موسوعة الأسئلة العقائديّة

هوية الكتاب

المؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة

الناشر: مركز الأبحاث العقائدية

المطبعة: ستاره

الطبعة: 1

الموضوع : العقائد والكلام

تاريخ النشر : 1429 ه.ق

ISBN (ردمك): 978-600-5213-01-0

المكتبة الإسلامية

موسوعة

الأسئلة العقائدية

المجلد الأول

تأليف

مركز الأبحاث العقائدية

ص: 1

المجلد 1

اشارة

مركز الأبحاث العقائدية :

إيران - قم المقدسة - صفائية - ممتاز - رقم 34

ص . ب : 3331 / 37185

الهاتف : 7742088 (251) (0098)

الفاكس : 7742056 (251) (0098)

العراق - النجف الأشرف - شارع الرسول (صلى اللّه عليه وآله)

جنب مكتب آية اللّه العظمى السيد السيستاني دام ظله

ص . ب : 729

الهاتف : 332679 (33) (00964)

الموقع على الإنترنيت : www.aqaed.com

البريد الإلكتروني : info@aqaed.com

شابِك ( ردمك ) :3-00-5213-600-978

شابِك ( ردمك ) :0-01-5213-600-978

موسوعة الأسئلة العقائدية المجلد الأول

تأليف

مركز الأبحاث العقائدية

الطبعة الأولى - 2000 نسخة

سنة الطبع: 1429ه

المطبعة : ستارة

الفلم والألواح الحسّاسة : تيزهوش

* جميع الحقوق محفوظة للمركز *

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

مقدّمة المركز

اشارة

بقلم : الشيخ محمد الحسون

الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله وعلى آله الطيّبين الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .

انقسم المسلمون بعد وفاة الرسول صلى اللّه عليه وآله إلى قسمين :

الأوّل : قال بإمامة وخلافة سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، ورفض خلافة أبي بكر ومن تبعه من بعده .

الثاني : قال بخلافة أبي بكر ومن تبعه ، ورفض إمامة وخلافة الإمام علي عليه السلام .

والقسم الأوّل يسمّون بالشيعة ، وأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام .

والقسم الثاني يسمّون بالسنّة ، وأتباع مدرسة الخلفاء .

أمّا تسمية القسم الأوّل ب- « الرافضة » أو « الروافض » خاصةً ، دون غيرهم من المسلمين ، فهي تسمية باطلة ، لا أساس لها ؛ إذ سمعنا الكثير من علماء السنّة يعلّلون هذه التسمية للشيعة : بأنّهم رفضوا خلافة أبي بكر لذلك سمّوا بالرافضة ؛ إذ السنّة أيضاً رفضوا إمامة وخلافة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، فلماذا لا يسمّون بالرافضة ؟!

وقال لي بعض علمائهم معلّلاً هذه التسمية : أنتم رفضتم الحقّ لذلك سمّيناكم رافضة .

ص: 5

فأجبته : هذا أوّل الكلام ، فكلّ مذهب يدّعي أتباعه أنّهم على الحقّ ، وغيرهم على الباطل .

وعلى كلّ حال ، فإنّ هذا الاختلاف بين المسلمين مبنيّ على اختلافهم في منصب الإمامة .

فالشيعة الإمامية يذهبون إلى أنّه منصب إلهي جعلي ، شأنه في ذلك شأن منصب النبوّة ، فكما أنّ الباري عزّ وجلّ هو الذي يختار من بين البشر أنبياءً ، كذلك هو الذي يختار من بينهم أئمة وخلفاء ، وليس للمسلمين دخل في هذا الأمر .

والسنّة يذهبون إلى أنّه ليس كمنصب النبوّة ، بل أنّ اللّه سبحانه وتعالى أوكل هذا الأمر إلى المسلمين ، فإذا توفّي النبيّ صلى اللّه عليه وآله يجب على المسلمين أن يجتمعوا وينتخبوا خليفة لهم ، ولذلك فقد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ، واختاروا من بينهم أبا بكر للخلافة .

ونحن نناقش في اجتماع المسلمين بعد وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، إذ لم يحضر فيه خيرة الصحابة كعليّ عليه السلام وبني هاشم ، وسلمان والمقداد وأبي ذر وغيرهم .

إضافةً لذلك فنحن نسألهم هذا السؤال : ما هي المواصفات التي يجب أن تتوفّر في الشخص الذي يجب على الأمة أن تنتخبه ؟ فهل تضعون شروطاً خاصة ، أو أنّ الأمّة يحقّ لها أن تنتخب من شاءت ؟ كما يحقّ لكلّ مسلم أن يرشّح نفسه لهذا المنصب الخطير ؟

فعند مراجعتنا لأمهات كتبهم في هذا المجال : كالمواقف للقاضي الإيجي ، وشرحه للشريف الجرجاني ، وشرح القوشجي على التجريد ، وشرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني ، وغيرها من المصادر الرئيسية عندهم .

ص: 6

نراهم يشترطون ثلاثة شروط في الذي يجب على الأمّة أن تنتخبه لهذا المنصب ، وهي :

الأول : العلم ، أي يكون عالماً بالأصول والفروع بحيث يمكنه من إقامة الحجج والبراهين على أحقيّة الإسلام ، ويمكنه دفع الشبهات الواردة من الكفّار .

الثاني : العدالة ، أي العدالة في سيرته وسلوكه مع الناس ، وفي حكمه بينهم ، والعدالة في تقسيم الأموال .

الثالث : الشجاعة ، أي يكون شجاعاً بحيث يمكنه تجهيز الجيوش والدفاع عن الدين .

ولو وجّهنا هذا السؤال لكلّ مسلم منصف بغضّ النظر عن انتمائه المذهبي ، وهو : في أيّ شخص تتوفّر هذه الشروط بعد النبي صلى اللّه عليه وآله ؟ أي من هو أعلم الصحابة وأعدلهم وأشجعهم ؟

فهل يستطيع أحد من المسلمين المنصفين أن يتجاوز عليّاً عليه السلام في كونه أعلم الصحابة وأعدلهم وأشجعهم ؟

والتاريخ أمامنا مليء بما يدلّ على هذا ، ولو أردنا إيراد ما لدينا من أدلّة في كون علي عليه السلام أعلم الصحابة وأعدلهم وأشجعهم ، لاحتجنا إلى مصنّفات كثيرة ، ومن شاء الاطلاع والوقوف على حقيقة الأمر ، عليه أن يراجع مصادر السنّة نفسها - فضلاً عن مصادر الشيعة - ليقف بنفسه على صحة ما ندّعيه .

ومن أجل التخلّص من هذا الإشكال ، نرى من السنّة مَن ذهب إلى القول بجواز تقديم المفضول على الفاضل .

ص: 7

ولا نريد الدخول في تفاصيل هذا الموضوع ، حتّى لا نخرج عن هدف المقدّمة ، وهو موكول إلى محلّ آخر إن شاء اللّه .

ما الذي يمثّل رأي المذهب الإسلامي ؟

عرفنا في ما تقدّم من الكلام ، أنّ المسلمين اختلفوا في أمر مهم وأساسي ، وهو الإمامة .

والاختلافات الواردة بين المسلمين ، سواء في العقائد والأحكام وغيرها ، ناشئة من ذلك الاختلاف :

إذ الشيعة يعتقدون بعصمة الإمام علي عليه السلام وأولاده الأئمة عليهم السلام ، وكون كلامهم وفعلهم وتقريرهم حجّة عليهم ، كما هو ثابت للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فإنّ السنّة - وهي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن - تشمل أحاديث الأئمة عليهم السلام كما تشمل أحاديث النبي صلى اللّه عليه وآله .

وأتباع مدرسة الخلفاء لا يرون هذا المقام للإمام علي عليه السلام ولأولاده المعصومين عليهم السلام ، إذ الحجّة عندهم قول النبي صلى اللّه عليه وآله فقط ، أما الأئمة عليهم السلام وإن كانوا من أهل البيت ، ويجب احترامهم وحبّهم ، إلا أنّهم يعتبرونهم من الأصحاب والتابعين والرواة والعلماء .

ونتيجة لذلك فقد اختلفت الأحكام بين السنّة والشيعة ، بل اختلفت حتّى في دائرة أحدهما ، فانقسم السنّة إلى مذاهب كثيرة انتشر أربعة منها وهي : الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنبلية .

وانقسم الشيعة إلى عدّة مذاهب أيضاً عبر القرون الماضية ، انقرض أكثرها ، وبقي منها ثلاثة : الإمامية ، والزيدية ، والإسماعيلية وإن كانت الأخيرتان قليلة جداً الآن قياساً إلى الأولى .

ص: 8

وظهرت للمسلمين عموماً مباني وآراء جديدة لم تكن موجودة سابقاً ، لذلك تشعّبت آراؤهم واختلفت أحكامهم ، ممّا أدى ببعض العلماء إلى جمع هذه الآراء والأحكام المختلفة في كتب خاصة بها .

وكلّ واحد من أصحاب هذه الآراء والأحكام يذهب إلى صحّة ما يدّعيه ، ويُخطّئ من خالفه ، بل وصل الأمر إلى أكثر من هذا أحياناً ، إذ طعن بعضهم بمخالفه ورماه بالجهل ، بل بالفسق ، بل بالخروج عن المذهب ، أو الخروج عن الدين .

لذلك نشاهد بعض السنّة يذهب إلى تكفير الشيعة والطعن بأعلامهم ، لا لسبب ، بل لأنهم شيعة ، بل ذهبوا إلى أكثر من ذلك إذ وثّقوا مخالفيهم ورووا الحديث عنهم وإن كانوا ارتكبوا الجرائم البشعة كقتل الإمام الحسين عليه السلام .

بل إنّ أتباع المذاهب السنيّة المختلفة طعن بعضهم بالبعض الآخر ، واتهمه بالخروج عن الدين أحياناً ، وسوف نورد جملة من هذه الأقوال قريباً .

والآن فلنورد هذا السؤال : ما الذي يمثّل رأي كلّ مذهب إسلامي ؟

فنقول : لا شكّ أنّ في كلّ مذهب آراء شاذّة ، أي قال بها عدد قليل من علماء ذلك المذهب . فهل أنّ هذه الآراء الشاذّة هي التي تمثّل ذلك المذهب ؟ أو أنّ الذي يمثّله آراء أكثر علماء المذهب ؟ الذي يعبّر عنه بالمشهور ؟

ومن الطبيعي أن يكون جواب : أنّ ما عليه أكثر علماء أي مذهب إسلامي هو الذي يمثّل رأي ذلك المذهب ، ولا يُلتفت إلى الآراء الشاذّة التي قال بها عدد قليل من العلماء .

ص: 9

كلمات بعض علماء السنّة في الشيعة وأعلامهم :

وهي تشمل على :

(أ) اختلاق روايات عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله في ذمّ الرافضة .

(ب) كلام بعض علمائهم في ذمّ الرافضة .

(ج) ذمّ رواة الشيعة وأعلامهم ؛ لأنّهم رافضة .

(د) مدح وتوثيق أعداء أهل البيت عليهم السلام المعروفين بالنصب الذي كانوا يسبّون عليّاً عليه السلام،والّذين شاركوا في قتل الإمام الحسين عليه السلام .

(ه) فتاوى بعض علماء السنّة المتأخّرين في تكفير الشيعة .

(1) أخرج علي بن أبي بكر الهيثمي ( ت 807 ه- ) في مجمع الزوائد : « إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال لعلي : يا علي سيكون في أمّتي قوم ينتحلون حبّ أهل البيت ، لهم نبز يُسمّون الرافضة ، قاتلوهم فإنّهم مشركون » .

وعلّق عليه بقوله : « رواه الطبري ، وإسناده حسن » (1) .

(2) قال أحمد بن حجر الهيتمي ( ت 973 ه- ) بعد ما نقل أحاديث في تبديع وتضليل والتوعّد بالنار لأهل البدع : « وسيتلى عليك ما تعلم منه علماً قطعياً أنّ الرافضة والشيعة ونحوهما من أكابر أهل البدعة ، فيتناولهم هذا الوعيد الذي في هذه الأحاديث ، على أنه ورد فيهم أحاديث بخصوصهم » .

وأخذ بنقل الأحاديث التي تكفّر الرافضة (2) .

(3) حكى محمّد عبد الحليم بن تيمية ( ت 728 ه- ) عن عبد اللّه بن

ص: 10


1- مجمع الزوائد 9 : 749 .
2- الصواعق المحرقة 1 : 12 .

ادريس ( ت 192 ه- ) قوله : « ما آمن أن يكونوا قد ضارعوا (1) الكفّار - يعني الرافضة - » (2) .

(4) قال محمّد بن أبي سهل السرخسي ( ت 483 ه- ) في المبسوط : « وأما الروافض قاتلهم اللّه تعالى فيأخذون بقول أهل الكتاب ويحرّمون الخِريَت » (3) .

(5) قال عبد الكريم بن محمّد بن منصور السمعاني ( ت 562 ه- ) في الأنساب : « قال الشعبي : لعن اللّه الروافض لو كانوا من الطير لكانوا رُخماً ، ولو كانوا من الدواب لكانوا حمراً » (4) .

(6) قال محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت 748 ه- ) في سير أعلام النبلاء ، في كلامه عن العشرة المبشّرين بالجنّة : « فأبعد اللّه الرافضة ما أغواهم وأشدّهم !! كيف اعترفوا بفضل واحد منهم وبخسوا التسعة » (5) .

وقال في مكان آخر : « لكن الرافضة قوم جهلة ، قد هوى بهم الهوى في الهاوية ، فبعداً لهم » (6) .

وقال أيضاً نقلاً عن الشافعي أنّه قال : « لم أرَ أحداً أشهد بالزور من الرافضة » (7) .

ص: 11


1- أي شابهوا .
2- الصارم المسلول 1 : 581 .
3- المبسوط 11 : 230 .
4- الأنساب 5 : 218 .
5- سير أعلام النبلاء 1 : 40 .
6- المصدر السابق 6 : 255 .
7- المصدر نفسه 10 : 89 .

وقال في ميزان الاعتدال : « قال أشهب : سُئل ما لك عن الرافضة فقال : لا تكلّمهم ولا تروِ عنهم فإنهم يكذبون » .

وقال حرملة : سمعت الشافعي يقول : لم أرَ أشهد بالزور من الرافضة .

وقال مؤمل بن أهاب : سمعت يزيد بن هارون يقول : يُكتب عن كلّ صاحب بُدعة إذا لم يكن داعية إلى الرافضة ، فإنهم يكذبون .

وقال محمّد بن سعيد ابن الأصبهاني : سمعت شريكاً يقول : إحمل العلم عن كلّ من لقيت ، إلا من الرافضة ، يضعون الحديث ويتّخذونه ديناً (1) .

(7) قال محمّد بن يوسف الصالحي الشامي ( ت 942 ه- ) في سبيل الهدى والرشاد : « وأمّا أعداء اللّه الرافضة فيقولون : عزله بعلي (2) ، وليس هذا ببدع من بهتهم وافترائهم » (3) .

(8) في ترجمة مروان بن الحكم ، قال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت 852 ه- ) في تهذيب التهذيب : « وعاب الإسماعيلية على البخاري تخريج حديثه ، وعدّ من موبقاته أنّه رمى طلحة - أحد العشرة - يوم الجمل ، وهما جميعاً مع عائشة ، فقتل ، ثمّ وثب على الخلافة بالسيف » (4) .

ومعلوم لدى الجميع أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله سمّاه وزغاً ، ولعنه ، ورفض أن يدعو له .

قال محمّد بن عبد اللّه الحاكم النيسابوري ( ت 405 ه- ) في المستدرك ،

ص: 12


1- ميزان الاعتدال 1 : 27 .
2- أي في إبلاغ سورة البراءة .
3- سبل الهدى والرشاد : 310 .
4- تهذيب التهذيب 10 : 82 .

نقلاً عن عبد الرحمن بن عوف أنّه قال : « كان لا يولد لأحدٍ مولود إلا أُتي به النبيّ صلى اللّه عليه وآله فدعا له ، فأُدخل عليه مروان بن الحكم ، فقال : « الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون » .

ثم قال : « وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرّجاه » (1) أي البخاري ومسلم .

ومعلوم أنّ مروان بن الحكم كان يسبّ علي بن أبي طالب عليه السلام في خطبة الصلاة .

قال محمّد بن علي بن محمّد الشوكاني ( ت 1255 ه- ) في نيل الأوطار : « كانوا في زمن مروان يتعمّدون ترك سماع الخطبة ؛ لما فيها من سبّ من لا يستحقّ السبّ - وهو علي - والإفراط في مدح بعض الناس - وهو معاوية - » (2) .

ونفس هذا الكلام قاله قبله ابن حجر ( ت 852 ه- ) في فتح الباري (3) .

وقال محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت 748 ه- ) في ميزان الاعتدال : « وله أعمال موبقة ، نسأل اللّه السلامة ، رمى طلحة بسهم ، وفعل وفعل » (4) .

وقال في سير أعلام النبلاء : « فلمّا رأى الهزيمة رمى طلحة بسهم فقتله ، وجرح يومئذٍ ... وكان يوم الحرّة مع مسرف بن عقبة يحرّضه على قتال أهل المدينة » (5) .

(9) في ترجمة عمر بن سعد ، قال ابن حجر ( ت 852 ه- ) في تقريب

ص: 13


1- مستدرك الصحيحين 4 : 479 . وانظر : الفتن للمروزي ( ت 288 ه- ) : 73 ، وإمتاع الأسماع للمقريزي ( ت 845 ه- ) 12 : 275 ، والسيرة الحلبية للحلبي ( ت 1044 ه- ) 1 : 509 .
2- نيل الأوطار 3 : 375 .
3- فتح الباري 2 : 376 .
4- ميزان الاعتدال 4 : 89 .
5- سير أعلام النبلاء 3 : 79 .

التهذيب : « صدوق ، ولكنه مقته الناس لكونه كان أميراً على الجيش الّذين قتلوا الحسين بن علي » (1) .

علماً بأن أحمد بن عبد اللّه بن صالح العجلي ( ت 261 ه- ) عدّه من الثقات وذكره في كتابه ( معرفة الثقات ) قائلاً : « مدني ثقة ، كان يروي عن أبيه أحاديث ، وروى الناس عنه ، وهو الذي قتل الحسين » (2) .

(10) وفي ترجمة شبث بن ربعي ، وثّقه عدّة من الحفاظ ، وعدّه أحمد بن عبد اللّه بن صالح العجلي ( ت 261 ه- ) من الثقات وأورده في كتابه ( معرفة الثقات ) قائلاً : « كان أوّل من أعان على قتل عثمان - رضي اللّه عن عثمان - وهو أول من حرّر الحرورية ، وأعان على قتل الحسين بن علي » (3) .

وقال أبو الحجّاج يوسف المزّي ( ت 742 ه- ) في تهذيب الكمال : « وقال الدارقطني : يقال : إنّه كان مؤذّن سجاح ثم أسلم بعد ذلك ، روى له أبو داود والنسائي ... » (4) .

وأورد خير الدين الزركلي ( ت 1369 ه- ) ترجمته مشيراً إلى تأريخه الأسود قائلاً : « أدرك عصر النبوّة ، ولحق بسجاح المنبئة ، ثم عاد إلى الإسلام ، وثار على عثمان ، وكان ممّن قاتل الحسين ، ثمّ ولي شرطة الكوفة » (5) .

وموقف هذا الرجل يوم العاشر من المحرّم سنة 61 ه- معروف ، فهو أحد قادة الجيش الذين خرجوا لقتال الحسين عليه السلام ، وله مواقف مخزية ذلك اليوم . .

ص: 14


1- تقريب التهذيب 1 : 717 .
2- معرفة الثقات 2 : 166 .
3- معرفة الثقات 1 : 448 .
4- تهذيب الكمال 12 : 352 .
5- الأعلام 3 : 154 .

(11) وفي ترجمة الخارجي عمران بن حطّان ، يقول أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت 852 ه- ) في تهذيب التهذيب : « قال العجلي : بصري تابعي ثقة .

وقال أبو داود : ليس من أهل الأهواء أصحّ حديثاً من الخوارج ، ثمّ ذكر عمران بن حطّان .

وذكره ابن حبّان في الثقات .

وقال يعقوب بن شيبة : أدرك جماعة من الصحابة ، وصار في آخره أن رأى رأي الخوارج ، وكان سبب ذلك فيما بلغنا أن ابنة عمّه رأت رأي الخوارج ، فتزوّجها ليردّها ، فصرفته إلى مذهبها .

وقال ابن حبّان في الثقات : كان يميل إلى مذهب الشراة .

وقال ابن البرقي : كان حرورياً .

وقال المبرّد في الكامل : كان رأس العقد من الصفرية وفقيههم وخطيبهم وشاعرهم » .

وهو الذي يمدح عبد الرحمن الملجم ، قاتل علي عليه السلام ويقول :

يا ضربة من تقي ما أراد بها *** إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إنّي لأذكره حيناً فأحسبه *** أوفى البريّة عند اللّه ميزانا (1)

(12) قال أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ( ت 463 ه- ) في تاريخ بغداد : « كان عيسى بن مهران المستعطف من شياطين الرافضة ومردتهم ... » (2) . .

ص: 15


1- تهذيب التهذيب 8 : 113 . وانظر : الاستيعاب لابن عبد البرّ ( ت 463 ه- ) 3 : 1128 ، والبداية والنهاية لابن كثير ( ت 774 ه- ) 7 : 364 ، والإصابة 5 : 232 .
2- تاريخ بغداد 11 : 168 .

(13) قال محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت 748 ه- ) في ميزان الاعتدال عن علي بن هاشم : « ولغلوّه ترك البخاري إخراج حديثه فإنّه يتجنّب الرافضة كثيراً ، كأنّه يخاف من تديّنهم بالتقيّة . ولا نراه يتجنّب القدريّة ولا الخوارج ، ولا الجهميّة ، فإنّهم على بُدعهم يلزمون الصدق » (1) .

(14) وفي ترجمة أزهر بن عبد اللّه بن جميع الحرازي الحمصي ، قال أحمد بن عبد اللّه الخزرجي ( ت القرن العاشر ) في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال : « ناصبيّ صدوق اللّهجة » (2) .

وقال عنه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( 748 ه- ) في الكاشف : « ناصبي ، د ، ن ، س » (3) . أي روى عنه أبو داود والترمذي والنسائي .

وقال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت 852 ه- ) في تقريب التهذيب : « حمّصي ، صدوق ، تكلّموا فيه للنصب » (4) .

وقال في تهذيب التهذيب : « قال ابن الجارود في كتاب الضعفاء : كان يسبّ عليّاً ... وكان في الخيل الذين سبوا أنس بن مالك ، فأتين به الحجّاج ... وقد وثّقه العجلي وابن حبان ... » (5) .

(15) وفي ترجمة أبي لبيد لمازة بن زبار الأزدي الجهضمي ، قال محمّد ابن أحمد بن عثمان الذهبي ( 748 ه- ) في الكاشف : « لمازة بن زبار ، أبو الوليد الجهضمي . . فيه نصب ، وُثّق » (6) . .

ص: 16


1- ميزان الاعتدال 3 : 160 .
2- خلاصة تذهيب تهذيب الكمال : 25 .
3- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستّة 1 : 231 .
4- تقريب التهذيب 1 : 75 .
5- تهذيب التهذيب 10 : 179 .
6- الكاشف 2 : 151 .

وقال في ميزان الاعتدال : « بصري ، حضر وقعة الجمل ، وكان ناصبيّاً ، ينال من علي رضي اللّه تعالى عنه ، ويمدح يزيد » (1) .

وقال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت 852 ه- ) في تهذيب التهذيب : « قال موسى بن إسماعيل عن مطر بن حمران : كنّا عند أبي لبيد ، فقيل له : أتحبّ عليّاً ؟

فقال : أحبّ علياً !! وقد قتل من قومي في غداة واحدة ستّة آلاف .

وذكره ابن حبّان في الثقات .

وقال عباس الدوري : عن يحيى بن معين : حدّثنا وهب بن جرير عن أبيه عن ابن لبيد وكان شتّاماً .

قلت : زاد العقيلي : وقال وهب : قلت لأبي : من كان يشتم ؟

قال : كان يشتم علي بن أبي طالب .

وأخرجه الطبري من طريق عبد اللّه بن المبارك ، عن جرير بن حازم ، حدّثني الزبير بن خريت ، عن أبي لبيد ، قال : قلت له : لِم تسبّ علياً ؟

قال : أسبّ رجلاً قتل منّا خمسمائة وألفين والشمس هاهنا .

وقال ابن حزم : غير معروف العدالة » (2) .

وقال في تقريب التهذيب : « ... صدوق ناصبي » (3) .

وبعد ما لاحظ ابن حجر التناقض الواضح بين توثيق النواصب والطعن في الشيعة ، قال ضمن ترجمة زيارة : وقد كنت استشكل توثيقهم الناصبيّ غالباً وتوهينهم الشيعي مطلقاً ، ولا سيّما أنّ علياً ورد في حقّه « لا يُحبّه إلا .

ص: 17


1- ميزان الاعتدال 3 : 419 .
2- تهذيب التهذيب 8 : 410 .
3- تقريب التهذيب 2 : 47 .

مؤمن ولا يُبغضه إلا منافق » (1) .

انظر واعجب ، فعلماء السنّة خالفوا القاعدة ، إذ مقتضاها الأخذ بقول الشيعي المحبّ ؛ لأنه مؤمن ، والمؤمن صادق بشهادة القرآن . وطرح قول المبغض ؛ لأنّه منافق ، والمنافق كاذب بشهادة القرآن .

ثمّ أخذ ابن حجر بالاعتذار عن قومه بما هو أقبح من ذنبه ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .

والآن فلننقل فتاوى بعض علمائهم المتأخّرين في الشيعة الإمامية .

عبدالعزيز بن باز

عبدالعزيز بن باز (2)

السوال :

من خلال معرفة سماحتكم بتاريخ الرافضة ، ما هو موقفكم من مبدأ التقريب بين أهل السنّة وبينهم ؟

الجواب :

التقريب بين الرافضة وبين أهل السنّة غير ممكن ؛ لأنّ العقيدة مختلفة ، فعقيدة أهل السنّة والجماعة توحيد اللّه وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى ، وأنّه لا يدعى معه أحد ، لا ملك مقرب ولا نبيّ مرسل ، وأنّ اللّه سبحانه وتعالى هو الذي يعلم الغيب ، ومن عقيدة أهل السنّة محبّة الصحابة رضي اللّه عنهم جميعاً والترضّي عنهم ، والإيمان بأنّهم أفضل خلق اللّه بعد الأنبياء ،

ص: 18


1- تهذيب التهذيب 8 : 411 .
2- من موقع www .binbaz .org . المصدر : مجلة المجاهد - السنة الأولى - عدد 10 - شهر صفر 1410ه- - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - الجزء الخامس .

وأنّ أفضلهم أبو بكر الصدّيق ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثمّ علي ، رضي اللّه عن الجميع ، والرافضة خلاف ذلك فلا يمكن الجمع بينهما ، فكما أنّه لا يمكن الجمع بين اليهود والنصارى والوثنيين وأهل السنّة ، فكذلك لا يمكن التقريب بين الرافضة وبين أهل السنّة ؛ لاختلاف العقيدة التي أوضحناها .

السوال :

وهل يمكن التعامل معهم لضرب العدو الخارجي كالشيوعية وغيرها ؟

الجواب :

لا أرى ذلك ممكناً ، بل يجب على أهل السنّة أن يتحدوا وأن يكونوا أمّة واحدة وجسداً واحداً ، وأن يدعوا الرافضة أن يلتزموا بما دلّ عليه كتاب اللّه وسنّة الرسول صلى اللّه عليه وسلم من الحقّ ، فإذا التزموا بذلك صاروا إخواننا وعلينا أن نتعاون معهم ، أمّا ما داموا مصرّين على ما هم عليه من بغض الصحابة وسبّ الصحابة إلا نفراً قليلاً ، وسبّ الصديق وعمر ، وعبادة أهل البيت كعلي - رضي اللّه عنه - وفاطمة والحسن والحسين ، واعتقادهم في الأئمة الاثني عشر أنّهم معصومون وأنّهم يعلمون الغيب ؛ كلّ هذا من أبطل الباطل ، وكلّ هذا يخالف ما عليه أهل السنّة والجماعة .

ابن جبرين

ابن جبرين (1)

السوال :

ما حكم دفع زكاة أموال أهل السنّة لفقراء الرافضة - الشيعة - وهل تبرأ ذمّة المسلم الموكّل بتفريق الزكاة إذا دفعها للرافضي الفقير أم لا ؟

ص: 19


1- من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى فضيلة الشيخ ابن جبرين : ص 39 .

الجواب :

لقد ذكر العلماء في مؤلّفاتهم في باب أهل الزكاة أنّها لا تُدفع لكافر ، ولا مبتدع ، فالرافضة بلا شكّ كفّار لأربعة أدلّة :

الأول : طعنهم في القرآن ، وادعاؤهم أنّه حذف منه أكثر من ثلثيه ، كما في كتابهم الذي ألّفه النوري وسماه : « فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب » وكما في كتاب « الكافي » ، وغيره من كتبهم ، ومن طعن في القرآن فهو كافر مكذّب لقوله تعالى : ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) .

الثاني : طعنهم في السنّة وأحاديث الصحيحين ، فلا يعملون بها لأنّها من رواية الصحابة الذين هم كفّار في اعتقادهم ، حيث يعتقدون أنّ الصحابة كفروا بعد موت النبيّ صلى اللّه عليه وسلم إلا علي وذريّته ، وسلمان وعمار ، ونفر قليل ، أمّا الخلفاء الثلاثة ، وجماهير الصحابة الذين بايعوهم فقد ارتدوا ، فهم كفّار ، فلا يقبلون أحاديثهم ، كما في كتاب « الكافي » وغيره من كتبهم .

الثالث : تكفيرهم لأهل السنّة ، فهم لا يصلّون معكم ، ومن صلّى خلف السنّي أعاد صلاته ، بل يعتقدون نجاسة الواحد منّا ، فمتى صافحناهم غسلوا أيديهم بعدنا ، ومن كفّر المسلمين ، فهو أولى بالكفر ، فنحن نكفّرهم كما كفّرونا وأولى .

الرابع : شركهم الصريح بالغلو في علي وذرّيته ، ودعاؤهم مع اللّه ، وذلك صريح في كتبهم ، وهكذا غلّوهم ووصفهم له بصفات لا تليق إلا بربّ العالمين ، وقد سمعنا ذلك في أشرطتهم . ثمّ إنّهم لا يشتركون في جمعيات أهل السنّة ، ولا يتصدّقون على فقراء أهل السنّة ، ولو فعلوا فمع البغض الدفين ، يفعلون ذلك من باب التقية ، فعلى هذا من دفع إليهم الزكاة

ص: 20

فليخرج بدلها ، حيث أعطاها من يستعين بها على الكفر ، وحرب السنّة ، ومن وُكِّل في تفريق الزكاة ؛ حرم عليه أن يعطي منها رافضياً ، فإن فعل لم تبرأ ذمّته ، وعليه أن يغرم بدلها ، حيث لم يؤدّ الأمانة إلى أهلها ، ومن شكّ في ذلك فليقرأ كتب الردّ عليهم ، ككتاب القفاري في تفنيد مذهبهم ، وكتاب الخطوط العريضة للخطيب ، وكتاب إحسان إلهي ظهير وغيرها ، واللّه الموفق .

عبد الرحمن السحيم

عبد الرحمن السحيم (1)

السوال :

ما صحّة قول : كلّنا مسلمين شيعة كنّا أم سنّة فلا فرق ؟

الجواب :

إذا صح أنّه لا فرق بين الليل والنهار ، ولا بين الثرى والثريا فيصحّ أنه لا فرق بين الكفر والإسلام .

فالرفض شرك وكفر .

والرفض دين آخر غير دين الإسلام .

ليس لهم مساجد بل حسينيات .

ليس عندهم قرآن بل مصحف فاطمة .

يحجّون إلى كربلاء والنجف والعتبات المقدّسة - بزعمهم - !

يُقدّسون مراقد الأئمة !

يدعون علياً والحسين من دون اللّه !

أي إسلام هذا ؟؟؟!!!

ص: 21


1- موقع المشكاة .

فنحن لا نلتقي مع الرافضة إلا أننا نعيش وإياهم على سطح الأرض !

وهم يقولون مثل ذلك .

حتى قال أحد ملاليهم : نحن لا نلتقي مع السنّة لا في ربّ ولا في رسول ولا في دين .

واللّه المستعان .

عبد اللّه بن جبرين

عنوان الفتوى : هل يجوز نصرة ما يسمّى حزب اللّه الرافضي ؟

المفتي : الشيخ / عبد اللّه بن جبرين .

رقم الفتوى : 15903 .

تاريخ الفتوى : 21 / 6 / 1427 ه - 2006 - 07 - 17

تصنيف الفتوى : العقيدة - فرق ومذاهب وأديان - كتاب فرق منتسبة - باب طائفة الرافضة .

السوال :

هل يجوز نصرة ما يسمّى حزب اللّه الرافضي ؟ وهل يجوز الانضواء تحت إمرتهم ؟ وهل يجوز الدعاء لهم بالنصر والتمكين ؟ وما نصيحتكم للمخدوعين بهم من أهل السنّة ؟

الإجابة :

لا يجوز نصرة هذا الحزب الرافضي ، ولا يجوز الانضواء تحت إمرتهم ، ولا يجوز الدعاء لهم بالنصر والتمكين ، ونصيحتنا لأهل السنّة أن يتبرؤا منهم ، وأن يخذلوا من ينضموا إليهم ، وأن يبيّنوا عداوتهم للإسلام والمسلمين وضررهم قديماً وحديثاً على أهل السنّة ، فإنّ الرافضة دائماً

ص: 22

يضمرون العداء لأهل السنّة ، ويحاولون بقدر الاستطاعة إظهار عيوب أهل السنّة والطعن فيهم والمكر بهم ، وإذا كان كذلك فإنّ كلّ من والاهم دخل في حكمهم لقول اللّه تعالى ( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) .

البيان الذي وقّعه 38 من علماء السنّة نداء لأهل السنّة في العراق وما يجب على الأمة من نصرتهم

يوم الخميس 16 ، ذو القعدة ، 1427 ه-

الحمد لله ربّ العالمين ، أوجب نصرة المظلومين ، وإغاثة الملهوفين ، وجعل ذلك برهان صدق الأخوة بين المسلمين ، وحرّم القطيعة والتخاذل ، وجعل ذلك آية الفشل وذهاب ريح المؤمنين ، وصلّى اللّه وسلّم على إمام الصابرين وقدوة المحتسبين ، وعلى آله وأصحابه الذين ضربوا أروع الأمثلة في التآخي والتناصر في الدين ، وعلى من اتبعهم بإحسان من المؤمنين الذين لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه أولئك هم الصادقون .

أما بعد :

فإنّ ما تعرّض له العراق ؛ بلداً وشعبًا ؛ من تآمر صليبي صفوي رافضي ؛ سبقه حكم بعثي ، كان فصلاً من فصول المؤامرة ، ومؤشّراً على نجاح المخطط الأخطبوط الذي يجتاح المنطقة .

ولقد كان سقوط بغداد حدثاً عظيماً على أهل الإسلام ، لم يقع مثله في تداعياته المؤلمة منذ احتلال اليهود لأرض فلسطين ، ممّا يستدعي منّا موقفاً حازماً نستدرك فيه ما فرط من مواقف نعرض فيه أهمّ ما يجب علينا فعله والقيام به ، كلٌّ فيما يخصه ويستطيعه .

ص: 23

أولاً : بعد قرابة أربع سنوات مرّت على احتلال العراق ؛ ظهر جليّاً أنّ الهدف هو الاستيلاء على العراق شراكة بين الصليبيين والرافضة الصفويين ؛ تمكيناً لمطامعهم في المنطقة ، وحماية لليهود المحتلِّين ، وإقصاءً للنفوذ السنّي فيها ، ومحاصرة للسنّة في المنطقة كلّها ؛ لتشكيل هلال شيعي لا تخفى أطماعه ومخططاته ، وأصبح العراق بإسلامه وعروبته ، وبجغرافيته وتاريخه وثرواته ؛ يراد له أن يتبدد وينهب ، وأصبح إعلان التقسيم رسميّاً يتوقع في أية لحظة ، فللرافضة الجنوب وأهم محافظات الوسط ، وللأكراد الشمال ، وللسنّة ما بقي من أرض الوسط .

ولم تترك أحداث العراق للرافضة الاثني عشرية وأشياعهم من سائر فرق الباطنيّة من سربال ولا ستر ولا تقيّة ، فقد أظهر اللّه سرّهم علانية ، وفضحهم على رؤوس الأشهاد ؛ لمن كان له قلب وسلم من الهوى ؛ فقد سارعوا في هوى الصليبيين واحتضنوهم وحموا ظهورهم ، وتخندقوا جميعاً في حرب العراق وتقسيمه . لقد أثبتوا بصورة عملية كلّ ما كان مسطوراً عندهم في كتبهم ممّا كانوا يخادعون المسلمين بعكسه تقيّة ، ففي نشوة النصر لم يتمالكوا أنفسهم ، فظهرت أخلاقهم المرذولة ، وعقائدهم البغيضة ، فقالوا وفعلوا ما يشهد لهم بأنّهم أمّة واحدة مع تعدّد مذاهبهم وبلدانهم وأجناسهم ، وأنّ مايفعلونه في ديار أهل السنّة من بيعة وطاعة ومهادنة ، ما هو إلا مداراة ومصانعة حتى تتهيأ لهم الظروف .

وممّا يؤكد ما ذكرنا عن الرافضة من حقائق ووقائع ، وأنّ عقائدهم التي يتنصّلون منها ظاهرياً هي عقائد يدينون بها علمياً وعملياً ، ويمارسون مقتضياتها كلّما سنحت لهم الفرصة . . ممّا يؤكد ذلك أنّهم يوظّفون كلّ مناسبة سياسية أو إعلامية لصالحهم ، فيحافظون على الوحدة المذهبية

ص: 24

والشخصية الرافضية أن تهتز قناعاتها رغم تفاوت الأراء الدينية والسياسية بين آياتهم وسياسييهم .

فلا تطلبن من عند يوم وليلة خلاف الذي مرّت به السنوات .

ثانياً : نوجِّه هذه الرسالة لمن يهمُّه أمر الشيعة في العالم ، فنقول لهم : إنّ مايجري على أرض العراق من قتل وتعذيب وتهجير لأهل السنّة ، وتعاون مع العدو المحتلّ ؛ ظلم وبغي وعدوان ، لا نظنّكم تقبلون أن تعاملوا بمثله ، وأنتم تعلمون أنّ الأيام دول ، وعلى الباغي تدور الدوائر ، فإن كان هذا الذي يجري لا ترضونه ومرفوضاً من قبلكم فلماذا لا يُسمع لكم صوت ، وأنتم ترون كثيراً من الشعب الأمريكي أذعنوا في آخر الأمر لخطاب عقلائهم ، ممّا أدَّى إلى فوز منافسي بوش وزمرته ، وإنّنا نأمل أن يكون للعقل مساحة واقعية على الأقل عندكم ، ولا يكفينا إلا المواقف التي لها أثر عملي يحقن هذه الدماء ، وأما التقيّة فقد نبَّأنا الواقع من أخبارها .

ثالثاً : إنّ أكثر ما يضرُّ الأمة ، ويمكّن منها عدوها : تفرقها واختلافها ؛ كما قال تعالى : ( وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) . وجاء في quot; صحيح مسلم quot; من حديث : ثَوْبَانَ قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : إنَّ اللّهَ زَوى لي الأرض فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا ما زوى لي منها وَأُعْطِيتُ الكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأبيَضَ وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأمَّتِي أَنْ لا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بعَامَّةٍ وَأَنْ لا يُسَلِّطَ عليهم عَدُوّاً من سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّي قال يا محمد إني إذا قَضَيْتُ قَضَاءً فإنه لا يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بعَامَّةٍ وَأَنْ لا أُسَلِّطَ عليهم عَدُوّاً من سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوْ اجْتَمَعَ عليهم من بِأَقْطَارِهَا أو قال من بين أَقْطَارِهَا حتى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضاً وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضاً .

ص: 25

وفيه أيضاً من حديث سعد بن أبي وقاص : أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلّى اللّه عليه وسلّم أقبل ذَاتَ يَوْمٍ من العَالِيَةِ حتى إذا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دخل فَرَكَعَ فيه رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْنَا معه وَدَعَا به طَوِيلاً ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا فقال صلّى اللّه عليه وسلّم : سَألتُ ربِّي ثلاثاً فأعْطاني ثِنْتينِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا .

وقد بوَّب النووي رحمه اللّه على الحديثين بقوله : « باب هلاك هذه الأمّة بعضهم ببعض » .

ولقد سبر الأعداء غور الأمة الإسلامية ، وعرفوا مجمع الاتفاق ، وفروع الاختلاف بينهم ، فاستطاعوا توظيف اختلافهم لخدمة مخططاتهم ، وإنّنا نناشد من يحمل همَّ الأمة أن يتقوا اللّه في أمتهم ، وأن لايكونوا معول هدم فيها ، وأن يعملوا جاهدين على أن لا تكون العراق ساحة لتجذير الخلاف والفرقة والتناحر .

رابعًا : لاشك أنّ جهاد الأعداء ركن ركين ، ومن أهم شعائر الدين ، وما أُخذ بالقوَّة لا يُستردُّ إلا بالقوة ، وقد وُجِد في المجاهدين في العراق بحمد اللّه مَن ضربوا أروع الأمثلة في التضحية وبذل الأنفس في سبيل اللّه ممّا أرعب الأعداء وكسر شوكتهم ، ونحن نقدِّر لهم ذلك وفقهم اللّه ، غير أنّ هناك قضايا حادثة ومستجدَّة طرأت على الساحة ؛ من إفرازات صراعنا مع عدوِّنا ، وهي بحاجة إلى تأصيل شرعي لا يمكن معرفته إلا بالرجوع إلى العلماء العاملين الربّانيين الذين هم أكثر علماً ، وأطول تجربة ، ويعرفون أصول هذه المستجدَّات ، ويعرفون واقع الصراع بيننا وبين عدونا ، فنناشد جميع المجاهدين أن يضعوا أيديهم بأيدي علمائهم ، وأن لايقطعوا أمراً دونهم ، فهل نفرح من إخواننا بيد أُلفة حانية تمتدُّ تُفَوِّت على الأعداء شماتتهم بنا ؟

ص: 26

وإليكم - معاشر المسلمين - بعضاً ممّا يجب فعله ، على سبيل الإيجاز :

1) العمل على توعية عموم المسلمين بخطر الرافضة ، وعلى وسائل الإعلام أن تقوم بواجبها اتجاه ذلك ، فإن الرافضة لا يستحون أن يصفونا بكلّ نقيصة ، وما وصف حسن نصر اللّه - وهو معروف بحيطته في الكلام - أهل السنّة بأنّهم وهابية لا صلة لهم بالإسلام عنّا ببعيد ، ومثله تحريض الصدر في خطبة عيد الفطر على قتل المسلمين الذين لمزهم بالنواصب ، وتصريحات الحكيم الأخيرة كلّها تصب في حوض التحريض على أهل السنّة وإقصائهم .

2) على أهل العلم والفكر ، ألا يقفوا مكتوفي الأيدي اتجاه ما يجري على إخوانهم أهل السنّة في العراق ، بل الواجب فضح ممارسات الرافضة على كل المستويات ، واستخدام كافة المنابر والمحافل والمناسبات ، بل وإقامة لقاءات خاصة بهذه القضية ، ومحاصرة العابثين بالعراق وشعبه إعلاميّاً وقانونيّاً ، واستنهاض همم الشعوب الإسلامية لتقوم بواجباتها اتجاههم .

3) الوقوف المباشر مع إخواننا أهل السنّة في العراق ، ودعمهم بكلّ أساليب الدعم المدروسة المناسبة ، حتى تنجلي عنهم هذه المحنة ، ولنحذر كل الحذر أن يؤتى إخواننا من قبلنا وبسبب تقصيرنا ، في حين أن الرافضة المعتدين غدت سيوف الأمريكان معهم ، وأموال العراق بأيديهم ، وإيران من ورائهم ، فلا يكن هؤلاء في باطلهم أجرأ منّا على نصرة أهلنا المستضعفين المقهورين ظلماً وعدواناً .

4) وأنتم يا أهل العراق ، كان اللّه في عونكم فاصبروا واثبتوا ، فإنّ صبركم وثباتكم تثبيت لمن وراءكم ، وليكن من وسائلكم في مقاومة العدوان إصلاح ذات بينكم ، وإصلاح ما بينكم وبين اللّه جلّ وعز ، فإنّكم

ص: 27

إن ظفرتم بمعية اللّه ونصره فلا غالب لكم ، واعلموا أنّ صلاح أحوالكم سبب لعطف قلوب الخلق نحوكم ، وذريعة لكم إلى ربكم أن يتولى هزيمة الأحزاب ، فإن هؤلاء الطواغيت من الأمريكان والرافضة وأعوانهم وأحلافهم خلق من خلق اللّه يديلهم ويديل عليهم . فاللّه اللّه أن تؤتوا من قبل أنفسكم ، واصدقوا في اللجأ إلى اللّه ينزل السكينة عليكم ، ويمددكم بمدد من عنده ويقذف الرعب في قلوب أعدائكم ويكفكم شر المنافقين . ( واللّه غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون ) .

5) أيها المسلمون : إن ما سبق ذكره - من وصف لحال أهل العراق - لاينبغي ولا يجوز أن يكون مدعاة لليأس ولا سببا للإحباط ، فإن اللّه ناصر دينه ، ومظهر لأمره وهو مع المؤمنين الصادقين ، وإن جولة الباطل ساعة والحق جولته إلى قيام الساعة ، ولقد مرت بأهل الإسلام كروب ومحن نجوا منها بالصدق وصحة العزائم ، وتحويل الأماني والآمال إلى وقائع وأفعال ( حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ) ( يوسف : 110 ) .

فاللّهم انصر إخواننا في العراق ، وفي سائر بلاد الإسلام ، واجمع كلمتهم ، ووحّد شملهم ، وأذلَّ عدوَّهم ، وصلّى اللّه وسلّم على نبيّنا محمّد وآله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .

الموقعون :

1 - الشيخ العلامة / عبد الرحمن بن ناصر البراك ( الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً ) .

2 - الشيخ العلامة / عبد اللّه بن محمد الغنيمان ( رئيس قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية سابقاً ) .

ص: 28

3 - الشيخ العلامة / عبد العزيز بن عبد اللّه الراجحي ( الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ) .

4 - الشيخ / عبد اللّه بن عبد اللّه الزايد ( رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة سابقاً ) .

5 - الشيخ / سفر بن عبد الرحمن الحوالي ( رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى سابقاً ) .

6 - الشيخ / عبد اللّه بن حمود التويجري ( رئيس قسم السنة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً ) .

7 - الشيخ / عبد الرحمن الصالح المحمود ( عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ) .

8 - الشيخ / ناصر بن سليمان العمر ( وكيل كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً والمشرف العام على موقع المسلم ) .

9 - الشيخ / العباس بن أحمد الحازمي ( مدير المعهد العلمي بصبيا سابقاً ) .

10 - الشيخ / عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ ( رئيس لجنة مصحف المدينة وعميد كلية القرآن بالجامعة الإسلامية سابقاً ) .

11 - الشيخ / خالد بن عبد الرحمن العجيمي ( عميد شؤون الطلاب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً ) .

12 - الشيخ / أحمد بن عبد اللّه شيبان ( المعلم في منطقة عسير سابقاً ) .

13 - الشيخ / علي بن سعيد الغامدي ( الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود سابقاً ) .

14 - الشيخ / محمد بن سعيد القحطاني ( عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بجامعة أم القرى سابقاً ) .

ص: 29

15 - الشيخ / سعد بن عبد اللّه الحميد ( عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود ) .

16 - الشيخ / عبد اللّه بن عمر الدميجي ( عميد كلية أصول الدين بجامعة أم القرى ) .

17 - الشيخ / عبد العزيز ناصر الجليل ( باحث شرعي وداعية ) .

18 - الشيخ / عبد اللّه بن ناصر السليمان ( المفتش القضائي بوزارة العدل بالرياض ) .

19 - الشيخ / محمد بن أحمد الفراج ( المحاضر في جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية سابقاً ) .

20 - الشيخ / خالد بن عبد اللّه الشمراني ( رئيس قسم القضاء بكلية الشريعة في جامعة أم القرى ) .

21 - الشيخ / أحمد بن سعد بن غرم الغامدي ( عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بالباحة ) .

22 - الشيخ / سليمان بن حمد العودة ( عميد كلية اللغة العربية والاجتماعية بالقصيم سابقاً ) .

23 - الشيخ / يوسف بن عبد اللّه الأحمد ( عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ) .

24 - الشيخ / فهد بن سليمان القاضي ( إدارة التوعية والتوجيه بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سابقاً ) .

25 - الشيخ / محمد بن سليمان المسعود ( القاضي بالمحكمة العامة بجده ) .

26 - الشيخ / عبد العزيز بن سالم العمر ( إمام وخطيب جامع الحبيشي بالرياض ) .

ص: 30

27 - الشيخ / أحمد عبد اللّه العماري ( عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة سابقاً ) .

28 - الشيخ / حمد بن إبراهيم الحيدري ( عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ) .

29 - الشيخ / سعد بن ناصر الغنام ( داعية معروف ، ومدرِّس في محافظة الخرج ) .

30 - الشيخ / عبد الرحمن بن سعد الشثري ( كاتب عدل بالرياض ) .

31 - الشيخ / خالد بن محمد الماجد ( عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ) .

32 - الشيخ / ناصر بن عبد اللّه الجربوع ( القاضي بالمحكمة العامة بالرياض ) .

33 - الشيخ / إبراهيم بن محمد الجار اللّه ( مفكر وكاتب إسلامي بالمنطقة الغربية ) .

34 - الشيخ / عبدالرحيم بن صمايل السلمي ( عضو مركز الدعوة والإرشاد بجدة ) .

35 - الشيخ / خالد بن محمد آل زريق الشهراني ( مدرِّس في منطقة عسير ) .

36 - الشيخ / أحمد بن حسن بن محمد آل عبداللّه ( الموجه في تعليم عسير سابقاً ) .

37 - الشيخ / محمد بن عبداللّه الهبدان ( المشرف العام على موقع نور الإسلام ) .

38 - الشيخ / محمد بن عبد العزيز اللاحم ( مشرف تربوي وخطيب جامع ) .

ص: 31

عبد الرحمن بن ناصر البراك

عنوان الفتوى : تكفير عوام الرافضة .

المفتي : الشيخ / عبد الرحمن بن ناصر البراك .

رقم الفتوى : 18080 .

تاريخ الفتوى : 26 / 11 / 1427 ه - 2006 - 12 - 17

تصنيف الفتوى : العقيدة فرق ومذاهب وأديان - كتاب فرق منتسبة - باب طائفة الرافضة .

السؤال :

سماحة الشيخ استنكر أحد الأخوة تكفير الرافضة - المقصود من يقومون بأعمال شركية كالاستعانة والاستغاثة بالحسين وزيارة وحِج الأضرحة - فقال الأخ « علماً أنه أقدم مني في طلب العلم » أنّ تكفير عقيدتهم لا يعني تكفير عامة جُهّالهم الذين يُضَلّلون مِن قِبل أئمتهم ، ولكن إن نُصِحوا وبُيِّنَ لهم وأقيمت عليهم الحُجة ولم يرجعوا عن تلك العقيدة الفاسدة وجب تكفيرهم ، فما رأي سماحة الشيخ ، هل الجاهل منهم معذور بشركه ؟ .

الجواب :

الحمد لله : الرافضة الذين يسمّون أنفسهم الشيعة ، ويدعون حب آل بيت الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ، هم شرّ طوائف الأمة ، وقد كان المؤسّس لهذا المذهب يهودي اسمه عبد اللّه بن سبأ ، وأصحابه السبئية الغلاة الذين ادّعوا الإلهية في علي رضي اللّه عنه ، وورثتهم يألّهون أئمتهم من ذرية علي رضي اللّه عنه ، وهؤلاء كفار بإجماع المسلمين ، وإذا أظهروا الإسلام وكتموا اعتقادهم كانوا منافقين ، وهؤلاء من غلاة طوائف الرافضة الذين قال فيهم بعض العلماء : إنهم يظهرون الرفض ، ويبطنون الكفر

ص: 32

المحض ، ومن الرافضة السبّابة الذين يسبّون أبا بكر وعمر ويبغضونهما ، ويبغضون سائر الصحابة ، ويكفرونهم ، ويفسقونهم إلا قليلاً منهم .

وفي مقابل ذلك يغلون في علي رضي اللّه عنه وأهل البيت ، ويدعون لهم العصمة ، ويدعون أنّ عليّاً رضي اللّه عنه هو الأحق بالأمر بعد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ، وأنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أوصى بذلك ، وأن الصحابة كتموا الوصية ، واغتصبوا حقّ علي في الخلافة ، فجمعوا بين الغلو ، والجفاء ، ثم اعتنقوا بعض أصول المعتزلة كنفي الصفات ، والقدر ، ثم أحدثوا بعد القرون المفضلة بناء المشاهد على قبور أئمتهم ؛ فأحدثوا في الأمة شرك القبور ، وبدع القبور ، وسرى منهم ذلك لكثير من طوائف الصوفية ، والمقصود أن الرافضة في جملتهم هم شرّ طوائف الأمة ، واجتمع فيهم من موجبات الكفر ، تكفير الصحابة ، وتعطيل الصفات ، والشرك في العبادة بدعاء الأموات ، والاستغاثة بهم ، هذا واقع الرافضة الإمامية الذين أشهرهم الاثنا عشرية فهم في الحقيقة كفّار مشركون لكنّهم يكتمون ذلك ، إذا كانوا بين المسلمين عملاً بالتقيّة التي يدينون بها ، وهي كتمان باطلهم ، ومصانعة من يخالفهم ، وهم يربون ناشئتهم على مذهبهم من بغض الصحابة خصوصاً أبا بكر وعمر ، وعلى الغلو في أهل البيت خصوصاً علي ، وفاطمة ، وأولادهما ، وبهذا يعلم أنهم كفّار مشركون منافقون وهذا هو الحكم العام لطائفتهم ، وأما أعيانهم فكما قرّر أهل العلم أنّ الحكم على المعين يتوقف على وجود شروط ، وانتفاء موانع ، وعلى هذا فإنّهم يعاملون معاملة المنافقين الذين يظهرون الإسلام . ولكن يجب الحذر منهم ، وعدم الاغترار بما يدعونه من الانتصار للإسلام فإنّهم ينطبق عليهم قوله سبحانه ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ

ص: 33

وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ) ، وقوله تعالى : ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) ، ولا يلزم مما تقدم أن كل واحد منهم قد اجتمعت فيه أصولهم الكفرية ، والبدعية . ومن المعلوم أن أئمّتهم ، وعلماءهم هم المضلّون لهم ، ولا يكون ذلك عذراً لعامّتهم لأنّهم متعصبون لا يستجيبون لداعي الحق ، ومن أجل ذلك الغالب عليهم عدواة أهل السنّة ، والكيد لهم بكل ما يستطيعون ، ولكنّهم يخفون ذلك شأن المنافقين ، ولهذا كان خطرهم على المسلمين أعظم من خطر اليهود ، والنصارى لخفاء أمرهم على كثير من أهل السنّة ، وبسبب ذلك راجت على كثير من جهلة أهل السنّة دعوة التقريب بين السنّة والشيعة ، وهي دعوة باطلة . فمذهب أهل السنّة ، ومذهب الشيعة ضدّان لا يجتمعان ، فلا يمكن التقريب إلا على أساس التنازل عن أصول مذهب السنّة ، أو بعضها ، أو السكوت عن باطل الرافضة ، وهذا مطلب لكلّ منحرف عن الصراط المستقيم أعني - السكوت عن باطله - كما أراد المشركون من الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم أن يوافقهم على بعض دينهم ، أو يسكت عنهم فيعاملونه كذلك ، كما قال تعالى ( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) ، واللّه أعلم .

أقوال أعلام السُنّة بعضهم في البعض الآخر

ذكرنا في ما سبق كلمات بعض علماء السنّة وطعونهم بمذهب أهل البيت عليهم السلام وأعلامهم ، وقد يتصوّر البعض أنّ المسألة وقفت على هذا الحدّ ، لكنّ المطالع لكتبهم في التراجم والسير وغيرها يرى طعوناً واتهامات صدرت من أعلام كلّ مذهب ضدّ الآخر .

ونحن إنّما نورد كلام بعضهم في البعض الآخر ليقف المطالع على

ص: 34

حقيقة الخلافات الواقعة بين المذاهب السنيّة ، ولا يتصوّر أنّهم مذهب واحد في مقابل مذهب أهل البيت عليهم السلام .

ونقسّم هذا الكلام وهذه الطعونات إلى عدّة أقسام :

(1) قول واحد في آخر .

(2) قول واحد في جماعة .

(3) قول جماعة في واحد .

(4) قول واحد بأهل بلد كافة ونسبتهم إلى الجهل .

(5) الطعن في الشعر .

قول واحد في آخر :

القول في أبي حنيفة ( ت 150 ه- )

كان سهم أبي حنيفة ، النعمان بن ثابت الكوفي من الطعون أكثر من غيره من أئمة المذاهب الأربعة الأخرى ، ولنذكر أولاً كلامهم فيه ثم نعقبه بكلام باقي الأعلام :

أقوال مالك بن أنس ( ت 179 ه- ) في أبي حنيفة :

(1) ذكر الخطيب البغدادي أحمد بن علي ( ت 463 ه- ) بسنده عن إسحاق بن إبراهيم الحنيني قال : قال مالك : « ما وُلد في الإسلام مولود أضرّ على أهل الإسلام من أبي حنيفة » (1) .

(2) وبسنده عن حبيب بن زريق - كاتب مالك بن أنس - عن مالك بن أنس قال : « كانت فتنة أبي حنيفة أضرّ على هذه الأمّة من فتنة إبليس » (2) .

ص: 35


1- تاريخ بغداد 13 : 396 / 8 .
2- المصدر السابق : 396 / 9 .

(3) وبسنده عن مُطرِّف الأصمّ قال : سُئل مالك بن أنس عن قول عمر - في العراق - : بها الداء العضال ، فقال : « الهلكة في الدين ومنهم أبو حنيفة » (1) .

(4) وبسنده عن الوليد بن مسلم قال : قال لي مالك بن أنس : « أيتكّلم برأي أبي حنيفة عندكم » ؟ قلت : نعم ، قال : « ما ينبغي لبلدكم أن تسكن » (2) .

(5) وبسنده عن ابن أبي سريح قال : سمعت الشافعي يقول : سمعت مالك بن أنس وقيل له : تعرف أبا حنيفة ؟ - فقال : « نعم ، ما ظنّكم برجل لو قال : هذه السارية من ذهب لقام دونها حتى يجعلها من ذهب ، وهي من خشب أو حجارة » ؟ قال أبو محمّد : يعني أنّه كان يثبت على الخطأ ويحتجّ دونه ولا يرجع الى الصواب إذا بان له (3) .

(6) وبسنده عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل ، حدّثنا منصور بن أبي مزاحم قال : سمعت مالك بن أنس - وذكر أبا حنيفة - فقال : « كاد الدين ، كاد الدين » (4) .

وفي الحديث الذي بعده قال في آخره : « ومن كاد الدين فليس له دين » .

(7) وبسنده عن علي بن زيد الفرائضي ، عن الحنيني قال : سمعت مالكاً يقول : « ما وُلد في الإسلام مولود أشأم من أبي حنيفة » (5) .

ص: 36


1- المصدر السابق : 400 / 30 .
2- المصدر السابق : 400 / 31 .
3- المصدر السابق : 401 / 33 .
4- المصدر السابق : 401 / 34 .
5- المصدر السابق : 401 / 37 .
أقوال محمّد بن إدريس الشافعي ( ت 204 ه- ) في أبي حنيفة وأصحابه :

(1) ذكر الخطيب البغدادي ( ت 463 ه- ) بسنده عن محمّد بن عبد اللّه ابن عبد الحكم قال : قال لي محمّد بن إدريس الشافعي : « نظرتُ في كتب لأصحاب أبي حنيفة ، فإذا فيها مائة وثلاثون ورقة ، منها ثمانين ورقة خلاف الكتاب والسنّة » ، قال أبو محمّد : لأنّ الأصل كان خطأ فصارت الفروع ماضية على الخطأ (1) .

(2) وبسنده عن الربيّع بن سليمان المرادي قال : سمعت الشافعي يقول : « أبو حنيفة يضع أوّل المسألة خطأ ثمّ يقيس الكتاب كلّه عليها » (2) .

(3) وبسنده عن هارون بن سعيد الأبلي قال : سمعت الشافعي يقول : « ما أعلم أحداً وضع الكتاب أدلّ على عوار قوله من أبي حنيفة » (3) .

(4) وبسنده عن أحمد بن سنان بن أسد القطّان قال : سمعت الشافعي يقول : « ما شبّهت رأي أبي حنيفة إلا بخيط السحّارة ، يمدّ كذا فيجيء أخضر ، ويمدّ كذا فيجيء أصفر » (4) .

(5) وقال أبو نعيم الأصفهاني ( ت 430 ه- ) : قال الشافعي : « نظرت في كتاب لأبي حنيفة فيه عشرون ومائة ، أو ثلاثون ومائة ورقة ، فوجدت فيه ثمانين ورقة في الوضوء والصلاة ، ووجدتُ فيه إمّا خلافاً لكتاب اللّه ، أو لسنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، أو اختلاف قول ، أو تناقض أو خلاف قياس » (5) .

ص: 37


1- تاريخ بغداد 13 : 412 / 90 .
2- المصدر السابق 13 : 412 / 91 .
3- المصدر السابق 13 : 412 / 92 .
4- المصدر السابق 13 : 412 / 93 .
5- حلية الأولياء 10 : 103 .
أقوال أحمد بن حنبل ( ت 241 ه- ) في أبي حنيفة :

(1) ذكر الخطيب البغدادي ( ت 463 ه- ) بسنده عن عبد اللّه بن أحمد ابن حنبل قال : قلت لأبي : كان أبو حنيفة استُتيب ؟ قال : « نعم » (1) .

(2) وبسنده عن أحمد بن الحجّاج المروزي قال : سألت أبا عبد اللّه - هو أحمد بن حنبل - عن أبي حنيفة وعمرو بن عبيد ، فقال : « أبو حنيفة أشدّ على المسلمين من عمرو بن عبيد ، لأنّ له أصحاباً » (2) .

(3) وبسنده عن الأقرم قال : « رأيت أبا عبد اللّه مراراً يعيب أبا حنيفة ومذهبه ، ويحكي الشيء من قوله على الإنكار والتعجّب » (3) .

(4) وبسنده عن محمّد بن يوسف البيكندي قال : قيل لأحمد بن حنبل : قول أبي حنيفة : الطلاق قبل النكاح ؟ فقال : « مسكين أبو حنيفة كأنه لم يكن من العراق ، كأنه لم يكن من العلم . قد جاء فيه عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعن الصحابة وعن نيف وعشرين من التابعين مثل سعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيّب ، وعطاء ، وطاووس ، وعكرمة ، كيف يجترئ أن يقول : تطلق » (4) .

(5) وبسنده عن مهنى بن يحيى قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : « ما قول أبي حنيفة والبعر عندي إلا سواء » (5) .

(6) وبسنده عن محمّد بن روح قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : « لو أنّ رجلاً ولي القضاء ثمّ حكم برأي أبي حنيفة ، ثمّ سُئلت عنه لرأيت أن أرد أحكامه » (6) .

ص: 38


1- تاريخ بغداد 13 : 382 / 65 .
2- المصدر السابق 13 : 412 / 94 .
3- المصدر السابق 13 : 412 / 95 .
4- المصدر السابق 13 : 413 / 97 .
5- المصدر السابق 13 : 413 / 98 .
6- المصدر السابق 13 : 413 / 99 .

(7) وبسنده عن محمّد بن عبد اللّه الشافعي قال : سمعت إبراهيم بن إسحاق الحربي قال : سمعت أحمد بن حنبل وسُئل عن مالك فقال : حديث صحيح ورأي صحيح ، وسُئل عن الأوزاعي فقال : حديث ضعيف ورأي ضعيف ، وسُئل عن أبي حنيفة فقال : « لا رأي ولا حديث » (1) .

(8) وبسنده عن محمّد بن عمرو العقيلي قال : حدّثنا عبد اللّه بن أحمد قال : سمعت أبي يقول : « حديث أبي حنيفة ضعيف ورأيه ضعيف » (2) .

أقوال باقي الأعلام في أبي حنيفة :

(1) ذكر الخطيب البغدادي أحمد بن علي ( ت 463 ه- ) بسنده عن محمّد بن عبد اللّه الشافعي قال : حدّثنا محمّد بن يونس ، حدّثنا ضرار بن صرد ، قال : حدّثنا سليم المقرئ ، حدّثنا سفيان الثوري قال : قال لي حمّاد ابن أبي سليمان ( ت 120 ه- ) - وهو أستاذ أبي حنيفة - : « أبلغ عنّي أبا حنيفة المشرك أنّي بريء منه حتّى يرجع عن قوله في القرآن » (3) .

(2) وبسنده عن رجاء بن السندي قال : سمعت سليمان بن حسّان الحلبي يقول : سمعت الأوزاعي ( ت 157 ه ) - ما لا أحصيه - يقول : « عمد أبو حنيفة إلى عرى الإسلام فنقضها عروة عروة » (4) .

(3) وبسنده عن سلمة بن كلثوم - وكان من العابدين ولم يكن من أصحاب الأوزاعي أحسن منه - قال : قال الأوزاعي لما مات أبو حنيفة : « الحمدُ لله ، إن كان لينقض الإسلام عروة عروة » (5) .

ص: 39


1- المصدر السابق 13 : 418 / 122 .
2- المصدر السابق 13 : 421 / 136 .
3- المصدر السابق 13 : 377 / 46 .
4- المصدر السابق 13 : 398 / 17 .
5- المصدر السابق 13 : 398 / 18 .

(4) وبسنده عن محمّد بن كثير قال : سمعت الأوزاعي يقول : « ما ولد في الإسلام أضرّ على الإسلام من أبي حنيفة » (1) .

(5) وبسنده عن أحمد بن الحسن الترمذي قال : سمعت الفريابي يقول : سمعت الثوري ( ت 161 ه- ) ينهى عن مجالسة أبي حنيفة وأصحاب الرأي (2) .

(6) وبسنده عن معاذ بن معاذ قال : سمعت سفيان الثوري يقول : « أستُتيب أبو حنيفة من الكفر مرّتين » (3) .

(7) وبسنده عن مؤمّل بن إسماعيل قال : سمعت سفيان الثوري يقول : « إنّ أبا حنيفة أستُتيب من الزندقة مرّتين » (4) .

(8) وبسنده عن جرير بن ثعلبة قال : سمعت سفيان الثوري - وذكر أبا حنيفة - فقال : « لقد استتابه أصحابه من الكفر مراراً » (5) .

(9) وبسنده عن إبراهيم بن محمّد الفزاري قال : كنّا عند سفيان الثوري إذ جاء نعي أبي حنيفة ، فقال : « الحمدُ لله الذي أراح المسلمين ، لقد كان ينقض عُرى الإسلام عروة عروة ، ما ولد في الإسلام مولودٌ أشأم على أهل الإسلام منه » (6) .

(10) وبسنده عن محمّد بن يوسف الفريابي قال : كان سفيان الثوري ينهى عن النظر في رأي أبي حنيفة . قال : وسمعت محمّد بن يوسف - .

ص: 40


1- المصدر السابق 13 : 398 - 399 / 21 .
2- المصدر السابق 13 : 405 / 57 .
3- المصدر السابق 13 : 379 - 380 / 55 .
4- المصدر السابق 13 : 380 / 58 .
5- المصدر السابق 13 : 381 / 59 .
6- المصدر السابق 13 : 398 / 19 .

وسئل : هل روى سفيان الثوري عن أبي حنيفة شيئاً ؟ - قال : « معاذ اللّه ، سمعت سفيان الثوري يقول : ربّما استقبلني أبو حنيفة يسألني عن مسألة ، فأجيبه وأنا كاره ، وما سألته عن شيء قط » (1) .

(11) وبسنده عن محمّد بن عصام بن يزيد الأصبهاني يقول : سمعت سفيان الثوري يقول : « أبو حنيفة ضالّ مضلّ » (2) .

(12) وبسنده عن أبي ربيعة محمّد بن عوف قال : سمعت حماد بن سلمة يكنّي أبا حنيفة : أبا جيفة (3) .

(13) وبسنده عن أسود بن سالم قال : قال أبو بكر بن عيّاش : « سوّد اللّه وجه أبي حنيفة » (4) .

(14) وبسنده عن أحمد بن إبراهيم قال : قيل لشريك : أُستُتيب أبو حنيفة ؟ قال : « قد علم ذاك العواتق في خدورهن » (5) .

(15) وبسنده عن محمّد بن فليح المدني ، عن أخيه سليمان - وكان علامة بالناس - قال : إنّ الذي استتاب أبا حنيفة خالد القسري . قال : فلمّا رأي ذلك أخذ في الرأي ليعمى به .

وروى أنّ يوسف بن عمر استتابه ، وقيل : إنّه لمّا تاب رجع وأظهر القول بخلق القرآن ، فاستتيب دفعة ثانية . فيحتمل أن يكون يوسف استتابه مرّة ، وخالد استتابه مرّة ، واللّه أعلم (6) . .

ص: 41


1- المصدر السابق 13 : 405 - 406 / 58 .
2- المصدر السابق 13 : 411 / 87 .
3- المصدر السابق 13 : 408 / 70 .
4- المصدر السابق 13 : 410 / 82 .
5- المصدر السابق 13 : 378 / 49 .
6- المصدر السابق 13 : 378 / 50 .

(16) وبسنده عن يحيى بن سعيد قال : سمعت شُعبة يقول : كفٌّ من تراب خير من أبي حنيفة (1) .

(17) وبسنده عن طريف بن عبد اللّه قال : سمعت ابن أبي شيبة - وذكر أبا حنيفة - فقال : أراد كان يهودياً (2) .

القول في مالك بن أنس ( ت 179 ه- )

(1) قال يوسف بن عبد البرّ ( ت 463 ه- ) ذاكراً من طعن في مالك : « وقد تكلّم ابن أبي ذئب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونة ، وكرهتُ ذِكْره ، وهو مشهور عنه .

وكان إبراهيم بن سعد يتكلّم ، وكان إبراهيم بن أبي يحيى يدعو عليه .

وتكلّم في مالك أيضاً - فيما ذكره الساجي في « كتاب العلل » - عبد العزيز ابن أبي سلمة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وابن إسحاق ، وابن أبي يحيى ، وابن أبي الزناد . وعابوا أشياء من مذهبه ، وتكلّم فيه غيرهم منه .

وتحامل عليه الشافعي ، وبعض أصحاب أبي حنيفة في شيء من رأيه حسداً لموضع إمامته » (3) .

(2) وقال الخطيب البغدادي أحمد بن علي ( ت 463 ه- ) بسنده عن حسن بن زيد ، عند اجتماع مجموعة من الفقهاء عند أبي جعفر المنصور : فقال ابن أبي ذئب لمالك : « يا مالك داهنت وفعلت وفعلت وملت إلى الهوى » (4) .

ص: 42


1- المصدر السابق 13 : 419 / 126 .
2- المصدر السابق 13 : 415 / 103 .
3- جامع بيان العلم وفضله : 474 / 1569 .
4- تاريخ بغداد 3 : 101 / 1103 .

(3) وبسنده عن أحمد بن حنبل قال : بلغ ابن أبي ذئب أنّ مالكاً لم يأخذ بحديث درر البيعين بالخيار ، قال : « يُستتاب وإلا ضربت عنقه » (1) .

(4) وقال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت 852 ه- ) : ويقال : إنّ سعداً وعظ مالكاً فلم يرو عنه . حدّثني أحمد بن محمّد ، سمعت أحمد بن حنبل يقول : سعد ثقة ، فقيل له : إنّ مالكاً لا يحدّث عنه ، فقال : ومن يلتفت إلى هذا ، سعد ثقة رجل صالح .

وقال أحمد البرقي : سألت يحيى عن قول بعض الناس في سعد : أنّه كان يرى القدر ، وترك مالك الرواية عنه ، فقال : لم يكن يرى القدر ، وإنّما ترك مالك الرواية عنه لأنّه يتكلّم في نسب مالك ، فكان مالك لا يروي عنه ، وهو ثبت لا شكّ فيه » (2) .

(5) وقال الخطيب البغدادي ، أحمد بن علي ( ت 364 ه- ) بسنده عن ابن وهب قال : سمعت مالكاً يقول : « كثير من هذه الأحاديث ضلال ، لقد خرجت مني أحاديث لوددت أنّي ضربت بكلّ حديث منها سوطين وأنّي لم أحدّث بها » (3) .

(6) وقال محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت 748 ه- ) : « إنّ مالكاً لم يشهد الجماعة خمساً وعشرين سنة » (4) .

(7) وقال أيضاً : عن الهيثم بن جميل قال : « سمعت مالكاً سُئل عن ثمان .

ص: 43


1- المصدر السابق 3 : 103 . وانظر أيضاً العلل لأحمد بن حنبل 1 : 539 ، وسير أعلام النبلاء للذهبي 7 : 142 .
2- تهذيب التهذيب 3 : 403 .
3- معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري ( ت 405 ه- ) : 61 ، تاريخ الإسلام للذهبي ( ت 748 ه- ) 11 : 325 .
4- تذكرة الحفّاظ 1 : 210 .

وأربعين مسألة ، فأجاب عن اثنتين وثلاثين منها ب- « لا أدري » (1) .

(8) وقال ابن العماد الحنبلي ( ت 1089 ه ) : إنّ مالكاً بكى في مرض موته وقال : « واللّه لوددت أنّي ضُربت في كلّ مسألة أفتيت بها ، وليتني لم أُفت بالرأي » (2) .

(9) وفي فتاوى ابن الصلاح : أنّه - أي مالك - ربما يُسأل خمسين مسألة ، فلا يجيب في واحدة منها » (3) .

(10) وقال يوسف بن عبد اللّه ( ت 463 ه- ) بسنده عن الليث بن سعد أنّه قال : « أحصيت على مالك بن أنس سبعين مسألة كلّها مخالفة لسنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ممّا قال فيها برأيه ، ولقد كتبت إليه في ذلك » (4) .

القول في محمّد بن إدريس الشافعي ( ت 204 ه- )

(1) قال يوسف بن عبد البرّ ( ت 463 ه- ) : قيل ليحيى بن معين : والشافعي كان يكذب ؟ قال : « ما أحبّ حديثه ولا ذكره » (5) .

(2) وقال أيضاً : واشتهر عن يحيى أنّه كان يقول عن الشافعي : « إنه ليس بثقة » (6) .

(3) وقال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت 852 ه- ) عن محمّد ابن عبداللّه بن الحكم أنّه قال : « كان الشافعي قد مرض من هذا الباسور

ص: 44


1- سير أعلام النبلاء 8 : 77 .
2- شذرات الذهب 1 : 292 .
3- فتاوى ابن الصلاح 1 : 13 .
4- جامع بيان العلم وفضله : 455 .
5- المصدر السابق : 455 .
6- المصدر السابق : 473 .

مرضاً شديداً حتى ساء خُلقه ، فسمعته يقول : « إنّي لآتي الخطأ وأنا أعرفه » (1) .

(4) وقال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( 852 ه- ) : عن معمّر بن شبيب أنّه سمع المأمون يقول : امتحنت الشافعي في كلّ شيء فوجدته كاملاً ، وقد بقيت خصلة ، وهو أنّه أسقيه من الهندبا تغلب على الرجل الجيد العقل ، فحدّثني ثابت الخادم أنّه استدعى به فأعطاه رطلاً فقال : يا أمير المؤمنين ما شربته قط ، فعزم عليه فشربه ، ثمّ والى عليه عشرين رطلاً فما تغيّر عقله ولا زال عن فجّه » (2) .

القول في أحمد بن حنبل ( ت 241 ه- )

(1) قال محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت 748 ه- ) : قال عبد اللّه ابن أحمد بن حنبل : سمعت أبي يقول : « وددتُ أنّي نجوت من هذا الأمر ، لا عليّ ولا لي » (3) .

(2) وفي فتاوى ابن صلاح : عن أبي بكر الأقرم قال : « سمعت أحمد بن حنبل يستفتى ، فيكثر أن يقول : « لا أدري » (4) .

(3) وفي مناقب الشافعي : قال الفخر الرازي : إنّه - يعني الإمام أحمد - « ما كان في علم المناظرة قوياً ، وهو الذي قال : لولا الشافعي لبقيت أقفيتنا كالكرة في أيدي أصحاب الري » (5) .

ص: 45


1- عوالي التأسيس لابن حجر : 77 .
2- لسان الميزان 6 : 67 .
3- سير أعلام النبلاء 11 : 227 .
4- فتاوى ابن الصلاح 1 : 13 .
5- مناقب الشافعي : 389 .

(4) وقال أحمد بن علي بن حجر ( ت 852 ه- ) : وقال ابن أبي خيثمة : « قيل لابن معين : إنّ أحمد يقول : إنّ علي بن عاصم ليس بكذاب .

فقال : لا واللّه ، ما كان علي عندي قطّ ثقة ، ولا حدّث عنه بشيء ، فكيف صار اليوم عنده ثقة » ؟ (1) .

(5) وقال الخطيب البغدادي أحمد بن علي بن ثابت ( ت 364 ه- ) : قال الحسين بن علي الكرابيسي في الطعن في أحمد : « أيش نعمل بهذا الصبي ؟ قلنا : ( مخلوق ) قال : بدعة . وإن قلنا : ( غير مخلوق ) قال : بدعة » (2) .

أقوال باقي أعلام السنّة بعضهم بالبعض الآخر

(1) عن الأعمش قال : ذُكر إبراهيم ] بن يزيد بن الأسود ( ت 94 أو 96 ه- ) [ عند الشعبي ] عامر بن شراحبيل ( ت بعد 100 ه- ) [ فقال : « ذاك الأعور الذي يستفتى بالليل ويجلس ويفتي الناس بالنهار . قال : فذكرت ذلك لإبراهيم ، فقال : ذلك الكذّاب لم يسمع من مسروق شيئاً » (3) .

(2) عن سعيد بن جبير ( ت 95 ه- ) أنّه قال في العمرة : هي واجبة ، فقيل له : إنّ الشعبي يقول : ليست بواجبة ، فقال : « كذب الشعبي » (4) .

(3) عن أيوب قال : قدم علينا عكرمة ] أبو عبد اللّه ، مولى ابن عباس ( ت 107 ه- ) [ فلم يزل يحدّثنا حتى صرت بالمربد ، ثم قال : « أيُحسنُ حَسنُكُم مثل هذا » ؟ (5)

ص: 46


1- تهذيب التهذيب 7 : 304 .
2- تاريخ بغداد 8 : 65 .
3- جامع بيان العلم وفضله : 464 / 1534 .
4- المصدر السابق 466 / 1544 .
5- المصدر السابق 465 / 1541 .

ويقصد به الحسن البصري ( ت 110 ه- ) .

(4) وكان قتادة ] بن دعامة السدوسي (ت 117 ه) [ يقول : « متى كان العلم في السمّاكين ؟ يُعرّض بيحيى بن أبي كثير ( ت 132 ه- ) ، وكان أهل بيته سمّاكين » (1) .

(5) عن محمّد بن الشعر بن مالك بن مغول قال : سمعت إسماعيل بن حمّاد ابن أبي حنيفة يقول : قال أبو حنيفة : « إن ابن أبي ليلى ليستحلّ مني ما لا استحلّه من بهيمة » (2) .

(6) قال أبو عمر يوسف بن عبد البرّ ( ت 463 ه- ) : وروينا أنّ منصور بن عمّار ( ت القرن الثالث ) قصّ يوماً على الناس ، وأبو العتاهية ] إسماعيل بن القاسم بن سويد ( ت 211 ه- ) [ حاضر فقال : إنّما سرق منصور هذا الكلام من رجل كوفي ، فبلغ منصوراً ، فقال : « أبو العتاهية زنديق » (3) .

قول واحد في جماعة

(1) عن مغيرة قال : قدم علينا حمّاد بن أبي سليمان من مكّة ، فأتيناه لنسلّم عليه ، فقال لنا : « أحمدوا اللّه يا أهل الكوفة فإنّي لقيت عطاءً وطاووساً ومجاهداً ، فلصبيانكم وصبيان صبيانكم أعلم منهم » (4) .

وحماد بن أبي سليمان ( ت 120 ه- ) هو أستاذ أبي حنيفة .

وعطاء بن السائب ( ت 126 ه- ) .

وطاووس بن كيسان اليماني ( ت 106 ه- ) .

ص: 47


1- المصدر السابق 469 / 1557 .
2- تاريخ بغداد 13 : 377 / 44 .
3- جامع بيان العلم وفضله : 471 / 1561 .
4- المصدر السابق : 462 / 1526 .

ومجاهد بن جبر ( ت 103 ه- ) .

(2) عن محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم قال : قال لي محمّد بن إدريس الشافعي ( ت 204 ه ) : « نظرت في كتب لأصحاب أبي حنيفة ، فإذا فيها مائة وثلاثون ورقة ، فعددت منها ثمانين ورقة خلاف الكتاب والسنّة » .

قال أبو محمّد : لأن الأصل كان خطأ فصارت الفروع ماضية على الخطأ (1) .

(3) وقال أيّوب بن شاذ بن يحيى الواسطي صاحب يزيد بن هارون : سمعت يزيد بن هارون يقول : « ما رأيت قوماً أشبه بالنصارى من أصحاب أبي حنيفة » (2) .

(4) عن محمّد بن عبد اللّه الشافعي قال : سمعت إبراهيم بن إسحاق الحربي قال : سمعت أحمد بن حنبل - وسُئل عن مالك - فقال : « حديث صحيح ورأي ضعيف ، وسُئل عن الأوزاعي فقال : « حديث ضعيف ورأي ضعيف ، وسُئل عن أبي حنيفة فقال : لا رأي ولا حديث » (3) .

(5) وقال محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت 748 ه- ) : قال الشيخ أبو إسماعيل : قصدت الشيخ أبا حاتم بن حاموش الحافظ بالري ، وكان مقدّم أهل السنّة بالري ، وكلّ من يدخل الري يعرض اعتقاده عليه ، فلمّا قربت من الري كان معي في الطريق رجل من أهلها ، فسألني عن مذهبي ، فقلت : أنا حنبلي ، فقال : مذهب ما سمعت به وهذه بدعة ، وأخذ بثوبي وقال : لا أفارقك حتى أذهب بك إلى الشيخ أبي حاتم ، فقلت : خيراً ، فذهب بي إلى داره ، وكان له ذلك اليوم مجلس عظيم ، فقال : هذا سألته .

ص: 48


1- تاريخ بغداد 13 : 412 / 90 .
2- المصدر السابق 13 : 411 / 89 .
3- المصدر السابق 13 : 418 / 122 .

عن مذهبه فذكر مذهباً لم أسمع به قط ، قال : ما قال ؟ قال : أنا حنبلي ، فقال : « دعه فكلّ من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم » (1) .

قول جماعة في واحد

(1) ذكرنا في ما سبق أسماء الأعلام الذين تكلّموا في أبي حنيفة وطعنوا فيه ، وفي مقدّمتهم : مالك بن أنس ( ت 179 ه- ) ، ومحمد بن إدريس الشافعي ( ت 204 ه- ) ، وأحمد بن حنبل ( ت 241 ه- ) .

وكذلك ذكرنا حمّاد بن أبي سليمان ( ت 120 ه- ) وهو أستاذ أبي حنيفة ، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ( ت 157 ه- ) ، وسفيان بن سعيد الثوري ( ت 161 ه- ) ، وغيرهم .

(2) قال الخطيب البغدادي أحمد بن علي بن ثابت ( 463 ه- ) : حدّثنا محمّد بن علي بن مخلد الورّاق - لفظاً - قال في كتابي عن أبي بكر محمّد ابن عبد اللّه بن صالح الأسدي الفقيه المالكي قال : سمعت أبا بكر بن أبي داود السجستاني يوماً وهو يقول لأصحابه : ما تقولون في مسألة اتفق عليها مالك وأصحابه ، والشافعي وأصحابه ، والأوزاعي وأصحابه ، والحسن بن صالح وأصحابه ، وسفيان الثوري وأصحابه ، وأحمد بن حنبل وأصحابه ؟

فقالوا له : يا أبا بكر لا تكون مسألة أصحّ من هذه .

فقال : « هؤلاء كلّهم اتّفقوا على تضليل أبي حنيفة » (2) .

(3) ذكر أبو عمر يوسف بن عبد البرّ ( ت 463 ه- ) من تكلّم وطعن في مالك بن أنس فقال : « وقد تكلّم ابن أبي ذئب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونة ، وكرهت ذكره ، وهو مشهور عنه ... وكان إبراهيم بن سعد

ص: 49


1- تاريخ الإسلام 33 : 57 .
2- تاريخ بغداد 13 : 382 - 383 / 66 .

يتكلّم ، وكان إبراهيم بن أبي يحيى يدعو عليه . وتكلّم في مالك أيضاً - في ما ذكره الشاجي في « كتاب العلل » - عبد العزيز بن أبي سلمة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وابن إسحاق ، وابن أبي يحيى ، وابن أبي الزناد ، وعابوا أشياء من مذهبه ، وتكلّم فيه غيرهم ... وتحامل عليه الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة في شيء من رأيه حسداً لموضع إمامته » (1) .

قول واحد بأهل بلد كافة ونسبتهم إلى الجهل

(1) عن مغيرة ، عن حمّاد بن أبي سليمان ، أنّه ذكر أهل الحجاز فقال : « قد سألتهم فلم يكن عندهم شيء ، واللّه لصبيانكم أعلم منهم ، بل صبيان صبيانكم » (2) .

وذكرنا أنّ حماد بن أبي سليمان ( ت 120 ه- ) هو أستاذ أبي حنيفة .

(2) عن ابن وهب قال : قال مالك - وذكر عنده أهل العراق - فقال : « انزلوهم عندكم بمنزلة أهل الكتاب ، ولا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم ( وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ ) » (3) .

(3) وقال سعيد بن منصور : كنت عند مالك بن أنس ، فأقبل قوم من أهل العراق فقال ( تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ) (4) .

(4) وقال عبد اللّه بن وهب : سُئل مالك بن أنس عن مسألة فأجاب فيها ، فقال له السائل : إنّ أهل الشام يخالفونك فيها فيقولون كذا وكذا . قال :

ص: 50


1- جامع بيان العلم وفضله : 474 / 1569 .
2- المصدر السابق : 462 / 1525 .
3- العنكبوت 29 : 46 ، جامع بيان العلم وفضله : 468 - 469 / 1553 .
4- الحجّ 22 : 72 ، جامع بيان العلم وفضله : 469 / 1555 .

« ومتى كان هذا الشأن بالشام ؟! إنّما هذا الشأن وقف على أهل المدينة والكوفة » (1) .

الطعن بالشعر

وكان للشعراء - ولا زال - دور في ذكر هذه الطعون إذ أوردوها في مقطوعاتهم الشعرية ، نذكر منها :

(1) قال أحمد بن علي الخطيب البغدادي ( ت 463 ه- ) في تاريخ بغداد بسنده عن علي بن صالح البغوي ، قال : أنشدني أبو عبد اللّه محمّد بن يزيد الواسطي لأحمد بن المعدّل :

إن كنت كاذبة التي حدّثتني *** فعليكِ أثم أبي حنيفة أو زفر

المائلين إلى القياس تعمّداً *** والراغبين عن التمسّك بالخبر (2)

(2) وقال فيه أيضاً : وقال بعض الشعراء :

إذا ذُو الرأي خاصم عن قياس *** وجاء ببدعة هنة سخيفة

أتيناه بقول اللّه فيها *** وآيات محبرة شريفة

فكم من فرج مُحصنة عفيف *** اُحلّ حرامها بأبي حنيفة (3)

(3) ذكر أبو عمر يوسف بن عبد البرّ ( ت 463 ه- ) في كتابه صحيح جامع بيان العلم وفضله أنّ أبا سعيد الرازي هجا أهل المدينة ومدح أهل الكوفة بمقطوعة شعرية ، منها :

لا تسألنّ مدينياً فتُحرجه *** إلا عن اليمّ والممشاة والزير

ص: 51


1- جامع بيان العلم وفضله : 470 / 1559 .
2- تاريخ بغداد 13 : 393 / 30 .
3- المصدر السابق 13 : 409 / 79 .

فردّ عليه أحد شعراء المدينة بقوله :

لقد عجبت لغاوٍ ساقهُ قدرٌ *** وكلُّ أمرٍ إذا ما حمَّ مقدور

قال المدينة أرضٌ لا يكون بها *** إلا الغناء وإلا اليم والزير

لقد كذبتَ لعمر اللّه إنّ بها *** قبر الرسول وخير الناس مقبور (1)

(4) وقال محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي ( ت 538 ه- ) :

إذا سألوني عن مذهبي لم أبح *** به وأكتمه كتمانه لي أسلم

فإن حنفياً قلت قالوا بأنني *** أُبيح الطلا وهو الشراب المحرّم

وإن مالكياً قلت قالوا بأنني *** أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم

وإن حنبلياً قلت قالوا بأنني *** ثقيل حلولي بغيض مجسّم

وإن قلت من أهل الحديث وحزبه *** يقولون تيس ليس يدري ويفهم (2)

(5) وقال أحد الشعراء :

الشافعي من الأئمة قائل *** اللعب بالشطرنج غير حرام

وأبو حنيفة قال وهو مصدّق *** في كلّ ما يروي من الأحكام

شرب المثلّث والمربّع جائز *** فاشرب على طرب من الأيام

وأباح مالكٌ القفا تطرّقاً *** وبه قوام الدين والإسلام

والحبر أحمد حلّ جلد عميرة *** وبذاك يُستغنى عن الأرحام

فاشرب ولُط وازنٍ وقامر واحتج *** في كلّ مسألة بقول إمام (3)

* * * .

ص: 52


1- صحيح جامع بيان العلم وفضله : 472 / 1563 .
2- الفائق في غريب الحديث 1 : 7 ، الكشّاف عن حقائق التنزيل 4 : 310 .
3- من فقه الجنس : 212 نقلاً عن مختصر العلم والعمل لابن عبد البرّ المطبوع بهامش مبيد النقم ومعيد النعم .

خاتمة البحث

لم نورد هذه الأقوال والطعون التي صدرت من كبار علماء أتباع مدرسة الخلفاء بعضهم في البعض الآخر ، لم نوردها لأجل النيل منهم ، فكلّهم علماء الإسلام ، نحترمهم كعلماء ، لهم آراؤهم الخاصّة بهم ، وهم المسؤولون عنها يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون .

وإنّما أوردها ردّاً على ما نشاهده هذه الأيام من رمي أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام بمختلف الألفاظ الشنيعة : مبتدع ، ضالّ ، كافر . لا لسبب ، بل لأنّهم يدافعون عن آرائهم وعقيدتهم في أهل البيت عليهم السلام ، ويقيمون على ذلك الحجج والبراهين الساطعة .

في الوقت الذي نرى المخالفين يسكتون عمّا أورده كبار علمائهم من الطعون بعضهم في البعض الآخر ، ويتحاملون علينا إذا ذكر أحدُنا أحد علمائهم أو طعن ببعضهم بجرحٍ أو عدم توثيق أو نسبته إلى الجهل أحياناً ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .

هذه الموسوعة

لا يخفى على أحد أهميّة استخدام الوسائل التقنيّة الحديثة ، التي أصبحت في زماننا هذا من أهم وسائل الاتصال وتبادل المعلومات في العالم .

فمن هذا المنطلق سعى مركز الأبحاث العقائديّة أن يستخدم أمثال هذه الوسائل ، ومنها الانترنيت الذي يشكّل في زماننا المعاصر أحدث الأجهزة تقريباً لبث المعلومات وإيصالها إلى الآخرين .

وقد استخدم المركز هذه الوسيلة في عدّة مجالات :

ص: 53

أ - التعرّف على مواقع الشيعة على الانترنيت وإيجاد الصلة المباشرة معها لأجل التعاون وتبادل النظر ، وقد تمّ لحدّ الآن التعرّف على مئات المواقع في هذا المجال .

ب - البحث عن مواقع خصوم الشيعة والنظر والتأمل فيما تنشره هذه المواقع ، ليحاول المركز أن يُنشئ ساحة حوار هادئة مع هذه المواقع ، وليسعه أيضاً أن يحيط بالتيّارات المضادّة والحركات المغرضة التي تستهدف تعكير المياه لتصطاد في الماء العكر .

ج - متابعة أهم الصحف والمجلّات والنشريات التي تنشر باللغة العربية عبر الانترنيت ، حيث يقوم المركز بمتابعة عشرات الصحف والمجلّات يومياً من مجموع 25 دولة ، لينتقي عبر ذلك أحدث المعلومات المرتبطة بالتشيّع ، وليتم التعرّف على ما يستجد في الساحة العالمية من تحركات ضد مذهب أهل البيت عليهم السلام ، ثمّ تنقل هذه المعلومات إلى قسم الوثائق في المركز ليتمّ لحاظها وتنظيمها وترتيبها في الملفات الخاصة بها .

د - ترتيب وتنظيم مقالات علميّة حول مذهب أهل البيت عليهم السلام ، أو مسابقات حول مسائل العقيدة ، وإرسالها عبر البريد الالكتروني إلى عشرات الآلاف ، وذلك بعد تجميع العناوين بشتى الطرق .

ه - إنشاء « الشبكة العالمية لمركز الأبحاث العقائدية » ، وهي شبكة مستقلّة مختصة بالأبحاث العقائدية والمسائل الخلافيّة على ضوء مباني أهل البيت عليهم السلام .

وهذه الشبكة التي يزورها آلاف الأشخاص من أكثر دول العالم ، لها مكانتها المرموقة في الانترنيت من بين المواقع الإسلامية ، ويرجع ذلك إلى تخصّصها ، ممّا جعلها تكون مرجعاً للجميع ، تبيّن عقائد مذهب أهل

ص: 54

البيت عليهم السلام وتردّ الشبهات عنه ، ممّا أدّى ذلك إلى تحامل الأعداء وغيظهم عليها ، حتّى أنّهم حاولوا عدّة مرّات النفوذ إليها لتخريبها ، ولكن باءت محاولاتهم بالفشل ، والحمد لله .

وللأهمية القصوى لمحتويات هذه الشبكة ، اقتبست أكثر الشبكات والمواقع الشيعية الكثير من مطالبها ووضعتها في مواقعها المباركة ، وذلك بعد أن أذن المركز للجميع الاقتباس من شبكته بشرط الحفاظ على الأمانة العلمية في النقل وذكر المأخذ .

وهذه الشبكة تحتوي :

1 - المكتبة العقائدية ، والتي تشمل نصّ مئات الكتب والمقالات .

2 - المسبتصرون ، ويحتوي على الأقسام التالية :

من حياة المستبصرين ، مؤلّفات المستبصرين ، المستبصرون يتحدّثون معكم ، مواقع المستبصرين ، اتصال المستبصرين بالمركز ، مساهمات المستبصرين .

3 - الشيعة والتشيّع ، ويحتوي على الأقسام التالية :

معرفة الشيعة في العالم ، مواقع الشيعة على الانترنيت ، مؤسسات الشيعة في العالم .

4 - الندوات العقائدية ، وهذا الحقل يحتوي على كافة الندوات العقائدية التي عُقدت في المركز ، وهي مرتبة حسب الترتيب الزمني ، والموضوع ، وأسماء المحاضرين .

5 - الأسئلة العقائدية ، ويحتوي على كافة الأسئلة العقائدية التي ترد إلى المركز يومياً ، والتي تجيب عليها لجنة مختصة بذلك من داخل المركز وخارجه .

ص: 55

وهذه الأسئلة يختلف مستواها حسب مستوى السائل ، وكذلك تكون الأجوبة مختلفة من حيث الكم والعمق العلمي .

وقد وجد المركز ضرورة إصدار هذه الأسئلة العقائدية مع أجوبتها في موسوعة خاصة تصدر تباعاً ، كي يستفيد منها عموم القرّاء ، فجاءت هذه الأجزاء الخمسة - التي بين أيديكم - كدفعة أولى منها ، مرتبة حسب الحروف الألفبائية ، والتي تحتوي على ألف وخمسمائة سؤال تقريباً .

شكر وتقدير

وفي الختام نتقدّم بجزيل الشكر والتقدير لكلّ من ساهم في إصدار هذه الموسوعة من أعضاء مركز الأبحاث العقائدية في مدينتي قم المقدّسة والنجف الأشرف ، وهم :

(1) الشيخ محمّد رضا السلامي .

(2) الشيخ حسن الكاتبي .

(3) السيّد محمّد علي الحلو .

(4) الشيخ عبّاس الحسّون .

(5) الشيخ لؤي المنصوري .

كما نقدّم جزيل شكرنا وتقديرنا لأساتذة الحوزة العلمية آيات اللّه وحجج الإسلام والمسلمين ممّن ساهم في الإجابة على بعض هذه الأسئلة ، وهم :

(1) السيّد علي الميلاني .

(2) الشيخ محمّد باقر الإيرواني .

(3) الشيخ محمّد السند .

(4) الشيخ محمّد رضا الجعفري .

ص: 56

(5) السيّد عادل العلوي .

كما نشكر الأخ الشيخ أمين نجف الذي أخذ على عاتقه مهمّة التنظيم النهائي لهذه الأسئلة وترتيبها وتوحيدها على نسق واحد .

كما لا بدّ لنا أن لا ننسى المرحوم المغفور له المدافع عن مذهب أهل البيت عليهم السلام ، مؤسس هذا المركز المبارك ، الأخ الشيخ فارس الحسّون الذي ساهم في الإجابة على الأسئلة ، وكانت مهمة المراجعة النهائية عليه قبل إرسال الأجوبة لأصحابها ، تغمّده اللّه بواسع رحمته وحشره مع النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته الطاهرين الطيّبين ، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين .

محمّد الحسّون

مركز الأبحاث العقائدية

22 ربيع الآخر 1428 ه-

الصفحة على الانترنت : site .aqaed .com/Mohammad

البريد الالكتروني : mohammad@aqaed .com

ص: 57

ص: 58

دليل كتاب

مقدمة المركز ...  5

آية المباهلة ...  61

آية المودّة ...  67

آية الولاية ...  79

ابن تيمية ...  89

ابن عباس ...  113

أبو بكر ...  119

أبو طالب ...  195

أبو هريرة ...  207

الاجتهاد والتقليد ...  211

إحسان إلهي ظهير ...  219

الأذان والإقامة ...  223

الارتداد ...  239

الاستخارة ...  249

استعارة الفروج ...  261

الإسراء والمعراج ...  265

الإسماعيلية ...  271

ص: 59

أُصول الدين وفروعه ...  289

أعلام وكتب ...  301

إقامة المجالس لإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام ...  423

الإلهيات ...  501

فهرس المحتويات ...  565

ص: 60

آية المباهلة :

اشارة

« سليل - البحرين - 26 سنة »

تدلّ على عظمة أهل البيت :

س : شكراً لكم على هذا المجهود الطيّب ، ونتمنّى لكم كلّ التوفيق إن شاء اللّه ، في موضوع آية المباهلة ، أرجو منكم طرح بحث مختصر يتناول عظمة وفضل أهل البيت عليهم السلام من خلال الآية الشريفة ، وفّق اللّه الجميع لما فيه الخير .

ج : إنّ الآية نزلت في النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام عند مباهلتهم لوفد نجران ، روى ذلك السيوطي بعدّة طرق في « الدرّ المنثور » (1) ، والحاكم النيسابوري في « المستدرك » (2) ، وابن كثير في « تفسيره » (3) .

ثم إنّ دعوة النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأهل بيته ومباهلته إلى اللّه تعالى بيان لشرفهم وقربهم ومنزلتهم عند اللّه ، والقسم على اللّه بهم ليلعن الكاذب دليل على أنّ لهم من الدرجة ما لا يعلمها إلّا اللّه ، لأنّ للقسم منزلة عند المقسم عليه ، ومباهلة النبيّ صلى اللّه عليه وآله بهم عليهم السلام يعني احتجاجه على النصارى بهؤلاء الذين هم الحجّة على صدق النبيّ وبعثته .

ص: 61


1- الدرّ المنثور 2 / 39 .
2- المستدرك على الصحيحين 3 / 150 .
3- تفسير القرآن العظيم 1 / 379 .

كما أنّ المباهلة تعني بحسب ماهيّتها أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله جعل هؤلاء المتباهل بهم شركاء في دعوته ، ممّا يعني أنّ مسؤولية الدعوة تقع على عاتقهم كذلك بحجّيتهم ومقامهم ، مشيراً إلى وجود تعاضد وتقاسم بينهم عليهم السلام وبين النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، كما يفيد ذلك حديث : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » .

فمنزلة الإمام علي عليه السلام بمنزلة هارون وصف لحجّيته ومشاركته في دعوته ، كما شارك هارون موسى في دعوته ، فهذه المقايسة في المباهلة مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله دليل حجّيتهم ومشاركتهم عليهم السلام معه صلى اللّه عليه وآله في تبليغ صدق بعثته صلى اللّه عليه وآله ، هذا ما تبيّنه آية المباهلة من مقامهم ومنزلتهم عليهم السلام .

« محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية »

تدلّ على إمامة أمير المؤمنين :

س : كيف تدلّ آية المباهلة على إمامة علي عليه السلام ؟

ج : يستدلّ علماؤنا بكلمة : ( وَأَنفُسَنَا ) (1) على إمامة الإمام علي عليه السلام ، تبعاً لأئمّتنا عليهم السلام .

ولعلّ أوّل من استدلّ بهذه الآية هو أمير المؤمنين عليه السلام نفسه ، عندما احتجّ على الحاضرين في الشورى ، بجملة من فضائله ومناقبه ، فكان من ذلك احتجاجه بآية المباهلة ، وكلّهم أقرّوا بما قال عليه السلام (2) .

وروى الشيخ المفيد قدس سره : أنّ المأمون العباسي سأل الإمام الرضا عليه السلام : أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام يدلّ عليها القرآن ؟

فذكر له الإمام الرضا عليه السلام آية المباهلة ، واستدلّ بكلمة : ( وَأَنفُسَنَا ) (3) .

ص: 62


1- آل عمران : 61 .
2- أُنظر : تاريخ مدينة دمشق 42 / 432 .
3- الفصول المختارة : 38 .

لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله عندما أمر أن يخرج معه نساؤه أخرج فاطمة فقط ، وعندما أُمر أن يخرج أبناؤه أخرج الحسن والحسين فقط ، وعندما أُمر أن يخرج معه نفسه أخرج علياً ، فكان علي عليه السلام نفس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .

إلّا أنّ كون علي نفس رسول اللّه بالمعنى الحقيقي غير ممكن ، فيكون المعنى المجازي هو المراد ، وأقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي في مثل هذا المورد هو أن يكون عليه السلام مساوياً لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في جميع الخصوصيات ، إلّا ما أخرجه الدليل وهو النبوّة ، إذ لا نبيّ بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .

ومن خصوصيات رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه أفضل من جميع المخلوقات ، فعلي عليه السلام كذلك ، والعقل يحكم بقبح تقدّم المفضول على الفاضل ، إذاً لابدّ من تقدّم علي عليه السلام على غيره في التصدّي لخلافة المسلمين .

(عبد اللّه . الكويت . 28 سنة . خرّيج ثانوية)

شأن نزولها في مصادر أهل السنّة :

س : في شأن من نزلت آية المباهلة ؟ ومن خرج مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله للمباهلة ؟ وهل صحيح أنّ بعض الصحابة خرجوا معه صلى اللّه عليه وآله ؟

ج : إنّ الآية المباركة نزلت في شأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ومن خرج معه ، وهم : علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فقط دون غيرهم ، هذا ما تسالم عليه علماؤنا في كتبهم ، كما ورد هذا المعنى في كتب أهل السنّة : ك- « الجامع الكبير » ، و « المستدرك على الصحيحين » ، و « أحكام القرآن » ، وغيرها (1) .

نعم ، هناك رواية بلا سند في « السيرة الحلبية » (2) ، تضيف عائشة وحفصة .

كما توجد رواية تقول : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خرج ومعه علي وفاطمة والحسنان ،

ص: 63


1- أُنظر : الجامع الكبير 5 / 302 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 150 ، أحكام القرآن 2 / 18 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 379 ، الدرّ المنثور 2 / 39 ، الكامل في التاريخ 2 / 293 .
2- السيرة الحلبية 3 / 299 .

وأبو بكر وولده ، وعمر وولده ، وعثمان وولده .

لكن هذه الروايات في الحقيقة غير قابلة للحجيّة لأُمور منها :

أوّلاً : إنّها روايات آحاد .

ثانياً : إنّها روايات متضاربة فيما بينها .

ثالثاً : إنّها روايات انفرد رواتها بها ، وليست من الروايات المتّفق عليها .

رابعاً : إنّها روايات تعارضها روايات الصحاح .

خامساً : إنّها روايات ليس لها أسانيد ، أو أنّ أسانيدها ضعيفة .

إذاً ، تبقى القضية على ما في الصحاح والمسانيد وكتب التفسير والتاريخ ، من أنّ الذين خرجوا معه صلى اللّه عليه وآله هم : علي وفاطمة والحسنان عليهم السلام .

« ... - الكويت - ... »

جواز المباهلة لغير المعصوم :

س : هل هناك إذن وجواز شرعي للمباهلة لغير المعصوم عليه السلام ، أي في زماننا ؟ وكيف ذلك ، هل في كافّة المواضيع ، أو في حالات خاصّة ؟

ج : وردت أحاديث في هذا المجال (1) تفيد هذا المعنى ، ولكن الذي يبدو منها أنّ هذا الأمر - المباهلة - يختصّ بموضوع العقيدة ، لا مطلق المواضيع .

أي أنّ ظاهر هذه الروايات اختصاص المسألة بموارد إنكار الحقّ ، وعدم تأثير الأدلّة والحجج في نفوس البعض ، وإصرارهم على الباطل ، ففي هذه الحالة التي يتوقّف إظهار الحقّ على الإقدام بالمباهلة ، يجوز إتيان ذلك بالمواصفات التي جاءت في الروايات من الصوم ، والالتزام بالوقت المحدّد وغيرها .

ص: 64


1- الكافي 2 / 513 باب المباهلة .

« محمّد ... - ... »

سبب تخلّي النصارى عن المباهلة :

س : كيف عرفت النصارى أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله في قضية المباهلة على حقّ ؟ وإن كانوا قد عرفوا ذلك ، فكيف لم يعترفوا بدينه ؟

ج : هناك احتمالان في المقام :

1 - أن يكون قد أذعنوا في أنفسهم لحقّانية الدين الإسلامي ، ولكن الأطماع والأهواء الدنيوية منعتهم من الاعتراف بهذا الواقع فجحدوه ، قال تعالى : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ) (1) .

2 - أنّهم عندما رأوا أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله قد أتى بأعزّ أهله معه للمباهلة ، عرفوا بأنّه صلى اللّه عليه وآله على يقين من أمره ، فبات الأمر واضحاً عندهم ، فإن كان هناك احتمال ضئيل لعدم صحّة مبدئه ومعتقده ، كان الواجب عليه صلى اللّه عليه وآله عقلاً أن يتوقّى الضرر ويدفعه عن نفسه وذويه ، وفي الجانب الآخر لم تقدّم النصارى أيّ شيء في هذا المقام .

فبحسب قانون الاحتمالات يحكم العقل بأرجحية الطرف الأوّل في المناقشة ، وهذا قد يكون وجه تخلّفهم من المباهلة .

ص: 65


1- النمل : 14 .

ص: 66

آية المودّة :

اشارة

« أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة »

ثابتة في حقّ أهل البيت :

س : يقول البعض : بأنّ الأحاديث الواردة في آية المودّة على أنّها في آل بيت محمّد صلى اللّه عليه وآله كلّها موضوعة ، والسبب أنّ آية المودّة في سورة الشورى وهي مكّية ، وأنّ الإمام علي وفاطمة عليهما السلام قد تزوّجا بعد وقعة بدر ، أي كانوا في المدينة ، فما هو ردّكم عليه ؟ ولكم جزيل الشكر .

ج : لاشكّ ولا شبهة في ورود الأخبار المأثورة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام على أنّ آية المودّة نازلة في حقّ أهل البيت عليهم السلام بشهادة المصادر المتواترة (1) .

وأمّا وجودها في سورة مكّية فلا يضرّ بالمعنى وكم له نظير من ورود آيات مكّية في سور مدنية وبالعكس بعدما ثبت عند الكثير من العلماء والمفسّرين أنّ هذه الآية مع ثلاث آيات بعدها قد نزلت في المدينة المنوّرة (2) .

فتحصّل أنّ نسبة الوضع لهذه الأحاديث ممّا لا ينبغي فرضها ، فضلاً عن صدورها عن أحد .

ص: 67


1- أُنظر : الدرّ المنثور 6 / 7 ، شواهد التنزيل 2 / 189 ، الصواعق المحرقة 2 / 489 ، تفسير الكبير 9 / 595 ، مجمع الزوائد 7 / 103 ، ذخائر العقبى : 25 ، ينابيع المودّة 3 / 137 ، وغيرها من المصادر .
2- أُنظر : روح المعاني 13 / 11 ، الجامع لأحكام القرآن 16 / 1 .

« عبد اللّه - الكويت - 28 سنة - خرّيج ثانوية »

تدلّ على مودّة أهل البيت :

س : ليس المقصود من القربى في آية المودّة هم : علي وفاطمة وابناهما ، وإنّما المقصود منها التودّد إلى اللّه تعالى بالطاعة والتقرّب ، أي : لا أسألكم عليه أجراً إلّا أن تودّوه وتحبّوه تعالى بالتقرّب إليه .

ج : إنّ مستند هذا القول هو رواية منسوبة إلى ابن عباس عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « قل لا أسألكم عليه أجراً على ما جئتكم به من البينات والهدى ، إلّا أن تتقرّبوا إلى اللّه بطاعته » (1) .

ويرد على هذا القول عدّة أُمور منها :

1 - إنّ الرواية التي يستند إليها ضعيفة السند ، كما صرّح بذلك ابن حجر العسقلاني في « فتح الباري » (2) .

2 - لم يرد في لغة العرب استعمال لفظ القربى بمعنى التقرّب .

3 - إنّ التقرّب إلى اللّه تعالى هو محتوى ومضمون الرسالة نفسها ، فكيف يطلب النبيّ صلى اللّه عليه وآله التقرّب إلى اللّه تعالى ، لأجل التقرّب إلى اللّه تعالى ، وهذا أمر لا يعقل ولا يرتضيه الذوق السليم ، لأنّه يؤدّي إلى أن يكون الأجر والمأجور عليه واحد .

هذا وقد تكاثرت الروايات من طرق الفريقين على وجوب موالاة أهل البيت عليهم السلام ومحبّتهم ، ونزول آية المودّة فيهم عليهم السلام .

« محمّد - قاسم - لبنان »

حكمة طلب الأجر للقربى فيها :

س : يقال في آية المودّة : إنّه لا يناسب النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن يطلب أجراً على الرسالة في

ص: 68


1- أُنظر : فتح الباري 8 / 434 .
2- نفس المصدر السابق .

مودّة قرباه ، فما هو الردّ ؟ وشكراً لكم .

ج : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله عندما يطلب المودّة لأقربائه ، ويجعلها أجراً على رسالته لا يعني بذلك جميع أقربائه ، لأنّ ذلك ينافي صريح القرآن ، إذ كيف يطلب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مودّة من لعنه اللّه في كتابه كأبي لهب وإنّما يطلب المودّة لجماعة خاصّة ، وأفراد معيّنين من أقربائه ، والذين بهم يتمّ حفظ الرسالة الإسلامية ، والنبوّة المحمّدية ، ومنهم يؤخذ الدين الصحيح ، وبهم النجاة من الاختلاف والانحراف ، وهم الأئمّة المعصومون عليهم السلام من أهل البيت .

ثمّ إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله عندما يطلب الأجر ، فهو بالحقيقة عائد إلى المسلمين لا إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولا إلى أهل بيته عليهم السلام ، لأنّهم لم يكونوا بحاجة إلى هذه المودّة بالقدر الذي يفيد سائر الأُمّة في الحفاظ على مبادئ الدين ، وكتاب اللّه المبين ، وسيرة سيّد المرسلين صلى اللّه عليه وآله .

« ... - البحرين - ... »

كيف تدلّ على الإمامة :

س : هناك موضوع يختلج في ذهني وهو : إنّ آية المودّة في القربى كيف تدلّ على الإمامة ؟

وبعبارة أُخرى : علمنا من الآية بأنّ مودّة ومحبّة ذوي القربى - وهم أهل البيت عليهم السلام - فرض وواجب كبقية الواجبات ، ولكن من أين لنا أن نستنتج بأنّهم أئمّة وقادة ؟ فإنّ المحبّة قد لا تستلزم وجوب الطاعة لهم ؟

ج : إنّ الروايات قد بيّنت أنّ المودّة ليست واجبة لجميع قرابة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فعن ابن عباس قال : لمّا نزلت : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (1) قالوا : يا رسول اللّه من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودّتهم ؟

ص: 69


1- الشورى : 23 .

قال : « علي وفاطمة وابناهما » (1) .

وفي رواية أُخرى عن ابن عباس أيضاً قال : « علي وفاطمة وولدهما » .

فالآية مع ضميمة الروايات المفسّرة لها أوجبت مودّة هؤلاء - علي وفاطمة وولدهما عليهم السلام - وحيث إنّ هذا التوادّ على نحو الإطلاق من غير تحديد بوقت أو صفة فلابدّ أن يكون المؤمن دائماً موادّاً لأهل البيت عليهم السلام .

والمودّة المطلقة تستلزم وجوب الاتباع والاقتداء وإلّا لم يكن لها معنىً ، لأنّه لو انفكت الموادّة في مورد واحد لكان ذلك خلاف ما تقدّم من الوجوب مطلقاً ، وهذا يستلزم الاتباع والاقتداء .

« موسى ... - ... »

هي مسألة عقائدية :

س : كيف تحكمون بأنّ المستفاد من آية المودّة أنّها لتحكيم أمر العقيدة ، وترسيخ الدين ، والحال أنّ الظاهر من الآية هي مجرد إظهار الودّ والمحبّة ؟

ج : مضافاً إلى وجود دليل عقلي في المقام ، وهو أنّ التخصيص الثابت - استناداً إلى الأخبار الصحيحة والمتواترة - بحقّ أهل البيت عليهم السلام في هذا الموضوع ، يدلّ بكلّ وضوح على أنّ هناك سبب خاصّ ، وهو تعظيم أمر الدين وتركيز قواعده ، وإلّا فلا دليل لاختصاص المودّة لقرابة دون قرابة .

مضافاً إلى هذا كلّه ، يمكننا معرفة الجواب من القرآن الكريم ، فقد وردت عدّة آيات تصرّح بأنّ الأجر المطلوب للنبيّ صلى اللّه عليه وآله هو استمرارية وبقاء الدين (2) .

ثمّ بمقارنة هذه الآيات بآية المودّة نعرف بأنّ المودّة المفروضة والمطلوبة هي في

ص: 70


1- ذخائر العقبى : 25 ، مجمع الزوائد 7 / 103 ، المعجم الكبير 11 / 351 ، شواهد التنزيل 2 / 191 و 194 ، الدرّ المنثور 6 / 7 ، ينابيع المودّة 2 / 325 و 453 و 3 / 137 .
2- يوسف : 104 ، الفرقان : 57 ، سبأ : 47 ، ص : 86 ، الأنعام : 90 .

الواقع لضمان حياة هذا الدين ، وصونه عن الانحراف والضياع ، وبهذا نستنتج بأنّ المودّة المذكورة هي مسألة العقيدة لا غير .

« عبد اللّه - باكستان - 30 سنة »

الاستثناء فيها منقطع لا متّصل :

س : قال ابن منظور في باب « ودد » : « لأنّ المودّة في القربى ليست بأجر » (1) ، بناء على أنّ الاستثناء هنا منقطع ، فما هو الجواب ؟

ج : لفهم الجواب نشير إلى عدّة نقاط :

1 - ينبغي تقديم مقدّمة عن ظهور الاستثناء ودلالاته عند استعماله فنقول : قال العلّامة التستري : « الظاهر أنّ دعوى الاختلاف اختلاق من الناصب الذي ليس له خلاق ، لما تقرّر عند المحقّقين من أهل العربية والأُصول : أنّ الاستثناء المنقطع مجاز واقع على خلاف الأصل ، وأنّه لا يحمل على المنقطع إلّا لتعذّر المتّصل ، بل ربّما عدلوا عن ظاهر اللفظ الذي هو المتبادر إلى الذهن مخالفين له لفرض الحمل على المتّصل الذي هو الظاهر من الاستثناء ، كما صرّح به الشارح العضدي حيث قال : واعلم أنّ الحقّ أنّ المتّصل أظهر ، فلا يكون مشتركاً - لفظاً - ولا للمشترك معنى بل حقيقة فيه ومجاز في المنقطع ، ولذلك لم يحمله علماء الأمصار على المنفصل إلّا عند تعذّر المتّصل ، حتّى عدلوا للحمل على المتّصل عن الظاهر وخالفوه ... فيرتكبون الإضمار وهو خلاف الظاهر ليصير متّصلاً ، ولو كان في المنقطع ظاهراً لم يرتكبوا مخالفة ظاهرٍ حذراً عنه » (2) .

ثمّ قال السيّد المرعشي النجفي معلّقاً : « إنّ المستثنى إن لم يكن داخلاً في المذكور كان استثناؤه عنه لغواً غير صالح لأن يذكر في كلام العقلاء ، فالمستثنى عند انقطاع الاستثناء أيضاً داخل في المذكور بنحو من الدخول ، وليس الاستثناء إلّا إخراج ما لولاه لدخل ، ومعلوم أنّ الإخراج فرع الدخول

ص: 71


1- لسان العرب 3 / 454 .
2- إحقاق الحقّ 3 / 21 .

بالضرورة العقلية ، والبداهة الأوّلية ... والذي هو الفارق بين المتّصل والمنقطع من الاستثناء بعد اشتراكهما في دخول المستثنى في المستثنى منه ، دخوله فيه على نحو الحقيقة في المتّصل ، وبنحو من أنحاء الدخول غير الدخول على نحو الحقيقة في المنقطع .

فتحصّل : أنّ مصحّح الاستثناء دخول المستثنى في المستثنى منه بنحوٍ من الدخول ، وإلّا فلا يسوغ في قانون المحاورات العرفية استثناؤه عنه ، فلابدّ لمن يريد فهم مفاد الآية الكريمة : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (1) بحسب المحاورات العرفية أن يحاول التفهّم والتفحّص عن مصحّح استثناء المودّة في القربى عن أجر الرسالة (2) .

فتبيّن ممّا قدّمنا :

أ - إنّ الأصل في الاستثناء هو الحمل على المتّصل مهما أمكن ، ولو بارتكاب مخالفة ظاهر أو ما شابه ، وإلّا فإنّه منقطع .

ب - وعلى التسليم بأنّ الاستثناء هنا منقطع يتمّ به المطلوب أيضاً ، حيث إنّ الاستثناء لا يصحّ إلّا لوجود علاقة بين المستثنى والمستثنى منه ولو بنحو من الدخول ، كأن يكون من توابعه ، أو من شأنه وليس داخلاً حقيقة كما سنوضّحه لاحقاً .

2 - لننقل الكلام الآن في البحث عن سبب صرفهم الآية عن ظاهرها ، والاستثناء عن ظاهره أيضاً ، وهو كونه متّصلاً وجعله منقطعاً فنقول : إنّهم فعلوا ذلك للأسباب التالية :

أ - لقولهم : بأنّ المودّة ليست بأجر ، لأنّها ليست أجراً دنيوياً مادّياً ، فلا يصحّ إدخالها في جملة الأجور التي تقدّم مقابل أيّ شيء ، لاسيّما تبليغ الرسالة .

ب - عدم جواز سؤال النبيّ صلى اللّه عليه وآله الناس أن يكافؤوه ويشكروه ، وينتظر منهم .

ص: 72


1- الشورى : 23 .
2- إحقاق الحقّ 3 / 20 .

الأجر على ما قدّمه لهم من نصح وهداية ، وتبليغ رسالة ربّه لهم ، لأنّ ذلك ينافي الإخلاص ، وانتظار الأجر والثواب من اللّه تعالى .

ج - مخالفة هذه الآية لآيات أُخَر كثيرة تذكر حوار الأنبياء والرسل ، وكذلك نبيّنا صلى اللّه عليه وآله نفسه مع قومه ، كما حكى سبحانه عنهم : ( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (1) ، وقوله : ( وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ) (2) ، وقوله : ( يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) (3) ، وقوله : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ ) (4) وغيرها من الآيات ، فهذه أهمّ ما يمكن أن يتسبّب في قولهم بالاستثناء المنقطع .

وللجواب عن هذه الأُمور نقول :

أ - يجوز أن تكون المودّة والمحبّة لأهل البيت عليهم السلام أجراً للنبيّ صلى اللّه عليه وآله لعدّة أسباب :

1 - كونه ظاهر الآية ، وكذلك كونه ظاهر الاستثناء ، كما بيّنا في المقدّمة ، من وجوب البناء على كونه متّصلاً ، إلّا إذا استحال ذلك ، وعلى أقلّ تقدير كون المتّصل أظهر من المنقطع ، أو أنّه حقيقة والمنقطع مجاز ، فما شئت فعبّر ، فظاهر القرآن جعل المودّة أجراً .

2 - كون الأجر غير محصور بالأجر المادّي ، وإنّما يشمل المعنوي أيضاً ، لأنّه عمل اختياري ذو قيمة محترمة ، ومعتدّ بها شرعاً وعقلاً وعرفاً ، فتدخل المودّة في مصاديق عنوان الأجر .

فالمحبّة لله ولرسوله ولأهل البيت وللمؤمنين عموماً ثابتة ، ومأمور بها .

ص: 73


1- الشعراء : 180 .
2- هود : 29 .
3- هود : 51 .
4- الأنعام : 90 .

شرعاً ، كقوله تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) (1) ، وقوله : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (2) ، فبيّن سبحانه وتعالى في هذه الآية : بأنّ محبّتنا لله وللرسول لها أجر ، هو مبادلتنا الحبّ مع غفران الذنوب ، وهذا يدلّ على قيمة هذا العمل واحترامه والأمر به .

3 - كون الروايات ، والكثير من المتقدّمين والمتأخّرين ينصّون عند تفسير آية المودّة على جعل المودّة أجراً بصراحة ووضوح ، وهذا يدلّ على صحّة كون المودّة أجراً .

4 - كون المودّة والمحبّة أنسب أجرٍ يقدّمه المهتدي لهاديه ، مع نفعه العظيم لنفس المكلّف ، فإنّ المحبّة تستلزم الاتباع المطلق والولاية المطلقة ، ومحبّة أولياء اللّه الكاملين ، وتستلزم أيضاً محبّة الطرف الثاني له ، والشفاعة له والحشر معه ، فمن أحبّ قوماً حشر معهم .

5 - كون المحبّة والمودّة لأهل البيت عليهم السلام عمل يستطيع كلّ مكلّف فعله ، لقدرة الجميع عليها ، فيناسب جعلها أجراً لعدم اختصاصها بشخص دون شخص ، وبلا فرق بين صغير وكبير ، رجل وامرأة ، صحيح ومريض ، مطيع وعاصٍ ، غني وفقير ، وبلا استثناء أو تخلّف ، فتبيّن : أنّ توهّمهم بأنّ المودّة لا تكون أجراً واضح البطلان .

ب - قد يجاب عن هذه النقطة ، وهذا الإشكال بأُمور منها :

1 - إنّ طلب الجزاء والشكر من قبل المحسن ، من الذين أحسن إليهم ليس مستحيلاً ولا معيباً ، بل هو أمر وارد وعقلائي وعرفي ، بل وقرآني ، فقد حكى القرآن الكريم ذلك عن اللّه تعالى ، إذ قال : ( إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ .

ص: 74


1- التوبة : 71 .
2- آل عمران : 31 .

وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ) (1) ، وقوله تعالى : ( لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) (2) ، وراجع الآيات التالية أيضاً : يونس : 60 ، ويوسف : 28 ، وإبراهيم : 37 ، والنمل : 73 ، وياسين : 25 - 73 ، وغافر : 61 .

وكذلك ما يؤخذ من أجور ، مثل الطبيب والخليفة والقاضي ، ومعلّم القرآن وغيرها من الأعمال القريبة والتعبّدية ، ولا ينافي أخذهم الأجر الدنيوي لمعاشهم ، مع طلبهم الثواب منه سبحانه .

2 - قد ثبت طلب النبيّ صلى اللّه عليه وآله لبعض الأُمور والمنافع له - كما هو الحال هنا - ولم ينكره أحد ، كطلبه من أُمّته الصلاة والسلام عليه ، وكذلك لمن يسمع الأذان ، أو يؤذّن أو يقيم أن يسأل له صلى اللّه عليه وآله الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود ، وكذلك طلب من الناس محبّته ومحبّة أهل بيته ، وعدم أذيته أو أحد من أهل بيته في كثير من الأحاديث المستفيضة ، فهذا كهذا سيّان .

3 - في هذا الطلب بيان من النبيّ صلى اللّه عليه وآله على أهمّية أهل بيته عليهم السلام ، والاهتمام بهم ومحبّتهم والإحسان إليهم ، وأنّ ذلك يريحه ويفرحه ، ويكون وفاءً حقيقياً له ، وشكرهم وامتنانهم لهذا البيت الطاهر على ما قدّمه وضحّى وصبر من أجلهم .

4 - إنّ كون طلب الأجر هنا لا ينافي الإخلاص ، لأنّه جاء بأمر من اللّه تعالى ، فإنّه أمر نبيّه صلى اللّه عليه وآله أن يطلب الأجر على الرسالة بمودّة أهل بيته .

ج - أمّا ادعاء التعارض بين ظاهر هذه الآية والآيات الكريمة الأُخرى التي تنفي سؤال الأنبياء والرسل الأجر من الناس على أداء وتبليغ رسالة ربّهم ودينهم ، فنقول : يمكن تصنيف الآيات الواردة في موضوع الأجر إلى أربعة أصناف ، .

ص: 75


1- البقرة : 243 .
2- الفتح : 9 .

وهي :

الأوّل : أمره سبحانه بأن يخاطبهم بأنّه لا يطلب منهم أجراً ، قال سبحانه : ( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ ) (1) .

الثاني : ما يشعر بأنّه طلب منهم أجراً يرجع نفعه إليهم دون النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فيقول سبحانه : ( قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ) (2) .

الثالث : ما يعرف أجره بقوله : ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ) (3) ، فكان اتخاذ السبيل إلى اللّه هو أجر الرسالة .

الرابع : ما يجعل مودّة القربى أجراً للرسالة ، فيقول : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (4) .

فتبيّن من مجموع هذه الآيات : بأنّه هناك أجر دنيوي وأُخروي ، وما تجمع على نفيه جميع هذه الآيات هو الأجر الدنيوي ، فيبقى الأجر الأُخروي ، فنستطيع فهمه على الاتصال كما يلي :

إنّ الأجر المطلوب من الناس للنبيّ صلى اللّه عليه وآله مطلوب من أُناس يريدون أن يتقرّبوا إلى اللّه تعالى ، ويتّخذوا له سبيلاً ، فبهذه المودّة يثبت لهم ما يريدون ، وكذلك فإنّه بالتالي يكون التزامهم بالمودّة وإرادتهم سبيل اللّه تعالى ، يكون نفعه عائد إليهم أوّلاً ، ومن ثمّ يعود أجره وثوابه للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لأنّ الدالّ على الخير كفاعله ، فهو السبب والدليل لجميع القربات ، فيرجع الأجر بالتالي له صلى اللّه عليه وآله أيضاً ، وبالتالي نستطيع إثبات أنّ المودّة أجر دون أيّ مانع ، أو تصادم أو تعارض .

وكلّ ذلك على القول بأنّ الاستثناء هنا متّصل ، وأمّا على القول بالانقطاع ، .

ص: 76


1- الأنعام : 90 .
2- سبأ : 47 .
3- الفرقان : 57 .
4- الشورى : 23 .

فثبوت ذلك أسهل وأوضح دون أيّ مشكلة ، بل أكثر علمائنا أكّدوا على وجوب كون الاستثناء هنا منقطعاً ، لأنّه بذلك يثبت المدّعى بسهولة ويسر ووضوح ، فنقول لبيان ذلك :

قال الشيخ السبحاني : « إنّ مودّة ذي القربى وإن تجلّت بصورة الأجر ، حيث استثنيت من نفي الأجر لكنّه أجر صوري ، وليس أجراً واقعياً ، فالأجر الواقعي عبارة عمّا إذا عاد نفعه إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولكنّه في المقام يرجع إلى المحبّ قبل رجوعه إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وذلك لأنّ مودّة ذي القربى تجرّ المحبّ إلى أن ينهج سبيلهم في الحياة ، ويجعلهم أسوة في دينه ودنياه ، ومن الواضح أنّ المحبّ بهذا المعنى ينتهي لصالح المحبّ ... .

إنّ طلب المودّة من الناس أشبه بقول طبيب لمريضه بعدما فحصه وكتب له وصفة : لا أُريد منك أجراً إلّا العمل بهذه الوصفة ، فإنّ عمل المريض بوصفة الطبيب وإن خرجت بهذه العبارة بصورة الأجر ، ولكنّه ليس أجراً واقعياً يعود نفعه إلى الطبيب ، بل يعود نفعه إلى نفس المريض الذي طلب منه الأجر .

وعلى ذلك فلابدّ من حمل الاستثناء على الاستثناء المنقطع ، فكأنّ يقول : قل لا أسألكم عليه أجراً ، وإنّما أسألكم مودّة ذي القربى ، وليس الاستثناء المنقطع أمراً غريباً في القرآن ، بل له نظائر مثل قوله تعالى : ( لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا ) (1) .

وعلى ذلك جرى شيخ الشيعة المفيد في تفسير الآية ، حيث طرح السؤال (2) وقال : « ... والاستثناء في هذا المكان ليس هو من الجملة ، لكنّه استثناء منقطع ، ومعناه : قل لا أسألكم عليه أجراً ، لكن ألزمكم المودّة في القربى وأسألكموها » (3) . .

ص: 77


1- مريم : 62 .
2- أهل البيت : 146 .
3- تصحيح اعتقادات الإمامية : 141 .

وقال السيّد المرعشي النجفي : « والذي لا ينكره ذو نظر سليم ، وفهم مستقيم غير منحرف عن جادّة الإنصاف ، أنّه بعد قيام القرائن الخارجية على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لا يطالب من الناس أجراً لرسالته ، لكون تحمّله لأعباء الرسالة خالصاً لوجه اللّه الكريم ومرضاته ، إنّ المصحّح لاستثناء المودّة في القربى عن أجر الرسالة دخولها في أجر الرسالة شأناً - كما بيّننا آنفاً في الاستثناء المنقطع - وأنّ المودّة في قربى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أجر لرسالته ، لولا أنّ الرسالة لا تقبل الأجر من الناس ، فتبيّن إنّ مفاد الآية : أنّ أجر الرسالة لولا كون مقام الرسالة أجل من أن يؤدّي الشاكرون ما يحاذيها من العوض ، وكون مقام النبيّ صلى اللّه عليه وآله أرفع من سؤال الأجر على تحمّل الرسالة ، وأسنى من تنزيل شأن الرسالة إلى حيث يقابلها الناس بشيء ممّا يقدرون عليه من الأعواض والأبدال ، وبنى الأمر على ما هو عليه طريقة العقلاء من مطالبة الأعواض بإزاء المنافع الواصلة منهم إلى الناس ، لا يكون ممّا طلبه النبيّ صلى اللّه عليه وآله بإزاء رسالته إلّا المودّة في قرباه ، وقد أمره اللّه بهذه المطالبة تنبيهاً لجماعة المسلمين على أمرين :

1 - إنّ الاهتمام بالمودّة في قربى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أشدّ عند اللّه من سائر الحسنات طرّاً ، بحيث كانت هي التي تنبغي مطالبتها أجراً للرسالة .

2 - بيان شدّة محبّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله لقرباه ، بحيث لو بنى على مطالبته من الناس أجراً على رسالته لم يطلب منهم أجراً إلّا المودّة في قرباه ، والإحسان إليهم ... » (1) . .

ص: 78


1- إحقاق الحقّ 3 / 21 .

آية الولاية :

اشارة

« حميد - عمان - ... »

دلالتها على إمامة أمير المؤمنين :

س : هل تدلّ آية الولاية على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ؟

ج : قال تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1) .

ذهب المفسّرون والعلماء من الفريقين إلى أنّها نزلت في حقّ الإمام علي عليه السلام حينما تصدّق بخاتمه في أثناء الصلاة (2) .

ودلالة الآية الكريمة على ولاية الإمام علي عليه السلام واضحة ، بعد أن قرنها اللّه تعالى بولايته ، وولاية الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ومعلوم أنّ ولايتهما عامّة ، والرسول أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فكذلك ولاية الإمام علي عليه السلام بحكم المقارنة .

« منير - السعودية ... »

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : ولكن هناك من يقول : إنّ قوله تعالى : ( وَهُمْ رَاكِعُونَ ) إنّما هي صفة ، أي أنّهم يصلّون ، وأيضاً هم يركعون ، أي أنّها تكرار للجملة ، فحين

ص: 79


1- المائدة : 55 .
2- أُنظر : شواهد التنزيل 1 / 219 ح 227 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 357 ، أنساب الأشراف : 150 ح 151 .

ذكر أنّهم يصلّون ذكر أنّهم يصلّون مرّة أُخرى بقوله : ( وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، لأنّه يعبّر عن الصلاة تارة بالركوع ، وهذا يدعو للاستغراب ، فكيف أرد عليه بالردّ الشافي ؟ ولكم جزيل الشكر .

ج : إنّ آية الولاية من الآيات الصريحة والواضحة الدلالة على إمامة من آتى الزكاة في حال الركوع ، وقد ذكرت روايات كثيرة من الفريقين أنّ سبب نزول الآية هو تصدّق الإمام علي عليه السلام بخاتمه على الفقير ، في حال الركوع أثناء صلاته .

إذاً فهي دالّة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، ولكن هذا ما يغيظ نفوساً ضعيفة الإيمان ، تحمل في طيّاتها حالة البغض والحقد لعلي وآله عليهم السلام ، فأخذوا يبثّون الشبهة تلو الشبهة ، حول هذه الآية وأمثالها ، ومن تلك الشبه هي هذه الشبهة التي ذكرتموها ، من فصل إيتاء الزكاة من حال الركوع .

ولعلّ أوّل من قال بها من القدماء هو أبو علي الجبائي ، كما ذكرها عنه تلميذه القاضي عبد الجبّار في كتاب « المغني » (1) .

وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة ، ومنهم الشريف المرتضى في كتابه « الشافي في الإمامة » بقوله : « ليس يجوز حمل الآية على ما تأوّلها شيخك أبو علي ، من جعله إيتاء الزكاة منفصلاً من حال الركوع ، ولابدّ على مقتضى اللسان واللغة من أن يكون الركوع حالاً لإيتاء الزكاة ، والذي يدلّ على ذلك أنّ المفهوم من قول أحدنا : الكريم المستحقّ للمدح الذي يجود بماله وهو ضاحك ، وفلان يغشى إخوانه وهو راكب ، معنى الحال دون غيرها ، حتّى إنّ قوله هذا يجري مجرى قوله : إنّه يجود بماله في حال ضحكه ، ويغشى إخوانه في حال ركوبه .

ويدلّ أيضاً عليه أنّا متى حملنا قوله تعالى : ( يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (2) .

ص: 80


1- المغني 20 / القسم الأوّل / 137 .
2- المائدة : 55 .

على خلاف الحال ، وجعلنا المراد بها أنّهم يؤتون الزكاة ، ومن وصفهم أنّهم راكعون ، من غير تعلّق لأحد الأمرين بالآخر ، كنّا حاملين الكلام على معنى التكرار ، لأنّه قد أفاد تعالى بوصفه لهم بأنّهم يقيمون الصلاة ، وصفهم بأنّهم راكعون ، لأنّ الصلاة مشتملة على الركوع وغيره ، وإذا تأوّلناها على الوجه الذي اخترناه ، استفدنا بها معنى زائداً ، وزيادة الفائدة بكلام الحكيم أولى » (1) .

« منار أحمد - السعودية - 26 سنة - طالب »

احتجّ بها الإمام علي :

س : أُودّ أن أحصل على ردّ شافي على من يقول : إذا كنتم تحتجّون بآية الولاية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ... ) على إمامة علي عليه السلام ، فلماذا لم يحتجّ بها الإمام علي ؟

ج : في الجواب نشير إلى مطالب :

أوّلاً : إنّ الأدلّة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام كثيرة عقلاً ونقلاً تكاد لا تحصى ، وقد أُلّفت كتب مستقلّة في هذا المجال .

ولكنّ الأمر الذي ينبغي الإشارة إليه ، هو أنّ الإمام عليه السلام لم يكن ملزماً - لا عقلاً ولا شرعاً بالاحتجاج والمناشدة بكافّة هذه الأدلّة ، بل بالمقدار الذي يلقي الحجّة على الناس ، وهذا هو الذي حدث بعد ما علمنا من احتجاجه عليه السلام بحديث الغدير ، وعدم رضوخ القوم لهذا الحقّ الصريح ، وبعده هل يبقى مجال لاحتمال تأثير أمثال آية الولاية في نفوسهم ؟!

ثانياً : لنفرض أنّ الاحتجاج بهذه الآية لم يصل إلينا ، فهل هذا دليل على عدم صدوره منه عليه السلام ؟ مع أنّ المتيقّن هو : عدم وصول أخبار وآثار كثيرة من لدن الصدر الأوّل إلينا ، خصوصاً ما كان منها يصطدم مع مصالح الخلفاء ، فإنّهم أخفوا

ص: 81


1- الشافي في الإمامة 2 / 236 .

الكثير من فضائل ومناقب أهل البيت عليهم السلام ، فما ظهر منها فهو غيض من فيض .

ثالثاً : ثمّ لنفرض مرّة أُخرى ، أنّ الإمام عليه السلام لم يحتجّ بها واقعاً ، فهل هذا يدلّ بالالتزام على عدم دلالة الآية على إمامته عليه السلام ؟ إذ لا توجد ملازمة بين المسألتين .

رابعاً : هذه الشبهة هي في الأصل من الفخر الرازي في تفسيره للآية ، حيث قال : « فلو كانت هذه الآية دالّة على إمامته لاحتجّ بها في محفل من المحافل ، وليس للقوم أن يقولوا : إنّه تركه للتقية ، فإنّهم ينقلون عنه أنّه تمسّك يوم الشورى بخبر الغدير ... » (1) .

فنقول ردّاً عليه : بأنّ الاحتجاج بالآية ورد في مصادر الشيعة (2) ، وقد أشار إلى بعض الحديث جمع من مصادر أهل السنّة (3) .

« آمنة - البحرين - ... »

رواية صحيحة تحكي واقعة التصدّق :

س : ما هي قصّة تصدّق الإمام علي عليه السلام بالخاتم؟

ج : إنّ تصدّق الإمام علي عليه السلام بالخاتم ، موضع اتفاق الشيعة وأهل السنّة ، وسنروي لك رواية صحيحة من طرق أهل السنّة تحكي واقعة التصدّق :

روى الحاكم الحسكاني بسند صحيح عن ابن عباس : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله صلّى يوماً بأصحابه صلاة الظهر ، وانصرف هو وأصحابه ، فلم يبق في المسجد غير علي قائماً ، يصلّي بين الظهر والعصر ، إذ دخل المسجد فقير من فقراء المسلمين ، فلم ير في المسجد أحداً خلا علياً ، فأقبل نحوه فقال : يا ولي اللّه بالذي تصلّي له ، أن تتصدّق عليّ بما أمكنك ، وله خاتم عقيق يماني أحمر ، كان يلبسه في

ص: 82


1- التفسير الكبير 4 / 385 .
2- الاحتجاج 1 / 202 ، أمالي الشيخ الطوسي : 549 ، الخصال : 580 .
3- أُنظر : المناقب للخوارزمي : 313 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 432 .

الصلاة في يمينه ، فمدّ يده فوضعها على ظهره ، وأشار إلى السائل بنزعه ، فنزعه ودعا له ، ومضى ، وهبط جبرائيل ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله لعلي : فقد باهى اللّه بك ملائكته اليوم ، اقرأ : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ... ) (1) .

« عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة »

في مصادر الشيعة والسنّة :

س : أرجو منكم الإجابة على هذا السؤال ، ولكم جزيل الشكر .

أُريد أدلّة من كتبنا المعتبرة ، على أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام قد تصدّق بالخاتم ، ثمّ أدلّة من كتب إخواننا أهل السنّة .

ج : إنّ الكثير من مصادرنا ذكرت حديث التصدّق بالخاتم ، فراجع الكافي والاحتجاج والخصال وغيرها من المصادر (2) .

وبعض هذه الأحاديث في غاية الاعتبار من حيث السند ، كالتي وردت في « تفسير القمّي » ، وإن كانت استفاضتها تغنينا عن البحث في إسنادها .

وأما المصادر السنّية في الموضوع فقد تجاوزت العشرات ، بل المئات في المقام (3) .

حتّى بعض علمائهم كالتفتازاني (4) والقوشجي (5) والقاضي الإيجي (6)

ص: 83


1- شواهد التنزيل 1 / 212 .
2- أُنظر : الكافي 1 / 288 ، الاحتجاج 1 / 161 ، الخصال : 580 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 186 ح 193 ، تفسير القمّي 1 / 170 .
3- أُنظر : شواهد التنزيل 1 / 219 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 357 ، أنساب الأشراف : 150 ح 151 ، التفسير الكبير 4 / 383 ، الدرّ المنثور 2 / 293 ، أحكام القرآن 2 / 557 ، مجمع الزوائد 7 / 17 ، كنز العمّال 13 / 107 ح 36354 .
4- شرح المقاصد 5 / 270 .
5- شرح تجريد العقائد : 368 .
6- المواقف : 405 .

والجرجاني (1) وغيرهم يصرّحون : بأنّ آية الولاية نزلت في حقّ علي عليه السلام حين أعطى السائل خاتمه ، وهو راكع .

« حميد عبد الشهيد - البحرين - ... »

تصدّق علي بالخاتم أثناء الصلاة عبادة :

س : سؤالي هو : نحو تصدّق الإمام علي بالخاتم ، وهو يصلّي ، والمعروف على أنّ الإمام إذا صلّى لا تجلس روحه في الأرض ، ولكن تسبّح في ملكوت اللّه ، فكيف إذاً كانت حالة الإمام يوم أجاب دعوة الفقير ؟ لابدّ أنّ هناك يداً خفية في ذلك الوقت ، يوم كان الإمام يصلّي من حيث إجابة السائل .

وبودّي أنّ توضّحوا لي ماذا حدث ؟ هل توجد اجتهادات في حقيقة المسألة ؟ لأنّ ما يقال : إنّه كان في وقت عبادة ، والتصدّق عبادة هو كلام صحيح لا خلاف عليه ، لكن هذا الجواب لا يغنيني ، شاكرين لكم .

ج : للجواب على سؤالك نشير إلى عدّة نقاط :

1 - لو كان لهذا الإشكال أدنى مجال ، لما عدّت هذه القضية عند اللّه ورسوله وسائر المؤمنين من مناقب علي عليه السلام .

2 - هذا الالتفات من أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن إلى أمر دنيوي ، وإنّما كان عبادة في ضمن عبادة .

3 - المعروف عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه جمع في صفاته بين الأضداد ، حتّى إنّه لما سئل ابن الجوزي الحنبلي المتعصّب - الذي ردّ الكثير من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام - عن نفس هذا الأشكال الذي ذكرتموه أجاب ببيتين :

يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته *** عن النديم ولا يلهو عن الناس

أطاعَهُ سكرُهُ حتّى تمكّن من *** فعل الصُحاة فهذا واحد الناس

ص: 84


1- شرح المواقف 8 / 360 .

كما نقله عنه الآلوسي في « روح المعاني » (1) .

« عثمان خليل - سنّي - ... »

في مصادر أهل السنّة :

س : أشكركم على الردّ على رسالتي السابقة ، أمّا بعد :

بعد نقاشي مع بعض الإخوة من الشيعة ، علمت أنّ الآية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (2) ، هي من الأدلّة التي يستدلّ بها الشيعة على إمامة علي رضي اللّه عنه ، وأنا عندي بعض الملاحظات على هذا الدليل :

1 - هل بالإمكان أن تزوّدوني بالمصادر التي تذكر أنّ الآية نزلت في علي ، على شرط أن تكون من كتب أهل السنّة ، وأن يكون سند الروايات صحيحاً ؟

2 - هناك بعض الأُمور التي تثبت عدم نزولها في علي رضي اللّه عنه ، وهي :

أوّلاً : الآية جاءت في صيغة الجمع ( الَّذِينَ آمَنُوا ) ، فكيف تكون في علي ؟

ثانياً : يقول اللّه تعالى : ( يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) ، وأنتم تقولون : تصدّق علي بالخاتم ، وكما تعلمون هناك فرق بين الزكاة والصدقة ، وهذا يبطل ما ذهبتم إليه في شأن نزول الآية .

ثالثاً : ( إِنَّمَا ) أداة حصر كما تعلمون ، فلو سلّمنا أنّ الآية نزلت في علي ، فإنّ هذا يعني أنّ الولاية حصرت في اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله وعلي رضي اللّه عنه فقط ، وهذا ينفي إمامة باقي الأئمّة الذين تعتقدون بإمامتهم ، لذلك فإنّ استدلالكم بهذه الآية يخالف عقائدكم فضلاً عن عقائدنا ، وهذا أيضاً يبطل استدلالكم بالآية .

ص: 85


1- روح المعاني 3 / 336 .
2- المائدة : 55 .

وأخيراً : أرجو أن يتّسع صدركم لهذه الأسئلة ، وجزاكم اللّه خيراً .

ج : إنّ هذه الآية - بضميمة شأن نزولها - من الأدلّة القاطعة على إمامة علي عليه السلام ، وأمّا الكلام على الملاحظات التي أبديتها فهو كما يلي :

1 - إنّ المصادر التي ذكرت هذا الموضوع كثيرة جدّاً عند الفريقين ، بحيث يصبح الموضوع متواتراً والتواتر آية اليقين والعلم - والإحاطة بجميع هذه الموارد غير يسيرة ، فلنكتف بالمقدار الأقلّ من كتب العامّة (1) .

والجدير بالذكر أنّ بعض العلماء من العامّة ينقل إجماع المفسّرين في المقام على هذا الموضوع (2) ، ثمّ هل يبقى شكّ وريب في نزول هذه الآية في حقّ الإمام عليه السلام بعد هذا ؟!

2 - إنّ الأُمور التي ذكرت أو قد تذكر هي أُمور وهمية ، وليس لها قيمة علمية ، لأنّ المشكوك يجب أن يفسّر على ضوء المقطوع والمتيقّن ، فإنّ شأن نزول الآية ممّا لاشكّ فيه .

وأمّا الجواب عن الموارد التي أشرت إليها ، فهي كما يلي :

أوّلاً : هذا المقام من الموارد التي يجوز فيها إطلاق صيغة الجمع وإرادة المفرد لأجل التفخيم والتعظيم .

وفي رأي الزمخشري صاحب « الكشّاف » - وهو من وجوه مفسّري العامّة .

ص: 86


1- أُنظر : شواهد التنزيل 1 / 219 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 357 ، أنساب الأشراف : 150 ح 151 ، التفسير الكبير 4 / 383 ، الدرّ المنثور 2 / 293 ، أحكام القرآن 2 / 557 ، مجمع الزوائد 7 / 17 ، كنز العمّال 13 / 107 ح 36354 ، تفسير الثعالبي 2 / 396 ، جامع البيان 6 / 389 ، الجامع لأحكام القرآن 6 / 221 ، شرح نهج البلاغة 13 / 277 ، مناقب الخوارزمي : 200 و 265 ، ذخائر العقبى : 102 ، ينابيع المودة 2 / 192 ، المعجم الأوسط 6 / 218 ، زاد المسير 2 / 292 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 73 ، البداية والنهاية 7 / 397 ، جواهر المطالب 1 / 219 و 270 ، نظم درر السمطين : 86 ، أسباب نزول الآيات : 133 ، فتح القدير 2 / 53 ، روح المعاني 3 / 334 ، نور الأبصار : 118 ، الرياض النضرة 4 / 179 ، ومئات المصادر الأُخرى .
2- المواقف في علم الكلام : 405 ، شرح المواقف 8 / 360 ، شرح المقاصد 5 / 270 .

أنّ المقصود من نزول الآية بصيغة الجمع كان لترغيب الآخرين ، ليتبعوا علياً عليه السلام في هذا الأمر ، ويتعلّموا منه عليه السلام (1) .

هذا بالإضافة إلى أنّ القرآن فيه خطابات كثيرة ، استخدم فيها لفظ الجمع وأراد المفرد .

ثانياً : إطلاق ( الزَّكَاةَ ) على الصدقة المندوبة أمر سائغ وشائع عند أهل الاصطلاح ، فقد يطلق على الزكاة بأنّها صدقة واجبة ، وأُخرى يطلق على الصدقة المستحبّة بأنّها زكاة .

وعلى أيّ حال ، فإنّ المقصود في الآية بقرينة إعطائها في حال الركوع - هو الصدقة المندوبة والمستحبّة .

ثالثاً : إنّ ولاية وإمامة باقي الأئمّة عليهم السلام ثبتت بأدلّة قطعية اُخرى مذكورة في محلّها .

وأمّا مفاد ( إِنَّمَا ) في المقام هو حصر إضافي ، أي حصر بالنسبة للموجودين في حياة الإمام علي عليه السلام .

ثمّ إنّ هذه الولاية انتقلت بعد استشهاده إلى الأئمّة الأحد عشر من ولده عليهم السلام ، فلا ننفي الحصر في الآية ، ولكن نحصرها في حقّ من كان في زمن أمير المؤمنين عليه السلام .

« علي - أمريكا - 27 سنة - طالب »

( إِنَّمَا ) فيها أداة حصر :

س : الإخوة المسؤولين عن الموقع المحترمين

لدي سؤال أرجو مساعدتي في الإجابة عليه ، وجزاكم اللّه خير الجزاء :

إنّ آية الولاية التي جاءت في القران الكريم ، جاءت مقيّدة بأداة ( إِنَّمَا ) ،

ص: 87


1- الكشّاف 1 : 624 .

والسؤال هو : هل أداة إنّما تستخدم أحياناً لأغراض أُخرى عدا الحصر ؟ وما هي هذه الأغراض ؟

ج : ( إِنَّمَا ) أداة حصر على ما يظهر من تصريح أهل اللغة ، بل عن بعضهم أنّه لم يظهر مخالف فيه ، وعن آخر دعوى إجماع النحاة عليه ، وهو المنقول عن أئمّة التفسير ويقتضيه التبادر حيث لا إشكال في ظهورها في انحصار المتقدّم بالمتأخّر .

قال العلّامة الطباطبائي قدس سره : إنّ القصر في قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ... ) (1) لقصر الإفراد ، كأنّ المخاطبين يظنّون أنّ الولاية عامّة للمذكورين في الآية وغيرهم ، فأفرد المذكورين للقصر ، ويمكن بوجه أن يُحمل على قصر القلب (2) .

وعلى كلّ حال فالأداة ( إِنَّمَا ) أداة حصر هنا بل دائماً - كما ذكرنا آنفاً - عندما تكون متكوّنة من ( إنَّ ) المشبّهة بالفعل و ( ما ) الكافّة ، وهي تفيد قصر صفة على الموصوف أو العكس . .

ص: 88


1- المائدة : 55 .
2- الميزان في تفسير القرآن 6 / 14 .

ابن تيمية :

اشارة

« جمال - ماليزيا - ... »

آراء علماء المذاهب حوله :

س : الإخوة في شبكة العقائد الكرام .

تحيّة طيّبة مشكورة جهودكم الخيّرة في إيصال الحقائق لطالبيها ، سنكون ممتنين غاية الامتنان لو تفضّلتم بتفصيل آراء علماء المذاهب الإسلامية حول ابن تيمية ، مع خالص امتناننا وتقديرنا .

ج : أطبقت آراء علماء المذاهب الإسلامية على انحراف وضلالة ابن تيمية ، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر بعض الموارد :

1 - قالوا : « كفاك لعنة اقتدائك بالشقي ابن تيمية ، أجمع علماء عصره على ضلاله وحبسه ، ونودي من كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه » (1) .

2 - « ولا زال ابن تيمية يتتبع الأكابر ، حتّى تمالا عليه أهل عصره ، ففسّقوه وبدّعوه ، بل كفّره كثير منهم » (2) .

3 - رفض مجموعة من علماء المذاهب المختلفة آراءه ومعتقداته ، مثل : الإمام صدر الدين بن الوكيل المعروف بابن المرحل الشافعي ، الإمام أبو حيّان ، الإمام عزّ الدين ابن جماعة ، الإمام كمال الدين الزملكاني الشافعي ، ملّا علي القاري الحنفي ، شهاب الدين الخفاجي الحنفي ، الإمام محمّد الزرقاني المالكي ، الإمام تقي الدين السبكي الشافعي ، الحافظ ابن حجر العسقلاني

ص: 89


1- سيف الجبّار : 19 .
2- تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد : 10 .

الشافعي ، الإمام عبد الرؤوف المنّاوي الشافعي ، الشيخ مصطفى الحنبلي الدمشقي ، الإمام شهاب الدين أحمد بن حجر المكّي الشافعي ، الإمام صفي الدين الحنفي البخاري ، الحافظ عماد الدين بن كثير الشافعي ، شيخ الإسلام صالح البلقيني الشافعي ، الحافظ جلال الدين السيوطي الشافعي (1) .

4 - إنّ شيخهم ابن تيمية ، قال عنه علّامة زمانه علاء الدين البخاري : إنّ ابن تيمية كافر ، كما قاله علّامة زمانه زين الدين الحنبلي ، إنّه يعتقد كفر ابن تيمية ، ويقول : « إنّ الإمام السبكي معذور بتكفير ابن تيمية ، لأنّه كفّر الأُمّة الإسلامية » (2) .

5 - قال علماء المذاهب : إنّ ابن تيمية زنديق ، وقال ابن حجر : إنّ ابن تيمية عبد خذله اللّه ، وأضلّه وأعماه ، وأصمّه وأذلّه ، وقال العلماء : إنّ ابن تيمية تبع مذهب الخوارج في تكفير الصحابة ، وقال الأئمّة الحفّاظ : « إنّ ابن تيمية من الخوارج ، كذّاب أشر أفّاك » (3) .

6 - فاعلم إنّي نظرت في كلام هذا الخبيث - ابن تيمية - الذي في قلبه مرض الزيغ المتتبع ما تشابه في الكتاب والسنّة ابتغاء الفتنة (4) .

هذا جملة ممّا أردنا ذكره هنا بعد إعراضنا عن الكثير ممّا قيل في هذا المجال .

« الباحث عن الحقّ - سنّي »

اعتقاداته :

س : لقد قرأت معظم كتب ابن تيمية ، ومحمّد بن عبد الوهّاب ، فلم أجد فيها كفراً ولا ضلالاً ، بل وجدت دعوتهما هي دعوة الحقّ التي أرسل بها النبيّ صلى اللّه عليه وآله .

ص: 90


1- أُنظر : شواهد الحقّ : 177 .
2- فضل الذاكرين والردّ على المنكرين : 23 .
3- نفس المصدر السابق .
4- التوسّل بالنبيّ وبالصالحين : 216 .

والسؤال : لماذا هذا الافتراء على هذين الشيخين ؟

ج : قبل التعرّض لكلمات شيخ المجسّمة ابن تيمية نقدّم كلام ابن الجوزي الحنبلي ، وما ذكره في حقّ الحنابلة لإيضاح الحقيقة أكثر .

قال ابن الجوزي : « ورأيت من أصحابنا من تكلّم في الأُصول بما لا يصلح ، وانتدب للتصنيف ثلاثة : أبو عبد اللّه بن حامد ، وصاحبه القاضي ، وابن الزاغوني ، فصنّفوا كتباً شانوا بها المذهب ، ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام ، فحملوا الصفات على مقتضى الحسّ ، فسمعوا أنّ اللّه تعالى خلق آدم على صورته ، فاثبتوا له صورة ووجهاً زائداً على الذات ، وعينين ، وفماً ، ولهوات ، وأضراساً ، وأضواء لوجهه هي السبحات ، ويدين ، وأصابع ، وكفّاً ، وخنصراً ، وإبهاماً ، وصدراً ، وفخذاً ، وساقين ، ورجلين ، وقالوا : ما سمعنا بذكر الرأس .

وقالوا : يجوز أن يَمس ويُمس ، ويدني العبد من ذاته ، وقال بعضهم : ويتنفّس ، ثمّ يرضون العوام بقولهم : لا كما يعقل ! وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات ، فسمّوها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل ، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى ، ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظواهر من سمات الحدوث ، ولم يقنعوا بأن يقولوا : صفة فعل ، حتّى قالوا : صفة ذات !

ثمّ لمّا اثبتوا أنّها صفات ذات قالوا : لا نحملها على توجيه اللغة مثل : يد على نعمة وقدرة ، ومجيء وإتيان على معنى برّ ولطف ، وساق على شدّة ، بل قالوا : نحملها على ظواهرها المتعارفة ، والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين ، والشيء إنّما يحمل على حقيقته إذا أمكن ، ثمّ يتحرّجون من التشبيه ، ويأنفون من إضافته إليهم ويقولون : نحن أهل السنّة ! وكلامهم صريح في التشبيه ، وقد تبعهم خلق من العوام .

وقد نصحت التابع والمتبوع فقلت لهم : يا أصحابنا ، أنتم أصحاب نقل ، وإمامكم الأكبر أحمد بن حنبل يقول وهو تحت السياط : كيف أقول ما لم يقل

ص: 91

.

فإيّاكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه ، ثمّ قلتم في الأحاديث تحمل على ظاهرها ، فظاهر القدم الجارحة ، فإنّه لمّا قيل في عيسى روح اللّه اعتقدت النصارى أنّ لله صفة هي روح ولجت في مريم ؟! ومن قال : استوى بذاته فقد أجراه مجرى الحسّيات .

وينبغي أن لا يهمل ما يثبت به الأصل وهو العقل ، فإنّا به عرفنا اللّه تعالى وحكمنا له بالقدم ، فلو إنّكم قلتم : نقرأ الأحاديث ونسكت ، لما أنكر عليكم أحد ، إنّما حملكم إيّاها على الظاهر قبيح .

فلا تدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه ، ولقد كسيتم هذا المذهب شيناً قبيحاً ، حتّى صار لا يقال حنبلي إلّا المجسّم ، ثمّ زيّنتم مذهبكم أيضاً بالعصبية ليزيد بن معاوية ، ولقد علمتم أنّ أصحاب المذهب أجاز لعنته ، وقد كان أبو محمّد التميمي يقول في بعض أئمّتكم : لقد شان المذهب شيناً قبيحاً لا يغسل إلى يوم القيامة » (1) .

فهذا حال الحنابلة من أمثال أبي يعلى وغيره فهم مجسّمة حقيقية ، ويثبتون لله تعالى صفات لا تجوز إلّا على المخلوقين ، ومن شاء يرجع إلى طبقات الحنابلة التي ألّفها أبو يعلى ليرى التجسيم طافحاً فيها وفي تراجمه التي ذكرها .

وبعد أن جاء ابن تيمية زاد الطين بلّة ، فبدل أن يغسل العار الذي شانه الحنابلة السابقين عن المذهب كحّله بأُمور وطامات عظيمة ، وإليك نزر يسير من التجسيم في كلمات ابن تيمية :

1 - يقول ابن بطّوطة : « وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة ، تقي الدين ابن تيمية ، كبير الشام ، يتكلّم في الفنون ، إلّا أنّ في عقله شيئاً ! وكان أهل .

ص: 92


1- دفع شبه التشبيه : 97 .

دمشق يُعظّمونه أشدّ التعظيم ، ويعظهم على المنبر ، وتكلّم مرّة بأمرٍ أنكره الفقهاء ...

قال : وكنت إذ ذاك بدمشق ، فحضرته يوم الجمعة ، وهو يعِظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جُملة كلامه أنّ قال : إنّ اللّه ينزِلُ إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجةً من المنبر » ! (1) .

2 - اعتقاده بأنّ اللّه تعالى في جهة ومكان :

يقول في ردّه على كلام العلّامة الحلّي : « وكذلك قوله : « كلّ ما هو في جهة فهو محدث » لم يذكر عليه دليلاً ، وغايته ما تقدّم أنّ اللّه لو كان في جهة لكان جسماً ، وكلّ جسم محدث ، لأنّ الجسم لا يخلو من الحوادث ، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث .

وكلّ هذه المقدّمات فيها نزاع : فمن الناس من يقول : قد يكون في الجهة ما ليس بجسم ، فإذا قيل له : هذا خلاف المعقول ؟ قال : هذا أقرب إلى العقل من قول من يقول : إنّه لا داخل العالم ولا خارجه ، فإن قبل العقل ذاك قبل هذا الطريق أولى ، وإن ردّ هذا ردّ ذاك بطريق أولى ، وإذا ردّ ذاك تعيّن أن يكون في الجهة ، فثبت أنّه في الجهة على التقديرين » (2) .

وصريح كلامه في أنّ اللّه تعالى في جهة ومكان .

3 - إيمانه بقيام الحوادث باللّه تعالى :

قال في ردّه على العلّامة الحلّي : « وأمّا قوله : « وأنّ أمره ونهيه وإخباره حادث ، لاستحالة أمر المعدوم ونهيه وإخباره » ، فيقال : هذه مسألة كلام اللّه تعالى والناس فيها مضطربون ، وقد بلغوا فيها إلى تسعة أقوال ... » (3) .

فإن قلتم لنا : فقد قلتم بقيام الحوادث بالربّ ؟ قالوا لكم : نعم ، وهذا قولنا .

ص: 93


1- رحلة ابن بطوطة : 112 .
2- منهاج السنّة 2 / 648 .
3- المصدر السابق 2 / 358 .

الذي دلّ عليه الشرع والعقل (1) .

وقال : وقد ظنّ من ذكر من هؤلاء كأبي علي وأبي الحسن بن الزاغوني أنّ الأُمّة قاطبة اتّفقت على أنّه لا تقوم به الحوادث ، وجعلوا ذلك الأصل الذي اعتمدوه ، وهذا مبلغهم من العلم .

وهذا الإجماع نظير غيره من الإجماعات الباطلة المدعاة في الكلام ونحوه وما أكثرها ، فمن تدبّرها وجد عامّة المقالات الفاسدة بينونتها على مقدّمات لا تثبت إلّا بإجماع مدّعى أو قياس ، وكلاهما على التحقيق يكون باطلاً (2) .

4 - إيمان ابن تيمية بقدم نوع العالم :

قال ابن تيمية في معرض ردّه : « نحن نقول : إنّه لم يزل مشتملاً على الحوادث ، والقديم هو أصل العالم كالأفلاك ، ونوع الحوادث مثل جنس حركات الأفلاك ... وحينئذ فالأزلي مستلزم لنوع الحوادث لا لحادث معيّن ، فلا يلزم قدم جميع الحوادث ولا حدوث جميعها ، بل يلزم قدم نوعها وحدوث أعيانها ، كما يقول أئمّة أهل السنّة منكم : إنّ الربّ لم يزل متكلّماً إذا شاء وكيف شاء » (3) .

5 - إنّ اللّه تعالى يتكلّم بصوت وحروف :

قال ابن تيمية : « وأنّ اللّه تعالى يتكلّم بصوت كما جاءت به الأحاديث الصحاح ، وليس ذلك كأصوات العباد ، لا صوت القارئ ولا غيره ، وأنّ اللّه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، فكما لا يشبه علمه وقدرته وحياته علم المخلوق وقدرته وحياته ، فكذلك لا تشبه كلامه كلام المخلوق ، ولا معانيه تشبه معانيه ، ولا حروفه يشبه حروفه ، ولا صوت الربّ يشبه .

ص: 94


1- المصدر السابق 2 / 380 .
2- الفتاوى الكبرى 5 / 126 .
3- منهاج السنّة 1 / 215 .

صوت العبد » (1) .

6 - إنّ اللّه تعالى مركّب وله أبعاض :

قال ابن تيمية : « إذا قلنا : إنّ اللّه لم يزل بصفاته كلّها أليس إنّما نصف إلهاً واحداً بجميع صفاته ؟ وضربنا لهم مثلاً في ذلك فقلنا لهم : أخبرونا عن هذه النخلة أليس لها جذوع وكرب وليف وسعف وخوص وجمار ، واسمها اسم واحد وسمّيت نخلة بجميع صفاتها ، فكذلك اللّه وله المثل الأعلى بجميع صفاته » (2) .

فيصوّر اللّه تعالى ذا أجزاء وأبعاض ، فاليدين التي يثبتها لله غير الساق ، والأصابع غير الصورة ، والصورة غير الوجه ، وهلم جرّا ، وما ذلك إلّا تجزئة للذات الإلهية المقدّسة وتبعيض لها ، وهذا هو التركّب الذي يستلزم حاجة المركّب إلى أجزائه .

7 - تصوير احتياج اللّه تعالى إلى آلات يعمل بواسطتها :

قال ابن تيمية : « والصمد الذي لا جوف له ، ولا يأكل ولا يشرب ، وهذه السورة هي نسب الرحمن أو هي الأصل في هذا الباب ، وقال في حقّ المسيح وأُمّه : ( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ) ، فجعل ذلك دليلاً على نفي الألوهية ، فدلّ ذلك على تنزيهه عن ذلك بطريق الأولى والأُخرى .

والكبد والطحال ونحو ذلك هي أعضاء الأكل والشرب ، فالغنيّ المنزّه عن ذلك منزّه عن آلات ذلك ، بخلاف اليد فإنّها للعمل والفعل وهو سبحانه موصوف بالعمل والفعل » (3) .

فيصوّر اللّه تعالى غنيّ عن الكبد والطحال لأنّه أخبر عن نفسه بأنّه صمد ، وأخبر عن عدم ألوهية عيسى عليه السلام بأنّه كان يأكل فإذن هو ليس إله ، فاللّه تعالى .

ص: 95


1- مجموع الفتاوى 12 / 244 .
2- مجموع الفتاوى 17 / 450 ، منهاج السنّة 2 / 484 ، الفتاوى الكبرى 5 / 62 و 93 و 111 .
3- مجموع الفتاوى 3 / 86 .

ليس محتاجاً للكبد والطحال لأنّه لا يأكل ، بينما هو محتاج إلى اليد لأنّه يعمل فيخلق ويرزق ، فإذن لابدّ من وجود يد له لحاجته إليها طبقاً لما وصف نفسه بها وطبقاً لكونه يعمل !!

فانظر إلى أيّ مدى وصل بهم التجسيم ؟ وإلى أيّ حدّ وصلت بهم الجرأة بتصوير اللّه المنزّه عن النقص أو الحاجة بأنّه محتاج إلى اليد ؟! سبحان اللّه عمّا يصفه المجسّمة والمشبّهون !

8 - اعتقاده بأنّ اللّه تعالى ينزل نزولاً حقيقياً إلى الدنيا ، وإنّه يتحرّك وليس بساكن :

قال ابن تيمية : « وأمّا أحاديث النزول إلى السماء الدنيا كلّ ليلة فهي الأحاديث المعروفة الثابتة عند أهل العلم بالحديث ، وكذلك حديث دنوّه عشية عرفة رواه مسلم في صحيحه ، وأمّا النزول ليلة النصف من شعبان ففيه حديث أُختلف في إسناده .

ثمّ إنّ جمهور أهل السنّة يقولون : إنّه ينزل ولا يخلو منه العرش ، كما نقل مثل ذلك عن إسحاق بن راهويه وحمّاد بن زيد وغيرهما ، ونقلوه عن أحمد بن حنبل في رسالته إلى مسدّد » (1) .

وقال : « وأمّا دعواك أنّ تفسير القيّوم الذي لا يزول عن مكانه ولا يتحرّك فلا يقبل منك هذا التفسير إلّا بأثر صحيح مأثور عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، أو عن بعض أصحابه أو التابعين ؟ لأنّ الحيّ القيّوم يفعل ما يشاء ويتحرّك إذا شاء ، ويهبط ويرتفع إذا شاء ، ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء ؛ لأنّ أمارة بين الحيّ والميّت التحرّك ، كلّ حيّ متحرّك لا محالة ، وكلّ ميّت غير متحرّك لا محالة .

ومن يلتفت إلى تفسيرك وتفسير صاحبك مع تفسير نبيّ الرحمة ورسول ربّ .

ص: 96


1- منهاج السنّة 2 / 637 .

العزّة إذ فسّر نزوله مشروحاً منصوصاً ، ووقّت لنزوله وقتاً مخصوصاً ، لم يدع لك ولا لأصحابك فيه لُبساً ولا عويصاً » (1) .

ويقول أيضاً : « فهذا لا يصحّ إلّا بما ابتدعته الجهمية من قولهم : لا يتحرّك ولا تحلّ به الحوادث ، وبذلك نفوا أن يكون استوى على العرش بعد أن لم يكن مستوياً ، وأن يجيء يوم القيامة » (2) .

وهنا طريفة لا يفوتنا الإشارة إليها وهي : إنّ الأرض كروية وهي تتحرّك خلافاً لابن باز الذي ينفي حركتها حول نفسها ، فهي دائماً لا تخلو من ليل ، وعليه فمتى ينزل اللّه تعالى ؟ ومتى يصعد ؟ إذ لازم ذلك إنّه دائماً في حالة صعود ونزول ، أو إنّه دائماً يكون نازلاً ولا يصعد لدوام الثلث الأخير من الليل في الأرض على مدى الأربعة والعشرين ساعة ؟

وقد التفت السلفيون إلى هذا الإشكال ، لكنّهم بقوا حيارى لا يستطيعون جواباً ؛ قال الشيخ ابن باز : « لا تعارض بين نزوله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كلّ ليلة مع اختلاف الأقطار ، وبين استوائه عزّ وجلّ على العرش ؛ لأنّه سبحانه لا يشبه خلقه في شيء من صفاته ، ففي الإمكان أن ينزل كما يشاء نزولاً يليق بجلاله في ثلث الليل الأخير بالنسبة إلى كلّ قُطر ، ولا ينافي ذلك علوه واستواءه على العرش ؛ لأنّنا لا نعلم كيفية النزول ولا كيفية الاستواء ، بل ذلك مختصّ به سبحانه » (3) .

فصال وجال لكنّه لم يأت بشيء سديد أو دفع مفيد ، وإنّما زاد الطين بلّة من حيث جعل اللّه مستوياً على عرشه ، وهو في هذا الحال ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ، وبما أنّ الكرة الأرضية ثلث الليل الأخير مستمر فيها فهو في حال نزول دائمي ، أو بالأحرى إنّه نازل ولا يصعد إلى العرش !! تنزّه .

ص: 97


1- درء التعارض 2 / 51 .
2- الفتاوى الكبرى 5 / 127 .
3- فتاوى اللجنة الدائمة 3 / 186 .

اللّه تعالى عمّا يقوله الحنابلة المجسّمة علوّاً كبيراً !

هذا نزر يسير ممّا وقع فيه ابن تيمية ومن حذا حذوه من الهفوات ، ولو أردنا الاسترسال لطال المقام بتأليف مصنّف مستقلّ .

وهنالك كلام لابن تيمية في حقّ أهل البيت عليهم السلام يدلّ على نصبه وتحامله الشديد عليهم ، والدفاع والنصرة لبني أُمية الذين قتلوا وسلبوا أهل البيت عليهم السلام ، وقبل ذلك نستعرض كلمات العلماء في ذلك ، ثمّ نعرّج على كلمات ابن تيمية :

1 - قال ابن حجر العسقلاني : « طالعت الردّ المذكور فوجدته كما قال السبكي في الاستيفاء ، لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في ردّ الأحاديث التي يوردها ابن المطهّر ، وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات ، لكنّه ردّ في ردّه كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانّها ؛ لأنّه كان لا تساعه في الحفظ يتّكل على ما في صدره ، والإنسان عامد للنسيان ، وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدّته أحياناً إلى تنقيص علي رضي اللّه عنه » (1) .

2 - قال ابن حجر الهيتمي : « ابن تيمية عبد خذله اللّه وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذلّه ، وبذلك صرّح الأئمّة الذين بيّنوا فساد أحواله ، وكذب أقواله » (2) .

3 - قال الشيخ محمّد زاهر الكوثري : « فتراه يحكم عليه هذا الحكم القاسي ، لأنّه صحّح حديث ردّ الشمس لعلي كرّم اللّه وجهه ، فيكون الاعتراف بصحّة هذا الحديث ينافي انحرافه عن علي رضي اللّه عنه ، وتبدو على كلامه آثار بغضه لعلي عليه السلام في كلّ خطوة من خطوات تحدّثه عنه » (3) .

وقال : « ولولا شدّة ابن تيمية في ردّه على ابن المطهّر في منهاجه إلى أن بلغ به الأمر أن يتعرّض لعلي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه على الوجه الذي تراه في .

ص: 98


1- لسان الميزان 6 / 320 .
2- شفاء السقام : 38 نقلاً عن الفتاوى الحديثية .
3- الإشفاق على أحكام الطلاق : 73 .

أوائل الجزء الثالث منه بطريق يأباه الكثير من إقحام الخوارج ، مع توهين الأحاديث الجيّدة في هذا السبيل » (1) .

4 - قال الشيخ عبد اللّه الغماري في معرض ردّه على الشيخ الألباني : وحاله في هذا كحال ابن تيمية ، تطاول على الناس ، فأكفر طائفة من العلماء ، وبدع طائفة أُخرى ، ثمّ اعتنق هو بدعتين لا يوجد أقبح منهما :

إحداهما : قوله بقدم العالم ، وهي بدعة كفرية والعياذ باللّه تعالى .

والأُخرى : انحرافه عن علي عليه السلام ، ولذلك وسمه علماء عصره بالنفاق ، لقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله لعلي : « لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق » (2) .

وأمّا الكلمات التي أطلقها ابن تيمية في حقّ علي بن أبي طالب عليه السلام ، والتي يظهر منها التنقيص جليّاً وواضحاً فكثيرة ، وإليك شذر منها .

1 - طعنه في خلافة الإمام علي عليه السلام :

قال : « وأمّا علي فلم يتّفق المسلمون على مبايعته ، بل وقعت الفتنة تلك المدّة ، وكان السيف في تلك المدّة مكفوفاً عن الكفّار مسلولاً على أهل الإسلام » (3) .

وقال : « ولم يكن في خلافة علي للمؤمنين الرحمة التي كانت في زمن عمر وعثمان ، بل كانوا يقتتلون ويتلاعنون ، ولم يكن لهم على الكفّار سيف ، بل الكفّار كانوا قد طمعوا فيهم ، وأخذوا منهم أموالاً وبلاداً » (4) .

وقال أيضاً : « ومن ظنّ أنّ هؤلاء الاثني عشر هم الذين تعتقد الرافضة إمامتهم فهو في غاية الجهل ، فإنّ هؤلاء ليس فيهم من كان له سيف إلّا علي بن أبي طالب ، ومع هذا فلم يتمكّن في خلافته من غزو الكفّار ، ولا فتح مدينة ! .

ص: 99


1- المصدر السابق : 73 .
2- إرغام المبتدع الغبي : 22 .
3- منهاج السنّة 4 / 161 .
4- المصدر السابق 4 / 485 .

ولا قتل كافراً ! بل كان المسلمون قد اشتغل بعضهم بقتال بعض ، حتّى طمع فيهم الكفّار بالشرق والشام من المشركين وأهل الكتاب حتّى يقال : إنّهم أخذوا بعض بلاد المسلمين ، وإنّ بعض الكفّار كان يحمل إليه كلام حتّى يكف عن المسلمين ، فأيّ عزّ للإسلام في هذا » ؟! (1) .

وقال أيضاً طاعناً في خلافته : « فإنّ علياً قاتل على الولاية !! وقتل بسبب ذلك خلق كثير عظيم ، ولم يحصل في ولايته لا قتال للكفّار ولا فتح لبلادهم ، ولا كان المسلمون في زيادة خير » (2) .

وقال : « فلم تصف له قلوب كثير منهم ، ولا أمكنه هو قهرهم حتّى يطيعوه ، ولا اقتضى رأيه أن يكفّ عن القتال حتّى ينظر ما يؤول إليه الأمر ، بل اقتضى رأيه القتال ، وظنّ أنّه به تحصل الطاعة والجماعة ، فما زاد الأمر إلّا شدّة ، وجانبه إلّا ضعفاً ، وجانب من حاربه إلّا قوّة ، والأُمّة إلّا افتراقاً » (3) .

2 - جعل قتاله لأجل الملك لا الدين !

قال ابن تيمية : « وعلي يقاتل ليطاع ، ويتصرّف في النفوس والأموال ، فكيف يجعل هذا قتالاً على الدين » ؟ (4) .

وقال أيضاً : « ثمّ يقال لهؤلاء الرافضة : لو قالت لكم النواصب : علي قد استحلّ دماء المسلمين ، وقاتلهم بغير أمر اللّه ورسوله على رئاسته ، وقد قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « سباب المسلم فسوق وقتاله كفر » ، وقال : « لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض » ، فيكون علي كافراً لذلك !! لم تكن حجّتكم أقوى من حجّتهم ، لأنّ الأحاديث التي احتجّوا بها صحيحة !!

وأيضاً فيقولون : قتل النفوس فساد ، فمن قتل النفوس على طاعته كان .

ص: 100


1- المصدر السابق 8 / 241 .
2- المصدر السابق 6 / 191 .
3- المصدر السابق 7 / 452 .
4- المصدر السابق 8 / 329 .

مريداً للعلوّ في الأرض والفساد ، وهذا حال فرعون !! واللّه تعالى يقول : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) ، فمن أراد العلوّ في الأرض والفساد لم يكن من أهل السعادة في الآخرة .

وليس هذا كقتال الصدّيق للمرتدّين ومانعي الزكاة ، فإنّ الصدّيق إنّما قاتلهم على طاعة اللّه ورسوله لا على طاعته ، فإنّ الزكاة فرض عليهم ، فقاتلهم على الإقرار بها وعلى أدائها ، بخلاف من قاتل ليطاع هو » (1) .

3 - طعنه فيه وفي فضائله :

قال ابن تيمية : « إنّ الفضائل الثابتة في الأحاديث الصحيحة لأبي بكر وعمر أكثر وأعظم من الفضائل الثابتة لعلي ، والأحاديث التي ذكرها هذا ، وذكر أنّها في الصحيح عند الجمهور ، وأنّهم نقلوها في المعتمد من قولهم وكتبهم هو من أبين الكذب على علماء الجمهور ، فإنّ هذه الأحاديث التي ذكرها أكثرها كذب أو ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث ، والصحيح الذي فيها ليس فيه ما يدلّ على إمامة علي ، ولا على فضيلته على أبي بكر وعمر ، بل وليست من خصائصه ، بل هي فضائل شاركه فيها غيره ، بخلاف ما ثبت من فضائل أبي بكر وعمر ، فإنّ كثيراً منها خصائص لهما ، لاسيّما فضائل أبي بكر ، فإنّ عامّتها خصائص لم يشركه فيها غيره .

وأمّا ما ذكره من المطاعن فلا يمكن أن يوجّه على الخلفاء الثلاثة من مطعن إلّا وجّه على علي ما هو مثله أو أعظم منه ... .

فإنّ علي رضي اللّه عنه لم ينزّهه المخالفون ، بل القادحون في علي طوائف متعدّدة ، وهم أفضل من القادحين في أبي بكر وعمر وعثمان ، والقادحون فيه أفضل من الغلاة فيه ، فإنّ الخوارج متّفقون على كفره ، وهم عند المسلمين كلّهم خير من الغلاة ... . .

ص: 101


1- المصدر السابق 4 / 499 .

ومن المعلوم أنّ المنزّهين لهؤلاء أعظم وأكثر وأفضل ، وإنّ القادحين في علي حتّى بالكفر والفسوق والعصيان طوائف معروفة ، وهم أعلم من الرافضة وأدين ... .

والذين قدحوا في علي رضي اللّه عنه وجعلوه كافراً أو ظالماً ليس فيهم طائفة معروفة بالردّة عن الإسلام ، بخلاف الذين يمدحونه ويقدحون في الثلاثة ... .

بخلاف من يكفّر علياً ويلعنه من الخوارج ، وممّن قاتله ولعنه من أصحاب معاوية وبني مروان وغيرهم ، فإنّ هؤلاء كانوا مقرّين بالإسلام وشرائعه ، يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، ويصومون رمضان ، ويحجّون البيت العتيق ، ويحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ، وليس فيهم كفر ظاهر ، بل شعائر الإسلام وشرائعه ظاهرة فيهم ، معظّمة عندهم ... .

فمعلوم أنّ الذين قاتلوه ولعنوه وذمّوه من الصحابة والتابعين وغيرهم هم أعلم وأدين من الذين يتولّونه ويلعنون عثمان ، ولو تخلّى أهل السنّة عن موالاة علي رضي اللّه عنه وتحقيق إيمانه ووجوب موالاته لم يكن في المتولّين له من يقدر أن يقاوم المبغضين له من الخوارج والأُموية والمروانية ؛ فإنّ هؤلاء طوائف كثيرة » (1) .

والكلام واضح لا يحتاج إلى تعليق .

5 - طعنه في فاطمة عليها السلام واتهامها بالنفاق !!

قال ابن تيمية : « إنّ فاطمة رضي اللّه عنها إنّما عظم أذاها لما في ذلك من أذى أبيها ، فإذا دار الأمر بين أذى أبيها وأذاها كان الاحتراز عن أذى أبيها أوجب ، وهذا حال أبي بكر وعمر ، فإنّهما احترزا عن أن يؤذيا أباها أو يريباه بشيء ، فإنّه عهد عهداً وأمر بأمر ، فخافا أن غيّرا عهده وأمره أن يغضب لمخالفة أمره وعهده ويتأذّى بذلك ، وكلّ عاقل يعلم أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إذا حكم بحكم وطلبت فاطمة أو غيرها ما يخالف ذلك الحكم ، كان مراعاة حكم النبيّ صلى اللّه عليه وآله .

ص: 102


1- المصدر السابق 5 / 6 - 10 .

أولى !! فإنّ طاعته واجبة ومعصيته محرّمة » (1) .

فصوّر فاطمة عليها السلام بأنّها تريد أن يحكم أبو بكر بغير حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فرفض أبو بكر ذلك فتأذّت !!

وهذا معناه النفاق في فاطمة - أعاذنا اللّه من هذا - لأنّ الذين يريدون أن يحكم إليهم بخلاف حكم اللّه ورسوله هم المنافقون .

هذا وهناك الكثير من المطاعن التي وجّهها ابن تيمية إلى أهل البيت عليهم السلام وإلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، سواء من ناحية التنقيص فيه ، أو تكذيب فضائله الثابتة له ، ومن شاء راجع « منهاج السنّة » ليرى النصب فيه طافح ، والتحامل على علي عليه السلام وأهل بيته ظاهر !! هذا ما يتعلّق بابن تيمية الحرّاني .

وأمّا ما يتعلّق بمحمّد بن عبد الوهّاب فمنهجه هو منهج ابن تيمية لا غير ، سواء من ناحية العقيدة كصفات اللّه والأنبياء وغيرها أو من ناحية تحامله على المسلمين وتكفيرهم ، أو من ناحية تحامله على أهل البيت عليهم السلام .

وارجع إلى كتابه « كشف الشبهات » لترى فيه التكفير الصريح للأُمّة الإسلامية جمعاء ، لأنّها تزور القبور ، وتتوسّل بالأنبياء والصالحين !!

وكذلك كتابه « الدرر السنية في الأجوبة النجدية » ، تجده مليئاً بالتكفير ورمي المسلمين بالغلوّ والشرك ، فمن نماذج تكفيره للمسلمين قوله :

1 - قال : « وهذا أي الشرك هو فعلكم عند الأحجار والبنايات التي على القبور وغيرها »!! (2) .

2 - قال : ويصيحون كما صاح إخوانهم حيث قالوا : ( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ) (3) .

ومقصوده بذلك المسلمين الذي يزورون القبور ويتوسّلون بالأنبياء والصالحين ! .

ص: 103


1- المصدر السابق 4 / 253 .
2- كشف الشبهات : 17 .
3- المصدر السابق : 19 .

3 - وقال في نفس الصفحة : « فإذا عرفت أنّ هذا الذي يسمّيه المشركون في زماننا الاعتقاد هو الشرك الذي أنزل فيه القرآن ، وقاتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الناس عليه ؛ فاعلم أنّ شرك الأوّلين أخفّ من شرك أهل زماننا بأمرين » !!

4 - قال : « أنّ الذين قاتلهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أصحّ عقولاً وأخفّ شركاً من هؤلاء » !! (1) .

فهذا تكفير صريح لعامّة المسلمين ، أعاذنا اللّه من ذلك .

5 - قال : « وأنا أذكر لك أشياء ممّا ذكر اللّه في كتابه جواباً لكلام احتجّ به المشركون في زماننا علينا » !! (2) .

وغير ذلك كثير جدّاً يمكن مراجعته في الكتابين اللذين أشرنا إليهما .

فمحمّد بن عبد الوهاب لم يتورّع في دماء المسلمين ، وحكم على الأُمّة الإسلامية بالشرك والكفر ، وأنّ شركها أعظم من شرك كفّار قريش أو اليهود والنصارى ، وقام بمحاربتهم وسفك دمائهم ، وقتل ذراريهم واستباحة أعراضهم ، إلى غير ذلك من الأفاعيل الشنيعة التي تبيّن مدى فساد عقيدة هذا الشخص وضحالة تفكيره ، وخطورته في نفس الوقت .

« خالد - السعودية - سنّي »

تكفيره الشيعة :

س : أنتم الشيعة تتّهمون شيخ الإسلام ابن تيمية ، بأنّه يكفّر الشيعة ، فأين دليلكم على ذلك ؟

ج : ابن تيمية !! وما أدراك ما ابن تيمية ؟! أصل الفتنة ، وأصل كلّ خلاف ، شديد النصب للإمام علي عليه السلام .

ص: 104


1- المصدر السابق : 21 .
2- المصدر السابق : 13 .

ابن تيمية يقول بالتجسيم والتشبيه ، ابن تيمية يقول بقدم غير اللّه تعالى ، وبحوادث لا أوّل لها .

ابن تيمية ينفي فضائل الإمام علي عليه السلام ، حتّى اعترض عليه الألباني في « سلسلة الأحاديث الصحيحة » ، وقال عنه : « إنّ هذه الاشتباهات وقع فيها ابن تيمية لتسرّعه في الردّ على الرافضة » .

ابن تيمية يكذّب أكاذيب واضحة ، ولا يتّقي اللّه ولا يتورّع ، ابن تيمية ردّ عليه كبار علماء المذاهب الإسلامية ، قبل علماء الشيعة ، حتّى إنّ بعضهم نعته بالكفر والزندقة .

ونقول في الجواب على قولك : راجع كتابه « منهاج السنّة النبوية » (1) لتجد ذلك بنفسك .

وفي الختام : نذكّرك بكلام الحافظ أبو الفضل عبد اللّه الغماري : « وابن تيمية ، يحتجّ كثير من الناس بكلامه ، ويسمّيه بعضهم شيخ الإسلام ، وهو ناصبي ، عدوّ لعلي كرّم اللّه وجهه ، اتهم فاطمة بأنّ فيها شعبة من النفاق ، وكان مع ذلك مشبهاً ، إلى بدع أُخرى كانت فيه ، ومن ثمّ عاقبه اللّه تعالى ... فكانت المبتدعة بعد عصره تلامذة كتبه ، ونتائج أفكاره ، وثمار غرسه » (2) .

« حيدر القزّاز - كندا - 29 سنة - مهندس »

رأيه في قاتل علي :

س : أرجو بيان ما رأي ابن تيمية بالمجرم عبد الرحمن ابن ملجم ( لعنه اللّه ) ؟ وما هو رأيه عندما قتل أمير المؤمنين عليه السلام ؟ مع ذكر المصادر إن أمكن .

ج : إنّ ابن تيمية كعادته يحاول الطعن بالإمام علي عليه السلام ، وذلك بصورة غير مباشرة ، كتكذيب فضائله ، والتشكيك في المسلّمات ، بل وبصورة مباشرة

ص: 105


1- منهاج السنّة النبوية 4 / 363 و 7 / 9 و 27 .
2- الصبح السافر : 54 .

أحياناً ، فتراه ذلك الناصبي المراوغ ، الذي يتلاعب بالألفاظ والأساليب .

فتراه يقول في ابن ملجم : « والذي قتل علياً ، كان يصلّي ويصوم ، ويقرأ القرآن ، وقتله معتقداً أنّ اللّه ورسوله يحبّ قتل علي ، وفعل ذلك محبّة لله ورسوله في زعمه وإن كان في ذلك ضالاً مبتدعاً » (1) .

ويقول عنه أيضاً : « كان من أعبد الناس » (2) .

هذا قول ابن تيمية في ابن ملجم ، وقد وصف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قاتل علي عليه السلام بأنّه : « أشقى الناس » (3) .

« السيّد أحمد السيّد نزار - البحرين »

ردّ علماء أهل السنّة على قوله بالتجسيم :

س : تحية طيّبة وبعد :

هناك من الأصدقاء من يقول : إنّ ابن تيمية ومحمّد بن عبد الوهّاب لا يقولان بالتجسيم ، وما يقال ذلك عنهما نابع من التعصّب ، وردّ التهمة بتهمة مثلها .

أين هي الكتب والمصادر التي يدّعون فيها أنّهما يقولان بالتجسيم بصراحة ؟ دون أن يكون لها وجه آخر ، أرجو ذكر أقوالهما مع ذكر المصادر لكي تتمّ الحجّة .

ج : المعروف عن بعض الحنابلة أنّهم من القائلين بالتجسيم ، بمعنى أنّ لله تعالى يداً ، ووجهاً وعيناً وساقاً ، وأنّه متربّع على العرش ، شأنه شأن الملوك والسلاطين ، واستدلّوا على ذلك ، بآيات من القرآن الكريم ، كقوله تعالى : ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) ، و ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) ، و ( يَوْمَ يُكْشَفُ

ص: 106


1- منهاج السنّة النبوية 7 / 153 .
2- المصدر السابق 5 / 47 .
3- مجمع الزوائد 7 / 14 و 299 ، فيض القدير 1 / 672 و 3 / 128 ، ينابيع المودّة 2 / 200 و 396 ، جواهر المطالب 2 / 106 ، وغيرها من مصادر أهل السنّة ، فضلاً عن المصادر الشيعية .

عَن سَاقٍ ) ، و ( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) وغيرها من الآيات .

وقالوا : إنّ اليد والوجه والساق والاستواء جاءت في القرآن على وجه الحقيقة في معانيها ، وليست مصروفة إلى معانيها المجازية .

وقالوا : نعم يد اللّه ليست كيدنا ، ووجهه ليس كوجهنا ، وساقه ليس كساقنا بدليل قوله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) .

ولا يخفى عليك أنّ ابن تيمية ، ومحمّد بن عبد الوهّاب يدّعيان أنّهما من الحنابلة .

وأقوال ابن تيمية في التجسيم كثيرة جدّاً ، وللوقوف على ذلك راجع مثلاً كتابه « الفتوى الحموية الكبرى في مجموعة الفتاوى ، كتاب الأسماء والصفات » .

وإنّ عقيدته في التجسيم كانت واحدة من أهمّ محاور الصراع الذي خاضه مع علماء عصره ، فهي السبب الوحيد لما دار بينه وبين المالكية من فتن في دمشق ، وهي السبب الوحيد لاستدعائه إلى مصر ، ثمّ سجنه هناك ، كما كانت سبباً في عدّة مجالس عقدت هنا وهناك لمناقشة أقواله .

ولم تنفرد المالكية في الردّ عليه ، بل كان هذا هو شأن الحنفية ، والشافعية أيضاً ، وأمّا الحنبلية فقد نصّوا على شذوذه عنهم .

قال الشيخ الكوثري الحنفي في وصف عقيدة ابن تيمية في الصفات : « إنّها تجسيم صريح » ، ثمّ نقل مثل ذلك عن ابن حجر المكّي في كتابه « شرح الشمائل » .

وللشافعية دورهم البارز في مواجهة هذه العقيدة ، فقد صنّفوا في بيان أخطاء ابن تيمية فيها تصانيفاً كثيرةً ، وربّما يُعدّ من أهمّ تصانيفهم تلك ما كتبه شيخهم شهاب الدين ابن جَهبَل - المتوفّى سنة 733 ه- - ويكتسب هذا التصنيف أهمّيته لسببين :

أوّلهما : إنّ هذا الشيخ كان معاصراً لابن تيمية ، وقد كتب ردّه هذا في حياة ابن تيمية موجّهاً إليه .

ص: 107

والثاني : إنّه ختمه بتحدٍّ صريح قال فيه : « ونحن ننتظر ما يَرِدُ من تمويههِ وفساده ، لنبيّن مدارج زيغه وعناده ، ونجاهد في اللّه حقّ جهاده » .

ثمّ لم يذكر لابن تيمية جواباً عليه ، رغم أنّه قد وضع ردّاً على الحموية الكبرى التي ألقاها ابن تيمية على المنبر في سنة 698 ه- .

وأمّا دفاع ابن تيمية عن التجسيم ، فهو دفاع المجسّمة الصرحاء ، فيقول ردّاً على القائلين بتنزيه اللّه تعالى عن الأعضاء والأجزاء : « إنّهم جعلوا عُمدتهم في تنزيه الربّ عن النقائص على نفي الجسم ، ومن سلك هذا المسلك ، لم يُنزِّه اللّه عن شيء من النقائص البتّة » (1) .

ثمّ طريق إثبات شيء على المتّهم لا يتمّ بإقراره فقط ومن كتبه ، فإنّه قد لا يذكر ذلك صريحاً ، خوفاً من المسلمين ، ولكن هناك طريقة أُخرى ، وهي شهادة شهود عليه ، فإن هذا من أقوى أدلّة الإثبات ، خاصّة إذا كانوا كثيرين .

وقد شهد على ابن تيمية الكثير ، منهم : ابن بطوطة في كتابه ، إذ يقول تحت عنوان : حكاية الفقيه ذي اللُّوثة - اللُّوثة بالضمّ : مَسُّ جنون - ! :

« وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة ، تقي الدين بن تيمية ، كبير الشام ، يتكلّم في الفنون ، إلّا أنّ في عقله شيئاً ! وكان أهل دمشق يُعظّمونه أشدّ التعظيم ، ويعظهم على المنبر ، وتكلّم مرّة بأمرٍ أنكره الفقهاء ...

قال : وكنت إذ ذاك بدمشق ، فحضرته يوم الجمعة ، وهو يعِظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جُملة كلامه أنّ قال : إنّ اللّه ينزِلُ إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجةً من المنبر !

فعارضه فقيه مالكي ، يعرف بابن الزهراء ، وأنكر ما تكلّم به ، فقامت العامّة إلى هذا الفقيه ، وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً ، حتّى سقطت عمامته ، وظهر على رأسه شاشية حرير ، فأنكروا عليه لباسها ، واحتملوه إلى دار عزّ الدين بن مسلم ، قاضي الحنابلة ، فأمر بسجنه ، وعزّره بعد ذلك ... » (2) . .

ص: 108


1- مجموع الفتاوى 13 / 164 .
2- رحلة ابن بطوطة : 112 .

ومقولة ابن تيمية هذه ذكرها ابن حجر العسقلاني أيضاً في كتابه (1) .

تلك صورة عن عقيدته في اللّه تعالى ، فهو يجيز عليه تعالى الانتقال والتحوّل والنزول ، وفي هذا التصوّر من التجسيم ما لا يخفى ، فالذي ينتقل من مكان إلى مكان ، وينزل ويصعد ، فلابدّ أنّه كان أوّلاً في مكان ، ثمّ انتقل إلى مكان آخر ، فخلا منه المكان الأوّل ، واحتواه المكان الثاني ، والذي يحويه المكان لا يكون إلّا محدوداً ! فتعالى اللّه عمّا يصفون !!

« سامر - فلسطين - ... »

تعقيب على الجواب السابق :

مجرد تعليق بسيط : ابن تيمية والوهّابية ، هم ملعونون وهم كفرة ، كما قال ابن عابدين : خوارج العصر ، وشيخنا عبد اللّه الهرري له باع طويل في الردّ على الكافرين ، ومن كتبه : « المقالات السنية في كشف ضلالات أحمد ابن تيمية » ، وهو من (500) صفحة ، وله أيضاً الردّ على الوهّابية أكثر من كتاب ، أعانه اللّه للوقوف في وجههم .

وليس الشيعة وحدهم يكفّرون ابن تيمية ، بل أهل السنّة ، فهم مجسّمة ، ويبغضون أهل البيت ، وثبت عندنا أنّ ابن تيمية ردّ أكثر من (20) حديثاً في سيّدنا علي عليه السلام ، أقرأ كتاب المحدّث الهرري « الدليل الشرعي في عصيان من قاتلهم علي من صحابي وتابعي » ، وردّ على ابن تيمية ( لعنه اللّه ) .

« علوي - ... - ... »

رأيه في الجامع الكبير للترمذي :

س : هل هناك فرق بين المسند والصحيح عند القوم ؟ إذ الوهّابية يرفضون أن يكون الجامع الكبير للترمذي من الصحاح ، وإذا كان هناك ما يدفع كلامهم ، فأرجو البيان وذكر المصدر .

ص: 109


1- الدرر الكامنة 1 / 154 .

الجواب : الفرق بين المسند والصحيح هو : أنّ المسند هو الأحاديث التي يرويها المحدّث بأسانيد عن كلّ واحدٍ من الصحابة ، فيذكر أحاديثه تحت عنوان اسمه ، كما هو الحال في مسند أحمد مثلاً .

أمّا الصحيح فهو مجموعة الأحاديث ، التي يرى المحدّث صحّتها بحسب شروطه ، مبوّبةً بحسب الموضوعات .

والوهابيّة الذين يرفضون « الجامع الكبير » للترمذي إنّما يقلِّدون ابن تيمية في كتابه « منهاج السنّة النبوية » ، لكنّكم إذا راجعتموه وجدتم ابن تيمية يحتجُّ ب- « الجامع الكبير » للترمذي ، في كلّ موردٍ يكون في صالحه ، وأمّا رفضه له فهو لروايته مناقب أمير المؤمنين عليه السلام .

فقال في حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » : « أضعف وأوهى ، ولهذا إنّما يعدّ في الموضوعات ، وإن رواه الترمذي » (1) .

وقال في موضع : « والترمذي في جامعة روى أحاديث كثيرة في فضائل علي ، كثير منها ضعيف ، ولم يرو مثل هذا لظهور كذبه » (2) .

وفي آخر : « والترمذي قد ذكر أحاديث متعدّدة في فضائله ، وفيها ما هو ضعيف بل موضوع » (3) .

فهو لا يرفض « الجامع الكبير » للترمذي بل يستدلّ برواياته وينقلها في كتبه ، وإنّما يرفض الروايات التي نقلها في فضائل الإمام علي عليه السلام .

« عماد - ... - ... »

كلماته الدالّة على التجسيم :

س : هل بإمكانكم إخباري في أيّ كتاب قالت الوهّابية بإنّ اللّه له أرجل وأيدي ، ووجه وأعين ... .

ص: 110


1- منهاج السنّة النبوية 7 / 515 .
2- المصدر السابق 7 / 178 .
3- المصدر السابق 5 / 511 .

ج : بإمكانك التقصّي عن عقيدة الوهّابية في التجسيم من خلال فتاوى علمائهم ، أو بالسؤال من علمائهم ، عن تفسير آية : ( ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ) (1) ، أو قوله تعالى : ( هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (2) ، إلى غير ذلك من الآيات ، وأنظر ماذا تجاب من قبلهم ؟ عندها تستطيع الحكم أنت بنفسك على ما يعتقدونه ، من صفات الربّ جلّ جلاله .

ولعلّنا سنزوّدك ما يمكن ذكره في هذا المقام المختصر ، ببعض أقوال شيخهم ابن تيمية ، فقد قال عن حديث لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إنّ اللّه يضحك إلى رجلين ، يقتل أحدهما الآخر ، كلاهما يدخل الجنّة » : متّفق عليه (3) .

ومثله قال عن حديث لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « ولا تزال جهنّم يلقى فيها ، وهي تقول : هل من مزيد ؟ حتّى يضع ربّ العزّة فيها رجله ، فينزوي بعضها إلى بعض ، فتقول : قط قط » (4) .

وما ذكره محمّد بن عبد الوهّاب في كتابه « التوحيد » (5) ، عن ابن مسعود قال : جاء حبر من الأحبار إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال : يا محمّد ، إنّا نجد أنّ اللّه يجعل السماوات على إصبع من أصابعه ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء على إصبع ، والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع ، فيقول : أنا الملك ، فضحك النبيّ صلى اللّه عليه وآله حتّى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر ، ثمّ قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ( وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (6) .

وقد قال ابن باز في فتاويه : « التأويل في الصفات منكر ولا يجوز ، بل يجب .

ص: 111


1- الأعراف : 54 .
2- الإسراء : 1 .
3- العقيدة الواسطية : 20 .
4- نفس المصدر السابق .
5- كتاب التوحيد : 157 .
6- الزمر : 67 .

إمرار الصفات كما جاءت على ظاهرها اللائق باللّه جلّ وعلا ، بغير تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ولا تمثيل (1) .

وقال أيضاً : « الصحيح الذي عليه المحقّقون ، أنّه ليس في القرآن مجاز على الحدّ الذي يعرفه أصحاب فنّ البلاغة ، وكلّ ما فيه فهو حقيقة في محلّه (2) .

هذا بعض ما أمكننا إرشادك إليه من أقوالهما ، وجملةً من فتاويهما ، وعليك أن تتحقّق عن الباقي بنفسك ، وإن شئت فارجع إلى :

1 - العقيدة الواسطية لابن تيمية .

2 - شرح العقيدة الواسطية لابن عثمين .

3 - كتاب التوحيد لمحمّد بن عبد الوهّاب .

4 - شرح نونية ابن قيّم الجوزية لمحمّد خليل هراس .

5 - كتاب العرش لابن تيمية .

6 - كتاب السنّة لعبد اللّه بن أحمد بن حنبل .

وكتب أُخرى لهم في هذا المجال ، وفيها التجسيم بأجلى صورة . .

ص: 112


1- فتاوى ابن باز 1 / 297 .
2- المصدر السابق 1 / 360 .

ابن عباس :

اشارة

« زين - السعودية - ... »

أقوال علماء الشيعة فيه :

س : ما رأي علماء الشيعة في عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنه ؟

ج : نذكر بعض أقوال علماء الشيعة في ابن عباس :

1 - قال العلّامة الحلّي : « من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، كان محبّاً لعلي عليه السلام وتلميذه ، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام أشهر من أن يخفى .

وقد ذكر الكشّي (1) أحاديث تتضمّن قدحاً فيه ، وهو أجلّ من ذلك ، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير وأجبنا عنها رضي اللّه تعالى عنه » (2) .

2 - قال الشيخ حسن صاحب المعالم : « عبد اللّه بن عباس ، حاله في المحبّة والإخلاص لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، والموالاة والنصرة له ، والذبّ عنه ، والخصام في رضاه ، والمؤازرة ممّا لا شبهة فيه ، وقد كان يعتمد ذلك مع من يجب اعتماده معه ، على ما نطق به لسان السيرة » (3) .

3 - قال العلّامة التستري - بعد أن ذكر جملة من مواقفه مع أعداء أهل البيت : « وبالجملة : بعدما وقفت على محاجّاته مع عمر وعثمان ، ومعاوية وعائشة ، وابن الزبير وباقي أعداء أهل البيت ، وتحقيقه للمذهب ودفعه عن

ص: 113


1- اختيار معرفة الرجال 1 / 279 .
2- خلاصة الأقوال : 190 .
3- التحرير الطاووسي : 312 .

الشبه ، لو قيل : إنّ هذا الرجل أفضل رجال الإسلام بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والأئمّة الاثني عشر عليهم السلام ، وحمزة وجعفر ( رضوان اللّه عليهما ) كان في محلّه » (1) .

« يوسف - الإمارات - 30 سنة - طالب جامعة »

ما قيل فيه مردود :

س : ما رأيكم في ابن عباس ؟

ج : هناك رأيان في ابن عباس ، رأي عدّه من الثقات للروايات المادحة له ، وقدح بالروايات الذامّة له ، ورأي ثان عدّه من الضعفاء للروايات الذامّة له ، ولأجل معرفة سبب تضعيفه ، نورد بعض ما أُشكل عليه :

أوّلاً : أنّه نقل بيت المال من البصرة إلى الحجاز حينما كان والياً على البصرة ، وهذا دليل خيانته وعدم عدالته ، وخروجه على طاعة إمام زمانه .

وفيه : إنّ ما اشتهر عن نقله لبيت مال البصرة لم يثبت برواية صحيحة يطمئن إليها ، نعم كلّ من اعتمد على الخبر كان مدركه الشهرة وليس أكثر ، بل إنّ بعض علمائنا طعن في صحّة هذه الشهرة ، ونسب ما اشتهر في ذمّ ابن عباس إلى ما أشاعه معاوية من الطعن في أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد ذهب إلى ذلك السيّد الخوئي قدس سره في معجمه (2) .

قال ابن أبي الحديد : « وقد اختلف الناس في المكتوب إليه هذا الكتاب ، فقال الأكثرون : إنّه عبد اللّه بن عباس ، ورووا في ذلك روايات ، واستدلّوا عليه بألفاظ من ألفاظ الكتاب ، كقوله عليه السلام : « أشركتك في أمانتي » ... وقال الآخرون وهم الأقلّون : هذا لم يكن ، ولا فارق عبد اللّه بن عباس عليّاً عليه السلام ولا باينه ولا خالفه ، ولم يزل أميراً على البصرة إلى أن قتل علي عليه السلام .

ص: 114


1- قاموس الرجال 6 / 490 .
2- معجم رجال الحديث 11 / 254 .

قالوا : ويدلّ على ذلك ما رواه أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني من كتابه الذي كتبه إلى معاوية من البصرة لمّا قتل علي عليه السلام ، وقد ذكرناه من قبل ، قالوا : وكيف يكون ذلك ؟ ولم يخدعه معاوية ويجرّه إلى جهته ، فقد علمتم كيف اختدع كثيراً من عمّال أمير المؤمنين عليه السلام ... فما باله وقد علم النبوّة التي حدثت بينهما ، لم يستمل ابن عباس ، ولا اجتذبه إلى نفسه ، وكلّ من قرأ السير وعرف التواريخ يعرف مشاقّة ابن عباس لمعاوية بعد وفاة علي عليه السلام وما كان يلقاه من قوارع الكلام وشديد الخصام ، وما كان يثني به على أمير المؤمنين عليه السلام ، ويذكر خصائصه وفضائله ، ويصدع به من مناقبه ومآثره ، فلو كان بينهما غبار أو كدر لما كان الأمر كذلك ، بل كانت الحال تكون بالضدّ لما اشتهر من أمرهما ... .

وقد أُشكل عليّ أمر هذا الكتاب ، فإن أنا كذّبت النقل وقلت : هذا كلام موضوع على أمير المؤمنين عليه السلام خالفت الرواة ، فإنّهم قد أطبقوا على رواية هذا الكتاب عنه ، وقد ذكر في أكثر كتب السير .

وإن صرفته إلى عبد اللّه بن عباس صدّني عنه ما أعلمه من ملازمته لطاعة أمير المؤمنين عليه السلام في حياته وبعد وفاته ، وإن صرفته إلى غيره لم أعلم إلى من أصرفه » (1) .

وقال العلّامة التستري : « قاعدة عقلية : إذا تعارض العقل والنقل يقدّم العقل ، فإذا كان معلوماً ملازمته لطاعة أمير المؤمنين عليه السلام في حياته وبعد وفاته ، ولا استماله معاوية - مع انتهازه الفرصة في مثل ذلك - نقطع بأنّ النقل باطل ، وكيف يحتمل صحّة ذلك النقل مع أنّه طعن في معاوية بخيانة عمّاله ؟ فلو كان هو أيضاً خان لردّ عليه معاوية طعنه » (2) . .

ص: 115


1- شرح نهج البلاغة 16 / 169 .
2- قاموس الرجال 6 / 426 .

على أنّا لو سلّمنا صحّة الحادثة ، فإنّ ذلك يمكن أن يكون من باب طروء الشبهة ، على كون استحقاقه بعض بيت المال اعتماداً على اجتهاده ، لقوله لابن الزبير على فرض صحّة الرواية - : « وأمّا حملي المال ، فإنّه كان مالاً جبيناه ، وأعطينا كلّ ذي حقٍّ حقّه ، وبقيت بقية هي دون حقّنا في كتاب اللّه ، فأخذنا بحقّنا ... » (1) .

فقوله : « هي دون حقّنا في كتاب اللّه » مشعر بأنّ ابن عباس قد اعتمد في اجتهاده على آية في كتاب اللّه ، استظهر منها صحّة حمل ما بقي من بيت المال ، ولعلّه قد تاب بعد تنبيه أمير المؤمنين عليه السلام له .

ثانياً : إنّه ثبت صحّة قوله بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، إلّا أنّه لم يثبت بعد ذلك قوله بإمامة الحسن ، وإمامة الحسين ، وإمامة علي بن الحسين عليهم السلام وقد أدركهم ، وهذا طعن في إيمانه ، وصحّة اعتقاده .

وفيه : إنّ التسالم على قوله بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام وأتباعه بلغ إجماع الفريقين ، فلا مجال للتشكيك فيه ، أمّا قوله بإمامة الحسن عليه السلام ، فإنّ الأربلي في « كشف الغمّة » نقل عن أبي مخنف ، بإسناده عن ابن إسحاق السبيعي وغيره قالوا :

« خطب الحسن بن علي عليهما السلام صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين عليه السلام ... ثمّ جلس ، فقام عبد اللّه بن عباس ما بين يديه فقال : معاشر الناس ، هذا ابن نبيّكم ، ووصيّ إمامكم فبايعوه .

ثمّ قال الراوي : فرتب العمّال ، وأمّر الأمراء ، وأنفذ عبد اللّه بن عباس إلى البصرة ، ونظر في الأُمور ... » (2) .

وهذا دليل على قوله بإمامة الحسن عليه السلام ، وعلى هذا يترتّب قوله بإمامة الحسين عليه السلام ، وإمامة علي بن الحسين عليهما السلام لعدم وجود الدليل النافي على قوله .

ص: 116


1- شرح نهج البلاغة 20 / 130 .
2- كشف الغمّة 2 / 161 .

بإمامتهما ، أي لم يصدر منهما عليهما السلام ذمّاً في حقّه ، إضافة إلى حسن سيرته ، واستقامته في عهديهما ، ولم يظهر منه ما يخالفهما ، ولو كانت هناك أدنى مخالفة للإمامين عليهما السلام لأظهره الرواة ، خصوصاً وقد كان معرضاً للطعن والذمّ من قبل أعداء أهل البيت عليهم السلام .

« ... - السعودية - ... »

تقييم رواياته :

س : ما هي قيمة أحاديث ابن عباس عند علمائنا ؟ هل هي مقبولة عندهم أو مردودة ؟

ج : لا إشكال في جلالة قدر ابن عباس عند الجميع ، كما يظهر ذلك من كلام العلماء والرجاليين .

نعم ، قد يكون هناك بعض الموارد الموجبة للتوقّف ، ولكن أُجيب عنها بما لا مزيد عليه (1) .

ومجمل الكلام حول هذا الشخص هو : أنّه كان موالياً وعارفاً للحقّ ، ولكن لأُمور لم تتّضح لحدّ الآن كان لا يقتحم الصراعات الموجودة آنذاك ، فكان شاهداً للحقّ إن صحّ التعبير ومدافعاً عنه في حدّ وسعه ، فيجب أن ننظر إلى حياته من هذه الزاوية حتّى نعرف التفسير الصحيح لمجموعة تصرّفاته ، ومواقفه في كافّة الجوانب .

ثمّ وإن كان ابن عباس ثقة ومعتمداً ، ولكن بالنسبة لأحاديثه ينبغي ملاحظة عدّة أُمور :

1 - لا يخفى أنّ مجموعة كبيرة من الأحاديث المنسوبة إليه في كتب الفريقين سندها منقطع ، أي أنّها إمّا مرسلة أو مقطوعة ، فلا حجّية لمفادها ، إلّا ما كانت منها تؤيّد بأخبار معتبرة أُخرى .

ص: 117


1- أُنظر : قاموس الرجال 6 / 418 .

2 - توجد هناك طائفة من الأخبار تنقل عن لسان ابن عباس بدون إسنادها إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أو إلى أحد من الأئمّة عليهم السلام ، أي أنّها آراؤه في تلك الموارد .

وهذا القسم أيضاً لا يعتبر حجّة من الناحية الشرعية ، إلّا إذا كان موافقاً لما صدر عن المعصوم عليه السلام .

3 - إنّ شخصية ابن عباس كانت معرّضةً للهجوم والتشويه من قبل أعداء الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، خصوصاً بني أُمية ، فدسّت الأيادي الأثيمة روايات وأحاديث في سبيل النيل من سمعته ، وهذه الفئة من الروايات جلّها - بل كلّها - جاءت عن طريق العامّة ، وعليه فينبغي التأمّل والتريّث في أحاديثه التي نقلت بإسنادهم ، وإن كانت معنعنة وغير مرسلة ومتّصلة ، خصوصاً في المواضع الخلافية بين الشيعة والسنّة .

ص: 118

أبو بكر :

اشارة

« سلمان المحمّدي - البحرين - ... »

الفضل بالتقوى لا والد زوجة النبيّ :

س : كيف حصل أبو بكر على تلك المنزلة ، ليكون والد زوجة الرسول ؟

ج : قال تعالى : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (1) .

فإذا كان من الممكن أن تكون زوجتا نوح ولوط من الكفّار ، ونوح ولوط من الأنبياء ، فلا يمكن أن نحكم بفضل على امرأة لمجرد كونها زوجة نبيّ ، والفضل يكون بالتقوى والقرب من اللّه والإخلاص له ، وكذلك قوله تعالى : ( فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ) (2) .

هذا كلّه في أزواج الأنبياء ، فكيف بآباء أزواج الأنبياء ؟!

« سعيد خليل - لبنان - ... »

بعض مثالبه :

س : نشكر لكم جهودكم في طريق الإصلاح ، وإظهار الدين الحقّ .

السؤال : نريد أن نعرف نبذة عن أبي بكر ، ودوره كيف كان ؟ شاكرين

ص: 119


1- التحريم : 10 .
2- الأعراف : 83 .

لكم جهودكم ، وأجركم عند اللّه إن شاء اللّه .

ج : سألت عن أبي بكر ، فنجيبك باختصار :

1 - إنّ أبا بكر قد أغضب فاطمة عليها السلام فهجرته حتّى توفّيت ، رواه البخاري في صحيحه (1) ، ومسلم في صحيحه (2) ، وأحمد في مسنده (3) ، وروى ابن قتيبة قول فاطمة عليها السلام لأبي بكر : « واللّه لأدعون اللّه عليك في كلّ صلاة أُصلّيها » (4) .

2 - إنّ أبا بكر لا يعرف معنى قوله تعالى : ( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) (5) .

3 - إنّ أبا بكر لسانه قد أورده الموارد (6) .

4 - إنّ أبا بكر وعمر انهزما يوم خيبر وأُحد (7) .

5 - إنّ أبا بكر وعمر رفعا أصواتهما عند النبيّ صلى اللّه عليه وآله حتّى نزل النهي (8) . .

ص: 120


1- صحيح البخاري 8 / 3 .
2- صحيح مسلم 5 / 154 .
3- مسند أحمد 1 / 6 .
4- الإمامة والسياسة 1 / 31 .
5- عبس : 31 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 6 ، فتح الباري 13 / 229 .
6- الطبقات الكبرى 5 / 11 ، الموطّأ 2 / 988 ، مجمع الزوائد 10 / 302 ، المصنّف لابن أبي شيبة 6 / 237 و 8 / 572 ، كتاب الصمت وآداب اللسان : 50 و 55 مسند أبي يعلى الموصلي 1 / 17 شرح نهج البلاغة 7 / 90 و 10 / 137 ، كنز العمّال 3 / 834 ، فيض القدير 5 / 467 ، تفسير الثعالبي 2 / 176 ، العلل 2 / 132 و 3 / 269 ، التاريخ الكبير 8 / 90 ، الثقات 2 / 172 ، علل الدارقطني 1 / 109 و 159 تاريخ مدينة دمشق 8 / 345 ، وغيرها من مصادر أهل السنّة .
7- المستدرك على الصحيحين 3 / 37 ، مجمع الزوائد 9 / 124 ، شرح نهج البلاغة 17 / 168 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 107 ، خصائص أمير المؤمنين : 53 .
8- مسند أحمد 4 / 6 ، صحيح البخاري 6 / 46 و 8 / 145 ، الجامع الكبير 5 / 63 ، جامع البيان 26 / 155 ، أسباب نزول الآيات : 257 ، زاد المسير 7 / 177 ، الجامع لأحكام القرآن 16 / 303 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 220 ، الدرّ المنثور 6 / 84 ، تفسير الثعالبي 5 / 267 ، الإحكام في أُصول الأحكام لابن حزم 6 / 804 ، تاريخ مدينة دمشق 9 / 191 ، أُسد الغابة 4 / 207 ، تاريخ المدينة المنوّرة 2 / 523 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 78 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 437 .

6 - روى مالك في « الموطّأ » عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال لشهداء أُحد : « هؤلاء أشهد لهم » ، فقال أبو بكر : ألسنا يا رسول اللّه إخوانهم ، أسلمنا كما أسلموا ، وجاهدنا كما جاهدوا ؟

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « بلى ، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي » ، فبكى أبو بكر ، ثمّ بكى ، ثمّ قال : أئنّا لكائنون بعدك (1) .

7 - إنّ فاطمة عليها السلام قد دفنت ليلاً ، وصلّى عليها الإمام علي عليه السلام ، ولم يؤذن بها أبو بكر (2) .

« أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة »

رفض مالك بن نويرة دفع الزكاة له :

س : أردت أن استفسر عن بعض الأحداث التي جرت على مالك بن نويرة .

لماذا رفض مالك دفع الصدقات لأبي بكر ؟ وهل كان موالياً لأمير المؤمنين عليه السلام كما يقال ؟ وهل حقّاً امتنع مالك من دفع الزكاة ؟ وهل الرافض لدفع الزكاة يحكم عليه بالكفر ؟

ج : ورد في رواياتنا : بأنّ مالك جاء إلى رسول اللّه في أواخر حياته صلى اللّه عليه وآله ، فأخبره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بأنّ الخليفة بعده أمير المؤمنين عليه السلام ، فولي الأمر الشرعي بنظر مالك وأتباعه كان أمير المؤمنين عليه السلام ، والصدقات لا تعطى إلى أحد إلّا لولي الأمر الشرعي .

فامتنع مالك وقال : ندفع زكاتنا إلى فقرائنا .

ص: 121


1- الموطّأ 2 / 462 ، شرح نهج البلاغة 15 / 38 .
2- صحيح البخاري 5 / 82 ، صحيح مسلم 5 / 154 ، صحيح ابن حبّان 14 / 573 ، البداية والنهاية 5 / 307 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 568 ، فتح الباري 7 / 378 ، شرح نهج البلاغة 16 / 281 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 163 ، السنن الكبرى للبيهقي 4 / 29 ، مسند الشاميين 4 / 198 ، الثقات 3 / 334 ، تاريخ المدينة المنوّرة 1 / 197 .

ثمّ إنّ المانع من دفع الزكاة لا يحكم عليه بالكفر ، بأيّ صورة من الصور .

« ... - ... - ... »

صحبته للنبيّ لم تكن بطلب منه :

س : بعد الشكر الجزيل على كلّ الجهود التي تبذلوها في خدمة الإسلام ، أرجو الإجابة على سؤالي التالي والذي يقول : لماذا كان مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الغار أبو بكر ، ولم يكن أحد سواه ؟

ج : أوّلاً : يجب أن نشير إلى أنّه لم ينفرد في هجرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أبو بكر فحسب ، كما في مفروض السؤال ، بل كان سواه معهما كما سيأتي .

وثانياً : لابدّ من ملاحظة ظروف الواقعة المفروض فيها التكتّم ، وقلّة المصاحب ، والاحتياج إلى معرفة الطريق وغير ذلك .

وثالثاً : إمكان دراسة الموضوع وملاحظته بأشكال متعدّدة ، فقد يقال : إنّه صاحبه خوفاً منه لا عليه ، أو كان يخشى منه البوح ، ولعلّه يشير إليه قوله تعالى : ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، أو تؤخذ الواقعة كنوع امتحان وفتنة من اللّه سبحانه لعباده .

هذا ولم نجد في رواية من الخاصّة أو العامّة أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله طلب من أبي بكر مصاحبته ، أو كان القرار على ذلك ، وهذه نكتة مهمّة ، بل كلّ ما هناك هو أنّه التقى به وهو في حال خروجه من مكّة ، فصاحبه معه ، وهذا قد فسّر بخوفه من أن يفشي عليه ويخبر عنه ، ولاشكّ أنّه صلى اللّه عليه وآله طلب من أبي بكر في الغار أن يسكن وقد أخذته الرعدة ، وأخبره ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، وهذه نكتة مهمّة .

ثمّ أنّه قد صحبه صلى اللّه عليه وآله في هجرته عامر بن فهر - مولى أبي بكر - وعبد اللّه

ص: 122

ابن اريقط الليثي - (1) ، بل كان معهم دليل باسم رقيد ، وقيل : هو عبد اللّه بن اريقط الليثي ، وفي أمالي الشيخ الطوسي : « واستتبع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أبا بكر ابن أبي قحافة ، وهند بن أبي هالة ، فأمرهما أن يقعدا له بمكان ذكره لهما من طريقه إلى الغار » (2) .

وفي بعض الروايات : « إنّ أبا بكر لحق بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله بعد أن أخبره أمير المؤمنين عليه السلام بأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قد انطلق إلى بئر ميمون فأدركه » (3) ، ومثله في تفسير العيّاشي (4) ، بل في « الخرائج والجرائح » (5) : إنّه صلى اللّه عليه وآله رأى أبا بكر قد خرج في الليل يتجسّس عن خبره وقد كان وقف على تدبير قريش من جهتهم - فأخرجه معه إلى الغار ، ومثله في « شواهد التنزيل » (6) .

وورد في « الصراط المستقيم » قالوا : إنّما أباته - أي علياً عليه السلام - لعلمه أنّ الإسلام لا ينهدم بقتله ، واستصحب أبا بكر لعلمه بخلافته .

قلنا : قد رويتم أنّه قال صلى اللّه عليه وآله : « الخلافة بعدي ثلاثون سنة ... » على أعمار الأربعة ، فكيف يحرص عليه خاصّة دون غيره ، بل قد روي أنّه صحبه خوفاً من أن ينم عليه .

قال ابن طوطي :

ولمّا سرى الهادي النبيّ مهاجراً *** وقد مكر الأعداء واللّه أمكر

وصاحب في المسرى عتيقاً مخافة *** لئلا بمسراه لهم كان يخبر

وله كلام هناك فراجعه (7) . .

ص: 123


1- العدد القوية : 120 ، المحبر : 190 .
2- الأمالي للشيخ الطوسي : 466 .
3- الطرائف : 408 .
4- تفسير العيّاشي 1 / 101 .
5- الخرائج والجرائح 1 / 144 .
6- شواهد التنزيل 1 / 129 .
7- الصراط المستقيم 1 / 176 .

مضافاً إلى ذلك يلزم عدم وجود أهمّية لعمر بن الخطّاب ، إذ إنّ ذا الخصوصية هو أبو بكر فقط ، مع أنّ هذا ينافي ما تعتقدونه في عمر بن الخطّاب وموقعيته المهمّة في الرسالة من موافقة اللّه له في آرائه واقتراحاته ، ومن أنّ العدل تمثّل به ، ومات بموته ، فما ذكرتموه من الاستدلال يرد عليكم أيضاً .

« مروة - مصر - ... »

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : ردّ غير مقنع ، أو كان اللّه بغير قادر أن يعيق أبا بكر لو كانت الفكرة من صحبته خشية أن يخبر عن الرسول ؟

ج : إنّ اللّه تعالى قادر على أن يعيق ، لكنّه لا يعيق ، لأنّ ذلك يستلزم الإلجاء والجبر ، كما لم يعق يوم كسرت رباعية الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ويوم ضرب بالحجارة في بداية بعثته ، وغير ذلك كثير .

وهذه هي سنّة اللّه في الحياة ، ليتميّز من يفعل الخير أو الشر ، وإتمام الحجّة على العباد ( مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ... ) (1) .

وهناك فرق بين أن يجبر اللّه أبا بكر على عدم الإخبار ، وبين تصرّف الرسول صلى اللّه عليه وآله بحكمة وتدبير مع ذلك الموقف .

« بو حلوفة العربي - الجزائر - سنّي - 34 سنة - ماجستير في اللغة الفرنسية »

صلاة جماعته المزعومة :

س : هل يعتبر أبو بكر أولى بالخلافة ؟ ونحن نعلم أنّ الرسول أمره بالصلاة

ص: 124


1- آل عمران : 179 .

جماعة ، هل معنى ذلك أنّ الرسول أعطى الشرعية لأبي بكر ؟ بأن يكون الخليفة والإمام الأوّل على المسلمين .

ج : إنّ رواية صلاة أبي بكر مخدوشة سنداً ودلالةً ، فإنّ رواتها بأجمعهم مجروحون - كما نصّ عليه أرباب الجرح والتعديل في الرجال - أو أنّ بعض الطرق مرسلة ، فلا حجّية لها مطلقاً .

وأمّا الدلالة فمردودة بوجوه شتّى ، منها : إنّ أبا بكر كان مأموراً - كغيره من الصحابة - بالخروج مع جيش أُسامة ، والمتخلّف عن أمر الرسول صلى اللّه عليه وآله يعتبر فاسقاً ، وعليه فهل يعقل أن يأمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله بإمامة الفاسق ؟!

هذا ومع فرض قبول الحديث ، فإنّ خروجه للصلاة لم يكن بأمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والدليل عليه أنّه صلى اللّه عليه وآله لما سمع بخروج أبي بكر للصلاة ، خرج متّكئاً على علي عليه السلام والعباس مع ما كان عليه من شدّة المرض - ونحّى أبا بكر .

« أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة»

الروايتان لا تثبتان له فضيلة :

س : ما هو قولكم في هاتين الروايتين ، الأُولى : عن بعث الإمام علي عليه السلام لإبلاغ سورة براءة ، وردّ أبي بكر .

فقال أبو بكر : بأبي أنت وأُمّي يا رسول اللّه ، أنت أمرت علياً أن أخذ هذه الآيات من يدي ؟

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لا ، ولكن العليّ العظيم ، أمرني أن لا ينوب عنّي إلّا من هو منّي ، وأمّا أنت فقد عوّضك اللّه بما حمّلك من آياته ، وكلّفك من طاعاته ، الدرجات الرفيعة ، والمراتب الشريفة ، أمّا أنّك إن دمت على موالاتنا ، ووافيتنا في عرصات القيامة وفيّاً بما أخذنا به عليك من العهود والمواثيق ، فأنت من خيار شيعتنا ، وكرام أهل مودّتنا » فسري بذلك عن أبي بكر .

والرواية الثانية : قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأبي بكر : « أما ترضى يا أبا بكر أنّك صاحبي في الغار » ؟ فما هو القول المبين في هذا الكلام من النبيّ صلى اللّه عليه وآله

ص: 125

لأبي بكر ؟ هل هي موضوعة أم من الزيادات ؟ ولكم جزيل الشكر .

ج : إنّ مبنى التحقيق عند علماء الشيعة - خلافاً لغيرهم - يفرض عليهم أن يعرضوا كافّة أسانيد الروايات للنقد العلمي ، فما ثبتت صحّته فهو مقبول ، وما لم تثبت فهم في حلٍّ منه ، ولا يلزم من هذه القاعدة الحكم بالوضع لتمام أجزاء الرواية ، إذ قد يكون الدسّ والتحريف مسّ جزءً منها ، فكلّ ما في الأمر أنّ الحديث الذي لم يثبت سنده بالطريق الصحيح لا يمكن الاعتماد عليه في الاستدلال .

وفي مورد السؤال نقول : بأنّ الرواية الأُولى منقولة في التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري عليه السلام (1) ، ولا يخفى ما في سندها من ضعف .

وأمّا الرواية الثانية : فهي منقولة في تفسير فرات الكوفي (2) ، ولكن لم يرد لها سند صحيح ومعتبر ، فالحكم عليها كالحكم على الرواية الأُولى .

ومع غضّ النظر عن السند فلا تدلّ الرواية الأُولى على فضيلة خاصّة ، لورود شرط فيها كما ذكرتموه « إن دمت … » ، وينتفي المشروط بانتفاء شرطه كما هو واضح ، وهذا نظير ما صدر عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله في مجال تقريضه لشعر حسّان بن ثابت في غديريّته قائلاً : « لا تزال - يا حسّان - مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك » ، علماً منه صلى اللّه عليه وآله بانحراف حسّان عن أمير المؤمنين عليه السلام في أُخريات أيّامه ، فهذا من إعلام النبوّة ، إذ هو تنبيه لأبي بكر حتّى لا يزل ، ولا ينسى العهود والمواثيق التي أخذها صلى اللّه عليه وآله عليه ، وتناساها فيما بعد .

وأمّا الرواية الثانية : فليس فيها أيّة فضيلة ، فإنّ مجرد الصحبة لا تدلّ على ميزة ، خصوصاً بعدما نعلم بأنّ هذه الصحبة لم تكن مدروسة ومقصودة من قبل ، بل بعدما أطّلع أبو بكر على النبيّ صلى اللّه عليه وآله أخذه معه ، حتّى لا يطّلع عليه أحد . .

ص: 126


1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري : 599 .
2- تفسير فرات الكوفي : 161 .

« علي طاهر العبد اللطيف - السعودية - 38 سنة - خرّيج متوسطة »

مناظرة الشيخ المفيد حول صحبته :

س : في آية الغار : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) المخاطب هو أبو بكر ، ألا تعد هذه فضيلة له ؟ أرجو إفادتنا بالجواب مع التفاصيل ، واللّه يحفظكم ويجعلكم ذخراً لنشر فضائل أهل البيت .

ج : نرسل لكم مناظرة الشيخ المفيد قدس سره مع عمر في المنام ، ومن خلالها يتّضح الجواب على سؤالكم :

قال الشيخ المفيد قدس سره : « رأيت في المنام سنة من السنين ، كأنّي قد اجتزت في بعض الطرق ، فرأيت حلقة دائرة ، فيها أُناس كثير ، فقلت : ما هذا ؟

فقالوا : هذه حلقة فيها رجل يعظ .

قلت : ومن هو ؟

قالوا : عمر بن الخطّاب ، ففرّقت الناس ، ودخلت الحلقة ، فإذا أنا برجل يتكلّم على الناس بشيء لم أحصله ، فقطعت عليه الكلام .

وقلت : أيّها الشيخ ، أخبرني ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر عتيق بن أبي قحافة من قول اللّه تعالى : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ) (1) .

فقال : وجه الدلالة على فضل أبي بكر في هذه الآية على ستة مواضع :

الأوّل : أنّ اللّه تعالى ذكر النبيّ صلى اللّه عليه وآله وذكر أبا بكر وجعله ثانيه ، فقال : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ) .

والثاني : وصفهما بالاجتماع في مكان واحد لتأليفه بينهما فقال : ( إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ) .

والثالث : أنّه أضافه إليه بذكر الصحبة ، فجمع بينهما بما تقتضي الرتبة فقال : ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ ) .

ص: 127


1- التوبة : 40 .

والرابع : أنّه أخبر عن شفقة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ورفقه به ، لموضعه عنده فقال : ( لَا تَحْزَنْ ) .

والخامس : أخبر أنّ اللّه معهما على حدّ سواء ، ناصراً لهما ودافعاً عنهما ، فقال : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) .

والسادس : أنّه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر ، لأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لم تفارقه سكينته قط ، قال : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) (1) .

فهذه ستة مواضع تدلّ على فضل أبي بكر من آية الغار ، حيث لا يمكنك ولا غيرك الطعن فيها .

فقلت له : حبرت كلامك في الاحتجاج لصاحبك عنه ، وإنّي بعون اللّه سأجعل ما أتيت به كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف .

أمّا قولك : إنّ اللّه تعالى ذكر النبيّ صلى اللّه عليه وآله وجعل أبا بكر معه ثانيه ، فهو إخبار عن العدد ، ولعمري لقد كانا اثنين ، فما في ذلك من الفضل ؟! فنحن نعلم ضرورة أنّ مؤمناً ومؤمناً ، أو مؤمناً وكافراً ، اثنان فما أرى لك في ذلك العدّ طائلاً تعتمده .

وأمّا قولك : إنّه وصفهما بالاجتماع في المكان ، فإنّه كالأوّل لأنّ المكان يجمع الكافر والمؤمن ، كما يجمع العدد المؤمنين والكفّار .

وأيضاً : فإنّ مسجد النبيّ صلى اللّه عليه وآله أشرف من الغار ، وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفّار ، وفي ذلك يقول اللّه عزّ وجلّ : ( فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ) (2) .

وأيضاً : فإنّ سفينة نوح عليه السلام قد جمعت النبيّ ، والشيطان ، والبهيمة ، والكلب ، والمكان لا يدلّ على ما أوجبت من الفضيلة ، فبطل فضلان . .

ص: 128


1- التوبة : 27 .
2- المعارج : 37 .

وأمّا قولك : إنّه أضافه إليه بذكر الصحبة ، فإنّه أضعف من الفضلين الأوّلين ، لأنّ اسم الصحبة تجمع المؤمن والكافر ، والدليل على ذلك قوله تعالى : ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ) (1) .

وأيضاً : فإنّ اسم الصحبة يطلق على العاقل والبهيمة ، والدليل على ذلك من كلام العرب الذي نزل بلسانهم ، فقال اللّه عزّ وجلّ : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ) (2) أنّه قد سمّوا الحمار صاحباً ، فقال الشاعر (3) :

إنّ الحمار مع الحمير مطية *** فإذا خلوت به فبئس الصاحب

وأيضاً : قد سمّوا الجماد مع الحيّ صاحباً ، فقالوا ذلك في السيف وقالوا شعراً :

زرت هنداً وكان غير اختيان *** ومعي صاحب كتوم اللسان (4)

يعني : السيف ، فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر ، وبين العاقل والبهيمة ، وبين الحيوان والجماد ، فأيّ حجّة لصاحبك فيه ؟!

وأمّا قولك : إنّه قال : ( لَا تَحْزَنْ ) ، فإنّه وبال عليه ومنقصة له ، ودليل على خطئه لأنّ قوله : ( لَا تَحْزَنْ ) نهي ، وصورة النهي قول القائل : لا تفعل ، فلا يخلو أن يكون الحزن قد وقع من أبي بكر طاعة أو معصية ، فإن كان طاعة فالنبيّ صلى اللّه عليه وآله لا ينهى عن الطاعات ، بل يأمر بها ويدعو إليها ، وإن كانت معصية ، فقد نهاه النبيّ عنها ، وقد شهدت الآية بعصيانه بدليل أنّه نهاه .

وأمّا قولك : إنّه قال : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، فإنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد أخبر أنّ اللّه معه ، ن

ص: 129


1- الكهف : 35 .
2- إبراهيم : 4 .
3- وهو أُمية بن الصلت ، الصراط المستقيم 3 / 136 .
4- وقد ورد في كنز الفوائد : 203 هكذا : زرت هنداً وذاك بعد اجتناب *** ومعي صاحب كتوم اللسان

وعبّر عن نفسه بلفظ الجمع ، كقوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (1) .

وقد قيل أيضاً : إنّ أبا بكر قال : يا رسول اللّه حزني على علي بن أبي طالب ما كان منه ، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه وآله : ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، أي معي ومع أخي علي بن أبي طالب .

وأمّا قولك : إنّ السكينة نزلت على أبي بكر ، فإنّه ترك للظاهر ، لأنّ الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيّده اللّه بالجنود ، وكذا يشهد ظاهر القرآن في قوله : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ) (2) .

فإنّ كان أبو بكر هو صاحب السكينة ، فهو صاحب الجنود ، وفي هذا إخراج للنبيّ صلى اللّه عليه وآله من النبوّة ، على أنّ هذا الموضع لو كتمته عن صاحبك كان خيراً ، لأنّ اللّه تعالى أنزل السكينة على النبيّ في موضعين ، كان معه قوم مؤمنون فشركهم فيها ، فقال في أحد الموضعين : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ ) (3) ، وقال في الموضع الآخر : ( ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ) (4) ولما كان في هذا الموضع خصّه وحده بالسكينة ، فقال : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) ، فلو كان معه مؤمن لشركه معه في السكينة ، كما شرك من ذكرنا قبل هذا من المؤمنين ، فدلّ إخراجه من السكينة على خروجه من الإيمان ، فلم يحر جواباً ، وتفرّق الناس ، واستيقظت من نومي » (5) . .

ص: 130


1- الحجر : 9 .
2- التوبة : 41 .
3- الفتح : 26 .
4- التوبة : 27 .
5- شرح المنام : 30 ، الاحتجاج 2 / 328 ، كنز الفوائد : 203 .

« علي المؤمن - السعودية - سنّي »

السكينة لم تنزل عليه :

س : سؤالي حول آية : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ) .

إذا كانت الصحبة لا تعبّر عن كرامة لأبي بكر ، وذلك لأنّها تشمل الكافر والمؤمن ، والحيوان والجماد ، وأنّ السكينة لا تنزل إلّا على المؤمنين .

فالسؤال موجّه للشيعة : إذا آمنا بهذه التفاسير فما هي قيمة أبي بكر ؟

هل نعتبره مثل كلب أصحاب الكهف ؟ أعتقد أنّه من واجبنا الاعتراف ، ولو بنسبة 1% أنّ أبا بكر صاحب ، أختاره اللّه ليكون مع النبيّ ، وأنّه لابأس به على الأقلّ .

أمّا بالنسبة للسكينة ، وأنّها لا تنزل إلّا على المؤمنين ، وأنّها نزلت على النبيّ دون أبي بكر ، فإنّنا نرى السكينة نزلت على أبي بكر ، عندما بايع تحت الشجرة ، وأنّه ممّن رضي اللّه عنهم ، حيث كان ممّن حضروا بدراً ، فلماذا هذا الإجحاف في حقّ الرجل ؟

نعم قد يكون مغتصب للخلافة ، لكن علينا أن نكون موضوعيين في تفسير آية الغار ، ولا نقلّل قيمة الرجل - على الأقلّ في هذا الموقف فقط - بشكل يعكس نفسية الشيعة تجاه أبي بكر .

فليس من المعقول أن تكون آية الغار ضدّ أبي بكر ، وليست في صالحه ، فهل أصبحت صحبة النبيّ والسير معه مذمّة ؟!

ج : للإجابة على هذا السؤال لابدّ من الرجوع إلى القرآن الكريم ، والنظر في آياته البيّنات كي يتّضح لنا ما هي وظيفة اللّه تعالى ، وما هي وظيفة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وما هي وظيفة الناس تجاه اللّه تعالى والنبوّة .

وبعد معرفة الوظائف الثلاث لتلك الذوات الثلاث نستطيع معرفة الجواب عن السؤال ، أو بالأحرى معرفة أنّ السؤال صحيح أم ليس بصحيح ؟

إذا رجعنا إلى القرآن الكريم نجده يصرّح بأنّ اللّه تعالى غنيّ عن العالمين ، لا يحتاج إلى غيره ، مهما كان ذلك الغير نبيّاً أو من عامّة الناس .

ص: 131

قال اللّه تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (1) .

وقال تعالى : ( وَقَالَ مُوسَىٰ إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ) (2) .

وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) (3) .

وقال تعالى : ( إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ) (4) ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تنصّ على غنى اللّه تعالى عن كلّ شيء ، موجوداً أو غير موجود ، حيّاً أو غير حيّ ، إنساناً أو حيواناً أو جماداً أو أيّاً كان ، وعليه يتفرّع السؤال التالي وهو : لماذا خلق اللّه الخلق ؟

وهذا السؤال وإن كان خارج البحث لكنّه يرتبط به من قريب ، حيث إنّ التسلسل في البحث يقتضي وجوده ، أو قل : إنّ البحث مبنيّ على نقاط متسلسلة منها هذا السؤال ، فهو وإن كان غريباً عن البحث نوعاً ما ، لكنّه له ارتباط في البحث من جهة أُخرى .

والجواب : إنّ اللّه تعالى خلق الخلق لمصلحة عائدة إليهم ، وراجعة إلى أنفسهم ، إذ لو لم يخلق اللّه الخلق لما كان هناك ثواب وعقاب ، ولا منازل ودرجات ، ولا جنّة ولا نار ، ولا غير ذلك من الأُمور الكثيرة التي أُسّست بعد الخلقة !

وغاية الخلق هي وصول كلّ مخلوق إلى كماله المطلوب له والمرسوم ضمن خطّ سيره ، فالخلق كمال للمخلوق ، بواسطته يستطيع السير والوصول إلى ما يشاء من كمال وفعلية . .

ص: 132


1- - آل عمران : 97 .
2- إبراهيم : 8 .
3- فاطر : 15 .
4- الزمر : 7 .

وبعد خلق اللّه تعالى لخلقه ، فما هي وظيفته تجاههم ؟ أو قل : ما هو المطلوب منه ؟ نقول : يدرك العقل بأنّ المطلوب من اللّه تعالى - بعد أن خلق الخلق - أن يعرّفهم بنفسه ، ويرشد خلقه إليه وإلى الطريق الذي رسمه إليهم .

وباعتبار أنّه لا يمكن أن يتّصل اللّه مباشرة مع خلقه ، فرداً كان أو جماعة لاختلاف الذاتين ، فعليه يوجد هناك بين اللّه تعالى وخلقه رسلاً ومبعوثين ؛ يبيّنون ربّهم تعالى للناس ، ويعرّفونهم له ، فإذاً وظيفة اللّه تعالى هي إرسال الرسل ، ولا يتعدّى أكثر من ذلك ، وهذا ما يدركه العقل وينطق به الشرع .

قال اللّه تعالى : ( رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) (1) .

وقال تعالى : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ... ) (2) .

وقال تعالى : ( وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ) (3) ، فاللّه تعالى عليه إرسال الرسل والأنبياء إلى خلقه بعد خلقهم ، كي يعرّفوا الناس باللّه تعالى ، وبالتعاليم التي كتبها لعباده ، حتّى لا يبقى هنالك حجّة ، وينتفي العذر عمّن اختار الضلال على الهدى .

هذه الوظيفة التي يدركها العقل ونطق بها الشرع لله تعالى ، أمّا الضلال أو الهدى فبيد الإنسان ، ولا مدخلية لله تعالى به ، وإلّا لزم الجبر بالباطل على اللّه تعالى .

فإذاً اللّه عزّ وجلّ لا يجب عليه إلّا أن يرسل رسل تكشف للناس حقيقة خلقهم وسببه ، وتبيّن لهم طريق الهدى من الضلال .

وإذا رجعنا إلى القرآن الكريم لا نجده يدلّ على عدالة الصحابة ، وإنّ .

ص: 133


1- النساء : 165 .
2- البقرة : 213 .
3- الكهف : 56 .

للصحبة قيمة بحدّ ذاتها ، ما لم ينضمّ إليها الالتزام بالموازين الشرعية والقواعد النبوية ، والاستدلال ببعض الآيات الدالّة على المدح ، وترك الآيات الأُخرى الدالّة على الذمّ قسمة ضيزى ، لا ترضي اللّه ورسوله ولا الباحث المنصف المنقّب عن الحقّ ، وإليك شطراً من الآيات التي نزلت في ذمّ بعض الصحابة .

قال تعالى : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) (1) .

وقال أيضاً : ( كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) (2) .

وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ) (3) .

وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (4) .

وقال تعالى : ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا ) (5) .

وقال عنهم يوم أُحد : ( حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ) (6) . .

ص: 134


1- البقرة : 85 .
2- التوبة : 69 .
3- الصف : 2 - 3 .
4- التوبة : 38 - 39 .
5- التوبة : 25 .
6- آل عمران : 152 .

وقال عنهم يوم الأحزاب : ( وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ) (1) .

وقال عنهم : ( تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ ) (2) .

وقال تعالى عن أصحاب الإفك الذين رموا زوجة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهم من الصحابة : ( فَأُولَٰئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) (3) .

وقال عن المظاهر لزوجته وهو صحابي : ( وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ) (4) .

وقال تعالى في حقّ أبي بكر وعمر - وهما اللذان جُعلا في القمّة وأصبحا هرم الإسلام ورأسه - : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) (5) .

حتّى قال ابن مليكة : كاد الخيّران أن يهلكا أبا بكر وعمر رفعا أصواتهما عند النبيّ صلى اللّه عليه وآله حين قدم عليه ركب بني تميم ، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع ، وأشار الآخر برجل آخر قال نافع : لا احفظ اسمه ، فقال أبو بكر لعمر : ما أردت إلّا خلافي ، قال : ما أردت خلافك فارتفعت أصواتهما في ذلك ، فأنزل اللّه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ ... ) (6) .

ولم يتوقّف اللّه تعالى في توبيخ أبي بكر لرفع صوته عند النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأجل صحبته في الغار أو غيرها ، بل عاتبهما وأنزل في حقّ رفع الصوت عند النبيّ توبيخاً وتنبيهاً لهما ، ممّا يدلّل على أنّ الصحبة لوحدها لو كانت كافية لما وقع .

ص: 135


1- الأحزاب : 10 .
2- الممتحنة : 1 .
3- النور : 13 .
4- المجادلة : 2 .
5- الحجرات : 2 .
6- صحيح البخاري 6 / 46 .

التوبيخ على مجرد رفع الصوت .

وقال اللّه تعالى عن الوليد بن عقبة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (1) .

وقال : ( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ) (2) .

وقال تعالى في حقّهم أيضاً : ( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) (3) .

فاللّه تعالى قد بيّن في هذه الآيات أنّ من الصحابة من استمتع بخلاقه كما استمتع الذين من قبله ، وأنّ بعضهم تحبط أعماله كما حبطت أعمال الأُمم الماضية ، وأنّ بعضهم يقول ما لا يفعل ، وأن هذا يعقبه مقت كبير عند اللّه ، وأنّهم يتثاقلون كلّما دعوا إلى الجهاد مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأنّهم يتّكلون على كثرتهم ويعجبون بها ، وينسون أنّ أمر النصر والهزيمة بيد اللّه ، وأنّهم يتنازعون ويعصون الرسول ، وبعضهم يريد الدنيا ، وأنّهم يظنّون باللّه الظنونا ، ويسرّون بالمودّة إلى الكفّار ، وهذا خلاف ما أمروا به من الولاء للمؤمنين والبراءة من المشركين ، وحكم على بعضهم بالكذب ، وحكم على آخرين بأنّهم يقولون المنكر والزور ، وهدّد بعضهم بإبطال الأعمال عندما لا يتأدّبون مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ويرفعون أصواتهم فوق صوت النبيّ ، وهما الخيّران أبو بكر وعمر حتّى وصلوا إلى الهلاك .

وحكم على بعضهم بأنّهم لا يعقلون ، وعلى آخرين بالفسق ، وحذّر اللّه .

ص: 136


1- الحجرات : 6 .
2- الحجرات : 7 .
3- التوبة : 75 - 77 .

النبيّ صلى اللّه عليه وآله من طاعتهم في كثير من الأُمور ، فكيف يكون عادلاً من تكون طاعته مضرّة ومؤدّية إلى الهلاك وقوانينه ؟

وأخبر اللّه تعالى عن إخلاف بعضهم للوعد ، فيعاهد اللّه ثمّ لا يفي فيتحوّل إلى منافق ، وأخبر بأنّ منهم منافقون لا يعلمهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، كما أخبر النبيّ من أنّه لا ينجو من أصحابه يوم القيامة إلّا القليل ، مثل همل النعم .

فإذاً القرآن الكريم قد ذمّ الصحابة ، وأشار إلى أنّ هنالك عيوباً فيهم ، ومن أُولئك الصحابة أبو بكر وعمر ، وقد كادا أن يهلكا كما يقول ابن أبي مليكة ، مع أنّ أبا بكر صاحب النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الغار ، وهاجر معه ليلة الهجرة ، وزوّج ابنته وخليفته كما تزعمون .

فالصحبة الغارية لو كانت من الحصون التي تمنع من الذمّ والعتاب لما كان هنالك مبرّر لهذا التوبيخ ، وبما أنّ التوبيخ حاصل وواقع فإذاً يدلّنا القرآن على أنّ الصحبة الغارية لوحدها لا تنفع ما لم ينضمّ إليها الالتزام بالشرع .

وكذلك إذا رجعنا إلى الآثار النبوية نجد أنّها لا تجعل للصحبة وحدها منزلة ووصفاً ممدوحاً ، بل الصحابة أنفسهم ما كانوا يعتقدون بذلك أيضاً كما سنجد .

فالآثار النبوية كحديث الحوض القائل بلسان النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « يردن عليّ الحوض رجال من أصحابي فيحلؤون عنه فأقول : يا ربّ أصحابي ! فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقري » (1) ، وفي لفظ آخر : « فلا أراه يخلص منهم إلّا مثل همل النعم » (2) .

وكقوله صلى اللّه عليه وآله : « إنّ من أصحابي من لا يراني بعد أن أفارقه » (3) ، ومعنى عدم رؤية النبيّ صلى اللّه عليه وآله عدم دخولهم الجنّة ، وإلّا لو دخلوها لرأوه صلى اللّه عليه وآله للروايات .

ص: 137


1- صحيح البخاري 7 / 208 ، المصنّف للصنعاني 11 / 406 .
2- صحيح البخاري 7 / 208 ، كنز العمّال 11 / 132 .
3- - مسند أحمد 6 / 209 و 217 ، مسند ابن راهويه 4 / 140 ، مسند أبي يعلى 12 / 436 .

الكثيرة الواردة من طرقهم من رؤية النبيّ صلى اللّه عليه وآله بل رؤية اللّه تعالى ، وهي الفيصل الفارق بين المؤمن والكافر .

وهذا الحديث تحقيق لحديث آخر علّقه النبيّ صلى اللّه عليه وآله حينما قال : « إنّي لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكنّي أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها ، وتقتتلوا فتهلكوا ، كما هلك من كان قبلكم » (1) .

وهذا الحديث تحقّق في الصحابة كما بيّنه الحديث السابق ، وكما بيّنه علماء السنّة ، قال ابن تيمية : « وأمّا علي فأبغضه وسبّه أو كفّره الخوارج وكثير من بني أُمية وشيعتهم الذين قاتلوه وسبّوه ... ، وأمّا شيعة علي الذين شايعوه بعد التحكيم وشيعة معاوية التي شايعته بعد التحكيم ، فكان فيهما من التقابل وتلاعن بعضهم وتكافر بعضهم ما كان » (2) .

فإذاً الآثار النبوية تدلّ على أنّ الصحبة لوحدها لا تكون كافية في حسن السلوك والمدح والعدالة والرضا إن لم يكن معها التزام بالضوابط الرسالية والتعاليم النبوية .

وكذلك الصحابة لم يكن يعتقدون بأنّ الصحبة لوحدها ذات ميزة أو حاجز ومانع يستطيع الصاحب التحصّن به ، وإن خالف التعاليم الإلهية والسنن النبوية ، فهذا ابن عباس يقول : « يقول أحدهم : أبي صحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وكان مع رسول اللّه ولنعل خلق خير من أبيه » (3) .

وكان مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الصحابة الطلقاء الذين لم يسلموا ، ولكن استسلموا يوم الفتح - كما يقول عمّار بن ياسر - وفيهم شرذمة من التابعين ، وهؤلاء نشأوا على بغض علي وأهل البيت عليهم السلام كما اعترف بذلك الذهبي (4) . .

ص: 138


1- صحيح مسلم 7 / 68 ، المعجم الكبير 17 / 279 .
2- مجموعة الفتاوى 4 / 436 .
3- مجمع الزوائد 1 / 113 .
4- سير أعلام النبلاء 3 / 128 .

وكذلك تحقّق الارتداد والنكوص على الأعقاب من قبل الصحابة بعد وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، كما يخبرنا بذلك الصحابي البراء بن عازب عندما سأله المسيّب يقول : طوبى لك صحبت النبيّ صلى اللّه عليه وآله وبايعته تحت الشجرة ، فيجيبه البراء - الذي هو من أصحاب بيعة الشجرة - بقوله : « يا ابن أخي إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده » !! (1) .

أي إنّنا غيّرنا وبدّلنا فلم تعد تبعيتنا تنفعنا ، مادام لم نلتزم بها من عدم التبديل والتغيير .

فإذاً الصحبة بما هي صحبة لا تجعل لصاحبها فضيلة أو منزلة أو مقام في القرآن الكريم وفي السنّة النبوية ، وفي كلمات الصحابة ، وفي كلمات العلماء ، كما أوضحنا ذلك فيما تقدّم .

والصحبة تصبح ذات منزلة وصاحبها محمود إذا انضمّ إليها الالتزام بالقوانين الشرعية ، وعدم التبديل والتغيير والنكوص على الأعقاب ، عند ذلك يكون للصحبة ميزة وفضيلة .

وأمّا ما ذكرته من « أنّ اللّه اختاره ليكون مع النبيّ » فهذا كلام لا دليل عليه ، إذ لم تشر له آية أو رواية أو أثر تاريخي ولو كان ضعيفاً ، فيبقى إطلاق الكلام من دون مسوّغ ومبرّر .

وأمّا نزول السكينة فهي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حسب السياق الذي نزلت فيه الآيات والضمائر السابقة عليها ، قال تعالى : ( إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ) (2) .

فلاحظ الكلمات : تنصروه ، نصره ، أخرجه ، سكينته ، عليه ، أيده .

فهذه الضمائر السابقة واللاحقة كلّها ترجع إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فلا وجه لإقحام أبي بكر في المقام أصلاً ، خصوصاً بعد ملاحظة الهيئة التشكيلية .

ص: 139


1- صحيح البخاري 5 / 66 .
2- التوبة : 40 .

للآية ، أو التصوير الفنّي لطرح المسألة ، فهنا النبيّ صلى اللّه عليه وآله يخرج من بيته مهاجراً من المشركين ، وهم من خلفه يتّبعوه ويقتفوا أثره ، فليجأ إلى الغار ، ويقتفوا أثرهم إلى الغار ، وهنا يحزن أبو بكر لأنّ المشركين قد أدركوهم ، وتأخذه الرعدة والشدّة والوجد .

وهنا وفي هذه اللحظة يلتفت الرسول إلى أبي بكر مع أنّه متوجّه إلى اللّه تعالى ، وهو في حالة التوجّه يلتفت إليه ويقول : ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، ومادام اللّه معنا فلا معنى للحزن إذاً !

وهنا يأتي الجواب الإلهي والنصر الربّاني فتنزّل السكينة عليه ، أي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والتأييد الربّاني بجنود من الملائكة يمنعون الكفّار من رؤية الرسول .

فالتصوير الفنّي للقصّة لا ينسجم ويصبح مختلاً إذا أرجعنا ضمير السكينة إلى أبي بكر ، مع غيابه عن القصّة كاملة من أوّلها وإلى آخرها ، وهذا ما ذكره مفسّرو السنّة أيضاً ، فارجع مثلاً إلى : « صفوة التفاسير » ، « روح المعاني » ، « تفسير القرآن العظيم » ، « فتح القدير » ، « تفسير الثعلبي » ، « تفسير فتح البيان في مقاصد القرآن » ، « تفسير البحر المحيط » ، وغير ذلك من التفاسير التي صرّحت أو نقلت بأنّ أغلب رأي الجمهور هو رجوع الضمير إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله .

ويمكن تقرير الدلالة بشكل أوضح فنقول : إنّ الآية المباركة ليس فيها دلالة على فضيلة لأبي بكر بتاتاً ، وذلك إنّ الفضل إن كان في قوله تعالى : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ ) فليس فيه فضيلة ، وإنّما أبو بكر متمّم للعدد واحد ، فالرسول الأوّل وأبو بكر ثانيه فلا فضيلة في ذلك .

ولا فضيلة - أيضاً - في قوله تعالى : ( إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ) لأنّ ذلك لا يدلّ على أكثر من انضمام شخص إلى آخر في مكان واحد ، وهذا ليس فضيلة ، إذ يمكن اجتماع المؤمن والكافر في مكان واحد .

ص: 140

وكذلك قوله : ( لِصَاحِبِهِ ) ليست فيها فضيلة ، فالصحبة قد تكون بين المؤمن والكافر ، قال اللّه تعالى : ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ ) (1) ، وقال تعالى مخاطباً المشركين : ( وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ) (2) ، وقال تعالى في قصّة يوسف مع أصدقائه المشركين : ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ) (3) .

بل يمكن إطلاق الصحبة بين العاقل وغير العاقل كقوله :

إنّ الحمار مع الحمير مطية *** فإذا خلوت به فبئس الصاحب

فإذاً لفظ الصحبة ليس فيه فضيلة .

وكذلك قوله : ( لَا تَحْزَنْ ) ليس فيه فضيلة ، لأنّ الحزن ليس أمراً حسناً ومرغوباً بلحاظ نهي النبيّ صلى اللّه عليه وآله عنه .

وكذلك قوله : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ليس فيه فضيلة ؛ لأنّه يريد أن ينبهه على أنّ اللّه تعالى لا يغفل عنهم وهو معهم ، فلا داعي ولا مبرّر للحزن .

وأمّا قوله تعالى : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) فالضمير يعود للنبيّ لئلا يلزم التفكيك بين ضمائر الآية المتقدّمة والمتأخّرة ، فثبت أنّ الآية ليس فيها فضيلة لأبي بكر بتاتاً .

ونقول أيضاً : إنّ السكينة بما أنّها جاءت بلفظ المفرد ، وثبت رجوعها إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله وحده ، فهي إذاً لا تشمل أبا بكر ، وإلّا لو كانت شاملة له لثنّاها اللّه تعالى كما في الآيات الأُخرى ، كقوله تعالى : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ ) (4) . .

ص: 141


1- الكهف : 37 .
2- التكوير : 22 .
3- يوسف : 39 .
4- الفتح : 26 .

وقال تعالى : ( ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ) (1) .

فلو كان أبو بكر مقصوداً مع الرسول فضلاً عمّا إذا كان وحده - لثنّى بالآية وقال : فأنزل اللّه سكينته عليهما ، مع أنّه أفرد الضمير ، فإذاً أبو بكر لا يدخل في الآية مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله فضلاً عن أن يكون الضمير راجع له فقط .

وقد حاول الآلوسي دفع هذا الكلام بكلام أطال فيه من دون جدوى أو معنى ، وأتعب نفسه في موطن لا يستحقّ فيه ذلك لوضوح المعنى وظهوره ، من شاء فليراجعه (2) .

ونضيف إلى ذلك أمراً آخر وهو : إنّ أهل السنّة في آية التطهير وهي قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (3) ، قالوا بأنّها نازلة في أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله ؛ لأنّ سياق الآية يتحدّث حولهن وما يلزمهن ، قال تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) (4) .

فيستدلّ أهل السنّة بوحدة السياق على نزول الآية في نساء النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ودخول بقية أهل البيت في الآية دخولاً حكيماً ! مع أنّ الآية واضحة في تبدّل الصورة الفنية فيها واللحن الخطابي إذ إنّ سياق الآيات هو سياق نصح وإرشاد وتهديد ، وانتهاء الآية بنون النسوة ، بخلاف آية التطهير فإنّ الكلام فيها تلطيف وأريحية .

ص: 142


1- التوبة : 26 .
2- روح المعاني 5 / 289 .
3- الأحزاب : 33 .
4- الأحزاب : 32 - 34 .

في جوّها وعدم ذكر ضمير النسوة ، وإنّما أوتي بضمير المذكّر .

أقول : أهل السنّة استدلّوا بوحدة السياق لإثبات أنّ آية التطهير واردة في نساء النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ورفضوا ما ذكر من الأدلّة على عدم ورودها في حقّ نساء النبيّ ، بينما هنا في آية الغار يعكسون الأمر تماماً ، فيخرجون الآية من سياقها وصورتها القرآنية الفنية ، والجوّ المشحون بالارتباط بين اللّه ورسوله ، وإنزال السكينة على الرسول صلى اللّه عليه وآله لأجل ذلك الارتباط مع اللّه تعالى ، يخرجون ذلك كلّه ويجعلونه في حقّ أبي بكر ، مع أنّ وحدة سياق الآية وصورتها الفنية واضحة الدلالة على أنّ السكينة نزلت على الرسول صلى اللّه عليه وآله فقط دون غيره !! فما لكم كيف تحكمون ؟ وبأيّ ميزان تكيلون !

« كميل - الكويت - ... »

من روى قوله : وددت أنّي لم أكشف ... :

س : أجد الكثير من الروايات التي لا أعلم مدى صحّتها عند أهل السنّة ، فأرجو تزويدي بالمصادر الموثّقة عندنا ، أو عند أهل السنّة ، حتّى تتمّ الحجّة عليهم :

قول أبي بكر قبيل وفاته : « إنّي لا آسى على شيء من الدنيا إلّا على ثلاث فعلتهن ، ووددت أنّي تركتهن ... ، وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء ، وإن كانوا قد غلقوه على الحرب ... » ، ولكم منّا جزيل الشكر والامتنان .

ج : قد روى هذا القول الطبري في تاريخه (1) ، والطبراني في معجمه (2) ، والهيثمي في معجمه (3) ، وغيرهم من كبار علماء أهل السنّة (4) .

ص: 143


1- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 619 .
2- المعجم الكبير 1 / 62 .
3- مجمع الزوائد 5 / 203 .
4- أُنظر : شرح نهج البلاغة 2 / 46 و 17 / 164 ، كنز العمّال 5 / 631 ، تاريخ مدينة دمشق 30 / 418 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 137 .

« أبو محمّد - البحرين - ... »

قول ينفي وجوده في الغار :

س : بعد الشكر الجزيل والدعاء لكم بالتوفيق ، أرجو أن تتفضّلوا علينا بمعلومات ، عن كتاب الشيخ نجاح الطائي ، الذي يثبت فيه عدم وجود أبو بكر في الغار مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهل الكتاب موجود في سجل الكتب في صفحة العقائد ؟

ج :بالنسبة للكتاب فهو غير موجود في موقعنا على الإنترنت ، والكتاب عبارة عن طرح نظرية تقول : بأنّ أبا بكر لم يكن مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الغار ، وهذا القول هو أحد الأقوال في المسألة ، لا نجزم بصحّته ولا ننفيه ، مادام له مؤيّدات ، وقابل للبحث والنقد والأخذ والردّ .

« كميل - الكويت - ... »

ليس هو الصدّيق الأكبر :

س : بارك اللّه جهودكم ، ووفّقكم لنصرة الحقّ .

أحببت أن أعرف : ما أصل تسمية أبو بكر بالصدّيق ؟ هل كان ذلك في زمن الرسول أم بعده ؟ وهل كما يقول أهل السنّة : سمّي بذلك لتصديقه الرسول ؟ مع خالص الشكر والامتنان .

ج : وردت عدّة روايات تذكر أنّ الصدّيق هو الإمام علي عليه السلام .

فعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « الصدّيقون ثلاثة : حبيب النجار مؤمن آل ياسين ، وحزقيل مؤمن آل فرعون ، وعلي بن أبي طالب ، وهو أفضلهم » (1) .

ص: 144


1- الرسالة السعدية : 24 ، مسند زيد بن علي : 406 ، العمدة : 221 ، الطرائف : 405 ، ذخائر العقبى : 56 ، الجامع الصغير 2 / 115 ، كنز العمّال 11 / 601 ، فيض القدير 4 / 313 ، شواهد التنزيل 2 / 304 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 43 و 313 ، جواهر المطالب 1 / 29 ، ينابيع المودّة 2 / 95 و 144 و 400 .

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « صدّيق هذه الأُمّة علي بن أبي طالب ، وهو الصدّيق الأكبر ، والفاروق الأعظم » (1) .

وعن الإمام علي عليه السلام : « أنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلّا كذّاب » (2) .

وهكذا وردت عدّة روايات في كتب الفريقين في تفسير قوله تعالى : ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (3) ، أنّ الذي جاء بالصدق هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والذي صدّق به هو علي عليه السلام (4) .

وقوله تعالى : ( اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (5) أنّ مع الصادقين هو الإمام علي عليه السلام (6) .

وقوله تعالى : ( أُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ ) (7) ، إنّ من الصدّيقين الإمام علي عليه السلام (8) ، وعليه ثبت أنّ علياً عليه السلام .

ص: 145


1- اليقين : 413 ، نهج الإيمان : 515 .
2- الخصال : 402 ، الفصول المختارة : 297 ، كنز الفوائد : 125 ، الصراط المستقيم 1 / 282 و 3 / 232 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 112 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 498 ، الآحاد والمثاني 1 / 148 ، كتاب السنّة : 584 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 107 ، خصائص أمير المؤمنين : 46 ، كنز العمّال 13 / 122 ، فيض القدير 1 / 69 ، تهذيب الكمال 22 / 514 ، البداية والنهاية 3 / 36 .
3- الزمر : 33 .
4- مناقب آل أبي طالب 2 / 288 و 3 / 55 ، العمدة : 353 ، الطرائف : 79 ، معاني القرآن 6 / 175 ، شواهد التنزيل 2 / 178 ، فتح القدير 4 / 463 ، تاريخ مدينة دمشق 2 / 359 .
5- التوبة : 119 .
6- كمال الدين وتمام النعمة : 278 ، المسترشد : 647 ، شرح الأخبار 2 / 343 ، الأمالي للشيخ الطوسي : 255 ، مناقب آل أبي طالب 2 / 288 ، تفسير القمّي 1 / 307 ، تفسير فرات الكوفي : 173 ، خصائص الوحي المبين : 233 ، شواهد التنزيل 1 / 341 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 361 .
7- النساء : 69 .
8- كفاية الأثر : 183 ، المسترشد : 325 ، شرح الأخبار 2 / 350 ، مناقب آل أبي طالب 1 / 243 و 3 / 28 ، الصراط المستقيم 2 / 122 ، تفسير القمّي 1 / 142 ، شواهد التنزيل 1 / 196 .

هو الصادق والمصدّق والصدّيق .

ولكن أعداءه عليه السلام وبالخصوص بني أُمية لم يتحمّلوا هذه المنقبة لعلي عليه السلام ، فأخذوا يفترون أحاديث على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كذباً وزوراً ، ويثبتون هذه المنقبة لأبي بكر منها : « إنّ اللّه جعل أبا بكر في السماء صادقاً ، وفي الأرضيين صدّيقاً » (1) .

ولكن السيوطي جعل هذا الحديث من الموضوعات في كتابه (2) .

وممّا تقدم يظهر أنّ تسمية أبي بكر بالصدّيق لم تكن في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، بل ولا في زمانه ، وإلّا لاستفاد من هذه المنقبة في إثبات خلافته بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، واثبات صحّة تصرّفه في فدك ، بل جاءت التسمية له بعد وفاته .

« معاذ الأردن - سنّي - 33 سنة - طالب جامعة »

علّة معيّته مع النبيّ في الغار :

س : إنّكم تفترضون سوء النية سلفاً في أبي بكر ، فأدّى هذا الأمر بكم إلى شطحات مضحكة ، لا يتقبّلها عاقل ، من قبيل : إنّ الرسول اصطحب أبا بكر معه لخوفه منه ، أو أنّه وجده في الطريق !

فلماذا لم يفضح الرسول أمر أبا بكر حينما وصل المدينة ؟ وقوي أمره ؟

أمّا قول : ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) ، وأنّ الخطاب للرسول بصيغة الجمع ، فإنّ أيّ مطّلع على بديهيات اللغة العربية يرى من الآية أنّ الخطاب هو من الرسول لأبي بكر .

فالرجاء أن تبقوا ضمن حدود المنطق ، ولا تجنحوا بعيداً بسبب حقدكم الغريب على أبي بكر وعمر .

ج : إنّ الشيعة ليست لديها أحكام مسبقة على الآخرين من دون تقييم أعمالهم ، فما صدر عنهم فهو عن دليل وبرهان ، قد لا يخضع له المتعصّب ،

ص: 146


1- شوارق النصوص 1 / 365 .
2- كتاب المناقب ، كما عنه في شوارق النصوص 1 / 366 .

ولكن يرتضيه العقل السليم .

وبالنسبة لقصّة الغار ، فلسنا الوحيدين في هذا المجال ، فقد جاء على لسان بعض علماء أهل السنّة ما يلي : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمر علياً فنام على فراشه ، وخشي من أبي بكر أن يدلهم عليه ، فأخذه معه ، ومضى إلى الغار (1) .

وأيضاً يذكر الطبري في تاريخه : « إنّ أبا بكر كان لا يعلم بهجرة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فعندما سأل الإمام علي عليه السلام ، أخبره بذلك ، أسرع ليلتقي بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فرآه في الطريق ، فأخذه النبيّ معه » (2) ، فترى أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله إنّما أخذ أبا بكر على غير ميعاد .

وأمّا أنّه صلى اللّه عليه وآله لماذا لم يفضح أمر أبي بكر في المدينة ؟ فهذا يدخل في ضمن المصالح التي كان يراعيها النبيّ صلى اللّه عليه وآله في مقابل المنافقين ، لأجل الحفاظ على المجتمع الإسلامي من خطر التشتت والانهيار ، إذ كان الناس جديدي عهد بالدين ، فلم يكن من مصلحتهم أن يبادرهم بهذا الأمر .

ثمّ تلك الفقرة من الآية : ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) لا تدلّ على فضيلة ثابتة ، أو منقبة خاصّة ، بل قد ثبت عند علماء المعاني والبيان : أنّ التأكيد يدلّ على شكّ المخاطب ، وعدم يقينه للموضوع ، أو توهّمه خلاف ذلك ، والآية مؤكّدة ب- « أنّ » ، فيظهر أنّ مخاطب النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان شاكّاً في الحقّ ، وهذا أيضاً من بديهيات اللغة العربية !!

« سلمان - البحرين - ... »

حديث الصادق : ولدني أبو بكر مرّتين :

س : سؤالي بالنسبة لقول الإمام جعفر الصادق : « ولدني الصدّيق مرّتين » ، هل هذا حديث صحيح ؟

ص: 147


1- النور والبرهان ، كما في ليالي بيشاور : 354 .
2- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 100 .

وثانياً : لو كان صحيحاً فهل يعتبر فضيلة لأبي بكر ؟ ودمتم رمزاً للحقّ والعدالة ؟

ج : إنّ قول الإمام الصادق عليه السلام : « ولدني أبو بكر مرّتين » يتناقله العامّة عند ذكر فضائل أبي بكر .

والحديث ينقله صاحب كتاب « كشف الغمّة » للأربلي - وهو من الإمامية - إلا أنّه صرّح في مقدّمة كتابه فقال : واعتمدت في الغالب النقل من كتب الجمهور ، ليكون أدعى لتقبّله بالقبول .

فنقل في كتابه « كشف الغمّة » : وقال الحافظ عبد العزيز الأخضر الجنابذي وهو من العامّة في ذكر أُمّ الإمام جعفر الصادق ... ، ولذا قال جعفر : « ولدني أبو بكر مرّتين » (1) .

ولكن عندما نقل الفضل بن روزبهان الحديث عن « كشف الغمّة » أضاف إليه الصدّيق ، فصار الحديث : « ولدني أبو بكر الصدّيق مرّتين » ، وهذا شأنهم لرفع فضائل أصحابهم .

ومع التسليم أنّ الإمام الصادق عليه السلام قاله ، فلا دلالة في كلامه هذا على الثناء والتعظيم ، بل الظاهر أنّه ذكر ذلك عند تفصيل حال الآباء والأُمّهات ، لأنّ أُمّ الإمام عليه السلام هي أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وأُمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، فيكون أبو بكر جدّاً لأُمّ فروة من جهة الأب ومن جهة الأُمّ ، فعبّر الإمام عليه السلام بهذا التعبير ، ولا يكون فضلاً ، لأنّ اللّه تعالى يقول : ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) (2) .

فإنّ أبا بكر وإنّ كان ما كان فإنّه يخرجُ الخبيث من الطيّب ، ويخرج الطيّب من الخبيث ، فهذا سام بن نبيّ اللّه نوح عليه السلام ، ما ضرّ أبوه عمله ، ولا .

ص: 148


1- كشف الغمّة 2 : 374 .
2- المدثر : 38 .

نفعه قربه من أبيه ، بل الذي ينفع هو قوله تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (1) .

ثمّ إنّ نفس محمّد بن أبي بكر على طرف نقيض مع أبيه ، فهو من خلّص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وقتل في سبيل الدفاع عن أمير المؤمنين ، ولعلّه يكون السبب في التناسب بين الإمام عليه السلام وبين أبناء محمّد بن أبي بكر .

وخلو الحديث لو سلّمنا به عن لفظة الصدّيق ، أو أيّ لفظة أُخرى سوى أبو بكر يشعر بعدم إرادة المدح .

« أحمد - البحرين - 42 سنة - طالب أكاديمي »

صلاته :

س : هل لكم أن تذكروا الرواية التي تقول : إنّ أبا بكر لم يخرج للصلاة بأمر النبيّ ، وأنّ النبيّ لما سمع ذلك خرج وصلّى بالناس ، ونحّى أبا بكر ، وياليت أن تذكروا سندها ، ودمتم سالمين .

ج : ورد في كتاب « بحار الأنوار » (2) وكتب أُخرى : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يأمر أبا بكر بالصلاة ، وهكذا ورد في بعض كتب أهل السنّة ، مثل « شرح نهج البلاغة » (3) .

ودعوى أنّ ذلك كان بأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله دعوى باطلة من وجوه :

الأوّل : إنّ الاتفاق واقع على أنّ الأمر الذي خرج إلى بلال - قل لأبي بكر يصلّي بالناس ، أو قل للناس : صلّوا خلف أبي بكر - كان بواسطة بينهما ، لأنّ بلالاً لم يحصل له الإذن في ذلك الوقت بالدخول على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهو على الحالة التي كان عليها من شدّة المرض ، وإذا كان بواسطة احتمل كذب

ص: 149


1- الحجرات : 13 .
2- بحار الأنوار 28 / 135 .
3- شرح نهج البلاغة 9 / 197 .

الواسطة ، لأنّ الواسطة غير معصوم عن الكذب ، والخبر المحتمل الكذب لا يكون حجّة ، لجواز أن يكون بغير أمر النبيّ ولا علمه كما تذهب إليه ، ويدلّ عليه خروج النبيّ في الحال لمّا علم ، وعزله أبا بكر وتوليه الصلاة بنفسه .

الثاني : إنّه لو كان بأمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله لكان خروج النبيّ مع ضعفه بالمرض وتنحيته أبا بكر عن المحراب ، وتوليه الصلاة بنفسه بعد صدور أمره بتقديمه ، مناقضة صريحة لا تليق بشأن من لا ينطق عن الهوى ، لأنّ الاتفاق واقع على أنّ أبا بكر لم يتمّ الصلاة بالناس ، وقد رواه أهل السنّة في كثير من مصنّفاتهم .

الثالث : لو سلّمنا جميع ذلك ، يعني أنّ الأمر من الرسول مشافهة ، وأنّه يدلّ على الإمامة ، لكان خروج النبيّ في مرضه وعزله له مبطل لتلك الإمامة ، لأنّه نسخها بنفسه ، فكيف يكون ما نسخه النبيّ بنفسه حجّة على ثبوته ؟!

ثمّ إنّ عزل النبيّ له بعد تقديمه إنّما كان لإظهار نقصه عند الأُمّة ، وعدم صلاحيته للتقديم في شيء أصلاً ، فإنّ من لا يصلح أن يكون إماماً للصلاة ، كيف يصلح أن يكون إماماً عامّاً ، ورئيساً مطلقاً مطاعاً لجميع الخلق ؟!

وإنّما كان قصده صلى اللّه عليه وآله إن كان الأمر صدر منه أن يظهر نقصه ، وأنّه غير صالح للتقديم للناس ليكون ذلك حجّة عليهم ، ولئلا يكون لهم عذر غداً عند اللّه بجهلهم حال هذا الرجل ، وما أشبه هذه القصّة بإعطاء سورة براءة وعزله عنها ، وإنفاذه بالراية يوم خيبر ، فإنّ ذلك كلّه كان لإظهار نقصه ، وبيان أنّه لا يصلح لشيء من الأشياء ، ولا لأمر من الأُمور البتة ، وأراد اللّه ورسوله إظهار نقصه للناس ليعرفوه فلا يغتروا به ، وإلّا فكيف يأمره بتبليغ آيات من القرآن ، ثمّ يعزله عنها ؟ أتظنّ أنّ ذلك كان تشهّياً من رسول اللّه ؟ كلّا فما كان أمره وعزله إلّا بوحي من ربّه ، لا ينطق عن الهوى .

والعجب ، كيف يستدلّون على إمامته بالصلاة التي عزل عنها ، ولم يتمّها بالإجماع ، ولا يستدلّون على إمامة علي عليه السلام باستخلاف النبيّ له على المدينة يوم غزوة تبوك ، المتّفق على نقله عنه ، وحصوله منه صلى اللّه عليه وآله لعلي ، وعدم عزله عنها بالاتفاق ؟!

ص: 150

« يونس مطر سلمان - البحرين - 17 سنة - طالب ثانوية »

لا يمكن أن يكون من المصطفين :

س : قال اللّه تعالى في كتابه العزيز : ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ... ) ، ويقول الإمام الصادق عليه السلام : « ولدني أبو بكر مرّتين ... » وهذا حديث صحيح ، والكلّ يعرف أنّ هذه الآية نزلت في حقّ أهل البيت والأئمّة من ذرّيتهم .

ولو رجعنا للإمام جعفر الصادق نرى أنّ أُمّه تنتسب إلى أبي بكر ، معنى ذلك أنّ أبا بكر ذرّية بعضها من بعض ، ونور على نور ، ما هو تفسيركم لهذا ؟! أرجو الردّ مشكورين ، ودمتم موفّقين في رعاية اللّه .

ج : قال اللّه تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) (1) .

إنّ الكلام في هذه الآية على من اصطفاه اللّه من الرسل والأنبياء والأوصياء على بقية الخلق ( الْعَالَمِينَ ) ، وأنّ من اصطفاهم ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) ، فلا يزال في الناس من آل إبراهيم مصطفى مادام هناك من يحتاج إلى إمام وحجّة على الأرض ، وقلنا : إنّ هذا المصطفى من آل إبراهيم لقوله تعالى : ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) ، وقد ثبت في موضعه بما لا يقبل الشكّ أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله وعلي وأولاده المعصومين عليهم السلام هم المصطفون من آل إبراهيم .

فبعد إبراهيم أصطفى إسماعيل وهكذا ، حتّى وصلت إلى هاشم وعبد المطّلب ، ثمّ إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعلي عليه السلام ، ثمّ الحسن والحسين ، ثمّ بقية الأئمّة عليهم السلام ، فكلّهم ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) .

ثمّ ليس كلّ ذرّية الأنبياء مصطفون ، وإنّما يصطفي اللّه من اختاره منهم خاصّة .

ولا يمكن أن يكون أبو بكر من المصطفين ، فإنّه وأباه كانا مشركين ، ولأنّه سيكون من بطن دون بطنهم جميعاً ، فلا تصدق فيه ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن

ص: 151


1- آل عمران : 33 - 34 .

بَعْضٍ ) إذ لا يصدق بين أبي بكر والنبيّ صلى اللّه عليه وآله مثلاً ذرّية بعضها من بعض ، ولاحظ قوله : ( بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) أي بعض الذرّية وهي المصطفاة من بعض الآباء وهم من اصطفي من الأنبياء والرسل والأوصياء السابقين .

فإنّ الوصاية والعلم وميراث النبوّة كان ينتقل في بيوت الأنبياء ، من بيت إلى بيت في ذرّيتهم ، ليس كلّ ذرّيتهم ، وإنّما البيوت المصطفاة ، قال اللّه تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ ... ) (1) ، وهي بيوت الأنبياء والرسل والأوصياء .

فإبراهيم عليه السلام هو أصل الشجرة الواردة في القرآن ، وقد ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّها هو وأهل بيته ( يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ) (2) .

وإلّا إذا ادعى مدّع أنّ ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) تشمل كلّ ذرّية الأنبياء ، فالبشر كلّهم ولد آدم ، وهو من المصطفين ، فهل البشر كلّهم مصطفون ؟ وأيّ اختصاص إذاً لآل إبراهيم وآل عمران ؟!

ثمّ هل تقول : أنّ أُمّهات الإمام الصادق عليه السلام كن من الرسل أو الأنبياء أو الأوصياء ؟!

ثمّ إنّ التوالد في الذرّية بلحاظ انتقال النطفة من الأصلاب والأرحام ، وهو لا يشمل نسب الأُمّ ، لأنّ قبل الرحم كان في صلب الأب ورحم أُمّ الأب ، وقبله في صلب أب الأب وهكذا ، بنحو دوري لا بنحو مستقيم ممتد في جانب الأُمّهات .

« أبو فاطمة - ... - ... »

ما نقل من مدح علي له ضعيف :

س : الوهّابية يستدلّون بهذا القول علينا في المنتديات الحوارية ، بما ورد في « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ، عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري

ص: 152


1- النور : 36 .
2- النور : 35 .

البغدادي ، أنّه قال : جاء أبو سفيان إلى علي عليه السلام فقال : ولّيتم على هذا الأمر أذلّ بيت في قريش ... على أبي فضيل خيلاً ورجالاً ، فقال علي عليه السلام : « طالما غششت الإسلام وأهله ، فما ضررتهم شيئاً ، لا حاجة لنا إلى خيلك ورجالك ، لولا أنّا رأينا أبا بكر لها أهلاً ما تركناه » (1) ، سأستشيركم قبل الردّ عليهم الأفكار التي لدي حالياً ، هي :

1 - رغم أنّ كتاب شرح النهج هو حجّة عليهم أكثر منّا ، لأنّ شارحه - وهو ابن أبي الحديد معتزلي وليس شيعياً ، ولكنّهم غير مقتنعين .

2 - راجعت كتاب السقيفة وفدك للجوهري البغدادي ، وأطلعت على ما ذكره المحقّق هادي الأميني ، من أنّ كلّ ما ذكره ابن أبي الحديد هو من كتب أهل السنّة ، وليس من كتبنا .

3 - ذكر المحقّق بأنّ النصّ المذكور موجود في تاريخ الطبري 3 / 202 ، عن محمّد بن عثمان بن صفوان الثقفي ، وقد قال عنه أبو حاتم كما في ميزان الاعتدال 3 / 641 : منكر الحديث .

4 - أنّا حالياً لم أطلع على ما جاء في « تاريخ الطبري » ، ولكن يوجد اسمان متشابهان عندي ، وأنّا وقعت في حيرة من أمري والاسمان هما :

أ - محمّد بن عثمان بن صفوان بن أُمية بن خلف القرشي الجمحي المكّي .

ب - محمّد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي أبو عبد اللّه ، وقيل أبو صفوان البصري .

فلو تلاحظ سيّدي هناك ابن صفوان ، وابن أبي صفوان ، وهذا هو الثقفي ابن صفوان ، هو من قيل عنه : منكر الحديث ، ابن أبي صفوان هو ثقة - وثّقه ابن أبي حاتم - الذي شغل انتباهي هو الثقفي ، فهل هو ابن أبي صفوان ، فقد جاء في كتاب السقيفة وفدك بأنّه الثقفي .

5 - أنا إلى الآن لم أرد عليهم ، فأنّا أنتظر سماحتكم في الردّ عليهم ، وأنا بمشيئة اللّه تعالى سأبحث عن ما هو الاسم بالضبط من خلال الاطلاع على .

ص: 153


1- شرح نهج البلاغة 2 / 45 .

كتاب « تاريخ الطبري » من خلال المكتبات .

6 - الإمام علي عليه السلام لم يبايع إلّا بعد ستة أشهر ، وقول ابن أبي سفيان هو قبل ذلك ، هذا في اعتقادي ولم آتي بدليل على ذلك ! وأشكركم على الإنصات لي ، واللّه الموفّق .

ج : إنّ البيعة بمعناها المصافقة والالتزام والتعهّد ، لم تصدر من الإمام علي عليه السلام ، إنّما الذي ثبت هو هدنته معهم ، وإشاعتهم وتلقيهم ذلك منه بمنزلة البيعة ، وهذا لم يحصل إلّا بعد ستة أشهر ، كما روى ذلك البخاري والطبري وغيرهما ، ويكفي البخاري ، لأنّ كتابه أصحّ كتاب بعد كتاب اللّه تعالى عندهم .

فقد روى البخاري بسنده إلى عائشة : « أنّ فاطمة عليها السلام بنت النبيّ صلى اللّه عليه وآله أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ممّا أفاء عليه بالمدينة وفدك ، وما بقى من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « لا نورّث ما تركناه صدقة ، إنّما يأكل آل محمّد في هذا المال » ، وإنّي واللّه لا أُغيّر شيئاً من صدقة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولأعملن فيها بما عمل به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .

فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته ، فلم تكلّمه حتّى توفّيت ، وعاشت بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ستة أشهر ، فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفّيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك كراهية لمحضر عمر ، فقال عمر : لا واللّه لا تدخل عليهم وحدك ، فقال أبو بكر : وما عسيتهم أن يفعلوا بي ، واللّه لآتينهم ، فدخل عليه أبو بكر ... » (1) . .

ص: 154


1- صحيح البخاري 5 / 82 .

من أنّ علياً لم يبايع إلّا بعد وفاة فاطمة عليها السلام (1) ، بل وفي الحديث ورد : فقال رجل للزهري : فلم يبايعه علي ستة أشهر ؟ قال : لا ، ولا أحد من بني هاشم حتّى بايعه علي .

وهناك مصادر أُخرى نحن في غنى عن ذكرها بعد رواية البخاري ومسلم وغيرهما لها ، لأنّها تدلّ على صحّة هذه الرواية ، وأنّ علياً لم يبايع إلّا بعد ستة أشهر ، فكان رافضاً للأمر وغير راضٍ به أصلاً .

فهذه شهادة صريحة بعدّة أُمور :

1 - إنّ علياً عليه السلام كان رافضاً وغير راضٍ بها ، وكان سنده في هذا الرفض فاطمة عليها السلام ، فلمّا توفّيت حاك القوم الحبائل للإيقاع به ، فلذلك اضطرّ إلى البيعة .

2 - إنّ علياً عليه السلام يكره عمر بن الخطّاب ، ويكره حضوره .

3 - إنّ علياً عليه السلام استدعى أبا بكر إلى بيته ، وقال : ننظر في الأمر ، فالبيعة غير معلومة أصلاً .

4 - إنّ العداوة واضحة بين الإمام علي عليه السلام وبين الخلفاء ، فلذلك ترى عمر يرفض بشدّة ذهاب أبي بكر إلى بيت علي وحده !! وهذا من الغرائب ، لأنّ بيت علي وفاطمة هو بيت الوصي ، فلماذا يخاف عمر ويرتاب ؟ وخصوصاً قوله : فما عسى أن يفعلوا بي ، أي عمر يخاف منه ، فما سرّ هذا الخوف ؟! وما هو السبب فيه ؟!

إنّ ذلك واضح جدّاً ، حيث إنّ عمر وأبا بكر قد انقلبا على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وغصبا حقّ فاطمة وهجما عليها .

والإمام علي عليه السلام إذا كان قد بايع فهو مضطرّ إلى البيعة ، لأنّه ذكر أنّ .

ص: 155


1- صحيح مسلم 5 / 154 ، صحيح ابن حبّان 11 / 153 و 14 / 573 ، مسند الشاميين 4 / 198 ، البداية والنهاية 5 / 307 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 568 ، شرح نهج البلاغة 2 / 22 ، الإمامة والسياسة 1 / 31 .

سبب بيعته أنّ راجعة الإسلام قد رجعت ، قال الإمام علي عليه السلام : « فما راعني إلّا انثيال الناس على أبي بكر ، وإجفالهم إليه ليبايعوه ، فأمسكت يدي ، ورأيت أنّي أحقّ بمقام محمّد صلى اللّه عليه وآله في الناس ، ممّن تولّى الأمر من بعده ، فلبث بذلك ما شاء اللّه ، حتّى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام ، يدعون إلى محق دين اللّه ، وملّة محمّد صلى اللّه عليه وآله ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً وهدماً يكون المصاب بهما عليّ أعظم من فوات ولاية أُموركم ، التي هي إنّما متاع أيّام قلائل ... » (1) .

فهذه الخطبة تبيّن سبب مهادنته وإصلاح الوضع القائم ، بما يصبّ في مصلحة ذات الإسلام ، أمّا أنّه هل مدح خلافة أبي بكر ؟ - كما نقلتم في السؤال - فلم تذكره هذه الخطبة الشريفة ، وإنّما بيّنت فقط سبب البيعة ، وأنّه لماذا بايع ، هذا أوّلاً .

وثانياً : ذكر ابن أبي الحديد ما هو خلاف ذلك ، حيث قال : « ومن كتاب معاوية المشهور إلى علي عليه السلام : وأعهدك أمس تحمل عقيلة بيتك ليلاً على حمار ، ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع أبو بكر الصدّيق ، فلم تدع أحداً من أهل بدر والسوابق إلّا دعوتهم إلى نفسك ، ومشيت إليهم بامرأتك ، وأدليت إليهم بابنيك ... ومهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لما حرّكك وهيّجك : لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم ، فما يوم المسلمين منك بواحد ... » (2) .

فهذا يدلّ على أنّ علياً عليه السلام أجاب خلاف ذلك الذي ذكرتموه ، والذي نقله الطبري ، فهذا صريح في أنّ الإمام علي عليه السلام كان رافضاً للبيعة ، وكأنّه لم يقم لعدم وجود الناصر ، ولم يؤيّد بيعة أبي بكر ، كما رواه الجوهري البغدادي . .

ص: 156


1- شرح نهج البلاغة 6 / 95 ، الإمامة والسياسة 1 / 175 .
2- شرح نهج البلاغة 2 / 47 .

وثالثاً : نقل ابن أبي الحديد قولاً آخر ، أجاب به علي عليه السلام أبا سفيان ، حيث قال : مرّ أبو سفيان بن حرب بالبيت الذي فيه علي بن أبي طالب عليه السلام فوقف وأنشد :

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم *** ولاسيّما تيم بن مرة أو عدي

فما الأمر إلّا فيكم وإليكم *** وليس لها إلّا أبو الحسن علي

فقال علي لأبي سفيان : « إنّك تريد أمراً لسنا من أصحابه ، وقد عهد إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عهداً فإنّا عليه » (1) .

فإذاً ، الإمام علي عليه السلام أجاب بجواب آخر غير ما نقله الجوهري - كما ذكرتم - وما نقله الطبري .

وأمّا رواية الجوهري التي ذكرتموها فهي ساقطة سنداً ، لأنّ الجوهري ومن يروي عنه غير موثّق في كتب الشيعة ، بل هو موثّق عند أهل السنّة ، لأنّه عالم ومؤرّخ سنّي وليس شيعياً ، وهو غير موثّق عند الشيعة .

قال السيّد الخوئي قدس سره بعد أن نقل عبارة ابن أبي الحديد : أنّه يعتمد في أخبار السيرة على غير نقول الشيعة ، قال : « أقول : صريح كلام ابن أبي الحديد أنّ الرجل من أهل السنّة ... وعلى كلّ حال فالرجل لم تثبت وثاقته ، إذ لا اعتداد بتوثيق ابن أبي الحديد ... » (2) .

وصرّح السيّد شرف الدين قدس سره في كتابه : بأنّه من إثبات الجمهور وأعلامهم - أي من أهل السنّة - (3) ، وممّا يدلّ على أنّه شيء له روايات جمّة في كتب السنّة .

وهذا المزّي ينقل عن أبي أحمد العسكري في شرح التصحيف في حقّ أبي بكر الجوهري : « وكان ضابطاً صحيح العلم » (4) . .

ص: 157


1- المصدر السابق 6 / 17 .
2- معجم رجال الحديث 2 / 142 .
3- أبو هريرة : 139 .
4- تهذيب الكمال 11 / 318 .

وكذلك من يروي عنهم أبو بكر الجوهري ، فجميعهم من أعلام السنّة لا الشيعة ، فكيف يحتجّ علينا بما يرويه أهل السنّة ؟! إذ لابدّ أن يكون الاحتجاج علينا بما يرويه الشيعة الإمامية لا غير .

وأمّا كون ابن أبي الحديد شيعي فهذه مغالطة ، لأنّ التشيّع تارة يراد به تقديم علي بن أبي طالب على الشيخين ، وتفضيله عليهما ، مع الاعتقاد بصحّة خلافتهما ، وبأنّهما من العدول المؤمنين ، وهذا يسمّى تشيّع عند الذهبي (1) ، وكذلك عند الألباني في « سلسلة الأحاديث الصحيحة » .

وتارة يراد بالتشيّع هو الإيمان بخلافة علي عليه السلام بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأنّه الخليفة الشرعي ، وغيره باطلة خلافته ولا تصحّ ، وهذا يسمّى رفضاً عند جميع أهل الحديث من أهل السنّة ، وخصوصاً السلفية ، كابن حجر والذهبي والألباني والغماري ، وغيرهم .

وعندنا استعمال معاصر لمعنى التشيّع حصل نتيجة كثرة الاستعمال أو الوجود الخارجي ، وهو أن يكون الشيعي مساوي للإيمان بإمامة علي وولده المعصومين عليهم السلام ، والاعتقاد ببطلان خلافة غيرهم .

فهذه استعمالات ثلاثة ، فمن يقول بأنّ ابن أبي الحديد شيعي يغالط في ذلك ، إذ تشيّع ابن أبي الحديد باصطلاح المحدّثين بالمعنى الأوّل - وهو من يقدّم علي على الشيخين - حيث إنّ المعنى الأوّل عند المحدّثين للشيعي هو تقديم علي على الشيخين - خلافاً لابن حجر العسقلاني حيث عنده تقديم علي على معاوية يعني التشيّع - وأمّا تقديمه على الشيخين فهو الرفض الذي يذمّ صاحبه ذمّاً شديداً ، بحيث لا تصحّ روايته ، وهو مبتدع .

وأمّا من يقدّم علي على معاوية فغالباً مطعون فيه لأنّ ابن أبي الحديد يؤمن بأنّ علياً عليه السلام أفضل من أبي بكر وعمر ، إذ قال في أوّل خطبة نهج البلاغة : .

ص: 158


1- ميزان الاعتدال 1 / 5 ترجمة أبان بن تغلب .

« الحمد لله الذي تفرّد بالكمال ... وقدّم المفضول على الفاضل لمصلحة اقتضاها التكليف ، واختصّ الأفضل من جلائل المآثر بنفائس المفاخر ... » .

فباعتبار أنّه يؤمن بأنّ علياً أفضل من أبي بكر وعمر ، وأنّهما مفضولان ، فأصبح شيعياً باصطلاح المحدّثين ، لأنّ الأفضل هو المقدّم ، فعلي عليه السلام هو المقدّم ، كأنّه لم يقدّم لمصلحة - كما يقول ابن أبي الحديد - فعليه يكون ابن أبي الحديد شيعي باصطلاح المحدّثين الأوّل ، وهو من يقدّم علي عليه السلام على الشيخين .

لكن ابن أبي الحديد لا يكون شيعياً باصطلاح الثاني للمحدّثين - وهو الإيمان بخلافة علي وبطلان خلافة غيره - لأنّ ابن أبي الحديد من المؤمنين بصحّة خلافة الشيخين والداعمين لها ، وهذا ما يذكره من أوّل الشرح إلى آخره .

وكذلك لا يكون شيعي بهذا المعنى الحديث - وهو الإيمان بالإمامة ، وأنّ علياً إماماً وولده أئمّة - فإنّه بين هذه العقيدة وبين ما يؤمن - كما هو واضح في شرح النهج - بعد المشرقين .

فإذاً من يقول بأنّ ابن أبي الحديد شيعي يغالط في ذلك ، فتصوّر السامع أنّ ابن أبي الحديد شيعي إمامي أو زيدي ، كما ينصرف له هذا اللفظ عند السماع ، مع أنّ القائل يقصد - مغالطة - المعنى الذي يستخدمه المحدّثون ، وهو تفضيل علي عليه السلام على الشيخين ، فانتبه لهذا ، ولا تكن في غفلة عنه ، لأنّ هذا حتّى السلفية لم يفهموه بعد .

وأمّا الرواية التي وردت في « تاريخ الطبري » ، فهي أيضاً ساقطة سنداً ، لكن اشتبه محقّق الكتاب فقال : والحديث ليس بصحيح ، سنده محمّد بن عثمان بن صفوان ، ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 3 / 641 ، وقال : « قال أبو حاتم : منكر الحديث » (1) .

وفي كلام محقّق الكتاب خطأ ، لأنّ هناك : .

ص: 159


1- السقيفة وفدك : 40 .

1 - محمّد بن عثمان بن صفوان بن أُمية بن خلف الجمحي الكوفي المكّي .

2 - محمّد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي .

أمّا الأوّل فهو الذي قال عنه أبو حاتم بأنّه منكر الحديث ، وكذلك قال الدارقطني عنه : « ليس بقوي » (1) ، وصرّح في « تقريب التهذيب » : أنّه ضعيف (2) .

وهو لم يقع في سند رواية الطبري أصلاً ، وهنا وقع المحقّق هادي الأميني في خلل .

وأمّا الثاني فهو ابن أبي صفوان وهو ثقة ، كما قال عنه ذلك ابن حجر في « تقريب التهذيب » (3) ، ولعلّه هو المراد في رواية الطبري ، لأنّ الذي ورد عن الطبري محمّد بن عثمان بن صفوان الثقفي غير موجود ، وإنّما الموجود ابن أبي صفوان الثقفي وهو الثقة ، كما قال عنه ابن حجر .

نعم في سند رواية الطبري مالك بن المغول ، وهو متّهم بالميل عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقد روى ابن عدي في « الكامل » (4) في ترجمة عبد اللّه بن شريك ، قلت لشريك : هل لك من أخ تعوده ؟

قال : من ؟ قلت : مالك بن مغول .

قال : ليس لي بأخ من أزري على علي وعمّار بن ياسر .

إذاً ، في سند الرواية من هو متّهم بالميل عن علي عليه السلام فلا يمكن الأخذ بها .

مضافاً إلى أنّ رواتها كلّهم من أهل السنّة ، وليس لهم ذكر في كتب الشيعة وتراجمهم ، فلا يمكن الاعتماد عليها .

ثمّ لو تنزّلنا وقلنا : إنّ علياً عليه السلام قد ذكر هذا الكلام وبايع ، فإنّما ذكره ردّاً على أبي سفيان ، لأنّه رأس الطلقاء الذين كانوا يتربّصون بالإسلام الدوائر ، .

ص: 160


1- تهذيب التهذيب 9 / 300 .
2- تقريب التهذيب 2 / 112 .
3- نفس المصدر السابق .
4- الكامل في التاريخ 4 / 10 .

ويريدون محو الإسلام واستئصال جذوره من الأساس ، وأمير المؤمنين عليه السلام لا يردّ ذلك على حساب الخلافة ، لأنّ الخلافة أمر واجب على الناس ، وليس على علي عليه السلام ، لأنّ هناك إمامة وخلافة ، والإمامة ينصّبها اللّه ، وعلي عليه السلام إمام بتنصيب اللّه تعالى ، ومن وظائف الإمامة الخلافة - أي أنّ مقام الخلافة الأحق به الإمام - وهذه الخلافة مشروطة بالنصرة ، وأن يبايع الناس علياً ، فيجب على الناس أن يعيّنوا علياً عليه السلام خليفة عليهم وأن ينصرونه ، فعندما خذلوه وعصوا الحكم الشرعي بوجوب نصبه خليفة ، ما كان على علي عليه السلام إلّا المحافظة على بيضة الإسلام من أهل النفاق ، ومن الطلقاء ، ومن الأعراب الذين ارتدوا ، فلذلك كان علياً عليه السلام يهمّه الإسلام أكثر من الخلافة ، إذ الخلافة تجب على الناس أن يعطوها لعلي عليه السلام ، فلمّا عصوا فلم يبق أمام الإمام علي عليه السلام إلّا نصر الدين والمحافظة عليه ، مادام الناس تراجعوا وتقهقروا عن واجبهم الشرعي - وهو نصب من نصّبه اللّه - فلذلك قال : « فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً وهدماً يكون المصاب بهما عليّ أعظم من فوات ولاية أُموركم ، التي هي إنّما متاع أيام قلائل » .

والشاهد على أنّ أبا سفيان كان يبغي ضرب الإسلام ما نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج حيث قال : « لمّا اجتمع المهاجرون على بيعة أبي بكر ، أقبل أبو سفيان وهو يقول : أما واللّه إنّي لا أرى عجاجة لا يطفئها إلّا الدم ، يا لعبد مناف فيم أبو بكر من أمركم ! أين المستضعفان ؟ أين الأذلّان ! - يعني علياً والعباس - ما بال هذا الأمر في أقلّ حيّ من قريش ؟ ثمّ قال لعلي : أبسط يدك أبايعك ، فو اللّه إن شئت لأملأنها على أبي فضل - يعني أبا بكر - خيلاً ورجالاً » (1) .

فانظر إلى خبث هذا الرجل ، فهو يريد أن يضرب المسلمين بعضهم ببعض ، حتّى يخلوا له الجوّ ، ويرجع إلى الجاهلية ، وأنظر إلى الخيل والرجال التي توعّد .

ص: 161


1- شرح نهج البلاغة 1 / 221 .

بها ، فما هي إلّا الاتفاق بينه وبين المنافقين ، وبين من تقدّم من عندهم عندما قدم ووجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قد توفّي .

« علي - لبنان - 25 سنة - إجازة في الحقوق »

روايات صلاته متضاربة ومختلفة :

س : هل هناك دليل واضح على تنحية الرسول صلى اللّه عليه وآله لأبي بكر عن صلاة الجماعة المزعومة من كتب أهل السنّة ؟ وفي حال وجد ما هو الحديث ؟ وشكراً .

ج : يمكن أن يقال في ردِّ من يحاول الاستدلال بصلاة أبي بكر بالناس - إن ثبت - في حياة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وفي مسجده للخلافة :

أوّلاً - ليست إمامة الجماعة لدى أبناء العامّة منصباً خطيراً ومهمّاً ، أو قيادة شعبية أو دينية في عرف الإسلام ، ولذلك روي في كتبهم القول : صلّوا خلف كلّ برّ وفاجر ، ولو صحّ أنّ أبا بكر أمّ الناس ، فلم يكن ذلك كاشفاً حسب الموازين - التي يعترفون بها لإمامة الجماعة - أنّ الرجل ذو أهلية ، ويحمل مزية يصلح بها للزعامّة الدينية والسياسية ، بل جملة منهم لا يشترطون البلوغ في إمام الجماعة .

ثانياً - إنّ سحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بأمر من اللّه آيات من سورة البراءة ، التي كان أبو بكر مكلّفاً منه صلى اللّه عليه وآله بقراءتها على الناس في موسم الحجّ الأكبر شاهد على أنّ الرجل لا يصلح لأية قيادة وأية زعامة ، وكذلك فشله في فتح قلعة خيبر .

ثالثاً - إنّ الروايات التي رويت من طرق أبناء العامّة في هذا الشأن مختلفة ، بحيث لا يمكن القول بأنّها تحكي عن معنى واحد ، فإليك بعض منها :

« روى الحارث بن هشام عن أبيه عن عبد اللّه بن زمعة بن الأسود بن مطلب بن أسد قال : لمّا استعز برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأنا عنده في نفر من المسلمين ، قال : دعا بلال للصلاة فقال : « مروا من يصلّي بالناس » ، قال : فخرجت فإذا عمر في

ص: 162

الناس ، وكان أبو بكر غائباً ، فقلت : قم يا عمر فصلّي بالناس ! قال : فقام ، فلمّا كبّر عمر سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله صوته ، وكان عمر رجلاً مجهراً ، فقال رسول اللّه : « فأين أبو بكر ؟ يأبى اللّه ذلك والمسلمون ، يأبى اللّه ذلك والمسلمون » ، قال : فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلّى عمر تلك الصلاة ، فصلّى بالناس ... » (1) .

هكذا روى ابن زمعة من طريق آخر : « فلمّا سمع النبيّ صلى اللّه عليه وآله صوت عمر ، خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حتّى اطلع رأسه من وراء حجرته ، ثمّ قال : « لا لا ليصل بالناس ابن أبي قحافة » ، يقول ذلك مغضباً » (2) .

ورويت قصّة الصلاة بنحو آخر عن عائشة : « قال الأسود : كنّا عند عائشة فذكرنا المواظبة على الصلاة والتعظيم لها .

قالت : لمّا مرض النبيّ صلى اللّه عليه وآله مرضه الذي مات فيه ، فحضرت الصلاة ، فقال : « مروا أبا بكر فليصلِ بالناس » ، فقيل له : أنّا أبا بكر رجل أسيف ، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلّي بالناس ، وأعاد فأعادوا له ، فأعاد الثالثة ، فقال : « إنّكن صواحب يوسف ، مروا أبا بكر فليصلِ بالناس » ، فخرج أبو بكر فصلّى ، فوجد النبيّ صلى اللّه عليه وآله في نفسه خفّة ، فخرج يهادى بين رجُلين ، كأنّي أنظر إلى رجليه يخطّان الأرض من الوجع ، فأراد أبو بكر أن يتأخّر ، فأومئ إليه النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن مكانك ، ثمّ أُوتي به حتّى جلس إلى جنبه .

فقيل للأعمش : وكان النبيّ صلى اللّه عليه وآله يصلّي وأبو بكر يصلّي بصلاته ، والناس يصلّون بصلاة أبي بكر ؟ فقال برأسه : نعم » (3) .

وقال ابن كثير : « وقد رواه البخاري في غير موضع من كتابه ، ومسلم والنسائي وابن ماجة ، من طرق متعدّدة عن الأعمش به . .

ص: 163


1- مسند أحمد 4 / 322 .
2- كتاب السنّة : 540 .
3- صحيح البخاري 1 / 162 .

منها : ما رواه البخاري عن قتيبة ، ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، ويحيى بن يحيى ، عن أبي معاوية به » (1) .

فينبغي أن تلتفت : إنّ هذا الخبر مع هذه التأكيدات في السند إنّما يثبت إمامة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، واقتداء أبو بكر به صلى اللّه عليه وآله .

ودعوى أنّ أبا بكر كان إمام الناس لا يعقل ، إذ يعني ذلك أنّ هناك إمامين في صلاة واحدة شخصية .

وقال ابن كثير : « وقال البخاري : ... عن عائشة أنّها قالت : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال في مرضه : « مروا أبا بكر فليصلِ بالناس » ، قال ابن شهاب : فأخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه عن عائشة أنّها قالت : لقد عاودت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في ذلك ، وما حملني على معاودته إلّا أنّي خشيت أن يتشاءم الناس بأبي بكر ، وإلّا أنّي علمت أنّه لن يقوم مقامه أحد إلّا تشاءم الناس به ، فأحببت أن يعدل ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن أبي بكر إلى غيره » (2) .

ملاحظة : أترى أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يريد أن يتشاءم به الناس ، وعائشة لا تريد ذلك ؟!

ورويت قصّة الصلاة بطريق آخر مختلف عمّا تقدّم ، مع فيما تقدّم من التباين والاختلاف .

عن عبيد اللّه بن عبد اللّه قال : دخلت على عائشة فقلت : ألا تحدّثيني عن مرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ؟ فقالت : بلى ، ثقل برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وجعه فقال : « أصلى الناس » ؟

قلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول اللّه ، فقال : « صبّوا إليّ ماءً في المخضب » ، ففعلنا ، قالت : فاغتسل ، ثمّ ذهب لينوء فأُغمي عليه ، ثمّ أفاق ، فقال : « أصلى الناس » ؟ .

ص: 164


1- السيرة النبوية لابن كثير 4 / 461 .
2- نفس المصدر السابق .

قلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول اللّه ، قال : « ضعوا لي ماءً في المخضب » ، ففعلنا فأغتسل ، ثمّ ذهب لينوء فأُغمي عليه ، ثمّ أفاق ، فقال : « أصلى الناس » ؟

قلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول اللّه ، قال : « ضعوا لي ماءً في المخضب » ، ففعلنا ، قالت : فاغتسل ، ثمّ ذهب لينوء فأُغمي عليه ، ثمّ أفاق ، فقال : « أصلى الناس » ؟

قلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول اللّه ، قالت : والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول اللّه لصلاة العشاء ، فأرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى أبي بكر بأن يصلّي بالناس ، وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً ، فقال : يا عمر صلّ بالناس ، فقال : أنت أحقّ بالناس ، فصلّى بهم تلك الأيّام .

ثمّ إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وجد خفّة ، فخرج بين رجلين ، أحدهما العباس لصلاة الظهر ، فلمّا رآه أبو بكر ذهب ليتأخّر ، فأومئ إليه أن لا يتأخّر ، وأمرهما فأجلساه إلى جنبه ، وجعل أبو بكر يصلّي قائماً ورسول اللّه يصلّي قاعداً ... ، إلى أن قال ابن كثير : وفي رواية : فجعل أبو بكر يصلّي بصلاة رسول اللّه وهو قائم ، والناس يصلّون بصلاة أبي بكر ، ورسول اللّه قاعد ... (1) .

ورواية أُخرى ذكرها ابن كثير عن الأرقم بن شرحبيل عن ابن عباس قال : « لمّا مرض النبيّ صلى اللّه عليه وآله أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس ، ثمّ وجد خفّة فخرج ، فلمّا أحسّ به أبو بكر أراد أن ينكص ، فأومأ إليه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فجلس إلى جنب أبي بكر عن يساره ، واستفتح من الآية التي انتهى إليها أبو بكر .

ثمّ رواه أيضاً عن وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أرقم عن ابن عباس بأطول من هذا ، وقال وكيع مرّة : فكان أبو بكر يأتم بالنبيّ ، والناس يأتمون بأبي بكر » (2) .

ورواية أُخرى تعطي عكس ذلك . .

ص: 165


1- المصدر السابق 4 / 254 .
2- نفس المصدر السابق .

وعن مسروق عن عائشة قالت : صلّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خلف أبي بكر قاعداً في مرضه الذي مات فيه (1) .

وفي رواية أُخرى : « آخر صلاة صلّاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مع القوم في ثوب واحد ملتحفاً به ، خلف أبي بكر » (2) .

وهكذا روايات متعدّدة ، لن تجد روايتين منها تتّفق في المعنى ، فضلاً عن اللفظ ، وذلك دليل على اختلاق القصّة ، والذي روي عن طريق الخاصّة :

عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام يرويه عيسى الضرير : قال : فسألته وقلت : جعلت فداك ، قد أكثر الناس قولهم في أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أمر أبا بكر بالصلاة ، ثمّ أمر عمر ، فأطرق عنّي طويلاً ، ثمّ قال : « ليس كما ذكر الناس ، ولكنّك يا عيسى كثير البحث عن الأُمور ، لا ترضى إلّا بكشفها » .

فقلت : بأبي أنت وأُمّي ، من أسأل عمّا انتفع به في ديني ، وتهتدي به نفسي مخافة أن أضلّ غيرك ، وهل أجد أحداً يكشف لي المشكلات مثلك ؟

فقال : « إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لمّا ثقل في مرضه ، دعا علياً عليه السلام ، فوضع رأسه في حجره وأُغمي عليه ، وحضرت الصلاة فأذّن بها ، فخرجت عائشة فقالت : يا عمر أخرج فصلّ بالناس ، فقال لها : أبوك أولى بها منّي ، فقالت : صدقت ، ولكنّه رجل لين ، وأكره أن يواثبه القوم ، فصلّ أنت ، فقال لها : بل يصلّي هو وأنا أكفيه إن وثب واثب ، أو تحرّك متحرّك ، مع أنّ رسول اللّه مغمى عليه لا أراه يفيق منها ، والرجل مشغول به ، لا يقدر أن يفارقه - يعني علياً عليه السلام - فبادروا بالصلاة قبل أن يفيق ، فإنّه إن أفاق خفت أن يأمر علياً بالصلاة ، وقد سمعت مناجاته منذ الليلة ، وفي آخر كلامه يقول لعلي عليه السلام : الصلاة ، الصلاة » .

قال : « فخرج أبو بكر يصلّي بالناس ، فظنّوا أنّه بأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فلم يكبّر حتّى أفاق صلى اللّه عليه وآله ، وقال : ادعوا لي عمّي - يعني العباس - فدعي له فحمله وعلي عليه السلام حتّى أخرجاه وصلّى بالناس وإنّه لقاعد ، ثمّ حمل فوضع على المنبر .

ص: 166


1- مسند أحمد 6 / 159 .
2- البداية والنهاية 5 / 255 .

بعد ذلك ، فاجتمع لذلك جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار حتّى برزت العواتق من خدورها ، فبين باك وصائح ، ومسترجع وواجم ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله يخطب ساعة ، ويسكت ساعة ، فكان فيما ذكر من خطبته أن قال : يا معشر المهاجرين والأنصار ، ومن حضر في يومي هذا ، وفي ساعتي هذه من الإنس والجنّ ليبلغ شاهدكم غائبكم ، ألا أنّي قد خلّفت فيكم كتاب اللّه فيه النور والهدى والبيان لما فرض اللّه تبارك وتعالى من شيء ، حجّة اللّه عليكم وحجّتي وحجّة ولي ، وخلّفت فيكم العلم الأكبر ، علم الدين ، ونور الهدى وضياءه ، وهو علي بن أبي طالب ، ألا هو حبل اللّه فاعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرّقوا ، واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم ، فأصبحتم بنعمته إخواناً ، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ، كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تهتدون .

أيّها الناس هذا علي من أحبّه وتولّاه اليوم وبعد اليوم فقد أوفى بما عاهد عليه اللّه ، ومن عاداه وأبغضه اليوم وبعد اليوم جاء يوم القيامة أصم وأعمى ولا حجّة له عند اللّه ... » (1) .

فقد اتضح لك أيّها الأخ الكريم تضارب روايات القوم في هذه القصّة ، وأنّه دليل على أنّها مختلقة ، وقد قلنا : إنّه إن ثبت لم يكن في ذلك فضل لأبي بكر ، مادام حكم القوم في إمام الجماعة ما قد عرفت .

« محمّد جعفر - ... - ... »

لم يصل على جنازة فاطمة :

س : إنّ أبا بكر لم يؤذن لحضور جنازة فاطمة عليها السلام ، ليس لأنّه منع من ذلك ، ولكن لأنّ الإمام علي عليه السلام ظنّ أنّ أبا بكر كان يعلم ، لأنّ أسماء بنت عميس - زوجة أبي بكر - كانت قد ساعدت على غسل فاطمة عليها السلام ، فكيف

ص: 167


1- خصائص الأئمّة : 74 .

ترجع إلى بيتها ولا تخبر أبا بكر ؟ هذا ما قاله لي أحد أهل السنّة ، فما هو الجواب ؟

ج : ظنّ الإمام علي عليه السلام لا يكون دليلاً ، على عدم خروج أبي بكر ، والأصل الذي ذكره لا أصل له ، والصحيح عندنا أنّ أبا بكر منع من الحضور على جنازتها عليها السلام بوصية منها .

فقد نقل ابن فتال النيسابوري وصيّتها عليها السلام لأمير المؤمنين عليه السلام ، حيث قالت : « أُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني ، وأخذوا حقّي ، فإنّهم أعدائي وأعداء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأن لا يصلّي عليّ أحد منهم ، ولا من اتباعهم ، وادفني في الليل ، إذا هدأت العيون ونامت الأبصار » .

« ثمّ توفّيت ... واجتمع الناس فجلسوا ، وهم يرجون وينظرون أن تخرج الجنازة ، فيصلّون عليها ، وخرج أبو ذر فقال : انصرفوا فإنّ ابنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قد أخّر إخراجها في هذه العشية ، فقام الناس وانصرفوا ، فلمّا أن هدأت العيون ، ومضى من الليل ، أخرجها علي والحسن والحسين عليهم السلام ، وعمّار والمقداد ، وعقيل والزبير ، وأبو ذر وسلمان وبريدة ، ونفر من بني هاشم وخواصّه ، صلّوا عليها ودفنوها في جوف الليل ، وسوّى علي حواليها قبوراً مزوّرة مقدار سبعة حتّى لا يعرف قبرها ... » (1) .

قال الأصبغ بن نباتة : سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن علّة دفن فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ؟ فقال عليه السلام : « إنّها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها » (2) .

ويؤيّد هذا ما رواه الصنعاني عن عائشة : « إنّ علياً دفن فاطمة ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر » (3) . .

ص: 168


1- روضة الواعظين : 151 .
2- المصدر السابق : 153 .
3- المصنّف للصنعاني 3 / 521 .

وما رواه ابن شبة النميري عن عائشة : « إنّ علياً رضي اللّه عنه دفن فاطمة ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر » (1) .

ولا يخفى أنّ الإمام علي عليه السلام قد صلّى عليها في بيته لا في المسجد للوصية التي أوصت بها عليها السلام .

« حسن أحمد عبد الرزاق - البحرين - ... »

شرب الخمر بعد تحريمها :

س : هل إنّ أبا بكر كان عادلاً في حياة الرسول صلى اللّه عليه وآله ؟ وفي زمان خلافته ؟

ج : إنّ عدالة الصحابي أو عدمها تتبع أعماله وتصرّفاته في حياته ، فلا أصل في المقام لعدالة الصحابة بدون قيد أو شرط ، بل يدخل جميعهم في دائرة التعديل والتجريح .

ثمّ إنّ تصرّفات كلّ شخص وتقلّباته في مختلف شؤون حياته خير دليل على الحكم عليه ، وفي مورد السؤال نذكر لك سيئةً واحدة - على سبيل المثال لا الحصر - تكفي في معرفة الرجل ، وهي شربه للخمر بعد تحريمها (2) .

نعم ، قد حاول البعض تبرير هذا العمل بأنّه كان قبل نزول التحريم .

ولكن يردّه أوّلاً : إنّ التحقيق يدلّنا على أنّ التحريم قد نزل قبله بمدّة ، فإنّ عملية شرب الخمر قد حصلت في عام الفتح - سنة ثمانية من الهجرة - باتفاق أهل الحديث والسير ، والتحريم قد نزل : إمّا في أوائل البعثة أو الهجرة (3) ، وإمّا في سنة أربع من الهجرة (4) ، وإمّا في سنة ست من الهجرة (5) .

ص: 169


1- تاريخ المدينة 1 / 110 .
2- فتح الباري 10 / 31 ، عمدة القاري 21 / 251 ، وغيرهما .
3- تاريخ بغداد 8 / 353 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 63 ، المصنّف لابن أبي شيبة 5 / 509 و 8 / 351 ، الجامع الصغير 1 / 433 .
4- فتح الباري 10 / 25 .
5- نفس المصدر السابق .

وأمّا القول بنزول التحريم في سنة الفتح ، عام ثمانية من الهجرة يوم الشرب المذكور ، فلا يدعمه - على قول البعض - إلّا حديث أحمد ، الذي جاء فيه أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قد أعرض على شخص كان بصدد إهداء الخمر أو بيعه (1) .

وقصارى ما يستفاد من هذا الحديث أنّ التحريم بلغ هذا الرجل عام الفتح ، لا أنّ التحريم قد نزل فيه ، فلا يعارض الأقوال التي تصرّح بنزول التحريم قبله ، خصوصاً أنّ الرجل المذكور - على ما في حديث أحمد - كان من أعراب البوادي ، فيحتمل قوياً عدم وصول التحريم إليه .

ثانياً : إنّ ذيل رواية شرب الخمر المذكورة خير شاهد على نزول التحريم قبل تلك الواقعة ، إذ جاء فيه أنّ الأمر قد بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقام يجر إزاره حتّى دخل عليهم مغضباً ، وهمّ أن يضرب بعضهم .

وهنا نتساءل : بأنّ التحريم لو لم يسبق هذه الواقعة فما هو معنى غضب الرسول صلى اللّه عليه وآله في المسألة ؟ إذ لو كان مباحاً لم يتأثّر النبيّ صلى اللّه عليه وآله بهذا الشكل .

وبالجملة ، فلا ينبغي التأمّل في صدق ارتكاب الفواحش والموبقات بالنسبة إليه في حياة الرسول صلى اللّه عليه وآله .

وأمّا بعد حياة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، فمخالفته الوصية بإمامة وخلافة أمير المؤمنين علي عليه السلام لهو دليل واضح لانحراف الشخص وعدوله عن الخطّ المستقيم ، ومن ثمّ زلّة لا تغتفر ، أضف إلى ذلك مبادرته وتأييده الاعتداء على بيت الزهراء عليها السلام ، وضربها وكسر ضلعها ، وإسقاط جنينها ، خير شاهد على فسق الرجل ، ممّا أدّى ذلك إلى غضب فاطمة عليها السلام عليه بصريح البخاري وغيره (2) .

