلك حيث كان مصلحة لعيال المسلمين، وعليه فالرواية على طبق القاعدة، وهي خارجة عن محل الكلام.

ص: 271


1- 359.الكافي 3: 549 باب قصاص الزكاة بالدين، الحديث 1 ، ووسائل الشيعة 9: 295، الباب 46 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 2 مع اختلاف يسير.

وأمّا الثالثة: فإنّ الدّين الذي يكون على ذمّة الدائن يمكن أن يكون مالاً أي أنّه من النقدين، ويمكن أن يكون جنساً مماثلاً للمال الزكوي، كما أنّه يمكن أن لا يكون مماثلاً له أصلاً.

أمّا الأوّل: فاحتساب الزكاة عنه واضح.

وأمّا الثاني: فلا إشكال أيضاً في جواز دفع الزكاة بجنسٍ مماثلٍ والاكتفاء به، وهو محل الاتفاق والتسالم، ولم يخالف فيه إلّا شاذ من الأصحاب في خصوص الزكاة.

وأمّا الثالث: فيحسب كل جنس بقيمته، أي جنس الدّين وجنس الزكاة ثم يقاصّ ذلك عن المديون بالمقدار فيكون الإخراج بالقيمة لا بالجنس.

فهذه الرواية خارجة عن محل الكلام على جميع صور المسألة، فلا يتمّ الاستدلال بهذه الوجوه على جواز إخراج غير الجنس في الزكاة.

ولم يبقَ في البين إلّا الشهرة ودعوى الإجماع، فإن تمّ ذلك فهو، وإلّا فمقتضى القاعدة عدم جواز التبديل بجنس آخر في الزكاة فكيف بالخمس؟

فظهر من هذا كلّه عدم تماميّة الدليل على جواز إعطاء الجنس في الخمس، ولا دليل آخر في المقام فيكون مقتضى القاعدة - على القول بالشركة - عدم جواز إعطاء الجنس أو المنفعة مطلقاً.

ص: 272

ولا يجوز له التصرّف في العين قبل أداء الخمس، وإن ضمنه في ذمّته [1].

عدم جواز التصرّف في العين قبل أداء الخمس:

[1] الحكم الثالث: لا يجوز للمالك أن يتصرّف في العين التي استقر عليها الخمس إلّا بعد أدائه .

والتصرّف تارة يكون خارجياً كالأكل واللبس، وأخرى اعتباريّاً كالبيع والهبة، وعلى كلا التقديرين إمّا أن يقع في تمام العين أو في بعضها، فهنا أربعة أقسام:

أمّا القسمان الأخيران - وهما التصرّف في بعض العين خارجاً أو اعتباراً - فقد تعرّض لهما الماتن(قدس سره) في المسألة الآتية، والمقصود بالذكر هنا هما القسمان الأوّلان، وهما ما إذا كان التصرّف في تمام العين خارجاً أو اعتباراً.

أمّا القسم الأوّل: فلا إشكال في عدم الجواز إذا لم يضمنهما في ذمّته ولم يقصد أداء الخمس، على جميع الأقوال في كيفيّة تعلّق الخمس؛ فإنّه لابد من إخراج الخمس بعد استقراره، ثم يكون له التصرّف بعد ذلك، وأمّا قبل الأداء فلا يجوز له ذلك بلا إشكال.

وأمّا إذا ضمن على نفسه وجعل مقدار الخمس في ذمّته وقصد أداءه من النقدين أو من مال آخر فهل يجوز له التصرّف والحال هذه أو لا؟ محل خلاف.

ص: 273

والمشهور عدم الجواز، وذلك لعدم الدليل على الجواز.

وعن جماعة الحكم بالجواز مع الضمان، كما يظهر من المحقّق العراقي وكذلك المحقّق النائيني(قدس سرهما)(1). إلّا أنّ الأخير قيّده بما إذا لم يمكنه الإيصال إلى أهله فعلاً، فحينئذٍ يجوز له التصرّف مع ضمانه في ذمّته.

والوجه في الحكم بالجواز مع عدم ورود دليل خاصّ على جواز التصرّف مع الضمان - وإنّما دلّ على الجواز مع الأداء خارجاً - هو أنّ للمالك الولاية على تبديل العين بالقيمة أو بمال آخر، ومقتضى هذه الولاية جواز تبديله له بالقيمة أو بجنس آخر في ذمّته؛ لعدم الفرق بين التبديل بالعين الخارجية؛ من النقدين أو غيرهما حتى يصل الحقّ إلى أربابه، وبين التبديل في ذمّته حتى يتمكّن من الإيصال إليهم.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ مقتضى الجمود على النصّ هو جواز التبديل بالعين الخارجيّة، وأمّا التبديل في الذمّة فلم يثبت جوازه.

ثم إنّه على تقدير صحّة هذا الوجه فإنّه إنّما يتمّ إذا لم يكن المستحقّ موجوداً فعلاً - كما ذكره المحقّق النائيني(قدس سره) ، وأمّا مع وجود المستحقّ وإمكان الإيصال إليه فالتبديل في الذمّة يكون على خلاف القاعدة.

ولا يبعد أن يقال: إنّه مع عدم إمكان الإيصال إذا كان التبديل في مصلحة أرباب الخمس يجوز ذلك بمقتضى ما يستفاد من رواية قرب الإسناد المتقدّمة، وإلّا فلا يجوز.

ص: 274


1- 360.انظر العروة الوثقى 4: 296 - 297.

ولو أتلفه بعد استقراره ضمنه [1].

استقرار الضمان بعد الإتلاف:

[1] الحكم الرابع: لو أتلف المكلّف مقدار الخمس بعد أن استقرّ عليه فإنّ عليه ضمانه.

وهذا الحكم متسالم عليه بين الفقهاء، وهو موافق للقاعدة؛ فإنّه أتلف ما ليس له.

والمراد بالإتلاف مطلق الصرف وإن كان في المؤونة، لا أنّ المراد من الإتلاف خصوص ما كان من جهة الإسراف أو التبذير؛ لأنّ الضمان بذلك لا يتوقّف على استقرار الخمس، بل لو وقع منه ذلك أثناء الحول لوجب عليه الضمان.

ص: 275

ولو اتّجر به قبل إخراج الخمس كانت المعاملة فضوليّة بالنسبة إلى مقدار الخمس، فإن أمضاه الحاكم الشرعي أخذ العوض، وإلاّ رجع بالعين بمقدار الخمس إن كانت موجودة وبقيمته إن كانت تالفة، ويتخيّر في أخذ القيمة بين الرجوع على المالك أو على الطرف المقابل الذي أخذها وأتلفها، هذا إذا كانت المعاملة بعين الربح.وأما إذا كانت في الذمّة ودفعها عوضاً فهي صحيحة ولكن لم تبرأ ذمّته بمقدار الخمس ويرجع الحاكم به إن كانت العين موجودة، وبقيمته إن كانت تالفة، مخيّراً حينئذٍ بين الرجوع على المالك أو الآخذ أيضاً [1].

الاتجار بالعين قبل إخراج الخمس:

[1] هذا هو القسم الآخر من التصرّف في تمام العين، وهو التصرّف الاعتباري كالبيع ونحوه، فإذا تصرّف بعد استقرار الخمس وقبل الأداء، فتارة يكون البيع كليّاً، ويؤدي - في مقام الوفاء - من العين المتعلّقة للخمس، وأخرى يكون البيع شخصيّاً، بأن يجعل الثمن أو المثمن نفس العين.

أمّا على الأوّل: فلا إشكال في صحّة المعاملة، فإذا أدّى من العين المتعلّق بها الخمس، تكون ذمّته مشغولة بمقدار الخمس ممّا أدّاه.

وبعبارة أخرى: يكون مؤدّياً لما في ذمتّه، بسبب المعاملة إلّا مقدار

ص: 276

مسألة 76: يجوز له أن يتصرّف في بعض الربح ما دام مقدار الخمس منه باقياً في يده مع قصد إخراجه من البقيّة، إذ شركة أرباب الخمس مع المالك إنّما هي على وجه الكلّي في المعيّن، كما أنّ الأمر في الزكاة أيضاً كذلك وقد مرّ في بابها [1].

الخمس، ويبقى الخمس في العين، وللحاكم أن يسترجعه إذا كان باقياً، ومع تلفه يكون كلٌّ من البائع والمشتري ضامناً، من جهة تعاقب الأيدي، فيجوز للحاكم الرجوع إلى أيّ منهما. فإذا رجع الحاكم إلى المشتري رجع هو إلى البائع، ولا عكس.

وأمّا على الثاني: فالمعاملة بالنسبة إلى مقدار الخمس فضوليّة، لأنّه باع ما لا يملك خمسه، فتتوقّف صحّة المعاملة في حصّة الخمس على إجازة الحاكم الشرعي، فإن أجاز رجع إلى خمس الثمن، وإن لم يجز، فإن كانت العين باقية استرجعها بنفسها، وإلّا فالحكم هو حكم الصورة المتقدّمة فيجوز له الرجوع إلى كلٍّ منهما، فإذا رجع إلى المالك لم يرجع المالك إلى الآخر، وإذا رجع إلى غير المالك كان له الرجوع إلى المالك.

وهذا الحكم على طبق القاعدة.

التصرف في بعض الربح:

[1] تعرّض الماتن(قدس سره) في هذه المسألة لبيان حكم التصرّف في بعض العين ما دام مقدار الخمس موجوداً. بعد أن انتهى من بيان حكم التصرّف في

ص: 277

تمام العين، وقال بجواز التصرّف في المقام.

والحكم بالجواز هنا يبتني على أحد أمور:

أحدها: أن يقال إنّ الخمس متعلِّق بالذمّة أو أنّه حقّ متعلّق بالعين بأحد أنحاء التعلّق المتقدّمة. وقد مضى تضعيف هذين القولين.

الأمر الثاني: أن يقال بثبوت هذا الحكم في الزكاة، وإلحاق الخمس بها فيه، حيث إنّ المستفاد من الروايات جواز عزل الزكاة وفرزها من قبل المالك، وأنّ له الولاية على تعيين الزكاة، فإذا كان له الولاية في تعيين تمام الزكاة فله الولاية في تعيين بعضها كالنصف والربع جزماً.

وبما أنّ لازم العزل تعيين حصّة المالك في الباقي، فنصوص العزل تدلّنا بالملازمة العرفيّة على ولاية المالك على تعيين حصّته الشخصيّة من العين بتمامها، وفرزها عن العين المشتركة، وكذلك تعيين بعضها بطريق أولى، فإذا ثبت ذلك في الزكاة ثبت في الخمس أيضاً من جهة الإلحاق.

وهذا الوجه أيضاً تقدّم تضعيفه غير مرّة.

الأمر الثالث: أن يقال: إنّ الخمس متعلّق بالعين على نحو الكلّي في المعيّن - كما اخترناه - لا على نحو الإشاعة ولا على نحو الشركة في الماليّة، فالحكم بالجواز حينئذٍ موافق لمقتضى القاعدة، لأنّ أرباب الخمس يستحقّون مقدار الخمس - مردّداً - من مجموع المال، لا في كل جزء جزء، فما دام هذا المقدار باقياً يجوز للمالك التصرّف في غيره.

لكن الماتن(قدس سره) قيّد ذلك بقيد آخر وهو أن يكون المالك قاصداً لأداء

ص: 278

الخمس من الباقي لا مطلقاً.

ويمكن أن يقال في وجه ذلك: إنّ هذا المقدار المردّد الذي يكون لأرباب الخمس قابل للانطباق على الأربعة أخماس الأخرى، فلا يتمحّض ما يتصرّف فيه المالك في كونه ماله، لاحتمال كونه مالاً للمستحقّين فلا يجوز له التصرّف فيه.

نعم، مع القصد لأداء الخمس من الباقي يرتفع التردّد ويتعيّن الخمس في الباقي، لأنّ للمالك الحقّ في التعيين، فيتخلّص المقدار المتصرّف فيه ملكاً له، وبذلك يجوز له التصرّف فيه.

هذا بناء على القول بكون الشركة على نحو الكلّي في المعيّن.

وأمّا إذا قلنا بأنّها على نحو الإشاعة لم يجز له التصرّف إلاّ بإذن أرباب الخمس؛ لأنّ كل جزء من المال متعلّق لحقّهم.

وأمّا إذا قلنا بأنّها على نحو الشركة في الماليّة فهل يجوز له التصرّف أو لا؟

اختلف كلام السيّد الأستاذ(قدس سره) في ذلك؛ ففي بحث الزكاة ذكر بأنّه يجوز له التصرّف على مقتضى القاعدة، لعدم استحقّاق الفقير إلاّ حصّة معيّنة من الماليّة قابلة للانطباق على أي فرد يختاره المالك، فتسعة أعشار العين مثلاً ملك له، فله التصرّف إلى أن يبقى العشر الباقي(1).

ولكنّه ذكر هنا أنّ الشركة في الماليّة مانعة عن التصرّف في البعض، لعدم كون الماليّة المزبورة كلّيّة، وإنّما هي سارية في جميع أجزاء العين،

ص: 279


1- 361.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الزكاة 1: 172 - 173.

فكل جزء من الأجزاء مشترك بين المالك والمستحقّ، لكن لا بشخصيتّه، بل بماليّته، نظير شركة الزوجة مع الورثة في ماليّة البناء، وإن لم ترث من نفس الأعيان. ومن ثَمّ لم يكن للوارث التصرّف قبل أداء حقّ الزوجة، لسريان الماليّة المشتركة في تمام الأجزاء بالأسر(1).

والاختلاف بين الحكمين في الموردين واضح، إلّا أنّه يمكن التوجيه، بأن نقول:

إنّه يمكن فرض الشركة في الماليّة على نحو الكلّي في المعيّن، وكأنّ نظر السيّد الأستاذ(قدس سره) إلى ذلك في الزكاة، كما أنّه يمكن فرضها على نحو الإشاعة كالشركة في نفس العين.

فعلى الأوّل يجوز التصرّف في البعض دونه على الثاني.

ويبتني تعيين أحدهما على الرجوع إلى النصوص الواردة في المقام.

ولعلّ نظره الشريف في الزكاة إلى أنّ المستفاد من النصوص هي الشركة في الماليّة على نحو الكلّي في المعيّن، بخلاف المقام؛ وذلك لأنّه بعد أن حمل النصوص الدالّة على الإشاعة في الزكاة على الكلّي في المعيّن لظاهر بعض الروايات، ثم حملها على الشركة في الماليّة فطبعاً تكون الشركة على نحو الكلّي في المعيّن. وهذا بخلافه هنا، فإنّه(قدس سره) لم يعترف بدلالة الروايات الواردة في المقام على الكلّي في المعيّن، بل حملها على الإشاعة فقط، وعلى فرض التنزّل والتسليم فهي تدلّ على الشركة في الماليّة، فلابدّ من كونها على

ص: 280


1- 362.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 290.

مسألة 77: إذا حصل الربح في ابتداء السنة أو في أثنائها فلا مانع من التصرّف فيه بالاتّجار، وإن حصل منه ربح لا يكون ما يقابل خمس الربح الأوّل منه لأرباب الخمس، بخلاف ما إذا اتّجر به بعد تمام الحول فإنّه إن حصل ربح كان ما يقابل الخمس من الربح لأربابه مضافاً إلى أصل الخمس فيخرجهما أوّلاً ثم يخرج خمس بقيّته إن زادت على مؤونة السنة [1].

نحو الإشاعة في الماليّة.

فلا تهافت في حكمه في المقامين.

ولكن بناء على ما ذكرناه من ظهور الروايات في الكلّي في المعيّن مع فرض التنزّل والتسليم بدلالتها على الشركة في الماليّة فهي أيضاً تكون على نحو الكلّي في المعيّن، فيحكم بجواز التصرّف في البعض على هذا القول أيضاً كما في الزكاة.

لو حصّل من الربح الأوّل ربحاً ثانياً قبل انتهاء السنة:

[1] توضيح المسألة:

إذا حصل للمالك ربح في ابتداء السنة أو أثنائها فلا إشكال في عدم جواز التصرّف في ذلك الربح المتعلّق به الخمس بعد تمام الحول، سواء كان التصرّف بالاتجار أو غيره إلّا بعد إخراج الخمس وإعطائه إلى أربابه، كما

ص: 281

أنّه لا إشكال في أنّه إذا تصرّف فيه بالاتجار وأجازه الحاكم فالربح الحاصل يكون مشتركاً بينه وبين أرباب الخمس، ويوزّع بينهما بالنّسبة كسائر الأموال المشتركة.

وأمّا إذا لم يجز الحاكم فالمعاملة بالنّسبة إلى مقدار الخمس باطلة.

وأمّا التصرّف فيه قبل تمام الحول فأيضاً لا إشكال في جوازه، وإنّما الكلام فيما إذا اتجّر به وربح فهل يقسّم الربح بينه وبين أرباب الخمس بالنّسبة كما هو الشأن في الأموال المشتركة أو يكون الربح بتمامه للمالك، ويتعلّق به الخمس كسائر الأرباح؟

ومثال ذلك: ما إذا ربح في أوّل السنة ستّمائة دينار، وكانت مؤونته مائة دينار، فعزلها، فيبقى له خمسمائة دينار، ويكون خمسها وهي مائة لأرباب الخمس، فإذا اتّجر بهذه الخمسمائة وربح خمسمائة أخرى، فعلى القول الأوّل يكون لأرباب الخمس مائتان وثمانون ديناراً، لأنّ المائتين هو الخمس من الربح الأوّل والربح الثاني، والثمانين هي خمس الأربعمائة التي كانت ربحاً ثانياً للمالك.

وأمّا على القول الثاني فيكون لأرباب الخمس مائتا دينار فحسب، حيث إنّ الربح الثاني وهو خمسمائة دينار كلّها للمالك، وخمسها يكون مائة دينار، فمع انضمامها إلى خمس الربح الأوّل وهي مائة يكون المجموع مائتين.

وقد نقل صاحب الجواهر(قدس سره) القول الأوّل عن بعض(1) ، بل ذكر في نجاة

ص: 282


1- 363.جواهر الكلام 16: 55.

العباد أنّه «أحوط إن لم يكن أقوى» (1).

واختار الشيخ الانصاري(قدس سره) وجملة من المتأخرين ومنهم الماتن(قدس سره) الثاني(2).

ومنشأ القولين هو أنّ خمس الربح الأوّل بما أنّه صار ملكاً لأرباب الخمس، وإن لم يجب التعجيل في الإخراج، وإعطائهم إيّاه قبل تمام السنة، فمقتضى القاعدة - وهي تبعيّة النّماء للأصل - هو أن يكون الربح الثاني مشتركاً بينهم وبين المالك بالنّسبة، نظير الربح الحاصل للمال المشترك بين مالكين. هذا منشأ القول الأوّل.

ومنشأ القول الثاني هو رفع اليد عن هذه القاعدة في المقام إمّا تخصّصاً أو تخصيصاً:

أمّا الأوّل: فبأن يقال: إنّ هذه القاعدة إنّما تجري فيما إذا لم يكن المستحقّ ممنوعاً من التصرّف في المال، بل كان حقّ التصرّف لمن المال في يده دون المستحقّ فالقاعدة لا تجري في مثل المورد، خصوصاً إذا كان لذي اليد حقّ التصرّف في المال، بل حقّ في إتلافه.

وأمّا الثاني: بأن يقال: إنّه على فرض القول بعموميّة القاعدة وعدم الفرق بين ما إذا كان للمستحقّ حقّ التصرّف وبين ما إذا لم يكن له ذلك، إلّا أنّه لابدّ من القول بخروج المورد عن هذه القاعدة لوجود الدليل على ذلك وهو:

ص: 283


1- 364.نجاة العباد: 87 الخامس ما يفضل عن مؤنته له ولعياله.
2- 365.كتاب الخمس: 281 - 283 ، العروة الوثقى 4: 299.

إمّا من جهة وجود السيرة القطعيّة على ذلك، حيث إنّه قد استقرّ عمل المتشرّعة على ملاحظة مجموع الأرباح في آخر السنة وجعلها كربح واحد، لا ملاحظة كل ربح على حدة والتقسيط والتوزيع ثم إخراج الخمس عن الباقي؛ لأنّ ذلك إذا لم يكن متعذّراً فهو متعسّر وحرجيّ قطعاً؛ فإنّه قد يتّفق لشخص في يوم واحد تجارات متعدّدة فضلاً عن الشهر والسنة، فتفكيك الأرباح وتوزيعها بالنسبة للربح السابق أمر صعب جداً.

أو من جهة ما يظهر من الروايات الدالّة على أنّ الخمس بعد المؤونة كصحيحتي علي بن مهزيار في قول الإمام(علیه السلام) في إحداهما: «الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله» (1) ، وفي الأخرى: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» (2) ، وغيرهما من الروايات، فإنّ الظاهر منها: أنّ المراد بالمؤونة هي مؤونة السنة الخارجة عن مجموع الأرباح، لا مقدار المؤونة الخارج من بعضها حتى يجب دفع تمام بعضها الآخر باعتبار أنّه ربح الربح مثلاً، وهكذا.

ويمكن الاستدلال على ذلك أيضاً بمعتبرة أبي بصير المتقدّمة، فإنّه ورد فيها السؤال عن الفاكهة يأكلها العيال، ويبيع منه الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً هل عليه الخمس، فكتب(علیه السلام): «أمّا ما أكل فلا، وأمّا البيع فنعم، هو كسائر الضياع»(3).

وكذلك بمعتبرة الريّان بن الصلت المتقدّمة أيضاً التي سأل فيها عن ثمن

ص: 284


1- 366.وسائل الشيعة 9: 500 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
2- 367.وسائل الشيعة 9: 500 الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
3- تقدم تخريجه في شرح قول الماتن «مسألة 75 الخمس بجميع أقسامه متعلّق بالعين»

مسألة 78: ليس للمالك أن ينقل الخمس إلى ذمّته ثمّ التصرّف فيه كما أشرنا إليه. نعم، يجوز له ذلك بالمصالحة مع الحاكم، وحينئذٍ فيجوز له التصرّف فيه ولا حصّة له من الربح إذا اتّجر به، ولو فرض تجدّد مؤن له في أثناء الحول على وجهٍ لا يقوم بها الربح انكشف فساد الصلح [1].

سمك وبردي وقصب فكتب الإمام(علیه السلام): «يجب عليك فيه الخمس، إن شاء الله تعالى» (1).

حيث إنّ الإمام(علیه السلام) حكم بالخمس في ثمن ما تعلّق به الخمس بعد الاتّجار والبيع.

نقل الخمس إلى الذمّة:

[1] هذه المسألة لها تفسيران:

أحدهما: أنّ مراده(قدس سره) أنّه ليس للمالك أن ينقل الخمس إلى ذمّته بعد انتهاء الحول واستقرار الخمس عليه حتى يجوز له التصرّف والاتّجار به، بل إنّما يجوز له ذلك بالمصالحة مع الحاكم، فإنّه بعد ذلك يجوز له التصرّف، وإذا اتّجر به وربح فليس في مقابل الخمس حصّة من الربح؛ لفرض أنّ الخمس صار ملكاً له فلا يكون للخمس حصّة من الربح، والحكم واضح،

ص: 285


1- 369.تقدم تخريجه في شرح قول الماتن «مسألة 75 الخمس بجميع أقسامه متعلّق بالعين»

وهذا هو الظاهر من عبارة الماتن وتعليق الأعلام عليها.

إلّا أنّ هذا التفسير لا يلائم قوله بعد ذلك: «ولو فرض تجدّد مؤن له في أثناء الحول...» الخ، لأنّ الظاهر منه أنّ المصالحة كانت واقعة في أثناء الحول لا بعد انتهائه.

اللهم إلّا أن يوجّه بأنّ المقصود هو كشف مؤن عليه كانت في أثناء الحول السابق ولم يعلم بها، ولا يقوم بها الربح المتقدّم، وحينئذٍ يحكم بفساد الصلح للكشف عن عدم وجود معوّض في البين.

وهذا التوجيه وإن كان صحيحاً في نفسه إلّا أنّه خلاف ظاهر العبارة جدّاً، فإنّها صريحة في تجدّد المؤونة لا الكشف عن مؤونة سابقة على المصالحة.

ولذلك حملت هذه العبارة على أنّها وقعت سهواً من قلمه الشريف، وأنّ هذا الذيل لم يكن مربوطاً بما ذكره(قدس سره) في صدر المسألة.

التفسير الثاني: مقصوده أنّه ليس للمالك أن ينقل الخمس إلى ذمّته في أثناء الحول، ثمّ يتصرّف فيه ويتّجر به على أن يكون تمام الربح له.نعم، يجوز هذا مع المصالحة، ولو تجدّدت له مؤن أثناء الحول ولا يقوم بها الربح كشف ذلك عن فساد الصلح.

ولكن هذا التفسير يواجه بإشكالين مهمّين:

أحدهما: أنّ جواز التصرّف والاتجار بالربح أثناء الحول وكون الربح له لا يتوقّف على الإجازة أو المصالحة من قبل الحاكم، بل هو أمر متسالم عليه بين الفقهاء، وإنّما لا يجوز له التصرّف بعد انتهاء الحول.

ص: 286

الإشكال الثاني: إنّ المصالحة لا تكون صحيحة لعدم ترتّب أثر عليها، فإنّ للمالك الولاية على التصرّف ونقل الخمس إلى ذمّته أو إلى مال آخر، فلا وجه للمصالحة مع الحاكم.

وقد أُجيب عن الأوّل: بأنّ جواز التصرّف وإن كان ثابتاً للمالك أثناء الحول إلّا أنّه إرفاق، وأمّا بعد المصالحة فيكون استحقّاقاً، وفرق بين الأمرين، ولذا فإنّه يترتّب عليه بعد المصالحة عدم ضمانه لدركه وخسارته، وإذا بقي إلى انتهاء السنة لم يتعلّق الخمس بهذا المال، وكذلك بالنسبة إلى كونه مالكاً للربح قبل المصالحة، فإنّه مورد للخلاف - كما أشرنا إليه في المسألة السابقة - وأمّا بعد المصالحة فالربح له بلا خلاف.

ومن ذلك يظهر الجواب عن الإشكال الثاني، فإنّ المقصود بالمصالحة أن يكون الربح بتمامه للمالك على جميع المباني، فليس صحيحاً أنّ المصالحة ليس لها أثر، ولم يقم دليل على أنّ للمالك أن ينقل الخمس إلى ذمّته أثناء الحول.

نعم، له الولاية على نقله إلى مالٍ آخر أو إلى القيمة، وأمّا نقله إلى ذمّته بحيث يكون ملكاً خالصاً له ويخرج عن تعلّق الخمس به حتى مع بقائه إلى نهاية السنة فلا دليل عليه.

والإنصاف أنّ ما تقدم كلّه لا يخلو من التكلّف، وأنّ هذا التفسير خلاف الظاهر جدّاً، حيث إنّ قوله(قدس سره) - وكما أشرنا إليه - كالصريح في التفسير الأوّل.

وأيضاً تفريع جواز التصرّف على المصالحة ظاهر في ذلك.

ص: 287

مسألة 79: يجوز له تعجيل إخراج خمس الربح إذا حصل في أثناء السنة، ولا يجب التأخير إلى آخرها، فإنّ التأخير من باب الإرفاق كما مرّ، وحينئذٍ فلو أخرجه بعد تقدير المؤونة بما يظنّه فبان بعد ذلك عدم كفاية الربح لتجدّد مؤن لم يكن يظنّها كشف ذلك عن عدم صحته خمساً، فله الرجوع به على المستحقّ مع بقاء عينه لا مع تلفها في يده، إلاّ إذا كان عالماً بالحال فإنّ الظاهر ضمانه حينئذٍ [1].

فالظاهر أنّ التفسير الأوّل هو الصحيح، ولابد من الالتزام إمّا بالتوجيه في الذيل أو القول بأنّه وقع اشتباه في العبارة سهواً أو من جهة السقط، وربّما يظهر ذلك من مراجعة سائر نسخ الكتاب أو مراجعة هذا الفرع في غير هذا الكتاب.

تعجيل إخراج الخمس:

[1] توضيح المسألة: إذا قدّر المالك مؤونة السنة ثم أخرج خمس الزائد عليها قبل انتهاء السنة، ثم ظهر له أنّ تقديره لم يكن بصحيح لتجدّد مؤن لم تكن له بحسبان، كضريبة داره أو تعميرها أو مصرف زواج له أو لأوّلاًده أو نحو ذلك من المؤن التي لم تكن بحسبانه، فهل له الرجوع على المستحقّ مطلقاً، أو ليس له ذلك مطلقاً، أو التفصيل بين ما إذا كانت العين باقية أو كان الآخذ عالماً بالحال مع التلف فله الرجوع، وبين ما إذا كانت العين تالفة مع

ص: 288

جهل الآخذ فليس له الرجوع. فيه وجوه:

اختار الماتن - وتبعه جلّ المعلّقين - الأخير(1) ، واختار الشهيد الثاني في المسالك عدم الرجوع مطلقاً، وقوّاه صاحب الجواهر والشيخ الأنصاري والسيّد الأستاذ(2).

أمّا وجه القول بالتفصيل فهو أنّ الخمس وإن كان متعلّقاً بالربح حين حصوله إلّا أنّه مشروط على نحو الشرط المتأخّر بعدم صرفه في المؤونة إلى آخر السنة، فمع فرض تجدّد المؤونة يكشف ذلك عن عدم تعلّق الخمس به واقعاً، فله استرجاعه مع بقاءالعين، وأمّا مع تلفها فليس على الآخذ الضمان، لأنّه مغرور، إلّا أن يكون عالماً بالحال، فإنّه يحكم بضمان ما أتلف وأنّ عليه البدل، لأنّه أخذه بغير استحقّاق.

وكلام الماتن(قدس سره) وإن كان مطلقاً من جهة تجدّد المؤونة وظهورها، إلّا أنّه لابد من تقييده بما إذا صرف الربح فيها فعلاً، لما تقدّم منه(قدس سره) من أنّ المستثنى هو صرف المؤونة فعلاً لا نفس المؤونة وإن لم يصرف منها، فحينئذٍ إذا تجدّدت المؤونة وصرف فيها من نفس الربح أو من مالٍ آخر فإنّ ما ذكره يكون تامّاً.

ويمكن أن يستدل على القول بعدم الرجوع مطلقاً بوجهين:

ص: 289


1- 370.العروة الوثقى 4: 301.
2- 371.مسالك الأفهام 1: 468 ، جواهر الكلام 16: 80 ، كتاب الخمس: 211 ، المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 300.

أحدهما: إنّ الظن والتخمين بمقدار المؤونة عند الدفع كافٍ في الحكم بوجوب الخمس وتعلّقه، وقد أُخذت ملاحظة المؤونة على نحو الموضوعيّة لوجوب الخمس واقعاً لا طريقاً كي يلزم انتفاء الخمس عند الخطأ في التخمين.

وقد استظهر الشيخ الانصاري(قدس سره) ذلك من كلام الأصحاب حيث عبّروا بأنّه يجوز التأخير في أداء الخمس إلى آخر السنة احتياطاً للمكلّف(1).

وقولهم: «احتياطاً للمكلّف» يدل على ذلك؛ فإنّه إذا جاز له الرجوع مع تجدّد المؤن فلا وجه للقول بجواز التأخير احتياطاً.

وهذا الوجه واضح الضعف، فإنّه:

أوّلاً: إنّ ظاهر الأدلّة التي ورد فيها استثناء المؤونة يفيد أنّها المؤونة الواقعيّة لا العلميّة فضلاً عن المؤونة الظنيّة والتخمينيّة، فإنّها مجرد طريق، والعبرة بما يستفاد من الأدلّة لا ما يستفاد من تعبير الأصحاب، فإنّ تعبيرهم بذلك - على فرض الدلالّة - لا يكون حجّة في قبال ظاهر الروايات.

وثانياً: يمكن أن يقال: إنّ مقصودهم بالاحتياط الفرد الغالب وهو تلف المخرج من الخمس في يد الآخذ مع عدم علمه بالحال، فإنّه لا يجوز الاسترداد في هذه الصورة بلا إشكال.

الوجه الثاني: أن يقال: إنّ الحكم بجواز التأخير حكم تكليفي محض، وأمّا الحكم الوضعي - وهو تعلّق الخمس بالربح - فهو فعليّ حين حصوله،

ص: 290


1- 372.كتاب الخمس: 211.

والشارع المقدّس أجاز تأخير الإخراج وصرفه في المؤونة قبل انتهاء السنة إرفاقاً بالمالك، فالمال في الحقّيقة لأرباب الخمس، فإذا بادر المالك ودفعه إليهم فقد صدر من أهله ووقع في محلّه.

فلا يبقى حينئذٍ وجه للقول بجواز استرداده، سواء كانت العين باقية أم تالفة، بعد فرض أنّه إنمّا أعطاهم ملكهم، وليس في البين ما يجوّز الاسترداد منهم.

ولذا ذكر السيّد الأستاذ(قدس سره) في تعليقته(1) أنّه لا مقتضى لما ذكره الماتن(قدس سره) من كشف تجدّد المؤونة بعد أدائه للخمس عن عدم صحّة ما أدّاه خمساً، بعد ما فُرض أنّ الخمس يتعلّق بالربح من الأوّل، غاية الأمر أنّه لا يجب عليه أداؤه أثناء السنة ويجوز له التأخير إلى نهايتها، إلّا أنّه إذا لم يؤخّره وأدّاه إلى مستحقّه باختياره فملّكه المستحقّ لم يجز له حينئذٍ استرداده حتى مع بقاء العين فضلاً عن تلفها.

نعم يتمّ ما ذكره من فرض الكشف فيما إذا تخيّل المالك أنّ له ربحاً فأخرج خمسه ودفعه إلى المستحقّ ثم انكشف أنّه لم يكن له ربح فله الاسترداد مع بقاء العين لا مع تلفها إلّا إذا كان المعطى له عالماً بالحال، لأنّه قد أخذ ما لم يستحقّه.

والظاهر أنّ هذا هو الأقوى.

ص: 291


1- 373.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 300.

مسألة 80 : إذا اشترى بالربح قبل إخراج الخمس جاريةً لا يجوز له وطؤها كما أنّه لو اشترى به ثوباً لاتجوز الصلاة فيه، ولو اشترى به ماء للغسل أو الوضوء لم يصحّ وهكذا [1]. نعم، لو بقي منه بمقدار الخمس في يده وكان قاصداً لإخراجه منه جاز وصحّ كما مرّ نظيره.

لو اشترى بالربح قبل إخراج الخمس جارية أو ثوباً أو غيرهما:

[1] توضيح المسألة: إذا ربح وتعلّق الخمس بالربح فاشترى به جارية أو ثوباً أو ماء للغسل أو الوضوء، فتارة يكون هذا الشراء وقع في أثناء السنة، وما يشتريه به يُعدّ من مؤونته وشؤونه، فهذا لا إشكال في صحّة المعاملة وجواز التصرّف، سواء اشتراه بعين الربح أم في الذمّة ثم أدّاه من الربح؟ لأنّه اشترى بمال لم يتعلّق به الخمس على الفرض.

وأخرى يكون بعد انتهاء السنة، فإذا اشترى في الذمّة وأدّاه من الربح فأيضاً لا إشكال في صحّة المعاملة وجواز التصرّف، وهذان النحوان خارجان عن كلام الماتن(قدس سره).

وأمّا إذا اشترى بعين الربح بعد انتهاء الحول فحكمه يختلف بحسب المباني المتقدّمة في نحو تعلّق الخمس، وهي ثلاثة: الإشاعة والحقّ المتعلّق بالمال والكلّي في المعيّن.

فعلى الأوّل وهو الإشاعة لا يجوز التصرّف في الجارية أو الثوب ونحوهما

ص: 292

سواء أجاز الحاكم أم لم يجز؛ لأنّه مع الإجازة يكون مقدار الخمس من تلك المذكورات ملكاً لأرباب الخمس فتصير مشتركة بينهم وبين المالك، والتصرّف فيها يحتاج إلى إجازة الشريك.

وأمّا مع عدم إجازة الحاكم فالمعاملة باطلة فيما يقابل الخمس، ويبقى المبيع - بالمقدار المزبور - ملكاً للبايع ويكون شريكاً مع المالك ويحتاج التصرّف إلى إجازته.

وكذلك الحكم بناء على القول بأنّ تعلّق الخمس على نحو الحقّ المتعلّق بالمال.

وأمّا على الثالث وهو القول بأنّه على نحو الكلّي في المعيّن - كما اختاره الماتن وقوّيناه - فيحكم بصحّة البيع ويجوز له التصرّف ما دام مقدار الخمس باقياً مع قصده للأداء من الباقي.

وقد علّق غير واحد من الأعلام على كلامه(قدس سره) بأنّه على هذا التقدير لا تتوقّف صحّة التصرّف على القصد المزبور، بل يكفي مجرد بقاء مقدار الخمس(1).

وقد تقدّم توجيه هذا القيد في كلامه(قدس سره) (2).

ويبقى هنا قسم آخر وهو ما إذا كان الشراء بالربح في أثناء السنة ولا يعدّ ما اشتراه من شؤونه ومؤونته فهل له حكم الصورة المتقدّمة بأن لا يجوز

ص: 293


1- 374.العروة الوثقى 4: 302.
2- 375.في شرح قول الماتن «مسألة 76 يجوز له أن يتصرف في بعض الربح...»

مسألة 81 : قد مرّ أنّ مصارف الحجّ الواجب إذا استطاع في عام الربح وتمكّن من المسير من مؤونة تلك السنة، وكذا مصارف الحج المندوب والزيارات، والظاهر أنّ المدار على وقت إنشاء السفر، فإن كان إنشاؤه في عام الربح فمصارفه من مؤونته ذهاباً وإياباً وإن تم الحول في أثناء السفر، فلا يجب إخراج خمس ما صرفه في العام الآخر في الإياب أو مع المقصد وبعض الذهاب[1].

له التصرّف، وتكون صحّة المعاملة معلّقة على إذن الحاكم؟ محل إشكال، والظاهر أنّ تصرّفه يكون صحيحاً والمعاملة كذلك. غايته أنّ المالك ضامن للخمس فحسب.

المدار في مصارف الحجّ:

[1] إذا كان السفر طويلاً كالسفر إلى الحجّ فهل يكون المدار في إخراج الخمس من الربح هو وقت إنشاء السفر أو أنّ المدار على وقت الصرف؟اختار الماتن الأوّل وأفاد: أنّ مصارف الحجّ كلّها من البدو إلى الختم بما في ذلك من الذهاب والإياب تخرج من ربح العام الذي ينشىء فيه السفر، فالمدار على وقت إنشاء السفر حيث إنّ العرف يرى الحجّ أو الزيارة عملاً واحداً لا تعدّد فيه، والمفروض أنّه من شؤونه ومؤونته، فجميع ما يصرفه فيه معدود من مؤونة سنة الربح، فلابدّ من استثنائه ثم إخراج الخمس من السنة الحاليّة.