فمن مجموع هذه الموارد - وموارد أُخرى لم يسعنا التطرّق إليها في هذا المختصر - لا يبقى لدينا أيّ شكّ أو ريب في ثبوت عدم عدالته . .

ص: 170


1- مسند أحمد 1 / 230 .
2- صحيح البخاري 8 / 3 .

« محمّد علي الشحي - الإمارات - سنّي - 18 سنة - طالب جامعي »

لم يكن ثرياً :

س : فيمن نزلت الآية : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ ) ؟

ج : إنّ الآيتين في مجال بيان نتيجة التقوى ، ومزاولتها في اجتناب النار وعذابها ، فهي مطلقة بمنطوقها ، وإن اختلفت الآراء في تأويلها وتطبيقها .

أمّا أهل السنّة فعلى رأيين في شأن نزولها ، إذ أكثرهم يرى أنّها نزلت في أبي بكر ، وبعضهم يصرّح بأنّ مورد نزولها كان أبا الدحداح (1) .

وأمّا الشيعة ، فلا ترى صحّة نزولها في حقّ أبي بكر لما يلي :

أوّلاً : إنّ الروايات المزعومة متعارضة مع الأحاديث الواردة التي تقول : بأنّها نزلت في حقّ الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، أو أمير المؤمنين عليه السلام ، أو حتّى التي تشير بأنّ شأن النزول كان في مورد أبي الدحداح .

ثانياً : إنّ القول بثروة أبي بكر قول بلا دليل ، بل تردّه القرائن والأدلّة الحافّة بالموضوع ، فمثلاً أنّ أباه - أبا قحافة - كان فقيراً مدقعاً سيئ الحال (2) فهل يعقل وجود هذه الحالة مع ثراء الابن ؟ أليس الأولى للولد أن يكون بارّاً لأبيه قبل الآخرين ؟!

وقد ورد في مصادرهم المعتبرة ما ينقض دعواهم غناء أبي بكر ، فعن أبي هريرة قال : « خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ذات يوم أو ليلة ، فإذا هو بأبي بكر وعمر ، فقال : « ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة » ؟ قالا : الجوع يا رسول اللّه .

قال : « وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما ، قوموا » ، فقاموا معه ... » (3) .

ص: 171


1- الجامع لأحكام القرآن 20 / 90 .
2- شرح نهج البلاغة 13 / 270 .
3- صحيح مسلم 6 / 116 ، وأغرب ما في الباب أنّ النووي في شرحه لمسلم 13 / 212 ، لمّا التفت للتناقض الموجود بين غناء أبي بكر وهذه الرواية الواضحة في فقره ، فلذلك حاول لَي عنقها وتفسيرها بأبعد ما يكون فقال : وأمّا قولهما : أخرجنا الجوع ، وقوله صلى اللّه عليه وآله : « وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما » ، فمعناه : أنّهما لما كانا عليه من مراقبة اللّه تعالى ، ولزوم طاعته والاشتغال به ، فعرض لهما هذا الجوع الذي يزعجهما ويقلقلهما ويمنعهما من كمال النشاط للعبادة ، وتمام التلذّذ بها سعياً في إزالته بالخروج في طلب سبب مباح يدفعانه به ، وهذا من أكمل الطاعات وأبلغ أنواع المراقبات .

وهذه الرواية واضحة أنّها بعد فتح الفتوح لأنّ الراوي أبو هريرة أسلم بعد فتح خيبر ، وهي تبطل دعواهم أنّ أبا بكر كان ينفق على مسطح بن أثاثة وقطعها بعد حادثة الأفك ، ثمّ رجع إليها .

وأيضاً فإنّ التقوّل بإغناء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بماله زخرف وباطل ، لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد استغنى بماله ، ومال كفيله وعمّه أبي طالب ، ومال خديجة عليها السلام في مكّة ، ولمّا هاجر إلى المدينة ، فتحت عليه الفتوح والغنائم ، ففي أيّ مقطع من الزمن كان صلى اللّه عليه وآله يحتاج إلى ثروة أبي بكر ؟!

ولعلّ لتكلّف هذه المحاولات في شأن النزول المزعوم ، تردّد الآلوسي في تتمّة كلامه في قبول استدلال ابن أبي حاتم ، على ردّ قول الشيعة في هذا المجال ، إذ قال أخيراً : « ... وأطال الكلام - ابن أبي حاتم - في ذلك وأتى بما لا يخلو عن قيل وقال » (1) .

« ... - الجزائر - سنّي - 25 سنة »

لم يكن ناصراً :

س : قرأت كثيراً عن ذمّكم ، بل وتكفيركم للخليفة أبي بكر .

أتساءل فقط بيني وبين نفسي ، هل يعقل أن يتحوّل ناصر الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وأوّل رجل أسلم في التاريخ ، ولو عدّدت مناقبه على قلّة اطلاعي ما انتهيت ... إلى رجل يسلب حقّاً من حقوق آل البيت ؟

لعمري لولا أبا بكر لهلكت الأُمّة بعد رسولنا صلى اللّه عليه وآله ، أنا واللّه أعلم لا أظنّ أنّ

ص: 172


1- روح المعاني 15 / 371 .

الأُمور تسير بعبثية مطلقة ، أن يسخّر اللّه رجلاً لنصرة الإسلام ، ثمّ يتنافس على الدنيا ومتعها ؟ لا ، بل ويسلب حقّاً من حقوق آل البيت ؟

هذه بعض من تساؤلاتي أرجو أن تأخذ بعين الاعتبار ، بصّرنا اللّه بعيوبنا ، وهدانا لنعمل كما عمل صحابة الصادق المصدّق لنصرة دين اللّه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .

ج : في بادئ الأمر نحن لا نذمّ أبا بكر ، أو نتجاوز عليه بغير حقّ ، وإنّما كلّ ما هنالك أنّنا ننقل عن المصادر المعتبرة عند المسلمين أفعاله وأقواله ، وهي خاضعة للنقد والتمحيص وفق الضوابط الشرعية ، حالها حال أفعال وأقوال بقية العباد .

ثمّ لم يتحقّق عندنا موارد النصرة التي تذكرها عن أبي بكر ، فلم نشهد لأبي بكر موقفاً ، أو مواقف في حروب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يمكن ذكرها أو الإشارة إليها ، وكذلك لم تثبت دعوى أنّه أوّل رجل أسلم في الإسلام .

فقد ورد من طرق أهل السنّة بروايات صحيحة أنّ أوّل من أسلم هو علي بن أبي طالب عليه السلام ، فمن ذلك ما ذكره ابن ماجة من قول الإمام علي عليه السلام : « أنا الصدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلّا كاذب ، صلّيت قبل الناس بسبع سنين » .

في الزوائد : « هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات ، رواه الحاكم في المستدرك عن المنهال ، وقال : صحيح على شرط الشيخين » (1) .

هذا ، وقد ثبت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه حذَّر أصحابه التنافس في الدنيا من بعده : « واللّه ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكن أخافوا عليكم أن تنافسوا فيها » (2) ، الذي يدلّ مع مجموع أحاديث الحوض الواردة في موضوع الصحابة : أنّ هناك إحداثاً سيحدثها أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ستؤثّر على موقفهم الشرعي أمام اللّه تعالى ، لذا يلزم البحث والتفحّص الدقيق عن مواقف .

ص: 173


1- سنن ابن ماجة 1 / 44 .
2- صحيح البخاري 2 / 94 .

الأصحاب بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ليصحّ تبنّي موقف شرعي كامل منهم .

« ... - استراليا - 21 سنة »

اسمه وأنّ إسلامه كان طمعاً :

س : ما اسم أبو بكر ؟ وهل كان من اتباع رسول اللّه ؟

ج : اسم أبي بكر هو عبد اللّه ، وقيل عبد الكعبة ، وقد ذكر أهل النسب وأكثر المحدّثين : أنّ اسمه عتيق ، وعلى أية حال ، فهو ابن أبي قحافة ، عثمان ابن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تميم .

هناك روايات وردت في كتب أهل السنّة تشير إلى أنّه أوّل من أسلم ، ولكن العلماء المحقّقين ردّوا هذه الدعوى بالتحقيق والبيّنات ، ويمكنك مراجعة كتاب « الغدير » للعلّامة الأميني في الجزء الخامس عن أبي بكر وإسلامه وفضائله ، لتتابع هذه التحقيقات بدقّة وشمولية ، وأيضاً يمكنك في الجزء المذكور أن تتابع التحقيق حول فرية الفضائل المنسوبة إليه ، وإدراك البعد السياسي لتدوينها وتسويد الوريقات من أجلها .

وفي رواياتنا : أنّه أسلم طمعاً بعد أن أخبره كهان الجزيرة بأنّ محمّداً صلى اللّه عليه وآله سيظهر على كلّ العرب ، وخير دليل على ذلك ما فعله بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .

فمن المعلوم : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان قد بعثه مع سرية أُسامة قبل وفاته ، وأمره وجمع من كبار الصحابة بالخروج من المدينة للقتال مع أُسامة بن زيد ، ولكنّه تخلّف عن السرية ، وبقي في المدينة ، ولم يمتثل لأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حتّى بلغ النبيّ صلى اللّه عليه وآله ذلك ، فقال قولته المشهورة : « جهّزوا جيش أُسامة ، لعن اللّه من تخلّف عنه » (1) .

وهناك أحداث جليلة جرت بعد وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله في عقد البيعة له من قبل عمر

ص: 174


1- الملل والنحل 1 / 23 .

ابن الخطّاب في سقيفة بني ساعده من دون نصّ من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أو مشورة للصحابة الكبار ، كعلي عليه السلام والعباس عمّ النبيّ ، وسلمان وعمّار ، وأبي ذر والمقداد ، والزبير وغيرهم ، ممّن تخلّفوا عن هذه البيعة ، ولم يشهدوها .

وأيضاً أخذه لفدك نحلة النبيّ صلى اللّه عليه وآله للزهراء عليها السلام ، فهجرته فلم تكلّمه حتّى ماتت - أي ماتت غاضبة عليه كما يذكر البخاري (1) ، وقد قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حديث معروف : « إنّ اللّه يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها » (2) .

ومخالفاته الكثيرة للكتاب والسنّة ، كمنعه لتدوين الحديث ، وقتله مانعي الزكاة ، وتركه إقامة الحدود ، إلى غير ذلك من الحقائق والوقائع التي تجعل الرجل في مقام المؤاخذة والسؤال ، وإلى درجة أنّ عمر وهو أوّل من بايعه - قد استنكر مبايعته ، أو دعا لقتل من عاد إلى مثل تلك البيعة ، كما يذكر البخاري عنه : إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت ، ألا وأنّها قد كانت كذلك ، ولكن اللّه وقى شرها (3) ، وفي رواية : « فمن عاد لمثلها اقتلوه » (4) .

« ... - ... - ... »

لم يحجّ في العام التاسع للهجرة :

س : أرجو إبطال الرواية القائلة بأنّ أبا بكر حجّ بالناس في العام التاسع للهجرة ؟

ج : قد اختلفت الروايات عند أهل السنّة أنفسهم في إثبات ذلك ، فالمتّفق عليه بحسب رواياتهم هو : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أرسل أبا بكر لتبليغ آيات البراءة لمشركي مكّة في موسم الحجّ ، وبعد ذهابه بأيّام أمر جبرائيل النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن يبعث علياً

ص: 175


1- صحيح البخاري 8 / 3 .
2- ينابيع المودّة 2 / 56 .
3- صحيح البخاري 8 / 26 .
4- تاريخ اليعقوبي 2 / 158 .

لتبليغها ، فأخذها الإمام علي عليه السلام من أبي بكر ، فذهب فبلّغها .

ثمّ يبدأ الاختلاف في الروايات ، فأكثرها تثبت رجوع أبي بكر للنبيّ صلى اللّه عليه وآله كئيباً أو خائفاً ، أو مستفسراً مستغرباً ، وهو يقول : « أنزل فيّ شيء » ؟ (1) .

فعلى هذه الروايات يكون أبو بكر قد رجع ولم يحجّ ، لعدم سهولة الذهاب والإيّاب ، للحوق الإمام علي عليه السلام بهم بعد مسير ثلاثة أيّام ، ثمّ الذهاب إلى المدينة والرجوع إليهم ، مع سيرهم وعدم توقّفهم ، إضافة لعدم ورود النقل بذهابه وإيابه في أية رواية من الروايات الكثيرة جدّاً ولو بإسناد ضعيف .

وهناك روايات أُخر تذكر بأنّ أبا بكر لمّا رأى علياً عليه السلام قد التحق بهم ، وعلى ناقة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله سأله : أمير أم مأمور ؟ قال الإمام علي عليه السلام : « بل مأمور » (2) .

فهذه الرواية - إن صحّت - فإنّهم يستدلّون بها على مواصلة أبي بكر لأمر الحجّ ، وتركه لأمر تبليغ البراءة لعلي عليه السلام ، ولكن حتّى لو صحّت ، فإنّه يرد على الاحتجاج بها - بمجرد هذه الرواية بمواصلة أبي بكر الحجّ وجعله تحت إمرة أبي بكر - بأنّنا لو دقّقنا في المعنى من ذلك القول ، وقارناه بقوله في رواية أُخرى : « أمير أم رسول » ؟ (3) ، فإنّه يحتمل أنّ أبا بكر قد سأله : هل أنت بأمرك من يريد أخذ آيات براءة وتبليغها ، أم أنّك رسول ومأمور من قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله ؟ .

ص: 176


1- السنن الكبرى للنسائي 5 / 128 ، خصائص أمير المؤمنين : 91 ، شواهد التنزيل 1 / 305 و 312 و 317 .
2- الجامع لأحكام القرآن 8 / 67 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 347 ، البداية والنهاية 5 / 45 ، السيرة النبوية لابن هشام 4 / 972 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 69 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 74 .
3- ذخائر العقبى : 69 ، سنن الدارمي 2 / 67 ، سنن النسائي 5 / 247 ، السنن الكبرى للنسائي 2 / 416 و 5 / 129 ، خصائص أمير المؤمنين : 92 ، صحيح ابن حبّان 15 / 20 ، شواهد التنزيل 1 / 317 ، جواهر المطالب 1 / 96 ، ينابيع المودّة 1 / 261 .

فأجابه عليه السلام بأنّه رسول ومأمور ، لا آمر بنفسي ومجتهد برأيي ، وأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد أرسله على ناقته المعروفة ، والتي لا يستغني عنها بحال ، لكيلا يكذّب أمير المؤمنين ، أو يشكّك بدعوته الإرسال والأمر بذلك منه صلى اللّه عليه وآله .

وبالنظر في الروايات والمواقف الأُخرى فإنّنا نستطيع قول ما يلي :

1 - ما يرجّح كفّة الروايات التي تذكر رجوع أبي بكر فور وصول الإمام علي عليه السلام كونها أكثر عدداً وطرقاً ، ممّا يقوّي ويصحّح صدورها ، دون التي تذكر بقاء أبي بكر واستمراره ، ولا نستطيع الجمع بين الروايتين ، لأنّ الحادثة واحدة ، والفعل واحد ، ومتون الروايات متعارضة بل متناقضة ، فينبغي ترجيح إحداهما على الأُخرى ، وخصوصاً بما ذكرناه من قوّة وكثرة أسانيدها وطرقها ، وأكثرها تصرّح : بأنّ علياً عليه السلام أخذها منه حينما لحق به ، وذهب بها إلى مكّة ليبلغها ، ولم تذكر الرواية الحجّ أو الطاعة لأبي بكر ، أو المسير معه وتحت إمرته .

2 - وكذلك عدم وجود أيّ حادثة سابقة أو بعثة أو غزوة أو مهمّة يكون فيها أمير المؤمنين علي عليه السلام مأموراً ، وليس أميراً وقائداً ، إلّا تحت إمارة وقيادة وإمامة النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، خلاف أبي بكر وغيره ، فإنّه قد تأمّر عليهم غيرهم ، ممّا يجعلنا نجزم بعدم إمارة أبي بكر في تلك الحجّة ، وعلي موجود فيهم ، وإلّا لأرسله النبيّ صلى اللّه عليه وآله معهم منذ البداية ، أو لبيّنت جميع أو أغلب الروايات ذلك الأمر المهمّ من إمارة أبي بكر للحجّ ولعلي عليه السلام .

3 - لم يذكر أحد المفضّلين لأبي بكر على علي عليه السلام أنّه كان أميراً عليه في حياة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، أو في الحجّ ، ممّا يدلّ على عدم وجود هذا الأمر ، بل إنّهم كانوا بأمسّ الحاجة لذلك يوم السقيفة ، ولم يستدلّوا على فضل أبي بكر لا بالحجّ بالناس ولا بالإمرة على علي عليه السلام ، بل ينقض عليهم سقيفتهم عزله حينئذ وعدم كفاءته ، وعدم خلافته لمقام النبيّ صلى اللّه عليه وآله .

والأحاديث تنصّ بوجوب كون التبليغ من قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أو من هو منه

ص: 177

كي يؤدّي عنه ، ومعنى « منّي » يستعملها النبيّ صلى اللّه عليه وآله كثيراً ، بمعنى مشابهته واتباع طريقته وسنّته ، والتزامه بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله دائماً ومطلقاً ، وقد أكّد ذلك سابقاً بقوله لعلي عليه السلام : « أنت منّي وأنا منك » (1) .

وفي حديث آخر : « علي منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلّا علي » (2) .

4 - إنّ الروايات عموماً تنصّ على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعث أبا بكر بتبليغ آيات براءة ، ولم تذكر الروايات على بعثه كأمير للحجّ ، وخصوصاً كون الحجّ في ذلك العام مختلطاً ، فيه المسلم والمشرك ، والمتستّرون والعراة ، وكذلك أحكام الحجّ كانت غير متكاملة ، بل مشابهة لحجّ الجاهلية ، بل لم يكن الغرض منها إلّا التبليغ ، والتهيئة لحجّة الوداع ، ولذلك أردفها النبيّ صلى اللّه عليه وآله بحجّة الوداع ، دعا لها جميع المسلمين ، وقال عندها : « خذوا عنّي مناسككم » (3) ، .

ص: 178


1- صحيح البخاري 3 / 168 ، خصائص أمير المؤمنين : 88 و 151 ، فتح الباري 7 / 390 ، تحفة الأحوذي 6 / 26 ، المصنّف للصنعاني 11 / 227 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 499 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 127 و 168 ، صحيح ابن حبّان 11 / 230 ، نظم درر السمطين : 98 ، كنز العمّال 11 / 599 و 13 / 258 ، كشف الخفاء 1 / 205 ، شواهد التنزيل 2 / 143 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 475 و 4 / 218 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 53 و 63 و 179 ، تهذيب الكمال 5 / 54 ، البداية والنهاية 4 / 267 ، السيرة النبوية لابن كثير 3 / 443 ، سبل الهدى والرشاد 5 / 195 ، ينابيع المودّة 1 / 404 و 3 / 278 .
2- فضائل الصحابة : 15 ، تحفة الأحوذي 10 / 152 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 495 ، الآحاد والمثاني 3 / 183 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 45 و 128 ، خصائص أمير المؤمنين : 90 ، المعجم الكبير 4 / 16 ، نظم درر السمطين : 79 ، الجامع الصغير 2 / 177 ، كنز العمّال 11 / 603 ، كشف الخفاء 1 / 205 ، شواهد التنزيل 1 / 319 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 345 ، تهذيب الكمال 5 / 350 ، سير أعلام النبلاء 8 / 212 ، الجوهرة : 63 ، البداية والنهاية 5 / 232 و 7 / 394 ، ينابيع المودّة 2 / 78 و 96 و 3 / 143 .
3- شرح مسلم 9 / 21 ، فتح الباري 1 / 193 و 419 و 3 / 388 و 464 ، تحفة الأحوذي 3 / 479 و 551 ، كشف الخفاء 1 / 379 ، الجامع لأحكام القرآن 2 / 184 و 410 و 429 ، فتح القدير 1 / 204 ، سير أعلام النبلاء 6 / 343 ، الإصابة 1 / 42 ، البداية والنهاية 5 / 203 و 234 ، سبل الهدى والرشاد 8 / 475 .

فأيّ حجّ وأيّ مناسك قام بها أبو بكر ، وتشرّف بإحيائها ، أو نشرها ، أو علّمها للمسلمين ؟!

فقد نقل ابن كثير عن ابن إسحاق رواية فيها : « ثمّ مضيا - أبو بكر وعلي - فأقام أبو بكر للناس الحجّ إذ ذاك في تلك السنّة على منازلهم من الحجّ التي كانوا عليها في الجاهلية » (1) .

فالحجّ لم يكن مقصوداً ، بل لأنّه يجتمع فيه المشركون ، فأوقعه النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الموسم ، ليسمعوا البراءة والأحكام الجديدة في عدم جواز الطواف بعد العام بالبيت عراةً وغير ذلك ، تمهيداً وتوطئة لحَجّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله في العام القادم ، وقد أقيلَ أبو بكر عن تبليغ البراءة ، فماذا بقي له ليستمر به ؟!

5 - ما روي من ذكر إمرة أبي بكر في الحجّ ، فمداره والعمدة في إثباته على حديثين ، أحدهما موقوف على تابعي ، وهو حميد بن عبد الرحمن ، يقول : إنّ أبا هريرة قال : بعثني أبو بكر في تلك الحجّة في مؤذّنين يوم النحر ، نؤذّن بمنى أن لا يحجّ بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان .

قال حميد بن عبد الرحمن : ثمّ أردف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله علياً ، فأمره أن يؤذّن ببراءة ، قال أبو هريرة : « فأذّن معنا علي في أهل منى يوم النحر : لا يحجّ بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان » (2) .

رواه البخاري عن أبي هريرة ، وهو يتعارض مع رواية غير البخاري لحديث أبي هريرة ، مثل رواية محرر بن أبي هريرة عن أبيه قال : « جئت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى مكّة ببراءة ، قال : ما كنتم تنادون ، قال : كنّا ننادي : أنّه لا يدخل الجنّة إلّا نفس مؤمنة ، ولا يطوف بالبيت

ص: 179


1- تفسير القرآن العظيم 2 / 347 .
2- صحيح البخاري 1 / 97 .

عريان ... » (1) .

فتلك الرواية لم يخرجها سوى البخاري ، وأمّا رواية محرر هذه ، فقد أخرجها وصحّحها كثير من أئمّة الحديث ، والكتب المعتبرة غير البخاري ! فلا أدري من أين جاء البخاري بهذه الرواية لينفرد بها عن أقرانه من سائر المحدّثين ؟!

وأمّا الرواية الثانية ، وهي رواية النسائي (2) التي تصرّح ببقاء أبي بكر في الحجّ ، فقد رواها عن أبي الزبير عن جابر ، وأبو الزبير معروف بالتدليس المعيب المسقط للرواية ، فهي ساقطة كرواية البخاري عن أبي هريرة .

وكذلك يرد ويشكل على رواية أبي هريرة ما قاله الطحاوي في مشكل الآثار : « هذا مشكل ... فكيف يبعث أبو بكر أبا هريرة ومن معه بالتأذين ، مع صرف الأمر عنه في ذلك إلى علي » ! وهذا يبيّن كذب رواية البخاري عن أبي هريرة لمخالفتها مشهور الروايات .

وأمّا رواية جابر ، فيشكل الاستدلال بها أيضاً ، لأنّها لا تنصّ على إمارة أبي بكر على علي عليه السلام ، لقوله فيها : فقال له أبو بكر : أمير أم رسول ؟ قال : « لا بل أرسلني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ببراءة أقرؤها على الناس ... » (3) .

6 - وأمّا الروايات التي تذكر رجوع أبي بكر للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فيظهر منها المباشرة وعدم تأخّره إلى ما بعد إتمام مراسم الحجّ ، فإنّ أدوات العطف المستعملة فيها لا تدلّ على التراخي ، وإنّما المباشرة والاتصال في الأحداث ، كقولهم : فرجع أبو بكر ، فأخذ منه الكتاب ، فانصرف إلى المدينة وهو كئيب ، فقال : يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ... ، وهذا ما أثبته ابن حجر في فتح الباري بقوله : « قال العماد بن كثير : ليس المراد بأنّ أبا بكر رجع من فوره ، بل المراد رجع من حجّته ، قلت : ولا مانع من حمله على ظاهره لقرب المسافة » (4) . .

ص: 180


1- سنن النسائي 5 / 234 ، فتح القدير 2 / 334 .
2- سنن النسائي 5 / 247 .
3- سنن النسائي 5 / 247 .
4- فتح الباري 8 / 241 .

وأقول مجيباً : أنّ المسافة ليست قريبة أبداً ، فبعض الروايات تذكر أنّ البعث كان بعد ثلاثة أيّام ، والأكثر تؤكّد بأنّ علياً لحق بهم عند الجحفة ، والجحفة أقرب إلى مكّة منها إلى المدينة .

وكذلك لم تذكر أية رواية - ولو ضعيفة أو موضوعة - بأنّ أبا بكر قد رجع والتحق بالبعثة ، بل هناك رواية صحيحة وصريحة تؤكّد إرجاع أبي بكر بأمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله فوراً .

عن أبي بكر نفسه : أن النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعثه ببراءة لأهل مكّة ، لا يحجّ بعد العام مشرك ... قال : فسار بها ثلاثاً ، ثمّ قال لعلي عليه السلام ألحقه فَرُدّ عليَّ أبا بكر وبلّغها أنت ، قال : ففعل ، فلمّا قدم على النبيّ صلى اللّه عليه وآله أبو بكر قال : يا رسول اللّه ، حدث فيّ شيء ؟ قال : « ما حدث فيك إلّا خير ، ولكن أُمرت ألا يبلّغه إلّا أنا أو رجل منّي » (1) .

قال ابن حجر : « في الصحيح بعضه ، رواه أحمد ورجاله ثقات » (2) .

7 - أمّا ما ذكروه من علّة إرسال النبيّ صلى اللّه عليه وآله علياً بدلاً عن أبي بكر - من عادة العرب عند نقض العهود ، بأن يأتي نفس من تعاهد معهم ، أو قريبه لنقض العهد المبرم - فباطل ومردود من وجوه منها :

أ - إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان أعلم بهذه العادات وغيرها ، فكم من مشكلة تدخّل بحلّها صلى اللّه عليه وآله ، وكم من مشكلة رآها وصادفها ، بل كم من حديث يذكر فيها للصحابة عادات الجاهلية وأعرافهم لاسيّما الحسنة منها لقوله صلى اللّه عليه وآله : « بعثت لأُتمّم مكارم الأخلاق » (3) ، فلولا علمه بأخلاق وعادات وتقاليد العرب في زمنه .

ص: 181


1- مسند أحمد 1 / 3 ، مسند أبي يعلى 1 / 100 ، كنز العمّال 2 / 417 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 347 ، جواهر المطالب 1 / 97 .
2- مجمع الزوائد 3 / 239 .
3- الجامع لأحكام القرآن 7 / 345 ، سبل الهدى والرشاد 1 / 505 و 7 / 6 ، لسان العرب 10 / 87 ، كشف الخفاء 1 / 211 .

وغير زمنه لما قال : « لأتمم » ، فإتمامها يدلّ على إقرارها والاعتراف بها ، وهو فرع معرفتها والعلم بها ، فلماذا لم ينتبه لذلك منذ البداية ؟ وكذلك أبو بكر ، فهو عربي وكبير السنّ ، فكيف غابت عنه تلك الأعراف والتقاليد ، حيث بعثه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ؟! بل لو سلّمنا عدم معرفتهما لذلك أو نسيانهما ، فكيف استغرب واستهجن عزله عن تلك المهمّة معترضاً سائلاً : أنزل فيّ شيء ؟

وكذلك لم يخبر علي عليه السلام ولا النبيّ صلى اللّه عليه وآله بهذه العادة ، ليطيب خاطره ، بل أخبره بأنّ العزل إلهي لا عرفي ولا جاهلي !!

ب - إنّ الروايات جميعاً ذكرت تبليغ آيات براءة ، وليس في شيء من القرآن أو الروايات نقض لعهد سابق ، بل كلّ الروايات تشير إلى أنّ المهلة المحدّدة في القرآن بأربعة اشهر ، كانت لمن كان عهده لأقلّ من تلك المدّة ، أو لمن لا عهد له مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أمّا من كان عهده يطول عن تلك المدّة فعهده إليها ، فالبعث كان لتأكيد العهود واحترامها لا نقضها ، فأين نقض العهد الذي يستدعي أن يحضر من عقده أو قريبه ؟!

ج - هنالك من هو أقرب من علي للنبيّ صلى اللّه عليه وآله نسباً ووجاهة عند قريش ، كعمّه العباس وعقيل وغيرهما ، فلماذا أرسل علياً ؟ الذي أعتذر من النبيّ - كما في بعض الروايات - من عدم قابليته على الكلام بصوت مرتفع بين الناس ، فدعا له النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وقال له : « أمّا أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت » ، فوافق على الذهاب لخوفه على النبيّ صلى اللّه عليه وآله وفدائه بنفسه ، وقال : « فإن كان ولابدّ فسأذهب أنا » (1) .

وهذا الإصرار من النبيّ صلى اللّه عليه وآله على علي يؤكّد عدم صحّة ادعائهم ، وخصوصاً أنّ الروايات تؤكّد قوله صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « إلّا أنا أو رجل منّي » ، وقد أكّد مراراً وتكراراً كما روى البخاري وغيره قوله لعلي عليه السلام : « أنت منّي .

ص: 182


1- مسند أحمد 1 / 150 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 346 .

وأنا منك » ، وكذلك : « ولا يؤدّي عنّي إلّا علي » ، فهذه المنزلة وهذا الاختصاص لعلي عليه السلام مع وجود غيره أقرب نسباً ، أو أكبر سنّاً ، أو أكثر قبولاً عند قريش والمشركين ، والإصرار عليه عليه السلام ، لابدّ أنّ وراءه سرّاً ومغزى ؟!

د - بل هناك روايات تنقل أنّ أبا بكر أرسل أبا هريرة وآخرين يؤذّنون في الناس ، وكان علي يؤذّن معهم ، كما يدّعي أبو هريرة ، فيناوبون معه ، فهل هؤلاء المؤذّنون - كأبي هريرة والآخرين الذين أرسلهم أبو بكر - أقرب للنبيّ من أبي بكر ؟ وهل يصلحون لذلك أكثر منه ؟ فلماذا عزل إذاً ؟!

8 - وعلى كلّ حال حتّى لو صحّ أنّه ذهب للحجّ ، وأكمل المناسك ، فإنّه لو تنزّلنا وأثبتنا له ذلك فهي ليست فضيلة ، لأنّ ذلك قد ثبت لمن لا فضيلة له ، ولا سابقة في الموسم الذي سبقه ، فقد أمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله عتاباً بن أسيد - الذي أسلم في الفتح ، وكان من الطلقاء - على الحجّ عام ثمانية بعد عمرته صلى اللّه عليه وآله ، فهل هذا يعني أنّ عتاباً أفضل الصحابة ؟ أو أنّه صاحب سابقة وفضيلة ، وأفضل أهل مكّة ؟!

ولو طلبنا منكم الإنصاف والتعامل مع الفضائل على حدّ سواء ، فإنّكم أنتم لا تستطيعون أن تجعلوا هذا البعث فضيلة ، لأنّكم حكمتم سابقاً على فضيلة واضحة لأمير المؤمنين عليه السلام بأنّها ليست كذلك ، وذلك حينما خلّفه النبيّ صلى اللّه عليه وآله على المدينة عندما ذهب إلى تبوك ، وقال له : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » (1) ، وقلتم : بأنّ تخليفه على المدينة ليس فضيلة ، لأنّ .

ص: 183


1- فضائل الصحابة : 13 ، شرح صحيح مسلم 15 / 174 ، مجمع الزوائد 9 / 109 ، تحفة الأحوذي 10 / 161 ، مسند أبي داود : 29 ، المصنّف للصنعاني 5 / 406 و 11 / 226 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 496 و 8 / 562 ، مسند ابن راهويه 5 / 37 ، مسند سعد بن أبي وقّاص : 51 و 103 و 139 ، الآحاد والمثاني 5 / 172 ، كتاب السنّة : 551 و 586 و 595 و 610 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 44 و 108 و 113 و 120 و 125 و 144 ، خصائص أمير المؤمنين : 48 و 64 و 76 و 80 و 85 و 116 ، مسند أبي يعلى 1 / 286 و 2 / 66 و 86 و 99 و 132 و 12 / 310 ، أمالي المحاملي : 209 و 251 ، صحيح ابن حبّان 15 / 16 و 371 ، المعجم الصغير 2 / 22 و 54 ، المعجم الأوسط 2 / 126 و 3 / 139 و 4 / 296 و 5 / 287 و 6 / 77 و 83 و 7 / 311 و 8 / 40 ، المعجم الكبير 1 / 148 و 2 / 247 و 4 / 184 و 5 / 203 و 11 / 63 و 12 / 15 و 78 و 24 / 146 ، نظم درر السمطين : 107 ، موارد الظمآن : 543 ، كنز العمّال 5 / 724 و 9 / 167 و 11 / 599 و 603 و 13 / 106 و 158 و 163 و 192 و 16 / 186 ، فيض القدير 4 / 471 ، كشف الخفاء 2 / 382 ، شواهد التنزيل 1 / 192 و 2 / 35 ، الجامع لأحكام القرآن 1 / 266 و 7 / 277 ، الطبقات الكبرى 3 / 23 ، الكامل في ضعفاء الرجال 1 / 306 و 2 / 315 و 413 و 3 / 207 و 4 / 229 و 5 / 199 و 6 / 68 و 216 ، تاريخ بغداد 7 / 463 و 8 / 52 و 11 / 430 و 12 / 320 ، تاريخ مدينة دمشق 2 / 31 و 13 / 151 و 20 / 360 و 21 / 415 و 30 / 359 و 38 / 7 و 39 / 201 و 41 / 18 و 42 / 42 و 53 و 100 و 111 و 115 و 139 و 145 و 152 و 159 و 165 و 171 و 177 و 182 و 54 / 226 و59 / 74 و 70 / 35 ، أُسد الغابة 4 / 27 ، تهذيب الكمال 20 / 483 و 25 / 423 و 32 / 482 و 35 / 263 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 10 ، سير أعلام النبلاء 1 / 361 و 7 / 362 و 12 / 214 و 14 / 210 و 15 / 42 ، تهذيب التهذيب 7 / 296 ، الإصابة 4 / 467 ، أنساب الأشراف : 94 ، و 106 ، الجوهرة : 14 و 62 ، البداية والنهاية 5 / 11 و 7 / 251 و 370 و 374 و 8 / 84 ، جواهر المطالب 1 / 58 و 171 و 197 و 212 و 296 ، سبل الهدى والرشاد 5 / 441 و 11 / 291 و 296 ، ينابيع المودّة 1 / 112 و 156 و 160 و 309 و 404 و 2 / 97 و 119 و 153 و 237 و 302 و 389 و 3 / 211 و 369 و 403 .

النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد خلّف عليها سابقاً أُناساً عاديين - كابن أُمّ مكتوم - وجعلتم النصّ المدح له ليس إلّا تطييباً للخاطر ، وأوّلتموه شرّ تأويل ، مع ما ينصّ من عدم الفرق إلّا في النبوّة .

أمّا حادثة أبي بكر ، ففيها العزل وأخذ براءة ، وفيها عدم ثبوت حجّته من أصلها ، وفيها أنّ حجَّه كان كحجّ أهل الجاهلية ، وفيها أنّه لم يمدح من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وفيها أنّه قد حجّ بالناس في السنة الماضية لحجّه أحد الطلقاء ، وكلّ ذلك وأنتم تثبتون الفضيلة ، بل الأفضلية لأبي بكر ، بمثل هذه الأوهام ، وترفضون أيّ فضل لعلي عليه السلام ، ولو نصّ عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .

ص: 184

« ... - ... - ... »

لم يأمره النبيّ بالصلاة :

س : أرجو إبطال الرواية القائلة بأنّ أبا بكر صلّى بالناس في مرض رسول اللّه من كتب أهل السنّة ؟

ج : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يأمر أبا بكر بالصلاة في تلك الأيّام الثلاثة قبل رحيله إلى الرفيق الأعلى ، ونستدلّ على مدّعانا بأُمور منها :

1 - التناقض الشديد في الروايات ، فمرّة تطلب عائشة من النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن يأمر عمر بالصلاة وليس أبا بكر ، ومرّة تطلب عائشة من حفصة ذلك ، وأُخرى أنّ أبا بكر طلب من عائشة أن تطلب ذلك وتقوله للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأُخرى يؤمر عمر بالصلاة ، فيسمع النبيّ صلى اللّه عليه وآله صوته ، فيغضب ويقول : « فأين أبو بكر ؟ يأبى اللّه ذلك والمسلمون » (1) ، وأُخرى يقدّم أبو بكر عمر ، فيجيبه عمر : بأنّك أحقّ بها ، ولا يذكر رفض النبيّ لصلاته ، وأُخرى يخرج النبيّ فينظر لهم ويبتسم ويرجع ، وأُخرى يذهب فيصلّي إماماً ، وأُخرى مأموماً خلف أبي بكر ، وهكذا ، فأيّها نصدّق ؟ وهو أمر واحد وحادثة واحدة ، وهذه الأحاديث لا يمكن الجمع بينها ، وكلّها صحيحة عندهم !!

وإجاباتهم عنها بتعدد الأمر والحادثة ، وهذا لا يتلائم ولا يصحّ مهما فعلوا وأوّلوا مع أكثر الروايات ، فمثلاً الرواية التي تذكر إمامة عمر للناس بالصلاة لم يكن أبو بكر موجوداً حينها ، والروايات التي تذكر طلب عائشة وحفصة إمامة عمر بدلاً من أبي بكر لا تذكر أنّ أبا بكر غير موجود ، بل تذكر وجوده وإمامته ، وطلبهن لإمامة عمر إن كان بعد إمامة عمر ، ورفض النبيّ لها ، فذلك لا يعقل ، لأنّ النبيّ أوضح رفضه ، ويكون طلبهن معصية واضحة ، وإن كان طلبهن له قبل إمامة عمر ، فقد بيّن النبيّ صلى اللّه عليه وآله في جوابه لهن : بأنّ اللّه

ص: 185


1- المحلّى 4 / 210 ، مسند أحمد 4 / 322 ، سنن أبي داود 2 / 405 .

يأبى ذلك والمؤمنون ، فكيف اجتهد عمر في مقابل النصّ ؟ وقام بإمامة الناس بعد نصّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله على عدم قبول إمامته للصلاة بالناس .

2 - إنكاره صلى اللّه عليه وآله على بعض نسائه وهو في تلك الحالة الشديدة إنكاراً لاذعاً ، وهذا يعني فداحة الفعل وخطورته ، وقوله صلى اللّه عليه وآله لهن : « إنّكن صواحب يوسف » (1) ، وهذا التشبيه قال عنه الباجي : « أراد أنّهن قد دعون إلى غير صواب ، كما دعين ، فهن من جنسهن » (2) .

وقال النووي : « قوله صلى اللّه عليه وآله : « صواحب يوسف » أي في تظاهرهن على ما يردن وإلحاحهن فيه ، كتظاهر امرأة العزيز ونسوتها على صرف يوسف عليه السلام عن رأيه في الاعتصام ... » (3) .

وإمّا قول من قال بأنّ وجه المشابهة في إظهار خلاف ما في الباطن أو لكثرة الإلحاح فقط ، فذلك الفعل لا يستحقّ هذا التشبيه وهذا التوبيخ ، وأخلاق النبيّ صلى اللّه عليه وآله أرفع من أن ينكر على نسائه ويشبههن بنساء عاصيات ، وهو على تلك الحال من عدم استطاعته الخروج للصلاة !! وخصوصاً فإنّ نواياهن وما في الباطن الذي كشفه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولم تبح به إحداهن أبداً ، إنّما كان نية حسنة وليس منكراً أو معصية ، وإنّما هو أمر مشروع بل مستحبّ .

والمعروف لدى الجميع ، بأنّ صويحبات يوسف لم يكن منهن خلاف على يوسف ، ولا مراجعة له أو إلحاح في شيء ، وإنّما افتتن بأسرهن بحبّه ، وأرادت كلّ واحدة منهن مثل ما أرادت صاحبتها فأشبهن حالهن ، ولهذا التفسير شاهد يدلّ عليه ، وهو عن ابن عباس قال : « لمّا مرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مرضه الذي مات فيه ، كان في بيت عائشة ، فقال : « أدعو لي علياً » ، قالت عائشة : ندعو لك أبا بكر ، قال : « أدعوه » ، قالت حفصة : يا رسول اللّه ندعو لك عمر ، قال : .

ص: 186


1- صحيح البخاري 1 / 162 .
2- تنوير الحوالك : 188 .
3- المجموع شرح المهذّب 4 / 242 .

« أدعوه » ، قالت أُمّ الفضل : يا رسول اللّه ندعو لك العباس ، قال : « أدعوه » ، فلمّا اجتمعوا رفع رأسه ، فلم ير علياً فسكت .

فقال عمر : قوموا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فجاء بلال يؤذّنه بالصلاة ، فقال : « مروا أبا بكر يصلّي بالناس » ، فقالت عائشة : إنّ أبا بكر رجل حصر ، ومتى لا يراك الناس يبكون ، فلو أمرت عمر يصلّي بالناس ، فخرج أبو بكر فصلّى بالناس ، ووجد النبيّ صلى اللّه عليه وآله من نفسه خفّة ، فخرج يهادى بين رجلين ، ورجلاه تخطّان في الأرض ... ومات في مرضه ذاك عليه السلام » (1) .

فهذا النصّ للحديث يدلّ قطعاً على حال قوله صلى اللّه عليه وآله لهن : « إنّكن صواحب يوسف » ، فطلبه صلى اللّه عليه وآله علياً ، وعدم طاعته في ذلك ، وأنّ كلّ واحدة منهن أرادت ما تحبّ وتريد ، لا ما يريده رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، أي كلّ واحدة أرادت لنفسها ما أرادت الأُخرى ، وهذا ما صدر من صواحب يوسف .

أمّا ما أوّله أكثرهم من أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أراد صاحبة يوسف لا الصواحب ، وكذلك قال : « إنّكن » وأراد عائشة ، فهو تحريف واضح ، وخلاف للظاهر ، بل يشهد على بطلانه شاهد واضح ، وهو قول حفصة لعائشة بعد هذا القول من النبيّ : واللّه ما كنت لأصيبَ منك خيراً .

وقال نفس هؤلاء المؤوّلين : لعلّها تذكّرت من عائشة أيضاً مسألة المغافير ، فهذا القول ألا يعني شمولها بقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهل فهمت حفصة منه الإلحاح البريء من الطلب ؟ أم التظاهر وطلب الفضل والاختصاص بخلاف إرادة الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله وصرفه عنها إلى ما يُرِدن .

3 - إنكاره صلى اللّه عليه وآله لتلك الصلاة ، والاهتمام ببيان ذلك بوسائل متعدّدة على ما كان يعانيه صلى اللّه عليه وآله من ثقل ومرض ، فمرّة يسمع عمر يصلّي فيقول : « فأين أبو بكر ؟ يأبى اللّه ذلك والمسلمون » ، ومرّة يسمع أبا بكر يصلّي ، فيخرج يهادى .

ص: 187


1- مسند أحمد 1 / 356 ، سنن ابن ماجة 1 / 391 ، شرح معاني الآثار 1 / 405 ، المعجم الكبير 12 / 89 ، تاريخ مدينة دمشق 8 / 18 .

بين رجلين ، ورجلاه تخطّان في الأرض ، ويقولون : وجد في نفسه خفّة - فأي خفّة هذه التي لا يستطيع معها لا المشي ولا الوقوف ؟ بل جلس وعزل أبا بكر عن إمامته وبيّن رفضه - بسوء حالته وجلوسه مع قوله صلى اللّه عليه وآله : « إنّما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا صلّى قائماً فصلّوا قياماً وإن يصلّي جالساً فصلّوا جلوساً ، ولا تقوموا وهو جالس ... » (1) .

وتأوّلوا ذلك أيضاً وقالوا : إنّه منسوخ بفعل النبيّ صلى اللّه عليه وآله الأخير في مرضه ، فهلا بيّن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ذلك النسخ ، أو فهمه أحد الصحابة ، بل ثبت أنّ أسيد بن حضير ، وجابر بن عبد اللّه الأنصاري صلّيا بجماعة ، وهم قعود مرضى ، وأمروا جماعتيهما بالجلوس ، واثبتوا الحديث الذي سردناه في وجوب صلاة المأمومين جلوساً أن صلّى الإمام جالساً ، فأيّ بيان بعد هذا يبيّنه النبيّ صلى اللّه عليه وآله برفضه لإمامة أبي بكر وإبطال صلاته ، كما فعل مع عمر .

فقد نقل : أنّهم تفرّقوا عن عمر لمّا سمعوا النبيّ صلى اللّه عليه وآله ينكر إمامته ، ونقلوا : أنّ أبا بكر قد أعاد صلاتهم لمّا رجع عن السفح ، الخ .

ويشهد لكلامنا قول السندي عند شرحه حديث مرض النبيّ صلى اللّه عليه وآله وصلاته : « واستدلّ الجمهور بهذا الحديث على نسخ حديث إذا صلّى جالساً فصلّوا جلوساً ... وهذا يفيد الاضطراب في هذه الواقعة ، ولعلّ سبب ذلك عظم المصيبة ، فعلى هذا فالحكم بنسخ ذلك الحكم الثابت بهذه الواقعة المضطربة لا يخلو عن خفاء ، واللّه تعالى أعلم » (2) .

4 - بعض الروايات تصرّح وبعضها تشير إلى أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يصدر عنه أمر لأحد معيّن للصلاة بالناس ، فصلاة عمر بالناس بأمر عبد اللّه بن زمعة لا بأمر .

ص: 188


1- مسند أحمد 3 / 300 ، صحيح البخاري 1 / 169 ، سنن أبي داود 1 / 144 ، السنن الكبرى للبيهقي 3 / 79 ، المصنّف لابن أبي شيبة 2 / 224 ، السنن الكبرى للنسائي 1 / 292 ، مسند أبي يعلى 7 / 470 .
2- حاشية السندي على النسائي 2 / 100 .

النبيّ ، وإنّما قال له صلى اللّه عليه وآله : « مر الناس فليصلّوا » (1) ، وكذلك الرواية الأُخرى التي يرويها أحمد عن أنس قال : لمّا مرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مرضه الذي توفّى فيه ، أتاه بلال يؤذّنه بالصلاة ، فقال بعد مرّتين : « يا بلال قد بلّغت ، فمن شاء فليصل ، ومن شاء فليدع » (2) ، فجعل روحي فداه بعد تبليغه وإنكاره عليهم ما عقدوه من جماعة بإمامة أبي بكر أو عمر المشيئة لهم بالصلاة ، أو عدم الصلاة ، كما قال تعالى : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) (3) .

ويدلّ على إنكاره صلى اللّه عليه وآله لفعلهم وإصراره عليه رواية البخاري عن أنس : « إنّ المسلمين بينما هم في الفجر يوم الاثنين ، وأبو بكر يصلّي بهم ، ففاجأهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وقد كشف ستر حجرة عائشة ، فنظر إليهم وهم صفوف ، فتبسّم يضحك ، فنكص أبو بكر على عقبيه ، وظنّ أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يريد أن يخرج إلى الصلاة ، وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحاً بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله حين رأوه ، فأشار بيده أن أتمّوا ، ثمّ دخل الحجرة ، وأرخى الستر ، وتوفّي ذلك اليوم » (4) .

ويتّضح منها : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان في حالة صحّية أفضل من تلك ، وأنّه قام لوحده ورفع الستر ووجه مستنير ، فلماذا لم يخرج ويصلّي جماعة ؟ وقد صلّى قبلها وهو يهادى بين رجلين ، ورجلاه تخطّان في الأرض ؟! فإن كان هناك حريص على الجماعة كما تزعمون ، فيجب أن يكون هنا أحرص كما هو واضح ، وإن كان بتلك الحالة يقصد التنبيه إلى إنكاره إمامة أبي بكر للناس ، فهنا الدلالة أوضح ، لأنّه يستطيع الصلاة معهم ولم يصل . .

ص: 189


1- مسند أحمد 6 / 34 ، الطبقات الكبرى 2 / 220 ، تاريخ مدينة دمشق 30 / 263 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 175 .
2- مسند أحمد 3 / 202 ، مجمع الزوائد 5 / 181 ، مسند أبي يعلى 6 / 264 ، شرح نهج البلاغة 6 / 44 ، كنز العمّال 7 / 262 .
3- الكهف : 29 .
4- صحيح البخاري 2 / 60 .

وكذلك نكوص أبي بكر ، وافتتان الناس واضطرابهم ، بل يصفهم في رواية : حتّى وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم ... ، ولم يفهموا رضا النبيّ صلى اللّه عليه وآله على حالهم كما يزعمون ، وإلّا لما نكص وتأخّر أبو بكر لمّا وجد من قدرة النبيّ صلى اللّه عليه وآله على أداء الصلاة ، ولكن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد بيّن سابقاً ، وأنكر عليهم تلك الصلاة ، وهم بقوا على ما هم عليه مصرّين ، فبيّن لهم إنكار فعلهم بترك الصلاة معهم ، وهو قادر على الأداء ، أرخى الستر ومات من يومه صلى اللّه عليه وآله ، فماذا بعد الحقّ إلّا الضلال ؟

ولكلامي هذا شاهد في عزل النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأبي بكر في حياته صلى اللّه عليه وآله ، فقد روى سهل بن سعد الساعدي : « أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بلّغه أنّ بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء ، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يصلح بينهم في أُناس معه ، فحبس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وحانت الصلاة ، فجاء بلال إلى أبي بكر فقال : يا أبا بكر إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قد حبس ، وقد حانت الصلاة ، فهل لك أن تؤم الناس ؟ قال : نعم إن شئت ، فأقام بلال ، وتقدّم أبو بكر ، فكبّر للناس ، وجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يمشي بين الصفوف حتّى قام في الصفّ ، فأخذ الناس في التصفيق ، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته ، فلمّا أكثر الناس التفت ، فإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فأشار إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يأمره أن يصلّي ، فرفع أبو بكر يديه فحمد اللّه ، ورجع القهقرى وراءه حتّى قام في الصفّ ، فتقدّم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فصلّى بالناس » (1) .

فهذا الحديث يدلّ على جرأة أبي بكر في إمامة الناس دون أمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله أو حتّى علمه ، وإنكار النبيّ لفعله واضح من شقّه للصفوف ، وعدم إسكاته للناس حين صفّقوا ، وأكثروا التصفيق بل فهموا كلّهم ، وفهم أبو بكر بأنّ النبيّ هو الذي يجب أن يصلّي ، وأنّه غير راضٍ بهذه الصلاة ، بل استعان النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالمصلّين في الإنكار على أبي بكر ، ولم يحاول الدخول من بيته كما .

ص: 190


1- صحيح البخاري 2 / 69 .

تعوّد في سائر أحواله ، بل دخل مسرعاً حتّى لا يشغله شاغل في البيت ، ليبيّن إنكاره بصورة مهذّبة كما عوّدنا دائماً .

5 - وممّا يكذّب التعيين ويصطدم معه مسألة اهتمام النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأن يصلّي هو بنفسه ، وعدم استسلامه للمرض الشديد الذي كان يعانيه ، فقد أُغمي عليه ثلاث مرّات ، وفي كلّ مرّة يصرّ على الخروج والصلاة بالناس ، ويتوضّأ حتّى يغمى عليه من شدّة المرض ، ولم يترك ذلك حتّى سمع أصواتهم يصلّون ، فخرج وأنكر ، وفعل ما فعل بصلاته ، وخروجه وهو يهادى بين رجلين ورجلاه تخطّان في الأرض ، وعزله أبا بكر ، بل صلّى قاعداً وبقي المسلمون قائمين ، مع قوله لهم مراراً وتكراراً ، وتطبيقاً : « إنّما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا صلّى قائماً فصلّوا قياماً ، وإن يصلّي جالساً فصلّوا جلوساً ، ولا تقوموا وهو جالس ... » (1) .

وبرّروا هذه المخالفة بقولهم : بأنّ أبا بكر كان مأموماً للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والناس يأتمّون بأبي بكر ، وهذه المخالفة وهذا التبرير أسوأ من الذنب ، إذ لا توجد لدينا في الإسلام صلاة ذات إمامين ، بل ثبت أنّ هناك مخالفتين عند المسلمين في تصرّفهم ذاك ، لا يمكن تأويله أو قبوله .

فينبغي القول : بأنّ المسلمين اختاروا أبا بكر إماماً برغم إنكار النبيّ صلى اللّه عليه وآله لذلك ، كما أنكر إمامة عمر في السابق ، ويأتي أبو بكر بعد ذلك ليقدّمه ، ويجيبه عمر : بأنّك أولى بها منّي ، كما فعلوا في سقيفة بني ساعدة ، حذوَ القذة بالقذةَ ، ويشهد على قولنا هذا ما قاله ابن عمر وابن عباس والإمام علي عليه السلام للمسلمين ، حينما كانوا يبلّغون أحكاماً مخالفة للأحكام الصادرة عن الشيخين ، فيقول ابن عباس : « ألا تخافون أن يخسف اللّه بكم الأرض ، أقول .

ص: 191


1- مسند أحمد 3 / 300 ، صحيح البخاري 1 / 169 ، سنن أبي داود 1 / 144 ، السنن الكبرى للبيهقي 3 / 79 ، المصنّف لابن أبي شيبة 2 / 224 ، السنن الكبرى للنسائي 1 / 292 ، مسند أبي يعلى 7 / 470 .

لكم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وتقولون : قال أبو بكر وعمر » (1) .

ويدلّ أيضاً على تفضيلهم أبا بكر وعمر على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وميلهم لهما ومن دون دليل ، حديث ابن عمر : « كنّا في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله لا نعدل بأبي بكر أحداً ثمّ عمر ثمّ عثمان ، ثمّ نترك أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه وآله فلا نفاضل بينهم » (2) .

وعن ابن عمر أيضاً : « كنّا نقول في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من يكون أولى الناس بهذا الأمر ؟ فنقول : أبو بكر ثمّ عمر » (3) .

وغيرها من أدلّة وافية كافية تدعم ما ذهبنا إليه من ميلهم وانحرافهم عن أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله نحو أبي بكر وعمر .

وأخيراً : فممّا يبطل ذلك الأمر المزعوم هو : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله شدّد وأكّد في إنفاذ جيش أُسامة ، وفيه كلّ شيوخ قريش ، حتّى إنّهم اعترضوا كيف يولّي فتى لم يبلغ مبلغ الرجال على شيوخ قريش ؟ واعترضوا وأبوا أن يخرجوا ، وقرعهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله وهو مريض يشتكي رأسه ، فخرج معصوب الرأس ، مرتقياً المنبر رادّاً عليهم ، فعن ابن عمر قال : أمّر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أُسامة على قوم ، فطعنوا في إمارته ، فقال : « إن تطعنوا في إمارته ، فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله ، وأيم اللّه لقد كان خليقاً للإمارة ... » (4) .

وهذا الحديث يبيّن أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أراد أن يخرج الجميع سوى أهل بيته نفيراً عامّاً ، وأمّر عليهم فتى صغيراً ، وكلّ ذلك قبل أن يمرض النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولكنّهم .

ص: 192


1- الإحكام في أُصول الأحكام لابن حزم 2 / 148 و 4 / 581 و 5 / 650 ، 11 / 355 ، مسند أحمد 1 / 337 ، الشرح الكبير 3 / 239 ، المغني لابن قدامة 3 / 239 ، تذكرة الحفّاظ 3 / 837 ، سير أعلام النبلاء 15 / 243 .
2- صحيح البخاري 4 / 203 ، فتح الباري 7 / 14 ، تحفة الأحوذي 10 / 138 ، الجامع لأحكام القرآن 8 / 148 .
3- فتح الباري 7 / 15 ، المعجم الكبير 12 / 287 .
4- صحيح البخاري 5 / 84 ، صحيح ابن حبّان 15 / 535 ، مسند أحمد 2 / 20 ، صحيح مسلم 7 / 131 .

اعترضوا وأبوا الخروج والانقياد لعبد أسود صغير السنّ ، فمرض النبيّ صلى اللّه عليه وآله قبل أن يخرجوا ، فأخّروا أنفسهم كثيراً ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله يزداد مرضه ، وهو يستصرخهم : « جهّزوا جيش أُسامة ، لعن اللّه من تخلّف عنه » (1) ، حتّى خرجوا ورجعوا ، وخرجوا وعسكروا قريباً من المدينة ، ثمّ أصرّوا على المعصية ، وحدث ما حدث من رجوعهم وتركهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله مسجّى ، وذهبوا ليتآمروا في السقيفة .

فهذه أحوالهم وهذه طاعتهم ، فانظر بإنصاف لقضية الصلاة وبعث أُسامة ، فسترى ما فيهما من تشابه ، وقارن بين إرادة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وإرادة البعض من المسلمين .

ولنا هنا أن نسأل : كيف يأمر النبيّ أبا بكر بالصلاة وهو يعلم أنّه بعثه في جيش أُسامة ؟! ثمّ كيف يكون أبو بكر في المدينة ليؤمّ المسلمين في المسجد ، وهو خارجها معسكراً في سرية أُسامة ؟! .

ص: 193


1- الملل والنحل 1 / 23 .

ص: 194

أبو طالب :

اشارة

« اللواتي - عمان - ... »

هو الحجّة قبل النبيّ :

س : يقول المعصوم عليه السلام : « لولا الحجّة لساخت الأرض » ، ومن المعلوم أنّ الحجّة في يومنا هذا هو الإمام المهدي عليه السلام ، فمن هو الحجّة في الفترة التي قبل أن يكون النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله حجّة ؟

ج : قد جاء في رواياتنا ، أنّ الحجّة قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله هو أبو طالب رضي اللّه عنه .

قال العلّامة المجلسي قدس سره : « وقد أجمعت الشيعة على إسلامه ، وأنّه قد آمن بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله في أوّل الأمر ، ولم يعبد صنماً قط ، بل كان من أوصياء إبراهيم عليه السلام ... » (1) .

ولكنّه كان يعمل بالتقية ، أي لم يظهر أنّه حجّة ، وإلّا لقتل كأهل الكهف .

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان ، وأظهروا الكفر ، فآتاهم اللّه أجرهم مرّتين ، وإنّ أبا طالب أسرّ الإيمان ، وأظهر الشرك ، فآتاه اللّه أجره مرّتين » (2) .

ص: 195


1- بحار الأنوار 35 / 138 .
2- شرح نهج البلاغة 14 / 70 .

« إبراهيم عبد اللّه - السعودية - ... »

آية عدم الاستغفار للمشركين لم تنزل في حقّه :

س : هل صحيح أنّ آية : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ) نزلت في أبي طالب ؟

ج : لا يخفى عليكم : أنّ معاوية بن أبي سفيان انفق الكثير من بيت مال المسلمين في سبيل تزوير الأحاديث ، وتحريف الآيات النازلة في حقّ أهل البيت عليهم السلام ، فوضع في حقّ الإمام علي عليه السلام وأبيه أبي طالب عليه السلام الأراجيف والتهم انتقاماً منهما .

ومن تلك التهم التي وضعها هي : أنّ أبا طالب عليه السلام مات مشركاً ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يستغفر لعمّه ، فنزلت الآية الشريفة لتنهاه عن الاستغفار له ، وذلك من خلال وضع الأحاديث المحرّفة في شأن نزول هذه الآية ، والتي ترويها بعض الكتب السنّية ، منها : ما جاء في « صحيح البخاري » عن ابن المسيّب عن أبيه : إنّ أبا طالب لمّا حضرته الوفاة ، دخل عليه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وعنده أبو جهل ، فقال : أي عم ، قل : لا اله إلّا اللّه ، كلمة أحاج لك بها عند اللّه ، فقال أبو جهل وعبد اللّه بن أبي أُمية : يا أبا طالب ترغب عن ملّة عبد المطّلب ، فلم يزالا يكلّمانه ، حتّى قال آخر شيء كلّمهم به : على ملّة عبد المطلب ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : لاستغفرن لك ما لم أُنه عنه ، فنزلت : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ... ) (1) .

وبهذا المضمون وردت روايات أُخرى بأسانيد مختلفة .

والجواب عن هذه الشبهة ، تارة يقع عن الحديث ، وأُخرى عن الآية .

أمّا الحديث ففيه : إنّ رواته ورواة الأحاديث الأُخرى بين ضعيف ومجهول ومطعون به ، فالروايات إذاً ضعيفة السند ، خصوصاً وأنّ راويها سعيد بن المسيّب ، الذي اختلف فيه اختلافاً كبيراً ، بين التعديل والتجريح ، ومن

ص: 196


1- صحيح البخاري 4 / 247 ، التوبة : 113 .

القادحين فيه ابن أبي الحديد في « نهج البلاغة » (1) ، حيث سلكه في عداد المنحرفين عن علي عليه السلام ، وأنّ في قلبه شيئاً منه .

إذاً كيف نستطيع أن نأخذ حديثاً في قدح علي عليه السلام من شخص متهم عليه ؟

وإذا عرفنا أنّ سعيداً هو القائل : « من مات محبّاً لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وشهد للعشرة بالجنّة ، وترحّم على معاوية ، كان حقيقاً على اللّه أن لا يناقشه الحساب » (2) ، فحينئذ نعرف بعد ما أوضح موقفه من معاوية ، قيمة هذا الحديث الذي وضعه في حقّ أبي طالب عليه السلام .

وأمّا الآية ففيها :

1 - تدلّنا رواية البخاري على أنّ الآية نزلت عند احتضار أبي طالب ، ولكنّا إذا رجعنا إلى نزولها وجدناها مدنية ، فبين وفاة أبي طالب ونزول هذه الآية ، ما يزيد على ثمانية أعوام .

فمجرى الحديث يدلّ على استمرار استغفار الرسول صلى اللّه عليه وآله لعمّه - وهو كذلك - ولم ينقطع إلّا عند نزول هذه الآية : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ ... ) .

وهنا نتساءل : كيف جاز للرسول صلى اللّه عليه وآله أن يستغفر لعمّه في الفترة التي بعد موته حتّى نزول هذه الآية ؟ وكانت قد نزلت على الرسول آيات زاجرة تنهاه ، وتنهى المؤمنين أن يستغفروا للمشركين ، قبل نزول هذه الآية بأمد طويل ، من تلك الآيات قوله : ( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ ) (3) فهل يجوز للرسول صلى اللّه عليه وآله أن يستغفر لعمّه ، ولديه آيات ناهية وزاجرة عن الاستغفار للمشركين ؟

2 - هناك روايات وأقوال تنقض حديث البخاري وغيره في وجه نزول الآية .

على سبيل المثال : .

ص: 197


1- شرح نهج البلاغة 4 / 101 .
2- تاريخ مدينة دمشق 59 / 207 .
3- المجادلة : 22 ، وقوله في سورة النساء : 139 و 144 ، وآل عمران : 28 ، والمنافقون : 6 ، وغيرها .

أ - عن الإمام علي عليه السلام قال : « سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان ، فذكرت ذلك للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فنزلت الآية المذكورة » (1) .

ب - وفي رواية أُخرى : وقال المؤمنون : ألا نستغفر لآبائنا كما استغفر إبراهيم ؟ فنزلت (2) .

3 - اختلف في تفسير الآية ، فالبعض قال : تحمل معنى النفي لا معنى النهي ، أي : أن الآية تنفي عن الرسول أنّه كان يستغفر للمشركين ، لا أنّها تنهاه عن الاستغفار .

إذاً كلّ من استغفر له الرسول فهو مؤمن ما دمنا نقرّ له بالنبوّة والعصمة ، والعمل الحقّ .

4 - لو سلّمنا بحديث البخاري ، فإنّ قول أبي طالب : على ملّة عبد المطّلب ، ليس سوى دليل على إيمانه ، أليست ملّة عبد المطّلب هي الحنفية ، ففي الحقيقة آمن أبو طالب طبقاً لهذه الرواية ، وأنّه أعلن عن إيمانه بشكل تورية ، حتّى لا يشعر به الكفّار من قريش آنذاك .

والخلاصة : إنّ الآية لم تنزل بحقّ أبي طالب عليه السلام ، وإنّه مات مؤمناً لا مشركاً .

« بدر - عمان »

الأدلّة على إيمانه من كتب الفريقين :

س : ما الأدلّة على إسلام أبي طالب ؟

ص: 198


1- الغدير 8 / 12 ، مسند أحمد 1 / 99 و 131 ، الجامع الكبير 4 / 344 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 335 ، فتح الباري 8 / 391 ، مسند أبي يعلى 1 / 458 ، كنز العمّال 2 / 421 ، جامع البيان 11 / 60 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 407 ، الدرّ المنثور 3 / 282 ، فتح القدير 2 / 411 .
2- فتح الباري 8 / 391 ، جامع البيان 11 / 57 ، زاد المسير 3 / 345 ، أسباب نزول الآيات : 178 ، تاريخ مدينة دمشق 66 / 329 .

ج : فقد أجمع علماء الشيعة على إسلام أبي طالب عليه السلام تبعاً لأئمّتهم عليهم السلام .

والأحاديث الدالّة على إيمانه والواردة عن أهل بيت العصمة كثيرة ، وقد جمعها العلماء في كتب مفردة ، وكان من الكتب الأخيرة : « منية الراغب في إيمان أبي طالب » للشيخ الطبسي .

وقد أُلّف في إثبات إيمانه الكثير من الكتب ، من السنّة والشيعة على حدّ سواء ، وقد أنهاها بعضهم إلى ثلاثين كتاباً ، ومنها كتاب : « أبو طالب مؤمن قريش » للأُستاذ عبد اللّه الخنيزي .

هذا عدا البحوث المستفيضة المبثوثة في ثنايا الكتب والموسوعات ، ونخصّ بالذكر هنا ما جاء في كتاب « الغدير » للعلّامة الأميني قدس سره في الجزء السابع والثامن منه .

وقد نقل العلّامة الأميني عن جماعة من أهل السنّة : أنّهم ذهبوا إلى ذلك أيضاً ، وكتبوا الكتب والبحوث في إثبات ذلك ، كالبرزنجي في « أسنى المطالب » ، والاجهوري ، والاسكافي ، وأبي القاسم البلخي ، وابن وحشي في شرحه لكتاب : « شهاب الأخبار » ، والتلمساني في « حاشية الشفاء » ، والشعراني ، وسبط ابن الجوزي ، والقرطبي ، والسبكي ، وأبي طاهر ، والسيوطي ، وغيرهم .

بل لقد حكم عدد منهم كابن وحشي ، والاجهوري ، والتلمساني بأنّ من أبغض أبا طالب فقد كفر ، أو من يذكره بمكروه فهو كافر (1) .

بعض الأدلّة على إيمان أبي طالب :

1 - ما روي عن الأئمّة عليهم السلام والنبيّ صلى اللّه عليه وآله ممّا يدلّ على إيمانه ، وهم أعرف بأمر كهذا من كلّ أحد .

2 - نصرته للنبيّ صلى اللّه عليه وآله وتحمّله تلك المشاق والصعاب العظيمة ، وتضحيته .

ص: 199


1- أُنظر : الغدير 7 / 381 .

بمكانته في قومه ، وحتّى بولده ، أكبر دليل على إيمانه .

3 - استدلّ سبط ابن الجوزي على إيمانه ، بأنّه لو كان أبو طالب كافراً ، لشنّع عليه معاوية وحزبه ، والزبيريون وأعوانهم ، وسائر أعداء الإمام علي عليه السلام (1) .

4 - تصريحاته وأقواله الكثيرة جدّاً ، فإنّها كلّها ناطقة بإيمانه وإسلامه ، ومنها أشعاره التي عبّر عنها ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله : « فكلّ هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر ، لأنّه لم تكن آحادها متواترة ، فمجموعها يدلّ على أمر مشترك ، وهو تصديق محمّد صلى اللّه عليه وآله ومجموعها متواتر » (2) .

5 - قد صرّح أبو طالب في وصيّته بأنّه كان قد اتخذ سبيل التقية في شأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأنّ ما جاء به الرسول صلى اللّه عليه وآله قد قبله الجنان وأنكره اللسان مخافة الشنآن .

وأوصى قريشاً بقبول دعوة الرسول ، ومتابعته على أمره ، ففي ذلك الرشاد والسعادة (3) .

6 - ترحّم النبيّ صلى اللّه عليه وآله عليه ، واستغفاره له باستمرار ، وحزنه عليه عند موته ، وواضح أنّه لا يصحّ الترحم إلّا على المسلم .

7 - وبعد كلّ ما تقدّم نقول : إنّ إسلام أيّ شخص أو عدمه ، إنّما يستفاد من أُمور أربعة :

أ - من مواقفه العملية ، ومواقف أبي طالب قد بلغت الغاية التي ما بعدها غاية في الوضوح والدلالة على إخلاصه وتفانيه في الدفاع عن هذا الدين .

ب - من إقراراته اللسانية بالشهادتين ، ويكفي أن نشير إلى ذلك القدر الكثير منها في شعره في المناسبات المختلفة .

ج - من موقف النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله منه ، فالموقف المرضي ثابت منه صلى اللّه عليه وآله تجاه .

ص: 200


1- أبو طالب مؤمن قريش : 274 ، عن تذكرة الخواص : 11 .
2- شرح نهج البلاغة 14 / 78 .
3- روضة الواعظين : 140 ، الغدير 7 / 366 .

أبي طالب على أكمل وجه .

د - من إخبار المطّلعين على أحواله عن قرب وعن حسّ ، كأهل بيته ، ومن يعيشون معه ، وقد قلنا : إنّهم مجمعون على ذلك .

بل إنّ نفس القائلين بكفره لمّا لم يستطيعوا إنكار مواقفه العملية ، ولا الطعن بتصريحاته اللسانية حاولوا : أن يشبّهوا على العامّة بكلام مبهم لا معنى له ؛ فقالوا : إنّه لم يكن منقاداً !!

ومن أجل أن نوفي أبا طالب بعض حقّه ، نذكر بعض ما يدلّ على إيمانه ، ونترك سائره ، وهو يعدّ بالعشرات ، لأنّ المقام لا يتّسع لأكثر من أمثلة قليلة معدودة ، وهي :

1 - قال العباس : يا رسول اللّه ، ما ترجو لأبي طالب ؟ قال : « كلّ الخير أرجوه من ربّي » (1) .

2 - قال ابن أبي الحديد : « روي بأسانيد كثيرة ، بعضها عن العباس بن عبد المطّلب ، وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة : أنّ أبا طالب ما مات حتّى قال : لا إله إلّا اللّه ، محمّد رسول اللّه » (2) .

3 - كتب أمير المؤمنين عليه السلام رسالة مطوّلة لمعاوية جاء فيها : « ليس أُمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطّلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق » (3) .

فإذا كان أبو طالب كافراً ، وأبو سفيان مسلماً ، فكيف يفضّل الكافر على المسلم ، ثمّ لا يردّ عليه ذلك معاوية بن أبي سفيان ؟! .

ص: 201


1- كنز العمّال 12 / 82 و 153 ، الغدير 7 / 373 و 386 ، الطبقات الكبرى 1 / 125 ، تاريخ مدينة دمشق 66 / 336 ، أنساب الأشراف : 25 .
2- خصائص أمير المؤمنين : 38 ، شرح نهج البلاغة 14 / 71 ، الغدير 7 / 369 .
3- شرح نهج البلاغة 3 / 17 و 15 / 117 ، الغدير 3 / 254 ، وقعة صفّين : 471 ، الإمامة والسياسة 1 / 138 ، المناقب : 256 .

4 - ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قوله : « إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأُمّي ، وعمّي أبي طالب ، وأخ لي كان في الجاهلية » (1) .

5 - وعنه صلى اللّه عليه وآله أيضاً : « إنّ اللّه عزّ وجلّ قال له على لسان جبرائيل : حرّمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك » .

أمّا الصلب فعبد اللّه ، وأمّا البطن فآمنة ، وأمّا الحجر فعمّه - يعني أبا طالب ، وفاطمة بنت أسد - وبمعناه غيره مع اختلاف يسير (2) .

« ... - السعودية - ... »

كذب حديث الضحضاح :

س : ما هو رأيكم حول حديث الضحضاح ، وهو ما نقله بعض كتب العامّة مستدلاً به على عدم إيمان أبي طالب ، وهو كالآتي : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن أبي طالب : « وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح » أو : « لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة ، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه » (3) ؟

ج : هذا الحديث مردود وغير مقبول سنداً ودلالة لأمرين :

الأوّل : رواة هذا الحديث ضعفاء في غاية الضعف ، وهم سفيان بن سعيد الثوري ، وعبد الملك بن عمير ، وعبد العزيز بن محمّد الدراوردي ، وهم بين مدلّس ، وسيء الحفظ ، وضعيف ، وكثير الغلط ، ومخلّط و ... (4) .

إذاً ، هذا الحديث ساقط من حيث السند ، ولا يمكن الاستدلال به على المدّعى .

ص: 202


1- الغدير 7 / 378 ، تاريخ مدينة دمشق 66 / 340 ، الإصابة 7 / 203 .
2- الكافي 1 / 446 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 703 ، روضة الواعظين : 67 ، الجواهر السنية : 218 ، الغدير 7 / 378 ، ينابيع المودّة 2 / 331 .
3- صحيح مسلم 1 / 135 ، المستدرك على الصحيحين 4 / 581 .
4- ميزان الاعتدال 2 / 169 و 660 و 633 .

الثاني : مضمون هذا الحديث يصطدم مع دلالة عشرات الأحاديث والأخبار التي تصرّح وتشير إلى إيمان أبي طالب عليه السلام ، وبهذا تسقط دلالته عن الحجّية لأجل التعارض المذكور .

وبالجملة : فالحديث المذكور هو من وضع النواصب ، يظهرون به حقدهم للنيل من شخصية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، فلو كان أبو طالب عليه السلام أباً لأحد خلفاء الجور لم تثار حوله هذه التهم والأكاذيب .

والذي نرويه في أبي طالب : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال على جنازته : « وصلت رحماً وجزيت خيراً يا عم ، فلقد ربّيت ، وكفلت صغيراً ، ونصرت وأزرت كبيراً » (1) ، وتألّم كثيراً على موته .

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « يا يونس ما يقول الناس في إيمان أبي طالب » ؟ قلت : جعلت فداك يقولون : هو في ضحضاح من نار يغلي منها أُمّ رأسه ، فقال : « كذب أعداء اللّه ، أنّ أبا طالب من رفقاء النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أُولئك رفيقا » (2) .

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كان جالساً في الرحبة ، والناس حوله ، فقام إليه رجل فقال له : يا أمير المؤمنين إنّك بالمكان الذي أنزلك اللّه ، وأبوك معذّب في النار ، فقال له : « مه ، فضَّ اللّه فاك ، والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً ، لو شفع أبي في كلّ مذنب على وجه الأرض لشفّعه اللّه ، أبي معذّب في النار وابنه قسيم الجنّة والنار ، والذي بعث محمّداً بالحقّ إنّ نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلائق إلّا خمسة أنوار ، نور محمّد ونور فاطمة ، ونور الحسن والحسين ، ونور ولده من الأئمّة ، إنّ نوره من نورنا ، خلقه اللّه من قبل خلق آدم بألفي عام » (3) .

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام قيل له : إنّ الناس يزعمون أنّ أبا طالب في .

ص: 203


1- شرح الأخبار 2 / 557 ، إعلام الورى 1 / 282 .
2- كنز الفوائد : 80 .
3- الأمالي للشيخ الطوسي : 305 و 702 .

ضحضاح من نار ، فقال : « كذبوا ، ما بهذا نزل جبرائيل على النبيّ صلى اللّه عليه وآله » ، قلت : وبما نزل ؟ قال : « أتى جبرائيل في بعض ما كان عليه ، فقال : يا محمّد إنّ ربّك يقرؤك السلام ، ويقول لك : إنّ أصحاب الكهف اسرّوا الإيمان واظهروا الشرك ، فآتاهم اللّه أجرهم مرّتين ، وإنّ أبي طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك ، فأتاه أجره مرّتين ، وما خرج من الدنيا حتّى أتته البشارة من اللّه تعالى بالجنّة » .

ثمّ قال عليه السلام : « كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرائيل ليلة مات أبو طالب : يا محمّد أخرج عن مكّة ، فما لك بها ناصر بعد أبي طالب » (1) .

فهل من الصحيح أن نصدّق هؤلاء الرواة الكذّابين والمدلّسين في روايتهم هذه ؟ ونكذّب أهل البيت عليهم السلام الذين طهّرهم اللّه تطهيراً ؟

« محمّد - ... - ... »

ردّ بعض التهم الموجّهة إليه :

س : ما تقولون حول هذه الآية : ( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) (2) .

فقد زعم بعض العامّة أنّها نزلت في أبي طالب ، إذ كان هو يمنع الأذى عن الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ولكن في نفس الوقت لم يؤمن به ، وهذا الإدعاء جاء في كتبهم اعتماداً على بعض الروايات (3) ؟

ج : هذا أيضاً من المزاعم المكذوبة في سبيل دعم الباطل ، ولا يبتني على هذا

ص: 204


1- بحار الأنوار 35 / 112 .
2- الأنعام : 26 .
3- المستدرك على الصحيحين 2 / 315 ، مجمع الزوائد 7 / 20 ، المعجم الكبير 12 / 104 ، جامع البيان 7 / 228 ، أسباب نزول الآيات : 144 ، الجامع لأحكام القرآن 6 / 406 تفسير القرآن العظيم 2 / 123 ، الدرّ المنثور 3 / 8 ، فتح القدير 2 / 108 ، الطبقات الكبرى 1 / 123 ، تاريخ مدينة دمشق 66 / 323 ، الإصابة 7 / 197 ، أنساب الأشراف : 26 ، البداية والنهاية 3 / 155 ، سبل الهدى والرشاد 2 / 431 .

أيّ أساس علمي متين ، فإنّ الرواية المزعومة في الموضوع هي مرسلة فلا تكون حجّة ، هذا أوّلاً .

ثانياً : إنّ الرواة المذكورين في الرواية لا يمتلكون المواصفات اللازمة للوثاقة ، فحبيب بن أبي ثابت كان مدلّساً ، ومغموزاً ، ولا يتابع على أحاديثه (1) .

وسفيان الثوري أيضاً كان مدلّساً ، ويكتب عن الكذّابين (2) ، ثمّ مع هذا هل يبقى أدنى شكّ في كذب الحديث ؟!!

ثالثاً : ورد عن ابن عباس بعدّة طرق ، ما يدلّ على أنّ الآية نزلت في حقّ مطلق المشركين بنحو عامّ ، وأيضاً جاء هذا التفسير الصحيح للآية عن الآخرين (3) .

وبهذا يظهر القول الفصل في الآية ، ويفنّد مزاعم الكذّابين .

رابعاً : الظهور الأوّلي المتبادر من الآية بغض النظر عن الروايات والتفاسير - هو أنّ الفعلين المذكورين في الآية ينهون وينأون على نمط واحد في جهة الإيجاب أو السلب ، فلا يتبادر من الآية أنّ الفعل الأوّل - ينهون - هو أمر إيجابي ومطلوب ، وفي نفس الوقت الفعل الثاني ينأون مذموم ومردود ، بل الاثنان هما من طبيعة عمل الكفّار في قبال الإسلام والنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهذا ما يؤيّده أيضاً سياق الآيات السابقة عليها ، إذ تصرّح بأنّ موضوع الآية هم الكفّار .

خامساً : إنّ الرواية المزعومة متعارضة مع الأدلّة الصريحة على إيمان أبي طالب ، فيسقط الحديث المذكور عن الحجّية . .

ص: 205


1- الثقات 4 / 137 ، التبيين لأسماء المدلّسين : 19 ، تهذيب التهذيب 2 / 157 ، طبقات المدلّسين : 37 ، تقريب التهذيب 1 / 183 .
2- تهذيب التهذيب 4 / 102 ، الجرح والتعديل 4 / 225 ، طبقات المدلّسين : 32 ، تقريب التهذيب 1 / 371 .
3- جامع البيان 7 / 227 ، أسباب نزول الآيات : 144 ، الجامع لأحكام القرآن 6 / 405 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 132 ، الدرّ المنثور 3 / 9 ، تفسير الثعالبي 2 / 454 ، البداية والنهاية 3 / 155 ، السيرة النبوية لابن كثير 2 / 131 .

ص: 206

أبو هريرة :

اشارة

« محمود عبد إبراهيم - ... - ... »

مناقضته لصريح الكتاب في خلق السماوات والأرض :

س : عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « خلق اللّه عزّ وجلّ التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبثّ فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة ، في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة ، فيما بين العصر إلى الليل » (1) ، أخرجه مسلم ، فكيف تقولون ستّة أيام ؟

حيث ورد ذلك في موقعكم في كتاب : أين سنّة الرسول ؟ للمحامي أحمد حسين يعقوب : لقد فشلت الموازين التي أوجدها علماء دولة الخلافة ، فحديث خلق اللّه السماوات والأرض في سبعة أيّام صحيح حسب كلّ موازين علماء دولة الخلافة ، فقد قال أبو هريرة : بأنّ الرسول قد أخذ بيده وقال له ! وإسناده من أوّله إلى آخره صحيح حسب موازينهم ، ورجاله كلّهم ثقات حسب موازينهم ، وأبو هريرة صحابي ، ومن العدول حسب تلك الموازين ، ومن المحال عقلاً أن يكذّب على رسول اللّه ؟ حسب الموازين اللّه سبحانه تعالى يؤكّد في أكثر من آية محكمة ، أنّه قد خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام ، والرسول لا ينطق عن الهوى ، بل يتبع ما يوحى إليه من ربّه ، فمن نصدّق حسب رأيكم ؟ هل نصدّق القرآن ؟ أو نصدّق موازينكم !!

ص: 207


1- صحيح مسلم 8 / 127 .

وهل يعقل أن يناقض الوحي نفسه !! ومعنى ذلك أنّ الخلل يكمن في الموازين لا في الدين !! (1) ، الرجاء الإجابة .

ج : إنّ الحديث المروي عن أبي هريرة ظاهر وصريح في تعداد سبعة أيّام ، بالأخصّ عند ملاحظة أنّه ينصّ على ذكر الأيّام ، فيقول : خلق اللّه التربة يوم السبت ، وخلق ... يوم الأحد ، وخلق ... يوم الاثنين ، وخلق ... يوم الثلاثاء ، وخلق ... يوم الأربعاء ، وبثّ ... يوم الخميس ، وخلق ... يوم الجمعة ... ، فكلّ من له أدنى معرفة بالحساب ، وبأوّليات اللغة العربية يدرك جيّداً ، أنّ المراد في الحديث سبعة أيّام .

ويؤيّد مدّعانا ما وقع فيه علماء الحديث ، من خلط وخبط في معنى الحديث ، ولو كان ما ذكرتموه من التأويل له أدنى وجه ، لنصّوا عليه وتخلّصوا من سائر الإشكالات والتوجيهات التي ذكروها ، لا لشيء ، بل لالتزامهم بصحّة كلّ ما ورد في صحيح مسلم .

قال ابن كثير : « وهذا الحديث من غرائب صحيح مسلم ، وقد تكلّم عليه علي بن المديني ، والبخاري ، وغير واحد من الحفّاظ ، وجعلوه من كلام كعب ، وأنّ أبا هريرة إنّما سمعه من كلام كعب الأحبار ، وإنّما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعاً ، وقد حرّر ذلك البيهقي » (2) .

وقال المتّقي الهندي : « وقد تكلّم علماء الحديث حول هذا الحديث ما خلاصته : ذكر ابن القيّم في كتابه المنار المنيف فصل 19 ، صفحة 153 ، ما يلي :

ويشبه هذا ما وقع فيه الغلط من حديث أبي هريرة : خلق اللّه التربة يوم السبت ... ، ولكن وقع الغلط في رفعه ، وإنّما هو من قول كعب الأحبار ، كذلك قال إمام أهل الحديث : محمّد بن إسماعيل البخاري في تاريخه الكبير .

ص: 208


1- أين سنّة الرسول : 404 .
2- تفسير القرآن العظيم 1 / 72 .

1 / 413 ، وقاله غيره من علماء المسلمين أيضاً ، وهو كما قالوا ، لأنّ اللّه أخبر أنّه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستّة أيّام ، وهذا الحديث يقتضي أنّ مدّة التخليق سبعة أيّام ، واللّه أعلم » (1) .

« علي حسن لاري - البحرين - 15 سنة - طالب ثانوية » ضرب عمر له في مصادر سنّية :

س : من المسلّمات أنّ أبا هريرة كان من الذين كذّبوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لأُمور دنيوية ، كما ممّا لاشكّ فيه : أنّ عمر ضرب أبا هريرة على ذلك ، فهل لنا بمصادر هذه الأُمور من كتب إخواننا أهل السنّة ؟

ج : هناك الكثير من كتب أهل السنّة ذكرت ذلك ، منها : « العقد الفريد » ، حيث جاء فيه : « ثمّ قام إليه بالدرّة فضربه حتّى أدماه ... » (2) ، « الإصابة » (3) ، « شرح نهج البلاغة » (4) ، وغيرها من المصادر السنّية الأُخرى (5) . .

ص: 209


1- كنز العمّال 6 / 127 .
2- العقد الفريد 1 / 44 .
3- الإصابة 1 / 75 .
4- شرح نهج البلاغة 4 / 67 و 16 / 165 .
5- - أُنظر : أضواء على السنّة المحمدية : 201 و 218 ، شيخ المضيرة أبو هريرة : 80 .

ص: 210

الاجتهاد والتقليد :

اشارة

« الهادي - ... - ... »

باب مفتوح ومن هنا ينشأ الاختلاف :

س : لاشكّ في أنّ فقهائنا يستنبطون الأحكام عن الكتاب والسنّة ، وعليه فلماذا هذه الاختلاف في الفتاوى ؟ بحيث ربما يوجب مشاكل للناس ، كالاختلاف في العيد ، وفي أوّل الشهر ، وفي ذبح الحيوانات بالسكين ، بأنّه هل يلزم أن تكون الآلة حديداً أو يجوز بغيره ؟ أجيبونا مشكورين .

ج : بعد الإيمان باللّه تعالى ، وأنّ له أنبياء ورسل أُنزلت عليهم شرائع ، وسنّت فيها للبشرية قوانين ، وهذه القوانين فيها توضيح لمنهج الحياة الفردية والاجتماعية ، وفيها أوامر ونواهي يلزم على المكلّفين الأخذ بها ، فإذا كان النبيّ صلى اللّه عليه وآله حاضراً فالمكلّف يرجع إليه ، أو إلى نائبه لأخذ الحكم الشرعي منه ، كذلك بعد رحيله صلى اللّه عليه وآله يرجع المكلّف إلى أوصيائه - وهم الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السلام ، أو نوّابهم - .

ولكن بعد أن غاب الإمام الثاني عشر عليه السلام غيبة كبرى ، أرجع الناس إلى الفقهاء العارفين بالأحكام والمستخرجين لها من الأدلّة التي ذكرها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأهل بيته عليهم السلام ، أو الاجتهاد في تحصيل الحكم الشرعي عن طريق القواعد الكلّية التي طرحت على لسان النبيّ وأوصيائه عليهم السلام .

وبما أنّ الإرجاع لم ينحصر في فرد معيّن ، وإنّما صار الإرجاع إلى وصف معيّن وهم الفقهاء العارفين بالأحكام ، فكلّ من تواجد فيه هذا الوصف رجع إليه في معرفة الحكم الشرعي ، وعلى ضوء هذا الوصف يتعدّد الموصوف ، أي

ص: 211

يتعدّد الفقهاء العارفين بأحكام أهل البيت عليهم السلام .

وبما أنّ الأذهان مختلفة والأذواق الفقهية متفاوتة ، والنظر إلى الأحكام الشرعية أو القواعد المطروحة متفاوتات ، فمن الطبيعي يحصل التفاوت بين الفقهاء في الفتوى ، ويحصل الاختلاف في الاجتهاد ، وهو كلّه دين بالنسبة إلى المكلّف ، ملزم بالرجوع والأخذ عنه ؛ لأنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام أمروا بذلك ، وهم أعلم وأعرف بالاختلافات وحصولها بين الفقهاء ، ومع ذلك الزمونا بالرجوع إليهم .

وأمّا مسألة حصول مشاكل فهذه تحلّ بتحديد الفقيه الذي يرجع إليه المكلّف ، وهو المطلوب لا غير ، والتزام فتاواه والأخذ بها ، وبالتالي لا توجد أيّ مشكلة بالنسبة إليه مادام هو آخذ عن فقيه واحد ، وعالم واحد .

نعم لو عمل بالاحتياط مع معرفة طرقه يلزم فيه مشقّة وجهد ؛ لأنّ الفتاوى مختلفة ومتفاوتة ، وفي بعض الأحيان تكون على طرفي نقيض ، فإنّ مثل هذا الشخص يقع في مشكلة التعامل مع الفتاوى ، ومع ذلك توجد هناك طرق وقواعد كلّية يستطيع من خلالها معرفة الاحتياط وكيفية العمل به ، وكيفية التخلّص من المشاكل التي تواجهه حين العمل به .

وأمّا المقلّد فقد ذكرنا بأنّه مادام ملزم بالأخذ من فقيه واحد - على تفصيل ليس هنا محلّه - فلا يقع في أيّ محذور ، ولا توجد لديه أيّ مشكلة .

« أبو علياء - البحرين - ... »

تقليد فقيه معيّن لا يتنافى مع حرّية الفرد :

س : نحن نعلم : بأنّ التقليد في المذهب الشيعي أمر ضروري ، حيث تمّ النصّ عليه من قبل الإمام الحجّة عليه السلام ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : لماذا يجب على المقلّد أن يلتزم بتقليد فقيه معيّن ؟ ولا يحقّ له الرجوع إلى فقيه آخر ، مادام ذلك الفقيه حيّ يرزق ؟

ص: 212

ألا تعتقد بأنّه نوع من التسلّط على حرّية الفرد ؟ وإلغاء بند من بنود حرّية الفرد ؟

ج : ليس هناك دكتاتورية في توحيد الفقيه الذي يجب تقليده ، وإنّما المسألة يفرضها الشرع والعقل معاً ؛ فإنّ الشارع المقدّس أمر بالرجوع إلى الفقيه ، أي إلى من توفّرت فيه القدرة على الاستنباط ، هذا من جهة .

ومن جهة أُخرى تعدّد لدينا الفقهاء ، واختلفوا فيما بينهم في الفتوى ، فما هو موقف المكلّف في هذه الحالة ؟

إنّ العقلاء في مثل هذه الحالة يسيرون بسيرتهم المأخوذة من عقلائيتهم ، وهي الرجوع إلى فقيه واحد ، وهذا الفقيه هو الأعلم والأكثر خبرة من غيره من الفقهاء ؛ حتّى نطمئن بامتثال الحكم الشرعي ؛ لأنّنا ملزمون به ، هذا من جانب .

ومن جانب آخر نتخلّص من مسألة الفوضى التي نقطع بعدم رضا الشارع بها ، والتحيّر الذي لا يريده اللّه ورسوله .

فمسألة تقليد فقيه واحد لا تعني الدكتاتورية أو التقييد في الحرّية ، بل مسألة يفرضها العقل والشرع ، وهي تتماشى مع الحرّية ولا تنافيها ؛ لأنّ الحرّية لا تعني الفوضى ، تعني إطلاق إمكانات الفرد لكن ضمن حدود وقيود تفرضها نفسها ، أو يفرضها العمل الذي تقوم به .

فافرض أنّ الفرد حرّ ، لكن نفس الحرّية تفرض عليه بأن يراعي حقوق الآخرين ولا يتجاوزها ، وإلّا أصبحت ظلماً وتعدّياً ، وبالتالي وقع التنازع وصار تقاتل بين الحرّيات ، فانقلب الحال من مسألة إطلاق حرّية الفرد إلى قتلها وإلغائها بالمرّة ، وهذا خلف ما تمليه الحرّية .

فإذاً لابدّ من ممارسة الحرّية لكن ضمن حدودها المعقولة ، ونطاقها المعيّن الذي تفرض نفسها فيه .

ص: 213

« صالح - تونس - ... »

عشرة أسئلة في أحكام التقليد :

س : لازلت أطلع على آراء أهل البيت عليهم السلام ، وكلّ مرّة أتعرّض لإشكال ، ويبدو أنّ هذا المذهب فيه عديد من الإشكالات ، وقد تصدق الرواية : « إنّ أمرنا صعب مستصعب ... » ، فبقدر ما يطّلع أكثر بقدر ما تزيد أسئلته واستفهاماته ، فتسقط بعض القناعات ، وتتثبت الأُخرى ، وتنتظر البقية .

أرجو سيّدي أن تجيبوني على الأسئلة التالية مأجورين :

1 - هل التقليد مسألة ثقافية أم عقائدية ؟ أم من مسلّمات المذهب أم ماذا ؟

2 - متى ظهر التقليد كمبحث ، ومن أوّل من بحث فيه ؟

3 - متى ظهر العمل بالرسائل العملية ، ومن هو أوّل من وضع رسالة عملية ؟

4 - متى ألحق مبحث التقليد في الرسائل الفقهية ؟

5 - بماذا وكيف كان يتعبّد اللّه قبل ظهور الرسائل العملية والتقليد ؟

6 - إذا كان لابدّ للمكلّف غير المجتهد من التقليد ، لماذا لا يأخذ الحكم أو الفتوى من أيّ مرجع ؟ لأنّ الغاية هو اتباع شرع اللّه ، بحيث يكون عمله موافقاً للشريعة ؟

7 - كلّ المراجع تقول : إنّ رسائلهم مبرئة للذمّة ، إذا عمل العامي المطابق لإحدى الرسائل ، أو الفتاوى مبرئ للذمّة ، وحين يوم القيامة نقول : اللّهم لقد اتبعت فلان الذي شهد بعلمه الكثير ، لا أعتقد أنّ اللّه سبحانه سيقول : لقد أضلّك فلان ، وسيسأله لماذا لن تتبع زيد أو عمرو ؟

8 - نقول بلزوم التقليد إلّا ما كان من الضروريات ، فما المقصود ؟

9 - ما المقصود بمسلّمات ، ماذا لو خرج عليها المكلّف أو العالم ؟

10 - إحدى الرسائل العملية تقول : إنّ إحراز الامتثال للتكاليف الإلزامية يتحقّق بأحد أُمور : اليقين التفصيلي ، الاجتهاد ، التقليد ، الاحتياط ، و ... ، ما المقصود باليقين التفصيلي ؟ وما هي الضروريات التي ينحصر فيها ؟

ج : إنّ رأي الشيعة واضح في كلّ موضوع ومسألة ، وليس فيه أي تعقيد أو إشكال ، نعم قد يرد على البعض في بادئ الأمر موارد يحتاج فيها إلى بحث

ص: 214

وفحص ، وهذه لا تعتبر إشكالاً على آراء الطائفة ، بل غاية الأمر إنّما هي شكوك ترتفع بالسؤال من ذوي الخبرة وأهل العلم ، ولا تضرّ ولا تمسّ أصل العقيدة ، بعدما ثبتت بالأدلّة والبراهين .

وأمّا أسئلتكم فنجيب عليها بالترتيب كما يلي :

1 - إنّ موضوع التقليد الذي هو مسألة فقهية ولو لم يكن من مسلّمات المذهب والعقيدة ، ولكن لا يقلّل هذا من شأنه ، بعدما ثبت بالأدلّة العقلية - فضلاً عن النقلية - أنّ التقليد طريق علمي وحيد لمعرفة الأحكام لغير المجتهد والمحتاط .

2 - كانت عملية التقليد ولو في مستويات خفيفة - موجودة ودائرة عند عامّة الشيعة ، حتّى في زمن الأئمّة عليهم السلام لمن لم يتمكّن من الحضور عندهم ، فكان يراجع المحدّثين وعلماء المذهب ، لتلقّي معارف أهل البيت عليهم السلام ، وأحكام الدين .

نعم ، قد ظهر هذا الأمر على العيان ، بعد الغيبة الكبرى للإمام الحجّة عليه السلام ، وخصوصاً بعد غلبة الخطّ الأُصولي على طريقة الإخباريين في الحوزات العلمية ، لكثرة الحاجة إليه ، وازدياد فروع الأحكام في الحياة ، ومحدودية النصوص الموجودة .

3 - وكما قلنا ، فليس في الموضوع مبدأ زمني محدّد ، بل الأمر كان من العهود الماضية ، بصيغ وشكليّات مختلفة ، إلى أن انتهى في عصرنا بهذه الكيفية من الرسائل العملية .

4 - التقليد هو مفتاح العمل بالأحكام الموجودة في الرسالة ، فينبغي أن تذكر مسائله دائماً في مقدّمتها ، لتسهيل الأمر على المكلّفين .

نعم ، قد لم يذكر هذا الموضوع في بعض الرسائل العملية في الأزمنة السابقة ، وذلك اعتماداً منهم على أنّ الأمر مفروغ عنه ، ومتسالم عليه ، وإلّا فكيف تتمّ حجّية فتاوى وآراء المجتهدين للمكلّفين بغير التقليد ؟

5 - أحكام العبادات والمعاملات في زمان غيبة المعصوم لا سبيل إلى

ص: 215

تصحيحها بغير الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط ، وكما قلنا فإنّ الحاجة إلى التقليد كانت ولا تزال قائمة ، وعليه ، فإنّ عملية التقليد والرجوع إلى العلماء ، ومراجعة فتاواهم ليس أمراً مستحدثاً ، بل يتزامن مع حاجة المكلّفين إلى معرفة دينهم وأحكامه .

6 - إنّ تقليد الأعلم من المجتهدين مسألة أُصولية ، تبحث وتدرس في مظانّها ، ولا يمكننا التوغّل فيها في هذا المختصر .

وبإجمال نقول : إنّ المتيقّن من حجّية قول المجتهدين ، هو قول الأعلم ، وأمّا غير الأعلم - وإن كان مجتهداً - لا يكون رأيه حجّة على الآخرين ، ولو أنّه يجب عليه أن يعمل مطابقاً لما يراه .

ودليل المقام هو : عدم ورود خطاب لفظي حتّى يؤخذ بإطلاقه ، فيكون رأي كلّ مجتهد حجّة ، بل الدليل في المسألة دليل عقلي ، فيجب أن نكتفي بالقدر المتيقّن أي المقدار الأقلّ المتيقّن من دلالة الدليل - وهو رأي الأعلم .

وفي المسألة آراء وأقوال ، وأخذ ورد لا يسعنا التطرّق إليها ، وما ذكرناه هو رأي المحقّقين فيها .

وبعبارة أُخرى : إنّ التقليد هو عبارة عن رجوع غير المختصّ إلى ذوي الاختصاص ، وهذا لا يختصّ في الفقه ، بل بجميع مراحل الحياة ، حيث يرجع كلّ منّا في شتّى المجالات إلى ذوي الاختصاص والخبرة ، والعقل يحكم بالرجوع إلى الأعلم منهم ، والأكثر اختصاصاً ، والأدقّ خبرة .

7 - نعم ، بما أنّ المجتهد يرى نفسه أهلاً لتقليد الغير ، فيحكم ببراءة ذمّة المقلّد بالعمل برسالته ، ولكن الكلام في وجه عمل المقلّد في ترجيح هذا أو ذاك ، وبحسب الدليل العقلي يجب عليه أن يبحث عن الأعلم ، حتّى يجوز له العمل على رأيه .

ثمّ إنّ كان فحصه هذا وفقاً للأساليب العلمية - والتي ذكرت في مقدّمة الرسائل العملية - فسوف تكون نتيجته حجّة له وعليه ، فيجوز بل يجب عليه العمل بها واتباعها ، وبهذا نعرف أنّ المؤاخذة يوم القيامة سوف تكون بالنظر إلى حجّة المكلّف ، لا إلى الواقع .

ص: 216

8 - التقليد هو في الأحكام غير الضرورية ، والمقصود من الضروريات : ما تسالم عليه أبناء الطائفة وعلماؤها ، وإن لم تكن من أُصول الدين ، كوجوب الصلاة والصوم ، والحجّ وأمثالها ، فإنّها من ضروريات المذهب ، بل الدين ، فلا يجوز التقليد فيها ، بل يجب الاعتقاد القطعي بها .

9 - المسلّمات عبارة أُخرى عن الضروريات .

10 - اليقين التفصيلي هو : العلم الوجداني ، وقد يحصل هذا للمكلّف في بعض الأُمور كالضروريات ، ومقدّمات بعض الأحكام ، كرؤية الهلال - إذا رآه بنفسه - أو حصول القطع والجزم في بعض الموارد .

« أحمد زاهر - الإمارات - ... »

في نظر السنّة والشيعة :

س : الشيعة تعتقد بأنّ الاجتهاد هو : استنباط الحكم الشرعي من النصّ الشرعي ، فما مفهومه عند إخواننا أهل السنّة ؟

ج : إنّ الاجتهاد عند السنّة والشيعة واحد ، وهو : السعي وبذل الجهد لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلّتها التفصيلية ، التي هي : الكتاب والسنّة والإجماع والعقل ، مع أُمور قد تضيفها المدرسة العامّية ، كالقياس والاستحسان وغيرهما .

نعم ، يختلفان في الطريقة السلوكية للاجتهاد ، وفي مقدار حجّيته .

إذاً ، الاجتهاد بما هو اجتهاد موجود عند الشيعة والسنّة ، ولكن مرحلة الاجتهاد توقّفت عند السنّة ، وانحصرت في أصحاب المذاهب الأربعة ، بينما الاجتهاد عند الشيعة لم يتوقّف لضرورته .

ونحن نتساءل : إن كان الاجتهاد غير صحيح ، فلماذا اجتهد أصحاب المذاهب الأربعة في كثير من المسائل ؟ وإن كان صحيحاً ، فلماذا منعت عملية الاجتهاد ؟ ووقفت على هؤلاء ، وأُخمدت بذلك الحركة العلمية ؟

ص: 217

« أحمد - كندا - ... »

دليل وجوب التقليد :

س : ما حكم التقليد ؟ وما حكم من لا يقلّد ؟ وما هو الدليل عليهما ؟ وهل كان التقليد في زمن الأئمّة عليهم السلام ؟ مع مراعاة أنّهم يختلفون عنّا بالعصمة ، وأنّهم في كلّ زمان مرجع واحد ، أمّا الآن فعدّة مراجع ، بينهم عدّة اختلافات ، ونحن على مذهب واحد ؟

أفيدونا رحمكم اللّه ، وجعلنا وإيّاكم ممّن يكون مع محمّد وآله عليهم السلام .

ج : نحن في زمن المعصوم عليه السلام نأخذ معالم ديننا من المعصوم مباشرة .

أمّا في زمن الغيبة ، فهل التكليف ساقط ؟ الجواب : لا ، لأنّ الآيات القرآنية ، والأحاديث المتواترة ، والعقل ، كلّ هذه تحكم باستمرار التكليف ، وأنّ المخاطب بالتكليف لا ينحصر بمن أدرك المعصوم فقط .

إذاً ، التكليف موجود وساري ، ونحن مكلّفون ، فكيف لنا أن نعرف التكليف المتوجّه إلينا ، لنكون وقد بريئي الذمّة أمام اللّه سبحانه وتعالى ؟

ولمعرفة التكليف أمامنا عدّة خيارات : فإمّا أن يجتهد كلّ واحد منّا ، بحيث يستنبط التكليف المتمثّل بالأحكام الشرعية من الكتاب والحديث ، ويعمل بما توصّل إليه نظره .

وإمّا أن نرجع إلى المجتهد الذي استنبط الحكم ، بشرط أن يكون هذا المجتهد الأعلم الأورع الأتقى ، وإمّا أن نحتاط في الأحكام بين آراء المجتهدين .

ولكن في الجواب عن سؤال سبب الاختلاف في الفتوى ، فكما قلنا لا يوجد معصوم ، والمجتهد يستنبط الأحكام بالاعتماد على الأدلّة ، والفهم فيما بين بني آدم مختلف ، فمن الضروري أن يحدث الاختلاف ، وهذا الاختلاف في الفتوى في مسائل يسيرة ومعدودة ، تكون ذمّة من عمل بها بريئة أمام اللّه تعالى ، وإن لم يصبّ الأمر الواقعي .

ص: 218

إحسان إلهي ظهير :

اشارة

« أسد - السعودية - ... »

الرادّين عليه :

س : أطلب تزويدي بمعلومات كافية عن الرجل إحسان إلهي ظهير ، وهل هناك من علمائنا من تصدّى له ولمؤلّفاته ؟ أرجو مساعدتي وإرشادي لتلك الكتب إن وجدت .

ج : إنّ هذا الرجل من الباكستانيين الضالّين والمضلّين ، الذين تأثّروا بالخطّ الوهّابي ، خلال دراسته في الجامعة الإسلامية في المدينة المنوّرة ، له عدّة كتب ضدّ الشيعة ، كما كانت له مجلّة تصدر في الباكستان ومحاضرات ، وترجمت كتبه إلى عدّة لغات عالمية .

ولكن لمن كان له أدنى تأمّل ، ومعرفة بأُصول البحث ، يعلم بدقّة أنّ كتب إحسان الهي ظهير فاقدة لأيّ منهجية ، وخالية عن الأُسس العلمية للمناظرة والحوار ، والدخول في الأبحاث العلمية ، فتارة تراه يفتري على الشيعة ، وينسب إليهم أشياء ، هم لم يسمعوا بها .

وتارة تراه يدلّس في النقل ، فينقل الحديث مبتوراً ، أو ينقل منه مقداراً يوهم فيه على القارئ ما يريد إثباته ، ولو نقل الأحاديث بأكملها لكانت خير شاهد على خلاف مدّعاه .

وتارة تراه يخلط بين آراء الشيعة الإمامية الإثني عشرية ، وغيرهم من الإسماعيلية والزيدية .

وعلى كلّ حال ، فأبحاث هذا الرجل لا يعتمد عليها حتّى علماء أهل السنّة ،

ص: 219

الذين لهم تتبع وتحقيق في المسائل ، لخلوّها كما ذكرنا عن البرهان ، وعدم اتخاذها منهجية التأليف ، نعم تصلح كتبه للتهريج والتغرير للإفهام ، لمن لا إطلاع له بعقائد الشيعة ومبانيها .

ولهذا ترى عدم الاهتمام بالردّ على كتبه من قبل العلماء ، لأنّ العالم لا يستطيع أن يبحث مع جاهل محض .

ومع هذا ، فقد ردّ عليه البعض بردود صغيرة ، وإشارات إلى تُرّهاته ، لئلّا يضلّ بكتبه أحد ، ممّن لا معرفة له بالعلم وأهله ، فأوّل من تصدّى له في أبحاثه ، الشيخ لطف اللّه الصافي في كتابه : « صوت الحقّ ودعوة الصدق » .

وبعده ألّف كتاب باسم : « الشيعة والسنّة في الميزان » ، وأشار إحسان الهي ظهير إلى هذا الردّ في كتابه : « الشيعة والقرآن » (1) .

ثمّ ردّ عليه أحد الكتّاب الباكستانيين بلغة الأردو ، وأشار هو إلى هذا الردّ في كتابه : « الشيعة والقرآن » (2) .

ثمّ ردّ عليه أحد الكتّاب الإيرانيين - حقگو - باللغة الفارسية ، في كتابه : « حجّت اثنا عشري » .

وأفضل ردّ على إحسان الهي ظهير ، هو ضمير كلّ إنسان حرّ ، متعطّش للحقيقة ، وذلك بعد أدنى مراجعة لما ينقله هذا الرجل عن الشيعة ، وتطبيق النقل مع مصادر الشيعة ، ليعرف مدى المغالطة التي استعملها هذا الرجل .

« أحمد - قطر - 36 سنة - طالب ثانوية »

لم تقتله الشيعة :

س : هل إحسان الهي ظهير قتله أفراد من الشيعة ؟ وإن كان هذا صحيح ، فهل يجوز قتل مسلم ؟ ولو كانت كتاباته ضدّ الشيعة ، وشكراً .

ص: 220


1- الشيعة والقرآن : 8 .
2- المصدر السابق : 7 .

ج : مدرسة أهل البيت عليهم السلام لا تكفّر أحداً ، إلّا إذا كان ناصبياً ، والناصبي هو من نصب العداء لأهل البيت عليهم السلام .

ولم يثبت أنّ الشيعة هم الذين قاموا باغتيال إحسان إلهي ظهير ، وإذا ثبت فإنّما هو عمل فردي ناجم عن ردّة فعل ، ولا يحسب هذا العمل على الطائفة الشيعية ، وكم نشاهد في العالم من أعمال ناجمة عن ردّة فعل ، ولا تحسب على طائفة معيّنة .

ص: 221

ص: 222

الأذان والإقامة :

اشارة

« جنيد عباس - غانا - ... »

تشريع الأذان :

س : سعادة الأعزّاء : متى شرّع الأذان ؟ وكيف شرّع ؟ وكيف كانت الصيغة في زمن الرسول صلى اللّه عليه وآله ، مع ذكر الأدلّة والمصادر ، ودمتم بخير .

ج : للإجابة على السؤال يحسن بنا أن نذكر كيفية تشريع الأذان عند أهل السنّة .

إذا رجعنا إلى الروايات التي وردت عند أهل السنّة حول كيفية تشريع الأذان نجدها تذكر بأنّ التشريع جاء من رؤيا رآها صحابي أو صحابيان أو ستّة أو اثنا عشر حسب اختلاف الروايات ومن ثمّ اقترح تلك الرؤية على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والنبيّ استحسن ذلك الفعل وأمر الناس بفعله وأضافه إلى الصلاة .

وإليك نصّ الرواية : « اهتمّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله للصلاة ، كيف يجمع الناس لها ، فقيل له : انصب راية عند حضور الصلاة ، فإذا رأوها أذّن بعضهم بعضاً ، فلم يعجبه ذلك ، قال : فذكر له القنع يعني الشبور وقال زياد : يعني شبور اليهود ، فلم يعجبه ذلك ، وقال : « هو من أمر اليهود » ، قال : فذكر له الناقوس ، فقال : « هو من أمر النصارى » ، فانصرف عبد اللّه بن زيد بن عبد ربّه وهو مهتمّ لهمّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فأُري الأذان في منامه .

قال : فغدا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فأخبره ، فقال له : يا رسول اللّه إنّي لبين نائم ويقظان إذ آتاني آت فأراني الأذان ، قال : وكان عمر بن الخطّاب قد رآه قبل ذلك

ص: 223

فكتمه عشرين يوماً ، ثمّ أخبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله فقال له : « ما منعك أن تخبرني » ؟ قال : سبقني عبد اللّه بن زيد فاستحيت .

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يا بلال ، قم فانظر ما يأمرك به عبد اللّه بن زيد فافعله » ، قال : فأذّن بلال » (1) .

وعند الرجوع إلى هذه الروايات الناقلة كيفية تشريع الأذان نجد الاختلافات الكثيرة فيها ، ففيها :

1 - إنّ الرواية عن ابن زيد مختلفة ، ففي بعض النصوص أنّه رأى الأذان في المنام واليقظة ، وفي نقل آخر تقول : رآه في المنام ، وفي نقل ثالث تقول : إنّه قال : لولا أن يقول الناس لقلت : إنّي كنت يقظان غير نائم ؟!

2 - رواية تقول : إنّ عبد اللّه بن زيد رآه ، فاخبر به النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأُخرى تقول : إنّ جبرائيل أذّن في سماء الدنيا ، فسمعه عمر وبلال فسبق عمر بلالاً فأخبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ جاء بلال فقال له : « سبقك بها عمر » !!

3 - رواية تنصّ على أنّ ابن زيد رآه ، ورواية أُخرى تقول : إنّ سبعة من الأنصار رآه ، ورواية تقول : أربعة عشر صحابياً رأوه ، ورواية تدخل عبد اللّه بن أبي بكر .

4 - رواية تنصّ على أنّ بلالاً كان يقول : اشهد أن لا إله إلّا اللّه ، حيّ على الصلاة ، فقال له عمر : أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله لبلال : « قل كما قال عمر » !!

5 - رواية تفرد فصول الأذان ، ورواية أُخرى تثنّيها ؟!

6 - رواية تقول : إنّ عبد اللّه بن زيد هو الذي أخبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله بذلك ، ثمّ أخبره عمر بن الخطّاب ، فقال له النبيّ : « ما منعك أن تخبرني » ؟! .

ص: 224


1- سنن أبي داود 1 / 120 ، السنن الكبرى للبيهقي 1 / 390 ، فتح الباري 2 / 66 ، عمدة القاري 5 / 106 ، السيرة الحلبية 2 / 302 ، كنز العمّال 8 / 332 ، عيون الأثر 1 / 269 ، سبل الهدى والرشاد 3 / 353 .

وقد أوقع اختلاف الروايات الشرّاح والمحدّثين في كيفية الجمع بين هذه الأحاديث فقالوا :

أوّلاً : إنّ هذه الرؤية هي رؤية غير الأنبياء عليهم السلام ، ورؤية غيرهم لا يثبت بها حكم شرعي ؟! (1) .

وقد أجابوا عن هذا الإشكال بقولهم : باحتمال مقارنة الوحي لذلك (2) !

وهذا كلام بارد لا يمكن أن يبنى عليه حكم شرعي ، مادام أنّ مجيبه صدّره بالاحتمال ، إذ الاحتمال لا يجري نفعاً في المقام مادام المسألة شرعية ، وتحتاج إلى قطع ويقين من أنّ الوحي أمر بمثل تلك الرؤية !

وأجيب أيضاً : أو لأنّه صلى اللّه عليه وآله أمر بمقتضى الرؤية لينظر أيقرّ على ذلك أم لا ، ولاسيّما لمّا رأى نظمها يبعد دخول الوسواس فيه (3) !!

وفيه بطلان واضح ، إذ إنّ ذلك ليس من اجتهاده صلى اللّه عليه وآله - على القول بكونه يجتهد في الأحكام الشرعية كما يجوّزون ذلك - وإنّما هي رؤية لغيره فلا محلّ لإقحام مسألة جواز الاجتهاد له في الأحكام هنا من عدمه ؟!

على أنّه لماذا لا يأتيه الوحي ابتداءً ويخبره بكيفية الأذان بدل أحالته إلى رؤية شخص ، ثمّ إمضاء ذلك الفعل من قبله ؟!

أضف إلى ذلك أنّ الصلاة شرّعت في ليلة معراج النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فلماذا لم يشرّع معها الأذان ؟ وترك النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حيرة من أمره لا يدري كيف يعلّم الناس بوقت الصلاة حتّى فرّج عنه برؤية عبد اللّه بن زيد ، أو عمر بن الخطّاب ، أو بلال ، أو أبي بكر ، أو غيرهم من الصحابة ؟!

قال الحافظ : « وقد حاول السهيلي الجمع فتكلّف وتعسّف ، والأخذ بما صحّ أولى ، فقال بانياً على صحّة الحكمة في مجيء الأذان على لسان الصحابي ، أنّ .

ص: 225


1- فتح الباري 2 / 64 ، شرح الزرقاني على الموطّأ 1 / 198 .
2- شرح الزرقاني على الموطّأ 1 / 198 .
3- نفس المصدر السابق .

النبيّ صلى اللّه عليه وآله سمعه فوق سبع سماوات وهو أقوى من الوحي ، فلماذا تأخّر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة ، وأراد إعلامهم بالوقت رأى الصحابي المنام فقصّه ، فوافق ما كان صلى اللّه عليه وآله سمعه فقال : إنّها لرؤيا حقّ ، وعلم حينئذ أنّ مراد اللّه بما أراه في السماء أن يكون سنّة في الأرض ، وتقوّى ذلك بموافقة عمر ، لأنّ السكينة تنطق على لسانه ، والحكمة أيضاً في إعلام الناس به على غير لسانه صلى اللّه عليه وآله التنويه بقدره ، والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره ، وأفخر لشأنه » (1) .

وفي كلامه تكلّفات كثيرة نشير إليها تباعاً .

1 - إقراره بأنّ الأذان سمعه النبيّ صلى اللّه عليه وآله سواء كان في معراجه الأوّل أو الثاني ، وهذا ما نقرّه ونصحّحه لما سيأتي ، لكنّه تعلّل بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يخبر به إلّا بعد رؤية عبد اللّه بن زيد وتأييده برؤية عمر الذي تنطق السكينة على لسانه .

إلّا أنّ هذا الكلام باطل ؛ لأنّ الروايات تذكر أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله بقي حائراً في كيفية إعلام الناس بالصلاة ، واقترح عليه الصحابة عدّة اقتراحات - كوضع راية أو ناقوس أو استخدام شعار النصارى - والنبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يقبل ذلك ، وبقي حائراً ، فإذا كان النبيّ قد سمع الأذان من فوق سبع سماوات فلا معنى للحيرة حينئذ ، بل بنفسه يشرّع لهم الأذان الذي سمعه في السماوات بلا تردّد ، وعدم الحاجة إلى رؤية زيد وتأييد عمر !!

وإذا كان النبيّ صلى اللّه عليه وآله أقدم على الفعل بعد تأييده برؤية زيد وعمر ، فهذا يعني تشكيك النبيّ صلى اللّه عليه وآله فيما سمعه من الأذان في السماء ، وهذا باطل لأنّه يلزم منه خلاف ما فرضه السهيلي من الجزم برؤيته في السماء السابعة .

2 - إنّ الرواية التي صحّحها السهيلي واردة بلفظ أنّ ملكاً من السماء علّم النبيّ صلى اللّه عليه وآله الأذان كما علّمه الصلاة ، ومن الواضح إنّ تعليم النبيّ صلى اللّه عليه وآله من اللّه تعالى حتّى يعلّم أُمّته ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله قد فعل ذلك ، فقد علَّم أُمّته الصلاة ، فإذاً لابدّ أن يعلّمهم الأذان ، وإلّا كان قد أخفى عليهم ما كان عليه تعليمهم ، وهذا .

ص: 226


1- المصدر السابق 1 / 199 .

باطل لا يرتضى في حقّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله .

3 - إنّ الروايات صريحة في أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لمّا اقترحوا عليه ما تفعله اليهود رفض ، وما تفعله النصارى فرفض أيضاً ، وعلّل ذلك بكراهة مشابهتم ، مع أنّهم رووا في روايات أُخرى صحيحة أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يحبّ موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل فيه وحي ، والمفروض أنّ هذا لم ينزل فيه وحي ، فعليه لابدّ أن يوافقهم الرسول ولا يردّ اقتراحهم !!

4 - إنّ تعليل الكلام بكون « إعلام للناس به على غير لسانه صلى اللّه عليه وآله التنويه بقدره والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره وأفخم لشأنه » تعليل عليل لأنّ هذا الأمر يتعلّق بالشرع المقدّس ، فإظهاره على لسانه أشدّ وأقوى من إظهاره على لسان غيره ، لأنّه النبيّ صلى اللّه عليه وآله المكلّف بتبليغ الرسالة إلى الناس ، وإلّا إذا رضيت بهذا التعليل يلزم من أن تظهر تشريعات أُخرى على لسان غيره ، لورد نفس التعليل فيها ، مع إنّه لم يظهر ذلك ولم ينقل .

وفي الواقع إنّ هذه الأُمور التي يذكرونها ما هي إلّا تعليلات عليلة أخترعها عقولهم ، وصوّرتها مخيّلتهم لأجل تبرير الواقع الذي نقلته هذه الروايات ، من كون الأذان ناشئ عن رؤية لعبد اللّه بن زيد ، فالتجاؤوا إلى هذه الأُمور العليلة التي لا تغني ولا تسمن من جوع ، بدل حفظ كرامة النبيّ صلى اللّه عليه وآله والرسالة والإيمان بأنّ الأذان شرّعه اللّه تعالى على لسان نبيّه الكريم لا عن رؤية حلمية أو اقتراح التزم به النبيّ صلى اللّه عليه وآله !! فإنّ ذلك كلّه يؤدّي إلى استنقاص الرسالة والحطّ من قيمتها الإلهية ! وسوف نبيّن لاحقاً أنّ الأذان تشريع إلهي نزل من السماء ، فكن على ذكر من ذلك .

وهناك إشكال عامّ يرد على جميع الروايات ، وهو ما ذكره الحاكم في « المستدرك » حيث قال : « وإنّما ترك الشيخان البخاري ومسلم حديث عبد اللّه بن زيد في الأذان ، والرؤيا التي قصّها على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بهذا الإسناد لتقدّم موت

ص: 227

عبد اللّه بن زيد ، فقد قيل : إنّه استشهد بأُحد ، وقيل بعد ذلك بيسير »؟ (1) .

فإذاً تبطل الرواية من الأصل لأنّها رويت بعد موت عبد اللّه بن زيد وهذا لا يمكن قبوله ، ودليل على وضع الرواية وبطلان كلّ ما يبنى عليها ، واستند إليها .

وقال ابن حجر : « وفي الحلية في ترجمة عمر بن عبد العزيز بسند صحيح عن عبد اللّه العمري قال : دخلت ابنة عبد اللّه بن زيد بن ثعلبة على عمر بن عبد العزيز فقالت : أنا ابنة عبد اللّه بن زيد شهد أبي بدراً ، وقتل بأُحد ! فقال : سليني ما شئت ، فأعطاها » (2) .

فإذاً مع إيمان ابن حجر العسقلاني بأنّ عبد اللّه بن زيد استشهد بأُحد ، وعليه تكون الروايات المروية عن رؤيا الأذان منقطعة ، ولكنّنا مع ذلك نجده يستدلّ برؤيته على شرعية الأذان .

فانظر إلى الأمانة العلمية والتقوى التي يحملها ابن حجر وغيره من أقطاب المذهب السنّي !!

والصحيح أنّ الأذان شرّعه النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأمر اللّه تعالى ، وقد وردت بذلك روايات عديدة من طرق أهل السنّة ، وهي صحيحة السند أيضاً ، فقد أخرج الحاكم بسنده عن سفيان بن الليل قال : « لمّا كان من أمر الحسن بن علي ومعاوية ما كان ، قدمت عليه المدينة وهو جالس في أصحابه ، فذكر الحديث بطوله قال : فتذاكرنا عنده الأذان ، فقال بعضنا : إنّما كان بدء الأذان رؤيا عبد اللّه بن زيد بن عاصم ! فقال له الحسن بن علي : « إنّ شأن الأذان أعظم من ذاك ؛ أذّن جبرائيل عليه السلام في السماء مثنى مثنى ، وعلّمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأقام مرّة مرّة ، فعلَّمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله » ، فأذّن الحسن حين ولي » (3) . .

ص: 228


1- المستدرك 4 / 348 .
2- الإصابة 4 / 85 .
3- المستدرك 3 / 171 .

وعلّق الذهبي على الرواية بقوله : « قال أبو داود : نوح كذّاب ، وهو قول ابن الملقن انتهى .

والمقصود بنوح هو نوح بن درّاج اتهم بالكذب والوضع ! ولم يبيّن سبب كذبه ، ولكن الجوزجاني كشف لنا عن سبب تضعيفه ، فقال : زائغ » (1) .

ومقصود الجوزجاني بالزيغ هو التشيّع كما أفصح عن ذلك الذهبي في ترجمة الجوزجاني في « ميزان الاعتدال » (2) .

وعليه فسبب طعنه كونه شيعياً لا غير ، وإلّا إذا رجعنا إلى ترجمته نجدهم رموه بالكذب والزيغ والوضع بلا أيّ مبرّر أو دليل ، أو قل هو جرح مبهم ، وقد كشف عنه الجوزجاني فصار جرحاً مفسّراً ، وبما أنّه ليس بجرح حتّى على مبانيهم فيكون جرحه لا قيمة له ويحكم بوثاقته كما ذكر بعضهم ! فإذاً الرواية صحيحة .

الرواية الثانية : عن زياد بن المنذر ، حدّثني العلاء قال : قلت لابن الحنفية : كنّا نتحدّث أنّ الأذان رؤيا رآها رجل من الأنصار ففزع وقال : عمدتم إلى أحسن دينكم فزعتم أنّه كان رؤيا !! هذا واللّه باطل !

ولكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لمّا عرج به انتهى إلى مكان من السماء ووقف ، وبعث اللّه ملكاً ما رآه أحد في السماء قبل ذلك اليوم فعلّمه الأذان (3) ، وهذا الحديث ضعّف بسبب وجود زياد بن المنذر في الرواية !

وعند الرجوع إلى ترجمته نجد أن تضعيفه لم يكن لفرية ارتكبها ، أو مروق عن الدين ركبه ، وإنّما ضعّف لأنّه شيعي يروي فضائل أهل البيت عليهم السلام ، قال ابن عدي : « ويحيى ابن معين إنّما تكلّم فيه وضعّفه لأنّه يروي فضائل أهل البيت » (4) . .

ص: 229


1- تهذيب الكمال 19 / 171 .
2- ميزان الاعتدال 1 / 76 .
3- شرح الزرقاني على الموطّأ 1 / 199 .
4- تهذيب الكمال 6 / 409 .

وعلى ذلك تكون الرواية صحيحة السند ، لأنّ تضعيف الراوي لم يكن ناشئاً عن جرح معتدّ به ومقبول ، وإنّما ضعّف لأجل التعصّب والهوى ضدّ أهل البيت عليهم السلام .

ومن هذا يتّضح العداء الذي يكنّه علماء أهل السنّة لأهل البيت عليهم السلام ، والنفور من رؤية فضائلهم ، ممّا أدّى بهم إلى جعل رواية فضائلهم موحية لتضعيف الراوي وإسقاطه عن المقبولية ، وتتّضح لديك مقولة ابن حجر التي قال فيها : وقد كنت استشكل توثيقهم الناصبي غالياً وتوهينهم الشيعة مطلقاً ، ولاسيّما أنّ علياً ورد في حقّه : « لا يحبّه إلّا مؤمن ، ولا يبغضه إلّا منافق » (1) .

فالعداء متجذّر في علماء الحديث لغمورهم في النصب ، فلذلك يطعنون برواة فضائل أهل البيت عليهم السلام ، ولك في النسائي ، والصنعاني ، والحاكم ، وغيرهم خير شاهد .

وأمّا الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام والمروية في كتب علماء الشيعة فهي كثيرة ، وتنصّ على أنّ الأذان تشريع من اللّه تعالى من دون مدخلية للأحلام والمنامات الليلية فيه (2) .

وفي « بدائع الصنائع » بعد أن نقل رواية رؤية عبد اللّه بن زيد قال : « وروي عن محمّد بن الحنفية أنّه أنكر ذلك » (3) .

وقال السيوطي : ( الأذان نزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مع فرض الصلاة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ ... ) ) (4) . .

ص: 230


1- تهذيب التهذيب 8 / 411 .
2- أُنظر : الكافي 3 / 302 .
3- بدائع الصنائع 1 / 147 .
4- الدرّ المنثور 6 / 218 ، والآية في سورة الجمعة : 9 .

« محمّد - ... - ... »

التثويب بدعة باطلة :

س : هل التثويب وهو قول : « الصلاة خير من النوم » جائز في الأذان ؟

ج : هذه بدعة باطلة أحدثها عمر (1) ، واستمرّ عليها الآخرون ، ولا أصل لها في أذان النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، حتّى إنّه ورد في بعض الأخبار ، إنكار عبد اللّه بن عمر لهذا العمل (2) ، وأنّ الإمام علي عليه السلام حينما سمعه قال : « لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه » (3) ، وأيضاً قد أفتى الشافعي بكراهة التثويب في الأذان مطلقاً (4) .

هذا ، وقد ورد عندنا الأذان الصحيح المنقول بلسان أهل البيت عليهم السلام عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأسانيد معتبرة ، وليس فيه أيّ إشارة أو تلويح بتلك الفقرة الموضوعة .

« ... - السعودية - سنّي »

حيّ على خير العمل منهما :

اشارة

س : إنّ القول بحيّ على خير العمل في الأذان من بدع الشيعة .

ج : ذهب معظم أهل السنّة إلى أنّ فقرة « حيّ على خير العمل » لا يصحّ ذكرها في الأذان ، وعبّر بعضهم بلفظ يكره ، معلّلاً ذلك بأنّه لم يثبت عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والزيادة في الأذان مكروهة (5) .

وقال القاسم بن محمّد : « وقد ذكر الروياني أنّ للشافعي قولاً مشهوراً بالقول به ، وقد قال كثير من علماء المالكية وغيرهم من الحنفية والشافعية أنّه

ص: 231


1- الموطّأ 1 / 72 ، المصنّف للصنعاني 1 / 474 ، المصنّف لابن أبي شيبة 1 / 236 ، سنن الدارقطني 1 / 251 ، كنز العمّال 8 / 355 .
2- تهذيب الكمال 3 / 82 ، الجامع الكبير 1 / 128 ، المصنّف للصنعاني 1 / 475 ، كنز العمّال 8 / 357 .
3- نيل الأوطار 2 / 18 .
4- الأُم 1 / 104 .
5- السنن الكبرى للبيهقي 1 / 425 .

كان حيّ على خير العمل من ألفاظ الأذان .

قال الزركشي في كتابه المسمّى بالبحر ما لفظه : ومنها ما الخلاف فيه موجود في المدينة كوجوده في غيرها ، وكان ابن عمر وهو عميد أهل المدينة - يرى إفراد الأذان ، ويقول فيه : حيّ على خير العمل ... إلى أن قال : فصحّ ما رواه الروياني أنّ للشافعي قولاً مشهوراً في إثبات حيّ على خير العمل » (1) .

وذهب أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم إلى أنّ هذه الفقرة جزء من الأذان والإقامة ، لا يصحّان بدونها ، وهذا حكم إجماعي عندهم ، نسبه الشوكاني إلى العترة وقال : « نسبه المهدي في البحر إلى أحد قولي الشافعي » (2) ، ثمّ عقّبه الشوكاني بقوله : « وهو خلاف ما في كتب الشافعية » .

وقد ذهب كثير من الصحابة والتابعين إلى الإقرار بوجود حيّ على خير العمل في الأذان ، وإليك أسماء بعضهم وكلماتهم ، أو الذين نقلوا عنهم :

1 - عبد اللّه بن عمر :

عن نافع عن ابن عمر أنّه كان يقول في أذانه : « الصلاة خير من النوم ، وربما قال : حيّ على خير العمل » (3) .

وعن الليث بن سعد عن نافع قال : « كان ابن عمر لا يؤذّن في سفره ، وكان يقول : حيّ على الفلاح ، وأحياناً يقول : حيّ على خير العمل ، ورواه محمّد بن سيرين عن ابن عمر : إنّه كان يقول ذلك في أذانه » (4) .

وعن نافع عن ابن عمر : « أنّه كان يقيم الصلاة في السفر ، يقولها مرّتين أو ثلاثاً يقول : حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على خير العمل » (5) .

وقال ابن حزم : « فهو عنه ثابت بأصحّ إسناد » (6) .

ص: 232


1- الاعتصام بحبل اللّه المتين 1 / 307 .
2- نيل الأوطار 2 / 18 .
3- المصنّف لابن أبي شيبة 1 / 244 .
4- السنن الكبرى للبيهقي 1 / 425 .
5- المصنّف للصنعاني 1 / 464 .
6- المحلّى 3 / 161 .
2 - الإمام علي بن الحسين عليهما السلام :

عن جعفر بن محمّد عن أبيه : « إنّ علي بن الحسين كان يقول في أذانه إذا قال : حيّ على الفلاح قال : حيّ على خير العمل ، ويقول : هو الأذان الأوّل » (1) .

3 - أبو أُمامة بن سهل بن حنيف :

روي عن أبي أُمامة بن سهل بن حنيف : « أنّه ذكر حيّ على خير العمل في الأذان » (2) .

وقال المحبّ الطبري في كتابه « الأحكام الكبير » : « ذكر الحيعلة بحيّ على خير العمل ، عن أبي أُمامة بن سهل البدري أنّه كان إذا أذّن قال : حيّ على خير العمل ، ونقله عنه سعيد بن منصور » (3) .

3 - بلال :

كان بلال يؤذّن الصبح ويقول : « حيّ على خير العمل » (4) .

4 - الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام :

عن الإمام علي عليه السلام قال : « سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : إنّ خير أعمالكم الصلاة ، وأمر بلالاً أنّ يؤذّن بحيّ على خير العمل » (5) .

5 - أبو محذورة :

روي عن أبي محذورة أحد مؤذّني النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن أقول في الأذان : حيّ على خير العمل » (6) .

ص: 233


1- السنن الكبرى للبيهقي 1 / 425 ، السيرة الحلبية 2 / 137 ، المصنّف لابن أبي شيبة 1 / 244 .
2- السنن الكبرى للبيهقي 1 / 425 .
3- الاعتصام بحبل اللّه المتين 1 / 309 .
4- كنز العمّال 8 / 342 .
5- الاعتصام بحبل اللّه المتين 1 / 309 .
6- البحر الزخّار 2 / 192 .
6 - زيد بن أرقم :

أذّن بحيّ على خير العمل (1) ، إلى غير ذلك ممّن كان يؤذّن بحيّ على خير العمل .

وأمّا أقوال العلماء :

1 - قال في « الروض النضير » : « وقد قال كثير من علماء المالكية وغيرهم من الحنفية والشافعية أنّه كان حيّ على خير العمل من ألفاظ الأذان » (2) .

2 - قال صاحب كتاب « السنام » : « الصحيح أنّ الأذان شرّع بحيّ على خير العمل » (3) .

3 - قال الشوكاني نقلاً عن كتاب « الإحكام » : « وقد صحّ لنا أنّ حيّ على خير العمل كانت على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يؤذّن بها ، ولم تطرح إلّا في زمن عمر » (4) .

4 - قال صاحب كتاب « فتوح مكّة » : « أجمع أهل المذاهب على التعصّب في ترك الأذان بحيّ على خير العمل ... ، وقد ذكر العلّامة عزّ الدين أبو إبراهيم محمّد بن إبراهيم ما لفظه : بحثت عن هذين الإسنادين في حيّ على خير العمل ، فوجدتهما صحيحين إلى ابن عمر ، وإلى زين العابدين » (5) .

إلى غير ذلك من المصادر والأقوال التي تنصّ على وجود كلمة « حيّ على خير العمل » في تشريع الأذان !

« ... - ... - ... »

عمر حذف حيّ على خير العمل :

س : من ألغى عبارة « حيّ على خير العمل » من الأذان مطلقاً ، وأضاف

ص: 234


1- نيل الأوطار 2 / 19 .
2- الروض النضير 1 / 542 .
3- نفس المصدر السابق .
4- نيل الأوطار 2 / 19 .
5- الاعتصام بحبل اللّه المتين 1 / 310 .

كلمة « الصلاة خير من النوم » في صلاة الصبح بالخصوص ؟

ج : قد تعارضت روايات أهل السنّة في ذلك ، فبعضها يشير إلى أنّه اقتراح من بلال الحبشي عندما جاء إلى الأذان ووجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نائماً فقال : « الصلاة خير من النوم » ، فلمّا أفاق الرسول أضاف هذه الجملة إلى الأذان واستحسنها .

وبعضها يشير إلى أنّ أوّل من حذف كلمة « حيّ على خير العمل » عمر بن الخطّاب ، وهو الذي أضاف كلمة « الصلاة خير من النوم » في صلاة الصبح !

أمّا الأحاديث الواردة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأنّه الذي أضاف كلمة « الصلاة خير من النوم » فكلّها ضعيفة ، ونكتفي بما ذكره الشيخ الألباني حيث قال : « قول بلال : أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن أُثوّب في الفجر ، ونهاني أن أُثوّب في العشاء - رواه ابن ماجه ص 66 - ضعيف ، رواه ابن ماجه (715) عن أبي إسرائيل عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال به .

ومن هذا الوجه أخرجه الترمذي (1 / 378) ، والعقيلي في الضعفاء (ص 26) ، وأحمد (6 / 14) بلفظ : لا تثوّبن في شيء من الصلوات إلّا في صلاة الفجر ... ، وهذا ضعيف من أجل عطاء وابن عاصم ، وعلّه البيهقي بالانقطاع فقال : ... من جميع الوجوه إلّا أنّه منقطع وهو علّة الحديث .

ثمّ قال البيهقي : ورواه الحجّاج بن أرطاة عن طلحة بن مصرف ، وزبيد عن سويد بن غفلة أنّ بلالاً كان لا يثوّب إلّا في الفجر ، فكان يقول في أذانه : حيّ على الفلاح ، الصلاة خير من النوم ، والحجّاج مدلّس » (1) .

فإذاً رواية إضافة « الصلاة خير من النوم » في صلاة الفجر لم تصحّ عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، كما لاحظنا كلام الألباني !

ثمّ إنّ الذي أضاف التثويب إلى صلاة الصبح قد حذف لفظ « حيّ على خير العمل » .

ص: 235


1- إرواء الغليل 1 / 252 .

من الأذان مطلقاً - في صلاة الصبح وفي غيرها - .

أمّا الرواية الواردة من أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي فعل ذلك فهي صحيحة السند ؛ قال الزرقاني عند شرح قول مالك : « أنّه بلغه أنّ المؤذّن جاء إلى عمر بن الخطّاب يؤذّنه لصلاة الصبح فوجده نائماً فقال : « الصلاة خير من النوم » ، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح ، قال الزرقاني : هذا البلاغ أخرجه الدارقطني في السنن من طريق وكيع في مصنّفه عن العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر ، وأخرجه أيضاً عن سفيان عن محمّد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنّه قال لمؤذّنه : إذا بلغت حيّ على الفلاح في الفجر فقل : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم ، فقصر ابن عبد البرّ في قوله : لا أعلم هذا روي عن عمر من وجه يحتجّ به وتعلم صحّته ، وإنّما أخرجه ابن أبي شيبة من حديث هشام بن عروة عن رجل يقال له إسماعيل لا أعرفه قال : والتثويب محفوظ في أذان بلال وأبي محذورة في صلاة الصبح للنبيّ صلى اللّه عليه وآله .

والمعنى هنا أنّ نداء الصبح موضع قوله لا هنا كأنّه كره أن يكون منه نداء آخر عند باب الأمير كما أحدثته الأمراء ، وإلّا فالتثويب أشهر عند العلماء والعامّة من أن يظنّ بعمر أنّه جهل ما سنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأمر به مؤذنيه بلالاً بالمدينة ، وأبا محذورة بمكّة انتهى .

ونحو تأويله قول الباجي : يحتمل أنّ عمر قال ذلك إنكاراً لاستعماله لفظة من ألفاظ الأذان في غيره ، وقال له : اجعلها فيه ، يعني لا تقلها في غيره انتهى ، وهو حسن متعيّن » (1) .

وأنت تلاحظ تأويل الباجي الذي لا يعرف صدره من عجزه ، فإنّه لفّ ودوران في الألفاظ ؛ لأنّ الرواية صريحة في أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي أدخل لفظ « الصلاة خير من النوم في الأذان » ، فكيف يأتي ويقول : لاستعماله لفظة من .

ص: 236


1- شرح الزرقاني على الموطّأ 1 / 217 .

ألفاظ الأذان وغيره ... الخ ، والمفروض أنّه من ألفاظ غير الأذان !!

وأين التأويل الحسن الذي ارتآه الزرقاني في كلام الباجي وهو فارغ من المحتوى وتلاعب بالألفاظ !! ولله مع أهل السنّة في تقديس عمر شؤون ، نسأل اللّه السلامة منها !

وارجع إلى مصادر الحديث التي روت أنّ عمر بن الخطّاب أضاف هذه الجملة إلى الأذان في المصادر التالية : « السنن الكبرى » للبيهقي و « سنن الدارقطني » (1) .

وأمّا الرواية الواردة عن محمّد بن خالد بن عبد اللّه الواسطي عن أبيه عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم عن أبيه : « إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله استشار الناس لما يهمّهم من الصلاة ... .

قال : قال الزهري : وزاد بلال في نداء صلاة الغداة : « الصلاة خير من النوم » ، فاقرّها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فهذا الحديث باطل لأنّ فيه محمّد بن خالد بن عبد اللّه الواسطي الطحّان ، قال عنه الذهبي : قال يحيى : كان رجل سوء ، وقال مرّة : لا شيء ، وقال ابن عدي : أشدّ ما أنكر عليه أحمد ويحيى روايته عن أبيه عن الأعمش ، ثمّ ذكر له مناكير غير ذلك .

وقال أبو زرعة : ضعيف ، توفّي سنة أربعين ومائتين ، وقال ابن عدي : سمعت محمّد بن سعد ، سمعت ابن الجنيد ، أو صالح جزرة يقول : سمعت يحيى بن معين يقول : محمّد بن خالد عبد اللّه كذّاب ، إن لقيتموه فاصفعوه » (2) . .

ص: 237


1- السنن الكبرى للبيهقي 1 / 424 ، سنن الدارقطني 1 / 251 .
2- ميزان الاعتدال 3 / 533 .

ص: 238

الارتداد :

اشارة

« هاني الرداد - مصر - سنّي »

حصل بعد وفاة الرسول :

س : هل صحيح أنّ الشيعة يقولون : أنّه بعد وفاة الرسول ارتدّ الصحابة كلّهم إلّا ستة ؟

ج : إنّ الطبري وغيره ذكروا بأنّ العرب ارتدّت بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، عدا فئة في المدينة ، وفئة في الطائف ، وحاربهم أبو بكر فأرجعهم عن الردّة (1) .

فهذه الردّة التي يذكرها الطبري ردّة عن الإسلام ، وأمّا الحديث : « ارتدّ الناس بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ... » ، فليست الردّة ردّة عن الإسلام ، وإنّما ردّة عن الخليفة الذي نصّبه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والفرق بينهما كثير .

« هاني الرداد - مصر - سنّي »

تعليق على الجواب السابق :

شكراً جزيلاً لإخواننا الشيعة ، على هذا الحوار الجيّد ، في إطار الإخوّة الإسلامية التي تجمعنا ، ومن هنا ، نمدّ يدنا نحن معاشر أهل السنّة لعودة الحبّ المتبادل ، وبما أنّ الخلاف قد يتطرّق لبعض المسائل العقائدية التي يعتقد كلّ مذهب أنّه على الحقّ ، وأنّ الآخر ضلّ بعض الشيء ، فلإزالة هذا الأمر ، وجب

ص: 239


1- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 521 و 4 / 474 ، المعجم الأوسط 6 / 332 ، كنز العمّال 5 / 602 ، تاريخ مدينة دمشق 2 / 60 و 30 / 311 .

على كلّ سنّي أن يستغفر لأخيه الشيعي ، ووجب على كلّ شيعي أن يستغفر لأخيه السنّي ، ونطوي صفحة الماضي بالكفّ عن الكلام عن الماضي ، لأجيال عصر صدر الإسلام ، الذين فتحوا البلاد ، حتّى وصل الإسلام إلينا ، وشعارنا دائماً : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (1) .

« ... - ... - ... »

شروطه وأحكامه :

س : إنّني أقوم ببحث حول الشريعة الشيعية ، وأطلب منكم أن تساعدونني ، أتمنّى أن تعطوني هنا حكم الارتداد ، لأنّني مهتمّ جدّاً بهذا الحكم منذ الماضي .

ج : إنّ الارتداد اصطلاحاً هو : الرجوع عن الدين الإسلامي ، وقيل : هو أشدّ أنواع الكفر ، ويبحث في عدّة نقاط منها :

1 - يثبت الارتداد بالإقرار والبيّنة ، أو بصدور فعل دالّ عليه .

2 - يتحقّق الارتداد ، إمّا بإنكار اللّه تعالى ، أو إنكار توحيده تعالى ، أو إنكار رسالة اللّه ، أو رسوله ، أو تكذيب الرسول ، أو جحد ما ثبت ، أو نفي من الدين ضرورة ، أو يعلم أنّه من الدين ومع ذلك ينكره ، من قبيل الاستهزاء بالمصحف الشريف بأيّ شكل كان .

3 - شروط الارتداد هي : العقل والبلوغ والقصد والاختيار ، فعمّار بن ياسر رضي اللّه عنه ارتدّ ظاهراً ، ولكن قلبه مطمئنّ بالإيمان ، لأنّ ارتداده لم يكن عن قصد واختيار .

4 - ينقسم الارتداد : إلى فطري وملّي ، وقيل : الفطري هو من ولد من مسلمينِ ، والملّي هو من أسلم عن كفر أصلي ثمّ ارتدّ ، وتوبته ظاهراً مقبولة ،

ص: 240


1- البقرة : 134 .

نعم اختلف العلماء في قبول توبة المرتد الفطري .

5 - هل يطهر المرتد بالتوبة ؟ فيه تفصيل يراجع في محلّه .

6 - هل يلزم المرتد قضاء ما فاته من العبادات حال الارتداد أو لا ؟

7 - هل تبقى ولاية المرتد على الصغير أو لا ؟

8 - ما حكم تصرّفات المرتد حال الارتداد من نكاح وغيره ؟

9 - ما حكم أماناته وميراثه و ... ؟

هذه أحكام تطرح في مسألة الارتداد ، يمكنكم مراجعتها في محلّها .

10 - ما هي عقوبة المرتد ؟

قيل : بقتل الفطري والملّي إذا لم يتب ، هذا إذا كان المرتد رجلاً ، وأمّا المرأة المرتدّة سواء كان ارتدادها فطري أو ملّي فعقوبتها السجن حتّى تتوب ، ويضيّق عليها في المطعم والمشرب على المشهور بين علمائنا .

11 - من يتولّى قتل المرتد ؟ الإمام عليه السلام خاصّة ، أو الحاكم ، أو مطلق من سمع أو رأى ؟ فيه أقوال .

12 - الارتداد الجماعي - أهل الردّة - كيف يكون قتالهم ؟ وهل يسبون أم لا ؟ فهناك أحكام لأهل الردّة ، فراجعها في محلّها .

14 - أجمع علماء الشيعة على ارتداد وكفر النواصب والغلاة .

« محمّد اللواتي - أمريكا - ... »

السبب في قتل المرتد :

س : الإسلام دين الحرّية ، والرسول صلى اللّه عليه وآله كان يخيّر الناس ولا يجبرهم لقبول الإسلام ، كما إنّ القرآن الكريم يقول : ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) (1) .

السؤال : ما الحكمة من قتل المرتد ؟ وهل يتعارض هذا الحكم مع مبدأ الحرّية الشخصية ؟

ص: 241


1- الكافرون : 6 .

ج : نعم ، إنّ الإسلام دين الحرّية ، ولكن هذا لا يعني أن لا تكون له قوانين خاصّة ، لحفظ كيان الدين والمجتمع عن الغواية والضلال ، فمن حقّ الدين أن يأتي بأُسس وقواعد ، تحمي معتنقيه عن الوقوع في الانحراف والضياع .

وأمّا بالنسبة لما ذكرتموه ، فإنّ حكم القتل يختصّ بالمرتدّ الفطري ، وهذا الحكم تعبّدي ، أي أنّنا وبعد ما عرفنا أنّ الحكم بالأصالة هو لله تبارك وتعالى - وهو حكيم على الإطلاق - فيجب علينا أن نعتقد ونلتزم بأنّ كلّ حكم صادر من قبله تعالى كان من منطلق المصلحة والحكمة ، وهذا أساس قبول الدين واعتناقه ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ... ) (1) .

نعم ، وفي نفس الوقت ، لابأس أن نتحرّى فلسفة وحكمة الأحكام الشرعية ، ولكن من باب الوقوف عليها ، لا من جهة قبولها .

وهنا قد يرى الإنسان الملتزم بأنّ هذا القانون قد جاء لحفظ المجتمع الإسلامي من الانهيار العقائدي ، إذ من الضروري في كلّ مجموعة - سياسية أو اجتماعية ، أو حتّى عسكرية أو غيرها - أن تحمي نفسها ، وتحافظ على أسرارها ، وتقف في وجه الذين يريدون أن يعبثوا بأنظمتها وقوانينها السائدة ، فإن كان الدخول والخروج من الدين سهلاً غير ممتنع ، لكان الذين لا يريدون أن يلتزموا بأيّ مبدأ وعقيدة وعمل ، تتاح لهم الفرصة أن يخالفوا كلّ قانون ، ثمّ عند المعاقبة سوف تكون دعواهم أنّهم خرجوا من هذا الدين ، وهو كما ترى يفتح المجال لكلّ مشاغب وفوضوي .

ولأجل ما ذكرنا يرى الإسلام أنّ الإنسان له الحرّية في اعتناقه للدين ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ... ) ، ولكن عندما يسلم يجب عليه الالتزام بالأحكام والأنظمة المعينة ، وحذراً من المخالفة والتنصّل جاء هذا الحكم لوقاية الدين وقوانينه . .

ص: 242


1- البقرة : 3 .

وأمّا ما ذكرته من الآية ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) فهي لا ترتبط بما نحن فيه ، بل إنّها خطاب للكفّار ، فهم لم يعتنقوا الإسلام حتّى تطبّق عليهم الأحكام الشرعية .

« محمّد - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة »

معناه في روايات الشيعة :

س : هل صحيح أنّ جميع الصحابة الذين مدحهم القرآن ارتدّوا بعد وفاة الرسول صلى اللّه عليه وآله ؟

ج : لا ريب بأنّ فضل الصحبة للرسول صلى اللّه عليه وآله فيه اقتضاء المدح والثناء إن لم يمنع منه مانع ، وهذا لا كلام فيه ؛ إنّما الكلام في طروّ هذا المانع عند جمع من الصحابة في حياة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فظاهرة النفاق - الذي هو أمر مسلّم عند الكلّ - أدلّ دليل على وجود هذا المانع .

وأمّا بعد وفاته صلى اللّه عليه وآله فإنكار بعضهم لوصاياه ، وحياد الآخرين منهم في هذا المجال ، جعل الأمر جلياً وواضحاً للمتتّبع المنصف .

وعلى أيّ حال ، فمجمل الكلام : إنّ الصحبة تكون ذا مزية إذا كانت في طاعة اللّه ورسوله ، فالعدول والانحراف عن الخطّ السليم ، الذي رسمه الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله للأُمّة ، بالنسبة لإمامة أمير المؤمنين عليه السلام - كما هو ثابت تاريخياً - هو نوع من التراجع والارتداد عن منهج الرسالة في تطبيق أوامره ونواهيه صلى اللّه عليه وآله ، وهذا هو معنى الروايات الواردة في مصادرنا الخاصّة في هذا المجال .

والغريب أنّه قد ورد في بعض كتب التاريخ - كتاريخ الطبري - أنّ العرب ارتدّوا كلّهم بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله عدا فئةٍ في المدينة والطائف ، وهذا لا يثير التساؤل ؟!

وأمّا ما يثار في حقّ الشيعة بأنّهم يقولون بارتداد جميع الصحابة ، فهذا إفك وبهتان عظيم ، كيف وهم يلتزمون بالولاء لأفضل الصحابة ، وهو علي عليه السلام وأهل بيته ، وأيضاً يعظّمون ويبجّلون البعض منهم ، أمثال سلمان وأبي ذر ، وعمّار والمقداد ، وغيرهم .

ص: 243

نعم ، هم يعتقدون - وفقاً للأدلّة العقلية والنقلية - بعدول البعض عن خطّ الرسالة بعد ارتحال النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فإنّ ورد لفظ ردّة وارتداد لبعض الصحابة في روايات ومصادر الشيعة ، فإنّما هو ارتداد عن الولاية والإمامة لأمير المؤمنين عليه السلام لا ارتداد عن ظاهر الإسلام .

« السيّد سلمان - البحرين »

لا ينقسم إلى سلمي ومحارب :

س : نشكر لكم هذا الجهد الكبير الذي يبذل منكم للارتقاء بالفكر الإسلامي ، والعمل على نشر أفكار وتعاليم ديننا الحنيف .

لقد أشرتم إلى قضية المرتدّ ، والحكم عليها من دون الإشارة إلى نوعية الارتداد ، فهناك ارتداد سلمي ، حيث يقوم المرتدّ بالعدول عن الإسلام إلى غيره من الأديان من قناعة نفسية ، ولا يقوم بأيّ عمل ضدّ الإسلام والمسلمين ، وهناك ارتداد محارب للإسلام والمسلمين ، بأن يستغل ارتداده لضرب الدين الحنيف وتعاليمه النيّرة .

فسؤالي هنا : ما هو الحكم في المسألتين ؟

ج : إنّ المرتدّ على قسمين :

1 - مرتدّ عن فطرة .

2 - مرتدّ عن ملّة .

والحكم الشرعي هو : إنّ المرتدّ عن فطرة يقتل بخلاف المرتدّ عن ملّة .

ولم يقسّم الشرع في المرتدّ عن فطرة ، بين الارتداد السلمي وارتداد محارب للإسلام والمسلمين ، كما ذكرتم من التقسيم ، ولا بين من ارتدّ عن قناعة نفسية ولا غيره .

وأمّا الدليل على قتل المرتدّ عن فطرة ، الروايات الكثيرة المروية في مصادر المسلمين والتي تبلغ حدّ التواتر ، منها :

عن علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن مسلم تنصّر ؟ قال : « يقتل ولا يستتاب » .

ص: 244

قلت : فنصراني أسلم ثمّ ارتدّ ؟ قال : « يستتاب ، فإنّ رجع وإلّا قُتل » (1) .

وللتفصيل أكثر راجع : « وسائل الشيعة / أبواب حدّ المرتدّ » (2) .

« محمّد - الإمارات - سنّي - 20 سنة - طالب »

جواز حرق المرتد الفطري :

س : هل يجوز حرق الكفّار أو المرتدّين ؟ أين الدليل بأنّها مردودة سنداً ؟

ج : لا يجوز حرق الكفّار والمرتدّين ، ولم يذهب إلى ذلك من فقهائنا أحد ، فقد ذكر المحقّق الحلّي في حكم المرتد : « ويتحتّم قتله ، وتبين منه زوجته ، وتعتدّ منه عدّة الوفاة ، وتقسّم أمواله بين ورثته » (3) .

وأمّا الحرق بالنار ، فلم تدلّ عليه إلّا رواية واحدة ، وموردها ما إذا ارتدّ المسلم الفطري ، وأخذ بالسجود إلى الأصنام ، فتختصّ بهذا المورد ، لا أنّ كلّ مرتدّ يفعل به ذلك ، والسجود للأصنام يشتمل على إبراز للارتداد بدرجة مفرطة وغير مقبولة ، وبهذا اللحاظ يرتفع مستوى عقوبته .

« علي - فرنسا - سنّي - 28 سنة - طالب »

حصل لكثير من الصحابة للنصوص :

س : هل يعقل أن يختار اللّه لصحبة نبيّه رجالاً يعرف أنّهم سيرتدّون فيما بعد ؟ أم أنّ اللّه لا يعلم الغيب ؟ سبحان اللّه عمّا يصفون ، يهديكم اللّه ، ويصلح بالكم .

ج : هذه الملازمات ليست شرعية ، ولا لازمة لأحد ، ولا حجّة على أحد ، ولا دليل عليها ، فمن قال إنَّ اللّه تعالى اختار للأنبياء أصحابهم ؟ الذي أرسل الرسل أصلاً لإصلاحهم ، لأنّهم في وضع سيء جدّاً ، يستوجب إنذارهم وإبلاغهم رسالة

ص: 245


1- الكافي 7 / 257 ، تهذيب الأحكام 10 / 138 ، الاستبصار 4 / 254 .
2- وسائل الشيعة 28 / 323 .
3- شرائع الإسلام 4 / 961 .

اللّه تعالى وأحكامه ، فقد يكون العصر الذي يُبعث فيه الأنبياء الذروة في الانحطاط والضلال والظلام .

ثمّ إنّ النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله كان كثيراً ما يحذّر ويقول : « لتتبعنَّ سنن من كان قبلكم » (1) ، وكان أيضاً يحذّر الصحابة ويخبرهم برجال يرتدّون من بعده ، ويُطردَون عن الحوض ، كما روى البخاري وغيره عن أبي هريرة قال : « بينا أنا قائم فإذا زمرة حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال : هلّم ، فقلت : أين ؟ قال : إلى النار واللّه ، قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنّهم ارتدّوا بعدك ... » (2) .

وفي حديث أنس : « ليردن عليّ ناس من أصحابي الحوض ، حتّى إذا عرفتهم اختلجوا دوني ... » (3) .

وفي حديث سهل : « وليردن عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ، ثمّ يحال بيني وبينهم » (4) .

وفي حديث أبي هريرة : « ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال ، أناديهم ألا هلّم ، فيقال : إنّهم قد أحدثوا بعدك ، وأقول : سحقاً سحقاً » (5) . .

ص: 246


1- مسند أحمد 2 / 511 و 5 / 218 و 340 ، صحيح البخاري 8 / 151 ، المستدرك على الصحيحين 4 / 455 ، معجم الزوائد 7 / 261 ، مسند أبي داود : 289 ، المصنّف للصنعاني 11 / 369 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 634 ، المعجم الكبير 3 / 244 ، شرح نهج البلاغة 9 / 286 ، الجامع الصغير 2 / 401 ، كنز العمّال 8 / 94 و 11 / 133 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 364 ، الدرّ المنثور 6 / 56 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 441 ، سبل الهدى والرشاد 5 / 314 ، وغيرها من المصادر .
2- صحيح البخاري 7 / 208 ، فتح الباري 11 / 333 ، كنز العمّال 11 / 132 .
3- صحيح البخاري 7 / 207 ، فتح الباري 11 / 333 .
4- مسند أحمد 5 / 333 ، صحيح البخاري 7 / 207 و 8 / 87 ، فتح الباري 11 / 333 ، المعجم الكبير 6 / 143 و 156 و 171 و 200 ، الجامع لأحكام القرآن 4 / 168 .
5- السنن الكبرى للبيهقي 4 / 78 ، فتح الباري 11 / 333 ، صحيح ابن خزيمة 1 / 7 ، كنز العمّال 15 / 647 .

وفي رواية أبي سعيد الخدري : « فأقول : إنّهم منّي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي » (1) ، وزاد في رواية عطاء ابن يسار : « فلا أراه يخلص منهم إلّا مثل همل النعم » (2) .

وفي حديث أبي بكرة : « ليردن عليَّ الحوض رجال ممّن صحبني ورآني ، حتّى إذا رفعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني ، فلأقولنّ : ربّ أصحابي أصحابي ! فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك » (3) ، وقال عن هذا الحديث ابن حجر : « وسنده حسن » (4) ، وللطبراني من حديث أبي الدرداء نحوه ، وزاد : فقلت : يا رسول اللّه ادع اللّه أن لا يجعلني منهم ، قال : « لست منهم » ، وقال ابن حجر : « وسنده حسن » (5) .

وفي البخاري : « فأقول كما قال العبد الصالح : ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (6) .

ونقول : مع هذه الأحاديث الكثيرة التي تصادم ما تقولون به نذكر آية واحدة وهي قوله تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ) (7) .

فهل قولنا موافق لقول اللّه والرسول صلى اللّه عليه وآله ؟ أم إطلاقكم العدالة هو الموافق ؟ .

ص: 247


1- صحيح البخاري 7 / 208 ، فتح الباري 11 / 333 ، الجامع لأحكام القرآن 4 / 168 .
2- فتح الباري 11 / 333 .
3- مسند أحمد 5 / 48 ، فتح الباري 11 / 333 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 415 ، كنز العمّال 13 / 239 ، تاريخ مدينة دمشق 36 / 8 .
4- فتح الباري 11 / 333 .
5- نفس المصدر السابق .
6- صحيح البخاري 4 / 110 ، والآية في سورة المائدة : 117 - 118 .
7- آل عمران : 144 .

ص: 248

الاستخارة :

اشارة

« سمير - ... - ... »

في رأي أهل البيت :

س : ما هو رأي مذهب أهل البيت في موضوع الخيرة ؟ استخارة اللّه في موضوع ما .

ج : ذكر العلّامة المجلسي قدس سره في كتابه « بحار الأنوار » الجزء الثامن والثمانين أبواباً في الاستخارات ، وفضلها وكيفيّاتها ، فذكر في الباب الأوّل الروايات الواردة في الحثّ على الاستخارة ، والترغيب فيها ، والرضا والتسليم بعدها ، منها :

1 - عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « يقول اللّه عزّ وجلّ : من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال ولا يستخير بي » .

2 - عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « من دخل في أمر بغير استخارة ثمّ ابتلي لم يؤجر » .

3 - عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قال : « بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى اليمن ، فقال لي وهو يوصيني : يا علي ما حار من استخار ، ولا ندم من استشار » .

ومن خلال مراجعة هذه الروايات يتّضح أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا يؤكّدون على موضوع الخيرة ، ويعلّمون أصحابهم كيفية الاستخارة ، وصلواتها ودعائها .

إذاً فالخيرة أمر حسن ومحبّذ ، وعليه جرت سيرة العلماء والمؤمنين .

ص: 249

« عبد اللّه - الكويت - 28 سنة - خرّيج ثانوية »

الروايات الواردة في كيفيّتها :

س : أرجو منكم أن تذكروا لي الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام في كيفية الاستخارة ، بالتفصيل إن أمكن .

ج : وردت عدّة روايات في مسألة الاستخارة ، نذكر بعضها ، وهي على أقسام :

الأوّل : الاستخارة بالرقاع .

عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إذا أردت أمراً فخذ ست رقاع ، فأكتب في ثلاث منها : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، خيرة من اللّه العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل ، وفي ثلاث منها مثل ذلك افعل ، ثمّ ضعها تحت مصلاك ، ثمّ صلّ ركعتين ، فإذا فرغت فاسجد سجدة وقل فيها مائة مرّة : استخير اللّه برحمته خيرة في عافية ، ثمّ استو جالساً وقل : اللّهم خر لي واختر لي في جميع أُموري ، في يسر منك وعافية ، ثمّ اضرب بيدك إلى الرقاع فشوّشها ، وأخرج واحدة ، فإن خرج ثلاث متواليات أفعل ، فأفعل الأمر الذي تريده ، وإن خرج ثلاث متواليات لا تفعل ، فلا تفعله ، وإن خرجت واحدة افعل والأُخرى لا تفعل ، فأخرج من الرقاع إلى خمس ، فأنظر أكثرها فاعمل به ، ودع السادسة لا تحتاج إليها » (1) .

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إذا أردت أمراً فخذ ست رقاع ، فاكتب في ثلاث منهن : بسم اللّه الرحمن الرحيم خيرة من اللّه العزيز الحكيم لفلان بن فلان افعل كذا إن شاء اللّه ، واذكر اسمك وما تريد فعله ، وفي ثلاث منهن : بسم اللّه الرحمن الرحيم خيرة من اللّه العزيز الحكيم لفلان بن فلان لا تفعل

ص: 250


1- مصباح المتهجّد : 535 ، الذكرى : 253 ، روض الجنان : 326 ، الكافي 3 / 470 ، مكارم الأخلاق : 322 ، بحار الأنوار 88 / 231 ، وقال العلّامة المجلسي في بيانه على هذه الرواية : هذا أشهر طرق هذه الاستخارة وأوثقها وعليه عمل أصحابنا .

كذا ، وتصلّي أربع ركعات ، تقرأ في كلّ ركعة خمسين مرّة « قل هو اللّه أحد » ، وثلاث مرّات « إنّا أنزلناه في ليلة القدر » ، وتدع الرقاع تحت سجّادتك ، وتقول بعد ذلك : اللّهم إنّك تعلم ولا أعلم ، وتقدر ولا أقدر ، وأنت علّام الغيوب ، اللّهم آمنت بك فلا شيء أعظم منك ، صلّ على آدم صفوتك ، ومحمّد خيرتك ، وأهل بيته الطاهرين ، ومن بينهم من نبيّ وصدّيق وشهيد ، وعبد صالح ، وولي مخلص ، وملائكتك أجمعين ، إن كان ما عزمت عليه من الدخول في سفري إلى بلد كذا وكذا خيرة لي في البدو والعاقبة ، ورزق تيسّر لي منه ، فسهّله ولا تعسّره ، وخر لي فيه ، وإن كان غيره فاصرفه عنّي ، وبدّلني منه ما هو خير منه ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، ثمّ تقول سبعين مرّة : خيرة من اللّه العليّ الكريم ، فإذا فرغت من ذلك عفّرت خدّك ، ودعوت اللّه وسألته ما تريد » (1) .

الثاني : الاستخارة بصلاة ركعتين وبرقعتين .

عن علي بن محمّد ، رفعه عنهم عليهم السلام ، قال لبعض أصحابه وقد سأله عن الأمر يمضي فيه ، ولا يجد أحداً يشاوره ، فكيف يصنع ؟ قال : « شاور ربّك » قال : فقال له : كيف ؟ قال : « انو الحاجة في نفسك ، واكتب رقعتين ، في واحدة لا ، وفي واحدة نعم ، واجعلهما في بندقتين من طين ، ثمّ صلّ ركعتين ، واجعلهما تحت ذيلك ، وقل : يا اللّه إنّي أشاورك في أمري هذا ، وأنت خير مستشار ومشير ، فأشر عليّ بما فيه صلاح وحسن عاقبة ، ثمّ أدخل يدك ، فإن كان فيها نعم فافعل ، وإن كان فيها لا ، لا تفعل ، هكذا شاور ربّك » (2) .

الثالث : الاستخارة بمائة مرّة .

عن إسحاق بن عمّار عن الإمام الصادق عليه السلام قال : قلت له : ربما أردت الأمر يفرق منّي فريقان ، أحدهما يأمرني والآخر ينهاني ؟ قال : فقال لي : « إذا كنت كذلك ، فصلّ ركعتين ، واستخر اللّه مائة مرّة ومرّة ، ثمّ أنظر أحزم الأمرين .

ص: 251


1- فتح الأبواب : 189 .
2- - فتح الأبواب : 228 ، الكافي 3 / 473 ، تهذيب الأحكام 3 / 182 .

لك فافعله ، فإنّ الخيرة فيه إن شاء اللّه ، ولتكن استخارتك في عافية ، فإنّه ربما خيّر للرجل في قطع يده ، وموت ولده ، وذهاب ماله » (1) .

الرابع : الاستخارة بمائة مرّة ومرّة في آخر ركعة من صلاة الليل .

وسأل محمّد بن خالد القسري الإمام الصادق عليه السلام عن الاستخارة ، فقال : « استخر اللّه في آخر ركعة من صلاة الليل ، وأنت ساجد مائة مرّة ومرّة » ، قال : كيف أقول ؟ قال : « تقول : استخير اللّه برحمته ، استخير اللّه برحمته » (2) .

الخامس : الاستخارة بمائة مرّة ومرّة عقيب ركعتي الفجر .

عن حمّاد بن عثمان قال : سألت الإمام الصادق عليه السلام عن الاستخارة ، فقال : « استخر اللّه مائة مرّة ومرّة في آخر سجدة من ركعتي الفجر ، تحمد اللّه وتمجّده وتثني عليه ، وتصلّي على النبيّ وعلى أهل بيته ، ثمّ تستخير اللّه تمام المائة مرّة ومرّة » (3) .

السادس : الاستخارة بمائة مرّة بعد صوم ثلاثة أيّام .

عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إذا أردت أمراً ، وأردت الاستخارة كيف أقول ؟ فقال : « إذا أردت ذلك فصم الثلاثاء والأربعاء والخميس ، ثمّ صلّ يوم الجمعة في مكان نظيف ركعتين ، فتشهّد ثمّ قل وأنت تنظر إلى السماء : اللّهم إنّي أسألك بأنّك عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، أنت عالم الغيب ، إن كان هذا الأمر خيراً فيما أحاط به علمك ، فيسّره لي ، وبارك لي فيه ، وافتح لي به ، وإن كان ذلك لي شرّاً فيما أحاط به علمك ، فاصرف عنّي بما تعلم ، فإنّك تعلم ولا أعلم ، وتقدر ولا أقدر ، وتقضي ولا أقضي ، وأنت علّام الغيوب ، .

ص: 252


1- الكافي 3 / 472 ، مصباح المتهجّد : 534 ، تهذيب الأحكام 3 / 181 ، وسائل الشيعة 8 / 65 ، مكارم الأخلاق : 322 .
2- فتح الأبواب : 233 ، من لا يحضره الفقيه 1 / 563 ، وسائل الشيعة 8 / 73 ، مكارم الأخلاق : 320 .
3- فتح الأبواب : 234 .

تقولها مائة مرّة » (1) .

السابع : الاستخارة بمائة مرّة يتصدّق قبلها على ستّين مسكيناً .

عن زرارة ، عن الإمام الصادق عليه السلام في الأمر يطلبه الطالب من ربّه ، قال : « يتصدّق في يومه على ستّين مسكيناً ، على كلّ مسكين صاعاً بصاع النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فإذا كان الليل اغتسل في ثلث الليل الباقي ، ويلبس أدنى ما يلبس من يعول من الثياب إلّا أن عليه في تلك الثياب إزاراً ، ثمّ يصلّي ركعتين ، فإذا وضع جبهته في الركعة الأخيرة للسجود هلّل اللّه وعظّمه ومجّده ، وذكر ذنوبه ، فأقّر بما يعرف منها مسمّى ، ثمّ يرفع رأسه ، فإذا وضع في السجدة الثانية استخار اللّه مائة مرّة ، يقول : اللّهم إنّي استخيرك ، ثمّ يدعو اللّه بما يشاء ويسأله إيّاه ، وكلّما سجد فليفض بركبتيه إلى الأرض ، يرفع الإزار حتّى يكشفهما ، ويجعل الإزار من خلفه بين إليتيه وباطن ساقيه » (2) .

الثامن : الاستخارة بمائة مرّة عقيب الفريضة .

عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه يسجد عقيب المكتوبة ويقول : « اللّهم خر لي ، مائة مرّة ، ثمّ يتوسّل بالنبيّ والأئمّة عليهم السلام ، ويصلّي عليهم ، ويستشفع بهم ، وينظر ما يلهمه اللّه فيفعل ، فإنّ ذلك من اللّه تعالى » (3) .

التاسع : الاستخارة بمائة مرّة في آخر ركعة من صلاة الليل .

عن جعفر بن محمّد بن خلف العشيري قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الاستخارة ، فقال : « استخر اللّه في آخر ركعة من صلاة الليل ، وأنت ساجد مائة مرّة » ، قال : قلت : كيف أقول ؟ قال : « تقول : استخير اللّه برحمته ، استخير اللّه برحمته » (4) . .

ص: 253


1- وسائل الشيعة 8 / 67 .
2- فتح الأبواب : 237 .
3- المصدر السابق : 238 .
4- المصدر السابق : 239 .

العاشر : الاستخارة بمائة مرّة عند الإمام الحسين عليه السلام .

عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « ما استخار اللّه عبد قط في أمر مائة مرّة عند رأس الحسين عليه السلام ، فيحمد اللّه ويثني عليه ، إلّا رماه اللّه بخير الأمرين » (1) .

الحادي عشر : الاستخارة بسبعين مرّة .

عن معاوية بن ميسرة عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « ما استخار اللّه عبد سبعين مرّة بهذه الاستخارة ، إلّا رماه اللّه بالخيرة ، يقول : يا أبصر الناظرين ، ويا أسمع السامعين ، ويا أسرع الحاسبين ، ويا أرحم الراحمين ، ويا أحكم الحاكمين ، صلّ على محمّد وأهل بيته ، وخر لي في كذا وكذا » (2) .

الثاني عشر : الاستخارة بعشر مرّات .

عن محمّد بن مسلم ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « كنّا أُمرنا بالخروج إلى الشام ، فقلت : اللّهم إن كان هذا الوجه الذي هممت به خيراً لي في ديني ودنياي ، وعاقبة أمري ولجميع المسلمين ، فيسّره لي وبارك لي فيه ، وإن كان ذلك شرّاً لي ، فاصرفه عنّي إلى ما هو خير لي منه ، فإنّك تعلم ولا أعلم ، وتقدر ولا أقدر ، وأنت علّام الغيوب ، استخير اللّه ويقول ذلك مائة مرّة ... » (3) .

الثالث عشر : الاستخارة بسبع مرّات .

عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه كان إذا أراد شراء العبد أو الدابّة ، أو الحاجة الخفيفة أو الشيء اليسير استخار اللّه عزّ وجلّ فيه سبع مرّات ، وإذا كان أمراً جسيماً استخار اللّه فيه مائة مرّة (4) .

الرابع عشر : الاستخارة بثلاث مرّات . .

ص: 254


1- المصدر السابق : 240 .
2- مصباح المتهجّد : 539 ، الذكرى : 253 ، من لا يحضره الفقيه 1 / 563 ، تهذيب الأحكام 3 / 182 ، وسائل الشيعة 8 / 75 .
3- فتح الأبواب : 252 .
4- فتح الأبواب : 253 ، مكارم الأخلاق : 321 .

عن ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في الاستخارة : « تعظّم اللّه وتمجّده وتحمده وتصلّي على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ تقول : اللّهم إنّي أسألك بأنّك عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، وأنت علّام الغيوب ، استخير اللّه برحمته » .

ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام : « إن كان الأمر شديداً تخاف فيه ، قلته مائة مرّة ، وإن كان غير ذلك قلته ثلاث مرّات » (1) .

الخامس عشر : الاستخارة بمرّة واحدة .

عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « من استخار اللّه مرّة واحدة وهو راض به ، خار اللّه له حتماً » (2) .

السادس عشر : الاستخارة في كلّ ركعة من الزوال .

عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « الاستخارة في كلّ ركعة من الزوال » (3) .

السابع عشر : الاستخارة بالقرعة .

عن منصور بن حازم قال : سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّه عليه السلام عن مسألة ، فقال له : « هذه تخرج في القرعة » ؟ ثمّ قال : « وأيّ قضية أعدل من القرعة إذا فوّض الأمر إلى اللّه عزّ وجلّ ، أليس اللّه يقول تبارك وتعالى : ( فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) (4) .

وروي عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، وعن غيره من آبائه وأبنائه من قولهم : « كلّ مجهول ففيه القرعة » قلت له : إنّ القرعة تخطأ وتصيب ، فقال : « كلّ ما حكم اللّه فليس بمخطأ » (5) . .

ص: 255


1- فتح الأبواب : 255 ، وسائل الشيعة 8 / 68 .
2- فتح الأبواب : 257 .
3- المصدر السابق : 260 .
4- المحاسن 2 / 603 ، من لا يحضره الفقيه 3 / 92 ، وسائل الشيعة 27 / 262 ، فتح الأبواب : 271 ، والآية في سورة الصافات : 141 .
5- النهاية : 346 ، من لا يحضره الفقيه 3 / 92 ، تهذيب الأحكام 6 / 240 .

وأمّا كيفية الاستخارة بالقرعة ، فعن الإمام الصادق عليه السلام : « من أراد أن يستخير اللّه تعالى فليقرأ الحمد عشر مرّات ، وإنّا أنزلناه عشر مرّات ، ثمّ يقول : اللّهم إنّي استخيرك لعلمك بعاقبة الأُمور ، واستشيرك لحسن ظنّي بك في المأمول والمحذور ، اللّهم إن كان أمري هذا ممّا قد نيطت بالبركة أعجازه وبواديه ، وحُفّت بالكرامة أيّامه ولياليه ، فخر لي بخيرة ترد شموسه ذلولاً ، وتقعص أيّامه سروراً ، يا اللّه إمّا أمر فأأتمر ، وإمّا نهي فأنتهي .

اللّهم خر لي برحمتك خيرة في عافية ، ثلاث مرّات ، ثمّ يأخذ كفّاً من الحصى أو سبحة » (1) .

نكتفي بهذا المقدار من الروايات .

وأمّا بالنسبة إلى الاستخارة بالمصحف ، فإنّا وإن لم نجد رواية في ذلك ، ولكن السيّد ابن طاووس في « فتح الأبواب » (2) قال : « رأيت ذلك - أي المشاورة لله تعالى بالمصحف - في بعض كتب أصحابنا رضوان اللّه عليهم ... عدنا الآن إلى ما وقفنا عليه في بعض كتب أصحابنا من صفة الفال في المصحف الشريف ، وهذا لفظ ما وقفنا عليه :

صفة القرعة في المصحف : يصلّي صلاة جعفر عليه السلام ، فإذا فرغ منها دعا بدعائها ، ثمّ يأخذ المصحف ، ثمّ ينوي فرج آل محمّد بدءاً وعوداً ، ثمّ يقول : اللّهم إن كان في قضائك وقدرك أن تفرّج عن وليّك وحجّتك في خلقك في عامنا هذا وفي شهرنا هذا فاخرج لنا رأس آية من كتابك نستدلّ بها على ذلك .

ثمّ يعدّ سبع ورقات ، ويعدّ عشرة أسطر من ظهر الورقة السابعة ، وينظر ما يأتيه في الحادي عشر من السطر ، ثمّ يعيد الفعل ثانياً لنفسه ، فإنّه يتبيّن حاجته إن شاء اللّه تعالى » (3) . .

ص: 256


1- فتح الأبواب : 272 .
2- المصدر السابق : 275 .
3- المصدر السابق : 277 .

ثمّ قال : « فصل : وحدّثني بدر بن يعقوب المقرئ الأعجمي رضوان اللّه عليه بمشهد الكاظم عليه السلام في صفة الفال في المصحف بثلاث روايات من غير صلاة ، فقال : تأخذ المصحف وتدعو ، فتقول : اللّهم إن كان من قضائك وقدرك أن تمن على أُمّة نبيّك بظهور وليّك وابن بنت نبيّك ، فعجّل ذلك وسهّله ويسّره وكمّله ، وأخرج لي آية استدلّ بها على أمر فائتمر ، أو نهي فأنتهي - أو ما تريد الفال فيه - في عافية .

ثمّ تعدّ سبع أوراق ، ثمّ تعدّ في الوجهة الثانية من الورقة السابعة ستة أسطر ، وتتفاءل بما يكون في السطر السابع .

وقال في رواية أُخرى : إنّه يدعو بالدعاء ، ثمّ يفتح المصحف الشريف ، ويعدّ سبع قوائم ، ويعدّ ما في الوجهة الثانية من الورقة السابعة ، وما في الوجهة الأُولى من الورقة الثامنة من لفظ اسم اللّه جلّ جلاله ، ثمّ يعدّ قوائم بعدد لفظ اسم اللّه ، ثمّ يعدّ من الوجهة الثانية من القائمة التي ينتهي العدد إليها ، ومن غيرها ممّا يأتي بعدها سطوراً بعدد لفظ اسم اللّه جلّ جلاله ، ويتفاءل بآخر سطر من ذلك .

وقال في الرواية الثالثة : إنّه إذا دعا بالدعاء عدّ ثماني قوائم ، ثمّ يعدّ في الوجهة الأُولى من الورقة الثامنة أحد عشر سطراً ، ويتفاءل بما في السطر الحادي عشر ، وهذا ما سمعناه في الفأل بالمصحف الشريف قد نقلناه كما حكيناه (1) .

ونقل هذا العلّامة المجلسي في « بحار الأنوار » وقال : « وجدت في بعض الكتب أنّه نسب إلى السيّد (ره) الرواية الثانية ، لكنّه قال : يقرأ الحمد وآية الكرسي ، وقوله تعالى : ( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ ) إلى آخر الآية ، ثمّ يدعو بالدعاء المذكور ، ويعمل بما في الرواية » (2) . .

ص: 257


1- المصدر السابق : 278 .
2- بحار الأنوار 88 / 242 .

« ... - السعودية - ... »

حكمها :

س : ما هو حكم الخيرة أو الاستخارة ؟ فنرى البعض يعتقد بأنّها من عالم الغيب ، بخلاف البعض الآخر الذي يتعامل معها معاملة عادية .

وسؤالي بشكل أوضح هو : هل أنّ الخيرة ترشدنا إلى الواقع ؟ أو أنّها مجرد تعيين الوظيفة ورفع التحيّر ؟

ج : إنّ الأحاديث الواردة في هذا الموضوع تشير على أنّ الاستخارة - الخيرة - هي من مصاديق الدعاء ، أي أنّ المستخير يطلب من اللّه تعالى أن يرشده إلى الخير والصواب .

وعليه ، فإنّ حيثيات الدعاء تتدخّل في كيفية النتيجة ، فحالة المستخير من الطهارة والتوجّه والإقبال نحو الدعاء ، وأيضاً وقت الاستخارة ومكانها ونوعها لها دخل عظيم في إعطاء النتيجة المتوقّعة .

نعم ، هناك بعض الأنواع من الاستخارة قد تخرج بنتائج أقرب إلى الواقع من غيرها ، وهكذا قد يكون بعض الأشخاص يمتلكون قدرة خاصّة في استنباط بعض النتائج في الخيرة ، حازوا على هذه الملكة بممارسة رياضات شرعية .

هذا ، ولكن لا يوجد في المقام ما يدلّ على أنّ هناك قاعدة عامّة يمكن الاعتماد عليها مطلقاً ، فكلّ ما في الأمر هو أنّ الموضوع يرتبط بالدعاء والداعي ، ومصلحة الباري تعالى .

« أحمد - ... - ... »

مشروعيتها :

س : لاشكّ بأنّكم سمعتم بطرق مختلفة في الاستخارة : هذا من القرآن ، وذلك بالسبحة ، وآخر بحسابات خاصّة ، و ... ، فهل هذه وردت عن المعصومين عليهم السلام ؟ أي أنّها مؤيّدة من قبلهم ؟ أم ماذا ؟

ص: 258

ج : الاستخارة أو الخيرة بالمعنى العام - أي طلب الخير من اللّه تعالى - أمر مستحسن في الشريعة ، وقد وردت روايات كثيرة بهذا الصدد تحثّ على هذا العمل ، كما هو واضح لمن يراجع المجامع الحديثية في هذا الباب .

وأمّا الأساليب المختلفة التي تمارس في هذا المجال ، فهي طرق مختصّة بأهلها اقتنعوا بها بعدما أعطت التجربة صحّتها ، أو قربها إلى الواقع .

نعم ، جاء في بعض الأحاديث ما يدلّ على بعض الأنواع من الاستخارة ، ولكن هذه الروايات جميعها ضعيفة السند ، لا يمكن الاعتماد عليها جزماً ، بل يصحّ العمل بمضمونها برجاء المطلوبية .

هذا ولكن الذي يظهر من سيرة المتشرّعة والمؤمنين : هو المعاملة مع الخيرة معاملة الأمر اللازم ، فيأتمرون لأوامرها وينتهون لنواهيها ، وليس هذا إلّا لحصول نتائج حسنة منها ، لا أنّهم قصدوا العمل بالأحاديث الواردة في المقام .

« ... - السعودية - ... »

حجّيتها بالقرآن :

س : كثيراً ما يعترض السلفيّون في موضوع الاستخارة بالقرآن ، بأنّكم تتفاءلون به ، وهو عمل منهي عنه ، فهل يوجد في كتب العامّة ما يمكننا بردّهم ؟

ج : الاستخارة وردت بنحو الإطلاق عند الفريقين - الخاصّة والعامّة - بما لا مجال للشكّ في مشروعيتها وجوازها ، بل رجحانها واستحبابها ، وهي باختصار : عبارة عن طلب الخير مطلقاً ، أو عند التحيّر في ترجيح موضوع على موضوع آخر ، وهذا أمر متّفق عليه عند كافّة أرباب الحديث ، كما هو واضح لمن راجعهم .

ولو أمعنّا النظر في مضمون هذه الروايات بأجمعها ، نرى أنّ مفادها تنصب في مجرى مطلق الدعاء ، أي أنّ المستخير يدعو ويطلب الصلاح والخير لما يستخير له .

ص: 259

وهناك طرق خاصّة وردت في بعض الروايات عندنا تبيّن كيفية الاستخارة ، وأيضاً قد ينقل بعض الاستخارات غير المنصوصة عن البعض ، وهي بأجمعها وإن لم تتّصف بقوّة السند - خلافاً للقسم الأوّل - ولكن تدخل تحت عنوان الدعاء قطعاً .

وعلى هذا لا يبقى إشكال على هذه الأنواع من الاستخارة ، ويدلّ على جواز هذا الأمر عند العامّة ، ما ورد في بعض رواياتهم من عمل الأصحاب به (1) .

وممّا ذكرنا يظهر لك : عدم المانع من الاستخارة بالقرآن ، فإنّ المستخير يرى نفسه متحيّراً في موضوع ما ، ويريد أن يستدلّ على الصواب ، فيدعو ويطلب من اللّه تعالى هدايته وتوجيهه نحو الحقّ ، بإشارة آية أو مقطع منها ، وهذا العمل بنفسه عمل جائز وسائغ ، ولا ينطبق عليه عنوان التفاؤل المنهي عنه - إن قلنا به - .

مضافاً إلى أنّ الروايات التي تمنعنا من التفاؤل بالقرآن جميعها ضعيفة السند ، فلا يمكن الاعتماد عليها ، واعتبارها حجّة في المقام . .

ص: 260


1- مسند أحمد 3 / 139 .

استعارة الفروج :

اشارة

« هاشم - الكويت - 18 سنة - طالب جامعة »

مسألة مختلقة :

س : كثيراً ما يردّد أعداء الشيعة أنّ هناك ما يسمّى باستعارة الفروج في مذهب الإمامية ؟ فماذا يقصدون ؟ وما هي حقيقة ذلك ؟

ج : لاشكّ ولا ريب بأنّ أعداء الشيعة والتشيّع قد كرّسوا جهودهم لتضليل الرأي العام ، في سبيل النيل من سمعة مذهب أهل البيت عليهم السلام ، ولكن يأبى الحقّ إلّا أن يظهر .

وممّا افتروه في هذا المجال ، مسألة مختلقة سمّوها « استعارة الفروج » يريدون منها أن ينسبوا إلى الشيعة بأنّهم - والعياذ باللّه - يعتقدون بالإباحية في الجنس !! ( سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ) (1) .

وعلى أيّ حال ، فإنّ الموضوع واضح وجلّي ، وهو يختصّ بباب نكاح الجواري والإماء ، وتوضيحه : إنّ نكاح الإماء لا يكون بصيغة العقد ، بل بملك اليمين فقط ، فمالكها هو الأولى بها بالأصالة ، ولكن في حالة عدم الاقتراب منها - أو بعد الاقتراب والاستبراء - يحقّ لمالكها أن يزوّجها ممّن يشاء ، بمنحه له حصّة ملكيّته لها ، وعلى ضوء ما ذكرنا لا يحتاج هذا الزواج الجديد إلى صيغة النكاح ، بل ينعقد بالملكية التي وهبها المالك إيّاه .

ص: 261


1- النور : 16 .

وطبيعي أنّه لا يحقّ للمالك المجيز في هذه الفترة - فترة النكاح المشار إليه - أن ينكح ويقترب من أَمَتِه ، إلّا بعد انتهاء فترة النكاح المذكور واستبرائها .

ثمّ إنّ هذه المسألة ليست اتفاقية عند جميع علماء الشيعة ، فمنهم من يقول بالمنع ، كما حكاه الشيخ الطوسي قدس سره في « المبسوط » (1) و « النهاية » ، والعلّامة الحلّي قدس سره في « المختلف » .

ولرفع الاستغراب في هذا المجال ، نذكر فقرات من كتب أهل السنّة ، حتّى يتّضح أنّ الشيعة ليسوا متفرّدين في أمثال هذه الموارد :

1 - « وإن كانت المنكوحة أمة فوليّها مولاها ، لأنّه عقد على منفعتها فكان إلى المولى كالإجارة » (2) .

2 - « إذا ملك مائة دينار ، وأمة قيمتها مائة دينار ، وزوّجها من عبد بمائة ، و ... » (3) .

ترى مشروعية تزويج الإنسان الحرّ أمته من غيره حتّى العبد .

3 - « رجل له جارية فقال : قد وطئتها ، لا تحلّ لابنه ، وإن كانت في غير ملكه ، فقال : قد وطئتها ... » (4) .

فترى فرض الوطء في غير الملك .

4 - « والأمة إذا غاب مولاها ليس للأقارب التزويج » (5) .

والمفهوم من العبارة ، أنّ المولى إذا كان حاضراً ، فله أن يزّوج أمته ممّن يشاء .

5 - « إذا أحلّ الرجل الجارية للرجل ، فعتقها له ، فإن حملت ألحق الولد به . .

ص: 262


1- المبسوط 4 / 246 .
2- المجموع 16 / 147 .
3- المصدر السابق 16 / 293 .
4- البحر الرائق 3 / 167 .
5- الفتاوى الهندية 1 / 285 .

ويحلّ الرجل وليدته لغلامه وابنه وأخيه وأبيه ، والمرأة لزوجها ... ، وهي أحلّ من الطعام ، فإن ولدت فولدها للذي أحلّت له ، وهي لسيّدها الأوّل .

إذا أحلّت امرأة الرجل أو ابنته أو أخته ، له جاريتها فليصبها وهي لها ... .

وهو حلال ، فإن ولدت ، فولدها حرّ ... .

امرأتي أحلّت جاريتها لابنها ، قال : فهي له » (1) .

« أحمد - الإمارات - 19 سنة - طالب حوزة »

هي نكاح الإماء :

س : هذه شبهة وردت في أحد منتديات مواقع الوهّابية ، أرجو الردّ السريع عليها .

إعارة الفروج ، فقد روى الطوسي عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر قال : قلت : الرجل يحلّ لأخيه فرج جاريته ، قال : « نعم ، لابأس به ، له ما أحلّ له منها » (2) .

أرجو المساعدة على ردّ تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً .

ج : وما أسموه بإعارة الفروج ، فهو ليس تعبيراً صحيحاً ، وإنّما الصحيح أنّ يقال : أحكام نكاح الإماء ، لأنّ هذه الروايات واردة في أحكام الإماء اللاتي يشتريهن المسلمون بأموالهم ، وقد ورد في أحكامها ، كما عن العلّامة الحلّي قدس سره في « المختلف » : ( المشهور عند علمائنا إباحة وطء الإماء بتحليل المولى للغير .

وقال ابن إدريس : إنّه جائز عند أكثر أصحابنا المحصّلين ، وبه تواترت الأخبار ، وهو الأظهر بين الطائفة ، والعمل عليه والفتوى به ، وفيهم من منع منه والحقّ الأوّل .

وحجّتنا : قوله تعالى : ( أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) (3) وهو يصدق بملك

ص: 263


1- المصنّف للصنعاني 7 / 215 - 217 .
2- الاستبصار 3 / 136 .
3- النساء : 3 .

المنفعة ، كما يصدق بملك الرقبة .

وما رواه محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام قال : سألته عن رجل يحلّ لأخيه فرج جاريته ، قال : « هي له حلال ما أحلّ منها » ) (1) .

وقال ابن العلّامة قدس سره في « إيضاح الفوائد » : « اعلم أنّ السيّد - أي المالك للأمة - يملك منفعتين من أمته ، منفعة الاستمتاع ومنفعة الاستخدام ، فإذا زوّجها عقد على إحدى منفعتيها ، وبقيت المنفعة الأُخرى ، فيستوفيها في وقتها وهو النهار ، ويسلّمها إلى الزوج وقت الاستراحة والاستمتاع ، وهو الليل » (2) .

وقال المحقّق الكركي قدس سره في « جامع المقاصد » : « والصيغة وهو لفظ التحليل ، مثل أحللت لك وطأها ، أو جعلتك في حلّ من وطئها ، والأقرب إلحاق الإباحة به .

ولو قال : أذنت لك ، أو سوّغت ، أو ملكت فكذلك .

ولا تستباح بالعارية ، ولا بالإجارة ، ولا ببيع منفعة البضع ... .

والشرط الرابع : الصيغة ، ولا خلاف في اعتبارها ، لأنّ الفروج لا يكفي في حلّها مجرّد التراضي ، ولا أيّ لفظ اتفق ، بل لابدّ من صيغة متلقّاة من الشرع ، وقد اجمعوا على اعتبار لفظ التحليل ، وبه وردت النصوص ، فيقول : أحللت لك وطء فلانة ، أو جعلتك في حلّ من وطئها » (3) .

فنقول : أين الإعارة للفروج ؟ وقد سمعت قول العلماء أنفاً : أنّه لا يستباح بالعارية ولا بالإجارة ، ولا ببيع منفعة البضع !! وإنّما صيغة التحليل المذكورة مستفادة من أدلّة الشرع ، وفق روايات صحيحة ذكرها العلماء في متون استدلالاتهم في باب أحكام الإماء ، فليراجع ثمّة . .

ص: 264


1- مختلف الشيعة 7 / 269 .
2- إيضاح الفوائد 3 / 168 .
3- جامع المقاصد 13 / 182 .

الإسراء والمعراج :

اشارة

« أحمد - البلوشي - السعودية ... »

معناهما وأهدافهما :

س : ما معنى الإسراء والمعراج وما هي أسبابه ونتائجه ؟

ج : لقد أسرى النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله بروحه وجسده من مكّة المكرّمة إلى بيت المقدس ، كما في سورة الإسراء ، وذلك في السنوات الأُولى من البعثة .

ثمّ عرج صلى اللّه عليه وآله بروحه وجسده من بيت المقدس إلى السماء ، كما جاء في سورة الإسراء ، ووردت بذلك الأخبار الكثيرة ، وذلك في السنوات الأُولى من البعثة .

وأمّا أهداف الإسراء والمعراج فهي :

أوّلاً : إنّ حادثة الإسراء والمعراج معجزة كبرى خالدة ، ولسوف يبقى البشر إلى الأبد عاجزين عن مجاراتها ، وإدراك أسرارها ، ولعلّ إعجازها هذا أصبح أكثر وضوحاً في هذا القرن العشرين ، بعد أن تعرّف هذا الإنسان على بعض أسرار الكون وعجائبه ، وما يعترض سبيل النفوذ إلى السماوات من عقبات ومصاعب .

ثانياً : إنّ هذه القضية قد حصلت بعد البعثة بقليل ، وقد بيّن اللّه سبحانه الهدف من هذه الجولة الكونية ، فقال : ( لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ) (1) .

وإذا كان الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله هو الأسوة والقدوة للإنسانية جمعاء ، وإذا كانت مهمّته هي حمل أعباء الرسالة إلى العالم بأسره ، فإنّ من الطبيعي أن

ص: 265


1- الإسراء : 1.

يعدّه اللّه سبحانه إعداداً جيّداً لذلك ، وليكن المقصود من قصّة الإسراء والمعراج هو أن يشاهد الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله بعض آثار عظمة اللّه تعالى في عمليةٍ تربوية رائعة ، وتعميق وترسيخ للطاقة الإيمانية فيه ، وليعدّه لمواجهة التحدّيات الكبرى التي تنتظره ، وتحمّل المشاق والمصاعب والأذى التي لم يواجهها أحد قبله ولا بعده .

ثالثاً : لقد كان الإنسان ولاسيّما العربي آنذاك يعيش في نطاق ضيّق ، وذهنية محدودة ، ولا يستطيع أن يتصوّر أكثر من الأُمور الحسّية ، أو القريبة من الحسّ ، التي كانت تحيط به ، أو يلمس آثارها عن قرب .

فكان والحالة هذه لابدّ من فتح عيني هذا الإنسان على الكون الرحب ، الذي استخلفه اللّه فيه ، ليطرح على نفسه الكثير من التساؤلات عنه ، ويبعث الطموح فيه للتعرّف عليه ، واستكشاف أسراره ، وبعد ذلك إحياء الأمل وبثّ روح جديدة فيه ، ليبذل المحاولة للخروج من هذا الجوّ الضيّق الذي يرى نفسه فيه ، ومن ذلك الواقع المزري الذي يعاني منه ، وهذا بالطبع ينسحب على كلّ أُمّة ، وكلّ جيل وإلى الأبد .

رابعاً : والأهمّ من ذلك : أن يلمس هذا الإنسان عظمة اللّه سبحانه ، ويدرك بديع صنعه ، وعظيم قدرته ، من أجل أن يثق بنفسه ودينه ، ويطمئن إلى أنّه بإيمانه باللّه إنّما يكون قد التجأ إلى ركن وثيق ، لا يختار له إلّا الأصلح ، ولا يريد له إلّا الخير ، قادر على كلّ شيء ، ومحيط بكلّ الموجودات .

خامساً : إنّه يريد أن يتحدّى الأجيال الآتية ، ويخبر عمّا سيؤول إليه البحث العلمي من التغلّب على المصاعب الكونية ، وغزو الفضاء ، فكان هذا الغزو بما له من طابع إعجازي خالدٍ ، هو الأسبق والأكثر غرابة وإبداعاً ، وليطمئن المؤمنون ، وليربط اللّه على قلوبهم ، ويزيدهم إيماناً (1) . .

ص: 266


1- الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم 3 / 34 .

« سمير حسن - السعودية - ... »

كيفية رؤية النبيّ فيهما :

س : هل إنّ ما رآه النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله في الإسراء والمعراج كان برؤية قلبية فقط ؟ أم أنّها كانت قلبية وبصرية أيضاً ؟

أرجو الإجابة على سؤالي مدعماً بأقوال المعصومين عليهم السلام ، وغفر اللّه لكم ، وشكر مساعيكم في نشر العقيدة الحقّة .

ج : تعتقد الشيعة الإمامية الاثنا عشرية ، والزيدية ، والمعتزلة : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أُسري يقظة بجسمه وروحه إلى بيت المقدس لقوله تعالى : ( إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) ، وعرج إلى السماوات لقوله تعالى : ( وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ * فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ) .

ودلّت عليه الروايات المتواترة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام والصحابة ، كابن عباس وابن مسعود ، وجابر وحذيفة وأنس ، وعائشة وأُمّ هاني .

وعليه تكون رؤية النبيّ صلى اللّه عليه وآله في معراجه رؤية بصرية وقلبية للسماوات ، فرأى الأنبياء والعرش وسدرة المنتهى والجنّة والنار بعينه الشريفة ، ورأى جبرائيل على ما هو عليه ، من الهيئة التي خلقه اللّه تعالى عليها ، فعن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى : ( لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ ) (1) قال : « رأى جبرائيل على ساقه الدرّ ... » (2) .

نعم رأى ربّه برؤية قلبية لا بصرية ، فعن محمّد بن الفضيل قال : سألت أبا الحسن عليه السلام : هل رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ربّه عزّ وجلّ ؟

قال : « نعم ، أما سمعت اللّه يقول : ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ) لم يره

ص: 267


1- النجم : 18 .
2- التوحيد : 116 .

بالبصر ولكن رآه بالفؤاد » (1) .

ونذكر لكم روايتين تدلّان على هذا المعتقد :

1 - عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « جاء جبرائيل وميكائيل وإسرافيل بالبراق إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فأخذ واحد باللّجام ، وواحد بالركاب ، وسوّى الآخر عليه ثيابه ... » (2) .

2 - عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « لمّا أُسري برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى بيت المقدس ، حمله جبرائيل على البراق ، فأتيا بيت المقدس ، وعرض عليه محاريب الأنبياء ، وصلّى بها ، وردّه ... » (3) .

« حسين جابر - السويد »

الكتب المؤلّفة حولهما :

س : ما هي الكتب المؤلّفة عن الإسراء والمعراج ؟ أرجو منكم الجواب ، في أمان اللّه .

ج : يمكنكم مراجعة الكتب التالية للاطلاع على مسألة الإسراء والمعراج :

1 - علم اليقين 1 / 489 . 2 - حقّ اليقين 1 / 168 . 3 - الميزان في تفسير القرآن 13 / 7 . 4 - الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله 3 / 15 .

« ... - ... - ... »

كيفية رؤيته صلى اللّه عليه وآله لقضايا المستقبل :

س : ورد في أحاديث المعراج أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله رأى في هذه الجولة الملكوتية بعض أصحاب الجنّة والنار من أُمّته فيهما ، فما هو التخريج لهذه القضية ؟ مع أنّنا

ص: 268


1- نفس المصدر السابق .
2- تفسير القمّي 2 / 3 .
3- الأمالي للشيخ الصدوق : 533 .

نعلم بوقوع هذه المثوبات أو العقوبات فيما بعد ، أي أنّ المحاسبة ومن ثمّ إعطاء النتائج لأفعال العباد سوف تكون في القيامة .

ج : نعم جاء في نصوص المعراج ما ذكرتم ، ولكن الذي يظهر بعد التوفيق بين الأدلّة العقلية والنقلية في المقام هو : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله شاهد الصور المثالية لهؤلاء الأشخاص ولتلك الأحداث ، لا أنّه صلى اللّه عليه وآله رآها بنحو القضية الخارجية والواقعية ، وبهذا ينحلّ الأشكال المذكور ، ولا يبقى أيّ استبعاد في المقام .

وقد تنبّه لردّ هذا المحذور المتوهّم بعض أساطين المذهب قديماً وحديثاً ، منهم الشيخ الطبرسي قدس سره ، حيث قال في معرض جوابه : « فيحمل على أنّه رأى صفتهم أو أسماءهم » (1) .

« ... - السعودية - ... »

كيفية تكليم اللّه للنبيّ :

س : كيف كلّم اللّه النبيّ صلى اللّه عليه وآله في ليلة المعراج ؟ وهل رأى اللّه ؟ وإنّني سمعت أنّه كلّمه بصوت الإمام علي عليه السلام ، فما هي الأدلّة على ذلك من كتب أهل السنّة ؟ وشكراً .

ج : إنّ الأدلّة العقلية والنقلية قائمة على عدم إمكانية رؤية اللّه تعالى - رؤية حسّية ومادّية - وكذا الكلام في نوعية كلامه سبحانه وتعالى مع ما سواه ( لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ) (2) ، ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ) (3) ، فكلّ ما روي أو نقل أو قيل خلاف ذلك فهو إمّا مؤوّل ، أو مطروح من رأسه ، فإنّ القول بالتجسيم باطل مستحيل ، كما قرّر ذلك في مباحث علم الكلام .

ص: 269


1- مجمع البيان 6 / 215 .
2- الأنعام : 103 .
3- الشورى : 51 .

وأمّا مخاطبة النبيّ صلى اللّه عليه وآله بلسان الإمام علي عليه السلام في المعراج ، فهي من مناقب وفضائل الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وقد جاء هذا الموضوع - مضافاً إلى المصادر الشيعة - في كتب أهل السنّة أيضاً ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : المناقب للخوارزمي (1) ، ينابيع المودّة (2) ، المناقب المرتضوية للكشفي (3) ، أرجح المطالب (4) ، وغيرها .

« محمود البحراني - البحرين - 17 سنة - طالب ثانوية »

ما رآه صلى اللّه عليه وآله لأهل الجنّة والنار كان تمثيلاً لهم :

س : في الروايات التي جاءت عن الإسراء والمعراج أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله رأى أشكال التعذيب والجنّة والنار ، وسؤالي : كيف رأى النبيّ هؤلاء المعذّبين والمعذّبات في النار ؟ أليس عذاب النار في الآخرة ؟ أم أنّه رآهم في البرزخ ؟ ولكم الشكر الجزيل .

ج : إنّ رؤية النبيّ صلى اللّه عليه وآله لذلك كرؤيته للأنبياء عليهم السلام في السماء ، فالروايات دلّت على أنّ اللّه تعالى مثّل له أرواحهم في أجساد تشبه أجسادهم التي كانت لهم في الدنيا ، ولهذا استطاع أن ينعتهم لقريش .

وهذا النوع من التمثيلات ليس بممتنع عقلاً ، وكذلك ما ورد من التمثيلات التي رآها صلى اللّه عليه وآله لأقوام يتنعّمون في الجنّة ، وآخرون يعذّبون في النار ، فهي نوع من التشبيه الحقيقي لمقامات الصالحين في معارج القرب ، وكذلك في بواطن صور المعاصي ونتائج الأعمال ، فيحمل ما ورد في ذلك على أنّه صلى اللّه عليه وآله رأى صفتهم وأسماءهم ، ولا مانع من أنّها نوع من التمثيلات البرزخية التي تصوّر الأعمال بنتائجها .

ص: 270


1- المناقب : 37 .
2- ينابيع المودّة : 83 .
3- المناقب المرتضوية : 104 .
4- أرجح المطالب : 507 .

الإسماعيلية :

عقائدها :

س : ما هي صحّة المذهب الإسماعيلي ؟ وهل لكم أن توضّحوه من كلّ جوانبه ؟ جزاكم اللّه خير جزاء ، وأعانكم على كلّ الأعداء ، إنّه سميع مجيب الدعاء .

ج : إنّ المذهب الإسماعيلي منتسب إلى إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام .

وتاريخ وفاة إسماعيل فيه اختلاف ، والصحيح أنّه توفّي سنة 145 ه- ، يعني ثلاث سنوات قبل استشهاد أبيه الإمام الصادق عليه السلام ، لأنّه عليه السلام استشهد سنة 148 ه- .

والإمام الصادق عليه السلام فعل بجنازة إسماعيل ما لم يفعل بأحد أبداً ، فقبل أن يحمل نعشه ، جاء وفتح عن وجهه ، واشهد الحاضرين كلّهم على أنّ هذا المسجّى الميت ابنه إسماعيل ، الذي مات حتف أنفه ، ثمّ حينما حملت الجنازة من المدينة إلى البقيع ، كان عليه السلام بين فترة وفترة ، يأمر أن يضعوا الجنازة ، فيفتح عن وجهه ، ويشهد الناس على أن هذا الميت هو ابنه إسماعيل ، مات حتف أنفه .

وفي هذا دلالة قاطعة ، على أنّ الإمام الصادق عليه السلام كان يرى في عمله هذا حفظ التشيّع والإمامة ، فلابدّ من دفع هذا الباطل ، وإن لم يكن ذلك اليوم قائماً فإنّه سيقوم فيما بعد ، كما يشهد التاريخ القطعي أنّ هذا الباطل قام فيما بعد .

ثمّ إنّ الذين كانوا يأخذون من إسماعيل مبدأ حركة لهم ، ومركز نشاط هؤلاء أدّعو دعوتين :

الدعوى الأُولى : إنّ الإمامة كانت في إسماعيل زمن أبيه ، والإمامة إذا

ص: 271

كانت في أحد فإنّها لا تستبدل بغيره ، بل تنتقل إلى من يرثه بالإمامة .

فصحيح أنّ إسماعيل مات زمن أبيه ، ولكن الإمامة كانت فيه فلا تستبدل ولا تعطى إلى أخيه موسى بن جعفر ، وإنّما تنتقل منه إلى ابنه محمّد بن إسماعيل ، الذي هو الإمام الثاني للإسماعيلية ، وعلى هذا الرأي أكثر الإسماعيلية ، الذين عاصروا الإمام الصادق عليه السلام ، وعاصروا الإمام الكاظم عليه السلام بعد استشهاد أبيه .

الدعوى الثانية : إنّ إسماعيل ثبت موته ، ولكنّه قام من قبره بعد ثلاثة أيّام ، وعاد إلى الحياة ثمّ غاب ، وقد رؤي سنة 153 ه- في سوق البصرة ، وله كرامات ومعجزات .

هذه الدعوى الثانية عليها ألف ملزم وملزم ، لأنّ التاريخ وكثير من الاعتبارات تشهد على بطلانها .

وأساس الكلام في الدعوى الأُولى ، أنّ الإمام الصادق عليه السلام لم ينصّ يوماً ما على أنّ الإمام بعده إسماعيل ، بل هناك روايات كثيرة تدلّ على أنّ الإمام الصادق عليه السلام في حياته ، بل ومنذ أن كان الإمام موسى الكاظم عليه السلام صبيّاً في المهد ، كان ينصّ على أن ابنه موسى هو الإمام بعده .

وهذه الروايات جاءت بعضها في كتاب « الكافي » للشيخ الكليني ، في باب النصّ على إمامة موسى بن جعفر عليهما السلام .

نعم الشيعة البعيدين عن الإمام عليه السلام ، كان يُخيّل إليهم أنّ الإمامة لا تكون إلّا في أكبر أولاد الإمام عليه السلام ، لهذا كانوا يرون أو يتنبّؤون بأنّ الإمامة سوف تكون في إسماعيل .

ولمّا توفّي إسماعيل بدا لله تعالى ، أي أظهر اللّه تعالى جهلهم ، بعد أن كان هذا الجهل خافياً ، بأنّ الإمام ليس هو إسماعيل ، وإنّما الإمام الذي يكون حيّاً بعد وفاة الإمام الصادق عليه السلام ، هو الإمام موسى الكاظم عليه السلام .

فهذا معنى ما ورد في الحديث : « بدا لله في إسماعيل » (1) ، « بدا » لا أنّه .

ص: 272


1- الإمامة والتبصرة : 15 .

جعله إماماً ثمّ عزله عن الإمامة ، بل يعني أظهر اللّه تعالى علمه بعد أن كان مخفيّاً ، وأظهر للناس جهلهم بعد أن كان يخيّل أنّهم عالمون بالإمام بعد الإمام الصادق عليه السلام ، وأنّه ابنه الأكبر إسماعيل .

فقامت الدعوة الإسماعيلية على أساس ، أنّ الإمام بعد الإمام الصادق عليه السلام - بحسب الرتبة - هو إسماعيل ، وأنّه مات وهو إمام ، ولم تسلب منه الإمامة إلى أخيه ، وإنّما انتقلت بالإرث إلى ابنه محمّد ، هذا أساس الدعوة الإسماعيلية .

نعم ، من يقول بأنّه قام بعد ثلاثة أيّام من موته ، ورجع حيّاً ، وغاب عن أعين الناس ، هذه الدعوى لا يصدّقها عاقل ، وإنّما يقبلها البسطاء جدّاً .

ثمّ إنّ هناك كلام لهم موجود في مصادر الإسماعيلية ، ويعترف به الكثير منهم ، وهو بأنّ الإمام الصادق عليه السلام حينما توفّي نصّ على ابنه الإمام الكاظم عليه السلام ، ومن هنا قسّموا الإمامة إلى قسمين : إمامة مستقرّة ، وإمامة مستودعة .

والإمامة المستودعة يستودعها اللّه تعالى في آخر تستّراً وتحفّظاً على الإمام الذي استقرّت به الإمامة الإلهية .

فيدّعون أنّ إمامة الإمام الكاظم عليه السلام إمامة مستودعة ، تستّراً على الإمامة المستقرّة الإلهية ، التي كانت عند إسماعيل ، ثمّ استقرّت في ابنه محمّد ، هذا المعتقد يردّه ما بيّنّاه بصورة مجملة .

وأمّا الحديث عن أُصول العقائد الإسماعيلية ؟ فإنّهم يدّعون أنّ للشريعة باطناً - وهو أهمّ جانب في الشريعة - وظاهراً .

وأنّ الاهتمام لابدّ وأن يكون بباطن الشريعة ، وأمّا ظاهر الشريعة فلا يتقيّدون به أبداً .

والأدلّة على ذلك كثيرة ، منها : إنّ الإمام بعد محمّد بن إسماعيل ، يسمّونه بقائم القيامة ، ويقولون بأنّه عند انتقال الإمامة إليه قامت القيامة ، ومعنى قيام القيامة : أنّ التكاليف كلّها سقطت عن جميع المكلّفين ، لأنّ هذه التكاليف موضوعها هذه الحياة الدنيا ، وإذا قامت القيامة سقطت التكاليف !!

فيدّعون أنّه بقيام قائم القيامة ، وهو الإمام الثالث - بعد إسماعيل وابنه

ص: 273

محمّد - سقطت التكاليف ، وبقي باطن الشريعة يؤخذ به ، إلى أن انتقلت دولة الفاطميين من المغرب إلى مصر ، فرأى المعزّ لدين اللّه أنّ أكبر اتهام وزلّة ومأخذ عليهم ، أنّ جماعة الفاطميين لا يأخذون بظاهر الشريعة ، فلا يحرّمون ما حرّمه اللّه ، ولا يلتزمون بما أوجبه اللّه ، فأعلن بأنّ الأحكام الظاهرية لم تسقط ، وأنّه يجب على من يعتقد بإمامة إسماعيل الأخذ بظاهر الشريعة وباطنها معاً إلى زمن الحاكم بأمر اللّه الفاطمي .

ثمّ إنّ فرقة الدروز تعتقد : بأنّ الحاكم بأمر اللّه هو أفضل من أمير المؤمنين عليه السلام ، لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يعلم بباطن الشريعة وظاهرها ، وفي نفس الوقت كان يعلم أنّ الأساس هو العمل بباطن الشريعة دون ظاهرها ، ولكنّه خدع الناس بالتزامه بالظاهر ، وأمّا الحاكم بأمر اللّه فهو ألقى ثوب الظاهر وأظهر الباطن .

ثمّ إنّ الإسماعيلية على قسمين : إسماعيلية شرقية ويسمّون الآن بالأقاخانية - وإسماعيلية غربية - ويسمّون بالمستعلية أو البهرة أو الداودية وإسماعيلية الأقاخانية لا يتقيّدون بأيّ حكم من ضروريات الدين ، فلا يحجّون ولا يصلّون ولا يزكّون ولا ... ، بل ولا يأتون إلى زيارة العتبات المقدّسة .

نعم الإسماعيلية المستعلية يتقيّدون بالأحكام الإلهية ، فيحجّون و ... ويأتون إلى زيارة العتبات المقدّسة ، ولكن لا يأتون إلى زيارة الإمام الكاظم عليه السلام ، ومن بعده من الأئمّة عليهم السلام ، لعدم اعتقادهم بهم كأئمّة .

« أبو صافية اليامي - السعودية - إسماعيلي - 40 سنة - متخصّص في الفقه والفكر الإسلامي »

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : إنّه ليحزّ في نفسي أن أجد مثل هذه الإجابة الفجّة الخاطئة من منسوبي طائفة نكنّ لها كلّ الودّ والحبّ ، ولم يدر في خلدي أبداً أنّ إخواننا الإمامية سوف يقعون في نفس المستنقع الذي وقع فيه غيرهم من دعاة الفرقة والتناحر ،

ص: 274

الذين يكيلون التهم جزافاً ، ويرمون المؤمنين بما هم منه براء ، طلباً منهم إلى إشباع رغباتهم ، وتحكيم أهوائهم بلا دليل ولا برهان ، وإمعاناً منهم في زيادة الهوة ومساهمة في توسيع دائرة الفرقة ، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل .

ونقول : مع الأسف لقد جازف المجيب في كثير من المعلومات التي أوردها ولم يحالفه التوفيق ، لأنّه لم يراع حرمة الأمانة العلمية ، ولم يتوخّ الدقّة والإنصاف فيما أورده .

وبالرغم من أنّني لن أردّ على جميع الأخطاء التي وردت في مجمل إجابتك ، لكن سوف أُعلّق على بعض النقاط ، آمل أن تجد عندكم إنصافاً ، وأن تأخذ مكانها كملحق على الإجابة السابقة .

أوّلاً : كأنّك تشير بطرف خفي أنّ جميع الأحاديث الواردة في مدى الحبّ والتقدير الشديدين من الإمام الصادق عليه السلام للإمام إسماعيل تعتبر عن مجرد احترام ظاهر ، وكأنّك تريد أن تقول : إنّ الإمام جعفر عليه السلام كان يبطن شيئاً آخر اتجاه ابنه الأكبر إسماعيل ، وهذا ما تنفيه الروايات الصحيحة عنه في كتب السيرة ، وفي كتب الإمامية على وجه الخصوص .

ثانياً : أردت أن تحوّر الحادثة الفريدة ، والتصرّف الذي لم يسبق له مثيل عند كشف جنازة الإمام إسماعيل ، والإشهاد عليها ، لتلويها بما يوافق هواك .

فلئن كان الصادق عليه السلام يتخوّف على محبّي إسماعيل من اعتقاد إمامته ، فإنّ هذا لعمري لأكبر دليل أنّ الأمر قد تفشّى في الشيعة أنّه الإمام بعد أبيه ، وقد كان بإمكانه أن ينصّ على أحد أبنائه الآخرين جهراً ، وينفي الإمامة منه بدلاً من أخذ الشهادات على وفاته بهذه الطريقة الغريبة .

وممّا لا جدل فيه : إنّ كثيراً من الشيعة يعلمون أنّ الإمامة في إسماعيل في حياة الصادق عليه السلام بشهادة الكثير من الإمامية ، ومنهم على سبيل المثال النوبختي في كتاب فرق الشيعة وغيره ، وبشهادتك نفسك حيث قلت : وعلى هذا الرأي أكثر الإسماعيلية ، الذين عاصروا الإمام الصادق عليه السلام .

ومن فمك أدينك ، وفي هذا ما يدلّ على أنّ الهوى قد حجبك عن رؤية الحقيقة .

ص: 275

ثالثاً : قولك : إنّ الإمام الصادق عليه السلام لم ينصّ يوماً ما على أنّ الإمام بعده إسماعيل .

فهو قول تخالفه الروايات والوقائع التاريخية ، ورويتم مثل ما روينا أنّ الإمامة في إسماعيل ، وعندما أعيتكم الحيل لجأتهم إلى أنّ المشيئة الإلهية قد تغيّرت إرضاء لهواكم ، فاخترعتم نظرية البداء الباطلة ، بقولكم المزعوم : « ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل » (1) ، فلا تحاولوا تفسيرها بشيء من التلفيق والتأويل المعوج عندما انكشفت للجميع وظهر بطلانها ، ولا يصلح العطّار ما أفسد الدهر .

رابعاً : ادعاؤك أنّ الإسماعيلية ترى أنّ الجانب الباطني للشريعة أهمّ من الجانب الظاهري ، فقول من جانبه الصواب ولم ينظر بعين الإنصاف ، فالإسماعيلية المحقّة أتباع الأئمّة الفاطميين الأطهار ، تطفح تآليفهم بالردّ على من يدّعي ترجيح أيّ جانب على الآخر ، وإنّما يرون أنّهما سيّان ، يؤكّد كلّ منهما الآخر ، ويشدّه ويؤيّده ، وإن استطعت أن تنقل لنا مصدر معلوماتك فأورده مشكوراً لنتدبّره ، ولا أظنّك تستطيع .

أمّا قولك - : وإنّ الاهتمام لابدّ وأن يكون بباطن الشريعة ، وأمّا ظاهر الشريعة فلا يتقيّدون به أبداً - فأطم وأشنع ، ومن يكيل التهم جزافاً فاللّه حسيبه .

وقولك : أنّ الإمام المعزّ لدين اللّه هو الذي أعاد أحكام الشريعة فبهتان عظيم ، وقول مفترى عار عن الصحّة ، تكذّبه الحقائق التاريخية ، ومؤلّفات علمائنا عن بكرة أبيهم ، وليس له سند علمي ولا تاريخي ولا نقلي ، وإنّي أربأ بإخواننا الإمامية ، وهم الذين اكتووا وتضرّروا كثيراً من أقوال المشنّعين المفترين ، أن يسلكوا هذا المسلك المخزي من الكذب والبهتان والمجازفة بالتهم الشنيعة بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .

وأربأ بهم عن كيل الأباطيل على طائفة كبيرة ملأت الأرض نوراً وعلماً ، .

ص: 276


1- المسائل العكبرية : 100 ، تفسير القمّي 1 / 40 .

وأعادت للإسلام ولمذهب أهل البيت عليهم السلام رونقه وبهاءه بعد اندراسه ، وأحيوا ما أماته الظالمون منه ، فعاد غضّاً طرياً كما كان بديئاً ولو كره الظالمون .

خامساً : أمّا افتراءاتك على الإمام الحاكم بأمر اللّه معزّ الإسلام وبدر التمام ، صاحب العلوم المضيئة والأنوار البهية فكسابقتها مبنية على غير أساس ، فمن يتصدّر للإجابة والفتوى فيما لا يعلم فتلك مصيبة عظيمة ، ومنقصة لا تليق بإخواننا الإثنا عشرية ، وكان الأولى بك أن ترجع إلى الكتب التي ألّفها الإمام الحاكم ودعاته الأبرار في الردّ على انحراف الدروز واعتقادهم الفاسد ، وتبرئ الإمام الحاكم من باطلهم وكفرهم لا أن تحكّم الهوى ، وتبني أحكامك على أقوال المتخرّصين من أعداء أهل البيت عليهم السلام ، راجع على سبيل المثال : كتاب الرسالة الواعظة في الردّ على ترهات الدروز وضلالهم ، من تأليف حميد الدين أحمد بن عبد اللّه الكرماني ، أكبر دعاة الإمام الحاكم بأمر اللّه ، فقد أتى فيها من الحجج والبراهين بما يفنّد زورك وكذبك .

سادساً : أمّا كلامك الموجّه إلى الآغاخانية في عدم تقيّدهم بشيء من ضروريّات الدين ، فليس لدي المعرفة الكافية عن ممارساتهم ، وعيب بي أن أتصدّر للردّ نيابة عنهم حمية بلا علم ولا دليل ، والتهمة متوجّهة إليهم والردّ متحتّم عليهم .

هذا ما أحببت أن أضيفه ، واللّه يجمع أُمّة محمّد صلى اللّه عليه وآله إلى ما فيه صلاحها ، وأن يبعدها عن ما يوقعها في شباك الفرقة والتنابز بالألقاب ، ورمي الغافلين بما هم منه براء .

ج : لعلّ من الطبيعي أن تدافع عن عقيدتك بهذا الدفاع ، وترى ما يقال عنها خاطئاً ، ولكن مثل ما تدعو جميع الفرق للبحث عن الحقيقة ومعرفة الفرقة الناجية ، لابدّ أن يكون الكلام شاملاً لكم ولنا أيضاً ، فنحن ندعو جميع المسلمين للبحث الموضوعي البعيد عن التعصّب والعاطفة ، ومن حقّك أن تستمر في متابعة أقوالنا ، ولك الحقّ في الردّ على أيّ قول لا تراه صحيحاً ، حتّى نتوصّل وإيّاك إلى معرفة الحقيقة .

وهذا لا يعني أنّنا نسعى للفرقة والتناحر ، بل نحن مع الحوار الهادئ المبني

ص: 277

على الودّ والمحبّة لجميع من يطلب الحقيقة ، ونحن نجيب عن النقاط التي ذكرتها ونرجو الوصول إلى الحقّ من دين محمّد صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام .

أوّلاً : أنّ ما يبطنه الإمام الصادق عليه السلام لإسماعيل هو أنّه ليس الإمام بعده ، وإن كان يظهر له الحبّ والاحترام هذا ما كنّا نعنيه ، وإذا وردت من الروايات ما يشير إلى وجود احترام وتقدير ، فإنّ الإمامة الصحيحة لا تعرف بالحبّ والاحترام ، بل تحتاج إلى تعريف من اللّه تعالى أنّه هو الإمام ، والإمام الصادق عليه السلام كان يعلم أن إسماعيل ليس هو الإمام بعده لعلامات موجود فيه ، يعرفونها منذ ولادته ، ويتناقلونها أباً عن جدّ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فالتعامل معه كان لا يتعدّى الحبّ والتقدير لأحد أبنائه بل أكبرهم .

ثانياً : نحن لا ننكر أنّ بعض الشيعة قد توهّم أنّ الإمام بعد الصادق عليه السلام هو إسماعيل ، باعتبار أنّه أكبر الأولاد ، وهذا التوهّم لا يكفي في جعل إسماعيل إماماً ، بل لابدّ من نصّ ، والنصّ موجود في حقّ أخيه ، وما فعله الإمام الصادق عليه السلام من أخذ الشهادات هي شيء إضافي ، ليثير انتباه المتوهّمين ، وللتأكيد عدم الإمامة في إسماعيل ، وهذا الوهم الحاصل عند بعض الشيعة الناتج من كون إسماعيل أكبر الأولاد هو الذي أشرنا إليه بقولنا : وعلى هذا أكثر الإسماعيلية .

ونحن نذكر لك نصّاً واحداً أشار فيه الإمام الصادق عليه السلام على إمامة موسى الكاظم ، وهناك المزيد ، فعن أبي جعفر الضرير ، عن أبيه قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام وعنده إسماعيل ابنه ، فسألته عن قبالة الأرض ، فأجابني فيها ، فقال له إسماعيل : يا أبه ، إنّك لم تفهم ما قال لك !

قال - الراوي - : فشقّ ذلك عليّ ، لأنّا كنّا يومئذ نأتمّ به بعد أبيه ، فقال - الإمام لإسماعيل - : « إنّي كثيراً ما أقول لك : الزمني وخذ منّي فلا تفعل » ، قال : فطفق إسماعيل وخرج ، ودارت بي الأرض ، فقلت : إمام يقول لأبيه : إنّك لم تفهم ، ويقول له أبوه : « إنّي كثيراً ما أقول لك تقعد عندي ، وتأخذ منّي ، فلا تفعل » !

ص: 278

قال : فقلت : بأبي أنت وأُمّي ، وما على إسماعيل أن لا يلزمك ؟ ولا يأخذ عنك ، إذا كان ذلك وأفضت الأُمور إليه ، علم منها الذي علمته من أبيك حين كنت مثله ؟ قال : فقال : « إنّ إسماعيل ليس منّي كأنا من أبي » .

قال : فقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ثمّ إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فمن بعدك - بأبي أنت وأُمّي - ؟ فقد كانت في يدي بقية في نفسي ، وقد كبرت سنّي ، ودقّ عظمي ، وجاء أجلي ، وأنا أخاف أن أبقى بعدك ، قال : فرددت عليه هذا الكلام ثلاث مرّات ، وهو ساكت لا يجيبني ، ثمّ نهض في الثالثة وقال : « لا تبرح » ، فدخل بيتاً كان يخلو فيه ، فصلّى ركعتين ، يطيل فيهما ، ودعا فأطال الدعاء ، ثمّ دعاني ، فدخلت عليه ، فبينا أنا عنده ، إذ دخل عليه العبد الصالح ، وهو غلام حدث ، وبيده درّة ، وهو يبتسم ضاحكاً ، فقال له أبوه : « بأبي أنت وأُمّي ، ما هذه المخفقة التي أراها بيدك » ؟

فقال : « كانت مع إسحاق يضرب بها بهيمة له ، فأخذتها منه » ، فقال : « أدن منّي » ، فالتزمه وقبّله وأقعده إلى جانبه ، ثمّ قال : « إنّي أجد بابني هذا ما كان يعقوب يجد بيوسف » .

قال : فقلت : بأبي أنت وأُمّي ، زدني ... .

قال الإمام الصادق : « قم ، فخذ بيده ، فسلّم عليه - أي على الإمام موسى الكاظم عليه السلام - فهو مولاك وإمامك من بعدي ، لا يدّعيها فيما بيني وبينه أحد إلّا كان مفترياً ، يا فلان إن أخذ الناس يميناً وشمالاً فخذ معه ، فإنّه مولاك وصاحبك ، أمّا أنّه لم يؤذن لي في أوّل ما كان منك » .

قال : فقمت إليه فأخذت بيده فقبّلتها ، وقبّلت رأسه ، وسلّمت عليه ، وقلت : أشهد أنّك مولاي وإمامي ... ، إلى أن يسأل الراوي الإمام : بأبي أنت وأُمّي أخبر بهذا ؟ قال : « نعم ، فأخبر به من تثق به ، وأخبر به فلاناً وفلاناً - رجلين من أهل الكوفة - وارفق بالناس ، ولا تلقين بينهم أذى » .

قال : فقمت فأتيت فلاناً وفلاناً ، وهما في الرحل ، فأخبرتهما الخبر ، وأمّا

ص: 279

فلان فسلّم ، وقال : سلّمت ورضيت ، وأمّا فلان فشقّ جيبه ، وقال : لا واللّه لا أسمع ولا أطيع ، ولا أقرّ حتّى أسمع منه ... .

فلمّا جاء إلى الإمام قال له : « ابني موسى إمامك ومولاك بعدي ، لا يدّعيها أحد فيما بيني وبينه إلّا كاذب ومفتر » (1) .

والحادثة الفريدة التي ذكرناها تصرّف طبيعي من إمام معصوم ، وزعيم لطائفة الحقّ في أن يدفع عن اتباعه أيّ توهّم ، كأن يعتقدوا بقاء إسماعيل حيّاً وغيبته ، ولا يحكم العقل بأنّه لا يكون مثل هذا التصرّف من الإمام عليه السلام إلّا إذا كان أكثر الشيعة يعتقدون بإمامة إسماعيل ، بل العقل يحكم بالعكس ، وأنّ وظيفة الإمام عليه السلام - الذي هو لطف من اللّه - تحتّم عليه دفع الشبهات ، حتّى عن العدد القليل من أصحابه ، بل الواحد ، بل قد يحصنهم قبل الشبهة ، والشواهد من الروايات على ذلك كثيرة ، فاستفادة أكثر الإسماعيلية من فعل الإمام بإسماعيل هنا ما هو إلّا توهّم ومبالغة .

فقولك : فإنّ هذا لعمري لأكبر دليل أنّ الأمر قد تفشّى في الشيعة - لهو تسرّع في القول لا يقبله العقل العلمي ، ولابأس من الإشارة أنّه بعد أن فعل الإمام عليه السلام بإسماعيل ما فعل عاد الكثير ممّن كانوا يتوهّمون أنّ الإمامة ستكون في إسماعيل إلى الحقّ بإمامة موسى الكاظم عليه السلام ، وهي الفائدة المرجوة من فعل الإمام عليه السلام .

ثمّ من قال لك أنّا نستدلّ على إمامة موسى الكاظم عليه السلام بما فعله الإمام الصادق عليه السلام بإسماعيل ؟ ومن قال لك أنّ الإمام لم ينصّ على الإمام بعده ؟ بل إنّ الإمام عليه السلام فعل الأمرين ، وهو غاية التدبير والتبليغ ، فقد نصّ على الإمام الكاظم عليه السلام في زمن حياة إسماعيل وعند وفاته وبعدها ، كما كشف عن وجه إسماعيل ليثبت للشيعة موته القطعي دفعاً لأيّ توهّم أو شبهة . .

ص: 280


1- الإمامة والتبصرة : 66 .

وأمّا استفادتك من أنّ أكثر الشيعة كانوا إسماعيلية من كلام النوبختي ، فاعتقد أنّ عبارة النوبختي واضحة ، حيث قال : أكثر الإسماعيلية ، ولم يقل أكثر الشيعة ، فلربما كان الإسماعيلية مثلاً مائة ، وأكثرهم ثمانين أو سبعين فلاحظ ، فمن أي كلامي تدينني ، ومن هو الذي حجبه الهوى عن رؤية الحقيقة .

ثالثاً : نحن نطالبك بالروايات المدّعاة في إمامة إسماعيل ، ولم نروي نحن أنّ الإمام هو إسماعيل ، وما نقوله في البداء هو الذي قلناه ، لا كما تريد أن تفهمه من أنّ الإمامة كانت في إسماعيل ثمّ حوّلت إلى الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، بل نقول : إنّ الإمامة في الأصل لم تكن في إسماعيل ، بل هي لموسى عليه السلام ، وما ذكره صاحب فرق الشيعة من أنّ الإمام الصادق عليه السلام أشار بالإمامة لإسماعيل ليس قوله بل قول من زعم ذلك ، وعلى فرض أنّه قوله ، فهو لا يمثّل إلّا رأيه الشخصي ، وليس قوله هذا صادر من المعصومين ، ونحن غير ملزمين بقوله مع مخالفة جميع علماء ومحدّثي الطائفة له .

ثمّ لا تنسى أنّنا نعرض عقيدتنا حسب ما روي عندنا ، ولا حجّة علينا من روايات الآخرين ، فالموجود عندنا روايات تنصّ على إمامة الكاظم عليه السلام ، وروايات فيها ظهور البداء من اللّه تعالى في حقّ الإمام الكاظم عليه السلام ، وليس عندنا روايات تنصّ على إمامة إسماعيل ، وللبداء عندنا معنى ثابت مأخوذ من أئمّتنا عليهم السلام ، ومذكور في كتبنا ، فبمقتضى الجمع بين الروايات وبين معنى البداء عندنا خرجنا بالنتيجة التي لا يمكن الركون إلى غيرها ، وعليها اعتقاد الشيعة الإمامية الآن ، وهي حمل روايات البداء على ما عرفت .

فكيف لك أن تحتجّ علينا بما رويتم أنتم ؟ وبما تعتقدون من بطلان البداء ، وهو لا يكون نقاش في كيفية استفادتنا إمامة الكاظم عليه السلام من رواياتنا ، بل يكون نقاش في أُصول أُخرى ، وهي صحّة الروايات عندنا أو عندكم ، أو إمكان تعارضها ، وعن صحّة عقيدة البداء ، وهو شيء آخر كما تعلم .

ص: 281

بل أنتم أعيتكم الحيل حتّى قلتم بالإمامة المستقرّة والإمامة المستودعة ، بعد أن لم تستطيعوا دحض حجج مخالفيكم في إمامة الكاظم عليه السلام .

رابعاً : إنّ ما ذكرناه هناك عن الإسماعيليين بشكل عام ، والحديث كان عن بعضهم ، وأنت قد قسّمت الإسماعيلية إلى محقّة وباطلة ، فكان حديثنا عن تلك المجموعات التي تقول أنّها من الفرقة الإسماعيلية ، ونحن ننقل لك ما كتب عن الإسماعيلية من بعض المصادر التاريخية ، ففي كتاب « الشيعة في إيران » ، فعند حديثه عن بعض الحكّام الإسماعيليين يقول : « وبعده نائب محمّد - بن بزرك أميد - وهو نجله الحسن بن محمّد أوّل حاكم إسماعيلي ، خرج على النظام المألوف المتمثّل برعاية ظواهر الشرع من خلال تمسّكه بقاعدة التأويل ، وأسّس نوعاً من الحكومة التأويلية القائمة على أساس الباطنية ، والموافقة لهواه » ، ويقول الجويني : « إنّما قام في أوّل توليه شؤون الحكم بعد أبيه بإبطال الشعائر الشرعية ، والقواعد الإسلامية ، التي كانوا يلتزمون بها منذ عهد الحسن بن الصباح » (1) .

وأعلن الحسن بن محمّد هذا عن شعائر القيامة ، وقال : « الآن حان يوم القيامة ، واليوم حساب لا عمل ، لذا من عمل بحكم الشريعة في يوم القيامة ، وواظب على العبادات والشعائر استوجب النكال والقتل ، والرجم والتعذيب » (2) .

وفي « جامع التواريخ » : « وحكم بعده محمّد بن الحسن ... وحاول في أيّام حكومته أن يرد الاعتبار للإسماعيليين ، ويزيل عنهم اسم الإلحاد من خلال إظهار التمسّك بالإسلام ، بيد أن نجله علاء الدين أعاد نهج الإلحاد بعده » .

ولك الحقّ في أن تقول : أنّ الحديث عن هذه الجماعات بعيد عن الفرقة المحقّة ، ولكن عذرنا على كلّ حال أنّهم يعدّون من الإسماعيلية ، وكان كلامنا عن الإسماعيلية عامّاً ، مع أنا لا ننكر أنّ حقّ الكلام كان لابدّ فيه من .

ص: 282


1- تاريخ جهانكشاي 3 / 225 .
2- المصدر السابق 3 / 238 .

التفصيل والتفرقة بين فرق الإسماعيلية ، فلك عذرنا من على ما ظهر من كلامنا من تعميم ، ولعلّك إذا عرفت السبب في ذلك عذرتنا ، فإنّ كتب الإسماعيلية نادرة أكثرها مخطوطة ، ما عدا ما طبع منذ فترة ، كالكتب التي حقّقها عارف تامر ، ولا تظنّ أنّي أقول ذلك مجازفاً ، فقد بحثت عن كتب الإسماعيلية في مكتبات إيران عندما احتجتها في بحث حول حديث الثقلين ، ولكنّي لم أجد منها إلّا ما يعدّ على الأصابع ، وقد لا يتجاوز العشرين المطبوعة منها والمخطوطة ، ولكنّي لا أقول أنّ كتب الإسماعيلية قليلة ، ولكن أقول : إنّها نادرة الوجود ، فنلجأ عند حاجتنا للبحث عنهم إلى كتب التاريخ والفرق من غيرهم ، إذ ما موجود عندنا مثل كتاب « دعائم الإسلام » ، وكتاب « افتتاح الدعوة » للقاضي النعمان ، لا يوجد فيه من عقائد الإسماعيلية ما يشفي الغليل .

فهل لك أن تدلّنا على المصادر المطبوعة التي يمكن الاعتماد عليها في أخذ عقائد الإسماعيلية ؟ أو أن تكتب لنا عقائدكم بشيء من التفصيل المدعوم بالدليل والمصدر ، حتّى يصبح النقاش فيما بيننا أكثر علمية ، ولك جزيل الشكر .

وأمّا ما ذكرنا عن الحاكم بأمر اللّه ، فهو مأخوذ من كتب التاريخ والفرق كما ذكرنا ، ولك الحقّ في الاعتراض عليه ، ولكن قد ذكرنا لك السبب في ذلك آنفاً .

خامساً : نحن لم نذكر أن الحاكم كان يرضى بما يقوله الدروز في حقّه أو لا يرضى ، بل ذكرنا مقولة الدروز فيه ، والدروز كما تعرف فرقة منّشقة من الفرقة الإسماعيلية ، ونحن لم نعثر عليه ، بل قلنا ما قاله الآخرون فيه .

وأخيراً : نسأل اللّه أن يوفّق الجميع للتعرّف على الحقيقة ، والاتحاد تحت لواء الفرقة الناجية ، ومن اللّه التوفيق .

ص: 283

« أبو عمر - أمريكا - ... »

الفرق بينها وبين الشيعة :

س : ما الفرق بين الإمامية والإسماعيلية ؟ وهل الإسماعيلية مذهب من مذاهب الشيعة ؟

ج : نلفت انتباهكم إلى أنّ الفرقة الإسماعيلية تشعّبت إلى عدّة فرق ، ولكلّ فرقة اعتقادها الخاصّ ، ومن أشهرها : الواقفة ، القرامطة ، الفاطمية ، النزارية ، الأقاخانية ، البهرة ، الدرزية .

ثمّ إنّ هناك فروق كثيرة بين الإمامية والإسماعيلية ، أهمّها هي : إنّ الإمامة عند الشيعة انتقلت بعد وفاة الإمام جعفر الصادق عليه السلام إلى ولده الإمام موسى الكاظم عليه السلام للنصّ ، ثمّ إلى بقية الأئمّة من بعده ، إلى الإمام الثاني عشر الحجّة المنتظر عليه السلام .

بينما ترى الإسماعيلية أنّ الإمامة انتقلت بعد وفاة الإمام جعفر الصادق عليه السلام إلى ولده الأكبر إسماعيل ، ثمّ إلى محمّد بن إسماعيل ، وهكذا .

وقد ردّ علماء الشيعة في مصنّفاتهم وكتبهم مزاعم الإسماعيلية وأثبتوا خلاف ما يرون .

« العرادي - البحرين - ... »

منشأ ظهورها :

س : أودّ الاستفسار منكم عن منشأ ظهور فرقة الإسماعيلية ؟

ج : إنّ منشأ ظهور هذه الفرقة يعود إلى مسائل سياسية ودنيوية .

فإنّ إسماعيل بن الإمام الصادق عليه السلام توفّي في حياة أبيه ، وشيّعه الإمام الصادق عليه السلام ، وكشف عن وجهه قبل دفنه درئاً للشبهة ، ومع هذا كلّه ، فإنّ فرقة من الشيعة - ولأغراض دنيوية - ادعوا أنّه لم يمت ، أو أنّ الإمامة انتقلت إلى ابنه محمّد بن إسماعيل .

والسبب في ذلك هو للحصول على أموال ومناصب ، بالإضافة إلى التدخّلات

ص: 284

الخارجية لإيجاد الاختلاف ، وهذا يعود إلى الظروف السياسية آنذاك .

« علي علي - الكويت - 18 سنة - طالب »

منهم الحشّاشون :

س : سؤالي يختصّ بالحشّاشين ، من هم ؟ ومن مؤسّسهم ؟ وما علاقتهم بالشيعة ؟ وهل لهم ارتباطات بالشيعة ؟

ج : إنّ الحشّاشين فرقة من الفرق الإسماعيلية ، لا يفترقون عنهم من ناحية العقيدة ، إلّا أنّهم جماعة سرّية يطيع أفرادها أئمّتهم طاعة عمياء ، وعرفوا بالحشّاشين لأنّ مقاتليهم كانوا يستعملون الحشيش - وهو مادّة مخدّرة - عندما يقومون بأداء مهمّات خطرة ، كالاغتيال مثلاً .

ويعرفون أيضاً بالنزارية ، لأنّ مؤسّس هذه الجماعة - وهو الحسن بن الصباح الحميري - استميل إلى نصرة الحاكم نزار بن المستنصر الفاطمي .

وبدأ تاريخهم من فتح الحصن الجبلي « ألموت » - شمال شرق مدينة قزوين في إيران على يد مؤسّسهم عام 483 ه- ، وأخذوا ينشرون دعوتهم من هذا المكان حتّى أخذوا كثير من القلع في بلاد الشام وفارس .

وفي عام 654 ه- أبادهم هولاكو بعدما احتلّ قلعة ألموت .

وفي عام 671 ه- وجّه السلطان بيبرس ضربته القاضية على الحاكم السياسي لهذه الفرقة في قلع الشام وقضى عليهم ، وأمّا من أفلتته الكارثة منهم ، وظلّ متمسّكاً بآرائه ، فقد ذهب في غمار الإسماعيلية الآخرين .

هذا ، وليس لهم علاقة ولا ارتباط بالشيعة الإمامية .

« إبراهيم حسن الدرازي البحراني - البحرين - 24 سنة - دبلوم »

تواجدهم وبعض معتقداتهم :

س : نطالب سماحتكم بالمزيد من التفصيل عن الشيعة الإسماعيلية ، في أيّ البلاد يتواجدون ؟ وعددهم ؟ وأفكارهم ؟ ونشاطاتهم ؟

ص: 285

ج : لقد أُلّفت كتب تتحدّث عن هذه الفرقة ، منها : « بحوث في الملل والنحل » للشيخ السبحاني ، ونحن نطلعك على بعض ما كتب ، وعليك مطالعة الكتاب لتعرف المزيد .

تتواجد الفرقة الإسماعيلية في كثير من الأقطار ، منها : الهند وباكستان ونواحي اليمن وسوريا ولبنان وأفغانستان وأفريقية وإيران .

وتعتبر السمة البارزة للدعوة الإسماعيلية هو تأويل الظواهر ، وإرجاعها إلى خلاف ما تبادر منها في عرف المتشرّعة ، وهذا هو الذي جعل المذهب الإسماعيلي يتطوّر مع تطوّر الزمان ، ويتكيّف بمكيّفاته ، ولا ترى الدعوة أمامها أي مانع من مماشاة المستجدّات ، وإن كانت خلاف الشرع أو الضرورة الدينية ، كما وأنّ تأويل الظواهر عندهم لا يعتمد على ضابطة ، فكلّ يؤوّلها على ذوقه وسليقته ، فتجد بينهم خلافاً شديداً في المسائل التأويلية .

إنّ ظاهرة الجمود على النصوص والظواهر في أوساط العباسيين ولّدت ردّ فعل عند الأئمّة الإسماعيلية ، فانجرفوا في تيّارات المسائل الفلسفية ، وجعلوها من صميم الدين وجذوره ، وانقلب المذهب إلى منهج فلسفي ، يتطوّر مع الزمن ، ويتبنّى أُصولاً لا تجد منها في الشريعة الإسلامية عيناً ولا أثراً ، كما وأنّ الدعوة الإسماعيلية شعرت أيّام نشوئها بأنّه لا بقاء لها إلّا إذا أضافت طابع القداسة على أئمّتهم ودعاتهم ، بحيث توجب مخالفتهم مروقاً عن الدين ، وخروجاً عن طاعة الإمام ، فجعلت الدعاة من حدود الدين إمعاناً في إسباغ الفضائل عليهم .

ويعتقد بعض الإسماعيلية بالنطقاء الستة ، وأنّ كلّ ناطق رسول يتلوه أئمّة سبعة ، وآخر أئمّتهم إسماعيل متم للدور ، ويأتي بعده رسول ناطق وناسخ للشريعة السابقة ، وهو محمّد بن إسماعيل ، وهذا ما يصادم عقائد جمهور المسلمين ، من أنّ نبيّ الإسلام صلى اللّه عليه وآله هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، وشريعته خاتمة الشرائع ، وكتابه خاتم الكتب ، فعند ذلك وقعت الإسماعيلية في مأزق كبير ، وتناقض وتعارض مع معتقداتهم ، فمن جانب يصرّحون بخاتمية النبوّة ، وأُخرى

ص: 286

يعبّرون عن محمّد بن إسماعيل بالناطق .

وقد بلغ باتباع الفرقة الإسماعيلية من الطاعة العمياء لأئمّتهم ودعاتهم في كلّ حكم يصدر عن القيادة العامّة ، أو الدعاة الخاصّين ، بلغ بهم في طاعتهم لأئمّتهم في رفع بعض الأحكام الإسلامية عن الجيل الإسماعيلي ، بحجّة أنّ العصر يضادّه ، ويشهد على ذلك ما كتبه المؤرّخ الإسماعيلي مصطفى غالب ، إذ يقول في إمام عصره آقا خان الثالث : أنّه قال : « إنّ الحجاب يتعارض والعقائد الإسماعيلية ، وإنّي أهيب بكلّ إسماعيلية أن تنزع نقابها ، وتنزل إلى معترك الحياة ، لتساهم مساهمة فعّالة في بناء الهيكل الاجتماعي والديني للطائفة الإسماعيلية الخاصّة ، وللعالم الإسلامي عامّة ، وأن تعمل جنباً إلى جنب مع الرجل في مختلف نواحي الحياة ، أسوة بجميع النساء الإسماعيليات في العالم ، وآمل في زيارتي القادمة أن لا أرى أثراً للحجاب بين النساء الإسماعيليات ، وآمرك أن تبلّغ ما سمعت لعموم الإسماعيليات بدون إبطاء » .

وتعتقد بعض الإسماعيلية : إنّ الإمامة مستمرّة الوجود في الأدوار جميعاً من أوّلها إلى آخرها ، وكلّ إمام غائب أو حاضر بعد الإمام الصادق عليه السلام يساوي في الفضل والكمال الإمام المنصوص في يوم الدار ويوم الغدير ، فمثلاً كريم آقا خان تساوي كفّته في معالي الأُمور كفّة الإمام علي عليه السلام ، فيقوم بنفي ما يقوم به الإمام .

فنقول : كيف يكون الإمام المذكور إماماً عالماً محيطاً بالشريعة ، وواقفاً على أسرارها مع أنّه تلقّى علومه الأوّلية في مدارس سويسرا ، ثمّ انتسب إلى جامعة هارفورد الأمريكية ؟!

ص: 287

ص: 288

أُصول الدين وفروعه :

اشارة

« مها - لبنان - ... »

الفرق بينهما :

س : ما الفرق بين فروع الدين وأُصوله ؟ الرجاء تعداد الفروع والأُصول .

ج : في الفرق بينهما يمكن أن يقال :

1 - إنّ أُصول الدين لا يجوز فيها التقليد ، بل على كلّ مكلّف أن يعرفها بأدلّتها ، وهذا بخلاف فروع الدين التي يمكن فيها التقليد .

2 - إنّ إنكار أيّ أصل من أُصول الدين يخرج منكره عن الدين الكامل ( أي المذهب الحق ) ، وهذا بخلاف فروع الدين ، إلّا إذا أدّى إنكار فرع من فروع الدين إلى إنكار أصل من أُصول الدين .

3 - إنّ أُصول الدين يمكن أن يستدلّ عليها بالعقل فقط ، والنقل يكون شاهداً مؤيّداً ، وهذا بخلاف فروع الدين .

وأُصول الدين عند الإمامية خمسة : التوحيد ، العدل ، النبوّة ، الإمامة ، المعاد .

وفروع الدين عشرة : الصلاة ، الصوم ، الخمس ، الزكاة ، الحجّ ، الجهاد ، الأمر بالمعروف ، النهي عن المنكر ، التولّي لأولياء اللّه ، التبرّي من أعداء اللّه .

« عائشة عبد الرحمن - البحرين - سنّية »

المعتقد لابد أن يكون عن يقين :

س : أنا سيّدة أعتقد بولاية أهل البيت عليهم السلام ، وأودّ أن أنهج بمنهاج الشيعة ،

ص: 289

لذا أودّ منكم مساعدتي في تغيير مذهبي .

ج : نعلمك بأنّ المعتقد لابدّ وأن يكون عن يقين ، بعد مطالعة وتحقيق تام ، للتتمّ بذلك الحجّة ، يعني يكون للإنسان حجّة ودليلاً يحتجّ به يوم القيامة أمام اللّه تعالى .

ونحن لا ندعو أيّ شخص إلى التشيّع واعتناق مذهب أهل البيت عليهم السلام قبل أن يقتنع هذا الفرد بالمذهب اقتناعاً تامّاً ، بل ندعو الجميع إلى البحث والتحقيق ، ومن ثمّ اعتناق ما توصّل إليه العقل من دليل ، والنظر في الموروث ، وعرضه على الدليل ، فما وافق منه الدليل يؤخذ بعين الاعتبار ، وما خالف يترك .

« علي العلي - الكويت - ... »

كيفية تشخيص الضروري :

س : ما هي الضروريّات المذهبية ؟

ج : إنّ كيفية تشخيص الضروري من مختصّات أهل العلم - أي من جملة الأُمور الاختصاصية - يعلم بها العلماء على أثر التحصيل والتحقيق في الحوزة العلمية ، وليست من الأُمور التي يصل إليها كل أحد من الناس .

فالضروري من المذهب : ما يكون إنكاره موجب للخروج من المذهب ، وهذا نظير كثير من الأُمور ، فمثلاً الذنوب تنقسم إلى قسمين ، صغائر وكبائر ، حينئذ يُسأل ما هي الذنوب الكبائر ؟ وما المراد من الكبيرة ؟ فمعرفته من اختصاص العلماء ، ليرجعوا إلى الأدلّة ليعيّنوا أنّ الذنب الفلاني من الكبائر ، أو من الصغائر ؟

فقضية أنّ هذا المعتقد من الضروريّات ، أو ليس من الضروريّات ، يرجع تعيّنه وتشخيصه إلى نظر المجتهد .

والضروريّات المذهبية هي ما دلّت عليها الأدلّة القطعية من الكتاب والسنّة ، ودلّت على أنّ من أنكر ذلك فهو يخرج من المذهب ، فإمامة أمير المؤمنين علي

ص: 290

عليه السلام والأئمّة كلّهم - أي الأئمّة الإثنى عشر - وعصمتهم ، وشفاعتهم في يوم القيامة ، ورجعتهم أيضاً - حيث أنّ غير واحد من علمائنا يقول : أنّ الاعتقاد بالرجعة من ضروريّات المذهب - وقضايا من هذا القبيل ، هذه تعدّ من ضروريّات المذهب ، بحيث من ينكر هذا الأمر - مع علمه بكونه ضروريّاً - يكون خارجاً عن المذهب .

« أُمّ أحمد الدشتي - الكويت - ... »

معنى الأُصول والعقيدة والشريعة :

س : ما الفرق بين الأُصول والعقيدة والشريعة ؟ ولكم جزيل الشكر .

ج : إنّ المراد من الأُصول هو أُصول الدين ، وهي : التوحيد والنبوّة والمعاد ، وهي بمثابة الأساس والأصل ، الذي يُشيّد البناء عليه ، وكأنّ الدين كلّه متوقّف على هذه الأُصول ، فلولاها لا يمكن الإقرار بحكم من الأحكام الشرعية .

وأمّا العقيدة فهي في اللغة بمعنى : التصديق بالشيء والجزم به ، دون شكّ أو ريبة ، فهي بمعنى الإيمان ، يقال : اعتقد في كذا ، أي آمن به ، والإيمان بمعنى التصديق ، يقال آمن بالشيء ، أي صدّق به تصديقاً لا ريب فيه ولاشكّ معه .

وأمّا العقيدة في الشرع فهي بمعنى : التصديق بالأُصول الخمسة عن دليل ، وبكلّ ما ينبثق عن هذه الأُصول أو يرتبط بها ، كالاعتقاد بوحدانيّة اللّه تعالى ، وصفاته وعدله ، ونبوّة الأنبياء ، والإقرار بما جاء به النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وإمامة الأئمّة عليه السلام وعصمتهم ، والمعاد والجنّة والنار .

والمراد من الشريعة هو الدين ، وقد عرّف الدين بأنّه : عقيدة إلهية ينبثق عنها نظام كامل الحياة .

ص: 291

« ... - الكويت - ... »

حكمة الفرق بينهما :

س : ما هو السبب في عدم جواز الأخذ بأُصول الدين تقليداً ؟ والحال يجوز ذلك في الفروع ؟

ج : مفهوم ومعنى أُصول الدين هو الأُسس والركائز الثابتة للعقيدة والدين ، فلا يعقل اعتناق مبدأ بدون الالتزام القلبي ، بل بمجرد التبعية لشخص أو مجتهد ، وهذا أمر متعارف ويبتني على واقع مدعوم من جانب العقل والعقلاء .

وبعبارة أُخرى : لا يصدق عنوان المسلم مثلاً على أحد إلّا إذا اعتقد والتزم بثوابت الدين الإسلامي وأوّلياته في داخل نفسه ، فإن لم يعتقد بهذه المبادئ بل تقبّلها وارتضى بها اعتماداً على كلام الآخرين فلا يحسب هذا اعتقاداً صحيحاً .

نعم ، هنا نقطة هامّة قد تبعث القلق عند البعض وهي :

إنّ الكثير من عامّة الناس لا يمكنهم الوصول إلى مرحلة الاستدلال في أُمّهات المسائل الاعتقادية ، فهل هذا يضرّ بالتزامهم الديني ؟

فنقول : إنّ الكلام في اعتقادهم ، فإن كانوا يعتقدون بالمبادئ والأُسس - بغضّ النظر عن منشأ ذلك - فهم مسلمون حقّاً ، فإنّ التقليد المحظور في المقام هو القبول بدون الاعتقاد ، بل استناداً لكلام المجتهد .

فيظهر لنا ، بأنّ العامّي لو اعتقد بأُصول الدين حقيقة ، تكون عقيدته صحيحة بلا إشكال ، وإن كان الباعث ليقينه هذا هو رأي المجتهد .

وأمّا الفروع فبما أنّها خارجة عن متناول العقل عموماً ، ولا تمسّ أصل العقيدة ، فلا يضرّ فيها التقليد ، خصوصاً إذا عرفنا بأنّ طريقة الحصول على أحكام الفروع وجزئياته عملية غير سهلة ، وتحتاج إلى اختصاص وخبرة .

ص: 292

« معروف - ... - ... »

الفرق بينهما :

س : ما هو المِلاك في تمييز أُصول الدين الإسلامي عن فروعه ؟ وكيف صار التوحيد أصلاً من أُصول الدين ، والصلاة فرعاً من فروعه ؟

ج : إذا عرفنا الفرق بين أُصول الدين وفروعه ، عرفنا الملاك في تمييز أُصول الدين عن فروعه ، ولتوضيح المسألة أكثر ، نقول :

أُصول الدين بحسب اصطلاح العلماء : هي ما بنيت عليها الدين إثباتاً ونفياً ، أي أنّه يجب على كلّ مسلم أن يعتقد بها على الأقلّ ، حتّى يدخل في حوزة الدين .

ومن جانب آخر من أنكر وجحد أصلاً من هذه الأُصول يعتبر خارجاً عن دائرة الدين .

ومن هذا المنطلق ، عبّر علماؤنا عن التوحيد والنبوّة والمعاد : بأنّها أُصول ديننا ، لما رأوا أنّ النصوص الدينية تصرّح وتدلّ على ملازمة قبول الدين للاعتقاد بهذه الأركان الثلاثة على الأقلّ ، واستنباطهم هذا يعتمد على الأدلّة العقلية والنقلية من الكتاب والسنّة .

وأمّا الفروع : فهي ما كانت من الأحكام ، فينبغي فيها الالتزام والعمل على طبقها ، ولم يكتف فيها بالجانب الاعتقادي ، أي أنّها ذو سمات جوارحية لا جوانحية ، بخلاف الأُصول ، المطلوب فيها اليقين والقطع والجزم ، لا العمل .

وأمّا الإمامة ، فالمتّفق عليه عند علمائنا : أنّها من أُصول المذهب ، فليست من أُصول الدين ولا فروعه .

ومن عبّر عنها بأنّها من أُصول الدين ، يجب حمل كلامه على ما قلناه ، نظراً للقواعد العامّة التي ذكرناها في تمييز الأصل عن الفرع .

ص: 293

« أحمد - الكويت - 20 سنة - طالب »

لا يجوز التقليد في العقيدة :

س : تقبّل اللّه أعمالكم ، ووفّقكم اللّه لمرضاته ، في الحقيقة عندي استفسار وهو : الشخص العامّي الذي ليس له معرفة في مجال علوم الحديث والرجال ، أي التي تحتاج إلى متخصّص ، بحيث هناك أحاديث تتكلّم في مجال العقائد التي تصبّ في المنظومة العقائدية للفرد ، أي كيف يعرف هل هذا حديث متواتر أو صحيح أو ضعيف أو موضوع ؟ طبعاً يرجع إلى أهل الفنّ في هذا المجال ، وبهذا يصبح هذا الفرد مقلّداً ، ولا يجوز التقليد في المسائل العقائدية .

وبعبارة أُخرى : أصبح مقلّداً في الأُمور العقائدية من حيث لا يشعر .

ج : حينما يقال لا يجوز التقليد في المسائل العقائدية ، فالمقصود أنّ نفس العقيدة لا يجوز التقليد فيها ، وأمّا الأُمور الجانبية الأُخرى فلا محذور في التقليد فيها ، فالرجوع إلى شخص لمعرفة أنّ هذا الحديث صحيح السند مثلاً أو لا ، أو هو متواتر أو لا ، ليس رجوعاً إليه في نفس العقيدة ، كي يكون ذلك تقليداً محرّماً ، وإنّما هو رجوع إليه في مجال آخر لا يرتبط بالعقيدة .

« يوسف - البحرين - 22 سنة - طالب جامعة »

الأدلّة على أُصول الدين :

س : أُريد دليلاً قرآنياً وحديثاً نبويّاً لكلّ أصل من أُصول الدين ؟ وشكراً .

ج : تنقسم عقيدة التوحيد إلى ما يأتي :

1 - الإيمان بوجود اللّه تعالى .

2 - الإيمان بوحدانية اللّه تعالى .

3 - الإيمان بكمال اللّه تعالى .

فمن الآيات التي تثبت وجود اللّه تعالى عن طريق الشعور بالسببية ، قوله

ص: 294

تعالى : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) (1) .

ومن الآيات التي تثبت وجود اللّه تعالى عن طريق فطرة التديّن ، قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) (2) .

ومن الآيات التي تثبت وجود اللّه تعالى عن طريق استقامة النظام الكوني ، قوله تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (3) .

ومن الآيات التي تدلّ على أنّ اللّه واحد عن طريق وحدة النظام الكوني ، قوله تعالى : ( مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ ) (4) .

وقوله تعالى : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ) (5) .

ومن الآيات التي تدلّ على أنّ اللّه واحد عن طريق وحدة أثاره ، قوله تعالى : ( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (6) . .

ص: 295


1- لقمان : 25 .
2- يونس : 22 .
3- البقرة : 164 .
4- الملك : 3 .
5- الأنبياء : 22 .
6- المؤمنون : 91 .

ومن الآيات التي تشير إلى صفات اللّه تعالى :

الحيّ : ( اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) (1) .

العالم : ( وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ) (2) .

القادر : ( إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (3) .

العادل : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) (4) .

الغني : ( فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (5) .

اللطيف : ( اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ) (6) .

إنّ الأخبار مستفيضة في أنّ اللّه تعالى واحد ، ولكن لا بالعدد ، فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره عن شريح بن هانئ عن أبيه قال : إنّ إعرابياً قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين أتقول : إنّ اللّه واحد ؟ قال : فحمل الناس عليه وقالوا : يا إعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسّم القلب ؟

فقال أمير المؤمنين : « دعوه ، فإنّ الذي يريده الإعرابي هو الذي نريده من القوم » ، ثمّ قال عليه السلام : « يا إعرابي ، إنّ القول في أنّ اللّه واحد على أربعة أقسام ، فوجهان منها لا يجوزان على اللّه عزّ وجلّ ، ووجهان يثبتان فيه ، فأمّا اللذان لا يجوزان عليه ، فقول القائل : واحد يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز ، لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنّه كفر من قال أنّه ثالث ثلاثة ، وقول القائل : هو واحد من الناس ، يريد به النوع من الجنس ، فبهذا ما لا يجوز لأنّه تشبيه ، وجلّ ربّنا عن ذلك وتعالى . .

ص: 296


1- آل عمران : 2 .
2- الطلاق : 12 .
3- البقرة : 20 .
4- النساء : 40 .
5- آل عمران : 97 .
6- الشورى : 19 .

وأمّا الوجهان اللذان يثبتان فيه ، فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شبه ، كذلك ربّنا ، وقول القائل : إنّه عزّ وجلّ أحديّ المعنى ، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك ربّنا عزّ وجلّ » (1) .

ومن الروايات التي تشير إلى وجوده تعالى قول أمير المؤمنين عليه السلام : « ويحك ، إنّ البعرة تدلّ على البعير ، وآثار القدم تدلّ على المسير ، فهيكل علوي بهذه اللطافة ، ومركز سفلي بهذه الكثافة ، أما يدلّان على الصانع الخبير » (2) .

أمّا أسماؤه تعالى فكثيرة ، وهي تدلّ على كماله تعالى .

فعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « إنّ لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً ، مائة إلّا واحداً ، من أحصاها دخل الجنّة ، وهي اللّه ، الإله ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، الأوّل ، الآخر ... » (3) .

قال الشيخ الصدوق قدس سره : « إحصاؤها هو الإحاطة بها ، والوقوف على معانيها ، وليس معنى الإحصاء عدها » (4) .

2 - النبوّة : فمن الآيات قوله تعالى : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) (5) .

ولقد شهد اللّه لرسوله بالقول على أنّه رسول ، وذلك بقوله : ( إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (6) ، هذا بالإضافة إلى الخطابات القرآنية للنبيّ بقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ) و : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ) . .

ص: 297


1- التوحيد : 84 .
2- روضة الواعظين : 31 .
3- عدّة الداعي : 299 .
4- التوحيد : 195 .
5- البقرة : 213 .
6- ياسين : 3 .

وسأل رجل الإمام الصادق عليه السلام السؤال التالي : من أين أثبت الأنبياء والرسل ؟

فأجابه الإمام عليه السلام : « إنّه لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنّا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه ، فيباشرهم ويباشرونه ، ويحاجهم ويحاجونه ، ثبت أن له سفراء في خلقه ، يعبرون عنه إلى خلقه وعباده ، ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم ، وما به بقاؤهم ، وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه ، والمعبّرون عنه جلّ وعزّ ، وهم الأنبياء عليهم السلام وصفوته من خلقه ... » (1) .

3 - المعاد : من الآيات قوله تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ) (2) ، و ( فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (3) ، و ( وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) (4) ، و ( كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ ) (5) ، و ( وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (6) .

ومن الروايات قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « يا بني عبد المطّلب ، أنّ الرائد لا يكذب أهله ، والذي بعثني بالحقّ نبيّاً ، لتموتن كما تنامون ، ولتبعثن كما تستيقظون ، وما بعد الموت دار إلّا جنّة أو نار ، وخلق جميع الخلق وبعثهم على اللّه عزّ وجلّ ، كخلق نفس واحدة وبعثها ، قال اللّه تعالى : ( مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) » (7) .

4 - العدل : من الآيات قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) (8) . .

ص: 298


1- الكافي 1 / 168 .
2- المؤمنون : 115 .
3- الإسراء : 51 .
4- الأنعام : 36 .
5- الأعراف : 57 .
6- البقرة : 58 .
7- الاعتقادات : 64 ، والآية في سورة لقمان : 28 .
8- النساء : 40 .

ومن الروايات قول أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له ، وهو يبيّن الذنوب التي تغتفر ، والتي لا تغتفر : « وأمّا الذنب الذي لا يغفر ، فمظالم العباد بعضهم لبعض ، إنّ اللّه تبارك وتعالى إذا برز لخلقه ، أقسم قسماً على نفسه ، فقال : وعزّتي وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم ، ولو كفّ بكف ، ولا مسحة بكف ، ونطحة ما بين القرنا إلى الجماء ... » (1) .

5 - الإمامة : من الآيات قوله تعالى : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (2) ، وقوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (3) .

ومن الروايات قول أمير المؤمنين عليه السلام : « ألا وإنّ لكل مأموم إماماً يقتدي له ، ويستضيء بنور علمه ... » (4) .

وقول الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ اللّه أجلّ وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل » (5) .

وقول أمير المؤمنين عليه السلام : « اللّهم بلى لا تخلو الأرض من قائم بحجّة ، ظاهراً مشهوراً ، أو مستتراً مغموراً ، لئلا تبطل حجج اللّه وبيّناته » (6) .

وقول الإمام الصادق عليه السلام : « لا يصلح الناس إلّا بإمام ، ولا تصلح الأرض إلّا بذلك » (7) .

وعن سليم بن قيس قال : ( سمعت عبد اللّه بن جعفر الطيّار يقول : كنّا عند معاوية ، أنا والحسن والحسين ، وعبد اللّه بن عباس ، وعمر بن أُمّ سلمة ، .

ص: 299


1- الكافي 2 / 443 .
2- الرعد : 7 .
3- المائدة : 55 .
4- شرح نهج البلاغة 16 / 205 .
5- الكافي 1 / 178 .
6- الأمالي للشيخ الطوسي : 21 .
7- علل الشرائع 1 / 196 .

وأُسامة بن زيد ، فجرى بيني وبين معاوية كلام ، فقلت لمعاوية : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ثمّ أخي علي بن أبي طالب أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا استشهد علي فالحسن بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ثمّ ابني الحسين من بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا استشهد فابنه علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وستدركه يا علي ، ثمّ ابنه محمّد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وستدركه يا حسين ، ثمّ ... » ) (1) . .

ص: 300


1- الكافي 1 : 529 .

أعلام وكتب :

اشارة

« بدر الدين - المغرب ... »

ابن أبي الحديد وكتابه في نظر السنّة :

س : قرأت في كتاب « دفاع عن السنّة » حديثاً مطوّلاً عن عمر بن الخطّاب ، في وصف علاقته بأبي بكر وأبي موسى الأشعري ، والمغيرة بن شعبة ، ونظراً لما يحمله هذا الخبر من الكلام الجديد على القارئ ، والذي يفضي إلى نتائج خطيرة ، والخبر جاء نقلاً عن « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد .

فسؤالي إذا سمحتم : هل المرجع المذكور معتمد لدى علماء أهل السنّة ؟

ج : نود إعلامك أوّلاً : إنّ أهل السنّة قد اتبعوا منهجاً عامّاً في تعديل الرجال وتجريحها ، وكان أهمّ أساس اعتمدوه في التجريح والتعديل ، هو رواية الراوي فضائل علي عليه السلام ومناقبه ، وجعلوا أساس ضعف الراوي وكذبه وتخليطه هو رواياته فضائل علي عليه السلام ، ولك أن تتابع مثلاً كتابي « الموضوعات » لابن الجوزي ، وكتاب « اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة » ، بل كتابي « تهذيب التهذيب » لابن حجر ، وكتاب « ميزان الاعتدال » للذهبي ، وأمثالها كثير ، تجد أنّ عمدة تضعيف الراوي ، هو روايته لفضائل علي عليه السلام ، ولعلّك إذا استقصيت كتب الجرح والتعديل لأخذك العجب في بنائهم التوثيقي ، وفي تجريحهم للشخص .

فمثلاً أحمد بن الأزهر النيسابوري ، بعد أن مدحه ابن حجر في « تهذيب التهذيب » ، ونقل توثيق المحدّثين له قال : « لما حدّث أبو الأزهر بحديث عبد

ص: 301

الرازق في الفضائل ، يعني عن معمّر عن الزهري ، عن عبيد اللّه بن عباس ، قال : نظر النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلى علي رضي اللّه عنه فقال : « أنت سيّد في الدنيا سيّد في الآخرة » الحديث ، أخبر بذلك يحيى بن معين ، فبينما هو عنده في جماعة من أهل الحديث إذ قال يحيى : من هذا الكذّاب النيسابوري الذي يحدّث عن عبد الرازق بهذا الحديث ؟

فقام أبو الأزهر فقال : هو ذا أنا ، فتبسّم يحيى فقال : إمّا إنّك لست بكذّاب ، وتعجّب من سلامته وقال : الذنب لغيرك في هذا الحديث » (1) ، على أنّ هذا الراوي من أهل السنّة ، فاتهموه بالكذب لروايته الحديث ، ومثله عبد الرازق بن همام الحافظ الصنعاني ، صاحب « المصنّف » المعروف ، وهو من كبار أهل السنّة ، فإذا ذكروه قالوا : كان يتشيّع ، وقال أبو داود : وكان عبد الرازق يعرّض بمعاوية ، وقال العجلي : ثقة يتشيّع (2) .

وهكذا هو ديدنهم في من يروي فضائل علي عليه السلام ، ولعلّ اختلافهم في تشيّع الحاكم النيسابوري ، وإصرار بعضهم على كونه شيعيّاً ، ليس بشيء إلّا لروايته فضائل علي عليه السلام ، وقد أغفلها الشيخان في صحيحيهما ، فمتى تجد من يذكر فضائل علي ومناقبه ، ويطعن على مخالفيه ، ويذكر معائبهم يوثّق ويأخذ بقوله ؟!

هذا هو حال ابن أبي الحديد المعتزلي ، فهم لا يعتبرونه لهذه العلّة التي عمّموها على كلّ من روى فضائل علي عليه السلام ، لذا قال الشعبي : ماذا لقينا من علي ؟ إن أحببناه ذهبت دنيانا ، وإن بغضناه ذهب ديننا .

فلا عليك - أيّها الأخ - بعد ذلك في اعتبار وعدم اعتبار الراوي ، أو الكتاب عند أهل السنّة ، بعد أن عرفت معيار جرحهم وتعديلهم . .

ص: 302


1- تهذيب التهذيب 11 / 10 .
2- المصدر السابق 6 / 280 .

« إبراهيم عبد اللّه - البحرين - ... »

الاحتجاج بما ينقله ابن أبي الحديد والمسعودي :

س : هل يصحّ الاحتجاج على أهل السنّة ، بما أورده ابن أبي الحديد في شرحه للنهج ، وما أورده المسعودي في « مروج الذهب » ؟

حيث إنّ هذا الشيء قد حصل فعلاً في بعض المؤلّفات الكلامية والعقائدية ... وعلى الطرف الآخر هل يصحّ الاحتجاج على الإمامية بهذين الكتابين ؟

حيث أكثر البعض مثل : إحسان الهي ظهير - مع تدليسه بعض الحقائق - من الاحتجاج على الإمامية بهما ... .

ما هو مبدأ الاحتجاج على أهل السنّة بهما ، وعلى أيّ أساس احتجّ به ظهير ؟ ولكم جزيل الشكر .

ج : الثابت أنّ ابن أبي الحديد معتزلي المذهب في الأُصول ، وحنفي المذهب بالفروع ، ولذا يصحّ للإمامي أن يحتجّ بما يذكره في « شرح نهج البلاغة » على الطرف الآخر ، وأيضاً المسعودي صاحب « مروج الذهب » ، بالإضافة إلى ثناء القوم عليه ، ذكره السبكي في طبقاته (1) ، وعليه يصحّ للإمامية أن يحتجّوا بما يذكره على الطرف الآخر .

ولما ذكرناه حول الرجلين لا يكون ما يذكرانه حجّة للقوم على الشيعة الإمامية ، وإن كانا يعدّان من علماء التاريخ والأدب المعتدلين غير المتعصّبين فيما ينقلانه ويحكمان به .

« يحيى العسقلاني - السعودية »

البرقعي وكتابه كسر الصنم :

س : لقد سمعت حديثاً ، وقرأت في شبكات الوهّابية ، حول كتاب « كسر

ص: 303


1- طبقات الشافعية الكبرى 2 / 323 .

الصنم » لأبي الفضل البرقعي ، فمن هو هذا الرجل الذي نسبه القوم للتشيّع ؟ وهل تعرفونه ، وما هي منزلته العلمية ؟ أفيدونا جعلني اللّه فداكم .

ج : كان أبو الفضل البرقعي من أسرة عريقةٍ من أهالي قم ، وكان من جملة المحصّلين في الحوزة العلمية ، إلّا أنّه كان منذ شبابه خفيف العقل ، منحرف الفكر ، فترك الدراسة ، وذهب إلى طهران بدعوةٍ من بعض السفارات الأجنبية ، بواسطة بعض عملائها ، فجعلوا يروّجون له ، ويمدّونه بالأموال ، ويطبعون مقالاته ، حتّى أفتى كبار المراجع بضلالته ، وأوعزوا إلى الجهات الحكومية بإلقاء القبض عليه وتأديبه ، فانكشف حاله ، وافتضح أمره ، ومَقتَه الناس وطردوه ، فمات على تلك الحال ، وخسر الدنيا والآخرة ، وذلك هو الخسران المبين .

وإنّ حال البرقعي وأمثاله عند الشيعة الإمامية ، يشبه تماماً حال ابن تيمية وأتباعه عند أهل السنّة ، فقد وصف علماء السنّة ابن تيمية بخفّة العقل ، وكذلك وصفوا أتباعه بأنّهم خفاف العقول .

فقد خاطب الحافظ الذهبي ابن تيمية في رسالةٍ له إليه - مذكورة في المصادر السنّية - بقوله : « يا خيبة من اتبعك ، فانّه معرّض للزندقة والانحلال ... ، فهل معظم أتباعك إلّا مقيّد مربوط ، خفيف العقل ، أو عامّي كذّاب ، بليد الذهن ... » (1) .

وقال عنه الحافظ ابن حجر الهيثمي في « الفتاوى الحديثية » : « عبد خذله اللّه وأخزاه ، وأصمّه ، وأعماه » (2) .

فحال البرقعي حال ابن تيمية ، والأخبار عن ضلاله ، وسوء حاله في الآخرة ليس إخباراً عن غيب ، بل هو على ضوء الموازين الشرعية ، وترك الجواب عمّا كتبه كالسكوت عن أباطيل ابن تيمية . .

ص: 304


1- السيف الصقيل : 218 .
2- المصدر السابق : 165 .

ولا يخفى أنّ الطعن الصادر من العلماء في ابن تيمية ليس طعناً في عموم أهل السنّة ، أو كلّ علماء الشام ، فكيف يقال بأنّ الطعن في البرقعي طعن في علماء قم ؟ فإنّ هذا الكلام لا يصدر من عاقل فاهم !

ونحن نسأل اللّه تعالى أن يوفّقنا لمعرفة الحقّ واتّباعه أينما كان .

« علي العلي - الكويت - ... »

الكتب الأربعة في نظر الأُصوليين والإخباريين :

س : ما مدى صحّة ما في الكتب الأربعة ؟

ج : تعتقد الشيعة أنّ الكتب الأربعة أوثق كتب الحديث ، وأمّا وجوب العمل بما فيها من الأخبار ، أو بكلّ ما رواه إمامي ، ودوّنه أصحاب الأخبار منهم ، فلم يقل به أحد من المحققّين ، ويشهد لذلك تنويعهم الأخبار على أقسام أربعة : الصحيح ، الحسن ، الموثّق ، الضعيف .

وهذا هو رأي الأُصوليين من علماء الشيعة ، بينما يرى الإخباريون من علماء الشيعة صحّة كلّ ما موجود في الكتب الأربعة ، بمعنى أنّ روايات الكتب الأربعة قطعية الصدور ، وهذا القول باطل من أصله ، إذ كيف يمكن دعوى القطع بصدور رواية رواها واحد عن واحد ؟ ولاسيّما أنّ في رواة الكتب الأربعة من هو معروف بالكذب والوضع .

« ... - ... - ... »

الكتب الفكرية والفكر الإسلامي :

س : ماذا تعني الكتب الفكرية ؟ وما المراد من الفكر ، والفكر الإسلامي بالذات ؟

ج : إنّ المراد من الفكر - في مورد السؤال - المواضيع التي تعتمد أساساً على الاستدلالات العقلية في قبال العلوم النقلية التي تتركّز في البحث عن النصوص القرآنية أو الحديثية .

ص: 305

فالفكر الإسلامي يطلق على كافّة الأُسس الثقافية ، والعلوم العقلية التي تستمد جذورها من الكتاب أو السنّة ، مع محورية العقل في طريق الاستنتاج والاستنباط .

وعليه ، فالكتب الفكرية هي الكتب التي تبرز في هذا الاتجاه ، وتكون معظم مباحثها من نوع التعقّل والتعمّق في المواضيع الدينية .

« صادق - السعودية - ... »

ترجمة أنس بن مالك خادم النبيّ :

س : من هو أنس بن مالك الأنصاري ، خادم الرسول صلى اللّه عليه وآله ؟ نريد معلومات كاملة عنه ، مع الشكر الجزيل ، رحمكم اللّه .

ج : إنّ أنس بن مالك الأنصاري ، خادم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأحد أصحابه ، روى أحاديث كثيرة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، منها مثلاً : حديث الطير … .

وكان أحد المنحرفين عن الإمام علي عليه السلام ، كما ذكر ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج ، حيث قال عند ذكر المنحرفين عن علي عليه السلام : « وذكر جماعة من شيوخنا البغداديين ، أنّ عدّة من الصحابة والتابعين والمحدّثين كانوا منحرفين عن علي عليه السلام ، قائلين فيه السوء ، ومنهم من كتم مناقبه ، وأعان أعداءه ، ميلاً مع الدنيا وإيثاراً للعاجلة ؛ فمنهم أنس بن مالك ، ناشد علي عليه السلام الناسَ في رَحَبة القصر - أو قال رحبة الجامع بالكوفة - : « أيّكم سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : مَن كنت مولاه فعلي مولاه » ؟ فقام اثنا عشر رجلاً فشهدوا بها ، وأنس بن مالك في القوم لم يقم ، فقال له : « يا أنس ، ما يمنعك أن تقوم فتشهد ، ولقد حضرتَها » ، فقال : يا أمير المؤمنين ، كبرتُ ونسيت ، فقال : « اللّهم إن كان كاذباً فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة » .

قال طلحة بن عمير : فو اللّه ، لقد رأيتُ الوَضَح به بعد ذلك أبيض بين عينيه » (1) .

ص: 306


1- شرح نهج البلاغة 4 / 74 و 19 / 217 .

وفي رواية البلاذري : « قال علي على المنبر : « نشدت اللّه رجلاً سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول يوم غدير خم : اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، إلّا قام فشهد » ، وتحت المنبر أنس بن مالك ، والبراء بن عازب ، وجرير بن عبد اللّه ، فأعادها فلم يجبه أحد منهم .

فقال : « اللّهم من كتم هذه الشهادة وهو يعرفها ، فلا تخرجه من الدنيا حتّى تجعل به آية يعرف بها » .

قال أبو وائل : فبرص أنس ، وعمي البراء ، ورجع جرير أعرابياً بعد هجرته ، فأتى السراة فمات في بيت أُمّه بالسراة » (1) .

« خادم أهل البيت - السعودية - ... »

أنس من الذين كذبّوا على الرسول :

س : هل أنس خادم الرسول صلى اللّه عليه وآله ، كان موالياً لأهل البيت ؟ ولماذا ؟

ج : إنّ أنس بن مالك خادم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ممّن كتم شهادته بحديث الغدير في الإمام علي عليه السلام ، فقال أنس : « كبرت سنّي ونسيت ، فقال علي : « إن كنت كاذباً فضربك اللّه ببيضاء لا تواريها العمامة » ، فابتلي أنس بالبرص » (2) .

وروي أيضاً عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « ثلاثة كانوا يكذبون على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، أبو هريرة ، أنس بن مالك ، وامرأة » (3) .

« أبو محمّد - البرازيل - ... »

ترجمة جون مولى أبي ذر :

س : من هو الذي يسمّى جون ؟ وكان في جيش الإمام الحسين عليه السلام ؟

ص: 307


1- أنساب الأشراف : 156 .
2- شرح نهج البلاغة 4 / 74 و 19 / 217 ، أنساب الأشراف : 156 ، اختيار معرفة الرجال 1 / 246 ، الغدير 1 / 190 .
3- الخصال : 190 .

ج : جون بن حوي ، أسود اللون ، شيخ كبير السن ، من الموالي ، مولى أبي ذر الغفاري ، انضمّ إلى أهل البيت عليهم السلام بعد أبي ذر ، فكان مع الإمام الحسن عليه السلام ، ثمّ مع الإمام الحسين عليه السلام ، وصحبه في سفره من المدينة إلى مكّة ، ثمّ إلى العراق ، وقف يوم عاشوراء أمام الإمام الحسين عليه السلام يستأذنه في القتال ، فقال له الحسين عليه السلام : « أنت في إذن منّي ، فإنّما تبعتنا للعافية ، فلا تبتل بطريقتنا » ، فقال : يا ابن رسول اللّه ، أنا في الرخاء ألحس قصاعكم ، وفي الشدّة أخذلكم ، واللّه أن ريحي لنتن ، وأنّ حسبي للئيم ، وأنّ لوني لأسود ، فتنفّس عليّ بالجنة ، فيطيب ريحي ، ويشرف حسبي ، ويبيضّ وجهي ، لا واللّه ، لا أفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم ، ثم برز وهو يقول :

كيف يرى الكفّار ضرب الأسود *** بالسيف ضرباً عن بني محمّد

أذب عنهم باللسان واليد *** أرجو به الجنّة يوم المورد

ثمّ قاتل حتّى قتل ، فوقف عليه الإمام الحسين عليه السلام فقال : « اللّهم بيّض وجهه ، وطيّب ريحه ، واحشره مع الأبرار ، وعرّف بينه وبين محمّد وآل محمّد صلى اللّه عليه وآله » .

وروى علماؤنا عن الإمام الباقر عليه السلام ، عن أبيه الإمام زين العابدين عليه السلام ، أنّ بني أسد الذين حضروا المعركة ، ليدفنوا القتلى ، وجدوا جوناً بعد أيّام تفوح منه رائحة المسك .

« أبو علي - عمان - ... »

ترجمة علي بن يقطين :

س : بعد التحية والسلام ، هل لكم أن تخبرونا بنبذة عن حياة الشخصية الإسلامية علي بن يقطين ؟

ج : علي بن يقطين بن موسى البغدادي ، كان ثقة وجليل القدر ، وله منزلة عظيمة عند الإمام الكاظم عليه السلام ، ولد سنة 120 ه- ، وقيل 124 ه- ، سكن بغداد ، وهو كوفي الأصل ، ومولى بني أسد .

ص: 308

كان لأبيه منزلة سامية لدى الدولة العباسية أوّل أمرها ، حيث كان داعياً لهم ، فانتقلت هذه المنزلة له ، واتخذه الرشيد وزيراً ، وكان على صلة وثيقة بالإمام الكاظم عليه السلام ، يعمل بإرشاده على إغاثة المظلومين ، توفّي سنة 182 ه- ، وله كتب ، منها كتاب ما سئل عن الصادق عليه السلام من الملاحم ، وكتاب مناظرة الشاكّ بحضرته عليه السلام ، وله مسائل عن الإمام الكاظم عليه السلام .

وللمزيد من التعرّف على هذه الشخصية يمكنكم مراجعة كتاب « أعيان الشيعة » (1) ، و « معجم رجال الحديث » (2) .

« أحمد محمّد الياسري - البحرين - ... »

حول تفسيري القمّي والعيّاشي :

س : ما مصداقية تفاسير القمّي والعيّاشي عند الشيعة ؟ ومن هما القمّي والعيّاشي ؟

وهل كلّ ما ورد من روايات في هذين التفسيرين صحيحة ؟ وخصوصاً أنّ أكثر ما يطعن في الشيعة من قبل خصومهم ، هي روايات من هذين التفسيرين ، وشكراً جزيلاً .

ج : أعلم أنّ الشيعة تعتقد بعدم وجود كتاب كلّ رواياته صحيحة من أوّله إلى آخره غير القرآن الكريم ، وكلّ الكتب سواه قابلة للبحث والنقاش ، وتجري على أسانيدها قواعد الجرح والتعديل .

وأمّا القمّي والعيّاشي فهما من أقطاب علماء الشيعة ، ومع هذا لا يمكننا الحكم بصحّة كتابيهما ، ففيهما الصحيح والضعيف ، وكلّ هذا يخضع إلى مباني الرجال ، وقوانين الجرح والتعديل ، لتمييز الصحيح من الضعيف ، وشأن هذين الكتابين شأن جميع كتب الشيعة .

ص: 309


1- أعيان الشيعة 8 / 371 .
2- معجم رجال الحديث 13 / 242 .

« عبد اللّه - ... - ... »

روايات منتخب كنز العمّال :

س : ما هو رأيكم في كتاب منتخب كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال ؟ وهل كلّ ما ورد فيه صحيح ؟ وما نسبة الصحّة فيه ؟

هناك مرويّات فيه بدون إسناد ، هل يعتدّ بها عند أصحابها ؟ باعتبار أنّ عدم إسنادها هو بمثابة إطلاقها إطلاق المسلّمات ، أم أنّ أمثال هذه المرويّات غير معتدّ بها ؟ وفّقكم اللّه إلى ما يرضاه .

ج : صاحب كتاب كنز العمّال هو الشيخ علي بن سلطان المتّقي الهندي ، ألّف كتاب كنز العمّال لأجل أن يجمع نصوص الأحاديث الواردة في مختلف الكتب ، والمنسوبة إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأيضاً ما نقل في مختلف الكتب عن الصحابة والآثار الواردة عنهم .

هذه الأحاديث والآثار رتّبها بترتيب خاصّ بحسب الحروف ، وبحسب الأبواب ، وأيضاً جعل عناوين الأبواب بحسب الحروف في ابتكار خاصّ ، وأسلوب معيّن ، ثمّ إنّ هذا الكتاب الكبير لخّصه وجعله تحت عنوان : « منتخب كنز العمّال » .

وعلى كلّ حال ، فإنّ قصد المؤلّف من تأليف هذا الكتاب - سواء الأصل أو المنتخب - إنّما كان لجمع الأحاديث ، وترتيبها بهذا الترتيب الخاصّ ، ولم يقصد تمييز الأحاديث الصحيحة عن غيرها ، فلذا كان كتابه جامعاً بين الغثّ والسمين .

وعلى كلّ محقّق يريد أن يأخذ بشيء من أحاديث هذا الكتاب وأمثاله ، فعليه أن يراجع السند ، ويطمئن بصحّة السند ، حتّى يتمكّن من الأخذ بذلك الحديث .

ص: 310

« محمّد علي الشحي - الإمارات - سنّي - 18 سنة - طالب جامعة »

سيرة موسى الموسوي :

س : ما رأيكم بموسى الموسوي صاحب كتاب الشيعة والتصحيح ؟

ج : إنّ موسى الموسوي الأصفهاني ، كان مذموماً منذ شبابه عند أقرانه وزملائه ، وعند العلماء ، لما يرون من تصرّفاته السيّئة ، وغير اللائقة لشخص عادي ، فضلاً عن سيّد معمّم ، ينتمي إلى أسرة مرجعية دينية ، وكان هذا سبباً في تحرّز الكثير منه ، ومن أفعاله الذي سبّب عزلة اجتماعية له ، ممّا أدى إلى انخراطه إلى عالم السياسة ، وتقلّباته المستمرّة فيه ، حفظاً لشخصيّته المنهارة مسبقاً أمام الجميع ، واستجلاباً لموارد ماليّة ، تمكّنه من الاستمرار في الحياة المادّية التافهة .

فتارةً كان يتّفق مع عناصر من الحكومة البهلوية في إيران ، حتّى إنّه قد أصبح في فترة خاصّة ، مندوباً في المجلس التشريعي الإيراني ، وأُخرى يرتدّ عليهم ، ويتعامل مع البعثيين في سبيل إطاحة الحكم الملكي فيها ، وثالثة يطمح في رئاسة الجمهورية في إيران بعد زوال الحكم الملكي ؛ وبما أنّ أحداً لم يول اهتماماً به وبما يراه انتهى أمره إلى أن يكون آلة إعلامية بيد أعداء الدين ، في سبيل كسر شوكة الشيعة ، باستخدامه انتسابه إلى المرجعية غطاءً ساتراً على أباطيله ، ومن ثمّ وفّرت الدوائر الاستعمارية له كافّة الإمكانيات المادّية في أحضانها ، كي يفرغ في الهجوم على معتقدات الشيعة إلى أن مات قبل سنين .

وعلى كلّ حال : فإنّ هذا الشخص شأنه شأن ابن نوح عليه السلام ، فكما أنّ هذا الأخير قد ضيّع انتماءه إلى بيت النبوّة والرسالة بعدم تبعيّته لها ، فهو أيضاً أضاع الانتساب إلى بيت السيادة والمرجعية ، بعدوله وانحرافه عن خطّها المستقيم .

وأمّا بالنسبة إلى التهم والمواضيع التي طرحها في كتابه فليست بجديد ، بل كلّها قد وردت كشبهات على لسان المخالفين ، وقد أُجيب عنها كراراً ومراراً ، بالتفصيل أو الإجمال .

ص: 311

« يوسف إبراهيم الجمعة - الكويت - ... »

قرابة العباس ومسلم من النبيّ :

س : ماذا يقرب أبي الفضل العباس للرسول ، والإمام علي ؟ وكذلك ماذا يقرب مسلم بن عقيل للاثنين ؟

ج : إنّ أبا الفضل العباس ، ومسلم بن عقيل عليهما السلام من الشخصيات الإسلامية البارزة ، وورعهما وتقواهما ، ومواقفهما في نصرة الدين الحنيف ، ممّا لا يشك به أحد ، حتّى استشهدا في سبيل العقيدة ، ونصرة الدين ، وإعلاء كلمة لا إله إلّا اللّه .

وأمّا قرابتهما من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : فأبو الفضل العباس ، هو ابن الإمام علي عليه السلام ، الذي هو ابن عمّ الرسول صلى اللّه عليه وآله .

ومسلم هو ابن عقيل ، الذي هو أخو الإمام علي عليه السلام ، وابن عم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أيضاً .

« محمّد - الإمارات - ... »

شخصية محمّد التيجاني :

س : ما هو رأيكم بمحمّد التيجاني ؟

ج : إنّ الدكتور التيجاني كان على مذهب أهل السنّة ، وثمّ بعد بحث وتحقيق ومراجعة أُمّهات المصادر اعتنق مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وتوصّل بالبحث العلمي إلى أن اتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام ، والأخذ منهم هو طريق النجاة ، فركب سفينة النجاة ، وتمسّك بالثقلين .

وبعد استبصاره ألّف عدّة كتب ، منها : « ثمّ اهتديت » ، و « اسألوا أهل الذكر » ، و « لأكون مع الصادقين » ، و « الشيعة هم أهل السنّة » ، واهتدى الكثير بواسطة كتبه إلى الحقّ .

ص: 312

« أُمّ زينب - الإمارات - ... »

موقف الشيعة من المختار الثقفي :

س : أُودّ الاستفسار عن المختار بن يوسف الثقفي رضي اللّه عنه ، وما حقيقة ما يتردّد حوله من مزاعم ؟ وما موقف الأئمّة عليهم السلام منه ؟

ج : ذكر السيّد الخوئي قدس سره ترجمة المختار في كتابه « معجم رجال الحديث » ، فقال : ( والأخبار الواردة في حقّه على قسمين : مادحة وذامّة ، أمّا المادحة فهي متضافرة ، منها ... عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت ، حتّى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين » ، وهذه الرواية صحيحة .

وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « لا تسبّوا المختار فإنّه قتل قتلتنا ، وطلب بثأرنا ، وزوّج أراملنا ، وقسّم فينا المال على العسرة » .

وعن عمر بن علي بن الحسين : أنّ علي بن الحسين عليهما السلام لمّا أتي برأس عبيد اللّه بن زياد ، ورأس عمر بن سعد قال : فخرّ ساجداً وقال : « الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي ، وجزى اللّه المختار خيراً » ) (1) .

ثمّ ذكر السيّد الخوئي ثلاث روايات أُخرى في هذا المجال ، ثمّ ذكر بعض الروايات الذامّة وقال : « وهذه الروايات ضعيفة الإسناد جدّاً » .

ثمّ نقل قدس سره قول المجلسي في « بحار الأنوار » فقال : « وقال المجلسي قدس سره : قال جعفر بن نما : أعلم أنّ كثيراً من العلماء لا يحصل لهم التوفيق بفطنة توقفهم على معاني الأخبار ، ولا رؤية تنقلهم من رقدة الغفلة إلى الاستيقاظ ، ولو تدبّروا أقوال الأئمّة في مدح المختار لعلموا أنّه من السابقين المجاهدين ، الذين مدحهم اللّه تعالى جلّ جلاله في كتابه المبين ، ودعاء زين العابدين عليه السلام للمختار دليل واضح ، وبرهان لائح ، على أنّه عنده من المصطفين الأخيار ، ولو كان على غير

ص: 313


1- معجم رجال الحديث 19 / 102 .

الطريقة المشكورة ، ويعلم أنّه مخالف له في اعتقاده ، لما كان يدعو له دعاء لا يستجاب ، ويقول فيه قولاً لا يستطاب ، وكان دعاؤه عليه السلام له عبثاً ، والإمام منزّه عن ذلك ، وقد أسلفنا من أقوال الأئمّة في مطاوي الكتاب تكرار مدحهم له ، ونهيهم عن ذمّه ما فيه غنية لذوي الأبصار ، وبغية لذوي الاعتبار ، وإنّما أعداؤه عملوا له مثالب ، ليباعدوه عن قلوب الشيعة ، كما عمل أعداء أمير المؤمنين عليه السلام له مساوي ، وهلك بها كثير ممّن حاد عن محبّته ، وحال عن طاعته ، فالولي له عليه السلام لم تغيّره الأوهام ، ولأباحته تلك الأحلام ، بل كشفت له عن فضله المكنون ، وعلمه المصون ، فعمل في قضية المختار ما عمل مع أبي الأئمّة الأطهار … » (1) .

والخلاصة : لم يكن المختار إلّا رجلاً أبلى في سبيل قضية أهل البيت عليهم السلام أحسن البلاء ، فعمل أعداؤه على محاربته ، من خلال وضع التهم والأكاذيب عليه ، ولما كان خصومه هم الغالبون ، وقد امتد نفوذهم بعده ، فمن الطبيعي أن تصاغ هذه الأكاذيب في روايات مسندة ، لتدخل التاريخ بوجه مشروع ، حين يكون منهج المؤرّخ هو جمع الأخبار ، دون التحقيق والتمحيص فيها ، أو بوجه غير مشروع ، حين تلتقي مع هوى المؤرّخ ، أو تعينه على نصرة الاتجاه الذي يميل إليه ، أو التنكيل بالاتجاه الذي يميل عنه .

« معاذ التل - الأردن - سنّي - 32 سنة - طالب جامعة »

تعقيب على الجواب السابق :

تعليق على الجواب السابق : يتهم بعض المؤرّخين المختار الثقفي بأنّه كان طالب سلطة ، ويقولون بأنّ الناس لقّبته في ذلك الزمان بالكذّاب ، ولكن للمختار فضل عظيم ، فقد تعقّب قتلة الحسين ، وما عرف عن أحد شارك في

ص: 314


1- بحار الأنوار 45 / 386 .

قتل الحسين إلّا أحضره وقتله ، وفي ذلك روايات وتفاصيل طويلة ، ثمّ قتل المجرم عبيد اللّه بن زياد ، بعد هزيمته في معركة عظيمة ، وأرسل رأسه لمحمّد بن الحنفية شقيق الحسين ، ولزين العابدين ، ويروى أنّه لما أحضر رأس ابن زياد دخلت حية سوداء من منخريه ، ثمّ خرجت من أنفه ، فعلت ذلك ثلاثاً والناس تنظر .

وقد أبلى المختار بلاء حسناً في تعقّب قتلة الحسين وآله ، إلى أن غدره مصعب ابن الزبير ، وقتله مع أنصاره ، ونعتقد أنّ في عمل المختار شفاء لصدور الناس الذين نقموا على قتلة ابن بنت رسول اللّه نقمة عظيمة .

« ... - الكويت - ... »

أبو مخنف شيعي ثقة :

س : ما هو الدليل على أنّ أبي مخنف لوط بن يحيى يعتبر من الرواة الثقات المعتمدين بمرويّاتهم ؟ مع العلم قد ضعّفه مثل الإمام الذهبي ، وقال عنه : إخباري لا يوثق به .

وابن عدي قال عنه : شيعي محترق ، ويحيى بن يحيى ليس بثقة .

ج : لقد ترجمه شيخ الرجاليين النجاشي ، حيث ترجمه وعبّر عنه ب : « شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم ، وكان يسكن إلى ما يرويه ... وصنّف كتباً كثيرة ... » (1) ، ذكر منها (28) كتاباً .

وتابعه العلّامة في الخلاصة (2) ، وابن داود في رجاله (3) ، وغيرهم .

ثمّ الرجل بلا شبهة شيعي إمامي ، صرّح بتشيّعه جمع من العامّة ، منهم ابن عدي في « الكامل » قال : « وهو شيعي محترق » !! (4) ، والذهبي في « تاريخ

ص: 315


1- فهرست أسماء مصنّفي الشيعة : 320 .
2- خلاصة الأقوال : 233 .
3- رجال ابن داود : 157 .
4- الكامل في ضعفاء الرجال : 6 / 93 .

الإسلام » قال : « الرافضي الإخباري ، صاحب هاتيك التصانيف » (1) ، كما صرّح بذلك جلّ أصحابنا ، وجمع من مخالفينا ، فلا يتمّ إنكار ابن أبي الحديد لذلك في شرح النهج (2) ، بل قال عنه في تنقيح المقال : « من الخرافات التي تعوّدت العامّة عليها في مذهبهم ، وفيما يرجع إليه ، كيف وقد صرّح جماعة منهم بتشيّعه ، بل جعل بعضهم تشيّعه سبباً لردّ روايته ، كما هي عادتهم غالباً ... والعجب العجاب أنّ ابن أبي الحديد نطق بما سمعت ، بعد أن روى أشعاراً في أنّ علياً عليه السلام وصيّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وقال : ذكر هذه الأشعار والأراجيز بأجمعها أبو مخنف لوط بن يحيى في كتاب وقعة الجمل ، انتهى ، فإنّ نقله لتلك الأشعار شاهد لتشيّعه ، وإلّا لم يكن ليرويها ، كما هي عادة أهل السنّة غالباً » (3) .

ثمّ إنّ كون الرجل شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم ، وكان يسكن إلى ما يرويه - شهادة من مثل النجاشي العظيم - يُعدّ بحقّ مدحاً معتدّاً به ، يثبت - لا أقلّ - حسنه واعتباره .

وأمّا ما نقلته عن الذهبي وابن عدي فغريب ، إذ صرف كون الرجل عندهم شيعيّاً كاف في سقوطه ، وعدم وثاقته ، وهذا من أمثال هؤلاء كاف لنا في مدحه ، ووثاقته واعتباره .. !! حيث علّلوا عدم وثاقته بتشيّعه !! لا بكذبه وفسقه وفجوره ، فتدبّر .

« ... - لبنان - ... »

البرسي وكتابه مشارق أنوار اليقين :

س : في البداية آجركم اللّه على هذه الصفحة المميّزة والمهمّة .

السؤال : من هو رجب البرسي ؟ وما صحّة كتابه مشارق أنوار اليقين عند

ص: 316


1- تاريخ الإسلام حوادث ووفيات 141 - 160 ه- : 581 .
2- شرح نهج البلاغة 1 / 147 .
3- تنقيح المقال 2 / 44 .

مراجعنا الكرام ؟ ومن هم المراجع الذين ينقضون كلامه ؟ وما دليلهم ؟ وهل هناك من يتّهمه بالغلوّ ؟ وما دليلهم ؟ وشكراً .

ج : كتاب مشارق أنوار اليقين كسائر الكتب ، تخضع رواياته للبحث السندي ، والبحث في الدلالة ، ففيه الروايات الصحيحة السند ، وفيه الروايات الضعيفة السند .

وأمّا ما ورد في الكتاب من الاعتماد على أرقام معيّنة للحروف ، وطرق أُخرى لإثبات المطالب ، فإنّها وإن كانت لا تعتبر حجّة ودليلاً مستقلّاً ، إلّا أنّها قرائن تنفع في الاستدلال .

هذا ، ويمكنكم مراجعة كتاب « الغدير » للعلّامة الأميني (1) ، في ترجمته للبرسي في قسم شعراء الغدير ، حيث ذكر ترجمة الحافظ البرسي ، ودافع عنه ، وردّ من اتهمه بالغلوّ .

« ... - البحرين - ... »

الشيعة تتبرّأ من خالد وأفعاله :

س : ما موقف الشيعة من خالد بن الوليد ؟ ولقبه سيف اللّه المسلول ؟

ج : إنّ الشيعة لا تقول بعدالة جميع الصحابة ، إذ لم يرد دليل على كون جميع الصحابة عدول ، وعليه ، فحال الصحابة حال غيرهم في إجراء قواعد الجرح والتعديل عليهم ، فمن كان منهم على سنّة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وبقي على ذلك إلى أن توفّي ، فإنّ الشيعة وكلّ عاقل يقدّسونه ، ومن غيّر وبدّل فإنّه لا يستحقّ أيّ تقديس .

وأمّا خالد ، فإنّ الشيعة تتبرّأ منه ومن أفعاله ، وهنا نشير إلى بعض أفعاله من مصادر أهل السنّة ، وعليكم بمراجعة المصادر :

1 - غضب النبيّ صلى اللّه عليه وآله على خالد لمّا بعثه إلى بني جذيمة ، داعياً إلى الإسلام ،

ص: 317


1- الغدير 7 / 33 .

ولم يبعثه مقاتلاً ، فقتل خالد بعضهم ، فقال النبيّ : « اللّهم إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد » مرّتين (1) .

2 - إنّ خالداً سبّ عمّاراً ، ومن سبّ عمّاراً ، سبّه اللّه .

إنّ خالداً عادى عمّاراً وابغضه ، ومن عادى عمّاراً وابغضه عاداه اللّه وأبغضه (2) .

3 - إنّ خالداً قتل مالك بن نويرة ، وهو مسلم ، ودخل بزوجته (3) .

وإنّ خالداً بعدما أضرّ المسلمين أيّام كفره وجاهليته في وقعة أُحد ، وإن كان قد أسلم وقاتل الكفّار ، ولكن لم يكن قتاله عن تقوى وبصيرة في الدين ، بل كانت على طبق العادات الجاهلية ، وإعمال الأغراض الشخصية ، والشهوات النفسانية ، كما أنّ خالداً كان معروفاً بعدائه للإمام علي عليه السلام . .

ص: 318


1- صحيح البخاري 4 / 67 و 5 / 107 و 7 / 154 و 8 / 118 ، سنن النسائي 8 / 237 ، السنن الكبرى للبيهقي 9 / 115 ، فتح الباري 6 / 196 و 8 / 46 و 11 / 120 و 13 / 159 ، المصنّف للصنعاني 5 / 222 و 10 / 174 ، السنن الكبرى للنسائي 3 / 474 ، صحيح ابن حبّان 11 / 54 ، كنز العمّال 1 / 317 ، الجامع لأحكام القرآن 7 / 224 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 548 ، الطبقات الكبرى 2 / 148 ، الثقات 2 / 62 ، أُسد الغابة 2 / 94 ، سير أعلام النبلاء 1 / 370 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 61 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 342 ، البداية والنهاية 4 / 358 و 6 / 355 ، السيرة النبوية لابن هشام 4 / 883 ، المحلّى 10 / 368 ، نيل الأوطار 8 / 9 ، مسند أحمد 2 / 151 ، السيرة النبوية لابن كثير 3 / 591 ، سبل الهدى والرشاد 6 / 201 .
2- فضائل الصحابة : 50 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 74 ، المعجم الكبير 4 / 112 ، كنز العمّال 13 / 533 ، جامع البيان 5 / 206 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 530 ، مسند أحمد 4 / 89 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 391 ، مجمع الزوائد 9 / 293 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 523 ، صحيح ابن حبّان 15 / 556 ، تاريخ بغداد 1 / 163 ، تاريخ مدينة دمشق 43 / 398 ، أُسد الغابة 4 / 45 ، سير أعلام النبلاء 1 / 415 ، الإصابة 4 / 474 .
3- فيض القدير 3 / 705 ، تاريخ مدينة دمشق 16 / 274 ، أُسد الغابة 2 / 95 ، الإصابة 2 / 218 و 3 / 392 و 4 / 321 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 504 ، البداية والنهاية 4 / 360 و 6 / 355 ، السيرة النبوية لابن كثير 3 / 594 .

« إبراهيم عبد الكريم - النيجر - ... »

الشيعة تحتجّ بالبخاري على أهل السنّة :

س : بعد التحية الطيّبة ، أسأل اللّه أن يهدينا إلى الحقّ ، ويثبّتنا عليه بفضله وكرمه .

سؤالي هو : ما نقد الشيعة في البخاري وصحيحه .

ج : إنّ طلب الحقّ أمر ممدوح ، وعدم الاعتماد على الخصم في فهم التشيّع ، والاعتماد على كتب علماء الشيعة ، هو الطريق الوحيد لفهم مذهب أهل البيت عليهم السلام .

إنّ الشيعة تحتجّ بصحيح البخاري على أهل السنّة من باب الإلزام ، وإلّا فهو ليس حجّة عليهم ، وإنّما الشيعة لها طرقها الخاصّة في الرواية عن النبيّ وأهل البيت عليهم السلام .

« علي - السعودية - ... »

القفاري وكتابه أُصول مذهب الشيعة :

س : أُودّ أن أسألكم عن رأيكم في كتاب أُصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، لمؤلّفه ناصر بن عبد اللّه بن علي القفاري .

وأُودّ أن أعرف ردّكم على هذا الكتاب ، أرجو الإجابة عن سؤالي ؟

ج : إنّ نظرة أوّلية يلقيها الباحث على الكتاب ، توصله إلى أنّ الكتاب ليس تأليف فرد واحد ، بل هو تأليف لجنة شكّلت لهذا الأمر ، وذلك للاختلاف الفاحش في الأسلوب بين بحث وآخر ، بل وحتّى في طريقة أخذ النتائج .

هذا ، وإنّ الأُستاذ محمّد الحسيني ، كتب هوامش نقدية على هذا الكتاب ، نشرت في أعداد مجلّة « المنهاج » الصادرة في بيروت .

كما أنّ الدكتور فتح اللّه المحمّدي ، ألّف كتابه « سلامة القرآن من التحريف » في الردّ على بحث التحريف من كتاب القفاري .

ص: 319

هذا ، وقام الدكتور فتح اللّه المحمّدي أيضاً ، بتأليف كتاب اقتصر فيه على الأكاذيب والتدليس والافتراءات الموجودة في كتاب القفاري .

ومهما حاول القفاري واللجنة التي معه ، لإعطاء صورة موضوعية للكتاب ، إلّا أنّ الأكاذيب والقصّ في الأحاديث والتحريفات - كما هو ديدن الوهّابيون ، ولا يستطيعون أن يتخلّوا عنه - واضحة وجلية فيه .

« أُمّ محمّد - السعودية - ... »

الكتب التي فيها ردّ الشبهات :

س : أواجه كثير من الأسئلة في العقائد من بعض الزملاء السنّة ، وقد ساعدني الاطلاع على موقعكم الردّ على الكثير منها ، أثابكم اللّه على هذا العمل خير ثواب .

أرغب في الاطلاع على بعض الكتب ، لتساعدني في ردّ الشبهات عن مذهب أهل البيت ، فهلا نصحتموني ببعض الأسماء لهذه الكتب ؟ جزاكم اللّه خير الدنيا والآخرة .

ج : يمكنكم مراجعة كتاب « الغدير » للعلّامة الأميني قدس سره المجلّد الثالث ، حيث ردّ فيه على الكثير من الشبهات المطروحة ضدّ مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وكذلك ننصحكم بمراجعة كتاب « دلائل الصدق » للعلّامة المظفّر قدس سره ، وكتاب « المراجعات » للسيّد عبد الحسين شرف الدين قدس سره .

« محمّد إسماعيل - الكويت »

ترجمة أبي العلاء المعرّي :

س : ما هو مذهب أبو العلاء المعرّي ؟ ودمتم موفّقين .

ج : قال الذهبي : « أبو العلاء : هو الشيخ العلّامة ، شيخ الآداب ، أبو العلاء ، أحمد بن عبد اللّه بن سليمان ... القحطاني ، ثمّ التنوخي المعرّي الأعمى ، اللغوي ، الشاعر ، صاحب التصانيف السائرة ، والمتّهم في نحلته .

ص: 320

ولد في سنة ثلاث وستّين وثلاث مائة ، وأضرّ بالجدري ، وله أربع سنين وشهر ، سالت واحدة ، وابيضّت اليمنى ، فكان لا يذكر من الألوان إلّا الأحمر ، لثوب أحمر ألبسوه إيّاه ، وقد جدّر ، وبقي خمساً وأربعين سنة لا يأكل اللحم تزهّداً فلسفياً .

وكان قنوعاً متعفّفاً ، له وقف يقوم بأمره ، ولا يقبل من أحد شيئاً ، ولو تكسّب بالمديح لحصّل مالاً ودنيا ، فإنّ نظمه في الذروة ، يعدّ مع المتنبي والبحتري ... » (1) .

وقال ابن حجر : « أحمد بن عبد اللّه بن سليمان ، أبو العلاء المعرّي ، اللغوي الشاعر ، روى جزأً عن يحيى بن مسعر ، عن أبي عروبة الحرّاني ، له شعر يدلّ على الزندقة ، سقت أخباره في التاريخ الكبير ... » .

قال السلفي : « من عجيب رأى أبي العلاء ، تركه تناول كلّ مأكول لا تنبته الأرض ، شفقة على الحيوانات ، حتّى نسب إلى التبرهم ، وأنّه يرى رأي البراهمة في إثبات الصانع ، وإنكار الرسل ، وفي شعره ما يدلّ على هذا المذهب ، وفيه ما يدلّ على غيره ، وكان لا يثبت على نحلته ، ولا يبقى على قانون واحد ، بل يجري مع القافية إذا حصلت ... » (2) .

قال الشيخ عباس القمّي : « الشاعر الأديب الشهير ، كان نسيج وحده بالعربية ، ضربت اباط الإبل إليه ، وله كتب كثيرة ، وكان أعمى ذا فطانة ، وله حكايات من ذكائه وفطانته .

حكي أنّه لما سمع فضائل الشريف السيّد المرتضى اشتاق إلى زيارته ، فحضر مجلس السيّد ، وكان سيّد المجالس ، فجعل يخطو ويدنو إلى السيّد ، فعثر على رجل ، فقال الرجل : من هذا الكلب ؟ فقال المعرّي : الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسماً . .

ص: 321


1- - سير أعلام النبلاء 18 / 23 .
2- لسان الميزان 1 / 203 .

فلمّا سمع الشريف ذلك منه ، قرّبه وأدناه ، فامتحنه فوجده وحيد عصره ، وأعجوبة دهره ، فكان أبو العلاء يحضر مجلس السيّد ، وعدّ من شعراء مجلسه ... » (1) .

« أُمّ علي القلاف - الكويت - ... »

تخلّف عبد اللّه بن جعفر عن الحسين :

س : هل كان زوج العقيلة زينب موجود في واقعة الطف ؟ وهل كان لها أبناء قتلوا مع الإمام الحسين ؟ وما هي أسمائهم ؟ مع جزيل الشكر .

ج : عبد اللّه بن جعفر زوج السيّدة زينب عليها السلام ، لم يكن في واقعة الطفّ ، وفي سبب تخلّفه عن الإمام الحسين عليه السلام عدّة أقوال :

منها : إنّ الإمام الحسين عليه السلام أشار عليه بالبقاء لمصالح ما .

ومنها : إنّه كان مريضاً آنذاك ، ومنها : أقوال أُخرى ، وتبقى كلّ هذه الأقوال في حيّز الاحتمال ، والتاريخ لم يذكر لنا بوضوح أسباب تخلّفه .

وعلى كلّ حال ، فإنّ أمثال عبد اللّه بن جعفر ، وابن عباس ، وابن الحنفية ، كان لهم دور مهمّ في إيصال مظلومية الإمام الحسين عليه السلام إلى الجميع .

وللسيّدة زينب عليها السلام ابناً باسم عون الأكبر من شهداء الطفّ ، قتل في حملة آل أبي طالب ، وهو مدفون في حفيرة آل أبي طالب ، ممّا يلي رجلي الإمام الحسين عليه السلام .

« محمّد إسماعيل - الكويت »

ترجمة أبي حيّان التوحيدي :

س : أبو حيّان التوحيدي ، هل يعتبر أحد علماء أهل السنّة ؟ وما منزلته عند

ص: 322


1- الكنى والألقاب 3 / 194 .

علمائهم ؟ وهل صحيح أنّ هناك من علمائهم من رماه بالزندقة ؟

ج : قال العلّامة الأميني قدس سره : « أبو حيّان التوحيدي ، صاحب التصانيف ، قيل : اسمه علي بن محمّد بن العباس ، نفاه الوزير المهلبي لسوء عقيدته ، وكان يتفلسف ، بقي إلى حدود الأربعمائة ببلاد فارس ، قال ابن مالي في كتاب الفريدة : كان أبو حيّان كذّاباً ، قليل الدين والورع ، مجاهراً بالبهت ، تعرّض لأُمور جسام من القدح في الشريعة ، والقول بالتعطيل .

وقال ابن الجوزي : كان زنديقاً ، وقال الذهبي : صاحب زندقة وانحلال » (1) .

وقال الذهبي : « أبو حيّان التوحيدي : الضالّ الملحد ، أبو حيّان ، علي بن محمّد بن العباس ، البغدادي الصوفي ، صاحب التصانيف الأدبية والفلسفية ، ويقال : كان من أعيان الشافعية ... .

وقال أبو الفرج بن الجوزي : زنادقة الإسلام ثلاثة : ابن الراوندي ، وأبو حيّان التوحيدي ، وأبو العلاء المعرّي ، وأشدّهم على الإسلام أبو حيّان ، لأنّهما صرّحا ، وهو مجمج ولم يصرّح .

قلت : وكان من تلامذة علي بن عيسى الرماني ، ورأيته يبالغ في تعظيم الرماني ، في كتابه الذي ألّفه في تقريظ الجاحظ ، فأنظر إلى المادح والممدوح ! وأجود الثلاثة الرماني ، مع اعتزاله وتشيّعه .

وأبو حيّان ، له مصنّف كبير في تصوّف الحكماء ، وزهّاد الفلاسفة ، وكتاب سمّاه البصائر والذخائر ، وكتاب الصديق والصداقة ... » (2) .

« محمّد إسماعيل - الكويت - ... »

ترجمة الجاحظ :

س : هل يعتبر الجاحظ عند علماء أهل السنّة والرجاليين من الثقات ؟ وما رأي علماؤهم به ؟ أرجو ذكر بعض الكلمات عنه ؟

ص: 323


1- الغدير 5 / 273 .
2- سير أعلام النبلاء 17 / 119 .

ج : قال الذهبي : « الجاحظ : العلّامة المتبحّر ، ذو الفنون ، أبو عثمان عمرو ابن بحر بن محبوب البصري المعتزلي ، صاحب التصانيف .

أخذ عن النظّام ، وروى عن أبي يوسف القاضي ، وثمامة بن أشرس .

روى عنه أبو العيناء ، ويموت بن المزرع ابن أخته ، وكان أحد الأذكياء .

قال ثعلب : ما هو بثقة .

وقال يموت : كان جدّه جمّالاً أسود ... .

قلت : يظهر من شمائل الجاحظ أنّه يختلق .

قال إسماعيل الصفّار : حدّثنا أبو العيناء قال : أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك ، فأدخلناه على الشيوخ ببغداد ، فقبلوه إلّا ابن شيبة العلوي ، فإنّه قال : لا يشبه آخر هذا الحديث أوّله » (1) .

وقال ابن حجر : « عمرو بن بحر الجاحظ صاحب التصانيف ، روى عنه أبو بكر بن أبي داود فيما قيل .

قال ثعلب : ليس بثقة ولا مأمون ، قلت : وكان من أئمّة البدع انتهى » (2) .

وقال الشيخ عباس القمّي قدس سره : « الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الليثي البصري ، اللغوي النحوي ، كان من غلمان النظّام ، وكان مائلاً إلى النصب والعثمانية ، وله كتب منها : العثمانية ، التي نقض عليها أبو جعفر الإسكافي ، والشيخ المفيد ، والسيّد أحمد بن طاووس ، وطال عمره ، وأصابه الفالج في آخر عمره ، ومات في البصرة ، سنة 255 » (3) .

« محمّد إسماعيل - الكويت »

ترجمة جابر بن حيّان وخالد بن يزيد :

س : هل صحيح أنّ أوّل عالم كيميائي هو خالد بن يزيد ؟ مع العلم أنّه من

ص: 324


1- سير أعلام النبلاء 11 / 526 .
2- لسان الميزان 4 / 355 .
3- الكنى والألقاب 2 / 136 .

سلالة أبي سفيان ، فهل أنّها من المختلقات أم ماذا ؟ وهل يوجد دليل ؟ ودمتم موفّقين .

ج : المشهور والمعروف أنّ جابر بن حيّان ، هو مؤسّس علم الكيمياء .

قال السيّد الخوئي قدس سره : « جابر بن حيّان : الصوفي الطرسوسي ، أبو موسى ، من مشاهير أصحابنا القدماء ، كان عالماً بالفنون الغريبة ، وله مؤلّفات كثيرة ، أخذها من الصادق عليه السلام ، وقد تعجّب غير واحد من عدم تعرّض الشيخ والنجاشي لترجمته ، وقد كتب في أحواله ، وذكر مؤلّفاته كتب عديدة ، من أراد الاطلاع عليها ، فليراجعها .

قال جرجي زيدان في مجلة « الهلال » على ما حكي عنه : إنّه من تلامذة الصادق عليه السلام ، وإنّ أعجب شيء عثرت عليه في أمر الرجل ، أنّ الأوروبيين اهتمّوا بأمره ، أكثر من المسلمين والعرب ، وكتبوا فيه وفي مصنّفاته تفاصيل ، وقالوا : إنّه أوّل من وضع أساس الشيمي الجديد ، وكتبه في مكاتبهم كثيرة ، وهو حجّة الشرقي على الغربي إلى أبد الدهر » (1) .

وإمّا خالد بن يزيد بن معاوية ، فإنّه كان له علم بالكيمياء ، لا أنّه أسّسه .

قال الذهبي : « خالد بن يزيد بن معاوية : ابن أبي سفيان ، الأمير أبو هاشم الأموي .

روى عن دحية الكلبي وأبيه ، وعنه : رجاء بن حيوة ، والزهري ... .

وكان من نبلاء الرجال ، ذا علم وفضل ، وصوم وسؤدد .

قال ابن خلكان في ترجمته : كان من أعلم قريش بفنون العلم ، قال : وكان بصيراً بهذين العلمين : الطبّ والكيمياء ، وله نظم رائق » (2) . .

ص: 325


1- معجم رجال الحديث 4 / 328 .
2- سير أعلام النبلاء 9 / 411 .

« خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي »

جابر بن حيّان لم يكن إسماعيلياً :

س : هل صحيح أنّ جابر بن حيّان كان من الإسماعيلية ؟ وأنّ الإسماعيلية تعدّه من أحد أبوابها ؟

ج : إنّ جابر بن حيّان يعدّ من مفاخر علماء الشيعة الإمامية لا من علماء الإسماعيلية ، فقد قال السيّد الخوئي قدس سره في ترجمته : « من مشاهير أصحابنا القدماء » (1) ، ومعنى أصحابنا أي أصحاب الإمامية لا الإسماعيلية .

وقال عنه السيّد محسن الأمين قدس سره : « من أصحاب الإمام جعفر الصادق عليه السلام وأحد أبوابه ، ومن كبار الشيعة » (2) .

« علي - المغرب - 22 سنة - ليسانس »

حركة إدريس كانت مؤيّدة من قبل الأئمّة :

س : نعلم أنّ أوّل دولة شيعية كان تأسيسها بالمغرب ، من قبل المولى إدريس الأوّل ، الذي يحظى باحترام كبير لدينا ، فهل كانت هذه الدولة بإذن من الإمام آنذاك ؟ أم أنّ الأمر كان بمبادرة شخصية من المولى إدريس ؟ وإن كان الأمر كذلك ، فهل يجوز هذا الأمر ؟ وشكراً .

ج : كما تعلمون ، فإنّ المولى إدريس ، قد أتى المغرب بعد ما شهد واقعة فخّ وشارك فيها ، وهذا الأمر يساعدنا كثيراً في تفسير حركته ، إذ إنّ قائد حركة فخّ ، قد صرّح في خطبته أبّان خروجه على العباسيين ، بأنّه يدعو إلى الرضا من آل محمّد صلى اللّه عليه وآله (3) .

ص: 326


1- معجم رجال الحديث 4 / 328 .
2- أعيان الشيعة 4 / 30 .
3- مقاتل الطالبيين : 299 .

ومن جانب آخر ، قد أبّنه الإمام موسى الكاظم عليه السلام بقوله : « إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، مضى واللّه مسلماً صالحاً صوّاماً ، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ، ما كان في أهل بيته مثله » (1) ، حتّى إنّ علياً ويحيى ابني عبد اللّه - من أركان حركة فخّ - كانا يقولان : « ما خرجنا حتّى شاورنا أهل بيتنا ، وشاورنا موسى بن جعفر عليهما السلام ، فأمرنا بالخروج » (2) .

وعلى ضوء ما ذكرنا ، فإنّ حركة إدريس في المغرب ، بما أنّها كانت امتداداً لحركة فخّ ، واستمراراً لها ، فإنّها كانت تحظى بتأييد غير مباشر من الأئمّة عليهم السلام كما هو سيرة الأئمّة عليهم السلام في تأييد الحركات الثورية السليمة في وجه أعداء الدين في ظروف التقية فهم عليهم السلام وإن كانوا لم يشاركوا في هذه النهضة ونظائرها - لمصالح كانت تفرض عليهم - ولكن دعموها بأقوالهم تصريحاً أو تلويحاً ، فمثلاً نسب إلى الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال : « إدريس بن عبد اللّه من شجعان أهل البيت ، واللّه ما ترك فينا مثله » (3) ، حتّى أنّه جاءت رواية مرسلة على لسان الرسول صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « عليكم بإدريس بن إدريس فإنّه نجيب أهل البيت وشجاعهم » (4) .

ولا يخفى في المقام ، أنّ سيرة الأدارسة - وعلى الأخصّ إدريس الأوّل والثاني - خالية من إدعاء الخلافة أو الإمامة ، ممّا يؤيّد علاقتهم بأئمّة زمانهم عليهم السلام ، كما هو ظاهر بأدنى تأمّل .

وعلى هذا ، فإنّ حركتهم - حتّى لو قلنا أنّها كانت بمبادرة شخصية - جاءت لتأييد خطّ الإمامة والولاية ، لا الدعوة إلى أنفسهم .

نعم ، وإن كان هذا لا يدلّ على تصحيح كافّة تصرّفاتهم في الحكم ، من .

ص: 327


1- المصدر السابق : 302 .
2- المصدر السابق : 304 .
3- أعيان الشيعة 3 / 231 .
4- مجالس المؤمنين 2 / 286 .

جانب الأئمّة عليهم السلام ، ولكن يشير إلى مشروعية حركتهم في الأساس .

« طلال المرهون - الكويت - ... »

قيمة كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة :

س : هل أنّ كتاب الإمامة والسياسة له أسانيد صحيحة ؟

ج : إنّ كتاب « الإمامة والسياسة » لعبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، الذي عبّر عنه ابن حجر العسقلاني بأنّه : « صدوق ... قال الخطيب : كان ثقة ديّناً فاضلاً ... » (1) ، بل نقل عنهم أنّهم قالوا فيه : أنّه منحرف عن أهل البيت عليهم السلام !

هذا ؛ ولا نعلم لماذا لا يناقش في كتب غيره ، ويسأل عن كتابه هذا ، الذي عبّر عنه محمّد فريد وجدي : « هو من أقدم الكتب وأوثقها في مسائل الخلافة الإسلامية » (2) .

وأخيراً ، إنّ السؤال عن الكتاب ، لا لشيء إلّا أنّه ذكر شمّة بسيطة جدّاً عن مظلومية أمير المؤمنين عليه السلام ، والهجوم على دار الزهراء البتول عليها السلام ، وإسقاط جنينها المحسن عليه السلام ... ولاشكّ أنّ نقل مثل هذا كاف في إسقاطه حتّى من مثل البخاري وصحيحه لو كان ... !!

« أُمّ علي القلّاف - الكويت - ... »

تخلّف ابن الحنفية عن الحسين :

س : هل قاتل محمّد بن الحنفية مع الإمام الحسين ؟ وإن لم يقاتل فأين كان ؟ ولم لم يقاتل معه ؟ مع جزيل الشكر .

ص: 328


1- لسان الميزان 3 / 357 .
2- دائرة المعارف 3 / 750 .

ج : في سبب تخلّفه عن الإمام الحسين عليه السلام عدّة أقوال :

منها : إنّ الإمام الحسين عليه السلام أشار عليه بالبقاء لمصالح ما .

ومنها : إنّ ابن الحنفية كان مريضاً آنذاك ، ومنها : أقوال أُخرى ، وتبقى كلّ هذه الأقوال في حيّز الاحتمال ، والتاريخ لم يذكر لنا بوضوح أسباب تخلّفه .

وعلى كلّ حال ، فإنّ أمثال ابن الحنفية ، وعبد اللّه بن جعفر ، وابن عباس ، كان لهم دور مهمّ في إيصال مظلومية الإمام الحسين عليه السلام إلى الجميع ، وليس يخفى على أحد ما قام به محمّد بن الحنفية من دور في هداية المختار ، لأخذ الثأر من قتلة الإمام الحسين عليه السلام .

« ... - الكويت - ... »

عثمان الخميس في ميزان النقد :

س : بالبداية يعجز اللسان عن النطق بكلمات الشكر والإعجاب ، فأنتم - حفظكم اللّه - أكبر من ذلك .

ظهر لنا المدعو عثمان الخميس ، والذي لا له هدف في هذه الحياة سوى الشيعة ، وبطلان مذهبهم واعتقاداتهم - كما يدّعي - ولا أدّعي عندما أقول لسماحتكم : إنّه يكيل بالكيل العظيم لنا ، وأنا قرأت له الكثير في ردّه على كتب التيجاني ، وكتاب المراجعات ، وكتاب التحريف ، وكثير من ذلك ، ولكن الخطير في الأمر ، أنّني وكثير من الأخوان نؤمن - والحمد لله - بمذهبنا وعقيدتنا ، ولكن هذا الإنسان يهيج بنا الشكّ في كتبه بشكل عجيب .

فأرجو من سماحتكم الردّ السريع ، علماً بأنّني على أتمّ استعداد أن آتي بكلّ كتب هذا المسمّى بعثمان الخميس .

مع خالص الشكر ، آملاً ألا تهمل رسالتي ، وأن تردّ بأسرع ما يمكن ، نظراً لترقّب كثير من الشباب معي لردّكم الكريم ، مع خالص الشكر لسماحتكم .

ص: 329

ج : نسأل اللّه تعالى لكم كمال التوفيق ، لما قمتم به وستقومون به - إن شاء اللّه - في الدفاع عن العقيدة الحقّة ، المتمثّلة بمذهب أهل البيت عليهم السلام .

ونعلمكم : بأنّ المدعو عثمان الخميس ، لا توجد عنده أدلّة ، فضلاً عن أن تكون فيها شيء من القوّة ، وأقصى ما يمكن أن يقال في حقّه : إنّه رجل مراوغ ، له قدرة على الخطابة ، من دون أي سوابق علمية ، أو مبانٍ يعتمد عليها ، بالأخصّ في ردّه على الشيعة ، فإنّه ردّ جاهل بالمباني التي تعتمد عليها الشيعة ، وإنّما هو جمع من هنا وهناك ، وحتّى في الجمع حرّف الكثير فيما نقله من مصادر الشيعة .

ومع هذا كلّه ، فإنّه لا يستحقّ الردّ عليه ، ولكن بما أنّ له أسلوباً في الخطابة ما ربما يوهم للبعض أنّه على حقّ ، أو يوجب التشكيك عند آخرين ، فقد عمد مركز الأبحاث العقائدية إلى ترشيح الشاب المستبصر السيّد عصام العماد للردّ عليه .

والدكتور عصام العماد من اليمن ، كان وهّابياً ثمّ تشيّع ، فردّ على عثمان أفضل ردّ في ثلاث ساعات ، وكذلك شرع مع عثمان بمناظرة على الإنترنت ، ممّا أدّت إلى هروب وهزيمة عثمان عن المناظرة ، يمكنكم الاستماع إلى الردّ والمناظرة في موقعنا على الإنترنت .

هذا ، والمركز على استعداد تامّ للتعاون معكم ، وإن كان عثمان الخميس لا يستحقّ أيّ اهتمام به ، مع هذا يمكنكم إيصال جميع مؤلّفاته ومحاضراته إلى المركز في قم ، وإن كان بعضها موجود عندنا .

« ... - ... - ... »

الرادّون على عثمان الخميس :

س : لقد ألّف الشيخ عثمان الخميس كتباً ضدّ الشيعة ، فهل تمّ الردّ عليه بكتب ؟ وشكراً .

ص: 330

ج : إنّ عثمان الخميس ، لم يأت بالشيء الجديد ، وإنّما هو تكرار لما أتى به ابن تيمية ، ومحمّد بن عبد الوهاب ، وإنّ عثمان تأثّر كثيراً بما أورده إحسان الهي ظهير في كتبه ، حتّى أنّه تابعه كثيراً ما حتّى في أكاذيبه ، وما وقع فيه من خلط .

وإنّ أفضل ردّ على عثمان الخميس ، هو محاضرات الدكتور عصام العماد ، الذي كان وهّابياً ، ثمّ اعتنق مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وكذا مناظرته معه .

وكذلك يمكنكم مراجعة ما كتبه الشيخ حسن العماني في كتابه « ردّ أباطيل عثمان الخميس على حديث الثقلين » ، وكتابه الآخر « ردّ أباطيل عثمان الخميس على آية التطهير » .

« يوسف - الإمارات - 30 سنة - طالب جامعة »

عدم وثاقة عبد اللّه بن عمر :

س : ما رأيكم في ابن عمر ؟

ج : إنّ مقياس الوثاقة والعدالة لدى الإمامية هو حسن الصحبة والطاعة للمعصوم عليه السلام ، فمخالفة الشخص للإمام يوجب الطعن فيه ، مهما بلغ من المنزلة الاجتماعية ، وامتاز بالنسب واشتهر بالحسب ، وإنّ موقفه من الإمام المعصوم يعدّ فاصلاً مهمّاً في حسن حاله ، وقبول رواياته ، وممّا يؤسف له أنّ عبد اللّه بن عمر ، قد اتخذ موقفاً متخاذلاً من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، فامتناعه عن بيعته كان بلا موجب ، وتردّده في قبول خلافته لا يعتمد على دليل شرعي يوجب معه التوقّف عن إمامته .

مع أنّ قوله في الإمام علي عليه السلام يعدّ دليلاً على معرفته التامّة بمنزلة الإمام عليه السلام ، حيث قال في حديثٍ له : « إنّا إذا عددنا قلنا : أبو بكر وعمر وعثمان ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن فعلي ؟ قال ابن عمر : ويحك علي من أهل البيت لا يقاس بهم » (1) .

ص: 331


1- شواهد التنزيل 2 / 271 ، جواهر المطالب 1 / 224 .

ممّا يعني ارتكاز أفضلية الإمام علي عليه السلام على الثلاثة في نفسه ووجدانه ، إلّا أنّ تردّده في مبايعة الإمام علي عليه السلام ، مع تمام معرفته به ، يوجب طعناً في عدالته ، وخرقاً في وثاقته .

ثمّ روي أنّه قد دخل في أحد الليالي على الحجّاج ، فقال الحجّاج : « ما الذي أتى بك ؟ قال : جئتك لأبايعك ، فقال : ما الذي دعاك إلى ذلك ؟

فقال : قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من مات ولم يعرف إمام زمانه ، مات ميتة جاهلية » ، فاخرج الحجّاج له رجله من الفراش ، وقال له : اصفق بيدك عليها » (1) .

فسيرة عبد اللّه بن عمر مع الإمام علي عليه السلام ، وتقاعسه عن الخروج معه ، يوجب منّا التوقّف في وثاقته ، بل الطعن في عدالته ، وهذا ملاكنا في توثيق الرجال وتضعيفهم .

« عقيل أحمد جاسم - البحرين - 32 سنة - بكالوريوس »

عقيدة أحمد الكاتب :

س : ما هي قصّة أحمد الكاتب ، هل هو أنكر مذهب أهل البيت ، وأصبح من السنّة ؟ أم فقط لا يعتقد بوجود الإمام المنتظر عليه السلام ؟

ج : الذي يظهر من كتاباته وتصريحاته ، عدم الالتزام بأُسس ومبادئ المذهب الشيعي ، فإنّ القول بعدم ولادة الإمام المنتظر عليه السلام ، وعدم لزوم العصمة في الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام ، والنسبة المكذوبة عليهم في التزامهم بالشورى في مسألة الإمامة ، كلّها تدلّ على عدم الاعتقاد بأوّليّات المذهب الشيعي الاثني عشري .

« حسين أحمد العصفور - البحرين - 22 سنة - طالب ثانوية »

تعقيب على الجواب السابق :

إنّ موقف أحمد الكاتب وعثمان الخميس يذكّرني بآية في القرآن ، وهي

ص: 332


1- أُنظر : شرح نهج البلاغة 13 / 242 .

قول حاشية العزيز عندما طلب منهم تفسير منامه ، قالوا له : إنّها أضغاث أحلام ، ثمّ قالوا : إنّهم لا يعرفون في تفسير الأحلام شيئاً ... .

السوال : من أين قالوا أنّها أضغاث أو غير أضغاث ، مع أنّهم لا يعرفون فيها شيئاً ؟! هذا هو منهج الجهلة ، دائماً يصنّفون الشيء ، مع أنّهم لا يعرفون فيه شيئاً ، فيقولوا : هذا ضعيف ، وهذا قوي ، وهذا حديث مردود ، وهكذا ... .

أحمد الكاتب وأمثاله هكذا : « هذه الرواية موضوعة ، وهذا الدليل ضعيف » يصنّف مع أنّه لا قدرة له على فهم النصوص .

ثانياً : إنّهم لا يدركون حقيقة مهمّة ، وهي : إنّ نفي الشيء يحتاج إلى دليل ، وليس فقط إثبات الشيء ، البديهيات نفيها يحتاج إلى دليل ، فهُم دائماً ينفون الأشياء الواضحة بدون دليل ، ولاية الإمام علي عليه السلام ، ووجود الإمام وغيرها ، نفيها يحتاج إلى دليل ، وليس إثباتها .

« مازن الحيدري - العراق - ... »

عقيل وتركه لعلي عليه السلام :

س : هل إنّ رواية ترك عقيل بن أبي طالب لأخيه أمير المؤمنين في فترة خلافته ، والتجائه إلى معاوية ، وقوله : « الدنيا مع معاوية والآخرة مع علي » صحيحة ؟! مع الشكر والامتنان لكم .

ج : الوارد في التاريخ هو التحاق عقيل بمعاوية ، ولكن المختلف فيه بين المحقّقين هو زمان ذلك ، فهل كان في زمن خلافة الإمام علي عليه السلام أم بعد ذلك ؟

أمّا حقيقة هذه المقولة فلم تثبت صحّة ذلك في التاريخ ، وإن ثبتت هذه المقولة ، ففيها دلالة على الطعن في معاوية ، حيث صرّح بأنّه لا آخرة مع معاوية ، ومعنى ذلك إبطال الشرعية لمعاوية ، وسلب الحقّ عنه .

علماً أنّ الحقبة الزمنية آنذاك غامضة جدّاً ، وهنالك الكثير من الحلقات التاريخية المفقودة ، ممّا تجعل القضايا مبتورة ومشوّشة ، مضافاً إلى الإعلام الأمويّ يجعلنا نتوقّف في الكثير ممّا ورد في التاريخ ، ممّا ظاهره الخدشة في بني هاشم ، إذ هو دأب الأمويين ومن لفّ لفّهم .

ص: 333

« أحمد حسن - البحرين - ... »

كعب الأحبار ووهب بن منبه :

س : لديّ بعض الأسئلة ، أرجو منكم الإجابة عليها ، جزاكم اللّه ألف خير :

1 - مَن هو كعب الأحبار ؟

2 - مَن هو وهب بن منبه ؟

وأخيراً أتمنّى لكم دوام الصحّة والعافية ، وشكراً .

ج : أمّا كعب الأحبار ، فهو ابن ماتع الحميري ، كان في الجاهلية من علماء اليهود في اليمن ، أسلم في زمن أبي بكر ، وقيل : في أيّام عمر ، وقدم المدينة في دولة عمر ، وأخذ يروي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله مرسلاً ، وعن عمر وصهيب وعائشة ، ثمّ خرج إلى الشام فسكن حمص ، وتوفّي فيها سنة (32 ه) ، عن عمر جاوز المائة وأربع سنين .

قال ابن أبي الحديد : « روى جماعة من أهل السير : إنّ علياً عليه السلام كان يقول عن كعب الأحبار : إنّه لكذّاب ، وكان كعب منحرفاً عن علي عليه السلام » (1) .

وعن زرارة قال : ( كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفر عليه السلام ، وهو محتب مستقبل الكعبة ، فقال : « أما إنّ النظر إليها عبادة » ، فجاءه رجل من بجيلة يقال له عاصم بن عمر ، فقال لأبي جعفر عليه السلام : إنّ كعب الأحبار كان يقول : إنّ الكعبة تسجد لبيت المقدس في كلّ غداة ، فقال أبو جعفر عليه السلام : « فما تقول فيما قال كعب » ؟ فقال : صدق القول ما قال كعب ، فقال أبو جعفر عليه السلام : « كذبت وكذب كعب الأحبار معك » ، وغضب ، قال زرارة : ما رأيته استقبل أحداً بقول كذبت غيره ، ثمّ قال : « ما خلق اللّه عزّ وجلّ بقعة في الأرض أحبّ إليه منها ... » ) (2) .

ص: 334


1- شرح نهج البلاغة 4 / 77 .
2- الكافي 4 / 239 .

والخلاصة : إنّ كعب الأحبار كان من المنحرفين عن خطّ علي عليه السلام ، وكان من الكذّابين والوضّاعين للأحاديث .

وأمّا وهب ، فهو ابن منبّه الصنعاني ، ولد سنة (34 ه) في خلافة عثمان ، روى عن أبي هريرة ، وأبي سعيد ، وابن عباس ، وأنس ، وغيرهم .

كان قاضياً على صنعاء ، له كتاباً في القدر ، مات سنة (110 ه) ، روى له البخاري حديثاً واحداً ، وقال عمرو بن علي الفلاس : « كان ضعيفاً » (1) .

كما نبّه على ضعفه النجاشي (2) ، والشيخ الطوسي (3) .

« أبو عبد الرحمن القلموني - أمريكا - سنّي »

الشيعة لا تقبل بالصحاح الستة :

س : هل صحيح أنّ الشيعة لا يقبلون بمصادر أهل السنّة كصحيح البخاري ومسلم والصحاح الست ؟ وأنّ رأي أئمّتهم مقدّم ، بل ناسخ لما قد ورد في القرآن الكريم ، أو على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ؟

ما هي أهمّ مصادر الشيعة التي يبنون عليها عقائدهم وتشريعاتهم ؟

ج : نعم ، إنّ الشيعة لا تقبل بالبخاري ومسلم ، وبقية الصحاح الست ، لما فيها من الإسرائيليات ، والأحاديث التي فيها إهانات صريحة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وللأنبياء عليهم السلام .

ثمّ لا يوجد عند الشيعة كتاب صحيح من أوّله إلى آخره ، غير القرآن الكريم ، فكلّ كتاب غير القرآن يخضع للبحث السندي ، فإذا صحّ سنده عملت به وإلّا فلا .

ثمّ كلّ ما ترويه الشيعة عن الأئمّة عليهم السلام ، هو بعينه حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ،

ص: 335


1- تهذيب التهذيب 11 / 148 .
2- فهرست أسماء مصنّفي الشيعة : 430 .
3- فهرست كتب الشيعة وأُصولهم : 478 .

حيث صرّح الأئمّة : إنّ حديثنا هو حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .

فعن الإمام الباقر عليه السلام قال : « يا جابر ، إنّا لو كنّا نحدّثكم برأينا وهَوانا لكنّا من الهالكين ، ولكنّا نحدّثكم بأحاديث نكنزها عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم » (1) .

وعن الإمام الباقر عليه السلام أيضاً قال : « لو أنّا حدّثنا برأينا ضللنا ، كما ضلّ من كان قبلنا ، ولكنّا حدّثنا ببيّنة من ربّنا ، بيّنها لنبيّه ، فبيّنها لنا » (2) .

وعن الإمام الصادق عليه السلام : « إنّا لو كنّا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين ، ولكنّها آثار من رسول لله صلى اللّه عليه وآله ، أصل علم نتوارثها كابر عن كابر عن كابر ، نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضّتهم » (3) .

وأمّا أهمّ مصادر الشيعة الروائية لأحاديث أهل البيت عليهم السلام كثيرة جدّاً ، منها : الكافي والتهذيب والاستبصار ، ومن لا يحضره الفقيه ، و ... .

« معصومة - باكستان ... »

موقف كاشف الغطاء من مؤتمر لبنان :

س : أرجو منكم أن تحسنوا لي : وذلك بإرسال التفاصيل حول المؤتمر الذي أُقيم في لبنان ، والذي نظّم من قبل الأمريكان ، عام 1954 أو 1956 ، وكان للعلّامة الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء دور كبير فيه .

فأرجو منكم أن تساعدونني في الحصول على تفاصيل ذلك المؤتمر .

ج : يحاول المستعمرون - وكما يعرف ذلك الجميع - خدمة أغراضهم السياسية ، وطموحاتهم غير الشرعية ، بشتّى الوسائل التي تتفتق عنها مخيِّلتهم النهمة ، متستّرين - وصولاً إلى ذلك - بأشكال مختلفة من الشعارات والعناوين

ص: 336


1- بصائر الدرجات : 319 ، الاختصاص : 280 .
2- بصائر الدرجات : 319 ، إعلام الورى 1 / 508 .
3- بصائر الدرجات : 319 .

الجذّابة ، مستدرجين من تنطلي عليه أكاذيبهم وأحابيلهم التي لا تغرب حقيقتها عن ذوي الألباب .

نعم ، وصورة تلك الحال كانت واضحة في المؤتمر ، الذي دعت له جمعية أصدقاء الشرق الأوسط في الولايات المتحدة الأمريكية ، للانعقاد بتاريخ 22 نيسان عام (1954 م) في لبنان ، وبالتحديد في مدينة بحمدون ، وحينها تلقّى الشيخ كاشف الغطاء قدس سره دعوة رسمية موجّهة من قبل كارلند ايفانز هوبنكز نائب رئيس تلك الجمعية ، لحضور هذا المؤتمر ، الذي ينحصر - على حدّ زعمهم - بعلماء المسلمين والمسيحيين ، وأن تتحدَّد أعمال هذا المؤتمر بمناقشة ودراسة المواضيع التالية :

1 - دراسة القيم الروحية للديانتين الإسلامية والمسيحية .

2 - تحديد موقف الديانتين من الأفكار الشيوعية الإلحادية .

3 - وضع البرامج الكفيلة بنقل القيم الروحية التي تؤمن بها الديانتان إلى الجيل الحديث .

وكان غير خافٍ على أحد أنَّ الغرض المتوخّى من إقامة هذا المؤتمر - الذي كانت تروِّج له الإدارة الأمريكية آنذاك - هو تسخير المسلمين وعلمائهم كاتباع منفّذين للسياسة الغربية ، التي هالها وأقلقها التوُّرم المظهري الكاذب ، لسريان الأفكار الشيوعية في أنحاء مختلفة من العالم ، أبّان تلك الحقبة الغابرة التي شهدت انخداع العديد من تلك الشعوب بتلك الأفكار الإلحادية ، التي ساهم في انتشارها حينذاك حدّة التفاوت الطبقي بين أفراد المجتمع الواحد - وهو مرض الرأسمالية العضال - تزامناً مع ما أُسمي بالثورة الصناعية ، واستثمار أصحاب رؤوس الأموال لحالة التفاوت الحاد بين عنصري العرض والطلب بعد الهجرة المكثّفة ، التي شهدتها المدن الصناعية الكبرى من القرى والأرياف ، فانتهز دعاة هذه الأفكار المنحرفة حالة البؤس المزري ، التي أحاطت بالأيدي العاملة هناك ، من خلال خداعهم بحالة الفردوس المزعوم ، التي ستحقّقها لهم عند تصدّيها لقيادتهم ، ولكن الزمن أتى على كلِّ أكاذيبهم ففضحها ، وكلِّ حيلهم فأبطلها ، وسقطوا في مزبلة التاريخ بلا أسف عليهم .

ص: 337

نعم ، لقد كانت حالة الاضطراب التي بدأت تعمّ دوائر صناعة القرار في أوربا ، لمواجهة طغيان المدّ الشيوعي آنذاك هي التي دفعت أُولئك المفكِّرين إلى اللجوء إلى الدين ، كانجح سلاح لا تمتلك أمامه تلك القيم الإلحادية للنظرية الشيوعية شيئاً ، بل وتبدو قباله عاجزة تافهة ، وهو ما كان ولا زال يخشاه حملة تلك الأفكار ، والمروِّجين لها ، حمقاً بعد إفلاسهم .

وحقّاً ، فقد كان ذلك قراراً صائباً موفَّقاً ، لو انبعث من نوايا صادقة هدفها إسعاد البشرية ، ورفع الحيف عنها ، بيد أنّها أطروحة تفتَّقت عنها مخيَّلة جهة ، كانت ولا زالت مصدر محنة وبلاء ، بل وعاصفة سوداء أُبتليت بها الإنسانية عامَّة ، والشعوب الإسلامية خاصّة ، وعلى امتداد التاريخ المعاصر ، وحتّى يومنا هذا ، فكانوا بحقّ أسوأ بكثير ممَّن يستثيرون بالمسلمين والمسيحيين الهمم لمواجهتهم .

ومن هنا ، فقد كان موقف الشيخ كاشف الغطاء قدس سره حادّاً ، وصريحاً في رفضه لحضور هذا المؤتمر ، من خلال ما أرسله إلى المؤتمرين ، من جواب طويل أسماه « المُثل العليا في الإسلام لا في بحمدون » ، والذي أوضح فيه - بصراحة جلية - رأيه في مواضيع هذا المؤتمر وبحوثه ، مبيّناً ما توقّعه السياسة الأمريكية وحليفتها الإنكليزية من ظلم ، وتجني على شعوب العالم المستضعفة المغلوبة ، مع إشارته الواضحة إلى بُعد دعاة هذه السياسة ومباينتهم للقيم الروحية ، التي تدعو لها الأديان السماوية المختلفة ، وإنَّ من يُنادي بتلك القيم يجب عليه أن يكون من أوَّل العاملين بها ، والمؤمنين بحقيقتها ، وذلك ما لا ينطبق على الدعاة لعقد هذا المؤتمر والراعين له .

« السعودية - 17 سنة - طالب »

موقفنا من ابن القيّم الجوزية :

س : ماذا يجب علينا نحن الشيعة اتجاه ابن القيّم ؟ فهل هو من المعادين لأهل البيت كابن تيمية ؟

ص: 338

ج : في القرن السابع للهجرة ظهرت مدرسة عقيدية وفقهية جديدة بين المسلمين ، وهي تنتمي إلى أهل السنّة ، أصلّ لها وطرح مفاهيمها ابن تيمية الحرّاني ، وجاء بعده أبرز تلامذته ابن القيّم الجوزية ، وقد قدّموا رؤية فكرية تختلف في آرائها ومنهجها عن المذاهب الفقهية والفكرية الأُخرى .

وقد مثّلت في حينها خروجاً على أهل السنّة ، وإن اعتبرها البعض فيما بعد حركة تجديدية ، ويمكن تلخيص آراء هذه المدرسة فيما يلي :

1 - تبنّت قضايا عقائدية متّصلة بالأسماء والصفات ، وقامت بمراجعة لمدرسة الأشاعرة وغيرها من المدارس الفكرية السنّية ، وقدّمت تصوّراً عقائدياً اصطدم مع آراء كلّ تلك المدارس مفاده : إنّ جميع ما ورد في صفات اللّه تعالى - من الآيات والأحاديث - يجب أن تفهم على ظاهرها ، وما يؤدّيه اللفظ من معنىً بلا تأويل .

وأثبتت بذلك أنّ اللّه تعالى في السماء ، وأنّه ينزل منها إلى السماء الدنيا ، وأنّ له وجهاً ويدين ورجلين وجوارح ، واعتبرت من يخالفها معطّلة وكفّاراً .

2 - سمّت نفسها - ومن يسير على نهجها - بأهل السنّة والجماعة ، واعتبرت منهجها امتداداً لعقيدة السلف من الصحابة والتابعين .

3 - قسّمت التوحيد إلى ثلاثة أنواع :

أ - توحيد الأُلوهية .

ب - توحيد الربوبية .

ج - توحيد الأسماء والصفات .

4 - وصفت غيرها من المسلمين بأنّهم يؤمنون بالربوبية ولا يؤمنون بالأُلوهية ، كما كان حال كفّار قريش ، ثمّ قامت بالاستدلال بالآيات التي نزلت في كفّار قريش والمجتمع الجاهلي ، وتطبيقها على المجتمعات المسلمة رغم مخالفتها في هذا الاستدلال للمذاهب الفقهية والفكرية والسنّية قبل غيرها .

5 - توسّعت في استخدام سلاح التكفير ووصم من خالفها من المسلمين بالشرك والابتداع في الدين ، وتشدّدت في أحكامها على من سمّتهم بالمبتدعة

ص: 339

من بقية المسلمين ، وأثارت مشاكل وفتناً داخل المجتمع الإسلامي .

6 - انحازت إلى تمجيد معاوية بن أبي سفيان - مؤسّس الدولة الأموية - وابنه يزيد ، وكتب ابن تيمية كتاباً في فضائلها ، وفي المقابل قامت بالتقليل من مكانة الإمام علي والإمام الحسين وأهل البيت عليهم السلام .

وهذه الأفكار والآراء التي أطلقها ابن تيمية في المسلمين وفي أهل البيت تبنّاها تلميذه ابن القيّم الجوزية ، حيث سار على نهج أُستاذه وتبنّى عقائده وأفكاره ، وواصل السير على دربه ، ومن الكلمات القليلة التي تدلّ على تحامل ابن القيّم الجوزية على أهل البيت عليهم السلام والمسلمين وشيعة أهل البيت ما نورده هنا ، معرضين عن كثير من الكلمات التي لا تعدّ ولا تحصى .

1 - قال في كتابه « المنار المنيف في الصحيح والضعيف » في معرض استعراضه للكلمات التي تبيّن الإمام المهدي عليه السلام ومن هو قال : « وفي كونه من ولد الحسن سرّ لطيف ، وهو أنّ الحسن رضي اللّه تعالى عنه ترك الخلافة لله ، فجعل اللّه من ولده من يقوم بالخلافة الحقّ المتضمّن للعدل الذي يملأ الأرض ، وهذه سنّة اللّه في عباده أنّه من ترك لأجله شيئاً أعطاه اللّه أو أعطى ذرّيته أفضل منه .

وهذا بخلاف الحسين رضي اللّه عنه ، فإنّه حرص عليها ! وقاتل عليها ! فلم يظفر بها ! واللّه أعلم » (1) .

فانظر إلى تحامله الشديد على الحسين عليه السلام ، فيجعل من قيامه من أجل إقامة العدل ، والحكم بما أنزل اللّه تعالى ، والرجوع إلى الهدي النبوي الشريف ، بعدما حرّفه الأمويون بعد تسلّم معاوية دفّة الحكم ، ومن ثمّ أدلى بها إلى ابنه يزيد ، فساءت الأحوال ، وتردّت الأوضاع ، وفشى الظلم ، وظهر الفساد في البرّ والبحر ، ونكص المسلمون على أعقابهم ، واستدارت الأُمّة من جديد ، فاحتاجت إلى من يحيها ويقيم أودها ، ويصلح ما انحرف منها ، ويرجع النصاب إلى أهله ، فلم يكن من يقوم بذلك غير الإمام الحسين عليه السلام - عميد البيت الهاشمي - الذي ضحّى بنفسه .

ص: 340


1- المنار المنيف : 151 .

وبأهله من أجل الإسلام والمسلمين ، لكن ابن القيّم - ومن قبله أُستاذه ابن تيمية - يجعل ذلك كلّه لأجل الدنيا ، ولأجل الكرسي ، ولأجل المُلك .

ولا يجعله لله تعالى !! ويحكم بعقوبة اللّه المنزلة ، وهي منع ذرّية الحسين من ظهور المهدي فيها ، لأنّ الحسين طلب الدنيا فحرم منها !!

ويتحامل ابن القيّم على الشيعة فيقول : « وأمّا ما وضعه الرافضة في فضائل علي فأكثر من أن يعدّ .

قال الحافظ أبو يعلى الخليلي في كتاب « الإرشاد » : وضعت الرافضة في فضائل علي رضي اللّه عنه وأهل البيت نحو ثلاثمائة ألف حديث .

ولا تستبعد هذا فإنّك لو تتبعت ما عندهم من ذلك لوجدت الأمر كما قال » (1) .

وقال : « ومن ذلك حديث : « أكذب الناس الصبّاغون والصواغون » ، والحسّ يردّ هذا الحديث ، فإنّ الكذب في غيرهم أضعافه فيهم كالرافضة فإنّهم أكذب خلق اللّه » (2) .

وقال : « وأمّا الرافضة الإمامية : فلهم قول رابع وهو : أنّ المهدي هو محمّد بن الحسن العسكري المنتظر ، ومن ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن ، الحاضر في الأمصار ، الغائب عن الأبصار ، الذي يورث العصا ، ويختم الفضا ، دخل سرداب سامراء طفلاً صغيراً من أكثر من خمسمائة سنة ، فلم تره بعد ذلك عين ، ولم يحسّ فيه بخبر ولا أثر ، وهم ينتظرونه كلّ يوم ، يقفون بالخيل على باب السرداب ، ويصيحون به أن يخرج إليهم : أُخرج يا مولانا ، أُخرج يا مولانا ، ثمّ يرجعون بالخيبة والحرمان ، فهذا دأبهم ودأبه .

ولقد أحسن من قال :

ما آن للسرداب أن يلد الذي *** كلّمتموه بجهلكم ما آن .

ص: 341


1- المصدر السابق : 166 .
2- المصدر السابق : 52 .

فعلى عقولكم العفا فإنّكم *** ثلّثتم العنقاء والغيلانا

ولقد أصبح هؤلاء عاراً على بني آدم وضحكة يسخر منها كلّ عاقل » (1) .

فانظر إلى هذا الكلام وما فيه من التشنيع والتحامل على شيعة أهل البيت عليهم السلام .

فابن القيّم الجوزية حاله معلوم بعد معرفة انتمائه المذهبي وتوجّهه الفكري ، فهو المعلّم الثاني في المدرسة السلفية بعد ابن تيمية ، وهو المكمّل لدرب أُستاذه في منهجه المختلف عن مناهج المسلمين ، وكلّ ما عند ابن تيمية من تحامل على المسلمين وعلى أئمّة أهل البيت عليهم السلام وعلى شيعتهم فهو موجود عنده وزيادة ، وقد نقلنا إليك شطراً من كلماته .

وقد ألّف ابن القيّم الجوزية كتباً متعدّدة في الردّ على المسلمين والتحامل عليهم منها :

1 - الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطّلة : وقد بيّن فيه عقيدته السلفية ، وهجم بلسان لاذع على عموم المسلمين المخالفين لعقيدته المجسّمة .

2 - اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطّلة والجهمية : وهو كسابقه من حيث التعقيد والهجوم .

وبعد هذا يتّضح الحال والموقف الذي يتّخذ تجاهه ، فنفس الموقف المأخوذ نحو ابن تيمية يؤخذ نحو ابن القيّم .

« دينا - البحرين - 15 سنة - طالبة ثانوية »

موقفنا من عمر بن عبد العزيز والرشيد والأيوبي :

س : هل حقّاً أنّ عمر بن عبد العزيز ، وهارون الرشيد ، وصلاح الدين الأيوبي ممّن يعادون الشيعة ؟ وما الدليل على ذلك ؟

ص: 342


1- المصدر السابق : 152 .

ج : إنّ من تذكرين من بني أُمية ، وبني العباس ، وغيرهما لهم تواريخ تشهد بها كتب التاريخ والسير ، فلو تابعتِ كلّ واحدٍ منهما لوجدتي الحكم عليهم بنفسكِ ، وسيكون قراركِ موفّقاً في هذا الشأن .

إنّ أية شخصية تاريخية سيكون موقفنا منها من خلال موقف تلك الشخصية من أهل البيت عليهم السلام ، وسأوقفكِ على قاعدة عامّة تستطيعين من خلالها تقييم الشخصيات التاريخية :

نحن الشيعة نقول بخلافة علي بن أبي طالب عليه السلام ، وذلك لنصّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله عليه يوم الغدير ، وغيره من المواضع ، فقال : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » ، ومن خلال نصوص كثيرة تثبت ولاية وخلافة الإمام علي عليه السلام ، كما أنّنا نقول : بأنّ الخلافة بالنصّ وليست بالشورى والإجماع ، كما يدّعي غيرنا .

هكذا تسلسل الإمامة والخلافة في علي وأولاده عليهم السلام من الأئمّة الاثني عشر ، وكلّ من تجاوز هؤلاء الأئمّة يعدّ ظالماً وغاصباً مهما بلغ غايته من العدل والشجاعة وأمثالهما .

فخلفاء بني أُمية ، وأمثالهم من بني العباس يعدّون غاصبين لأهل البيت عليهم السلام ، وهم ليسوا شرعيين مع وجود الأئمّة ، فعمر بن عبد العزيز كان يعيش في حياة الإمام زين العابدين عليه السلام ، وهارون الرشيد كان يعيش في زمن الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، وهكذا يعدّ كلّ واحد منهما غاصباً للخلافة التي نصّ عليها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .

نعم ، يمكن أن يكون لعمر بن عبد العزيز خصوصية رفع السبّ والشتم عن علي عليه السلام ، بعد أن جعلوه بنو أُمية سنّة ، وهذا موقف جيّد ورائع ، إلّا أنّه لا يزال يعدّ غاصباً لمنصب أهل البيت عليهم السلام الشرعي .

أمّا هارون الرشيد ، فرواياتنا - نحن الشيعة - متّفقة ومتواترة على قتله للإمام موسى الكاظم عليه السلام ، وقد دسّ له السمّ ، بعد أن سجنه أربعة عشر عاماً ظلماً وعدواناً ، ولاحق من خلال ذلك شيعة أهل البيت عليهم السلام ، فقتل منهم ، وسجن

ص: 343

وشرّد المئات من الشيعة دون ذنب ، إلّا كونهم أتباع أئمّة آل البيت عليهم السلام .

أمّا صلاح الدين الأيوبي ، فالمعروف عنه ، قضاؤه على دولةٍ شيعية في مصر ، تعدّ من أهمّ الدول الشيعية ، وهي الدولة الفاطمية ، فقتلهم ولاحقهم وشرّدهم ، حتّى عرف صلاح الدين الأيوبي شخصية سيئة في التاريخ الشيعي ، ويمكنكِ الرجوع إلى كتب التاريخية ، ك- « الكامل في التاريخ » لابن الأثير ، و « مروج الذهب » للمسعودي ، و « تاريخ اليعقوبي » ، وغيرها لتقفين على الحقيقة .

« دينا - البحرين - 15 سنة - طالبة ثانوية »

تعقيب على الجواب السابق :

يحار المرء في الوصول إلى حقيقة شخصية صلاح الدين وسبر أغوار نفسيته ، ولكن المنصف إذا أبحر بعمق في سفينة المؤرّخ والمفكّر الكبير السيّد حسن الأمين عبر كتابه « صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين » يمكن أن يصل إلى شاطئ فيه الكثير من الصور واللوحات التي تعبّر إن لم يكن عن كلّ الحقيقة فأكثرها جلاء في حياة هذا الرجل .

يقول السيّد الأمين : « إنّ صلاح الدين الأيوبي لم يكد يطمئن إلى النصر الرائع في تلك المعركة ، حتّى أسرع إلى القيام بعمل لا يكاد الإنسان يصدّقه ، لولا أنّه يقرأ بعينيه تفاصيله الواضحة ، فيما سجّله مؤرّخو تلك الحقبة ، المؤرّخون الذين خدرت عقولهم روائع استرداد القدس ، فذهلوا عمّا بعده ، لم تتخدّر أقلامهم ، فسجّلوا الحقائق كما هي ، وظلّ تخدير العقول متواصلاً من جيل إلى جيل ، تتعامى حتّى عما هو كالشمس الطالعة .

حصل بعد حطين أنّ صلاح الدين الأيوبي آثر الراحة بعد العناء ، والتسليم بعد التمرّد ، فأسرع يطلب إلى الإفرنج إنهاء حالة الحرب وإحلال السلام » (1) .

ص: 344


1- صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين : 144 .

ولكي يتوصّل صلاح الدين إلى إحلال السلام ، وإنهاء حالة الحرب مع الصليبيين ، رضخ بصورة مذهلة وغريبة إلى كلّ الشروط التي اشترطوها عليه أثناء المفاوضات ، ومنها : التنازل للصليبيين عن الكثير من المدن التي كان صلاح الدين قد استردها منهم بالحرب ، حيفا ويافا وقيسارية ونصف اللد ، ونصف الرملة وعكّا وصور ، وسوى ذلك ، حتّى صارت لهم فلسطين إلّا القليل (1) .

إضافة إلى ما وراء ذلك من اعتراف بوجودهم وإقرار لاحتلالهم ، ورفع العنت والمعاناة عن رقابهم الموضوعة تحت سيوف المجاهدين ، وإعطائهم الفرصة الذهبية للراحة ، والاستعداد التام للانقضاض على القدس من جديد ، الأمر الذي حصل فعلاً بعد موت صلاح الدين .

ويقول الدكتور حسين مؤنس : « ثمّ دخلوا في مفاوضات مع صلاح الدين انتهت بعقد صلح الرملة ، الذي نصّ على أن يترك صلاح الدين للصليبيين شريطاً من الساحل ، يمتد من صور إلى يافا ، وبهذا العمل عادت مملكة بيت المقدس - التي انتقلت إلى طرابلس - إلى القوّة بعد أن كانت قد انتهت ، وتمكّن ملوكها من استعادة الساحل حتّى بيروت ، وبذلك تكون معظم المكاسب التي حقّقها صلاح الدين - فيما عدا استعادته لبيت المقدس - قد ضاعت » (2) .

متى يكون الجنوح للسلم ؟

إنّه لأمر غريب حقّاً وعجيب جدّاً بل ومريب أن يجنح إلى السلم قائد لجيش منتصر ، ثمّ إنّ هذا الذي جنح إليه صلاح الدين هل هو سلم أم استسلام ؟!

قال اللّه تعالى في محكم التنزيل : ( وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) (3) . .

ص: 345


1- الأعلاق الخطيرة في أمراء الشام والجزيرة : 173 .
2- أطلس تاريخ العالم : 269 .
3- الأنفال : 61 .

يلاحظ أنّ اللّه تعالى قد اشترط في هذه الآية الكريمة أن يجنح المعتدون أنفسهم إلى السلم ، فيجنح إليه عندئذ المسلمون ، وهذا يعني أنّ الهزيمة الأكيدة قد حاقت بالأعداء ، ولاحت لهم بوادرها ، فجبنوا عن متابعة الحرب ، وجنحوا إلى طلب الصلح حفظاً على أرواحهم وأنفسهم ، ولم يعودوا مؤهّلين إلى تقديم شروط ، وباتوا مستعدّين للاستجابة للشروط التي يفرضها عليهم المسلمون ، وغنيّ عن البيان أنّ المسلمين بما هم مكلّفون بتبليغ الإسلام إلى البشرية جمعاء ، وبما هم مأُمورون به من العدل والإنصاف ، وتأليف قلوب الكفّار ليسلّموا لله ، ويؤمنوا بالحقّ الذي جاء من عنده ، لن يشترطوا في شروطهم ، ولن يجعلوها شروطاً تعجيزية مجحفة ، بل سيقتصرون من الشروط على سبيل المثال لا الحصر على فتح الطريق أمام حرّية الدعاة في التبليغ ، ونشر نور الرسالة الربانية .

استرداد الأسرى من المؤمنين - إن كان هناك أسرى - أو تبادلهم مع الأسرى من الكفّار المقاتلين .

الجلاء التام الكامل عن كلّ شبر من الأرض الإسلامية التي دخلها الكفّار أو احتلوها أثناء الحرب .

وربما دفع جزية للمسلمين ، حتّى لا يفكّر الكفّار مستقبلاً في نقض هذه الشروط .

ولكن شيئاً من هذا لم يحصل بين صلاح الدين الأيوبي والصليبيين المعتدين فما الذي حصل إذاً ؟

1 - إنّ صلاح الدين هو الذي طلب الصلح والهدنة ، وبادر إليها رغم أنّه المنتصر في معركة حطين التي انتهت بتحرير القدس .

2 - الصليبيون استغلوا استغلالاً كبيراً هذه المبادرة السلمية من صلاح الدين ، وفرضوا عليه شروطهم كاملة .

3 - لم يحقّق صلاح الدين أيّاً من مقتضيات الجنوح الإسلامي إلى السلم ،

ص: 346

فالصليبيون لا يزالون محتلّين لمنطقة كبيرة جدّاً من البلاد الإسلامية .

4 - وزاد من سوء هذا الجنوح إلى السلم تنازل صلاح الدين للصليبيين عن مناطق أُخرى ، ومدن مهمّة كانت في يده .

كلّ هذا في الوقت الذي لم يكن فيه صلاح الدين في حالة ضعف أو تقهقر ، بل كان في حالة عظيمة من الانتصار والتقدّم والقوّة ، بل وكان الخليفة الناصر العباسيّ يلحّ عليه في أن يمدّه بجيش الخلافة ، وكان ذلك إيذاناً بنصر كاسح على الصليبيين المعتدين ، سيؤدّي إلى طردهم خارج البلاد الإسلامية ، والتنكيل بهم تنكيلاً يجعل الرعب يدبّ في قلوب من خلفهم من الكفّار ، بحيث لا يراودهم أي أمل ، ولو في مجرد التفكير مستقبلاً بالاعتداء على ديار المسلمين ، طبقاً لقوله عزّ من قائل : ( فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) (1) .

فلماذا جنح صلاح الدين إلى السلام مع الصليبيين ؟

هنا لابدّ أن يثور في الفكر سؤال كبير ، وبحث عن السبب الذي دفع صلاح الدين إلى إيقاف الحرب مع الصليبيين ، والجنوح الشديد نحو مسالمتهم ، وعقد معاهدة الصلح معهم بهذا الشكل المريب ، وهو السؤال الذي لم يبخل التاريخ بالإجابة عنه بصراحة ووضوح ، ومن قبل أقرب المقرّبين من المؤرّخين إلى صلاح الدين .

لو كان صلاح الدين مجاهداً في سبيل اللّه والإسلام لالتزم بالتعاليم الإسلامية بشكل عامّ ، وبالأحكام المتعلّقة بالسلم والحرب بشكل خاصّ ، وواقع الحال يؤكّد غير ذلك .

ولو كان صلاح الدين بطلاً قوميّاً كما يدّعون له لاختار أن يستمر في الحرب حتّى يطهّر الأرض العربية من رجس الغزاة المعتدين ، ويكنس منها كلّ .

ص: 347


1- الأنفال : 57 .

أثر للصليبيين ، قبل أن يفكّر بالخلود إلى الراحة والدعة ، وموادعة أعداء الأُمّة ، الرابضين في أهمّ مدنها وبقاعها ، والجاثمين فوق صدور أبنائها .

إنّه لا مفرّ أمامنا من الاعتراف : إنّ صلاح الدين الأيوبي ما هو إلّا طالب لسلطة وملك ، حازهما بكلّ خسّة ونذالة ، وطامح لمجد شخصيّ ناله بالغدر والخيانة ، ولم تكن الدواعي الإسلامية والدوافع القومية لتخطر على باله ، أو لتحتلّ حيّزاً ولو صغيراً في قلبه .

ومن هنا ، نستطيع أن نفهم مبادرته لإيقاف الحرب ، وسعيه الحثيث لعقد الصلح مع الصليبيين ، ومحاولاته المتكرّرة لثني الخليفة العباسي الناصر عن إرسال أيّ جيش إلى فلسطين لمعاضدته في قتال الصليبيين ، وطردهم من الديار الإسلامية (1) .

كان نور الدين زنكي ولي نعمة صلاح الدين ، قد طلب إليه أن يزحف من مصر ، في حين يزحف نور الدين من الشام ، ويحصرا الصليبيين بين الجيشين ممّا يسهل القضاء عليهم ، فأبى ذلك صلاح الدين ، لأنّه اعتقد أنّه إذا زال الصليبيون أصبح تابعاً لنور الدين ، ولمّا أدرك أنّ نور الدين عازم على القدوم بنفسه إلى مصر ليؤدّبه ، احتمى منه بالصليبيين ، كما نصّ على ذلك ابن الأثير ، وأبو شامة وابن العديم وغيرهم .

على أنّ صلاح الدين الذي أبرم هذا الصلح مع الصليبيين ، ورسم هذه الصورة الهزيلة لجيشه ، زاعماً في رسالته للخليفة أنّ جيشه قد ملّ القتال وسئم الحرب ، وغدا عاجزاً ضعيفاً عن مواصلة الكرّ والفرّ ، كان يعدّ لحرب جديدة ، ولكن لا لإنقاذ الوطن الإسلامي من خطر الصليبيين هذه المرّة ، وإنّما لتوسيع رقعة مملكته الخاصّة على حساب ممالك إسلامية أُخرى ، لأنّ إنقاذ الوطن الإسلامي من الصليبيين يحدّ من نفوذه ويقلّل من هيمنته ، أمّا القتال في .

ص: 348


1- صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين : 117 .

مناطق أُخرى ، فإنّه يزيد من نفوذه ويكثر من هيمنته ، فإذا ضمن ذلك فليبق الصليبيون في بلاد الشام ، ولو أنّ المناطق التي عزم على القتال فيها هي مناطق أجنبية يريد إدخالها ضمن المناطق الإسلامية لهان الأمر ، ولكن صلاح الدين الذي عزم على مسالمة الصليبيين وإنهاء الحرب معهم والتسليم بوجودهم ، صلاح الدين هذا كان يخطّط لغزو البلاد الإسلامية ، وسفك دماء المسلمين ، تحقيقاً لمطامعه الشخصية ، عزم على ترك الصليبيين في أمان ، واتجه لترويع المسلمين الآمنين .

ويذكر ابن الأثير في تاريخه ، وابن كثير في « البداية والنهاية » : إنّ صلاح الدين كان عازماً على أن يغزو بنفسه بلاد الأناضول ، التي كانت وقتذاك بلاداً إسلامية ، يحكمها أولاد قلج أرسلان السلجوقي ، وأن يوجّه أخاه « العادل » لغزو بلاد « خلّاط » ، والدخول منها إلى أذربيجان ، ومن ثمّ بلاد العجم ، لكن المنية عاجلت صلاح الدين ، وحالت بينه وبين الإقدام على جريمة أُخرى من جرائمه الكثيرة في حقّ الإسلام والمسلمين .

ما الذي فعله صلاح الدين ؟ نقول بكلّ صراحة :

1 - قضى صلاح الدين على الدولة الفاطمية في مصر ، وأباد المكتبات العظيمة ، وشتّت الكتب التي سهروا طويلاً على جمعها وترتيبها ، ووضعوها بين أيدي العلماء ، لينهلوا من معينها الفيّاض ، ونكّل بأتباعهم وأشياعهم بكلّ قسوة ووحشية .

هذه الدولة العظيمة ، التي كانت طوال فترة حكمها ، السدّ المنيع أمام أطماع الروم البيزنطيين ، والحارس القوي اليقظ على ثغور دولة الإسلام ، سواء في الشام بالمشرق ، أو في إفريقيا بالمغرب ، متابعة في ذلك الدور العظيم ، الذي كانت تقوم به قبلها الدولة الحمدانية في حلب ، بقيادة سيف الدولة الحمداني ، والتي قضى عليها هي الأُخرى أسياد صلاح الدين وآباؤه .

2 - اكتفى صلاح الدين بالنصر الذي حقّقه في معركة حطين ، والتي انتهت

ص: 349

بانتزاع القدس من أيدي الصليبيين ، وبدلاً من متابعة الحرب ، واضعاً يده في يد الخليفة الناصر العباسي حتّى طرد الصليبيين من كافّة الأرجاء والمدن الإسلامية ، آثر مصلحته الشخصية في بسط نفوذه على بلاد الشام ، وتمكين ملكه فيها ، بعيداً عن نفوذ الخليفة ، أو تدخّله في شؤون تصريفه لأُمور مملكته هذه .

ولتحقيق هذه الغاية بادر إلى مسالمة الصليبيين وموادعتهم ، بل إلى التحالف معهم لقتال جيش الخلافة لو جاء إلى فلسطين ، هذه المسالمة التي تنازل صلاح الدين من أجل الوصول إليها ، عن معظم مدن فلسطين ولبنان للصليبيين ، واعترف لهم بشرعية وجودهم فيها خلافاً لتعاليم الإسلام ورغبة المسلمين ، بما فيهم الخليفة الناصر العباسي .

3 - في عام 1190 م أصدر صلاح الدين مرسوماً دعا فيه اليهود إلى الاستيطان في القدس (1) .

وبهذا المرسوم انفتح الطريق منذ ذلك اليوم لقيام دولة إسرائيل ، وما وصلت إليه في عصرنا الحاضر من طغيان وفساد في الأرض .

4 - قبل أن يموت صلاح الدين ، قام بتقسيم البلاد التي كان يحكمها بين ورثته على الشكل الذي يحدده ابن كثير كما يلي :

مصر : لولده العزيز عماد الدين أبي الفتح .

دمشق وما حولها : لولده الأفضل نور الدين علي .

حلب وما إليها : لولده الظاهر غازي غياث الدين .

الكرك والشوبك وبلاد جعبر وبلدان كثيرة على قاطع الفرات : لأخيه العادل .

حماه : لابن أخيه محمّد بن تقي الدين عمر . .

ص: 350


1- أُنظر : الموسوعة اليهودية 14 / 669 .

حمص والرحبة وغيرها : لابن عمّه أسد الدين بن شيركوه .

اليمن : لأخيه ظهير الدين سيف الإسلام طفتكين بن أيوب .

بعلبك : لابن أخيه بهرام شاه بن فروخ شاه .

بصرى : للظافر بن الناصر .

ويضيف ابن كثير بعد هذا النصّ قائلاً : « ثمّ شرعت الأُمور بعد صلاح الدين تضطرب وتختلف في جميع الممالك » .

ويقول الدكتور حسين مؤنس واصفاً تلك القسمة : « قسّم صلاح الدين الإمبراطورية ممالك بين أولاده واخوته وأبناء أخويه ، كأنّها ضيعة يملكها ، لا وطناً عربياً إسلامياً ضخماً يملكه مواطنوه » !

ثمّ يقول عمّا آل إليه الحال بين ورثة صلاح الدين : « عملوا أثناء تنافسهم بعضهم مع بعض ، على منح بقايا الصليبيين في أنطاكية وطرابلس وعكا امتيازات جديدة ، فتنازل لهم السلطان » العادل « عن الناصرة ، وكانت بقية من أهل مملكة بيت المقدس الزائلة قد أقامت في عكا ، واستمسكت بلقب « ملوك بيت المقدس » ، فاعترف لهم به هذا « العادل » في ثلاث معاهدات ... ، وحاول الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين صاحب حلب ، أن يتحالف مع الصليبيين على عمّه « العادل » ... وعندما أقبل الإمبراطور فريدريك الثاني يقود الحملة الصليبية السادسة ، ونزل عكا سنة 1227 م ، أسرع الملك « الكامل » سلطان مصر وتنازل له عن بيت المقدس ، وجزء من أرض فلسطين يمتدّ من الساحل إلى البلد المقدّس ، ووقّع معاهدة بذلك في 18 شباط 1229 م ، وفي سنة 1244 م تقدّم أيوبي آخر هو الصالح إسماعيل صاحب دمشق ، فجعل للصليبيين الملكية الكاملة لبيت المقدس ، وسلّم لهم قبة الصخرة » .

ويعقب السيّد الأمين على ذلك فيقول : لم يكد صلاح الدين يموت حتّى استقلّ كلّ واحد من ورثته بما ورثه عن صلاح الدين ، وتمزّقت البلاد وفقدت وحدتها ، وتشتّت الشعب قطعاً قطعاً لا تربطها رابطة ، ولم يقنع كلّ وارث بما

ص: 351

ورثه ، بل راح كلّ واحد منهم يطمع فيما في يد غيره ، ويستعين على غريمه بالصليبيين ... .

فماذا بقي لصلاح الدين ؟ هذا ممّا يمكن أن يتفاخر به مؤيّدوه بتحرير القدس ، وقد أدّت تصرّفاته الرعناء ومطامعه الشخصية إلى أن يعود الصليبيون إلى القدس ؟!

إنّ هذه الحقائق عن مخازي صلاح الدين الأيوبي لم ينفرد بها السيّد الأمين ، ولم يخترعها من عند نفسه ، وإنّما انتزعها من بطون كتب التاريخ ، وخاصّة من المؤرّخين الذين عاصروا صلاح الدين ، والفترة التي تلت عصره ، وكانوا من المقرّبين إليه والأثيرين عنده ، وقام مشكوراً بجهد كبير ليكشف لنا هذه الحقائق الناصعة ، مأخوذة من مؤرّخين لا يرقى الشكّ إلى ولائهم لصلاح الدين ، وبالتالي إلى صدق ما كتبوه عنه وعن ورثته ، من مثل العماد الأصفهاني ، والقاضي بهاء الدين بن شدّاد ، وابن الأثير ، وابن كثير ، والنعمان بن محمّد ، والمقريزي ، وابن القلانسي ومن إليهم ، ونقله عنهم بعد ذلك جمع كثير من المؤرّخين المعاصرين ، منهم الدكتور حسن إبراهيم حسن ، والدكتور طه أحمد شرف ، والدكتور حسين مؤنس ، وسواهم .

وأخيراً : هذا هو صلاح الدين الأيوبي ، وهذه هي شخصيّته الحقيقية كما أفصح عنها التاريخ ، لم يكن مجاهداً إسلامياً ، ولا بطلاً قومياً عربياً ، وإنّما كان مجرد طالبٍ لسلطة ، وطامع بملك ، وقد نالهما عبر مراحل طويلة من خداعه للمسلمين والعرب ، فباسم الجهاد سالم الصليبيين بل وتحالف معهم ، وباسم الجهاد قاتل شعوباً إسلامية ، وقضى على دول إسلامية في مصر واليمن وسواهما ، وكان قاسياً جدّاً لدرجة الوحشية مع المسلمين الذين يحكمهم ، ومتسامحاً لدرجة مريبة جدّاً مع اليهود والصليبيين .

ولابأس أن ننقل في هذا الختام ، حديث الدكتور حسين مؤنس عن سيرة صلاح الدين مع الشعب ، والمعاملة السيئة والقاسية التي كان هو وعمّاله

ص: 352

يعاملون بها الناس : « كانت مشاريعه ومطالبه متعدّدة لا تنتهي ، فكانت حاجته للمال لا تنتهي ، وكان عمّاله من أقسى خلق اللّه على الناس ، ما مرّ ببلده تاجر إلّا قصم الجُباةُ ظهره ، وما بدت لأيّ إنسان علامة من علامات اليسار إلّا أُنذر بعذاب من رجال السلطان ، وكان الفلّاحون والضعفاء معه في جهد ، ما أينعت في حقولهم ثمرة إلّا تلقفها الجُباةُ ، ولا بدت سنبلة قمح إلّا استقرّت في خزائن السلطان ، حتّى أملق الناس في أيّامه ، وخلّفهم على أبواب محن ومجاعات حصدت الناس حصداً » (1) .

هذا هو صلاح الدين الأيوبي على حقيقته الكاملة ، ولكن الناس خدّرتهم أنباء الفتوحات المزيّفة ، والبطولات الموهومة ، فلم يعودوا يميّزون بين الغثّ والثمين ، ولا بين الصدف والجوهر ، وكلّ هذا بفضل التعتيم المستمر على حوادث التاريخ ، والتزوير المخطّط من قبل حواشي السلاطين .

أضف إلى ذلك أنّ الناس عندما يهبطون إلى درك من الضعف والعجز يحاولون أن يفتّشوا عن بطولات لهم في التاريخ ، وعندما لا يجد هؤلاء لهم أبطالاً حقيقيين لا يضيرهم أن يستظلّوا تحت سقف أبطال مزيّفين ، ولا يكتفون بذلك بل يجعلون منهم أبطالاً أسطوريين ، يقاتلون طواحين الهواء باسمهم وتحت راياتهم ، ولله في خلقه شؤون ، والحمد لله ربّ العالمين .

« اللواتي - عمان ... »

المأمون ليس شيعياً :

س : هل يعتبر المأمون العباسيّ من الشيعة أم لا ؟

ج : إنّ المأمون أحد الخلفاء العباسيين ، احتلّ منصب الخلافة ، وهو يعلم أنّه ليس له ، وهو الذي سقى الإمام الرضا عليه السلام السمّ .

ص: 353


1- مجلة الثقافة / العدد 462 .

نعم سبب هذه الشبهة : هو ما كان يظهر على لسانه بين الحين والآخر من الكلمات ، فيها اعتراف بأحقّية أهل البيت عليهم السلام للخلافة ، وكما تعلمون ، فإنّ الخلفاء كلّهم يعلمون بأنّ منصب الخلافة والإمامة ليس حقّاً لهم ، ولكن بعضهم كان يتجاهل هذا بالمرّة ، والبعض الآخر - ومنهم المأمون - كان يظهر على لسانه الحقّ .

« إبراهيم عبد اللّه - البحرين - ... »

قيمة كتاب سليم عند الإمامية :

س : ما هي قيمة كتاب سليم بن قيس الهلالي ؟ ولكم جزيل الشكر .

ج : قال عنه العلّامة آقا بزرك الطهراني قدس سره ما نصّه :

« سليم بن قيس الهلالي ، أبي صادق العامري ، الكوفي التابعي .

أدرك أمير المؤمنين علياً ، والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، والباقر عليهم السلام ، وتوفّي في حياة علي بن الحسين ، متستّراً عن الحجّاج أيّام إمارته ، هو من الأُصول القليلة ، التي أشرنا إلى أنّها ألّفت قبل عصر الصادق عليه السلام .

قال أبو عبد اللّه محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني في كتاب الغيبة : ليس بين جميع الشيعة ممّن حمل العلم ورواه عن الأئمّة عليهم السلام خلاف في أنّ كتاب سليم ابن قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الأُصول ، التي رواها أهل العلم ، وحملة حديث أهل البيت عليهم السلام ، أقدمها لأنّ جميع ما اشتمل عليه هذا الأصل ، إنّما هو عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأمير المؤمنين عليه السلام ، والمقداد وسلمان الفارسي ، وأبي ذر ، ومن جرى مجراهم ، ممّن شهد رسول اللّه ، وأمير المؤمنين عليه السلام ، وسمع منهما ، وهو من الأُصول التي ترجع الشيعة إليها ، وتعوّل عليها .

وروي عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام أنّه قال : « من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبّينا كتاب سليم بن قيس الهلالي ، فليس عنده من أمرنا شيء ، ولا يعلم من أسبابنا شيئاً ، وهو أبجد الشيعة ، وهو سر من أسرار آل محمّد عليهم السلام … » .

ص: 354

كتاب سليم هذا من الأُصول الشهيرة عند الخاصّة والعامّة ، قال ابن النديم : هو أوّل كتاب ظهر للشيعة .

ومراده أنّه أوّل كتاب ظهر فيه أمر الشيعة ، كما أشير إليه في الحديث ، في توصيفه بأنّه أبجد الشيعة .

وقال القاضي بدر الدين السبكي ، المتوفّي سنة 769 ه- ، في محاسن الوسائل في معرفة الأوائل : إنّ أوّل كتاب صنّف للشيعة هو كتاب سليم بن قيس الهلالي … .

نقل كثير من قدماء الأصحاب في كتبهم ، كإثبات الرجعة ، والاحتجاج ، والاختصاص ، وعيون المعجزات ، ومن لا يحضره الفقيه ، وبصائر الدرجات ، والكافي ، والخصال ، وتفسير فرات ، وتفسير محمّد بن العباس بن ماهيار ، والدر النظيم في مناقب الأئمّة المهاميم ، من كتاب سليم بأسانيد متعدّدة ، تنتهي أكثرها إلى أبان بن أبي عياش فيروز ، الذي ناوله سليم الكتاب ، وأوصاه به قرب موته ، ولكن يرويه غير أبان أيضاً عن سليم … » (1) .

« إبراهيم عبد اللّه - البحرين - ... »

قيمة بعض الكتب ومؤلّفيها عند الإمامية :

س : ما هي قيمة الكتب التالية ، ومؤلّفيها عند الإمامية : « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ، « مروج الذهب » للمسعودي ، « الفتوح » لابن أعثم الكوفي ، « تاريخ اليعقوبي » ؟ ولكم جزيل الشكر .

ج : بالنسبة إلى ابن أبي الحديد ، فهو معتزلي في الأُصول ، وحنفي في الفروع ، وشرحه على نهج البلاغة وإن كان مفيداً جدّاً ، إلّا أنّه قد حوى من الموضوعات التي لا يمكن الموافقة عليها ، واشتمل أيضاً على ردود على كبار علمائنا في كثير من المباحث العقائدية .

ص: 355


1- الذريعة 2 : 152 .

وأمّا المؤرّخون الثلاثة - ابن أعثم الكوفي ، صاحب كتاب « فتوح الإسلام » ، والمسعودي صاحب كتاب « مروج الذهب » ، واليعقوبي صاحب كتاب « تاريخ اليعقوبي » - الذين سألت عنهم ، فقد ينسبون كلّهم ، أو بعضهم إلى التشيّع ، وعلى كلّ حال ، فإنّ كتبهم التاريخية من المصادر المعروفة المشهورة التي يرجع إليها في البحوث العلمية والتاريخية ، وأمّا أن نعتقد بصحّة كلّ ما جاء في هذه الكتب ، وأمثالها من الكتب التاريخية ، فهذا غير صحيح .

ويمتاز المسعودي بتأليفه كتاباً في إثبات الوصية لأمير المؤمنين عليه السلام ، وهذا ما يقوّي كونه من الشيعة .

« إحسان - ألمانيا - 33 سنة - طالب علم »

ردّ الشبهات عن السيّدة سكينة بنت الحسين :

اشارة

س : الإخوة الأعزّاء في مركز الأبحاث العقائدية .

في شاشات التلفزيون يعرض مسلسل تاريخي « الحجّاج الثقفي » لعنة اللّه على أعداء أهل البيت عليهم السلام .

هذا المسلسل يحمل في طيّاته مغالطة عن بنت الإمام الحسين عليه السلام ، وبنت فاطمة الزهراء وعلي عليهما السلام ، وبنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وهي السيّدة سكينة عليها السلام .

في المسلسل شخصية السيّدة بأنّها تجالس الرجال والشعراء ، وتحدّثهم ، وأنّها قد تزوّجت من مصعب بن الزبير ، وهو موالٍ لأخيه عبد اللّه بن الزبير ، ومن المعلوم لدى الكثير منّا أنّ آل الزبير هم يكنّون العداوة والبغضاء لأهل البيت عليهم السلام .

فهل يصدّق البعض منّا ما يعرض على شاشات التلفزيون ؟ وهل وصل الأمر إلى المغالطة والكذب في سيرة أهل البيت عليهم السلام ؟ وهل هذا حقّاً حدث ؟! عقولاً حيارى تحتاج لنور يضيء الظلام الذي استغرقت فيه .

قد يدخل الشكّ لبعض العقول ، وللذين لا يملكون المعرفة عن حياة السيّدة سكينة عليها السلام ، وحياة مصعب بن الزبير ، فهذه العقول تحتاج للنور ، ننتظر نور أقلامكم أخوتي ، نوّر اللّه دربكم بنور الولاية .

ص: 356

نسأل اللّه أن يثبّتنا على الولاية لعلي وآله عليهم السلام ، وموفّقين لكلّ خير .

هذا ونكون لكم شاكرين سرعة الإجابة ، علماً أنّ الإجابة سوف توضع في إحدى المنتديات الشيعية .

ج : في مقام الجواب نورد لكم بحثاً مفصّلاً حول حياة هذه السيّدة الجليلة ، اقتبسناه من كتاب « أعلام النساء المؤمنات » ، مع إجرّاء بعض التعديلات ، وذلك لاقتضاء الضرورة لأمثال هكذا أبحاث ، للدفاع عن الحقيقة وردّ الشبهات :

السيّدة سكينة بنت الإمام الحسين عليه السلام .

أُمّها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي القضاعي .

وهي الشريفة الطاهرة المطهّرة ، والزهرة الباسمة الناظرة ، كانت سيّدة نساء عصرها ، وأحسنهنّ أخلاقاً ، ذات بيان وفصاحة ، ولها السيرة الجميلة ، والكرم الوافر ، والعقل التامّ ، تتّصف بنبل الفعال ، وجميل الخصال ، وطيب الشمائل ، وذات عبادة وزهد .

يقول عنها الإمام الحسين عليه السلام : « وأمّا سكينة فغالب عليها الاستغراق مع اللّه ، فلا تصلح لرجل » (1) .

كان الإمام الحسين عليه السلام يحبّها حبّاً شديداً ، ويقول فيها وفي أُمّها الرباب الشعر ، قال :

لعمركَ أنّني لأحبّ داراً *** تحلّ بها سكين-ة والرباب

أحبّهما وأبذل جلّ مالي *** وليس للائم-ي في-ها عت-اب

ولست لهم وإن عتبوا مطيعاً *** حياتي أو يعلّيني التراب (2)

وفي هذه الأسطر القليلة ، نلقي الضوء على بعض جوانب حياتها المباركة : .

ص: 357


1- الكنى والألقاب : 2 / 465 .
2- البداية والنهاية 8 / 229 ، تاريخ مدينة دمشق 69 / 120 ، الإصابة 1 / 355 ، أنساب الأشراف : 196 ، ينابيع المودّة 3 / 9 و 152 .
في كربلاء :

لقد حضرت هذه العلوية الشريفة مع والدها أرض كربلاء ، وشاهدت ما جرى على أبيها وأخوتها وعمومتها ، وبقية بني هاشم وأنصارهم ، وشاركت النساء مصائب السبيّ ، والسير من كربلاء إلى الكوفة ، ثمّ الشام فالمدينة المنوّرة .

وعندما ذُبح أخوها عبد اللّه الرضيع أُذهلت سكينة ، حتّى أنّها لم تستطع أن تقوم لتوديع أبيها الحسين عليه السلام ، حيث حفّت به بنات الرسالة وكرائم الوحي ، وقد ظلّت في مكانها باكية ، فلحظ سيّد الشهداء عليه السلام ابنته وهي بهذا الحال ، فوقف عليها يكلّمها مصبّراً لها ، وهو يقول :

سيطول بعدي يا سكينة فأعلمي *** منك البكاء إذا الحِمام دهاني

لا تحرقي قلبي بدمعكِ حسرةً *** مادام منّي الروح في جث-ماني

فإذا قتلتُ فأنتِ أولى بالذي *** تأتينه يا خيرة الن-سوان (1)

وبعد مصرع الحسين عليه السلام ، ومجيء جواده إلى الخيام عارياً ، وسرجه خالياً ، خرجت سكينة فنادت : وا قتيلاه ، وا أبتاه ، وا حسناه ، وا حسيناه ، وا غربتاه ، وا بعد سفراه ، وا كربتاه .

فلمّا سمع باقي الحرم خرجن ، فنظرن الفرس ، فجعلْن يلطمن الخدود ، ويقلْن : وا محمّداه .

وعند رحيل العيال بعد مصرع الحسين عليه السلام مرّوا على أرض المعركة ، فشاهدت سكينة جسد أبيها على الصعيد ، فألقت بنفسها عليه تتزوّد من توديعه ، وتبثّه ما اختلج في صدرها من المصاب ، ولم يستطع أحد أن ينحّيها عنه حتّى اجتمع عليها عدّة ، وجرّوها عنه بالقهر .

ص: 358


1- مناقب آل أبي طالب 3 / 257 ، مقتل الحسين لابن مخنف : 194 ، ينابيع المودّة 3 / 79 .
شعرها :

لم نجد من شعرها إلّا أبيات قليلة ، قالتها ترثي أباها الحسين عليه السلام ، وهذا يُكذّب ما نُسب للسيّدة سكينة عليها السلام من مجالسة الشعراء ، والتحكيم بينهم ، فلو كانت بالمستوى الشعري الذي زعموه لملأت الدنيا رثاء لأبيها الحسين عليه السلام ، فقد ذكروا أنّ الخنساء كانت تقول البيت والبيتين ، وبعد مقتل أخوها بلغت في رثائها الغاية .

ففي أمالي الزجّاج عدّة أبيات قالتها سكينة ، ترثي أباها الحسين عليه السلام :

لا تعذليه فهمّ قاطعٌ طُرقه *** فعينه بدموع ذُرَّفٍ غدقة

إنّ الحسين غداة الطفّ يرشقه *** ريب المنون فما أن يُخطيء الحدقة

بكفّ شرّ عباد اللّه كلّهم *** نسل البغايا وجيش المرّق الفسقة

يا أُمّة السوء هاتوا ما احتجاجكم *** غداً وجلُّكم بالسيف قد صفقه

الويل حلّ بكم إلّا بمن لحقه *** صيّرتموه لأرماح العِدى درقة

يا عين فاحتفلي طول الحياة دماً *** لا تبكِ ولداً ولا أهلاً ولا رفقة

لكن على ابن رسول اللّه فانسكبي *** قيحاً ودمعاً وفي إثرهما العلقة

زواجها :

لم يسلم أهل البيت عليهم السلام من الطعن ، ومحاولة تشويه سمعتهم ، سواء كان الطعن والتشويه بشكل مباشر لأئمّة أهل البيت عليهم السلام ، أو لِمن يتّصل بهم بنسب أو سبب ، وحتّى شيعتهم ومحبّيهم لاقوا ما لاقوا من شتّى أنواع التهم والافتراءات ، كلّ ذلك بسبب ولائهم لأهل بيت أذهب اللّه عنهم الرجس ، وطهّرهم تطهيراً .

فعند مطالعتكَ للتاريخ ، لا تكاد تجد مَن سلم من هذه الاتهامات ، فعلي يشرب الخمر ! وأبوه مات كافراً ! وعبد اللّه بن جعفر زوج العقيلة زينب عليها السلام يسمع الغناء ويطرب !

وأمّا مسألة تعدّد الزوجات والأزواج ، فكأنّما أصبحت من المتسالم عليها

ص: 359

عند المؤرّخين ، فالحسن عليه السلام يتزوّج بأكثر من ثلاثمائة امرأة ، وأُم كلثوم وقصّة زواجها من عمر بن الخطّاب ومَن بعده ، وفاطمة بنت الحسين عليه السلام وزواجها من حفيد عثمان بن عفّان ، ثمّ تعرّض ابن الضحّاك لها ، وسكينة وتعدّد أزواجها .

قالت الدكتورة بنت الشاطئ بعد أن أوردت قوائم الأزواج : وتختلط الأسماء اختلاطاً عجيباً بل شاذّاً ، حتّى ليشطّر الاسم الواحد شطرين ، يؤتى بكلّ شطر منهما على حدة ، فيكون منهما زوجان للسيّدة سكينة ، فعبد اللّه بن عثمان بن عبد اللّه بن حكيم بن حزام شطّر شطرين ، فكان منه زوجان : عبد اللّه بن عثمان ، وعمرو بن حكيم بن حزام ، أو كما ترجم في دائرة المعارف عمرو بن الحاكم .

ولا سبيل هنا أمام ما نرى من تناقض وشذوذ إلى تتبّع حياتها الزوجية تتبّعاً دقيقاً ، يعتمد على اليقين التاريخي ، هذا اليقين الذي يعزّ علينا في التاريخ النقلي بوجه عامّ ، وهو هنا في موضع زوجية سكينة ، أبعد من أن يُلتمس ، وأعزّ من أن يُدرك أو ينال .

فنحن لا نكاد نحاول ما نبغي من تتبع ، حتّى يلقانا عنت من اضطراب الروايات ، وتناقض الأخبار ، وتعدّد الأقوال ، واشتباك السبل ، إلى حدّ يتعذّر علينا معه أن نستبين وجه الحقّ في هذا الحشد المختلط المشتبك ، وإذ ذاك لا سبيل إلى أن نطمع في أكثر من الترجيح ، الذي يعتمد على ما نسميه بالطمأنينة النفسية ، أكثر ممّا يعتمد على مرجّحات منهجية ، وقرائن غالبة .

لقد كان أمر هذا التناقض في الروايات والأخبار يهون ويسهل ، لو أنّه توزّع بين مراجع شتّى مختلفة ، ينفرد كلّ منها بإحدى الروايات ، فيكون سبيلنا إلى الترجيح أن نختار أقدمها ، أو أصلها ، أو ادعاها إلى الثقة على هدي القواعد المقرّرة للترجيح ، والوزن والمقابلة ، والتعديل والترجيح ، ولكنّا هنا أمام روايات متناقضة تجتمع في المصدر الواحد ، دون محاولة من مؤلّفها للفصل بينها ، أو

ص: 360

حسم الخلاف فيها ، بل دون كلمة تؤذن بأنّه يحسّ ضيقاً بهذا الخلاف .

ففي صفحة واحدة من الأغاني مثلاً ، تقرأ أربع روايات متناقضة متضاربة ، سردها أبو الفرج متتابعة ، ثمّ لا شيء أكثر من هذا السرد .

وإذا بلغ الخلاف في الموضع الواحد أن يكون الأصبغ المرواني أوّل أزواجها في رواية ، ورابعهم في أُخرى ، ثمّ لا يشار إلى هذا الخلاف بكلمة واحدة !

وإذا بلغ الشذوذ فيما يروى من حياتها الزوجية أن تلد لمصعب بنتاً تتزوّج من عمّها أخي مصعب - كما في دائرة المعارف الإسلامية -.

وأن يقال : إنّ الرباب بنت امرئ القيس ، التي أهلكها الحزن على زوجها الحسين ، فماتت بعده بعام واحد ، قد بُعثت من قبرها لتشهد مصرع مصعب بعد سنة 70 ه- ، وترفض زواج بنتها سكينة من قاتله - كما في « الأغاني » -.

وأن تزوّجها - كما في « دائرة المعارف » - عبد اللّه بن عثمان ابن أخي مصعب ، وعمرو بن الحاكم بن حزام ، ولا خبر في نسب قريش ، وأنساب العرب عن وجود أخ لمصعب اسمه عثمان ، أو حفيد لحزام اسمه عمرو بن الحاكم .

وقال أيضاً : ونقل صاحب الأغاني رواية عن سعيد بن صخر عن أُمّه سعيدة بنت عبد اللّه ابن سالم : أنّ السيّدة سكينة لقيتها بين مكّة ومنى ، فاستوقفتها لتريها ابنتها من مصعب ، وإذ هي قد أثقلتها بالحلي واللؤلؤ ، وقالت : ما ألبستها الدرّ إلا لتفضحه .

ثمّ أتبعها أبو الفرج برواية أُخرى عن شعيب بن صخر عن أُمّه سعدة بنت عبد اللّه : أنّ سكينة أرتها بنتها من الحزامي ، وقد أثقلتها بالحلي ، وقالت : واللّه ما ألبستها إيّاه إلّا لتفضحه .

وهكذا بين فقرة وأُخرى ، صار سعيد بن صخر شعيب بن صخر ، وصارت سعيدة بنت عبد اللّه بن سالم ، سعدة بنت عبد اللّه ، كما صارت بنت مصعب بنت الحزامي .

وتتحدّث الدكتورة عن زواج سكينة بعمرو بن حاكم بن حزام فتقول :

ص: 361

وعمرو هذا أو عمر ، هو أخ لجدّ عبد اللّه بن عثمان بن عبد اللّه بن حكيم بن حزام ، زوجها بعد مصعب ، ولا ندري كيف أدركت سكينة ، إلى أن يصبح في حساب هؤلاء أن تتزوّج من رجلين بينهما ثلاثة أجيال .

وقالت : إنّ الشيعة كما ذكرنا في مطلع هذا الفصل ، يرفضون الاعتراف بهذه الزيجات المتعاقبة ، ولا يقبلون منها غير ما ذكروه من زواجها بابن عمّها الحسن ، ثمّ مصعب بن الزبير ، وعذرهم واضح ، فما كانت هذه الأخبار في تناقضها ، وتدافعها واختلاطها بالتي تدعو إلى شيء من ثقة وطمأنينة ، وقد رأيناها زوّجت سكينة من عبد اللّه بن عثمان بن عبد اللّه بن حكيم بن حزام ، ثمّ من عمّ أبيه عمرو بن حكيم .

وبعثت الموتى من قبورهم بعد سنين ذوات عدد ، فجعلت الرباب أُمّ سكينة ترفض زواجها من عبد اللّه بن مروان بعد قتل مصعب .

وسبقت الزمن فجاءت على مسرح الأحداث بالأجنّة في بطون أُمّهاتهم ، حتّى جعلت هشام بن عبد الملك - الذي ولد بعد مقتل مصعب ، أو كان رضيعاً في عامه الأوّل - يتدخّل في حكاية إبراهيم بن عبد الرحمن ، لمّا أراد زواجها بعد ترمّلها من مصعب بن الزبير .

فليس بالغريب أن ترفض الشيعة هذه الروايات جميعاً ، وقد تعارضت فتساقطت ، وكذّب بعضها بعضاً ، وجاوزت نطاق المعقول .

وقال علي دخيل : والذي عليه الشيعة : أنّها لم تتزّوج غير ابن عمّها عبد اللّه ابن الإمام الحسن عليه السلام ، ويوافق الشيعة على زواجها بعبد اللّه بن الإمام الحسن عليه السلام غيرهم من السنّة ، نذكر من كتب الطرفين : إعلام الورى : 127 للمجدي ( مخطوط ) ، إسعاف الراغبين : 210 ، رياض الجنان : 51 ، مقتل الحسين للمقرّم : 330 ، سكينة بنت الحسين للمقرّم : 72 ، أدب الطف 1 : 162 ، سفينة بحار الأنوار 1 : 638 .

ص: 362

وقفة مع التاريخ المزيّف :

لم تنتهي تهم الأعداء - أعداء آل محمّد عليهم السلام - لسكينة بنت الحسين عليه السلام بتعدّد أزواجها حسبما قالوه ، بل تجاوزتها إلى أكبر من ذلك وأعظم ، حيث جعلوا سكينة تجالس الشعراء ، وتعقد مجالس الطرب والشعر في بيتها ، ويتغزّل بها ابن أبي ربيعة ، إلى غير ذلك من الافتراءات الباطلة .

وما كنّا نودّ التحدّث عن هذا الجانب من حياة السيّدة سكينة ؛ لأنّ التعرّض له قد ينبّه مَن غفل عنه ، إلّا أنّا وجدنا بعض الكتّاب يحاول أن يوجّه هذه الاتهامات بقوله : نعم كانت سكينة تجالس الشعراء من وراء حجاب ، أو أنّها كانت تبعث للشعراء الذين يجتمعون عندها جاريةً لها علّمتها الشعر ، وإلى غير ذلك من التوجيهات الباطلة .

ونحن إذ نعيب الأصفهاني وغيره الذين نقلوا لنا هذه الأحاديث المفتعلة ، ففي نفس الوقت نوجّه النقد لأُولئك الذين حاولوا توجيه هذه الافتراءات ، ولا ندري كيف يرتضون لأنفسهم هذه التوجيهات ، بل كيف يقتنعون بها ؟!

ونذكر هنا اتهامين باطلين سجّلهما لنا التاريخ المزيّف ، والجواب عنهما :

الأوّل : روى أبو الفرج الأصفهاني عن الزبيري : اجتمع بالمدينة راوية جرير ، وراوية كثير ، وراوية جميل ، ورواية نصيب ، ورواية الأحوص ، فافتخر كلّ واحد منهم بصاحبه وقال : صاحبي أشعر ، فحكّموا سكينة بنت الحسين بن علي عليهما السلام ، لما يعرفونه من عقلها ، وبصرها بالشعر ، فخرجوا يتقادّون حتّى استأذنوا عليها فأذنت لهم ، فذكروا لها الذي كان من أمرهم ، فقالت لراوية جرير : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :

طرقتُكِ صائدة القلوب وليس ذا *** حين الزيارة فارجعي بسلام

وأيّ ساعة أحلى للزيارة من الطروق ، قبّح اللّه صاحبكَ وقبّح شعره ، ألا قال : فادخلي بسلام .

ثمّ قالت لراوية كثير : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :

ص: 363

يقرّ بعيني ما يقرّ بعينها *** وأحسن شيء ما به العين قرّت

فليس شيء أقرّ لعينها من النكاح ، أفيحب صاحبكَ أن ينكح ؟ قبّح اللّه صاحبكَ وقبّح شعره .

ثمّ قالت لراوية جميل : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :

فلو تَركتْ عقلي معي ما طلبتُها *** ولكن طلابيها لما فات من عقلي

فما أرى بصاحبك من هوى ، إنّما يطلب عقله ، قبّح اللّه صاحبكَ وقبّح شعره .

ثمّ قالت لراوية نصيب : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :

أهيم بدعد ما حييتُ فإن أمت *** فيا حرباً مَن ذا يهيم بها بعدي

فما أرى له همّة إلّا مَن يتعشّقها بعده ! قبّحه اللّه وقبّح شعره ، ألا قال :

أهيم بدعد ما حييت فإن أمت *** فلا صلحت دعد لذي خلّة بعدي

ثمّ قالت لراوية الأحوص : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :

من عاشقين تواعدا وتراسلا *** ليلاً إذا نجم الثريا حلقا

باتا بأنعم ليلة وألذّها *** حتّى إذا وضح الصباح تفرّقا

قال : نعم .

قالت : قبّحه اللّه وقبّح شعره ، ألا قال : تعانقا .

قال إسحاق في خبره : فلم تثنِ على واحدٍ منهم في ذلك اليوم ، ولم تقدّمه .

قال : وذكر لي الهيثم بن عدي مثل ذلك في جميعهم ، إلّا جميلاً فإنّه خالف هذه الرواية ، وقال : فقالت لراوية جميل : أليسَ صاحبكَ الذي يقول :

فيا ليتني أعمى أصم تقودني

بثينة لا يخفى عليّ كلامها

قال نعم .

قالت : رحم اللّه صاحبكَ كان صادقاً في شعره ، كان جميلاً كاسمه ، فحكمت له .

ص: 364

وعلّق الأُستاذ علي دخيل على هذه الرواية بقوله : إنّ أثر الصنعة واضح على هذه الرواية ، وهي من نسج الزبيري عدوّ أهل البيت ، وما أكثر مفترياته هو وذويه على آل الرسول صلى اللّه عليه وآله ، لقد جعلَ من ابنة الرسالة النابغة الذبياني - فقد كان يضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ ، فتأتيه الشعراء فتعرض أشعارها - .

وجدير بالذكر أنّ المؤرّخين لم يحدّثونا عن مثل هذا الاجتماع لمن سبقها من نساء أهل البيت عليهم السلام كفاطمة وزينب عليهما السلام ، مع أنّهما أجلّ وأعلم من سكينة ، بل لم يذكر التاريخ اجتماع مثل هؤلاء الرواة عند أحد من الأئمّة عليهم السلام للحكومة فيما بينهم .

نعم ورد في نهج البلاغة : ( سُئل عليه السلام : مَن أشعر الشعراء ؟ فقال : « إنّ القوم لم يجروا في حلبة تعرف الغاية عند قصبتها ، فإن كان ولابدّ فالملك الضليل » ) (1) ، يريد امرئ القيس .

أنا لا أدري كيف يقبل هؤلاء بحكم سكينة ، مع أنّه لم يرو لها إلّا سبعة أبيات ، لا تؤهل قائلها لمثل هذا المنصب الكبير .

وقد سُئل الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء عن هذا الاجتماع ، فقال : لم يذكره ابن قتيبة ، ولا ابن طيفور في « بلاغات النساء » ، مع أنّهما أقدم من أبي الفرج .

وقال قدس سره : « أبو الفرج كتابه كتاب لهو ، وقد يأخذ عن الكذّابين ، وحمّاد الذي جاءت عنه الرواية كذّاب » (2) .

وقال الشيخ جعفر النقدي : أمّا وصف الحسين عليه السلام لابنته سكينة من غلبة الاستغراق مع اللّه تعالى ، فيكذّب الانقال المروية عن الزبير بن بكّار ، وأضرابه من النواصب ، كعمّه مصعب الزبيري ، من اجتماع الشعراء عندها ومحاكمتها بينهم ، وأمثال ذلك ممّا ينافي شأن خفرة من خفرات النبوّة ، وعقيلة من عقائل بيت العصمة . .

ص: 365


1- شرح نهج البلاغة 20 / 153 .
2- جنّة المأوى : 165 .

وإن تعجب فاعجب من أبي الفرج الأصبهاني ، ومَن حذا حذوه ، أن ينقلوا مفتريات هؤلاء في كتبهم من غير فكر ولا تروٍّ ، على أنَّ الزبير بن بكّار كان عدوّاً لآل علي ، بل لسائر بني هاشم ، كان يصنع المفتريات في رجالهم ونسائهم حتّى أرادوا قتله ، ففرَّ من مكّة إلى بغداد أيّام المتوكّل ، ذكر ذلك ابن خلكان في تاريخه « وفيات الأعيان » .

وجدير بالذكر هو أن تعلم أنّ مثل هذا الاجتماع عقد برعاية عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه التيمي ، فقد روى أبو الفرج عن أبي عمرو قال : أنشدت عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه هذه القصيدة : وجدت الخمر جامحة وفيها ... وبحضرتها جماعة من الشعراء ، فقالت : مَن قدر منكم أن يزيد فيها بيتاً يشبهها ، ويدخل في معناها حلّتي هذه ؟ فلم يقدر أحد منهم على ذلك .

وذكر أبو الفرج نفسه اجتماعاً مشابهاً للاجتماع الذي نسبه للسيّدة سكينة ، عقد برعاية امرأة أموية ، قال : أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان ، قال : حدّثني عبد اللّه بن إسماعيل ابن أبي عبيد اللّه كاتب المهدي ، قال : وجدت في كتاب أبي بخطّه : حدّثني أبو يوسف التجيبي ، قال : حدّثني إسماعيل بن المختار مولى آل طلحة ، وكان شيخاً كبيراً ، قال : حدّثني النصيب أبو محجن ، أنّه خرج هو وكثير والأحوص غب يوم أمطرت فيه السماء ، فقال : هل لكم أن نركب جميعاً ، فنسير حتّى نأتي العقيق ، فنمتّع فيه أبصارنا ؟

فقالوا : نعم ، فركبوا أفضل ما يقدرون عليه من الدواب ، ولبسوا أحسن ما يقدرون عليه من الثياب ، وتنكّروا ثمّ ساروا حتّى أتوا العقيق ، فجعلوا يتصفّحون ويرون بعض ما يشتهون ، حتّى رفع لهم سواد عظيم ، فأمّوه حتّى أتوه ، فإذا وصائف ورجال من الموالي ، ونساء بارزات ، فسألنهم أن ينزلن ، فاستحوا أن يجيبوهن من أوّل وهلة ، فقالوا : لا نستطيعَ أو نمضي في حاجة لنا ، فحلّفنهم أن يرجعوا إليهن ، ففعلوا وأتوهن فسألنهم النزول فنزلوا .

ودخلت امرأة من النساء فاستأذنت لهم ، فلم تلبث جاءت المرأة فقالت :

ص: 366

ادخلوا ، فدخلنا على امرأة جميلة برزت على فرش لها ، فرحبّت وحيّت ، وإذا كراسي موضوعة ، فجلسنا جميعاً في صفّ واحدٍ كلّ إنسان على كرسي ، فقالت : إن أحببتم أن ندعو بصبي لنا فنصيحه ونعرك أذنه فعلنا ، وإن شئتم بدأنا بالغداء ؟

فقلنا : بل تدعين الصبي ولن يفوتنا الغداء ، فأومأت بيدها إلى بعض الخدم فلم يكن إلّا كلا ولا ، حتّى جاءت جارية جميلة قد سترت عليها بمطرف فأمسكوه عليها حتّى ذهب بصرها ، ثمّ كُشف عنها ، وإذا جارية ذات جمال قريبة من جمال مولاتها ، فرحّبت بهم وحيّتهم ، فقالت لها مولاتها : خذي ويحك من قول النصيب ، عافى اللّه أبا محجن :

ألا هل من البين المفرق من بد *** وهل مثل أيّام بمنقطع السعد

تمنّيت أيّامي أُولئك والمنى *** على عهد عاد ما تعيد ولا تبدي

فغنّته ، فجاءت كأحسن ما سمعته بأحلى لفظ ، وأشجى صوت .

ثمّ قالت لها : خذي أيضاً من قول أبي محجن ، عافى اللّه أبا محجن :

أرق المحبّ وعاده سهده *** لطوارق الهم التي ترده

وذكرت من رقّت له كبدي *** وأبى فليس ترق لي كبده

لا قومه قومي ولا بلدي *** فنكون حيناً جيرة بلده

ووجدت وجداً لم يكن أحد *** من أجله بصبابة يجده

إلّا ابن عجلان الذي تبلت *** هند ففات بنفسه كمده

قال : فجاءت به أحسن من الأوّل ، فكدت أطير سروراً .

ثمّ قالت لها : ويحك خذي من قول أبي محجن ، عافى اللّه أبا محجن :

فيا لك من ليل تمتعت طوله *** وهل طائف من نائم متمتّع

نعم إنّ ذا شجو متى يلق شجوه *** ولو نائماً مستعتب أو مودع

ص: 367

له حاجة قد طالما قد أسرّها *** من الناس من صدر بها يتصدّع

تحملها طول الزمان لعلّها *** يكون لها يوماً من الدهر منزع

وقد قرعت في أُمّ عمرو لي العصا *** قديماً كما كانت لذي الحلم تقرع

قال : فجاءني واللّه شيء حيّرني وأذهلني طرباً لحسن الغناء ، وسروراً باختيارها الغناء في شعري ، وما سمعت منه من حسن الصنعة وجودتها وإحكامها .

ثمّ قالت لها : خذي أيضاً من قول أبي محجن ، عافى اللّه أبا محجن :

يا أيّها الركب إنّي غير تابعكم *** حتّى تلموا وأنتم بي ملمونا

فما أرى مثلكم ركباً كشكلكم *** يدعوهم ذو هوى أن لا يعوجونا

أم خبروني عن داء بعلمكم *** وأعلم الناس بالداء الأطبونا

قال نصيب : فو اللّه زهوت بما سمعت زهواً خيّل إليّ أنّي من قريش ، وأنّ الخلافة لي .

ثمّ قالت : حسبكِ يا بنية ، هات الطعام يا غلام ، فوثب الأحوص وكثير ، وقالا : واللّه لا نطعم لك طعاماً ، ولا نجلس لك في مجلس ، فقد أسأت عشرتنا واستخففت بنا ، وقدّمت شعر هذا على أشعارنا ، وأسمعت الغناء فيه ، وإنّ في أشعارنا لما يفضل شعره ، وفيها من الغناء ما هو أحسن من هذا .

فقالت : على معرفة كلّ ما كان منّي فأيّ شعركما أفضل من شعره ، أقولك يا أحوص :

يقر بعيني ما يقرّ بعينها *** وأحسن شيء ما به العين قرّت

ثمّ قولك يا كثير في عزة :

وما حسبت ضمرية جدوية *** سوى التيس ذي القرنين إن لها بعلاً

قال : فخرجا مغضبين واحتبستني ، فتغدّيت عندها ، وأمرت لي بثلاثمائة

ص: 368

دينار وحلّتين وطيب ، ثمّ دفعت إليّ مائتي دينار ، قالت : ادفعها إلى صاحبيك فإن قبلاها وإلّا فهي لك ، فأتيتهما منازلهما فأخبرتهما القصّة ، فأمّا الأحوص فقبلها ، وأمّا كثير فلم يقبلها ، وقال : لعن اللّه صاحبتكَ وجائزتها ، ولعنكَ معها ، فأخذتها وانصرفت .

فسألت النصيب ممّن المرأة ؟ فقال : من بني أُمية ، ولا أذكر اسمها ما حييت لأحد .

وشيء آخر يجب أن نتنبّه له هو أثر الصنعة واضح على هذا التلفيق ، وهو تجميع لكلمات عدّة من النقّاد والبصراء بالشعر ، وقد مرّ عليك آنفاً نقد المرأة الأموية لبعض الأبيات بالنقد الذي نسبوه للسيّدة سكينة ، كما أنّ بيت نصيب وإصلاحه المنسوب إلى السيّدة سكينة ، رواه ابن قتيبة بلفظ مقارب لعبد الملك ابن مروان ، قال : دخل الأقيشر على عبد الملك بن مروان وعنده قوم ، فتذاكروا الشعر ، وقول نصيب :

اهيم بدعد ما حييت فإن أمت *** فيا ويح دعد من يهيم بها بعدي

فقال الاقيشر : واللّه لقد أساء قائل هذا البيت .

فقال عبد الملك : فكيف كنت تقول لو كنت قائله ؟

قال : كنت أقول :

تحبّكم نفسي حياتي فإن أمت *** أُوكل بِدَعد من يهيم بها بعدي

فقال عبد الملك : واللّه لأنت أسوأ قولاً منه حين توكل بها .

فقال الاقيشر : فكيف كنت تقول يا أمير المؤمنين ؟

قال : كنت أقول :

تحبّكم نفسي حياتي فإن أمت *** فلا صلحت هند لذي خلّة بعدي

فقال القوم جميعاً : أنت واللّه يا أمير المؤمنين أشعر القوم .

الثاني : حديث الصورين :

ص: 369

قال أبو الفرج الأصفهاني : أخبرني علي بن صالح ، قال : حدّثنا أبو هفان ، عن إسحاق ، عن أبي عبد اللّه الزبيري ، قال : اجتمع نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف ، فتذاكرن عمر بن أبي ربيعة ، وشعره وظرفه وحسن حديثه ، فتشوّقن إليه وتمنيّنه ، فقالت سكينة بنت الحسين عليه السلام : أنا لكُنّ به ، فأرسلت إليه رسولاً وواعدته الصورين ، وسمّت له الليلة والوقت ، وواعدت صواحباتها ، فوافاهنّ عمر على راحلته ، فحدّثهن حتّى أضاء الفجر وحان انصرافهن ، فقال لهن : واللّه إنّي لمحتاج إلى زيارة قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والصلاة في مسجده ، ولكن لا أخلط بزيارتكن شيئاً ، ثمّ انصرف إلى مكّة ، وقال :

قالت سكينة والدموع ذوارف *** منها على الخدين والجلباب

ليت المغيريّ الذي لم أجزه *** فيما أطال تصيّدي وطلابي

كانت ترد لنا المنى أيّامنا *** إذ لا نلام على هوى وتصابي

خبرت ما قالت فبتّ كأنّما *** ترمي الحشا بنوافذ النشاب

أسكين ما ماء الفرات وطيبه *** منّي على ظمأ وفقد شراب

بألذّ منك وإن نأيت وقلّما *** ترعى النساء أمانة الغيّاب

وأجاب الأُستاذ علي دخيّل على هذه الرواية قائلاً : إنّ هذه الأبيات ليست في سكينة بنت الحسين عليه السلام ، وإنّما هي في سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف ، وإنّ عداوة الزبيري صيّرتها في سكينة ، ودليلنا :

1 - قال العلّامة الشنقيطي : أكثر الروايات « سكينة » في المتمم ، « وأسكين » في المرخم ، والرواية الصحيحة : قالت « سعيدة » في المتمم ، و « أسعيد » في المرخم ، وسعيدة تصغير سعدى وهي بنت عبد الرحمن بن عوف .

وسبب هذا الشعر أنّ سعدى المذكورة كانت جالسة في المسجد الحرام ، فرأت عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت ، فأرسلت إليه : إذا فرغت من طوافك فأتنا ، فأتاها ، فقالت : لا أراكَ يا ابن أبي ربيعة سادراً في حرم اللّه ، أما

ص: 370

تخاف اللّه ويحكَ ، إلى متى هذا السفه ؟!

فقال : أي هذه دعي عنك هذا من القول ، أما سمعت ما قلتُ فيكِ ؟

قالت : لا ، فما قلت ؟ فأنشدها الأبيات .

فقالت : أخزاك اللّه يا فاسق ، علمَ اللّه إنّي ما قلت ممّا قلت حرفاً ، ولكنّك إنسان بهوت .

هذا هو الصحيح ، وإنّما غيّره المغنّون فجعلوا « سكينة » مكان سعيدة ، « وأسكين » مكان « أسعيد » .

2 - قال الأُستاذ عبد السلام محمّد هارون : ويُفهم من كلام أبي الفرج أنّ الرواية الصحيحة في البيت « قالت سعيدة » ، وفي البيت الخامس التالي « أسعيد » ، وكلاهما تصغير ترخيم لسعدى ، وهي سعدى بنت عبد الرحمن ابن عوف .

وللشعر على هذه الرواية قصّة في الأغاني ، ثمّ قال أبو الفرج : وإنّما غيّره المغنّون .

3 - ذكرت هذه القصيدة بكاملها في ديوان ابن أبي ربيعة ، لشارحه الأُستاذ محمّد علي العناني المصري ، قال : وكانت سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف جالسة في المسجد الحرام ، فرأت عمر يطوف بالبيت ، فأرسلت إليه : إذا فرغت من طوافك فأتنا ، فأتاها ، فقالت : مالي أراكَ يابن أبي ربيعة سادراً في حرم اللّه ، ويحكَ أما تخاف اللّه ، ويحكَ إلى متى هذا السفه ؟

فقال : أي هذه دعي عنك هذا من القول ، أما سمعت ما قلت فيك ؟

قالت : لا ، فما قلت ؟ فأنشدها قوله :

ردع الفؤاد بنكرة الأطراب *** وصبا إليكِ ولاتَ حينَ تصابي

إن تبذلي لي نائلاً يشفى به *** سقم الفؤاد فقد أطلت عذابي

وعصيتُ فيك أقاربي فتقطّعت *** بيني وبينهم عرى الأسباب

ص: 371

وتركتني لا بالوصال ممتّعاً *** يوماً ولا أسعفتني بثواب

فقعدت كالمهريق فضلة مائه *** من حرّها جرة للسع شراب

يشفى به منه الصدى فأماته *** طلب السراب ولات حين طلاب

قالت سعيدة والدموع ذوارف *** منها على الخدين والجلباب

ليت المغيري الذي لم تجزه *** فيما أطال تصيّدي وطلابي

كانت ترد لنا المنى أيّامنا *** إذ لا تلام على هوى وتصابي

خبرت ما قالت فبتّ كأنّما *** ترمي الحشا بنوافذ النشاب

أسعيد ما ماء الفرات وطيبه *** منّي على ظمأ وفقد شراب

بألذّ منك وإن رأيت وقلّما *** ترعى النساء أمانة الغيّاب

فلمّا فرغ من الإنشاد قالت له : أخزاكَ اللّه يا فاسق ، علم اللّه أنّي ما قلتُ ما قلتَ حرفاً ، ولكنكَ إنسان بهوت .

4 - إنّ أبا الفرج نفسه ذكر في موضع آخر من أغانيه هذا الاجتماع عن الرواة أنفسهم ، وذكر سكينة ، ولكن لم ينسبها إلى الحسين عليه السلام ، كما ذكر شعراً غير الشعر الأوّل .

ثمّ قال الأُستاذ علي دخيّل : كيف تعقد سكينة مثل هذا الاجتماع ، والمدينة بأسرها في مأتم على الحسين عليه السلام ؟! فالرباب - أُمّ سكينة - يقول عنها ابن كثير : « ولما قُتل كانت معه ، فوجدت عليه وجداً شديداً ... وقد خطبها بعده أشراف قريش ، فقالت : ما كنتُ لأتخذ حمواً بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، واللّه لا يؤويني ورجلاً بعد الحسين سقف أبداً ، ولم تزل عليه كمدة حتّى ماتت ، ويقال : إنّها عاشت بعده أيّاماً يسيرة » (1) .

وأُمّ البنين فقد كانت تخرج كلّ يوم ترثيه - العباس عليه السلام - وتحمل ولده عبيد .

ص: 372


1- البداية والنهاية 8 / 229 .

اللّه ، فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة - فيهم مروان بن الحكم - فيبكون لشجى الندبة .

والرواية عن الإمام الصادق عليه السلام : « ما امتشطت فينا هاشمية ، ولا اختضبت حتّى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين صلوات اللّه عليه » (1) .

وأنت سلّمك اللّه إذا علمت أنّ سكينة تقول للصحابي الجليل سهل بن سعد الساعدي في الشام : قُل لصاحب هذا الرأس أن يقدّم الرأس أمامنا حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه ، ولا ينظروا إلى حرم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .

قال سهل : فدنوتُ من صاحب الرأس فقلت له : هل لكَ أن تقضي حاجتي ، وتأخذ منّي أربعمائة دينار ؟

قال : وما هي ؟

قلت : تُقدّم الرأس أمام الحرم ، ففعل ذلك ، فدفعتُ إليه ما وعدته .

وإذا كان حال هذه السيّدة في الصيانة والحجاب في موضع سلب فيه الاختيار ، فهل يتصوّر مسلم أن تواعد عمر بن أبي ربيعة الصورين ؟!

ولو قلنا : إنّ اجتماع الصورين تأخّر عن واقعة الطف كثيراً حتّى نستها سكينة ، فإنّ ابن أبي ربيعة تاب عام 62 ه- ، فيبطل الاجتماع أيضاً .

ولو صحّ اجتماع الصورين لَذَكَرَهُ كبار مؤرّخي الشيعة ومحدّثيهم ، فقد تميّزوا بالإطلاع والتحقيق ، وعدم المهادنة ، فهذه كتب الشيخ المفيد ، والسيّد المرتضى ، والشيخ الطوسي والطبرسي ، وغيرهم من أعلام الطائفة ، وهي خالية من الإشارة إلى ذلك ونحوه .

ومَن قرأ مصنّفات هؤلاء الأعلام يجد ما كتبوه عمّن شذّ من أولاد الأئمّة عليهم السلام ، فهذا جعفر بن الإمام الهادي عليه السلام ، وقد وصفوه بالكذب وشرب الخمر ، ومعاونة الظالمين ، كما تناولوا غيره كعلي بن إسماعيل بن الإمام الصادق عليه السلام .

ص: 373


1- اختيار معرفة الرجال 1 / 341 ، رجال ابن داود : 277 .

وغيرهما ، فهم لم يتعصّبوا إلّا للحقّ ، ولم يكتبوا إلّا للتاريخ .

وقالت الدكتورة بنت الشاطئ : ربما عرض لنا آخر الأمر أن نسأل : متى ظهرت سكينة في المجتمع طليقة متحرّرة ، وشاركت في التاريخ الأدبي بعصرها ؟

الأخبار التي بين أيدينا تشير إلى أنّها ظهرت لأوّل مرّة في موسم الحجّ سنة 60 ه- ، حين صحبت أباها رضي اللّه عنه في هجرته من المدينة إلى مكّة ، وقد كانت إذ ذاك في ربيعها الثاني عشر ، أو الثالث عشر ، وغير بعيد أن تكون لفتت إليها الأنظار بنضرة صباها ، وحيوية مرحها ، وبهاء طلعتها ، ولكن مهابة أبيها الإمام الحسين كافية وحدها لأن تلجم ألسنة الشعراء عن التغنّي باسمها في قصائد الغزل ، فهل ترى حلّت عقدة لسانهم بعد عودتها إلى المدينة إثر فاجعة كربلاء ؟!

المؤرّخون يقرّون أنّ المدينة كانت في مأتم عام لسيّد الشهداء ، وأنّ أُمّها الرباب قد أمضت عاماً بأكمله حادّة حزينة حتّى لحقت بزوجها الشهيد .

وإنّ أُمّ البنين بنت حزام بن خالد العامرية ، زوج الإمام علي بن أبي طالب ، كانت تخرج إلى البقيع كلّ يوم ، فتبكي أبناءها الأربعة ، أعمام سكينة ، الذين استشهدوا مع أخيهم الحسين في كربلاء : عبد اللّه ، وجعفر ، وعثمان ، والعباس بني علي بن أبي طالب (كرّم اللّه وجهه) ، فتلبث نهارها هناك تندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها ، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي .

فهل ترى كان يحدث هذا ، وسكينة تعقد مجالس الغناء في دارها ، وتواعد عمر الصورين ذات ليلة ، استجابةً لرغبة نسوة شاقهنّ مجلس ابن أبي ربيعة ؟!

هل كان مروان بن الحكم يسمع أُمّ البنين تندب أعمام سكينة فيبكي لها ، وسكينة تبكي بدموع ذوارف على الخدين والجلباب ، لفراق عمر بن أبي

ص: 374

ربيعة ، وتصغي إلى شدو المغنّين بقولها على لسانه :

ليتَ المغيري الذي لم أجزه *** فيما أطال تصيّدي وطلابي

كانت ترد لنا المنى أيّامنا *** إذ لا نلام على هوى وتصابي

فهل عمر قال فيها ما قال بعد عودتها من سفرها إلى مصر مع عمّتها زينب عقيلة بني هاشم ؟

الذين أرّخوا للسيّدة زينب عليها السلام ذكروا وفاتها في شهر رجب سنة 62 ه- ، وقد ثوت في مرقدها الأخير هناك ، وآبت سكينة من رحلتها مضاعفة اليتم ، لتشهد بعد ذلك ثورة أهل المدينة على بني أُمية ، وخروجهم على يزيد بن معاوية لقلّة دينه ، وهي الثورة التي انتهت بوقعة الحرّة ، حيث استشهد من أولاد المهاجرين والأنصار 306 شخصاً ، وعدد من بقية الصحابة الأوّلين ، وهجر المسجد النبوي ، فلم تقم فيه صلاة الجماعة لمدى أيّام .

والمنقول أنّ عمر تاب توبته المشهورة في ذلك العام ، وشُغل العالم الإسلامي بعد ذلك بقيام حركة التوّابين في العراق ، الذين أظهروا الندم على عدم نصرة الإمام الحسين الشهيد ، فلم يَروا كفارة دون القتل في الثأر له ولصحبه ، فهل يا ترى كانت سكينة تصمّ أُذنيها عن هتاف التوّابين لترغيم « ابن سريج » على الغناء في دارها مع عزّة الميلاء ، وتفتنه عن توبته عن الغناء (1) .

« محمّد البغدادي - العراق - 20 سنة - طالب »

شخصية مالك بن نويرة :

س : نسأل المولى العزيز القدير أن يحفظكم لخدمة هذا الدين الحنيف ، وعلى وجه الخصوص المذهب الحقّ ، مذهب أهل البيت عليهم السلام .

أخواني الأعزّاء طلبي منكم هو : أن توضّحوا الشخصية الدينية التي أبت أن

ص: 375


1- أعلام النساء المؤمنات : 495 .

تخضع إلى أعداء اللّه والإسلام ، لأنّه كثير من الناس يجهلونها ، وهي شخصية البطل مالك بن نويرة رضي اللّه عنه .

ولكم منّي أجمل التوفيق بسعي لخدمة اللّه وآل بيت نبيّه عليهم السلام .

ج : كان مالك بن نويرة من كبار بني تميم وبني يربوع ، وصاحب شرف رفيع ، وأريحية عالية بين العرب حتّى ضرب به المثل في الشجاعة والكرم ، والمبادرة إلى إسداء المعروف ، والأخذ بالملهوف .

وكانت له الكلمة النافذة في قبيلته حتّى إنّه لمّا أسلم ورجع إلى قبيلته ، وأخبرهم بإسلامه ، وأعطاهم فكرة عن جوهر هذا الدين الجديد ، أسلموا على يديه جميعاً ، ولم يتخلّف منهم رجل واحد .

وكان هذا الصحابي الجليل قد نال منزلة رفيعة لدى النبيّ صلى اللّه عليه وآله حتّى نصّبه وكيلاً عنه في قبض زكاة قومه كلّها ، وتقسيمها على الفقراء ، وهذا دليل وثقاته واحتياطه وورعه .

واختصّ مالك بأمير المؤمنين عليه السلام ، وأخلص له نهاية الإخلاص ، حتّى إنّه ما بايع أبا بكر ، وأنكر عليه أشدّ الإنكار ، وعاتبه بقوله له :

« أربِع على ضلعك ، والزم قعر بيتك ، واستغفر لذنبك ، وردّ الحقّ إلى أهله ، أما تستحي أن تقوم في مقام أقام اللّه ورسوله فيه غيرك ، وما تزال يوم الغدير حجّة ، ولا معذرة » (1) .

وأرسل أبو بكر - في بداية خلافته - خالد بن الوليد لمحاربة المرتدّين ، ولمّا فرغ خالد من حروب الردَّة سار نحو البطاح ، وهي منزل لمالك بن نويرة وقبيلته .

وكان مالك قد فرّق أفراد عشيرته ، ونهاهم عن الاجتماع ، فعندما دخلها خالد لم يجد فيها أحداً ، فأمر خالد ببثّ السرايا ، وأمرهم بإعلان الأذان وهو رمز الإسلام ، وإلقاء القبض على كلّ من لم يجب داعي الإسلام ، وأن يقتلوا كلّ مَن يمتنع حسب وصية أبي بكر . .

ص: 376


1- تنقيح المقال 2 / ترجمة مالك بن نويرة .

فلمّا دخلت سرايا خالد قوم مالك بن نويرة في ظلام الليل ارتاع القوم ، فأخذوا أسلحتهم للدفاع عن أنفسهم ، فقالوا : إنّا لمسلمون ، فقال قوم مالك : ونحن لمسلمون ، فقالوا : فما بال السلاح معكم ؟ فقال قوم مالك : فما بال السلاح معكم أنتم ؟! فقالوا : فإن كنتم مسلمين كما تقولون فضعوا السلاح ، فوضع قوم مالك السلاح ، ثمّ صلّى الطرفان ، فلمّا انتهت الصلاة ، قام جماعة خالد بمباغتة أصحاب مالك ، فكتّفوهم بما فيهم مالك بن نويرة ، وأخذوهم إلى خالد بن الوليد .

وتبريراً لما سيقدم عليه خالد ، ادّعى أنّ مالك بن نويرة ارتدَّ عن الإسلام ، فأنكر مالك ذلك ، وقال : أنا على دين الإسلام ما غيَّرت ولا بدَّلت .

وشهد له بذلك اثنان من جماعة خالد ، وهما : أبو عتادة الأنصاري ، وعبد اللّه بن عمر ، ولكن خالد لم يُلق إذناً صاغية ، لا لكلام مالك ولا للشهادة التي قيلت بحقّه .

فأمر بضرب عنق مالك وأعناق أصحابه ، وبقبض أُمّ تميم - زوجة مالك - ودخل بها في نفس الليلة التي قتل فيها زوجها مالك بن نويرة رضي اللّه عنه .

« خالد الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي »

خواجه نصير الدين الطوسي :

س : هل كان نصير الدين الطوسي قدس سره إسماعيلياً ؟ وما هو سبب تواجده أكثر من 20 سنة في قلاع الإسماعيلية ؟

وهل ألّف كتباً على المذهب الإسماعيلي قبل أن يعتنق مذهب الاثني عشرية ؟ وكيف كانت وفاته ؟ وهل قتل نفسه والعياذ باللّه كما يزعم البعض ؟

ج : إنّ خواجه نصير الدين الطوسي قدس سره هو من أعظم علماء الشيعة الإمامية على التحقيق ، ولا يصغى إلى ما يتقوّله البعض حول فساد مذهبه في بادئ الأمر .

ص: 377

وأمّا الجواب على الشبهات التي أُثيرت حوله ، فكما يلي :

أوّلاً : أنّ بدء إقامة الخواجة عند الإسماعيليين ، يتزامن مع الهجوم الأوّل للمغول على عهد جنكيز ، ففراراً من وطأة الغزاة لجأوا - كما غيره ممّن استطاعوا الفرار والنجاة - إلى قلاع الإسماعيلية التي صمدت في وجه جنكيز ، فتمكّن الطوسي من الاستمرار في دراساته العلمية هناك ، خصوصاً أنّ أمراء الإسماعيلية قد أظهروا الودّ والمحبّة في الأوائل ، وإن اختلفوا معه أخيراً .

نعم ، هناك رأي لبعض المؤرّخين - كصاحب كتاب درّة الأخبار - بأنّ الطوسي ذهب إلى الإسماعيليين مرغماً ، وأقام عندهم مكرهاً ، إذ هدّدوه بالالتحاق بهم ، ويؤيّد مورّخ آخر - وهو سرجان ملكم - هذا الفكرة في تاريخه ، وإن كان يختلف معه في كيفية الإرغام .

وفي المقابل ، ينفي آخرون قصّة إرغامه أو سجنه ، بل وادّعى بعضهم أنّ الطوسي كان محلّ ثقة واعتماد عند الإسماعيليين .

وعلى كلّ ، فإنّ الذي يظهر من بعض كتبه قدس سره هو صحّة مضايقته ، أو فرض الإقامة الجبرية عليه ، ففي تتمّة كتاب شرح الإشارات يلوّح - وإن لم يصرّح - بتلك الضغوط ، وتراكم الهموم والغموم الواردة عليه .

وعلى الجملة ، فاغلب الظنّ أنّ الإسماعيليين وإن رحّبوا بالطوسي بدواً ، ولكن عندما ثبت عندهم - بمرور الزمن - عدم رضوخه لعقيدتهم ، استعملوا معه أساليب أُخرى للتأثير عليه ؛ وهذا هو الوجه الصحيح في كيفية تعامل الإسماعيليين مع الطوسي من البدو إلى الختم .

فالطوسي كان يستعمل حالة التقية معهم ، لدفع شرّهم وأذاهم ، وهذا الأسلوب كان ينفع أحياناً ، وقد لا ينفع في بعض الأحيان ، عندما يصل الأمر إلى حد أُسس العقيدة ، فكان يظهر عدم موافقته لبعض آرائهم ، فينتهي الأمر إلى الشدّة والضيق .

ومهما يكون الأمر ، فإنّ الطوسي لم يتأثّر بأية سلبية إسماعيلية في عقيدته ،

ص: 378

كيف وهو رأس المتكلّمين والفلاسفة في عصره ، فكيف ينخدع بأدلّة واهية ، وأُسس غير متينة ؟

وهذه كتبه بين أيدينا ، كلّها في دعم الدين والمذهب ، وليست فيها أية إشارة إلى صحّة المذهب الإسماعيلي .

نعم ، قد ينسب إليه بعض الرسائل والكرّاسات التي يفوح منها ما يؤيّد الفكر الباطني والإسماعيلي ، ولكن لا يمكن التأكّد من هذه النسبة ، بل ويظهر من بعض هذه الرسالات أنّ النسبة مفتعلة ، لعدم مجانستها مع باقي مؤلّفاته من حيث الأسلوب ، وكيفية الكتابة .

ثمّ حتّى وإن ثبت نسبة بعضها إليه ، يجب تفسيرها من باب التقية ، فإنّه كان ملزماً بها مدّة إقامته عند الإسماعيليين .

وأمّا دعوى اعتناقه المذهب الاثني عشري بعد الإسماعيلية فهي باطلة من الأساس ، فلا يوجد لإثباتها دليل قطعي مقنع ، مضافاً إلى استبعادها عقلاً ، إذ إنّ الذي حدث في الأمر هو مجيء هولاكو ، وإبادة الحكم الإسماعيلي بيده ، وهذا بحدّ نفسه لا يكون حافزاً على التشيّع بعدما نعرف أنّ المغول كانوا وثنيين لا يفرّقون بين المذاهب .

وأمّا في داخل قلاع الإسماعيلية ، فليس هناك ما يكون باعثاً للمنهج الصحيح - الاثني عشرية - بعدما نعلم شدّة عصبية أُولئك لمذهبهم ، ممّا لا يبقى مجالاً لتبليغ أو دراسة بقية المذاهب .

فالصحيح - كما قلنا - هو أنّ الطوسي كان يعتنق المذهب الإمامي الاثني عشري من البدء ، ولكن لخطورة الموقف كان يتّقي أحياناً لدى الحكّام اتقاءً لشرّهم ، وصيانةً للعلم والعقيدة .

وأمّا أسطورة انتحاره ، فهي أيضاً من المجعولات والموضوعات التي لا ينبغي الوقوف عندها ، فإنّه قدس سره كان من أساطين العلم والتقوى ، ولا يتصوّر في حقّه بعض المكروهات ، فكيف بقتل نفسه الذي هو من أعظم المحرّمات ؟!

ص: 379

« حسين - السعودية - 28 سنة - بكالوريوس هندسة الحاسب الآلي »

الكافي لم يعرض على الإمام :

س : من المعلوم أنّ الشيخ الكليني مؤلّف الكافي ، قد جمع أحاديث الكافي في عصر النوّاب الأربعة ، الذين كانوا يلتقون بالإمام المهدي عليه السلام ، ويلقون عليه الأسئلة ، ويأخذون منه الإجابات ، ويدفعون له الأخماس ، الخ .

ومن المعلوم : أنّ الغيبة الصغرى استمرت من عام 260 ه- إلى 329 ه- ، والشيخ الكليني جمع كتابه في هذه الفترة الزمنية ، حيث توفّي عام 327 ه- ، أي في حياة النائب الرابع .

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : لماذا لم يُعرض الكافي على الإمام المهدي لتصحيحه ؟ وهو الكتاب الذي ضعيفه يفوق صحيحه ، حيث إنّ تصحيح الحديث أكثر أهمّية من الإجابة على أسئلة الناس والتواقيع ، لأنّ الأحاديث هي المشرب والمنبع والمستقى للتشريع والتبليغ ، الذي جاء به الرسول والأئمّة ؟!

نرجو التفضّل بالإجابة على هذا السؤال ؟

ج : يلاحظ في الجواب عدّة أُمور :

أوّلاً : إنّ كتاب الكافي وإن كان يشتمل على بعض الأحاديث غير المعتبرة سنداً أو متناً ، ولكن ليس بالحجم الذي ذكرته .

والمهمّ في هذا المجال ، عدم الالتزام بصحّة جميع ما ورد فيه ، كما هو رأي المحقّقين من علماء الشيعة .

ثانياً : ليس من مهام الإمام عليه السلام تمحيص الكتب والمؤلّفات ، وتمييز الصحيح عن السقيم فيها ؛ وهذا الأمر متّفق عليه عند الشيعة ، حتّى بالنسبة للإمام الحاضر والظاهر عليه السلام ، فكيف بالإمام الغائب ؟!

بل وظيفة الإمام عليه السلام هي : ترسيم الخطوط العريضة لمسار الأُمّة في عصر الحضور - إن كانت الظروف مهيّأة ، ولم تكن هناك تقية وخوف - وأمّا في فترة الغيبة ، فالأمر يختلف قليلاً عن زمن الحضور .

ثالثاً : حتّى في عصر الأئمّة السابقين عليهم السلام لم يكن من ديدن الشيعة ورواتها

ص: 380

عرض كافّة الرسائل والمدوّنات والمجموعات على أئمّتهم عليهم السلام ، حتّى مع فرض إمكان الاتصال بهم ، وعدم المانع من ذلك .

وعلى سبيل المثال ، لم تعرض الأُصول الأربعمائة - التي هي من المجموعات الأُم في تدوين الكافي - بأجمعها أو أكثرها على الأئمّة عليهم السلام ؛ بل وحتّى في زمن الصادقين عليهما السلام - الذي كان العصر الذهبي بالنسبة لانتشار الفكر الشيعي - ومع حرّية الاتصال بهما عليهما السلام في الجملة ، لم يرد دليل مقنع على التزام أو إلزام أصحاب المجموعات الروائية - أو ما تسمّى بالأُصول - بعرض أحاديثهم على الإمام عليه السلام .

نعم ، هناك بعض الموارد الاستثنائية ، باقتراح بعض الرواة أو وجوه الشيعة ، ولكن الكلام في القاعدة في المقام .

رابعاً : لعلّ المغزى من وراء هذا الإجراء - عدم لزوم العرض - كان هو التمهيد لعملية الاجتهاد شيئاً فشيئاً في الأوساط العلمية عند الشيعة ؛ فالإمام عليه السلام كان يريد أن يرقى الفكر الشيعي - تحسّباً لفترة الغيبة الكبرى المتوقّعة - ويتهيّأ لفترة الغيبة وعدم حضوره عليه السلام ، فيبني أُسس الاجتهاد ، ويخوض في مجاله حتّى يتحمّل الفجوة ، ووجود المعصوم عليه السلام إلى أمد طويل ، حتّى يظهر اللّه أمره إن شاء اللّه تعالى .

« أحمد - قطر - 36 سنة - طالب ثانوية »

ترجمة سعد بن عبادة :

س : نشكركم على جهودكم في إفادة الناس وبالأخصّ الشيعة ، وسؤالي هو : ما رأي الشيعة في سعد بن عبادة ؟

ج : ننقل لكم كلمات من ترجمته :

قال السيّد علي ابن معصوم : « سعد بن عبادة بن دلهم بن حارثة بن أبي حزينة ابن تغلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري ، كان

ص: 381

سيّد الخزرج وكبيرهم ، يكنّى أبا ثابت وأبا قيس ، من أعاظم الصحابة ، وهو أحد النقباء ، شهد العقبة مع السبعين والمشاهد كلّها ما خلا بدرا - فإنّه تهيّأ للخروج فلدغ فأقام وكان جواداً - وكان له جفنة تدور مع رسول اللّه في بيوت أزواجه .

عن يحيى بن كثير قال : كان لرسول اللّه من سعد بن عبادة جفنة ثريد في كلّ يوم ، تدور معه أينما دار من نسائه ، وكان يكتب في الجاهلية بالعربية ، ويحسن القول والرمي ، والعرب تسمّي من اجتمعت فيه هذه الأشياء الكامل ، ولم يزل سعد سيّداً في الجاهلية والإسلام ، وأبوه وجدّه وجدّ جدّه لم يزل فيهم الشرف ، وكان سعد يجير فيجار وذلك لسؤدده ، ولم يزل هو وأصحابه أصحاب إطعام في الجاهلية والإسلام .

وعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « الجود شيمة ذلك البيت » ، يعني بيتهم - وهو الذي اجتمعت عليه الأنصار ليولّوه الخلافة -.

وقد أختلف أصحابنا رضي اللّه عنه في شأنه ، فعدّه بعضهم من المقبولين ، واعتذر عن دعواه الخلافة بما روى عنه أنّه قال : لو بايعوا علياً لكنت أوّل من بايع .

وبما رواه محمّد بن جرير الطبري عن أبي علقمة ، قال : قلت لسعد بن عبادة ، وقد مال الناس لبيعة أبي بكر : تدخل فيما دخل فيه المسلمون .

قال : إليك عنّي فو اللّه لقد سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « إذا أنا متّ تضلّ الأهواء ، ويرجع الناس على أعقابهم ، فالحقّ يومئذ مع علي » ، وكتاب اللّه بيده ، لا نبايع لأحد غيره ، فقلت له : هل سمع هذا الخبر غيرك من رسول اللّه ؟ فقال : سمعه ناس في قلوبهم أحقاد وضغائن .

قلت : بل نازعتك نفسك أن يكون هذا الأمر لك دون الناس كلّهم ، فحلف أنّه لم يهم بها ، ولم يردّها وأنّهم لو بايعوا علياً كان أوّل من بايع سعد .

وزعم بعضهم أنّ سعداً لم يدع الخلافة ، ولكن لما اجتمعت قريش على أبي بكر يبايعونه ، قالت لهم الأنصار : أمّا إذا خالفتم أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في وصيّه

ص: 382

وخليفته وابن عمّه ، فلستم أولى منّا بهذا الأمر ، فبايعوا من شئتم ، ونحن معاشر الأنصار نبايع سعد بن عبادة ، فلمّا سمع سعد ذلك ، قال : لا واللّه لا أبيع ديني بدنياي ، ولا أبدل الكفر بالأيمان ، ولا أكون خصماً لله ورسوله ، ولم يقبل ما اجتمعت عليه الأنصار ، فلمّا سمعت الأنصار قول سعد سكتت ، وقوي أمر أبي بكر .

وقال آخرون : دعوى سعد الخلافة أمر كاد أن يبلغ أو بلغ حدّ التواتر ، وكتب السير ناطقة بأنّ الأنصار هم الذين سبقوا المهاجرين إلى دعوى الخلافة ، فلم يتمّ لهم الأمر ، وما زعمه بعضهم خلاف المشهور .

فقد روى أبو جعفر محمّد ابن جرير الطبري في التاريخ : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لمّا قبض ، اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة ، وأخرجوا سعد بن عبادة ليولّوه الخلافة وكان مريضاً ، فخطبهم ودعاهم إلى إعطاء الرياسة والخلافة ، فأجابوه ثمّ ترادد الكلام ، فقالوا : فإن أبى المهاجرون وقالوا : نحن أولياؤه وعترته ؟

فقال قوم من الأنصار نقول : منّا أمير ومنكم أمير ، فقال سعد : فهذا أوّل الوهن ، وسمع عمر الخبر فأتى منزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وفيه أبو بكر ، فأرسل إليه أن أخرج إلي ، فأرسل أنّي مشغول ، فأرسل إليه عمر أخرج فقد حدث أمر لابدّ من أن تحضره ، فخرج فأعلمه الخبر ، فمضيا مسرعين نحوهم ، ومعهما أبو عبيدة فتكلّم أبو بكر ، فذكر قرب المهاجرين من رسول اللّه ، وإنّهم أولياؤه وعترته ، ثمّ قال : نحن الأمراء وأنتم الوزراء ، لا نفتات عنكم بمشورة ، ولا نقضي دونكم الأُمور ... .

فقال اسيد بن حضير رئيس الأوس لأصحابه : واللّه لئن لم تبايعوه ليكون للخزرج عليكم الفضيلة ، فقاموا فبايعوا أبا بكر ، فأنكر على سعد بن عبادة والخزرج ما اجتمعوا عليه ، وأقبل الناس يبايعون أبا بكر من كلّ جانب ، ثمّ حمل سعد بن عبادة إلى داره ، فبقى أيّاماً وأرسل إليه أبو بكر ليبايع ، فقال :

ص: 383

لا واللّه حتّى أرميكم بما في كنانتي ، وأخضب سنان رمحي ، واضرب بسيفي ما أطاعني ، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن تبعني ، ولو اجتمع معكم الجنّ والأنس ما بايعتكم ، حتّى أعرض على ربّي .

فقال عمر : لا ندعه حتّى يبايع .

فقال بشير بن سعد : إنّه قد لجّ وليس بمبايع لكم حتّى يقتل ، وليس بمقتول حتّى يقتل معه أهل بيته ، وطائفة من عشيرته ، ولا يضركم تركه ، إنّما هو رجل واحد فاتركوه ، وجاءت أسلم فبايعت ، فقوى بهم جانب أبي بكر وبايعه الناس ... » (1) .

وقال السيّد علي البروجردي : « سعد بن عبادة ، في المجالس ما يظهر منه جلالته ، وأنّه ما كان يريد الخلافة لنفسه بل لعلي عليه السلام ، وقد ورد في السير مدحه وتبجيله ، إلّا أنّه روي عن علي عليه السلام : « أوّل من جرّأ الناس علينا سعد ، فتح باباً ولجه غيره ، وأضرم ناراً لهبها عليه وضوءها لأعدائه » .

وفي كتاب المجالس : العجب أنّهم يجعلون ذنب سعد بوله قائماً ، ويذكر البخاري في صحيحه ذلك من السنن النبوية .

أقول : وقد نقل عن البلاذري في تاريخه : أنّ عمر بعث محمّد بن مسلمة الأنصاري ، وخالد بن الوليد من المدينة ليقتلاه ، فرمى إليه كلّ منهما سهماً فقتلاه .

وفي روضة الصفا أنّه بتحريك بعض الأعاظم .

فالنقل المذكور بأنّه قتلته طائفة من الجنّ من الأراجيف والأباطيل التي كانت عادتهم على ذكرها ... .

وعن محكي كتاب الاستيعاب : كان عقبياً نقيباً سيّداً جواداً مقدّماً وجيهاً ، له سيادة ورئاسة ، يعترف له قومه بها ، وتخلّف عن بيعة أبي بكر ، وخرج من .

ص: 384


1- الدرجات الرفيعة : 325 .

المدينة ولم يرجع إليها ، إلى أن مات بحوران من أرض الشام » (1) .

« ... - سنّي - ... »

ابن أبي الحديد والقندوزي ليسا من الشيعة :

س : ملاحظة : ولكنّني تعجبت من أمر كيف خفي عليك ، وهو أنّك وفي ضوء استشهادك بكتب أهل السنّة ، قد اختلط عليك أمر مهمّ ، وهو أنّك ذكرت مصادر لعلماء لا يعدّون من أهل السنّة ، بل ربما عدّوا من الشيعة ، وهذا - كما تعلم - لا يصحّ في مقام الاستدلال على المحاور المخالف ، لاحظ أخي ما يلي :

قلت أنت : ويكفي في المقام ما يشير إليه ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدّمة شرحه لنهج البلاغة ، إذ يعترف بالصراحة بأفضلية الإمام عليه السلام عليهما ، وعلى غيرهما بعبارة : الحمد لله الذي قدّم المفضول على الأفضل ... .

واسمح لي أن أقول : بأنّ ابن أبي الحديد ، لم يكن من أهل السنّة ، بل كان شيعياً مغالياً ، ثمّ تحوّل إلى معتزلي ، وإليك بيان ذلك من قول أحد علماء الشيعة :

قال شيخكم الخوانساري : عزّ الدين عبد الحميد بن أبي الحسين بهاء الدين محمّد بن محمّد بن الحسين بن أبي الحديد المدايني ، صاحب شرح نهج البلاغة المشهور ، وهو من أكابر الفضلاء المتتبّعين ، وأعاظم النبلاء المتبحّرين ، موالياً لأهل العصمة والطهارة ... ، وحسب الدلالة على علوّ منزلته في الدين ، وغلوّه في أمير المؤمنين عليه السلام شرحه الشريف ، الجامع لكلّ نفيسة وغريب ، والحاوي لكلّ نافحة ذات طيب (2) .

وأيضاً استشهدت بكتاب « ينابيع المودّة » ، وأقول : مؤلّفه هو سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي ، المتوفّى سنة 1294 هجرية .

ص: 385


1- طرائف المقال 2 / 86 .
2- روضات الجنات 5 / 20 .

من يتأمّل كتابه يعلم أنّ مؤلّفه شيعي ، وإن لم يصرّح علماء الشيعة بذلك ، لكن آقا بزرك الطهراني عدّ كتابه هذا من مصنّفات الشيعة ، في كتابه « الذريعة إلى تصانيف الشيعة » (1) ، ولعلّ من مظاهر كونه من الشيعة ، ما ذكره في كتابه « ينابيع المودّة » عن جعفر الصادق عن آبائه عليهم السلام ، قال : « كان علي عليه السلام يرى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قبل الرسالة الضوء ويسمع الصوت ، وقال له : لولا أنّي خاتم الأنبياء لكنت شريكاً في النبوّة ، فإن لم تكن نبيّاً ، فإنّك وصيّ نبيّ ووارثه ، بل أنت سيّد الأوصياء وإمام الأتقياء » (2) .

وروى عن جابر ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أنا سيّد النبيين وعلي سيّد الوصيين ، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر ، أوّلهم علي ، وأخرهم القائم المهدي » (3) .

وعن جابر أيضاً قوله : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يا جابر إنّ أوصيائي وأئمّة المسلمين من بعدي أوّلهم علي ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمّد بن علي ، المعروف بالباقر - ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فأقرأه منّي السلام - ثمّ جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ علي بن موسى ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ علي بن محمّد ، ثمّ الحسن بن علي ، ثمّ القائم ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، محمّد بن الحسن بن علي ، ذاك الذي يفتح اللّه تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة ، لا يثبت على القول بإمامته إلّا من امتحن اللّه قلبه للإيمان » (4) .

فإنّ من يروي مثل هذه الروايات لا يمكن أن يكون سنّياً .

ج : أمّا قولك أنّ ابن أبي الحديد شيعي المذهب ، فهذا غير صحيح لعدّة أُمور : .

ص: 386


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة 25 / 290 .
2- ينابيع المودّة 1 / 239 .
3- المصدر السابق 3 / 291 .
4- المصدر السابق 3 / 399 .

الأوّل : ما يذكره من الردّ على السيّد المرتضى ، ودِفاعه عن خلافة الخلفاء الثلاثة ، وأنّها خلافة شرعية ، قول لا يقوله شيعي ، فضلاً عن أن يقوله مغالي في علي عليه السلام ، فهل أنّ المغالي في علي عليه السلام يدفع الخلافة عنه إلى غيره ؟ أو يثبتها له بمقتضى غلوّه ؟ راجع بداية « شرح نهج البلاغة » تجد هذا الكلام .

الثاني : تصريحه بأنّه ليس بشيعي وإمامي ، وذلك عندما قال في معرض شرحه على الخطبة الشقشقية ، بعد أن ذكر : « أمّا الإمامية من الشيعة فتجري هذه الألفاظ على ظواهرها ، وتذهب إلى أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله نصّ على أمير المؤمنين عليه السلام ، وأنّه غصب حقّه .

وأمّا أصحابنا ... » (1) .

فلاحظ هنا : ذكر نفسه وأصحابه مقابل الإمامية ، بل تبرّأ من قول الإمامية ، فأين الغلوّ ؟ بل أين التشيّع ؟ فضلاً عن الغلوّ .

الثالث : قوله : « وتزعم الشيعة أنّ رسول اللّه ... ، وهذا عندي غير منقدح » (2) .

فلو كان شيعياً ، لما أخرج نفسه عن معتقد الإمامية وقال : « وهذا عندي غير منقدح » .

الرابع : قوله : « فإن قلت : هذا نصّ صريح في الإمامة ، فما الذي تصنع المعتزلة بذلك » ؟

قلت : يجوز أن يريد أنّه إمامهم - أي علي عليه السلام - في الفتاوى والأحكام الشرعية ، لا في الخلافة (3) .

فهنا ابن أبي الحديد ، يدفع قول من يقول بأنّ خلافة علي عليه السلام بالنصّ ، مع أنّ نكران النصّ على إمامة علي ليس من معتقدات الشيعة ، فضلاً عن الغلاة .

وهناك الكثير من تلك القرائن ، فراجع شرح النهج ، وخصوصاً في الأجزاء الأربعة الأول . .

ص: 387


1- شرح نهج البلاغة 1 / 157 .
2- المصدر السابق 1 / 161 .
3- المصدر السابق 3 / 98 .

فإن قلت : إذاً على ماذا تحمل كلام الخونساري ؟

قلنا : إنّ الخوانساري صرّح بكونه من علماء أهل السنّة ، ولكن للأسف لم تنقل تمام كلامه ، بل قمت بالتقطيع وحذف الكلمات التي لا تعجبك حتّى تضلّل على الناس ، كما هي عادة أسلافك من الوهّابيين .

وننقل نصّ كلام الخونساري حول ابن أبي الحديد ، والقارئ هو الذي يحكم بيننا .

« الشيخ الكامل الأديب المؤرّخ عزّ الدين عبد الحميد بن أبي الحسين بهاء الدين محمّد بن الحسين بن أبي الحديد المدايني الحكيم الأُصولي المعتزلي ، المعروف بابن أبي الحديد .

صاحب شرح نهج البلاغة المشهور ، هو من أكابر الفضلاء المتتبّعين ، وأعاظم النبلاء المتبحّرين ، موالياً لأهل بيت العصمة والطهارة ، وإن كان في زيّ أهل السنّة والجماعة ، منصفاً غاية الإنصاف في المحاكمة بين الفريقين ، ومعترفاً في ذلك المصاف بأنّ الحقّ يدور مع والد الحسنين ، رأيته بين علماء العامّة بمنزلة عمر بن عبد العزيز الأموي بين خلفائهم ... » .

ثمّ على فرض أنّه عدّه من علماء الشيعة فهنا قد اعتمد على حدسه واجتهاده ، ومِن الواضح أنّه في مجال التراجم لا يُعتمد على النقل ، فيما لو كان منشأه الحدس والاجتهاد ، بل على ما كان منشأه الحسّ ، وقد تقدّم فيما ذكرناه لك من القرائن الأربعة ما يؤكّد أنّ الخوانساري اعتمد على حدسه ، ولا يُتبع في ذلك ، ثمّ إنّ الخوانساري لم يصرّح بأنّه من الإمامية ، وإنّما قال : إنّه موالي ، وهي كلمة يمكن أن تأوّل .

وفي الختام : نودُّ أن نبيّن : أنّ هناك فرقاً بين الشيعي والمحبّ ، فإنّ الشيعي من يتّبع ويقفو أثر الأئمّة عليهم السلام ، وأمّا المحبّ فهو من لا يبغض آل محمّد عليهم السلام ، وسنذكر لك بعض الذين يحبّون آل محمّد إلّا أنّهم ليسوا بشيعة .

ونرجو التوجّه إلى شيء : وهو أنّ إلصاق تهمة الرفض والتشيّع لكلّ من

ص: 388

يذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام حتّى ترد رواياتهم منهجاً قديماً اتخذه الكثير من أصحاب الرجال ، وهو لا يخفى على من مارس كتبهم ، ولا يسع المجال لبسط الكلام فيه ، ولكن خذ هذه القاعدة ، وقس عليها كلّ ما يرد عليك من أمثال ما ذكرت في سؤالك .

وأمّا في قولك : بأنّ صاحب كتاب ينابيع المودّة شيعي ، فهو أيضاً غير ثابت ، لبطلان الدليلين اللذين تقدّمت بهما .

أمّا الأوّل : وهو أنّه ذكر في كتاب الذريعة ، وكلّ مَن ذكر في الذريعة ، فهو شيعي ، إذاً فالقندوزي شيعي .

والجواب عن هذا القياس الذي أضمرت كبراه : بأنّا نمنع الكبرى ، بدليل أنّ الطهراني ذكر من كان صابئياً ، فضلاً عمّن كان سنّياً ، فحول كتاب التاجي ، قال صاحب الذريعة ما نصّه : « كتاب التاجي : المؤلّف باسم عضد الدولة المعروف بتاج الملّة ، ألّفه أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي ، المتوفّى 384 ، وهو صابئي ... » (1) .

وأيضاً ذكر من علماء العامّة ، صاحب « فرائد السمطين » ، حيث قال : « للحمويني من العامّة » (2) .

فمع اعترافه بأنّه من العامّة ، ومع ذلك يذكر كتابه ، وذلك لأنّ الطهراني أورد في كتابه الكثير من كتب أهل السنّة ، التي روت فضائل أهل البيت عليهم السلام ، أو شروح نهج البلاغة لعلماء أهل السنّة ، وإن كان عنوان الكتاب يدلّ على أنّ الكتاب مختصّ بالمؤلّفين الشيعة ، ولكنّه ذكر بعض الكتب التي تصبّ في أهل البيت عليهم السلام ، وإن كان مؤلّفوها من علماء السنّة ، وذلك من باب المسامحة والتجوّز . .

ص: 389


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة 3 / 211 .
2- المصدر السابق 16 / 136 .

وأمّا الثاني : وهو أنّ الذي يروي هذه الروايات لا يكون سنّياً فهذا غير مطّرد ، فهناك الكثير من أهل السنّة المعتدلين غير المتعصّبين قد ذكروا فضائل أهل البيت عليهم السلام ، ونقلوا تلك الروايات ، نذكر منهم :

1 - محمّد بن إدريس الشافعي صاحب كتاب الأُم ، ذكر في حبّه لآل محمّد عليهم السلام ما نصّه :

« إن كان رفضاً حبّ آل محمّد *** فليشهد الثقلان أنّي رافضي (1) »

ومع هذا القول ، هل يمكن لأحد أن يقول بتشيّعه ؟

2 - من الذين نقلوا حديث الثقلين بلفظ وعترتي ، لا بلفظ وسنّتي :

1 - عبد اللّه بن محمّد بن عبد العزيز البغوي ، وهو من علماء أهل السنّة ، كما نصّ على ذلك من ترجمه (2) .

2 - الحسين بن إسماعيل أبو عبد اللّه الضبّي المحاملي ، وهو من علماء أهل السنّة ، كما نصّ على ذلك من ترجمه (3) .

3 - دعلج بن أحمد السجزي ، أخرج روايته لحديث الثقلين الحاكم النيسابوي (4) ، وهو من علماء أهل السنّة ، كما نصّ على ذلك من ترجمه (5) .

4 - الحاكم النيسابوري في مستدركه (6) ، وهو من علماء أهل السنّة ، كما نصّ على ذلك من ترجمه (7) .

5 - أبو إسحاق أحمد بن محمّد الثعلبي في تفسيره لقوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا .

ص: 390


1- تاريخ مدينة دمشق 9 / 20 و 51 / 317 ، سير أعلام النبلاء 10 / 58 .
2- لسان الميزان 3 / 338 .
3- تاريخ بغداد 8 / 19 .
4- المستدرك على الصحيحين 3 / 109 .
5- الأعلام 2 / 340 ، تذكرة الحفّاظ 3 / 881 .
6- المستدرك على الصحيحين 3 / 109 .
7- تذكرة الحفّاظ 3 / 1039 .

بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) (1) في كتاب الكشف والبيان ، وهو من علماء أهل السنّة ، كما نصّ على ذلك من ترجمه (2) .

وإن شئت ذكرنا لك الكثير منهم ، وهذا لا يدلّ على تشيّعهم ، بل هم فقط نقلوا لنا ذلك ، نعم لو صرّحوا بأنّ هذا مذهبنا ، أو هو مذهب أصحابنا ، لدلّ على أنّهم شيعة .

« ناجي - الكويت - 36 سنة »

ترجمة المغيرة بن شعبة :

س : أُريد ترجمة المغيرة بن شعبة مع المصادر .

ج : ولد المغيرة بن شعبة الثقفي سنة عشرين قبل الهجرة ، ومات في الكوفة ، ودفن فيها سنة خمسين للهجرة ، وله سبعين سنة .

ولهذا عدّه الشيخ الطوسي قدس سره في رجاله في أصحاب الرسول صلى اللّه عليه وآله .

كان صاحب غدر ومكر ، ففي كتاب « الغارات » قال : ( ذكر عند علي عليه السلام وجدّه مع معاوية ، فقال عليه السلام : « وما المغيرة ، إنّما كان إسلامه لفجرة وغدرة لمطمئنين إليه من قومه فتك بهم ، وركبها منهم فهرب ، فأتى النبيّ صلى اللّه عليه وآله كالعائذ بالإسلام ، واللّه ما أرى أحد عليه منذ ادّعى الإسلام خضوعاً ولا خشوعاً ، ألا وأنّه كان من ثقيف فراعنة قبل يوم القيامة ، يجانبون الحقّ ، ويسعرون نيران الحرب ، ويوازرون الظالمين ... » ) (3) .

وعن الشعبي قال : « سمعت قبيصة بن جابر يقول : صحبت المغيرة بن شعبة ، فلو أنّ مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلّا بمكر ، لخرج من أبوابها كلّها » (4) .

ص: 391


1- آل عمران : 103 .
2- طبقات الشافعية الكبرى 2 / 380 ، سير أعلام النبلاء 17 / 435 .
3- الغارات 2 / 516 .
4- تاريخ مدينة دمشق 60 / 50 ، تهذيب الكمال 28 / 373 ، البداية والنهاية 5 / 359 .

كان صاحب فظّة وغلظة ، فقد جعله عمر على البحر والياً ، فكرهه الناس لسوء خلقه وتصرّفاته فعزله ، ثمّ جعله على البصرة والياً ، فبقي عليها ثلاث سنين ، ثمّ غضب عليه فعزله ، ثمّ جعله على الكوفة والياً .

فعن ابن سيرين : « كان الرجل يقول للآخر : غضب اللّه عليك كما غضب أمير المؤمنين على المغيرة عزله عن البصرة فولاه الكوفة » (1) .

كان صاحب رشوة ، ففي أُسد الغابة : « وأوّل من رشا في الإسلام ، أعطى يرفأ حاجب عمر شيئاً ، حتّى أدخله إلى دار عمر » (2) .

كان زانياً ومطلاقاً ، فعن قتادة : « إنّ أبا بكرة ، ونافع بن الحارث بن كلدة ، وشبل بن معبد ، شهدوا على المغيرة بن شعبة أنّهم رأوه يولجه ويخرجه ، وكان زياد رابعهم ، وهو الذي أفسد عليهم .

فأمّا الثلاثة فشهدوا بذلك ... فقال عمر حين رأى زياداً : إنّي لا أرى غلاماً كيّساً ، لا يقول إلّا حقّاً ، ولم يكن ليكتمني ، فقال : لم أر ما قالوا ، لكنّي رأيت ريبة ، وسمعت نفساً عالياً ، قال : فجلدهم عمر وخلا عن زياد » (3) .

قال ابن المبارك : « كان تحت المغيرة بن شعبة أربع نسوة ، قال : فصففن بين يديه ، وقال : إنّكن حسنات الأخلاق طويلات الأعناق ، ولكنّي رجل مطلاق ، أنتنّ طلاق » (4) .

عن ابن وهب : « سمعت مالك يقول : كان المغيرة بن شعبة نكّاحاً للنساء ، ... وكان ينكح أربعاً جميعاً ، ويطلقهن جميعاً » (5) .

وكان المغيرة يسبّ علياً عليه السلام ويلعنه ، ففي « تاريخ الطبري » : « وأقام المغيرة .

ص: 392


1- سير أعلام النبلاء 3 / 28 ، معجم البلدان 1 / 437 .
2- أُسد الغابة 4 / 407 .
3- تاريخ مدينة دمشق 60 / 33 ، أُسد الغابة 2 / 385 .
4- تاريخ مدينة دمشق 60 / 54 .
5- تاريخ مدينة دمشق 60 / 55 ، تهذيب الكمال 28 / 373 ، البداية والنهاية 5 / 360 .

على الكوفة عاملاً لمعاوية سبع سنين وأشهراً ، وهو من أحسن شيء سيرة ، وأشدّه حبّاً للعافية ، غير أنّه لا يدع ذمّ علي عليه السلام والوقوع فيه ، والعيب لقتلة عثمان ، واللعن لهم ... » (1) .

وعن عبد اللّه بن ظالم قال : « لما بويع لمعاوية أقام المغيرة بن شعبة خطباء يلعنون علياً عليه السلام » (2) .

وأمر - هو يومئذ أمير الكوفة من قبل معاوية - حجر بن عدي أن يقوم في الناس ، فيلعن علياً عليه السلام ، فأبى ذلك ، فتوعّده (3) .

وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من سبّ علياً فقد سبّني » ، وهذا الحديث قد صحّحه الهيثمي في « مجمع الزوائد » (4) ، وهكذا صحّحه الذهبي ، ورواه أحمد في مسنده وغيره (5) .

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أيضاً : « يا علي لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق » (6) وهو أيضاً حديث صحيح السند .

وهناك موارد كثيرة تدلّ على نفاق المغيرة .

منها : قد صرّح بنفاقه عثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، ففي الطبري - بعد .

ص: 393


1- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 188 .
2- شرح نهج البلاغة 13 / 230 ، البداية والنهاية 7 / 393 .
3- شرح نهج البلاغة 4 / 58 .
4- مجمع الزوائد 9 / 130 .
5- مسند أحمد 6 / 323 ، ذخائر العقبى : 66 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 121 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 133 ، خصائص أمير المؤمنين : 99 ، نظم درر السمطين : 105 ، الجامع الصغير 2 / 608 ، كنز العمّال 11 / 573 و 602 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 132 و 30 / 179 و 42 / 266 و 533 ، البداية والنهاية 7 / 391 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 250 و 294 ، ينابيع المودّة 1 / 152 و 2 / 102 و 156 و 274 و 395 .
6- مسند أحمد 1 / 95 و 128 ، مجمع الزوائد 9 / 133 ، فتح الباري 1 / 60 و 7 / 58 ، شرح نهج البلاغة 13 / 251 ، تاريخ بغداد 8 / 416 و 14 / 426 ، أُسد الغابة 4 / 26 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 10 .

ذكر إنكار الناس على عثمان توليه ابن عامر - فقال عثمان : « وولّيت شبيهاً بمن كان عمر يولّي ، أنشدك اللّه يا علي ، هل تعلم أنّ المغيرة بن شعبة ليس هناك ؟ قال : « نعم » ، قال : فتعلم أنّ عمر ولاه ؟ قال : « نعم » ، قال : فلم تلومني أن ولّيت ابن عامر » (1) .

وذكر الطبري - بعد ذكر بيعة عبد الرحمن لعثمان - : « وقال المغيرة بن شعبة لعبد الرحمن : يا أبا محمّد قد أصبت إذ بايعت عثمان ، وقال لعثمان : لو بايع عبد الرحمن غيرك ما رضينا ، فقال عبد الرحمن : كذبت يا أعور لو بايعت غيره لبايعته ، ولقلت هذه المقالة » (2) .

وروى عنه أنّه قال : « وددت واللّه أنّي لو علمت ذلك ، إنّي واللّه ما رأيت عثمان مصيباً ، ولا رأيت قتله صواباً » (3) .

وقال فيه الإمام علي عليه السلام : « فإنّه واللّه دائباً يلبس الحقّ بالباطل ، ويموّه فيه ، ولن يتعلّق من الدين إلّا بما يوافق الدنيا ... » (4) .

وهو معدن كلّ شرّ ومنبعه ، فهو الذي أشار على أبي بكر وعمر على تصدّي الأمر حتّى يكون لأمثاله حظّ ، كما أنّه أشار عليهما بجعل نصيب للعباس لتضعيف أمر أمير المؤمنين عليه السلام ، وأشار على معاوية باستلحاق زياد به حتّى يكمل استيلاؤه ، وأشار عليه باستخلافه ابنه السكّير ، لئلا يعزله معاوية عن الإمارة .

وقال ابن الأثير : ( وكان المغيرة يدّعي أنّه ألقى خاتمه في قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فنزل ليأخذه ، فكان آخرهم عهداً برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولم يصحّ ذلك ، ولم يحضر دفنه فضلاً عن أن يكون آخرهم عهداً به ، وسئل علي عليه السلام عن قول المغيرة ، فقال : « كذب آخرنا عهداً به قثم ... » ) (5) . .

ص: 394


1- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 376 .
2- المصدر السابق 3 / 298 .
3- تاريخ مدينة دمشق 60 / 44 .
4- الأمالي للشيخ المفيد : 218 .
5- أُسد الغابة 1 / 34 .

« حمد - قطر - 21 سنة - طالب جامعة »

تقييمنا للصحيحين :

س : رغم اطلاعي على عشرات بل ربما المئات من مواقع الشيعة المتميّزة ، ولكنّي أجد نفسي مأسوراً لموقعكم ، وكلّ مرّة أدخله أشعر أنّني أدخله للمرّة الأُولى ، ونسأل اللّه لكم التوفيق في خدمة الإسلام والمسلمين ومذهب الحقّ ، مذهب أهل البيت عليهم السلام .

سؤالي : ما هو موقف الشيعة الإمامية من الصحيحين البخاري ومسلم ؟ وكتب الحديث الأُخرى ؟ أرجو التوضيح .

ج : إنّ لتقييم صحيحي البخاري ومسلم مجالاً واسعاً ويحتاج إلى بحث طويل ، ولكن نذكر هنا بعض النقاط المسجلّة عليهما ، وتشترك الصحاح الأُخرى معها في بعضها :

1 - ضعف بعض رجال الصحيحين ، وأنّهم غير موثقين في علم الرجال .

2 - العصبية الشديدة التي تحلّى بها مؤلّفا الكتابين .

3 - الفترة الزمنية الطويلة الممتدّة بين زمن صدور الحديث وتاريخ تدوينه ، مع النظر إلى دواعي وأسباب الجعل والوضع .

4 - تقطيع بعض الأحاديث عند البخاري تمشياً لذوقه ورأيه .

5 - النقل بالمعنى ، كما يلاحظ في صحيح البخاري .

6 - تتميم وتكميل صحيح البخاري بوسيلة الآخرين .

7 - ملاحظة كثرة الأحاديث المخالفة للأدلّة العقلية والدينية فيهما .

وللإطلاع على تفاصيل هذه النقاط ، راجع كتاب « أضواء على الصحيحين » للشيخ محمّد صادق النجمي .

مع ملاحظة أنّ بعض علماء ومحقّقي أهل السنّة يتّفقون معنا في الرأي ، بل بعضهم طعنوا في شخص البخاري ومسلم ، ولكن أنّى لأصواتهم أن يصل إلى الأسماع تحت هذه الضوضاء المتعمّدة !

ويمكنك مراجعة كتيب : « البخاري وصحيحه » للشيخ حسين غيب غلامي ،

ص: 395

الموجود على صفحتنا ، وأيضاً يفيدك الرجوع إلى كتاب « نظرة عابرة إلى الصحاح الستة » لعبد الصمد شاكر .

« أبو ياسين - الكويت - 24 سنة »

موقف الشيعة من عمر بن عبد العزيز :

س : جزاكم اللّه خير الجزاء على هذا المجهود العظيم ، الذي تبذلونه في سبيل إعلاء كلمة الحقّ ، والدفاع عن مذهبنا الطاهر بموالاة الرسول وآل بيته عليهم السلام .

إخواني لي سؤال عن هذه الفقرة التالية :

جاء في كتاب « الخرائج والجرائح » ، قال أبو بصير : ( كنت مع الباقر عليه السلام في المسجد ، إذ دخل عليه عمر بن عبد العزيز ، عليه ثوبان ممصران ، متكئاً على مولى له ، فقال عليه السلام : « ليلين هذا الغلام ، فيظهر العدل ، ويعيش أربع سنين ثمّ يموت ، فيبكي عليه أهل الأرض ، ويلعنه أهل السماء » فقلنا : يا ابن رسول اللّه ، أليس ذكرت عدله وإنصافه ؟ قال : « يجلس في مجلسنا ، ولا حقّ له فيه ، ثمّ ملك وأظهر العدل جهده » ) (1) .

السؤال هو : ما هو موقفنا نحن الشيعة من الخليفة عمر بن عبد العزيز ؟ وهل هذا الحديث المنقول عن الباقر عليه السلام صحيح أم لا ؟ وإذا كان صحيحاً هل معناه أن لا نترّحم على هذا الخليفة ؟ وما سبب رأي الإمام عليه السلام به - أي بالخليفة - هذا ولكم جزيل الشكر .

ج : إنّ موقف الشيعة من جميع الخلفاء واحد ، فكلّهم يشتركون في اغتصابهم للخلافة ، التي هي حقّ من حقوق الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، ولا يختلف في ذلك سواء اظهروا العدل ، أو اظهروا الجور ، فكلّهم يستحقّون العذاب الأليم يوم القيامة ، ومن قضى بين المسلمين بحقّ ، وهو ليس أهلاً للقضاء

ص: 396


1- الخرائج والجرائح 1 / 276 .

والحكم بين المسلمين فهو في النار ، كما ورد في معنى بعض الروايات .

ولا يخفى عليك أنّ اللعن ورد على آل مروان كما في زيارة عاشوراء ، وعن الإمام الصادق عليه السلام في حديث طويل ، يصف بها النار ومن يدخلها ، فيقول عليه السلام : « وهذا الباب الآخر يدخل منه بنو أُمية لأنّه هو لأبي سفيان ومعاوية وآل مروان خاصّة ، يدخلون من ذلك الباب فتحطّمهم النار حطماً ، لا تسمع لهم فيها واعية ، ولا يحيون فيها ولا يموتون » (1) ، وقد ورد أنّ الشجرة الملعونة في القرآن هي بنو أُمية وآل مروان .

والإمام ذكر في نهاية الحديث المعني ما يوضّح سبب قوله ذلك ، وهو جلوس عمر في مجلسهم الذي خصّهم اللّه به ، ولكن ذكر حقيقة عمر بن عبد العزيز على لسان الأئمّة عليهم السلام لا يختصّ بهذه الرواية ، فغيرها كثير ، فأنظر مثلاً « دلائل الإمامة » للطبري الشيعي ، و « الصراط المستقيم » ، و « بصائر الدرجات » ، و « الثاقب في المناقب » ، و « الخرائج والجرائح » ، وغيرها من المصادر .

« ... - ... - ... »

مصادر كشف عمرو بن العاص لعورته :

س : أقوم بمناظرة مع أحد الطلبة السنّة ، وقد ذكرت له حادثة مبارزة الإمام علي عليه السلام مع عمرو بن العاص ، وأنّ الأخير كشف عن عورته للفرار ، فلم يصدّق ، وطلب منّي الدليل من كتب التاريخ السنّية ، فأرجو إعطائي المصادر ، ورقم الصفحات إن أمكن .

ج : قال البيهقي : « دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ناس ، فلمّا رآه مقبلاً استضحك ، فقال يا أمير المؤمنين : اضحكَ اللّه سنك وأدامَ سرورك ، وأقرَّ عينك ، ما كلّ ما أرى يوجب الضحك ؟ فقال معاوية : خطر ببالي يوم صفّين ، يوم بارزتَ أهلَ العراق ، فحَمَل عليك علي بن أبي طالب ، فلمّا غشيكَ

ص: 397


1- الخصال : 361 .

طرحتَ نفسكَ عن دابتك ، وأبديتَ عورتكَ ، كيف حضرك ذهنك في تلك الحال ؟ أما واللّه لقد واقفت هاشمياً منافياً ، ولو شاء أن يقتلك لقتلك ... » (1) .

وذكرت هذا المعنى عدّة مصادر سنّية معتبرة أُخرى (2) .

« أبو علي - أمريكا - 21 سنة - طالب جامعة »

الزبير محاسب على أفعاله :

س : لديّ سؤال ، وأتمنّى منكم الإجابة ، أفادكم اللّه .

ما هو رأي مدرسة آل البيت عليهم السلام في الزبير ابن عمّة الرسول صلى اللّه عليه وآله ؟ وهل توقّف عن مقاتلة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في واقعة الجمل ؟ جزاكم اللّه عنّا وعنكم خير الجزاء ، نسألكم الدعاء .

ج : قبل وقوع معركة الجمل خرج الإمام علي عليه السلام لطلب الزبير ، وحدّثه عن خروجه ، وما هو عذره أمام اللّه في ذلك الخروج ، وذكّره بحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه يقاتل علياً فرجع الزبير ، وقيل : أنّه رجع نادماً على فعلته ، ورجع أمير المؤمنين عليه السلام مسروراً ، وقيل : أنّ سبب ندم الزبير وعودته عن القتال هو معرفته أنّ عمّار بن ياسر مع علي عليه السلام ، وهو يعلم أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « يا عمّار تقتلك الفئة الباغية » (3) .

ولكن هذا الندم وخروجه عن المعركة قد لا يكفي في نجاة الزبير من الحساب الشديد ، ويؤيّد ذلك ما ورد : « إنّ الزبير وقاتله في النار »(4) .

ص: 398


1- الغدير 2 / 163 عن المحاسن والمساوئ 1 / 38 .
2- أُنظر : عيون الأخبار 1 / 262 ، شرح نهج البلاغة 6 / 107 و 317 ، أنساب الأشراف : 305 ، جواهر المطالب 2 / 38 .
3- مسند أحمد 2 / 161 ، صحيح مسلم 8 / 186 ، الجامع الكبير 5 / 333 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 148 ، السنن الكبرى للبيهقي 8 / 189 ، مجمع الزوائد 7 / 242 ، فتح الباري 1 / 451 ، مسند أبي داود : 84 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 75 ، المعجم الكبير 1 / 320 ، الطبقات الكبرى 1 / 241 .
4- وقعة الجمل : 137 ، الأنوار العلوية : 215 .

أمّا ما ورد من الأحاديث التي تبشّر قاتل الزبير بالنار فقط ، دون الإشارة إلى مصير الزبير ، فذلك لأنّ قاتله كان مستحقّاً للنار من عدّة جهات ، بالإضافة إلى إعطائه الأمان للزبير وغدره به ، وقتله في أثناء الصلاة كما قيل ، وكان خروج قاتل الزبير على أمير المؤمنين عليه السلام يوم النهروان كاشفاً عن عدم إيمانه وتصديقه بأحقّية أمير المؤمنين عليه السلام ، وما كان قتله للزبير إلّا بدوافع شخصية .

والمحصّل من كلّ هذا : إنّ قاتل الزبير وإن كان مستحقّاً للنار ، لكن الزبير يبقى أيضاً محاسباً عن أفعاله ، وبالخصوص خروجه على أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان عليه لتحقيق التوبة إرجاع الجيش عن محاربة أمير المؤمنين عليه السلام ، أو المحاولة على الأقلّ ، بل يجب عليه المقاتلة مع أمير المؤمنين عليه السلام ، كما فعل الحرّ بن يزيد الرياحيّ مع الإمام الحسين عليه السلام .

« يعقوب الشمّري - اسكتلندا - 18 سنة - طالب »

مذهب اليعقوبي والأصفهاني والمسعودي :

س : هل صحيح أنّ كلّ من الكتب التالية : تاريخ اليعقوبي ، مقاتل الطالبيين ، تاريخ المسعودي ، تعتبر مصادر شيعية ؟

ج : الكتب الثلاثة المذكورة هي كتب تاريخ وسير ومقاتل ، فيرد فيها الغثّ والثمين ، ولابدّ من تمحيصها أو تمحيص الخبر والحديث المنقول قبل الاعتماد عليه والركون إليه .

على أنّ اليعقوبي لم يثبت تشيّعه ، وأبا الفرج الأصفهاني كان زيدي المذهب ومرواني النسب .

وأمّا المسعودي فبما أنّ السبكي ذكره في طبقاته (1) ، فلذا يعدّ من علماء العامّة ؛ ومن جانب آخر بما أنّه صاحب كتاب إثبات الوصية لأمير المؤمنين عليه السلام ، فيحتمل قويّاً أن يكون من الشيعة .

ص: 399


1- طبقات الشافعية الكبرى 2 / 323 .

وبالجملة ، لا يخفى أنّ مبنى الشيعة في العمل بما في الكتب والأخبار والأحاديث هو : البحث السندي أوّلاً ، ثمّ البحث الدلالي ، ولا يشذّ من هذه القاعدة أيّ كتاب وتصنيف إلّا القرآن الكريم .

« كرّار أحمد المصطفى - الكويت - 19 سنة - طالب جامعة ومبلّغ دين »

ما نسب إلى حجر بن عدي مفتعل :

س : هل كان حجر بن عدي هو صاحب مقولة : السلام عليك يا مذلّ المؤمنين للإمام الحسن عليه السلام ؟ وعلى اعتبار صحّة هذا الكلام ألا يكون ذلك من أخطائه الفادحة التي تخرجه من ملّة الشيعة ؟ حيث من أهمّ شروط الانتساب للتشيّع الاعتقاد بأنّ الحسن المجتبى عليه السلام إمام مفترض الطاعة ، خصوصاً وأنّنا نعتبر هذا الصحابي من خلّص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام .

ودمتم موفّقين لخدمة محمّد وآل محمّد عليهم السلام .

ج : ورد في بعض الكتب غير المعتبرة هذا القول منسوباً إلى حجر بن عدي بسند مرسل وضعيف ، لوجود ثقيف البكّاء المجهول ، أو غير الموثّق فيه .

ومضافاً إلى عدم حجّية النسبة المذكورة - لوهن سندها من جهتين - نجد عامّة المصادر من الفريقين تصرّح بأنّ القائل لهذه المقولة هو شخص آخر ، وفي أكثرها أنّه سفيان بن أبي ليلى (1) .

على أنّ العبارة المذكورة لا تليق أن تنسب إلى أيّ شخص من شيعة الإمام عليه السلام ، فكيف يعقل أن تصدر ممن ثبت أنّه من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، والإمام الحسن عليه السلام ، وهو الذي قتل صبراً لولائه ؟!

ص: 400


1- أُنظر : مناقب أمير المؤمنين 2 / 128 و 315 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 175 ، اختيار معرفة الرجال 1 / 327 ، الاختصاص : 82 ، مقاتل الطالبين : 44 ، شرح نهج البلاغة 16 / 16 و 44 ، ذخائر العقبى : 139 ، شواهد التنزيل 2 / 457 ، نقد الرجال 2 / 332 ، جامع الرواة 1 / 365 ، تاريخ بغداد 10 / 305 ، تاريخ مدينة دمشق 13 / 279 ، تهذيب الكمال 6 / 250 ، وغيرها من المصادر .

والنتيجة : إنّ النسبة المذكورة مفتعلة قطعاً ، وضعها بعض الأُمويين للنيل من كرامة هذا الصحابي الجليل المتفاني في الولاية .

« كرّار أحمد المصطفى - الكويت - 19 سنة - طالب جامعة ومبلّغ دين »

مكانة عبد اللّه بن جعفر ومحمّد بن الحنفية عندنا :

س : ما هي مكانة عبد اللّه بن جعفر ، ومحمّد بن الحنفية في وجداننا ؟ وهل هما مخلصان لأئمّة زمانهما ؟ ودمتم موفّقين لخدمة محمّد وآل محمّد عليهم السلام .

ج : إنّهما كانا من الموالين لخطّ أهل البيت عليهم السلام بلاشكّ ولا شبهة .

وأمّا الكلام فيهما من جهة عدم حضورهما في كربلاء ففيه وجوه وأقوال ، منها : أنّ تخلّفهما كان بأمر الإمام عليه السلام لمصالح شتّى .

ومنها : وجود المانع من مرض وغيره .

وعلى أيّ حال ، فلا إشكال في إخلاصهما وولائهما ؛ نعم من اليقين أنّ مكانتهما عند الشيعة وأئمّتها عليهم السلام لا تصل إلى مقام شهداء كربلاء ، الذين ضحّوا بكلّ غالٍ ونفيس في سبيل العقيدة ، وفدوا الإمام عليه السلام بأرواحهم وأجسامهم .

« السيّد محسن الميلاني - كندا - 25 سنة - طالب »

العباس يُعدّ في المرتبة الأُولى بعد المعصومين :

س : هل يمكن القول بأنّ مقام أبي الفضل العباس عليه السلام أعلى من كلّ من هم دون المعصومين الأربعة عشر ؟ أفيدونا مأجورين .

ج : إنّ المتتبّع لتاريخ حياة أبي الفضل عليه السلام يلمس بوضوح : بلوغ العباس بن علي عليهما السلام درجة عالية من الالتزام بالشريعة ، وطاعة أُولي الأمر ، المتمثّلين بالأئمّة المعصومين عليهم السلام ، بأن يوكل الإمام الحسين عليه السلام إليه مهمّة حمل رايته في واقعة

ص: 401

الطفّ ، وقيادة البيت الهاشمي في تلك المعركة .

وفي فقرات الزيارة الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام بسند معتبر - والتي يذكرها الشيخ القمّي قدس سره في مفاتيح الجنان - يلمس القارئ سمو منزلة أبي الفضل عليه السلام ، وشهادة المعصوم عليه السلام بحقّه في بلوغه مراتب عدّة ، كما هو المستفاد من هذه الفقرات : « أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والنصيحة لخلف النبيّ صلى اللّه عليه وآله » ، و « أشهد أنّك قتلت مظلوماً ، وأنّ اللّه منجز لكم ما وعدكم » ، و « أشهد وأشهد اللّه أنّك مضيت على ما مضى عليه البدريون والمجاهدون في سبيل اللّه » ، و « أشهد أنّك لم تهن ولم تنكل ، وأنّك مضيت على بصيرة من أمرك » .

وغيرها من الفقرات التي يستفاد منها : إنّ العباس عليه السلام يُعدّ في المرتبة الأُولى بعد المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام .

وأمّا تحديد هذه المرتبة ومقدارها فعلمها عند اللّه تعالى ، لأنّ العصمة لطف إلهيّ وملكة نفسانية ، لا يتسنّى الاطلاع عليها ، نعم يمكن للمعصوم أن يخبر عنها .

« إبراهيم حسين لمع - الكويت - 32 سنة - طالب جامعة »

الكتب الشيعية المعتبرة ونقلها للأحاديث الضعيفة :

س : كنت أتصفّح بعض مواقع إخواننا أهل السنّة ، والذين أقول عنهم إخواننا حتّى ولو كانت مواقعهم تكفّرنا ، وندعو لهم بالهداية .

قد أثاروا الكثير من الشبهات علينا - كتحريف القرآن ، ونوم الإمام علي عليه السلام في نفس الفراش مع عائشة والرسول صلى اللّه عليه وآله - .

ولكنّني بعد البحث وجدت ردوداً في مواقعنا على هذه الشبهات وهي مقنعة ، ففي معظم الأحيان فإنّ الروايات الواردة حتّى في الكافي حول هذا الموضوع هي روايات ضعيفة ، بل وغير معتبرة ، فإذا كانت كذلك لماذا تضمّنها هذا الكتاب القيّم ؟ ولم يتمّ إسقاطها منه ؟ آجركم اللّه .

ص: 402

ج : نحن لا ندّعي أن كتاب « الكافي » من الكتب التي لا يوجد فيها إلّا الصحيح من الحديث ، كما يدّعي أهل السنّة في بعض كتبهم - كالبخاري ومسلم - وأنّه لا يوجد فيها إلّا الصحيح من الحديث .

بل نقول : كلّ كتبنا حتّى المعتبرة منها - ككتاب الكافي - من المحتمل أن توجد فيه روايات ضعيفة ، أي لم نحرز فيها شرائط الحجّية ، لا بمعنى أنّها مكذوبة ومجعولة ومدسوسة وموضوعة ، والسبب في ذلك : إنّ كثير من المحدّثين لم يشترطوا في جمعهم أن يكون الحديث صحيحاً ، بل جمعوا من الأحاديث ما يعلمون أنّ بعضها مرسلاً ، أو أن أصحابها مجهولون ، وما إلى ذلك .

وعذرهم في ذلك هو : مادام يحتمل أن تكون الرواية صادرة عن الإمام عليه السلام فهم يدوّنوها ، ووزرها على من رواها ، وهو ليس مقصوراً على الشيعة ، وكذلك الحال في دلالة الروايات ، فإنّ المحدّثين وإن استبعدوا بعض الأحاديث ، فإنّهم أيضاً يدوّنونها مادام يحتمل من التغيّر والتأويل ما يجعل ذلك الحديث صحيحاً ، كما أنّ العلماء والمحدّثين لا يرون أنفسهم أنّهم أفقه الفقهاء في مضامين الأحاديث ، فإنّهم وإن لم يقبلوا بعض الأحاديث من جهة المضمون ، إلّا أنّهم ينقلونها إلى من هو أفقه قولاً منهم ، عملاً بقول الإمام الصادق عليه السلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « نضر اللّه عبداً سمع مقالتي فوعاها ، وبلّغها من لم تبلغه ، يا أيّها الناس ليبلّغ الشاهد الغائب ، فربّ حامل فقه ليس بفقيه ، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه » (1) .

ومن هنا فالبحث في صحّة وضعف بعض الأحاديث لم يتوقّف لحدّ الآن ، لأنّ جرح الرجال وتعديلهم ما يكون حسّي ، وما يكون حدسي اجتهادي ، ثمّ إنّ بعض الأحاديث لها معاضد ومؤيّد ، وبعضها يظهر لها طرق أُخرى ، ثمّ أنّ مباني تضعيف وتوثيق الرجال تختلف بين علماء الرجال ، وبالتتبع تصحّح أو تحسّن أو .

ص: 403


1- الكافي 1 / 403 .

تضعّف الأحاديث ، فلاحظ .

« عيسى سلمان - البحرين - 36 سنة - طالب ثانوية »

ترجمة المختار الثقفي وتاريخ ثورته :

س : من هو المختار ؟ ومتى كانت ثورته ؟

ج : قال ابن نما الحلّي حول المختار ما نصّه : « هو المختار بن أبي عبيدة بن مسعود بن عمير الثقفي ، وقال المرزباني : ابن عمير بن عقدة بن عنزة ، كنيته أبو إسحاق ، وكان أبو عبيدة والده يتنوّق في طلب النساء ، فذكر له نساء قومه ، فأبى أن يتزوّج منهن ، فأتاه آت في منامه ، فقال : تزوّج دومة الحسناء الحومة ، فما تسمع فيها للائم لومه ، فأخبر قومه ، فقالوا : قد أمرت ، فتزوّج دومة بنت وهب بن عمر بن معتب ، فلمّا حملت بالمختار ، قالت : رأيت في النوم قائلاً يقول :

ابشري بالولد *** أشبه شيء بالأسد

إذا الرجال في كبد *** تقاتلوا على بلد

كان له *** الحظّ الأشد

فلمّا وضعت أتاها ذلك الآتي فقال لها : إنّه قبل أن يترعرع ، وقبل أن يتشعشع ، قليل الهلع ، كثير التبع ، يدان بما صنع ... .

كان مولده في عام الهجرة ، وحضر مع أبيه وقعة قس الناطف ، وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وكان يتفلّت للقتال فيمنعه سعد بن مسعود عمّه ، فنشأ مقداماً شجاعاً لا يتّقي شيئاً ، وتعاطى معالي الأُمور ، وكان ذا عقل وافر ، وجواب حاضر ، وخلال مأثورة ، ونفس بالسخاء موفورة ، وفطرة تدرك الأشياء بفراستها ، وهمّه تعلو على الفراقد بنفاستها ، وحدس مصيب ، وكفّ في الحروب مجيب ، ومارس التجارب فحنكته ، ولابس الخطوب فهذّبته .

وروي عن الأصبغ بن نباتة أنّه قال : رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين عليه السلام ،

ص: 404

وهو يمسح رأسه ويقول : « يا كيّس يا كيّس » ، فسمّي كيسان ... » (1) .

وقد اختلفت الروايات عنه ، فمنها مادحة ، ومنها ذامّة ، فمن المادحة : ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : « لا تسبّوا المختار ، فإنّه قتل قتلتنا ، وطلب بثأرنا ، وزوّج أراملنا ، وقسّم فينا المال على العسرة » (2) .

وكذلك ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام لابن المختار لمّا سأله عن أبيه ، فقال عليه السلام : « سبحان اللّه ، أخبرني أبي واللّه أنّ مهر أُمّي ممّا بعث به المختار ، أولم يبن دورنا ؟ وقتل قاتلنا ؟ وطلب بدمائنا ، فرحمه اللّه ... ما ترك لنا حقّاً عند أحد إلّا طلبه ... » (3) .

أمّا الروايات الذامّة : فمنها ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « كان المختار يكذب على علي بن الحسين عليهما السلام » (4) ، وكذلك ما ورد عن علي بن الحسين عليهما السلام رفضه لإحدى هداياه ، وقوله عليه السلام لرسل المختار : « أميطوا عن بابي ، فإنّي لا أقبل هدايا الكذّابين ، ولا أقرأ كتبهم » (5) .

والروايات الذامّة للمختار ضعيفة السند جدّاً ، كما ذكر السيد الخوئي في معجمه (6) ، وقال أيضاً : « ويكفي في حسن حال المختار إدخاله السرور على قلوب أهل البيت عليهم السلام بقتله قتلة الحسين عليه السلام ، وهذه خدمة عظيمة لأهل البيت عليهم السلام ، يستحقّ بها الجزاء من قبلهم » (7) .

أمّا ثورة المختار ، فقد كانت ليلة الأربعاء لأربع عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر ، سنة ست وستين (8) . .

ص: 405


1- ذوب النضار : 59 .
2- اختيار معرفة الرجال 1 / 340 ، خلاصة الأقوال : 276 ، رجال ابن داود : 277 .
3- اختيار معرفة الرجال 1 / 340 ، رجال ابن داود : 277 .
4- اختيار معرفة الرجال 1 / 340 ، رجال ابن داود : 277 .
5- اختيار معرفة الرجال 1 / 341 ، رجال ابن داود : 277 .
6- معجم رجال الحديث 19 / 105 .
7- المصدر السابق 19 / 108 .
8- الأمالي للشيخ الطوسي : 240 .

« ... - ... - ... »

خولة والدة محمّد بن الحنفية :

س : أرجو أن تسعفوني بإعطائي معلومات عن والدة محمّد بن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام المعروف بمحمّد بن الحنفية ، وهل هي من قوم مالك بن نويرة ؟

ج : ليست أُمّه من قوم مالك بن نويرة وسبيه ، بل في تزوّج الإمام عليه السلام منها عدّة روايات ، ليس فيها واحدة بأنّها من قوم مالك ، وإليك بعضها :

1 - إنّها من سبي اليمامة في عهد أبي بكر .

قال الذهبي : « وأُمّه من سبي اليمامة زمن أبي بكر » (1) .

وقال المزّي : « واسمها خولة بنت جعفر ... بن حنيفة ، وكانت من سبي اليمامة الذين سباهم أبو بكر ... ، وقيل : كانت أُمّه لبني حنفية ، ولم تكن من أنفسهم » (2) .

وقال ابن سعد : « عن فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : رأيت أُمّ محمّد بن الحنفية سندية سوداء ، كانت أمة لبني حنيفة ، لم تكن منهم ، وإنّما صالحهم خالد على الرقيق ، ولم يصالحهم على أنفسهم » (3) .

ويشهد لهذه الرواية ما رواه ابن كثير عن غزوة اليمامة : « وخرج خالد وتبعه مجاعة بن مرارة يرسف في قيوده ، فجعل يريه القتلى ليعرفه بمسيلمة ... ثمّ بعث خالد الخيول حول اليمامة ، يلتقطون ما حول حصونها من مال وسبيّ ، ثمّ عزم على غزو الحصون ، ولم يكن بقي فيها إلّا النساء والصبيان والشيوخ الكبار ... فانتظر - خالد - الصلح ، ودعاهم خالد إلى الإسلام فأسلموا عن آخرهم ، ورجعوا إلى الحقّ ، وردَّ عليهم خالد بعض ما أخذ من السبيّ ، وساق الباقين إلى

ص: 406


1- سير أعلام النبلاء 4 / 110 .
2- تهذيب الكمال 26 / 148 .
3- الطبقات الكبرى 5 / 91 .

الصدّيق ، وقد تسرى علي بن أبي طالب عليه السلام بجارية منهم ، وهي أُمّ ابنه محمّد ، الذي يقال له : محمّد بن الحنفية رضي اللّه عنه » (1) .

وقد روى البخاري عن أنس قال : « ويوم اليمامة على عهد أبي بكر يوم مسيلمة الكذّاب » (2) ، وأقرَّ ذلك ابن حجر في شرحه لهذه الرواية (3) .

وقال ابن حجر : « وهي خولة بنت جعفر بن قيس من بني حنيفة ، ويقال من مواليهم ، سبيت في الردّة من اليمامة » (4) .

فجميع هذه الروايات عند هؤلاء المحقّقين تؤكّد : بأنّ الحنفية من اليمامة ، من قوم مسيلمة الكذّاب ، وإنّما اختلفوا في كونها من بني حنيفة أنفسهم ، أو أنّها أمة لهم ليس إلّا .

2 - إنّها من سبي اليمن في ردّتهم على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .

قال البلاذري : « قال علي بن محمّد المدائني : بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله علياً إلى اليمن ، فأصاب خولة في بني زبيد ، وقد ارتدّوا مع عمرو بن معدي كرب ، وصارت في سهمه ، وذلك في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إن ولدت منك غلاماً فسمّه باسمي وكنّه كنيتي » ، فولدت له بعد موت فاطمة عليها السلام غلاماً فسمّاه محمّداً ، وكنّاه أبا القاسم » (5) .

3 - إنّها تزوّجت أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن أعتقها .

قال البلاذري : « أغارت بنو أسد بن خزيمة على بني حنيفة ، فسبوا خولة بنت جعفر ، ثمّ قدموا بها المدينة في أوّل خلافة أبي بكر فباعوها من علي عليه السلام ، وبلغ الخبر قومها ، فقدموا المدينة على علي عليه السلام فعرفوها ، وأخبروه بموضعها .

ص: 407


1- البداية والنهاية 6 / 358 .
2- صحيح البخاري 5 / 38 .
3- فتح الباري 7 / 288 .
4- تهذيب التهذيب 9 / 315 .
5- أنساب الأشراف : 200 .

منهم ، فأعتقها علي ومهرها وتزوّجها ، فولدت له محمّداً ابنه ... وهذا أثبت من خبر المدائني » (1) .

ويشهد لهذه الرواية ويقاربها ما رواه ابن حجر فقال : « خولة بنت إياس بن جعفر الحنفية ، والدة محمّد بن علي بن أبي طالب ، رآها النبيّ صلى اللّه عليه وآله في منزله فضحك ، ثمّ قال : « يا علي أمّا إنّك تتزوّجها من بعدي ، وستلد لك غلاماً فسمّه باسمي ، وكنّه كنيتي وأنحله » .

رويناه في فوائد أبي الحسن أحمد بن عثمان الآدمي من طريق إبراهيم بن عمر ابن كيسان ، عن أبي جبير عن أبيه قنبر حاجب علي ، قال : رآني علي فذكره ، وسنده ضعيف ، وثبوت صحبتها مع ذلك يتوقّف على أنّها كانت حينئذٍ مسلمة » (2) .

والنتيجة : فإنّه على جميع الاحتمالات والروايات ، ليس هناك شكّ في أنّ الحنفية ليست من سبيّ قوم الصحابي الجليل مالك بن نويرة .

« ... - ... - ... »

خالد بن الوليد وتعلّقه بزوجة مالك بن نويرة :

س : هل كان خالد بن الوليد مأموراً بقتل مالك بن نويرة ؟

ج : إنّ خالداً لم يؤمر بالذهاب إلى مالك ، وقد خالفه الأنصار في ذهابه إليه ، وبالتالي يتبيّن بأنّ خالداً ذهب لغرض آخر ، ألا وهو امرأة مالك ، حتّى إنّ مالكاً رضي اللّه عنه أخبرنا بذلك ، وهو شاهد عيان لما يدور حوله ، وما يعرفه من خالد عندما رأى امرأته عند أسره ، وهي مكشوفة الوجه ، قال لها : لقد قتلتيني ، أي أنّي سأقتل بسببك ، وهذا قول من يشاهد الأحداث ، بل المجنى عليه ، وهو

ص: 408


1- المصدر السابق : 201 .
2- الإصابة 8 / 113 .

خير شاهد ، وليس هو قول الجاني أو أنصاره ، أو حتّى قولنا بعد أكثر من ألف وأربعمائة سنة .

ولنسرد الروايات والأقوال في مالك ، وقتل خالد له ، ومن أصحّ الكتب والمحقّقين عند أهل السنّة .

1 - قال ابن حجر : « قال المرزباني : وكان - مالك بن نويرة - من أرداف الملوك ، وكان النبيّ صلى اللّه عليه وآله استعمله على صدقات قومه ، فلمّا بلغته وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله أمسك الصدقة وفرّقها في قومه » (1) .

2 - روى عبد الرزّاق عن معمر عن الزهري : « إنّ أبا قتادة قال : خرجنا في الردّة حتّى إذا انتهينا إلى أهل أبيات ، حتّى طلعت - أي طفقت - الشمس للغروب ، فأرشفنا إليهم الرماح ، فقالوا : من أنتم ؟ قلنا : نحن عباد اللّه ، فقالوا : ونحن عباد اللّه ، فأسرهم خالد بن الوليد ، حتّى إذا أصبح أمر أن يضرب أعناقهم .

قال أبو قتادة : فقلت : اتقِ اللّه يا خالد ! فإنّ هذا لا يحلّ لك ، قال : اجلس ، فإنّ هذا ليس منك في شيء .

قال : فكان أبو قتادة يحلف لا يغزو مع خالدٍ أبداً .

قال : وكان الأعراب هم الذين شجّعوه على قتلهم من أجل الغنائم ، وكان ذلك في مالك بن نويرة » (2) .

3 - روى المتّقي الهندي عن أبي عون وغيره : « إنّ خالد بن الوليد ادّعى أنّ مالك ابن نويرة ارتدّ بكلام بلغه عنه ، فأنكر مالك ذلك ، وقال : أنا على الإسلام ما غيَّرت ولا بدَّلت ، وشهد له بذلك أبو قتادة ، وعبد اللّه بن عمر ، فقدّمه خالد وأمر ضرار بن الأزور الأسدي فضرب عنقه ، وقبض خالد امرأته ، فقال - أي عمر - لأبي بكر : إنّه قد زنى فارجمه ، فقال أبو بكر : ما كنت لأرجمه ، تأوّل فأخطأ . .

ص: 409


1- الإصابة 5 / 560 .
2- المصنّف للصنعاني 10 / 174 .

قال : فإنّه قد قتل مسلماً فاقتله ، قال : ما كنت لأقتله ، تأوّل فأخطأ .

قال : فاعزله ، قال : ما كنت لأشيم - أي لأغمد - سيفاً سلَّه اللّه عليهم أبداً » (1) .

4 - روى ابن عساكر الزهري عن سالم عن أبيه قال : « قدم أبو قتادة على أبي بكر فأخبره بقتل مالك بن نويرة وأصحابه ، فجزع من ذلك جزعاً شديداً ، فكتب إلى خالد ، فقدم عليه ، فقال أبو بكر : هل يزيد خالد على أن يكون تأوّل فأخطأ » ؟ (2) .

5 - أقرّ ابن حجر بأسلوب خالد وتصرّفاته فقال : « وكان سبب عزل عمر خالداً ما ذكره الزبير بن بكار قال : كان خالد إذا صار إليه المال قسّمه في أهل الغنائم ، ولم يرفع إلى أبي بكر حساباً ، وكان فيه تقدّم على أبي بكر ، يفعل أشياء لا يراها أبو بكر ، أقدم على قتل مالك بن نويرة ، ونكح امرأته ، فكره ذلك أبو بكر ، وعرض الدية على متمم بن نويرة ، وأمر خالداً بطلاق امرأة مالك ، ولم يرَ أن يعزله ، وكان عمر ينكر هذا وشبههُ على خالد ، وكان أميراً عند أبي بكر ... » (3) .

6 - أمّا ابن كثير فقد روى قصّة مالك مع خالد كما يلي : « فصل في خبر مالك بن نويرة اليربوعي التميمي : كان قد صانع سجاح حين قدمت من أرض الجزيرة ، فلمّا اتصلت بمسيلمة - لعنهما اللّه - ثمّ ترحّلت إلى بلادها - فلمّا كان ذلك - ندم مالك بن نويرة على ما كان من أمره ، وتلوَّم في شأنه ، وهو نازل بمكان يقال له : البطاح ، فقصدها خالد بجنوده ، وتأخّرت عنه الأنصار ، وقالوا : إنّا قد قضينا ما أمرنا به الصدّيق ، فقال لهم خالد : إنّ هذا أمر لابدّ من فعله ، وفرصة لابدّ من انتهازها ، وإنّه لم يأتني فيها كتاب ، وأنا الأمير ، وإليّ .

ص: 410


1- كنز العمّال 5 / 619 .
2- تاريخ مدينة دمشق 16 / 256 .
3- الإصابة 2 / 218 .

تردّ الأخبار ، ولست بالذي أجبركم على المسير ، وأنا قاصد البطاح !!

فسار يومين ، ثمّ لحقه رسول الأنصار يطلبون منه الانتظار فلحقوا به ، فلمّا وصل البطاح ، وعليها مالك بن نويرة ، فبثّ خالد السرايا في البطاح ... فجاءته السرايا ، فأسروه وأسّروا معه أصحابه ، واختلفت السرية فيهم ، فشهد أبو قتادة - الحرث بن ربعي الأنصاري - أنّهم أقاموا الصلاة ، وقال آخرون - أي الأعراب الذين ذكرهم أبو قتادة كما في الرواية الأُولى أنّهم شجّعوا خالداً من أجل الغنائم - : أنّهم لم يؤذّنوا ولا صلُّوا ... وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة ، فلمّا سمع الداعية ، خرج وقد فرغوا منهم !! فقال : إذا أراد اللّه أمراً أصابه .

واصطفى خالد امرأة مالك بن نويرة !! وهي أُمّ تميم ابنة المنهال ، وكانت جميلة !! فلمّا حلّت بني بها - وهذا تردّه الروايات الأُخرى الأصحّ منه - ... وأمر برأسه فجعله مع حجرين ، وطبخ على الثلاثة قدراً ... ويقال : إنّ شعر مالك جعلت النار تعمل فيه إلى أن نضج لحم القدر ، ولم تفرغ الشعر لكثرته !! - لكثرته أم لكرامته ! - وقد تكلّم أبو قتادة مع خالد فيما صنع ، وتقاولا في ذلك ، حتّى ذهب أبو قتادة فشكاه إلى الصدّيق ، وتكلّم عمر مع أبي قتادة في خالد ... وجاء متمم بن نويرة فجعل يشكو إلى الصدّيق خالداً ، وعمر يساعده ، وينشد الصدّيق ما قال في أخيه من المراثي ، فوداه الصدّيق من عنده ... واستمر أبو بكر بخالد على الإمرة ، وإن كان قد اجتهد في قتل مالك بن نويرة وأخطأ في قتله » ! (1) .

7 - ونختم برواية ابن الأثير ، ونكتفي بقوله وتعليقه : « مالك بن نويرة ... قدم على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، واستعمله رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على بعض صدقات بني تميم ، فلمّا توفّي النبيّ صلى اللّه عليه وآله وارتدّت العرب ، وظهرت سجاح ، وادعت النبوّة صالحها ، إلّا إنّه لم تظهر عنه ردّة ، وأقام بالبطاح ، فلمّا فرغ خالد من بني أسد وغطفان ، .

ص: 411


1- البداية والنهاية 6 / 354 .

سار إلى مالك ، وقدم البطاح ، فلم يجد به أحد ، كان مالك قد فرّقهم ونهاهم عن الاجتماع ، فلمّا قدم خالد البطاح بثّ سراياه ، فأتى بمالك بن نويرة ونفرٍ من قومه ، فاختلفت السرية فيهم ، وكان فيهم أبو قتادة ، وكان فيمن شهد أنّهم أذّنوا وأقاموا وصلّوا ، فحبسهم في ليلة باردة ، وأمر خالد فنادى ادفئوا أسراكم ...!! ، فخرج وقد قُتِلوا ، فتزوّج خالد امرأته !!

فقال عمر لأبي بكر : سيف خالد فيه رهق وأكثرَ عليه ، فقال أبو بكر : تأوّل فأخطأ ، ولا أشيم سيفاً سلّه اللّه على المشركين ، وودى مالكاً ، وقدم خالد على أبي بكر ، فقال له عمر : يا عدّو اللّه ، قتلت امرءاً مسلماً ، ثمّ نزوت على امرأته ، لأرجمنّك .

وقيل : إنّ المسلمين لما غشّوا مالكاً وأصحابه ليلاً أخذوا السلاح ، فقالوا : نحن المسلمون ، فقال أصحاب مالك : ونحن المسلمون ، فقالوا لهم : ضعوا السلاح وصلُّوا ... فقدم متمم على أبي بكر يطلب بدم أخيه ، وأن يردَّ عليهم سبيهم ، فأمر أبو بكر بردِّ السبيّ ، وودى مالكاً من بيت المال ... فهذا جميعه ذكره الطبري وغيره من الأئمّة ، ويدلّ على أنّه لم يرتَدَّ .

وقد ذكروا في الصحابة أبعد من هذا ، فتركهم هذا عجب ، وقد أختلف في ردّته ، وعمر يقول لخالد ٍ : قتلت امرءاً مسلماً ، وأبو قتادة يشهد أنّهم أذّنوا وصلّوا ، وأبو بكر يردّ السبيّ ، ويعطي دية مالك من بيت المال ، فهذا جميعه يدلّ على أنّه مسلم ... رحمه اللّه ورضي عنه » (1) .

أقول : ونستفيد من هذه الروايات أيضاً بأنّ سبي خالد لقوم مالك ليس شرعيّاً .

ونختم برواية تشهد لما قدّمناه من سبب قتل خالدٍ مالكاً كما يرويها الذهبي : « إنَّ خالداً بثّ السرايا ، فأتي بمالك ، فاختلف قول الناس فيهم وفي .

ص: 412


1- أُسد الغابة 4 / 295 .

إسلامهم ، وجاءت أُمّ تميم كاشفة وجهها فأكبّت على مالك ، وكانت أجمل الناس ، فقال لها : إليك عنّي ، فقد واللّه قتلتني .

فأمر بهم خالد ، فضُربت أعناقهم ، فقام أبو قتادة فناشده فيهم ، فلم يلتفت إليه ، فركب أبو قتادة فرسه ، ولحق بأبي بكر وحلف : لا أسير في جيش وهو تحت لواء خالد .

وقال : ترك قولي وأخذ بشهادة الأعراب الذين فتنتهم الغنائم » (1) ، ورواه أيضاً ابن عساكر (2) .

وقال ابن حجر : « وروى ثابت بن قاسم في الدلائل : إنّ خالداً رأى امرأة مالك ، وكانت فائقة في الجمال ، فقال مالك بعد ذلك لامرأته : قتلتيني ، يعني سأُقتل من أجلك » (3) .

فقد ثبت من كلّ ذلك أنّه ليس هناك ردّة لمالك ، ولا سبي صحيح ، بل أرجع لهم سبيهم ، وبقي مالك مسلماً صحابياً جليلاً .

« خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي »

ابن النديم صاحب الفهرست ليس شيعياً :

س : في الحقيقة أردت أن أسال سماحتكم عن ابن النديم ، صاحب كتاب الفهرست ، هل هو شيعي - كما يقول البعض - أم أنّه من العامّة ؟ وبارك اللّه فيكم ، ونسألكم الدعاء .

ج : هناك الكثير من المؤشّرات التي ترجّح عدم كون ابن النديم شيعياً ، منها :

1 - عدم ترجمة النجاشي والشيخ الطوسي له في كتابيهما ، فيظهر منه أنّ

ص: 413


1- سير أعلام النبلاء 1 / 377 .
2- تاريخ مدينة دمشق 16 / 258 .
3- الإصابة 5 / 561 .

الرجل من أهل العامّة (1) .

2 - عندما يذكر الأئمّة عليهم السلام لا يقول : الإمام الصادق مثلاً ، بل يقول : جعفر الصادق ، دون الإشارة إلى إمامته ، وهذا على خلاف عادة الكتّاب الشيعة .

3 - عندما يذكر مؤمن الطاق ، يعنونه بشيطان الطاق ، ثمّ يقول : إنّ الشيعة تلقّبه بمؤمن الطاق .

4 - تتلمذه على البلاذري نديم المتوكّل العباسيّ ، المعروف بعدائه ونصبه لأهل البيت عليهم السلام .

5 - تقديمه لذكر فقهاء المذاهب الأُخرى على فقهاء الشيعة في كتاب الفهرست .

6 - بعض الذين وصفوه بالتشيّع ، استدلّوا على ذلك بحجج واهية ، فمثلاً الزركلي يقول عنه : « وكان معتزلياً متشيّعاً ، يدلّ كتابه على ذلك ، فإنّه كما يقول ابن حجر ، يسمّي أهل السنّة الحشوية ، ويسمّي الأشاعرة المجبّرة ، ويسمّي كلّ من لم يكن شيعياً عامّياً » (2) .

فإنّ ذكره لأسمائهم هذه المتداولة في عصره لا تجعله لوحدها شيعياً .

« عبد اللّه - السعودية - 38 سنة »

روايات عقد الفريد لابن عبد ربّه الأندلسي :

س : ربما يقول أو يشكل بعضهم : إنّ أكثر استشهاداتك مأخوذة من كتاب العقد الفريد للأندلسي ، وهذا الكتاب كتاب أدب ، وفيه ما فيه من المبالغات والتصوّرات والتخيّلات التي لا واقع لها ، كما يفعل الشعراء والأدباء في وصفهم للأحداث والأشياء ، إذ تراهم يبالغون في الوصف للوصول إلى الغاية الأدبية ، أو قد يتصوّرون تصوّرات يسقطونها على أحداث واقعية .

ص: 414


1- أُنظر : معجم رجال الحديث 16 / 72 .
2- الأعلام 6 / 29 .

وابن عبد ربّه الأندلسي أديب ، ولا يستثنى من هذه القاعدة ، وكتابه هو كتاب أدب ، وليس كتاب تاريخ ، أو أحاديث يوثق به ويطمئن إليه ، بل أكثر من ذلك ، إذ يعمد أحياناً إلى اتهام العقد الفريد أنّه مشحون بالأكاذيب ، طبعاً هذا ما قاله لي أحد الأصدقاء السنّة في معرض ردّه عليّ حين استدلالي بالعقد الفريد على نقطة أثرتها معه .

ج : أعلم أنّنا لا نقول بصحّة كلّ ما في بطون الكتب - إلّا كتاب اللّه تعالى - كما يفعل إخواننا السنّة ، بل كلّ كتاب عندنا مهما تكن وثاقته ، مؤلّفه خاضع عندنا للجرح والتعديل ، وهذا ما تجده في كثير من بحوث علمائنا ، هذا من جهة .

أمّا الجهة الأُخرى ، فالرواية وإن وردت في العقد الفريد ، فإنّ كانت ذات سند فنبحث عن سندها ، وكذلك ما يعضدها من مصادر أُخرى وردت فيها ، وبالتالي يرتقي بحثك إلى صورة علمية واقعية لا تقبل الشكّ ، وهذا ليس بخصوص العقد الفريد ، بل كلّ كتاب فهو ليس وحده مشحون بالأكاذيب - على قولك - بل حتّى كتب التاريخ والرواة وغيرهم مشحونة بالأكاذيب ، فكان الخليفة يعطي لمن يضع حديث في ذمّ علي عليه السلام الآلاف من الدنانير الذهب من بيت مال المسلمين ، فما المانع من وضعها ؟!

كما فعل بعض ممّن يعدّ من الصحابة ومجموعة من التابعين !!

« حسن حبيب - السعودية - 24 سنة - طالب »

ابن الصبّاغ المالكي ليس شيعياً :

س : سؤالي حول ابن الصبّاغ المالكي ، أين أجد من أثنى عليه من علماء إخواننا السنّة ؟ لأنّه اتهم بالرفض .

ج : ابن الصبّاغ المالكي ، من مشاهير فقهاء المالكية ، وقد أكثر النقل عنه نور الدين السمهودي في كتابه « جواهر العقدين » ، وعبّر عنه الشيخ أحمد ابن عبد القادر العجيلي الشافعي ب- : « الشيخ الإمام علي بن محمّد الشهير بابن

ص: 415

الصبّاغ من علماء المالكية » .

وقد ذكر رشيد الدين خان الدهلوي كتاب « الفصول المهمّة » لابن الصبّاغ ، وقال : « إنّه من كتب أهل السنّة » .

وقد أكثر النقل من كتاب « الفصول المهمّة » عبد اللّه بن محمّد المدني الشافعي في كتابه « الرياض الزاهرة » .

وترجم له الزركلي في « الأعلام » بقوله : « ابن الصبّاغ : فقيه مالكي ... » (1) .

ويروي عنه بالإجازة السخاوي ، وينقل عن فصوله المهمّة الصفوري في « نزهة المجالس » ، ونقل عنه الحلبي في سيرته ، والشيخاني القادري في « الصراط السوي » ، ومحمّد محبوب عالم في تفسيره ، والصبّان في « إسعاف الراغبين » ، والعدوي الحمزاوي في « مشارق الأنوار » ، والشبلنجي في « نور الأبصار » (2) ، والمولوي الدهلوي في « سعادة الكونين » ، والبلخي في « ينابيع المودّة » ، ونجم الدين المكّي في « اتحاد الورى » .

وكان ابن الصبّاغ المالكي يلقّب بألقاب التفخيم كالعلّامة والإمام ، والشيخ والبحر إلى غير ذلك من ألفاظ الإعجاب والتقدير ، التي تنم عن علوّ منزلته العلمية وجميع هؤلاء الأفاضل الأماثل اتفقوا بأنّ ابن الصبّاغ كان من أكابر علماء السنّة ، وأعاظم محدثيهم .

« حسن حبيب - السعودية - 24 سنة - طالب »

سبط ابن الجوزي ليس شيعياً :

س : سؤالي حول سبط ابن الجوزي ، أين أجد من أثنى عليه من علماء إخواننا السنّة ؟ لأنّه اتهم بالرفض .

ص: 416


1- الأعلام 5 / 8 .
2- نور الأبصار : 75 .

ج : لقد أثنى عليه علماء أهل السنّة ، واعتمدوا عليه ونقلوا عنه ، ووثّقوه وأطّروه ، ومنهم :

أ - ابن خلكان بترجمة ابن الجوزي : « وكان سبطه شمس الدين أبو المظفّر يوسف بن قزغلي الواعظ المشهور ، حنفي المذهب ، وله صيت وسمعة في مجالس وعظه ، وقبول عند الملوك وغيرهم ، وصنّف تاريخاً كبيراً رأيته بخطّه في أربعين مجلّداً ، سمّاه مرآة الزمان ... » (1) .

ب - اليافعي : « العلّامة الواعظ المؤرّخ ... اسمعه جدّه ، ومن جماعة ، وقدم دمشق سنة بضع وستمائة ، فوعظ بها وحصل له القبول العظيم ، للطف شمائله ، وعذوبة وعظه ، وله تفسير في تسعة وعشرين مجلّداً ، وشرح الجامع الكبير ، وجمع مجلّداً في مناقب أبي حنيفة ، ودرّس وأفتى ، وكان في شبيبته حنبلياً ، ولم يزل وافر الحرمة عند الملوك » (2) .

ج - القطب التوسي ، وقد عظّم شأن مرآة الزمان القطب التوسي ، فقال في الذيل الذي كتبه بعد أن ذكر التواريخ : فرأيت أجمعها مقصداً ، وأعذبها مورداً ، وأحسنها بياناً ، وأصحّها رواية ، تكاد جنّة ثمرها تكون عياناً مرآة الزمان .

وقال في ترجمته : « كان له القبول التامّ عند الخاصّ والعامّ من أبناء الدنيا ، وأبناء الآخرة ، ولما ذكر أنّه تحوّل حنفياً لأجل المعظم عيسى ، قال : إنّه كان يعظم الإمام أحمد ، ويتغالى فيه ، وعندي أنّه لم ينقل عن مذهبه إلّا في الصورة الظاهرة » (3) .

د - الأزنيقي : « شمس الدين أبو مظفّر يوسف بن قزغلي الواعظ المشهور ، حنفي المذهب ، وله صيت وسمعة في مجالس وعظه ، وقبول عند الملوك وغيرهم ، .

ص: 417


1- وفيات الأعيان 3 / 118 .
2- مرآة الجنان : 654 .
3- لسان الميزان 6 / 328 .

روي عن جدّه ببغداد ، وسمع ابن الفرج ابن كليب وابن طبرزد ، وسمع بالموصل ودمشق وحدّث بها وبمصر ... » (1) .

ه- - الذهبي : « ابن الجوزي العلّامة الواعظ المؤرّخ ... درّس وأفتى ، وكان في شيبته حنبلياً ، توفّي في الحادي والعشرون من ذي الحجّة ، وكان وافر الحرمة عند الملوك » (2) .

ومحمود بن سليمان الكفوي : « يوسف بن قزغلي بن عبد اللّه البغدادي ، سبط الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي ، صاحب مرآة الزمان في التاريخ ، ذكره الحافظ شرف الدين في معجم شيوخه ... تفقّه وبرع وسمع من جدّه ... وكان إماماً عالماً فقيهاً ، واعظاً جيّداً نبيهاً ، يلتقط الدرر من كلمه ، ويتناثر الجوهر من حكمه ... وله القبول التامّ عند العلماء والأمراء ، والخاصّ والعامّ ، وله تصانيف معتبرة مشهورة ... » (3) .

ز - ابن الوردي : « الشيخ شمس الدين يوسف سبط جمال الدين ابن الجوزي ، واعظ فاضل ، له مرآة الزمان تاريخ جامع ، قلت : وله تذكرة الخواص من الأُمّة من مناقب الأئمّة » (4) .

ح - أبو مؤيّد الخوارزمي : « أمّا المسند الأوّل ، وهو مسند الأُستاذ أبي محمّد الحارثي البخاري ، فقد أخبرني الأئمّة بقراءتي عليهم : ... والشيخ الإمام شمس الدين يوسف بن عبد اللّه ، سبط الإمام الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي بقراءتي عليه ... » (5) .

وهذا ولقد اعتمد على روايته جمهور علماء السنّة ، بل لقد احتجّ بأقواله ورواياته جماعة من متعصّبيهم في مقابل الإمامية ، كالخواجة الكابلي في .

ص: 418


1- مدينة العلوم .
2- العبر في خبر من غبر : حوادث 654 ه- .
3- كتائب أعلام الأخيار : مخطوط .
4- تتمّة المختصر 2 / 288 .
5- جامع المسانيد 1 / 70 .

صواعقه ، والدهلوي في كتابه التحفة ، والقاضي السبكي في السيف المسلول ، حيث استندوا إلى روايته ، وقد نصّ محمّد رشيد الدهلوي في إيضاح لطافة المقال على كون سبط ابن الجوزي من قدماء أئمّة الدين المعتمدين عند أهل السنّة » (1) .

« حسن حبيب - السعودية - 24 سنة - طالب »

القندوزي الحنفي ليس شيعياً :

س : سؤالي حول القندوزي الحنفي ، أين أجد من أثنى عليه من علماء إخواننا السنّة ؟ لأنّه اتهم بالرفض .

ج : الشيخ سليمان بن إبراهيم ، من أعلام الحنفية في الفروع ، وأساطين النقشبندية في الطريقة ، وقد كتب ولده وخليفته الشيخ عبد القادر أفندي إلى بعض الأفاضل الذين ترجموه : إنّ والده كان حنفي المذهب نقشبندي المشرب .

ولعلّ ما شمله من عواطف السلطان عبد العزيز في دار الخلافة - الآستانة - وتعينه من قبله بمسند مشيخة تكية الشيخ مراد البخاري ، وامتثاله للأمر ومباشرته له دليل على بعد مذهبه عن مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وكتابه « ينابيع المودّة » الذي يشير فيه إلى فضائل الإمام علي عليه السلام وحده لا يكفي على تشيّعه .

« ... - البحرين - 13 سنة - طالبة »

النوري وكتابه فصل الخطاب :

س : ما هو موقف الشيعة من كتاب « فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب » ؟ ومن مؤلّفه الشيخ النوري الطبرسي ؟ وأشكر حسن تعاونكم .

ص: 419


1- أُنظر : خلاصة عبقات الأنوار 9 / 203 .

ج : الشيخ النوري الطبرسي هو أحد محدّثي الطائفة ، الذي بذل وسعه في جمع الأحاديث الواردة عن المعصومين عليهم السلام وغيرهم ، وكتابه هذا جمع فيه الأحاديث التي تنسب التحريف للقرآن ، ولا يعني جمعه لهذه الأحاديث أنّه يقول بتحريف القرآن ، بل كان هدفه هو جمع تلك الروايات التي تنسب التحريف للقرآن ، فالرواية شيء والاعتقاد شيء آخر .

والذي يمعن النظر في كتاب « فصل الخطاب » يرى : أنّ المحدّث النوري لم ينكر ما قام عليه الإجماع ، واتفاق المسلمين من عدم الزيادة ، ولم يقل إنّ القرآن قد زيد فيه ، بل قد صرّح بامتناع زيادة الآية أو تبديلها ، فقال : « وهما منتفيان بالإجماع ، وليس في أخبار التغيير ما يدلّ على وقوعهما ، بل فيها ما ينفيهما » (1) .

وقد اعترف المحدّث المذكور بخطئه في تسمية هذا الكتاب ، كما حكى عنه تلميذه الشهير ، وخرّيج مدرسة العلم ، الثقة الثبت الشيخ آقا بزرك الطهراني - مؤلّف كتاب « الذريعة » ، و « أعلام الشيعة » - فقال : ذكرنا في حرف الفاء من الذريعة عند ذكرنا لهذا الكتاب مرام شيخنا النوري في تأليفه « فصل الخطاب » ، وذلك حسبما شافهنا به ، وسمعناه من لسانه في أواخر أيّامه ، فإنّه كان يقول : « أخطأت في تسمية الكتاب ، وكان الأجدر أن يسمّى بفصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب ، لأنّي أثبتت فيه أنّ كتاب الإسلام القرآن الشريف الموجود بين الدفتين ، المنتشر في أقطار العالم ، وحي إلهيّ بجميع سوره وآياته وجمله ، ولم يطرأ عليه تغيير أو تبديل ، ولا زيادة ولا نقصان من لدن جمعه حتّى اليوم ، وقد وصل إلينا المجموع الأوّلي بالتواتر القطعي ، ولاشكّ لأحد من الإمامية فيه ، فبعد ذا أمن الإنصاف أن يقاس الموصوف بهذه الأوصاف بالعهدين ، أو الأناجيل المعلومة أحوالها لدى كلّ خبير ؟ .

ص: 420


1- فصل الخطاب للنوري : 23 .

كما أنّي أهملت التصريح بمرامي في مواضع عديدة من الكتاب ، حتّى لا تسدّد نحوي سهام العتاب والملامة ، بل صرّحت غفلة بخلافه ، وإنّما اكتفيت بالتلميح إلى مرامي في ص 22 بالقول : إذ المهمّ حصول اليقين بعدم وجود بقية للمجموع بين الدفتين ، كما نقلنا هذا العنوان عن الشيخ المفيد ص 26 » (1) .

هذا رأينا في الكتاب ، أمّا رأينا في صاحبه ، فيقول الشيخ لطف اللّه الصافي : « لم نر في علماء الإمامية ومشايخهم من يعتني بكتاب فصل الخطاب ، ويستند إليه ، وليس بينهم من يعظّم المحدّث النوري لهذا التأليف ، ولو لم يصنّف هذا الكتاب لكان تقدير العلماء عن جهوده في تأليفه غيره من المآثر الرائعة ، كالمستدرك وكشف الأستار وغيرهما ، أزيد من ذلك بكثير ، ولنال من التقدير والإكبار أكثر ما حازه من العلماء وأهل الفضل ، وليست جلالة قدر الرجل في العلم والتتبع والإحاطة بالحديث ممّا يقبل الإنكار » (2) .

« ... - البحرين - 13 سنة - طالبة »

موقفنا من الجزائري وما ورد في كتابه :

س : ما هو موقف الشيعة من مقولة السيّد نعمة اللّه الجزائري صاحب كتاب « الأنوار النعمانية » ، حيث يقول فيه : « أنّنا لا نشترك معهم في إله ولا نبيّ » ؟ يقصد أهل السنّة ، وأشكر حسن تعاونكم .

ج : لقد أوضح السيّد نعمة اللّه الجزائري مراده في نفس الصفحة ، هو : « إنّ الأشاعرة لم يعرفوا ربّهم بوجه صحيح ، بل عرفوه بوجه غير صحيح ، فلا فرق بين معرفتهم هذه ، وبين معرفة باقي الكفّار ، لأنّه ما من قوم ولا ملّة إلّا وهم يدينون باللّه سبحانه ويثبتونه ، وأنّه الخالق ، سوى شرذمة شاذّة وهم الدهرية ، وأسوأ الناس حالاً المشركون أهل عبادة الأوثان ، ومع هذا فهم إنّما يعبدون

ص: 421


1- أعلام الشيعة 1 من القسم الثاني / 550 .
2- مع الخطيب في خطوطه العريضة : 87 .

الأصنام لتقرّبهم إلى اللّه سبحانه زلفى ، فقد عرفوا اللّه سبحانه بهذا الباطل ، وهو كون الأصنام مقرّبة إليه ، وكذلك اليهود ، حيث قالوا : عزير ابن اللّه ، والنصارى حيث قالوا : المسيح ابن اللّه ، فهما قد عرفاه سبحانه بأنّه ربّ ذو ولد ، فقد عرفاه بهذا العنوان ، وكذلك من قال بالجسم والصورة والتخطيط ، و ... .

فقد تباينا وانفصلنا عنهم في الربوبية ، فربّنا من تفرّد بالقدم والأزل ، وربّهم من كان شركاؤه في القدم ثمانية .

وكذلك الحال بالنبوّة ، فالنبيّ الذي خليفته أبو بكر ليس نبيّنا ، بل نبيّنا الذي أوصى بالإمامة بعده لعلي عليه السلام ، فهذا النبيّ الذي تصفونه بهذه المواصفات التي لا تنطبق على المواصفات التي نقولها للنبيّ صلى اللّه عليه وآله هي التي جعلتنا لا نقول بذلك النبيّ مع تلك المواصفات » .

أمّا رأينا في السيّد الجزائري فهو من محدّثي الطائفة الذين دأبوا على جمع الأخبار والتعليق عليها ، والعلماء ينظرون إليه بالامتنان للجهود التي بذلها في إيصال الأخبار إلينا ، وهم غير ملزمين بالأخذ بكلّ ما يقوله المحدّث الجزائري من آرائه العلمية ، بل هو ثقة في نقله الأخبار .

ص: 422

إقامة المجالس لإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام :

اشارة

« قاسم لاجوردي نيا - إيران - ... »

أسباب إقامتها :

س : لماذا نقيم العزاء على الإمام الحسين عليه السلام ؟

ج : إنّ المثل العليا والقيم الساعية التي جسّدها الإمام الحسين عليه السلام في الطفّ ، جعلت السائرين على نهجه ، والمرتبطين به يحيون ذكراه ، وينشرون مآثره ، باعتبارها خير أسوة يتأسّى بها الناس .

فإحياء الذكريات التي تمثّل منعطفاً بارزاً ، وتحوّلاً نوعياً في حياة الأُمم ، أمر طبيعي وغير مستهجن ، لأنّه نابع من ذات الإنسان ، ومتصل بفطرته ، كما أنّ الأيّام تعتبر مزدهرة وخالدة ، ومتّصفة بالتميّز لوقوع الأحداث العظيمة فيها ، وأيّ حادثة أعظم من واقعة كربلاء ؟!

لقد بقيت هذه الواقعة معلماً شاخصاً في التاريخ ، لما جرى فيها من فجائع من جهة ، ولما رسمت فيها من صور مشرّفة من جهة أُخرى .

فالشيعة يقيمون هذه المآتم ، ويحيون هذه الذكرى الأليمة من هذا المنطلق ، ومن منطلقات أُخرى ، منها :

1 - امتثال أمر اللّه تعالى ، والقاضي بمودّة العترة الطاهرة ، حيث قال تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (1) ، ومواساة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بهذا المصاب الجلل من أظهر مصاديق المودّة ، فرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بكى على

ص: 423


1- الشورى : 23 .

الإمام الحسين عليه السلام ، وهو لم يزل في سني الطفولة .

فقد ورد عن عائشة أنّها قالت : خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى أصحابه ، والتربة في يده ، وفيهم أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وحذيفة ، وعمار ، وأبو ذر ، وهو يبكي ، فقالوا : ما يبكيك يا رسول اللّه ؟! فقال : « أخبرني جبرائيل ، أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ ، وجاءني بهذه التربة ، فأخبرني أنّ فيها مضجعه » (1) .

2 - نحن نقيم هذه الشعائر لأنّ فيها نصراً للحقّ وإحياءً له ، وخذلاناً للباطل وإماتة له ، وهذا الأمر من أجله أوجب اللّه تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

3 - إنّ إحياءنا لهذه الذكرى ، حفظ لها من الضياع ، وصون لمبادئها من التزييف ، ولولا ذلك لاضمحلت ، وخبت جذوتها ، ولأنكرها المخالفون ، كما حاولوا إنكار غيرها !!

4 - بإقامتنا لهذه الشعائر - لاسيّما المجالس الحسينية - نكشف عن منهج مدرستنا ، هذه المدرسة الجامعة لمختلف الطبقات والفئات ، حيث يعرض التفسير والتاريخ ، والفقه والأدب ، و ... فهي مؤتمرات دينية ، تطرح فيها مختلف المعارف والعلوم .

5 - إنّ إحياءنا لهذه الشعائر ، هو أفضل وأبسط وأنجح وسيلة لنشر الإسلام الأصيل ، لأنّها حية وغير معقّدة ، ولذلك كانت ولا زالت أشدّ تأثيراً في النفوس !

فالإحياء والمشاركة ، والتنمية لشعائر الحسين عليه السلام إحياء لذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لأنّه قال : « حسين منّي وأنا من حسين » (2) فهما عليهما السلام من سنخ واحد ، .

ص: 424


1- مجمع الزوائد 9 / 188 ، المعجم الكبير 3 / 107 ، كنز العمّال 12 / 123 فيض القدير 1 / 266 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 73 ، ينابيع المودّة 3 / 10 .
2- كامل الزيارات : 116 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 177 ، نظم درر السمطين : 208 ، كشف اليقين : 305 ، الناصريات : 90 ، شرح الأخبار 3 / 112 ، أوائل المقالات : 178 ، الإرشاد 2 / 172 ، تحفة الأحوذي 10 / 190 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 515 ، صحيح ابن حبّان 15 / 428 ، المعجم الكبير 3 / 33 و 2 / 274 ، موارد الظمآن : 554 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 149 ، تهذيب الكمال 6 / 402 و 10 / 427 ، تهذيب التهذيب 2 / 299 ، البداية والنهاية 8 / 224 ، إعلام الورى 1 / 425 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 72 و 445 ، ينابيع المودّة 2 / 34 و 207 و 482 .

وإحياء ذكرى النبيّ صلى اللّه عليه وآله إحياء للدين ، باعتباره الرمز الأوّل للإسلام .

وهناك أسباب كثيرة توجب علينا إقامة هذه الشعائر ، فمن أرادها فليطلبها من مضانّها .

« أحمد الخاجة - البحرين - 15 سنة - طالب ثانوية »

إقامتها ليست بدعة :

س : ما ردّكم على من يعتبر لطم الصدور ومواكب العزاء بدعة ؟

ج : إنّ مجالس العزاء التي تقام لأهل البيت عليهم السلام - خصوصاً للإمام الحسين عليه السلام - بشكل عامّ ، أو التي تقام لذوي الفضل والفضيلة بشكل خاصّ ليست ببدعة .

لأنّ البدعة هي : إدخال ما ليس من الدين في الدين ، ومجالس العزاء لذوي الفضل والفضيلة - فضلاً عن أهل البيت عليهم السلام والحسين عليه السلام - من الدين ، لوجود النصوص الشرعية من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأهل بيته المعصومين عليهم السلام ، على استحباب إقامتها ورجحانها ، منها :

1 - روى البخاري في صحيحه ، في باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن ، بسنده عن عائشة قالت : « لمّا جاء النبيّ صلى اللّه عليه وآله قتل ابن حارثة ، وجعفر وابن رواحه ، جلس يعرف فيه الحزن ... » (1) .

قال القسطلاني في الشرح بعد قوله : « جلس ، أي في المسجد ، كما في رواية أبي داود » (2) .

ص: 425


1- صحيح البخاري 2 / 83 .
2- إرشاد الساري 3 / 421 .

2 - روى البخاري في صحيحه ، في الباب المذكور ، بسنده عن أنس قال : « قنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله شهراً حين قتل القرّاء ، فما رأيت رسول اللّه حزن حزناً قط أشدّ منه » (1) .

فإذا جاز القنوت شهراً لإظهار الحزن عليهم ، جاز الجلوس لذلك ، ولنقتصر على هذا القدر من الروايات ، وإن أردتم التفصيل فعليكم بمراجعة كتاب « سيرتنا وسنّتنا » للعلّامة الأميني قدس سره .

وأمّا اللطم على الصدور ، فهو من حيث الأصل مباح شرعاً ، إذا كان القيام به لهدف مشروع ، وغرض عقلائي ، ولم يترتّب عليه ضرر كبير .

ودليلنا الشرعي على جوازه ما رواه الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « وقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود ، الفاطميات على الحسين بن علي عليهما السلام ، وعلى مثله تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب » (2) ، وأيضاً ذكره الشهيد في الذكرى (3) .

وهناك وجوه تدلّ على حسنه وصحّته ، نذكر أهمّها :

الأوّل : توقّع الثواب من اللّه سبحانه وتعالى والأجر ، حيث إنّ اللطم على الصدور هو مصداق من مصاديق إظهار الحزن ، وعلامة من علامات الحبّ والولاء الشديد لأهل البيت عليهم السلام المظلومين وللإمام الحسين عليه السلام ، الذي ضحّى بكلّ شيء من أجل الدين .

الثاني : تعظيم شعائر أهل البيت عليهم السلام ، وتعزيز عظمتهم وتكريم مقامهم أمام الرأي العام .

الثالث : يرمز إلى تأييد الإمام الحسين عليه السلام في ثورته المباركة ، وإعلان الثورة العاطفية على الظلم والظالمين ، والتعبير عن أعمق مشاعر الاستنكار .

ص: 426


1- صحيح البخاري 2 / 84 .
2- تهذيب الأحكام 8 / 325 .
3- الذكرى : 72 .

والسخط ضدّ أعداء الحقّ والعدل .

إذاً ظهر من هذا أنّ اللطم على الصدور ليس ببدعة ، بل هو أمر جائز ، بل راجح إذا كان لأجل مظلومية أهل البيت عليه السلام ، لاسيّما الإمام الحسين عليه السلام .

« موسى - السعودية - ... »

الأئمّة يقيمون العزاء على الحسين :

س : لو سمحتم أن توردوا لنا مصادر - سواء من كتبنا أو من كتب العامّة - على أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام ، أو أحد الأئمّة عليهم السلام نصب عزاءً للإمام الحسين عليه السلام ، وأنّه كرّر ذكر مظلوميته في كلّ سنة ، وشكراً جزيلاً لكم .

ج : أوّلاً : إنّ أوّل مجلس نصبه الإمام زين العابدين عليه السلام هو في الشام ، عندما خطب في ذلك الحشد ، وأخذ ينعى ويعدّد صفات أبيه ومظلوميته ، والناس من حوله تبكي ، فهذا مجلس عزاء أقامه الإمام زين العابدين عليه السلام في الجامع الأموي (1) .

ثانياً : ما كان يفعله الإمام زين العابدين عليه السلام عند مروره بالقصّابين ، وتذكيرهم بمصاب الإمام الحسين عليه السلام ، وأخذه البكاء أمامهم ، فإنّ هذا عزاء لأبيه الحسين عليه السلام في الملأ العام ، وليس فقط تذكير .

ثالثاً : روى العلّامة المجلسي عن بعض مؤلّفات المتأخّرين أنّه قال : « حكى دعبل الخزاعي قال : دخلت على سيّدي ومولاي علي بن موسى الرضا عليهما السلام في مثل هذه الأيّام - يعني محرّم - فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب ، وأصحابه من حوله ، فلمّا رآني مقبلاً قال لي : « مرحباً بك يا دعبل ، مرحباً بناصرنا بيده ولسانه » ، ثمّ وسّع لي في مجلسه ، وأجلسني إلى جانبه ، ثمّ قال لي : « أن تنشدني شعراً ، فإنّ هذه الأيّام أيّام حزن كانت علينا أهل البيت ، وأيّام سرور كانت على أعدائنا ، خصوصاً بني أُمية ، يا دعبل من بكى وأبكى على

ص: 427


1- الاحتجاج 2 / 38 .

مصابنا ولو واحداً كان أجره على اللّه ، يا دعبل من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا حشره اللّه معنا في زمرتنا ، يا دعبل من بكى على مصاب جدّي الحسين غفر اللّه له ذنوبه البتة » ، ثمّ إنّه عليه السلام نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه ، وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدّهم الحسين عليه السلام ، ثمّ التفت إليّ وقال لي : « يا دعبل إرث الحسين عليه السلام فأنت ناصرنا ، ومادحنا ما دمت حيّاً ، فلا تقصّر عن نصرتنا ما استطعت » ، قال دعبل : فاستعبرت وسالت عبرتي ، وأنشأت أقول :

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً *** وقد مات عطشاناً بشط فراتِ

إذاً للطمت الخدّ عنده *** وأجريت دمع العين في الوجنات » (1)

فهنا الإمام عليه السلام عقد مجلساً لذكر جدّه الإمام الحسين عليه السلام ، وأمر بضرب الحجاب حتّى يسمع أهل بيته .

رابعاً : روى العلّامة المجلسي عن بعض المؤلّفات ، أنّه لمّا أخبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ابنته فاطمة عليها السلام بقتل ولدها الحسين عليه السلام ، وما يجري عليه من المحن ، بكت فاطمة بكاءً شديداً ، وقالت : « يا أبت متى يكون ذلك » ؟ قال : « في زمان خالٍ منّي ومنك ومن علي » ، فاشتدّ بكاؤها وقالت : « يا أبت فمن يبكي عليه ؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له » ؟

فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « يا فاطمة إنّ نساء أُمّتي يبكون على نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي ، ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلّ سنة ، فإذا كان القيامة ، تشفعين أنت للنساء ، وأنا أشفع للرجال ، وكلّ من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده ، وأدخلناه الجنّة » (2) .

خامساً : روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال : « إن.

ص: 428


1- بحار الأنوار 45 / 256 .
2- المصدر السابق 44 / 292 .

المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال ، فاستحلّت فيه دماؤنا ، وهتكت حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ... » .

ثمّ قال عليه السلام : « كان أبي (صلوات اللّه عليه) إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى تمضي عشرة أيّام منه ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام » (1) .

فالإمام عليه السلام أقام العزاء للإمام الحسين عليه السلام ، وجدّد مصيبته في كلّ محرّم بحزنه وبكائه ، وتغيّر لونه .

وهناك روايات كثيرة واردة في أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا يظهرون الحزن والعزاء عند دخول شهر محرّم ، نعم تبقى مسألة لابدّ من الالتفات إليها ، وهي حالة الأئمّة عليهم السلام وما كانوا عليه من المطاردة والمحاصرة ، والمراقبة المشدّدة من قبل الدولتين الأُموية - هي التي وقعت فيها معركة كربلاء - والعباسية ، ومعلوم موقف الدولتين من أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، فلذلك لا تجد أنّ الإمام يقيم العزاء العام ، ويدعو الناس إليه كما يقام الآن ، لأنّه في رقابة وفي محاصرة تامّة من قبل السلطة ، ويريد أن يحفظ نفسه ، ويقوم بما هو المطلوب منه ، فلذلك لا نجد هذا الأمر بالكيفية التي عليها نحن اليوم .

« عبد العزيز - الكويت - 27 سنة - خرّيج معهد التكنلوجيا »

الأدلّة على جواز الاحتفال بمولد النبيّ :

س : ما هو الدليل على جواز إقامة الاحتفالات في أفراح محمّد وآل محمّد ؟ على أن يكون الجواب من المصادر السنّية ، جزاكم اللّه خير الجزاء .

ص: 429


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 190 .

ج : هناك استدلالات عديدة لجواز الاحتفال بمولد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأهل بيته عليهم السلام ، استدلّ بها علماء الفريقين ردّاً على الوهّابية ، التي ترى أنّ الاحتفال بمولده صلى اللّه عليه وآله بدعة ، من الأدلّة :

1 - قوله تعالى : ( ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (1) ، باعتبار أنّ شعائر اللّه تعالى هي أعلام دينه ، خصوصاً ما يرتبط منها بالحجّ ، لأنّ أكثر أعمال الحجّ إنّما هي تكرار لعمل تاريخي ، وتذكير بحادثة كانت قد وقعت في عهد إبراهيم عليه السلام ، وشعائر اللّه مفهوم عامّ شامل للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ولغيره ، فتعظيمه صلى اللّه عليه وآله لازم .

ومن أساليب تعظيمه ، إقامة الذكرى في يوم مولده ونحو ذلك ، فكما أنّ ذكرى ما جرى لإبراهيم عليه السلام من تعظيم شعائر اللّه سبحانه ، كذلك تعظيم ما جرى للنبيّ الأعظم محمّد صلى اللّه عليه وآله يكون من تعظيم شعائر اللّه سبحانه .

2 - قوله تعالى : ( وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ) (2) ، فإنّ المقصود بأيّام اللّه ، أيّام غلبة الحقّ على الباطل ، وظهور الحقّ ، وما نحن فيه من مصاديق الآية الشريفة ، فإنّ إقامة الذكريات والمواسم فيها تذكير بأيّام اللّه سبحانه .

3 - قوله تعالى : ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ) (3) ، إذ من المصاديق الجلية لرحمة اللّه سبحانه ، هو ولادة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، الذي أرسله اللّه رحمة للعالمين ، فالفرح بمناسبة ميلاده صلى اللّه عليه وآله مطلوب ومراد .

4 - قوله تعالى : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) (4) ، فإنّ الاحتفالات بميلاده صلى اللّه عليه وآله ما هي إلّا رفع لذكره ، وإعلاء لمقامه . .

ص: 430


1- الحجّ : 32 .
2- إبراهيم : 5 .
3- يونس : 58 .
4- الانشراح : 4 .

5 - قوله تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (1) ، بأنّ مودّة ذوي القربى مطلوبة شرعاً ، وقد أمر بها القرآن صراحة ، فإقامة الاحتفالات للتحدّث عمّا جرى للأئمّة عليهم السلام ، لا يكون إلّا مودّةً لهم ، إلّا أن يدّعى أنّ المراد بالمودّة الحبّ القلبي ، ولا يجوز الإظهار .

6 - قوله تعالى : ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ ) (2) ، باعتبار أنّ إقامة الاحتفال للتحدّث عنه صلى اللّه عليه وآله فيه نوع من التعظيم والنصرة له .

7 - قوله تعالى : ( رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (3) ، فقد اعتبر يوم نزول المائدة السماوية عيداً وآية ، مع أنّها لأجل إشباع البطون .

فيوم ميلاده صلى اللّه عليه وآله ، ويوم بعثته ، الذي هو مبدأ تكامل فكر الأُمم على مدى التاريخ ؛ أعظم من هذه الآية ، وأجل من ذلك العيد ، فاتخاذه عيداً يكون بطريق أولى .

8 - قوله تعالى : ( وَالضُّحَىٰ * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ) ، فقد قال الحلبي : « أي وقد أقسم اللّه بليلة مولده صلى اللّه عليه وآله قوله تعالى : ( وَالضُّحَىٰ * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ) ، وقيل أراد بالليل ليلة الإسراء ، ولا مانع أن يكون الإقسام وقع بهما ، أي استعمل الليل فيهما » (4) .

9 - إنّ الاحتفال بالمولد سنّة حسنة ، وقد قال صلى اللّه عليه وآله : « من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها » (5) .

10 - بأنّ جلّ أعمال مناسك الحجّ ما هي إلّا احتفالات بذكرى الأنبياء ، .

ص: 431


1- الشورى : 23 .
2- الأعراف : 157 .
3- المائدة : 114 .
4- السيرة الحلبية 1 / 86 ، السيرة النبوية لزيني دحلان 1 / 21 .
5- مسند أحمد 4 / 362 ، المصنّف لابن أبي شيبة 3 / 3 ، تاريخ مدينة دمشق 43 / 544 .

فأمر اللّه تعالى باتخاذ مقام إبراهيم مصلّى إحياء لذكرى شيخ الأنبياء إبراهيم عليه السلام ، أمّا السعي بين الصفا والمروة فهو تخليد لذكرى هاجر حينما عطشت هي وابنها إسماعيل ، فكانت تسعى بين الصفا والمروة ، وتصعد عليهما لتنظر ، هل ترى من أحد .

ورمي الجمار تخليد لذكرى إبراهيم عليه السلام ، حينما ذهب به جبرائيل إلى جمرة العقبة ، فعرض له الشيطان ، فرماه بسبع أحجار فساخ .

وذبح الفداء ، إنّما هو تخليد لذكرى إبراهيم عليه السلام أيضاً ، حينما أُمر بذبح ولده إسماعيل ، ففداه اللّه بذبح عظيم .

وفي بعض الأخبار : إنّ أفعال الحجّ إنّما هي احتفال بذكرى آدم ، حيث تاب اللّه عليه عصر التاسع من ذي الحجّة بعرفات ، فأفاض به جبرائيل حتّى وافى إلى المشعر الحرام فبات فيه ، فلمّا أصبح أفاض إلى منى ، فحلق رأسه إمارة على قبول توبته ، وعتقه من الذنوب ، فجعل اللّه ذلك اليوم عيداً لذرّيته .

فأفعال الحجّ كلّها تصير احتفالات ، وأعياداً بذكرى الأنبياء ، ومن ينتسب إليهم ، وهي باقية أبد الدهر .

وأخيراً : أكمل الأدلّة على جواز إقامة الاحتفال بمولد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، هو دليل الفطرة والدين والشرع منسجم تماماً مع مقتضيات الفطرة ومتطلّباتها - فقد اعتاد الناس انطلاقاً من احترامهم للمثل والقيم التي يؤمنون بها ، على احترام الأشخاص الذين بشرّوا بها ، وضحّوا في سبيلها ، وارتبطوا بهم عاطفيّاً وروحيّاً كذلك .

ورأوا : أنّ إحياء الذكرى لهؤلاء الأشخاص ، لم يكن من أجل ذواتهم كأشخاص ، وإنّما من أجل أنّهم بذلك يحيون تلك القيم والمثل في نفوسهم ، وتشدّ الذكرى من قوّة هذا الارتباط فيما بينهم وبينها ، وترسّخها في نفوسهم ، وتعيدهم إلى واقعهم .

وهكذا يقال بالنسبة للاحترام الذي يخصّون به بعض الأيّام ، أو بعض الأماكن ، وقديماً قيل :

ص: 432

مررت على الديار ديار ليلى *** أقبّل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حبُّ الديار شغفن قلبي *** ولكن حبّ من سكن الديارا

ويلاحظ : إنّ الاهتمام بإقامة الذكريات والاحتفال بالمناسبات ، التي تمثّل تحوّلاً من نوع ما في حياة الناس عامّة لا يقتصر على فئة دون فئة ، ولا يختصّ بفريق دون فريق ، فالكبير والصغير ، والغني والفقير ، والملك والسوقة ، والعالم والجاهل ، والمؤمن والكافر ، وغيرهم ، الكلّ يشارك في إقامة الذكريات للمثل والقيم ، ومن يمثلها حسب قدراته وإمكاناته .

فهذه الشمولية تعطينا : إنّ هذا الأمر لا يعدو عن أن يكون تلبية لحاجة فطرية ، تنبع من داخل الإنسان ، ومن ذاته ، وتتصل بفطرته وسجيته ، حينما يشعر أنّه بحاجة إلى أن يعيش مع ذكرياته وآماله ، وإلى أن يتفاعل مع ما يجسّد له طموحاته .

فيوم ولادة النبيّ صلى اللّه عليه وآله هو يوم فرح المسلمين ، ويوم عيد وبهجة لهم ، ولابدّ وأن يستجيب الإسلام لنداء الفطرة ، ويلبّي رغباتها مادامت منسجمة مع منطلقاته وأهدافه ، ولا يحرمها من عطاء رحمته وبرّه ... مادام أنّه دين الفطرة ، الذي يوازن بين جميع مقتضياتها ، ويعطيها حجمها الطبيعي من دون أن يكون ثمّة إهمال مضرّ ، أو طغيان مدمّر .

وهذه هي عظمة تعاليم الإسلام ، وهذا هو رمز الخلود له ، وفّقنا اللّه للسير على هدى هذا الدين ، والالتزام بشريعة ربّ العالمين ، إنّه خير مأمول ، وأكرم مسؤول .

« يعرب البحراني - الإمارات - ... »

الأدلّة على جواز اللطم ونشوئه :

س : اللطم أثناء المأتم الحسيني ، ما هو الدليل الشرعي عليه ؟ وبداية نشوئه في أيّ فترة من التاريخ الإسلامي ؟

ج : من الأدلّة على جواز اللطم في المجالس الحسينية هو الحديث الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا

ص: 433

البكاء والجزع على الحسين بن علي عليهما السلام فإنّه فيه مأجور » (1) ، واللطم نوع من الجزع .

ولا يخفى عليكم ، أنّ النهي عن الجزع نهي تشريعي ، وليس نهياً تكوينياً ، وبالتالي فهو قابل للتخصيص ، وقد ورد تخصيص من الشارع المقدّس لعموم النهي عن الجزع ، هذا أوّلاً .

وثانياً : لأصالة الإباحة ، فطالما لم يكن في اللطم ضرر ، فمقتضى أصل الإباحة هو عدم الإشكال في اللطم ما لم يرد نهي .

وثالثاً : اللطم على مصائب أهل البيت عليهم السلام يدخل في باب تعظيم الشعائر ، وشدّ الناس إلى قضية الإمام الحسين عليه السلام التي هي قضية الإسلام .

وأمّا بداية نشوئه ، فالظاهر أنّه عريق ، كما يبدو من بعض الحوادث التي يذكرها ابن الأثير في تاريخه ، حيث ذكر في الحوادث الواقعة في القرن الرابع والخامس هجري ، أنّه وقع خلاف وصدام بين الشيعة والسنّة ، بسبب بعض أعمال يوم عاشوراء من اللطم وغيره .

« هند - المغرب - 19 سنة - طالبة ثانوية »

الشيعة تحيي الذكريات :

س : من فضلكم أُريد أن اعرف هل الشيعة يقيمون عزاءً في ذكرى موت كلّ واحد ؟

ج : إنّ الشيعة تحيي الذكريات ، وتعتقد بأنّ في إحيائها الأجر والثواب ، وإنّها من مصاديق تعظيم شعائر اللّه ، فتحيي ذكريات الأعياد والفرح ، كيوم مولد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، والمبعث الشريف ، ومواليد الأئمّة عليهم السلام من أهل البيت ، كما تحيي الشيعة ذكريات الحزن ، كيوم وفاة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، والأئمّة المعصومين عليهم السلام .

ص: 434


1- كامل الزيارات : 201 .

والشيعة تؤكّد على إقامة مراسيم العزاء على الميت ، وذلك بالحضور في التشييع ، وإقامة مجالس يقرأ فيها القرآن ، ويهدى ثوابه إلى الميت ، وكذلك الذهاب إلى القبر ، وقراءة القرآن عنده ، وإهداؤه إلى صاحب القبر ، وعمل الأعمال الصالحات ، وإهداؤها إلى روح الميت .

« أحمد - السعودية - ... »

الضرر في التطبير :

س : البعض يقولون : كيف نتطبّر مع أنّ التطبير مضرّ ؟ وإن لم يكن مضرّاً ، فهو ممّا لا يعقل دخوله ضمن الدين وشعائره ؟

ج : إنّ موضوع التطبير له بحث خاصّ من الناحية الشرعية ، ولا نريد أن ندخل فعلاً في هذا الباب ، ولكن الذي نودّ أن نذكّر به في مورد السؤال هو : أنّه لا دليل على حرمة مطلق الضرر ، وإلّا لكان أكثر المباح حراماً ، وهو كما ترى لا يمكن الالتزام به .

وأمّا دخوله ضمن الشعائر فهو يتبع مشروعية العمل أوّلاً ، وتأثيره الإيجابي عند الناس ثانياً .

ولا نقول حينئذ إنّه من صميم الدين ، بل هو من مصاديق الشعائر الحسينية ، التي تشدّ المؤمنين بواقعة كربلاء ، وتحثّهم على التضحية والفداء في سبيل عقيدتهم .

« عصام الحسيني - العراق - 30 سنة - طالب جامعة »

تعقيب على الجواب السابق :

عظّم اللّه لكم الأجر بمصاب الإمام الحسين عليه السلام ، وجعلكم اللّه من الطالبين بثأره مع إمام منصور من أهل بيت النبوّة عليهم السلام .

أمّا بالنسبة إلى مسألة التطبير ، فإنّها من الأُمور التي جعلها العلماء من المستحبّات ، هذا من الناحية الفقهية ، فإنّنا نجد البعض - ومنهم بعض الشيعة -

ص: 435

ينتقدوننا على هذا العمل ، وذلك لجهلهم الفائدة المتوخّاة من ذلك من جهة ، ولما يؤثّره الإعلام الوهّابي ومن كان على شاكلتهم من جهة أُخرى .

فأقول إلى أخوتي الشيعة : لا تتسرّعوا بالحكم على شيء لا تعرفون أبعاده .

وأمّا بالنسبة إلى صحّته ، فنقول :

1 - ضرب السيّدة زينب عليها السلام بمحمل الرحل ، وسيل الدماء من تحت القناع أمام الإمام زين العابدين عليه السلام ، عندما رأت أهل الكوفة خرجوا ينظرون إليهم ، ولم يمنعها الإمام عليه السلام من ذلك .

2 - ذكر الأئمّة عليهم السلام : « إنّ يوم الحسين عليه السلام أقرح جفوننا ، وأسبل عيوننا ... » (1) ، وأنّ في القرح ألم للناس ، فلو كان الحرمة في ذلك لنهو الناس .

3 - قول الإمام الحجّة المنتظر عليه السلام في زيارة الناحية : « لأبكين عليك بدل الدموع دماً » (2) ، فلو كان الإدماء حرام فلماذا يفعل ذلك الإمام عليه السلام ؟

4 - إنّه ليس كلّ ما يؤلم الإنسان حرام ، وإلّا لحرم الختان للصبيان ، وثقب الأذن والأنف .

5 - إنّ في التطبير تأسّي بالإمام الحسين عليه السلام الذي ضحّى بالغالي والنفيس من أجلنا ، والذي لم يبق مكان في جسده إلّا وقد أدمي ، وهو ينادي : « وا قلّة ناصراه » ، فلو خرج من قبره لوجد هذه الحشود التي تلبس الأكفان ، ومخضّبة بالدماء جنوداً مجنّدة تحت رايته ، فهذه الدماء أسوة بدماء الحسين عليه السلام ، وما أجمل هذه الأسوة من أجل رجل قدّم كلّ ما يملك من أجل رضا اللّه .

واعلموا أنّ في التطبير رضا لله تعالى ، ولرسوله صلى اللّه عليه وآله ، وللإمام عليه السلام كما قال أحد المراجع .

وهناك أسباب عديدة للتطبير ، يطول المقام لذكرها ، وعظّم اللّه لكم الأجر . .

ص: 436


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 190 .
2- المزار الكبير : 501 .

« ... - السويد - 24 سنة »

تعقيب على الجواب السابق :

إنّ التطبير من الحجامة فلا إشكال فيه ، كذلك إنّ الأصل في الأشياء الحلّ ، ولم يأتي دليل بتحريمه .

والعقيلة زينب عليها السلام حين ضربت برأسها مقدّم المحمل أمام الإمام زين العابدين عليه السلام لم ينهاها ، وكذلك أنّ الفاطميات خمشن وجوههن ، وأنّ التطبير لا يوهن المذهب مثله ، مثل رمي الجمرات في الحجّ مثلاً ، وأنّ قضية الضرر وما يترتّب عليها ما ورد من النبيّ صلى اللّه عليه وآله والأئمّة من بعده عليهم السلام ورد عن بعضهم القيام في الليل حتّى تتفطّر أقدامهم ، وما ورد من أنّ بعض الأئمّة عليهم السلام حجّ ماشياً - كالإمام السجّاد عليه السلام - حتّى تورّمت قدماه .

ألا يكون هذا فعل جائز مع وقوع الضرر في فعله ، فيكون كذلك التطبير فيه ضرر ، ولكن جائز الفعل مثله مثل القيام في الليل حتّى تتفطّر القدم ، ويحصل الضرر ؟!

وورد في زيارة الناحية المقدّسة : « ولأبكين عليك بدل الدموع دماً » (1) .

كما ورد في الروايات : « إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي عليهما السلام فإنّه فيه مأجور » (2) فيكون هنا خصوصية لجواز فعل التطبير ، بل واستحبابه .

وما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : « رحم اللّه من أحيا أمرنا » (3) ، وما ورد عن الإمام الرضا عليه السلام : « إنّ يوم الحسين عليه السلام أقرح جفوننا ، وأسبل عيوننا ... » (4) ، وما ورد عن الإمام السجّاد عليه السلام من أنّه كان يبكي حتّى يمتزج في الإناء دموعه مع دم خارج من عينه .

ص: 437


1- المزار الكبير : 501 .
2- كامل الزيارات : 201 .
3- الأمالي للشيخ الطوسي : 135 .
4- الأمالي للشيخ الصدوق : 190 .

وما ورد عن الإمام السجّاد عليه السلام من أنّه يقوم الليل حتّى تتفطّر قدماه ، وهذا فيه ضرر ، مع ذلك لم يترك هذا الأمر ، إذ ليس كلّ أمر فيه ضرر يكون محرّماً .

« علي - ... - ... »

اللطم على الصدور :

س : ما هو التفسير الديني والعلمي للطم الصدور ؟ ودمتم لنا بألف خير .

ج : لا يخفى عليكم أنّ أوّل من أقام العزاء على الإمام الحسين عليه السلام ، هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فعن أُمّ الفضل بنت الحارث ، أنّها دخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقالت : يا رسول اللّه ، إنّي رأيت الليلة حلماً منكراً ، قال : « وما هو » ؟ قالت : إنّه لشديد ، قال : « وما هو » ؟

قالت : رأيت كأنّ قطعة من جسدك قطعت ، ووضعت في حجري .

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « خيراً رأيت ، تلد فاطمة غلاماً ، فيكون في حجرك » .

فولدت فاطمة عليها السلام الحسين ، فقالت : فكان في حجري ، كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فدخلت به يوماً على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فوضعته في حجره ، ثمّ حانت منّي التفاتة ، فإذا عينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تهراقان بالدموع ، فقلت : بأبي أنت وأُمّي يا رسول اللّه ، مالك ؟

قال : « أتاني جبرائيل عليه السلام فأخبرني أنّ أُمّتي ستقتل ابني هذا ، وأتاني بتربة من تربته حمراء » (1) .

وعن أُمّ سلمة قالت : ( كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبيّ صلى اللّه عليه وآله في

ص: 438


1- الإرشاد 2 / 129 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 176 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 196 ، البداية والنهاية 6 / 258 ، ينابيع المودّة 3 / 7 .

بيتي ، فنزل جبرائيل فقال : يا محمّد ، إنّ أُمّتك تقتل ابنك هذا من بعدك ، فأومأ بيده إلى الحسين ، فبكى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وضمّه إلى صدره ، ثمّ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يا أُمّ سلمة وديعة عندك هذه التربة » ، فشمّها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقال : « ريح كرب وبلاء » .

قالت : وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يا أُمّ سلمة ، إذا تحوّلت هذه التربة دماً ، فاعلمي أنّ ابني قد قتل » ) (1) ، وهناك روايات أُخرى كثيرة في هذا المجال .

وهكذا تجد أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، أقاموا العزاء على الحسين عليه السلام ، وأمرونا بذلك ، وبإظهار الحزن .

ومن هذا المنطلق ، أخذت الشيعة الإمامية تعمل بهذه الوصية ، فتظهر مختلف علامات الحزن والعزاء على الإمام الحسين عليه السلام ، كلّ بحسب منطقته ، وعاداته وتقاليده .

فبعضهم اتّخذ مثلاً اللطم على الصدور طريقة من طرق إظهار الحزن ، ليظهر من خلاله حبّه وولائه الشديد للإمام الحسين عليه السلام ، واعتبروه عملاً راجحاً ، يتوقّعون فيه الأجر والثواب من اللّه تعالى .

ودليلهم على جوازه إجماع علماء الطائفة الشيعية عليه ، وبعض الروايات .

« موالي - الكويت - 19 سنة - طالب »

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : في جوابكم للأخ علي حول قضية اللطم ، ذكرتم الروايتين ، ولكن هناك روايات في قضية منع النبيّ صلى اللّه عليه وآله لذلك لدى العامّة ، فكيف نردّ على هذه الروايات ؟ وكيف نثبت جواز اللطم على بقية المعصومين عليهم السلام ؟

ص: 439


1- مجمع الزوائد 9 / 189 ، المعجم الكبير 3 / 108 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 192 ، تهذيب الكمال 6 / 408 ، تهذيب التهذيب 2 / 300 .

ج : إنّ الروايات المانعة التي أشرتم إليها عند العامّة - إن صحّت سنداً - فإنّها تدلّ على المنع من البكاء على الميّت على نحو الإطلاق ، فيمكن الذبّ والدفاع عن الروايات المجوّزة - كالتي وردت في جواب بعض الإخوة - بأنّ هذه الأحاديث خاصّة في مورد الإمام الحسين عليه السلام ، فتخصّص تلك الاطلاقات بهذه المخصّصات ، وهذا أسلوب مألوف في علم الأُصول - كما هو ثابت في محلّه - للجمع بين الأدلّة ونفي التعارض بينها .

على أنّ الروايات المانعة المشار إليها هي بنفسها - مع غضّ النظر عن الأخبار الواردة في شأن الإمام الحسين عليه السلام - متعارضة مع روايات أُخرى في مصادر أهل السنّة ، فورد في بعضها : أنّ عائشة ردّت هذه الروايات ، ونقلت صور أُخرى ، لا تدلّ على المنع (1) .

ويؤيّد رواية عائشة ، ما ورد في سنن الترمذي ، من أنّ منع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان في مجال بكاء اليهود على أمواتهم (2) .

وأمّا تعميم الحكم لباقي المعصومين عليهم السلام ، فأوّلاً : بالاطلاقات الواردة ، لتسرّي الأحكام من بعض المعصومين عليهم السلام على جميعهم - إلّا إذا ورد خطاب يخصّص بعضهم دون بعض - .

وثانياً : بنفس الرواية التي أوردناها في جواب بعض الإخوة ، إذ جاء فيها : « وعلى مثله - أي الإمام الحسين عليه السلام - تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب » (3) .

ولا ريب ، أنّ المثيل الأوّل والأخير للمعصوم ، هو المعصوم عليه السلام .

وبالجملة : نستنتج جواز ، بل استحباب إقامة كافّة أنواع العزاء - ومنها اللطم - على الإمام الحسين عليه السلام ، وباقي الأئمّة عليهم السلام . .

ص: 440


1- مسند أحمد 1 / 41 ، صحيح البخاري 5 / 9 ، صحيح مسلم 3 / 43 ، المستدرك على الصحيحين 1 / 381 ، الدرّ المنثور 3 / 67 .
2- الجامع الكبير 2 / 236 .
3- تهذيب الأحكام 8 / 325 .

« ... - الكويت - ... »

بكاؤنا على الحسين من مصاديق المودّة :

س : قد يتساءل الفرد ، مادام الإمام الحسين عليه السلام الآن في نعيم اللّه وجنانه ، فكيف نبكي على مصابه ؟ أو بعبارة أُخرى : كيف يتوافق البكاء على مصابه عليه السلام ، مع كونه في أعلى الدرجات من النعيم ؟ ولكم منّي جزيل الشكر .

ج : قد روى علماء المسلمين في كتبهم : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « لا يؤمن أحدكم حتّى يكون اللّه ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما » (1) .

وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله دائماً يوصي أُمّته بمودّة ذوي القربى ، قال تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (2) ، والإمام الحسين عليه السلام من القربى بإجماع المسلمين ، ومن مودّته أن نحبّه ونقتدي به ، ونفرح لفرحه ، ونحزن لحزنه وما يصيبه .

فبكاؤنا على الحسين عليه السلام من مصاديق المودّة في القربى ، أضف إلى ذلك ، الروايات الكثيرة الواردة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأهل البيت عليهم السلام في التأكيد على البكاء عليه ، وما فيه من الثواب .

« رؤوف - السعودية - 27 سنة - طالب »

تأثير البكاء واللطم على النفوس :

س : ما فائدة البكاء في محرّم ؟ وما فائدة اللطم على الصدور ؟ السؤال ليس عن الأحاديث الشريفة ، بل كيف يمكن للبكاء واللطم أن يؤثّرا في حياتنا وسلوكنا ؟

ج : إنّ البكاء بمعناه النفسي حالة تأثّر النفس وتفاعلها مع الحدث ،

ص: 441


1- مسند أحمد 3 / 207 و 278 ، مسند أبي يعلى 6 / 23 ، مسكن الفؤاد : 27 .
2- الشورى : 23 .

وإحساسها بالألم ، فتستجيب للحدث بتعبير معيّن وهو البكاء ، وبكاؤنا على الإمام الحسين عليه السلام ، هو ردّة فعل للحدث المؤلم الذي حلّ به ، فتفاعلنا مع قضيّته عليه السلام أوجب أن تتفاعل نفوسنا وأحاسيسنا لما أصابه عليه السلام ، وبذلك فإنّنا قد عبّرنا باستجابتنا لمصيبته عليه السلام بالبكاء ، الذي هو حالة تفاعل كما ذكرنا .

ومثل ذلك ، اللطم على الصدور ، فهو تعبير عن الألم والحزن ، الذي يعتلج قلوبنا ، وتعبير عن مدى ما أصابنا من عظم المصيبة ، فالحرقة التي تصيب النفس - والحزن يسيطر عليها - يمكن للإنسان أن ينفّس عمّا أصابه بفعل ما يكون ترويحاً وتنفيساً ومجاراةً ومواساةً لمن حلّت به هذه الفاجعة ، أو القضية المؤلمة .

« مصلح - السعودية - ... »

حضور الأرواح في مجالس الذكر :

س : ماذا يعني حضور الأرواح الطاهرة في مجالس الذكر ؟ وهل يتعيّن على النساء في مجالسهن ، عدم لبس الملابس الرقيقة ؟

ج : قد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « رحم اللّه شيعتنا ، خلقوا من فاضل طينتنا ، وعجنوا بماء ولايتنا ، يحزنون لحزننا ، ويفرحون لفرحنا » (1) .

ومن المؤكّد أنّ أرواحهم الطاهرة ناظرة إلى تلك المجالس المنعقدة من أجل إحياء أمرهم ، فلابدّ لكلّ من يحضر تلك المجالس ، أن يلتزم بما يتناسب مع معنوياتها وروحانيتها من حيث الملبس ، وسائر الحركات والأعمال .

« ... - ... -... »

حكم الإطعام فيها :

س : إنّ بعض إخواننا من السنّة يقول : لا يجوز الأكل من مائدة يوم عاشوراء ومثيلاتها ، لأنّها أُقيمت لغير اللّه تعالى ، فما هو الردّ عليهم ؟

ص: 442


1- شجرة طوبى 1 / 3 .

ج : إنّ الذبح والإطعام تارة يضاف لله تعالى فيقال : ذبح لله ، وإطعام لله ، ومعناه : أنّه ذبح لوجهه تعالى ، وتقرّباً إليه ، كما في الأضحية بمنى وغيرها ، والفداء في الإحرام ، والعقيقة ، وغير ذلك .

وتارة يضاف إلى المخلوق ، وهنا مرّة يضاف إلى المخلوق بقصد التقرّب إلى المخلوق طلباً للخير منه ، مع كونه حجراً أو جماداً ، كما كان يفعل المشركون مع أصنامهم ، فهذا شرك وكفر سواء سمّي عبادة أو لا .

ومرّة يضاف إلى المخلوق بقصد التقرّب إلى الخالق ، فيقال : ذبحت الشاة للضيف ، أو ذبحت الشاة للحسين عليه السلام ، وأطعمت للحسين عليه السلام ، أو لغيره من أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وهذا لا محذور فيه ، لأنّه قصد ثواب هذه الذبيحة ، أو هذا الطعام للحسين عليه السلام ، أو لأحد من أئمّة أهل البيت عليهم السلام .

ونظيره من يقصد أنّي أطحن هذه الحنطة لأعجنها ، وأخبزها وأتصدّق بخبزها على الفقراء ، وأهدي ثواب ذلك لوالدي ، فأفعاله هذه كلّها طاعة ، وعبادة لله تعالى لا لأبويه .

ولا يقصد أحد من المسلمين بالذبح للحسين عليه السلام ، أو بالإطعام له ، أو غيره التقرّب إلى الإمام الحسين عليه السلام دون اللّه تعالى ، ولو ذكر أحد من المسلمين اسم الإمام الحسين عليه السلام ، أو أحد الأئمّة عليهم السلام على الذبيحة ، لكان ذلك عندهم منكراً ، وحرّمت الذبيحة ، فليس الذبح لهم ، بل عنهم ، بمعنى أنّه عمل يهدي ثوابه إليهم ، كسائر أعمال الخير .

والخلاصة : إنّ الإطعام يوم عاشوراء إطعام لله تعالى ، صحيح أطلق عليه إطعام للحسين عليه السلام ، ولكن قصد أنّ ثوابه للحسين عليه السلام ، وليس هو إطعام لغير اللّه تعالى ، كما يتوهّمه الوهّابيون .

« محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية »

حكم الغياب عن المجالس يوم العاشر من محرّم :

س : هل الغياب في اليوم العاشر من محرّم لا يجوز ؟ وكذلك في وفاة الأئمّة عليهم السلام ؟

ص: 443

ج : من مصاديق الآية الشريفة : ( ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (1) هو الحضور في المجالس والمآتم التي تعقد في اليوم العاشر من المحرّم ، وأيّام شهادة الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، فإنّ الحضور فيها يعدّ من تقوى القلوب ، ويقرّب إلى اللّه تعالى .

وعلى أتباع أهل البيت عليهم السلام أن يحيوا هذه المجالس بحضورهم ، كما وردت عن أهل البيت عليهم السلام في وصف شيعتهم : « يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا » (2) ، إذ الحبّ القلبي لوحده لا يكفي ، فلابدّ من تجاوز هذا الحبّ القلبي إلى مرحلة الإظهار والعمل ، ومن أبرز مصاديق الإظهار ، إحياء أمرهم عليهم السلام بعقد المجالس والمآتم ، والحضور فيها .

ولا ننسى أن ننبّه : أنّ الغياب عن الحضور في هذه المجالس إذا كان تهاوناً من الشخص ، أو أحرز الشخص أنّه سيؤدّي إلى إضعاف هذه المجالس ، فهنا العلماء يفتون بحرمة الغياب .

« مصطفى البحراني - عمان - 25 سنة - طالب ثانوية »

روايات صحيحة السند تحثّ على إقامتها :

س : ما نظرة فقهاء الشيعة ومثقّفيهم في قضية البكاء ، ولطم الصدور ، وغيرها من الأُمور الأُخرى ، المتعلّقة بسيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ؟

نودّ من خلال إجابتكم جواب بسيط وشافي ، ويدخل في الأذهان بسهولة ، حتّى نتمكن من سردها لإخواننا من غير الشيعة ، الذين يسألوننا عن ذلك دوماً ، ولكم جزيل الشكر والامتنان .

ج : قد روى علماء المسلمين في كتب الحديث بكاء النبيّ صلى اللّه عليه وآله على الإمام الحسين عليه السلام قبل شهادته ، وذلك لمّا أخبره جبرائيل بما سيجري على الإمام

ص: 444


1- الحجّ : 32 .
2- شجرة طوبى 1 / 3 .

الحسين عليه السلام ، وهذا تكرّر عدّة مرّات من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وكذلك بكاء أمير المؤمنين عليه السلام ، والصحابة لمّا أخبرهم النبيّ بما سيجري على الإمام الحسين عليه السلام .

أضف إلى ذلك ، ما ورد صريحاً في روايات أهل البيت الصحيحة السند في الحثّ على إقامة المأتم على الإمام الحسين عليه السلام .

وكما تعلمون فإنّ لكلّ قوم عرف خاصّ بهم في إقامة المأتم ، ومن ذلك اللطم عند الشيعة ، فإنّه مظهر من مظاهر الحزن عندهم ، ويدخل تحت عمومات استحباب إقامة المأتم .

أضف إلى ذلك فإنّ الهاشميات لطمن على الإمام الحسين عليه السلام ، وما روي عن الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي عليهما السلام فإنّه فيه مأجور » (1) خير دليل على هذا .

« مصطفى البحراني - عمان - 25 سنة - طالب ثانوية »

كيفية تطوّر العزاء الحسيني :

س : كيف كانت طريقة العزاء على الإمام الحسين عليه السلام ، منذ زمن الأئمّة عليهم السلام ، من الإمام زين العابدين عليه السلام وإلى زماننا هذا ؟ أي كيف تطوّر العزاء الحسيني ؟

ج : إنّ تاريخ إقامة العزاء الحسيني بصورتها البسيطة من البكاء والحداد والنوح ، قد يرجع - طبقاً لجملة من الروايات - إلى زمن آدم عليه السلام ، وأمّا في العصر الإسلامي فقد أقام النبيّ صلى اللّه عليه وآله أوّل عزاء لولده الحسين عليه السلام .

ثمّ بعد استشهاده عليه السلام يقول التاريخ : إنّه بعد رحيل الجيش الأموي من كربلاء ، اجتمع جمع من الناس وبكوا ، وأقاموا مأتماً على الشهداء قبل دفنهم ، حتّى إنّ الإمام زين العابدين عليه السلام حينما قدم إلى كربلاء في ذلك الحين ،

ص: 445


1- كامل الزيارات : 201 .

رآهم على تلك الحالة ، ومن بعده استمرّت المراسم بين حين وآخر بأساليب متعدّدة من إقامة المجالس ، وإنشاد الشعر والمراثي ، إلى أن وصل دور الحكومات الشيعية - مثل الدولة الحمدانية والبويهية ، وعلى الأخصّ الصفوية - فتحرّكت المواكب ، والهيئات الشيعية ، وبتأييد صريح ، ودعم واضح منهم لهذه المآتم والمجالس والمواكب .

وأمّا نوعية العزاء وتطوّره فهو في الواقع قد أُخذ سبيله في التغيير والتطوّر في كلّ زمان ومكان ، حسب ما تراه الشيعة طريقاً ووسيلةً لإحياء ذكر الإمام الحسين عليه السلام ، وفقاً لما يراه علماؤهم من جوازه ، وعدم منافاته للشرع .

« أبو محمّد - عمان ... »

لطم الهاشميات دليل على جوازه :

س : كيف أُقنع أُناس من مذاهب أُخرى بقضية اللطم على الصدر في شهر محرّم ؟

ج : إنّ لكلّ قوم عرف خاصّ بالنسبة إلى إقامة العزاء ، ومادام أنّ أصل الحزن وإقامة العزاء ثابت على الحسين عليه السلام ، فإنّ اللطم هو واحد من مصاديق إظهار الحزن عند الشيعة ، فلا نحتاج في المسألة إلى دليل خاصّ ، مادام هو داخل تحت عمومات الحزن .

أضف إلى ذلك ، فإنّ الهاشميات لطمن على الإمام الحسين عليه السلام ، وبحضور الإمام السجّاد عليه السلام ، وحيث لم ينهاهن الإمام عليه السلام ، فيكون تقريراً لجوازه واستحبابه على الإمام الحسين عليه السلام .

« رملة السيّد - البحرين ... »

ماذا ينبغي فعله فيها :

س : بما أنّ شهر محرّم قريب ، فما هي الأعمال التي يستحبّ القيام بها في

ص: 446

هذا الشهر العظيم ؟ وشكراً على تفضّلكم بالإجابة على الأسئلة ، ورحم اللّه والديكم .

ج : مع حلول شهر محرّم الحرام ، تتجدّد ذكرى استشهاد سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام - ريحانة الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله - وأصحابه الأوفياء ، وأسر أهل بيته ظلماً وجوراً ؛ ولهذا السبب وبالذات تلتزم الشيعة - وحتّى المنصفون من غيرهم - بإحياء شعائر هذه النهضة الخالدة عبر القرون والأجيال ، لكي يستلهم المجتمع البشري في كلّ زمانٍ مفردات الإيمان ، والإباء في سبيل العقيدة الإسلامية الحية ، من عناصر هذه الحركة والجهاد .

وعليه ينبغي لكلّ مسلم ، أن يظهر من سلوكه وآدابه ، ما يدلّ على الحزن والأسى ، وأن يجتنب بقدر الإمكان من مظاهر الفرح والابتهاج والسرور ، ففي تاريخ اليعقوبي : « وروى بعضهم : إنّ علي بن الحسين لم ير ضاحكاً يوماً قط ، منذ قتل أبوه » (1) .

وأن يحرص على الحضور في المآتم والمجالس الحسينية التي تنعقد في هذا الشهر تعظيماً للشعائر ، وتأكيداً للمحافظة على تلك القيم السامية في النفس ، وإظهاراً للمودّة والولاء لخطّ أهل البيت عليهم السلام ، والبراءة من أعدائهم في طول التاريخ .

وفي هذا المجال لا يفوتنا أن نذكر فضل قراءة زيارة عاشوراء ، وما لها من آثار عظيمة دينيّاً ودنيويّاً ، فقراءتها أمر مستحبّ مؤكّد في كلّ وقت وزمان .

« أُمّ أبرار - البحرين »

مجموعة أسئلة حول المأتم الحسيني :

س : هذه مجموعة من الأسئلة المتعلّقة بالمأتم الحسيني ، من بعض الأخوات في دولة البحرين ، نرجو التفضّل بالإجابة عليها :

ص: 447


1- تاريخ اليعقوبي 2 / 259 .

1 - تقرأ في مآتم النساء رواية تزويج القاسم على ابنة عمّه سكينة في كربلاء .

أ - فما هو الحكم الشرعي بقراءتها ، أو الاستماع لها ، علماً بأنّها رواية غير صحيحة ؟

ب - وهل هناك بأس ، أو تجريح عند نثر الحلوى في الزفاف ؟

2 - ما رأيكم في التصفيق في المأتم أثناء المصيبة ، أو في الدور ، كالوقوف لقراءة الردّة أو اللطمية ؟

3 - هل يجوز الضرب على الفخذ أثناء اللطمية ؟ أم أنّ الضرب محصور على الصدر فقط ؟

4 - ما هي نصيحتكم لمن يريد كتابة رواية حسينية لقراءتها في المأتم ؟

5 - ما هي الكتب التي تنصحون بالاعتماد عليها لكتابة رواية حسينية ، أو للتحقّق من صحّة رواية معيّنة ؟

6 - ما هو الحكم الشرعي لمن كتب رواية حسينية ، معتمداً على مصدر غير موثوق ، أو كانت الرواية غير صحيحة ؟

7 - كيف نميّز الرواية الصحيحة من الخاطئة ؟

8 - ما مدى صحّة بعض العبارات في بعض الروايات ، مثل : « شقّت جيبها » و « نشرت شعرها » ، وهل يجوز قراءتها في المأتم ؟

9 - لو أُعطيت إحدى القارئات مقطع من رواية لقراءتها ، وهي على علم سابقاً بعدم صحّة هذه الرواية ، فهل تأثم إذا قرأتها ؟ هل هناك مواصفات معيّنة للقارئات الحسينيات ؟

10 - ماذا تنصح أصحاب المآتم الحسينية ، لتفعيل دورها في حياتنا اليومية ، وعلى جميع الأصعدة ، الروحي ، الاجتماعي ، الأخلاقي ؟

11 - ما هو الحكم الشرعي للغناء ، بغناء أهل الباطل « المطربين » في الأعراس ؟ وهل هناك اختلاف إذا تمّ تغيير اللحن ، أو تغيير بعض الكلمات ، وبقاء اللحن ؟

12 - ما رأيكم في ارتداء الملابس الضيّقة ، التي تبرز فتنة الجسم ،

ص: 448

وتكشف بعض المناطق ، مثل الصدر ، والساقين ، أمام النساء في الأعراس وداخل المأتم ؟

13 - تستخدم بعض أنواع المطّارات « قناني الماء » كطبل في الأعراس ، فما هو حكمها الشرعي ؟

14 - ما رأيكم في إدخال المعرس داخل المأتم ، وتصويره مع عروسه في أوضاع مختلفة ، مثل الضمّ والتقبيل ؟

15 - هل يجوز السماح للقارئة في الأعراس بالغناء أمام الرجل ؟

16 - هل تأثم صاحبة الدعوة إذا سمحت للقارئة الغناء أمام الرجل ؟ إذا كانت القارئة معتادة على الغناء أمام الرجال ؟

17 - ما هو رأيكم في اختيار قارئة للأعراس ، معلوم سابقاً أنّها تغنّي بغناء أهل الباطل ؟ أو تستخدم الطبول ، أو تغنّي أمام الرجل الأجنبي ؟

وهل هناك فرق إذا طلبناها للغناء بصورة مباحة فقط في المناسبة الخاصّة بنا ؟

18 - ما هو رأيكم في الدخول للمأتم الحسيني بالحذاء أو النعال ؟

19 - ما هو الحكم في رمي الأوساخ داخل المأتم ؟ أو عدم الاكتراث بالأوساخ داخله ؟

ج : بالنسبة إلى قراءة رواية تزويج القاسم عليه السلام من ابنة عمّه سكينة في كربلاء جائزة ، إن كان الغرض من قراءتها هو الإبكاء وإقامة العزاء ، لكن لا مع التأكيد على صحّتها ، فقد اختلف العلماء فيها على قولين ، ولكلٍّ أدلّته .

كما لا مانع من نثر الحلوى في المجلس المنعقد بعنوان زفاف القاسم ، إذا كان الغرض منه إهداء ثواب ذلك إليه عليه السلام .

كما لا مانع من التصفيق في المأتم المقصود منه تهييج العواطف ، والمشاعر الدينية والإنسانية .

ونصيحتنا لمن يريد أن يكتب رواية حسينية أن يسند المطالب التي يكتبها إلى الكتب التي نقل عنها ، حتّى تكون عهدة الرواية على أصحاب تلك الكتب .

ص: 449

وأن يعتمد على المصادر المعتبرة ، والكتب المشهورة ، التي اعتمد عليها علماؤنا السابقون ، وخطباؤنا الملتزمون بالنقل عن تلك الكتب المعتبرة ، ككتب السيّد ابن طاووس ، والشيخ المفيد ، والشيخ الطوسي ، والشيخ عباس القمّي ، وغيرهم (قدّس سرّهم) .

وكتابة الرواية الحسينية بالاعتماد على ما لا يرى جمهور علمائنا صحّته غير جائزة ، كأيّ كتابةٍ أُخرى ، لاسيّما مع الاعتقاد بالصحّة خلافاً للعلماء .

وأمّا تمييز الرواية الصحيحة من الخاطئة ، فهو من الأُمور التخصّصية التي لابدّ من دراستها ، ومعرفة المعايير والموازين الخاصّة بها .

وأمّا قراءة بعض العبارات : « كشقّت جيبها ، ونشرت شعرها » ، فلا مانع منه ، مع وجوده في بعض الكتب المشهورة للأصحاب ، إذا كان لغرض الإبكاء ، لكن لا مع الالتزام بصحّتها ، والتأكيد على وقوعها بصورة حتمية ، إلّا من العارف بموازين الصحّة .

وأمّا قراءة ما يعلم مسبقاً عدم صحّته فلا يجوز إذا كان العلم بعدم صحّة الرواية المعيَّنة مستنداً إلى مدرك صحيح .

ولابدّ أن يكون قارئ مأتم الإمام الحسين عليه السلام ، سواء كان رجلاً أو امرأة ، متحلّياً في سلوكه وأخلاقه ، واعتقاده ، وجميع شؤونه ، بصفات تتناسب مع تصدّيه لمثل هذا المقام العظيم ، الذي يرتبط بقضايا أهل البيت عليهم السلام .

وأمّا نصيحتنا لأصحاب المجالس الحسينية ، أن يكونوا دعاة لأهل البيت عليهم السلام بغير ألسنتهم ، كما في الخبر عنهم عليهم السلام ، وأن يكونوا زيناً لهم لا شيناً عليهم ، كما في الخبر عنهم أيضاً .

وعلى الجملة ، فإنّ الغرض من إقامة المجالس ، هو نشر فكر أهل البيت عليهم السلام ، وتعاليمهم وأدبهم ، فكيف يتمّ ذلك مع انتفاء هذه الأُمور عن أصحاب تلك المجالس ؟

والحكم الشرعي للغناء بالباطل في الاحتفالات المقامة بمناسبة الأعراس ،

ص: 450

هو الحرمة ، ولا خلاف بين الفقهاء في عدم جوازه مطلقاً .

ولا إشكال في ارتداء النساء الملابس الضيّقة في مجالسهن ، مع عدم اطلاع أي أجنبي على المجلس مطلقاً .

واستخدام بعض أنواع المطّارات كطبل في الأعراس ، كما جاء في السؤال ، لابأس فيه على الظاهر .

كما أنّه لا مانع من تصوير المعرِّس مع عروسه في أوضاع مختلفة في غرفة خاصّة بهما ، ولكن بشرط عدم إظهار هذه الصور في المأتم .

ولا يجوز السماح للقارئة في الأعراس بالقراءة أمام الرجل ، وتأثم صاحبة الدعوة إذا سمحت بذلك .

وإذا كانت القارئة للأعراس تاركة لأعمالها السابقة ، وكان ما تقرؤه الآن في الأعراس مطابقاً للحكم الشرعي ، من دون أيّ اقترانٍ بمحرّمات أُخرى فهذا لابأس به ، بشرط أن لا يكون غناء محرّماً .

ثمّ إنّ الدخول للمأتم الحسيني بالحذاء ، أو النعال ، ورمي الأوساخ داخل المأتم ، وغير ذلك ، إن كان موجباً لهتك المجلس ، وإهانةً لصاحبه ، والحاضرين فيه فلا يجوز .

« ... - الإمارات - ... »

مصداق للتأسّي بالنبيّ :

س : أنا طالبة في المرحلة الثانوية ، موالية لأهل البيت عليهم السلام ، وفي يوم عاشوراء نضطرّ للتغيّب عن المدرسة ، لإحياء ذكرى الحسين عليه السلام ، فنجد أنفسنا في اليوم التالي محاصرين بأسئلة ، واتهامات لا تحصر ، أحاول أن أجيب عليها قدر معلوماتي ، ولكنّي أتمنّى أن تفيدوني بإجابات أكثر دقّة وصحّة ، والأسئلة غالباً ما تكون محصورة في :

1 - لماذا تهتمّون بذكرى الإمام الحسين أكثر من الرسول والأنبياء ؟ فتتغيّبون عن الدوام في هذا اليوم بالذات ؟

ص: 451

2 - لماذا تحيون ذكرى الحسين ؟ وتبكون عليه رغم مرور كثير من السنين على استشهاده ؟

ج : نحن نبكي على الإمام الحسين عليه السلام ، ونقيم المأتم عليه ، لأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بكى على الإمام الحسين عليه السلام قبل استشهاده ، لمّا أخبره جبرائيل بما سيجري على الإمام الحسين عليه السلام .

أيبكي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قبل الفاجعة ، ونحن لا نبكي بعدها ؟!

ما هذا شأن المتأسّي بنبيّه ، والمقتصّ لأثره ! إن ترك الحزن والبكاء خروج عن قواعد المتأسّين ، بل عدول عن سنن النبيّين .

فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يستيقظ يوماً من النوم فزعاً ، وفي يده تربة حمراء يقلبّها بيده ، وعيناه تهراقان من الدموع ، وهو يقول : « أخبرني جبرائيل أن ابني الحسين يقتل بأرض العراق » (1) .

ولمّا ترى أُمّ سلمة النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقلّب شيئاً في كفّه ، ودموعه تسيل ، والحسين نائم على صدره ، تسأله عن ذلك ، فيقول صلى اللّه عليه وآله : « إنّ جبرائيل أتاني بالتربة التي يقتل عليها ، وأخبرني أنّ أُمّتي يقتلوه » (2) .

وكذلك يستيقظ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهو يبكي ، فتقول له عائشة : ما يبكيك ؟

فيقول : « إنّ جبرائيل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين ... . يا عائشة والذي نفسي بيده ، إنّه ليحزنني ، فمن هذا من أُمّتي يقتل حسيناً بعدي » ؟! (3) .

فنحن نهتمّ بالحسين عليه السلام لاهتمام النبيّ صلى اللّه عليه وآله به ، ونبكي عليه لبكاء النبيّ عليه ، ونحزن عليه لحزن النبيّ عليه . .

ص: 452


1- مجمع الزوائد 9 / 188 .
2- المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 632 ، المعجم الكبير 3 / 109 و 23 / 328 ، كنز العمّال 13 / 657 .
3- كنز العمّال 12 / 127 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 195 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 154 .

« ياسر العسبول - البحرين - ... »

مظاهر العزاء قديمة جدّاً :

س : من أين جاءت عادة التطبير التي يستخدمها بعض الناس للتعبير عن الحزن ؟

ج : إنّ غالب مظاهر العزاء ، ومبرزات الحزن والولاء ، من اللطم وضرب الزنجيل ، وضرب الطبول ، وغيرها قديمة جدّاً بقدم الواقعة .

ويعسر بيان أو تحديد فترة زمنية خاصّة بها ، إذ هي تختلف من مكان لآخر ، ومن زمن لغيره ، بحسب الظروف الاجتماعية ، والضغوط السياسية التي كانت تسمح لأبناء الطائفة إبراز مظاهر ولائهم .

وفي المقام ، لابأس بدراسة حياة البويهية قبل نحو ألف سنة ، ودخولهم بغداد ، وفسح المجال لهذه الأُمور ، ثمّ قمّة ذلك أيّام الحكم الصفوي في إيران ، لفسحه وإباحته إبراز بعض مظاهر الولاء والعزاء بدون خوف من الحكّام .

« عبد اللّه - عمان »

من مظاهر الحزن اللطم :

س : هل هناك أحاديث تدلّ على استحباب اللطم ؟ أحاديث فيها كلمة اللطم صراحة ، والاستحباب كذلك .

ج : نحن لا نحتاج إلى حديث يدلّ على استحباب اللطم مادامت المسألة راجعة إلى العرف ، ففي العرف كلّ شيء يكون من مظاهر الحزن على الإمام الحسين عليه السلام فيكون مستحبّاً ، وكما تعلمون فإنّ لكلّ أُناس عادات وتقاليد في إظهار الحزن ، ومن عاداتنا وتقاليدنا في إظهار الحزن اللطم ، فيكون داخلاً تحت العمومات التي تحثّ على إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام ، وإظهار الحزن عليهم .

وبعد هذا ، فنذكّركم بورود روايات وردت عن فعل اللطم من قبل السيّدة زينب عليها السلام ، وسائر الهاشميات وغيرهن .

ص: 453

« عبد السلام - هولندا - سنّي »

مشروعية الاحتفال بمولد النبيّ :

س : هل صحيح ما يقوله علماء السنّة : إنّ لا أحد من صحابة رسول اللّه احتفل بعيد المولد النبويّ ؟ وإنّ الاحتفال بهذه المناسبة الشريفة بدء في عهد الدولة الفاطمية ؟ ولكم جزيل الشكر .

ج : نقول في مشروعية الاحتفال بذكرى مولد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وغيره من المناسبات الإسلامية :

1 - الاحتفال لغة هو : الاهتمام والاجتماع على الأمر ، فإن كان هذا الأمر المهتمّ به ، والمجتمع عليه من الأُمور المشروعة ، والتي فيها ذكر لله سبحانه وتعالى ، وتعظيم لرسوله الكريم صلى اللّه عليه وآله ، وأمثال ذلك من الأُمور المشروعة ، والمرضية في الشريعة ، فهو أمر مندوب ومستحبّ ، وقد رغّب الشارع المقدّس فيه ، فقال تعالى : ( ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (1) .

2 - بالنسبة للصحابة فسواء عملوا بهذا الأمر ، واحتفلوا بهذه المناسبة ، أو لم يعملوا ، فليس فعلهم وتركهم حجّة شرعية ، يجب العمل بها ، ولذلك نجد أنّ علياً عليه السلام ، حينما عرضوا عليه الخلافة في قضية الشورى بين الستة ، بشرط العمل بكتاب اللّه وسنّة النبيّ وسيرة الشيخين ، فرفض عليه السلام ذلك ، ولم يقبل العمل إلّا بكتاب اللّه وسنّة نبيّه .

3 - إنّ القاعدة الفقهية تقول : « كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام » ، فما لم يوجد نهي في القرآن ، أو السنّة النبوية على أمر فهو مباح ، يجوز العمل به ، ولا يعتبر بدعة ، كما يدّعيه بعض المذاهب الشاذّة .

وهكذا القاعدة الأُصولية العقلية القائلة : بأصالة البراءة ، وأنّ الإنسان بريء الذمّة ، لا يعاقب على شيء يعمله حتّى يرد فيه نهي شرعي .

كما يمكن أن نؤيّد المسألة ببعض الروايات الدالّة على استحباب تعاهد هذا

ص: 454


1- الحجّ : 32 .

اليوم - 17 ربيع الأوّل - بالصيام ، والتوسعة على العيال ، وأمثال ذلك ، ممّا فيه إشعار بالاهتمام بمثل هذه المناسبات ، وإن اختلفت صور الاهتمام من زمان إلى آخر ، فاختلاف مصاديق الاهتمام لا يدلّ على اختلاف الحكم الشرعي ، كما نرى ذلك في كثير من المواضيع الخارجية ، كالوسيلة النقلية ، وطرق المواصلات ، وما شاكل ذلك ، فلا يعدّ هذا خلافاً لم يعمله الأصحاب ، فكذا موردنا في إظهار البهجة والسرور ، وإنشاد الأشعار والمدائح في حقّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، في ذكرى ولادته .

هذا مضافاً إلى أنّ مثل هذه المجالس ، لا تخلو من قراءة القرآن والوعظ والإرشاد ، والتقرّب إلى اللّه تعالى ، وهذا كلّه من الأُمور المستحبّة بشكل مؤكّد .

« عقيل أحمد جاسم - البحرين - 32 سنة - بكالوريوس »

تهجّم الأعداء :

س : لقد كثر التهجّم على مذهبنا من البدع والخرافات التي التصقت بنا ، وخصوصاً عملية التطبير ، وأصبحت تروّج الصور المسيئة على صفحات الإنترنت .

ج : مهما عملنا من عمل ، وتنزّلنا فسوف لن يرضى عنّا الأعداء ، ولن يتركونا بحالنا ، لأنّ هدفهم التنقيص من المذهب الحقّ .

ونزيدك علماً ، بأنّ إقامة العزاء تختلف من قوم إلى آخر ، فلكلّ عادات وتقاليد لا يمكن محاربتها ، والوقوف أمامها ، مع عدم دلالة دليل على حرمتها .

« علي نزار - الكويت - 23 سنة - طالب كلّية الدراسات التجارية »

الدليل على مشروعية لبس السواد :

س : بالنسبة للبس السواد في مناسبات وفيات أهل البيت عليهم السلام ، وبالخصوص

ص: 455

في أيّام عزاء الإمام الحسين عليه السلام ، أحببت لو تزوّدوني بالأدلّة التي تجوّز هذا الأمر ، وبخاصّة من مصادر إخواننا العامّة .

وما هو الردّ على بعض الروايات الموجودة في الكافي وغيره ، والتي تنهى عن لبس السواد ؟ مثل هذه الرواية :

« عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : ( لمّا فتح رسول اللّه مكّة بايع الرجال ، ثمّ جاء النساء يبايعنه ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ ... وقالت أُمّ حكيم بنت الحارث بن هشام ، وكانت عند عكرمة بن أبي جهل : يا رسول اللّه ما ذلك المعروف الذي أمرنا اللّه أن لا نعصيك فيه ؟ قال صلى اللّه عليه وآله : لا تلطمن خدّاً ، ولا تخمشن وجهاً ، ولا تنتفن شعراً ، ولا تشققن جيباً ، ولا تسوّدن ثوباً ... ) » (1) .

علماً أنّ هذه الرواية وجدتها مع مصدرها في نشرة دأب الوهّابيون على نشرها في أيّام محرّم ، أفيدونا جزاكم اللّه تعالى خيراً .

ج : لقد ناقش الفقهاء في أصل مشروعية لبس السواد ، إلّا أنّ هناك ما يشبه الاتفاق على جوازه ، بل استحبابه في محرّم وعاشوراء حزناً على مصاب الإمام الحسين عليه السلام ، وإليك ما أورده بعضهم :

1 - واستثنى بعضهم ما لبسه للحسين عليه السلام فإنّه لا يكره ، بل يرجّح لغلبة جانب تعظيم شعائر اللّه على ذلك ، مضافاً إلى روايات متضافرة في موارد مختلفة ، يستفاد منها ذلك (2) .

2 - لا يبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين عليه السلام من هذه الأخبار ، لما استفاضت به الأخبار من الأمر بإظهار شعائر الأحزان (3) .

ولم يبين المحقّق البحراني الوجه في عدم شمول هذه الروايات لذلك ، والوجه في عدم الشمول هو : إنّ في لبس المؤمنين الثياب السوداء في وفيات الأئمّة عليهم السلام ، وبالخصوص في أيّام محرّم الحرام ، وشهر صفر إظهاراً لمودّتهم وحبّهم لأهل .

ص: 456


1- الكافي 5 / 526 .
2- شرائع الإسلام 1 / 56 في هامشه .
3- الحدائق الناضرة 7 / 118 .

البيت عليهم السلام ، فيحزنون لحزنهم ، وإنّ هذا العمل من المؤمنين إحياء لأمر أهل البيت عليهم السلام .

وقد روي عنهم عليهم السلام : « رحم اللّه من أحيا أمرنا » (1) ، فإذا ارتدى عامّة الناس من الرجال والشباب والأطفال الثياب السود ، كان ذلك ظاهرة اجتماعية تلفت نظر الغريب فيسأل : ماذا حدث ؟ بالأمس كان الأمر طبيعياً ، وكانت ألوان ثياب الناس مختلفة ، وأمّا اليوم فقد لبسوا كلّهم السواد ؟!

فعندما يوضّح له بأنّ اليوم يوم حزن ومصيبة على ريحانة الرسول صلى اللّه عليه وآله الإمام الحسين عليه السلام ، كان هذا الأمر في حدّ نفسه إحياء لأمره عليه السلام ، ولهذا اشتهر أنّ بقاء الإسلام بشهري محرّم وصفر ، وذلك لأنّ حقيقة الإسلام والإيمان قد أُحييا بواقعة كربلاء ، وهذا دليل لابدّ من المحافظة عليه ، لتراه الأجيال القادمة ماثلاً أمامهم ، فيحصل لهم اليقين به ، فإنّ الإمام الحسين عليه السلام نفسه قد أثبت أحقّية التشيّع ، وأبطل ما عداه .

ثمّ من الروايات الواردة في استحباب لبس السواد على الإمام الحسين عليه السلام :

1 - ما رواه ابن قولويه : « إنّ ملكاً من ملائكة الفردوس الأعلى ، نزل على البحر ، ونشر أجنحته عليها ، ثمّ صاح صيحة وقال : يا أهل البحار ألبسوا أثواب الحزن ، فإنّ فرخ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مذبوح » (2) .

وفهم الشيخ النوري من هذه الرواية : عدم كراهة لبس السواد ، أو رجحانه حزناً على أبي عبد اللّه عليه السلام ، كما عليه سيرة كثير في أيّام حزنه ومأتمه (3) .

2 - ما رواه البرقي ، بسنده عن عمر بن علي بن الحسين قال : « لمّا قتل جدّي الحسين بن علي عليهما السلام ، لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح ، وكن لا يشتكين من حرّ ولا برد ، وكان علي بن الحسين عليهما السلام يعمل لهن الطعام للمأتم » (4) . .

ص: 457


1- الاختصاص : 29 ، الأمالي للشيخ الطوسي : 135 .
2- كامل الزيارات : 143 .
3- مستدرك الوسائل 3 / 328 .
4- المحاسن 2 / 420 .

وهذه الرواية إضافة إلى دلالتها على مشروعية لبس السواد ، بل استحبابه في عاشوراء ، تدلّ على أُمور أُخرى ، منها : استحباب إقامة المأتم ، والإطعام ، والقيام بخدمة مقيمي مأتم عزاء الإمام الحسين عليه السلام ، حيث كان الإمام السجّاد عليه السلام شخصيّاً يقوم بهذه الخدمة ، وكفى بذلك مقاماً لمقيمي المآتم .

وفي الفتاوى نرى ما يلي : إنّ من الثابت استحباب مؤاساة أهل البيت عليهم السلام مطلقاً ، بحزنهم وفرحهم ، لعموم ما دلّ على ذلك ، ولاستحباب التأسّي بهم ، فقد جاء في الروايات ما دلّ بالخصوص على ذلك في شهر محرّم .

فقد ورد أنّ بعض الأئمّة عليهم السلام كانت أيّام محرّم أيّام حزنه ، وعزائه ومصابه ، ونحن مأمورون باتخاذهم أسوة مطلقاً .

وأمّا بالنسبة إلى الرواية المانعة التي ذكرتموها عن الكافي إن صحّت سنداً - فإنّها تدلّ على المنع على نحو الإطلاق ، فيخصّص ذلك الإطلاق بالروايات المجوّزة ، كالرواية التي يرويها الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « ولقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليهما السلام ، وعلى مثله تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب » (1) .

وما روي عن الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي عليهما السلام فإنّه فيه مأجور » (2) .

فلبس السواد ، ولطم الخدود ، وخمش الوجوه ، وغيرها وإن كانت مكروهة إلّا أنّ كراهيتها ترتفع إذا كانت للإمام الحسين عليه السلام .

« سلمان - البحرين »

الأحاديث الناهية عن النياحة واللطم :

س : هناك أحاديث تنهي عن النياحة واللطم ، منها :

ص: 458


1- تهذيب الأحكام 8 / 325 .
2- كامل الزيارات : 201 .

1 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « النياحة من عمل الجاهلية » (1) .

2 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « صوتان ملعونان يبغضهما اللّه : إعوال عند مصيبة ، وصوت عند نعمة » (2) .

3 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « لا ينبغي الصياح على الميّت ، ولا تشقّ الثياب » (3) .

هل هذه الأحاديث صحيحة أو ضعيفة ؟ وإذا كانت صحيحة ، فهل يفهم منها أنّ النياح والصياح واللطم على الميّت مكروه محرّم ؟ وجزاكم اللّه خيراً .

ج : بالنسبة إلى رواية « النياحة من عمل الجاهلية » ، فقد رواها الشيخ الصدوق قدس سره مرسلة ، ولم يذكر لها سنداً .

نعم روى عن شعيب بن واقد نهي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن النياحة (4) ، ولكن في طريق السند إلى شعيب ، وقع حمزة بن محمّد العلوي ، وعبد العزيز بن محمّد ابن عيسى الاظهري ، وهما مهملان ، وشعيب نفسه غير مذكور في كتب الرجال فهو مجهول .

ثمّ إنّ الرواية جمعت نواهي كثيرة ، بعضها مقطوع بكراهته ، وعليه فلا يدلّ النهي عن النياحة فيها على الحرمة ، إذ هي معارضة بروايات فيها جواز النياحة ، فطريق الجمع هو : حمل الحرمة على النوح بالباطل ، وللتفصيل أكثر راجع كتب الفقه ، هذا إذا لم تكن هذه الرواية صدرت تقية ، لشهرة هذا الحكم عند العامّة .

وأمّا بالنسبة إلى الرواية الثانية - التي رواها القاضي النعمان - فهناك كلام طويل في المؤلّف ومذهبه ، بين كونه إمامي أو إسماعيلي ؟ وحذف أسانيد روايته في الكتاب طلباً للاختصار ، وقال : إنّه اقتصر على الثابت الصحيح ممّا جاء .

ص: 459


1- من لا يحضره الفقيه 4 / 376 .
2- دعائم الإسلام 1 / 227 .
3- الكافي 3 / 225 .
4- من لا يحضره الفقيه 4 / 3 .

عن الأئمّة من أهل بيت الرسول صلى اللّه عليه وآله .

ولم يرد فيه عن الأئمّة بعد الإمام الصادق عليه السلام ، وعليه فلم يعتمد الفقهاء على كتابه ، وإنّما أخذوها كمؤيّدات .

ثمّ إنّ هذه الرواية وردت عند العامّة بألفاظ أُخر ، ولا تخفى الإشارة على اللبيب ، فراجع .

وأمّا بالنسبة إلى الرواية الثالثة ، ففيها الحسن الصيقل ، وهو لم يذكر بمدح ، وإنّما ذكره الشيخ في أصحاب الأئمّة ، وامرأته روت عن الإمام الصادق عليه السلام كما في هذه الرواية ، وروت عن زوجها الحسن الصيقل ، إضافة إلى وجود كلام في بقية رجال السند .

وأمّا متن الرواية : فقد حمل قوله فيها : « لا ينبغي » على الكراهة ، وظاهر « لا ينبغي الصياح » هو الصياح العالي ، فمن حمل « لا ينبغي » على الحرمة ، قال : بحرمة الصياح العالي ، لا النوح بصوتٍ معتدل .

« ... - ... - سنّي »

لا جزع في إقامتها :

س : إلى مركز الأبحاث العقائدية : أرجو أن يكون الاستدلال عن طريق كتب أهل السنّة ، لماذا الشيعة يحيون ذكرى شهادة الحسين ؟ أليس هذا من الجزع؟

ج : كأنّك تريد أن تقول : إنّ العزاء جزع ، والجزع منهي عنه ، فالعزاء منهي عنه .

وهذا الاستدلال فاسد من حيث سقوط صغراه ، وذلك : إنّ العزاء ومأتم الحسين عليه السلام هو عبارة عن ذكر الإمام الحسين ، وذكر فضائله ومقامه ، ثمّ العروج على واقعة الطفّ ، وإظهار الحزن وذرف الدموع عليه .

فإذا كان العزاء هو ذلك ، فنأتي إلى مفرداته ، فالمفردة الأُولى هي ذكر

ص: 460

فضائل الحسين ، والصفات المعنوية التي تحلّى بها ، وهذا ليس فيه شيء مخالف للدين ، وليس فيه نهي ، بل هو أمر مشروع ، وطبق الموازين الشرعية ، فافتح ترجمة أي شخص دون الحسين عليه السلام من كتب التراجم لدى السنّة والشيعة ، تجده يبدأ بذكر فضائل المترجم له ، إن كانت له فضائل ، فهذا الذهبي تحت ترجمة الإمام الحسين عليه السلام يقول : « الإمام الشريف الكامل ، سبط رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وريحانته في الدنيا ، ومحبوبه ، أبو عبد اللّه الحسين بن أمير المؤمنين ... » (1) ، ثمّ أخذ بذكر مناقبه .

وأمّا واقعة الطفّ فقد ذكرها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وعلي بن أبي طالب عليه السلام ، وتألّما وبكيا لذكرها ، وهاك بعض الروايات الصحيحة من حيث السند حتّى على مباني السلفية ؟

عن أبي أُمامة قال : « قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لنسائه : « لا تُبكُّوا هذا الصبيّ » - يعني حسيناً - وكان يوم أُمّ سلمة ، فنزل جبرائيل عليه السلام فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الداخل وقال لأُمّ سلمة : « لا تدعي أحداً يدخل بيتي » ، فجاء الحسين فلمّا نظر إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله في البيت ، أراد أن يدخل ، فأخذته أُمّ سلمة فاحتضنته ، وجعلت تناغيه وتسكنه ، فلمّا اشتدّ في البكاء خلّت عنه ، فدخل حتّى جلس في حجر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فقال جبرائيل عليه السلام : « إنّ أُمّتك ستقتل ابنك هذا » ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « يقتلونه وهم مؤمنون بي » ؟ قال : « نعم يقتلونه » ، فتناول جبرائيل تربة ... » (2) .

وقال الذهبي : « وإسناده حسن » (3) .

وأخرج الطبراني بسنده - ورجاله ثقات - في « المعجم الكبير » في ترجمة الحسين عليه السلام عن أُمّ سلمة قالت : « كان الحسن والحسين (رضي اللّه عنهما) .

ص: 461


1- سير أعلام النبلاء 3 / 280 .
2- المعجم الكبير 8 / 285 ، مجمع الزوائد 9 / 189 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 191 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 74 .
3- سير أعلام النبلاء 3 / 289 .

يلعبان بين يدي النبيّ صلى اللّه عليه وآله في بيتي ، فنزل جبرائيل عليه السلام فقال : « يا محمّد إنّ أُمّتك تقتل ابنك هذا من بعدك » ، فأومأ بيده إلى الحسين ، فبكى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وضمّه إلى صدره ، ثمّ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « وديعة عندك هذه التربة » ، فشمّها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وقال : « ريح كرب وبلاء » .

قالت : وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يا أُمّ سلمة إذا تحوّلت هذه التربة دماً ، فاعلمي أنّ ابني قد قتل » ، قال : فجعلتها أُمّ سلمة في قارورة ، ثمّ جعلت تنظر إليها كلّ يوم ، وتقول : إنّ يوماً تحوّلين دماً ليوم عظيم » (1) .

وأخرج الحديث غير الطبراني أيضاً (2) .

وقال الصنعاني : ( أخبرنا عبد اللّه بن سعيد بن أبي هند عن أبيه ، قال : قالت أُمّ سلمة : كان النبيّ صلى اللّه عليه وآله نائماً في بيتي ، فجاء حسين يدرج ، فقعدت على الباب فأمسكته مخافة أن يدخل فيوقظه ، قالت : ثمّ غفلت في شيء ، فدبّ فدخل فقعد على بطنه ، قالت : فسمعت نحيب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فجئت فقلت : يا رسول اللّه ، واللّه ما علمت به ، فقال : « إنّما جاءني جبرائيل ، وهو على بطني قاعد ، فقال لي : أتحبه ؟ فقلت : نعم ، قال : إنّ أُمّتك ستقتله ، ألا أُريك التربة التي يقتل بها » ؟

قال : « قلت : بلى » .

قال : « فضرب بجناحه فأتاني بهذه التربة » .

قالت : فإذا في يده تربة حمراء وهو يبكي ، ويقول : « يا ليت شعري من يقتلك بعدي » ) (3) .

وأخرج الطبراني بسنده - ورجاله ثقات - عن أُمّ سلمة قالت : (كان رسول .

ص: 462


1- المعجم الكبير 3 / 108 .
2- تاريخ مدينة دمشق 14 / 192 ، مجمع الزوائد 9 / 189 ، تهذيب الكمال 6 / 408 ، تهذيب التهذيب 2 / 300 .
3- المنتخب من مسند الصنعاني : 443 .

اللّه صلى اللّه عليه وآله جالساً ذات يوم في بيتي ، فقال : « لا يدخل عليّ أحد » فانتظرت فدخل الحسين رضي اللّه عنه ، فسمعت نشيج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يبكي ، فاطلعت فإذا حسين في حجره ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله يمسح جبينه وهو يبكي ، فقلت : واللّه ما علمت حين دخل ، فقال : « إنّ جبرائيل عليه السلام كان معنا في البيت ، فقال : تحبّه ؟ فقلت : أمّا من الدنيا فنعم ، قال : إنّ أُمّتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء » ، فتناول جبرائيل عليه السلام من تربتها ، فأراها النبيّ صلى اللّه عليه وآله .

فلمّا أُحيط بحسين حين قتل ، قال : « ما اسم هذه الأرض » ؟ قالوا : كربلاء ، قال : « صدق اللّه ورسوله ، أرض كرب وبلاء » ) (1) .

وأخرجه الهيثمي في « مجمع الزوائد » وقال : « رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقات » (2) .

وكذلك أقام النبيّ صلى اللّه عليه وآله المأتم والعزاء على الحسين في بيت عائشة ، كما أخرجه الطبراني بسند صحيح ، وأحمد في مسنده (3) .

وأقام مأتم الحزن والبكاء عليه في بيت السيّدة فاطمة عليها السلام ، كما في « مقتل الخوارزمي » (4) .

وهناك الكثير من الروايات التي تشير إلى :

1 - إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله بكى وحزن على الحسين عليه السلام ، وأقام عليه العزاء والمأتم في بيوت نسائه ، بل وأمام جمع من الصحابة ، بل وأقام له المأتم منذ أوّل يوم من ولادته ، كما أخرجه الهيثمي في مجمعه بسند صحيح وغيره (5) .

2 - الأخبار الكثيرة التي تنصّ على أنّ جبرائيل عليه السلام أخبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأنّ أُمّته .

ص: 463


1- المعجم الكبير 3 / 109 .
2- معجم الزوائد 9 / 189 .
3- المعجم الكبير 3 / 107 ، مسند أحمد 6 / 294 .
4- مقتل الحسين للخوارزمي 1 / 242 .
5- مجمع الزوائد 9 / 187 .

ستقتل الحسين عليه السلام ، وجاءه بتربة من أرض كربلاء ، وأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله شمّها واستنشق منها رائحة دم ابنه الحسين الشهيد .

3 - أعطى صلى اللّه عليه وآله لبعض زوجاته تربة الحسين عليه السلام ، وأنّها عرفت مقتله من تحوّل لون تلك التربة إلى دم عبيطاً في يوم العاشر (1) .

وعن الزهري قال : قال لي عبد الملك : أيّ واحد أنت إن أعلمتني أيّ علامة كانت يوم قتل الحسين ؟ فقال : قلت : لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلّا وجد تحتها دم عبيط ، فقال عبد الملك : إنّي وإيّاك في هذا الحديث لقرينان .

قال الهيثمي : « رواه الطبراني ورجاله ثقات » (2) .

وعن الزهري قال : ما رفع بالشام حجر يوم قتل الحسين بن علي إلّا عن دم .

قال الهيثمي : « رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح » (3) .

وعن أبي قبيل قال : لمّا قتل الحسين بن علي انكسفت الشمس كسفة حتّى بدت الكواكب نصف النهار حتّى ظننّا أنّها هي .

قال الهيثمي : « رواه الطبراني وإسناده حسن » (4) .

بل نجد أوسع صور العزاء والحزن تظهر على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في كربلاء عند قتل الإمام الحسين عليه السلام ، فهذا ابن عبّاس يقول : رأيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله في المنام بنصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم ينتقطه ... فقلت : ما هذا ؟

قال : « دم الحسين وأصحابه ، فلم أزل أتتبعه منذ اليوم » .

قال الهيثمي : « رواه أحمد والطبراني ورجاله أحمد رجال الصحيح » (5) .

فإذاً لا يوجد أيّ مانع شرعي من إقامة المأتم الحسيني ، بل في إقامته أسوة .

ص: 464


1- المصدر السابق 9 / 189 .
2- المصدر السابق 9 / 196 .
3- المصدر السابق 9 / 196 .
4- المصدر السابق 9 / 197 .
5- المصدر السابق 9 / 193 .

واقتداء بالنبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، إذ هو المقيم له والقائم عليه ، كما أسلفنا من خلال الروايات الصحيحة الواردة من طرق أهل السنّة ، وعليه فتسقط المقدّمة الأُولى ، وهي كون البكاء والمأتم نوع من الجزع ، ولا يبقى لها مكان تجلس عليه ، علاوة على المناقشة في كون البكاء في المأتم ، هل هو يصدق عليه جزع أم لا ، والصحيح أنّه لا ، لكن لا مجال لبيان ذلك .

« أحمد محمّد صالح - السعودية - 18 سنة - طالب ثانوية »

رأي ابن تيمية حولها :

س : إنّي من المشاركين في أحد المنتديات ، وقد أثار الدم في عروقي موضوع عن الشيعة ، ولكن لا أعرف الردّ الوافي الكافي ، فأجبت بقدر استطاعتي ، فأنتم تعلمون مدى الظلم الذي يقع علينا في السعودية ، لأنّنا محبّي أهل البيت ، فقلت : لدينا مناهل العلم ، وأواجه هذا الردّ من أحد السنّة عليّ ، ولا أستطيع إجابته فأجيبوني ، وكان قوله هو :

شهد مقتل علي والحسين من شهده من أهل البيت ، ومرّت سنون وما أحدثوا مأتماً ولا نياحة ، فأين الدليل على هذه المناظر المخزية المخجلة التي نراها من الروافض هذه الأيّام ؟ والتي تصدّ الناس عن الدخول في الإسلام ؟!

سؤال مطروح استفدته من كلام نفيس لشيخ الإسلام في نسف بدع الروافض في عاشوراء ! حيث قال :

ومن ذلك : إنّ اليوم الذي هو يوم عاشوراء الذي أكرم اللّه فيه سبط نبيّه ، وأحد سيّدي شباب أهل الجنّة بالشهادة على أيدي من قتله من الفجرة الأشقياء ، وكان ذلك مصيبة عظيمة من أعظم المصائب الواقعة في الإسلام .

وقد روى الإمام أحمد وغيره عن فاطمة بنت الحسين ، وقد كانت شَهِدَت مصرع أبيها ، عن أبيها الحسين بن علي ، عن جدّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « ما من مسلم يصاب بمصيبة فيتذكّرها ، وإن قادم عهدها ، فيحدث لها

ص: 465

استرجاعاً إلّا أعطاه اللّه من الأجر مثل يوم أُصيب منها » (1) .

فقد علم اللّه أنّ مثل هذه المصيبة العظيمة سيتجدّد ذكرها مع تقادم العهد ، فكان من محاسن الإسلام أن روى هذا الحديث صاحب المصيبة والمصاب به أوّلاً .

ولا ريب أنّ ذلك إنّما فعله اللّه كرامة للحسين ، ورفعاً لدرجته ومنزلته عند اللّه ، ومبلغاً له منازل الشهداء ، وإلحاقاً له بأهل بيته الذين ابتلوا بأصناف البلاء .

ولم يكن الحسن والحسين حصل لهما من الابتلاء ما حصل لجدّهما ولأُمّهما وعمّهما ؛ فإنّهما ولدا في عزّ الإسلام ، وتربّيا في حجور المؤمنين ، فأتمّ اللّه نعمته عليهما بالشهادة ، أحدهما مسموماً ، والآخر مقتولاً ، لأنّ اللّه عنده من المنازل العالية في دار كرامته ، ما لا ينالها إلّا أهل البلاء .

كما قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله لمّا سئل : أيّ الناس أشدّ بلاء ؟ فقال : « الأنبياء ثمّ الصالحون ، ثمّ الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإنّ كان في دينه صلابة زيد في بلائه ، وإن كان في دينه رقّة خفّف عنه ، ولا تزال البلاء بالمؤمن حتّى يمشي على الأرض ، وليس عليه خطيئة » (2) ، وشَقِي بقتله من أَعَانَ عليه ، أو رَضِي به !

فالذي شَرَعه اللّه للمؤمنين عند الإصابة بالمصاب وإن عَظُمَت ، أن يقولوا : إنّا لله وإنّا إليه راجعون .

فأمّا اتخاذ المآتم في المصائب ، واتخاذ أوقاتها مآتم ، فليس من دين الإسلام ، وهو أمر لم يفعله رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولا أحد من السابقين الأوّلين ، ولا من التابعين لهم بإحسان ، ولا من عادة أهل البيت ، ولا غيرهم .

وقد شهد مقتل علي أهل بيته ، وشهد مقتل الحسين من شهده من أهل بيته ، وقد مرّت على ذلك سنون كثيرة ، وهم متمسّكون بسنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لا .

ص: 466


1- البداية والنهاية 8 / 221 .
2- نظم درر السمطين : 227 .

يحدثون مأتماً ولا نياحة ، بل يصبرون ويسترجعون كما أمر اللّه ورسوله ، أو يفعلون ما لابأس به من الحزن والبكاء عند قرب المصيبة .

قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « مهما كان من العين والقلب فمن اللّه عزّ وجلّ ، ومن الرحمة ، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان » (1) .

وقال : « ليس منّا من ضرب الخدود ، وشقّ الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية » (2) ، يعني مثل قول المصاب : يا سنداه ، يا ناصراه ، يا عضداه .

وقال : « النائحة إذا لم تتب قبل موتها ، تقام يوم القيامة عليها سرابيل من قطران ودرع من جرب » (3) .

وقال : « لعن اللّه النائحة والمستمعة » (4) ، وقد قال في تنزيله : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (5) ، وقد فسّر النبيّ صلى اللّه عليه وآله قوله : ( وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ) بأنّها النياحة .

وتبرّأ النبيّ صلى اللّه عليه وآله من الحالقة والصالقة ، والحالقة : التي تحلق شعرها عند المصيبة ، والصالقة : التي ترفع صوتها عند المصيبة .

وقال جرير بن عبد اللّه : كنّا نعدّ الاجتماع إلى أهل الميّت وصنعهم الطعام للناس من النياحة .

وإنّما السنّة : أن يصنع لأهل الميّت طعام ، لأنّ مصيبتهم تشغلهم ، كما قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله لمّا نعي جعفر بن أبي طالب لمّا استشهد بمؤتة ، فقال : « اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم أمر يشغلهم » (6) ، والآن هل لديكم دليل واحد على .

ص: 467


1- مسند أحمد 1 / 238 .
2- المعجم الأوسط 4 / 199 .
3- مسند أحمد 5 / 344 .
4- الجامع الصغير 2 / 408 .
5- الممتحنة : 12 .
6- مسند أحمد 1 / 205 .

قيامهم بذلك ؟ أفيدونا .

فأرجوكم ساعدوني ، ولكم الأجر والثواب .

ج : لا تبتئس بما قاله لك الأخ السنّي السعودي ، ولا تحزن لما أورده لك من كلام إمامه وشيخ إسلامه ابن تيمية ، فقل له :

أوّلاً : إنّ إمامك كان ناصبياً ، فلا يلزمنا كلامه ، ويكفينا في تعريفه مقالة أهل السنّة فيه ، وإليك بعض ذلك :

1 - قال ابن حجر الهيتمي المكّي في « الجوهر المنظّم في زيارة القبور المعظّم » : « من هو ابن تيمية حتّى ينظر إليه ، أو يعوّل في شيء من أُمور الدين عليه » .

2 - وقال : « ابن تيمية عبد خذله اللّه وأضلّه وأعماه وأصمّه ، وبذلك صرّح الأئمّة الذين بيّنوا فساد أحواله ، وكذب أقواله ... » (1) .

فهذا حال ابن تيمية بشهادة ابن حجر صاحب « الصواعق المحرقة » .

ثانياً : ما دمت نقلت عن ابن تيمية بعض كلامه محتجّاً به علينا ، وليس يلزمنا ذلك ، فلننقل لك أيضاً بعض الشواهد من كلامه نحتجّ بها عليك ، ولا يسعك التخلّف عن آثارها ، وهي تكفي في الدلالة على نصبه العنيد ، ودفاعه عن يزيد ، فإليك نماذج من تحريفاته حول استشهاد الإمام الحسين عليه السلام :

1 - « ولم يكن في الخروج - خروج الحسين - لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا ... ، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده ، فإنّ ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشرّ لم يحصل منه شيء ، بل زاد الشرّ بخروجه وقتله ، ونقص الخير بذلك ، وصار ذلك سبباً لشرّ عظيم » (2) .

2 - « وإنّ الرأس حمل إليه - أي إلى يزيد - وإنّه هو الذي نكت على ثناياه ، وهذا مع أنّه لم يثبت ففي الحديث ما يدلّ على أنّه كذب » (3) . .

ص: 468


1- الفتاوى الحديثية : 86 .
2- منهاج السنّة النبوية 4 / 530 .
3- المصدر السابق 4 / 557 .

3 - « وأمّا من سبي نسائه والذراري ، والدوران بهم في البلاد ، وحملهم على الجمال بغير أقتاب ، فهذا كذب وباطل » (1) .

4 - « أمّا ما يرويه من لا عقل له يميّز به ما يقول ، ولا له إلمام بمعرفة المنقول ، من أنّ أهل البيت سُبوا ، وأنّهم حُملوا على البخاتي - البخاتي نبت لها من ذلك الوقت سنامان - فهذا من الكذب الواضح الفاضح لمن يقول به » (2) .

5 - « وليس ما وقع من ذلك - من قتل الحسين - بأعظم من قتل الأنبياء ، فإنّ اللّه تعالى قد أخبر أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون النبيّين بغير حقّ ، وقتل النبيّ أعظم ذنباً ومصيبة ، وكذلك قتل علي رضي اللّه عنه أعظم ذنباً ومصيبة ، وكذلك عثمان أعظم ذنباً ومصيبة » (3) .

6 - « ولكن ظهر من أمره - يزيد - في أهل الحرّة ما لا نستريب أنّه عدوان محرّم ، وكان له موقف في القسطنطينية - وهو أوّل جيش غزاها - ما يعدّ من الحسنات » (4) .

7 - « لكن - يزيد - لم يقتل جميع الأشراف ، ولا بلغ عدد القتلى عشرة آلاف ، ولا وصلت الدماء إلى قبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولا إلى الروضة ، ولا كان القتل في المسجد » (5) .

فهذه سبعة شواهد تغنيك في معرفة ابن تيمية الناصب المعاند ، ولا تنسَ بأن تسأل المسلم السنّي السعودي عن إمامه ابن تيمية ، أين مات ؟ فقد مات في السجن .

ولماذا سجن ؟ لأنّه قد حاكمه أصحاب المذاهب عند السلطان على شذوذه في آرائه . .

ص: 469


1- المصدر السابق 4 / 558 .
2- رأس الحسين : 208 .
3- منهاج السنّة النبوية 4 / 550 .
4- رأس الحسين : 207 .
5- منهاج السنّة النبوية 4 / 576 .

وحسبك أن تدلّه فليقرأ رسالة الذهبي إليه ، وهي في تكملة « السيف الصقيل » للكوثري ، ولينظر ما قاله الكوثري عنه في كتاب مقالاته .

وإلى هنا تبيّن لك أنّ ما قاله ابن تيمية ليس له عندنا ولا عند غيرنا من بقية المسلمين - سوى اتباعه - ما يسوى شروي نقير .

والآن عودة إلى ما عابه المسلم السنّي السعودي من إقامة المآتم في المصائب ، وهو غير صائب بل هو خائب ، لأنّا سنذكر له بعض ما لا يسعه إنكاره من مصادره الموثوقة عند أهل السنّة :

فسله أوّلاً : ما رأيه فيما جاء في « صحيح البخاري » في كتاب الجنائز ، باب من جلس عند المصيبة يُعرف فيه الحزن ، وروي في حديث عائشة قالت : « لمّا جاء النبيّ صلى اللّه عليه وآله قتل ابن حارثة ، وجعفر ، وابن رواحة ، جلس يعرف فيه الحزن ، وأنا أنظر من صائر الباب - شقّ الباب - » (1) .

قال القسطلاني في الشرح بعد قوله : « جلس ، أي في المسجد ، كما في رواية أبي داود » (2) .

وقال ابن حجر : « وفي هذا الحديث من الفوائد أيضاً : جواز الجلوس للعزاء بسكينة ووقار ، وجواز نظر النساء المحتجّبات إلى الرجال الأجانب ... » (3) .

وسله ثانياً : ما رأيه فيما رواه البخاري في صحيحه أيضاً عن أنس ، قال : « قنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله شهراً حين قُتل القرّآء ، فما رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حزن حزناً قط أشدّ منه » (4) .

قال ابن حجر : « قوله : ما حزن حزناً قط أشدّ منه ، فإنّ ذلك يشمل حال جلوسه وغيرها » (5) . .

ص: 470


1- صحيح البخاري 2 / 83 .
2- إرشاد الساري 3 / 421 .
3- فتح الباري 3 / 135 .
4- صحيح البخاري 2 / 84 .
5- فتح الباري 3 / 135 .

فقل للسنّي السعودي إذا جاز القنوت شهراً لإظهار الحزن جاز الجلوس لذلك أيضاً شهراً ودهراً .

وسله ثالثاً : ما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه مرّ بدار من دور الأنصار من بني عبد الاشهل وبني ظفر ، فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم ، فذرفت عينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فبكى ثمّ قال : « لكن حمزة لا بواكي له » (1) .

قال الحلبي : « فأمر سعد بن معاذ نساءه ونساء قومه أن يذهبن إلى بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يبكين حمزة بين المغرب والعشاء ، أي وكذلك أسيد بن حضير أمر نساءه ونساء قومه أن يذهبن إلى بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يبكين حمزة .

أي ولمّا جاء صلى اللّه عليه وآله بيته حمله السعدان وأنزلاه عن فرسه ، ثمّ اتكأ عليهما حتّى دخل بيته ، ثمّ أذّن بلال لصلاة المغرب ، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على مثل تلك الحال يتوكّأ على السعدين ، فصلّى صلى اللّه عليه وآله ، فلمّا رجع من المسجد من صلاة المغرب سمع البكاء ، فقال : « ما هذا » ؟ فقيل : نساء الأنصار يبكين حمزة ، فقال : « رضيّ اللّه عنكنّ وعن أولادكن » ، وأمر أن تردّ النساء إلى منازلهنّ .

وفي رواية : خرج عليهنّ ، أي بعد ثلث الليل لصلاة العشاء ، فإنّ بلالاً أذّن بالعشاء حين غاب الشفق ... فقام من نومه وخرج وهنّ على باب المسجد يبكين حمزة رضي اللّه عنه ، فقال لهن : « ارجعن يرحمكن اللّه ، لقد واسيتن معي ، رحم اللّه الأنصار ، فإنّ المواساة فيهم كما علمت قديمة » ... وصارت الواحدة من نساء الأنصار بعدُ لا تبكي على ميّتها إلا بدأت بالبكاء على حمزة رضي اللّه عنه ثمّ بكت على ميّتها ، ولعلّ المراد بالبكاء النوح » (2) .

وسله رابعاً : عمّا رواه الطبري عن سعيد بن المسيّب قال : « لمّا توفّي أبو بكر .

ص: 471


1- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 210 ، السيرة النبوية لابن هشام 3 / 613 ، السيرة النبوية لابن كثير 3 / 95 ، سبل الهدى والرشاد 4 / 228 ، مسند ابن راهويه 2 / 599 ، الطبقات الكبرى 2 / 44 و 3 / 11 ، الثقات 1 / 235 ، أُسد الغابة 2 / 48 .
2- السيرة الحلبية 2 / 346 .

أقامت عليه عائشة النوح ، فأقبل عمر بن الخطّاب حتّى قام ببابها ، فنهاهنّ عن البكاء على أبي بكر ، فأبين أن ينتهينَ ، فقال عمر لهشام بن الوليد : أدخل فأخرج إلي ابنة أبي قحافة أخت أبي بكر ، فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر : إنّي أُحرّج عليك بيتي .

فقال عمر لهشام : أدخل قد أذنت لك ، فدخل هشام ، فأخرج أُمّ فروة أُخت أبي بكر إلى عمر فعلاها الدرّة ، فضربها ضربات ، فتفرّق النوح حين سمعوا ذلك » (1) .

فقل له : لا يخلو الأمر ، إمّا أن يكون فعل عائشة صحيحاً بإقامة النوح ، فلا يجوز لعمر أن يمنعه ، وإمّا أن يكون الأمر بالعكس ، ولمّا كانت عائشة تروون في حقّها : « خذوا شطر دينكم عن الحميراء » (2) ، فهي أعلم من عمر الذي لم يرد شيء في فقاهته ، بل هو كان يعترف على نفسه فيقول : « كلّ الناس أفقه منك يا عمر » (3) .

إذاً فعقد مجلس النوح جائز وليس ببدعة ، وقد أقامته عائشة على أبيها .

وسله خامساً : لئلا يستزل الشيطان هذا السعودي فيقول بمنع عمر ، فإنّ عمر نفسه قد ناقض نفسه ، وذلك حين مات خالد بن الوليد ، فقد قال : « دعهنّ يبكين على أبي سليمان - وهو خالد بن الوليد - ما لم يكن نقع أو لقلقة ، والنقع التراب على الرأس ، واللقلقة الصوت » (4) .

ونحو هذا رواه ابن عساكر عن محمّد بن سلام قال : « حدّثني أبان بن عثمان قال : لم تبق امرأة من بني المغيرة إلّا وضعت لُمتها على قبر خالد ، يقول : حلقت رأسها » (5) . .

ص: 472


1- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 614 .
2- النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 421 ، لسان العرب 4 / 209 ، تاج العروس 3 / 154 .
3- الجامع لأحكام القرآن 5 / 99 و 15 / 179 .
4- صحيح البخاري 2 / 81 ، سير أعلام النبلاء 1 / 367 .
5- تاريخ مدينة دمشق 16 / 278 .