ص: 294

واختار جماعة من الأعلام ومنهم السيّد الأستاذ(1) أنّ المدار على وقت الصرف في المؤونة، لأنّ المستثنى من الربح هو المؤونة الفعليّة لا نفس المؤونة والاحتياج إليها، فإذا وقع بعض الصرف بعد انتهاء حول الربح فإنّه لا يعد من مؤونة العام السابق، وعلى هذا يمكن تقسيم مصارف الحج إلى ثلاثة أقسام:

أحدها: ما يعدّ من مؤونة هذه السنة، وإن كان من شأنه البقاء إلى السنة الآتية كشراء المركوب من دابّة أو سيارة ونحوهما ممّا يحتاج إليه فعلاً في سفر الحجّ، وإن كانت عينه باقية في السنوات الآتية، فيستثنى من أرباح هذه السنة؛ لأنّه من المؤونة بلا ريب.

والثاني: ما لا تبقى عينه ولابد من صرفه من الآن ولا يمكن الحجّ بدونه، كالأموال التي تأخذها الحكومات لجواز السفر أو لغيره من العناوين ومنها أُجور السيارة أو الطائرة ذهاباً وإياباً، بحيث لا مناص من الإعطاء ولا يمكن الاسترداد، فإنّ هذه المصارف تعدّ أيضاً من مؤونة سنة الربح وإن تمّ الحول أثناء السفر.

والثالث: المصارف التدريجيّة التي تدفع شيئاً فشيئاً كالمأكولات والمشروبات وأُجور المساكن في المقصد والإياب كما إذا احتاج للبقاء في مكان في طريق عودته إلى بلده فدفع أموالاً لمسكنه ومصرفه وقد تمّ الحول في الأثناء، فإنّ احتساب هذه المصارف من مؤونة السنة الماضية مع أنّها من مصارف هذه السنة يحتاج إلى الدليل، وهو معدوم في البين.

ص: 295


1- 376.المستند في شرح العروة الوثقى ، كتاب الخمس: 303.

مسألة 82: لو جعل الغوص أو المعدن مكسباً له كفاه إخراج خمسهما أوّلاً، ولا يجب عليه خمس آخر من باب ربح المكسب بعد إخراج مؤونة سنته [1].

بل قد تحقّقت الفعليّة في هذه السنة كما ذكرنا، وهذا نظير ما إذا احتاج إلى علاج أو زواج ونحوهما ممّا يحتاج إليه فعلاً وطالت مدّته حتى وقع في السنة اللاحقّة، فإنّ ما يصرف في كل عام يحسب من مؤونة ذلك العام لا العام الماضي، فكذا الكلام في مصارف الحجّ كما لا يخفى.

لو جعل الغوص أو المعدن مكسباً له:

[1] إذا جعل الغوص أو المعدن مكسباً فتارة يصل كل منهما لحد النّصاب فيجب عليه إخراج الخمس بعنوان أنّه غوص أو معدن، وأخرى لا يصل كل منهما لحد النّصاب فلا يتعلّق به خمس بعنوان الغوص أو المعدن. وفي هذه الصورة لا ريب في أنّه يدخل في أرباح السنة ويجب تخميسه بعد إخراج المؤونة.

وأمّا في الصورة الأُولى فبعد تخميسه بعنوان الغوص أو المعدن إذا بقي مقدار منه وزاد عن المؤونة فهل يجب فيه خمس آخر بعنوان أنّه مكسب أو فائدة أو لا؟ فيه قولان:

أحدهما: وجوب التخميس ثانياً بالعنوان المذكور، نظراً لتعدّد العنوان الموجب لتعدّد الحكم، كما أنّ المال إذا تعلّقت به الزكاة وبقي آخر السنة

ص: 296

وجب فيه الخمس بعد استثناء المؤونة.

والأصل عند تعدّد الأسباب عدم تداخل المسبّبات. واختار هذا القول جماعة منهم المحقّق العراقي(قدس سره) (1).

الثاني: عدم وجوب الخمس ثانياً وكفاية خمس واحد بعنوان الغوص أو المعدن، وهو المشهور، وقد ذكروا لذلك وجوهاً:

أحدها: أنّ عنوان الكسب لم يرد في شيء من الروايات، وإنّما ورد ذلك في كلمات الفقهاء.نعم، الوارد في الروايات هو عنوان الفائدة كقوله(علیه السلام): «في كل ما أفاد النّاس من قليل أو كثير» (2) ، وعنوان الغنيمة، بناءً على كونها بمعنى مطلق الفائدة، لا الفائدة الحربيّة فحسب، فالموضوع هو مطلق الفائدة، والغوص والمعدن من مصاديق الفائدة والغنيمة لا أنّهما سببان آخران، فتعلّق الخمس بكل منهما إنّما هو من جهة صدق الفائدة، فليس في المقام أسباب متعدّدة وعناوين متكثّرة حتى يقال إنّ الأصل عدم التداخل.

نعم، قد يكون لبعض العناوين حكم خاصّ، كما هو الحال في الغوص والمعدن فإنّ المستفاد من الأدلّة أنّ الخمس فيهما فوري لا يتوقّف على عدم الصرف في المؤونة إذا بلغا حدّ النّصاب، وكذا في الكنز و الأرض التي

ص: 297


1- 377.العروة الوثقى 4: 303.
2- 378.الكافي 1: 624 كتاب الحجّة، باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 11، ووسائل الشيعة 9: 503 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

يشتريها الذمّي من المسلم، والمال الحلال المخلوط بالحرام.

فإذا أدّى الخمس في هذه الموارد من جهة كونها فائدة خاصة فلا يبقى موضوع لوجوب أداء الخمس ثانياً من جهة كونها فائدة عامّة وغنيمة مطلقة.

الوجه الثاني: ظاهر النصوص الواردة في الغوص والمعدن هو أنّ الباقي بعد إخراج الخمس منها - وهو أربعة أخماس - يكون ملكاً للمالك، وقد ورد التصريح بذلك في المال الحلال المخلوط بالحرام، مع أنّه على القول بتعلّق الخمس به من باب الفائدة والمكسب ثانياً لا يكون الباقي بأجمعه للمالك، بل له منه ثلاثة أخماس، وهو خلاف ظاهر هذه الأدلّة.

الوجه الثالث: ما يستفاد من الروايات الواردة في المقام:

منها: ما ورد في كتاب تحف العقول عن مولانا الرضا(علیه السلام) - في كتابه إلى المأمون - ، قال: «والخمس من جميع المال مرة واحدة» (1).

ومنها: ما ورد من النهي عن تثنية الزكاة على مَن وجبت عليه في عامٍ مرتين(2).

و منها: ما ورد من أنّه لا يزكى المال من وجهين في عام واحد(3).

ص: 298


1- 379.تحف العقول: 415 ، وسائل الشيعة 9: 490 ، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 13.
2- 380.مستدرك الوسائل 7: 70 ، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث 2.
3- 381.الكافي 3: 513 كتاب الزكاة، باب زكاة المال الغائب والدين والوديعة، الحديث 1، وتهذيب الأحكام 4: 32، الحديث 85 ، ووسائل الشيعة 9: 100 ، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

مسألة 83: المرأة التي تكتسب في بيت زوجها ويتحمّل زوجها مؤونتها يجب عليها خمس ما حصل لها من غير اعتبار إخراج المؤونة، إذ هي على زوجها، إلاّ أن لا يتحمّل[1].

وهذا مبني على أنّ حكم الخمس هو حكم الزكاة، إلّا ما خرج بالدليل.

ولكنّ هذا الوجه مخدوش من جهة المناقشة في أسناد بعض تلك الروايات كما لا يخفى، ومن جهة المناقشة في الدلالة في بعضها الآخر، فهذا الوجه يصلح مؤيداً لهذا القول.

وهذا القول وإن كان هو الأقوى إلا أنّ القول الأوّل أحوط.

اكتساب المرأة في بيت زوجها:

[1] المرأة التي تكتسب في بيت زوجها تارة يتحمّل الزوج جميع مصارفها ومؤونتها بحسب شأنها ولا تحتاج إلى الصرف من كسبها، فلا إشكال في تعلّق الخمس بما كسبته، ولا يستثنى منه مؤونة السنة لعدم الموضوع لها، على ما تقدّم سابقاً من أنّه تستثنى المؤونة المصروفة من الربح إذا كان الصرف من مال المكلّف نفسه. وأمّا إذا كان الصرف من مال غيره وتحمّل الغير ذلك - سواء كان التحمّل واجباً عليه أم كان تبرّعاً - فلا مؤونة عليه حتى تستثنى من الربح، فيجب عليه والحال هذه إخراج الخمس فوراً.

ص: 299

مسألة 84: الظاهر عدم اشتراط التكليف والحريّة في الكنز والغوص والمعدن والحلال المختلط بالحرام والأرض التي يشتريها الذمّي من المسلم، فيتعلّق بها الخمس، ويجب على الولي والسيّد إخراجه. وفي تعلّقه بأرباح مكاسب الطفل إشكال، والأحوط إخراجه بعد بلوغه [1].وأخرى لا يتحمّل الزوج عنها نفقتها - سواء كانت واجبة عليه أم غير واجبة - أو صرفت الزوجة من مالها على مؤونتها الواجبة على الزوج إرفاقاً بحاله لم يجب عليها الخمس إلّا بعد إخراج المؤونة.

شرطيّة التكليف والحريّة في تعلّق الخمس:

[1] في اشتراط البلوغ والكمال في تعلّق الخمس وعدمه أقوال:

أحدها: عدم الاشتراط مطلقاً، أي في جميع الموارد، فيتعلّق الخمس بمال الصبي والمجنون كغيرهما من المكلّفين، اختاره جماعة منهم المحقّق العراقي(قدس سره) (1).

القول الثاني: الاشتراط مطلقاً، فلا يجب على الصبي أو المجنون ولا على وليّهما الخمس، اختاره صاحب المدارك(قدس سره)(2) وجماعة منهم السيّد

ص: 300


1- 382.العروة الوثقى 4: 304.
2- 383.مدارك الأحكام 5: 389 - 390.

الأستاذ(قدس سره)، واستثنى المال الحلال المخلوط بالحرام(1).

القول الثالث: التفصيل بين الكنز والغوص والمعدن فلا يشترط البلوغ والكمال، وبين الباقي فيشترطان وهو المشهور، بل ادعي عليه الإجماع(2).

القول الرابع: التفصيل بين الثلاثة المتقدّمة والحلال المخلوط بالحرام والأرض التي يشتريها الذمّي من المسلم فلا يشترط، وبين غيرها فيشترط. اختاره جمع من الأعلام منهم الماتن(قدس سره) ، واحتاط في أرباح مكاسب الطفل(3).

واستدل للقول الأوّل: بأنّ تعلّق الخمس بمال الصبي على مقتضى الأصل والقاعدة، ومع عدم وجود دليل على خلافه لابد من الحكم به، والقول بعدم الاشتراط.

أمّا بيان الأصل فهو أنّ مقتضى إطلاق كثير من الأدلّة هو أنّ الخمس حقّ مالي متعلّق بعين المال، وأنّه يكون لله ولرسوله(صلی الله علیه و آله و سلم) وللإمام(علیه السلام) وللفقراء من السادة، بلا فرق بين أن يكون المال للبالغ العاقل أو لغيره، فهو حكم وضعي شأنه شأن سائر الأحكام الوضعيّة كالطهارة والنجاسة والضمان ونحوها. لا يختصّ بصنف دون آخر.

نعم هناك تكليف بالنسبة للبالغ العاقل وهو الحكم التكليفي بوجوب

ص: 301


1- 384.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 308 - 309.
2- 385.غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام 4: 297.
3- 386.العروة الوثقى 4: 304 المسألة 84.

دفع الخمس وأدائه إلى المستحقّ مع قصد القربة، وأمّا بالنسبة إلى غير البالغ العاقل فهو حكم واحد وضعي فحسب.

ولا ينافي ما ذكرنا ما ورد في بعض الروايات من قوله(علیه السلام): «أوجبت عليهم»(1) أو «أُوجب عليهم الخمس» (2) أو غير ذلك من التعابير؛ فإنّها كلّها مترتّبة على تعلّق الخمس بالمال ومقام الوفاء بالحقّ الثابت على المال. ولذلك يجوز التّقاص وأخذ الحاكم مقدار الخمس من أموالهم إذا امتنعوا من الأداء.

اللهم إلّا أن يقال: إنّ هذه الإطلاقات إنّما هي في مقام بيان أصل التشريع، وأنّ الخمس واجب في هذه الموارد، وليست في مقام بيان كيفيّة تعلّقه وأنّه هل يتعلّق بمال المكلّف أو الأعم منه ومن غير المكلّف.

ولكنّ هذه الدعوى ضعيفة مع كثرة هذه الأدلّة وعدم التقييد فيها.

واستدل على القول الثاني: وهو القول المقابل للقول الأوّل بوجوه:

أحدها: عموم حديث رفع القلم من قوله(علیه السلام): «إنّ القلم رفع عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ»(3). ونحوه، حيث إنّ مفاد الحديث هو رفع قلم التشريع وعدم وضعه على الصبي والمجنون فكأنّهما لم يذكرا في القانون ولم يجر عليهما شيء،

ص: 302


1- 387.وسائل الشيعة 9: 501 الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 5.
2- 388.الاستبصار 2: 80، الحديث 198.
3- الخصال 1: 119 باب الثلاثة، الحديث 40، وسائل الشيعة 1: 45 ، الباب 4 من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 11 مع اختلاف يسير.

سواء كان ذلك قلم التكليف أم الوضع. فترتفع عنهما الأحكام كلّها بمناط واحد، وهو الحكومة على الأدلّة الأوّليّة.اللهم إلّا إذا كان الرفع منافياً للامتنان بالنسبة للآخرين كما في موارد الضمانات، أو بالنسبة له نفسه كما في موارد المستحبات والمكروهات، أو ورد نص خاصّ بثبوته عليه كموارد التعزيرات الموكول تحديدها إلى نظر الحاكم الشرعي.

وأمّا فيما عدا ذلك فالحكم بنوعيه مرفوع لإطلاق الدليل.

وقد يقال: بأنّ الظاهر من رفع القلم هو رفع قلم العقوبة، وذلك من جهة نفس التعبير بالقلم؛ فإنّه كناية عن التسجيل والكتابة والإدانة. وأيضاً يتضح ذلك من جهة تتبّع موارد استعمال الكلمة في الروايات، كما في أبواب الحدود والعقوبات. ولازم ذلك أنّ كل ما ينشأ منه عقوبة فهو مرفوع عنهما، فيختصّ بالأحكام التكليفيّة الإلزاميّة من الحرمة والوجوب، ولا يشمل غيرها، ولا يدلّ على ما فيه كلفة حتى يقال بأنّ الأحكام الوضعيّة أيضاً موجبة للكلفة فهي مرفوعة.

إلّا أنّ المستفاد من رفع القلم بحسب فهم عرف المتشرّعة ومناسبة الحكم والموضوع هو رفع مطلق التكليف والقانون الذي ينبغي أن يتعلّق بالكامل والمكلّف دون غيره من الصبي والمجنون، بلا فرق بين الحكم التكليفي والوضعي، فلا وجه لاختصاصه بأحدهما دون الآخر.

كما أنّ التتبّع في موارد استعماله يقتضي ذلك؛ فإنّه قد وقع التعبير به في أكثر من اثني عشر مورداً.

ص: 303

وممّا يؤكد ذلك أنّه عدّ من جملة الموارد المرفوعة في النبوي المشهور، المعبّر عنه بحديث الرفع، ولا إشكال في أنّه ظاهر في الحكم الوضعي، ولا أقل من شموله له.

فالظاهر تماميّة هذا الوجه.

الوجه الثاني: ما ورد في الزكاة من صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم أنّهما(علیهما السلام)(1) قالا: «ليس على مال اليتيم في الدين والمال الصامت شيء، فأمّا الغلات فعليها الصدقة واجبة» (2).

فإنّ إطلاق قوله(علیه السلام) ليس في ماله شيء شامل للخمس، إلّا أنّ ذيل الحديث وإن ورد في الزكاة إلّا أنّه ليس قرينة على أنّ المراد بالصدر خصوص الزكاة، فإنّ الشيء ظاهر في الأعم.

وربّما يقال: إنّ اكتناف الكلام بما يصلح للقرينيّة يكفي في الإجمال فلا يصحّ الاعتماد على الإطلاق حينئذٍ، فلاحظ.

الوجه الثالث: موثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله(علیه السلام) أنّه سمعه يقول: «ليس في مال اليتيم زكاة، وليس عليه صلاة، وليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة، وإن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة

ص: 304


1- 390.الضمير في (أنّهما) راجع إلى الإمامين أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)بقرينة رواية الشيخ لمثلها عنهما (عليهما السلام) وبنفس الإسناد في الاستبصار [م.ع].
2- 391.الكافي 3: 531 كتاب الزكاة باب زكاة مال اليتيم، الحديث 5، والاستبصار 2: 42، الحديث 90 مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 9: 83 ، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة، وكان عليه مثل ما على غيره من النّاس» (1).

فإنّ المستفاد من هذه الرواية أنّ الزكاة مرفوعة عن الصبي، وهي بمناط حديث الرفع، فتدلّ على أنّ الحكم الوضعي أيضاً مرفوع كالحكم التكليفي بلا اختصاص لها بالحكم التكليفي.

ومن المعلوم عدم الخصوصيّة لحكم وضعي دون حكم وضعي آخر، مع أنّ دلالة أدلّة الخمس على الوضع ليست بأقوى من دلالة أدلّة الزكاة على ذلك.

فالرواية تدلّ على أنّ الحكم الوضعي مرفوع عن الصبي، وليس عليه لما مضى قبل بلوغه شيء ولا على وليّه وكذلك فيما يأتي حتى يدرك، فإذا أدرك فعليه الزكاة وسائر الأحكام كغيره من المكلّفين.

والظاهر تماميّة هذا الوجه أيضاً، وبذلك يقوى القول الثاني، مضافاً إلى أنّه مؤيَّد بما ورد من الروايات الدالّة على أنّ الخمس بدل الزكاة، فإذا كان رفعها متسالماً عليه فكيف ببدله؟

وأمّا الكلام في المجنون فهو الكلام في الصبي.

وأمّا الممّلوك فمقتضى القاعدة وجوب الخمس في ماله وعدم اشتراط الحريّة، وذلك لإطلاق الأدلّة مثل «كلّ ما أفاد النّاس من قليل أو كثير

ص: 305


1- 392.تهذيب الأحكام 4: 29، الحديث 73 ، والاستبصار 2: 42، الحديث 91، ووسائل الشيعة 9: 86 ، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 11.

ففيه الخمس» ولم يرد في شيء من الأدلّة اعتبار الحريّة وعدم كون المال مالاً للممّلوك في باب الخمس.

نعم ورد في باب الزكاة ما يدلّ على عدم تعلّق الزكاة بمال الممّلوك كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «ليس في مال الممّلوك شيء ولو كان له ألف ألف، ولو احتاج لم يعط من الزكاة شيء» (1).

ويمكن أن يقال بأنّ إطلاقها يشمل الخمس أيضاً، إلّا أنّ الذيل إمّا أن يكون قرينة على أنّ المراد بالشيء في الصدر الزكاة أو أنّه يصلح للقرينيّة، وعليه لا يمكن التمسّك بهذه الصحيحة على عدم تعلّق الخمس بمال الممّلوك.

وأضعف منه التمسّك بما ورد من الروايات الدالّة على بدليّة الخمس عن الزكاة، وأنّه عوض عنها، وقد تقدّم وجه ذلك مفصّلاً(2).

والحاصل: أنّه لا دليل على اعتبار الحريّة في وجوب تعلّق الخمس، بل الدليل - وهو الإطلاق - قائم على ثبوته حتى على الممّلوك، سواء قلنا بأنّه يملك ما في يده فيكون عليه أداء الخمس أم قلنا بأنّه لا يملك وماله لمالكه، فيجب على مالك العبد الأداء أيضاً.

ص: 306


1- 393.الكافي 3: 532 كتاب الزكاة، باب زكاة مال المملوك والمكاتب والمجنون الحديث 1 ، ووسائل الشيعة 9: 91 ، الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1 مع اختلاف يسير.
2- 394.في شرح قول الماتن «مسألة 75 الخمس بجميع أقسامه متعلّق بالعين»

فصل في قسمة الخمس ومستحقّه

مسألة 1: يقسّم الخمس ستّة أسهم على الأصحّ: سهم لله سبحانه، وسهم للنبي(صلی الله علیه و آله و سلم) وسهم للإمام(علیه السلام) ، وهذه الثلاثة الآن لصاحب الزمان أرواحنا ل-ه الفداء وعجّل الله تعالى فرجه، وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل [1].

الفصل الثاني في المستحقّين للخمس:

[1] تقسيم الخمس إلى الأسهم الستّة بالكيفيّة المذكورة هو المشهور بين أصحابنا رضوان الله عليهم شهرة كادت تكون إجماعاً كما في الجواهر عن صريح الانتصار، وظاهر الغنية وكشف الرموز أو صريحهما دعوى الإجماع

ص: 307

عليه، وعن مجمع البيان وكنز العرفان أنّه مذهب أصحابنا، وعن الأمالي أنّه من دين الإماميّة(1).

إلّا أنّه وقع الخلاف في موردين:

الأوّل: في أنّ هذه الأقسام خمسة أو ستّة؟ نسب القول بكونها خمسة إلى ابن الجنيد(2) ، وإن كان في الشرائع نسبه إلى القيل، وفي المسالك: أنّه لم يعرف قائله(3)، وفي المختلف حكى عنه قول المشهور. وربّما يظهر الميل إليه من صاحب المدارك(4).

أمّا القول المشهور فالمستند فيه واضح، فإنّه مضافاً إلى ما تقدّم موافق لصريح الآية المباركة في عدّ الأسهم الستة، بلا فرق بين تفسير الغنيمة بمطلق الفائدة كما تقدّم أم بخصوص غنائم الحرب، والظاهر من الأدلّة المتكفّلة لإثبات الخمس في سائر الموارد من الغوص والمعدن والكنز وغيرها أنّها ناظرة في بيان المصرف إلى الخمس المعهود والمذكور في الآية الشريفة.

ومثلها الروايات الكثيرة التي ادّعي تواترها إجمالاً، بحيث يطمئن بصدور بعضها عن المعصوم(علیه السلام) ، وإن كان في إسناد بعضها ضعف.

وأمّا مستند القول المخالف فهو صحيح ربعي بن عبد الله بن الجارود عن

ص: 308


1- 395.انظر: مصباح الفقيه 14: 202 وجواهر الكلام 16: 84.
2- 396.انظر: نفس المصدر: 203.
3- 397.شرائع الإسلام1: 135 ، ومسالك الأفهام 1: 470.
4- 398.مختلف الشيعة 3: 197 ، ومدارك الأحكام5: 397.

أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «كان رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك ل-ه، ثمّ يقسّم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه ثم يقسم أربعة أخماس بين النّاس الذين قاتلوا عليه، ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله عزوجل لنفسه، ثم يقسم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل يعطي كل واحد منهم جميعاً، وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)»(1).وقد نوقش - كما عن غير واحد - بأُمور:

الاُوّل: إنّ الحديث لو دلّ على الحذف لم يدل على حذف سهم الله تعالى، بل يدلّ على حذف سهم النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، ولم يقل بذلك أحد حتّى ابن الجنيد.

الثاني: إنّ هذا عمل صدر من النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وهو لا يدل على أنّه ليس ل-ه سهم، وله أن يفعل في سهمه ما يشاء، وقد أعرض عنه وبذله لسائر الأصناف ولعلّه للتوفير ولتكثير ما يصيبهم، لا أنّه لم تكن ل-ه حصّة.

وأمّا ما ورد في ذيل الحديث من أنّ الإمام(علیه السلام) يأخذ كما أخذ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) فهو في مقام التشبيه في الأخذ لا التشبيه في كيفيّة التقسيم، وعلى فرض دلالة الرواية على ذلك يقال إنّ العمل لا يدلّ على أنّه ليس ل-ه حصّة وسهم.

ص: 309


1- 399.تهذيب الأحكام 4: 112، الحديث 364 ، والاستبصار 2: 75 الحديث، 186 مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 9: 510 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3 مع اختلاف يسير.

الثالث: إنّه على فرض تماميّة دلالتها على ما ذُكر، هي مخالفة للمشهور، ولم يُعمل بها، فهي شاذّة، مضافاً إلى أنّها مخالفة للكتاب والسنّة، كما أنّها موافقة للعامّة أيضاً حيث إنّ المشهور بينهم أنّ سهم الرسول يصرف على مصالح المسلمين كسهم الله عزوجل، وعليه لا تكون هذه الرواية قابلة للعمل بها، ولابد من طرحها.

المورد الثاني: في تعيين الأصناف وهي ذوو القربى والأيتام والمساكين وابن السبيل، وقد نسب إلى ابن الجنيد القول بأنّ المراد بذي القربى مطلق قرابة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، لا خصوص الإمام(علیه السلام) ومن بحكمه كالصدّيقة الطاهرة روحي فداها وصلوات الله عليها، كما أنّ المراد بالأيتام والمساكين وابن السبيل هو مطلق النّاس لا خصوص بني هاشم كما في المختلف(1).

وكلا القولين موافقان للعامّة كما حكى الشيخ(قدس سره) عنهم ذلك في الخلاف. فقد قال في موضع: عندنا أنّ سهم ذي القربى للإمام، وعند الشافعي: لجميع ذي القربى... دليلنا إجماع الفرقة(2). وقال في موضع آخر: الثلاثة أسهم التي هي لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من الخمس يختصّ بها من كان من آل الرسول(علیهم السلام) دون غيرهم، وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: إنّها لفقراء المسلمين وأيتامهم وأبناء سبيلهم دون من كان من آل رسول الله خصوصاً، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم(3).

ص: 310


1- 400.مختلف الشيعة 3: 201.
2- 401.كتاب الخلاف 4: 216 - 217 مسألة 39.
3- 402.كتاب الخلاف 4: 217 - 218 مسألة 41.

والحاصل: أنّ في المقام دعويين:

الأوّلى: أنّ المراد بذوي القربى هو الإمام(علیه السلام) ومن بحكمه وهي الصدّيقة الطاهرة صلوات الله عليها.

الثانية: اختصاص الأيتام والمساكين وأبناء السبيل بقرابة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم).

أمّا الأولى: فيدلّ عليها - مضافاً إلى ما تقدّم من دعوى الإجماع وعدم الخلاف من أحد من الأصحاب - عدّة روايات:

منها: صحيحة البزنطي عن الرضا(علیه السلام) قال: سئل(علیه السلام) عن قول الله عزوجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى}(1) فقيل ل-ه: فما كان لله فلمن هو؟ قال: «للرسول، وما كان لرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) فهو للإمام...» الحديث(2).

ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(علیه السلام) في قول الله عزوجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى}(3) قال: «هم قرابة رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) والخمس لله وللرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) ولنا» (4).

ص: 311


1- 403.سورة الأنفال: 41.
2- 404.تهذيب الأحكام 4: 111، الحديث 362 ، وسائل الشيعة 9: 512 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 6 مع اختلاف يسير.
3- 405.سورة الأنفال: 41.
4- 406.الكافي 1: 618 كتاب الحجة، باب الفيئ والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 2، وسائل الشيعة 9: 511 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 5.

ومنها: معتبرة سليم بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنين(علیه السلام) يقول: «نحن والله الذين عنى الله بذي القربى الذين قرنهم الله بنفسه وبنبيّه فقال: {مَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} (1) منّا خاصّة...»(2).

وإنّما عبّرنا عنها بالمعتبرة - مع وجود أبان، وهو أبان بن أبي عيّاش الضعيف فيها - لما ذكرنا في كتابنا أصول علم الرجال من امكان التلفيق بين سند الكليني إلى حمّاد ، وهو عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد ، وهو صحيح، وسند النجاشي من حمّاد إلى سليم بن قيس وهو عن حمّاد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن سليم، وهو صحيح أيضاً ، وبهذا يتشكّل سند واحد صحيح إلى الرواية من صاحب الوسائل(رحمه الله) ويمكن القول باعتبارها(3).إلى غير ذلك من الروايات المفسّرة للقربى بخصوص الإمام(علیه السلام).

كما أنّه قد يقال بإمكان استفادة ذلك من الآية المباركة نفسها؛ لأنّ الاحتمالات في الآية منحصرة في ثلاثة:

إمّا أن يكون المراد بذي القربى أقرباء المعطي، أو مطلق أقرباء النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، أو أقرباء النبي الخاصّون وهم الحجج المعصومون(علیه السلام).

ص: 312


1- 407.سورة الحشر: 7.
2- الكافي 1: 618 كتاب الحجّة، باب الفيئ والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 1، ووسائل الشيعة 9: 511 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 4.
3- 409.انظر: أُصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 1: 491.

والأوّل مقطوع العدم؛ لعدم القول به من الخاصّة والعامّة.

والثاني لا يصحّ لأنّه إن اعتبر فيهم الفقر فهم مع الأيتام والمساكين وابن السبيل سبيلهم واحد؛ لأنّ المراد بهذه الثلاثة هم خصوص السادة وأقرباؤه(صلی الله علیه و آله و سلم) من بني هاشم دون غيرهم بالضرورة فإنّ لهم الزكاة، وعليه فلو أريد من ذوي القربى مطلق القرابة لكانت الأسهم حينئذٍ خمسة لا ستّة.

وإن لم يعتبر فيهم الفقر فيراد بهم الفقراء والأغنياء، كما ذهب إليه العامّة، فهذا خلاف ما يستفاد من جعل الخمس بدلاً عن الزكاة لبني هاشم، فيعتبر فيه الفقر قطعاً كما في الزكاة، ولا يعطى للغني شيء.

فيتعيّن الثالث، ويكون المراد بذي القربى غير اليتيم والمسكين وابن السبيل من السادة بمقتضى المقابلة، وليس الغني منهم قطعاً، فينحصر في الحجج المعصومين(علیهم السلام)، إذ لو كان أحد غير الفقير مورداً للخمس فليس هو إلاّ المعصوم(علیه السلام).

نعم، بناء على قول العامّة من أنّ المراد باليتامى والمساكين وابن السبيل مطلق النّاس غير الهاشمي لا يتمّ ما ذُكر، ولكن سيأتي أنّ هذا القول باطل.

وبإزاء الروايات المتقدّمة وردت عدّة روايات أُخرى تفسّر المراد من ذي القربى بقربى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم).

منها: رواية زكريا بن مالك عن أبي عبد الله(علیه السلام) أنّه سأله عن قول الله عزوجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي

ص: 313

الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (1) ؟ فقال: «أمّا خمس الله فللرسول يضعه في سبيل الله، وأمّا خمس الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) فلأقاربه، وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه، واليتامى يتامى أهل بيته» (2).

ومنها: رواية العيّاشي عن محمد بن مسلم عن أحدهما(علیهما السلام) (3) قال: سألته عن قول الله عزّوجلّ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى}(4) قال: هم قرابة رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، فسألته: منهم اليتامى والمساكين وابن السبيل؟ قال: نعم. ومرسلة عبد الله بن بكير وفيها «وخمس ذي القربى لقرابة الرسول والإمام» (5).

ومنها: صحيحة ربعي بن عبد الله وفيها: «ثم يقسّم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين، وأبناء السبيل» (6).

ص: 314


1- 410.سورة الأنفال: 41.
2- 411.من لا يحضره الفقيه 2: 42 ، الحديث 1653، وتهذيب الأحكام 110:4 ، الحديث 359 مع اختلاف يسير، و وسائل الشيعة 9: 509 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 1 مع اختلاف يسير.
3- 412.تفسير العيّاشي 2: 56 سورة الأنفال الحديث 50 ، وسائل الشيعة 9: 516 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 13.
4- 413.سورة الأنفال:41.
5- 414.تهذيب الأحكام 4: 110، الحديث 360 ، ووسائل الشيعة 9: 510 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2 مع اختلاف يسير.
6- 415.تهذيب الأحكام 4: 112، الحديث 364 ، ووسائل الشيعة 9: 510 الباب 1 من أبواب قسمة الخمس ، الحديث 3.

وهذه الروايات - مضافاً إلى ضعف أسنادها ما عدا صحيحة ربعي لا تدلّ على المطلوب؛ فهي مطلقة قابلة للتقييد بالروايات السابقة - يأتي فيها ما تقدّم من الحكم بشذوذها وموافقتها للعامّة، فلابدّ من حملها على ما ذكرناه أو طرحها والعمل بما ذكره المشهور.

وأمّا الدعوى الثانية: وهي اختصاص الأصناف الثلاثة بقرابة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) فهي ممّا تسالم عليه الأصحاب، وقد ادّعى غير واحد عليها الإجماع، وإن لم تدل عليه الآية المباركة بحسب الظاهر، بل هي مطلقة فتصلح لشمول غيرهم معهم، خصوصاً مع ملاحظتها مع الآية الواردة في الفيء.

اللهم إلّا أن يقال: إنّ عدم ذكر اللام في هذه الأصناف والإتيان بها في ذي القربى يفيد تبعيّتها وانتسابها إليها، ولذا لم يحتج إلى ذكر اللام فيها.

وعلى كلّ فتحمل الآية الشريفة على خصوص بني هاشم، فإنّه - مضافاً إلى ما تقدّم من التسالم - دلّت على ذلك الروايات الكثيرة:منها: معتبرة سليم بن قيس المتقدّمة(1).

ومنها: مرسل حماد عن العبد الصالح(علیه السلام) قال: «الخمس من خمسة أشياء... وله نصف الخمس كملاً ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم... وإنّما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين النّاس وأبناء سبيلهم عوضاً لهم من صدقات النّاس تنزيهاً من الله لهم لقرابتهم برسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)...»(2).

ص: 315


1- 416.تقدم تخريجه في شرح قول الماتن «مسألة 1: يقسّم الخمس ستّة أسهم...»
2- 417.وسائل الشيعة 9: 513 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

ومنها: مرفوعة أحمد بن محمّد(1) ، ومرسل عبد الله بن بكير(2) ، ورواية المحكم والمتشابه، ورواية العياشي(3)، ورواية المنهال بن عمرو(4).

هذا، ولكن وردت في مقابلها عدّة روايات دلّت على أنّ المراد من الأصناف الثلاثة هم مطلق اليتامى والمساكين وأبناء السبيل.

منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(علیه السلام) ، وفيها: «فهذا بمنزلة المغنم، كان أبي(علیه السلام) يقول ذلك، وليس لنا فيه غير سهمين: سهم الرسول وسهم القربى، ثم نحن شركاء النّاس فيما بقي» (5).

ومنها: صحيحة ربعي المتقدّمة حيث ورد فيها: «ثم يقسّم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل، يعطي كل واحد منهم حقّاً...» (6).

فإنّها تدل على أنّ تقسيمه(صلی الله علیه و آله و سلم) الأخماس واقع على سائر الناس، وذلك لعدم وجود اليتامى والمساكين وأبناء السبيل من بني هاشم في ذلك الوقت حتى يكون تقسيمه واقعاً عليهم، فلا مناص من كونه واقعاً على غيرهم.

ص: 316


1- 418.وسائل الشيعة 9: 514 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 9.
2- 419.وسائل الشيعة 9: 510 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2.
3- 420.وسائل الشيعة 9: 516 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 12 و 13.
4- 421.وسائل الشيعة 9: 518 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 20.
5- 422.تهذيب الأحكام 4: 118، الحديث 375 ، ووسائل الشيعة 9: 527 ، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 12.
6- 423.تقدم تخريجه في شرح قول الماتن «مسألة 1: يقسّم الخمس ستّة أسهم...»

ومنها: رواية زكريا بن مالك الجعفي: وفيها: «وأمّا خمس الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) فلأقاربه، وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه، واليتامى يتامى أهل بيته، فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم، وأمّا المساكين وابن السبيل فقد عرفت أنّا لا نأكل الصدقة ولا تحلّ لنا فهي للمساكين وأبناء السبيل» (1).

إلّا أنّ هذه الروايات لا تقاوم الروايات المتقدّمة ولا تصلح لمعارضتها:

أمّا الرواية الأوّلى: فهي وإن صحّت سنداً إلّا أنّها غير تامّة الدلالة؛ لأنّ قوله(علیه السلام): «ليس لنا فيه غير سهمين: سهم الرسول وسهم القربى ثم نحن شركاء النّاس فيما بقي» يدل؛ على أنّ سهم الله تعالى لا يكون للإمام(علیه السلام)، بل يصرف في مصالح النّاس، وهذا مخالف لما عليه المذهب، ولم يقل به أحد.

ثم إنّه من المحتمل أن يكون المراد من النّاس في قول الإمام(علیه السلام): «نحن شركاء النّاس فيما بقي» هو صنف النّاس المنتسبين إلى هاشم، وإنّما عبّر بلفظ «النّاس» إيهاماً بموافقة مشهور العامّة.

وعلى فرض كون المراد بالنّاس فيها مطلق النّاس فتحمل على التقيّة لموافقتها للعامّة الذاهبين إلى أنّ سهم الله تعالى يصرف في مصالح المسلمين، وأنّ السهام الثلاثة لا تختصّ ببني هاشم فهي لمطلق النّاس.

وأمّا الرواية الثانية: ففيها حكاية فعل النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) بلا تفصيل لما فعله ولا كيفيّة تقسيمه، فلعلّه كان يعطي لكل صنف كان موجوداً منهم وإن كان

ص: 317


1- 424.وسائل الشيعة 509:9 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 1.

قليلاً، ويقسّم ما زاد على غيرهم، كما هو الشأن في تقسيم الحاكم، فالرواية في مقام بيان أصل التقسيم، لا في أنّه كان بنحو الشمول أو عدم الشمول وعلى جميع الأصناف أو أنّه خاص بأفراد.

وأمّا الرواية الثالثة: فهي ضعيفة السند بالإضافة إلى قصور الدلالة، لأنّه فُسّر فيها القربى بأقربائه(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وهذا موافق للعامّة، مضافاً إلى أنّه فصّل فيها بين اليتامى وبين المساكين وأبناء السبيل، فجعل الأوّل من بني هاشم دون الأخيرين، وهذا مخالف للمشهور بين العامّة والخاصّة.

مضافاً أيضاً إلى أنّه ذكر فيها أنّ السهمين من الخمس يعدّان صدقة فلا تحلّ لبني هاشم، وهذا أيضاً لم يقل به أحد.فبهذه الوجوه لا يمكن التمسّك بالرواية.

والحاصل: أنّ هذه الروايات غير صالحة في نفسها للدلالة على المطلوب منها، وعلى فرض تماميّة دلالتها واعتبارها لا تقاوم الطائفة الأُولى لمخالفتها للمشهور مع موافقتها للعامّة.