فأين كان عنهن عمر ؟ فلماذا لم ينه عن الحلق ؟

وعجيب أمر عمر في تناقضه ، فهو ينهى عائشة وآل أبي بكر عن النوح على أبي بكر وهو صاحبه ، ولولاه لما صار خليفة من بعده ، ويسمح بالبكاء لنساء بني المغيرة في النوح على خالد على ما كان بينهما من عداوة وهجرة ، كما هو معروف ، حتّى إنّ ابن حجر ذكر في « الإصابة » في أواخر ترجمة خالد : « وسمع - أي عمر - راجزاً يذكر خالداً ، فقال : رحم اللّه خالداً ، فقال له طليحة بن عبيد اللّه :

لا أعرفنّك بعد الموت تندبني *** وفي حياتي ما زوّدتني زادي » (1)

وسله سادساً : عمّا ورد في تأبين الأموات ، بدءاً من وقوف فاطمة عليها السلام على قبر أبيها صلى اللّه عليه وآله فقالت :

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها *** وغاب مذ غبت عنا الوحي والكتب

فليت قبلك كان الموت صادفنا *** لما نُعيت وحالت دونك الكثب » (2)

ومروراً بمجيء أعرابي وقف على قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال : قلت فقبلنا ، وأمرت فحفظنا ، وبلّغت عن ربّك فسمعنا : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (3) ، وقد ظلمنا أنفسنا ، وجئناك فاستغفر لنا ، فما بقيت عين إلّا سالت (4) .

وكذلك موقف ابن مسعود على قبر عمر يبكي ، ويطرح رداءه ثم أبّنه (5) ، وانتهاءً بقول أمير المؤمنين عليه السلام على قبر خبّاب بن الأرت ، لمّا رجع من حرب صفّين إلى الكوفة ، فوجد خبّاباً قد مات ، فوقف على قبره وقال : « رحم اللّه .

ص: 473


1- الإصابة 2 / 219 .
2- شرح الأخبار 3 / 39 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 289 .
3- النساء : 64 .
4- العقد الفريد 3 / 194 .
5- المصدر السابق 3 / 195 .

خبّاباً ، لقد أسلم راغباً ، وجاهد طائعاً ، وعاش زاهداً ، وابتلي في جسمه فصبر ، ولن يضيّع اللّه أجر من أحسن عملاً » (1) ، إلى غير ذلك من جمل الرثاء التي تحمل آيات الثناء ، وتعرب عن جليل العزاء ، فضلاً عن البكاء .

وسله سابعاً : عن سنّة الجلوس للعزاء عند المسلمين ، ألم تكن قائمة دائمة ؟ فما رأيه فيما رواه ابن قيّم الجوزية وهذا تلميذ - إمامه ابن تيمية ، فهو على شاكلته - في كتابه فقال : « لمّا توفّي العباس أحجم الناس عن تعزية ولده عبد اللّه إجلالاً له وتعظيماً ، حتّى قدم رجل من البادية ، فأنشده :

اصبر نكن بك صابرين فإنّما *** صبر الرعية بعد صبر الرأس

خير من العباس صبرك بعده *** واللّه خير منك للعباس

قال : فسرى عنه ، وأقبل الناس على تعزيته » (2) .

وسله ثامناً : عمّا رواه ابن الأثير وابن كثير في وفاة عبد الرحمن بن أبي بكر ، وهذا هو شقيق عائشة فقال الثاني : « ولمّا توفّي كانت وفاته بمكان يقال له الحبشي - على ستة أميال من مكّة ، وقيل أثنى عشر ميلاً - فحمله الرجال على أعناقهم حتّى دفن بأعلى مكّة ، فلمّا قدمت عائشة مكّة زارته ، وقالت : أما واللّه لو شهدتك لم أبك عليك ، ولو كنت عندك لم أنقلك من موضعك الذي مت فيه ، ثمّ تمثّلت بشعر متمم بن نويرة في أخيه مالك :

وكنّا كندماني جذيمة برهة *** من الدهر حتّى قيل لن يتصدّعا

فلمّا تفرّقنا كأنّي ومالك *** لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

قال ابن كثير : رواه الترمذي وغيره » (3) .

وقال ابن الأثير : « ولمّا اتّصل خبر موته بأخته عائشة ظعنت إلى مكّة حاجة ، .

ص: 474


1- نفس المصدر السابق .
2- بدائع الفوائد 4 / 1018 .
3- البداية والنهاية 8 / 96 .

فوقعت على قبره فبكت عليه ، وتمثّلت :

وكنّا كندماني جذيمة حقبة *** من الدهر حتّى قيل لن يتصدّعا

فلمّا تفرّقنا كأنّي ومالكاً *** لطول اجتماع لم نبت ليلة معا » (1)

وسله تاسعاً : عمّا رواه البخاري : « ورأى ابن عمر فسطاطاً على قبر عبد الرحمن ، فقال : انزعه يا غلام ، إنّما يظلّه عمله » (2) .

وذكر ابن حجر : « مرّ عبد اللّه بن عمر على قبر عبد الرحمن بن أبي بكر أخي عائشة ، وعليه فسطاطاً مضروب ، فقال : يا غلام أنزعه فإنّما يظلّه عمله ، قال الغلام : تضربني مولاتي قالت : كلّا فنزعه » (3) .

وزاد ابن عساكر : « فقالت لها - لعائشة - امرأة : وإنّك لتفعلين مثل هذا يا أُمّ المؤمنين ؟ قالت : وما رأيتني فعلت ؟ إنّه ليست لنا أكباد كأكباد الإبل ، ثمّ أمرت بفسطاط ، فضرب على القبر ... » (4) .

وعن ابن أبي مليكة : « أنّه رآها - عائشة - زارت قبر أخيها عبد الرحمن » (5) .

أليس فيما ذكرت من الشواهد ما يكفي لإثبات سنّة الجلوس للعزاء ، وعقد مجالس النوح والبكاء ، وإنشاد وسماع واستماع الرثاء ، وزيارة القبور ، والدعاء عندها بالمأثور ؟

وبعد ، هل يحقّ للسنّي السعودي أن يلوم من يحيي ذكرى استشهاد الحسين عليه السلام ، أو ينتقد مظاهر الحزن التي يمارسها الشيعة معبّرين عن شعورهم بالولاء لصاحب الذكرى ، وإنّما يصرّ الشيعة على إحياء مراسيم العزاء في كلّ عام .

ص: 475


1- أُسد الغابة 3 / 306 .
2- صحيح البخاري 2 / 98 .
3- فتح الباري 3 / 177 .
4- تاريخ مدينة دمشق 35 / 41 .
5- فتح الباري 3 / 118 .

تذكيراً للآخرين ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) (1) ، ولئلا يلفها ضباب النسيان ، وينكرها اتباع آل أبي سفيان ، كما حدثت لبيعة الغدير ، وإسقاط المحسن ، و ... .

ثمّ هي خير وسيلة إعلامية يملكها الشيعة لتبليغ مبادئهم ، وبلوغ مآربهم في إفهام الآخرين مظلومية أهل البيت عليهم السلام ، وفضح أعمال الأمويين والعباسيين وغيرهم من أعداء الدين .

وإنّما خصّوا الحسين عليه السلام بمزيد من الذكرى ، لأنّه بقية الخمسة من أصحاب الكساء ، ولولاه لقضى بنو أُمية على دين جدّه ، وقد استهانوا بكلّ قيمه وأخلاقياته ، وحسبك أن تقرأ من خطبة للإمام الحسين عليه السلام قوله : « أيّها الناس إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم اللّه ، ناكثاً لعهد اللّه ، مخالفاً لسنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، يعمل في عباد اللّه بالإثم والعدوان ، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقّاً على اللّه أن يدخله مدخله ، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام اللّه ، وحرّموا حلاله ، وأنا أحقّ من غيّر ... » (2) ، فهو عليه السلام أعلن سرّ نهضته ، فمن أحقّ من شيعته بالاستجابة لدعوته ؟

كما إنّ مظاهر إحياء الذكرى بما فيها من خروج المواكب في الطرقات ، وحتّى ما يجري فيها ممّا يسمّيه السنّي السعودي - من المناظر المخزية المخجلة - ليست هي أخزى بدعة من ضرب الدرباش ، وبدعة الرقص ، وما إليه ممّا يمارسه أهل الوجد والمجاذيب من أهل السنّة ، حتّى قال شاعرهم الأخرس البغدادي ناقداً لهم : .

ص: 476


1- الذاريات : 55 .
2- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 304 .

أقال اللّه صفّق لي وغنّي *** وقل هجراً وسم الهجر ذكرا

فإن تكن السيادة باخضرار *** فإنّ السلق أشرف منك قدرا

وما هي ألا كنحو العرضة التي يمارسها أشياخ قومه حتّى اليوم .

وهل ينكر ما تعرضه برامج إذاعته التلفزيونية من تمثيليات ، لا يستسيغها كثير من أبناء بلده ، فهل هو ممّن يرى القذاة في عين غيره ، ولا يرى الجذع في عينه ؟

وأحسبه إنّما قال : مناظر مخزية مخجلة ، لأنّها تكشف عن صحائف يحسبها منسية ، وتثير الحسّ الخامل والغافل للبحث عن ملابسات القضية .

نعم هي أخزى لأنصار بني أُمية ، فإنّ إقامة الشعائر الحسينية تذكير للناس بتاريخ الأمويين المخزي ، فتظهر خزايتهم بارتكاب عظيم الجنايات في المسلمين ، ولم يكن السنّي السعودي أوّل من يستنكر إقامة تلك الشعائر ، ولا يكون آخرهم ، فهم قد دأبوا على استنكار إعادة تلك الذكريات ، حتّى قال شاعرهم :

هتكوا الحسين بكلّ عام مرّة *** فتمثّلوا بعداوةٍ وتصوّروا

ويلاه من تلك الفضيحة إنّها *** تطوى وفي أيدي الروافض تنشر

فردّ عليه غير واحد من شعراء الشيعة ، فقال بعضهم مشطّراً للبيتين ، ورادّاً الصاع بصاعين :

هتكوا الحسين بكلّ عام مرّة *** أَبناء من قتلوا الحسين فكبّروا

قد ساءهم أن لا يكونوا شاركوا *** فتمثّلوا بعداوة وتصوّروا

ويلاه من تلك الفضيحة إنّها *** تحكي الذي فعلوه لمّا تذكر

فبها فضيحتهم تبين وجهدهم *** تطوى وفي أيدي الروافض تنشر

والآن فلندع هذا كلّه جانباً ، وللنظر إلى مسألة إقامة الشعائر الحسينية من الوجهة الشرعية ، فماذا تقتضيه الأدلّة والقواعد ؟ فنقول :

ص: 477

أوّلاً : إنّ الأصل في الأشياء الإباحة ، ما لم يأت تحريم ببرهان ، فعلى مدّعي الحرمة إقامة الدليل عليها من كتاب أو سنّة ثابتة مقبولة ، فالأصل إذاً مع منكر الحرمة لا مع المستنكر ، فلنا مطالبته بالدليل لا بالتضليل .

ثانياً : كلّ عمل من تلك الأعمال على الإجمال يسع المتضلّع الفقيه ، تخريج وجه له وجيه ، من عمومات الأدلّة ومحكمات القواعد المعقولة والمنقولة ، كما يستفاد من كلام الشيخ كاشف الغطاء قدس سره في جوابه على مسائل البصريين ، حول ما يجري في الساحة من ذكرى عاشوراء ، وله كلام في ذلك ننقل بعضه مضموناً ، فيما يخصّ مسألة اللطم على الصدور ، وخروج المواكب في الطرقات .

1 - ففي مسألة اللطم والدم ، حسبنا ما يرويه أعلامنا ، ويرويه أيضاً غيرنا من حديث دعبل بن علي الخزاعي ، وإنشاده قصيدته التائية عند الإمام الرضا عليه السلام أيّام ولاية العهد بخراسان ، وكان منها :

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً *** وقد مات عطشاناً بشط فراتِ

إذاً للطمت الخدّ عنده *** وأجريت دمع العين في الوجنات » (1)

فسمع الإمام الرضا عليه السلام ولم يستنكر عليه قوله ، فإذا جاز لمثله أن يسمع ذلك ثمّ هو يبكي ، ويثيب الشاعر على قصيدته ثواباً جزيلاً ، فجائز لنا أن نلطم الخدّ أو الصدر في المصيبة الحسينية مادام مشروعاً ، ولو كان منكراً فيه خلاف للشرع لأنكره ، ولكنّه لم ينكر فهو جائز .

2 - وأمّا مسألة خروج المواكب في الطرقات ، فهو أيضاً جائز في نفسه ، دون ما قد يصادفه من وقوع بعض المحرّمات ، فإنّ مساوقة المحرّم للخروج لا تعني حرمة الخروج ، لأنّ حرمة الشيء لا توجب حرمة ما يقع فيه ، فمن تغنّى بالقرآن مثلاً ، لا يقال له إنّ قراءة القرآن حرام ، بل يقال له : إنّ التغنّي بالقرآن حرام . .

ص: 478


1- شرح الأخبار 3 / 173 .

على أنّ خروج المواكب قد ثبت تاريخاً أنّه كان من عهد البويهيين في بغداد ، منذ القرن الرابع الهجري ، وكان ذلك العصر يعجّ بأفذاذ العلماء وجهابذة العلم - كالشيخين المفيد وابن قولويه ، والشريفين المرتضى والرضي ، والشيخ الطوسي - ولم يسمع من أحدهم إنكار ذلك ، بل ورد أنّ الشريف الرضي قدس سره لما ورد لزيارة جدّه الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ، ورأى جماعة من الأعراب يعدّون ركضاً ، وهم ينوحون ويلطمون دخل في زمرتهم ، وأنشأ في ذلك الحال على البديهية مرثيته الخالدة ، التي لازالت حتّى اليوم تتلى وأوّلها :

كربلا لا زلتِ كرباً وبلا *** ما لقي عندكِ آل المصطفى (1)

إلى أن يقول فيها :

لو رسول اللّه يحيى بع-دهم *** قعد اليوم عل-يه-م للعزا

ونحن نقول له : أيّها الشريف لقد قعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله للعزاء عليهم من يوم ولادة الحسين عليه السلام ، حين هبطت عليه ملائكة الرحمن تهنئه بمولد الحسين عليه السلام وتعزّيه بما يجري عليه ، وقد تكرّر منهم ومنه صلى اللّه عليه وآله أن بكى ، وأخبر أزواجه وأصحابه بمقتل الحسين ، حتّى ورد في حديث لعائشة قالت : فلمّا ذهب جبرائيل عليه السلام من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خرج صلى اللّه عليه وآله والتربة في يده يبكي ، فقال : « يا عائشة إنّ جبرائيل عليه السلام أخبرني أنّ الحسين ابني مشهور مقتول في أرض الطفّ ، وإنّ أُمّتي ستفتتن بعدي » ، ثمّ خرج إلى أصحابه فيهم : علي ، وأبو بكر ، وعمر ، وحذيفة ، وعمّار ، وأبو ذر وهو يبكي ، فقالوا : ما يبكيك يا رسول اللّه ؟

فقال : « أخبرني جبرائيل أنّ مشهور الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ ، وجاءني بهذه التربة ، وأخبرني أنّ فيها مضجعه » (2) .

3 - وأمّا مسألة زيارة قبورهم عليهم السلام ، فهي مستحبّة عندنا مؤكّدة الاستحباب ، .

ص: 479


1- مناقب آل أبي طالب 3 / 267 .
2- المعجم الكبير 3 / 107 .

كما أنّ عند العامّة زيارة القبور مسنونة أيضاً ، لأنّها تذكّر بالآخرة ، وحتّى البكاء عند القبور ليس فيه محذور ، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله زار أُمّه آمنة بنت وهب ، ومعه ألف مقنّع ، فبكى وبكوا معه ، حتّى لم ير باكياً أكثر من يومئذ (1) .

فهل علم السنّي السعودي أنّ أُمّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله ماتت ، وكان هو ابن ستّ سنين على أكثر تقدير ؟

وهل درى أنّ النبيّ زار قبر أُمّه وهو في طريقه إلى عمرة الحديبية ، أي بعد أربع وخمسين سنة ؟

وهل درى أنّ قبر آمنة كان بالأبواء بين مكّة والمدينة ، وثمّة رواية أنّه بالحجون بمكّة ، وقيل جمعاً بين الروايتين : أنّها دفنت أوّلاً بالأبواء ، ثمّ نبشت ونقلت إلى مكّة ، ودفنت بالحجون .

وهل درى أنّ الشيعة إنّما يفعلون نحو هذا اقتداء بسنّته صلى اللّه عليه وآله ، فهم يزورون قبور أئمّتهم ، وإن تطاول العهد ، ومهما طال الأمد ، ويعمّرونها بإصلاحها ، وهم يحيون مراسيم ذكراهم ، ويقيمون العزاء عليهم ، ويبكون لمصابهم ، كلّ ذلك اقتداء بسنّته صلى اللّه عليه وآله .

4 - وأمّا أعمال الشبيه على ما فيه ما ينبغي عليه التنبيه ، فإنّه كأيّ عمل آخر يشوبه ما يقتضيه التنزيه ، ولا يعني ذلك الحكم بالحرمة لمجرّد وقوع بعض المنافيات ، التي ليست هي منه بسبيل ، وإنّ آثار ذلك التمثيل أسرع تأثيراً في الناس من باقي مظاهر الحزن والعزاء .

حتّى أدرك ذلك الغربيون والشرقيون فجلب انتباههم ، وصاروا يبحثون عن الحسين عليه السلام من هو ؟ وما هي أهداف ثورته ؟ ولماذا يحيي الشيعة ذكراه كلّ .

ص: 480


1- المحلّى 5 / 161 ، نيل الأوطار 4 / 164 ، ذخائر العقبى : 258 ، مسند أحمد 2 / 441 ، سنن ابن ماجة 1 / 501 ، صحيح ابن حبّان 7 / 440 ، سير أعلام النبلاء 17 / 43 ، البداية والنهاية 2 / 341 ، السيرة النبوية لابن كثير 1 / 237 .

عام ؟ واقتنع غير واحد بمبدأ الحسين عليه السلام ، حتّى قال بعضهم : لقد شيّعني الحسين ، وقال غاندي : تعلّمت من الحسين أن أكون مظلوماً فانتصر .

ولأحد المستشرقين كلمة في المقام ، يحسن إيرادها ، وذلك هو ماربين الألماني في كتابه « السياسة الإسلامية » قال : « من جملة الأُمور السياسية التي ألبستها رؤساء فرقة الشيعة لباس المذهب من عدّة قرون ، وصارت مورثة جدّاً لجلب قلوبهم وقلوب غيرهم ، هي أُصول التمثيل ، باسم التشبيه والتعزية في مأتم الحسين ... .

التمثيل أدخلته حكماء الهند في عباداتها لعدّة أغراض خارجة عن موضوع بحثنا ، الأوربائيون بمقتضى السياسة ألبسوا التمثيل لباس التفرّج ، وأظهروا في محلّات التفرّج العمومية لأنظار العامّ والخاصّ أُموراً سياسية مهمّة لاستجلاب القلوب قليلاً قليلاً ، أصابوا هدفين بسهم واحد ، تفريح الطبائع ، وجلب قلوب العامّة في الأُمور السياسية ...

فرقة الشيعة حصلت من هذه النكتة على فائدة تامّة ، فألبست ذلك لباس المذهب ... وعلى كلّ حال فالتأثير الذي يلزم أن يحصل على قلوب العامّة والخاصّة في إقامة العزاء والشبيه قد حصل ، من جهة يذكرون في مجالس قراءة التعزية المتواصلة المصائب ، التي وردت على رؤساء دينهم ، والمظالم التي وردت على الحسين .

ومع تلك الأحاديث المشوّقة إلى البكاء على مصائب آل الرسول ، فتمثيل تلك المصائب للأنظار أيضاً له تأثير عظيم ، ويجعل العامّ والخاصّ من هذه الفرقة راسخ العقيدة فوق التصوّر ... هذه الفرقة تعمل الشبيه بأقسام مختلفة ، فتارة في مجالس مخصوصة ، ومقامات معيّنة ، وحيث إنّه في أمثال هذه المجالس المخصوصة ، والمقامات المعيّنة يكون اشتراك الفرق الأُخرى معهم أقلّ ، أوجدوا تمثيلاً بوضع خاصّ ، فعملوا الشبيه في الأزقة والأسواق ، وداروا به بين جميع الفرق ، وبهذا السبب تتأثّر قلوب جميع الفرق منهم ومن غيرهم ، بذلك الأثر

ص: 481

الذي يجب أن يحصل من التمثيل ، ولم يزل هذا العمل شيئاً فشيئاً يورث توجّه العامّ والخاصّ إليه ، حتّى إنّ بعض الفرق الإسلامية الأُخرى ، وبعض الهنود قلّدوا الشيعة فيه ، واشتركوا معهم في ذلك ...

إنّ هذه الطائفة بواسطة مجالس المآتم ، وعمل الشبيه واللطم والدوران وحمل الأعلام في مأتم الحسين جلبت إليها قلوب باقي الفرق ... نحن - الأوربائيين - بمجرّد أن نرى لقوم حركات ظاهرية في مراسمهم الملّية أو المذهبية منافية لعاداتنا ننسبها إلى الجنون والتوحّش ، ونحن غافلون عن أنّنا لو سبرنا غور هذه الأعمال ، لرأيناها عقلية سياسية ، كما نشاهد ذلك في هذه الفرقة ، وهؤلاء بأحسن وجه ، والذي يجب علينا أن ننظر إلى حقائق عوائد كلّ قوم ، وإلّا فإنّ أهل آسيا أيضاً لا يستحسنون كثيراً من عوائدنا ، ويعدّون بعض حركاتنا منافية للآداب ، ويسمّونها بعدم التهذيب بل بالوحشية ، وعلاوة على تلك المنافع السياسية التي ذكرناها ، التي طبعاً إثر التهيّج الطبيعي ، فإنّهم يعتقدون أنّ لهم في إقامة مأتم الحسين درجات عالية في الآخرة ، انتهى » .

وأخيراً : حسبنا ما قاله الأئمّة عليهم السلام في إحياء أمرهم ، والتذكير بمصابهم ، ولا يضيرنا قول عائب خائب ، فإنّ لكلّ امرئ ما نوى ، وإنّما الأعمال بالنيّات ، بشرط تنزيه تلك الأعمال عمّا يشينها من أقوال وأفعال ، ولا نترك فرصة لمن استزلهم الشيطان ، فيرمونها بالفرية والبهتان ( رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ) (1) .

« عالية - البحرين - 20 سنة »

سبب البكاء على الحسين :

س : لديّ سؤال : لماذا نبكي على أئمّة أهل البيت ؟ ونقوم بالتعزية عليهم ،

ص: 482


1- آل عمران : 8 .

مع العلم أنّ تلك الحادثة - مثل مصيبة الإمام الحسين - كانت من الماضي ؟ ونسألكم الدعاء ، والشكر الجزيل .

ج : يمكن الإجابة على سؤالك من عدّة وجوه :

الوجه الأوّل : لقد بكى على الحسين عليه السلام الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله قبل استشهاده ، وقد ثبت ذلك من طرقنا ومن طرق العامّة ، ويمكن تأسّياً بالرسول صلى اللّه عليه وآله أن نبكي على الحسين عليه السلام ، ولا علاقة للزمان وبعده عن واقعة استشهاده ، لأنّه لو كان للزمان علاقة لكان الأولى بالرسول صلى اللّه عليه وآله أن لا يبكي على الحسين عليه السلام قبل حصول الواقعة ، بل الذي يدعونا - كما يدعو الرسول صلى اللّه عليه وآله - للبكاء هو مظلومية الإمام الحسين عليه السلام .

الوجه الثاني : قد ورد أيضاً أنّ بعض الأنبياء عليهم السلام قد بكوا على الإمام الحسين ، وبعد الأنبياء عن واقعة استشهاد الإمام الحسين عليه السلام أكثر من بعدنا عن تلك الواقعة ، ومع الاختلاف في السبق واللحوق .

الوجه الثالث : قد ورد أيضاً أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله بكى على حمزة وجعفر ، وأمر النساء بالبكاء عليهما ، حتّى صار البكاء على حمزة من عادة نساء أهل المدينة .

الوجه الرابع : بعد أن ثبت عندنا بالدليل القاطع عصمة أئمّتنا عليهم السلام يمكننا الأخذ برواياتهم وسيرتهم ، وقد كان دأب المعصومين عليهم السلام بعد واقعة الطفّ البكاء على الحسين عليه السلام ، وكان بعضهم يقيم مآتم العزاء ، وكانوا يأمرون شيعتهم بالبكاء ، وإقامة العزاء ، وحضور مجالس العزاء ، حتّى ورد عندنا فضل للتباكي على الحسين عليه السلام ، ونحن تبعاً لهم عليهم السلام نسير على خطاهم ، ونهتدي بهديهم ، ونأتمر بأوامرهم .

فقضية البكاء على الحسين عليه السلام من القضايا الفرعية ، التي يمكن إثباتها بعد إثبات الأُصول التي تعتمد عليها ، ولا تتوقّف تلك الأُصول على جواز أو عدم جواز البكاء ، حتّى يستلزم الدور المحذور .

ص: 483

« حسين - البحرين - 24 سنة - مدرّس »

كيفية بكاء الأفلاك على الحسين :

س : الرجاء التوضيح الشافي والوافي فيما ورد في مقتل الإمام الحسين عليه السلام : بكت لموته الأرض والسماوات ، وأمطرت دماً ، وأظلمت الأفلاك من الكسوف ، واشتدّ سواد السماء ، ودام ذلك ثلاث أيّام ، والكواكب في أفلاكها تتهافت ، وعظمت الأهوال حتّى ظنّ أنّ القيامة قد قامت .

مع توضيح كيفية بكاء السماء دماً ، ولكم منّا جزيل الشكر والتقدير .

ج : سؤالك يتكوّن من سبع فقرات تريد إيضاحها :

1 - بكت لموته الأرض والسماء ، قد ورد عنهم عليهم السلام : إنّ بكاء الأرض كان بتفجّرها دماً ، وما رفع حجر عن الأرض إلّا كان تحته دماً عبيطاً ، وقد فسّر في خبر آخر بالسواد .

أمّا بكاء السماء ، فعن الإمام الصادق عليه السلام بعد أن سئل عن بكاء السماء ، قال : « كانت الشمس تطلع حمراء وتغيب حمراء » (1) ، وقد فسّر بكاء السماء في أخبار أُخر بوقوع الدم ، فعن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام بعد سؤاله عن أيّ شيء بكاؤها ؟ قال : « كانت إذا استقبلت بثوب وقع على الثوب شبه أثر البراغيث من الدم » (2) .

وفي خبر آخر نسب البكاء بالحمرة إلى الشمس ، فقال : « بكت السماء على الحسين أربعين صباحاً بالدم ، والأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد ، والشمس بكت أربعين صباحاً بالحمرة » (3) ، والذي يجمع بين الأخبار أنّ كلا الأمرين قد حصل .

2 - وأمطرت دماً ، قال أحدهم : أمطرت السماء دماً احمرت منه البيوت

ص: 484


1- مناقب آل أبي طالب 3 / 212 .
2- كامل الزيارات : 184 .
3- بحار الأنوار 14 / 183 .

والحيطان ، وقال آخر : ذهبت الإبل إلى الوادي لتشرب فإذا هو دم ، وقال آخر : وحبابنا وجرارنا صارت مملوءة دماً ، وأصبحنا وحياضنا وجرارنا مملوءة دماً .

3 - أظلمت الأفلاك من الكسوف .

4 - اشتدّ سواد السماء ودام ذلك ثلاثة أيّام .

لعلّ العبارتين بمعنى واحد وهو ذهاب نور الشمس وانكسافه ، وصيرورة النهار ليلاً كما في بعض الأخبار .

5 - والكواكب في أفلاكها تتهافت ، لم نعثر على مكان وجود هذه العبارة في المقتل ، ومع وجودها فيمكن أن يفهم منها : ظهور الشهب بكثرة في السماء ، الذي كان يفهم منه في ذلك الزمان سقوط الكواكب .

6 - عظمت الأهوال حتّى ظنّ أنّ القيامة قد قامت ، بعد كلّ هذه الحوادث الغريبة عليهم والمروّعة ، علموا بفداحة الأمر الذي حصل ، وتوقّعوا الهلاك العاجل ، حتّى جاء عن بعضهم قوله : حتّى ظنّنا أنّها هي ، يعني القيامة .

« علي - فرنسا - سنّي - 28 سنة - طالب »

النبيّ بكى على الحسين قبل مقتله :

س : هل الحسين خير من الرسل والأنبياء ؟ أم أنّه الوحيد الذي مات حتّى تفعلوا كل هذا من أجله ؟ يهديكم اللّه ، ويصلح بالكم .

ج : ألم يثبت أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله بكى على الحسين عليه السلام قبل مقتله ؟ ونصب المأتم عليه في مسجده ، فكيف بنا بعد أن قتل !

فقد روى أحمد عن عبد اللّه بن نجى عن أبيه : « أنّه سار مع علي رضي اللّه عنه ، وكان صاحب مطهرته ، فلمّا حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفّين ، فنادى علي : « اصبر أبا عبد اللّه بشطّ الفرات » ، قلت : وماذا ؟ قال : « دخلت على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ذات يوم وعيناه تفيضان ، قلت : يا نبيّ اللّه أغضبك أحد ؟ ما شأن عينيك تفيضان ؟

ص: 485

قال : بلى ، قام من عندي جبرائيل قبل ، فحدّثني أنّ الحسين يقتل بشطّ الفرات ، قال : فقال : هل لك أنّ أشمّك من ترتبه ؟ قال : قلت : نعم ، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أنْ فاضتا » (1) .

وهناك روايات كثيرة في هذا الباب ، مثل رواية أُمّ الفضل ... قالت : « فدخلت يوماً إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فوضعته - أي الحسين - في حجره ، ثمّ حانت منّي التفاتة فإذا عينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تهريقان من الدموع ، قالت : فقلت : يا نبيّ اللّه بأبي أنت وأُمّي مالك ؟ قال : « أتاني جبرائيل عليه السلام فأخبرني أنّ أُمّتي ستقتل ابني هذا » ، فقلت : هذا ؟ فقال : « نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء » .

قال الحاكم النيسابوري : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه » (2) ، فلماذا تنقم وتنزعج من البكاء والتأثّر على مقتل الحسين ؟!

يا أخي : إنّ الحسين سيّد شباب أهل الجنّة ، وريحانة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وابنه وحامل نسله ونسبه وسببه وإسلامه ، وضحّى بنفسه وأعزّ ما عنده من أخوة وأولاد ، وأهل بيت وأصحاب مؤمنين ، ونساء أهل البيت ، وعانوا ما عانوا من عطش وتقتيل وتمثيل وسبي وتخويف ... وعندنا أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وفاطمة وعلي والحسن عليهم السلام أفضل من الحسين عليه السلام ، وكلّهم أفضل من الأنبياء والرسل والملائكة ، ولكن تختصّ مصيبة الحسين عليه السلام ومقتله بأشياء عظيمة توجب الاهتمام والإحياء والاقتداء به عليه السلام .

« السيّد علي - الكويت - 17 سنة »

ثواب البكاء على مصيبة الحسين :

س : إنّ بعض العلماء يشكّك في قضية البكاء على الحسين ، وأنّه لا يغفر الذنوب ؟ وفّقكم اللّه لخدمة الدين ، وشكراً .

ص: 486


1- مسند أحمد 1 / 85 .
2- المستدرك على الصحيحين 3 / 177 .

الجواب : لاشكّ أنّ أعداء أهل البيت عليهم السلام حاولوا على مدى الزمان منع إقامة الشعائر الحسينية ، أو التشكيك والسخرية في كثير منها ، ولكن بسبب وقوف مراجع الدين أمام هذا التيار ، وحثّهم للأُمّة على إقامة الشعائر ، والحبّ والولاء الموجودان لدى الأُمّة ، أفشل الكثير من تلك المحاولات ، فأثبتوا لهم تمسّكهم بأهل البيت عليهم السلام مهما كلّفهم الأمر .

فقضية ثواب البكاء على مصيبة الإمام الحسين عليه السلام ، فهي من القضايا المسلّمة عند علمائنا ، فقد وردت روايات كثيرة في هذا المجال ، نذكر منها :

1 - عن أبي جعفر عليه السلام قال : « كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليهما السلام دمعة حتّى تسيل على خدّه ، بوّأه اللّه بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً ، وأيّما مؤمن دمعت عيناه ... » (1) .

2 - عن أبي عمارة المنشد ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : ( قال لي : « يا أبا عمارة أنشدني في الحسين عليه السلام » ، قال : فأنشدته ، فبكى ، ثمّ أنشدته فبكى ، ثمّ أنشدته فبكى ، قال : فو اللّه ما زلت أنشده ويبكي حتّى سمعت البكاء من الدار ، فقال لي : « يا أبا عمارة من أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فأبكى خمسين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى أربعين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرين فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرة فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى واحداً فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنّة » ) (2) .

3 - عن صالح بن عقبة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « من أنشد في الحسين عليه السلام بيت شعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنّة ، ومن أنشد في الحسين بيتاً .

ص: 487


1- كامل الزيارات : 201 .
2- المصدر السابق : 209 .

فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنّة » ، فلم يزل حتّى قال : « من أنشد في الحسين بيتاً فبكى - وأظنّه قال : أو تباكى - فله الجنّة » (1) .

4 - عن أبي عمارة المنشد قال : ( ما ذكر الحسين عليه السلام عند أبي عبد اللّه عليه السلام في يوم قط ، فرئي أبو عبد اللّه عليه السلام متبسّماً في ذلك اليوم إلى الليل ، وكان عليه السلام يقول : « الحسين عَبرة كُلّ مؤمن » ) (2) .

5 - عن أبي بصير قال : ( قال أبو عبد اللّه عليه السلام : « قال الحسين بن علي عليهما السلام : أنا قتيل العَبرة لا يذكرني مؤمن إلّا استعبر » ) (3) .

6 - عن الفضل بن شاذان قال : ( سمعت الرضا عليه السلام يقول : « لمّا أمر اللّه تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه ، تمنّى إبراهيم عليه السلام أن يكون يذبح ابنه إسماعيل عليه السلام بيده ، و ... قال : يا إبراهيم فإنّ طائفة تزعم أنّها من أُمّة محمّد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يذبح الكبش ، فيستوجبون بذلك سخطي ، فجزع إبراهيم عليه السلام لذلك وتوجّع قلبه وأقبل يبكي ، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه : يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين وقتله ، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب ، فذلك قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العلي العظيم » ) (4) .

7 - عن إبراهيم بن أبي محمود قال : « قال الرضا عليه السلام : « إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال ، فاستحلّت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهب ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حرمة في أمرنا . .

ص: 488


1- المصدر السابق : 210 .
2- المصدر السابق : 214 .
3- المصدر السابق : 215 .
4- الصافّات : 107 ، عيون أخبار الرضا 2 / 187 .

إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلّ عزيزنا ، بأرض كرب وبلاء ، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإنّ البكاء يحطّ الذنوب العظام » .

ثمّ قال عليه السلام : « كان أبي عليه السلام إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه ، حتّى يمضي منه عشرة أيّام ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين » ) (1) .

8 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لمّا نزلت : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ) (2) في اليهود ، أي الذين نقضوا عهد اللّه ، وكذّبوا رسل اللّه ، وقتلوا أولياء اللّه : « أفلا أُنبّئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الأُمّة » ؟

قالوا : بلى يا رسول اللّه ، قال : « قوم من أُمّتي ينتحلون أنّهم من أهل ملّتي ، يقتلون أفاضل ذرّيتي وأطائب أرومتي ، ويبدّلون شريعتي وسنّتي ، ويقتلون ولدي الحسن والحسين ، كما قتل أسلاف اليهود زكريا ويحيى .

ألا وإنّ اللّه يلعنهم كما لعنهم ، ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هادياً مهديّاً من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنّم ، ألا ولعن اللّه قتلة الحسين ومحبيهم وناصريهم ، والساكتين عن لعنهم من غير تقية تسكتهم .

ألا وصلّى اللّه على الباكين على الحسين رحمة وشفقة ، واللاعنين لأعدائهم والممتلئين عليهم غيظاً وحنقاً ، ألا وإنّ الراضين بقتل الحسين شركاء قتلته ، ألا وإنّ قتلته وأعوانهم وأشياعهم والمقتدين بهم براء من دين اللّه » (3) .

9 - عن الإمام علي عليه السلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « إذا كان يوم القيامة نادى .

ص: 489


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 190 .
2- البقرة : 84 .
3- بحار الأنوار 44 / 304 ، العوالم ، الإمام الحسين : 598 .

مناد من بطنان العرش : يا أهل القيامة غضّوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمّد ، مع قميص مخضوب بدم الحسين ، فتحتوي على ساق العرش ، فتقول : أنت الجبّار العدل اقض بيني وبين من قتل ولدي ، فيقضي اللّه لابنتي وربّ الكعبة .

ثمّ تقول : اللّهم اشفعني فيمن بكى على مصيبته ، فيشفعها اللّه فيهم » (1) .

نكتفي بهذا المقدار من الروايات ، وللمزيد راجعوا المصادر الحديثية .

« حفيظ بلخيرية - تونس »

ما ورد في زيارة الأربعين :

س : يحتفل الشيعة في كلّ سنة بأربعينية الحسين عليه السلام ، وسؤالي لا يتعلّق بإحياء الذكرى ، بل في مسألة الأربعين ، هل تتوافق مع الحديث القائل : « لا حزن بعد الثلاث » ؟

ج : لم نجد الحديث المذكور في الكتب الحديثية المعتبرة عند الفريقين - السنّة والشيعة - وعلى فرض التسليم بوجوده وصحّته إن وجد ، تكون زيارة الأربعين للإمام الحسين عليه السلام ممّا خُصّ فعله تبعاً للروايات المعتبرة الواردة في هذا الشأن ، وزيارة الأربعين لا تشتمل على معنى الحزن فقط ، وإنّما حالها كحال معظم الشعائر الحسينية المندوبة الأُخرى التي يراد منها :

1 - تعظيم شعائر اللّه التي وصفها الحقّ سبحانه وتعالى بأنّها من تقوى القلوب .

2 - التعبير عن الولاء لأولياء اللّه ، والسير على منهجهم وخطاهم .

3 - السعي لبيان مظلومية أهل البيت عليهم السلام ، وما جرى على أئمّة الحقّ التي تعني مظلومية الإسلام ، والذي يصبّ في دعم العقيدة والدين ، إلى غير ذلك من المعاني والعبر التي حفلت بها هذه الشعائر ، حتّى ورد الحثّ الشديد من أئمّة أهل

ص: 490


1- ينابيع المودّة 2 / 323 .

البيت عليهم السلام على إقامتها وتفعيلها .

أمّا ما ورد من الأحاديث في زيارة الأربعين ، فقد روي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنّه قال : « علامات المؤمن خمس : صلاة إحدى وخمسين ، وزيارة الأربعين ، والتختّم باليمين ، وتعفير الجبين ، والجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم » (1) .

وقد وردت صيغة عن الإمام الصادق عليه السلام لكيفية هذه الزيارة جاء فيها : « تزور عند ارتفاع النهار فتقول : السلام على وليّ اللّه وحبيبه ، السلام على خليل اللّه ونجيبه ... » (2) .

« حفيظ بلخيرية - تونس - ... »

الضرب بالسلاسل نوع من التأسّي :

س : نشاهد على شاشة التلفاز شباب يضربون أنفسهم بسلاسل من حديد ، وذلك لإحياء ذكرى الشهيد الحسين عليه السلام ، فما هو معنى هذا الفعل ؟

ج : إنّ شعائر الضرب بالسلاسل على الظهور قد يكون لها منشأ من نفس أحداث واقعة كربلاء ، تقريباً وتعبيراً عمّا كان يتعامل به أعداء أهل البيت من إيذاء وضرب ، وممارسات الأسر في حقّ النساء والأطفال ، ضرباً على ظهورهم بالسياط ، لذا يعمل الموالون على إحياء هذا المشهد المأساوي الذي قدّمه أهل بيت العصمة وعيالاتهم في سبيل نصرة الدين والتضحية من أجل إحياء الإسلام المحمّدي الأصيل .

وفلسفة هذه الأعمال والشعائر للمصيبة الحسينية أنّها تهدف على إحياء روح التأسّي والتأثّر والولاء لأهل البيت عليهم السلام ، الذي أمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله أُمّته بالتمسّك بهم من بعده مع الكتاب الكريم ، وجعلهم عدلاً له ، كما هو الوارد في الحديث

ص: 491


1- إقبال الأعمال 3 / 100 .
2- المصدر السابق 3 / 101 .

المعروف : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » (1) .

وبغضّ النظر عن معنى هذا الفعل فإنّ للشيعي الموالي الحرّية في اختيار السلوك الذي يعبّر به عن حزنه ومواساته للسبط الشهيد وأهل بيته وأصحابه ، ما لم يدخل ذلك في دائرة الحرام .

وعليه ، فإنّ مختلف الشعائر الحسينية مفتوحة للتطوّر بمرور الزمان ، كما أنّها تطوّرت إلى ما نشاهده اليوم عمّا كانت عليه سابقاً عبر تراكم العادات ، واختلاف أشكال التعبير .

« ... - ... - ... »

أدلّة تحريم اللطم واهية :

س : يعدّ البعض اللطم على الصدور في المآتم حرام ، ويستدلّ بعدّة أدلّة ، فما هي الأدلّة على مشروعية اللطم على الصدور ؟

ج : الاستدلال على مشروعية اللطم يتمّ على نقاط :

1 - إنّ الأصل في الأشياء الإباحة ، أي إنّ كُلّ شيء مباح حتّى يرد فيه حرمة

ص: 492


1- فضائل الصحابة : 15 ، سنن الترمذي 5 / 328 ، تحفة الأحوذي 10 / 196 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 418 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 45 و 130 ، خصائص أمير المؤمنين : 93 ، المعجم الصغير 1 / 135 ، المعجم الأوسط 4 / 33 و 5 / 89 ، المعجم الكبير 3 / 66 و 5 / 154 و 166 و 170 و 182 ، شرح نهج البلاغة 9 / 133 ، نظم درر السمطين : 232 ، كنز العمّال 1 / 172 و 186 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 122 ، المحصول 4 / 170 ، الإحكام للآمدي 1 / 246 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطني 6 / 236 ، أنساب الأشراف : 111 و 439 ، البداية والنهاية 5 / 228 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 416 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 95 و 99 و 105 و 112 و 119 و 123 و 132 و 345 و 349 و 2 / 432 و 438 و 3 / 65 و 141 و 294 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 211 و 3 / 177 ، لسان العرب 4 / 538 و 11 / 88 ، تاج العروس 7 / 245 .

ونهي ، لا كما يظهر من كلام من يعترض على اللطم : من أنّ الأصل في الأشياء الحرمة .

فإنّ أصالة الإباحة أصل في علم أُصول الفقه ، فيه بحوث علمية لا يعرفها أبناء المذهب المخالف يمكنك اطلاعهم عليها ، وعليه فإنّ مدّعي الحرمة والمنع يحتاج إلى دليل وليس العكس .

2 - بل إنّ اللطم على الإمام الحسين عليه السلام مستحبّ ، لأنّه بعد الأصل يدخل في إحياء شعائر اللّه ، ومن المعلوم لدينا دخول الشعائر الحسينية في شعائر اللّه ، لأنّ يوم الحسين يوم من أيّام اللّه بلا جدال .

3 - ولكن مع كُلّ هذا ، فإنّ للشيعة أدلّتهم من الروايات التي فيها إقرار اللطم على الإمام الحسين وبقية المعصومين عليهم السلام ، كما ورد في زيارة الناحية المقدّسة من فعل الفواطم : « برزن من الخدور ، ناشرات الشعور على الخدود ، لاطمات الوجوه » (1) ، إذ جاءت هذه الزيارة على لسان معصوم ، فضلاً عن سكوت الإمام زين العابدين عليه السلام زمن الحادثة الدالّ على تقريره .

وأيضاً ما رواه العلّامة المجلسي : من أن دعبل الخزاعي لمّا انشد الإمام الرضا عليه السلام :

إذاً للطمت الخدّ عنده *** وأجريت دمع العين في الوجنات » (2)

لطمت النساء ، وعلا الصراخ من وراء الستار ، وبكى الإمام الرضا عليه السلام حتّى أُغمي عليه مرّتين ، وفيه من التقرير والرضا ما لا يخفى ، إذ لو كان فيه خلاف الشرع لأنكره عليه السلام .

ما رواه الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « وقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود ، الفاطميات على الحسين بن علي عليهما السلام ، وعلى مثله .

ص: 493


1- المزار الكبير : 504 .
2- بحار الأنوار 45 / 256 .

تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب » (1) .

وقال في الجواهر : « وما يحكى من فعل الفاطميات كما في ذيل خبر ... بل ربما قيل إنّه متواتر » (2) .

وفي اللّهوف : « ولمّا رجع نساء الحسين عليه السلام وعياله من الشام وبلغوا إلى العراق ، قالوا للدليل : مرّ بنا على طريق كربلاء .

فوصلوا إلى موضع المصرع ، فوجدوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، وجماعة من بني هاشم ، ورجالاً من آل الرسول صلى اللّه عليه وآله ، قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام ، فوافوا في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد ، واجتمعت إليهم نساء ذلك السواد ، وأقاموا على ذلك أيّاماً » (3) .

ومن المعلوم : إنّ الإمام السجّاد عليه السلام كان معهم .

وروي في أحاديث كثيرة استحباب الجزع على الإمام الحسين عليه السلام ، وفسّر الإمام الباقر عليه السلام الجزع بقوله : « أشدّ الجزع الصراخ بالويل والعويل ، ولطم الوجه والصدر ... » (4) .

وغيرها من الروايات ، أفبعد هذا يقال بالمنع من اللطم !! نعم إنّ ذلك مختصّ بالحسين عليه السلام كما ذكر الفقهاء .

ولكن المانعين المدّعين لحرمة اللطم حاولوا إيراد أدلّة تدلّ على حرمة اللطم بالعنوان الثانوي ، منها :

1 - إنّه إلقاء في التهلكة : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (5) ، مع أنّ الآية ناظرة إلى التهلكة في الآخرة ، ولو سلّمنا فإنّه ليس فيما يفعله اللاطم تهلكة في الدنيا . .

ص: 494


1- تهذيب الأحكام 8 / 325 .
2- جواهر الكلام 4 / 371 .
3- اللّهوف في قتلى الطفوف : 114 .
4- الكافي 3 / 222 .
5- البقرة : 195 .

وإن حدث في بعض الحالات النادرة ، فإنّ مات أحدهم مثلاً ، فإنّ ذلك لا يوجب التحريم أصلاً ، فهو كما يتّفق في كُلّ شيء مباح ، كركوب السيارة مثلاً .

2 - إنّه إضرار بالنفس ، والإضرار حرام ، مع أنّه لم يثبت حرمة كُلّ إضرار بالنفس ، بل الثابت حرمة ما يؤدّي إلى هلاك النفس ، أو ما يؤدّي إلى ضرر بالغ ، والعقلاء يقدمون على الضرر القليل من أجل هدف أسمى وأكبر ، بل قد يقدمون على أُمور فيها هلاك النفس من أجل المبادئ والقيم التي يؤمنون بها .

3 - من أنّ هذه الممارسات - ومنها اللطم - فيها توهين للمذهب ، وجوابه : إنّ ذلك يختلف باختلاف المواقف ، وأنّ تشخيص الموضوع يعود للمكلّف في صدق التوهين هنا أو لا .

ولو أردنا مجارات كُلّ من خالفنا وشنّع علينا بممارساتنا الدينية بمثل هذه الحجّة لما بقى لدينا شيء حتّى الحجّ والصلاة .

4 - قد يعترض المخالف من أهل العامّة بأنّه بدعة ، ولكن تعريف البدعة هو : إدخال ما ليس في الدين فيه ، وهو قد يطلق على ما كان محرّماً ، وقد عرفت ممّا سبق الأدلّة على جوازه ، وأنّه من الدين .

« عبد اللّه - السعودية - 30 سنة - دكتور »

اللطم جائز للإقرار وللأصل :

س : من المتعارف عليه بين أبناء الشيعة الإمامية إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ، ويصاحب ذلك في كثير من الأحيان اللطم ، أو ما عرف بالعزاء .

وهو إنشاد القصائد الرثائية في أهل البيت ، ويصحب ذلك اللطم على الصدور ، وحسب اطلاعي المتواضع ، فإنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا يحيون هذه الأيّام ، ولكن لم يرد بأنّهم كانوا يلطمون على صدورهم ، أو كانوا يحثّون على ذلك ، ولو كانت هذه العادة هي شعيرة خاصّة ، أو لها أهمّية لجاءت أخبار الأئمّة بالحثّ عليها ، بل ربما هناك ما يتعارض مع مثل ذلك .

ص: 495

فنحن نعرف وصية الإمام الحسين عليه السلام لأخته زينب عليها السلام ليلة العاشر : بأن تتعزّى بعزاء اللّه ، ولا تشقّ عليه جيباً ، أو تلطم عليه خدّاً ... مع أنّ السيّدة زينب ليست بحاجة لذلك ، إلّا أنّ الإمام ربما قال لها ذلك من باب : إيّاك أعني واسمعي يا جارة .

كذلك سمعت من البعض : بأنّ أوّل ظهور لهذه العادة كان في عصر الشيخ المفيد ، وكان الشيخ يقف موقفاً سلبياً ممّن يمارسون هذه العادة ، أُودّ أن أسمع تعليقكم حول هذا الموضوع بالتفصيل ؟ شاكراً ومقدّراً لكم .

ج : نلخّص الجواب في نقاط :

1 - هناك كلّية صحيحة يرجع إليها في الاستدلال ، وهي : كُلّ ما يأمر به ، أو يحثّ عليه ، أو يفعله أو يقرّه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أو الإمام عليه السلام فهو جائز بالمعنى العام ، أي أعمّ من الواجب والمستحبّ والمباح .

وهناك قضية يأتي بها المغالطون كثيراً على أنّها كلّية صحيحة يمكن الاستدلال بها ، ليموّهوا على مناقشيهم بنوع من المغالطة ، وهي : إنّ كُلّ جائز وليس الواجب يجب أن يفعله النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أو الإمام عليه السلام ، وهي عكس الأُولى ، وهذه الكلّية غير صحيحة وباطلة ، ولم تثبت لا عقلاً ولا شرعاً .

ومن راجع علم المنطق يعرف : إنّ العكس المستوي في الموجبة الكلّية يكون موجبة جزئية ، فعكس القاعدة الأُولى : كُلّ ما يفعله الإمام فهو جائز ، وهي موجبة كلّية ، يكون : بعض ما هو جائز يفعله الإمام ، وهي موجبة جزئية ، ثمّ إنّه لم يثبت في الشرع أنّ كُلّ شيء جائز - سواء كان مستحبّاً أو مباحاً - يجب أن يفعله الإمام .

ملاحظة : نحن اقتصرنا في القضية على فعل الإمام عليه السلام لأنّ المخالفين الذين يتعمّدون المغالطة يحتجّون دائماً علينا بأنّ الإمام لم يفعل كذا ، ولم يفعل كذا ، فهو غير جائز ، ولا يحتجّون علينا بعدم فعل النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلّا نادراً .

أمّا نحن ، فإنّ هذه القاعدة واضحة عندنا ، فلا نحتجّ عليهم بعدم فعل النبيّ صلى اللّه عليه وآله لشيء لإثبات عدم جوازه إلّا من باب النقض .

ص: 496

ومن هنا عرفت الجواب على كُلّ من يعترض على فعل ما بأنّ الإمام عليه السلام لم يفعله ، أو لم يثبت فعله له ، ومنها الاستدلال بعدم فعل الإمام عليه السلام للطم .

2 - تبيّن أنّ إقرار النبيّ صلى اللّه عليه وآله أو الإمام عليه السلام لفعل ما يدلّ على جوازه بالمعنى الأعم ، ولا يثبت به الوجوب ، فهو يحتاج إلى دليل آخر .

وفي موردنا جاءت عدّة روايات تثبت إقرار الإمام عليه السلام لما فعله الآخرون من اللطم أمامه ، أو لم ينكر على من ذكر اللطم على الإمام الحسين عليه السلام ، ويبيّن له المنع من ذلك .

منها : ما رواه الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق عليه السلام : « وقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود ، الفاطميات على الحسين بن علي عليهما السلام ، وعلى مثله تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب » (1) .

ومنها ما رواه الشيخ الصدوق : إنّ دعبل الخزاعي انشد الإمام الرضا عليه السلام قصيدته التي فيها :

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً *** وقد مات عطشاناً بشط فراتِ

إذاً للطمت الخدّ عنده *** وأجريت دمع العين في الوجنات » (2)

فلم يعترض عليه الإمام عليه السلام بأنّ فاطمة عليها السلام لا تفعل الحرام ، وهو اللطم ، بل بكى عليه السلام .

ومنها : ورد في زيارة الناحية المقدّسة : « فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّا ونظرن سرجك عليه ملويّا ، برزن من الخدور ناشرات الشعور ، على الخدود لاطمات ، الوجوه سافرات ، وبالعويل داعيات ... » (3) ، وغيرها .

3 - إنّ استنباط الحكم الشرعي لقضية معيّنة يتمّ من خلال قواعد مقرّرة في أُصول الفقه وعلم الفقه ، ويستدلّ بها من القرآن والسنّة والعقل والإجماع ، ولا .

ص: 497


1- تهذيب الأحكام 8 / 325 .
2- بحار الأنوار 45 / 256 .
3- المزار : 504 .

ينحصر الدليل بقول المعصوم أو فعله ، وإذا فقد الدليل من هذه الأربعة يرجع إلى الأُصول العملية التي تحدّد الوظيفة العملية للمكلّف باتجاه هذه القضية .

وقد قرّروا أنّ الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يأتِ فيه تحريم ، فإذا سلّمنا بفقد الدليل على اللطم ، نرجع إلى هذا الأصل الأوّلي فيه وهو الإباحة ، ولم يثبت في هذه القضية أصل ثانوي من أنّه إضرار بالنفس ، وعلى فرض ثبوته فليس كُلّ ضرر - وإن كان لا يعتدّ به - حراماً .

4 - ومثل هذا يثبت بخصوص خروج المواكب في الطرقات وإنشاد المراثي ، على أنّ شعائر خروج المواكب في الطرقات كان من عهد البويهيين في بغداد في القرن الرابع الهجري ، وهو عصر علماء عظام من الإمامية - كالمفيد وابن قولويه والمرتضى والرضي - ولم يسمع من أحد منهم الاعتراض والنهي عن ذلك ، ولم نعرف المصدر الذي نقلت منه موقف الشيخ المفيد السلبي بخصوص ذلك ، فنرجو أن تذكر المصدر حتّى ننظر فيه .

5 - وأمّا ما أوردته من الرواية عن الإمام الحسين عليه السلام يخاطب زينب عليها السلام : بأن تتعزّى بعزاء اللّه ، ولا تشقّ عليه جيباً ، أو تلطم عليه خدّاً ... ، فإنّ متن الرواية هكذا : « انظرن إذا أنا قتلت ، فلا تشقّقن عليّ جيباً ، ولا تخمشن عليّ وجهاً ... » (1) .

وليس فيها : « ولا تلطمن عليّ خدّاً » حتّى تستدلّ بها على النهي عن اللطم .

بل عن رواية الأقدم منهما وهو أبو مخنف - المتوفّى 158 ه- - عن الحارث بن كعب وأبي الضحّاك عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام ، أنّ المخاطبة كانت زينب عليها السلام ، إذ قال لها الحسين عليه السلام : « يا أُخية ، إنّي أُقسم عليك فابري قسمي : لا تشقّي عليّ جيباً ، ولا تخمشي عليّ وجهاً ، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور ، إذا أنا هلكت » (2) . .

ص: 498


1- اللّهوف في قتلى الطفوف : 50 .
2- مقتل الحسين لابن مخنف : 111 .

مع ملاحظة أنّ القضية في كُلّ الروايات واحدة ، وهي خبر إنشاد الحسين لعدّة أبيات التي أوّلها : يا دهر أُفٍّ لك من خليل ... ، ليلة عاشوراء ، فمرّة مخاطباً النساء معاً ، ومرّة مخاطباً زينب عليها السلام وحدها ، إضافة إلى أنّ رواية السيّد ابن طاووس مرسلة .

نعم ، قد يستدلّ برواية أُخرى في « دعائم الإسلام » عن الإمام الصادق عليه السلام : أنّه أوصى عندما احتضر فقال : « لا يلطمن عليّ خدّ ، ولا يشققن عليّ جيب ، فما من امرأة تشقّ جيبها إلّا صدع لها في جهنّم صدع ، كلّما زادت زيدت » .

ولكن بغضّ النظر عمّا قيل في توثيق كتاب « دعائم الإسلام » ، فقد قال السيد الخوئي بخصوص هذه الرواية وغيرها : « إلّا أنّ الأخبار لضعف إسنادها لا يمكن الاعتماد عليها في الحكم بالحرمة بوجه » (1) .

ولذا أفتى علماؤنا بجواز شقّ الثوب على الأب والأخ فراجع .

فيتّضح أنّ ما تقدّم من الروايات لا تنهض حجّة لمقاومة الأدلّة التي ذكرناها . .

ص: 499


1- التنقيح في شرح العروة الوثقى 9 / 232 .

ص: 500

الإلهيات :

اشارة

« أُمّ محمّد - البحرين - ... »

إثبات أنّ للكون علّة غير محتاجة :

س : كيف نثبت أنّ للكون علّة غير محتاجة ؟ مع جزيل الشكر ، وفّقكم اللّه لما يحبّ ويرضى .

ج : نثبت ذلك عن طريق الدليل العقلي والدليل الشرعي :

أمّا الدليل العقلي فنقول : لو كانت علّة الكون محتاجة للزم التسلسل ، وهو باطل عقلاً ، وذلك ببيان :

معنى كون العلّة محتاجة ، أي مفتقرة ومعلولة إلى علّة ثانية توجدها ، وهي غير محتاجة ، وإلّا لاحتاجت العلّة الثانية إلى علّة ثالثة وهكذا ، فيكون بعضها معلول لبعض آخر ، وذلك البعض الآخر معلول لآخر من غير أن ينتهي إلى علّة ليست بمعلول ، وهو ممتنع وباطل ، لاستحالة التسلسل .

فيثبت أنّ علّة الكون ليست بمعلول ، أي ليست بمحتاجة ، وهو المطلوب .

وأمّا الدليل الشرعي فنقول : وردت آيات وروايات كثيرة تنصّ على أنّ الخالق والموجد لهذا الكون هو اللّه تعالى ، ووصفته بأنّه غنيّ غير محتاج ، فمن الآيات :

1 - قوله تعالى : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) (1) .

ص: 501


1- الطور : 35 .

2 - قوله تعالى : ( أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ ) (1) .

3 - قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) (2) .

4 - قوله تعالى : ( وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ ) (3) .

5 - قوله تعالى : ( وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ) (4) .

« يوسف - الكويت - ... »

استعمال كلمة الربّ في غيره مجازاً :

س : سمعت أحد الخطباء في الكويت يقول : إنّ المقصود بكلمة الربّ في القرآن الكريم ، هو الإمام علي ، فنرجو التوضيح ، وشكراً .

ج : لا إشكال في عدم صحّة إطلاق كلمة « الربّ » بمعناه ومصطلحه الحقيقي على غير اللّه عزّ وجلّ ؛ وأمّا استعمال هذه الكلمة مجازاً في غيره - تبارك وتعالى - فهو بمكانٍ من الإمكان ، فمثلاً ورد في سورة يوسف عليه السلام : ( اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ ) (5) .

وعليه فلا مانع من الاستعمال المجازي ، ثمّ نحن لا نعلم قصد المتكلّم حتّى نحكم على كلامه ، فإنّ كان يقصد المعنى الحقيقي فهو مردود وغير معقول ، وقد ورد في استنكاره عدّة روايات من المعصومين عليهم السلام ، فمنها :

ما رواه الكشّي عن أمير المؤمنين عليه السلام في مقابلته للغالين (6) .

ص: 502


1- الطور : 36 .
2- فاطر : 15 .
3- النجم : 48 .
4- محمّد : 38 .
5- يوسف : 42 .
6- اختيار معرفة الرجال 1 / 325 .

وأيضاً جاء في « الخصال » : ( إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : « إيّاكم والغلوّ فينا ، قولوا إنّا عبيد مربوبون ، وقولوا في فضلنا ما شئتم » ) (1) ، وغيرها .

وأمّا إذا كان المقصود التجوّز في الاستعمال والتنزيل فلابأس به .

« ... - ... - ... »

الأدلّة العقلية على وجود اللّه تعالى :

س : كيف نستطيع معرفة اللّه ؟ وما هي الأدلّة العقلية لوجوده تعالى ؟ وما هو أفضل كتاب يفضّل قراءته في هذا المجال ؟

وكيف نؤمن بربّ لا نراه ؟ وكيف وجد اللّه ؟ ومن أين ؟ أرجو الإجابة ، وأنا مؤمن باللّه ولكن للاطمئنان ، ودمتم سالمين .

ج : إنّ وجود اللّه تعالى أغنى من أن يحتاج إلى بيان ، أو يتوقّف على برهان ، حيث أدركه كُلّ ذي عقل ، وأحسّ به كُلّ ذي شعور ، وفهمته كُلّ فطرة ، حتّى الذي ينكره بلسانه لا محالة يتوجّه إليه عند الاضطرار بقلبه وجَنانه ، بل يمكن القول بأنّ وجوده تعالى فطري ، لا يحتاج في الحقيقة إلى دليل ، ولكن نذكر لكم بعض الأدلّة العقلية على وجوده تعالى ، حسبما طلبتموه :

الأوّل : برهان النظم :

أوضح الأدلّة على إثبات اللّه تعالى ، الذي يحكم به العقل ، هو دليل النظم والتدبير .

فالكُلّ يرى العالم بسماواته وأراضيه ، وما بينهما من مخلوقاته ، ورواسيه من المجرّة إلى النملة .

فنرى أجزاءها وجزئيّاتها مخلوقة بأحسن النظم ، وأتقن تدبير وأحسن صنع ، وأبدع تصوير ، فيحكم العقل بالصراحة ، أنّه لابدّ لهذا التدبير من مدبّر ،

ص: 503


1- الخصال 2 / 36 .

ولهذا التنظيم من منظّم ، ولهذا السير الحكيم من محكم ، وذلك هو اللّه تعالى .

الثاني : امتناع الصدفة :

فإنّا إذا لم نؤمن بوجود الخالق لهذا الكون العظيم ، فلابدّ وأن نقول : بأنّ الصدفة هي التي أوجدته ، أو أنّ الطبيعة هي التي أوجدته .

لكن من الواضح ، أنّه لا يقبل حتّى عقل الصبيان أن تكون هذه المخلوقات اللامتناهية ، وجدت بنفسها بالصدفة العمياء ، أو بالطبيعة الصماء .

الثالث : برهان الاستقصاء :

فإنّ كلّاً منّا ، إذا راجع نفسه يدرك ببداهة ، أنّه لم يكن موجوداً أزلياً ، بل كان وجوده مسبوقاً بالعدم ، وقد وجد في زمان خاصّ ، إذاً فلنفحص ونبحث : هل أنّنا خلقنا أنفسنا ؟ أم خلقنا أحد مثلنا ؟ أم خلقنا القادر اللّه تعالى ؟

ولاشكّ أنّنا لم نخلق أنفسنا ، لعدم قدرتنا على ذلك ، ولاشكّ أيضاً أنّ أمثالنا لم يخلقونا لنفس السبب ، إذاً لا يبقى بعد التفحص والاستقصاء إلّا أنّ الذي خلقنا هو اللّه تعالى ، لأنّه القادر على خلق كُلّ شيء .

الرابع : برهان الحركة :

أنّا نرى العالم بجميع ما فيه متحرّكاً ، ومعلوم أنّ الحركة تحتاج إلى محرّك ، لأنّ الحركة قوّة ، والقوّة لا توجد بغير علّة .

إذاً لابدّ لهذه الحركات والتحوّلات والتغيّرات من محرّك حكيم قدير ، وهو اللّه تعالى .

الخامس : برهان القاهرية :

إنّ الطبيعة تنمو عادة نحو البقاء ، لولا إرادة من يفرض عليها الفناء .

فالإنسان الذي يعيش ، والأشجار التي تنمو ، لا داعي إلى أن يعرض عليها الموت أو الزوال إلّا بعلّة فاعلة قاهرة .

ص: 504

فمن هو المميت ؟ ومن هو المزيل ؟ ذلك الذي له القدرة على فناء مخلوقاته ، وهو اللّه تعالى .

هذه أدلّة خمسة ، من بين الأدلّة العقلية الكثيرة التي تبرز الإيمان الفطري بوجود اللّه تعالى .

وأمّا كيف وجد ؟ وأين وجد ؟ فذلك ممنوع شرعاً عن التحدّث عنه ، بل ولا يمكن للعقل أن يدركه .

والكتاب المفضّل لمعرفة هذه الأُمور هو كتاب « الإلهيات » للشيخ السبحاني ، وكتاب « العقائد الحقّة » للسيّد علي الحسيني الصدر .

« كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة »

الإرادة التكوينية والتشريعية :

س : ما معنى الإرادة التكوينية ؟ والإرادة التشريعية ؟

ج : الإرادة التكوينية : هي التصرّفات التي تقع في شؤون عالم الخلق من التكوين ، والإبداع والمعاجز ، ومطلق الأفعال والأعمال ، في مقابل الإرادة التشريعية التي هي بمعنى أحكام الدين ، والشرائع الإلهية .

وبعبارة أُخرى : كُلّ ما كان من شأنه أن يدخل في دائرة الوجود - إثباتاً ونفياً - تتولّاه الإرادة التكوينية لله عزّ وجلّ ، فيحكم بوجوده تارةً فيصبح موجوداً ، أو ينفي وجوده أحياناً فيدخل أو يبقى في ظلمة العدم .

ولكن الإرادة التشريعية هي : الأوامر والنواهي الصادرة من اللّه تعالى ، والتي تصل إلى ذوي العقول ، بصورة نزول الوحي إلى الأنبياء عليهم السلام .

وعليه ، فالإنسان يجب أن يتبع الإرادة التشريعية ، فيلتزم بأحكام الحلال والحرام ، والدين بصورة عامّة ، ولكن لا يستطيع أن يخرج في أفعاله وأعماله عن دائرة الإرادة التكوينية ، لأنّ كافّة تصرّفاته وتقلّباته في عالم الوجود تكون بالقدرة ، والإمكانية التي تعطى له من جانب اللّه جلّ وعلا .

ص: 505

« أحلام -... - ... »

التوفيق بين العدل الإلهي وبين خلق أُناس ذو عاهة :

س : كيف يتحقّق العدل الإلهي بخلق أُناس ذو عاهة ؟

ج : لا يخفى عليكم أنّ السبب في خروج أطفال مصابين إلى الحياة الدنيا هو بفعل الأبوين ، لا بفعل اللّه تعالى حتّى يخلّ بعدله تعالى ، وذلك بسبب سوء تغذيتهما ، أو بسبب اعتيادهما بعض الأُمور المضرّة ، وما إلى ذلك من ارتكاب ما حرّم اللّه تعالى في النكاح ، والمأكل والمشرب و ... .

ويتجلّى لنا العدل الإلهي في هؤلاء المصابين ، حينما نسمع أنّه تعالى يرفع عنهم التكليف الشاقّ ، ويعوّضهم برحمته الثواب الجزيل ، فيعطي للمتألّم عوضاً لتألّمه وابتلائه من الأجر ما يكون أنفع بحاله .

روى الشيخ الصدوق قدس سره عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « كان فيما أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى موسى عليه السلام ، أن يا موسى ما خلقت خلقاً أحبّ إليّ من عبدي المؤمن ، وإنّما أبتليه لما هو خير له ، وأعافيه لما هو خير له ، وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر عبدي ، فليصبر على بلائي ، وليشكر نعمائي ، وليرض بقضائي ، أكتبه في الصدّيقين عندي ، إذا عمل برضائي فأطاع أمري » (1) .

« كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة »

التوفيق بين موت الأطفال وعدم صدور القبيح من عند اللّه :

س : بدر سؤال في ذهني عن موت الأطفال وهو : كيف نوفّق بين هذا الشيء وبين عدم صدور القبيح من عند اللّه ، خصوصاً عندما يعذّب اللّه بعض الأقوام ، أليس اللّه بقادر على إبقائهم عند نبيّ ذاك الزمان ، وينزل ملائكة وحور العين لكي يساعدوه على تربيتهم ؟ فأجبت نفسي بهذا الجواب ، وأُريد رأيكم فيه :

ص: 506


1- التوحيد : 405 .

1 - إنّ هذا الأمر لا يعدّ قبيحاً على اللّه جلّ وعلا ، لأنّ الأطفال ملك له ، وله أن يفعل بهم ما يشاء حسب ما تقتضيه حكمته .

2 - قد يمكن إبقاء الأطفال ، لا لأنّ اللّه لا يستطيع ذلك ، ولكن لسبب ما هم غير قابلين للبقاء ، وكما يقولون : القصور في القابل وليس في الفاعل .

3 - قد يكون بسبب العلم المسبق لله تعالى بأنّ هؤلاء الأطفال سيتّبعون آباءهم ، وبالتالي لمحو الفساد يجب موتهم .

ج : الجواب صحيح إلى مقدار ما ونضيف عليه ما يلي :

1 - صحيح أنّ الأطفال بل جميع المخلوقات هي ملك لله تعالى ، لكن ذلك لا يعني أنّ اللّه تعالى يفعل بها ما يشاء من الظلم أو القبح .

2 - نظرية التعويض تقول : إنّ اللّه تعالى إذا سلب عبداً شيئاً سوف يعوّضه في الدنيا ، أو في الآخرة ، أو في كليهما .

3 - اللّه تعالى قادر على جعلهم في كنف النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولكن ذلك ليس الهدف من بعث الأنبياء والرسل .

إذ الهدف منهم هو التربية الروحية ، وليس التربية البدنية ، بمعنى ليس مهمّته حضانة الأطفال .

4 - ما ذكرتم من اتباعهم لآبائهم الكافرين ، هو أحد المحتملات ، وهنالك احتمالات أُخرى أيضاً ، إذ ربما يكون إماتتهم لأجل إثابة أبويهم مثلاً ، أو لأجل مصالح أُخرى لا تنفك عن حكمته وعدله ولطفه ، وإن لم نعلم بها .

« يوسف - الكويت - ... »

الخلق قد تخوّل بإذن اللّه إلى مخلوق :

س : هل الإمام علي عليه السلام خالق السماوات والأرض ؟ وشكراً .

ج : إنّ من المتيقّن الذي لا ريب فيه أنّ الخالقية بالاستقلال هي من شؤون الربوبية ، ولا مجال لأيّ توهّم بخلافه ، وهذا المعنى أطبقت عليه كافّة الأديان السماوية ، فضلاً عن المذاهب ، إذ هو أقلّ مراتب الاعتقاد بالتوحيد .

ص: 507

وتصرّح بهذا المعنى الآيات القرآنية العديدة ، والروايات المتواترة من الفريقين في أبواب التوحيد ، وصفات الباري في المجامع الروائية .

وبناءً على ذلك فما يتحدّث به بعضهم على خلاف هذا المعنى فهو أمّا من الموضوعات - أو على أقلّ تقدير لم يثبت سنداً - وأمّا مؤوّل بتفاسير لا يردّها العقل والنقل .

فمثلاً في موضوع السؤال ، إذا كانت الخالقية في بعض الموارد - لا على الإطلاق - تخوّل بإذن اللّه تعالى إلى مخلوق ، فهذا أمر آخر يمكن تعقّله إذا ثبت نصّاً ، نظير ما جاء في ذكر معاجز عيسى عليه السلام : ( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي ) (1) .

« ليلى - البحرين - ... »

العدل من صفات الأفعال :

س : هل العدل من صفات الذات ؟ أو من صفات الأفعال ؟

ج : قسّم المتكلّمون صفاته سبحانه إلى صفة الذات ، وصفة الفعل .

والأوّل : ما يكفي في وصف الذات به ، فرض نفس الذات فحسب ، كالقدرة والحياة والعلم .

والثاني : ما يتوقّف الذات به على فرض الغير وراء الذات ، وهو فعله سبحانه .

فصفات الفعل هي المنتزعة من مقام الفعل ، بمعنى أنّ الذات توصف بهذه الصفات عند ملاحظتها مع الفعل ، وذلك كالخلق والرزق ونظائرهما من الصفات الفعلية الزائدة على الذات ، بحكم انتزاعها من مقام الفعل .

وبموجب هذا التقسيم ، فصفة العدل من صفات الأفعال لا صفات الذات .

ص: 508


1- المائدة : 110 .

« ... - ... - ... »

المولود من كافرين لا ينافي كون كلّ أفعال اللّه خير :

س : إنّنا نؤمن بأنّ كُلّ ما يفعله اللّه هو خير ، ما هو تفسيركم في من يولد غير مسلم ، هل هذا خيراً له ؟

ج : نحن نعتقد أنّ اللّه تعالى لا يفعل شرّاً ، ولا لغواً ولا عبثاً ، وإنّما كُلّ أفعاله تتّصف بالخير والمصلحة والحكمة .

وعليه ، فعملية التوالد عملية تتّصف بالخير والمصلحة للمجتمع والأسرة ، وهي نتاج طبيعي لاقتراب الزوج من زوجته ، فخروج الطفل إلى الحياة الدنيا فيه خير ومصلحة .

ولكن تارة يخرج من أبوين مؤمنين فذلك نور على نور ، وأُخرى يخرج من أبوين كافرين فهذا سببه الأبوين لا الباري عزّ وجلّ ، إذ إنّ الإنسان يولد على الفطرة ، وإنّما أبواه يهوّدانه وينصّرانه .

ولكن باعتبار أنّ اللّه تعالى عادل سوف يحاسب كُلّ من الطفلين بمقدار سعيه وعمله ، ويتوقّع من المؤمن أكثر ممّا يتوقّع من الكافر ، فهو تعالى يقدّر جهود كُلّ منهما لما يتحمّله من المشاقّ في الوصول إليه تعالى .

« حسن محمّد يوسف - البحرين - 18 سنة - طالب جامعة »

اللّه تعالى منزّه عن التركيب :

س : ما معنى أنّ اللّه تعالى ليس مركّباً من الأجزاء العقلية والمقدارية ؟

ج : إنّ من مراتب التوحيد الذاتي لله تعالى هو التوحيد الأحدي ، أي الاعتقاد بأنّه تعالى بسيط منزّه عن أيّ تركيب خارجي أو عقلي ، إذ أيّ نوع من التركيب - لو فرض - فإنّه يتنافى مع وحدانيّته ، وتوضيح المقام يحتاج إلى مجال أوسع ، ولكن هنا نشير إلى نقطة وهي :

ص: 509

إنّ الكلّ المركّب يحتاج دائماً في وجوده إلى أجزائه التركيبية ، وعليه فالمحتاج إلى غيره في الوجود معلول لذلك الغير ، ولا يوصف بوجوب الوجود والألوهية .

ثمّ إنّ المركّب الخارجي أو المقداري ، هو المجموعة ذو الأجزاء الخارجية المحسوسة ، مثل تركيب كُلّ مادّة من عناصر معدنية ، أو مواد كيمياوية .

وأمّا المراد من التركيب العقلي ، فهو اشتمال الشيء على أجزاء عقلية - لا خارجية - أي تقسيمات ذهنية مع توحيده في الخارج ، مثلاً : واقع الإنسان هو شيء واحد في الخارج ، ولكنّه ينحل في الذهن عند تعريفه ، بأنّه « حيوان ناطق » إلى جنس وهو « الحيوان » ، وإلى فصل وهو « الناطق » ، فهذا التقسيم لا أثر له في الخارج ، ولكن يتصوّره العقل والفكر ، وهذا يسمّى بالتركيب العقلي .

« أحمد - ... - ... »

اللّه تعالى موجود في كلّ مكان :

س : إذا كان اللّه في كُلّ مكان ، كما قال الإمام علي عليه السلام ، فهذا يعني أنّه موجود في دورات المياه ، والعياذ باللّه !

ج : لا يخفى أنّ الموجود إمّا مادّي ، وإمّا غير مادّي .

والموجود المادّي : هو الموجود الذي له مادّة وجسم - أي ذو أبعاد ثلاثة ، طول وعرض وعمق - والجسم يستدعي كونه في مكان خاصّ ، وجهة خاصّة ، ولا يمكن للجسم أن يكون في مكانين ، أو جهتين أو أكثر ، وإلاّ لصار جسمين ، أو أكثر ، لا جسم واحد .

والموجود غير المادّي : هو الموجود الذي ليس له مادّة وجسم ، فهو ليس له مكان خاصّ ، ولا جهة خاصّة ، بل يمكن أن يكون في أماكن وجهات مختلفة ومتعدّدة كالهواء مثلاً .

ص: 510

بعد هذه المقدّمة نقول : إنّ وجود اللّه تعالى وجود غير مادّي ، فهو موجود في كُلّ مكان ، وفي كُلّ جهة ، قال تعالى : ( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (1) .

أي إنّ اللّه تعالى يملك ما بين المشرق والمغرب ، فله تعالى السلطة والقدرة على ما بينهما ، فأينما توجّهوا وجوهكم ، فهنالك وجه اللّه ، أي لا يخلو منه تعالى مكان ولا جهة ، وقد وسع ذاتاً وعلماً وقدرة ورحمة ، وتوسعة على عباده ، وعليم بمصالح الكُلّ ، وما يصدر عن الكُلّ في كُلّ مكان وجهة ، ولا يخفى عليه خافية .

وقال تعالى : ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (2) .

وجاء في « الاحتجاج » في ذيل هذه الآية : ( فقال ابن أبي العوجا : ذكرت اللّه فأحلت على الغائب .

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « ويلك ! كيف يكون غائباً من هو مع خلقه شاهد ، وإليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم ، ويرى أشخاصهم ، ويعلم أسرارهم » ؟!

فقال ابن أبي العوجا : فهو في كلّ مكان ، أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض ؟ وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء ؟

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « إنّما وصفت المخلوق ، الذي إذا انتقل من مكان اشتغل به مكان ، وخلا منه مكان ، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه ، فأمّا اللّه العظيم الشأن الملك الديّان فلا يخلو منه مكان ، ولا يشتغل به مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان » ) (3) .

ص: 511


1- البقرة : 115 .
2- ق : 16 .
3- الاحتجاج 2 / 75 .

وبعد هذا البيان يتّضح الجواب على سؤالكم ، فالموجودية ليست موجودية مادّية ، بل هي موجودية غير مادّية ، فهو تعالى مطّلع عليها ، ولا يخفى عليه منها شيء ، وله السلطة والقدرة عليها ، وإلّا يلزم جهله بها .

« علي شكر - بريطانيا - 18 سنة - طالب »

اللّه نور السماوات والأرض :

س : اللّه نور السماوات والأرض ، هل معناها أنّ اللّه منوّر السماوات والأرض بما خلق كالشمس ؟ أو اللّه له نور غير الشمس ، أي اللّه بذاته نور مظهر لكلّ شيء ، ونوره مظهر للشمس وغيرها ؟ أو أنّ النور هو خلق ، أو أمر كالروح ، واللّه غير النور ؟

ج : إنّ معنى النور : هو ما يظهر به الأجسام الكثيفة للأبصار ، فهو ظاهر لذاته ومظهر لغيره .

هذا هو النور المحسوس المعروف ، فكأنّ النور بطبيعته يظهر بذاته ويظهر الأشياء الأُخرى ، والتي كأنّها معدومة في ظلمتها ، فإيجادها يعني إظهارها إلى الوجود بعد إعدامها في حوالك الظلمة .

هكذا هو اللّه تعالى ، فإيجاده للموجودات بعد إعدامها ، كالنور الذي يوجد الأشياء بعد إعدامها في حوالك الظلمة ، فاللّه تعالى موجود بذاته موجد لكلّ ممكن .

فالتمثيل بالنور من هذه الجهة ، وليس من جهة بيان معنى نورانية اللّه تعالى ، تعالى اللّه عن كلّ مثل ، وعن كلّ شيء ، وعن كلّ مخلوق إذ كيف نجعل اللّه تعالى كأحد مخلوقاته ؟

فالنور هو مخلوق من قبله تعالى ، فكيف يكون الخالق عين مخلوقاته ؟ إذ بالإمكان إيجاد النور وإعدامه ، واللّه تعالى لا تعترض عليه هذه الأحوال من الإيجاد والعدم .

ص: 512

فلا يحقّ ولا يجوز أن نقول : إنّ نور الشمس مثلاً ، أو نور القمر هو من نوره تعالى ، نعم نقول على سبيل المجاز من نوره بمعنى إيجاده وخلقه ، إذ بقدرته دلّ عليهما بعد ما كانا معدومين .

على أنّ نور اللّه تعالى لا تدركه عقولنا ولا حواسنا ، ولا يمكن لأحد أن يبلغ كنه نوره ، فنوره ذاته ، وذاته محجوبة عن خلقه ، فتعالى اللّه ربّنا أحسن الخالقين .

« زهرة - البحرين - ... »

بحث مبسّط في إثبات وجود اللّه :

س : كيف يمكن إقناع أحد المادّيين بوجود اللّه عزّ وجلّ ؟

ج : لابدّ لمن يريد أن يقنع الآخرين على عقيدة ما - كالعقيدة بوجود اللّه تعالى - أن يكون على مستوى عال من المعرفة والثقافة بتلك العقيدة ، حتّى يمكنه أن يؤثّر ويقنع ، كما له القوّة على ردّ الشبهات ، والاعتراضات الواردة حول هذه العقيدة التي يريد طرحها .

فباعتبار أنّ المادّي لا يؤمن بالأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة على وجود اللّه تعالى ، فلابدّ من ذكر الأدلّة العقلية التي يؤمن بها ، الدالّة على وجوده تعالى ، وبعد الإيمان بوجوده تعالى ، حينذاك يمكن أن نثبت له من خلال الأدلّة النقلية والعقلية على وجود الحياة البرزخية ، والحياة الأخروية .

وتعميماً للفائدة ، نذكر لكم ما كتبه أحد المؤمنين في هذا المجال :

يقول المادّيون : لا إله ، فمن الموجد ؟

أنّا نرى الأبناء يولدهم الآباء ، ونرى النبات تنبته الشمس والماء والتربة ، ونرى الحيوان يخلق من حيوانين ، و ... أمّا قبل ذلك فلم نر شيئاً ، فإنّ العمر لم يطل من قبل ...

إذاً كلّ قول يؤيّد الإله ، ويؤيّد عدم الإله ، يحتاج إلى منطق غير حسّي .

ص: 513

المادّي الذي يقول : لا إله ، يحتاج إلى الدليل .

والمؤمن الذي يقول : اللّه تعالى يحتاج إلى برهان .

لكن الأوّل لا دليل له ، فإنّ العين لم تر الإله ، أمّا أنّها رأت عدمه فلا ، وكذا الأذن ، واللمس ، وغيرها ... .

ومن الهراء : أن يقول أحد : إنّ الصناعة الحديثة دلّت على عدم الإله ؟

هل القمر الاصطناعي يدلّ على عدم الإله ؟ هل الذرّة تدلّ على عدم الإله ؟ هل الكهرباء والصاروخ والطائرة تدلّ على عدم الإله ؟

القمر الاصطناعي ليس إلّا كالسكين الحجري - الذي يقولون عنه : - صنعه الإنسان البدائي ، لا يرتبط هذا ولا ذاك بالإله نفياً أو إثباتاً .

ولنا أن نقول : نفرض أنّ الإله موجود ، فما كان حال القمر الاصطناعي ؟ بل : القمر الاصطناعي الذي يصرف عليه ملايين ، ويجهد في صنعه ألوف من العلماء ، ثمّ لا ينفع إلّا ضئيلاً أدلّ على وجود الإله ، إذ كيف هذا له صانع ، وليس للقمر المنير صانع ؟

إنّ من يطلب منّا الإذعان بعدم الإله للكون ، ثمّ هو لا يذعن بعدم الصانع للطائرة ، مثله كمن يطلب من شخص أنّ يقول بعدم بانٍ لقصر مشيّدة ، ثمّ هو لا يقول بعدم صانع لآخر .

عالم وملحد :

قال الملحد : الحواس خمس : الباصرة ، السامعة ، الذائقة ، اللامسة ، الشامّة ، وكلّ شيء في العالم لابدّ وأن يدرك بإحدى هذه الحواس :

فالألوان ، والأشكال ، والحجوم ، تدرك بالباصرة .

والأصوات ، والألحان ، والكلام ، تدرك بالسامعة .

والطعوم ، والمذوقات ، والأطعمة ، تدرك بالذائقة .

والخشونة ، واليبوسة ، والرطوبة ، والحرارة ، تدرك باللامسة .

والروائح ، والمشمومات ، والعطريات ، تدرك بالشامّة .

ص: 514

فمن أين نثبت وجود اللّه ؟ والحال أنّا لم نره ، ولم نسمع صوته ، ولم نذق طعمه ، ولم نلمس جسمه ، ولم نشمّ ريحه .

فصنع العالم كرتين ، إحداهما من حديد ، والأُخرى من خشب ، وصبغهما ، ثمّ أتى بهما إلى الملحد ، وقال : أنا أخبرك بأنّ إحدى هاتين الكرتين حديد ، والأُخرى خشب ، أنظر وعيّن ؟!

نظر الملحد ، وعجز عن التعيين بالنظر .

قال العالم : فأصغ وعيّن ؟ أصغى الملحد ، وعجز عن التعيين بالسمع .

قال العالم : ذق وعيّن ؟ ذاق الملحد ، وعجز عن التعيين باللسان .

قال العالم : اشمم وعيّن ؟ شمّ الملحد ، وعجز عن التعيين بالأنف .

قال العالم : ألمس وعيّن ؟ لمس الملحد ، وعجز عن التعيين باللمس .

ثمّ وضعهما العالم في يد الملحد ، وحينذاك أدرك أنّ الأثقل الحديد ، فقال : هذا هو الحديد ، وهذا الأخف هو الخشب .

قال العالم : من أخبرك أنّ الأثقل الحديد ، والأخف الخشب ؟

قال الملحد : عقلي هو الذي أرشدني إلى ذلك .

قال العالم : فليست المعلومات منحصرة بالحواس الخمس ، وإنّ للعقل حصّة مهمّة من العلوم ، واللّه تعالى الذي نقول به إنّما هو معلوم للعقل ، وان لم يكن مدركاً للحواس .

فانقطع الملحد ، ولم يحر جواباً !!

طالب وزميل :

قال الطالب : لا وجود لله إطلاقاً .

الزميل : من أين تقول هذا ؟ ومن علّمك ؟

الطالب : أمّا من علّمني ؟ فما أنت وهذا ؟ وأنّا لا أتحاشى من أن أقول : إنّ المدرسة هي التي أوحت إليّ بهذه الفكرة ، وإنّي جدّاً شاكر لها ، حيث أنقذتني من التقاليد إلى سعة العلم .

ص: 515

وأمّا من أين أقول ؟ فلأنّي لم أر اللّه ، وكلّ غير مرئي لا وجود له .

الزميل : إنّي لا أريد أن أناقشك في دليلك الآن ، لكن أقول : هل أنت ذهبت إلى الكواكب ؟ هل أنت ذهبت إلى القطب ؟ هل أنت ذهبت إلى قعر البحار ؟

الطالب : كلا !

الزميل : فإذا قال لك قائل : إنّ اللّه تعالى في الكواكب ، أو في قعر البحر ، أو في القطب ، فبماذا كنت تجيبه ؟

الطالب ، فكّر ملياً !! ولم يحر جواباً .

فقال الزميل : إنّ من الجهل أن ينكر الإنسان شيئاً لم يره ، أو لم يسمع به ، وأنّه لجهل مفضوح .

كان بعض الناس قبل اختراع السيارة والطائرة ، والراديو والتلفون ، والكهرباء والتلفزيون ، إذا سمعوا بها أقاموا الدنيا وأقعدوها إنكاراً على من يقول ، واستهزاءً به ، وكانوا يجعلون كلامه مثار ضحك وسخرية !! فهل كان لهم الحقّ في ذلك ؟

إنّهم كانوا يقولون : لم نر هذه الأشياء .

وأنت مثلهم تقول : لم أر اللّه .

الطالب : أشكرك جدّاً على هذه اللفتة العلمية ، وإنّي جدّاً شاكر لك ، حيث أخرجتني عن خرافة غرسها في ذهني معلّم جاحد منذ دخلت المدرسة ، وهي : إنّ اللّه حيث لم نره يجب علينا إنكاره ، والآن فهمت الحقيقة .

مؤمن ومنكر :

كان علي وجميل يتناظران في وجود اللّه تعالى ، فكان علي يسرد الأدلّة على الإثبات ، وجميل يردّها ، أو لا يقبلها .

ولما طالت المجادلة بينهما ، قال علي : إنّ في جارنا رجلاً من علماء الدين ، اسمه أحمد ، فهيا بنا نذهب إليه ونجعله الحكم فيما بيننا .

قبل جميل مقالة علي ولكن بإكراه ، لأنّه كان يزعم أن لا حجّة لمن يقول

ص: 516

بوجود اللّه إلّا التقليد ، وذهبا معاً إلى دار العالم للقضاء بينهما ، وبعد أن استقرّ بهما المجلس .

قال العالم : خيراً ؟

جميل : إنّي وصديقي علي نتباحث حول وجود اللّه ، ولم يتمكّن علي من الإثبات ، أو بالأحرى : أنا لم أقتنع بأدلّته ، فهل الحقّ معي أم معه ؟ وأقول - قبل كلّ شيء - : إنّي لا أقتنع بالقول المجرّد ، وإنّما أريد الإثبات ، مع العلم أنّي خرّيج مدرسة فلسفية عالية ، لا أقبل شيئاً إلّا بعد المناقشة والجدال ، وأن يكون محسوساً ملموساً .

أحمد : فهل لك في دليل بسيط ، وبسيط جدّاً تقتنع به ، بدون لفّ ودوران .

جميل : ما هو ؟ هات به ، وإنّي أنتظر مثل هذا الدليل منذ زمان !!

أحمد : إنّي أخيّرك بين قبول أحد هذه الشقوق الأربعة ، فاختر إحداها : إنّك موجود بلا شكّ ، فهل :

1 - أنت صنعت نفسك ؟

2 - أم صنعك شيء جاهل عاجز ؟

3 - أم صنعك شيء عالم قادر ؟

4 - أم لم يصنعك شيء ؟

فكّر جميل ساعة بماذا يجيب : هل يقول : أنا صنعت نفسي بنفسي ، وهذا باطل مفضوح !

أم يقول : صنعني شيء جاهل ؟ وهذا أيضاً مخالف للحقيقة ، فإنّ التدابير المتخذة في خلق الإنسان فوق العقول ، فكيف يركّب هذه الأجهزة بهذه الكيفية المحيرة ، شيء جاهل ؟!

أم يقول : لم يصنعني شيء ؟ وهو بيّن البطلان ، فإنّ كلّ شيء لابدّ له من صانع .

أم يعترف بأنّه مصنوع لشيء عالم وقادر ، وحينئذ ينهار كلّ ما بناه من الأدلّة

ص: 517

- المزعومة - لعدم وجود اللّه تعالى .

وبعد فكر طويل ، رفع رأسه وقال : لابدّ لي من الاعتراف ، بأنّي مصنوع لعالم قدير .

أحمد : ومن هو ذلك العالم القدير ؟

جميل : لا أدري .

أحمد : ولكن ذلك واضح معلوم .

لأنّ من صنعك ليس من البشر ، فإنّ البشر لا يقدرون على خلق مثلك ، ولا من الجمادات ، فانّ الجماد لا عقل له ، إذاً : هو اللّه تعالى .

علي : هل قنعت يا جميل بهذا الدليل ؟

جميل : إنّه دليل قوّي جدّاً ، لا أظنّ أحداً يتمكّن من المناقشة فيه ، وإنّي شاكر لك وللعالم أحمد .

معلم وتلميذ :

ذهب جماعة من الطلّاب إلى مدرسة إلحادية ، وفي اليوم الأوّل من الدوام حضروا الصفّ ، وكان في الصفّ منضدة عليها تصوير أحد زعماء الملحدين .

فجاء المعلم ، وقال للطلّاب : هل لكم عين ؟ وأين هي ؟

وهل لكم أذن ؟ وأين هي ؟ وهل لكم أيدٍ وأرجل ؟ وأين هي ؟

قال الطلّاب : نعم ، لنا أعين وأذن وأيد وأرجل ، وهي هذه ، وأشاروا إلى هذه الأعضاء .

قال المعلم : وهل ترون هذه الأعضاء وتحسّون بها ؟

قال الطلّاب : نعم ، نراها ونلمسها .

قال المعلم : وهل ترون هذا التصوير على المنضدة ؟

قالوا : نعم ، نراه .

قال المعلم : وهل ترون المنضدة وسائر ما في الغرفة ؟

قالوا : نعم ، نراها .

ص: 518

وهنا انبرى المعلم قائلاً : وهل ترون اللّه ؟ وهل تحسّون به ؟

قالوا : لا ، لا نرى اللّه ولا نلمسه .

قال المعلم : فهو إذاً خرافة تقليدية .

إنّ كلّ شيء في الكون نحسّ به ونراه ، أمّا ما لا نراه ولا نحسّ به ، فهو خطأ ، يلزم علينا أن لا نعترف به ، وإلّا كنّا معتقدين بالخرافة .

وهنا قام أحد التلاميذ ، وقال : اسمح لي أيّها الأُستاذ بكلمة ؟

المعلّم : تفضّل .

التلميذ : أيّها الزملاء أجيبوا على أسئلتي .

الزملاء : سل .

التلميذ : أيّها الزملاء هل ترون المعلّم ؟ هل ترون الصورة الموضوعة على المنضدة ؟ هل ترون المنضدة ؟ هل ترون الرحلات ؟

الزملاء : نعم ، نرى كلّ ذلك .

التلميذ : أيّها الزملاء هل ترون عين المعلّم ؟ هل ترون أذن المعلّم ؟ هل ترون وجهه ؟ هل ترون يده ورجله ؟

الزملاء : نعم نرى كلّ ذلك .

التلميذ : أيّها الزملاء هل ترون عقل المعلم ؟

الزملاء : كلّا ! لا نرى عقله .

التلميذ : فالمعلّم إذاً لا عقل له ، فهو مجنون حسب مقالته ، لأنّه قال : كلّ ما لا يراه الإنسان فهو خرافة ، يجب على الإنسان أن لا يعترف به ، وأنّا لا نرى عقل المعلم ، فهو إذاً لا عقل له ، ومن لا عقل له يكون مجنوناً .

وهنا ألقم المعلّم حجراً ، واصفرّ وجهه خجلاً ، ولم ينبس ببنت شفة ، وضحك الطلّاب .

آينشتاين يعترف :

تحاكم جماعة من المادّيين إلى آينشتاين ليروا رأيه بالنسبة إلى اللّه تعالى ؟

ص: 519

فأجاز لهم أن يمكثوا عنده (15) دقيقة ، معتذراً بكثرة أشغاله ، فلا يتمكّن أن يسمح لهم بأكثر من هذا الوقت .

فعرضوا عليه سؤالهم ، قائلين : ما رأيك في اللّه ؟

فأجاب قائلاً : ولو وفّقت أن أكتشف آلة تمكّنني من التكلّم مع الميكروبات ، فتكلّمت مع ميكروب صغير ، واقف على رأس شعرة من شعرات رأس إنسان ، وسألته : أين تجد نفسك ؟ لقال لي : إنّي أرى نفسي على شجرة رأس شاهقة ! أصلها ثابت وفرعها في السماء .

عند ذلك أقول له : إنّ هذه الشعرة التي أنت على رأسها ، إنّما هي شعرة من شعرات رأس إنسان ، وإنّ الرأس عضو من أعضاء هذا الإنسان ، ماذا تنظرون ؟

هل لهذا الميكروب المتناهي في الصغر : أن يتصوّر جسامة الإنسان وكبره ؟ كلّا !

إنّي بالنسبة إلى اللّه تعالى لأقلّ وأحطّ من ذلك الميكروب بمقدار لا يتناهى ، فأنّى لي أن أحيط باللّه الذي أحاط بكلّ شيء ، بقوى لا تتنامى ، وعظمة لا تحدّ ؟

فقام المتشاجرون من عند آينشتاين ، وأذعنوا للقائلين بوجود اللّه تعالى .

« أبو الزين - الأردن - ... »

حكم القائل بوحدة الوجود :

س : ما هو حكم القائل بوحدة الوجود ؟

ج : ورد في كتاب « التنقيح في شرح العروة الوثقى » حكم القائلين بوحدة الوجود ما نصّه :

« القائل بوحدة الوجود ، إن أراد أنّ الوجود حقيقة واحدة ولا تعدّد في حقيقته ، وإنّه كما يطلق على الواجب كذلك يطلق على الممكن ، فهما موجودان ، وحقيقة الوجود فيهما واحدة ، والاختلاف إنّما هو بحسب المرتبة

ص: 520

، لأنّ الوجود الواجبي في أعلى مراتب القوّة والتمام ، والوجود الممكني في أنزل مراتب الضعف والنقصان ، وإن كان كلاهما موجوداً حقيقة ، وأحدهما خالق للآخر وموجد له .

فهذا في الحقيقة قول بكثرة الوجود والموجود معاً ، نعم حقيقة الوجود واحدة ، فهو ممّا لا يستلزم الكفر والنجاسة بوجه ، بل هو مذهب أكثر الفلاسفة ، بل ممّا اعتقده المسلمون وأهل الكتاب ، ومطابق لظواهر الآيات والأدعية ، فترى إنّه عليه السلام يقول : « أنت الخالق وأنا المخلوق ، وأنت الربّ وأنا المربوب » ، وغير ذلك من التعابير الدالّة على أنّ هناك موجودين متعدّدين ، أحدهما موجد وخالق للآخر ، ويعبّر عن ذلك في الاصطلاح بالتوحيد العامّي .

وإن أراد من وحدة الوجود ما يقابل الأوّل ، وهو أن يقول بوحدة الوجود والموجود حقيقة ، وأنّه ليس هناك في الحقيقة إلّا موجود واحد ، ولكن له تطوّرات متكثّرة ، واعتبارات مختلفة ، لأنّه في الخالق خالق ، وفي المخلوق مخلوق ، كما إنّه في السماء سماء ، وفي الأرض أرض ، وهكذا .

وهذا هو الذي يقال له توحيد خاصّ الخاصّ ، وهذا القول نسبه صدر المتألّهين إلى بعض الجهلة من المتصوّفين وحكي عن بعضهم أنّه قال : ليس في جبّتي سوى اللّه وأنكر نسبته إلى أكابر الصوفية ورؤسائهم ، وإنكاره هذا هو الذي يساعده الاعتبار ، فإنّ العاقل كيف يصدر منه هذا الكلام ، وكيف يلتزم بوحدة الخالق ومخلوقه ، ويدّعي اختلافهما بحسب الاعتبار ؟!

وكيف كان ، فلا إشكال في أنّ الالتزام بذلك كفر صريح ، وزندقة ظاهرة ، لأنّه إنكار للواجب ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله حيث لا امتياز للخالق عن المخلوق حينئذ إلّا بالاعتبار ، وكذا النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأبو جهل - مثلاً - متّحدان في الحقيقة على هذا الأساس ، وإنّما يختلفان بحسب الاعتبار .

وأمّا إذا أراد القائل بوحدة الوجود أنّ الوجود واحد حقيقة ولا كثرة فيه من جهة ، وإنّما الموجود متعدّد ، ولكنّه فرق بيّن بين موجودية الموجود ، وموجودية

ص: 521

غيره من الماهيات الممكنة ، لأنّ إطلاق الموجود على الوجود من جهة أنّه نفس مبدأ الاشتقاق .

وأمّا إطلاقه على الماهيات الممكنة ، فإنّما هو من جهة كونها منتسبة إلى الموجود الحقيقي ، الذي هو الوجود لا من أجل أنّها نفس مبدأ الاشتقاق ، ولا من جهة قيام الوجود بها ، حيث إنّ للمشتقّ اطلاقات : فقد يحمل على الذات من جهة قيام المبدأ به ، كما في زيد عالم أو ضارب ، لأنّه بمعنى من قام به العلم أو الضرب .

وأُخرى : يحمل عليه لأنّه نفس مبدأ الاشتقاق ، كما عرفته في الوجود والموجود .

وثالثة : من جهة إضافته إلى المبدأ نحو إضافة ، وهذا كما في اللابن والتامر ، لضرورة عدم قيام اللبن والتمر ببائعهما ، إلّا أنّ البائع لمّا كان مسنداً ومضافاً إليهما نحو إضافة - وهو كونه بائعاً - لهما صحّ إطلاق اللابن والتامر على بائع التمر واللبن ، وإطلاق الموجود على الماهيات الممكنة من هذا القبيل ، لأنّه بمعنى أنّها منتسبة ومضافة إلى اللّه سبحانه ، بإضافة يعبّر عنها بالإضافة الإشراقية ، فالموجود بالوجود الانتسابي متعدّد ، والموجود الاستقلالي الذي هو الوجود واحد .

وهذا القول منسوب إلى أذواق المتألّهين ، فكأنّ القائل به بلغ أعلى مراتب التألّه ، حيث حصر الوجود بالواجب سبحانه ، ويسمّى هذا توحيداً خاصّياً .

ولقد اختار ذلك الأكابر ممّن عاصرناهم ، وأصرّ عليه غاية الإصرار ، مستشهداً بجملة وافرة من الآيات والأخبار ، حيث إنّه تعالى قد أطلق عليه الموجود في بعض الأدعية .

وهذا المدّعى وإن كان أمراً باطلاً في نفسه ، لابتنائه على أصالة الماهية - على ما تحقّق في محلّه - وهي فاسدة ، لأنّ الأصيل هو الوجود ، إلّا أنّه غير مستتبع لشيء من الكفر والنجاسة والفسق .

ص: 522

بقي هناك احتمال آخر وهو : ما إذا أراد القائل بوحدة الوجود ، وحدة الوجود والموجود في عين كثرتهما ، فيلتزم بوحدة الوجود والموجود ، وإنّه الواجب سبحانه ، إلّا أنّ الكثرات ظهورات نوره ، وشئونات ذاته ، وكُلّ منها نعت من نعوته ، ولمعة من لمعات صفاته ، ويسمّى ذلك عند الاصطلاح بتوحيد أخصّ الخواص .

وهذا هو الذي حقّقه صدر المتألّهين ، ونسبه إلى الأولياء والعرفاء من عظماء أهل الكشف واليقين ، قائلاً : بأنّ الآن حصص الحقّ ، واضمحلت الكثرة الوهمية ، وارتفعت أغاليط الأوهام ، إلّا أنّه لم يظهر لنا - إلى الآن - حقيقة ما يريدونه من هذا الكلام .

وكيف كان ، فالقائل بوحدة الوجود - بهذا المعنى الأخير - أيضاً غير محكوم بكفره ولا بنجاسته مادام لم يلتزم بتوال فاسدة من إنكار الواجب أو الرسالة أو المعاد » (1) .

« طالب نور - ... - ... »

حول الاسم الأعظم ولفظ الجلالة :

س : اسم اللّه الأعظم اسم يستودعه عند خاصّة أوليائه ؛ وهو نور يقذفه اللّه في قلوب عباده المؤمنين - الصادقين المخلصين العارفين - به ، وذلك لا يكون إلّا لمن بلغ ذروة من الكمال ، والترويض النفسي ، فقد قال اللّه العظيم في محكم كتابه الكريم : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ

ص: 523


1- التنقيح في شرح العروة الوثقى 2 / 81 .

عَلِيمٌ ) (1) كيف يصل المؤمن إلى معرفة الاسم الأعظم ؟ وهل هو موجود في البسملة كما قيل ؟

وهل أن اسم اللّه الأعظم موجود في ( ألم ) الموجودة في سورة آل عمران ؟ ولماذا ؟

وما هو معنى كلمة اللّه ، فيقال إنّها ليست عربية الأصل ؛ مستشهدين بآية قرآنية إن وجدت ؟

ج : إنّ الاسم الأعظم أودع اللّه تعالى معرفته عند خاصّة أوليائه ، العارفين به ، المخلصين له ، وهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وهو اسم من ثلاث وسبعين حرف ، أودع اللّه تعالى عندهم عليهم السلام اثنين وسبعين حرفاً ، واختصّ بواحدٍ لنفسه .

فما قصدت بالمؤمنين في النصّ الذي ذكرته هم أئمّة آل البيت عليهم السلام بقرينة الصادقين المخلصين العارفين فأيّ أحد منّا عرف اللّه كما عرفه أهل البيت عليهم السلام ؟!

إذ المعرفة والصدق والإخلاص قيود احترازية عن دخول أيّ أحد في حدّ من عرف الاسم الأعظم ، فلا يشمل إذاً غيرهم ولا يتعدّى ذلك إلى سواهم .

ثانياً : البسملة لها شرفها ومنزلتها عند اللّه تعالى ، وهل هي الاسم الأعظم أم لا ؟

إنّ الاسم الأعظم كما قلنا هو سرّ اللّه تعالى الذي لا يطّلع عليه أحد إلّا أوليائه المعصومين عليهم السلام ، فلا أحد يستطيع المجازفة في الخوض بذلك .

نعم منزلة بسم اللّه الرحمن الرحيم كمنزلة الاسم الأعظم في سره وفي عظمته ، فعن الإمام الرضا عليه السلام قال : « إنّ بسم اللّه الرحمن الرحيم أقرب إلى اسم اللّه الأعظم من سواد العين إلى بياضها » (2) .

ص: 524


1- النور : 35 .
2- تفسير العيّاشي 1 / 21 .

فهذه المنزلة للبسملة وكونها كالاسم الأعظم يكشف لنا عظمتها عند اللّه تعالى ، واستخدامها كالاسم الأعظم يشترط فيه الإيمان والتصديق بأنّها كالاسم الأعظم ، ولذا فهذه الرواية ستقرّب لنا هذا المعنى ، وكون استخدام أيّ شيء مشروط بالإيمان به والتصديق والتسليم .

وجاء في « مناقب آل أبي طالب » : « وأبين إحدى يدي هشام بن عدي الهمداني في حرب صفّين ، فأخذ علي عليه السلام يده ، وقرأ شيئاً وألصقها ، فقال : يا أمير المؤمنين ما قرأت ؟ قال : « فاتحة الكتاب » ، كأنّه استقلّها ، فانفصلت يده نصفين ، فتركه عليٌّ ومضى » (1) .

وهذا يعني أنّ استخدام أيّ شيء مهما بلغ مشروط بالتسليم والتصديق به ، فكذلك هي البسملة وأمثالها من الأسماء ، والآيات والأدعية .

ثالثاً : إذا قلنا إنّ « ألم » وأمثالها من الاسم الأعظم ، فهذا لا يعني إمكانيتنا استخدام هذه الحروف كالاسم الأعظم ، فالاسم الأعظم كما قلنا أسراره مودعة عند أهل البيت عليهم السلام ، وللاسم الأعظم تأليف وترتيب يختصّ به من يحمله من النبيّ صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام ، فمعرفة كونه من الاسم الأعظم لا ينفع وحده دون معرفة تأليفه وترتيبه .

فقد ورد مثلاً : « ح م س ق » هو حروف من اسم اللّه الأعظم المقطوع ، يؤلّفه الرسول أو الإمام عليهما السلام ، فيكون الاسم الأعظم الذي إذا دعي اللّه تعالى به أجاب .

فتأليف الاسم الأعظم من الحروف المقطّعة هو سرّ مودع لدى خاصّة أوليائه وأصفيائه ، وهم أئمّتنا عليهم السلام .

رابعاً : إنّ لفظ « اللّه » هو اسم علم للذات المقدّسة الجامعة لجميع الصفات العليا والأسماء الحسنى .

ص: 525


1- مناقب آل أبي طالب 2 / 161 .

قيل : هو غير مشتقّ من شيء بل هو علم ، وقيل عن سيبويه : هو مشتقّ وأصله « إله » دخلت عليه الألف واللام فبقي « الإله » ، ثمّ نقلت حركة الهمزة إلى اللام وسقطت فبقي « اللّه » ، فأسكنت اللام الأُولى وأُدغمت وفخّم تعظيماً ، لكنّه يترقّق مع كسرة ما قبله ، كما في قوله تعالى : ( يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) فهنا لفظ اللّه خفّف لسبقه بمجرور .

فأصله عربي كما علمت ، مشتقّ من « إله » أي معبود ، فقد ورد « كان إلهاً إذ لا مألوه » أي كان معبوداً قبل أن يعبد ، سبحان اللّه وتعالى عن كُلّ وصفٍ ومثل .

« حسين علي - الجزائر - 26 سنة - ليسانس فلسفة »

الأدلّة النقلية لحدوث العالم :

س : أُريد معرفة رأي أهل البيت في قضية حدوث العالم أو قدمه ؟ مع العلم أنّ الشيخ الرئيس ابن سينا يقول بقدمه .

ج : إنّ حدوث العالم أمر متسالم عليه عند كُلّ أرباب الأديان والمذاهب السماوية ، ومنها الإسلام ومذهب أهل البيت عليهم السلام ، ويؤيّده العقل السليم ، والقواعد الأساسية من علم الكلام ، وما خالف هذا الرأي مردود ، أو مؤوّل إن كان صاحبه يعتنق الإسلام .

ومن الأدلّة النقلية في المقام ورود الآيات الكريمة في خلق العالم والسماوات والأرضيين وغيرها ، فهي بصراحتها تدلّ على حدوثها ؛ وأيضاً الأحاديث والروايات الكثيرة في هذا الباب لا تعطي مجالاً للتفكير في قدم الخلق ، فمنها :

1 - قال الإمام علي عليه السلام : « الدالّ على قدمه بحدوث خلقه ... مستشهد بحدوث الأشياء على أزليّته ... » (1) .

ص: 526


1- شرح نهج البلاغة 13 / 44 ، الاحتجاج 1 / 305 .

2 - قال الإمام علي عليه السلام : « لم يزل ربّنا قبل الدنيا هو مدبّر الدنيا وعالم بالآخرة ... » (1) .

3 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « الحمد لله الذي كان قبل أن يكون كان ، لم يوجد لوصفه كان ... ، كان إذ لم يكن شيء ولم ينطق فيه ناطق فكان إذ لا كان ... » (2) .

4 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « لأنّ الذي يزول ويحوّل يجوز أن يوجد ويبطل ، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث ... وفي جواز التغيّر عليه خروجه من القدم كما بان في تغييره دخوله في الحدث ... » (3) .

5 - قال الإمام الرضا عليه السلام : « إنّ اللّه تبارك وتعالى قديم ، والقدم صفة دلّت العاقل على أنّه لا شيء قبله ، ولا شيء معه في ديموميّته ، فقد بان لنا بإقرار العامّة مع معجزة الصفة لا شيء قبل اللّه ، ولا شيء مع اللّه في بقائه .

وبطل قول من زعم أنّه كان قبله ، أو كان معه شيء ، وذلك أنّه لو كان معه شيء فبقائه لم يجز أن يكون خالقاً له ، لأنّه لم يزل معه ، فكيف يكون خالقاً لمن لم يزل معه ؟ ولو كان قبله شيء كان الأوّل ذلك الشيء لا هذا ... » (4) .

وغيرها من الروايات الصريحة بهذا المعنى .

« محمّد باقر - البحرين - ... »

شبهة وجود اللّه في جهة معيّنة :

س : كيف تردّ على الشبهة التي تقول بوجود اللّه في جهة معيّنة ؟

ج : إنّ اللّه تعالى لو كان في جهة معيّنة ، يصدق أن يقال إنّه ليس في الجهة

ص: 527


1- التوحيد : 316 .
2- المصدر السابق : 60 .
3- المصدر السابق : 297 ، الكافي 1 / 77 .
4- المصدر السابق : 187 .

الأُخرى ، وبذلك يكون محدوداً ، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً .

قال أمير المؤمنين عليه السلام : « ومَن جهله فقد أشار إليه ، ومَن أشار إليه فقد حدّه ، ومَن حدّه فقد عدّه ، ومَن قال : « فيم » فقد ضمّنه ، ومن قال : « علام » فقد أخلى منه ، كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم ، مع كُلّ شيء لا بمقارنة ، وغير كُلّ شيء لا بمزايلة ، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة ... » (1) .

وقال عليه السلام أيضاً : « لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان ، قريب من الأشياء غير ملامس ، بعيد عنها غير مباين ... » (2) .

وقال عليه السلام : « لا تدركه الشواهد ، ولا تحويه المشاهد ، ولا تراه النواظر ، ولا تحجبه السواتر ، الدالّ على قدمه بحدوث خلقه ، وبحدوث خلقه على وجوده ... » (3) .

« السيّد محمّد السيّد حسن شرف - البحرين - ... »

صفة الخالق صفة فعلية :

س : نحن نقول على أنّ اللّه تعالى خالق ، وصفة خالق صفة أزلية لله عظم شأنه ، إذاً لابدّ من وجود مخلوقات أزلية تلازم هذه الصفة عند اللّه تعالى .

ج : إنّ صفة الخالقية والرازقية وماشابههما ليست من صفات الذات حتّى تكون أزلية وقديمة مع الذات ، بل هي صفات فعلية تنسب إلى الباري بعد قيامه عزّ وجلّ بها ، واللّه قادر على الخلق ، وما لم يخلق فلا يقال له خالق ، بل يقال له قادر على الخلق ، والقدرة هي من الصفات الذاتية الأزلية .

ص: 528


1- شرح نهج البلاغة 1 / 72 .
2- المصدر السابق 10 / 64 .
3- المصدر السابق 13 / 44 .

« أبو الزين - الأردن - ... »

عينية الصفات لذات اللّه :

س : في موضوع عينية الصفات يعلّق صديقي الأشعري بقوله : ظواهر الشريعة تصف اللّه تعالى بصفات عديدة ، كالقدرة والإرادة والعلم والحياة والكلام والسمع والبصر ، فهل يمنع العقل اتصاف ذات ما بصفات ما ؟ وهل اتصاف ذات بصفات يعد تكثراً في تلك الذات ؟

فالجوهر ذات ليست منقسمة ، ومع ذلك هي متّصفة بصفات عديدة ، ولم يدّعي أحد أنّ الجوهر يتكثّر عند وصفه بتلك الصفات ، بل وكثير من البسائط ، فهل اتصاف اللّه تعالى بالصفات الإلهية يستلزم التكثّر في الذات ؟

يقول هو : إنّ الإمامية خلطوا بين معنى الذات ومعنى الصفات ، ولم نسمع عن عاقل بقول بأنّ مفهوم الذات هو مفهوم الصفة ، فماذا تعنون بالعينية ؟ ويردف أنّ رأي المعتزلة أقرب إلى القبول من مذهبكم ؟

ج : رأي عينية الصفات لذات اللّه تعالى هو الرأي الحقّ الذي لا مناص عنه ، وبيانه : إنّ البسيط لو احتاج إلى غير ذاته فقد افتقر .

وهنا نتساءل : هل إنّ اللّه تعالى يحتاج في علمه - مثلاً - إلى خارج ذاته ؟ وإنّ الصفات المذكورة هي قديمة في جنب قدم ذاته ؟

فحذراً من هذين الإشكالين يتحتّم علينا أن نلتزم بعينية الصفات لذاته حتّى لا يحتاج ذاته تعالى لشيءٍ آخر خارج عنها ، وهذا المعنى هو المصرّح به على لسان الإمام علي عليه السلام : « وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كُلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كُلّ موصوف أنّه غير الصفة ... » (1) .

وأمّا التمثيل بالجوهر ، فهو في غير محلّه ، فإنّ الجوهر تعريف تحليلي لا يوجد له مصداق في الخارج ، بدون اتصافه بصفة أو مواصفة ، فمصداقية التعينية تحتاج وتتوقّف على اتصافه بالصفات ، إذ أين الجوهر بلا صفة حتّى نتكلّم عنه ؟!

ص: 529


1- شرح نهج البلاغة 1 / 72 .

ثمّ لا يخفى عليكم أنّ الإمامية قد حقّقوا ودقّقوا بما لا مزيد عليه بأنّ ذات اللّه تعالى تختلف مفهوماً عن صفاته ، ولكنّها تتحدّ معها مصداقاً وخارجاً ، أي إنّ صفة العلم مثلاً من جهة مفهوم العلم تختلف عن ذات الباري عزّ وجلّ ، فليس اللّه تعالى هو بمعنى العلم ، ولكن مصداقهما - الذات والعلم - متحدّ في ذاته ، فليس الاتحاد والعينية في حوزة المفهوم حتّى يناقش ، بل الاندماج وعدم التمايز والتغاير هو في جهة المصداق ، أي إنّ الواقع في الخارج هو وجود واحد ، ولكن يتّصف أحياناً باسم الجلالة ، وتارةً ب- « العالم » .

وأمّا ما تقوله الأشاعرة فهو مردود عقلاً ونقلاً ، وحتّى إنّ ظواهر الشريعة التي تمسّكوا بها لا تدلّ على أزيد من اتصاف الذات بتلك الصفات ، وأمّا أنّ هذه الصفات تكون زائدةً على الذات فلا دلالة فيها ، بل الدليل العقلي والنقلي كما ذكر يؤكّد اتحاد الصفات مع الذات .

وأمّا رأي المعتزلة في المقام ، فهو وإن كان في بعض جزئياته أقرب إلى الواقع من رأي الأشاعرة ، ولكنّه أيضاً خلط وخطأ وقعوا فيه لتفادي الوقوع في محذور أشد ، وهو زيادة الصفات على الذات ، فهم عرفوا - خلافاً للأشاعرة - أنّ زيادة الصفات توجب إشكالاً عسيراً لا مخلص عنه ، فحذراً منه نفوا واقعية الصفات في مجال ذاته تعالى ، وأعطوا للذات النيابة عن الصفات .

ولكن يلاحظ عليهم : إنّ عدم زيادة الصفات على الذات لا يدلّ بالملازمة على نفي واقعية الصفات ، بل الحلّ أن نلتزم بوحدة الصفات مع الذات مصداقاً واختلافهما مفهوماً ، كما عليه الإمامية .

« هند - المغرب - 19 سنة - طالبة ثانوية »

كيف نتقرّب إلى اللّه تعالى :

س : أحسّ نفسي بعيدة عن ديني ، يمكن لكثرة مشاكلي ، أو لأنّي لست قوّية ، أرجو منك أن تساعدني ، كيف نقدر أن نتقرّب إلى اللّه ؟ كيف نقدر على أن نكون على الصواب ؟ وشكراً .

ص: 530

ج : إنّ الابتعاد عن اللّه تعالى منشؤه عدم معرفة اللّه تعالى حقّ المعرفة ، فإذا عرفنا خالقنا حقّ المعرفة سنتقرّب إليه وسيتقرب إلينا ، فإذا خطونا خطوة واحدة لمعرفة اللّه والتقرّب إليه ، سيأخذ اللّه تعالى بأيدينا ويساعدنا على هذا ، وسيكون اللّه أقرب إلينا من حبل الوريد .

وأمّا أنّنا كيف يمكن لنا أن نعرف اللّه تعالى ونتقرّب إليه ؟ فهذا أمر سهل ، فما علينا إلّا أن نترك التعصّب الأعمى ، ونصفّي قلوبنا ، ونتبع من أمرنا اللّه تعالى باتباعهم ، نتبع نبيّه الحبيب المصطفى صلى اللّه عليه وآله بكُلّ ما جاء به ، ومن أوامره صلى اللّه عليه وآله أن نتّبع أهل بيته ، فإذا عرفنا النبيّ وأهل البيت عليهم السلام ، وتعرّفنا على سلوكهم وسيرتهم ، وما رسموه لنا في حياتنا الدنيوية من تعاليم عبادية وأخلاقية ، وعملنا بكُلّ ما قالوه ، بهذا سنتقرّب إلى اللّه تعالى ، ولا نحسّ بأنّنا على بعد مع اللّه تعالى .

روى جميع المسلمين أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال وفي عدّة مواطن ، ومنها : قبيل وفاته في وصيّته لأُمّته : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » (1) .

ص: 531


1- مسند أحمد 5 / 182 ، تحفة الأحوذي 10 / 196 ، مسند ابن الجعد : 397 ، المنتخب من مسند الصنعاني : 108 ، ما روى في الحوض والكوثر : 88 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 45 و 130 ، مسند أبي يعلى 2 / 297 و 303 و 376 ، المعجم الصغير 1 / 131 ، المعجم الأوسط 3 / 373 ، المعجم الكبير 3 / 65 و 5 / 154 و 166 و 170 ، نظم درر السمطين : 231 ، الجامع الصغير 1 / 402 ، العهود المحمدية : 635 ، كنز العمّال 5 / 290 و 13 / 104 و 14 / 435 ، دفع شبه التشبيه : 103 ، شواهد التنزيل 2 / 42 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 123 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، الكامل 6 / 67 ، علل الدارقطني 6 / 236 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 220 و 54 / 92 ، سير أعلام النبلاء 9 / 365 ، أنساب الأشراف : 111 ، البداية والنهاية 5 / 228 و 7 / 386 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 97 و 100 و 113 و 119 و 123 و 132 و 345 و 350 و 360 و 2 / 90 و 112 و 269 و 273 و 403 و 437 و 3 / 65 و 141 و 294 ، لسان العرب 4 / 538 .

فلكُلّ فعل طريق ، وطريق القرب من اللّه تعالى ، أن نحبّ من أحبّه اللّه ، وأن نبغض من أبغضه اللّه ، وأن نأتم بأوامر أولياء اللّه ، وأن نبتعد عن الطواغيت الذين لعنهم اللّه تعالى .

« وسيمة المدحوب - البحرين - ... »

لم يطلع العقول على تحديد صفته :

س : قال الإمام علي عليه السلام : « لم يطلع العقول على تحديد صفته ولم يحجبها عن واجب معرفته ... » (1) ، إلى ماذا يشير الإمام عليه السلام بهذا الحديث ؟

وفي الختام ، نشكر جهودكم المبذولة في خدمة الإسلام والمذهب ، ونسأل اللّه لكم دوام الموفّقية والسداد ، ونسألكم الدعاء لنا بالتوفيق .

ج : إنّ الصفات لمّا كانت عين الذات ، فمن المستحيل معرفتها بشكلها وصورتها التفصيلية والحقيقية ، إذ معنى ذلك هو معرفة اللّه بكنهه وحقيقته ، وهذا محال كما ثبت في محلّه ، فالعقل قاصر عن إدراك كنه اللّه وصفاته ، التي هي عين ذاته ، لأنّه محدود ، ومن المستحيل إحاطة المحدود باللامحدود .

والعقل يمكن أن يدرك وجود اللّه تعالى ، وصفاته الملازمة له من كونه عالماً حيّاً متكلّماً ، ويمكن أن يعرف ويدرك العقل هذه الصفات بشكل يتناسب مع عظمة اللّه تعالى ، وعدم مادّيته وعدم حدوثه ، وما إلى ذلك من الملازمات ، فهذه هي المعرفة الواجبة التي يجب على كُلّ مكلّف معرفتها ، أمّا المعرفة بالشكل الأوّل ، فهي المعرفة المحرّمة بل المستحيلة في حدّ ذاتها .

وهذا من أوضح الأدلّة على بطلان قول المشبّهة والمعطّلة وصحّة المذهب الحقّ في التوحيد .

ص: 532


1- شرح نهج البلاغة 3 / 216 .

« رباب - البحرين - 20 سنة - طالبة جامعة »

لماذا يعذّب اللّه تعالى المسلمين ؟

س : كيف يعذّب اللّه المسلمين بالنار وهو الرحمن الرحيم ؟ وكيف تكون النار رحمة للناس وتطهيراً ؟

ج : إنّ الإنسان ميّال إلى اللّهو واللعب والراحة ، فلو خُلّي وطبعه زاغ عن جادّة الحقّ والصواب التي رسمها اللّه تعالى له ، وخصّه بها ودعاه إليها ، بانتخابه واختياره ، فمن أجل أن يسوقه إليها ، بلّغه على لسان أنبيائه بوعده ووعيده ، تحفيزاً له لنيل الثواب ، وتجنّب العقاب ، وبالتالي بلوغ السعادة المرجوّة .

ومن هنا يُعلم أنّ عقوبة اللّه تعالى للإنسان غير مقصودة بالذات ، لأنّ رحمته تعالى سبقت غضبه وانتقامه ، بل هي وسيلة لتحقّق ما يُصلِح الإنسان ، وينفعه في الدنيا والآخرة ، عبر الالتزام بأوامر اللّه تعالى ، والانتهاء عن نواهيه ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) (1) .

« ... - الجزائر - 33 سنة »

معرفة اللّه تعالى لكُلّ إنسان بمقدار عقله :

س : التعبّد المحض لله عن طريق ماذا يكون ؟ إذا علمنا أنّ معرفته مستحيلة لأنّه مجهول ، ما عرفناك حقّ معرفتك ، وكيف للعاجز أن يعرف الكامل ؟

ج : إنّ كُلّ إنسان مؤمن باللّه تعالى ، معرفته به على قدر وسعه ، وعلى مقدار فهمه وعقله ، والتعبير عن اللّه تعالى بأنّه مجهول غير صحيح ، فإنّ كُلّ أحد يعلم بوجوده ، ويعتقد بقدرته وخالقيته ورازقيته ، وإلى آخره .

نعم ذات اللّه تعالى لا يتوصّل إليها أحد ، ولا يمكن الاطلاع عليها ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله في هذه العبارة يقول : « ما عرفناك حقّ معرفتك » (2) ، فلم ينكر أصل

ص: 533


1- الأنفال : 24 .
2- التوحيد : 114 .

المعرفة ، إذاً حقّ المعرفة أمر ، وأصل المعرفة أمر آخر ، فكُلّ يعرف ربّه وخالقه ورازقه على قدر عقله وفهمه وإلى آخره .

« ... - ... - ... »

تعليق على الجواب السابق :

حقيقة الموضوع مهمّ جدّاً لأنّه عقائدي ، وله وجهان : الظاهر والباطن ، فظاهره يثير الفضول ، وباطنه يمحّص الإيمان .

أردت التدخّل لوجود شبهة في هذا الموضوع ، رؤية اللّه وهو طريق لا مفرّ منه ، وأضرب على ذلك مثال ، قال الرسول الأعظم : « الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا » (1) .

وللجواب المقنع على هذا السؤال هو السير ، أي من العلم إلى الإيمان ، من الظاهر إلى الباطن ، وليس البقاء في الظاهر ، والسؤال على الباطن فمهما أجاب المجيب ، ووصف الباطن فمحال أن يصدق من هو في الظاهر ، ولو اقتنع بالأدلّة العقلية الجدلية المتناهية ، وخاض بحر التفلسف ، إنّك لا تهدي من أحببت .

إنّ الإمام عليه السلام أجاب بحسب ما يقتضيه ظاهر القوم : « خاطبوا الناس على قدر عقولهم » ، وفي كلامه سرّ لا يكشف ، وإن أظهره ، ففي إظهاره كتمانه على الباحث الطالب للحقّ حمل المفاتيح ، والسير حتّى الوصول إلى اللّه ، وهو سبب الوجود مرتبة الإنسانية .

والسلام والصلاة على محمّد وآله .

« السيّد حسين الجزائري - إيران »

معنى اللّه نور السماوات والأرض :

س : ما معنى هذه الآية الشريفة : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ؟

ص: 534


1- بحار الأنوار 50 / 134 .

ج : ذكر العلّامة الطباطبائي قدس سره في تفسير هذه الآية ما نصّه :

« وقوله : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) (1) النور معروف ، وهو الذي يظهر به الأجسام الكثيفة لأبصارنا ، فالأشياء ظاهرة به ، وهو ظاهر مكشوف لنا بنفس ذاته ، فهو الظاهر بذاته المظهر لغيره من المحسوسات للبصر .

هذا أوّل ما وضع عليه لفظ النور ، ثمّ عمّم لكُلّ ما ينكشف به شيء من المحسوسات على نحو الاستعارة ، أو الحقيقة الثانية ، فعدّ كُلّ من الحواس نوراً ، أو ذا نور ، يظهر به محسوساته كالسمع والشمّ والذوق واللمس .

ثمّ عمّم لغير المحسوس ، فعدّ العقل نوراً يظهر به المعقولات ، كُلّ ذلك بتحليل معنى النور المبصر إلى الظاهر بذاته المظهر لغيره .

وإذ كان وجود الشيء هو الذي يظهر به نفسه لغيره من الأشياء ، كان مصداقاً تامّاً للنور ، ثمّ لمّا كانت الأشياء الممكنة الوجود ، إنّما هي موجودة بإيجاد اللّه تعالى ، كان هو المصداق الأتم للنور .

فهناك وجود ونور يتّصف به الأشياء ، وهو وجودها ونورها المستعار المأخوذ منه تعالى ، ووجود ونور قائم بذاته ، يوجد ويستنير به الأشياء .

فهو سبحانه نور يظهر به السماوات والأرض ، وهذا هو المراد بقوله : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ، حيث أُضيف النور إلى السماوات والأرض ، ثمّ حمل على اسم الجلالة ، وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول من قال : إنّ المعنى اللّه منوّر السماوات والأرض ، وعمدة الغرض منه ، أن ليس المراد بالنور النور المستعار القائم بها ، وهو الوجود الذي يحمل عليها ، تعالى اللّه عن ذلك وتقدّس .

ومن ذلك يستفاد ، أنّه تعالى غير مجهول لشيء من الأشياء ، إذ ظهور كُلّ شيء لنفسه ، أو لغيره ، إنّما هو عن إظهاره تعالى ، فهو الظاهر بذاته له قبله ، وإلى هذه الحقيقة يشير قوله تعالى بعد آيتين : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي

ص: 535


1- النور : 35 .

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) (1) إذ لا معنى للتسبيح والعلم به ، وبالصلاة مع الجَهل بمن يصلّون له ويسبّحونه ، فهو نظير قوله : ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) (2) .

وسيوافيك البحث عنه إن شاء اللّه .

فقد تحصّل أنّ المراد بالنور في قوله : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) نوره تعالى من حيث يشرق منه النور العام ، الذي يستنير به كُلّ شيء ، وهو مساو لوجود كُلّ شيء وظهوره في نفسه ولغيره وهي الرحمة العامّة » (3) .

كما ذكر قدس سره في بحثه الروائي ما نصّه :

في التوحيد ، بإسناده عن العباس بن هلال قال : ( سألت الرضا عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) فقال : « هاد لأهل السماء وهاد لأهل الأرض » .

وفي رواية البرقي : « هدى من في السماوات وهدى من في الأرض » ) (4) .

أقول : إذ كان المراد بالهداية الهداية الخاصّة ، وهي الهداية إلى السعادة الدينية ، كان من التفسير بمرتبة من المعنى ، وإن كان المراد بها الهداية العامّة ، وهي إيصال كُلّ شيء إلى كماله ، انطبق على ما تقدّم .

« ... - ... - ... »

معنى رضا وغضب اللّه تعالى :

س : كيف يمكن أن نفسّر غضب ورضا اللّه تعالى ، كقولنا : إنّ اللّه يغضب لغضب الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ويرضى لرضاه ؟

ص: 536


1- النور : 41 .
2- الإسراء : 44 .
3- الميزان في تفسير القرآن 15 / 122 .
4- التوحيد : 155 .

ج : من الواضح أنّ الرضا والغضب من الصفات النفسانية للإنسان ، واللّه تعالى ليس بجسم فلا صفات نفسانية له ، ولذا يكون وصف اللّه تعالى بالغضب وصفاً مجازياً ، ومرادهم من هذا : إنّ الغضب من اللّه تعالى هو العذاب ، ومن الرضا الرحمة والثواب .

والحاصل : إطلاق مثل هذه العناوين على اللّه تعالى إطلاق مجازي ، والمراد من هذا الإطلاق هو أنّ اللّه تعالى يثيب كُلّ محسن إذا عمل له تعالى ، ويعذّب كُلّ من عصاه ، وخالف أوامره ونواهيه .

« شهيناز - البحرين - سنّية - 20 سنة - طالبة جامعة »

معنى الشرك عند الشيعة :

س : ما هي أنواع الشرك في العقيدة الشيعية ؟

ج : إنّ معنى الشرك هو : أن لا نعدل باللّه شيئاً في العبادة ، أي أن لا نشرك مع اللّه تعالى في عبادتنا أحداً .

وعلى هذه القاعدة ، تتفرّع أنواع أُخرى من الشرك ، فكُلّ مورد وردت فيه القربة إلى اللّه تعالى ، إلّا أنّ الإنسان جعل في ذلك شريكاً في عبادته ، فقد بطلت القربة وتحقّق الشرك ، فالشرك بمعناه الاشتراك في الأمر ، فاشتراك أحد مع اللّه تعالى في أيّ موردٍ من الموارد ، يطلب فيه الخلوص إلى اللّه تعالى ، ثمّ يجعل الإنسان شريكاً في ذلك ، فقد تحقق الشرك .

روي في « الكافي » : « أكبر الكبائر الشرك باللّه » (1) .

وقد عرّف الأئمّة عليهم السلام أنّ الشرك ظلم ، فعن الإمام الباقر عليه السلام في حديث طويل ، إلى أن قال : « فأمّا الظلم الذي لا يغفره اللّه فالشرك » (2) .

هذا هو الشرك عند الشيعة ، وليس شيء آخر يتعدّى هذه القاعدة ، التي

ص: 537


1- الكافي 2 / 278 .
2- المصدر السابق 2 / 331 .

أثبتناها لكِ ، ثبتكِ اللّه على القول الثابت ، وهداكِ ووفقكِ .

« كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة »

معنى النور :

س : إذا كان النور يعني الإيجاد ، فما معنى الآية الكريمة : ( يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ) (1) و ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) (2) ؟

ج : النور مصطلح يستعمل في موارد مختلفة ، لبيان مفاهيم غامضة ، فيعطي صورة واضحة عن مراد المستعمل ، والحكمة في الموضوع ، أنّ معنى النور في اللغة ، هو المصدر الذي يضيء ، وفي نفس الوقت هو مضيء ، ومنه قد استعير في كُلّ مورد يحتوي على صفة من جهة ، وهو يعطي تلك الصفة من جهة أُخرى .

وعلى هذا الأساس ، تفسّر آية ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ، فإنّ النور هنا الموجد الذي له الوجود ، إذ إنّ صفة الخالقية في اللّه تعالى ، تقتضي إعطاء الوجود للمخلوق ، مضافاً إلى كونه - الوجود - عنده تبارك وتعالى ، وهذا يمثل في عالم المادّة بالنور الذي يضيء ما حوله مع اضائته في نفسه .

وأمّا النور في الآيتين الأخريتين ، فهو بمعنى الهداية والصراط المستقيم ، وهنا أيضاً ، بما أنّ اللّه تعالى يعطي الهداية ، وهو مهتدٍ في نفس الوقت ، استعمل النور في تصوير معنى الهداية .

« عبد المنعم عبد الباقي الصادق - السعودية »

الفرق بين الاسم والصفة :

س : مع دعائي لكم بالتوفيق والسداد ، سؤالي هو : لله تعالى أسماء

ص: 538


1- النور : 35 .
2- البقرة : 257 .

وصفات ، فكيف نفرّق بين الاسم والصفة ؟ وما هي الأسماء ؟ وما هي الصفات ؟

ج : إنّ الفرق بين الصفة والاسم هو : أنّ الاسم يعني الذات مأخوذ بوصف من أوصاف تلك الذات ، فلفظ العالم اسم من أسماء اللّه تعالى ، يعني ذات مأخوذة بوصف العلم .

أمّا الصفة : فهي النظر إلى ذات الصفة من حيث هي صفة ، مع قطع النظر على اتصاف الذات بها .

ربما يتبيّن الفرق جيّداً بمقال نأخذه على الإنسان ، حيث يسمّى الإنسان من حيث هو هو حيواناً ناطقاً ، ولكن إذا نظرنا إليه من حيث صفة الطبابة ، أو النجارة ، فلا يسمّى إنساناً ، بل طبيباً ونجّاراً .

كما أنّ الفرق بين الصفة والاسم عبارة عن : أنّ الأوّل لا يحمل على الموضوع ، فلا يقال : زيد عِلم ، بخلاف الثاني ، فيحمل عليه ، ويقال : زيد عالم .

وعلى ذلك جرى الاصطلاح في أسمائه وصفاته سبحانه ، فالعلم والقدرة والحياة صفات ، والعالم والقادر والحيّ أسماؤه تعالى .

« محمّد - العراق - ... »

معنى عالم الغيب : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )

س : ما هو عالم الغيب والشهادة الذي ذكر في القرآن الكريم ؟

ج : إنّ المراد بعالم الغيب والشهادة هو اللّه تعالى ، كما في قوله : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) (1) ، وإنّما ورفع ( عَالِمُ الْغَيْبِ ) لأنّه نعت ل- ( الَّذِي ) ، أو كونه فاعل لمن قرأ ( يُنفَخُ ) بالفتح .

ص: 539


1- الأنعام : 73 .

والمراد منه : يعلم السرّ والعلانية ، وورد عن ابن عباس : « عالم الغيب والشهادة ، أي ما يشاهده الخلق وما لا يشاهدونه ، وما يعلمونه وما لا يعلمونه ، ولا يخفى عليه شيء من ذلك » (1) .

« عبد العزيز محمّد - السعودية - ... »

إرادة الخير للإنسان لا تعارض وجود الشرّ فيه :

س : كيف نوفّق بين قولنا : بأنّ اللّه تعالى يريد للإنسان خيراً ، مع خلقه تعالى للشيطان ، والنفس الأمّارة بالسوء ، والشهوات ، والتي تشكّل أسباباً مساعدة للانحراف والفجور والفسوق ؟

ج : إنّ مقتضى كون الإنسان مختاراً في سيره التكاملي يفرض عليه انتخاب أحد الطريقين ، ولابدّ عندها من مواجهة الشيطان ، والشهوات ، والهوى ، حتّى إذا ما تمكّن فيها وانتصر عليها استطاع أن يرتقي سُلّم كماله بنفسه ، ويحصل على لقب أشرف الموجودات بفضل صبره ، وتحمّله في طريق كان مليئاً بالاختبار ، والامتحان والمعاناة .

فالغرائز والشهوات المودعة عند الإنسان - كالشهوة الجنسية مثلاً - تلعب دوراً هامّاً في بقاء واستمرار الوجود الإنساني ، وهي بالإضافة إلى ذلك ، تشترك مع هوى النفس والشيطان ، باعتبارها عناصر فاعلة ومؤثّرة في معادلة تكامل الإنسان ، وقربه من اللّه تعالى .

ومن هنا : فإنّ اللّه تعالى لا يخلق إلّا الخير ، ولا يريد لعباده إلّا خيراً ، ولكن إيجاده للخير في كثير من الأحيان يلازمه ويرافقه وجود الشرّ .

نظير غريزة حبّ الأولاد ، فإنّ وجودها في حياة الإنسان ممّا لا يمكن الاستغناء عنها ، ولولاها لانعدمت الرعاية التي نلاحظها عند الأبوين ، فيما

ص: 540


1- التبيان في تفسير القرآن 4 / 174 .

يتعلّق بأبنائهما ، ولوجدت الكوارث تلو الكوارث إلى أن تنتهي بانعدام النسل الإنساني .

وممّا هو مسلّم ، فإنّ آثاراً سلبية توجد مع وجود هذه الغريزة ، وذلك حينما تنعدم الضوابط الإلهية والأخلاقية ، فتجعل من الأبناء - بسبب حبّ الآباء المفرط لهم - صنم ينسيهم ذكر اللّه تعالى .

وفي النهاية : نؤكّد على أنّ اللّه تعالى متفضّل ومتكرّم على عباده ، وليس لهم عليه تعالى حقّ من الحقوق ، حتّى إذا ما منعهم نعمة أو سلبهم عافية ، قيل : بأنّ اللّه سبحانه قد ظلمهم ، وبخس حقّهم ، لأنّه تعالى معط بلا عوض ، وآخذ بلا جور .

« جوزيف - لبنان - مسيحي - 22 سنة - طالب جامعة »

الخالقية من صفات الفعلية لا الذاتية :

س : لدّي سؤال لم أستطع صياغته ، وأتمنّى أن تحاولوا فهم قصدي :

السؤال هو : ما هو اللّه ؟ ومن هو اللّه قبل أن يخلق الخلق ؟ بمعنى : أنّ اللّه هو الرازق بعد أن خلق الخلق ، وقام برزقهم .

وأنّ اللّه أصبح خالقاً بعد أن خلق الخلق ، وهذا يعني أنّه قبل خلق الخلق لم يكن خالقاً .

قرأت في صفحة المسائل العقائدية في موقعكم النصّ التالي : كمال مطلق ومطلق الكمال ، ومن كمال الكمال أن يظهر الكمال ، لأنّه إن لم يظهر ذلك لكان نقصاً منه ، وهذا يعني أنّه كان ناقصاً قبل أن يخلق الخلق ؟ وبعد أن خلق الخلق أصبح كاملاً ، فلماذا لم يصبح كاملاً من الأصل ؟

أي إنّ كماله جاء فيما بعد ، بعد أن خلق خلقه ، واستنتاجي هذا أدّى بي إلى استنتاج آخر ، وهو : أنّ اللّه بدأ يتطوّر بشكل تدريجي إلى أن وصل إلى ما وصل إليه الآن ، حتّى في خلقه ، بدأ يخلق بشكل تدريجي ، فعلى مستوى الجماد انظروا خلق المريخ وهو قاحل غير صالح للحياة ، ثم تطوّر وخلق

ص: 541

كوكباً أكثر تطوّراً وهو الأرض ، وعلى مستوى الأحياء ، في البداية خلق حيوانات لا عقل لها مسيّرة لا مخيّرة ، ثمّ تطوّر الأمر إلى أن خلق الإنسان الذي يعتبر حيواناً متطوّراً بحكم وجود أداة العقل فيه .

سؤالي بشكل أدقّ : نحن نعرف اللّه بأنّه خالق لأنّه خلقنا ، وبالتالي أصبح خالق ، ولكن قبل أن يخلقنا هل هو خالق ؟

ج : بما أنّ سؤالكم ذو جهات مختلفة ومتميّزة ، فنرجو أن تتابعوا بدقّة وإمعان النقاط التالية ، حتّى يتّضح لكم الجواب :

أوّلاً : إنّ الاستدلال على وجود اللّه تعالى وصفاته الذاتية لا يتوقّف على وجود المخلوقات أو عدمها ، لأنّ الأدلّة العقلية القائمة في الموضوع هي أدلّة مستقلّة عن وجود المخلوق ، أي أنّها لا تنظر إلى ما سوى الباري تعالى ، كما هو مقرّر في علم الكلام .

وعليه ، فلا يعقل أن تعلّق معرفة اللّه تعالى بوجود الخلق ، أي إنّ ذاته المقدّسة وصفاته الذاتية أزلية أبدية ، لا تفتقر في وجودها إلى أيّ شيء آخر .

ثانياً : هناك تقسيم خاصّ بالنسبة لصفات اللّه سبحانه ، فما كانت منها قديمة وأزلية مع ذاته تعرف بالصفات الذاتية ، وما لم تكن كذلك فتسّمى بالصفات الفعلية .

والفارق بينهما أنّ القسم الأوّل لا يتوقّف وجوده على شيء غير ذاته المقدّسة ، فهو معها قديمة أزلية أبدية ؛ بخلاف القسم الثاني الذي يبتني تعريفه - وجوداً أو عدماً - على وجود أو عدم عالم الخلق ، أي إنّ ظهور هذا القسم الأخير يعتمد على وجود المخلوق .

ثالثاً : اتفق علماء الكلام على أنّ العلم ، والقدرة ، والإرادة ، والحياة ، والأزلية ، والأبدية كلّها من صفات الذات ، وأمّا بقية الصفات التي يصحّ إطلاقها على ذاته فهي بأجمعها صفات فعل .

وعلى سبيل المثال فصفة الرازقية والخالقية تعتبر من صفات الفعل ، أي أنّها لا يصحّ إسنادها إلى وجوده تعالى إلّا بعد ظهور الخلق .

ص: 542

رابعاً : وأجمع علماء الكلام أيضاً على أنّ جميع صفات الفعل - حتّى قبل ظهورها وبروزها - هي مقدورة للباري تعالى ، أي أنّها مشمولة لصفة القدرة الذاتية .

وبعبارة واضحة : إنّ الصفات الفعلية - وإن لم توجد بعد في عالم الخلق - تكون دائماً في دائرة قدرة اللّه تعالى ، ولكن لم تكن ذاتية وأزلية ، بل إنّها في زمان محدّد وحسب إرادة اللّه تعالى - تبرز إلى عالم الوجود .

خامساً : إنّ حكمة الخلق وفلسفته موضوع غامض ، قد لا يمكن التوغّل فيه ، لعدم الإحاطة بجميع جوانبه ، فالصفح عنه أحرى وأجدر .

نعم ، وردت أحاديث مختلفة - فضلاً عن بعض الآيات القرآنية - تشير إلى جوانب مختلفة من هذا الموضوع ، والظاهر أنّ هذه الأدلّة النقلية هي بصدد الكشف عن بعض الغوامض ، التي كانت عند السائل أو المخاطب ، وليس لاستيعاب كافّة العلل والدلائل .

وأمّا على مستوى النظريات ، فهناك آراء مختلفة في حكمة الخلق ، من : نظرية التجلّي ، وإظهار الكمال ، وإفاضة الفيض ، والتفضّل ، وغيرها .

والذي يظهر من خلال دراسة أدلّة هذه النظريات : إنّ الأقرب إلى الصواب هي نظرية التفضّل ، وقد قرّر في محلّه في علم الكلام ؛ وعليه فنظرية إظهار الكمال ليست هي نظرية جامعة ومانعة من جميع الجهات ، بل هي نظرية اقناعية إن صحّ التعبير أي أنّها تلقى على مستوى خاصّ من المخاطبين لإقناعهم ، لا أنّ دلالتها تامّة في جميع الحالات .

« محمّد صادق - ... - ... »

يهب لمن يشاء إناثاً أو ذكوراً :

س : هناك آية في القرآن تشير إلى المشيئة الإلهية في هبة الطفل إلى الإنسان ( يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ ) ، وفي الوقت الحاضر تمكّن

ص: 543

علماء الإخصاب والحمل من تحديد جنس المولود ، وعلى هذا فما هو تفسير الآية الشريفة ؟ وما هي مدخلية الإنسان في تعيين الهبة المنظورة في القرآن الكريم ؟ ولكم منّا جزيل الشكر .

ج : نتمكّن في هذا المجال أن نشير إلى ما يلي :

1 - مجرّد ادعاء بعض الأطباء التمكّن من تغيير جنسية الجنين من خلال تناول أطعمة معيّنة ، أو حقن الرحم بالحيوانات المنوية الحاملة للجنس المرغوب به ، أو سحب خلية واحدة ، وإجراء دراسة عليها لتحديد جنس الجنين ، ثمّ إرجاع خصوص الأجنة المرغوب بجنسها ، لا يعدو كُلّ هذا الادعاء ، ولا يعدو الاحتمال ، فلماذا نغتر بسرعة بهذه الادعاءات ونصدّقها من دون تريّث ؟!

إنّه لو كان ما كتب في هذا المجال حقّاً ، فلماذا لا تبرز هذه الادعاءات على الأرض على مستوى الفعلية والتطبيق ؟ ليحصل جميع الناس الذي يرغبون بالإناث على الإناث ، والذين يرغبون بالذكور على الذكور ؟! ما أكثر الادعاءات وأقلّ الواقع .

2 - إنّ الادعاءات المذكورة على تقدير صوابها لا تشكل نقضاً على الآية الكريمة ، إنّها ذكرت أنّ اللّه تعالى يقوم بأربعة أشياء ، وليس شيئاً واحداً أو شيئين ، فإذا تحقّقت جميع هذه الأربعة كان ذلك نقضاً على الآية الكريمة ، والأربعة هي : يهب لبعض الذكور ، ويهب لبعض الإناث ، ويهب لبعض الاثنين سوية ومعاً بنحو التوأم ، ويجعل البعض عقيماً ، إنّه لأجل تحقّق النقض ، يلزم أن نفترض أنّ العقيم الذي لا قدرة لحيامنه على الإنجاب يمنح فرصة الإنجاب ، ويلزم أن نفترض أنّ الفرصة الممنوحة هي بالخيارين ، فرصة الذكور فقط ، وفرصة الإناث فقط ، وفرصة الاثنين سوية ومعاً ، هل مثل هذا تحقّق ادعاؤه لأحد ؟

لنقرأ سوية الآية الكريمة حيث تقول : ( لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ ) ، أي يرزقهم زوجاً وتوأماً

ص: 544

من الذكور والإناث سوية ، ( وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ) (1) .

3 - لنفترض أنّ العلم الحديث تمكّن من منح الفرص الأربع ، ولكن هل يمنحها من دون أن يدخل الزوجان غرفة المختبر أو الطبيب ؟ لأخذ بعض الخلايا أو الجينات .

كلّا ، لا يمنحها كذلك ، بل لابدَّ من طيّ مقدّمات طويلة وصعبة ، قد يتعب على أثرها الزوجان ، بينما اللّه سبحانه يهب لمن يشاء إناثاً ، ويهب لمن يشاء الذكور ، بلا حاجة إلى أخذ خلية أو دخول المختبر ، وهل هذا لا يكفي وحده لبيان الفارق الشاسع ، وبيان عظمة اللّه سبحانه ؟!

« السيّد يوسف البيومي - لبنان - 25 سنة - طالب جامعة وحوزة »

المشيئة الإلهية :

س : كنت قد دخلت مع أحد الأحباش في موضوع المشيئة ، وقد علّق على جوابكم ، بأنّ اللّه تعالى قال : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ) (2) ، وهذا يعني أنّ كُلّ شيء متعلّق بمشيئة اللّه تعالى .

وقد قال أيضاً : إنّ اللّه تعالى قد خلق الشرّ ، والدليل : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ) (3) ، أي إنّ الشرّ مخلوق لله تعالى والعياذ باللّه ؟ ومن هنا فإنّ أدخل اللّه أحدهم النار بمشيئته فهذا ليس ظلماً ، لأنّ الناس ملكاً لله يفعل بهم ما يشاء ، فما تعليقكم على هذا ؟ ولكم الأجر والثواب .

ج : الملاحظ في السؤال عدم التناسب بين المقدّمتين المذكورتين فيه ، وبين النتيجة التي وقعت مركزاً للسؤال ، ففي المقدّمة الأُولى ذكر أنّ كُلّ شيء في الدنيا يقع بمشيئة اللّه سبحانه ، وهذا صحيح ، وفي المقدّمة الثانية ذكر أنّ اللّه

ص: 545


1- الشورى : 49 - 50 .
2- الإنسان : 30 .
3- الفلق : 1 - 2 .

سبحانه خلق الشرّ كما خلق الخير ، ثمّ النتيجة التي يسأل عنها هي : إنّ الناس حيث إنّهم جميعاً ملك اللّه سبحانه ، فله أن يفعل بهم ما يشاء ، كإدخال الجميع في النار ، وعدم التناسب بين ذينك ، وهذا أمر واضح .

ولكن على أية حال فهمت أنّكم تسألون عن هذه القضية ، وهي أنّ الناس ماداموا ملكاً لله سبحانه فله حقّ أن يفعل بهم ما يشاء ، بما في ذلك إحراقهم بالنار من دون سبب .

والجواب : إنّ ملاك الظلم لا ينحصر بحيثية التصرّف في ملك الآخرين ، كي يقال : إنّ اللّه سبحانه مادام يتصرّف في ملكه فلا ظلم في البين ، بل هناك ملاك آخر للظلم ، وهو أن يعاقب المولى عبده من دون أن يفترض ارتكاب العبد لأيّ انحراف أو جريمة .

واللّه سبحانه إذا أدخل الناس في نار جهنّم فمن جهة الملاك الأوّل هو وأن لم يكن ظالماً ، إلّا أنّه من جهة الملاك الثاني هو ظالم فلا يجوز ذلك في حقّه .

« علي - أمريكا - 27 سنة - طالب »

الابتلاء لأجل إظهار حقيقة الإنسان :

س : رحم اللّه والديكم ووالد والديكم ، ورحمكم اللّه وعافاكم ، وأعطاكم الأجر والثواب ، وبعد ، أتمنّى أن تجيبوني على سؤالي :

إنّ اللّه تعالى يبتلي الناس إمّا بحرمانهم من النعمة ، أو بإعطائهم النعمة ، أي أن يعطيهم المال فيرى ماذا يصنعون به ، أو يحرمهم من المال ويرى صبرهم ، والحرمان امتحان أصعب من توفّر النعمة ، فلماذا لا يكون امتحان وابتلاء جميع الناس سواسيه ؟

فالفقير قد يشعر بأنّ الغنيّ أفضل منه ، وأنّ اللّه ابتلى الفقير أكثر من ابتلائه للغنيّ ، وكذلك قد يشعر المريض أو المحروم من نعمة الأولاد ، وجزاكم اللّه خيراً .

ج : إنّ موضوع الابتلاء والامتحان في دار الدنيا من الموضوعات الدقيقة ، التي

ص: 546

تبتنى على أُسس واقعية وحكم قويمة ، تبلغ إلى مرتبة الأسرار الإلهية ، التي لا يمكن أن تدركها عقول البشر مهما بلغت من العظمة ، وأوتيت من الأسباب ، إلّا أنّ المستفاد ممّا ورد في القرآن الكريم والسنّة الشريفة : إنّ الابتلاء إنّما هو لأجل إظهار حقيقة الإنسان ، ليصل إلى الجزاء الموعود ، الذي أعدّه اللّه تعالى في الدار الآخرة ، فلم يكن الابتلاء والامتحان بحسب المنظور القرآني ، لأجل ميزة دنيوية ، أو الحصول على جزاء دنيوي ، إلّا في بعض الأفراد ، التي ورد النصّ عليها خيراً كان أو شرّاً .

فالفقر والمرض والمحن والآلام وغيرها ، ممّا يعدّها الإنسان ابتلاءات ، إمّا أن تكون سبلاً للوصول إلى المقامات الرفيعة ، والكمالات الواقعية ، والدرجات الراقية في الآخرة ، فهي في الحقيقة سلالم الكمال ودرجات الرفعة والقرب ، أو تكون سبباً في رفع الموانع عن طريق الإنسان ، فبالآخرة فإمّا هي لزيادة المقتضى لنيل الكمالات ، أو لإزالة الموانع والعقبات ، فهي لا تعدّ بهذا المنظور ابتلاءً في الواقع ، فالفقر والمرض بهذا المقياس لا تكون محناً بل سبباً لنيل الكمال .

نعم ، قد يكون المقياس هي المرتبة في الدنيا ، فتكون الابتلاءات والمحن بالنسبة إلى المظاهر الدنيوية وحظوظها فيختلط الأمر ، كما ذكره السائل ، فربما تكون النعم والمحن بل مطلق الابتلاء ترجع إلى بعض الأعمال الصادرة من الشخص ، أو الصفات التي ترتكز في النفس ، أو تؤثّر في الخلف ، وحينئذٍ لا تكون الأُمور الحاصلة بالنسبة إلى الأفراد - ممّا ذكره السائل - من دون سبب ، فهي تابعة لأسباب أو أُمور دقيقة واقعية .

« السيّد محمّد السيّد حسن الموسوي »

الشرور هي نتائج أعمال الإنسان وأفعاله :

س : أحتاج على إجابة للسؤال التالي وبالتفصيل ، حفظكم الرحمن :

سمعت بعض العلماء يقول : إنّ الشرّ لا وجود له ، وأنّه لم يخلق أصلاً ، ولكنّه

ص: 547

وجد بسبب أفعال البشر ، أي أنّه ناتج عن سوء ما اقترفت يد البشرية .

وسؤالي هو : إن لم يكن للشرّ وجود أصلاً ، فكيف تستطيع أفعال الإنسان السيّئة أن تكون مصدراً لوجوده ؟ - بفرض القول أنّ الشرّ لا يعدّ شرّاً في باطنه - لكن يبقى التساؤل ، لِم قيل : إنّ أفعال الإنسان الشريرة مصدره ؟ وكيف ذلك ؟ أين الصواب ؟

نسألكم الدعاء ، مع ألف سلامة ، ودمتم بحفظ اللّه سالمين .

ج : إنّ الخير والشرّ كلاهما منسوبان إلى اللّه تعالى ، قال عزّ من قائل : ( قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ) (1) إلّا أنّ الفرق أنّ الشرّ منسوب إلى الإنسان ابتداءً ، وإليه تعالى بالواسطة ، والشرّ من الأُمور النسبية لا وجود له ، إلّا ما ينطبق على الأثر المترتّب على الأعمال الصادرة من الإنسان ، وقد ورد في الحديث : « إذا كثر الزنا في أُمّتي كثر موت الفجأة » (2) ، وأمثال ذلك من الآثار ، فإنّ كُلّ عمل سواء كان خيراً وصالحاً أو سوءً يترتّب عليه أثر يناسبه ، شأنها شأن الآثار المترتّبة على الأشياء ، فإنّ النبتة المعيّنة الفلانية فيها آثاراً معروفة ، وعلى شرب السمّ مثلاً يترتّب الموت ، فالشرور هي نتائج أعمال الإنسان وأفعاله ، ولأجل ذلك ورد في عدّة روايات تحث الإنسان على التفكّر في عواقب الأُمور ، وما يترتّب على أفعاله من آثار سيئة ، نسأل اللّه التوفيق والهداية .

« عبد الرحيم - الجزائر - 35 سنة - أُستاذ »

الصفات الذاتية هي عين ذات اللّه ، وسبق رحمته غضبه :

س : إنّ صفات اللّه تعالى هي عين ذاته ، لكنّنا نسمع عن الصفات الذاتية والصفات الفعلية ، هل كلتاهما عين ذات اللّه ؟

وكذلك نسمع : إنّ رحمة اللّه تعالى سبقت غضبه ، فهل هذا يعني أنّ غضب اللّه محدود ؟

ص: 548


1- النساء : 78 .
2- المحاسن 1 / 107 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 385 .

وكيف نوفّق بين هذا ، وبين قول الإمام علي عليه السلام : « فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنّاه ... » (1) .

وأخيراً : أسأل عن اسم اللّه الأعظم ، فقد سمعنا مؤخّراً أنّه مخلوق ، أليس اسم اللّه عين ذات اللّه ؟

أرجو من حضرتكم أن تجيبوا بالتفصيل ، ولا ترشدونا إلى كتب ، فإنّها صعبة الاقتناء هنا في الجزائر ، ونسألكم الدعاء .

ج : إنّ الصفات التي تكون عين ذات اللّه تعالى هي الصفات الذاتية الثبوتية ؛ وأمّا الصفات الفعلية الثبوتية ، فبما أنّها تفتقر في وجودها إلى خارج ذاته تبارك وتعالى ، فإنّها ليست عين الذات .

والمقصود من العبارة الواردة في بعض الأدعية من سبق الرحمة على الغضب هو : أنّ الرحمة الإلهية هي الأصل في الوجود ، ولولا بعض الموانع من قبل العباد ، لما كانت هناك حاجة إلى إعمال غضبه تعالى بالنسبة إليهم ، فالغضب أمر عرضي ، ويحتاج إلى دليل وعلّة ، بخلاف الرحمة الإلهية التي هي فضل منه تبارك وتعالى بالنسبة لكافّة أجزاء الوجود ، ولا يحتاج إلى أي دافع وموجب إلّا وجوده تعالى .

وأمّا المراد من كلام الإمام عليه السلام في تلازم التوصيف للتحديد ، فهو في مجال نفي التفرقة بين ذات اللّه سبحانه وبين صفاته الذاتية ، والتصريح بعينية هذه الصفات لذاته تعالى ، ولا علاقة لهذه الفقرات من كلامه عليه السلام بالصفات الفعلية التي منها الرحمة والغضب .

وأمّا الاسم الأعظم ، فهو عبارة عن الإشارة إلى المسمّى الذي هو ذات اللّه تعالى .

فتارةً يطلق الاسم ويراد نفس الذات ، فهذا لا ينكر اتحاده وعينيته مع الذات ، وتارةً يراد منه الآلة المشيرة إلى الذات ؛ ومن المعلوم تمايز هذا القسم

ص: 549


1- شرح نهج البلاغة 1 / 72 .

الأخير مع الذات لتباين المشير عن المشار إليه ، فإذا قيل أحياناً : أنّ الاسم الأعظم مخلوق ، فيجب حمله على هذا المعنى الأخير ، ويدلّ على ما قلنا قول الإمام عليه السلام : « لشهادة كُلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كُلّ موصوف أنّه غير الصفة » (1) .

« يعقوب الشمّري - اسكتلندا - 18 سنة - طالب »

معنى الكلام النفسي لله :

س : هل يصحّ القول بأنّ اللّه يتكلّم ؟ أو أنّ اللّه يخلق الكلام ؟ ويوجد في عقيدة الأباضية مصطلح الكلام النفسي لله ، فما معناه مع بيان عقيدة الشيعة فيه ؟

ج : التعبيران بمعنى ومصداق واحد ، فتكلّم اللّه تعالى هو خلق الكلام لا غير .

نعم ، قد يكون الأمران مختلفين عند البعض - الأشاعرة - ولكن بحسب التحقيق لا فرق بينهما مفهوماً ومصداقاً ، فعندما يتكلّم البارئ تعالى ، ففي الواقع يخلق الألفاظ والأصوات المبيّنة لمراده .

واصطلاح الكلام النفسي جاء من قبل الأشاعرة ، فإنّهم الأصل في ذلك ، ومنهم جرى على ألسنة الآخرين .

ومعناه مجملاً : أنّهم يعتقدون بأنّ اللّه تعالى توجد في نفسه معان ومفاهيم ، قد تخرج إلى خارج ذاته بواسطة الألفاظ والأصوات ، وقد لا تخرج وتبقى في كمون ذاته تعالى ؛ وهذه المعاني القائمة بذاته هي التي تسمّى بالكلام النفسي .

وبحسب الأدلّة العقلية والنقلية فلا أساس لهذا الموضوع بتاتاً ، إذ لا يرد نصّ صريح من القرآن والسنّة الصحيحة يمكن الاستدلال عليه ، هذا من جهة النقل .

ص: 550


1- نفس المصدر السابق .

وأمّا عقلاً ، فإنّ التعريف الذي يتبنّوه في المقام هو بنفسه تعريف للعلم الإلهي ولا غير ؛ فكيف يتصوّر كلام بلا خروج عن الذات مع درك الذات له ، أليس هذا هو العلم بهذه المعاني ؟!

وبالجملة ، فإنّ تعريفهم للكلام النفسي لا يغني ولا يسمن من جوع ، إذ إنّ التعريف يجب أنّ يكون جامعاً ومانعاً ؛ وحينئذ ما هو الفرق بين ما يذكرونه وبين تعريف علمه تعالى .

« محمّد - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة »

الواحد لا يصدر عنه إلّا واحد :

س : ما هو المعنى من المقولة : لا ينتج عن الواحد إلّا واحد ؟

ج : قالت الحكماء : الواحد لا يصدر عنه من حيث هو واحد إلّا شيء واحد .

وذلك لأنّه إن صدر عنه شيئان ، فمن حيث صدر عنه أحدهما لم يصدر عنه الآخر وبالعكس ، فإذاً صدرا عنه من حيثيتين .

والمبدأ الأوّل تعالى واحد من كُلّ الوجوه ، فأوّل ما يصدر عنه لا يكون إلّا واحداً .

ثمّ إنّ الواحد يلزمه أشياء ، إذ له اعتبار من حيث ذاته ، واعتبار بقياسه إلى مبدئه ، واعتبار للمبدأ بالقياس إليه .

وإذا تركّبت الاعتبارات حصلت اعتبارات كثيرة ، وحينئذ يمكن أن يصدر عن المبدأ الأوّل بكُلّ اعتبار شيء ، وعلى هذا الوجه تكثر الموجودات الصادرة عنه تعالى .

وأمّا المتكلّمون فبعضهم يقولون : إنّ هذا إنّما يصحّ أن يقال في العلل والمعلولات ، أمّا في القادر ، أعني : الفاعل المختار ، فيجوز أن يفعل شيئاً من غير تكثير بالاعتبارات ، ومن غير ترجيح بعضها على بعض .

وبعضهم ينكرون وجود العلل والمعلولات أصلاً ، فيقولون : بأنّه لا مؤثّر إلّا اللّه .

ص: 551

واللّه تعالى إذا فعل شيئاً كالإحراق ، مقارناً بالشيء كالنار ، على سبيل العادة ، ظنّ الخلق أنّ النار علّة ، والإحراق أثره ومعلوله ، وذلك الظنّ باطل .

وبعبارة أُخرى : اعتقد بعض الفلاسفة : بأنّ الذات الإلهية المقدّسة ، ولكونها واحدة من كُلّ ناحية ، ولا تقبل الكثرة والتعدّد ، فلا يصدر منها سوى مخلوق مجرد واحد ، سمّوه « العقل الأوّل » ، واستندوا في معتقدهم هذا على القاعدة المعروفة التي تقول : « الواحد لا يصدر منه إلّا الواحد » .

وقد اعتمدوا لإثبات القاعدة على مسألة السنخية بين العلّة والمعلول ، وقالوا : لولا ضرورة السنخية بين العلّة والمعلول ، لأمكن أن يكون كُلّ موجود علّة لأيّ معلول ، لكن لزوم السنخية يحول دون هذا الأمر ، وعندما نقر بوجوب السنخية بين العلّة والمعلول ، يجب علينا أن نقرّ بأنّ العلّة الواحدة من كُلّ ناحية تستلزم أن لا يكون لها أكثر من معلول واحد .

ويمكن الردّ على هؤلاء بعدّة طرق :

1 - على فرض صحّة هذا الاستدلال ، فإنّه لا يفهم منه محدودية القدرة الإلهية ، بل هو تعالى قادر على كُلّ شيء ، لكن قدرته بالنسبة للعقل الأوّل بدون واسطة ، وبالنسبة للموجودات الأُخرى مع وجود واسطة ، وكلاهما يعتبران في حدود المقدور ، فما الفرق بين أن يباشر الإنسان عملاً معيّناً بيده ، أو بوسيلة وأداة معيّنة من صنعه ؟ فالفعل فعله في كلتا الحالتين .

2 - ما قيل بخصوص قاعدة « الواحد لا يصدر منه إلّا الواحد » ، لا يصحّ تطبيقه على الفاعل المختار بنظر بعض المحقّقين .

3 - بغضّ النظر عن ذلك فإنّ قانون « السنخية بين العلّة والمعلول » محلّ إشكال حتّى في غير الفاعل المختار ، لأنّه لو كان المراد من السنخية هو السنخية والتشابه من جميع الجهات ، فهو مستحيل التحقّق بين واجب الوجود وممكن الوجود ، فالممكنات مهما تكن فهي متباينة مع واجب الوجود في جهات كثيرة ، فلو اشترطنا السنخية التامّة وفي جميع الجهات ، فكيف

ص: 552

يمكن أن يخلق وجود غير مادّي موجودات مادّية ؟

4 - يمكن القول : بأنّ الكون نسخ واحد لا أكثر على الرغم من احتوائه ظاهراً على موجودات متعدّدة ومتكثّرة .

فإنّنا لو دقّقنا النظر لعلمنا بأنّ مجموع عالم الوجود موجود واحد متصل ومترابط ، وعلى الرغم من كُلّ تنوّعاته وكثرة قوانينه المؤثّرة فيه فهو واحد ، وهذا الموجود الواحد يفيض من الوجود الإلهي الواحد ، وهذا المخلوق الواحد له خالق واحد .

« علي عبد اللّه - البحرين - 30 سنة - طالب جامعة »

قانون العلّية لا يجري إلى عالم الخلق :

س : هل قانون العلّة والمعلول خاصّ بعالم الطبيعة ؟ أم حتّى عالم الأمر ؟ ودمتم سالمين .

ج : إنّ قانون العلّة والمعلول إنّما تصحّ مصداقيته إذا كان هناك تجانس بين الجانبين ، ولكن من قال بأنّ الخلق معلول الخالق ؟

والحال يشير إلى أنّ الخلق مخلوق الخالق ، والعلاقة إنّما هي علاقة مخلوق بخالقه ، وليس علاقة معلول بِعِلّته .

ونحن كمخلوقين نعجز تمام العجز عن إدراك وتصوّر نوع هذه العلاقة ، لأنّنا لا نستطيع أن نحيط علماً بالربّ جلّ جلاله ، حيث إنّنا لم نعط القدرة على التصوّر والإحاطة .

وإنّنا كمخلوقين لم نكن واعين وشاهدين على كيفية خلق أنفسنا ، فلا يمكننا القول بأنّ الخلق قد تمّ وفق قانون العلّة والمعلول .

نعم ؛ قد يمكن من حيث الوجهة اللغوية القول بأنّ اللّه تعالى هو علّة الخلائق ، أو أنّه علّة العلل ؛ غير أنّ هذا ليس إلّا مجرد تعبير ، وأنّ مجرد التعبير لا يسعه أن يكون دليلاً عقلياً .

ص: 553

وما نعهده من الأمثلة من الحرارة والنار ، والبرودة والثلج ، وسنخية العلّة ، فهي كلّها تأتي في حدود المخلوقين ، وليس في حدود تعريف العلاقة بين الخالق والمخلوق .

فبفطرتنا النزيهة نعرف أنّ الخالق غير المخلوق ، وأنّه لا يصحّ بوجه من الوجوه القياس بين الربّ والمربوب ، وبين القادر والعاجز ، وبين الغنيّ والفقير .

والخلاصة : إنّ قانون العلّية خاصّ بعالم الطبيعة ، ولا يجري إلى عالم الخلق والأمر .

« أحمد - السعودية - سنّي - 20 سنة - طالب جامعة »

قاعدة اللطف :

س : ما هي حدود قاعدة اللطف من القرآن الكريم ؟ وشكراً .

ج : خلاصة قاعدة اللطف هي : إنّ اللّه تعالى بلطفه ورحمته لا يترك هذه الأُمّة المرحومة - أُمّة محمّد صلى اللّه عليه وآله - أو فقهائها إذا حصل اجتماع منها ، أو منهم على خطأ ، وإنّما يقوم بإبطال هذا الخطأ بمثل إلقاء الخلاف بينهم ، من قبل الإمام عليه السلام لطفاً بعباده تعالى ، ورحمة منه بهم .

ولازم هذا أنّنا لو رأينا الأُمّة ، أو الفقهاء قد أجمعوا على مسألة ، نستكشف أنّ إجماعهم كان على حقّ ، إذ لو كان على خطأ ، لأوقع اللّه تعالى - من باب اللطف - الخلاف بينهم ، بإثارته من قبل الإمام عليه السلام ، ويرد على هذه القاعدة :

أوّلاً : عدم تمامية القاعدة في نفسها ، إذ لا يجب اللطف عليه تعالى ، بحيث يكون تركه قبيحاً يستحيل صدوره منه سبحانه ، بل كُلّ ما يصدر منه تعالى مجرد فضل ورحمة على عباده .

ثانياً : إنّ قاعدة اللطف على تقدير تسليمها ، لا تقتضي إلّا تبليغ الأحكام على النحو المتعارف ، وقد بلّغها وبيّنها الأئمّة عليهم السلام للرواة المعاصرين لهم ، فلو لم

ص: 554

تصل إلى الطبقة اللاحقة لمانع من قبل المكلّفين أنفسهم ، ليس على الإمام عليه السلام إيصالها إليهم بطريق غير عادي ، إذ قاعدة اللطف لا تقتضي ذلك ، وإلّا كان قول فقيه واحد كاشفاً عن قول المعصوم عليه السلام ، إذا فرض انحصار العالم به في زمان ، وهذا واضح الفساد .

ثالثاً : أنّه إن كان المراد إلقاء الخلاف ، وبيان الواقع من الإمام عليه السلام ، مع إظهار أنّه الإمام ، بأن يعرفهم بإمامته ، فهو مقطوع العدم .

وإن كان المراد هو إلقاء الخلاف مع إخفاء كونه إماماً فلا فائدة فيه ، إذ لا يترتّب الأثر المطلوب من اللطف ، وهو الإرشاد على خلاف شخص مجهول ، كما هو ظاهر .

« نوفل - المغرب - 26 سنة »

عبارة بلا كيف لغز وإبهام :

س : المرجو من سماحتكم تفسير ما يلي : هل عبارة « بلا كيف » في صفات اللّه تعطي تفسيراً ؟

وما معنى المشيئتين في قوله تعالى : ( لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (1) .

ج : إنّ ما جاء به الأشاعرة في هذه النظرية ، وقولهم : بأنَّ لله يداً حقيقة بلا كيف ، لا يرجع إلى معنى صحيح مفهوم ، وذلك أنّ العقيدة الإسلامية تتّسم بالدقّة والحصانة ، وفي نفس الوقت بالسلامة من التعقيد والإبهام ، وتبدو جلية مطابقة للفطرة والعقل السليم ، فإبرازها بصورة الإبهام والألغاز - كما في هذه النظرية - لا يجتمع مع موقف الإسلام والقرآن في عرض العقائد على المجتمع الإسلامي .

فالقول بأنّ له يداً لا كأيدينا ، أو وجهاً لا كوجوهنا ، وهكذا سائر

ص: 555


1- التكوير : 28 - 29 .

الصفات الخبرية أشبه بالألغاز ، إذ لو كان امرارها على اللّه تعالى بنفس معانيها الحقيقية ، لوجب أن تكون الكيفية محفوظة حتّى يكون الاستعمال حقيقيّاً ، لأنّ الواضع إنّما وضع هذه الألفاظ على تلك المعاني التي قوامها بنفس كيفيّتها ، فاستعمالها في المعاني الحقيقية وإثبات معانيها على اللّه سبحانه بلا كيفية ، أشبه بكون حيوان أسداً حقيقة ، ولكن بلا ذنب ولا مخلب ولا ناب ولا ... .

وباختصار : قولهم : إنّ لله يداً حقيقة لكن لا كالأيدي ، كلام يناقض ذيله صدره ، فاليد الحقيقية عبارة عن العضو الذي له تلك الكيفية المعلومة ، وحذف الكيفية حذف لحقيقتها ولا يجتمعان .

أضف إلى ذلك أنّه ليس في النصوص من الكتاب والسنّة من هذه البلكفة - أي بلا كيف - عين ولا أثر ، وإنّما هو شيء اخترعته الأفكار للتذرّع به في مقام ردّ الخصوم على تهجّمهم عليهم بتهمة التجسيم ، ولذلك يقول العلّامة الزمخشري :

قد شبّهوهُ بخلقهِ فتخوَّ فُوا *** شَنْعَ الورى فتستّروا بالبلكفة(1)

وأمّا معنى الآية : إن مشيئة العبد تتفرّع على مشيئة اللّه تعالى ، وإعمال سلطنته ، والاستثناء من النفي يفيد أنّ مشيئة العبد متوقّفة في وجودها على مشيته تعالى ، ومشيته تعالى لم تتعلّق بأفعال العباد ، وإنّما تتعلّق بمبادئها ، كالحياة والقدرة وما شاكلهما .

وبطبيعة الحال أنّ المشيئة للعبد إنّما تتصوّر في فرض وجود تلك المبادئ بمشيئة اللّه سبحانه ، وأمّا في فرض عدمها بعدم مشيئة الباري فلا تتصوّر ، لأنّها لا يمكن أن توجد من دون وجود ما تتفرّع عليه ، والآية الكريمة إنّما تشير إلى هذا المعنى .

ص: 556


1- الصوارم المهرقة : 14 ، أضواء على السنّة المحمّدية : 385 .

« حامد محل - العراق - 36 سنة - طالب علم »

للعقل دور مهمّ في مسائلها :

س : أرجو الردّ على إشكال أصل المعرفة ، فإثبات الخالق عند الإمامية بالعقل ، وعند الأشاعرة بالنقل .

والدليل العقلي على إثبات الخالق هو : دفع الضرر ، ولكن إمّا أن يكون النبيّ موجوداً أو غير موجود ، فإذا كان موجوداً ، فنحن نتّبع النقل لا العقل ، وأمّا إذا كان غير موجود ، فمن أين نعرف أنّ هناك خالقاً ؟ وجزاكم اللّه خير الجزاء .

ج : إنّ اللّه سبحانه منح الإنسان العقل ، وميّزه به عن البهائم والدواب بهذه المنحة ، وقد وصف القرآن الكريم من لا يستفيد من عقله وفكره بأنّه شرّ الدواب ، قال تعالى : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ) (1) ، وفي العقل قدرة ذاتية منحه اللّه إياها في الوصول إلى معرفة وجود خالق للكون ، بل حتّى له قدرة في بيان جملة من صفات هذا الخالق .

وعودة سريعة إلى قصّة ابن طفيل حي بن يقظان تستطيع أن تستشفّ قدرة الإنسان المنعزل عن الوحي ، والاتصال بالأنبياء في الوصول أو التيقّن من وجود خالق ومدبّر لهذا الكون ، وفي هذا المعنى يقول الإمام الصادق عليه السلام في وصف العقل ودوره في الإلهيات : « إنّ أوّل الأُمور ومبدأها وقوّتها وعمارتها ، التي لا ينتفع شيء إلّا به ، العقل الذي جعله اللّه زينة لخلقه ونوراً لهم ، فبالعقل عرف العباد خالقهم وأنّهم مخلوقون ، وأنّه المدبّر لهم ، وأنّهم المُدبرون ، وأنّه الباقي وهم الفانون ، واستدلّوا بعقولهم على ما رأوا من خلقه وسمائه وأرضه ، وشمسه وقمره ، وليله ونهاره ، وبأنَّ له ولهم خالقاً ومدبّراً لم يزل ولا يزول ، وعرفوا به الحسن من القبيح ، وأنّ الظلمة في الجهل ، وأنَّ النور في العلم ، فهذا ما دلّهم عليه العقل » (2) .

ص: 557


1- الأنفال : 22 .
2- الكافي 1 / 29 .

وقال عليه السلام : « بالعقول يعتقد التصديق باللّه ، وبالإقرار يكمل الإيمان به ، ولا ديانة إلّا بعد المعرفة ، ولا معرفة إلّا بالإخلاص ، ولا إخلاص مع التشبيه ، ولا نفي مع إثبات الصفة للتشبيه ، فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه ، وكُلّ ما يمكن فيه يمتنع عن صانعه ... » (1) .

أمّا من يستدلّ بالدليل النقلي فقط على إثبات الخالق ، وغير ذلك من مسائل الإلهيات ، فنقول : إنّ آيات القرآن الكريم تحرّض كُلّ التحريض على التدبّر في آيات اللّه ، وبذل الجهد في تكميل معرفة اللّه ومعرفة آياته ، بالتذكّر والتفكّر والنظر فيها ، والاحتجاج بالحجج العقلية ، وقد استدلّ القرآن على بعض المطالب الإلهية بالأدلّة العقلية ، وسلك المنهج العقلي ، فاستدلّ على التوحيد مثلاً بقوله : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (2) ، وقوله تعالى : ( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (3) .

واستدلّ في إبطال مقالة من زعم من المشركين أنَّ له سبحانه ولداً ، قال : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (4) .

فالقوّة العاقلة هي هبة سماوية من اللّه سبحانه إلى البشر ، وهي وإن لم تكن بقادرة على كشف جميع الأخبار السماوية ، وتحتاج إلى الوحي الإلهي ، لكنّها ليست بعاجزة مطلقاً ، ومن هنا لا يجوز التقليد في أُصول الدين ، فإن دلَّ هذا على شيء فإنّه يدلّ على أنّ المسائل السماوية - كإثبات وجود الخالق - هي قابلة للتحقيق للعقل البشري .

ص: 558


1- التوحيد : 40 .
2- الأنبياء : 22 .
3- المؤمنون : 91 .
4- البقرة : 116 - 117 .

وعليه ، فالبحث عن وجود اللّه تعالى لا يقتصر على الدليل النقلي فقط ، بل العقل - بما هو عقل وله قدرة ذاتية على تشخيص الضرر - يأمرنا بدفع الضرر المحتمل ، وكذلك يستقلّ العقل بلزوم شكر المنعم ، وإلّا خالف الإنسان إنسانيته ، ولم يعدّ أهلاً للتميّز عن العجماوات ، ولا يتحقّق الشكر إلّا بمعرفة هذا المنعم .

ومن هنا كان للعقل دور في هذه المعرفة ، ولعلّ الأدلّة التي ذكرها الفلاسفة والمتكلّمون - مثل : دليل النظم ، وبرهان الإمكان ، وبرهان حدوث المادّة - كافية في بيان قدرة العقل مستقلّة عن الوحي في الوصول إلى معرفة وجود الخالق وصفاته ، بل وحتّى الإيمان بالأنبياء والتصديق بهم يحتاج إلى مقدّمات عقلية ، منها : مطالبتهم الإثبات بالمعجزة وإظهارها ، كي يسدّ الطريق على مدّعي النبوّة ، فللعقل دور مهمّ في مسائل الإلهيات لا يمكن تجاوزه ، أو الاكتفاء بالنقل في إثبات هذه المسائل دونه .

« عبد اللّه - الكويت - 28 سنة - خرّيج ثانوية »

معنى مكتوب على ساق العرش :

س : تحية طيّبة وبعد ، كنت في أحد المجالس الحسينية ، وسمعت الشيخ على المنبر يقول : مكتوب على ساق العرش : إنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة .

وسمعت الكثير من هذه الروايات التي تتكلّم عن ساق العرش ، ولكن سؤالي : هل اللّه له عرش مثل ما تقول الوهّابية ؟ وأن لم يكن له عرش فما تفسير هذه الروايات التي تذكر على المنابر من غير شرح ولا تفسير للعوام ؟ وتكون وسيلة للطعن في الشيعة من قبل أعدائهم ، وجزاكم اللّه كُلّ خير .

ج : لقد ورد ذكر العرش في الآيات القرآنية ، وفي كثير من الأدعية والروايات عن المعصومين عليهم السلام ، والذي نختلف فيه عمّا يقوله الوهّابيون أنّهم يصوّرون العرش بالمعنى الظاهري ، أي كرسي كبير له أربعة قوائم مثلاً ،

ص: 559

وهكذا يصوّرون أنّ اللّه جالس عليه ، ونحن لا نقول بذلك ، لأنّه يستلزم الكثير من المحاذر ، منها : أنّ كلامهم سيستلزم الجسمية والمحدودية والمكان والحدوث ، وما إلى ذلك .

وما نقوله نحن في العرش تبعاً لأهل البيت عليهم السلام أنّه : هو العلم ، فعن حنان بن سدير قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن العرش والكرسي ؟

فقال عليه السلام : « إنّ للعرش صفات كثيرة مختلفة ، له في كُلّ سبب وضع في القرآن صفة على حدة ، فقوله : ( رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) يقول : الملك العظيم ، وقوله : ( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) ، يقول : على الملك احتوى ، وهذا ملك الكيفوفية الأشياء ، ثمّ العرش في الوصل متفرّد من الكرسي ، لأنّهما بابان من أكبر أبواب الغيوب ، وهما جميعاً غيبان ، وهما في الغيب مقرونان ، لأنّ الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ، ومنه الأشياء كلّها ، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف ، والكون والقدر والحد والأين والمشية وصفة الإرادة ، وعلم الألفاظ والحركات والترك ، وعلم العود والبدء فهما في العلم بابان مقرونان ، لأنّ ملك العرش سوى ملك الكرسي ، وعلمه أغيب من علم الكرسي ، فمن ذلك قال : ( رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) ، أي صفته أعظم من صفة الكرسي ، وهما في ذلك مقرونان » (1) .

فعلى هذا ، فالعرش هو العلم الذي لا يقدر قدره أحد .

وتكون الرواية التي فيها مكتوب على ساق العرش : الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة ، جاءت على الرمز ، ويجب أن نفهمها على ضوء ما تقدّم من معنى العرش والكرسي ، فلا تكون ساق العرش قد جاءت على الحقيقة ، ولا لفظة مكتوب قد جاء على الحقيقة أيضاً ، وإنّما إذا كان العرش هو العلم ،

ص: 560


1- التوحيد : 321 .

فإنّ من ضمن هذا العلم الغيبي الإلهي أنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة ، وعبّر عن هذه الضمنية بأنّه مكتوب على ساق العرش .

« آيات - لبنان - 35 سنة - طالبة جامعة »

خروج المعاقين لا يعدّ ظلماً من اللّه :

س : أُودّ أن أسأل عن الأطفال الذين يولدون مصابين بحالات إعاقة ، فهناك من يعترض على حكم اللّه جلّ جلاله في هذا الأمر ، والكثير يسأل هل من العدل أن يولد هكذا أطفال لآباء مذنبين ، فيكون عقاب الأهل بأن رزقهم اللّه هكذا مولود ؟ وما ذنب الطفل ليعيش هكذا حياة ، وهو ولد بلا ذنب ارتكبه بيده ؟

كيف نستطيع أن نفسّر عدل اللّه بهذه الحالة لإنسان لا يمكن أن يستوعب البرّ على البلاء والمصيبة ؟

ولكم جزيل الشكر ، ودمتم في كنف اللّه وحفظه .

ج : ينبغي أن يعلم أنّ الأُمور التكوينية التي تجري في العالم ، هي على قسمين :

أحدهما : يكون السبب عمل الناس ، وإليه يشير قوله سبحانه : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (1) .

والعذاب النازل على الأُمم السابقة يندرج في هذا الإطار ، وخروج الأولاد معاقين كثيراً ما يكون لأجل فعل آبائه ، ومعلوم أنّه لا يمكن أن يتحمّل الطفل وزر أبويه ، قال اللّه سبحانه : ( وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ) (2) ، ولكن بعض الأفعال القبيحة تصبح كالنار في إحراقها ، فلو

ص: 561


1- الروم : 41 .
2- الأنعام : 164 .

ألقى أحد طفلاً في النار فهو يحترق جزماً ، وليس في ذلك ظلم من اللّه سبحانه عليه ، بل الظالم من ألقاه في النار ، فلو قطع أحد رقبة أحد ، فمقطوع الرقبة سوف يموت جزماً ، أو دسّ أحد سمّاً قاتلاً في طعام ، فالذي دسّ إليه السمّ سوف يموت حتماً ، وليس في ذلك ظلم من اللّه سبحانه ، بل الظالم هو قاطع الرقبة ، والذي دسّ إليه السمّ .

وخروج الأطفال معاقين في معظم الأحيان لأجل سوء عمل الأبوين عند المواقعة ، أو لشرب بعض الأدوية ، أو غيرها من الأسباب التي أشار إليها الرسول صلى اللّه عليه وآله في النصيحة التي قدّمها إليها بواسطة الإمام علي عليه السلام ، وليس في ذلك ظلم من اللّه سبحانه - والعياذ باللّه - على أحد ، وهذا كلّه في القسم الأوّل .

ثانيهما : الحوادث التي تحدث في العالم قد قدّرت ونظّمت ، ورتّبت طبق اقتضاء الحكمة البالغة ، وتلك الحكمة هي التي تتحكّم ، بأنّ يولد لأحد ولد وللآخر تولد البنت ، والأعمار تقدّر تحت هذه الحكمة الإلهية ، التي تكون ضمن الآجال الحتمية ، ويدخل تحت هذا أن يكون شخص من ذرّية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والآخر من ذرّية شخص آخر ، ويدخل في هذا الإطار ، وفي هذا القسم وجود معاقين من صلب أبوين شريفين ملتزمين بجميع نصائح النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأوامر الشريعة الغرّاء ، ويكون في هذا البلاء وامتحان للمعاق ولغيره .

إنّ المقادير تجري كما قدّرها اللّه سبحانه ، ولا راد لقضائه ، ولا مبدّل لحكمه ، ولا تدرك عقولنا مغزى الحكمة ، وليس يدخل ذلك في الظلم ، لأنّ الظلم هو وضع الشيء في غير محلّه ، واللّه لا يفعل ذلك ، والصابر على قضاء اللّه مأجور ، والجازع مأزور ، كما ورد في بعض الروايات ، وإلى هذا المعنى يشير الإمام الحسين عليه السلام في بعض كلماته : « لا محيص عن يوم خطّ بالقلم ، رضى اللّه رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ، ويوفّينا أُجور الصابرين ... » (1) .

ص: 562


1- مثير الأحزان : 29 .

وقد روى الشيخ الصدوق بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي قال : ( قلت : لأبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السلام : يا ابن رسول اللّه ، أنا نرى من الأطفال من يولد ميّتاً ، ومنهم من يسقط غير تامّ ، ومنهم من يولد أعمى ، أو أخرس ، أو أصم ، ومنهم من يموت في ساعته إذا سقط على الأرض ، ومنهم من يبقى إلى الاحتلام ، ومنهم من يعمّر حتّى يصير شيخاً ، فكيف ذلك وما وجهه ؟

فقال عليه السلام : « إنّ اللّه تبارك وتعالى أولى بما يدبّره من أمر خلقه منهم ، وهو الخالق والمالك لهم ، فمن منعه التعمير فإنّما منعه ما ليس له ، ومن عَمّرَهُ فإنّما أعطاه ما ليس له ، وهو المتفضّل ما أعطاه ، وعادل فيما منع ، ولا يُسأل عمّا يفعل ، وهم يسألون » .

قال جابر : فقلت : يا ابن رسول اللّه ، وكيف ولا يسأل عمّا يفعل ؟

قال عليه السلام : « لأنّه لا يفعل إلّا ما كان حكمة وصواباً ، وهو المتكبّر الجبّار ، والواحد القهّار ، فمن وجد في نفسه حرجاً في شيء ممّا قضى اللّه فقد كفر ، ومن أنكر شيئاً من أفعاله جحد » ) (1) .

ص: 563


1- التوحيد : 397 .

ص: 564

الفهرس

مقدمة المركز ...  5

دليل الكتاب ...  59

آية المباهلة

تدلّ على عظمة أهل البيت ...  61

تدلّ على إمامة أمير المؤمنين ...  62

شأن نزولها في مصادر أهل السنّة ...  63

جواز المباهلة لغير المعصوم ...  64

سبب تخلّي النصارى عن المباهلة ...  65

آية المودّة

ثابتة في حقّ أهل البيت ...  67

تدلّ على مودّة أهل البيت ...  68

حكمة طلب الأجر للقربى فيها ...  68

كيف تدلّ على الإمامة ...  69

هي مسألة عقائدية ...  70

الاستثناء فيها منقطع لا متّصل ...  71

آية الولاية

دلالتها على إمامة أمير المؤمنين ...  79

ص: 565

تعليق على الجواب السابق وجوابه ...  79

احتجّ بها الإمام علي ...  81

رواية صحيحة تحكي واقعة التصدّق ...  82

في مصادر الشيعة والسنّة ...  83

تصدّق علي بالخاتم أثناء الصلاة عبادة ...  84

في مصادر أهل السنّة ...  85

( إِنَّمَا ) فيها أداة حصر ...  87

ابن تيمية

آراء علماء المذاهب حوله ...  89

اعتقاداته ...  90

تكفيره الشيعة ...  104

رأيه في قاتل علي ...  105

ردّ علماء أهل السنّة على قوله بالتجسيم ...  106

تعقيب على الجواب السابق ...  109

رأيه في الجامع الكبير للترمذي ...  109

كلماته الدالّة على التجسيم ...  110

ابن عباس

أقوال علماء الشيعة فيه ...  113

ما قيل فيه مردود ...  114

تقييم رواياته ...  117

ص: 566

أبو بكر

الفضل بالتقوى لا والد زوجة النبيّ ...  119

بعض مثالبه ...  119

رفض مالك بن نويرة دفع الزكاة له ...  121

صحبته للنبيّ لم تكن بطلب منه ...  122

تعليق على الجواب السابق وجوابه ...  124

صلاة جماعته المزعومة ...  124

الروايتان لا تثبتان له فضيلة ...  125

مناظرة الشيخ المفيد حول صحبته ...  127

السكينة لم تنزل عليه ...  131

من روى قوله وددت أنّي لم أكشف ...  143

قول ينفي وجوده في الغار ...  144

ليس هو الصدّيق الأكبر ...  144

علّة معيّته مع النبيّ في الغار ...  146

حديث الصادق ولدني أبو بكر مرّتين ...  147

صلاته ...  149

لا يمكن أن يكون من المصطفين ...  151

ما نقل من مدح علي له ضعيف ...  152

روايات صلاته متضاربة ومختلفة ...  162

لم يصل على جنازة فاطمة ...  167

شرب الخمر بعد تحريمها ...  169

لم يكن ثرياً ...  171

لم يكن ناصراً ...  172

ص: 567

اسمه وأنّ إسلامه كان طمعاً ...  174

لم يحجّ في العام التاسع للهجرة ...  175

لم يأمره النبيّ بالصلاة ...  185

أبو طالب

هو الحجّة قبل النبيّ ...  195

آية عدم الاستغفار للمشركين لم تنزل في حقّه ...  196

الأدلّة على إيمانه من كتب الفريقين ...  198

كذب حديث الضحضاح ...  202

ردّ بعض التهم الموجّهة إليه ...  204

أبو هريرة

مناقضته لصريح الكتاب في خلق السماوات والأرض ...  207

ضرب عمر له في مصادر سنّية ...  209

الاجتهاد والتقليد

باب مفتوح ومن هنا ينشأ الاختلاف ...  211

تقليد فقيه معيّن لا يتنافى مع حرّية الفرد ...  212

عشرة أسئلة في أحكام التقليد ...  214

في نظر السنّة والشيعة ...  217

دليل وجوب التقليد ...  218

إحسان إلهي ظهير

الرادّين عليه ...  219

ص: 568

لم تقتله الشيعة ...  220

الأذان والإقامة

تشريع الأذان ...  223

التثويب بدعة باطلة ...  231

حيّ على خير العمل منهما ...  231

عمر حذف حيّ على خير العمل ...  234

الارتداد

حصل بعد وفاة الرسول ...  239

تعليق على الجواب السابق ...  239

شروطه وأحكامه ...  240

السبب في قتل المرتد ...  241

معناه في روايات الشيعة ...  243

لا ينقسم إلى سلمي ومحارب ...  244

جواز حرق المرتد الفطري ...  245

حصل لكثير من الصحابة للنصوص ...  245

الاستخارة

في رأي أهل البيت ...  249

الروايات الواردة في كيفيّتها ...  250

حكمها ...  258

مشروعيتها ...  258

حجّيتها بالقرآن ...  259

ص: 569

استعارة الفروج

مسألة مختلقة ...  261

هي نكاح الإماء ...  263

الإسراء والمعراج

معناهما وأهدافهما ...  265

كيفية رؤية النبيّ فيهما ...  267

الكتب المؤلّفة حولهما ...  268

كيفية رؤيته صلى اللّه عليه وآله لقضايا المستقبل ...  268

كيفية تكليم اللّه للنبيّ ...  269

ما رآه صلى اللّه عليه وآله لأهل الجنّة والنار كان تمثيلاً لهم ...  270

الإسماعيلية

عقائدها ...  271

تعليق على الجواب السابق وجوابه ...  274

الفرق بينها وبين الشيعة ...  284

منشأ ظهورها ...  284

منهم الحشّاشون ...  285

تواجدهم وبعض معتقداتهم ...  285

أُصول الدين وفروعه

الفرق بينهما ...  289

المعتقد لابد أن يكون عن يقين ...  289

ص: 570

كيفية تشخيص الضروري ...  290

معنى الأُصول والعقيدة والشريعة ...  291

حكمة الفرق بينهما ...  292

الفرق بينهما ...  293

لا يجوز التقليد في العقيدة ...  294

الأدلّة على أُصول الدين ...  294

أعلام وكتب

ابن أبي الحديد وكتابه في نظر السنّة ...  301

الاحتجاج بما ينقله ابن أبي الحديد والمسعودي ...  303

البرقعي وكتابه كسر الصنم ...  303

الكتب الأربعة في نظر الأُصوليين والاخباريين ...  305

الكتب الفكرية والفكر الإسلامي ...  305

ترجمة أنس بن مالك خادم النبيّ ...  306

أنس من الذين كذبّوا على الرسول ...  307

ترجمة جون مولى أبي ذر ...  307

ترجمة علي بن يقطين ...  308

حول تفسيري القمّي والعيّاشي ...  309

روايات منتخب كنز العمّال ...  310

سيرة موسى الموسوي ...  311

قرابة العباس ومسلم من النبيّ ...  312

شخصية محمّد التيجاني ...  312

موقف الشيعة من المختار الثقفي ...  313

ص: 571

تعقيب على الجواب السابق ...  314

أبو مخنف شيعي ثقة ...  315

البرسي وكتابه مشارق أنوار اليقين ...  316

الشيعة تتبرّأ من خالد وأفعاله ...  317

الشيعة تحتجّ بالبخاري على أهل السنّة ...  319

القفاري وكتابه أُصول مذهب الشيعة ...  319

الكتب التي فيها ردّ الشبهات ...  320

ترجمة أبي العلاء المعرّي ...  320

تخلّف عبد اللّه بن جعفر عن الحسين ...  322

ترجمة أبي حيّان التوحيدي ...  322

ترجمة الجاحظ ...  323

ترجمة جابر بن حيّان وخالد بن يزيد ...  324

جابر بن حيّان لم يكن إسماعيلياً ...  326

حركة إدريس كانت مؤيّدة من قبل الأئمّة ...  326

قيمة كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة ...  328

تخلّف ابن الحنفية عن الحسين ...  328

عثمان الخميس في ميزان النقد ...  329

الرادّون على عثمان الخميس ...  330

عدم وثاقة عبد اللّه بن عمر ...  331

عقيدة أحمد الكاتب ...  332

تعقيب على الجواب السابق ...  332

عقيل وتركه لعلي عليه السلام ...  333

كعب الأحبار ووهب بن منبه ...  334

ص: 572

الشيعة لا تقبل بالصحاح الستة ...  335

موقف كاشف الغطاء من مؤتمر لبنان ...  336

موقفنا من ابن القيّم الجوزية ...  338

موقفنا من عمر بن عبد العزيز والرشيد والأيوبي ...  342

تعقيب على الجواب السابق ...  344

المأمون ليس شيعياً ...  353

قيمة كتاب سليم عند الإمامية ...  354

قيمة بعض الكتب ومؤلّفيها عند الإمامية ...  355

ردّ الشبهات عن السيّدة سكينة بنت الحسين ...  356

شخصية مالك بن نويرة ...  375

خواجه نصير الدين الطوسي ...  377

الكافي لم يعرض على الإمام ...  380

ترجمة سعد بن عبادة ...  381

ابن أبي الحديد والقندوزي ليسا من الشيعة ...  385

ترجمة المغيرة بن شعبة ...  391

تقييمنا للصحيحين ...  395

موقف الشيعة من عمر بن عبد العزيز ...  396

مصادر كشف عمرو بن العاص لعورته ...  397

الزبير محاسب على أفعاله ...  398

مذهب اليعقوبي والأصفهاني والمسعودي ...  399

ما نسب إلى حجر بن عدي مفتعل ...  400

مكانة عبد اللّه بن جعفر ومحمّد بن الحنفية عندنا ...  401

العباس يُعدّ في المرتبة الأُولى بعد المعصومين ...  401

ص: 573

الكتب الشيعية المعتبرة ونقلها للأحاديث الضعيفة ...  402

ترجمة المختار الثقفي وتاريخ ثورته ...  404

خولة والدة محمّد بن الحنفية ...  406

خالد بن الوليد وتعلّقه بزوجة مالك بن نويرة ...  408

ابن النديم صاحب الفهرست ليس شيعياً ...  413

روايات عقد الفريد لابن عبد ربّه الأندلسي ...  414

ابن الصبّاغ المالكي ليس شيعياً ...  415

سبط ابن الجوزي ليس شيعياً ...  416

القندوزي الحنفي ليس شيعياً ...  419

النوري وكتابه فصل الخطاب ...  419

موقفنا من الجزائري وما ورد في كتابه ...  421

إقامة المجالس لإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام

أسباب إقامتها ...  423

إقامتها ليست بدعة ...  425

الأئمّة يقيمون العزاء على الحسين ...  427

الأدلّة على جواز الاحتفال بمولد النبيّ ...  429

الأدلّة على جواز اللطم ونشوئه ...  433

الشيعة تحيي الذكريات ...  434

الضرر في التطبير ...  435

تعقيب على الجواب السابق ...  435

تعقيب على الجواب السابق ...  437

اللطم على الصدور ...  438

ص: 574

تعليق على الجواب السابق وجوابه ...  439

بكاؤنا على الحسين من مصاديق المودّة ...  441

تأثير البكاء واللطم على النفوس ...  441

حضور الأرواح في مجالس الذكر ...  442

حكم الإطعام فيها ...  442

حكم الغياب عن المجالس يوم العاشر من محرّم ...  443

روايات صحيحة السند تحثّ على إقامتها ...  444

كيفية تطوّر العزاء الحسيني ...  445

لطم الهاشميات دليل على جوازه ...  446

ماذا ينبغي فعله فيها ...  446

مجموعة أسئلة حول المأتم الحسيني ...  447

مصداق للتأسّي بالنبيّ ...  451

مظاهر العزاء قديمة جدّاً ...  453

من مظاهر الحزن اللطم ...  453

مشروعية الاحتفال بمولد النبيّ ...  454

تهجّم الأعداء ...  455

الدليل على مشروعية لبس السواد ...  455

الأحاديث الناهية عن النياحة واللطم ...  458

لا جزع في إقامتها ...  460

رأي ابن تيمية حولها ...  465

سبب البكاء على الحسين ...  482

كيفية بكاء الأفلاك على الحسين ...  484

النبيّ بكى على الحسين قبل مقتله ...  485

ص: 575

ثواب البكاء على مصيبة الحسين ...  486

ما ورد في زيارة الأربعين ...  490

الضرب بالسلاسل نوع من التأسّي ...  491

أدلّة تحريم اللطم واهية ...  492

اللطم جائز للإقرار وللأصل ...  495

الإلهيات

إثبات أنّ للكون علّة غير محتاجة ...  501

استعمال كلمة الربّ في غيره مجازاً ...  502

الأدلّة العقلية على وجود اللّه تعالى ...  503

الإرادة التكوينية والتشريعية ...  505

التوفيق بين العدل الإلهي وبين خلق أُناس ذو عاهة ...  506

التوفيق بين موت الأطفال وعدم صدور القبيح من عند اللّه ...  506

الخلق قد تخوّل بإذن اللّه إلى مخلوق ...  507

العدل من صفات الأفعال ...  508

المولود من كافرين لا ينافي كون كلّ أفعال اللّه خير ...  509

اللّه تعالى منزّه عن التركيب ...  509

اللّه تعالى موجود في كلّ مكان ...  510

اللّه نور السماوات والأرض ...  512

بحث مبسّط في إثبات وجود اللّه ...  513

حكم القائل بوحدة الوجود ...  520

حول الاسم الأعظم ولفظ الجلالة ...  523

الأدلّة النقلية لحدوث العالم ...  526

ص: 576

شبهة وجود اللّه في جهة معيّنة ...  527

صفة الخالق صفة فعلية ...  528

عينية الصفات لذات اللّه ...  529

كيف نتقرّب إلى اللّه تعالى ...  530

لم يطلع العقول على تحديد صفته ...  532

لماذا يعذّب اللّه تعالى المسلمين ؟ ...  533

معرفة اللّه تعالى لكُلّ إنسان بمقدار عقله ...  533

تعليق على الجواب السابق ...  534

معنى اللّه نور السماوات والأرض ...  534

معنى رضا وغضب اللّه تعالى ...  536

معنى الشرك عند الشيعة ...  537

معنى النور ...  538

الفرق بين الاسم والصفة ...  538

معنى عالم الغيب ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ...  539

إرادة الخير للإنسان لا تعارض وجود الشرّ فيه ...  540

الخالقية من صفات الفعلية لا الذاتية ...  541

يهب لمن يشاء إناثاً أو ذكوراً ...  543

المشيئة الإلهية ...  545

الابتلاء لأجل إظهار حقيقة الإنسان ...  546

الشرور هي نتائج أعمال الإنسان وأفعاله ...  547

الصفات الذاتية هي عين ذات اللّه ، وسبق رحمته غضبه ...  548

معنى الكلام النفسي لله ...  550

الواحد لا يصدر عنه إلّا واحد ...  551

ص: 577

قانون العلّية لا يجري إلى عالم الخلق ...  553

قاعدة اللطف ...  554

عبارة بلا كيف لغز وإبهام ...  555

للعقل دور مهمّ في مسائلها ...  557

معنى مكتوب على ساق العرش ...  559

خروج المعاقين لا يعدّ ظلماً من اللّه ... 561

الفهرس ... 565

ص: 578

المجلد 2

هوية الكتاب

المؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة

الناشر: مركز الأبحاث العقائدية

المطبعة: ستاره

الطبعة: 1

الموضوع : العقائد والكلام

تاريخ النشر : 1429 ه.ق

ISBN (ردمك): 978-600-5213-02-7

المكتبة الإسلامية

موسوعة

الأسئلة العقائدية

المجلد الثاني

تأليف

مركز الأبحاث العقائدية

ص: 1

اشارة

مركز الأبحاث العقائدية :

إيران - قم المقدسة - صفائية - ممتاز - رقم 34

ص . ب : 3331 / 37185

الهاتف : 7742088 (251) (0098)

الفاكس : 7742056 (251) (0098)

العراق - النجف الأشرف - شارع الرسول (صلى اللّه عليه وآله)

جنب مكتب آية اللّه العظمى السيد السيستاني دام ظله

ص . ب : 729

الهاتف : 332679 (33) (00964)

الموقع على الإنترنيت : www.aqaed.com

البريد الإلكتروني : info@aqaed.com

شابِك ( ردمك ) :3-00-5213-600-978

شابِك ( ردمك ) :0-01-5213-600-978

موسوعة الأسئلة العقائدية المجلد الأول

تأليف

مركز الأبحاث العقائدية

الطبعة الأولى - 2000 نسخة

سنة الطبع: 1429ه

المطبعة : ستارة

الفلم والألواح الحسّاسة : تيزهوش

* جميع الحقوق محفوظة للمركز *

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

دليل الكتاب

الإمام علي عليه السلام... 7

الإمام الحسن عليه السلام... 159

الإمام الحسين عليه السلام... 183

الإمام السجاد عليه السلام... 235

الإمام الباقر عليه السلام... 241

الإمام الصادق عليه السلام... 245

الإمام الكاظم عليه السلام... 251

الإمام الرضا عليه السلام... 255

الإمام الجواد عليه السلام... 261

الإمام الهادي عليه السلام... 269

الإمام العسكريّ عليه السلام... 273

الإمام المهديّ عليه السلام... 281

الإمامة... 347

أُمّهات المؤمنين... 393

أهل البيت عليهم السلام... 401

أهل السنّة... 477

أهل الكتاب... 489

الفهرس... 507

ص: 5

ص: 6

الإمام علي عليه السلام :

اشارة

( نور الزهراء - إيران - .... )

إسلامه وفضائله :

س : لقد وردت هذه الشبهة في الموسوعة البريطانية تحت عنوان « علي » :

« علي » فتى أسلم على يد ابن عمّه محمّد صلى اللّه عليه وآله ، لكن إسلامه إسلام تبعية طفل لشخص أكبر منه ، كعادة الأطفال ، يأخذون الأشياء بشكل عفويّ ، وليس تعقليّ ، فلا فضل له.

ووردت شبهة للجاحظ في الرسالة العثمانية : أنّ أبا بكر وعمر أفضل من علي ، والدليل : إنّ أبا بكر سنين طويلة يعبد الأصنام ، ويشرب الخمر ، حتّى تأصّلت في نفسه هو وجماعته ، فتركه للأصنام والخمر صعب ، فعندما تركها فَعَلَ أمراً صعباً ، والإمام علي لم يواجه صعوبة ؛ لأنّه لم يعبد صنماً ، ولم يشرب خمراً.

فنريد منكم التفضّل بالإجابة.

ج : ينحلّ السؤال إلى سؤالين :

أمّا الأوّل : إنّ إسلام أمير المؤمنين عليه السلام كان في صباه ، وهو صرف تعبّد ، وتبعية محضة ليس فيها أيّ نوع تعقّل أو تدبّر.

وثانياً : إنّه لا فضيلة ثمّة في إسلامه ، إذ هو عليه السلام لم يعان مصائب الشرك ، وذلّ المعصية و ....

ولنقدّم مقدّمة مختصرة ثمّ ندخل البحث ، وهي : إنّنا لا نحسب السائل

ص: 7

بحاجة لسرد النصوص النبوية والعلوية ، وكلمات الأصحاب والعلماء في كون أمير المؤمنين عليه السلام أوّل القوم إسلاماً ، وأقدمهم إيماناً ، وأوّل من استجاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وصدّقه ، ودخل في الإسلام ، وأوّل من صلّى وركع وسجد لله سبحانه ، بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأوّل من وحّد اللّه سبحانه وعبده ، وأوّل السابقين إلى الدين ، و ....

كلّ هذه أُمور تناقلتها رواة العامّة أكثر من الخاصّة ، وأُلّفت فيها المؤلّفات ، وأثبتها الثقات ، وعلينا إثبات ذاك إن لزم.

ثمّ بعد ذاك ، لماذا كان يأخذ صلى اللّه عليه وآله بيد أمير المؤمنين عليه السلام في الملأ الصحابيّ ، ويقول : « إنّ هذا أوّل من آمن بي ، وهذا أوّل من يصافحني يوم القيامة ... »(1).

أو قوله صلى اللّه عليه وآله : « أوّلكم وارداً على الحوض أوّلكم إسلاماً علي بن أبي طالب ... »(2)؟! أو غير ذلك.

وكذلك الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجة في سننه عن علي بن أبي طالب عليه السلام إذ يقول : « أنا الصدّيق الأكبر ، صلّيت قبل الناس بسبع سنين ، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب ».

فهو يفتخر بإسلامه وصلاته قبل الناس ، وذاك لوحده دليل على أنّ تلك منقبة وفضيلة ، وإلاّ لو لم تكن كذلك لما كان لاستدلاله بها معنىً.

كلّ هذا مهمّ جدّاً ، إلاّ أنّا نطوي عنه صفحاً فعلاً ، ونضطرّ - من باب المثال - لسرد واقعتين صغيرتين ، أقرّها القرآن الكريم ، وتسالمت عليها السنّة النبوية ، كلّ ذلك بشكل مجمل جدّاً ومختصر ، نطوي تفاصيله ونجمل لفظه

ص: 8


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 274 ، الإرشاد 1 / 32 ، مجمع الزوائد 9 / 102 ، المعجم الكبير 6 / 269 ، شرح نهج البلاغة 13 / 228 ، نظم درر السمطين : 82 ، كنز العمّال 11 / 616 ، فيض القدير 4 / 472 ، تاريخ بغداد 9 / 460 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 41 ، أُسد الغابة 5 / 287 ، سير أعلام النبلاء 23 / 79 ، الإصابة 7 / 294 ، ينابيع المودّة 1 / 195 و 244 و 387.
2- المستدرك 3 / 136 ، شرح نهج البلاغة 4 / 117 ، كنز العمّال 11 / 616.

وتأويله ، كي نستنتج ما نبغيه منه.

الأُولى : هو حديث العشيرة في بدء الدعوة ، حيث أخرجه غير واحد من الأئمّة الحفّاظ ، ونقلته كتب الصحاح والمسانيد عند العامّة ، وتلقّي بالقبول ، بل أرسل إرسال المسلّمات.

وحاصله : إنّه لمّا نزل قوله سبحانه : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (1) ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « دعاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال لي : يا علي ، إنّ اللّه أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ... وقد أمرني اللّه تعالى أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يوازرني على هذا الأمر؟ على أن يكون أخي ووصيي ، وخليفتي فيكم؟

قال : فأحجم القوم عنها جميعاً ، وقلت وإنّي لأحدثهم سنّاً ، وأرمصهم عيناً ، وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً : أنا يا نبيّ اللّه ، أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ثمّ قال : إنّ هذا أخي ، ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ، قال : فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ... »(2).

والثانية : حديث ليلة المبيت ، ولبس أمير المؤمنين عليه السلام بُرد النبيّ صلى اللّه عليه وآله الحضرمي الأخضر ، ونومه على فراشه ليلة خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من مكّة بعد أذية المشركين له ، وفداه عليه السلام بنفسه ، ونزول قوله عزّ من قائل : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ ... ) (3).

ويكفينا قول ابن أبي الحديد نقلاً عن أُستاذه أبي جعفر الإسكافي قال : « لأنّه ثبت بالتواتر حديث الفراش ، فلا فرق بينه وبين ما ذكر في نصّ

ص: 9


1- الشعراء : 213.
2- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 62 ، كنز العمّال 13 / 114 ، شرح نهج البلاغة 13 / 211 ، جواهر المطالب 1 / 80 ، جامع البيان 19 / 149 ، شواهد التنزيل 1 / 486 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 364 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 49 ، السيرة النبوية لابن كثير 1 / 459.
3- البقرة 207.

الكتاب ، ولا يجحده إلاّ مجنون ، أو غير مخالط لأهل الملّة »(1).

وقد روى المفسّرون كلّهم : أنّ قول اللّه تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي ... ) نزلت في الإمام علي عليه السلام ليلة المبيت على الفراش.

ولا نودّ التفصيل فيها أو ذكر مصادرها ، إذ كفانا العلاّمة الأميني ( قدس سره ) في الغدير(2) ، فقد ذكر لها أكثر من ثلاثين مصدراً ، وأسهب في الحديث عنها مفصّلاً.

والمهمّ عندنا ليس نقل الواقعة ، ولا لفظها ومدلولها ، إذ - كما قلنا - هناك تواتر إجمالي على معناها ، والمهمّ فيها عندنا أنّنا نتساءل بحقّ جميع المقدّسات ، ليرجع كلّ عاقل منصف إلى ضميره ، ويرى هل يؤتمن على سرّ النبوّة والنواميس الإلهيّة ومقدّسات الأُمّة طفل ابن خمس سنين ، أو سبع سنين؟ وهو ليس أهل لحمل أعباء أمانة السماء وشؤون الوصاية؟!

وكيف نفسّر وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يده في يده ، ويعطيه صفقة يمينه بالأخوّة والوصاية والخلافة ، إلاّ وهو أهل لذلك؟ وهل أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - لا سمح اللّه - يتجاهل؟ أو - والعياذ باللّه - يفعل ما لا يرضاه اللّه سبحانه؟ أو ينطق عن الهوى؟! وما بال هذا الطفل لم يأنس بأقرانه ، ولم يلصق بأشكاله ، ولم يلاعب الصبيان ، أو يشكّك أو يتذبذب طوال مسيره الرسالي؟!

ولماذا قبلت منه السماء هذه المعاملة المقدّسة ( يَشْرِي ) ؟! وهل تصحّ المعاملة مع ليس هو أهل لذلك؟! أم هل يكون مثل هذا من صبي؟! والرسول يعامله معاملة الوزارة والوصاية آنذاك ، بحيث إنّ ذاك أصبح مرتكز الجميع ، وعيّر أبو طالب بذاك! ألا يفهم من هذا أنّه فوق كلّ الرجال؟

ثمّ لنا أن نتساءل : لو لم يقبل إسلامه فمتى إذاً أسلم وقُبل إسلامه؟ هل حدّثنا التاريخ بمثل هذا؟!

ص: 10


1- شرح نهج البلاغة 13 / 261.
2- الغدير 2 / 47.

وإذا لم يكن ثمّة فضيلة لإسلام أمير المؤمنين عليه السلام فلماذا باهى القوم بذاك؟ وصرّح الرسول صلى اللّه عليه وآله به ، ولم يخالفه أحد ، ولا ردّ عليه ، وتأتي حثالة حاقدة مريضة بعد قرون كي تنفث سمومها ونصبها بكلمات معسولة؟! وما أحسن ما قيل : إنّ القول الباطل لا حدّ له ولا أمد.

وبعد كلّ هذا ، فإنّ الكلّ يعلم : إنّ تاريخ النصب والحقد وقف أمام أمير المؤمنين عليه السلام طوال ما بعد الرسالة ، حتّى أوصله إلى اللعن سبعين سنة على المنابر ، وقتل كلّ من يتسمّى باسمه ، ولم ينبز أحد بمثل هذا الذي أولده الفكر البريطاني في موسوعته ، و ...

ويعجبنا هنا ذكر ما وجدناه بعد ذلك عن نصّ ما أورده الحافظ محمّد بن جرير الطبري في كتابه المسترشد ، حيث هو أجمع وأدق ممّا ذكرناه ، قال : « زعمت البكرية أنّ إسلام علي عليه السلام إسلام الصبيان ، ليس كإسلام المعتقد العارف المميّز ..!

فقلنا لهم : هل لزم علياً اسم الإسلام وحكمه أم لا؟ فلابدّ من نعم.

ثمّ قلنا لهم : فما معنى قولكم : إسلام علي؟! أقلتم على المجاز أم على الحقيقة؟ فإن قالوا على الحقيقة بطلت دعواهم ، وإن قالوا على المجاز فقد سخفوا قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يكون دعا إلى الإسلام من لا يعقل ، ولا تقوم حجّة اللّه عليه!

ثمّ يقال لهم : فعلي عليه السلام عرف وأقرّ ، أو لم يعرف ولم يقرّ؟ فإنّ قالوا : عرف وأقرّ ، فقد بطل قولهم ، وإن قالوا : أقرّ ولم يعرف ، قيل لهم : فلِم سمّيتموه مسلماً ولمّا يسلم؟! فإن اقترف ذنباً هل يقام على من يلزمه هذا الاسم حدّ أو لا يقام عليه؟! فلابدّ من الجواب!

ثمّ يسألون : هل انتقل عن حالته التي هو عليها مقيم؟ فإن قالوا : انتقل ، فقد أقرّوا بالإسلام ، وإن قالوا : لم ينتقل ، فمحال أن يسمّوه باسم لم ينتقل إليه ، ولا يجوز أن يسمّى غير المسلم مسلماً.

ص: 11

ويقال لهم : فهل دعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أو لم يدعه؟ فإن قالوا : قد دعاه ، قيل لهم : دعا من يجب أن يدعوه ، أو من لم يجب أن يدعوه؟ فان قالوا : من طريق التأدّب لا من طريق الفرض ، قيل لهم : فهل يجب هذا في غيره من اخوته وبني عمّه ، أو في أحد الناس؟ ولم يخصّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله علياً عليه السلام بالدعوة ، وأفرده من بين العالم إلاّ لعلّة فيه خاصّة ، ليست في غيره ... ».

ثمّ ذكر شواهد لذلك وقال : « أفما وقفت على أنّ هذا الرجل - يعني أمير المؤمنين عليه السلام - مخصوص بأشياء هي محظورة على غيره ، كسدّ أبواب الناس ، وفتح بابه؟ أو ليس قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله له أن يجنب في هذا المسجد ، وليس ذلك لغيره ، وهذه أسباب لا يدفعها من آمن باللّه إلاّ من جرى على العناد!

ويقال لهم : أخبرونا عن علي عليه السلام حيث دعي ، لو لم يجب إلى ما دعي إليه أكانت تكون حالته كالإجابة إلى ما دعي إليه؟ فإن قالوا : الحالتان واحدة ، فقد أحالوا تسميتهم إيّاه مسلماً ، وإن قالوا : حالته خلاف حالته الأُولى ، فقد أقرّوا أيضاً بما أنكروه ».

وختم كلامه بقوله : « ثمّ يسألون عن علي عليه السلام فيقال لهم : أليس كان في أمره مصمّماً ، وعلى البلايا صابراً ، ولملازمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله والرغبة في خدمته مؤثراً ، ولأبويه مفارقاً ، ولأشكاله من الأحداث مبايناً ، ولرفاهية الدنيا ولذّاتها مهاجراً ، قد لصق برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يشاركه في المحن العظام ، والنوازل الجسام ، مثل حصار الشعب ، والصبر على الجوع ، والخوف من احتمال الذلّ ، بل هو شبيه يحيى بن زكريا عليه السلام في الأشياء كلّها غير النبوّة ، وأنّه باين الأحداث في حال حداثته ، والكهول في حال كهالته.

ويقال لهم : أخبرونا هل وجدتم أحداً في العالم من الأطفال والصغار والكبار من قصّته كقصّة علي عليه السلام؟ أو تعرفون له عديلاً أو شبيهاً؟ أو تعلمون أنّ أحداً أخصّ بما خصّ به؟ كلا ، ولا يجدون إلى ذلك سبيلاً ، فلذلك جعله المصطفى صلى اللّه عليه وآله

ص: 12

أخاه ، ووزيراً لنفسه ، ومن بعده وزيراً ووصيّاً وإماماً » (1).

أمّا السؤال الثاني ، فهو أكثر طرافة من الأوّل وأوقع ، إذ لم نكن نعرف أنّ عدم عبادة الصنم ، وشرب الخمر ، أصبح رذيلة وتركها فضيلة! إلى أيّ حدّ تنقلب المقاييس ، وتمزّق الموازين ، وتنحطّ المُثل ، ويصبح المعروف منكراً ، والمنكر معروفاً ، ولو صحّ مثل هذا ، فهو في رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أشكل ، إذ لم نعرف منه أنّه عبد صنماً ، ولا شرب خمراً!

وأخيراً : لو كان مثل هذا فضيلة عند القوم ، وعدّوها كرامة لهم ، لتبجّجوا بها ، وطبّلوا وزمّروا عليها ، وناشدوا أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بذلك ، خصوصاً يوم السقيفة ، حيث لم يجدوا لهم فضيلة سوى كونهم من قريش ، أو الهجرة ، مع لحى طويلة! وعمر أكبر!

ويعلم اللّه ويشهد أنّه يعزّ علينا أن نشغل أوقاتنا بردّ مثل هذه السفاسف والسفسطات لولا خوفنا من أن تنطلي على بعض ضعفاء العقول من المسلمين ، والبسطاء من المؤمنين ، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العلي العظيم.

( يوسف إبراهيم القلاف - الكويت - .... )

أسماؤه وألقابه :

س : ما هي أسماء الإمام علي عليه السلام؟

ج : هي : علي وحيدر سُمّي بهما قبل الإسلام ، وبعده سُمّي بالمرتضى ، ويعسوب المؤمنين ، والأنزع البطين ، وأبي تراب ، وغيرها من الأسماء.

وللمزيد من التفصيل حول أسمائه عليه السلام راجع كتاب بحار الأنوار (2).

وحول تسميته عليه السلام بحيدر ، قال العلاّمة المجلسيّ ( قدس سره ) : ( وكان اسمه الأوّل

ص: 13


1- المسترشد : 479.
2- بحار الأنوار 35 / 45.

الذي سمّته به أُمّه حيدرة باسم أبيها أسد بن هاشم ، والحيدرة : الأسد ، فغيّر أبوه اسمه ، وسمّاه عليّاً.

وقيل : إن حيدرة اسم كانت قريش تسميه به ، والقول الأوّل أصحّ ، يدلّ عليه خبره ، يوم برز إليه مرحب ، وارتجز عليه فقال : أنا الذي سمّتني أُمّي مرحباً ، فأجابه عليه السلام : « أنا الذي سمّتني أُمّي حيدرة » )(1).

وحول تسميته بالمرتضى قال ابن شهرآشوب : ( وفي خبر : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله سمّاه المرتضى ، لأنّ جبرائيل عليه السلام هبط إليه فقال : « يا محمّد ، إنّ اللّه تعالى قد ارتضى عليّاً لفاطمة ، وارتضى فاطمة لعلي ».

وقال ابن عبّاس : كان عليّاً عليه السلام يتّبع في جميع أمره مرضاة اللّه ورسوله ، فلذلك سمّي المرتضى )(2).

وحول تسميته بيعسوب الدين ، فقد ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « علي أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهو يعسوب المؤمنين »(3).

وقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « يا علي أنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظالمين ».

وحول تسميته بالأنزع البطين فقد ورد عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال : « قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : يا علي إنّ اللّه قد غفر لك ولأهلك ، ولشيعتك ومحبّي شيعتك ، ومحبّي محبّي شيعتك ، فأبشر فإنّك الأنزع البطين ، منزوع من الشرك ، بطين من العلم »(4).

ص: 14


1- بحار الأنوار 35 / 45 ، وانظر الرواية في الإرشاد 1 / 127 ، شرح صحيح مسلم 12 / 185 ، فتح الباري 7 / 367 و 13 / 314 ، الطبقات الكبرى 2 / 112 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 16 و 91 ، جواهر المطالب 1 / 179 ، ينابيع المودّة 2 / 144 ، تاج العروس 7 / 85.
2- مناقب آل أبي طالب 2 / 304.
3- الأمالي للشيخ الطوسيّ : 148 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 42 ، أُسد الغابة 5 / 287 ، الإصابة 7 / 294 ، أنساب الأشراف : 118 ، كشف الغمّة 2 / 12 ، ينابيع المودّة 1 / 244 و 387.
4- عيون أخبار الرضا 1 / 52.

وحول تسميته بأبي تراب قال العلامة المجلسيّ قدّس سرّه : ( البخاريّ ومسلم والطبري وابن البيع وأبو نعيم وابن مردويه : إنّه قال بعض الأمراء لسهل بن سعد : سبّ عليّاً ، فأبى ، فقال : أمّا إذا أبيت فقل : لعن اللّه أبا تراب ، فقال : واللّه إنّه إنّما سمّاه رسول اللّه بذلك ، وهو أحبّ الأسماء إليه )(1).

( جاسم كمال - الكويت - .... )

كنيته بأبي تراب :

س : لماذا كنّي الإمام علي عليه السلام ب- « أبو تراب »؟

ج : إنّ للإمام أمير المؤمنين عليه السلام عدّة ألقاب وكنى ، قد كنّاه بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ومن تلك الكنى أبو تراب.

فقد أخرج الشيخ الصدوق بإسناده عن عباية بن ربعي قال : ( قلت لعبد اللّه ابن عباس : لم كنّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عليّاً أبا تراب؟

قال : لأنَّه صاحب الأرض ، وحجّة اللّه على أهلها بعده ، وبه بقاؤها ، وإليه سكونها ، وقد سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « إذا كان يوم القيامة ، ورأى الكافر ما أعدّ اللّه تبارك وتعالى لشيعة علي من الثواب والزلفى والكرامة ، يقول : يا ليتني كنت ترابيّاً - أي يا ليتني كنت من شيعة علي - وذلك قول اللّه عزّ وجلّ : ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً » )(2).

وقال العلاّمة المجلسيّ ( قدس سره ) : « يمكن أن يكون ذكر الآية لبيان وجه آخر لتسميته عليه السلام بأبي تراب ؛ لأنَّ شيعته لكثرة تذلّلهم له ، وانقيادهم لأوامره سمّوا تراباً ، كما في الآية الكريمة ، ولكونه عليه السلام صاحبهم وقائدهم ، ومالك أُمورهم سمّي أبا تراب ... ، أو لأنّه وصف به على جهة المدح لا على ما يزعمه

ص: 15


1- بحار الأنوار 35 / 60.
2- علل الشرائع 1 / 156.

النواصب لعنهم اللّه حيث كانوا يصفونه عليه السلام به استخفافاً ، فالمراد في الآية : يا ليتني كنت أبا ترابياً »(1).

« يوسف - الكويت - .... »

ردّ بعض موارد الغلّو فيه :

س : ما صحّة ما نسمعه من بعض أهل المنابر : أنّ القرآن الكريم نزل في الإمام علي عليه السلام بشكل عام ومطلق ، وإنّ كلّ حرف فيه يقصد به الإمام عليه السلام ، وشكراً.

ج : وردت روايات كثيرة - فيهنّ صحاح ومعتبرات - في تأويل آياتٍ من الذكر الحكيم لتطبيقها على أهل البيت ، والأئمّة المعصومين عليهم السلام ، ولابأس في هذا المجال مراجعة التفاسير الروائية ، مثل : البرهان ، نور الثقلين ، الصافي.

ولكن يجب التنبّه إلى هذه النقطة الرئيسية وهي : إنّ التأويل غير التفسير ، كما ذكر في محلّه ، إذ إنّ التأويل يعطينا شأن نزول الآية ، والتطبيق في الخارج ، وهذا لا يحدّد المعنى السيّال المستفاد منها الذي هو التفسير ، وهذا هو دليل استمرارية المفاهيم القرآنية إلى الأبد.

وبعبارة أوضح : إنّ الآيات القرآنية لها مفاهيم نتعرّف عليها من خلال التفاسير الصحيحة ، وفي نفس الوقت لها مصاديق تشير إليها النصوص ، والآثار الواردة من المعصومين عليهم السلام ، ولا تنافي بين هذين الوجهين للقرآن الكريم.

ثمّ مع قبولنا هذا المبنى الصحيح ، لا يسعنا المساعدّة على قول القائل : بأنّ القرآن بمجموعه نزل في أمير المؤمنين عليه السلام ، إذ من المتيقّن أنّ بعض الآيات قد نزلت في شأن أعدائه ، أو أنّ بعضها الآخر وردت لبيان أحكام شرعية ، وهكذا كما هو واضح للمتأمّل.

ص: 16


1- بحار الأنوار35 / 51.

« هاني - البحرين - 22 سنة - طالب جامعة »

السبب في عدم ذكره بالنصّ في القرآن :

س : لماذا لم يذكر القرآن صراحة اسم الإمام علي عليه السلام؟ ولم يذكر أنّ الخلافة تؤول له مباشرة بعد الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله؟

ج : أنّ القرآن الكريم ذكر بعض الأحكام بشكل مجمل وترك بيان تفاصيلها إلى النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام ، وخذ مثالاً في ذلك : إنّ القرآن قد أمرنا بوجوب الصلاة ، إلاّ أنّه لم يذكر تفاصيلها ، وعدد ركعاتها ، بل ترك تفصيل ذلك إلى الرسول صلى اللّه عليه وآله.

وهكذا أوجب الصوم ، إلاّ أنّه لم يبيّن أحكامه ، وهكذا باقي الأحكام كالحجّ والخمس والزكاة وغير ذلك ، فإنّ تفاصيلها متروكة إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وذلك لمصلحة لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى.

ومن ذلك الإمامة ، فإنّ القرآن أشار إلى صفة الإمام ، وأعرض عن اسمه ، تاركاً ذلك إلى تصريح النبيّ صلى اللّه عليه وآله والنصّ عليه من قبله ، تماماً كما أشار إلى الصلاة وترك باقي تفاصيلها إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

ففي معرض إشارته إلى الإمام قال تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1) ، فأشار القرآن إلى صفة الإمام دون ذكر اسمه ، وعلمنا من الخارج - أي من الروايات الصحاح - أنّ المؤمنين الذين صفتهم هكذا ينحصرون في الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

كما نقل ذلك السيوطي في الدرّ المنثور في تفسيره للآية عن الخطيب البغدادي في المتّفق عن ابن عباس قال : تصدّق علي بخاتمه وهو راكع ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله للسائل : « من أعطاك هذا الخاتم »؟ قال : ذاك الراكع ، فأنزل اللّه ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ... ) .

ص: 17


1- المائدة : 55.

وأخرج عبد الرزاق ... عن ابن عباس في قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ... ) قال : نزلت في علي بن أبي طالب.

وأخرج الطبراني في الأوسط ، وابن مردويه عن عمّار بن ياسر ، قال : وقف بعلي سائل ، وهو راكع في صلاة تطوّع ، فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فأعلمه ذلك ، فنزلت على النبيّ صلى اللّه عليه وآله هذه الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، فقرأها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على أصحابه ، ثمّ قال : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه »(1).

وهكذا تعهّد النبيّ صلى اللّه عليه وآله النصّ على اسم الإمام علي عليه السلام دون أن يتعرّض القرآن الكريم إلى ذلك ، لمصلحة لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى ، ومن يدري فلعلّ مصلحة عدم التعرّض إلى اسم الإمام كانت خوفاً على القرآن من أن يتعرّض`إلى التحريف ، أو الإنكار من قبل قومٍ أنكروا مئات الأحاديث في النصّ على إمامته عليه السلام ، وكانوا شهوداً في ذلك ، ولعلّهم ينكرون أنّ هذا القرآن قد نزل من قبل اللّه تعالى؛ لمصالحهم السياسية التي دفعتهم إلى إنكار ما شاهدوه ، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم.

« ... - ... - ..... »

لم يذكر اسمه في القرآن بالنصّ :

س : الإمام علي عليه السلام ذكر في القرآن كثيراً ، ولكن لماذا لم يذكر بالاسم؟

ج : يتّضح الجواب من خلال أُمور :

أوّلاً : نزل القرآن الكريم على خطاب « إيّاك أعني واسمعي يا جارة » ، أي على الاستعمال المجازي والكنائي ، فإنّ الكناية أبلغ من التصريح ، فذكر

ص: 18


1- الدرّ المنثور 2 / 293.

أمير المؤمنين علي عليه السلام وكذلك الأئمّة عليهم السلام من بعده كناية ومجازاً.

ثانياً : من ثقافة القرآن الكريم أنّه يبيّن القوانين العامّة كما هو متعارف في كتب الدستور لكلّ دولة ، إلاّ أنّه يلحق به التنويهات ، والمواد الأُخرى تفسّر الكلّيات في الدستور ، فالقرآن يبيّن الأصل الكلّي للإمامة ، وأنّ الأئمّة على قسمين : أئمّة ضلال ، وأئمّة هدى يهدون بأمر اللّه.

ثمّ يبيّن صفاتهم بالكناية والمجاز ، كما في آية إكمال الدين ، والتطهير ، والإطاعة ، والولاية ، وأن الولي من أعطى الزكاة في صلاته - أي تصدّق بالخاتم - ولم يكن ذلك إلاّ الإمام علي عليه السلام ، كما نقل ذلك المفسّرون من السنّة والشيعة.

فالقرآن الكريم يتكلّم بنحو عام ، والسنّة الشريفة هي التي تبيّن المصاديق والجزئيات ، فالقرآن يقول : ( أَقِمِ الصَّلاَةَ ) (1) ، والسنّة تقول : صلاة الصبح ركعتان ، وهكذا باقي الموارد.

والرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله في روايات كثيرة جدّاً - نقلها الموافق والمخالف - نصّ على إمامة وخلافة أمير المؤمنين عليه السلام ، كما في حديث الغدير المتواتر عند الفريقين ، إلاّ أنّ الناس ارتدّوا بعد رسول اللّه عن الولاية ، ولم ينصروا علياً عليه السلام ، واعرضوا عن الأحاديث النبوية التي قالها في شأنه وخلافته.

فلو كان اسمه مذكوراً في القرآن الكريم لأدّى ذلك إلى إنكار القرآن أيضاً ، ويقولوا : إنّ النبيّ ليهجر - والعياذ باللّه - كما قالها البعض في مرض النبيّ صلى اللّه عليه وآله عندما طلب منهم الدواة ، ليكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده ، وهذا يعني إنكار الدستور الإسلامي ، وإنكار الإسلام كلّه ، وهذا يتنافى مع الحكمة الإلهيّة. .

ص: 19


1- طه : 14.

فاقتضت الحكمة أن لا يذكر اسم الإمام علي عليه السلام في القرآن صريحاً ، وإنّما يذكر في ترجمانه ، وفي عدل القرآن أي : السنّة الشريفة ، ليؤمن من يؤمن وليكفر من يكفر ، فما ذلك لله بضارّ ، وما أكثر الأحاديث الدالّة على إمامة وخلافة أمير المؤمنين عليه السلام من مصادر أهل السنّة.

جاء في الكافي بسندٍ صحيح عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) ؟(1).

فقال : « نزلت في علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين ».

فقلت له : إنّ الناس يقولون : فما له لم يسمّ عليّاً وأهل بيته عليهم السلام في كتاب اللّه عزّ وجلّ؟

قال : فقال : « قولوا لهم : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نزلت عليه الصلاة ، ولم يسمّ اللّه لهم ثلاثاً ولا أربعاً ، حتّى كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هو الذي فسّر ذلك لهم ، ونزلت عليه الزكاة ، ولم يسمّ لهم من كلّ أربعين درهماً درهم ، حتّى كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هو الذي فسّر ذلك لهم ، ونزل الحجّ فلم يقل لهم : طوفوا أسبوعاً ، حتّى كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هو الذي فسّر ذلك لهم ، ونزلت : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) - ونزلت في علي والحسن والحسين - فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في علي : من كنتُ مولاه فعليّ مولاه.

وقال صلى اللّه عليه وآله : أُوصيكم بكتاب اللّه وأهل بيتي ، فإنّي سألت اللّه عزّ وجلّ أن لا يفرّق بينهما ، حتّى يوردهما عليّ الحوض ، فأعطاني ذلك وقال : لا تعلّموهم فهم أعلم منكم ، وقال : إنّهم لن يخرجوكم من باب هدى ، ولن يدخلوكم في باب ضلالة ، فلو سكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فلم يبيّن مَن أهل بيته لادّعاها آل فلان وآل فلان ، لكنّ اللّه عزّ وجلّ أنزله في كتابه ، تصديقاً لنبيّه صلى اللّه عليه وآله ( إِنَّمَا

ص: 20


1- النساء : 59.

يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1) ، فكان علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام ، فأدخلهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تحت الكساء في بيت أُمّ سلمة ، ثمّ قال : اللّهمّ إنّ لكلّ نبيّ أهلاً وثقلاً ، وهؤلاء أهل بيتي وثقلي ، فقالت أُمّ سلمة : ألست من أهلك؟ فقال : إنّك إلى خير ، ولكن هؤلاء أهلي وثقلي ... »(2).

« بابان - عمان - سنّي »

فرية خان الأمين :

س : ما رأيكم في الخليفة علي عليه السلام؟ هل صحيح أنّكم تعتقدون بأنّ جبرائيل عليه السلام كان عليه أن ينزّل مقام النبوّة لعلي ولكنّه خان وأعطاها إلى محمّد صلى اللّه عليه وآله؟

ج : نحن نعتقد بأنّ الإمام علي عليه السلام عبد اللّه ، وابن عبده ، وابن أمته ، وهو وصيّ المصطفى ، والإمام بعده ، أوّل مَن آمن بنبوّة النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، فهو الخليفة الأوّل لا الرابع ، والأدلّة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنّة.

وأمّا ما ذكرته في المسألة الثانية ، فهو محض افتراء ، افتراه على الشيعة من لا دين له ولا إنسانية ، ونتحدّى كلّ من افترى هذه الفرية أن يذكر لنا ولو شيعياً واحداً يقول بهذه المقولة.

( مايه - السعودية - 23 سنة - طالبة جامعة )

علّة انتخابه خليفة من قبل أهل السنّة :

س : لماذا تمّ اختيار الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام الخليفة الرابع من قبل أهل

ص: 21


1- الأحزاب : 33.
2- الكافي 1 / 286.

السنّة؟ علماً بأنّهم كانوا من أشدّ المعاديين له ، وهل كان قبولهم له جعلهم يتّبعون أوامره وينهجون نهجه؟ وفّقكم اللّه لكلّ خير.

ج : إنّ اختيارهم علياً عليه السلام رابع الخلفاء لعلّه كان من باب الاضطرار ، فإنّهم لمّا رأوا الشغب والفوضى عمّا البلاد في زمن عثمان ، حتّى قتل نتيجة سوء أعماله ، وسيرة اللذين من قبله ، لم يروا بدّاً من الرجوع في هذا الأمر إلى أهله ، فاستسلموا للحقّ لفترة قصيرة ، ولكن دون التزام قلبي بسيرته وفكره عليه السلام ، وفي الحقيقة كان هذا عمل قهري رغم أنف البعض منهم.

ويدلّ على ما ذكرنا : إنّ الإمام عليه السلام كان يتحمّل الكثير من العناء والتعب في سبيل تصحيح خطاياهم الماضية ، ولكن دون جدوى في أكثر المواطن ، حتّى أنّ بعضهم أصبح يكيد ويترّبص الدوائر على حكومته عليه السلام ، حتّى أدّى بالنتيجة إلى استشهاده عليه السلام.

( أُسامة - المغرب .... )

أوّل من أسلم :

س : لماذا علي عليه السلام دخل الإسلام قبل أبي بكر ، مع أنّ أبا بكر كان أكبر سنّاً منه؟

ج : إنّ الأدلّة المستقاة من كتب الحديث والتاريخ والسير صريحة في أنّ أوّل من أسلم هو الإمام علي عليه السلام ، وهذه فضيلة عظمى لأمير المؤمنين عليه السلام ، اعترف بها حتّى المخالفين له عليه السلام ، فهو لم يعبد غير اللّه تعالى ، ولم يشرك به ، بخلاف غيره الذي قضى وقتاً كثيراً من عمره في عبادة الأصنام.

( أُمّ بدر - الكويت - .... )

تحمّل الأذى لحفظ الإسلام :

س : لماذا لم يشهر الأمام علي عليه السلام سيفه في مواجهة من اغتصب الخلافة وآذى الزهراء عليها السلام؟

ص: 22

ج : إنّ الحكومة في نظر أهل البيت عليهم السلام ليست هدفاً ، بل هي وسيلة لإحقاق الحقّ وإبطال الباطل ....

أهل البيت لم يريدوا الدنيا للدنيا ، وإنّما أرادوا الدنيا لتكون وسيلة إلى الآخرة ، ليس لأهل البيت عليهم السلام همّ سوى رضى اللّه تعالى ، فتحمّلوا - كجدّهم المصطفى صلى اللّه عليه وآله - أنواع الأذى لأجل بقاء الدين ، واستمرار شريعة الحبيب المصطفى صلى اللّه عليه وآله.

فكان الناس في بداية إسلامهم ، فتحمّل الإمام علي عليه السلام كلّ الأذى لأجل الحفاظ على أصل الإسلام ، وذلك بوصية النبيّ صلى اللّه عليه وآله له بالصبر.

قال الإمام علي عليه السلام : « فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا » (1).

ومع أنّه لم يشهر سيفاً ، ولم يتّخذ الحرب للمعارضة ، فإنّه عليه السلام اتخذ طريقة إيصال المفاهيم الحقّة وبيان أحقّيته بالخلافة ، اتخذ هذا طريقاً للمعارضة ، لئلا يلتبس الحقّ ، فقال عليه السلام : « أما واللّه ، لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ... » (2).

وقال عليه السلام : « بايع الناس لأبي بكر وأنا واللّه أولى بالأمر منه ، وأحقّ به منه ، فسمعتُ وأطعتُ مخافة أن يرجع الناس كفّاراً ، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف ، ثمّ بايع الناس عمر ، وأنا واللّه أولى بالأمر منه ، وأحقّ به منه ، فسمعتُ وأطعتُ مخافة أن يرجع الناس كفّاراً ، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف ... » (3). .

ص: 23


1- شرح نهج البلاغة 1 / 151.
2- نفس المصدر السابق.
3- كنز العمّال 5 / 724 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 434.

( أبو ميثم - الكويت - 24 سنة - طالب جامعة )

روايات يشمّ منها رائحة الغلوّ :

س : قال الإمام علي أمير المؤمنين : « أنا الذي لا يقع عليه اسم ولا صفة ».

وقال عليه السلام مخاطباً كميل عندما سأله : يا أمير المؤمنين ما الحقيقة؟

فقال عليه السلام : « ما لك والحقيقة »؟ فقال : أولست صاحب سرّك يا أمير المؤمنين؟ فقال : « بلى ، ولكن أخاف أن يطفح عليك ما يرشح منّي » ، فقال : أومثلك يخيب سائلاً؟

فقال عليه السلام : « الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة ... »(1).

أرجو توضيح معنى الحديثين ، ثبّتنا اللّه جميعاً على التسليم في مقاماتهم عليهم السلام.

ج : إنّ البحث حول الأحاديث التي ذكرتموها يكون من وجوه :

أوّلاً : إنّ إسناد بعض هذه الروايات ليس بذلك الحدّ من الصحّة والتوثيق حتّى يرسل إرسال المسلّمات ، فللبحث عن أسانيدها مجال للمتتّبع.

ولكن هذا لا يعني إلغاء المتن بالمرّة ، بل بمعنى عدم حجيّتها ، أي لا نتيّقن بأنّها بأكملها صدرت عن الإمام عليه السلام ، فيحتمل أن يكون قد تغيّر بعض ألفاظها أو عباراتها.

ثانياً : بناءً على ما ذكرنا ، فإنّنا نأخذ بالقدر المتيقّن من المعاني والمفاهيم التي اشتملت عليها هذه الروايات ، والتي تؤيّدها سائر النصوص الدينية من الكتاب والسنّة ، ثمّ نطرح ما لا يستقيم ويتوافق مع هذه المسلّمات القطعية الصدور.

ثالثاً : إنّ أمثال هذه الروايات - مثل خطبة البيان والطتنجية - وإن كان ظهورهما ربما يشمّ منه رائحة الغلوّ ، ولكن يمكن تفسيرها على ضوء القواعد

ص: 24


1- نور البراهين 1 / 221 ، شرح الأسماء الحسنى 1 / 131.

العقليّة والكلامية ، والنصوص القرآنية والروائية الصحيحة ، والمعتبرة سنداً ومتناً.

وعلى سبيل المثال ، فرواية كميل يمكن تفسيرها : بأنّ الإمام عليه السلام يريد أن يوضّح ويبيّن منازل التوحيد ، فيمثّل وينظر ريثما يكون في مستوى السائل ، كما يقال : « المعقول ينظّر بالمحسوس » ، وللبحث فيها مجال واسع.

أو إنّ الرواية الأُولى ، يمكن أن تكون بمعنى أنّ الإمام عليه السلام لا بديل ولا نظير له في الوجود ، وهذا مطلب صحيح وواضح ، وموافق لكافّة أدلّة إمامته عليه السلام العقليّة والنقليّة.

والمهمّ في هذا المقام أن لا نقع في أخطاء الصوفية والغلاة في تفسير هكذا روايات بمجرّد نظرة ساذجة لظاهرها.

رابعاً : إنّ منازل الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، لا ينحصر ثبوتها أو إثباتها بروايات وأحاديث معيّنة ، بل إنّ مراتبهم السامية هي أجلّ وأعظم من أن ينالها حتّى المستوى البشري بحسب الأدلّة العقليّة والنقليّة.

فما ذكرناه في هذا المجال ليس إلاّ بحثاً علمياً ، فلا يستنتج منه - والعياذ باللّه - إنكار مقاماتهم المعنوية ، بل صفوة القول : إنّ الاعتدال في تفسير النصوص هو الطريق المستقيم الذي تدعو إليه الأئمّة الهداة عليهم السلام.

( .... - السعودية - .... )

سكوته عن مطالبة حقّه بالخلافة :

س : لماذا هذا السكوت من الإمام علي عليه السلام على المطالبة في حقّه بالخلافة طول هذه المدّة ، أي من خلافة أبي بكر إلى خلافة عثمان؟

ج : أوّلاً : امتناعه عن البيعة لأبي بكر هو مطالبة بالحقّ وإعلان عن عدم أحقّية خلافة أبي بكر.

ثانياً : الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كان خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ووصيّه في كلّ مقاماته ومنازله إلاّ النبوّة ، والحكومة إنّما هي شأن من شؤون الإمام ، فإن

ص: 25

انقاد الناس وانصاعوا وطلبوا منه القيام بالأمر فحينئذ يجب على الإمام ذلك ، وإلاّ فالناس هم المقصّرون ، ولذا يقول علماؤنا : بأنّ الإمامة وجودها لطف ، وتصرّفه لطف آخر ، وعدمه منّا.

ثالثاً : قضية أمير المؤمنين عليه السلام تشبه تماماً قضية هارون عليه السلام ، ولذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لأمير المؤمنين : « ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي »(1) ، وقد حكى اللّه تعالى في قصّة هارون أنّه

ص: 26


1- فضائل الصحابة : 13 ، شرح صحيح مسلم 15 / 174 ، مجمع الزوائد 9 / 109 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 161 ، مسند أبي داود : 29 ، المصنّف للصنعانيّ 5 / 406 و 11 / 226 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 496 و 8 / 562 ، مسند ابن راهويه 5 / 37 ، مسند سعد بن أبي وقّاص : 51 و 103 و 139 ، الآحاد والمثاني 5 / 172 ، كتاب السنّة : 551 و 586 و 595 و 610 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 44 و 108 و 113 و 120 و 125 و 144 ، خصائص أمير المؤمنين : 48 و 64 و 76 و 80 و 85 و 116 ، مسند أبي يعلى 1 / 286 و 2 / 66 و 86 و 99 و 132 و 12 / 310 ، أمالي المحامليّ : 209 و 251 ، صحيح ابن حبّان 15 / 16 و 371 , المعجم الصغير 2 / 22 و 54 ، المعجم الأوسط 2 / 126 و 3 / 139 و 4 / 296 و 5 / 287 و 6 / 77 و 83 و 7 / 311 و 8 / 40 ، المعجم الكبير 1 / 148 و 2 / 247 و 4 / 184 و 5 / 203 و 11 / 63 و 12 / 15 و 78 و 24 / 146 ، نظم درر السمطين : 107 ، موارد الظمآن : 543 ، كنز العمّال 5 / 724 و 9 / 167 و 11 / 599 و 603 و 13 / 106 و 158 و 163 و 192 و 16 / 186 ، فيض القدير 4 / 471 ، كشف الخفاء 2 / 382 ، شواهد التنزيل 1 / 192 و 2 / 35 ، الجامع لأحكام القرآن 1 / 266 و 7 / 277 ، الطبقات الكبرى 3 / 23 ، تاريخ بغداد 7 / 463 و 8 / 52 و 11 / 430 و 12 / 320 ، تاريخ مدينة دمشق 2 / 31 و 13 / 151 و 20 / 360 و 21 / 415 و 30 / 359 و 38 / 7 و 39 / 201 و 41 / 18 و 42 / 42 و 53 و 100 و 111 و 115 و 139 و 145 و 152 و 159 و 165 و 171 و 177 و 182 و 54 / 226 و 59 / 74 و 70 / 35 ، أُسد الغابة 4 / 27 ، تهذيب الكمال 20 / 483 و 25 / 423 و 32 / 482 و 35 / 263 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 10 ، سير أعلام النبلاء 1 / 361 و 7 / 362 و 12 / 214 و 14 / 210 و 15 / 42 ، تهذيب التهذيب 7 / 296 ، الإصابة 4 / 467 ، أنساب الأشراف : 94 ، و 106 ، البداية والنهاية 5 / 11 و 7 / 251 و 370 و 374 و 8 / 84 ، جواهر المطالب 1 / 58 و 171 و 197 و 212 و 296 ، سبل الهدى والرشاد 5 / 441 و 11 / 291 و 296 ، ينابيع المودّة 1 / 112 و 156 و 160 و 309 و 404 و 2 / 97 و 119 و 153 و 237 و 302 و 389 و 3 / 211 و 369 و 403.

خاطب أخاه موسى قائلاً : ( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي ) (1) ، وقضية علي كقضية هارون تماماً.

رابعاً : قد ورد عن الإمام علي عليه السلام : « الإمام كالكعبة ، يُؤتى ولا يأتي »(2) ، وهذا إشارة إلى أنّ الإمام عليه السلام في عصره يجب أن يقصده الناس ، ويأتوه ويطلبوا منه القيام بالحكومة والتصدّي لتطبيق الأحكام والشريعة الإسلامية ، أمّا أن يقصد هو - أي الإمام - الناس ليحملهم على الانصياع له والإطاعة فهذا ليس وظيفة الإمام عليه السلام.

خامساً : نجد في نهج البلاغة وغيره عن أمير المؤمنين عليه السلام التصريحات الكثيرة ، الدالّة على أنّه عليه السلام إنّما لم يقم بالأمر لأنّه بقي وحده ، ولم يكن معه إلاّ القلائل الذين بحسب تصريح الإمام عليه السلام ضنّ - أي بخل - بهم على الموت.

وأيضاً عليه السلام يقول في الخطبة الشقشقية المعروفة : « وطفقت أرتئي بين أن أُصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه ، فرأيت الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا »(3).

وأيضاً عنه عليه السلام : أنّه رأى أنّ العرب سترجع عن الإسلام وترتدُّ عن الدين ولذلك سكت ، وإلى غير ذلك من التصريحات الموجودة عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

« أياد - أمريكا - .... »

سيفه ذو الفقار :

س : هل صحيح أنّ سيف ذو الفقار للإمام علي عليه السلام قد أنزله اللّه من

ص: 27


1- الأعراف : 150.
2- أوائل المقالات : 276.
3- شرح نهج البلاغة 1 / 151 ، علل الشرائع 1 / 150 ، الاحتجاج 1 / 283 ، مناقب آل أبي طالب 2 / 48 ، الطرائف : 418.

السماء؟ وشكراً جزيلاً.

ج : إنّ نزول سيف ذو الفقار من السماء نقله العلاّمة ابن شهر آشوب عن تفسير السدي عن ابن عباس في قوله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ ) (1) ، قال : أنزل اللّه آدم من الجنّة معه ذو الفقار ، خلق من ورق آس الجنّة ، ثمّ قال : ( فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) .

وكان به يحارب آدم أعداءه من الجنّ والشياطين ، وكان عليه مكتوب : « لا يزال أنبيائي يحاربون به نبيّ بعد نبيّ ، وصدّيق بعد صدّيق ، حتّى يرثه أمير المؤمنين ، فيحارب به عن النبيّ الأُمي ».

ثمّ قال : وقد روى كافّة أصحابنا أنّ المراد بهذه الآية ذو الفقار ، أنزل به من السماء على النبيّ فأعطاه علياً.

وسئل الإمام الرضا عليه السلام من أين هو؟ فقال : « هبط به جبرائيل من السماء ، وكان حلية [ حليته ] من فضة ، وهو عندي »(2).

وهذا أحد الأقوال ، إذ ذهب بعضهم إلى أنّ جبرائيل أمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن يتّخذ سيف ذو الفقار من صنم حديد في اليمن ، فذهب علي وكسّره ، وعمل منه ذو الفقار.

وقيل : إنّه كان من هدايا بلقيس إلى سليمان عليه السلام.

نعم ، ورد عن طرق أهل السنّة ، فضلاً عن الشيعة : إنّ جبرائيل قد سمع يقول : « لا سيف إلاّ ذوالفقار ، ولا فتى إلاّ علي »(3).

ص: 28


1- الحديد : 25.
2- مناقب آل أبي طالب 3 / 81.
3- الكافي 8 / 110 ، الإرشاد 1 / 84 ، ذخائر العقبى : 74 ، شرح نهج البلاغة 11 / 217 و 13 / 293 ، نظم درر السمطين : 120 ، تاج العروس 3 / 474 ، كشف الخفاء 2 / 363 ، تاريخ مدينة دمشق 39 / 201 و 42 / 71 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 197 ، البداية والنهاية 4 / 54 و 6 / 6 و 7 / 250 و 293 و 372 ، السيرة النبوية لابن هشام 3 / 615 ، السيرة النبوية لابن كثير 3 / 94 و 4 / 707 ، جواهر المطالب : 189 ، ينابيع المودّة 1 / 434 ، و 2 / 12.

قال الطبري : « حدّثنا أبو كريب قال : حدّثنا عثمان بن سعيد قال : حدّثنا حبّان بن علي ، عن محمّد بن عبد اللّه بن أبي رافع ، عن أبيه عن جدّه قال : لمّا قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية ، أبصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله جماعة من مشركي قريش ، فقال لعلي : « احمل عليهم » ، فحمل عليهم ، ففرّق جماعتهم ، وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي.

فقال جبرائيل : « يا رسول اللّه إن هذه للمواساة » ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إنّه منّي وأنا منه » ، فقال جبرائيل : « وأنا منكما ».

قال : فسمعوا صوتاً : لا سيف إلاّ ذو الفقار ، ولا فتى إلاّ علي »(1).

ولا مانع أن يكون سيف ذو الفقار قد نزل من السماء ، فإنّ به ثبت الدين ، وانهزم المشركون ، وعلت كلمة الحقّ ، فإذا أقررنا شهادة جبرائيل بأن لا سيف إلاّ ذو الفقار ، فتعظيماً لمقام هذا السيف ، وإمعاناً في بيان فضله ومنزلته عند اللّه لم يكن نزوله من السماء شيئاً مستبعداً.

وقال جميع المفسّرين من الفريقين في تفسير قوله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ ) وأنّ الحديد أنزله اللّه مع آدم ، وهي السندان والإبرة والحبل ، وكان كلّها من حديد ، فهذا إقرار منهم بأنّ اللّه قد أنزل مع آدم هذه الآلات من الحديد ، فإنزال السيف هو الأوفق بسياق الآية ، فإنّ البأس الشديد مع منافع الناس إشارة إلى أنّ البأس الشديد هو محاربة الكفّار ، وتثبيت كلمة اللّه.

ثمّ أردف قوله تعالى بعد ذلك : ( وَلِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَنصُرُهُ ) إشارة إلى أنّ النصر لا يتأتى إلاّ بآلات الحرب ، ومنها السيف ، فمناسبة النصر والبأس الشديد لا تكون إلاّ ما يناسبها وهو السيف ، ولا معنى للاقتصار على الإبرة والسندان وغيرها ، فإنّ الآية في مقام البأس الشديد ، والانتصار لله ولدينه ، فلا يناسبها

ص: 29


1- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 197.

إلاّ السيف ، وذكر الإبرة والسندان يناسب قوله : ( وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) .

فبمقتضى المقابلة بأس شديد يقابلها السيف ، ومنافع للناس يقابلها الإبرة والسندان ، فلا منافاة إذاً من الجمع بين السيف وبين ما ذكره عامّة المفسّرين من الشيعة والسنّة.

( منى - الكويت - .... )

قتاله لعمرو بن عبد ودّ في الخندق :

س : لقد سمعت عن قصّة الإمام علي عليه السلام في معركة الخندق أنّه خرج إلى المسلمين أحد كبار أبطال الكفّار ، وخاف أن يبارزه أحد ، فخرج إليه الإمام علي عليه السلام ، فألقى إليه بأبيات شعرية ، وقتله.

الرجاء أُريد معرفة هذه القصّة بالتفصيل ، وما هي الأبيات الشعرية التي قالها الإمام؟

ج : لقد خرج عمرو بن عبد ودّ العامريّ في معركة الخندق ( الأحزاب ) ، ونادى هل من مبارز؟ فلم يجبه أحد من المسلمين ، فقال الإمام علي عليه السلام : « أنا له يا رسول اللّه » ، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « إنّه عمرو » ، فسكت ، فكرّر عمرو النداء ثانية ، وثالثة ، والإمام علي عليه السلام يقول : « أنا له يا رسول اللّه » ، والرسول صلى اللّه عليه وآله يجيبه : « إنّه عمرو » ، فيسكت ، وفي كلّ ذلك يقوم علي عليه السلام فيأمره النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالثبات ، انتظاراً لحركة غيره من المسلمين ، وكأن على رؤوسهم الطير لخوفهم من عمرو.

وطال نداء عمرو بطلب المبارزة ، وتتابع قيام أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا لم يقدم أحد من الصحابة ، قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « يا علي امض لشأنك » ، ودعا له ، ثمّ قال : « برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه » (1).

ص: 30


1- شرح نهج البلاغة 13 / 261 و 285 و 19 / 61 ، شواهد التنزيل 2 / 16 ، ينابيع المودّة 1 / 281.

فسعى الإمام علي عليه السلام نحو عمرو حتّى انتهى إليه ، فقال له : « يا عمرو ، إنّك كنت تقول : لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلاّ قبلتها ، أو واحدة منها » ، قال : أجل ، قال عليه السلام : « إنّي أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه ، وأن تسلم لربّ العالمين ».

قال : يا بن أخي أخّر هذا عنّي ، فقال عليه السلام : « أما أنّها خير لك لو أخذتها » ، ثمّ قال عليه السلام : « ها هنا أُخرى » ، قال : وما هي؟ قال عليه السلام : « ترجع من حيث أتيت » ، قال : لا ، تتحدّث نساء قريش عنّي بذلك أبداً ، فقال عليه السلام : « فها هنا أُخرى » ، قال : وما هي؟ قال عليه السلام : « أُبارزك وتبارزني ».

فضحك عمرو وقال : إنّ هذه الخصلة ما كنت أظنّ أحداً من العرب يطلبها منّي ، وأنا أكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك ، وقد كان أبوك نديماً لي ، فقال عليه السلام : « وأنا كذلك ، ولكنّي أحبّ أن أقتلك ما دمت أبيّاً للحقّ ».

فحمى عمرو ، ونزل عن فرسه ، وضرب وجهه حتّى نفر ، وأقبل على أمير المؤمنين عليه السلام مصلتاً سيفه ، وبدره بضربة ، فنشب السيف في ترس الإمام عليه السلام ، فضربه أمير المؤمنين عليه السلام.

قال جابر الأنصاريّ عليه السلام : وتجاولا ، وثارت بينهما فترة ، وبقيا ساعة طويلة لم أرهما ، ولا سمعت لهما صوتاً ، ثمّ سمعنا التكبير ، فعلمنا أنّ علياً عليه السلام قد قتله ، وسرّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله سروراً عظيماً ، لمّا سمع صوت أمير المؤمنين عليه السلام بالتكبير ، وكبّر وسجد لله تعالى شكراً ، وانكشف الغبار ، وعبر أصحاب عمرو الخندق ، وانهزم عكرمة بن أبي جهل ، وباقي المشركين ، فكانوا كما قال اللّه تعالى : ( وَرَدَّ اللّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً ) (1).

ولمّا قتله الإمام علي عليه السلام احتزّ رأسه ، وأقبل نحو النبيّ صلى اللّه عليه وآله ووجهه يتهلّل ، فألقى الرأس بين يدي النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فقبّل النبيّ رأس علي ووجهه ، وقال له

ص: 31


1- الأحزاب : 25.

عمر بن الخطّاب : هلاّ سلبته درعه ، فما لأحد درع مثلها؟

فقال : « إنّي استحييت أن أكشف سوأة ابن عمّي » ، وكان ابن مسعود يقرأ من ذلك اليوم كذا : ( وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ - بعليّ - وَكَانَ اللّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ) .

وذكر أنّ عمرواً قال في المعركة أبياتاً ، هي :

ولقد بححت من النداء لجمعكم هل من مبارز *** ووقفت إذ وقف الشجاع مواقف القرن المناجز

وكذاك إنّي لم أزل متترعاً قبل الهزاهز *** إنّ الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرائز

فأجابه علي عليه السلام :

لا تعجلنّ فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز *** ذو نبهة وبصيرة والصدق منجي كلّ فائز

إنّي لأرجو أن أُقيم عليك نائحة الجنائز *** من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز(1)

وقال صاحب مستدرك الصحيحين : لما قتل علي بن أبي طالب عليه السلام عمرو بن عبد ودّ أنشأت أُخته عمرة بنت عبد ودّ ترثيه ، فقالت :

لو كان قاتل عمرو غير قاتله *** بكيته ما أقام الروح في جسدي

لكن قاتله من لا يعاب به *** وكان يدعى قديماً بيضة البلد(2)

ص: 32


1- تاريخ مدينة دمشق 42 / 79 ، البداية والنهاية 4 / 121 ، المستدرك 3 / 33 ، السيرة النبوية لابن كثير 3 / 204 ، سبل الهدى والرشاد 4 / 378.
2- لمستدرك 3 / 33.

( علي المنير - الأردن - .... )

قتاله للناكثين والقاسطين والمارقين :

س : أُريد تزويدي بالأحاديث التي قالها الرسول صلى اللّه عليه وآله بأنّ علياً عليه السلام يقاتل القاسطين والمارقين والخارجين.

ج : روى هذا الحديث عدّة من الصحابة والتابعين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وقد ذكرت هذا الحديث عدّة من مصادر الفريقين ، نذكر لك بعض الروايات من كتب أهل السنّة :

1 - روى الحاكم بإسناده عن عقاب بن ثعلبة : « حدّثني أبو أيوب الأنصاريّ في خلافة عمر بن الخطّاب قال : أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين »(1).

2 - وروى بإسناده عن أبي أيوب الأنصاريّ قال : سمعت النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقول لعلي ابن أبي طالب : « تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات ، والنهروانات ، وبالسعفات » ، قال أبو أيوب : قلت : يا رسول اللّه مع من نقاتل هؤلاء الأقوام؟ قال : « مع علي بن أبي طالب »(2).

3 - روى الحموينيّ بإسناده عن أبي سعيد الخدريّ قال : أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، فقلنا : يا رسول اللّه ، أمرتنا بقتال هؤلاء ، فمع من نقاتلهم؟ قال : « مع علي بن أبي طالب ، معه يقتل عمّار بن ياسر »(3).

4 - وروى بإسناده عن عتاب بن ثعلبة قال : « حدّثني أبو أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطّاب قال : أمرني النبيّ صلى اللّه عليه وآله بقتال الناكثين والقاسطين

ص: 33


1- المستدرك 3 / 139.
2- نفس المصدر السابق.
3- فرائد السمطين 1 / 281.

والمارقين مع علي بن أبي طالب »(1).

5 - وروى بإسناده عن عبد اللّه قال : خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من بيت زينب ، فأتى منزل أُمّ سلمة ، فجاء علي ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « يا أُمّ سلمة ، هذا واللّه قاتل القاسطين والناكثين والمارقين »(2).

6 - وروى بإسناده عن عمرو بن مرّة قال : « سمعت عمرو بن سلمة يقول : سمعت عمّار بن ياسر يوم صفّين - شيخاً آدم طويلاً أخذ الحربة بيده ويده ترعد - قال : والذي نفسي بيده ، لو ضربونا حتّى بلغوا بنا سعفات هجر لعرفنا أنّنا على الحقّ وهم على الضلال »(3).

7 - وروى بإسناده عن سعد بن عبادة عن علي عليه السلام قال : « أُمرت بقتال ثلاثة : القاسطين والناكثين والمارقين ، فأمّا القاسطون فأهل الشام ، وأمّا الناكثون فذكرهم ، وأمّا المارقون فأهل النهروان »(4).

8 - روى الخوارزمي بإسناده عن سعد بن عبادة عن علي عليه السلام قال : « أُمرت بقتال ثلاثة : الناكثين والقاسطين والمارقين ، فأمّا القاسطون فأهل الشام ، وأمّا الناكثون فذكرناهم ، وأمّا المارقون فأهل النهروان »(5).

9 - روى ابن المغازليّ بإسناده عن علي عليه السلام قال : « قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله ، فقال أبو بكر : أنا؟ قال : لا ، قال عمر : فأنا؟ قال : لا ، ولكن خاصف النعل » - يعني عليّا -(6).

ص: 34


1- المصدر السابق 1 / 282.
2- المصدر السابق 1 / 283.
3- المصدر السابق 1 / 285.
4- المصدر السابق 1 / 285.
5- المناقب : 194.
6- مناقب الإمام علي : 99.

10 - روى البلاذريّ بإسناده عن حكيم بن جبير قال : « سمعت إبراهيم يقول : سمعت علقمة قال : سمعت علياً يقول : « أُمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين » ، وحدّثت أنّ أبا نعيم قال لنا : الناكثون أهل الجمل ، والقاسطون أصحاب صفّين ، والمارقون أصحاب النهر »(1).

11 - روى الكنجيّ بإسناده عن ابن عباس قال : « قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لأُمّ سلمة : « هذا علي بن أبي طالب لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، يا أُمّ سلمة ، هذا علي أمير المؤمنين وسيّد المسلمين ، ووعاء علمي ، ووصييّ ، وبابي الذي أوتى منه ، أخي في الدنيا والآخرة ، ومعي في المقام الأعلى ، يقتل القاسطين والناكثين والمارقين ».

وفي هذا الحديث دلالة على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعد علياً بقتل هؤلاء الطوائف الثلاث ، وقول الرسول صلى اللّه عليه وآله حقّ ، ووعده صدق ، وقد أمر صلى اللّه عليه وآله علياً بقتالهم.

روى ذلك أبو أيوب عنه ، وأخبر أنّه قاتل المشركين والناكثين والقاسطين ، وأنّه سيقاتل المارقين »(2).

12 - وروى بإسناده عن مخنف بن سليم قال : « أتينا أبا أيوب الأنصاريّ وهو يعلف خيلاً له ، قال : فقلنا عنده فقلت له : يا أبا أيوب ، قاتلت المشركين مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ جئت تقاتل المسلمين؟

قال : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمرني بقتال ثلاثة ، الناكثين والقاسطين والمارقين ، فقد قاتلت الناكثين والقاسطين ، وأنا مقاتل إن شاء اللّه المارقين بالسعفات بالطرقات بالنهروانات ، وما أدري أين هو »؟(3).

13 - قال محمّد بن طلحة الشافعي : » ... عن ابن مسعود قال : خرج رسول اللّه

ص: 35


1- أنساب الأشراف 2 / 138 ح 129.
2- كفاية الطالب : 168.
3- المصدر السابق : 169.

صلى اللّه عليه وآله فأتى منزل أُمّ سلمة ، فجاء علي ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يا أُمّ سلمة ، هذا واللّه قاتل القاسطين والناكثين والمارقين من بعدي ».

فالنبيّ ذكر في هذا الحديث فرقاً ثلاثة ، صرّح بأنّ علياً يقاتلهم بعده ، وهم الناكثون والقاسطون والمارقون ، وهذه الصفات التي ذكرها صلى اللّه عليه وآله قد سمّاهم بها ، مشيراً إلى أنّ وجود كلّ صفة منها في الفرق المختصّة بها علّة لقتالهم مسلّطة عليه.

وهؤلاء الناكثون : هم الناقضون عقد بيعتهم الموجبة عليهم الطاعة والمتابعة لإمامهم الذي بايعوه محقّاً ، فإذا نقضوا ذلك ، وصدفوا عن طاعة إمامهم ، وخرجوا عن حكمه ، وأخذوا قتاله بغياً وعناداً كانوا ناكثين باغين ، فيتعيّن قتالهم ، كما اعتمده جمع ممّن تابع علياً وبايعه ، ثمّ نقض عهده وخرج عليه ، وهم أصحاب واقعة الجمل ، فقاتلهم علي عليه السلام فهم الناكثون.

وأمّا القاسطون : فهم الجائرون عن سنن الحقّ ، الجانحون إلى الباطل ، المعرضون عن اتباع الهدى ، الخارجون عن طاعة الإمام الواجبة طاعته ، فإذا فعلوا ذلك واتصفوا به تعيّن قتالهم ، كما اعتمده طائفة تجمّعوا واتبعوا معاوية ، وخرجوا لمقاتلة علي عليه السلام على حقّه ، ومنعوه إيّاه فقاتلهم ، وهي وقائع صفّين ، وليلة الهرير ، فهؤلاء هم القاسطون ....

وأمّا المارقون : فهم الخارجون عن متابعة الحقّ ، المصرّون على مخالفة الإمام المفروض طاعته ومتابعته ، المصرّحون بخلعه ، وإذا فعلوا ذلك واتصفوا به تعيّن قتالهم ، كما اعتمده أهل حروراء والنهروان ، فقاتلهم علي عليه السلام ، وهم الخوارج.

فبدأ علي عليه السلام بقتال الناكثين ، وهم أصحاب الجمل ، وثنّى بقتال القاسطين ، وهم أصحاب معاوية وأهل الشام بصفّين ، وثلّث بقتال المارقين ، وهم الخوارج أهل حروراء والنهروان ... » (1). .

ص: 36


1- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول 1 / 117.

( أبو الزين - الأردن - .... )

رسول اللّه نام بينه وبين عائشة :

س : أسيادنا الأعزّة ، الرواية في بحار الأنوار : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : « سافرت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ليس له خادم غيري ، وكان لحاف ليس له غيره ، ومعه عائشة ، وكان رسول اللّه ينام بيني وبين عائشة ، ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره ، فإذا قام إلى صلاة الليل ، يحطّ بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة ، حتّى يمسّ اللحاف الفراش الذي تحتنا »(1).

تعليقكم على الرواية المستغلّة للإساءة إلى مصادرنا الحديثية.

ج : نلفت نظركم للنقاط التالية :

أ - إنّ نظرة الشيعة للمصادر الحديثية تختلف عن نظرة أهل السنّة إليها ، فحيث تعتقد أنّ الكتب الستة صحيحة ، أو يعتقدون بصحّة البخاريّ ومسلم فقط ، فإنّ الشيعة لا تنظر إلى مجاميعها الروائية هذه النظرة ، بل تعتقد بإخضاع كافّة الروايات والأحاديث للبحث السندي والدلالي ، وهذه من مميّزات الفكر الشيعيّ في كافّة الجهات.

وعلى هذا ، فإنّ ورود حديث ما في مجموعة لا تدلّ بالملازمة على قبوله ، بل يجب البحث عن سنده أوّلاً ، ودلالته ثانياً.

ب - إنّ العلاّمة المجلسيّ ( قدس سره ) - صاحب بحار الأنوار - بنفسه كان لا يلتزم بصحّة كلّ ما ورد في كتابه - فضلاً عن الآخرين - ويستفاد هذا الموضوع من مقدّمته على بحار الأنوار ، إذ يصرّح أنّه جمع كل ما في وسعه من الأحاديث من دون إبداء رأيه ، لكي تكون هناك موسوعة كبيرة يتمكّن الباحث من المراجعة إليها.

ويشهد لهذا أيضاً ، أنّه وفي مقام البحث السندي لا يرى صحّة مجموعة من

ص: 37


1- بحار الأنوار 40 / 2.

أحاديث الكافي - الذي هو أمتن الكتب الحديثية عند الشيعة - في كتابه مرآة العقول.

ج - إنّ الرواية المنقولة عن بحار الأنوار هي في الحقيقة وردت في احتجاج الشيخ الطبرسيّ(1) ، نقلاً عن كتاب سليم بن قيس الهلالي(2) ، وأيضاً نقلها ابن شهر آشوب - بصورة مرسلة - في مناقبه(3) ، وجاءت عنه في بحار الأنوار(4).

فسند الحديث ليس مقطوعاً به ، حتّى يصبح حجّة لنا أو علينا.

د - توجد هناك أحاديث كثيرة منقولة في الجوامع الروائية لأهل السنّة مخالفة للعقل والنقل القطعي ، وتمسّ الجوانب الأساسية للعقيدة ، ومع هذا يرتضون بها ، ويؤوّلونها بتأويلات سخيفة ، حفظاً منهم لهذه الكتب ، ولو كان المجال واسعاً لأوردنا بعض الأمثلة لذلك ، ولكن حرصاً على الإجمال في الجواب ، نوكل هذا الموضوع إلى البحوث المستقلّة في هذا المضمار ، والتي تتولّى دراسة أحاديث الصحاح الستّة وغيرها ، حتّى يتبيّن للمنصف المتوخّي للحقيقة مدى قباحة بعض منقولات أهل السنّة وركاكتها.

ه- - وأخيراً : كيف يخاف من علي عليه السلام وهو مع القرآن؟! وكيف يخاف منه وهو مع الحقّ ، بل هو راعي الدين والإسلام؟!

وعلى فرض صحّة الرواية ، فإنّها تدلّ على ثقة الرسول التامّة في علي عليه السلام.

ولم ينقل عن الإمام علي عليه السلام أنّه نظر إلى امرأة من نساء النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، كما نقل عن عمر أنّه كان يتعرّض لنساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهن خارجات للتبرّز قبل الحجاب.

فكان عمر يغار على زوجاته ، ويأمر الرسول بأن يحجّبهن ، والرسول لا

ص: 38


1- الاحتجاج 1 / 231.
2- كتاب سليم بن قيس : 422.
3- مناقب آل أبي طالب 2 / 59.
4- بحار الأنوار 38 / 297.

يهتمّ بذلك ، ولا يفعل ما يأمره به عمر!! إلى أن وافق اللّه عمر ، وأمر الرسول بما أمره به عمر!!

ففي صحيح البخاريّ : « حدّثنا يحيى بن بكير قال : حدّثنا الليث قال : حدّثني عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة : إنّ أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع - وهو صعيد افيح - ، فكان عمر يقول للنبي صلى اللّه عليه وآله : احجب نساءك ، فلم يكن رسول اللّه يفعل ، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبيّ ليلة من الليالي عشاء ، وكانت امرأة طويلة ، فناداها عمر : ألا قد عرفناك يا سودة ، حرصاً على أن ينزل الحجاب ، فأنزل اللّه الحجاب » (1).

وعلي عليه السلام أطهر من أن يشكّ فيه أحد ، وهل من أحد أعرف بعلي من رسول اللّه؟! ولكن الإشكال في قول عمر لرسول اللّه : من أنّ نساءه يدخل عليهنّ في بيته البرّ والفاجر ، وهنّ فيه.

ففي صحيح البخاريّ : حدّثنا مسدّد ، عن يحيى بن سعيد ، عن حميد ، عن أنس قال : قال عمر : وافقت اللّه في ثلاث ، أو وافقني ربّي في ثلاث ، قلت : يا رسول اللّه لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلّى ، وقلت : يا رسول لله يدخل عليك البرّ والفاجر ، فلو أمرت أُمّهات المؤمنين بالحجاب ، فأنزل اللّه آية الحجاب ، قال : وبلغني معاتبة النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعض نسائه ، فدخلت عليهن ، قلت : إن انتهيتنّ أو ليبدلنّ اللّه رسوله خيراً منكن ، حتّى أتيت إحدى نسائه ، قالت : يا عمر أما في رسول اللّه ما يعظ نساءه حتّى تعظهن أنت ، فأنزل اللّه : ( عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ ... ) (2).

فليس يحتمل في علي عليه السلام الرجس ليخاف منه رسول اللّه.

مع أنّ الرواية في بحار الأنوار وجدت في كتاب سليم ، فقد ذكر أنّ النسخة التي عنده بالوجادة ، ولابدّ من وجودها في نفس كتاب سليم المسند لا المرسل. .

ص: 39


1- صحيح البخاريّ 1 / 45.
2- التحريم : 5.

وهنا لابأس أن نشير إلى أنّه لا يوجد أمر مريب في مدلول الرواية يبعث القلق ، إذ جاء التصريح فيها بوجود المانع الذي هو اللحاف المنحطّ بين الإمام وعائشة.

( .... - سنّي - .... )

صلّى في بداية البعثة والصلاة لم تفرض بعد :

س : لي سؤال بسيط ، أرجو منك التوضيح ، جزاك اللّه خيراً ، وذلك في هذا الحديث : عن جابر ، قال : بُعِث النبيّ صلى اللّه عليه وآله يوم الاثنين ، وصلّى علي يوم الثلاثاء.

السؤال هو : كيف صلّى علي عليه السلام في اليوم التالي من البعثة؟ والصلاة لم تفرض إلاّ بعد فترة من البعثة النبوية الشريفة ، وذلك في قصّة الإسراء والمعراج.

ج : إنّ مسألة صلاة أمير المؤمنين عليه السلام مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله في بدء البعثة أمر مسلّم ، ولا مجال للشكّ أو الترديد فيها ، بعد ما أطبقت عليها الروايات والسير من الفريقين(1).

وإمّا كيفية صلاته عليه السلام ، فهي تتبع موضوع تعبّده في المقام ، وبما أنّ عبادته وصلاته كانت بدعوة النبيّ صلى اللّه عليه وآله له عليه السلام ، فالظاهر أنّهما كانا يعبدان اللّه تعالى ، إمّا مطابقاً لشريعة إبراهيم عليه السلام ، أو غيره ممّن تقدّمه من الأنبياء عليهم السلام ، وإمّا موافقاً لما قرّر لعامّة الناس فيما بعد.

ص: 40


1- مناقب آل أبي طالب 1 / 297 ، المستدرك 3 / 112 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 160 ، المعجم الكبير 1 / 320 ، نظم درر السمطين : 82 ، شواهد التنزيل 2 / 185 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 27 ، تهذيب الكمال 20 / 482 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 55 ، البداية والنهاية 3 / 36 و 7 / 369 ، جواهر المطالب 1 / 43 و 50 ، سبل الهدى والرشاد 2 / 302 ، ينابيع المودّة 2 / 147.

وأمّا فرض الصلاة على الأُمّة ، وإن كان بعد مضي فترة وجيزة عن البعثة النبوية الشريفة ، ولكن هذا لا ينافي تعبّد النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعلي عليه السلام ، أو حتّى بعض آخر بهذه الصلاة ، أو بما يقاربها في الشكل والمضمون في زمان سبق هذا الفرض ، إذ الفرض حكم إلزامي ، ووظيفة مقرّرة لكلّ مسلم ، ولكن النبيّ صلى اللّه عليه وآله والإمام عليه السلام قد أدّيا هذه العبادة بدون أن يرد عليهما إلزام أو إيجاب.

وهناك احتمال آخر وهو : أن تكون صلاتهما قبل إبلاغ الفرض بشكل خاصّ ، وقد جاء الوحي بإتيانها بالصورة الموجودة في قضية المعراج لمصالح اقتضت تبديل الشكل مع إبقاء المحتوى والمضمون.

( ... - ..... - ... )

لا غلوّ في حبّه :

س : أُودّ أن افهم مدى الغلوّ في الإمام علي ، وكيف أنّ الإمام علي روح من الرسول صلى اللّه عليه وآله؟ وكيف أنّ الإمام علي عليه السلام قال : « أنا عبد من عبيد الرسول ».

ج : نودّ إعلامك أنّ الغلوّ بمعنى تجاوز الشيء حدّه ، لذا نهي عن الغلوّ في قوله تعالى : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ ) (1) لأنّ النصارى قالوا : إنّ المسيح ابن اللّه ، وهذا غلوّ في حقّ عيسى كونه ابن اللّه ، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً.

ثمّ إذا كان قصدك من الغلوّ في الإمام علي عليه السلام هو الحبّ الذي يكنّه الشيعة له فهذا لا يعدّ غلوّاً ، فإنّ الشيعة قد تبعت بذلك اللّه تعالى ورسوله ، ولم تتجاوز ذلك أبداً ، ففي حديث الراية ، كما عن سلمة بن الأكوع قال : ( كان علي عليه السلام تخلّف عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله في خيبر ، وكان به رمد ... فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لأعطين الراية - أو قال - ليأخذن الراية غداً رجلاً يحبّه اللّه ورسوله - أو قال -

ص: 41


1- المائدة : 77.

يحبّ اللّه ورسوله ، يفتح اللّه عليه » ، فإذا نحن بعليٍ ، وما نرجوه ، فقالوا : هذا علي ، فأعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ففتح اللّه عليه )(1).

وروى الحاكم في المستدرك عن عوف بن أبي عثمان النهدي قال : ( قال رجل لسلمان : ما أشدّ حبّك لعلي! قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « من أحبّ علياً فقد أحبّني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني » )(2).

وهكذا ورد في علي بن أبي طالب كلّ خير ، وفي موالاته كلّ نجاة ، فهل حبّه الذي فرضه النبيّ صلى اللّه عليه وآله علينا يعدّ غلوّاً وتجاوزاً؟! أعيذك باللّه أن تجعل ما فعله النبيّ صلى اللّه عليه وآله غلوّاً وغير الحقّ ، وهكذا هو تعاملنا مع الإمام علي عليه السلام ، لا يتجاوز ما أمرنا النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حبّه وولايته.

وفي قوله تعالى : ( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (3) قال الحاكم الحسكاني : » ... عن مقاتل عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ ) يعني يحبّ اللّه ، ( وَرَسُولَهُ ) يعني محمّداً ، ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ ) يعني ويحبّ علي بن أبي طالب ، ( فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) يعني شيعة اللّه ، وشيعة محمّد ، وشيعة علي هم الغالبون ، يعني العالون على جميع العباد ، الظاهرون على المخالفين لهم.

قال ابن عباس : فبدأ اللّه في هذه الآية بنفسه ، ثمّ ثنّى بمحمّد ، ثمّ ثلّث بعلي ، ثمّ قال : فلمّا نزلت هذه الآية ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « رحم اللّه علياً ، اللّهم أدر الحقّ معه حيث دار ».

قال ابن مؤمن ( وهو الشيرازي من علماء أهل السنّة ) : لا خلاف بين المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين علي »(4).

ص: 42


1- صحيح البخاريّ 4 / 12.
2- المستدرك 3 / 130.
3- المائدة : 56.
4- شواهد التنزيل 1 / 246.

فإذا كان الأمر في علي عليه السلام هكذا ، فهل هذا غلوّ؟ وهل تقول الشيعة غير هذا في علي عليه السلام؟ فهذه مرويّات أهل السنّة ، تؤكّد ما تذهب إليه الشيعة ، وما تعتقده في علي ، فهل هذا يعدّ غلوّاً فيه؟!

وما ذكرته من س : كيف أنّ الإمام علي روح من الرسول؟ فإنّا نؤكّد أنّ المقصود من الروح في سؤالك تعني قبل الخلقة ، وما بعد الخلقة.

أمّا قبل الخلقة ، فإنّ حديث النورانية يؤكّد أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعلي بن أبي طالب كانا نوراً واحداً ، فلمّا خلق اللّه آدم ، قسّم ذلك النور إلى جزئين ، فجزء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وجزء علي بن أبي طالب ، وهذا الحديث نقله علماء أهل السنّة ، كما نقله الشيعة.

فقد روى ابن عساكر عن سلمان ، عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي اللّه مطيعاً يسبّح اللّه ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام »(1).

هذا بعض ما رواه علماء أهل السنّة في أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعلي كانا نوراً واحداً ، ثمّ قسّم إلى نورين ، أحدهما النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والآخر علي عليه السلام ، ممّا يعني أنّهما روح واحدة في أصل خلقتهما ، وهي ما تعنيه أحاديث النور الواحد الآنفة الذكر.

أمّا بعد الخلقة فإنّ القرآن قد نصّ على ذلك في قوله تعالى : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) (2).

فقد نقل السيوطيّ في تفسيره ، ما أخرجه ابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل ، عن جابر أنّه قال : ( أَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعلي ، ( أَبْنَاءنَا ) الحسن والحسين ، ( وَنِسَاءنَا ) فاطمة(3).

ص: 43


1- تاريخ مدينة دمشق 42 / 67.
2- آل عمران : 61.
3- الدرّ المنثور 2 / 39.

والخطاب كان موجّهاً من النبيّ صلى اللّه عليه وآله للنصارى بقوله : ندعو أبناءنا - وهما الحسن والحسين - وأبناءكم ، وندعو نساءنا - وهي فاطمة - ونساءكم ، وندعو أنفسنا ، يعني نفس النبيّ ، الذي هو علي عليه السلام ، لأنّ الضمير « نا » ، وهو ضمير المتكلّم يرجع إلى علي عليه السلام ، فعلي نفس النبيّ بمقتضى سياق الآية.

وقد ذكر ابن ماجة في سننه عن أبي إسحاق ، عن حبشي بن جنادة قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « علي منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلاّ علي » (1).

وروى الترمذيّ في سننه أيضاً نفس لفظ الحديث ، إلاّ أنّه زاد : « ولا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو علي » (2).

وقوله صلى اللّه عليه وآله : « علي منّي وأنا منه » يعني : أنّ « من » التي تفيد التبعيض تؤكّد أنّ علياً من النبيّ - أي امتداد له - وهو نفسه ، وليس في ذلك دعوى تدعيها الشيعة دون ما تستند إلى نصوصٍ صريحة صحيحة.

على أنّ كلامنا هذا يؤكّده أبو بكر في حقّ علي عليه السلام ومنزلته ، فقد أورد القندوزيّ ما رواه ابن السمّاك : إنّ أبا بكر قال لعلي : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « لا يجوز أحد على الصراط إلاّ من كتب له علي الجواز » (3).

أمّا قولك : إنّ علياً عليه السلام قال : « أنا عبد من عبيد محمّد » (4) ، فهذا لا ينافي عبودية علي عليه السلام لله تعالى ، فعلي عبد لله ، ورسول اللّه عبد لله ، ومعنى قوله : « أنا عبد من عبيد محمّد » ، يعني : أنا تابع من أتباعه ، ومطيع له ، وهو بمعنى قولك : إنّ زيد عبد لعمرو ، أي إنّ عمرو له حقّ الطاعة على زيد ، ولا يعني أن تريد يعبد عمرو ، فالعبد هنا تابع لسيّده ، ومطيع له ، وهذا منتهى إخلاص عليٍ للنبيّ ، فهو يقرّ له بالطاعة والاتباع ، وليس كما تتصوّر أنّ ذلك يعني .

ص: 44


1- سنن ابن ماجة 1 / 44.
2- الجامع الكبير 5 / 300.
3- ينابيع المودّة 2 / 404.
4- الكافيّ 1 / 90.

العبودية المطلقة ، فالعبودية المطلقة لله تعالى وحده ، لا يشاركه فيها أحد ، ومن قال خلاف ذلك فهو كافر مشرك.

وبذلك فقد اتّضح ما أُشكل لديك.

( منعم جعفر - البحرين - .... )

لا يبغضك إلاّ من خبث أصله :

س : لا يبغضك يا علي إلاّ من خبث أصله ، هل هناك دليل عقليّ ونقليّ في الدين الإسلامي على ذلك؟

ج : هناك روايات كثيرة جدّاً ، ربما بلغت حدّ التواتر ، على أنّ علياً عليه السلام مع الحقّ والحقّ مع علي يدور معه حيثما دار ، وعلي مثال الكمال ، والحُسْن المتجسّد في رجل ، حتّى أحبّه كلّ إنسان منصف وحرّ ، وإن لم يكن مسلماً ، حيث إنّ المسيحيين يلهجون بالأشعار والقصائد والنظم والنثر في مدح علي عليه السلام.

ومن المعلوم أنّ الذي يبغض مثل هذه الشخصية المضحّية للإسلام ، بل المجسّدة لجميع قيم الدين الإسلاميّ لدليل واضح على عدم استوائه العقليّ والنفسيّ ، وهو دليل على خبث منبته وأصله.

وليس المقصود من خبث الأصل ابن الزنا ، والمتولّد من الحرام فقط ، بل الأمر أعمّ من ذلك ، فقد يكون من المنافقين أو ابن حيض.

مضافاً إلى أنّه ليس كلّ من كان ابن زنا يبغض علياً عليه السلام حتّى يقال بالجبر ، وأنّه ما ذنب هذا الإنسان؟ بل إنّ من يبغض علياً - والبغض والحبّ بالاختيار - كاشف عن سوء سريرته ، وخبث أصله ، وهو أعمّ من ابن الزنا - كما قلنا -.

ونقل هذا المعنى في كثير من كتب المسلمين ومنها :

ما رواه الشيخ الصدوق في الأمالي(1) وأورد القندوزيّ الحنفيّ في ينابيع

ص: 45


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 383.

المودّة(1) : إن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال لأمير المؤمنين : « لا يحبّك إلا طاهر الولادة ولا يبغضك إلا خبيث الولادة ».

وروى الشيخ الصدوق في علل الشرائع إن النبي صلى اللّه عليه وآله قال لعلي عليه السلام : « لا يحبّك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق أو ولد زنية أو حملته أمّه وهي طامث »(2).

وروى ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق عن عبادة بن الصامت أنه قال : « كنّا نبوّر أولادنا بحبّ علي بن أبي طالب فإذا رأينا أحداً لا يحبّ علي بن أبي طالب علمنا أنّه ليس منّا وأنّه لغير رشده »(3).

« مصطفى - البحرين - 40 سنة - خرّيج جامعة »

لم يحارب الشيخين :

س : على الرغم من قوّة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، لماذا لم يحارب الشيخين عندما سلبوا منه الولاية وهجموا على داره ، وكسروا ضلع الزهراء عليها السلام؟

ج : إنّ الإمام عليه السلام قدّر الظروف آنذاك أنّها لا تحتمل الحرب ، وأنّ الخوض في الحرب مع المخالفين يؤدّي إلى ضياع الإسلام وهلاك الفريقين ، أو فسح المجال لأعداء الدين ليقضوا على الإسلام ، لهذا غضّ الإمام عليه السلام عنهم طرفه لحفظ أصل الإسلام.

والمسألة لم تكن مسألة نزاع حقّ شخصيّ ، أو دفاع عن حقّ شخصيّ ، بقدر ما كانت مسألة موازنة ما هو الأصلح للإسلام والرسالة ، والإمام رأى الأصلح للرسالة هو أن يغضّ عنهم ولا يدخل الحرب ، والقوم كانوا يحاولون استدراج الإمام إلى الحرب ، ولكن الإمام ما أراد أن يعطيهم مبرّراً للحرب حتى لا يقال بأنّ علياً هو الذي بدأ بالحرب ، بل الأمر على العكس من ذلك حيث إنّ الإمام

ص: 46


1- ينابيع المودّة1 / 317.
2- علل الشرائع 1 : 145.
3- تاريخ مدينة دمشق 42 / 287.

لزم الصمت والقعود آنذاك عن القتال من أجل حفظ بيضة الإسلام ، وهذا ما قد صرّح به بقوله عليه السلام : « واللّه لأسالمنّ ما سلمت أُمور المسلمين ، ولم يكن فيها جور ، إلاّ عليّ خاصّة »(1).

هذا بالإضافة إلى الوصيّة التي كان ملزماً بها من قبل الرسول صلى اللّه عليه وآله.

« أُمّ زينب - الإمارات »

رفع عمر بن عبد العزيز السبّ عنه :

س : كما نعلم أنّ سبّ الإمام علي عليه السلام في عهد بني أُمية دام ما يقارب سبعين سنة ، لذا اطلب من سيادتكم الإجابة عن هذا السؤال : ما هي الحادثة التي بسببها رفع عمر بن عبد العزيز السبّ عن الإمام علي عليه السلام؟ ولكم فائق شكري وتقديري.

ج : إنّ عمر بن عبد العزيز ولأغراض سياسية رفع هذا السبّ ، حيث شاهد أنّ هذا السبّ صار سبباً لإيجاد أحقاد من قبل بني هاشم والشيعة ، والمنصفين من أهل السنّة ، وأنّه لو استمرّ فسيولد ثورات ضدّه ، لأنّ الاختناق قد بلغ ذروته ، فلأجل الحفاظ على منصبه ومن باب إيجاد محبوبية له والسيطرة على الاختناق الموجود قام بعدّة أعمال ، منها : رفع السبّ عن الإمام علي عليه السلام.

« أحمد - السعودية »

لم يقتل ابن ملجم مع أنّ الخضر قتل الغلام :

س : من المعروف أنّ الإمام علي عليه السلام كان يعلم أنّ ابن ملجم قاتله ، لكنّه لم يقتله ، لأنّه لا يجوز معاقبة المجرم قبل أداء جريمته ، لكن القرآن الكريم يحدّثنا بأنّ الخضر عليه السلام قد قام بقتل الغلام قبل أن يصدر الجرم منه ، أي من غير ذنب؟

ص: 47


1- شرح نهج البلاغة 6 / 166.

ج : إنّ القصاص قبل وقوع الجريمة أمر مستنكر ومذموم ، على ضوء القوانين التشريعية ، ولكن في حوزة القوانين التكوينية ليس الأمر دائماً كذلك ، فقد تكون هناك في إزهاق روح شخص مصلحة إلهية ، لا تتفق مع الأحكام الشرعية المتعارفة ، فإنّ مقام التشريع مقام التزامات العباد ، ولا يجب على اللّه تعالى أن يتصرّف في الكون بنفس التكاليف الواجبة على الناس.

وفيما نحن فيه ، لا علم لنا بأنّ الخضر عليه السلام مكلّف بالأحكام التشريعية ، بل أغلب الظنّ أنّه عليه السلام من الأيادي والوسائط في عالم الخلق والتكوين - كالملائكة - فلا تشمله تلك الأحكام.

وبالجملة : فقتل الغلام مسألة تكوينية ، ولا تخضع للأوامر والنواهي التكليفية ، وهو يشبه الكوارث الطبيعية من الزلازل ، والسيول والأمراض.

ومنه يظهر عدم ورود النقض في المقام على عدم صحّة المعاقبة قبل وقوع الجريمة.

« .... - .... - ... »

لم يقم بالإصلاح :

س : لماذا لم يقم الإمام علي عليه السلام بالإصلاح في زمانه بينما قام بالإصلاح الإمام الحسين عليه السلام؟

ج : لقد ذكر السائل عدم قيام الإمام علي عليه السلام بالإصلاح ، وطرح ذلك طرح المسلّمات ، وهذا ما لا نوافقه عليه ؛ فليس هناك أحد من أئمّة أهل البيت عليهم السلام إلا وسعى للإصلاح بحسب ما تسمح به الظروف.

إن من الخطأ الفادح أن يتصور أنّ حركة الإصلاح لابدّ أن تكون بالسيف دائماً ، فقد تقتضي الظروف أن تكون حركة الإصلاح بأسلوب آخر ، فرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الذي سعى للإصلاح وهداية الناس في مكّة بصورة سرية ، نفسه يجعل الدعوة علنية ولكن بشكل سلميّ ، ثم يهاجر إلى المدينة ويحارب المشركين في

ص: 48

عدّة مواطن ، ونفسه صلوات اللّه وسلامه عليه يصالحهم في الحديبية. وكلّ حركة من هذه الحركات هي محاولة وسعي منه عليه الصلاة والسلام للإصلاح ولكن بحسب ما تقتضيه الظروف.

كذلك أمير المؤمنين عليه السلام فهو الذي صبر على ما جرى بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وكانت حركته في إصلاح الفساد بشكل سلميّ حتى قال قائلهم : « لولا علي لهلك عمر » هو نفسه يحارب الناكثين والقاسطين والمارقين. كذلك الإمام الحسن عليه السلام ، فهو البطل الضرغام تحت راية أمير المؤمنين في حروبه مع الظالمين إلا أنك تراه يصالحهم كما صالحهم رسول اللّه في الحديبية. وكذلك الإمام الحسين عليه السلام صاحب ذلك الموقف المؤيّد لأخيه الحسن عليه السلام في صلحه مع معاوية تراه - حينما حانت الظروف المناسبة بعد هلاك معاوية للقيام بثورة لها صداها إلى أبد الدهر - يقف ذلك الموقف الذي شهد له التاريخ.

إذاً حركة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام هي حركة واحد وهدفها واحد وهو الإصلاح وهداية الناس إلا أنّ الأساليب تختلف بحسب الظروف.

« ... - .... - .... »

ما شرب الخمر قبل تحريمها :

س : هذا نصّ ما نشر في مجلّة الهداية التي تصدرها وزارة العدل والشؤون الإسلامية بمملكة البحرين ، العدد الثامن والتسعون بعد المائتين ، وهو مقال تحت عنوان : الدين للحياة ، ألا لا يقربن الصلاة سكران ، إعداد سعيد نور الدين.

فيقول : روى الترمذيّ (1) بسنده عن علي بن أبي طالب قال : صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعانا ، وسقانا من الخمر ، فأخذت الخمر منّا ،

ص: 49


1- الجامع الكبير 4 / 305.

وحضرت الصلاة ، فقدّموني ، فقرأت : ( قل يا أيّها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ، ونحن نعبد ما تعبدون ) ، فأنزل اللّه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ... ) (1).

وبعد هذه الفقرة يتطرّق المعد إلى قضية تحريم الخمر ، حتّى يصل إلى هذه الفقرة ، طلب عمر بن الخطّاب الذي حين قرأت عليه آية البقرة تمنّى أن ينزل القرآن بتحريم الخمر ، فتوجّه إلى اللّه قائلاً : اللّهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً ... فنزلت الآية من سورة النساء : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ... ) . ما رأيكم فيما كتبه هذا المُعد؟

ج : في الجواب نذكر بعض النقاط :

1 - جاء في المستدرك : « عن أبي عبد الرحمن عن علي عليه السلام قال : دعانا رجل من الأنصار قبل تحريم الخمر ، فحضرت صلاة المغرب ، فتقدّم رجل فقرأ : ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) فالتبس عليه ، فنزلت : ( لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ) .

قال الحاكم النيسابوريّ : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، وفي هذا الحديث فوائد كثيرة ، وهي : إنّ الخوارج تنسب هذا السكر وهذه القراءة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب دون غيره ، وقد برّأه اللّه منها ، فإنّه راوي هذا الحديث »(2).

2 - الروايات المروية حول هذه الواقعة فيها العديد من التنافي والتناقض :

ففي بعضها : الذي صنع الطعام هو عبد الرحمن بن عوف ، وفي بعضها : علي!! وفي بعضها : رجل من الأنصار.

وفي بعضها : إنّ الذي صلّى بهم إماماً عبد الرحمن بن عوف ، وفي بعضها :

ص: 50


1- النساء : 43.
2- المستدرك 2 / 307.

علي!! وفي بعضها : فلان.

وفي بعضها : إنّ الذي قرأ في الصلاة قرأ : ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) إلى آخرها ، ثمّ قال : ليس لي دين وليس لكم دين ، وفي بعضها : إنّه قرأ : قل يا أيّها الكافرون أعبد ما تعبدون ، وفي بعضها : قل يا أيّها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون ، وفي بعضها : ونحن عابدون ما عبدتم ......

وفي بعضها : إنّ الحاضرين كانوا ثلاثة أشخاص : علي وعبد الرحمن بن عوف ، ورجل من الأنصار ، وفي بعضها : كانوا خمسة أشخاص : أبو بكر وعمر ، وعلي ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد.

3 - عند المحقّقين : إنّ الخمر قد حرّمت في مكّة قبل الهجرة ، وعن أبي هريرة قال : « حرّمت الخمر ثلاث مرّات »(1) ، والمقصود : إنّ كان أنّها قد حرّمت أوّلاً في مكّة في أوّل البعثة فلا تصحّ الرواية ، وإن كان المقصود أنّها قد حرّمت في سورة البقرة ، ثمّ في سورة النساء النازلتين في أوّل الهجرة فإنّ النحّاس يرى أن سورة النساء مكّية ، وقال بعض الناس : « إنّ قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) حيث وقع ، إنّما هو مكّي »(2).

4 - روى القطّان في تفسيره عن الحسن البصري قال : « إنّ علياً لم يقبل أن يشرب معهم في دار أبي طلحة ، بل خرج من بينهم ساخطاً على ما يفعلون ، قال الحسن : واللّه الذي لا إله إلاّ هو ، ما شربها قبل تحريمها ، ولا ساعة قط »(3).

5 - وأخيراً : فإنّ كلّ ما ذكرناه هو على مباني أهل السنّة ، وأمّا على مباني الشيعة ، فإنّه مرفوض عقلاً ونقلاً ، وذلك بالاستدلال بآية التطهير على العصمة ، وبآيات كثيرة ، وأحاديث متواترة على الإمامة الإلهيّة ، والأحاديث المروية من طرق أهل البيت عليهم السلام : بأنّ الإمام معصوم من اليوم الأوّل الذي يولد فيه وإلى أن

ص: 51


1- مسند أحمد 2 / 351.
2- الجامع لأحكام القرآن 5 / 1.
3- الصحيح من السيرة 5 / 313.

يفارق الحياة ، وأنّ فطرة الإنسان وعقله يأبيان أن يقبلا إمامة إمام ، ويقلّداه أمر الدين والدنيا ، وهو في زمان ما كان قد شرب الخمر ، أو ارتكب من أمثال هذه المعاصي ، وكذلك تشمله الآية الكريمة : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1).

فصلوات ربّي وسلامه على رسول اللّه ، وعلى الأئمّة النجباء الميامين المعصومين الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، ولعنة اللّه على أعدائهم ، وغاصبي حقوقهم ، والمفترين عليهم ، الذين يُعَدّون من النواصب بلا شكّ ، ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (2).

« هادي محمّد - الكويت - .... »

حول خطبتي البيان والطتنجية :

س : هل لخطبة البيان والطتنجية سند؟ وإذا كان لها سند ، ألا تفيد الغلوّ؟ شكراً لمساعيكم.

ج : كثيراً ما يتساءل عن خطبة البيان والخطبة الطتنجية سنداً ودلالة ، بل كلّ ما هناك من ألفاظ وصفات إلهية نسبت للمعصومين عليهم السلام ممّا تفيد الغلوّ ، بل الشرك والكفر لو أُريد منها معانيها الظاهرية ، أمثال قولهم عليهم السلام : « نحن الأوّل والآخر ، والظاهر والباطن ... » وإلى غير ذلك.

فنقول : إنّ الأُمّة الإسلامية قد خصّت من دون الأُمم بفضيلة الإسناد ، وفُضّلت على سائر الشرائع بنعمة الاستناد والاتصال بالمعصومين عليهم السلام ، من خلال الرجال الثقات والممدوحين.

وعليه ، فكلّ خبر ما لم يكن مسنداً متّصلاً - ضمن شروط ذكرت في محلها - لا قيمة له ولا حجّية من أيّ أحد صدر ، ولأيّ شخص نسب ما لم

ص: 52


1- البقرة : 124.
2- التوبة : 32.

يكن محاطاً بقرائن تورث الوثوق بالصدور ، وعليه :

أوّلاً : لم يذكر لأمثال هذه الخطب سنداً معتبراً ، بل قد نجده أرسل - بالمعنى الأعم - مع أنّا نجد غالب كلمات أمير المؤمنين عليه السلام وخطبه مسندة في مواطن ، وإن كانت مرسلة في النهج وغيره.

ثانياً : إنّ إعراض الأعلام - وخصوصاً مشايخنا العظام - موهن للخبر ، بل قد يسقطه عن الحجّية ، خصوصاً إذا كان في مرأى ومسمع منهم.

ثالثاً : وجود طائفة كبيرة من أخبار العرض - الأخبار العلاجية - ، مثل ما ورد عنهم عليهم السلام مستفيضاً من قولهم : « ما خالف كتاب اللّه فهو : زخرف » ، وفي بعض الروايات : « لم نقله » ، وفي بعضها الآخر : « وأضربه عرض الجدار » ، وهي أحاديث لا تحصى كثرةً ، كما لنا أحاديث جمّة في إسقاط كلّ حديث خالف العقول ، أو لزم منه الشرك والكفر ، إلاّ إذا أمكن تأويله ، أو حمله على محمل صحيح ، هذا بشكل عام ، وهي فائدة تنفع في موارد متعدّدة ، ومقامات أُخرى.

وأمّا ما يخصّ المقام ، فنقول :

أوّلاً : لقد نسب لبعض علمائنا ( قدّس أسرارهم ) في خصوص خطبة البيان كون ألفاظها ركيكة ، وأنّها ليست بعربية فصيحة ، وأنّها مخالفة للسان أهل البيت عليهم السلام ، وهو كلام إنّما يتمّ عند أهل الفن خاصّة ، وفيه مجال للردّ والإبرام ، خصوصاً مع كون حديثنا صعب مستصعب ، وقولهم عليهم السلام : « ردّوه إلينا ... » ، كما ويخشى من تعميمه في مواطن أُخرى ، من غير من هو أهل لذلك.

ثانياً : وجود روايات صريحة صحيحة كثيرة مقابل هذه الأخبار الشاذّة النادرة ، وهذا كاف لإسقاطها عن الحجّية.

ثالثاً : إنّها مخالفة للعقل ، ولا يمكن القول بظاهرها من موحّد ، إلى غير ذلك من الوجوه الكثيرة ، التي لا غرض لنا هنا بإحصائها ، إذ لا نجد ثمّة ضرورة في ذلك.

ص: 53

والحاصل : إنّ عمدة الإشكال هنا أنّه مع قوله تعالى : ( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ... ) (1) ، وقوله عزّ من قائل : ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (2) ، وقوله عزّ اسمه : ( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) (3) وغيرها ، مثلاً وما أكثرها ، فكيف يرد التعبير عنهم عليهم السلام أمثال هذه الألفاظ التي يستشم منها الغلوّ والكفر؟ والعياذ باللّه.

ولبّ الجواب عليه - فضلاً عمّا سلف - هو : إنّه وردت في كتبنا روايات كثيرة عنهم عليهم السلام صحيحة ، عندما ذكروا هذه الألفاظ فيها فسّروها لنا ، وقالوا نقصد منها كذا ، فلو فسّرت بغير هذا من أيّ كان ، أو أخذ بظواهرها ، لكان ردّاً عليهم عليهم السلام ، ولابدّ من الأخذ بتأويلهم وبما فسّروه ، وإلاّ لكان باطلاً لم يقصدوه ولا يريدوه ، بل تقوّل عليهم وافتراء ، مثال ذلك :

أ - قوله صلى اللّه عليه وآله : « أنا الأوّل والآخر ... » ، ثمّ فسّره بقوله : « أوّل في النبوّة ، وآخر في البعثة ... »(4).

ب - ما جاء في مناقب آل أبي طالب ، حيث عدّ مجموعة من الصفات ثمّ فسّرها عليه السلام.

وسئل أمير المؤمنين عليه السلام كيف أصبحت؟ فقال : « أصبحت وأنا الصدّيق الأوّل ، والفاروق الأعظم ، وأنا وصيّ خير البشر ، وأنا الأوّل ، وأنا الآخر ، وأنا الباطن ، وأنا الظاهر ، وأنا بكلّ شيء عليم ، وأنا عين اللّه ، وأنا جنب اللّه ، وأنا أمين اللّه على المرسلين ، بنا عبد اللّه ، ونحن خزان اللّه في أرضه وسمائه ، وأنا أُحيي ، وأنا أُميت ، وأنا حيّ لا أموت ... ».

ص: 54


1- النجم : 43.
2- الحديد : 3.
3- البقرة : 258.
4- كشف الغمّة 1 / 13.

فتعجّب الإعرابي من قوله فقال عليه السلام : « أنا الأوّل ؛ أوّل من آمن برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأنا الآخر ؛ آخر من نظر فيه لمّا كان في لحده ، وأنا الظاهر ؛ فظاهر الإسلام ، وأنا الباطن ؛ بطين من العلم ، وأنا بكلّ شيء عليم ؛ فإنّي عليم بكلّ شيء أخبر اللّه به نبيّه ، فأخبرني به ، فأمّا عين اللّه ؛ فأنا عينه على المؤمنين والكفرة ، وأمّا جنب اللّه ؛ فأن تقول نفس : يا حسرتي على ما فرطت في جنب اللّه .. ومن فرّط فيّ فقد فرّط في اللّه ، ولم يخبر لنبي نبوّة حتّى يأخذه خاتماً من محمّد صلى اللّه عليه وآله ، فلذلك سمّي خاتم النبيّين سيّد النبيّين ، وأنا سيّد الوصيين ، وأمّا خزّان اللّه في أرضه ؛ فقد علمنا ما علمّنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بقول صادق ، وأنا أُحيي ؛ أُحيي سنّة رسول اللّه ، وأنا أُميت ؛ أُميت البدعة ، وأنا حيّ لا أموت ، لقوله تعالى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (1) »(2).

ج - ما جاء في الاختصاص : روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان قاعداً في المسجد ، وعنده جماعة ، فقالوا له : حدّثنا يا أمير المؤمنين ، فقال لهم : « ويحكم إنّ كلامي صعب مستصعب ، لا يعقله إلاّ العالمون ».

قالوا : لابدّ من أن تحدّثنا ، قال : « قوموا بنا » ، فدخل الدار ، فقال : « أنا الذي علوت فقهرت ، أنا الذي أُحيي وأُميت ، أنا الأوّل والآخر ، والظاهر والباطن ».

فغضبوا وقالوا : كفر!! وقاموا ، فقال علي عليه السلام للباب : « يا باب استمسك عليهم »! فاستمسك عليهم الباب.

فقال : « ألم أقل لكم : إنّ كلامي صعب مستصعب لا يعقله إلاّ العالمون؟! تعالوا أفسّر لكم ، أمّا قولي : أنا الذي علوت فقهرت ، فأنا الذي علوتكم بهذا السيف ، فقهرتكم حتّى أمنتم باللّه ورسوله.

ص: 55


1- آل عمران : 169.
2- مناقب آل أبي طالب 2 / 205.

وأمّا قولي : أنا أُحيي وأُميت ؛ فأنا أُحيي السنّة وأُميت البدعة.

أمّا قولي : أنا الأوّل ؛ فأنا أوّل من آمن باللّه وأسلم.

وأمّا قولي : أنا الآخر ؛ فأنا آخر من سجّى على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ثوبه ودفنه.

وأمّا قولي : أنا الظاهر والباطن ، فأنا عندي علم الظاهر والباطن ».

قالوا : فرّجت عنّا فرّج اللّه عنك(1).

د - ما جاء في رجال الكشّي مسنداً عن أبي جعفر عليه السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا وجه اللّه ، وأنا جنب اللّه ، وأنا الأوّل ، وأنا الآخر ، وأنا الظاهر ، وأنا الباطن ، وأنا وارث الأرض ، وأنا سبيل اللّه ، وبه عزمت عليه ».

فقال معروف بن خربوذ : ولها تفسير غير ما يذهب فيها أهل الغلوّ(2).

وعلّق عليه في بحار الأنوار قوله : « وبه عزمت عليه » ، أي باللّه أقسمت على اللّه عند سؤال الحوائج عنه(3).

« علي الطريحيّ. هولندا - 21 سنة - طالب »

حقّه كحقّ الوالد على الولد :

س : نرجو التكرّم ببيان المصادر في كتب إخواننا السنّة للحديث النبويّ الشريف : « يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأُمّة ».

ج : روى هذا الحديث الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزيّ الحنفيّ - المتوفّى سنة 1294ه- - في كتابه ينابيع المودّة لذوي القربى(4).

وورد هذا الحديث بعبارات أُخرى ، وهي : قول الرسول صلى اللّه عليه وآله : « حقّ علي على المسلمين حقّ الوالد على ولده »(5).

ص: 56


1- الاختصاص : 163.
2- اختيار معرفة الرجال 2 / 471.
3- بحار الأنوار 39 / 349.
4- ينابيع المودّة 1 / 370.
5- تاريخ مدينة دمشق 42 / 308 ، جواهر المطالب 1 / 91.

وقول الرسول صلى اللّه عليه وآله : « يا علي ، حقّك على المسلمين كحقّ الوالد على ولده »(1).

وقوله صلى اللّه عليه وآله : « حقّ علي على هذه الأُمّة كحقّ الوالد على ولده »(2).

« السيّد أحمد السيّد نزار - البحرين .... »

مع اليهوديّ عند القاضي شريح :

س : هناك قصّة نسمعها كثيراً ، ولكن لي بعض الملاحظات عليها ، وأرجو أن تجيبوني عليها ، إذا كانت القصّة صحيحة متناً وسنداً.

ومضمون القصّة كالتالي : في أحد الأيام والإمام علي عليه السلام يسير ، سقط درعه فلم ينتبه له ، وفي أحد الأيام رأى درعه مع يهوديّ ، فقال له : « هذا درعي ».

فقال اليهوديّ : لا هذا درعي أنا.

فقال له الإمام علي عليه السلام : « تعال نتقاضى عند القاضي » ، فذهبا إلى القاضي شريح ، فاحتكما عنده ، فقال شريح : يا أبا الحسن ، فقال له الإمام : « عاملني مثله ، واحكم بالعدل ».

فقال شريح لأمير المؤمنين : هل عندك شهود؟ فقال : « لا » ، فقال لليهوديّ : احلف أنّ الدرع لك ، فحلف اليهوديّ ، فقال شريح : إنّ الدرع لليهوديّ.

فقال له الإمام : « لقد حكمت بشرع » ، فلمّا رأى اليهوديّ الموقف ، قال : إنّ الدرع للإمام ، وأنّه فعلاً درعه ، وشهد الشهادتين وأسلم ، هذه خلاصة القصّة ، والملاحظات هي كالآتي :

1 - كيف يحكم شريح ضدّ أمير المؤمنين؟ ويطلب من الإمام شهوداً؟ أهناك أعظم من شهادة اللّه ورسوله؟ حيث قال الرسول في حقّ الإمام : « علي مع الحقّ

ص: 57


1- مناقب الإمام علي : 94 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 308 ، ينابيع المودّة 1 / 369.
2- تاريخ مدينة دمشق 42 / 307 ، ينابيع المودّة 1 / 370 و 2 / 76 و 238.

والحقّ مع علي »(1).

2 - كيف يقول الإمام لشريح : لقد حكمت بالشرع ، هل الشرع يقول بخلاف العقيدة الاثني عشرية بعصمة الإمام؟

صحيح أنّ القصّة تحمل الكثير من الدروس والعبر في ذهاب الإمام إلى القاضي ، مع أنّه كان باستطاعته أن يأخذ الدرع رغماً على اليهوديّ ، وفي حكم القاضي ضدّ الإمام إلى صالح اليهوديّ الضعيف ، ولكن هذا لا يلغي الملاحظات الآنفة الذكر.

ج : إنّ هذه الرواية واردة بسند ضعيف لوجود عمرو بن شمر وعامر الشعبيّ ، ولو سلّمنا أنّها واردة بسند قويّ ، فطلب شريح القاضي من الإمام عليه السلام شهوداً من باب أنّ الطرف الآخر - وهو اليهوديّ - لا يلتزم بغير ذلك ، بمعنى لا يلتزم بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام وعصمته ، نعم يلتزم بالقواعد القضائية التي منها : إحضار البيّنة.

فأراد أمير المؤمنين عليه السلام وقاضيه إظهار هذه الصورة العظيمة للإسلام ، والتي لم تكن تظهر بهذا الشكل بل على عكس ذلك لو استدل شريح أو غيره بعصمة الإمام عليه السلام لأجل الحكم له ، خصوصاً وأن أمير المؤمنين كان الخليفة السياسي حينها.

لذلك كان لهذا الموقف أثره البالغ في نفس ذلك النصرانيّ أو اليهوديّ حيث أسلم على إثره.

وتجدر الإشارة إلى عدم وجود عبارة « لقد حكمت بالشرع » في الرواية ، نعم نقلت بعض المصادر السنية عبارة : « أصاب شريح ». وهذا لا يتنافى مع ما ذكرنا من تفسير ، فتأمّل.

ص: 58


1- تاريخ بغداد 14 / 322 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 449 ، الإمامة والسياسة 1 / 98 ، جواهر المطالب 1 / 343 ، كشف الغمّة 1 / 144.

( أبو علي - الكويت .... )

معنى الأنزع البطين :

س : هل صحيح أنّ أمير المؤمنين علي عليه السلام كان أصلعاً وبديناً ، كما يروى في الكتب؟ قرأت هذا في وصفه بعدّة كتب من كتبنا ، ولكن لم يدخل إلى عقليّ أيّ منها.

أرجو منكم الإفادة ، سائلاً المولى تعالى أن يوفّقكم لما فيه مصلحة دين اللّه الحقّ ، وهو مذهب أهل البيت عليهم السلام.

ج : من ألقاب الإمام علي عليه السلام المعروفة : الأنزع البطين.

فالبعض فسّر هذا اللقب على ظاهره اللغوي ، والبعض فسّره بأنّ الأنزع كناية عن امتناع الشرك فيه ، والبطين كناية عن كثرة العلم والإيمان واليقين ، لا ضخامة البطن ، والدليل على ذلك روايات كثيرة ، وردت في كتب الفريقين في هذا المجال.

منها قوله صلى اللّه عليه وآله : « يا علي ، إنّ اللّه قد غفر لك ولذرّيتك ، ولشيعتك والمحبّي شيعتك ، والمحبّي محبّي شيعتك ، فابشر فإنّك الأنزع البطين ، منزوع من الشرك ، مبطون من العلم » (1).

ولو حملنا الأنزع البطين على معناه الظاهريّ فلا أجد في ذلك ما يتنافى مع العقل ، نعم العقل يحكم بأن يكون شكل النبيّ أو الإمام وظاهره مألوفاً بحيث لا تنفر منه النفوس ، وكم أنزع بطين تألفه النفوس وتنجذب إليه ، وكم من شخص لا يتصف بهذين الوصفين تبغضه النفوس ولا ترغب في رؤيته الأعين ، فتأمل.

وتجدر الإشارة إلى عدم التلازم بين كون الإنسان بطيناً وبين كثرة الأكل ، حيث أن ذلك تابع لطبيعة خلقة الشخص ، فتجد شخصاً نحيفاً ولا يؤثر كثرة

ص: 59


1- عيون أخبار الرضا 1 / 52 ، مسند زيد بن علي : 456 ، ينابيع المودّة 2 / 452.

الطعام على وضعه ، وتجد العكس ، فلا يتنافى هذا التفسير مع زهد الإمام وقد ورد عنه عليه السلام : « ولكن هيهات أن يغلبني هواي ، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة - ولعلّ بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له في القرص ، ولا عهد له بالشبع - أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى ، وأكباد حرّى ، أو أكون كما قال القائل :

وحسبك عاراً أن تبيت ببطنة *** وحولك أكباد تحنّ إلى القدّ

أأقنع من نفسي بأن يقال : هذا أمير المؤمنين ، ولا أشاركهم في مكاره الدهر ، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش! فما خلقت ليشغلني أكل الطيّبات ، كالبهيمة المربوطة ، همّها علفها ، أو المرسلة ، شغلها تقممها ، تكترش من أعلافها ، وتلهو عما يراد بها ، أو أترك سدى ... »(1).

« محمّد العجمي - عمان - .... »

زواجه لا يدلّ على مشروعية الخلفاء :

س : هل كانت حروب الردّة غير شرعية؟ إذا كانت شرعية فخلافة أبو بكر شرعية ، وإذا كانت غير شرعية ، فلماذا يتزوّج الإمام علي عليه السلام من سبيهم؟ فهو تزوّج خولة والدة محمّد بن الحنفية ، كما زوّج ابنه الحسين عليه السلام من سبي فارس ، في عهد الخليفة عمر ، أرجو الإفادة ... ولكم جزيل الشكر.

ج : أنت تعلم أنّ شرعية الأمر متأتّية من شرعية القائمين به ، وعلى هذا يمكنك أن تجعل هذه القاعدة منطبقة على موردنا هذا ، فحروب الردّة تتبع في عدم شرعيتها إلى فقدان شرعية القائمين عليها ، وإذا كان الأمر كذلك ، فمن أين تأتي شرعية هذه الحروب؟ ولا يمكن القول بعد ذلك بشرعيتها ، لعدم توفّر شرعية الخليفة.

ص: 60


1- شرح نهج البلاغة 16 / 287.

أمّا كون أمير المؤمنين عليه السلام قد تزوّج بخولة بنت جعفر بن قيس - والدة محمّد ابن الحنفية - فغير ثابت أنّها من سبي حروب الردّة ، بل هي سبيت في أيّام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، كما عليه أبو الحسن علي بن محمّد بن سيف المدائني ، حيث قال : هي سبية في أيّام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، قالوا : بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله علياً عليه السلام إلى اليمن ، فأصاب خولة في بني زبيد ، وقد ارتدّوا مع عمرو بن معدي كرب ... فصارت في سهم علي عليه السلام.