نعم، ربّما يتوهّم أنّ الحكم باختصاص نصف الخمس ببني هاشم - زادهم الله شرفاً - دون سائر النّاس لا يلائم حكمة التشريع، وهي رفع حاجتهم بدلاً عن الزكاة التي شرّعت لرفع احتياج فقراء النّاس، وذلك لأنّه على القول باختصاص الخمس بهم لا تتلاءم كثرة المال المتوفر من موارد الخمس مع قلّة مصرفه وهم بنو هاشم، في مقابل قلّة المال الحاصل من الزكاة مع كثرة المصرف كما لا يخفى، والجواب عن هذا التوهّم يظهر ممّا سيمرّ عليك إن شاء الله تعالى.

ص: 318

تعيين نوع الحقّ في السهام وأنّه بنحو الملك أو المصرف:

هل السهام الستة هي من باب الملكيّة كسائر الأملاك التي تورث أو أنّها من باب المصرف فهي حقّ واحد يصرف في شؤون الولاية ومصالح المسلمين - لكون الحقّ من جهة الولاية التي هي لله سبحانه ومن بعده للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) ثم للإمام(علیه السلام) - سواء كانوا من الأصناف الثلاثة أم غيرها، وإن كانت الأوّلويّة في الصرف للأصناف الثلاثة ؟

ظاهر الأصحاب الأوّل، بل في الجواهر القطع به تبعاً للمحقّق، حيث قال: نعم ما كان قد قبضه النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) أو الإمام(علیه السلام) من الأسهم السابقة ينتقل إلى وارثه؛ ضرورة صيرورته حينئذٍ كسائر أمواله التي فرض الله تقسيمها على الوارث، واحتمال اختصاص الإمام(علیه السلام) به أيضاً لقبض النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ل-ه مثلاً بمنصب النبوّة أيضاً باطل قطعاً، إذ هو وإن كان كذلك لكنّه صار ملكاً من أملاكه بقبضه، وإن كان سببه منصب النّبوة، وفرق واضح بينه وبين انتقال الاستحقّاق السابق للإمام(1).

إلّا أنّه قال عند تعرّضه للزوم إيصال الخمس إلى الإمام(علیه السلام) حال حضوره: إنّ ذلك الظهور سياق أكثر الأخبار فيه من إضافته إليهم(علیهم السلام) وتحليلهم(علیهم السلام) بعض النّاس منه، وغير ذلك ممّا يومي إلى أنّ ولاية التصرّف والقسمة إليه(علیه السلام) ، وللأمر بإيصاله إلى وكيله(علیه السلام) في صحيحة ابن مهزيار الطويلة، بل لولا وحشة الانفراد عن ظاهر اتفاق الأصحاب لأمكن دعوى ظهور الأخبار في أنّ الخمس جميعه للإمام(علیه السلام)، وإن كان يجب عليه الإنفاق منه على

ص: 319


1- 425.جواهر الكلام 16: 87 - 88.

الأصناف الثلاثة الذين هم عياله، ولذا لو زاد كان ل-ه(علیه السلام) ، ولو نقص كان الإتمام عليه من نصيبه، وحلّلوا منه من أرادوا(1).

فيظهر من كلامه الأوّل عدم الخلاف في أنّ النّصف ل-ه(علیه السلام) من باب الملكيّة وأنّ الحكم به قطعي، كما يظهر من الثاني أنّ عدم كون الجميع ل-ه، وأنّ ل-ه النّصف مورد لاتفاق الأصحاب.

واستشهاد بعضهم(2) بكلامه الثاني على أنّ المال كلّه لمنصب الإمامة في غير محلّه، فإنّ مراد صاحب الجواهر إبداء احتمال أن يكون المال كلّه للإمام، وأنّ الذهاب إلى هذا الرأي ممّا يوجب الانفراد عن ظاهر اتفاق الأصحاب على عدمه.

وكيف كان فالمهم هو النظر في الأدلّة.

أمّا مستند القول الأوّل فهو واضح، فإنّه - مضافاً إلى ما تقدّم من ظاهر الجواهر من اتفاق الأصحاب - يمكن أن يستدل بظهور الآية الشريفة في ذلك، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الخمس بدل عن الزكاة، فكما أنّها تقسّم على ثمانية أسهم وتكون ملكاً لكلّ صنف، كذلك الخمس فإنّه يقسّم إلى ستة أسهم، وهو ظاهر الروايات الكثيرة التي كادت أن تكون متواترة.

فليس الخمس سهماً واحداً من جهة الولاية الثابتة لله سبحانه وتعالى، ثمّ من بعده للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) ثمّ للإمام(علیه السلام) ، فهو حقّ لشخصيّة قانونيّة حقّوقيّة،

ص: 320


1- 426.جواهر الكلام 16: 155.
2- 427.انظر محاضرات في فقه الاماميّة 4: 156 - 157.

وهي منصب الإمامة.

وأمّا مستند القول الثاني ، فقد ذكرت ل-ه وجوه:

أوّلها: الآية الشريفة فإنّ ظاهرها وإن كان يقتضي الاشتراك في الملكيّة إلّا أنّ هناك قرائن لبّيّة ونكات لفظيّة تصرفها عن هذا الظهور البدوي وتعيّنها في إرادة الحقّ الوحداني لمنصب الولاية.فمن تلك القرائن دلالة نفس سياق الآية الشريفة على ذلك؛ حيث جعل الخمس فيها كلّه لله سبحانه وتعالى أوّلاً بنحو الانحصار؛ لتقديم لفظ الجلالة على كلمة الخمس، فجميع الخمس لله من جهة الانحصار، ثمّ هو بعد ذلك للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) ، ومن بعده لذي القربى وهو الإمام(علیه السلام) كذلك، ولم تذكر اللّام في باقي الأصناف، بل جيء بالعطف فقط فلا يكون الخمس لهم، وإنّما هم مصارف ل-ه.

ومن تلك القرائن: أنّه ليس المراد بملكيّة الله سبحانه للخمس الملكيّة الحقّيقيّة التكوينيّة، لأنّها لا تختصّ بالخمس، بل هي شاملة لجميع المخلوقات؛ فإنّها ل-ه سبحانه جميعها، بل ولا الملكيّة الاعتباريّة، فإنّه لا معنى لكون شيء ملكاً اعتباريّاً لساحته المقدّسة، فإنّه غير محتاج إلى شيء، فلابد أن يكون المراد منها إمّا الملك لسبيل الله بمعنى جعله في سبيل الله سبحانه، وهذا ممّا لم يقل به أحد من الفقهاء، وإمّا الملك لحيثيّة وشأن من شؤونه سبحانه المناسبة ل-ه عرفاً وعقلاً، وهو شأن حاكميّته وولايته الذاتيّة على شؤون النّاس والمجتمعات؛ فإنّه لا حكم إلاّ لله كما أكّده الكتاب العزيز، وعليه فالمالك شخصيّة قانونيّة حقّوقيّة هي منصب الولاية لله سبحانه، لا أنّها ذات الباري

ص: 321

جلّ وعلا. وهذا المنصب كما يكون لله سبحانه بالذات يكون لرسوله المعيّن من قبله ثم للأوصياء بنحو طولي.

ومن تلك القرائن أيضاً: أنّ آية الفيء(1) كآية الخمس من جهة السياق والسهام تماماً، ولا إشكال ولا خلاف في أنّ الفيء حقّ وحداني لمنصب الإمامة، واعتبرت بقيّة السهام مصارف ل-ه، وهذه قرينة على أنّ الخمس كذلك.

وما يقال من أنّ آية الأنفال واردة في الخمس، وأنّ المراد بالفيء هو الخمس، وأمّا أحكام الفيء والأنفال فقد تضمّنتها الآية السابقة على هذه الآية، بدليل قوله(علیه السلام) في صحيحة محمّد بن مسلم: «فهذا بمنزلة المغنم»(2) بعيد جداً؛ فإنّ الآيتين واردتان في الفيء والأنفال، والآية الأُولى لم تبيّن المصارف بل بُيّن ذلك في الآية الثانية، واستعمال الفيء وإرادة الخمس منه بعيد في نفسه، هذا أوّلاً.

وثانياً: ورود روايات متعدّدة تدلّ على أنّ الآيتين واردتان في الفيء والأنفال.

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم فلا دلالة فيها على المدعى، فإنّ التنزيل لا يقتضي الاشتراك في جميع الوجوه.

والحاصل: أنّ المستفاد من سياق آية الخمس ومن التسلسل الموجود

ص: 322


1- 428.سورة الحشر: 7.
2- وسائل الشيعة 527:9 ، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 12.

في سائر الاستعمالات القرآنية هو أنّ هذا الحقّ يكون للولاية والحاكميّة التي لا تكون إلّا لله ثم بعده للرسول المنصوب من قبله تعالى، ثم من بعده للإمام(علیه السلام) بنحو الطوليّة، وأنّ العناوين الثلاثة الأُخرى هي مجرد مصارف لهذا الحقّ.

الوجه الثاني: السيرة المتشرعيّة القائمة على أنّ الخمس كلّه للإمام(علیه السلام) ، حيث إنّ الشيعة كانوا يدفعون الخمس إلى الإمام(علیه السلام) أو وكيله، ولا يتعاملون معه كما يتعاملون مع الزكاة من الصّرف على فقراء بني هاشم، مع أنّ المورد يكثر الابتلاء به، واستمرت هذه السيرة إلى نهاية الغيبة الصغرى، وبعد وقوع الغيبة الكبرى، وإن اختلفت الآراء ونسب إلى بعض الأصحاب القول بلزوم حفظ الخمس والإيصاء به، وإلى بعض آخر كنزه ودفنه حتى يستخرجه الإمام(علیه السلام) عند ظهوره مع بقيّة كنوز الأرض، وهذا يدلّ على أنّهم كانوا يرون أنّ الخمس بتمامه كان حقّاً للإمام(علیه السلام)، وإن رجعوا بعد ذلك وتحقّق عندهم وجوب الصرف فيما كان الإمام(علیه السلام) يصرفه، إمّا بواسطة المالك نفسه أو بواسطة إعطائه للفقيه الجامع للشرائط باعتبار كونه وليّاً وحاكماً من قِبل الإمام(علیه السلام) ، فهو المتصدّي لصرفه في موارده وفيما يحرز رضا الإمام(علیه السلام) بالصّرف فيه، وهو الأصوب والأقرب إلى الواقع.

ولكن كل ذلك لا يوجب الإخلال بما ذكرناه من دعوى السيرة على كون الحقّ لمنصب الإمامة وليس ملكاً شخصيّاً.

نعم، صار العمل من المتشرّعة على تقسيم الخمس وجعل نصفه ملكاً للسادة المستحقّين، والنصف الآخر ملكاً للإمام(علیه السلام) - بسبب فتوى المشهور -

ص: 323

إلّا أنّه غير ضائر في تحقّق السيرة المزبورة.

الوجه الثالث: الأخبار الدالّة على ذلك، وهي ستّ طوائف:

الطائفة الأوّلى: أخبار التحليل(1) ، وهي كثيرة وصريحة في أنّ الخمس كلّه للإمام(علیه السلام) وفي بعضها أنّه لفاطمة ÷ ولمن يلي أمرها من بعدها من ذرّيتها الحجج على النّاس، فهو لهم خاصّة يضعونه حيث شاؤوا، ولذلك حلّلوه لشيعتهم، وهذا يلازم - عرفاً وعقلاً - أنّهم مالكون لتمام الخمس.الطائفة الثانية: الأخبار التي تفيد أنّ الله سبحانه رضي من الأشياء بالخمس(2) ، فإنّها دالّة على أنّ الخمس ملك لله سبحانه، بضمّ ما روي أنّ ما كان لله فهو للرسول وما كان للرسول فهو للإمام.

الطائفة الثالثة: ما ورد في تقسيم الخمس كمرسل حمّاد عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح(علیه السلام) قال: «... فسهم الله وسهم الرسول لأولي الأمر من بعد رسول الله وراثة، وله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة، وسهم مقسوم ل-ه من الله، وله نصف الخمس كملاً، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته...»(3).

فقد دلّت على أنّ للإمام(علیه السلام) نصف الخمس.

ص: 324


1- 430.وسائل الشيعة 9: 543 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام).
2- 431.وسائل الشيعة 9: 506 ، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 ، ونفس المصدر 19: 270 ، الباب 9 من كتاب الوصايا، الحديث 3.
3- 432.وسائل الشيعة 513:9 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

الطائفة الرابعة: روايات ما يجب فيه الخمس(1) ، فقد دلّت على أنّ الخمس للإمام(علیه السلام).

الطائفة الخامسة: الأخبار التي وردت في عدم وجوب استيعاب الأصناف المذكورة في الآية الشريفة وأنّ الإمام(علیه السلام) كرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) يعطي على ما يرى(2).

الطائفة السادسة: ما ورد لبيان وجه معائش الخلق وأسبابها، فقد ورد في رسالة المحكم والمتشابه نقلاً من تفسير النعماني بالإسناد عن أمير المؤمنين(علیه السلام) قوله: «وأمّا ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق وأسبابها فقد أعلمنا سبحانه ذلك من خمسة أوجه: وجه الإمارة ووجه العمارة ووجه الإجارة ووجه التّجارة ووجه الصّدقات، فأمّا وجه الإمارة فقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين}(3)، فجعل لله خمس الغنائم» (4).

فالحاصل: أنّ المستفاد من هذه الطوائف كون الخمس لمنصب الإمامة.

الوجه الرابع: إنّ كون نصف الخمس لفقراء بني هاشم لا يتّفق مع حكمة التشريع، لأنّ المعروف بين الأصحاب وجوب الزكاة في تسعة أشياء ووجوب

ص: 325


1- 433.وسائل الشيعة 9: 500 - 503 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 ، 3 ، 5 ، 8.
2- 434.وسائل الشيعة 9: 519 ، الباب 2 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 1.
3- 435.سورة الأنفال: 41.
4- 436.وسائل الشيعة 9: 489 ، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

الخمس في سبعة، ومنها المعادن على كثرتها والأرباح على وفرة شُعبها فهما من الوفرة بمكان، بلا اختصاص بعصر دون آخر، فالخمس ثروة عظيمة وافرة لا تكاد تحصى ومصرفها بنو هاشم فقط، بينما الأموال الزكويّة أقل من الخمس فإنّ الواجب فيها العشر أو نصفه أو ربعه، مع أنّ مصارفه ثمانية ومنها سبل الخير كلّها كإحداث المساجد والمستشفيات والطرق والجسور والعدّة للجهاد وغير ذلك، ومع ذلك كلّه ذكروا أنّ زكاة بني هاشم يجوز صرفها عليهم أنفسهم، وأنت ترى أنّ عدد بني هاشم بالقياس إلى غيرهم في غاية القلّة، ولا سيّما في صدر الإسلام، وبعد هذه الموازنة ألا يعدّ صرف الأموال الطائلة على أفراد قليلة مخالفاً لحكمة التشريع، ولا سيّما مع ما ورد في أخبار كثيرة من أنّ الله تعالى جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يسعهم، ولو علم أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم، حيث يستفاد منها أنّ الجعل والتشريع كان على حساب الحاجات والخلاّت، فيتعيّن أن يكون الخمس حقّاً وحدانياً جعل لمنصب الإمامة والحكم، وأنّ للإمام والحاكم أن يصرفه في جميع ما يراه من مصالح نفسه ومصالح المسلمين.

هذا، ولكن يمكن المناقشة في جميع الوجوه المتقدّمة.

أمّا الوجه الأوّل: فإنّ الظاهر من الآية المباركة هو التقسيم بين المذكورين فيها في عرض واحد، بلا إشكال؛ لأنّ مقتضى العطف وتكرار اللام هو الاشتراك في الحكم وعدم اختصاصه بصنف دون آخر، كما أنّ مقتضى ذلك أيضاً الاشتراك بنحو واحد وفي عرض واحد، لا أنّه بنحو الطوليّة، فهو مثل ما إذا أقرّ شخص بأنّ المال الفلاني لجماعة فقال: إنّ المال لزيد ولعمرو ولبكر، فإنّ مقتضى إقراره هو أنّ المال بينهم فيقسّم عليهم، ولا يقال: إنّ

ص: 326

المقصود من الإقرار المذكور أنّ جميع المال لزيد وملكيّة الآخرين ل-ه في طول ملكيّته. وهذا هو الأصل ومقتضى الظهور وفهم العرف، فلا يصحّ رفع اليد عنه إلّا بدليل وقرينة صارفة. وفي المقام لا يصلح ما ذكر في هذا الوجه للقرينيّة، وذلك:

أمّا القرينة الأوّلى: وهي أنّ تقديم لفظ الجلالة على كلمة الخمس يفيد الانحصار، وأنّ الخمس كلّه لله فغير تامّة؛ وذلك لأنّ تقديم ما حقّه التأخير إنّما يفيد التأكيد والحصر فقط إذا لم يكن هناك ما يمنع من ذلك، وفي المقام يتوقّف كون المال كلّه لله على ما إذا لم يذكر شيء بعده بالعطف، كما إذا قيل: «المال لزيد» أو «لزيد المال» ، فإنّه يستفاد - على كلٍ - أنّ المال كلّه لزيد، ولكن مع ذكر أفراد آخرين بعده لا تدل الجملة على ذلك أصلاً.

وأمّا القرينة الثانية: - وهي أنّه لا معنى للملكيّة الاعتباريّة في الخمس لله سبحانه وتعالى المالك الحقّيقي للعالم أجمع، وأنّ المراد اعتبار الملكيّة لولايته سبحانه - فغير تامّة أيضاً؛ لأنّه مضافاً إلى أنّ هذا معنى دقيق خارج عن المتفاهم العرفي، يمكن القول بعدم التنافي بين أن تكون الأشياء كلّها ملكاً لله سبحانه وتعالى تكويناً وحقّيقة كما ورد في قوله تعالى: {لله مُلْكُ السَمَواتِ والأرْضِ} (1) ، وبين ثبوت ملك اعتباري لنفسه تعالى، كما أثبت لنفسه حقّاً وقرضاً ونوراً وغير ذلك، وكلّها أُمور اعتباريّة، وللنبي(صلی الله علیه و آله و سلم) والأئمة(علیهم السلام) نصيب من الملك الحقّيقي بما أنّهم وسائط الفيض بينه سبحانه وتعالى وبين خلقه، ولذا ورد في روايات عديدة أنّ الأرض كلّها لهم، ومع ذلك ثبت

ص: 327


1- 437.سورة آل عمران: 189.

لهم الملك الاعتباري بالنسبة إلى الخمس وغيره، فلا منافاة في الجمع بين الملكيّتين، فإذا ثبت ذلك فلابد أن يكون سهم الله سبحانه اعتباراً لأقرب شيء منه سبحانه وهو النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ومن بعده الأئمة(علیهم السلام)، كما دلّت على ذلك روايات كثيرة، فلا ملازمة بين ثبوت الحقّ لله سبحانه وبين أن يكون ذلك الحقّ لمنصب الولاية.

وممّا يؤيد ذلك أنّه لم يظهر من أحد من قدماء الأصحاب القول به، بل ولا مجرد احتماله، وكذا من العامّة.

قال الشيخ(قدس سره) في الخلاف: عندنا أنّ الخمس يقسّم ستة أقسام: سهم لله وسهم لرسوله، وسهم لذي لقربى فهذه الثلاثة أسهم كانت للنبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وبعده لمن يقوم مقامه من الأئمة، وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل من آل محمّد(صلی الله علیه و آله و سلم) لا يشركهم فيه غيرهم، واختلف الفقهاء في ذلك: فذهب الشافعي إلى أنّ خمس الغنيمة يقسّم على خمسة أسهم... وذهب أبو العالية الرياحي إلى أنّ الخمس من الغنيمة والفيء مقسوم على ستة أسهم... وذهب مالك إلى أنّ خمس الغنيمة وأربعة أخماس الفيء مفوّض إلى اجتهاد الإمام ليصرفه إلى من رأى أن يصرفه إليه.

وذهب أبو حنيفة إلى أنّ خمس الغنيمة وأربعة أخماس الفيء يقسّم على ثلاثة أسهم... دليلنا: إجماع الفرقة المحقّة وأخبارهم(1).

وقال العلاّمة في المختلف: المشهور أنّ الخمس يقسّم ستة أقسام: سهم لله وسهم لرسوله وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم

ص: 328


1- 438.كتاب الخلاف 4: 209 - 211 ، مسألة 37.

لأبناء السبيل، ذهب إليه الشيخان والسيّد المرتضى وابن الجنيد وابن البراج وباقي علمائنا، ونقل عن بعضهم أنّه يقسّم خمسة أقسام(1).

وقال المحقّق النراقي في المستند: الخمس يقسّم أسداساً: لله ولرسوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل، على الحقّ المعروف بين أصحابنا، بل عليه الإجماع عن صريح السيّدين والخلاف وظاهر التبّيان ومجمع البيان وفقه القرآن للراوندي، بل هو إجماع حقّيقة؛ لعدم ظهور قائل منّا بخلافه، سوى شاذّ غير معروف لا تقدح مخالفته في الإجماع، فهو الدليل عليه، مضافاً إلى ظاهر الآية الكريمة، وصريح الأخبار المستفيضة... خلافاً للمحكي في المعتبر والشرائع والتذكرة والمنتهى والجامع عن بعض أصحابنا، فيقسّم خمسة أقسام بإسقاط سهم الله، فواحد للرسول والأربعة للأربعة(2).

وقال في المسألة الثالثة: لا فرق فيما ذكر من قسمة الخمس أسداساً بين الأقسام الخمسة، فيقسّم خمس الأرباح والمكاسب أيضاً ستّة أقسام فمصرفها مصرف سائر الأخماس، وفاقاً لظاهر جمهور القدماء ومعظم المتأخرين، لظاهر الآية... واحتمل جملة منهم اختصاصه بالإمام(3).

فهذه الأقوال تفيد أُموراً:

أحدها: أنّه لا خلاف بين علماء الإماميّة في أصل تقسيم الخمس. نعم الخلاف في أنّه على ستة أسهم أو خمسة.

ص: 329


1- 439.مختلف الشيعة3: 197.
2- 440.مستند الشيعة 10: 83 - 85 ، المسألة الأوّلى.
3- 441.مستند الشيعة 10: 87 - 88 ، المسألة الثالثة.

الثاني: أنّه لا يوجد خلاف عند العامّة في أصل التقسيم أيضاً، وإن نسب الخلاف إلى مالك، وذهب بعضهم إلى أنّ السهام أربعة.

الثالث: أنّه وقع الخلاف في خصوص أرباح المكاسب، حيث قال بعض الأصحاب باختصاصها بالإمام(علیه السلام) ، كما يظهر من عبارة المستند المتقدّمة.

وأمّا القرينة الثالثة: وهي الآية الشريفة الواردة في الفيء بنفس السهام الستة، مع أنّ الفيء مختصّ بالإمام(علیه السلام) ولا يشاركه فيه أحد، فهو حقّ واحد لمنصب الإمامة، وأمّا بقيّة المذكورين فهم مصارف لهذا الحقّ. فليكن الخمس كذلك.فالجواب عنها:

أوّلاً: أنّ التعويل على هذه الآية لإثبات أنّ الخمس كالفيء في الاختصاص بمنصب الإمامة، وأنّ غيره(علیه السلام) مصارف ل-ه إنّما يتمّ إذا كان المقصود في الآية هو الفيء فقط لا الخمس، وهو محلّ الخلاف، فإنّ الظاهر من جماعة من الأصحاب، وكذا من العامّة القول بأنّ المراد هنا الخمس، فعليه لا يتمّ المطلوب.

أمّا الخاصّة فقد ذكر العلاّمة المجلسي(قدس سره) في ملاذ الأخيار عن المحقّق الأردبيلي قدّس الله روحه في تفسير آيات الأحكام: المشهور بين الفقهاء أنّ الفيء ل-ه(صلی الله علیه و آله و سلم)، ثم للقائم مقامه، كما هو ظاهر الأُولى، والثانية تدل على أنّه يقسّم كالخمس، فإمّا أن يجعل هذا فيئاً خاصّاً كان حكمه كذا، أو منسوخاً، أو يكون تفضلاً منه(صلی الله علیه و آله و سلم).

ص: 330

وقال(قدس سره) أيضاً في بعض فوائده وتعليقاته بعد ذكر احتمال كون المراد بالفيء هنا الغنيمة: فكانت تقسّم كذلك، ثم نسخ بآية الخمس، ويحتمل أن يراد بالفيء ما هو المخصوص به(صلی الله علیه و آله و سلم) ، فلما كان الخمس بيده ويتصرّف فيه، فأمره إليه إن كان ناقصاً كمّله من عنده، وإن كان فاضلاً يكون ل-ه، فيمكن أن يسمى الخمس بالفيء.

ويحتمل أن يكون المراد {وَمَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ} بالقتال والحرب {فَلِلَّهِ} خمسه {وَلِلرَّسُولِ} كآية الغنيمة، وحذف (خمسه) للظهور، وإطلاق الفيء على الغنيمة موجود. انتهى(1).

ثم ذكر العلاّمة المجلسي(قدس سره) وجهين آخرين على نحو الاحتمال، والمهم منهما هو: أن يكون المراد بالآية الثانية ما أُخذ بالقهر والغلبة من غير تجشّم قتال وسفك دم كفتح مكّة، والنبي مخيّر فيه بين قسمة الغنيمة بين المجاهدين والعفو، كما عفا رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) عن أهل مكّة ولم يقسم غنائمهم. فهذه واسطة بين الأنفال والغنيمة، والنبي والإمام صلوات الله عليهما مخيّران فيه بين القسمة وعدمها، فلذا لم يقيّد بالخمس، وأجري على جميعها حكم الخمس لكون الاختيار بيدهما والغنيمة بمنزلة مالهما، وهي وإن كانت في المفتوحة عنوة كما دلّت عليه الأخبار لأنّها أُخذت بالقهر والغلبة، لكن لمّا لم يقع فيه قتال ولا سفك فيه دم، ولم يلحقّهم خوف ولا رعب يصدق عليها أنّها ممّا أفاء الله على رسوله، وليس للمقاتلة فيها حقّ لازم، فلهما أن يعطياهم وأن يمنعاهم، وهذا وجه حسن، لكن لم يقل بهذا التفصيل ويتفطّن به أحد(2).

ص: 331


1- 442.ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار 6: 380 - 381.
2- 443.نفس المصدر: 381.

وأمّا العامّة: فقد ذكر القرطبي في تفسير الآية أنّه قد تكلّم العلماء في هذه الآية والتي قبلها، هل معناهما واحد أو مختلف، والآية التي في الأنفال، فقال قوم من العلماء: إنّ قوله تعالى {مَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} منسوخ بما في سورة الأنفال من كون الخمس لمن سمّي ل-ه، والأخماس من الأربعة لمن قاتل، وكان في أوّل الإسلام تقسّم الغنيمة على هذه الأصناف، ولا يكون لمن قاتل عليها شيء، وهذا قول يزيد بن رومان وقتادة وغيرهما. ونحوه عن مالك.

وقال قوم: إنّ ما غنم بصلح من غير إيجاف خيل ولا ركاب، فيكون لمن سمّى الله تعالى فيه فيئاً... وقال قوم منهم الشافعي: إنّ معنى الآيتين واحد: أي ما حصل من أموال الكفّار بغير قتال قسّم على خمسة أسهم، أربعة منها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان الخمس الباقي على خمسة أسهم: سهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً وسهم لذوي القربى، وهم بنو هاشم وبنو المطلب... قال ابن العربي: قول مالك إنّ الآية الثانية في بني قريضة إشارة إلى أنّ معناها يعود إلى آية الأنفال، ويلحقّها النسخ، وهذا أقوى من القول بالأحكام(1).

والحاصل: أنّ كون المراد من الآية الفيء دون الخمس أو غيره هو محلّ الخلاف بين الخاصّة وأيضاً بين العامّة فكيف يمكن جعلها قرينة في المقام.

وإطلاق الفيء على الخمس ليس فيه أيّ بُعد، لأنّ الفيء هو الرجوع في اللغة، وبما أنّ العالم كلّه لله سبحانه وقد أعطاه سبحانه لخليفته في الأرض وأقربهم لديه وهو الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) والأئمة(علیهم السلام) ، فما في يد الكفّار والظالمين منه

ص: 332


1- 444.الجامع لأحكام القرآن 18: 12 - 14.

غصب، فإذا أُخذ منهم - سواء بالصلح أم بالعنف - كان فيئاً، فهو لا يتوقّف في كونه فيئاً على رجوعه بالصلح فقط وبلا إيجاف خيل ولا ركاب، ولذلك أُطلق الفيء على الخمس أيضاً كما في رواية أبي حمزة عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «... إنّ الله جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء، فقال تبارك وتعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَهُ...} (1)(2) ورواية النعماني عن علي(علیه السلام) بعدما ذكر الخمس وأنّ نصفه للإمام، ثم قال: «إنّ للقائم بأمور المسلمين بعد ذلك الأنفال... والفيء يقسّم قسمين: فمنه ما هو خاصّ للإمام وهو قول الله عزوجل في سورة الحشر: {مَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَىوَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (3) وهي البلاد التي لا يوجف عليها بخيل ولا ركاب، والضرب الآخر ما رجع إليهم ممّا غصبوا عليه في الأصل، قال الله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (4) فكانت الأرض بأسرها لآدم ثم هي للمصطفَين الذين اصطفاهم الله وعصمهم فكانوا هم الخلفاء في الأرض، حتى بعث الله رسوله محمداً(صلی الله علیه و آله و سلم) فرجع ل-ه ولأوصيائه فما كانوا غصبوا عليه أخذوه منهم بالسيف فصار ذلك ممّا أفاء الله به، أي ممّا أرجعه الله إليهم» (5)، فعبّر عمّا يرجع بالسيف بالفيء.

ص: 333


1- 445.سورة الأنفال: 41.
2- 446.وسائل الشيعة 9: 552 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 19.
3- 447.سورة الحشر: 7.
4- 448.سورة البقرة: 30.
5- 449.وسائل الشيعة 9: 530 ، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 19.

وثانياً: على فرض التسليم، فإنّه فرق بين الآيتين، حيث إنّ هذه الآية تدلّ على تقسيم جميع المال على الأسهم المذكورة بخلاف آية الغنيمة، فإنّها تدلّ على تقسيم خمسه، فرفع اليد عن ظهور هذه الآية بالدليل الوارد في المقام لا يوجب رفع اليد عن ظهور آية الخمس في التقسيم على الأسهم مع وجود روايات صريحة في ذلك كما يأتي.

وأمّا الوجه الثاني: وهو التمسّك بالسيرة فيرد عليه:

أوّلاً: إمكان المنع عن ثبوتها، لاحتمال كونهم يحملون نصف المال إلى الإمام(علیه السلام) الذي كان حقّه من الخمس، ولا دليل على أنّهم كانوا يحملون المال كلّه إليه(علیه السلام) غير روايتين:

إحداهما رواية مسمع(1) والثانية رواية الحكم بن علباء الأسدي(2) ولا تثبت السيرة المتشرعيّة بروايتين.

وثانياً: على فرض ثبوتها لم يعلم أنّ حملهم للمال كلّه إليه(علیه السلام) هل كان من جهة أنّهم يرون أنّه بتمامه للإمام(علیه السلام) أو من جهة كون الإمام قيّماً ووليّاً على النصف الآخر، وهو سهم السادة.

أو أنّه يجب إيصاله إليه حتى يتصدّى هو(علیه السلام) لصرفه عليهم كما في بعض الروايات، وعليه كثير من الفقهاء، فمع حضوره لابدّ أن يكون التقسيم بيده، ولا يجوز للمالك التصدّي لذلك، فمع وجود هذه الاحتمالات كيف يصحّ

ص: 334


1- 450.وسائل الشيعة 9: 548، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالامام(علیه السلام) الحديث 12.
2- 451.وسائل الشيعة 9: 528، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالامام(علیه السلام) الحديث 13.

جعل هذه السيرة - لو ثبتت - دليلاً على المدّعى.

وأمّا الوجه الثالث: وهو الروايات، فبالمناقشة في كل واحدة منها:

أمّا الطائفة الأوّلى وهي روايات التحليل: فإنّ الاستدلال بها يتوقّف على أمرين:

الأوّل: حجيّة تلك الروايات في أنفسها ودلالتها على إباحة الخمس كلّه، وأن لا يكون المقصود منها تحليل الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، أو تحليل حصّة الإمام فقط.

الثاني: أن يكون التحليل من جهة كون الإمام(علیه السلام) وليّاً عن سائر الأصناف.

والأمران محل للخلاف كما سيأتي في بحث تحليل الخمس إن شاء الله تعالى.

وأمّا الطائفة الثانية: الدالّة على أن الله رضي من الأشياء بالخمس فهي إن لم تكن ظاهرة في أنّ رضاه سبحانه من جهة حكمه وأمره وإطاعة المكلّف وامتثاله لهذا الأمر، فلا أقلّ من كون هذا الاحتمال مساوياً لاحتمال كون الخمس ملكاً ل-ه سبحانه وتعالى، فلا يصحّ الاستدلال بهذه الروايات على المدّعى.

هذا، مضافاً إلى أنّه على فرض الظهور في كون الخمس ملكاً لله تعالى يمكن أن يكون ذلك باعتبار كون بعضه ل-ه سبحانه، وإنّما نسب إليه جميعه تشريفاً، وأنّ الباقي كما هو لله فهو للأصناف أيضاً.

وأمذا الطائفة الثالثة: وهي مرسلة حمّاد ونحوها فالاستدلال بها على

ص: 335

المدّعى - من جهة قوله(علیه السلام): «وله بعد الخمس الأنفال» مع صراحة صدر المرسلة في تقسيم الخمس ستة أقسام، وبيان كل قسم، وبيان أنّ على الإمام(علیه السلام) أن يجبر النقص إذا نقص، وأنّ ل-ه الزيادة إذا زاد - عجيبٌ؛ فإنّ الظاهر منه أنّ النصف الراجع للإمام هو المراد، و (أل) في كلمة الخمس عهديّة ذكريّة، وعلى فرض عدم الظهور في ذلك كيف نرفع اليد عن الرواية كلّها لوجود جملة يشتبه في المراد منها في ذيلها.وأمّا الطائفة الرابعة: وهي روايات علي بن مهزيار الثلاث، فالجواب عنها: أنّ الإمام(علیه السلام) بما أنّه مالك لنصف الخمس، بل أمر الخمس بيده فإنّه يصحّ التعبير بأنّ ل-ه الخمس أو بأنّه حقّه(علیه السلام).

وأمّا الطائفة الخامسة: وهي الروايات الدالّة على عدم وجوب الاستيعاب لكلّ صنف، وأنّ أمر الخمس بيد الإمام(علیه السلام) ، فالجواب يظهر ممّا تقدّم، فإنّها أثبتت التقسيم ولم تنفه، غاية الأمر أنّه يستفاد منها عدم لزوم الاستيعاب في التقسيم، وأنّ ذلك بيد الإمام، وهذا حكم آخر لا يتنافى وقول المشهور، بل يؤيّده ويؤكّده.

وأمّا الطائفة السادسة: وهي ما ورد في وجه معائش العباد وأسبابها فإنّه - مضافاً إلى أنّ المستفاد منها أنّ الأمارة سبب وعلّة لملكيّة الإمام(علیه السلام) ، كما أنّ التجارة والعمارة والزراعة والصناعة هي علل وأسباب للملكيّة، لا أنّ الملكيّة ثابتة لهذه العناوين - لا يخفى صراحة ذيل الرواية في التقسيم، فكأنّ المستدلّ لم يلحظ ذلك.

والحاصل: أنّ الاستدلال بهذه الطوائف من الروايات على هذه الدعوى

ص: 336

ضعيف جداً.

وأمّا الوجه الرابع: وهو أنّ جعل هذه الأموال الطائلة للصرف على أفراد قليلة خلاف حكمة التشريع فإنّ فيه:

أوّلاً: إنّ هذا يرجع إلى كشف الأحكام عن عللها، وهذا إنّما يتمّ إذا كان العقل محيطاً بجميع العلل والأسباب المحسوسة وغيرها، وأمّا مع عدم إحاطته وعجزه عن ذلك كيف يتمّ ل-ه ذلك.

وثانياً: قد وردت روايات تفيد بأنّ الله قد رضي بذلك، وأنّه علم بأنّه غير كثير عليهم، فقد ورد في رواية التلعكبري بإسناده عن الكاظم(علیه السلام) قال: «قال لي هارون: أتقولون إنّ الخمس لكم؟ قال: نعم، قال: إنّه لكثير، قال: قلت: إنّ الذي أعطانا علم أنّه غير كثير» (1).

وفي رواية المفضّل أنّ الإمام الصادق(علیه السلام) قال: «... قال عمر: فدك لك خاصة، والفيء لكم ولأوليائك، ما أحسب أنّ أصحاب رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) يرضون بهذا، قالت فاطمة ÷: فإنّ الله رضي بذلك ورسوله رضي ل-ه...» (2).

فمع رضى الله سبحانه ورضى رسوله لا معنى لكونه خلاف حكمة التشريع، هذا، مضافاً إلى أنّ جعل الزائد على الحاجة إنّما يكون خلاف حكمة التشريع إذا كان كلّ الناس يؤدّون ما يجب عليهم، وأمّا مع العلم بأنّهم

ص: 337


1- مستدرك الوسائل 7: 289 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 5.
2- 453.مستدرك الوسائل 7: 290 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 10.

لا يؤدّونه إمّا إنكاراً أو معاداة أو عصياناً كما هو المشاهد اليوم، فلا يكون خلاف الحكمة المزبورة.

وثالثاً: إنّما يلزم كون ذلك خلاف حكمة التشريع إذا كان الواجب تقسيم النصف في الأصناف الثلاثة بالغاً ما بلغ، والحال أنّهم لا يعطون إلاّ بمقدار الكفاية وقوت السنة، وما زاد عن ذلك فإنّه يرجع إلى الإمام(علیه السلام) ، وهو يصرفه فيما يراه مصلحة.

هذه هي الوجوه المهمّة التي جعلت مدركاً لهذا القول، وهناك وجه آخر قد يذكر وهو: إنّ الوجه في تكريم بني هاشم باختصاصهم بالخمس بدل الزكاة هو أنّ الفقراء من غيرهم يأخذون من أيدي النّاس فيكون المأخوذ من أوساخ أيدي النّاس، بخلاف الخمس، فإنّما يأخذه بنو هاشم من يد الإمام(علیه السلام) وملكه لا من ملك الغني الذي عليه الخمس، وهذا دليل على أنّ الخمس كلّه للإمام(علیه السلام).

إلّا أنّ هذا الوجه أضعف من الوجوه السابقة، فإنّ الظاهر أنّ مجرّد التوسّط في الملكيّة واليد أمر اعتباري لا يغيّر الواقع، وأصل المال يكون ملكاً للنّاس ويخرج من أيديهم، فلابد وأن يكون المراد بالأوساخ شيئاً آخر، والظاهر أنّ المقصود بها هو كون المال حاصلاً من تعبهم وكدّ يمينهم؛ فإنّ الزكاة إنّما تتعلّق بما يحصل لهم من كسبهم من حاصل الغلاّت والكروم وتربية المواشي وأمثالها ممّا صرفوا أعمارهم فيه.