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إن ولدت منك غلاماً فسمّه باسمي ، وكنّه بكنيتي » ، فولدت له بعد موت فاطمة عليها السلام محمّداً ، فكنّاه أبا القاسم ، نقل كلام المدائني القاضي النعمان المغربي في شرح الأخبار(1).

وظهر من ذلك : أنّ خولة سبيت في حروب الردّة في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لا كما يتوهّم البعض : أنّها سبيت في حروب الردّة في زمن أبي بكر.

أما زواج الإمام الحسين عليه السلام من سبي فارس فإنّ الإمام علي عليه السلام لم يتعامل معهم بعنوان سبي ، بل تعامل معهم كمسلمين ، وكان تزويج أحد بنات كسرى للحسين عليه السلام لا لكونهن سبيّات ، بل لكونهن بنات ملوك حرّات ، قد استنقذها الإمام عليه السلام من أيديهم ، وهي ظاهر رواية ابن شهر آشوب في المناقب ، وإليك نصّها :

« لما ورد بسبي الفرس إلى المدينة أراد عمر أن يبيع النساء ، وأن يجعل الرجال عبيد العرب ، وعزم على أن يحملوا العليل والضعيف ، والشيخ الكبير في الطواف ، وحول البيت على ظهورهم ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : « إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : أكرموا كريم قوم وإن خالفوكم ، وهؤلاء الفرس حكماء كرماء ، فقد ألقوا السلام ، ورغبوا في الإسلام ، وقد أعتقت منهم لوجه اللّه حقّي ، وحقّ بني هاشم » ، فقالت المهاجرون والأنصار : قد وهبنا حقّنا لك يا أخا رسول اللّه ، فقال : « اللّهم فاشهد فإنّهم قد وهبوا ، وقبلت وأعتقت » ، فقال عمر :

ص: 61


1- شرح الأخبار 3 / 296.

سبق إليها علي بن أبي طالب ، ونقض عزمي في الأعاجم.

ورغب جماعة في بنات الملوك أن يستنكحوهن ، فقال أمير المؤمنين : « نخيّر ولا نكرههن » ، فأشار أكبرهم إلى تخيير شهر بانو بنت يزد جرد ، فحجبت وأبت ، فقيل لها : أيا كريمة قومها من تختارين من خطّابك؟ وهل أنت راضية بالبعل؟ فسكتت ، فقال أمير المؤمنين : « قد رضيت ، وبقي الاختيار بعد سكوتها إقرارها » ، فأعادوا القول في التخيير ، فقالت : لست ممّن يعدل عن النور الساطع ، والشهاب اللامع الحسين إن كنت مخيّرة ... »(1).

ويظهر أنّ تعامل أمير المؤمنين عليه السلام مع هؤلاء ليس تعامل الرقيق والإماء ، ممّا يعني أنّ الإمام عليه السلام لم يتعامل معهم أسرى حرب ، كما هو ظاهر الرواية.

هذا ولو تنزّلنا وقلنا بأنّ الإمام عليه السلام قد تعامل معهم أسرى حرب ، فإنّه عليه السلام بصفة الخليفة الواقعي بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، له إقرار هذه الحرب لمصلحة يراها هو عليه السلام ، وإن كان ظاهراً من يقوم بالأمر غير الخليفة الشرعي ، أي إقرار الإمام للحرب ، أو عدم إقراره من شؤون إمامته ، وكذا كثير من الموارد التي يتصرّف بها الإمام عليه السلام ضمن شؤون ولايته الإلهيّة ، وإن كان الأمر في الظاهر لغيره.

فتبيّن : أنّ زواج الإمام الحسين عليه السلام من سبي فارس لا يدلّ على مشروعية خلافتهم ، إذ لا ملازمة بين عملهم ومشروعية خلافتهم ، فإنّ اللّه ينصر دينه على أيدي أناسٍ لا خلاق لهم كما هو وارد ، ففي صحيح البخاريّ باب بعنوان ( إنّ اللّه يؤيد الدين بالرجل الفاجر ).

( وليد محمّد - الإمارات - .... )

كراماته في طريقه لصفّين :

س : ما معنى الرواية التالية ، والتي احتوت على مفردات أجنبية : أثناء وجود أمير المؤمنين في صفّين ، نزلوا بمكان ليس به ماء ، ثمّ أمرهم بحفر حفرة ،

ص: 62


1- مناقب آل أبي طالب 3 / 208.

فإذا بصخرة عظيمة تلمع كاللجين ، فأمرهم برفعها ولم يستطيعوا ، وهم مائة رجل ، فدنا منها أمير المؤمنين ، ورفع يديه إلى السماء قائلاً : « طاب طاب مربا بما طبيوثا بوثة شتميا كوبا جاحا نوثا توديثا برحوثا آمين آمين ربّ هارون وموسى » ، ثمّ اجتذبها فرماها أربعين ذراعاً ، ثمّ ظهر لنا ماءً أعذب من العسل ، وابرد من الثلج.

المطلوب معنى الكلمات الأجنبية ، وفّقكم اللّه.

ج : نحبّذ أوّلاً أن نذكر الرواية كاملة ، كي نعطي صورة مجملة عن القصّة ، فقد أوردها الشيخ الصدوق ( قدس سره ) مسندة إلى حبيب بن الجهم قال : لمّا دخل بنا علي بن أبي طالب عليه السلام إلى بلاد صفّين ، نزل بقرية يقال لها صندوداء ، ثمّ أمرنا فعبرنا عنها ، ثمّ عرّس بنا في أرض بلقع ، فقام إليه مالك بن الحارث الأشتر ، فقال : يا أمير المؤمنين : أتنزل الناس على غير ماء؟

فقال : « يا مالك ، إنّ اللّه عزّ وجلّ سيسقينا في هذا المكان ماءً أعذب من الشهد ، وألين من الزبد الزلال ، وأبرد من الثلج ، وأصفى من الياقوت » ، فتعجّبنا ولا عجب من قول أمير المؤمنين عليه السلام.

ثمّ أقبل يجرّ رداءه ، وبيده سيفه حتّى وقف على أرض بلقع ، فقال : « يا مالك احتفر أنت وأصحابك ».

فقال مالك : احتفرنا فإذا نحن بصخرة سوداء عظيمة ، فيها حلقة تبرق كاللجين ، فقال لنا : « روموها » ، فرمناها بأجمعنا ، ونحن مائة رجل ، فلم نستطع أن نزيلها عن موضعها ، فدنا أمير المؤمنين عليه السلام رافعاً يده إلى السماء يدعو ، وهو يقول : « طاب طاب مريا عالم طيّبوا ثابوثه شمثيا كوبا حاحانو ثاتو ديثابر حوثا آمين آمين ربّ العالمين ربّ موسى وهارون » ، ثمّ اجتذبها فرماها عن العين أربعين ذراعاً.

قال مالك بن الحارث الأشتر : فظهر لنا ماء أعذب من الشهد ، وأبرد من الثلج ، وأصفى من الياقوت ، فشربنا وسقينا ، ثمّ ردّ الصخرة ، وأمرنا أن نحثو عليها التراب.

ص: 63

ثمّ ارتحل ، فما سرنا إلاّ غير بعيد قال : « من منكم يعرف موضع العين »؟ فقلنا : كلّنا يا أمير المؤمنين ، فرجعنا فطلبنا العين ، فخفي مكانها علينا أشدّ خفاء ، فظننا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد رهقه العطش ، فأومأنا بأطرافنا ، فإذا نحن بصومعة راهب فدنونا منها ، فإذا نحن براهب قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، فقلنا : يا راهب عندك ماء نسقي منه صاحبنا؟

قال : عندي ماء قد استعذبته منذ يومين ، فأنزل إلينا ماء مرّاً خشناً ، فقلنا : هذا قد استعذبته منذ يومين؟ فكيف لو شربت من الماء الذي سقانا منه صاحبنا؟ وحدّثناه بالأمر ، فقال : صاحبكم هذا نبيّ؟ قلنا : لا ، ولكنّه وصيّ نبيّ.

فنزل إلينا بعد وحشته منّا ، وقال : انطلقوا بي إلى صاحبكم ، فانطلقنا به ، فلمّا بصر به أمير المؤمنين عليه السلام قال : « شمعون »؟ قال الراهب : نعم شمعون ، هذا اسم سمّتني به أُمّي ، ما أطلع عليه أحد إلاّ اللّه تبارك وتعالى ، ثمّ أنت ، فكيف عرفته؟ فأتمّ حتّى أتمّه لك.

قال : « وما تشاء يا شمعون »؟ قال : هذا العين واسمه ، قال : « هذا العين راحوما وهو من الجنّة ، شرب منه ثلاثمائة وثلاثة عشر وصيّاً ، وأنا آخر الوصيّين شربت منه ».

قال الراهب : هكذا وجدت في جميع كتب الإنجيل ، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه ، وأنّك وصيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله.

ثمّ رحل أمير المؤمنين عليه السلام والراهب يقدمه حتّى نزل بصفّين ، ونزل معه بعابدين ، والتقى الصفّان ، فكان أوّل من أصابته الشهادة الراهب ، فنزل أمير المؤمنين عليه السلام - وعيناه تهملان - وهو يقول : « المرء مع من أحبّ ، الراهب معنا يوم القيامة ، ورفيقي في الجنّة »(1).

ص: 64


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 251.

وعلّق العلاّمة المجلسيّ على هذه الرواية بقوله : « بيان : البلقع والبلقعة : الأرض القفر التي لا ماء بها »(1).

وقد روى هذه الواقعة أهل السير والتاريخ وبألفاظ مختلفة عمّا هنا ، والقصّة واحدة ، ولاشكّ أنّ عدم ضبط حروفه وكلماته واعجامه وإهماله يصعب علينا الطريق ، بل يعميه حتّى لو أردنا استشراف الكلمات من لغات أُخرى كالعبرية ، أو السريانية ، أو الآرية التي نحتمل أن يكون الدعاء بلغتهم.

وبين كلّ هذه النصوص فرق كبير ، لعلّ منشأه عدّة أُمور ، أهمّها : إنّ هذه ألفاظ كانت غريبة عن الرواة ، فتناقلتها الصدور ، ثمّ ضبطتها - كما سمعتها - السطور ، مع اختلاف طبيعي في المُسمع والسامع والكاتب ، هذا في كلّ طبقة طبقة من أسانيد الرواة ، إلى أن وصل الحال إلى المصادر مع اختلافها ، والطبعات وتعدّدها.

وهو أمر ظاهر في كلّ لفظ أجنبي أو غريب ، وحشي على السامع أو الناقل ، ويؤيّد ما ذكرناه ، أنا تابعنا ألفاظ الحديث فوجدناها مختلفة ، وقد قربت بعض كلماته عن بعض ، وفصلت عن آخر ، ممّا كان وليد ذاك أنّا لم نحصل على توافق في كلمة واحدة من الحديث.

نعم قد اتّفقت هذه الروايات على كلمة : « طاب طاب » و « عالم ».

ونجد ابن شهر آشوب عند تعداد أسماء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في الكتاب الكريم ، والكتب السماوية قال : ومنها العالم ، ثمّ قال : وفي الإنجيل : طاب طاب أحمد ، ويقال : يعني طيب طيب(2).

وورد أيضاً في كتاب الفضائل عن الواقدي - في حديث مفصّل - : جاء فيه خطاب جبرائيل عليه السلام لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « السلام عليك يا محمّد ، السلام عليك

ص: 65


1- بحار الأنوار33 / 41.
2- مناقب آل أبي طالب 1 / 132.

يا أحمد ... السلام عليك يا طاب يا طاب ، السلام عليك يا سيّد يا سيّد ... »(1).

ولعلّ في ما ذكر من ألفاظ الدعاء نوع إشارة خاصّة ، ورمز معيّن قصد به حلّ المشكلة ، لا أنّه دعاء عام يقرأ ويدعى به ، أو يستن به ويتابع عليه ، إذ لا يراد منه الحفظ ، أو التعلّم والتعليم.

وبعد كلّ هذا ، لا ننسى أنّ الهدف في نقل هذه الواقعة هو بيان إعجازها ، وذكر كرامة لسيّد الأوصياء عليه السلام فيها ، لا نقل الدعاء وضبطه كما لا يخفى.

هذا ، وإن جهلنا بأمثال هذه الأُمور لا يغيّر من الحقّ شيئاً.

( سلوى - الإمارات - سنّية )

منزلته عند اللّه ورسوله :

س : ماذا يعني لكم الصحابيّ علي عليه السلام؟ وهل هو بمنزلة أي صحابيّ آخر؟ أم أنّ له منزلة أُخرى؟ فإن كان الجواب بنعم ، فنريد أن نعرف السبب؟

ج : نحن نعتقد أنّ منزلة الصحابيّ علي بن أبي طالب عليه السلام عند اللّه تعالى وعند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تختلف عن منزلة بقية الصحابة ، باعتباره :

أوّلاً : إنّه خليفة النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالنصّ بخلاف الآخرين ، كما جاء في حديث الدار - « إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا »(2) - والأحاديث الأُخرى.

وثانياً : إنّ منزلته من النبيّ صلى اللّه عليه وآله كمنزلة هارون من موسى ، كما جاء في حديث المنزلة.

ص: 66


1- الفضائل : 33.
2- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 62 ، كنز العمّال 13 / 114 ، شرح نهج البلاغة 13 / 211 ، جواهر المطالب 1 / 80 ، جامع البيان 19 / 149 ، شواهد التنزيل 1 / 486 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 364 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 49 ، السيرة النبوية لابن كثير 1 / 459.

وثالثاً : إنّه عليه السلام وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، كما جاء في حديث الغدير وغيره.

ورابعاً : إنّه عليه السلام معصوم كالنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، كما جاء في آية التطهير ، وحديث الثقلين ، و ...

« علي حسن لاري - البحرين - 15 سنة - طالب ثانوية »

نزول ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ... ) فيه من مصادر سنّية :

س : لا يخفى علينا ولا عليكم أنّ الآية الكريمة : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ )(1) ، نزلت في مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، ولكن ما هو الدليل أو الأدلّة على ذلك من مصادر إخواننا أهل السنّة؟ شكراً والسلام.

ج : ورد ذلك في عدّة مصادر سنّية ، كتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ، وشواهد التنزيل للحسكاني ، وجواهر المطالب لابن الدمشقي ، ينابيع المودّة للقندوزي ، نور الأبصار للشبلنجي ، وغيرها(2).

( عبد الحميد شحو - المغرب - .... )

لم يحرق أحداً :

س : هل صحيح أنّ الإمام علي عليه السلام حرق بعض الأشخاص؟ ولماذا؟

ج : قد وردت بعض الروايات تشير إلى هذا الحادث في المجامع الحديثية عند الفريقين ، ولكن بأجمعها قابلة للنقاش في السند والدلالة ، وبما أنّها كذلك

ص: 67


1- البقرة : 207.
2- أُنظر : تاريخ مدينة دمشق 42 / 67 ، شواهد التنزيل 1 / 123 و 127 و 129 و 131 ، جواهر المطالب 1 / 217 ، ينابيع المودّة 1 / 274 ، نور الأبصار : 132.

فتفقد الحجّية ، ولا يمكن الاعتماد عليها ، والالتزام بمفادها.

هذا ، وقد جاءت أحاديث أُخرى مسلّمة الدلالة عند الفريقين تصرّح بحكم القتل في مورد المرتدّ - بشروط ذكرت في محلّها - فتنفي الإحراق ، وعليه فظاهر هذه الروايات متعارضة مع القسم الأوّل - إن فرضت صحّتها -.

ثمّ إنّ فتوى العلماء والأصحاب من القديم والحديث يرد الحرق ، ويؤيّد القتل بالنسبة للمرتدّ ، وهذا بدوره يكون موهناً من حيث الدلالة لروايات الحرق.

وبالجملة : فروايات الحرق مردودة سنداً ودلالة ، ومع التسليم والتنزّل فهي متعارضة مع روايات أُخرى مسلّمة السند والدلالة ، وأيضاً مع فتوى الفقهاء ، وأصحاب الرأي من الفريقين في حكم المرتدّ بأنّه القتل لا الحرق.

« .... - .... - ... »

معنى استغفاره لربّه :

س : يرجى الإجابة على هذا السؤال :

هل الإمام علي عليه السلام سأل اللّه تعالى أن يتغفر ذنوبه؟ وهل كان عنده ذنوب؟

ج : جاءت في بعض الأدعية عبارات قد توهم استغفار المعصومين عليهم السلام ، ولكن المقصود منها ليس كما يتوهّم ، لوجوه :

منها : إنّ أدلّة العصمة بأُسسها العقليّة والنقليّة قائمة في الموضوع ، فكلّما لا يوافق هذه الأدلّة يجب أن ينظر فيه ، فلا تنثلم بهذه الفقرات - أو أي مثال آخر - عصمة المعصومين عليهم السلام ، بل إنّها يجب أن تفسّر على ضوء العصمة.

ومنها : إنّ أمثال هذه العبارات هي كلمات تعليمية للآخرين ، حتّى يتعرّفوا على الطريقة الصحيحة في اتصالهم ببارئهم تعالى من إذلال أنفسهم ، والاعتراف بذنوبهم ، وسؤال المغفرة منه.

ص: 68

ومنها : إنّ المراد في أمثال هذه الموارد هو : رجاء نيل المراتب العليا من القربة لدى اللّه تعالى ، فكأنّما الإمام عليه السلام يرى تصرّفاته وتقلّباته في شؤون الحياة لا تليق للعرض على اللّه تعالى ، أو أنّ ترك الأولى بمنزلة الذنب في ساحة كبريائه عزّ وجلّ ، فهذا كلّه يوجب خضوع الإمام عليه السلام ، بحيث لا يرى لنفسه شأناً ، ولا لأعماله قدراً ، بل يحسب أنّ أعماله كلّها لا تساوي شيئاً ، وهذا منتهى الخضوع والخشوع.

« زائر .. - .... - .. »

قسيم الجنّة والنار :

س : وجدت هذا الحديث في كتيّب : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إذا جمع اللّه الأوّلين والآخرين يوم القيامة ، ونصب الصراط على جسر جهنم ، ما جازها أحد حتّى كانت معه براءة بولاية علي بن أبي طالب »(1).

فما المقصود من براءة بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام؟

وما حقيقة ما نسمعه من أنّ الإمام عليه السلام يحاسب الناس يوم القيامة ويدخلهم الجنّة؟

ج : المراد من البراءة أي صكّ البراءة من النار ، كما أنّ هذه الكلمة وردت في بعض الألفاظ الأُخرى لهذا الحديث ، وأيضاً ورد في الحديث لفظ الجواز : « لا يجوز أحد الصراط إلاّ من كتب له علي الجواز »(2) ، أي جواز مرور على الصراط.

وكلّ هذه الألفاظ تشير إلى معنى واحد وهو : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قسيم الجنّة والنار ، أي يميّز المؤمنين عن الكافرين والمنافقين ، ومن الطبيعي أن لا يدخل الجنّة إلاّ من كان قائلاً بولايته عليه السلام.

ص: 69


1- جواهر المطالب 1 / 88.
2- الرياض النضرة 3 / 118 ، ينابيع المودّة 2 / 404 و 3 / 230.

( مخلص - بريطانيا - .... )

مصادر تثبت ولادته في الكعبة :

اشارة

س : الإخوة الأعزاء في هذا المنتدى ، أُودّ أن تزوّدونا بالمصادر التي تثبت أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ولد في الكعبة ، وما حكم من ينكر هذه المنقبة له عليه السلام من الشيعة؟ وهل يعتبر ضالاً أم ماذا؟ وما رأي المراجع حفظهم اللّه في ذلك؟ ولكم الأجر الكثير.

ج : إنّ قضية ولادة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من القضايا التي تطابق على إثباتها الرواة ، وتضافر النقل لها ، وتواتر الأسانيد إليها ، ونقلتها مصادر الفريقين.

فمن مصادر أهل السنّة :

1 - المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوريّ ، حيث قال : « فقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولِِِدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في جوف الكعبة » (1).

2 - قال السيّد محمود الآلوسي - صاحب التفسير - في شرح الخريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية لعبد الباقي أفندي العمري عند قوله :

أنت العلي الذي فوق العلى رفعاً *** ببطن مكّة عند البيت إذ وضعا

فقال : « وكون الأمير كرّم اللّه وجهه ولد في البيت أمر مشهور في الدنيا ، وذكر في كتب الفريقين السنّة والشيعة … » (2).

وللمزيد حول ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة راجع : إزالة الخفاء (3) ،

ص: 70


1- المستدرك 3 / 483.
2- الغدير 6 / 22.
3- إزالة الخفاء 4 / 406.

الفصول المهمّة(1) ، مطالب السؤول(2) ، نور الأبصار(3) ، نظم درر السمطين(4) ، مناقب الإمام علي(5) ، وغيرها من المصادر(6).

وأمّا من مصادر الشيعة فراجع : الأمالي للشيخ الصدوق ، والأمالي للشيخ الطوسيّ ، والإرشاد ، وغيرها من المصادر(7).

وقد أجاد العلاّمة الأوردبادي حيث أفرد لهذا الموضوع كتاباً مستقلاً ، سمّاه « علي وليد الكعبة » ، أثبت فيه هذا الموضوع بالأدلّة النقليّة المتواترة.

وأمّا بالنسبة إلى حكم من أنكر هذه المنقبة فنقول : المنكر لمثل هذه المنقبة إن كان جاهلاً ، أو كان إنكاره عن شبهة ، فعلينا أن نرشده ونزيل الشبهة منه ، وإن كان من أهل العلم ، فإنّ إنكاره لمثل هذه المنقبة التي يعترف بها حتّى المخالف ، إنّما يكون لمرض في قلبه ، نسأل اللّه تعالى السلامة والعافية.

« ... - .... - .... »

ولايته شرط لقبول الأعمال :

س : أُريد منكم توضيح معنى كلمة أمير المؤمنين عليه السلام : « أنا الذي لا تقبل الأعمال إلاّ بولايتي ».

ص: 71


1- الفصول المهمّة : 30.
2- مطالب السؤول 1 / 51.
3- نور الأبصار : 116.
4- نظم درر السمطين : 80.
5- مناقب الإمام علي : 58.
6- أُنظر : كفاية الطالب : 407 ، تذكرة الخواص : 20.
7- منتهى المطلب 2 / 889 ، تحرير الأحكام 1 / 131 و 2 / 120 ، خصائص الأئمّة : 39 ، روضة الواعظين : 76 و 81 ، مناقب آل أبي طالب 2 / 22 و 45 و 3 / 38 و 48 و 59 و 91 ، المزار الكبير : 207 ، الفضائل : 56 ، إقبال الأعمال 3 / 131 ، المزار للشهيد الأوّل : 91 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 195 ، معاني الأخبار : 62 ، الأمالي للشيخ الطوسيّ : 707 ، كشف الغمّة 1 / 61 ، كشف اليقين : 18 ، المقنعة : 461 ، السرائر 3 / 566 ، تهذيب الأحكام 6 / 19 ، الإرشاد 1 / 5 ، العمدة : 8 ، إعلام الورى 1 / 306.

ج : لم نجد مصدراً لهذه الرواية بهذا اللفظ ، وإن كان معناه صحيحاً ، وفيه وردت روايات كثيرة ، وتوضيحه كالتالي :

إنّ الولاية تعني اتباع الإمام وطاعته ، ومعلوم أنّ التكاليف والأحكام عموماً لا تعرف إلاّ عن طريق الإمام ، فاتباعه بمعنى اتباع ما أوضحه من أحكام ، وما بيّنه من تكاليف ، فإذا شذّ الإنسان عن اتباع الإمام وطاعته ، فسوف يسلك سبيلاً آخر يأخذ من خلاله أحكاماً لا تنسب إلى اللّه تعالى ، إذ الإمام منصوب من قبل اللّه تعالى بواسطة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فكلّ ما يفرضه الإمام مفروض من قبل اللّه تعالى ؛ حاكياً عن الواقع الذي لا التباس فيه ، واتباع غير الإمام لا يعني إلاّ اتباع وليجةٍ من دون اللّه ، وطريقاً غير الواقع ، قال تعالى : ( وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) (1).

قال الإمام الباقر عليه السلام في صحيحة أبي الصباح الكنانيّ : « إيّاكم والولائج ، فإنّ كلّ وليجة دوننا فهي طاغوت »(2) ، ومعلوم أنّ معنى الوليجة هي الدخيلة أو الجهة ، فاتخاذ أيّة جهة دونهم لا يعني إلاّ الانحراف عن الصراط واتباع الطاغوت.

عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد أيّام خلافة عثمان : « فأنشدكم اللّه عزّ وجلّ أتعلمون حيث نزلت : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (3) ، وحيث نزلت : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (4) ، وحيث نزلت : ( وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) (5)؟ قال الناس : يا رسول

ص: 72


1- التوبة : 16.
2- تفسير العيّاشي 2 / 83 ، تفسير نور الثقلين 2 / 191.
3- النساء : 59.
4- المائدة : 55.
5- التوبة : 16.

اللّه : أهذه خاصّة في بعض المؤمنين أم عامّة لجميعهم؟

فأمر اللّه عزّ وجلّ نبيّه صلى اللّه عليه وآله أن يعلمهم ولاة أمرهم ، وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم وزكاتهم ، وصومهم وحجّهم ، فنصبني للناس بغدير خم »(1).

عن الإمام الصادق عن أبيه عليهما السلام قال : « نزل جبرائيل على النبيّ صلى اللّه عليه وآله فقال : يا محمّد ، السلام يقرئك السلام ، ويقول : خلقت السماوات السبع وما فيهن ، والأرضين السبع وما عليهنّ ، وما خلقت خلقاً أعظم من الركن والمقام ، ولو أنّ عبداً دعاني هناك منذ خلقت السماوات والأرضين ، ثمّ لقيني جاحداً لولاية علي لأكببته في سقر »(2).

وعن الإمام الصادق عليه السلام كذلك قال : « إنّ أوّل ما يسأل العبد إذا وقف بين يدي اللّه جلّ جلاله الصلوات المفروضات ، وعن الزكاة المفروضة ، وعن الصيام المفروض ، وعن الحجّ المفروض ، وعن ولايتنا أهل البيت ، فإن أقرّ بولايتنا ثمّ مات عليها قبلت منه صلاته وصومه وزكاته وحجّه ، وإن لم يقرّ بولايتنا بين يدي اللّه جلّ جلاله ، لم يقبل اللّه عزّ وجلّ منه شيئاً من أعماله »(3).

وبذلك تبيّن : أنّ ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وأهل بيته من بعده تأطّر أعمال الشخص ، دون أن تزيغ أو تنحرف عن الواقع ، وعن حكم اللّه تعالى ، وبهذا يمكن تفسير قول أمير المؤمنين عليه السلام.

جعلنا اللّه وإيّاكم من المتمسّكين بولايته ، والسائرين على نهجه.

ص: 73


1- كمال الدين وتمام النعمة : 276 ، تفسير نور الثقلين 1 / 505 و 644 و 2 / 192 و 500 ، ينابيع المودّة 1 / 346.
2- المحاسن 1 / 90 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 573 ، ثواب الأعمال : 210 ، روضة الواعظين : 126.
3- الأمالي للشيخ الصدوق : 328 ، روضة الواعظين : 318.

( هادي الفقيه - أمريكا - 21 سنة - هندسة الحاسبات )

نوره ونور النبيّ واحد :

س : أُريد أن أعرف حول حديث النور ، ما جاء فيه وكلّ شيء حوله؟ فأرجو الإجابة.

ج : هو حديث طويل ، ذكر فيه أمير المؤمنين عليه السلام كلاماً شريفاً حول النورانية ، وكيف أنّ اللّه تعالى قد خلقه عليه السلام ، وخلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من نور واحد.

روى العلاّمة المجلسيّ ( قدس سره ) : أنّ سلماناً وجندباً سألا أمير المؤمنين عليه السلام عن النورانية فقال : « كنت أنا ومحمّد نوراً واحداً من نور اللّه عزّ وجلّ ، فأمر اللّه تبارك وتعالى ذلك النور أن يشقّ ، فقال للنصف : كن محمّداً ، وقال للنصف : كن علياً ، فمنها قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : علي منّي وأنا من علي ، ولا يؤدّي عنّي إلاّ علي ، وقد وجّه أبا بكر ببراءة إلى مكّة ، فنزل جبرائيل عليه السلام ، فقال : يا محمّد ، قال : لبيك ، قال : إنّ اللّه يأمرك أن تؤدّيها أنت أو رجل عنك ، فوجّهني في استرداد أبي بكر ، فرددته فوجد في نفسه ، وقال : يا رسول اللّه ، أنزل فيّ القرآن؟ قال : لا ، ولكن لا يؤدّي إلاّ أنا وعلي ».

« يا سلمان ويا جندب » ، قالا : لبيك يا أخا رسول اللّه ، قال عليه السلام : « من لا يصلح لحمل صحيفة يؤدّيها عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كيف يصلح للإمامة؟

يا سلمان ويا جندب ، فأنا ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كنّا نوراً واحداً ، صار رسول اللّه محمّد المصطفى ، وصرت أنا وصيّه المرتضى ، وصار محمّد الناطق ، وصرت أنا الصامت ، وإنّه لابدّ في كلّ عصر من الإعصار أن يكون فيه ناطق وصامت.

يا سلمان صار محمّد المنذر ، وصرت أنا الهادي ، وذلك قوله عزّ وجلّ :

ص: 74

( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (1) ، فرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله المنذر ، وأنا الهادي » (2).

ثمّ إنّ الشيعة لم يتفرّدوا في هذه المرويات ، بل روى ذلك جمع من علماء السنّة ، منهم : الكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب (3) ، ابن المغازليّ في مناقب علي بن أبي طالب (4) ، سبط بن الجوزيّ في تذكرة الخواص (5) ، ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (6) ، الطبري في الرياض النضرة (7) ، القندوزيّ الشافعيّ في ينابيع المودّة (8) ، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (9) ، وابن الدمشقيّ في جواهر المطالب (10).

هذه بعض مصادر علماء السنّة نقلناها ، وعليك بمتابعة الباقي فضلاً عن مصادرنا الشيعيّة.

( الهادي ........ )

صك البراءة بيده من مصادر سنّية :

س : هل هذه الرواية موجودة في كتب أهل السنّة؟ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إذا جمع اللّه الأوّلين والآخرين يوم القيامة ، ونصب الصراط على جسر جهنّم

ص: 75


1- الرعد : 7.
2- بحار الأنوار 26 / 3.
3- كفاية الطالب : 314.
4- مناقب الإمام علي : 120.
5- تذكرة الخواص : 51.
6- شرح نهج البلاغة 9 / 171.
7- الرياض النضرة 3 / 103.
8- ينابيع المودّة 1 / 47 و 2 / 307.
9- تاريخ مدينة دمشق 42 / 67.
10- جواهر المطالب 1 / 61.

ما جازها أحد حتّى كانت معه براءة بولاية علي بن أبي طالب ».

أُريد ذكر تمام المصادر ، أو أكثرها ، وشكراً.

ج : قد ذكرت هذه الرواية في عدّة مصادر لأهل السنّة ، وبألفاظ مختلفة ، منها مثلاً : الرياض النضرة للطبريّ(1) ، الصواعق المحرقة لابن حجر(2) ، وغيرهما من المصادر(3).

هذا ، وقد روى هذا الحديث كلاً من الإمام علي عليه السلام ، وأنس ، وأبي بكر ، وأبي سعيد الخدريّ ، وابن عباس ، وعبد اللّه بن مسعود.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

معنى قوله : أنا الأوّل وأنا الآخر :

س : أيّها الأساتذة الكرام ، عندي تساؤل عن قول الإمام علي عليه السلام : « وأنا الأوّل وأنا الآخر ، وأنا الظاهر وأنا الباطن ، وأنا وارث الأرض »(4).

ج : الوراثة على قسمين : وراثة ملكية ، كأن يورث الأب ولده قطعة من الأرض ، أو أي شيء آخر يتملّكه الإنسان ، ووراثة ملكوتية معنوية ، كوراثة الإمام المعصوم للأرض ، فإنّ زمام أُمورها في الواقع والباطن ، وفي ملكوتها وحكومتها إنّما هي بيد الإمام المعصوم عليه السلام - أعم من النبيّ أو الوصيّ عليهما السلام - وأمير المؤمنين علي عليه السلام هو سيّد الأوصياء ، فهو وارث الأرض ، والحاكم عليها في ملكوتها بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وكذلك الأئمّة من بعده يرثون الأرض ، كلّ هذا بإذن اللّه ، فإنّ اللّه جعل لهم الأرض ، وأورثهم مقاليدها ، وحكومة ملكوتها وباطنها.

ص: 76


1- الرياض النضرة 3 / 118.
2- الصواعق المحرقة 2 / 369.
3- أُنظر : ينابيع المودّة 1 / 335 ، مناقب الإمام علي : 140 و 147 و 218 ، تاريخ بغداد 3 / 380 و 10 / 355 ، تاريخ مدينة دمشق 44 / 254.
4- اختيار معرفة الرجال 2 / 471.

وأمّا قوله عليه السلام : « أنا الأوّل أنا الآخر » ، فله معان كما يذكرها علماء الحديث ، منها : أنّه أوّل من آمن برسول اللّه في عالم الأنوار والأرواح والذرّ ، وكذلك في الدنيا فهو أوّل من اسلم به ، كما هو الآخر لرسول اللّه ، فإنّه آخر من كان مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وقد فاضت روحه الشريفة في حجر أمير المؤمنين عليه السلام ، فهو الأوّل وهو الآخر مع النبيّ الأعظم محمّد صلى اللّه عليه وآله.

وأمّا قوله عليه السلام : « وأنا الظاهر وأنا الباطن » ، فكذلك يحمل معاني دقيقة ، لا يلقّاها إلاّ ذو حظّ عظيم ، إلاّ أنّه من المعاني المألوفة كما ورد في الروايات عنه عليه السلام : أنّه الظاهر مع النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله في نصرته وتأييده ، والباطن مع الأنبياء من آدم إلى الخاتم في نصرتهم بولايته العظمى التي أعطاها اللّه سبحانه إيّاه ، فهو مع الأنبياء في الباطن فهو الباطن ، ومع النبيّ في الظاهر فهو الظاهر.

وإذا أردت بعض المعاني الأُخرى فراجع كتاب « الأسرار العلوية » للشيخ محمّد فاضل المسعوديّ ، وغيره.

( أحمد - فرنسا - ... )

دابة الأرض :

س : ما هي دابة الأرض المذكورة في علامات الساعة؟

ج : إنّ دابة الأرض هي : الإمام علي عليه السلام ، كما ورد ذلك في رواياتنا :

فعن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « انتهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد ، قد جمع رملاً ، ووضع رأسه عليه ، فحرّكه برجله ، ثمّ قال : قم يا دابة الأرض.

فقال رجل من أصحابه : يا رسول اللّه أيسمّى بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟

فقال : لا واللّه ، ما هو إلاّ له خاصّة ، وهو الدابة الذي ذكره اللّه في كتابه ، فقال عزّ وجلّ : ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ

ص: 77

تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ ) (1).

ثمّ قال صلى اللّه عليه وآله : إذا كان آخر الزمان أخرجك اللّه في أحسن صورة ، ومعك ميسم تسم به أعدائك »(2).

وفي رواية أُخرى عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً : « قال رجل لعمّار بن ياسر : يا أبا اليقضان ، إنّ آية في كتاب اللّه أفسدت قلبي وشكّكتني؟

قال : وأية آية هي؟

قال : قول اللّه : ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ ) فأية دابّة هي؟

قال عمّار : واللّه ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتّى أُريكها ، فجاء عمّار مع الرجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو يأكل تمراً وزبداً ، فقال له : يا أبا اليقضان : هلم ، فجلس عمّار ، وأقبل يأكل معه ، فتعجّب الرجل منه ، فلمّا قام عمّار ، قال له الرجل : سبحان اللّه يا أبا اليقضان ، حلفت أنّك لا تأكل ، ولا تشرب ، ولا تجلس ، حتّى ترينيها ، قال عمّار : قد أريتكها إن كنت تعقل »(3).

( معاذ - الأردن - سنّي - 33 سنة. طالب جامعة )

مصادر سبّه من قبل الأمويّيّن :

س : إنّ بعض الناس هنا تنكر أنّ الأمويّين كانوا يشتمون علياً على المنابر؟ فهل ورد هذا الأمر في كتب أهل السنّة؟

حسب معلوماتي أنّي قرأت شيئاً من هذا القبيل ، بل حتّى أنّهم كانوا يشتمونه في دعاء القنوت ، فما مدى صحّة ذلك؟ وهل كان الشتم منتشراً ، أم

ص: 78


1- النمل : 82.
2- تفسير القمّيّ 2 / 130.
3- المصدر السابق 2 / 131.

أنّه حدث في حالات معيّنة ومحدودة؟

ج : إنّ التاريخ يشهد بأنّ الأمويّين - وابتداءً من معاوية - قد روّجوا هذه البدعة المحرّمة ، وعلى سبيل المثال ، نذكر بعض النماذج :

1 - لعن علي بن أبي طالب عليه السلام على منابر الشرق والغرب ، ولم يلعن على منبرها - أي سجستان - إلاّ مرّة ، وامتنعوا على بني أُمية ... وهو يلعن على منابر الحرمين مكّة والمدينة(1).

2 - وكتبت أُمّ سلمة زوج النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلى معاوية : « إنّكم تلعنون اللّه ورسوله على منابركم ، وذلك أنّكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبّه ، وأنا أشهد أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أحبّه ، واللّه أحبّه ، فلم يلتفت معاوية إلى كلامها »(2).

3 - إنّ معاوية كان يقول في آخر خطبته : اللّهم إنّ أبا تراب ألحد في دينك ، وصدّ عن سبيلك ، فالعنه لعناً وبيلاً ، وعذّبه عذاباً أليماً.

وكتب بذلك إلى الآفاق ، فكانت هذه الكلمات يشار بها على المنابر إلى أيّام عمر بن عبد العزيز ....

وروى أبو عثمان أيضاً : إنّ قوماً من بني أُمية قالوا لمعاوية : يا أمير المؤمنين ، إنّك قد بلغت ما أملت ، فلو كففت عن هذا الرجل! فقال : لا واللّه ، حتّى يربو عليه الصغير ، ويهرم عليه الكبير ، ولا يذكر له ذاكر فضلاً(3).

4 - إنّ بني أُمية لعنوا علياً على منابرهم سبعين سنة ، بما سنّه لهم معاوية من ذلك(4).

5 - إنّ معاوية بن أبي سفيان لمّا ولّى المغيرة بن شعبة الكوفة في سنة 41 ه- دعاه ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال له : ... ولست تاركاً إيصاءك بخصلة :

ص: 79


1- معجم البلدان 3 / 191.
2- جواهر المطالب 2 / 228.
3- شرح نهج البلاغة 4 / 57.
4- ربيع الأبرار 2 / 186.

لا تتحم عن شتم علي وذمّه ... والعيب على أصحاب علي والإقصاء لهم ، وترك الاستماع منهم ، ... وأقام المغيرة على الكوفة عاملاً لمعاوية ، سبع سنين وأشهراً ، وهو من أحسن شيء سيرة ، وأشدّه حبّاً للعافية ، غير أنّه لا يدع ذمّ علي والوقوع فيه(1).

6 - روى أهل السيرة : أنّ الوليد بن عبد الملك في خلافته ، ذكر علياً عليه السلام لعنه اللّه - بالجر - كان لصّ ابن لصّ(2).

7 - وذكر المبرّد في الكامل : « إنّ خالد بن عبد اللّه القسريّ لمّا كان أمير العراق في خلافة هشام ، كان يلعن علياً عليه السلام على المنبر ، فيقول : اللّهم اللعن علي بن أبي طالب ... »(3).

8 - ودخل عليه - أي على خالد القسريّ - فراس بن جعدة بن هبيرة ، وبين يديه نبق ، فقال له : العن علي بن أبي طالب ، ولك بكل نبقة ديناراً ...(4).

9 - فرأى - أي خالد القسري - يوماً عكرمة ، مولى ابن عباس ، وعلى رأسه عمامة سوداء ، فقال : إنّه بلغني أنّ هذا العبد يشبه علي بن أبي طالب ، وأنّي لأرجو أن يسوّد اللّه وجهه ، كما سوّد وجه ذاك(5).

10 - وأخبرني ابن شهاب بن عبد اللّه قال : قال لي خالد القسريّ : ... واكتب لي السيرة. فقلت له : فإنّه يمر بي الشيء من سير علي بن أبي طالب عليه السلام فأذكره ، فقال : لا ، إلاّ أن تراه في قعر الجحيم(6).

وأخيراً : فهذا غيض من فيض ، ولعلّ المتتبع للتاريخ والسير يعثر على زلاّت

ص: 80


1- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 188.
2- شرح نهج البلاغة 4 / 58.
3- المصدر السابق 4 / 57.
4- الأغاني 11 / 282.
5- المصدر السابق 11 / 283.
6- المصدر السابق 11 / 281.

الأمويّين في هذا المجال ، أكثر ممّا ذكرناه.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

خير البشر فمن أبى فقد كفر :

س : ما معنى : « علي خير البشر ، فمن أبى فقد كفر »(1) ، هل صحيح من أبى ذلك فقد كفر؟

ج : الكفر لغةً بمعنى الستر ( يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) (2) أي يسترها ويغفرها ، ويأتي الكفر بمعنى الجحود أيضاً وبمعان أُخرى ، والكفر اصطلاحاً : بمعنى الإلحاد باللّه ، أو عدم الإيمان بخاتم الأنبياء ، وهذا يعني أنّه يستر على الحقّ ، فإنّ اللّه هو الحقّ.

ثمّ من الحقّ الثابت نبوّة خاتم الأنبياء محمّد صلى اللّه عليه وآله ، فمن لم يؤمن به فقد كفر ، وقد ثبت بقول اللّه ورسوله بالنصوص القرآنية والروائية أنّ أمير المؤمنين علي عليه السلام هو خير البشر بعد رسول اللّه ، فإنّ الرسول هو أشرف خلق اللّه ، وعلي عليه السلام بنصّ آية المباهلة هو نفس الرسول صلى اللّه عليه وآله ، فيكون أشرف خلق اللّه بعد رسوله ، فهو خير البشر ، ومن أبى عن هذا الحقّ فقد كفر ، وستر ما هو الحقّ ، فهو كافر بحقّ الإمام والإمامة والخلافة الحقّة ، كما أنّ من لم يؤمن برسول اللّه فهو كافر بحقّ النبيّ والنبوّة ، كما أنّ من لم يؤمن باللّه فهو كافر بحقّ اللّه والتوحيد ، فيكون بهذا المعنى من الكفر في العقيدة الصحيحة والتامّة.

فإنّ الإمامة والإيمان بالولاية من العقيدة السليمة والتامّة بصريح القرآن

ص: 81


1- علل الشرائع 1 / 142 ، تاريخ بغداد 7 / 433 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 372 ، إعلام الورى 1 / 319 ، ينابيع المودّة 2 / 78.
2- التحريم : 8.

الكريم ، وآية الإكمال ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (1) ، وشأن نزولها كما عند المفسّرين هو قضية الغدير الثابت متواتراً ، فمن أبى فقد كفر بأصل من أُصول الدين الإسلامي ، وهي الإمامة الحقّة.

ويحتمل أن يكون الكفر في الحديث الشريف من الكفر العملي ، فإنّ قول علي خير البشر من الولاية ، وأعظم نعمة هي نعمة الولاية ( وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) ، والولاية لها شعب ، منها : الحُبّ المقارن مع الطاعة ، فيلزمهما العمل الصالح ، فمن أبى الولاية ومظاهرها وشعائرها ، ومقولاتها ومعانيها ، ومنها « علي خير البشر » فقد كفر وجحد بنعمة اللّه ، فهو كافر في مقام العمل.

( أبو الصادق - فلسطين - سنّيّ - 20 سنة - هندسة تحكّم )

مصادر حديث علي وشيعته هم الفائزون :

س : أين أجد حديث الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله - والذي روته أُمّ سلمة : « علي وشيعته هم الفائزون يوم القيامة » - في كتب السنّة والشيعة؟

ج : لا يخفى عليك أنّ هذا الحديث ورد بعدّة ألفاظ ، وبأسانيد مختلفة - عن أُمّ سلمة ، وابن عباس ، وجابر الأنصاريّ ، وغيرهم - ولكن مضمونها واحد ، وهو : أنّ علياً عليه السلام وشيعته هم الفائزون يوم القيامة(2).

كما لايخفى عليك أيضاً ، أنّ هذا الحديث ورد في مصادر كثيرة للفريقين.

ص: 82


1- المائدة : 3.
2- الأمالي للشيخ الصدوق : 524 ، الإرشاد 1 / 41 ، شواهد التنزيل 2 / 467 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 333 ، أنساب الأشراف : 182 ، ينابيع المودّة 1 / 173 و 197 و 2 / 78 و 245 و 312 ، الدرّ المنثور 6 / 379 ، فتح القدير 5 / 477 ، نور الأبصار : 119 ، المعجم الأوسط 6 / 354 ، مجمع الزوائد 10 / 21 ، نظم درر السمطين : 92 ، كنز العمّال 13 / 156 ، الصحاح 1 / 397 ، النهاية في غريب الحديث 4 / 106 ، لسان العرب 2 / 566 ، تاج العروس 2 / 209.

« .... - ....... »

معنى حبّه حسنة لا تضرّ معها سيئة :

س : أُودّ الاستفادة إذا سمحتم لي ، يقال في الإمام علي عليه السلام : إنّ حبّه حسنة لا تضرّ معها سيئة.

ما هو المقصود بذلك؟ هل يعني أنّه يكفي محبّة الإمام عليه السلام بدون صلاة؟ وهذا من المنظور السطحي ، أم محبّة الإمام مقرونة بالأعمال الحسنة ، وليست السيئة؟

ج : لقد استفاضت الأخبار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « حبّ علي حسنة لا تضرّ معها سيئة ، وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة »(1).

وهناك عدّة تأويلات ذكرت لهذا الخبر :

منها : عن الشهيد الثاني ( قدس سره ) : « حمله على المحبّة الحقيقيّة الكاملة ، وهي توجب عدم ملابسة شيء من الذنوب البتة ، لأنّ المحبّ الحقيقيّ يؤثر رضا المحبوب كيف كان.

ولاشكّ أنّ رضا علي عليه السلام في ترك المحرّمات والقيام بالواجبات ، فمحبّة علي الحقيقيّة تؤثّر لأجل ذلك ، فلا يفعل ما يوجب النار فيدخل الجنّة ، ومن خالف هوى محبوبه فمحبّته معلولة »(2).

ومنها : عن علي بن يونس العامليّ ( قدس سره ) : « إنّ من أحبّ علياً لا يخرج من الدنيا إلاّ بتوبة تكفّر سيئاته ، فتكون ولايته خاتمة عمله ، ومن لم يوفّق للتوبة ابتلى بغمّ في نفسه ، أو حزن في ماله ، أو تعسير في خروج روحه ، حتّى يخرج من الدنيا ولا ذنب له يؤاخذ به »(3).

ص: 83


1- ينابيع المودّة 2 / 75 و 292 ، فردوس الأخبار : 347.
2- رسالة في العدالة : 227.
3- الصراط المستقيم 1 / 199.

ومنها : عن الشيخ المفيد ( قدس سره ) : « إنّ اللّه تعالى آلى على نفسه أن لا يطعم النار لحم رجل أحبّ علياً عليه السلام ، وإن ارتكب الذنوب الموبقات ، وأراد اللّه أن يعذّبه عليها ، كان ذلك في البرزخ ، وهو القبر ومدّته ، حتّى إذا ورد القيامة وردها وهو سالم من عذاب اللّه ، فصارت ذنوبه لا تضرّه ضرراً يدخله النار »(1).

ومنها : عن بعض الأعاظم ، نقله الشيخ الماحوزيّ : « إنّ محبّة علي عليه السلام توجب الإيمان الخاصّ ، والتشيّع بقول مطلق ، وحينئذ لا يضرّ معه سيئة ، لأنّ العصيان في غير الأُصول الخمسة لا يوجب الخلود في النار ، بل المفهوم من أخبارنا الواردة عن أئمّتنا عليهم السلام : إنّ ذنوب الشيعة الإمامية مغفورة »(2).

ومنها : عن ابن جبر ( قدس سره ) : « لمّا كان حبّه هو الإيمان باللّه تعالى وبغضه هو الكفر استحقّ محبّه الثواب الدائم ، ومبغضه العذاب الدائم ، فإن قارن هذه المحبّة سيئة استحقّ بها عقاباً منقطعاً ، ومع ذلك يرجى له عفو من اللّه تعالى ، أو شفاعة من الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وكلّ شيء قلّ ضرره بإضافته إلى ما كثر ضرره ، جاز أن يقال : إنّه غير ضارّ ، كما يقال : لا ضرر على من يحبّ نفسه في مهلكة ، وإن تلف ماله.

فحبّه عليه السلام يصحّح العقيدة ، وصحّة العقيدة تمنع من الخلود ، فلا تضرّ سيئته كلّ الضرر ، وبغضه يفسدها ، وفسادها يوجب الخلود ، ويحبط كلّ حسنة »(3).

ومنها : عن الشيخ الطريحي : « الظاهر أنّ المراد بالحبّ الحبّ الكامل المضاف إليه سائر الأعمال ، لأنّه هو الإيمان الكامل حقيقة ، وأمّا ما عداه فمجاز ، وإذا كان حبّه إيماناً وبغضه كفراً ، فلا يضرّ مع الإيمان الكامل سيئة ، بل تغفر إكراماً لعلي عليه السلام ، ولا تنفع مع عدمه حسنة إذ لا حسنة مع عدم الإيمان »(4).

ص: 84


1- الأربعين : 105 عن الإرشاد.
2- الأربعين : 105.
3- نهج الإيمان : 449.
4- مجمع البحرين 1 / 442.

هذه بعض التأويلات وبها نكتفي.

( نور - دبي - 24 سنة - طالب )

تشخيص قبره وبنائه :

س : من هو أوّل من وضع علامة على قبر أمير المؤمنين عليه السلام؟ ومن هو نصب الضريح وبنى القبة؟

ج : بعد شهادة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة تولّى الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام تغسيله وتكفينه ودفنه في الغريّ ، وقد عفّيا موضع قبره عليه السلام بوصية كانت منه إليهما ، لما كان يعلمه من عدواة بني أُمية له ، وما ينتهون إليه من سوء نيّاتهم.

فلم يزل قبره عليه السلام مخفيّاً حتّى دلّ عليه الإمام الصادق عليه السلام في زمن الدولة العباسيّة ، وحينها أخذت الشيعة تأتي إلى زيارته عليه السلام.

وقال ابن الدمشقي : « وقيل : إنّ الرشيد خرج يوماً إلى الصيد ، فأتى إلى موضع قبره الآن ، فأرسل فهداً على صيد ، فتبع الفهد الصيد إلى موضع القبر ، فوقف ولم يتجاوزه ، فعجب الرشيد من ذلك ، فحضر إليه رجل وقال : يا أمير المؤمنين مالي من كرامة إن دللتك على قبر علي بن أبي طالب؟

قال : كلّ كرامة.

قال : هذا قبره.

قال : من أين علمت ذلك؟

قال : كنت أخرج إليه مع أبي فيزوره ، وأخبرني أنّه كان يجيء مع جعفر الصادق فيزوه ، وإنّ جعفراً كان يجيء مع أبيه محمّد الباقر فيزوره ، وأن محمّداً كان يجيء مع علي بن الحسين فيزوره ، وأنّ الحسين أعلمهم أنّ هذا قبره.

ص: 85

فتقدّم الرشيد بأن يحجّر ويبنى عليه ، فكان أوّل من بنى عليه هو ، ثمّ تزايد البناء » (1).

وحكم الرشيد بين سنة 170ه- - 193 ه- ..

ولكن السيّد ابن طاووس يذهب إلى أنّ أوّل من وضع صندوقاً على قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام هو داود بن علي العباسيّ ، المتوفّى 133 ه. (2).

والظاهر أنّ أوّل من بيّن قبر الإمام عليه السلام هو الإمام الصادق عليه السلام ، وأوّل من وضع ضريحاً - صندوقاً - على قبره عليه السلام هو داود بن علي العباسيّ ، وأوّل من أمر ببناء قبّة على قبره عليه السلام هو هارون الرشيد.

( السيّد الموسوي - ........ )

كان في صلح الحديبية :

س : هل كان الإمام علي عليه السلام في صلح الحديبية أم لا؟

ج : لقد كان الإمام علي عليه السلام موجوداً في صلح الحديبية ، فقد روي البخاريّ عن أبي إسحاق قال : « حدّثني البراة : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لمّا أراد أن يعتمر أرسل إلى أهل مكّة يستأذنهم ليدخل مكّة ، فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها إلاّ ثلاث ليال ، ولا يدخلها بجلبان السلاح ، ولا يدعو منهم أحداً ، قال : فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب ، فكتب : « هذا ما قاضى عليه محمّد رسول اللّه » ، فقالوا : لو علمنا أنّك رسول اللّه لم نمنعك ولبايعناك ، ولكن أكتب هذا ما قاضى عليه محمّد بن عبد اللّه.

فقال : « أنا واللّه محمّد بن عبد اللّه ، وأنا واللّه رسول اللّه » ، قال : وكان لا يكتب ، قال : فقال لعلي : « امح رسول اللّه » ، فقال علي : « واللّه لا أمحوه

ص: 86


1- جواهر المطالب 2 / 114.
2- فرحة الغريّ : 16.

أبداً » ، قال : فأرينه ، قال : فأراه إيّاه ، فمحاه النبيّ صلى اللّه عليه وآله بيده » (1).

( سلام حسن - العراق - طالب علم )

طالب بحقّه :

س : سؤالي هو استيضاح لإشكال علق في ذهني ، مفاده : إنّا حين نسأل عن سبب عدم مطالبة الإمام علي عليه السلام بحقّه ، وعدم خروجه على من غصب حقّه ، يرد الجواب المعروف : أنّه لم يفعل ذلك حفاظاً على بيضة الإسلام ووحدته ، ولكن نرى أوّلاً : إنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قد خرج - ولو لبعض الشيء - على الخلافة المزيّفة ، كما نقل لنا التاريخ ذلك في قصّة نفي الصحابيّ الجليل أبو ذر الغفاري عليه السلام ، وكذلك الخطبة الشقشقية ، ومواقف أُخرى أنتم أكثر منّي اطلاعاً عليها.

وأمّا ثانياً : فإنّا نشاهد بحسب الواقع اليوم : أنّ ما عليه المسلمون من تخلّف اليوم ، يرجع بشكل واضح لتلك الرزايا الأُولى من غصب الخلافة ، فأقول : - وأرجو السماح من الإمام أوّلاً ومنكم ثانياً - لو أنّ الإمام طالب بحقّه جهراً وبقوّة لما حدث ما حدث.

أرجو أن توضّحوا لي هذا الاستفسار بشكل مبسّط ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على محمّد وآله الميامين.

ج : نوضّح الجواب بنقاط :

1 - إنّ جوابنا بأنّ الإمام لم يفعل ذلك حفاظاً على بيضة الإسلام هو جواب على سبب عدم قتال أمير المؤمنين عليه السلام لمن غصب حقّه ، وليس جواب عن السؤال عن سبب عدم مطالبته بحقّه.

2 - نحن لا نقول : إنّ الإمام عليه السلام لم يطالب بحقّه - كما هو مفروض السؤال -

ص: 87


1- صحيح البخاريّ 4 / 71.

فهناك تسرّع لدى السائل أو غيره ، وإنّما الصحيح أنّ الإمام عليه السلام لم يقاتل ، لأنّ قتاله كان سيضرّ بالإسلام ويضعفه ، وأيضاً لا يصل لحقّه منه لقلّة أنصاره.

ولكن هذا غير المطالبة بالحقّ بالوسائل الأُخرى المتاحة ، والتي ليس فيها ضرر لإلقاء الحجّة على الغاصبين ، والمسلمين الآخرين ، والأجيال اللاحقة من المسلمين.

فإنّ الإمام عليه السلام استخدم في المطالبة بحقّه مختلف الأساليب بالقدر المستطاع ، كالتذكير بوصايا الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وإثبات أفضليته وأعلميته وقرابته ووراثته ، وغيرها ، أي استخدم جميع الوسائل المتاحة للمقاومة السلبية والإيجابية ، وهذا قطعاً يثبت أنّه طالب بحقّه ، والمطالبة بالحقّ لا تنحصر بالقتال فقط.

3 - نعم إنّ ما نحن فيه اليوم هو من آثار ما مضى من أفعال القوم ، ولو كان الإمام عليه السلام يستطيع أن يمنعه بالسيف لفعل ، ولكن يجب أن ننظر بموضوعية لسلوك الإمام عليه السلام الحكيم ، بأنّه بسلوكه المتوازن بين عدم القتال وعدم السكوت عن حقّه ، والوقوف ما استطاع أمام محاولات حرف الإسلام عن مساره العام ، وإن وقع الظلم عليه خاصّة ، قد حافظ على الهيكل العام للإسلام كما تجده اليوم ، واستطاع أن يبقي الإسلام الحقّ النازل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حيّاً إلى اليوم ، ببقاء هذه الثلّة المؤمنة الموالية ، وهم شيعة أهل البيت عليهم السلام ، وهي المرجوّة والمبشرّة بالنجاة ، حتّى ظهور الحجّة المنتظر عليه السلام ، إذ ببقائها بقت الحجّة موجودة لمن يطلبها.

( فدك - البحرين - 16 سنة - طالبة )

تكليمه للشمس :

س : أُريد توضيحاً حول الرواية التي نقلها العلاّمة المجلسيّ ( قدس سره ) في كتابه

ص: 88

البحار(1) ، عن كتاب « مناقب آل أبي طالب »(2) لابن شهر آشوب ( قدس سره ) ، حول تكليم الإمام علي عليه السلام للشمس ، ولكم جزيل الشكر.

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ هناك كثيراً من الفضائل والمناقب للإمام علي عليه السلام ، ذكرتها كتب السنّة والشيعة ، ومن تلك الفضائل هي قضية ردّ الشمس له عليه السلام ، كما ردّت من قبل لسليمان وصيّ داود عليهما السلام ، وليوشع بن نون وصيّ موسى عليهما السلام.

وأمّا بالنسبة إلى قضية تكليم الشمس له عليه السلام فليست ببعيدة ، وذلك :

أوّلاً : باعتبار أنّ للإمام عليه السلام كما قلنا فضائل ومناقب كثيرة ، فتكون قضية تكليم الشمس له عليه السلام واحدة من تلك الفضائل الكثيرة ، فليس هو إنساناً عادياً لا فضائل له ولا مناقب حتّى نستبعدها له عليه السلام.

ثانياً : باعتبار أنّ الشمس ردّت له عليه السلام لبيان فضيلة له ، فما المانع من أن تتكلّم معه عليه السلام لنفس السبب المذكور.

ثالثاً : باعتبار أنّ القرآن الكريم ذكر لنا قضية مشابهة لها ، وهي تكليم المولى تعالى لموسى عليه السلام من خلال الشجرة ، فإذا أمكن تكليم الشجرة بقدرة ربانية ، فما المانع من تكليم الشمس للإمام علي عليه السلام بقدرة ربانية؟

كما ذكر لنا القرآن الكريم موارد أُخرى مشابهة لها من ناحية الإعجاز ، كقضية انشقاق القمر للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وإحياء عيسى عليه السلام للموتى ، وغير ذلك.

( حسن رضائي ........ )

تصدّقه بالخاتم لم يخرجه من الصلاة :

س : يقول أعداء أهل البيت : بأنّ الإمام علي عليه السلام عندما تصدّق خرج من

ص: 89


1- بحار الأنوار 41 / 174.
2- مناقب آل أبي طالب 2 / 143.

الصلاة لحظة ، فهذا ليس من صفة الإمام المعصوم؟ فما هو الجواب المقنع؟

ج : هناك عدّة نقاط :

1 - لو كان لهذا الإشكال أدنى مجال ، لما عدّت هذه القضية عند اللّه ورسوله وسائر المؤمنين من مناقب الإمام علي عليه السلام.

2 - هذا الالتفات لم يكن من أمير المؤمنين عليه السلام إلى أمر دنيوي ، وإنّما كانت عبادة في ضمن عبادة.

3 - سئل ابن الجوزيّ الحنبلي المتعصّب - الذي ردّ الكثير من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام - عن هذا الإشكال ، أجاب ببيتين من الشعر :

يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته *** عن النديم ولا يلهو عن الناس

أطاعَهُ سكرُهُ حتّى تمكّن من *** فعل الصُحاةِ فهذا واحد الناس(1)

( خالد - الجزائر - 28 سنة - التاسعة أساسي )

سكوته عمّا جرى على ولده محسن :

اشارة

س : لدي مداخلة أو بالأحرى استفسار إذا سمحتم ، وهو بخصوص إسقاط جنين الزهراء عليها السلام.

هل يمكن أن يسكت أمير المؤمنين عليه السلام على إسقاط جنينه وقتل ولده؟

ج : إنّ الإمام علي عليه السلام ترك مقاتلة القوم بعد اغتصابهم الخلافة ، لوصية من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بترك مقاتلة القوم ، إذ كان يؤدّي إلى الفرقة ومحو دين اللّه ، والأهمّ عنده عليه السلام أن يستمر دين اللّه ، وإن كان ناقصاً ، بدل أن يمحى بالكلّية.

هذا بالإضافة إلى أنّ الإمام كان يتمتّع - كما هو معروف - بأعلى درجات الإيمان والتضحية من أجل الدين ، تجعله يغضّ الطرف عن مظلمة تقع عليه

ص: 90


1- روح المعاني 3 / 336.

مقابل صيانة الدين وحفظ الشريعة ، ولو بالقدر المتيسّر.

فالمطالبة بظلامة ابنه لا تقاس بشيء عند تلك النفوس الكاملة ، مقابل حرف مسار دين محمّد صلى اللّه عليه وآله بغصب الخلافة ، مع ملاحظة أنّ قتل محسن كان في خضم تلك الأحداث التي أدّت إلى غصب الخلافة ، ومصيبة عصيان أمر اللّه ، وإهمال وصية الرسول صلى اللّه عليه وآله غطّت وحجبت مصيبة مقتل ابنه ، أو الاعتداء على الزهراء عليها السلام ، أو محاولة حرق دارها ، فهي جزئيات دخلت في المصبّ العام للمصيبة ، ولم تكن حوادث مستقلّة منفردة على حدة ، حتّى نحتمل تصرّف وموقف مختلف من الإمام عليه السلام اتجاهها.

ولك مثلاً بموقف الحسين عليه السلام ، فإنّه ضحّى بكلّ شيء حتّى طفله الرضيع في المصبّ العام لأحداث ثورته ودعوته ، لتصحيح مسار الإسلام.

« ... - ..... - ... »

تكلّمه وهو صغير وقراءته للقرآن قبل نزوله :

س : أمّا بعد ، لقد تلقّيت أجوبتكم ، وجزاكم اللّه كلّ خير.

لقد قرأت كتاب : علي من المهد إلى اللحد للسيّد القزويني ، ووجدت فيه بعض الأفكار التالية : تكلّم علي عليه السلام وهو ابن ثلاثة أيّام ، وأنّه قرأ القرآن قبل أن ينزل على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فما مدى صحّة هذه الأفكار؟ جزاكم اللّه كلّ خير.

ج : هذه ليست أفكاراً ، وإنّما أقوال تستند إلى روايات ، وردت في بعض المجامع الحديثية عند الشيعة الإمامية ، ككتاب بحار الأنوار.

والحال أنّ التكلّم عند الطفولة بشكل عامّ يُعدّ من المعجزات التي أشار إليها القرآن الكريم بحقّ عيسى عليه السلام ، والملاحظ أنّ ولادة الإمام علي عليه السلام في جوف الكعبة هو بحدّ ذاته يُعدّ معجزة كبيرة ، تحمل في طيّاتها معان كثيرة للمتأمّل بإنصاف ، ويكون الإخبار عن قراءته للقرآن الكريم قبل إعلان الرسالة هو أحد المعاني التي ينبغي الوقوف عندها في هذه المعجزة والكرامة الأوحدية -

ص: 91

الولادة في جوف الكعبة - التي لم تكن لأحد من قبله أو بعده ، ولعلّها تكشف لنا عن مصداق من المصاديق المستفادة من قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « كنت أنا وعلي بن أبي طالب نوراً بين يدي اللّه ، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق اللّه آدم قسّم ذلك النور جزئين ، فجزء أنا ، وجزء علي بن أبي طالب » (1).

« عبد اللّه - المغرب - سنّي - 24 سنة »

معنى أنّه ولي اللّه :

س : أمّا بعد : إذا كانت ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام بمعنى أنّه ولي لله تعالى ، فأهل السنّة مجمعون عليها ولاشكّ في ذلك ، لأنّه من السابقين للإسلام ، الذين قال اللّه فيهم : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (2).

وتكفي شهادة النبيّ صلى اللّه عليه وآله له في عدّة أحاديث ، منها قوله : « أليس اللّه بأولى بالمؤمنين »؟

قالوا : بلى ، قال : « اللّهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم والِ من والاه ، وعاد من عاداه » ، رواه أحمد والترمذيّ وابن ماجة بأسانيد صحاح (3).

وأمّا إذا كانت ولايته بمعنى أحقّيته بوراثة النبيّ صلى اللّه عليه وآله في مقام الدين والدنيا - أي أنّه الأحق بالخلافة من أبي بكر وعمر - فهذا غير مُسَلَّم ، للإجماع على تفضيل أبي بكر وعمر عليه ، وأنّهما أحقّ بالخلافة منه ، وكان هو

ص: 92


1- نظم درر السمطين : 7 و 79 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 67 ، جواهر المطالب 1 / 61 ، ينابيع المودّة 1 / 47 و 2 / 307.
2- التوبة : 100.
3- مسند أحمد 1 / 118 و 152 و 4 / 281 و 370 و 5 / 347 و 370 ، الجامع الكبير 5 / 297 ، سنن ابن ماجة 1 / 45.

نفسه عليه السلام معترفاً بهذا ، لا ينازعهما فيه ، وقد بايعهما بالخلافة.

وفي تفضيل عثمان على علي خلاف بين أهل السنّة ، والأكثر على تفضيل عثمان.

أمّا الولاية له ولأولاده بالمعنى الثاني - التي يعتقد بها البعض - فهي مردودة ؛ لأنّها بمعنى العصمة له وللأئمّة من ذرّيته ، وأحقّيتهم بالولاية الدينية على المؤمنين ، وقد وُجِدَ كثير من المسلمين من الصحابة ومن بعدهم أفضل من بعضهم ، ولأنّ أساس التفضيل في الإسلام ليس قائماً على النسب والقرابة من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، بل هو بالتقوى والإيمان ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ ) (1).

ومذهب أهل السنّة : أنّه لا عصمة لأحد غير الأنبياء عليهم السلام ، وعصمتهم في ما يتعلّق بتبليغ الوحي ، وهم معصومون عن كبائر الذنوب دون صغائرها ، وأهل البيت داخلون تحت قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « كلّ بني آدم خطّاء ، وخير الخطّائين التوّابون » ، رواه أحمد والترمذيّ وابن ماجة ، وحسّنه الألباني.

وهم داخلون كذلك تحت الخطاب الإلهيّ للناس جميعاً ، وذلك في الحديث القدسي الذي رواه مسلم عن أبي ذر عليه السلام ، وفيه : « يا عبادي : إنّكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعاً ، فاستغفروني أغفر لكم »(2).

ج : في السؤال فقرات عديدة ، يمكن الإجابة عليها حسب نقاط :

النقطة الأُولى : معنى علي عليه السلام ولي اللّه ، هو تولّي شؤون إدارة البلاد والعباد بأمر من اللّه سبحانه ، وهو المعنى المستفاد من قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (3) ، التي ذكر المفسّرون نزولها بحقّ الإمام علي عليه السلام عندما تصدّق وهو في حال الركوع من صلاته.

ص: 93


1- الحجرات : 13.
2- صحيح مسلم 8 / 17.
3- المائدة : 55.

وأيضاً المستفاد من قول المصطفى صلى اللّه عليه وآله : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه ».

والمراد من كلمة مولى في قوله صلى اللّه عليه وآله هي ولاية الأمر ، لقرينة لفظية تدلّ عليها ، وهي قوله صلى اللّه عليه وآله : « ألست أولى بكم من أنفسكم »؟ الدالّة على ولاية الأمر بكلّ وضوح ، والتي أردفها النبيّ صلى اللّه عليه وآله بقوله المتقدّم : « فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ».

وقد فهم العرب الذين حضروا واقعة التنصيب هذه في غدير خم أنّه تنصيب للإمامة وقيادة الأُمّة من بعده صلى اللّه عليه وآله ، كما عبّر عن ذلك حسّان بن ثابت - شاعر الرسول صلى اللّه عليه وآله - في نفس الواقعة ، حيث أنشد قائلاً :

يناديهم يوم الغدير نبيّهم *** بخمّ وأسمع بالرسول مناديا

فقال فمن مولاكم ونبيّكم *** فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت نبيّنا *** ولم تلق منّا في الولاية عاصيا

فقال قم يا علي فإنّني *** رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه *** فكونوا له أتباع صدق مواليا

هناك دعا اللّهم وال وليّه *** وكن للذي عادى علياً معاديا(1)

إلاّ أنّ السياسة وغلبة الآراء وتفرّق المصالح أخذا بالمسلمين يومذاك شرقاً وغرباً ، تمخّض عنه مؤتمر السقيفة بين المهاجرين والأنصار ، الذي أدّى إلى تنصيب أبي بكر خليفة الرسول صلى اللّه عليه وآله في عملية انتخابية ، جرى فيها من التهديد والوعيد بين الطرفين ، ممّا لا نودّ ذكره ، أو التطرّق إليه.

وأمّا قولك : من أنّ أهل السنّة مجمعون على ولاية علي عليه السلام بمعنى الولاية الذي تريده ، فهم - كما تعلم - يثبتونه لغيره من أفاضل أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، بل

ص: 94


1- نظم درر السمطين : 112 ، شواهد التنزيل 1 / 202.

- لو شئت الحقّ - يثبتون الولاية بهذا المعنى الذي تريده لكلّ المسلمين.

وعند ذلك ، فما ميزة الإمام علي عليه السلام ليختصّه ويفرده رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يوم الغدير بهذه الولاية إذا كانت عامّة لجميع المسلمين؟ ألا ترى نفسك أنّك تستهزئ بشخصية الرسول صلى اللّه عليه وآله عندما تنسب له مثل هذا التصرّف ، وتجعل ذلك الموقف يوم الغدير تحت الشمس الحارقة لذلك الجمع ، ورسول اللّه يرتقي أقتاب الإبل ، ليقول قولاً متسالماً عليه ، وثابت لجميع المسلمين ، تجعله سفاهة في سفاهة - أعوذ باللّه - يعاب عليه أدنى الناس لو فعله؟

النقطة الثانية : كون الإجماع على تفضيل أبي بكر وعمر على علي عليه السلام ، وأنّهما أحقّ بالخلافة منه.

والجواب : لا يوجد إجماع في مسألة التفضيل؟ وإنّما مدرك هذه الأقوال هو بضع روايات فيها الكثير من التأمّل ، فالمفاضلة الواردة في حقّ الثلاثة - أبي بكر وعمر وعثمان - على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تنسب إلى ابن عمر ، كما هو الوارد في صحيح البخاريّ في مناقب عثمان ، وبملاحظة سنّ ابن عمر على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وكونه لم يبلغ الحلم بعد ، يدرك أنّ عالَمه هو عالم الصبيان ، إذ لم يكن ابن عمر قد بلغ مبلغ الرجال ، لينقل حال المفاضلة هذه عندهم ، كما هو واضح.

والمفاضلة الواردة في حقّ الأربعة - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - فراويها جعدبة بن يحيى ، الذي يمكن العودة إلى ترجمته في لسان الميزان لننظر مصداقية نقله هذا ، بعد القدح الوارد فيه هناك(1).

وإن كان هناك بحث يجب القيام به في موضوع المفاضلة هذه ، فالآيات والروايات صادحة بتفضيل الإمام علي عليه السلام على من سواه بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ويمكن للمتتبّع الحصيف أن يقرأ تفسير الآيات الكريمة التالية ، وأسباب

ص: 95


1- لسان الميزان 2 / 105.

نزولها ، ليجد موضع الإمام علي عليه السلام منها : آية المباهلة ، آية التطهير ، آية المودّة ، آية الولاية ، سورة الدهر ، وغيرها من الآيات الواردة في حقّ أمير المؤمنين عليه السلام ، وبيان منزلته ومكانته العالية.

بل كفاه عليه السلام أن يكون حبُّه علامة الإيمان ، وبغضه علامة النفاق ، ليكون قسيم النار والجنّة بجدارة ، إذ المحبّون له سيكونون من المؤمنين ومن أهل الجنّة حتماً ، والمبغضون له سيكونون من المنافقين ومن أهل النار حتماً ، وذلك حسب الحديث الوارد عن الإمام علي عليه السلام : « إنّه لعهد النبيّ الأُمّي إليَّ ، لا يحبّني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق »(1).

وروى الترمذيّ بسنده عن أنس بن مالك قال : « كان عند النبيّ صلى اللّه عليه وآله طير ، فقال : « اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير » ، فجاء علي فأكل معه »(2).

قال المباركفوريّ : « وأمّا الحاكم فأخرجه في المستدرك وصحّحه »(3).

وقال الذهبيّ : « وأمّا حديث الطير ، فله طرق كثيرة قد أفردتها بمصنّف ، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل »(4).

فأحبّ الخلق إلى اللّه تعالى هو أكثر الناس اتباعاً لنبيّه صلى اللّه عليه وآله ، وهو أهل

ص: 96


1- فضائل الصحابة : 17 ، صحيح مسلم 1 / 61 ، فتح الباري 7 / 58 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 151 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 494 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 47 و 137 و 6 / 534 ، خصائص أمير المؤمنين : 104 ، صحيح ابن حبّان 15 / 367 ، الأذكار النووية : 279 ، نظم درر السمطين : 102 ، كنز العمّال 13 / 120 ، دفع شبه التشبيه : 241 ، الجامع لأحكام القرآن 7 / 44 ، علل الدارقطنيّ 3 / 203 ، تاريخ مدينة دمشق 38 / 349 و 42 / 217 و 274 و 51 / 119 ، سير أعلام النبلاء 5 / 189 و 12 / 366 و 509 و 17 / 169 ، انساب الأشراف : 97 ، الجوهرة : 62 ، البداية والنهاية 7 / 391 ، ينابيع المودّة 1 / 149 و 2 / 180.
2- الجامع الكبير 5 / 300.
3- تحفة الأحوذيّ 10 / 153.
4- تذكرة الحفّاظ 3 / 1043.

طاعته سبحانه ، قال تعالى : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ) (1).

ومن هنا كانت طاعته عليه السلام طاعة لله ورسوله صلى اللّه عليه وآله : « من أطاعني فقد أطاع اللّه ، ومن عصاني فقد عصى اللّه ، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ، ومن عصى علياً فقد عصاني » (2).

أخرج هذا الحديث الحاكم في المستدرك على الصحيحين ، والذهبيّ في تلخيص المستدرك في نفس الصفحة ، وصرّح كلّ منهما بصحّته على شرط الشيخين.

كيف لا يكون الأفضل وقد ورد عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « أوحي إليَّ في علي ثلاث : أنّه سيّد المسلمين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين » ، رواه الحاكم في المستدرك وقال : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه » (3).

والأفضل هو مَن يكون خيرة اللّه من خلقه مع النبيّ المصطفى صلى اللّه عليه وآله ، كما في قوله صلى اللّه عليه وآله لفاطمة عليها السلام : « يا فاطمة : أما ترضين أنّ اللّه عزّ وجلّ أطلع إلى أهل الأرض فأختار رجلين ، أحدهما أبوك ، والآخر بعلك » (4).

أمّا كون أبي بكر وعمر أحقّ بالخلافة من علي عليه السلام فهذا لا وجه له ، إذ لم تكن الأحقّية المدّعاة بتنصيب من اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، أو بإجماع من الأُمّة ، للخلاف الكبير الوارد في مؤتمر السقيفة ، أو حتّى بامتيازات خاصّة تؤهّلهما لتولّي شؤون المسلمين دونه عليه السلام ، فقد ورد عن عمر بن الخطّاب قوله - في أكثر من مورد ومورد - : « لولا علي لهلك عمر » (5). .

ص: 97


1- آل عمران : 31.
2- المستدرك 3 / 121 ، كنز العمّال 11 / 614 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 27.
3- المستدرك 3 / 137.
4- المصدر السابق 3 / 129.
5- تأويل مختلف الحديث : 152 ، شرح نهج البلاغة 1 / 18 و 141 و 12 / 179 و 205 ، نظم درر السمطين : 130 ، جواهر المطالب 1 / 195 و 296 ، ينابيع المودّة 1 / 216 و 227 و 3 / 147.

بل قال عمر في نفسه : « كل الناس أفقه من عمر »(1).

وقد صرّح أبو بكر معترفاً بعجزه عن إدارة شؤون المسلمين بقوله : « أقيلوني فلست بخيركم »(2).

وقد صرّح عمر بن الخطّاب - وهو أوّل من أختار أبا بكر وبايعه على الخلافة - : « أنّ بيعة أبي بكر كانت فلته وقى اللّه شرّها ، حيث قال : « فلا يغترّنّ امرؤ أن يقول : إنّما كانت بيعة أبي بكر فلته وتمّت ، ألا وأنّها قد كانت كذلك ، ولكن اللّه وقى شرّها »(3).

وأخيراً : فما بالك تحتجّ علينا بما ورد في كتبكم ، وأنت تعلم أن هذا ليس بحجّة في المناظرة ، ألا ترى ما ذكرنا لك ، واحتججنا عليك بما ورد في كتبكم ، ولم نأتِ بما في كتبنا ورواياتنا ، وإلاّ فعندنا أنّهم لا فضل لهم ، حتّى تأتي النوبة لمفاضلتهم مع الإمام علي عليه السلام!!

وأمّا تفضيل عثمان على علي عليه السلام ، فلا اعتقد أنّه يستحقّ الإجابة بعدما سمعت ما تقدّم.

وأمّا ما ذكرت من عدم منازعته لهما فلا نسلّم به ، بل إنّه طالب بحقّه بأقصى ما تسمح به مصلحة الإسلام ، وأنّه امتنع عن البيعة حتّى أكره بعد ستة أشهر كما يعترف البخاريّ ، وأمّا ما ذكرته من كتبكم فلا حجّة فيه علينا ، مع أنّه ضعيف في نفسه.

ص: 98


1- الغدير 6 / 98 عن أربعينة الرازي : 467 ، المبسوط 10 / 153 ، كنز العمّال 16 / 538 ، المجموع 16 / 327 ، مجمع الزوائد 4 / 284 ، شرح نهج البلاغة 1 / 182 و 17 / 171 ، كشف الخفاء 1 / 269 و 388 و 2 / 117 ، الجامع لأحكام القرآن 5 / 99 و 15 / 179 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 478 ، الدرّ المنثور 2 / 133 ، فتح القدير 1 / 443.
2- شرح نهج البلاغة 1 / 169.
3- صحيح البخاريّ 8 / 26 ، فتح الباري 12 / 132 ، المصنّف للصنعانيّ 5 / 442 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 570 ، السنن الكبرى للنسائيّ 4 / 273 ، صحيح ابن حبّان 2 / 148 و 155 ، شرح نهج البلاغة 2 / 23 و 11 / 13 ، الثقات 2 / 153 ، تاريخ مدينة دمشق 30 / 283 ، جامع البيان 2 / 446 ، البداية والنهاية 5 / 266 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 487.

النقطة الثالثة : الولاية لعلي عليه السلام وأولاده.

والجواب : التولّي لعلي عليه السلام وأولاده - الأئمّة الأحد عشر من بعده - لم يكن وليد رأي أو اجتهاد ، أو دعوة للإرث التقليدي من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أو بفعل عامل القرابة والمصاهرة للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وإنّما هذا الأمر وليد النصوص النبوية المعصومة ، التي دعت إلى ولاية علي وأهل بيته عليهم السلام.

فقد ورد عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حديث الثقلين المتواتر المشهور : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً »(1).

وواضح لمن له أدنى مسكة علم أنّ التمسّك بالكتاب والعترة هو الاتباع والأخذ بهديهما ، وهو معنى الولاية لهما.

وقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي ، فليوال علياً من بعدي ، وليوالي وليّه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهماً وعلماً ، وويل للمكذّبين بفضلهم من أمّتي ، للقاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم اللّه شفاعتي »(2).

ص: 99


1- فضائل الصحابة : 15 ، الجامع الكبير 5 / 328 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 196 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 418 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 45 و 130 ، خصائص أمير المؤمنين : 93 ، المعجم الصغير 1 / 135 ، المعجم الأوسط 4 / 33 و 5 / 89 ، المعجم الكبير 3 / 66 و 5 / 154 و 166 و 170 و 182 ، شرح نهج البلاغة 9 / 133 ، نظم درر السمطين : 232 ، كنز العمّال 1 / 172 و 186 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 122 ، المحصول 4 / 170 ، الإحكام للآمدي 1 / 246 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطنيّ 6 / 236 ، أنساب الأشراف : 111 و 439 ، البداية والنهاية 5 / 228 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 416 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 95 و 99 و 105 و 112 و 119 و 123 و 132 و 345 و 349 و 2 / 432 و 438 و 3 / 65 و 141 و 294 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 211 و 3 / 177 ، لسان العرب 4 / 538 و 11 / 88 ، تاج العروس 7 / 245.
2- حلية الأولياء 1 / 128 ، كنز العمّال 12 / 103 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 240 ، ينابيع المودّة 1 / 379 و 2 / 489 ، شرح نهج البلاغة 9 / 170 ، مجمع الزوائد 9 / 108.

وقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « من أحبّ أن يحيى حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل الجنّة التي وعدني ربّي ، قضباناً من قضبانها غرسها بيده ، وهي جنّة الخلد ، فليتولّ علياً وذرّيته من بعده ، فإنّهم لن يخرجوكم من باب هدى ، ولن يدخلوكم في باب ضلالة » (1).

وأمّا عصمة أهل البيت عليهم السلام ، ففي حديث الثقلين دلالة واضحة عليها ، إذ جعل اللّه سبحانه العصمة من الضلال بالتمسّك بالثقلين معاً ، وغير المعصوم لا يهدي إلى الحقّ مطلقاً ، كما قال تعالى : ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (2).

أمّا قولك : إنّ الولاية له ولأولاده بمعنى العصمة فهي خلط منك ، لأنّ معنى الولاية شيء - وهي خلافة اللّه في أرضه ، والولاية في شؤون الدين والدنيا - ومعنى العصمة شيء آخر ، وهو العصمة من الخطأ والنسيان ، وكلّ منفر للناس من أوّل حياته إلى آخرها.

نعم ، نحن نقول : لابدّ للولي أن يكون معصوماً ، إذ لو جاز عليه الخطأ لجاز للناس عدم اتباعه فيه ، فلا تكون له ولاية عليهم ، وغيرها من الأدلّة مذكورة في محلّها ، فالعصمة لازمة للولاية وليست بمعناها ، فافهم.

وأمّا قولك : إنّ بعض الصحابة أفضل منهم ، لو سلّمنا فإنّه لا يلزم التناقض ؛ لأنّه لو فرضنا أنّ هناك صحابيّاً أفضل من بعض الأئمّة عليهم السلام ، ولكنّه ليس أفضل من الولي في زمنه ، وهو علي أو الحسن أو الحسين عليهم السلام.

ونحن على أقلّ الاحتمالات وتنزّلاً معك نثبت من خلال ما نقلتموه أنتم في تراجمهم أنّ كلّ واحد منهم كان أفضل الخلق في زمانه ، فتأمّل.

ثمّ متى ادعى الشيعة أنّ أساس التفضيل القرابة والنسب ، نعم إنّ القرابة منقبة وفضيلة ، ولكن ليست هي المقوّم للولاية ، وإنّما الولاية اختيار من اللّه .

ص: 100


1- كنز العمّال 11 / 612 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 242 ، ينابيع المودّة 1 / 382.
2- يونس : 35.

تعالى ، ونصّ من الرسول صلى اللّه عليه وآله عليهم ، وكلّ إمام على الإمام الذي بعده.

ونحن إذا كنا نتبع ما يقوله أهل السنّة في عقائدهم - ومثالاً له ما تقوله في أنّ العصمة للأنبياء فقط في تبليغ الوحي - لكنّا من أهل السنّة ، ولسنا من اتباع أهل البيت عليهم السلام ، والدليل من الكتاب والسنّة بخصوص عقيدة العصمة بيننا وبينكم ، وإن أردت فراجع كتبنا.

وأمّا ما ذكرت من الحديثين - بعد الغضّ عن البحث في السند - فإنّ فيهما قضية كلّية لا مانع من تخصيصها بدليل آخر عقليّ أو نقليّ ، وإلاّ كيف ناقضت نفسك ، وأخرجت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله منهما ، فما تقول نقوله بخصوص أئمّتنا.

( يونس مطر سلمان - البحرين - 18 سنة - طالب ثانوية )

زواجه من بنت أبي جهل أسطورة :

س : قرأت في الكثير من المواقع السنّية عن زواج الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من ابنة أبي جهل جويرية ، ولكن رسول اللّه غضب من ذلك ، وأخبره بأنّ ابنة رسول اللّه لا تجتمع مع ابنة عدوّ اللّه.

فهل هذه الرواية صحيحة؟ أي أنّ الإمام علي عليه السلام قد خطب ابنة أبي جهل عدوّ اللّه ورسوله ، وأنّه تركها بعدما غضب النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أليس رسول اللّه قال : « فاطمة بضعة منّي من أغضبها فقد أغضبني ».

ومن يغضب رسول اللّه فقد أغضب اللّه تعالى ، والإمام علي إمام معصوم ، فهل هذه الرواية صحيحة؟ وإن كان الإمام علي عليه السلام قد خطبها فعلاً ثمّ تركها ، هل يعدّ ذلك من موارد إغضاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟

أرجو إفادتي بالجواب سريعاً ، ولكم جزيل الشكر والتقدير.

ج : أشاعوا أنّ الإمام علي عليه السلام خطب ابنة أبي جهل - عدوّ اللّه ورسوله - ، وبلغ ذلك السيّدة فاطمة عليها السلام فغاضها ذلك ، حتّى خرجت مغاضبة من بيتها ومعها حسن وحسين وأُمّ كلثوم ، فدخلت حجرة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فلمّا جاء النبيّ ورآها

ص: 101

قالت له : « يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل » ، فخرج وصعد المنبر وخطب ، فقال : « إنّ فاطمة بضعة منّي ، يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها ، وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها ».

ثمّ ذكر صهراً له من بني عبد شمس ، فأثنى عليه في مصاهرته إيّاه ، وقال : « حدّثني فصدّقني ، ووعدني فوفى لي ، وإنّي لست أحرّم حلالاً ، ولا أحلّ حراماً ، ولكن واللّه لا تجتمع بنت رسول اللّه وبنت عدوّ اللّه أبداً ، وإنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فلا آذن ، ثمّ لا آذن ، إلاّ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي ، وينكح أبنتهم ... » (1).

هذا هو ما افتراه قالة السوء ، و هذه الفرية لا تثبت سنداً ولا متناً ، ولو أردنا كشف حال جميع ما ورد في ذلك من أحاديث في مختلف المصادر لاحتجنا إلى تأليف خاصّ به ولسنا بصدده ، ويكفي أن أشير إلى مصدر واحد يعدّ من أقدم المصادر الحديثية ، وذلك هو كتاب المصنّف للصنعانيّ - المتوفّى 211ه- - فقد أورد الحديث أربع مرّات ، لم يخل واحد منها عن إعضال وإرسال ، مع وجود المجروحين في رجال الأسانيد.

والمهمّ معرفة حال الرواة الذين تنتهي إليهم أسانيد الحديث ، ثمّ بيان المؤاخذات على ما جاء في المتن.

أمّا رجال الإسناد من الصحابة فتنتهي إلى ثلاثة ، كلّهم من المنحرفين عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وهم : أبو هريرة الدوسيّ ، وعبد اللّه بن الزبير ، والمسور بن مخرمة ، كما يروي عن ابن عباس.

أقول : أمر عظيم كهذا يغضب النبيّ صلى اللّه عليه وآله حتّى يصعد المنبر ، ويخطب الناس تتوفّر الدواعي على نقله ، ثمّ لا ينقله إلاّ هؤلاء الثلاثة من الصحابة ، لقرينة على وضع الحديث. .

ص: 102


1- صحيح مسلم 7 / 141 ، سنن ابن ماجة 1 / 644 ، سنن أبي داود 1 / 460 ، المصنّف للصنعانيّ 7 / 302 ، صحيح ابن حبّان 15 / 407.

ويكفي كشف حال هؤلاء الثلاثة عن البحث في بقية من هم دونهم من التابعين ، وفيهم من لا تلتقي بذمّه الشفتان ، ولا يؤبه به في الميزان ، لما فيه من حسيكة ، أمثال الزهريّ ، وابن أبي مليكة لما سنذكره عنهما ، وعروة بن الزبير ، وعامر الشعبيّ ، وحالهم كمن سبق ، ويأتي ذكر محمّد بن الحنفية ، وعلي بن الحسين ، وسويد بن غفلة.

أمّا حال الصحابة الثلاثة فهم :

أوّلاً : أبو هريرة الدوسيّ : ذكر الإسكافي - كما في شرح نهج البلاغة - : « إنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة ، وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام ، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه ، منهم أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير ....

وأمّا أبو هريرة فروى عنه الحديث ، الذي معناه : إنّ علياً عليه السلام خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فأسخطه ، فخطب على المنبر ، وقال : « لا واللّه ، لا تجتمع ابنة ولي اللّه وابنة عدوّ اللّه أبي جهل ، إنّ فاطمة بضعة منّي ، يؤذيني ما يؤذيها ، فإن كان علي يريد ابنة أبي جهل ، فليفارق ابنتي ، وليفعل ما يريد » ، أو كلاماً هذا معناه ، والحديث مشهور من رواية الكرابيسي.

قلت : هذا الحديث أيضاً مخرج في صحيحي مسلم والبخاريّ عن المسور بن مخرمة الزهريّ ، وقد ذكره المرتضى في كتابه المسمّى « تنزيه الأنبياء والأئمّة » ، وذكر أنّه رواية حسين الكرابيسيّ ، وأنّه مشهور بالانحراف عن أهل البيت عليهم السلام ... »(1).

أقول : ولنعد إلى أبي هريرة ، ولنقرأ عنه ما يثبت انحرافه عن الإمام علي عليه السلام ، مضافاً إلى كذبه الشائع الذائع على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، حتّى لقد ذكر ابن

ص: 103


1- شرح نهج البلاغة 4 / 63.

أبي الحديد وغيره ، ضرب عمر له بالدرّة ، وقال : « قد أكثرت من الرواية ، وأحر بك أن تكون كاذباً على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله »(1)(2).

أو قول عمر له : « لتتركن الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، أو لألحقنّك بأرض دوس »(3).

وأكذبه غير واحد من الصحابة ، فقال فيه الإمام عليه السلام : « ألا إنّ أكذب الناس - أو قال أكذب الأحياء - على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أبو هريرة الدوسي » ، كما عن الإسكافي في شرح النهج (3).

فحديث أبي هريرة - إن صحّ عنه - كبقية أحاديثه التي رواها ، ولم يكن حاضراً فيها زمان صدورها ، وقد مرّت الإشارة إلى نماذج من ذلك ، كحديث تبليغ براءة ، وحديث الثقلين , وحديث الغدير ، وغيرها ممّا زعم سماعها ، وهو لم يكن وقتها حاضراً ، بل كان بالبحرين.

ثمّ إنّ الرجل لو لم يكن إلاّ اعتزاله للإمام عليه السلام أيّام خلافته ، وضلوعه في ركاب معاوية لإشباع نهمته لكفى ذلك في ردّ روايته ، فقد روى الأعمش : لمّا قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة ، جاء إلى مسجد الكوفة ، فلمّا رأى كثرة من استقبله من الناس جثاً على ركبتيه ، ثمّ ضرب صلعته مراراً وقال : يا أهل العراق أتزعمون أنّي أكذب على اللّه ورسوله ، وأحرق نفسي بالنار؟ واللّه لقد سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « إنّ لكلّ نبيّ حرماً ، وإنّ حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور » - وهذا من بيّنات كذبه ، فعير وثور اسم جبلين ، أحدهما بالمدينة وهو عير ، وثانيهما بمكّة وهو ثور ، فكيف يحدّد ما

ص: 104


1- العقد الفريد 1 / 44 ، أضواء على السنّة المحمّدية : 201 و 218 ، شيخ المضيرة أبو هريرة : 80 ، الإصابة 1 / 75 ، شرح نهج البلاغة 4 / 67 و 16 / 165.
2- كنز العمّال 10 / 291 ، أضواء على السنّة المحمّدية : 54 و 201 ، شيخ المضيرة أبو هريرة : 103 ، تاريخ مدينة دمشق 50 / 172 ، سير أعلام النبلاء 2 / 600 ، الإصابة 1 / 69 ، تاريخ المدينة 3 / 800 ، البداية والنهاية 8 / 115.
3- شرح نهج البلاغة 4 / 68.

بينهما ويجعله حرماً للمدينة؟! وإنّما الصحيح : ما بين عير إلى وعير ، وهما لابتا المدينة جبلان من جانبيها - « فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين ، وأشهد باللّه أنّ علياً أحدث فيها » ، فلمّا بلغ معاوية قوله ، أجازه وأكرمه ، وولاّه إمارة المدينة (1).

قال الثقفيّ في كتابه الغارات : « لمّا دخل معاوية الكوفة دخل أبو هريرة المسجد ، فكان يحدّث ويقول : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وقال أبو القاسم ، وقال خليلي! فجاءه شاب من الأنصار يتخطّى الناس حتّى دنا منه فقال : يا أبا هريرة حديث أسألك عنه ، فإن كنت سمعته من النبيّ صلى اللّه عليه وآله فحدّثنيه ، أنشدك باللّه سمعت النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقول لعلي : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه »؟ قال أبو هريرة : نعم ، والذي لا إله إلاّ هو لسمعته من النبيّ.

أقول : لقد كذب حتّى في حلفه هذا ، لأنّ الحديث هو حديث الغدير ، وكان في حجّة الوداع ، ولم يكن أبو هريرة حاضراً ، إذ كان بالبحرين منذ شهر ذي القعدة سنة 8 من الهجرة ، وحتّى سنة عشرين حين استقدمه عمر في خلافته للشهادة على قدامة بن مظعون لشربه الخمر ، فكلّ ما يرويه من أحاديث نبوية وأحداث حجازية ، ممّا زعم فيه عنصر المشاهدة والسماع في تلك المدّة فهو كاذب ، وإن أقسم ألف يمين.

فقال له الفتى : لقد واللّه واليت عدوّه ، وعاديت وليّه ، فتناول بعض الناس الشاب بالحصى ، وخرج أبو هريرة فلم يعد إلى المسجد حتّى خرج من الكوفة » (2).

أقول : روى ذلك أيضاً ابن أبي شيبة في مصنّفه (3) ، وأبو يعلى في مسنده (4) ، .

ص: 105


1- المصدر السابق 4 / 67.
2- الغارات 2 / 659.
3- المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 499.
4- مسند أبي يعلى 11 / 307.

وابن عساكر في تاريخه (1) ، إلاّ أنّه لم يذكر الزمان والمكان ، ممّا أسدل غشاء الإيهام على حديثه ، وكذلك رواه ابن كثير في البداية والنهاية (2) ، وصنع كما صنع ابن عساكر من إهمال ذكر المكان والزمان ، نقلاً عن الحافظ أبي يعلى الموصلي ، وعن ابن جرير في الكتاب الذي جمع فيه طرق حديث الغدير وألفاظه.

وأظنّ إنّما فعلا ذلك رعاية لصحبة أبي هريرة ، ولا غضاضة فابن عساكر شاميّ شافعيّ ، وكذلك ابن كثير ، ولو كانا كوفيين حنفيين لاستثنياه من جماعة الصحابة المعدلين ، كما صنع أبو حنيفة ، فقد استثناه واستثنى أَنساً وآخرين من عدالة الصحابة (3).

فهذا أبو هريرة كيف يصدّق في حديثه عن خطبة الإمام لابنة أبي جهل؟ وهو يوالي عدوّه ، ويعادي وليّه على حدّ قول الشاب الأنصاري.

ثانياً : عبد اللّه بن الزبير : وعداوته للإمام أظهر من أن تحتاج إلى بيان ، بل بلغ في نصبه الغاية ، حتّى أنّه ترك الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وآله أيّام قيامه بمكّة ، فعيب عليه ذلك ، وأنكر فعله المسلمون ، فقال : إنّ له أهيل سوء ، إذا ذكرته اشرأبّت أعناقهم.

قال ابن أبي الحديد : « روى عمر بن شبة وابن الكلبي والواقدي وغيرهم من رواة السير : أنّه مكث أيّام ادعائه الخلافة أربعين جمعة ، لا يصلّي فيها على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وقال : لا يمنعني من ذكره إلاّ تشمّخ رجال بآنافها.

وفي رواية محمّد بن حبيب ، وأبي عبيدة معمّر بن المثنى : أنّ له أهيل سوء ينغضون رؤوسهم عند ذكره » (4). .

ص: 106


1- تاريخ مدينة دمشق 42 / 232.
2- البداية والنهاية 5 / 232.
3- شرح نهج البلاغة 4 / 68.
4- المصدر السابق 4 / 62.

ولئن قيل عن المسور : إنّه كان مع خاله عبد الرحمن بن عوف مقبلاً ومدبراً في أمر الشورى كما سيأتي ، فإنّا نقول عن ابن الزبير : لقد كان مقبلاً ومدبراً في حرب الجمل مع خالته عائشة ، وكان هو الذي زيّن لها مسيرها إلى البصرة.

وهو الذي أتى إليها بأربعين شاهد زور شهدوا حين نبحتها كلاب الحوأب ، وأرادت الرجوع لتحذير النبيّ صلى اللّه عليه وآله لها من ذلك ، لكن ابن الزبير جاءها بالشهود ، فشهدوا أنّ ذلك المكان ليس هو الحوأب ، فكانت أوّل شهادة زور في الإسلام.

وهو الذي عيّر أباه بالجبن حين عزم على الرجوع عن محاربة الإمام بعد تذكير الإمام له بقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « أمّا إنّك ستقاتله وأنت له ظالم »(1). فرجع فتلقّاه ابنه عبد اللّه ، فعيّره مستثيراً له على حرب الإمام.

ويكفينا قول الإمام فيه : « ما زال الزبير منّا حتّى نشأ بنوه ، فصرفوه عنّا »(2) ، وفي رواية ابن أبي الحديد : « حتّى نشأ ابنه عبد اللّه ، فأفسده »(3).

أليس هو الذي كان يحقد على الإمام لقتله عمّ أبيه نوفل بن خويلد ، الذي كان يقال له أسد قريش وأسد المطيّبين؟ وقتل الإمام له هو قول عامّة الرواة ، كما يقول ابن حزم(4).

أليس هو الذي حبس ابن عباس وابن الحنفية ومن معهما من أهلهما في سجن عارم ، وأمّلهم إلى الجمعة إن لم يبايعوا ، وجعل الحطب على بابه ، ففاجأه أبو عبد اللّه الجدليّ الذي أرسله المختار في جماعة ، فدخلوا المسجد الحرام

ص: 107


1- المصدر السابق 2 / 167 ، كنز العمّال 11 / 196 و 330 و 340 ، تاريخ الأُمم والملوك 3 / 514 ، الإمامة والسياسة 1 / 92 ، جواهر المطالب 2 / 31 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 149 ، ينابيع المودّة 2 / 388.
2- الإمامة والسياسة 1 / 28.
3- شرح نهج البلاغة 4 / 79.
4- جمهرة أنساب العرب : 120.

مكبّرين وعليهم السلاح ، فخرج ابن الزبير طالباً لنفسه النجاة ، وذهب الجدليّ ومن معه فأخرجوا بني هاشم من سجن عارم(1).

وهو القائل لابن عباس وكان يبلّغه تأنيبه وذمّه : « واللّه إنّي لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة »(2).

قال ابن أبي الحديد : « وكان سبّاباً فاحشاً ، يبغض بني هاشم ، ويلعن ويسبّ علي بن أبي طالب عليه السلام »(3).

فمن كان هذا حاله ومقاله وفعاله ، كيف يصدَّق في حديثه لخطبة علي لابنة أبي جهل؟ فيما أخرجه عنه الترمذيّ في سننه ، قال : حدّثنا أحمد بن منيع ، أخبرنا إسماعيل بن علية ، عن أيوب عن ابن أبي مليكة ، عن عبد اللّه بن الزبير : أنّ علياً ذكر بنت أبي جهل ، فبلغ ذلك النبيّ صلى اللّه عليه وآله فقال : « إنّما فاطمة بضعة منّي ، يؤذيني ما آذاها ، وينصبني ما أنصبها ».

ثمّ قال الترمذيّ : « هذا حديث حسن صحيح ، هكذا قال أيوب عن ابن أبي مليكة عن ابن الزبير ، وقال غير واحد عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة ، ويحتمل أن يكون ابن أبي مليكة روى عنهما جميعاً »(4).

وأخرج هذا الحديث الحاكم في المستدرك فقال : « حدّثنا بكر بن محمّد الصيرفيّ ، حدّثنا موسى بن سهل بن كثير ، حدّثنا إسماعيل بن علية ... » ، ثمّ ساق السند والحديث كما مرّ عن الترمذيّ وقال : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه »(5).

والذي يلفت النظر في المقام : إنّ الذهبيّ أهمل هذا الحديث في تلخيصه

ص: 108


1- سير أعلام النبلاء 3 / 356 ، تاريخ ابن خلدون 3 / 28.
2- شرح نهج البلاغة 4 / 62 و 20 / 148.
3- المصدر السابق 4 / 79.
4- الجامع الكبير 5 / 360.
5- المستدرك 3 / 159.

المطبوع بذيل المستدرك ، وظنّي أنّ إهماله كان عن عمد لا عن سهو.

ومهما يكن فسند الحديث غير نقيّ ، ويكفي روايته عن ابن أبي مليكة ، وهو مؤذّن ابن الزبير وقاضيه ، وقد مرّ بنا حال ابن الزبير وعداوته لأهل البيت ، ويبدو لي أنّ ابن الزبير كان بارعاً - إن صحّ الحديث عنه - فلم يذكر له ما يحاقق عليه من زعم حضور أو سماع ، مع أنّ سنّه عند وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله كانت تسع سنين ، فكان أكبر من المسور بسنة ، الذي زعم أنّه سمع النبيّ صلى اللّه عليه وآله يخطب وهو يومئذ محتلم ، مع أنّ عمره كان يومئذ ثمان سنين!!

والآن فلنطوي صفحة ابن الزبير ، ولنقرأ المسور فيما قاله عنه مترجموه ، ثمّ ننظر في حديثه.

ثالثاً : المسور بن مخرمة بن نوفل الزهريّ : أمّا أبوه فكان من مسلمة الفتح ، ومن المؤلّفة قلوبهم ، فقد ذكر ابن هاشم في سيرته نقلاً عن ابن إسحاق أسماء من أعطاهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله مائة من الإبل ، وعد منهم أبا سفيان وابنه معاوية وآخرين ، ثمّ قال : وأعطى دون المائة رجالاً من قريش ، منهم مخرمة بن نوفل الزهريّ ، وسمّى آخرين(1).

وأبوه الذي قال عنه صلى اللّه عليه وآله - فيما روته عائشة - : « بئس أخو العشيرة » وذلك حين استأذن ، فلمّا دخل أدناه وبشّ به حتّى خرج ، فلمّا خرج قالت عائشة : يا رسول اللّه ، قلت له وهو على الباب ما قلت ، فلمّا دخل بششت به حتّى خرج؟ قال : « أعهدتني فحّاشا؟ إنّ شرّ الناس من يُتّقى شرّه »(2).

وأمّا أُمّه فهي عاتكة بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف.

وأمّا عن مولده ، فقالوا بعد الهجرة بسنتين بمكّة ، وقدم المدينة مع أبيه بعد الفتح سنة ثمان ، وهو غلام أيفع ابن ست سنين ، وعدّه ابن الأثير وابن عبد البرّ

ص: 109


1- السيرة النبوية لابن هشام 4 / 930.
2- كنز العمّال 3 / 787 ، تاريخ مدينة دمشق 57 / 159 ، أُسد الغابة 4 / 338.

وابن حجر في كتبهم من الصحابة ، إلاّ أنّ ابن قتيبة قال في المعارف : « وكان يعدل بالصحابة وليس منهم »(1).

وأمّا عن سلوكيته فقالوا : « لم يزل مع خاله عبد الرحمن بن عوف مقبلاً ومدبراً في أمر الشورى ، وكان مع عثمان في الدار إلى أن قتل ، فانحدر إلى مكّة ، ولم يزل بها موالياً لمعاوية حتّى قال عروة بن الزبير : فلم أسمع المسور ذكر معاوية إلاّ صلّى عليه »(2).

وأمّا عن فضله ، فقال القرطبي وغيره : « وكان المسور لفضله ودينه وحسن رأيه تغشاه الخوارج ، تعظّمه وتنتحل رأيه ، وقد برّأه اللّه منهم »!(3).

وأمّا عن موته فقالوا : كان مع ابن الزبير ، فلمّا حاصر الحصين بن نمير مكّة ، ورمى الكعبة بالمنجنيق أصابه حجر فشجّه ، ثمّ مات بعد خمسة أيّام.

هذه هوية الرجل نسباً وحسباً وديناً وسلوكاً. وكان مع خاله عبد الرحمن ابن عوف في أمر الشورى ، وموقف ابن عوف فيها معلوم ، حتّى عناه الإمام بقوله في خطبته الشقشقية : « ومال الآخر لصهره ... ».

لأنّ أُمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط كانت تحته ، وأُمّ كلثوم هذه هي أُخت عثمان من أُمّه(4).

وقال الإمام علي عليه السلام لعبد الرحمن : « واللّه ما ولّيت عثمان إلاّ ليرد الأمر إليك »(5).

وممّا يزيدنا وضوحاً في عثمانيّته أنّه لم يبايع الإمام بعد مقتل عثمان ، وخرج من المدينة إلى مكّة ، ثمّ هو الذي كان يصلّي على معاوية إذا ذكره ، كما

ص: 110


1- المعارف : 242.
2- سير أعلام النبلاء 3 / 151 ، تاريخ مدينة دمشق 58 / 168.
3- الاستيعاب 3 / 456.
4- شرح نهج البلاغة 1 / 189.
5- الكامل في التاريخ 3 / 71.

مرّ ذلك عن عروة بن الزبير.

وأخيراً : دخل مع ابن الزبير في أمره ، وانتحل الخوارج رأيه حيث استقطبوه ، وإن قال القرطبي وابن حجر وغيرهما : « وقد برّأه اللّه منهم » ، ولسنا بحاجة إلى مناقشتهم في ذلك ، فمن أين علموا بتلك البراءة ، واللّه لم يوح إلى أحد بعد نبيّه؟ فلا تزال دعواهم تحتاج إلى إثبات ، على أن مصعب الزبيري - صاحب كتاب نسب قريش - ذكر ذلك ، ولم يزعم ما قالوه في براءته ، وهو أقدم منهما زماناً ، وأعرف بحال المسور.

ولننظر إلى حديث المسور في الفرية المزعومة ، وهو حديث أخرجه عنه البخاريّ ومسلم والترمذيّ وأحمد وغيرهم ، ولن نستقصي جميع المصادر ، بل سنكتفي بما أخرجه البخاريّ في صحيحه ، وقد نشير إلى ما ورد عند غيره ؛ وذلك لأنّ صحيحه عند المغالين به أصحّ كتاب بعد كتاب اللّه فيما يزعمون! ولأنّه ذكر حديث المسور في خمسة أبواب مقطّعاً أوصاله عن عمد ، حتّى يخيل للناظر أنّه ذكر خمسة أحاديث مختلفة الألفاظ ، ولكن الباحث الناقد يدرك أن اختلاف الصورة لا يغيّر الحقيقة.

وهذا ما أربك كثيراً من شرّاح الصحيح ، فحاولوا جهدهم توجيه ما فيها من تناقض وتهافت ، ولم يوفّقوا في سعيهم الحثيث ، في دفع ما يرد على الحديث ، بل شوّشوا أذهان قرّائهم ، ولم يجنوا غير مضيعة الوقت في عرض آرائهم تبعاً لأهوائهم.

ولو أنّهم صنعوا صنع ابن قتيبة لجنّبوا أنفسهم كثيراً من النقد والردّ ، فابن قتيبة في معارفه كان أوعى منهم ، حين قال عن المسور : « وكان يعدل بالصحابة وليس منهم » ، ثمّ قال : « وقد روى قوم عنه أنّه سمع النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقول : لو أنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ، ثمّ لا آذن ».

فهو حين ينفي صحابية المسور ، ينفي عنه عاصمية الصحابة ، سواء قرئت

ص: 111

جملة وكان يعدل بالتخفيف أو التشديد ، ثمّ يمرّض القول في زعم روايته عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه سمعه يقول : وهو يدلّنا على عدم قناعته بصحبة المسور ، كما كشف عن قيمة روايته عنده ، وما اقتضابه لحديثه إلاّ مؤشّر على ذلك.

ثمّ ما يعنيه بقوله : لو أنّ بني هشام ... ، فهل يدلّ على حدوث الخطبة أو إرادتها؟ وهذا ما سنقرأ الجواب عنه في الكلام على حديث المسور عند البخاريّ في صوره الآتية :

1 - حدّثنا سعيد بن محمّد الجرمي ، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدّثنا أبي : أنّ الوليد بن كثير حدّثه عن محمّد بن عمرو بن طلحة الذي حدّثه ، أنّ ابن شهاب حدّثه ، أنّ علي بن الحسين حدّثه ، أنّهم حين قدموا المدينة من عند يزيد ابن معاوية ، بعد مقتل حسين بن علي رحمة اللّه عليه ، لقيه المسور بن مخرم ، فقال له : هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ فقلت له : « لا ».

فقال : فهل أنت معطي سيف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فإنّي أخاف أن يغلبك القوم عليه ، وأيم اللّه لئن اعطيتنيه لا يخلص إليه أبداً حتّى تبلغ نفسي ، إنّ علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة عليها السلام ، فسمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يخطب الناس في ذلك على منبره هذا ، وأنا يومئذ محتلم.

فقال : « إنّ فاطمة بضعة منّي ، وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها » ، ثمّ ذكر صهراً له من بني عبد شمس ، فأثنى عليه مصاهرته إيّاه ، قال : « حدّثني فصدّقني ، ووعدني فوفى لي ، وإنّي لست أحرّم حلالاً ، ولا أحلّ حراماً ، ولكن واللّه لا تجتمع بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وبنت عدوّ اللّه أبداً » (1).

2 - حدّثنا أبو الوليد ، حدّثنا ابن عينية ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها أغضبني » (2). .

ص: 112


1- صحيح البخاريّ 4 / 48.
2- المصدر السابق 4 / 210.

3 - حدّثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب عن الزهريّ قال : حدّثني علي بن حسين : أنّ المسور بن مخرمة قال : إنّ علياً خطب بنت أبي جهل ، فسمعت بذلك فاطمة ، فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقالت : « يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل » ، فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فسمعته حين تشهّد يقول : « أمّا بعد ، فإنّي أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدّثني وصدّقني ، وإنّ فاطمة بضعة منّي ، وإنّي أكره أن يسوءها ، واللّه لا تجتمع بنت رسول اللّه وبنت عدوّ اللّه عند رجل واحد » ، فترك علي الخطبة.

وزاد محمّد بن عمرو بن طلحة ، عن ابن شهاب ، عن علي عن مسور : سمعت النبيّ صلى اللّه عليه وآله وذكر صهراً له من بني عبد شمس ، فأثنى عليه في مصاهرته إيّاه فأحسن ، قال : « حدّثني فصدّقني ، ووعدني فوفى لي »(1).

4 - حدّثنا قتيبة ، حدّثنا الليث عن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول وهو على المنبر : « إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ، ثمّ لا آذن ، ثمّ لا آذن ، إلاّ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم ، فإنّما هي بضعة منّي ، يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها »(2).

5 - حدّثنا أبو الوليد ، حدّثنا الليث عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة الزهريّ ، قال : سمعت النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقول : « إنّ بني المغيرة استأذنوا في أن ينكح علي ابنتهم ، فلا آذن »(3).

والآن وقد انتهينا من كشف هوية الثلاثة : أبي هريرة ، وابن الزبير ، والمسور ابن مخرمة ، نختتم أوّلاً : الحديث عنهم بقوله صلى اللّه عليه وآله : « والذي نفسي بيده لا يبغضنا رجل إلاّ أدخله اللّه النار »(4).

ص: 113


1- المصدر السابق 4 / 213.
2- المصدر السابق 6 / 158.
3- المصدر السابق 6 / 171.
4- موارد الظمآن : 555 ، المستدرك 3 / 150.

وثانياً : نعود إلى مناقشة متن الحديث ، ننبّه القارئ بحال بعض أعلام الرواة في السند ، كابن عيّينة - الذي رمي بالاختلاط ، كما ذكره الحافظ سبط ابن العجمي في رسالته الاعتباط بمن رمي بالاختلاط - وكالزهريّ ، الذي كان من المنحرفين عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان يعمل لبني أُمية ، وقد تجنّب حديثه غير واحد لذلك ، حتّى إنّ ابن عساكر أخرج في تاريخه بسنده عن جعفر ابن إبراهيم الجعفريّ قال : كنت عند الزهريّ أسمع منه ، فإذا عجوز قد وقفت عليه فقالت : يا جعفري لا تكتب عنه ، فإنّه مال إلى بني أُمية وأخذ جوائزهم.

فقلت : مَن هذه؟ قال : أختي رقية خرفت ، قالت : خرفت أنت ، كتمت فضائل آل محمّد ، وقد حدّثني محمّد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللّه قال : أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بيد علي فقال : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ».

قالت : وحدّثني محمّد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أوثق عرى الإيمان الحبّ في اللّه ، والبغض في اللّه »(1).

وبلغ إنكار الصالحين عليه أن كتب إليه بعضهم كتاباً فيه تقريع وتوبيخ ، جاء فيه : « واعلم أنّ أيسر ما ارتكبت ، وأخف ما احتملت ، أنّك آنست وحشة الظالم ، وسهّلت سبيل الغيّ بدنوّك إلى من لم يؤدّ حقّاً ، ولم يترك باطلاً حين أدناك ، اتخذوك أبا بكر قطباً تدور عليه رحى ظلمهم ، وجسراً يعبرون عليه إلى بلائهم ومعاصيهم ، وسلّماً يصعدون فيه إلى ضلالتهم ، يدخلون بك الشكّ على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهلاء ... فداو دينك فقد دخله سقم ، وهيء زادك فقد حضر سفر بعيد »(2).

فمن الغريب العجيب أن يروي الزهريّ هذا الحديث عن علي بن الحسين ، ثمّ يزعم أنّه حدّثه عن المسور بذلك ، كما مرّ في الصورة الأُولى عن البخاريّ.

ص: 114


1- تاريخ مدينة دمشق 42 / 228.
2- شرح نهج البلاغة 17 / 44 ، إحياء علوم الدين 2 / 206.

وإذا عرفنا أنّ علي بن الحسين الذي ذكره بصيغة التنكير هو الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، الذي روى أبو هلال العسكريّ في كتابه بسنده قال : بلغ علي بن الحسين عليه السلام أنّ عروة بن الزبير وابن شهاب الزهريّ يتناولان علياً ويعبثان به ، فأرسل إلى عروة فقال : « أمّا أنت فقد كان ينبغي أن يكون نكوص أبيك يوم الجمل ، وفراره ما يحجزك عن ذكر أمير المؤمنين ، واللّه لئن كان علي على باطل لقد رجع أبوك عنه ، ولئن كان على حقّ لقد فرّ أبوك منه ».

وأرسل إلى ابن شهاب فقال : « وأمّا أنت يا بن شهاب فما أراك تدعني حتّى أعرّفك موضع كِير أبيك ».

فمن كان هذا حاله مع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كيف يصدّق في زعمه أنّ علي بن الحسين حدّثه عن المسور؟ وهو الذي قرعه ووبّخه ، لا بل حتّى عيّره بماضي أبيه الوضيع!!

ثمّ ما بال علي بن الحسين يحدّث الزهريّ ، وهو يعرف عداوته لجدّه بحديث - إن صحّ - فهو انتقاص لجدّه؟

وما بال الزهريّ وهو الذي روى عن عدّة من الصحابة ، منهم أنس ، وسهل بن سعد ، وحتّى عن ابن عمر الذي ذكروا في ترجمته أنّه روى عنه ثلاثة أحاديث ، ما باله يروي هذا الحديث عن علي بن الحسين - كما يسمّيه - وهو من التابعين ، ولا يرويه عن المسور الصحابيّ الذي هو يرويه ، وهو قد أدركه ، وكان أشدّ لصوقاً به من علي بن الحسين نسباً وسبباً فكلاهما زهري ، ولأنّ أباه والمسور كانا معاً من أصحاب ابن الزبير ، وإلى ذلك أشار عبد الملك بن مروان حين اتّصل به الزهريّ فاستنسبه فنسب نفسه ، فقال عن أبيه : « إن كان أبوك لنعاراً في الفتن » (1). .

ص: 115


1- تاريخ مدينة دمشق 55 / 297.

ولقد كان عمر الزهريّ عند وفاة المسور فوق عمر المسور حين سمع الحديث المزعوم ، فقد مرّ أنّه قال كاذباً : سمع الحديث وهو يومئذ محتلم! والصحيح أنّه كان ابن ثمان سنين ، بينما كان عمر الزهريّ عند وفاة المسور ثلاث عشرة سنة.

وهكذا سؤال بعد سؤال يوضّح ما في الإسناد من خلل ، مضافاً إلى ما في المتن من علل ، ويبقى بلا جواب.

ولنترك حال الرجال وما فيهم من مقال وإشكال ، ولنعد إلى متن الحديث لنتبيّن فيه مواطن العلل ، ولنقرأه ثانياً حسب وروده في كتاب البخاريّ - الذي هو أصحّ كتاب بعد كتاب اللّه عند المغالين فيه - ولا نحاسبه على تقطيع أوصاله إلى خمسة أحاديث - ولا على حشر بعضها تحت عناوين لا تمت إليها بصلة ، ولا ... ولا ، فنحن والحديث الأوّل عنده ، فنقرأ فيه :

أوّلاً : قول المسور لعلي بن الحسين - كما في الحديث : هل لك إليّ من حاجة تأمرني بها؟ فقال : « لا ».

فهل لنا أن نسأل المسور : أيّ حاجة تلك التي يمكن له أن يقضيها غير ما يتعلّق بالسلطة الأمويّة ، والتي كان بعد لا يزال ظالعاً معها ، لأنّ زمن السؤال قد حدّده علي بن الحسين حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية ، بعد مقتل الحسين بن علي عليهما السلام ، لقيه المسور بن مخرمة فقال له : هل لك ....

ونحن إذا نظرنا إلى طبيعة الحال في ذلك الوقت نجد أنّ مقام الإمام زين العابدين أسمى وأرفع ممّا كان عليه المسور ، فإنّ ما أظهره يزيد من التنصل من تلك الجريمة التي لا تغتفر حتّى لعن ابن زياد ، وقال : لعن اللّه ابن مرجانة ... فأبغضني البرّ والفاجر بما استعظموه من قتلي الحسين ، ما لي ولابن مرجانة لعنه اللّه وغضب عليه ....

ودعا علياً ليودّعه وقال له : لعن اللّه ابن مرجانة ، أما واللّه لو أنّي صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلاّ أعطيته إيّاها ، ولدفعت الحتف عنه بكلّ ما استطعت ،

ص: 116

ولو بهلاك بعض ولدي ، ولكن قضى اللّه ما رأيت ، يا بني كاتبني حاجة تكون لك(1).

وذكر ابن الأثير أيضاً : إنّ يزيد بن معاوية لمّا وجه مسلم بن عقبة المري - وهو الذي سمّي مسرفاً - إلى المدينة المنوّرة لمقاتلة أهلها حين خلعوا بيعته ، قال له : فإذا ظهرت عليهم فأنهبها ثلاثاً ، فكلّ ما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو طعام فهو للجند ، فإذا مضت الثلاث فأكفف عن الناس ، وانظر علي بن الحسين فاكفف عنه ، واستوص به خيراً ، فإنّه لم يدخل مع الناس ، وإنّه قد أتاني كتابه.

وقد كان مروان بن الحكم كلّم ابن عمر لمّا أخرج أهل المدينة عامل يزيد وبني أُمية في أن يغيّب أهله عنده فلم يفعل ، فكلّم علي بن الحسين ، فقال : إنّ لي حرماً وحرمي يكون مع حرمك ، فقال : « أفعل » ، فبعث بامرأته وهي عائشة ابنة عثمان بن عفّان ، وحرمه إلى علي بن الحسين ، فخرج علي بحرمه وحرم مروان إلى ينبع ، وقيل : بل أرسل حُرم مروان ، وأرسل معهم ابنه عبد اللّه بن علي إلى الطائف(2).

وجاء في إرشاد المفيد : « إنّ مسرف بن عقبة لمّا قدم المدينة أرسل إلى علي بن الحسين عليهما السلام فأتاه ، فلمّا صار إليه قرّبه وأكرّمه وقال له : وصّاني أمير المؤمنين ببرّك وتمييزك من غيرك ... »(3).

فممّا تقدّم تبيّن : أنّ الإمام علي بن الحسين عليهما السلام كان أرفع مكانة وأجلّ قدراً وأقوى موقعاً لدى الحاكمين من المسور بن مخرمة ، الذي رفسه مروان برجله كما مرّ ، وجلدوه الحدّ كما تقدّم ، فهو أذلّ من أن يتمكّن من قضاء حاجة لأحد عند الأمويّين.

ص: 117


1- الكامل في التاريخ 4 / 87.
2- المصدر السابق 4 / 113.
3- الإرشاد 2 / 152.

وثانياً : لنقرأ قول المسور لعلي بن الحسين : فهل أنت معطي سيف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فإنّي أخاف أن يغلبك القوم عليه ، ونحن لا نناقشه في أمر السيف وكيفية وصوله إلى علي بن الحسين ، وهو من مواريث النبوّة ... وهذا عنده ، وقوله ينافي القول بعدم ميراث الأنبياء ، ولكن هل لنا أن نسأل المسور : من هم القوم الذين يخشى أن يغلبوا علي بن الحسين على سيف جدّه غير بني أُمية؟ وإذا كانوا هم ، فهل كان ذلك قبل واقعة الحرّة أو بعدها؟

فإن كان قبلها ، فالإمام علي بن الحسين كان أعزّ منه منعة ، وهم كانوا أذلّ وأضعف جنداً ، خصوصاً بعد أن أخرج الأمويّون واتباعهم من المدينة ، حتّى أنّ مروان استودع الإمام عياله كما مرّ.

وإن كان بعدها فالإمام هو الوحيد الذي لم يتعرّض له بسوء ، بوصية من يزيد ، وقد مرّ ذلك أيضاً ، فأيّ حال تلك التي كان المسور يخشاها على الإمام أن يغلب فيها على سيف جدّه؟

ولو لم يكن ثمّة تحديد زمني في الحديث ، حيث ورد أنّ المسور لقي علي بن الحسين عليهما السلام حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية بعد مقتل الحسين بن علي.

أقول : لو لم يكن ذلك التحديد لاحتملنا أنّ المسور قال ذلك بعد أن بلغه طلب عبد الملك بن مروان من الإمام علي بن الحسين ذلك السيف يستوهبه منه ويسأله الحاجة ، فأبى عليه ، فكتب إليه عبد الملك يهدّده وأنّه يقطع رزقه من بيت المال ، فأجابه عليه السلام : « أمّا بعد ، فإنّ اللّه ضمن للمتّقين المخرج من حيث يكرهون ، والرزق من حيث لا يحتسبون ، وقال جلّ ذكره : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) (1) فانظر أيّنا أولى بهذه الآية »(2).

ص: 118


1- الحجّ : 38.
2- مناقب آل أبي طالب 3 / 303.

وفي جواب الإمام علي بن الحسين عليهما السلام هذا ما يقطع جهيزة كلّ متنطّع لتصويب عرض المسور بن مخرمة ، فهو لم يخش عبد الملك بن مروان ولا سلطته ، وهو هو في عتوّه وجبروته.

وثالثاً : لنرى ثالثة الأثافي ، وتلك هي فرية المسور في قوله : إنّ علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة عليها السلام ، فسمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يخطب الناس في ذلك على منبره ، هذا وأنا يومئذ محتلم فقال : « إنّ فاطمة منّي ... ».

هنا مسائل : ما هو الربط في هذه الرواية بين قصّة طلبه السيف وبين قصّة الخطبة المزعومة؟

والجواب هو ما أربك شرّاح صحيح البخاريّ فصالوا وجالوا , ليوافقوا بين القصّتين فلم يوفّقوا.

وللطرافة ننقل للقارئ بعض ما ذكره ابن حجر في فتح الباري حيث قال : « وقال الكرماني : مناسبة ذكر المسور لقصّة خطبة بنت أبي جهل عند طلبه للسيف من جهة ، أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يحترز عمّا يوجب التكدير بين الأقرباء ، أي فكذلك ينبغي أن تعطيني السيف حتّى لا يحصل بينك وبين أقربائك كدورة بسببه ، أو كما أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يراعي جانب بني عمّه العباسيّين ، فأنت أيضاً راع جانب بني عمّك النوفليين ، لأنّ المسور نوفلي كذا قال ، والمسور زهري لا نوفلي.

قال : أو كما أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يحبّ رفاهية خاطر فاطمة عليها السلام ، فأنا أيضاً أحبّ رفاهية خاطرك لكونك ابن ابنها ، فأعطني السيف حتّى أحفظه لك.

قلت - والقائل هو ابن حجر - : وهذا الأخير هو المعتمد ، وما قبله ظاهر التكلّف ، وسأذكر إشكالاً يتعلّق بذلك في كتاب المناقب إن شاء اللّه تعالى »(1).

ص: 119


1- فتح الباري 6 / 149.

أقول : وما ذكره في كتاب المناقب ليس إلاّ تعليقة على الحديث الثاني في شرح قوله صلى اللّه عليه وآله : « فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها أغضبني » فقال : وهو طرف من قصّة خطبة علي ابنة أبي جهل ، وسيأتي مطوّلاً في ترجمة أبي العاص بن الربيع قريباً(1) ، وهذا ليس فيه أيّ إشكال.

وأمّا ما ذكره في كتاب المناقب أيضاً في ترجمة أبي العاص بن الربيع ، وهو الحديث الثالث كما مرّ ، فقد قال : « وإنّما خطب النبيّ صلى اللّه عليه وآله ليشيع الحكم المذكور بين الناس ويأخذوا به ، إمّا على سبيل الإيجاب ، وإمّا على سبيل الأولوية ، وغفل الشريف المرتضى عن هذه النكتة ، فزعم أنّ هذا الحديث موضوع ، لأنّه من رواية المسور ، وكان فيه انحراف عن علي ، وجاء من رواية ابن الزبير وهو أشدّ من ذلك ، وردّ كلامه بإطباق أصحاب الصحيح على تخريجه »!(2).

ألا على العقول العفا إن كان هذا الردّ الباهت يصلح لردّ قول الشريف المرتضى ( قدس سره ) ، وكم في تلكم الكتب من أخبار موضوعة ، وقد نقدوها سنداً ودلالة ، وابن حجر نفسه في مقدّمة شرحه التي سمّاها هدى الساري ذكر شواهد كثيرة لا يسع المقام ذكرها ، فلتراجع.

ثمّ كان ما أورده أصحاب الصحيح أنزل من اللوح المحفوظ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولو انصف ابن حجر نفسه قبل إنصافه الشريف المرتضى ، فلم يذكر ردّه الذي هو غاية ما عنده لكان به أولى وعليه أبقى.

ثمّ إنّه أطال الكلام في الاختلاف في اسم المخطوبة من بنات أبي جهل ، كما أطال في شرح قوله : « حدّثني فصدّقني » ، ولم يأت بطائل.

ص: 120


1- المصدر السابق 7 / 63.
2- المصدر السابق 7 / 68.

ورابعاً : نعود إلى قول المسور : فسمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يخطب الناس في ذلك على منبره هذا ، وأنا يومئذ محتلم.

وهذا من أكاذيبه التي أربكت شرّاح الصحيح أيضاً ، فقالوا ما قالوا ، وإلى القارئ بعض ما قالوا :

قال ابن سيّد الناس : هذا غلط ، والصواب ما وقع عند الإسماعيلي بلفظ كالمحتلم!!

قال : والمسور لم يحتلم في حياة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لأنّه ولد بعد ابن الزبير ، فيكون عمره عند وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ثمان سنين ....

ثمّ قال ابن حجر : قلت كذا جزم به وفيه نظر ، فإنّ الصحيح أنّ ابن الزبير ولد في السنة الأُولى ، فيكون عمره عند الوفاة النبوية تسع سنين ، فيجوز أن يكون احتلم في أوّل سني الإمكان! أو يحتمل قوله : « محتلم » على المبالغة ، والمراد التشبيه ، فتلتئم الروايتان ، وإلاّ فابن ثمان سنين لا يقال له محتلم ، ولا كالمحتلم ، إلاّ أن يريد بالتشبيه أنّه كان كالمحتلم في الحذق والفهم والحفظ ، واللّه أعلم(1).

فانظر بربّك إلى هذا التحمّل الفاسد في توجيه كلام المسور المعاند ، فهل تجد له في كلام أبناء آدم من شاهد؟

هذا ما يتعلّق بأوّل حديث رواه البخاريّ ، أمّا حديثه الثاني فليس فيه ما يستدعي المناقشة والوقوف عنده ، وإنّما هو جزء من الحديث الأوّل.

وأمّا الحديث الثالث ، وفيه قال المسور : إنّ عليّاً خطب بنت أبي جهل ، فسمعت بذلك فاطمة ، فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقالت : « يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل »(2).

ص: 121


1- المصدر السابق 9 / 269.
2- صحيح البخاريّ 4 / 212.

أقول : ومن قول فاطمة عليها السلام لأبيها يظهر : أنّ الأذى كان قد لحق ببنات النبيّ صلى اللّه عليه وآله قبلها من أزواجهن فلم يغضب لهن ، حتّى ذكرت له زعم قومه أنّه لا يغضب لبناته ، مستثيرة فيه غيرته وحميّته وشففته.

وإذا صحّ زعم المسور في ذلك ، فالنقد يتوجّه إلى أصهار النبيّ صلى اللّه عليه وآله عدا أبي العاص الذي خصّه البخاريّ بالعنوان ، وذكره المسور في حديثه ، فلا يبقى إذاً سوى عثمان الذي كانت عنده أُمّ كلثوم ورقية وماتتا عنده ، وإليه يتوجّه النقد ، فهل شعر المسور بذلك؟ وهل يقبله وهو الذي كان مع عثمان كما مرّ؟

ولعلّ من أجل هذا أعرض شرّاح الصحيح عن شرح هذه الجملة من حديثه ، خصوصاً ابن حجر الذي تخطّى ذلك إلى شرح جملة : وهذا علي ناكح بنت أبي جهل ، فقال : في رواية الطبراني عن أبي اليمان ، وهذا علي ناكحاً بالنصب ، وكذا عند مسلم من هذا الوجه ، أطلقت عليه اسم ناكح مجازاً باعتبار ما كان قصد يفعل ، واختلف في اسم ابنة أبي جهل ....

فاستعرض الأقوال في اسمها ، ولا يعنينا تحقيق ذلك كثيراً الآن ، إلى أن قال في شرح قوله : « حدّثني فصدّقني » ، لعلّه كان شرط على نفسه أن لا يتزوّج على زينب ، وكذلك علي ، فإن لم يكن كذلك فهو محمول على أنّ علياً نسي ذلك الشرط ، فلذلك أقدم على الخطبة ، أو لم يقع عليه شرط ، إذ لم يصرّح بالشرط ، فلذلك أقدم على الخطبة ، لكن كان ينبغي له أن يراعي هذا القدر ، فلذلك وقعت المعاتبة ، وكان النبيّ صلى اللّه عليه وآله قلّ أن يواجه أحداً بما يعاب به ، ولعلّه إنّما جهر بمعاتبة علي مبالغة في رضا فاطمة عليها السلام ، وكانت هذه الواقعة بعد فتح مكّة ، ولم يكن حينئذ تأخّر من بنات النبيّ صلى اللّه عليه وآله غيرها ، وكانت أصيبت بعد أُمّها بأخوتها ، فكان إدخال الغيرة عليها ممّا يزيد حزنها.

هذا ما قاله أشهر شرّاح الصحيح ، أن لم يكن أعلمهم ، فاقرأ ذلك واحكم عليه بما تقتضيه شريعة الإنصاف دون اعتساف.

ولنعد إلى فقرات الحديث لنقارن بينها وبين ما مرّ عنه في الحديث الأوّل في

ص: 122

تحقيق النصّ الذي سمعه من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فسنجد بينهما من التفاوت ما يدعو إلى الريبة في الأمر ، حتّى في الصحيح ، لاتفاق سند الحديثين من الزهريّ إلى المسور ، وإنّما ذكر البخاريّ الحديث الأوّل عن محمّد بن عمرو بن طلحة عن الزهريّ ، والحديث الثاني ذكره عن شعيب عن الزهريّ ، ثمّ قال : وزاد محمّد بن عمرو بن طلحة ... ، فذكر بعضاً من تلك الزيادة خصوصاً جملة : « وإنّي لست أحرّم حلالاً ، ولا أحلّ حراماً » ، فراجع الحديث وقارن بينهما بدقّة ، لترى مدى التفاوت متناً مع اتحاد السند ، وأنّه لأمر مريب!

وأمّا الحديث الرابع ، فنلاحظ عليه :

أوّلاً : غرابة العنوان الذي جعله البخاريّ للباب الذي أورد الحديث فيه ، ولم يورد فيه غيره ، فراجع.

ثانياً : إنّه ذكره بسنده عن الليث عن ابن أبي مليكة عن المسور ، بينما أخرجه الترمذيّ عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عبد اللّه بن الزبير ، وذكر الاختلاف فيه ، ثمّ قال : يحتمل أن يكون ابن أبي مليكة حمله عنهما جميعاً.

قال ابن حجر بعد ترجيحه رواية الليث عن ابن أبي مليكة ، لكونه توبع من رواية عمرو بن دينار وغيره ، ولكون الحديث قد جاء عن المسور من غير رواية ابن أبي مليكة ، فقد تقدّم في فرض الخمس.

وفي المناقب ، من طريق الزهريّ عن علي بن الحسين بن علي عن المسور ، وزاد فيه في الخمس قصّة سيف النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وذلك سبب تحديث المسور لعلي بن الحسين بهذا الحديث ، وقد ذكرت - والكلام لابن حجر - ما يتعلّق بقصّة السيف عنه هناك.

ولا أزال أتعجّب من المسور كيف بالغ في تعصّبه لعلي بن الحسين حتّى قال : إنّه لو أودع عنده السيف لا يمكّن أحداً منه حتّى تزهق روحه ، رعاية لكونه ابن فاطمة ، محتجّاً بحديث الباب ، ولم يراع خاطره في أنّ ظاهر سياق الحديث المذكور غضاضة على علي بن الحسين ، لما فيه من إيهام غضّ من جدّه علي بن

ص: 123

أبي طالب ، حيث أقدم على خطبة بنت أبي جهل على فاطمة ، حتّى اقتضى أن يقع من النبيّ صلى اللّه عليه وآله في ذلك من الإنكار ما وقع!!

بل أتعجّب من المسور تعجّباً آخر أبلغ من ذلك ، وهو أن يبذل نفسه دون السيف رعاية خاطر ولد ابن فاطمة ، وما بذل نفسه دون ابن فاطمة نفسه! أعني الحسين والد علي ، الذي وقعت له معه القصّة حتّى قتل بأيدي ظلمة الولاة!!

لكن يحتمل أن يكون عذره أنّ الحسين لما خرج إلى العراق ما كان المسور وغيره من أهل الحجاز يظنّون أنّ أمره يؤول إلى ما آل إليه واللّه أعلم ، انتهى كلام ابن حجر (1).

أقول : وليس فيما ذكره ابن حجر من اختلاف المسند ، ولا تعجّبه أوّلاً وثانياً - على ما فيهما من نقد لاذع للمسور - ولا في احتمال تعذيره على وهنه ما يدعونا إلى إطالة البحث فيه والتحقيق معه ، ولكن هلم الخطب في ثالثة الأثافي كما يقولون.

ثالثاً : قال المسور : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول وهو على المنبر : « إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فلا آذن ، ثمّ لا آذن ... » (2).

فهل لنا أن نسأل من البخاريّ ورجاله حتّى المسور عن اختلاف سبب الخطبة؟ وقد مرّ في الحديث الأوّل : أنّ علياً خطب بنت أبي جهل ، فسمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يخطب ....

وفي الحديث الثالث : أنّ علياً خطب بنت أبي جهل ، فسمعت بذلك فاطمة ، فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقالت : « يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك , وهذا علي ناكح بنت أبي جهل » ، فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فسمعته حين تشهّد يقول .... .

ص: 124


1- فتح الباري 9 / 268.
2- صحيح البخاريّ 6 / 158.

ويمكن الجمع بين الحديثين بتوحيد السبب في خطبة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أمّا في الحديث الرابع الذي نحن بصدده ، فقد جاء أنّ السبب هو استئذان بني هشام ابن المغيرة في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فسمعه المسور يقول : « فلا آذن ، ثمّ لا آذن ، ثمّ لا آذن ... ».

أمّا الحديث الخامس ، فهو جزء من الحديث الرابع ، إلاّ أنّ البخاريّ أغرب في وضعه تحت عنوان ليس فيه أيّة دلالة على المعنون ، فقد أورده في كتاب الطلاق في باب الشقاق ، ثمّ لم يورد غيره في ذلك الباب.

وهذا ما أربك شرّاح الصحيح ، وإلى القارئ ما قاله وحكاه عنهم ابن حجر : قال : « ثمّ ذكر - أي البخاريّ - طرفاً من حديث المسور في خطبة علي بنت أبي جهل ، وقد تقدّمت الإشارة إليه في النكاح ، واعترضه ابن التين ، بأنّه ليس فيه دلالة على ما ترجم به ، ونقل ابن بطال قبله عن المهلب قال : إنّما حاول البخاريّ بإيراده أن يجعل قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « فلا آذن » خلعاً ، ولا يقوى ذلك ، لأنّه قال في الخبر : « إلاّ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي » ، فدلّ على الطلاق ، فإن أراد أن يستدلّ بالطلاق على الخلع فهو ضعيف ، وإنّما يؤخذ منه الحكم بقطع الذرائع.

وقال ابن المنير في الحاشية : يمكن أن يؤخذ من كونه صلى اللّه عليه وآله أشار بقوله : « فلا آذن » إلى أنّ علياً يترك الخطبة ، فإذا ساغ جواز الإشارة بعدم النكاح التحق به جواز الإشارة بقطع النكاح.

وقال الكرماني : تؤخذ مطابقة الترجمة من كون فاطمة ما كانت ترضى بذلك ، فكان الشقاق بينها وبين علي متوقّعاً ، فأراد صلى اللّه عليه وآله دفع وقوعه بمنع علي من ذلك بطريق الإيماء والإشارة ، وهي مناسبة جيّدة »(1).

وإلى هنا ننهي ما نقلناه عن ابن حجر ، ولا نعقّب بقليل أو كثير على تلك

ص: 125


1- فتح الباري 9 / 332.

الأقوال التي لا يخفى تنطّع أصحابها وسماجتها.

والعجب من ابن حجر - وهو على ما عنده من المعرفة - كيف يذكرها ولا يعقّب عليها بنقد ، وكأنّه قد ارتضاها ، وهي كما ترى.

والآن وقد انتهينا من النظر في أحاديث البخاريّ الخمسة ، وهي أوصال متقطّعة لحديث واحد رواه المسور بن مخرمة ، نعود فنسأل المسور ورواة حديثه ، وحتّى أصحاب الصحاح ، ومن أخرجه عنه ، ثلاثة أسئلة تفرض نفسها :

الأوّل : ما بال علي يخطب ابنة أبي جهل؟ وهو الذي يعلم بعداوة أبي جهل للإسلام ونبيّه ، حتّى قتل ببدر كافراً ، وعلي نفسه قد قتل من بني هشام بن المغيرة في يوم بدر ويوم أُحد عشرة ، ثمانية منهم ببدر ، وتاسعهم كان حليفاً لهم ، وعاشرهم قتله يوم أُحد.

فما باله يخطب من أناس وترهم بآبائهم وإخوانهم ، وهو يعلم بوغر صدورهم لما لهم عنده من ترات لم يطفئ الإسلام إوار الحقد من صدورهم ، وهم كبقية قريش إنّما كانوا يبغضون علياً لأنّه قتل منهم سبعين رجلاً ، كأنّ وجوههم سيوف الذهب على حدّ قول عثمان بن عفّان(1)؟

ثمّ ما باله يخطبها من رجل سبق له أن أراد قتله يوم فتح مكّة ، فاستجار بأخته أُمّ هاني ، وهو الحارث بن هشام ، كما في حديث سويد بن غفلة وسيأتي ، فأجارته أُمّ هاني ، فدخل عليه علي وقد شهر سيفه يريد قتله ، فمنعته أُمّ هاني من ذلك ، كما منعته من قتل جميع من استجار بها ، وقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله في ذلك : « قد أجرنا من أجارت أُمّ هاني »(2).

ثمّ ما الذي أغراه بها؟ علوّ النسب أو كمال الحسب؟ مع أنّها لم تكن بتلك الحسناء ، بل وصفوها بأنّها العوراء ، ولو شاء الزواج ، لِمَ لم يتزوّج بنت عمّه

ص: 126


1- معرفة الصحابة 1 / 301 ط مكتبة الدار بالمدينة المنورة سنة 1408 ه.
2- سبل الهدى والرشاد 9 / 126.

الحمزة - أسد اللّه وأسد رسوله -؟ وهو الذي كان أشار على النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالزواج منها ، فقال له : « يا رسول اللّه ، ما لك تتوق إلى نساء قريش وتدعنا »؟ قال : « وعندكم شيء »؟ قلت : « نعم ابنة حمزة » ، فقال : « إنّها لا تحلّ لي ، فأنّها ابنة أخي من الرضاعة » (1).

فهذه تفوق بنت أبي جهل حسباً ونسباً وجمالاً وكمالاً ، وهي لم تكن ممّن يحرم عليه نكاحها.

السؤال الثاني : ما بال النبيّ صلى اللّه عليه وآله يغضبه خطبة علي لابنة أبي جهل ، لأنّ ذلك يسيء إلى فاطمة عليها السلام ، بينما نجده يغضب لعلي لا عليه حينما أخبره أربعة من الصحابة أنّ علياً اصطفى جارية من السبي عندما أرسله إلى اليمن ، فشكوه في المسجد ، الواحد تلو الآخر على ملأ من المسلمين ، فغضب صلى اللّه عليه وآله عليهم ، وحتّى أبد بعضهم بنظره ، أي نظر إليه نظراً حادّاً ، ثمّ قال : « لا تؤذوني في علي ، لا تشكوا علياً ، إنّ علياً منّي وأنا من علي ».

وقال : « من آذى علياً فقد آذاني ... » إلى آخر ما قال ، فهل اصطفاء علي عليه السلام لجارية من السبي لم يبلغ فاطمة عليها السلام ، أو بلغها ولم يسئها ذلك ، لأنّها لا تغار منها؟

السؤال الثالث : ما بال المسور واضرابه لم يسمّوا لنا تلك المخطوبة المحظوظة بهوى علي فيها ، فتركوا أصحاب الحديث والتاريخ والأنساب يخبطون خبط العشواء ، فسمّاها مصعب الزبيري « جويرية » ، فقال في كتابه نسب قريش : « وكان علي بن أبي طالب قد خطب جويرية بنت أبي جهل قبل عتاب ، وهمّ بنكاحها ، فكره ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقال : « إنّي لأكره أن تجمع بين بنت ولي اللّه وبين بنت عدوّ اللّه » ، فتركها علي ، وتزوّجها عتّاب ». .

ص: 127


1- ذخائر العقبى : 106 ، صحيح مسلم 4 / 164 ، السنن الكبرى للنسائيّ 3 / 297 ، المعجم الكبير 3 / 139.

وسمّاها ابن حزم في الجمهرة : الحنفاء ، فقال : « وولد أيضاً أبو جهل الحنفاء ، أراد علي أن يتزوّجها ، فكره ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فتزوّجها عتّاب ابن أسيد »(1) ، وسمّاها ابن حجر في الإصابة العوراء(2) ، فلماذا هذا الاختلاف وبنات أبي جهل كما في كتب الأنساب أربع؟

وإليك أسماؤهن وأسماء أزواجهن نقلاً عن نسب قريش ، المتوّفى 236 ه- ، فهو أقرب زماناً وهوى إلى المسور وإضرابه من رواة تلك الأسطورة.

قال : وكان لأبي جهل أربع بنات : صخرة والحنفاء وأسماء وجويرية ، وأُمّهن أروى بنت أبي العيص.

1 - كانت الحنفاء بنت أبي جهل عند سهيل بن عمرو بن عبد شمس العامري.

2 - وكانت أسماء بنت أبي جهل عند الوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومي ، فولدت له أُمّ عبد اللّه بنت الوليد ، تزوّجت أُمّ عبد اللّه بنت الوليد عثمان بن عفّان ، فولدت له الوليد وسعيد ابني عثمان بن عفّان.

فهل كان زواج عثمان بها بعد موت ابنتي النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟ والجواب عند المسور واضرابه ، لكن ما رواه من قول فاطمة عليها السلام لأبيها : « يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك ... » يأبى ذلك.

3 - وكانت جويرية بنت أبي جهل عند عتّاب بن أسيد بن أبي العيص ....

قال الزبيري : وكان علي بن أبي طالب قد خطب جويرية بنت أبي جهل قبل عتّاب ، وهمّ بنكاحها ، فكره ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقال : « إنّي لأكره أن تجمع بين بنت ولي اللّه وبين بنت عدوّ اللّه » ، فتركها علي وتزوّجها عتّاب ، فولدت له عبد الرحمن بن عتّاب ، قتل يوم الجمل ، ووقف عليه علي فقال : « هذا يعسوب قريش ، جدعت أنفي ، وشقيت نفسي ».

ص: 128


1- جمهرة أنساب العرب : 145.
2- الإصابة 8 / 253.

يا لله من قوم لا يستحيون من الكذب ، أهكذا تبلغ الوقحة بهم أن يرووا ذلك ، هم يترجمون عبد الرحمن بن عتّاب ويذكرون ولادته في آخر حياة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فيكون عمره يوم قتل 26 سنة ، فهل يعقل أن يقول علي ذلك في إنسان حاربه مع أعدائه؟ ولم يكن له في تاريخ قريش على اختلاف بيوتاتهم ، وأيّام صولاتهم مقام مشهود ، ولا مقال محمود ، ثمّ يصفه بأنّه يعسوب قريش ، واليعسوب هو سيّد النحل وأميره ...؟!

فبماذا استحقّ منه هذا التقريض؟ ولماذا منه كلّ هذا التفجّع والتوجّع المزعوم؟!

ولعلّ قحة قائلهم تبلغ به فيزعم أنّ مبعث ذلك هو حنين نفسه إلى أُمّه ، وليعلم القارئ أنّ جويرية هذه هي التي سبق لها أن قالت يوم فتح مكّة ، وقد سمعت الأذان على ظهر الكعبة : « قد لعمري رفع لك ذكرك ، أمّا الصلاة فسنصلّي ، واللّه لا نحبّ من قتل الأحبّة أبداً » ، فعلي عليه السلام هو أبرز من قتل الأحبّة.

والآن بعد أن بيّنا زيف المسور في روايته ، نعود فنذكّر القارئ مرّة أُخرى بما مرّ منّا سابقاً في أوّل ذكر الرواة ، فنقول : حدث بتلك المثابة من الأهمّية يغضب فاطمة عليها السلام ، ويغضب أبوها لغضبها ، فيخرج إلى المسجد ويخطب الناس في ذلك إلى آخر ما مرّ في حديث المسور ، ثمّ لا يرويه من الصحابة الحضور - من مهاجرين وأنصار - إلاّ المسور ، مع توفّر الدواعي إلى نقله ، خصوصاً عند شانئي علي عليه السلام إنّ ذلك لعجيب!!

ولو كان الحدث بحذافيره كما يرويه المسور في حديثه لرواه المخالف قبل المؤالف ، وهذا ليس كفضائله التي أخفاها أولياؤه خوفاً وأعداؤه حسداً ، ومع ذلك شاع من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين.

إذاً ليس من المعقول تصديق المسور في جميع زعمه لتلك القصّة بكامل تفاصيلها ، كما رواها وحده دون بقية الناس الذين خطبهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، اللّهم لا يقبل ذلك منه.

ص: 129

والسؤال الآن الذي يفرض نفسه : هل إنّ القصّة مفتعلة أساساً ، أم لها نصيب من الصحّة ولو كان ضعيفاً؟ إذ ليس من المقبول عقلاً أن يكون المسور على ما هو عليه من البغض والشنآن يختلق قصّة موهومة من عالم الخيال ، فيذيعها لتكون حقيقة ثابتة ، وهي ليس لها أساس لا يعقل ذلك ، إذ لا يوجد دخّان من دون نار ، ولابدّ من منشأ انتزاع.

إذاً ما هو الواقع في ذلك؟

هذا ما يجب أن نبحث عنه بصبر وأناة في مختلف المصادر الحديثية والتاريخية والنسبية ، وقد بحثت فيما وصلت إليه يدي فلم أجد سوى حديث يرويه سويد بن غفلة ، أخرجه الحاكم في المستدرك ، وفيه ما يمكن أن يجعل أساساً لتلك القصّة ، وإليك الحديث بنصّه :

قال الحاكم : « أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي ، حدّثنا عبد اللّه بن أحمد ابن حنبل ، حدّثني أبي ، حدّثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، أخبرني أبي عن الشعبي عن سويد بن غفلة ، قال : خطب علي ابنة أبي جهل إلى عمّها الحارث بن هشام ، فاستشار النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فقال : « أعن حسبها تسألني »؟

قال علي : « قد أعلم ما حسبها ، ولكن أتأمرني بها »؟ فقال : « لا ، فاطمة مضغة منّي ، ولا أحسب إلاّ وأنّها تحزن أو تجزع » ، فقال علي : « لا آتي شيئاً تكرهه » هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة »(1).

أقول : هذا الحديث لا يخلو أوّلاً سنده من مناقشة في رجاله ، ويكفي وجود الشعبي الذي كان مائلاً لبني أُمية ، ومرّ بيان حاله فيما سبق ، ولا حاجة إلى إعادته.

قال معمر : « وبلغني أنّ الشعبي كان يلعب بالشطرنج ، ويلبس ملحفة حمراء ، ويرمي بالجلاهق ... »(2).

ص: 130


1- المستدرك 3 / 158.
2- المصنّف للصنعانيّ 10 / 467.

وثانياً : هو حديث منقطع الإسناد ، لأنّ سويد بن غفلة ، وإن كان معدوداً من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ، إلاّ أنّه لم يسمع من النبيّ صلى اللّه عليه وآله حديثه ، ولذلك عقّب الذهبيّ على تصحيح الحاكم ، فقال : مرسل قوي ... إلى أن قال : « فالعجب من الحاكم كيف صحّحه »؟!

أقول : إذا كان في ذلك ما يبعث على العجب ، فماذا يقول الذهبيّ في موافقة شرّاح البخاريّ - كابن حجر في « فتح الباري » ، والقسطلاني في « إرشاد الساري » ، والعيني في « عمدة القاري » - للحاكم في تصحيحه؟

وأعجب العجب أنّ الذهبيّ نفسه روى هذا الحديث في سير أعلام النبلاء ، ولم يعقّب عليه بشيء!(1).

وثالثاً : فيه من التهافت الظاهر ما ينبغي الالتفات إليه ، وذلك في قول سويد : خطب علي ابنة أبي جهل إلى عمّها الحارث بن هشام ، وقوله : فاستشار علي النبيّ صلى اللّه عليه وآله ... ، فأيّ معنى لاستشارة النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعد الخطبة؟ ولو كان العكس لصحّ ذلك منه.

ومع ذلك كلّه فبقية الحديث من قوله : فاستشار النبيّ صلى اللّه عليه وآله ... إلى آخره ، هي أساس ما نسج حوله الرواة ، كالمسور وأضرابه ، وهي في نفس الوقت تنفي وقوع الخطبة من علي ، كما تنفي خطبة النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الناس على المنبر معلناً غضبه ... ، فيكون الحديث بكلّ بساطة خاطرة خطرت لعلي ، فاستشار النبيّ صلى اللّه عليه وآله مستأذناً ، وقال : « أتأمرني بذلك » ، فقال : « لا ... » ، فقال علي : « لا آتي شيئاً تكرهه ».

وبهذا المعنى ردّ ابن عباس على عمر في محاورة جرت بينهما في حديث الخلافة ، أشار فيها إلى هذا المعنى ، والمحاورة طويلة جاء فيها : « قال عمر لابن عباس : إنّ صاحبكم هذا - يعني علي بن أبي طالب - إن ولي زهد ، ولكنّي

ص: 131


1- سير أعلام النبلاء 2 / 125.

أخشى عجب نفسه أن يذهب به.

قال ابن عباس : يا أمير المؤمنين إنّ صاحبنا من قد علمت واللّه غير ما نقول ، إنّه ما غيّر ولا بدّل ، ولا أسخط رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أيّام صحبته له.

فقال : ولا في بنت أبي جهل ، وهو يريد أن يخطبها على فاطمة؟

قلت : قال اللّه تعالى في معصية آدم عليه السلام ، ولم نجد له عزماً ، وصاحبنا لم يعزم على اسخاط رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولكن الخواطر التي لا يقدر أحد على دفعها عن نفسه ، وربما كانت من الفقيه في دين اللّه ، العالم العامل بأمر اللّه ....

فقال : يا بن عباس من ظن أنّه يرد بحوركم فيغوص فيها حتّى يبلغ قعرها فقد ظنّ عجزاً »(1).

هذه المحاورة رواها الزبير بن بكار في كتابه الموفّقيات ، كما نصّ على ذلك السيوطي في « الدرّ المنثور » ، ولكنّها لا توجد في المطبوع من الموفّقيات أخيراً ، بتحقيق الدكتور سامي مكّي العاني ، فهي ممّا يستدرك عليه ممّا فاته استدراكه ، فيما ذكر في آخر النسخة المطبوعة.

ومع ذلك ، فقد روى الهيثميّ في « مجمع الزوائد » نقلاً عن الطبراني في معاجمه الثلاثة ، والبزّار باختصار أيضاً ، وفيه عبيد اللّه بن تمام وهو ضعيف(2).

كما أخرجه العقيلي في الضعفاء(3) ، وقال ابن حجر : ضعّفه الدار قطني وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم ... ، وقال أبو حاتم : ليس بالقوي ، روى أحاديث منكرة ... ، وقال الساجي : كذّاب يحدث بمناكير ... ، وذكره ابن الجارود والعقيلي ، وأورد له عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس : أنّ عليّاً خطب بنت

ص: 132


1- الدرّ المنثور 4 / 309.
2- مجمع الزوائد 9 / 203.
3- الضعفاء الكبير 3 / 118.

أبي جهل ، فبعث إليه النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « إن كنت متزوّجاً فرد علينا بنتنا »(1).

أقول : فحديث يرويه عبيد اللّه بن تمام الذي مرّ حاله ، وينتهي سنده إلى عكرمة الخارجي الكذّاب ، الذي حبسه علي بن عبد اللّه بن عباس على باب الكنيف ، لأنّه كان يكذب على أبيه ، وحديث كذبه شائع ذائع حتّى إنّ ابن عمر حذّر غلامه أن يكذب عليه ، كما كذّب عكرمة على ابن عباس ، وقد أكذبه آخرون ، مضافاً إلى أنّه كان خارجياً يبغض الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، فهل يمكن أن نصدّق أنّ ابن عباس روى ذلك؟

وثمّة حديث آخر وهو موضوع ، لأنّه أشدّ تعفّناً ممّا سبق ، حيث رووا عن علي نفسه إقراره بموجدة النبيّ صلى اللّه عليه وآله منه لذلك ، واستشفاعه بأبي بكر ، إلى غير ذلك ، ممّا يستبطن كذبه في سياق ما رواه المتّقي الهندي عن الحارث عن علي ، قال : « لمّا خطبت بنت أبي جهل بن هشام ، وجد النبيّ صلى اللّه عليه وآله موجدة ، فرأيت في وجهه ، فخرجت إلى أبي بكر فأخذت بيده ، فأدخلته على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فلمّا رأى النبيّ صلى اللّه عليه وآله أبا بكر مقبلاً ، تهلّل وجهر النبيّ صلى اللّه عليه وآله فرحاً ، فقلت : يا رسول اللّه رأيت في وجهك ما أكره ، فلمّا نظرت إلى أبي بكر تهلّل وجهك إليه فرحاً »!

فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « ما يمنعني أن تهلّل وجهي إلى أبي بكر فرحاً ، وأبو بكر أوّل الناس إسلاماً ، وأقدمهم إيماناً ، وأطولهم سمتاً ، وأكثرهم مناقب ، رفيقي في الهجرة إلى المدينة ، وأنيسي في وحشة الغار ، ومن بعد ذلك ضجيعي في قبري ، كيف لا يتهلّل وجهي إلى أبي بكر فرحاً »؟(2).

ولا تعليق لنا على ذلك إلاّ تنبيه القارئ على مدى العبث في التاريخ ، والمغالاة في صياغة الشخصية المحبوبة عند النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والنزعة الخفية في التفضيل ، وأنّ أبا بكر هو الأنموذج الأمثل للصحابة.

ص: 133


1- لسان الميزان 4 / 97.
2- كنز العمّال 12 / 516.

ألا سخنت عيون البكرية ما أشدّ غباءهم ، فما داموا استمرؤوا الكذب ، كيف فاتهم أن يضيفوا إلى هذه الحبكة المفتعلة جملة ، وهو خليفتي من بعدي ، لتتمّ لهم الحجّة ، ولكنّهم فيما يبدو رأوا سقوط أبي بكر في حمأة الحيرة المملة التي عاناها حين سأله الأعرابي ، وقال له : أنت خليفة رسول اللّه؟ فقال : لا.

فقال : فما أنت؟ قال : أنا الخالفة بعده ، فلم يذكروا له ذلك مادام أبو بكر قال عن نفسه هو الخالفة ، والخالفة كما قال ابن الأثير : « الذي لا غناء ولا خير فيه » ، وإنّما قال ذلك تواضعاً.

وطبيعي أن يقول ذلك أبو بكر ، فهو أعرف بنفسه من غيره ، ولأنّه يعلم ذلك من نفسه ، كما أنّه من الطبيعي أن يقول ذلك ابن الأثير ، ويقوله جميع البكريين معه ، الذين هم أكثر بكرية من أبي بكر على مقولة : ملكيّون أكثر من الملك.

ولكن ما يصنع ابن الأثير وأضرابه ، وتفسير قوله تعالى : ( فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ ) (1) ، والمفسّرون قالوا : « فلان خالفة أهل بيته إذا كان فاسداً فيهم ، من خلوف فم الصائم ، فعلى هذا يكون المعنى فاقعدوا مع الفاسدين »(2).

ومهما يكن مراد أبي بكر في قوله : أنا الخالفة ، فإن البكرية لم يجعلوه في حديثهم السابق خليفة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولكن هلّم الخطب في جعلهم له أوّل الناس إسلاماً ، وأقدمهم إيماناً ، وهذا عين ما قاله رسول اللّه لابنته فاطمة عليها السلام : « أو ما ترضين أنّي زوّجتك أقدم أُمّتي سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً »(3).

ص: 134


1- التوبة : 83.
2- الجامع لأحكام القرآن 8 / 218.
3- 3 - مسند أحمد 5 / 26 ، مجمع الزوائد 9 / 114 ، المصنّف لابن شيبة 7 / 505 ، الآحاد والمثاني 1 / 142 ، المعجم الكبير 20 / 230 ، شرح نهج البلاغة 13 / 227 ، نظم درر السمطين : 188، كنز العمّال 11 / 605 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 126 و 70 / 113 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 291.

وتلكم عائشة ابنة أبي بكر تقول في خطبتها بعد الجمل : « وأبي رابع أربعة من المسلمين » (1).

أمّا سعد بن أبي وقّاص - أحد العشرة المبشّرة - فيقول لابنه محمّد ، وقد سأله : « أكان أبو بكر أوّلكم إسلاماً؟ فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين , ولكن كان أفضلنا إسلاماً »(2).

وأخيراً : كيف يصدّق عاقل بما رواه البكريون آنفا عن علي عليه السلام من موجدة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، مع أنّه القائل في خطبة له يصف مقامه عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل »(3).

أليست خطبته بنت أبي جهل خطلة في فعل؟ كيف يصدّق ذلك مسلم؟ حاشا لله.

بقيت بعض الأحاديث تلتقي في مؤدّاها مع حديث المسور ، من غضب فاطمة عليها السلام بسبب الغيرة أيضاً ، ولكن لم تكن المرأة التي اشتاقت نفس علي إليها هي ابنة أبي جهل ، وإنّما هي حرّة وأمة :

1 - أمّا الحرّة فهي أسماء بنت عميس ، وحديثها أخرجه الطبراني(4) ، وعنه الهيثميّ في « مجمع الزوائد » حيث قال : « رواه الطبراني في الكبير والأوسط ، في إسناده من لم أعرفه »(5).

إذاً لا يهمّنا بيان حال إسناده ، فلننظر إلى متنه.

ص: 135


1- كنز العمّال 12 / 499 ، تاريخ مدينة دمشق 30 / 390 ، بلاغات النساء : 6.
2- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 60.
3- شرح نهج البلاغة 13 / 197 ، ينابيع المودّة 1 / 208.
4- المعجم الكبير 22 / 405.
5- مجمع الزوائد 9 / 203.

قالت أسماء : خطبني علي ، فبلغ ذلك فاطمة ، فأتت النبيّ صلى اللّه عليه وآله فقالت : « إنّ أسماء متزوّجة عليّاً »! فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « ما كان لها أن تؤذي اللّه ورسوله ».

فنقول : إنّ أسماء كانت أوّلاً عند جعفر بن أبي طالب عليه السلام ، فلمّا كانت غزاة مؤتة سنة ثمان من الهجرة - في جمادى الأُولى أو الآخرة - قتل فيها جعفر ، فتزوّجها أبو بكر بعد قتل جعفر ، وبعد يوم حنين ، فإنّ غزوة حنين كانت في شوال سنة ثمان من الهجرة ، والرسول صلى اللّه عليه وآله خرج إليها لست خلون من شوال ، وانتهى إلى حنين في عاشره(1).

فيكون بين الوقعتين أربعة أشهر وأيّام ، هي بمقدار عدّة المرأة المتوفّى عنها زوجها ، ويعني ذلك أنّ أبا بكر تزوّج أسماء عند خروجها من العدّة ، وعلى هذا دلّ ما ذكره ابن كثير في سيرته قال : « ورثت أسماء بنت عميس زوجها - جعفراً - بقصيدة تقول فيها :

فآليت لا تنفك نفسي حزينة *** عليك ولا ينفك جلدي أغبرا

فلله عيناً من رأى مثله فتى *** أكر وأحمى في الهياج وأصبرا

تنشب أن انقضت عدّتها ، فخطبها أبو بكر الصدّيق فتزوّجها ، فأولم ، وجاء الناس للوليمة ، فكان فيهم علي بن أبي طالب ، فلمّا ذهب الناس استأذن علي أبا بكر في أن يكلّم أسماء من وراء الستر فأذن له ، فلمّا اقترب من الستر نفحه ريح طيبها ، فقال لها علي - على وجه البسط - : من القائلة في شعرها :

فآليت لا تنفك نفسي حزينة *** عليك ولا ينفك جلدي أغبرا

قالت : دعنا منك يا أبا الحسن ، فإنّك أمرؤ فيك دعابة »(2).

ص: 136


1- السيرة النبوية لابن كثير 3 / 610.
2- المصدر السابق 3 / 478.

على أنّ هناك ما يحمل على الشكّ بصحّة ما رواه ابن كثير ، فقد نسب البيت المذكور إلى عاتكة بنت زيد ، قالته في رثاء زوجها عبد اللّه بن أبي بكر ، حيث كان يحبّها ، فجعل لها بعض أراضيه على أن لا تتزوّج بعده ، فتزوّجها عمر بن الخطّاب ، فأرسلت إليها عائشة أن ردّي علينا أرضنا ، وكانت عاتكة قد قالت حين مات عبد اللّه بن أبي بكر :

آليت لا تنفك نفسي حزينة *** عليك ولا ينفك جلدي أغبرا

قال : فتزوّجها عمر بن الخطّاب ، فقالت عائشة :

آليت لا تنفك عيني قريرة *** عليك ولا ينفك جلدي أصفرا(1)

وهذا الجواب منها ينفي خطبة علي لها ، لأنّ خطبته لها لو كانت لابدّ أن تكون قبل خطبة أبي بكر ، لأنّ أبا بكر مات عنها سنة 13 من الهجرة ، يعني بعد موت فاطمة بثلاث سنين ، فلابدّ أن يفترض أنّ خطبة علي لها كانت قبل خطبة أبي بكر لها ، فكان عليها أن تجيبه بعد عتابه لها على تناسيها رثاءها لأخيه جعفر : أنت أولى منّي بالعتاب ، ألم تسبق إليّ بالخطبة ، ولأشارت إلى ما نسب إليها من زعم أنّ علياً خطبها ، وقول فاطمة عليها السلام لأبيها ، وقول أبيها صلى اللّه عليه وآله : « ما كان لها أن تؤذي اللّه ورسوله ... ».

لا أن يكون جوابها : دعنا منك يا أبا الحسن ، فإنّك أمرؤ فيك دعابة.

2 - وأمّا الأمة ، فهي جارية أعطاها له أبو بكر ، وحديثها أخرجه عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر قال : أعطى أبو بكر علياً جارية ، فدخلت أُمّ أيمن على فاطمة ، فرأت فيها شيئاً كرهته ، فقالت : ما لك؟ فلم تخبرها ، فقالت : ما لك؟ فو اللّه ما كان أبوك يكتمني شيئاً ، فقالت : « جارية أعطوها أبا حسن ».

ص: 137


1- الطبقات الكبرى 8 / 266.

فخرجت أُمّ أيمن فنادت على باب البيت الذي فيه علي بأعلى صوتها : أما رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يحفظ في أهله؟ فقال : « ما هذا الصوت »؟ فقالوا : أُمّ أيمن تقول : أما رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يحفظ في أهله ، فقال علي : « وما ذاك »؟ قالت : جارية بعث بها إليك ، فقال علي : « الجارية لفاطمة » (1).

فهذا الحديث يرويه ابن عيينة ، وهو ممّن رمي بالاختلاط ، وابن عيينة يرويه عن عمرو بن دينار ، وهذا أيضاً من المجروحين ، كما في كتاب المجروحين لابن حبّان ، حيث قال : « كان ممّن ينفرد بالموضوعات عن الإثبات ، لا يحلّ كتابة حديثه إلاّ على جهة التعجّب.

وسئل ابن معين عنه ، فقال : ليس بشيء (2) ، مضافاً إلى أنّه كان يعرف بقهرمان آل الزبير ، فمن كان كذلك هل يقبل حديثه؟

على أنّ في نفس حديثه ما يدلّ على كذبه ، وذلك أنّ فاطمة عليها السلام التي لم تبق بعد أبيها سوى أيّام أو شهور لم تزد على ستة أشهر ، ثمّ ماتت عليها السلام ، وكان علي عليه السلام معها في محنتها ، ولم يبايع أبا بكر ما دامت فاطمة حية.

وقالوا : لم يحضر جمعة ولا جماعة مع القوم إلى أن ماتت فاطمة عليها السلام ، فانصرفت وجوه الناس عنه ، فبايع هو كما بايع معه العباس وبنوه وجماعة بني هاشم ، وبقية الفئات المعارضة التي اتخذت منه ملجأ يلجؤون إليه ، وسنداً يستندون عليه.

فهل يعقل أنّ أبا بكر يبعث إليه بجارية ، ويقبل ذلك علي عليه السلام منه ، وهو بعد لم يزل ساخطاً لما جرى معه ، ومع فاطمة عليها السلام من بعد النبيّ؟

ولو سلّمنا ذلك ، فهل أنّ علياً نسي ما مرّ له في حياة النبيّ صلى اللّه عليه وآله من استشارته في أمر ابنة أبي جهل ، وأنّ ذلك يسيء إلى فاطمة ، فقال : « لا أفعل شيئاً .

ص: 138


1- المصنّف للصنعانيّ 7 / 303.
2- كتاب المجروحين 71/2.

تكرهه » ، ثمّ ها هو الآن يقبل الجارية ، ويقيم معها ، حتّى تنكر ذلك عليه أُمّ أيمن!!

ثمّ ما بال علي عليه السلام وبنيه لم يتبيّنوا تلك الكراهية من فاطمة عليها السلام ، وهم يعيشون معها في البيت ، وتبيّنتها أُمّ أيمن التي كانت في بيت غير بيتها؟! دون من كان يزورها من نساء المهاجرين والأنصار ، وحتّى أسماء بنت عميس التي كانت تمرضّها.

كلّ ذلك يوحي باختلاق الحديث ، ولا نستبعده من عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير الذي قال فيه ابن حبّان : « كان ممّن ينفرد بالموضوعات عن الإثبات ، لا يحلّ كتابة حديثه إلاّ على وجه التعجّب ».

وما يدرينا لعلّ عبد الرزاق إنّما كتب حديثه في كتابه المصنّف على ذلك الوجه.

ثمّ أعلم أيها القارئ الكريم : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أعطى علياً جارية يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة (1).

فلا يخلو إمّا أن يكون ذلك يغيظ فاطمة عليها السلام أو لا يغيظها؟ فإنّ كان يغيظها ، فلم فعله النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟ وإن كان لا يغيظها فما الفرق بين ريطة وغيرها من النساء ، سواء كانت زوجة أو جارية بملك اليمين ، وكلتاهما بحكم الضرائر عند النساء؟

على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد دافع عن الإمام في اصطفائه الجارية حينما بعثه إلى اليمن ، وشكاه بريدة ، كما في البخاريّ بسنده عن بريدة قال : بعث النبيّ صلى اللّه عليه وآله علياً إلى خالد ليقبض الخمس ، وكنت أبغض علياً ، وقد اغتسل ، فقلت لخالد : ألا ترى إلى هذا؟ فلمّا قدمنا على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ذكرت له ، فقال : « يا بريدة أتبغض علياً »؟ فقلت : نعم ، فقال : « لا تبغضه ، فإنّ له في الخمس .

ص: 139


1- السيرة النبوية لابن كثير 3 / 671.

أكثر من ذلك »(1).

أقول : فما بال التسرّي لا يغيظ فاطمة عليها السلام إذا بلغها؟ ويغيظها إذا كان تزويجاً؟ ولا يفوتني تنبيه القارئ إلى أنّ الحديث السابق عن البخاريّ رواه غيره بأوسع وأوضح ممّا ذكره(2).

لماذا وضع هذا الحديث؟

لقد مرّ بنا مراراً تذكير القارئ بأنّ الأمويّين عمدوا إلى كثير من فضائل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فجعلوا مثلها للخلفاء الآخرين ، ولا ننس ما ذكره المدائني من كتب معاوية إلى عمّاله ببراءة الذمّة ممّن روى في فضل علي شيئاً.

ثمّ كتابه يأمرهم فيه بوضع الحديث في فضائل الشيخين.

ثمّ كتابه يأمرهم فيه بوضع الحديث في فضائل عثمان.

ولمّا كان عثمان لم يحمد في مصاهرته للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وقد أساء صحبة زوجته أُمّ كلثوم ابنة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فلمّا ماتت في شعبان سنة تسع من الهجرة ، فغسّلتها أسماء بنت عميس وصفية بنت عبد المطّلب ، وقيل : غسّلها نسوة من الأنصار فيهن أُمّ عطية.

قال ابن كثير : « وهذا ثابت في الصحيحين ، وثبت في الحديث أيضاً أنّه عليه السلام لمّا صلّى عليها وأراد دفنها قال : « لا يدخله أحد قارف الليلة أهله » ، فامتنع زوجها عثمان لذلك ، ودفنها أبو طلحة الأنصاري.

ويحتمل أنّه أراد بهذا الكلام من كان يتولّى ذلك ، ممّن يتبرّع بالحفر والدفن من الصحابة ، كأبي عبيدة وأبي طلحة ومن شابههم ، فقال : لا يدخل قبرها إلاّ من لم يقارف أهله من هؤلاء ، إذ يبعد أنّ عثمان كان عنده غير أُمّ كلثوم بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هذا بعيد »(3).

ص: 140


1- صحيح البخاريّ 5 / 110.
2- فتح الباري 8 / 53.
3- السيرة النبوية لابن كثير 4 / 74.

أقول : ومن البلية أن نجد بين علماء التبرير من هم عثمانيون أكثر من عثمان ، فهذا ابن كثير يذكر هذا الاحتمال البارد الكاسد ، ويريد أن يغمض عيون الناس ، فلا ينظروا إلى قبح مقارفة عثمان.

ومن جناية ابن كثير على الحديث وخيانته أنّه لم يذكره ، كما ورد في صحيح البخاريّ الذي اعتمده ، وإلى القارئ ما ذكره البخاريّ في صحيحه بسنده إلى أنس بن مالك قال : « شهدنا بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ورسول اللّه جالس على القبر ، فرأيت عينيه تدمعان ، فقال : « هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة »؟ فقال أبو طلحة - زيد ابن سهل الأنصاري - : أنا ، قال : « فانزل في قبرها » ، قال : فنزل في قبرها فقبرها ، قال ابن مبارك : قال فليح : أراه يعني الذنب.

قال أبو عبد اللّه - وهو البخاريّ - : ليقترفوا : ليكتسبوا »(1).

أقول : ولشرّاح صحيح البخاريّ وغيرهم في هذا الحديث تشريق وتغريب عجيب في تبرئة ساحة عثمان من مغبّة معنى المقارفة ، على أنّ جماعة من أعلام الحفّاظ قد فسّروا المقارفة بالذنب صراحة ، فقد مرّ عن فليح قوله : أراه يعني الذنب.

ومرّ في تعقيب البخاريّ بقوله : ليقترفوا : ليكتسبوا ، إشارة إلى قوله تعالى : ( وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ ) (2) ، كما فهمه ابن حجر في فتح الباري(3) ، وإلى قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ ) (4).

ولعلّ أجرأ من وقفت على كلامه في تفسيره المقارفة تصريحاً لا تلويحاً هو ابن بطال ، قال : « أراد النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن يحرم عثمان النزول في قبرها ، وقد كان

ص: 141


1- صحيح البخاريّ 2 / 93.
2- الأنعام : 113.
3- فتح الباري 3 / 167.
4- الأنعام : 120.

أحقّ الناس بذلك ، لأنّه كان بعلها , وفقد منها علقاً لا عوض منه ، لأنّه حين قال عليه السلام : « أيّكم لم يقارف الليلة » سكت عثمان ، ولم يقل : أنا ، لأنّه كان قد قارف ليلة ماتت بعض نسائه ، فلم يشغله الهمّ بالمصيبة وانقطاع صهره من النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن المقارفة ، فحرم بذلك ما كان حقّاً له ، وكان أولى به من أبي طلحة وغيره ، وهذا بيّن في معنى الحديث.

ولعل النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد كان علم بذلك بالوحي ، فلم يقل له شيئاً ، لأنّه فعل فعلاً حلالاً ، غير أنّ المصيبة لم تبلغ منه مبلغاً يشغله ، حتّى حرم ما حرم من ذلك بتعريض غير تصريح ».

وهذا الحديث الذي فيه إدانة عثمان حتّى حرم من حقّ الدفن الذي كان هو الأولى به من أبي طلحة ، وعلم المسلمون المشيّعون يومئذ بذلك ، كيف لا يحاول الأمويّون وأنصارهم إذ لم يمكن تضييعه ، فلا أقلّ من تمييعه ولو عن طريق علماء التبرير في مستقبل الزمان ، وقد مرّ بنا كلام ابن كثير البارد الكاسد.

إذاً ، فليجتهد الأمويّون ومن لفّ لفّهم من بقية أعداء الإمام في خلق حدث أكبر يدينون به الإمام ، فكان حديث خطبة ابنة أبي جهل ، وقد مرّ بنا كيف حال رواته ، وكلّهم من زبانية الأمويّين ، وأعداء الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

ولنختم الكلام بما قاله ابن أبي الحديد - المعتزلي أُصولاً والحنفي فروعاً - في شرح النهج ، قال : « وعندي أنّ هذا الخبر لو صحّ لم يكن على أمير المؤمنين في غضاضة ولا قدح ، لأنّ الأُمّة مجمعة على أنّه لو نكح ابنة أبي جهل مضافاً إلى نكاح فاطمة عليها السلام لجاز ، لأنّه داخل تحت عموم الآية المبيحة للنساء الأربع ، فابنة أبي جهل المشار إليها كانت مسلمة ، لأنّ هذه القصّة كانت بعد فتح مكّة ، وإسلام أهلها طوعاً وكرهاً ، ورواة الخبر يوافقون على ذلك.

فلم يبق إلاّ أنّه إن كان هذا الخبر صحيحاً ، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لمّا رأى فاطمة قد غارت ، وأدركها ما يدرك النساء ، عاتبت علياً عليه السلام عتاب الأهل ، كما يستثبت الوالد رأي الولد ، ويستعطفه إلى رضا أهله وصلح زوجته ، ولعلّ

ص: 142

الواقع كان بعض هذا الكلام ، فحرّف وزيد فيه.

ولو تأمّلت أحوال النبيّ صلى اللّه عليه وآله مع زوجاته ، وما كان يجري بينه وبينهن من الغضب تارة ، والصلح تارة أُخرى ، والسخط تارة والرضا أُخرى ، حتّى بلغ الأمر إلى الطلاق مرّة ، وإلى الإيلاء مرّة ، وإلى الهجر مرّة ، والقطيعة مرّة ، وتدبّرت ما ورد في الروايات الصحيحة ممّا كنّ يلقينه عليه السلام به ، ويسمعنه إيّاه ، لعلمت أنّ الذي عاب الحسدة والشائنون علياً عليه السلام به ، بالنسبة إلى تلك الأحوال قطرة من البحر المحيط.

ولو لم يكن إلاّ قصّة مارية ، وما جرى بين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وبين تينك الامرأتين من الأحوال والأقوال ، حتّى أنزل فيهما قرآن يتلى في المحاريب ، ويكتب في الصحائف ، وقيل لهما ما يقال للاسكندر ملك الدنيا ، لو كان حيّاً ، منابذاً لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ( وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) (1).

ثمّ أردف بعد ذلك بالوعيد والتخويف : ( عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ ) (2) الآيات بتمامها ، ثمّ ضرب لهما مثلاً امرأة نوح وامرأة لوط اللتين خانتا بعليهما فلم يغنيا عنهما من اللّه شيئاً ، وتمام الآية معلوم ، فهل ما روي في الخبر من غضب فاطمة على علي عليه السلام وغيرتها من تعريض بني المغيرة له بنكاح عقيلتهم ، إذا قويس إلى هذه الأحوال وغيرها ، ممّا كان يجري إلاّ كنسبة التأفيف إلى حرب البسوس ، ولكن صاحب الهوى والعصبية لا علاج له »(3).

هذا آخر ما أردت بيانه حول نسيج الأفّاكين الذين حاولوا الغضّ من مقام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وأنّه آذى فاطمة وأساء إليها ، تارة لخطبة ابنة أبي جهل ، وأُخرى بخطبة أسماء بنت عميس ، وثالثة بجارية بعث بها إليه أبو بكر ،

ص: 143


1- التحريم : 4.
2- التحريم : 5.
3- شرح نهج البلاغة 4 / 65.

ولكن كشفنا عوارهم ، وزدنا أوارهم ، وإن أغضب ذلك أنصارهم ، انتصاراً للحقّ المهضوم ، ودحضاً للباطل المزعوم.

( البحرين - 35 سنة - مهندس )

صبر لوصية من النبيّ :

س : بداية أشكركم على إجابتكم لي على سؤالي السابق ، جزاكم اللّه خيراً لخدمتكم الإسلام والمسلمين ، والحقيقة أنّي أطمع في المزيد ممّا عندكم.

أرجو منكم التكرّم بتزويدي بوصية النبيّ صلى اللّه عليه وآله للإمام علي عليه السلام قبل انتقاله للرفيق الأعلى ، والتي تتعلّق بالبلاء والغدر ، الذي سيحل بأمير المؤمنين عليه السلام في بيته وزوجته عليها السلام ، وخلافة المسلمين من بعده صلى اللّه عليه وآله , والتي يأمره فيها بالصبر على كلّ هذا البلاء.

وهذا ما يحتجّ به بعض المذاهب الإسلامية ، ألا وهو سكوت الإمام عليه السلام عن حقوقه ، ولكم منّي فائق الاحترام والتقدير.

ج : وردت الوصية بما ذكرت من النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام نقلاً عن أمر اللّه تعالى ، وهو جلّ جلاله العليم الحكيم ، واليك الوصية كما رواها الشيخ الكليني ( قدس سره ) بسنده عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير قال : « حدّثني موسى بن جعفر عليهما السلام قال : « قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أليس كان أمير المؤمنين عليه السلام كاتب الوصية ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله المُملى عليه ، وجبرائيل والملائكة المقرّبون عليهم السلام شهود؟

قال : فاطرق طويلاً ، ثمّ قال : يا أبا الحسن - كنية الإمام موسى الكاظم عليه السلام - قد كان ما قلت ، ولكن حين نزل برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الأمر ، نزلت الوصية من عند اللّه كتاباً مسجّلاً ، نزل به جبرائيل مع أُمناء اللّه تبارك وتعالى من الملائكة.

فقال جبرائيل : يا محمّد مر بإخراج مَن عندك إلاّ وصيّك ، ليقبضها

ص: 144

وتشهدها بدفعكَ إيّاها إليه ضامناً لها - يعني عليّاً عليه السلام - فأمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله بإخراج مَن كان في البيت ما خلا عليّاً عليه السلام ، وفاطمة فيما بين الستر والباب ، فقال جبرائيل : يا محمّد ربُّك يقرئكَ السلام ويقول : هذا كتابُ ما كنتُ عهدتُ إليك ، وشرطتُ عليك ، وشهدتُ به عليك ، وأشهدتُ به عليك ملائكتي ، وكفى بي يا محمّد شهيداً.

قال : فارتعدت مفاصل النبيّ صلى اللّه عليه وآله فقال : يا جبرائيل ربّي هو السلام ومنه السلام وإليه يعودُ السلام ، صَدَق عزّ وجلّ وبرّ ، هات الكتاب ، فدفعه إليه وأمرهُ بدفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له : اقرأهُ ، فقرأه حرفاً حرفاً.

فقال : يا علي هذا عهد ربّي تبارك وتعالى إليَّ ، شرطهُ عليَّ وأمانتهُ ، وقد بلّغتُ ونصحتُ وأدّيتُ ، فقال علي عليه السلام : وأنا أشهدُ لك بأبي وأُمّي أنت بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلتَ ، ويشهدُ لكَ به سمعي وبصري ولحمي ودمي ، فقال جبرائيل عليه السلام : وأنا لكما على ذلك من الشاهدين.

فقال : رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : يا علي أخذتَ وصيّتي وعرفتَها ، وضمنتَ لله ولي الوفاء بما فيها ، فقال علي عليه السلام : نعم ، بأبي أنت وأُمّي عليَّ ضمانُها ، وعلى اللّه عوني وتوفيقي على أدائها ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : يا علي إنّي أُريدُ أن أُشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة.

فقال علي عليه السلام : نعم اشهد ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : إنّ جبرائيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن وهما حاضران ، معهما الملائكة المقرّبون لأشهدهم عليك ، فقال : نعم ، ليشهدوا وأنا - بأبي أنت وأُمّي - أُشهدهم ، فأشهدهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وكان فيما اشترط عليه النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأمر جبرائيل عليه السلام فيما أمر اللّه عزّ وجلّ أن قال له : يا علي تفي بما فيها من موالاة مَن وإلى اللّه ورسوله ، والبراءة والعداوة لمن عادى اللّه ورسوله ، والبراءة منهم ، على الصبر منك ، وعلى كظم الغيظ ، وعلى ذهاب حقّك ، وغصب خمسك ، وانتهاك حرمتك؟

ص: 145

فقال : نعم ، يا رسول اللّه ... »(1).

وأيضاً يؤيّد ما ذكر ، ما جاء في مصادر أهل السنّة ، فقد روى يونس بن حباب عن أنس بن مالك قال : « كنّا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعلي بن أبي طالب معنا ، فمررنا بحديقة ، فقال علي : « يا رسول اللّه ألا ترى ما أحسن هذه الحديقة »! فقال : « إنّ حديقتك في الجنّة أحسن منها » ، حتّى مررنا بسبع حدائق ، يقول علي ما قال ، ويجيبه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بما أجابه.

ثمّ إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقف فوقفنا ، فوضع رأسه على رأس علي وبكى ، فقال علي : « ما يبكيك يا رسول اللّه »؟ قال : « ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتّى يفقدوني » ، فقال يا رسول اللّه : « أفلا أضع سيفي على عاتقي فأبيد خضراءهم » ، قال : « بل تصبر » ، قال : « فإن صبرت » ، قال : « تلاقي جهداً » ، قال : « أفي سلامة من ديني »؟ قال : « نعم » ، قال : « فإذن لا أبالي »(2).

وقد أخبر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أخبره بأنّ الأُمّة ستغدر به من بعده ، فقد روى عثمان بن سعيد عن عبد اللّه بن الغنويّ : أنَّ علياً خطب بالرحبة فقال : « أيّها الناس ، إنّكم قد أبيتم إلاّ أن أقولها! وربّ السماء والأرض ، إنّ من عهد النبيّ الأُميّ إليَّ : إنَّ الأُمّة ستغدرُ بك بعدي ».

قال ابن أبي الحديد بعد روايته لهذا الخبر : « وروى هيثم بن بشر عن إسماعيل بن سالم مثله ، وقد روى أكثر أهل الحديث هذا الخبر بهذا اللفظ أو بقريب منه »(3).

ص: 146


1- الكافي 1 / 281.
2- شرح نهج البلاغة 4 / 107 ، كنز العمّال 13 / 166 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 324 ، مجمع الزوائد 9 / 118 ، المعجم الكبير 11 / 61 ، جواهر المطالب 1 / 229.
3- شرح نهج البلاغة 4 / 107 ، المستدرك 3 / 142 ، كنز العمّال 11 / 297 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 448 ، البداية والنهاية 6 / 244 و 7 / 360.

ولم يكن أمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام بالصبر من بعده على ما سيجري عليه من بلاء وغدر ، كما صرّح بذلك الإمام علي عليه السلام نفسه ، إلاّ للقراءة الكاملة التي كان يقرأها النبيّ صلى اللّه عليه وآله - بما منَّ اللّه عليه من علم - لحال الأُمّة من بعده صلى اللّه عليه وآله.

1 - تفرّق كلمتها ، ورزية يوم الخميس الواردة في صحاح القوم خير شاهد على ذلك.

2 - قلّة الناصرين لأمير المؤمنين عليه السلام في مطلب الخلافة ، وزعامة الأُمّة بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وقد كانت أحداث السقيفة ، وتقاعس المسلمين - من المهاجرين والأنصار - عن نصرة الإمام عليه السلام بأعذار وتبريرات مختلفة ، تناولها الباحثون عند حديثهم عن تلك الحقبة ، خير دليل على هذا الواقع.

وقد وردت جملة من الروايات تشير إلى هذه الحقائق المتقدّمة ، حيث جاء في كتاب سليم بن قيس الهلالي ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال لأمير المؤمنين عليه السلام : « يا علي ، إنّك ستلقي بعدي من قريش شدّة ، من تظاهرهم عليك وظلمهم لك ، فإنّ وجدت أعواناً عليهم فجاهدهم ، وقاتل من خالفك بمن وافقك ، فإنّ لم تجد أعواناً ، فاصبر وكف يدك ، ولا تلق بيدك إلى التهلكة ، فإنّك منّي بمنزلة هارون من موسى ، ولك بهارون أسوة حسنة ، إنّه قال لأخيه موسى : إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني »(1).

وفي المصدر ذاته ، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يأخذ بيدي الحسن والحسين عليهما السلام ، ويطوف بالبضعة الزهراء عليها السلام على بيوت الأنصار والمهاجرين ، وأهل السابقة في الإسلام ، يدعوهم لنصرته ، فلم يستجب له غير أربعة ، هم : سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير ، حتّى قال : « لو وجدت أعواناً أربعين رجلاً من المهاجرين والأنصار من أهل السابقة لناهضت هذا الرجل »(2).

ص: 147


1- كتاب سليم بن قيس : 134.
2- المصدر السابق : 302.

وفي تاريخ اليعقوبيّ عند ذكره لأحداث السقيفة وما جرى أيامها : « وكان خالد بن سعيد غائباً ، فأتى علياً فقال : هلم أبايعك ، فواللّه ما في الناس أحد أولى بمقام محمّد منك ، واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له ، فقال لهم : « اغدوا على هذا محلّقين الرؤوس » ، فلم يغدُ عليه إلاّ ثلاثة نفر »(1).

الأمر الذي كان يعني بأنّ على الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أن يسلك أحد الطريقين : إمّا الخروج بالسيف على من ناواه مع قلّة الناصر ، وهذا يعني احتمال موته وموت اتباعه القليلين ، الذين أطاعوا اللّه والرسول بالتمسّك بالثقلين - الكتاب والعترة - وفي ذلك تكون الخسارة كبيرة ، وقد لا تعادلها خسارة للأُمّة ، بل وربما تتعرّض الرسالة الإسلامية برمّتها للخطر فيما لو تمّ ذلك.

هذا بالإضافة إلى وقوع خطر الانقسام الشديد في الأُمّة ، الذي يجعلها لقمة سائغة لأعدائها المتربّصين بها من اليهود والنصارى ، وهي فتية عهدها ، وما زالت في دور نشوئها بعد.

والطريق الثاني : وهو طريق السكوت والصبر ، والعمل على تهيئة الأُمّة تهيئة عقائدية روحية ، تستطيع من خلالها أن تتحمّل المسؤولية في نصرة أئمّة الحقّ ، وأن تعي أبعاد الرسالة الإسلامية وأهدافها الطويلة الأمد ، وهو الطريق الذي رسمه النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام.

وقد سار عليه الإمام عليه السلام وهيّأ الأُمّة لهذه المرحلة بصبره وعلمه وتقواه ، حتّى أجمعت الأُمّة على مبايعته والامتثال لأوامره فيما بعد ، فقد كانت بيعته عليه السلام هي البيعة الوحيدة من بين الذين سبقوه ، ممّا اجمع عليه المهاجرون والأنصار في مدينة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وذلك عندما أحسّت الأُمّة بضرورة قيادته عليه السلام لها ، وأنّه

ص: 148


1- تاريخ اليعقوبيّ 2 / 126.

الوحيد القادر على إنقاذها في تلك المرحلة الخطرة من تاريخها.

ولا يعني صبره عليه السلام وعدم خروجه بالسيف على من ناواه في حقّ الخلافة أنّه سكت عن حقّه ، ولم يطالب به ، بل كانت مطالبته عليه السلام بحقّه دائمة ومستمرّة ، إذ لم يترك الإمام عليه السلام مجالاً سلميّاً يمكن أن يطالب فيه بحقّه إلاّ وسلكه ، وقد ذكرت كتب السير والحديث والتراجم تلك المقالات التي كان الإمام عليه السلام يجاهر بها بالمطالبة بحقّه ، وأنّ القوم اغتصبوا حقّاً هو له دونهم.

ومحاججته لأبي بكر وبقية الأصحاب الذين أبرموا بيعة السقيفة ، وقوله عليه السلام : « لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً »؟!(1).

وهناك نصوص مختلفة في نهج البلاغة ، يذكر فيها أمير المؤمنين عليه السلام مطالبته بحقّه ، منها ما ورد في يوم الشورى : « وقد قال قائل : إنّك على هذا الأمر يا بن أبي طالب لحريص ، فقلت : بل أنتم واللّه لأحرص وأبعد ، وأنا أخص وأقرب ، وإنّما طلبت حقّاً لي ، وأنتم تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه ، فلمّا قرعته بالحجّة في الملأ الحاضرين ، هب كأنّه بهت لا يدري ما يجيبني به ... »(2)!

( يحيى زكريا - قطر - سنّي - 39 سنة - مهندس )

مواصفات الإمامة تنطبق عليه :

س : لقد كان القرآن واضحاً وصريحاً ولا غموض فيه في جميع شؤون الحياة الدنيا والآخرة ، لدرجة أحكام الحيض.

ص: 149


1- الإمامة والسياسية 1 / 28.
2- شرح نهج البلاغة 9 / 305.

حسب هذا المفهوم ، ومن وجهة نظركم ، أليس أولى من حكم الحيض أن يكون القرآن قد أمر باتباع الأئمّة بشكل واضح وصريح ودون لبس ، حتّى لا يكون هناك أدنى شكّ لما تؤمن به الشيعة؟

فحسب فهمي للقرآن ليس هناك أيّ آية تدعو إلى اتباع علي ، أو أيّ من أبنائه بشكل مباشر ، ولن أقبل أي تفسير يقول بالإشارة ، أو المقصود بالآية هو كذا وكذا.

فعندما أمرنا اللّه باتباع محمّد صلى اللّه عليه وآله قالها صريحة وواضحة ودون إشارات : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) (1).

أمّا في المقابل ، فإنّ اللّه لم يأمر في كتابه لا بولاء علي ، أو أيّ من أبنائه ، ولم يذكر أيّ منهم في كتابه ، وإن كان شأنهم أعلى من أنبياء اللّه - كما تزعمون في مذهبكم - لكان أولى ذكرهم بأسمائهم ، كما ذكر آدم ونوح وإبراهيم ، وإلى آخر من ذكر من أنبياء اللّه في القرآن العظيم.

وهل يعقل أن يذكر اللّه اسم سيّدنا « زيداً » في كتابه ، حتّى يبيّن لنا حكماً هامّاً من أحكام اللّه ، ولم يذكر اسم علي بن أبي طالب عليه السلام ، إذا كان اتباعه وولايته من بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ركناً من أركان الإسلام ، كما يدّعي علماء الشيعة؟

أرجو أن يكون جوابكم مقنعاً وبعيداً عن الفلسفة العقليّة ، بل بالنصوص الأكيدة.

ج : قولك بأنّك لن تقبل أيّ تفسير يقول بالإشارة ، أو المقصود بالآية هو كذا ، فإنّ تفسير القرآن لا يكون بالإشارة ، وإنّما يكون بالأدلّة اللازمة ، سواء عقليّة أو نقليّة ، ولكنّي أقول لك هلا طبّقت هذه القاعدة - لو سلّمنا معك بقبولها وصحّتها - على كلّ أحكام الإسلام؟

ولنرمي السنّة خلف ظهورنا ، كما أراد عمر بن الخطّاب ، عندما قال : إنّ النبيّ ليهجر ، يكفينا كتاب اللّه ، وإن لم تقبل ، ولا اعتقد أنّك تقبل ، لأنّه

ص: 150


1- آل عمران : 144.

سوف يذهب الإسلام ، فأقول : لماذا تطالب بذلك عند الكلام عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، وتريد نصّاً من القرآن ، ولا تقبل بالظاهر منه والتفسير ، والأحاديث الموضّحة له ، ولا تريد ذلك في غيره من عقائد وأحكام الإسلام ، فهل هو إلاّ الهوى والتعصّب!!

وهناك شيء آخر : كأنّك تعني أنّ اللّه جلّ جلاله لم ينزل كلّ الأحكام التي تحتاجها الأُمّة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأنّ الرسالة ناقصة غير كاملة على الأقل في هذا المورد ، فأنّك تدّعي بأنّه لا يوجد نصّ في القرآن على حكم الإمامة ، هل هي بالنصّ أو بالاختيار من الأُمّة؟ وأنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله لم يبيّن لنا في ذلك شيء؟

فإن قلت : إنّي لم أنكر النصّ على حكم الإمامة في القرآن ، وإنّما أنكرت النصّ على علي عليه السلام صريحاً في القرآن.

فنقول : هو كذلك ، لم ينصّ على علي عليه السلام صريحاً في القرآن ، ولكنّه نصّ على حكمها فيه ، وإنّ الإمامة بالنصّ لا بالاختيار ، وإنّ لها أفراداً مخصوصين موصوفين بمواصفات خاصّة مذكورة في القرآن.

فإن قلت : لا ، إنّه نصّ على حكمها في القرآن بأنّها حقّ للأُمّة ، وهي تختار إمامها ، فهي شورى.

قلنا : أوّلاً ، لا نسلّم ذلك من أنّ المستفاد من آية الشورى أنّها في الإمامة ، ثمّ ما بالك تمسّكت هنا بالإشارة دون النصّ ، وتطالب في علي عليه السلام بالنصّ دون الإشارة!!

فإن قلت : قد بيّن ذلك النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأنّه وضّح المراد ممّا جاء بالقرآن ، وأوضح في أحاديثه أنّ الأمر للأُمّة.

قلنا : ما عدا ممّا بدا ، ألم نقل نحن ذلك ، وقلنا : إنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله بيّن القرآن ، وأوضح أنّ المراد بالآيات المتعلّقة بالإمامة هو علي عليه السلام ، فلم تنكر علينا ما تقبله أنت!

ص: 151

ثمّ إنّ الكلام في الأحاديث التي ادعيت أنّه صلى اللّه عليه وآله أوضح أنّ الأمر يعود للأُمّة ، فنحن لا نسلّم بمثل هذه الأحاديث ، أو لا وجود لها في البين ، فتأمّل!!

فإذا تبيّن أنّ الرسالة كاملة ، وأنّه لا يمكن أن يترك اللّه الناس دون أن يبيّن لهم الأمر في الإمامة ، هل هي بالنصّ أم بالاختيار ، وأنّه لابدّ لها في الإسلام من حكم ، وعرفنا أنّ اللّه أنزل كلّ شيء في القرآن ، ولكن فيه المحكم والمتشابه ، وقد بيّن الرسول صلى اللّه عليه وآله المتشابه لنا.

فالأحكام بصورة كلّية نأخذها من القرآن والسنّة ، لا يبقى لنا مجال للاعتراض على اللّه تعالى ، بأنّه لماذا لم يذكر هذا الحكم أو ذاك الحكم صريحاً في القرآن؟ بعد أن بيّنه لنا الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وأوضح لنا ما تعلّق به من القرآن المتشابه ، فاللّه لا يُسأل عمّا يفعل ، وله الحكمة في كلّ ذلك ، وعلينا السمع والطاعة ، سواء جاءنا الأمر من القرآن أو من الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وهذا هو قول الشيعة الإمامية ، فإنّهم يقولون : إنّه يوجد في القرآن آيات تخصّ الإمامة وتبيّن مصاديقها ، بعضها محكمة وبعضها متشابه بيّنها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وقد فسّر لنا النبيّ صلى اللّه عليه وآله كلا القسمين من الآيات صريحاً ، وذكر لنا الأسماء التي هي مصاديق هذه الآيات ، فليس لنا إلاّ الطاعة والقبول والتسليم ، وهذا هو الإيمان ، والإسلام الصحيح.

( عماد - الكويت - 37 سنة - بكالوريوس هندسة )

جاء النصّ على خلافته من يوم الدار :

س : سمعت بعض علماء السنّة يتحدّث عن سيرة الإمام علي عليه السلام ، مع أنّه كان غامضاً وغير صريح ، كان يقول : بأنّ العباس بن عبد المطّلب قال لأمير المؤمنين : أطلب الخلافة من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولكن الإمام رفض ذلك!! فهل هذا صحيح؟ فإنّني أُريد التأكّد فقط لا غير ، وشكراً.

ج : ما يقول هذا مأخوذ من كتبهم ولا أظن أنّ هذا يصحّ حتى من طرقهم ،

ص: 152

فمن المعلوم مدى تأثير الحكّام في وضع مثل تلك الأحاديث فيها ، هذا أوّلاً.

وثانياً : إنّ الإمام عليه السلام جاء عليه النصّ بالخلافة من يوم الدار ، عندما أنذر الرسول عشيرته الأقربين ، وقبل الإمام ذلك ، فما الداعي لطلب ما قد حصل عليه مسبقاً ، إذ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في ذلك اليوم : « أيّكم يكون أخي ووصييّ ووارثي ، ووزيري وخليفتي فيكم بعدي ... ، فقلت - أي علي عليه السلام - : أنا يا رسول اللّه ، فقال : يا بني عبد المطّلب هذا أخي ووارثي ووصييّ ووزيري ، وخليفتي فيكم بعدي ... » (1).

ثالثاً : لو سلّمنا بوجود مثل هكذا كلام ، فإنّه لا يمتنع أن يريد العباس سؤاله عمّن يصل الأمر إليه ، وينتقل إلى يديه ، لأنّه قد يستحقّه من لا يصل إليه ، وقد يصل إلى من لا يستحقّه ، فعبارة العباس كانت هكذا : اذهب بنا إلى رسول اللّه نسأله فيمن هذا الأمر.

« حمد العمانيّ - عمان - 25 سنة - موظّف »

حكم صلاته أثناء إخراج السهم منه :

س : ورد في الروايات : إنّ الإمام علي عليه السلام عندما يصلّي ينتزعون شظايا الحرب من بدنه الشريف.

س : ما حكم الصلاة ، وفي البدن الشريف شيء من الدم؟ ودمتم موفّقين.

ج : لقد وردت هذه الروايات في سياق الإشارة إلى شدّة ارتباط الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بربّه أثناء العبادة ، وسموّ روحه العالية في العشق الإلهيّ ، الذي ينسيه آلام الجسد ، ويجعل للقوى الروحية السامية السيطرة الكاملة على حال ووضع الإمام علي عليه السلام أثناء العبادة.

ص: 153


1- علل الشرائع 1 / 170.

ودم القروح والجروح التي لم تبرأ معفيّ عنها في الصلاة ، وإن أصاب دمها الثياب ، وقد ذكر بعض العلماء : أنّه حكم إجماعيّ ، وفيه روايات كثيرة ، فراجع.

( عيسى - الإمارات - 25 سنة - طالب ثانوية )

كان حاضراً يوم الرزية :

س : هل كان الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام موجوداً في أثناء مرض الرسول صلى اللّه عليه وآله , أو بالأخصّ هل كان حاضراً أثناء رزية يوم الخميس؟ - كما أطلق عليها ابن عباس - وماذا كان دوره عليه السلام في تلك الحادثة؟

الرجاء توضيح هذه المسألة ، ولكم فائق الاحترام والتقدير.

ج : ذكر الشيخ المفيد ( قدس سره ) : « أنّ الإمام علي عليه السلام كان حاضراً في يوم الرزية ، وكان من ضمن الباقين بعد إخراج القوم المتنازعين عنده ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام لا يفارق الرسول صلى اللّه عليه وآله في مرضه إلاّ للضرورة ».

وذكر الشيخ المفيد أيضاً : « أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال لخاصّة أهل بيته : « أنتم المستضعفون بعدي » ، وأصمت ، فنهض القوم وهم يبكون ، قد آيسوا من النبيّ صلى اللّه عليه وآله »(1) ، ولم يذكر أهل الحديث دور مخصوص للإمام علي عليه السلام في تلك الواقعة.

ولكن من سياق الأحداث التي عرفناها من الروايات عن تلك الحادثة ، ومن مجمل سيرة أمير المؤمنين عليه السلام نعرف أنّه لا يسبق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بقول أو بعمل ، فهو يده اليمنى ، والمنفّذ الحاضر دائماً ، والتابع المطلق للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فمن المستبعد له أن يقول ، أو أن يفعل شيئاً في تلك الحادثة ، يسبق بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، أو يصدر عن غير أمره ، خاصّة وأنّ المقصود والمجابه في تلك الحادثة كان النبيّ صلى اللّه عليه وآله نفسه.

ص: 154


1- الإرشاد 1 / 184.

( أبو يوسف - الكويت - 18 سنة - طالب )

في مصحفه تفسير وتأويل للآيات القرآنية :

س : هناك بعض الروايات تقول : بأنّ الإمام القائم عليه السلام سيخرج ومعه مصحف أمير المؤمنين عليه السلام ، والذي لا يختلف عن قرآننا هذا ، سوى أنّ الآيات مرتّبة كما في نزولها ، ووجود بعض التوضيحات التي دوّنها من الرسول صلى اللّه عليه وآله.

أمّا السؤال فهو : ما الفائدة من خروج الإمام عليه السلام بهذا القرآن الغير مختلف عن قرآننا الحالي؟ وماذا نستفيد من ترتيب الآيات حسب نزولها؟

ووفق نصّ حديث الثقلين الذي ينصّ على أنّ القرآن الكريم لن يفترق عن أهل البيت عليهم السلام فكيف يكون القرآن موجود بيننا والإمام إلى الآن غائب؟ ألا يستلزم أنّ القرآن الذي بين أيدينا غير القرآن الذي لدى أهل البيت عليهم السلام؟ ودمتم سالمين.

ج : إنّ مصحف أمير المؤمنين عليه السلام لا يختلف عن قرآننا ، إلاّ أنّ فيه تفسير وتأويل للآيات القرآنية ، وأنّ فيه توضيح المحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، والعام والخاصّ ، والمطلق والمقيّد ، وأسباب النزول.

وأنّ الإمام المهديّ عليه السلام عندما يظهر ذلك المصحف يظهر كلّ تلك المعاني والتفاسير ، التي غابت عن الناس قبل ظهوره ، يظهرها من ذلك المصحف ، ولا يخفى ما لإظهار تلك المعاني والتفاسير من فائدة ، لفهم الكثير من الحقائق ، التي لم يأن الأوان لإظهارها ، إضافة للمعلومات التي سنعرفها ، والتي تدرّس في علوم القرآن.

ثمّ إنّ ما في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تغيّر في ترتيب السور والآيات - كما يظهر من بعض الروايات - فائدة في معان أُخرى للآيات القرآنية ، لا تتمّ إلاّ بذلك الجمع ، وهذا لا يتعارض مع ما موجود عندنا من معان للقرآن على هذا الترتيب ، لأنّ الأئمّة المعصومين عليهم السلام قد أقرّوا بصحّة الاستفادة من هذا القرآن على ما هو عليه الآن ، وبهذا الترتيب ، بل هي معان إضافية يظهرونها في وقتها.

ص: 155

وعدم الافتراق الذي نقوله للإمام مع القرآن ، لا يعني عدم الافتراق المكاني ، فإنّ هذا الافتراق حاصل منذ أوّل يوم جمع فيه القرآن على شكل مصحف ، فكم مرّة يكون الإمام في مكان ، وكتاب القرآن في مكان آخر ، وإنّما عدم الافتراق الذي نقوله إنّ أعمال الأئمّة المعصومين عليهم السلام لا تخالف مضامين القرآن الكريم ، فكلّ عمل يصدر منهم هو مطابق للقرآن ، وكلّ ما في القرآن هم ممّن عمل به ، وصدّقه وآمن به ، وهو معنى العصمة الذي نستفيده من الملازمة.

( خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي )

مصادر تآمر خالد بن الوليد على قتله :

س : قرأت روايات في بعض الكتب تقول : إنّ الخليفة الأوّل قام بالتشاور مع عمر لقتل الإمام علي عليه السلام أثناء الصلاة ، بواسطة خالد بن الوليد ، ثمّ ندم الخليفة الأوّل ، أو خاف ، فقال أثناء الصلاة وهو يخاطب خالد : لا تفعل.

فهل هذه الرواية صحيحة وثابتة؟ وبارك اللّه فيكم ، وجزاكم خيراً ، وأسألكم الدعاء.

ج : التآمر على الفتك بالإمام علي عليه السلام في حال الصلاة على يد خالد بن الوليد مرويّ في عدّة مصادر بتفاوت في الإجمال والتفصيل ، وفي الإسناد والإرسال ، ممّا يوحي إجمالاً بصحّة القضية ، وإليك أسماء المصادر التي وردت فيها ذكر ذلك ، وإن كان المتأخّر منها ينقل عن المتقدّم ، وهي :

تفسير القمّيّ(1) ، المسترشد(2) ، شرح نهج البلاغة(3) ، وغيرها(4).

ص: 156


1- تفسير القمّيّ 2 / 158.
2- المسترشد : 452.
3- شرح نهج البلاغة 13 / 301.
4- أُنظر : الاحتجاج 1 / 124 ، تفسير نور الثقلين 4 / 188 ، بحار الأنوار 29 / 131 ، بيت الأحزان : 135 ، مدينة المعاجز 3 / 151 ، علل الشرائع 1 / 191 ، الصراط المستقيم 1 / 323.

( باقر الهاشميّ. الإمارات - 23 سنة - طالب حوزة )

معنى أنّه هاجر الهجرتين :

س : ما الهجرتين اللتين هاجرهما الإمام علي عليه السلام كما ورد ذلك في خطبة الإمام زين العابدين عليه السلام.

أفيدونا جزاكم اللّه خيراً ، ونسأل العليّ القدير وحده لنا ولكم التوفيق والسداد ، ونسألكم الدعاء ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

ج : المقصود من الهجرتين التي هاجرهما الإمام علي عليه السلام ، هي أحد المعاني الآتية :

الأوّل : المتبادر عند المسلمين عن ذكر الهجرتين ، هي هجرة الحبشة وهجرة المدينة ، والمعلوم أنّ الإمام عليه السلام قد هاجر إلى المدينة ، ولكن لم يثبت عندنا أنّ الإمام عليه السلام هاجر إلى الحبشة ، فلابدّ إذاً أن لا يكون هذا المعنى مراداً للإمام عليه السلام.

الثاني : قد ذكر ابن عباس أنّ الإمام عليه السلام قد هاجر مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هجرتيه ، والمعلوم أنّ الرسول قد هاجر إلى الطائف لأيّام قليلة وإلى المدينة ، فمعنى قول الإمام زين العابدين المأخوذ من قول الإمام علي عليه السلام في إحدى خطبه : « أنا صاحب الهجرتين » أي أنا صاحب هجرة الطائف وصاحب هجرة المدينة ، وهذا يتمّ إذا تمّ اعتبار الأيّام القليلة مع الرسول في الطائف هجرة.

الثالث : إنّ المراد بالهجرتين هي هجرة المدينة ، والهجرة إلى الكوفة ، فالأُولى هجرة النبوّة ، والثانية هجرة الإمامة ، فكلّ مسافر إلى طلب الدين يسمّى مهاجراً ، فالذين هاجروا إلى المدينة هاجروا للالتحاق بالنبوّة ، والمهاجر إلى الكوفة يهاجر لطلب الإمامة الحقّة.

وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام في إحدى خطبه قوله : « والهجرة قائمة على حدّها الأوّل ، ما كان لله في أهل الأرض حاجة من مستسر الأُمّة ومعلنها ، لا يقع

ص: 157

اسم الهجرة على أحد إلاّ بمعرفة الحجّة في الأرض » (1).

وقد شرح العلاّمة التستري ذلك بقوله : « وإنّما قال عليه السلام ذلك مقدّمة لغرضه من كون الهجرة إلى الإمام كالهجرة إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وإلاّ ففي عصره عليه السلام وإن كان الإسلام فتح الأرض شرقاً وغرباً ، إلاّ أنّه لمّا كان رجال قاموا على خلافه من يوم وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلى آخر عمره عليه السلام صار الأمر مثل أوّل الإسلام » (2). .

ص: 158


1- شرح نهج البلاغة 13 / 101.
2- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة 3 / 392.

الإمام الحسن عليه السلام :

( أبو حسن - البحرين - .... )

لم يكن كثير الزواج والطلاق :

س : تحية طيّبة وبعد ، أشكر الإخوة الأعزاء على هذا الموقع الأكثر من رائع ، ولكم دوام الموفّقية إن شاء اللّه.

هناك بعض الأخبار تقول : بأنّ الإمام الحسن كان كثير الزواج والطلاق ، حتّى في بعض المصادر الشيعيّة ، فما مدى صحّة هذه الرواية؟ أرجو التفصيل.

ج : إنّ الروايات الواردة عن كثرة زواج وطلاق الإمام الحسن عليه السلام جميعها مردودة عقلاً ونقلاً.

وأمّا ما ورد منها في مصادرنا ، فتشتمل في السند على مجهولين ومهملين ، أو غير موثّقين ، فلا حجّية في إسنادها ، فضلاً عن قبولها.

وأمّا ما جاء في مصادر العامّة بهذا الشأن فهو مقطوع البطلان ، إذ ورد فيه علي بن عبد اللّه المدائني ، ومحمّد بن علي بن عطية ، والمنصور الدوانيقي ، وكلّهم مجروحون عند أصحاب الرجال ، مضافاً إلى ثبوت عداء بعضهم لأهل البيت عليهم السلام كالمنصور ، أو مودّة بعضهم الآخر لبني أُمية كالمدائني ، فهكذا أحاديث تفوح منها رائحة الوضع والتدليس.

ثمّ مع غضّ النظر عن السند فالموضوع غير مقبول عقلاً ، إذ كيف يعقل أن يعرّف أمير المؤمنين عليه السلام ابنه الإمام الحسن عليه السلام بهذه الكيفية ، وهو عليه السلام يريد أن ينصّبه للناس إماماً من بعده؟ أليس ذلك - والعياذ باللّه - يعدّ تنقيصاً في إمامته عليه السلام؟!

ص: 159

فالتحقيق : إنّ أعداء أهل البيت عليهم السلام من بني أُمية وغيرهم قد وضعوا هذه الأحاديث ودسّوها في الكتب للنيل من شخصية الإمام الحسن عليه السلام.

( معاذ التل - الأردن - سنّي - 32 سنة - طالب جامعة )

موقف عائشة ومروان عند دفنه :

س : تروي بعض كتب التاريخ : إنّه حينما أراد الإمام الحسين عليه السلام دفن الإمام الحسن عليه السلام بجنب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله استأذن عائشة ، فوافقت على ذلك ، ولكن مروان بن الحكم وجماعته هم الذين منعوه بالقوّة.

في حين قرأت لأحدهم على الإنترنت : إنّ عائشة أتت للقبر ، وقالت : لا يدفن مع زوجي من لا أُحبّ ، فما مدى صحّة ذلك ، وما هي المراجع؟

ج : قد روى الشيخ الكليني ( قدس سره ) بسنده عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « لما أحتضر الحسن بن علي عليهما السلام ، قال للحسين عليه السلام : يا أخي أُوصيك بوصية فاحفظها ، فإذا أنا متّ فهيئني ، ثمّ وجّهني إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لأحدث به عهداً ، ثمّ اصرفني إلى أُمّي فاطمة عليها السلام ، ثمّ ردّني فادفنّي في البقيع ، واعلم أنّه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها ، وعداوتها لله ولرسوله صلى اللّه عليه وآله وعداوتها لنا أهل البيت.

فلمّا قبض الحسن عليه السلام ، وضع على سريره ، وانطلقوا به إلى مصلّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، الذي كان يصلّي فيه على الجنائز ، فصلّي على الحسن عليه السلام ، فلمّا أن صلّي عليه حمل فأدخل المسجد ، فلمّا أوقف على قبر رسول اللّه بلغ عائشة الخبر.

وقيل لها : إنّهم قد أقبلوا بالحسن بن علي عليهما السلام ليدفن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فخرجت مبادرة على بغل بسرج ، فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجاً ، فوقفت فقالت : نحوا ابنكم عن بيتي ، فإنّه لا يدفن فيه شيء ، ولا يهتك على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حجابه.

ص: 160

فقال لها الحسين بن علي عليهما السلام : قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأدخلت بيته من لا يحبّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قربه ، وإنّ اللّه سائلك عن ذلك يا عائشة ، إنّ أخي أمرني أن أقرّبه من أبيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ليحدث به عهداً ، واعلمي أنّ أخي أعلم الناس باللّه ورسوله ، وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ستره ، لأنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاََ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النبيّ الإَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ) (1) ، وقد أدخلت أنت بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الرجال بغير إذنه.

وقد قال اللّه عزّ وجلّ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ) (2) ، ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند إذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله المعاول.

وقال اللّه عزّ وجلّ : ( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ) (3) ، ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بقربهما منه الأذى ، وما رعيا من حقّه ما أمرهما اللّه به على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، إنّ اللّه حرّم من المؤمنين أمواتاً ما حرّم منهم أحياء ، وتاللّه يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عليه السلام عند أبيه ( صلوات اللّه عليه ) جائزاً فيما بيننا وبين اللّه ، لعلمت أنّه سيدفن وإن رغم معطسك ».

قال : « ثمّ تكلّم محمّد بن الحنفية وقال : يا عائشة : يوماً على بغل ، ويوماً على جمل ، فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم ».

قال : « فأقبلت عليه فقالت : يا بن الحنفية ، هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك؟

فقال لها الحسين عليه السلام : وأنّى تبعدين محمّداً من الفواطم ، فو اللّه لقد ولدته

ص: 161


1- الأحزاب : 53.
2- الحجرات : 2.
3- الحجرات : 3.

ثلاث فواطم : فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم ، وفاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص ابن عامر ».

قال : « فقالت عائشة للحسين عليه السلام : نحوا ابنكم واذهبوا به ، فإنّكم قوم خصمون ».

قال : « فمضى الحسين عليه السلام إلى قبر أُمّه ، ثمّ أخرجه فدفنه بالبقيع »(1).

وروي أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال : « لمّا أن حضرت الحسن بن علي عليهما السلام الوفاة بكى بكاء شديداً وقال : إنّي أقدم على أمر عظيم ، وهول لم أقدم على مثله قط ، ثمّ أوصى أن يدفنوه بالبقيع.

فقال : يا أخي احملني على سريري إلى قبر جدّي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لأجدّد به عهدي ، ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد فادفني ، فستعلم يا بن أُم أنّ القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند رسول اللّه ، فيجلبون في منعكم ، وباللّه أقسم عليك أن تهرق في أمري محجمة دم.

فلمّا غسلّه وكفّنه الحسين عليه السلام ، وحمله على سريره ، وتوجّه إلى قبر جدّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ليجدّد به عهداً ، أتى مروان بن الحكم ومن معه من بني أُمية ، فقال : أيدفن عثمان في أقصى المدينة ، ويدفن الحسن مع النبيّ؟ لا يكون ذلك أبداً ، ولحقت عائشة على بغل ، وهي تقول : ما لي ولكم؟ تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحبّ.

فقال ابن عباس لمروان : انصرفوا ، لا نريد دفن صاحبنا عند رسول اللّه ، فإنّه كان أعلم بحرمة قبر رسول اللّه من أن يطرق عليه هدما ، كما يطرق ذلك غيره ، ودخل بيته بغير إذنه ، انصرف فنحن ندفنه بالبقيع كما وصّى.

ثمّ قال لعائشة : واسوأتاه يوماً على بغل ، ويوماً على جمل » ، وفي رواية :

ص: 162


1- الكافي 1 / 300.

« يوماً تجمّلت ويوماً تبغّلت ، وإن عشت تفيّلت ».

فأخذه ابن الحجاج الشاعر البغدادي فقال :

يا بنت أبي بكر لا كان ولا كنت *** لك التسع من الثمن وبالكلّ تملّكت

تجمّلت تبغّلت وإن عشت تفيّلت(1)

وروي عن زياد المخارقي قال : « لمّا حضرت الحسن عليه السلام الوفاة ، استدعى الحسين بن علي عليهما السلام فقال : « يا أخي إنّي مفارقك ، ولاحق بربّي عزّ وجلّ ، وقد سقيت السمّ ، ورميت بكبدي في الطست ، وإنّي لعارف بمن سقاني السمّ ، ومن أين دهيت ، وأنا أخاصمه إلى اللّه تعالى ، فبحقّي عليك إن تكلّمت في ذلك بشيء ، وانتظر ما يحدث اللّه عزّ ذكره فيّ ، فإذا قضيت نحبي فغمّضني ، وغسّلني وكفّني ، واحملني على سريري إلى قبر جدّي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لأجدّد به عهداً ، ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد ( رضي اللّه عنها ) فادفني هناك.

وستعلم يا بن أُم ، أنّ القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فيجلبون في منعكم عن ذلك ، وباللّه أقسم عليك أن تهريق في أمري محجمة دم ».

ثمّ وصّى عليه السلام إليه بأهله وولده وتركاته ، وما كان وصّى به إليه أمير المؤمنين عليه السلام حين استخلفه وأهله لمقامه ، ودلّ شيعته على استخلافه ، ونصّبه لهم علماً من بعده.

فلمّا مضى عليه السلام لسبيله ، غسّله الحسين عليه السلام وكفّنه ، وحمله على سريره ، ولم يشكّ مروان ومن معه من بني أُمية أنّهم سيدفنونه عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فتجمّعوا له ولبسوا السلاح ، فلمّا توجّه به الحسين بن علي عليهما السلام إلى قبر جدّه

ص: 163


1- الخرائج والجرائح 1 / 243.

رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ليجدّد به عهداً أقبلوا إليهم في جمعهم ، ولحقتهم عائشة على بغل ، وهي تقول : ما لي ولكم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحبّ؟

وجعل مروان يقول : يا ربّ هيجا هي خير من دعة ، أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبيّ؟ لا يكون ذلك أبداً ، وأنا أحمل السيف.

وكادت الفتنة أن تقع بين بني هاشم وبني أُمية ، فبادر ابن عباس إلى مروان فقال له : ارجع يا مروان من حيث جئت ، فإنّا ما نريد أن ندفن صاحبنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لكنّا نريد أن نجدّد به عهداً بزيارته ، ثمّ نردّه إلى جدّته فاطمة عليها السلام ، فندفنه عندها بوصيته بذلك ، ولو كان أوصى بدفنه مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله لعلمت أنّك أقصر باعاً من ردّنا عن ذلك ، لكنّه عليه السلام كان أعلم باللّه وبرسوله وبحرمة قبره ، من أن يطرق عليه هدماً كما طرق ذلك غيره ، ودخل بيته بغير إذنه.

ثمّ أقبل على عائشة وقال لها : واسوأتاه ، يوماً على بغل ، ويوماً على جمل؟ تريدين أن تطفئي نور اللّه؟ وتقاتلين أولياء اللّه؟ ارجعي فقد كفيت الذي تخافين ، وبلغت ما تحبّين ، واللّه منتصر لأهل هذا البيت ولو بعد حين.

وقال الحسين عليه السلام : « واللّه لولا عهد الحسن إليّ بحقن الدماء ، وأن لا أهريق في أمره محجمة دم ، لعلمتم كيف تأخذ سيوف اللّه منكم مأخذها ، وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم ، وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا ».

ومضوا بالحسن عليه السلام فدفنوه بالبقيع عند جدّته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رضي اللّه عنها وأسكنها جنّات النعيم »(1).

ومثله في مناقب آل أبي طالب مع اختصار ، وزاد فيه : « ورموا بالنبال جنازته حتّى سل منها سبعون نبلاً »(2).

ص: 164


1- الإرشاد 2 / 17.
2- مناقب آل أبي طالب 3 / 203.

( أبو محمّد - لبنان - .... )

حيثيّات صلحه :

س : أرجو منكم أن ترسلوا لي ملخّص عن حيثيّات صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية ، لأنّ أهل السنّة يعتبرون أنّ الصلح قد أعطى الشرعية في الخلافة لمعاوية.

ج : للإجابة على سؤالكم لابدّ من الأخذ بعين الاعتبار أربعة أُمور يتوقّف عليها القول بشرعية خلافة معاوية :

1 - إنّ الإمام الحسن عليه السلام بايع معاوية بيعة حقيقية!!

2 - إنّ الإمام الحسن عليه السلام تنازل عن الخلافة لمعاوية!!

3 - إنّ الإمام الحسن عليه السلام بايع مختاراً ، وبدون ظروف قاهرة!!

4 - إنّ معاوية عمل بشروط البيعة أو الصلح!!

وإثبات كلّ واحدة من هذه المقدّمات دونه خرط القتاد ، وسوف نحاول مناقشتها لبيان عدم إمكانية ثبوتها.

النقطة الأُولى : إنّ المصادر التاريخية التي بمتناول أيدينا تثبت عدم حدوث بيعة من الإمام الحسن عليه السلام لمعاوية ، بل لم يكن في الأمر غير المعاهدة والصلح ، وهذا غير البيعة ، كما يشهد له كلّ من عنده بعض الإلمام بالعربية.

وإليك بعض النصوص التاريخية التي ذكرت الهدنة أو المعاهدة ولم تذكر البيعة :

1 - قال يوسف : « فسمعت القاسم بن محيمة يقول : ما وفى معاوية للحسن بن علي عليهما السلام بشيء عاهده عليه »(1).

2 - في كلام للإمام الحسن عليه السلام مع زيد بن وهب الجهنيّ قال : « واللّه ، لأن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي ، وأومن به في أهلي ، خير من أن يقتلوني

ص: 165


1- علل الشرائع 1 / 212.

فتضيع أهل بيتي وأهلي … واللّه لإن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير ... »(1).

3 - فلمّا استتمت الهدنة على ذلك سار معاوية حتّى نزل بالنخيلة(2).

4 - في رواية له عليه السلام : « إنّما هادنت حقناً للدماء وصيانتها ... »(3).

5 - لمّا وادع الحسن بن علي عليهما السلام معاوية ، صعد معاوية المنبر ، وجمع الناس فخطبهم ...(4).

وممّا يؤيّد ذلك أنّ جميع المصادر التاريخية القديمة حين تذكر أحداث عام ( 41 ه- ) تقول : « صلح الحسن » ، وليست « بيعة الحسن ».

النقطة الثانية : هناك فرق واضح بين القيادة الدنيوية وحكومة الناس - مهما كانت الوسائل والسبل - وبين الخلافة الإلهيّة ، فحتّى لو سلّمنا ببيعة الإمام الحسن عليه السلام فهي لا تثبت أكثر من القيادة الدنيوية لمعاوية على الناس ، وهذا لا يعني على الإطلاق التنازل عن الخلافة ، والمنصب الإلهيّ ، بل وليس من صلاحية الإمام ذلك.

فتعينه إماماً للناس وخليفة كان من قبل اللّه تعالى ، فلا يمكن التنازل عنه ، فهو - كما يعبّر عنه الفقهاء - من الحقوق التي لا يصحّ إسقاطها ، ولا تقلها ، وممّا يدلّ على ذلك الروايات الكثيرة الدالّة على ثبوت الخلافة للإمام الحسن عليه السلام : « إمامان قاما أو قعدا »(5) ، فكيف يجوز للإمام الحسن عليه السلام نزع ثوب ألبسه اللّه إيّاه؟

وممّا يؤيد ذلك ، ما جاء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لا يلين مفاء على مفيء « أي لا يكون الطليق أميراً على المسلمين أبداً ، ولو تأمّر عليهم لكان غاصباً لحقّ

ص: 166


1- الاحتجاج 2 / 10.
2- الإرشاد 2 / 14.
3- مناقب آل أبي طالب 3 / 196.
4- الأمالي للشيخ الطوسيّ : 559.
5- الفصول المختارة : 303 ، الإرشاد 2 / 30.

الإمارة ، ظالماً لهم بحكم الشرع والعقل والاعتبار ، فحيث كان معاوية طليقاً لم يكن له أن يتأمّر على المسلمين(1).

النقطة الثالثة : وهي نقطة مهمّة جدّاً ، لو أمكن إثباتها لشكّلت منعطفاً حادّاً في تحليلنا ، ولأمكن أن يقال - بوجه ما - شرعية قيادة معاوية وحكومته ، وذلك لأنّ الإنسان يحاسب ويؤاخذ على أعماله الاختيارية ، وليس ما اضطرّ إليه ، فهو منفيّ عنه ، وغير منظور عقلاً ونقلاً.

وبعد هذه المقدّمة نقول : إنّ دراسة الظرف الذي عاشه الإمام الحسن عليه السلام يجعلنا نقطع بعدم إمكانية الاحتمال الأوّل ، وهو الاختيارية في حقّه ، فتعيّن الاحتمال الثاني ، ومعه لا مجال للقول بشرعية خلافة معاوية ، لأجل تنازل الإمام عليه السلام له ، فهو يؤخذ به لو كان تنازله طواعية ، وليس كرهاً واضطراراً.

ولابدّ لتعيين الاحتمال الثاني من النظر في ثلاثة أُمور :

1 - حالة قوّاد جيش الإمام عليه السلام.

2 - أهل الكوفة.

3 - رؤساء القبائل.

الأمر الأوّل : إنّ الإمام عليه السلام أرسل في البدء قائداً من كندة في أربعة آلاف مقاتل ، توجّه إلى الأنبار ، فأرسل إليه معاوية بخمسمائة ألف درهم ، فأخذها وتوجّه إليه مع مائتي رجل من خاصّته وأهل بيته.

ثمّ أرسل الإمام عليه السلام قائداً من مراد في أربعة آلاف ، فكتب لهم معاوية ، وأرسل له خمسمائة ألف درهم ، ومنّاه أيّ ولاية أحبّ من كور الشام ، فتوجّه إليه.

ثمّ أرسل الإمام عليه السلام عبيد اللّه بن عباس قائداً على الجيش ، فضمن له معاوية ألف ألف درهم ، يعجّل له النصف ، ويعطيه النصف الآخر عند دخوله إلى الكوفة ، فانسل في الليل إلى معسكر معاوية.

ص: 167


1- بحار الأنوار 44 / 4.

الأمر الثاني : إنّ أكثر أهل الكوفة قد كتبوا إلى معاوية : « إنّا معك ، وإن شئت أخذنا الحسن وبعثناه إليك » (1).

الأمر الثالث : كتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة له في السرّ ، واستحثّوه على المسير نحوهم ، وضمنوا له تسليم الحسن عليه السلام إليه ، عند دنوّهم من عسكره أو الفتك به (2).

وإذا رأينا الروايات التي يذكر فيها الإمام عليه السلام سبب مصالحته مع معاوية ، لوجدنا أنّ الطريقة التي استعملها الإمام كانت هي المتعيّنة لكلّ لبيب ، ولكلّ خبير بالأُمور العسكريّة.

مضافاً إلى ما ذكرناه من النقاط الثلاث نذكر بعض الروايات زيادةً في التوضيح :

1 - هنالك صنف من الروايات يصرّح الإمام الصادق عليه السلام لسدير حول عمل الإمام الحسن عليه السلام بقوله : « فإنّه أعلم بما صنع ، لولا ما صنع لكان أمراً عظيماً ».

وبالتأكيد إنّ هذا الأمر العظيم من الخطورة والأهمّية بمكان ، بحيث يفضّل الإمام الصلح عليه ، وتجد هذا المعنى من الروايات في كتاب علل الشرائع (3).

2 - في الصنف الآخر من الروايات ، يتحدّث عليه السلام عن السبب بما حاصله : « ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلاّ قُتل ».

وهذا القسم يعطينا صورة أوضح وأدقّ من الأوّل ، ويمكن أن يكون شرحاً للأمر العظيم ، الذي عبّرت به الروايات في الصنف الأوّل (4).

3 - في الصنف الثالث يصرّح عليه السلام بالقول : « ويحكم ما تدرون ما عملت؟ .

ص: 168


1- بحار الأنوار 44 / 45.
2- الإرشاد 2 / 12.
3- علل الشرائع 1 / 211.
4- نفس المصدر السابق.

واللّه الذي عملت خير لشيعتي ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت ... »(1).

4 - في الصنف الرابع من الروايات يقول عليه السلام : « واللّه لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتّى يدفعوني إليه سلماً ، واللّه لإن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير ، أو يمنّ عليّ فيكون سنّة على بني هاشم إلى آخر الدهر ، ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحيّ منّا والميت »(2).

وهذا الصنف من الروايات يشير إشارة واضحة إلى ما أثبتناه في بداية النقطة الثالثة من الوضعية الحسّاسة والحرجة في جيش الإمام ، والقلوب المريضة والضعيفة التي كانت تحكم الوضع آنذاك.

5 - خطب الإمام الحسن عليه السلام بعد وفاة أبيه : « وكنتم تتوجّهون معنا ، ودينكم أمام دنياكم ، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم ، وكنّا لكم وكنتم لنا ، وقد صرتم اليوم علينا ... »(3).

6 - قال الإمام الحسن عليه السلام لخارجي عاتبه على صلحه : « فإنّ الذي أحوجني إلى ما فعلت : قتلكم أبي ، وطعنكم إيّاي ، وانتهابكم متاعي ... »(4).

7 - قول الإمام عليه السلام لحجر بن عدي : « وإنّما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم »(5).

8 - قول الإمام عليه السلام حينما عذلوه على الصلح : « لا تعذلوني فإنّ فيها مصلحة »(6).

ص: 169


1- كمال الدين : 316 ، إعلام الورى 2 / 230 ، كشف الغمّة 3 / 328.
2- الاحتجاج 2 / 10.
3- تاريخ مدينة دمشق 13 / 268 ، أُسد الغابة 2 / 13 ، جواهر المطالب 2 / 207 ، الكامل في التاريخ 3 / 406.
4- تاريخ مدينة دمشق 13 / 263 ، المعجم الكبير 1 / 105 ، تهذيب الكمال 6 / 245 ، جواهر المطالب 2 / 197 ، الكامل في التاريخ 3 / 405.
5- تنزيه الأنبياء : 223.
6- مناقب آل أبي طالب 3 / 197.

ولو لاحظنا التشبيه الذي يستعمله الإمام عليه السلام في بيان الهدف من صلحه لحصلنا على المزيد من القناعة ، بأنّ صلحه لم يكن إلاّ لمصلحةٍ كبرى يقتضيها الإسلام ، ولا تعني على الإطلاق أهلية معاوية للخلافة :

1 - في كلام يخاطب به أبا سعيد فيقول له : « علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لبني ضمرة وبني أشجع ، ولأهل مكّة حين انصرف من الحديبية ، أُولئك كفّار بالتنزيل ، ومعاوية وأصحابه كفّار بالتأويل ... »(1).

2 - يشبّه جهلنا بالحكمة الداعية للصلح بقضية الخضر وموسى عليهما السلام.

فقال عليه السلام : « ألا ترى الخضر عليه السلام لمّا خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وأقام الجدار ، سخط موسى عليه السلام فعله ، لاشتباه وجه الحكمة عليه ، حتّى أخبره فرضي ، هكذا أنا ... »(2).

3 - وقوله عليه السلام : « وقد جعل اللّه هارون في سعة حين استضعفوه ، وكادوا يقتلونه ... كذلك أنا »(3).

النقطة الرابعة : قبل بيان وفاء معاوية للإمام الحسن عليه السلام بالشروط لابدّ من ذكر البنود التي اشترطها الإمام على معاوية ، وإن كان من المؤسف جدّاً ، أنّ التاريخ أجحف مرّة أُخرى بعدم ذكره التفصيلي لجميع البنود ، وإنّما حصلنا على شذرات من هنا وهناك ، ومن هذه البنود :

1 - أن لا يسمّيه أمير المؤمنين(4).

2 - أن لا يقيم عنده شهادة للمؤمنين(5).

3 - أن لا يتعقّب على شيعة علي عليه السلام شيئاً(6).

ص: 170


1- علل الشرائع 1 / 211.
2- نفس المصدر السابق.
3- الاحتجاج 2 / 8.
4- علل الشرائع 1 / 212.
5- نفس المصدر السابق.
6- نفس المصدر السابق.

4 - أن يفرّق في أولاد من قُتل مع أبيه يوم الجمل ، وأولاد من قُتل مع أبيه بصفّين ألف ألف درهم ، وأن يجعل ذلك من خراج دار أبجرد(1).

5 - أن لا يشتم علياً عليه السلام(2).

ولو تأمّلنا في هذه البنود لوجدناها بنفسها تنفي الخلافة عن معاوية ، وهذا من تدبير الإمام عليه السلام ، فمن المسلّم به أنّ الإمام عليه السلام من المؤمنين ، بل على رأسهم ، فإذا كان معاوية ليس أميراً للمؤمنين عملاً بالبند الأوّل فهذا يعني أنّه ليس أميراً على الإمام الحسن ، بل على سائر المؤمنين ، وكذلك البند الثاني ، فكيف يكون الإنسان خليفة ولا تجاز عنده الشهادات؟!

مضافاً إلى هذا وذاك ، فإنّ التاريخ يصرّح بأنّ معاوية لم يف للحسن بن علي عليهما السلام بشيء عاهده عليه(3).

وأخيراً ، فقد بات من الواضح عند الجميع ، أنّ الصلح لا يمثّل إعطاء شرعية لخلافة معاوية ، ولا تنازلاً عنها ، ولا أيّ شيء من هذا القبيل ، وعذراً للتطويل ، فإنّ الأمر يستحقّ ذلك.

( ..... - .... - .. )

لماذا صالح معاوية ولم يثأر كأخيه الحسين :

س : لقد قام الإمام الحسن عليه السلام بمصالحة معاوية بن أبي سفيان ، بينما ثار الإمام الحسين عليه السلام ضدّ يزيد بن معاوية؟

فلماذا صالح الحسن عليه السلام؟ بينما ثار الحسين عليه السلام؟ وهل يعتبر هذان العملان متناقضان؟ ونحن نعلم أنّ الأئمّة معصومون ، وشكراً لكم.

ص: 171


1- علل الشرائع 1 / 212.
2- الغدير 10 / 262 ، تاريخ مدينة دمشق 13 / 266 ، الإمامة والسياسة 1 / 185 ، الكامل في التاريخ 4 / 405.
3- الغدير 10 / 262 ، الكامل في التاريخ 3 / 405.

ج : لا تناقض بين صلح الإمام الحسن وثورة الإمام الحسين عليهما السلام ؛ حيث إن حركة أهل البيت لنصرة الدين وحفظة حركة تكاملية ، فكل إمام يبدأ من حيث انتهى الإمام الذي قبله ، وذلك باختلاف الظروف في الأزمنة المختلفة ، بل تجد المعصوم الواحد تتعدد مواقفه بتعدد الظروف ، فالنبي صلى اللّه عليه وآله الذي جاهد المشركين في بدر وأُحد وغيرهما تراه يصالحهم في الحديبية ، فالنبي هو النبي إلا أن الظروف تختلف ، كذلك أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي صبر وفي العين قذى وفي الحلق شجى على ما جرى بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تراه يقاتل أعداء اللّه في عدّة مواطن ، فعلي هو علي إلا أنّ الظروف تختلف.

فالنبي وأهل بيته الأطهار لكلٍّ أفعلهم وتصرفاتهم تنصبّ في السعي لحفظ الدين ، فلو اقتضى ذلك المصالحة ولو مع المشركين تراهم يصالحون ولو اقتضى الأمر الجهاد تراهم في أعلى مراتب الشجاعة والتضحية فالحسين كان مع أخيه الحسن عليهما السلام في الصلح بل وبعد أخيه الحسن لما يزيد على العشر سنين ولم يقم بالثورة حتى تحققت الظروف المناسبة ، فكانت تلك الثورة العظيمة ، ولو كان الإمام الحسن عليه السلام موجوداً في تلك الظروف لما اختلف موقفه عن موقف الإمام الحسين عليه السلام. فتأمل.

ويظهر ذلك جليّاً من مراجعة كلمات الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام. فكما ورد عن الإمام الحسين أنه قال عند خروجه على يزيد : « وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي » (1) ورد عن الإمام الحسن نفس هذا الأمر. وإليك بعض هذه النصوص :

1 - قال له رجل : بايعت معاوية ، ومعك أربعون ألفاً ، ولم تأخذ لنفسك وثيقة ، وعهداً ظاهراً؟

فقال له : « إنّي لو أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية بأصبر منّي عند اللقاء ، ولا اثبت عند الحرب منّي ، ولكنّي أردت صلاحكم ... » (2). .

ص: 172


1- لواعج الأشجان : 30.
2- شرح نهج البلاغة 16 / 15.

2 - وقال له رجل آخر : يا ابن رسول اللّه ، لوددت أن أموت قبل ما رأيت أخرجتنا من العدل إلى الجور ....

فقال له الإمام عليه السلام : « إنّي رأيت هوى معظم الناس في الصلح ، وكرهوا الحرب ، فلم أحبّ أن أحملهم على ما يكرهون ، فصالحت ... » (1).

3 - وقال له ثالث : لم هادنت معاوية وصالحته وقد علمت أنّ الحقّ لك دونه ، وأنّ معاوية ضالّ باغ؟

فأجابه الإمام عليه السلام : « علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لبني ضمرة ، وبني أشجع ، ولأهل مكّة حين انصرف من الحديبية ، أُولئك كفّار بالتنزيل ، ومعاوية وأصحابه كفّار بالتأويل ... » (2).

4 - وقال له رجل : لماذا صالحت؟

فأجابه عليه السلام : « إنّي خشيت أن يجتث المسلمون على وجه الأرض ، فأردت أن يكون للدين ناع ».

( .... - .... - ... )

ومضامين كتاب الصلح :

س : جاء في كتاب كشف الغمّة : ومن كلامه عليه السلام ما كتبه في كتاب الصلح الذي استقرّ بينه وبين معاوية ... : « بسم اللّه الرحمن الرحيم ، هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان ، صالحه على أن يسلّم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب اللّه ، وسنّة رسوله ، وسيرة الخلفاء الراشدين ، وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً ، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين ... » (3).

ص: 173


1- الأخبار الطوال : 220.
2- علل الشرائع 1 / 211 ، الطرائف : 196.
3- كشف الغمّة 2 / 193.

فما هو الردّ على أهل السنّة إذ إنّهم يستشهدون به.

ج : لقد ورد هذا المتن من الصلح في كتاب كشف الغمّة ، وفيه :

أوّلاً : إنّ مجرد نقل مؤلّف من الشيعة لموضوع لا يعني بالضرورة قبوله له ، أو قبول طائفته لذلك وتبنّيهم له.

ثانياً : إنّ ما ذكر هنا لم يرد عندهم مسنداً ، ولا عرف عنهم مثبتاً.

ثالثاً : إنّ المقصود من تعبير الخلفاء الراشدين ، هم أهل البيت عليهم السلام لا من غصب هذا العنوان ، وهذا نوع من التورية في الكلام ، فقد يكنّون عن أنفسهم بذلك تغطية ورمزاً ، وهذا كثير ، وإلاّ لقال له : والعمل بسنّة الشيخين ، كما قيل لأمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى.

رابعاً : لعلّ ما هنا هو من باب المماشاة نظير قول نبيّ اللّه إبراهيم عليه السلام - وهو سيّد الموحّدين - كما حكاه في الكتاب الكريم : ( قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسئَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ) (1).

خامساً : وهو المهمّ وعمدة ما في الباب : إنّ هناك قاعدة ثابتة عقلاً ومتعارفة عملاً ، ومتبعة سيرةً ، تعرف عندهم بقاعدة الإلزام ، يستعان بها في مقام الاحتجاج وإلزام الخصم بما يلتزم به ، ويتظاهر بالاعتقاد به ، ولا يستطيع إنكاره ، بمعنى أنّ كلّ ما اعترف به الخصم واعتقد بصحّته صحّ الاستناد إليه وإلزامه به ، وليس معنى هذا اعتقاد القائل به بذلك أو التزامه به كما هو واضح.

وقد جاءت نصوص في الشريعة المقدّسة تؤيّد ما ذكرناه ، منها : ما جاء في التهذيب عن أبي الحسن عليه السلام أنّه قال : « ألزموهم بما ألزموا أنفسهم »(2).

ص: 174


1- الأنبياء : 62 - 63.
2- تهذيب الأحكام 9 / 322.

هذا ، ولعلّ فلسفة هذا العمل ، هو أنّ معاوية لم يلتزم حتّى بسيرة خلفائهم فضلاً عن غيرهم ، وقطعاً لو لم يشترط هذا الشرط لتظاهر الرجل بعدم الموافقة ، ولما تمّ الصلح الظاهري ، واللّه العالم.

( أحمد - البحرين - 42 سنة - طالب أكاديمي )

حكمة صلحه وجهاد أخيه :

س : هذا أحد حجج أهل السنّة على الشيعة فما قولكم فيه :

لقد تنازل الحسن بن علي لمعاوية وسالمه ، وفي وقت كان يجتمع عنده من الأنصار والجيوش ما يمكنه من مواصلة القتال.

وخرج الحسين بن علي في قلّة من أصحابه في وقت كان يمكنه فيه الموادعة والمسالمة ، ولا يخلو أن يكون أحدهما على حقّ ، والآخر على باطل ، لأنّه إن كان تنازل الحسن مع تمكّنه من الحرب حقّاً كان خروج الحسين مجرّداً من القوّة مع تمكّنه من المسالمة باطلاً ، وهذا يضعكم في موقف لا تحسدون عليه ، لأنّكم إن قلتم أنّهما جميعاً على حقّ جمعتم بين النقيضين ، وهذا القول يهدم أُصولكم.

ج : إنّ صلح الإمام الحسن عليه السلام ونهضة الإمام الحسين عليه السلام يتّفقان في الأهداف ، ويختلفان في كيفية التعامل مع الحكم السائد.

فبما أنّ الإمام الحسن عليه السلام كان يواجه معاوية ومَكْرِه ونفاقه فاضطرّ إلى أن يكشف زيفه حتّى يتضّح للجميع عدم مشروعية الحكم الأمويّ - وإن كان واضحاً عند المؤمنين في واقعة صفّين وقبلها أو بعدها - فتبيّن من صلحه عليه السلام عدم التزام معاوية بمواعيده ، ومن ثمّ تنفيذ مخطّطاته الظالمة فور سيطرته على الحكم بدون منازع ، من قتل وتشريد المؤمنين ، وتنصيب ولاة الجور عليهم ، والاستمرار في سبّ أمير المؤمنين عليه السلام على المنابر ، وأخذ البيعة ليزيد و ... - وهذا الأمر كلّه قد حصل بفضل صلحه عليه السلام.

وإلاّ فإنّ الاستمرار في الحرب مع معاوية كان لا ينتج هذه الثمرات كلّها أو

ص: 175

بعضها ، كيف وقد رأى الإمام عليه السلام عدم قناعة أكثر جيشه باستمرار الحرب ، أو حتّى مؤامرة بعضهم لقتله أو أسره عليه السلام ، ففي هذه الظروف لم يكن للإمام عليه السلام أيّ خيار إلاّ أن ينتخب هذا الأسلوب - الصلح - لتستمر مواجهته مع العدوّ في شكلها الجديد.

ثمّ إنّ اتخاذه عليه السلام هذه الطريقة قد مهدّت - في نفس الوقت - الأرضية المناسبة لنهضة أخيه الإمام الحسين عليه السلام ، فتربّت الثلّة الواعية من المؤمنين في تلك الفترة ، وتحت الظروف القاسية ، فأصبحت فيما بعد أنصاراً أوفياء للإمام الحسين عليه السلام في كربلاء.

ومن جانب آخر فقد تمّت الحجّة على الجميع في معرفتهم الحكم الأمويّ ، الذي جاء في مستهلّه بثوب الرياء والتزوير ، وتظاهر بالإسلام ، فتعرّفوا عليه في شكله الحقيقيّ.

ثمّ جاء دور الإمام الحسين عليه السلام الذي كان متمّماً لدور أخيه الإمام الحسن عليه السلام ، فقد استثمر الحالة الموجودة في المجتمع ، من عدم قناعتهم بمشروعية الدولة الأمويّة - وهذا قد نتج مسبقاً من صلح الإمام الحسن عليه السلام - وبما أنّ الحكم الأمويّ في عصره عليه السلام قد تمثّل في يزيد - وهو الذي كشف القناع عن وجهه ، بعدم التزامه بالمبادئ ، والظواهر الإسلامية - فقام بالأمر وتصدّى للطاغية ، وإن أدّى ذلك إلى الشهادة ، فقد انتصر في كسر صولة الظالم ، وفتح الباب لمكافحة الغي الأمويّ ، وهذا ما نراه جليّاً في الحركات المتأخّرة عن واقعة كربلاء ، فكلّها جاءت متأثّرة من نهضة الإمام الحسين عليه السلام.

وممّا ذكرنا يظهر لك أنّ صلح الإمام الحسن عليه السلام ، ونهضة الإمام الحسين عليه السلام كلاهما في خطّ واحد في سبيل النيل لهدف موحّد ، فلا كثرة الجيوش ولا قلّة الأنصار هو العامل الأوّل في اختيارهما لأسلوب المواجهة ، بل الظروف كانت تختلف ، وباختلافها تتنوّع الأساليب ، وإن كانت جميعها في إطار محاولة رفع الظلم وتثبيت العدل.

ص: 176

فلو كان الإمام الحسين عليه السلام في ظروف أخيه لأتّخذ نفس أسلوب الإمام الحسن عليه السلام في صلحه ، ولو كان الإمام الحسن عليه السلام يعيش في أيّام يزيد ، لانتهج أسلوب الكفاح والجهاد في وجه الأعداء ، فلا مغايرة في سيرتهما عليهما السلام.

( علي - الكويت - .... )

لم يجبر على البيعة :

س : لماذا لم يجبر معاوية الإمام الحسن على البيعة؟ كما جبر يزيد الإمام الحسين على ذلك ، وشكراً ، وجزاكم اللّه ألف خير.

ج : لأنّ معاوية كان في دور توطيد حكمه الذي استتب له قريباً ، أي بعد عقد الصلح مع الإمام الحسن عليه السلام ، فلأنَّ النفوس مشحونة بالبغضاء ومتحفّزة للقتال ، فالحرب كانت قريبة العهد ، كما أنّ نفوذ الإمام الحسن عليه السلام لا زال فيه شيء من القوّة والسعة ، ومضامين شروط الصلح ما زالت حية ، لم يمض عليها وقت طويل حتّى تنسى ، وإنّ من شهدوا الصلح والتزموا به ما زالوا كثيرين ، فأيّ بادرة مخالفة مفضوحة لنقض شروط الصلح من قبل معاوية تقلب الكرة عليه ، ولذلك قام بعدّة أُمور للتمهيد لنقض شروط الصلح ، فقد نقض بعضها بمرور الزمن ، وبالحيلة والمكر.

وبدأ بقتل وملاحقة أصحاب الإمام ومؤيّديه ، والتضييق عليهم اقتصاديّاً ومعنويّاً ، واستخدم الإكراه والإغراء على مدى واسع في الأُمّة ، وشنّ حرب إعلامية على الإمام الحسن ، والإمام علي عليهما السلام ، وبني هاشم ، منها :

سنّ السبّ على المنابر ، ووضع الأحاديث المكذوبة ، وبدأ بتوطيد ملكه وولاية العهد إلى يزيد ابنه ، ثمّ دسّ السمّ إلى الإمام الحسن عليه السلام ، كلّ ذلك تمهيداً ليزيد ، فلمّا وصل الأمر إلى يزيد أخذ عمّاله البيعة بالإكراه من الأُمّة ، وليس لها قدرة على المقاومة ، ثمّ سعى لإكراه الرقم الأصعب في المعادلة ، وهو الإمام الحسين عليه السلام.

ص: 177

( رنا - الأردن - .... )

كيفية مقتله :

س : أشكركم على ردّكم ، ولكن هل هناك مجال لمعرفة تفاصيل مقتل الإمام الحسن عليه السلام؟

ج : قد ورد في كتاب وفيات الأئمّة ما نصّه : « إنّه لمّا تمّ الأمر لمعاوية بن أبي سفيان عشر سنين عزم أن يجعل ابنه يزيد ولي عهده ، فرأى أنّ أثقل الناس عليه مؤنة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام ، و ... ، ثمّ عزم على هلاك الحسن بن علي عليهما السلام ، فأرسل إلى الأشعث بن قيس ... واستشاره معاوية في هلاك الحسن ، فقال له : الرأي عندي أن ترسل إلى ابنتي جعدة ، فإنّها تحت الحسن ، وتعطيها مالاً جزيلاً ، وتعدها أن تزوّجها من ابنك يزيد ، وتأمرها أن تسمّ الحسن.

فقال معاوية : نعم الرأي ، ... فاستدعى معاوية رجلاً من بطانته وخاصّته ، ودفع إليه مائة ألف درهم ، وكتب معه كتاباً إلى جعدة بنت الأشعث ، وأوعدها بالعطاء الجزيل ، وأن يزوّجها من ابنه يزيد إذا قتلت الحسن.

فسار الرجل ونزل في بعض بيوت المدينة ، وأرسل إلى جعدة سرّاً ، فأتت إليه ، فدفع لها المال والكتاب الذي من عند معاوية ، فسرّت بذلك سروراً عظيماً ، وكانت على رأي أبيها من بغض علي بن أبي طالب عليه السلام ، وعلمت أنّ أباها هو الذي أشار على معاوية بذلك ، فما زالت تتربّص به الغرّة ، وتنتهز فيه الفرصة والغفلة حتّى كانت ليلة من الليالي ، قدم عليه السلام إلى منزله ، وكان صائماً في يوم صائف شديد الحرّ ، فقدّمت إليه طعاماً فيه لبن ممزوج بعسل قد ألقت فيه سمّاً ، فلمّا شربه أحسّ بالسمّ ، فالتفت إلى جعدة وقال لها : « قتلتني يا عدوّة اللّه قتلك اللّه ، وأيم اللّه لا تصيبين منّي خلفاً ، ولقد غرّك وسخر بك ، فاللّه مخزيه ومخزيك ».

ثمّ إنّه عليه السلام لزم البيت ، وألزم نفسه الصبر ، وسلّم لله الأمر ، فاشتدّ الأمر

ص: 178

عليه ، فبقي طوال ليلته فأكبّ عليه ولده عبد اللّه ، وقال له : يا أبت هل رأيت شيئاً فقد أغممتنا؟

فقال عليه السلام : « يا بني هي واللّه نفسي التي لم أصب بمثلها » ، ثمّ قال : « افرشوا لي في صحن الدار ، وأخرجوني لعلّي أنظر في ملكوت السماوات » ، ففرش له في صحن الدار وأخرج فراشه ، فدخل عليه أخوه الإمام الحسين عليه السلام فرآه متغيّراً وجهه ، مائلاً بدنه إلى الخضرة ، فقال له الحسين عليه السلام : « بأبي أنت وأُمّي ما بك »؟

فقال له : « ... إنّي قد سقيت السمّ مراراً ، فلم اسق مثل هذه المرّة »! ... ، فقال : « يا أخي من تتهم »؟ فقال : « وماذا تريد منه »؟ فقال : « لأقتله » ، فقال : « إن يكن الذي أظنّه فاللّه أشدّ نقمة منك وأشدّ تنكيلاً ، وإن لم يكن فما أحبّ أن يؤخذ بي بريء ».

ثمّ إنّ الإمام الحسين عليه السلام بكى لما رأى من حال أخيه ، فقال له الحسن عليه السلام : « أتبكي يا أبا عبد اللّه ، وأنا الذي يؤتى إليّ بالسمّ فأقضي به ، ولكن لا يوم كيومك ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل ، يدّعون أنّهم من أُمّة جدّك فيقتلونك ، ويقتلون بنيك وذرّيتك ، ويسبون حريمك ، ويسيرون برأسك هدية إلى أطراف البلاد ، فاصبر يا أبا عبد اللّه ، فأنت شهيد هذه الأُمّة ، فعليك بتقوى اللّه ، والصبر والتسليم لأمره ، والتفويض له ، لتنال الأجر الذي وعدنا به ».

فقال له الإمام الحسين عليه السلام : « ستجدني إن شاء اللّه صابراً راضياً مسلّماً له الأمر ، وأهون عليّ ما نزل بي أنّه بعين اللّه » ، فقال له الإمام الحسن عليه السلام : « وفّقت لكلّ خير يا أبا عبد اللّه ».

ثمّ إنّ الإمام الحسن عليه السلام لمّا تحقّق دنو أجله ، دعا بالحسين عليه السلام ، ودفع إليه كتب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلاحه ، وكتب أمير المؤمنين عليه السلام وسلاحه ، وأوصاه بجميع ما أوصى به أمير المؤمنين عليه السلام ، ثمّ قال له : « يا أخي إنّي مفارقك ولاحق بربّي عزّ وجلّ ، فإذا قضيت نحبي ، فغمّضني ، وغسّلني ، وكفّني ، واحملني

ص: 179

على سريري إلى قبر جدّي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لأجدّد به عهداً وميثاقاً ، ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد ، وادفنّي هناك ، وستعلم يا ابن أُمّي أنّ القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند جدّي ، فيجدون في منعك ، فباللّه أقسم عليك لا تهرق في أمري ملء محجمة دماً ».

ثمّ أوصاه بجميع أهله وأولاده ، وما كان أوصى به أمير المؤمنين حين استخلفه وأهله ، ودلّ شيعته على إمامة الحسين عليه السلام ، ونصّبه لهم علماً من بعده ، ثمّ التفت إلى أولاده وأخوته ، وأمرهم باتباعه ، وأن لا يخالفوا له أمراً ....

ثمّ إنّ الحسن عليه السلام قال : « أستودعكم اللّه ، واللّه خليفتي عليكم » ، ثمّ إنّه غمّض عينيه ومدّ يديه ورجليه ، ثمّ قضى نحبه وهو يحمد اللّه ويقول : « لا إله إلاّ اللّه » ، فضجّ الناس ضجّة عظيمة ، وصار كيوم مات رسول اللّه ، وخرج أولاده وأخوته يبكون وينوحون ، وأمثل بنو هاشم رجالاً ونساءً يبكون عليه ، ويدعون بالويل والثبور ، وعظائم الأُمور.

ثمّ إنّ الإمام الحسين عليه السلام قام في تجهيز أخيه ، وأمر عبد اللّه بن العباس ، وعبد اللّه بن جعفر أن يناولاه الماء ، فغسّله ، وحنّطه ، وكفّنه ، كما أمره ، وصلّى عليه في جملة أهل بيته وشيعته ... »(1).

( .... - .... - ... )

بصلحه كشف حقيقة معاوية :

س : ما فائدة صلح الإمام الحسن عليه السلام؟

ج : إنّ من فوائد الصلح هي كشف حقيقة معاوية للناس الذين كانوا في أيّامه ، والأجيال التي جاءت بعده على طول التاريخ ، ولولا تسليم الإمام الأمر لمعاوية ، ونكث معاوية لما أعطاه من شروط وعهود لما كانت تعرف حقيقة معاوية العدوانية.

ص: 180


1- وفيات الأئمّة : 115.

ودونك ما تقرأ في الجزء الثالث من كتاب « علي إمام البررة » ، فثمّة أقوال جماعة من أعلام أهل السنّة من قدامى ومحدّثين في كشف صفحات معاوية المخزية المخجلة ، وهذا الكشف لولا تسليم الإمام الحسن عليه السلام الأمر إليه ، لما كان الناس يعرفوا حقيقة معاوية ، فهذا من أعظم المنجزات التي أنجزها الإمام الحسن عليه السلام ، بأن كشف زيف الباطل وعرّف الناس حقيقة معاوية وبني أُمية.

ص: 181

ص: 182

الإمام الحسين عليه السلام :

اشارة

( علي سلمان - .... - .... )

أسباب ثورته :

س : ما هي أسباب قيام ثورة الإمام الحسين عليه السلام؟

وما معنى قول زينب عليها السلام عندما خاطبت يزيد : « ما رأيت إلاّ جميلاً »(1)؟

ج : أحاطت بالإمام الحسين عليه السلام عدّة من المسؤوليات الدينية والواجبات الاجتماعيّة وغيرها ، فحفّزته إلى الثورة ، ودفعته إلى التضحية والفداء ، وهذه بعضها :

1 - المسؤولية الدينية : لقد كان الواجب الديني يحتّم عليه القيام بوجه الحكم الأمويّ ، الذي استحلّ حرمات اللّه ، ونكث عهوده ، وخالف سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

2 - المسؤولية الاجتماعيّة : كان الإمام عليه السلام بحكم مركزه الاجتماعيّ مسؤولاً أمام الأُمّة ، عمّا منيت به من الظلم والاضطهاد من قبل الأمويّين ، ومن هو أولى بحمايتها وردّ الاعتداء عنها من غيره؟

فنهض عليه السلام بأعباء هذه المسؤولية الكبرى ، وأدّى رسالته بأمانة وإخلاص ، وضحّى بنفسه وأهل بيته وأصحابه ، ليعيد عدالة الإسلام وحكم القرآن.

3 - إقامة الحجّة عليه : قامت الحجّة على الإمام عليه السلام لإعلان الجهاد ، ومحاربة قوى البغي والإلحاد ، فقد تواترت عليه الرسائل والوفود من أهل الكوفة ،

ص: 183


1- لواعج الأشجان : 209.

وكانت تحمّله المسؤولية أمام اللّه إن لم يستجب لدعواتهم الملحّة ، لإنقاذهم من ظلم الأمويّين وبغيهم.

4 - حماية الإسلام : من الأسباب التي ثار من أجلها عليه السلام هي حماية الإسلام من خطر الحكم الأمويّ ، الذي جهد على محوه ، وقلع جذوره ، فقد أعلن يزيد - وهو على كرسي الخلافة الإسلامية - الكفر والإلحاد بقوله :

لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل(1)

وكشف هذا الشعر عن العقيدة الجاهلية التي كان يدين بها يزيد ، فهو لم يؤمن بوحي ولا كتاب ، ولا جنّة ولا نار ، وبلغ به الاستهتار إلى الإعلان عن كفره واستهزائه بالإسلام.

5 - صيانة الخلافة : من ألمع الأسباب التي ثار من أجلها عليه السلام تطهير الخلافة الإسلامية - التي هي لأهل البيت عليهم السلام من قبل اللّه تعالى - من أرجاس الأمويّين الذين نزو عليها بغير حقّ.

وقد رأى الإمام عليه السلام أنّ مركز جدّه قد صار إلى سكّير مستهتر ، لا يعي إلاّ شهواته ورغباته ، فثار ليعيد للخلافة الإسلامية كيانها المشرق وماضيها الزاهر.

6 - تحرير إرادة الأُمّة : ولم تملك الأُمّة في عهد يزيد إرادتها واختيارها ، فقد كبلت بقيود ثقيلة سدّت في وجهها منافذ النور والوعي ، وحيل بينها وبين إرادتها.

لقد هبّ الإمام عليه السلام إلى ساحات الجهاد والفداء ، ليطعم المسلمين روح العزّة والكرامة ، فكان مقتله عليه السلام نقطة تحوّل في تاريخ المسلمين وحياتهم.

7 - تحرير اقتصاد الأُمّة : انهار اقتصاد الأُمّة الذي هو شرايين حياتها الاجتماعيّة والفردية ، فقد عمد الأمويّون بشكل سافر إلى نهب الخزينة

ص: 184


1- تاريخ الأُمم والملوك 8 / 188.

المركزية ، وقد أعلن معاوية أمام المسلمين : إنّ المال مال اللّه ، وليس مال المسلمين ، فهو أحقّ به.

فقد ثار عليه السلام ليحمي اقتصاد الأُمّة ، ويعيد توازن حياتها المعيشية.

8 - المظالم الاجتماعيّة : انتشرت المظالم الاجتماعيّة في أنحاء البلاد الإسلامية ، فلم يعد قطر من الأقطار إلاّ وهو يعجّ بالظلم والاضطهاد من جورهم.

فهبّ الإمام عليه السلام في ميادين الجهاد ، ليفتح للمسلمين أبواب العزّة والكرامة ، ويحطّم عنهم ذلك الكابوس المظلم.

9 - المظالم الهائلة على الشيعة : لقد كانت الإجراءات القاسية التي اتخذها الحكم الأمويّ ضدّ الشيعة من أسباب ثورته عليه السلام ، فهبّ لإنقاذهم من واقعهم المرير ، وحمايتهم من الجور والظلم.

10 - محو ذكر أهل البيت : ومن ألمع الأسباب التي ثار من أجلها عليه السلام ، هو أنّ الحكم الأمويّ قد جهد على محو ذكر أهل البيت عليهم السلام ، واستئصال مآثرهم ومناقبهم ، وقد استخدم معاوية في هذا السبيل أخبث الوسائل.

وكان عليه السلام يودّ أنّ الموت قد وافاه ، ولا يسمع سبّ أبيه على المنابر والمآذن.

11 - تدمير القيم الإسلامية : عمد الأمويّون إلى تدمير القيم الإسلامية ، فلم يعد لها أيّ ظل على واقع الحياة الإسلامية.

12 - انهيار المجتمع : انهار المجتمع في عصر الأمويّين ، وتحلّل من جميع القيم الإسلامية.

وثار عليه السلام ليقضي على التذبذب والانحراف الذي منيت به الأُمّة.

13 - الدفاع عن حقوقه : وانبرى الإمام عليه السلام للجهاد دفاعاً عن حقوقه التي نهبها الأمويّون واغتصبوها ، وأهمّها : الخلافة ، فهو الخليفة الشرعي بمقتضى معاهدة الصلح ، التي تمّ الاتفاق عليها - فضلاً عن كونه الخليفة الحقيقيّ من قبل اللّه تعالى - وعلى هذا فلم تكن بيعة يزيد شرعية ، ولم يخرج الإمام عليه السلام

ص: 185

على إمام من أئمّة المسلمين ، كما يذهب لذلك بعض ذوي النزعات الأمويّة ، وإنّما خرج على ظالم مغتصب لحقّه.

14 - الأمر بالمعروف : ومن أوكد الأسباب التي ثار من أجلها عليه السلام إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإنّهما من مقوّمات هذا الدين ، والإمام بالدرجة الأُولى مسؤول عنهما.

وقد أدلى عليه السلام بذلك في وصيته لأخيه ابن الحنفية التي أعلن فيها عن أسباب خروجه على يزيد ، فقال : « وإنّي لم أخرج أشراً ، ولا بطراً ، ولا مفسداً ، ولا ظالماً ، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي ، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ... »(1).

15 - إماتة البدع : عمد الحكم الأمويّ إلى نشر البدع بين المسلمين ، التي لم يقصد منها إلاّ محق الإسلام ، وإلحاق الهزيمة به ، وقد أشار عليه السلام إلى ذلك في رسالته التي بعثها لأهل البصرة : « فإنّ السنّة قد أُميتت ، وإنّ البدعة قد أُحييت ... »(2).

لقد ثار عليه السلام ليقضي على البدع الجاهلية التي تبنّاها الأمويّون ، ويحيي سنّة جدّه التي أماتوها ، ونشر راية الإسلام.

16 - العهد النبوي : واستشف النبيّ صلى اللّه عليه وآله من وراء الغيب ما يمنى به الإسلام من الأخطار الهائلة على أيدي الأمويّين ، وأنّه لا يمكن بأيّ حال تجديد رسالته ، وتخليد مبادئه إلاّ بتضحية ولده الحسين عليه السلام ، فعهد إليه بالتضحية والفداء ، وقد أدلى الإمام الحسين بذلك حينما عدله المشفقون عليه من الخروج إلى العراق ، فقال عليه السلام لهم : « ورأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمرني بأمر ، وأنا ماض له »(3).

17 - العزّة والكرامة : ومن أوثق الأسباب التي ثار من أجلها عليه السلام ، هي العزّة

ص: 186


1- لواعج الأشجان : 30.
2- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 266 ، البداية والنهاية 8 / 170 ، انساب الأشراف : 78.
3- البداية والنهاية 8 / 176 و 181.

والكرامة ، فقد أراد الأمويّون إرغامه على الذلّ والخنوع ، فأبى إلاّ أن يعيش عزيزاً ، وقد أعلن ذلك يوم الطفّ بقوله : « ألا وإنّ البغيّ ابن البغيّ قد ركز بين اثنتين ، بين السلّة والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة ، يأبى اللّه لنا ذلك ورسوله ، والمؤمنون ، وحجور طابت ، وبطون طهرت ، وأنوف حمية ، ونفوس أبية ... »(1).

18 - غدر الأمويّين وفتكهم : وأيقن عليه السلام أنّ الأمويّين لا يتركونه ، ولا تكفّ أيديهم عن الغدر والفتك به حتّى لو سالمهم وبايعهم ، وقد أعلن ذلك لأخيه محمّد ابن الحنفية : « واللّه يا أخي ، لو كنت في جحر هامّة من هوام الأرض لاستخرجوني منه حتّى يقتلوني »(2).

فاختار عليه السلام أن يعلن الحرب ، ويموت ميتة كريمة تهزّ عروشهم ، وتقضي على جبروتهم وطغيانهم.

هذه بعض الأسباب التي حفّزت الإمام الحسين عليه السلام إلى الثورة على حكم يزيد.

وأمّا قول زينب عليها السلام فهو دليل على رضاها لمشيئة اللّه تعالى ، وإيمانها بالقضاء والقدر ، وتوكّلها على اللّه تعالى ، وأنّ الذي حصل ما كان إلاّ خيراً ، وما كان إلاّ جميلاً ، وذلك لأنّه لم يكن إلاّ حفظاً لأصل الإسلام ، وذهبت مخطّطات بني أُمية - التي رامت محو الإسلام - إدراج الرياح.

( حمد الهاشم - السعودية - .... )

استحباب زيارته يوم الأربعين :

س : اذكر الأدلّة على زيارة الحسين عليه السلام يوم الأربعين؟

ج : إنّ استحباب زيارة الإمام الحسين عليه السلام يوم الأربعين ثابت ، حتّى روي عن

ص: 187


1- تاريخ مدينة دمشق 14 / 219.
2- بحار الأنوار 45 / 99 ، لواعج الأشجان : 256.

الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام أنّه قال : « علامات المؤمن خمس : صلاة الإحدى والخمسين ، وزيارة الأربعين ، والتختّم باليمين ، وتعفير الجبين ، والجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم » (1).

وأمّا بخصوص ألفاظ زيارة الإمام الحسين عليه السلام المعروفة فهي مروية عن الإمام الصادق عليه السلام ، حيث قال في زيارة الأربعين : « تزور عند ارتفاع النهار فتقول : السلام على وليّ اللّه وحبيبه ، السلام على خليل اللّه ونجيبه ... » (2).

( حسين عبد اللّه - البحرين - .... )

الإمام السجّاد تولّى عملية دفنه :

س : من الذي دفن جسد الإمام الحسين عليه السلام؟ وإذا كان الإمام السجّاد عليه السلام ، فكيف يكون ذلك ، وهو أسير مع أهل بيته ، وهم مقتادون إلى الشام ، خصوصاً أنّ الدفن كان بعد ثلاثة أيّام من يوم شهادته؟ أرجو ذكر السند والمصدر.

ج : توجد قاعدة أوّلية وهي : إنّ الإمام المعصوم لا يقوم بتجهيزه والصلاة عليه إلاّ الإمام المعصوم الذي يليه.

إذا عرفت هذا ، فإنّ السيّد نعمة اللّه الجزائري في الأنوار النعمانية ، والدربندي في أسرار الشهادة (3) ، والسيّد محمّد تقي آل بحر العلوم في مقتل الحسين عليه السلام (4) ، نقلوا : أنّ بني أسد لمّا أرادوا دفن الأجساد الطاهرة جاءهم الإمام السجّاد عليه السلام ، وهو الذي تولّى عملية الدفن بمساعدتهم.

وأمّا أنّ الإمام السجّاد عليه السلام كيف جاءهم وهو أسير ، فهذا بالقدرة الإلهيّة التي يتمتّع بها المعصوم عليه السلام.

ص: 188


1- المزار للشيخ المفيد : 53 ، تهذيب الأحكام 6 / 52 ، روضة الواعظين : 195.
2- مصباح المتهجّد : 788 ، إقبال الأعمال 3 / 101.
3- أسرار الشهادة 3 / 225.
4- مقتل الحسين لبحر العلوم : 466.

( السيّد محمّد - البحرين - .... )

فرق الجسم والجسد الواردان في زيارته :

س : ما هو الفرق بين كلمتي الجسم والجسد في زيارة وارث : « صلوات اللّه عليكم ، وعلى أرواحكم ، وعلى أجسادكم ، وعلى أجسامكم ... »؟

ج : الظاهر أنّ الواو في قوله : « وعلى أجسامكم » عطف بيان ، وعليه فأجسامكم وأجسادكم شيء واحد ، لا فرق بينهما.

ويؤيّد هذا ما قاله الأصمعي ، وأبو زيد في اللغة : إنّ الجسم هو الجسد(1).

وقيل : إنّ المراد من الجسم الإنساني ما يحوي الجسم المادّي بالإضافة إلى الروح ، والمراد من الجسد الإنساني هو الجسم المادّي دون الروح.

وعلى هذا يكون السلام في الزيارة على : أرواحكم وعلى أجسادكم الخالية من الروح - إشارة إلى حالة مماتهم - وعلى أجسامكم الحاوية على الجسم والروح - إشارة إلى حالة حياتهم -.

( .... - .... - ... )

ظهور الآيات الكونية عند استشهاده :

س : هل من الصحيح أنّ السماء أمطرت دماً يوم قتل الحسين؟ وانخسفت الشمس؟ ولماذا لم تمطر يوم وفاة النبيّ؟ فهل الحسين أعظم من النبيّ؟

ج : إنّ اعتمادنا في ذكر الحوادث الكونية التي أعقبت استشهاد الإمام الحسين عليه السلام على المصادر المعترف بها عند الفريقين ، وعلى سبيل المثال : فموضوع إمطار السماء دماً يوم شهادته ، جاءت في عدّة مصادر : الصواعق المحرقة(2) ،

ص: 189


1- الصحاح 5 / 1887 ، لسان العرب 12 / 99.
2- الصواعق المحرقة 2 / 569.

وذخائر العقبى للطبري (1) ، وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر (2) ، وغيرها من المصادر (3).

وأمّا حمرة الشمس وانخسافها وغيرها من الآيات ، فتراها أيضاً في المصادر التالية : السنن الكبرى (4) ، مجمع الزوائد (5) ، المعجم الكبير (6) ، وغيرها من المصادر (7).

فهل هذا كذب مفترى؟ أم هذه حقيقة واضحة يدلّ عليها النقل المتواتر.

وأمّا اجتهادك بمقايسة رزية السبط الشهيد عليه السلام بجدّه صلى اللّه عليه وآله ففي غير محلّه ، إذ إنّ تأبين وتكريم السبط هو لأجل تعظيم الرسالة النبوية ، فقضية كربلاء إنّما جاءت لحفظ وتشييد مباني النبوّة والدين من تلاعب أيدي الطغاة الذين كانت أزمّة الحكم بيدهم آنذاك.

فظهور الآيات الكونية المذكورة هو في الواقع تأييد لخطّ الدفاع عن آثار النبوّة والرسالة ، الذي يتمثّل في مسار أهل البيت عليهم السلام.

( هادي هادي - السعودية - .... )

حكم من ذكر مقتله ولم ينصره :

س : ما حكم من سرد لنا مقتل الإمام الحسين عليه السلام ، وهو موجود بالمعركة ، ولم يقم بنصرته؟

ص: 190


1- ذخائر العقبى : 145.
2- تاريخ مدينة دمشق 14 / 227.
3- أُنظر : تهذيب الكمال 6 / 433 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 227 ، نظم درر السمطين : 222 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 80 ، ينابيع المودّة 3 / 15 و 84 و 91 و 101.
4- السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 337.
5- مجمع الزوائد 9 / 197.
6- المعجم الكبير 3 / 114.
7- أُنظر : تاريخ مدينة دمشق 14 / 226 ، تهذيب الكمال 6 / 433 ، ينابيع المودّة 3 / 17.

ج : طبقاً لقول الإمام الحسين عليه السلام : « من سمع واعيتنا أهل البيت ثمّ لم يجبنا كبّه اللّه على وجهه في نار جهنم »(1) يكون آثماً ، إلاّ أن تكون لبعضهم ظروف خاصّة ، وهذا علمه عند اللّه تعالى.

نعم أثمه في عدم نصرته لا يلازم بالضرورة عداءه للإمام الحسين عليه السلام ، إذ كثير من الناس حينما ينقل ، ينقل بتثبّت ، ولكن يفقد الشجاعة لاتّخاذ الموقف المناسب.

نعم لو ثبت أنّ الناقل معاد ، فحينئذ تسلب منه الوثاقة على رأي ، إذ لعلّه يزوّر الحقائق ، وينقل عن تصرّفات الإمام عليه السلام أمراً غير الواقع.

ولكن طالما لم نعلم منه العداء ، فيعامل معاملة الراوي العادي ، لأنّ المطلوب في الراوي هو وثاقته لا عدالته ، ولهذا نقبل قول العامّيّ من أبناء المذاهب الأُخرى إذا ثبت لنا وثاقته ، رغم عدم استقامة عقيدته حسبما نعتقد ، ومع ذلك إذا ثبت أنّه ثقة في النقل نقبل روايته ونسمّيها موثّقة.

( أسير القلوب - .... - .... )

خروجه لا يعدّ إلقاءً في التهلكة :

س : قال تعالى : ( وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) بناء على هذه الآية الكريمة ، لماذا خرج الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء من مكّة متّجهاً إلى الموت؟ ألا يعدّ ذلك من التهلكة ، لأنّه ذهب إلى الموت بيده؟ وضّح الأمر لنا.

ج : إنّ أوّل الشبهات التي ترد على ذهن السامع أو القارئ لمصرع الإمام الحسين عليه السلام ، هي شبهة أنّه بعمله هذا قد ألقى بنفسه إلى التهلكة التي نهى اللّه تعالى عنها بقوله : ( وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ... ) (2) ، والقيام بمثل

ص: 191


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 219 ، ينابيع المودّة 3 / 63.
2- البقرة : 195.

ذلك العمل يعتبر غريباً من مثل الإمام الحسين عليه السلام العارف بشريعة الإسلام ، والممثل الشرعي لنبيّ الإسلام جدّه محمّد صلى اللّه عليه وآله.

والجواب عن هذه الشبهة يتوقّف على تقديم مقدّمة للبحث في الآية الكريمة ، والتعرّف على معنى التهلكة المحرّمة ، ومتى تصدق ، وهل ينطبق ذلك على عمل الإمام عليه السلام؟ وننظر هل يصدق عليه أنّه ألقى بنفسه إلى التهلكة أم لا؟

قوله تعالى : ( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) .

التهلكة : يعني الهلاك ، وهو كلّ أمرٍ شاقٍّ ومضرٍّ بالإنسان ضرراً كبيراً ، يشقّ تحمّله عادة ، من فقر ، أو مرض ، أو موت.

والآية الكريمة أمرت - أوّلاً - بالإنفاق في سبيل اللّه ، أي التضحية والبذل فيما يرضي اللّه تعالى ، ويقرّب الإنسان إلى اللّه تعالى ، ثمّ نهت عن الإلقاء بالنفس إلى التهلكة ، وذلك بترك التضحية والإنفاق في سبيل اللّه تعالى.

ثمّ قالت : وأحسنوا ، أي كونوا محسنين في الإنفاق والبذل ، إذ إنّه ليس كل تضحية حسنة وشريفة ، ولا كل بذل هو محبوب وحسن عند اللّه تعالى ، وإلاّ لكانت تضحيات المجانين والسفهاء أيضاً شريفة ، وفي سبيل اللّه تعالى.

فالتضحية الشريفة المقدّسة والتي هي في سبيل اللّه تعالى تعرف بتوفّر شروط فيها ، وتلك الشروط نلخّصها فيما يلي :

الشرط الأوّل : أن تكون التضحية والبذل والإنفاق في سبيل شيء معقول محبوب عقلاً وعرفاً ، أي في سبيل غرض وهدف عقلاني ، وإلاّ خرجت عن كونها تضحية عقلائية ، ودخلت في عداد الأعمال الجنونية أو اللاإرادية.

الشرط الثاني : أن يكون المفدّى والمضحّى له أشرف وأفضل من الفداء والتضحية لدى العقلاء والعرف العام ، كأن يضحّي بالمال مثلاً ، لكسب العلم أو الصحّة ، أو يضحي بالحيوان لتغذية الإنسان ، وهكذا كلّما كانت الغاية أفضل وأثمن كانت التضحية أشرف وأكمل.

ص: 192

هذان العنصران هما الشرطان الرئيسيان من الشروط التي لابدّ منها في كلّ بذل وإنفاق وتضحية ، حتّى تكون حسنة وشريفة وفي سبيل اللّه تعالى.

وعلى هذا يظهر جلياً وبكلّ وضوح : أنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام كانت في سبيل اللّه تعالى مائة بالمائة ، وأنّ كلّ ما قدّم فيها ، وأنفق من مال وبنين ، ونفس ونفيس ، وغال وعزيز ، كان إنفاقاً حسناً ، وبذلاً شريفاً ، وتضحية مقدّسة ، يستحقّ عليها كلّ إجلال وتقديس وشكر.

والخلاصة : إنّ آية التهلكة لا تشمل مطلق الإقدام على الخطر ، ولا تحرّم التضحية بالنفس والنفيس ، إذا كانت لغاية أعظم وأفضل ، وهدف أنبل وأشرف ، كالذي قام به الإمام الحسين عليه السلام بثورته الخالدة ، وحيث توفّرت في تضحياته كلّ شروط التضحية الشريفة ، والفداء المقدّس على أكمل وجه ، لأنّه عليه السلام ضحّى وفدى وبذل وأنفق في سبيل أثمن وأغلى شيء في الحياة مطلقاً ، ألا وهو الإسلام ، دين اللّه تعالى ، وشريعة السماء ، ونظام الخالق للمخلوق ، ودستور الحياة الدائم ، الذي لولا تضحيّاته عليه السلام لدفن تحت ركام البدع ، والتشويهات والانحرافات ، التي خلّفتها عهود الحكم السابقة ، كما دفنت الديانات السابقة على الإسلام تحت ترسّبات البدع والتحريف ، حتّى لم يبق منها أثر حقيقي ، حيث لم يقيض لها حسين فيستخرجها ، ويزيل عنها المضاعفات ، كالذي فعله عليه السلام بالنسبة إلى الديانة الإسلامية الخالدة.

( السيّد محمّد البحراني - البحرين - 41 سنة. طالب جامعة )

رأسه الشريف يقرأ القرآن :

س : في مسير ركب أسرى الطفّ إلى الشام ، ما السرّ وراء قراءة رأس الحسين الآية من سورة الكهف بالذات : ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ

ص: 193

وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) (1)؟

ما هو وجه الخصوصية؟ إلى ماذا يشير الإمام عليه السلام بقراءته هذه الآية بالذات؟ ولكم الفضل ، ونسألكم الدعاء.

ج : قد سمع زيد بن أرقم الآية - التي ذكرتموها - من الرأس الشريف في الكوفة ، وناداه : « رأسك يا ابن رسول اللّه أعجب وأعجب » (2).

وسمع آخرون منه في الشام آية : ( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) (3) ؛ ولعلّ في تلاوة هذه الآيات إشارة إلى قصّة أصحاب الكهف ، إذ كان فيها إيقاظ بعد رقود ثلاثمائة وتسع سنين ، فهنا بطريق أولى يكون إنطاق الرأس الشريف أعجب ، فرأسه عليه السلام بتلاوة هذه الآيات يظهر المعجزة الإلهيّة في نطقه.

ولا يبعد أن تكون الإشارة إلى إمكانية الهداية للناس ، أو إتمام الحجّة عليهم ، كما أنّ عودة أصحاب الكهف إلى الدنيا كان سبباً لهداية الكثير ، ورسوخ الإيمان فيهم ، وإلقاء الحجّة عليهم.

ويمكن أن تكون الإشارة إلى تحدّي أصحاب الكهف الظلم والطغيان في الفئة الحاكمة ، وعدم رضوخهم واستسلامهم لهم مع قلّة عددهم ، فكأنّما كان الإمام عليه السلام يريد أن يلفت النظر بأنّ الانحراف السائد المتمثّل في الحكم الأمويّ لابدّ وأن يواجه ، ولو بقلّة العدد والمؤنة ، كما كانت سيرته عليه السلام في نهضته ، واللّه أعلم بحقائق الأُمور.

( زينب - بريطانيا - .... )

فلسفة أخذه العيال إلى كربلاء :

س : لماذا أخذ الإمام الحسين عليه السلام النساء والأطفال معه إلى كربلاء؟ مع أنّه

ص: 194


1- الكهف : 9.
2- الإرشاد 2 / 117 ، إعلام الورى 1 / 473.
3- الكهف : 13.

يعلم بأنّهم سوف يسبون؟

ج : ورد عن الإمام الحسين عليه السلام أنّه قال - حينما سُئل عن أخذه العيال - : « شاء اللّه أن يراني قتيلاً ويراهنّ سبايا ».

والمتأمّل في مجريات ثورة الحسين عليه السلام والمواقف الخالدة للسيدة زينب عليها السلام وما قامت به من إكمال لمسيرة الحسين عليه السلام في ثورته - والتي نحسّ بآثارها ليومنا هذا - يعلم حكمة المشيئة الإلهيّة في أخذ الحسين عليه السلام عياله إلى كربلاء ، فتأمل.

( أُمّ أحمد - البحرين - .... )

في الأربعين ألحق رأسه بجسده :

س : عندما سير بالسبايا إلى الشام ، كان رأس الحسين معهم ، فمتى أرجع مع الجسد؟ هل كان في العشرين من صفر؟

ج : إنّ المشهور عند الشيعة أنّ رأس الإمام الحسين عليه السلام قد أعاده الإمام زين العابدين عليه السلام بعد الرجوع من الأسر ، وألحقه بالجسد الشريف بعد أربعين يوماً من استشهاده ، أي يوم العشرين من صفر (1).

نعم ، قد ورد في بعض الأخبار الخاصّة بأنّ مدفن رأسه عليه السلام هو عند أبيه أمير المؤمنين عليه السلام (2).

وأُوّل بأنّه بعد الدفن الأوّل أُخرج من هناك ، وأُلحق بالجسد الشريف بكربلاء ، جمعاً بين هذه الروايات ، والطائفة الأُولى التي تدلّ على اجتماع رأسه وجسده عليه السلام والتي عليها معظم الطائفة الشيعيّة.

ص: 195


1- أُنظر : اللّهوف : 114 ، مثير الأحزان : 85 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 232 ، روضة الواعظين : 192 ، إعلام الورى 1 / 447.
2- الكافي 4 / 571 ، كامل الزيارات : 84.

( شاهر - ... - ..... )

كنيته :

س : لماذا كنّي الإمام الحسين عليه السلام بأبي عبد اللّه؟ مع أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام هو الأكبر من أولاده؟

ج : إنّ قولكم - إنّ الإمام زين العابدين عليه السلام أكبر أولاده عليه السلام - أوّل الكلام ، لأنّ المشهور أنّ أكبر أولاد الإمام الحسين عليه السلام هو علي الأكبر الشهيد ، الذي قُتل مع أبيه في كربلاء ، وأمّا الإمام زين العابدين عليه السلام فهو علي الأوسط .

وأمّا لماذا كنّي الإمام الحسين عليه السلام بأبي عبد اللّه؟ ولم يكنّى بأبي علي - باعتبار أنّ علياً أكبر أولاده - أو بغيرها من الكنى؟

فنجيب عليه أوّلاً : إنّ أسماء الأئمّة عليهم السلام ، وألقابهم وكناهم ، منصوص عليها ، فكنّي بأبي عبد اللّه لوجود نصّ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في ذلك.

وثانياً : كان متعارفاً عند العرب أن يكنّى الرجل بكنية ، ولم يكن له ولد بهذا الاسم ، من قبيل الإمام الجواد عليه السلام ، يكنّى بأبي جعفر ، ولم يكن من أولاده جعفر ، والإمام المهديّ المنتظر عليه السلام يكنّى بأبي صالح ، وبأبي القاسم ، ولم يكن عنده أولاد.

ثمّ لا يخفى أنّ بعض هذه الكنى واضح المنشأ ، ككنية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بأبي الحسن ، فالحسن عليه السلام أكبر أولاده عليه السلام ، وبعض الكنى غير واضح المنشأ ، كما في كنية الإمام الحسين عليه السلام بأبي عبد اللّه ، وكما في كنية الإمام الصادق عليه السلام بأبي عبد اللّه ، مع أنّ اكبر أولاده عليه السلام إسماعيل ، ومن البعيد جدّاً أن يكنّى الإمام الصادق عليه السلام باسم ولده عبد اللّه الأفطح ، لأنّه كان منحرفاً عن الجادّة الحقّة.

إذاً كنية الإمام عليه السلام كنية منصوص عليها من قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

ص: 196

( فاطمة الحسيني - إيران - .... )

التأكيد على زيارته في الأربعين :

س : أرجو منكم أن توضّحوا لنا لماذا الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام يعطي هذه الخصوصية لزيارة الأربعين ، ولا يعطي هذه الخصوصية لزيارة عاشوراء التي هي أكثر اعتباراً وشهرة؟ وشكراً لجهودكم.

ج : ليس الإمام العسكريّ عليه السلام هنا في مقام الحصر ، فكما يقال : « إثبات الشيء لا ينفي ماعداه » ، فهنالك الكثير من الروايات التي تعدّد علامات المؤمن مثلاً ، وليس الغرض منها إلاّ التأكيد على هذه الأُمور ، ولا يفهم منها نفي غيرها ، مثل قول الإمام زين العابدين عليه السلام : « علامات المؤمن خمس : الورع في الخلوة ، والصدقة في القلّة ، والصبر عند المصيبة ، والحلم عند الغضب ، والصدق عند الخوف »(1) ، وهناك روايات أُخرى تذكر علامات غيرها.

هذا ، وإنّ تأكيد الإمام العسكريّ عليه السلام على زيارة الأربعين لكي يتمسّك الشيعة بهذه الزيارة ، ولا يكتفوا في إحياء أمر الإمام الحسين عليه السلام بأيّام عاشوراء ، ولتبيين حقيقة مظلومية السبايا ، وأهمّية إحيائها.

وزيارة عاشوراء فضلها أبين من الشمس في رائعة النهار ، وقد ذكرها أهل البيت في مواطن أُخرى كثيرة.

( حسين الدرّازي - البحرين - .... )

لولاه لما بقي للدين أثر :

س : كيف يمكن أن نقول : لولا الإمام الحسين عليه السلام لما بقي لهذا الدين من أثر؟ أُريد شرحاً لهذه العبارة من كتب السنّة إذا وجد.

وهل الأئمّة الأطهار عليهم السلام من بعد الحسين عليه السلام لا يشكّلون دوراً كبيراً في

ص: 197


1- الخصال : 269.

الخلافة؟ شاكرين لكم هذا المجهود الطيّب في إحياء المذهب الجعفريّ.

ج : المراد من العبارة هو : أنّ الإمام الحسين عليه السلام قد أحيى أمر الدين بعد أن طمست أعلامه بيد الأمويّين ، فلولا نهضته عليه السلام لشوّهت بني أُمية وجه الدين ، بحيث لا يبقى له عين ولا أثر ، بعد مضي سنوات قليلة من حكمهم الجائر ، ألا ترى إلى معاوية يصلّي صلاة الجمعة يوم الأربعاء ، وقتله لخيرة أصحاب الإمام علي عليه السلام ، ووقوفه في وجه أمير المؤمنين عليه السلام ، وادعائه الخلافة لنفسه ، وتنصيبه يزيد خليفة مع ما فيه ، من جهره بالمنكرات والموبقات و .. ، أليس هذا كلّه مؤشّراً واضحاً في هذا المجال؟

ومن جانب آخر ، ترى أنّ الأُمّة الإسلامية أصبحت آنذاك في سبات ، تحتاج إلى من يوقظها ، ويكشف زيف حكّامها الظلمة ، ويخلع عنهم ثوب الرياء والتظاهر بالإسلام ، فكان هذا دور الإمام الحسين عليه السلام.

ثمّ إنّ هذه العبارة لا تنفي دور سائر الأئمّة عليهم السلام في حياتهم وسيرتهم بحفظ الدين ، بل كلّ ما في الأمر أنّ الظروف السياسية والاجتماعيّة قد فرضت وظائف لكلّ إمام يقوم بأدائها ، فمثلاً لو كان أيّهم عليهم السلام يعيش في زمن إمامة أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام لقام بنفس الدور ، ولو كان الإمام الحسين عليه السلام في زمن إي إمام آخر ما كان يفعل أكثر مما فعل ذلك الإمام ؛ لأنهم جميعاً عليهم السلام لم يألوا جهداً في حفظ الدين بحسب الظروف لكل إمام منهم.

( السادة - السعودية - .... )

قتلته شيعة آل أبي سفيان :

س : يتردّد من البعض : إنّ الذين قتلوا الحسين عليه السلام هم شيعة ، فهل هم شيعة كما يقال؟ أم أنّهم غير ذلك؟ وهل كانوا من أتباع أهل البيت ثمّ انحرفوا أم ماذا؟

ج : في الواقع هذه شبهة روّج إليها البعض ، ممّن في قلبه مرض ، طعناً منه

ص: 198

بالمذهب الشيعيّ ، من أنّ الشيعة هم الذين قتلوا الإمام الحسين عليه السلام! والواقع خلاف ذلك ، فإنّ الذين قتلوه عليه السلام هم شيعة آل أبي سفيان ، بدليل خطاب الإمام الحسين عليه السلام إليهم يوم عاشوراء : « ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون يوم المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى احسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون » (1).

ثمّ لم نجد أحداً من علماء الرجال أدرج أسماء هؤلاء الذين قتلوه عليه السلام - كأمثال عمر بن سعد ، وشبث بن ربعي ، وحصين بن نمير ، و .. - ضمن قوائم رجال الشيعة ، بل النصوص تدلّ على أنّهم من جمهور المسلمين.

وأمّا كونهم محكومين بأنّهم كانوا تحت إمرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لا يدلّ على أنّهم شيعة علي عليه السلام ، كما أنّه ليس كلّ من صلّى خلف علي أو قاتل في جيش علي هو شيعي بالضرورة ، لأنّ الإمام علي عليه السلام يعتبر الخليفة الرابع للمسلمين ، فالكلّ يقبله بهذا الاعتبار ، لا باعتبار أنّه معصوم ، وأنّه الخليفة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مباشرة.

وأمّا أنّهم كانوا ممّن أرسلوا إلى الإمام الحسين عليه السلام برسائل تدعوه للمجيء إلى الكوفة ، لا يدلّ أيضاً على أنّهم شيعته عليه السلام ، لأنّهم كانوا يتعاملون مع الإمام الحسين عليه السلام باعتباره صحابي ، وسبط الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وله أهلّية الخلافة والقيادة ، لا باعتبار أنّه إمام من الأئمّة الاثني عشر ، وأنّه معصوم ، وأنّه أحقّ بالخلافة من غيره.

مضافاً إلى هذا ، فإنّ مواقفهم من الإمام الحسين عليه السلام ومن معه يوم عاشوراء تدلّ على أنّهم ليسوا بشيعة له ، من قبيل منعهم الماء عليه ، فيخاطبهم برير الهمدانيّ بقوله : وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه ، وقد حيل بينه وبين ابنه. فقالوا : يا برير ، قد أكثرت الكلام فاكفف ، فواللّه ليعطش .

ص: 199


1- لواعج الأشجان : 185 ، تاريخ الأُمم والملوك 4 / 344 ، البداية والنهاية 8 / 203 ، مقتل الحسين لابن مخنف : 190 ، اللّهوف : 71 ، كشف الغمّة 2 / 262.

الحسين كما عطش من كان قبله(1) - يقصد عثمان بن عفّان -. فهل هذا جواب شيعيّ؟!

ثمّ إنّ الشيعة في الكوفة يمثّلون سبع سكّانها ، وهم 15 ألف شخص ، كما نقل التاريخ ، فقسم منهم زجّوا في السجون ، وقسم منهم اعدموا ، وقسم منهم سُفّروا إلى الموصل وخراسان ، وقسم منهم شُرّدوا ، وقسم منهم حيل بينهم وبين الإمام الحسين عليه السلام ، مثل بني غاضرة ، وقسم ضئيل منهم استطاعوا أن يصلوا إليه عليه السلام.

إذاً شيعة الكوفة لم تقتل الإمام الحسين عليه السلام ، وإنّما أهل الكوفة - من غير الشيعة - قتلوه عليه السلام بمختلف قوميّاتهم ومذاهبهم.

نعم ، هذا صحيح أنّ أكثر الشيعة في الكوفة ، لكن ليس أكثر الكوفة شيعية ، والدليل على أنّ الشيعة كانوا أقلّية في الكوفة ، هو عدّة قضايا :

منها : ما ذكرته بعض المصادر : من أنّ علياً لما تولّى الخلافة أراد أن يغيّر صلاة التراويح ، فضجّ الناس بوجهه في المسجد ، وقالوا : واسنّة عمراه(2).

ومنها : ما في الفقه الإسلاميّ ، إذا قيل هذا رأي كوفيّ ، فهو رأي حنفيّ لا رأي جعفريّ.

وللمزيد من الفائدة نذكر لكم نصّ كلام السيّد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة : « حاش لله أن يكون الذين قتلوه هم شيعته ، بل الذين قتلوه بعضهم أهل طمع لا يرجع إلى دين ، وبعضهم أجلاف أشرار ، وبعضهم اتبعوا رؤساءهم الذين قادهم حبّ الدنيا إلى قتاله ، ولم يكن فيهم من شيعته ومحبيه أحد.

أمّا شيعته المخلصون فكانوا له أنصاراً ، وما برحوا حتّى قتلوا دونه ، ونصروه بكلّ ما في جهدهم إلى آخر ساعة من حياتهم ، وكثير منهم لم

ص: 200


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 222 ، روضة الواعظين : 185 ، لواعج الأشجان : 111.
2- جواهر الكلام 13 / 140 و 21 / 337 ، الصحيح من السيرة 2 / 149.

يتمكّن من نصره ، أو لم يكن عالماً بأنّ الأمر سينتهي إلى ما انتهى إليه ، وبعضهم خاطر بنفسه وخرق الحصار الذي ضربه ابن زياد على الكوفة ، وجاء لنصره حتّى قتل معه ، أمّا أنّ أحداً من شيعته ومحبّيه قاتله فذلك لم يكن ، وهل يعتقد أحد أنّ شيعته الخلّص كانت لهم كثرة مفرطة؟ كلاّ ، فما زال أتباع الحقّ في كلّ زمان أقلّ قليل ، ويعلم ذلك بالعيان ، وبقوله تعالى : ( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (1) » (2).

ويمكن أن يقال : إنّ الشيعة من أهل الكوفة على قسمين :

1 - شيعة بالمعنى الأخصّ ، يعني يعتقدون بالتولّي والتبرّي ، وهؤلاء لم يكونوا في جيش عمر بن سعد ، الذي حارب الإمام الحسين عليه السلام ، بل إمّا استشهدوا معه عليه السلام ، أو كانوا في السجون ، أو وصلوا إلى كربلاء بعد شهادته عليه السلام.

2 - شيعة بالمعنى الأعمّ ، يعني يحبّون أهل البيت عليهم السلام ، ويعتقدون بالتولّي دون التبرّي ، ولا يرون أنّ الإمامة منصب إلهيّ وبالنصّ ، وهؤلاء كان منهم من بايع الإمام الحسين عليه السلام في أوّل الأمر ، ثمّ صار إلى جيش عمر بن سعد.

وكلّ ما ورد من روايات ونصوص تاريخية فيها توبيخ لأهل الكوفة ، فإنّما تحمل على الشيعة بالمعنى الأعمّ ، أي الذين كانوا يتشيّعون بلا رفض ، وبلا اعتقاد بالإمامة الإلهيّة ، وما إلى ذلك من أُصول التشيع.

( أبو محمّد بن العباس - البحرين - ... )

هل إبراهيم استجار به؟ :

س : يقول بعض أصحابنا من أهل السنّة : بأنّ نبيّنا إبراهيم عليه السلام عندما ألقي في النار استجار بالحسين عليه السلام قائلاً : « يا حسين » ، فجعل اللّه تعالى النار برداً

ص: 201


1- سبأ : 13.
2- أعيان الشيعة 1 / 585.

وسلاماً على إبراهيم عليه السلام ، ما صحّة هذه المقولة؟ جزيتم خيراً ، وزادكم علماً.

ج : لم نعثر على نصّ معتبر يدلّ على ما ذكرتموه ، نعم جاء في بعض الروايات : أنّ إبراهيم عليه السلام كان من دعائه عندما ألقي في النار : « اللّهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّا نجّيتني منها » ، فجعلها اللّه عليه برداً وسلاماً (1).

( زهرة عيسى - البحرين - .... )

طلبه من الشباب الإذن من أُمّهاتهم :

س : في حادثة عاشوراء ، لماذا كان الإمام عليه السلام يطلب من الشباب طلب الإذن من أُمّهاتهم للقتال؟ في حين كما نعرف أنّ الإمام عليه السلام هو وليّ أمر جميع المسلمين.

ج : لم نتحقّق حتّى الآن أنّ الطلب المذكور كان عامّاً ، وبالنسبة للجميع ، بل كلّ ما في الأمر أنّ التاريخ يشير إليه بالنسبة لبعضهم.

وعلى أيّ حال ، فلعلّ الأذن من الأُمّهات كان لتقدير دورهنّ في تربية هذه النماذج ، الذين كانوا على شرف نيل مرتبة الشهادة ، أو كان للتوديع بصيغة الأذن ، أو أُمور أُخرى خفيت علينا ، وإلاّ فإنّ الأذن والأمر الحقيقيّ كان ولا يزال للإمام المعصوم عليه السلام.

( مريم ساجواني - الإمارات - .... )

يتلو رأسه آية أم حسبت :

س : عندما حمل رأس الحسين عليه السلام على الرمح ، كان يرتّل آية من سورة الكهف ، لماذا اختار الإمام عليه السلام هذه الآية من سورة الكهف؟

ص: 202


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 287 ، روضة الواعظين : 272 ، تفسير الصافي 3 / 344 ، الأصفى في تفسير القرآن 2 / 786 ، تفسير نور الثقلين 3 / 438.

ج : الآية التي كان يتلوها رأس الإمام الحسين عليه السلام : ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) (1).

وإنّما تلا هذه الآية ، لأنّ تكلّم رأس بلا جسد أعجب ، كما قال الراوي : واللّه إنّ رأسك أعجب!

ويحتمل أن يكون في انتخاب هذه الآية إشارة خفية إلى الرجعة.

وكذلك يمكن لنا أن نفهم الربط بين أصحاب الكهف وعصرهم الذي عاشوا فيه وبين الإمام الحسين عليه السلام وأُمّته ، وكلّ هذه احتمالات يمكن لنا أن نوردها.

( رنا - الأردن - .... )

كيفية قتله :

س : أشكركم على ردّكم ، ولكن هل هناك مجال لمعرفة تفاصيل مقتل الإمام الحسين عليه السلام؟

ج : ورد في كتبنا أنّه في صباح اليوم العاشر ، وإتماماً للحجّة على أعدائه ، طلب الإمام الحسين عليه السلام من جيش يزيد أن ينصتوا إليه لكي يكلّمهم ، إلاّ أنّهم أبوا ذلك ، وعلا ضجيجهم ، وفي النهاية سكتوا ، فخطب فيهم معاتباً لهم على دعوتهم له وتخاذلهم عنه ، كما حدّثهم بما سيقع لهم بعد قتله على أيدي الظالمين ، من ولاة بني أُمية ، ممّا عُهد إليه من جدّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأبيه علي عليه السلام ، وهو ما تحقّق فعلاً ، وخصّ في ذلك عمر بن سعد الذي كان يزيد يمنّيه بجعله والياً على الري وجرجان ، بأنّ حلمه ذاك لن يتحقّق ، وأنّه سوف يقتل ويرفع رأسه على الرمح.

ثمّ إنّ الشيطان استحوذ على ابن سعد ، فوضع سهمه في كبد قوسه ، ثمّ رمى مخيّم الحسين عليه السلام ، وقال : اشهدوا أنّي أوّل من رمى ، فتبعه جنده يمطرون

ص: 203


1- الكهف : 9.

آل الرسول صلى اللّه عليه وآله بوابل من السهام.

عظم الموقف على الإمام الحسين عليه السلام ، ثمّ خاطب أصحابه : « قوموا رحمكم اللّه إلى الموت الذي لابدّ منه ، فإنّ هذه السهام رُسل القوم إليكم »(1) ، فلبّوا النداء وانطلقوا كالأسود يحاربون العدوّ ، واستمرت رحى الحرب تدور في ميدان كربلاء ، وأصحاب الحسين عليه السلام يتساقطون الواحد تلو الآخر ، وقد أرهقوا جيش العدوّ وأثخنوه بالجراح.

فتصايح رجال عمر بن سعد : لو استمرت الحرب بيننا لأتوا على آخرنا ، لنهجم عليهم مرّة واحدة ، ولنرشفهم بالنبال والحجارة.

لم يهدأ سعير المعركة ، وراح من بقي من أصحاب الحسين عليه السلام وأهل بيته يستشهدون الواحد تلو الآخر ، فاستشهد ولده علي الأكبر ، وأخوته ، وأبناء أخيه ، وابن أخته ، وآل عقيل وآل علي عليه السلام ، مجزّرين كالأضاحي وهم يتناثرون في أرض المعركة ، وكذا بدأ شلاّل الدم ينحدر على أرض كربلاء ، وصيحات العطش والرعب تتعالى من حناجر النساء والأطفال.

قال بعض الرواة : فواللّه ما رأيت مكثوراً قط ، قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جاشاً منه ، وإن كانت الرجال لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه ، فينكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيه الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم ، ولقد تكاملوا ثلاثين ألفاً ، فيهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر ، ثمّ يرجع عليه السلام إلى مركزه ، وهو يقول : « لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه ».

فلم يزل عليه السلام يقاتلهم حتّى حالوا بينه وبين رحله ، فصاح : « ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى احسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون »(2).

ص: 204


1- لواعج الأشجان : 136 ، اللّهوف : 60.
2- لواعج الأشجان : 185 ، تاريخ الأُمم والملوك 4 / 344 ، البداية والنهاية 8 / 203 ، مقتل الحسين لأبي مخنف : 190 ، اللّهوف : 71 ، كشف الغمّة 2 / 262.

فناداه شمر ( لعنه اللّه ) : ما تقول يا بن فاطمة.

فقال عليه السلام : « إنّي أقول أقاتلكم وتقاتلونني ، والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً »(1).

فقال شمر ( لعنه اللّه ) : لك ذلك يا ابن فاطمة. فقصدوه بالحرب ، فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه ، وهو في ذلك يطلب شربة من ماء فلا يجد ، حتّى أصابه اثنتان وسبعون جراحة ، فوقف يستريح ساعة ، وقد ضعف عن القتال ، فبينا هو واقف إذ أتاه حجر فوقع على جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته ، فأتاه سهم مسموم له ثلاث شعب ، فوقع على قلبه فقال عليه السلام : « بسم اللّه وباللّه وعلى ملّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ».

ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال : « إلهي أنت تعلم أنّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن بنت نبيّ غيره ».

ثمّ أخذ السهم فأخرجه من وراء ظهره ، فانبعث الدم كأنّه ميزاب ، فضعف عن القتال ووقف ، فكلّما أتاه رجل انصرف عنه كراهة أن يلقى اللّه بدمه ، حتّى جاءه رجل من كندة ، يقال له مالك بن اليسر ، فشتم الحسين عليه السلام ، وضربه على رأسه الشريف بالسيف ، فقطع البرنس ووصل السيف إلى رأسه ، فامتلأ البرنس دماً.

فاستدعى الحسين عليه السلام بخرقة ، فشدّ بها رأسه ، واستدعى بقلنسوة فلبسها واعتم ، فلبثوا هنيئة ، ثمّ عادوا إليه وأحاطوا به.

فخرج عبد اللّه بن الحسن بن علي عليهم السلام وهو غلام لم يراهق من عند النساء يشتد ، حتّى وقف إلى جنب الحسين عليه السلام ، فلحقته زينب بنت علي عليهما السلام لتحبسه ، فأبى وامتنع امتناعاً شديداً ، فقال : لا واللّه لا أفارق عمّي.

فأهوى بحر بن كعب - وقيل : حرملة بن كاهل - إلى الحسين عليه السلام بالسيف ،

ص: 205


1- مثير الأحزان : 55 ، لواعج الأشجان : 185 ، اللّهوف : 71.

فقال له الغلام : ويلك يا بن الخبيثة ، أتقتل عمّي؟ فضربه بالسيف فاتقاها الغلام بيده ، فأطنّها إلى الجلد ، فإذا هي معلّقة ، فنادى الغلام : يا أُمّاه ، فأخذه الحسين عليه السلام ، وضمّه إليه وقال : « يا ابن أخي أصبر على ما نزل بك ، واحتسب في ذلك الخير ، فإنّ اللّه سيلحقك بآبائك الصالحين ».

فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه ، وهو في حجر عمّه الحسين عليه السلام.

ثمّ إنّ شمر بن ذي الجوشن حمل على فسطاط الحسين فطعنه بالرمح ، ثمّ قال : عليّ بالنار أحرقه على من فيه ، فقال له الحسين عليه السلام : « يا ابن ذي الجوشن ، أنت الداعي بالنار لتحرق على أهلي أحرقك اللّه بالنار » ، وجاء شبث فوبّخه فاستحيا وانصرف.

قال الراوي : قال الحسين عليه السلام : « ابغوا لي ثوباً لا يرغب فيه ، أجعله تحت ثيابي لئلا أجرّد منه » ، فأتي بتبّان فقال : « لا ، ذاك لباس من ضربت عليه الذلّة » ، فأخذ ثوباً خلقاً فخرقه ، وجعله تحت ثيابه ، فلمّا قتل عليه السلام جرّدوه منه.

ولمّا أثخن الحسين عليه السلام بالجراح ، طعنه صالح بن وهب المريّ على خاصرته طعنة ، فسقط الحسين عليه السلام عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن ، وهو يقول : « بسم اللّه وباللّه ، وعلى ملّة رسول اللّه ».

فخرجت زينب عليها السلام من باب الفسطاط وهي تنادي : « وا أخاه واسيّداه ، وا أهل بيتاه ، ليت السماء أطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل ».

وصاح شمر بأصحابه : ما تنتظرون بالرجل ، فحملوا عليه من كلّ جانب ، فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى ، وضربه آخر على عاتقه المقدّس بالسيف ضربة كبا عليه السلام بها لوجهه ، وكان قد أعيا وجعل ينوء ويكب ، فطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته ، ثمّ انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره ،

ص: 206

ثمّ رماه سنان أيضاً بسهم فوقع في نحره ، فسقط عليه السلام ، وجلس قاعداً فنزع السهم من نحره ، وقرن كفّيه جميعاً ، فكلّما امتلأتا من دمائه خضّب بهما رأسه ولحيته ، وهو يقول : « هكذا ألقى اللّه مخضباً بدمي ، مغصوباً على حقّي ».

فقال عمر بن سعد لرجل عن يمينه : انزل ويحك إليه فأرحه ، فبدر إليه خولّي بن يزيد الأصبحي ليحتزّ رأسه فأرعد ، فنزل إليه سنان بن أنس النخعيّ ( لعنه اللّه ) فضربه بالسيف في حلقه الشريف ، وهو يقول : واللّه إنّي لأجتزّ رأسك ، وأعلم أنّك ابن رسول اللّه ، وخير الناس أباً وأُمّاً. ثمّ اجتزّ رأسه المقدّس المعظّم.

قال الراوي : فارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة فيها ريح حمراء ، لا ترى فيها عين ولا أثر ، حتّى ظنّ القوم أنّ العذاب قد جاءهم ، فلبثوا كذلك ساعة ، ثمّ انجلت عنهم.

ثمّ أقبلوا على سلب الحسين عليه السلام ، فأخذ قميصه إسحاق بن حوية الحضرمي فلبسه ، فصار أبرص وامتعط شعره.

وروي أنّه وجد في قميصه مائة وبضع عشرة ، ما بين رمية وطعنة سهم وضربة.

وأخذ سراويله عليه السلام بحر بن كعب التيميّ ، فروي أنّه صار زمناً مقعداً من رجليه ، وأخذ عمامته أخنس بن مرثد بن علقمة الحضرميّ ، وقيل جابر بن يزيد الأوديّ ، فاعتمّ بها فصار معتوها ، وأخذ نعليه الأسود بن خالد ، وأخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبيّ ، وقطع إصبعه عليه السلام مع الخاتم ، وأخذ قطيفة له عليه السلام كانت من خزّ قيس بن الأشعث ، وأخذ درعه البتراء عمر بن سعد ، فلمّا قتل عمر وهبها المختار لأبي عمرة قاتله ، وأخذ سيفه جميع بن الخلق الأوديّ.

ثمّ نادى عمر بن سعد في أصحابه من ينتدب للحسين فيواطئ الخيل ظهره

ص: 207

وصدره ، فانتدب منهم عشرة ، فداسوا الحسين عليه السلام بحوافر خيلهم حتّى رضّوا صدره وظهره(1).

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

( علي السهلاوي - البحرين - 22 سنة )

كسفت الشمس لقتله :

س : يقول أهل السنّة : إنّ الشمس لا تنكسف لموت بشر!! ويرون الحديث عن الرسول صلى اللّه عليه وآله ، هل هذا الحديث صحيح؟ بينما هناك روايات تؤكّد كسوف الشمس بقتل وشهادة سبط الرسول ، الإمام الحسين عليه السلام.

نرجو بيان ذلك وتوضيحه مع الأدلّة.

ج : الأحاديث الواردة عن طريق الخاصّة بالنسبة لكسوف الشمس في يوم عاشوراء ، هي في حدّ الاستفاضة ، وهذا المقدار يكفينا للتأكّد في هذا الموضوع.

وأمّا عن طريق العامّة فقد وردت روايات كثيرة تصرّح بهذا المطلب(2).

ولا غرابة في ذلك ، بل وفي ظهور بقية الآيات والعلائم السماوية والأرضية على ما في الأخبار الكثيرة الواردة في المقام.

ومجمل القول في حكمة ظهور هذه الخوارق : هو بيان الحقّ ، وإلقاء الحجّة البالغة على من أنكر ، أو تردّد في تمييز الحقّ عن الباطل ، والوقوف في وجه التمويه والتشويه الذي حصل آنذاك بواسطة الأعلام الأمويّ المزيّف بشأن العترة الطاهرة عليهم السلام عموماً ، والإمام الحسين عليه السلام خصوصاً ، وبهذا نعرف أنّ الكسوف المذكورة كان لإعلاء كلمة الحقّ ودحض الباطل.

ص: 208


1- اللّهوف : 79.
2- السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 337 ، مجمع الزوائد 9 / 197 ، المعجم الكبير 3 / 114 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 226 ، تهذيب الكمال 6 / 433 ، ينابيع المودّة 3 / 17.

ثمّ إنّ هذه الميزة لم تكن موجودة في قصّة إبراهيم عليه السلام ، فعليه أكّد النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأنّ الشمس لا تنكسف لموت بشر ، أي إنّ الكسوف لا يقع بدون هدف وغرض في ناموس الخلقة وعالم التكوين ، ولكن عندما يكون هناك هدف أسمى فسوف تظهر للناس العلائم والآيات الكونية ، تعبيراً عن إرادة اللّه تعالى ومشيته في خلقه ؛ كما هو الحال أيضاً في ظهور العلائم السماوية - من قبيل الخسوف والكسوف - قبيل ظهور صاحب العصر والزمان عليه السلام على ما في أخبار العامّة والخاصّة.

( البحرين. سنّي - 21 سنة - طالب جامعة )

الاهتمام بزيارته لا يلزم أفضليته على غيره :

س : إنّكم تؤمنون بأنّ الرسول أفضل الخلق ، ولكن لم نسمع منكم أحاديث قدسية تثني على قبره ، كما تثني على قبر الحسين وعلي!!

ولم نسمع أنّ قبر الرسول روضة من رياض الجنّة ، كما نسمع منكم وتعتقدون في قبر الحسين!!

ولم نسمع أنّ هناك حديث لديكم أنّ الملائكة والأنبياء عليهم السلام تستأذن اللّه تعالى لزيارة قبر النبيّ ، كما تفعل لزيارة قبر الحسين؟! إذاً الحسين أفضل من النبيّ؟!

ولم نسمع لديكم مقولة عن قبر الرسول ، كما هي مقولتكم الشهيرة :

يا صاحب القبّة البيضاء في النجف *** من زار قبرك واستشفى لديك شفي

زوروا أبا الحسن الهادي لعلّكم *** تحضون بالأجر والإقبال والزلف (1)

أم لأنّ أبا بكر وعمر تشرّفوا بأن تكون قبورهم بجوار قبر المصطفى لا يفصلها سوى أقل من متر ، ولذا لم نسمع منكم أنّ قبره صلى اللّه عليه وآله روضة من رياض الجنّة؟!

ص: 209


1- الغدير 4 / 88.

ج : ادعاؤك بأنّنا نفضّل الإمام الحسين عليه السلام على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لمجرد ذكر فضيلة له عليه السلام ، لم يقل به أحد منّا.

فمجرد الاهتمام بزيارة الحسين عليه السلام ، وأنّ قبره روضة من رياض الجنّة لا يلزم أفضليته على غيره ، أو عدم ثبوتها لغيره ، لأنّ ذلك لا يعني أنّه الأفضل مطلقاً ، ومن كلّ جهة حاشا وكلاّ.

نأخذ مثلاً على ذلك : أنّ موسى عليه السلام يسمّى كليم اللّه ، وعيسى عليه السلام روح اللّه ، وإبراهيم خليل اللّه ، هل عندما نثبت ذلك ننفي هذه الخصائص عن رسول اللّه؟ أو يلزم من ذلك أنّهم أفضل من النبيّ؟ فهذا لا يقول به عاقل ، ناهيك عن مسلم.

فالخصائص قد يختصّ بها شخص لحكمة ما ، أو لتكريم مناسب ومكافئ لفعل قام به ، أو لاشتهار بشيء يناسب ما يطلق عليه معها الحلم أو العلم أو اختصاص بزيارة ، فلا يدلّ ثبوت شيء ونفيها عن الغير ، على أفضليته مطلقاً على غيره.

فنردّ على ذلك الفهم من عدّة وجوه :

1 - نفي الملازمة بين هذه الفضيلة ، أو هذا الاهتمام بالزيارة للحسين عليه السلام ، وبين ما تدّعيه وتفهمه من لزوم ذلك لتفضيله على النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، وكما بينّا آنفاً بعدم لزوم ذلك سلب الأهمّية أو المنزلة عن غيره ، أو تفضيله بكلّ شيء ، فهذا الادعاء باطل.

2 - ما أُثبت من فضل لمرقد الحسين عليه السلام من أنّه روضة من رياض الجنّة ثبت نفسه للرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، بل ثبت ذلك لأئمّة آخرين ، أو لأماكن أُخرى ، مثل : الكعبة ، ومسجد الكوفة ، بل ولقبر كلّ مؤمن صالح ، فلم يكن ذلك من خصائص الحسين عليه السلام حتّى تنقض علينا ، وتزعم ما تزعم من أباطيل واستنتاجات.

ص: 210

فقد ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنّة »(1).

وورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أيضاً أنّه قال : « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة »(2).

وكذا وردت الروايات عن قبر الإمام الرضا عليه السلام ، وعن الكعبة المشرّفة ، وما بين الركن والمقام روضة من رياض الجنّة.

بل إنّ كلّ مؤمن صالح يكون قبره روضة من رياض الجنّة ، وكلّ كافر أو فاسق يكون قبره حفرة من حفر النيران ، فقد قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « القبر حفرة من حفر جهنّم ، أو روضة من رياض الجنّة »(3).

فكلّ مسلم يعتقد بأنّ المؤمن البسيط - أي غير المعصوم - يكون قبره روضة من رياض الجنّة ، فما بالك بإمام ابن إمام ، وابن رسول اللّه ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، وسيّد الشهداء؟!

ولكن مع الأسف الشديد لا تتحمّلون أيّ فضيلة لأحد من أهل البيت عليهم السلام ، وهذا الكلام ليس لهذا الموقف فقط ، ولكن أُنظر لابن تيمية وغيره ممّن

ص: 211


1- الكافي 4 / 553 ، تهذيب الأحكام 6 / 7 ، المصنّف للصنعانيّ 3 / 183 ، كنز العمّال 12 / 260 ، علل الدارقطنيّ 10 / 273.
2- من لا يحضره الفقيه 2 / 568 ، فتح الباري 3 / 55 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 413 ، مسند أبي يعلى 2 / 496 ، المعجم الأوسط 1 / 192 و 223 ، المعجم الكبير 12 / 227 ، كنز العمّال 12 / 260 ، علل الدارقطنيّ 8 / 222 ، تاريخ بغداد 11 / 228 ، تاريخ مدينة دمشق 22 / 177 و 40 / 37 و 49 / 118 ، أُسد الغابة 4 / 208 ، تهذيب الكمال 33 / 351 ، سير أعلام النبلاء 12 / 77 ، الإصابة 5 / 415 ، سبل الهدى والرشاد 9 / 265 و 12 / 349.
3- فيض القدير 5 / 570 ، الجامع الكبير 4 / 55 ، مجمع الزوائد 3 / 46 ، المعجم الأوسط 8 / 273 ، كنز العمّال 15 / 545 و 603 و 700 ، كشف الخفاء 2 / 90 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 496 ، البداية والنهاية 8 / 7 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 304.