وأمّا الخمس فليس كذلك، فإنّه يتعلّق بالمعادن والكنوز والغنائم والغوص وأمثالها ممّا لم تكن من حصيلة كدّهم، بل هي من مواهب الله عزوجل.

ص: 338

ويشترط في الثلاثة الأخيرة الإيمان وفي الأيتام الفقر وفي أبناء السبيل الحاجة في بلد التسليم وإن كان غنيّاً في بلده [1].فعدم كونه وسخاً من هذه الجهة، لا لكونه غير مأخوذ من أيدي الناس.

ويؤيد ذلك إطلاق الفيء على الخمس في بعض الروايات، كما تقدّم.

فتحصّل: أن قول المشهور هو مقتضى ظواهر الأدلّة من التقسيم، ولو كان الخمس كلّه لمنصب الإمامة - مع كونه من أهم الواجبات، ويكثر الابتلاء به - لورد به دليل واضح، بلا حاجة للتمسّك بالوجوه المتقدّمة المتكلّفة، مع عدم فهم الأصحاب جميعهم، بل العامّة ذلك، والله العالم بالصواب.

هذا، ولكن إذا قلنا باعتبار إذن الإمام(علیه السلام) أو نائبه في تقسيم النصف الآخر على الأصناف الثلاثة كما يأتي إن شاء الله تعالى لم يبق فرق كبير بين قول المشهور وبين القول الآخر، فيكون زمام التصرّف في الخمس بأكمله بيد الإمام(علیه السلام) أو نائبه.

شروط المستحقّين من السادة:

اشتراط الإيمان في المستحقّ:

[1] المشهور والمعروف في الأصناف الثلاثة الأخيرة لزوم توفّر ثلاثة شروط:

ص: 339

أحدها: الانتساب إلى بني هاشم، وقد مرّت الإشارة إليه.

ثانيها: الإيمان.

وثالثها: الفقر.

أمّا الإيمان فهو بمعنى كون المستحقّ اثني عشرياً، فلا يُعطى غيره من سائر المخالفين، فضلاً عن الكفار، وظاهر الجواهر عدم الخلاف فيه وعن السيّد في الغنية دعوى الإجماع عليه(1).

ويمكن الاستدلال عليه بوجوه:

أحدها: ما ورد في الزكاة من روايات:

منها: رواية إبراهيم الأوسي عن الرضا(علیه السلام) قال: «سمعت أبي يقول: كنت عند أبي يوماً فأتاه رجل - إلى أن قال: - فإنّ الله عزوجل حرّم أموالنا وأموال شيعتنا على عدونا» (2).

ولا تخفى دلالتها على المراد حيث إنّ المقصود من كلمة «عدوّنا» هم غير الشيعة كما هو واضح من صدر الرواية. فتدل على أنّ الزكاة والخمس محرّمان على غير الشيعة.

وأمّا الجملة السابقة على هذه الجملة وهي قوله(علیه السلام): «فصرّها صرراً

ص: 340


1- 454.غنية النزوع 1: 130 ، جواهر الكلام 16: 115.
2- 455.تهذيب الأحكام 4: 48، الحديث 139 ، ووسائل الشيعة 9: 223 ، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 8.

واطرحها في البحر» فقد حملها صاحب الوسائل على أنّها من تعليق المحال على المحال حيث إنّ فرض عدم وجود المؤمن وعدم إمكان الوصول إليه في أربع سنين محال عادة، أو على المبالغة في منع غير المؤمن(1)، فلا يرد الإشكال على هذه الجملة في الرواية. وعلى فرض الإشكال فيها فهو غير ضائر بالجملة التي هي محلّ الشاهد. إلّا أنّ هذه الرواية ضعيفة من جهة الإرسال وعدم توثيق إبراهيم الأوسي، كما أنّ محمّد بن جمهور فيه خلاف، فالرواية تصلح للتأييد ليس إلّا.

ومنها: رواية الكشي عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي الحسن الرضا(علیه السلام): أُعطي هؤلاء الذين يزعمون أنّ أباك حيّ من الزكاة شيئاً؟ قال: «لا تعطهم، فإنّهم كفّار مشركون زنادقة» (2).

وقد استدل بعموم التعليل فيها لعدم خصوصيّة متصوّرة للواقفيّة.ولكن يمكن المناقشة فيها من جهة الدلالة باحتمال الخصوصيّة فيهم، ولا أقل من جهة نصبهم لأبي الحسن الرضا(علیه السلام) ، ومن جهة السند باشتمالها على عدّة مجاهيل.

ومنها: ما تقدّم من رواية المفضّل بن عمر حيث جاء في ذيلها: «قالت فاطمة÷: فإنّ الله رضي بذلك ورسوله رضي ل-ه، وقسّم على الموالاة والمتابعة، لا على المعاداة والمخالفة» (3).

ص: 341


1- 456.وسائل الشيعة 9: 223 ، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة ذيل الحديث 8.
2- 457.وسائل الشيعة 9: 228 ، الباب 7 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 4.
3- 458.مستدرك الوسائل 7: 290 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 10.

وهي واضحة الدلالة، لكنّها ضعيفة السند.

الثاني: أنّ الخمس عوض عن الزكاة، وقد اعتبر في مستحقّها الإيمان بالإجماع فكذلك يعتبر فيما هو عوض عنها.

وقد تقدّمت المناقشة في هذا الوجه، ولكن السيّد الأستاذ(قدس سره) التزم به في المقام، وذكر في وجه ذلك: أنّه يمكن استفادة المطلوب ممّا دلّ على أنّ الله تعالى فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون، ولو علم أنّ الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم(1).

بتقريب عدم احتمال خروج السادة عن حكمة هذا التشريع ليكونوا أسوأ حالاً وأقل نصيباً من غيرهم، وحيث إنّهم ممنوعون عن الزكاة بضرورة الفقه فلا جرم يستكشف بطريق الإن أنّ الخمس المجعول لهم قد شرّع عوضاً وبدلاً عن الزكاة إجلالاً عن أوساخ ما في أيدي النّاس(2).

فالبدليّة تستفاد من الحكمة المذكورة، فيندفع الإشكال الأوّل الذي ذكرناه في البدليّة عن الزكاة، ولكن يبقى الإشكال الثاني على حاله، فإنّ غاية ما يقتضيه بيانه(قدس سره) ثبوت أصل البدليّة في التشريع، وأمّا أنّ من جُعل لهم ذلك هم خصوص المؤمنين من بني هاشم أو الأعم، فلا يدل عليه، فهذا الوجه غير تام أيضاً.

الثالث: بقاعدة الاشتغال، فإنّ مقتضى أصالة الاشتغال هو اعتبار الإيمان.

ص: 342


1- 459.وسائل الشيعة 9: 10، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2 و 3.
2- 460.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 314.

ويضعّف هذا الوجه بأمرين:

الأوّل: إنّه مع وجود إطلاقات الكتاب والسنّة لا تصل النوبة للأصل العملي.

الثاني: إنّ المرجع في هذا القسم من دوران الأمر بين التعيين والتخيير هو أصالة البراءة؛ لأنّه يرجع إلى اعتبار قيد في التكليف، وهو الإيمان وعدمه، كما بُيّن ذلك في الأصول.

الرابع: بما ذكره صاحب الجواهر(قدس سره) من كون الخمس كرامة ومودة لا يستحقّها غير المؤمن المحادد لله(1).

والظاهر تماميّة هذا الوجه، فإنّه قد دلّ على ذلك غير واحد من الأخبار، فمقتضى ذلك مضافاً للإجماع المدعى هو الحكم باعتبار الإيمان.

وأمّا اشتراط الفقر في الأيتام فهو المشهور بين الفقهاء، وعن الشيخ في المبسوط(2) والحلّي في السرائر(3)، وجماعة(4) عدم اعتبار الفقر.

وقد وقع الخلاف في أنّ الموضوع هو اليتيم الذي ليس ل-ه أب سواء كان ل-ه مال أم لم يكن ل-ه مال، أو أنّ الموضوع هو الفقر مجرّداً، وخُصّ اليتيم بالذكر للتأكّد والاهتمام به لشدّة احتياجه غالباً وإليه ذهب المشهور.

ص: 343


1- 461.جواهر الكلام 16: 115.
2- 462.المبسوط 1: 262.
3- 463.السرائر 1: 501.
4- 464.الدروس الشرعيّة 1: 262 ، وظاهر العلّامة في تذكرة الفقهاء 5: 435 المسألة 327.

ويمكن الاستدلال على كون الموضوع هو الأوّل بوجهين:

أحدهما: إطلاق الآية الشريفة.الثاني: بما ورد في صحيحة الريّان: «وأمّا قوله: {وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين}(1) فإنّ اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من الغنائم، ولم يكن ل-ه فيها نصيب، وكذلك المسكين إذا انقطعت مسكنته لم يكن ل-ه نصيب من المغنم ولا يحلّ ل-ه أخذه»(2).

فإنّ الظاهر من جهة المقابلة بين اليتيم والمسكين أنّ الموضوع هو اليتيم دون الفقر.

ويضعّف الوجهين:

أوّلاً: إنّ إحراز الإطلاق من الآية الشريفة مشكل، بل لا يبعد أن يقال: بانصراف اليتيم في العرف إلى الصغير الفاقد للأب المحتاج، الذي لا يقدر بنفسه على تأمين معيشته، وليس ل-ه كفيل يؤمّن ل-ه ذلك.

وثانياً: إنّ المراد بانقطاع يتمه هو ارتفاع فقره، بقرينة قوله(علیه السلام) بعد ذلك: «وسهم ذي القربى قائم إلى يوم القيامة فيهم، للغني والفقير، لأنّه لا أحد أغنى من الله ولا من رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)» (3).

وقد استدل للقول المشهور، وهو اعتبار الفقر في اليتيم بوجوه:

ص: 344


1- 465.سورة الأنفال: 41.
2- 466.وسائل الشيعة 9: 515 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 10.
3- 467.المصدر المتقدم: الحديث نفسه.

أحدها: باعتبار الفقر في الزكاة، وبما أنّ الخمس عوض عنها فيعتبر فيه ما اعتبر فيها.

الثاني: بقاعدة الاشتغال، فإنّه مع إعطاء غير الفقير يشك في براءة الذمّة.

الثالث: بالروايات الواردة في المقام، كمرسل حمّاد: «يقسّم بينهم على الكفاف والسّعة ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل شيء فهو للوالي...»(1).

ومرفوعة أحمد بن محمّد: «فهو يعطيهم على قدر كفايتهم، فإن فضل منهم شيء فهو ل-ه، وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمّه لهم من عنده» (2).

الرابع: بأنّ المستفاد من الروايات أنّ العلّة في تشريع الخمس سدّ حاجة بني هاشم كالزكاة لغير بني هاشم، فإنّها لسدّ حاجتهم، فلا خمس للغني وإن كان هاشمياً، كما لا زكاة ل-ه، فهو خارج موضوعاً.

والظاهر تماميّة هذا الوجه المؤيّد بالروايتين المتقدّمتين، كما هو قول المشهور.

ومن ذلك يظهر اعتبار الحاجة الفعليّة لأبناء السبيل، وكلمة ابن السبيل

ص: 345


1- 468.تهذيب الأحكام 4: 112 ، الحديث 365 ، ووردت في وسائل الشيعة 9: 513 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8 ، ونفس المصدر: 520 ، الباب 3 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 1 مع اختلاف يسير فيهما.
2- 469.تهذيب الأحكام 4: 111 ، الحديث 363 ، ووسائل الشيعة 9: 521 ، الباب 3 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2 مع اختلاف يسير.

ظاهرة بنفسها في ذلك، فإنّه بمعنى المحتاج في سفره الذي ليس ل-ه مأوى يعالج به الوصول إلى وطنه، وابن السبيل ملازم للطريق، ولا يمكنه مفارقته لعجزه عن الوصول إلى وطنه، بلا فرق بين أن يكون فقيراً في بلده أو غنيّاً.

وأمّا المتمكّن من تأمين سفره إلى بلده بنحو لا يضرّ بشأنه، ولو بنحو الاستدانة أو غيرها فلا يعطى من الخمس، ويؤيّد هذا بما ورد في تفسير علي ابن إبراهيم من قول العالم(علیه السلام): «وابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله فيقطع عليهم ويذهب مالهم، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات»(1).

وتفسير ابن السبيل لا يختصّ بالزكاة، بل يعمّ ما في مورد الخمس أيضاً، فلا إشكال في الدلالة، وأمّا من جهة الإرسال فتصلح الرواية للتأييد.

ويدلّ عليه أيضاً مرسل حماد المتقدّم، ومرفوعة أحمد بن محمّد.

ص: 346


1- 470.تفسير القمي: 275 سورة التوبة الآية 6، و تهذيب الأحكام 4: 46، الحديث 129 ، ووسائل الشيعة 9: 211 ، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 7.

ولا فرق بين أن يكون سفره في طاعة أو معصية، ولا يعتبر في المستحقّ العدالة، وإن كان الأوّلى ملاحظة المرجّحات، والأوّلى أن لا يعطي لمرتكبي الكبائر خصوصاً مع التجاهر، بل يقوى عدم الجواز إذا كان في الدفع إعانة على الإثم وسيما إذا كان في المنع الردع عنه، ومستضعف كل فرقة ملحقّ بها[1].

[1] ذكر الماتن(قدس سره) هنا أمرين، وهما مورد للخلاف:

أوّلها: أنّه هل يعتبر في ابن السبيل أن يكون سفره سفر طاعة أو لا يعتبر ذلك؟

الظاهر من جماعة - منهم الماتن(قدس سره) - عدم الاعتبار، وقد اعتبرها في الزكاة.

وعن جماعة منهم السيّد الأصفهاني والسيّد البروجردي والسيّد الحكيم والسيّد الأستاذ الاعتبار(1).

ويمكن الاستدلال للقول الأوّل: بأنّ مقتضى إطلاق الآية الشريفة عدم اعتبار كون السفر في طاعة.

هذا بالإضافة إلى عدم ثبوت بدليّة الخمس عن الزكاة حتى يكونا من وادٍ واحد فكما أنّه يعتبر هناك أن لا يكون السفر في معصية فكذلك يعتبر هنا.

ص: 347


1- 471.انظر العروة الوثقى 4: 305.

وأمّا رواية علي بن إبراهيم في التفسير والتي جاء فيها: «الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله» (1) ، فلا يمكن التمسّك بها لضعفها بالإرسال، وعلى هذا كلّه فلا دليل في البين يقتضي اعتبار هذا الشرط.

و وجه اعتبار أن لا يكون السفر معصية هو أحد وجهين:

إمّا لما يظهر من الأدلّة من كون الخمس إنّما شرّع بالنسبة للأصناف الثلاثة لرفع الحاجة وسدّ الخلّة والإرفاق بهم، ومن المعلوم أن سفر المعصية ليس من الحاجات الشرعيّة، بل هو مبغوض للشارع ومنهي عنه، ولا سيّما إذا كان الإرفاق موجباً للإغراء بالقبيح.

وإمّا لما تقدّم من أنّ المستفاد من الأدلّة: أنّ حكمة تشريع الخمس بالنسبة لهذه الأصناف هي تكريم الأصناف الثلاثة، فالخمس كرامة لهم، والكرامة من الله لمن يطيعه لا لمن يعصيه بهذه الكرامة.

هذا مضافاً إلى أنّه يمكن أن يقال بوجود الدليل على عدم استحقّاق ابن السبيل للخمس وعدم جواز إعطائه منه إذا كان سفره معصية، وهو أنّ الخمس أمر عبادي فلا يمتثل بما هو حرام ومبغوض لله تعالى جزماً.

وذلك لأنّ الإعطاء حينئذٍ إمّا أنّ يكون إعانة على الحرام، فلو قلنا بحرمتها فمن الظاهر حرمة الإعطاء؛ ضرورة أنّ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب، وكذا لو قلنا بعدم حرمة الإعانة واختصاص الحرمة بالتعاون، لكون الإعطاء حينئذٍ مبغوضاً للمولى جلّ شأنه جزماً، فلا يرضى الشارع بأن يقع مثله مصداقاً

ص: 348


1- 472.وسائل الشيعة 211:9 ، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 7.

للخمس الذي هو واجب عبادي.

نعم، إذا تاب فلا مانع حينئذٍ من إعطائه.

ويمكن القول بجواز الإعطاء عند الرجوع إلى وطنه مطلقاً وإن لم يتب، لعدم كون رجوعه إلى أهله معصية، فلا يكون الإعطاء إعانة على إثم. اللهم إلّا أن يصدق عليه عنوان آخر ثانوي كالتشجيع على الإثم والمعصية أو الدلالة على الرضا بفعله.

والظاهر أنّ هذا القول هو الأقوى مضافاً إلى كونه أحوط.

ثانيها: اعتبار العدالة في الأصناف الثلاثة، وهي وإن وقعت محلاًّ للخلاف بين الأعلام في الزكاة، إلّا أنّه لم يُذكر في المقام قول باعتبارها، كما لا يوجد دليل على اعتبارها في المقام، ولذلك نفى الماتن اعتبارها وتبعه المعلّقون على المتن.

هذا، مضافاً إلى لزوم حرمان جلّ الفقراء وأبناء السبيل منه، بل تعطيل إعطاء الخمس لهذه الأصناف لو قيل باعتبارها؛ فإنّ العدالة لو كانت شرطاً لكان من اللازم إحرازها، فمع عدم الاتّصاف بها أو عدم إحرازها يلزم ما ذكرناه، وهو خلاف مقتضى حكمة التشريع من كون الخمس مشرّعاً لسدّ الحاجات ورفع خلّة السادات.

نعم، إذا عُلِم أنّ الفاسق أو المرتكب للكبائر يصرف ما يعطى في المعصية فالأقوى عدم جواز إعطائه منه، وذلك مضافاً إلى أنّه قد يقال: إنّ الإعطاء - والحال هذه - مصداق للإعانة على الإثم، وهو خلاف حكمة التشريع من سدّ

ص: 349

مسألة 2: لا يجب البسط على الأصناف، بل يجوز دفع تمامه إلى أحدهم وكذا لا يجب استيعاب أفراد كل صنف، بل يجوز الاقتصار على واحد، ولو أراد البسط لا يجب التساوي بين الأصناف أو الأفراد [1].

الحاجة والإرفاق بالفقراء من السادة، بل كيف يكون الإعطاء مصداقاً للعبادة مع العلم بأنّه سيصرفه في المعصية.

كما أنّ الأحوط عدم إعطائه لشارب الخمر، ولمن يرتكب ما هو أشدّ منه إثماً كترك الصلاة، والتجاهر بالفسق كما ذهب إليه عدّة من الأعلام منهم المحقّق النائيني والسيّد البروجردي وغيرهما(1).

البسط على أصناف المستحقّين:

[1] تعرّض الماتن(قدس سره) في هذه المسألة لثلاثة أحكام:

أوّلها: عدم لزوم البسط على الأصناف. وثانيها: عدم لزوم استيعاب كل صنف. وثالثها: عدم لزوم التساوي إذا أريد البسط بين الأصناف أو بين الأفراد.

والظاهر عدم الخلاف في الحكمين الأخيرين، فإنّه لا يجب الاستيعاب للأصناف، ولا التساوي بينهم أو بين الأفراد إن أُريد البسط.

إنّما وقع الخلاف في الحكم الأوّل، فالمشهور على عدم لزوم البسط،

ص: 350


1- 473.انظر العروة الوثقى 4: 306.

ونسب الخلاف إلى جماعة منهم الشيخ في المبسوط(1)، وإن عبّر بقوله ينبغي، ومنهم أبو الصلاح الحلبي(2)، وجعله في الشرائع(3) أحوط، وقوّاه في الحدائق(4). وهو مقتضى الأصل. وهو الأصل العملي والأصل اللفظي.

أمّا الأصل العملي، فإنّ البسط على الأصناف يوجب القطع بالفراغ عمّا اشتغلت به الذمّة بخلاف غيره.

وأمّا الأصل اللفظي فهو: إنّ ظاهر الآية الشريفة وإطلاقات الأدلّة التي وردت في تقسيم الخمس إلى ستة أقسام وبمقتضى واو العطف هو أنّ لكل صنف من الأصناف الثلاثة سهم من الخمس، كما هو الحال في النصف الأوّل.

وأمّا عدم لزوم الاستيعاب في كل صنف ورفع اليد عن ظهورها في ذلك فلا يستلزم رفع اليد عن الظهور في الاستيعاب للأصناف الثلاثة.

وأمّا قول المشهور فاستدل عليه بوجوه:

أحدها: بدليّة الخمس عن الزكاة، وحيث إنّه لا يجب البسط في الزكاة على الأصناف الثمانية بمقتضى الأخبار فكذلك في الخمس.

ولكن قد تقدّم تضعيف هذا الوجه غير مرّة.

ص: 351


1- المبسوط 1: 263.
2- 475.الكافي: 171.
3- 476.شرائع الإسلام 1: 136.
4- 477.الحدائق الناضرة 12: 382.

الثاني: إنّ من تلك الأصناف ابن السبيل ولا ريب في قلّة وجوده بالنسبة إلى الصنفين الآخرين، بل قد لا يوجد أحياناً فهو نادر التحقّق. فيلزم من القول بلزوم البسط تعطيل سدس الخمس، أو ادّخاره حتى يوجد موضوعه، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به.

ولكن يمكن الجواب عن هذا الوجه أيضاً: بأنّه إذا صار الأمر كذلك دخل في موضوع عدم الحاجة، فيكون ابن السبيل خارجاً حينئذٍ تخصيصاً من الأصناف، ويختصّ الحكم بسائر الموارد التي تتوفّر فيها الحاجة. وليس معناه عدم لحاظ سهم ل-ه حال وجوده واحتياجه.الثالث: التمسّك بالسيرة العمليّة القائمة على عدم البسط على الأصناف مع كون المسألة مورداً لكثرة الابتلاء فلو كان هناك دليل على لزوم البسط لكان هذا الحكم ظاهراً شائعاً، بل كان من الواضحات ولم تقم السيرة العمليّة المتشرعيّة على خلافه.

ويمكن الخدشة فيه: بأنّ الظاهر من الروايات هو أنّ السيرة العمليّة في زمانهم(علیهم السلام) قائمة على إعطاء المالكين مجموع الخمس إلى الإمام(علیه السلام) أو وكيله، ولازم هذا أنّ السيرة المذكورة حدثت بعد ذلك فلم تكن متصلة بزمان المعصومين(علیهم السلام)، ويكفي في ذلك الشك وعدم إحراز اتصالها بزمانهم(علیهم السلام) فلا تكون حجّة.

الرابع: التمسّك بالأخبار الواردة في المقام:

فمنها: صحيحة البزنطي عن الرضا(علیه السلام) ،... فقيل ل-ه: أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقل من صنف، فكيف نصنع به؟ قال: «ذاك

ص: 352

إلى الإمام ، أرأيت رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) كيف صنع، إنّما كان يعطي على ما يرى هو، كذلك الإمام»(1).

وقد يناقش فيها: بأنّ هذه الصحيحة إنّما تدل على أنّ الخمس كلّه للإمام(علیه السلام) من باب الولاية أو من باب أنّ ل-ه(علیه السلام) الولاية على سائر الأصناف، فلا يقاس بالمالك الذي ليس ل-ه الولاية.

لكنّها مندفعة: بأنّ الظاهر منها بقرينة السؤال والجواب، أنّ الإمام(علیه السلام) كان في مقام بيان الحكم، لا في مقام بيان مقتضى إعمال الولاية.

وأمّا كونها دالّة على أنّ جميع الخمس للإمام(علیه السلام) فقد تقدّم الكلام فيه.

ومنها: ما ورد في ذيل مرسلة حماد: «وجعل للفقراء قرابة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) نصف الخمس» (2).

فإنّها تدلّ على أنّ نصف الخمس قد جعل للأصناف الثلاثة بجامع واحد وهو الفقر، بلا دخل لخصوصيّات الأصناف في الحكم، وأيضاً يظهر من صدرها ذلك حيث قال: «ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته... يقسّم بينهم على الكفاف والسعة ما يستغنون به في سنتهم» ، فإنّ المستفاد منه أنّ الغرض من جعل الخمس وتشريعه هو استغناء جميع الطوائف ولو بأن يعطي المالك خمسه آخر - شخصاً كان أم طائفة - وكذا الثاني، وهكذا حتى

ص: 353


1- 478.تهذيب الأحكام 4: 111 ، الحديث 362 ، وسائل الشيعة 9: 519 ، الباب 2 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 1 مع اختلاف يسير.
2- 479.وسائل الشيعة 513:9 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

يحصل الاستغناء، فالمهم هو حصول الاستغناء.

الخامس: ما ذكره السيّد الأستاذ(قدس سره) من أنّ وجوب البسط على الأصناف الثلاثة يتوقّف على ظهور الآية الشريفة في ملكيّة كلّ صنف من هذه الأصناف، بحيث يكون الطبيعي من كلّ صنف مالكاً لسدس المجموع حتى يجب التوزيع من باب وجوب إيصال المال إلى مالكه، لكن المالك هو الطبيعي الجامع بين هذه الأصناف، والأصناف الثلاثة هي مصارف لذلك الطبيعي بحيث يكون الصرف في كل منها إيصالاً للجامع، وحينئذٍ لا وجه لوجوب البسط على الأصناف.

وهذا المعنى الثاني هو الظاهر من الآية المباركة لقرينتين تمنعان من الأخذ بالأوّل:

إحداهما: أن ابن السبيل من تلك الأصناف، ولا شك في قلّة وجوده بالنسبة إلى الصنفين الآخرين، بل قد لا يوجد ل-ه مصداق أحياناً، فعلى القول بملكيّة الأصناف إمّا أن يدّخر ل-ه إلى أن يوجد، وهو كما ترى، وإمّا أن يعطى الصنفان الآخران بدله، وهو إعطاء لملك شخصٍ لآخر، وهو غير صحيح، بخلاف ما إذا كان ابن السبيل مصرفاً وكان المالك هو الجامع، فإنّ الإعطاء للآخرين يكون على القاعدة.

وثانيتهما: وهي أوضح وأقوى: أنّ الآية المباركة دالّة على الاستغراق لجميع أفراد اليتامى والمساكين بمقتضى الجمع المحلّى باللام المفيد للعموم.

وعليه فكيف يمكن الالتزام باستغراق البسط لآحاد الأفراد من تلك الأصناف بحيث لو قسّم على بعض دون بعض يضمن للآخرين، فإنّ هذا

ص: 354

مقطوع العدم ومخالف للسيرة القطعيّة القائمة على الاقتصار على يتامى البلد ومساكينهم، بل وقع الكلام في جواز النقل وعدمه مع الضمان أو بدونه. وأمّا جواز الصرف في خصوص البلد فممّا لا إشكال فيه، وقد جرت عليه السيرة،ومن البديهي أنّ كلمة اليتامى لا يراد بها يتامى البلد فقط، فهذه قرينة قطعيّة على عدم إرادة الملك وأنّ الموارد الثلاثة مصارف محضة... فالمالك إنّما هو هذا الجامع الكلّي القابل للانطباق على كل فرد فرد(1).

والظاهر أنّ الوجهين - وإن كانا قابلين للمناقشة ، ولا يستلزمان عدم الملكيّة بالنسبة للأصناف الثلاثة عقلاً - يصلحان للقرينيّة لصرف ظهور الآية المباركة عن الملكيّة عرفاً؛ فإنّه يقال: مع لحاظ هذين الوجهين يكون المستفاد من الآية في نظر العرف وفهمهم أنّ الأصناف مصارف لنفس الخمس من جهة كونهم فقراء، كما أنّ النصف الآخر يعطى للإمام(علیه السلام) من جهة الولاية، وهذا هو المؤيّد بفهم الفقهاء وجرت عليه سيرة المتشرعّة.

ص: 355


1- 480.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 317 - 318.

مسألة 3: مستحقّ الخمس من انتسب إلى هاشم بالأُبوّة، فإن انتسب إليه بالأُم لم يحلّ ل-ه الخمس وتحل ل-ه الزكاة، ولا فرق بين أن يكون علويّاً أو عقيليّاً أو عبّاسيّاً، وينبغي تقديم الأتم علقة بالنبي(صلی الله علیه و آله و سلم) على غيره أو توفيره كالفاطميين [1].

المراد من السادة المستحقّين للخمس:

[1] تعرّض الماتن(قدس سره) في هذه المسألة لحكمين:

أوّلهما: أنّ مستحقّ الخمس هو من انتسب إلى هاشم بالأب دون الأم.

وثانيهما: أنّ هذا الحكم عام لمطلق من انتسب لهاشم من طرف الأب، سواء كان علويّاً، أو عقيليّاً أو عبّاسيّاً.

أمّا الحكم الأوّل: فهو المشهور، بل المتسالم عليه بين الأصحاب.

ونسب إلى السيد المرتضى استحقّاق المنتسب إلى هاشم من قبل الأُم أيضاً، واختاره المحدّث البحراني في الحدائق(1)، بل أصرّ عليه، ولا يخفى أنّ ما نسب إلى السيد المرتضى(قدس سره) من عموم الاستحقّاق للمنتسب إلى هاشم من طرف الأُم غير ثابت، حيث إنّه استدل في مقام صدق الولديّة على ولد البنت وعدم اختصاصها بولد الابن بالآيات والروايات، وانتهى إلى أنّه يجري عليه أحكام الأوّلاد من المناكح والمواريث وغيرهما، ولم يكن كلامه في

ص: 356


1- 481.الحدائق الناضرة 12: 390 - 391.

خصوص الخمس، ومن المعلوم عدم التلازم بينهما، وبيان ذلك:

إنّه ورد في كثير من الروايات التعبير عن الأصناف الثلاثة بيتامى آل الرسول(علیهم السلام)، والمساكين منهم وأبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم(1) ، وفي بعضها: فاليتامى والمساكين لنا خاصّة، وفي بعضها: أهل بيت الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) وقرابته، وفي بعضها الآخر كونهم من آل محمّد، وفي أُخرى ليتامانا ومساكيننا، وما أشبهها من التعابير(2) ، وهي قابلة للانطباق على الأعم من المنتسبين بالأب أو بالأُم، فلو لم يكن بأيدينا سوى هذه الروايات لكان التعميم هو الصواب؛ إلّا أنّه وردت في المقام روايات أخر تدلّ على التفصيل، وبمقتضاها لابد من رفع اليد عن تلكم الإطلاقات.

فمنها ما ورد من حرمة الزكاة عليهم(3) وما ورد من أنّه يجوز زكاة بعضهم على بعض(4) وجواز أخذهم الزكاة مع الضرورة(5) فإنّ المأخوذ في موضوع هذه الأحكام هو عنوان الهاشمي وبني هاشم وبني عبد المطلب، مثل ما رواه زرارة في المعتبر عن أبي عبد الله(علیه السلام) - في حديث - قال: «إنّه لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلّبي إلى صدقة، إنّ الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم» (6) وغيرها كثير.

ص: 357


1- 482.وسائل الشيعة 9: 510 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2.
2- 483.وسائل الشيعة 9: 509 الباب 1 من أبواب قسمة الخمس.
3- 484.وسائل الشيعة 9: 271 الباب 30 من أبواب المستحقّين للزكاة.
4- 485.وسائل الشيعة 9: 273 الباب 32 من أبواب المستحقّين للزكاة.
5- 486.وسائل الشيعة 9: 276 الباب 33 من أبواب المستحقّين للزكاة.
6- 487.تهذيب الأحكام 4: 54 الحديث 159 ، والاستبصار 2: 48 الحديث 111، وسائل الشيعة 9: 276 ، الباب 33 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

ومن المعلوم أنّ الانتساب إنّما يصدق عرفاً إذا كان من طرف الأب دون ما إذا كان من طرف الّام، فلا يقال تميمي لمن كانت أُمه من بني تميم دون الأب، ولا عربي لمن أُمّه عربية وأبوه غير عربي، وهكذا.

بل ورد في المقام ما يدلّ على اختصاص الاستحقّاق بمن كان أبوه منتسباً لهاشم، وهي مرسلة حمّاد، فقد جاء فيها: «ومن كانت أُمّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ ل-ه وليس ل-ه من الخمس شيء» (1) ، وهي صريحة الدلالة إلّا أنّ الإشكال في سندها فإنّها مرسلة.ولكن قد يقال باعتبارها لكون حمّاد من أصحاب الإجماع الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم، فروايته محكومة بالصحّة أو لعمل المشهور بها وهو جابر لضعف السند(2).

أو لكون حمّاد متورّعاً في روايته بحيث قال عنه الشيخ النجاشي: وبلغ من صدقه أنّه روى عن جعفر بن محمّد وروى عن عبد الله بن المغيرة، وعبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله(علیه السلام) ، ل-ه كتاب الزكاة أكثره عن حريز، ويسير عن الرجال(3)، ورواياته عن حريز في الكتب الأربعة تقارب نصف مروياته،

ص: 358


1- 488.وسائل الشيعة 513:9 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.
2- 489.هذا الوجه لا يفيد في تصحيح الرواية بناء على أن فإنّ جبر ضعف السند إنّما يعتبر إذا كان توثيقاً عمليّاً للراوي مجهول الحال، وهنا لما سقطت الواسطة انتفى التوثيق العملي من المشهور. نعم يتم بناءً على الاقتصار على المتيقّن من الإجماع وهو حصّة رواياتهم ووثاقتهم [م.ع].
3- 490.رجال النجاشي: 142 / 370 والظاهر أنّ يسير بمعنى قليل عن الرجال في مقابل الأكثر عن حريز ، فلم يكن يسير اسم شخص.

فيمكن التعويل على هذا الوجه إذا ثبت أنّ جميع من روى عنهم ثقات، وإلّا لم يصلح إلّا للتأييد.

والحاصل: أنّ هذا الحكم مورد للتسالم بين الفقهاء، ولو قيل بكفاية الانتساب عن طريق الأُم للزم أن يكون أكثر النّاس مستحقّين للخمس، لكفاية تحقّق الانتساب بالاُم ولو بعشرين واسطة، وهو مشكل كما هو واضح.

وأمّا الحكم الثاني: وهو عموم الحكم لمطلق من انتسب إلى هاشم من طرف الأب - سواء كان علوياًّ أم عقيليّاً أم عباسيّاً أم غيرهم - فقد ذكر في التاريخ انحصار ولد هاشم في بني عبد المطّلب وإن كانوا عشرة أو أحد عشر: أبو طالب(علیه السلام) ، العباس، الحارث، أبو لهب، فأبناؤهم داخلون في عنوان بني هاشم أو بني عبد المطلب، للنصوص الكثيرة الدالّة على أنّ المستحقّ هو مطلق الهاشمي من دون تقييد بالعلوي.

وأمّا ما ورد من حصر استحقّاق الخمس في آل محمّد(علیهم السلام) وأهل بيته(صلی الله علیه و آله و سلم) أو لفاطمة وأهل بيتها فيحمل على إرادة الاهتمام بشأنهم أو للتغليب باعتبار أنّهم هم السبب في تشريع الخمس، وهم السبب الأصل في التشريف والتكريم.

نعم ورد في الدروس وكشف الغطاء تفضيل الفاطميين على غيرهم، وكذلك الطالبيين على من سواهم(1). فكل من كانت علقته الرحميّة بالأئمة(علیهم السلام) أكثر كان أولى من غيره، ولذا يقال بتقديم الرضوي على الموسوي وهو على الحسيني، والحسيني على الحسني زادهم الله شرفاً وعزّاً.

ص: 359


1- 491.الدروس الشرعيّة 1: 262، وكشف الغطاء: 4: 211.

مسألة 4: لا يصدّق مَن ادّعى النسب إلاّ بالبيّنة أو الشياع المفيد للعلم ويكفي الشياع والاشتهار في بلده، نعم يمكن الاحتيال في الدفع إلى مجهول الحال بعد معرفة عدالته بالتوكيل على الإيصال إلى مستحقّه على وجه يندرج فيه الأخذ لنفسه أيضاً، ولكن الأوّلى بل الأحوط عدم الاحتيال المذكور [1].

دعوى الانتساب إلى هاشم:

[1] تعرّض الماتن(قدس سره) في هذه المسألة لأمرين:

الأوّل: بيان طرق إثبات النسب وحكم تصديق مدّعيه.

الثاني: بيان الاحتيال الذي ذكره صاحب الجواهر(قدس سره) لبراءة الذمّة من إعطاء مجهول الحال العادل.

أمّا الأمر الأوّل: فقد ذكر أنّ دعوى الانتساب تحتاج كغيرها من الدعاوى إلى ثبوت شرعي، إمّا بالعلم كالشياع المفيد للعلم أو بالاطمئنان بصدق دعواه وإن كان ناشئاً من اشتهار ذلك في بلده أو بالتعبّد كما إذا قامت البيّنة على ذلك.

وذلك لأنّ مقتضى الأصل هو الاشتغال وعدم براءة ذمّة المالك من الخمس إلّا بالإخراج، ولا يكون الفراغ إلّا بالإيصال إلى المستحقّ الثابت النسب بأحد الطرق المذكورة، وإلّا لكان واضعاً ل-ه في غير موضعه فلا تبرأ ذمّته منه.

ص: 360

وأمّا مجرد دعوى الانتساب فلا تصدّق ولا يثبت النسب بمجردها، خلافاً لكاشف الغطاء حيث إنّه حكم بالاكتفاء بمجرد دعواه ذلك كما في مدّعي الفقر(1).

وناقشه السيّد الأستاذ بالفرق بين الموردين حيث إنّ دعوى الفقر معتضدة بالأصل وهو استصحاب عدم الغنى الذي هو أمر حادث مسبوق بالعدم، بخلاف النسب فإنّ مقتضى الأصل الأزلي عدم الانتساب إلى هاشم فدعوى الانتساب مخالفة للأصل، ولايعارض هذا الأصل بأصالة عدم الانتساب إلى غير هاشم، لعدم الأثر لها؛ فإنّ موضوع الزكاة هو من لم ينتسب إلى هاشم لا المنتسب إلى غير هاشم(2).

ويمكن توجيه كلام الشيخ كاشف الغطاء(قدس سره): بأنّ مدعي النسب بما أنّه أخبر بحال نسبه فهو أعلم به، لكونه من الأُمور التي لا تعرف إلّا من قبله أو لا أقل من أنّه أعرف به كالفقر وأمثاله، فإنّه قد قامت السيرة العقلائيّة على الاعتماد على قول مدّعي مثل هذه الأُمور إذا كان على ظاهر العدالة والثقة ولم يُعلم أنّ دعواه كانت مبنيّة على الحدس والاجتهاد.

وقد دلّت على ذلك مرسلة يونس عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «... خمسة أشياء يجب على النّاس أن يأخذوا فيها بظاهر الحكم(3): الولايات، والتناكح، والمواريث، والذبايح، والشهادات، فإذا كان ظاهره ظاهراً

ص: 361


1- 492.كشف الغطاء 4: 211.
2- 493.المستند في شرح العروة الوثقى ، كتاب الخمس: 325.
3- 494.في رواية الاستبصار: بظاهر الحال.

مأموناً جازت شهادته ولا يسأل عن باطنه» (1).

وفي من لا يحضره الفقيه: ذكر الأنساب ولم يذكر المواريث (2).

والرواية وإن عُبر عنها بالمرسلة إلّا أنّ الظاهر من نقل الصدوق لها بإسناده عن يونس أنّها مأخوذة من كتبه، فتدخل تحت شهادة ابن الوليد بأنّ كتب يونس معتبرة معمول بها.

هذا، مضافاً إلى أنّ يونس من أصحاب الإجماع، فلا بأس بالاستدلال بها في المقام، والحكم بأنّ مدّعي النسب مُصَدّق بالشرطين المتقدّمين من كونه على ظاهر العدالة والثقة، واحتمال أن تكون دعواه مبنيّة على الحس كالاطلاع من آبائه وأجداده وأقاربه.

وأمّا الأمر الثاني: وهو الاحتيال المذكور في الجواهر للتخلّص من الإشكال فهو عبارة عن توكيل الغير مع الشرط بإيصال الخمس إلى مستحقّه وهو الهاشمي الفقير على وجه يندرج فيه الأخذ لنفس الوكيل لو كان هاشميّاً واقعاً، وهذا كافٍ في براءة ذمّة الموكّل، لأنّ المدار في سقوط التكليف وتحقّق الأداء خارجاً على علم الوكيل لا الموكّل، ما لم يعلم بالخلاف.

ثم أضاف صاحب الجواهر قوله: لكن الإنصاف أنّه لا يخلو عن تأمّل

ص: 362


1- الكافي 7: 471 كتاب القضاء والأحكام الباب 269، الحديث 15، وتهذيب الأحكام 6: 246، الحديث 781 مع اختلاف يسير، والاستبصار 3: 26، الحديث 35 مع اختلاف يسير، وسائل الشيعة 27: 289 ، الباب 22 من أبواب كيفيّة الحكم، وأحكام الدعوى، الحديث 1.
2- 496.من لا يحضره الفقيه 3: 16، الحديث 3247.

أيضاً(1).

وقد استشكل غير واحد في هذه الحيلة منهم السيّد الأستاذ(قدس سره) ، وحاصل الاستشكال: أنّ التوكيل أمر طريقي في إيصال الحقّ إلى أهله، فإذا علم كيفيّة الإعطاء، وكان يشكّ في صحّة عمل المعطي فلا أثر لعلمه في تصحيح العمل بالنسبة إلى الموكّل المكلّف بإيصال الحقّ إلى مستحقّيه، وهذا تماماً كما إذا أعطى مباشرة لمن يشكّ في استحقّاقه، فإنّه لا يجزي؛ لأنّ الشك في الاستحقّاق يستتبع الشك في فراغ الذمّة، فكذلك إذا صدر الإعطاء عن وكيله، وإن كان الوكيل يرى الاستحقّاق لنفسه أو لغيره(2)، فتأمّل صاحب الجواهر في محلّه.

ص: 363


1- 497.جواهر الكلام 16: 106.
2- 498.المستند في شرح العروة الوثقى ، كتاب الخمس: 327.

مسألة 5: في جواز دفع الخمس إلى من يجب عليه نفقته إشكال خصوصاً في الزوجة فالأحوط عدم دفع خمسه إليهم بمعنى الإنفاق عليهم محتسباً ممّا عليه من الخمس، أمّا دفعه إليهم لغير النفقة الواجبة ممّا يحتاجون إليه ممّا لا يكون واجباً عليه كنفقة من يعولون ونحو ذلك فلا بأس به، كما لا بأس بدفع خمس غيره إليهم ولو للإنفاق مع فقره حتى الزوجة إذا لم يقدر على إنفاقها[1].

دفع الخمس إلى واجبي النقفة:

[1] في المسألة صور:

فإنّ من تجب نفقته تارة زوجة وأُخرى غيرها من الأوّلاد والأب والأم والمماليك.

كما أنّ الإعطاء تارة يحسب إنفاقاً وأُخرى يحسب في غير الإنفاق كما في جهة زياراتهم أو أضيافهم أو نفقات من يعولون كزوجة الابن، وأمثال ذلك.

والمعطى تارة يكون غنيّاً وقادراً على الإنفاق، وأُخرى فقيراً لا يقدر على الإنفاق.

والخمس تارة يكون واجباً على المعطي ومتعلّقاً بماله وأُخرى واجباً على

ص: 364

غيره، وهو واسطة في الإيصال إلى المستحقّين.

وقد حكم الماتن(قدس سره) بجواز الإعطاء في أكثر هذه الصور، وهي:

ما إذا كان الإعطاء لا بمعنى الإنفاق، بلا فرق بين كون الخمس ل-ه أو لغيره، وسواء كان المعطى غنيّاً أم فقيراً، وسواء كان من تجب نفقته الزوجة أم غيرها.

وإذا كان المعطي فقيراً لا يقدر على الإنفاق فيجوز إعطاء خمس الغير إليه.

وأمّا إذا كان الخمس لنفسه فحكم بالمنع عن إعطاء الخمس إلى من تجب نفقته عليه، سواء كان غنيّاً أم فقيراً، بلا فرق بين الزوجة وغيرها.

والظاهر أنّ ما ذكره هو المشهور بين المتأخرين، ولكن فصّل السيّد البروجردي(قدس سره) بين الزوجة وغيرها فقال: إنّ الأقوى جواز دفعه إلى غير الزوجة منهم على نحو التمليك دون الإطعام والإكساء، ولو كان للإنفاقات التي تجب عليه لولا دفعه إليهم(1).

والظاهر أنّ الوجه في ذلك أنّ وجوب الإنفاق على غير الزوجة مشروط بالفقر، ومع تمليكهم الخمس يرتفع موضوع وجوب الإنفاق.

وعلى كل تقدير يمكن الاستدلال على أصل المنع بوجهين:

الأوّل: أنّ الخمس بدل عن الزكاة، ومقتضى البدليّة التساوي في الأحكام

ص: 365


1- 499.انظر العروة الوثقى 4: 307.

غير ما خرج بالدليل، وقد ثبت في الزكاة عدم جواز إعطائها لواجب النفقة، فكذلك في الخمس.

وقد تقدّم تضعيف هذا الوجه غير مرّة.

الثاني: عموم التعليل الوارد في الزكاة ففي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً: الأب والأم والولد والمملوك والمرأة، وذلك أنّهم عياله لازمون له» (1).

ويؤيّدها مرفوعة عبد الله بن الصلت عن عدّة من أصحابنا يرفعونه إلى أبي عبد الله(علیه السلام) أنّه قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة: الولد والوالدان والمرأة والمملوك، لأنّه يجبر على النفقة عليهم» (2).

فالتعليل يفيد أنّهم لازمون للمالك وهو مجبور على الإنفاق عليهم، فكأنّهم المالك وهم بمنزلته فإعطاؤهم الزكاة كأنّه إخراج من كيس ل-ه ووضعها في كيس آخر ل-ه. وهذه العلّة لا تختصّ بالزكاة بل تجري في الخمس أيضاً، كما أنّه لا فرق في ذلك بين الزوجة وغيرها.

وما ورد في بعض الروايات من جواز إعطائهم كموثّقة إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): رجل ل-ه ثمانمائة درهم ولابن ل-ه مائتا درهم،

ص: 366


1- 500.الكافي 3: 542 كتاب الزكاة باب تفضيل القرابة في الزكاة ، الحديث 6، وتهذيب الأحكام 4: 51 ، الحديث 150، والاستبصار 2: 45 ، الحديث 101، وسائل الشيعة 9: 240 ، الباب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.
2- 501.علل الشرائع 2: 371 الباب 94 ، الحديث 1 ، والخصال 1: 318 باب الخمسة، الحديث 45 مع اختلاف يسير ، ووسائل الشيعة 9: 241 ، الباب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 4.

مسألة 6: لا يجوز دفع الزائد عن مؤونة السنة لمستحقّ واحد ولو دفعة على الأحوط [1].

وله عشر من العيال، وهو يقوتهم فيها قوتاً شديداً، وليس ل-ه حرفة بيده وإنّما يستبضعها فتغيب عنه الأشهر ثم يأكل من فضلها، أترى ل-ه إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يسبغ عليهم بها النفقة؟ قال: «نعم، ولكن يخرج منها الشيء الدرهم»(1) ، فهي محمولة على صور الجواز من إرادة التوسعة وغيرها لا أنّها بعنوان الإنفاق.

دفع الزائد عن مؤونة السنة لمستحقّ واحد:

[1] لا إشكال في جواز إعطاء المستحقّ بمقدار مؤنة السنة، بمعنى ما يكفيه بحسب شأنه من بيت ومركوب وخادم وغير ذلك، لا خصوص سدّ الرمق، وقد ورد أنّه يعطى الفقير من الزكاة حتى يستغني أو يحجّ به أو يشتري به الخادم أو يوسّع على عياله.

ولكن هل يجوز إعطاؤه الزائد على ذلك أو لا؟

اختار الماتن عدم الجواز، وهو المشهور بين المتأخرين، كما عن الدروس والمسالك وقوّاه في الجواهر، بل قال: لا أجد فيه خلافاً(2).

ص: 367


1- 502.الكافي 3: 522 كتاب الزكاة باب من يحلّ له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحلّ، الحديث 8، ووسائل الشيعة 9: 242 ، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.
2- 503.الدروس الشرعيّة 1: 262 ، ومسالك الأفهام 1: 471 ، وجواهر الكلام 16: 109.

وإن نسب إلى المناهل(1) تقوية جواز الإعطاء فوق الكفاية، ولا يفرق في عدم جواز إعطاء الزائد بين الدفعة والدفعات.

أمّا على الدفعات فواضح، حيث قلنا باعتبار الفقر في المستحقّ حال الأخذ، والإعطاء بالوجوه المتقدّمة، فإذا أعطى بمقدار مؤونة سنته في الدفعة الأُولى صار غنيّاً وخرج عن موضوع الخمس فالإعطاء في الدفعة الثانية يكون من الإعطاء للغني لا للفقير.

وأمّا على الدفعة، فلأنّه إذا أُعطي زائداً على مؤونة سنته كان ما أخذه وتملّكه بمقدار مؤونة سنته موجباً لغناه فيخرج عن موضوع الخمس به فلا يحقّ ل-ه الأخذ وتملّك الزائد، والغنى وإن حصل مقارناً للإعطاء والأخذ إلّا أنّه لا يعتبر فيه أن لا يكون سابقاً على الأخذ، بل المعتبر عدم الغنى حين الأخذ، ويؤيّد ذلك ما ورد في مرسلتي حمّاد وأحمد بن محمّد من أنّ الوالي يقسّم بينهم على الكفاف والسّعة ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شيء فهو ل-ه، فالظاهر تماميّة دلالتهما، وأنّ الفاضل عن مؤونة السنة يرجع إلى بيت المال، وإن استشكل فيها الشيخ الانصاري بأنّه يحتمل أن يكون هذا الحكم مختصّاً بالإمام(علیه السلام) إذا كان مبسوط اليد واجتمعت الأخماس عنده، فلعلّه(علیه السلام) يقتصر على الكفاية لئلاّ يحصل الإعواز ويدخل النقص على بعض المستحقّين فيكون إعطاء الزائد لبعضهم حيفاً على الآخرين(2).

ولكنّ الظاهر أنّ الإمام(علیه السلام) كان في مقام بيان الحكم الواقعي، وأنّه لا

ص: 368


1- 504.ذكره الشيخ الانصاري في كتاب الخمس: 344.
2- 505.كتاب الخمس: 343.

مسألة 7: النصف من الخمس الذي للإمام(علیه السلام) أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه وهو المجتهد الجامع للشرائط فلابد من الإيصال إليه أو الدفع إلى المستحقّين بإذنه [1].

يجب البسط، إلّا أنّه يعطيهم بمقدار الحاجة ومؤونة السنة لا زائداً على ذلك.

تعين الوظيفة بالنسبة إلى سهم الإمام(علیه السلام):

[1] في هذه المسألة أحكام:

الحكم الأوّل: إنّ الظاهر عدم الإشكال في وجوب إيصال الخمس بأجمعه إلى الإمام(علیه السلام) حال حضوره على ما يظهر من النصوص والفتاوى، وإنّما الكلام في حال الغيبة، فقد وقع الخلاف فيه بين الأصحاب قديماً وحديثاً لعدم وجود نصّ خاص في المقام، ولبنائهم على مقتضى القواعد، والاحتياط.

وقد ذكر المحدّث البحراني(قدس سره) (1) أربعة عشر قولاً:

منها: عزله والوصية به من ثقة إلى آخر إلى وقت ظهوره(علیه السلام) وقد ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة. وهذا القول وإن كان على مقتضى القاعدة من وجوب حفظ مال المنوب عنه، إلّا أنّه مخصوص بما إذا كانت الغيبة قصيرة، وأمّا إذا كانت طويلة كما هو واقع الحال فهو بلا وجه، وموجب لتضييع المال، وإتلافه، والتفريط فيه، ولا سيّما بالنسبة إلى الأوراق النقديّة كما في زماننا.

ص: 369


1- 506.الحدائق الناضرة 12: 437 - 444.

ومنها: صرفه في بقيّة الأصناف، أو في فقراء الشيعة.

وهو بلا وجهٍ، إذ تقسيم ما ينقص عن الأصناف الثلاثة عند الإعواز لعلّه مختصّ بزمان حضوره وبسط يده، وما ورد من أنّه «من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا...» (1) أو «من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي شيعتنا يكتب ل-ه ثواب صلتنا» (2). أو قوله(علیه السلام): «فمن عجز ولم يقدر إلّا على اليسير من المال فليدفع ذلك إلى الضّعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمّة، فمن لم يقدر (على ذلك فلشيعتهم) ممّن لا يأكل بهم النّاس ولا يريد بهم إلّا الله...» (3).

فهي روايات ضعيفة(4) ، ولعلّ موردها غير الخمس من سائر الخيرات(5).

نعم يبقى قولان مشهوران عند المتأخرين، وهما العمدة:

ص: 370


1- 507.تهذيب الأحكام 4: 97 ، الحديث 323 ، ووسائل الشيعة 9: 475 ، الباب 50 من أبواب الصدقة، الحديث 1.
2- 508.من لا يحضره الفقيه 2: 73 ، الحديث 1767 ، ووسائل الشيعة 9: 476 ، الباب 50 من أبواب الصدقة، الحديث 3 مع اختلاف يسير.
3- 509.وسائل الشيعة 9: 553 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 21.
4- 510.أقول: يمكن التنظّر في الرواية الثانية، فإنّ الصدوق(قدس سره) نقلها عن الإمام الصادق(علیه السلام) بنحو الجزم [م.ع].
5- 511.قد يقال به في غير الرواية الثالثة، فإنّ قوله(علیه السلام): «فمن عجز ولم يقدر...الخ» متفرّع عن قوله: «وإخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من النّاس حتى يرفعه (يدفعه) إلى ولي المؤمنين وأميرهم، ومن بعده من الأئمّة من ولده» ، وهو ظاهر في إرادة الخمس لا غيره من الخيرات [م.ع].

القول الأوّل: ما قوّاه في الجواهر ومصباح الفقيه من أنّ النصف يصرف في الأصناف الثلاثة، وأمّا النصف الآخر وهو سهم الإمام(علیه السلام) فيجري عليه حكم مجهول المالك فيتصدّق به عنه(علیه السلام) نظراً إلى أنّ المناط في جواز التصدّق بالمال عن مالكه ليس هو الجهل بالمالك، بل المناط هو عدم إمكان إيصاله إليه، سواء أعلم به أم جهل، كما هو مورد بعض نصوصه، منها: رواية يونس الواردة في الرفيق في طريق مكة(1) من التصدّق عنه لمجرد الجهل بمكانه مع أنّه عارف بشخصه، فيكون التصدّق عنه حينئذٍ نوعاً من الإيصال إليه، فإنّه وإن لم يصل إليه عين المال إلّا أنّه وصل إليه ثواب التصدّق به.

وسهم الإمام(علیه السلام) كذلك، حيث إنّه(علیه السلام) وإن كان معلوماً عنواناً ويعرف باسمه ونسبه لكنّه مجهول بشخصه ومكانه، فلا يعرفه المكلّف وإن رآه فضلاً عمّا إذا لم يره، فلا يمكنه إيصال المال إليه فيتصدّق به عنه(علیه السلام) على بني هاشم وغيرهم.

القول الثاني: أن يصرف في موارد يحرز فيها رضا الإمام(علیه السلام) قطعاً أو اطمئناناً بحيث كان الصرف في تلك الجهة مرضيّاً عنده، كالمصالح العامّة، وما فيه تشييد قوائم الدين ودعائم الشرع المبين، وبثّ أحكام سيد المرسلين وآله الهداة المهديين(علیهم السلام).

ومقتضى القاعدة هو وجوب صرف أموال المنوب عنه في مثل هذه الموارد، فإنّه إذا كان لشخص مال عند آخر، وهذا الثاني لا يمكنه إيصال

ص: 371


1- 512.تهذيب الأحكام 6: 344، الحديث 1189، ووسائل الشيعة 25: 450 الباب 7 من كتاب اللقطة الحديث 2.

المال لصاحب المال، وكان أهل بيت صاحب المال فقراء أو كانت ل-ه دار تشرف على الخراب، فإنّ مَن عنده المال يعلم بأنّ صاحبه يرضى بصرفه في حفظ أهله أو إصلاح داره، وحينئذٍ لا تصل النّوبة إلى جواز التصدّق عنه، وهو بمنزلة إيصال عين المال إليه بخلاف التصدّق، فإنّه إيصال للثواب إليه فقط، فمع التمكّن من الصرف فيما يرضاه المالك لم يدل دليل على جواز التصرّف في التصدّق، وليس لدليل التصدّق إطلاق يشمل المقام، بل لا يجوز ذلك، والمتصدّق غير معذور، لعدم الإذن من المالك المجهول ولا من وليّه وهو الإمام(علیه السلام) ، فإنّه لم يأذن بذلك، لما عرفت من عدم إطلاق دليل الصدقة.

والمقام من هذا القبيل، فإنّ القطع أو الاطمئنان برضا الإمام(علیه السلام) حاصل بالصرف فيما يوجب حفظ الدين وإعلاء كلمته وترويج الشريعة المقدّسة، فإنّها تقع في المرتبة الأولى في الأهميّة عنده(علیه السلام) بلا ريب، حيث بذل الأئمة(علیهم السلام) مهجهم الشريفة في هذا السبيل.

ثم إذا زاد عن ذلك صُرف في مصالح أقاربه من السادة الفقراء لسدّ حوائجهم إذا لم يكفهم سهمهم، كما كان الأئمة يفعلون في حال حضورهم، ثم الصرف على مطلق الفقراء المؤمنين، والمصالح العامّة كبناء المساجد وغيرها.

وهذا القول هو المشهور بين الفقهاء والمعتمد عليه في الفتاوى، والظاهر عدم الإشكال في ذلك بينهم.

وأمّا القول الأوّل وهو التصدّق عنه(علیه السلام) بسهمه، فهو وإن كان وجيهاً في

ص: 372

الجملة، فإنّ ما لا يمكن فيه الإيصال يتصدّق به، وهو نوع من الإيصال، إلّا أنّه لا إطلاق لدليل التصدّق - كما قدّمنا - ليشمل صورة وجود مصرف يحرز رضا المالك بالصرف فيه.

وأمّا رواية يونس المتضمّنة للتصدّق عمّن لم يمكن الإيصال إليه فهي:

أوّلاً: قضيّة في واقعة.

وثانياً: هي منصرفة عن هذه الصورة بالضرورة.الحكم الثاني: اعتبار الرجوع في سهم الإمام(علیه السلام) إلى الحاكم الشرعي وهو المجتهد الجامع للشرائط بالإيصال إليه أو الدفع إلى المستحقّين بإذنه، وقد ذهب إلى ذلك المحقّق والعلاّمة والشهيدان، بل الأكثر (قدّست أسرارهم) ونسب إلى بعضهم كالشيخ المفيد(قدس سره) عدم الاعتبار.

واستدل للقول المشهور بوجهين:

أحدهما: أنّ ذلك هو مقتضى القاعدة، فإنّه بناء على تعلّق الخمس بالعين على نحو الإشاعة، والكلّي في المعيّن أو على نحو الشركة في الماليّة فإنّه ليس للشريك حقّ التعيين والفرز إلّا مع إذن الشريك الآخر، وشريك مالك المال هو النائب في عصر الغيبة حيث إنّ ل-ه الولاية - لكونه نائباً من قبله(علیه السلام) - أو أنّ ل-ه حقّ التولي على مال الغائب، وبقيّة الأمور الحسبيّة التي منها التولي على أموال القصّر والغائبين، فعليه لابدّ من الاستئذان منه.

الثاني: إنّ مقتضى القطع أو الاطمئنان برضا الإمام(علیه السلام) بالصرف في مورد هو تسويغ الصرف فيه بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي إلّا أنّ

ص: 373

إحراز ذلك مشكل مع احتمال أن يكون الصرف منوطاً بإذن نائب الإمام(علیه السلام) في عصر الغيبة كما كان منوطاً بإذن نفس الإمام في عصر الحضور، وهذا الاحتمال لا دافع ل-ه، وهو كافٍ في القول بلزوم الاستئذان منه عقلاً، للزوم الاقتصار في الخروج عن حرمة التصرّف في مال الغير على المقدار المتيقّن من إذنه ومورد رضاه، والزائد على ذلك بلا إذنٍ فهو مورد للشك ومقتضى الأصل عدمه، فالاستجازة مطابقة للأصل العملي، وبيان ذلك: إنّ منشأ الشك إمّا أن يكون الترديد في تماميّة أدلّة ولاية الفقيه، وله وجه، وقد ذكره المحقّق الهمداني(قدس سره) ، وحاصل ما ذكره: أنّه إذا قلنا باقتضاء عمومات النصب قيام الحاكم مقام الإمام(علیه السلام) فيما يُرجع إليه ولو فيما يتعلّق به(علیه السلام) من جمع أمواله من الخمس والأنفال ونحوهما وصرفها في موردها كما يظهر بالتدبّر في التوقيع المروي في إرجاع عوام الشيعة إلى الفقيه المتمسّك برواياتهم مقامه يكون الفقيه بمنزلة الإمام(علیه السلام) فيما يرجع إليه حتى في ضبط أمواله، حيث إنّه المنصوب من قبله(علیه السلام) وحكمه حكم الوكلاء في زمان حضوره، فلابد من الرجوع إليه في الاستجازة في الصرف.

وإذا شُكّ في ذلك فيكفي في المقام الشك، لأنّ جواز التصدّق أو الصرف موقوف على إحراز رضا الإمام(علیه السلام) بذلك ، فاذا شُك في الإحراز فإنّ مقتضى الأصل حرمة التصرّف في المال بدون ذلك.

وهذا الوجه لا بأس به ، وقد فصّلناه في بحث ولاية الفقيه في كتابنا التقيّة فراجع(1)، ومقتضى ذلك عدم الفرق بين أن يكون الفقيه هو الأعلم أو غيره،

ص: 374


1- 513.التقيّة في فقه أهل البيت(علیهم السلام) 2: 407.

كما يظهر ذلك من الماتن وكثير من المعلّقين على المتن.

وإذا كانت هذه الحصة من المال هي حصّة لمنصب الإمامة لا للإمام(علیه السلام) نفسه فلابدّ من إعطائها إلى الفقيه الذي بيده الأمر، أو تصرف بإذنه وتحت نظره.

وإمّا أن يكون المنشأ هو كون الحاكم أعرف بموارد رضا الإمام(علیه السلام) كما ذُكر(1) فيلزم الاستئذان، لكن إذا كان المراد بكونه أعرف هو الأعرفيّة من جهة الموارد والمصاديق فهذا يمكن منعه كليّاً، بل قد يكون العامي ذا بصيرة وأعرف من الفقيه بموارد رضا الإمام(علیه السلام) ، فعلى العامي استخباره ثم صرف المال في الموارد التي ترضي الإمام(علیه السلام) ، ولا حاجة لاستئذان الفقيه في الصرف.

وكذا يلزم العامي الرجوع إلى الفقيه لكونه أعرف بموارد الصرف من جهة الكبرى وهو الحكم الشرعي، فلابد من الرجوع إليه في حكمه ورأيه ، وأمّا لزوم الاستئذان فلم يدل عليه دليل ، فإذا أخبر الفقيه العامي بفتواه وأنّ الموارد الفلانيّة مورد لرضا الإمام(علیه السلام) أمكن للمقلِّد الصرف فيها وتطبيق فتوى الفقيه عليها، بلا حاجة للاستئذان منه.

هذا، ولا يخفى أنّ الوجه الأوّل قابل للمناقشة، وذلك:

أمّا أوّلاً: فلعدم تسليم وجوب المراجعة للحاكم في الفرز والتقسيم، لما ورد في الزكاة من أنّ للمالك حقّ الفرز، معلّلاً بأنّه أعظم الشريكين، وهذه

ص: 375


1- منهاج الصالحين 1: 348.

العلّة تأتي أيضاً في الخمس حيث إن أربعة أخماس من المال تكون للمالك.وأمّا ثانياً: فإنّ غاية ما يستفاد منه هو - على فرض تماميّته - اعتبار مراجعة الحاكم في الفرز والتقسيم، ولا يستفاد منه اعتبار ذلك في الإعطاء.

مضافاً إلى أنّ المستفاد من روايات الباب أنّ للمالك حقّ التعيين والفرز، حيث إنّ أصحاب الأئمة كانوا يعملون بذلك من جهة أنّ هذا الحقّ كان مرتكزاً عندهم، ولم ينكر الأئمة عليهم ذلك، بل ورد التقرير منهم(علیهم السلام) كما في صحيحة مسمع وغيرها.

نعم، الظاهر أنّ الوجه الثاني تام، فإذا حصل للمالك الشك في الاستقلال بالتصرّف كما يتطرّق هذا الاحتمال لدى كل أحد بطبيعة الحال، وأنّه مورد لرضا الإمام(علیه السلام) أو لا، كان مقتضى الاقتصار على المقدار المتيقّن من حرمة التصرّف في مال الغير هو الجواز مع إذن النائب عن الغير، ويبقى الباقي تحت حرمة التصرّف.

ولكن هل يعتبر مع ذلك الأعلميّة في الحاكم الشرعي أو لا؟

لم يظهر من الماتن ولا من أكثر المعلّقين على المتن اعتبار ذلك، فلا فرق بين أن يكون الفقيه الجامع للشرائط هو الأعلم أو غيره، وهو المستفاد من تعبير الماتن ومن عدم تعليق أكثر الأعلام عليه.

نعم، إذا وقع الخلاف بين الأعلم وغيره في مصرف سهم الإمام(علیه السلام) من جهة الحكم الشرعي فإنّ مقتضى القاعدة - من الرجوع للأعلم - هو اعتبار خصوص إذنه في ذلك الصرف، وأمّا في غير هذه الصورة فالظاهر عدم الاعتبار.

ص: 376

والأحوط له الاقتصار على السادة ما دام لم يكفهم النصف الآخر [1].

[1] إذا دار الأمر بين إعطاء خصوص السادة - إذا لم يكن سهمهم كافياً لهم - وبين بقيّة الموارد، كان الميزان في الصرف إحراز رضا الإمام(علیه السلام) فما أُحرز رضاه فيه كان الصرف فيه وهو المقدّم. وأمّا إذا تساويا ولم تكن في البين جهة مرجّحة بحيث يقطع أو يطمئن بجواز الصرف بسببها فيقتصر على المقدار المتيقّن؛ لعدم جواز التصرّف في مال الغير من دون إحراز رضاه، فيرجح السيّد على غيره من الموارد لاحتمال أن يكون للقرابة والشرف مزيد دخل في رضاه(علیه السلام).

ص: 377

وأمّا النصف الآخر الذي للأصناف الثلاثة فيجوز للمالك دفعه إليهم بنفسه، لكن الأحوط فيه أيضاً الدفع إلى المجتهد أو بإذنه لأنّه أعرف بمواقعه والمرجّحات التي ينبغي ملاحظتها[1].

تعيين الوظيفة بالنسبة إلى سهم السادة:

[1] الحكم الثالث: عدم اعتبار الدفع إلى المجتهد أو الإعطاء بإذنه، وجواز الدفع بنفسه في النّصف الآخر الذي للأصناف الثلاثة.

والكلام في هذا المقام يقع تارة في أصل الحكم، وأنّه هل يجب الدفع في زمان الغيبة أم أنّه محلّل للشيعة؟

وأُخرى في أنّه هل يجوز للمالك الدفع للأصناف بنفسه بدون مراجعة الإمام(علیه السلام) أو وكيله في زمان الحضور أم لا؟

وثالثة في جواز ذلك ل-ه في زمان الغيبة وعدم جوازه إلّا مع الإذن.

أمّا أصل الحكم، فإنّه وقع مورداً للخلاف كما هو الحال في سهم الإمام(علیه السلام)، ولكنّ المشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً نقلاً وتحصيلاً - إن لم يكن مجمعاً عليه - كما في الجواهر(1) وجوب صرفه في مستحقّيه، وحمل أخبار التحليل على المناكح والمساكن والمتاجر، على ما يأتي مفصلاً إن شاء الله تعالى.

ص: 378


1- 515.جواهر الكلام 16: 168.

وأمّا الدفع بدون إذن الإمام(علیه السلام) أو وكيله فالظاهر من كلمات جملة من الأصحاب، بل نسب إلى الأكثر وجوب دفعه إلى الإمام(علیه السلام) أو وكيله، وإن خالف في ذلك العلّامة في المنتهى(1) والتحرير(2)، وفي التذكرة(3) في غير الغنائم، وظاهرالمحقّق(4) الاجتزاء بالإيصال إلى الأصناف مطلقاً، لاقتضاء امتثال الأمر المطلق الإجزاء، وهو الظاهر من السيّد الأستاذ الخوئي(قدس سره) (5)، ولكنّ الظاهر من جملة من الأخبار هو الأوّل، وهي مقيّدة لإطلاق الأمر:

فمنها: صحيحة البزنطي عن الرضا(علیه السلام) قال:... فقيل ل-ه: أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقل، ما يصنع به؟ قال: «ذاك إلى الإمام، أرأيت رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) كيف يصنع أليس إنّما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام» (6). فقد كان الإيصال مختصّاً بشخص الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) ومن بعده بالإمام(علیه السلام).

ومنها: صحيحة علي بن مهزيار الطويلة، فقد جاء في ذيلها: «فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصل (فليوصله) إلى وكيلي، ومن كان نائياً

ص: 379


1- 516.منتهى المطلب 8: 582.
2- 517.تحرير الأحكام 1: 443.
3- 518.تذكرة الفقهاء 5: 442 المسألة 332.
4- 519.المعتبر 2: 641.
5- 520.المستند في شرح العروة الوثقى ، كتاب الخمس: 334.
6- 521.الكافي 1: 623 كتاب الحجّة باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 7، وتهذيب الأحكام 4: 111 ، الحديث 362 مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 9: 519، الباب 2 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 1.

بعيد الشقّة فليتعمّد لإيصاله ولو بعد حين» (1) ، فإذا كان الدفع بنفسه جائزاً كان الأمر بتعمّد إيصاله إلى وكيل الإمام(علیه السلام) موجباً للتأخير في امتثال الواجب.

ومنها: ما رواه ابن طاووس في كتاب «الطرف» أنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال لأبي ذر وسلمان والمقداد: «أشهدوني على أنفسكم بشهادة أن لا إله إلّا الله - إلى أن قال: - وإخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من النّاس حتى يرفعه (يدفعه) إلى ولي المؤمنين وأميرهم، ومن بعده من الأئمّة من ولده، فمن عجز ولم يقدر إلّا على اليسير من المال فليدفع ذلك إلى الضعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمّة» (2).

ومنها: رواية العياشي عن إسحاق بن عمّار عن رجل قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن سهم الصفوة؟ - فقال: «... وثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وأبناء السبيل يقسمه الإمام بينهم» (3).

وأمّا بالنسبة لاعتبار الإذن في الدفع إلى الأصناف الثلاثة من القائم مقام الإمام(علیه السلام) في زمان الغيبة، فالمشهور بين المتأخرين ومنهم الماتن عدم اعتبار الإذن، فيجوز للمالك الدفع إليهم بنفسه بدون الرجوع إلى الفقيه الجامع للشرائط.

ص: 380


1- 522.وسائل الشيعة 9: 501 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
2- 523.وسائل الشيعة 553:9 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 21.
3- 524.تفسير العياشي 2: 67 سورة الأنفال الحديث 62 ، ووسائل الشيعة 9: 518 الباب 1 من أبواب قسمة الخمس الحديث 19.

وعن جماعة - منهم العلاّمة المجلسي(قدس سره) (1)- بل نسب(2) إلى المشهور القول باعتبار الإذن.

واستدل على عدم الاعتبار بأُمور:

أحدها: ما ورد من بدليّة الخمس عن الزكاة، وحيث إنّ الزكاة لا يعتبر في دفعها إلى مستحقّيها إذن الفقيه، فللمالك الولاية على التقسيم والإعطاء فكذا الكلام في بدلها.

الثاني: الأصل اللفظي، وهو إطلاق ما دلّ على وجوب الخمس، من الآية الشريفة والروايات الدالّة على عدم وجوب البسط على الأصناف، وليس هناك ما يصلح للتقييد، فإنّ جميع ما دلّ على لزوم المباشرة وولاية الإمام(علیه السلام) على النصف الراجع للأصناف موردها زمان الحضور، وأمّا في زمان الغيبة فلم يرد أيّ دليل على ذلك فتبقى إطلاقات الأدلّة سالمة عن التقييد.

الثالث: الأصل العملي، فإنّ مقتضى أصالة البراءة بعد إعطاء المال إلى مستحقّيه هو عدم وجوب شيء آخر عليه، من الإذن وغيره.

وقد نسب إلى السيّد الأستاذ(قدس سره) القول بالتفصيل بين التقسيم والإعطاء، وأنّ التقسيم يحتاج إلى الإذن دون الإعطاء، إلّا أنّ هذه النسبة في غير محلّها(3).

ص: 381


1- 525.زاد المعاد: 368.
2- 526.نقل النسبة صاحب مستند الشيعة 10: 135.
3- 527.قد ذكر السيد(قدس سره) ذلك التفصيل تنزّلاً وعلى فرض عدم تماميّة كون القسمة بيد المالك فقال: وبالجملة فإن تمّ ما ذكرناه من أنّ القسمة بيد المالك فهو، وإلّا فيراجع الحاكم الشرعي في القسمة لا في الإعطاء، فلاحظ [م.ع].

مسألة 8 : لا إشكال في جواز نقل الخمس من بلده إلى غيره إذا لم يوجد المستحقّ فيه، بل قد يجب كما إذا لم يمكن حفظه مع ذلك أو لم يكن وجود المستحقّ فيه متوقعاً بعد ذلك ولا ضمان حينئذٍ عليه لو تلف والأقوى جواز النقل مع وجود المستحقّ أيضاً لكن مع الضمان لو تلف، ولا فرق بين البلد القريب والبعيد وإن كان الأوّلى القريب إلاّ مع المرجّح للبعيد [1].

نقل الخمس إلى بلد آخر:

[1] يقع الكلام في مقامات ثلاثة:الأوّل في بيان الموضوع، والثاني في بيان الحكم التكليفي، والثالث في بيان الحكم الوضعي.

أمّا المقام الأوّل: وهو بيان الموضوع، فالظاهر - كما يأتي من الماتن(قدس سره)- أنّ الخمس لا يتعيّن بالفرز والعزل؛ للأصل وعدم الدليل على ذلك، نعم ورد الدليل على أنّ الزكاة تتعيّن إذا فرزها المالك وسمّاها لقوم أو لم يسمّها لأحد، فإذا ضاعت فلا شيء عليه، ولم يرد مثل ذلك في الخمس.

نعم للمالك ولاية التقسيم في الخمس كما في الزكاة، إلّا أنّه لا يتعيّن في المعزول ولا يخرج عن ضمانه إلّا مع الفرز والإيصال إلى المستحقّ، وعليه فيتوقّف نقل الخمس إمّا على نقل المال الذي تعلّق الخمس به كلّه أو بعضه قبل تخميسه، وإمّا على تقسيم المال بإذن الحاكم، فيكون الخمس متعيّناً في

ص: 382

المعزول - بناء على ولاية الحكام في مثل هذه الأُمور - وحينئذٍ يتحقّق نقل الخمس إذا حمله إلى بلد آخر.

وأمّا إذا قسّم المالك المال وفرز الخمس ثم نقله فإنّه لا يتعيّن كونه خمساً إذا لم يصل إلى المستحقّ، ولا يتحقّق موضوع نقل الخمس حتى يبحث في حكمه، وإنّما يكون ناقلاً لماله ويبقى الخمس فيه على حاله.

وأمّا المقام الثاني: وهو الحكم التكليفي، فإنّ للنّقل صوراً: فإنّه تارة يوجد في البلد مستحقّ، وأخرى لا يوجد ولكن يتوقّع وجوده، وثالثة لا يتوقّع وجوده أصلاً.

وعلى التقديرين الأوّلين: تارة يكون للمستحقّ في البلد الآخر جهة ترجيح على مستحقّ البلد ككونه أشدّ ضرّاً، وأخرى لا تكون ل-ه تلك الجهة، وعلى الثاني تارة يكون النقل بإذن الفقيه الجامع للشرائط وأخرى لا يكون عن إذنه.

والظاهر عدم الإشكال في جواز النّقل في الصور كلّها ما عدا الأخيرة، بل قد يجب النّقل كما في الصورة الثالثة وهي ما إذا لم يوجد المستحقّ في البلد ولم يتوقّع وجوده مع كون المال في معرض التلف، فمع إمكان النّقل لابد من نقله وإيصاله إلى مستحقّه.

وأمّا الصورة الأخيرة وهي ما إذا وجد المستحقّ في البلد ولم يكن مرجّح لنقل الخمس، وكان النّقل بدون إذن الحاكم فهنا قولان:

أحدهما عدم جواز النّقل، نسب إلى المحقّق في المعتبر والمختصر النافع،

ص: 383

والشرائع والمنتهى والتحرير والدروس، وإلى جماعة(1).

والثاني الجواز وهو المتسالم بين المتأخرين، ولعلّه المشهور.

ويمكن الاستدلال على المنع عن النّقل بمنافاته للفوريّة في الإيصال الواجب عليه، من باب اقتضاء الأمر للفوريّة أو لعدم رضا المستحقّين في البلد بالنّقل، أو لكون النّقل موجباً لتعريض المال للتلف.