يتصدّون للردّ على شيعة أهل البيت عليهم السلام ، كيف يجرّدون كلّ فضيلة عن معناها ، بل في بعض الأحيان يجعلونها بلا دلالة ، أو تطييباً للخاطر مداراة لعلي عليه السلام ، كما في قوله صلى اللّه عليه وآله : « ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي »(1) حيث أدّعي أنّ قوله هذا لا شيء سوى تطييباً للخاطر؟!

ص: 212


1- فضائل الصحابة : 13 ، شرح صحيح مسلم 15 / 174 ، مجمع الزوائد 9 / 109 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 161 ، مسند أبي داود : 29 ، المصنّف للصنعانيّ 5 / 406 و 11 / 226 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 496 و 8 / 562 ، مسند ابن راهويه 5 / 37 ، مسند سعد بن أبي وقّاص : 51 و 103 و 139 ، الآحاد والمثاني 5 / 172 ، كتاب السنّة : 551 و 586 و 595 و 610 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 44 و 108 و 113 و 120 و 125 و 144 ، خصائص أمير المؤمنين : 48 و 64 و 76 و 80 و 85 و 116 ، مسند أبي يعلى 1 / 286 و 2 / 66 و 86 و 99 و 132 و 12 / 310 ، أمالي المحامليّ : 209 و 251 ، صحيح ابن حبّان 15 / 16 و 371 , المعجم الصغير 2 / 22 و 54 ، المعجم الأوسط 2 / 126 و 3 / 139 و 4 / 296 و 5 / 287 و 6 / 77 و 83 و 7 / 311 و 8 / 40 ، المعجم الكبير 1 / 148 و 2 / 247 و 4 / 184 و 5 / 203 و 11 / 63 و 12 / 15 و 78 و 24 / 146 ، نظم درر السمطين : 107 ، موارد الظمآن : 543 ، كنز العمّال 5 / 724 و 9 / 167 و 11 / 599 و 603 و 13 / 106 و 158 و 163 و 192 و 16 / 186 ، فيض القدير 4 / 471 ، كشف الخفاء 2 / 382 ، شواهد التنزيل 1 / 192 و 2 / 35 ، الجامع لأحكام القرآن 1 / 266 و 7 / 277 ، الطبقات الكبرى 3 / 23 ، تاريخ بغداد 7 / 463 و 8 / 52 و 11 / 430 و 12 / 320 ، تاريخ مدينة دمشق 2 / 31 و 13 / 151 و 20 / 360 و 21 / 415 و 30 / 359 و 38 / 7 و 39 / 201 و 41 / 18 و 42 / 42 و 53 و 100 و 111 و 115 و 139 و 145 و 152 و 159 و 165 و 171 و 177 و 182 و 54 / 226 و 59 / 74 و 70 / 35 ، أُسد الغابة 4 / 27 ، تهذيب الكمال 20 / 483 و 25 / 423 و 32 / 482 و 35 / 263 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 10 ، سير أعلام النبلاء 1 / 361 و 7 / 362 و 12 / 214 و 14 / 210 و 15 / 42 ، تهذيب التهذيب 7 / 296 ، الإصابة 4 / 467 ، أنساب الأشراف : 94 ، و 106 ، البداية والنهاية 5 / 11 و 7 / 251 و 370 و 374 و 8 / 84 ، جواهر المطالب 1 / 58 و 171 و 197 و 212 و 296 ، سبل الهدى والرشاد 5 / 441 و 11 / 291 و 296 ، ينابيع المودّة 1 / 112 و 156 و 160 و 309 و 404 و 2 / 97 و 119 و 153 و 237 و 302 و 389 و 3 / 211 و 369 و 403.

( سنّي - .... - .... )

سبب البكاء عليه :

س : إلى مركز الأبحاث العقائدية : أرجو أن يكون الاستدلال عن طريق كتب أهل السنّة.

هذه كتب الشيعة تبيّن بجلاء : أنّ الذين زعموا تشييع الحسين ونصرته ، هم أنفسهم الذين قتلوه ، ثمّ ذرفوا عليه الدموع ، وتظاهروا بالبكاء ، ولو كان هذا البكاء يعكس شدّة المحبّة لأهل البيت ، فلماذا لا يكون البكاء من باب أولى على حمزة عمّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟ فإنّ الفظاعة التي قتل بها لا تقل عن الطريقة التي ارتكبت في حقّ الحسين ، حيث بقرت بطن حمزة وأخرجت كبده ، فلماذا لا يقيمون لموته مأتماً سنوياً؟ يلطمون فيه وجوههم ويمزّقون ثيابهم ، ويضربون أنفسهم بالسيوف والخناجر؟ أليس هذا من أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟

ج : إنّ لكلّ شيء غلوّاً وتجاوزاً للحدّ إلاّ شيء واحد لا يقع فيه الغلوّ ألا وهو حبّ اللّه تعالى ، فكلّما ازداد العبد حبّاً فيه كان ذلك قليلاً ، ولأنّ اللّه غير محدود ، فلا تقع في محبّته غلوّ مهما بلغت ، لأنّ صفة غير المحدود غير محدودة هذا أوّلاً.

وأهل البيت هم خاصّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأهله ، وهم قرناؤه وفي درجته ، وحبّنا لهم وللنبيّ صلى اللّه عليه وآله هو حبّ لله تعالى ، لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته فنوا في اللّه تعالى ، حتّى صارت إرادتهم خاضعة تماماً لإرادة اللّه ، فلأجل ذلك قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الحديث الصحيح لعلي بن أبي طالب عليه السلام : « لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق ، من أحبّك فقد أحبّني ، ومن أبغضك فقد ابغضني ، وحبيبي حبيب اللّه ، وبغيضي بغيض اللّه ، ويل لمن أبغضك بعدي »(1).

ص: 213


1- مسند أحمد 1 / 95 و 128 ، مجمع الزوائد 9 / 133 ، فتح الباري 1 / 60 و 7 / 58 ، شرح نهج البلاغة 13 / 251 ، تاريخ بغداد 8 / 416 و 14 / 426 ، أُسد الغابة 4 / 26 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 10.

وهم قرناء القرآن الكريم بحديث الثقلين ، الذي أورد فيه : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(1).

وهم نفس النبيّ الكريم صلى اللّه عليه وآله بنصّ آية المباهلة ، والحسن والحسين ابنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالأحاديث الصحيحة ، وفاطمة بضعة من الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، يؤذيه ما يؤذيها ، ويغضبه ما يغضبها ... الخ.

وأهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله هم : علي وفاطمة والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام كما في حديث أُمّ سلمة ، وكما صرّح علماء من السنّة بذلك ، ولا يدخل فيهم غيرهم ، فإذا كان هؤلاء أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهم عدل القرآن ، وهم العاصمان للناس من الانحراف ، ألا يحقّ للإنسان أن يتألّم ويتأذّى لما يجري على هذه العصبة المطهّرة؟!

لو أنّ شخصاً تعدّى على حرمة القرآن نتألّم ونحزن ونقيم الدنيا - وحقّ لنا ذلك - ، أفلا يحقّ لنا أن نتألّم على عدل القرآن؟ والمساوي له في الهداية والعصمة؟!

ص: 214


1- مسند أحمد 5 / 182 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 196 ، مسند ابن الجعد : 397 ، المنتخب من مسند الصنعانيّ : 108 ، ما روى في الحوض والكوثر : 88 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 45 و 130 ، مسند أبي يعلى 2 / 297 و 303 و 376 ، المعجم الصغير 1 / 131 ، المعجم الأوسط 3 / 373 ، المعجم الكبير 3 / 65 و 5 / 154 و 166 و 170 ، نظم درر السمطين : 231 ، الجامع الصغير 1 / 402 ، العهود المحمدية : 635 ، كنز العمّال 5 / 290 و 13 / 104 و 14 / 435 ، دفع شبه التشبيه : 103 ، شواهد التنزيل 2 / 42 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 123 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطنيّ 6 / 236 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 220 و 54 / 92 ، سير أعلام النبلاء 9 / 365 ، أنساب الأشراف : 111 ، البداية والنهاية 5 / 228 و 7 / 386 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 97 و 100 و 113 و 119 و 123 و 132 و 345 و 350 و 360 و 2 / 90 و 112 و 269 و 273 و 403 و 437 و 3 / 65 و 141 و 294 ، لسان العرب 4 / 538.

ألا يحقّ لنا أن نحزن ، لأنّ اللّه غضب في ذلك واسودّت سماؤه لأجل قتل العترة الطاهرة؟!

ألا يحقّ لنا أن نحزن مع فاطمة وأبيها عليهما السلام ، لأنّ ابنهما قطّعته سيوف بني أُمية ، ورضّت أضلعه الزكية بحوافر الخيل ، وقطّعت رأسه ، وأخذته إلى البغيّ عبيد اللّه بن زياد ثمّ إلى يزيد ، وضربت تلك الشفاه التي ما فارقت القرآن ولا الذكر ، وما فارقها تقبيل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، أكلّ هذا يجعلنا لا نتألّم؟ بل يريد صاحبنا أن نفرح وندقّ الطبول ، ونصوم فرحاً كما فعلته بنو أُمية؟!

وهذا ابن عباس يقول : رأيت رسول اللّه أشعث الرأس ، أغبر اللون في يوم عاشوراء ، أفلا نحزن نحن ، وهذا خاتم الأنبياء صلى اللّه عليه وآله ، حزن وتألّم لهذا اليوم؟!

إنّ الجزع أخي الكريم من أشكل به على عزاء الحسين ، والبكاء عليه غفل عنه ، وأخذه من دون فهم ، لأنّ الجزع يتضمّن في داخله ردّ الحكم الإلهيّ والقضاء الربّانيّ ، والتضجّر من القانون السماويّ ، ولذلك يكون معصية كبيرة ولو كان فاعله ملتفتاً إلى الملازمة التي فيه يكون كافراً - والعياذ باللّه - لكن من يقيم العزاء على الحسين عليه السلام لا يعترض على قضاء اللّه تعالى ، ولا يردّ حكمه فيه ، كما لم يردّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حينما بُلّغ بذلك ، وبكى لمّا علم من أمر ابنه ، وإنّما البكاء على تلك المظلومية وذلك العدوان ، فبينما نرى الطلقاء وأبناء الأدعياء أخذوا يلهجون بالنبوّة ، ويدّعون الخلِّة ، والحاكمية على الناس ، وأخذوا يستعبدون الأحرار ، ويقتلون الأخيار ، وأخذوا يحلّلون محارم اللّه ، من الزنا والقتل وشرب الخمر .. ، وإذ نرى في الطرف المقابل سيّد شباب أهل الجنّة ، وريحانة الرسول ، وابن فاطمة البتول ، وهو سيّد العترة في زمانه ، والمأمورين بالاقتداء به ، فضلاً عن محبّته واحترامه ، مقيم حدود القرآن ، ومحي السنّة ، والمنار الذي نصبته السماء .. ، بينما نرى الحسين عليه السلام صاحب هذه الصفات الفريدة الخاصّة يسير بأهله من مكّة المكرّمة ، ويصل أرض

ص: 215

كربلاء ، ويقتله الطلقاء أشنع قتله ، ويمثّل به ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « المثلة حرام حتّى بالكلب العقور » ، ويمنع الماء ، ويقتل حتّى أطفاله ، وتسبى نساؤه ، وتهتك حرمته التي حرّم اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، بينما نرى هذا كلّه ، وتريدنا أن نفرح أو نضرب الطبل ، أو نسكت فقط ونسترجع لا غير؟!!

أهذا الكلام يصدر ممّن اتبع سنّة الرسول؟ أم ممّن اتبع سنّة غيره؟! إنّه لا يصدر إلاّ ممّن أُشرب حبّ الأدعياء ، فهذا الذي بكاه النبيّ صلى اللّه عليه وآله كيف لا نبكي عليه؟!

ونبكيه لهذا الظلم والجور ، لا جزعاً وردّاً لحكم اللّه ... ونسترجع عليه لهذا الإجحاف ، وهذا الظلم الشنيع ، لا للاعتراض على اللّه ... ، نبكيه ونقول : لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، لا رادّ لحكمك ، ولا مبدّل لقضائك ، جلّت حكمتك ، وعظم سلطانك ، أنت العالم والحاكم ، لا تخفى عليك خافية ، ولا تحيف في قضائك ، أنت ربّ الحسين وسيّده ، وهو عبدك وابن أمتك ، اصطفيته على عبادك ، واخترته من بين مخلوقاتك ، وأنت العالم بما يجري ، والشاهد لما جرى ، وأنت ارحم الراحمين ، وأحسن الحاكمين.

ومن ذلك نفهم أنّ الحسين عليه السلام نبكيه ، لأنّه عدل القرآن ، والطريق المأمورين باتباعه ، وغصن الشجرة النبوية ، التي فاز من اقتدى بها ، وهو سيّد أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله في زمانه الذين لهم مرجعية الأُمّة.

وأمّا غيره فصحيح عابد شهيد صالح ، لكنّه ليس من تلك الشجرة النبوية التي أمرنا بالاقتداء بها ، وليس من أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله الذين هم عدل القرآن.

وليس هو أمان لأهل الأرض ، كما أنّ النجوم لأهل السماء ، وغير ذلك الكثير ، فلهذا كان لأهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله المخصوصين هذه الخصوصية ، وهذه المنزلة ، فلذلك صار الحسن والحسين عليهما السلام سيّدا شباب أهل الجنّة ، وغيرهم مهما كان ليس له هذا المقام ، لأنّ الشجرة النبوية تمثّلت فيهم ، ولأنّ الهداية الربّانية بالاقتفاء بهم.

ص: 216

أضف إلى ذلك : أنّا نتألّم على كلّ شهيد قدّم نفسه للإسلام ، ونتوجّع على الحمزة عليه السلام ، لأنّه قدّم نفسه للإسلام ، وقتل شهيداً ، ومثّل به ، لكنّه غير الحسين عليه السلام ، ولم يفعل به كما فعل بالحسين عليه السلام ، لأنّ الحسين منع الماء ، وقتل طفله الرضيع ، وسبيت نساؤه ، أمّا الحمزة فلم يفعل به ذلك.

والحسين أخذ رأسه إلى أبناء الأدعياء وأبناء الطلقاء ، والحمزة لم يفعل به ذلك.

الحسين داسته الخيل ، وهشّمت جسده الطاهر ، والحمزة لم يفعل به ذلك ، الحسين بكاه النبيّ صلى اللّه عليه وآله من حين ولادته ، وأخذ تربته وأعطاها لغيره ، والحمزة ليس له ذلك.

قال القندوزي الحنفي ، بعد أن ذكر الآيات التي ظهرت بعد مقتل الحسين عليه السلام ، من اسوداد السماء اسوداداً عجيباً ، وضرب الكواكب بعضها ببعض ، وما من حجر رفع إلاّ تحته دم ، ومطر السماء دماً ، وبكاء السماء وغير ذلك قال : « قال ابن الجوزيّ : وحكمته أنّ غضبنا يؤثر حمرة الوجه ، والحقّ منزّه عن الجسمية ، فأظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الأفق ، إظهاراً لعظم الجناية.

قال : وأنين العباس ببدر وهو أسير منع النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن النوم ، فكيف بأنين الحسين؟!

ولمّا أسلم وحشي قاتل حمزة ، قال له النبيّ صلى اللّه عليه وآله مغضباً : « غيّب وجهك عنّي ، فإنّي لا أُحبّ أن أرى من قتل الأحبّة ... » ، فكيف لا يغضب على من قتل الحسين ، وأمر بقتله ، وحمل أهله على أقتاب الجمال »؟! (1).

أمّا بالنسبة للقسم الأول من السؤال - آي ما يتعلّق بالشيعة وقتل الحسين عليه السلام - فقد تمت الإجابة عليه سابقاً فراجع. .

ص: 217


1- ينابيع المودّة 3 / 21.

( سنّي ........ )

أُخذ رأسه إلى الشام :

س : إلى مركز الأبحاث العقائدية : أرجو أن يكون الاستدلال عن طريق كتب أهل السنّة.

لم يثبت أنّ رأس الحسين أرسل إلى يزيد بالشام ، بل الصحيح أنّ الحسين قتل في كربلاء ، ورأسه أخذ إلى عبيد اللّه بن زياد في الكوفة ، فجعل في طست ، فجعل ينكت عليه ، وقال في حسنه شيئاً ، فقال أنس : إنّه كان أشبههم برسول اللّه.

فلا يعلم قبر الحسين ولا مكان رأسه.

ج : إنّ مسألة سبي نساء الإمام الحسين عليه السلام وأخذ رأسه إلى يزيد بن معاوية ، قد ذكره مجموعة من علماء أهل السنّة ، نذكر بعضهم :

1 - قال ابن حبّان : « ثمّ أنفذ عبيد اللّه بن زياد رأس الحسين بن علي إلى الشام ، مع أُسارى من النساء والصبيان من أهل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على أقتاب مكشّفات الوجوه والشعور ... ، ثمّ أُركب الأسارى من أهل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من النساء والصبيان على أقتاب يابسة مكشّفات الشعور ، وادخلوا دمشق كذلك ، فلمّا وضع الرأس بين يدي يزيد بن معاوية جعل ينقر ثنيته بقضيب كان في يده ، ويقول : ما أحسن ثناياه »! (1).

2 - قال ابن حجر الهيثميّ : « ولمّا أنزل ابن زياد رأس الحسين وأصحابه ، جهّزها مع سبايا آل الحسين إلى يزيد ، فلمّا وصلت إليه ، قيل : إنّه ترحّم عليه ، وتنكّر لابن زياد ، وأرسل برأسه وبقية بنيه إلى المدينة ».

وقال سبط ابن الجوزيّ وغيره : « المشهور أنّه جمع أهل الشام وجعل ينكت الرأس بالخيزران » (2).

ص: 218


1- الثقات 2 / 311.
2- الصواعق المحرقة 2 / 579.

فهنا سبط ابن الجوزيّ ينقل لنا الشهرة بين العلماء بأنّ رأس الحسين عليه السلام أرسل إلى يزيد الطليق ، وضربه يزيد بدرّته عليه لعنة اللّه.

3 - قال أبو الفداء : « ثمّ بعث - أي ابن زياد - بالرؤوس وبالنساء وبالأطفال إلى يزيد بن معاوية ، فوضع يزيد رأس الحسين بين يديه ، واستحضر النساء والأطفال »(1).

4 - وهاك الذهبيّ المتعصّب ، وهو يعترف بقتل يزيد للحسين عليه السلام وسبيه لأهل بيته ، قال : « وأبغضوه - يعني أهل المدينة ابغضوا يزيداً - لما جرى من قتل الحسين عليه السلام ، فإنّ الحسين كاتبه أهل الكوفة يحثّونه على القدوم ، فسار في سبعين فارساً من المدينة إلى الكوفة ، فلم يتمّ له الأمر ، وسار لقتاله نحو ألفي فارس ، فأحاطوا به ، فلم يفعل ينقاد لهم ولا يسلّم نفسه ، بل قاتل حتّى جاءه سهم في حلقه فسقط ، واحتزّوا رأسه ، ... ونفذوا أولاده وحرمه إلى يزيد وهو بدمشق »(2).

5 - قال ابن كثير : « وقد اختلف العلماء بعدها في رأس الحسين ، هل سيّره ابن زياد إلى الشام إلى يزيد أم لا؟ على قولين : والأظهر منها أنّه سيّره إليه ، وقد ورد في ذلك آثار كثيرة »(3).

6 - قال الهيثميّ : « أبى الحسين بن علي أن يستأسر ، فقاتلوه ، وقتلوا بنيه وأصحابه ، الذين قاتلوا معه بمكان يقال له الطفّ ، وانطلق بعلي بن حسين ، وفاطمة بنت الحسين ، وسكينة بنت الحسين إلى عبيد اللّه بن زياد ، وعلي يومئذ غلام قد بلغ ، فبعث بهم إلى يزيد بن معاوية ، فأمر بسكينة فجعلها خلف سريره ؛ لئلا ترى رأس أبيها وذوي قرابتها ، وعلي بن الحسين في غلّ ، فوضع رأسه فضرب على ثنيتي الحسين ، فقال :

ص: 219


1- المختصر في أخبار البشر 1 / 266.
2- دول الإسلام 1 / 54.
3- البداية والنهاية 8 / 209.

نفلق هاماً من رجال أحبّة *** إلينا وهم كانوا أعقّ وأظلما »(1)

( صلاح عبد المهديّ الجبوري - العراق - طالب علم ) لم يأخذ برأي أولاد مسلم في مسيره لكربلاء :

س : من خلال مطالعتي لكتاب مروج الذهب للمسعودي ، لفت نظري معنى في حادثة الطف ، وهي مسير الإمام الحسين من المدينة قاصداً كربلاء ، يقول المسعوديّ : إنّ الإمام الحسين عليه السلام في طريقه إلى كربلاء أراد أن يصرف نظره عن مواصلة المسير إليها ، ولكن أولاد مسلم بن عقيل قالوا له : يا عم ، إنّ أبانا قد قُتل ، وما فائدة رجوعنا إلى المدينة؟ فلنواصل مسيرنا إلى كربلاء.

ويقول المسعوديّ ما معناه : فعدل الإمام عن رأيه ، وواصل المسير إلى كربلاء.

فهل أنّ الإمام أخذ برأي الطفلين الصغيرين؟ وواصل مسيره إلى كربلاء؟ فأرجو الإجابة عن هذا السؤال ، ولكم جزيل الشكر ، ودمتم سالمين.

ج : إنّ الإمام الحسين عليه السلام خرج من مكّة وهو يعلم أنّه سيقتل ، وأنّه خارج بأمر اللّه تعالى ، وقد صرّح في أكثر من مرّة أنّه مقتول ، ولكن الإمام أجاب عن سبب خروجه بعدّة إجابات ، تختلف في ظاهرها باختلاف الأشخاص.

فما يذكر في كتب التاريخ من أنّ الإمام الحسين عليه السلام أراد الرجوع ناتج عن عدم الفهم الصحيح لأقوال الإمام عليه السلام ، ولعلّ ما ورد عن أبي مخنف : من أنّ بني عقيل اعترضوا الإمام عليه السلام ، وقالوا : لا واللّه لا نبرح حتّى ندرك ثأرنا أو تذوق ما ذاق أخونا ، فأجاب الإمام عليه السلام للناقلين خبر مقتل مسلم ، اللذين كانا يعارضان الإمام عليه السلام بمواصلة المسير بأنّه : « لا خير في العيش بعد هؤلاء »(2) يعني بني عقيل.

ص: 220


1- مجمع الزوائد 9 / 195.
2- مقتل الحسين لأبي مخنف : 78.

فلعلّ هذه الإجابة - على فرض صحّة صدورها من الإمام عليه السلام - هي التي أوهمت لدى السامعين ، أنّ السبب لمواصلة الإمام عليه السلام هو إصرار بني عقيل على المواصلة ، لكنّ السبب الحقيقيّ لخروج الإمام عليه السلام هو أمر اللّه بذلك.

( مؤيّد الشمّريّ. العراق - 26 سنة - بكالوريوس الهندسة الكهربائية )

أصحابه أفضل من أصحاب الإمام المنتظر :

س : ندعو لكم بالتسديد الموفّق ، ونرجو الإجابة عن السؤال التالي :

أيّ الأصحاب أفضل : أصحاب الحسين عليه السلام ، أم أصحاب الإمام الحجّة عليه السلام؟ مع الدليل العقليّ فقط.

نسأل اللّه أن تشملنا وإيّاكم شفاعة محمّد وآل محمّد.

ج : لا يمكن لأحد أن ينكر فضل وشرف أصحاب الإمام المنتظر عليه السلام ، إلاّ أنّ أصحابه عليه السلام موعودون بالنصر ، مع أنّ أصحاب الإمام الحسين عليه السلام كانوا موعودين بالقتل والإبادة الشاملة ، وهذا المعنى يقتضي تقدّمهم على أصحاب الإمام المنتظر.

مضافاً إلى أنّه قد روي : أنّ الإمام الحسين عليه السلام قال ليلة العاشر من المحرّم في مدح أصحابه أمام العقيلة زينب : « واللّه لقد بلوتهم ، فما وجدت بينهم إلاّ الأشوس الأقعس ، يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب أُمّه ».

وفي بعض الروايات : « إنّي لا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرُّ من أهل بيتي »(1) ، فالروايتان من أهمّ الأدلّة على أفضلية أصحاب الإمام الحسين عليه السلام على أصحاب الإمام المنتظر عليه السلام.

ص: 221


1- مقاتل الطالبيين : 74.

( أُمّ نور - البحرين - 30 سنة - طالبة حوزة )

أسباب عدم نصرته :

س : ما هي الأسباب التي أدّت إلى التخلّي عن نصرة الإمام الحسين عليه السلام؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : إنّ ما طلبت يحتاج إلى بحث موسّع كبير للإجابة عليه ، فهناك أسباب كثيرة ، تحتاج إلى شرح وشواهد ومؤيّدات وتحليلات ، ولكن يمكن أن نشير إلى عناوين بعض الأسباب فقط :

1 - الوضع العام في مدينة الكوفة كان ذا ألوان مختلفة من الشيعة الحقيقيّين ، وتوسّطاً بالخوارج ، إلى العثمانيين والأمويّين.

وليس صحيحاً ما غلب على الأسماع : أنّ الكوفة كانت كلّها من الشيعة ، فإنّ الموالين الحقيقيّين الذين يعرفون الإمام عليه السلام على حقيقته ، ووجوب طاعته كانوا نسبة قليلة منهم ، والنسبة الأكبر محبّين يفضّلونهم على الأمويّين وعلى عثمان مثلاً ، مع أنّهم يوالون أبا بكر وعمر ، فقد كانت هناك شريحة واسعة في الكوفة هي على عقائد العامّة ، قبل استيلاء معاوية على الحكم.

ثمّ هناك الناقمين على ظلم بني أُمية ، وإن لم يكونوا شيعة ، وأيضاً الخوارج ، فلم يخلص من هذه الفئات عندما جدّ الجدّ إلاّ القليل ، مع أنّ الكثير من تلك الفئات كتبت إلى الإمام الحسين عليه السلام تدعوه. فلم يكن الوعي الدينيّ عند الكوفيين في ذلك الوقت ، كما نعرفه اليوم عند الشيعة الإمامية ، بالنسبة لمكانة ومعرفة حقّ الإمام عليه السلام المفروض الطاعة ، وذلك نتيجة ما عمله الخلفاء قبل علي عليه السلام من تشويه لمبدأ الإمامة خاصّة ، ومبادئ الإسلام عامّة.

2 - إنّ مواقع القوّة والنفوذ كانت بيد غير الشيعة الموالين للأئمّة عليهم السلام ، نتيجة لحكم معاوية الذي استمر عشرون سنة ، وهذا طبيعي في الحكومات المستبدّة ، فكان أصحاب المال والقادة ورؤساء العشائر وغيرهم يوالي أكثرهم الحكومة الأمويّة ، فإنّ مناصبهم وأطماعهم متعلّقة بالحكومة.

ص: 222

3 - الإرهاب والقمع الشديد الذي مارسه ابن زياد ، فإنّه اتبع أسلوب الترغيب والترهيب ، فرغّب ضعفاء النفوس بزيادة العطاء ، واستمال رؤساء العشائر بالمناصب والقيادة ، وبالمقابل قمع من كان صلباً في عقيدته ، فألقى عليهم القبض وزجّهم في السجون ، وكثير منهم لمّا خرجوا قاموا بحركة التوّابين ، المتمثّلة بسليمان بن صرد الخزاعي وأتباعه.

وأمّا رؤساء العشائر الموالين فقد غدر بمن غدر ، وسجن من سجن ، ونحن نعرف أنّ الذي يحرّك الناس نحو الهدف الصحيح ويجمعهم ، هم الرجال أصحاب المكانة والنفوذ ، فإذا غيّبوا انفرط عقد الناس ، خاصّة في مجتمع قبلي يكون ولاء الناس للقبيلة ورئيسها ، ويكونون معه في أيّ جهة كان ، فقد كانت ولاءات رؤساء العشائر مقسّمة بين الأمويّين والعلويّين ، فاستعان ابن زياد بمن والاه من رؤوس العشائر للقضاء على من خالفه ، فكلّ قبيلة فقدت رئيسها وذو الكلمة فيها ضعفت عن أخذ المبادرة ، وانفرط عقدها وتشتتت.

هذا مع ملاحظة ما كان يبثّه أعوان ابن زياد من التهديد والوعيد والإرهاب ، والقبض على المخالفين ، وبثّ الجواسيس والعيون ، وجعل الأرصاد على مداخل الكوفة ، وتهديدهم بجيش الشام ، ففي مثل هذا الوضع يسقط ما في يد الرجل المستضعف المنفرد ، ولا يقوى على التحرّك والصمود إلاّ الأوحدي.

4 - إنّ من لا يكون له حريجة في الدين يفعل أيّ شيء ، ويستعمل أيّ وسيلة للوصول إلى غايته ، ويأخذ الناس بالظنّ والتهمة ، ويأخذ الآخرين بجريرة غيرهم ، فينتشر الرعب بسرعة ، وتثبط عزيمة الناس ، وهذا دأب كلّ الطغاة.

أمّا أصحاب الدين والمبادئ فلا يمكنهم أن يستعملوا هذه الأساليب ، فيتوقّفون ويتأمّلون في كلّ حركة ؛ لمعرفة كونها موافقة للدين أو مخالفة ، ولذا يكون عملهم بصورة عامّة ، وأقلّ مبادرة من عمل الطغاة ، وغير الملتزمين بالدين ، فإنّك ترى في بعض الأحيان تدبير جيّد يمكن النجاح فيه ، ولكن لا يفعله المؤمنين خوفاً من اللّه ، فيستغلّ المقابل هذا التوقّف لصالحه ، فمثلاً لم

ص: 223

يقتل مسلمُ ابنَ زياد غدراً ، ولكن قتل ابنُ زياد هانئ غدراً.

وكذا لم يهدّد أو يقتل أصحاب مسلم عندما كانوا مسيطرين على الكوفة مخالفيهم ، حتّى إنّهم بقوا آمنين أحراراً يكيدون لمسلم ، بينما أخذ ابن زياد يقتل على الظنّ والتهمة ، ويهدّد بهدم الدور وقطع الأرزاق ، فإنّ مثل هذه الحالة تظهر الطغاة كأنّهم مسيطرين على البلد ولهم الكثرة ، وتجعل المؤمنين كأنّهم قلّة خائفين ، وهذه قاعدة عامّة في كلّ المجتمعات ، وفي كلّ الأوقات ، وفي مثل هذه الحالات تتجلّى مواقف الرجال والمؤمنين ، وقوّة شخصيّتهم.

5 - هناك حالة تصيب المجتمعات وتعتبر مرضاً عامّاً لكلّ الحركات الرسالية المبدأية ، وهي أنّه بعد فترة من ظهور الحركة ، سوف تضعف نفوس المعتنقين لمبادئ هذه الحركة ، ويلجؤون إلى الدعة والراحة ، وطلب الدنيا وملذّات الحياة ، وهو ناتج عن طبيعة النفس البشرية المحبّة للشهوات والكارهة للتضحية.

وهذه الحالة المرضية يسمّيها الشهيد الصدر بمرض ضعف الإرادة وخورها ، أي أنّهم لا يملكون الإرادة للتحرّك والفعل العملي ، مع كونهم يرغبون بذلك في قلوبهم ، إذ إنّهم لازالوا مؤمنين بالمبادئ التي قامت عليها حركتهم ، ويعلمون أنّ الحقّ معها ، وأنّ التحرّك والثورة هو الطريق الصحيح ، ولكن يخافون التحرّك الفعليّ الواقعيّ ، فيكون هناك ازدواج في الشخصية عندهم ، من جهة كونهم لا زالوا يعرفون الحقّ ، ومن جهة ليس لهم إرادة فاعلة للتحرّك ، وأصابهم ما يشبه التخدير والخوف من التضحية ، والهرب من الموت ، والركون إلى الدنيا ، والتوكّل على الآخرين ، فقد فسدت نفوسهم وضمائرهم ، مع أنّ عقلهم لازال يميّز الحقّ.

هذه الحالة نجدها تنطبق على مجتمع الكوفة والمجتمع الإسلامي عامّة ، في عصر الإمام الحسين عليه السلام ، فقد أفسد معاوية طوال سنيّ حكمه ضمائر الناس ، أي جانب الإرادة والفاعلية بما اتخذه من سياسات ، إذ تربّى الناس على أنّ الفوز بالمناصب والأموال يكون مع معاوية ، وأنّ الحرمان والقتل يكون مع

ص: 224

مخالفيه ، وانقسموا قسمين : قسم باعوا ضمائرهم بالمال وحبّ الدنيا ، وآخرين ماتت ضمائرهم خوفاً من القتل والتضحية ، فاحتاجوا إلى حركة وتضحية كبرى تهزّ نفوسهم وضمائرهم وتوقظها من هذا السبات ، وتشفيها من هذا المرض الوبيل ، الذي أصاب الأُمّة ، فقام الإمام الحسين عليه السلام بهذه الحركة والتضحية.

هذا ما وسع المجال بذكره ، وهناك أسباب أُخرى ، ونعود ونقول : إنّ الأمر يحتاج إلى دراسة موضوعية.

( علي - البحرين - 29 سنة - بكالوريوس )

مواساة الأنبياء له :

س : أُودّ أن أستفسر عن هذه القصص ، حيث إنّها نشرت في إحدى النشرات في ليلة أربعين الإمام الحسين عليه السلام ، وهذه النشرات من التي تشجّع وتحثّ الشباب على التطبير - ضرب القامة -!! وإذا كانت صحيحة ، لماذا يفعل اللّه هذا بأنبيائه؟

لماذا يعذّبهم لذنب لم يقترفوه؟ هل اللّه غير عادل؟ حيث إنّ هذا ما توضّحه هذه القصص ، واليكم القصص كما نزلت :

أنبياء اللّه عليهم السلام سبقونا ، وأسالوا دماءهم مواساة للإمام الحسين عليه السلام في بدء الخليقة ، حيث لم يكن أحد من بني الإنسان إلاّ آدم وحوّاء عليهما السلام ، وصل أبونا آدم ذات مرّة إلى أرض تقع إلى جانب الفرات ، فبلغ موضعاً ، فهناك عثر بصخرة ، حتّى سال الدم من رجله! فرفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي هل حدث منّي ذنب آخر فتعاقبني به؟ فأوحى اللّه إليه : يا آدم ما حدث منك ذنب ، ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلماً ، فسال دمك موافقة لدمه.

إذاً قد سال دم آدم بأمر اللّه تعالى مواساة للحسين!

وإذ هو راكب على جواده مرّ خليل اللّه إبراهيم عليه السلام بتلك الصحراء ، فعثرت به وسقط إبراهيم وشجّ رأسه وسال دمه ، فأخذ بالاستغفار وقال : إلهي أيّ شيء

ص: 225

حدث منّي؟ فنزل إليه جبرائيل وقال : يا إبراهيم ما حدث منك ذنب ، ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء ، وابن خاتم الأوصياء ، فسال دمك موافقة لدمه.

واتفق ذات يوم من زمان قديم أن سار كليم اللّه موسى مع وصيّه يوشع بن نون عليهما السلام ، فلمّا جاء إلى أرض كربلاء ، انخرق نعله ، وانقطع شراكه ، ودخل الحسك في رجليه ، وسال دمه! فقال : إلهي أيّ شيء حدث منّي؟ فأوحي إليه : إن هنا يقتل الحسين ، وهنا يسفك دمه ، فسال دمك موافقة لدمه.

فقال : ربّ ومن يكون الحسين؟ فقيل له : هو سبط محمّد المصطفى ، وابن علي المرتضى ، فقال : ومن يكون قاتله؟ فقيل : هو لعين السمك في البحار ، والوحوش في القفار ، والطير في الهواء.

فرفع موسى عليه السلام يديه ولعن يزيد ودعا عليه ، وأمّن يوشع بن نون على دعائه ، ومضى لشأنه.

ج : قد ذكرت تلك القصص في بحار الأنوار من دون ذكر السند (1) ، وقد صرّح في أحدها بأنّ الخبر مرسلاً ، ولو فرض صحّة تلك القصص فإنّ دلالتها لا تقدح في عدل اللّه تعالى ، فإنّ الحاصل للأنبياء عليهم السلام ما هي إلاّ مصيبة من المصائب الصغيرة لرفع درجاتهم ، وتحصيل الثواب على حصول ذلك ، وهم عليهم السلام أكثر استعداداً وقدرة على تحمّل مصائب أعظم ممّا ذُكر ، وجميع المصائب الواقعة على الأنبياء عليهم السلام يعوّضون عليها من الجزاء ورفع الدرجات أضعاف مضاعفة ، والأنبياء عليهم السلام هم من أكثر الناس استعداداً لتحمّل المصائب ، وهم راضين بما يجري عليهم.

ثمّ إنّ في بعض الابتلاءات للأنبياء امتحان لهم ، كما في قضية ذبح إبراهيم لولده إسماعيل عليهما السلام ، وفي بعضها تعليم لهم ، فضلاً عن الثواب ورفع الدرجات ، الذي أشرنا إليه سابقاً.

وأهمّية استشهاد الحسين عليه السلام ومحوريتها وتأثيرها في المسار العام للدين الإلهيّ .

ص: 226


1- بحار الأنوار 44 / 242.

تأهّلها لأن تكون غاية لمعرفة الأنبياء لها ، ومعرفة تفاصيلها ، ومقام الحسين عليه السلام وأصحابه ومقام شيعته والباكين عليه ، فليس بدعاً أن يكون الأنبياء مواسين للحسين في مصيبته ، ولكن لابدّ للعلم بقصّة الاستشهاد من طريقة ، ولابدّ للمواساة من طريقة ، وقد جاءت بهذا الشكل في هذه الروايات ، هذا طبعاً إن ثبتت صحّتها.

( أبو عبد العزيز - سنّي - الجزائر - 33 سنة - دكتوراه )

الأقوال في مكان دفن رأسه :

س : سؤالي يتعلّق بموقع رأس الحسين بعد أن قطع عن جسده الشريف ، وأخذ ليعرض لعدوّ اللّه والأُمّة ، السفّاح يزيد بن معاوية في دمشق؟

ج : لقد اختلفت الروايات والأقوال في ذلك إلى سبعة أقوال ، بل ثمانية كما سيأتي بيانها ، ولمّا كان القطع واليقين محالاً في بعضها ، وإن ذهب إلى القول بذلك بعض الأعلام - كما سيأتي بيانه - غير أنّ أقربها للقبول والمعقول هو ما اشتهر عند العلماء من الفريقين الشيعة والسنّة ، بأنّه أُعيد إلى جثّته عليه السلام بعد أربعين يوماً ، وهذا الاتفاق يوحي باطمئنان الرجحان في ذلك.

والآن نبيّن الأقوال ، ونستعرض أسماء القائلين بها تنويراً لكم :

القول الأوّل : إنّه مدفون بكربلاء عند جثّته الطاهرة ، أُعيد إليها بعد أربعين يوماً ، ذهب إلى ذلك من أعلام الفريقين :

1 - هشام بن محمّد بن السائب الكلبيّ ، حكى ذلك عنه السبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص (1) وغيره.

2 - السيّد المرتضى ، حكى ذلك عنه كلّ من الطبرسيّ في « أعلام الورى » ، وابن شهر آشوب في « المناقب » (2).

ص: 227


1- تذكرة الخواص 2 / 206 ط المجمع العالمي لأهل البيت.
2- إعلام الورى 1 / 477 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 231.

3 - الشيخ الطوسيّ ، حكى ذلك عنه ابن شهر آشوب في « المناقب » ، وقال عنه أنّه قال : ومنه زيارة الأربعين(1).

4 - الحافظ ابن شهر آشوب ، ذكر ذلك في « المناقب » كما أشرنا إليها آنفاً.

5 - الفتّال النيسابوريّ ، ذكر ذلك في « روضة الواعظين »(2).

6 - الشيخ الطبرسيّ ، ذكر ذلك في « أعلام الورى » كما أشرنا إليه آنفاً.

7 - ابن نما الحلّيّ في « مثير الأحزان » ، حيث قال : « والذي عليه المعوّل من الأقوال أنّه أُعيد إلى الجسد ، بعد أن طيف به في البلاد ودفن معه »(3).

8 - العلاّمة المجلسيّ في « بحار الأنوار » ، حيث قال : « والمشهور بين علمائنا الإمامية أنّه دفن رأسه مع جسده ، ردّه علي بن الحسين عليهما السلام »(4).

9 - القزويني في « عجائب المخلوقات » ، حيث قال : « في العشرين من صفر ردّ رأس الحسين عليه السلام إلى جثّته ».

10 - ابن حجر الهيثميّ في شرحه همزية البوصيريّ ، حيث قال : « أُعيد رأس الحسين بعد أربعين يوماً من مقتله ».

11 - المنّاويّ في « الكواكب الدرّية » ، حيث نقل اتفاق الإمامية على أنّه أُعيد إلى كربلاء ، ولم يعقّب بشيء ، وحكى ترجيحه عن القرطبي ، ونسب إلى بعض أهل الكشف أنّه حصل له اطلاع على أنّه أُعيد إلى كربلاء(5).

12 - الشيخ الشبراويّ في « الإتحاف بحبّ الأشراف » ، قيل : إنّه أُعيد إلى جثّته بعد أربعين يوماً(6).

ص: 228


1- مناقب آل أبي طالب 3 / 231.
2- روضة الواعظين : 192.
3- مثير الأحزان : 85.
4- بحار الأنوار 45 / 145.
5- الآثار الباقية : 294.
6- الكافي 4 / 571 ، تهذيب الأحكام 6 / 35.

13 - وأخيراً : قال أبو الريحان البيرونيّ : « وفي العشرين - أي من صفر - رُدّ رأس الحسين إلى جثّته حتّى دفن مع جثّته »(1).

فهذا القول هو الراجح والأولى بالقبول ، لاتفاق كثير من أعلام الفحول من الفريقين ، الدالّ على القبول حسب النقول.

القول الثاني : إنّه عند أبيه بالنجف ، لورود أخبار بذلك وردت في الكافي والتهذيب وغيرهما ، لا تخلو بعض أسانيدها من المناقشة.

القول الثالث : إنّه مدفون بظهر الكوفة دون قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، كما في خبر عن الإمام الصادق عليه السلام رواه الكلينيّ في الكافي.

وهذان القولان من مختصّات الإمامية ، ولم يقل بها أحد من غيرهم.

القول الرابع : إنّه دفن بالمدينة عند قبر أُمّه فاطمة عليها السلام ، قال به ابن سعد في « الطبقات »(2) ، وقال به غيره.

القول الخامس : إنّه بدمشق بباب الفراديس ، حكاه سبط ابن الجوزيّ عن ابن أبي الدنيا ، وكذا ذكر البلاذريّ في تاريخه ، وكذا الواقديّ(3).

القول السادس : إنّه بمسجد الرقّة على الفرات بالمدينة المشهورة ، حكاه السبط أيضاً عن عبد اللّه بن عمر الورّاق(4).

القول السابع : إنّه بمصر ، نقله الفاطميون من باب الفراديس إلى عسقلان ، ثمّ نقلوه إلى القاهرة ، وله فيها مشهد عظيم يزار ، نقله سبط ابن الجوزيّ(5).

القول الثامن : إنّه في حلب ، أشار إليه ابن تيمية في رسالته جواباً عن سؤال عن رأس الحسين عليه السلام ، وهي مطبوعة حقّقها وطبعها محبّ الدين الخطيب ،

ص: 229


1- الكافي 4 / 571.
2- الطبقات الكبرى 5 / 238.
3- لواعج الأشجان : 248.
4- المصدر السابق : 249.
5- نفس المصدر السابق.

وقد تجاوز الحدّ في سوء الأدب مع الحسين عليه السلام حتّى علا وغلا على صاحب الرسالة في حماه المسعورة.

وقد ساق ابن تيمية سبعة وجوه في نفي أن يكون الرأس مدفوناً بالقاهرة ، متحاملاً فيها على من يقول بها ، ولم تخل الرسالة متناً وهامشاً من تعريض وتصريح بالحسين ونهضته ، ودفاع عن يزيد وجريمته ، ولا يستنكر اللؤم من معدنه ، فجزى اللّه كلاّ على نيّته ، وحشره مع من يتولاّه ، إنّه سميع مجيب.

ولنختم الجواب بما قاله السبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص : « وفي الجملة ، ففي أيّ مكان كان رأسه أو جسده فهو ساكن في القلوب والضمائر ، قاطن في الأسرار والخواطر ، أنشدنا بعض أشياخنا في هذا المعنى :

لا تطلبوا المولى الحسين *** بأرض شرق أو بغرب

ودعوا الجميع وعرّجوا *** نحوي فمشهده بقلبي »(1)

ونضيف نحن قول ابن الورديّ في تاريخه :

أرأس السبط ينقل والسبايا *** يطاف بها وفوق الأرض رأس

وما لي غير هذا السبي ذخر *** وما لي غير هذا الرأس رأس(2)

( علي مبارك - الكويت - 19 سنة - طالب جامعة )

رضاعه من إبهام النبيّ :

س : سؤالي هو حول الإرضاع : فهل رواية الإرضاع عن طريق مصّ الأصابع صحيحة؟

إن كانت كذلك ، فكيف الردّ على الوهّابية الذين حين يعايرهم الشيعة

ص: 230


1- تذكرة الخواص : 2 / 209 ط المجمع العالمي لأهل البيت.
2- تاريخ ابن الوردي 1 / 165.

بإرضاع الكبير ، يردّون بأنّ الشيعة يقولون بإرضاع الرجال لبعضهم؟ ودمتم مباركين وبصحّة وعافية.

ج : ليس في المصادر الفقهية والحديثية وحتّى كتب السيرة عند المسلمين ما يوحي بأنّ الرضاع يكون من مصّ الأصابع.

نعم هناك رواية واحدة فيها كرامة للرسول صلى اللّه عليه وآله اختصّ بها ولده الحسين عليه السلام ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « لم يرضع الحسين من فاطمة عليها السلام ولا من أنثى ، كان يؤتى به النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فيضع إبهامه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه اليومين والثلاثة ، فنبت لحم الحسين عليه السلام من لحم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ودمه »(1).

وهذه الرواية إن صحّت سنداً فلها معارض أكثر استفاضة ، وهو رؤيا أُمّ الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب : « أنّ بعض جسد النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حجرها ، فأوّلها صلى اللّه عليه وآله بالحسين يكون في حجرها »(2).

ومهما يكن نصيب الرواية من الصحّة ، فلا مانع من الجمع بينها وبين رواية أُمّ الفضل ، على أنّه كان في حجرها تربّيه وليست ترضعه ، وبالتالي تبقى كرامة خاصّة بالحسين عليه السلام.

وثمّة كرامة أُخرى لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله جرت له مع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عند ولادته ، فقد ذكر الحلبي فقال : « وفي خصائص العشرة للزمخشري : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله تولّى تسميته بعلي ، وتغذيته أيّاماً من ريقه المبارك بمصّه لسانه ، فعن فاطمة بنت أسد أُمّ علي ( رضي اللّه عنها ) أنّها قالت : لمّا ولدته سمّاه علياً ، وبصق في فيه ، ثمّ إنّه ألقمه لسانه ، فما زال يمصّه حتّى نام ، قالت : فلمّا كان من الغد طلبنا له مرضعة ، فلم يقبل ثدي أحد ، فدعونا له محمّداً صلى اللّه عليه وآله فألقمه لسانه فنام ، فكان كذلك ما شاء اللّه »(3).

ص: 231


1- الكافي 1 / 465.
2- تاريخ مدينة دمشق 14 / 114.
3- السيرة الحلبية 1 / 382.

فهاتان كرامتان للنبيّ صلى اللّه عليه وآله خصّ بها هذين الإمامين علي والحسين عليهما السلام فقط ، وهما - بناءً على صحّتها ، ولا مانع من قبولهما عقلاً ونقلاً - لا ينشران الحرمة كما تخيّلها من يعيّركم بذلك في إرضاع الكبير ، وذلك أنّ الفقهاء من جميع المذاهب ذكروا للرضاع المحرّم شروطاً كمّاً وكيفاً ، وهي غير متوفّرة في المقام.

ثمّ إنّ جميع فقهاء المذاهب ذكروا بعدم تأثير إرضاع الرجل - لو تمّ - في نشر الحرمة ، واليك بعض ما قالوه :

1 - واتفقوا على أنّ الرجل لو درّ له لبن ، فأرضع منه طفلاً لم يثبت به تحريم (1).

2 - ولو بأشر الرجل الإرضاع ، بأن نزل اللبن من ثدييه ، فأرضع صبيين لا تثبت الأخوّة بينهما ... (2).

وللمطارفة والمفاكهة سل ممّن يعيّركم في مسألة الإرضاع ، ما رأيه في نشر الحرمة من رضاع البهيمة ، كما قال به البخاريّ صاحب الصحيح ، والذي هو أصحّ كتاب بعد كتاب اللّه عندهم ، وبسبب هذه الفتيا الشاذّة أخرجوه من بخارا ، واليك نصّ ما قاله السرخسي الحنفي في كتابه المبسوط ، قال : « ولو أُرضع الصبيان من بهيمة لم يكن ذلك رضاعاً ، وكان بمنزلة طعام أكلاه من إناء واحد.

ومحمّد بن إسماعيل صاحب الأخبار يقول : يثبت به حرمة الرضاع ، فإنّه دخل بخارا في زمن الشيخ الإمام أبي حفص وجعل يفتي ، فقال له الشيخ : لا تفعل فلست هناك ، فأبى أن يقبل نصحه ، حتّى استفتي عن هذه المسألة : إذا أرضع صبيان بلبن شاة ، فأفتى بثبوت الحرمة ، فاجتمعوا وأخرجوه من .

ص: 232


1- رحمة الأمّة : كتاب الرضاع.
2- المبسوط 30 / 293.

بخارا بسبب هذه الفتوى » (1).

وكرّر السرخيّ في المبسوط ذكر هذه الفتوى الشاذّة من البخاريّ : « ولو أنّ صبيين شربا من لبن شاة أو بقرة لم تثبت به حرمة الرضاع ، لأنّ الرضاع معتبر بالنسب ، وكما لا يتحقّق النسب بين آدميّ وبين البهائم فكذلك لا تثبت حرمة الرضاع بشرب لبن البهائم ، وكان محمّد بن إسماعيل البخاريّ صاحب التاريخ يقول : تثبت الحرمة. وهذه المسألة كانت سبب إخراجه من بخارا ، فإنّه قدم بخارا في زمن أبي حفص الكبير ، وجعل يفتي ، فنهاه أبو حفص وقال : لست بأهل له. فلم ينته حتّى سئل عن هذه المسألة فأفتى بالحرمة ، فاجتمع الناس وأخرجوه » (2).

ويبدو من بعض كتب الفقه عند الحنابلة : إنّ هناك من شذّ - كالبخاريّ - فقال بالحرمة ، فقد جاء في كتاب الإنصاف : « فلو ارتضع طفلان من بهيمة أو رجل ، أو خنثى مشكل ، لم ينشر الحرمة بلا نزاع.

إذا ارتضع طفلان من بهيمة : لم ينشر الحرمة بلا نزاع ، وإن ارتضع من رجل لم ينشر الحرمة أيضاً ، على الصحيح من المذهب ، وعليه الأصحاب وقطعوا به ، وذكر الحلوانيّ وابنه : بأنّه ينشر » (3).

وجاء في كتاب العدّة شرح العمدة : « فأمّا لبن البهيمة فلا يثبت الحرمة ، فلو ارتضع طفلان من بهيمة لم يصيرا أخوين » (4).

قال بعضهم : يصيران أخوين وليس بصحيح ، لأنّ هذا اللبن لا يتعلّق به تحريم الأُمومة ، فلا يتعلّق به تحريم الأخوّة ، لأنّ الأخوّة فرع على الأُمومة ، ولأنّ .

ص: 233


1- المصدر السابق 5 / 139.
2- المصدر السابق 30 / 297.
3- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 9 / 347.
4- العدّة شرح العمدة 2 / 19.

البهيمة دون الآدمية في الحرمة ، ولبنها دون لبنها في غذاء الآدمي ، فلم تتعلّق الحرمة به.

وجاء في إعانة الطالبين : « فلو ارتضع صغيران من شاة مثلاً لم تحرم مناكحتهما ، والجنّية ، بناء على عدم صحّة مناكحتنا للجنّ ، أمّا على صحّة ذلك فهم كآدميّين ، فلو أرضعت صغيراً ثبت التحريم ، وأن لم تكن على صورة الآدمية ، أو كان ثديها في غير محلّه المعتاد ... »(1).

ص: 234


1- إعانة الطالبين 3 / 330.

الإمام السجّاد عليه السلام :

اشارة

( إبراهيم - السعودية - 25 سنة - طالب جامعة )

احتكامه مع محمّد بن الحنفية إلى الحجر الأسود :

س : الرواية التي نقلت ما حصلت بين الإمام السجّاد عليه السلام ومحمّد بن الحنفية ، والتي انتهت بالاحتكام إلى الحجر الأسود ، ما مدى صحّتها سنداً ومتناً؟

وأرجو التعليق عليها ، وما هو ردّكم حول هذا القول : إنّ هذه الرواية في محلّ إشكال لمحمّد بن الحنفية ، كونه لم يعلم مَن الإمام المنصوص عليه ، وحيث توجد روايات بأنّ الأئمّة من صلب الإمام الحسين عليه السلام ، وفي بعض الروايات تذكر أسماءهم؟

ج : وردت هذه الرواية بإسناد صحيحة في « الكافي »(1) ، ودلالتها واضحة ، فإنّها تشير إلى عدم وضوح أمر الإمامة عند محمّد بن الحنفية في بادئ الأمر ، وبما أنّه لم يكن معانداً في موقفه ، أرشده الإمام عليه السلام إلى الصواب ، وأظهر له الحجّة القطعية ، فتنبّه ولزم طريق الحقّ والهداية ، بموالاة أهل البيت عليهم السلام والاعتقاد بإمامتهم.

وأمّا بالنسبة للروايات التي تذكر أسماء الأئمّة عليهم السلام ، فلعلّها لم تصل إليه ، وإلاّ لما كان لترديده في الموضوع وجه معقول ؛ فلا ملازمة بين الانتساب إلى أهل البيت عليهم السلام ، وبين الوقوف على كافّة أحاديثهم عليهم السلام.

وفي الختام نشير إلى أنّ البعض ذكر لهذه الواقعة تحليلاً ظريفاً ، وهو : إنّ

ص: 235


1- الكافي 1 / 348.

هذه الواقعة من الأساس لم تكن حقيقية ، وإنّما كانت لبيان فضل الإمام السجّاد عليه السلام لعامّة المسلمين ، وأنّه اللائق بالخلافة ، وإنّ محمّد بن الحنفية كان على علم كامل بأنّ الإمام السجّاد عليه السلام هو خليفة عصره ، والحجّة عليه.

( معاذ التل - الأردن - سنّي - 32 سنة - طالب جامعة )

من ألقابه السجّاد :

س : لماذا يلقّب الإمام زين العابدين بالإمام السجّاد؟

ج : لقّب الإمام زين العابدين عليه السلام بالسجّاد لكثرة سجوده لله تعالى.

فعن جابر الجعفيّ قال : قال الباقر عليه السلام : « إنّ علي بن الحسين ما ذكر لله نعمة عليه إلاّ سجد ، ولا قرأ آية من كتاب اللّه فيها سجدة إلاّ سجد ، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلاّ سجد ، ولا وفّق لإصلاح بين اثنين إلاّ سجد ... » ، وكان كثير السجود في جميع مواضع سجوده ، فسمّي السجّاد لذلك(1).

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

حكمة مرضه يوم عاشوراء :

س : هل هناك سرّ في مرض الإمام السجّاد عليه السلام يوم كربلاء؟ ولماذا لم يأخذ الإمام الحسين عليه السلام ابنته فاطمة العليلة إلى كربلاء؟

ج : شاءت الإرادة الإلهيّة أن يكون الإمام السجّاد عليه السلام عليلاً يوم عاشوراء ، وذلك :

أوّلاً : حتّى لا يقتل.

ثانياً : حتّى لا تخلو الأرض من حجّة لله تعالى.

ثالثاً : حتّى يستلم الإمامة بعد أبيه الإمام الحسين عليه السلام.

ص: 236


1- مناقب آل أبي طالب 3 / 304.

رابعاً : يسقط عنه وجوب الدفاع عن إمام زمانه ، إذ لو كان سليماً ، ويسمع استغاثة أبيه عليه السلام لوجب عليه إغاثته ، والذبّ عنه.

وأمّا السبب في عدم أخذ الإمام الحسين عليه السلام ابنته فاطمة العليلة هو لشدّة مرضها ، بينما الإمام السجّاد عليه السلام فلم يكن مريضاً يوم خروجه من المدينة المنوّرة.

( أحمد كريم - مصر - .... )

مرقده في المدينة لا في مصر :

س : أُودّ أن أطرح سؤال عن محلّ مقام الإمام زين العابدين ، فقد قرأت أنّه دفن في المدينة ، ولكنّي شاهدت في القاهرة مقام باسم الإمام زين العابدين ، بحيّ السيّدة زينب العريق ، فما السبب في ذلك؟ وإذا كان الإمام قد دفن حقّاً في المدينة المنوّرة فلمَن هذا المقام؟

ج : إنّ الإمام السجّاد عليه السلام استشهد في المدينة المنوّرة ، ودفن في البقيع ، وهذا متّفق عليه ، ولا يوجد فيه أيّ خلاف.

ولعلّ مقام الإمام السجّاد عليه السلام في القاهرة متعلّق بأحد أحفاده ، أو لمناسبة أُخرى.

( محمّد - ..... - ... )

حضوره يوم عاشوراء :

س : هل إنّ الإمام زين العابدين عليه السلام شارك في القتال في واقعة كربلاء؟

فهناك من يقول إنّه عليه السلام اشترك وجرح جرحاً بليغاً ، فأخرج من المعركة ، فأُسر مع باقي أهل البيت عليهم السلام.

ج : المشهور عند المؤرّخين وأصحاب السير وأرباب المقاتل : أنّ الإمام السجّاد عليه السلام كان مريضاً يوم عاشوراء ، بحيث لم يستطع المشاركة في المعركة ،

ص: 237

وتلك مصلحة اقتضت في المقام ، لأجل عدم انقطاع سلسلة الإمامة ، وهذا رأي متسالم عليه عند الشيعة الإمامية.

نعم ، جاء في بعض آثار الزيدية ما نصّه : « وكان علي بن الحسين عليهما السلام عليلاً وارتث يومئذ ، وقد حضر بعض القتال ، فدفع اللّه عنه ، وأخذ مع النساء ... » (1) ، ولكن لا يمكن الاعتماد على هذا القول لعدّة وجوه :

منها : ضعف السند وعدم ثبوت الخبر.

ومنها : إنّ الخبر المذكور في غاية الأمر هو نقل تاريخي ، وليس حديثاً ولا رواية عن معصوم عليه السلام ، فلا يوجب الاطمئنان بمضمونه ، خصوصاً مع تناقضه مع كافّة الأدلّة الأُخرى.

والمهمّ في المقام هو : أن نعلم أنّ دور الإمام السجّاد عليه السلام هو دور التوعية والتثقيف ، وتكريس الجهود نحو إنشاء جيل يفهم المعاني ويعي المفاهيم ، فلا حاجة أن يقوم عليه السلام بالسيف بالضرورة في وقت لم تكن هناك أية نتيجة متوقّعة من الكفاح المسلّح.

( علي. البحرين - 30 سنة - طالب )

معنى قوله : أنا ابن مكّة ومنى :

س : ما معنى كلام الإمام زين العابدين عليه السلام : « أنا ابن مكّة ومنى ، أنا ابن مروة وصفا ... » (2)؟ وشكراً.

ج : إنّ الإمام زين العابدين عليه السلام هو من فرع تلك الشجرة الطاهرة ، ومن سلالة الأنبياء والأوصياء ، وهنا يشير الإمام عليه السلام إلى أهمّ المعالم الإسلامية التي هي : « مكّة ومنى ومروة والصفا » ، وهذه هي المقدّسات للمسلمين ، ولمّا عبّر عن

ص: 238


1- الأمالي الخميسية 1 / 170.
2- مناقب آل أبي طالب 3 / 305 ، لواعج الأشجان : 234.

كونه ابنها ، فهو يريد أن يشير إلى أنّه المصداق الأكمل لها ، فهي معالم صامتة ، والإمام حجّة اللّه الناطق ، كما أنّ القرآن الكتاب الصامت ، والإمام هو الكتاب الناطق.

فأشار الإمام عليه السلام بعباراته هذه ، وفي جمع من الناس ، الذين كانوا يتصوّرون أنّهم خوارج ، فبيّن أنّه هو الأصل لهذه المعالم ، التي يقدّسها المسلمون ، ليعرّف شخصه لهم ومَن هو ، وبذلك فاق أهل الشام من غفلتهم ، وعرفوا أنّهم ليسوا بخوارج.

ص: 239

ص: 240

الإمام الباقر عليه السلام :

اشارة

( .... - البحرين - .... )

بعض المصادر في تسميته :

س : قال ابن تيمية : « ونقل تسميته بالباقر عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله لا أصل له عند أهل العلم ، بل هو من الأحاديث الموضوعة » (1).

الرجاء إعطاء بعض المصادر عند أهل السنّة حول هذا الموضوع؟

ج : ذكرت بعض مصادر أهل السنّة تسمية الإمام محمّد بن علي عليهما السلام بالباقر ، لتسمية النبيّ صلى اللّه عليه وآله له بها ، ومن تلك المصادر : شرح نهج البلاغة (2) ، الفصول المهمّة (3) ، وغيرها (4).

( .... - السعودية - .... )

بعض النصوص الواردة في إمامته :

س : ترد أحياناً بعض الشبهات حول النصوص الواردة بحقّ الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، فمنها ما قد يثار من قبل البعض بشأن التنصيص على إمامة كلّ واحد منهم عليهم السلام ، وفي هذا المجال حبّذا لو تذكرون بعض الأحاديث المعتبرة على إمامة

ص: 241


1- منهاج السنّة النبوية 4 / 51.
2- شرح نهج البلاغة 15 / 277.
3- الفصول المهمّة : 211.
4- أُنظر : تذكرة الخواص : 302.

الإمام محمّد الباقر عليه السلام.

ج : نعم ، هناك نصوص عامّة تذكر الأئمّة عليهم السلام بأسمائهم ، ورغبة منّا للاختصار ، نذكر بعضها التي لا خدشة في إسنادها ، ولا مناقشة في دلالتها :

1 - صحيحة أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام ، التي جاء فيها ذكر الأئمّة بدءاً من أمير المؤمنين عليه السلام حتّى الإمام الباقر عليه السلام(1).

2 - صحيحة عبد اللّه بن جندب عن الإمام الكاظم عليه السلام ، التي صرّحت بأسماء جميع الأئمّة عليهم السلام بالترتيب ، وعلى التوالي(2).

3 - صحيحة أبي هاشم الجعفريّ عن الإمام الجواد عليه السلام ، التي جاء فيها إقرار الخضر عليه السلام بجميع الأئمّة عليهم السلام عند أمير المؤمنين عليه السلام ، والإمام الحسن عليه السلام ، وارتضاء الإمام عليه السلام ذلك منه(3).

هذا ، وقد وردت نصوص كثيرة في المقام تؤيّد ما ذكرناه ، فضلاً عن الصحاح المتقدّمة ، فيمكننا الاستدلال على المطلوب بالتواتر ، والاستفاضة في هذه الأحاديث.

( عبد اللّه ........ )

حضوره واقعة الطفّ :

س : هل إنّ الإمام الباقر عليه السلام شهد واقعة الطفّ وحضرها؟

ج : نعم ، بما أنّ ولادة الإمام الباقر عليه السلام كانت سنة 56 ه(4) ، أو سنة 57 ه(5) ، أي قبل واقعة كربلاء بثلاث سنين ، أو أربع سنين ، كما أدلى عليه السلام هو بذلك ،

ص: 242


1- الكافي 1 / 286.
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 329.
3- المحاسن 1 / 19.
4- تذكرة الحفّاظ 1 / 124.
5- مسار الشيعة : 56.

فقد حضر أحداث الطفّ ، وشاهد مأساة جدّه الإمام الحسين عليه السلام وأولاده وأصحابه ، وتحمّل الأسر في ضمن الأطفال والنساء ، كما ورد ذلك في بعض الروايات عن لسانه عليه السلام(1).

( .... - السعودية - .... )

ضرب النقود الإسلامية بأمره :

س : سمعت أنّ العملة الإسلامية هي من مقترحات الإمام الباقر عليه السلام؟ فكيف ذلك؟

ج : نعم ، بحسب النصوص التاريخية أنّ هذا العمل الجبّار الذي منح العالم الإسلامي استقلاليّته في مجال الاقتصاد ، قد نفّذ بإشارة الإمام الباقر عليه السلام ، ومجمل الموضوع كالآتي :

أنّ عبد الملك بن مروان قد أمر بتبديل الطراز المنقوش عليه شعار المسيحية إلى طراز منقّش بشعار التوحيد ، فغضب ملك الروم من عمله هذا ، وهدّده بضرب نقود من الدراهم والدنانير تحمل شعارات ضدّ الإسلام ونبيّه صلى اللّه عليه وآله ، ولا يخفى بأنّ التعامل الدارج بين المسلمين آنذاك كان كلّه على أساس العملة الأجنبية ، أي الرومية.

فتوسّل عبد الملك إلى الإمام الباقر عليه السلام ، وبما أنّ المسألة كانت ترتبط بأصل الدين والعقيدة ، تدخّل الإمام عليه السلام وأبدى رأيه الشريف ، وأخذ عبد الملك برأيه ، وأمر بضرب النقود وفقاً لما خطّطه الإمام عليه السلام ، ومن ثمّ تولّدت العملة الإسلامية ، وجرى التعامل بها ، وتحرّر النقد من التبعية للأمبراطورية الرومية(2).

ص: 243


1- نفس المهموم : 386.
2- أُنظر : حياة الحيوان للدميريّ 1 / 91 ، المحاسن والأضداد للبيهقيّ 2 / 129.

نعم ، قد ورد في بعض المصادر : بأنّ الذي قام بهذا العمل هو الإمام زين العابدين عليه السلام(1).

وجاء في بعض الموسوعات الأجنبية : « إنّ أوّل من أمر بضرب السكّة الإسلامية هو الخليفة علي عليه السلام بالبصرة ، سنة أربعين من الهجرة »(2).

ويمكن الجمع : بأنّ الإمام علي عليه السلام أمر بضرب السكّة في البصرة في إطار محدود ، بدون إلغاء التعامل بالنقود الأُخرى ، حتّى إذا جاء دور الإمام الباقر عليه السلام فضربت العملات الجديدة بأمره عليه السلام ، وأُلغيت التعامل بغيرها نهائيّاً.

( عبد الرحمن - .... - .... )

هو حسينيّ وحسنيّ :

س : نسمع كثيراً بأنّ الأئمّة عليهم السلام من الإمام الباقر عليه السلام فما بعد مضافاً إلى أنّهم حسينيّون يعتبرون حسنيّين أيضاً ، هل هذا صحيح؟ وكيف؟

ج : إنّ الإمام الباقر عليه السلام كما نعلم هو ابن الإمام زين العابدين بن الإمام الحسين عليهما السلام ، وبهذا الاعتبار فهو حسينيّ ، ومن جانب آخر فأُمّه فاطمة بنت الإمام الحسن عليه السلام ، ولذا يعتبر عليه السلام حسنيّ أيضاً.

فالإمام الباقر عليه السلام أوّل من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين عليهما السلام ، ومن هنا يمكن أن نعرّف الأئمّة من ولد الباقر عليه السلام بأنّهم حسنيّون وحسينيّون معاً.

ص: 244


1- البداية والنهاية 9 / 122.
2- أعيان الشيعة 1 / 539 نقلاً عن دائرة المعارف البريطانية.

الإمام الصادق عليه السلام :

اشارة

( .... - ... - .... )

وأئمّة المذاهب الأربعة :

س : ما هي صلة أئمّة المذاهب الأربعة السنّية بالإمام الصادق عليه السلام؟ فهل هم أخذوا العلم منه مباشرةً ، أو بالواسطة؟ وهل تعتبر مذاهبهم مختلفة مع مذهب أهل البيت عليهم السلام ، أو امتداداً لها؟

ج : إنّ أئمّة المذاهب المذكورة وإن كانوا عيالاً في علومهم على الإمام الصادق عليه السلام - باعتبارهم من تلامذة الإمام مباشرةً ، أو بالواسطة(1) - ولكنّهم اختلفوا معه عليه السلام في المباني ؛ ويشهد بذلك اختلاقهم آراءً ، وفتاوى غير معترف بها عند أهل البيت عليهم السلام ، فمنهم من أخذ بالقياس ، ومنهم من عمل بالاستحسان والمصالح وسدّ الذرائع وغيرها ، ممّا لم ينزل اللّه بها من سلطان.

وهذه التصرّفات هي خير شاهد على عدم خضوعهم للحقّ ، وتباين وجهات نظرهم مع مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وعدولهم عن نهج الإمام الصادق عليه السلام.

نعم ، قد يكون هناك بعض أوجه التشابه بين آرائهم وبين ما صدر عن الإمام الصادق عليه السلام في مختلف المجالات ، وهذا بحدّ نفسه لا يشير إلى تبعيّتهم له عليه السلام ، بل إنّهم أخذوا بعض رؤوس النقاط ، واستبدّوا بآرائهم في باقي الموارد لتشويه الحقّ.

ص: 245


1- أُنظر : شرح نهج البلاغة 1 / 18.

والحال كان ينبغي عليهم أن يأخذوا بمذهب الإمام عليه السلام في جميع الحالات ، فلا يصدر منهم ما يتناقض مع أقواله وأفعاله وسيرته عليه السلام.

( ... - ... - ..... )

كثرة الأحاديث عنه :

س : ما هو السرّ في كثرة الروايات عن الصادقين عليهما السلام بالنسبة إلى الأحاديث التي وردت عن باقي الأئمّة عليهم السلام؟

ج : إنّ الفترة التي عاشها الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام هي فترة انهيار وضعف قوّة الأمويّين ، وعدم تثبيت الحكم العباسيّ ، فاغتنما هذه الفرصة الثمينة لبثّ الفكر والثقافة الشيعيّة ، فربّيا جيلاً واعياً ، تلقّى المعارف والعلوم الإسلامية ، وسعى في نشرها ، بحيث عرف المذهب الإماميّ الاثنا عشريّ بالمذهب الجعفريّ ، إشارةً إلى ذلك.

وأمّا الأئمّة السابقون عليهما والمتأخّرون عنهما عليهم السلام فبما أنّ الأجواء التي كانوا يعيشونها كانت ظروف صعبة ، إذ كانوا إمّا تحت الإقامة الجبرية أو في السجن ، أو تحت مراقبة الحكّام الظالمين ، فلم يستطيعوا أن يلقوا المعارف والحقائق ، ولم يكن بإمكانهم الاتصال بالناس عامّة ، وبالمؤمنين خاصّة بصورة عادية.

أضف إلى ذلك نشوب الحروب والصراعات في زمن أمير المؤمنين عليه السلام ، والتي كانت مانعاً قويّاً في هذا المجال ، بسبب انشغال عامّة الناس بها ، وانصراف هممهم نحوها.

وهذه كلّها وغيرها أدّت إلى عرقلة الحركة العلمية في فترات إمامتهم عليهم السلام ، في حين أنّ الصراع القائم بين الباطلين الأمويّ والعباسيّ في عهد الصادقين عليهما السلام صرف أنظار الظلمة عنهما إلى حدّ كبير ، فأُتيحت لهما الفرصة الذهبيّة لإيصال الفكر الدينيّ وعلوم أهل البيت عليهم السلام إلى الناس.

ص: 246

( .... - .... - ... )

وجه تلقيبه بالصادق :

س : ما هي حكمة تلقيب الإمام الصادق عليه السلام بهذا اللقب؟ والحال نعلم أنّ الأئمّة عليهم السلام كلّهم صادقون؟

ج : ذكر بعض أصحاب السير والتاريخ وجوهاً لذلك :

منها : إنّه عليه السلام لقّب بالصادق لصدقه في مقاله(1).

منها : إنّ المنصور الدوانيقيّ هو الذي أضفى عليه عليه السلام هذا اللقب في قضية معيّنة يطول ذكرها.

منها : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد كرّمه بهذا اللقب من قبل ، تمييزاً له عن جعفر الكذّاب ، الذي ظهر في الخامس من ولده عليه السلام.

وهذا القول الأخير هو الصواب ، لما ورد الحديث بمضمونه(2) ، وارتكز عند الشيعة.

( .... - ... - .... )

ردّ حديث منسوب إليه :

س : هناك من ينقل في كتبه مكرمة لأبي بكر عن لسان الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « ولدني أبو بكر مرّتين » ، فما صحّة هذا القول؟

ج : لا يخفى أنّ الأصل في كلّ إنسان العقيدة والالتزام بها ، ثمّ الحسب والنسب ؛ فترى أنّ الإمام الصادق عليه السلام هو بنفسه يقول : « ولايتي لأمير المؤمنين عليه السلام أحبّ إليّ من ولادتي منه ، لأن ولايته له فرض ، وولادتي منه فضل »(3).

ص: 247


1- الأنساب 3 / 507 ، وفيات الأعيان 1 / 307.
2- علل الشرائع : 234.
3- الاعتقادات : 112 ، الفضائل : 125.

وعليه فيستبعد صدور مثل هذا الحديث المزعوم منه عليه السلام ، لأنّ الفخر - أوّلاً وبالذات - هو للدين والولاء ، لا للحسب والانتماء العائلي ، خصوصاً لو كان هذا الأخير مناقضاً للأوّل.

ثمّ على صعيد البحث السندي لم نعثر على سند شيعي - حتّى لو كان ضعيفاً - لهذا القول ، بل هو خبر نقلته مصادر أبناء العامّة ، وحتّى إنّ بعض الكتب الشيعيّة التي ذكرت هذا الخبر أخرجته بإسنادهم(1) ، أو مرسلاً وبدون سند(2) ، وعلى هذا لا يمكن الاحتجاج أو الاعتماد على هذا الكلام المنسوب.

ويحتمل قويّاً : أن يكون الداعي لوضع هذا الكلام هو ما سمعوه من الإمام الصادق عليه السلام بصورة متواترة ، قوله : « قد ولدني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأنا أعلم كتاب اللّه ... »(3) ، فحوّروه وبدّلوه بذلك الكلام.

نعم ، لا ينكر أنّ نسب الإمام عليه السلام يتصلّ عن طريق محمّد ، وعبد الرحمن ابني أبي بكر بأبيهما ، ولكن لا يعقل أن يفتخر الإمام عليه السلام بأبي بكر في عمود النسب ، ويدع محمّداً ابنه الذي كان مثالاً في الولاء والتبرّي من أبيه وغيره ممّن ظلموا أهل البيت عليهم السلام وغصبوا حقّهم.

( ... - .... - .... )

توحيد المفضّل والأهليلجة :

س : نسمع أحياناً بتوحيد المفضّل ، وحديث الإهليلجة عن الإمام الصادق عليه السلام ، فما هو مضمونها ، وما يقصد الإمام عليه السلام فيهما؟

ج : إنّ المفضّل بن عمر الجعفي هو أحد أصحاب الإمام عليه السلام الذين جمعوا بين العلم والعمل ، وقد ألقى الإمام عليه السلام عليه دروساً في التوحيد ، وهذه هي التي

ص: 248


1- كشف الغمّة 2 / 374.
2- عمدة الطالب : 195.
3- الكافي 1 / 61 و 2 / 223 ، ينابيع المودّة 1 / 80 و 3 / 362.

تسمّى بتوحيد المفضّل ، وقد أخذ منه عليه السلام مشافهةً.

وأمّا الإهليلجة ، فهي أيضاً رسالة في التوحيد ، قد بعثها الإمام الصادق عليه السلام للمفضّل ، ليحتجّ بها على منكري المبدأ والتوحيد.

ووجه تسميتها : إنّ الإمام عليه السلام قد ردّ فيما قبل على مزاعم بعض الدهريّين - وهو طبيب هنديّ - وأفحمه بالأدلّة القاطعة على وجود اللّه تعالى ، وكان هذا الطبيب آنذاك يصنع دواءً للإمام عليه السلام من أهليلجة - وهو نبت خاصّ - فاغتنم الإمام عليه السلام هذه الفرصة ، فاستدلّ بهذا المخلوق الصغير وظرائف صنعه على وجود وحكمة الخالق ، ومازال الإمام يساير هذا الطبيب في الكلام - ومحور الكلام الإهليلجة - إلى أن أرغمه الدليل على الاعتراف بالصانع الواحد.

ص: 249

ص: 250

الإمام الكاظم عليه السلام :

اشارة

( حسن الحسيني - السويد - .... )

مدّة بقائه في السجن :

س : كم المدّة التي سجن فيها الإمام الكاظم عليه السلام؟ أرجو أن تكون الإجابة دقيقة وصحيحة.

ج : لا يخفى عليكم أنّ مدّة إمامة الإمام الكاظم عليه السلام كانت(1) سنة ، عاصر فيها مجموعة من حكّام الجور من بني العباس ، آخرهم هارون الرشيد ، الذي نقله في عدّة سجون ، حتّى أمر بدسّ السمّ إليه فقتله.

ومدّة سجنه عليه السلام غير معلومة بالدقّة ، فبعض المؤرّخين من يقول : أربع سنوات (1) ، والآخر يقول : سبع سنوات ، وثالث يقول : أربعة عشر سنة.

وعلى كلّ حال نحن نعلم أنّ الإمام عليه السلام قد قضى فترة ليست بقليلة في السجن ، حتّى قتل مظلوماً محتسباً.

( أحمد - العراق - 21 سنة )

غسّله الإمام الرضا :

س : ورد في كتاب الشيعة والتشيّع لاحسان إلهي ظهير : 288 ، ما نصّه : « في أنّ الكاظم لم يغسّله إمام كما هو مشروط فيمن يتولّى الإمامة ، لأنّ الرضا كان غائباً عندئذ ».

ص: 251


1- فهرست أسماء مصنّفي الشيعة : 273.

لذا أرجو الردّ على هذه الشبهة ، وشكراً جزيلاً ، ودمتم في رعاية اللّه.

ج : يتضمّن الردّ عدّة أُمور ، منها :

1 - دلّت الروايات المتضافرة ومنها الصحيحة : أنّ الإمام عليه السلام لا يغسّله إلاّ إمام مثله ، والصدّيق لا يغسّله إلاّ صدّيق مثله.

2 - وردت أخبار كثيرة أنّ الإمام الرضا عليه السلام هو الذي غسّل والده الإمام الكاظم عليه السلام ، كما ذكر الشيخ الصدوق ( قدس سره ) في ضمن الروايات الصحيحة الدالّة على كيفية وفاته(1).

وقد روى الشيخ الكلينيّ ( قدس سره ) بسنده عن أحمد الحلاّل أو غيره عن الإمام الرضا عليه السلام قال : قلت له : إنّهم يحاجّونا يقولون : إنّ الإمام لا يغسّله إلاّ الإمام؟ قال : فقال عليه السلام : « ما يدريهم من غسّله؟ فما قلت لهم »؟

قال : فقلت : جعلت فداك قلت لهم : إن قال مولاي إنّه غسّله تحت عرش ربّي فقد صدق ، وإن قال : غسّله في تخوم الأرض فقد صدق ، قال : « لا هكذا ».

فقلت : فما أقول لهم؟ قال : « قل لهم : إنّي غسّلته » ، فقلت : أقول لهم إنّك غسّلته؟ فقال عليه السلام : « نعم »(2).

( عيسى - البحرين - 27 سنة )

تنوّع علومه :

س : هناك من يقول أنّ موسى الكاظم لم يكن أعلم الناس كما هو مشروط فيمن يتولّى الإمامة ، فكيف يكون الردّ على هكذا قول؟ وجزاكم اللّه ألف خير وشكراً.

ج : لقد اشتهر كالشمس في رائعة النهار بين الخاصّة والعامّة سعة أُفق علم الأئمّة عليهم السلام أجمع ، فضلاً عن الإمام الكاظم عليه السلام بذاته.

ص: 252


1- معجم رجال الحديث 18 / 162 نقلاً عن الصدوق.
2- الكافي 1 / 384.

أمّا بالنسبة إلى الخاصّة فلا مجال للنقاش أو الشكّ بعد الإقرار بكونهم أئمّة معصومين ، وإنّ علمهم وراثي وإلهامي وتنبّؤي.

وأمّا العامّة بجميع مذاهبها فإنّها أقرّت بسعة علوم أهل البيت عليهم السلام ، بما يميّزها عن غيرها.

هذا وقد أشاد الإمام الصادق عليه السلام بعلم ولده الكاظم عليه السلام ، فقال : « يا عيسى : إنّ ابني هذا الذي رأيت ، لو سألته عمّا بين دفّتي المصحف لأجابك فيه بعلم » (1) ، وقال أيضاً : « وعنده علم الحكمة والفهم ، والسخاء والمعرفة بما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم ».

ويكفي لمعرفة وفور علمه رواية العلماء عنه جميع الفنون من علوم الدين وغيرها ، ممّا ملأوا به الكتب ، وألّفوا المؤلّفات الكثيرة ، حتّى عرف بين الرواة بالعالم.

وقال الشيخ المفيد ( قدس سره ) : « وقد روى الناس عن أبي الحسن موسى فأكثروا ، وكان أفقه أهل زمانه » (2).

وقد حوى عليه السلام علوم جمّة فمنها : علمه باللغات ، وعلمه بالنجوم ، وعلمه بالتاريخ ، وعلمه بالحساب ، وعلمه بالفقه والتفسير ، وعلمه بالطبّ ، وعلمه بالمغيّبات ، وغير ذلك. .

ص: 253


1- قرب الإسناد : 335.
2- الإرشاد 2 / 235.

ص: 254

الإمام الرضا عليه السلام :

اشارة

( إيمان - البحرين - .... )

تزويجه بنت المأمون :

س : هل صحيح أنّ الإمام الرضا عليه السلام تزوّج بنت المأمون؟ وكيف ذلك ، والمأمون يعتبر مغتصب لحقّ الإمام عليه السلام في الخلافة؟ ودمتم سالمين.

ج : لا ملازمة بين أن يكون المأمون مغتصباً لحقّ الإمام الرضا عليه السلام وبين أن يتزوّج الإمام عليه السلام ابنته ، إذ لا يشترط في البنت التي يريد أن يتزوّجها أحد أن يكون أبوها عادلاً غير غاصب للإمامة ، هذا أوّلاً.

وثانياً : فإنّ المعصوم مكلّف بالعمل بالظاهر ، وخير شاهد على ذلك أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يعلم بمن يرتكب المعاصي من الصحابة ، فهل كان يجري عليهم الحدود والتعزيرات من دون أن تقوم عليهم بيّنة؟

ج : لا ، لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله والمعصوم عليه السلام مكلّف بالعمل بالظاهر ، وما هو عليه الإنسان فعلاً ، مع غضّ النظر عن علمه بما ستكون عاقبته ، لذلك نشاهد أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله تزوّج بعائشة وحفصة ، وكذلك قال تعالى : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (1).

وثالثاً : كما أنّ ولاية العهد كانت مؤامرة أجبر المأمونُ الإمامَ الرضا عليه السلام على قبولها ، كذلك تزويج المأمون ابنته أُمّ حبيب له عليه السلام ، وضرب اسم الإمام عليه السلام

ص: 255


1- التحريم : 10.

على الدنانير والدراهم ، كلّ ذلك كان من المخطط الذي رسمه المأمون ، وأُجبر عليه الإمام عليه السلام.

هذا ، ونعلمكم بأنّ كلّ مخطّطات المأمون باءت بالفشل ، وذلك بتدبير من الإمام الرضا عليه السلام ، حيث كشف المأمون على حقيقته للناس.

( .... - .... - ... )

إصرار المأمون عليه بقبول ولاية العهد :

س : لماذا كان المأمون يصرّ على الإمام الرضا عليه السلام قبوله ولاية العهد؟ فهل كان يعتقد بإمامته؟

ج : لا يعقل التزام المأمون بمبدأ الإمامة ، وإلاّ كان يجب عليه أن لا يتولّى الحكم بنفسه ابتداء ، أو تنحّيه ثانيةً ، وشيء من هذا لم يحصل ، بل كلّ ما في الأمر أنّه اقترح التنازل عن السلطة لصالح الإمام عليه السلام ، وعندما رأى مخالفة الإمام عليه السلام أجبره في قبول ولاية العهد ، وذلك لأسباب معيّنة ودواعي غير خفية :

منها : - وهو الأهمّ - إنّه أراد أن يحتوي الحركات الشيعيّة والموالية لأهل البيت عليهم السلام ، فدخول الإمام عليه السلام في السلطة يعني إعطاء الصفة الشرعية لها - على حدّ زعمه - وقد استطاع بهذا الاحتيال امتصاص نقمة الشيعة على العباسيّين إلى حدّ كبير ، فلا ترى لتلك الحركات شيء يذكر بعد هذا الحدث التاريخيّ.

ومنها : إنّ الخطّ العباسيّ - على نحو العموم - كان يميل مع محمّد الأمين ، أخ المأمون ، وبعد هزيمته وقتله بقي الحقد الدفين في نفوس بني العباس ، فأراد المأمون بتنفيذه خطّة ولاية العهد أن يكسر شوكة مناوئيه في العائلة المالكة ، ويفرض سلطته عليهم ، ويبعد العباسيّين عن دفّة الحكم بقدر الإمكان.

وقد نجح في هذا المجال ، بحيث أحدثت العملية ضجّة علنية في أوساطهم ، تنكّروا لها بين آونة وأُخرى ، وعندئذ اشترط المأمون عليهم الولاء لنفسه إزاء إرجاع الخلافة إلى مجاريها المتعارفة عندهم ، فسلّموا له الأمر ، وكان هذا أيضاً فوزاً عظيماً له في داخل الخطّ العباسيّ.

ص: 256

ومنها : إنّ المأمون كان يعتبر نفسه أعلم من أمثال أبي بكر وعمر وغيرهما ، فكان لا يرى لمعظم تصرّفاتهما - ومنها غصب الخلافة - وجهاً صحيحاً طالما كان المنازع لهما أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ومن هذا المنطلق كان ينتقدهما بصراحة ، ولكن بما أنّه كان يواجه الصعوبات في هذه المواجهة اضطرّ إلى الاستمداد من الإمام عليه السلام في المقام ، فكفاه الإمام عليه السلام - وهو جدير بذلك - فترى أنّه كان يعقد مجالس المناظرة والبحث في سبيل إثبات أولوية أهل البيت عليهم السلام ، والحطّ من كرامة علماء العامّة ، والنيل من التراث المصطنع عندهم.

وهذا لا يعني بالملازمة اعتقاد المأمون بإمامة أهل البيت عليهم السلام ، بل كان يريد إثبات عدم شرعية سبق الأوّل والثاني وأتباعهما على الآخرين ، ثمّ يبرهن على أفضليّته عليهم لمعرفة هذه الحقائق وتسليمه للحقّ.

( .... - البحرين - .... )

نسب السادة الرضوية :

س : إلى من ينتسبون السادات الرضوية؟

ج : الظاهر أنّهم من أعقاب الإمام الجواد عليه السلام ، إذ لم يكن للإمام الرضا عليه السلام ولد غيره على المشهور.

وأمّا حكمة تسميتهم بالسادات الرضوية بدلاً من السادات الجوادية أو التقوية ، فيحتمل أن يكون بسبب شهرة الإمام الرضا عليه السلام عند العامّة والخاصّة ، حتّى أنّ عدداً من الأئمّة عليهم السلام من ولده كانوا يعرفون ب- « ابن الرضا » عند الناس.

( .... - السعودية - .... )

علّة استشهاده :

س : هناك من يقول بأنّ الإمام الرضا عليه السلام مات حتف أنفه ، أو سمّه غير المأمون العباسيّ ، أو غير ذلك من العلل التي تدفع عن المأمون تهمة القتل.

ص: 257

وقد يؤيّد هذا البعض رأي بعض علماء الشيعة كالأربليّ صاحب كشف الغمّة ، والسيّد ابن طاووس ، والشيخ المفيد ، فما مدى صحّة هذا القول؟ وهل يوجد من أهل السنّة من يسند القتل المذكور إلى المأمون؟

ج : ممّا تسالم عليه الشيعة هو : أنّ الإمام الرضا عليه السلام قد استشهد مسموماً على يد المأمون ، وإن نسب إلى الشيخ المفيد والسيّد ابن طاووس ما يوهم توقّفهما في ذلك ، أو أنّ الأربليّ قد مال إلى خلاف ذلك في كتابه « كشف الغمّة ».

وممّا يوهن الرأي المخالف هو : أنّ النسبة المذكورة غير ثابتة ، وأنّ الأربليّ قد أبدى استنتاجه الحدسي في الموضوع ، وهذا لا يقابل الإخبارات الحسّية عن الواقع المذكور.

( ... - ... - ..... )

ولاية عهده كانت خطّة مدروسة من قبل المأمون :

س : ما هو الدليل على أنّ المأمون لم يكن صادقاً مع الإمام الرضا عليه السلام في ترشيحه لولاية العهد؟

ج : لا مجال لأن نتوهّم صدق المأمون مع الإمام الرضا عليه السلام في الموضوع ، وذلك لعدّة أُمور :

منها : إنّ المأمون حاول إقناع الإمام عليه السلام لقبول الخلافة ، وأصرّ على ذلك بشدّة ، ثمّ لمّا رأى رفض الإمام عليه السلام عدل عن ذلك ، وطلب منه عليه السلام قبول ولاية العهد.

فنرى أنّه يحاول بشتّى الوسائل ربط الإمام عليه السلام بدائرة الحكم ليس إلاّ ، فإن لم يستطع ذلك بالخلافة استبدله بولاية العهد ، وهذا صريح في سوء سريرته.

منها : تهديده الإمام عليه السلام في المسألة(1) ، فإن كان الإمام عليه السلام هو الأولى في

ص: 258


1- علل الشرائع 1 / 238 ، عيون أخبار الرضا 1 / 152 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 126 ، روضة الواعظين : 224 ، مقاتل الطالبيين : 301 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 472.

الموضوع فما معنى اجباره على ذلك ، إذ هو عليه السلام يعرف المصلحة ويتصرّف على وفقها.

منها : ارتباكه في توضيح الهدف من عمله هذا ، فتراه تارةً يريد به مكافأة علي ابن أبي طالب عليه السلام في ولده (1) ، وأُخرى حرصه على طاعة اللّه تعالى وخير الأُمّة (2) ، وأحياناً وفاؤه بنذره في ظفره بأخيه (3) ، بل ورابعة بأنّه أراد بذلك التشويه بسمعة الإمام عليه السلام عند الشيعة وتمويه الأمر عندهم.

منها : إنّ خطّ السير من المدينة إلى مرو كان عن طريق المدن السنّية ، مثل البصرة ونيشابور ، ولم يتح الوفد للإمام عليه السلام أن يمرّ بالمناطق الشيعيّة مثل قم وكاشان ، وهذا أيضاً دليل واضح على عدم حسن نوايا المأمون ، إذ كان لا يريد أن يظهر الإمام عليه السلام لمواليه ويتّصل بهم.

ومنها : غير ذلك ممّا يجعلنا على يقين من خبث سريرة المأمون في معاملته مع الإمام عليه السلام ، وأنّ ما تظاهر به آنذاك كان لأسباب خاصّة تصبّ جميعها في مصلحته.

( علي. البحرين - 22 سنة - طالب جامعة )

كان أسمر شديد السمرة :

س : هل صحيح بأنّ الإمام الرضا عليه السلام كان أسمر اللون؟ إن كان كذلك أو لم يكن ما هو الدليل؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : قد ذكر المؤرّخون أنّ الإمام كان أسمر شديد السمرة.

وكان أعداء أهل البيت عليهم السلام يشنعون على الإمام بسمرته ويصفونه بالسواد ، وقد قال ابن المعتّز مشنّعاً على الإمام عليه السلام :

ص: 259


1- تاريخ الخلفاء : 308 ، تذكرة الخواص : 319.
2- البداية والنهاية 10 / 269.
3- إعلام الورى 2 / 73 ، مقاتل الطالبيّين : 375 ، الإرشاد 2 / 261 ، كشف الغمّة 3 / 70.

وقالوا إنّه ربّ قدير *** فكم لصق السواد به لصوقا

وهناك قول آخر يصف الإمام عليه السلام بأنّه أبيض معتدل القامة ، ولا يمكن وفقاً لما موجود من الأخبار البتّ في صفة الإمام عليه السلام الحقيقية ، ولكن أكثر المؤرّخين رجّحوا سمرة الإمام لكثرة الأخبار في ذلك دون الأخبار الأُخرى.

ولعلّ للمحيط الذي عاش به الإمام عليه السلام في كون غالبية أهله من البيض أثر في إظهار سمرته ، ممّا أدّى بأعدائه أن لا يجدوا شيئاً يعيبون به الإمام غير ذلك ، وإلاّ فهو كأجداده ، بل وصفه بعضهم بأنّه شديد الشبه بجدّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

ص: 260

الإمام الجواد عليه السلام :

اشارة

( صادق اللواتي - عمان - .... )

صغر السن :

س : ما هو الدليل على إمامة الإمام الجواد عليه السلام؟ مع أنّه كان صغير السن؟

ج : إن كان الإشكال في السنّ فقد ثبت عدم دخل العمر في شرط الإمامة والقيادة عقلاً ونقلاً.

أمّا عقلاً ، فلا دليل على استحالة ذلك ، فيكون من الممكنات.

وأمّا نقلاً ، فهنالك آيات وروايات كثيرة ، ثبت من خلالها إمكان بل وقوع الإمامة والقيادة للأُمّة بسنّ صغير ، وهذا عيسى عليه السلام يشهد له القرآن بذلك ، إذ يقول : ( قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ... ) (1) ، وكذلك تحدّث عن يحيى عليه السلام فقال : ( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) (2).

وإن كان الإشكال في شيء آخر فأخبرنا ونحن لك من الشاكرين.

( .... - البحرين - .... )

مشابهته لبعض الأنبياء :

س : لمّا ولد الإمام الجواد عليه السلام قال الإمام الرضا عليه السلام لأصحابه : « قد ولد لي

ص: 261


1- مريم : 29 - 30.
2- مريم : 12.

شبيه موسى بن عمران فالق البحار ، وشبيه عيسى بن مريم ... » (1).

فما هو وجه الشبه بين الإمام الجواد عليه السلام وبين هذين النبيّين عليهما السلام؟

ج : الظاهر أنّ الإمام الرضا عليه السلام يقصد بكلامه هذا - على فرض صحّة الرواية سنداً - بأنّ ولده الإمام الجواد عليه السلام قد شاءت المصلحة الإلهيّة أن لا يولد في أيّام شباب الوالد عليه السلام ، بل ولد يوم كان عمر الإمام الرضا عليه السلام خمسة وأربعين سنة تقريباً ، وهذا التأخير كان تمحيصاً شديداً وابتلاءً عظيماً للمؤمنين ( حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) (2) ، بحيث إنّ البعض قد بدأ يشكّك في مصداقية إمامة الإمام الرضا عليه السلام لعدم وجود عقب له ، فمن هذه الجهة تشابهت قصّة ولادته عليه السلام بموسى عليه السلام ، حيث إنّ بني إسرائيل يئسوا من ظهور المنقذ لهم من ظلم فرعون بسبب تأخيره ، حتّى أتاهم بعد فترة من الامتحان والاختبار.

وأمّا وجه الشبه بينه عليه السلام وعيسى عليه السلام فهو أنّ عيسى عليه السلام آتاه اللّه تعالى الكتاب والنبوّة وهو طفل رضيع ، وتكلّم في المهد وهو صبيّ ، كذلك الإمام الجواد عليه السلام آتاه اللّه الإمامة وهو طفل ، وكان يكلّم الناس بكلام الحكماء والعرفاء ، وهو في مرحلة الطفولة.

( .... - محمّد - .... )

إجابته على مسائل كثيرة في مجلس واحد :

س : ما تقولون في حديث ورد في بعض الكتب عن الإمام الجواد عليه السلام ، أنّه أجاب على ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد؟ فهل هذا ممكن عقلاً؟ وهل يمكن إسناده إلى المعصوم عليه السلام؟

ج : نعم ، جاء هذا الخبر في بعض مصادر الحديث بدون الإسناد إلى كلام

ص: 262


1- بحار الأنوار 50 / 15 عن عيون المعجزات.
2- آل عمران : 179.

الإمام عليه السلام ، بل إنّه من كلام إبراهيم بن هاشم راوي الواقعة (1).

ومن هنا يجب أن نلاحظ نقطتين :

1 - إنّ مراجعة الأئمّة عليهم السلام من قبل الشيعة وغيرهم أمر طبيعي ، خصوصاً عند وفاة الإمام السابق ، وابتداء إمامة اللاحق ، فكانوا يأتونه لمعرفة إمامهم والتيقّن من شخصه ، وتمييزه عن غيره في تلك الظروف الصعبة ، وعليه فالظاهر أنّ هذا الخبر ثابت من حيث المضمون.

2 - ومع التسليم لأصل القضية ، يمكن توجيه مواصفاتها المذكورة بعدّة صور ، ذكر بعضها العلاّمة المجلسيّ في « بحار الأنوار » في ذيل الحديث (2).

والذي يبدو منها قريباً إلى الواقع هو : إنّ الإمام عليه السلام قد تكلّم بقواعد عامّة تتفرّع منها مسائل كثيرة ، فيصحّ أن يعبّر في المقام : إنّه عليه السلام أجاب على كلّ هذه الأسئلة ، والعلم عند اللّه تعالى.

( .... - السعودية - .... )

تولّى بنفسه تجهيز والده :

س : هل أنّ الإمام الجواد عليه السلام قد أتى إلى طوس من المدينة بصورة غير عادية لتجهيز أبيه الإمام الرضا عليه السلام والصلاة عليه ، كما تتحدّث بعض الأخبار بهذا؟ وهل هذا ممكن عقلاً؟ ثمّ كيف ينكره السيّد المرتضى (3) ولا يلتزم بهذا الأمر؟

ج : أطبقت الشيعة بعلمائها وغيرهم على أنّ المتولّي لتجهيز الإمام السابق والصلاة عليه لا يكون إلاّ الإمام اللاحق ، وهذا رأيهم يعتمد على أحاديث كثيرة وردت في هذا المجال.

ص: 263


1- الكافي 496/1 ، كشف الغمة 156/3 ، مناقب آل أبي طالب 290/3.
2- الكافي 1 / 496 ، كشف الغمّة 3 / 156 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 290.
3- بحار الأنوار 50 / 93.

ثمّ لا يخفى أنّ موضوع طيّ الأرض ليس فيه أيّ حظر عقليّ من جهة الإمكان ، فهو ممكن وواقع عقلاً ونقلاً ، كما ورد في القرآن الكريم في قصّة إحضار عرش بلقيس عند سليمان عليه السلام.

وأمّا المحاذير التي ذكروها في المقام فليست هي إلاّ وجوه استبعادية لا تفيد الجزم بالمنع.

وأمّا إنكار السيّد المرتضى للموضوع وملازماته فهو بسبب التزامه بمبنى عدم قبول خبر الواحد في باب الأخبار ، أي أنّه لا يرى أخبار المقام في حدّ التواتر أو الاستفاضة حتّى تفيد علماً له ، وهذا المبنى مردود عند المحققّين كما قرّر في علم الأُصول.

فالنتيجة : إنّ إنكاره لا يدلّ على نفي الواقع ، بل هو رأي خاصّ به ، قد ثبت بطلانه بأدلّة وافية وشافية.

وعليه ، فالإمام الجواد عليه السلام - وكذا باقي الأئمّة عليهم السلام - قد حضروا وتولّوا تجهيز آبائهم والصلاة عليهم.

وأمّا ما روي من تولّي هذه المراسيم بيد الآخرين فهي - مع فرض صحّة أسانيدها - لا تنفي ما ذكرناه ، فقد يجوز أن يكون ذلك على مستوى الظاهر ولحفظ حالة التقية والكتمان.

( عبد اللّه ........ )

إمامته في صغر سنّه :

س : هناك من يعترض على إمامة الإمام الجواد عليه السلام لصغر سنّه(1) ، ويؤيّد كلامه بوجود اختلاف بين الشيعة نفسهم في ذلك ، نقلاً عن كتاب فرق الشيعة(2).

ص: 264


1- بين الشيعة وأهل السنّة : 55.
2- فرق الشيعة : 88.

فإنّه يذكر : إنّ بعض الشيعة أنكروا إمامته مستدلّين بأنّ الإمام لا يجوز أن يكون إلاّ بالغاً ، ولو جاز أن يأمر اللّه تعالى بطاعة غير البالغ لجاز أن يكلّف اللّه غير البالغ ، والتالي باطل فالمقدّم مثله.

كيف نردّ عليهم هذه الدعوى والاستدلال الباطل؟

ج : نختصر الجواب في عدّة نقاط :

1 - صغر السنّ بما هو لا يكون مانعاً عقلاً في المقام ، فلا نرى فيه أيّ محذور كما هو واضح.

وأمّا نقلاً ، فمضافاً إلى عدم ورود منع شرعي لذلك جاء في القرآن الكريم ( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) (1) ، فالاستبعاد في الموضوع لا يرجع إلى شيء.

2 - إنّ كتاب « فرق الشيعة » للنوبختي لم يصل إلينا بطريق وسند صحيح يمكن الاعتماد عليه ، كما هو رأي المحقّقين.

نعم ثبت في محلّه بأنّ النوبختي كان له كتاب بهذا الاسم ، ولكن لا يمكننا الجزم بأنّ هذه النسخة المتداولة هي الأصل ، بل من المحتمل والمظنون قويّاً تلاعب بعض الأيدي في متنها.

3 - لا ملازمة بين عدم تكليف غير البالغ وموضوع الإمامة والنبوّة ، فإنّهما رتبتان يهبهما اللّه تعالى حيث يشاء من عباده وفقاً للمصلحة التي يراها.

وأمّا عدم تكليف الصبي فهو امتنان وشفقة عليه ، أي إنّه من باب رفع المشقّة ، لا أنّه لا يصحّ تكليفه عقلاً ، ألا ترى صحّة عباداته ومشروعيّتها على المشهور.

وبعبارة واضحة : إنّ الصبي - وعلى الأخصّ المميّز منه - قد رفع عنه التكليف لصالحه ، ولكن النبوّة والإمامة أمران إلهيان يضعهما اللّه تعالى في مواضع قد قدّر استيعابهما فيها مسبقاً ، فلا امتنان في رفعهما عن تلك المواضع.

4 - ولو سلّمنا أنّ بعض الشيعة أنكر إمامته لصغر سنّه فهؤلاء حينئذ لا يطلق .

ص: 265


1- مريم : 12.

عليهم شيعة اثنى عشرية ، فحالهم حال الشيعة الإسماعيلية حين أنكروا إمامة الإمام الكاظم عليه السلام ، وحالهم حال الشيعة الزيدية حين أنكروا إمامة الإمام الباقر عليهم السلام.

( حسين جبّاري - البحرين - 23 سنة - طالب )

ردّه على ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد :

س : لقد قرأت كتيّب بعنوان « المسلم » للسيّد الشيرازي ، وقد لفتت انتباهي رواية عن أحد الأئمّة عليهم السلام ، بأنّه قد ردّ على ثلاثين ألف مسألة في جلسة واحدة ، وهذا الكلام غير منطقيّ ، لأنّنا لو قلنا : إنّ الجلسة كانت مدّتها 24 ساعة ، وقد تمّ طرح مسألة والإجابة عليها في كلّ دقيقة ، فأنّنا نرى أن ربع هذا الرقم لم نصل إليه ، فما هو ردّكم؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : الظاهر أنّك تقصد الرواية التي رواها ابن شهر آشوب في « مناقب آل أبي طالب » ، عن إبراهيم بن هاشم عن مجلس اجتمع فيه الناس للاستفادة من الإمام الجواد عليه السلام ، وهو ابن عشر سنين ، هذه الروايات إن صحّ سندها - كما هو غير بعيد ، يمكن توجيها بعدّة وجوه أهمّها :

1 - إنّ المقصود بالجلسة مجلس الاستفادة ، ولعلّه امتدّ أيّاماً وأسابيع ، وعبّر عنها بمجلس واحد ، لأجل أنّها عقدت لإثبات عظمة الإمام رغم صغر سنّه ، وعجز غيره عن مجاراته ومناظرته ، رغم كثرتهم وكبر سنّهم ، فهو مجلس واحد لأجل وحدة الغرض.

2 - إنّ المقصود بالتعبير الوارد في الرواية والعدد المذكور الجزئيات والفروع التي استفيدت من القواعد التي أُسّست من قبل الإمام عليه السلام ، وهذا مثل ما يظهر من قوله سبحانه : ( وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) (1) ، وقوله :

ص: 266


1- الأنعام : 59.

( وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) (1) بناء على أنّ المقصود بالكتاب هو القرآن.

فكما يمكن أن يحتوي القرآن على كلّ ما أُشير إليه رغم محدوديّته من حيث الألفاظ ، كذلك يمكن أن يحتوي كلام الإمام على أُسس وقواعد ليستخرج منها حكم فروع كثيرة.

وأيضاً قال اللّه سبحانه : ( ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (2) ، ومعلوم أنّ توراة موسى كان كتاباً محدود الكلمات ، ومع ذلك احتوى تفصيلاً لكلّ شيء.

وقال في موضع آخر : ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (3) ، وأشار سبحانه إلى احتواء القرآن بقوله : ( وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً ) (4) ، وإلى هذا المعنى يشير أمير المؤمنين عليه السلام في قوله : « علّمني رسول اللّه ألف باب من العلم ، فتح لي كلّ باب ألف باب »(5).

وقد قال بعض : إنّه استنبط من قول الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله : « لا ضرر ولا ضرار » أكثر من ألف حكم.

ص: 267


1- يونس : 61.
2- الأنعام : 154.
3- الأعراف : 144.
4- الإسراء : 12.
5- الفصول المختارة : 107 ، إعلام الورى 1 / 267.

ص: 268

الإمام الهادي عليه السلام :

اشارة

( عيسى - الكويت - 31 سنة )

علمه وإخباره بموت الواثق :

س : هناك من يقول أنّ علي الهادي لم يكن أعلم الناس حسبما هو مشروط فيمن يتولّى الإمامة ، فكيف يكون الردّ على هذا القول؟ وجزاكم اللّه خيراً.

ج : لقد اشتهر كالشمس في رائعة النهار بين الخاصّة والعامّة سعة أُفق علم الأئمّة عليهم السلام أجمع ، فضلاً عن الإمام الهادي عليه السلام بذاته.

أمّا بالنسبة إلى الخاصّة فلا مجال للنقاش أو الشكّ بعد الإقرار بكونهم أئمّة معصومين ، وأنّ علمهم وراثي وإلهامي.

وأمّا العامّة بجميع مذاهبها فإنّها أقرّت بسعة علوم أهل البيت عليهم السلام ، بما يميّزها عن غيرها.

ومن الأخبار التي تدلّ على سعة الإمام الهادي عليه السلام إخباره بموت الواثق ، فعن خيران الأسباطيّ قال : « قدمت على أبي الحسن عليه السلام المدينة فقال لي : « ما خبر الواثق عندك »؟ قلت : جعلت فداك خلّفته في عافية ، أنا من أقرب الناس عهداً به ، عهدي به منذ عشرة أيّام ، قال : فقال لي : « إنّ أهل المدينة يقولون إنّه مات » ، فلمّا أن قال لي : الناس ، علمت أنّه هو.

ثمّ قال لي : « ما فعل جعفر »؟ قلت : تركته أسوأ الناس حالاً في السجن ، فقال : « أمّا إنّه صاحب الأمر ، ما فعل ابن الزيات »؟ قلت : جعلت فداك الناس معه والأمر أمره.

ص: 269

فقال : « أمّا إنّه شؤم عليه » ، ثمّ سكت وقال لي : « لابدّ أن تجري مقادير اللّه تعالى وأحكامه ، يا خيران مات الواثق ، وقد قعد المتوكّل جعفر ، وقد قتل ابن الزيات » ، فقلت : متى جعلت فداك؟ قال : « بعد خروجك بستّة أيّام »(1).

( إبراهيم - كندا - 23 سنة )

دفن في بيته :

س : لماذا دفن الإمام علي الهادي عليه السلام في بيته؟ وشكراً لكم.

ج : السبب في دفنه عليه السلام في بيته يعود إلى حصول ردود الفعل من الشيعة يوم استشهاده عليه السلام ، وذلك عندما اجتمعوا لتشييعه مظهرين البكاء والسخط على السلطة ، والذي كان بمثابة توجيه أصابع الاتهام إلى الخليفة لتضلّعه في قتله.

وللشارع الذي أخرجت جنازة الإمام عليه السلام إليه الأثر الكبير ، حيث كان محلاً لتواجد معظم الموالين لآل البيت عليهم السلام ، أو من يحمل بين حنايا ضلوعه ولاء أهل البيت عليهم السلام ، من الجند والقوّاد والكتّاب.

كلّ هذا أدّى إلى اتخاذ السلطة القرار بدفنه عليه السلام في بيته ، وإن لم تظهر تلك الصورة في التاريخ بوضوح ، إلاّ أنّه يفهم ممّا تطرّق إليه اليعقوبيّ في تاريخه عند ذكر حوادث عام ( 254 ه- ) ، ووفاة الإمام الهادي عليه السلام حيث يقول : « وبعث المعتزّ بأخيه أحمد بن المتوكّل ، فصلّى عليه في الشارع المعروف بشارع أبي أحمد ، فلمّا كثر الناس واجتمعوا كثر بكاؤهم وضجّتهم ، فردّ النعش إلى داره ، فدفن فيها »(2).

وتمكّنوا بذلك من إخماد لهيب الانتفاضة والقضاء على نقمة الجماهير الغاضبة.

ص: 270


1- الكافي 1 / 498.
2- تاريخ اليعقوبيّ 2 / 503.

( علي - العراق - 19 سنة )

حذّر من ابنه جعفر :

س : هل حذّر الإمام الهادي من ابنه جعفر الكذّاب؟ ودمتم سالمين.

ج : لقد حذّر الإمام الهادي عليه السلام شيعته ومواليه من ابنه جعفر واتباعه ، فإنّه كان يقول لهم : تجنّبوا جعفراً فإنّه منّي بمنزلة نمرود من نوح الذي قال اللّه عزّ وجلّ فيه : ( فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ) (1).

قال اللّه : ( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) (2).

وقد حذّر منه أيضاً الإمام العسكريّ عليه السلام بقوله : « اللّه اللّه أن يظهر لكم أخي جعفر على سرّ ، ما مثلي ومثله إلاّ مثل هابيل وقابيل ابني آدم ، حيث حسد قابيل هابيل على ما أعطاه من الحاشية ، ولو تهيّأ لجعفر قتلي لفعل ، ولكن اللّه غالب على أمره » (3).

ص: 271


1- هود : 45.
2- هود : 46.
3- مدينة المعاجز 7 / 664.

ص: 272

الإمام العسكريّ عليه السلام :

اشارة

( .... - مسلم - .... )

روي عنه أحاديث قليلة :

س : لماذا معلوماتنا قليلة وشحيحة عن الإمام الحسن العسكريّ؟ على الرغم أنّه آخر الأئمّة ، وقبل الإمام المهديّ عليه السلام ، ومن المفروض أن نكون أكثر علماً عنه ، ونقل عنه.

إلاّ أنّنا نجد النقل أكثر عن الإمام جعفر الصادق ، ونرى نهج البلاغة ، ونرى القليل عن رسول اللّه ، أوّل من جاء بخبر السماء ، كما أنّنا لا نرى روايات عن الإمام العسكريّ.

ج : إنّ قلّة أحاديثنا عن الإمام العسكريّ عليه السلام ترجع إلى أمرين : قصر عمره الشريف ، وإبقائه تحت الرقابة الشديدة.

فالحقيقة إنّ الإمام عليه السلام قد ولد في سنة 232 ه- ، واستشهد مسموماً في سنة 260 ه- ، فعمره الشريف يكون 28 سنة.

مضافاً إلى أنّه عليه السلام قد شخص إلى العراق مع والده عليه السلام ، منذ سنة 236 ه- ، وأُجبر على الإقامة في مدينة سامراء - عاصمة العباسيّين آنذاك - حتّى تكون عيون الحكومة على معرفة قريبة من شؤونه ، واتصال الشيعة به ، وفي هذه الظروف كان من الصعب الوصول إليه ، وتلقّي الأحاديث والعلوم والمعارف منه عليه السلام.

وهذا بخلاف المقطع الذي عاشه الإمام الصادق عليه السلام ، إذ صادف زمان انهيار

ص: 273

الحكم الأمويّ وظهور العباسيّين ، فاشتغال الظالمين بالظالمين قد أنتج فرصة ذهبية للإمام عليه السلام في سبيل بثّ علوم أهل البيت عليهم السلام وأحاديثهم ، وهذا سرّ كثرة الروايات عنه عليه السلام.

وأمّا الرواية عن الرسول صلى اللّه عليه وآله فهي أحاديث أهل البيت عليهم السلام ، أي إنّ أحاديثهم - بعقيدتنا - هي أحاديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لا غير ، وهي ليست بالقليل كما هو واضح ، لمن راجع المجامع الحديثية للشيعة.

( محامي الشيعة - السعودية - .... )

المعتمد دسّ إليه السمّ :

س : على يد مَن قتل الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام؟

ج : قال ابن الصبّاغ المالكيّ في « الفصول المهمّة » ما نصّه : « ذهب كثير من الشيعة إلى أنّ أبا محمّد الحسن مات مسموماً ، وكذلك أبوه وجدّه ، وجميع الأئمّة الذين من قبلهم ، خرجوا كلّهم تغمّدهم اللّه برحمته من الدنيا على الشهادة ، واستدلّوا على ذلك ، بما روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال : « ما منّا إلاّ مقتول أو شهيد »(1).

ونقل العلاّمة المجلسيّ في « بحار الأنوار » عن كتاب « المصباح » للشيخ الكفعميّ ( قدس سره ) ، أنه قال : « توفّي عليه السلام في أوّل يوم من ربيع الأوّل » ، وقال في موضع آخر : « في يوم الجمعة ثامنه ، سمّه المعتمد »(2).

نعم المعتمد العباسيّ - الحاكم آنذاك - دسّ السمّ إلى إمامنا العسكريّ عليه السلام ، ومات مسموماً مظلوماً.

ص: 274


1- الفصول المهمّة : 290.
2- بحار الأنوار 50 / 335.

( .... - ... - .... )

مدّة إمامته :

س : إمامة أيّ من الأئمّة عليهم السلام كانت أقصر من الآخرين؟ رجاءً مع ذكر سنين إمامته.

ج : هو الإمام الحادي عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، أبو محمّد الحسن بن علي العسكريّ عليهما السلام ، فقد ولد عليه السلام في سنة 232 ه- ، وتولّى منصب الإمامة في سنة 254 ه- ، واستشهد في سنة 260 ه- ، وعليه ففترة إمامته كانت ستّ سنوات ، وبهذا تكون مدّة إمامته أقلّ فترةً من جميع آبائه المعصومين عليهم السلام.

منع من الحج :

س : نسمع أحياناً أنّ الإمام العسكريّ عليه السلام لم يحجّ ، فهل هذا صحيح؟ وإن كان صحيحاً فما وجهه؟

ج : نعم ، بحسب النصوص الروائية والتاريخية فإنّ الإمام العسكريّ عليه السلام لم تتح له فرصة الذهاب إلى الحجّ ، وبهذا هو الإمام الوحيد الذي منع من أداء مناسك الحجّ والعمرة ، ولتوضيح المسألة يلاحظ :

أوّلاً : إنّ الإمام العسكريّ عليه السلام خرج من المدينة نحو العراق في سنة 236 ه- ، مع والده الإمام الهادي عليه السلام ؛ وبما أنّ ولادته عليه السلام كانت في سنة 232 ه- ، فهذا يعني أنّه عليه السلام كان له من العمر أربع سنوات حينما اصطحبه والده في سفره إلى سامراء.

ثانياً : كما نعرف أنّ المجيء إلى سامراء كان بصورة جبرية من قبل الخليفة العباسيّ - المتوكّل - ، فمن الطبيعي أن تكون الإقامة أيضاً جبرية ، وهذا يعني عدم الخيار في الخروج منها حتّى لسفر الحجّ.

فبقي هو مع أبيه عليهما السلام تحت الرقابة الشديدة إلى زمان استشهادهما عليهما السلام.

ثالثاً : كلّ ما ذكرناه هنا فهو على ضوء الأدلّة الظاهرية ، وعليه فلا ننفي إمكانية خروج الإمام عليه السلام عن البلد ، ومحلّ الإقامة الجبرية بصور الإعجاز

ص: 275

وخرق العادة ، إذ هذا أمر طبيعيّ بالنسبة لأئمّة أهل البيت عليهم السلام.

ولكن على مستوى الوضع الظاهريّ كان عليه السلام قد فرض عليه الإقامة الجبرية في سامراء من أيّام الطفولة حتّى يوم استشهاده ، فلم يمكن التخلّص من الوضع الراهن والذهاب إلى الحجّ.

( ... - .... - .... )

إمامته منصوصة :

س : ما هي الحكمة من وراء إمامة الإمام العسكريّ عليه السلام؟ وعدم حصولها لبقية أخوته مثل سيّد محمّد ، أو جعفر أو غيرهما ، مع أنّهما كانا أكبر من الإمام العسكريّ عليه السلام من ناحية العمر؟

ج : نلفت انتباهكم في الجواب إلى نقطتين :

الأُولى : إنّ الإمامة بحسب اعتقادنا - نحن الشيعة - أمر إلهي ، ولا تخضع لقوانين الوراثة ، أو أيّ موضوع آخر ، فيجب فيها اتّباع النصّ ، وعدم الاعتماد على الظنون والتخرّصات ، وقد وردت عدّة نصوص عامّة وخاصّة دالّة على إمامة الإمام العسكريّ عليه السلام.

الثانية : وعلى فرض التنزّل والتسليم يمكننا البحث في الموردين المذكورين في السؤال.

ومجمل القول هو : إنّ السيّد محمّد قد توفّي في حياة والده الإمام الهادي عليه السلام ، وبهذا قد انتفى افتراضه كإمام ، أي إنّ إمامته انتفت بانتفاء موضوعه.

ولا يخفى أنّ لهذا السيّد شأناً كبيراً ، ومقاماً عالياً عند أهل البيت عليهم السلام ، وعند الشيعة ، ولكنّ اللّه تعالى شاء وقدّر ما كان وما يكون.

وأمّا جعفر ، وهو الملقّب بالكذّاب عند الشيعة ، فقد اشتهر عند الناس بالفسق والفجور ، فلم يكن فيه احتمال تصدّي مقام الإمامة حتّى على مستوى الفرض ؛ وهو أيضاً لم يدّع هذا المنصب في حياة أخيه الإمام العسكريّ عليه السلام ،

ص: 276

بل مال إليه بعد استشهاده عليه السلام ، ولكن لم يقبل منه القريب والبعيد هذا الادّعاء؛ وأمره إلى اللّه تعالى.

( أحمد - الكويت - 20 سنة - طالب )

قول أبيه له أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً :

س : بعد السؤال عن صحّتكم ، في الحقيقة لقد أرسلت رسالة بموضوع قدرة اللّه تعالى ، ونرجو منكم الردّ ، وهذا عهدنا بكم ، عندي موضوع آخر يتعلّق حول الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام ، وبالأخص قضية أنّ أخيه محمّد ، وأنّه هو الوصيّ بعد أبيه الهادي عليه السلام.

وقد قرأت حول هذا الموضوع بعض الردود ، مثل ردّ السيّد سامي البدريّ في كتاب شبهات وردود وغيرها ، وفي قسم الإجابات والأسئلة في هذا المركز ، في موضوع البداء ، إلاّ أنّه يتبادر عدّة نقاط يجب طرحها وملاحظاتها :

1 - ما المقصود من قول الإمام الهادي لولده الإمام العسكريّ عليهما السلام : « يا بني ، أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً »؟

وما المقصود من عبارة : وعلمنا أنّه أشار بالإمامة ، وأقامه مقامه؟ كما ورد في هذه الرواية : « عن جماعة من بني هاشم ، منهم الحسن بن الحسن الأفطس ، أنّهم حضروا - يوم توفّي محمّد بن علي بن محمّد - باب أبي الحسن يعزّونه ، وقد بسط له في صحن داره ، والنساء جلوس حوله ، فقالوا : قدّرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني هاشم وقريش مائة وخمسون رجلاً ، سوى مواليه وسائر الناس ، إذ نظر إلى الحسن بن علي قد جاء مشقوق الجيب ، حتّى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه ، فنظر إليه أبو الحسن عليه السلام بعد ساعة ، فقال : « يا بني أحدث لله عزّ وجلّ شكراً ، فقد أحدث فيك أمراً » ، فبكى الفتى وحمد اللّه واسترجع ، وقال : « الحمد لله ربّ العالمين ، وأنا أسأل اللّه تمام نعمه لنا فيك ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون ».

فسألنا عنه ، فقيل : هذا الحسن ابنه ، وقدّرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة

ص: 277

أو أرجح ، فيومئذ عرفناه وعلمنا أنّه قد أشار إليه بالإمامة ، وأقامه مقامه » (1).

2 - ما معنى قول الإمام الهادي لابنه العسكريّ عليهما السلام : « إنّ اللّه تبارك وتعالى قد جعل فيك خلفاً منه فأحمد اللّه ... »؟

كما ورد في هذه الرواية : عن محمّد بن يحيى بن درياب قال : دخلت على أبي الحسن عليه السلام بعد مضي أبي جعفر فعزّيته عنه ، وأبو محمّد عليه السلام جالس ، فبكى أبو محمّد عليه السلام ، فأقبل عليه أبو الحسن عليه السلام فقال له : « إنّ اللّه تبارك وتعالى قد جعل فيك خلفاً منه فأحمد اللّه » (2).

3 - هل يوجد نصّ من الإمام الهادي عليه السلام على ولده محمّد على أنّه هو الإمام؟ وهل حصل تواتر في الروايات على ذلك؟ ولماذا لم يتداول نصّ الإمام الجواد على العسكريّ عليهما السلام بين الشيعة؟

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل نقول : المعنى أنّ اللّه تعالى حين قبض محمّداً إليه ، وقد كان بعض الشيعة يظنّون أنّه الإمام بعد أبيه ، فلمّا أماته اللّه أظهر للناس إمامة العسكريّ ، ورفع الوهم عند ذوي الفهم منهم ، وهذه نعمة بالغة تستوجب مزيد الشكر على هدايتهم إلى الحقّ.

والمقصود بالعبارة : إنّ الإمام الهادي عليه السلام أشار إلى ابنه الحسن العسكريّ عليه السلام بالإمامة ، وأقامه مقامه ، أي مقام نفسه من بعده ، فالضمير عائد إلى الإمام الهادي في مقامه ، لا إلى ابنه محمّد.

وبالنسبة إلى السؤال الثاني نقول : معنى قول الإمام الهادي عليه السلام لابنه العسكريّ - إن صحّت الرواية ، ولا تصحّ لجهالة محمّد بن يحيى بن درياب الراوي - فإن المعنى هو المعنى في الجواب الأوّل.

وبالنسبة إلى السؤال الثالث نقول : لم يوجد أيّ نصّ من الإمام الهادي عليه السلام على ولده محمّد. .

ص: 278


1- الكافي 1 / 326.
2- المصدر السابق 1 / 327.

ولم يصحّ خبر واحد - فضلاً عن التواتر - في ذلك. وتوجد نصوص على إمامة العسكريّ ولو لم يكن تداول بين أهل المعرفة لما وصل إلينا الخبر بذلك.

وفّقنا اللّه وإيّاكم إلى بلوغ الحقّ ، والصراط المستقيم.

( تسنيم الحبيب - الكويت - 19 سنة - طالبة جامعة )

رؤية نرجس له بالحلم :

س : لدي سؤال يتعلّق بالسيّدة المبجّلة والدة الإمام الحجّة عليه السلام - جعلنا وإيّاكم من أنصاره - : قرأت في بحار الأنوار عن غيبة الشيخ الطوسيّ : « أنّها عليها السلام كانت تحلم بالإمام العسكريّ عليه السلام ، ويأتي بالحلم لها ليحدّثها ويجالسها » (1).

فهل هذا ممكن وجائز؟ وهل كانت هي حليلة له؟ أم أنّ هناك مسوّغاً شرعياً آخر؟ وجزاكم اللّه خير الجزاء ، ودمتم موفّقين.

ج : رؤية نرجس عليها السلام ، أو أي امرأة أُخرى إلى رجل غريب في الحلم لا يحتاج إلى مسوّغ شرعي ، وهكذا رؤية الإمام العسكريّ عليه السلام ، أو أي رجل آخر إلى امرأة غريبة في الحلم.

ثمّ بعد التسليم بصحّة سند الرواية ، ففي بدايتها تصريح بحصول عقد النكاح من خلال النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله ، وشمعون وصيّ عيسى عليهما السلام.

ص: 279


1- بحار الأنوار 51 / 6.

ص: 280

الإمام المهديّ عليه السلام :

اشارة

( مجيد علي - البحرين - .... )

إثبات وجوده بالفطرة :

س : كيف نثبت وجود الإمام المهديّ عليه السلام بالفطرة؟

ج : إنّ العقل والفطرة يحكمان بعدل اللّه تعالى ، ومن عدله تعالى بعثة الأنبياء والرسل ، وألا يترك الأُمّة سدى ، وهكذا كان ، ففي كلّ وقت وزمان - من زمن آدم عليه السلام - كان نبيّ أو وصيّ نبيّ.

وعند البحث والتحقيق نشاهد أنّ لجميع الأنبياء وصيّ أو أوصياء ، ولمّا كانت نبوّة نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله خاتمة النبوّات ، فوجود الوصي يكون ضرورياً.

وذهبت الشيعة إلى أن له صلى اللّه عليه وآله وصيّ ، وهو أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ومن بعده أحد عشر إماماً عليهم السلام أوصياء له صلى اللّه عليه وآله.

ونفس الدليل الذي أوجب عدل اللّه تعالى ، ومن ثمّ استلزام العدل أن لا يترك الأُمّة سدى بلا نبيّ أو وصيّ ، يأتي هذا الدليل في زماننا هذا ، فهل ترك اللّه تعالى بعد شهادة الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام الأُمّة بلا وصيّ؟!

الدليل العقليّ والفطري يحكمان بوجوب تعيين وصيّ وإمام من قبله تعالى لهذه الأُمّة ، وهو وإن كان غائباً ، إلاّ أنّ البشرية تستفيد منه ، كما يستفيد الناس من الشمس إذ غيّبها السحاب.

ص: 281

( غانم النصار - الكويت - .... )

مولود وغائب متّفق عليه عند الشيعة :

س : هل هناك دليل من القرآن والسنّة على اختفاء الإمام الحجّة؟ بارك اللّه بكم.

ج : تارة نبحث عن أصل فكرة المنقذ للبشرية ، وأنّه في آخر الزمان يخرج منقذ للبشرية ، ينقذها من الظلم والجور ، فهذا ممّا اتفقت عليه جميع الأديان.

وتارة نبحث عن أنّ المنقذ هو المهديّ المنتظر عليه السلام ، مع غضّ النظر عن أنّه ولد أو لا ، فهذا ممّا اتفق عليه جميع المسلمين.

وتارة نبحث عن المنقذ بأنّه الإمام محمّد بن الحسن العسكريّ ، وأنّه ولد وغاب ، فهذا ممّا اتفق عليه الشيعة الإمامية ، وفي كتبهم من ذلك روايات كثيرة جدّاً ، تصل إلى حدّ التواتر.

( .... - ... - .... )

اتجاهان في تفسير الدجّال :

س : يشغل بالي كثيراً هذا السؤال ، وهو : من هو الدجّال؟ وفي أيّ زمان يخرج؟ وهل الدجّال فرداً أم جماعةً؟ ألا نستطيع أن نعتبر أمريكا هي الدجّال؟

ج : هناك اتجاهان في تفسير الدجّال ، أحدها يؤكّد أنّ الدجّال هو ابن صائد ، الذي أكّدته روايات أهل السنّة ، وأيّدته بعض المرويّات عند الإمامية ، ولعلّها اعتمدت على تلك الروايات العامّية.

ثانيها : يذهب إلى أنّ الدجّال رمز يرمز إلى الظلم والكفر والطغيان ، ومع هذا الاتجاه ، يمكنك أن تجعل أي مصداق من مصاديق الكفر والضلال في نطاق مفهوم الدجّال ، وفي المقام بحث واسع لا يسعنا التطرّق إليه.

ولا عليك أن تكلّف نفسك في البحث عن مصداق الدجّال ، أهو الحقيقيّ

ص: 282

الذي اسمه ابن صائد ، أو هو المجازي الذي يعني كلّ كفر وضلال ، فإنّ تكليفنا جميعاً هو الاعتقاد الحقّ بوجود المهديّ عليه السلام وولادته ، وهو ابن الحسن العسكريّ عليه السلام.

وظهوره بعد أن يأذن اللّه تعالى له بالظهور ، والتسليم لهذا الأمر والانتظار له ، وتهذيب النفس وتهيئتها لاستقباله عليه السلام ، ومعايشة فكرة الظهور في كلّ لحظة من لحظات حياتنا. هذه هي المطالب الشريفة التي يجب التمسّك بها.

( عبد المنعم إسماعيل - السعودية - 19 سنة - طالب ثانوية )

أدلّة قرآنية على حياته :

س : ما هو دليل حياة الإمام المنتظر عليه السلام من القرآن؟

ج : إنّ حياة الإمام المهديّ عليه السلام في القرآن تثبت بالرجوع إلى الآيات القرآنية التي تثبت وجوب الإمام في كلّ عصر ، فإثبات وجوب الإمامة لا يعني في وقتٍ دون وقت ، فإنّ ذلك يمتد حتّى إلى عصرنا الذي نحتاج فيه الإمام ، لنفس الغرض الذي نثبته في كلّ عصر.

1 - قال تعالى : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (1).

روي عن ابن عباس أنّه قال : لمّا نزلت الآية ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أنا المنذر وعلي الهادي من بعدي ، فقال : يا علي بك يهتدي المهتدون »(2).

فهل الهادي لزمانٍ دون زمان ، وعصرٍ دون عصر؟

ص: 283


1- الرعد : 7.
2- المسترشد : 359 ، شرح الأخبار 2 / 272 و 350 ، مناقب آل أبي طالب 2 / 280 ، الصراط المستقيم 2 / 10 ، فتح الباري 8 / 285 ، تفسير أبي حمزة الثمالي : 215 ، تفسير فرات الكوفي : 206 ، التبيان 6 / 223 ، مجمع البيان 6 / 15 ، خصائص الوحي المبين : 140 ، جامع البيان 13 / 142 ، شواهد التنزيل 1 / 382 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 359 ، بشارة المصطفى : 377.

عن الإمام الباقر عليه السلام في قول اللّه تعالى : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، قال : « رسول اللّه المنذر ، وعلي الهادي ، واللّه ما ذهبت منّا ، وما زالت فينا إلى الساعة »(1).

ممّا يدلّ على أنّ هذه الآية مستمرة إلى قيام الساعة ، ففي كلّ عصر هادٍ من أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، ومنهم الإمام المهديّ عليه السلام حتّى عصرنا هذا وما بعده ، إذ لا يخلو زمان عن إمامٍ هادٍ.

وعن محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، فقال : « إمام هاد لكلّ قومٍ في زمانهم »(2).

وعن الإمام الصادق عليه السلام في حديث طويل : « ولم تخل الأرض منذ خلق اللّه آدم من حجّة لله فيها ، ظاهر مشهور ، أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله فيها ، ولولا ذلك لم يعبد اللّه ».

قال سليمان - راوي الحديث - فقلت للصادق عليه السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور؟ قال عليه السلام : « كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب »(3).

2 - قوله تعالى : ( وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) (4).

وإيصال القول أي تبليغهم بآيات اللّه وأحكامه ، وهذه لا يقوم بها إلاّ الإمام ، وفي زماننا هو الإمام المهديّ عليه السلام ، فلابدّ من وجوده ، ليتمّ مصداق هذه الآية.

عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله : ( وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ ) قال : « إمام بعد إمام »(5).

3 - قوله تعالى : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) (6).

ص: 284


1- بصائر الدرجات : 50 ، تفسير العيّاشيّ 2 / 204.
2- الإمامة والتبصرة : 132 ، كمال الدين وتمام النعمة : 667 ، ينابيع المودّة 1 / 297.
3- الأمالي للشيخ الصدوق : 253 ، كمال الدين وتمام النعمة : 207 ، ينابيع المودّة 1 / 75.
4- القصص : 51.
5- بصائر الدرجات : 535 ، الأمالي للشيخ الطوسيّ : 294 ، تفسير القمّيّ 2 / 141.
6- البقرة : 30.

فهل هذه الآية لزمانٍ دون زمان؟ أم هي متصلة إلى أن تقوم الساعة؟ فمن هو خليفة اللّه في الأرض في زماننا هذا؟ لابدّ أن يكون ذلك الخليفة هو الإمام ، والإمام اليوم هو الإمام المهديّ عليه السلام ، فهو حيّ بمقتضى هذه الآية.

4 - قوله تعالى : ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (1).

فإتمام النور بالتبليغ إلى اللّه تعالى ، فهل هذا لزمان دون زمان؟ فمن هو الذي يتمّ نور اللّه في هذا الزمان؟ إنّه الإمام المهديّ عليه السلام الذي يعيش في زماننا هذا.

عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « لم تخلو الأرض منذ كانت من حجّة عالم ، يحيي فيها ما يميتون من الحقّ » ، ثمّ تلا هذه الآية : ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (2).

5 - قوله تعالى : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ... ) .

فنقول : هل إنّ ليلة القدر كانت في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ أم حتّى من بعده.

فإذا كانت ليلة القدر مستمرة وتنزل الملائكة والروح فيها في كلّ عام فعلى من تنزل في زماننا هذا؟ لابدّ من نزولها على خليفة رسول اللّه ، وهو الإمام المعصوم ، الذي هو إمامنا المهديّ عليه السلام.

عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « كان علي عليه السلام كثيراً ما يقول : اجتمع التيمي والعدوي عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهو يقرأ ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ) بتخشّع وبكاء ، فيقولان : ما أشدّ رقّتك لهذه السورة؟

فيقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : لما رأت عيني ووعى قلبي ، ولما يرى قلب هذا من بعدي. .

ص: 285


1- الصف : 8.
2- كمال الدين وتمام النعمة : 221.

فيقولان : وما الذي رأيت وما الذي يرى؟ قال : فيكتب لهما في التراب ( تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ) قال : ثمّ يقول : هل بقي شيء بعد قوله : ( كُلِّ أَمْرٍ )؟ فيقولان : لا ، فيقول : هل تعلمان مَن المنزل عليه بذلك؟ فيقولان : أنت يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فيقول : نعم.

فيقول : هل تكون ليلة القدر من بعدي؟ فيقولان : نعم ، فيقول : فهل ينزل ذلك الأمر فيها؟ فيقولان : نعم ، فيقول : إلى من؟ فيقولان : لا ندري ، فيأخذ برأسي ، ويقول : إن لم تدريا فادريا ، هو هذا من بعدي ... » (1).

ممّا يدلّ على أنّ ليلة القدر مستمرة ، ونزول الروح في هذه الليلة من كلّ عام على الإمام المعصوم ، وهو الإمام المهديّ ، فالإمام عليه السلام حيّ بمقتضى هذه الآية.

( محمّد إبراهيم الإبراهيم. الكويت - 25 سنة - دبلوم )

زواجه :

س : قولكم سماحة السيّد : إنّ الإمام المهديّ عليه السلام ليس له أولاد ، في ردّكم على سؤال أحد الإخوة غير صحيح ، حيث من خلال قراءتي للكتب تبيّن أنّه متزوّج ، وله أولاد وشعب في الجزيرة الخضراء ، والقصّة مذكورة في لقاء أحد الأخيار مع صاحب العصر والزمان ، ونسألكم الدعاء.

ج : لم يثبت عندنا بالأدلّة النقليّة الصحيحة زواج الإمام المهديّ عليه السلام ، ومن ثمّ له أولاد وذرّية ، وعليه فتبقى المسألة في حيّز الشكّ والاحتمال.

والروايات التي تثبت له عليه السلام ذلك هي إمّا ضعيفة السند ، أو غير صالحة الدلالة ، وقد ردّها علماؤنا - كأمثال الشيخ المفيد والشيخ الطبرسيّ والشيخ البياضيّ - بالإضافة إلى وجود بعض الروايات المصرّحة بعدم ذلك.

نعم ، من المحتمل أن تكون له عليه السلام ذرّية ، وهذه الذرّية لا فرق في أن تكون

ص: 286


1- الكافي 1 / 249.

في الجزيرة الخضراء التي لا يعرف مكانها ، أو في أيّ بقعة من بقاع العالم.

( أبو علوي - عمان - 31 سنة )

شرعية مخاطبته عن طريق الرسائل :

س : ما رأيكم فيما يفعله بعض عوام الشيعة - وخصوصاً النساء - في ليلة النصف من شعبان ، وذلك بقيامهم بكتابة رسالة إلى صاحب العصر عليه السلام في ورقة ، ومن ثمّ رميها في البحر ، معتقدين بأنّها ستصل إليه؟ وما مدى صحّة هذا العمل؟

ج : إنّ مطلق الاستغاثة والتوسّل بالمعصومين عليهم السلام ، ومنهم الحجّة صاحب العصر عليه السلام عمل مستحبّ وممدوح عقلاً ونقلاً ، بحسب النصوص الواردة في المجامع الحديثية.

وأمّا كتابة رسالة بشكل رقعة إلى الإمام الحجّة عليه السلام فوردت في بعض كتب الأدعية بأشكال مختلفة ، ومضمون واحد ، بأنّ الرقعة المذكورة تكتب وتطوى وتجعل في الطين ، وترمى في البحر ، أو البئر ، أو أيّ ماء جار ، ولكن لم يرد فيها موضوعية ليلة النصف من شعبان لكتابتها(1).

وجاء في بعض المصادر أن يؤخذ في النظر عند إلقاء الرقعة في الماء أحد النواب الأربعة - لأنّهم كانوا أبواباً للإمام عليه السلام - فيخاطب وينادي باسمه لإيصال الرقعة إلى الحجّة عليه السلام(2).

وعلى أيّ حال ، فإنّ الموضوع يبقى في إطار توطيد العلاقات ، وأواصر المحبّة بين الإمام عليه السلام وشيعته ، ولا مانع منه شرعاً إذا كان بأمل إنجاح المطالب والحوائج الشرعية.

ص: 287


1- بحار الأنوار 91 / 28.
2- المصدر السابق 91 / 30 و 99 / 235.

( أبو العماد الحسائي - السعودية - .... )

بعض الأدلّة على إمامته :

س : كيف يتمّ إثبات إمامة الإمام الحجّة عليه السلام ، وهو غائب عنّا ، ولم نره في هذا العصر؟

ج : يمكن أن نستدلّ على إمامة الإمام المهديّ المنتظر عليه السلام بروايات متواترة من الفريقين ، وسواء كان غائباً أم حاضراً ، فلا يؤثّر ذلك في صحّة الاستدلال على إمامته ، فلا علاقة بين صدر سؤالك وذيله ، أمّا إذا أردت معرفة فلسفة الغيبة وأسبابها ، فلذلك جواب آخر.

وممّن صرّح بتواتر أحاديث المهديّ عليه السلام جمع غفير من كبار علماء السنّة ، نقتصر على ذكر بعضهم :

البربهاريّ ، شيخ الحنابلة وكبيرهم في عصره ، المتوفّى 329 ه- ، محمّد بن الحسين الأبري الشافعي ، المتوفّى 363 ه- ، القرطبيّ المالكيّ - المتوفّى 671 ه- - في تفسيره ، ابن القيّم ، المتوفّى 751 ه- ، ابن حجر العسقلانيّ ، المتوفّى 852 ه- ، ابن حجر الهيتميّ ، المتوفّى 974 ه- ، المتّقي الهنديّ ، المتوفّى 975 ه- ، وآخرون غيرهم(1).

وقد صرّح آخرون من أهل السنّة بوجوده وبقائه وحياته - أو قريب من ذلك - مثل الشيخ عبد الوهّاب الشعراني في كتابه اليواقيت والجواهر قال : « المهديّ من ولد الإمام الحسن العسكريّ ، ومولده ليلة النصف من شعبان سنة 255 ، وهو باقٍ إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم … »(2).

وهناك أدلّة من القرآن الكريم ، وروايات متواترة أيضاً من طرقنا ، كلّها تثبت إمامة المهديّ عليه السلام.

ص: 288


1- الجامع لأحكام القرآن 8 / 122.
2- إسعاف الراغبين : 133 نقلاً عن اليواقيت والجواهر.

( محمّد القلاّف - أمريكا - .... )

أدلّة على ولادته :

س : ماذا أقول لشخص يسألني : ما دليلكم على أنّ المهديّ عليه السلام مولود وحيّ؟ وشكراً ، في أمان اللّه ، ونسألكم الدعاء.

ج : إنّ ولادة أيّ إنسان في هذا الوجود تثبت بإقرار أبويه ، وشهادة القابلة ، وإن لم يره أحد قطّ غيرهم ، فكيف لو شهد المئات برؤيته ، واعترف المؤرّخون بولادته ، وصرّح علماء الأنساب بنسبه ، وظهر على يديه ما عرفه المقرّبون إليه ، وصدرت منه وصايا وتعليمات ، ونصائح وإرشادات ، ورسائل وتوجيهات ، وأدعية وصلوات ، وأقوال مشهورة ، وكلمات مأثورة ، وكان وكلاؤه معروفين ، وسفراؤه معلومين ، وأنصاره في كلّ عصر وجيل بالملايين ، وللوقوف على ما ندّعيه عليكم بمراجعة كتاب « المهديّ المنتظر في الفكر الإسلامي » ، وكتاب « المسائل العشر » ، حيث تطرّق الأوّل إلى المواضيع التالية :

1 - إخبار الإمام العسكريّ بولادة ابنه المهديّ عليه السلام.

2 - شهادة القابلة بولادة الإمام المهديّ عليه السلام.

3 - من شهد برؤية المهديّ من أصحاب الأئمّة عليهم السلام وغيرهم.

4 - شهادة وكلاء المهديّ عليه السلام ، ومن وقف على معجزاته برؤيته.

5 - شهادة الخدم والجواري والإماء برؤية المهديّ عليه السلام.

6 - تصرّف السلطة دليل على ولادة الإمام المهديّ عليه السلام.

7 - اعتراف علماء الأنساب بولادة الإمام المهديّ عليه السلام.

8 - اعتراف علماء أهل السنّة بولادة الإمام المهديّ عليه السلام.

9 - اعتراف أهل السنّة بأنّ المهديّ عليه السلام هو ابن العسكريّ.

وإذا أردت أن تقف على عقيدة السنّة والشيعة في مسألة المهديّ عليه السلام فعليك أن ترجع إلى الكتب التالية لمحقّقي السنّة ومحدّثيهم :

1 - « صفة المهديّ » للحافظ أبي نعيم الأصفهانيّ.

ص: 289

2 - « البيان في أخبار صاحب الزمان » للكنجيّ الشافعيّ.

3 - « البرهان في علامات مهديّ آخر الزمان » للمتّقيّ الهنديّ.

4 - « العرف الوردي في أخبار المهديّ » للحافظ السيوطيّ.

5 - « القول المختصر في علامات المهديّ المنتظر » لابن حجر الهيتميّ.

6 - « عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر » للشيخ جمال الدين الدمشقيّ.

وإذا أردت التفصيل ، فراجع « منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر » للشيخ الصافيّ.

ومن خلال هذا تعرف الأدلّة الوافية على أنّه عليه السلام حيّ يرزق ، وما يستلزمه من طول عمره عليه السلام فمسألته محلولة.

والخلاصة : إنّ الشيعة - ولاستنادهم على جملة واسعة من الروايات ، والأدلّة الصحيحة - يذهبون إلى أنّه عليه السلام ولد في مدينة سامراء ، عام 255 ه- ، وغاب بأمر اللّه سبحانه سنة وفاة والده الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام عام 260 ه- ، وهو يحيى حياة طبيعية كسائر الناس ، غير أنّ الناس يرونه ولا يعرفونه ، وسوف يظهره اللّه سبحانه ليحقّق عدله.

سائلين المولى عزّ وجلّ أن يعجّل فرجه ويسهّل مخرجه

( .... - الجزائر - .... )

الاعتقاد به من ضروريّات الإسلام :

س : هل الاعتقاد بصاحب الزمان أمر عقائديّ؟ ويعتبر من الأُصول أم أنّه من الفروع؟

إن كان الجواب أنّه أصلاً ، فالسؤال لابدّ من طاعته ، إذ كما يجب طاعة اللّه فهذا من ذاك ، وأمّا إن كان الجواب أنّه ليس أصلاً ، فما معنى الوجود أصلاً؟ وما معنى الخلافة فصلاً؟ والخلق عدلاً وقسطاً.

ص: 290

ج : الضروريّ من العقيدة على قسمين :

1 - ضروريّ الإسلام ، وضروريات الإسلام معلومة ، من أنكر واحدة منها خرج عن الإسلام.

2 - ضروريّ المذهب ، وهذا القسم من أنكر واحد منها خرج عن المذهب ، لا عن أصل الإسلام.

والاعتقاد بالمهديّ المنتظر عليه السلام ، إن كان معناه الاعتقاد بأصل فكرة المهديّ عليه السلام ، وأنّه من ولد فاطمة عليها السلام ، يخرج آخر الزمان ، فيملأها قسطاً وعدلاً ، بعد ما ملئت ظلماً وجوراً ، فإنّ هذا الاعتقاد من ضروريّ معتقدات الإسلام ، لتواتر الأحاديث عند جميع المسلمين بمسألة المهديّ المنتظر ، ومن علم بهذا التواتر ثمّ أنكر فإن هذا يوجب تكذيب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وتكذيب رسول اللّه خروج عن الدين.

وأمّا الاعتقاد بأنّه حيّ ، والاعتقاد بغيبته ، وعصمته ، وإمامته من اللّه تعالى فانّه من ضروري المذهب ، من أنكره خرج بذلك عن المذهب ، ولم يخرج عن الإسلام.

وبعد هذا التوضيح ، فإنّ الإمامة أصل من أُصول المذهب ، تشمل الإمامة إمامة الأئمّة الاثني عشر ، وأنّهم منصوص عليهم بالإمامة من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والرسول ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (1) ، فيكون حكم قولهم حكم قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في الحجّية ، ووجوب الأخذ به ، وعدم جواز مخالفته.

وكلّ هذه التفاصيل يعود فهمها إلى أصل فهم الإمامة فهماً حقيقياً ، وبعد فهم الإمامة الإلهيّة فهماً مستنداً إلى الأدلّة من الكتاب والسنّة والعقل ، فسوف لا يبقى أيّ إشكال أو إبهام.

ص: 291


1- النجم : 3 - 4.

( حسن. الكويت - 19 سنة - طالب جامعة )

الدليل العقليّ على وجوده :

س : أُحبّ أوّلاً : أن أشكر لكم جهودكم العظيمة ، وثانياً : ما هو الدليل العقليّ على وجود صاحب العصر والزمان عليه السلام؟

ج : إليك أخي الكريم البحث الذي ذكره السيّد الخرازيّ في شرحه لعقائد الإماميّة حيث بيّن فيه بعض الأدلة العقليّة على وجوب الإمامة ، وتطرّق فيه أيضاً إلى وجود الإمام الثاني عشر عليه السلام :

« المقام السابع : في لزوم الإمامة : وقد عرفت أنّ الإمامة بالمعنى الذي لها عند الشعية هي كالنبوّة ؛ فكما أنّ النبوّة لطف ورحمة ، كذلك الإمامة ، فإذا ظهر كونها لطفاً ، والمفروض أنه لا يقترن بمانع يمنع عنه ، فهو مقتضى علمه تعالى بالنظام الأحسن وإطلاق كماله وحكمته تعالى ، وعليه فيصدر عنه تعالى ، وإلا لزم أن يكون جاهلاً بالنظام الأحسن ، أو لزم عدم كونه تعالى كمالاً مطلقاً وحكيماً ، وهو خلف في كونه عليماً ورحيماً وحكيماً بالأدلّة القطعية ، وإليه يؤول ما يقال في تقريب لزوم الإمامة أنّها واجب في حكمته تعالى ، لأنّ المراد من الوجوب هو اللزوم والمقتضى كما مرّ مراراً ، لا الوجوب عليه ، فالأولى هو التعبير بالاقتضاء واللزوم كما عبّر عنه الشيخ أبو علي سينا في الشفاء ، حيث قال في مقام إثبات النبوّة - بعد ذكر المنافع التي لا دخل لها في بقاء النوع الإنسانيّ ، كإثبات الشعر في الحاجب والأشفار - : فلا يجوز أن يكون العناية الأولى تقتضي تلك المنافع ولا تقتضي هذه التي هو أسّها.

وهذا كلّه بناء على التقريب الفلسفيّ الذي ذهب إليه المصنّف في إثبات النبوّة والإمامة ، وحاصله : أنّ النبوّة والإمامة كليهما مما يقتضيهما كماله المطلق ، ورحيميّته المطلقة ، وإلا لزم الخلف في كونه كمالاً مطلقاً كما لا يخفى.

وأما بناء على التقريب الكلاميّ فتقريبه كالتقريب الذي مضى في النبوّة ، وهو أن يقال : إنّ ترك اللطف نقض الغرض ؛ لأنّ غرض الحكيم لا يتعلّق إلا

ص: 292

بالراجح ، وهو وجود الإنسان الكامل ، وإعداد الناس ، وتقريبهم نحو الكمال ، وهو لا يحصل بدون الإمام ، فيجب عليه اللطف ؛ لأنّ ترك الراجح عن الحكيم المتعال قبيح بل محال ؛ إذ مرجع الترجيح من غير مرجِّح إلى الترجُّح من غير مرجِّح كما لا يخفى. وكيف كان فلا بدّ في كل عصر من وجود إمام هو يكون إنساناً كاملاً هادياً للناس والخواص ، مقيماً للعدل والقسط ، رافعاً للظلم والعدوان ، حافظاً للكتاب والسنّة ، رافعاً للاختلاف والشبهة ، أسوة يتخلق بالأخلاق الحسنة حجّة على الجنّ والإنس ، وإلاّ كما عرفت لزم الخلف في كمال ذاته وهو محال ، أو الإخلال بغرضه وهو قبيح عن الحكيم ، بل هو أيضاً محال كما عرفت ، فإذا كان كلّ نوع من أنواع لطف وجود الإمام من أغراضه تعالى فلا وجه لتخصيص نقض الغرض بنوع منها كما يظهر من بعض الكتب الكلامية ، مع أنّ كلّ نوع منها راجح من دون اقتران مانع ، فبترك كلّ واحد يوجب نقض الغرض ، ولعلّ الاكتفاء ببعض الأنواع من باب المثال فافهم ، فالأولى هو عدم التخصيص ببعض تلك الأنواع ، ولعلّ إليه يؤول ما في متن تجريد الاعتقاد حيث قال : الإمام لطف فيجب نصبه على اللّه تعالى تحصيلاً للغرض.

ثمّ إنّ مقتضى كون وجود الإمام كالنبّي لطفاً مضاعفاً أنّ كلّ واحد من أبعاد وجوده وفوائده يكون كافياً في لزوم وجوده ، فإن طرأ مانع عن تحقق بعضها كالتصرّف الظاهريّ بين الناس يكفي الباقي في لزوم وجوده وبقائه.

وينقدح مما ذكر أنّ ظهور الإمام للناس لطف زائد على وجوده الذي يقتضيه علمه تعالى بالنظام الأحسن وإطلاق كماله ، فإرشاده وتعليمه وتزكيته للناس لطف آخر ، وهكذا بقية الشؤون التي تكون للإمام.

هذا مضافاً إلى أنّ إرشاده وتعليمه وتزكيته للجنّ أيضاً لطف في حقّهم فإنّهم مكلّفون ومحجوجون بالحجج الإلهيّة كما لا يخفى.

ثمّ بعد وضوح أنّ الإمامة كالنبوّة اتضح لك أنها أمر فوق قدرة البشر ، فلا

ص: 293

تنالها يده ولا يمكن له تعيينها واختيارها ، بل هي فعل من أفعاله تعالى فيجعلها حيث يشاء ، وهو أعلم بما يشاء ، ومنه يظهر أنّه لا مجال للبحث عن وجوب نصب الإمام على الناس وكيفيّته ؛ فإنّ ذلك من فروع الإمارة الظاهرية مع عدم تعيين الخليفة الإلهيّة عن اللّه تعالى.

وأمّا مع تعيينها فلا مجال للبحث عنه إذ المعلوم أنّ الإمارة له ، كما أنّه لا بحث مع وجود النبّي المرسل عن وجوب نصب الأمير على الناس ، لأنّ الإمارة من شؤون النبّي المرسل كما لا يخفى.

فاتّضح أنّ الإمام لزم أن يكون متعيّناً بنصب إلهيّ ، ولذلك نصّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله من جانب اللّه تعالى في مواضع متعددة على إمامة علي عليه السلام وأولاده الأحد عشر عليهم السلام كما نص كلّ إمام على من يليه من جانب النبيّ صلى اللّه عليه وآله وهذه النصوص متواترة جداً يشهد بوجودها الجوامع الروائية من العامّة والشيعة كإثبات الهداة للشيخ الحرّ العامليّ والبحار وأصول الكافي ومنتخب الأثر وغاية المرام وعبقات الأنوار وكتاب الغدير وغيرها.

وهاهنا سؤال : وهو أنه لا ريب في كون وجود الإمام لطفاً فيما إذا كان ظاهراً ومتصرّفاً في الأمور وأمّا إذا لم يكن ظاهراً ولم يتمكّن الناس من درك محضره ، كالإمام الثاني عشر عليه السلام في زمان الغيبة ، فمجرد وجود كيف يكون لطفاً في حقّ العباد؟

والجواب عنه ظاهر ممّا مرّ ، من أنّ وجود الإنسان الكامل في نظام العالم ممّا يقتضيه علمه تعالى بالنظام الأحسن ورحمته المطلقة وإطلاق كماله ، ولا مانع منه ، فيلزم وجوده وإلا لزم الخلف في كونه كمالاً مطلقاً ، فوجود الإمام - الذي هو إنسان كامل - لطف ، وتصرّفه وظهوره لطف آخر ، فلا يضرّ فقد لطف من جهة المانع بوجود اللطف من جهة أو جهات أخر ، لأنّ المفروض عدم وجود مانع من جهة أخرى.

ص: 294

هذا مضافاً إلى أنّ إرشاد الإمام وتصرّفه لا يختصّ بالإنسان ، بل يعمّ الجنّ أيضاً ، لأنهم مكلّفون ومحجوجون بوجوده على أنّ بعض الخواص كانوا يسترشدون بإرشاده وعناياته في الغيبة الصغرى بل الكبرى أيضاً ، كما تشهد به التشرّفات المكررة لبعض المكرّمين من العباد. هذا مع الغمض عمّا يتصرّف في النفوس من وراء الحجاب والستار.

قال الحكيم المتألّه المولى محمد مهدي النراقيّ في الجواب عن ذلك : إنّ ظهور الإمام الثاني عشر - أرواحنا فداه - وتصرّفه فائدة من فوائد وجوده ، لأنّ فوائد وجوده كثيرة وإن كان غائباً :

الأوّل : أنّه قد ورد في الحديث القدسيّ عنه تعالى أنّه قال : « كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف ». فيعلم منه أنّ الباعث على إيجاد الإنسان هو المعرفة باللّه تعالى ، فليكن في كل وقت فرد بين آحاد الإنسان يعرفه كما هو حقّه ، ولا تحصل المعرفة كما هو حقّه في غير النبيّ والإمام ، فلابدّ من وجود الحجّة في الأرض حتى تحصل المعرفة به كما هو حقّه بين الناس.

والثاني : أنّ مجّرد وجوده لطف وفيض في حق الناس ولو لم يكن ظاهراً ، لأنّ وجوده باعث نزول البركات والخيرات ، ومقتض لدفع البليّات والآفات ، وسبب لقلة سلطة الشياطين من الجنّ والإنس على البلاد ، فإن آثار الشيطان كما وصلت إلى الشر دائماً كذلك لزم أن تصل آثار رئيس الموحّدين وهو الحجّة الإلهيّة إليهم ، فوجود الحجّة في مقابل الشيطان للمقاومة مع جنوده ، فلو لم يكن للإمام وجود في الأرض صارت سلطة الشيطان أزيد من سلطة الأولياء ، فلا يمكن للإنسان المقاومة في مقابل جنود الشيطان.

والثالث : أنّ غيبة الإمام الثاني عشر - أرواحنا فداه - تكون عن أكثر الناس لا عن جميعهم ، لوجود جمع يتشرفون بخدمته ، ويأخذون جواب الغوامض من

ص: 295

المسائل ويهتدون بهدايته ، وإن لم يعرفوه ، انتهى ملخص كلامه » (1).

وهناك تتمّة للبحث تجدها في الكتاب المذكور.

( أبو الزين - الأردن - .... )

المبالغة بالقول في قتله للأعداء :

س : يقول صديقي الأشعريّ : وأنظر كيف يصفون الإمام المهديّ :

عن أبي جعفر عليه السلام قال : « لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحبّ أكثرهم ألا يروه ، ممّا يقتل من الناس ... حتّى يقول كثير من الناس : ليس هذا من آل محمّد ، ولو كان من آل محمّد لرحم » (2).

وأورد كذلك خمس روايات أُخرى من بحار الأنوار ، كلّها تشهد بقسوة وغلظة الإمام ، ثمّ علّق يقول : إذاً ظهور القائم سيكون نقمة على المسلمين ، يسفك دمائهم ، ويقتلهم تقتيلاً ، وحقّ للناس أن يقولوا ليس هذا من آل محمّد ، لأنّ آل محمّد يرحمون ويشفقون ، بل هم أرحم الناس بالناس ، اقتداء بجدّهم سيّدنا رسول اللّه ، حاشا آل البيت ممّا يفتريه المبطلون.

ج : بغضّ النظر عن البحث السنديّ لهذه الروايات نقول : ينبغي الإلتفات إلى أمر مهم ، وهو أنّ الأحكام الإلهيّة كلّها رحمة للناس ، فعندما يحكم اللّه بوجوب قتل المفسد في الأرض فلا يصحّ أن نقول إن ذلك قسوة من اللّه ؛ لأنّ في قتل هؤلاء حياة البشرية وسعادتها ، ففي تطبيق الحكم الإلهيّ وقتل المفسدين تملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

فإذا كانت الدنيا قد مُلأت ظلماً وجوراً - بإجماع المسلمين - فيظهر المهدي عليه السلام ليملأها قسطاً وعدلاً - بإجماع المسلمين - فحينها لا ينبغي أن يشكّ عاقل بأنه لا يمكن أن تملأ قسطاً وعدلاً إلا بقتل المفسدين في الأرض ، وفرض

ص: 296


1- بداية المعارف الإلهيّة في شرح عقائد الإمامية للسيد محسن الخرازيّ 2 / 24 - 30.
2- الغيبة للنعماني : 233.

الكلام أن هؤلاء كثيرون جدّاً بحيث ملأوا الأرض ظلماً وجوراً .. فما للبعض ينزعج ويضطرب عندما يسمع بقتل الإمام المهدي عليه السلام للمفسدين؟!

أمّا ما روي من قول الناس عند ظهوره عليه السلام من أنّه أفرط في القتل ، فهذا من جهلهم بالواقع الذي اطّلع عليه الإمام عليه السلام ، فكم من رجل ظاهره الصلاح وهو من رؤوس المنافقين والمفسدين في الواقع ، وكم من شخص يرقّ له قلب الساذج البسيط وهو من أشد الناس عداوة لله والرسول والعدالة والإنسانية ، فتأمل.

أمّا قول صاحبك : « إذاً ظهور القائم سيكون نقمة على المسلمين ... » فهو استنتاج خاطئ منشأه عدم فهم النصوص فهماً صحيحاً ، فالمهديّ لا يكون نقمة إلا على المفسدين فقط. أمّا المسلمين وغيرهم ممن لم يطلع على الحقّ ولو اطّلع عليه لاتّبعه سيكون عليه السلام رحمة إلهية لهم حيث إنّه سيهديهم إلى الطريق الأقوم.

( محمّد السعيد - البحرين - .... )

ثبوت ولادته في روايات متواترة :

س : دخلت بعض المنتديات ، ووجدت بعض هذه الشبهات ، فهل من إجابة وبالدليل؟ كيف نثبت وجود المهديّ عليه السلام ، وأنّه مولود ، وليس كما يعتقد أهل السنّة أنّه سيولد؟

ج : ولادته عليه السلام ثبتت في روايات الشيعة متواتراً ، والتواتر حجّة على الجميع ، وكذلك حديث : « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » دليل على وجود الإمام المهديّ في زماننا ، وهذا الحديث رواه الشيعة والسنّة(1).

وكذلك حديث الثقلين : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ

ص: 297


1- الرسائل العشر : 317 ، الإمامة والتبصرة : 152 ، كمال الدين وتمام النعمة : 409 ، العمدة : 471 ، تفسير أبي حمزة الثماليّ : 80 ، إعلام الورى 2 / 253 ، كشف الغمّة 3 / 335 ، ينابيع المودّة 3 / 372.

الحوض »(1) ، وعدم افتراقهما يقتضي وجود إمام من العترة.

( محمّد سلمان - .... - .... )

دفع شبهات حول ولادته :

س : لديّ أسئلة حول موضوع المهديّ المنتظر - جعلنا اللّه تعالى من أنصاره - اطلب منكم الجواب. لقائل منكر المهديّ أن يقول :

1 - إنّ التاريخ ينقل لنا روايتين : الأُولى التي ينقلها جميع المؤرّخين - حتّى الشيعة الإمامية الاثني عشرية - : إنّ الإمام الحسن العسكريّ لم يدعّ وجود ولد لديه في حياته القصيرة ، ولم يشاهد أحد ذلك ، وأنّه أوصى عند وفاته بأمواله إلى أُمّه ، ولم يوص إلى أحد من بعده ، ولذلك فقد ذهب اتباعه إلى القول بإمامة أخيه جعفر بن علي الهادي ، وتفرّقوا عدّة فرق.

وهناك رواية أُخرى نقلها بعض أصحاب العسكريّ ، تقول : إنّ لديه ولد مستور ، وهو الإمام من بعده ، وأنّه المهديّ المنتظر ، وقد برّر ذلك البعض كتمان هذا الأمر المهمّ بسبب الخوف والتقية ، ولكنّه لم يستطع تقديم أية أدلّة على صحّة دعواه.

ص: 298


1- مسند أحمد 5 / 182 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 196 ، مسند ابن الجعد : 397 ، المنتخب من مسند الصنعانيّ : 108 ، ما روى في الحوض والكوثر : 88 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 45 و 130 ، مسند أبي يعلى 2 / 297 و 303 و 376 ، المعجم الصغير 1 / 131 ، المعجم الأوسط 3 / 373 ، المعجم الكبير 3 / 65 و 5 / 154 و 166 و 170 ، نظم درر السمطين : 231 ، الجامع الصغير 1 / 402 ، العهود المحمدية : 635 ، كنز العمّال 5 / 290 و 13 / 104 و 14 / 435 ، دفع شبه التشبيه : 103 ، شواهد التنزيل 2 / 42 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 123 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطنيّ 6 / 236 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 220 و 54 / 92 ، سير أعلام النبلاء 9 / 365 ، أنساب الأشراف : 111 ، البداية والنهاية 5 / 228 و 7 / 386 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 97 و 100 و 113 و 119 و 123 و 132 و 345 و 350 و 360 و 2 / 90 و 112 و 269 و 273 و 403 و 437 و 3 / 65 و 141 و 294 ، لسان العرب 4 / 538.

2 - الإيمان بوجود الإمام الثاني عشر الغائب ، ليس من صلب المذهب الشيعيّ الجعفريّ ، وقد حدث بعد وفاة الإمام العسكريّ ، وبني الإيمان به على أساس الظنّ والتخمين ، والافتراض الفلسفيّ ، وليس على أدلّة تاريخية علمية يقينية أو شرعية ، وإن ترك تراث أهل البيت عليهم السلام نقاط إيجابية كثيرة ، يمكن للمسلمين جميعاً - وليس الشيعة فقط - الاستفادة منها ، كروح التضحية والشهادة في سبيل اللّه ، والتواضع والزهد في الدنيا.

ج : إنّ هذه التوهّمات قد أُثيرت من قبل جهات لمقاصد خاصّة ، وخلاصة الجواب كما يلي : إنّ الرواية التي يتشبّث البعض بها لنفي ولادة المهديّ عليه السلام(1) لم تتمّ سنداً ومدلولاً ، فإمّا السند ، فإنّ الراوي لها هو أحمد بن عبيد اللّه بن خاقان ، الذي صرّحت الرواية نفسها بشدّة نصبه.

وقال الشيخ المفيد ( قدس سره ) عنه : « وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت عليهم السلام »(2).

وأمّا من حيث الدلالة ففيها : أوّلاً : إنّ عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود.

وثانياً : أنّ عقيدة الشيعة الإمامية حالياً بالإطباق هي : ولادة المهديّ عليه السلام قبل استشهاد والده عليه السلام بسنين ، وهذا لا يتّفق مع مفاد الرواية ، حتّى لو كان تبيّن الحمل المشار إليه في الرواية صحيحاً ، إذ لا علاقة له بولادة المهديّ عليه السلام.

وأمّا إثبات ولادته عليه السلام فإنّ الروايات الصحيحة تدلّ بوضوح بأنّ الإمام العسكريّ عليه السلام قد صرّح بوجود ولده(3) ، وصرّحت العلوية الطاهرة حكيمة - عمّة الإمام العسكريّ عليه السلام - بمشاهدة ولادة الإمام الحجّة عليه السلام ليلة مولده(4).

وقد وردت النصوص الجلية عن المعصومين عليهم السلام بولادته فيما بعد ، كابنٍ للعسكريّ عليه السلام(5).

ص: 299


1- الكافي 1 / 503.
2- الإرشاد 2 / 321.
3- الكافي 1 / 328.
4- المصدر السابق 1 / 331.
5- كمال الدين وتمام النعمة : 252 ، الغيبة للنعمانيّ : 12.

هذا ، وقد اعترف جمع من علماء السنّة أيضاً بهذا الأمر(1).

كما أنّ هناك مطلب علميّ نشير إليه وهو : إنّ الخبر بولادة المهديّ عليه السلام من الأخبار المتواترة ، والخبر إذا وصل إلى حدّ التواتر فلا نقاش في السند.

وممّا ذكرنا يظهر : إنّ الاعتقاد والالتزام بولادة الحجّة بن الإمام العسكريّ عليهما السلام ممّا لامحيص عنه ، لاعتماده على أدلّة واضحة ، ونصوص صريحة ، وهو محض الإيمان.

( علوية الموسويّ - عمان - .... )

دور المرأة عند ظهوره :

س : هناك أدعية مخصوصة لرؤية الإمام المهديّ عليه السلام ، كما أنّ هناك أدعية لكي يكون الإنسان من أنصاره عليه السلام.

ولكن النساء ليس لهن دور ، بل أنّ معظم الخطباء والعلماء لا يذكرون دور النساء ، وأنا لا اعتقد أن لنا أهمّية ، لذا فالدعاء لطلب أن نكون من أنصار الإمام ليس له أهمّية ، واللّه أعلم.

ج : قد ذكر العلاّمة العيّاشي ( قدس سره ) - المتوفّى 320 ه- - في تفسيره رواية عن جابر الجعفيّ ، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام ، يذكر فيها وصف الإمام المهديّ عليه السلام وأصحابه ، إلى أن يقول : « إنّا نشهد وكلّ مسلم اليوم أنّا قد ظلمنا ، وطردنا ، وبغى علينا ، وأُخرجنا من ديارنا وأموالنا وأهالينا وقهرنا ، ألا أنّا نستنصر اللّه اليوم وكلّ مسلم ، ويجيء واللّه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، فيهم خمسون امرأة ، يجتمعون بمكّة على غير ميعاد ... »(2).

فهذه الرواية تنصّ على أنّ للإمام المهديّ عليه السلام أكثر من 300 من الأنصار عند قيامه عليه السلام ، فيهم خمسون امرأة.

ص: 300


1- ينابيع المودّة 3 / 345 ، مطالب السؤول 2 / 153 ، الفصول المهمّة : 292 ، وفيات الأعيان 4 / 31 ، تذكرة الخواص : 325 ، العبر في خبر من غبر 1 / 381.
2- تفسير العيّاشيّ 1 / 65.

وهذه الرواية تبيّن الدور الهام الذي تتمتّع به المرأة عند قيام الإمام عليه السلام ، كما يتّضح من هذه الرواية أهمّية الدعاء للمرأة في أن تكون من أصحابه عليه السلام.

وأخيراً : نسأل المولى عزّ وجلّ أن يجعلنا وإيّاكم من أنصار وليّه الحجّة ابن الحسن عليهما السلام.

( رؤوف - السعودية - 27 سنة - طالب )

ظهوره نعمة ونقمة :

س : هل خروج الإمام المهديّ عليه السلام نعمة أم نقمة؟ هل سيقتل ويسفك الدماء؟ أم هو كجدّه نبيّ الرحمة صلى اللّه عليه وآله؟

ج : إنّ ظهوره عليه السلام رحمة ونقمة ، كما كان جدّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حين دعوته المباركة ، فهي رحمة للمؤمنين إذ عرّفهم الإسلام ، ودخلوا به ، وأنقذهم من الشرك والضلال.

وهو في نفس الوقت نقمة على الكافرين والمشركين من قريش ، الذين قتلهم اللّه ، وانتقم منهم على يده صلى اللّه عليه وآله ، أمثال أبي جهل وعتبة ، وعمرو بن عبد ودّ من طواغيت الجاهلية ، فانتقم اللّه منهم بنبيّه ، فهل هذا إلاّ نصر إلهيّ ، وفتح مبين؟

كذلك هو قيام القائم وظهوره الشريف ، فهو نقمة على الكافرين والمنافقين ، إذ سينتقم اللّه به من عتاة الجبّارين بسيف الحقّ القويم ، وهو مصداق قوله تعالى : ( فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) (1).

وفي نفس الوقت فهو رحمة للمؤمنين.

وقولك : سيسفك الدماء! فإنّه عليه السلام لا يسفك إلاّ دماء الظالمين الجبّارين ،

ص: 301


1- الروم : 47.

فهل لدماء هؤلاء حرمة؟ هل الذين قتلوا الأبرياء ، وأذاقوا الناس وبال الظلم ، وهتكوا الأعراض ، هل لدمائهم حرمة؟ فلا تقل : إنّه سيسفك الدماء ، بل قل : إنّه سيثأر لله وللمظلومين ، والمحرومين والمستضعفين.

علماً إنّه عليه السلام - في بعض الموارد - قد يعفو لمصلحة هو يراها عليه السلام إلاّ أنّه لا يفرّط في حقوق اللّه تعالى ، وفي مظلومية المظلومين.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

عبد اللّه ليس اسم أبيه :

اشارة

س : الأساتذة والعلماء الكرام والأفاضل : أُودّ أن أسألكم عن الحديث الذي يدّعيه أهل السنّة حول الإمام المهديّ عليه السلام : « اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي » ، فمن ناحية السند ، هل كلّ هذه الأحاديث صحيحة؟

هل هي متواترة عندهم أم من الآحاد؟ وإذا كانت من الآحاد فإلى من تنتهي؟ وماذا يقول فيه أئمّة الحديث من السنّة والشيعة؟ الرجاء إعطاء بعض الأمثلة والنصوص ، ولكم جزيل الشكر.

ج : اختصاراً للوقت فإننا في مقام الإجابة ننقل لكم بحثاً كتب في هذا الموضوع في مجلة التراث العدد 43 :

« هناك عدّة أحاديث مختلفة الألفاظ متّحدة المعنى في تحديد اسم أبِ المهدي ، ألا وهو ( عبد اللّه ) كاسم أبِ النبي صلى اللّه عليه وآله. نودّ الإشارة قبل بيان تلك الأحاديث إلى جملة من الأمور وهي :

1 - إنّ بعضاً من تلك الأحاديث أخرجها الفريقان ( الشيعة وأهل السنّة ) في كتبهم.

هذا ، مع اعتقاد الشيعة الإمامية بخلاف ذلك ، لأنّ تلك الأحاديث مخالفة لأُصول مذهبهم ، فكانت روايتها من أعظم الأدلّة على أمانتهم في النقل من دون تحريف أو زيادة أو نقصان ، وهذا من فضل الإسلام الذي أدّب أتباعه على الصدق والأمانة.

ص: 302

2 - أخرج الشيعة تلك الأحاديث من كتب السُنّة مصرّحين بالنقل عنها ، ولم يخرجوا حديثاً واحداً من طرقهم.

3 - في تاريخنا الإسلامي شخصيّتان بارزتان ادُّعي لكلٍّ منهما المهدويّة ، وهما :

أ - محمّد بن عبد اللّه بن الحسن المثنّى ، الذي ثار في زمن المنصور العبّاسي ( 136 - 158ه- ) وانتهت ثورته بقتله سنة ( 145ه- ).

ب - محمّد بن عبد اللّه المنصور ، الخليفة العبّاسي الملقّب ب- : المهديّ ( 158 - 169 ه- ).

والأوّل حسنيّ ، والثاني عبّاسي!

4 - أشرنا إلى محاولة التفاف العبّاسيين حول أحاديث كون المهديّ من وُلْد العبّاس عند مناقشة حديث الرايات ، وستأتي أيضاً محاولة التفاف الحسنيّين على أنّ المهديّ الموعود هو من وُلْد الإمام الحسن عليه السلام.

5 - لا ينبغي الشكّ في كون ادّعاء كلّ فريق من العبّاسيّين والحسنيّين انطباق أحاديث المهديّ على صاحبه ، وحرصهم على خلقها وإشاعتها فيه ، وبثّها بين الناس لِما في ذلك من أهداف ومصالح كبيرة لا تخفى على أحد ، وربّما لا يمكن الوصول إليها بغير هذا الطريق الذي هو الأمل المنشود لكلّ المؤمنين ، خصوصاً وأنّ كلاًّ من هاتين الشخصيّتين من ذوي النفوذ والمكانة الاجتماعيّة والسياسية ، فالأوّل قائد ثورة والثاني خليفة ، ومن يكون هكذا فهو بحاجة إلى مدد وعون يؤمن بمكانته الروحية في المجتمع.

6 - سيأتي - وعلى طبق ما بأيدينا من أدلّة ( مشتركة ) - أنّ الأحاديث التي شخّصت اسم والد المهديّ بعبد اللّه موضوعة على الأقوى ، وأمّا مع افتراض صحّتها ، فلابدّ من تأويلها بما يتّفق مع الاسم الآخر كما صرّح به أهل هذا الفنّ من الفريقين.

وبعد بيان هذه الأُمور نستعرض ما وقفنا عليه من تلك الأحاديث وهي :

ص: 303

الحديث الأول :

« لا تذهب الدنيا حتّى يبعث اللّه رجلاً من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ».

وأهمّ من أخرج الحديث هو ابن أبي شبية ، والطبراني ، والحاكم ، كلّهم ؛ من طريق عاصم ابن أبي النجود ، عن زرّ بن حبيش ، عن عبد اللّه بن مسعود ، عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله (1).

كما أخرجه من الشيعة المجلسيّ الثاني في « بحار الأنوار » عن الإربلّي ، ونقله الأخير عن كتاب « الأربعين » لأبي نعيم الأصبهاني (2).

الحديث الثاني :

« لا تقوم الساعة حتّى يملك الناس رجل من أهل بيتي ، يواطيء اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، فيملؤها قسطاً وعدلاً ».

والذي أخرج هذا الحديث هو أبو عمرو الداني ، وكذلك الخطيب البغدادي ، أخرجاه من طريق عاصم بن أبي النجود عن ابن مسعود أيضاً ، ولم يخرجه الشيعة (3).

الحديث الثالث :

« المهديّ يواطيء اسمه اسمي ، واسمُ أبيه اسم أبي ».

وأهمّ مَن أخرجه من أهل السنّة : والخطيب البغدادي ، وابن حجر ، وقد

ص: 304


1- المصنّف 15 / 198 رقم 19493 ، المعجم الكبير 10 / 163 رقم 10213 و 10 / 166 رقم 10222 ، المستدرك على الصحيحين 4 / 442.
2- بحار الأنوار51 / 82 رقم 21 ، نقله عن كشف الغمّة 3 / 261 ، والأخير عن « الأربعين » لأبي نعيم الأصبهاني.
3- سنن أبي عمرو الداني : 94 - 95 نقلنا عنه بتوسّط معجم أحاديث الإمام المهديّ عليه السلام ، تاريخ بغداد 1 / 370.

أخرجاه من طريق عاصم أيضاً بسنده عن ابن مسعود(1).

وأخرجه من الشيعة ابن طاووس ، نقلاً عن ابن حمّاد(2).

هذا ، وقد وقع في سند الخطيب لهذا الحديث : أبو نعيم ، والطبراني ، وابن أبي حاتم ، وابن حمّاد ، فهؤلاء كلّهم من رواته.

وهذه الأحاديث الثلاثة هي أهمّ ما روي في هذا الشأن ، ومن أخرجها من العلماء - كما تقدّم - أصبحوا الأساس لجميع من تأخّر من العلماء الذين أوردوها عنهم ، وقلّما انفرد بعضهم بطريق آخر لم يتّصل بعاصم بن أبي النجود ، فهو العمدة في المقام كما صرّح به الأعلام.

مناقشة أحاديث « واسم أبيه اسم أبي » :

إنّ مما يُلحظ على الأحاديث الثلاثة المتقدّمة أنّها غير معروفة عند غالبية الحفّاظ والمحدّثين ، مع تصريحهم بأنّ الأكثر والأغلب على رواية :

( واسمه اسمي ) فقط. من غير زيادة ( واسم أبيه اسم أبي ).

فالحديث الأول مثلاً ، رواه الإمام أحمد في مسنده في عدّة مواضع من غير تلك الزيادة(3).

كما رواه الترمذي من غير هذه الزيادة أيضاً ، وقال : « وفي الباب : عن عليٍّ ، وأبي سعيد ، وأُمّ سلمة ، وأبي هريرة ، وهذا حديث حسن صحيح »(4).

أمّا الطبراني ، فقد أخرج الحديث الأوّل بأكثر من عشرة طرق من غير هذه الزيادة ، وذلك في الأحاديث التي تحمل الأرقام التالية : 10214 و 10215 و 10217 و 10218 و 10219 و 10220 و 10221 و 10223 و 10225 و 10226 و

ص: 305


1- تاريخ بغداد 5 / 391 ، والقول المختصر 4 / 4 وقد رواه مرسَلاً.
2- الملاحم : 74 باب 162 ، نقله عن ابن حمّاد.
3- مسند أحمد 1 / 376 و 377 و 430 و 448.
4- سنن الترمذي 4 / 505 رقم 2230.

10227 و 10229 و 10230 ، وهكذا فعل غيره مثل ابن أبي شيبة والحاكم وغيرهما من أقطاب المحدِّثين.

وممّا يزيد الأمر وضوحاً هو تصريح من أورد الحديث الأوّل بعدم وجود ( واسم أبيه اسم أبي ) في أكثر كتب الحفّاظ ، قال المقدسي الشافعي بعد أنْ أورد الحديث عن أبي داود : « أخرجه جماعة من أئمّة الحديث في كتبهم ، منهم الإمام أبو عيسى الترمذي في جامعه ، والإمام أبي داود في سننه ، والحافظ أبو بكر البيهقيّ ، والشيخ أبو عمرو الداني ، كلّهم هكذا »(1) ، يريد : ( اسمه اسمي ) فقط بدون زيادة ( واسم أبيه اسم أبي ).

ولا يمكن أْن يكون هؤلاء الأئمّة الحفّاظ لا علم لهم بهذه الزيادة المرويّة من طريق عاصم بن أبي النجود ، مع أنّهم أخرجوا تلك الأحاديث من طريق عاصم نفسه ، وهذا يدلّ على عدم اعتقادهم بصحّة هذه الزيادة ، وإلاّ لَما أعرضوا عن روايتها ، ولا يتّهم أحدهم بأنّه قد أسقطها عمداً ، خصوصاً وأنّ لهذه الزيادة أهمّيّتها في النقض على ما يدعيه الطرف الآخر من اسم والد المهديّ عليه السلام.

ومن هنا يتبيّن أّن عبارة ( واسم أبيه اسم أبي ) هي من زيادة أحد الرواة ، عن عاصم ؛ ترويجاً لفكرة كون المهديّ هو محمّد بن عبداللّه بن الحسن ، أو ابن المنصور الخليفة العبّاسي.

وممّا يؤكّد هذا أنّ في لسان الأوّل رتّةً ، وإذا بنا نجد من يضع على الصحابي أبي هريرة حديثاً يشهد على نفسه بافتقاره لمخائل الصدق وهو حديث : « إنّ المهديّ اسمه محمّد بن عبد اللّه ، في لسانه رتّةٌ »(2).

هذا ، وقد ردّ زيادة ( واسم أبيه اسم أبي ) زيادةً على من أعرض عن روايتها بعض أعلام هذا الفنّ من أهل السُنّة ، منهم الآبري ( ت 363 ه- ) على ما في « البيان » للكنجي الشافعي ، إذ روى الكنجي عن كتاب أبي الحسن الآبري

ص: 306


1- عقد الدرر : 27 باب 2.
2- نقله في معجم أحاديث الإمام المهديّ عليه السلام عن مقاتل الطالبيّين : 163 - 164.

المسمّى ب- « مناقب الشافعي » ، فقال : « ذَكَر هذا الحديث ، وقال فيه : وزاد زائدة في روايته : لو لم يبق من الدنيا إلاّ يومٌ لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يبعث اللّه رجلاً منّي ، أو من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، يملأ الأرض قِسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » (1).

ولمّا كانت الأحاديث الثلاثة المتقدّمة كلّها من رواية عاصم بن أبي النجود ، عن زرّ بن حبيش ، عن عبداللّه بن مسعود ، فلا بأس ببيان ما جمعه الحافظ أبو نعيم من طرق هذا الحديث المنتهية إلى عاصم ، والّتي اتّفقت جميعها على روايته بلفظ : « واسمه اسمي » فقط ، ولم يرد في طريق واحد منها لفظ : « واسم أبيه اسم أبي » ، فيما صرّح به الكنجيّ الشافعي في كتابه « البيان ».

ونودّ قبل نقل كلامه الاِشارة السريعة إلى أنّ تلك الزيادة قد رواها أيضاً البزّار في مسنده ، والطبراني في المعجم الكبير والأوسط من طريق داود بن المحبّر بن قحذم ، عن أبيه ، كما في « مجمع الزوائد » للهيثمي ، وهذا الطريق وإن اختلف عن طريق عاصم إلاّ أنّه ضعيف بداود وأبيه كلاهما كما نصَّ على ذلك الهيثمي (2).

إذن العمدة في المقام هو حديث عاصم ، وفيه قال الكنجي الشافعي :

« وجمع الحافظ أبو نعيم طرق هذا الحديث عن الجمّ الغفير في مناقب المهديّ ، كلّهم عن عاصم بن أبي النجود ، عن زرّ ، عن عبداللّه [ بن مسعود ، عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ».

ثمّ أخذ في بيان من روى الحديث عن عاصم بلفظ : « واسمه اسمي » فقط بلا زيادة : « واسم أبيه اسم أبي » حتّى أوصلهم إلى أكثر من ثلاثين راوياً وهم :

1 - سفيان بن عيينة ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

2 - فطر بن خليفة ، وطرقه عنه بطرق شتّى. .

ص: 307


1- البيان في أخبار صاحب الزمان : 482.
2- مجمع الزوائد 7 / 314 باب ما جاء في المهديّ.

3 - الأعمش ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

4 - أبو إسحاق سليمان بن فيروز الشيباني ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

5 - حفص بن عمر.

6 - سفيان الثوري ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

7 - شعبة ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

8 - واسط بن الحارث.

9 - يزيد بن معاوية أبو شيبة ، له فيه طريقان.

10 - سليمان بن حزم ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

11 - جعفر الأحمر ، وقيس بن الربيع ، وسليمان بن حزم ؛ جميعهم في سند واحد.

12 - سلام بن المنذر.

13 - أبو شهاب محمّد بن إبراهيم الكتّاني ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

14 - عمر بن عبيد الطنافسي ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

15 - أبو بكر بن عيّاش ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

16 - أبو الجحّاف داود بن أبي العوف ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

17 - عثمان بن شبرمة ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

18 - عبد الملك بن أبي عتبة.

19 - محمّد بن عيّاش ، عن عمرو العامري وطرقه عنه بطرق شتّى. وذكر مسنداً وقال فيه : حدّثنا أبو غسّان ، حدّثنا قيس ، ولم ينسبه.

20 - عمرو بن قيس الملاّئي.

21 - عمّار بن زريق.

22 - عبداللّه بن حكيم بن جبير الأسدي.

23 - عمر بن عبداللّه بن بشر.

24 - أبو الأحوص.

25 - سعد بن الحسن ابن أُخت ثعلبة.

ص: 308

26 - معاذ بن هشام ، قال : حدّثني ابن أبي عاصم.

27 - يوسف بن يونس.

28 - غالب بن عثمان.

29 - حمزة الزيّات.

30 - شيبان.

31 - الحكم بن هشام.

ثمّ قال : « ورواه غير عاصم ، عن زرّ ، وهو عمرو بن حرّة ، عن زرّ ؛ كلّ هؤلاء رووا ( اسمه اسمي ) ؛ إلاّ ما كان من عبيداللّه بن موسى ، عن زائدة ، عن عاصم ، فإنّه قال فيه : ( واسم أبيه اسم أبي ).

ولا يرتاب اللبيب أنّ هذه الزيادة لا اعتبار بها ، مع اجتماع هؤلاء الأئمّة على خلافها ، واللّه العالم »(1).

وقد حاول بعض علماء الفنّ من الفريقين تأويل هذه الزيادة على فرض صحّة صدورها ، وقد تعرّض الكنجي الشافعي إلى بعض تأويلاتهم في المقام ؛ إلاّ أنّه استنكرها بقوله : « وهذا تكلُّفٌ في تأويل هذه الرواية ، والقول الفصل في ذلك : إنّ الاِمام أحمد مع ضبطه وإتقانه ، روى هذا الحديث في مسنده في عدّة مواضع : واسمه اسمي »(2).

ومن هنا يتّضح : أنّ حديث : « واسم أبيه اسم أبي » لا يصحّ في حسابات فنّ الدراية أْن يكون متعارضاً مع أحاديث كون اسم والد المهديّ هو الحسن عليهما السلام ، المرويّة بعشرات الطرق من الفريقين ، مع موافقته لحديث : « واسمه اسمي » المرويّ عن عليٍّ عليه السلام ، وابن مسعود ، وأبي سعيد ، وحذيفة ، وسلمان ، وأبي هريرة ، وابن عمر ، وأُمّ سلمة ، وغيرهم(3).

ص: 309


1- البيان في أخبار صاحب الزمان : 483 / 485.
2- البيان في أخبار صاحب الزمان : 483 ، مطالب السؤول : 293.
3- 3 - مسند أحمد 1 / 376 و 377 ، سنن الترمذي 4 / 505 رقم 2230 و 2231 ، سنن أبي داود 4 / 107 رقم 4282 ، المعجم الكبير 10 / 164 رقم 10218 و 10219 و ص 165 رقم 10220 و ص 168 رقم 10229 و 10230 ذِكر أخبار أصبهان 1 / 129 ، مسند أبي يعلى الموصلي 2 / 367 رقم 1128 ، صحيح ابن حبّان 8 / 291 رقم 6786 و 6787 ، البدء والتاريخ 2 / 80 ، تذكرة الخواصّ : 363 ، المنار المنيف : 148 رقم 329 فصل 500 ، القول المختصر 7 / 37 باب 1 ، فرائد السمطين 2 / 325 رقم 575 ، منهاج السُنّة 4 / 211 ، ينابيع المودّة : 492.

هذا ، زيادة على إطباق كلمة أهل البيت عليهم السلام من لدن الاِمام أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب إلى الاِمام الحسن العسكري عليهم السلام على ذلك ، مضافاً إلى تأييد مائة وثمانية وعشرين عالماً ومحدِّثاً ومؤرّخاً من أهل السُنّة إلى أحاديث كون المهديّ من وُلْد الاِمام الحسن العسكري ، وقد فصّلنا الكلام عنهم وعن أسمائهم وأقوالهم ، ورتّبناهم بحسب القرون ابتداءً من القرن الرابع الهجري وانتهاءً بالقرن الرابع عشر الهجري(1).

وهذا ما يجعل حديث : « واسم أبيه اسم أبي » على فرض صحّته ليس بقوّة ثبوت الحديث الآخر ، ممّا يجب طرحه أو تأويله ، وسيأتي عند الحديث عن كون المهديّ من أولاد الحسن أو الحسين عليهما السلام ما له علاقة وطيدة ببيان الاسم الصحيح لوالد الإمام المهديّ عليه السلام.

( عادل علي - اليمن - .... )

من علامات ظهوره :

س : متى يظهر الإمام المهديّ عليه السلام؟ وما هي علامات الظهور؟

ج : ليس هناك توقيت لظهور الإمام المهديّ عليه السلام أبداً ، بل الأئمّة الأطهار عليهم السلام كذّبوا كلّ من يقول بذلك.

فعن الفضل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت : هل لهذا الأمر وقت؟ فقال : « كذب الوقّاتون ، كذب الوقّاتون ، كذب الوقّاتون »(2).

ص: 310


1- دفاع عن الكافي 1 / 565 - 592.
2- الكافي 1 / 368.

نعم ، ورد أنّه يظهر يوم عاشوراء الذي يصادف يوم السبت أو الجمعة ، أمّا في أيّ سنة فغير معلوم.

ولكن هناك قرائن وعلائم للظهور ذكرت في رواياتنا ، بأنّها متى ما تحقّقت يتحقّق الظهور ، ومن تلك العلائم الحتمية الوقوع ، التي اتّفقت رواياتنا على ذكرها هي : خروج اليماني ، والسفياني ، والصيحة ، والخسف بالبيداء ، وقتل النفس الزكية.

عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « خمس قبل قيام القائم : اليمانيّ ، والسفيانيّ ، والمنادي ينادي من السماء ، وخسف بالبيداء ، وقتل النفس الزكية »(1).

( ... - ... - ..... )

فضل النصف من شعبان في كتب السنّة :

س : يرجى التكرّم ببيان فضل النصف من شعبان ، وذلك من كتب إخواننا أهل السنّة ، شاكرين لكم ذلك.

ج : وردت أعمال كثيرة في مصادر أهل السنّة ، في تعظيم ليلة النصف من شعبان ويومه ، وكلّ ما ورد من أعمال لم يرتضه الوهّابيون ، كعادتهم في رفض أكثر ما ورد أو كلّ ما ورد في تعظيم بعض المناسبات.

وقد اعتقد بعض علماء أهل السنّة أنّ ليلة النصف من شهر شعبان هي ليلة القدر.

وقد ذكروا لهذه الليلة ويومها أعمالاً كثيرة ، من صلاة ودعاء وصيام و ...

فعن الإمام علي عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إذا كانت ليلة النصف من شعبان ، فقوموا ليلها وصوموا نهارها ... »(2).

ص: 311


1- الإمامة والتبصرة : 128 ، الخصال : 303 ، كمال الدين وتمام النعمة : 649 ، إعلام الورى 2 / 279.
2- سنن ابن ماجة 1 / 444.

وعن أبي موسى الأشعريّ ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « إنّ اللّه ليطلع في ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلاّ لمشرك أو مشاحن »(1).

وعن عائشة قالت : فقدت النبيّ صلى اللّه عليه وآله ذات ليلة ... فقال : « إنّ اللّه تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا ، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب »(2).

وعن عبد اللّه بن عمر : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « يطّلع اللّه عزّ وجلّ إلى خلقه ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لعباده إلاّ لاثنين ، مشاحن وقاتل نفس »(3).

وأمّا ما في روايات أهل البيت عليهم السلام فجاء الكثير مسنداً عنهم عليهم السلام في تعظيم ليلة النصف ويومها ، وذكروا أعمالاً كثيرة.

( أبو أيمن - المغرب - سنّي )

فلسفة الدعاء بتعجيل فرجه :

س : لماذا يدعو الشيعة بتعجيل فرج المهديّ المنتظر؟ وهل هو في كربة حتّى يفرّج اللّه عنه؟ وهل صحيح أنّه توجد في إيران خيل مسرّجة دوماً في انتظار المهديّ عند أحد المغارات؟ أو ما يسمّى بالسرادق!

ج : إمّا أن يكون المراد من الفرج المذكور في الدعاء هو فرج المؤمنين والمظلومين في العالم ، وإنما نسب وأضيف إلى الإمام المهديّ عليه السلام باعتباره الفاعل لهذا الفرج بإذن اللّه تعالى كما تواتر هذا المعنى في روايات الشيعة والسنّة حيث ذكرت إنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت ظلماً وجوراً.

ص: 312


1- المصدر السابق 1 / 445.
2- المصدر السابق 1 / 444 ، الجامع الكبير 2 / 121 ، الجامع الصغير 1 / 297 ، كنز العمّال 12 / 314.
3- مسند أحمد 2 / 176 ، كنز العمّال 3 / 467.

إن الدعاء بتعجيل الفرج في الواقع هو دعاء لنا ، لأنّ فرجه عليه السلام هو فرج لكل المظلومين والمضطهدين في العالم ، لأنّ الإمام المهديّ عليه السلام سيعيد كلّ حقّ إلى أهله ، وسينتقم من الظالمين.

وإمّا أن يراد منه بأنّه دعاء بالفرج للإمام المهديّ عليه السلام ، لأنّه - على مبنى الشيعة - حيّ يرزق وغائب عن الأنظار ، ويرى ما يجري لأُمّة جدّه محمّد صلى اللّه عليه وآله من ظلم وقتل ، وتشريد واضطهاد ، وهو ابن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والإمام الثاني عشر عند أكثر المسلمين ، حيث ذهب كثير من العلماء من شتّى الفرق الإسلامية ، إلى أنّ الثاني عشر في حديث « الخلفاء بعدي اثنا عشر » هو الإمام المهديّ عليه السلام.

فالإمام المهديّ يتألّم أشدّ ألم ، وهو في كربة عظمى ، وهو يشاهد ما يجري على المسلمين من أنواع الكربات.

وأمّا ما سألت عنه من وجود خيل في إيران مسرّجة ، فهذا ما نسمعه لأوّل مرّة منك ، فهلاّ عرّفتنا على هذا المكان لنذهب ونفحص عن حقيقة الأمر.

( عمر بن عبد الرحمن المدفع - الإمارات - سنّي )

في أحاديث الرسول من كتب السنّة :

س : كثيراً ما أدخل في جدال مع أصدقائي بخصوص أصحاب المذهب الجعفريّ ، وأنا بكلّ صراحة أحترم أخواني الشيعة ، وأقسم باللّه بأنّي ليس في قلبي أي بغضاء ضدّهم ، والحمد لله بأنّي لدي كثير من الكتب التي تخصّ المذهب الشيعيّ ، ومن خلال هذه الرسالة أحببت أن أوجّه تحية إلى فضيلتكم ، ولدي سؤال عن الإمام المهديّ عليه السلام ، هل ذكر في أحاديث الرسول محمّد صلى اللّه عليه وآله؟

ج : قد تواتر الحديث عن الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله في الإمام المهديّ عليه السلام ، وأنّ اسمه اسم النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وكنيته كنيته ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً.

وهذه الأحاديث بكثرة لا يمكن حصرها ، فلا يكاد يخلو منها كتاب في

ص: 313

الحديث ، أو معجم في التراجم والسير ، ولو تصدّينا لجمع ما أمكن منها ، لكانت موسوعة كبرى في الحديث.

وهذا إن دلّ على شيء ، فإنّما يدلّ على تواتر حديث المهديّ عليه السلام ، وأنّ الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله كان يبشّر الأُمّة الإسلامية بظهوره في كلّ ناد ومحفل ، ومنتدى ومجمع.

وإليك بعض هذه الأحاديث التي انتقيناها من بعض كتب السنّة :

1 - أخذ صلى اللّه عليه وآله بيد علي فقال : « يخرج من صلب هذا حيّ يملأ الأرض عدلاً وقسطاً ... »(1).

2 - عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « نحن بنو عبد المطّلب سادات أهل الجنّة ، أنا وحمزة وعلي ، وجعفر بن أبي طالب ، والحسن والحسين ، والمهديّ »(2).

3 - قال صلى اللّه عليه وآله : « من أنكر خروج المهديّ فقد كفر بما أنزل على محمّد ... »(3).

4 - قال صلى اللّه عليه وآله : « يلتفت المهديّ ، وقد نزل عيسى بن مريم ، كأنّما يقطر من شعره الماء ، فيقول المهديّ : تقدّم فصلّ بالناس ، فيقول عيسى : إنّما أقيمت الصلاة لك ، فيصلّي خلف رجل من ولدي »(4).

5 - عن أبي سعيد الخدريّ قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « المهديّ منّي أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت جوراً وظلماً ، ويملك سبع سنين »(5).

ص: 314


1- المعجم الأوسط 4 / 256.
2- سنن ابن ماجة 2 / 1368 ، ذخائر العقبى : 15 و 89 ، جواهر المطالب 1 / 228 ، ينابيع المودّة 2 / 68 ، كنز العمّال 12 / 97.
3- فرائد السمطين 2 / 334.
4- الصواعق المحرقة 2 / 475 ، ينابيع المودّة 3 / 264.
5- كشف الغمّة 3 / 234 ، مسند أبي داود 2 / 310 ، العجم الأوسط 9 / 176 ، الجامع الصغير 2 / 672 ، كنز العمّال 14 / 264.

6 - عن أبي سعيد الخدريّ ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « يخرج في آخر أُمّتي المهديّ ، يسقيه اللّه الغيث ، وتخرج الأرض نباتها ، ويعطى المال صحاحاً ، وتكثر الماشية ، وتعظم الأُمّة ، ويعيش سبعاً أو ثمانياً ، يعني حججاً » (1).

7 - عن أبي سعيد الخدريّ قال : خشينا أن يكون بعد نبيّنا حدث ، فسألنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال : « يخرج المهديّ في أُمّتي ، خمساً أو سبعاً أو تسعاً » زيد الشكّ ، قال : قلت : أيّ شيء؟ قال : « سنين » ، ثمّ قال : » ... يجيء الرجل إليه فيقول : يا مهدي اعطني اعطني » ، قال : « فيحثى له في ثوبه ما استطاع أن يحمل » (2).

8 - قال صلى اللّه عليه وآله لفاطمة عليها السلام : « المهديّ من ولدك » (3).

9 - قال صلى اللّه عليه وآله : « إذا نادى مناد من السماء : أنّ الحقّ في آل محمّد ، فعند ذلك يظهر المهديّ » (4).

فأصل فكرة المهديّ عليه السلام من المسائل المتّفق عليها بين المسلمين ، إلاّ من شذّ وندر ، وكذلك أصل فكرة المنقذ مسألة متّفق عليها بين الأديان.

( حسن محمّد يوسف - البحرين )

كاذب من يدّعي السفارة عنه :

س : ما هو السبب في عدم صدق الأشخاص الذين يدّعون السفارة في زمن الغيبة الكبرى؟ وشكرا لكم.

ج : تارة تسأل عن الدليل ، فهو روايات صحيحة صريحة في تكذيب كلّ من يدّعي النيابة والسفارة في زمن الغيبة الكبرى ، وتارة تسأل عن السبب ، فيمكن

ص: 315


1- المستدرك 4 / 558.
2- مسند أحمد 3 / 21 ، الجامع الكبير 3 / 343 ، كنز العمّال 14 / 273.
3- ذخائر العقبى : 136 ، كشف الغمّة 3 / 267.
4- كنز العمّال 14 / 588.

أن يكون للوقوف أمام أصحاب الهوى والزعامات الدنيوية ، الذين يستغلّون هذا الباب لمصالحهم الدنيوية الشخصية من جمع المال ، والحصول على الرئاسة ، كلّ ذلك باسم المهديّ المنتظر ، وبذلك سيكون خراباً للدنيا والدين.

هذا ، ونعلمك بأنّ الرؤية غير السفارة والباب ، فالروايات المروية في تكذيب من رأى المهديّ المنتظر محمولة على اصطحاب السفارة مع ادعاء الرؤية.

( زهرة لطف اللّه - البحرين - .... )

كيفية موته ونهاية العالم :

س : قد فهمنا أنّه لا تنتهي الدنيا بوفاة الحجّة عليه السلام ، ولكن السؤال هو كيف ستكون نهاية العالم؟ مع أنّه بعد خروج الإمام سيعمّ العدل والسلام؟

أمّا السؤال الثاني فهو : كيف سيموت الحجّة عليه السلام؟ فقد جاء في حديث شريف : « ما منّا من مات ميتة عين ».

ج : نحاول هنا الإجابة على السؤالين معاً ، حيث ثبت أنّ الإمام المهديّ عليه السلام إذا ظهر فسوف يعمّ العدل والقسط ، ولا يعني هذا أنّ الخلق سوف يكونون معصومين ، أو أنّهم بأجمعهم عدول ، بل المقصود أنّ الإمام يحكم بين الناس بالعدل ، ويأخذ للمظلوم من الظالم حقّه ، وهكذا.

وقد ورد في الروايات : أنّ الأئمّة لا يموتون حتف أنفهم ، فهم أما مقتول أو مسموم ، ثمّ تكون الرجعة ، التي هي على إجمالها من عقائد الشيعة ، دون النظر إلى التفاصيل.

أمّا كيفية نهاية العالم فقد قال تعالى : ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ) (1) ، وهنالك آيات كثيرة توضّح النفخ في الصور ، وانتهاء العالم.

____________

(1) الأنبياء : 104.

ص: 316

( محمّد الإبراهيمي - كندا - )

معنى كونه شريكاً للقرآن :

س : نقرأ في زيارة صاحب الأمر والزمان المروية عن الشيخ المفيد ، والسيّد ابن طاووس عبارة : « السلام عليك يا شريك القرآن » ، ما هو المقصود من هذه العبارة؟

ج : إنّ الأئمّة الإثنى عشر عليهم السلام كما هو معلوم ، هم عدل القرآن وشركاؤه ، باعتبار قوله صلى اللّه عليه وآله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً ».

( أيوب محمود دكسن - الكويت - .... )

إمكان حضوره في أكثر من مجلس :

س : كيف يمكن لمولانا الحجّة عليه السلام أن يحضر أكثر من مجلس في نفس الوقت؟

ج : هناك عدّة احتمالات في المقام ، ينبغي أن نأخذ كلّها أو بعضها بعين الاعتبار :

منها : إنّ المراد من حضوره هو النظر والعناية من قبله عليه السلام لكلّ مجلس ، وهذا نظير حضور المعصومين عليهم السلام في مجالس ذكرهم ، إذ إنّ الحضور في مكان هو لأجل الوقوف على كلمات وأقوال الحاضرين ، وهذا ما يتحصّل في حالة إفاضة عناية الإمام عليه السلام للمجلس ، وكأنّه هو حاضر فيه يسمع ويرى من يخاطبه ، ويرد عليه بالرأفة والرحمة الخاصّة به عليه السلام.

ومنها : إنّ المقصود من حضوره في أكثر من مجلسٍ في وقتٍ واحد قد يكون بصورة حضور وكيله أو نائبه ، أو من يتولّى الأمر من قبله عليه السلام في تلك المجالس ، وهذا يعتبر حضوره عليه السلام بالعناية والمجاز ، ويكون من قبيل القول : بأنّ فلاناً قد شارك في اجتماع أو مؤتمر ، وفي الواقع قد أرسل مندوبه ليمثّله هناك.

ص: 317

واللّه العالم بحقائق الأُمور.

( ... - ... - ..... )

كيفية الاستعداد للقائه :

س : كيف يمكنني الاستعداد لأكون من أنصار الإمام المهديّ عليه السلام؟ وأن لا أكون مثل أهل الكوفة ، الذين دعوا الإمام أن يأتي ، ولكن فيما بعد يخافون من الموت ويتخاذلون ، إنّي أخشى دائماً أن أكون هكذا؟! فماذا أفعل؟

ج : الاستعداد يكون بإطاعة أوامر اللّه ، والتجنّب عن نواهيه ، وبعبارة أُخرى : أن نسعى لتحقيق ما لأجله بعثت الرسل ، وأمرت به الأئمّة عليهم السلام ، لنسعى ما لأجله يظهر الإمام عليه السلام ، يظهر ليطبّق سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ليحقّ الحقّ ، وليبطل الباطل ، ليكون الناس جميعاً مطيعين لله ، منتهين عن نواهيه.

فلنكن نحن ممّن أطاع اللّه ، وتجنّب عن معاصيه ، وبهذا سنكون من الممهّدين لظهوره عليه السلام ، وسنكون معه إن شاء اللّه تعالى.

( أحمد جاسم أبو حسن - البحرين - .... )

من وصيّه بعد غيبته :

س : نحن الشيعة نعتقد أنّ النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله لم يغادر الدنيا إلاّ بعد أن أوصى بالإمام علي عليه السلام خليفة بعده ، ونحتجّ بالدليل العقليّ ، أنّه لا يعقل أن يترك النبيّ الأُمّة بدون خليفة ، لكي تنقسم وتتناحر في تحديد من هو الخليفة.

وفي نفس الوقت نقول : إنّ الإمام المهديّ عليه السلام غاب عن الأُمّة بدون أن يوصي لمن هو خليفة بعده ، وترك الأُمّة هي التي تحدّد وتختار خليفة لها ، ممّا أدّى إلى انقسامات في المذهب حول المرجعية ، كما هو ملاحظ.

فسؤالي هو : لماذا لم ينتهج الإمام المنتظر عليه السلام سياسة النبيّ في ذلك؟ وكيف نوفّق بين الاعتقادين؟

ج : إنّ الشيعة تعتقد - بالأدلّة العقليّة والنقليّة - بوجوب وصاية النبيّ صلى اللّه عليه وآله ،

ص: 318

ووقوعها لأمير المؤمنين عليه السلام ، ولكن في غيبة الإمام المنتظر عليه السلام لم تعتقد الشيعة بانتهاء إمامته أو خلافته ، حتّى تجب الوصاية لغيره ، بل إنّ إمامته مستمرة ، فلا تحتاج إلى خليفة ينوب عنه ، وأنّه عليه السلام يرعى الأُمّة والطائفة ، ولو من وراء ستار الغيبة.

فالغيبة لا تلغي مهمّات الإمامة مطلقاً ، بل تصدّ عن الدور الحضوري للإمام عليه السلام ، وهذا بعكس ارتحال النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلى الرفيق الأعلى ، إذ يجب فيه من يتولّى مسؤولية قيادة الأُمّة وإمامتها.

ثمّ حتّى في عصر الغيبة ، وإن لم يصرّح بمنصب خلافة الإمام عليه السلام ونيابته ، ولكن قد جاءت نصوص وأحاديث شريفة تؤكّد وجوب ملازمة الناس علماء الطائفة واتباعهم على نحو العموم ، وفيها مواصفات هؤلاء من العلم والتقوى والعدالة وغيرها ، حتّى لا يقع الناس في انحراف وضلالة.

فالانقسامات التي ذكرتموها لا تؤثّر في أصل العقيدة ومجراها ، إن اتبعنا من له أهلية ومصداقية تلك الروايات ، فتصبح تلك الخلافات هامشية ، ونتيجة طبيعية لعدم عصمة الجميع.

( شاهر - ... - ..... )

الجديد الذي يأتي به :

س : وفّقكم اللّه لنصرة هذا المذهب الجعفريّ الحقّ ، ولي سؤال حرت فيه ، واطلب المساعدّة منكم على فهمه ، لو تكرّمتم عليّ بذلك ، ولله الشكر إن فعلتم.

جاء في كتاب الغيبة للنعماني حديثاً يقول : قال أبو جعفر عليه السلام : « يقوم القائم بأمر جديد ، وكتاب جديد ، وبقضاء جديد ، على العرب شديد ، ليس شأنه إلاّ السيف ، لا يستتيب أحداً ، ولا يأخذه في اللّه لومة لائم » (1).

ص: 319


1- الغيبة للنعماني : 233.

وسؤالي هو : هل هذا الحديث صحيح؟ وما معناه؟ وأيّ كتاب؟ وأيّ قضاء عنى هنا؟ هل هو غير الأمر الذي نحن عليه؟ أو غير القضاء الذي نقضي به نحن هنا؟ وفي هذا الزمان ، أو غير الكتاب الذي بين أيدينا؟

أفيدونا ، وفّقكم اللّه في هذا الأمر ، وجزيتم خيراً.

ج : أوّلاً : ليس لهذا الحديث سند معتبر ، بل فيه ضعف.

ثانياً : إنّنا إذا لاحظنا الأحكام الإسلامية في عصر الغيبة ، وهو عصر يبعد عن مصدر التشريع الإسلامي ، وأخذنا بنظر الاعتبار من حيث وجودها النظري والتطبيقي ، نجد فيها أربعة موارد من النقص والقصور :

1 - الأحكام الإسلامية التي لم تعلن للناس أصلاً ، بل بقيت معرفتها خاصّة باللّه ورسوله ، والقادة الإسلاميّين ، وبقيت مستورة عن الناس ، ومؤجّل إعلانها إلى زمن ظهور الإمام المهديّ عليه السلام ، وتطبيق العدل الكامل.

2 - الأحكام التالفة على مرّ الزمن ، والسنّة المندرسة خلال الأجيال ، ممّا يتضمّن أحكام الإسلام ومفاهيمه ، أو يدلّ عليها.

فإنّ ما تلف من الكتب التي كانت تحمل الثقافة الإسلامية ، بما فيها أعداد كبيرة من السنّة الشريفة ، والفقه الإسلامي ، نتيجة للحروب المدمّرة - كالحروب الصليبية ، وغزوات التتار والمغول ، وغير ذلك - عدد ضخم يعدّ بمئات الآلاف ، ممّا أوجب انقطاع الأُمّة الإسلامية عن كمّية كبيرة من تاريخها ، وتراثها الإسلامي ، واحتجاب عدد من الأحكام الإسلامية عنها.

3 - إنّ الفقهاء حين وجدوا أنفسهم محجوبين عن الأحكام الإسلامية الواقعية في كثير من الموضوعات المستجدّة ، والوقائع الطارئة على مرّ الزمن ، اضطرّوا إلى التمسّك بقواعد عامّة معيّنة ، تشمل بعمومها مثل هذه الوقائع ، إلاّ أنّ نتيجتها في كلّ واقعة ليست هي الحكم الإسلامي الواقعي في تلك الواقعة ، وإنّما هو ما يسمّى بالحكم الظاهريّ ، وهو - كما قيل - تحديد الوظيفة الشرعية للمكلّف عند جهله بالحكم الواقعي الأصلي.

ص: 320

وهذا النوع من الأحكام الظاهرية أصبح بعد الانقطاع عن عصر التشريع وإلى الآن مستوعباً لأكثر مسائل الفقه ، أو كلّها تقريباً ، ما عدا الأحكام الواضحة الثبوت في الإسلام.

ومراد الفقهاء بقطعية الحكم هو قطعية الحكم الظاهري ، أي إنّ هذه الفتوى هي غاية تكليف المكلّفين في عصر الاحتجاب عن عصر التشريع.

4 - الأحكام غير المطبّقة في المجتمع الإسلامي ، بالرغم من وضوحها وثبوتها إسلامياً ، سواء في ذلك الأحكام الشخصية العائدة إلى الأفراد ، أو العامّة العائدة إلى تكوين المجتمع والدولة الإسلامية.

ومع وجود هذه الجهات من النقص والقصور في الأحكام الإسلامية خلال عصر الانفصال عن عصر التشريع ، يكون بوسع الإمام المهديّ عليه السلام إكمال تلك النواقص التي أشرنا إليها ، وسيكون له تجاه كلّ نقص موقف معيّن.

أمّا موقفه بالنسبة إلى الأمر الأوّل فهو واضح كلّ الوضوح ، فإنّ الأُمّة بعد بلوغها المستوى اللائق لفهم الأحكام الدقيقة المفصّلة ، وبعد أن كان الإمام المهديّ عليه السلام هو الوريث الوحيد من البشر أجمعين ، لتلك الأحكام غير المعلنة ، يرويها عن آبائه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن اللّه جلّ جلاله ، إذاً يكون الوقت قد أزف لإعلان تلك الأحكام.

وأمّا موقفه بالنسبة إلى الأحكام التالفة فهو أيضاً واضح جدّاً ، فإنّ المفروض أنّ هذه الأحكام كانت معلنة في صدر الإسلام ، وإنّما كانت تحتاج المحافظة عليها ، وعدم إتلافها إلى مستوى معيّن من القدرة الدفاعية ، والشعور بالمسؤولية لدى المسلمين ، الذي كان قليلاً عند الأجيال الماضية التي فقدت هذه الأحكام.

والإمام المهديّ عليه السلام بالفهم الإمامي يكون عارفاً بهذه الأحكام عن طريق الرواية عن آبائه ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، عن اللّه عزّ وجلّ.

وأمّا بالنسبة إلى الأمر الثالث فواضح أيضاً ، بعد الذي عرفناه من أنّ

ص: 321

الأحكام الظاهرية تعني تعيين تكليف الإنسان من الناحية الإسلامية ، ووظيفته في الحياة عند الجهل بالحكم الواقعي ، ذلك الجهل الناشئ من البعد عن عصر التشريع.

وأمّا إذا كان الفرد مطّلعاً على الحكم الإسلامي الواقعي ، فيحرم عليه العمل بالحكم الظاهري ، والإمام المهديّ عليه السلام يعلن الأحكام الواقعية الإسلامية بأنفسها.

وأمّا بالنسبة إلى عدم وصول بعض الأحكام الإسلامية إلى مستوى التطبيق في عصر ما قبل الظهور ، فيقوم الإمام المهديّ عليه السلام بنفسه بتطبيق الأحكام العامّة ، فيؤسّس الدولة العالمية العادلة الكاملة ، ويقوم بإدارة شؤونها.

وبعد أن اتّضح كلّ ما قلناه ، نعرف بكلّ جلاء ما هو المراد ممّا ورد من : أنّ الإمام المهديّ عليه السلام يأتي بأمر جديد ، وسلطان جديد.

( طالب خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي )

مثلّث برمودا لا صلة له بالجزيرة الخضراء :

س : هل هناك تفسير ديني لما يحدث في مثلّث برمودا؟

ج : إنّ الحديث عن مثلث برمودا مثل الحديث عن الحكايات الخرافية ، والأساطير الإغريقية ، والقصص الخيالية ، ولكن يبقى الفارق هنا هو : أنّ مثلّث برمودا حقيقة واقعية ، لمسناها في عصرنا هذا ، وقرأنا عنها في الصحف والمجلاّت العربية والعالمية ، ويذهب بنا القول بأنّ مثلّث برمودا يعتبر التحدّي الأعظم الذي يواجه إنسان هذا القرن ، والقرون القادمة.

والتفسيرات التي تفسّر لغز هذا المثلّث :

1 - نظرية الزلازل وعلاقتها بما يحدث في مثلّث برمودا.

تقول هذه النظرية : إنّ حدوث الهزّات الأرضية في قاع المحيط تتولّد عنها موجات عاتية وعنيفة ومفاجئة ، تجعل السفن تغطس ، وتتّجه إلى القاع بشدّة في لحظات قليلة.

ص: 322

وبالنسبة للطائرات يتولّد عن تلك الهزّات والموجات في الأجواء ، ممّا يؤدي إلى اختلال في توازن الطائرة ، وعدم قدرة قائدها على السيطرة عليها.

2 - نظرية الجذب المغناطيسي ، وعلاقتها بما يحدث في مثلّث برمودا.

إنّ أجهزة القياس في الطائرات أثناء مرورها فوق مثلّث برمودا تضطرب ، وتتحرّك بشكل عشوائي ، وكذلك في بوصلة السفينة ، ممّا يدلّ على وجود قوّة مغناطيسية ، أو قوّة جذب شديدة وغريبة.

هذا ، ولا يوجد تفسير ديني لهذا المثلّث ، إلاّ أنّه من الظواهر الغريبة الدالّة على عظمة اللّه تعالى وقدرته.

نعم ، حاول البعض أن يربط بين الجزيرة الخضراء التي يقال أنّ الإمام المهديّ عليه السلام يعيش فيها وبين مثلّث برمودا ، وهو لم يثبت بدليل قطعي.

( ياسر حسن يعقوب - البحرين - .... )

يصلّي الإمام الحسين على جنازته :

س : سؤالي يتعلّق بخروج المهديّ المنتظر عليه السلام إذ هو آخر الأئمّة`عليهم السلام ، السؤال هو : من الذي سيصلّي على الإمام المهديّ حين وفاته؟

ج : نحن نعتقد بالرجعة التي هي بمعنى : رجوع بعض الأموات إلى الحياة الدنيوية ، قبل قيام يوم القيامة في صورتهم التي كانوا عليها ، وذلك عند قيام المهديّ عليه السلام.

وروي أنّ أوّل من يرجع هو الإمام الحسين عليه السلام ، فيستلم الحكم بعد الإمام المهديّ عليه السلام ، فيكون الإمام الحسين عليه السلام هو الذي يلي غسله ، وكفنه وحنوطه ، ويواريه في حفرته ، نصّت على هذا المعنى الرواية المروية عن الإمام الصادق عليه السلام ، التي نقلها العلاّمة المجلسيّ في كتابه بحار الأنوار (1).

ص: 323


1- بحار الأنوار 53 / 103.

إذاً ، عندنا أنّ المصلّي على جنازة الإمام المهديّ عليه السلام هو الإمام الحسين عليه السلام.

بينما يقول الشيخ مرعي بن يوسف المقدسي الحنبلي - من علماء القرن الحادي عشر الهجري - في كتابه « فرائد فوائد الفكر في الإمام المهديّ المنتظر » ما نصّه : « ذكر العلماء : أنّ المهديّ يستمرّ مع عيسى عليه السلام إلى بيت المقدس ، فيموت بها ، ويصلّي عليه هو ومن معه من المسلمين ، ويدفنه هناك » (1).

( عبد السلام - هولندا - سنّي )

نسبه وعلاقته بالخضر :

س : من هو المهديّ المنتظر؟ هل سيولد من جديد؟ أو هو مولود وموجود في الأرض ، لكن لا يعرفه أحد؟ وهل هو معصوم؟ وما هي علاقته بالخضر؟ والذي تشبه قصّته بالمهديّ المنتظر ، وشكراً لكم.

ج : إنّ المهديّ المنتظر عليه السلام هو الإمام محمّد بن الحسن العسكريّ بن علي الهادي بن محمّد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي السجّاد بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

قد ولد عليه السلام يوم الخامس عشر من شهر شعبان 255 ه- في مدينة سامراء ، ثمّ لأسباب خاصّة غاب عليه السلام عن الأنظار إلى أن يأذن له المولى تعالى بالظهور ، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً.

وهو عليه السلام معصوم عن الخطأ والمعصية ، و ... كما دلّت عليه أدلّة عصمة الأئمّة عليهم السلام.

وأمّا علاقته عليه السلام بالخضر عليه السلام ، فقد ورد في بعض الروايات عن الإمام الرضا عليه السلام ما نصّه : « وسيؤنس اللّه به - أي بالخضر - وحشة قائمنا في غيبته ، ويصل به وحدته » (2).

ص: 324


1- فرائد فوائد الفكر : 137.
2- كمال الدين وتمام النعمة : 391.

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

الاعتماد عليه لا يوجب طول الأمل والرقود عن الحقّ :

س : إنّ الناس متخاذلون عن الحقّ ، ويقولون : « اللّهم عجّل فرجه » ألا تلاحظون أنّ الناس معتمدين على الإمام الحجّة أكثر مما هم معتمدين على أنفسهم؟ ويقولون : سيظهر الحجّة ، ويسود السلام في أرجاء المعمورة.

وسؤالي : لماذا قال الرسول صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته : أنّ الحجّة سيظهر ، وهم يعلمون أنّ هذا من أسباب الظلم ، وعدم المبالاة بين المسلمين؟

ألا تعتقدون أنّ هذا من طول الأمل ، والرقود عن الحقّ؟ واللّه من وراء القصد ، وأشكركم على هذا الموقع الخادم لأهل البيت.

ج : في الجواب نشير إلى عدّة مسائل :

1 - الدعاء للفرج ممدوح عقلاً ونقلاً :

أمّا عقلاً ، فبما أنّه يبعث بروح الأمل في المؤمن ، ويطرد عنه اليأس والقنوط ، فالدعاء في الحقيقة هو : توطين النفس لهذا المستقبل الزاهر في ظلّ حكومته عليه السلام ، وعدم الركون للظلم السائد في الأنظمة الحكومية غير الإسلامية.

وأمّا نقلاً ، فوردت عدّة روايات في هذا المجال ، لعلّ أصرحها هو التوقيع الشريف الذي صدر عن الحجّة عليه السلام ، الذي جاء في نهايته : « وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإن ذلك فرجكم » (1).

2 - إنّ الاعتماد على الحجّة عليه السلام لإنقاذ البشرية أمر صحيح ، ولكن لا ملازمة بين هذا الاعتقاد وبين التخلّي عن الوظيفة ، فالعمل على طبق الوظيفة تكليف عامّ لا يختصّ بزمان دون زمان.

وباختصار ، نحن نعتقد أنّ الإمام عليه السلام سيطهّر الأرض من الظلم والبغي ،

ص: 325


1- كمال الدين وتمام النعمة : 485 ، الغيبة للشيخ الطوسيّ : 293 ، كشف الغمّة 3 / 340.

وسيطبّق الإسلام في كلّ أرجائها ، ولكن لا يعني هذا أن نتخاذل في عصر الغيبة عن نصرة الحقّ ، وأن نتهاون في التكليف المتوجّه إلينا.

3 - قول الرسول صلى اللّه عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام في المقام ، هو بشرى للشيعة ، ولمن يأمل أن يرى المدينة الفاضلة للبشرية ، فالإنسان المؤمن عندما يسمع ويقرأ الأحاديث المتعلّقة بشأن الظهور يفرح ويستبشر بالمستقبل ، ويتمنّى ويأمل بأن يكون من أنصار الحجّة عليه السلام ، فيسعى لنيل هذا المقام بقدر الإمكان ، وهذا يعني الالتزام والعمل الأفضل والأكمل.

وعليه فليس في المسألة ما يعتبر أمراً سلبياً حتّى نتوقّف فيه ، وإن كان شخص يسيء فهم انتظار الفرج ويخدع نفسه لأجل الدعة والراحة وترك التكليف ، فهذا أمر يختصّ بمورده - فالعتب عليه - لا بأصل الفكرة.

( بشير الحسيني - العراق - .... )

هو حجّة علينا رغم عدم ظهوره :

س : إذا اتّفقنا أنّ الأرض لا تخلو من حجّة ، ومن المعلوم أنّ الإمام غائب عن الأنظار ، وعدم ظهوره لا يدلّ على عدم وجوده ، هل يعتبر حجّة علينا في الوقت الحالي رغم عدم ظهوره؟!

يرجى الإجابة بالدليل العقليّ ، لا بالدليل الروائي.

ج : المقصود أنّ الأرض لا تخلو من حجّة - وهو الأمر المتواتر ، ومن ضرورات المذهب - هو عدم خلوّها من الإمام عليه السلام من عصر الرسالة إلى يوم القيامة.

والحجّية هي مهمّة من مهام الإمام ووظائفه ، ومعناها أنّ اللّه تعالى يحتجّ به على عباده ، فلذا يسمّى حجّة اللّه على الخلق.

والمعنى الآخر للحجّية هو : أنّ أقواله وأوامره ونواهيه يجب الالتزام بها والعمل عليها ، ويكفي في صحّة إطلاق الحجّية بهذا المعنى هو التزام المؤمن ، بأنّه إذا صدر أمر أو نهي من الإمام ، فهو سوف يطبّقه ويسير على نهجه ، سواء صدر

ص: 326

ذلك فعلاً أو لم يصدر ، كما في زمن الغيبة.

مضافاً إلى أنّ الكثير من الأوامر والنواهي قد صدرت في زمن الغيبة الصغرى ، فيصحّ إطلاق كلمة الحجّة عليه بهذا المعنى أيضاً.

علماً أنّ وجود الإمام لا يقتصر على الحجّية كما سبق ، بل له مهام ووظائف أُخرى كثيرة جدّاً ، حيث يكون الانتفاع به كالشمس إذا غيّبتها السحاب ، كما ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام.

ثمّ إنّ الدليل الروائي يعتبر من الأدلّة الأربعة في الحجّية والاستنباط ، بل هو يأتي بالمرحلة الثانية بعد القرآن الكريم ، هذا إذا كان حديث آحاد ، أمّا إذا كان الحديث متواتراً فيكون قطعي الصدور ، وفي نفس رتبة القرآن الكريم ، لأنّ كلامهما يمثّلان الوحي الإلهيّ.

( ... - .... - .... )

ليس هو عيسى نفسه :

س : لقد قرأت في القرآن الكريم قوله تعالى : ( وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ ) (1).

وقوله : ( إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتوفّيكَ وَرَافِعُكَ ) (2).

وتفسير الآية : إنّ سيّدنا المسيح سيخرج آخر الزمان ، لأنّه رفعه اللّه تعالى وهو في سنّ الشباب ، لذلك ذكر القرآن الكهولة - وهي في حوالي سنّ الأربعين - أفلا يعني أنّ المنتظر المهديّ هو المسيح عيسى بن مريم ، حيّ يرزق حتّى يشاء اللّه العليّ القدير؟ إذ كيف يحكم الإمام موجود ، وخصوصاً نعلم أنّ السيّد المسيح سوف يخرج آخر الزمان ، فالنبيّ ينزل عليه الوحي ، أمّا الإمام فلا؟

ج : قد ثبت في مصادر المسلمين - وهو من المتّفق عليه - أنّ المهديّ من ولد

ص: 327


1- آل عمران : 46.
2- آل عمران : 55.

فاطمة عليهما السلام ، فهو إذاً غير المسيح ابن مريم عليهما السلام.

كما ثبت عند الفريقين : أنّ عيسى ينزل ويصلّي خلف الإمام المهديّ عليه السلام.

قال السيوطي : « فإنّ صلاة عيسى خلف المهديّ ثابتة في عدّة أحاديث صحيحة بإخبار رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وهو الصادق المصدّق الذي لا يخلف خبره »(1).

وفي الصواعق : « دعوى تواتر الأحاديث في صلاة عيسى خلف المهديّ »(2).

ومع تواتر الأخبار بتبعية عيسى للإمام فلا مجال للسؤال عن كيفية حكم الإمام مع وجود السيّد المسيح عليه السلام ، مضافاً إلى أنّ دين عيسى قد نسخ بالإسلام ، وإلاّ للزم أن يحكم بدين المسيحية ، وهو ضروري البطلان.

( حسن محمّد يوسف - البحرين - 18 سنة. طالب جامعة )

القيام ووضع الكفّ على الرأس عند ذكر لقب القائم :

س : لماذا نحن عندما نذكر لقب صاحب العصر عليه السلام ( القائم ) نقف ونضع اكفنا على رؤوسنا؟ هل هذه تحية للإمام؟ وشكراً.

ج : لقد وردت روايات وأحاديث تنصّ بأنّ الأئمّة عليهم السلام قد حثّوا على هذا الأمر ، بل وقد طبّقوها على أنفسهم أحياناً بالقيام ، وتارةً بالقيام ووضع اليد على الرأس متواضعاً ؛ والظاهر أنّها كلّها في سبيل إعطاء الموضوع اهتماماً بالغاً في نفوس الشيعة.

وقال الشيخ النمازيّ في « مستدرك سفينة البحار » ما نصّه : ويستحبّ القيام عند ذكر هذا اللقب - القائم - لما روي عن تنزيه الخواطر : سئل الإمام الصادق عليه السلام عن سبب القيام عند ذكر لفظ القائم من ألقاب الحجّة.

قال : « لأنّ له غيبة طولانية ، ومن شدّة الرأفة إلى أحبّته ، ينظر إلى كلّ من يذكره بهذا اللقب المشعر بدولته ، ومن تعظيمه أن يقوم العبد الخاضع عند نظر

ص: 328


1- الحاوي للفتاوي 2 / 167.
2- الصواعق المحرقة 2 / 480.

المولى الجليل إليه بعينه الشريفة ، فليقم وليطلب من اللّه جلّ ذكره تعجيل فرجه ».

وروي أيضاً عن الإمام الرضا عليه السلام في مجلسه بخراسان ، أنّه قام عند ذكر لفظة القائم ، ووضع يديه على رأسه الشريف وقال : « اللّهم عجّل فرجه ، وسهّل مخرجه ».

وذكر المحدّث النوري في كتابه « النجم الثاقب » ما ترجمته بالعربية : هذا القيام والتعظيم سيرة تمام أبناء الشيعة في كلّ البلاد ....

وروى العلاّمة المامقاني في رجاله في دعبل ، عن محمّد بن عبد الجبّار في مشكاة الأنوار ، أنّه لما قرأ دعبل قصيدته المعروفة على الإمام الرضا عليه السلام ، وذكر الحجّة عليه السلام إلى قوله :

خروج إمام لا محالة خارج *** يقوم على اسم اللّه والبركات

وضع الرضا عليه السلام يده على رأسه ، وتواضع قائماً ، ودعا له بالفرج(1).

( أبو حيدر - فنلاندا - .... )

تعليق على السؤال السابق :

القيام ووضع اليد على الرأس عند ذكر لقبه بالقائم ليس واجباً ، بل من باب التعظيم والاحترام ، وللمعتقد بغيبته وظهوره دليل على انتظار فرجه الشريف ، والاستعداد لنصرته ، وأسوة لمن سبقه من أهل البيت عليهم السلام بهذا الفعل ، وشكراً.

( .... - البحرين - .... )

ولادته في كتب أهل السنّة :

س : حشرنا اللّه مع آل محمّد وإيّاكم.

ص: 329


1- مستدرك سفينة البحار 8 / 629.

هل هناك روايات عند أهل السنّة تقول : بأنّ الإمام المهديّ ولد؟ جزاكم اللّه ألف خير ، ونسألكم الدعاء.

ج : قد اعترف علماء كثيرون من أهل السنّة بولادة الإمام المهديّ عليه السلام فراجع كتاب دفاع عن الكافي(1) للسيّد ثامر العميدي ، فقد ذكر فيه مائة وثمانية وعشرين شخصاً من أهل السنّة ، من الذين اعترفوا بولادة الإمام المهديّ عليه السلام ، مع ترتيبهم بحسب القرون ، ونحن نقتصر على ذكر بعضهم :

سهل بن عبد اللّه البخاريّ ، المتوفّى 341 ه(2) ، محمّد بن طلحة الشافعي ، المتوفّى 652 ه(3) ، سبط ابن الجوزيّ ، المتوفّى 654 ه(4) ، محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي ، المتوفّى 658 ه(5) ، ابن خلكان ، المتوفّى 681 ه(6) ، عزيز بن محمّد النسفي الصوفي - المتوفّى 686 ه- - في رسالته ، كما في ينابيع المودّة(7) ، إسماعيل بن علي أبو الفداء ، المتوفّى 732 ه(8) ، محمّد الذهبيّ ، المتوفّى 748 ه(9) ، خليل الصفدي ، المتوفّى 764 ه(10) ، عبد اللّه بن علي اليافعي ، المتوفّى 768 ه(11) ، ابن الصبّاغ المالكي ، المتوفّى 855 ه(12) ، محمّد بن طولون الحنفي ، المتوفّى 953 ه(13) ، حسين الديار بكري القاضي ،

ص: 330


1- دفاع عن الكافي 1 / 568.
2- سرّ السلسلة العلوية : 40.
3- مطالب السؤول 2 / 152.
4- تذكرة الخواص : 325.
5- البيان في أخبار صاحب الزمان : 97.
6- وفيات الأعيان 4 / 31.
7- ينابيع المودّة 3 / 352.
8- المختصر في أخبار البشر 1 / 361.
9- العبر في خبر من غبر 1 / 373.
10- الوافي بالوفيات 2 / 249.
11- مرآة الجنان 2 / 127.
12- الفصول المهمّة : 292.
13- الأئمّة الإثنا عشر : 117.

المتوفّى 966 ه- (1) ، عبد الوهّاب الشعراني الشافعي ، المتوفّى 973 ه- (2) ، أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي ، المتوفّى 974 ه- (3) ، ابن عماد الدمشقي الحنبلي ، المتوفّى 1089 ه- (4) ، محمّد بن علي الصبّان الشافعي ، المتوفّى 1206ه- (5).

( حسين عبد الأمير - البحرين. 18 سنة - طالب )

ماذا يجب أن نفعله في الغيبة :

س : ما واجبنا اتجاه الإمام المهديّ المنتظر وهو في غيبته؟ وما يجب علينا فعله؟

ج : من الأعمال المفروض بنا أن نعملها في زمن الغيبة ، هي :

1 - انتظار فرجه عليه السلام وظهوره ، فقد ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « أفضل أعمال أُمّتي انتظار الفرج » (6).

2 - الدعاء له عليه السلام بتعجيل فرجه ، فقد ورد من الناحية المقدّسة على يد محمّد ابن عثمان في آخر توقيعاته عليه السلام : « وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإنّ ذلك فرجكم » (7).

3 - معرفة صفاته عليه السلام ، وآدابه ، والمحتومات من علائم ظهوره.

ص: 331


1- تاريخ الخميس 2 / 343.
2- ينابيع المودّة 3 / 345.
3- الصواعق المحرقة 2 / 601.
4- شذرات الذهب 2 / 290.
5- إسعاف الراغبين : 133.
6- الإمامة والتبصرة : 163 ، تحف العقول : 37 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 527 ، مجمع الزوائد 10 / 147 ، ينابيع المودّة 3 / 397 ، الجامع الكبير 5 / 225.
7- كمال الدين وتمام النعمة : 485 ، الغيبة للشيخ الطوسيّ : 293 ، الاحتجاج 2 / 284.

4 - مراعاة الأدب عند ذكره عليه السلام ، بأن لا يذكره إلاّ بألقابه الشريفة : كالحجّة والقائم ، والمهديّ ، وصاحب الزمان ، وصاحب الأمر ، وغيرها ، وترك التصريح باسمه الشريف ، وهو اسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وتكملة ذكره عليه السلام بقول : عليه السلام ، أو ( عجّل اللّه تعالى فرجه ) ، والقيام عند ذكر لقبه « القائم ».

5 - إظهار محبّته عليه السلام وتحبيبه إلى الناس.

6 - إظهار الشوق إلى لقائه عليه السلام ورؤيته ، والبكاء والإبكاء والتباكي والحزن على فراقه.

7 - الدعاء والطلب من اللّه تعالى أن نكون من جنوده وأنصاره واتباعه ، ومن المقاتلين بين يديه ، وأن يرزقنا الشهادة في دولته.

8 - التصدّق عنه عليه السلام بقصد سلامته.

9 - إقامة مجالس يذكر فيها فضائله عليه السلام ومناقبه ، أو بذل المال في إقامتها ، والحضور في هكذا مجالس ، والسعي في ذكر فضائله ونشرها.

10 - إنشاء الشعر وإنشاده في مدحه عليه السلام ، أو بذل المال في ذلك.

11 - إهداء ثواب الأعمال العبادية المستحبّة له عليه السلام ، كالحجّ والطواف عنه عليه السلام ، والصوم والصلاة ، وزيارة مشاهد المعصومين عليهم السلام ، أو بذل المال لنائب ينوب عنه في أداء تلك الأعمال.

12 - زيارته عليه السلام وتجديد البيعة له عليه السلام بعد كلّ فريضة من الفرائض اليومية ، أو في كلّ يوم جمعة بما ورد عن الأئمّة عليهم السلام في ذلك.

13 - تعظيم مواقفه عليه السلام ومشاهده ، كمسجد السهلة ، ومسجد الكوفة وغيرهما.

14 - ترك توقيت ظهوره عليه السلام ، وتكذيب المؤقّتين ، وتكذيب من ادّعى النيابة الخاصّة ، والوكالة عنه عليه السلام في زمن الغيبة الكبرى.

جعلنا اللّه تعالى وإيّاكم من الممهّدين لدولته ، والمرضيّين عنده.

ص: 332

( عقيل أحمد جاسم - البحرين - 32 سنة - بكالوريوس )

معنى يأتي بكتاب جديد :

س : بخصوص الإمام المنتظر ، قال الإمام أبو عبد اللّه عليه السلام : « واللّه كأنّي أنظر إليه بين الركن والمقام ، يبايع الناس على كتاب جديد » (1) ، والمقصود من ذلك كتاب غير القرآن ، لأنّهم يدّعون بأنّنا نقول : بأنّ القرآن محرّف ، والقرآن الحقيقيّ عند الغائب.

ج : من أين لنا أن نحكم بأنّ الكتاب الجديد هو قرآن جديد - والعياذ باللّه -؟ والظاهر من الرواية إنّه عهد وبرنامج جديد يتعاهده هو عليه السلام مع أصحابه ، وظهور الكلام كما نعلم حجّة ، وليس في الرواية أية قرينة على خلاف هذا الظهور.

فالنتيجة : إنّ الكتاب - هنا - بمعنى مخطّط جديد ، مرسوم من قبل الإمام عليه السلام لتطبيق الدين الإسلامي الحنيف.

( أحمد العصفور - عمان - 14 سنة )

من مميّزات أنصاره :

س : كيف تكون صفات الناس الذين سوف يقاتلون مع الإمام المهديّ عليه السلام؟ وكيف سيكون العالَم قبل أن يأتي؟ وهل يجب أن يرى كلّ واحد الإمام المهديّ كي يحارب معه؟ وإذا دعوت في صلاتي أن أكون من جيوشه - إن شاء اللّه باستمرار ودائماً - هل سأكون؟ وشكراً.

ج : البحث عن موضوع الإمام المهديّ عليه السلام وكلّ ما يتعلّق به بحث مفصّل ، لا يسعنا التطرّق إليه ، ولكن نشير هنا إلى رؤوس بعض المواضيع ، فإن أردت التفصيل فعليك بالكتب المختصّة في هذا المجال.

ص: 333


1- الغيبة للنعماني : 194.

وأمّا الوضع العام للعالم والبشرية قبيل ظهوره عليه السلام فهو وضع مأساوي وسلبي إلى أبعد الحدود معنوياً ومادّياً ، بحيث لا يبقى طريق وحلّ للخروج من هذا الوضع المؤلم إلاّ اللجوء إليه ، والتمكين لحكمه ودولته عليه السلام.

أمّا وظيفة المؤمن في عصر الغيبة ، فهي لا تقتصر بجهةٍ دون أُخرى ، بل تشمل الالتزام والعمل بجميع جوانب العقيدة والشريعة ، بما فيها الدفاع عن المبادئ والقيم والمقدّسات.

وأمّا مميّزات أنصار الحجّة عليه السلام ، فهي باختصار : العمل بالوظائف الدينية في أعلى مراتبها ، ومنها : شدّ أواصر المحبّة والعُلقة القلبية مع صاحب العصر والزمان عليه السلام ، بحيث يراه كالحاضر والناظر على أفعاله وأعماله.

فالمؤمنون في عصر الغيبة ، وقبيل الظهور ليسوا بقلّة ، ولكن أصحاب الإمام عليه السلام هم الصفوة من هذه المجموعة ، نتيجةً لسعيهم وثباتهم في سبيل الدين والعقيدة في عصر الغيبة.

وأمّا الدعاء للتوفيق في نصرة الإمام عليه السلام فهو مندوب وممدوح ، وينبغي لكلّ مسلم وموالي أن يفعل ذلك ؛ فإنّه من رآه اللّه تعالى على هذه الحالة ، فقد نال ثواب المشاركة والنصرة للحجّة عليه السلام ، وإن لم يدرك أيّام الظهور.

( علي سلمان - البحرين - 18 سنة - طالب جامعة )

المقصود من سرداب الغيبة :

س : ما هي حقيقة سرداب الغيبة؟ وماذا نقصد به؟ والأدعية الواردة له إلى ماذا ترمز؟

ج : إنّ المقصود من سرداب الغيبة هو : سرداب الدار التي كان يسكنها الإمام الهادي والإمام العسكريّ والإمام المهديّ عليهم السلام ، ويقال : إنّ غيبة الإمام المهديّ عليه السلام حصلت منه ، أي إنه آخر مكان شوهد فيه الإمام قبل غيبته.

وقد وردت بعض الزيارات والأدعية عند الوقوف عليه ، والتي ترمز إلى إظهار

ص: 334

المحبّة والمودّة له عليه السلام ، والدعاء له في تعجيل فرجه ، وغير ذلك.

( أحمد - السعودية - سنّي - 20 سنة - طالب جامعة )

حجّة اللّه على الخلق :

س : كيف يكون الإمام المهديّ حجّة وهو غائب؟ وما هي الفائدة منه حال غيبته؟

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ الإمام المهديّ عليه السلام حجّة اللّه تعالى على الخلق ، بمعنى أنّ اللّه تعالى يحتجّ به على عباده يوم القيامة ، وعليه فالحجّية مهمّة من مهام الإمام ووظائفه.

فغيابه عليه السلام عن أنظار الخلق - بمعنى أنّ الخلق لا يراه بينما هو يراهم - لا يضرّ على هذا المعنى من الحجّية ، فهو ناظر إلى أعمالنا ، ومطّلع عليها.

وإن قلنا : إنّ معنى الحجّية هو الالتزام بأقوال الإمام عليه السلام ، وأوامره ونواهيه ، والعمل عليها ، فغيابه عليه السلام أيضاً لا يضرّ ، إذ يكفي في صحّة إطلاق الحجّية بهذا المعنى هو التزام المؤمن ، بأنّه إذا صدر أمر أو نهي من الإمام سوف يطبّقه ، ويسير على نهجه ، سواء صدر ذلك فعلاً أو لم يصدر ، كما في زمن الغيبة.

علماً أنّ وجود الإمام عليه السلام لا يقتصر على الحجّية ، بل له مهام وفوائد ووظائف أُخرى كثيرة جدّاً ، بحيث يكون الانتفاع به كالشمس إذا غيّبتها السحاب ، كما ورد ذلك في روايات أهل البيت عليهم السلام.

فقد سئل النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن كيفية الانتفاع بالإمام المهديّ عليه السلام في غيبته فقال : « إي والذي بعثني بالنبوّة ، إنّهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس ، وإن تجلّلها السحاب »(1).

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال - بعد أن سئل عن كيفية انتفاع الناس

ص: 335


1- كمال الدين وتمام النعمة : 253 ، ينابيع المودّة 3 / 238 ، كشف الغمّة 3 / 315.

بالحجّة الغائب المستور - : « كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب »(1).

وروي أنّه خرج من الناحية المقدّسة إلى إسحاق بن يعقوب على يد محمّد بن عثمان : « وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي ، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب »(2).

فيمكن أن يقال : إنّ الشبه بين مهدي هذه الأُمّة ، وبين الشمس المجلّلة بالسحاب من عدّة وجوه :

1 - المهديّ عليه السلام كالشمس في عموم النفع ، فنور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسّطه.

2 - إنّ منكر وجود المهديّ عليه السلام كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.

3 - إنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها فإنهم ينتظرون في كلّ آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ؛ ليكون انتفاعهم بها أكثر ، فكذلك في أيّام غيبته عليه السلام ، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه ، وظهوره في كلّ وقت وزمان ولا ييأسون منه.

4 - إنّ الشمس قد تخرج من السحاب على البعض دون الآخر ، فكذلك يمكن أن يظهر في غيبته لبعض الخلق دون البعض.

5 - إنّ شعاع الشمس يدخل البيوت بقدر ما فيها من النوافذ ، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع ، فكذلك الخلق إنّما ينتفعون بأنوار هدايته بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم ، من الشهوات النفسية والعلائق الجسمانية ، والالتزام بأوامر اللّه والتجنّب عن معاصيه ، إلى أن ينتهي الأمر حيث يكون بمنزلة مَن هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب.

ص: 336


1- كمال الدين وتمام النعمة : 207 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 253 ، روضة الواعظين : 199.
2- كمال الدين وتمام النعمة : 485 ، الاحتجاج 2 / 284 ، الخرائج والجرائح 3 / 1115.

( السيد الموسوي البحراني - البحرين - 36 سنة - طالب علم )

يحكم بالحكم الواقعي لا الظاهري :

س : الإمام الحجّة عليه السلام عند خروجه ، هل يحكم بين الناس بالأحكام الظاهرية كأجداده أم له أحكام خاصّة تختلف عنهم؟ الرجاء دعم الإجابة بالروايات.

ج : قد وردت عندنا روايات صحيحة تشير إلى أنّ الإمام المهديّ عليه السلام يحكم بحكم داود عليه السلام ، فقد ورد عنهم عليهم السلام : إنّ روح القدس يتلقّاهم بما ليس عندهم ، فعن عن عمّار الساباطي قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : بما تحكمون إذا حكمتم؟ قال : « بحكم اللّه وحكم داود ، فإذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا ، تلقّانا به روح القدس » (1).

وعن الإمام الصادق عليه السلام : « إذا قام قائم آل محمّد صلى اللّه عليه وآله حكم بحكم داود عليه السلام ، لا يحتاج إلى بيّنة ، يلهمه اللّه تعالى فيحكم بعلمه ، ويخبر كلّ قوم بما استبطنوه ، ويعرف وليّه من عدّوه بالتوسم ... » (2).

فمن هذا يتبيّن : إنّ الإمام المهديّ عليه السلام يحكم بالحكم الواقعي لا الظاهري ، واللّه أعلم.

( حسن - السعودية - سنّي - 27 سنة - طالب جامعة )

عقيدتنا فيه :

س : أشكرك أخي على ردّك عليّ ، ولكن أردت أن أسألك عن المهديّ المنتظر ، هو معروف ومتعارف عليه لذي المذهبين السنّة والشيعة ، وما هو متعارف عندنا أنّه يأتي في آخر الزمان ، واسمه من اسم الرسول ، ويأتي وهو بسنّ الأربعين.

ص: 337


1- الكافي 1 / 398 ، بصائر الدرجات : 471.
2- روضة الواعظين : 266 ، الإرشاد 2 / 386.

لو تكرّمت أخي الكريم : أُريد أن أعرف ما هو المهديّ المنتظر في مذهبكم؟ ولك منّي جزيل الشكر.

ج : الإمام المهديّ المنتظر عليه السلام هو الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، الذين نصَّ عليهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وذكرتهم المجامع الحديثية عند الشيعة الإمامية بعددهم وأسمائهم ، واكتفت بعض المجامع الحديثية السنّية بذكر عددهم دون أسمائهم ، كما في صحيحي البخاريّ ومسلم ، في أحاديث الخلفاء اثنا عشر ، وفي بعض الأحاديث يرد ذكر القبيلة التي ينتمي إليها هؤلاء الخلفاء أو الأئمّة ، كقوله صلى اللّه عليه وآله : « كلّهم من قريش »(1).

وأيضاً يرد امتداد خلافة هؤلاء الخلفاء حتّى قيام الساعة ، كما في الحديث الذي أورده مسلم في صحيحه : « لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ... »(2).

ولم يستقم تفسير لهذه الأحاديث الشريفة إلاّ بما تذكره المجامع الحديثية

الشيعيّة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : بأنّ الخلفاء أو الأئمّة هم اثنا عشر ، أوّلهم علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم المهديّ المنتظر عليه السلام.

ولا يوجد تفسير صحيح عند أيّ من المذاهب الإسلامية لهذه الأحاديث الصحيحة المتظافرة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، سوى ما نشهده عند الشيعة الإمامية فقط.

وهذه الأحاديث تذكر : أنّ امتداد خلافة الأئمّة عليهم السلام تمتد إلى قيام الساعة ، وهو ما يستقيم تماماً وبالشكل الذي يفسّره حديث الثقلين ، بأنّ الكتاب وأهل البيت عليهم السلام لن يفترقا حتّى يردا على النبيّ صلى اللّه عليه وآله الحوض ، وهو كناية عن يوم

ص: 338


1- مسند أحمد 5 / 87 ، صحيح البخاريّ 8 / 127 ، صحيح مسلم 6 / 3 سنن أبي داود 2 / 309 ، الجامع الكبير 3 / 340.
2- صحيح مسلم 6 / 4 ، مسند أحمد 5 / 89.

القيامة ، كما في الحديث الذي رواه الحاكم في مستدركه : « إنّي تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب اللّه تعالى وعترتي ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » (1).

فعقيدتنا في الإمام المهديّ عليه السلام أنّه مولود في سامراء ، في الخامس عشر من شعبان سنة 255 ه- ، وهو ابن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام ، وهو حيّ غائب ، له غيبتان ، الغيبة الصغرى امتدت ما يقرب من سبعين عاماً ، ابتدأت بعد وفاة والده الإمام العسكريّ عليه السلام سنة 260 ه. عيّن فيها الإمام المهديّ عليه السلام أربعة وكلاء كانوا الواسطة بينه وبين شيعته ومواليه في تلك الفترة ، ثمّ خرج توقيع من الإمام المهديّ عليه السلام على يد الوكيل الرابع علي بن محمّد السمري ، يخبره فيها بوقوع الغيبة الكبرى ، والتي ينتهي أمدها بأمر وإذنٍ من اللّه تعالى له بالخروج ، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما مُلئت ظلماً وجوراً ، كما هو الوارد في المجامع الحديثية عند الفريقين ، والتي اتفقت على ظهوره عليه السلام.

فقد روى أحمد بن حنبل بسنده عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لبعث اللّه عزّ وجلّ رجلاً منّا ، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً » (2).

واسم الإمام المهديّ عليه السلام هو محمّد اسم النبيّ المصطفى صلى اللّه عليه وآله ، فقد أخرج أبو داود بسنده عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « لا تذهب - أو لا تنقضي - الدنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي » (3).

وقد ذكرت الأحاديث الواردة في خصوص الإمام المهديّ عليه السلام أنّه سيخرج وهو على هيئة رجل شاب في الأربعين من عمره ، لم تعمل فيه السنين المتقادمة عملها من الهرم والعجز ، وذلك سرّ من أسرار اللّه في خلقه. .

ص: 339


1- المستدرك 3 / 109 ، كتاب السنّة : 337 و 630.
2- مسند أحمد 1 / 99.
3- سنن أبي داود 2 / 310.

( زين العابدين أيوبي - سورية - 20 سنة - طالب جامعة )

غير السفّاح الوارد في بعض الروايات :

س : كثيراً ما يتشدّق النواصب ويدّعون بأنّ لهم مهدياً غير مهدي آل محمّد عليهم السلام ، الذي ينعتونه بالسفّاح وغير ذلك من الألقاب البذيئة ، فما القول الفصل فيمن يزعم وجود أكثر من مهدي؟

وهل يمكن اعتبار السفياني مهدي النواصب؟ ونرجو التفصيل أكثر بالنسبة للتمييز بين عدل المهديّ بشيعته وقسوته على أعدائه ، وشكراً.

ج : لقد وضع بنو العباس أحاديث تشير إلى أنّ المهديّ عليه السلام من نسل جدّهم العباس ، وقد ضُعِّفت جميع تلك الأحاديث ، ولعلّ هذا الحديث أيضاً من الأحاديث التي أرادوا الإشارة بها إلى أحقّية خلافتهم المتمثّلة في أوّل خلفائهم ، وهو أبو العباس السفّاح ، والملاحظ لتلك الأحاديث التي ورد بها ذكر السفّاح ، أنّ هناك الكثير ممّن ذكر نفس تلك الأحاديث دون ذكر أنّ المهديّ يقال له السفّاح.

والاختلاف الحاصل في وجود أكثر من مهدي ناشئ من أنّ بعض علماء السنّة يقولون : إنّ المهديّ لم يولد ، بل سيولد ، فترى بين الحين والآخر يظهر من يدّعي أنّه المهديّ!

والذي عليه اعتقادنا نحن مذهب أهل البيت عليهم السلام : إنّ المهديّ عليه السلام ولد ، وهو الابن الوحيد للإمام الحسن العسكريّ عليه السلام ، وقد اعترف بولادته الكثير من علماء السنّة.

وأهل السنّة الذين يقولون : إنّ المهديّ لم يولد ، لا يبعد منهم أن يتمسّكوا بأيّ شخص ، ويقولون إنّه المهديّ ، فلا يبعد أن يتمسّكوا بالسفيانيّ ، ليكون مهدياً لهم ، بعد أن تمسّكوا على مرّ التاريخ بأشخاص ادعوا المهديّة ، هم بعيدون كلّ البعد عن حقيقة ذلك.

إنّ قيام دولة الإمام المهديّ ، وتحقيق العدالة الكاملة فيها لا يتحقّق إلاّ

ص: 340

بالتخلّص من الكفّار ، لأنّهم سوف لن يَدَعوا الإمام يحقّق دولته ، بل يرونه خطراً عليهم ، وسيحقّق الإمام فيهم قول اللّه تعالى : ( لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (1) ، فيملأ الإمام الدنيا قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

( زكيّ الحسينيّ - ..... - طالب حوزة )

كاتب الشيخ المفيد بثلاث توقيعات :

س : هل صحيح أنّ مولانا بقيّة اللّه الأعظم أرواحنا له الفدى ، قد كاتب الشيخ المفيد ( قدس سره ) برسالتين؟ كما هو مروي عن العلاّمة المجلسيّ ( قدس سره ) صاحب البحار ، وهل كاتب غير الشيخ المفيد برسائل أيضاً؟

وهل صحيح أنّ الإمام عليه السلام يذكر في هذه الرسالة أنّ حركته الأخيرة ستكون إلى مكان كذا؟ وباعتبار أنّه يغيّر مكانه لأسباب ، منها : عدم خصوبة الأرض ، وقلّة الزرع ، وصعوبة المعيشة ، كما يذكر القزويني بقول قلّة الزرع.

سؤالي : إلى مدى يحتاج الإمام عليه السلام إلى كتابة رسالة ، ويتضمّن كذلك الإعلام بحركته ، ثمّ يفسّر كذلك بهذا التفسير؟

ج : إنّ ذكر هذه التوقيعات من قبل الثقات من أعلام الأُمّة - كالعلاّمة المجلسيّ ، والشيخ أبو علي الحائري ، والمحدّث البحراني ، والسيّد بحر العلوم ، والسيّد الخونساري ، والمحدّث النوري وغيرهم - دليل على قبول هذا التوقيع عندهم ، بل روي عن البعض : أنّ التوقيع المبارك تتلقّاه الشيعة بالقبول.

وقد كاتب الإمام عليه السلام الكثير من خلال سفرائه الأربعة في الغيبة الصغرى ، وأمّا في الغيبة الكبرى ، فالذي يذكره المحدّثون أنّ للشيخ المفيد ثلاثة توقيعات صادرة عن الإمام عليه السلام ، والموجود منها في كتب الحديث اثنان فقط.

ص: 341


1- البقرة : 114.

والرسالتان التي كاتب بهما الشيخ المفيد ( قدس سره ) لا يذكر فيها ما ذكرت ، وإنّما وصف مكان تواجده عليه السلام ، وأنّه سينتقل إلى مكان آخر ، وهو إخبار أنّ الإمام يتحرّك من مكان إلى مكان ، وهذا من لوازم الاختفاء والغيبة.

والإمام عليه السلام لم يكاتب الشيخ المفيد لاحتياجه الشخصي لذلك ، بل إنّ الشيعة في ذلك الوقت قد يحتاجون إلى ما يربطهم بالإمام ، لعدم وضوح النيابة العامّة للعلماء آنذاك ، فلابدّ من اتصال مع الإمام ولو قليلاً ، ولتشريف الأشخاص الذين يمثّلون تلك النيابة العامّة.

فالشيخ الصدوق ( قدس سره ) ولد بدعاء الإمام عليه السلام ، والشيخ المفيد يشرّف بالمكاتبة ، وآخرون يرسل لهم مبعوث - كالسيّد ابن طاووس - وهكذا ، حتّى صار واضحاً عندنا الآن : أنّ بعض الفقهاء هم نوّاب عامّون للإمام عليه السلام.

( وليد - الكويت - 22 سنة - طالب ثانوية )

علامات ظهوره وقيام الساعة :

س : أردت السؤال عن علامات خروج الإمام المهديّ عليه السلام ما هي؟ وما هي العلامات الحتمية والغير حتمية؟ وما هي علامات قيام الساعة وما هو ترتيبها؟ ومن الذي يقتل المسيح الدجّال؟ مع الشكر لكم.

ج : قد ذكرت الكثير من العلامات لظهوره عليه السلام ، ونحن نذكر قسماً منها على نحو الإجمال :

1 - ظهور ستّين شخصاً يدّعون النبوّة بالكذب.

2 - ظهور اثني عشر نفراً من السحرة يدّعون الإمامة.

3 - خراب جدار مسجد الكوفة ، ممّا يلي دار عبد اللّه بن مسعود.

4 - ظهور نجم ذي ذنب.

5 - ظهور القحط الشديد.

6 - وقوع الزلزلة والطاعون في أكثر البلاد.

ص: 342

7 - خراب البصرة بيد شخص ملّقب بصاحب الزنج.

8 - امتلاء الأرض من الظلم والفسق.

9 - عود الإسلام غريباً كما بدأ غريباً.

10 - تحلية المصاحف وزخرفة المساجد ، وتطويل المنائر.

11 - اقتران بعض النجوم.

12 - انهدام الكعبة.

13 - خراب مسجد براثا.

14 - خراب بغداد.

15 - ركود الشمس من عند الزوال إلى أوسط أوقات العصر.

16 - طلوع الشمس من المغرب.

17 - خروج اليماني من اليمن.

18 - خروج الخراساني.

19 - ظهور المغربي بمصر ، وتملّكه الشامات.

20 - اختلاف الرايات في الشام ، وخراب الشام من القتل والانتهاب.

21 - خروج زنديق من قزوين اسمه اسم نبيّ ، يسرع الناس إلى طاعته.

22 - خروج العوف السلمي من الجزيرة.

23 - خروج السمرقندي المسمّى بشعيب بن صالح.

24 - خروج النار من المشرق.

25 - ظهور حمرة شديدة في أطراف السماء.

26 - وقوع القتل واهراق الدماء في الكوفة ، لما تكثر فيها من الرايات.

27 - قتل النفس الزكية في ظهر الكوفة مع سبعين نفراً من الصالحين.

28 - مسخ طائفة بصورة القردة والخنازير.

29 - حركة رايات سود من ناحية خراسان.

30 - نزول مطر شديد في جمادى الثانية ورجب ، بحيث لم ير مثله.

ص: 343

أمّا العلامات الحتمية ، فذكر منها :

1 - خروج الدجال.

2 - الصيحة.

3 - خروج السفياني.

4 - خسف جيش السفياني بالبيداء.

5 - قتل النفس الزكية بين الركن والمقام.

6 - كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان ، وخسوف القمر في آخره ، وقد قيل إنّ منها خروج السيّد الحسني ، والنداءات الثلاثة التي تسمعها كلّ الخلائق ، وكفّ تطلع من السماء ، واختلاف بني العباس ، وانقراض دولتهم.

أمّا قيام الساعة ، فقد وردت روايات توضّح فيها علامات ، إلاّ أنّها لم تحدّد الترتيب الزمني لها ، ومن تلك الروايات ما ورد عن الرسول صلى اللّه عليه وآله بقوله : « لا تقوم الساعة حتّى تكون عشر آيات : الدجّال والدخّان ، وطلوع الشمس من مغربها ، ودابّة الأرض ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة دالات من الخسوف : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قصر عدن تسوق الناس إلى المحشر ، تنزل معهم إذا نزلوا ، وتقيل معهم إذا أقالوا »(1).

أمّا الدجّال ، فقد وردت روايات عن الإمام الصادق عليه السلام تخبر عن مقتل الدجّال على يد الإمام المهديّ عليه السلام.

( إبراهيم المطوّع - السعودية - 40 سنة - موظّف )

اتجاهان في تمهيد الأرضية لظهوره :

س : مع العلم بأنّنا نتوقّع خروج الإمام المهديّ عليه السلام دوماً بأنّه قريب ، حيث

ص: 344


1- الخصال : 431 ، سنن ابن ماجة 2 / 1341 و 1347 ، المستدرك 4 / 428 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 662.

أنّنا نتلمّس الجور ، بأنّه قد وصل إلى أوجه.

منذ بداية البشرية والجور مستمر ، وهو السائد على الأرض والغالب أيضاً وإلى اليوم.

يتطلّب خروج الإمام المهديّ عليه السلام استعداداً من قبل الأُمّة كي تمهّد له الأرضية ، والسؤال الذي يطرح هنا : متى تعي البشرية دورها تجاه الإمام عليه السلام؟ ومتى ستنصاع إلى الحقّ ، وتقبل به عن إرادة واختيار؟

البشرية من بدء الخليقة ونداءات الأنبياء والرسل والحكماء ، وجميع من لهم دور في ترشيد الإنسانية تدعوا ، والقرآن يشير بكلّ صراحة وتأكيد : ( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (1) ، ( وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ) (2) وغير ذلك.

كم تحتاج البشرية حتّى تكون في بداية دورها للاستعداد للخروج أو للتمهيد على الأقلّ؟ إذا كانت من بدء الخليقة لم تعي أو لم يتحقّق الرقم المطلوب لخروجه عليه السلام.

هل نحتاج إلى عمر من الزمن يكثر عن الزمن الماضي؟ ولماذا نحن علينا أن نشعر بأنّه قريب؟ وليس معنى ذلك إنّني يائس من خروجه عليه السلام.

إنّ علامات الظهور كانت ولا تزال كأنّها بارزة ، وكأنّها تتحقّق يوماً بعد يوم ، وإنّ كلّ زمان يرى بأنّ خروجه قد آن أوانه.

الشيعة يمحّصون في خروجه ، حتّى أنّ البعض ينكر هذا الخروج ، فهل نحن نستطيع أن نستمر في اعتقادنا بخروجه عليه السلام إذا كنّا بعيدين عن وضوح الرؤية الحقيقيّة؟ ولذلك فنحن نرى خروجه قريباً مع عدم وجود الأرضية الصالحة لذلك الخروج.

هل وصلنا إلى الحكمة الحقيقيّة والواضحة والمنشودة كي نستطيع بها توطيد الأرضية لخروجه عليه السلام؟ لا تتمنّوا خروجه إلاّ وأنتم في عافية من دينكم.

وس : لماذا لم تكن هذه الفترة كفيلة بأن تعدّ العدد الذي يؤهّل الإمام

ص: 345


1- سبأ : 13.
2- هود : 40.

علي عليه السلام بأن يكون مقبولاً عند جميع الأطراف؟ وذلك كما أشار الإمام نفسه أو وضّحته مسيرة التاريخ.

ولكم منّا ألف تحية وسلام.

ج : ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لابدّ منها ، يرتاب فيها كلّ مبطل » ، فقلت له : ولم جعلت فداك؟ قال : « لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم » ، قلت : فما وجه الحكمة في غيبته؟ فقال : « وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غياب من تقدّمه من حجج اللّه تعالى ذكره ، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره ، كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وإقامة الجدار لموسى إلاّ وقت افتراقهما » (1).

أمّا ما أشرتم إليه من أنّه متى تعي البشرية دورها اتجاه الإمام عليه السلام؟

في الجواب يمكن أن نقول : لابدّ من إيصال صوت الإسلام إلى جميع بقاع الأرض ، ونحاول تطبيقه بشكله الصحيح ، ونحاول تطبيق العدالة بأسمى أشكالها على سلوكنا وسلوك الآخرين ، حتّى يصبح المجتمع صالحاً بجميع طبقاته لتقبّل ظهور الإمام عليه السلام ، ولا يقف أمامه من يعرقل المسيرة.

إنّه بهذا نكون قد مهدّنا لظهور الإمام عليه السلام ، وقمنا بوظيفة الانتظار ، فإنّ الانتظار يعني تهيئة الأرضية الصالحة لظهوره عليه السلام بإعداد العدّة الصالحة فكريّاً وعمليّاً ، حتّى إذا ما ظهر عليه السلام تكون الأرضية صالحة من جانب المؤمنين أيضاً.

وجاء في حديث أبي بصير : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : « ليعدّن أحدكم لخروج القائم ولو سهماً ، فإنّ اللّه تعالى إذا علم ذلك من نيّته رجوت لأنّ ينسئ في عمره حتّى يدركه ، ويكون من أعوانه وأنصاره » (2). .

ص: 346


1- علل الشرائع 1 / 246 ، كمال الدين وتمام النعمة : 482 ، الاحتجاج 2 / 140.
2- الغيبة للنعماني : 320.

الإمامة :

اشارة

( الموالي - عمان - 23 سنة - طالب جامعة )

أهمّيتها :

س : السلام عليكم أيها الأفاضل :

كنت أتكلّم مع أحدهم حول أهمّية البحث في مسألة الإمامة ، فقال لي بأنّه لا يعتقد بأهمّية البحث ، لأنّ الفرق الإسلامية متّفقة في أشياء كثيرة ، وليس هناك اختلاف كبير ، وبالتالي كيف سيفيد هذا الاعتقاد في جعله أفضل ، وقال لي آخر نفس الكلام تقريباً ، وأضاف بأنّه يمكن الحصول على القرب الإلهيّ بالصلاة والسجود ، فما هي أهمّية الموضوع؟

ج : الدين الإسلامي هو رسالة السماء الخاتمة إلى الناس ، نزل بها الوحي الأمين على سيّد المرسلين محمّد صلى اللّه عليه وآله ، وأمرنا باتباع رسالته والإيمان بكلّ ما جاء به ، والتسليم له في كلّ ما يقول ، ووبّخ من يرفض الإيمان بها ، أو يؤمن ببعضها ، ويترك البعض الآخر :

قال تعالى : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامة يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ ) (1).

ووصف المتّقين بقوله : ( الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ *

ص: 347


1- البقرة : 85.

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ... والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) (1).

وقال تعالى : ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ ... وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ) (2).

إذا عرفت ذلك نقول : إنّ الإمامة التي تؤمن بها الشيعة - تبعاً للنبيّ صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام - مبدؤها القرآن ، وأنّ القرآن نطق بها ، فإذاً يجب على الإنسان المؤمن أن يؤمن بها ، وإلاّ يكن ممّن لا يؤمن ببعض الكتاب ، ورادّاً لبعض ما جاء به النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وبالتالي يدخل في ضمن من أخبر اللّه عنه بأنّه يصيبه عذاب شديد ، بل وأكثر من ذلك كما سيتضح.

وأما كيف أنّها مبدأ قرآني؟

فنقول : قال تعالى مخاطباً إبراهيم بعد نبوّته : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (3).

وقال تعالى وهو يتحدّث عن إبراهيم عليه السلام : ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (4).

وقال تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (5).

ص: 348


1- البقرة : 1 - 4.
2- آل عمران : 7.
3- البقرة : 124.
4- الزخرف : 28.
5- السجدة : 24.

وقال تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (1).

إلى هنا عرفنا : إنّ الإمامة جزء من شرع النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، جاء بها الوحي الكريم ، كما جاء بالصوم والصلاة ، وأوجب علينا الإيمان بهما ، وكذلك أوجب علينا الإيمان بالإمامة ؛ لأنّها من عند اللّه تعالى ، وجزء من وحيه.

ثمّ إذا ذهبنا إلى آيات القرآن الأُخرى رأينا أكثر من ذلك ، وأنّها تجعل الإمامة ، وولاية الإمام ، كولاية اللّه تعالى ، وولاية رسوله صلى اللّه عليه وآله ، وأنّها ترتقي إلى مستوىً أعلى من الصلاة والصوم.

قال تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (2) ، ولا نريد الدخول في دراسة الآية كلمة كلمة ، فإنّ ذلك يطول ، لكن الآية حصرت الولاية باللّه وبرسوله ، وبالذين آمنوا ، وجعلت من يتولاّهم من حزب اللّه تعالى.

ومن الواضح : أنّ عدم تولّي الإمام ( الَّذِينَ آمَنُواْ ) يخرم القاعدة التي تدخل الإنسان في حزب اللّه ، ومن يخرج من حزب اللّه ، يدخل في حزب الشيطان ، إذ لا ثالث في البين ، مع أنّا لا نجد في القرآن من يترك فرع من الفروع ولا يعمل به يكون من حزب الشيطان ، فالإمامة فوق تلك الأُمور - أي الصلاة والصوم - ووجوب تولّي الإمام كوجوب الصلاة والصوم وأكثر ، كما عرفت.

وعندما نرجع إلى الأحاديث النبوية التي وردت من طرق أهل السنّة نجد أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يوضّح لنا منزلة الإمامة والخلافة ، وأنّ الإمام له منزلة لا تقلّ عن منزلة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وسنّته كسنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأنّه يجب الرجوع إليه ، والإيمان به ، والأخذ عنه.

ص: 349


1- الأنبياء : 73.
2- المائدة : 55 - 56.

فعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « فعليكم بسنّتي ، وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين ، وعضّوا عليها بالنواجذ »(1).

ففي هذا الحديث عدّة أُمور :

1 - إنّ هؤلاء خلفاء الراشدين المهديّين ، أي لا يحتاجون هداية غيرهم من الناس.

2 - إنّ هؤلاء الخلفاء لهم سنّة مأمورون باتباعها.

3 - إنّ سنّة هؤلاء الخلفاء كسنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، إذ قرن سنّته بسنّتهم ، ومن الواضح أن سنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله معصومة لأنّه : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2) ، فكذلك سنّة خلفائه ، بدليل المقارنة ، والأمر بالاتباع المطلق.

ومن الواضح : إنّ هذه الصفات لا نجد انطباقها على أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم ، فمن هؤلاء الذين هذه صفاتهم؟!

ج : إذا رجعنا إلى صحيح مسلم نجده يجيبنا على هذا السؤال ، فقد روى عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثني عشر خليفة كلّهم من قريش »(3).

ومواصفات هذا الحديث ، وهو قيام الدين بهؤلاء الاثني عشر ، تتلاءم مع صفات الحديث السابق تمام الملائمة.

إذاً ، يجب علينا الرجوع إلى هؤلاء ، كما أمر الحديث ، لأنّهم المهديّين ، والمبيّنين للسنّة النبوية ، والذين يقوم الدين بهم.

بل عندما نذهب إلى السنّة النبوية المطهّرة نرى : أنّ عدم الإيمان بهؤلاء جاهلية ، كما في قوله صلى اللّه عليه وآله : « من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية »(4).

ص: 350


1- مسند أحمد 4 / 126 ، سنن الدارمي 1 / 45 ، سنن ابن ماجة 1 / 16 ، الجامع الكبير 4 / 150 ، المستدرك 1 / 96 ، كتاب السنّة : 30.
2- النجم : 4 - 3.
3- صحيح مسلم 6 / 4.
4- كتاب السنّة : 489 ، مجمع الزوائد 5 / 225 ، مسند أبي يعلى 13 / 366 ، المعجم الأوسط 6 / 70.

وقال صلى اللّه عليه وآله : « من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية »(1).

فمن لم يؤمن بالإمامة هو شخص جاهلي ، أي : على الحالة التي كانت قبل الإسلام ، وهذا يوافق الآية 55 و 56 من المائدة ، التي تلزم المؤمنين بتولّي اللّه والرسول ، والذين آمنوا ، الذين تصدّقوا في الركوع ، وأن من لم يتولّهم يخرج من حزب اللّه إلى حزب غيره ، وهو الشيطان ، فيكون ميتاً على جاهلية كأن لم يؤمن باللّه وبرسوله.

فتلخّص ممّا تقدم :

1 - إنّ الإمامة جزء من الدين الإسلامي ، فيجب الاعتقاد بها كالاعتقاد بغيرها من أحكام الدين.

2 - إنّ الإمامة ترتقي إلى أن يكون متولّي الإمام من حزب اللّه ، وإلاّ يخرج منه.

3 - إنّ الإمامة تعني القيام بالسنّة النبوية ، وبيانها للناس ، وأنّه يجب الرجوع إلى الإمام في أخذ الدين عنه ، كما أمرنا النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

بعد ذلك كلّه ، كيف نقول : لا توجد أهمّية لبحث الإمامة؟!

وأمّا قولك على لسان المخالف : بأنّ القرب الإلهيّ يحصل بالصلاة والسجود فما أهمّية الموضوع؟

فالجواب عنه : عرفت فيما تقدّم مدى أهمّية الموضوع ، وأنّ الطريق إلى توحيد اللّه وعبادته هو بالالتزام بأوامره ، والأخذ بسنّة نبيّه صلى اللّه عليه وآله ، والتي يكون الإمام عمدتها ، وهو المبيّن لها.

إن العقل قاضٍ بوجوب طاعة اللّه من حيث ما يأمرنا به ، لا من أي طريق مهما كان ؛ لأنّه كما أنّ العقل أثبت وجوب حقّ الطاعة علينا لله كذلك أثبت وجوب طاعة اللّه من حيث ما يريده اللّه ، لا من حيث تشخيصنا نحن أو غير

ص: 351


1- كتاب السنّة : 489 ، المعجم الكبير 19 / 335 ، المجموع 19 / 190 ، المحلّى 1 / 46 و 9 / 359 ، نيل الأوطار 7 / 356 ، صحيح مسلم 6 / 22 ، كنز العمّال 6 / 52.

ذلك ، لأنّ اللّه هو الربّ ، وهو الذي يحدّد ، لا أنّنا نحن الذين نحدّد ، لأنّ الحقّ له ، فهو صاحب الحقّ.

( عبد الرسول عبد اللّه - أمريكا - 19 سنة - طالب جامعة )

أعلى رتبة من النبوّة :

س : أيّ الرتب أرفع؟ الإمامة أم النبوّة؟

ج : إنّ النبوّة هي رتبة لمن يتلقّى أخبار الغيب ليوصلها إلى الناس ، والرسول هو النبيّ الذي يأتي بشريعة خاصّة ، بوحي يوحى إليه ، فهو أرفع مكانةً من النبيّ ؛ هذا عند أهل الاصطلاح ، وقد يستعمل كلّ منهما في مقام الآخر تسامحاً ومجازاً.

وأمّا الإمام فهو من كانت له مهمّة التطبيق ، وقيادة المجتمع البشري ، وتنفيذ الوحي ، فهو أعلى رتبةً من النبيّ والرسول ، وممّا يدلّ عليه - على سبيل المثال لا الحصر - إنّ الإمامة أعطيت لإبراهيم عليه السلام بعد مدّة طويلة من نبوّته ورسالته ، وبعد خضوعه عليه السلام لأوامر امتحانية صعبة : ( وَإِذِ ابْتَلَى إبراهيم رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًاً ) (1).

والمتيقّن أنّه عليه السلام كان نبيّاً ورسولاً قبل هذه الامتحانات ، لتلقّيه الكلمات من ربّه وحياً.

( منير - السعودية - .... )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : نقول نحن الشيعة : بأنّ الإمام يكون أعلى رتبة من النبيّ ، بدليل وصول النبيّ إبراهيم عليه السلام إلى مرتبة الإمامة بعد مرتبة النبوّة ، ولكن كيف لا نجد

ص: 352


1- البقرة : 124.

الوحي مثلاً ينزل على أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، فقد يقول قائل : بأنّ هذا دليل على أنّ النبيّ أفضل من الإمام ، فكيف نردّ عليه؟ وشكراً لكم.

ج : إنّ هذا التساؤل ليس في محلّه ، فإنّنا نقول بتقدّم رتبة الإمامة على النبوّة - بالأدلّة المقرّرة في محلّها - ، والوحي من خصائص النبوّة ، فلا يرد علينا أنّه لماذا لم تحتو الإمامة على مختصّات النبوّة؟

وبعبارة واضحة : إنّ الاستدلال في المقام يبتني على تقديم الإمامة بكافّة مميّزاتها على النبوّة بجميع مواصفاتها ، ومنها نزول الوحي ، فلا معنى حينئذٍ - وبعد تمامية الأدلّة - أن نقول : لماذا لم يكن الإمام متصّفاً بصفة النبيّ؟ إذ لو كان كذلك كان الإمام نبيّاً ، فلا يبقى مجال للبحث والاستدلال.

هذا ، والتحقيق أنّ مجرد قابلية نزول الوحي لا تدلّ على أفضلية النبيّ على الإمام ، إذ إنّ الخلافة الإلهيّة على الأرض - والتي هي أعلى الرتب والمناصب ، وأقربها إلى اللّه تعالى - تتمثّل في الإمامة ، فالاستخلاف عن اللّه تعالى أعلى درجة من تلقّي الوحي ، ألا ترى أنّ الأنبياء والأئمّة عليهم السلام هم أرقى شأناً من جبرائيل عليه السلام الذي يأتي بالوحي؟

فيتّضح لنا : إنّ مجرد الوسيط بين الخالق والمخلوق في إيصال الوحي لا يدلّ على تقديمه على الإمامة ، التي هي مقام النيابة عن اللّه تعالى في قيادة المجتمع وهدايته.

( منير - السعودية - .... )

تعليق ثاني على الجواب السابق وجوابه :

س : وهل يمكن القول : بأنّ الإمام نبيّ أيضاً ، لأنّ جوابكم السابق قد يفسّر هكذا ، أرجو التوضيح ، وشكراً.

ج : ليس كلّ نبي إمام ، بل بعض الأنبياء اتّسموا بصفة الإمام أيضاً ، كما أنّه ليس كلّ إمام نبيّ ، فأئمّتنا عليهم السلام أئمّة وأوصياء ، وهم ليسوا بأنبياء.

ص: 353

( حميد - عمان - .... )

الأدلّة على إمامة أمير المؤمنين :

السؤال : ما هو الدليل على أحقّية الإمام علي بالخلافة دون سواه؟

ج : سألت عن أمر هو بالحقيقة نقطة الافتراق الرئيسية بين الشيعة وأهل السنّة - وإن كان هذا لا يعني النزاع والتشرذم - فكما يقال : إنّ اختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضية.

فأهل السنّة ذهبوا إلى أنّ الخلفاء بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله أربعة : أوّلهم أبو بكر وآخرهم علي عليه السلام.

أمّا اتباع أهل البيت عليهم السلام فذهبوا إلى أنّ الخلافة بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بلا فصل ، ومن بعده أبنائه الأحد عشر ، آخرهم الإمام المهديّ المنتظر عليه السلام.

واستدلّوا في اختصاص الإمام علي عليه السلام بالخلافة دون سواه بأدلّة كثيرة ، نقتصر على بعضها :

1 - من القرآن الكريم.

قال تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1).

حيث ذهب مفسّرون وعلماء من الفريقين إلى أنّها نزلت في حقّ علي عليه السلام ، حينما تصدّق في أثناء الصلاة (2).

ودلالة الآية الكريمة على ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام واضحة ، بعد أن قرنها اللّه تعالى بولايته وولاية الرسول ، ومعلوم أنّ ولايتهما عامّة ، فالرسول

ص: 354


1- المائدة : 55.
2- أُنظر : شواهد التنزيل 1 / 219 ح 227 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 357 ، أنساب الأشراف : 150 ح 151.

أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فكذلك ولاية علي بحكم المقارنة.

2 - من السنّة الشريفة.

أ - حديث المنزلة : وهو قول الرسول صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ».

وهو من الأحاديث المتواترة ، فقد رواه جمهرة كبيرة من الصحابة ، ومصادره كثيرة(1).

ص: 355


1- فضائل الصحابة : 13 ، شرح صحيح مسلم 15 / 174 ، مجمع الزوائد 9 / 109 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 161 ، مسند أبي داود : 29 ، المصنّف للصنعانيّ 5 / 406 و 11 / 226 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 496 و 8 / 562 ، مسند ابن راهويه 5 / 37 ، مسند سعد بن أبي وقّاص : 51 و 103 و 139 ، الآحاد والمثاني 5 / 172 ، كتاب السنّة : 551 و 586 و 595 و 610 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 44 و 108 و 113 و 120 و 125 و 144 ، خصائص أمير المؤمنين : 48 و 64 و 76 و 80 و 85 و 116 ، مسند أبي يعلى 1 / 286 و 2 / 66 و 86 و 99 و 132 و 12 / 310 ، أمالي المحامليّ : 209 و 251 ، صحيح ابن حبّان 15 / 16 و 371 , المعجم الصغير 2 / 22 و 54 ، المعجم الأوسط 2 / 126 و 3 / 139 و 4 / 296 و 5 / 287 و 6 / 77 و 83 و 7 / 311 و 8 / 40 ، المعجم الكبير 1 / 148 و 2 / 247 و 4 / 184 و 5 / 203 و 11 / 63 و 12 / 15 و 78 و 24 / 146 ، نظم درر السمطين : 107 ، موارد الظمآن : 543 ، كنز العمّال 5 / 724 و 9 / 167 و 11 / 599 و 603 و 13 / 106 و 158 و 163 و 192 و 16 / 186 ، فيض القدير 4 / 471 ، كشف الخفاء 2 / 382 ، شواهد التنزيل 1 / 192 و 2 / 35 ، الجامع لأحكام القرآن 1 / 266 و 7 / 277 ، الطبقات الكبرى 3 / 23 ، تاريخ بغداد 7 / 463 و 8 / 52 و 11 / 430 و 12 / 320 ، تاريخ مدينة دمشق 2 / 31 و 13 / 151 و 20 / 360 و 21 / 415 و 30 / 359 و 38 / 7 و 39 / 201 و 41 / 18 و 42 / 42 و 53 و 100 و 111 و 115 و 139 و 145 و 152 و 159 و 165 و 171 و 177 و 182 و 54 / 226 و 59 / 74 و 70 / 35 ، أُسد الغابة 4 / 27 ، تهذيب الكمال 20 / 483 و 25 / 423 و 32 / 482 و 35 / 263 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 10 ، سير أعلام النبلاء 1 / 361 و 7 / 362 و 12 / 214 و 14 / 210 و 15 / 42 ، تهذيب التهذيب 7 / 296 ، الإصابة 4 / 467 ، أنساب الأشراف : 94 ، و 106 ، البداية والنهاية 5 / 11 و 7 / 251 و 370 و 374 و 8 / 84 ، جواهر المطالب 1 / 58 و 171 و 197 و 212 و 296 ، سبل الهدى والرشاد 5 / 441 و 11 / 291 و 296 ، ينابيع المودّة 1 / 112 و 156 و 160 و 309 و 404 و 2 / 97 و 119 و 153 و 237 و 302 و 389 و 3 / 211 و 369 و 403.

ودلالته على ولاية علي عليه السلام وإمامته بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله واضحة ، إذ إنّ هارون كان خليفة لموسى عليه السلام ونبيّاً ، وقد أثبت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نفس المنزلة لعلي عليه السلام باستثناء النبوّة ، فدلّ ذلك على ثبوت الخلافة له عليه السلام.

ب - حديث الغدير : وهو قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حجّة الوداع ، حينما قام في الناس خطيباً في غدير خمّ - في خطبة طويلة - : « يا أيّها الناس ، إنّ اللّه مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه ، فهذا مولاه - يعني علياً - اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ... ».

وقد روى هذا الحديث جمهرة كبيرة من الصحابة ، وأورده جمع كبير من الحفّاظ في كتبهم ، وأرسلوه إرسال المسلّمات (1).

ودلالة الحديث على خلافة وولاية علي عليه السلام واضحة ، فلا يمكن حمل الولاية على معنى المحبّ والصديق وغيرهما ، لمنافاته للمطلوب بالقرائن الحالية والمقالية.

أمّا المقالية : فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ذكر ولاية علي بعد ولاية اللّه وولايته ، ثمّ جاء بقرينة واضحة على أنّ مراده من الولاية ليس هو الصديق والمحبّ وما شاكل ، وذلك بقوله : « وأنا أولى بهم من أنفسهم » فهي قرينة تفيد أنّ معنى ولاية الرسول ، وولاية اللّه تعالى ، هو الولاية على النفس ، فما ثبت للرسول يثبت لعلي عليه السلام ، وذلك لقوله : « من كنت مولاه فهذا مولاه ».

وأمّا الحالية : فإنّ أيّ إنسان عاقل إذا نعيت إليه نفسه وقرب أجله تراه يوصي بأهمّ الأُمور عنده ، وأعزّها عليه. .

ص: 356


1- مسند أحمد 1 / 118 و 152 و 4 / 281 و 370 و 5 / 347 و 370 ، الجامع الكبير 5 / 297 ، سنن ابن ماجة 1 / 45 ، المستدرك 3 / 109 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 495 ، مجمع الزوائد 9 / 104 ، المعجم الكبير 4 / 17 و 5 / 170 و 5 / 192 و 5 / 204 ، شواهد التنزيل 2 / 381 ، التاريخ الكبير 1 / 375 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 213 و 217 و 230 ، تهذيب الكمال 20 / 484 ، تهذيب التهذيب 7 / 296 ، الجوهرة : 67 ، البداية والنهاية 5 / 231 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 421 ، ينابيع المودّة 2 / 249 و 283 و 391.

وهذا ما صنعه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حينما حج حجّة الوداع ، حيث جمع المسلمين وكانوا أكثر من مائة ألف في يوم الظهيرة في غدير خم ، ويخطبهم تلك الخطبة الطويلة ، بعد أن أمر بإرجاع من سبق ، وانتظار من تأخّر عن العير ، وبعد أمرهم لتبليغ الشاهد الغائب.

كلّ هذا فعله الرسول صلى اللّه عليه وآله ليقول للناس : إنّ علياً محبّ لكم صديق لكم؟! فهل يليق بحكيم ذلك؟! وهل كان خافياً على أحد من المسلمين حبّ علي للإسلام والمسلمين؟ وهو الذي عرفه الإسلام بإخلاصه وشجاعته ، وعلمه وإيمانه.

أم أنّ ذلك يشكّل قرينة قطعية على أنّه صلى اللّه عليه وآله جمعهم لينصب بعده خليفة بأمر اللّه تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (1).

وهنالك أدلّة كثيرة أعرضنا عنها بغية الاختصار.

نسأله تعالى أن يعرّفنا الحقّ حقاً ، ويوفّقنا لاتباعه.

( محمّد - الكويت - .... )

بلّغ النبيّ لها في بدايات دعوته :

س : سؤالي هو عن رزية يوم الخميس ، القصّة تشير أنّ الكتاب الذي كان سيكتبه الرسول صلى اللّه عليه وآله كان يتوقّف عليه ضلال أُمّة وهداها ، فكيف تركه الرسول صلى اللّه عليه وآله خوفاً من الفتنة؟ علماً بأنّه من التبليغ الذي بلّغه اللّه له : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى )؟ فكيف يكون للرسول صلى اللّه عليه وآله أن يعطّل تبليغ أمر اللّه تعالى؟

وإن كان يتوقّف على ضلال أُمّة وهداها ، فهو من واجبات الدين ، فكيف أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله لم يبلّغه قبل نزول الآية : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (2) ،

ص: 357


1- المائدة : 67.
2- المائدة : 3.

وكان الدين وقت الرزية قد اكتمل؟ آسف على الإطالة ، وشكراً.

ج : إنّ الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله بلّغ للإمامة والإمام من بعده من يوم الدار ، حيث تشير إليه آية الإنذار : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ... ) (1) ، وهو كان في بدايات الدعوة ، وتفاصيل القضية ذكر في حديث الدار ، الذي رواه الموالف والمخالف.

وكذلك حديث الثقلين ، قاله صلى اللّه عليه وآله في عدّة مواطن ، وآخرها في مرضه ، فالحجّة تامّة بآيات وروايات مستفيضة ، والوصية إنّما كانت للتأكيد أكثر على هذا الأمر المهم.

ولمّا قال عمر مقولته التي هدّت ركناً من أركان الدين ، وهي : إنّ الرجل ليهجر ، أو : إن النبيّ غلبه الوجع ، فلو كان النبيّ صلى اللّه عليه وآله كتب الكتاب لقالوا : كتبه في حين الهجر ، ولأثبتوا الهجر إلى الرسول يقيناً ، وانتقصوا من مقامه الرفيع ، وبذلك ربما انتقصوا مقام النبوّة ، وشكّكوا في الوحي ، ممّا سيجرهم إلى إنكار الدين والنبوّة ، فاكتفى الحبيب المصطفى صلى اللّه عليه وآله بما قاله وكرّره قبل كتابة الوصية ، الذي تمّت به الحجّة.

( السيّد علي - إيران - .... )

عدم اجتماع إمامين في زمن واحد :

س : لماذا لا يمكن اجتماع إمامين في زمن واحد؟

ج : يمكن تصوير عدم الإمكان بدليلين :

1 - الدليل العقليّ : بما أنّ الإمامة هي حجّة اللّه على الخلق ، فهي عامّة لجميع البشرية قاطبة ، فهنا نقول : إن كان الإمام الثاني موافقاً للأوّل في جميع ما يطرح وما ينفي وما يثبت فيكون وجوده وتنصيبه للإمامة لغواً وعبثاً ، وأمّا إن خالفه وعارضه فهذا يستلزم كذب أحدهما ، وهو خلف كونه إماماً عامّاً للناس أجمعين.

ص: 358


1- الشعراء : 213.

2 - الدليل النقليّ : روي أنّ الإمام الصادق عليه السلام سئل : يكون إمامان؟ قال : « لا ، إلاّ وأحدهما صامت لا يتكلّم حتّى يمضي الأوّل » (1).

( ... - .... - .... )

كلّ إمام كانت له مهمّة خاصّة :

س : لماذا لم يقم الإمام علي عليه السلام بالثورة؟ رغم أنّ الفتنة التي حدثت في عهده هي سبب الفتن في عهد الحسين عليه السلام؟

لماذا لم يثر الإمام علي عليه السلام ، ولكن تأخّرت الثورة إلى زمان الحسين؟

لماذا لم يقم الإمام الحسن بها واكتفى بالصلح؟ لماذا الحسين لم يفعل مثل الحسن؟ وجزاكم اللّه ألف خير.

ج : نظرة سريعة وتأمّل بسيط في التاريخ حول الأجواء التي كانت تحكم في زمن الأئمّة عليهم السلام تعطينا خبراً بأنّ كلّ إمام كانت له مهمّة خاصّة تبعاً للظروف التي كانت تحيطه ، فمثلاً بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان الناس جديدي عهد بالإسلام ، فهنا الحفاظ على أصل الإسلام كان أوجب من إعلان الثورة من قبل أمير المؤمنين عليه السلام ، والتي كانت ستؤدّي إلى ارتداد الكثير عن الإسلام.

وفي زمن الإمام الحسن عليه السلام بعدما بويع بالخلافة ، وخذلان أصحابه له ، حتّى أنّهم همّوا بتسليمه إلى معاوية ، وكانت الظروف تحتّم عليه تعريف معاوية إلى الملأ العام الذي كان قد اغترّ به ، فعمد إلى تنظيم بنود الصلح التي وافق عليها معاوية ومن ثمّ نقضها ، وفي ذلك تعرية كاملة لمعاوية ، وفي نفس بنود الصلح والشروط التي وضعها الإمام المجتبى عليه السلام تصريح في عدم شرعية خلافة معاوية.

وفي زمن الإمام الحسين عليه السلام ، حيث بويع ليزيد ، ويزيد ممّن كان يتجاهر

ص: 359


1- بصائر الدرجات : 531.

بالكفر والفسق ، وكان هدفه محو الدين من أساسه ، فهنا كان الحفاظ على أصل الدين بالخروج والثورة ، إذ لو لم يخرج الإمام الحسين عليه السلام لكان يزيد قد هتك حرمة الإسلام ، بل لغيّر الإسلام ، ورجع إلى تقاليد الجاهلية.

فأهل البيت عليهم السلام ليس هدفهم الحكومة ، بل هدفهم سَوق الأُمّة إلى الحقّ ، ومن شئون سوق الأُمّة إلى الحقّ الحكومة ، فإذا اقتضت المصلحة في سوق الأُمّة إلى الحقّ ترك الحكومة تركوها.

( ... - ... - ..... )

كيفية النصّ للإمام اللاحق من الإمام السابق :

س : كيف يتمّ النصّ للإمام اللاحق من الإمام السابق؟ هل يتمّ بالنصّ؟ فيرجى تزويدنا بتلك الروايات ، وكيف كان يعرف أهل زمان الإمام أنّه الإمام المنصوص عليه؟

كيف يتولّى الإمام الباقر الإمامة ، وكان لم يبلغ الخامسة من عمره؟ وهل للأئمّة معاجز؟ كدعاء الإمام زين العابدين للحجر الأسود لينطق بإمامته أمام محمّد ابن الحنفية؟ ولماذا لا نرى نصّاً لإمامة الإمام الحسن في نهج البلاغة؟

ج : يتمّ النصّ من الإمام السابق على إمامة اللاحق ، مضافاً إلى النصوص الواردة عن الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، وبعض الأئمّة عليهم السلام على ذكر جميع الأئمّة المعصومين الاثني عشر عليهم السلام.

وورود النصّ هو أحد طريقي معرفة الإمام عليه السلام ، والطريق الآخر هو إظهار المعجزات والكرامات الدالّة على إمامته ، بحيث لا يبقى أيّ شكّ وريب في أحقّيته للإمامة.

وأمّا النصوص والمعاجز المذكورة فقد جاءت بحدّ التواتر والاستفاضة في كتب الحديث والتاريخ ، ويكفيك أن تراجع كتاب الحجّة والإمامة في كتاب الكافي ، وبحار الأنوار ، وغيرهما ، حتّى تقف على تلك الروايات كمّاً وكيفاً.

ص: 360

وبناءً على ما ذكرنا ، فإنّ الشيعة في كلّ زمان كانوا يعرفون إمامهم بتلك النصوص التي كانت تصل إليهم بطرق صحيحة ومتواترة ، وبإظهار معاجز أئمّتهم عليهم السلام.

ولم يدع أحد أنّ الإمام الباقر عليه السلام قد تولّى الإمامة في الخامسة من عمره ، بل أغلب الظنّ أنّك تريد أن تشير إلى إمامة المهديّ عليه السلام.

وعلى أيّ حال فالإمامة منصب الهي لا يتوقّف إعطائه على عمر محدّد ، كما هو الأمر من قبل ، فقال تعالى : ( وآتَيناهُ الحُكمَ صَبياً ) (1) ، فصغر السنّ لا يمنع ، كما أنّ الشيخوخة لا تكون دليلاً في المقام.

وأمّا نهج البلاغة ، فهو كتاب قد جمع فيه الشريف الرضي ( قدس سره ) ما استحسنه من خطب وكلمات ، ورسائل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم يلتزم أن ينقل كافّة الروايات والأحاديث المنقولة عن الإمام عليه السلام ، وعليه فلا دليل للزوم وجود نصّ على إمامة الإمام الحسن عليه السلام في نهج البلاغة.

( سائل - السعودية - .... )

كيفية اختيار الإمام :

س : لماذا يختار اللّه الإمام؟ ويجعله من الأوصياء دون أخيه ، الذي تربّى في نفس البيت؟ ألا ينافي ذلك العدالة الإلهيّة؟

ج : إنّ اللّه تعالى لا يسأل عمّا يفعل ، لأنّه حكيم وعالم وقادر ، فباعتبار حكمته وعلمه وقدرته يفعل ما يشاء.

فاختيار اللّه تعالى للإمامة وللنبوّة إنّما هو فعل من أفعال اللّه التي لا يسأل عنها.

مع هذا نجد هناك نصوصاً تدلّ على سبب الاصطفاء والاختيار ، وهذا لا ينافي العدالة الإلهيّة.

ص: 361


1- مريم : 12.

( حسن السوسوه - اليمن - .... )

تكون في إمامين ومن نسل الحسين :

س : نرجو من سيادتكم التكرّم بالإجابة على هذين السؤالين.

الأوّل : هل يجوز إمامان في وقت واحد؟

الثاني : لماذا أصبحت الإمامة من نسل الحسين عليه السلام؟ وليست من نسل الحسن عليه السلام؟

ج : بالنسبة إلى سؤالك الأوّل فنقول :

نعم يجوز أن يكون هناك إمامان في زمان واحد ، إلاّ أنّ أحدهما تابع للآخر ، ولا يتصرّف في مقابل تصرّفات الآخر ، وهذا واقع وموجود ، كما أنّه كان بين الإمام الحسن وبين الإمام الحسين عليهما السلام.

وأمّا بالنسبة إلى سؤالك الثاني فنجيب : إن ذلك يرجع إلى تقدير اللّه تعالى وعلمه وحكمته. وليس من الضروريّ معرفة الحكمة الإلهيّة في هذا الأمر ، المهمّ هم معرفة الأئمة عليهم السلام وإتباع نهجهم.

( أحمد الخاجة - البحرين - 15 سنة - طالب ثانوية )

لماذا رفض الأئمّة استلامها :

س : بما أنّ خلافة الإمام علي عليه السلام والأئمّة الميامين من صلبه نازلة من عند اللّه تعالى ، فبم تفسّرون ترك الإمام علي عليه السلام الخلافة في بادئ الأمر؟ وبما تفسّرون تنازل الإمام الحسن عليه السلام عن الخلافة؟ وسكوت الأئمّة الباقين عن حقّهم في الخلافة؟

ج : إنّ في البداية : يجب الانتباه إلى أمر مهم ، وهو أنّ الإمامة لا تساوي الحكومة السياسية ، بل هي رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا ، وبالتالي فإن الحكومة السياسية شأن من شؤون الإمامة لا غير. فيكون الإمام عليه السلام أحقّ الناس لاستلام الحكم والخلافة ، بما أنّه منصوص ومصرّح به ، هذا في مقام

ص: 362

الواقع والحقيقة ، ولكن في مجال التطبيق والتنفيذ في المجتمع البشريّ ، فمتى لم تؤهلّ الظروف الملائمة - ومنها تلقّي الوسط العام بالقبول والانصياع - لا يلزم عليه عليه السلام فرض نفسه على الناس ، وفي هذه الحالة سيكون اللوم عليهم إذ لم يقبلوا إليه عليه السلام.

وهذه قاعدة جارية في كافّة حالات الأولياء والأوصياء ، وعلى سبيل المثال : فقد ذكر هارون لموسى عليهما السلام دليل امتناعه من وقوفه في وجه المنحرفين ، بأنّه ( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي ) (1) ، أي أنّهم لم يخضعوا للوصاية الحقّة فتركهم في ذلك.

( ... - .... - .... )

من أدلّتها احتياج الغير إليه :

س : من الأدلّة التي تستدلّ بها الشيعة على إمامة علي عليه السلام : « احتياج الغير إليه وعدم احتياجه للغير » ، ويردّ عليهم : بأنّ موسى عليه السلام كان نبيّاً وقد رجع إلى الخضر عليه السلام.

ج : إنّ تقديم المفضول على الفاضل قبيح ، واللّه تعالى يقول : ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (2) ، فاحتياج الغير لعليّ وعدم احتياجه للغير دليل على إنه أحق أن يتبعّ.

وقد كان الإمام علي عليه السلام هكذا ، وفي الواقع التاريخيّ نرى أنّ الخلفاء احتاجوا إليه ، ولم نجد في مورد أنّه احتاج إليهم فيما يتعلّق بشيء من القضايا الدينية والمسائل العلمية.

وأمّا ما سألتموه عن قصّة الخضر عليه السلام ، فباختصار نقول : إنّ العلم الذي كان يريد أن يتعلّمه موسى عليه السلام من الخضر هو خارج دائرة العلوم التشريعية

ص: 363


1- الأعراف : 150.
2- يونس : 35.

المكلّف بها في عالمنا ، وهذا ممّا لابأس به ، بعد أن عرفنا أنّ وظيفة الأنبياء عليهم السلام هي وظيفة تشريعية ، ورجوع الغير إليهم أوّلاً وبالأصالة رجوع تشريعي.

( عبد المجيد مدن - البحرين - سنّي )

من أُصول المذهب :

س : أُصول الدين تمتاز بعدّة صفات وهي :

1 - كثرة الآيات.

2 - النصوص الصريحة والواضحة للآيات.

3 - الترغيب والترهيب.

فمثلاً الإيمان بوحدانية اللّه ، أو الإيمان بالرسل ، أو العبادات ، وكذلك باقي أُصول الدين كلّها تمتاز بهذه الصفات في القرآن الكريم.

فكيف يعتبر الشيعة الولاية أحد أُصول الدين ، ولا تمتاز بهذه الصفات المذكورة أعلاه ، وخصوصاً الصفة الثانية؟

وكيف سيحاسبنا اللّه جلّ جلاله وهو العادل على ولاية آل البيت ، ولم يطلب ذلك من عباده بنصوص صريحة وبالأسماء؟

ج : كما هو معلوم ، فإنّ أُصول الدين هي التي من لم يعتقد بأحدها يخرج عن الدين ، يعني لا يحسب مسلماً ، وعلماء الشيعة وفقاً للأدلّة التي عندهم لا يعتبرون من لم يعتقد بالإمامة خارجاً عن الدين ، وعليه فإنّ الإمامة تكون من أُصول المذهب ، من لم يعتقد بها خرج عن المذهب ، ولم يخرج عن الدين ، هذا أوّلاً.

وثانياً : من قال لك أنّ الإمامة لم ترد فيها الآيات الكثيرة ، والنصوص الصريحة الواضحة ، والترغيب والترهيب؟! وتشكيك البعض في هذه الأدلّة لا يخرجها عن الحجّية ، كما أنّ البعض شكّك في التوحيد والنبوّة وفي أدلّتهما ، فهل هذا يخرجها عن الحجّية ، أو عن كونها من أُصول الدين.

فمن الآيات : آية الغدير ، وآية الولاية ، وآية الإنذار ، وآية المباهلة ، وآية التطهير ، وآية الاستخلاف.

ص: 364

ومن النصوص الواضحة : حديث الغدير ، وحديث الثقلين ، وحديث الطير ، وحديث الاثني عشر ، وحديث المنزلة ، وحديث الدار ، وحديث الولاية ، أضف إلى ذلك الأدلّة العقليّة.

( زينب - بريطانيا - .... )

من صفاتها سلامة الإمام من العاهات :

س : نشكر لكم جهودكم ، ونتمنّى لكم كلّ خير وصلاح.

وهناك سؤال نتمنّى الإجابة عليه ، وهو : من صفات اختيار الأنبياء والأئمّة عليهم السلام السلامة من العاهات والأمراض المعدية ، فلماذا شاء اللّه تعالى أن يبتلي النبيّ أيوب عليه السلام بالأمراض المعدية؟

ج : إنّ رسل اللّه تعالى لهم مسؤوليتان ، المسؤولية الأُولى : إبلاغ ما شرّعه اللّه تعالى لعباده من أحكام ، والمسؤولية الثانية : قيادة الأُمّة. ولابدّ لها نوع من الخصائص والامتيازات التي بها تنقاد الأُمّة ، وإلاّ الأُمّة لا تنقاد إلى عالم بعلمه ، وإنّما تنقاد لعالم يتمكّن من جعل علمه مركز قوّة وسيطرة عقليّة لا مادّية على من يؤمنون بعلمه.

فالأنبياء والأئمّة عليهم السلام حيث إنّ مسؤوليتهم الثانية أنّهم قادة أُممهم فلابدّ وأن تتوفّر فيهم المزايا والخصائص التي إن توفّرت في قائد تنقاد إليه الأُمّة ، وبهذا لا يشترط أن يكون أجمل الخلق ، لكن يشترط في حقّه أن لا يكون من حيث النظرة تشمئزّ منه النفوس والأساس تملّك قلوب من ينقادون إليه ، والناس اعتادوا أن تكون نظرتهم الحسّية مدخلاً للطاعة.

فمن هذه الناحية العاهات تختلف : عاهات لا تشمئزّ منها النفوس إن أُصيب بها واحد منهم وإنّما يعالجونه ويأتون لزيارته ، وعاهات تشمئزّ منها النفوس ، فاللّه تعالى لا يجنّب رسوله من كُلّ مرض وعاهة من حمى ورمد وأمثال ذلك ، وأمّا الطاعون والبتور والأمراض المعدية ، أو الأمراض التي توجب سوء المنظر ،

ص: 365

فاللّه تعالى يجنّب وليّه ونبيّه لأنّه جعل له مسؤولية قيادة الأُمّة.

( غادة - الأردن - .... )

منصوص عليها عند الشيعة :

س : أخبروني عن رأيكم بكلّ وضوح وصراحة عن سبب اختلافكم مع مذهب أهل السنّة ، وشكراً لكم.

ج : باختصار ، فإنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أخبر عن اختلاف أُمّته إلى نيف وسبعين فرقة ، كلّها هالكة إلاّ فرقة واحدة ، وهذا الحديث موجود في مصادر جميع المسلمين.

وعليه ، فالبحث عن الفرقة الناجية أمر حتميّ ، فعلى كلّ مسلم أن يبحث في الأدلّة ليعرف هذه الفرقة ومعتقداتها ، ويعتقد بالعقائد الحقّة.

وأصل الاختلاف بين السنّة والشيعة هو في مسألة الخلافة ، وباقي المسائل تتفرّع على هذا الأصل ، فالشيعة تستدلّ بالعقل والنقل بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يرحل من هذه الدنيا حتّى عيّن الخليفة من بعده بالاسم ، شأنه شأن سائر الأنبياء السابقين الذين عيّنوا أوصياء لأنفسهم.

والسنّة تقول : بأنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله رحل من هذه الدنيا ولم يعيّن ، ولم ينصّ على أحد ، بل ولم يذكر لهم طريقة انتخاب مَن بعده ، بل ترك الأُمّة تفعل ما تشاء.

فعلى كلّ المسلمين البحث في جذور الاختلاف أوّلاً ، وهي مسألة الإمامة بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ومراجعة أدلّة الطرفين ، كلّ من كتبه ، لا أن يعتمد على من نقل عنهم.

( سعيد سهوان - البحرين - )

أساس الخلاف بين الفريقين :

س : ما هو الفرق بين الشيعة والسنّة؟ وما هو أساس الاختلاف بينهم؟

ص: 366

ج : كما هو معلوم هناك فروق كثيرة بين الشيعة والسنّة في جانب العقائد والفقه و ….

وأساس الاختلاف بينهما هو في الإمامة والخلافة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فالشيعة الإمامية تعتقد :

1 - إنّ الإمامة لا تكون إلاّ بالنصّ.

2 - إنّ الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام هو الإمام بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بلا فصل ، كما نصّ عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في مواطن عديدة.

3 - إنّ الأئمّة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هم اثنا عشر إماماً ، كما نصّ عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

4 - إنّ الأئمّة عليهم السلام معصومون.

وأخيراً ، فإنّ الشيعة تأخذ أحكامها من القرآن وأهل البيت عليهم السلام ، وترى هذا الطريق هو الموصل إلى اللّه تعالى ، ومبرئ للذمّة ، وذلك عملاً بقول الرسول صلى اللّه عليه وآله الذي رواه عنه جميع المسلمين : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(1).

ص: 367


1- مسند أحمد 5 / 182 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 196 ، مسند ابن الجعد : 397 ، المنتخب من مسند الصنعانيّ : 108 ، ما روي في الحوض والكوثر : 88 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 45 و 130 ، مسند أبي يعلى 2 / 297 و 303 و 376 ، المعجم الصغير 1 / 131 ، المعجم الأوسط 3 / 373 ، المعجم الكبير 3 / 65 و 5 / 154 و 166 و 170 ، نظم درر السمطين : 231 ، الجامع الصغير 1 / 402 ، العهود المحمدية : 635 ، كنز العمّال 5 / 290 و 13 / 104 و 14 / 435 ، دفع شبه التشبيه : 103 ، شواهد التنزيل 2 / 42 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 123 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطنيّ 6 / 236 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 220 و 54 / 92 ، سير أعلام النبلاء 9 / 365 ، أنساب الأشراف : 111 ، البداية والنهاية 5 / 228 و 7 / 386 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 97 و 100 و 113 و 119 و 123 و 132 و 345 و 350 و 360 و 2 / 90 و 112 و 269 و 273 و 403 و 437 و 3 / 65 و 141 و 294 ، لسان العرب 4 / 538.

وهذا ممّا لا يقول به أهل السنّة ، وهناك فوارق أُخرى.

( عبد الحليم نواصر - الجزائر - .... )

هي أصل الاختلاف :

س : أُودّ الاستفسار عن ميراث النبيّ الأكرم ، وسرّ الاختلاف بين آل بيت الرسول عليهم السلام والخليفة الأوّل؟

ج : ليس الاختلاف اختلاف ميراث ومال فيما بين أهل البيت عليهم السلام والخلفاء ، وإنّما الاختلاف اختلاف في مبدأ يبيّن الحقّ من الباطل ، وكما اعترف الشهرستاني في كتابه ( الملل والنحل )(1) ، وغيره ، فإنّ أصل الاختلاف في الإمامة بعد وفاة الرسول صلى اللّه عليه وآله : حيث ذهبت الشيعة إلى أنّ الإمامة بالنصّ ، وأنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله نصّ على أمير المؤمنين علي عليه السلام بالإمامة بعده بلا فصل ، وذلك في مواطن ومواقف مختلفة ، من بداية الدعوة حيث جمع عشيرته للإنذار ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (2) ، وإلى آخر ما قاله في مرضه الذي توفّي فيه ، كما أنّ الإمامة إلى أحد عشر إمام بعد علي عليه السلام نصّ عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

وأمّا أهل السنّة فوقعوا في خبط شديد :

فتشاهد خلافة أبي بكر لم تكن بشورى حقيقية ، ولا باجتماع أهل الحلّ والعقد عليها ، وذلك لتخلّف بني هاشم ، وبعض كبار الصحابة ، ولما استعمله أبو بكر وأعوانه من تسليط السيف والتهديد على من لم يبايع ، ولأجل هذا قال قائلهم : إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة!!

وتشاهد خلافة عمر كانت بالنصّ من أبي بكر عليه.

وتشاهد خلافة عثمان كانت بمسرحية الشورى التي دُبِّر الأمر فيها من ذي قبل.

ص: 368


1- الملل والنحل 1 / 24.
2- الشعراء : 213.

( حسين - السعودية - .... )

هي بجعل من اللّه :

س : توضيح أنّ الإمامة جعل من اللّه.

ج : إنّ الشيعة الإمامية تعتقد بأنّ الإمامة - التي هي قيادة الأُمّة الإسلامية - منصب الهيّ ، وجعل من اللّه تعالى ، وأنّها حقّ من حقوق اللّه تعالى كالنبوّة.

فالمولى تعالى هو الذي ينصب من يكون إماماً للناس ، وهو الذي يختار هذا الإنسان ، ويجعله إماماً دون غيره.

ودليلنا على هذا آيات قرآنية منها :

1 - قوله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إبراهيم رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1).

2 - قوله تعالى : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (2).

3 - قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (3).

4 - قوله تعالى : ( يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض ) (4).

5 - قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ) (5).

إذاً فالإمامة جعل من اللّه تعالى ، وعهد لا يناله من اتصف بالظلم - سواء كان ظالماً لنفسه أو لغيره - وليس من حقّ الأُمّة أن تختار لها إماماً ، لقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ

ص: 369


1- البقرة : 124.
2- القصص : 5.
3- الأنبياء : 73.
4- ص : 26.
5- السجدة : 24.

مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا ) (1).

( أحمد الخاجة - البحرين - 15 سنة - طالب ثانوية )

ليست حكماً وراثيّاً :

س : إنّنا كشيعة اثني عشرية ، نعتقد بأحقّية الإمام علي عليه السلام بالخلافة بعد الرسول ، ثمّ انتقال الخلافة بعده للحسن عليه السلام ، ثمّ للحسين عليه السلام ، ثمّ للأئمّة التسعة من صلبه.

أفلا يعدّ هذا نوع من الحكم الوراثيّ؟ بحيث لا تكون الخلافة الإسلامية شورى بين المسلمين ، بل تكون فرضاً عليهم يجب أن يتقبّلوه ، وحفظكم اللّه لمصلحة المسلمين.

ج : من المسلّمات عندنا أنّ إمامة الأئمّة الاثني عشر منصوص عليها بهذا الترتيب من قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

وعليه ، فيجب علينا أن نتقبّلهم كأئمّة وأوصياء لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وطاعتهم واجبة علينا كطاعة الرسول صلى اللّه عليه وآله للنصّ ، فكما نصلّي صلاة الصبح ركعتين ، وصلاة الظهر أربع ركعات للنصّ ، هكذا الحال نقبل إمامة الأئمّة الاثني عشر بهذا الترتيب للنصّ.

وهذا الترتيب لا يلزم منه أن يكون حكمهم عليهم السلام حكماً وراثياً ، لأنّ النصّ جاء بهذا الترتيب.

ثمّ إنّا آمنّا بالنصّ ، وعليه صريح القرآن والسنّة ، يعني أنّ اللّه تعالى هو الذي عيّن ، واللّه تعالى لا يعيّن إلاّ لمصلحة وحكمة ، ولا دخل للحكم الوراثيّ في تعيين اللّه تعالى.

ثمّ لا يخفى عليك : أنّنا نعتقد أنّ الإمامة لا تكون عن طريق الشورى

ص: 370


1- الأحزاب : 36.

والمشورة ، والأخذ بأكثر الآراء ، بل تكون عن طريق النصّ ، لأنّ الشورى لا تكون إلاّ في الأُمور الدنيوية التي تتعلّق بحياة الإنسان ، ولا تكون في الأُمور الدينية والتعبّدية ، ومنصب الإمامة والخلافة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله منصب دينيّ كمنصب النبوّة لا يتمّ لزوماً بآراء الأكثرية ، ولعلّ بعض الآيات مثل : ( وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) ، ( وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ) ، ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) ، ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) ، ( وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) تشير إلى ذلك.

فكما لا يجوز أن نأخذ بآراء الأكثرية لو اتفقوا على الزيادة أو النقصان في عدد ركعات الصلاة ، كذلك في الإمامة.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

عامّة وخاصّة :

س : هل الإمامة مذكورة في القرآن؟ وهل هي مختلفة عن إمامة الأئمّة عليهم السلام؟ وهل إمامة الأئمّة موجودة في القرآن؟ ما هي الإمامة العامّة؟ وما هي الإمامة الخاصّة؟ وشكراً.

ج : الإمامة العامة : هي ملاحظة الإمامة وبحثها بغض النظر عن مصاديقها. ومن الآيات التي دلّت على الإمامة العامة : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (1).

و : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (2).

و : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا

ص: 371


1- السجدة : 24.
2- الأنبياء : 73.

قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1).

والإمامة الخاصّة : هي بحث وملاحظة إمامة شخص معيّن ، مثل إمامة إبراهيم عليه السلام وإمامة علي عليه السلام. وكمثال النصوص الإمامة العامة المقطع الأول من الآية الأخيرة والذي دلّ على إمامة إبراهيم عليه السلام. ومثل حديث الغدير ، وحديث الثقلين ، وحديث المنزلة ، وغيرها ممّا ذكرها الفريقان في مصنّفاتهم الكلامية والحديثية ، والتي دلّت على إمامة علي عليه السلام.

وبمقتضى الآيات التي تفرض طاعة الرسول صلى اللّه عليه وآله مضافاً إلى طاعة اللّه ، فإنّ الإمامة الخاصّة هي تكون في الحقيقة من المعتقدات والأركان الأساسية في الدين ، التي دعا إليها الوحي والقرآن بمعونة كلام صاحب الوحي صلى اللّه عليه وآله.

وهذا نظير عدد الفرائض وركعاتها ، ممّا اتفقت عليه كلمة أهل القبلة ، فهو وإن لم يكن مصرّحاً في القرآن ، ولكن بفضل سيرة الرسول صلى اللّه عليه وآله يندرج في المعارف القرآنية ، بما أنّه مورد لطاعته صلى اللّه عليه وآله.

( حمدي - سوريا - 26 سنة - طالب جامعة )

دورها :

س : ما أُودّ طرحه لا يحيّرني فحسب ، وإنّما يؤرّقني ، وأنا بحاجة ماسّة إلى الجواب ، حتّى أنّني أتمنى أحياناً أنّ يظهر لي الإمام المهديّ عليه السلام ويخلّصني ممّا احتواه قلبي من شكوك ، لأنّني عندما أدقّق بموضوعية في ما نحن عليه ، لا أستطيع أن أطمئن أنا على قناعة كاملة بفساد مذهب العامّة وعدم صحّته ، ولا أشكّ بهذا أبداً ، لكن هل نحن نمتاز عنهم ، إنّنا نمتلك معظم ثغراتهم.

إنّ نظرية الإمامة عندنا قائمة من الناحية الفلسفيّة ، على أنّه من غير الممكن ترك النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله الأُمّة في حال من الاختلاف والحيرة ، إن كان

ص: 372


1- البقرة : 124.

فيمن يرعى شؤونها ، أو من ترجع إليه في أحكامها الشرعية ، ونقول : إنّه يجب أن يترك لنا النبيّ شخصاً معصوماً كي يعطينا الحكم الشرعي الإلهيّ ، وكأنّ النبيّ موجود.

فلنفرض أنّ النبيّ عيّن إماماً غير معلوم ، وغير ظاهر ، فما الحاجة به - صدقني أقول هذا وأنا مؤمن بوجود الإمام المهديّ عليه السلام لكن الحيرة تقطعني - إذ ولمجرد عدم ظهوره وعلومه تتّجه الأُمّة نحو تعيين رئيس من قبلها ، وهذا الرئيس غير معصوم طبعاً ، فالأُمّة منطقياً بحاجة إلى رئيس ، وتشترك بذلك جميع الشعوب والأُمم - بغض النظر أكان معصوماً أو غير ذلك - إنّها حاجة فطرية.

ولكن مع وجود المعصوم الظاهر ، تقام الحجّة على الأُمّة ، وتكون آثمة إذا رضيت برئيس غيره ، ولكن مع عدم ظهوره أو العلم به ، ولفترة طويلة جدّاً ك- ( 1200 ) سنة ، فنظرية الإمامة كلّها إذاً ، والتي يمكن أن نقبل بضرورتها لمدّة ( 250 ) سنة - ولاحظ الفرق بين الزمنين - بحاجة إلى مراجعة وإيضاح وتفسير للوصول إلى حقيقة الأمر ، ليكون الأساس الذي نبني عليه عقائدنا وفقهنا أساساً متيناً غير متأرجح ، فما معنى أن نفسّر الآية الكريمة ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1) بأنّها خاصّة بالإمام علي وخلفه من الأئمّة عليهم السلام فقط؟

ومن ثمّ وبعد الغيبة ب- ( 1200 ) سنة ، نعود ونفسّرها بأنّها تشمل كلّ المؤمنين ، وهذا ما تبني عليه نظرية ولاية الفقيه بعض براهينها ، وهنا حتّى المؤمنين الفقهاء الأتقياء الفضلاء ، هم غير معصومين ، وبالتالي يمكن أن يمارسوا الظلم بشكل من الأشكال ، فهل نظرية الإمامة صالحة فقط ل- 250 سنة؟ والدنيا سائرة إلى ما شاء اللّه ، فيمكن أن تمتدّ الدنيا عشرة آلاف سنة أُخرى ، فما تأثير 250 سنة أمام 10000 سنة ، وبالتالي تصبح مدّة ال-250 سنة أمام هذا الزمن الضخم مثل 23 سنة فترة نبوّة النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله.

وعندما نقول : بأنّ دور الأئمّة عليهم السلام هو تبليغ الرسالة ، ونقلها بالشكل

ص: 373


1- المائدة : 55.

الصحيح والسليم ، فالإمام المهديّ غاب ، وبدأنا نأخذ المعلومات والأحاديث عنهم ، من رواة فيهم التقي والمنافق والكذّاب ، فأصبح حالنا مثل حال العامّة ، الذين نفتخر بالتميّز عنهم.

نتميّز عنهم بماذا؟ بأنّنا أخذنا علومنا من أهل البيت ، إنّنا لا نأخذ من أهل البيت ، بل من رواة نقلوا عن أهل البيت ، مثلما يأخذون هم عن رواة نقلوا عن الرسول ، في رواياتهم الكثير الكثير من الكذب ، وفي رواياتنا مثل ذلك ، ونحن نقول : إنّ الرسول وأهل البيت كلامهم واحد فالمصدر نفسه ، وحالنا مثل حالهم ، فماذا يميّزنا نحن كشيعة في هذا الزمن؟

إذا كان الجواب بأنّنا عرفنا الكاذب من الصادق من الصحابة ، فهذا يمكن بدون نظرية الإمامة ، بحيث مثلاً أنّ من ظلم واحداً من أهل البيت عليهم السلام تسقط عدالته ، ونحن عندنا مشكلة الصحابة أكبر ، لأنّنا يجب أن ندقّق ونفحص حياة وسيرة كلّ صحابي من أصحاب الأئمّة أيضاً ، فإذا كان في أصحاب النبيّ كذّابون ، أفلا يكون في أصحاب الأئمّة نفس الشيء؟ فالمشكلة عندنا أكبر وأعقد ، فصحابة النبيّ الذين رووا حديثه معروفون على الأغلب ، ويمكن تمييز الصادق من الكاذب لأنّ سيرتهم معروفة.

أمّا أصحاب الأئمّة ، ففيهم من لا نعرف عنه إلاّ الاسم ، حتّى أحياناً يكون الاسم موهناً بعض الشيء ، وهذا كلّه أدّى بمراجعنا إلى الاختلاف في الأحكام الشرعية ، وحتّى في العقائد نسبة لاختلاف الروايات ، فإذا كان عندهم حنفي ومالكي وشافعي وحنبلي ، فعندنا أضعاف ما عندهم ، فإذا كان من أكبر ضرورات وجود الإمام المعصوم هو حسم الاختلاف ، ونحن كشيعة مؤمنون بذلك ، فلماذا نحن مختلفون؟ بماذا نحن متميّزون؟

آسف على الإطالة ، ولكن أرجو أن أطمئن لديني ومذهبي على يدكم ، شكراً لكم على إتاحة الفرصة لسؤالكم.