وقد نوقش في الفوريّة صغرى وكبرى.

أمّا الكبرى فبعدم الدليل على وجوب الفوريّة، نعم إذا وصل التأخير في الإيصال إلى حدّ التهاون والمسامحة عرفاً لم يجز كما هو شأن سائر الواجبات.

وأمّا عدم رضا مستحقّي البلد فهو غير معتبر بعد أن كان المستحقّ هو الطبيعي لا خصوص من في البلد.

وأمّا تعريض المال للتلف بالنّقل فهو لا يوجب المنع - بعد كونه غير مطرد - إذا كان المالك هو الضامن، كما يأتي القول بذلك، فالظاهر عدم الدليل على المنع فيبقى الجواز على الأصل.

وأمّا الصغرى فلأجل أنّه ربّما يكون الإيصال إلى المستحقّين في البلد محتاجاً إلى زمان أكثر من النقل والإيصال إليهم في بلد آخر، إمّا من جهة اتساع أطراف البلد أو لكثرة الزحام فيه أو غير ذلك من موجبات التأخير في الإيصال.

ص: 384


1- 528.مدارك الأحكام 5: 410 ، ومستند الشيعة 10: 106.

فالحاصل: أنّ دعوى عدم جواز النّقل استناداً إلى ما ذكر ممنوعة.

وأمّا المقام الثالث: وهو الحكم الوضعي أعني الضمان، فالظاهر التفصيل بين ما إذا لم يجد المستحقّ في البلد أو كان مأذوناً في النّقل من قِبَل الحاكم، وبين غير هذين الفرضين، فيحكم بعدم الضمان في الأوّل، لكون النّقل حينئذٍ إحساناً للسادة وما على المحسنين من سبيل، ويستفاد ذلك من التعليل الوارد في الزكاة الشامل للمقام؛ لكونه وارداً في كل حقّ مالي يجب إيصاله إلى أهله، فقد جاء في صحيحة محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسّم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت من يده...» (1) ، فالتعليل الوارد فيها يدل على المقام، ولا يتوهّم اختصاص ذلك بالزكاة، لدلالة قوله(علیه السلام) بعد ذلك: «وكذلك الوصي الذي يوصى إليه...» ، على أنّ الوصي كذلك، والعلّة تعمّم لكلّ حقّ مالي كان هذا شأنه، هذا، مضافاً إلى أنّه لا مقتضي للحكم بالضمان بعدما كانت يده يد أمانة مع فرض عدم حصول التعدّي والتفريط.

وأمّا الثاني وهو صورة ما إذا وجد المستحقّ أو لم يكن مأذوناً من الحاكم في النّقل، فإنّه يحكم بالضمان لو تلف سواء كان النّقل بلا وجه ومرجّح، ويدلّ عليه صدر الصحيحة المتقدّمة، مضافاً لصدق التعدّي والتفريط حينئذٍ

ص: 385


1- 529.تهذيب الأحكام 4: 44، الحديث 125 ، والكافي 3: 544 كتاب الزكاة باب الزكاة تبعث من بلد الى بلد، الحديث 1 ، ومن لا يحضره الفقيه 2: 30 ، الحديث 1619 مع اختلاف يسير ، ووسائل الشيعة 9: 285 ، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.

مسألة 9: لو أذن الفقيه في النقل لم يكن عليه ضمان ولو مع وجود المستحقّ، وكذا لو وكّله في قبضه عنه بالولاية العامّة ثمّ أذن في نقله [1].

وهو موجب للضمان، أم كان لمرجح كما إذا كان ذلك لإيصاله لذي رحم، وذلك لإطلاق الصحيحة، وهو مقتضى الجمود عليها.

لكن إذا قلنا بأنّ المناط في الحكم بالضمان هو التعدّي والتفريط، وكانت الرواية إرشاداً إليه فيحكم بالضمان إذا لزم منه ذلك، دون ما إذا لم يلزم من النّقل التعدّي، كما إذا كان النّقل يستوعب زماناً أقل، أو كان مع المرجّح مع الأمن من الخطر والتلف.

فالأقوى هو الأوّل كما عليه المشهور بين المتأخرين.

لو أذن الفقيه في نقل الخمس:

[1] يُعلم حكم هذه المسألة ممّا تقدّم، بأنّه على تقدير التوكيل في القبض من قِبل الفقيه ثم إذنه في نَقل المال يخرج عن عهدته لو نقله، لأنّه بمنزلة أداء الحقّ إلى صاحبه، ويكون النقل بإذن الموكّل فلا ضمان عليه.

وأمّا على الأوّل وهو صورة الإذن من الفقيه في النقل فإنّ إذن الفقيه فيه يوجب إخراج اليد عن كونها يد ضمان؛ لكونها مأذونة من قبل ولي المال، فهو نظير ما إذا كان لشخص مال عند غيره، فأذن ل-ه أو أذن لوليّه في نقله فتلف من غير تعدّ ولا تفريط فإنّه لا مقتضي للضمان.

ص: 386

مسألة 10: مؤونة النقل على الناقل في صورة الجواز ومن الخمس في صورة الوجوب[1].

مؤونة النقل:

[1] أمّا في صورة جواز النقل فلعدم المقتضي لإيراد النقص على الخمس باحتساب مؤونة النّقل عليه، بعد فرض إمكان إيصاله إلى المستحقّ بدون النّقل، فجواز الاحتساب من الخمس - والحال هذه - يحتاج إلى الدليل، ولا دليل عليه، فلذا تكون مؤونة النقل - على تقدير تحقّقه - على عهدة المالك نفسه.

وأمّا في صورة وجوب النّقل فلا تكون المؤنة على نفسه، بل تقتصّ من الخمس، لأنّ وجوب الإيصال لا يقتضي أكثر من وجوب النّقل، وأمّا تحمل الضرر المالي فلا، لحديث الضرر، وهذا نظير المال الشخصي إذا كان في يده لغيره وديعة ولا يمكن إيصاله إليه إلّا بالنّقل، فالمصارف تكون على عهدة صاحب المال لا على الودعي.وقد يقال - كما عن بعض الأعلام -: إذا كان الواجب هو الإيصال والنقل، وهو لا يتمّ إلّا بالصرف عليه، فيكون الإيصال متوقّفاً عليه فحينئذٍ يتعلّق الصرف بالمالك دون المستحقّ، لأنّه أمر يقتضيه امتثال طبيعة الواجب.

وأمّا حديث لا ضرر فيحتمل أنّه حكم حكومي صادر عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) بمقتضى ولايته، فلا يكون حكماً شرعيّاً يستفاد منه قاعدة فقهية كلّيّة.

ص: 387

مسألة 11: ليس من النقل لو كان ل-ه مال في بلد آخر فدفعه فيه للمستحقّ عوضاً عن الذي عليه في بلده وكذا لو كان ل-ه دين في ذمّة شخص في بلد آخر فاحتسبه خمساً، وكذا لو نقل قدر الخمس من ماله إلى بلد آخر فدفعه عوضاً عنه [1].

لكن الظاهر هو الأوّل، فإنّ وجوب النقل لا يقتضي الصرف من ماله الخاص، وحديث الضرر قاعدة كليّة كما حقّق في محلّه.

ما لا يحسب من النقل:

[1] ذكر(قدس سره) ثلاثة موارد خارجة عن كونها مصداقاً للنّقل، وعدم صدق النّقل فيها واضح، إذ لا يصدق هذا العنوان إذا دفع بدل الخمس من مال آخر ل-ه في بلد آخر، ولا إذا ما احتسب ماله من الدين في ذمّة مستحقّ هو في بلد آخر، ولا إذا ما نقل مقدار الخمس من ماله إلى بلدٍ آخر فدفعه عوضاً عن الخمس هناك.

فإنّه مع انتفاء الموضوع وعدم تحقّقه لا يترتب عليه حكم النّقل من الضمان مع وجود المستحقّ في البلد، أو عدم الجواز - على القول به - لكن هذا إنّما يتمّ إذا كان الموضوع هو عنوان النقل، وهو واضح بالنسبة إلى الحكم الوضعي وهو الضمان لكون المذكور في رواية ضمان الزكاة هو البعث أي النّقل.

إلّا أنّه قد يقال بالنسبة للحكم التكليفي أنّ الموضوع فيه هو الإخراج

ص: 388

مسألة 12: لو كان الذي فيه الخمس في غير بلده فالأوّلى دفعه هناك ويجوز نقله إلى بلده مع الضمان [1].

والدفع، وهو نتيجة النّقل، وذلك لما ورد في بعض الروايات من أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) كان يداوم على تقسيم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر(1).

وأيضاً ما ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب ولا صدقة الأعراب للمهاجرين» (2) ، فإنّ الظاهر منها كون الموضوع هو الدفع، وعليه لا فرق بين تحقّق النّقل وعدمه. ولكن لم يثبت ذلك في نفس الزكاة، فكيف يتعدّى عنها إلى الخمس، فالظاهر أنّ الموضوع هو النّقل كما تقدّم.

لو كان ما فيه الخمس في غير بلد المالك:

[1] المقصود من عقد هذه المسألة بيان أنّ المناط في البلد هو البلد الذي فيه المال المتعلّق به الخمس، لا بلد المالك، فإذا كان المالك في بلد، وماله

ص: 389


1- 530.الكافي 3: 545 كتاب الزكاة باب الزكاة تبعث من بلد الى بلد، الحديث 8 ، ووسائل الشيعة 9: 265 ، الباب 28 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1.
2- 531.تهذيب الأحكام 4: 94 ، الحديث 8 - 3 مع اختلاف يسير، والكافي 3: 546 كتاب الزكاة باب الزكاة تبعث من بلد ، إلى بلد الحديث 10 ، ووسائل الشيعة 9: 284 ، الباب 38 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحديث 1 مع اختلاف يسير.

مسألة 13: إن كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلده جاز نقل حصّة الإمام(علیه السلام) إليه، بل الأقوى جواز ذلك ولو كان المجتهد الجامع للشرائط موجوداً في بلده أيضاً، بل الأوّلى النّقل إذا كان من في بلد آخر أفضل أو كان هناك مرجّح آخر [1].

الذي تعلّق به الخمس في بلد آخر فلابد من مراعاة ذلك البلد الذي فيه فيقسّم الخمس ويدفع إلى مستحقّيه هناك وجوباً أو استحباباً.

وإذا نقله إلى بلده تحقّق موضوع النّقل، ويأتي فيه ما تقدّم من الأحكام.

لو كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلد المالك:

[1] محصّل المسألة: أنّ ما تقدّم من تفاصيل النّقل وعدمه جوازاً ومنعاً لا يأتي بالنسبة لحصّة الإمام(علیه السلام) ، لأنّها مال مختصّ بالإمام(علیه السلام) فلابد من حملها إليه أو صرفها في جهته(علیه السلام) باذنه، لكنّ أمرها في زمان الغيبة للحاكم الشرعي الذي ل-ه الولاية العامّة من قبله(علیه السلام) ، فإذا كان في بلد آخر فلابد من الحمل إليه أو صرفها بإذنه، وأمّا إذا كان في بلد المالك فيجوز حينئذٍ نقل المال إلى من كان في بلد آخر من حكّام الشرع لكون الجميع وكلاء عنه(علیه السلام) فيجوز الإعطاء لواحد منهم.

هذا، وأمّا أدلّة جواز النّقل في الزكاة مع الضمان فلا تأتي هنا، لأنّ موردها الفقراء والمستحقّون للزكاة، فلا تتعدّى لحصّة الإمام(علیه السلام) ، فلا دليل في البين على جواز النّقل مع الضمان.

ص: 390

ومقتضى القاعدة هو الجواز وعدم الضمان إذا لم يلزم منه التعدّي والتفريط، نعم، يظهر من كلام السيّد الأستاذ(قدس سره) أنّه لا يجوز أيّ تصرّف فيه إلّا بإجازته، فإن أجاز نقله جاز وإلّا فلا(1).

وما ذكره(قدس سره) يتمّ فيما إذا كان الحاكم الشرعي موجوداً في بلد المالك، فيكون نقل المالك للمال - بلا إجازة - بلا وجه وهو تفريط ، فيوجب ذلك الضمان لو تلف، كما قال به جماعة منهم السيّد البروجردي قدس سرّه(2).

وأمّا مع عدم وجوده في البلد فلا وجه للحكم بالضمان، كما هو واضح، وذلك لأنّه يجب عليه النّقل حينئذٍ، وهو متوقّف على التقسيم والفرز فيكون ممضى شرعاً لا محالة.

وأيضاً لما ورد من قوله(علیه السلام): «فليبعث بخمسه إلى أهل البيت» (3) ، وقوله(علیه السلام): «فليوصل إلى وكيلي» (4).

مضافاً إلى قيام السيرة العمليّة على الفرز ونقل الأموال إليهم(علیهم السلام) وتقريرهم(علیهم السلام) ذلك، وعدم ردعهم عنه، فمن ذلك كلّه يستكشف أنّ للمالك حقّ التقسيم والفرز في هذه الصورة، فلا يحكم بالضمان لو تلف.

ص: 391


1- 532.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 341.
2- 533.العروة الوثقى 4: 311.
3- تهذيب الأحكام 6: 287، الحديث 915، ووسائل الشيعة 9: 506 ، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
4- 535.تهذيب الأحكام 4: 124، الحديث 397، والاستبصار 2: 80، الحديث 198، ووسائل الشيعة 9: 501 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

مسألة 14: قد مرّ أنّه يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر ل-ه نقداً أو عروضاً، ولكن يجب أن يكون بقيمته الواقعيّة، فلو حسب العروض بأزيد من قيمتها لم تبرأ ذمته وإن قبل المستحقّ ورضي به [1].

وأمّا في غيرها، فإن كان النّقل بإجازة الحاكم فلا ضمان عليه، وإلّا حكم عليه بالضمان.

دفع الخمس من مال آخر:

[1] مرّ حكم دفع الخمس من مال آخر في خمس الأرباح(1) ، وتعرضنا هناك لما يمكن الاستدلال به على جواز الدفع من مال آخر، وبيّنا أنّه لا يوجد دليل واضح على جواز ذلك مطلقاً.

نعم إذا رضي المستحقّ أو أجاز الحاكم فلا إشكال حينئذ في ذلك.

وعلى القول بالجواز مطلقاً أو مع إجازة الحاكم أو رضا المستحقّ لابد من الحساب بالقيمة الواقعيّة لو دفع من جنس آخر، فلو حسبه بأزيد من قيمته الواقعيّة لم تبرأ ذمّته بمقدار ما ينقص من الخمس المتعلّق بذمّته، بلا فرق بين رضا المستحقّ أو إجازة الحاكم وبين عدم ذلك.

والوجه في ذلك واضح، فإنّه قد ثبت في ذمّته المقدار الواقعي من الخمس،

ص: 392


1- 536.تقدم في شرح قول الماتن «مسألة 75... ويتخيّر المالك بين دفع خمس العين...»

مسألة 15: لا تبرأ ذمّته من الخمس إلاّ بقبض المستحقّ أو الحاكم، سواء كان في ذمّته أم في العين الموجودة، وفي تشخيصه بالعزل إشكال [1].

فلابد من تفريغ ذمّته وأداء المقدار الواجب، وليس للمستحقّ الإعفاء أو الردّ عليه؛ لما فيه من التفويت على المستحقّين.نعم، إذا كان المالك من أرحامه أو كان معسراً وكان من شأن المستحقّ البذل أو الهبة فلا مانع من ذلك بهذا العنوان ، وكذلك فيما إذا باع العروض بأزيد من قيمته الواقعيّة على المستحقّ، وأقدم المستحقّ على هذا البيع لاحتياجه واضطراره إليه على ذمّته وإن كان غبنيّاً، بأن اشترى منه ما يساوي خمسة دنانير بعشرة يجوز احتساب ما في ذمّة المستحقّ بعشرة التي هي مقدار الخمس.

ومن ذلك يظهر أنّه كما لا يجوز احتساب المال لآخر بأزيد من قيمته كذلك لا يجوز احتساب مال الخمس بأقل من قيمته.

براءة الذمّة بقبض المستحقّ أو الحاكم:

[1] الظاهر عدم الخلاف في أنّ للمالك ولاية التقسيم على الخمس، وقد نقل في المستند الإجماع على ذلك(1) ، وهو المستفاد من الروايات والتعليل

ص: 393


1- 537.مستند الشيعة 10: 138.

الوارد في الزكاة من كونه الشريك الأعظم، وعليه السيرة العمليّة.

وأمّا أنّ ل-ه الولاية على الفرز والتشخيص بحيث إنّه إذا تلف المال بدون تعدّ ولا تفريط قبل وصوله إلى المستحقّ أو الحاكم لم يكن عليه الضمان، ففيه خلاف.

والظاهر من الماتن(قدس سره) وأكثر المعلّقين على المتن الإشكال في ذلك، وعدم ثبوت هذا الحقّ ل-ه، لعدم الدليل عليه وإلحاقه بباب الزكاة يرد عليه ما تقدّم غير مرّة، فمقتضى الأصل عدم الثبوت، ولا تبرأ ذمّة المالك إلّا بعد وصول المال إلى المستحقّ.

ويظهر من جماعة منهم صاحب المستند(1) والسيّد الشيرازي(قدس سرهما)(2)ثبوت هذا الحقّ للمالك، ولعلّ الوجه عندهم هو إلحاق المقام بباب الزكاة أو الاستدلال عليه بالروايات الدالّة على التقسيم وإرسال المال إلى الأئمة(علیهم السلام) أو بالسيرة العمليّة القائمة على ذلك، وهذه الوجوه كلّها قابلة للمناقشة.

وفصّل بعضهم بين عدم وجود المستحقّ في البلد فله ذلك، وبين وجوده في البلد فلا يحقّ ل-ه، وهذا التفصيل ظاهر من السيّد أبي الحسن الأصفهاني(قدس سره)(3).

والظاهر أنّه الأقوى لما تقدّم من أنّ المستفاد من التعليل الوارد في نقل

ص: 394


1- 538.المصدر المتقدّم.
2- 539.العروة الوثقى 4: 312.
3- 540.المصدر المتقدّم.

مسألة 16: إذا كان له في ذمّة المستحقّ دين جاز ل-ه احتسابه خمساً، وكذا في حصّة الإمام(علیه السلام) إذا أذن المجتهد[1].

الزكاة إذا تلفت بأنّه خرج من يده، فإنّه يشمل الخمس أيضاً، ومقتضى الجمود على هذه الرواية المصير إلى عدم الضمان لو فرز المال ثم نقله، ولا يبعد القول بعدم الخصوصيّة للنّقل، وأنّه إذا لم يوجد المستحقّ وقام المالك بعزل المال حتى يوصله إليه عند تمكّنه إمّا بالنّقل أو بوجه آخر، فإنّه يصدق عليه أنّه أخرجه من يده، وحينئذٍ يتشخّص الخمس ويتعيّن خارجاً وليس عليه الضمان لو تلف.

احتساب الدين خمساً:

[1] في جواز احتساب الدين خمساً قولان:

أحدهما: الجواز، ويظهر من كثير من الأعلام ومنهم السيّد الماتن(قدس سره) المصير إليه.

الثاني: عدم الجواز، بل لابدّ من القبض والإقباض أو الإذن من الحاكم الشرعي، وهو الظاهر من جماعة منهم السيّدان الحكيم والأستاذ(قدس سرهما).

ولكن الذي يظهر من المستمسك الإشكال في ذلك بالنسبة لحصّة السادة من الخمس مع إذن الحاكم أيضاً، واستدل على ذلك بأنّ الاحتساب إيقاع لا تمليك، ولذا فإنّه لا يتوقّف على القبول، مع أنّ الظاهر أن اللام في

ص: 395

الآية المباركة للملك، وأنّه لابد من أن يملّك المستحقّ، وعلى هذا فجواز الاحتساب يتوقّف على أحد أُمور:الأوّل: أن تكون اللام للمصرف لا للملك، إذ يكفي في الصرف إبراء الذمّة وإسقاط ما فيها، وهذا خلاف الظاهر، ولاسيّما بقرينة السهام الراجعة إلى الإمام(علیه السلام).

الثاني: أن تكون اللام للملك، ولكن المالك هو الطبيعة، فالمالك أو الفقيه بحسب ولايته على المال المذكور يصرفه في مصالح الطبيعة، والتي منها إبراء ذمّة بعض أفرادها.

وفيه: أنّ ثبوت هذه الولاية المطلقة لا دليل عليه، وإنّما الثابت هو الولاية على تطبيق الطبيعة على الفرد، وبعد التطبيق المذكور يدفع إليه ملكه، والولاية على الصرف في مطلق مصلحة الطبيعة لا دليل عليه.

الثالث: البناء على صحّة عزل الخمس في المال الذي في الذمّة، وبعد تطبيق المستحقّ الكلّي على صاحب الذمّة يسقط المال قهراً.

لكن لا دليل على جواز عزل الخمس في المال الخارجي مطلقاً، فضلاً عن المال الذي في الذمّة.

نعم، لا يبعد جواز الاحتساب في سهم الإمام(علیه السلام) ، لأنّ المناط فيه هو الرضا، فمع رضا الإمام(علیه السلام) يصحّ الإبراء على أن يسقط منه بمقدار ما كان في الذمّة(1).

ص: 396


1- 541.مستمسك العروة الوثقى 9: 590.

واستدل السيّد الأستاذ بوجه آخر، وهو أنّ الخمس متعلّق بالعين على جميع الأقوال فتبديلها وتعيينها بمال آخر يحتاج إلى دليل، وقد ثبت بالدليل ولايته على التبديل بمال آخر عيناً، نقداً كان أم عروضاً، أو بالنقد خاصّة من درهم أو دينار أو ما يقوم مقامها من النقود، على الخلاف في الثاني.

وأمّا تبديله بالدين وما في الذمّة، واحتسابه خمساً فلا دليل عليه، بلا فرق بين القول بكون الخمس ملكاً لبني هاشم أو كونهم مصرفاً ل-ه، ولا بين كون الملك على نحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن أو غيرهما، فإنّ تعلّق الخمس بالعين أمر مطّرد في جميع هذه التقادير، ولا دليل على تبديله بالدين في باب الخمس، وإن ورد ذلك في الزكاة(1).

وأُجيب عن كلا الوجهين: بأنّه قد ورد في قرب الإسناد عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): عيال المسلمين أُعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثياباً وطعاماً وأرى أنّ ذلك خير لهم؟ قال: فقال: «لا بأس»(2)، والمستفاد منها جواز الصرف على المستحقّ إذا كان ذلك أنفع لحاله، وبناء على التعميم والشمول للخمس يقال: إنّه إذا كان الصرف عليه أنفع جاز التبديل والصرف المذكور بما هو أنفع سواء كان بعين كالثياب والطعام أم بتفريغ ذمّة المستحقّ إذا كان ذلك أنفع ل-ه كما لعلّه الغالب، فعليه يجوز الاحتساب بلا إشكال.

ص: 397


1- 542.المستند في شرح العروة الوثقى ، كتاب الخمس: 344.
2- 543.قرب الإسناد: 49 ، الحديث 159، ووسائل الشيعة 9: 168 ، الباب 14 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 4.

وفيه:

أوّلاً: إنّ ما ورد من قوله: «وأرى أنّ ذلك خير لهم» جاء في كلام السائل لا في كلام الإمام(علیه السلام) حتى يصلح للتعميم، فلعلّه مختصّ بباب الزكاة، أو كان الجواب بنفي البأس لخصوصيّة في السائل، وإلحاق الخمس بالزكاة محلّ نظر، وقد تقدّم الكلام فيه.

ثانياً: إنّ الرواية ظاهرة في الصرف على المستحقّ بعد إخراج الزكاة، وتعيينها في القيمة، لا في الصرف عليه من الزكاة فوقع التبديل للقيمة أوّلاً ثم اشترى بها ما ذكر بعد تعيّنها فيها.

فمقتضى القاعدة عدم جواز الاحتساب، بل لابد من الإقباض والقبض.

نعم، إذا أجاز الحاكم - من باب الولاية العامّة - لو ثبتت ل-ه - أو من باب الحسبة - احتساب ما في ذمّة المستحقّ خمساً، فرغت ذمّة المستحقّ بذلك عن الدين، ومع ذلك فالأحوط هو الإقباض والقبض، كما ذكرنا.

ص: 398

مسألة 17: إذا أراد المالك أن يدفع العوض نقداً أو عروضاً لا يعتبر فيه رضا المستحقّ أو المجتهد بالنسبة إلى حصّة الإمام(علیه السلام) وإن كانت العين التي فيها الخمس موجودة، لكن الأوّلى اعتبار رضاه خصوصاً في حصّة الإمام(علیه السلام) [1].

دفع العوض بدلاً من العين مع وجودها:

[1] تقدّم أنّ للمالك ولاية التقسيم فله أن يعطي أيّ جزء من المال خمساً أو يعطي الخمس من مال آخر إذا كان نقداً، وقد استفدنا ذلك من الروايات والسيرة.

وأمّا الولاية على تبديله بجنس آخر، فإنّه وإن ثبت جوازه في الزكاة لورود النصّ به، إلّا أنّه محلّ للخلاف في الخمس، والظاهر من الأكثر القول بالجواز، إلّا أنّا اخترنا تبعاً لجماعة من الأعلام القول بعدم الجواز إلّا إذا أجاز الحاكم أو رضي المستحقّ، وبناء على الجواز يكون للمالك حقّ الاختيار في دفع العوض نقداً أو عروضاً، ولا يعتبر فيه رضا المستحقّ أو المجتهد، وإن كانت العين التي فيها الخمس موجودة، وهذا واضح، وإن كان الأوّلى اعتبار رضاه خصوصاً في حصّة الإمام(علیه السلام).

ص: 399

مسألة 18: لا يجوز للمستحقّ أن يأخذ من باب الخمس ويردّه على المالك، إلّا في بعض الأحوال، كما إذا كان عليه مبلغ كثير ولم يقدر على أدائه بأن صار معسراً وأراد تفريغ الذمّة فحينئذٍ لا مانع منه إذا رضي المستحقّ بذلك [1].

أخذ المستحقّ للخمس وردّه على المالك:

[1]أخذ الخمس وردّه على المالك مجّاناً - المعبّر عنه بالمداورة، وبالفارسية (دست گردان) أو بالمصالحة عن الكثير بالقليل، أو القبول بأزيد من القيمة كقبول ما يساوي عشرة بمائة - غير جائز على المشهور كما عن الماتن(قدس سره)، وعن بعض الأعلام الجواز مطلقاً، كما عن المحقّق العراقي(قدس سره) فإنّه قال في تعليقته: لا أرى بأساً بذلك إذا كان عن طيب نفسه، ولا يكون من باب المأخوذ حياء(1).

وفصّل بعضهم بين ما إذا كان فيه مصلحة الإسلام والمسلمين فيجوز للحاكم ذلك وبين غير ذلك فلا يجوز، وأمّا الفقير فلا يجوز ل-ه ذلك إلاّ في الصورة الأولى وهي ما إذا كان على المالك مبلغ كثير ولم يقدر على أدائه، فيجوز ل-ه حينئذٍ الأخذ والردّ على المالك مجاناً.

وعن بعضهم كالسيّد الأستاذ(قدس سره) عدم الجواز إلّا في الصورة المستثناة

ص: 400


1- 544.العروة الوثقى 4: 313.

وضابطها عدم فعل ما يوجب تفويت حقّ السادة وتضييعه(1) ، وفي غير تلك الصورة لا يجوز ذلك لا بالنسبة للفقير ولا للحاكم.

والوجه في ذلك:

أمّا الفقير فلعدم كونه مالكاً قبل الأخذ، فكيف يصالح عمّا لم يملك، وكذلك القبول الذي مرجعه إلى الصلح، ولا ولاية ل-ه على ذلك أيضاً.

وأمّا الحاكم الشرعي، فإنّه وإن كانت ل-ه الولاية إلّا أنّها مقصورة على صورة ملاحظة المصلحة والغبطة للمولّى عليه وهم السادة (زادهم الله شرفاً وعزّاً) وهي مفقودة في المقام، لأنّ مرجع المصالحة على ما يساوي عشرين درهماً بدرهم، أو قبوله إسقاط تسعة عشر درهماً إلى تفويت حقّ الفقير وتضييعه بلا مصلحة تقتضيه.

والظاهر أنّ الوجه لقول المشهور هو أنّ الصورة الأُولى وهي المداورة موجبة لتفويت الحقّ ومنافية لحكمة التشريع، لأنّ تشريع الخمس - كالزكاة- إنّما هو لسدّ حوائج الفقراء من السادة فلا يجوز ارتكاب ما يوجب إضاعة هذا الحقّ.

وأمّا في الصورتين الأخيرتين فمضافاً إلى ما ذكر لا يوجد مقتضٍ لنفوذ المصالحة أو القبول بقيمة زائدة، لأنّ المستحقّ لم يكن مالكاً حتى يكون ل-ه ذلك.

إلّا أنّ الجواز هو الظاهر في الصورة الأولى، فإنّ تفريع ذمّة رجل متديّن

ص: 401


1- 545.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 345.

مسألة 19: إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممّن لا يعتقد وجوبه كالكافر ونحوه لم يجب عليه إخراجه، فإنّهم(علیهم السلام)أباحوا لشيعتهم ذلك، سواء كان من ربح تجارة أو غيرها، وسواء كان من المناكح والمساكن والمتاجر أو غيرها[1].تائب فقير عاجز عن أداء دينه أمر مطلوب شرعاً، فلا يعتبر تفويتاً لحقّ الفقراء من السادة.

وكذا إذا فرض أنّ المالك كان من أرحامه، وكان الردّ إليه من شؤون المستحقّ، كما في الأخوين أو الأخ والأُخت وكان المعطي للخمس هو أصغرهما، فإنّ من شؤون الأخ الأكبر أن يصرف على أخيه الأصغر منه أو على أُخته التي هي أصغر منه في بعض مصارفهما كالزواج أو كتهيئة ما يسمى بالجهيزيّة لها، فالأخذ والردّ بهذا العنوان جائز بلا ريب.

الفصل الثالث: في أخبار التحليل والجمع بينها وبين أدلة الوجوب

[1] هذه المسألة من مهمّات مسائل الخمس، وقد وقع الخلاف بين الأعلام في بيان المراد من التحليل الوارد في الروايات، والمشهور بين المتأخرين أنّ المال المتعلّق به الخمس إذا انتقل إلى المكلّف ممّن لا يعتقد بوجوبه كالكافر ونحوه سواء كان من ربح تجارة أم غيرها وسواء كان من المناكح والمساكن والمتاجر أم غيرها لم يجب على المكلّف إخراجه، وقيل: إنّ المراد من التحليل إباحة الفيء والأنفال مطلقاً دون الخمس.

ص: 402

كما قيل: بأنّ المراد منه ما ذكر بالإضافة إلى الخمس على نحو الإطلاق، وقيل: إنّه مختصّ بحصّة الإمام(علیه السلام) دون سائر الأصناف، وقيل: باختصاصه بالأرباح، وقيل: بالمناكح دون المساكن والمتاجر، وقيل: بشموله لها أيضاً، وقيل غير ذلك ممّا لا حاجة إلى تسطيره، بعد أن كان المهم في المقام هو اتباع الدليل، فعليه لابّد من استعراض الروايات والنظر فيما يستفاد منها، وهي على طوائف:

الطائفة الأُولى: ما دلّ على تحليل حقّوقهم(علیهم السلام) للشيعة على نحو الإطلاق، بلا فرق بين الفيء أو الأنفال أو الخمس:

منها: صحيحة الفضلاء، وهي ما رواه أبو بصير وزرارة ومحمد بن مسلم كلّهم عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السلام): هلك النّاس في بطونهم وفروجهم، لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا وإنّ شيعتنا من ذلك وأبناءهم في حلّ» (1).

فإنّ حقّهم(علیهم السلام) مطلق شامل لجميع ما لهم من الفيء والأنفال والخمس.

ومنها: معتبرة الحارث بن المغيرة النصري، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: قلت ل-ه: إنّ لنا أموالاً من غلاّت وتجارات ونحو ذلك، وقد علمت أنّ لك فيها حقّاً، قال: «فلم أحللنا إذن لشيعتنا إلّا لتطيب ولادتهم، وكلّ من والى

ص: 403


1- 546.علل الشرائع 2: 377 الباب 106 ، الحديث 2، وسائل الشيعة 9: 543 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 1 ، ولكن ورد فيها (وآبائهم في حلّ) بدل (وأبنائهم في حلّ).

آبائي فهم في حلّ ممّا في أيديهم من حقّنا، فليبلغ الشاهد الغائب» (1).

وهي وإن ضعّفت بأبي عمارة وهو مجهول إلّا أنّه يمكن توثيقه لرواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر عنه، وعليه فتكون الرواية معتبرة.

ودلالتها كدلالة الصحيحة السابقة.

ومنها: معتبرة معاذ بن كثير بيّاع الأكسية عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «موسّع على شيعتنا أن ينفقوا ممّا في أيديهم بالمعروف، فإذا قام قائمنا(علیه السلام) حرم على كل ذي كنز كنزه حتى يأتوه به يستعين به» (2) وما في أيديهم شامل لما مرّ من الأنفال وغيرها.

وسندها وإن كان فيه محمّد بن سنان إلّا أنّه ثقة على الأقوى، فالرواية معتبرة.

ومنها: صحيحة مسمع أبي سيار عن أبي عبد الله(علیه السلام) - في حديث - قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): إنّي كنت ولّيت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم، وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم - إلى أن قال - فقال لي: «يا أبا سيّار قد طيبّناه لك وحلّلناك منه فضمّ إليك مالك، وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم محلّلون، ويحلّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم

ص: 404


1- 547.تهذيب الأحكام 4: 125 ، الحديث 398 ، ووسائل الشيعة 9: 547 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 9 مع اختلاف يسير.
2- 548.تهذيب الأحكام 4: 126 ، الحديث 401 ، ووسائل الشيعة 9: 547 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 11.

طسق ما كان في أيدي سواهم...» (1).

ومنها: معتبرة أُخرى للحارث بن المغيرة النصري قال: دخلت على أبي جعفر(علیه السلام) فجلست عنده، فإذا نجيّة قد استأذن عليه فأذن ل-ه، فدخل فجثا على ركبتيه ثم قال: جعلت فداك إنّي أريد أن أسألك عن مسألة والله ما أريد بها إلّا فكاك رقبتي من النار، فكأنّه رقّ ل-ه فاستوى جالساً فقال له: «يا نجيّة سلني فلا تسألني اليوم عن شيء إلّا أخبرتك به» ، قال: جعلت فداك، ما تقول في فلان وفلان؟ قال: «يا نجيّة، إنّ لنا الخمس في كتاب الله، ولنا الأنفال، ولنا صفو الأموال، وهما والله أوّل من ظلمنا حقّنا في كتاب الله - إلى أن قال: - اللهم إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا» ، قال: ثمّ أقبل علينا بوجهه فقال: «يا نجيّة، ما على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا» (2).

وسندها وإن اشتمل على جعفر بن محمّد بن حكيم المهمل إلّا أنّه يمكن تصحيحها من جهة أنّ لعبد الكريم بن عمرو الخثعمي كتاباً مشهوراً يرويه عدّة من أصحابنا على ما ذكره الشيخ النجاشي(3) ، فإذا كانت هذه الرواية من كتابه كما هو الظاهر، حيث لم يذكر أنّ ل-ه روايات غير كتابه، لم يضر وجود جعفر بن محمّد بن حكيم في السند.

ص: 405


1- 549.تهذيب الأحكام 4: 126 ، الحديث 402 ، ووسائل الشيعة 9: 548 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 12 مع اختلاف يسير.
2- 550.تهذيب الأحكام 4: 127 ، الحديث 404 ، ووسائل الشيعة 9: 549 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 14 مع اختلاف يسير.
3- 551.رجال النجاشي: 245 / 645.

ومنها: معتبرة أبي حمزة عن أبي جعفر(علیه السلام) - في حديث - قال: «إنّ الله جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء فقال تبارك وتعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}(1) فنحن أصحاب الخمس والفيء، وقد حرّمناه على جميع النّاس ما خلا شيعتنا، والله يا أبا حمزة، ما من أرض تفتح ولا خمس يخمّس فيضرب على شيء منه إلّا كان حراماً على من يصيبه فخرجاً كان أو مالاً...» الحديث(2).

والظاهر من أبي حمزة الواقع في سند الرواية ، هو أبو حمزة الثمالي، بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه، ومع ذلك فالرواية ضعيفة ب- «علي بن العبّاس» و«الحسن بن عبد الرّحمن» إلّا أنّه يمكن تصحيحها باستظهار أنّها من كتاب عاصم بن حميد، فإنّ الشيخ والنجاشي ذكرا أنّ له كتاباً ولم يذكرا أنّ له روايات فتكون هذه الرواية من كتابه، وللشيخ والنجاشي طرق صحيحة إلى كتابه (3).

ومنها: ما رواه يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله(علیه السلام) فدخل عليه رجل من القمّاطين فقال: جعلت فداك، تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعلم أنّ حقّك فيها ثابت، وإنّا عن ذلك مقصّرون، فقال

ص: 406


1- 552.سورة الأنفال: 41.
2- 553.وسائل الشيعة 9: 552 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 19.
3- رجال النجاشي 301: 821 ، فهرست الطوسي 192: 543.

أبو عبدالله(علیه السلام): «ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم»(1). فإنّ ما يقع في أيديهم من الأرباح والأموال والتجارات يشمل ما يصل إليهم من المخالفين الذين لا يعتقدون بالخمس، كما يشمل ما يكون عن تحصيل وكسب، وقول الإمام(علیه السلام): «ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم» عبارة أخرى عن التحليل.

والمذكور لهذه الرواية في الوسائل سندان:

أوّلهما: سند الصدوق إلى يونس بن يعقوب، وإسناده إليه - على ما في مشيخة الصدوق -: أبي رضي الله عنه، عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحكم بن مسكين، عن يونس بن يعقوب البجلي(2).

وفيه الحكم بن مسكين وهو مجهول، إلّا أنّه يمكن الحكم بوثاقته من جهة وروده في أسانيد كتاب نوادر الحكمة(3)، ورواية المشايخ الثقات عنه(4)، هذا مضافاً إلى ورود الرواية في الفقيه فيمكن تصحيحها بذلك.

ثانيهما: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار فالرواية معتبرة بكلا سنديها.

ص: 407


1- 555.من لا يحضره الفقيه 2: 44 ، الحديث 1661 ، وورد في تهذيب الأحكام 4: 121 ، الحديث 388 ، والاستبصار 2: 79 ، الحديث 194 مع اختلاف يسير فيهما ، ووسائل الشيعة 9: 545 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 6.
2- 556.من لا يحضره الفقيه 4: 452 المشيخة.
3- 557.الاستبصار 3: 97، الحديث 219، وأُصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 1: 220.
4- 558.الكافي 2: 197 كتاب الإيمان والكفر باب إدخال السرور على المؤمنين الحديث 12، وأُصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 2: 189.