ج : في الجواب نقول : إنّ نظرية الإمامة لها منبعان ، أو مصدران ، فالإمامة ليست بدعاً عقليّاً كي نوردها ونحصرها في هذا المضمار بالخصوص ، ثمّ نورد عليها النقوضات والإيرادات ، بل نظرية الإمامة طرحها الأوّليّ ومصدرها الأصليّ

ص: 374

هو القرآن الكريم ، الشرعية الإسلامية هي المصدر الأوّل لنظرية الإمامة ، وهي متمثّلة بالقرآن ، والسنّة النبوية :

فأوّل طرح شرعي للإمامة قوله تعالى مخاطباً إبراهيم بقوله : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1) ، ومن الواضح أنّ هذه الإمامة هي غير النبوّة التي كان يتمتّع بها إبراهيم عليه السلام ، وذلك :

1 - إنّ هذه الإمامة جاءت بعد ابتلاء إبراهيم عليه السلام ، ومن ضمن ابتلاءات إبراهيم هي ذبح ولده إسماعيل عليه السلام ، وإبراهيم عليه السلام رزق بالأبناء في سنّ الشيخوخة - أي بعد نبوّته - وبعد ما جاءت الملائكة لإنزال العذاب على قوم لوط عليه السلام.

2 - إنّ إبراهيم عليه السلام طلبها لذرّيته ، ومن الواضح أنّ هذا الكلام يعطي أنّ إبراهيم عليه السلام كانت له ذرّية ، فلذلك طلب لها هذا المقام ، والذرّية لم يرزقها إبراهيم إلاّ بعد نبوّته كما تقدّم.

3 - إنّ هذه الإمامة هي غير النبوّة ، وخصوصاً على مباني أهل السنّة ، وذلك لأنّهم يجوّزون على النبيّ عليه السلام المعصية الصغيرة ، والمعصية ظلم لأنّها طاعة للشيطان ، وطاعة الشيطان ظلم ، كما يقول القرآن الكريم ، قال تعالى : ( قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا ) (2) ، بسبب عصيانهما أمر اللّه تعالى ، فحكما على أنفسهما بالظلم ، والآية ذيّلت منصب الإمامة بجوابها لإبراهيم عليه السلام بأنّه : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ، فعليه لابدّ أن يكون الإمام معصوماً عن تعدّي حدود الشريعة ، لأنّ ذلك ظلم ، والظالم ليس بإمام.

وفي الحقيقة هذا من الإشكالات المطروحة على الفكر السنّي ، لأنّهم يفسّرون الإمامة بالنبوّة ، فيردّ عليهم غير ما تقدّم من الكلام في النقطة الأُولى والثانية هذا : وهو أنّكم تجوّزون المعصية في حقّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والآية تقول : بأنّ

ص: 375


1- البقرة : 124.
2- الأعراف : 23.

الظالم لا يستحقّ هذا المنصب - منصب الإمامة الذي هو النبوّة عند أهل السنّة - والمعصية ظلم فكيف يوفّق بين ذلك؟!

إذ أمّا تلتزمون بعصمة النبيّ ، وأمّا أن تؤمنوا بأنّ الإمامة غير النبوّة ، كما هو الصحيح.

فإذاً ، فكرة الإمامة طرحها القرآن الكريم ، وأنزلها اللّه على نبيّه من ضمن الأُمور التي يجب تبليغها للناس ، بل نجد أنّ السنّة النبوية أوّل أمر تطرحه إلى جنب توحيد اللّه تعالى هو الإمامة ، فلمّا نزل قوله تعالى : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (1) دعا النبيّ صلى اللّه عليه وآله بني عمومته ، وبشّرهم بأنّه مبعوث من اللّه تعالى ، وأنّ معه مؤازر ومناصر ويكون خليفته من بعده ، وذلك الخليفة هو علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهذا ممّا رواه السنّة والشيعة على حدٍ سواء ، وصحّحه السنّة والشيعة ، فتجده في تفسير القرآن العظيم تحت تفسير هذه الآية ، وتجده في خصائص الإمام علي عليه السلام للنسائيّ(2) بسند صحيح ، وغيرها من المصادر ، فالمسألة قرآنية قبل أن يأتي بها العقل المقدّس ، وهناك الكثير من الآيات والروايات الشريفة التي تثبت الإمامة ، هذا أوّلاً.

وثانياً : البحث في العقل له بحثان :

أ - البحث الفلسفيّ.

ب - البحث الكلاميّ.

والأوّل مبنيّ على مسائل جمّة ، كواسطة الفضل والإنسان الأكمل ، أو الموجود الأشرف ، وقضية الارتباط الإلهيّ بينه وبين عباده.

والثاني مبنيّ على التفريق بين قضيتين ، قضية وجود معصوم ، أو إنسان كامل في الكون ، وقضية الوصول إلى الإنسان الكامل ، أو المعصوم.

ص: 376


1- الشعراء : 213.
2- خصائص أمير المؤمنين : 86.

وبتعبير آخر : مسألة الوجود والظهور ، فمثلاً عند الاستدلال بقاعدة اللطف لإثبات إمامة المعصوم ، وأنّه لابدّ من وجود المعصوم في كلّ زمان ، يقولون : وجود المعصوم لطف ، وتصرّفه لطف آخر (1) ، فليست المسألة مقصورة على دليل عقليّ واحد ، أو قاعدة عقليّة.

ثمّ عند التنزّل وفرض أنّ العقل يحكم بلزوم وجود المعصوم ، لكن حكم العقل على نحو الاقتضاء ، أي العقل يدرك ذلك لا بنحو العلّة التامّة ، وإنّما بنحو اللزوم الناقص ، فإذا قام الدليل الشرعي القطعي على وجود مانع من ظهور المعصوم فيرتفع حكم العقل بلزوم ظهوره ، ويبقى فقط مدركاً للزوم وجوده.

وبتعبير آخر : العقل يدرك الهيكلية العامّة للنظام الكوني ، وأنّ النظم الشرعية تبتني على وجود رابطة بين عالم الغيب والشهادة ، وإلاّ فسدت الغاية التي من أجلها خلق الكون.

إلاّ أنّ تفاصيل ذلك ، وكون فلان هو الرابط ، وفي أي زمن ، وهل هو ظاهر أم لا؟ وإذا منع مانع من ظهوره يمكن أو لا؟

فهذه لا ربط للعقل بها بتاتاً ، لأنّها قضايا خارجة عن النظام العقليّ المدرك للهيكلية الوجودية العامّة.

نعم ، يدرك العقل لزوم التنظيم وبقاء نظام خاصّ بين الأرض والسماء ، وهذا ما حدث فعلاً بعد انتهاء حياة النبيّ صلى اللّه عليه وآله الدنيوية تكلف بهذا الارتباط ، وإرساء التنظيم بين اللّه وعباده خليفته علي بن أبي طالب عليه السلام ، وبعده الحسن ، وبعده الحسين ... إلى الحسن العسكريّ عليه السلام ، وبعده وصل الأمر إلى الإمام المهديّ المنتظر عليه السلام.

واقتضت حكمة الغيب أن يغيب ، كما اقتضت حكمة الغيب أن يغيب الخضر عليه السلام ، ويغيب عيسى عليه السلام ، إذ بينما حركة النبوّة تبتني على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله .

ص: 377


1- تجريد الاعتقاد : 221.

يموت ثمّ يبعث اللّه نبيّاً ، إلاّ أنّنا نجد أنّ هذا النمط من الحركة فقد بالنسبة لعيسى عليه السلام ، ولم يمت ورفع إلى السماء ، فهكذا في الإمام المهديّ عليه السلام ، فنجد أنّ الظرف فيه اختلف لأُمور لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى ، وما يذكر في سرّ غيبته كحكمة لا أكثر.

والإمام المهديّ عليه السلام لم يترك وظيفته سدى ، بل عيّن من بعده وكلاء أربعة ، ثمّ بعد الوكلاء الأربع أرجع الأُمّة إلى فقهائها ، ومن له تضلّع في العقيدة الإسلامية ، والشرع المقدّس ، فجعلهم نوّاباً عنه ، يديرون ما تحتاج له الأُمّة إلى ظهوره عليه السلام.

فلذلك ليس هناك صناديق اقتراع ولا غيرها ، لأنّ التسلسل محفوظ من اللّه إلى النبيّ إلى الإمام إلى وكلائه ، ورئيس الجمهورية لا يصلح للقيام بقيادة الأُمّة إلاّ بأخذ شرعيته من الوكيل ، ويكون دوره كمنفّذ لما يقوم به لا أكثر ، فلا يشرّع ولا يسنّ ولا غير ذلك.

وصناديق الاقتراع هي وليدة النظرية الشوروية ، أو وليدة السقيفة ، فإنّ الأُمّة المقابلة للأُمّة الشيعيّة ، بعد ضربها لإمامها عرض الحائط ، وفتح الباب الاقتراع - إن كان ، وإلاّ فأبو بكر وليد الدكتاتورية ، وليس وليد صناديق الاقتراع - بدأت نظريّتها من القرشي الصالح لقيادة الأُمّة العادل ، إلى أن وصلت إلى جواز تولّي الكافر ، إذا استطعنا تحت ظلّه ممارسة الشرع الإسلامي ، كما إذا راجعت الأحكام السلطانية للماوردي ، وظهر لنا باب الانتخاب ، وإلاّ فليس في شرع الإسلام الحقيقيّ انتخاب ، وليس هناك صندوق ، ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1) ، ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ) (2) ، لا إلى الصندوق ، ولا إلى

ص: 378


1- المائدة : 55.
2- النساء : 59.

أهل الحلّ والعقد ، ولا إلى العبد ، ولا إلى الفاسق ، ولا إلى الكافر ، بل المرجع هو اللّه والرسول وأُولي الأمر ، وهم الأئمّة عليهم السلام.

فهناك فارق لا يقاس بين النظريتين الإسلام الحقيقيّ ، والسقيفة ، لا يلتقيان بشيء البتّة حتّى في التوحيد ، فضلاً عن الحكومة التي هي مسألة فرعية مرتبطة بالنظم لا أكثر.

ونحن نفسّر الولاية بأنّها لله وللرسول وللإمام لا غير ، ولا تشمل حتّى الفقهاء الذين عيّنهم المعصوم نوّاباً علينا ، ولم يقل شخص شيعي بأنّ الذين آمنوا كلّ المؤمنين ، وإنّما النظرية السقيفية هي التي تفسّر الذين آمنوا بعامّة المؤمنين.

وأعجب من قولكم الشريف : ثمّ بعد الغيبة ب- 1200 نعود ونفسّرها بأنّها تشمل كلّ المؤمنين ، وهذا ما تبني عليه نظرية ولاية الفقيه في بعض براهينها!!

إذ ما ذكره الشيخ النراقيّ ، والشيخ الجواهريّ ، والشيخ الأنصاريّ ، ليس فيه ما ذكرتم البتّة ، وأساس النظرية يقوم على ركنين : الفقاهة والدرك للأُمور لا أكثر ، ولم أر في كتاباتهم ما تفضّل به جنابكم الشريف ، لأنّ أساس النظرية يبتني على تقليص عمومية الفقاهة إلى فقيه واحد لا أكثر ، وليس فيها تقشير أو تنازل عن شرط الفقاهة ، بحيث جعلها عامّة لكلّ فرد تسمّى بكونه مؤمناً.

وهذا الفقيه دوره حفظ الشريعة بإقامة دولة يستطيع من خلالها المؤمنون العيش فيها ، وإقامة الحكم الإلهيّ عليها ، وعليه فما تفضّلتم به في كلامكم اللاحق حول ظلم الفقيه وإمكان ذلك منه ، إذ إنّ في هذا الكلام يحتاج إلى مراجعة القواعد والأسس التي أتيت عليها مسألة ولاية الفقيه.

فهنا الفقيه لا يريد أن يشرّع ، ولا أن ينسخ حكم ويأتي بحكم آخر ، وإنّما وظيفة الفقيه - باعتباره وكيل الإمام - تنفيذ أمر الموكّل وهو الإمام المعصوم ، كأيّ وكالة طبيعية تناط بشخص في عصرنا الحاضر ، والموكّل نفسه وهو المعصوم قد أرسى القواعد الكلّية ، وبيّن حدود الشريعة كاملة ، حتّى لو بقيت

ص: 379

آلاف السنين ، باعتبار شمولية الرسالة ، وخاتمية الوحي بعد رحيل النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأناط للفقيه مسألة تطبيق الضوابط الكلّية ، التي أرسى قواعدها للفقيه ، فهنا الفقيه دوره التطبيق لا أكثر ، ويستخرج الأُمور الجزئية من القواعد الكلّية ، كما لو قال الوكيل للموكّل : أُريد أن أنمّي ثروتي المالية من خلال المشاريع ، من دون أن يحدّد مشروعاً معيّناً ، فهنا الوكيل إذا عرف أن تنمية هذا المال تحصل من خلال الاتجار بالأجهزة الكمبيوترية ، لرواج سوقها وكثرة الطلب عليها ، فينفذ المال في هذا المشروع ، والتصرّف صحيح ونافذ ، مع أنّا إذا لاحظنا هذه العملية ، نستطيع أن نقول : بأنّ الموكّل لم يأمر بها ، وأيضاً يمكن أن نقول : بأنّ الموكّل أمر بها ، إذا أنّه لم يأمر بها باعتبار أنّه لم يقل له اتجر في عالم الكمبيوتر ، وأمره بها باعتبار غاية الوكالة ، وهو إنماء الثروة المالية ، فكذلك الفقيه وظيفته سحب الهيكلية العامّة التي طرحها المعصومون من النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلى الحجّة عليه السلام ، إلى كافّة مجالات الحياة ، وإنفاذها في جميع مشارب المسار البشريّ على الصعيد الفرديّ أو الاجتماعيّ ، لا فرق في ذلك ، انطلاقاً من شمولية النظرية الإسلامية ، وخصوصاً المشارب المستجدّة في الحياة ، بعد توالي الأزمان وانقضاء السنون.

نعم ، نقع في إشكالية ضمان صحّة تطبيق الهيكلية العامّة على المورد الجزئيّ من الفقيه ، باعتبار افتقاد حلقة العصمة في الفقيه.

وهذا الإشكال يتغلّب عليه من خلال نفس المعصوم ، وصاحب الهيكلية العامّة ، حيث أفاد بأنّ الخطأ لا عن تقصير في التطبيق لا يضرّ ، أو من خلال أنّ نفس عملية الفقاهة ليست شرعاً لكلّ واحد وبسيطة إلى هذا الحدّ ، بل هي ذاتاً تبتني على مسار خاصّ وقيود وضوابط ، عند ممارستها تخفّف من احتمال الخطأ إلى درجة ضئيلة ، تحفظ بعمومها الهيكلية العامّة ، كمثال الوكالة المتقدّم ، حيث إنّ طبيعة الوكالة يتوفّر فيه عنصر إضاعة الثروة بدل إنمائها ، والموكّل غالباً ملتفت إلى هذه المسألة ، إلاّ أنّ الذي يدفعه إلى المجازفة - إن صحّ

ص: 380

اللفظ - بماله هو كونه قد وثق بموكّله ، وأنّه حدّد له الضابطة العامّة ، فهذا هو الذي خفّف من احتمال إضاعة المال بدل إنمائه ، وغلبت على الموكّل مصلحة الإنماء التي فيها احتمال العكس على مصلحة تجميد المال ، مع قطيعة الركود وعدم الإنماء.

ويمكن تطبيق هذا الأمر على مسألة المعصوم مع الفقيه ، بحذف بعض الألفاظ ، فإنّا نجد أنّ العملية تشبهها تماماً.

ونرجع إلى الكلام السابق وهو : إنّ الظلم الذي يوقعه الفقيه - على فرض وقوعه - أمّا شخصي وأمّا اجتماعي - ويتأكّد هذا عند من يؤمن بنظرية ولاية الفقيه ، والأوّل لا يخصّ ولي الفقيه ، بل يشمل كلّ فقيه ؛ لأنّ نظرية ولاية الفقيه لا تنفي الفقاهة عن غير الولي ، وإنّما تنيط بعض الوظائف بمن صار وليّاً ، وتقلّص من تصرّفات الفقيه غير الولي في بعض الموارد ، وخصوصاً المسائل الاجتماعيّة.

وعليه فهذا الإشكال يطرح على عامّة فقهاء الإسلام سنّة وشيعة ، فضلاً عن فقهاء الشيعة ، فضلاً عن ولي الفقيه ، لأنّ احتمال الظلم الشخصي في الجميع وارد.

ويدفع هذا الإشكال ، بالشرع نفسه الذي فرض أنّ إصابة الفقيه كخطئه ، كما في الحديث المعروف : « من اجتهد فأصاب فله أجران ، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر »(1).

أو بالنظرية التي طرحها السيّد محمّد باقر الصدر في كتابه « الأُسس المنطقية للاستقراء » ، التي فرضت أنّ عموم المصلحة التي ولدت جواز تصدّي الفقيه للاستنباط تغلّبت على المفسدة الخاصّة في بعض الموارد باعتبار انسلاخ الفقيه عن العصمة ، وبالتالي يكون العقل مسانداً لها ، وحاكماً بصحّة إناطة هذه الوظيفة به.

ص: 381


1- المفردات في غريب القرآن : 288.

وأمّا على المستوى الاجتماعيّ ، فهنا بعد الجوابين السابقين والكلام المتقدّم حول شروط الفقيه ، وإن كان الدليل يقضي بذلك عند من يؤمن بولاية الفقيه ، إلاّ أنّ الواقع العمليّ والتطبيق ، والمتمثّل بما قام به السيّد الخميني ( قدس سره ) ، أضاف إليه قيداً يخفّف من وطأة الإشكال المتقدّم ، بفرض النظارة على الفقيه من قبل عدّة من الفقهاء ، يراقبون تصرّفاته وما يقوم به ، فالحلقة تكون هكذا :

الأُمّة التي سيادتها بيد الفقيه لا بصندوق الاقتراع ، وولي الفقيه الذي يحدّد مصلحتها ويقودها ، عليه نظارة من قبل عدّة من الفقهاء ، رعاية للمصالح العامّة التي يتصرّف فيها الفقيه ، ويحدّد فيها مصلحة الأُمّة.

وبالتالي تستطيع من خلال ذلك تجاوز الإشكالية السابقة ، أو الحلقة المفقودة في الفقيه ، وهي عدم العصمة ، أو احتمال الظلم الصادر من الفقيه ، وأمّا إشكالية التبليغ ، وأنّ دور الأئمّة هو التبليغ فهذا أوّلا : لا يجعل شقّاً لما سبقه ، لأنّ القضية ليست مانعة جمع ، فلإمام وظيفته حفظ الشريعة وتبليغها ، أي الهيمنة الكاملة على رسالة النبيّ صلى اللّه عليه وآله بجميع أنحائها ، فهو يعلّم الجاهل ، ويراقب الفرد والمجتمع في التطبيق.

وثانياً : بعد ما عرضنا سابقاً صورة موجزة - إن صحّ التعبير - عن هيكلية الإمامة ودورها ، وسرّ غيبة الإمام عليه السلام ، فلا يبقى محلّ لهذا الكلام ، إذ كلّ إيراد يذكر ينبع من قضية فهم الإمامة.

فمن أدرك أمر الإمامة القرآنية وأدرك لبّها ، هانت عنده جميع الصعاب ، وتهشّمت كلّ الإيرادات.

وثالثاً : إشكالية الرواة لا تخصّ الشيعة فقط ، بل تعمّ جميع طوائف الأُمّة الإسلامية ، بل تشمل جميع الرسالات ، لأنّ جميع الرسالات قضية تبليغ الرسالة فيها يعتمد النقل لا غير ، فلا تتصوّر أنّ نوح عليه السلام ، أو موسى وعيسى عليهما السلام ، جاء إلى كلّ فرد من أُمّتهما ، وأخبروه بشرعهما ، فإنّ هذا مضحك للثكلى ، خصوصاً في ظلّ الأزمنة السالفة ، فتبليغ كلّ رسالة اعتمد على الرواة والنقل ،

ص: 382

والنبيّ صلى اللّه عليه وآله نفسه اعتمد على الرواة والنقل ، فقد أرسل الرسل إلى المدن ، والدول المجاورة ، وبلّغ بواسطة الرواة في الأماكن النائية عن الجزيرة العربية.

وعليه ، فالبحث ينقلب حول موضوع حجّية الخبر ، ومدى صلاحيّته العقليّة أو الشرعية لأن يكون مصداقاً للتبليغ ، ومدى حجّيته في الأُصول ، أي العقائد أم أنّه يخصّ الأحكام ، وهل يفيد العلم كما يذهب السلفية ، أم أنّه لا يفيد العلم ، كما تذهب المعتزلة والأشاعرة والشيعة ، وإلى غير ذلك من التفاصيل التي لا ترتبط ببحثنا.

ورابعاً : كون الدين مأخوذ من الرواة غير صحيح ، لأنّ الراوي ينقل ما سمعه من الحجّة المعصوم ، وهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله أو الإمام ، فليس هو معصوم كي نأخذ بكلامه ، بل يؤخذ بكلامه لأنّه يخبر عن المعصوم ، وبالتالي الدين مبتني على الحجّة ، لا على الرواة عند السنّة والشيعة.

بل هذا الإشكال إذا أُريد طرحه فهو يطرح على السنّة ، لأنّهم يؤمنون بحجّية قول الصحابيّ ، والصحابيّ غير معصوم كما تعلم ، مع أنّهم يحتجّون به في العقيدة والفروع فهنا الإشكالية ، خلافاً للشيعة التي لا تحتجّ إلاّ بكلام المعصوم عليه السلام.

وأمّا ميزة الشيعة عن السنّة ، فالظاهر اتضحت فيما سبق ، لأنّ السنّة اسقطوا المعصوم - وهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن عصمته - وجعلوه في أسفل درك - والعياذ باللّه - بينما الشيعة تؤمن بأنّه ( دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ) (1).

والشيعة تأخذ دينها من خطّ الرسول ، الذي رسمه من أوّل حياته إلى آخر عمره ، وهم يأخذون دينهم من خطّ غير الرسول كما تعلم ، فلذلك لا تجد توافقاً بين الشيعة والسنّة ، لا في الألوهية ، ولا النبوّة ، ولا الإمامة ، ولا فروع الشريعة.

ص: 383


1- النجم : 9 - 8.

( هاشم - الكويت - 18 سنة - طالب جامعة )

قول علي : دعوني والتمسوا غيري :

س : جاء في نهج البلاغة : « دعوني والتمسوا غيري ، فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان ، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول ، وإنّ الآفاق قد أغامت ، والمحجّة قد تنكّرت.

واعلموا إنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، ولم أصغ إلى قول القائل ، وعتب العاتب ، وإن تركتموني فأنا كأحدكم ، ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه أمركم ، وأنا لكم وزيراً ، خير لكم منّي أميراً »(1).

ما مدى صحّة هذه الرواية؟ نرجو منكم شرح الرواية ، وفّقكم اللّه لكلّ خير.

ج : هذه الخطبة مع تفاوت يسير نقلها الطبري في تاريخه(2) عن سيف ، وروايات سيف كلّها كذب وافتعال ، وخلاف أهل السير ، أمّا كلاً وإمّا جزءً.

وعليه قد تكون هذه الخطبة لا صحّة لها ، ولا واقع ؛ لضعف راويها سيف.

وعلى فرض صحّة هذه الخطبة نقول : كان غرض الطالبين لبيعته عليه السلام أن يسير عليه السلام فيهم مثل سيرة من سبق عليه ، وكان عليه السلام تفرّس ذلك منهم ، وعرفه من وجنات حالهم ؛ لذلك خاطبهم بقوله : « وإن الآفاق قد أغامت والمحجّة قد تنكّرت ».

فخاطبهم بهذا الكلام إتماماً للحجّة ، وإعلاماً لهم بأنّه عليه السلام إن قام فيهم بالأمر لا يجيبهم إلى ما طمعوا فيه من الترجيح والتفضيل ، أي تفضيل العربي على الأعجمي ، والموالي على العبيد ، والرؤساء على السفلة.

وأنّه عليه السلام مبدأه العدل بين الرعية ، والتسوية في القسمة ، وهذا ممّا لا تقوم له القلوب - أي لا تصبر عليه - ولا تثبت عليه العقول ، بل تنكره وترفضه.

ص: 384


1- شرح نهج البلاغة 7 / 33.
2- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 456.

« واعلموا إنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم » ، أي جعلتكم راكبين على محض الحقّ ، وأسير فيكم بسيرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، « ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب » ، أي لم يأخذني في اللّه لومة لائم « وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم » لعله عليه السلام أراد أنّه إذا تولّى الغير أمر السلطة ، ولم تتوفّر الشرائط في خلافته عليه السلام لم يكن ليعدل عن مقتضي التقية ، فيكون أكثر الناس إطاعة لوالي الأمر ، بخلاف سائر الناس ، فإنّه يجوز عليهم الخطأ.

وإنّما قال عليه السلام : « ولعلّي » لأنّه على تقدير أن يولّوا أحداً يخالف أمر اللّه فلا يكون عليه السلام أطوعهم له بل أعصاهم.

( الشيخ باسم الموصلي. العراق. طالب علم )

أدلّتها من كتب أهل السنّة :

س : ما هو الدليل على إمامة الأئمّة من ذرّية الحسين عليه السلام؟ أرجو أن يكون الدليل من كتب إخواننا أهل السنّة ، ودمتم سالمين.

ج : إنّ الأدلّة على إمامة الأئمّة الاثني عشر كثيرة ، نقتصر على ذكر بعضها ، ومن مصادر أهل السنّة المعتبرة عندهم :

1 - حديث الثقلين ، ومؤداه التمسّك بالعترة وهم أهل البيت تمسّكاً مطلقاً.

2 - حديث الغدير ، وهو ينصّ على وصيّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فيتعيّن تشريع الوصاية.

3 - حديث الأئمّة الاثني عشر ، وقد رواه البخاريّ ومسلم وغيرهم.

فرواية البخاريّ بعد الاختصار والاقتطاع : عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقول : « يكون اثنا عشر أميراً » ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال : « كلّهم من قريش »(1).

ص: 385


1- صحيح البخاريّ 8 / 127.

أمّا روايات مسلم ، فكلّها عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقول : « لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً » ، ثمّ تكلّم النبيّ صلى اللّه عليه وآله بكلمة خفيت عليّ ، فسألت أبي : ماذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ فقال : « كلّهم من قريش »(1).

وفي رواية أُخرى لمسلم أيضاً : عن جابر قال : سمعت النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقول : « لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة » ، ثمّ قال كلمة ...(2).

وفي رواية له : « لا يزال هذا الأمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة » ....

وأيضاً : « لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة » ، فقال كلمة صمنيها الناس ، فقلت لأبي : ما قال؟ قال : « كلّهم من قريش ».

وفي رواية أخرى : « لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش »(3).

وفي رواية الطبراني : « اثنا عشر قيّماً من قريش لا يضرّهم عداوة من عاداهم »(4).

قال ابن حجر العسقلاني : « قال ابن بطال عن المهلّب : لم ألقَ أحداً يقطع في هذا الحديث ، يعني بشيء معيّن.

وقال أيضاً : وقد لخّص القاضي عياض ذلك ... ثمّ قال : إنّه - أي النبيّ صلى اللّه عليه وآله - لم يقل : لا يلي إلاّ اثنا عشر ، وإنّما قال : « يكون اثنا عشر » ، وقد ولي هذا العدد ، ولا يمنع ذلك الزيادة عليهم ، قال : وهذا إن جُعل اللفظ واقعاً على كلّ من ولي ، وإلاّ فيحتمل أن يكون المراد : من يستحقّ الخلافة من أئمّة العدل »(5).

ص: 386


1- صحيح مسلم 6 / 3.
2- المصدر السابق 6 / 3.
3- المصدر السابق 6 / 4.
4- المعجم الكبير 2 / 256.
5- فتح الباري 13 / 182.

ثمّ قال ابن حجر ردّاً على من يفسّر الحديث : بأنّ الأئمّة الاثني عشر سيكونون في زمن واحد ، قال : ويؤيّد ما وقع عند أبي داود « كلّهم تجتمع عليه الأُمّة » ، ما أخرجه أحمد والبزار من حديث ابن مسعود بسند حسن ، أنّه سُئل كم يملك هذه الأُمّة من خليفة؟ فقال : سألنا عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال : « اثنا عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل ».

وقال ابن الجوزيّ في كشف المشكل : قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث ، وتطلبتُ مظانَّه ، وسألتُ عنه فلم أقع على المقصود به ... ، وعن كعب الأحبار : يكون اثنا عشر مهديّاً ، ثمّ ينزل روح اللّه فيقتل الدجّال ، قال : والوجه الثالث أنّ المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدّة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحقّ ، وإن لم تتوالَ أيامهم ....

قال ابن حجر : انتهى كلام ابن الجوزيّ ملخّصاً »(1).

وأقول : أُنظر يا أخي عظمة الإسلام وعظمة النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، الذي بلّغ الرسالة ، وأدّى الأمانة على أتمّ وجه ( فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) ، وسدَّ كلّ الأبواب على المحرّفين والمبطلين ، والمنحرفين عن أهل البيت عليهم السلام ، وعن الدين الصحيح ، فأنظر كيف تخبّطوا وخلطوا ، وحرّفوا واختلفوا ، وعجزوا عن تفسير وفهم كلام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الواضح البليغ على الوجه الصحيح ، لأنّهم لم يجعلوا ما فهمه الشيعة رأياً من الآراء ، وتفسيراً من التفاسير للحديث الشريف ، فتاهوا واختلفوا ، ولم يصلوا إلى المراد بنصّهم أبداً.

فالحديث واضح وصريح بوجود خلافة لله وللرسول ، وهي خلافة محدّدة بعدد معيّن وصفات معيّنة ، وأنّهم هادون مهديّون ، كما وصفهم النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله في حديث الخلفاء الراشدين المهديّين ، وأمرنا باتباع سنّتهم - يعني تشريعهم - ، فكيف نؤمر بإتباعهم لولا الخلافة الإلهيّة ، والتسديد الربّاني لهم؟

ص: 387


1- المصدر السابق 13 / 184.

وعصمتهم التي نصّ عليها حديث الثقلين ، وجعلهم عدلاً للقرآن ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ووصفهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعدم الافتراق ، أي الملازمة والمصاحبة للقرآن.

وكما دلّ على العصمة آية التطهير ، وحصر إرادة اللّه بتطهير أهل البيت فقط دون غيرهم ، لعلمه بأهليتهم لذلك.

4 - حديث الخلفاء الراشدين لا نراه ينطبق إلاّ على حديث الأئمّة الاثني عشر ، ويؤيّده ويفسّره.

ونصّ الحديث : عن العرباض بن سارية قال : وعظنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله موعظة ، ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، قلنا يا رسول اللّه : إنّ هذه لموعظة مودّع ، فماذا تعهد إلينا؟ قال : « قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلاّ هالك ، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بما عرفتم من سنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً ، عضوّا عليها بالنواجذ ، فإنّما المؤمن كالجمل الأنف ، حيثما انقيد انقاد »(1).

وقال الترمذيّ في سننه : « هذا حديث حسن صحيح »(2).

فهذا الحديث يدلّ على وجود خلفاء راشدين مهديين يجب التمسّك بهم وبطريقتهم وسنّتهم - أقوالهم وأفعالهم - وهذا الإطلاق في التمسّك مع هذه التسمية لهم لا تنطبق إلاّ على معصوم ، لا يجوز التمسّك برأي الخليفة المخالف للكتاب ، أو لسنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالإجماع.

ص: 388


1- مسند أحمد 4 / 126 ، سنن الدارمي 1 / 44 ، سنن ابن ماجة 1 / 16 سنن أبي داود 2 / 393 ، المستدرك 1 / 96 ، كتاب السنّة : 19 ، و 482 ، صحيح ابن حبّان 1 / 178 ، المعجم الكبير 18 / 249 و 257 ، مسند الشاميين 1 / 402 و 2 / 298 ، العلل 1 / 21 ، الثقات 1 / 4 ، تاريخ مدينة دمشق 40 / 178 ، أُسد الغابة 3 / 399 ، تهذيب الكمال 5 / 473 و 17 / 306 ، سير أعلام النبلاء 3 / 420 و 17 / 482.
2- الجامع الكبير 4 / 150.

وكذلك إن وافق هذا الخليفة الكتاب أو السنّة النبوية فالاتباع سيكون للكتاب أو السنّة النبوية لا للخليفة ، وكذلك لو اختلف هؤلاء الخلفاء فيما بينهم ، فكيف يجوز التمسّك بسنّتهم جميعاً مع هذا الاختلاف؟ وهو حاصل على تفسير أهل السنّة لهذا الحديث.

فلم يبق إلاّ أنّ المراد بهذا الحديث هو ما فهمه الشيعة من وجود خلفاء منصوص عليهم ، لابدّ أن يكونوا معروفين مقبولين للأُمّة جمعاء ، وهم اثنا عشر إماماً ، ويكونون معصومين عن الخطأ ، وعن مخالفة الكتاب أو السنّة النبوية ، أو الاختلاف فيما بينهم.

ويمتدّ زمانهم من وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - ويبدأ بعلي عليه السلام - إلى الإمام المهديّ عليه السلام ، كما نصّ النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله على ذلك ، فقال : « لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّله اللّه عزّ وجلّ حتّى يبعث فيه رجلاً منّي - وفي رواية من أهل بيتي - يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً » (1).

ومصداقاً لقوله صلى اللّه عليه وآله : « لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان » (2).

وأمّا تحديد الأئمّة بأعيانهم عند أهل السنّة فلم يصحّ لديهم حديث ينصّ على الأسماء ، أو الانحصار في ذرّية الحسين عليه السلام بعد أصحاب الكساء ، ولكنّهم .

ص: 389


1- صحيح مسلم 1 / 99 ، سنن ابن ماجة 2 / 929 ، سنن أبي داود 2 / 309 ، الجامع الكبير 3 / 343 ، صحيح ابن حبّان 13 / 283 ، المعجم الأوسط 2 / 55 ، المعجم الكبير 10 / 133 و 135 ، موارد الظمآن : 464 ، الجامع الصغير 2 / 438 ، كنز العمّال 14 / 264 و 269 ، فيض القدير 5 / 423 ، تاريخ مدينة دمشق 58 / 198 ، تاريخ ابن خلدون 1 / 312 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 172 ، ينابيع المودّة 2 / 210 و 318 و 3 / 214 و 245 و 256 و 298 و 339 و 384 و 390.
2- المحّلى 1 / 45 و 9 / 359 ، مسند أحمد 2 / 29 و 93 ، صحيح مسلم 6 / 3 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 121 و 8 / 141 ، شرح صحيح مسلم 12 / 200 ، تحفة الأحوذيّ 6 / 400 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 546 ، كتاب السنّة : 518 ، الجامع الصغير 2 / 756.

أثبتوا أنّ أبناء الحسين من أئمّتنا عليهم السلام هم أفضل الهاشميّين ، وأفضل أهل زمانهم ، وكانوا أهلاً للإمامة ، وأليق وأحقّ بها من غيرهم ، وننقل هنا بعض النصوص على ذلك :

1 - قال المزّيّ في تهذيب الكمال : « وأمّا الزهريّ ، فحكي عنه أنّه قال : ما رأيت هاشميّاً أفضل منه - أي من علي بن الحسين عليهما السلام - ».

وفي رواية أُخرى عن الزهريّ قال : « كان علي بن الحسين من أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة ».

وفي رواية ثالثة عن الزهريّ قال : « لم أدرك من أهل البيت أفضل من علي بن الحسين ».

وعن مالك قال : « لم يكن في أهل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مثل علي بن الحسين ».

وقال عبد الرحمن بن أسلم عن أبيه : « ما رأيت فيهم مثل علي بن الحسين قط ».

وقال عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه : « ما رأيت هاشمياً أفضل من علي بن الحسين ».

وعن يحيى بن سعيد الأنصاري قال : « سمعت علي بن الحسين ، وكان أفضل هاشمي ».

وقال أبو بكر ابن البرقي : « ونسل الحسين بن علي كلّه من قبل علي الأصغر وأُمّه أُمّ ولد ، وكان أفضل أهل زمانه » (1).

وروى المزّي حكاية الحجّ ، وتفضيل الناس له عليه السلام على هشام ، أو الوليد بن عبد الملك الخليفة آنذاك ، وأبيات الفرزدق في مدحه ، وتنحّي الناس له حتّى يستلم الحجر هيبة له وإجلالاً ، ولم يفعلوا ذلك للخليفة (2). .

ص: 390


1- تهذيب الكمال 20 / 386.
2- المصدر السابق 20 / 400.

2 - الإمام محمّد الباقر عليه السلام : قال الذهبيّ : « كان أحد من جمع بين العلم والعمل ، والسؤدد والشرف ، والثقة والرزانة ، وكان أهلاً للخلافة » (1).

3 - الإمام جعفر الصادق عليه السلام : قال المزّيّ : « حدّثنا عمرو بن ثابت قال : رأيت جعفر بن محمّد واقفاً عند الجمرة العظمى ، وهو يقول : « سلوني ، سلوني ».

وقال أيضاً : ... عن صالح بن أبي الأسود قال : سمعت جعفر بن محمّد يقول : « سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنّه لا يحدّثكم أحد بعدي بمثل حديثي ».

وعن أبي حنيفة ، وسُئل من أفقه ما رأيت؟ فقال : « ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمّد ، لمّا أقدمه المنصور الحيرة ، بعث إليَّ ، فقال : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فُتِنوا بجعفر بن محمّد ، فهيئ له من مسائلك الصعاب ، قال : فهيّأت له أربعين مسألة ، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر فأتيته بالحيرة ، فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر ... وابتدأت أسأله ، وكان يقول في المسألة : « أنتم تقولون فيها كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا ، ونحن نقول كذا وكذا » ، فربما تابعنا ، وربما تابع أهل المدينة ، وربما خالفنا جميعاً » (2).

فأقول : هذه الرواية تثبت أنّ لأهل البيت مذهباً خاصّاً ومستقلاً عن باقي المذاهب ، لأنّ الإمام وهو من أهل المدينة قال : « وأهل المدينة يقولون كذا وكذا ، ونحن نقول كذا وكذا » ، فيجعل أهل البيت عليهم السلام في عرض أهل المدينة.

قال الذهبيّ : « الإمام الصادق شيخ بني هاشم ... » (3) ، إلى أن ذكر أولاده عليه السلام فقال : « فأجلّهم وأشرفهم ابنه موسى الكاظم ... وهو إمام من أئمّة المسلمين ... » (4) ، له مشهد عظيم مشهور ببغداد ، دفن معه فيه حفيده الجواد ، .

ص: 391


1- سير أعلام النبلاء 4 / 404.
2- تهذيب الكمال 5 / 79.
3- سير أعلام النبلاء 6 / 255.
4- المصدر السابق 6 / 270.

ولولده علي بن موسى مشهد عظيم بطوس (1).

فهؤلاء بعض أئمّتنا ، وهم أبناء الحسين عليه السلام ، وهم أفضل بني هاشم باعترافهم. .

ص: 392


1- المصدر السابق 6 / 274.

أُمّهات المؤمنين :

اشارة

( البحرين - ... - ..... )

باعتبار المحرمية وعدم جواز الزواج بهن :

س : أخبر القرآن الكريم أنّ زوجات النبيّ صلى اللّه عليه وآله أُمّهات للمؤمنين.

ما معنى إخبار القرآن ، ووصف زوجات النبيّ بأُمّهات المؤمنين ، وهن لم يعطين المؤمنين ما تعطي الأُمّ لولدها ، ولم يأخذن من المؤمنين ما تأخذ الأُمّ من ولدها؟

ج : المراد من الأُمّهات هو المحرمية ، وعدم جواز الزواج بهن بعد وفاة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، لأنّهن بحكم الأُمّ للفرد.

وفي نعتهن بالأُمّ إشارة إرشادية لهن ، بحيث يتخلّقن بأخلاق الأُمّ ، لتكون معاملتهن مع الناس كمعاملة الأُمّ مع أولادها. ولكن هل حدث هذا بالفعل من كلّ نساء النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟ أو أنّ بعض نسائه خالفن الأوامر الإلهيّة ، من المكث في بيوتهن ، وخروجهن ، وصرن سبباً لهلاك الكثير من أُمّة محمّد صلى اللّه عليه وآله ، ولم يلتزمن بالإرشادات القرآنية والنبوية ، ولم يبق لهن من حقيقة الأُمّ للناس إلاّ في كون حكمهن حكم الأُمّ في عدم جواز الزواج بهن.

( مصطفى البحراني - عمان - 25 سنة - طالب ثانوية )

حول بنات خديجة وعمرها عند زواجها :

س : كم كان عمر السيّدة خديجة عليها السلام عندما تزوّجها النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟ وهل تزوّجت قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟ وما أسم بناتها غير الزهراء عليها السلام؟ وهل كن بنات النبيّ

ص: 393

أم ربيباته؟ ومن تزوّجهن؟ وهل طلقن ممّن تزوجنه؟

السلام على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها.

ج : بالنسبة إلى عمر السيّدة خديجة عليها السلام حين اقترانها بالرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله ففيه أقوال :

1 - 25 سنة(1)

2 - 28 سنة(2).

3 - 30 سنة(3).

4 - 35 سنة(4).

5 - 40 سنة(5).

6 - 44 سنة(6).

7 - 45 سنة.

8 - 46 سنة.

وأمّا بالنسبة إلى زواجها قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله فهناك قولان : أصحّهما أنّها لم تتزوّج أحداً قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، بل تزوّجها وهي عذراء.

قال ابن شهر آشوب : « وروى أحمد البلاذري ، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما ، والمرتضى في الشافي ، وأبو جعفر - أي الشيخ الطوسيّ - في التلخيص : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله تزوّج بها وكانت عذراء »(7).

وأمّا بالنسبة إلى بناتها عليها السلام ففيه أقوال : أصحّها أنّها لم تلد للنبيّ صلى اللّه عليه وآله من

ص: 394


1- السيرة الحلبية 1 / 204.
2- المستدرك 3 / 182.
3- تاريخ مدينة دمشق 3 / 191.
4- السيرة الحلبية 1 / 204.
5- المواهب اللدنية ( مع شرح الزرقاني ) 1 / 374.
6- تاريخ مدينة دمشق 3 / 190.
7- مناقب آل أبي طالب 1 / 138.

البنات إلاّ فاطمة عليها السلام ، وأمّا رقية وزينب وأُمّ كلثوم فهنّ على قول بناتها من زوجها الأوّل قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لكن الصحيح أنّهن بنات هالة أُخت خديجة ، تكفّلهن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعد وفاة هالة ، وهنّ أطفال.

فرقية تزوّجها عتبة بن أبي لهب ، فلمّا انزل اللّه ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ) (1) سأل النبيّ صلى اللّه عليه وآله عتبة طلاق رقية ، وسألته طلاقها ، فطلّقها ، وتزوّجها بعده عثمان بن عفّان(2).

وزينب تزوّجها أبو العاص ابن الربيع في الجاهلية ، فولدت له أُمامه ، تزوّجها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، وماتت زينب بالمدينة لسبع سنين من الهجرة.

وأُمّ كلثوم تزوّجها عثمان بعد أختها رقية ، وتوفّيت عنده.

( علوي - ... - ..... )

عائشة متّهمة بالإفك :

س : ما قصّة الإفك الواردة في القرآن؟

ج : قد أشارت الآيات 11 - 26 من سورة النور إلى حديث الإفك.

وخلاصتها : إنّ مجموعة من الصحابة رموا بعض نساء النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالفحشاء ، فشاع الحديث بين الناس يتلقّاه هذا من ذاك ، وكان بعض المنافقين ، أو الذين في قلوبهم مرض ، يساعدون على إذاعة الحديث حبّاً منهم أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، فأنزل اللّه الآيات ، ودافع عن نبيه صلى اللّه عليه وآله.

وقد روى أهل السنّة : أنّ المقذوفة هي عائشة ، والذين جاءوا بالإفك هم : عبد اللّه بن أبي سلول ، ومسطح بن أثاثه ، وحسّان بن ثابت ، وحمنة ابنة جحش ، أُخت زينب زوج النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

ص: 395


1- المسد : 1.
2- الذرّية الطاهرة النبوية : 52.

بينما روت الشيعة : أنّ المقذوفة هي مارية القبطية أُمّ إبراهيم ، التي أهداها مقوقس ملك مصر إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والقاذف هو : عائشة بنت أبي بكر - وهناك روايات تدلّ على مشاركة غيرها معها في هذا الرمي - حيث ادّعت : إنّ إبراهيم ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ما هو إلاّ ابن جريح - وجريح هذا كان خادماً خصيّاً لمارية ، أهداه معها مقوقس عظيم مصر لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأرسله معها ليخدمها - فأنزل اللّه تعالى هذه الآيات لبيان نزاهة بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله من الفحشاء.

وللمزيد من التفصيل راجع تفسير الميزان للعلاّمة الطباطبائي ( قدس سره )(1).

( عبد الكريم الصعيديّ - اليمن - .... )

ما معنى الأُمومة للمؤمنين :

س : ما معنى الأُمومة للمؤمنين لزوجات الرسول؟ وهل معنى الأُمومة لعائشة أنّ على الإمام علي طاعتها؟ وهل الرسول وكّل الإمام علي في طلاق زوجاته؟

وما يجدي توكيله حيث أنّ زوجات النبيّ محرّمات على أحد بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟ أفيدونا أثابكم اللّه تعالى.

ج : المقصود من الأُمومة هو حرمة النكاح ، كما يتّضح ذلك بعد التأمّل في سبب نزول الآية الكريمة : ( وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) (2) ، حيث قال البعض : إذا مات محمّد سوف ننكح أزواجه!! فلذا نزل قوله تعالى بتحريم النكاح ، ولا دلالة فيها على التعظيم من قريب أو بعيد ، بدليل قوله تعالى : ( لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ) (3) ، فقيّد الأمر بالتقوى ، فتكون هي المحور في عظمة الشخصية ، كقوله تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ ) (4).

ص: 396


1- الميزان في تفسير القرآن 15 / 87.
2- الأحزاب : 6.
3- الأحزاب : 32.
4- الحجرات : 13.

ولا يوجد دليل عقليّ ولا نقليّ على وجوب طاعة خليفة رسول اللّه لزوجة النبيّ ، بل الثابت عقلاً ونقلاً وإجماعاً على أنّ طاعة خليفة رسول اللّه واجبة على جميع المسلمين ، بلا فرق بين أُمّهات المؤمنين أو غيرهن.

كما روي ما ذكرتَه من توكيل أمير المؤمنين عليه السلام في طلاق زوجات النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وفائدة ذلك غير منحصرة في إمكانية التزويج بها ، بل يكفي مجرد سلب هذا العنوان عنها ، مضافاً إلى ما فيه من دلالة على منصب الإمامة ، ومقام أمير المؤمنين كمقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في جميع الأُمور حتّى في طلاق نسائه.

( إبراهيم محمّد. قطر .... )

هل نساء النبيّ من أهل البيت :

س : شكراً لكم على هذه الصفحة الرائعة ، ولدي سؤال : من هم أهل البيت؟ وهل نساء النبيّ من أهل البيت؟ جزاكم اللّه خيراً.

ج : روى الحاكم في المستدرك عن إسماعيل بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب عن أبيه قال : « لما نظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى الرحمة هابطة قال : « ادعوا لي ادعوا لي » ، فقالت صفية : مَن يا رسول اللّه؟

قال : « أهل بيتي : علياً وفاطمة والحسن والحسين » ، فجيء بهم ، فألقى عليهم النبيّ كساءه ، ثمّ رفع يديه ، ثمّ قال : « اللّهم هؤلاء آلي ، فصلّ على محمّد وآل محمّد » ، وأنزل اللّه تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1) ، ثمّ قال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه »(2).

هذا الحديث وما ورد بمعناه صريح في اختصاص أهل بيت النبيّ بعلي وفاطمة

ص: 397


1- الأحزاب : 33.
2- المستدرك 3 / 147.

والحسن والحسين عليهم السلام(1).

وهل نساء النبيّ من أهل البيت؟

قالت أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة : فذهبت لأدخل رأسي فدفعني ، فقلت : يا رسول اللّه أولست من أهلك؟ قال : « إنّك إلى خير ، إنّك إلى خير »(2).

وفي رواية أُخرى : قالت أُمّ سلمة : يا رسول اللّه ما أنا من أهل البيت؟ قال : « إنّك إلى خير ، وهؤلاء أهل بيتي ، اللّهمّ أهل بيتي أحقّ »(3).

وفي رواية ثالثة : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه من يدي وقال : « إنّك على خير »(4).

سئل الصحابيّ زيد بن أرقم : « مَن هم أهل بيته؟ نساؤه؟ قال : لا وأيم اللّه ، إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ، ثمّ يطلّقها ، فترجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته : أصله وعصبته ، الذين حرموا الصدقة بعده »(5).

وعن أبي سعيد الخدريّ : « أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس ، وطهّرهم تطهيراً ، فعدّهم في يده ، فقال : خمسة : رسول اللّه ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين » (6).

وعن أنس بن مالك : أنّ رسول اللّه كان يمرّ بباب فاطمة ستة أشهر ، كلّما خرج إلى صلاة الفجر يقول : الصلاة يا أهل البيت ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ

ص: 398


1- شواهد التنزيل 2 / 55 ينابيع المودّة 2 / 41 ، صحيح مسلم 7 / 130 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 2 / 149 و 152 ، جامع البيان 22 / 9 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 492 ، الدرّ المنثور 5 / 198 ، الجامع الكبير 5 / 328 ، المستدرك 2 / 416 ، مجمع الزوائد 9 / 167 ، مسند أحمد 6 / 292 ، تاريخ بغداد 9 / 128.
2- شواهد التنزيل 2 / 63 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 142.
3- المستدرك 2 / 416.
4- مسند أبي يعلى 12 / 456 ، المعجم الكبير 3 / 53 ، شواهد التنزيل 2 / 115 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 142 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 13.
5- صحيح مسلم 7 / 123 ، ينابيع المودّة 1 / 97 ، فيض القدير 2 / 220.
6- المعجم الأوسط 2 / 229 ، شواهد التنزيل 2 / 40.

عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1).

وقال الحاكم في مستدركه : « هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه » (2).

وعن أبي سعيد الخدريّ : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله جاء إلى باب علي أربعين صباحاً بعدما دخل على فاطمة ، فقال : « السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللّه وبركاته ، الصلاة رحمكم اللّه ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) أنا حرب لمن حاربتم ، أنا سلم لمن سالمتم » (3).

( أبو عبد اللّه - هولندا - سنّي - 24 سنة. طالب )

إيمان خديجة :

س : هل كانت أُمّ المؤمنين خديجة قبل زواجها بالرسول الكريم محمّد صلى اللّه عليه وآله من الموحّدين؟ أرجو الإجابة ، ودمتم سالمين.

ج : لقد كانت خديجة عليها السلام من خيرة نساء قريش شرفاً ، وكانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة ، ويقال لها : سيّدة قريش.

ويحتمل أنّها عليها السلام كانت من الموحّدات لأنّ مكّة كانت محلّ لشريعة إبراهيم عليه السلام ، ومن بعده ولده إسماعيل عليه السلام ، وكان لإسماعيل أوصياء إلى زمن بعثة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وعليه يوجد في مكّة أُناس موحّدون ، وليس من البعيد أن تكون خديجة عليها السلام من أُولئك ، واللّه أعلم.

ص: 399


1- الجامع الكبير 5 / 31 ، المستدرك 3 / 158 ، مسند أبي يعلى 7 / 59 ، شواهد التنزيل 2 / 18 ، الدرّ المنثور 5 / 199 ، فتح القدير 4 / 280 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 14 ، ينابيع المودّة 1 / 322 و 2 / 119.
2- المستدرك 3 / 158
3- المعجم الأوسط 8 / 112 ، شواهد التنزيل 2 / 44 ، الدرّ المنثور 5 / 199 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 13.

ص: 400

أهل البيت عليهم السلام :

اشارة

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

ليس منهم آل عقيل وآل جعفر :

س : أسألكم عن معنى أهل البيت في آية التطهير : هناك من يقول بأنّ المقصود هم : آل علي عليه السلام ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، فما هي حجّتهم؟ وكيف يتمّ الردّ عليهم؟

ج : قد يعتمد البعض على رواية وردت بهذا المعنى(1) توهم بأنّ أهل البيت هم هؤلاء كلّهم ، ولكن يلاحظ في المقام - مع غضّ النظر عن البحث السندي - أنّ تطبيق مصداق أهل البيت عليهم السلام في هذا الحديث لم يرد من النبيّ صلى اللّه عليه وآله حتّى يكون حجّة ، بل هذا الكلام والقول جاء توضيحاً على لسان زيد بن أرقم ، وكما هو معلوم : فإنّ اجتهاد زيد لا يكون حجّة علينا.

هذا ، وقد تضافرت الأحاديث على مصداقية أهل الكساء في معنى أهل البيت عند الفريقين ، ممّا لا يبقى أيّ شكّ وريب في المقام ، بأنّ المراد من أهل البيت عليهم السلام هم الأنوار الخمسة الطيّبة الذين نزلت فيهم آية التطهير.

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

آية التطهير شاملة لبقية الأئمّة :

س : المعروف أنّ آية التطهير نزلت في أصحاب الكساء ، فهل يمكن القول

ص: 401


1- صحيح مسلم 7 / 123.

بأنّ الآية لا تشمل الأئمّة من ولد الإمام الحسين عليه السلام ، والسيّدة زينب عليها السلام؟ ولماذا؟

ج : إنّ آية التطهير تشمل كلّ الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام ؛ وذلك لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حديث الثقلين أخبر أنّ ( القرآن ) و ( أهل البيت ) لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض. فإذا قلنا بأنّ أهل البيت هم الخمسة أصحاب الكساء فقط فهذا يعني افتراق أهل البيت عن القرآن ؛ لأنّ لازمه أنّه بعد شهادة الحسين عليه السلام لا يكون هناك مصداق لعنوان أهل البيت عليهم السلام وهذا هو الافتراق لأنّ القرآن يكون موجوداً وأهل البيت غير موجودين ، وهو خلاف صريح لكلام النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فلابدّ من القول بشمول آية التطهير لكلّ الأئمّة عليهم السلام. وعلى ذلك دلّت النصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السلام.

أمّا في حديث الكساء فإنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله جمع الموجودين من أهل البيت المطهرّين في زمانه ، وكانوا الأربعة فقط صلوات اللّه عليهم أجمعين.

أمّا السيدة زينب عليها السلام فهي على الرغم من عظم شأنها وجلالة قدرها وعلوّ منزلتها ورفيع درجتها إلا أنّها غير داخلة في آية التطهير ، لأنّ الآية مخصوصة بالمعصومين الأربعة عشر فقط.

( سامي - السعودية - 38 سنة )

الدليل على إتمام الصلاة على محمّد بآله :

س : ما هو الدليل على الصلاة على محمّد وآل محمّد كاملة بدون بتر؟ كما يفعله الآخرون.

وكيف يمكن الجمع بين الآية الكريمة : ( إِنَّ اللّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (1) ، وبين الرواية الواردة من النهي عن الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وآله الصلاة المبتورة أو البتراء؟

ص: 402


1- الأحزاب : 56.

ج : لا تنافي بين الآية القرآنية والأحاديث الواردة في الباب ؛ فإنّ الآية تأمر بالصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والأحاديث بيّنت كيفية هذه الصلاة حيث ذكرت قوله صلى اللّه عليه وآله : « قولوا اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد ... » ، فالنبيّ صلى اللّه عليه وآله علمنا كيف نصلّي عليه. فمن حذف آل النبيّ صلى اللّه عليه وآله من الصلاة عليه كان مخالفاً للكيفيّة التي ذكرها صلى اللّه عليه وآله ، فتكون صلاته على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ناقصة.

ففي تفسير الدرّ المنثور أخرج السيوطي عن سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن كعب بن عجرة قال : لمّا نزلت ( إِنَّ اللّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) قلنا : يا رسول اللّه قد علمنا السلام عليك ، فكيف الصلاة عليك؟

قال : « قولوا : اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنّك حميد مجيد ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنّك حميد مجيد » (1).

وأخرج نفس الحديث ابن جرير الطبري عن يونس بن خباب ، وعن إبراهيم ، وعن قتادة ، وعن كعب بن عجرة (2) ، كما أخرج ذلك غيرهما (3).

على أنّ اللّه تعالى صلّى على قوم سلّموا له ، وأذعنوا وصبروا حينما أصابتهم مصيبة ، قالوا : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فقال تعالى : ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم .

ص: 403


1- الدرّ المنثور 5 / 215.
2- جامع البيان 22 / 53.
3- مسند أحمد 3 / 47 و 4 / 241 ، سنن ابن ماجة 1 / 293 ، الجامع الكبير 1 / 301 ، سنن النسائيّ 3 / 47 ، المصنّف للصنعانيّ 2 / 212 ، مسند ابن الجعد : 40 ، المصنّف لابن أبي شيبة 2 / 390 ، السنن الكبرى للنسائيّ 1 / 382 ، و 6 / 18 ، صحيح ابن حبّان 5 / 287 و 295 ، المعجم الصغير 1 / 85 ، المعجم الأوسط 3 / 91 و 4 / 378 و 7 / 57 ، المعجم الكبير 17 / 250 و 19 / 124 و 155 ، كنز العمّال 2 / 275 ، جامع البيان 22 / 53 ، زاد المسير 6 / 214 ، الدرّ المنثور 5 / 215 ، فتح القدير 4 / 303 ، تاريخ بغداد 8 / 137 ، البداية والنهاية 1 / 198 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 10 ، و 12 / 434 ، ينابيع المودّة 1 / 141.

مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ ... ) (1).

فإذا كانت الصلوات على من صبر ورضي وسلّم لأمر اللّه تعالى ، فهل يوجد أعظم من أهل البيت عليهم السلام صبراً وتسليماً؟

على أنّه لا يخفى عليك ، أنّ الصلاة المشار إليها هي التزكية من اللّه تعالى والرحمة ، ومن المؤمنين الدعاء ، فما المانع من أن يزكّي اللّه تعالى أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأن تدعوا لهم بالرحمة ، والدرجة الرفيعة.

ثمّ أنّ هناك أحاديث تنهى عن الصلاة البتراء بصورة : « لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء » (2) ، أي بدون ذكر الآل عليهم السلام ، وهذه الأحاديث بنفسها تؤكّد وتؤيّد الروايات السابقة في وجوب إدخال الآل عليهم السلام.

هذا ما أمكن ذكره في هذا المقام من أدلّة قرآنية ، وأحاديث صحيحة في كيفية الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

( إحسان - ألمانيا - 33 سنة - طالب علم )

السرّ في تفضيل ذرّيتهم على غيرهم :

س : سُئلت عن السؤال التالي ، وأُريد الإجابة منكم ، ولكم الفضل في ذلك :

لماذا أنتم الشيعة تميّزون بين السيّد وغير السيّد؟ أليس ذلك من التفرقة الاجتماعيّة؟ كما أنّكم ترتّبون أحكام شرعية وفق هذا التمييز ، فما هو ذنب من لم يكن سيّداً - أي نسبه يرجع لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - تحترمون السيّد ، وتخصّوه بكلمة السيّد بخلاف غيره - من لا يرجع نسبه لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - أليس هذا من التفرقة ، والدين الإسلامي دين المساواة؟

أرجو الإجابة ، ولكم الأجر والثواب في ذلك.

ص: 404


1- البقرة : 156 - 157.
2- ينابيع المودّة 1 / 37 ، الصواعق المحرقة 2 / 430.

ج : إنّ الملاك في الإسلام التقوى ، وذلك لصريح القرآن الكريم : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ ) (1) ، وإنّما يوجّه المسلمون محبّة خاصّة للسادة من ذرّية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تكريماً لجدّهم ، ويعظمون السادة تعظيماً لجدّهم.

وهذا التعظيم والتبجيل يظهر جلياً بتحريم الصدقة عليهم ، وتعويضهم بالخمس : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (2).

والخلاصة : إنّ تكريم السادة الأشراف من نسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في هذه الدنيا ، يكون في واقع الأمر تكريماً لجدّهم واحتراماً خاصّاً له.

ولعلّ السرّ في ذلك : أن يكون هذا العمل باعثاً حثيثاً للتمسّك بتعاليم النبيّ صلى اللّه عليه وآله واستمرار شريعته ، حيث الأُمّة تمسي وتصبح وتشاهد ذرّية رسولها بين ظهرانيها ، تحترمهم وتجلّهم لأجل جدّهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وبذلك يتذكّرون الرسول طيلة حياتهم ، فيكون سبباً للاستمرار بالتمسّك بتعاليمه.

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

الصلاة على محمّد وآل محمّد :

س : سؤالي حول فلسفة ذكر الصلاة على محمّد وآل محمّد في عدّة مواضع ، منها : عندما يقوم شخص بحسد إنسان آخر ، يقولون له : صلّ على محمّد وآل محمّد ، وكذلك عند دخول إمام الجماعة ، أو القارئ ، يبدأ الناس بالصلاة على محمّد وآل محمّد ، ودمتم موفّقين لكلّ خير.

ج : إنّ كثرة الصلوات على النبيّ وآله في مختلف الحالات يمثل حالة ارتباط المسلم مع نبيّه ، ومثال للأدب معه صلى اللّه عليه وآله ، الذي أمرنا به اللّه تعالى ، مضافاً إلى

ص: 405


1- الحجرات : 13.
2- الأنفال : 41.

البركة في ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، بعد أن صلّى عليه اللّه والملائكة ، فقال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (1).

فلا ضير في ذكر النبيّ صلى اللّه عليه وآله والصلاة عليه والتقرّب إلى اللّه تعالى بذلك في كلّ حال وفي كلّ زمان ، فتأمّل.

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

تعقيب حول الجواب السابق :

مقدّمة : في الأعمّ الأغلب من الآيات تكون الأعمال منسوبة مباشرة إلى العباد.

ولكن هنا قدّم مقدّمة حيث أخبر أنّه هو سبحانه يقوم بالعمل ، ثمّ أمرهم الإتيان به ، وعند تتبع الآيات القرآنية نجد أنّه لا توجد آية في القرآن كهذه الآية إلاّ واحدة ، نسب اللّه تعالى فيها العمل إلى نفسه أوّلاً ، ثمّ أمر به عباده ثانياً ، وهذه الآية الثانية خاصّة بالتوحيد ، وهي في سورة آل عمران ( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (2) فهو أوّلاً شهد بالوحدانية ، ثمّ أشار إلى شهادة الملائكة بها ، ثمّ شهادة المؤمنين.

وهنا كذلك في الآية التي نحن بصدد البحث فيها ، نرى أنّه سبحانه يصلّي ، وملائكته ، ثمّ يأمر المؤمنين بالصلاة ، وهذا كلّه دليل على أنّ لهذه الآية خصوصية.

لماذا يجب علينا الصلاة على محمّد وآل محمّد؟ يجب أن نوضّح عدّة أُمور :

ص: 406


1- الأحزاب : 56.
2- آل عمران : 18.

قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ ... ) (1) ، كلمة صلّوا هنا هي صيغة أمر ، تدلّ على الوجوب ، يعني لست مخيّراً ، بل يجب عليك أن تفعل ، فهي دالّة على الوجوب لا الاستحباب ، كما في قوله تعالى : ( وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ ) (2) فهو أمر دالّ على الوجوب كذلك.

ما معنى أن يصلّي اللّه تعالى على أحد؟

إنّ الصلاة هنا ليست بالمعنى الاصطلاحي ، والتي يقصد بها صلاتنا التي نصلّيها ، بل هي بمعناه اللغوي وهو الدعاء ، وهنا الروايات من الفريقين توضّح : أنّ معنى الصلاة من اللّه تعالى هو تقريب نبيّه وإنزال الرحمة عليه ، إلاّ أنّها تعنون بعنوان الصلاة ، تماماً كما في اللعن ، فحينما يقول تعالى : ( يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) (3) ، فليس معناه اللعن اللفظي ، بل المقصود به هو إبعاد العبد من رحمة اللّه تعالى ، عند ذلك نفهم قول أمير المؤمنين عليه السلام في اللّه تعالى : « إنّما قوله فعله » فليس اللّه سبحانه يتلفّظ بألفاظ كما نتلفّظ بها نحن ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (4).

ما معنى صلاة الملائكة؟

معناها التزكية ، يعني يصلّون عليه لبيان أنّ هذا المورد هو مستحقّ للرحمة ، يعني محلّ قابل لإنزال الرحمة ، وهذا ما دلّت عليه الروايات.

ما معنى صلاة المؤمنين؟

إنّ صلاتهم تعني الدعاء للنبيّ الأكرم ، وهي أيضاً طلبة من الحقّ في رفع مقامنا ، لأن نرقى إلى مقامهم ، ونتعرّف على أسرارهم.

نأتي للمقطع التالي للآية ، قال تعالى : ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) .

إنّ المتعارف من التسليم هو السلام ، لذلك عند ذكر النبيّ ترى الأعمّ .

ص: 407


1- الأحزاب : 56.
2- النور : 56.
3- البقرة : 159.
4- يس : 82.

الأغلب من الناس يصلّي عليه هكذا : « صلّى اللّه عليه وسلم ».

فنأخذ معنى التسليم في الآية بمعنى السلام ، أي : السلام عليك يا رسول اللّه ، ولكن حينما نراجع الروايات الواردة في ذيل هذه الآية نرى أنّ المعنى يختلف عن ذلك.

عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( إِنَّ اللّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ ... ) ، فقال : « الصلاة عليه ، والتسليم له في كلّ شيء جاء به »(1).

إذاً ، فالآية تريد معنى الانقياد لا معنى السلام ، وبتعبير القرآن : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (2).

إذاً ، فالآية ليست بصدد بيان أنّ اللّه تعالى يريد أن يأمر المؤمنين أن يسلّموا عليه بعد الصلاة عليه ، بل يريد منهم أن ينقادوا للنبيّ ويسلّموا الأمر بيده.

وكما جاء عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ ... ) قال : « لهذه الآية ظاهر وباطن ، فالظاهر قوله : ( صَلُّوا عَلَيْهِ ) ، والباطن : قوله تعالى : ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) : أي سلّموا لمن وصّاه واستخلفه ، وفضّله عليكم ... »(3).

على هذا الأساس لا ينبغي أن نقول : صلّى اللّه عليه وسلم ، فهذه « وسلّم » جاءتنا من الطرف الآخر - أي أهل السنّة - أمّا في القرآن فاللّه سبحانه صلّى عليه ولم يسلّم ، لذلك نجد أنّ العلماء الملتفتين للمسألة يقولون : صلى اللّه عليه وآله ، ولا يضيفون وسلّم.

وأخيراً : لا ريب أنّ الصلاة على النبيّ والآل عليهم السلام هي من الواجبات في حياة الإنسان المسلم ، وذلك لأنّها مفتاح الأسرار ، وباب المقاصد ، ومن أهمّ الوسائل في صعود الأعمال ، واستجابة الدعاء ، هذا فضلاً عن الثواب الجزيل ، والفضل العظيم ، الذي يحرزه المصلّي على النبيّ وآله عليهم السلام.

ص: 408


1- المحاسن 1 / 271.
2- الحشر : 7.
3- الاحتجاج 1 / 377.

( فاضل - البحرين - 26 سنة - دبلوم هندسة ميكانيكية )

الكتب السنّية المؤلّفة حولهم :

س : لا أُريد أن أطيل عليكم ، ولكن لابدّ من هذه الكلمة : فأنا اعتبر هذا الموقع من أهمّ المواقع الشيعيّة ، وأكثرها خدمة لمذهب أهل البيت عليهم السلام ، فجزى اللّه القائمين عليه أفضل الجزاء.

سؤالي هو عن الروايات التي تتحدّث عن أئمّتنا المتأخّرين ، من الإمام السجّاد حتّى الإمام القائم عليهم السلام في كتب إخواننا أهل السنّة.

ج : ما أكثر الكتب السنّية التي أُلّفت في أهل البيت عليهم السلام منها مثلاً :

1 - ينابيع المودّة لذوي القربى ، للشيخ سليمان القندوزيّ الحنفيّ ، المتوفّى 1294 ه.

2 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ، للشيخ محمّد بن طلحة الشافعيّ ، المتوفّى 652 ه.

3 - الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة ، لابن الصبّاغ المالكيّ ، المتوفّى 855 ه.

4 - نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار ، للشيخ مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي.

5 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ، للحاكم الحسكاني ، المتوفّى 544 ه.

هذا ، وهناك كتب شيعية ذكرت ما كتب في أهل البيت عليهم السلام في الصحاح الستة ، وغيرها من الكتب المعتبرة عند أهل السنّة ، منها مثلاً :

1 - منتخب فضائل النبيّ وأهل بيته عليهم السلام ، لمركز الغدير للدراسات الإسلامية.

2 - ما روته العامّة من مناقب أهل البيت عليهم السلام ، للمولى حيدر علي الشروانيّ.

3 - عمدة عيون صحاح الأخبار ، للحافظ ابن البطريق ، المتوفّى 600 ه.

4 - أئمة أهل البيت في كتب أهل السنّة ، للشيخ حكمت الرحمة.

ص: 409

( عقيل - السعودية - .... )

تفضيل السادة على غيرهم :

س : لماذا تفضّل الشيعة السادة على غيرهم؟ واللّه تعالى يقول : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ )(1)؟

ج : إنّ الناس في الشريعة الإسلامية لا يتفاضلون إلاّ بالتقوى ، ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ ) ، فمن أخلّ بالتقوى وتعدّى حدود اللّه لم يفلت من طائلة القانون ، مهما كانت مكانته ، أو منزلته ، أو حسبه ، أو نسبه ، أليس أبو لهب عمّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ومع ذلك جاء ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ) (2).

فليس في الإسلام عنصرية يختلّ بها ميزان العدالة ، ولا محسوبية يتذبذب بها القانون ، فالنسب الحقيقيّ عند اللّه تعالى إنّما هو التقوى ، ويؤيّده الوحي المحفوظ : ( يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) (3) ، فأرجع الباري تعالى البنوّة الحقيقيّة إلى العمل الصالح.

ولكن مع ذلك ، فهناك وجهة نظر أُخرى ، لا تغيّر من هذا المبدأ العام أي شيء ، ولكنّها تدخل الفضل في حسابها ، والفضل لا يمنع الحقّ لمن طلب العدل.

بل إنّ اللّه تعالى ضرب لنا أمثلة لنسلك سبيل الفضل فيما لا يعطّل حداً من حدود اللّه ، ولا يؤدّي إلى الإضرار بأحد من خلقه.

قال تعالى : ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا ) (4) ، أراد اللّه ذلك لا لشيء إلاّ لأنّ أباهما كان صالحاً.

ص: 410


1- الحجرات : 13.
2- المسد : 1.
3- هود : 46.
4- الكهف : 82.

بل إنّ اللّه تعالى رغّبنا في سلوك طريق الفضل ، قال تعالى : ( وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (1) ، قال أهل البيان : في الآية إطناب ، لأنّ تعفوا وحدها ، أو تصفحوا وحدها ، أو تغفروا وحدها كانت تكفي ، ولكن اللّه تعالى كرّر هذه الأفعال ترغيبا لنا في الفضل ، وحثا لنا عليه.

وعليه ، فلا غرابة أن تحترم الشيعة الإمامية السادة من ذرّية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على غيرهم ، إكراماً لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - ولأجل عين ألف عين تُكرم - وإطاعة لما جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (2).

وهذه الآية وإن نزلت في حقّ أهل البيت عليهم السلام إلاّ أنّها بعموم اللفظ دلّت على مودّة ذرّية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فاحترامهم وتفضيلهم وتقديمهم كما في إمامة صلاة الجماعة مصداق من مصاديق المودّة.

هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى وردت روايات عن النبيّ وأهل بيته عليهم السلام تحثّنا على احترام ذرّية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وإكرامهم ، وقضاء حوائجهم ، و .. ، منها مثلاً :

1 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: « إنّي شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ، ولو جاءوا بذنوب أهل الدنيا : رجل نصر ذرّيتي ، ورجل بذل ماله لذرّيتي عند المضيق ، ورجل أحبّ ذرّيتي بالقلب واللسان ، ورجل سعى في حوائج ذرّيتي إذا طردوا أو شرّدوا »(3).

2 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أيّها الخلائق أنصتوا فإنّ محمّداً صلى اللّه عليه وآله يكلّمكم.

فتنصت الخلائق ، فيقوم النبيّ صلى اللّه عليه وآله ويقول : يا معشر الخلائق ، من كان له

____________

(1) التغابن : 14.

(2) الشورى : 23.

(3) الكافي 4 / 60 ، من لا يحضره الفقيه 2 / 65.

ص: 411

عندي يد ، أو منّة ، أو معروف ، فليقم حتّى أكافيه.

فيقولون : فأيّ يد وأيّ منّة؟ وأيّ معروف لنا؟ بل اليد والمنّة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق.

فيقول : من آوى أحداً من أهل بيتي ، أو برّهم ، أو كساهم من عرى ، أو أشبعهم ، فليقم حتّى أكافيه.

ويقوم أناس قد فعلوا ذلك ، فيأتي النداء من عند اللّه عزّ وجلّ : يا حبيبي يا محمّد ، قد جعلت مكافاتهم إليك ، فأسكنهم حيث شئت من الجنّة ، فيسكنهم في الوسيلة ، حيث لا يحجبون عن محمّد »(1).

فعلى هذا ، نحن نحترم ونقدّر أولاد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله » والمرء يحفظ في ولده » مادام سائراً على سيرة النبيّ وأهل بيته الطاهرين وإلاّ فلا.

( .... - سنّي - .... )

تفويضهم من قبل اللّه تعالى :

س : يذكر إمامكم - محمّد بن يعقوب الكلينيّ - في كتابه « أُصول الكافي / باب : أنّ الأرض كلّها للإمام » ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « إنّ الدنيا والآخرة للإمام ، يضعها حيث يشاء ، ويدفعها إلى من يشاء ، جائز له من اللّه ».

فماذا يستنبط المسلم المنصف من هذه العبارة ، مع أنّ اللّه تعالى يقول في محكم آياته : ( للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) (2) ، ويقول : ( فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى ) (3).

ويذكر نفس الإمام الشيعيّ الكلينيّ تحت باب : أنّ الأئمّة يعلمون علم ما

ص: 412


1- شجرة طوبى 1 / 10.
2- المائدة : 120.
3- النجم : 25.

كان ، وما يكون ، وأنّه لا يخفى عليهم شيء ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : « إنّي لأعلم ما في السماوات ، وما في الأرض ، وأعلم ما في الجنّة ، وما في النار ، وأعلم ما كان وما يكون » ، مع أنّ اللّه تعالى يقول : ( قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللّهُ ) (1) ، ويقول : ( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ) (2).

أرجو أن لا يكون الردّ بحذف الموضوع ، وشكراً.

ج : أمّا قولك : إنّ إمامكم محمّد بن يعقوب الكليني فغير واضح ، إذ لم نعهد عندنا غير أئمّة أهل البيت عليهم السلام المعروفين لديك ، وهم اثنا عشر إماماً ، ولعلّك لم تطّلع على أُصول الإمامية التي تعتقد باثني عشر إماماً وخليفة ، فاطلاعك أكثر سوف يغنيك عن أيّ إشكالٍ آخر إن شاء اللّه.

واعلم : أنّ ما ذكرت من رواية في الكافي فهي ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة البطائنيّ ، فالشيعة متّفقة على عدم الأخذ برواياته ، وتضعيفه عندهم مشهور ، ولك أن تراجع كتبهم الرجالية في ذلك.

ولو أخذنا بالرواية ، فلا تعدو أن تكون الرواية مبيّنة لرتبة الإمام ومنزلته ، فكون الإمام خليفة اللّه في أرضه فله الولاية من قبل اللّه تعالى على أرضه ، ولا ضير في ذلك.

فإنّ الخليفة لو ولّى شخصاً عنه في ما فوّض له الولاية في ذلك ، فلا يعني أنّ الخليفة قد انقبضت يده عن سلطانه ، فولاية الوالي غير مطلقة ، وهو غير خارجٍ عن طاعة الخليفة وسلطانه ، وهكذا الإمام ، فإنّ له الولاية بما هو إمام ، وخليفة اللّه في أرضه ، ولا يتنافى مع سلطان اللّه وملكه ( فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى ) ، وولاية الإمام والخليفة متفرّعة من ولاية اللّه تعالى ، فولاية اللّه هي الأصل ، وولاية النبيّ أو الخليفة بالتبع.

ص: 413


1- النمل : 65.
2- الأنعام : 59.

ثمّ ما تقول في قوله تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ... ) (1).

فعن ابن عباس : المراد من الأنفال ما شذّ عن المشركين إلى المسلمين من غير قتال - من دابةٍ أو عبد أو متاع - فهو إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله يضعه حيث يشاء ، راجع تفسير الفخر الرازي في تفسير الآية.

أي إنّ اللّه تعالى قد فوّض له أمر الأنفال يضعها حيث شاء ، وبما تقتضيه حكمته صلى اللّه عليه وآله ، فهل ترى في ذلك سلب لملكِ اللّه تعالى ، أو تعطيل لسلطانه؟

وهكذا قول الإمام عليه السلام : « إنّ الدنيا والآخرة للإمام » لا تعني سلب إرادة اللّه تعالى ، بل هو تفويض الإمام بما تقتضي حكمة الإمام وولايته.

ثمّ إنّك تتساءل عن قول الإمام : « إنّي لأعلم ما في السماوات وما في الأرض ... » ، فما الضير في ذلك ، إذا قلنا : إنّ اللّه تعالى يحبي من يشاء بلطفه ، ولا يخفى عليك قوله تعالى : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ) (2) ، فهل يمكنك أن تفسّر لي هذه الآية بأنّها تنافي علم اللّه تعالى وقدرته؟ بل إنّ العبد إذا أخلص طاعته لله تعالى وتمحّض في عبوديته له حباه اللّه ببديع لطائفه ، وأعظم ما يحبيه علمه ، فهل ترى أعظم طاعة لله من النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته وهم ورثة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعترته؟

ثمّ بلحاظ كونه خليفة ، فإنّ مقتضى الخلافة أن يطلع اللّه خليفته على كافّة شؤون الخلافة ، أما ترى قوله تعالى في خليفته آدم إذ قال تعالى : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ) (3) ، إشارة إلى خصوصية آدم بلحاظ خلافته وولايته.

وهكذا هو الإمام كونه خليفة اللّه تعالى فإنّ مقتضى خلافته أن يعلمه ما يحتاجه العباد ، وما تقتضيه شؤون خلافته وولايته.

ص: 414


1- الأنفال : 1.
2- الجنّ : 26 - 27.
3- البقرة : 31.

( حامد - السعودية - .... )

حبّهم شيء وإعطاء حقّهم شيء آخر :

س : شكراً على هذا الجهد الطيّب ، لو تكرّمتم ، هل بإمكانكم أن تردّوا على هذا الكلام ، أرجو الشرح :

وصف الشيعة الإمامية بأنّهم ينتمون إلى مدرسة أهل البيت ، إنّ حبّ أهل البيت وتعظيمهم محلّ اتفاق بين طوائف المسلمين ، وكتب أهل السنّة مليئة بالأحاديث التي تثني على علي وآله ، ومنها ما رواه مسلم عن علي عليه السلام قال : « والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، إنّه لعهد النبيّ الأُمّي صلى اللّه عليه وآله إليّ ، أن لا يحبّني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق »(1).

فكيف يزايد أحد على حبّ آل البيت وتبجيلهم ، إلاّ إذا كان المراد : الغلوّ بهم فوق مرتبة البشرية ، ومنحهم خصائص إلهية ، فهذا من جنس دعوى حبّ المسيح باعتباره ابناً لله ، أو شريكاً له .. ، وهذا ما يرفضه المسلمون ، ويعتبرون دعوى النصارى في محبّته مناقضة للواقع.

إنّ الذي حملني على هذا التعليق ، شريط رأيته وسمعته ينقل صوراً من حسينيات الشيعة ، فيها الشرك الذي لا يحتمل تأويلاً بحال ، ومن ذلك السجود للقبور.

وهنا سألت نفسي : إذاً ما العمل الذي لا يجوز صرفه إلاّ لله؟ ولكن - للأسف - لم أسمع إلاّ رجع الصدى! لقد سمعت أحد المتحدّثين في هذا الشريط يقول : إنّ النبيّ ليلة الإسراء سمع صوتاً من فوق العرش ، فلمّا دنا منه ، إذا الصوت صوت علي ، تعالى اللّه عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً! أفكان علي هو اللّه؟ أم كان اللّه يقلّد صوت علي؟ تباركت يا ذا الجلال والإكرام ، فإلى متى يظلّ العقلاء في عزلتهم ، ويتركون العامّة لهذه الأباطيل ، ولهذا السخف؟

ص: 415


1- صحيح مسلم 1 / 61.

ومتى نتحرّر من المجاملة ، ونعلن رفض هذه الأفكار التي لا يقبلها عقل ، ولا يقتضيها نقل ، والتي جعلت منّا مسخرة للأُمم والشعوب؟ إنّها مجرد خاطرة نفثتها بهذه المناسبة ، وفي انتظار صداها.

كاتب هذا الكلام الشيخ سلمان بن فهد العودة.

ج : إنّ من الدعاوي الباطلة أن تدّعي حبّ شخص وأنت توالي أعداءه ، ومن لطيف القول أنّ المتكلّم نقل قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله لعلي إنّه لا يحبّه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق ، فمتى ما أعلن هذا المتكلّم براءته من معاوية بن أبي سفيان - المحارب لعلي عليه السلام والآمر بسبّه كما في صحيح مسلم وغيره : « أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسبّ أبا تراب ... » - نصدّقه في دعوى حبّه لأهل البيت ، وأمّا مجرّد الدعوة فهو كلام فارغ لا روح له.

ولو تنزّلنا وقلنا أن المتكلم محبّ لأهل البيت واقعاً نقول : إنّ حبّ أهل البيت شيء وإعطاء حقّهم شيء آخر ، فلابدّ أن يقرن الحبّ بالإيمان بأنّهم الثقل الثاني بعد كتاب اللّه ؛ فيجب التمسّك بهم وطاعتهم وإتباعهم لأجل الحصول على الهداية من الضلال ؛ وذلك لقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا : كتاب اللّه وأهل بيتي ... ». فنحن لا ندعو لعبادة غير اللّه عزّ وجلّ ، ومن عبادة اللّه طاعة نبيّه الآمر بإتّباع أئمّة هداة من أهل البيت ، إنّما الكلام فيمن يدعى عبادة اللّه ويعرض عن إتباع أوامر نبيّه عليه الصلاة والسلام ، فتأمّل. هذا أولاً.

وثانياً : ما نسبه المتكلّم لبعض عوام الشيعة من أفعال وقمّة تلك الأفعال هو السجود للقبر ، وادّعى أن ذلك شركاً ، فنقول : لو تنزّلنا وفرضنا أنّ بعض الشيعة يسجد للقبر واقعاً ، فما أبعد هذا المتهم لهم بالشرك عن كتاب اللّه القائل : ( اسْجُدُوا لآدَم ) ، والقائل : ( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً ... ) ، فهل كان اللّه يأمر بالشرك حينما أمر ملائكته بالسجود لآدم؟ أم كان أنبياء اللّه يُقرّون الشرك كما ي قصة يوسف؟ إذاً السجود إذا لم

ص: 416

يكن بقصد العبادة لا يكون شركاً. نعم يجب أن يبحث في أنه هل يجوز السجود لغير اللّه أم لا ، وهذا بحث فقهيّ يراجع به الفقهاء ، وهذا بخلاف لو كان الساجد إنما سجد إقراراً منه بألوهية المسجود له ، حينها لا خلاف بين المسلمين في أن هذا الساجد مشرك ، إنما الكلام فيمن يسجد على نحو المبالغة في الاحترام والتقدير - كما يفعل ذلك بعض الشعوب الآسيوية - حينها لا يصحّ أن يقال بأنّ الساجد مشركاً ، نعم كما قلنا يجب أن يبحث في جواز ذلك وعدمه. كلّ هذا لو تنزلنا وقلنا بأنّ من ذكرهم الشخص كانوا يقصدون السجود للقبر. ولكن لو لاحظنا الواقع بعين الإنصاف لوجدنا أنّ من ظنّهم المتكلّم يسجدون للقبر ليسوا كما تصوّر ، فإنهم لم يقصدوا السجود أصلاً ، إنّما قصدوا تقبيل أعتاب تلك البيوت التي أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، وقد أخذهم وَلَه العشق لمحمّد وآل محمّد ، وهذا المعنى لا يفهمه المتكلّم قطعاً.

أما ما ذكره المتكلّم من رواية أن اللّه في المعراج خاطب رسوله صلى اللّه عليه وآله بصوت علي عليه السلام وقال : « أفكان علي هو اللّه؟ أم كان اللّه يقلّد صوت علي؟ ». فنقول :

أوّلاً : لم تقتصر الشيعة على رواية هذا الخبر بل رواه بعض أعلام العامّة مثل أخطب خوازم في كتاب المناقب.

ثانياً : إنّ اللّه خاطب نبيّه موسى من الشجرة أو من جهة الشجرة ، فلو أردنا أن نفكر بمستوى تفكير المتكلّم لقلنا : هل كانت الشجرة هي اللّه؟ أم أن اللّه تجسّد في الشجرة أو حلّ في جهة الشجرة؟ هذا إذا تنزّلنا في التفكير لمستوى المتكلّم ، أمّا إذا أردنا أن نتكلّم بشكل علميّ فنقول : إنّ منشأ الإشكال عند المتكلّم هو أنّه يعتقد بأنّ اللّه يتكلّم حقيقة - والعياذ باللّه - وهذا باطل لما يستلزم من أمور لا يصحّ أن تنسب لله كاللسان والحنجرة ..

أمّا ما نعتقده نحن فإنّنا نقول : بأنّ اللّه متكلّم بمعنى أنه يخلق الصوت الذي يخاطب به غيره ، فكلامه مع موسى إنّما كان بخلقه الصوت من الشجرة أو

ص: 417

من جهة الشجرة ، وكذلك خلق الصوت بنبرة علي عليه السلام - وهو الخالق لعلي وكل شؤونه - وخاطب به نبيّه محمّد صلى اللّه عليه وآله.

ولو كان المتكلّم منصفاً لفهم السبب من ذلك من خلال نفس الرواية : « ... خلقتك من نوري ، وخلقت عليّاً من نورك ، فاطلعت على سرّك فلم أجد إلى قلبك أحبّ منه في قلبك ، فخاطبتك بلسانه كي يطمئن قلبك ».

( محمّد - ... - ..... )

المقصود بالآل وحديث الكساء :

س : عند الصلاة على النبيّ وآله ، نقصد بالآل السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، والأئمّة الاثني عشر عليهم السلام ، ولكن عند نزول آية التطهير ، وفي حديث الكساء يقول النبيّ عن الخمسة عليهم السلام : « اللّهم هؤلاء أهل بيتي و ... ».

فكيف نوفّق بين الأمرين ، ولكم جزيل الشكر.

ج : إن أهل البيت المعصومين المطهّرين هم علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولد الحسين عليهم السلام. وقد علمنا ذلك من حديث الكساء وحديث الثقلين وحديث الاثني عشر وغيرهما. وجمع النبيّ صلى اللّه عليه وآله الخمسة عليهم السلام تحت الكساء لا ينفي كون بقيّة الأئمّة من ولد الحسين هم من أهل البيت ؛ وذلك لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله جمع الموجودين من أهل بيت زمانه تحت الكساء ، ولا يعقل أن يجمع النبيّ صلى اللّه عليه وآله كل الأئمّة حتى غير الموجودين في زمانه تحت الكساء ، فتأمّل.

( حيدر الصائغ - البحرين - .... )

عدم الاعتقاد ببعض سيرتهم :

س : هل يؤثّر عدم الاعتقاد ببعض ما ترويه سيرة أهل البيت عليهم السلام في عقيدة الإمامة؟ نرجو إجابتنا شاكرين لكم.

ص: 418

ج : إن كان عدم الاعتقاد ناشئاً من فحص ودليل ، ورجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص المشهود لهم من قبل العلماء على حرصهم ، وتفحّصهم ودقّتهم في التعامل العلمي ، والتحقيق التاريخي فلابأس بذلك.

أمّا إن كان عدم الاعتقاد ناشئاً من الذوق ، وعدم التفاعل والتشهّي ، ومخالفة المزاج ، وما إلى ذلك من الأُمور التي لا تكشف عن مستوى علميّ ، ولا تنضبط ضمن الموازين العلمية التحقيقية ، فعدم الاعتقاد هذا يؤثّر في عقيدة الإنسان الشيعيّ ، ويزعزع من إيمانه بهم عليهم السلام.

( جمال أحمد - البحرين - .... )

التفاضل فيما بينهم :

س : هل في الأئمّة تفاضل بين بعضهم البعض؟ أم أنّهم سواء؟ الرجاء التفصيل مع ذكر الأمثلة إن وجدت.

ج : ورد في بعض الآثار ما يشير إلى تمايز أمير المؤمنين عليه السلام وحده ، أو بإضافة الحسن والحسين عليهما السلام ، أو مع المهديّ عليه السلام أيضاً عن باقي الأئمّة عليهم السلام (1).

وجاءت أيضاً طائفة أُخرى من الروايات تصرّح أو تلوّح بعدم التمايز والتفضيل بين الأئمّة عليهم السلام ، أو باستثناء أمير المؤمنين عليه السلام (2).

ثمّ بما أنّ الموضوع لم يكن له أثر عملي بالنسبة إلينا ، فالبحث في هذا المجال - مع ما في أغلب هذه الروايات من ضعف السند - ليس له ثمرة ، فالصفح عنه أحرى وأجدر ، خصوصاً مع ورود أحاديث في المقام تؤكّد على أنّهم عليهم السلام بالنسبة للناس سواء في الحجّة والطاعة ، والحلال والحرام (3).

ص: 419


1- مائة منقبة : 19 ، بحار الأنوار 25 / 361.
2- الاختصاص : 268 ، بحار الأنوار 25 / 360.
3- الاختصاص : 22 ، بحار الأنوار 25 / 353.

( .... - البحرين - .... )

غير أزواج النبيّ :

س : هل يعتقد أهل السنّة بأنّ القرآن الكريم ليس مرتّب؟ مثلاً في آية التطهير أنّها في غير مكانها ، مع ذكر المصدر يرحمكم اللّه؟

ج : ليس المهمّ في مفروض السؤال الاعتقاد أو عدم الاعتقاد بالترتيب في آية التطهير ، بل البحث في المراد من أهل البيت ؛ فنقول : بأنّ العدول عن السياق المتناول في الآية ، وهو خطاب التأنيث إلى خطاب التذكير ، بل والرجوع منه ثانياً في الفقرات التالية بعده إلى خطاب التأنيث ، يدلّ بكلّ وضوح على تمييز المخاطبين بهذه الفقرة بالذات عن باقي المخاطبين في الآية ، حتّى أذعن الفخر الرازي في تفسيره للآية بهذه النقطة الحسّاسة(1).

فالحكم بالتطهير المطلق عن كافّة الأرجاس إنّما يخصّ هذه المجموعة التي تسمّى « أهل البيت » ، وهذا ما يسمّى بالعصمة.

ثمّ على فرض قبول وحدة السياق - مع ما يأباه الظهور الخطابي - نقول بالتخصيص في هذا المجال ، استناداً إلى مصادر أهل السنّة ، فورد في الكثير منها أنّ المراد من أهل البيت هم : علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

وقد صرّح فيها بأنّ أُمّ سلمة لم تكن من هؤلاء ، مع أنّها على خير ؛ والمصادر الروائية في هذا المعنى أكثر من أن تحصى(2).

ولا يخفى أنّ في الآيات السابقة على هذه الآية إشارة لطيفة إلى عدم إعطاء هذه الرتبة السامية بنحو الإطلاق وفي كافّة الأحوال للأزواج ، إذ يقول : ( فَإِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ) (3) ، فيقيّد الأجر بالمحسنات منهنّ ،

ص: 420


1- التفسير الكبير 9 / 168.
2- شواهد التنزيل 2 / 63 و 115 ، المستدرك 2 / 416 ، مسند أبي يعلى 12 / 456 ، المعجم الكبير 3 / 53 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 142 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 13.
3- الأحزاب : 29.

والحال وفي نفس المقام لم يقيّد التطهير والعصمة من الأرجاس عن أهل البيت عليهم السلام بشيءٍ ؛ فنستفيد بأنّ عنوان أهل البيت يختلف موضوعاً عن عنوان الأزواج.

( محمّد علي - ... - ..... )

كيفية انتشار النسل الهاشمي :

س : كلّنا يعلم بأنّ النسل الهاشمي انتشر في بقاع الأرض ، هل لنا أن نعرف بالتفصيل كيف انتشر في البلاد التي تقع شرق الجزيرة العربية؟ مع خالص الشكر.

ج : إنّ نسل الرسول صلى اللّه عليه وآله قد انتشر وشاع من أولاد علي وفاطمة عليهما السلام ، وهذا ممّا لا خلاف فيه.

وأمّا كيفية الانتشار فهي تختلف باختلاف الموارد والبقاع ، فبعضهم قد التجأ إلى مناطق نائية حذراً من بطش حكّام الجور ، وبعضهم هاجر إلى بلاد بعيدة للتبليغ والدعوة ، وحفظاً على عقيدته ونفسه وعياله ، عندما كانت تطاردهم الحكومات الأمويّة والعباسيّة وغيرهما ، وبعضهم سافر إلى بقاع كان يراها موالية لأهل البيت عليهم السلام ، وبعضهم الأخر انتقل إلى أماكن خاصّة من البلاد الإسلامية ، في سبيل القيام بالثورة في وجه الطغيان والتعدّي الحاكم آنذاك ، لما فيها من أرضية اجتماعية مؤيّدة لها.

( أُمّ علي - البحرين - .... )

لا دليل على أنّ الانتساب يكون من طريق الأب فقط :

س : إنّ النسب للولد والبنت هو من الأب ، وليس من الأُمّ ، ونحن في المذهب الشيعيّ نقول : السادة من أبناء الرسول صلى اللّه عليه وآله ، والرسول الأعظم لم يكن له أبناء.

ص: 421

الرجاء توضيح الأمر ، وشرح كيفية نسب الأئمّة وبني هاشم ، وإرشادي إلى مراجع ، وجزاكم اللّه ألف خير.

ج : لا دليل على أنّ الانتساب يكون فقط من طريق الأب ، كيف وقد نصّ القرآن الكريم بلحاق عيسى عليه السلام عن طريق أُمّه مريم عليها السلام بذراري الأنبياء عليهم السلام : ( وَمِن ذُريته داودَ وَسُلِيمانَ ... وَيَحيى وَعيسى ... ) (1).

وأيضاً قد اتفق المسلمون على أنّ المراد من ( أَبْنَاءنَا ) في آية المباهلة ( فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا ... ) (2) ، الحسن والحسين عليهما السلام(3).

أضف إلى ذلك ورود روايات في كتب العامّة تصرّح ببنوّة الحسن والحسين عليهما السلام ، وولد علي عليه السلام ، وأولاد فاطمة عليها السلام للرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله(4).

ثمّ إنّ هناك أحكام شرعية كالإرث واستحقاق سهم السادة في الخمس تختصّ بمواردها المنصوص عليها ، فلا تنفي الانتساب من جهة الأُمّ ، بل إنّها قوانين خاصّة تعبّدية لا علاقة لها بالمميّزات التكوينية.

وفي الختام : ننقل لكم مقطعاً من المناظرة التي دارت بين الإمام الكاظم عليه السلام مع هارون الرشيد ، والتي تختصّ بموضوعنا هذا :

« ثمّ قال : - يعني هارون الرشيد - لي : لمَ جوّزتم للعامّة والخاصّة أن ينسبوكم إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ويقولوا لكم : يا بني رسول اللّه ، وأنتم بنو علي ،

ص: 422


1- الأنعام : 84 - 85.
2- آل عمران : 61.
3- ذخائر العقبى : 25 ، الجامع الكبير 4 / 293 ، فتح الباري 7 / 60 ، معرفة علوم الحديث : 50 ، تفسير القرآن 1 / 122 ، جامع البيان 3 / 408 ، أحكام القرآن 2 / 18 ، أسباب نزول الآيات : 68 ، شواهد التنزيل 1 / 156 و 163 و 182 ، زاد المسير 1 / 339 ، الدرّ المنثور 2 / 39 ، أُسد الغابة 4 / 26 ، الإصابة 4 / 468 ، الجوهرة : 69 ، البداية والنهاية 5 / 65 و 7 / 376 ، الإمامة والسياسة 1 / 209 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 103 ، جواهر المطالب 1 / 171 ، ينابيع المودّة 1 / 43 و 136 و 165 و 2 / 120 و 432 و 3 / 118.
4- ينابيع المودة 2 / 446 ، كفاية الطالب : 379 ، إحياء الميت : 27.

وإنّما ينسب المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنّما هي وعاء ، والنبيّ جدّكم من قبل أُمّكم؟

فقلت : - يعني الإمام موسى الكاظم عليه السلام - : يا أمير المؤمنين لو أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله نُشر ، فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟

فقال : سبحان اللّه ولمَ لا أجيبه؟ بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك.

فقلت له : لكنّه لا يخطب إليّ ولا أزوّجه.

فقال : ولِمَ؟

فقلت : لأنّه ولدني ولم يلدك.

فقال : أحسنت يا موسى.

ثمّ قال : كيف قلتم إنّا ذرّية النبيّ ، والنبيّ لم يعقب ، وإنّما العقب للذكر لا للأنثى ، وأنت ولد الابنة ولا يكون ولدها عقباً له؟ ....

فقلت : أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم ، بسم اللّه الرحمن الرحيم ( وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ) (1) ، مَن أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟

فقال : ليس لعيسى أب.

فقلت : إنّما ألحقناه بذراري الأنبياء عليهم السلام من طريق مريم عليها السلام ، وكذلك أُلحقنا بذراري النبيّ صلى اللّه عليه وآله من قبل أُمّنا فاطمة عليها السلام ، أزيدك يا أمير المؤمنين؟

قال : هات.

قلت : قول اللّه عزّ وجلّ : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ

ص: 423


1- الأنعام : 84 - 85.

فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (1) ، ولم يدّع أحد أنّه أدخل النبيّ صلى اللّه عليه وآله تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلاّ علي بن أبي طالب ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، ف- ( أَبْنَاءنَا ) : الحسن والحسين ، و ( وَنِسَاءنَا ) : فاطمة ، و ( وَأَنفُسَنَا ) : علي بن أبي طالب عليه السلام » (2).

( ... - ... - ..... )

والصلاة عليهم :

س : لا يجوز أن نصلّي على آل الرسول ، وإنّما نقول : رضي اللّه عنهم.

ج : لا مانع من ذكر الصلاة والسلام على آل الرسول صلى اللّه عليه وآله ، حتّى إنّه جاء في بعض تفاسير السنّة في آية ( سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) (3) ، إنّها قرأت بصورة « آل » - قراءة نافع وابن عامر ويعقوب - والمقصود منه آل محمّد صلى اللّه عليه وآله (4).

وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أنّه قال - في ( سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) : « نحن آل محمّد آل ياسين ، وهو ظاهر في جعل « ياسين » اسماً للنبيّ صلى اللّه عليه وآله » (5).

هذا ، وقد دلّت روايات كثيرة عند الفريقين بوجوب إدخال آل الرسول صلى اللّه عليه وآله في الصلاة عليه ، والنهي عن الصلاة البتراء ، أي الخالية من ذكرهم عليهم السلام (6).

ص: 424


1- آل عمران : 61.
2- الاحتجاج 2 / 163 ، عيون أخبار الرضا 2 / 80 ، تحف العقول : 405.
3- الصافات : 130.
4- التفسير الكبير 9 / 354.
5- روح المعاني 12 / 135 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 22.
6- مسند أحمد 3 / 47 و 4 / 241 ، سنن ابن ماجة 1 / 293 ، الجامع الكبير 1 / 301 ، سنن النسائيّ 3 / 47 ، المصنّف للصنعانيّ 2 / 212 ، مسند ابن الجعد : 40 ، المصنّف ابن أبي شيبة 2 / 390 ، السنن الكبرى للنسائيّ 1 / 382 ، و 6 / 18 ، صحيح ابن حبّان 5 / 287 و 295 ، المعجم الصغير 1 / 85 ، المعجم الأوسط 3 / 91 و 4 / 378 و 7 / 57 ، المعجم الكبير 17 / 250 و 19 / 124 و 155 ، كنز العمّال 2 / 275 ، جامع البيان 22 / 53 ، زاد المسير 6 / 214 الدرّ المنثور 5 / 215 ، فتح القدير 4 / 303 ، تاريخ بغداد 8 / 137 ، البداية والنهاية 1 / 198 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 10 ، و 12 / 434 ، ينابيع المودّة 1 / 141.

فذكر الصلاة والسلام على آل الرسول صلى اللّه عليه وآله منصوص ومشروع ومؤيّد عقلاً ونقلاً.

( يوسف - الكويت - .... )

وخلق السماوات :

س : هل تفسير الآية الشريفة ( وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) (1) ، يقصد بها خلق الإمام علي عليه السلام ، أو أهل البيت عليهم السلام السماء؟ لأنّ اللّه تعالى ليس له يد.

ج : إنّ اليد في الآية بمعنى القوّة والتمكّن والسيطرة ، وليست بمعنى اليد الجارحة ، ويتضّح المعنى جليّاً عندما نرى قوله : ( وَإِنَّا ) ، فينسب البناء والتوسيع بالصراحة لنفسه عزّ وجلّ.

ومن جانب آخر : فإنّ الأدلّة العقليّة والنقليّة تفرض - بما لا محيص عنها - بأن نعتقد بعدم الجسمانية - أي شؤون المادّية - في ذاته تبارك وتعالى ، فبالنتيجة يظهر لنا معنى اليد ، بأنّها قدرة الإيجاد والتكوين لا غير ، وأمّا التعبير بهذا اللفظ فهو من باب التشبيه والاستعارة والتنزيل.

وأمّا في مورد تفسير هذه الآية ، فلم يرد حديث ، ولا دليل عقليّ في تفاسير الفريقين بما سألتموه ، فالمتّبع الظهور اللغوي بمعونة الأدلّة العقليّة والنقليّة.

( إبراهيم - السعودية - 17 سنة - طالب ثانوية )

حرّمت الصدقة عليهم :

س : لماذا حرّم النبيّ صلى اللّه عليه وآله الصدقة على آل البيت؟ وجزاكم اللّه خيراً.

ص: 425


1- الذاريات : 47.

ج : إنّ الصدقة شرّعت لأجل تطهير الأموال وتزكيتها ، قال تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم ... ) (1) ، والتطهير يتضمّن الدنس والوسخ ، فكأنّ هذا المال عند بلوغه حدّاً معيّناً ، فإنّه كما يتكاثر من حيث المالية يتكاثر معه الدنس والوسخ ، ويصبح ملوّثاً ولا يطهر ، ولا يرتفع عنه التلوّث إلاّ بإخراج الصدقة منه ، فهذه الصدقة هي اللوث الذي عرض على مال الغني عند بلوغه حدّاً معيّناً ؛ ولأجل ذلك كرّم اللّه تعالى بني هاشم من أن يأخذوا هذا المال ، والعيش بهذه الأوساخ.

وهذا ملحوظ أيضاً في السياق القرآني لآية الزكاة وآية الخمس ، فنجد أنّ التعبير بلفظ التطهير ورد في آية الصدقة دون آية الخمس ، بل نجدها تشرّع الخمس والأنفال مع حفظ مقام النبوّة والإمامة بمستوى من الإجلال والتقدير.

روى الشيخ الكليني ( قدس سره ) عن سليم بن قيس قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : « نحن واللّه الذين عنى اللّه بذي القربى ، الذين قرنهم اللّه بنفسه ونبيّه صلى اللّه عليه وآله فقال : ( مَّا أَفَاء اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ... ) (2) منّا خاصّة ، ولم يجعل لنا سهماً من الصدقة ، أكرم اللّه نبيّه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس »(3).

وثانياً : يمكن أن يكون تحريم الصدقة على بني هاشم باعتبار شرف مقام النبيّ ، إذ إنّ النفس النبوية لها مرتبتها الخاصّة ، وقداستها المميّزة عن بقية النفوس ، كما هو الملحوظ في الروايات والزيارات ، والمعطي يكون أكمل من المعطى ، بعد ملاحظة كون الزكاة هي أوساخ ما في أيدي الناس ، وأهل البيت مطهّرون من الدنس والوسخ ، فلا يكونوا محلاً لأوساخ الناس.

وهذه المسألة من مختصّات النبيّ صلى اللّه عليه وآله في ذرّيته تكريماً له ، وذلك كجعل

ص: 426


1- التوبة : 103.
2- الحشر : 7.
3- الكافي 1 / 539.

نسائه أُمّهات المؤمنين من باب تحريم نكاحهن من بعده ، وذلك تكريماً للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لأنّهن قد نسبن إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فيقال زوجات النبيّ ، وكذلك هو الأمر في ذرّيته ، حيث يقال : ذرّية الرسول صلى اللّه عليه وآله.

( حسن. البحرين - 26 سنة - طالب ثانوية )

لولاهم لما خلق الكون :

س : هناك بعض الأشخاص يتّهموننا بالكفر ، ويحتجّون علينا بهذا الحديث : « لولاك يا محمّد لما خلقت الأكوان ، ولولا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما » (1) ، أرجو منكم أن تفسّروا لنا هذا الحديث.

ج : إنّ هذا الحديث ليس به بأس من حيث المعنى ، وإنّ الجهلة عندما لايرون مستمسكاً حقّاً يعتمدون عليه ، يتشبّثون بتفاسير لأحاديثنا لا نصيب لها من الواقع ، فمثلاً بدلاً من أن يتحققّون في معنى هذا الحديث يرموننا بما لا يليق.

وعلى أيّ حال ، فمعنى هذه الرواية هو : أنّ غاية اللّه تعالى من الخلق هي هدايتهم وكمالهم ، وفي هذا الطريق المستقيم لابدّ وأن ينصب للخلق علماً نبيّاً ، يكون على اتّصال مباشرة بمبدأ الخلق والوحي ؛ ولو لم يُخلَق في عالم الوجود رسولاً من جانب الباري تعالى انتفت حكمة الخلق بأسرها ، إذ لم يمكن حينئذٍ اهتداء المجموعة البشرية.

فالفقرة الأُولى من الرواية صريحة بهذا المعنى « لولاك لما خلقت الأفلاك » ، أي إن لم أخلقك لم أخلق الكون لعدم الفائدة فيه حينئذٍ.

ثمّ بما أنّ الإمامة والوصاية هي امتداد لخطّ الرسالة وتطبيقها وصيانتها ، فوجود الإمام - الذي باعتقادنا هو الإمام علي عليه السلام - قيد لوجود الرسول صلى اللّه عليه وآله ، أي إنّ الرسالة في استمراريّتها تحتاج إلى وصيّ وإمام ، فلولا وجود الإمام لم تنفع

ص: 427


1- مجمع النورين : 187.

الرسالة النبوية لهداية الخلق ، إذ تبقى ناقصة لم يطبّقها أحد ، أو يطرأ عليها الانحراف والضياع ، فتجنّباً من هذه المحاذير ، وصيانةً للوحي الهادف ، يجب عقلاً وجود الإمام ، فلولاه لا تتمّ الحجّة على البشر ، وهذا خلاف حكمة الخالق ، وعليه فلولا وجود علي عليه السلام كإمامٍ ، لم يخلق محمّد صلى اللّه عليه وآله كنبيّ للبشر لعدم تكميل الهداية حينئذٍ.

وأمّا فاطمة عليها السلام فبما أنّها الواسطة في امتداد الإمامة من الإمام علي عليه السلام حتّى الإمام المهديّ عليه السلام ، وعلاقتها بوجود النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فالإمامة المستمرّة إلى زماننا ، مستمدّة من وجودها في عالم الخلق ، وبما أنّ الإمامة امتداد للرسالة ، فينتج : أنّ الرسالة والإمامة بمفرداتهما الوجودية رهينة بوجود الزهراء عليها السلام ، فلو لم تخلق هي كبنت للرسول صلى اللّه عليه وآله ، وزوجةٍ لأمير المؤمنين عليه السلام ، وأُمٍّ للأئمّة عليهم السلام لما استمرّت خطّة الباري تعالى في هداية الخلق ، وتكميل مسيرتهم.

( موالي - الكويت - 19 سنة - طالب )

ليس جميع السادة من أهل البيت :

س : أتى سؤال من أهل السنّة يقول : لم أخرج ذرّية الحسن ، وذرّية الحسين عليهما السلام من الآية؟ يعني أليس هذه الذرّية من أهل البيت؟

ج : قال تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1).

وقال صلى اللّه عليه وآله : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(2).

ص: 428


1- الأحزاب : 33.
2- 2 - مسند أحمد 5 / 182 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 196 ، مسند ابن الجعد : 397 ، المنتخب من مسند الصنعانيّ : 108 ، ما روى في الحوض والكوثر : 88 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 45 و 130 ، مسند أبي يعلى 2 / 297 و 303 و 376 ، المعجم الصغير 1 / 131 المعجم الأوسط 3 / 373 ، المعجم الكبير 3 / 65 و 5 / 154 و 166 و 170 ، نظم درر السمطين : 231 ، الجامع الصغير 1 / 402 ، العهود المحمدية : 635 ، كنز العمّال 5 / 290 و 13 / 104 و 14 / 435 ، دفع شبه التشبيه : 103 ، شواهد التنزيل 2 / 42 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 123 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطنيّ 6 / 236 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 220 و 54 / 92 ، سير أعلام النبلاء 9 / 365 ، أنساب الأشراف : 111 ، البداية والنهاية 5 / 228 و 7 / 386 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 97 و 100 و 113 و 119 و 123 و 132 و 345 و 350 و 360 و 2 / 90 و 112 و 269 و 273 و 403 و 437 و 3 / 65 و 141 و 294 ، لسان العرب 4 / 538.

فأهل البيت إمّا أن يكونوا جميع السادة من ذرّية فاطمة عليها السلام ، وعددهم بالملايين ، وهذا لا يمكن لأُمور :

لأنّ الآية وصفتهم بأنّ إرادة اللّه تعلّقت بإذهاب الرجس عنهم ، وأنّ اللّه طهّرهم تطهيراً ، وهذا صريح في العصمة ، ومن المعلوم قطعاً أنّ السادة والأشراف جميعهم غير معصومين.

ولأنّ في الحديث قرنهم بالكتاب العزيز ، وأوصى بالتمسّك بهم ، وأنّه لن يضلّ من تمسّك بهم ، ونجزم بأنّ مراد الرسول صلى اللّه عليه وآله لم يتعلّق بجميع السادة.

فيبقى البحث عن المراد من أهل البيت عليهم السلام في آية التطهير ، وحديث الثقلين ، وغيرهما.

وفي الجواب نقول : إنّ الروايات الواردة في شأن نزول آية التطهير - كما رواها الشيعة وأهل السنّة في صحاحهم ومسانيدهم - تقول : إنّها نزلت في الخمسة من أصحاب الكساء : النبيّ محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

وضم هذه الروايات إلى الروايات الواردة في كون الأئمّة اثني عشر كلّهم من قريش ، أو كلّهم من بني هاشم ، وفي بعضها التصريح بأسمائهم ، كلّ هذا يعطينا خبراً أنّ المقصود بأهل البيت - الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وقرنهم رسول اللّه بكتابه ، ووصى أُمّته بالتمسّك بهم ، وأنّه لن يضلّ من تمسّك بهم - هم : النبيّ محمّد ، وفاطمة ، وعلي ، والحسن ، والحسين ،

ص: 429

والسجّاد ، والباقر ، والصادق ، والكاظم ، والرضا ، والجواد ، والهادي ، والعسكريّ ، والمهديّ المنتظر عليهم السلام.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

المقصود من آل ياسين :

س : الأساتذة والعلماء الأكارم القائمين على الموقع.

السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.

أمّا بعد ، سؤالي أيّها الأفاضل هو كالتالي : ( سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) (1) ، من هم؟ هل هو نبيّ اللّه إلياس عليه السلام؟ أم المقصود بهم هم آل محمّد عليهم السلام؟ وإن كانوا آل محمّد ، فهل تدلّ على عصمتهم؟ وما هو قول العلاّمة الطباطبائي في تفسير الميزان؟

ج : نقل الشيخ الصدوق ( قدس سره ) بسنده عن الإمام علي عليه السلام في قوله تعالى : ( سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) قال : « ياسين محمّد صلى اللّه عليه وآله ونحن آل ياسين ».

وروى أيضاً بسنده عن ابن عباس في قوله تعالى : ( سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) ، قال : على آل محمّد(2).

إذاً ، آل ياسين : هم آل محمّد صلى اللّه عليه وآله(3).

وقال العلاّمة الطباطبائي : « إنّ قول آل ياسين هم آل محمّد مبنيّ على قراءة آل ياسين ، كما قرأه نافع وابن عامر ويعقوب وزيد »(4).

وياسين : اسم من أسماء نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله بلغة طي ، وبهذه اللغة نزلت الآية

ص: 430


1- الصافّات : 130.
2- الأمالي للشيخ الصدوق : 558.
3- أُنظر : شواهد التنزيل 2 / 165 و 169 ، نظم درر السمطين : 94 ، روح المعاني 12 / 135 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 22 ، التفسير الكبير 9 / 354 ، الجامع لأحكام القرآن 15 / 119 ، الدرّ المنثور 5 / 286 ، فتح القدير 4 / 412.
4- الميزان في تفسير القرآن 17 / 159.

( يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (1).

وهذه الآية لا تدلّ على عصمتهم عليه السلام بالصراحة ، بل تدلّ من باب أنّ المولى عزّ وجلّ لم يسلّم إلاّ على الذوات المعصومة ، كما في قوله : ( سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ) (2) ، وقوله : ( سَلاَمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) (3) ، وقوله : ( سَلاَمٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ) (4).

( يوسف علي - ... - ..... )

هم الثقل الأصغر :

س : ما المقصود من الثقل الأصغر؟

ج : وردت عدّة روايات تصرّح بأنّ الثقل الأكبر هو القرآن الكريم ، والثقل الأصغر هو العترة الطاهرة عليهم السلام.

روى الشيخ الصدوق ( قدس سره ) بسنده عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : لمّا رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من حجّة الوداع ، ونحن معه ... قال : « وماذا صنعتم بالثقلين من بعدي ، فانظروا كيف تكونون خلفتموني فيهما حين تلقوني »؟ قالوا : وما هذان الثقلان يا رسول اللّه؟

قال : « أمّا الثقل الأكبر فكتاب اللّه عزّ وجلّ ، سبب ممدود من اللّه ومنّي في أيديكم ، طرفه بيد اللّه والطرف الآخر بأيديكم ، فيه علم ما مضى وما بقي إلى أن تقوم الساعة ، وأمّا الثقل الأصغر فهو حليف القرآن ، وهو علي بن أبي طالب وعترته ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(5).

ص: 431


1- يس : 1 - 3.
2- الصافات : 79.
3- الصافات : 109.
4- الصافات : 120.
5- الخصال : 65.

( محمّد إسماعيل قاسم - الكويت - 16 سنة - طالب )

حكم الصور المنسوبة لهم :

س : ما هو رأيكم بالصور التي تنشر ، والتي يكتب تحتها اسم إمام ، أو ما شابه؟

ج : إذا كان ذلك الرسم بشكل يسيء للمعصوم فلا يجوز قطعاً ، أمّا إذا لم يكن في ذلك الرسم أي إساءة للإمامة فقد أجاب السيّد الخوئيّ رحمه اللّه في منية السائل على هذا السؤال. وإليك السؤال وجوابه :

السؤال : ما يقول سماحتكم في الصور المرسومة أو التشبيهات للأئمّة عليهم السلام ورسم ما يخيل عنهم من ملامحهم وأوصافهم عليهم السلام فهل يجوز تعليقها في المنزل ، وما الحكم في الاعتقاد بها إنها هم؟

ج : تعليقها في المنزل لا بأس به ، وأمّا الاعتقاد بها فهو مشكل.

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

رؤيتهم في المنام :

س : أُريد أن أسأل : هل كلّ من شاهد النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته في المنام تعتبر مشاهدته صحيحة؟ وكيف يمكن أن نعتبر الحلم حقيقة؟

ج : قد ورد في الحديث : « من رآني فقد رآني » (1) ، وهذا الحديث لم يثبت سنده عند العلماء ، فلا يكون حجّة ، فلا تترتّب الأحكام الشرعية عليه ، أو أخذ معالم الدين بهذا الطريق.

ويمكن أن يقال : بالأخذ بالرؤيا التي لا تثبت حكماً شرعياً ، ولا أمراًَ أو نهياً ، وإنّما يأخذ بالأحلام التي فيها الأُمور العامّة ، كالمستحبّات ، وذلك بناء على التسامح بأدلّة السنن.

ص: 432


1- رسائل المرتضى 2 / 12.

( محمّد إسماعيل قاسم - الكويت - 16 سنة - طالب )

مصادر حديث : هذا إمام ابن إمام :

س : اذكروا لي الكتب التي روت هذا الحديث : « هذا إمام ، ابن إمام ، أخو إمام ، أبو الأئمّة » من كتب السنّة؟ ودمتم سالمين.

ج : ذكرت مجموعة من علماء السنّة في مؤلّفاتهم نصّ هذا الحديث أو ما معناه ، منها :

1 - الخوارزمي الحنفي - المتوفّى 658 ه- - في مقتل الحسين(1).

2 - القندوزي الحنفي - المتوفّى 1294 ه- - في ينابيع المودّة(2).

وكلّهم يروون هذا الحديث عن سلمان الفارسي ، وأبي سعيد الخدريّ.

( أبو هاني - السعودية - .... )

معنى فقرة من زيارة الجامعة :

س : ما معنى الجملة الواردة في زيارة الجامعة : « وإياب الخلق إليكم ، وحسابهم عليكم ، وفصل الخطاب عندكم »؟

ج : إنّ لهذه العبارة شروحاً متعدّدة ، ويمكن إرجاع هذه العبارة إلى ما روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حديث الثقلين : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » ، فميزان الحساب يوم القيامة يكون على هذا الأساس ، فالتمسّك بالقرآن لوحده غير كاف ، بل لابدّ معه من التمسّك بالعترة ، فهم عليهم السلام يكونون الأصل في كيفية حساب الخلق ، فمن تمسّك بهم نجا ، ومن لم يتمسّك بهم هلك.

ص: 433


1- مقتل الحسين 1 / 212.
2- ينابيع المودّة 2 / 44 و 316 و 3 / 291 و 294.

رزقنا اللّه وإيّاكم شفاعتهم يوم القيامة.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

مقامهم :

س : أيّها الأساتذة الكرام : عندي تساؤل عن قول الإمام الصادق عليه السلام : « ربّ الأرض يعني إمام الأرض » ، فقلت : فإذا خرج ماذا يكون؟ قال : « إذا يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ، ويجتزون بنور الإمام » (1) ، أرجو بيان الحديث المذكور.

ج : لقد ورد في اللغة والتفسير : أنّ الربّ له معان خمسة ، منها : الشيخ ، والمالك ، والمدبّر ، والمربّي ، وغيرها.

والمالكية والمدبّرية تارة تكون بالأصالة وبالذات ، وأُخرى بالعرض وبالإمكان ، فالمالك والمدبّر الذاتي الأصيل هو اللّه سبحانه ، فهو ربّ العالمين ، ومن ثمّ تتجلّى هذه الربوبية أي المالكية والمدبّرية والمربّية في غيره بإذنه وجعله سبحانه.

فالزوج يكون ربّ البيت ، والزوجة ربّة البيت ، ولبيت اللّه - أي الكعبة - ربّ يحميه ، كما قالها عبد المطلب في جواب أبرهة في قصّة الفيل ، فسبحانه ربّ الأرض والسماء ، إلاّ أنّه جعل الربوبية بمعنى المدبّرية والمالكية والمربّية لنبيّه ووصيه وخليفته في الأرض ، فآدم والأنبياء والأوصياء خلفاء اللّه في السماء والأرض ، استخلفوا اللّه في أسمائه الحُسنى وصفاته العُليا ، فكانوا مظاهرَ لأسمائه وصفاته ، ويتجلّى نور اللّه فيهم ، فإنّ اللّه سبحانه نور السماوات والأرض كما في آية النور وسورتها ، إلاّ أنّ النور الإلهيّ يتجلّى في رسوله وأهل بيته ( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ... ) (2).

ص: 434


1- تفسير القمّيّ 2 / 253.
2- النور : 35.

فالإمام نور كما أنّ النبيّ سراج منير ، وكذلك القرآن أنزله اللّه نوراً ، والعلم نور يقذفه اللّه في قلب من يشاء ، والنور بمعنى الظاهر بنفسه والمظهر لغيره ، يفيد الكاشفية ورفع الجهل ، وكلّ من كان من مصاديق النور فإنّه يُعطينا هذا المفهوم ، فالإمام عليه السلام بهذا المعنى يكون نوراً يكشف الحقائق ويزيح الظلام والجهل ، كما تفعل الشمس والقمر ذلك في المادّيات والأجسام.

فربوبية الأرض وتربيتها وحكومتها باعتبار أهلها ، إنّما هي بيد الإمام عليه السلام ، فهو ربّ الأرض ، كما أنّ اللّه ربّ الأرض ، إلاّ أنّ ربوبية اللّه أصلية وذاتية ، وربوبية الإمام فرعية وبالتبع وبالإمكان.

والإمكان في حقيقته مع الوجود الذاتيّ - أي واجب الوجود لذاته وهو اللّه سبحانه - يكون عدماً ولا شيء ، فربوبية الإمام في طول ربوبية اللّه ، بإذن من اللّه وبجعل منه ، فالإمام ربّ الأرض.

وإذا خرج فإنّ نوره وعلمه الذي هو من نور اللّه وعلمه يكفي الناس في كشف الحقائق ، ورفع ستار الظلام والجهل ، وكأنّ الناس لا تحتاج إلى الشمس والقمر في ليلها ونهارها ، وهذا من المجاز والكناية لبيان شدّة وضوح علم الإمام ونوره وربوبيّته على الأرض.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

إنّهم وجه اللّه وعينه ويده :

س : أيّها الأساتذة الكرام : ما معنى قول الإمام الباقر عليه السلام : « نحن وجه اللّه نتقلّب في الأرض بين أظهركم ، ونحن عين اللّه في خلقه ، ويده المبسوطة بالرحمة على عباده »(1).

ج : لابأس أن نذكر مقدّمات :

ص: 435


1- الكافي 1 / 143.

الأُولى : من عقائدنا الحقّة أنّ اللّه تعالى ليس بجسم - خلافاً للمجسّمة الكرامية في القديم ، والوهّابية من الحنابلة في الجديد - وإنّما لم يكن جسماً ، لأنّه لو كان للزم التركيب ، ولازم التركيب الاحتياج ، والاحتياج علامة الإمكان ، واللّه سبحانه واجب الوجود لذاته ، وليس بممكن.

فالقول بالجسمية يلزمه نواهي فاسدة : منها : احتياج اللّه وافتقاره ، وهو الغني في الذات ، كما يلزمه الإمكان ، وهو واجب الوجود لذاته ، وهذا ما يقول به العقل السليم ، كما عليه الأدلّة النقليّة : من الآيات والروايات الشريفة.

والثانية : لا تعارض في الواقع بين الحجّة الباطنية وهو العقل ، والحجّة الظاهرية وهو النبيّ ، فكلاهما من الواحد الأحد ، فلا يكون بينهما اختلاف ، بل أحدهما يُعاضد الآخر ، فكلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع ، ولمّا كان الشرع وهو الوحي أوسع دائرة ، فإنّه كلّما حكم به الشرع حكم به العقل إن أدركه ، وإلاّ فإنّه يسكت ولا يخالفه ، فإنّ العقل لا يدرك فلسفة صلاة الصبح لماذا تكون ركعتين؟ فحينئذ لا يخالفه ، بل يسلّم أمره إلى الوحي ويذعن به ، باعتبار أنّه الصادق الأمين.

والثالثة : إذا شاهدنا تعارضاً بين العقل والسمع - أي النقل من آية قرآنية أو حديث نبوي - في الظاهر ، أي الاختلاف كان ظاهرياً وليس في الواقع ، فحينئذ إمّا أن نقول بطرحهما ، وهذا لا يصحّ كما هو واضح ، أو نقول بحكم أحدهما فيلزم ترجيح بلا مرجّح ، كما لا يمكن الأخذ بهما أو بظاهرهما معاً ، لاختلافهما وتعارضهما ، ولا يمكن الجمع بين المتناقضين ، فلا يبقى لنا إلاّ أن نأخذ بحكم العقل وهو الحجّة الباطنية ، ونؤوّل النقل ، أي نقول بتأويل الظاهر ، وبهذا أخذنا بالعقل والنقل ، وبالحجّتين سويةً.

وحينئذٍ ، لمّا ثبت أنّ اللّه ليس بجسم مطلقاً ، وأنّه الوجود المجرد المحض ، لا يحيطه الإنسان بعقله وتصوّره ، فما ينسب إليه من الجوارح في القرآن الكريم ،

ص: 436

أو الأحاديث الشريفة ، كأن يقال : ( يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) (1) ، ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ ) (2) ، وغير ذلك ، فإنّه لابدّ من تأويله ، ولا يحمل على ظاهره ، بأنّ لله يداً كما كان للإنسان ، فهذا من التجسيم الباطل ، والمستلزم للكفر والنجاسة ، بل يفسّر يد اللّه بقدرته ، فقدرة اللّه فوق قدرتهم ، ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) (3) ، أي استولى ، لا أنّه يجلس على العرش ، ويكون له أطيط كأطيط الرحل.

وكذلك باقي الأوصاف التي تدلّ بظاهرها على التجسيم ، فلابدّ من تأويلها ، وأنّها من الاستعمال المجازي والكنائي ، وبعد هذا نقول : لأسماء اللّه وصفاته مظاهر ، فإنّ القدرة الإلهيّة ، واليد الإلهيّة لابدّ أن تظهر ، فلها مظاهر في خلقه ، وأتمّ مظهر للقدرة هو خليفة اللّه في الأرض ، أي النبيّ والوصي عليهما السلام ، فيكون كلّ واحد منهما يد اللّه في الأرض المبسوطة بالرحمة على عباده.

ولمّا كان اللّه يرى ويسمع ، أي يعلم بالمرئيّات والمسموعات ، ويشهد ذلك ، فلابدّ أن يظهر هذا العلم على مخلوقاته ، وأتمّ المخلوقات الحامل لعلم اللّه هو الإنسان الكامل ، أي خليفته في الأرض ، يعني النبيّ والوصي عليهما السلام ، فيكون كلّ واحد منهما عين اللّه في خلقه ، وشاهداً عليهم ، ( وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) (4) ، ورؤية اللّه علمه ، وأذن بل أمر نبيّه أن يكون شاهداً على خلقه ، لأنّه هو الحجّة ، فإنّ اللّه يحتجّ به على خلقه ، ولازم الحجّية الشهود والحضور ، كما في البيّنة الظاهرية ، لابدّ أن تكون الشهادة محسوسة.

فالإمام حمّله اللّه الشهادة ، وإنّه يشهد على الخلق ، فلابدّ أن يعلم بما يفعله

ص: 437


1- الفتح : 10.
2- البقرة : 115.
3- الأعراف : 54.
4- التوبة : 105.

الخلق ، حتّى تتمّ الشهادة الحقّة ، وهذا لا يكون إلاّ أن يكون هو عين اللّه عليهم ، وكلّ شيء يهلك وينعدم إلاّ الشاهد ، فهو وجه اللّه الذي يتوجّه إليه الخلق ، فكلّ شيء هالك إلاّ وجهه ، والأئمّة المعصومون وكذلك الأنبياء عليهم السلام هم وجه اللّه ، وهذا ممّا يدلّ عليه حكم العقل وعند العقلاء ، كما يدلّ عليه النقل وما جاء في الروايات الشريفة.

( رقية - ... - ..... )

من هم الآل في آية التطهير :

س : ما هو الدليل على أنّ كلمة « آل » تعني علي وفاطمة وأبنائهم عليهم السلام؟ وجزاكم اللّه عن أوليائه خير الجزاء ، نسألكم الدعاء ، وفي أمان الباري.

ج : روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء » ، قالوا : وما الصلاة البتراء يا رسول اللّه؟ قال : « تقولون : اللّهم صلّ على محمّد وتسكتون ، بل قولوا : اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد »(1).

روى مسلم بسنده عن أبي مسعود الأنصاري قال : أتانا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ونحن في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا اللّه أن نصلّي عليك يا رسول اللّه ، فكيف نصلّي عليك؟ قال : فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حتّى تمنّينا أنّه لم يسأله.

ثمّ قال : « قولوا : اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على

ص: 438


1- مسند أحمد 3 / 47 و 4 / 241 ، سنن أبي ماجة 1 / 293 ، الجامع الكبير 1 / 301 ، سنن النسائيّ 3 / 47 ، المصنّف للصنعانيّ 2 / 212 ، مسند ابن الجعد : 40 ، المصنّف ابن أبي شيبة 2 / 390 ، السنن الكبرى للنسائيّ 1 / 382 ، و 6 / 18 ، صحيح ابن حبّان 5 / 287 و 295 ، المعجم الصغير 1 / 85 ، المعجم الأوسط 3 / 91 و 4 / 378 و 7 / 57 ، المعجم الكبير 17 / 250 و 19 / 124 و 155 ، كنز العمّال 2 / 275 ، جامع البيان 22 / 53 ، زاد المسير 6 / 214 ، الدرّ المنثور 5 / 215 ، فتح القدير 4 / 303 ، تاريخ بغداد 8 / 137 ، البداية والنهاية 1 / 198 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 10 ، و 12 / 434 ، ينابيع المودّة 1 / 141.

آل إبراهيم ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد ، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين ، إنّك حميد مجيد » (1).

وأمّا أنّ أهل البيت عليهم السلام هم الخمسة أصحاب الكساء ، فقد روى الحاكم بسنده عن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب ، عن أبيه أنّه قال : لمّا نظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى الرحمة هابطة قال : « ادعوا لي ادعوا لي » ، فقالت صفية : من يا رسول اللّه؟ قال : « أهل بيتي علياً وفاطمة والحسن والحسين » ، فجيء بهم ، فألقي عليهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله كساءه.

ثمّ رفع يديه ، ثمّ قال : « اللّهم هؤلاء آلي ، فصلّ على محمّد وآل محمّد » ، وأنزل اللّه عزّ وجلّ : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (2).

وقال الحاكم : « هذا حديث صحيح الإسناد » (3).

وممّا يدلّ على أنّ زوجاته لسن من أهل البيت :

أوّلاً : الروايات الواردة في شأن نزول آية التطهير صريحة في الحصر بهؤلاء ، وهي روايات بلغت حدّ التواتر في حصر أهل البيت بهؤلاء ، وإدخال غيرهم يحتاج إلى دليل.

ثانياً : الكثير من هذه الروايات لمّا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « اللّهم هؤلاء أهل بيتي ... » ، قالت أُمّ سلمة : فأنا معهم يا نبيّ اللّه؟ قال : « أنت على مكانك ، وأنت على خير » (4). .

ص: 439


1- صحيح مسلم 2 / 116.
2- الأحزاب : 33.
3- المستدرك على الصحيحين 3 / 148.
4- شواهد التنزيل 2 / 63 و 115 ، المستدرك 2 / 416 ، مسند أبي يعلى 12 / 456 ، المعجم الكبير 3 / 53 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 142 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 13 ، الدرّ المنثور 5 / 198 ، مسند أحمد 6 / 292 و 323.

وروى الحاكم : أنّ أُمّ سلمة قالت : يا رسول اللّه ما أنا من أهل البيت؟ قال : « إنّك إلى خير ، وهؤلاء أهل بيتي ، اللّهم أهل بيتي أحقّ » (1).

وفي رواية أُخرى قالت أُمّ سلمة : يا رسول اللّه ألستُ من أهل البيت؟ قال : « إنّك إلى خير ، إنّك إلى خير ، إنّك من أزواج النبيّ » (2).

وروى مسلم عن زيد بن أرقم ، عندما سئل : « مَن هم أهل بيته؟ نساؤه؟ قال : لا ، وأيم اللّه إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ، ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها ؛ أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده » (3).

وعن أبي سعيد الخدريّ قال : « أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، فعدّهم في يده ، فقال : خمسة : رسول اللّه وعلي وفاطمة والحسن والحسين » (4).

( هادي هادي - السعودية - .... )

منشأ ألقابهم :

س : أرغب بسرد موجز عن سبب تسمية الأئمّة عليهم السلام بألقاب الزكي والصادق والرضا ، فليكن لجميعهم.

ج : إنّنا اتبعنا في ذلك النصّ الوارد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ففي رواية جابر بن عبد اللّه الأنصاري - المروية في كتاب الغيبة - أنّه : « سمّاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ولقّبهم بهذه الألقاب » (5).

أمّا لماذا اختصّ هذا الإمام بهذا اللقب ، وذاك بذاك اللقب ، مع أنّهم جميعاً

ص: 440


1- المستدرك 2 / 416.
2- شواهد التنزيل 2 / 86 و 124 ، الدرّ المنثور 5 / 198 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 145.
3- صحيح مسلم 7 / 123.
4- مجمع الزوائد 9 / 165.
5- الغيبة للشيخ الطوسيّ : 143.

صادقون وباقرون وكاظمون و ..؟ فلعلّه ناظر إلى تلك الظروف التي كان يعيشها الإمام عليه السلام ، فمثلاً الإمام الباقر عليه السلام كان يعيش في ظرف فسح له المجال لانتشار علم الأئمّة ، فكأنّه أتى بجديد على الناس ، ولم يسمعوا به بهذا التفصيل من ذي قبل ، خاصّة من كثرة الوقائع وتوسّع المسائل ، فعرف بالباقر لبقره وشقّه للعلم ، وفتقه لمسائل العلم وتعمّقه فيها ، وكشفه عن خفاياها وكنوزها.

وهكذا الإمام الصادق عليه السلام ، فإنّه عاش في ظرف كثر فيه العلماء ، وانتشرت فيه العلوم ، ممّا أدّى إلى اختلاط كبير بين الروايات والفتاوى الصادرة من بعض علماء المدارس والمذاهب الأُخرى ، فاحتاجت الساحة العلمية إلى من يفرز الفكر الأصيل على مستوى الرواية عن غيرها ، فتصدّى الإمام الصادق عليه السلام لهذا الدور بشكل مركّز ، وباعتبار عظمة الثقة به ، ولقدرة تمييزه الصحيح من غيره عرف بالصادق.

إذاً لعلّ مثل هذه الظروف كان لها سهم كبير في ظهور هذه الصفة في هذا الإمام أكثر من ذلك ، وإلاّ من حيث المبدأ كلّهم متساوون في هذه الصفات.

( ياسر العسبول - البحرين - .... )

موالاتهم عامل مهم لدخول الجنّة :

س : هل كلّ من يوالي أهل البيت عليهم السلام يدخل الجنّة؟

ج : لا ريب أنّ موالاة أهل البيت عليهم السلام مع التبري من أعدائهم - أي الموالاة الحقيقيّة الدائرة بين النفي والإيجاب ك- « لا إله إلاّ اللّه » - عامل مهمّ بل هو عمدة ما في الباب للدخول إلى الجنّة ، بل يظهر من بعض النصوص حتمية ذاك ، وإن فعل كذا وكذا ، أو لم يفعل.

نعم ، لابدّ وأن يمرّ المؤمن بمرحلة تمحيص ، وقد يصل إلى دخول النار واللبث فيها ، وقد لا يكون قصيراً ، بل عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « من قال

ص: 441

لا إله إلاّ اللّه دخل الجنّة ، وإن زنى وإن سرق »(1) ، وهذا لاشكّ أنّه ليس على إطلاقه ، فكذا فيما يرجع إلى من تولاّهم عليهم السلام.

ونظير هذا ما جاء في كتاب التوحيد ، حيث علّق الشيخ الصدوق ( قدس سره ) بقوله : « يعني بذلك أنّه يوفّق للتوبة حتّى يدخل الجنّة »(2).

وقال العلاّمة المجلسيّ ( قدس سره ) : « وأمّا أصحاب الكبائر من الشيعة ، فلا استبعاد في عدم دخولهم النار ، وإن عذّبوا في البرزخ وفي القيامة ... وقد ورد في بعض الأخبار : أنّ ارتكاب بعض الكبائر ، وترك بعض الفرائض أيضاً داخلان في الشرك ، فلا ينبغي الاغترار بتلك الأخبار ، والاجتراء بها على المعاصي »(3).

ومع هذا ، فقد وردت روايات كثيرة جدّاً في الصفح عن الشيعة ، وشفاعة أئمّتهم عليهم السلام ، فراجع(4).

( أبو أحمد - السعودية - .... )

موقفهم من الحركات الثورية الشيعيّة :

س : بعد لثم أناملكم الشريفة ، أبعث لسماحتكم تساؤلاتي التالية ، آملاً أن أحظى بالإجابة الوافية :

1 - يزعم البعض : أنّ هناك روايات عن الأئمّة عليهم السلام تذكر : أنّ أيّ دولة تقوم قبل خروج الإمام الحجّة عليه السلام فهي دولة غير شرعية ، فما مدى صحّة هذه الروايات وثباتها وحجّيتها؟ وما المقصود منها إن صحّت؟

2 - هل كان الأئمّة الأطهار عليهم السلام يشجّعون الحركات الثورية الشيعيّة المتعدّدة ، التي حدثت في زمانهم؟ وما موقفهم عليهم السلام من حركة إبراهيم ومحمّد ذي النفس الزكية؟

ص: 442


1- صحيح البخاريّ 7 / 43.
2- التوحيد : 25 و 410.
3- بحار الأنوار 3 / 8.
4- المصدر السابق 65 / 98.

3 - ما الأسباب التي دعت الأئمّة عليهم السلام عدم انتهاج المقاومة المسلّحة؟ ونسألكم الدعاء.

ج : نجيب على أسئلتكم بالترتيب كما يلي :

1 - هناك أحاديث وردت في مجامعنا الحديثية تنهى وتستنكر الحركات والأنظمة السياسية قبل ظهور الحجّة عليه السلام ، ولكن يجب أن نلاحظ في المقام عدّة أُمور :

أ - إنّ هذه الروايات على طوائف من حيث السند ، ففيها المعتبر ، وفيها غيره ، وعليه فلابدّ من التأكّد في جانب السند حتّى يكون الحديث حجّة في المقام.

ب - إنّ النهي الوارد في بعض هذه النصوص هو نهي إرشادي لا مولوي ، أي إنّ الإمام عليه السلام كان يريد أن يذكر بأنّ الحركة والنهضة سوف لا تثمر ولن تصيب الهدف ، وإن كانت الغاية منها قد يستوجب التقدير والتأييد ، ولكن بما أنّها لن تستثمر ، ومن ثمّ تقع سلبياتها على الشيعة والأُمّة.

فإنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا ينهون عن التورّط في هذه الحركات ، وهذا ما حدث مع زيد بن علي عليه السلام ، فقد كان هو وهدفه ممدوحاً ومؤيّداً من جانب الأئمّة عليهم السلام ، ولكن بما أنّ الإمام عليه السلام كان لا يرى نتيجة مثمرة من نهضته فكان تارةً يصرّح ، وأُخرى يلوّح بما سيؤول إليه أمره.

وفي عبارة مختصرة : إنّ النهي الوارد في بعض هذه الروايات كان لمصلحة الاحتفاظ على كيان التشيّع عن الدخول في معركة غير متوازنة مع الحكم السائد.

وهذا يختلف جذرياً مع النهضة الحسينية ، إذ كان القائد لها وهو الإمام الحسين عليه السلام قد انتهج خطّاً ، واستعمل أسلوباً خاصّاً في حركته ، أدّت إلى بقاء وازدهار الفكر الشيعيّ إلى يومنا هذا.

ج - إنّ النهي الوارد في بعض هذه الأحاديث نهي مضاف لا مطلق ، أي إنّ

ص: 443

الإمام عليه السلام وبملاحظة المصالح كان قد ينهى عن التحرّك والخروج لبعض الأشخاص والجهات ، وهذا نظير نهي الإمام عليه السلام عن التوغّل في المباحث الكلامية لبعض أصحابه ، في حين كان يشجّع البعض الآخر لتصدّي هذا الأمر.

د - إنّ النهي الوارد في بعض هذه النصوص وإن كان مطلقاً ، ولكنّه قد قيّد وخصّص في فترات زمنية محدّدة ، فترى مثلاً أنّ بعض الروايات تؤيّد حركة اليماني - وهي من الحركات التي تسبق الظهور - وتحثّ الناس بالمشي إليه ، أو أنّ خروج الحسني أو الخراساني ، وذي النفس الزكية ، وحركاتهم مؤيّدة في الجملة.

أو أنّ دولة الأدارسة في المغرب - في أيّامها الأول - كانت على صلة قريبة من بعض الأئمّة عليهم السلام ، أو أنّ إمارة علي بن الإمام الباقر عليه السلام في مشهد أردهال - منطقة قريبة من قم وكاشان - كانت بتنصيص صريح من الإمام عليه السلام ، ونظائر أُخرى.

2 - إنّ الأئمّة عليهم السلام لو كانوا يرون مصلحة في تأييد بعض الجهات والحركات ، كانوا يدعمونهم باليد واللسان في حدود التقية ، ولكن بما أنّ أكثر التحرّكات لم تكن صالحة ومثمرة ، والبعض القليل منها وإن كانت على حقّ ، ولكن لم تعط النتائج المتوقّعة منها ، لم يبدوا اهتماماً جادّاً في هذا المجال.

ثمّ إنّ خروج إبراهيم ومحمّد ذي النفس الزكية يجب أن ينظر إليه من هذه الزاوية ، فالإمام عليه السلام وإن كان يعلم صدق نيّتهما ، ولكن بما أنّه كان يرى عدم الفائدة في ذلك المقطع من الزمن في التحرّك على الطاغية ، لعدم تهيّؤ الأرضية المناسبة لهذه الحركة ، لم يشجّعهما ، ولم يحثّ الشيعة بالالتحاق بهما.

3 - السبب الوحيد في هذا المجال هو عدم استجابة الخطّ العام في المجتمع

ص: 444

لفكرة الإمامة ، ويؤيّد هذا الموضوع عدم رضوخهم لحكومة أمير المؤمنين عليه السلام ، وانحيازهم إلى جانب معاوية في مجابهته للإمام الحسن عليه السلام ، وأخيراً استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ، وعدم وقوفهم معه في وجه يزيد بن معاوية.

كلّ هذا كان دليلاً واضحاً على أنّ عامّة الناس يفضّلون البقاء تحت إمرة الطواغيت ، ولا يستجيبون للحقّ إلاّ القليل منهم.

وفي هذه الظروف لا يمكن اتخاذ أسلوب الكفاح المسلّح ، لأنّه لا يثمر النتيجة المتوخّاة ، وتبقى الخسائر في الأرواح والأموال على أرض الصراع دون ثمرة.

( أمير - الإمارات - .... )

مبغضهم يدخل النار :

س : هل الذين يبغضون آل البيت مؤمنين ويدخلون الجنّة؟

ج : ورد في كتب الفريقين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال لعلي عليه السلام : « يا علي ، إنّك قسيم الجنّة والنار »(1).

فإذا كان علي عليه السلام هو قسيم الجنّة والنار ، كيف يدخل الجنّة من يبغضه؟ وهل يسمّى مؤمناً من يبغض علياً وآله عليهم السلام؟

وقد ورد في كتب الفريقين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال لعلي عليه السلام : « يا علي ، لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق »(2).

ص: 445


1- ينابيع المودّة 1 / 173 و 249 و 2 / 404 ، شرح نهج البلاغة 9 / 165 و 19 / 139 ، كنز العمّال 13 / 152 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 298 ، لسان العرب 12 / 479 ، تاج العروس 9 / 25 ، مناقب أمير المؤمنين : 107.
2- مسند أحمد 1 / 95 و 128 ، مجمع الزوائد 9 / 133 ، فتح الباري 1 / 60 و 7 / 58 ، شرح نهج البلاغة 13 / 251 ، تاريخ بغداد 8 / 416 و 14 / 426 ، أُسد الغابة 4 / 26 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 10.

ثمّ إنّ بغض علي عليه السلام هو في الواقع بغض لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، كما ورد في كتب الفريقين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « من أحبّني فليحب علياً ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض اللّه عزّ وجلّ ، ومن أبغض اللّه أدخله النار »(1).

إذاً ، مبغض علي وآله عليهم السلام ليس مؤمناً بل منافق ، وفي بعض الروايات كافر ، ومصيره النار لا الجنّة.

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

هم آل اللّه :

س : ما معنى أنّ أهل البيت عليهم السلام هم آل اللّه؟

ج : الأهل في اللغة أهل البيت ، والأصل فيه القرابة ، وقد أطلق على الأتباع(2) وأهل اللّه وآل اللّه كناية عن شدّة الحبّ لله والقرب منه ، حتّى أطلق عليهم أولياء اللّه ، وهم عليهم السلام حجّة اللّه في أرضه.

( علي شكر - بريطانيا - 18 سنة - طالب )

هم الراسخون في العلم :

س : من هم الراسخون في العلم في القرآن؟ هل هم أهل البيت عليهم السلام؟ وكيف يمكن إثبات ذلك؟

ص: 446


1- ذخائر العقبى : 65 ، المستدرك 3 / 130 ، مجمع الزوائد 9 / 132 ، المعجم الكبير 23 / 380 ، الجامع الصغير 2 / 554 ، كنز العمّال 11 / 601 و 622 ، فيض القدير 6 / 42 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 271 ، الجوهرة : 66 ، جواهر المطالب 1 / 63 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 293 ، ينابيع المودّة 2 / 155 و 363 و 395 و 458.
2- المصباح المنير : 28.

ج : إنّ معنى الرسوخ هو الثبات ، ومنه قولك : رسخ في ذهني رسوخاً ، أي ثبت الشيء في الذهن ، والراسخون في العلم أي الثابتون فيه والعارفون بواطنه.

والراسخون في العلم المشار إليهم في الآية الكريمة هم الراسخون في علم تأويل القرآن ، لأنّ سياق الآية يفهم منه أنّ الراسخين في العلم الذين يعرفون تأويل القرآن وبواطنه وغوامض متشابهه.

وإنّ الراسخين في العلم في الأُمّة المرحومة لا يكونون إلاّ أهل البيت عليهم السلام فقد ورد عن أئمّتنا عليهم السلام التصريح بأنّهم الراسخون في العلم ، والعارفون بمواطن الكتاب ومتشابهه ، فضلاً عن محكماته.

فعن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إنّ القرآن محكم ومتشابه ، فأمّا المحكم فنؤمن به ونعمل به وندين به ، وأمّا المتشابه فنؤمن به ولا نعمل به ، هو قول اللّه تعالى : ( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ) (1) ، والراسخون في العلم هم آل محمّد »(2).

عن الفضيل بن يسار عن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) نحن نعلمه(3).

وعن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « نحن الراسخون في العلم ، فنحن نعلم تأويله »(4).

إلى غير ذلك من الروايات الصحاح التي تؤكّد أنّ أهل البيت عليهم السلام هم الراسخون في العلم.

ص: 447


1- آل عمران : 7.
2- تفسير العيّاشي 1 / 163.
3- المصدر السابق 1 / 164.
4- نفس المصدر السابق.

( أسدي - بريطانيا - .... )

هم علّة الخلق :

س : سادتي الأفاضل كيف يمكننا الجمع بين ما يلي ، أرجو بيان الوجه العلمي والأُصولي لذلك : بين الآية الكريمة ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ )(1) ، وبعض مروياتنا التي تجعل العلّة الغائية أهل البيت عليهم السلام ، وهذا في واقعه يعارض الانحصار في الآية الشريفة.

أفيدونا جزاكم اللّه خيراً.

ج : لا تنافي بين الآية الكريمة وبين كونهم عليهم السلام العلّة الغائية ، إذ بالتدبّر سينحلّ ما أشكل عليك ، وذلك ببيان مختصر نقدّمه إليك :

إنّ الآية الكريمة تدلّ على أنّ الغاية من الخلق هو عبادة اللّه تعالى ، وعبادته تعالى هو معرفته ، ومعرفته لا تكون إلاّ عن طريق حججه وأوليائه ، وهم أهل البيت عليهم السلام.

فبواسطتهم يعرف العباد سبل تكليفهم ، وكيفية عبادتهم لله تعالى ، إذ هذه العبادة تكون توقيفية - أي موقوفة على اعتبار الشارع وأوامره - وهذه الأوامر والتوقيفات لا تعرف إلاّ بهم عليهم السلام ، فهم علّة غائية بالتبع للعلّة الغائية الأُولى ، وهي عبادة اللّه تعالى ، أي أنّ علّتهم الغائية متفرّعة من علّة الإيجاد ، وهي عبادة اللّه تعالى.

فهنا مقدّمتان كبرى وصغرى :

فالكبرى : هي أنّ علّة الإيجاد والخلق ، عبادة اللّه تعالى ، العبادة التي لا تكون إلاّ بالمعرفة.

والصغرى : هي أنّ المعرفة لا تكون إلاّ عن طريقهم عليهم السلام.

والنتيجة : هي أنّهم عليهم السلام علّة غائية للخلق ، بلحاظ تعريف العباد كيفية

ص: 448


1- الذاريات : 56.

عبادتهم لله تعالى ، ولعلّ الحديث القدسي يشير إلى هذا الجمع : « يا أحمد لولاك ما خلقت الأفلاك ، ولولا علي ما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما »(1).

فالتدبّر في الحديث ، يضيف لك وجوه الجمع المحتملة المشار إليها.

( محمّد بن أحمد العجمي - عمان )

إهداء ثواب قراءة القرآن لهم :

س : ما هو الحكم في إهداء سورة أو آية من القرآن الكريم إلى أرواح الأئمّة عليهم السلام؟ علماً بأنّهم غير محتاجين إلى الثواب من أحد إلاّ من اللّه عزّ وجلّ؟

ج : فبحسب بعض الروايات إنّهم عليهم السلام يردّون هذه الهدايا بأضعاف مضاعفة إلى مهديها ، فأثر هذه الهدايا ترجع بالمآل إلى أصحابها ؛ مضافاً إلى أنّه من باب التقدير والتكريم والتعظيم لهم ، ولما تحمّلوه في أعباء الإمامة ، وعلماً بأنّ نفس قراءة القرآن - بأيّ مناسبة كانت - لها التأثير الملحوظ في ضمير القارئ كما لا يخفى.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

مطهّرون قبل نزول آية التطهير :

س : نشكر لكم جهودكم في الإجابة على الأسئلة.

يقول اللّه تعالى : ( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ) (2).

يقول في الآية : ( وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) ألا تعني العصمة؟ كما

ص: 449


1- مجمع النورين : 187.
2- الأنفال : 11.

في قوله تعالى : ( لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1) ، ولم لا تكون دليلاً على أنّهم مطهّرون عن رجز الشيطان قبل نزول الآية ، بدليل قوله : ( عَنكُمُ ) ؟

ثمّ ألا تدلّ هذه الآية على فضيلة لجميع الصحابة؟ لأنّ اللّه تعالى طهّرهم كلّهم.

ج : إنّ آية ( وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) لا تدلّ على عصمة أصحاب بدر ، كما تدلّ آية التطهير على عصمة أهل البيت عليهم السلام ؛ لأنّ المراد من رجز الشيطان هو الجنابة التي أصابتهم ، بينما المراد من الرجس هو اجتناب المعاصي والذنوب ، والاجتناب دليل على العصمة.

كما أنّ الآية لا تدلّ على تطهيرهم قبل نزولها ، كما دلّت آية التطهير على تطهير أهل البيت عليهم السلام قبل نزولها ؛ لأنّ اللام في آية التطهير لام الجنس ، بينما اللام في آية ( وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) لام التعليل ، أي يطهّركم لأجل ما أصابكم من الجنابة.

قال في الكشّاف : « وذلك أنّ إبليس تمثّل لهم ، وكان المشركون قد سبقوهم إلى الماء ، ونزل المؤمنون في كثيب أعفر تسوخ فيه الأقدام على غير ماء ، وناموا فاحتلم أكثرهم.

فقال لهم : أنتم يا أصحاب محمّد! تزعمون أنّكم على الحقّ ، وإنّكم تصلّون على غير الوضوء وعلى الجنابة ، وقد عطشتم ، ولو كنتم على الحقّ ما سبق عليكم هؤلاء على الماء ، وما ينتظرون بكم إلاّ أن يجهدكم العطش ، فإذا قطع العطش أعناقكم مشوا إليكم ، فقتلوا من أحبّوا ، وساقوا بقيّتكم إلى مكّة ، فحزنوا حزناً شديداً وأشفقوا ، فأنزل اللّه مطراً ، فمطروا ليلاً حتّى جرى الوادي ، واتخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأصحابه الحياض على عدوة الوادي ، وسقوا الركاب ، واغتسلوا وتوضّؤا ، وتلبّد الرمل الذي كان بينهم وبين العدو

ص: 450


1- الأحزاب : 33.

حتّى ثبتت عليه الأقدام ، وزالت وسوسة الشيطان ، وطابت النفوس »(1).

ثمّ إنّ هذه الآية تدلّ على فضيلة لبعض الصحابة لا لجميعهم ، وهم الذين كانوا في بدر.

( حسين حبيب عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

معنى تطهيرهم أي عصمتهم :

س : سؤالي يدور حول آية التطهير ، فأبناء السنّة يقولون : إنّ الآية كانت عادية ، فلم ترفع أهل البيت إلى مستوى العصمة ، واستدلّوا بقوله : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) ، ويقولون : إنّ التطهير كان في هذه الآية للمؤمنين ، كما سبق في آية التطهير ، فما الفرق بين الآيتان.

ج : إنّ التطهير في قوله : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) (2) ، وكذا في قوله : ( مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ ) (3) ، يختلف عنه في قوله : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (4).

لأنّه هناك عامّ لجميع المسلمين ، والمقصود منه فيهما رفع الحدث ، سواء الوضوء كما في آية المائدة ، أو الجنابة كما في آية الأنفال.

أمّا آية التطهير ففيها خصوصيات كثيرة ، تجعلها لا تشابه أية آية أُخرى في ذكر التطهير ، منها :

ص: 451


1- زبدة البيان : 31.
2- الأنفال : 11.
3- المائدة : 6.
4- الأحزاب : 33.

1 - أداة الحصر ( إِنَّمَا ) فهي تدلّ على حصر الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير.

2 - كلمة ( عَنْكُمْ ) في الآية قُدّمت وهي تستحق التأخير ( ليذهب الرجس عنكم أهل البيت ) ، وفي ذلك دلالة على الحصر - كما ذكرنا في محله في أدوات الحصر - أي حصر إذهاب الرجس بأهل البيت.

ففي الآية في الحقيقة قصدان : قصد الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير ، وقصد إذهاب الرجس والتطهير في أهل البيت عليهم السلام.

3 - قوله : ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) يدلّ على العصمة ، لأنّ المراد بالتطهير المؤكّد بمصدر فعله ، هو إزالة أثر الرجس بإيراد ما يقابله بعد إذهاب أصله ، ومن المعلوم أنّ ما يقابل الاعتقاد الباطل هو الاعتقاد الحقّ ، فتطهيرهم هو تجهيزهم بإدراك الحقّ في الاعتقاد والعمل ، ويكون المراد بالإرادة أيضاً غير الإرادة التشريعية.

4 - اللام في كلمة ( الرِّجْس ) لام الجنس ، والمراد من الرجس كل ما يشين كما ذُكر في كتاب اللغة.

ففي الآيات الأُخرى من القرآن تتكلّم عن التطهير من النجاسات المادّية أو المعنوية ، كالغسل والوضوء ، أمّا في هذه الآية ، فالطهارة هنا أعمّ وأشمل من كلّ نجاسة وقذر ومعصية وشرك وعذاب ، فهي تتكلّم عن أعلى مراتب الطهارة لا مرتبة بسيطة من مراتب الطهارة ، كما في الآيات الأُخريات.

وبالتالي فآية التطهير تدلّ على الطهارة بأعلى درجاتها ، وهي ما نسمّيه بالعصمة ، وأمّا ما سواها من الآيات التي تذكر تطهير المؤمنين فلا ترتقي قطعاً لهذه الآية ولا تشابهها ، وإنّما تدلّ على طهارة مادّية أو معنوية ، كالوضوء والتيمم والغسل وما شابه.

وأدلّ دليل على مدّعانا ، ما رواه العامّة والخاصّة في الصحاح - كمسلم وغيره - من تطبيق النبيّ صلى اللّه عليه وآله لهذه الآية بدقّة عالية من جمع أهل البيت عليهم السلام المخصوصين

ص: 452

بالعصمة معه ، ووضعه الكساء عليهم ، وعدم إدخال أحد معهم ، حتّى أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة رفض إدخالها ، مع مكانتها وتقواها ، وبيّن اختصاص أهل البيت عليهم السلام بهذه الآية مع طلبها الشديد ، وأخذها الكساء ، فهي تخبرنا بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله جذب منها الكساء ، وقال لها : « ابق إلى مكانك إنّك إلى خير » ، وفي رواية : « أنت من أزواج النبيّ » ، مع ما يحمله النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله من خُلق عظيم ، وعدم ردّ طلب أيّ أحد ، ناهيك عن نسائه ، بل أعزّ واتقى نسائه في زمانها - أي بعد خديجة - ولكن الحقّ أحقّ أن يُتّبع.

ثمّ إخراج يده الشريفة من الكساء ورفعها إلى السماء ، ودعاء ربّ السماء بأنّ هؤلاء هم أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، فأين هذه الآية من تلك؟

( أحمد - الكويت - 20 سنة - طالب )

هم أصحاب الكساء للروايات وتغيير صيغة الضمائر :

س : تقبّل اللّه أعمالكم ، ووفّقكم اللّه لمرضاته ، في الحقيقة عندي استفسار بخصوص آية التطهير ، الروايات المتواترة تقول : إنّها نزلت في أصحاب الكساء ، والقرائن الداخلية في الآية الكريمة تفيد أيضاً ، إلاّ أنّني أُريد الإجابة على الإشكال الذي يطرحه البعض ، وهو في النظر إلى هذه الآية الكريمة ( أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ) (1) بحيث إذا كان الرجل وزوجته يطلق عليهما أهل البيت ، إذاً آية التطهير وهي : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (2).

ص: 453


1- هود : 73.
2- الأحزاب : 33.

وقد تغيّرت الصيغة الخطابية من التأنيث إلى التذكير ، لأنّ الرسول وأزواجه داخلين في الآية الكريمة ، إذ هم أهل البيت ، رجاءً الإجابة على هذه النقطة بالذات ، وشكراً وبارك اللّه بكم.

ج : حينما ندّعي اختصاص عنوان أهل البيت بخصوص أصحاب الكساء دون أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فتارة ندّعي ذلك من منطلق اختصاص نفس العنوان المذكور بغير الأزواج ، أي يُدعى أنّ هذا العنوان لا يطلق في لغة العرب أو المصطلح القرآني على الأزواج ، فالزوج ليس من أهل بيت الرجل ، إنّه بناء على أن تكون الدعوى هكذا ، يرد الإشكال الذي أشرتم إليه ، حيث إنّ القرآن الكريم استعمل كلمة أهل البيت في حقّ الأزواج ، هذا تارة.

وتارة أُخرى ندّعي عدم شمول العنوان المذكور للأزواج ، لا من جهة أنّه في اللغة أو في المصطلح القرآني كذلك ، بل من جهة أنّ الروايات الكثيرة من طرق الشيعة والعامّة قد فسّرت عنوان أهل البيت في خصوص هذا المورد بالذات ، بخصوص أصحاب الكساء الخمسة ، وخصوصاً مع تغيير صيغة الضمائر في الآيات فلا يرد الإشكال الذي أشرتم إليه كما هو واضح.

( كرّار أحمد المصطفى - الكويت - 19 سنة - طالب جامعة ومبلّغ دين ) لأمّهات الأئمّة شأن خاصّ :

س : هل كانت جميع زوجات الأئمّة على مستوى عال من التقوى؟ لا أعني أُمّ الفضل التي سمّت الجواد عليه السلام ، إنّما أُمّهات الأئمّة ، ودمتم موفّقين لخدمة محمّد وآل محمّد عليهم السلام.

ج : إنّ لأُمّهات الأئمّة عليهم السلام شأناً خاصّاً ، لأنّ الإمام عليه السلام في وجوده التكويني يمتاز بمواصفات خاصّة يحتاج إلى ظرف ممتاز عن غيره.

وهذا يعني أنّهن وصلن إلى مستويات عالية من الالتزام بالدين والعقيدة ، والورع عن الشبهات والمحرّمات ، لتتهيّأ أرضية ممتازة وفريدة لظهور ونشوء وجود الإمام عليه السلام.

ص: 454

( علي - فرنسا - سنّي - 28 سنة - طالب )

نعتقد بعصمتهم وعلمهم للغيب :

س : نحن السنّة أحقّ منكم بأهل البيت واللّه يشهد ، نحبّ جميع الصحابة ونترحّم عليهم ، علي وبنيه في قلوبنا نحبّهم ونتولاّهم ، لكن لا نقول إنّهم معصومون ، لا عصمة إلاّ لنبيّ ، ولا نقول إنّهم يعلمون الغيب ( لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللّهُ ) ، يهديكم اللّه ، ويصلح بالكم.

ج : إدعاء محبّة أهل البيت عليهم السلام سهل جدّاً ، ولكن المهمّ هو العمل.

وقولك : لكن لا نقول إنّهم معصومون ، لا عصمة إلاّ لنبيّ ، ولا نقول إنّهم يعلمون الغيب ( لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللّهُ ) (1).

فنقول : أمّا العصمة فنحن نقول بها عن دليل وبرهان ومبنى وفهم يختلف عن مبناكم وفهمكم للعصمة ، وقولكم : لا عصمة إلاّ لنبيّ لا دليل عليه ، بل هو مخالف لقوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (2).

وكذلك لديكم أنّ الملائكة معصومون عن الخطأ والمعصية ، وليس من المحال أن يُعصَمَ أناس عاديون ليسوا بأنبياء بل أولياء ، وأوتاد الأرض والدعاة إلى اللّه المخلصين ، فذلك غير محصور قطعاً بالأنبياء عليهم السلام.

ومسألة علم الغيب فلا أدري يا أخي هل قرأت ما في مسلم وغيره عن حذيفة : « أخبرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ، فما منه شيء إلاّ قد سألته ، إلاّ إنّي لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة »(3).

وفي رواية أُخرى لمسلم عن حذيفة قال : « قام فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مقاماً ما

ص: 455


1- النمل : 65.
2- الأحزاب : 33.
3- صحيح مسلم 8 / 173 ، المستدرك 4 / 426 ، مسند أبي داود : 58 ، مسند أحمد 5 / 386.

ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلاّ حدّث به ، حفظه من حفظه ، ونسيه من نسيه ، قد علمه أصحابي هؤلاء ، وإنّه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه ، فأذكره ، كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ، ثمّ إذا رآه عرفه »(1).

فمثل هذه العلوم الغيبية هي التي ندّعيها للأئمّة عليهم السلام ، لأنّهم تعلّموا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وهم أهل بيته وأدرى من غيرهم بما فيه ، وإن أبيت اختصاصهم فاجعلهم ممّن سمع تلك الخطبة من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وحفظها ، فهل هذا مستحيل؟ أم مخالف للكتاب والسنّة؟!

( .... - 23 سنة - طالب جامعة )

جواري الأئمّة لم يمسّهن أحد غير الإمام :

س : الإخوة الكرام في مركز الأبحاث العقائدية ، دمتم موفّقين.

ممّا لاشكّ فيه : أنّ بعض النواصب في الإنترنت يقومون بالتشهير بنا ، وسبّنا بأقذع الألفاظ ، ونحتسب ذلك عند اللّه تعالى ، ولكن قد وصل الأمر إلى البعض أنّهم يأتون بأحاديث من كتبنا ، تدلّ على أنّ أُمّهات أئمّتنا الأطهار عليهم السلام من الجواري ، ثمّ يستدلّون أنّ الجارية حسب مذهبنا يجوز استعارة فرجها.

فلم يكفيهم الظلم؟ والآن يسبّون الشرف الطاهر ، ويشكّكون بالشجرة المباركة.

راجياً منكم بيان هذا الأمر ، وما ذكر في كتبنا من أحاديث وما صحّتها؟ والدفاع عن حياض أهل البيت عليهم السلام في أقرب وقت ممكن ، ودمتم موفّقين ، تحرسكم رعاية الباري تعالى.

ج : نقول : وإن كانت بعض زوجات الأئمّة جواري ، إلاّ أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا يعتقونهن ، ثمّ يتزوّجوهن بالعقد الدائم ، فمثلاً أُمّ الإمام زين العابدين عليه السلام - هي

ص: 456


1- صحيح مسلم 8 / 172.

شاه زنان - أعتقها أمير المؤمنين عليه السلام وزوّجها للحسين عليه السلام (1).

وكذلك أُمّ الإمام المهديّ عليه السلام ، تزوّجها الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام بعد أن كانت جارية ، فعن الإمام الهادي عليه السلام قال : « يا كافور : ادع لي أختي حكيمة » ، فلمّا دخلت عليه قال عليه السلام لها : « ها هي » - يعني نرجس - فاعتنقتها طويلاً ، وسرّت بها كثيراً ، فقال لها مولانا : « يا بنت رسول اللّه أخرجيها إلى منزلك ، وعلّميها الفرائض والسنن ، فإنّها زوجة أبي محمّد وأُمّ القائم » (2) ، هذا أوّلاً.

ثانياً : جواري الأئمّة عليهم السلام لم ينكحهن أحد غير الإمام عليه السلام ، فهذه حميدة المصفّاة - أُمّ الإمام الكاظم عليه السلام - اشتراها الإمام الباقر عليه السلام وكانت بكراً ، ولم تنكح غير الإمام عليه السلام.

ففي دلائل الإمامة بعد سؤال الإمام لها عن حالها ، هل هي بكر أو ثيّب؟ فعرّفته أنّها بكر ، فقال لها : « أنّى يكون ذلك ، وأنت جارية كبيرة »؟

فقالت : كان مولاي إذا أراد أن يقرب منّي أتاه رجل في صورة حسنة ، فيمنعه أن يصل إليّ ، فدفعها أبو جعفر عليه السلام إلى أبي عبد اللّه عليه السلام.

وقال : « حميدة سيّدة الإماء ، مصفّاة من الأرجاس كسبيكة الذهب ، ما زالت الأملاك تحرسها ، حتّى أديت إلى كرامة اللّه عزّ وجلّ » (3).

وكذلك الحال مع أُمّ الإمام الرضا عليه السلام ، فإنّها لما اشترتها حميدة أُمّ الإمام الكاظم عليه السلام كانت بكراً ، وهبتها إلى الإمام الكاظم عليه السلام (4).

فالنتيجة : إنّ أُمّهات الأئمّة من الجواري - لو فرضنا عدم عتقهن - لم ينكحهن أحد غير الإمام عليه السلام. .

ص: 457


1- دلائل الإمامة : 196.
2- كمال الدين وتمام النعمة : 423 ، روضة الواعظين : 255 ، دلائل الإمامة : 496.
3- دلائل الإمامة : 308.
4- عيون أخبار الرضا 2 / 26.

ثالثاً : بالنسبة إلى ما يتّهموننا زوراً وتلفيقاً ، وبخصوص المسألة الفقهية الخاصّة بنكاح الإماء ، فإنّك تجد جوابنا عليها على صفحتنا تحت العنوان التالي : الأسئلة العقائدية / استعارة الفروج.

وأنت بعد أن تطالع ما كتبنا هناك ترى أنه لا ربط بين المسألتين ، فهذه مسألة فقهية في جواز أن يهب المالك أمته لمن يشاء بمقتضى ملكه ، فإن من البديهيّ جواز وطئ الأمة بالملك لا بالعقد.

وتلك مسألة في موضوع خارجي ، من أنّ الإمام الفلانيّ كانت أُمّه الجارية الفلانية ، ولا دليل خارجيّ قطعاً على حدوث انتقال لهن من يد إلى يد ، بل الدليل على عكسه ، كما علمت أوّلاً وثانياً.

وأمّا ما حاولوا الطعن فيه فهو كذب موضوع ، مع أنّ كلا المسألتين يشاركنا فيها غيرنا من المسلمين.

وأمّا ما حاولوا الطعن به فهو كذب مفضوح ، مبنيّ على مغالطة يحاولون تمريرها على الجهّال!

ففي المسألة الفقهية قد عرفت من جوابنا أنّها تعمّ المسلمين ، وفي مسألة النسب الخارجية فهي أظهر ، إذ كثير من أبناء المسلمين أبناء جواري ، بل بعض الخلفاء كذلك ، كالمأمون وغيره.

والربط بين المسألتين لغرض خبيث مثل قولك : إنّ المشركين كانوا يجيزون الاشتراك في الزوجة ، إذاً فإنّ آباء الصحابة غير معروفين بالتحديد ، بل كلّ واحد اشترك فيه عدّة رجال ، أعوذ باللّه.

أو كقولك : إنّ بعض نساء قريش كن يتخذن أماكن للعهر وينصبن الرايات ، فإذاً كلّ رجال قريش - حتّى من أسلم وبعضهم من الصحابة - أولاد بغايا أعوذ باللّه.

أو كقولك : إنّ المسلمين يجيزون زواج المرأة بعد طلاق زوجها أو موته ، فإذاً كلّ أبناء المسلمين مختلطو النسب ، وهكذا.

ص: 458

وهو واضح بديهي البطلان ، إذ لا ملازمة هناك ، فإنّ القياس هنا باطل ، لأنّ الحدّ الوسط مختلف في المقدّمتين ، ففي إحداهما جزئي ، وفي الأُخرى كلّي ، وهو بديهي البطلان ، ومغالطة لتعميم قضية جزئية لأخذ نتيجة كلّية.

هذا مع ما فيها من الكذب في أصل المسألة الفقهية ، كما أوضحنا آنفاً ، فالمغالطة من جهتين ، الأُولى : في اتهام الشيعة بمسألة لا وجود لها عندهم ، واستخدام مسألة فقهية كإطار لهذا الكذب ، والثانية : نفس المغالطة في إيهام الملازمة بين المسألة المدعاة وبين الوقوع الخارجي.

( مؤيّد الشمّري - العراق - 26 سنة - بكالوريوس الهندسة الكهربائية )

هم أفضل أم القرآن؟

س : ندعو لكم بالتسديد الموفّق ، ونرجو الإجابة عن السؤال التالي :

أيّهما أفضل : العترة المطهّرة عليهم السلام أم القرآن الكريم؟ هل يمكن إثبات ذلك بالأدلّة العقليّة والنقليّة؟ نسأل اللّه أن تشملنا وإيّاكم شفاعة محمّد وآل محمّد.

ج : لقد سؤل سماحة آية اللّه العظمى الشيخ جواد التبريزي قدّس سرُّه قريباً من هذا السؤال كما في صراط النجاة ج2 ص 566 السؤال 1753. وإليك السؤال وجواب سماحة الشيخ :

السائل : هناك رأي يقول إن أهل البيت « سلام اللّه عليهم » أفضل عند اللّه من القرآن الكريم فما هو تعليقكم؟

التبريزيّ : القرآن يطلق على أمرين : الأول : النسخة المطبوعة أو المخطوطة الموجودة بأيدي الناس ، الثاني : ما نزل على النبيّ صلى اللّه عليه وآله بواسطة جبرائيل عليه السلام والذي تحكي عنه هذه النسخ المطبوعة أو المخطوطة ، وهو الذي ضحّى الأئمّة عليهم السلام بأنفسهم لأجل بقائه والعمل به ، وهو الثقل الأكبر ، ويبقى ولو ببقاء بعض نسخه. وأهل البيت عليهم السلام الثقل الأصغر.

ص: 459

وأمّا القرآن بالمعنى الأول - الذي يطلق على كل نسخة - فلا يقاس منزلته بأهل البيت عليهم السلام بل الإمام قرآن ناطق ، وذاك قرآن صامت ، وعند دوران الأمر بين أن يُحفظ الإمام عليه السلام أو يُحتفّظ على بعض النسخ المطبوعة أو المخطوطة ، فلابدّ من إتباع الإمام عليه السلام كما وقع ذلك في قضية صفين ، واللّه العالم.

( عدي العباسيّ - الكويت - 22 سنة )

أدلّة على بطلان شمول آية التطهير لأزواج النبيّ :

س : أخواني أنا بعثت لكم سؤال في مسألة آية التطهير ، ولم ألق جواباً ، والسؤال هذا : ذكر ميم الجمع بدل نون النسوة ، لأنّ النساء دخل معهن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهو رأس أهل بيته صلى اللّه عليه وآله ، فما هي الإجابة على هذه الشبهة التي تريد أن تخرج أهل بيت الخمسة من الآية؟ وشكراً.

ج : للإجابة على ما ذكرته نقدّم نقاط :

1 - ذُكرت عدّة آراء في المراد من أهل البيت في هذه الآية ، نذكر المهمّ منها ، فبعضها شاذّة ، أو لم يقل به قائل محدّد :

أ - إنّها نزلت خاصّة بأهل البيت عليهم السلام الخمسة أصحاب الكساء.

ب - إنّها نزلت في الخمسة أهل الكساء ، وأزواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

ج - إنّها نزلت في نساء النبيّ خاصّة.

2 - إنّ القول الثالث قال به عكرمة ومقاتل وعروة بن الزبير ، ونقل عن ابن عباس ، وهو قول شاذّ لم يأخذ به إلاّ المتعصّب ضدّ أهل البيت عليهم السلام ، ومع أنّه مردود لأنّ عكرمة ومقاتل لا يأخذ بقولهما ، إذ كانا كذّابين مطعون بدينهما ، وعروة كان يناصب أمير المؤمنين عليه السلام أشدّ العداء ، وعدّه بعضهم ممّن يضعون الأخبار في علي عليه السلام ، وما عن ابن عباس فضعيف ، لأنّ فيه مجاهيل ، مع أنّ له معارضاً من قول ابن عباس نفسه.

وقد استدلّ الرادّون له وللقول الثاني ، بأدلّة كثيرة على بطلانهما :

ص: 460

منها : الروايات الصحيحة الكثيرة الواردة على أنّهم خصوص أصحاب الكساء ، حيث جلّلهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله به حصراً.

ومنها : إنّ الأهل والآل تدلّ على النسب دون السبب.

ومنها : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله جاء بأهل بيته للمباهلة ، وقد كانوا هؤلاء الخمسة حصراً.

ومنها : إنّ الآية تفيد الحصر لإرادة اللّه بإذهاب الرجس عن جماعة مخصوصين ، ولم يدّع أحد العصمة لغير هؤلاء.

ومنها : إنّ الأزواج لم يدعين دخولهن فيها ، بل صرّحن في روايات عديدة بعدم دخولهن.

ومنها : الردّ على وحدة السياق بعدّة وجوه كثيرة ، كدلالة تغيير الضمير ، وأنّ ما قبل الآية فيه تهديد ووعيد ، ولا يناسب ذلك إذهاب الرجس ، وإنّ اختلاف المخاطب لا يقدح بورود السياق ، وقد ورد كثيراً في القرآن ، وإنّ الالتزام بوحدة السياق اجتهاد مقابل النصّ الوارد في الروايات الصحيحة ، وعدم الالتزام بالسياق إذا جاءت قرينة على خلافه ، وعدم التسليم بالسياق والترتيب الموجود ، وأنّه هو المنزل ، بل إنّ الروايات تدلّ على أنّ الآية نزلت منفردة ، وغيرها.

3 - المهمّ إنّ الذين اختاروا اختصاصها بالنساء احتجّوا بالسياق ، وقد عرفت الردّ عليه ، ولكن عندما جوبهوا باختلاف الضمير من المؤنث إلى المذكّر ، حاولوا التملّص بما ذكرت من قولهم بدخول النبيّ صلى اللّه عليه وآله معهن ، ولكنّك عرفت أنّ أصل القول مردود ضعيف شاذّ ، وهو الاختصاص بالنساء ، فما تفرّع عليه واشتقّ منه يكون أضعف ، إذ مع سقوط الأصل فلا مجال للفرع.

مع أنّ أكثر من حاول صرفها عن أهل البيت عليهم السلام خاصة وجعل الآية واردة في نساء النبيّ ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وذلك لنفس السبب ، وهو تذكير الضمير ، فراجع أقوالهم ، كابن كثير ، وابن روزبهان ،

ص: 461

بل وابن تيمية ، ولم يستفد أحد منهم أنّ تذكير الضمير كان بسبب دخول النبيّ صلى اللّه عليه وآله مع النساء فقط.

وبعبارة أُخرى : إنّ سبب قولهم بأنّ تذكير الضمير كان لدخول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقط ، هو التزامهم السابق بأنّ الآية نزلت في نساء النبيّ فقط بمقتضى السياق ، وكان قولهم تخلّص وتملّص من ورود الإشكال عليهم ، إذ ليس لهم مخرج من الإشكال ، سوى هذا الادعاء ، ولم يستندوا فيه إلى حديث ، أو قول لغويّ ، أو دليل عقليّ ، فإذا لم نلتزم بالقول بأنّ الآية نازلة في نساء النبيّ فقط ، ورددناه فما هو الملزم والملجئ لنا لتعليل تذكير الضمير بدخول النبيّ وحده فقط معهن؟

ثمّ إنّهم لم يبيّنوا لنا لماذا أدخل اللّه النبيّ صلى اللّه عليه وآله هنا في هذه الآية بالخصوص ، ولم يدخله في الآيات الأُخر ، التي جاء فيها الضمير مؤنّث ، فإنّ قالوا أدخله فقد كذبوا ، لما فيها من ظاهر الضمير ، وظاهر التهديد والوعيد ، المبرأ عنه الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وإذا قالوا لم يدخله في الآيات الأُخر وأدخله في هذه الآية فقط فلماذا؟ بعد أن حصرتم النزول في النساء فقط.

4 - فإذا قالوا : أدخله في هذه الآية فقط ، لما فيها من ميزة من نفي الرجس وإثبات التطهير والمدح.

قلنا : إذاً أقررتم بأنّ هذه الآية لا تختصّ بالنساء فقط ، وإنّما دخل معهن غيرهن ، بمقتضى تذكير الضمير ، وأنّ الاعتماد على وحدة السياق كان غير تامّ.

فإذا كنّا نحن والآية فقط ، نضيف : أنّ تذكير الضمير لوحده لا يدلّ على تشخيص الداخل من هو؟ أو أنّه شخص واحد أو أكثر ، فما هو دليلكم على دخول النبيّ صلى اللّه عليه وآله فقط ، فلعلّ معه غيره.

وليس لكم نفي دخول غيره إلاّ القول باختصاص الآية بالنساء ، وهذا عود من البدء ، وهو دور صريح.

ص: 462

فلا يبقى إلاّ الاعتماد على قرينة من داخل الآية ، وهو المعنى المراد من أهل البيت عليهم السلام ، وفي هذا عودة إلى الآراء المختلفة التي ذكرناها أوّلاً ، ومنها مدّعاكم ، وقد رددناه بما لا مزيد عليه ، بل إنّ القرينة في الآية تخرج النساء أصلاً ، لأنّ نفي الرجس واثبات التطهير ينافي ما خوطب به النساء من التهديد والوعيد ، واحتمال صدور المعصية منهن ، أو قرينة من خارج الآية من سنّة أو لغة ، وهي معنا كما عرفت سابقاً.

( محمّد علي معلى - سورية - 38 سنة - طالب متوسطة )

قبولهم توبة الغالي :

س : ورد عن أحد الأئمّة الأطهار عليهم السلام : أنّه بنا يلحق القالي وإلينا يرجع الغالي ، وتوجد تتمّة للحديث ، أنّه لا يقبل اللّه رجوع الغالي ولا لحوق القالي ، أفيدونا رحمكم اللّه.

ج : إنّ جميع الروايات التي وردت تنصّ على أنّهم عليهم السلام إليهم يرجع الغالي ، وبهم يلحق التالي بالتاء ، وليس هناك في تلك الروايات أية إشارة إلى عدم قبولهم رجوع الغالي ، أو لحوق التالي ، ما عدا رواية واحدة وردت في أمالي الشيخ الطوسيّ ( قدس سره ) ، تشير إلى عدم قبول رجوع الغالي فقط.

قال الإمام الصادق عليه السلام : « إلينا يرجع الغالي فلا نقبله ، وبنا يلحق المقصّر فنقبله » ، وقد علّل الإمام عليه السلام ذلك بقوله : « لأنّ الغالي قد اعتاد ترك الصلاة والزكاة ، والصيام والحجّ ، فلا يقدر على ترك عادته ، وعلى الرجوع إلى طاعة اللّه عزّ وجلّ أبداً ، وأنّ المقصّر إذا عرف عمل وأطاع » (1).

ومعنى كلام الإمام عليه السلام : إنّ الغالي إذا أراد أن يرجع ويتوب فإنّنا نقبل توبته ، لكن عليه أن يرجع إلى أداء الصلاة ، ودفع الزكاة ، والإتيان بالحجّ ، وصيام

ص: 463


1- الأمالي للشيخ الطوسيّ : 650.

شهر رمضان ، وإذا لم يقدر على ذلك - لأنّه اعتاد على خلافها - فإنّا لا نقبله ، لأنّه لم يحقّق شروط التوبة ، فعدم قبولهم عليهم السلام لرجوع الغالي ، لأنّه لا يقدر على تحقيق شروط التوبة ، وهذا بخلاف المقصّر ، فإنّ تركه لبعض الأعمال لعدم معرفته بها ، وإذا عرف فإنّه يعمل ويطيع.

( هاشم. الكويت - 20 سنة - طالب جامعة )

اختصاص بعض الآيات بهم :

س : وفّقكم اللّه وأطال في عمركم في خدمة أهل البيت عليهم السلام.

هناك آيات قرآنية عديدة فسّرها الأئمّة عليهم السلام بهم ، كأن يقولوا مثلاً : فينا نزلت ، أو في أمير المؤمنين من هذه الآيات ، قوله تعالى : ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) ، وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) ، وقوله تعالى : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، وقوله تعالى : ( وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) .

فهل نستفيد من هذه الروايات اختصاص هذه الآيات وغيرها بهم؟ أم في كونهم مصداق أعلى لهذه الآيات ، ولكنّها تشمل غيرهم أيضاً؟ وما هو الدليل؟ وفّقكم اللّه بحقّ محمّد وآل محمّد.

ج : إذا أخذ قوله تعالى : ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ ... ) (1) نفسه مع قطع النظر عن المورد ، ومن شأن القرآن ذلك - ومن المعلوم أنّ المورد لا يخصصّ بنفسه - كان القول عامّاً ، من حيث السائل والمسؤول عنه ، والمسؤول منه ظاهراً ، فالسائل كلّ من يمكن أن يجهل شيئاً من المعارف الحقيقيّة والمسائل من المكلّفين ، والمسؤول عنه جميع المعارف والمسائل التي يمكن أن يجهله جاهل.

وأمّا المسؤول منه ، فإنّه وإن كان بحسب المفهوم عامّاً ، فهو بحسب المصداق خاصّ ، وهم أهل البيت عليهم السلام ، وذلك أنّ المراد بالذكر إن كان هو

ص: 464


1- النحل : 43.

النبيّ صلى اللّه عليه وآله كما في آية الطلاق فهم أهل الذكر ، وإن كان هو القرآن كما في آية الزخرف فهو ذكر للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ولقومه ، فأهل البيت خاصة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وقد قارنهم صلى اللّه عليه وآله بالقرآن ، وأمر الناس بالتمسّك بهم في حديث الثقلين المتواتر(1).

وقد وردت من الأحاديث عنهم عليهم السلام توضّح أنّهم هم أهل الذكر ، وهم قومه ، وهم المسؤولون ، فعن الإمام الباقر عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْر ... ) ، قال : « قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : الذكر أنا ، والأئمّة أهل الذكر »(2).

وقوله عزّ وجلّ : ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ) (3) ، قال الإمام الباقر عليه السلام : « نحن قومه ، ونحن المسؤولون »(4).

وأمّا قوله تعالى : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ... ) (5) ، فالمراد بأُولي الأمر هم الأئمّة من آل محمّد عليهم السلام ، لأنّ اللّه أوجب طاعتهم بالإطلاق ، كما أوجب طاعته وطاعة رسوله ، ولا يجوز أن يوجب اللّه طاعة أحد على الإطلاق إلاّ من ثبتت عصمته ، وعلم أنّ باطنه كظاهره ، وأمن من الغلط ، وليس ذلك بحاصل للأمراء والعلماء ، كما قيل : جلّ اللّه أن يأمر بطاعة من يعصيه ، أو بالانقياد للمختلفين في القول والعمل ، لأنّه محال أن يطاع المختلفون ، كما أنّه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه(6).

أمّا قوله تعالى : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (7) ، فالآية تدلّ على أنّ الأرض لا تخلو من هاد يهدي الناس إلى الحقّ ، إمّا نبيّ منذر ، وإمّا غيره ، يهدي بأمر اللّه ،

ص: 465


1- أُنظر : الميزان في تفسير القرآن 12 / 284.
2- الكافي 1 / 210.
3- الزخرف : 43.
4- الكافي 1 / 210.
5- النساء : 59.
6- أُنظر : مجمع البيان 3 / 114.
7- الرعد : 7.

وقد وردت روايات تشير إلى أنّ المنذر هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والهادي هو علي عليه السلام ، ومعنى ذلك أنّ مصداق المنذر هو النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ومصداق الهادي هو علي عليه السلام أو الإمام (1).

وأمّا قوله تعالى : ( وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) (2) ، فالمراد من مفهوم الصادقين كما وضّحه القرآن في سورة الحشر الآية الثامنة ، بأنّهم المؤمنون المحرومون ، الذين استقاموا وثبتوا رغم كلّ المشاكل ، وأخرجوا من ديارهم وأموالهم ، ولم يكن لهم هدف وغاية سوى رضى اللّه ، ونصرة رسوله صلى اللّه عليه وآله ، وهذا المفهوم واسع.

إلاّ أنّ المستفاد من الروايات الكثيرة : أنّ المراد من هذا المفهوم هنا هم المعصومون فقط ، ففي رواية : أنّ سلمان سأل عن تلك الآية فقال : يا رسول اللّه عامّة هذه الآية أم خاصّة؟ فقال : « أمّا المأمورون فعامّة المؤمنين أُمروا بذلك ، وأمّا الصادقون فخاصّة لأخي علي والأوصياء من بعده إلى يوم القيامة » (3).

( تركي عبد اللّه سعيد - السعودية - سنّي - 23 سنة - بكالوريوس )

لا تعارض في أفعالهم ومواقفهم :

س : سؤالي هو إلى العلماء المحترمين : علي اتّقى ظلم أبي بكر وعمر وعثمان على حسب كلامكم ، ولكنّه تقاتل مع معاوية ، والحسن رجع واتّقى معاوية ، والحسين لم يرض بحكم يزيد؟

أنا كمسلم عادي ، ومأمور باتباع أهل البيت ، وهم حجّة عليّ ، كيف أفهم مواقفهم بحيث لا يكون فيها تعارض ، لأنّ في ظاهرها تعارض كامل؟

ج : لا يوجد تعارض في أفعال أهل البيت عليهم السلام ، لما ثبت عندنا من عصمتهم

ص: 466


1- أُنظر : الميزان في تفسير القرآن 11 / 327.
2- التوبة : 119.
3- كمال الدين وتمام النعمة : 278.

وتكامل علمهم ، ولكن فهم مواقف أهل البيت عليهم السلام يحتاج إلى اطلاع شامل ، وموضوعيّ للمرحلة التي عاشها كلّ إمام منهم.

فالظرف الذي قاتل فيه أمير المؤمنين عليه السلام معاوية يختلف عن الظرف الذي صالح فيه الإمام الحسن عليه السلام معاوية ، وكذلك محاربة الحسين عليه السلام ليزيد واتباعه ، فللظروف دخلها الكبير في هذه المواقف ، وهذا يحتاج إلى مراجعة كتب العلماء والمحقّقين الذين تناولوا تلك الفترات.

أمّا الموقف الشرعيّ لأهل البيت عليهم السلام تجاه هؤلاء الأشخاص الذين حاربوهم أو صالحوهم فهو واحد لا يتغيّر ، وقد نطق بمضمونه النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حديثه : « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية »(1).

وقد علمنا وقف هذا السياق أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قاتل المشركين ، ثمّ صالحهم ، ثمّ دخل عليهم شاهراً سيفه في فتحه لمكّة ، ولا يعني هذا أنّ هناك تناقضاً في أفعال النبيّ صلى اللّه عليه وآله - حاشاه - إنّما لكلّ ظرف خصوصياته ودوافعه.

( نوفل - المغرب - 26 سنة )

الكتب التاريخية المؤلّفة حولهم :

س : ما هو أوثق مرجع تاريخي لمدرسة أهل البيت؟ وشكراً جزيلاً.

ج : إنّ كان من حيث سيرة وتاريخ الأئمّة عليهم السلام ، فبالإمكان مراجعة كتاب « الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد » للشيخ المفيد ، و « إعلام الورى بأعلام الهدى » للشيخ الطبرسيّ.

أمّا إذا كان المراد من كتب التاريخ التي تعنى بالتاريخ العامّ ، فإنّها كما تعرف كانت تكتب تقرّباً إلى الملوك والسلاطين ، فتذهب بمذاهبهم ، وتورد ما يوافق أفكارهم وغاياتهم ، ولم يكن للشيعة يوماً حكومة إلاّ في فترات قصيرة

ص: 467


1- ينابيع المودة 3 / 372.

لم يتسنّ كتابة هكذا تاريخ فيها ، وإن كان هناك بعض الكتب فإنها ذهبت مع ما ذهب من كتب الشيعة نتيجة القمع والملاحقة ، تستطيع أن تعرفها لو راجعت كتب التراجم.

نعم كتب اليعقوبيّ والمسعوديّ اللذين يعتبران من الشيعة كتب في التاريخ العامّ للدول والملوك ، ولكن كتبوا في زمن تسلّط مخالفيهم ، فشابها الكثير من التقية وعدم التصريح ، والاكتفاء بالأحداث العامّة وتواريخ الوقائع.

( أبو جعفر - الكويت - .... )

معناه اللغويّ :

س : وفّقكم اللّه ، إخواني الكرام القائمين على هذا الموقع العظيم ، وجعله في ميزان أعمالكم ، ورزقنا اللّه وإيّاكم شفاعة محمّد وآل محمّد عليهم السلام.

أمّا بعد ، من منطلق التدبّر بآيات القرآن الكريم ، لاحظت أمراً يتعلّق بآية التطهير : أنّه هل يمكن أن نستفيد من نفس الآية حصراً بغضّ النظر عن الأدلّة الأُخرى ، وهو اختلاف المراد من ( بيوتكن ) و ( أهل البيت ) ، وبالتالي عدم دخول الزوجات في أهل البيت عليهم السلام؟

ج : في مقام التعليق على ما ذكرت ، نقدّم أُموراً :

1 - يحدّد المفهوم اللغوي لكلمة أهل بما يضاف إليها ، فأهل القرى : سكّانها ، وأهل الكتاب : أتباعه ، وأهل الرجل : عشيرته وذوو قرباه(1) ، أخصّ الناس به(2) ، من يجمعه وإيّاهم نسب أو دين(3).

وأهل بيت الرجل : ذو قرباه ومن يجمعه وإيّاهم نسب ، وأطلقت في الكتاب الكريم على أولاد إبراهيم عليه السلام وأولاد أولاده ، قال تعالى : ( رَحْمَتُ اللّهِ

ص: 468


1- القاموس المحيط 3 / 453.
2- لسان العرب 11 / 29.
3- المفردات في غريب القرآن : 29.

وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ) (1).

وهناك فرق بين أهل الرجل وأهل بيت الرجل ، فقد عُبّر في اللغة مجازاً بأهل الرجل عن امرأته ، قال الزبيدي : « ومن المجاز : الأهل للرجل زوجته » (2).

أمّا أهل بيت الرجل : فهم من يجمعه وإيّاهم نسب ، وتعورف في أسرة النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

2 - من الواضح أنّ أهل البيت متكوّنة من لفظتين هي : « أهل » التي ذكروا أنّها ولفظة « آل » بمعنى واحد ، وذكروا لهما معان متعدّدة بين الضيق والسعة ، يرجع إليها في البحث المتعلّق بمعنى « الآل » ، وهل هم أقرباء النبيّ صلى اللّه عليه وآله أو أتباعه أو غير ذلك؟

واللفظة الأُخرى فهي « البيت » ، فهل المراد منها المعنى الموضوع لها - وهو مكان السكن المتكوّن من الطين والخشب ، أي البيت المادّي - أو المراد منها هنا المعنى الاستعمالي - وهو بيت الذروة والشرف ومجمع السيادة - أي بيت النبوّة؟

مع أنّه قد عرفنا من تنصيص أهل اللغة ما هو المعنى المراد من استعمال أهل البيت إذا جاءا معاً عند العرب ، وبالتالي لا فرق بين تعيين أيّ من المعنيين ، ولكن المعنيين المذكورين أصبحا مورداً لظهور شبهة سوف تأتي الإشارة إليها في النقاط التالية.

3 - من الواضح أنّ المقصود من البيوت في قوله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) (3) ، وقوله تعالى : ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ ) (4) هي البيوت .

ص: 469


1- هود : 73.
2- تاج العروس 7 / 217.
3- الأحزاب : 33.
4- الأحزاب : 34.

المبنية من الطين والخشب ، وكذا في قوله تعالى : ( بُيُوتَ النَّبِيِّ ) (1) ، وهو غير المعنى المراد من مجموع لفظتي « أهل البيت » ، كما عرفت من تنصيص أهل اللغة ، سواء قلنا إنّ المراد من لفظة بيت فيه الطين والخشب ، أو بيت الذروة والشرف ، وذلك واضح من الآية ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (2).

أمّا إذا قلنا : إنّ المراد من « البيت » فيها هو بيت الطين والخشب ، فلأنّه قد أضاف جمع البيوت في ( فِي بُيُوتِكُنَّ ) إلى النساء ، وفي ( بُيُوتَ النَّبِيِّ ) إلى النبيّ ، وهنا عرّف البيت بالألف واللام العهدية لا الجنسية أو الاستغراقية كما هو واضح ، فإنّه لا يريد جنس البيوت ولا كلّ بيت بيت.

فتحصّل : أنّ هذا البيت المعهود ليس أحد تلك البيوت المنسوبة للنساء ، وإلاّ فما هو المرجّح بينها ، وإنّما هو بيت آخر غيرها معهوداً بين المتكلّم والمخاطب صلى اللّه عليه وآله ، قد يكون بيت علي عليه السلام ، كما ذكر ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عندما أشار إليه أبو بكر ، وقال : هل هذا البيت منها؟ أي من البيوت التي أذن اللّه أن ترفع كما جاء في الآية ، فأجابه صلى اللّه عليه وآله : « نعم من أفضلها »(3) ، وبيت علي هو بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله بلا إشكال.

وهذا فيما لو تنزّلنا وقلنا بأنّ المراد هو هذا المعنى ، أي المصنوع من الطين والخشب ، وهو مورد الشبهة التي جاءت عند العامّة ، الذين قالوا بأنّ أهله كلّ من دخل تحت سقفه ، فالأزواج من أهله ، وقد عرفت الجواب مع أنّا قد ذكرنا أنّ المعنى المستعمل في المركب من اللفظين : « أهل » و « البيت » هو غير المعنى المفرد لكلّ منهما ، كما عرفت من تنصيص أهل اللغة فلاحظ.

وأمّا إذا أُريد من البيت هو بيت الذروة والشرف وبيت النبوّة ، وأنّ المراد منه

ص: 470


1- الأحزاب : 53.
2- الأحزاب : 33.
3- الصراط المستقيم 1 / 293.

كما يراد من مثل قولهم أهل القرآن وأهل اللّه ، فعند ذلك لا يصحّ الدخول فيه إلاّ لمن حصل له الأهلية والاستعداد الكامل ، الذي يكون السبب في التنصيص عليهم من قبل اللّه تعالى ، فلا يراد منه إلاّ المنتمون إلى النبوّة والوحي بوشائج روحية خاصّة ، ولا يشمل كلّ من يرتبط ببيت النبوّة من طريق السبب أو النسب فحسب ، ولذا سألت أُمّ سلمة عن دخولها فيه ، فجاءها الجواب بالنفي ، وهذا البيت هو المراد منه ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا ... ) (1) ، كما تقدّم سابقاً في جواب النبيّ لأبي بكر.

وورد أيضاً : أنّ قتادة لمّا جلس أمام الإمام الباقر عليه السلام قال : لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عباس ، فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدّامك ، قال له أبو جعفر الباقر عليه السلام : « ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي ( بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ ) فأنت ثمّ ونحن أولئك » ، فقال قتادة : صدقت واللّه جعلني اللّه فداك ، واللّه ما هي بيوت حجارة ولا طين(2).

ولعلّ هذا المعنى الثاني للبيت مأخوذ من المعنى المستعمل فيه « أهل البيت » كما نقلنا عن أصحاب اللغة.

4 - وبعد كلّ ما تقدّم ، فقد عرفت ما هو المراد من لفظتي « أهل البيت » فيما إذا وردتا معاً ، وقد عرفت أنّ النزاع قائم في أنّ معنى أهل البيت هل هو واسع يشمل الزوجات أو أنّه مقتصر على أشخاص معينين هم أصحاب الكساء؟ فافترق المسلمون إلى أقوال ، ونحن نستدلّ بحديث الكساء الصحيح على حصرهم بالخمسة أصحاب الكساء ، إضافة إلى ما تقدّم كلّه.

ص: 471


1- النور : 36.
2- خصائص الوحي المبيّن : 18.

فإذا تقرّر ذلك : نرجع إلى سؤالك فنقول : من الواضح أنّ المراد في ( بُيُوتِكُنَّ ) هو بيت الطين والخشب ، وهو يجمع إذ لو كان لشخص معيّن عدّة زوجات ، وكلّ منها اسكنها في بيت ، فيقال : هذه بيوت هذا الرجل ، أو بيوت زوجاته ، وأنّ المراد من « أهل البيت » معنى آخر هو ذو قرباه ومن يجمعه وإيّاهم نسب ، ولا تجمع لفظة « البيت » فيه بهذا المعنى ، إذ لم يعرف من كلام العرب أن يقولوا « أهل بيوت النبيّ » ، ويراد به هذا المعنى المتقدّم ، فإذا كان للرجل عدد من الأولاد من زوجات مختلفة أسكنهم في بيوت مختلفة ، فإنّهم يقال لكلّ أولاده : أهل بيت الرجل ، نعم قد يستعمل أهل بيوت الرجل ، لكن بمعنى من كان تحت سقوف بيوته ، أي يمكن أن يجمع بذلك المعنى الأوّل.

فإذا نظرنا إلى الآية ، نجد أنّ البيوت جاءت مجموعة عندما أضيفت إلى النساء ، وأنّها جاءت مفرداً عندما عرّفت بالألف واللام ، وتعلّقت بالأهل ، فتعرف أنّ البيوت المرادة هناك غير البيت المراد هنا ، فيمكن أنّ تكون إشارة لطيفة بلاغية على الاختلاف ، نظراً لإبدال التعبير من الجمع إلى المفرد ، ثمّ إلى الجمع في نفس الآيات ، ولكن لا يمكن أن يكون دليلاً مستقلاً ، وذلك لأنّا قلنا : إنّ البحث حول دخول الزوجات أو عدم دخولهن مرتبط بتحديد معنى ومفهوم أهل البيت ، سواء من اللغة أو القرآن أو السنّة.

فاختلاف المعاني المرادة من البيت لا يعني بالضرورة عدم دخول النساء في أهل البيت ، ألا ترى أنّه لا تناقض في الآيات لو ثبت فرضاً من دليل خارج أنّ النساء داخلات في « أهل البيت ».

نعم ، نعود ونقول إنّه مؤيّد ، وإشارة لطيفة تتمّ إذا ادعى مدعٍ أنّ المراد من البيت في « أهل البيت » في الآية هو البيت المحسوس من الطين والخشب ، وتتأكّد هذه الإشارة التي نوهنا إليها هنا ، إذا لاحظنا العودة إلى جمع البيوت مرّة أُخرى في آية ( واذكرن ) بعد آية التطهير ، فكأنّها تؤكّد أنّ هذه البيوت غير ذلك البيت ، وإلاّ لماذا عاد للتفريق بالجمع ، والإضافة إليهن بعد الإفراد والتعريف بالألف واللام العهدية.

ص: 472

( أحمد - الإمارات - 19 سنة - طالب حوزة )

ما يتعلّق بخبائثهم :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع.

ليس في بول الأئمّة وغائطهم استخباث ولا نتن ولا قذارة ، بل هما كالمسك الأذفر ، بل من شرب بولهم وغائطهم ودمهم يحرّم اللّه عليه النار ، واستوجب دخول الجنّة ، « أنوار الولاية للآخوند ملاّ زين العابدين الكلبايكاني : 440 ».

وروي عن أبي جعفر : « للإمام عشر علامات : يولد مطهّراً مختوناً ، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته بالشهادتين ، ولا يجنب ، وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ولا يتثاءب ، ولا يتمطّى ، ويرى من خلفه كما يرى من إمامه ، ونجوه كريح المسك » ، الكافي 1 / 319 كتاب الحجّة - باب مواليد الأئمّة ».

أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : وردت رواية مرسلة في الكافي بهذا المعنى في بيان أنّ للإمام علامات عشر ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « للإمام عشر علامات : يولد مطهّراً ، مختوناً ، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته بالشهادتين ، ولا يجنب ، وتنام عيناه ولا ينام قلبه ، ولا يتثاءب ، ولا يتمطّى ، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه ، ونجوه كرائحة المسك ، والأرض موكلة بستره وابتلاعه ، وإذا لبس درع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كانت عليه وفقاً ، وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبراً ، وهو محدّث إلى أن تنقضي أيّامه »(1).

قال المازندراني في شرح أُصول الكافي : « قوله : « ونجوه كرائحة المسك » هذه علامة سابعة ، وفيه حذف أي رائحة نجوه ، والنجو ما يخرج من ريح أو غائط ، وذلك لأنّ باطنه كظاهره طاهر مطهّر ، ممّا يوجب التأذّي والتنفّر منه.

ص: 473


1- الكافي 1 / 388.

قوله : « والأرض موكّلة بستره وابتلاعه » هذه علامة ثامنة ، وذلك إمّا لتشرّفها به ، كما شرب الحجّام دمه صلى اللّه عليه وآله للتشرّف والتبرّك ، أو لأنّه وإن لم يكن له رائحة إلاّ أنّ صورته كصورة نجو غيره ، ومشاهدة ذلك يوجب التنفّر منه في الجملة ، فأمرت الأرض بابتلاعه إكراماً له عليه السلام »(1).

ونحن بغضّ النظر عن سند الرواية نقول : إنّ متن الرواية لا منافاة فيه ، لما دلّ الدليل عليه من الأدلّة العقليّة من وجوب اتصاف الإمام المنصوب من قبل اللّه سبحانه بأفضل الصفات وأعلاها ، وأن لا يكون فيه ما هو منفرّاً للناس ، سواء كان ذلك بالطباع أو بالتكوين ، لأنّه يعدّ نقضاً لغرض تنصيبه من قبل اللّه سبحانه.

وأيضاً قد دلّت الأدلّة المتضافرة في كتب الفريقين : أنّ الأئمّة عليهم السلام قد خُلقوا من طينة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله النورانية ، وأنّ طباعهم طباعه ، وسنخهم سنخه.

روى الشيخ الصدوق ( قدس سره ) بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : « إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خطبنا ذات يوم ، فقال : أيّها الناس إنّه قد أقبل إليكم شهر اللّه بالبركة والرحمة والمغفرة ، ... ثمّ بكى.

فقلت : يا رسول اللّه ، ما يبكيك؟ فقال : يا علي أبكي لما يستحلّ منك في هذا الشهر ، كأنّي بك وأنت تصلّي لربّك ، وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين ، شقيق عاقر ناقة ثمود ، فضربك ضربة على قرنك ، فخضبت منها لحيتك.

فقلت : يا رسول اللّه وذلك في سلامة من ديني؟ فقال : في سلامة من دينك.

ثمّ قال صلى اللّه عليه وآله : يا علي من قتلك فقد قتلني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن سبّك فقد سبّني لأنّك منّي كنفسي ، روحك من روحي ، وطينتك من طينتي ، إنّ اللّه تبارك وتعالى خلقني وإيّاك ، واصطفاني وإيّاك ، واختارني في النبوّة

ص: 474


1- شرح أُصول الكافي 6 / 392.

واختارك في الإمامة ، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوّتي »(1).

عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنّة عدن التي غرسها ربّي ، فليوال علياً من بعدي ، وليوال وليه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خُلقوا من طينتي ، رزقوا فهمي وعلمي ، ويل للمكذّبين بفضلهم من أُمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم اللّه شفاعتي »(2).

وإذا علمنا هذا ، أي أنّ الأئمّة عليهم السلام خُلقوا من طينة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهي طينة نورانية ذات سنخ ملكوتيّ خاصّ ، كما أثبتت ذلك الروايات المتقدّمة وغيرها.

وعلمنا من الحوادث أنّ هناك من شرب دم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وقال له النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « لا تمسّك النار »(3).

وبعضهم شرب بول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقد قال لشاربه - وكانت امرأة تخدم أُمّ حبيبة جاءت معها من الحبشة - : « صحّة يا أُمّ يوسف »(4).

وأيضاً أخرج سعيد بن منصور من طريق عمر بن السائب : أنّه بلغه أنّ مالكاً والد أبي سعيد الخدريّ لمّا جرح النبيّ صلى اللّه عليه وآله مصّ جرحه حتّى أنقاه ولاح أبيض ، فقيل له : مجّه ، فقال : لا واللّه لا أمجّه أبداً ، ثمّ أدبر فقاتل.

فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة ، فلينظر إلى هذا » ، فاستشهد(5).

ص: 475


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 155.
2- كنز العمّال 12 / 103 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 240 ، ينابيع المودّة 1 / 379 ، حلية الأولياء 1 / 128.
3- سنن الدارقطنيّ 1 / 234 ، كنز العمّال 13 / 469 و 472 ، تاريخ مدينة دمشق 20 / 233 و 28 / 162 ، الإصابة 4 / 81 ، البداية والنهاية 8 / 368 و 377 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 455.
4- نيل الأوطار 1 / 106 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 455 ، تلخيص الحبير 1 / 182.
5- تلخيص الحبير 1 / 181.

نقول : فأيّ ضير بمن يكون من طينة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن تكون له تلك المزايا والصفات في فضلات جسمه ، كما لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعد أن كانت الإمامة بالجعل الإلهيّ هي الامتداد الطبيعي للرسالة شكلاً ومضموناً من حيث صيانة التبليغ والحفاظ عليه ، كما يشير إليه الحديث الشريف الوارد عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « في كلّ خلف من أُمّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإن أئمّتكم وفدكم إلى اللّه ، فانظروا من تفدون » (1).

____________

(1) الصواعق المحرقة 2 / 441.

ص: 476

أهل السنّة :

اشارة

( أبو يحيى درويش - اليمن - 24 سنة. طالب كليّة الشريعة )

وجه تسميتهم بهذا الاسم :

س : هل من طريق إلى معرفة السرّ في تسمية أهل السنّة والجماعة بهذا الاسم؟ وما الدليل؟

ج : هي تسمية أطلقتها المذاهب الإسلامية الأُخرى على نفسها ، تمييزاً عن شيعة أهل البيت عليهم السلام ، فالحديث المروي والمتواتر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، فيه دلالة صريحة على وجوب تبعية أهل البيت عليهم السلام ، فهم مع كونهم يروون الحديث متواتراً ، إلاّ أنّهم حرّفوه إلى سنّتي بدل عترتي ، وقالوا : نحن أتباع سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولسنا اتباع أحدٍ من عترته ، وبذلك عرفوا بأهل السنّة والجماعة ، تمييزاً عن أتباع العترة - وهم شيعة أهل البيت ومواليهم - وهكذا صار هذا المصطلح متعارفاً في أدب المذاهب الإسلامية الأُخرى.

( ... - ... - ..... )

هم مسلمون :

س : لدي استفسارات مهمّة أرجو أن تجيبوا عليها إجابة واضحة شافية.

أوّلاً : أخبرنا الشريف عمر بن محمّد بن حمزة العلوي الزيدي ، ... وأبو غالب

ص: 477

سعيد بن محمّد بن أحمد الثقفي الكوفي بها ، قالا : أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد ابن علي بن الحسين بن عبد الرحمن العلوي قال : أخبرنا زيد بن جعفر بن محمّد ابن حاجب قال : حدّثنا أبو العباس محمّد بن الحسين بن هارون قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن علي الحسني قال : حدّثنا محمّد بن مروان الغزال قال : حدّثنا عامر بن كثير السراج ، عن أبي الجارود قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام قال : قلت له بمكّة ، أو بمنى : يا بن رسول اللّه ما أكثر الحاجّ؟

قال : « ما أقلّ الحاجّ ، ما يغفر إلاّ لك ولأصحابك ، ولا يتقبّل إلاّ منك ومن أصحابك » (1).

س : هل هذا الحديث صحيح أم ضعيف؟

وهل ما جاء فيه ينطبق فقط على الزمن الذي كان فيه الإمام أبو جعفر عليه السلام؟ أم أنّه كذلك لا يقبل الحجّ حتّى في زماننا هذا إلاّ من الشيعة الإمامية؟ وما قول العلماء المعاصرين في هذه المسألة؟

ثانياً : أخبرنا محمّد بن محمّد قال : حدّثنا الشريف الصالح أبو محمّد الحسن بن حمزة العلوي الطبري الحسيني قال : حدّثنا محمّد بن الفضل بن حاتم المعروف بأبي بكر النجار الطبري الفقيه قال : حدّثنا محمّد بن عبد الحميد قال : حدّثنا داهر بن محمّد بن يحيى الأحمري قال : حدّثنا المنذر بن الزبير ، عن أبي ذر الغفاري قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لا تضادّوا بعلي أحداً فتكفروا ، ولا تفضّلوا عليه أحداً فترتدّوا » (2).

س : عن صحّة هذا الحديث أيضاً؟ وما المقصود ب- « لا تضادّوا »؟ وإذا كان صحيحاً ، هل يعني هذا أنّ العامّة من أهل السنّة حين يفضّلون الشيخين على علي أنّهم مرتدّون؟ وهل يعني الارتداد هنا عن الإسلام؟ أي أنّهم كفّار وغير مسلمين مهما فعلوا؟

أرجو أن يكون الجواب مدعماً كذلك بقول العلماء المعاصرين.

____________

(1) بشارة المصطفى : 123.

(2) الأمالي للشيخ الطوسيّ : 153.

ص: 478

ج : إنّ الحديث الأوّل ليس نقي السند بالشكل الذي يؤخذ به ، ففيه من المهملين والمجهولين ، أو غير الموثقين بحيث لا يمكن الاعتماد عليه ، والأمر فيه موكول إلى علم الرجال.

ثمّ مع غضّ النظر عن السند فالرواية في مجال بيان شرطية موضوع الولاية في قبول الأعمال ، وقد وردت أحاديث كثيرة تصرّح بأنّ الفاقد للولاية ومنكرها لا يقبل اللّه عزّ وجلّ منه أعماله يوم القيامة ، وإن صلّى وصام وحجّ و .. ، فالولاية شرط في صحّة العمل.

نعم ، ينبغي أن نتعامل مع غيرنا بالظواهر ، فنحكم بإسلام كلّ من اعتقد بأُصول الدين ، وعمل بالأركان ، حتّى وإن كان اعتقادنا بأنّ منكر الولاية سوف تذهب أعماله هباءً يوم القيامة.

والحديث الثاني يشتمل على رواة مجهولين أو مهملين وضعفاء ، فلا يمكن الركون إليه ، ولا تتمّ به الحجّة.

ثمّ على فرض حجّية السند لا أشكال في جانب دلالته ، إذ إنّ الكفر والارتداد المذكورين هنا بمعنى الانحراف ، والعدول عن الخطّ المستقيم الذي رسمه النبيّ صلى اللّه عليه وآله للأُمّة.

وعليه ، فلا سبيل لتكفير الآخرين ، بمعنى الحكم عليهم بخروجهم عن الإسلام ، وإن كان المنكر لإمامة علي عليه السلام سيحاسب على عقيدته - إن لم يكن مستضعفاً -.

وهذا هو رأي علماء الشيعة ، حيث يفتون بإسلام أهل السنّة ، وإن كانوا يرونهم منحرفين عن خطّ الإمامة والولاية.

( عبد اللّه - ... - ..... )

إطلاق مصطلح أهل السنّة والجماعة :

س : من الذي أطلق مصطلح أهل السنّة والجماعة؟

ص: 479

ج : قال الدكتور التيجاني السماوي في كتابه : « لقد بحثت في التاريخ فلم أجد إلاّ أنّهم اتفقوا على تسمية العامّ الذي استولى فيه معاوية على الحكم بعام الجماعة ، وذلك أنّ الأُمّة انقسمت بعد مقتل عثمان إلى قسمين : شيعة علي ، وأتباع معاوية.

ولما استشهد الإمام علي عليه السلام ، واستولى معاوية على الحكم بعد الصلح ، الذي أبرمه مع الإمام الحسن عليه السلام ، وأصبح معاوية أمير المؤمنين ، سمّي ذلك العام بعامّ الجماعة.

إذاً ، فالتسمية بأهل السنّة والجماعة دالّة على اتباع سنّة معاوية ، والاجتماع عليه ، وليست تعني اتباع سنّة رسول اللّه ، فالأئمّة من ذرّيته وأهل بيته أدرى وأعلم بسنّة جدّهم من الطلقاء ، وأهل البيت أدرى بما فيه ، وأهل مكّة أدرى بشعابها ، ولكننا خالفنا الأئمّة الاثني عشر الذين نصّ عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، واتبعنا أعداءهم.

ورغم اعترافنا بالحديث الذي ذكر فيه رسول اللّه اثني عشر خليفة كلّهم من قريش ، إلاّ أنّنا نتوقّف دائماً عند الخلفاء الأربعة ، ولعلّ معاوية الذي سمّانا بأهل السنّة والجماعة ، كان يقصد الاجتماع على السنّة التي سنّها في سبّ علي ، وأهل البيت التي استمرت ستين عاماً ، ولم يقدر على إزالتها إلاّ عمر بن عبد العزيز ، وقد يحدّثنا بعض المؤرّخين : أنّ الأمويّين تآمروا على قتل عمر بن عبد العزيز - وهو منهم - لأنّه أمات السنّة ، وهي لعن علي بن أبي طالب »(1).

( أبو الزين - الأردن - .... )

ليسوا أولاد بغايا :

س : ورد عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : إنّ بعض أصحابنا

ص: 480


1- ثمّ اهتديت : 203.

يفترون ويقذفون من خالفنا؟ ... ثمّ قال : « واللّه يا أبا حمزة إنّ الناس كلّهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا »(1).

ونورد سؤالاً كما يقول صديقي الأشعري : لو أنّ رجلاً من أبوين سنّيين أصبح شيعياً ، فهل يكون أبواه أولاد زنا؟ ولو أنجب الشيعيّ ولداً ، وأصبح الولد سنّياً ، فهل يكون أبوه بغياً مع تشيّعه؟ وهل يصدّق مسلم يعظّم آل البيت الأطهار صدور مثل هذا عنهم؟ حاشاهم اللّه ، فما قولكم.

ج : بالنسبة للرواية ، فيجب البحث فيها سنداً ودلالةً.

أمّا السند ، فيشتمل على مهملين أو غير موثّقين كعلي بن العباس ، وحسن ابن عبد الرحمن ، فلا حجّية له حتّى يبحث عنه.

وأمّا الدلالة ، فلا ينبغي التأمّل في معنى الرواية ، بعد ما عرفنا أنّ لكلّ قوم نكاحاً معترفاً به شرعاً بإجماع المسلمين ، فهل يعقل أن لا يعترف بصحّة عقد المسلم السنّي مثلاً؟!

( نبيل - الجزائر - .... )

يعيشون مع الشيعة بأمن وسلام :

س : هل يعتبر أهل السنّة أعداء للشيعة الإمامية ، ولماذا؟

ج : مَن قال لكم بأنّ أهل السنّة هم أعداء للشيعة؟! كلّ من قال لك هذا فهو كاذب ، نعم توجد بينهم بعض الاختلافات في المسائل العقائدية والفقهية ، ولكن هذه الاختلافات لم تفسد للودّ قضية ، فتشاهد الشيعة وأهل السنّة يعيشون بأمن وسلام في مناطق كثيرة من العالم الإسلامي - كلبنان وإيران والعراق -.

وإنّما الذي يعدّ عدوّاً للشيعة والسنّة هم الوهّابيون ، الذين يشعلون نيران الفتنة بين الحين والآخر ، وليس هدفهم ضرب التشيّع فحسب ، بل ضرب

ص: 481


1- الكافي 8 / 285.

المسلمين بجميع مذاهبهم ، وذلك لأنّهم يذهبون إلى أنّ أكثر المسلمين باختلاف مذاهبهم هم مشركون.

( محمّد - الكويت - .... )

السبب من مخالفتهم لولاية علي :

س : ما هو السبب في مخالفة جمهور المسلمين لنصوص وتعاليم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟

ج : لا عجب في ذلك ، لمن طالع التاريخ الإسلامي ، ولاحظ سيرة المسلمين ، بل سيرة الصحابة المقرّبين ، وموافقهم من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، على الرغم من تأكيد القرآن الكريم على لزوم الطاعة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله والانصياع له.

قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (1).

نجد موارد مخالفات الصحابة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حياته كثيرة ، نذكر منها :

1 - مخالفتهم لأمر الرسول صلى اللّه عليه وآله في معركة أُحد ، حيث نصّب خمسين رجلاً على جبل ، وأمرهم بعدم النزول ، ولكن حينما صارت كفّة الحرب لصالح المسلمين ترك هؤلاء مكانهم طمعاً في الغنيمة ، فكانت النتيجة أن يستغلّ العدوّ هذا الفجوة ، ويكسر بجيش المسلمين.

2 - مخالفتهم في صلح الحديبية ، حيث اعترضوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حينما أمضى بنود الصلح ، وكان من جملتهم عمر بن الخطّاب ، حيث اعتبر الصلح دنية في الدين(2).

ص: 482


1- النساء : 59.
2- صحيح البخاريّ 3 / 182 و 6 / 45 ، صحيح مسلم 5 / 175 ، مسند أحمد 3 / 486 و 4 / 330 ، نيل الأوطار 8 / 187.

3 - تخلّفهم عن جيش أُسامة بن زيد ، بعدما أمرهم صلى اللّه عليه وآله بالالتحاق به ، ولعن من تخلّف عنه(1).

4 - مخالفتهم في إحضار القرطاس والدواة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حينما أمرهم أن يأتوه بهما ، ليكتب لهم كتاباً لا يضلّوا بعده أبداً ، فقال عمر : حسبنا كتاب اللّه ، إنّ النبيّ قد غلب عليه الوجع ، فخرج ابن عباس يقول : « إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وبين كتابه »(2).

إذاً ، فلا عجب لمن خالف في ذلك وأمثاله أن يخالف فيما سواه إذا تعارض مع مصالحه ، وبالخصوص في مسألة الولاية والحكم لأمير المؤمنين علي عليه السلام ، بعدما أوصى بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حديث الغدير وغيره.

( علي - لبنان - 25 سنة - إجازة في الحقوق )

وغفلتهم عما في الصحاح :

س : لو كان ما في الصحاح يكفي لإثبات الحجّية ، فلماذا يغفل عنه أهل السنّة؟

كلّ مولود يولد على ما عليه ، فلو كنت مولوداً من أبوين سنّيين لكنت مقتنعاً بما يقولونه أهل السنّة ، ولو أنّ الصحاح تتضمّن إجابات واضحة تدعم المذهب الشيعيّ ، فلماذا يغفل عنها أهل السنّة بهذا الشكل الصارخ؟ وشكراً.

ج : إنّ الكثير من أهل السنّة يغفلون عمّا في الصحاح من أحقّية الحقّ ، لأنّهم يعتقدون بعدالة الصحابة جميعاً ، ولأنّ بعض الصحابة كانوا راضين بأفعال كبرائهم الذين سلبوا الحقّ عن أهله ، فانحرفت الأُمّة بانحراف بعض الصحابة ، وبقي التابعون واللاحقون - وإلى يومنا هذا - على جهلهم ، لا يكلّف أحدهم نفسه

ص: 483


1- الملل والنحل 1 / 23.
2- صحيح البخاريّ 5 / 138 و 7 / 9 و 8 / 161 ، صحيح مسلم 5 / 76.

بأن يعرف بما في الصحاح ، وبقي قسم منهم على تعصّبه لا تطاوعه نفسه أن يتحوّل عن الباطل.

( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ) (1).

( أحمد السنان - السعودية - 25 سنة. خرّيج متوسطة )

القاصرين منهم قد يدخلون الجنّة :

س : هل يدخل الجنّة من مات مسلماً وليس موالياً لأهل البيت؟

ج : قال تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (2).

وقال تعالى : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (3).

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « وستفترق أُمّتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النار إلاّ واحدة »(4) ، فالنبيّ صلى اللّه عليه وآله أثبت الافتراق ، وبيّن دخول واستحقاق الجنّة لفرقة واحدة ، وأثبت النار لباقي الفرق ، وإن سمّاها أُمّتي ، أي أنّه أثبت الإسلام للفرق الأُخرى غير الناجية في الدنيا ، وأثبت دخولها النار في الآخرة فلا منافاة.

وسؤالكم يقع في هذا التفصيل ، فإنّ المخالف لمذهب أهل البيت عليهم السلام وغير المعتقد بولاية علي عليه السلام إنّما هو قد أنكر أمراً إلهيّاً ونبويّاً فاستحقّ النار بذلك ،

ص: 484


1- البقرة : 170.
2- الأنعام : 153.
3- البقرة : 85.
4- سنن الدارمي 2 / 241 ، سنن ابن ماجة 2 / 1322 ، سنن أبي داود 2 / 390 ، الجامع الكبير 4 / 135 ، المستدرك 1 / 128 ، المعجم الكبير 8 / 273.

مع ثبوت إسلامه الظاهري ، كما هو حال المنافقين ، فقد كان باطنهم واستحقاقهم شيئاً ، وظاهرهم والتعامل معهم كمسلمين شيء آخر.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ المخالف للحقّ يقسّم إلى قاصر ومقصّر ، فالقاصر الذي بذل وسعه ولم يعرف الحقّ فيتبعه ، أو كان غير مؤهّل لإدراك الحقّ ، فهذا يوكل أمره إلى اللّه ، وأمّا المقصّر فالكلام المتقدّم كلّه معه.

قال بعض علمائنا ( قدس سره ) : مع أنّ الأخبار متظافرة بعدم صحّة أعمال من لم يكن من أهل الولاية ، من جملتها ما رواه الصدوق ( قدس سره ) بإسناده إلى علي بن الحسين عليهما السلام : « لو أنّ رجلاً عمّر ما عمّر نوح في قومه ، ألف سنة إلاّ خمسين عاماً ، يصوم النهار ، ويقوم الليل بين الركن والمقام ، ثمّ لقى اللّه عزّ وجلّ بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئاً »(1).

( سلمان - البحرين - 24 سنة - طالب جامعة )

الحكم بإسلامهم وطهارتهم :

س : وفّقكم اللّه لما يحبّ ويرضاه ، هل الإمامية يكفّرون من لم يقل بالولاية؟ وما تعليقكم على الروايات التالية :

1 - يوسف البحرانيّ قال : « وليت شعري أيّ فرق بين من كفر باللّه سبحانه وتعالى ورسوله ، وبين من كفر بالأئمّة عليهم السلام؟ مع ثبوت كون الإمامة من أُصول الدين »(2).

2 - الفيض الكاشانيّ قال : « ومن جحد إمامة أحدهم - أي الأئمّة الاثني عشر - فهو بمنزلة من جحد نبوّة جميع الأنبياء عليهم السلام »(3).

3 - المجلسيّ قال : « أعلم أنّ إطلاق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد

ص: 485


1- روض الجنان : 357.
2- الحدائق الناضرة 18 / 153.
3- منهاج النجاة : 44.

بإمامة أمير المؤمنين والأئمّة من ولده عليهم السلام ، وفضّل عليهم غيرهم يدلّ على أنّهم كفّار مخلّدون في النار « » (1).

4 - المفيد قال : « اتفقت الإمامية على أنّ من أنكر إمامة أحد من الأئمّة ، وجحد ما أوجبه اللّه تعالى له من فرض الطاعة فهو كافر ضالّ مستحقّ للخلود في النار » (2).

5 - يوسف البحرانيّ قال : « إنّك قد عرفت أنّ المخالف كافر ، لا حظ له في الإسلام بوجه من الوجوه ، كما حقّقناه في كتابنا الشهاب الثاقب » (3).

أتمنى إرسال الجواب في أقرب فرصة ممكنة ، وذلك لردّ كيد المغرضين والمشكّكين لمذهب أهل البيت عليهم السلام ، ودمتم في خدمة الإسلام والمسلمين.

ج : إنّ مسألة الحكم بكفر من لم يعتقد بإمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام تعود إلى مسألة إنكار الضروريّ ، وبما أنّ الإمامة ليست من ضروريات الدين عند بعض الفرق الإسلامية ، فلا يمكن الحكم بكفرها.

نعم ، الإمامة والاعتقاد بالأئمّة الاثني عشر عليهم السلام هو من ضروريات المذهب ، وعدم الاعتقاد بها يعدّ خروجاً عن المذهب لا عن الإسلام ، ومن هنا تحمل كلمات بعض العلماء الواردة في هذا الموضوع ، بإرادة التكفير بالمعنى الأخصّ - أي عدم الإيمان - لا التكفير بالمعنى الأعمّ - وهو عدم الإسلام - وهذه رسائل علماء الإمامية منتشرة في عرض الأرض وطولها ، تشهد بإسلام المخالف - وهو من لا يعتقد بإمامة الأئمّة الاثني عشر - وطهارته.

ومن خالف هذا الحكم بقول أو فتوى ، فهو لا يتعدّى كونه رأياً خاصّاً به لا يمثل موقف الطائفة أو مشهور علمائها ، بل نقل الشيخ البحرانيّ ما نصّه : « أنّ المشهور بين متأخّري الأصحاب - أي علماء الإمامية - هو الحكم بإسلام المخالفين وطهارتهم ، وخصّوا الكفر والنجاسة بالناصب ، كما أشرنا إليه في

____________

(1) بحار الأنوار 23 / 390.

(2) نفس المصدر السابق نقلاً عن كتاب المسائل.

(3) الحدائق الناضرة 18 / 153.

ص: 486

صدر الفصل ، وهو عندهم من أظهر عداوة أهل البيت عليهم السلام »(1).

وتجدر الإشارة إلى أنّ من علم حكماً شرعيّاً على نحو اليقين ثم جحده يكون كافراً بإجماع المسلمين. ومن ذلك من علم بإمامة أهل البيت وجحدها.

( .... - استراليا - 23 سنة )

المستضعفون منهم قد يدخلون الجنّة :

س : هل يدخلون الجنّة أهل السنّة ?.

ج : أهل السنّة يمكن أن يقسّموا إلى ثلاثة أقسام : قسم عرف الحقّ وأنكره ، وهؤلاء من الذين يذادون عن الحوض ، ولا يدخلون الجنّة ، وقسم لم يعرفوا الحقّ ولكنّهم كان بإمكانهم البحث ومعرفة الحقّ ، وهؤلاء يحاسبون على تقصيرهم في معرفة الحقّ ، وقسم يسمّون بالمستضعفين ، الذين لم يصل لهم الحقّ ، ولم يكن بإمكانهم وفق قدراتهم الوصول إلى الحقّ ، فأُولئك عسى اللّه أن يتوب عليهم ويدخلهم الجنّة برحمته.

ص: 487


1- المصدر السابق 5 / 175.

ص: 488

أهل الكتاب :

اشارة

( جعفر سلمان عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

كلّفوا بتكاليف أشدّ من تكاليفنا :

س : هل الأُمم السابقة قد كلّفت بتكاليف شاقّة؟ فإنّ ظاهر بعض الآيات والروايات ذلك ، كقوله : ( رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ... ) (1) ، وفي الرواية : « رفع عن أُمّتي تسع : الخطأ ، والنسيان ، وما أُكرهوا عليه ، وما اضطرّوا إليه ... »(2) ، فنسب الرفع إلى أُمّة النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله.

ج : ورد في تفسير هذه الآية الشريفة ما يوضّح لكم المعنى الذي تقصده الآية.

ففي الاحتجاج : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حديث طويل قال : « ( رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) (3) ، قال اللّه عزّ وجلّ : لست أؤاخذ أُمّتك النسيان والخطأ لكرامتك عليّ ، وكانت الأُمم السالفة إذا نسوا ما ذكّروا به فتحت عليهم أبواب العذاب ، وقد رفعت ذلك عن أُمّتك ، وكانت الأُمم السالفة إذا أخطأوا أخذوا بالخطأ وعوقبوا عليه ، وقد رفعت ذلك عن أُمّتك لكرامتك عليّ.

فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : اللّهم إذا أعطيتني ذلك فزدني ، فقال اللّه تبارك وتعالى له : سل ، قال : ( رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ... ) ،

ص: 489


1- البقرة : 286.
2- تحف العقول : 50.
3- البقرة : 286.

يعني بالإصر : الشدائد التي كانت على من قبلنا ، فأجابه اللّه إلى ذلك.

فقال تبارك اسمه : قد رفعت عن أُمّتك الآصار التي كانت على الأُمم السالفة ؛ كنت لا أقبل صلواتهم إلاّ في بقاع معلومة من الأرض ، أخترها لهم وإن بعدت ، وقد جعلت الأرض كلّها لأُمّتك مسجداً وطهوراً ؛ فهذه من الآصار التي كانت على الأُمم قبلك فرفعتها عن أُمّتك ... ، وكانت الأُمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس ، فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه ناراً فأكلته ، فرجع مسروراً ، ومن لم أقبل ذلك منه رجع مثبوراً ، وقد جعلت قربان أُمّتك في بطون فقرائها ومساكينها ، فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافاً مضاعفة ، ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا.

وقد رفعت ذلك عن أُمّتك وهي من الآصار التي كانت على الأُمم من كان من قبلك ، وكانت الأُمم السالفة صلواتها مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار ، وهي من الشدائد التي كانت عليهم ... ، وكانت الأُمم السالفة حسنتهم بحسنة وسيئتهم بسيئة ، وهي من الآصار التي كانت عليهم ، فرفعتنا عن أُمّتك ، وجعلت الحسنة بعشر والسيئة بواحدة ، وكانت الأُمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة فلم يعملها لم تكتب له ، وإن عملها كتبت له حسنة ، وإنّ أُمّتك إذا همّ أحدهم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، وإن عملها كتبت له عشراً ، وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أُمّتك ... »(1).

بيّنت هذه الرواية معنى الآصار والمشقّة التي كانت على الدوام على الأُمم السالفة ، ومن الواضح : أنّ اللّه تعالى لا يكلّف عباده فوق طاقتهم ؛ لأنّ ذلك قبيح عقلاً وشرعاً ، واللّه تعالى منزّه عن ذلك ، لكنّه تعالى عندما سنّ سنناً ، وجعل أُمماً وشرّع أحكاماً له فهذه الأحكام والقوانين تختلف من أُمّة إلى أُمّة ، تبعاً لطبيعة تلك الأُمّة ولزمنها ، وللمصالح التي تقتضي السير عليها ، فاللّه

ص: 490


1- الاحتجاج 1 / 329.

تعالى بيّن كما في هذه الرواية وفي آياته ، أنّه كلّف الأُمم السالفة ببعض التكاليف التي فيها مشقّة ، لكن لا يخرجها ذلك عن كونها مقدورة للمكلّفين.

فمثلاً تكليفه بعض الأُمم السالفة بأن تكون صلاتهم في مكان مخصوص ليس فيه تعجيز ، وأنّهم يعجزون عن ذلك وخارج عن قدرتهم ، بل هو مقدور لهم ، لكن فيه نوع تضييق وتكليف قياسياً لمن يحقّ له الصلاة في كلّ مكان ، كأُمّة محمّد صلى اللّه عليه وآله ، فإنّ من يجوز له الصلاة في كلّ مكان - قياساً لمن لا يحقّ له الصلاة إلاّ في مكان مخصوص - موسع عليه ، خلافاً لذلك الذي لا يحقّ له الصلاة في كلّ مكان ، فإنّ هذا مضيق عليه بالنسبة لذلك الشخص.

وأمّا التكليف بالصلاة في مكان مخصوص في حدّ نفسه فهو مقدور للمكلّف ، ويستطيع أن يأتي به ، وهكذا بقية الأُمور التي ذكرتها الرواية تفسيراً للآية ؛ كجعل الحسنة مقابل الحسنة في الأُمم السالفة ، وجعلها مقابل العشر في هذه الأُمّة ، والهمّ بالحسنة يعدّ حسنة ، وغير ذلك من الأُمور.

وكذلك الرواية فسّرت معنى النسيان والخطأ ، فمن نسى ما ذكّر به من عذاب اللّه وعقابه إذ عصاه يقع عليه الوعيد عند نسيان اللّه تعالى ، ونسيان ربوبيته المقتضية لطاعته ، فإذا نسى حلّ الوعيد الإلهيّ عليه.

وكذلك تفسير الأُمور المرفوعة بحديث الرفع كان يفسّر رفع النسيان والخطأ ، أي رفع آثار النسيان والخطأ ، فلا يجب الإعادة أو القضاء إذا نسي التكاليف ، بينما الأُمم السالفة يجب عليها ذلك عند نسيان التكاليف.

وتفسير الإكراه بأن يجوز للمُكره إبداء خلاف ما يعتقد في هذه الأُمّة ، وفي الأُمم السالفة لا يجوز ، وتفسير الاضطرار بذلك أيضاً ، بأن لا يجوز للمضطرّ في الأُمم السالفة ارتكاب المحظور لأجل الاضطرار ، بل عليه أن يتحمّل الاضطرار ، وفي هذه الأُمّة يجوز.

ص: 491

والخلاصة من البحث : إنّ التكليف إذا كان يعجز عنه المكلّف فلا يكلّف اللّه به أُمّة من الأُمم ، هذه الأُمّة وغيرها ، لأنّ ذلك قبيح عقلاً وشرعاً ، واللّه منزّه عن ذلك.

وأمّا تفاوت التكاليف ، وأنّ أُمّة من الأُمم تكلّف بما هو أشدّ من أُمّة أُخرى ، مع انخفاض القدرة وأنّ التكليف مقدور ، فلا يمنع العقل من ذلك ، وأيضاً الشرع لا يمنعه إذا كان هناك مصلحة يعلمها المشرّع ومطلع عليها ، بل إنّ ذلك واقع كما تقول الرواية.

ولا ننسى الفرق بين الشيء الممتنع وبين الشيء المقدور لكن فيه كلفة ويحتاج إلى جهد ، فإنّ الآية لا تقصد الأوّل كما أوضحته الرواية ، وكما يحكم به العقل ، وأمّا الثاني فإنّ العقل لا يمنع منه والشرع ، بل هو واقع كما ذكرت الآية.

( عبد اللّه - البحرين - سنّي - 20 سنة - طالب جامعة )

ذبيحتهم في رأي فقهاء الشيعة :

س : أنا من أهل السنّة ، ولدي سؤال أرجو منكم الإجابة عليه :

اعلم أنّكم لا تحلّلون طعام أهل الكتاب ، وتعتبرونه محرّم ، وتقولون : إنّ المراد بقوله تعالى : ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ ) (1) ، هو ليس الذبيحة ، وإنّما طعام آخر ، فما هو هذا الطعام؟ وما هو دليلكم على أنّ المقصود بقوله تعالى ليس هو الذبيحة؟ أرجو منكم الإجابة بالتفصيل.

ج : ذهب فقهاء الشيعة إلى حرمة ذبيحة أهل الكتاب ، ودليلهم على ذلك هو الروايات المتواترة ، الدالّة على حرمة ذبيحة أهل الكتاب ، وروايات مفسّرة لآية

ص: 492


1- المائدة : 5.

المائدة ، الآية الخامسة تفسّرها : بأنّ المراد بها الحبوب والألبان وما شابه ذلك ، فإذا رجعت إلى مصادر الشيعة الحديثية وجدت فيها الروايات الكثيرة المتواترة ، المصرّحة بحرمة ذبيحة أهل الكتاب(1).

وهناك مصادر أُخرى أيضاً وردت فيها روايات تحرّم ذبيحة أهل الكتاب ، وتفسّر الآية التي ذكرتها من سورة المائدة بالحبوب والألبان ، وما على شاكلتها ، وتنفي أن يكون المراد بها الذبيحة ، وهنا نذكر بعض الروايات :

الرواية الأُولى : روى الكليني ( قدس سره ) بسندٍ صحيح عن قتيبة الأعشى قال : سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام وأنا عنده ، فقال له : الغنم يرسل فيها اليهودي والنصراني ، فتعرض فيها العارضة فيذبح ، أتأكل ذبيحته؟

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « لا تدخل ثمنها مالك ، ولا تأكلها ، فإنّما هو الاسم ، ولا يؤمن عليه إلاّ مسلم ».

فقال له الرجل : قال اللّه تعالى : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ) (2)؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « كان أبي يقول إنّما هي الحبوب وأشباهها »(3).

الرواية الثانية : عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ ) (4) ، فقال عليه السلام : « العدس والحمص وغير ذلك »(5).

ص: 493


1- أُنظر : الكافي 6 / 238 ، تهذيب الأحكام 9 / 63 ، وسائل الشيعة 24 / 52 ، الاستبصار 4 / 83 ، مستدرك الوسائل 16 / 148.
2- المائدة : 5.
3- الكافي 6 / 240.
4- المائدة : 5.
5- تهذيب الأحكام 9 / 88.

الرواية الثالثة : صحيحة الحسين الأحمسيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قال له رجل : أصلحك اللّه ، إنّ لنا جاراً قصّاباً ، فيجيء بيهودي فيذبح له حتّى يشتري منه اليهود؟ فقال عليه السلام : « لا تأكل من ذبيحته ، ولا تشترِ منه »(1).

إلى غير ذلك من الروايات ، التي بعضها يفسّر آية المائدة ، بأنّ المراد منها الحبوب والعدس والحمص ، بحيث لا يراد منه الذبيحة ، وبعضها ينهى عن أكل ذبيحة الكتابيّ ، ويحكم بعدم حلّيتها ، فلأجل ذلك ذهب جمهور فقهاء الشيعة إلى تحريم ذبيحة أهل الكتاب.

وأيضاً نقول : إنّ لفظ الطعام الوارد في الآية ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ ... ) (2). وإن كان بحسب أصل اللغة يشمل كل ما يأكله الإنسان ويتقوّى به ، لكن هناك بعض اللغويّين ذكر : أنّ المراد بالطعام البر وسائر الحبوب.

ففي لسان العرب تحت مادة « طعم » قال : « وأهل الحجاز إذا أطلقوا اللفظ بالطعام عنوا به البرّ خاصّة »(3).

وذكر عن الخليل أنّه قال : العالي في كلام العرب أنّ الطعام هو البرّ خاصّة.

وكلام ابن الأثير في النهاية يشير إلى ذلك أيضاً.

وعلى هذا ، فترتفع الغرابة في الذهاب إلى تحريم ذبيحة الكتابيّ ، وحمل الآية على غير الذبائح ، لأنّ الطعام في اللغة يكون موضوع للحبوب والبرّ.

وإذا لم تقبل بذلك ، وقلت : بأنّ الطعام لغة وهو كلّ ما يتقوّى به الإنسان ، فيشمل الذبيحة ، فنقول : دليلنا على حرمة ذبيحة الكتابي هو الروايات المفسّرة للآية الكريمة.

وقال اللّه تعالى : ( وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ

ص: 494


1- الكافي 6 / 240.
2- المائدة : 5.
3- لسان العرب 12 / 364.

الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) (1).

فهذه الآية الكريمة تحرّم ما لم يذكر اسم اللّه عليه ، وتعبّر عنه بأنّه فسق ، وإذا رجعنا إلى آية الثلاثة من سورة المائدة ، وآية « 3 و 121 و 145 » من سورة الأنعام ، وسورة النحل والبقرة أيضاً نجد أنّ القرآن يعبّر عما لم يذكر اسم اللّه عليه بالرجس تارة ، وبالفسق أُخرى ، وبالإثم ثالثة ، فإذا كان هذا وصف ما لم يذكر اسم اللّه عليه ، فلا يمكن أن يكون حلالاً ومشمولاً لقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ) ، إذ الرجس والفسق والإثم لا يكون بأيّ حالٍ من الأحوال طيّباً ، فعليه لابدّ من حمل الآية على ما ذكرته الروايات ، من أنّ المراد بها الحبوب والعدس والألبان وما شاكلها ، لا ما يشمل الذبائح.

وهناك نكتة في الآية تساعدنا على أنّ المراد بحلّية طعام أهل الكتاب لنا ليست حلّية تكليفية ، وهي قوله تعالى : ( وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ ) ، فإنّ من الجليّ لكلّ أحد أنّ الكتابيّ يأكل كلّ شيء ، ولا يحرّم طعام أي إنسان ، فما معنى أن يخاطبه اللّه بأنّ طعام المسلمين حلّ لكم ، لأنّ الكتابي لا يعرف الحرمة ولا الحلّيّة ، ولا يرى التكليف وغير ذلك ، فما معنى هذا الخطاب من اللّه تعالى لأهل الكتاب ، الذين لا يرون ذلك؟

فنقول : هذا قرينة على أنّ الحلّيّة التي خاطب بها اللّه أهل الكتاب ليست حلّية تكليفية ، وإنّما الآية ناظرة إلى قضية ، وهي : أنّ المسلمين بعد أن بدأت تكاليف الشريعة الإسلامية استشكلوا في طعام أهل الكتاب ، لأنّهم على خلاف عقيدتهم ، وأصبحوا في شكّ من التعامل معهم ، وتناول ما بأيديهم ، فلذلك نزلت هذه الآية المباركة لتبيّن أنّ طعامهم حلال ، وإنّ تناوله غير مضرّ ، ولذلك أردفه بقوله : ( وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ ) .

ص: 495


1- الأنعام : 121.

( نور - البحرين - .... )

لم يصلب المسيح :

س : ما هي المقارنة بين صلب المسيح عند المسيحيين والمسلمين بالتفصيل؟ ودمتم بحفظ اللّه.

ج : إنّ القرآن الكريم ينصّ على عدم صلب المسيح عليه السلام : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ ... وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللّهِ ) (1) ، والمسلمون بكافّة اتجاهاتهم يؤمنون بهذا الموضوع.

وأمّا المسيحية فالخطّ العام منها تؤمن بالصلب ، ولكن المحقّقين منهم والمتحرّين للحقيقة لا يرون الواقع هكذا ، بل يصرّحون بنفي الصلب عن عيسى عليه السلام ، فعلى سبيل المثال يقول ( ارنست دي بونس ) الألماني في كتابه ما ملخصّه : إنّ جميع ما يختصّ بمسائل الصلب والفداء هو من مبتكرات ومخترعات بولس ، ومن شبهات الذين لم يروا المسيح ، لا من أُصول النصرانية الأصلية.

وأيضاًَ ممّن ذهب إلى ذلك من علماء النصارى ( المسيو أرادواسيوس ) الفرنسيّ ، الأُستاذ في مدارس اللاهوت الإنجليزية ، كما جاء في كتابه.

وهناك طوائف من المسيحية تنفي الصلب والقتل من قبيل ( الساطرنيوسيّون والسرنثيّون والباسيليديّون والبارديسيانيّون والتاتيانيسيّون ) ، مضافاً إلى أنّ إنجيل برنابا يصرّح بنفي هذا الحادث عن المسيح عليه السلام ، وإنّ الذي صلب بدله هو يهوذا.

( أمير نصيف - البحرين - .... )

من معتقدات المسيحية واليهود :

اشارة

س : ما هو الفرق بين عقيدة اليهود والمسيحيين؟

ص: 496


1- النساء : 157 - 158.

ج : لا يخفى عليك أنّ لكلّ من اليهودية والمسيحية فرق ومذاهب ، كما للإسلام ذلك ، ولكلّ فرقة اعتقادها الخاصّ بها ، وليس من السهل أن نعطيك عقيدة كلّ فرقة منهم ، ولكن نذكر لك بعض عقائد اليهودية والمسيحية بشكل عامّ.

معتقدات المسيحية :

الألوهية والتثليث : يعتقدون بوجود إله خالق عظيم ، لأنّهم كتابيون أصلاً ، لكنّهم يشركون معه الابن ( عيسى ) ، وروح القدس ( جبرائيل ) ، وبين الكنائس تفاوت عجيب في تقرير هذه المفاهيم ، وربط بعضها مع بعض ممّا يسمّونه الأقانيم الثلاثة.

الدينونة : يعتقدون بأنّ الحساب في الآخرة سيكون موكولاً لعيسى بن مريم ، لأنّ فيه شيئاً من جنس البشر ، ممّا يعينه على محاسبة الناس على أعمالهم.

تقديس الصليب : يعتبر الصليب شعاراً لهم ، وهو موضع تقديس الأكثرين ، وحمله علامة على أنّهم من أتباع المسيح.

الصوم : هو الامتناع عن الطعام الدسم ، وما فيه شيء من الحيوان ، أو مشتقّاته مقتصرين على أكل البقول ، وتختلف مدّته وكيفيته من فرقة إلى أُخرى.

الصلاة : ليس لها عدد معلوم مع التركيز على صلاتي الصباح والمساء ، وهي عبارة عن أدعية وتسبيحات وإنشاد ، كما أنّ الانتظام في الصوم والصلاة إنّما هو تصرّف اختياري لا إجباري.

التعميد : وهو يعني الارتماس في الماء ، أو الرش به باسم الأب والابن وروح القدس ، تعبيراً عن تطهير النفس من الخطايا والذنوب.

الاعتراف : وهو الإفضاء إلى رجل الدين بكلّ ما يقترفه المرء من آثام وذنوب ، وهذا الاعتراف يسقط عن الإنسان العقوبة ، بل يطهّره من الذنب إذ يدّعون بأنّ رجل الدين هذا هو الذي يقوم بطلب الغفران له من اللّه.

ص: 497

يحلّون أكل لحم الخنزير ، ويحرّمون الختان مع وجوده في شريعتهم أصلاً ، وأباحوا كذلك الربا ، وشرب الخمرة ، لقد قصروا التحريم في الزنى ، وأكل المخنوق ، وأكل الدم ، وأكل ما ذبح للأوثان.

الأصل في ديانتهم الرهبانية ، وهو العزوف عن الزواج ، لكنّهم قصروه على رجال الدين ، وسمح للناس بزوجة واحدة ، مع منع التعدّد الذي كان جائزاً في مطلع المسيحية.

الطلاق : لا يجوز للرجل أن يطلّق زوجته إلاّ في حالة الزنى.

أمّا الفراق الناشئ عن الموت فإنّه يجيز للحيّ منهما أن يتزوّج مرّة أُخرى ، كما يجوز التفريق إذا كان أحد الزوجين غير نصرانيّ. نعم ، قد أجيز مؤخّراً الطلاق عندهم في حالات اضطرارية.

التكاثر والنسل : يحثّون جماعتهم من النصارى على التكاثر ، ويصبح ذلك أكثر وجوباً في المناطق التي لا يكونون فيها أكثرية.

النواحي الروحية : لقد جاءت النصرانية في الأصل لتربية الوجدان ، وتنمية النواحي العاطفية ، داعية إلى الزهد ، وعدم محاولة الثأر مستنكرة انخراط اليهود في المادّية المغرقة ، يقول إنجيلهم : « من ضربك على خدّك الأيمن فاعرض له الآخر ، ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك » ، لكن تاريخهم مليء بالقتل وسفك الدماء.

صكوك الغفران : وهو صكّ يغفر لمشتريه جميع ذنوبه ما تقدّم منها وما تأخّر ، وهو يباع كأسهم الشركات ، وقد يمنح الشخص بناء على هذا الصكّ أمتاراً في الجنّة على حسب مقدار المبلغ الذي يقدّمه للكنيسة.

الهرطقة ومحاربتها : لقد حاربت الكنيسة العلوم والاكتشافات ، والمحاولات الجديدة لفهم الكتاب المقدّس ، وصوّبت سهامها إلى كلّ نقد ، ورمت ذلك كلّه بالهرطقة ، ومحاربة هذه الاتجاهات بمنتهى العنف والقسوة.

ص: 498

معتقدات اليهودية :

يعتقدون بأنّ الذبيح من ولد إبراهيم إنّما هو إسحاق المولود من سارة ، والصحيح أنّه إسماعيل.

الثواب والعقاب إنّما يتمّ في الدنيا ، الثواب هو النصر والتأييد ، والعقاب هو الخسران ، والذلّ والاستعباد.

التابوت : هو صندوق كانوا يحفظون فيه أغلى ما يملكون من ثروات ومواثيق ، وكتب مقدّسة.

يعتقدون بأنّهم شعب اللّه المختار ، وأنّ أرواح اليهود جزء من اللّه ، وأنّ ديانتهم خاصّة بهم ، مقفلة على الشعب اليهوديّ.

يجوز غشّ غير اليهوديّ وسرقته ، واقتراضه بالربا الفاحش ، وشهادة الزور ضدّه ، وعدم البرّ بالقسم أمامه.

الولد الأكبر الذكر هو أوّل من يرث ، وله حظّ اثنين من اخوته ، ولا فرق بين المولود بنكاح شرعيّ أو غير شرعيّ في الميراث.

بعد الزواج تعدّ المرأة مملوكة لزوجها ، ومالها ملك له ، ولكن لكثرة الخلافات فقد أقرّ بعد ذلك أن تملك الزوجة رقبة المال ، والزوج يملك المنفعة.

من بلغ العشرين ولم يتزوّج فقد استحقّ اللعنة ، وتعدد الزوجات جائز شرعاً.

( حسين عبد الحميد - إيران - 52 سنة - بكالوريوس )

المسيح ليس هو اللّه ولا ابنه :

س : أنا أحاور بعض المسيحيين ، وأُودّ أجوبة عقليّة ومن كتبهم على ما يلي :

1 - إنّ اللّه سبحانه لا يمكن أن يكون جسماً ومادّة.

2 - إنّ المسيح ليس ابن اللّه.

3 - إنّ المسيح ليس هو اللّه.

وإن كان هذا الموقع لا يختصّ بهذا المجال ، أرجو إعطائي عناوين مواقع

ص: 499

أُخرى مختصّة به ، ولكم الشكر والتوفيق لكلّ من يقوم بخدمة هذا الموقع.

ج : إنّ الجواب العقليّ للأسئلة الثلاثة هو جواب واحد ، ويتلخّص في معرفة المبدأ ، وباختصار : يجب أن نعلم أنّ ما سوى اللّه تعالى مخلوق له ، فالأزلية والقدم يختصّان بذاته لا غيرها.

وعليه ، فالمسيح عليه السلام وكلّ جسم ومادّة بما أنّه موجود ومخلوق فهو مباين لذات البارئ تعالى ، وتفصيل الكلام يطلب من مباحث التوحيد في علم الكلام.

ولا يخفى أنّ السؤال الثاني والثالث هما من متفرّعات عقيدة التثليث الموجودة في كتبهم ، وقد أبطلها المحقّقون والعلماء ، إذ لا أساس لها عقلاً ونقلاً ، ولا تعتمد على أدلّة بيّنة وواضحة ، بل قد ينسب هذه النظرية الباطلة إلى فلاسفة اليونان.

والغريب أنّه ورد في ابتداء إنجيل متّى تعبيراً عن عيسى عليه السلام : « ميلاد المسيح ابن داود بن إبراهيم بن ... بن يوسف النجار » ، وهذا الكلام مع خطأه ، يفنّد مزاعم القائلين ببنوّته لله تعالى.

نعم ، هناك بعض الإشارات في العهد الجديد - وإن كان متناقضاً مع الخطّ العامّ المرسوم في الأناجيل الموجودة - يوحي بأنّ التعبير بالابن هو لتصوير العلاقة بين الفرد أو المجموعة باللّه تبارك وتعالى ، لميزة الإيمان والطاعة ، فمثلاً ، جاء عن المسيح عليه السلام بالنسبة للمؤمنين قوله : « لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات ؛ طوبى لصانعي السلام ، لأنّهم أبناء اللّه يدعون » ، كما كثيراً ما سمّي المؤمنين « أولاد اللّه » في العهد الجديد.

( .... - السعودية - 19 سنة )

يجب معاملتهم بالحسنى :

س : كيف يمكن التوفيق بين البراءة من الكفّار ومعاداتهم - وفي بعض

ص: 500

الروايات ضيّقوا عليهم في الطرقات - وبين مشاركتهم في الإنسانية ، وقول الإمام علي عليه السلام : « فإنّهم صنفان : إمّا أخ لك في الدين ، وإمّا نظير لك في الخلق »(1).

ج : ليس هناك أيّ تناقض بين القولين ، فالأوّل ناظر إلى الأعداء من الكفّار الذين يجب التعامل معهم بالتبرّي منهم ومعاداتهم ، أمّا القول الثاني - وهو قول أمير المؤمنين عليه السلام إلى مالك الأشتر ، عندما ولاّه مصراً - فناظر إلى هذه المجموعة من الناس الواقعين تحت ولاية مالك ، فهم إمّا مسلمون ، أو مرتبطون مع المسلمين بذمام ، وهؤلاء يجب معاملتهم بالحسنى ، نظراً إلى الجانب الإنساني فيهم ، وهم بارتباطهم بذمام مع المسلمين لا يتعامل معهم كأعداء.

وإذا خرج أهل الذمّة عن الشروط المشروطة عليهم ، فإنّه لا يكتفى بمعاداتهم ، بل قد يصل الأمر إلى قتلهم ، فكلامه عليه السلام ناظر إلى هذين المجموعتين من الرعية ، وهم المسلمون وأهل الذمّة ، فأشار بمقولته إلى ذلك ، وغير ناظر إلى الكفّار من غير أهل الذمّة ، فإنّ التعامل معهم يكون بالمعاداة والبراءة منهم.

( ابنة المسيح - مصر - مسيحية - 18 سنة - طالبة جامعة )

تشبيه فكرة التثليث والتوحيد :

س : إن أردنا تشبيه فكرة التثليث والتوحيد فلننظر إلى الإنسان ، له عقل وجسد وروح ، فهل نستطيع القول أنّ أحد الثلاثة أهمّ عند الإنسان من الآخر؟ أو أعلى من الآخر؟

وأيضاً فلننظر إلى الشمس ، فلها ضوء وحرارة ونفس النجم ، هل إحداهن أهمّ من الآخر؟ فبدون أي منهن يموت الإنسان.

ص: 501


1- شرح نهج البلاغة 17 / 32.

أشكر سيادتكم وسعة صدركم للردّ ، والرجاء إذا أردت الدليل أُنظر إلى الآية : ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ) (1) فهنا القرآن أثبت وجود الثلاث أقانيم : الكلمة وهو السيّد المسيح الإله المتجسّد ، والروح وهو روح القدس ، واللّه الأب ، وهؤلاء الثلاثة هم واحد.

ج : يتعيّن علينا أن نعرف أوّلاً ما هو المقصود من التثليث؟ الذي ربما يعبّرون عن الموصوف به بالثالوث المقدّس ، وهم يقولون في تفسير فكرة التثليث : إنّ الطبيعة الإلهيّة تتألّف من ثلاثة أقانيم متساوية الجوهر ، أي الأب والابن وروح القدس.

والأب هو خالق جميع الكائنات بواسطة الابن ، والابن هو الفادي ، وروح القدس هو المطهّر ، وهذه الأقانيم الثلاثة مع ذلك ذات رتبة واحدة ، وعمل واحد.

والأقنوم لغة يعني : الأصل ، والشخص ، فإذن يصرّح المسيحيّون بأنّ هذه الآلهة الثلاثة ذات رتبة واحدة ، وعمل واحد ، وإرادة واحدة ، بموجب هذا النقل.

ونحن نتساءل ما هو مقصودكم من الآلهة الثلاثة؟ والواقع إنّ للتثليث صورتين لا يناسب أيّ واحد منهما المقام الربوبيّ :

1 - أن يكون لكلّ واحد من هذه الآلهة الثلاثة وجود مستقلّ عن الآخر ، بحيث يظهر كلّ واحد منها في تشخّص ووجود خاصّ ، فكما أنّ لكلّ فرد من أفراد البشر وجوداً خاصّاً كذلك يكون لكلّ واحد من هذه الأقانيم أصل مستقلّ ، وشخصية خاصّة ، متميّزة عمّا سواها.

غير أنّ هذا هو نظر الشرك الجاهليّ ، الذي كان سائداً في عصر الجاهلية في صورة تعدّد الآلهة ، وقد تجلّى في النصرانية في صورة التثليث! ولكن دلائل

ص: 502


1- النساء : 171.

التوحيد قد أبطلت أي نوع من أنواع الشرك من الوثنية ، والتثليث في المقام الألوهيّ والربوبيّ.

وأدلّة التوحيد في الذات مذكورة في مضانّها من كتب الكلام ، فراجعي.

والعجيب حقّاً أنّ مخترعي هذه البدعة من رجال الكنيسة يصرّون بشدّة على أن يوفّقوا بين هذا التثليث والتوحيد بالقول : بأنّ الإله في كونه ثلاثة واحد ، وفي كونه واحداً ثلاثة ، وهل هذا إلاّ تناقض فاضح؟! إذ لا تساوي الواحد مع الثلاثة في منطق أيّ بشر!! وليس هذا التأويل من سبب ، غير أنّهم لمّا واجهوا من جانب أدلّة التوحيد اضطرّوا إلى الإذعان بوحدانية اللّه تعالى.

ولكنّهم من جانب آخر لمّا خضعوا للعقيدة الموروثة - أي عقيدة التثليث - التي ترسّخت في قلوبهم أيّما رسوخ ، حتّى أنّهم أصبحوا غير قادرين من التخلّص منها ، والتملّص من حبائلها ، التجأوا إلى الجمع بين التوحيد والتثليث ، وقالوا : إنّ الإله واحد في ثلاثة وثلاثة في واحد!! وهو أن يقال : أنّ الأقانيم الثلاثة ليست بذات لكلّ منها وجود مستقلّ ، بل هي بمجموعها تؤلّف ذات إله الكون الواحد ، فلا يكون أيّ واحد من هذه الأجزاء والأقانيم بإله بمفرده ، بل الإله هو المركّب من هذه الأجزاء الثلاثة.

ويرد على هذا النوع من التفسير أنّ معنى هذه المقالة هو كون اللّه مركّباً محتاجاً في تحقّقه وتشخّصه إلى أجزاء ذاته - أي هذه الأقانيم الثلاثة - بحيث ما لم تجتمع لم يتحقّق وجود اللّه تعالى.

وفي هذه الصورة سيواجه أرباب الكنيسة والنصارى إشكالات أكثر وأكبر من ذي قبل :

أ - أن يكون إله الكون محتاجاً في تحقّق وجوده إلى الغير - وهو كلّ واحد من هذه الأقانيم ، باعتبار أنّ الجزء غير الكلّ - في حين أنّ المحتاج إلى الغير لا يمكن أن يكون إلهاً واجب الوجود ، بل يكون حينئذ ممكناً مخلوقاً محتاجاً إلى من يرفع حاجته ، كغيره من الممكنات.

ص: 503

بل يلزم كون الأجزاء الممكنة مخلوقة لله سبحانه من جانب ، ويلزم أن يكون الإله المتكوّن منها مخلوقاً لها من جانب آخر.

ب - إمّا أن تكون هذه الأجزاء ممكنة الوجود أو واجبة ، فعلى الأوّل يلزم احتياج الواجب - أي الكلّ - إلى الأجزاء الممكنة ، وعلى الثاني يلزم تعدّد واجب الوجود ، وهو محض الشرك ، وعندئذٍ فلا مناص من أن يكون ذلك الإله الخالق بسيطاً غير مركّب من أجزاء وأقانيم.

ج - إنّ القول بأنّ في الطبيعة الإلهيّة أشخاصاً ثلاثة ، وأنّ كلّ واحد منها يملك تمام الألوهية ، معناه أن يكون لكلّ واحد من هذه الثلاثة وجوداً مستقلاً ، مع أنّهم يقولون : إنّ طبيعة الثالوث لا تقبل التجزئة.

وبتعبير آخر : إنّ بين هذين الكلامين ، أي استقلال كلّ أقنوم بالطبيعة الألوهية ، وعدم قبول طبيعة الثالوث للتجزئة تناقضاً صريحاً.

د - إذا كانت شخصية الابن إلهاً - أي أحد الآلهة - فلماذا كان يعبد الابن أباه؟

وهل يعقل أن يعبد إله إلهاً آخر مساوياً له ، وأن يمد إليه يد الحاجة ، أو يخضع أحدهما للآخر ، ويخفض له جناح التذلّل والعبودية ، وكلاهما إلهان كاملا الألوهية.

هذا حقّ المقال حول التثليث ، ومن العجب أنّ أحد القسّيسين القدامى - وهو أوغسطين - قال : « أؤمن بالتثليث لأنّه محال » (1).

ومن هذا العرض يتّضح الجواب على تشبيه فكرة التثليث بالإنسان ، هذا لو تنزلّنا وقلنا : أنّ العقل والروح والجسد متساوية الرتبة ، وهي التي تكوّن حقيقة الإنسان.

وأمّا إذا قلنا - وهو الحقّ - : أنّ حقيقة الإنسان هو النفس المجرّدة عن أيّ شيء

____________

(1) مفاهيم القرآن 1 / 276.

ص: 504

وراء الجسد ، فلا يصحّ التشبيه أصلاً ، ومع ذلك لا تخرج حقيقة الإنسان عن التركّب فهو ماهية!!

ومثله التشبيه بالشمس ، فإنّ الضوء والحرارة أثران من آثار الشمس ، كما أنّ النار هي علّة للضوء وللحرارة ، فلاحظ.

وأمّا الجواب على الآية الواردة في السؤال ، فإنّ الآية صريحة في آخرها بنفي التثليث ، قال تعالى : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ ) .

فمع أنّك لم تقبلي الآية كاملة ، وقطعتيها من الأوّل والآخر ، حتّى تشبّهي القارئ بما تريدين!! لم تطبّقي التقسيم بصورة جيّدة ، وأقحمت التقسيم الثلاثي للآية إقحاماً.

وأمّا تفسيرها : فإنّ قوله تعالى : ( عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ) فقد وصفه القرآن بكونه ابن مريم ، فكيف يمكن أن يكون إلهاً يعبد؟ أو ابناً لله؟

وقوله : ( رَسُولُ اللّهِ ) فإنّ الكونَ بأجمعه كلمة لله ، وأنّ نظامه البديع يحكي عن علمه جلّ وعلا ، ويخبر عن حكمته ، ويعبّر عن قداسته كما تعبّر الألفاظ والكلمات عن معانيها ، ولكن حيث أنّ هذه الكلمة - أي المسيح - خلق دون توسطّ أسباب وعلل ، لذلك أُطلقت عليه لفظة الكلمة بخصوصه ، لإبراز أهمّيته الخاصّة من بين كلمات اللّه الأُخر.

وقوله تعالى : ( رُوحٌ مِّنْهُ ) أي من جانب اللّه تعالى.

ص: 505

ص: 506

الفهرس

الإمام علي عليه السلام

إسلامه وفضائله... 7

أسماؤه وألقابه... 13

كنيته بأبي تراب... 15

ردّ بعض موارد الغلّو فيه... 16

السبب في عدم ذكره بالنصّ في القرآن... 17

لم يذكر اسمه في القرآن بالنصّ... 18

فرية خان الأمين... 21

علّة انتخابه خليفة من قبل أهل السنّة... 21

أوّل من أسلم... 22

تحمّل الأذى لحفظ الإسلام... 22

روايات يشمّ منها رائحة الغلوّ... 24

سكوته عن مطالبة حقّه بالخلافة... 25

سيفه ذو الفقار... 27

قتاله لعمرو بن عبد ودّ في الخندق... 30

قتاله للناكثين والقاسطين والمارقين... 33

رسول اللّه نام بينه وبين عائشة... 37

ص: 507

صلّى في بداية البعثة والصلاة لم تفرض بعد... 40

لا غلوّ في حبّه... 41

لا يبغضك إلاّ من خبث أصله... 45

لم يحارب الشيخين... 46

رفع عمر بن عبد العزيز السبّ عنه... 47

لم يقتل ابن ملجم مع أنّ الخضر قتل الغلام... 47

لم يقم بالإصلاح... 48

ما شرب الخمر قبل تحريمها... 49

ما رأيكم فيما كتبه هذا المُعد؟... 50

حول خطبتي البيان والطتنجية... 52

حقّه كحقّ الوالد على الولد... 56

مع اليهوديّ عند القاضي شريح... 57

معنى الأنزع البطين... 59

زواجه لا يدلّ على مشروعية الخلفاء... 60

كراماته في طريقه لصفّين... 62

منزلته عند اللّه ورسوله... 66

نزول ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ... ) فيه من مصادر سنّية... 67

لم يحرق أحداً... 67

معنى استغفاره لربّه... 68

قسيم الجنّة والنار... 69

مصادر تثبت ولادته في الكعبة... 70

ولايته شرط لقبول الأعمال... 71

نوره ونور النبيّ واحد... 74

صك البراءة بيده من مصادر سنّية... 75

ص: 508

معنى قوله : أنا الأوّل وأنا الآخر... 76

دابة الأرض... 77

مصادر سبّه من قبل الأمويّيّن... 78

خير البشر فمن أبى فقد كفر... 81

مصادر حديث علي وشيعته هم الفائزون... 82

معنى حبّه حسنة لا تضرّ معها سيئة... 83

تشخيص قبره وبنائه... 85

كان في صلح الحديبية... 86

طالب بحقّه... 87

تكليمه للشمس... 88

تصدّقه بالخاتم لم يخرجه من الصلاة... 89

سكوته عمّا جرى على ولده محسن... 90

تكلّمه وهو صغير وقراءته للقرآن قبل نزوله... 91

معنى أنّه ولي اللّه... 92

زواجه من بنت أبي جهل أسطورة... 101

صبر لوصية من النبيّ... 144

مواصفات الإمامة تنطبق عليه... 149

جاء النصّ على خلافته من يوم الدار... 152

حكم صلاته أثناء إخراج السهم منه... 153

كان حاضراً يوم الرزية... 154

في مصحفه تفسير وتأويل للآيات القرآنية... 155

مصادر تآمر خالد بن الوليد على قتله... 156

معنى أنّه هاجر الهجرتين... 157

ص: 509

الإمام الحسن عليه السلام

لم يكن كثير الزواج والطلاق... 159

موقف عائشة ومروان عند دفنه... 160

حيثيّات صلحه... 165

لماذا صالح معاوية ولم يثأر كأخيه الحسين... 171

ومضامين كتاب الصلح... 173

حكمة صلحه وجهاد أخيه... 175

لم يجبر على البيعة... 177

كيفية مقتله... 178

بصلحه كشف حقيقة معاوية... 180

الإمام الحسين عليه السلام

أسباب ثورته... 183

استحباب زيارته يوم الأربعين... 187

الإمام السجّاد تولّى عملية دفنه... 188

فرق الجسم والجسد الواردان في زيارته... 189

ظهور الآيات الكونية عند استشهاده... 189

حكم من ذكر مقتله ولم ينصره... 190

خروجه لا يعدّ إلقاءً في التهلكة... 191

رأسه الشريف يقرأ القرآن... 193

فلسفة أخذه العيال إلى كربلاء... 194

في الأربعين ألحق رأسه بجسده... 195

كنيته... 196

ص: 510

التأكيد على زيارته في الأربعين... 197

لولاه لما بقي للدين أثر... 197

قتلته شيعة آل أبي سفيان... 198

هل إبراهيم استجار به؟... 201

طلبه من الشباب الإذن من أُمّهاتهم... 202

يتلو رأسه آية أم حسبت... 202

كيفية قتله... 203

كسفت الشمس لقتله... 208

الاهتمام بزيارته لا يلزم أفضليته على غيره... 209

سبب البكاء عليه... 213

أُخذ رأسه إلى الشام... 218

لم يأخذ برأي أولاد مسلم في مسيره لكربلاء... 220

أصحابه أفضل من أصحاب الإمام المنتظر... 221

أسباب عدم نصرته... 222

مواساة الأنبياء له... 225

الأقوال في مكان دفن رأسه... 227

رضاعه من إبهام النبيّ... 230

الإمام السجّاد عليه السلام

احتكامه مع محمّد بن الحنفية إلى الحجر الأسود... 235

من ألقابه السجّاد... 236

حكمة مرضه يوم عاشوراء... 236

مرقده في المدينة لا في مصر... 237

ص: 511

حضوره يوم عاشوراء... 237

معنى قوله : أنا ابن مكّة ومنى... 238

الإمام الباقر عليه السلام

بعض المصادر في تسميته... 241

بعض النصوص الواردة في إمامته... 241

حضوره واقعة الطفّ... 242

ضرب النقود الإسلامية بأمره... 243

هو حسينيّ وحسنيّ... 244

الإمام الصادق عليه السلام

وأئمّة المذاهب الأربعة... 245

كثرة الأحاديث عنه... 246

وجه تلقيبه بالصادق... 247

ردّ حديث منسوب إليه... 247

توحيد المفضّل والأهليلجة... 248

الإمام الكاظم عليه السلام

مدّة بقائه في السجن... 251

غسّله الإمام الرضا... 251

تنوّع علومه... 252

الإمام الرضا عليه السلام

تزويجه بنت المأمون... 255

إصرار المأمون عليه بقبول ولاية العهد... 256

ص: 512

نسب السادة الرضوية... 257

علّة استشهاده... 257

ولاية عهده كانت خطّة مدروسة من قبل المأمون... 258

كان أسمر شديد السمرة... 259

الإمام الجواد عليه السلام

صغر السن... 261

مشابهته لبعض الأنبياء... 261

إجابته على مسائل كثيرة في مجلس واحد... 262

تولّى بنفسه تجهيز والده... 263

إمامته في صغر سنّه... 264

ردّه على ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد... 266

الإمام الهادي عليه السلام

علمه وإخباره بموت الواثق... 269

دفن في بيته... 270

حذّر من ابنه جعفر... 271

الإمام العسكريّ عليه السلام

روي عنه أحاديث قليلة... 273

المعتمد دسّ إليه السمّ... 274

مدّة إمامته... 275

إمامته منصوصة... 276

قول أبيه له أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً... 277

ص: 513

رؤية نرجس له بالحلم... 279

الإمام المهديّ عليه السلام

إثبات وجوده بالفطرة... 281

مولود وغائب متّفق عليه عند الشيعة... 282

اتجاهان في تفسير الدجّال... 282

أدلّة قرآنية على حياته... 283

زواجه... 286

شرعية مخاطبته عن طريق الرسائل... 287

بعض الأدلّة على إمامته... 288

أدلّة على ولادته... 289

الاعتقاد به من ضروريّات الإسلام... 290

الدليل العقليّ على وجوده... 292

المبالغة بالقول في قتله للأعداء... 296

ثبوت ولادته في روايات متواترة... 297

دفع شبهات حول ولادته... 298

دور المرأة عند ظهوره... 300

ظهوره نعمة ونقمة... 301

عبد اللّه ليس اسم أبيه... 302

من علامات ظهوره... 310

فضل النصف من شعبان في كتب السنّة... 311

فلسفة الدعاء بتعجيل فرجه... 312

في أحاديث الرسول من كتب السنّة... 313

ص: 514

كاذب من يدّعي السفارة عنه... 315

كيفية موته ونهاية العالم... 316

معنى كونه شريكاً للقرآن... 317

إمكان حضوره في أكثر من مجلس... 317

كيفية الاستعداد للقائه... 318

من وصيّه بعد غيبته... 318

الجديد الذي يأتي به... 319

مثلّث برمودا لا صلة له بالجزيرة الخضراء... 322

يصلّي الإمام الحسين على جنازته... 323

نسبه وعلاقته بالخضر... 324

الاعتماد عليه لا يوجب طول الأمل والرقود عن الحقّ... 325

هو حجّة علينا رغم عدم ظهوره... 326

ليس هو عيسى نفسه... 327

القيام ووضع الكفّ على الرأس عند ذكر لقب القائم... 328

تعليق على السؤال السابق... 329

ولادته في كتب أهل السنّة... 329

ماذا يجب أن نفعله في الغيبة... 331

معنى يأتي بكتاب جديد... 333

من مميّزات أنصاره... 333

المقصود من سرداب الغيبة... 334

حجّة اللّه على الخلق... 335

يحكم بالحكم الواقعي لا الظاهري... 337

عقيدتنا فيه... 337

ص: 515

غير السفّاح الوارد في بعض الروايات... 340

كاتب الشيخ المفيد بثلاث توقيعات... 341

علامات ظهوره وقيام الساعة... 342

اتجاهان في تمهيد الأرضية لظهوره... 344

الإمامة

أهمّيتها... 347

أعلى رتبة من النبوّة... 352

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 352

تعليق ثاني على الجواب السابق وجوابه... 353

الأدلّة على إمامة أمير المؤمنين... 354

بلّغ النبيّ لها في بدايات دعوته... 357

عدم اجتماع إمامين في زمن واحد... 358

كلّ إمام كانت له مهمّة خاصّة... 359

كيفية النصّ للإمام اللاحق من الإمام السابق... 360

كيفية اختيار الإمام... 361

تكون في إمامين ومن نسل الحسين... 362

لماذا رفض الأئمّة استلامها... 362

من أدلّتها احتياج الغير إليه... 363

من أُصول المذهب... 364

من صفاتها سلامة الإمام من العاهات... 365

منصوص عليها عند الشيعة... 366

أساس الخلاف بين الفريقين... 366

ص: 516

هي أصل الاختلاف... 368

هي بجعل من اللّه... 369

ليست حكماً وراثيّاً... 370

عامّة وخاصّة... 371

دورها... 372

قول علي : دعوني والتمسوا غيري... 384

أدلّتها من كتب أهل السنّة... 385

أُمّهات المؤمنين

باعتبار المحرمية وعدم جواز الزواج بهن... 393

حول بنات خديجة وعمرها عند زواجها... 393

عائشة متّهمة بالإفك... 395

ما معنى الأُمومة للمؤمنين... 396

هل نساء النبيّ من أهل البيت... 397

إيمان خديجة... 399

أهل البيت عليهم السلام

ليس منهم آل عقيل وآل جعفر... 401

آية التطهير شاملة لبقية الأئمّة... 401

الدليل على إتمام الصلاة على محمّد بآله... 402

السرّ في تفضيل ذرّيتهم على غيرهم... 404

الصلاة على محمّد وآل محمّد... 405

تعقيب حول الجواب السابق... 406

الكتب السنّية المؤلّفة حولهم... 409

ص: 517

تفضيل السادة على غيرهم... 410

تفويضهم من قبل اللّه تعالى... 412

حبّهم شيء وإعطاء حقّهم شيء آخر... 415

المقصود بالآل وحديث الكساء... 418

عدم الاعتقاد ببعض سيرتهم... 418

التفاضل فيما بينهم... 419

غير أزواج النبيّ... 420

كيفية انتشار النسل الهاشمي... 421

لا دليل على أنّ الانتساب يكون من طريق الأب فقط... 421

والصلاة عليهم... 424

وخلق السماوات... 425

حرّمت الصدقة عليهم... 425

لولاهم لما خلق الكون... 427

المقصود من آل ياسين... 430

هم الثقل الأصغر... 431

حكم الصور المنسوبة لهم... 432

رؤيتهم في المنام... 432

مصادر حديث : هذا إمام ابن إمام... 433

معنى فقرة من زيارة الجامعة... 433

مقامهم... 434

إنّهم وجه اللّه وعينه ويده... 435

من هم الآل في آية التطهير... 438

ص: 518

منشأ ألقابهم... 440

موالاتهم عامل مهم لدخول الجنّة... 441

موقفهم من الحركات الثورية الشيعيّة... 442

مبغضهم يدخل النار... 445

هم آل اللّه... 446

هم الراسخون في العلم... 446

هم علّة الخلق... 448

إهداء ثواب قراءة القرآن لهم... 449

مطهّرون قبل نزول آية التطهير... 449

معنى تطهيرهم أي عصمتهم... 451

هم أصحاب الكساء للروايات وتغيير صيغة الضمائر... 453

لأمّهات الأئمّة شأن خاصّ... 454

نعتقد بعصمتهم وعلمهم للغيب... 455

جواري الأئمّة لم يمسّهن أحد غير الإمام... 456

هم أفضل أم القرآن؟... 459

أدلّة على بطلان شمول آية التطهير لأزواج النبيّ... 460

قبولهم توبة الغالي... 463

اختصاص بعض الآيات بهم... 464

الكتب التاريخية المؤلّفة حولهم... 467

معناه اللغويّ... 468

ما يتعلّق بخبائثهم... 473

ص: 519

أهل السنّة

وجه تسميتهم بهذا الاسم... 477

هم مسلمون... 477

إطلاق مصطلح أهل السنّة والجماعة... 479

ليسوا أولاد بغايا... 480

يعيشون مع الشيعة بأمن وسلام... 481

السبب من مخالفتهم لولاية علي... 482

وغفلتهم عما في الصحاح... 483

القاصرين منهم قد يدخلون الجنّة... 484

الحكم بإسلامهم وطهارتهم... 485

المستضعفون منهم قد يدخلون الجنّة... 487

أهل الكتاب

كلّفوا بتكاليف أشدّ من تكاليفنا... 489

ذبيحتهم في رأي فقهاء الشيعة... 492

لم يصلب المسيح... 496

من معتقدات المسيحية واليهود... 496

المسيح ليس هو اللّه ولا ابنه... 499

يجب معاملتهم بالحسنى... 500

تشبيه فكرة التثليث والتوحيد... 501

الفهرس... 507

ص: 520

المجلد 3

هوية الکتاب

المؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة

الناشر: مركز الأبحاث العقائدية

المطبعة: ستاره

الطبعة: 1

الموضوع : العقائد والكلام

تاريخ النشر : 1429 ه-.ق

ISBN (ردمك): 978-600-5213-03-4

المکتبة الإسلامية

موسوعة

الأسئلة العقائدية

المجلد الثالث

تأليف

مركز الأبحاث العقائدية

ص: 1

اشارة

مركز الأبحاث العقائدية :

إيران - قم المقدسة - صفائية - ممتاز - رقم 34

ص . ب : 3331 / 37185

الهاتف : 7742088 (251) (0098)

الفاكس : 7742056 (251) (0098)

العراق - النجف الأشرف - شارع الرسول (صلى اللّه عليه وآله)

جنب مكتب آية اللّه العظمى السيد السيستاني دام ظله

ص . ب : 729

الهاتف : 332679 (33) (00964)

الموقع على الإنترنيت : www.aqaed.com

البريد الإلكتروني : info@aqaed.com

شابِك ( ردمك ) :3-00-5213-600-978

شابِك ( ردمك ) :0-01-5213-600-978

موسوعة الأسئلة العقائدية المجلد الأول

تأليف

مركز الأبحاث العقائدية

الطبعة الأولى - 2000 نسخة

سنة الطبع: 1429ه

المطبعة : ستارة

الفلم والألواح الحسّاسة : تيزهوش

* جميع الحقوق محفوظة للمركز *

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

دليل الكتاب

البداء... 7

البدعة... 19

البكاء على الميّت... 23

البناء على القبور... 27

البيعة... 35

التبرّك... 47

التجسيم والتشبيه... 59

تحريف القرآن... 83

تزويج أُمّ كلثوم من عمر... 121

التسمية بأبي بكر وعمر وعثمان... 151

التسمية بعبد النبيّ ونحوه... 161

تفضيل الأئمّة... 173

التقيّة... 189

التكتّف... 197

التوحيد والتثليث... 203

التوسّل والاستغاثة... 207

الجبر والاختيار... 229

الجفر... 253

الجمع بين الصلاتين... 257

الحجاب... 273

الحديث... 283

حديث اثني عشر خليفة... 347

حديث الثقلين... 353

ص: 5

حديث الدار... 365

حديث ردّ الشمس... 371

حديث السفينة... 383

حديث العشرة المبشّرة... 389

حديث المؤاخاة... 399

حديث مدينة العلم... 403

حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه... 407

حديث المنزلة... 411

الخلفاء... 419

الخلق والخليقة... 447

الخمس... 469

الخوارج والأباضية... 481

الدعاء... 489

الذبح عند القبور... 509

رؤية الله تعالى... 513

الرجعة... 527

رزية يوم الخميس... 535

زواج المسيار... 541

زيارة القبور... 547

زيد بن علي والزيديّة... 565

زينب الكبرى... 601

ص: 6

البداء :

اشارة

( فهيمة حسن علي السبع - البحرين - 20 سنة - طالبة متوسّطة )

الفرق بينه وبين النسخ :

س : ما هو البداء؟ وما الفرق بينه وبين النسخ؟

ج : إنّ البداء في اللغة هو الظهور بعد الخفاء ، والمقصود منه عند الشيعة : ما يظهر للناس متأخّراً عمّا كانوا يرونه ، أو يتصوّرونه سابقاً.

وهذا المعنى لا إشكال فيه من جهة الإمكان والوقوع ، إذ لا يوجد في الالتزام به أيّ محذور عقلي ، مضافاً إلى وقوعه في موارد متّفق عليها ، مثل رفع العذاب عن قوم يونس بعدما أُخبروا بنزوله ، أو تبديل ذبح إبراهيم لابنه إسماعيل عليهما السلام بفداء بعدما تحقّق عنده ذبحه أوّلاً ، وغيرها.

هذا ، وقد نصّ القرآن الكريم بجواز هذا المعنى ووقوعه : ( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (1).

وعلى هذا لا مجال لما ينسبونه إلى الشيعة من الاعتقاد بوقوع الجهل في علم الله تعالى - تعالى الله عمّا يصفون - فإنّ الشيعة براء ممّا يتفوّهون به ، بل الأمر كما ذكرنا ليس فيه أيّ إيهام أو إبهام ، وهو واضح كلّ الوضوح لمن له أدنى تأمّل في المسألة.

ثمّ إنّ الفرق بين البداء والنسخ هو في متعلّقهما - بعد الاشتراك في أصل

ص: 7


1- 1. الرعد : 39.

الفكرة - وتوضيحه : أنّ البداء يقع في التكوينيّات ، أي في الحوادث والوقائع الملموسة ، والخارجية التي وقعت أو سوف تقع ، ولا دخل له بالجانب التشريعيّ ، أي لا يرتبط بوظائف المكلّفين ؛ في حين أنّ النسخ هو الحكم الإلهيّ التشريعيّ بحذف وظيفة عملية ، أو تبديلها بوظيفة أُخرى لمصلحة يراها الباري عزّ وجلّ ، ولا صلة له بالحوادث والوقائع ، بل يرتبط بتحديد وظائف العباد من حيث العمل والتكليف.

( علي - الكويت - .... )

حصوله في الإمامين العسكريّ والكاظم :

س : هناك روايات تنصّ على أسماء الأئمّة جميعهم ، فهل هذه الروايات تتعارض مع مسألة البداء التي حصلت للإمام الحسن العسكريّ حين قال له الإمام الهادي عليه السلام : ( يا بني أحدث لله شكراً ، فقد أحدث الله فيك أمراً ) (1) ، حيث لو كان أسماء الأئمّة معروفة فما هو موقع البداء بتعين الإمام العسكريّ عليه السلام إماماً ، مع شهرة القول بإمامة محمّد ابن الإمام الهادي عليه السلام.

ولكم جزيل الشكر.

ج : نشير إلى عدّة نقاط لها صلة بالموضوع ، قد ترفع الإبهام عن المسألة :

1 - إنّ البداء بأيّ تفسير مقبول يجب أن لا يعارض العلم الأزليّ لله تعالى ، وهذا شيء لا مناص منه ، ومتّفق عليه.

2 - معنى البداء - على التحقيق - هو إظهار شيءٍ في عالم التكوين من جانب الله عزّ وجلّ ، كان مكتوماً على الناس ، فهم كانوا لا يرونه أو يرون خلافه ، فبإظهاره تعالى يظهر عندهم ، ففي الواقع البداء هو إظهار من قبل الله - على لسان المعصومين عليهم السلام - وظهور عند الناس ، فله وجهان باعتبارين ، ونظرتين

ص: 8


1- 1. كشف الغمّة 3 / 201.

مختلفتين فلا تنافي بينهما.

3 - إنّ النصوص الواردة في أسماء الأئمّة المعصومين الاثني عشر عليهم السلام هي بحدّ الاستفاضة أو التواتر ، وكلّها متّفقة في العدد والأسامي ، وعليه فكلّ ما يُوهم خلاف ذلك ، إمّا مردود سنداً ، وإمّا ممنوع ومخدوش من باب الدلالة.

4 - إنّ الرواية التي تتحدّث عن طروّ البداء في شأن الإمام العسكريّ عليه السلام - مع غضّ النظر عن البحث السندي فيها - ليس فيها ما ينافي القواعد التي ذكرناها ، بل فيها تلويح بأنّ الناس كانوا يرون الإمامة بعد الإمام الهادي عليه السلام في ابنه الأكبر السيّد محمّد سبع الدجيل ، وثمّ بعد وفاته صرّح الإمام الهادي عليه السلام بخطأ ما ذهبوا إليه ، بعد ما تبيّن عندهم أيضاً ذلك.

والذي يدلّ على ما قلنا أنّه لا يوجد أيّ تصريح من الإمام الهادي عليه السلام ، أو آبائه بإمامة السيّد محمّد ، حتّى يفرض تبديل كلامهم عليهم السلام حينئذٍ ، بل إنّ الشيعة ومن منطلق ارتكازاتهم الموجودة ، كانوا يعتقدون بإمامة الولد الأكبر ، ولكنّ الله تعالى ومن منطلق علمه الأزليّ ، ووجود المصالح الإلهيّة كان لا يرى ذلك ، وفي نفس الوقت المصلحة العليا تقتضي أن لا يصرّح بهذا الموضوع قبل وفاة السيّد محمّد.

ثمّ هذه المصلحة قد تكون هي بيان مقام السيّد محمّد وعظمته عند الشيعة ، حتّى يعرفونه بحدّ معرفتهم عن الإمام عليه السلام ، أو أنّ المصلحة كانت في إخضاع الشيعة للاختبار الإلهيّ في طاعتها وولائها لله عزّ وجلّ ، والأئمّة المعصومين عليهم السلام ، أو غير ذلك.

وأخيراً : لابأس أن نشير إلى ورود رواية بنفس المضمون في شأن الإمام الكاظم عليه السلام ، لتدلّ على حدوث البداء له بالنسبة إلى أخيه الأكبر إسماعيل.

والبحث في هذه الرواية كسابقتها.

وبالجملة فالاعتقاد والالتزام بالبداء لا يناقض الأُمور الحتمية واليقينية كما ذكرنا.

ص: 9

( مفيد أبو جهاد - السعودية .... )

رأي الشيعة حوله :

س : ما البداء؟ وما وجهة نظر الشيعة فيه؟

ج : البداء في اللغة : الظهور بعد الخفاء.

والبداء في الاصطلاح : ظهور شيء بعدما كان خافياً على الناس.

والشيعة الإمامية تعتقد بالبداء ، وأنّه من المسلّمات ، وقد حثّت روايات أهل البيت عليهم السلام على الاعتقاد به ، وهي روايات كثيرة منها :

1 - قال الإمام الصادق عليه السلام : ( ما عُظّم الله بمثل البداء ) (1).

2 - قال الإمام الصادق عليه السلام : ( لو علم الناس ما في البداء من الأجر ، ما فتروا عن الكلام فيه ) (2).

3 - قال الإمام الباقر أو الإمام الصادق عليهما السلام : ( ما عبد الله بشيء مثل البداء ) (3).

هذا إجمالاً ، وأمّا تفصيلاً :

فقد تعرّض المخالفون إلى مسألة البداء من دون مراجعة إلى كتب الشيعة ، فاتهموا الشيعة بأنّهم يقولون بالبداء بمعنى الجهل على الله تعالى - والعياذ بالله -.

والواقع أنّ منكري البداء اختلقوا من عند أنفسهم للبداء معنى ، وجعلوا يردّدون به على الشيعة ، غافلين عن أنّ أتباع أئمّة أهل البيت عليهم السلام براء من ذلك المعنى ، براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.

ص: 10


1- 1. الكافي 1 / 146.
2- 2. المصدر السابق 1 / 148.
3- 3. المصدر السابق 1 / 146.

ولتوضيح الحقيقة نقول : كما قلنا فإنّ معنى البداء في اللغة هو : الظهور بعد الخفاء ، والدليل عليه بعض الآيات المباركة من قبيل :

1 - قوله تعالى : ( وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا ) (1) أي ظهر لهم ما كان خافياً عليهم من سيئات ما كسبوا.

2 - قوله تعالى : ( ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ ) (2).

وهذا المعنى من البداء يحصل للإنسان فقط ، ولا يحصل في حقّ الله عزّ وجلّ ، لأنّه يلزم الجهل عليه ، وقد اتفقت الشيعة الإمامية على أنّه تعالى لا يجهل شيئاً ، بل هو عالم بالحوادث كلّها ، غابرها وحاضرها ومستقبلها ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فلا يتصوّر فيه الظهور بعد الخفاء ، ولا العلم بعد الجهل ، بل الأشياء دقيقها وجليلها حاضرة لديه.

ويدلّ على ذلك قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء ) (3) ، وقول أمير المؤمنين عليه السلام : ( كلّ سرّ عندك علانية ، وكلّ غيب عندك شهادة ) (4) ، مضافاً إلى البراهين العقلية المقرّرة في محلّها.

وأمّا البداء في الاصطلاح فيمكن نسبته إلى الله تعالى ، ولا يلزم منه الجهل ، فعندما يقال : بدا لله تعالى بمعنى أظهر ما كان خافياً على الناس لا خافياً عليه ، لأنّ الآيات والأحاديث دلّت على أنّ مصير العباد يتغيّر بحسب أفعالهم وصلاح أعمالهم ، من الصدقة ، والإحسان ، وصلة الأرحام ، وبرّ الوالدين ، والاستغفار والتوبة ، وشكر النعمة ، وأداء حقّها ، إلى غير ذلك من الأُمور التي تغيّر المصير وتبدّل القضاء ، وتفرّج الهموم والغموم ، وتزيد في

ص: 11


1- 1. الزمر : 48.
2- 2. يوسف : 35.
3- 3. آل عمران : 5.
4- 4. شرح نهج البلاغة 7 / 194.

الأرزاق والأمطار ، والأعمار والآجال ، كما أنّ لمحرّم الأعمال وسيئها تأثيراً في تغيير مصيرهم بعكس ذلك.

ويدلّ على هذا التغيير من الآيات قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) (1).

ومن الأحاديث الشريفة :

1 - قول الإمام الكاظم عليه السلام : ( عليكم بالدعاء ؛ فإنّ الدعاء لله ، والطلب إلى الله يردّ البلاء ، وقد قدّر وقضى ولم يبق إلاّ إمضاؤه ، فإذا دُعي الله وسُئل صرف البلاء صرفه ) (2).

2 - قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته : ( أعوذ بالله من الذنوب التي تعجّل الفناء ) ، فقام إليه عبد الله بن الكوّاء اليشكريّ فقال : يا أمير المؤمنين أو تكون ذنوب تعجّل الفناء؟ فقال : ( نعم ، ويلك قطيعة الرحم ... ) (3).

3 - قال الإمام الصادق عليه السلام : ( إنّ الدعاء ليردّ القضاء ، وإنّ المؤمن ليذنب فيحرم بذنبه الرزق ) (4).

4 - قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( والاستغفار يزيد في الرزق ) (5).

إذاً تغيّر مصير العباد له أثر في مسألة البداء ، ولتوضيح ذلك نقول :

المقدّرات الإلهيّة على قسمين :

1 - مقدّر محتوم لا يتغيّر ، وهو موجود في اللوح المحفوظ ، وعبّرت الآية المباركة عنه بأُمّ الكتاب ( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (6) ،

ص: 12


1- 1. الرعد : 11 ، والآيات التالية : الأعراف : 96 ، إبراهيم : 7 ، نوح : 10 - 12 ، الصافّات : 143 - 146 ، يونس : 98 ، الأنبياء : 76 و 83 و 88 ، الطلاق : 2 - 3 ، الأنفال : 33 و 53.
2- 2. الكافي 2 / 470.
3- 3. المصدر السابق 2 / 347.
4- 4. الأمالي للشيخ الطوسيّ : 135.
5- 5. الخصال : 505.
6- 6. الرعد : 39.

وهذا القسم لا بداء فيه ولا تغيّر.

2 - مقدّر معلّق قابل للتغيير غير محتوم ، موجود في لوح المحو والإثبات ، وأشارت الآية السابقة إليه ( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ ) ، فراجعوا تفاسير الفريقين في تفسير هذه الآية المباركة الدالّة على وجود هذا القسم من المقدّرات ، التي يتصوّر فيه البداء.

إذاً المراد من البداء هو تغيير المقدّر بالأعمال الصالحة أو الطالحة ، ولا يخفى هنا أنّ الله سبحانه يعلم كلا التقديرين.

والخلاصة : البداء إذا نُسب إلى الله سبحانه فهو بداء منه ، وإذا نُسب إلى الناس فهو بداء لهم ، فالبداء من الله هو إظهار ما خفي على الناس ، والبداء من الناس بمعنى ظهور ما خفي لهم ، وهذا هو الحقّ القراح لا يرتاب فيه أحد.

( أفراح الموسويّ - الكويت - .... )

علاقة الدعاء به :

س : ماذا نعني بعقيدة البداء؟ وهل دعائنا للشخص بأن يطيل الله عمره يتعلّق بعقيدة البداء؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : تعتقد الشيعة الإمامية بالبداء ، وأنّه من المسلّمات ، وقد حثّت روايات أهل البيت عليهم السلام على الاعتقاد به ، وهو : أنّ الله تعالى يبدي ويظهر ما كان خافياً على الناس.

دعاؤنا للشخص بأن يطيل عمره يتعلّق بمسألة البداء ، فقد ورد عن الإمام الكاظم عليه السلام : ( عليكم بالدعاء ؛ فإنّ الدعاء لله ، والطلب إلى الله يردّ البلاء ، وقد قدّر وقضى ولم يبق إلاّ إمضاؤه ، فإذا دُعي الله وسُئل صرف البلاء صرفه ) (1).

ص: 13


1- 1. الكافي 2 / 470.

( ياسر بطيخ - مصر - .... )

يكون إبلاغه بواسطة المعصوم :

س : قد قرأت كثيراً عن مذهب الإمامية ، وتعرّفت على المذهب من كتبه ، ومن كتب الصحاح عند أهل السنّة ، فانجلى لي الحقّ ، ولكنّي توقّفت عند مبدأ البداء ، فرغم فهمي لهذا المبدأ واستيعابي له ، تبادر إلى ذهني سؤال أُريد الإجابة عنه : عرفنا أنّ البداء يكون من الله تعالى ، فمن يعلمنا بالأشياء التي يكون فيها بداء؟ وهل يكون البداء في العبادات ، أم أنّ البداء يكون في أشياء العمر والرزق ، وما إلى ذلك ، ممّا أخبر عنه الرسول الكريم؟

فهناك من يدّعي أنّ هذا المبدأ يخوّل إلى أيّ إمام من الأئمّة ، أن يغيّر في التشريع الإلهيّ ، بحجّة أنّ هذا ممّا بدا من الله تعالى ، وهو - أي الإمام - الوحيد الذي يعلم ذلك بحكم إمامته ، أي هل من حقّ أيّ إمام من الأئمّة التغيير في التشريع الإلهيّ المنزل على رسولنا الكريم من منطلق البداء؟

أفيدونا جزاكم الله.

ج : إنّ معنى البداء - على التحقيق - هو إظهار شيءٍ في عالم التكوين ، من جانب الله عزّ وجلّ ، كان مكتوماً على الناس ، فهم كانوا لا يرونه ، أو يرون خلافه ، فبإظهاره - تبارك وتعالى - يظهر عندهم.

فالبداء إظهار من قبل الله تعالى على لسان المعصومين عليهم السلام.

والبداء يقع في التكوينيّات ، أي في الحوادث والوقائع الملموسة ، والخارجية التي وقعت أو سوف تقع ، ولا دخل له بالجانب التشريعيّ ، أي لا يرتبط بوظائف المكلّفين.

نعم النسخ له دخل بالجانب التشريعيّ ، فالمولى عزّ وجلّ لمصلحة يراها يحكم بحذف وظيفة من وظائف المكلّفين ، أو تبديلها بوظيفة أُخرى ، ولا صلة له بالحوادث والوقائع.

فالنبيّ صلى الله عليه وآله هو الذي نزل عليه القرآن ، وبواسطته بُلِّغ إلينا ، كما أنّ

ص: 14

بواسطته تصل إلينا سائر أنباء الغيب من غير القرآن ، ومنها النسخ والبداء.

وبما أنّ أهل بيت النبيّ هم الأئمّة من قبل الله تعالى على هذه الأُمّة ، وهم الامتداد الطبيعيّ لحفظ الشريعة ، وذلك لقوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1) ، فتكون نفس المهمّة في البداء عليهم.

فالإمام لا يغيّر في التشريع الإلهيّ بحجّة أن هذا ممّا بدا من الله! كما ذكرتم.

وهذا التعبير في غير محلّه ، لأنّ البداء لا يقع في التشريع أوّلاً ، وثانياً : فإنّ الإمام عند الشيعة هو الذي نال منصب الإمامة الإلهيّة ، وأعماله تكون إلهيّة ، يختلف عن مفهوم الإمامة لدى المذاهب الأربعة ، حيث يشترط في الإمام عند الشيعة العصمة.

لذا نقترح عليكم أن تقرؤوا عن الإمامة وحدودها أوّلاً ، لتتضح المسألة أكثر.

( ... - .... - .... )

يكون في القضايا التكوينيّة :

س : أنا شيعية ، ولكنّي أجهل الكثير عن البداء ، حاولت أن أقرأ فقرأت كتب جعلتني أشعر بالغموض أكثر ، لأنّ الكتب تتحدّث بأسلوب أعلى من مستوى فهمي ، بل أنّي لا أستطيع الاعتقاد به ، لأنّه يبدو متناقضاً؟

أفيدوني جزاكم الله ألف خير.

ج : إنّ البداء لغة هو ظهور الشيء بعد خفائه ، واصطلاحاً كما لو بدا للإنسان رأي جديد في شيء ، وكان قد عزم على عمله من قبل ، ثمّ تجلّت

ص: 15


1- 1. المائدة : 55.

مصلحة قد غفل عنها لجهله بها ، وعدم إحاطته بعلل الأشياء وأسبابها ، ثمّ بدا له أن يستأنف العمل على حسب ما ظهر له من صلاح ، وكلّ هذا غير جائز على الله تعالى ؛ ذلك لمطلق إحاطته تعالى بعلل الأشياء وأسبابها ، وشرائط الأُمور وعواقبها.

فلا نقص في إرادته تعالى ولا تبدّل في عزمه ، ولا فراغ عن الأمر بعد خلقه ، ومن نسب إلى الله تعالى إنّه تُبدى له الأُمور بعد جهله بها فهو كافر ، فالله تعالى محيط بكلّ الأشياء لا يعزب عنه شيء ، ولا يغيب علمها عنه.

وقد تبعت الإمامية في ذلك أئمّتهم الهداة عليهم السلام ، فعن الإمام الصادق عليه السلام ، قال : ( إنّ الله لم يبد له من جهل ) (1) ، وقوله عليه السلام : ( من زعم أنّ الله بدا له في شيء اليوم ، لم يعلمه أمس فأبرؤا منه ) (2) ، وقوله عليه السلام : ( من زعم أنّ الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة ، فهو عندنا كافر بالله العظيم ) (3).

كما إن الإمامية تعتقد أنّ الأشياء تتحقّق بشروطها وأسبابها ، ويتّفق في ذلك معهم كافّة العقلاء ، فإنّ أُموراً تُسْتَحَقّ عند توفّر شرائطها ، كما لو أنّ شخصاً كان من المقدّر أن يعيش ثلاثين عاماً ، إلاّ أنّ الله تعالى جعل شرطاً لطول العمر التصدّق ، أو صلة الرحم ، أو فعل الخير ، فلما تصدّق هذا الشخص ، أو وصل رحمه ، أو فعل خيراً ، فإنّ الله تعالى جازاه على ذلك ، فزاد في عمره ثلاث سنوات مثلاً ، فصار ثلاث وثلاثين سنة ، وخلاف ذلك أي لو قطع الإنسان رحمه ، أو فعل الظلم والبغي ، عاقبه الله تعالى ، وأنقص من عمره ثلاث سنوات ، فصار عمره سبعاً وعشرين عاماً ، هذا بحسب التقدير الظاهريّ ، وإن كان الله تعالى في علمه في اللوح المحفوظ ، يعلم أنّ الإنسان كم يعيش في

ص: 16


1- 1. الكافي 1 / 148.
2- 2. الاعتقادات للشيخ المفيد : 41.
3- 3. نفس المصدر السابق.

هذا العالم ، فهذا هو البداء الذي تقول به الإمامية.

واعلميّ أيّتها الأُخت : أنّ البداء مثل النسخ الذي يقول به المسلمون ، فالنسخ في القضايا التشريعيّة ، والبداء في القضايا التكوينيّة.

هذا هو البداء ، ولا نريد أن نزيد عليك لئلا يختلط مفهومه ، ولا تتّضح مطالبه ، ولا عليك أن تعاودي السؤال فيما إذا لم يتّضح لديك ذلك.

ص: 17

ص: 18

البدعة :

اشارة

( أحمد الخاجة - البحرين - 15 سنة - طالب ثانوية )

تعريفها :

س : ما هو تعريفكم للبدعة؟

ج : إنّ للبدعة تعاريف كثيرة ، تكاد تتّفق لفظاً ومضموناً ، وإن اختلفت في زيادات أوردها البعض.

ولكن أجمع التعاريف وأكثرها دلالة على حدّ البدعة ومفهومها ، هو تعريف الشريف المرتضى قدس سره حيث قال : ( البدعة : زيادة في الدين ، أو نقصان منه من إسناد إلى الدين ) (1).

( محمّد - ..... - 27 سنة )

تقسيمها إلى حسنة وسيّئة :

س : بارك الله في جهودكم ، قد عرّفتم البدعة هي الزيادة في الدين ، أو النقيصة منه ، فكيف تتصوّر سيّئة تارة وحسنة أُخرى؟

ج : لقد جاء تقسيم البدعة إلى حسنة وسيّئة في كلمات علماء أهل السنّة ، والأصل في ذلك هو قول عمر بن الخطّاب ، حيث روى البخاريّ وصف عمر في

ص: 19


1- 1. رسائل المرتضى 2 / 264.

إقامته لصلاة التراويح جماعة - والأصل فيها أن تصلّى فرادى - بأنّها نعم البدعة هذه (1).

وهذا التقسيم باطل لو أُريد منه البدعة بمعناها الشرعيّ وهي : إدخال ما ليس من الدين في الدين ؛ لأنّ البدعة الشرعيّة لا تكون إلاّ قسماً واحداً ، وهو محرّم بالكتاب والسنّة والعقل والإجماع إلى قيام الساعة.

نعم ، البدعة بالمعنى اللغويّ - التي تعمّ الدين وغيره - تنقسم إلى قسمين ، فكلّ شيء محدث ومفيد في حياة المجتمعات من العادات والرسوم ، إذا أدّي به من دون الإسناد إلى الدين ، ولم يكن محرّماً بالذات شرعاً كان بدعة حسنة ، وإلاّ فهي بدعة سيّئة.

وأمّا ما كان محرّماً بالذات فهو محرّم ليس من باب البدعة الشرعيّة ، وإنّما هو عمل محرّم ، ولو قيل عنه : إنّه بدعة سيّئة ، فإنّما هو من باب البدعة اللغويّة ، كدخول النساء السافرات في مجالس الرجال.

وبذلك يظهر أنّ من قسّم البدعة إلى حسنة وسيّئة ، قد خلط البدعة في مصطلح الشرع بالبدعة اللغويّة.

( .... - السعودية - 35 سنة )

تشخيصها عن غيرها :

س : ما هو الملاك والميزان في معرفة كون هذا العمل شرعيّ أو بدعيّ؟ وشكراً لمساعيكم.

ج : لا يخفى عليك أنّ العنصر الذي يوجب خروج العمل عن كونه بدعيّاً هو دعم الشارع المقدّس له ، وتصريحه بأنّه من الدين ، وهذا الدعم يكون على نوعين :

ص: 20


1- 1. صحيح البخاريّ 2 / 252.

1 - أن يقع النصّ عليه في القرآن والسنّة النبويّة ، بشخصه وحدوده وتفاصيله وجزئياته ، كالاحتفال بعيدي الفطر والأضحى ، ولاشكّ أنّ هذا الاحتفال قد أمر به الشرع ، فخرج عن كونه بدعة.

2 - أن يقع النصّ عليه على الوجه الكلّيّ ، ويترك انتخاب أساليبه وأشكاله وألوانه إلى الظروف والمقتضيات.

ومثال ذلك : لقد ندب الإسلام إلى تعليم الأولاد ، ولاشكّ أنّ لهذا الأمر الكلّيّ أشكالاً حسب تبدّل الحضارات ، وقد كان التعليم والكتابة سابقاً تتحقّق بالكتابة بالقصب والحبر ، وجلوس التلميذ على الأرض ، إلاّ أنّ ذلك تطوّر الآن إلى حالة جديدة ، تستخدم فيها الأجهزة المتطوّرة ، حيث أصبح الناس يتعلّمون عن طريق الكامبيوتر والأشرطة وغيرها من الوسائل.

ولاشكّ أنّ الإسلام لا يخالف هذا التطوّر ، ولا يمنع من استخدام الأجهزة والأساليب الحديثة ، إنّما هو أمر بالتعليم ، وترك اتخاذ الأساليب إلى الظروف والمقتضيات.

وأمّا معرفة كون العمل غير شرعيّ أي كونه بدعة ، هو من خلال عدم تصريح الشارع المقدّس بكونه من الدين.

ص: 21

ص: 22

البكاء على الميّت :

اشارة

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

لا يتنافى مع الرضا بقضاء الله وقدره :

س : كيف يمكن التوفيق بين التباكي والإبكاء على الميت ، وبين الرضا بقضاء الله وقدره؟

ج : لا علاقة بين الأمرين ، فإنّ الرضا بتقدير الله عزّ وجلّ وقضائه ، لا يتنافى مع البكاء والرثاء على الميّت ، لأنّ البكاء في هذا المقام هو إظهار الحزن على فقد الأحبة مثلاً ، وهذا أمر مسوغ ، بل مرغوب ومستحسن ، إذ فيه تفريغ الهمّ والغمّ ، وتكريم الميّت ، وتجديد العهد معه ، وغيرها من الآداب والشعائر الحسنة والمقبولة عند العقلاء.

وإنّ الرسول صلى الله عليه وآله في تأبين ابنه إبراهيم قال : ( تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الربّ ، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون ) (1).

( زهراء ناصر - السعودية - .... )

لا يعذّب الميّت ببكاء الحيّ عليه :

س : هل يجوز البكاء على الميّت القريب جدّاً ، مثل الأُم أو الأب أو الابن لمدّة طويلة؟ وهل يعذّب الميّت ببكاء الحيّ؟

وجزاكم الله خير الجزاء ، ودمتم لنا سالمين.

ص: 23


1- 1. الكافي 3 / 262.

ج : بكاء الحيّ على الميّت - سواء كان قريباً أو بعيداً ، وسواء كان لمدّة قليلة أو طويلة - لا يوجد أيّ دليل على حرمته ، وإنّ ما اشتهر بين الوهابيّة حيث اتخذته ذريعة للطعن في المسلمين ، إنّما هو حديث اشتبه الراوي في نقله ، ولم يفهم مورده ، فإنّ النبيّ صلى الله عليه وآله مرّ بقوم يبكون على ميّت لهم ، فقال : ما يغني عنه هذا الذي يبكونه ، وهو يعذّب في قبره ، وقد كان الميّت من غير المسلمين.

وهذا من جملة الموارد التي خطّأت عائشةُ أصحابَ النبيّ صلى الله عليه وآله في روايتهم ونقلهم للأحاديث النبويّة ، فورد عنها أنّها قالت : يرحم الله عمر قال : يعذّب الميّت بالبكاء عليه , وإنّما كان رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ذلك اليهوديّ مات وأهله يندبونه ، فقال : ( ما يغني عنه هذا الذي يندبونه ، وهذا هو يعذّب في قبره ) (1).

( محمّد - المغرب - 31 سنة )

في مصادر أهل السنّة :

س : مادام في نظركم لا يوجد أيّ مانع من البكاء على الميّت ، فأين الدليل من الكتاب أو السنّة الشريفة؟ والسلام.

ج : أوضح ما يمكن أن يستدلّ به على جواز البكاء على الميّت فعل النبيّ صلى الله عليه وآله ، حيث بكى على ابنه ، كما روي في مصادر أهل السنّة (2).

ولمّا قال له عبد الرحمن بن عوف : تبكي يا رسول الله ، أولم تنه عن البكاء؟ قال صلى الله عليه وآله : ( إنّما نهيت عن النوح ... صوت عند مصيبة ، خمش وجوه ، وشقّ جيوب ، ورنّة شيطان ، إنّما هذه رحمة ... ) (3).

ص: 24


1- 1. مسند ابن راهويه 3 / 627.
2- 2. مسند أحمد 5 / 206 ، صحيح البخاريّ 2 / 80 و 8 / 165 ، صحيح مسلم 3 / 39 ، سنن النسائيّ 4 / 22 ، المصنّف لابن أبي شيبة 3 / 266 ، المصنّف للصنعانيّ 3 / 552.
3- 3. المصنّف لابن أبي شيبة 3 / 266 ، كنز العمّال 15 / 615 ، الطبقات الكبرى 1 / 138 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 22 ، المجموع 5 / 307.

وكذلك ، يمكن أن يستدلّ على جواز البكاء على الميّت ، بل استحبابه ، هو ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله من تحريض النساء على البكاء على حمزة بقوله صلى الله عليه وآله : ( ولكن حمزة لا بواكي له ) (1).

وقوله صلى الله عليه وآله : ( على مثل جعفر فلتبك البواكي ) (2).

وروى الحاكم بسنده عن أبي هريرة قال : خرج النبيّ على جنازة ، ومعه عمر ابن الخطّاب ، فسمع نساء يبكين ، فزجرهن عمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( يا عمر دعهن ، فإنّ العين دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد قريب ) ، وقال : ( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ) (3).

ونختم الجواب بما رواه مسلم عن هشام بن عروة عن أبيه قال : ذُكر عند عائشة قول ابن عمر : الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه ، فقالت : رحم الله أبا عبد الرحمن ، سمع شيئاً فلم يحفظه ، إنّما مرّت على رسول الله جنازة يهوديّ ، وهم يبكون عليه فقال : ( أنتم تبكون وإنّه ليعذّب ) (4).

( مروة - مصر - .... )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : ولمّا قال له عبد الرحمن بن عوف : أو لم تنه عن البكاء؟ قال صلى الله عليه وآله : ( إنّما نهيت عن النوح ... صوت عند مصيبة ، خمش وجوه ، وشق جيوب ، ورنّة شيطان ، إنّما هذه رحمة ... ) ، ألا ينفي هذا ردّكم بجواز اللطم ، وشقّ

ص: 25


1- 1. سنن ابن ماجة 1 / 507 ، مسند أحمد 2 / 40 ، البداية والنهاية 4 / 55 ، السيرة النبويّة لابن كثير 3 / 95 ، المستدرك على الصحيحين 1 / 381.
2- 2. ذخائر العقبى : 218 ، المصنّف للصنعانيّ 3 / 550 ، شرح نهج البلاغة 15 / 71 ، الجامع الصغير 2 / 159 ، كنز العمّال 11 / 660 ، الطبقات الكبرى 8 / 282 ، أُسد الغابة 1 / 289 ، تهذيب الكمال 5 / 61 ، أنساب الأشراف : 43.
3- 3. المستدرك على الصحيحين 1 / 381.
4- 4. صحيح مسلم 3 / 44.

الجيوب على شهداء كربلاء؟

ج : الرواية ذكرت في الاستدلال على جواز البكاء من طريق أهل السنّة ، ولا يعني هذا أنّنا نلتزم بصحّة كلّ ما جاء في الرواية ، بل ذكرت من باب إلزام المقابل بما الزم به نفسه من صحّة الرواية.

وحتّى مع تسليمنا بالرواية فإنّها عامّة ، وقد استثني منها ما هو متعلّق بأهل البيت عليهم السلام بروايات رويت عنهم ، خصّصت هذا الحديث العام.

ص: 26

البناء على القبور :

اشارة

( سيف الإسلام - السعودية - .... )

ليس فيه محذور :

س : هل يجوز البناء على القبور؟

ج : البناء على قبور الأنبياء والأولياء ليس فيه محذور ، أو نهي صحيح يمنع منه ، وقد حكم أئمّة المسلمين من كلّ المذاهب بجواز البناء على القبور ، إلاّ الشاذّ النادر لرأي ارتآه.

فهذه سيرة السلف خير شاهد على ذلك ، وهذه قبور الأنبياء والأولياء ، وأعلام أئمّة المسلمين من كلّ المذاهب ، تنطق بالشهادة عليه ، في الحجاز ، والعراق ، وإيران ، والشام ، والمغرب ، ومصر ، وغيرها.

وهذا قبر النبيّ صلى الله عليه وآله قد بُني عليه منذ مئات السنين ، وكان يجدّد البناء عليه بين الحين والآخر ، حتّى وصل إلى ما وصل به الآن.

وأمّا ما استدلّ به على المنع من البناء على القبور ، فهي استدلالات ضعيفة ردّها علماء المسلمين ، والروايات التي استدلّ بها المانع ، إمّا ضعيفة سنداً ، أو لا تنهض من حيث الدلالة على المطلوب.

( عباس - البحرين - .... )

أدلّة الفريقين على جوازه :

اشارة

س : ذكرتم فيما سبق أنّ معظم أو أغلب العلماء يرون جواز البناء على القبر ، ولكن لم تذكروا الأدلّة ، فأرجو ذكر أكبر قدر ممكن منها ، من

ص: 27

كتب أهل السنّة فقط ، لعلميّ بكثرتها عند الشيعة.

وقد سمعت أنّ علماء المذهب السلفيّ قد قاموا بهدم جميع القباب في المدينة ، وأرادوا هدم قبّة الرسول أيضاً لولا تدخّل علماء المسلمين ، فهل هذه الأخبار صحيحة؟

أرجو الإجابة على هذه الأسئلة إجابة وافية مع الأدلّة قدر الإمكان ، وفّقكم الله لمراضيه ، وجنّبكم معاصيه.

ج : إنّ الوهابيّة والسلفيّة الذين كفّروا المسلمين بمختلف طوائفهم ، كلّ هؤلاء استعملوا العنف والإرهاب في تحميل عقائدهم الفاسدة على المسلمين ، فهدموا البقيع الذي يحوي قبور أهل البيت عليهم السلام ، والصحابة ، وأُمّهات المؤمنين ، وأرادوا تخريب قبر النبيّ صلى الله عليه وآله ، لولا أن وقف المسلمون أمام فعلتهم الشنعاء هذه ، وكذلك حاولوا تخريب قبور الأئمّة في العراق ولم يفلحوا ، نسأل الله أن يكفينا شرّهم.

وهم يوماً بعد آخر في طريقهم للسقوط في مزبلة التاريخ ، وذلك لتشويههم سمعة الإسلام والمسلمين في العالم ، بما يقومون به من أعمال إرهابية مخالفة للشريعة المحمّدية السمحاء.

وأمّا في مقام الاستدلال على جواز بناء القبور ، فتارة يكون الدليل خاصّاً ، وأُخرى عامّاً ، ثمّ أنّ الأصل الإباحة إلاّ إذا ورد دليل تام يحرّمه.

وفيما نحن فيه الأدلّة التي أقاموها على الحرمة غير تامّة ، والدليل الخاصّ ثابت في مصادر الشيعة ، والدليل العام وارد في مصادر الفريقين ، وأصل الإباحة ساري المفعول عند السنّة والشيعة ، لعدم تمامية الأدلّة التي أقاموها على الحرمة ، وفيما يلي التفصيل الذي طلبتموه في المسألة :

الأدلّة على جواز بناء القبور :

1 - قوله تعالى : ( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ) (1).

ص: 28


1- 1. الكهف : 21.

أخبرنا الله تعالى عن المؤمنين الذين قرّروا أن يتّخذوا من مضجع الفتية المؤمنة مسجداً ، يسجدون لله سبحانه فيه ، ويعبدونه وهم مؤمنون وليسوا بمشركين ، ولم يذمّهم الله تعالى على ذلك.

وممّا لاشكّ فيه : أنّ شأن الأنبياء والأئمّة عليهم السلام أرفع من شأن أُولئك الفتية ، فإذا جاز بناء قبورهم ، فبالأُولى جواز ذلك بالنسبة إلى الأنبياء والأئمّة عليهم السلام.

2 - قوله تعالى : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (1).

تدلّ هذه الآية على وجوب مودّة قربى الرسول صلى الله عليه وآله ، وهو وجوب مطلق لم يقيّد بزمان دون آخر ، ولا مكان دون مكان ، ولا كيفية دون أُخرى.

وممّا لاشكّ فيه : أنّ تعهّد قبر شخص ما بالبناء والأعمار والتجديد من جملة المصاديق العرفية لهذه المودّة.

3 - تعظيم شعائر الله تعالى : فإنّ القرآن الكريم ، وإن لم يصرّح على بناء قبور الأنبياء والصالحين بالخصوص ، لكنّه صرّح بتعظيم شعائر الله تعالى ، بقوله : ( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (2) ، وبقوله : ( وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ) (3) ، وبقوله : ( لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللهِ ) (4).

ولاشكّ ولا ريب : أنّ صون المعالم الدينية عن الاندراس - كالمشاهد المتضمّنة لأجساد الأنبياء والصالحين - وحفظها عن الخراب بناءاً وتجديداً نحو من أنحاء التعظيم ، كما أنّ حفظ المسجد عن الخراب تعظيم له.

ولا يخفى : أنّ الله تعالى جعل الصفا والمروة من الشعائر والحرمات التي يجب احترامها ، فكيف بالبقاع المتضمّنة لأجساد الأنبياء والأولياء ، فإنّها أُولى بأن تكون شعاراً للدين.

ص: 29


1- 1. الشورى : 23.
2- 2. الحجّ : 32.
3- 3. الحجّ : 30.
4- 4. المائدة : 2.

كيف لا؟ وهي من البيوت التي أذن الله أن تُرفع ، ويذكر فيها اسمه ، فإنّ المراد من البيت في الآية هو : بيت الطاعة ، وكلّ محلّ أُعدّ للعبادة ، فيعمّ المساجد والمشاهد المشرّفة لكونها من المعابد.

ولو لم يكن في الشريعة ما يدلّ على تعمير المساجد ، وتعظيمها واحترامها ، لأغنتنا الآية بعمومها عن الدلالة على وجوب تعمير المسجد وتعظيمه ، وإدامة ذكر الله فيه ، لكونه من البيوت التي أذن الله أن تُرفع.

ومثل المسجد - في جهة التعمير والتعظيم والحفظ - المشاهد التي هي من مشاعر الإسلام ، ومعالم الدين.

4 - إقرار النبيّ صلى الله عليه وآله والصحابة على البناء ، فإنّه صلى الله عليه وآله أقرّ وهكذا أصحابه على بناء الحِجر ، ولم يأمروا بهدمه ، مع أنّه مدفن نبي الله إسماعيل عليه السلام وأُمّه هاجر ، وهكذا إقرارهم على بناء قبر النبيّ إبراهيم الخليل عليه السلام ، وبقية قبور الأنبياء والمرسلين حول بيت المقدس.

ثمّ إقرار الصحابة على دفن رسول الله صلى الله عليه وآله في الحجرة التي توفّي فيها ، وهي مشيّدة بالبناء ، ودُفن الخليفة الأوّل والثاني فيها من بعد النبيّ صلى الله عليه وآله ، ولم يأمروا بهدمها ، بل العكس أمرهم بإعمارها دليل قاطع على جواز البناء على القبور.

5 - الروايات الواردة في كتب الفريقين عن رسول الله صلى الله عليه وآله في الحثّ على زيارة القبور ، وثواب من زار قبره ، وأنّه صلى الله عليه وآله زار قبر أُمّه ، ورمّم قبرها.

( حسين - البحرين - 21 سنة )

أدلّة المانعين وردّها :

س : ما هي أدلّة الوهابيّة على حرمة البناء على القبور ، وكيف يتمّ الردّ عليها؟

ج : إنّ الأدلّة التي تمسّك بها الوهابيّون على تحريم البناء على القبور ، هي :

1 - إجماع العلماء قائم على عدم جواز البناء على القبور.