ومنها: رواية داود بن كثير الرقي عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: سمعته يقول: «النّاس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا إلّا أنّا أحللنا شيعتنا من ذلك»(1).

وهي وإن قيل بأنّها غير معتبرة بأسانيدها الثلاثة، فتكون مؤيّدة ولكن يمكن القول باعتبارها بسند التهذيب؛ فإنّ يحيى بن عمر أو يحيى بن عمران قد ورد في نوادر الحكمة هذا مضافاً إلى ورودها في الفقيه.

الطائفة الثانية: ما دلّ على تحليل الفيء والغنائم التي تصل إلى الشيعة من أيدي المخالفين:منها: معتبرة الفضيل عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «من وجد برد حبّنا في كبده فليحمد الله على أوّل النعم» ، قال: قلت: جعلت فداك، ما أوّل النعم؟ قال: «طيب الولادة» ثم قال أبو عبد الله(علیه السلام): «قال أمير المؤمنين(علیه السلام) لفاطمة÷: أحلّي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا» ثم قال أبو عبد الله(علیه السلام): «إنّا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا» (2) ، وهي معتبرة وإن كان الفضيل مشتركاً بين ابن يسار وابن عثمان الأعور وابن عياض، لكونهم جميعاً من الثقات، والظاهر أنّ المراد به هنا هو الأوّل.

ومنها: رواية عبد العزيز بن نافع قال: طلبنا الإذن على أبي عبد الله(علیه السلام)

ص: 408


1- 559.علل الشرائع 2: 377 الباب 106، الحديث 3، ومن لا يحضره الفقيه 2: 45، الحديث 1664 مع اختلاف يسير، وتهذيب الأحكام 4: 121، الحديث 387 ، والاستبصار 2: 78، الحديث 193، ووسائل الشيعة 9: 546 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 7.
2- 560.تهذيب الأحكام 4: 126 ، الحديث 400 ، ووسائل الشيعة 9: 547 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 10.

وأرسلنا إليه، فأرسل إلينا: ادخلوا اثنين اثنين، فدخلت أنا ورجل معي، فقلت للرجل: أُحبّ أن تستأذن بالمسألة، فقال: نعم، فقال ل-ه: جعلت فداك، إنّ أبي كان ممّن سباه بنو أُميّة، وقد علمت أنّ بني أُميّة لم يكن لهم أن يحرّموا ولا يحلّلوا، ولم يكن لهم ممّا في أيديهم قليل ولا كثير، وإنّما ذلك لكم، فإذا ذكرت [رد] الذي كنت فيه دخلني من ذلك ما يكاد يفسد عليّ عقلي ما أنا فيه، فقال ل-ه: «أنت في حلّ ممّا كان من ذلك، وكلّ من كان في مثل حالك من ورائي فهو في حلّ من ذلك...» (1) ، فقد حلّل(علیه السلام) الفيء الواصل إلى الشيعة من قبل المخالفين.

وهذه الرواية ضعيفة بعبد العزيز بن نافع فإنّه لم يوثّق، فتكون مؤيّدة لما سبق.

ومنها: معتبرة أبي حمزة عن أبي جعفر(علیه السلام) - في حديث - قال: «إنّ الله جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء، فقال تبارك وتعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (2) فنحن أصحاب الخمس والفيء، وقد حرّمناه على جميع النّاس ما خلا شيعتنا، والله يا أبا حمزة، ما من أرضٍ تفتح ولا خمس يخمّس فيضرب على شيء منه إلّا كان حراماً على من يصيبه فرجاً كان أو مالاً...» الحديث(3).

ص: 409


1- 561.الكافي 1: 625 كتاب الحجة باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 15، ووسائل الشيعة 9: 551 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 18.
2- 562.سورة الأنفال: 41.
3- 563.تقدم تخريجها في شرح قول الماتن «مسألة 19 إذا انتقل إلى الشخص مال... »

وهذه الرواية وإن ورد فيها الخمس إلّا أنّ الموضوع فيها هو الفيء، ومن المعلوم انتقاله من المخالفين لبعض الشيعة، والإمام(علیه السلام) قد أحلّه للشيعة بعدما حرّمه على من عداهم.

وهي معتبرة وإن كان في سندها علي بن العباس وغيره من المجاهيل إلّا أنّا قدّمنا امكان تصحيحها قريباً (1).

ومنها: ما عن التفسير المنسوب لمولانا العسكري(علیه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين(علیه السلام) أنّه قال لرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): قد علمت يا رسول الله أنّه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر فيستولى على خمسي (من السبي) والغنائم، ويبيعونه فلا يحلّ لمشتريه لأنّ نصيبي فيه، فقد وهبت منه كل من ملك شيئاً من ذلك من شيعتي لتحلّ لهم منافعهم من مأكل ومشرب، ولتطيب مواليدهم ولا يكون أوّلاًدهم أوّلاًد حرام، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «ما تصدّق أحد أفضل من صدقتك، وقد تبعت رسول الله في فعلك، أحلّ الشيعة كل ما كان فيه من غنيمة وبيع من نصيبه على واحد من شيعتي، ولا أحلّها أنا ولا أنت لغيرهم» (2).

ومنها: ما عن تفسير علي بن إبراهيم، قال: قال أمير المؤمنين(علیه السلام): «إنّ فلاناً وفلاناً غصبونا حقّنا، واشتروا به الإماء وتزّوجوا به النساء، ألا وإنّا قد جعلنا شيعتنا من ذلك في حلّ، لتطيب مواليدهم»(3).

ص: 410


1- 564.في شرح قول الماتن «مسألة 19 إذا انتقل إلى الشخص مال.... »
2- 565.وسائل الشيعة 9: 552 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 20.
3- 566.تفسير القمي: 595 سورة الزمر الآية 73، مستدرك الوسائل 7: 302 الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 2.

إلى غير ذلك من الروايات(1).

الطائفة الثالثة: ما دلّ على تحليل خصوص الخمس:

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام) أنّه قال: «إنّ أمير المؤمنين(علیه السلام) حلّلهم من الخمس - يعني الشيعة - ليطيب مولدهم» (2).

ومنها: صحيحة علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر(علیه السلام) من رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله ومشربه من الخمس، فكتب بخطه: «من أعوزه شيء من حقّي فهو في حلّ» (3) ، وهي واضحة الدلالة إلّا أنّها مقيّدة بالإعواز.

ومنها: صحيحة ضريس الكناسي قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «أتدري من أين دخل على النّاس الزنا؟» فقلت: لا أدري، فقال: «من قبل خمسنا أهل البيت، إلّا لشيعتنا الأطيبين فإنّه محلّل لهم ولميلادهم» (4).

ص: 411


1- 567.مستدرك الوسائل 7: 302- 303 الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 1 و 3.
2- 568.علل الشرائع 2: 377 الباب 106 ، الحديث 1 ، ووسائل الشيعة 9: 550 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 15.
3- 569.تهذيب الأحكام 4: 126 ، الحديث 399 ، ووسائل الشيعة 9: 543 الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) الحديث 2.
4- 570.تهذيب الأحكام 4: 120، الحديث 382، والاستبصار 2: 77، الحديث 188، ووسائل الشيعة 9: 544 الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختّص بالإمام(علیه السلام) الحديث 3.

ومنها: معتبرة محمّد بن مسلم عن أحدهما(علیهما السلام) قال: «إنّ أشد ما فيه النّاس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا رب خمسي، وقد طيّبنا (حلّلنا) ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم ولتزكوا ولادتهم» (1).

وأمّا السند: فقد رواها الشيخ في كتابيه بسند فيه صباح الأزرق، وهو لم يوثّق صريحاً، ولكن يمكن توثيقه لرواية صفوان بن يحيى عنه(2)، وهو مشتمل أيضاً على محمّد بن سنان المضعّف، لكن التحقّيق وثاقته، فالسند معتبر.

وبه يتّضح القول في سند الكليني لأنّه أيضاً مشتمل على محمّد بن سنان.

وأمّا سند المفيد(3) ففيه إرسال.

وأمّا سند الشيخ الصدوق إلى محمّد بن مسلم فهو: عن علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جده أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمّد بن خالد، عن العلاء بن رزين عن محمّد بن مسلم(4).

أمّا علي بن أحمد المذكور فهو من مشايخ الشيخ الصدوق وقد ترضّى

ص: 412


1- الكافي 1: 626 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 20، ومن لا يحضره الفقيه 2: 43 ، الحديث 1656، وورد في تهذيب الأحكام 4: 120، الحديث 381، والاستبصار 2: 77، الحديث 187 وفيهما «ليزكو أوّلاًدهم» بدل «لتزكو ولادتهم»، ووسائل الشيعة 9: 545 الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) الحديث 5 وفيه «لتزكو أوّلاًدهم».
2- 572.الكافي 1: 347 كتاب الحجة باب ما نصّ الله عزوجل ورسوله على الأئمة واحداً فواحداً، الحديث7 وأصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 2: 196.
3- 573.المقنعة: 280 باب الزيادات.
4- 574.من لا يحضره الفقيه 4: 424 ، المشيخة.

عنه، والترضّي علامة الوثاقة، ،وأمّا أحمد الأوّل فلم يرد فيه توثيق، ولكنّه لا يضر باعتبار السند، فإنّ الشيخ الصدوق يروي في مشيخة الفقيه عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي بطريقين معتبرين والشيخ الطوسي أيضاً يروي جميع كتب وروايات أحمد بن أبي عبد الله البرقي بطريق معتبر.(1)

ومنها: ما عن إسحاق بن يعقوب فيما ورد عليه من التوقيعات بخطّ صاحب الزمان(علیه السلام): «أمّا ما سألت عنه من أمر المنكرين لي - إلى أن قال: - وأمّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلّ منها شيئاً فأكله فإنّما يأكل النيران، وأمّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حلّ إلى أن يظهر أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث»(2).

ودلالتها على المطلوب واضحة، إلّا أنّ الكلام في سندها لوجود إسحاق بن يعقوب، فإنّه لم يوثّق.

إلّا أنه يمكن القول باعتبارها لوجود قرائن تفيد صحتها: منها اشتمالها على ثمانية وعشرين أمراً مهمّا، ومنها: ورود جرح ومدح بعض الأشخاص، فلو لم تكن صحيحة لاعترض عليها. ومنها: موافقتها للروايات في المضمون، فمن هذه القرائن وغيرها يمكن استكشاف صحة الرواية، وإلاّ فهي بحسب السند غير معتبرة.

ومنها: معتبرة عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «على كل امرىء غنم أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة ÷ ، ولمن يلي أمرها من

ص: 413


1- 575.من لا يحضره الفقيه 4: 459 ، المشيخة.
2- 576.وسائل الشيعة 9: 550 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 16.

بعدها من ذريّتها الحجج على النّاس... إلّا من أحللنا من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة...» (1).

ومنها: رواية حكيم مؤذن ابن عيسى عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: قلت ل-ه: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} (2) قال: «هي والله الإفادة يوماً بيوم إلاّ أنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلٍّ ليزكوا»(3) وفي سندها حكيم المؤذن، وهو لم يوثّق.

ومنها: رواية فيض بن أبي شيبة عن رجل عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إنّ أشد ما يكون النّاس حالاً يوم القيامة إذا قام صاحب الخمس فقال: يا ربّ خمسي، وإنّ شيعتنا من ذلك لفي حلّ» (4).

الطائفة الرابعة: ما دلّ على وجوب إخراج الخمس وعدم التحليل.

منها: معتبرة أبي بصير عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: سمعته يقول: «من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره الله، اشترى ما لا يحلّ له»(5).

ص: 414


1- 577.تهذيب الأحكام 4: 107 ، الحديث 347 ، والاستبصار 2: 73 ، الحديث 180، ولكن ورد فيها (من ورثتها) بدل (من ذريّتها) ، ووسائل الشيعة 9: 503 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.
2- 578.سورة الأنفال: 41.
3- 579.وسائل الشيعة 546:9 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، ح8.
4- 580.تفسير العياشي 2: 67 سورة الأنفال الحديث 59، ووسائل الشيعة 9: 553 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، ا لحديث 22 مع اختلاف يسير.
5- 581.وسائل الشيعة 484:9 ، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح5.

والظاهر أنّها معتبرة، فإنّ المراد بالحسين في السند هو ابن سعيد الذي يروي عنه أحمد بن محمّد، كما أنّ المراد بالقاسم هو ابن محمّد الجوهري الثقة.وللرواية سند آخر لم يذكره صاحب الوسائل هنا، وذكره في باب اشتراط اختصاص البائع بملك المبيع، وصورته هكذا: الحسين بن سعيد عن فضالة عن أبان(1)، وهي بهذا السند معتبرة بلا ريب.

ومنها: رواية أُخرى لأبي بصير عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «كل شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله فإن لنا خمسه، ولا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقّنا» (2).

وفي سندها البطائني الضعيف، ويمكن تصحيحها بما تقدّم.

ومنها: صحيحة علي بن مهزيار قال: كتب إليه أبو جعفر(علیه السلام) - وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة - قال: «الذي أوجبت في سنتي هذه - إلى أن قال: - فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام... فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصل (فليوصله) إلى وكيلي» (3).

ومنها: صحيحة أُخرى لعلي بن مهزيار وفيها: «فقال: يجب عليهم

ص: 415


1- 582.وسائل الشيعة 369:17 ، الباب 21 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 6.
2- 583.وسائل الشيعة 9: 487 ، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
3- 584.تهذيب الأحكام 4: 124 ، الحديث 397، والاستبصار 2: 80 ، الحديث 198 مع اختلاف يسير، وسائل الشيعة 9: 501 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5 مع اختلاف يسير.

الخمس... إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» (1).

ومنها: رواية علي بن محمّد بن شجاع النيسابوري، أنّه سأل أبا الحسن الثالث(علیه السلام) - إلى أن قال: - «لي منه الخمس ممّا يفضل من مؤونته»(2).

ومنها: معتبرة يزيد قال: كتبت جعلت لك الفداء، تعلمني ما الفائدة وما حدّها؟ رأيك أبقاك الله أن تمنّ عليّ ببيان ذلك لكي لا أكون مقيماً على حرام لا صلاة لي ولا صوم، فكتب: «الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام أو جائزة» (3). ودلالتها على عدم التحليل بتقرير الإمام(علیه السلام) لما كان عليه السائل.

وأحمد بن محمّد بن عيسى بن يزيد - كما في نسخة - غلط والظاهر وقوع التحريف فيه، والصحيح هو (عن يزيد) وهو يزيد بن إسحاق شعر، الذي يروي عنه أحمد بن محمّد بن عيسى كثيراً، وهو وإن لم يوثّق توثيقاً خاصّاً إلّا أنّه موجود في أسانيد كتاب نوادر الحكمة(4)، فهو ثقة كما هو التحقّيق.

ص: 416


1- 585.وسائل الشيعة 9: 500 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
2- 586.الاستبصار 2: 25 ، الحديث 48 ، ووسائل الشيعة 9: 500 الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث2.
3- 587.الكافي 1: 624 كتاب الحجّة، باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 12، وسائل الشيعة 9: 503 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7 مع اختلاف يسير.
4- 588.تهذيب الأحكام 7: 73 الحديث 341، وانظر: أُصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 1: 243، الكافي 1: 627 كتاب الحجّة باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس الحديث 25، ورواها مع اختلاف يسير في تهذيب الأحكام 4: 122 ، الحديث 394، والاستبصار 2: 79 ، الحديث 195.

ومنها: صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع (وابعث) إلينا الخمس» (1) ، وهي واضحة الدلالة، وإن كان موردها خاصاً.

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله(علیه السلام): في الرجل من أصحابنا يكون في أوانهم (لوائهم) فيكون معهم فيصيب غنيمة، قال: «يؤدي خمسنا (خمسها) ويطيب له» (2).

ومنها: روايتا محمّد بن زيد الطبري، فقد جاء في الأوّلى: «لا يحلّ مال إلّا من وجه أحلّه الله، إنّ الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته فلا تزووه عنّا...» (3).

وجاء في الثانية: أنّ قوماً قدموا من خراسان على أبي الحسن الرضا(علیه السلام) وسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس، فقال: «... لا نجعل لا نجعل لا نجعل لأحد منكم في حلّ» (4).

ص: 417


1- 589.وسائل الشيعة 9: 487 ، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
2- وسائل الشيعة 9: 488 ، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.
3- 591.وسائل الشيعة 9: 538 الباب 3 من ابواب الأنفال وما يختصّ بالامام(علیه السلام) الحديث 2 مع اختلاف يسير.
4- 592.تهذيب الأحكام 4: 123 ، الحديث 395، والاستبصار 2: 79 ، الحديث 196، الكافي 1: 628 كتاب الحجّة باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس، الحديث 26، ورواها الشيخ الطوسي مع اختلاف يسير في وسائل الشيعة 9: 539 ، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 3.

وهما واضحتا الدلالة، إلّا أنّهما ضعيفتا السند لاشتمالهما على سهل، ولم يعلم أسناد محمّد بن الحسن إلى محمّد بن زيد الطبري، كما أنّه لم يوثّق، وإن كان خادماً للإمام الرضا(علیه السلام) ، إلّا أنّ هذا بمجرّده لا يوجب الوثاقة.

ومنها: معتبرة إبراهيم بن هاشم قال: كنت عند أبي جعفر الثاني(علیه السلام) إذ دخل عليه صالح بن محمّد بن سهل وكان يتولّى ل-ه الوقف بقم، فقال: يا سيدي، اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ، فإنّي قد أنفقتها، فقال ل-ه: «أنت في حلّ» ، فلما خرج صالح قال أبو جعفر(علیه السلام): «أحدهم يثب على أموال (حقّ) آل محمّد وأيتامهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذها ثم يجيء فيقول: اجعلني في حلّ، أتراه ظنّ أنّي أقول: لا أفعل، والله ليسألنّهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً» (1) ، فإنّ ظاهرها في الخمس، وأنّ المصروف كان من الخمس، ولو كان حلالاً لما كان لكلام الإمام(علیه السلام) معنى، ولا لسؤال الله سبحانه وتعالى مجال.

ومنها: رواية الحسن بن عبد الله بن حمدان عن عمّه الحسين - في حديث - عن صاحب الزمان(علیه السلام): «... تحمل خمسه إلى مستحقّه» قال: فقلت: السمع والطاعة، ثم ذكر في آخره أنّ العمري أتاه وأخذ خمس ماله بعدما أخبره بما كان(2).

ص: 418


1- 593.تهذيب الأحكام 4: 123 ، الحديث 396، وسائل الشيعة 9: 537 ، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 1.
2- 594.تفسير العياشي 2: 67 تفسير سورة الأنفال، الحديث 60 ، ووسائل الشيعة 9: 541 ، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 9.

ومنها: رواية العيّاشي في تفسيره عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئاً أن يقول: يا ربّ، اشتريته بمالي، حتى يأذن ل-ه أهل الخمس» (1).

ومنها: رواية عيسى بن المستفاد عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه(علیهما السلام) أنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال لأبي ذر وسلمان والمقداد: «... وإخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من النّاس حتى يرفعه (يدفعه) إلى ولي المؤمنين وأميرهم، ومن بعده من الأئمة من ولده...» (2).

وأمّا وجه الجمع بين هذه الطوائف الأربع، فقد ذكرت عدّة وجوه:

أحدها: أنّ التحليل مختصّ بزمان أمير المؤمنين والصادقين(علیهم السلام) لورود الروايات في أزمنتهم، وعدمه بالنسبة إلى أزمنة الأئمّة المتأخرين عنهم، فلابدّ من الأخذ بالمتأخر.

الثاني: اختصاص التحليل بحقّ الإمام(علیه السلام) دون مطلق الخمس.

الثالث: اختصاصه بالأرباح.

الرابع: اختصاصه بمن لم يتمكّن من إيصال حقّهم إليهم(علیهم السلام).

الخامس: اختصاصه بالمناكح والمتاجر.

ص: 419


1- 595.وسائل الشيعة 9: 542 ، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 11.
2- 596.تفسير العياشي 2: 67 تفسير سورة الأنفال ، الحديث 60 ، وسائل الشيعة 9: 553 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 21.

إلى غير ذلك من الوجوه التي صارت مورداً للنقاش.

والوجه الأقوى هو ما ذكره المشهور من أنّ مورد أخبار التحليل هو ما إذا كان الخمس متعلّقاً بما في أيدي الكفار والمخالفين، وانتقل إلى الشيعي بالهبة أو الشراء أو الإرث وأمثال ذلك، فهذا المال محلّل للشيعي فيجوز ل-ه التصرّف فيه، وإن علم بأنّه كان متعلّقاً للخمس، فله المهنأ وعلى مَن انتقل منه الوزر، بلا فرق بين المناكح والمساكن والمتاجر وبين غيرها، فإنّ شمول أخبار التحليل لها - كما قيل - من المسلّمات، بل الظاهر من البيان للشهيد(1) أنّه أطبق على ذلك الإماميّة، والمخالف في البين منهم هما الإسكافي والحلبي - على ما نسب إليهما(2).

وأمّا مورد نفي التحليل فهو ما إذا كان الخمس متعلّقاً بما في يد الإمامي ممّا ملكه، فلابدّ ل-ه من إخراج الخمس.

وتظهر قوّة هذا الوجه من التقسيم الذي ذكرناه لطوائف الأخبار، فإنّ الطائفة الأوّلى مطلقة قابلة للحمل على الطائفة الثانية الخاصّة بالفيء والأنفال، والتعارض إنّما هو بين الطائفتين الثالثة والرابعة، ويمكن الجمع بينهما بمفاد الطائفة الثانية، فتكون شاهدة جمع بين الطائفتين، كما أنّ صريح الطائفة الرابعة أو ظاهرها عدم التحليل والإباحة وتحمل على غير ما كان في أيديهم، وبذلك يحصل التوفيق بين هاتين الطائفتين ويرتفع التنافي بينهما.

ثم إنّه على فرض التنزّل والقول بعدم صحة هذا الجمع وبقاء التعارض

ص: 420


1- 597.البيان: 351.
2- 598.انظر مستمسك العروة الوثقى 9: 596.

يقع الكلام في لابديّة تقديم الطائفة الرابعة الدالّة على عدم التحليل ووجوب الخمس من جهة موافقتها للكتاب المجيد ومخالفتها للعامّة حيث إنّهم أنكروا وجوب الخمس في الأرباح.

ويؤيّد ذلك موافقتها للشهرة والاعتبار؛ حيث إنّ الخمس جُعل عوضاً عن الزكاة ومقتضى الحكمة من تشريعه هو سدّ حاجة المحتاجين من بني هاشم، ومن الوضوح بمكان منافاة التحليل المطلق لهذا الغرض المهم.

ويؤيّده ما ورد في قضيّة التقي الصالح الحاج علي البغدادي على ما ذكره المحدّث النوري(قدس سره) في كتابه النجم الثاقب بلا واسطة ومعها، وقال بأنّه لو لم يكن في هذا الكتاب الشريف إلّا هذه الحكاية المتقنة الصحيحة التي فيها فوائد كثيرة - وقد حدثت في وقتقريب - لكفت في شرفه ونفاسته، فقد جاء فيها قول الحجّة(علیه السلام): «نعم قد أوصلت بعضاً من حقّنا إلى وكلائنا في النجف الأشرف» (1) ، وهذا يؤيّد ثبوت الحقّ في زمان الغيبة.

وعلى فرض التسليم والقول بعدم الترجيح بين الطائفتين، يصار إلى القول بالتساقط، والرجوع إلى الأصل اللفظي وهو إطلاق الكتاب، وإطلاق أدلّة وجوب الخمس، ومقتضاها عدم التحليل.

وعلى فرض التنزّل والقول بعدم إطلاق الأصل اللفظي، فإنّ مقتضى الأصل العملي أيضاً عدم التحليل، وهو استصحاب الحقّ الثابت قبل أخبار التحليل.

ص: 421


1- 599.النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجة الغائب (عجّل الله فرجه) 2: 150-154 الباب السابع، الحكاية الحادية والثلاثون.

ثم إنّه يترتّب على ما ذكرناه فروع:

أحدها: أنّ مقتضى الجمع الذي ذكرناه هو تحليل ما ينتقل للشيعي من المخالف فيما إذا كان حقّ الإمام(علیه السلام) فيه، سواء كان الانتقال بالهبة أم بالتجارة أم بالإرث أم بغير ذلك. هذا إذا كان الحقّ متعلّقاً بالعين.

وأمّا لو كان الحقّ في ذمّة المخالف لا في العين، كما إذا أتلف المال الذي تعلّق به الخمس، وصار الخمس في ذمّته، فمات وانتقل إرثه إلى الإمامي، فحينئذٍ يجب دفع مقدار الخمس الذي صار في ذمّته من تركته قبل تقسيمها على ورثته، وذلك بمقتضى لزوم إخراج الدين من التركة قبل تقسيمها على الورثة، وحيث إنّ الميّت مشغول الذمّة بالخمس فلابد من إخراجه كسائر الديون من تركته، فهو لم ينتقل إلى الورثة لكي يقال باندراجه في نصوص التحليل.

وقد يقال: إنّ مقتضى ما في معتبرة أبي خديجة عن أبي عبد الله(علیه السلام) - من قول السائل: إنّما يسألك خادماً يشتريها أو امرأة يتزوّجها أو ميراثاً يصيبه أو تجارة أو شيئاً أعطاه، فقال: «هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم والغائب والميّت منهم والحي وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال»(1)- العموم لما كان متعلّقاً لحقّ الخمس ولما كان متعلّقاً لحقّ الديّان، فالمال حلال للشيعة إذا وصل إليهم من المخالف، بغض النظر عن جهة الحرمة.

ص: 422


1- 600.تهذيب الأحكام 4: 120 ، الحديث 383 ، الاستبصار 2: 77 ، الحديث 189 مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 9: 544 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 4 مع اختلاف يسير.

إلّا أنّ هذه الدعوى ممنوعة، حيث إنّ الظاهر منها ومن بقيّة روايات التحليل هو إباحة أموال المخالفين التي تعلّق بها حقّهم(علیهم السلام) ، فحلّية أموالهم وجواز التصرّف فيها إذا انتقلت للشيعي بسبب ناقل مخصوص بما إذا كانت حرمة التصرّف من جهة وجود حقّهم(علیهم السلام) فيها، لا ما إذا كان التصرّف محرّماً من غير هذه الجهة، كما إذا كان متعلّقاً واقعاً بسائر الديون غير الخمس، فإنّه لابد من إخراجها ثم تقسيم باقي التركة على الورثة.

والقول بعدم الفرق بين الحقّ الثابت في العين والحقّ الثابت في الذمّة هو قول بلا وجه، فإنّ الحكم بالتحليل لمّا كان على خلاف القاعدة فلابد من الاقتصار فيه على مورد قيام الدليل، وهو صورة كون المال بنفسه متعلّقاً للخمس، وأمّا غيره فلا دليل عليه.

الثاني: هل يختصّ التحليل المذكور بما إذا كان المنتقل عنه ممّن لا يعتقد بالخمس أصلاً كالمخالف والكافر، أم أنّه يعمّ مطلق من لم يخمّس ولو عصياناً مع كونه معتقداً بالخمس كفسّاق الشيعة؟

المشهور هو الأوّل، ولكن السيّد الأستاذ اختار الثاني واستدلّ على ذلك بإطلاق صحيحتي يونس بن يعقوب(1)، وسالم بن مكرّم(2)، فإنّ المذكور فيهما وقوع الأموال في الأيدي أو الشراء أو إصابة الإرث ونحوه، ويجمعها انتقال ما فيه الخمس من الغير سواء أكان ذلك الغير الممتنع عن دفع الخمس معتقداً فاسقاً أم مخالفاً منكراً.

ص: 423


1- 601.وسائل الشيعة 545:9 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 6.
2- 602.وسائل الشيعة 9: 544 ، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 4.

ودعوى أنّ جميع الشيعة كانوا يخمّسون أموالهم في زمانهم(علیهم السلام) ، غير مسموعة، إذ هي غير بيّنة ولا مبيّنة، بل الظاهر أنّ الأزمنة متشابهة والقرون متقاربة، ويتضمّن كل عصر مع هداية السبيل شاكراً وكفوراً، فيؤدّي الخمس طائفة ولا يؤدّيه طائفة أُخرى كما هو المشاهد في العصر الحاضر، وعلى هذا لا مقيّد لإطلاق الصحيحتين(1).

ولكن يرد على ما ذكره(قدس سره): أنّ الظاهر من هاتين الصحيحتين مع ملاحظة روايات الطائفة الثانية إرادة خصوص ما يقع في الأيدي من الكفار والمخالفين الذين لا يعتقدون بالخمس لا مطلق من لا يؤدي الخمس، فدعوى الإطلاق في المقام غير تامّة.نعم، يمكن أن يقال بذلك في خصوص المناكح - وقد ادعى المحقّق النراقي في المستند أنّ على حليّتها جمهور الأصحاب (2) - من جهة أنّ المستفاد من مجموع الروايات الواردة في المقام الاهتمام الكبير من الأئمة(علیهم السلام) بشأن شيعتهم وبخصوص طيب ولادتهم، وعدم رضاهم(علیهم السلام) بخبث ولادة شيعتهم، وإن كانوا عصاة، فلا يبعد أنّهم(علیهم السلام) حلّلوا حقّهم لتحقّيق هذا الغرض المهم فيما إذا كانت الجواري بنفسها متعلّقة للخمس أو اشتريت بالمال غير المخمّس، أو جعل المال المذكور مهراً لها أو لغير الجواري من النّساء بناء على كونه مؤثراً في طيب الولادة فلا فرق بين كون المنتقل عنه ممّن لا يعتقد بالخمس أصلاً وبين كونه معتقداً عاصياً.

ص: 424


1- 603.المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 354.
2- 604.مستند الشيعة 10: 121.

هذا، وإن كان مقتضى الاحتياط هو الاقتصار على قول المشهور وعدم التعدّي عنه.

الثالث: إنّه على فرض التعدّي والقول بالتحليل لما ينتقل إليه من المعتقد العاصي، فهل يقتصر التحليل والإباحة على مقدار ما يحصل به طيب الولادة، أو أنّ التحليل يكون لجميع التصرّفات؟

الظاهر هو التفصيل في ذلك بين ما إذا كان التعدّي من جهة الإطلاق وبين كونه من جهة تنقيح المناط. فإنّه بناء على كونه من جهة الإطلاق فالتحليل مطلق وشامل لجميع التصرّفات على ما هو ظاهر الروايات، وإن كانت الحكمة في ذلك هي طيب الولادة.

وأمّا بناء على الثاني فلابد من الاقتصار على القدر المتيقّن وهو التحليل بمقدار التصرّف في المناكح، وأمّا سائر التصرّفات فهي باقية على حرمتها، وكذلك الضمان، ووجوب إخراج المقدار المتعلّق لأرباب الخمس من المال.

هذا تمام الكلام في كتاب الخمس ، والحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله على سيّدنا ونبيّنا محمد وآله الطاهرين.

ص: 425

ص: 426

المصادر

1- الإجازة الكبيرة إلى الشيخ ناصر الجارودي القطيفي

الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي البحراني، تحقيق: الشيخ مهدي العوازم القطيفي، الناشر: المحقّق، الطبعة الأوّلى / 1419 ه-

2- أحكام القرآن

أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصّاص (ت370 ه-) تحقيق: عبد السلام محمد علي شاهين، الناشر: دار الكتب العلميّة - بيروت ، الطبعة الأولى/ 1415 ه- 1994 م.

3- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، الشيخ المفيد (ت 413

ص: 427

ه-)، تحقيق: مؤسسة آل البيت(علیهم السلام) لتحقّيق التراث، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، الطبعة الثانية / 1414 ه- 1993 م.

4- أزمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة

د. أسعد القاسم (معاصر) ، الناشر: الغدير للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، الطبعة الأولى/ 1418 ه- 1997 م.

5- الاستذكار

ابن عبد البر (ت463 ه-) ، تحقيق: سالم محمد عطا - محمد علي معوض، الناشر: دار الكتب العلميّة - بيروت، الطبعة الأولى/ 2000 م.

6- الاستيعاب في معرفة الأصحاب

ابن عبد البر (ت463) ، تحقيق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار الجيل بيروت، الطبعة الأولى / 1412 ه-

7- الإصابة في تمييز الصحابة

الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 ه-) ، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود - الشيخ علي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلميّة - بيروت ، الطبعة الأولى / 1415 ه- 1995 م.

8- الاُم

أبو عبد الله محمّد بن إدريس الشافعي (ت 204 ه-)، الناشر: دار الفكر

ص: 428

للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، الطبعة الأوّلى / 1422 ه- 2002 م.

9- الأمالي

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الشيخ الصدوق (ت 381 ه-)، تحقيق ونشر: قسم الدراسات الإسلاميّة مؤسسة البعثة، طهران، الطبعة الأوّلى / 1417 ه-

10- الأوائل للعسكري

أبي هلال الحسن بن عبدالله بن سهل العسكري (ت نحو 395 ه- ) ، الناشر: دار البشير طنطا، الطبعة الأوّلى / 1408 ه-

11- إيضاح الفوائد في شرح القواعد

الفقيه الأعظم والهمام المعظّم فخر المحقّقين الشيخ أبو طالب محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلي (ت 771 ه- )، نمّقه وعلّق عليه وأشرف على طبعه: السيد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي پناه الاشتهاردي والشيخ عبد الرحيم البروجردي، طبع بأمر آية الله العظمى السيد محمود الشاهرودي، الطبعة الأوّلى / 1387 ه-المطبعة العلميّة بقم.

12- الاحتجاج

العلامة الخبير أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي من علماء القرن السادس، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري والشيخ محمّد هادي به، الناشر: انتشارات أسوة التابعة لمنظمة الأوقاف والشؤون الخيريّة، قم المقدسة

ص: 429

- إيران، الطبعة الأوّلى / 1413 ه-

13- اختيار معرفة الرجال المعروف ب- (رجال الكشي)

أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه- ) ، تحقيق وتصحيح: محمّد تقي فاضل الميبدي والسيد أبو الفضل الموسويان، الناشر: مؤسسة الطباعة والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، الطبعة الأوّلى/ 1382 ش.

14- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار

شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه- )، تحقيق العلامة الشيخ محمّد جواد الفقيه، فهرسة وتصحيح: الدكتور يوسف البقاعي، الناشر: دار الأضواء، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية / 1413 ه- 1992 م.

15- أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق

تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري (معاصر، مؤلف هذا الكتاب)، تقرير الشيخ محمد علي المعلّم، الناشر: مؤسسة فرهنگی صاحب الأمر، الطبعة الثالثة / 1429 ه- 2008 م.

16- الانتصار

الشريف المرتضى علم الهدى علي بن الحسين الموسوي البغدادي (ت 436 ه-)، نشر وتحقّيق: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة / 1415 ه-

ص: 430

17- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار

العَلَم العلامة الحجة فخر الأمة المولى الشيخ محمّد باقر المجلسي (ت 1111) ، الناشر: مؤسسة الوفاء، بيروت - لبنان ، الطبعة الثانية / 1403 ه- 1983 م.

18- بحوث في الفقه كتاب الخمس

السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (معاصر)، نشر وتحقّيق: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت(علیهم السلام) ، قم المقدسة، الطبعة الثانية / 1425 ه- 2005 م.

19- البرهان في تفسير القرآن

العلاّمة السيد هاشم البحراني (ت 1107 ه-) ، تحقيق: لجنة من العلماء والمحقّقين الأخصّائيين، الناشر: مؤسسة دار المجتبى للمطبوعات - قم، الطبعة الأوّلى المحقّقة/ 1428 ه- 2007 م.

20- بصائر الدرجات في مناقب آل محمّد

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فروخ الصفار (ت 290 ه-)، الناشر: طليعة النور، قم المقدسة - إيران، الطبعة الأوّلى / 1384 ش.

21- البيان

محمّد بن مكي الجزيني العاملي، الشهيد الأوّل (ت 786 ه-)، تحقيق: محمّد الحسون، الناشر: محقّق، الطبعة الأوّلى / 1412 ه-

ص: 431

22- تاج العروس من جواهر القاموس

السيد محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي (ت 1205 ه- )، تحقيق: محمود محمّد الطناحي، راجعه: مصطفى حجازي وعبد الستار أحمد فراج، الناشر: دار الهداية للطباعة والنشر.

23- تاريخ الاُمم والملوك

أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ( ت310 ه-) تحقيق: نخبة من العلماء الأجلّاء، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت لبنان.

24- تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإماميّة

جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر المعروف بالعلامة الحلي (ت 726 ه-)، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، الناشر: مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) ، قم المقدسة - إيران ، الطبعة الأوّلى / 1420 ه-

25- التحصين لأسرار ما زاد من أخبار كتاب اليقين

السيد رضي الدين علي بن طاووس الحلي (ت 664 ه-) تحقيق: الانصاري، الناشر: مؤسسة دار الكتاب (الجزائري)، الطبعة الأولى/ 1431 ه-

26- تحف العقول عن آل الرسول

أبو محمّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني من أعلام القرن الرابع، تحقيق: الشيخ علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة، الطبعة السابعة / 1425 ه-

ص: 432

27- تذكرة الفقهاء

العلامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهّر (ت 726 ه-)، نشر وتحقّيق: مؤسسة آل البيت(علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأوّلى / 1414 ه-

28- تصحيفات المحدثين

أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري (ت 382 ه-) ، تحقيق: محمود أحمد ميرة، الناشر: المطبعة العربيّة الحديثة القاهرة، الطبعة الأولى / 1402 ه- 1982 م.

29- تفسير البحر المحيط

أبو حيّان الأندلسي (ت 745 ه-) ، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود - الشيخ علي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلميّة - بيروت، الطبعة الأولى/ 1422 ه- 2001 م.

30- التفسير الحديث

محمد عزت دروزة (ت1404 ه-) ، الناشر: دار إحياء الكتب العربيّة، الطبعة الثانية / 1383 ه-

31- تفسير العيّاشي

محمد بن مسعود العيّاشي ( ت320 ه-) ، تحقيق: السيد هاشم الرسولي المحلّاتي، الناشر: المكتبة العلميّة الاسلاميّة - طهران.

ص: 433

32- تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن

أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (ت 310 ه-)، قدّم ل-ه: الشيخ خليل الميسي، ضبط وتوثيق وتخريج: صدق جميل العطار، الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان / 1420 ه- 1999 م.

33- التفسير الكبير = تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب

محمّد الرازي فخر الدين العلامة ضياء الدين عمر المشتهر بخطيب الري (ت 604 ه-)، نشر وتحقّيق: دار الفكر، بيروت - لبنان، الطبعة الأوّلى / 1425 / 1426 ه- 2005 م.

34- تفسير المنار

السيد محمد رشيد رضا (ت 1935 م)

الناشر: دار المنار بمصر، الطبعة الرابعة / 1373 ه- 1954.

35- التفسير المنسوب إلى الإمام أبي محمّد الحسن بن علي العسكري(علیه السلام)

تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي (عج)، قم المقدسة، الطبعة الأوّلى المحقّقة / 1409 ه-

36- تفسير فرات الكوفي

فرات بن إبراهيم الكوفي (ت 352 ه-) ، تحقيق: محمد الكاظم، الناشر:

ص: 434

مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الاسلامي - طهران، الطبعة الأولى / 1410 ه- 1990 م.

37- تفسير القمّي

أبو الحسن، علي بن إبراهيم، القمّي ، من أعلام القرن الثالث الهجري، إشراف: لجنة التحقّيق والتصحيح في المؤسسة، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت - لبنان، الطبعة الأوّلى / 1428 ه- 2007 م.

38- التقيّة في فقه أهل البيت(علیهم السلام).

محمّد علي صالح المعلم (رحمه الله) ، تقريراً لبحث الشيخ مسلم الداوري (صاحب هذا الكتاب الذي بين يديك) ، الناشر: المؤلف ، الطبعة الأوّلى/ 1419 ه- .

39- التنقيح الرائع في مختصر الشرائع

المقداد السيوري (ت 826 ه- ) ، تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري، الناشر: مكتبة آية الله العظمى السيد المرعشي النجفي العامّة بقم المقدسة / 1404 ه-

40- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة

شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه-)، تحقيق العلامة الشيخ محمّد جواد الفقيه، فهرسة وتصحيح: الدكتور يوسف البقاعي، الناشر: دار الأضواء، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية / 1413 ه- 1992 م.

ص: 435

41- تهذيب اللغة

أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت370 ه-) ، تحقيق: الأستاذ محمد النجار، الناشر: الدار المصريّة للتأليف والترجمة/ 1384 ه- 1964 م.

42- جامع أحاديث الشيعة

ألّف تحت إشراف المحقّق العلامة آية الله العظمى الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي، طبع في مطبعة مهر، قم المقدسة - إيران / 1397 ه-

43- جامع الرواة

المولى محمّد بن عليّ الأردبيليّ، الغرويّ، الحائري، الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم المقدسة - إيران/ 1403 ه- ق.

44- جامع المقاصد في شرح القواعد

المحقّق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي (ت 940 ه-) ، تحقيق مؤسسة آل البيت(علیهم السلام) لإحياء التراث، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية / 1429 ه- 2008 م

45- الجامع لأحكام القرآن

أبو عبد الله محمّد بن أحمد الانصاري القرطبي (ت 671 ه- 1273 م)، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان / 1405 ه- 1985 م.

ص: 436

46- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام

شيخ الفقهاء وإمام المحقّقين الشيخ محمّد حسن النجفي (ت 1266 ه- )، حقّقه وعلّق عليه: الشيخ عباس القوچاني، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان ، الطبعة السابعة.

47- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة

الفقيه المحدّث الشيخ يوسف البحراني (ت 1186 ه- ) ، حقّقه وعلّق عليه: محمّد تقي الإيرواني، الناشر: دار الأضواء، بيروت - لبنان، ا لطبعة الثانية / 1405 ه- 1985 م.

48- الخصال

أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الشيخ الصدوق (ت318 ه- ) ، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة السابعة / 1426 ه-

49- الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة

الشيخ شمس الدين محمّد بن مكي العاملي (ت 786 ه- )، نشر وتحقّيق: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة ، الطبعة الأوّلى / 1414 ه-

50- دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام

القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمّد التميمي المغربي (ت 363 ه-)،

ص: 437

تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي، الناشر: مؤسسة آل البيت(علیهم السلام) ، مطبعة دار المعارف، القاهرة - مصر ، الطبعة الثانية / 1383 ه- 1963 م.

51- دلائل الإمامة

محمد بن جرير الطبري (الشيعي) (ت القرن الرابع) ، الناشر: مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة - قم، الطبعة الأولى / 1413 ه-

52- ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد

العلامة المحقّق ملا محمّد باقر السبزواري (ت 1090 ه-) ، الناشر: مؤسسة آل البيت(علیهم السلام) لإحياء التراث.

53- رجال ابن داوود

الشيخ حسن بن علي بن داوود الحلّي (ت707 ه-) ، الناشر: دانشگاه تهران - 1483 قمري

54- رجال الطوسي

أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت460 ه-) ، تحقيق: جواد القيومي الاصفهاني، الناشر: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الأولى / 1415 ه-

55- رجال النجاشي

أبو العباس أحمد بن علي النجاشي (ت 450 ه-) ، تحقيق: الحجّة السيد

ص: 438

موسى الشبيري الزنجاني، الناشر: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة ، الطبعة الثامنة / 1427 ه-

56- روح المعاني

محمود الآلوسي البغدادي ( ت1270 ه-) ، الناشر: دار إحياء التراث العربي؛ بيروت، الطبعة الأولى / 1420 ه-

57- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة

الشهيد السعيد زين الدين الجبعي العاملي الشهيد الثاني (ت 965 ه- )، صحّحه وعلّق عليه: السيد محمّد كلانتر، الناشر: منشورات مكتبة الداوري، قم المقدسة - إيران ، الطبعة الأوّلى.

58- رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل

السيد علي بن السيّد محمد علي الطباطبائي (ت1231 ه-) ، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت(علیهم السلام) لإحياء التراث - قم، الطبعة الأولى / 1418 ه-

59- زاد المعاد

العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ( ت1111 ه-) ، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت الطبعة الأولى / 1423 ه-

60- زاد المعاد في هدي خير العباد

ابن قيّم الجوزيّة أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي ( ت751

ص: 439

ه-) تحقيق وتعليق: شعيب الأرنؤوط - عبد القادر الأرنؤوط ، الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، الطبعة الثالثة/ 1418 ه- 1998 م.

61- زبدة المقال في خمس الرسول والآل

السيد حسين بن علي الطباطبائي البروجردي ( ت 1380 ه-) تقرير: السيد عباس الحسيني القزويني الملقّب ب- «أبي ترابي» الناشر: مركز النشر - مكتبه الإعلام الإسلامي: قم المقدّسة - إيران ، الطبعة الثانية / 1414 ه- ق، 1372 ه- ش.

62- سنن أبي داود

أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (ت 275 ه-)، تحقيق: محمّد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: دار إحياء السنة النبوية، دار الفكر.

63- سنن ابن ماجة

أبو عبد الله محمّد بن يزيد القزويني، ابن ماجة (ت 275 ه-)، تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار الفكر، بيروت.

64- سنن الترمذي

الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت279 ه-) ، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، الناشر: دار الفكر بيروت، الطبعة الثانية / 1403 ه- 1983 م.

ص: 440

65- سنن الدارمي

الحافظ عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي السمرقندي (ت 255 ه-) ، حقّق نصّه وأخرج أحاديثه وفهرسه: فواز أحمد زمرلي وخالد السبع العلمي، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الأوّلى / 1407 ه- 1987 م.

66- السنن الكبرى وفي ذيله الجوهر النقي

الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت 458 ه- )، الناشر: دار الفكر.

67- سنن النسائي

أحمد بن شعيب بن علي بن بحر النسائي (ت 303 ه-) ، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، الطبعة الأولى/ 1348 ه- 1930 م.

68- السيرة النبوية

ابن هشام (ت 218 ه- )، حقّقها وضبطها وشرحها ووضع فهارسها: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية / 1417 ه- 1997 م.

69- شرائع الإسلام في مسائل

الحلال والحرامالمحقّق الحلي أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن مع تعليقات السيد صادق الشيرازي، الناشر: انتشارات استقلال، طهران، الطبعة الرابعة / 1415 ه- 1373 ش.

ص: 441

70- شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار

القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمّد التميمي المغربي (ت 363 ه-)، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية / 1427 ه- 2006 م.

71- شرح أصول الكافي

المولى محمد صالح المازندراني (ت 1081 ه-) ، تحقيق مع تعليق: الميرزا أبو الحسن الشعراني، الناشر: دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان، الطبعة الأولى / 1421 ه- 2000 م.

72- شرح نهج البلاغة

ابن ابي الحديد (ت 656 ه-) ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار إحياء الكتب العربيّة - عيسى البابي الحلبي وشركاه، الطبعة الأولى / 1378 ه- 1959 م.

73- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية

إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطّار، الناشر: دار العلم للملايين، بيروت - لبنان، الطبعة الرابعة / 1990 م.

74- صحيح البخاري

أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري الجعفي (ت 256 ه-) ، حقّق أصولها وأجازها: الشيخ عبد العزيز بن عبد الله

ص: 442

بن باز، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر، الطبعة الأوّلى / 1411 ه- 1991 م.

75- صحيح مسلم

الحافظ أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيريّ النيسابوريّ ( ت261 ه-)، خرج الأحاديث على باقي الصحاح والسنن الستّة: صدقي جميل العطّار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت - لبنان، الطبعة الأوّلى/ 1421 ه- 2000 م.

76- الصحيح من سيرة النبي الأعظم(صلی الله علیه و آله و سلم)

العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي (معاصر)، الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، الطبعة الرابعة/ 1415 ه- 1995 م.

77- الطبقات الكبرى

محمد بن سعد (ت230 ه-) ، الناشر: دار صادر - بيروت

78- العدّة في أصول الفقه

شيخ الطائفة الإمام أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه-)، تحقيق: محمّد رضا الانصاري القمي، الطبعة الأوّلى / 1417 ه- 1376 ش.

79- العروة الوثقى

السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي ( ت1337 ه-) ، تحقيق: مؤسسّة النشر الاسلامي، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم

ص: 443

المشرّفة ، الطبعة الثانية / 1424 ه-

80- العروة الوثقى مع تعليقة

السيد الخوئي

آية الله العظمى السيد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (ت 1337 ه- )، نشر وتحقّيق: مدينة العلم آية الله العظمى الخوئي ، الطبعة الأوّلى / 1414 ه-

81- علل الشرائع

الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (ت 381 ه- )، قدم ل-ه: السيد محمّد صادق بحر العلوم، الناشر: المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف - العراق / 1385 ه- 1966 م.

82- عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

العيني (ت855 ه-) ، الناشر: دار إحياء التراث العربي

83- عوائد الأيام

الفاضل المحقّق المولى أحمد النراقي (ت 1245 ه-) ، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة، الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأوّلى / 1417 ه- 1375 ش.

84- عوالي اللئالي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة

محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (ت ن 880)، تحقيق: آقا مجتى العراقي، الطبعة الأوّلى / 1403 ه- 1983 م.

ص: 444

85- عيون أخبار الرضا

الشيخ الجليل أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق (ت 381 ه- )، صحّحه وقدّم ل-ه وعلّق عليه: الشيخ حسين الأعلمي، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية / 1426 ه- 2005 م.

86- غريب الحديث

ابن سلام (ت224 ه-) ، تحقيق: محمد عبد المعيدخان، الناشر: دار الكتاب العربي ، بيروت ، الطبعة الأولى / 1384 ه-

87- غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام

الميرزا أبو القاسم القمي (ت 1231 ه-) ، تحقيق: مكتب الإعلام الاسلامي - فرع خراسان عباس تبريزيان، الناشر: مركز انتشارات دفتر تبليغات اسلامي، الطبعة الأولى / 1420 ه-

88- غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

الفقيه البارع الأقدم السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي (ت 585 ه-) ، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، الناشر: مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام)، الطبعة الأوّلى / 1417 ه-

89- الفائق في غريب الحديث

العلامة جار الله محمود بن عمر الزمخشري (ت 583 ه-) ، وضع حواشيه:

ص: 445

إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلميّة بيروت لبنان، الطبعة الأولى / 1417 ه- 1996 م.

90- فتح القدير

محمد بن علي بن محمد الشوكاني ( ت 1250 ه-) ، الناشر: عالم الكتب

91- فتوح البلدان

أحمد بن يحيى بن جابر المعروف بالبلاذري ( ت 279 ه-) ، تحقيق: الدكتور صلاح الدين المنجد، الناشر: مكتبة النهضة المصريّة - القاهرة ، 1956 م.

92- الفصول المهمّة في أصول الأئمة

الشيخ محمّد بن الحسن، الحرّ العاملي ( ت 1104 ه-) ، تحقيق وإشراف: محمد بن محمد الحسين القائيني، الناشر، مؤسسة معارف إسلامي إمام رضا(علیه السلام) ، قم المقدسة - إيران، الطبعة الأوّلى/ 1418 ه- ق - 1376 ش.

93- الفقه على المذاهب الأربعة

الشيخ عبد الرحمن الجزيري (ت 1360 ه-)، قدّم ل-ه وعلّق عليه: الشيخ إبراهيم محمّد رمضان، الناشر: دار القلم، بيروت - لبنان / 1414 ه- 1993 م.

94- فهرست كتب الشيعة وأصولهم

شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه-) ، تحقيق:

ص: 446

العلامة المحقّق السيد عبد العزيز الطباطبائي، إعداد ونشر: مكتبة المحقّق الطباطبائي، الطبعة الأوّلى / 1420 ه-

95- فوائد القواعد

الشيخ زين الدين بن علي العاملي الشهيد الثاني (ت 965 ه-)، تحقيق: قسم الأبحاث والدراسات الإسلاميّة قسم إحياء التراث الإسلامي، الناشر: مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي، قم المقدسة.

96- الفوائد المدنيّة

فخر المحدثين وقدوة المجددين المولى محمّد أمين الاسترآبادي (ت 1033 ه-)، وبذيله الشواهد المكيّة للسيد نور الدين الموسوي العاملي (ت 1062 ه-)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة، الطبعة الأوّلى / 1424 ه-

97- القاموس المحيط

العلامة اللغوي مجد الدين بن يعقوب الفيروزآبادي (ت 817 ه- )، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان ، الطبعة الأوّلى/ 1412 ه- 1991 م.

98- قرب الأسناد

الشيخ الجليل أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري من أعلام القرن الثالث الهجري، نشر وتحقّيق: مؤسسة آل البيت(علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأوّلى / 1413 ه- 1993 م.

ص: 447

99- قصص الأنبياء

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي ( ت573 ه-) ، تحقيق: الميرزا غلام رضا عرفانيان اليزدي الخراساني ، الناشر: مؤسسة الهادي - قم ، الطبعة الأوّلى/ 1418 ه-

100- الكافي

ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني (ت 328 - 329 ه- )، ضبطه وصحّحه وعلّق عليه: محمّد جعفر شمس الدين، الناشر: دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان / 1413 ه- 1993 م.

101- الكافي في الفقه

تقي الدين أبو الصلاح الحلبي (ت 446 ه-)، تحقيق: آية الله رضا الأستادي، الناشر: مؤسسة بوستان كتاب، الطبعة الأوّلى / 1430 ه- 1387 ش.

102- كتاب الخلاف

شيخ الطائفة الإمام أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه-) ، تحقيق: السيد على الخراساني والسيد جواد الشهرستاني والشيخ مهدي طه نجف، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة / 1414 ه-

103- كتاب الخمس

الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الانصاري (ت 1281 ه- )، تحقيق: لجنة

ص: 448

تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي، قم المقدسة - إيران، الطبعة الثانية / 1427 ه-

104- كتاب الخمس

الشيخ مرتضى الحائري ( ت1406 ه-) ، تحقيق: الشيخ محمد حسن أمر اللهي ، الناشر: مؤسّسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الأولى / 1418 ه-

105- كتاب الخراج

القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، 1399 - دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - لبنان.

106- كتاب الرجال

تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلي (ت 707 ه-)، حقّقه وقدّم ل-ه: العلامة الكبير السيد محمّد صادق آل بحر العلوم، الناشر: منشورات الرضي، قم - إيران / 1392 ه- 1972 م.

107- كتاب السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى

أبو جعفر، محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس، الحلّيّ (ت 598 ه-) ، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسة إيران، الطبعة الخامسة (المنقّحة) / 1428 ه-

ص: 449

108- كتاب الصافي في تفسير القرآن

الفيض الكاشاني، العارف المحقّق محمّد بن المرتضى المدعو بالمحسن من علماء الإماميّة في المائة الحادية عشر، تصحيح: الميرزا حسن الحسيني اللواساني النجفي، منشورات: المكتبة الإسلاميّة، طهران - إيران، الطبعة الخامسة.

109- كتاب الطهارة

الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الانصاري (ت 1281 ه- ) ، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الثالثة / 1426 ه-

110- كتاب العين

الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 ه-) ، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الثانية/ 1426 - 2005 م.

111- كتاب الغيبة

أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه-) ، تحقيق: الشيخ عباد الله الطهراني - الشيخ علي أحمد ناصح، الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية - قم المقدسة ، الطبعة الأوّلى / 1411 ه-

112- كتاب القضاء

ميرزا محمّد حسن الآشتياني (ت 1319 ه-)، حقّقه وصحّحه: السيد علي

ص: 450

غضنفري وعلي أكبر زماني نژاد، الناشر: انتشارات زهير مؤتمر العلامة الآشتياني، الطبعة الأوّلى / 1425 ه- 1383 ش.

113- كتاب المجموع شرح المهذب للشيرازي

أبو زكريا محيي الدين بن شرف النووي، حقّقه وعلّق عليه وأكمله بعد نقصانه: محمّد نجيب المطيعي، الناشر: مكتبة الإرشاد، جدة - السعودية.

114- الكتاب المقدس

115- كتاب المكاسب

الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الانصاري (ت 1281 ه-) ، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الناشر: مجمع الفكر الاسلامي - قم، الطبعة السابعة / 1427 ه-

116- كتاب الموطأ

مالك بن أنس (ت 179 ه-) ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان، 1406 ه- 1985 م.

117- كتاب الوافي

المحدّث الفاضل والحكيم العارف الكامل محمّد محسن المشهور بالفيض الكاشاني، نشر وتحقّيق: مكتبة الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) العامة، أصفهان - إيران، الطبعة الأوّلى / 1406 ه- 1365 ش.

ص: 451

118- الكشّاف عن حقّائق التنزيل وعيون الأقاويل

جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي ( ت538 ه-) ، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأوّلاًده بمصر، عباس ومحمد محمود الحلبي وشركاهم - خلفاء، الطبعة الأخيرة / 1385 ه- 1966 م.

119- كشف الرموز في شرح المختصر النافع

زين الدين أبي علي الحسن بن ابي طالب ابن أبي المجد اليوسفيّ، المعروف بالفاضل والمحقّق الآبي، (كان حيّاً إلى سنة 672 ه- ق)، تحقيق: الشيخ علي پناه الاشتهاردي، والآغا حسين اليزدي، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة - إيران / 1408 ه-

120- كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء

النحرير المحقّق والفقيه الأصولي العالم الكامل الشيخ جعفر المدعو كاشف الغطاء، الناشر:دفتر تبليغات اسلامي حوزه علميه قم، 1422 ه- ق الطبعة الأولى.

121- كفاية الأحكام

العلامة المحقّق المولى محمّد باقر بن محمّد مؤمن الخراساني السبزواري (ت 1090 ه-)، الناشر: مركز نشر أصفهان.

122- كمال الدين وتمام النعمة

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (ت 381 ه-) ، صحّحه وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي

ص: 452

التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة - إيران.

123- كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال

علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي (ت975 ه-) ، تحقيق: الشيخ بكري حياني والشيخ صفوة السقا، الناشر: مؤسسة الرسالة بيروت - لبنان ، 1409 ه- 1989 م.

124- لسان العرب

أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم، ابن منظور الأفريقي المصري (ت 711 ه-)، مراجعة وتدقيق: د. يوسف البقاعي وإبراهيم شمس الدين ونضال علي، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الأوّلى / 1426 ه- 2005 م.

125- اللمعة الدمشقيّة في فقه الإماميّة

أبو عبد الله شمس الدين محمّد بن الشيخ جمال الدين مكي بن الشيخ شمس الدين محمّد بن حامد المطلبي العاملي النباطي الجزيني المشتهر بالشهيد الأوّل (ت 786 ه-)، أشرف على تحقّيقها: محمّد تقي مرواريد وعلي أصغر مرواريد، الناشر: مؤسسة فقه الشيعة، بيروت - لبنان، الطبعة الأوّلى / 1410 ه- 1990 م.

126- مباني تكملة المنهاج

مرجع المسلمين السيد أبو القاسم الخوئي (ت 1411 ه-) الطبعة الثانية /

ص: 453

1396 ه-.

127- المبسوط في فقه الإماميّة

شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسيّ (ت 460 ه- )، صحّحه وعلّق عليه: محمّد الباقر البهبوديّ، الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة.

128- مجمع البحرين

فخر الدين الطريحي (ت 1085 ه- )، تحقيق: أحمد الحسيني، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية / 1403 ه- 1983 م.

129- مجمع البيان في تفسير القرآن

أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548ه-) ، تحقيق: لجنة من العلماء، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت، الطبعة الثانية / 1425 ه- 2005 م.

130- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد

الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807 ه-) ، الناشر: دار الكتب العلميّة بيروت لبنان / 1408 ه- 1988 م

131- مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان

المولى أحمد المقدّس الاردبيليّ (قدس سره) (ت: 993 ه-) تحقيق وتصحيح: الحاج آقا مجتبى العراقي، الشيخ علي پناه الاشهاردي، والحاج آقا حسين

ص: 454

اليزدي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة إيران - قم ، الطبعة الثانية 1405 ق - 1364 ش

132- المجموع شرح المهذب

أبو زكريّا محيي الدين بن شرف النووي ( ت676 ه-) ، الناشر: دار الفكر

133- المحاسن

المحدّث الجليل الثقة أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ت 274 ه- أو 280 ه- ) ، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت(علیهم السلام) ، قم المقدسة - إيران، الطبعة الثانية / 1416 ه-

134- محاضرات في فقه الإماميّة

آية الله العظمى السيد محمّد هادي الميلاني (ت 1395 ه- )، جمعها وعلّق عليها: فاضل الحسيني الميلاني.

135- مختلف الشيعة في أحكام الشريعة

العلامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر (ت 726 ه- )، نشر وتحقّيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة، قم المقدسة - إيران ، الطبعة الأولى / 1415 ه-

136- مدارك الاحكام في شرح شرائع الإسلام

السيد محمد بن علي الموسوي العاملي (ت 1009 ه-) ، تحقيق: مؤسسة

ص: 455

آل البيت(علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية / 1429 ه- 2008 م.

137- المرتقى إلى الفقه الأرقى

تقريراً لأبحاث سماحة آية الله العظمى السيد محمّد الحسيني الروحاني، قرّره: آية الله الشيخ محمّد صادق الجعفري، الناشر: مؤسسة جليل الثقافية، طهران - إيران، الطبعة الأولى / 1415 ه- 1374 ش.

138- المسائل الناصريات (في ضمن سلسلة الينابيع الفقهية)

السيد الشريف المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (ت 436 ه-)، أشرف على جمع أُصولها: علي أصغر مرواريد، الناشر: مؤسسة فقه الشيعة والدار الإسلاميّة، الطبعة الأولى / 1410 ه- 1990 م.

139- مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام

زين الدين بن علي العاملي الشهيد الثاني (ت 965 ه- )، تحقيق ونشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة، قم المقدّسة - إيران، الطبعة الأوّلى / 1418 ه-

140- المستدرك على الصحيحين

أبو عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405 ه-) ، تحقيق: يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، انتشارات: دار المعرفة - بيروت.

141- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

الميرزا حسين النّوري الطبرسيّ (ت1330 ه-) ، تحقيق ونشر: مؤسسة

ص: 456

آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم المقدسة - إيران، الطبعة الأوّلى / 1407 ه-

142- مستمسك العروة الوثقى

فقيه العصر آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم (ت1390 ه-) ، الناشر: دار إحياء التراث العربي، مؤسسة التأريخ العربي، بيروت - لبنان.

143- مستند الشيعة في أحكام الشريعة

المولى أحمد بن محمّد مهدي النراقيّ (ت 1245ه-) ، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم المقدسة - إيران، الطبعة الأوّلى / 1417 ه-

144- المستند في شرح العروة الوثقى (الخمس)

تقرير بحث آية الله العظمى السيد الخوئي بقلم الشيخ مرتضى البروجردي، الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قم، الطبعة الثالثة/ 1428 ه- 2007 م.

145- مسند الإمام أحمد بن حنبل

أبو عبد الله الشيباني (ت 241 ه-) ، الناشر: مؤسسة التاريخ العربي ودار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية / 1414 ه- 1993 م.

146- مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول

العلاّمة محمد باقر المجلسي ( ت 1111 ه-) ، تحقيق: السيد جعفر الحسيني،

ص: 457

الناشر: دار الكتب الاسلاميّة - طهران ، الطبعة الأولى / 1410 ه-

147- مصباح الأصول

تقرير بحث سماحة آية الله العظمى السيد الخوئي، تأليف السيد محمد سرور الواعظ الحسيني البهسودي، الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قم، الطبعة الثالثة/ 1428 ه- 2007 م.

148- مصباح الفقاهة في المعاملات

من تقرير بحث الأستاذ الأكبر آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي، تأليف الميرزا محمد علي التوحيدي التبريزي، الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي ، قم المقدسة، الطبعة الثالثة / 1428 ه- 2007 م

149- مصباح الفقيه (ج 13 و 14 منه)

الفقيه الأصولي المحقّق الشيخ آغا رضا بن محمّد هادي الهمداني (ت 1322 ه-) ، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدّسة، الطبعة الأوّلى / 1416 ه-

150- مصباح المتهجد

الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه-) ، تصحيح واشراف: الشيخ حسين الأعلمي، انتشارات: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، الطبعة الثانية / 1425 ه- 2004 م.

ص: 458

151- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي

أحمد بن محمّد بن علي المقريّ الفيّوميّ (ت 770 ه- ) ، الناشر: مؤسسة دار الهجرة، قم - إيران، الطبعة الثالثة / 1425 ه-

152- المصنّف في الأحاديث والآثار

الحافظ عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة، إبراهيم بن عثمان، الكوفي، العبسي (ت 235 ه-) ، وثّق أصوله وعلّق عليه: سعيد محمّد اللحّام، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان/ 1414 ه- 1994 م.

153- المعتبر في شرح المختصر

نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن، المحقّق الحلّي (ت 676 ه-)، حقّقه وصحّحه: عدّة من الأفاضل، الناشر: مؤسسة سيد الشهداء، قم - إيران.

154- معجم البلدان

الشيخ شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي (ت 626 ه- ) ، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان / 1399 ه- 1979 م.

155- معجم رجال الحديث

السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، الناشر: مؤسسة نشر آثار الإمام الخوئي(قدس سره) ، قم المقدسة، إيران/ 1413 ه- 1992 م.

ص: 459

156- المغني

أبو محمّد عبد الله بن أحمد بن محمّد بن قدامة المقدسي (ت 620 ه- )، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.

157- مفاتيح الشرائع

العارف المحدّث الفقيه المولى محمّد محسن الفيض الكاشاني (ت 1091 ه-)، تحقيق: السيد مهدي رجائي، الناشر: مجمع الذخائر الإسلاميّة / 1401 ه-

158- مفتاح الكرامة

السيد محمد جواد العاملي (ت 1226 ه-) ، تحقيق وتعليق: الشيخ محمد باقر الخالصي، الناشر: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الأولى / 1419 ه-

159- المقتصر في شرح المختصر

جمال الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن فهد الحلّيّ (ت841 ه-)، تحقيق السيد مهدي الرجائي ، الناشر: مجمع البحوث الإسلاميّة مشهد المقدسة - ، إيران، الطبعة الأوّلى / 1410 ه-

160- المقنع

الشيخ أبو جعفر، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، القمّي، الصدوق (ت 381 ه-) ، تحقيق وتصحيح: مؤسسة الإمام الهادي (عليه السلام)، الناشر: پيام إمام هادي عليه السلام، الطبعة الثانية/ 1384 ش - 1426 ه-

ص: 460

161- المقنعة

أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالشيخ المفيد (ت 413 ه-)، نشر وتحقّيق: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة، الطبعة الرابعة / 1417 ه-

162- مكاتيب الرسول

الشيخ علي الأحمدي الميانجي (معاصر)، الناشر: دار الحديث قم ، الطبعة الأولى / 1998 م.

163- ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار

الشيخ محمّد باقر المجلسي (ت 1111 ه-)، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، الناشر: مكتبة آية الله المرعشي، قم المقدسة / 1406 ه-

164- مناقب آل أبي طالب

أبو جعفر محمّد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني (ت 588 ه-)، تحقيق وفهرسة: د. يوسف البقاعي، الناشر: ذوي القربى، قم المقدسة، الطبعة الثانية / 1427 ه- 1385 ش.

165- مناهج المتّقين في فقه أئمة الحقّ واليقين

الشيخ عبد الله المامقاني (ت 1351 ه-) ، الناشر: مؤسسة آل البيت(علیهم السلام) لإحياء التراث، قم المقدسة.

ص: 461

166- منتهى المطلب في تحقيق المذهب

العلامة الحلي، الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر (ت 726 ه- )، تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلاميّة، مشهد المقدّسة - إيران، الطبعة الأوّلى / 1423 ه- 1381 ش.

167- المنجد في اللغة

لوئيس معلوف ، الناشر: انتشارات ذوي القربى - قم - ايران، الطبعة السادسة/ 1431 ه-

168- من لا يحضره الفقيه

أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الشيخ الصدوق (ت 318 ه-) ، تحقيق: الشيخ علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الرابعة / 1426 ه-

169- منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان

الشيخ حسن بن زين الدين الشهيد الثاني ( ت 1011 ه-) ، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسسّة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، 1406 ه-

170- منهاج الصالحين

آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، الناشر: مدينة العلم آية الله العظمى السيد الخوئي، الطبعة الثامنة والعشرون / 1410 ه-

ص: 462

171- منهاج الصالحين

آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم ( ت1390 ه-) وبهامشه تعليقة الشهيد السيد محمد باقر الصدر، الناشر: دار التعارف للمطبوعات - بيروت، الطبعة الثانية / 1396 ه- 1976 م.

172- مواهب الجليل

أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطّاب الرعيني (ت 954 ه-) ، تحقيق: الشيخ زكريا عميرات، الناشر: دار الكتب العلميّة بيروت لبنان، الطبعة الأولى / 1416 ه- 1995 م.

173- الميزان في تفسير القرآن

العلامة السيد محمّد حسين الطباطبائي، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الأوّلى / 1417 ه- 1997 م.

174- المهذّب البارع في شرح المختصر النافع

العلاّمة جمال الدين، أبي العبّاس، أحمد بن محمّد بن فهد، الحلّي (ت 841 ه-) ، تحقيق: الحجّة الشيخ مجتبى العراقي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، بقم المقدسة - إيران، الطبعة الثالثة/ 1414 ه-

175- نجاة العباد

الشيخ محمد حسن النجفي (ت 1266 ه-)، تحقيق: ميرزا محمد رضا رضوي - سيد أحمد سليل - سيد صدر الدين - علي يزدي، الطبعة الأولى / 1318 ه-

ص: 463

176- النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجة الغائب (علیه السلام)

الشيخ حسين الطبرسي النوري (ت 1320 ه-)، تقديم وترجمة وتحقّيق وتعليق: السيد ياسين الموسوي، الناشر: دار الحوراء، بيروت.

177- النهاية في غريب الحديث والأثر

مجد الدين المبارك بن محمّد الجزري، ابن الأثير (ت 606 ه- )، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمّد الطناحي، الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان.

178- النهاية ونكتها

شيخ الطائفة الطوسي (ت 460 ه- )، والمحقّق الأوّل الحلّي (ت 676 ه- )، نشر وتحقّيق: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، الطبعة الأوّلى/ 1412 ه-

179- النوادر

ضياء الدين أبو الرضا فضل الله بن علي الحسيني الراوندي (ت 571 ه-)، تحقيق: سعيد رضا علي عسكري، الناشر: دار الحديث، الطبعة الأوّلى / 1377 ش.

180- الهداية الكبرى

أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي (ت 334 ه-)، الناشر: مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر، الطبعة الأوّلى / 1423 ه- 2002 م.

ص: 464

181- الوافي بالوفيات

الصفدي (ت 764 ه-) ، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى ، الناشر: دار إحياء التراث بيروت، 1420 ه- 2000 م.

182- الوسيلة إلى نيل الفضيلة

أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة من أعلام القرن السادس، تحقيق: الشيخ محمّد الحسون، إشراف: السيد محمود المرعشي، الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، الطبعة الأوّلى / 1408 ه-

183- وسائل الشيعة

الفقيه المحدّث الشيخ محمّد بن الحسن، الحرّ العاملي ( ت1104 ه-) ، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، بيروت. لبنان ، الطبعة الثالثة / 1429 ه- 2008 م-

ص: 465

ص: 466

فهرس المحتويات

الجهة الأوّلى: في أصل ثبوت الحكم: 9

الجهة الثانية: في متعلّق الخمس: 19

الجهة الثالثة: مصرف هذا القسم من الخمس: 22

الجهة الرابعة: هل يختصّ الحكم بالشراء أو يعم مطلق المعاوضات؟ 23

الجهة الخامسة: في كيفيّة استيفاء هذا الخمس وفيها عدة أمور: 26

الأوّل: تعلّق الخمس برقبة الأرض: 26

الثاني: تخيّر الذمّي في دفع الخمس بين العين والقيمة: 27

الثالث: الحكم في حال عدم دفع الخمس: 28

الرابع: لو أراد الذمّي دفع القيمة: 29

الخامس: النصاب في الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم: 30

السادس: نيّة القربة عند الأخذ من الذمّي أو الدفع إلى السادة: 31

بيع الأرض المفتوحة عنوة تبعاً للآثار: 32

ص: 467

لو أنّ الأرض التي اشتراها الذمّي انتقلت عنه بعد الشراء: 35

لو شرط الذمّي على المسلم عدم الخمس في الأرض التي يشتريها: 38

لو أنّ الذمّي اشترى الأرض ثانية من مسلم بعد بيعها: 39

لو أسلم الذمّي بعد شراء الأرض: 41

لو تملّك الذّمي من مثله بعقد مشروط بالقبض: 43

لو شرط البائع على الذمّي أن يبيع الأرض بعد شرائها مِن مسلم: 44

لو اشترى المسلم من الذمّي أرضاً ثم فسخ: 45

حكم من كان بحكم المسلم: 46

لو بيع خمس الأرض التي اشتراها الذمّي: 47

المبحث السابع: ما يفضل عن مؤونة السنة: 48

المورد الأوّل: حكم الهبة والهديّة والجائزة:

95المورد الثاني: حكم المال الموصى به: 98

[1] المورد الثالث: حكم الميراث: 99

[1] المورد الرابع: حكم حاصل الوقف الخاص: 103

[1] المورد الخامس: حكم النذور: 104

[1] المورد السادس: حكم عوض الخلع والمهر: 105

لو علم الوارث أنّ المورّث لم يؤد خمس ما تركه: 109

حكم ما ملك بالخمس أو الزكاة أو الصدقة المندوبة: 114

لو علم المشتري أنّ البائع لم يؤد خمس المبيع: 124

أحكام النماء والزيادة: 126

نقصان القيمة السوقيّة بعد زيادتها: 132

ص: 468

تعمير البستان للانتفاع بثمره أو للاكتساب به: 138

تعدّد أنواع الاكتساب والاستفادة: 140

اشتراط استقرار الربح في وجوب الخمس: 151

إقالة البائع بعد لزوم البيع وتعلّق الخمس: 156

حكم رأس المال إذا كان من أرباح المكاسب: 158

مبدأ سنة المؤونة: 163

المراد بالمؤونة: 166

الآلات المحتاج إليها في الكسب: 173

أقسام المؤونة: 174

المال الذي يجوز إخراج المؤونة منه: 180

المناط في المؤونة: 186

الاستقراض للمؤنة أو صرف بعض رأس المال فيها: 187

لو زاد المُشترَى للمؤونة عن السنة: 189لو مات المكتسب في أثناء الحول: 192

لو لم يحصل الربح في سنة وحصل في السنة اللّاحقّة لها: 193

مصارف الحج: 194

أداء الدين: 197

زمان تعلّق الخمس بالربح: 208

لو وقع التلف في غير مال التجارة: 219

التلف أو الخسارة في رأس المال: 223

نحو تعلّق الخمس: 231

ص: 469

المقام الثاني: 250

تخيّر المالك في الدفع بين خمس العين وقيمته: 264

عدم جواز التصرّف في العين قبل أداء الخمس: 273

استقرار الضمان بعد الإتلاف: 275

الاتجار بالعين قبل إخراج الخمس: 276

التصرف في بعض الربح: 277

لو حصّل من الربح الأوّل ربحاً ثانياً قبل انتهاء السنة: 281

نقل الخمس إلى الذمّة: 285

تعجيل إخراج الخمس: 288

لو اشترى بالربح قبل إخراج الخمس جارية أو ثوباً أو غيرهما: 292

المدار في مصارف الحجّ: 294

لو جعل الغوص أو المعدن مكسباً له: 296

اكتساب المرأة في بيت زوجها: 299

شرطيّة التكليف والحريّة في تعلّق الخمس: 300

فصل 307في قسمة الخمس ومستحقّه 307

الفصل الثاني في المستحقّين للخمس: 307

شروط المستحقّين من السادة: 339

اشتراط الإيمان في المستحقّ: 339

البسط على أصناف المستحقّين: 350

المراد من السادة المستحقّين للخمس: 356

ص: 470

دعوى الانتساب إلى هاشم: 360

دفع الخمس إلى واجبي النقفة: 364

دفع الزائد عن مؤونة السنة لمستحقّ واحد: 367

تعين الوظيفة بالنسبة إلى سهم الإمام(علیه السلام): 369

تعيين الوظيفة بالنسبة إلى سهم السادة: 378

نقل الخمس إلى بلد آخر: 382

لو أذن الفقيه في نقل الخمس: 386

مؤونة النقل: 387

ما لا يحسب من النقل: 388

لو كان ما فيه الخمس في غير بلد المالك: 389

لو كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلد المالك: 390

دفع الخمس من مال آخر: 392

براءة الذمّة بقبض المستحقّ أو الحاكم: 393

احتساب الدين خمساً: 395

دفع العوض بدلاً من العين مع وجودها: 399

أخذ المستحقّ للخمس وردّه على المالك: 400

الفصل الثالث: في أخبار التحليل والجمع بينها وبين أدلة الوجوب 402

المصادر 427

فهرس المحتويات 467

ص: 471

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.