ص: 30

وفيه : أنّ دعوى الإجماع مرفوضة ، باعتبارها مخالفة لكلمات العلماء الدالّة على جواز البناء ، بل رجحانه ، ومخالفة لعمل المسلمين وسيرتهم القطعية في جميع الأقطار والأمصار ، على اختلاف طبقاتهم ، وتباين نزعاتهم ، من بدء الإسلام إلى يومنا هذا ، من العلماء وغيرهم ، من الشيعة والسنّة وغيرهم ، وأيّ بلاد من بلاد الإسلام ليس لها جبّانة ، فيها القبور المشيّدة؟!

فهؤلاء أئمّة المذاهب : الشافعيّ في مصر ، وأبو حنيفة في بغداد ، ومالك بالمدينة ، وتلك قبورهم من عصرهم إلى اليوم سامقة المباني ، شاهقة القباب ، وأحمد بن حنبل كان له قبر مشيّد في بغداد ، جرفه شط دجلة حتّى قيل : أطبق البحر على البحر.

وكلّ تلك القبور قد شيّدت ، وبنيت في الأزمنة التي كانت حافلة بالعلماء ، وأرباب الفتوى ، وزعماء المذاهب ، فما أنكر منهم ناكر ، بل كلّ منهم محبّذ وشاكر.

وليس هذا من خواص الإسلام ، بل هو جار في جميع الملل والأديان ، من اليهود والنصارى وغيرهم ، بل هو من غرائز البشر ، ومقتضيات الحضارة والعمران ، وشارات التمدّن والرقي. والدين القويم المتكفّل بسعادة الدارين ، إذا كان لا يؤكّده ويحكمه ، فما هو بالذي ينقضه ويهدمه. ألا يكفي هذا شاهداً قاطعاً ، ودليلاً بيّناً على فساد دعوى الإجماع؟

2 - ما ورد عن الإمام علي عليه السلام بأنّه قال لابن إلهيّاج الأسديّ : ( ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله : أن لا أدع تمثالاً إلاّ طمسته ، ولا قبراً مشرّفاً إلاّ سوّيته ) (1).

وفيه : ( ولا صورة في بيت إلاّ طمستها ) (2).

ص: 31


1- 1. صحيح مسلم 3 / 61 ، مسند أحمد 1 / 96 ، المستدرك على الصحيحين 1 / 369 ، المعجم الصغير 1 / 57.
2- 2. سنن النسائيّ 4 / 89 ، السنن الكبرى للنسائيّ 1 / 653 ، علل الدارقطنيّ 4 / 181.

وفيه : بناءً على صحّة هذه الرواية ، فهل معنى التسوية في قوله : ( إلاّ سوّيته ) أي ساويته بالأرض ، بمعنى هدمته؟ أم معنى تسوية الشيء عبارة عن تعديل سطحه ، وتسطيحه في قبال تقعيره ، أو تحديبه أو تسنيمه ، وما أشبه ذلك من المعاني المتقاربة؟

لاشكّ أنّ معناه : إلاّ سطّحته وعدّلته ، وليس معناه : إلاّ هدمته وساويته بالأرض.

وقد فهم مسلم في صحيحه ما فهمناه من الحديث ، حيث عنون الباب قائلاً : ( باب تسوية القبور ) ، ولم يقل مساواة القبور.

فأورد فيه أوّلاً بسنده إلى ثمامة قال : كنّا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس ، فتوفّي صاحب لنا ، فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوّي ، ثمّ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يأمر بتسويتها (1).

ثمّ أورد بعده في نفس هذا الباب حديث أبي إلهيّاج المتقدّم : ( ولا قبراً مشرفاً إلاّ سوّيته ).

وكذا فهم شارحو صحيح مسلم - وإمامهم النوويّ - ذلك ، حيث قال في شرح تلك العبارة ما نصّه : ( إنّ السنّة أنّ القبر لا يرفع على الأرض رفعاً كثيراً ، ولا يسنّم ، بل يرفع نحو شبر ويسطّح ، وهذا مذهب الشافعيّ ومن وافقه ، ونقل القاضي عياض عن أكثر العلماء أنّ الأفضل عندهم تسنيمها ) (2).

ويشهد لأفضلية التسنيم ، ما رواه البخاريّ في صحيحه ، في باب صفة قبر النبيّ وأبي بكر وعمر ، بسنده إلى سفيان التمّار ، أنّه رأى قبر النبيّ صلى الله عليه وآله مسنّماً (3).

ولكن القسطلانيّ أحد المشاهير من شارحي البخاريّ قال ما نصّه : مسنّماً

ص: 32


1- 1. صحيح مسلم 3 / 61.
2- 2. شرح صحيح مسلم 7 / 36.
3- 3. صحيح البخاريّ 2 / 107.

بضمّ الميم ، وتشديد النون المفتوحة ، أي : مرتفعاً ، زاد أبو نعيم في مستخرجه : وقبر أبي بكر ، وعمر كذلك. واستدلّ به على : أنّ المستحبّ تسنيم القبور ، وهو قول أبي حنيفة ، ومالك ، وأحمد ، والمزني ، وكثير من الشافعيّة.

إلى أن قال القسطلانيّ : ولا يؤثّر في أفضلية التسطيح كونه صار شعاراً لروافض ، لأنّ السنّة لا تترك بموافقة أهل البدع فيها ، ولا يخالف ذلك قول علي : ( أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا ادع قبراً مشرّفاً إلاّ سوّيته ) ، لأنّه لم يرد تسويته بالأرض ، وإنّما أراد تسطيحه جمعاً بين الأخبار ? ونقله في المجموع عن الأصحاب (1).

إذاً ، كلّ كلمات أعاظم المسلمين وأساطين الدين من مراجع الحديث - كالبخاريّ ومسلم - وأئمّة المذاهب - كأبي حنيفة والشافعيّ ومالك وأحمد - وأعلام العلماء ، وأهل الاجتهاد - كالنوويّ وأمثاله - كلّهم متّفقون على مشروعية بناء القبور في زمن الوحي والرسالة ، بل النبيّ صلى الله عليه وآله بذاته بنى قبر ولده إبراهيم ؛ إنّما الخلاف والنزاع فيما بينهم في أنّ الأفضل والأرجح تسطيح القبر أو تسنيمه؟

فالذاهبون إلى التسنيم يحتجّون بحديث البخاريّ عن سفيان التمّار ، أنّه رأى قبر النبيّ صلى الله عليه وآله مسنّماً.

والعادلون إلى التسطيح يحتجّون بتسطيح النبيّ قبر ولده إبراهيم ، ولعلّ هذا الدليل هو الأرجح في ميزان الترجيح والتعديل ، ولا يقدح فيه أنّه صار من شعار الروافض وأهل البدع ، كما قال القسطلانيّ.

نعم ، لو أبيت إلاّ عن حمل ( سوّيته ) على معنى ساويته بالأرض ، حينئذ تجيء نوبة المعارضة ، ويلزم الصرف والتأويل ، وحيث أنّ هذا الخبر بانفراده لا يكافئ الأخبار الصحيحة الصريحة الواردة في فضل زيارة القبور ، ومشروعية

ص: 33


1- 1. إرشاد الساري 3 / 559.

بنائها ، حتّى أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله سطّح قبر إبراهيم ، فاللازم صرفه إلى أنّ المراد : لا تدع قبراً مشرّفاً قد اتخذوه للعبادة إلاّ سوّيته وهدّمته.

ويدلّ على هذا المعنى الأخبار الكثيرة الواردة في الصحيحين - البخاريّ ومسلم - من ذمّ اليهود والنصارى والحبشة ، حيث كانوا يتّخذون على قبور صلحائهم تمثالاً لصاحب القبر ، فيعبدونه من دون الله تعالى.

أمّا المسلمون من عهد النبيّ صلى الله عليه وآله إلى اليوم ، فليس منهم من يعبد صاحب القبر ، وإنّما يعبدون الله وحده لا شريك له في تلك البقاع الكريمة ، المتضمّنة لتلك الأجساد الشريفة.

وبكلّ فرض وتقدير ، فالحديث يتبرّأ أشدّ البراءة من الدلالة على جواز هدم القبور ، فكيف بالوجوب. والأخبار التي ما عليها غبار ناطقة بمشروعية بنائها وإشادتها ، وأنّها من تعظيم شعائر الله.

ولتتميم الفائدة ، ننقل ما قاله الشيخ كاشف الغطاء في كتابه منهج الرشاد :

والأصل في بناء القباب وتعميرها ما رواه البنانيّ - واعظ أهل الحجاز - عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه الحسين ، عن أبيه علي عليه السلام ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال له : ( لتقتلن في أرض العراق ، وتدفن بها ، فقلت : يا رسول الله ، ما لمن زار قبورنا وعمّرها وتعاهدها؟ فقال لي : يا أبا الحسن ، إنّ الله جعل قبرك وقبر ولديك بقاعاً من بقاع الجنّة ، وإنّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه ، وصفوة من عباده تحنّ إليكم ، ويعمّرون قبوركم ، ويكثرون زيارتها ، تقرّباً إلى الله تعالى ، ومودّة منهم لرسوله ... ) (1).

ص: 34


1- 1. منهج الرشاد : 579.

البيعة :

اشارة

( محمّد - البحرين - .... )

بيعة الناس لأمير المؤمنين :

س : نشكر لكم هذه الجهود لنشر معالم أهل البيت عليهم السلام ، ووفّقكم الله لكلّ خير.

سؤالي هو عن خطبة وجدتها في كتاب نهج البلاغة ، يقول الإمام علي عليه السلام بالشورى ، وهذه هي : ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية :

( إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْر وَعُمَرَ وَعُثْمانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ ، وَإنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأنصار ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُل وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذلِكَ لله رِضىً ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْن أَوْ بِدْعَة رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ منه ، فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَوَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى.

وَلَعَمْرِي ، يَا مُعَاوِيَةُ ، لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمانَ ، وَلَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَة عَنْهُ ، إِلاَّ أَنْ تَتَجَنَّى ; فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ! وَالسَّلاَمُ ) (1).

فما هو ردّكم عليها؟ ولكم منّي كلّ شكر وامتنان على ما تقدّموه.

ج : لقد نقل لنا التاريخ : أنّ الإمام علي عليه السلام لم يمدّ يده إلى البيعة ، إلاّ بعد إلحاح الجماعة - من المهاجرين والأنصار وغيرهم - والصحابة في الطليعة ، وفيهم طلحة والزبير.

ص: 35


1- 1. شرح نهج البلاغة 15 / 78.

وبعد أن تمّت البيعة للإمام عليه السلام كتب لمعاوية رسالة ، مع جرير بن عبد الله البجلي ، جاء فيها : ( إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْر وَعُمَرَ وَعُثْمانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ ) ، فكأنّما يريد عليه السلام أن يقول له : يا معاوية أنت تعترف بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، لأنّها تمّت ببيعة المهاجرين والأنصار ، وعلى ما تعترف به وتذهب إليه ، فقد بايعني القوم ، فلزمتك بيعتي وأنت بالشام ، فبايع كما بايع القوم.

( فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ ) ويرفض ويعترض إذا تمّت البيعة من أكثرية الصحابة وغيرهم.

( وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ ) بيعة الإمام الذي بايعه القوم.

( وَإنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأنصار ) ، فكأنّما يريد عليه السلام أن يقول له : يا معاوية ألست تعتقد بالشورى وتحتجّ بها؟ ألست تعتقد بالإجماع وتحتجّ به؟ فقد بُويعت بمشورة المهاجرين والأنصار ، وقد تمّت البيعة لي بإجماع المسلمين.

( فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُل وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذلِكَ لله رِضىً ) هذا ما تعتقده ، فلماذا لا تبايع؟ وكما يقول المثل : ما عدا ممّا بدا؟

إذاً ، قال عليه السلام هذا الكلام على مقتضى عقيدة القوم ، ومن باب ( ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم ) ، وإلاّ فإمامته كانت ثابتة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله بلا فصل ، بالنصّ الصادر منه صلى الله عليه وآله على ما أفاضت إليه الأدلّة اليقينية المستفيضة في مظانّها.

( عبد الله آقا - الكويت - .... )

تخلّف الإمام علي عنها :

س : موضوع السؤال : تخلّف علي عليه السلام عن البيعة.

عن محمّد بن سيرين قال : نبّئت أنّ عليّاً أبطأ عن بيعة أبي بكر ، فلقيه أبو بكر فقال : أكرهت إمارتي؟ قال : ( لا ، ولكن آليت بيمين أن لا أرتدي

ص: 36

بردائي إلاّ إلى الصلاة ، حتّى أجمع القرآن ) (1).

فما ردّكم على هذا الحديث الذي يروونه السنّة ، ويحتجّون به علينا؟

وشكراً لكم على ما تبذلونه من جهود في خدمة الإسلام والمسلمين والمؤمنين.

ج : أوّلاً : أنّ الحديث لم يثبت عندنا ، بل وحتّى على مبانيهم الرجالية ، فإنّه غير صحيح.

ثانياً : يعارض هذا الحديث الأحاديث الكثيرة ، التي صرّحت بأنّ تخلّف الإمام علي عليه السلام عن البيعة ، إنّما كان يرى نفسه أحقّ من أبي بكر بالخلافة.

ثالثاً : نسألهم ونوجّه الخطاب إليهم : أين القرآن الذي جمعه علي؟

رابعاً : يعارضه أيضاً كلّ ما ورد في مصادر القوم - وهي كثيرة - من هجوم القوم على دار علي عليه السلام لإجباره على البيعة ، ومن له أدنى معرفة بالتاريخ يعرف جلياً ماذا حدث آنذاك ، وكان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله بأيّام.

( علي بن علي الفرزدق - أمريكا - .... )

لم بايع الإمام علي الخلفاء :

س : هل بايع الإمام علي الخلفاء أبا بكر وعمر وعثمان؟ وما نوع العلاقة التي كانت بين الإمام علي والخلفاء المذكورين أعلاه؟ وهل كان الإمام علي يخالط ويصلّي ، ويأكل ويصاهر مع الخلفاء المذكورين؟

أرجو أن تجيبوني ، وشكراً.

ج : اتفقت النصوص الإسلاميّة - أعمّ من شيعية وسنّية - على عدم مبادرة أمير المؤمنين عليه السلام ، وكلّ بني هاشم - نساءً ورجالاً - وجمع من كمّل الصحابة إلى البيعة ، ولا نرى المسألة بحاجة إلى إثبات ، كما ولم تكن المدّة قصيرة ، والبيعة لا تحتاج إلى برهة طويلة ، ويحقّ لنا أن نتساءل لماذا؟

ص: 37


1- 1. الطبقات الكبرى 2 / 338.

ثمّ حصلت بيعة صورية تحت ظروف قاسية من وجهتنا ، وتحت ضغوط قسرية ، وهذا أيضاً مسلّم.

وبعد هذا وذاك فلربما حصلت بيعة ، أو مسحُ أبي بكر يده على يد أمير المؤمنين عليه السلام المقبوضة ، أو ما أشبه ذلك ، ممّا شوهتها لنا النصوص ، وأحاطتها بنوع من التكتّم والغموض.

وبأيّ دليل كان ذاك أو فرضناه ، ممّا صرّح به أمير المؤمنين عليه السلام من خوف الفتنة ، أو ارتداد المسلمين ، أو غيرها.

نقول بعد كلّ هذا : لا معنى لمثل أبي الحسن عليه السلام أن ينقض ما تعهّد به!! هذا بالنسبة إلى أبي بكر خاصّة.

أما عمر ، فالمسألة تنصيص ، ولم تكن ثمّة بيعة ، ولا شورى ، ولا انتخاب ، ولا .. ، والعجب أنّ التنصيص على أمير المؤمنين عليه السلام رفضه القوم من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقبلوه من أبي بكر على عمر!

وأمّا عثمان ، فقد أجمع المؤرّخون بأنّ المسألة كانت إكراه ، وسيوف مرفوعة على الباب ، لا تختلف بتاتاً عن السقيفة!!

وأمّا العلاقة بينه عليه السلام مع الخلفاء ، فكانت بحسب الظاهر مسألة رفع جهلٍ عنهم ، وحماية عن الشريعة ، أو فكّ غموض ، أو ما شاكل ذلك ، كوظيفة أي عالم أمام الجهّال ، وكلّ حريص على دينه ورسالته مقابل من يريد الكيد بها ، أو تحريفها.

ومقولة الخليفة الثاني المستفيضة : ( لولا علي لهلك عمر ) (1) مشهورة ، ولا نعرف مقولة معاكسة : لولا عمر أو غيره لهلك ....

ويكفي - حسب تصوّرنا - لمن درس حياة أمير المؤمنين عليه السلام ، أنّه لو كان له ثمّة

ص: 38


1- 1. تأويل مختلف الحديث : 152 ، شرح نهج البلاغة 1 / 18 و 141 و 12 / 179 و 205 ، نظم درر السمطين : 130 ، جواهر المطالب 1 / 195 و 296 ، ينابيع المودّة 1 / 216 و 227 و 3 / 147.

اعتقاد بصحّة ما عليه القوم ، لكان لا أقلّ قائد جيوشهم ، ومنظّم كتائبهم ، كما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولمّا انزوى عن الساحة ، واقتصر على اليسير من المعاشرة التي تمليها الضرورة والحاجة ، والمخالطة أو المؤاكلة وغيرهما ، فهي لا تدلّ على شيء ، إذ كانت مع اليهود والنصارى آنذاك.

كما لا نعرف له عليه السلام مصاهرة معهم ، إلاّ قصّة تزويج ابنته أُمّ كلثوم من عمر ، ولنا فيها كلام ، كما أنّك تدرك أنّ البحث لا تسعه سطور.

وفّقنا الله لمراضيه ، ونوّر قلوبنا بما يرضيه ، وفتح أبصارنا وأسماعنا للأخذ بما فيه خير ديننا ودنيانا.

( .... - سنّي - .... )

لم تحصل من الإمام علي :

س : أنتم الشيعة تقولون : أنّ عليّاً كان أحقّ من أبي بكر ، الذي قال عنه الرسول بما معناه : أنّه لا يوجد بعد الأنبياء خير من أبي بكر ، وكان أحقّ للخلافة من عمر وعثمان ، هكذا تدّعون ، فإذا كان الأمر صحيحاً ، فلما بايع علي هؤلاء الخلفاء الثلاثة؟ صحيح تأخّر في بيعة أبي بكر عدّة أشهر ، ولكنّه بايع ، فما تقولون في ذلك؟

ج : لا يخفى عليكم أنّ الشيعة إنّما تقول بثبوت الإمامة والخلافة بعد النبيّ بلا فصل لإمامنا أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وأنّه أفضل من الصحابة كلّهم للأدلّة الكثيرة على ذلك من القرآن الكريم - كآية الولاية - وهي النازلة في قضية تصدّقه أثناء الركوع ، وهي قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1) - وغيرها من الآيات النازلة في حقّه عليه السلام.

ص: 39


1- 1. المائدة : 55.

ومن المقطوع به من السنّة الشريفة ، كحديث الغدير المتواتر ، وكحديث الطير. أنّ أحبّ الخلق إلى الله تعالى أعظمهم ثواباً عند الله تعالى ، وأن أعظم الناس ثواباً لا يكون إلاّ لأنّه أشرفهم أعمالاً ، وأكثرهم عبادة لله تعالى ، وفي ذلك برهان على فضل علي عليه السلام على الخلق كلّهم سوى النبيّ صلى الله عليه وآله.

وأمّا ما قلته في حقّ أبي بكر عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال بما معناه : لا يوجد أحد بعد الأنبياء خير من أبي بكر ، فهذا غير ثابت في مصادرنا ، بل وغير ثابت عند أهل السنّة أيضاً.

وأمّا قولك : أنّ عليّاً عليه السلام قد بايع أبا بكر بعد مدّة ، فهذا أوّل الكلام ، حيث الثابت عند محقّقي الشيعة - كما نصَّ عليه الشيخ المفيد قدس سره - أنّه عليه السلام لم يبايع ساعة قط ، وقال في شرح ذلك :

( فممّا يدلّ على أنّه لم يبايع البتة ، أنّه ليس يخلو تأخّره من أن يكون هدى ، وتركه ضلالاً ، أو يكون ضلالاً ، وتركه هدى وصواباً ، أو يكون صواباً ، وتركه صواباً ، أو يكون خطأً ، وتركه خطأً ، فلو كان التأخّر ضلالاً وباطلاً ، لكان أمير المؤمنين عليه السلام قد ضلّ بعد النبيّ صلى الله عليه وآله بترك الهدى الذي كان يجب المصير إليه ، وقد أجمعت الأُمّة على أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يقع منه ضلال بعد النبيّ صلى الله عليه وآله ، ولا في طول زمان أبي بكر ، وأيّام عمر وعثمان ، وصدراً من أيّامه حتّى خالفت الخوارج عند التحكيم ، وفارقت الأُمّة ، وبطل أن يكون تأخّره عن بيعة أبي بكر ضلالاً.

وإن كان تأخّره هدى وصواباً ، وتركه خطأً وضلالاً ، فليس يجوز أن يعدل عن الصواب إلى الخطأ ، ولا عن الهدى إلى الضلال ، لاسيّما والإجماع واقع على أنّه لم يظهر منه ضلال في أيّام الثلاثة الذين تقدّموا عليه ، ومحال أن يكون التأخّر خطأً ، وتركه خطأً للإجماع على بطلان ذلك أيضاً ، ولما يوجبه القياس من فساد هذا المقال.

وليس يصحّ أن يكون صواباً ، وتركه صواباً ، لأنّ الحقّ لا يكون في

ص: 40

جهتين مختلفتين ، ولا على وصفين متضادين ....

ثمّ إن ثبت تاريخيّاً أنّ هناك حصلت مبايعة قهرية - كمسح يد أبي بكر على يد أمير المؤمنين عليه السلام المقبوضة - فلا تدلّ على شيء كما هو واضح ....

فثبت بما بيّناه أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يبايع أبا بكر على شيء من الوجوه كما ذكرناه ) (1).

( علي البصريّ - البحرين - 31 سنة - طالب ثانوية )

بيعة الشجرة :

س : هل بيعة العقبة الأُولى هي بيعة الشجرة؟ وما قصّة بيعة الشجرة؟

ج : كلاّ ، ليست بيعة العقبة الأُولى هي بيعة الشجرة.

لأنّ بيعة العقبة الأُولى - والتي يقال لها : بيعة النساء أيضاً - هي أوّل بيعة أخذها رسول الله صلى الله عليه وآله من المسلمين الأنصار ، الذين أسلموا في المدينة المنوّرة ، وهم يزيدون على العشرة ، وكانت بيعتهم بمنى على الإسلام.

وقد أخبر عنها عبادة بن الصامت فقال : ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله بيعة النساء ، وذلك قبل أن يفترض علينا الحرب ، على ألا نشرك بالله شيئاً ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف ) (2).

وأمّا بيعة الشجرة - والتي يقال لها : بيعة الرضوان لقوله تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) (3) - هي البيعة الثالثة ، التي أخذها رسول الله صلى الله عليه وآله من المسلمين ، وهم يزيدون على ألف وثلاثمائة ، وكانت بيعتهم تحت الشجرة

ص: 41


1- 1. الفصول المختارة : 56.
2- 2. سبل الهدى والرشاد 3 / 197.
3- 3. الفتح : 18.

في الحديبية - سنة سبع من الهجرة - على الموت ، أو على ألاّ يفرّوا.

وذلك عندما ندبهم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى العمرة ، فخرجوا محرمين للعمرة ، ولما صدّتهم قريش عن بيت الله الحرام ، وتهيّأت لقتالهم ، تبدّلت السفرة من العمرة إلى القتال ، فكانت الحالة الثانية مخالفة لما انتدبهم إليها ، فاقتضت الحالة أن يأخذ منهم البيعة على العمل الجديد وغير المعهود ، وهو قتال المشركين ، ففعل ذلك ، فأعطت البيعة ثمرها في إرعاب أهل مكّة ، وعندها صالحوا رسول الله صلى الله عليه وآله.

( محمّد - المغرب - 15 سنة )

بيعة العقبة :

س : ما معنى بيعة العقبة؟

ج : بيعة العقبة هي بيعتان :

بيعة العقبة الأُولى ، أو بيعة النساء : هي أوّل بيعة أخذها رسول الله صلى الله عليه وآله من المسلمين الأنصار ، الذين أسلموا في المدينة المنوّرة ، وهم يزيدون على العشرة ، وكانت بيعتهم بمنى على الإسلام.

وقد أخبر عنها عبادة بن الصامت فقال : ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله بيعة النساء ، وذلك قبل أن يفترض علينا الحرب ، على أن لا نشرك بالله شيئاً ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف ).

وبيعة العقبة الثانية : حصلت في موسم حج السنّة الثالثة عشرة من البعثة ، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله خرج إلى الموسم ، فلقيه جماعة من الأنصار ، فواعدوه العقبة من أوسط أيّام التشريق.

قال كعب بن مالك : ( اجتمعنا في الشعب عند العقبة ، ونحن سبعون رجلاً ، ومعهم امرأتان من نسائهم ... ، فبايعنا وجعل علينا اثنا عشر نقيباً منّا تسعة من

ص: 42

الخزرج ، وثلاثة من الأوس ، ثمّ أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه بالخروج إلى المدينة ، فخرجوا إرسالاً ، وأقام هو بمكّة ينتظر أن يؤذن له ) (1).

وكانت مبايعتهم له صلى الله عليه وآله على أن يمنعوه وأهله ، ممّا يمنعون منه أنفسهم ، وأهليهم وأولادهم ، وأن يؤوهم وينصروهم ، وعلى السمع والطاعة في النشاط والكسل ، والنفقة في العسر واليسر ، وعلى الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وأن يقولوا في الله ، ولا يخافوا لومة لائم.

( حبيب - الدانمارك - سنّي حنفيّ - 20 سنة )

بيعة علي لأبي بكر كانت على الحقّ :

س : قوله صلى الله عليه وآله : ( علي مع الحقّ ، والحقّ مع علي ، يدور معه كيفما دار ) ، دعني أسألك تعليقاً على هذه الرواية ، هل كان علي مع الحقّ حين بايع أبا بكر بالخلافة؟ فإن قلت : لا ، فقد نقضت دليلك ، وإن قلت : نعم ، فأقول : ألا يسع الشيعة ما وسع علي؟

ج : إنّ قول النبيّ صلى الله عليه وآله : ( علي مع الحقّ ، والحقّ مع علي ) (2) ، أو : ( علي مع القرآن ، والقرآن مع علي ، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ) (3) ، أو : ( اللهم أدر الحقّ معه حيث دار ) (4) ، فهذه الأقوال وغيرها مع آية التطهير نستدلّ

ص: 43


1- 1. بحار الأنوار 19 / 24.
2- 2. تاريخ بغداد 14 / 322 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 449 ، الإمامة والسياسة 1 / 98 ، جواهر المطالب 1 / 343 ، كشف الغمّة 1 / 144.
3- 3. المستدرك على الصحيحين 3 / 123 ، مجمع الزوائد 9 / 134 ، المعجم الصغير 1 / 255 ، المعجم الأوسط 5 / 135 ، الجامع الصغير 2 / 177 ، كنز العمّال 11 / 603 ، فيض القدير 4 / 470 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 297 ، ينابيع المودّة 1 / 124 و 269 و 2 / 96 و 396 و 403.
4- 4. شرح نهج البلاغة 6 / 367 و 10 / 270 ، الجامع الصغير 2 / 9 ، كنز العمّال 11 / 643 ، فيض القدير 4 / 25 ، شواهد التنزيل 1 / 246 ، تاريخ مدينة دمشق 30 / 63 و 42 / 488 و 44 / 139 ، سير أعلام النبلاء 15 / 278 ، البداية والنهاية 7 / 398.

بها نقلياً على العصمة.

وأمّا مبايعة أمير المؤمنين عليه السلام لأبي بكر بالخلافة ، فلا نخطّئ عليّاً عليه السلام في فعله ، لأنّه إمام معصوم ، وكلّ ما يفعله فيه مصلحة ، وليس يعني ذلك أنّه اعتقاده ، ودين الله وشرعه ، وإنّما فعله كان لمصلحة أكبر وأعظم من تركه للمسلمين في ذلك الوقت ، دون مشاركة منه في بيان حقّه ، وبيان شرع الله وأحكامه ، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، والدعوة إلى الله وإلى المذهب الحقّ ؛ لأنّه رأى نفسه معزولاً عن الساحة ، والوجوه مكفهرّة غاضبة حاقدة لا يستطيع معها نشر الإسلام والنصح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الذي من شروطه - كما هو معروف - أن تحتمل التأثير في المقابل.

وهذا كلّه مرويّ في البخاريّ ، لا من فهمنا ولا رواياتنا ، فقد روى البخاريّ عن عائشة رواية طويلة في ذيلها : ( وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلمّا توفّيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى أبي بكر : أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك ، كراهية لمحضر عمر ... ، فدخل عليه أبو بكر ، فتشهد علي فقال : ( إنا قد عرفنا فضلك ، وما أعطاك الله ، ولم ننفس عليك خيراً ساقه الله إليك ، ولكن استبددت علينا بالأمر ، وكنّا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وآله نصيباً ) ، حتّى فاضت عينا أبي بكر ... - ثمّ قال علي أمام المسلمين - : ( ولكنّا كنّا نرى لنا في هذا الأمر نصيباً ، فاستُبد علينا فوجدنا في أنفسنا ) ، فسّر بذلك المسلمون ، وقالوا : أصبت ، وكان المسلمون إلى علي قريباً حين راجع الأمر بالمعروف ) (1) فأقرأ وتدبّر!!

وبيعة الإمام عليه السلام لمصلحة وخير الإسلام ، وخوفاً عليه بعد أن لم يكن له طريق آخر ، لا يخرج الأمر عن كونه حدث بالاضطرار ، فإنّهم اضطّروه بعد أن غصبوا حقّه ، ولم يجد طريقاً لأخذه إلاّ بضرر الإسلام ، فآثر المبايعة مع وقوع الظلم عليه خاصّة على ذهاب الإسلام كلّه.

ص: 44


1- 1. صحيح البخاريّ 5 / 82.

وهذا لا يعني إطلاقاً أحقّية من نصّبوا أنفسهم خلفاء للمسلمين ، كما لا يعني صلح النبيّ صلى الله عليه وآله مع المشركين في الحديبية أصحّية وأحقّية مشركي قريش ، فتأمّل.

ومن ذلك يظهر لك : أن لا معنى لسؤالك لنا ، بألاّ يسع الشيعة ما وسع علي!! فأنّ الكلام في أحقّية منصب الخلافة لمن يكون ، لا من تسنّم هذا المنصب فعلاً.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الأُمور اختلطت عليك نتيجة لما في ذهنك من عقائد أهل السنّة ، فتبني الإشكال عليها ، إذ نحن لا نعتقد أنّ الله تعالى أوكل أمر الخلافة والإمامة للناس ، حتّى إذا بويع أحدهم أصبح خليفة ، بل نعتقد أنّ أمر الإمامة والخلافة بيد الله وحده ، ليس لبشر خيرة فيه ، وعدم تسلّم الإمام زمام السلطة والحكم فعلاً لا يسقط حقّه منها ، كما أنّ عدم الإيمان بالنبيّ صلى الله عليه وآله لا يلغي نبوّته ، فلاحظ وتأمّل!!

وبعبارة أُخرى : إنّا نقول : نعم إنّ عليّاً عندما بايع أبا بكر كان على الحقّ ، إذ إنّه بايعه مضطرّاً ومكرهاً حفظاً للإسلام ، ولا يعني ذلك أنّ الحقّ في الإمامة ذهب إلى أبي بكر ، أو أنّ الإمام أسقط حقّه وأعطاه لأبي بكر.

ونقول أيضاً : بعد أن ثبتت عصمة الإمام عليه السلام ، فإنّ كلّ أفعاله تكون صحيحة مطابقة لشرع الله ، فبعد أن ثبتت صحّة الحديث ( علي من الحقّ ، والحقّ مع علي ، يدور معه كيفما دار ) المثبت لعصمة الإمام عليه السلام ، يجب أن نحمل كلّ أفعاله على الصحّة ، لا أن نرد الحديث بفعل من أفعاله ، نظنّ نحن أنّه لم يكن فيه على صواب ، فإنّ هذا أكل من القفا.

( حسين حبيب عبد الله - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

أُكره الإمام علي عليها :

س : هل الإمام علي عليه السلام بايع أبا بكر أم لم يبايع؟ وإذا بايع أفلا يعدّ ذلك اعتراف بخلافة أبي بكر؟

وهل يوجد من علماء المذهب من يقول إنّه بايع؟

ص: 45

ج : لقد رفض الإمام علي عليه السلام البيعة لأبي بكر ، وبقي في بيته منشغلاً بجمع القرآن ، لكن عمر أصرّ على أن يبايع لأبي بكر ، وقال : والله لأحرقن عليكم البيت ، أو لتخرجن إلى البيعة ، وعندما وصل الإمام عليه السلام لأبي بكر مجبراً على ذلك : قال : ( أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم أُولى بالبيعة لي ... ) ، فقال عمر : إنّك لست متروكاً حتّى تبايع ، فقال له علي : ( ... ألا والله لا أقبل قولك ولا أبايعه ) (1) ، ثمّ انصرف علي عليه السلام إلى منزله ولم يبايع.

وبقي اتباع الخليفة يصرّون على أن يبايع الإمام عليه السلام ، فاضطرّ أخيراً لأن يضع يده في يد أبي بكر ، لكنّه وضعها مضمومة ، لكن القوم رضوا منه بتلك البيعة ، وأعلنوا في المسجد أنّ الإمام قد بايع ، ولقد كانت تلك البيعة بعد تهديد للإمام عليه السلام بالقتل وتهديد مسبق بحرق داره.

قال الإمام الصادق عليه السلام : ( والله ما بايع علي عليه السلام حتّى رأى الدخان قد دخل عليه بيته ) (2).

وأنّه عليه السلام كان يقول في ذلك اليوم لمّا أكره على البيعة : ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (3) ويردّد ذلك ويكرّره.

من كلّ هذا نفهم أنّ الإمام عليه السلام لم يبايع عن رضا واختيار ، وأنّه كان مكرهاً على ذلك ، والبيعة بالإكراه لا تعطي أيّ شرعيّة لخلافة أبي بكر.

ص: 46


1- 1. شرح نهج البلاغة 6 / 12.
2- 2. الكنى والألقاب 1 / 387 ، الشافي في الإمامة 3 / 241.
3- 3. الأعراف : 150.

التبرّك :

اشارة

( الكويت - سنّي - .... )

تبرّك الصحابة بقبر النبيّ :

س : أخواني الكرام أشكركم على تعاونكم معنا ، والله أنا أميل إلى الشيعة أكثر من السنّة ، لأنّ السنّة معتقداتهم وهمية ، يمكن أن تُناقش ، فهي ليست فكرية إلى حدّ ما ، لذا نشكركم على حسن متابعتكم لنا ، وجزاكم الله خيراً ، ودمتم لنا ذخراً وشرفاً إن شاء الله.

ولكن عندي استفسار : هناك بعض الشيعة يدخلون المشاهد التي يدخلها الآلاف من البشر في كلّ يوم ، ومع ذلك فهناك بعض كأنّه يعبد القبر عبادة عمياء ، لا يدري أنّه بشر مثلنا ، وهو يقول مثلاً : اشفع لنا يوم القيامة ... ، ألا تعتبر أنّ هذا شرك بالله ، والله هو الوحيد الذي يغفر ذنوب الأنس والجنّ؟

وأنا أدعو الناس إلى زيارة القبور لأنّها توعّي الإنسان ، ولكن ليس إلى أن توصل لعبادة القبر ، فما هو دليلكم على هذا؟

ج : نسأل الله تعالى لكم الموفّقية في التعرّف على مذهب أهل البيت عليهم السلام أكثر فأكثر ، والتعمّق فيه ، ومعرفة مبانيه وأدلّته ، ليكون اختياركم لمذهب أهل البيت عليهم السلام عن دليل وقناعة كافية.

وأمّا بالنسبة إلى ما ذكرت ، فإنّه لا يوجد ولا شيعي واحد يعبد القبور ، وإنّما هو زيارة وتبرّك وعبادة لله تعالى في أماكن يستجاب فيها الدعاء ، لأنّها أماكن تضمّ قبور الأنبياء والأئمّة والصالحين ، وإن كان مرادك أنّ مطلق التبرّك هو عبادة للقبر فنجيبك بما يلي :

أنّه لم نجد قولاً بالحرمة لأحد من أعلام المذاهب الأربعة ، وإنّما القائل

ص: 47

بالنهي عنه من أُولئك يراه تنزيهاً لا تحريماً ، ويقول بالكراهة مستنداً إلى زعم أنّ الدنوّ من القبر الشريف يخالف حسن الأدب ، ويحسب أنّ البعد منه أليق به ، وليس من شأن الفقيه أن يفتي في دين الله بمثل هذه الاعتبارات التي لا تبنى على أساس ، وتختلف باختلاف الأنظار والآراء.

نعم ، هناك أُناس شذّوا عن شرعة الحقّ وحكموا بالحرمة ، قولاً بلا دليل ، وتحكّماً بلا برهان ، ورأياً بلا بيّنة ، وهم معروفون في الملأ بالشذوذ ، لا يعبأ بهم وبآرائهم.

ونحن نذكر لكم بعض الصحابة الذين تبرّكوا بقبر رسول الله صلى الله عليه وآله لتقفوا على الحقيقة.

1 - عن الإمام علي عليه السلام قال : ( لما رمس رسول الله صلى الله عليه وآله جاءت فاطمة عليها السلام فوقفت على قبره صلى الله عليه وآله ، وأخذت قبضة من تراب القبر ، ووضعته على عينها ، وبكت وأنشأت تقول :

ماذا على من شمّ ت-رب-ة أحمد *** أن لا يشمّ م-دى الزم-ان غ-والي-ا

صُبّت عليَّ مص-ائ-ب لو أنّه-ا *** صُبّت على الأيّام عدن لي-الي-ا (1)

2 - عن أبي الدرداء قال : ( إنّ بلالاً - مؤذّن النبيّ صلى الله عليه وآله - رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول : ( ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورني يا بلال )؟ فانتبه حزيناً وجلاً خائفاً ، فركب راحلته وقصد المدينة ، فأتى قبر النبيّ صلى الله عليه وآله فجعل يبكي عنده ، ويمرّغ وجهه عليه ، فأقبل الحسن والحسين عليهما السلام فجعل يضمّهما ويقبّلهما ... ) (2).

ص: 48


1- 1. المغني لابن قدامة 2 / 411 ، الشرح الكبير 2 / 430 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 337 ، الوفا بأحوال المصطفى : 819 ، وفاء الوفا 4 / 1405 ، نظم درر السمطين : 181 ، سير أعلام النبلاء 2 / 134 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 337 ، مشارق الأنوار : 63.
2- 2. نيل الأوطار 5 / 180 ، تاريخ مدينة دمشق 7 / 137 ، أُسد الغابة 1 / 208 ، سير أعلام النبلاء 1 / 358 ، دفع الشبه عن الرسول : 182 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 359 ، مشارق الأنوار : 57.

3 - عن الإمام علي عليه السلام قال : ( قدم علينا إعرابي بعدما دفن رسول الله صلى الله عليه وآله بثلاثة أيّام ، فرمى بنفسه على قبر النبيّ صلى الله عليه وآله ، وحثا من ترابه على رأسه ، وقال : يا رسول الله قلتَ فسمعنا قولك ، ووعيت عن الله سبحانه فوعينا عنك ، وكان فيما أنزل عليك : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (1) ، وقد ظلمت نفسي ، وجئتك تستغفر لي ، فنودي من القبر : أنّه قد غفر لك ) (2).

وأمّا بالنسبة إلى طلب الحوائج منهم عليهم السلام فإنّما هي في الحقيقة أنّ الشيعة تطلب الحوائج من الله تعالى ليقضيها لهم بحقّ صاحب القبر ، ومنزلته من الله تعالى ، أو طلب الحاجة من صاحب القبر ليطلبها هو من الله تعالى ، فإنّ عقيدتنا أنّ النبيّ والأئمّة عليهم السلام كما كانوا يدعون لشيعتهم في حياتهم ، ويحيطون بهم علماً ، فكذلك بعد وفاتهم.

( عباس - البحرين - .... )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : ذكرتم في الردّ على سؤال أحد الأخوان في باب تبرّك الصحابة بقبر النبيّ صلى الله عليه وآله عدداً من الأحاديث ، فهل هذه الأحاديث صحيحة عند أهل السنّة؟ كما أرجو ذكر المزيد منها ، ولكم جزيل الشكر.

ج : لاشكّ أنّ بعض هذه الروايات قد صحّحها رواتها في كتبهم ، كما وقد ذكرها مجموعة أُخرى من علماء أهل السنّة في كتبهم ، ثمّ بالإضافة إلى هذه الروايات ، نذكر روايات وأقوال أُخرى دالّة على تبرّك الصحابة وغيرهم ، منها :

ص: 49


1- 1. النساء : 64.
2- 2. كنز العمّال 4 / 259 الجامع لأحكام القرآن 5 / 265 ، دفع الشبه عن الرسول : 142 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 381 و 390.

1 - عن داود بن أبي صالح قال : أقبل مروان يوماً ، فوجد رجلاً واضعاً وجهه - جبهته - على القبر ، فأخذ مروان برقبته ، ثمّ قال : هل تدري ما تصنع؟

فأقبل عليه ، فإذا أبو أيّوب الأنصاريّ ، فقال : نعم جئت رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولم آتِ الحجر ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ( لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ، ولكن ابكوا على الدين إذا وليه غير أهله ) (1).

2 - عن إسماعيل بن يعقوب التيمي قال : ( كان ابن المنكدر يجلس مع أصحابه ، قال : وكان يصيبه الصمات ، فكان يقوم كما هو يضع خدّه على قبر النبيّ صلى الله عليه وآله ثمّ يرجع ، فعوتب في ذلك ، فقال : إنَّه ليصيبني خطرة ، فإذا وجدت ذلك استشفيت بقبر النبيّ صلى الله عليه وآله.

وكان يأتي موضعاً من المسجد في الصحن ، فيتمرّغ فيه ويضطجع ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنّي رأيت النبيّ صلى الله عليه وآله في هذا الموضع - يعني في النوم - ) (2).

3 - روى عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه رواية أبي علي بن الصوف عنه ، قال عبد الله : ( سألت أبي عن الرجل يمسُّ منبر رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويتبرّك بمسِّه ويقبِّله ، ويفعل بالقبر مثل ذلك رجاء ثواب الله تعالى؟ قال : لابأس به ) (3).

4 - ذكر الخطيب ابن حملة : ( أنَّ عبد الله بن عمر كان يضع يده اليمنى على القبر الشريف ، وأنَّ بلالاً رضي الله عنه وضع خدّيه عليه أيضاً.

ورأيت في كتاب العلل والسؤالات لعبد الله ابن الإمام أحمد ... ثمّ قال : ولاشكّ أنَّ الاستغراق في المحبّة يحمل على الإذن في ذلك ، والمقصود من ذلك كلّه الاحترام والتعظيم ، والناس تختلف مراتبهم في ذلك كما كانت تختلف

ص: 50


1- 1. مسند أحمد 5 / 422 ، المستدرك على الصحيحين 4 / 515 ، مجمع الزوائد 5 / 245 ، الجامع الصغير 2 / 728 ، كنز العمّال 6 / 88 ، فيض القدير 6 / 501 ، تاريخ مدينة دمشق 57 / 249 ، دفع الشبه عن الرسول : 199 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 398 ، وفاء الوفا 4 / 1404.
2- 2. وفاء الوفا 4 / 1406.
3- 3. وفاء الوفا 4 / 1404 ، العلل 2 / 492 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 398.

في حياته ، فأُناس حين يرونه لا يملكون أنفسهم بل يبادرون إليه ، وأُناس فيهم أناة يتأخّرون ، والكلّ محلُّ خير ) (1).

5 - قال الشافعيّ الصغير محمد بن أحمد الرملي - المتوفّى 1004 ه- - في شرح المنها الجواب : ( ويكره أن يجعل على القبر مظلّة ، وأن يُقبَّل التابوت الذي يُجعل فوق القبر واستلامه ، وتقبيل الأعتاب عند الدخول لزيارة الأولياء.

نعم ؛ إنّ قصد التبرّك لا يكره كما أفتى به الوالد ) (2).

6 - الذهبيّ المعاصر لابن تيمية ، والذي يعترفون بإمامته ، فقد انتقد أصحاب هذا الرأي المتطرّف ، وسمّاهم المتنطعين وأتباع الخوارج ، وأفتى بأنّ تحريمهم للتبرّك بمنبر النبيّ صلى الله عليه وآله بدعة!

قال في سير أعلام النبلاء : ( أين المتنطع المنكر على أحمد ، وقد ثبت أنّ عبد الله سأل أباه عمّن يلمس رمانة منبر النبيّ ، ويمسّ الحجرة النبويّة؟ فقال : لا أرى بذلك بأساً؟! أعاذنا الله وإيّاكم من رأي الخوارج ، ومن البدع ) (3).

7 - قال البخاريّ : ( باب ما ذكر من درع النبيّ وعصاه ، وسيفه وقدحه وخاتمه ، وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك ، ممّا لم يذكر قسمته ، ومن شعره ونعله وآنيته ، ممّا تبرّك أصحابه وغيرهم بعد وفاته ) (4).

وغيرها من أقوال العلماء السنّة الدالّة على جواز التبرّك.

( خالد - ... - ..... )

رأي الشيعة فيه :

س : ما هو رأيكم في التبرّك بالقبور؟

ص: 51


1- 1. وفاء الوفا 4 / 1405.
2- 2. الغدير 5 / 151.
3- 3. سير أعلام النبلاء 11 / 212.
4- 4. صحيح البخاريّ 4 / 46.

ج : من المعلوم لديك أنّ الأشياء تابعة لأسبابها وعللها ومناشئها ، وتكتسب الوصف المناسب لها بحسب الهدف والغاية منها.

وقضية التبرّك بالقبور لا تخرج عن هذه القاعدة ، فالقبر إنّما يكتسب الاهتمام وعدمه إذا سلّطنا الضوء على صاحب القبر ، فإنّ كان المدفون فيه عبداً كافراً فاسقاً ، فمن الطبيعيّ لا يصحّ التبرّك بقبره.

أمّا إذا كان عبداً مقرّباً عند الله تعالى ، ووليّاً من أوليائه ، أو نبيّاً ، أو ما شاكل ، فيكتسب القبر اهتماماً لأجل المدفون فيه.

ويصحّ التبرّك بالقبر لأجل صحّة التبرّك بصاحبه ، فقبر رسول الله صلى الله عليه وآله يصحّ التبرّك به ؛ لأجل أنّ المسلمين كانوا يتبرّكون به في حياته.

وكما قلنا : فإنّ الأشياء تابعة لمناشئها وعللها.

وقد تناقل المسلمون - شيعة وسنّة على السواء - صحّة التبرّك بالقبر وأمثاله ، وعلى سبيل المثال لا الحصر : فقد نقل عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب العلل والسؤالات قال : ( سألت أبي عن الرجل يمسُّ منبر رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويتبرّك بمسِّه ويقبِّله ، ويفعل بالقبر مثل ذلك رجاء ثواب الله تعالى؟ قال : لابأس به ) (1).

( عاشق الحسين - الكويت - 22 سنة - طالب جامعي )

بالأضرحة وربط الخرق الخضراء :

س : نسعد كثيراً - نحن أبناء المذهب الجعفريّ - بربط الخرق السوداء والخضراء في أيادينا وحاجياتنا الخاصّة ، دون أدنى معرفة بأصل هذه العادة ، ويسألنا أخوتنا كثيراً من أهل السنّة عن هذا الموضوع ، ولا نجيب بوضوح ، كيف نفسّر ذلك؟

ج : إنّ الشيعة بل المسلمين جميعاً ، يعتقدون بحياة الأولياء بعد الموت ،

ص: 52


1- 1. وفاء الوفا 4 / 1404 ، العلل 2 / 492 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 398.

ودليلهم في ذلك أدلّة كثيرة ، منها قوله تعالى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (1) ، هذا حال الشهداء ، فكيف بأئمّة آل البيت عليهم السلام فهم شهداء وأولياء.

فاعتقاد حياتهم ممّا لاشكّ فيه ولا ريب ، وإذا كان الأمر كذلك ، فإنّهم يرون ويسمعون من زارهم ، ومن سألهم وهم في قبورهم ، هذه كرامة ومنزلة وهبها الله لهم تعظيماً لمقامهم وشرفهم.

ومن هنا ، فإنّ الشيعة يقفون على قبورهم ، ويسألون الله بحقّهم ، ويدعونه فيستجاب لهم ، فإنّ الله قد جعل لبعض الأماكن شرفاً ومنزلة ، فأحبّ أن يدعوه المؤمن في هذه الأماكن المقدّسة ، كما أحبّ أن يدعوه عند مساجده وبقاعه المشرّفة.

وبذلك فإنّ زائري قبورهم يستحصلون من قبورهم وضرائحهم البركة ، ويتعاملون معهم أحياءً لا أمواتاً ، لذا فإنّ أضرحتهم قد حلّت بها البركة ، وأنّ لهذه الأضرحة آثاراً كما لأجسادهم الشريفة ، فيجعلون ما مسّ أضرحتهم مورداً للاستشفاء بإذن الله تعالى ، وهذه الخرق السوداء والخضراء حينما تمسّ هذه الأضرحة ، يعتقد الناس ببركتها ، فتكون لهم حرزاً لطلب الشفاء مثلاً.

وهذه حالة من حالات اعتقاد الناس بحياة الأئمّة عليهم السلام بعد الموت ، فهم يتعاملون معهم أحياءً لا أمواتاً.

ولهذه الحالات نظائر قد حدثت في حياة النبيّ صلى الله عليه وآله ، والأئمّة عليهم السلام كذلك ، فالروايات تشير إلى أنّ خديجة بنت خويلد عليها السلام قد طلبت من النبيّ صلى الله عليه وآله أن يكفّنها ببردته تبرّكاً بها ، ولتحميها من هول المطّلع ، ومن القبر وحالاته ، وفعلاً فقد استجاب لذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فكفّنها ببردته (2).

وهذا زهير بن أبي سلمى خلع عليه رسول الله صلى الله عليه وآله بردته فقبّلها متبرّكاً بها ،

ص: 53


1- 1. آل عمران : 169.
2- 2. شجرة طوبى 2 / 235.

بعد أن مدحه بقصيدته التي سمّيت بالبردة.

والكميت الأسدي الشاعر المعروف ، حين ألقى قصيدته عند الإمام الباقر عليه السلام أعطاه الإمام مالاً ، فرفض الكميت أخذه وقال : ما مدحتكم للدنيا ، فإنّ جزائي أُريده من الله تعالى ، وطلب منه قميصه أن يعطيه تبرّكاً بهذا القميص الذي مسّ جسد الإمام عليه السلام ، وفعلاً فقد أعطى الإمام قميصه (1).

ودعبل الخزاعي حين أنشد قصيدته عند الإمام الرضا عليه السلام ، قدّم الإمام عليه السلام له عطاءً جزيلاً فرفضه ، وطلب منه جبّته وقال : لتقيني من أهوال القبر يا بن رسول الله (2).

وفعلاً أعطاه جبّته ، فلمّا وصل بغداد كانت له جارية قد شكت عينها ، وأصابها العمى ، فمسح بفاضل جبّة الإمام على عينها ، فزال ما بها من ألمٍ وعمى.

كلّ هذه شواهد على إقرار الأئمّة عليهم السلام بما اعتقده شيعتهم.

مضافاً إلى ما كان عمر بن الخطّاب يتبرّك بالحجر الأسود ويقبّله (3) ، مع أنّه حجر ، وضريح الإمام مشرّف بما حواه من جسد الإمام عليه السلام ، كما أنّ غلاف القرآن منزلته تأتي ممّا يحويه من كلام الله تعالى.

والذي نريد قوله : أنّ اعتقاد الشيعة بشرف هذه الأضرحة ، واستحصال البركة بكلّ ما يمسّ هذه الأضرحة من خرقة خضراء أو غيرها ، ويتمّ الاعتقاد بأنّ الله تعالى لمنزلة هذا الإمام ، قد جعل سبب الشفاء والبركة لما يعتقده الإنسان بهذا الخرقة.

على أنّنا نودّ التنبيه إلى أنّ لفّ هذه الخرق ليس من الضروريّ أن تكون من ضرورات مذهبنا ، بل هي حالة اعتقادية يعتقدها الشيعة لحسن ظنّهم بالله ،

ص: 54


1- 1. مناقب آل أبي طالب 3 / 329.
2- 2. الأمالي للشيخ الطوسيّ : 359.
3- 3. مسند أحمد 1 / 51 ، صحيح البخاريّ 2 / 162 ، صحيح مسلم 4 / 66.

واعتقادهم بمنزلة الإمام عليه السلام ، ويمارسونها ليعطيهم الله ذلك على حسب ما يعتقدونه ، وليس في ذلك ما يخالف الكتاب أو السنّة ، بل العقل كذلك.

ومن ثمّ ما تعارف عليه المسلمون من التبرّك بما خلّفه رسول الله صلى الله عليه وآله من قميصه وشعره ، والمسلمون جميعاً يروون قصّة الرجل الذي أحجم رسول الله صلى الله عليه وآله فبعد حجامته له شرب ذلك الدم ، فسأله النبيّ صلى الله عليه وآله : ( أين ألقيت الدم )؟ فقال : شربته يا رسول الله ، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك ، ولكن قال له : ( إنّ جسدك لم تمسّه النار أبداً ) (1) ، ممّا يشير إلى أنّ لدمه صلى الله عليه وآله خصوصية ، وعدم مسّ ذلك الجسد الذي اختلط بدم رسول الله صلى الله عليه وآله ، هذا ما أمكن توضيحه ببيانٍ سريعٍ مقتضب.

( كميل - الكويت - .... )

أخطاء البعض لا تكون باعثة لحذفه :

س : في مسألة التبرّك بقبور النبيّ وآله ؛ قال لي أحدهم : بأنّه صحيح أنّنا نحن الشيعة نعبد الله في ذلك الآن ، وصحيح أنّنا حين نطلب من عندهم قضاء الحوائج نعتقد أنّه بأمر الله ، ولكن في المستقبل سيتحوّل الأمر إلى الاعتقاد بأنّ بيدهم النفع والضرّ ، وهذا كفر ، وبما أنّ دفع المفسدة أُولى من جلب المنفعة ، يجب منع مثل هذه الأُمور ، فما رأيكم؟

ج : لو فرضنا أنّ البعض في مسألة التبرّك بقبر النبيّ وآله ارتكب محرّماً ، أو ما عرف المسألة فوقع في محرّم ، فهل هذا يستطلب نفي هذا الفعل من أساسه؟ أم تصحيح الخطأ عند هذا البعض؟

فلا يمكن أن نحمل أخطاء البعض - على فرض وقوعها - على أن تكون باعثة لحذف الفعل من أصله ، بل علينا أن نصحّح الأخطاء ، ونوصل المفاهيم الصحيحة إلى الناس.

ص: 55


1- 1. المبسوط للسرخسيّ 3 / 69.

فلو أنّ بعض الناس إنّما يطوف بالبيت الحرام لاعتقاده بأنّ الله تعالى جالس في الكعبة ، ويطوف لأجل هذا ، فهل يحقّ لنا أن نمنع الطواف بحجّة أنّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة؟!

( عادل أحمد - البحرين - 35 سنة - خرّيج جامعة )

منه تقبيل الأضرحة :

س : عقلي يمنعني من تقبيل الأضرحة ويقول : هذه الأفعال تهين المذهب ، هل عقلي على حقّ أم إيماني ضعيف؟ كما يصفني أصدقائي.

ج : إنّ تقبيل الأضرحة تعتبر من مسائل التبرّك الذي معناه التيمّن ، وهو طلب اليمن ، أي البركة ، وهي النماء في الخير والزيادة فيه ، فالبركة هي الخير الدائم الثابت في الشيء والنامي فيه.

ومبدأ فعله إمّا الحبّ والودّ والتعزيز والتكريم ، وإمّا الاتباع ، فالحبّ يكون مؤدّياً للتبرّك بالحبيب ولوازمه وآثاره ، فحبّ الأنبياء والصلحاء يجرّ كلّ مؤمن إلى حبّ كلّ ما تركوه من آثار ، حتّى أبنيتهم وألبستهم وأولادهم ، حتّى قال الشاعر :

أمرّ على الديار دي-ار ليلى *** أُقبّلُ ذا الجدار وذا الجدارا

وما حبُّ الديار شغفن قلبي *** ولكنْ حبُّ من سكن الديارا

وأمّا المبدأ الثاني لفعل التبرّك فهو الاتّباع ، فقد ثبت شرعاً أنّ الصحابة كانوا يتبرّكون برسول الله صلى الله عليه وآله ، ولم ينههم صلى الله عليه وآله عن ذلك ولم يزجرهم ، ولم يبيّن بأنّ أفعالهم لا تجوز ، بل كان صلى الله عليه وآله يتركهم يفعلون ذلك ويفعله أيضاً ، من تكثير الطعام أو الشراب عند فقدانه أو نقصانه ، وتحنيكه الأطفال بريقه الشريف ، أو إشفائهم ببصاقه ، كما فعل مع أمير المؤمنين عليه السلام في غزوة خيبر وغيرها.

وقد ثبت في القرآن الكريم فعل ذلك في قصّة يوسف عليه السلام ، قال تعالى :

ص: 56

( اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ... فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ) (1).

فهذان المبدآن يثبتان جواز التبرّك بل استحبابه لفعل الأنبياء عليهم السلام له ، وكذلك يثبت أنّ التبرّك ينفع المتبرّك من شفاء مرض أو اكتساب نور ، أو إثبات عافية ، أو تثبيت إيمان ومحبّة ، وغير ذلك من الأُمور الراجحة.

ص: 57


1- 1. يوسف : 93 - 96.

ص: 58

التجسيم والتشبيه :

اشارة

( عقيل - الكويت - .... )

الآيات الموهمة لهما :

س : ما هو تفسير قوله تعالى : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (1) ، و ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ) (2) ، و ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ) (3).

ج : اختلفت الأقوال في تفسير العرش ، فقد جاءت فيه تفاسير ثلاثة :

الأوّل : الأخذ بالمدلول اللغويّ للعرش ، وما يكون هو المتبادر الأوّلي إلى الأذهان ، وهو المكان الخاصّ الذي يجلس فيه من له امتياز على غيره ، كالملوك والأُمراء ، بل وبعض الكبراء ، كرؤساء القبائل وأمثالهم.

وبهذا يفسّرون العرش : بأنّه المكان الذي يجلس فيه الله تعالى ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ، ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) (4) أي جلس على عرشه.

وهناك تفسير للكرسي في قوله تعالى : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) (5) ، حيث قالوا : بأنّ العرش يمتاز عن الكرسيّ ، بأنّ العرش هو الذي يجلس عليه الله تعالى ، والكرسيّ موضع قدميه.

ص: 59


1- 1. طه : 5.
2- 2. القلم : 42.
3- 3. الرحمن : 27.
4- 4. الأعراف : 54.
5- 5. البقرة : 255.

وهذا التفسير - بوجهيه - لا يمكن الأخذ به بأيّة حال ، لأنّه يقتضي التشبيه والتجسيم الصريح غير المؤوّل ، وهذا مالا تقرّ به طوائف المسلمين ، سوى الشاذّ منها.

وأمّا التنصّل من مشكلة التشبيه والتجسيم بأن نقول : بأنّ الله تعالى يجلس جلوساً واقعياً على عرشه بلا كيف ، ولا نقول : كيف حتّى يستلزم التشبيه والتجسيم ، وهو كلام خالٍ من أيّ معنى معقول.

التفسير الثاني : أنّ الاستواء بمعنى الاستيلاء ، وهذا يلتزم به من يأبى التشبيه والتجسيم بالنسبة إلى الله تعالى ، ويستدلّون بالبيت المعروف : ( قد استوى بشر على العراق ) أي استولى ، وهذا التفسير الثاني فيه المجاز في كلمة الاستواء ، أي بمعنى الاستيلاء.

التفسير الثالث : أنّ الاستواء على العرش كناية على التدبير ، والأخذ بزمام إدارة من له حقّ الإدارة ، والإشراف والتدبير عليه ، وهذا هو المقصود بما يذكره المؤرّخون ، من تواريخ الجلوس على العرش للملوك والأمراء ، بمعنى استوى عليه : بأن جعله تحت قدرته ، ومنع غيره من الجلوس عليه إلاّ بإذنه ، كما نقول : استوى زيد على داره بعد ستة سنوات ، معناه : أنّ داره كانت مغصوبة ، ثمّ عادت إليه ، بأن استولى عليها.

وهذا المعنى ليس المقصود من الآية الكريمة ، بل المقصود القيام بالتدبير ، وإدارة شؤون من له القدرة عليه ، والاستيلاء عليه ، والاستيلاء بمعنى التسلّط عليه ، فالله تعالى حينما يذكر ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) يعني : أنّ الله تعالى خلق خلقه ، ثمّ قام بتدبير أمرهم ، كما يشير إليه قوله تعالى : ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ ) (1).

استوى على العرش نوع من المجاز ، الذي كان يفهمه السامعون يوم نزول

ص: 60


1- 1. يونس : 3.

القرآن الكريم ، بحيث يقال لهم : أنّه قام بالتدبير بلا استعارة للاستواء على العرش ، ما كانوا يفهمونه بدقّة كاملة.

فالله تعالى يقول : ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) يعني : قام بتدبير الأُمور ، فيضيف إليه قوله تعالى : ( يُدَبِّرُ الأَمْرَ ) ، وهذا المعنى الصحيح من هذا التعبير متى ورد في القرآن الكريم ، ومتى ورد في السنّة الصحيحة؟

وأمّا قوله تعالى : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ) ، فله تفسيران :

الأوّل : الأخذ بالمعنى الظاهريّ ، ويستدلّون عليه بالحديث الوارد عند غير الإمامية ، ويصرّون على أنّه حديث صحيح : بأنّ أُمم يوم القيامة تمتاز بعضها عن بعض ، فيبقى المسلمون ، فيأتيهم رسول الله صلى الله عليه وآله ، فيأخذ بهم إلى حيث بيت الله تعالى ، فيطرق باب الجنّة ، فيخرج إليهم سبحانه وتعالى ، فيقولون له : نحن نريد أن نعرف ربّنا؟ فيسألهم : هل ترون لربّكم علامة؟ يقولون : نعم ، إنّ العلامة أثر في ساق ربّنا ، فيكشف الله تعالى عن ساقه ، فيرون العلامة ، فيقعون سجّداً لله تعالى ، إلاّ المنافقين الذين تتقلّب ظهورهم ، فلا يمكنهم السجود.

وأمّا التفسير الثاني : وهو الذي يأخذ به علماء الإمامية ، ومن تبعهم ( يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ) ليس معناه ساق الله تعالى ، وإنّما كناية عن جدّة الأمر وحدّته ، فالذي يريد أن يقوم بعمل وهو جادّ ، يعبّرون عنه بأنّه كشف عن ساقه ، أو شمّر ثوبه ، أو كشف ذراعيه ، وليس معناه أنّ كلّ عامل جدّ لابدّ وأن يكشف عن ذراعيه ، أو يكشف عن ساقه ، وإنّما يقصد به المعنى اللازم لهذا العمل ، وهو الوقوع في موقع جدّيّ ، والقيام بالعمل الجدّ.

فالله تعالى يقول : أنّ الذين لم يؤمنوا بالله في حياتهم الدنيا عابثون لا يقدّرون الموقف ، وسيأتي عليهم يوم يكشف فيه عن ساق ، يعني ذلك اليوم يوم جدّ لا عبث فيه ، وهنالك هؤلاء يعجزون عن أداء ما عليهم من العبادة لربّهم سبحانه وتعالى ، الذين كانوا ينكرونه في حياتهم الدنيا ولا يعبدونه.

ص: 61

وأمّا قوله تعالى : ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ) (1).

التعبير العربيّ كان يوم ذاك ولا زال محبوب عند القبائل ، أنّهم كانوا يعبّرون عن رعاية الكبير - سواء كان شيخ عشيرة ، أو أمير بلد ، أو ملك ، أو صاحب سلطة - بأنّهم يراعون وجهه ، ويعبّرون عن أنفسهم بأنّهم جالسون أمامه ، ووجوههم في وجهه ، فلا يستطيعون مخالفته ، فيقولون ولا زال التعبير إلى يومنا هذا : بخاطر وجهك.

فالله تعالى يعتبر التقرّب إليه بأن يكون العمل خالصاً له ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ ) (2).

فالوجه هنا عبارة عن الذات الإلهيّة ، والتوجّه إليه تعالى توجّهاً كاملاً ، والتقرّب إليه وحده سبحانه ، بلا شريك ، ولا دخل لغيره.

وهنا حينما يقول : ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ) أي يبقى ربّك ، لأنّ كلّ معبود سيفنى ، والمعبود الذي يبقى هو الله تعالى ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) (3) ، وهذا هو المقصود من الوجه ، أي إلاّ الله تعالى ، هذا التعبير ، يعني تقريب المعقول عن طريق التشبيه بالمحسوس ، أصل جار في كثير من الآيات الكريمة.

( حيدر - السويد - .... )

الهُشامان لا يقولان بهما :

س : تزعم الوهابيّة : أنّ هشام بن الحكم ، وهشام بن سالم ، قالا بالتجسيم ، وقد وبّخهما الإمام الصادق بقوله : ( دع الهشامين ) الموجودة في أُصول الكافي ، والتوحيد للصدوق ، وغيرهما.

فهل هذه المقولة لها شيء من الصحّة؟ نرجو الجواب على هذا ، ويا حبذا

ص: 62


1- 1. الرحمن : 27.
2- 2. الإنسان : 9.
3- 3. القصص : 88.

تذكروا لنا مؤلّفات هشام بن الحكم ، وشكراً.

ج : لقد اتّفق علماؤنا على وثاقة هشام بن الحكم ، وعظم قدره ، ورفعة منزلته عند الأئمّة عليهم السلام ، وأنّه كان من أكابر أصحاب الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام ، وروى حديثاً كثيراً عنهما ، وبلغ من مرتبته وعلوّه عند الإمام الصادق عليه السلام ، أنّه دخل عليه بمنى - وهو غلام - وفي مجلسه شيوخ الشيعة ، فرفعه على هؤلاء ، وليس في المجلس إلاّ من هو أكبر منه سنّاً. فقال عليه السلام له - بعد أن سأله عن أسماء الله واشتقاقها ، فأجابه - : ( أفهمت يا هشام فهماً تدفع به أعدائنا الملحدين مع الله تعالى ) ، قال هشام : نعم ؛ قال عليه السلام : ( نفعك الله به وثبّتك ) ، قال هشام : فو الله ما قهرني أحد في التوحيد (1).

وقوله عليه السلام : ( هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ... ) (2) ، وكذا قوله عليه السلام : ( هشام بن الحكم رائد حقّنا ، وسائق قولنا ، المؤيّد لصدقنا ، والدامغ لباطل أعدائنا ، من تبعه وتبع أثره تبعنا ، ومن خالفه وألحد فيه عادانا وألحد فينا ) (3) دليل على عظمته وجلالته.

ومع هذا ، فقد طعن فيه العامّة ، وهذا رفعة له ومنزلة ، بل توغّل العامّة في البغض له دليل على جلالة قدره وسموّ مقامه.

وقد وردت فيه أخبار ذمّ من جهة قوله بالتجسيم ، وقد نزّهه الأعلام ، وذبّ عنه العلماء ، كما وردت روايات كثيرة مستفيضة في الترحّم عليه من الأئمّة عليهم السلام.

وأمّا هشام بن سالم ، فهو من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام ، وكان له أصل وكتاب ، وهو ثقة بلا ريب ، وقد وردت فيه روايات مادحة أوردها الكشّي قدس سره (4) ، وحكى عنه غيره.

ص: 63


1- 1. الكافي 1 / 87 و 114 ، التوحيد : 221 ، الفصول المختارة : 52.
2- 2. تحف العقول : 383 ، الفصول المختارة : 52.
3- 3. معالم العلماء : 163.
4- 4. اختيار معرفة الرجال 2 / 565.

كما وقد وردت فيه روايات ذامّة هي مقاربة لما أورد على هشام بن الحكم ، والجواب الجواب ، إلاّ أنّ الذي يزيد هنا هو : أنّ الذي نسب القول بالجسمية لهشام هذا ، هو عبد الملك بن هشام الحنّاط - المجهول الحال ، ولا يوجد ذكره في الرجال - وعليه فكيف يمكن جرح مثل هذا الرجل الجليل المقرّب عند الأئمّة عليهم السلام بخبر مجهول عن راوٍ مهمل. وفي الرواية مجاهيل أُخر ، ولا نوّد الخوض في بحثها ، ويرد فيه كلّ ما سنذكره فيما بعد ، إذ هو وصاحبه ثقتان ، والجواب عنهما واحد ، وإن كان ما ورد في ابن الحكم رواية وجرحاً أكثر ، إذ أنّ مقامه ورتبته أرفع ، فتدبّر.

أمّا ما أُتهما به من القول : أنّ الله تعالى جسم لا كالأجسام - ولا نعرف لهما مثلبة غير هذه - وعمدة من أتهم هو ابن الحكم ، ودفاعنا عنه بإحدى الوجوه التالية :

أوّلاً : إنّا إنّما قبلنا وأخذنا بقوله لما شاع عنه واستفاض من تركه القول بالتجسيم ، ورجوعه عنه ، وإقراره بخطئه فيه ، وذلك بعد أن حجبه الإمام عليه السلام في المدينة عن الدخول عليه ، وقوله : وإنّ ما قلت به إلاّ أنّي ظننت أنّه وفاق لقول إمامي ، فأمّا إذا أنكره عليّ فإنّي تائب إلى الله منه ، فأدخله الإمام عليه حينئذ ، ودعا له بالخير (1).

فهو على هذا ، كان يقول بالتجسيم لله تعالى - لا كالأجسام - ثمّ عدل عن ذاك بعد علمه بكونه كفر ، لا يرضى به إمامه.

ثانياً : إنّ جلّ الروايات التي نسبت له القول بالجسمية ، ضعيفة سنداً - مع كثرة الأخبار في ذلك - عدا واحدة منها ، ومع هذا ، فيمكن ردّها على أنّه إنّما قال به من باب إلزام الخصم - بمعنى أنّه قال : إذا قلتم أنّه تعالى شيء لا كالأشياء ، فقولوا : أنّه جسم لا كالأجسام - وهذا لا يكشف عن الاعتقاد بهذا القول.

ص: 64


1- 1. نور البراهين 1 / 252.

ثالثاً : أنّ يكون نسبة القول بالجسمية إليه لروايته خبراً دالاً على الجسمية ، يراد به غير ما هو ظاهره ، فزعموا أنّه يقول بالجسمية.

رابعاً : أنّ ابن الحكم كان أوّلاً من أصحاب الجهم بن صفوان ، ثمّ انتقل إلى القول بالإمامة ، وليس معنى هذا زوال أفكاره التوحيدية السابقة فوراً ، فلعلّه نقل عنه ما نقل ، قبل أن يهذّب عقائده ، وأوائل استبصاره وهدايته.

والعمدة في المقام أن يقال : إن ترحّم الأئمّة عليهم السلام - ممّن كان بعد هشام ، كالإمامين الرضا والجواد عليهما السلام - هو أدّل دليل على أنّه حين ملازمته للصادقين عليهما السلام لم يكن معتقداً بالجسمية حتماً ، إذ ثبوت ذلك عنه يكون كفراً بلا شبهة.

وذاك أمّا أنّه لم يكن معتقداً بذاك أصلاً ، أو قال به من باب إلزام الخصم وإفحامه ، أو كان يقول به ، ثمّ رجع عنه بمجرد التفاته إلى أنّه لا يقال به - إمّا لوصوله بذلك عن دليل ، أو لعدم رضا إمامه بذلك - ولعلّه كان يعتقد أنّ الجسمية - كما عند كافّة العامّة - تقول بها الإمامية ، ويكفي شاهداً لذلك ما روي عنه عن الإمام الصادق عليه السلام من قوله : ( أنّ الله تعالى لا يشبه شيئاً ، ولا يشبهه شيء ، وكلّما وقع في الوهم ، فهو بخلافه ) (1).

والحاصل : أنّه يمكن الإجابة عن هذه الشبهة - كما صدر من البعض - بأُمور :

أوّلاً : إنكار أصل قوله بالتجسيم حتّى في أوّل أمره ، وصدور النسبة إنّما كانت من المخالفين معاندة إمّا تسقيطاً له ولأمثاله ، أو عجزاً عن جواب ما احتج به عليهم.

ثانياً : أنّه كان مخطئاً في قوله ، ورجع عنه بمجرد إحرازه عدم رضا إمامه بذلك.

ص: 65


1- 1. كنز الفوائد : 199 ، الإرشاد 2 / 204 ، التوحيد.

ثالثاً : إنّ هذه العبارة : ( جسم لا كالأجسام ) لا يراد منها ما هو ظاهرها ، وأنّه ليس المراد : أنّه تعالى جسم ، إذ ذاك كفر صريح ، بل هو غلط في العبارة ، يرجع في إثباتها ونفيها إلى اللغة.

رابعاً : إنّ كلامه ليس على الحقيقة حتّى يقدح به ، بل أراد منه إثبات أنّه شيء ، وذلك غير ضارّ ، فلا يراد منه أنّه جسم ، فلا يكون كفر بحال.

خامساً : إنّما جاء بذلك على سبيل المعارضة مع المعتزلة ، أي : أنّكم إذا قلتم أنّ الله تعالى شيء لا كالأشياء ، فيلزمكم أن تقولوا هو جسم لا كالأجسام ، وليس كلّ من عارض بشيء ، وسأل عنه يكون معتقداً له ، أو متديّناً به ، ولعلّه نوع من الاستدراج في البحث لإثبات خطئهم ، وسفه قولهم ، والتعرّف على ما عندهم.

هذا ، وقد أفرزت الروايات الواردة في ذمّه على خمسة أصناف ، وكلّها لا تقاوم ما ورد له عنهم عليهم السلام من الأخبار المتواترة مدحاً ، وتجليل الأصحاب له طرّاً ، مع توثيقهم له ، وتجليلهم من غير خلاف يعرف منهم ، والأخبار الذامّة بمشهد منهم وبمنظر ، فمع تعارضها يلزم طرح تلك ، خصوصاً مع ملاحظة عدّة أُمور :

أوّلاً : ورود أخبار تقيّة كثيرة عنهم عليهم السلام حفظاً لأصحابهم من جور الجائرين ، وكيد الحكّام الملحدين ، كما ورد في زرارة ، ومحمّد بن مسلم ، وغيرهما ، ولم يرتّبوا عليه الأثر ، لكون مفادها كالشبهة مقابل البديهة ، بل قد يظهر ذلك من بعض الروايات ، حيث قال ما قال عليه السلام حفظاً له ولنفسه ، ولما وجد لذلك مجالاً لبيان الحقّ ، دافع عنه.

ثانياً : ما تعارف به يوم ذاك - بل في يومنا هذا - أنّ مع العجز عن القضاء على شخص العالم ، تحارب شخصيته بإيكال التهم عليه ، وقذفه بأنواع المفتريات والسباب لإسقاط شخصيته ، بل كانوا ينسبون الأفراد إلى الكفر والإلحاد بأدنى شيء ، ومنشأ ذلك غالباً الحسد من أصحابه ، أو الجهل بمقامه ، أو العجز عن ردّه

ص: 66

وإفحامه ، وعليه فالنسبة صدرت من المعاندين المخالفين معاندة.

ثالثاً : أنّ مراتب فهم الأصحاب مختلفة جدّاً ، وكذا درجات إيمانهم ، ولاشكّ أنّ من يستبصر أوّلاً ثمّ يتعرّف على المذهب تدريجاً ، لا يمكن البت على كلّ كلامه في جميع أدوار حياته ، إذ قد تصدر منه كلمات في أوّل استبصاره ، وتبقى عليه ، وتنقل عنه إلى آخر حياته ، وهو لاشكّ منها بريء ، بل قد لا يصل لنا تبريه عنها ، وهذا لا يكشف بحال عن بقائه عليها ، بخلاف ما لو كان الشخص مؤمناً من أبوين شيعيين ، فإنّ الحال يختلف ، ولاشكّ في ذلك.

ومن هذا وغيره توجّه ما صدر من كلمات عن كثير من الأصحاب ، وحتّى قدماء العلماء ، حيث لم تكن بعد الأُصول مجمعة ، والكتب مبوّبة ، والمباني موحّدة ، فلذا قد يصدر القول بالقياس منّا ، أو سهو النبيّ صلى الله عليه وآله وغيرها ، وقطعاً لو وصل لهم ما وصل لنا ، لما قالوا بما قالوا قطعاً ، ولأنكروه أشدّ منّا ، وهذا لا يشمل يومنا هذا ، ممّن ينكر بعض الضروريّات الدينية ، أو يناقش بعض المسائل البديهية عند الطائفة ، إذ لنا مع هؤلاء كلام آخر ، والله من وراء القصد.

وأمّا عن مؤلّفات هشام بن الحكم ، فلا شكّ أنّه قد كانت له مباحثات كثيرة مع المخالفين في الأُصول وغيرها ، وصلنا القليل منها ، كما وقد ذكر له الشيخ الطوسيّ قدس سره في فهرسته أصل ، ذكر إسناده هناك ، ثمّ عدّد له كتباً فراجع.

وله من المصنّفات كتب كثيرة ، منها : كتاب الإمامة ، كتاب الدلالات على حدوث الأشياء ، كتاب الردّ على الزنادقة ، كتاب الردّ على أصحاب الاثنين ، كتاب التوحيد ، كتاب الردّ على هشام الجواليقي ، كتاب الردّ على أصحاب الطبائع ، كتاب الشيخ والغلام ، كتاب التدبير ، كتاب الميزان ، كتاب الميدان ، كتاب الردّ على من قال بإمامة المفضول ، كتاب اختلاف الناس في الإمامة ، كتاب في الوصية والردّ على من أنكرها ، كتاب في الجبر والقدر ،

ص: 67

كتاب الألطاف ، كتاب المعرفة ، كتاب الاستطاعة ، كتاب الثمانية الأبواب ، كتاب الردّ على شيطان الطاق ، كتاب الأخبار ، كتاب الردّ على أرسطا طاليس في التوحيد ، كتاب الردّ على المعتزلة ، كتاب الألفاظ.

ثمّ قال قدس سره : ( وروي عنهما - أي الصادق والكاظم عليهما السلام - فيه مدائح له جليلة ، وكان ممّن فتق الكلام في الإمامة ، وهذّب المذهب بالنظر ، وكان حاذقاً بصناعة الكلام ، حاضر الجواب ... ) (1).

( عماد - ... - ..... )

عقيدة الوهابيّة فيهما :

س : هل بإمكانكم إخباري في أيّ كتاب قالت الوهابيّة : بأنّ الله له أرجل ، وأيدي ، ووجه وأعين ...؟

ج : بإمكانك التقصّي عن عقيدة الوهابيّة في التجسيم من خلال فتاوى علمائهم ، أو بالسؤال منهم عن تفسير قوله تعالى ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) (2) ، أو قوله تعالى ( هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) (3) إلى غير ذلك ، وأُنظر ماذا تجاب من قبلهم؟ عندها تستطيع الحكم أنت بنفسك على ما يعتقدونه من صفات الربّ جلّ جلاله.

ولعلّنا سنزوّدك ما يمكن ذكره في هذا المقام المختصر ببعض أقوال شيخهم ابن تيمية في رسالته الواسطية ، كقوله عن رسول الله صلى الله عليه وآله : ( ولا تزال جهنّم يلقى فيها ، وهي تقول : هل من مزيد؟ حتّى يضع ربّ العزّة فيها رجله ، فينزوي بعضها إلى بعض ، فتقول : قط قط ) (4).

ص: 68


1- 1. الفهرست : 258.
2- 2. يونس : 3.
3- 3. الإسراء : 1.
4- 4. العقيدة الواسطية : 34.

وما ذكره محمّد بن عبد الوهّاب في كتابه التوحيد (1) ، عن ابن مسعود قال : جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا محمّد ، إنّا نجد أنّ الله يجعل السماوات على إصبع من أصابعه ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء على إصبع ، والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع ، فيقول : أنا الملك ، فضحك النبيّ صلى الله عليه وآله حتّى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر ، ثمّ قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله : ( وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (2).

قال ابن بطوطة في رحلته : ( وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة ، تقيّ الدين بن تيمية ، كبير الشام ، يتكلّم في الفنون ، إلاّ أنّ في عقله شيئاً! وكان أهل دمشق يُعظّمونه أشدّ التعظيم ، ويعظهم على المنبر ، وتكلّم مرّة بأمرٍ أنكره الفقهاء ...

قال : وكنت إذ ذاك بدمشق ، فحضرته يوم الجمعة ، وهو يعِظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جُملة كلامه أنّ قال : إنّ الله ينزِلُ إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجةً من المنبر!

فعارضه فقيه مالكي ، يعرف بابن الزهراء ، وأنكر ما تكلّم به ، فقامت العامّة إلى هذا الفقيه ، وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً ، حتّى سقطت عمامته ، وظهر على رأسه شاشية حرير ، فأنكروا عليه لباسها ، واحتملوه إلى دار عزّ الدين بن مسلم ، قاضي الحنابلة ، فأمر بسجنه ، وعزّره بعد ذلك ... ) (3).

وقد أفتى ابن باز في فتاويه : ( التأويل في الصفات منكر ولا يجوز ، بل يجب إمرار الصفات كما جاءت على ظاهرها اللائق بالله جلّ وعلا ، بغير تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ولا تمثيل ) (4).

ص: 69


1- 1. كتاب التوحيد : 157.
2- 2. الزمر : 67.
3- 3. رحلة ابن بطّوطة : 95.
4- 4. فتاوى ابن باز 1 / 297.

وقال أيضاً : ( الصحيح الذي عليه المحقّقون ، أنّه ليس في القرآن مجاز على الحدّ الذي يعرفه أصحاب فنّ البلاغة ، وكلّ ما فيه فهو حقيقة في محلّه ) (1).

ومن المعلوم أنّ عدم تأويل بعض الصفات ، وعدم القول بمجازيّتها ، يستلزم الاعتقاد بوجود الأعضاء والجوارح في ذات الله عزّ وجلّ ، سبحانه وتعالى عمّا يقولون علوّاً كبيراً.

هذا بعض ما أمكننا إرشادك إليه من أقوالهم ، وجملةً من فتاويهم ، وعليك أن تتحقّق عن الباقي بنفسك.

( السيّد عبّاس - البحرين - .... )

نزول الربّ إلى دار الدنيا :

س : أُريد المصدر الذي يقول : أنّ الله في ليلة الجمعة ينزل إلى دار الدنيا.

ج : قد أخرج الشيخان من طريق ابن شهاب ، عن أبي عبد الله الأغر ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ( ينزل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السماء الدنيا ، حين يبقى ثلث آخر ، فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، ومن يسألني فأعطيه ، ومن يستغفرني فأغفر له ) (2).

وحديث آخر في ذكر النزول يوم عرفة : عن أسماء قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( رأيت ربّي عزّ وجلّ على جمل أحمر ، عليه إزار ، وهو يقول : قد سمحت ، قد غفرت إلاّ المظالم ، فإذا كانت ليلة المزدلفة لم يصعد إلى السماء ، حتّى إذا وقفوا عند المشعر قال : حتّى المظالم ، ثمّ يصعد إلى السماء ، وينصرف الناس إلى منى ) (3).

ص: 70


1- 1. المصدر السابق 1 / 360.
2- 2. صحيح البخاريّ 2 / 47 و 7 / 149 و 8 / 197 ، صحيح مسلم 2 / 175 ، سنن ابن ماجة 1 / 435 ، سنن أبي داود 1 / 296 و 2 / 420.
3- 3. تاريخ مدينة دمشق 45 / 8.

تعالى ربّنا عن النزول والصعود ، والمجيء والذهاب ، والحركة والانتقال ، وسائر العوارض والحوادث ، وقد صار هذا الحديث سبباً لذهاب الحشوية إلى التجسيم ، والسلفيّة إلى التشبيه ، وكان من الحنابلة بسببه أنواع من البدع والأضاليل ، ولاسيّما ابن تيمية.

فالعقل السليم الحرّ يقطع ببطلان التجسيم ، وبطلان قول ابن تيمية ، وبطلان ما فهموه من الأحاديث في هذا الشأن.

( السيّد جواد - البحرين - .... )

يعتبران نقصاً للمولى تعالى :

س : إنّ الله تعالى هو الكمال المحض ، فهل تجسيمه يعتبر كمالاً أو نقصاً؟

ج : إنّ صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين : ثبوتية وسلبيّة ، أو جمالية وجلالية.

فكلّ ما ينسب إليه إثباتاً للواقع في ذاته ، أو فعله فهو ثبوتي ، مثل العلم والقدرة والحياة ؛ وكلّ ما كان يعتبر نقصاً وذمّاً ، فسلبه عنه واجب ولازم.

والتجسيم يعتبر نقصاً ، فلابدّ من سلبه من ذاته ، بخلاف الموارد المذكورة - كالعلم والقدرة والحياة - فهي بما هي كمال في أعلى مراتبه ، فنسبتها إلى الباري عزّ وجلّ نسبة واضحة ومبرهنة.

( توفيق إبراهيم خليل - البحرين - 30 سنة )

معنى يد الله فوق أيديهم :

س : نحن الشيعة نفسّر القرآن على الباطن في كلّ الآيات ، أمّا إخواننا السنّة يفسّرون القرآن على الظاهر ، وعندما يفسّرون بعض الآيات تعتبر كفراً ،

ص: 71

كآية : ( يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ... ) (1).

فأرجو من سماحتكم إعطاء الموضوع شيء من التفصيل ، وذلك للاستفادة.

ج : لاشكّ أنّ في القرآن مطلق ومقيّد ، وعام وخاصّ ، وباطن وظاهر ، وغير ذلك.

فالآيات التي ظاهرها خلاف العقل ، أو النقل - من الكتاب والسنّة - لا يؤخذ بظاهرها ، خصوصاً إذا كان الظاهر يحمل على عدّة معاني في اللغة العربية.

فالآية - ( يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) - لا تأخذ على ظاهرها ، لأنّها تستلزم التجسيم على الله تعالى وهو باطل ، لأنّه يخالف العقل ، فالعقل يقبّح كون المولى عزّ وجلّ له يد ، لاستلزام الجسمية والمحدودية ، والمحدودية تدلّ على النقص والحاجة ، والله تعالى منزّه من ذلك.

ولأنّه يخالف النقل ، فمن الكتاب ، يخالف قوله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (2) ، فالقول بأنّ لله تعالى يداً ، يستلزم التمثيل.

ومن السنّة ، فيخالف ما ورد من الروايات الصحيحة المذكورة في كتب الفريقين ، التي تنفي التجسيم عنه تعالى.

ثمّ أنّ كلمة ( اليد ) في اللغة العربية ، استعملت في عدّة معاني ، منها : بمعنى القدرة والقوّة والسلطة و ....

وعليه ، فيمكن أن يكون معناها في هذه الآية القدرة ، أي قدرة الله فوق قدرتهم ، وهذا المعنى لا يخالف العقل والنقل والعرف ، ولا يستلزم منه النقص على الله تعالى ، وهو الكمال المطلق.

ص: 72


1- 1. الفتح : 10.
2- 2. الشورى : 11.

( عبد النبيّ - البحرين - 24 سنة - طالب جامعة )

هشام بن الحكم :

س : بدايةً أشكر لكم جهودكم في خدمة الإسلام والمسلمين ، وعلى نشركم للمذهب الحقّ ، وعلى التصدّي للدفاع عنه.

أُريد أن أسال عن هشام بن الحكم صاحب الإمام الصادق عليه السلام ، هل كان يدين بمذهب أخر قبل أن يلتقيّ بالإمام؟ وهل صحيح بأنّ له كتاباً ينسب فيه التجسيم لله عزّ وجلّ؟

الرجاء إخبارنا باسم الكتاب وقصّته ، إن كان ذلك صحيحاً ، ختاماً أهديكم خالص شكري وامتناني.

ج : نقدّر جهودكم ، ونتمنّى لكم التوفيق والسداد.

أمّا الإجابة على الأسئلة ، فهي كما يلي : إنّ هناك رواية وردت في رجال الكشّيّ بصورة مرسلة وغير مسندة ، تشير إلى أنّ هشام كان ينتمي إلى مذهب الجهمية قبل أن يلتقيّ بالإمام الصادق عليه السلام (1). ولكن بما أنّ الرواية المذكورة ضعيفة سنداً ، لا يمكن القول بمضمونها ، والاعتماد على مفادها ، ولعلّها صدرت من بعض حسّاده.

وأمّا الروايات الدالّة على اعتقاده بالتجسيم ، فجميعها ضعيفة السند أوّلاً ، ومتعارضة مع ما ورد في أنّه لم يكن قائلاً بالتجسيم ثانياً.

ويحتمل قويّاً : أن يكون القول المنسوب إليه - أي التجسيم - من سوء فهم الناقلين ، فهو كان يقصد بالجسمية معنى آخر غير المعنى المتداول عند الناس ؛ ويؤيّده ما ورد عن أبي الحسن الأشعريّ قال : وحكي عنه أنّه قال : هو جسم لا كالأجسام ، ومعنى ذلك أنّه شيء موجود (2) ، فترى أنّه يريد معنى آخر من الجسمية ، وإن كان قد أخطأ في هذا الإطلاق والاستعمال.

ص: 73


1- 1. اختيار معرفة الرجال 2 / 527.
2- 2. مقالات الإسلاميّين : 208.

( أحمد البحرانيّ - البحرين - 16 سنة - طالب )

ما رواه النرسيّ خلاف الكتاب والسنّة :

س : ما رواه زيد النرسيّ في كتابه عن عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ( إنّ الله ينزل في يوم عرفة في أوّل الزوال إلى الأرض على جمل أفرق يصال بفخذية أهل عرفات يميناً وشمالاً ، فلا يزال كذلك حتّى إذا كان عند المغرب ونفر الناس ، وكّ-ل الله ملكين بجبال المازمين يناديان عند المضيق الذي رأيت : يا ربّ سلم سلم ، والربّ يصعد إلى السماء ويقول جلّ جلاله : آمين آمين ربّ العالمين ، فلذلك لا تكاد ترى صريعاً ولا كسيراً ).

هل هذه الرواية صحيحة عند الشيعة أم هناك من ضعّفها؟

ج : نقل العلاّمة المجلسيّ قدس سره في كتابه بحار الأنوار هذا الحديث عن كتاب زيد النرسيّ ، وقال محقّق الكتاب في ذيل هذا الحديث : وهذا الحديث وأضرابه ساقط لا يعتنى به ، ولا يعبأ به ولا يؤبه براويه أيّاً كان ، وقد أُمرنا في عدّة روايات ، وفيها الصحاح ، بعرض كلّ حديث على كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله ، فمنها قول رسول الله صلى الله عليه وآله : ( إنّ على كلّ حقّ حقيقة ، وعلى كلّ صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه ) (1) ، وقد روي عين هذا الأثر عن الإمام علي عليه السلام (2).

وقول الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام لبعض أصحابهما : ( لا يصدّق علينا إلاّ بما يوافق كتاب الله وسنّة نبيّه ) (3).

وقول الإمام الصادق عليه السلام : ( ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف ) (4).

ص: 74


1- 1. بحار الأنوار 96 / 262.
2- 2. المحاسن 1 / 226 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 449.
3- 3. تفسير العيّاشيّ 1 / 9.
4- 4. الكافي 1 / 69.

وقوله عليه السلام : ( كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة ، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ) (1).

وقوله عليه السلام : ( ما أتاكم عنّا من حديث لا يصدّقه كتاب الله فهو باطل ) (2).

وقوله عليه السلام : ( إذا ورد عليكم حديث ، فوجدتم له شاهداً من كتاب الله ، أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإلاّ فالذي جاءكم به أولى به ) (3).

وقوله عليه السلام لمحمّد بن مسلم : ( يا محمّد ، ما جاءك من رواية من برّ أو فاجر توافق القرآن فخذ بها ، وما جاءك من رواية من برّ أو فاجر تخالف القرآن فلا تأخذ بها ) (4) ، إلى غير ذلك من الأحاديث الآمرة بعرض كلّ حديث على كتاب الله وسنّة نبيّه.

ثمّ إنّ هذا الحديث وأضرابه ممّا يوهم القول بالتجسيم أو صريح فيه ، لا يمكن إقراره ولا الأخذ به لمخالفته لكتاب الله ، وهو شاهد ناطق بأنّه جلّ وعلا ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (5) ، وأنّه تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (6) ، وقوله تعالى : ( أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ ) (7) وغير ذلك ، ممّا ورد في آيات الذكر الحكيم في كمال صفاته جلّ وعلا ، وإحاطته بكلّ شيء ، فلا يحويه شيء.

ولقد قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : ( أوّل الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ،

ص: 75


1- 1. المحاسن 1 / 221 ، الكافي 1 / 69.
2- 2. المحاسن 1 / 221.
3- 3. الكافي 1 / 69.
4- 4. مشكاة الأنوار : 267.
5- 5. الأنعام : 103.
6- 6. الشورى : 11.
7- 7. فصّلت : 54.

وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنّاه ، ومن ثنّاه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حدّه ، ومن حدّه فقد عدّه ، ومن قال فيم؟ فقد ضمّنه ، ومن قال علام؟ فقد أخلى منه ) (1).

إلى غير ذلك ممّا ورد في نفي الجسم والصورة والتحديد ، ونفي الزمان والمكان والكيف ، ونفي الحركة والانتقال ، بل ونفي إحاطة الأوهام بكنه جلاله ، تقدّست أسماؤه وعظمت آلاؤه.

فأحاديث النزول إلى سماء الدنيا وأشباهها لا تؤخذ بنظر الاعتبار لمخالفتها لكتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله ، بل هي من الأحاديث المدسوسة في كتب أصحابنا القدماء ، وتلقّاها بعض المتأخّرين فرواها كما هي ، وتحمّل في تأويلها ، ولو أنّا جعلنا حديث يونس بن عبد الرحمن نصب أعيننا ، وتشدّده في الحديث ، لعلمنا أنّ الدسّ كان منذ أيّام الإمام الصادق عليه السلام ، بل في أيّام الإمام الباقر عليه السلام ، وهذه الأحاديث كلّها مدسوسة.

فقد ورد في رجال الكشّيّ قدس سره : عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، أنّ بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر ، فقال له : يا أبا محمّد ما أشدّك في الحديث؟ وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا؟ فما الذي يحملك على ردّ الأحاديث؟

فقال : حدّثني هشام بن الحكم ، أنّه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول : ( لا تقبلوا علينا حديثاً إلاّ ما وافق القرآن والسنّة ، أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدّمة ، فإنّ المغيرة بن سعيد ( لعنه الله ) دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي ، فاتقوا الله ، ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا تعالى ، وسنّة نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله ، فإنّا إذا حدّثنا قلنا : قال الله عزّ وجلّ ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله ).

ص: 76


1- 1. شرح نهج البلاغة 1 / 73 ، الاحتجاج 1 / 296.

قال يونس : وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر عليه السلام ، ووجدت أصحاب أبي عبد الله عليه السلام متوافرين ، فسمعت منهم ، وأخذت كتبهم ، فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا عليه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة ، أن يكون من أحاديث أبي عبد الله عليه السلام ، وقال لي : ( إنّ أبا الخطّاب كذّب على أبي عبد الله عليه السلام ، لعن الله أبا الخطّاب ، وكذلك أصحاب أبي الخطّاب يدسّون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا ، في كتب أصحاب أبي عبد الله عليه السلام فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن ، فإنّا إن تحدّثنا حدثّنا بموافقة القرآن وموافقة السنّة ، إنّا عن الله وعن رسوله نحدّث ، ولا نقول قال فلان وفلان ، فيتناقض كلامنا ، إنّ كلام آخرنا مثل كلام أوّلنا ، وكلام أوّلنا مصداق لكلام آخرنا ، وإذا أتاكم من يحدّثكم بخلاف ذلك فردّوه عليه ، وقولوا أنت أعلم وما جئت به ، فإن مع كلّ قول منّا حقيقة ، وعليه نور ، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه ، فذلك قول الشيطان ) (1).

فمن جميع ما تقدّم ظهر لنا ، أنّ أحاديث التشبيه والتجسيم والحلول وأضرابها لا تقبل ، ويضرب بها عرض الجدار ، وإن رويت في أصحّ كتاب ، أو رواها أوثق رجل ، مضافاً إلى ذلك ، أنّ هذا الحديث - حديث زيد النرسيّ - فيه مناقشة خاصّة من حيث سنده :

1 - لم يصرّح بتوثيق زيد في كتب القدماء ، وما استدلّ به بعض المتأخّرين على وثاقته مردود ، فإنّه اجتهاد منه ، وشهادته عن حدس لا عن حسّ ، فهي لا تكفي في المقام ، ولو سلّمنا وثاقته ، لا لما ذكره ، بل لوقوعه في إسناد كامل الزيارات.

2 - إنّ كتاب زيد كما ذكره النجاشيّ ، أو أصله كما ذكره الشيخ ، وإن رواه ابن أبي عمير وجماعة عنه ، إلاّ أنّ ذلك لا يدلّ على توثيق الكتاب جميعه

ص: 77


1- 1. اختيار معرفة الرجال 2 / 489.

وإن اشتمل على ما يخالف الكتاب والسنّة.

مع أنّ محمّد بن الحسن بن الوليد وتلميذه الشيخ الصدوق طعنا فيه ، وقالا : هو من وضع محمّد بن موسى السمّان ، وهو - السمّان - وإن كان من رجال نوادر الحكمة ، إلاّ أنّ ابن الوليد وابن بابويه وأبا العباس بن نوح استثنوا جماعة كان منهم السمّان.

وقد قال فيه ابن الغضائريّ قدس سره : ضعيف يروى عن الضعفاء ، كما حكى عن جماعة من القمّيّين الطعن عليه بالغلوّ والارتفاع.

وما ذكر في الدفاع عن كتاب زيد من قول ابن الغضائريّ لا يصلح للردّ ، إذ أن ابن الغضائريّ عقّب على إعراض ابن الوليد ، وتلميذه الشيخ الصدوق عن كتاب زيد النرسيّ ، وكتاب زيد الزرّاد ، وطعنهما فيها بقوله : غلط أبو جعفر - يعني الصدوق - في هذا القول ، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة من محمّد ابن أبي عمير (1).

وهذا لا ينفي أن يكون لزيد النرسيّ كتاب رواه ابن أبي عمير ، وآخر وضعه محمّد بن موسى السمّان ، فكان ما رواه ابن أبي عمير هو الذي رآه ابن الغضائريّ ، وما وضعه السمّان هو الذي رآه الشيخ الصدوق ، فيكون كلّ من الشيخين على حجّته.

ومن المحتمل قويّاً أنّ الكتابين اختلطت أحاديثهما أو بعضها ، فكان من أحاديث السمّان هذا الحديث وأضرابه.

ولنختم الكلام بحديث يفنّد هذا الحديث وما شاكله ، رواه الشيخ الكلينيّ قدس سره بسنده عن يعقوب بن جعفر الجعفريّ عن أبي إبراهيم عليه السلام قال : وقد ذكر عنده قوم يزعمون أنّ الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا ، فقال عليه السلام : ( إنّ الله لا ينزل ، ولا يحتاج إلى أن ينزل ، إنّما منظره في القرب والبعد سواء ،

ص: 78


1- 1. الرجال لابن الغضائريّ : 62.

لم يبعد منه قريب ، ولم يقرب منه بعيد ، ولم يحتج إلى شيء بل يُحتاج إليه ، وهو ذو الطول لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم.

أمّا قول الواصفين : أنّه ينزل تبارك وتعالى ، فإنّما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة ، وكلّ متحرّك محتاج إلى من يحرّكه أو يتحرّك به ، فمن ظنّ بالله الظنون هلك ، فاحذروا في صفاته ، من أن تقفوا له على حدّ تحدّونه بنقص أو زيادة ، أو تحريك أو تحرّك ، أو زوال أو استنزال ، أو نهوض أو قعود ، فإنّ الله عزّ وجلّ جلّ عن صفة الواصفين ، ونعت الناعتين ، وتوهّم المتوهّمين ، وتوكلّ على العزيز الرحيم ، الذي يراك حين تقوم ، وتقلّبك في الساجدين ) (1).

( نوفل - المغرب - 26 سنة )

التثنية في يداه مبسوطتان :

س : المرجوّ من سماحتكم تفسير التثنية في ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) (2) ، وشكراً جزيلاً.

ج : قال الشيخ المفيد قدس سره : ( وفي القرآن ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) يعني نعمة الدنيا ونعمة الآخرة ) (3) ، وجاء عن النوويّ عند حديثه عن التلبية في الحجّ وتكرارها عن القاضي عياض أنّه قال : ( التلبية مثناة للتكثير والمبالغة ، ومعناه إجابة بعد إجابة ، ولزوماً لطاعتك ، فثنّى للتوكيد لا تثنية حقيقية ، بل هو بمنزلة قوله تعالى : ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) أي : نعمتاه ، على تأويل اليد بالنعمة هنا ) (4).

وفي مجمع البحرين : ( قوله : ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) كناية عن الجود ،

ص: 79


1- 1. الكافي 1 / 125.
2- 2. المائدة : 64.
3- 3. الاعتقادات للشيخ المفيد : 23.
4- 4. المجموع 7 / 244.

وتثنية اليد مبالغة في الردّ ، ونفي البخل عنه واثبات لغاية الجود ، فإنّ غاية ما يبلغه السخي من ماله أن يعطيه بيديه ، ولا يريد حقيقة اليد والجارحة ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ) (1).

وروى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن المشرقي ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سمعته يقول : ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) ، فقلت له : يدان هكذا - وأشرت بيدي إلى يديه - فقال : ( لا ، لو كان هكذا لكان مخلوقاً ) (2).

( نوفل - المغرب - 26 سنة )

العلوّ لله بمعنى العلوّ في القدرة :

س : المرجو من سماحتكم تفسير العلو لله في قوله تعالى : ( أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء ) (3) ، وشكراً جزيلاً.

ج : قال السيّد المرتضى قدس سره - في بحثه عن الآية الكريمة ، والخبر الوارد عن سؤال النبيّ صلى الله عليه وآله للجارية ( أين الله )؟ فقالت : ( في السماء ) - : ( وقولها - في السماء - فالسماء هي الارتفاع والعلوّ ، فمعنى ذلك أنّه تعالى عال في قدرته ، وعزيز في سلطانه ، لا يبلغ ولا يدرك ، ويقال سما فلان يسمو سموّاً ، إذا ارتفع شأنه وعلا أمره.

وقال تعالى : ( أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ ) الآية ، فاخبر تعالى بقدرته وسلطانه وعلوّ شأنه ونفاذ أمره - إلى أن يقول - : وكلّ معاني السماء التي تتصرّف وتتنوّع ترجع إلى معنى الارتفاع والعلوّ والسمو ، وإن اختلفت المواضع التي أجريت هذه اللفظة فيها ، وأولى المعاني بالخبر الذي سُئلنا عنه ما تقدّم من معنى العزّة وعلوّ الشأن والسلطان ، وما عدا ذلك من المعاني لا يليق به

ص: 80


1- 1. مجمع البحرين : 199.
2- 2. معاني الأخبار : 18.
3- 3. الملك : 16.

تعالى ، وإنّ العلوّ بالمسافة لا يجوز على القديم تعالى ، الذي ليس بجسم ولا جوهر ولا حال فيهما.

ولأنّ الخبر والآية التي تضمّنت أيضاً ذكر السماء خرجت مخرج المدح ، ولا مدح في العلوّ بالمسافة ، وإنّما التمدّح بالعلوّ في الشأن والسلطان ونفاذ الأمر ، ولهذا لا تجد أحداً من العرب مدح غيره في شعر أو نثر بمثل هذه اللفظة ، وأراد بها علوّ المسافة ، بل لا يريد إلاّ ما ذكرناه من معنى العلوّ في الشأن ) (1).

ص: 81


1- 1. الأمالي للسيّد المرتضى 4 / 75.

ص: 82

تحريف القرآن :

اشارة

( علي - الدانمارك - .... )

الشيخ الطوسيّ ينفيه :

س : هل يذهب شيخ الطائفة إلى القول بنسخ الحكم والتلاوة؟

والذي شدّ انتباهي هو أنّه يدعم رأيه بروايات من البخاريّ ، وهو كما لا يخفى فيه من الروايات لا يقبل بها أيّ عقل ، ناهيك عن رجال البخاريّ من ناصبيّ إلى خارجيّ.

ج : إنّ الشيخ الطوسيّ قدس سره من المصرّحين بنفي التحريف.

قال في التبيان : ( وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه ، فممّا لا يليق به أيضاً ، لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، وأمّا النقصان منه ، فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى ، وهو الظاهر في الروايات.

غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصّة والعامّة بنقصان كثير من آيات القرآن ، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا تُوجِد علماً ولا عملاً ، فالأولى الإعراض عنها ، وترك التشاغل بها ) (1).

وأمّا ما أورده من تقسيم للنسخ ، وذكر المصاديق ، فإنّه مجرّد نقل الأقوال في المسألة ، ولا يوجد تصريح ، بل ولا تلميح بتبنّيه لمسألة نسخ الحكم والتلاوة ، أو مسألة نسخ التلاوة دون الحكم.

ص: 83


1- 1. التبيان 1 / 3.

وما أورده في كتابه الخلاف من استدلاله بخبر ، فهو من باب الإلزام ، لأنّه بعد أن حكم بوجوب الرجم على الثيّب الزانية ، حكى عن الخوارج أنّهم قالوا : لا رجم في شرعنا ، فأجاب بقوله : ( دليلنا إجماع الفرقة ، وروي عن عمر أنّه قال : لولا أنّني أخشى أن يقال زاد عمر في القرآن لكتبت آية الرجم في حاشية المصحف ) (1).

( غانم النصّا - الكويت - .... )

المسلمون متّفقون على عدمه :

س : يقول الكثير من علماء الشيعة بتحريف ونقصان القرآن ، فما هو ردّكم على هذا الكلام؟

ج : إنّ مسألة تحريف القرآن من المسائل التي اتخذها أعداء التشيّع ذريعة في الطعن به ، مع أنّ الموجود في مصادر غير الشيعة ، ممّا هو صريح في التحريف ، أضعاف مضاعفة ممّا هو موجود في كتب الشيعة ؛ فهذه صحاح أهل السنّة مليئة بالأحاديث التي تثبت التحريف ، وبعض هذه الصحاح التزم مؤلّفوها بأن لا يرووا فيها إلاّ ما صحّ عندهم ، واعتقدوا به ، وكذلك تجد عدداً كبيراً من الصحابة ممّن كان يعتقد بالتحريف ، كما أنّ كتاب المصاحف للسجستانيّ ، وكتاب الفرقان لابن الخطيب من كتب أهل السنّة ، الذين أثبتوا التحريف فيها.

وعلى كلّ حال ، فالبحث في هذه المسألة ليس في نفع المسلمين ، لأنّ المسلمين في عصرنا الحاضر متّفقون على عدم التحريف ، والمنتفع الأوّل والأخير من طرح هذه المسألة هم أعداء الإسلام والقرآن ، بالأخصّ أعداء الدين المحمّديّ ، المتلبّسين باسم الإسلام ، الذين يسمّون بالوهابيّة.

ص: 84


1- 1. الخلاف 5 / 366.

( .... - السعودية - .... )

رواياته في كتب أهل السنّة :

س : هل من الممكن أن يزوّد الموقع بالروايات التي في كتب السنّة عن تحريف القرآن عندهم؟ جزاكم الله خير الجزاء ، مع ألف سلامة.

ج : نذكر لكم نماذج من روايات التحريف في كتب أهل السنّة ، وهي على طوائف :

الطائفة الأُولى : الروايات التي ذكرت سوراً أو آيات ، زُعِم أنّها كانت من القرآن وحُذِفت منه ، أو زعم البعض نسخ تلاوتها ، أو أكلها الداجن ، نذكر منها :

الأُولى : أنّ سورة الأحزاب تعدل سورة البقرة :

1 - روي عن عائشة : ( كانت سورة الأحزاب تعدل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله مائتي آية ، فلمّا كُتِب المصحف لم يُقدَر منها إلاّ على ما هي الآن ) (1).

2 - روي عن عمر ، وأُبيّ بن كعب ، وعكرمة مولى ابن عباس : ( كانت سورة الأحزاب مثل سورة البقرة ، أو أطول ، وكان فيها آية الرجم ) (2).

3 - عن حذيفة : ( قرأت سورة الأحزاب على النبيّ صلى الله عليه وآله ، فنسيتُ منها سبعين آية ما وجدتها ) (3).

الثانية : لو كان لابن آدم واديان …

روي عن أبي موسى الأشعريّ ، أنّه قال لقرّاء البصرة : ( وإنّا كنّا نقرأ سورة كنّا نشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها ، غير أنّي حفظت منها :

ص: 85


1- 1. الجامع لأحكام القرآن 14 / 113 ، الدرّ المنثور 5 / 180 ، فتح القدير 4 / 259.
2- 2. الدرّ المنثور 5 / 180 ، نيل الأوطار 7 / 254 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 415 ، صحيح ابن حبّان 10 / 273 ، الجامع لأحكام القرآن 14 / 113 ، مسند أحمد 5 / 132 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 8 / 211.
3- 3. الدرّ المنثور 5 / 180 ، فتح القدير 4 / 259 ، التاريخ الكبير 4 / 241.

لو كان لابن آدم واديان من مال ، لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ) (1).

الثالثة : سورتا الخلع والحفد.

روي أنّ سورتي الخلع والحفد كانتا في مصحف ابن عباس ، وأُبيّ بن كعب ، وابن مسعود ، وأنّ عمر بن الخطّاب قنت بهما في الصلاة ، وأنّ أبا موسى الأشعريّ كان يقرأهما ، وهما :

1 - اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ، ونثني عليك ولا نكفرك ، ونخلع ونترك من يفجرك.

2 - اللهم إيّاك نعبد ، ولك نصلّي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ، ونخشى عذابك ، إنّ عذابك بالكافرين ملحق (2).

الرابعة : آية الرجم.

روي بطرق متعدّدة أنّ عمر بن الخطّاب قال : ( إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم ، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس : زاد عمر في كتاب الله لكتبتها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة ، نكالاً من الله ، والله عزيز حكيم ، فإنّا قد قرأناها ) (3).

الخامسة : آية الجهاد :

روي أنّ عمر قال لعبد الرحمن بن عوف : ( ألم تجد فيما أُنزل علينا : أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة ، فإنّا لم نجدها؟ قال : أُسقط فيما أسقط من القرآن ) (4).

ص: 86


1- 1. صحيح مسلم 3 / 100 ، تهذيب الكمال 33 / 234.
2- 2. المصنّف للصنعانيّ 3 / 111 ، كنز العمّال 8 / 80 ، الدرّ المنثور 6 / 420.
3- 3. السنن الكبرى للبيهقيّ 8 / 213 ، المصنّف لابن أبي شيبة 6 / 553 ، أحكام القرآن للجصّاص 3 / 336 ، الدرّ المنثور 5 / 180 ، الطبقات الكبرى 3 / 334 ، الثقات 2 / 239.
4- 4. كنز العمّال 2 / 567 ، الدرّ المنثور 1 / 106 ، تاريخ مدينة دمشق 7 / 266.

السادسة : آية الرضاع :

روي عن عائشة أنّها قالت : ( كان فيما أُنزل من القرآن : عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثمّ نسخن بخمس معلومات ، فتوفّي رسول الله صلى الله عليه وآله وهنّ ممّا يقرأ من القرآن ) (1).

السابعة : آية رضاع الكبير عشراً :

روي عن عائشة أنَّها قالت : ( نزلت آية الرجم ، ورضاع الكبير عشراً ، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري ، فلمّا مات رسول الله صلى الله عليه وآله ، وتشاغلنا بموته ، دخل داجن فأكلها ) (2).

الثامنة : آية الصلاة على الذين يصلّون في الصفوف الأُول!

عن حميدة بنت أبي يونس قالت : ( قرأ عليّ أبي ، وهو ابن ثمانين سنة في مصحف عائشة : إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً ، وعلى الذين يصلّون في الصفوف الأُول.

قالت : قبل أن يغيّر عثمان المصاحف ) (3).

التاسعة : عدد حروف القرآن.

أخرج الطبرانيّ عن عمر بن الخطّاب قال : ( القرآن ألف ألف ، وسبعة وعشرون ألف حرف ) (4) ، بينما القرآن الذي بين أيدينا لا يبلغ ثلث هذا المقدار.

وفي الختام : نوجّه لكم نصيحة ، وذلك تقديساً للقرآن الكريم ، بأنّ البحث عن هذا الموضوع لا يخدم الشيعة ولا السنّة ، بل يخدم أعداء الإسلام ، فعليكم أوّلاً أن تنصحوا من يفتح باب البحث حول هذا الموضوع ، وتُذكِّروه

ص: 87


1- 1. سنن الدارمي 2 / 157 ، صحيح مسلم 4 / 167 ، سنن النسائيّ 6 / 100 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 7 / 454 السنن الكبرى للنسائيّ 3 / 298 ، صحيح ابن حبّان 10 / 36.
2- 2. مسند أبي يعلى 8 / 64 ، سنن الدارقطنيّ 4 / 105 ، المعجم الأوسط 8 / 12.
3- 3. الإتقان في علوم القرآن 2 / 67.
4- 4. المعجم الأوسط 6 / 361 ، الجامع الصغير 2 / 264 ، كنز العمّال 1 / 517 و 541 ، فيض القدير 4 / 700 ، الدرّ المنثور 6 / 422.

بهذه المسألة ، فإن ارتدع فهو المقصود ، وإلاّ فاذكروا له هذه الروايات عندهم ليلقم حجراً.

( عباس أحمد عبد الله - الكويت - .... )

مردود عند الشيعة :

س : يدّعي الكثير من المنتسبين للمذهب السنّي : أنّ الشيعة يعتقدون بتحريف القرآن الكريم ، وأنّ هناك آيات ناقصة أيضاً ، ويؤكّدون مزاعمهم هذه ، من أنّ الكثير من الكتب المشهورة ، والتي يعتقد بها الشيعة كمراجع ، قد أيّدت ذلك ، منها على سبيل المثال : الكافي ، وبحار الأنوار ، وفصل الخطاب ، وغيرها.

وقد كان ردّي على هذه الأسئلة الاستنكارية : بأنّه قد تمّ الدسّ والتلفيق في مثل هذه الكتب الجليلة ، وأصحابها من هذا الكذب براء ، فكانت إجابتهم : أن لو كان ما أقوله صحيحاً فأين الأصل من هذه الكتب؟ التي لم تذكر التحريف.

ثمّ أين ردّ علمائكم على مثل هذا؟ واقبلوا خالص الشكر والدعاء.

ج : إعلم أنّ ردّك بأنّه قد تمّ الدسّ والتلفيق لمثل هذه الكتب ليس جواباً صحيحاً ، والجواب الصحيح هو :

أنّ الشيعة لا تعتقد بوجود كتاب صحيح من أوّله إلى آخره غير القرآن المجيد - وهذا من مختصّات الشيعة - حيث كلّ كتاب سوى القرآن تُجرِي الشيعة عليه قواعد الجرح والتعديل ، والمباني الرجالية ، فما كان سنده صحيحاً عَمِلَت به ، وما كان سنده ضعيفاً لم تعمل به.

وأمّا بالنسبة إلى مسألة التحريف ، فإنّ البحث عن هذه المسألة ليس بنفع الشيعة ، ولا بنفع السنّة ، لأنّ النتيجة تؤدّي إلى تضعيف القرآن ، والمستفيد الوحيد من هذا البحث هو اليهود والنصارى وأعداء الإسلام.

إنّ مسألة تحريف القرآن موجودة في كتب السنّة أضعاف مضاعفة من

ص: 88

الأحاديث الصحيحة والصريحة بالقياس إلى كتب الشيعة ، فلا نعلم لماذا التصقت هذه التهمة بالشيعة فقط؟

وأمّا ما ورد في كتب الشيعة من أحاديث فهو على أقسام :

1 - أكثره محمول على التأويل.

2 - الذي لا يمكن حمله على التأويل أكثره ضعيف السند غير قابل للاعتماد عليه.

3 - والصحيح المرويّ في كتب الشيعة غير القابل للحمل على التأويل ، فهو قليل جدّاً ، أعرض عنه علماء الشيعة ، لمعارضته مع القرآن الكريم ، وما خالف القرآن الكريم فالشيعة لا تعمل به ، وكذلك لمعارضته للأحاديث الصحيحة الكثيرة الصريحة بعدم التحريف.

( أبو الزين - الأردن - .... )

رواياته في نظر الفريقين :

س : أُريد أن أعرف مسألة تحريف القرآن عند المسلمين ، ودمتم في رعاية الله.

ج : إنّ مسألة التحريف تبحث من زاويتين :

الأُولى : التحريف بالزيادة ، والحمد لله لا يوجد قائل من المسلمين بالزيادة ، إلاّ ما روي في مصادر أهل السنّة عن ابن عباس القول بزيادة المعوّذتين.

الثانية : التحريف بالنقيصة ، والروايات الواردة في مصادر الشيعة ، وأهل السنّة ، ممّا يحتمل من معناها النقيصة كثيرة جدّاً ، وأؤكد القول بأنّ ما روي في مصادر أهل السنّة أكثر بكثير ممّا روي في مصادر الشيعة ، ولو شئت وافيتك بكلّ ما روي في مصادر أهل السنّة من روايات التحريف بالنقيصة ، ويكفيك مطالعة كتاب المصاحف لابن أبي داود السجستانيّ من كبار أعلام أهل السنّة ، وحتّى كتاب فصل الخطاب للمحدّث النوريّ ، الذي جمع فيه

ص: 89

روايات التحريف بالنقيصة ، ترى أكثر من ثلثي الكتاب أخذه ورواه من مصادر أهل السنّة.

والبحث العلميّ يستدعينا لأن نضع النقاط على الحروف ، والبحث في هذه المسألة بحثاً موضوعيّاً ، مع ابتعادنا عن كلّ تعصّب ، فنقول :

أوّلاً : ما روي في مصادر الشيعة ، وهنا نذكر عدّة نقاط :

أ - أنّ الشيعة لا تعتقد بصحّة كتاب من أوّله إلى آخره غير القرآن الكريم ، وكلّ كتاب فهو خاضع للبحث في السند والدلالة ، إلاّ قسم ضئيل منهم - كالإخباريّين - كانوا يعتقدون بصحّة بعض الكتب ، وهم بالطبع لا يمثّلون الفكر الشيعيّ في جميع جوانبه.

ب - ممّا امتازت به الشيعة هو القول بمسألة عرض الأحاديث على الكتاب العزيز ، فما وافقه يأخذون به ، وما خالفه يضربون به عرض الجدار.

ت - الروايات المروية في التحريف بالنقيصة عند الشيعة أكثرها ضعيفة السند.

ث - الروايات صحيحة السند المروية في التحريف بالنقيصة عند الشيعة ، أكثرها قابلة للحمل على التأويل والتفسير.

ج - الروايات الصحيحة السند المروية في التحريف بالنقيصة عند الشيعة ، والتي هي غير قابلة للحمل على التأويل والتفسير قليلة جدّاً ، وحملها علماء الشيعة على محامل ، منها : أنّ جبرائيل عليه السلام لمّا كان ينزل القرآن على النبيّ الأمين صلى الله عليه وآله كان ينزلها في بعض الأحيان مع التأويل والتفسير ، فكان ينزل بالقرآن ، ثمّ يذكر التفسير ابتداءً ، أو بطلب من النبيّ صلى الله عليه وآله ، فحمل الشيعة هذه الروايات على التفسير من قبل جبرائيل عليه السلام.

وإذا لم نقل بهذا المحمل وسائر المحامل ، فإنّ هذه الروايات ساقطة بأصل العرض الذي يقبله الشيعة ، وهو الحديث المروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله : ( إنّ على كلّ حقّ حقيقة ، وعلى كلّ صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف

ص: 90

كتاب الله فدعوه ) (1) ، حيث تعرض الشيعة أحاديث التحريف على قوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (2) ، فلا تعمل بهذه الأحاديث.

ح - إنّ الأحاديث المروية في كتب الشيعة لم يلتزم مؤلّفوها على الأغلب ، بأن لا يرووا إلاّ ما اعتقدوا به ، لذا لا يمكن نسبة القول بالتحريف إلى من روى هذه الأحاديث.

خ - وأخيراً : لا ننكر وجود بعض الأقوال الشاذّة عند علماء الشيعة ممّن ذهبوا إلى التحريف ، وليس من الإنصاف حمل الأقوال الشاذّة على المذهب.

ثانياً : ما روي في مصادر أهل السنّة ، وهنا نذكر عدّة نقاط أيضاً :

أ - أنّ أهل السنّة تعتقد بصحّة بعض الكتب من أوّلها إلى آخرها ، وإن اختلفوا في تحديدها.

ب - أكثر أهل السنّة لم يقبلوا مسألة عرض الأحاديث على الكتاب ، إلاّ الظاهريّة ، وقسم نادر منهم.

ت - الروايات المروية في التحريف بالنقيصة عند أهل السنّة ، كثير منها مروي في الصحاح التي اعترفوا بصحّتها.

ث - الروايات المروية بالنقيصة عند أهل السنّة ، كثير منها قابلة للحمل على التأويل والتفسير.

ج - الروايات المروية في التحريف عند أهل السنّة ، غير القابلة للحمل على التأويل والتفسير ، حملها علماء أهل السنّة على نسخ التلاوة ، ومعنى نسخ التلاوة : هو نسخ تلاوة الآية مع بقاء حكمها.

وبحث نسخ التلاوة بحث مفصّل ، ويرد عليه إشكالات كثيرة ، خلاصتها : أنّ القول بنسخ التلاوة هو عين القول بالتحريف ، إذ أنّ نسخ الحكم وبقاء التلاوة واضح ومعلوم ، أمّا نسخ التلاوة وبقاء الحكم ما فائدته؟ وما هي

ص: 91


1- 1. بحار الأنوار 96 / 262.
2- 2. الحجر : 9.

حكمته؟ أضف إلى ذلك ، فإنّ بعض الأحاديث غير قابلة للحمل على نسخ التلاوة قطعاً.

ح - إنّ الأحاديث المروية في كتب أهل السنّة ، التزم بعض مؤلّفيها بأن لا يرووا إلاّ ما اعتقدوا به ، لذا يمكن نسبة القول بالتحريف إلى من روى هذه الأحاديث.

خ - وأخيراً : لا يمكن أيضاً إنكار وجود بعض الأقوال عند علماء أهل السنّة ممّن ذهب إلى القول بالتحريف ، كابن أبي داود السجستانيّ ، وابن الخطيب ، بالأخص إذا أضفنا من روى أحاديث التحريف ، والتزم بأن لا يروي إلاّ ما صحّ عنده سنده ، واعتقد به.

وعلى كلّ حال ، فإنّ الدفاع عن القرآن الكريم واجب حتمي على الكلّ ، لا يفرّق فيه بين الشيعيّ والسنّي ، لذا نرى أنّ علماء الشيعة ألّفوا الكثير من المصنّفات في الدفاع عن القرآن ، ونفي التحريف عنه ، حتّى ردّوا ما ورد في مصادر أهل السنّة من التحريف ، وحاولوا أن يوجدوا لها المخارج.

وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر : تفسير البيان للسيّد الخوئيّ ، وتفسير آلاء الرحمن للشيخ البلاغيّ ، وكتاب التحقيق في نفي التحريف للسيّد الميلانيّ ، وكتاب أكذوبة تحريف القرآن للشيخ رسول جعفريان ، وبحث في التحريف لمركز الرسالة.

( عبد الله - قطر - 18 سنة. طالب ثانوية )

ردّ على من يتّهمنا به :

س : لقد قرأت كتاب ( لله .. ثمّ للتاريخ ) للسيّد حسين الموسويّ ، ولم اقتنع به ، لكن هناك نقطة لم استطع تفسيرها ، أو الردّ عليها ، وإليكم هذه النقطة نقلاً عن الكتاب :

9 - القرآن :

ص: 92

والقرآن لا يحتاج لإثباته نصّ ، ولكن كتب فقهائنا وأقوال جميع مجتهدينا تنصّ على أنّه محرّف ، وهو الوحيد الذي أصابه التحريف من بين كلّ تلك الكتب.

وقد جمع المحدّث النوريّ الطبرسيّ في إثبات تحريفه كتاباً ضخم الحجم ، سمّاه : ( فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب ) ، جمع فيه أكثر من ألفي رواية تنصّ على التحريف ، وجمع فيه أقوال جميع الفقهاء ، وعلماء الشيعة في التصريح بتحريف القرآن - الموجود بين أيدي المسلمين - حيث أثبت أنّ جميع علماء الشيعة وفقهائهم المتقدّمين منهم والمتأخّرين يقولون : إنّ هذا القرآن الموجود اليوم بين أيدي المسلمين محرّف.

قال السيّد هاشم البحرانيّ : وعندي في وضوح صحّة هذا القول - أي القول بتحريف القرآن - بعد تتبع الأخبار ، وتفحّص الآثار ، بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيّع ، وأنّه من أكبر مقاصد غصب الخلافة ، فتدبّر.

وقال السيّد نعمة الله الجزائريّ رداً على من يقول بعدم التحريف : إنّ تسليم تواتره عن الوحي الإلهيّ ، وكون الكلّ قد نزل به الروح الأمين ، يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة ، مع أنّ أصحابنا قد أطبقوا على صحّتها ، والتصديق بها ، ولهذا قال أبو جعفر - كما نقل عنه جابر - : ( ما أدّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كلّه إلاّ كذّاب ، وما جمعه وحفظه كما نزل إلاّ علي بن أبي طالب ، والأئمّة من بعده ).

ولاشكّ أنّ هذا النصّ صريح في إثبات تحريف القرآن الموجود اليوم عند المسلمين ، والقرآن الحقيقيّ هو الذي كان عند علي ، والأئمّة من بعده ، حتّى صار عند القائم عليه السلام.

فأرجو منكم تفسير هذه النقطة ، أو إرشادي إلى كتاب يحتوي الردّ على هذا الكلام ، وجزاكم الله خيراً.

ج : لابدّ لنا من الإشارة إلى أنّ الكتاب المذكور ( لله ... ثمّ للتاريخ ) تأليف موضوع ومختلق ، اصطنعته أيدي خبيثة للنيل من سمعة الشيعة ، وهو من

ص: 93

مكائد الوهابيّة في الكويت ، ولا علاقة للمؤلِّف والمؤلَّف بالشيعة وتراثهم ، بل هو كرّ على فرّ ، من تهمٍ وشبهات قد أُثيرت من قبل ، والمايز أنّ المؤلّف قد أوردها بشكل قصصيّ وروائيّ ، حتّى يتمكّن من تأثير أكبر في نفوس السذّج ، وإلاّ فليس فيه من جديد يعبأ به.

وأمّا ما ذكرتموه من مسألة التحريف ، فلا نرى مصلحة في الخوض فيها ، بعدما نكون على قطع ويقين ، بأن لا يستفيد منها إلاّ أعداء الدين ، فالذين يثيرون هذا الموضوع بين حينٍ وآخر ، إمّا أنّهم جهلة ، وإمّا لهم أغراض ودوافع سيّئة.

وعلى أيّ حال ، فنحن نكتفي بذكر إشارات في هذا المجال ، ريثما يتنبّه الغافلون ، ولا ينسبون إلى الشيعة شيئاً هم أنسب به.

أوّلاً : إنّ القول بالتحريف كان موجوداً عند أعلام أهل السنّة ، بل وإنّ أكثر الروايات في هذا الموضوع عامّية السند ، ولمعرفة الحال لابأس بمراجعة كتاب ( المصاحف ) لابن أبي داود السجستانيّ ، وكتاب ( الفرقان ) لابن الخطيب.

ثانياً : إنّ كتاب ( فصل الخطاب ) للشيخ النوريّ الطبرسيّ قدس سره أكثر أحاديثه من مصادر أهل السنّة! فلا يكون له دلالة على الشيعة.

ثالثاً : نحن وإن لم ننكر وجود آراء شاذّة في هذه المسألة لبعض علماء الطائفة - كالنوريّ - ولكن هذا لا يعني أن ننسب رأي هذا البعض إلى كلّ الشيعة ؛ أفهل يعقل أن نعتمد على آراء وأحاديث كتاب المصاحف في تبيين وجهة نظر أهل السنّة في التحريف؟

رابعاً : الأحاديث الواردة في مجامعنا الروائية حول هذا الموضوع ، منها ما هو صحيح ومعتبر ، ومنها غير ذلك.

ومجمل الكلام : أنّه لا توجد حتّى رواية واحدة معتبرة سنداً لها دلالة واضحة على التحريف ، نعم هناك ما يوهم هذا الأمر ، ولكن مع الإمعان في معناه

ص: 94

ومقابلته مع باقي روايات المقام ، يعطينا الاطمئنان واليقين بعدم حدوث التحريف.

خامساً : إنّ آراء أمثال السيّد نعمة الله الجزائريّ ، والسيّد هاشم البحرانيّ ، والمحدّث النوريّ ، لا تعتبر حاكية عن وجهة نظر الشيعة ، بل كان رأيهم الخاصّ في المسألة ، خصوصاً أنّهم جميعاً من الإخباريّين لا الأُصوليّين ، فلا يُؤخذ برأيهم في المقام ، إذ كانوا يرون كافّة الأحاديث الواردة صحيحة السند ، فلا يعتنون بموضوع اعتبارها.

( عبدو الترحيني - سلوفاكيا - .... )

نصيحتنا لأهل السنّة أن لا يبحثوا فيه :

س : ما مدى ذكر الاختلاف في القرآن بمصادر الشيعة - مع العلم أنّه غير مختلف والعياذ بالله - إلاّ أنّي لاحظت تكرار المدّعين والمفترين الناصبين لهذا ، ويذكرونه عن أعلام كبار كالمجلسيّ والكاشانيّ.

ج : قد ورد في مصادر أهل السنّة والشيعة قديماً روايات تدلّ على التحريف ، بل ما ورد في مصادر أهل السنّة من روايات أكثر بكثير ممّا ورد في مصادر الشيعة ، ولكن علماء الفرق الإسلاميّة ناقشوا في هذه الروايات سنداً ودلالة ، والتزموا بالقول بعدم تحريف القرآن الكريم.

إن قيل : إنّ بعض علماء الشيعة ألّف كتاباً في التحريف.

قلنا : إنّ بعض أعلام الأزهر بل غيره ألّف في التحريف ، أمثال كتاب المصاحف للسجستانيّ ، وكتاب الفرقان لابن الخطيب.

وفي صحاح أهل السنّة توجد روايات كثيرة صريحة بالتحريف ، وبعض هذه الصحاح التزم مؤلّفوها بأن لا يرووا إلاّ الصحيح ، أو لا يرووا إلاّ بما يعتقدون به.

وعلى كلّ حال ، فنصيحتنا لأهل السنّة أن لا يبحثوا في هذا المسألة ، ولا يتّهموا الشيعة ، لأنّ ما ورد في مصادرهم في التحريف كثير جدّاً.

ص: 95

فإنّ البحث في مسألة التحريف اتخذه بعض الجهلة المغرضين من أهل السنّة ذريعة للطعن بالشيعة.

ولكن الشيعة تقديساً منهم للقرآن العظيم لم يجيبوا بالمثل ، وإلاّ فبإمكانهم استخراج كلّ ما ورد في مصادر أهل السنّة ، وتنظيمه في كتاب تحت عنوان ( أهل السنّة وتحريف القرآن ) ، ولكن لم يقدم الشيعة على تأليف مثل هكذا كتاب ، وتحمّلوا أنواع الطعن من قبل أهل السنّة ، كلّ ذلك تقديساً للقرآن ، لأنّ البحث في هذا الموضوع لا يستفيد منه إلاّ أعداء الإسلام للطعن في القرآن.

ومع كلّ هذا ، بادر أعلام الشيعة إلى تأليف عدّة كتب لنفي التحريف عند الشيعة والسنّة ، فتناولوا كلّ ما دلّ على التحريف في مصادر الشيعة والسنّة ، وناقشوه وردّوه بالأدلّة العلميّة.

( ... - ... - ..... )

المفيد والصدوق والعامليّ والمجلسيّ لا يقولون به :

س : هل صحيح قول الشيخ المفيد ، وأبي الحسن العامليّ ، والسيّد نعمة الله الجزائريّ ، والمجلسيّ وغيرهم - مع ما لهم من الفضل ، والدرجة العلميّة الرفيعة - بتحريف القرآن؟

ج : إنّ نسبة التحريف إلى الشيخ المفيد قدس سره وغيره ، هي نسبة لابدّ من التحقيق عنها ، فلربما يروي المحدّث العالم حديثاً ، ولكن لا يعتقد بمضمونه ، مثلا الشيخ الصدوق قدس سره - الذي يلقّب برئيس المحدّثين - له كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) ، وكتب أُخرى في الحديث ، قد ذكر في تلك الكتب بعض الروايات الدالّة في ظاهرها على نقصان القرآن ، لكنّه في كتابه ( الاعتقادات ) - الذي هو كتاب مطبوع موجود - يصرّح : بأنّ القرآن الموجود الآن لا زيادة فيه ولا نقصان ، ممّا يدلّ على أنّ الرواية أعمّ من الاعتقاد.

ص: 96

أمّا الشيخ المفيد فيصرّح بعدم نقصان القرآن في كتابه ( الاعتقادات ) ، وكذلك العلماء الآخرون ، الذين ذكرتم أسمائهم ، إلاّ السيّد نعمة الله الجزائريّ ، فالظاهر أنّه من القائلين بنقصان القرآن ، ولكن قوله لا يمثّل قول الطائفة.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

الزيادة في آية الكرسيّ زيادة توضيحية :

س : وجدت في كتاب مفاتيح الجنان : أنّ آية الكرسيّ على التنزيل - الآية مكتوبة في الهامش : 66 - كالآتي : قال العلاّمة المجلسيّ : آية الكرسيّ على التنزيل على رواية علي ابن إبراهيم ، والكلينيّ ، هي كما يلي : الله لا اله إلاّ هو الحيّ القيّوم ، لا تأخذه سنّة ولا نوم ، له في ما في السماوات والأرض وما بينهما ، وما تحت الثرى ، عالم الغيب والشهادة ، الرحمن الرحيم ، من ذا الذي ... إلى هم فيها خالدون.

بحثت عن الرواية في السي دي الذي عندي عن الكتب الأربعة لم يظهر لي إلاّ حديث واحد لعلي بن إبراهيم ، فيه هذه الآية المزعومة ، فما هو القول في ضعف الحديث من ناحية السند والمتن؟

وما هي أقوال العلماء الآخرين فيه؟ علماً بأنّ أحد النواصب أتى بهذا للتشهير علينا ، وإثارة الفتنة ، ولكم منّا جزيل الشكر والامتنان.

ج : إنّ الحديث المشتمل على هذه الزيادة قد ورد في تفسير القمّيّ ، وروضة الكافي ، وكتاب العروس ؛ ولكن لا سبيل لإثبات سنده في كافّة هذه المصادر ؛ فأمّا سند التفسير فقد ورد فيه الحسين بن خالد ، الذي لم تثبت وثاقته ، بل ثبت أنّه قد خالف قول الإمام الرضا عليه السلام في مورد (1).

وأمّا سند الكافي ، فيحتوي على محمّد بن سنان ، وهو غير موثوق ، بل

ص: 97


1- 1. معجم رجال الحديث 6 / 250.

ضعيف عند الرجاليّين ؛ وأمّا كتاب العروس فلم نعثر على سنده ، وأغلب الظنّ إنّه من المراسيل ، وعلى أيّ حال فلا حجّية لسنده ، ثمّ على تقدير التنزّل وفرض صحّة السند ، فهذه العبارة الموهمة هي فقرة توضيحية جاءت لتوضيح المزيد من معاني مفردات الآية بصورة مزجية ، كما نرى في بعض الشروح المتداولة ، إذ يأتي البيان والتوضيح متعاقباً للنصّ من دون فصل ظاهري ، ثمّ يستمرّ سرد النصّ كما هو عليه.

ويؤيّد ما قلنا : أنّ الرواية المذكورة في تفسير علي بن إبراهيم قدس سره في المقام ، قد اشتملت على موارد من هذا القبيل - أي الشرح المزجيّ - فلا يبعد أن يكون موردنا أيضاً قد كان هكذا ، ولكن حذفت أدوات الفصل والتوضيح بتناقل الحديث عند الرواة.

وبالجملة : فلابدّ إمّا من طرحها سنداً ، وإمّا تأويلها على الوجه المذكور نظراً للنصوص الصريحة ، والصحيحة ، والمستفيضة ، والأدلّة الواضحة على عدم نقص أو زيادة حتّى كلمة واحدة في القرآن الموجود بين أيدينا.

وهذا ما يتّفق عليه جميع علماء الطائفة فعلاً ، فكلّ الأقاويل التي ترد بخلاف هذا الإجماع مردودة ، وتفسير بما لا يرضى صاحبه.

( سلمان - ... - ..... )

موضوع يثيره أعداء الدين :

س : هل صحيح بأنّ القرآن محرّف؟ وما الدليل على أنّه محرّف؟ مع العلم أنّني على استعداد لاتّباع الحقّ.

ج : إنّ القرآن والسنّة - الصحيحة عند الفريقين - والعقل وإجماع الأُمّة والطائفة كلّها تدلّ على عدم التحريف ، وهذا الموضوع ممّا يثيره أعداء الدين بلسان بعض المتلبّسين بالإسلام لكسر شوكة العقيدة ، بإثارة الشبهات حول كتابهم المعصوم.

ص: 98

وأمّا ما ورد في هذا المجال من أقوال وروايات تخالف هذا المبنى ، فأمّا مطروحة سنداً ، أو مؤوّلة مدلولاً بما لا يخالفه.

( يعقوب يوسف حمّود - الكويت - 17 سنة - طالب )

عدم ثبوت اعتقاد الكلينيّ به :

س : ما حقيقة ما يقال عن اعتقاد الشيخ الكلينيّ قدس سره بالتحريف؟

ج : إنّ الشيخ الكلينيّ قدس سره روى في كتابه ( الكافي ) ما يستظهر منه تحريف القرآن ، لكنّ الرواية شيء ، والاعتقاد بها شيء آخر.

ونحن لا دليل عندنا على اعتقاده بكلّ ما رواه فيه ، كما هو الحال بالنسبة إلى كتاب البخاريّ ومسلم عند أهل السنّة ، وإن شئتم التفصيل فارجعوا إلى كتاب ( التحقيق في نفي التحريف ).

( عبد الرحمن - الأردن - أشعريّ - 24 سنة - طالب ثانوية )

معانيه :

س : ما هو معنى تحريف القرآن؟ وما يراد منه؟

ج : إنّ للتحريف معنيين :

1 - تحريف بالزيادة ، ولا أحد يقول به ، وإن وردت بعض الروايات في مصادر أهل السنّة تنسب القول بالتحريف بالزيادة إلى بعض الصحابة.

2 - التحريف بالنقصان ، وهذا القسم هو محلّ البحث ، فالروايات الواردة في معنى التحريف بالنقصان رويت في صحاح ومسانيد أهل السنّة أضعاف مضاعفة ممّا هي في كتب حديث الشيعة ، وهذه الروايات أكثرها قابلة للحمل على التأويل ، وبعضها ضعيفة السند ، والقليل من الروايات الصحيح الصريح في التحريف لا يعمل به ، وذلك بناءً على مبنى الشيعة في عرض الأخبار على القرآن ، فما وافقه يأخذون به ، وما خالفه يضربون به عرض الجدار.

ص: 99

فإن قيل : في مصادر الشيعة توجد هناك روايات في التحريف.

قلنا : بعض كبار الصحابة ، وعلماء أهل السنّة أيضاً قالوا بالتحريف ، بالأخصّ أصحاب الصحاح والمسانيد ، الذين ذكروا أنّهم لا يروون إلاّ ما صحّ عندهم ، وما يعتقدونه ، وهم قد رووا عشرات الأحاديث في التحريف.

إن قيل : بعض علماء الشيعة ألّف في التحريف.

قلنا : بعض علماء السنّة أيضاً ألّف في التحريف ، كابن أبي داود السجستانيّ في كتابه ( المصاحف ) المطبوع في بيروت ، وابن الخطيب في كتابه ( الفرقان ) المطبوع في القاهرة.

إن قيل : ما ورد في مصادر أهل السنّة محمول على نسخ التلاوة.

قلنا : كثير من الأحاديث المروية عند أهل السنّة غير قابلة الحمل على نسخ التلاوة ، وثمّ ما ورد عند الشيعة أيضاً قابل للحمل على نسخ التلاوة.

وفذلكة القول : أنّ البحث في هذا الموضوع لا يخدم القرآن ، والمنتفع الأوّل والأخير هم أعداء القرآن والإسلام ، ومن هذا المنطلق وتقديساً للقرآن الكريم ألّف علماء الشيعة عشرات الكتب لردّ القول بالتحريف عند الشيعة والسنّة ، حفاظاً على القرآن الكريم ، ولم يردّ علماء الشيعة بالمثل على ما ألّفه علماء السنّة ضدّ الشيعة في مسألة التحريف ، ولو أرادوا ذلك لكتبوا عشرات الكتب في إثبات التحريف عند أهل السنّة ، ولكن تقديس القرآن يمنعهم للخوض في أمثال هذه الأبحاث.

( أحمد العنزي - الكويت - .... )

من قال به وحكم من يعتقد به :

س : أنا اعلم أنّكم لن تجيبوا على سؤالي ، ولن تضعوه في الأسئلة ، لذلك أردت أن اكتب السؤال لأتيقّن أكثر من الذي سمعت.

سؤالي كالتالي : من يقول أنّ القرآن ناقص ومحرّف ، هل هو مسلم أم كافر؟

ص: 100

ج : تلقينا سؤالك برحابة صدر ، ونجيب عليه ونضعه في الأسئلة إن شاء الله تعالى : أتعلم من قال بأنّ القرآن ناقص ومحرّف؟

1 - عائشة بنت أبي بكر.

2 - عمر بن الخطّاب.

3 - أبو موسى الأشعريّ.

4 - زيد بن ثابت.

5 - عبد الله بن عباس.

6 - أُبي بن كعب.

7 - عبد الله بن مسعود ، وغيرهم.

هذا ، وجاء في روايات أهل السنّة تصريح بأنّ بعض الصحابة كان يقول بالتحريف ، بل أنّ بعض الكتب التي روت أحاديث التحريف التزم مؤلّفوها بأن لا يرووا فيها إلاّ ما صحّ سنده ، وما اعتقدوا به ، وبناءً على هذا يكون الكثير من مؤلّفي الصحاح والسنن ممّن يقول بالتحريف ، أضف إلى هذا فإنّ كتاب ( المصاحف ) لابن أبي داود السجستانيّ ، وكتاب ( الفرقان ) لابن الخطيب ، قد أثبتا التحريف ، وهما من علماء أهل السنّة.

ثمّ كلّ من قال بتحريف القرآن من علماء الشيعة أو السنّة ، إنّما قال بذلك لشبهة حصلت له ، ومثل ذلك لا يستوجب التكفير ، ولو جاز لنا أن نقول بكفر كلّ من قال بتحريف القرآن ، للزم القول بكفر كثير من كبار الصحابة ، وأصحاب الصحاح الستّة ، والمسانيد المعتبرة ، وعلماء المذاهب الأربعة عند أهل السنّة ، وهذا شيء لا يمكن التفوّه به من أجل القول بتحريف القرآن على أساس بعض الشبهات.

( عبد الله - الكويت - 19 سنة - طالب )

تعليق على السؤال السابق وجوابه :

س : قلتم أنّ أئمّة المذاهب الأربعة يقولون بتحريف القرآن ، فهل هناك مصدر لهذا الكلام.

ص: 101

ج : إنّنا لم نقل أنّ أئمّة المذاهب الأربعة قالوا بالتحريف ، حتّى تريد منّا المصدر ، وإنّما قلنا : علماء المذاهب الأربعة نقلوا في كتبهم عدّة روايات تدلّ على التحريف ، منها :

1 - ( وقد سئلت عائشة عن اللحن الوارد في قوله تعالى : ( إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ) (1) ، وقوله عزّ من قائل : ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) (2) ، وقوله جلّ وعزّ : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ ) (3).

فقالت : هذا من عمل الكتّاب ، أخطأوا في الكتاب.

وقد ورد هذا الحديث بمعناه بإسناد صحيح على شرط الشيخين ) (4).

2 - عن أبي خلف مولى بني جمح أنّه دخل مع عبيد بن عمير على عائشة ... ، قال : ( جئت أسألك عن آية في كتاب الله عزّ وجلّ ، كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقرؤها؟ قالت : أيّة آية؟ قال : ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا ... ) (5) ، أو : ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا أتَوا ... ) ؟ فقالت : أيّتهما أحبّ إليك؟ قال : قلت : والذي نفسي بيده لإحداهما أحبّ إليّ من الدنيا جميعاً ، أو الدنيا وما فيها ، قالت : أيّتهما؟ قلت : ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا أتَوا ... ) ، قالت : أشهد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان كذلك يقرؤها ، وكذلك أُنزلت ، ... ولكن الهجاء حرّف ) (6).

3 - عن ابن عباس في هذه الآية ( ... حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا ) (7) قال : ( إنّما

ص: 102


1- 1. طه : 61.
2- 2 - النساء : 162
3- 3. المائدة : 69.
4- 4. الفرقان : 41.
5- 5. آل عمران : 188.
6- 6. مسند أحمد 6 / 95.
7- 7. النور : 27.

هي خطأ من الكُتّاب ، حتّى تستأذنوا وتسلّموا ) (1).

4 - أخرج عبد بن حميد ، والفريابي ، وابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد في قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ... ) (2) ، قال : ( هي خطأ من الكاتب ، وهي في قراءة ابن مسعود : وإذ أخذ ميثاق الذين أوتوا الكتاب ، وأخرج ابن جرير عن الربيع أنّه قرأ : وإذ أخذ الله ميثاق الذين أُوتوا الكتاب.

قال : وكذلك كان يقرؤها أُبيّ بن كعب ) (3).

5 - روي عن قتادة : ( أنّ عثمان لمّا رفع إليه المصحف قال : إنّ فيه لحناً وستقيمه العرب بألسنتها ) (4).

6 - عن ابن عباس أنّه قرأ : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ - ولا محدّث - إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى ... ) (5).

7 - عن أبي إدريس الخولانيّ قال : كان أُبي يقرأ : إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ - ولو حميتم كما حموا أنفسهم لفسد المسجد الحرام - فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ (6).

8 - عن ابن عباس أنّه قرأ : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ - إلى أجل - فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ... ) (7).

ص: 103


1- 1. تفسير القرآن العظيم 3 / 290 ، جامع البيان 18 / 146.
2- 2. آل عمران : 81.
3- 3. جامع البيان 3 / 450.
4- 4. كنز العمّال 2 / 587 ، الدرّ المنثور 2 / 246.
5- 5. فتح الباري 7 / 42 ، الحجّ : 52.
6- 6. كنز العمّال 2 / 568 و 594 ، السنن الكبرى للنسائيّ 6 / 464 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 209 ، الدرّ المنثور 6 / 79 ، تاريخ مدينة دمشق 68 / 101 ، الفتح : 26.
7- 7. النساء : 24 ، المصنّف للصنعانيّ 7 / 498 ، جامع البيان 5 / 18 ، معاني القرآن 2 / 61 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 486 ، الدرّ المنثور 2 / 140 ، فتح القدير 1 / 449.

9 - عن الإمام علي عليه السلام أنّه قرأ : ( وَالْعَصْرِ - ونوائب الدهر - إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ... ) (1).

10 - عن أبي يونس مولى عائشة أنّه قال : ( أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً ، قالت : وإذا بلغت هذه الآية فآذنّي ( حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ... ) (2) ، فلمّا بلغتها أذنتها فأملت عليّ : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر و ... ، قالت عائشة : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وآله بزيادة صلاة العصر ) (3).

11 - عن ابن مسعود قال : ( أقرأني رسول الله صلى الله عليه وآله ، إِنّي أنا الرزّاق ذو القوّة المتين ) (4).

12 - عن ابن مسعود أنّه قرأ : والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى والذكر والأنثى ، والآيات هكذا : ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى ) (5).

13 - عن ابن عباس أنّه قرأ : ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ - في مواسم الحجّ - أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ ... ) (6).

ص: 104


1- 1. العصر : 1 - 2 ، المستدرك 2 / 534 ، كنز العمّال 2 / 601 ، جامع البيان 30 / 372 ، الجامع لأحكام القرآن 20 / 180 ، الدرّ المنثور 6 / 392 ، فتح القدير 5 / 492.
2- 2. البقرة : 238.
3- 3. مسند أحمد 6 / 178 ، فتح القدير 1 / 257 ، تهذيب الكمال 22 / 23 و 34 / 420.
4- 4. تحفة الأحوذيّ 8 / 209 ، مسند أحمد 1 / 394 و 418 ، فتح الباري 8 / 462 ، عون المعبود 11 / 16 ، السنن الكبرى للنسائيّ 4 / 406 ، سير أعلام النبلاء 10 / 403.
5- 5. الليل : 1 - 3 ، مسند أحمد 6 / 449 ، صحيح البخاريّ 4 / 215 ، صحيح مسلم 2 / 206 ، الجامع الكبير 4 / 262 ، السنن الكبرى للنسائيّ 6 / 516 ، صحيح ابن حبّان 14 / 237.
6- 6. البقرة : 198 ، صحيح البخاريّ 2 / 197 و 3 / 4 و 15 ، سنن أبي داود 1 / 391 ، المستدرك 1 / 481 و 2 / 277 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 4 / 333 ، صحيح ابن حبّان 9 / 305 ، المعجم الكبير 11 / 93.

14 - عن ابن عباس وابن مسعود ، أنّه كان يحكّ المعوّذتين من المصحف ويقول : ( لا تخلطوا القرآن بما ليس منه ، إنّهما ليستا من كتاب الله ، إنّما أمر النبيّ أن يتعوّذ بهما ، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما ) (1).

15 - عن ابن سيرين قال : ( كتب أُبي بن كعب في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوّذتين ، واللهم إنّا نستعينك ، واللّهم إيّاك نعبد ، وتركهن ابن مسعود ، وكتب عثمان منهن : فاتحة الكتاب والمعوّذتين ) (2).

( سعد الربيعي - ألمانيا - .... )

آية الولاية :

س : يحاججنا بعض الإخوان من أهل السنّة : بأنّ الشيعة لديهم قول بنقصان القرآن ، وهي آية الولاية - وهي غيرها التي في سورة المائدة - على أساس أنّها من قرآن الشيعة المحرّف ، وبداية الآية المزعومة : يا أيّها الذين آمنوا آمنوا بالنبيّ وبالوليّ الذين بعثناهما ....

فما هي الحقيقة في ذلك؟ ولكم الفضل.

ج : نختصر لك في الجواب فنقول : إنّ مسألة التحريف من المسائل التي اتخذها النواصب ذريعة للطعن بالتشيّع ، مع عدم وجود قائل بها في عصرنا الحاضر من الشيعة.

ولو قيل : إنّ في مصادر الشيعة ما يدلّ على التحريف.

قلنا : أوّلاً أكثر ما يدلّ على التحريف في مصادرنا فهو قابل للحمل على التأويل ، والذي غير قابل للحمل على التأويل فأكثره ضعيف سنداً ، والصحيح السند منه ساقط بقاعدة العرض على الكتاب ، حيث يخالف صريح قوله

ص: 105


1- 1. مسند أحمد 5 / 129 ، معجم الزوائد 7 / 149 ، فتح الباري 8 / 571 ، المعجم الكبير 9 / 235 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 611 ، الدرّ المنثور 6 / 416 ، فتح القدير 5 / 518.
2- 2. الإتقان في علوم القرآن 1 / 178.

تعالى : ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (1).

ولو أرجعنا القول إلى أهل السنّة ، لوجدنا أنّ ما هو في مصادرهم من التحريف أضعاف ممّا هو في مصادر الشيعة ، وروي الكثير منه في صحاحهم ، التي التزموا بصحّة كلّ ما روي فيها ، وأهل السنّة لا يقبلون بقاعدة العرض على الكتاب.

هذا ، ويمكنكم أن توجّهوا السؤال إلى من حاججكم في آية الولاية ، وتطلبوا منه أن يأتيكم بالمصدر من كتب الشيعة المعتبرة ، فإنّ هذه الآية لا وجود لها في مصادر الشيعة المعتبرة ، ولم يقبلها أحد من العلماء.

ويمكنكم أيضاً أن تسألوهم عن آية الشيخ والشيخة التي ادعوا أنّها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وادعوا أنّها نسخت قراءتها مع بقاء حكمها؟ وقولوا لهم : ما معنى نسخ القراءة وبقاء الحكم ، وما فائدته؟

وكذلك يمكنكم أن تسألوهم عن كتاب ( المصاحف ) للسجستانيّ ، وكتاب ( الفرقان ) لابن الخطيب؟ وهما من كبار علماء أهل السنّة ، حيث أثبتا التحريف.

( ... - ... - ..... )

القرآن غير محرّف قطعاً :

س : إنّكم تأكّدون على تحريف القرآن؟

الجواب : على كلّ باحث عن الحقيقة أن يتبع الدليل ، ومهما كانت النتيجة فيقبلها برحابة صدر ، وإن كانت مخالفة للموروث العقائديّ الذي وصل إليه.

تارة نبحث عن مسألة التحريف في مقام أنّ أهل السنّة يتّهمون الشيعة بوجود أحاديث تدلّ على التحريف ، فنذكر لهم من باب النقض وجود أحاديث في

ص: 106


1- 1. الحجر : 9.

مصادرهم أكثر ممّا هي في مصادر الشيعة.

وتارة نبحث عن أصل مسألة التحريف ، وهل وقع تحريف أم لا؟

فنقول : القرآن غير محرّف قطعاً ، وهذا ممّا تسالمت عليه الأُمّة الإسلاميّة ، والأدلّة العقلية والنقلية على عدم وقوع التحريف ، وما ورد في مصادر المسلمين ممّا ظاهره التحريف ، إما ضعيف السند لا يعمل به ، أو مؤوّل بحيث لا يدلّ على التحريف.

( عبد الله آقا - الكويت - .... )

روايات الكلينيّ والقمّيّ محمولة على التفسير :

س : قال صاحب تفسير الصافي في مقدّمة تفسيره : ( وأمّا اعتقاد مشايخنا رضي الله عنهم في ذلك ، فالظاهر من ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكلينيّ ( طاب ثراه ) أنّه كان يعتقد بالتحريف والنقصان في القرآن ، لأنّه روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ، ولم يتعرّض لقدح فيها ، مع أنّه كان يثق بما رواه فيه ، وكذلك علي بن إبراهيم القمّيّ رضي الله عنه فإنّ تفسيره مملوء منه ، وله غلوّ فيه ، وكذلك أحمد بي أبي طالب الطبرسيّ رضي الله عنه فأنّه نسج على منوالهما في كتاب الاحتجاج ) (1).

وشكرا لكم.

ج : إن قيل : في مصادر الشيعة روايات تدلّ على التحريف.

قلنا : في مصادر أهل السنّة أكثر ، أضف إلى ذلك : أنّ ما روي في مصادر الشيعة أكثره ضعيف السند ، أو قابل للحمل على التفسير ، وأمّا ما روي في مصادر أهل السنّة ، فإنّ الكثير منه في الصحاح ، وغير قابل للتأويل.

فإن قيل : إنّ بعض علماء الشيعة قائل بالتحريف.

قلنا : إنّ بعض علماء السنّة ممّن صرّح بأن لا يروي إلاّ ما صحّت له روايته ،

ص: 107


1- 1. تفسير الصافي 1 / 52.

ويعتقد به ، يكون قائلاً بالتحريف ، وذلك عندما يروي أحاديث التحريف ، أضف إلى ذلك : ما روي عن عائشة والصحابة من القول بالتحريف.

فإن قيل : بعض علماء الشيعة ألّف كتاباً في التحريف.

قلنا : السجستانيّ ألّف كتاب ( المصاحف ) ، وابن الخطيب ألّف كتاب ( الفرقان ) ، وهما من علماء أهل السنّة ، وقالا فيهما بالتحريف.

وعلى كلّ حال ، فإن قلتم ، قلنا.

ولكن ، القرآن أعظم من أن نجعله غرضاً لنزاعاتنا ، فندافع عن القرآن ، ونقول : القرآن غير محرّف قطعاً ، وما روي في بعض المصادر في التحريف فهو ضعيف متروك ، وبعض من قال بالتحريف ، فهي أقوال شاذّة متروكة.

وأمّا روايات الكلينيّ وتفسير القمّيّ وكتاب الاحتجاج ، فإنّ أكثرها محمول على التفسير ، وبعضها ضعيف ، وما صحّ منه ولم يمكننا حمله على التفسير فإنّه متروك ، وذلك عملاً بقاعدة عرض الحديث على الكتاب ، فإذا تعارض ترك الحديث - وهذا من مختصّات الشيعة - أعني مسألة عرض الحديث على الكتاب العزيز.

وأخيراً ، أشير إلى أنّه لابد لأهل السنّة من أن يتنزّلوا من القول بصحّة كلّ ما ورد في البخاريّ ومسلم ، وإلاّ لزمهم القول بالتحريف ، وكذلك عليهم أن يقبلوا بالأحاديث الواردة في مسألة العرض على الكتاب.

( عبد الله آقا - الكويت - .... )

لا ننكر وجود أحاديث تدلّ عليه :

س : ما ردّكم على قول المجلسيّ قدس سره صاحب كتاب بحار الأنوار ، عندما قال في معرض شرحه لحديث هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( إنّ القرآن الذي جاء جبرائيل عليه السلام إلى محمّد صلى الله عليه وآله سبعة عشر ألف آية ) ، فقال عن هذا الحديث : موثّق.

ص: 108

فما ردّكم الجليل على قول المجلسيّ ، وشكراً ، المصدر : مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول 2 / 525.

ج : إنّا لا ننكر وجود أحاديث في مصادر الشيعة تدلّ على التحريف ، كما لا ننكر وجود قائلين بالتحريف ، ولكن في مقابل هذا توجد أحاديث أُخرى كثيرة عند أهل السنّة في التحريف ، وقائلين منهم به.

ولكن الرأي الصحيح والمتبع هو ما عليه الأعم الأغلب من علماء الشيعة قديماً وحديثاً ، من القول بعدم التحريف ، وكذلك هو عند أهل السنّة ، فهدفنا هو الدفاع عن القرآن ، وإن كان أهل السنّة يطعنون بالتشيّع في هذه المسألة ، مع وجود التحريف في أُمّهات صحاحهم أكثر بكثير ممّا هو عندنا.

( كميل - الكويت - .... )

توجد فيه روايات في مصادر الفريقين :

س : هذه بعض الأحاديث التي طرحها أحد أهل السنّة حول تحريف القرآن بأقوال من علمائنا ، أرجو التعليق عليها ، وتوضيحها ، ولكم منّا جزيل الشكر والامتنان :

1 - يقول الفيض الكاشانيّ في تفسير الصافي 1 / 44 ط الأُولى ، مؤسّسة الأعلميّ بيروت : ( المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام : أنّ القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه ، كما أُنزل على محمّد ، بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله ، ومنه ما هو مغيّر محرّف ، وأنّه قد حذف عنه أشياء كثيرة : منها اسم علي في كثير من المواضيع ، ومنها لفظة آل محمّد غير مرّة ، ومنها أسماء المنافقين في مواضعها ، وغير ذلك ، وأنّه ليس أيضاً على الترتيب المرضي عند الله ، وعند رسوله صلى الله عليه وآله ).

2 - يقول السيّد نعمة الله الجزائريّ في الأنوار النعمانية 2 / 357 ط تبريز : ( الثالث : إنّ تسليم تواترها - القراءات السبع - عن الوحي الإلهيّ ، وكون الكلّ قد نزل به الروح الأمين ، يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة ، بل المتواترة الدالّة

ص: 109

بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ، ومادةً وإعراباً ، مع أنّ أصحابنا قد أطبقوا على صحّتها ، والتصديق بها ).

3 - يقول الطبرسيّ في كتابه 1 / 371 : ( وليس يسوغ مع عموم التقيّة التصريح بأسماء المبدّلين ، ولا الزيادة في آياته ، فحسبك من الجواب عن هذا الموضع ما سمعت ، فإنّ شريعة التقيّة تحظر التصريح بأكثر منه ).

ويقول الطبرسيّ في موضع آخر 1 / 377 : ( ولو شرحت لك كلّ ما أسقط وحرّف وبدّل ، وما يجري هذا المجرى ، لطال وظهر ما تحظر التقيّة إظهاره من مناقب الأولياء ، ومثالب الأعداء ).

4 - يقول أبو الحسن العامليّ في مقدّمة تفسيره مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار : 36 من منشورات مؤسّسة إسماعيليان بقم ما نصّه : ( إعلم أنّ الحقّ الذي لا محيص عنه ، بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها ، أنّ هذا القرآن الذي بين أيدينا ، قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله شيء من التغييرات ، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات ، وأنّ القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لما أنزله الله تعالى ، ما جمعه علي وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن ، وهكذا إلى أن وصل إلى القائم وهو اليوم عنده عليه السلام ).

وفّقكم الله لما يحبّه ويرضاه.

ج : توجد روايات في مصادر الشيعة وأهل السنّة في التحريف ، وكذلك توجد بعض الأقوال عند الفريقين صريحة في التحريف ، بالأخصّ إذا ما راجعنا كتاب ( المصاحف ) لابن أبي داود السجستانيّ ، وكتاب ( الفرقان ) لابن الخطيب ، وكلاهما من تأليف علماء أهل السنّة ، وكذلك إذا ما رجعنا إلى الروايات الراوية لأقوال الصحابة ، وأُمّهات المؤمنين في التحريف.

وكذلك إذا ما جعلنا بعين الاعتبار كلمات كبار علماء أهل السنّة في صحاحهم ومسانيدهم ، حيث صرّحوا بأنّهم لم يرووا إلاّ ما يعتقدون بصحّة روايته ، ورووا مع ذلك أحاديث في التحريف.

ولكنّ الرأي المتّبع عند الشيعة وأهل السنّة هو عدم التحريف ، بل هو الرأي المشهور عند جميع المسلمين.

ص: 110

فلا يعتنى بالروايات المروية في التحريف ، والموجودة في مصادر الفريقين ، كما لا يعتنى ببعض الأقوال في التحريف.

( حسن محمّد - البحرين - .... )

معنى نسخ التلاوة :

س : ما هو نسخ التلاوة المعروف عند أهل السنّة؟ وهل هو بمثابة التحريف بالنقيصة في القرآن؟ أرجو توضيح ذلك.

ج : أصل النسخ ثابت ، وهو نزول آية قرآنية في حكم معيّن ، فتأتي آية أُخرى تنسخ حكم تلك الآية ، فالآية المنسوخة باقية في القرآن مع نسخ حكمها.

وأمّا نسخ التلاوة ، فهو نزول آية من القرآن الكريم ، فتنسخ تلاوتها مع بقاء حكمها ، وهذا هو التحريف بعينه ، إذ أن نسخ التلاوة مع بقاء الحكم باطل من أصله ، ولا معنى لنسخ تلاوة آية معينة مع بقاء الحكم ، فنسخ التلاوة يساوي التحريف.

وإذا أُشكل : بورود رواية في مصادر الشيعة ، أو قول من علماء الشيعة يقول بالنسخ ، يكون الردّ : بأنّ الرواية ضعيفة السند ، ومن تنسبون إليه القول بنسخ التلاوة ، فإنّما هو في مقام إيراد الأقوال ، لا في مقام الاعتقاد بما نقله من أقوال ، حتّى ولو ثبت نسبة القول بنسخ التلاوة إلى أحد علماء الشيعة ، فإنّه قول شاذّ نادر.

( باسل الموسويّ - البحرين - 25 سنة - طالب علم )

بحث مفصّل للإمام الخوئيّ حول نسخ التلاوة :

س : ما هو رأيكم في تأويل الشيخ الصدوق لهذا الكلام؟ وهو : وأهل السنّة مجمعون على أنّ القرآن الذي بين أيدينا هو ليس كاملاً ، حيث أنّهم يرون نسخ التلاوة.

ص: 111

ج : ننقل لكم ما قاله السيّد الخوئيّ قدس سره حول موضوع نسخ التلاوة (1) :

( أقول : سيظهر لك - بعيد هذا - أنّ القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف ، وعليه فاشتهار القول بوقوع النسخ في التلاوة - عند علماء أهل السنّة - يستلزم اشتهار القول بالتحريف.

3 - نسخ التلاوة : ذكر أكثر علماء أهل السنّة : أنّ بعض القرآن قد نسخت تلاوته ، وحملوا على ذلك ما ورد في الروايات أنّه كان قرآناً على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، فيحسن بنا أن نذكر جملة من هذه الروايات ، ليتبيّن أنّ الالتزام بصحّة هذه الروايات ، التزام بوقوع التحريف في القرآن :

1 - روى ابن عباس : أنّ عمر قال فيما قال - وهو على المنبر - : ( إنّ الله بعث محمّداً بالحقّ ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان ممّا أنزل الله آية الرجم ، فقرأناها ، وعقلناها ، ووعيناها.

فلذا رجم رسول الله صلى الله عليه وآله ، ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله ، والرجم في كتاب الله حقّ على من زنى إذا أحصن من الرجال ... ثمّ إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : أن لا ترغبوا عن آبائكم ؛ فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، أو : إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ... ) (2).

وذكر السيوطيّ : أخرج ابن اشته في المصاحف عن الليث بن سعد قال : ( أوّل من جمع القرآن أبو بكر ، وكتبه زيد ... وإنّ عمر أُتي بآية الرجم فلم يكتبها ؛ لأنّه كان وحده ) (3).

ص: 112


1- 1. البيان في تفسير القرآن : 201.
2- 2. صحيح البخاريّ 8 / 26 ، صحيح مسلم 5 / 116 ، سنن أبي داود 2 / 343 ، الجامع الكبير 2 / 442 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 8 / 211 ، المصنّف للصنعانيّ 5 / 441 و 7 / 315 ، السنن الكبرى للنسائيّ 4 / 273 ، صحيح ابن حبّان 2 / 147 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 127.
3- 3. الإتقان في علوم القرآن 1 / 163.

أقول : وآية الرجم التي ادّعى عمر أنّها من القرآن ، ولم تقبل منه رويت بوجوه :

منها : ( إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة ، نكالاً من الله ، والله عزيز حكيم ).

ومنها : ( الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة ، بما قضيا من اللذّة ).

ومنها : ( إنّ الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة ) ، وكيف كان فليس في القرآن الموجود ما يستفاد منه حكم الرجم ، فلو صحّت الرواية فقد سقطت آية من القرآن لا محالة.

2 - وأخرج الطبرانيّ بسند موثّق عن عمر بن الخطّاب مرفوعاً : ( القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف ) (1).

بينما القرآن الذي بين أيدينا لا يبلغ ثلث هذا المقدار ، وعليه فقد سقط من القرآن أكثر من ثلثيه.

3 - وروى ابن عباس عن عمر ، أنّه قال : إنّ الله عزّ وجلّ بعث محمّداً بالحقّ ، وأنزل معه الكتاب ، فكان ممّا أنزل إليه آية الرجم ، فرجم رسول الله صلى الله عليه وآله ورجمنا بعده ، ثمّ قال : كنا نقرأ : ( ولا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم ) ، أو : ( إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) (2).

4 - عن نافع عن ابن عمر قال : ( لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كلّه وما يدريه ما كلّه؟ قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر ) (3).

5 - وروى عروة بن الزبير عن عائشة قالت : ( كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله مائتي آية ، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلاّ ما هو الآن ) (4).

ص: 113


1- 1. المعجم الأوسط 6 / 361.
2- 2. مسند أحمد 1 / 47 ، صحيح البخاريّ 8 / 26 ، المصنّف للصنعانيّ 5 / 441 و 9 / 50.
3- 3. الإتقان في علوم القرآن 2 / 66.
4- 4. الدرّ المنثور 5 / 180.

ثمّ ينقل السيّد الخوئيّ بقية الروايات إلى أن يقول : وغير خفيّ أنّ القول بنسخ التلاوة بعينه القول بالتحريف والإسقاط.

وبيان ذلك : أنّ نسخ التلاوة هذا ، إمّا أن يكون قد وقع من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإمّا أن يكون ممّن تصدّى للزعامة من بعده ، فإن أراد القائلون بالنسخ وقوعه من رسول الله صلى الله عليه وآله ، فهو أمر يحتاج إلى الإثبات.

وقد اتّفق العلماء أجمع على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد ، وقد صرّح بذلك جماعة في كتب الأُصول وغيرها (1) ، بل قطع الشافعيّ وأكثر أصحابه ، وأكثر أهل الظاهر بامتناع نسخ الكتاب بالسنّة المتواترة ، وإليه ذهب أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه ، بل إنّ جماعة ممّن قال بإمكان نسخ الكتاب بالسنّة المتواترة منع وقوعه (2) ، وعلى ذلك فكيف تصحّ نسبة النسخ إلى النبيّ صلى الله عليه وآله بأخبار هؤلاء الرواة؟ مع أنّ نسبة النسخ إلى النبيّ تنافي جملة من الروايات التي تضمّنت أنّ الإسقاط قد وقع بعده.

وإن أرادوا أنّ النسخ قد وقع من الذين تصدّوا للزعامة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله ، فهو عين القول بالتحريف.

وعلى ذلك ، فيمكن أن يدّعى أنّ القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنّة ، لأنّهم يقولون بجواز نسخ التلاوة ، سواء أنسخ الحكم أم لم ينسخ ، بل تردّد الأُصوليّون منهم في جواز تلاوة الجنب ما نسخت تلاوته ، وفي جواز أن يمسّه المحدث ، واختار بعضهم عدم الجواز.

نعم ذهبت طائفة من المعتزلة إلى عدم جواز نسخ التلاوة (3).

ومن العجيب أنّ جماعة من علماء أهل السنّة أنكروا نسبة القول بالتحريف إلى أحد من علمائهم ، حتّى أنّ الآلوسيّ كذّب الطبرسيّ في نسبة القول

ص: 114


1- 1. الموافقات 3 / 69.
2- 2. الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي 3 / 165.
3- 3. المصدر السابق 3 / 154.

بالتحريف إلى الحشويّة ، وقال : ( إنّ أحداً من علماء أهل السنّة لم يذهب إلى ذلك ) ، وأعجب من ذلك أنّه ذكر ، أنّ قول الطبرسيّ بعدم التحريف نشأ من ظهور فساد قول أصحابه بالتحريف ، فالتجأ هو إلى إنكاره (1) ، مع أنّك قد عرفت أنّ القول بعدم التحريف هو المشهور ، بل المتسالم عليه بين علماء الشيعة ومحقّقيهم ، حتّى أنّ الطبرسيّ قد نقل كلام المرتضى بطوله ، واستدلاله على بطلان القول بالتحريف ، بأتمّ بيان وأقوى حجّة ) (2).

إلى هنا تمّ كلامه قدس سره ، ومنه يظهر وجه الاحتجاج بهذا القول.

( مصطفى بطّة - الأردن - سنّي - 21 سنة - طالب جامعة )

نشير إلى نقاط ريثما يتأمّل فيها المحقّقون :

س : نشكر لكم جهودكم في هذا الموقع ، ونتمنّى أن نرى لكلّ مذهب موقعاً معتبراً كهذا ، يحلّ الإشكال ، ويجيب على التساؤلات.

سؤالي إليكم حول موضوع تحريف القرآن الكريم ، وتحديداً وجود بعض الحذف منه والنقص فيه ، والذي يثيره السنّة باستمرار ، وما قد يلحظه المبتدئ من شيء من التناقض بين كتب الكلام ، من أمثال الإلهيّات الذي جمع من محاضرات للأُستاذ الكبير السبحانيّ ، وكتاب شرح عقائد المظفّر ، التي تنفي التحريف مطلقاً ، وبين الكتب الروائية المتقدّمة ، من أمثال الكافي وبحار الأنوار ، والتي تروي عدداً لابأس به من الروايات ، التي تؤكّد وقوع الحذف ، خاصّة من الآيات التي فيها تصريح بولاية علي عليه السلام.

وهذه الروايات تصرّح بوقوع الحذف لفظاً ومعنى وإعراباً ، ومعظمها مروي عن الأئمّة المعصومين ، نرجو إجابتنا إجابة وافية ملزمة ، نتمكّن من عرضها

ص: 115


1- 1. روح المعاني 1 / 25.
2- 2. مجمع البيان 1 / 43.

على أخوتنا الأشاعرة في المنطقة ، الذين يثيرون هذا الموضوع باستمرار ، لعدم وجود ردّ.

وبارك الله فيكم.

ج : نشكركم على متابعتكم للموقع ، ونتمنّى أن نكون قد وفّقنا لأداء المسؤولية حول الدين والمذهب في ردّ الشبهات ، وإنارة الطريق ، والله هو الموفّق.

وأمّا ما ذكرتموه في موضوع التحريف ، فقد أجبنا عنه كراراً ومراراً ، وذكّرّنا الإخوة : بأنّ المسألة لا ثمرة لها عند المسلمين ، بل إنّ المستفيد الأوّل والأخير هم أعداء العقيدة ، فالصفح عنها أحرى وأجدر ؛ ولكن بما أنّ الإخوة يلحّون في المطلب ، نشير إلى عدّة نقاط ، ريثما يتأمّل فيها المحقّقون ، ولكي ينصفوا ، والله من وراء القصد :

1 - إنّ الروايات التي تدلّ بظاهرها على التحريف موجودة في كتب أهل السنّة ، وبأعداد مضاعفة عمّا في كتب الشيعة ، وعلى سبيل المثال - لا الحصر- يمكن المراجعة إلى الصحاح والمسانيد.

2 - مضافاً إلى ورود هذه الروايات ، فقد صرّح بعض علماء التفسير عندهم بوقوع التحريف (1).

ومنهم من تبنّى هذا القول كابن أبي داود السجستانيّ في كتابه ( المصاحف ) ، وابن الخطيب في كتابه ( الفرقان ).

3 - إنّ ورود بعض الروايات في كتب الحديث عند الشيعة ، لا يعني اعتقاد الشيعة بهذه الفكرة ، ولا حتّى التزام مؤلّفيها بها ، بل هو من باب جمع الأحاديث ، كالعمل في الموسوعات فحسب ، والذي يدلّنا في المقام هو :

أوّلاً : إنّ الشيعة من الصدر الأوّل حتّى الآن ، لا تعتقد بوجود كتاب صحيح من أوّله إلى آخره إلاّ القرآن ، وعليه فكلّ تأليف فيه الخطأ والصواب تبعاً

ص: 116


1- 1. روح المعاني 1 / 26 ، الدرّ المنثور 5 / 180.

للأدلّة المطروحة في كلّ مجال ، وهنا تختلف الشيعة عمّن يعتقد بصحّة روايات الصحاح ، أو الصحيحين على الأقل ، فهو ملزم بما ورد فيها.

ثانياً : إنّ الروايات المذكورة معارضة بروايات أُخرى وردت بإزائها ، تدلّ بالصراحة على نفي التحريف ، وفي مثل هذا المقام تعرض المعارضتان على القرآن - على طبق القواعد الأُصولية - ومن ثمّ تنفي حجّية الموهم للتحريف.

ثالثاً : توجد روايات صريحة عند الشيعة بعدم حجّية الخبر المخالف للقرآن رأساً ، أو عند المعارضة ، وهذا لا ينسجم مع القول بالتحريف.

رابعاً : إنّ الروايات المذكورة بأجمعها يعتريها ، إمّا ضعف السند ، وإمّا ضعف الدلالة ، أو كلاهما كما بحثه المحقّقون من الشيعة في مظانّها ؛ وأيضاً كلّها قابلة للتأويل جمعاً بينها وبين الأخبار النافية للتحريف ، فبعضها مثلاً من باب الشرح المزجي للآيات مع تفاسيرها ، وبعضها من باب الإشارة إلى المصاديق المأوّلة في الآيات ، وأحياناً بعضها الآخر فيها التصريح ، أو التلويح بشأن النزول ، وهكذا.

4 - إنّ الرأي العام للشيعة قديماً وحديثاً هو الالتزام والاعتقاد بعدم التحريف ، وهذا هو قول العلماء الذين يعتبرون واجهة الشيعة ، وأيضاً هو كلام الوسط الشيعيّ حتّى الآن.

وأمّا ما كتبه بعضهم في هذا المجال خلافاً لهذا الإجماع القطعيّ - كالشيخ النوريّ الطبرسيّ والسيّد الجزائريّ - فيرد عليه أنّهما لم يمثّلا في مسألة التحريف عقيدة مذهب أهل البيت عليهم السلام ، مضافاً إلى أنّ الروايات التي اعتمد عليها النوريّ لإثبات مدّعاه في كتابه فصل الخطاب ، أكثرها من أحاديث أهل السنّة في هذا المجال ، فهو كما ترى!

5 - وأخيراً : فإنّ التأويل المخرج لأهل السنّة من مأزق رواياتهم المذكورة ، لهي أنسب بأن تكون إحدى الطرق عند الشيعة للوقوف في مقابل بعض رواياتهم ، التي قد توهم الموضوع المذكور.

ص: 117

6 - ولا يفوتنا أن نشير هنا أنّ البحث عن هذا الموضوع قد جاء مفصّلاً في كلّ من ( البيان ) للسيّد الخوئيّ قدس سره ، و ( آلاء الرحمن ) للشيخ البلاغيّ قدس سره ، و ( صيانة القرآن ) للشيخ هادي معرفة ، و ( التحقيق في نفي التحريف ) للسيّد الميلانيّ ، وبقية التفاسير الشيعيّة ، ك- ( مجمع البيان ) للشيخ الطبرسيّ قدس سره ، و ( التبيان ) للشيخ الطوسيّ قدس سره ، وغيرهم ، فللمزيد من المعلومات لابأس بالمراجعة إليها.

( أحمد - البحرين - 42 سنة - طالب أكاديمي )

أدلّتنا على عدمه :

س : هل هناك قول عن أيّ إمام ينصّ بعدم تحريف القرآن الكريم؟

ج : استدلّ العلماء بطوائف من الأحاديث لنفي التحريف :

الطائفة الأُولى : أحاديث الثقلين ، الدالّة على التمسّك بالكتاب والسنّة ، فلو كان الكتاب محرّفاً كيف نؤمر بالتمسّك به.

الطائفة الثانية : خطبة الغدير ، حيث أمر فيها صلى الله عليه وآله بتدبّر القرآن ، وفهم آياته والأخذ بمحكماته دون متشابهاته ، والأمر بذلك يستلزم عدم تحريفه.

الطائفة الثالثة : أحاديث العرض على الكتاب مطلقاً ، وترك العمل بما لم يوافقه أو لم يشبهه.

الطائفة الرابعة : الأحاديث الواردة في ثواب قراءة السور في الصلوات وغيرها ، وثواب ختم القرآن وتلاوته ، فلولا أنّ سور القرآن وآياته معلومة لدى المسلمين لما تمّ أمرهم عليهم السلام بذلك.

الطائفة الخامسة : الأحاديث الواردة بالرجوع إلى القرآن واستنطاقه.

الطائفة السادسة : الأحاديث التي تتضمّن تمسّك الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام بمختلف الآيات القرآنيّة المباركة.

الطائفة السابعة : الأحاديث الواردة عنهم عليهم السلام في أنّ ما بأيدي الناس هو القرآن النازل من عند الله تعالى.

ص: 118

منها : ما روي عن الريّان بن الصلت قال : قلت للرضا عليه السلام : يا ابن رسول الله ، ما تقول في القرآن؟ فقال : ( كلام الله لا تتجاوزوه ، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلّوا ) (1).

وعن علي بن سالم عن أبيه قال : سألت الصادق عليه السلام ، فقلت له : يا ابن رسول الله ، ما تقول في القرآن؟

فقال : ( هو كلام الله ، وقول الله ، وكتاب الله ، ووحي الله وتنزيله ، وهو الكتاب العزيز الذي ( لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (2).

الطائفة الثامنة : الأحاديث الواردة في صدر بيان علوّ القرآن ومقامه ومعرفة شأنه.

وعليه ، فلو كان القرآن الموجود محرّفاً - نعوذ بالله - لما بقي أثر لهذه الطوائف من الأحاديث وما شابهها.

فمجموع هذه الأحاديث على اختلاف طوائفها ، تدلّ دلالة قاطعة على أنّ القرآن الموجود هو القرآن النازل على النبيّ صلى الله عليه وآله من دون أيّ تغيير أو تحريف.

( عبد الله - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

تعدّد القراءات لا يعدّ تحريفاً :

س : قال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (3) ، فكما قال المفسّرون : المقصود من الحفظ هو الحفظ النصّي ، ولكنّنا نجد أنّ هناك روايات تختلف نصّياً عن بعضها ، فرواية حفص عن عاصم تختلف عن رواية قالون عن نافع ، ورواية قالون عن نافع تختلف عن رواية ورش عن نافع ، فهل يعدّ هذا تحريف للقرآن مع تعدد هذه القراءات؟

ص: 119


1- 1. عيون أخبار الرضا 1 / 62 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 639.
2- 2. فصلت : 42 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 639.
3- 3. الحجر : 9.

ج : إنّ القرآن الواصل إلينا ثبت بالتواتر من عهد النبيّ صلى الله عليه وآله إلى الآن ، وهذه القراءات خبر واحد لا يثبت بها النصّ القرآنيّ.

فلا يقال : إنّ القرآن محرّف بها ، مع ملاحظة أنّ الصورة محفوظة في القرآن ، والاختلاف يكون بالحركات والإعجام.

وأمّا أنّه نازل على سبعة أحرف ، وأنّها هي القراءات السبعة فباطل عندنا ، وهذا الحديث له معنى آخر.

وأمّا نزوله فكان على حرف واحد ، قال الإمام الصادق عليه السلام : ( إنّ القرآن واحد ، نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة ) (1) ، ونحن نقول : أنّ خبر الرواة خبر واحد لا حجّة به علينا ، بعد أن ثبت القرآن بالتواتر.

( حسين حبيب عبد الله - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

حول كتاب فصل الخطاب :

س : من هو مؤلّف كتاب فصل الخطاب في تحريف كتاب ربّ الأرباب؟ وهل يرى تحريف التنزيل؟

ج : الكتاب للمحدّث النوريّ الطبرسيّ قدس سره ، وقد ذكر أحد الباحثين - وهو السيّد محمّد رضا الجلاليّ - في كتابه دفاع عن القرآن ما نصّه : ( أنّ المحدّث النوريّ جمع الروايات من الطرفين ، التي ظاهرها تحريف القرآن ، فقد نقل كلّ الروايات حتّى التي من دون سند ، ونقل أيضاً من كتب مجهولة المؤلّف ، فغرضه كان لمجرد الجمع والتأليف من دون الفحص والتحقيق ، فهو لا يرى التحريف في تنزيل القرآن ، لأنّه يصرّح بأنّ هذه الروايات ليست أدلّة مثبتة لشيء لعدم حجّيتها ، ولأنّها آحاد ، وأنّها ضعيفة السند ).

ص: 120


1- 1. الكافي 2 / 630 ، الاعتقادات للشيخ المفيد : 86.

تزويج أُمّ كلثوم من عمر :

اشارة

( سعد - السعودية - .... )

في مصادر الفريقين :

س : هل صحيح أنّ الإمام علي زوّج إحدى بناته لعمر بن الخطّاب؟

ج : ذكر السيّد علي الشهرستانيّ في كتابه ( زواج أم كلثوم ) ثمانية أقوال في المسألة :

الأقوال الأربعة التي قالت بها الشيعة :

1 - عدم وقوع التزويج بين عمر وأم كلثوم.

2 - وقوع التزويج لكنه كان عن إكراه.

3 - أنّ المتزوّج منها هي ربيبة الإمام لا بنته.

4 - أنّ عليّاً زوّج عمر بن الخطاب جنّيّة تشبه أم كلثوم.

الأقوال التي ذهب إليها بعض الشيعة وبعض العامة :

5 - إنكار وجود بنت لعليّ اسمها أمّ كلثوم.

6 - أنّ أمّ كلثوم لم تكن من بنات فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وآله بل كانت من أمّ ولد.

7 - القول بتزويجها من عمر ، لكن عمر مات ولم يدخل بها.

8 - أنّ عمر تزوّج بأمّ كلثوم ودخل بها وأولدها زيداً ورقية.

ومن أراد التفصيل فاليراجع الكتاب المذكور.

ص: 121

( دينا - البحرين - 15 سنة - طالبة ثانوية )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : اتّضح لنا من جوابكم على السؤال : أنّ الإمام عليه السلام قد خاف من تهديد عمر ، وأنّه عليه السلام قد قبل بتزويج ابنته منه ، وكأنّه رغماً عنها ، فهل تسمحون بالتوضيح أكثر ، وجزاكم الله كلّ خير.

ج : حسب النصوص الواردة في مجامعنا الروائية والتاريخيّة ، فإنّ خطبة عمر من أُمّ كلثوم كانت بعد تهديده أباها أمير المؤمنين عليه السلام باتهامه بالسرقة وأشياء أُخرى - والعياذ بالله - إن امتنع عن الأمر (1).

ولكن في نفس الروايات إشارة واضحة إلى مجرد وقوع العقد - لا الدخول - وعلى كلّ فإنّ الموضوع - إن صحّ وقوعه - كان تحت الضغط والتهديد المذكور ، لا بطيب النفس حتّى يدلّ على وجود العلاقة المتعارفة بين الطرفين.

( أُسامة - الجزائر - .... )

لو ثبت لثبت أنّ عمر رجل فاسق فاجر :

س : أنا حديث العهد بمذهب آل البيت عليهم السلام ، وأُريد أن أسألكم في قضية تزويج أمير المؤمنين عليه السلام ابنته لعمر بن الخطّاب ، ففي كتب السنّة قد تزوّجها برضاه ، أمّا في كتب الشيعة أنّه عليه السلام تعرّض للتهديد ، فكيف يعقل أن تأخذ منه ابنته ولا يفعل شيئاً؟

والمعروف عن أمير المؤمنين أنّه لا يسكت عن باطل ، حتّى ولو استلزم ذلك إراقة الدماء ، ومسألة زواج ابنته ليس بالأمر إلهيّن ، وإنّما هي مسألة شرف ، وأنا لا أظنّه يسكت عن هذا ، إلاّ إذا كان راضياً بهذا الزواج ، وفّقكم الله.

ج : إنّ النصوص الواردة في هذه المسألة في غاية الاضطراب ، ممّا تجعلنا

ص: 122


1- 1. الكافي 5 / 346 و 6 / 115.

نشكّ في أصل القضية ، بالأخصّ ما ورد في مصادر أهل السنّة ، حيث لو قبلوا برواياتهم والتزموا بها في هذا الزواج ، عليهم أن يلتزموا بسائر التفاصيل الواردة في نفس الواقعة ، التي تكون نتيجتها : أنّ عمر رجل فاسق فاجر متهوّر ، وذلك لما روي من تفاصيل في هذا الزوا الجواب :

ففي بعض رواياتهم : ( أنّ عمر هدّد عليّاً )!! (1).

وفي بعضها : ( أنّ عمر لمّا بلغه منع عقيل عن ذلك قال : ويح عقيل سفيه أحمق )!! (2).

وفي بعضها : ( التهديد بالدرّة )!! (3).

وفي بعضها : ( أنّ أُمّ كلثوم لمّا ذهبت إلى المسجد ليراها عمر!! قام إليها فأخذ بساقها!! وقبّلها )!! (4).

أو : ( وضع يده على ساقها فكشفها ، فقالت : أتفعل هذا؟ لولا أنّك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ، أو : لطمت عينيّك )!! (5).

أو : أخذ بذراعها!! أو : ضمّها إليه!!

( علي الاشكناني - الكويت - 33 سنة - مدرّس )

تعقيب على الجواب السابق :

زواج عمر حتّى إذا ثبت ، فلا يعني شيئاً.

أودّ أوّلاً : أن أبارك للأخ الجزائريّ على ركوبه سفينة أهل البيت عليهم السلام.

ص: 123


1- 1. ذخائر العقبى : 168.
2- 2. المعجم الكبير 3 / 45 ، مجمع الزوائد 4 / 272.
3- 3. الذرّية الطاهرة : 115.
4- 4. تاريخ بغداد 6 : 180.
5- 5. ذخائر العقبى : 168 ، تاريخ مدينة دمشق 19 / 483 ، سير أعلام النبلاء 3 / 501 ، أُسد الغابة 5 / 614.

وثانياً : فيما يخصّ زواج عمر من أُمّ كلثوم باطل لعدّة وجوه :

منها : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يكره أن يرى وجه عمر ، كما هو مذكور في صحيح البخاريّ!

ثانياً : أنّ الإمام علي عليه السلام كان يرى : أنّ أبا بكر وعمر كاذبان خائنان آثمان غادران ، كما في صحيح مسلم ، فهل يزوّج الإمام علي عليه السلام ابنته لرجل فيه هذه المواصفات يا ترى؟!

أمّا على فرض أنّ الإمام علي زوّج ابنته لعمر ، فهو لا يعدو أن يكون محمولاً على أمرين :

أمّا أن يكون الإمام علي عليه السلام قد زوّج ابنته حبّاً في عمر ، وهو أمر غير مقبول ، بعد أن سردنا موقف الإمام علي تجاه هذا الرجل!

وثانياً : أن يكون الإمام علي عليه السلام زوّج ابنته لتهديد عمر! وكما نعرف أنّ وجود الإمام علي - هذا الوجود المقدّس - كان ضرورياً للإسلام! وغيابه عليه السلام يعني كارثة بالإسلام ، ومحو خارطتها وآثارها ، وتكريس الإسلام المزيّف ، ولهذا لم يسكت الإمام علي عليه السلام خوفاً أو جبناً ، معاذ الله ، وإنّما خوفاً على الإسلام.

ثمّ أنّ مسألة الزواج ليست مسألة ذات أهمّية ، فالقرآن الكريم يذكر لنا علاقة بين زوج مؤمن ، وزوجة غير مؤمنة ، كما هو الحال بالنسبة إلى النبيّ نوح ولوط عليهما السلام ، وعلاقة بين زوجة مؤمنة ، وزوج غير ذلك ، كما هو الحال بالنسبة إلى زوجة فرعون! بل أنّ القرآن يذكر أنّ النبيّ لوط عليه السلام أراد تزويج بناته إلى قوم يمارسون اللواط ، وهم أعداء لله ولرسوله! بسبب ألاّ يخذلوه في ضيوفه.

( عبد الله - اليمن - زيدي - 43 سنة - طالب علم )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : ممّا ذكره علي اشكناني ولم يعترض عليه علماؤكم الاثني عشرية في موقعكم :

ص: 124

1 - قال : أفلا يزوّج الإمام علي ابنته - وهو أمر لم يحدث - كي لا يخذل الإسلام ، وكي يبقى الوجود المقدّس للإمام عليه السلام.

وأقول : إن كان سكوت الإمام علي على اغتصاب ابنته من أجل بقائه المقدّس كما تقول ، فهل تحقّقت منفعة تذكر من هذا البقاء؟ ونحن نرى من ينكرون ولايته وقدسيته ، وهم أهل السنّة ، هم غالبية المسلمين في العالم؟

الحقيقة أنّ تغاضي الإمام عن اغتصاب ابنته - الذي تجعلونه افتراضاً لا حقيقة - هذا التغاضي لم يفضي إلاّ إلى ضياع الإمامة ، وظلم الشيعة وظلم آل البيت ، وانحسار التشيّع منذ زمن الإمام وإلى اليوم ، فما الفائدة من سكوته وتغاضيه الذي تزعمونه افتراضاً؟

2 - قال : إنّ أمير المؤمنين كان يكره أن يرى وجه عمر , كما هو مذكور في صحيح البخاريّ!

أطلب من المدعو أشكناني نقل الرواية في البخاريّ ، فإن ثبتت صدّقناه ، وإن لم تثبت نتّهمه بالكذب ، ونتّهم القائمين على الموقع بالتواطؤ مع الكاذبين على اعتبار السماح بنشره موافقة عليه.

3 - قال : إنّ الإمام علي عليه السلام كان يرى أنّ أبا بكر وعمر بأنّهما كاذبان خائنان آثمان غادران , كما في صحيح مسلم , فهل يزوّج الإمام علي عليه السلام ابنته لرجل فيه هذه المواصفات يا ترى!!

وأقول : وهذه أيضاً نطالبه فيها بنقل الرواية من مسلم ، فإن ثبتت صدّقناه ، وإن لم تثبت نتّهمه بالكذب ، ونتّهم القائمين على الموقع بالتواطؤ مع الكاذبين على اعتبار السماح بنشره موافقة عليه.

ج : إنّ الإمام علي عليه السلام لم يرتكب محرّماً بتزويج ابنته من عمر على فرض صحّة الروايات التي تنقل ذلك الخبر ، فحفظ وجود الإمام من القتل أو التشويه بالسرقة ، أو أيّ شيء لا يتورّع عمر عن ارتكابه أهمّ من تزويج ابنته من عمر ، الذي يبلغ ما بلغ أن يكون مكروهاً ، فيكون عمل الإمام عليه السلام للدفاع عن الإسلام وعدم رجوع الحال إلى الجاهلية ، كما اتفق القوم على ذلك يكون عمله راجحاً.

ص: 125

وقد تحقّقت المنفعة بعمله هذا ، الذي أبقى اسم الإسلام إلى الآن ، وأبقى أيضاً اسم التشيع إلى الآن ، ولا يهم أن يكونوا هم الأقلية ، لأنّ الله تعالى وعد بنصر دينه في آخر الزمان ، وما هذه الأيّام ولا بهم جولة في قبال دولة الحقّ ، وقد قال عزّ وجلّ ( وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُون ) ، ثمّ إنّ المتكلّم نفى الفائدة من وجود الإمام لأن الشيعة هم أقل من السنّة ولازم كلامه أنّه لا فائدة من وجود النبيّ صلى الله عليه وآله ؛ لأنّ النصارى أكثر من المسلمين. ولا أظن المتكلّم يدرك ما يخرج من رأسه.

وقولك : - اغتصاب ابنته - تعبير غير دقيق تريد منه التشنيع ، فإنّ ما نقوله وما تقوله بعض الروايات من الاغتصاب لا يعني إلاّ أنّ الأمر حصل في أوّل الأمر عن كراهة ، ثمّ إنّ الإمام بعد ذلك أوكل الأمر إلى عمّه العباس كما تقول بعض الروايات ، وحصل الزواج على سنّة الله ورسوله.

أمّا الفائدة التي حصلت بسكوت الإمام عليه السلام فهي بقاء الإسلام إلى يومنا هذا ، فلو أنّ الإمام قام بالثورة كما تريد أنت مع قلّة الناصر لقُتل الإمام ، كما قال هو عليه السلام : ( إنّ القوم استضعفوني ، وكادوا يقتلوني ) (1) ، فيذهب علم رسول الله صلى الله عليه وآله الذي يحمله الإمام هدراً ، فلا يبقى شيعيّ ولا سنّيّ ولا زيديّ ، وتعود جاهلية.

أمّا ما ذكره الأشكنانيّ من أنّ الإمام عليه السلام كان يكره وجه عمر ، فيبدو أنّ هذا كان اعتماداً على الرواية الموجودة في البخاريّ التي تقول : ( استنكر علي وجوه الناس ) (2) ، وعندما دعا أبو بكر دعاه لوحده ، ولم يسمح لغيره ( كراهية لمحضر عمر ) ، وإن ما ذكره كان من فهمه لتلك الواقعة ، والمركز قد ذكر اسمه في آخر تعليقه ليميّز القارئ ما يصدر منّا عمّا يصدر من غيرنا.

ص: 126


1- 1. الإمامة والسياسة 1 / 31.
2- 2. صحيح البخاريّ 5 / 83.

أمّا ما ذكره الأشكنانيّ من أنّ الإمام عليه السلام كان يرى أنّ أبا بكر وعمر كاذبان ، فإنّ هذا موجود في صحيح مسلم على لسان عمر (1) ، حيث خاطب علي والعباس : ( فرأيتماه ] أي أبا بكر [ كاذباً آثماً غادراً خائناً ) الى أن يقول : ( فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً ).

والإمام عليه السلام على الرغم من كلّ هذا رأى أنّ من المصلحة الأهمّ قبول إيقاع الزواج ، وهو الإمام المعصوم الذي لا يخطأ في التشخيص ، وهو المُعَلَّم من رسول الله ألف باب من العلم ، ينفتح له من كلّ باب ألف باب.

( محمّد - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

بحث تفصيلي وردّ الشبهات حوله :

س : إلى مركز الأبحاث العقائديّة.

نرجو منكم التفصيل إن أمكن ، حول التحقيق في موضوع تزويج أُمّ كلثوم من عمر ، وردّ ما يثار من شبهات حوله ، الرجاء التفصيل في ذلك.

ج : من الأُمور التي كثر الكلام حولها عبر العصور والقرون ، مسألة تزويج الإمام علي عليه السلام ابنته أُمّ كلثوم من عمر ، لذا نرى أكثر الكتب الكلامية عند الفريقين تحدّثت عنه بإيجاز ، ولمّا نتصفّح ما كتبه أهل السنّة حول هذا الحدث ، نراهم فرحين به ومستبشرين ، لأنّهم - على زعمهم - عثروا على دليل وشاهد يقصم ظهر الشيعة ، ولا يبقي لهم باقية - كما صرّح به بعضهم -.

لذا نحن هنا نورد بعض ما ذُكر حول هذا الحدث ، ونعلّق عليه بإيجاز واختصار :

أمّا بالنسبة إلى أصل تحقّق هذا الزواج فنقول : إنّ علماءنا ذهبوا في هذا الأمر إلى أربعة أقوال :

ص: 127


1- 1. صحيح مسلم 5 / 152.

أ - عدم ثبوته ، فمنهم الشيخ المفيد قدس سره حيث ذكر : ( أنّ الخبر الوارد في ذلك غير ثابت لا سنداً ولا دلالة ) (1).

ب - ذهب بعض الإخباريّين إلى أنّها كانت جنّية ، ولم يتزوّج عمر من أُمّ كلثوم حقيقة ، مستندين إلى بعض الروايات ، ولكن هذه الروايات ضعيفة ، مضافاً إلى أنّها أخبار آحاد لا توجب علماً ولا عملاً (2).

ج - هناك من يذهب إلى أنّها كانت أُمّ كلثوم بنت أبي بكر ، أخت محمّد ابن أبي بكر ، وحيث كانت ربيبة أمير المؤمنين عليه السلام ، وبمنزلة بنته سرى الوهم إلى أنّها بنته حقيقة (3).

د - القول الأخير ما دلّت عليه بعض الأخبار الصحيحة - وهو المشهور عند علمائنا - أنّها كانت بنته حقيقة ، ولكنّه عليه السلام إنّما زوّجها من عمر بعد مدافعة كثيرة ، وامتناع شديد ، حتّى ألجأته عليه السلام الضرورة - ورعاية المصلحة العامّة - إلى أن ردّ أمرها إلى عمّه العباس بن عبد المطلب ، فزوّجها إيّاه.

هذا ما عندنا ، أمّا عند أهل السنّة ، فلنا معهم وقفة في سند ما رووه ودلالته ، فنقول : ما ورد من هذا الأمر في صحيح البخاريّ مجرد كون أُمّ كلثوم كانت عند عمر من دون أيّ تفصيل ، وهذا ما لا يمكن به إثبات الرضى بالزواج.

ثمّ لو وضعنا الأسانيد التي روت خبر تزويج أُمّ كلثوم عند أهل السنّة في ميزان النقد العلميّ ، لرأيناها ساقطة عن درجة الاعتبار ، لأنّ رواتها بين : مولى لعمر ، وقاضي الزبير ، وقاتل عمّار ، وعلماء الدولة الأُموية ، ولرأينا أنّ رجال أسانيده بين : كذّاب ، ووضّاع ، وضعيف ، ومدلّس ، لا يصحّ الاحتجاج بهم ، والركون إلى قولهم.

ص: 128


1- 1. المسائل السروية : 86.
2- 2. الخرائج والجرائح 2 / 826.
3- 3. الأنوار العلوية : 436.

هذا ما اعترف به علماء أهل السنّة في الجرح والتعديل.

وأمّا من حيث المتن والدلالة ، ففيها ما لا يمكن الالتزام به :

منه : ما رواه الدولابيّ عن ابن إسحاق : من اعتذار علي لعمر بصغر سنّها ... إلى أن قال : ( فرجع علي فدعاها فأعطاها حلّة ، وقال : ( انطلقي بهذه إلى أمير المؤمنين ، فقولي : يقول لك أبي : كيف ترى هذه الحلة )؟

فأتته بها ، فقالت له ذلك ، فأخذ عمر بذراعها ، فاجتذبتها منه ، فقالت : أرسل فأرسلها ، وقال : حصان كريم ، انطلقي فقولي : ما أحسنها وأجملها ، وليست والله كما قلت ، فزوّجها إيّاه ) (1).

كيف يفعل الإمام علي عليه السلام هذا العمل؟ ألم تكن ابنته كريمة عليه حتّى يرسلها بهذه الحالة من دون أن يصحبها بالنساء؟ ثمّ كيف يأخذ عمر بذراعها ، ولم تكن زوجته ولا تحلّ له؟

ومنه : ما رواه ابن عساكر : فبعثها إليه ببرد ، وقال لها : ( قولي له : هذا البرد الذي قلت لك ) ، فقالت ذلك لعمر ... ، ووضع يده على ساقها وكشفها ، فقالت له : أتفعل هذا! لولا أنّك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ، ثمّ خرجت حتّى جاءت أباها ، فأخبرته الخبر ، وقالت : بعثتني إلى شيخ سوء ، فقال : ( مهلا يا بنية ، فإنّه زوجك ) (2).

فكيف يعقل بالإمام علي عليه السلام أن يعرض ابنته للنكاح هكذا؟ وكيف يواجهها عمر بهذا العمل؟ وهي لا تعلم شيئاً من أمر الخطبة والنكاح؟ ثمّ ما الداعي لخليفة المسلمين من كشف ساقها في المجلس؟ ولم يتمّ النكاح بعد بصورة تامّة؟!

ومنه : ما رواه الدولابي أيضاً من قول علي عليه السلام لابنته : ( انطلقي إلى أمير

ص: 129


1- 1. الذرّية الطاهرة : 114.
2- 2. تاريخ مدينة دمشق 19 / 483.

المؤمنين ، فقولي له : إنّ أبي يقريك السلام ، ويقول لك : إنّا قد قضينا حاجتك التي طلبت ) ، فأخذها عمر فضمّها إليه ، وقال : إنّي خطبتها من أبيها فزوجنيها.

فقيل : يا أمير المؤمنين ما كنت تريد؟ إنّها صبيّة صغيرة.

فقال : إنيّ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله : ( كلّ سبب منقطع ... ) (1).

سبحان الله! علي عليه السلام يرضى بزواج ابنته من دون إعلامها ، وبهذه الصورة التي لا يفعلها أقلّ الناس كرامة ، فكيف ببيت النبوّة؟! وكيف يضمّها عمر إليه أمام الناس ، وهم لا يعلمون أمر الخطبة والنكاح؟! وهل يفعل غيور بزوجته هكذا أمام الناس؟! لست أدري.

ومنه : ما في الطبقات لابن سعد ، من قول عمر للمسلمين الحاضرين في المسجد النبويّ الشريف : ( رفئوني ) (2).

والحال أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله نهى عن هذا النوع من التبريك ، كما في مسند أحمد (3) ، حيث كان من رسوم الجاهلية.

ومنه : الاختلاف في مهرها ، ففي بعض الروايات : أمهرها أربعين ألف درهم (4) ، وفي بعضها : أنّه أمهرها مائة ألف ، وذكر غير ذلك ، فكيف يفعل هذا ، وهو الذي نهى عن المغالاة في المهور ، وقد اعترضت عليه امرأة وأفحمته.

ثمّ إنّ هذا ينافي ما ورد عند القوم من زهد الخليفة وتقشّفه ، حتّى أنّهم رووا عن أبي عثمان النهدي أنّه قال : ( رأيت عمر بن الخطّاب يطوف بالبيت ، عليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة ، إحداهن بأديم أحمر ) (5) ، أو أنّه مكث زماناً لا

ص: 130


1- 1. الذرّية الطاهرة : 113.
2- 2. الطبقات الكبرى 8 / 463.
3- 3. مسند أحمد 3 / 451.
4- 4. السنن الكبرى للبيهقيّ 7 / 233 ، تاريخ مدينة دمشق 8 / 116.
5- 5. الطبقات الكبرى 3 / 328.

يأكل من بيت المال شيئاً ، حتّى دخلت عليه في ذلك خصاصة ، فاستشار الصحابة في الأخذ من بيت المال ، فقال له عثمان : كلّ وأطعم ، وقال له علي : ( غداء وعشاء ) ، فأخذ به عمر ) (1).

فهل أمهرها من بيت المال؟ وهو لا يحلّ له ، أو أمهرها من عنده؟ والتاريخ لا يذكر لنا هذه الثروة لعمر.

ومنه : قضية زواجها من بعد عمر ، فقد ذكروا أنّها تزوّجت بعده بعدّة أشخاص ، منهم عون بن جعفر ، ولا أدري كيف تزوّجت منه بعد موت عمر ، وقد قتل سنة 17 ه- ، في زمن عمر في وقعة تستر (2).

هذا هو ما عند الفريقين ، فإن أراد أهل السنّة إلزامنا بما عندنا ، فلم يصحّ عندنا سوى أنّ الأمر تمّ بتهديد ووعيد ، ممّا أدّى إلى توكيل الأمر إلى العباس ، ولا يوجد عندنا ما يدلّ على إنجاز الأمر باختيار ورضى ، وطيب خاطر.

وأمّا لو أرادوا إلزامنا بما عندهم ، فهذا أوّلاً ليس من أدب التناظر ، وإلاّ لأمكننا إلزامهم بما ورد عندنا ، وثانياً لا يمكنهم أيضاً الالتزام بأكثر ما ورد عندهم ، لما فيه من طعن ، إمّا في الإمام علي عليه السلام حيث يرسل ابنته هكذا ، وإمّا في عمر حيث يأخذ بذراع من لا تحلّ له ، أو يكشف عن ساقها أمام الناس - حتّى ولو كانت زوجته - لأنّ هذا ينافي الغيرة والكرامة ، ولا يمكن لشيعيّ وسنّيّ الالتزام به.

وأمّا القول بأنّ الكلمة اتفقت بأنّ عمر أولدها ، ولم ينكر ذلك سوى المسعوديّ ، فنقول :

أوّلاً : لم يحصل إجماع على ذلك ، ولم تتفق الكلمة عليه : أمّا عندنا ، فالروايات المعتبرة خالية عنه.

ص: 131


1- 1. المصدر السابق 3 / 307.
2- 2. المصدر السابق 8 / 463 ، تاريخ مدينة دمشق 3 / 179.

وأمّا عند أهل السنّة فمختلفة : ففي بعضها : أنّها ولدت له زيداً (1) ، وفي بعضها الآخر : زيداً ورقية (2) ، وفي رواية : زيداً وفاطمة (3) ، مضافاً إلى الاختلاف في موتها مع ابنها ، وهل أنّه بقي إلى زمن طويل أم لا؟

وثانياً : لم ينفرد المسعوديّ بذلك ، بل ذكر أبو محمّد النوبختي في كتاب الإمامة : ( أنّ عمر مات عنها وهي صغيرة ، ولم يدخل بها ) (4) ، وذكر ذلك أيضاً الزرقانيّ المالكيّ في شرح المواهب اللدنية (5).

وأمّا أنّ هذا الزواج يدلّ على أنّ عمر كان مؤمناً وصادقاً عند الإمام علي عليه السلام ، إذ لو كان مشركاً كيف يزوّجه ابنته؟ وقد قال تعالى : ( وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ ) (6) ، فيرد عليه :

إنّ النكاح إنّما هو على ظاهر الإسلام ، الذي هو الشهادتان ، والصلاة إلى الكعبة ، والإقرار بجملة الشريعة ، فالنكاح لا يدلّنا على درجة إيمان الإنسان ، ولا يدلّ إلاّ على كون الشخص مسلماً.

ثمّ أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان محتاجاً إلى التأليف ، وحقن الدماء ، ورأى أنّه لو لم يتمّ هذا الزواج سبّب فساداً في الدين والدنيا ، وإن تمّ أعقب صلاحاً في الدين والدنيا ، فأجاب ضرورة ، فالضرورة تشرّع إظهار كلمة الكفر ، قال تعالى : ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) (7) فكيف بما دونه.

وأنّ النبيّ لوط قال لقومه : ( هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) (8) ، فدعاهم

ص: 132


1- 1. البداية والنهاية 5 / 330.
2- 2. تركة النبيّ : 95 ، الرياض النضرة 2 / 364.
3- 3. أُنظر : المعارف : 107.
4- 4. بحار الأنوار 42 / 91.
5- 5. شرح المواهب اللدنية 7 / 9.
6- 6. البقرة : 221.
7- 7. النحل : 105.
8- 8. هود : 78.

إلى العقد عليهنّ ، وهم كفّار ضلال ، قد أذن الله تعالى في هلاكهم ، وليس هذا إلاّ للضرورة المدعاة إلى ذلك.

أمّا الآية الكريمة ، فهي لا تدلّ على مدّعاهم ، لأنّها تمنع التزاوج مع الكفّار والمشركين ، الذين يعادون الإسلام ، ويعبدون الأوثان ، ولا تشمل من كان على الإسلام ، كيف وقد كان عبد الله بن أبي سلول وغيره من المنافقين يناكحون ، ويتزاوجون في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله لإظهار الشهادتين ، والانقياد للملّة ، وقد أقرّ النبيّ صلى الله عليه وآله ذلك ولم يمنعه.

ونحن كما قلنا : نعترف بإسلام القوم ، ولا نحكم إلاّ بكفر النواصب والغلاة ، وما ورد عندنا في كفر غيرهما ، فإنّما يُنزّل على الكفر اللغويّ ، لا الكفر الاصطلاحي الموجب للارتداد ، والخروج عن الملّة.

وأمّا أنّ هذا الزواج يدلّ على أنّ العلاقة بين علي وعمر كانت علاقة مودّة ، فنقول : ذكرنا أنّ ما صحّ عندنا في أمر هذا الزواج ، يدلّ على أنّه تمّ بالإكراه وتهديد ومراجعة ، وما ورد عند أهل السنّة لا يمكنهم الالتزام بدلالته ، حيث يخدش في الخليفة ، ويجعله إنساناً فاسقاً متهوراً!!

مضافاً إلى ما ورد من قول عمر ، لما امتنع الإمام علي عليه السلام لصغرها : ( إنّك والله ما بك ذلك ، ولكن قد علمنا ما بك ) (1).

وقوله : ( والله ما ذلك بك ، ولكن أردت منعي ، فإن كانت كما تقول فأبعثها إليّ ... ) (2).

وأيضاً ، فإنّ عمر لمّا بلغه منع عقيل عن ذلك قال : ( ويح عقيل ، سفيه أحمق ) (3).

فأيّ توادد وعلاقة مع هذا؟ ولو كان كذلك ما تأخّر عليه السلام عن إجابة دعواه ،

ص: 133


1- 1. الطبقات الكبرى 8 / 464.
2- 2. ذخائر العقبى : 168.
3- 3. المعجم الكبير 3 / 45.

فقد قال عقبة بن عامر الجهنيّ : ( خطب عمر بن الخطّاب إلى علي بن أبي طالب ابنته من فاطمة ، وأكثر تردّده إليه ... ) (1).

أو ما قاله عمر : ( أيّها الناس ، إنّه والله ما حملني على الإلحاح على علي بن أبي طالب في ابنته ، إلاّ إنّي سمعت رسول الله ... ) (2).

ثمّ إنّ مجرّد التناكح لا يدلّ على أيّ شيء ، وأيّ علاقة بين العوائل ، كيف وقد عقد رسول الله صلى الله عليه وآله على أُمّ المؤمنين أُمّ حبيبة بنت أبي سفيان ، وهي في الحبشة ، وكان أبوها آنذاك رأس المشركين المتآمرين على الإسلام والمسلمين؟ فهل هذا يدلّ على شيء عندكم؟ كما أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله زوّج ابنته قبل البعثة - على رأي أهل السنّة - من كافرين يعبدان الأصنام : عتبة بن أبي لهب ، وأبو العاص بن الربيع ، ولم يكن صلى الله عليه وآله في حال من الأحوال موالياً لأهل الكفر ، فقد زوّج مَنْ تبرأ من دينه.

وإنّ الإمام علي عليه السلام رغم اعتقاده بأحقيقته ومظلوميته في أمر الخلافة - كما كان يبيّنه مراراً - لكنّه ترك المنازعة مراعاة لمصلحة المسلمين ، وكان يقول : ( لأسلِمَنّ ما سلمت أُمور المسلمين ، ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصّة ) (3).

فأصبح عليه السلام بعد اتخاذه هذه السياسة الحكيمة ، هو المعتمد والمستشار عند القوم في المسائل المعقّدة العلميّة والسياسيّة ، وهذا ما أدّى إلى توفّر أرضية إيجابية جيّدة عند الناس لصالحه عليه السلام ، وكلّما تقدّم الزمان زادت هذه الأرضية.

هذا بالإضافة إلى نشاط أنصاره عليه السلام في التحرّك نحو تبيين موقعه السامي ، فلمّا رأى عمر بن الخطّاب ذلك ، حاول إخماد هذه البذرة بطرق مختلفة ، مثلاً : ولّى سلمان على المدائن ، وبدأ يمدح عليّاً أمام الخاصّ والعام ، حتّى أنّ ابن الدمشقي روى في جواهر المطالب : ( أنّ رجلاً أهان عليّاً عند عمر ، فنهض

ص: 134


1- 1. تاريخ بغداد 6 / 180.
2- 2. مناقب الإمام علي بن أبي طالب : 135.
3- 3. شرح نهج البلاغة 6 / 166.

عمر من مجلسه ، وأخذ بتلابيبه حتّى شاله من الأرض ، ثمّ قال : أتدري من صغّرت )؟ (1).

وكذلك بدأ بالتقرّب منه ، فخطب ابنته الصبية أُمّ كلثوم ، وهو شيخ كبير ، واظهر أنّه لا يريد ما يتصوّرون ، بل يريد الانتساب فقط ، وكذلك يحدّثنا التاريخ أنّ عمر استوهب أحد أولاد علي عليه السلام فسمّاه باسمه ( عمر ) ، ووهب له غلاماً سمّي مورقاً ... (2).

فهذه الأُمور كلّها كانت خطّة وتدبير سياسي من قبل الخليفة الثاني ، والغرض منها امتصاص المعارضة وتخميدها ، والتظاهر أمام الناس بحسن الصلة ، والتعامل فيما بينهم ، ومن ثَمّ إبعاد الإمام علي عليه السلام عن دفّة الحكم ، وسلبه آليات المعارضة ....

وإلاّ فلو كان الخليفة صادقاً ، فلماذا استشاط غضباً لمّا تحدّث عبد الرحمن ابن عوف - وهم في منى قبيل مقتل الخليفة - عن رجل ، قال : ( لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً ، فغضب عمر ، وقال : إنّي إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذّرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أُمورهم. فمنعه عبد الرحمن ، وأشار عليه أن يتكلّم في المدينة ، فلمّا قدم المدينة صعد المنبر ، وقال فيما قال : ثمّ أنّه بلغني أنّ قائلاً منكم يقول : والله لو مات عمر بايعت فلاناً ... ، من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين ، فلا يبايع هو ، ولا الذي بايعه ، تغرّة أن يقتلا ) (3).

وقد ذكر لنا بعض شرّاح الحديث : أمثال ابن حجر العسقلانيّ في مقدّمة فتح الباري عند شرحه للمبهمات ، وكذلك القسطلانيّ في إرشاد الساري : أنّ القائل هو الزبير ، قال : لو قد مات عمر لبايعنا عليّاً.

ص: 135


1- 1. جواهر المطالب 1 / 86.
2- 2. تاريخ مدينة دمشق 45 / 304.
3- 3. صحيح البخاريّ 8 / 26.

والغرض من هذا التطويل ، إنّما هو تبيين زيف مدّعى القوم في ترسيم صورة وهمية ، وبزعمهم ودّية بين القوم وبين الإمام علي عليه السلام ، فأيّ صلة ، وأيّ علاقة ودّية بعد هذا يا أخي؟!

وأمّا استدلال بعض فقهاء الشيعة بهذا الزواج على جواز نكاح الهاشميّة من غير الهاشميّ ، كما قال ذلك الشهيد الثاني في المسالك ، ممّا جعل الخصم يحتجّ به في المقام ، فيرد عليه :

أنّ الشهيد الثاني كان في صدد بيان حكم شرعيّ فقهيّ بحت في النكاح - كما سنبيّن ذلك - ولم يكن بصدد إظهار رأي كلامي حول هذا الزواج ، لا سلباً ولا إيجاباً ، بل إنّما اتخذه كأصل موضوعيّ ، واستشهد به.

ذكر المحقّق الحلّيّ في الشرائع في كتاب النكاح : أنّ الكفاءة شرط في النكاح ، وهي التساوي في الإسلام ، فعقّب على ذلك قائلاً : ويجوز انكاح الحرّة العبد ... والهاشميّة غير الهاشميّ ، وبالعكس.

فشرح الشهيد الثاني كلامه قائلاً : لمّا تقرّر أنّ الكفاءة المعتبرة في التناكح هي الإسلام أو الإيمان ، ولم يجعل الحرّية وغيرها من صفات الكمال شرطاً ، صحّ تزويج العبد للحرّة ، والعربية للعجميّ ، والهاشميّة لغيره ، وبالعكس ، إلاّ في نكاح الحرّ الأمة ، ففيه ما مرّ.

وكذا أرباب الصنائع الدنية - كالكنّاس والحجام - بذوات الدين من العلم والصلاح ، والبيوتات من التجّار وغيرهم ، لعموم الأدلّة الدالّة على تكافؤ المؤمنين بعضهم لبعض ... ، وزوّج النبيّ صلى الله عليه وآله ابنته عثمان ، وزوّج ابنته زينب بأبي العاص بن الربيع ، وليسا من بني هاشم ، وكذلك زوّج علي عليه السلام ابنته أُمّ كلثوم من عمر ... وخالف ابن الجنيد منّا ....

فهذا الكلام كما ترى ، رأي فقهيّ بحت ، لا ربط له بمدّعى القوم ، ولا يثبت إلاّ أصل الزواج دون كيفيّته ، وما حدث حوله.

وأمّا القول بأنّ عليّاً ذاك الشجاع البطل الغيور ، فكيف يكره ويجبر على تزويج ابنته؟ فنقول : إنّ الشجاعة شيء ، ورعاية المصلحة العامّة شيء آخر ،

ص: 136

فقد ورد في صحيحة هشام بن سالم ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( لمّا خطب إليه ، قال له أمير المؤمنين عليه السلام : إنّها صبية ، قال : فلقي العباس ، فقال له : ما لي؟ أبي بأس؟ قال : وما ذاك؟ قال : خطبت إلى ابن أخيك فردّني ، أما والله لأعورنّ زمزم ، ولا أدع لكم مكرمة إلاّ هدّمتها ، ولأقيمنّ عليه شاهدين بأنّه سرق ، ولأقطعنّ يمينه ، فأتاه العباس فأخبره ، وسأله أن يجعل الأمر إليه ، فجعله إليه ) (1).

فالعاقل يقدّم هنا الأهمّ على المهمّ ، فلو امتنع الإمام عليه السلام سبّب امتناعه مفسدة ، وإن وافق مكرهاً لم يكن فيه جور إلاّ عليه خاصّة ، مع سلامة أُمور المسلمين ، فقدّم هذا على ذلك ، وإلاّ فهو عليه السلام ذاك الغيور الشجاع الذي لا يخاف في الله لومة لائم ، وهو الذي لا يبالي أوقع على الموت أو وقع الموت عليه ، وهو الشاهر سيفه لله وفي الله ، كما حدث في قتاله الناكثين والمارقين والقاسطين.

وأمّا اعتراضهم علينا بقولهم : لماذا يترك علي الأمر لعمّه مع وجوده؟ وهل هناك فرق بين أن يزوّجها علي مباشرة ، وبين أن يتولّى العباس ذلك؟ فنقول :

إنّه عليه السلام فعل هذا ليكون أبلغ في إظهار الكراهة ، وليثار هذا السؤال عند الناس : لماذا لم يحضر عليّاً؟ ولماذا ترك أمرها لعمّه؟ هل حدث شيء؟ وهذا الأسلوب هو أحد آليّات الكفاح ، وقد سبق أن استخدمته الصدّيقة الزهراء عليها السلام ، حيث أوصت أن تُدفن ليلاً ، ويُخفى قبرها ، ليبقى هذا السؤال قائماً أبد الآبدين : أين قبر بنت الرسول صلى الله عليه وآله؟

وأمّا قولهم : إنّ ما روي عند الشيعة في أمر هذا الزواج ، من أنّ ذلك ( فرج غصبناه ) يردّ عليه : أنّها جملة مخجلة تخدش الحياء ، ولا تخرج من إنسان مهذّب ، وأنّها تعني أنّ الزواج لم يتمّ بأسلوب شرعيّ ، ولم يتمّ بقبول والدها ووليّها الشرعيّ ، ولا بقبولها أيضاً ، بل تمّ الأمر استبداداً وجبراً ، فنقول :

لا نعلم السبب في تعليق القائل : إنّها جملة مخجلة ، هل أقلقته تلك الكلمة ،

ص: 137


1- 1. الكافي 5 / 346.

وقد قال الله تعالى في مريم : ( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا ) (1).

وقال تعالى : ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) (2).

فظهر : أنّ مجرّد استعمال هذه الكلمة لبيان أمر لا قبح فيه.

وهلاّ كان ما فعله خليفة المسلمين بالصبية العفيفة التي لا تحلّ له - من الأخذ بالذراع ، أو الكشف عن الساق أمام الناس ، حتّى ولو كانت زوجته - مخجلاً؟!

وهل يصدر هذا العمل من إنسان مهذّب - على حدّ تعبير القائل -؟!

ثمّ إنّ الزواج تمّ بأسلوب شرعيّ ، ولم يقل أحد - والعياذ بالله - أنّه تمّ بأسلوب غير شرعيّ ، غاية ما هناك أنّ عليّاً عليه السلام كان مكرهاً ، وأوكل الأمر إلى عمّه العباس حفظاً لمصلحة الأُمّة الإسلاميّة. وإنّ الإكراه يحلّ معه كلّ محرّم ، ويزول معه كلّ اختيار ، فيجوز معه إظهار كلمة الكفر ، ويحلّ معه أكل الميتة والدم ولحم الخنزير عند الضرورات ، مع حرمته حال الاختيار ، فقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله : ( وضع الله عن أُمّتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه ) (3).

( مختار - الجزائر - 37 سنة - ليسانس حقوق )

تعقيب حول الجواب السابق :

إخواني العامليّن في موقع العقائد ، أُريدكم التعمّق في البحث حول هذا

ص: 138


1- 1. التحريم : 12.
2- 2. النور : 31.
3- 3. السنن الكبرى للبيهقيّ 7 / 357.

الموضوع ، خاصّة في الجوانب التالية : من هي أُمّها؟ كم كان عمرها وقت زواجها بعمر؟

بعد قراءتي لمجمل الأسئلة والتفاصيل الواردة ، أنا متأكّد من أنّ هذه القضية مفتعلة ، ولا أساس لها من الصحّة ، وإن حدثت بتلك التفاصيل ، فقد زادتني كرهاً لعمر ، نظراً لتصرّفاته اللاأخلاقية.

( هدى صالح - أمريكا - .... )

بعض أقوال علماء الشيعة فيه :

س : الأساتذة في مركز الأبحاث العقائديّة.

أشدّ على أيديكم ، وأسأل المولى عزّ وجلّ أن يوفّقكم لكلّ خير ، ولي طلب بسيط ، وهو : أنّكم ذكرتم الكثير عن موضوع تزويج أُمّ كلثوم من عمر ، ويحقّ للإنسان أن يشكّ في أصل هذا الزواج ، ولا يعير له أيّ أهمّية ، ولكن أُريد منكم أن تذكروا لنا بعض الأقوال لعلمائنا القدامى والمعاصرين بنصّها ، وذلك إتماماً للفائدة.

ج : في مقام الجواب ننقل لكم بعض الأقوال ، والروايات بنصّها :

1 - قال الشيخ المفيد قدس سره في بعض رسائله : ( إنّ الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين عليه السلام من عمر غير ثابت ، وطريقه من الزبير بن بكّار ، ولم يكن موثوقاً به في النقل ، وكان متّهماً فيما يذكره ، وكان يبغض أمير المؤمنين عليه السلام ، وغير مأمون فيما يدّعيه على بني هاشم. وإنّما نشر الحديث إثبات أبي محمّد الحسن بن يحيى صاحب النسب ذلك في كتابه ، فظنّ كثير من الناس أنّه حقّ لروايته رجل علوي له ، وهو إنّما رواه عن الزبير بن بكّار.

والحديث نفسه مختلف : فتارة يروى : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام تولّى العقد له على ابنته.

وتارة يروى : أنّ العباس تولّى ذلك عنه.

ص: 139

وتارة يروى : أنّه لم يقع العقد إلاّ بعد وعيد من عمر ، وتهديد لبني هاشم.

وتارة يروى : أنّه كان عن اختيار وإيثار.

ثمّ إنّ بعض الرواة يذكر إنّ عمر أولدها ولداً أسماه زيداً.

وبعضهم يقول : إنّه قتل من قبل دخوله بها.

وبعضهم يقول : إنّ لزيد بن عمر عقباً.

ومنهم من يقول : إنّه قتل ولا عقب له.

ومنهم من يقول : إنّه وأُمّه قُتلا.

ومنهم من يقول : إنّ أُمّه بقيت بعده.

ومنهم من يقول : إنّ عمر أمهر أُمّ كلثوم أربعين ألف درهم.

ومنهم من يقول : أمهرها أربعة آلاف درهم.

ومنهم من يقول : كان مهرها خمسمائة درهم.

ويبدو هذا الاختلاف فيه يبطل الحديث ، فلا يكون له تأثير على حال.

ثمّ إنّه لو صحّ لكان له وجهان ، لا ينافيان مذهب الشيعة في ضلال المتقدّمين على أمير المؤمنين عليه السلام.

أحدهما : أنّ النكاح إنّما هو على ظاهر الإسلام الذي هو الشهادتان ، والصلاة إلى الكعبة ، والإقرار بجملة الشريعة ، وإن كان الأفضل مناكحة من يعتقد الإيمان ، وترك مناكحة من ضمّ إلى ظاهر الإسلام ضلالاً لا يخرجه عن الإسلام ، إلاّ أنّ الضرورة متى قادت إلى مناكحة الضال مع إظهاره كلمة الإسلام ، زالت الكراهة من ذلك ، وساغ ما لم يكن بمستحبّ مع الاختيار.

وأمير المؤمنين عليه السلام كان محتاجاً إلى التأليف ، وحقن الدماء ، ورأى أنّه إن بلغ مبلغ عمر عمّا رغب فيه من مناكحة ابنته أثّر ذلك الفساد في الدين والدنيا ، وأنّه إن أجاب إليه أعقب صلاحاً في الأمرين ، فأجابه إلى ملتمسه لما ذكرناه.

والوجه الآخر : أنّ مناكحة الضال - كجحد الإمامة وادعائها لمن لا يستحقّها - حرام ، إلاّ أن يخاف الإنسان على دينه ودمه ، فيجوز له ذلك ، كما

ص: 140

يجوز له إظهار كلمة الكفر المضادّة لكلمة الإيمان ، وكما يحلّ له أكل الميتة والدم ولحم الخنزير عند الضرورات ، وإن كان ذلك محرّماً مع الاختيار.

وأمير المؤمنين عليه السلام كان مضطرّاً إلى مناكحة الرجل ، لأنّه يهدّده ويواعده ، فلم يأمن منه أمير المؤمنين عليه السلام على نفسه وشيعته ، فأجابه إلى ذلك ضرورةً ، كما قلنا : إنّ الضرورة تشرّع إظهار كلمة الكفر ، قال الله تعالى : ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) (1).

وليس ذلك بأعجب من قوم لوط عليه السلام ، كما حكى الله تعالى عنه بقوله : ( هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) (2) ، فدعاهم إلى العقد عليهن لبناته ، وهم كفّار ضلال ، قد أذن الله تعالى في إهلاكهم.

وقد زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله ابنتيه قبل البعثة كافرين كانا يعبدان الأصنام : أحدهما عتبة بن أبي لهب ، والآخر أبو العاص بن الربيع ، فلمّا بعث النبيّ صلى الله عليه وآله فرّق بينهما وبين ابنتيه ، فمات عتبة على الكفر ، وأسلم أبو العاص بعد إبانة الإسلام ، فردّها عليه بالنكاح الأوّل ) (3).

2 - قال المحقّق التستري في قاموس الرجال : ( أُمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : هي كنية زينب الصغرى.

أقول : ما ذكره هو المفهوم من الإرشاد ، فقال في تعداد الأولاد له عليه السلام : زينب الصغرى المكنّاة بأُمّ كلثوم من فاطمة عليها السلام.

إلاّ أنّ الظاهر وهمه ، فاتفق الكلّ حتّى نفسه على أنّ زينب الصغرى من بناته عليه السلام لأُم ولد ، فلو كانت هذه أيضاً مسمّاة بزينب ، كانت الوسطى لا الصغرى ، وظاهر غيره كون أُمّ كلثوم اسمها ، فلم يذكر غيره لها اسماً ، بل قالوا : في بناته من فاطمة عليها السلام زينب الكبرى ، وأُمّ كلثوم الكبرى ، وقالوا :

ص: 141


1- 1. النحل : 106.
2- 2. هود : 78.
3- 3. المسائل السروية : 86.

زينب الصغرى ، وأُمّ كلثوم الصغرى من أُمّهات أولاد ، كما في نسب قريش مصعب الزبيري ، وفي تاريخ الطبري ، وغيرهما.

وبالجملة ، أُمّ كلثوم له عليه السلام اثنتان : الكبرى من فاطمة عليها السلام ، والصغرى من أُم ولد ، ولم يعلم لإحداهما اسم.

قال المصنّف : في الأخبار : أنّ عمر تزوّجها غصباً ، وللمرتضى رسالة أصرّ فيها على ذلك ، وأصرّ آخرون على الإنكار ... قال الصادق عليه السلام : ( لما خطب عمر ... ).

وفي نسب قريش مصعب الزبيري : ماتت أُمّ كلثوم وابنها زيد بن عمر ، فالتقت عليهما الصائحتان فلم يدر أيّهما مات قبل ، فلم يتوارثا.

وروى مثلها الشيخ ، وقالوا : كان لها منه بنت مسمّاة برقية أيضاً.

وزاد البلاذري بنتاً أُخرى مسمّاة بفاطمة ، ولم أر غيره قال ذلك.

هذا ، وفي معارف ابن قتيبة : تزوّجها بعد عمر محمّد بن جعفر ، فمات عنها ، ثمّ تزوّجها عون بن جعفر ، فماتت عنده.

وفي نسب قريش مصعب الزبيري : تزوّجها بعد عمر عون بن جعفر فمات عنها ، وتزوّجها عبد الله بن جعفر فمات عنها ) (1).

3 - وفي اللمعة البيضاء : ( قال عمر في آخر خطبته : أيّها الناس لو اطلع الخليفة على رجل منكم أنّه زنى بامرأة ، ولم يكن هناك شهود ، فماذا كنتم تفعلون؟ قالوا : قول الخليفة حجّة ، لو أمر برجمه لرجمناه.

فسكت عمر ثمّ نزل ، فدعا العباس في خلوة وقال : رأيت الحال؟ قال : نعم.

قال : والله لو لم يقبل علي خطبتي لقلت غداً في خطبتي أنّ هذا الرجل علي فارجموه ) (2).

ص: 142


1- 1. قاموس الرجال 12 / 216.
2- 2. اللمعة البيضاء : 281.

4 - روى الشيخ الكلينيّ بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام في تزويج أُمّ كلثوم ، أنّه قال : ( إنّ ذلك فرج غصبناه ).

وعن هشام بن سالم ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( لمّا خطب إليه ، قال له أمير المؤمنين عليه السلام : إنّها صبية ، قال : فلقى العباس ، فقال له : ما لي أبي بأس؟ قال : وما ذاك؟

قال : خطبت إلى ابن أخيك فردّني ، أما والله لاعورنَّ زمزم ، ولا أدع لكم مكرمة إلاّ هدمتها ، ولأقيمنَّ عليه شاهدين بأنّه سرق ، ولأقطعنّ يمينه ، فأتاه العباس فأخبره ، وسأله أن يجعل الأمر إليه ، فجعله إليه ) (1).

5 - قال العلاّمة المجلسيّ في مرآة العقول : هذان الخبران لا يدلاّن على وقوع تزويج أُمّ كلثوم رضي الله عنها من الملعون المنافق ضرورة وتقيّة ، وورد في بعض الأخبار ما ينافيه ، مثل ما رواه القطب الروانديّ عن الصفّار ، بإسناده إلى عمر بن أذينة قال : قيل لأبي عبد الله عليه السلام : إنّ الناس يحتجّون علينا ويقولون : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام زوّج فلاناً ابنته أُمّ كلثوم ، وكان متمكّناً ، فجلس وقال : ( أيقولون ذلك؟ إنّ قوماً يزعمون ذلك لا يهتدون إلى سواء السبيل ، سبحان الله! ما كان يقدر أمير المؤمنين عليه السلام أن يحول بينه وبينها فينقذها؟! كذبوا ولم يكن ما قالوا ، إنّ فلاناً خطب إلى علي عليه السلام بنته أُمّ كلثوم ، فأبى علي.

فقال للعباس : والله لئن لم تزوّجني لأنتزعنّ منك السقاية وزمزم ، فأتى العباس عليّاً فكلّمه ، فأبى عليه ، فألحّ العباس ، فلمّا رأى أمير المؤمنين مشقّة كلام الرجل على العباس ، وأنّه سيفعل بالسقاية ما قال ، أرسل أمير المؤمنين إلى جنّية من أهل نجران يهوديّة ، يقال لها : سحيقة بنت جريرية ، فأمرها ، فتمثّلت في مثال أُمّ كلثوم ، وحجبت الأبصار عن أُمّ كلثوم ، وبعث بها إلى الرجل ، فلم تزل عنده ... ) (2).

ص: 143


1- 1. الكافي 5 / 346.
2- 2. مرآة العقول 20 / 42.

وقال قدس سره في معنى الحديث الأوّل : فالمعنى غصبناه ظاهراً وبزعم الناس إن صحّت تلك القصّة.

6 - وقال العلاّمة المجلسيّ أيضاً في بحار الأنوار : ( بعد إنكار عمر النصّ الجلي ، وظهور نصبه وعداوته لأهل البيت عليهم السلام ، يشكل القول بجواز مناكحته من غير ضرورة ولا تقيّة ، إلاّ أن يقال بجواز مناكحة كلّ مرتدّ عن الإسلام ، ولم يقل به أحد من أصحابنا ) (1).

7 - قال الأُستاذ علي محمّد علي دخيّل في أعلام النساء : ( ومن هذه الزواجات الوهمية - وما أكثرها - زواج أُمّ كلثوم بنت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من عمر بن الخطّاب ) (2).

روى ابن عبد البرّ وابن حجر وغيرهما : خطبها عمر بن الخطّاب إلى علي بن أبي طالب فقال : ( إنّها صغيرة ) ، فقال له : زوّجنيها يا أبا الحسن ، فإنّي أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد.

فقال له علي : ( أنا أبعثها إليك ، فإن رضيتها فقد زوّجتكها ) ، فبعثها إليه ببرد ، وقال لها : ( قولي له : هذا البرد الذي قلت لك ) ، فقالت ذلك لعُمر؟

فقال : قولي له : قد رضيتُ ، ووضع يده على ساقها فكشفها ، فقالت : أتفعل هذا؟! لولا أنّك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ، ثمّ خرجت حتّى جاءت أباها فأخبرته الخبر ، وقالت : بعثتني إلى شيخ سوء ، فقال : ( يا بنيّة إنّه زوجك ) (3).

وقال : إنّ جُلّ من ذكر زواجها من عمر ، ذكر أنّه تزوّج بها عون بن جعفر بعد قتل عمر ، وعون هذا استشهد يوم تستر سنة 17 للهجرة في خلافة عمر ، فكيف يتزوّج بها من بعده؟

وأغرب ما جاء في تهويس القوم في هذه المهزلة ، هو كلام ابن عبد البر ،

ص: 144


1- 1. بحار الأنوار 42 / 109.
2- 2. أعلام النساء : 14.
3- 3. الإصابة 8 / 465 ، الاستيعاب 4 / 509.

فقد قال : ومحمّد بن جعفر بن أبي طالب هو الذي تزوّج أُمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب بعد موت عمر بن الخطّاب.

وقال في نفس الكتاب : استشهد عون بن جعفر وأخوه محمّد بن جعفر في تستر ، مع العلم بأنّ يوم تستر كان في خلافة عمر ، وقبل وفاته بسبع سنين ، فكيف يستقيم ما ذكره؟

وقال أيضاً : الصورة التي مرّت عليك من إرسال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ابنته إلى عمر ، وهو يكشف عن ساقها ، وهي لا تعلم بالأمر ، فهل ترتضيها أنت أيّها القارئ الكريم بنفسك فضلاً عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام؟

( عبد الله الحسين - السعودية - 21 سنة - طالب علم )

في غاية الغموض والتضارب :

س : وبعد ، في قضية تزويج عمر من أُمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، أرجو منكم الردّ السريع على أسئلتي :

1 - ذكرتم بعض المصادر الحديثية ، والتي ليس لها صلة بواقع القضية ، والسبب أنّ القضية تاريخيّة ليست حديثية ، ووقعت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى ما يبرّره أهل السنّة من أنّ زواج عمر منها ، هو أن يحظى بالقرب من البيت الطاهر ، مستدّلاً بذلك المروي عن رسول الله : ( كلّ سبب ونسب مقطوع إلاّ سببي ونسبي ) ، فما هو الردّ على ذلك؟

2 - ما المقصود في قولكم : ما ليس فيه فليس بصحيح ، هل هو مسند أحمد ابن حنبل أم ماذا؟

3 - في قولكم : بالإضافة إلى أن جميع مسانيد الخبر ... نفس علمائهم ، أرجو التوضيح والتفصيل.

4 - هل أنّ قضية تزويج أُمّ كلثوم مروية بسند صحيح في كتبنا ، وما هو المقياس في ذلك؟

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل نقول : لا يخفى أنّ القضايا التاريخيّة يعتمد فيها على كلّ مصدر نقل خبراً ، أو يستفاد منه نقل الخبر ، فالقرآن والحديث فيهما

ص: 145

الكثير من نقل قضايا تاريخيّة ، يمكن أن يستفاد منها في التاريخ ، بل هما أولى من غيرهما.

وقضية تزويج أُمّ كلثوم ، وأن كانت تاريخيّة ، ولكن لأهمّيتها صارت من المسائل العقائديّة ، وأعطاها أهل السنّة حجماً كبيراً ، ليستدلّوا بذلك على حسن العلاقة بين أمير المؤمنين عليه السلام والخلفاء ، وعليه فتناقلتها الكتب الحديثية عند الفريقين ، وقد بيّنا كلّ ذلك بالتفصيل في إجاباتنا على الأسئلة المختصّة في هذا الموضوع.

وأمّا تبريرات أهل السنّة فإنّها مردودة جملةً وتفصيلاً ، لأنّهم لو اعتمدوا في هذه المسألة على مصادرهم ، لشاهدوا بوضوح أنّ القضية عكسية تماماً ، لأنّ الموجود في مصادرهم الناقلة للقضية أنّ المسألة جنسية ، مع نوع من الاستهتار الذي لا يليق بأدنى الطبقات من المعتوهين ، فكيف بخليفة المسلمين على حدّ تعبيرهم؟

وبالنسبة إلى السؤال الثاني نقول : الضمير في : ( ما ليس فيه فليس بصحيح ) يعود إلى مسند أحمد ، حيث أنّ أحمد وجمع من اتباعه يعتقدون بأنّ ما ليس في الصحيحين ولا في مسند أحمد فليس بصحيح ، وخبر تزويج أُمّ كلثوم لم يخرّجه أحمد في مسنده ، وليس في الصحيحين ، إذاً فليس الخبر بصحيح على مبنى من يعتقد بهذا الاعتقاد.

وبالنسبة إلى السؤال الثالث نقول : معنى العبارة هكذا : بالإضافة إلى هذا - أي : أنّ خبر التزويج لم يخرّج في المسانيد المعتبرة - فإنّ جميع أسانيد خبر التزويج ساقطة عن الاعتبار والحجّية ، بسبب أنّ رواته إمّا مولى عمر ، وإمّا قاضي الزبير ، وإمّا قاتل عمّار - ومن يقتل عمّار هل يتوقّع منه الصدق في نقل الخبر؟ - ومن رواته أيضاً : من باع دينه وآخرته للحكّام الأُمويين.

إذاً ، فرجال أسانيد الخبر بين كذّاب ووضّاع ، وضعيف ومدلّس ، وعليه فلا يصحّ الاحتجاج بخبر التزويج ، ولا يصحّ الركون إليه ، وهذه النتيجة أعترف بها نفس علماء أهل السنّة.

وبالنسبة إلى السؤال الرابع نقول : ورد الخبر في كتبنا بأسانيد معتبرة ،

ص: 146

ولكن ورد معتبراً بهذا المقدار : أنّ عمر خطب أُمّ كلثوم من الإمام علي عليه السلام ، وعلي اعتذر بأنّها صبية وبأعذار أُخرى ، فلم يفد اعتذاره ، فهدّده عمر بعدّة تهديدات - أشار الإمام الصادق عليه السلام إلى هذا التهديد بقوله : ( ذلك فرج غُصب منّا ) - إلى أن اضطرّ الإمام عليه السلام فأوكل أمر التزويج إلى عمّه العباس ، فزوّجها العباس ، وانتقلت أُمّ كلثوم إلى دار عمر ، وبعد موت عمر أخذ الإمام علي عليه السلام بيد أُمّ كلثوم ، وانطلق بها إلى بيته (1).

أمّا هل أنّ عمر دخل بها أم لا؟ أو كان له منها ولد أو أولاد أم لا؟ فلا دلالة على ذلك في رواياتنا ، وأيّد الزرقانيّ المالكيّ هذا المطلب بقوله : ( وأُمّ كلثوم زوج عمر بن الخطّاب ، ومات عنها قبل بلوغها ) (2).

وعلى كلّ حال ، فالمسألة في غاية الغموض والتضارب ، بل والتناقض ، ممّا يجعلنا نعطي بعض الحقّ لمن شكّك في أصل الواقعة ، ونفاها من أساسها.

( علوية الموسويّ - عمان - 31 سنة - طالبة جامعة )

زواج أُم كلثوم وقبرها وسيرتها :

س : قرأت بعض الكتب حول نساء لأهل البيت ، وبعضهم يشكّك في مصداقية وجود السيّدة أُمّ كلثوم ، والبعض يقول : أنّ اسمها زينب الصغرى ، وآخر يقول : أنّ السيّدة زينب كانت تكنّى بأُمّ كلثوم ، ولا توجد سيّدة أُخرى ، وإن وجدت فما هي سيرتها؟ ومن تزوّجت؟ ومن هم أبناؤها؟ وأين قبرها الآن؟

ج : هناك رأيان في السيّدة أُمّ كلثوم بنت الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام :

1 - أنّ لفاطمة الزهراء عليها السلام بنتاً واحدة لا أكثر ، تسمّى بالسيّدة زينب عليها السلام وتكنّى بأُمّ كلثوم.

ص: 147


1- 1. الكافي 5 / 346 و 6 / 115.
2- 2. شرح المواهب اللدنية 7 / 9.

2 - أنّ لفاطمة الزهراء عليها السلام بنتان لا بنتاً واحدة.

أحدهما : تسمّى بزينب عليها السلام ، أو تسمّى بزينب الكبرى.

وثانيهما : تسمّى بأُمّ كلثوم ، أو تسمّى بزينب الصغرى ، وتكنّى بأُمّ كلثوم ، والرأي الثاني هو المشهور عند علمائنا.

وعلى هذا الرأي الثاني ، فهل تزوّجها عمر بن الخطّاب أم لا؟ الرأي المشهور عند علمائنا ، أنّه قد تمّ زواجها من عمر على سبيل الجبر والقهر ، ولكن عمر مات قبل أن يدخل بها ، وعليه فليس لها ولد منه.

وأمّا بالنسبة إلى قبرها ، فقيل : أنّها توفّيت في المدينة بعد رجوعها من السبي بمدّة يسيرة ، ودفنت في المدينة ، وقيل : أنّها دفنت في الشام.

وأمّا بالنسبة إلى سيرتها ، فقد شهدت مأساة كربلاء مع أختها السيّدة زينب عليها السلام ، ورافقتها من البداية وحتّى النهاية ، واسمها يلمع دائماً في الحديث عن كربلاء ، وما تلاها من المشاهد.

جاء في خبر وداع الإمام الحسين للعائلة : أنّه عليه السلام أقبل على أُمّ كلثوم وقال لها : ( أُوصيك يا أُخية بنفسي خيراً ، وإنّي بارز إلى هؤلاء ).

واستغاث الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ، فخرج الإمام زين العابدين عليه السلام من الخيام وبيده عصا يتوكّأ عليها ، وسيفاً يجرّه في الأرض ، فخرجت أُمّ كلثوم خلفه تنادي : يا بني أرجع ، وهو يقول : ( يا عمّتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله ) ، فقال الحسين عليه السلام : ( يا أُمّ كلثوم خذيه لئلاّ تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد صلى الله عليه وآله ) (1).

دخلت أُمّ كلثوم الكوفة في عهد أبيها أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن جعلها عاصمة دولته ، فكانت في نظر أهلها ابنة قائد المسلمين وأميرهم.

ودخلتها بعد واقعة كربلاء أسيرة ، ليس معها من يحميها ، اشتدّ على أُمّ كلثوم الحزن ، وأقض بها المصاب ، وهي تشاهد الموكب الحزين - موكب

ص: 148


1- 1. بحار الأنوار 45 / 46.

أسرى آل محمّد - وزاد في ألمها أن تجد أهل الكوفة ، يناولون الأطفال بعض التمر والخبز والجوز ، فصاحت بهم : ( يا أهل الكوفة إنّ الصدقة علينا حرام ) ؛ وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض (1).

ثمّ انفجرت بخطبتها رافعة صوتها بالبكاء فقالت : ( يا أهل الكوفة سوأة لكم ، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله وورثتموه ، وسبيتم نساءه ونكبتموه ، فتباً لكم وسحقا ... ، قتلتم خير رجالات بعد النبيّ صلى الله عليه وآله ، ونزعت الرحمة من قلوبكم ، ألا إنّ حزب الله هم الفائزون ، وحزب الشيطان هم الخاسرون ... ) (2).

( سالم عبد الله - مصر - سنّي - 40 سنة - طالب جامعة )

يثبت منقصة لعمر لا فضيلة :

س : الردّ على موضوع أُمّ كلثوم لا داعي للتشكيك ، فالأمر أهون ممّا نتخيّل ، ولما الغرابة من زواج أمير المؤمنين منها؟ وهو يطمح بنسب رسول الله ، ولا نعبأ بم أثير ، فإنّه من نزغ الشيطان ، حتّى لو سلّمنا للشيعة بما يقولون ، ربّنا يقول : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ) (3) ، وعمر خدم الإسلام ، وقدّم الكثير ، فماذا فعلنا نحن؟!

ج : إنّ الذي يدعونا إلى التدقيق في موضوع زواج أُمّ كلثوم اعتباركم ذلك الزواج فضيلة لعمر ، تبنون عليها أحقيّته في أفعاله ، وقربه من بيت الرسول ، وهذا يخالف الحقيقة.

وإنّما لا يكون هناك داع للبحث إذا أظهرتم الوجه الحقيقيّ لذلك الزواج ، الذي قلنا أنّه إن ثبت فهو مثلبة ومنقصة له ، وليس له أيّ فضيلة بذلك ،

ص: 149


1- 1. ينابيع المودّة 3 / 86.
2- 2. بحار الأنوار 45 / 112.
3- 3. البقرة : 134.

ولأنّكم تبنون على ذلك الزواج الكثير ، وتتغافلون عن استياء أهل البيت عليهم السلام وغضبهم على أُولئك النفر الحاصل انحراف هذه الأُمّة بسببهم ، لذلك من حقّنا إزالة كلّ الشبهات التي تضعونها لمحو مظلومية أهل البيت عليهم السلام.

ثمّ إنّ الطموح في الارتباط بنسب رسول الله صلى الله عليه وآله لابدّ أن يكون من الطريق الذي يرضي آل الرسول صلى الله عليه وآله لكي يرضي الله ورسوله ، وإلاّ فما الفائدة لذلك الرجل وهو داخل في عداء مع الرسول وآله؟ ويوقع الزواج تحت وطأت التهديد والوعيد.

وإنّ اعتبارك كلّ الأدلّة السابقة التي ذكرناها في الموقع ، وأقوال علمائكم وعلماءنا من نزغ الشيطان تجاوز غير علميّ.

ثمّ إنّك إن سلّمت لنا بما نقول ، يلزمك أن تعتبر صاحبك فاسقاً فاجراً ، ويلزمك حتّى لا تكتسب مثل ما اكتسب هو ومن معه أن تخرج عن طريقتهم ، وتبحث عن طريق آخر يجعلك مؤمناً متقياً موالياً لأولياء الله ، معادياً لأعداء الله.

ثمّ أنّك تستشهد بالآية القرآنيّة ولا ترتّب آثاراً عليها ، ومعنى كلامك أنّه حتّى لو كان عمر ممّن اخطأ في تصرّفه فأنت وغيرك في هذا الزمن لا يحاسب على ما فعل عمر ، ونحن نوافقك على ذلك إن كان تصرّفك يغاير تصرّفات عمر الخاطئة ، فعليك أن تبحث عن تلك التصرّفات وتتجنّبها حتّى يكون ما تكتسب غير ما اكتسب ، وتكون مصداقاً للآية.

ثمّ إنّ أيّ خدمة تدّعيها لخليفتك سواء كانت للإسلام أو للبشرية أو لغيرهما ، فإنّ صاحبك مأثوم عليها ، لأنّها جاءت باغتصاب منصب ما وضعه الله فيه.

وأنت وغيرك لم يفعل شيئاً ، لأنّكم ابتعدتم عن المنهج الصحيح ، فعليكم البحث عن الحقّ الضائع ، والله يهدي ما يشاء إلى صراط مستقيم.

ص: 150

التسمية بأبي بكر وعمر وعثمان :

اشارة

( .... - السعودية - .... )

لا تدلّ على حقّانيتهم :

س : هل أنّ الإمام علي عليه السلام سمّى أولاده بأسماء الخلفاء؟

ج : إنّ التسمية بمجردها لا توجد فيها أيّ دلالة على حقّانية أبي بكر وعمر وعثمان بالخلافة ، ولا يمكن أن تقف قبال الأدلّة العلميّة ، من قبيل حديث الغدير ، وحديث المنزلة ، وحديث : ( وهو ولي كلّ مؤمن من بعدي ) ، الذي أنكره ابن تيمية بشدّة لعلمه بمدلوله ، وصحّحه الألبانيّ بسهولة ومرونة.

وفي الواقع ، لو رجعنا إلى العرف الاجتماعيّ والإنسانيّ لرأينا : أنّ العداوة بين الأفراد ، لا تمنع من أن يسمّي الإنسان أحد أولاده باسم عدوّه ، مادام هذا الاسم من الأسماء ليس حكراً لأحد في المجتمع ، وكمثال على ذلك : لو عاداني شخص في وقتنا المعاصر ، وكان اسمه محمّد ، أو أحمد ، فإنّ هذا لا يمنع أن اسمّي أحد أولادي بهذا الاسم ، بعد أن فرضنا إنّه منتشر في المجتمع.

وهنا ، هل كانت هذه الأسماء - أبو بكر وعمر وعثمان - منتشرة أم أنّها كانت نادرة؟

فلنراجع كتب التاريخ ، ومعاجم الصحابة وتراجمهم ، ولنرى هل كانت هذه الأسماء حكراً على الخلفاء؟ أم أنّها مشهورة معروفة؟ ولنذكر أسماء الصحابة ، ونغض النظر عن أسماء الكفّار والمشركين ، وغيرهم.

ص: 151

كنية أبي بكر :

1 - أبو بكر بن شعوب الليثيّ ، واسمه شدّاد.

2 - أبو بكر ، عبد الله بن الزبير.

أسماء الصحابة ممّن كان اسمهم عمر :

1 - عمر اليمانيّ.

2 - عمر بن الحكم السلميّ.

3 - عمر بن سراقة ، ممّن شهد بدراً.

4 - عمر بن سعد ، أبو كبشة الأنماريّ.

5 - عمر بن سفيان بن عبد الأسد ، ممّن هاجر إلى الحبشة.

6 - عمر بن عمير بن عدي الأنصاريّ.

7 - عمر بن عوف النخعيّ.

8 - عمر بن يزيد الكعبيّ.

9 - عمر بن عمرو الليثيّ.

10 - عمر بن منسوب.

11 - عمر بن لاحق.

12 - عمر بن مالك.

13 - عمر بن مالك القرشيّ الزهريّ ، ابن عمّ والد سعد بن أبي وقّاص.

14 - عمر بن معاوية الغاضريّ.

15 - عمر الأسلميّ.

16 - عمر بن أبي سلمة ، ربيب النبيّ صلى الله عليه وآله ، وأُمّه أُمّ سلمة.

17 - عمر الخثعميّ.

أسماء الصحابة ممّن كان اسمهم عثمان :

1 - عثمان بن أبي الجهم الأسلميّ.

2 - عثمان بن حكيم.

3 - عثمان بن حميد.

ص: 152

4 - عثمان بن حنيف.

5 - عثمان بن ربيعة بن اهبان ، ممّن هاجر إلى الحبشة.

6 - عثمان بن ربيعة الثقفيّ.

7 - عثمان بن سعيد بن أحمر الأنصاريّ.

8 - عثمان بن شماس المخزوميّ.

9 - عثمان بن طلحة بن أبي طلحة.

10 - عثمان بن أبي العاص.

11 - عثمان بن عمّار ، والد أبي بكر.

12 - عثمان بن عبد غنم الفهريّ ، ممّن هاجر إلى الحبشة.

13 - عثمان بن عبيد الله التميميّ.

14 - عثمان بن عثمان الثقفيّ.

15 - عثمان بن عمرو ، ممّن شهد بدراً.

16 - عثمان بن مظعون ، الصحابيّ الجليل ، الذي قبّله النبيّ صلى الله عليه وآله وهو ميّت.

إذاً نرى : أنّ هذه الأسماء منتشرة ومشهورة ، وليست موقوفة على بعض الناس ، وليست ملكاً لبعض الأفراد ، ومجرد تسمية الإمام علي عليه السلام لبعض أولاده بهذه الأسماء ، بعد أن ثبت انتشارها ، لا يدلّ على المحبّة المدّعاة ، والمودّة المزعومة ، وحتّى لو شككنا إنّها يمكن أن تدلّ على المحبّة بين الإمام عليه السلام وبين الخلفاء ، فاعتقد أنّ القوم لا يشكّون بالعداوة والبغضاء القائمة بين الإمام الكاظم عليه السلام وبين هارون الرشيد ، وهذه العداوة لم تمنع من أن يسمّي الإمام عليه السلام أحد أولاده باسم هارون.

فهذه الأسماء ليست ملكاً لأحد ، ولا حكراً على شخص ، وإطلالة بسيطة على أسماء أصحاب الأئمّة عليهم السلام لوجدنا هناك الكثير الكثير من أصحابهم ممّن كان اسمهم معاوية ، ويزيد ، ومروان ، و ... ، مع شدّة وعظمة العداوة بين أصحاب هذه الأسماء ، وبين آل محمّد صلى الله عليه وآله.

ص: 153

( سامي مراد - الكويت - .... )

كانت في أولاد الأئمّة وأصحابهم :

س : إنّ هذا الموقع ليس من المواقع العادية ، حيث أنّنا كشيعة استفدنا منه كثيراً ، ومازلنا نستفيد ، فأدامكم الله ، وسؤالي هو : لقد قيل لي : بأنّ للحسين عليه السلام أبناء ، كانت أسماؤهم على أسماء الخلفاء ، مثل : أبي بكر وعمر وعثمان.

وقيل لي أيضاً : أنّ بعض الأئمّة المعصومين عليهم السلام قاموا بهذه التسمية لأبنائهم.

كيف يقوم الإمام الحسين بتسمية أبنائه بأسماء من أسقطوا أخاه؟ وقتلوا أُمّه؟ وإن لم يكن عليه السلام سمّى بهذه الأسماء ، فكيف يسمّي الأئمّة المعصومون الآخرون أبناءهم بهذه الأسماء؟

وأنا أتساءل عن هذا الموضوع ، لأنّنا الآن كشيعة ، لا يمكن أن نسمّي بهذه الأسماء ، فهل نحن افهم - والعياذ بالله - من الحسين عليه السلام؟ وشكراً جزيلاً ، وأدامكم الله.

ج : ليس للإمام الحسين عليه السلام أولاد كانت أسماؤهم على أسماء الخلفاء ، وإنّما أولاده : علي الأكبر ، وعلي السجّاد ، وعبد الله الرضيع ، هذا أوّلاً.

وثانياً : إنّ مفهوم التسمية الآن غير مفهوم التسمية آنذاك ، فإذا سمّى أحد الأئمّة عليهم السلام بعض أبنائه باسم بعض الخلفاء ، لم يلحظ فيه التسمية باسم الخليفة الفلاني ، بل أنّ أصل التسمية لم يكن في عصر الأئمّة ملحوظ فيه أنّه سمّاه باسم فلان ، حتّى أنّ بعض أصحاب الأئمّة كان اسمه يزيد ، أو كان يسمّي ابنه باسم يزيد ، ولم يلحظ فيه أنه سمّاه باسم يزيد الملعون.

وثالثاً : دفعاً للشبهة - التي ربما تخطر بالبال - صرّح أمير المؤمنين عليه السلام - عندما سمّى ابنه عثمان - : بأنّه إنّما سمّاه باسم عثمان بن مظعون (1) ، لا عثمان ابن عفّان ، وعليه يمكن حمل سائر الأسماء.

ص: 154


1- 1. مقاتل الطالبيين : 55.

وأخيراً : فإنّ للعرف في مسألة التسمية دخل كبير ، فإذا لم يكن في عصر الأئمّة عليهم السلام في التسمية لحاظ الأشخاص ، ولم يتبادر الأشخاص إلى الأذهان في التسمية ، فلم يكن حينئذ بأس بالتسمية ، وهذا بخلاف زماننا ، حيث العرف عندنا صار لحاظ الأشخاص.

فالمسألة تحتاج إلى بحث تاريخيّ مفصّل ، لنحصل على هذه النتيجة.

( طالب الحقّ - الكويت - .... )

لم يسم الشيعة أبناءها بهذه الأسماء :

س : الإخوة في المركز العقائديّ ، مع احترامي الوافر لكم ، أُعلمكم بأنّني ممّن يتابعون موقعكم هذا باستمرار ، وقد تعرّفت على الكثير من الحقائق ، وبقيت مسألة تسمية علي بن أبي طالب أولاده بأسماء الخلفاء لم أستطع هضمها ، ولم لم يسمّي الشيعة أولادهم بهذه الأسماء؟ مع أنّ إمامهم سمّى أولاده بها ، وذلك تسمية بأسماء الخلفاء؟

ج : قد ذكرنا في الإجابات السابقة التفصيل حول هذه المسألة ، ونذكرها مرّة أُخرى بصياغة جديدة ، ومطالب أُخرى ، وذلك لأهمّية الموضوع ، فنقول : تسمية أيّ إنسان ولده باسم ما ، يكون لأحد أمرين :

الأوّل : حبّه لشخص معيّن ، فيحبّ أن يبقي ذكره بتسمية ابنه به ، كما في تسمية الإنسان ابنه باسم أبيه ، أو أيّ آخر عزيز عليه ، ومن هذا القبيل تسمية كثير من الشيعة أولادهم باسم محمّد ، وعلي ، ومرتضى ، وحسن ، وحسين.

الثاني : علاقته بذلك الاسم ، مع غض النظر عمّن تسمّى به ، ولو كان عدّواً ، فمثلاً : يسمّي ابنه ب- ( أنور ) ، لا حبّاً في أنور السادات ، ويسمّي ابنته جيهان ، لا حبّاً في زوجة السادات ، بل لميله إلى هذا الاسم.

ومن هذا القبيل تسمية كثير من الشيعة أولادهم باسم خالد أو سعد ، مع أنّ موقفهم معروف من خالد بن الوليد ، وسعد بن أبي وقّاص ، وبالتالي فلا يعني

ص: 155

التسمية باسم معيّن حبّ ذلك الشخص بالضرورة ، لأنّ الأمر دائر بين احتمالين ، وهما : أن تكون التسمية من أجل حبّ الشخص المتسمّى به ، أو أن تكون لحبّ الاسم.

ولا يوجد دليل على أيّ من الأمرين ، حتّى نلتزم بأنّ التسمية كانت للحبّ ، والترجيح بلا مرجّح قبيح ، كما يقولون في علم الكلام.

فمن أين للمدّعي أن يثبت أنّ أمير المؤمنين عليه السلام سمّى ولده أبا بكر حبّاً لأبي بكر ، وسمّى ابنه عمر حبّاً لعمر ، وسمّى ابنه عثمان حبّاً لعثمان؟

هذا ، ولم يثبت أنّ تسمية أمير المؤمنين عليه السلام أولاده كانت بترتيب الخلفاء ، فالمعروف أنّ عثمان بن علي الشهيد بكربلاء ، هو من ولد فاطمة بنت حزام الكلابية المعروفة بأُمّ البنين ، وهو أخ العباس عليه السلام.

وأبو بكر الشهيد بكربلاء ، هو من ولد ليلى بنت مسعود الدارمية ، وقد أكّد الشيخ المفيد في ( الإرشاد ) (1) : أنّ أبا بكر هي كنيته لا اسمه ، أمّا اسمه فهو محمّد الأصغر ، وأمّا عمر بن علي ، فأُمّه أُمّ حبيبة بنت ربيعة.

فلا يوجد أيّ دليل على أنّ التسمية كانت بالترتيب ، ليوافق ترتيب الخلفاء ، لو قبلنا أنّ اسم محمّد الأصغر بن أمير المؤمنين عليه السلام هو أبو بكر ، لا أنّ هذا كنيته.

ثمّ أنّ أبا الفرج الأصفهاني نقل في مقاتل الطالبيين : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال في ابنه عثمان : ( إنّما سمّيته باسم أخي عثمان بن مظعون ) (2).

فهنا تصريح أنّ التسمية لم تكن لأجل عثمان بن عفّان.

فهل يوجد دليل على أنّ تسمية أمير المؤمنين عليه السلام أبناءه باسم أبي بكر وعمر كان لتعظيم شأن أبي بكر وعمر؟ مع أنّ التاريخ ينقل وجود أفراد كانوا بنفس أسمائهما :

ص: 156


1- 1. الإرشاد 1 / 354.
2- 2. مقاتل الطالبيين : 55.

فقد نقل ابن الأثير في أُسد الغابة : أنّ هناك ثلاثة وعشرين صحابياً باسم عمر ، سوى عمر بن الخطّاب ، ومنهم : عمر بن أبي سلمة القرشي.

وقد ذكر ابن الأثير في ترجمته (1) : ربيب رسول الله ، لأنّ أُمّه أُمّ سلمة زوج النبيّ ، وشهد مع علي الجمل ، واستعمله على البحرين ، وعلى فارس.

فلماذا لا يكون هو المقصود مثلاً؟ إذا كنتم مصرّين على ضرورة الأخذ بالأمر الأوّل في التسمية - أي ضرورة وجود علاقة ومحبّة لصاحب الاسم -.

وهل هناك دليل على أنّ عمر بن الخطّاب هو المقصود؟

أمّا التسمية بأبي بكر فأوّلاً : لم يعلم أنّ أبا بكر هو اسمه ، قال ابن الأثير بعد أن عنونه باسم عبد الله بن عثمان : أبو بكر الصدّيق ، وقد اختلف في اسمه ، فقيل : كان عبد الكعبة ، فسمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله عبد الله.

وقيل : إنّ أهله سمّوه عبد الله ، ويقال له عتيق أيضاً.

كما أنّ ابن الأثير نقل في باب الكنى عن الحافظ أبي مسعود : أنّ هناك صحابياً آخر اسمه أبو بكر.

وذكر الشيخ المفيد في ( الإرشاد ) (2) : أنّ أحد أولاد الإمام الحسن عليه السلام كان اسمه عمرو ، فهل سمّاه تيمّناً باسم عمرو بن ودّ ، أم عمرو بن هشام أبي جهل لعنهما الله؟

وأمّا : لماذا لا تسمّي الشيعة بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان؟

فالجواب هو : أنّ كثيراً من الشيعة سمّوا بهذه الأسماء اقتداء بأمير المؤمنين ، لا بعمر بن الخطّاب ، وأبي بكر ، وعثمان بن عفّان.

ومن جملة أصحاب الأئمّة عليهم السلام الثقات :

أبو بكر الحضرمي ، عمر بن أذينة ، عمر بن أبي شعبة الحلبي ، عمر بن

ص: 157


1- 1. أُسد الغابة 4 / 79.
2- 2. الإرشاد 2 / 20.

أبي زياد ، عمر بن أبان الكلبي ، عمر بن يزيد بياع السابري ، عثمان بن سعيد العمري.

بل إنّ في الثقات من أصحاب الأئمّة من كان اسمه معاوية ويزيد ، مثل : معاوية بن عمّار ، ومعاوية بن وهب ، ويزيد بن سليط.

ولم نسمع أنّ الأئمّة نهوا عن التسمية بتلك الأسماء ، نعم ورد النهي على نحو الكراهة التسمية بخالد ، وحارث ، ومالك ، وحكيم ، والحكم ، وضريس ، وحرب ، وظالم ، وضرار ، ومرّة ، واستحباب التسمية بما فيه عبودية الله ، مثل : عبد الله ، وعبد الرحمن ، والتسمية بأسماء الأنبياء ، وبالأخصّ اسم نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله ، وأسماء الأئمّة ، وبالأخص اسم علي عليه السلام ، والتسمية باسم أحمد ، وطالب ، وحمزة.

وقد يقال : إذاً لماذا لا تسمّون الآن أبناءكم باسم أبي بكر وعمر؟

فالجواب هو : أنّ النصّ الوارد هو استحباب التسمية باسم النبيّ ، والأئمّة والأنبياء ، والاسم الذي فيه العبودية لله ، وهذا ما نراه بوضوح في أسماء أغلب الشيعة اليوم.

ومن لا يسمّي بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان فهو بالخيار ، وقد يتعمّد في عدم الذكر ، لأنّ حقائق الأُمور في أزمنة الأئمّة الأوائل - كأمير المؤمنين والسبطين عليهم السلام - كانت أكثر وضوحاً ، فمن السهولة أن يعرف الإنسان موقفهما من الشيخين وعثمان ، وبالتالي يعرف أنّ وجه التسمية لا تعود إلى حبّهم للشيخين وعثمان ، بل لأنّهم كانوا يحبّون هذه الأسماء ، أو يحبّون بعض الصالحين المنطبقة عليهم من غير الخلفاء الثلاثة ، كعثمان بن مظعون.

أمّا في هذا الزمان ، فقد يختلط الأمر على البعض ، كما اختلط مثلاً على البعض هنا ، الذين يظنّون أنّ اسم أبي بكر يراد منه أبو بكر فقط ، وكذلك البقية! ولهذا السبب لا تسمّي أكثر الشيعة أولادهم بأسماء الخلفاء الثلاثة ، حتّى لا يحصل توهّم في هذا الأمر ، وخصوصاً أنّ القضية ليست محصورة ،

ص: 158

فإمّا أن تختار أسماء هؤلاء ، وإلاّ فأنت لست من أتباع أهل البيت عليهم السلام!!

( مروة - مصر - .... )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : ردّك غير منطقيّ ، على فرض أنّ كلامك صحيح ، خلاص ضاقت الدنيا بالإمام ، فسمّى أولاده بمن اغتصبوا منه الخلافة؟

أنا لو إبراهيم اغتصب حقّي قطعاً ، لن اسمّي ابني إبراهيم ، إلاّ إذا كان هذا الولد ولد قبل اغتصاب حقّي ، فهذا شيء آخر.

ج : إنّكِ تريدين أن تقولي : أنّ الإمام علي عليه السلام وبقية الأئمّة مثل باقي الناس ، إذا أُغتصب حقّهم فإنّهم سوف يحملون من الحقد ما لا يستطيعون بعدها من التعامل مع الخصم ، إلاّ بالكراهية والضغينة والتنفّر من كلّ ما يتعلّق بالخصم حتّى الاسم ، ولكن هذا غير صحيح في حقّ الإمام عليه السلام.

فأنت مثلاً : قد لا تطيقين النظر في وجه خصمك ، لكن الإمام عليه السلام قد تعامل مع أشدّ أعدائه بمنتهى اللين والمجادلة ، بالتي هي أحسن.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( مروءتنا أهل البيت العفو عمّن ظلمنا ، وإعطاء من حرمنا ) (1) ، فنحن يجب أن لا تقارن تصرّفاتنا مع تصرّفاتهم ، فهم أعلى مقاماً ، وأرفع شأناً ، وهدفهم الأوّل والأخير الهداية ، فهم الذين اذهب الله عنهم الرجس ، وطهّرهم تطهيراً.

ص: 159


1- 1. تحف العقول : 38.

ص: 160

التسمية بعبد النبيّ ونحوه :

اشارة

( عبد النبيّ الخاجة - البحرين - .... )

يجوز مجازاً :

س : يتّهمني البعض بأن اسمي محرّم ، ولا يجوز التسمية به ، لأنّه يحمل معنى عبادة الرسول صلى الله عليه وآله ، فما رأيكم؟

ج : من الواضح لدى الجميع أنّ العبادة الحقيقيّة هي لله الواحد الأحد ، فكلمة العبد إن نُسبت إلى الله تعالى أو أسمائه - مثل : عبد الرحمن ، عبد الستّار ، و … - فالمراد منها المعنى الحقيقيّ من العبودية ، وإن نُسبت إلى غيره - كما هو الحال في اسمك - فالمراد منها معناها المجازي.

ومن البديهي جواز استعمال اللفظ في غير ما وضع له بأدنى ملابسة ومشابهة مجازاً ، كما في قولك : رأيت أسداً في حلبة المصارعة ، فليس المقصود فيه هو المعنى الحقيقيّ ( الحيوان المفترس ) ، بل المقصود هو الرجل الشجاع.

والمصحّح للاستعمال هو وجود المشابهة بين المعنى الموضوع له اللفظ وبين الرجل ، وهذه المشابهة هي الشجاعة ، وفي موردنا كذلك.

فلوجود المناسبة بين وجوب طاعة الله ، وطاعة النبيّ وآله عليهم السلام ، جاز وصحّ استعمال لفظ العبد في غير ما وضع له ، فيكون مجازاً لا حقيقةً.

( عبد الرحمن - السعودية - سنّي - 23 سنة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : لفت نظري في الإجابة حول السؤال بالتسمية بعبد النبيّ ونحوه : أنّ

ص: 161

اللفظ غير مقصود لذاته ، إنّما ينصرف لقرينة تصرفه إلى معنى آخر ، وذكر مثال : رأيت أسداً في حلبة المصارعة ، وهذا مثال خاطئ ، باعتبار أنّ اللفظ هنا مقصود به الأسد الحقيقيّ وليس المجازي ، لأنّ الأسد قد يوجد في حلبة المصارعة ، كما عند الرومان في مصارعاتهم ، فأين القرينة الصارفة؟

ثمّ أنّ العبودية لها لفظ خاصّ بالشرع ، لا ينصرف إلاّ لله تعالى ، وإن تعدّد معناه في اللغة ، فهو مقيّد بالقيد الشرعيّ ، والله العالم.

ج : إنّ قولك - لأنّ الأسد قد يوجد في حلبة المصارعة ، كما عند الرومان في مصارعاتهم - قول غير سديد ، لأنّ ما ذكرته فرد نادر ، أو أندر بكثير من النادر ، حتّى أنّ الكثير لم يسمع به ، وعليه فتبقى القرينة الصارفة هي المعوّل عليها في الدلالة إليه ، وكذلك العبودية شأنها شأن لفظ الربّ الوارد في القرآن ، والمقصود منه في المقام غير الله تعالى ، كقوله : ( أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ) (1).

( باسل - الأردن - .... )

لا تنافي العبودية :

س : لماذا تسمّي الشيعة أبناءها بعبد الحسين ، وعبد الزهراء ، وغيرها من الأسماء؟ مع أنّ العبودية لله وحده؟

ج : إنّ الشيعة لم تقصد من هذه التسمية ما توهّمته من مفهوم العبودية لله تعالى ، بل إنّها ترمز للمحبّة والولاء للمورد ، فلا مشاحة في الألفاظ إن كان المقصود واضحاً ، فهذه كتب اللغة تصرّح : بأنّ من معاني العبودية هي الخدمة (2).

وأيضاً العبد يطلق على المملوك (3) ، فما المانع عقلاً وشرعاً أن يقصد الشيعيّ

ص: 162


1- 1. يوسف : 41.
2- 2. المنجد : مادّة عبد.
3- 3. كتاب العين : مادّة عبد.

معنى الخادم؟ أو ينزّل نفسه منزلة المملوك من أئمّته عليهم السلام ملكاً اعتباريّاً.

( عبد الرضا - الإمارات - 26 سنة - طالب جامعي )

تعليق على الجواب السابق :

تعليق بسيط على جواب سماحتكم على من يطعن في الأسماء كعبد الرسول ، وعبد الحسين ، وغيرهما ، وهو : أنّ اللغة العربية بحر زاخر بمترادفات الألفاظ ، ومختلف المعاني الدالّة عليها ، فهل من يطعن في هذا من أهل الضاد أم بلسانه عجمة؟

فالعبد لغة هو الشخص الذي يكنّ العبادة لربّه ، وجمعه عباد ، وأيضاً بنفس اللفظة هو الشخص المملوك أو الخادم ، وجمعه عبيد.

إذاً فما ضرّ شخص أن يكون عبداً خادماً لرسول الله أو لأحد المعصومين الأطهار؟ بديهياً ما من مسلم يدّعي عبادة غير الله تبارك وتعالى.

أما كان زيد عبداً لرسول الله صلى الله عليه وآله قبل أن يعتقه ليتبنّاه؟

أما كان بلال الصحابيّ - الذي ما انفك يقول أحد أحد - عبداً لأُمية بن خلف قبل أن يعتقه رسول الله صلى الله عليه وآله بمال خديجة ، ووساطة أبي بكر لدى أُمية المشرك؟ وغير ذلك كثير.

وممّا يؤيّد هذا المعنى ترجمة أسماء عبد الرسول ، وعبد الحسين ، وعبد الرضا إلى اللغة الفارسية ، فتصبح غلام رسول ، وغلام حسين ، وغلام رضا ، ولا يخفى على العرب معنى كلمة غلام ، وموضع استخدامها.

( عبد الحسين - البحرين - 18 سنة - طالب )

تعقيب على الجواب السابق :

أُودّ أن أقول : بأنّي أوافق الأخ عبد الرضا في مسألة الاسم بعبد ، وسوف آتي بدليل على أنّ كلمة عبد من زمن قبل الإسلام وبعده ، فذلك عبد المطلب ، لماذا

ص: 163

سمّي بهذا الاسم؟ ألم يكن مملوكاً لعمّه المطلب ، فسمّي بعبد المطلب.

وهنا نلفت عنايتكم : بأنّ معنى عبد ليس العبودية والسجود والركوع لغير الله ، إنّما هي بمعنى خادم ليس إلاّ.

( قاسم الأسدي - العراق - .... )

تعقيب حول الموضوع :

س : هذه رسالة وجيزة في معنى العبد حسب النصوص الشريفة بقدر فهم الكاتب لها ، أُعدّت بهدف كشف اللبس عن فهم الشواهد المتشابهة لهذه اللفظة ، والاستدلال على مدى جواز استعمالها في التعبير الشرعيّ.

وممّا دعا إلى إعداد هذه الرسالة : اعتراض أحد المتخصّصين في اللغة العربية في كربلاء على تعبير : ( عبدك وابن عبدك وابن أمتك ) الوارد في زيارة الإمام الحسين عليه السلام ، ودعوته السدنة في الروضة المباركة إلى رفع هذا التعبير من الزيارة ، بحجّة عدم جواز استعمال هذا اللفظ إلاّ مع الله جلّ شأنه ، منطلقاً من رأي شخصيّ لا تستند إلى حجّة شرعيّة.

أعلم أنّ لفظة عبد هي من المشترك اللفظي في المعنى المتدرج والمتشابه ، كلفظة ولي أو مولى ، حيث يراد بها مرّة الربّ ، ومرّة الرسول ، ومرّة الإمام ، وحسب السياق التأويلي لها بلا تضاد ، ولا تنافي في المعاني ، كونها ترد وترجع كلّها إلى المعنى الأصلي والأوّلي ، وهو ولاية الله جلّ شأنه ، ذلك بأنّ ولايتهم عليهم السلام هي من ولاية الله تعالى ، لأنّها تمّت بأمره ورضاه ، بهذا فرض الله الجمع في هذه الولاية.

وعدم قبول الإيمان ببعض والكفر ببعض ، فلا تتمّ كلمة الإخلاص ( لا إله إلاّ الله ) وهي التوحيد إلاّ بشرطها وشروطها ، وقد ورد عن الرضا عليه السلام قوله : ( أنا من شرطها وشروطها ) ، وورد أيضاً في الزيارة الجامعة الكبيرة لدى مخاطبة الأئمّة عليهم السلام بأنّهم ( أركان توحيده ).

ص: 164

وتندرج في هذا النحو لفظة سيّد ، فالربّ هو سيّد السادات ، والنبيّ صلى الله عليه وآله سيّد الأنبياء والمرسلين والخلق أجمعين ، والإمام عليه السلام سيّد الوصيين ، وبهذا يكون سيّد ما دون ذلك من الجنّ والإنس.

أمّا لفظة ربّ العالمين أو الربّ إذا وردت هكذا بالألف واللام مطلقة من غير إضافة تقيدها ، فلا يراد بها إلاّ الله تعالى من حيث الاسم الجامع للربوبية ، ولا تشترك.

اجتمعت لدينا ثلاث لفظات ، اثنتان مشتركة وواحدة متفرّدة ، ومقابل هذه الثلاثة لا نجد إلاّ لفظة عبد التي تكون بهذا من المشترك أيضاً.

وفي هذا الشأن أرى أنّ أفضل طريقة لمعرفة دلالة لفظة ما هي ، من خلال النظر في أضدادها الواردة في نفس السياقات النصّية.

فلا نجد في مقابل مولى أو السيّد إلاّ لفظة عبد نفسها ، على أن تجمع على عبيد وليس عباد.

فورد في المناجات : ( فنعم المولى أنت يا سيّدي ، وبئس العبد أنا ) (1).

وفي دعاء ختم القرآن : ( فقد يعفو المولى عن عبده ، وهو غير راض عنه ) (2).

وفي مناجات أُخرى : ( مولاي يا مولاي أنت المولى وأنا العبد ، وهل يرحم العبد إلاّ المولى ، مولاي يا مولاي أنت المالك وأنا المملوك ، وهل يرحم المملوك إلاّ المالك ) (3).

وبذلك المعنى - أي عبد مقابل سيّد أو مولى - ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام ، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( جاء حبر من الأحبار إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين متى كان ربّك؟

ص: 165


1- 1. الكافي 2 / 594.
2- 2. إقبال الأعمال 1 / 454.
3- 3. المزار الكبير : 174.

فقال له : ثكلتك أُمّك ، ومتى لم يكن؟ حتّى يقال : متى كان؟ كان ربّي قبل القبل بلا قبل ، وبعد البعد بلا بعد ، ولا غاية ولا منتهى لغايته ، انقطعت الغايات عنده ، فهو منتهى كلّ غاية.

فقال : يا أمير المؤمنين أفنبيّ أنت؟

فقال : ويلك ، إنّما أنا عبد من عبيد محمّد صلى الله عليه وآله ) (1).

لاحظ هنا كيف يصف الإمام عليه السلام نفسه ، وقد جمع لفظة عبد على عبيد ، وليس عباد ، ممّا يدلّ على تعبّد الإمام عليه السلام للنبيّ صلى الله عليه وآله بالموالاة والسيادة.

وهو حقّاً أولى الناس بالتشرّف بهذه المنزلة ، التي تجعله أقرب الناس من الرسول بموالاته وطاعته ، حتّى رفعه الله ورسوله إلى درجة الأخوّة ، ومنزلة هارون من موسى ، وغير ذلك ، وقد قيل : ( من تواضع لله رفعه ).

وعن محمّد بن زيد الطبري قال : كنت قائماً على رأس الرضا عليه السلام بخراسان ، وعنده عدّة من بني هاشم ، وفيهم إسحاق بن موسى بن عيسى العباسي ، فقال عليه السلام : ( يا إسحاق ، بلغني أنّ الناس يقولون : إنّا نزعم أنّ الناس عبيد لنا ، لا وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله ما قلته قط ، ولا سمعته من أحد آبائي قاله ، ولا بلغني عن أحد من آبائي قاله ، ولكنّي أقول : الناس عبيد لنا في الطاعة ، موال لنا في الدين ، فليبلّغ الشاهد الغائب ) (2).

لاحظ في هذا الحديث وغيره ، كيف أنّ الإمام عليه السلام ينفي عن نفسه مفهوم العبودية لدى الناس بالتمليك القهري والجبر ، ويثبت عبودية الطاعة والولاية ، وبذلك يصحّح الإمام مفهوم عبد المتداولة لدى الناس آنذاك ، حيث يظنّوا أنّ العبد مملوك لهم من جميع الجهات ، ومن حقّهم التصرّف في كافّة شؤونه وإكراهه ، بل وإجباره على طاعة أوامر سيّده ، وهو مفهوم قومي أو عرفي

ص: 166


1- 1. الكافي 1 / 89.
2- 2. المصدر السابق 1 / 187.

مختلف مع مفهوم الشرع ، الذي يقول : ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) (1) ، بينما الشرع منزّل من الخالق المالك الحقيقيّ للعباد ، فكيف بالجبر إذاً ، وهو منافي للدين ، علماً بأنّ الإكراه هو الطاعة بغير رغبة ، والجبر بالقوّة.

ومن هذا تبيّن عدم قبول الأعمال من العبد - كالصلاة والزكاة مثلاً - بالإكراه ، أي بغير طيبة نفس ، من هذا يتّضح السبب من حثّ الشرع على عتق الرقاب ، ويقول الإمام الصادق عليه السلام : ( ونحن نعتقهم ).

راجع كذلك الأحاديث في باب زيارة الأئمّة عليهم السلام : ( أنا عبدك ومولاك في طاعتك ، والوافد إليك ، ألتمس كمال المنزلة عند الله ).

( يا موالي ، يا أبناء رسول الله ، عبدكم وابن أمتكم ، الذليل بين أيديكم ... ) (2).

( وأشهد يا موالي ، وطوبى لي إن كنتم موالي أنّي عبدكم ، وطوبى لي إن قبلتموني عبداً ) (3).

( وأشهدكم يا موالي ، بأبي أنتم وأُمّي ونفسي أنّي عبدكم ، وطوب لي إن قبلتموني عبداً ... ) (4).

حيث تجد كيف فرض على الزائر أن يخاطبهم ، وهم بمنزلة السادة والموالي ، بينما هو بمنزلة العبد ، بل أنّه ينبغي أن يقول : ( وطوبى لي إن قبلتموني عبداً ) ، وإن لم يعترف لهم بذلك ، أو ينطوي قلبه عليه ، فقد أساء الأدب مع الربّ الذي جعل التقرّب إليه بالتعبّد لهم بالولاية والطاعة ، والتسليم الكامل.

ولاحظ في الحديث : عن سهل بن زياد قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام سنة

ص: 167


1- 1. البقرة : 256.
2- 2. المزار الكبير : 88.
3- 3. المصدر السابق : 250.
4- 4. بحار الأنوار 99 / 153.

خمس وخمسين ومائتين : قد اختلف يا سيّدي أصحابنا في التوحيد : منهم من يقول : هو جسم ، ومنهم من يقول : هو صورة ، فإن رأيت يا سيّدي أن تعلّمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه ، فعلت متطوّلاً على عبدك.

فوقّع بخطّه عليه السلام : ( سألت عن التوحيد ، وهذا عنكم معزول ، الله تعالى واحد أحد صمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ، خالق وليس بمخلوق ، يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك ، ويصوّر ما يشاء ، وليس بصورة ، جلّ ثناؤه ، وتقدّست أسماؤه ، وتعالى عن أن يكون له شبيه ، هو لا غيره ، ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ) (1).

كيف أنّ الإمام عليه السلام لم يعترض على سهل - الذي هو أحد أصحابه - حين قال له تطوّل على عبدك ، علماً بأنّ سهل كان على بيّنة من جواز إطلاق هذا اللفظ على نفسه ، مقابل سيّده ومولاه الإمام العسكريّ عليه السلام.

وفي هذا السياق تجد أيضاً الأحاديث التي تجمع عبد الله على عبيد الله ، مقابل جهة السيادة والولاية لله على الناس جميعاً :

عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( من عرف من عبد من عبيد الله كذباً إذا حدّث ، وخلفاً إذا وعد ، وخيانة إذا أؤتمن ، ثمّ ائتمنه على أمانة كان حقّاً على الله تعالى أن يبتليه فيها ، ثمّ لا يخلف عليه ولا يأجره ) (2).

وبهذا المفهوم كما في أعلاه ، يصحّ بل يستحبّ التسمية بعبد النبيّ ، وعبد الحسين ، وأمثالهما.

ومثله أيضاً : عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ : ( مَّا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) ؟ قال : ( قال علي بن أبي طالب عليه السلام : ليس عبد من عبيد الله ، ممّن امتحن الله قلبه للإيمان ، إلاّ وهو يجد مودّتنا على قلبه فهو يودّنا ،

ص: 168


1- 1. التوحيد : 101.
2- 2. الكافي 5 / 299.

وما من عبد من عبيد الله ، ممّن سخط الله عليه ، إلاّ وهو يجد بغضنا على قلبه فهو يبغضنا ، فأصبحنا نفرح بحبّ المحبّ ، ونغتفر له ونبغض ) (1).

وبما أنّ هذه المنزلة تكون مشتركة اشتراكاً إيجابياً ، كما تبيّن آنفا - بين الله السيّد والمولى ، وبين أوليائه الذين جعلهم سادة وأولياء - بدلالة الآية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ) (2) ، والكثير من الأحاديث ، كحديث الغدير ، أو تشترك اشتراكاً قد يكون سلبيّاً ، كما في قوله تعالى : ( مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) (3) ، وقوله : ( ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) (4) ، من غير إضافتهم لله ، حيث توحي الآية أنّ العبيد هم الذين ظلموا أنفسهم باتخاذهم سادة وأولياء من الناس ، بغير أمر الله تعالى ورضاه ( وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ) (5).

أمّا فيما يخصّ المعنى الثالث للفظة عبد ، فيأتي مقابل لفظة ربّ ، وروي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال بعد كلام طويل لمدع كاذب : ( يرجو الله في الكبير ، ويرجو العباد في الصغير ، فيعطي العبد ما لا يعطي الربّ ) (6).

فيظهر الإمام عليه السلام المقابل للفظة عبد في هذا السياق ، وهو ربّ ، وكذلك يبيّن أنّ جمع عبد إذا وردت على هذا المعنى هو عباد ، وليس عبيد.

وأُنظر أيضاً ما علّمه الإمام عليه السلام : فإذا جلس من نومه ، فليقل قبل أن يقوم : ( حسبي الله ، حسبي الربّ من العباد ، حسبي الذي هو حسبي منذ كنت ،

ص: 169


1- 1. تأويل الآيات 2 / 446.
2- 2. المائدة : 55.
3- 3. ق : 29.
4- 4. آل عمران : 182.
5- 5. البقرة : 257.
6- 6. شرح نهج البلاغة 9 / 226.

حسبي الله ونعم الوكيل ) (1).

ثمّ لاحظ ، كيف أنّ الإمام يربط حالة الجمع - عباد - مع العمل في الحديث :

عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى : ( وللهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) قال : ( نحن والله الأسماء الحسنى ، التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلاّ بمعرفتنا ) (2).

فقد قرن عليه السلام الناس الذين هم بمنزلة عباد وليس عبيد مع العمل ، وقبوله بمعرفتهم كون هذا العمل يمثّل أداء عبادي يوصف به العباد ، أو أنّ الناس سمّوا عباداً بعبادة الربّ ، وسمّوا عبيداً بالمنزلة والتواضع ، والاتباع وفرض الإطاعة ، وهي صفة ينبغي أن تكون مقدّمة من مقدّمات العمل العبادي ، الذي يرقى بالعبد لأن يكون عبداً صالحاً لله ، بقبول جميع أعماله ومضاعفتها ، بذلك جعل الإمام المعرفة هي السبيل الموصل لتلك المنزلة ، كيف لا ، وقد ورد في الزيارة الجامعة أنّ : ( من أطاعكم فقد أطاع الله ، ومن عصاكم فقد عصى الله ) ، وكذلك : ( من والاكم فقد والى الله ).

والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

( صاحب محمّد مهدي - العراق - 45 سنة - ماجستير هندسة )

تعقيب حول الموضوع :

عند اطلاعي على الأسئلة العقائديّة في الأسماء المركّبة ، مثل عبد الحسين ، وعبد النبيّ وما شابهها من الأسماء ، التي هي صفة لأسماء شيعة أهل البيت عليهم السلام ،

ص: 170


1- 1. الخصال : 625.
2- 2. الكافي 1 / 143.

أُودّ أن أذكر قول لا يختلف عليه مسلم ، وهو ردّ لا يستطع أيّ شخص التشكيك فيه ، فقد ورد أنّه في غزوة حنين ، وبعد أن اشتدّ الوطيس ، وهرب من هرب من المسلمين ، وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول :

أنا الن-ب-يّ لا كذب *** أنا اب-ن عبد الم-طّ-لب

ومن المعلوم أنّ سيّد الموحّدين هو الرسول صلى الله عليه وآله ، ولو كان المقصود بعبد المطّلب اسم يدلّ على الشرك ، لكان من الأُولى أن يقول غير ذلك ، ومنه نستدلّ أنّ التسمية بعبد لأيّ اسم لا تعني العبودية للمسمّى ، وأنّ العبودية لله ليست مرتبطة باسم ، وإنّما هي مرتبطة بفعل وإيمان ، ولهذا فالرسول الأعظم هو أفضل من عبد الله ، وهو أفضل عبيد الله ، ولهذا قرن باسمه الشريف محمّد عبده ورسوله.

ولعلّ التسمية بعبد ملحقة بأحد الأسماء ، التي هي أفضل من وحّد الله تذكّر دائماً بالتوحيد والإخلاص لله من المسمّى والمنادي.

ص: 171

ص: 172

تفضيل الأئمّة :

اشارة

( السيّد مهدي - إيران - .... )

وجوه تفضيل علي على الأنبياء :

س : هل علي بن أبي طالب أفضل من كلّ الأنبياء؟

ج : يمكن الاستدلال لتفضيل أمير المؤمنين عليه السلام على الأنبياء عليهم السلام بوجوه كثيرة ، منها :

الوجه الأوّل : مسألة المساواة بين أمير المؤمنين عليه السلام والنبيّ صلى الله عليه وآله.

نستدلّ لذلك بالكتاب أوّلاً ، بآية المباهلة ، حيث يدلّ قوله تعالى : ( وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) (1) على المساواة ، وليس المراد بقوله : ( وَأَنفُسَنَا ) نفس النبيّ صلى الله عليه وآله ، لأنّ الإنسان لا يدعو نفسه ، بل المراد به غيره ، وأجمعوا على أنّ ذلك الغير ، كان علي بن أبي طالب عليه السلام.

فدلّت الآية على أنّ نفس علي هي نفس النبيّ صلى الله عليه وآله ، ولا يمكن أن يكون المراد منه أنّ هذه النفس هي عين تلك النفس ، فالمراد أنّ هذه النفس مثل تلك النفس ، وذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه ، إلاّ في النبوّة والأفضلية ، لقيام الدلائل على أنّ محمّداً كان نبيّاً ، وما كان علي كذلك ، ولانعقاد الإجماع على أنّ محمّداً كان أفضل من علي ، فيبقى فيما وراءه معمولاً به.

ثمّ الإجماع دلّ على أنّ محمّداً صلى الله عليه وآله كان أفضل من سائر الأنبياء عليهم السلام ، فيلزم أن يكون علي عليه السلام أفضل من سائر الأنبياء.

ص: 173


1- 1. آل عمران : 61.

وأمّا المساواة بين أمير المؤمنين والنبيّ من السنّة ، فهناك أدلّة كثيرة ، وأحاديث صحيحة معتبرة ، متّفق عليها بين الطرفين ، صريحة في هذا المعنى - أي في أنّ أمير المؤمنين والنبيّ متساويان - إلاّ في النبوّة والأفضلية.

من تلك الأحاديث ، حديث النور : ( كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى ، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق الله آدم قسّم ذلك النور جزأين ، فجزء أنا ، وجزء علي بن أبي طالب ) (1).

فهما مخلوقان من نور واحد ، ولمّا كان رسول الله صلى الله عليه وآله أفضل البشر مطلقاً ، فعلي كذلك ، فهو أفضل من جميع الأنبياء.

الوجه الثاني : تشبيه أمير المؤمنين عليه السلام بالأنبياء السابقين.

ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله : ( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى يحيى بن زكريا في زهده ، وإلى موسى ابن عمران في بطشه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب ) (2).

فهذا الحديث يدلّ على أفضلية أمير المؤمنين من الأنبياء السابقين ، بلحاظ أنّه قد اجتمعت فيه ما تفرّق في أُولئك من الصفات الحميدة ، ومن اجتمعت فيه الصفات المتفرّقة في جماعة ، يكون هذا الشخص الذي اجتمعت فيه تلك الصفات أفضل من تلك الجماعة.

الوجه الثالث : كون الإمام علي عليه السلام أحبّ الخلق إلى الله مطلقاً بعد النبيّ ، وهذا ما دلّ عليه حديث الطير : ( اللهم ائتني بأحبّ الخلق إليك ، يأكل معي هذا الطير ) (3).

ص: 174


1- 1. نظم درر السمطين : 7 و 79 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 67 ، جواهر المطالب 1 / 61 ، ينابيع المودّة 1 / 47 و 2 / 307 ، لسان الميزان 2 / 229.
2- 2. تاريخ مدينة دمشق 42 / 313 ، مناقب الخوارزميّ : 83.
3- 3. الجامع الكبير 5 / 300 ، طبقات المحدّثين بأصبهان 3 / 454 ، البداية والنهاية 7 / 390 ، مناقب الخوارزميّ : 108 ، سبل الهدى والرشاد 7 / 191 ، ينابيع المودّة 2 / 150 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 130 ، أُسد الغابة 4 / 30 ، المعجم الأوسط 2 / 207 و 6 / 90 و 7 / 267 و 9 / 146 ، تاريخ بغداد 9 / 379 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 250 و 257.

وإذا كان علي عليه السلام أفضل الخلق إلى الله تعالى ، فيكون أفضل من الأنبياء عليهم السلام.

( منار أحمد - السعودية - 26 سنة - طالب )

تفضيل علي على الخلفاء :

س : أُريد ردّاً شافياً على تفضيل الإمام علي عليه السلام على أبي بكر وعمر؟

ج : هناك روايات كثيرة عند الفريقين تدلّ على تفضيله عليه السلام عليهما ، أمّا ببيان مساواته لنفس النبيّ صلى الله عليه وآله ، أو أنّه خير الخلق عند الله ، أو أنّه خير البشر وغيرها ، كما جاء في تفسير آية المباهلة عند أرباب التفسير.

ويكفي في المقام ما يشير إليه ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدّمة شرحه لنهج البلاغة ، إذ يعترف بالصراحة بأفضلية الإمام عليه السلام عليهما ، وعلى غيرهما ، بعبارة : الحمد لله الذي قدّم المفضول على الأفضل ....

وهو كما ترى!!

( أحمد - السعودية - .... )

الأدلّة العقلية عليه :

س : إلى السادة القائمين على مركز الأبحاث العقائديّة بقمّ المقدّسة.

لدّي سؤال ، أرجو الإجابة عليه : كيف يمكن أن نثبت عقلياً أفضلية الأئمّة عليهم السلام على جميع الأنبياء ، ماعدا أبو القاسم محمّد صلى الله عليه وآله؟

ج : إنّ الدلالة العقلية تأتي بعد التفحّص والتدقيق في معنى الإمامة ، فإنّها - كما قرّر في محلّه - أعلى رتبة من النبوّة ، فالأئمّة عليهم السلام بما هم أئمّة يكونون أفضل من الأنبياء عليهم السلام ، ما عدا نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله ، فإنّه كان نبيّاً وإماماً في نفس الوقت ، وحتّى في مورد بعض الأنبياء عليهم السلام كإبراهيم عليه السلام ، فإنّ الإمامة لم تعط له في بادئ الأمر ، وهذا هو الفارق في تفضيل أئمّتنا عليهم السلام عليه ، إذ لم

ص: 175

تكن هناك حالة انتظارية ، أو تعليق بشرط في إعطاء الإمامة لأئمّتنا الاثني عشر عليهم السلام ، بخلاف منح إبراهيم عليه السلام هذه المكانة الرفيعة ، فإن الأمر قد حصل بعد ابتلاءات متعدّدة وصعبة ، ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) (1).

( حبيب - الدانمارك - سنّي - 20 سنة )

علي أفضل من إبراهيم :

س : من كلام الإمام الرضا عليه السلام : ( إنّ الإمامة خصَّ الله عزّ وجلّ بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوّة والخلّة مرتبة ثالثة ، وفضيلة شرّفه بها ، وأشاد بها ذكره ، فقال : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) (2).

الشيعة كما أعلم تعتقد : بأنّ منزلة الأئمّة أفضل من منزلة الأنبياء جميعاً ، سوى نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله.

وعلى سبيل المثال : فعلي رضي الله عنه أفضل عند الشيعة من إبراهيم عليه السلام ، والإشكال الذي لدي هو : الإمام الرضا ذكر ثلاث مراتب لنبيّ الله إبراهيم عليه السلام وهي : الإمامة ، النبوّة ، والخلّة ، وعلي رضي الله عنه أثبتم له مرتبة الإمامة فقط ، فكيف يكون أفضل منه؟

فنحن نجد أنّ ما عند علي عند إبراهيم ، ويفضل إبراهيم عليه السلام بالنبوّة والخلّة ، فأيّهما أحقّ بالفضل والعلوّ؟

ج : أمّا إشكالك حول أفضلية أئمّتنا عليهم السلام على إبراهيم الخليل عليه السلام ، مع أنّه إمام كما هم أئمّة ، ويزيد عليهم بفضائل أُخرى كالنبوّة والرسالة والخلّة ، حتّى مع التسليم بأفضلية الإمامة على ما سواها من مراتب وفضائل وخصائص ، فنقول :

ص: 176


1- 1. البقرة : 124.
2- 2. الكافي 1 / 199 ، البقرة : 124.

1 - إن سلّمت بأفضلية الإمامة على ما سواها ، فقد كفيتنا المؤنة في إثبات ذلك ، وقطعنا نصف الطريق للوصول إلى النتيجة.

2 - إن جمعك لمراتب وفضائل إبراهيم عليه السلام وجعلها ثلاثة أو أربعة في قبال فضائل أمير المؤمنين التي جعلتها واحدة فقط وهي الإمامة ، فهذا لعدم فهمك لحقيقة الفضائل والصفات ، لأنّك إن سلّمت بأفضلية مرتبة الإمامة على سواها ، فيجب عليك أن لا تعود إلى مرتبة أدنى منها وتثبتها في عرض الإمامة ، ثمّ تقول : اجتمعت أكثر من مرتبة وأكثر من فضيلة لإبراهيم عليه السلام دون علي عليه السلام فهذا باطل ، لأنّ المراتب التي ذكرناها وسلّمت أنت بتفاوتها وتفاضلها هي مراتب طولية لا عرضية حتّى تجمع.

فالمراتب الطولية تكون فيها المرتبة العليا أسمى وأعلى مرتبة من المرتبة الأدنى ، حتّى مع التغاير في السنخ والحقيقة ، كما هو الحال بين الحياة الدنيا والآخرة ، فإنّ الآخرة بالتأكيد هي الدار الحقيقيّة ، وهي الأعلى مرتبة وأجلّ وأسمى من الدنيا ، مع أنّها لا تحتوي على مرتبة الدنيا معها ، ولا شيء من سنخ وحقيقة هذه الدنيا موجود هناك ، بل هو عالم آخر مختلف تماماً عن هذه الدنيا ، ويكون أفضل وأعلى مرتبة منها.

فكذلك الشأن في الإمامة ، فهي مرتبة أعلى وأسمى وأرقى من النبوّة والرسالة ، فلا يجب على الإمام أن يكون نبيّاً أو رسولاً ، وكذلك لا يلزم أن يكون النبيّ أو الرسول أفضل من الإمام لو كان إماماً أيضاً ، ناهيك عن عدم كونه إماماً أيضاً ، لماذا؟

لأنّنا نقول وبوضوح : إذا سلّمنا أنّ مرتبة الإمامة أعلى من النبوّة أو الرسالة ، فإنّنا نعتقد أنّ الإمامة أيضاً لها درجات ومراتب مختلفة ومتفاوتة ، كما ثبت ذلك للأنبياء والرسل بنصّ القرآن الكريم ، كقوله تعالى : ( تِلْكَ الرُّسُلُ

ص: 177

فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) (1) ، وكذلك قوله تعالى : ( وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ ) (2).

فالتفضيل ثابت بين الناس وبين المؤمنين ، وحتّى في الطعام ( وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ ) (3).

فثبت أنّ الأئمّة أيضاً ليسوا في درجة واحدة قطعاً.

3 - إنّ الدين الإسلاميّ أفضل الأديان وأكملها وأسماها وهو خاتم الديانات ، وأعلى مرتبة يمكن أن يصل إليها الإنسان في مراتب سموّه ووصوله إلى الرفيق الأعلى والحضرة المقدّسة ، ففيه يصل الإنسان إلى مرتبة الكمال التي لم يصل إليها أحد من المتقدّمين عليه مهما كان ، وإلاّ فما الداعي لكونه خاتم الأديان وأكملها وأفضلها؟ وأنّ الأنبياء لو بعثوا لما وسعهم إلاّ أن يتبعوا ويعتنقوا الإسلام.

إذاً يوجد في الإسلام - من مقتضي الكمال - ما لا يوجد في دين سواه ، بناءً على التدرّج والارتقاء والكمال في مسيرة الأديان ، وهذا ممّا لا خلاف فيه بين أحد من أهل الإسلام.

4 - إنّه ثبت من الفضائل لأهل البيت عليهم السلام ما لم يثبت لغيرهم.

فمثلاً : علوم أهل البيت كانت وراثة من النبيّ صلى الله عليه وآله ، والنبيّ عنده كلّ علوم الأوّلين والآخرين ، فهم بالتالي عندهم العلوم الكاملة ، وعندهم علم الكتاب ، كما وصفهم بذلك سبحانه وتعالى.

وأنّهم نفس رسول الله صلى الله عليه وآله ، وخاتم رسل الله ، وأفضل خلق الله ، وقد أوضح ذلك القرآن بقوله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وآله : ( وَأَنفُسَنَا ) (4) فدعا

ص: 178


1- 1. البقرة : 253.
2- 2. الإسراء : 55.
3- 3. الرعد : 4.
4- 4. آل عمران : 61.

عليّاً وحده ، وسمّاه نفسه بنصّ الكتاب العزيز.

وكذلك ما رواه أصحاب الصحاح عن النبيّ صلى الله عليه وآله كان يقول مراراً وتكراراً : ( إنّ عليّاً منّي وأنا منه ) و : ( حسين منّي وأنا من حسين ) و : ( فاطمة بضعة منّي ).

وقال في حقّهم جميعاً : ( الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما أفضل منهما ، وأُمّهما سيّدة نساء أهل الجنّة ) ، وصحّحه الألبانيّ في سلسلته الصحيحة.

فكلّ ذلك يدلّ على أفضليتهم على من سواهم من المسلمين ، ومن الأُمم السابقة.

5 - لو سلّمنا معكم جدلاً بعدم الأفضلية في الدنيا ، فنقول : إنّهم بالآخرة أفضل من غيرهم ، وهم في درجة ومنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله تفضّلاً من الله تعالى ، لقوله : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ) (1).

فهذه الآية الكريمة تنصّ على إلحاق ذرّية المؤمن وأهل بيته به في مقامه في الجنّة ، إلاّ أن تقولوا بعدم شمولها للنبيّ صلى الله عليه وآله وخروجه من هذا العموم ، كما في قضية الإرث.

( عادل - البحرين - 21 سنة - طالب الثانوي )

على الأنبياء ما عدا نبيّنا :

س : على أيّ أساس أو بماذا يمتاز الأئمّة عليهم السلام على الأنبياء دون النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله؟

وهل يختلف علمائنا حول أفضليتهم؟ بأيّ كتاب تنصحوننا نقتنيه يبحث هذا الموضوع؟

ص: 179


1- 1. الطور : 21.

ج : الذي عليه أكثر علمائنا المتأخّرين : أنّ الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام أفضل من جميع الأنبياء عليهم السلام ، حتّى أُولي العزم ، والدليل عليه وجوه.

الأوّل : ما رواه المفضّل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : ( إنّ الله تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، فجعل أعلاها وأشرافها أرواح محمّد وعلي والحسن والحسين والأئمّة عليهم السلام ، فعرضها على السماوات والأرض والجبال فغشيها نورهم.

فقال الله تبارك وتعالى للسماوات والأرض والجبال : هؤلاء أحبّائي وأوليائي وحججي على خلقي ، وأئمّة برّيتي ، ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ منهم ، ولمن تولاّهم خلقت جنّتي ، ولمن خالفهم وعاداهم خلقت ناري ... فلمّا اسكن الله عزّ وجلّ آدم وحوّاء الجنّة ... فنظرا إلى منزلة محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة بعدهم عليهم السلام فوجداها أشرف منازل أهل الجنّة ، فقالا : ... فقال جلّ جلاله : لولاهم ما خلقتكما ) (1).

الثاني : ما استفاض في الأخبار من أنّ علم الأئمّة عليهم السلام أكمل من علوم كلّ الأنبياء عليهم السلام ، وذلك أنّ من جملته علم الاسم الأعظم ، وهو ثلاثة وسبعون حرفاً ، حرف منها استأثر به الله تعالى نفسه ، واثنان وسبعون علّمها لرسوله ، وأمره أن يعلّمها لأهل بيته.

وأمّا باقي الأنبياء عليهم السلام ، فقال الإمام الصادق عليه السلام : ( إنّ عيسى بن مريم أُعطي حرفين كان يعمل بهما ، وأُعطي موسى أربعة أحرف ، وإبراهيم ثمانية أحرف ، وأُعطي نوح خمسة عشر حرفاً ، وأُعطي آدم خمسة وعشرين حرفاً ، وإنّ الله جمع ذلك كلّه لمحمّد صلى الله عليه وآله ... ) (2).

الثالث : إنّ القرآن الكريم أشار إلى أنّ الأنبياء عليهم السلام لو بعثوا في زمان النبيّ صلى الله عليه وآله ، لما وسعهم إلاّ الإيمان به واتباعه ، ومقتضى الإيمان والاتباع هو

ص: 180


1- 1. معاني الأخبار : 108.
2- 2. الكافي 1 / 230.

الامتثال لكلّ ما يأمر به النبيّ صلى الله عليه وآله واتباعه في كلّ شيء.

فلو فرضنا أنّ الأنبياء موجودون في زمان النبيّ صلى الله عليه وآله ، ونصّ على إمامة الأئمّة عليهم السلام ، وأمر بأتباعهم ، فهل يسع الأنبياء مخالفة ذلك؟

وحينئذ نسأل أيّهما أفضل الإمام أم المأموم؟ والتابع أم المتبوع؟ وإذا ثبتت أفضليتهم في هذا الحال ، فهي ثابتة في كلّ الأحوال ، فليس هناك ما يمنع من أفضلية الأئمّة عليهم السلام على سائر الأنبياء ، لا عقلاً ولا شرعاً.

الرابع : إنّ أهل السنّة رووا في كتبهم : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال : ( علماء أُمّتي كأنبياء بني إسرائيل ) (1) ، أو بمنزلة أنبياء بني إسرائيل ونحو ذلك ، وأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله يفتخر بعلماء أُمّته يوم القيامة ، فإذا كان العالم المسلم من أُمّة النبيّ صلى الله عليه وآله بهذه المنزلة والمكانة ، وهو مهما بلغ في علمه فليس بمعصوم ، فكيف بمن نصّ القرآن على عصمتهم؟ ونوهّ النبيّ صلى الله عليه وآله بفضلهم ، وورثوا العلوم عن النبيّ صلى الله عليه وآله واستغنوا عن الناس في المعارف والعلوم ، واحتياج الناس إلى علومهم ومعارفهم.

الخامس : في صفة منبر الوسيلة من النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه منبر يؤتى به في يوم القيامة ، فيوضع عن يمين العرش ، فيرقى النبيّ صلى الله عليه وآله ، ثمّ يرقى من بعده أمير المؤمنين عليه السلام ، فيجلس في مرقاة دونه ، ثمّ الحسن في مرقاة دونه إلى آخرهم ، ثمّ يؤتى بإبراهيم وموسى وعيسى والأنبياء ، فيجلس كلّ واحد على مرقاته من دون المراقي ... (2).

هذا ، وقد وقع الخلاف بين أصحابنا في أفضلية الأئمّة عليهم السلام على الأنبياء عليهم السلام ، ما عدا جدّهم صلى الله عليه وآله ، فذهب جماعة إلى أنّهم أفضل من باقي الأنبياء ما خلا أُولي العزم - فهم أفضل من الأئمّة - وبعضهم إلى مساواتهم ، وكما ذكرنا سابقاً فإنّ

ص: 181


1- 1. كشف الخفاء 2 / 64 ، تاريخ ابن خلدون 1 / 325 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 337 ، فيض القدير 1 / 21.
2- 2. اللمعة البيضاء : 217.

أكثر المتأخّرين على أفضلية الأئمّة على أُولي العزم وغيرهم ، وهو الرأي الصحيح.

وهناك الكثير من الأدلّة على أفضلية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على جميع الأنبياء والمرسلين ، أعرضنا عن ذكرها خوف الإطالة عليك ، وللتعرّف على المزيد ، راجع الكتب الآتية :

اللمعة البيضاء للتبريزيّ الأنصاريّ ، أفضلية الأئمّة عليهم السلام لمركز المصطفى ، تفضيل الأئمّة عليهم السلام للسيّد علي الميلانيّ.

ويمكن أن نستدلّ بطريقة أُخرى ، وهي :

1 - أن نثبت الإمكان العقلي ، بأن يكون هناك شخص أفضل من الأنبياء حتّى أُولي العزم ، وهذا واضح فهو ليس بعزيز على الله ولا يلزم منه محذور.

2 - أن نثبت الوقوع والوجود لمثل هذا الشخص بعد النبيّ صلى الله عليه وآله ، وهو أمير المؤمنين عليه السلام أوّل الأئمّة ، بأدلّة عديدة :

منها : مساواته للنبيّ صلى الله عليه وآله ما عدا النبوّة ، كما في آية المباهلة ، فهو نفس النبيّ صلى الله عليه وآله والنبيّ أفضل ؛ فنفسه وهو علي أفضل.

ومنها : حديث الطائر ، ومفاده أنّ عليّاً عليه السلام أحبّ الخلق إلى الله عزّ وجلّ ، وكذلك أحاديث تشبيه علي عليه السلام بالأنبياء عليهم السلام.

3 - أن نثبت وقوع الأفضلية لإمام آخر ، وهو المهديّ عليه السلام من خلال ما تواتر من صلاة عيسى خلفه ، وأنّه من اتباعه.

4 - أن نوسّع ما ثبت أعلاه حتّى يشمل بقية الأئمّة عليهم السلام ، أمّا بأحد الأدلّة المذكورة في الجواب الأوّل ، أو بطريق الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام أنفسهم ، كما أوردنا آنفاً ، بعد أن أثبتنا أفضلية علي عليه السلام ، والمهديّ من القرآن وروايات أهل السنّة ، وكذلك أنّ الأئمّة كلّهم نور واحد ، وغيرها.

5 - وبعضهم استدلّ بوجوب معرفة الأئمّة عليهم السلام - وعدم وجوب معرفة الأنبياء كلّهم - على أفضليتهم على الأنبياء.

ص: 182

( أحمد - ... - ..... )

على الشيخين :

س : الله يعطيكم العافية على جهودكم الجبّارة.

سمعت في إحدى حلقات مناظرة قناة المستقلّة : أنّ الإمام الصادق عليه السلام كان يؤنّب كلّ من يقول بأفضلية الإمام علي عليه السلام على أبي بكر وعمر ، وأنّه عليه السلام له مناظرات معهم في ذلك ، فما هو تعليقكم على ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.

ج : هذه الشبهة والدعوى ليست جديدة أو وليدة الساعة ، وإنّما استغلّت الوسائل الحديثة ، ومنها المحطّات الفضائية ، وقناة المستقلّة بالخصوص في هذا الوقت لنشرها ، وغيرها من الشبهات بصورة واسعة ، محاولة لتشكيك عوام الشيعة في عقائدهم ، ولابأس أن تسأل عمّا يحدث من عقد صفقات مع هذه القناة بالخصوص وراء الكواليس ، وعلى كلّ فهذا ليس موضوعنا الآن!

نعود إلى موضوع الشبهة ، فقد طرحه ابن حجر الهيتميّ في ( الصواعق المحرقة ) ، وقد نقل عدّة روايات عن الدارقطنيّ وغيره من العامّة ، يوحي ظاهرها بما نسب للإمام الصادق عليه السلام في أصل الشبهة ، وتبعه غيره منهم إحسان إلهيّ ظهير ، وقد أخذ ذلك منه عثمان الخميس ، ليس هذه الشبهة فحسب ، وإنّما كلّ ما يطرحه سواء على المستقلّة أو في محاضراته ومناظراته الأُخرى.

وعلى كلّ ، فإنّي لم استطع أن أخرج هذه الروايات عن الدارقطنيّ لا من سننه ولا من علله ، فربّما نقلت في كتاب آخر له لم يحضرني ، ولكن مع ذلك فقد روى جلّها المزّي في ( تهذيب الكمال ) ، والذهبيّ في ( سير أعلام النبلاء ) ، وابن حجر العسقلانيّ في ( تهذيب التهذيب ) ، وكذا رويت عن عبد الله بن أحمد بن حنبل.

والغرض من إيرادها في الكتب الثلاثة الأُولى للرجال واضح ، وهو تأكيد فحوى الشبهة المطروحة ، فإنّهم لا يستطيعون التخلّي عن الإمام الصادق عليه السلام والسكوت عنه ، وكذا لا يستطيعون الترجمة له بما هو مشهور عن مذهب أهل

ص: 183

البيت عليهم السلام ، وما هو معروف عند الشيعة الإمامية ، فاضطرّوا إلى نقل مثل هذه الروايات عنه للادعاء بأنّه عليه السلام على مذهب السنّة ، وهو موضوع الشبهة الأصلي كما تعرف ، حيث كان يكرّر عثمان الخميس أنّ جعفرنا غير جعفركم ، وهو نوع من المغالطة.

على كلّ ، فإنّ ما نقل من الروايات بعضه الأكثر عن سالم بن أبي حفصة وهو ضعيف ، كان زيدياً بترياً ، وقد ضعّفه الألبانيّ عندهم ، ومن الواضح أنّ من مثله يتقيّ منه الإمام عليه السلام ، وبعضها الآخر إمّا عن غيره من الضعفاء أو رجال العامّة ، وأمّا ظاهرة واضحة في التقيّة ، أو لا تدلّ على المطلوب أصلاً.

وقد أجاب عن أكثرها القاضي التستري في ( الصوارم المهرقة ) ، الذي هو ردّ على ( الصواعق المحرقة ) لابن حجر الهيتميّ.

ثمّ أنّ ما ذُكر في أصل الشبهة مجمل يراد به خلط الأوراق وإيهام السامع ، إذ يجب أن تطرح الشبهة على عدّة أقسام :

1 - أنّ الإمام الصادق عليه السلام كان ينهى عن سبّ ولعن الشيخين ، أو أن يفاضل أحد بينهما وبين علي عليه السلام.

2 - أنّ الإمام الصادق عليه السلام كان يقول بأفضليتهما على جدّه أمير المؤمنين عليه السلام.

3 - أنّه كان يرجو شفاعتهما يوم القيامة.

4 - أنّه كان يتولاّهما.

5 - أنّه كان يعتقد بأنّهما تسلّما موضع الخلافة عن حقّ.

6 - أنّه كان يعتقد أنّهما لم يظلما فاطمة عليها السلام ، أو أهل البيت عليهم السلام عموماً ، ولم يغتصبا حقّهم.

ولعلّ بعض الأقسام داخلة في البعض ، ونحن نحاول أن نجيب على بعضها مختصراً ، ونكتفي به عن الجواب عن الباقي من الأقسام.

وللجواب نقدّم مقدّمة وهي : إنّ كلّ ما روي من طرق الآخرين ليس حجّة علينا ، وإنّما الحجّة أن تكون من طرقنا ، هذا فضلاً عمّا ذكرناه سابقاً

ص: 184

من الحمل على التقيّة ، وضعف السند ، وعدم الدلالة على المطلوب ، وعليه بعد التسليم بصحّة طرق هذه الروايات عندهم ، أو أنّ بعضها يدعم البعض ، نقول :

الجواب على الأوّل : في الروايات التي فيها نهي عن السبّ ، فنحن أيضاً نقول به ، إذ ليس من أخلاق أئمّتنا السبّ ، أو أنّهم يرضون لشيعتهم أن يسبّوا أعدائهم ، ونهي أمير المؤمنين عليه السلام أصحابه عن سبّ أصحاب معاوية معروف مشهور.

وأمّا النهي عن اللعن والتفضيل ، فالتقيّة لحفظ كيان الطائفة من الأُمور الواجبة ، وسيأتي لعنهما منه عليه السلام في غير مورد التقيّة.

وعلى الثاني : بغض النظر عن أدلّة الشيعة في فضل علي عليه السلام وأنّه مساوٍ لرسول الله صلى الله عليه وآله ونفسه بآية المباهلة ، أُورد لك هنا حديثين عن الإمام الصادق عليه السلام من عشرات الأحاديث عنه ، وعن باقي الأئمّة ، وعليك باستخراج الباقي.

روى الشيخ الصدوق بسنده عن التميميّ قال : حدّثني سيّدي علي بن موسى الرضا عليهما السلام قال : ( حدّثني أبي موسى بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال : حدّثني أبي محمّد بن علي قال : حدّثني أبي علي بن الحسين قال : حدّثني أبي الحسين بن علي قال : حدّثني أخي الحسن بن علي قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب عليه السلام قال : قال لي النبيّ صلى الله عليه وآله : أنت خير البشر ، ولا يشكّ فيك إلاّ كافر ) (1).

وعن سنان بن طريف عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( إنّا أوّل أهل بيت نوّه الله بأسمائنا ، إنّه لمّا خلق السماوات والأرض أمر منادياً فنادى : اشهد أن لا اله إلاّ الله - ثلاثاً - اشهد أنّ محمّداً رسول الله - ثلاثاً - اشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً - ثلاثاً - ) (2).

ص: 185


1- 1. الأمالي للشيخ الصدوق : 136.
2- 2. الكافي 1 / 441.

فمن يروي مثل هذه الأحاديث كيف يفضّل على جدّه علي عليه السلام غيره كائناً من كان؟ وأرجو الانتباه أنّه هنا لا يجدي تضعيف مثل هذه الروايات الذي ربما يلجأ إليه الخصم ، وذلك لكثرة الصحيح منها ، ثمّ أنّها تدخل في التواتر مضموناً - فلاحظ -.

وعلى الثالث : فعن محمّد بن المثنى الأزدي : أنّه سمع أبا عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام يقول : ( نحن السبب بينكم وبين الله عزّ وجلّ ) (1).

فإذا كان الإمام الصادق عليه السلام هو السبب بين الله والناس ، فكيف يجعل بينه وبين الله أبو بكر وعمر سبباً ، وفي باب الشفاعة روايات صريحة لم يسعفني الوقت بتتبعها وإيرادها ، فراجع.

ولكن اسمع هذه الرواية عن حنان بن سدير قال : حدّثني رجل من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : ( إنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة لسبعة نفر : أوّلهم ابن آدم الذي قتل أخاه ، ونمرود الذي حاجّ إبراهيم في ربّه ، واثنان في بني إسرائيل هودّا قومهما ونصّراهما ، وفرعون الذي قال : أنا ربّكم الأعلى ، واثنان من هذه الأُمّة ، أحدهما شرّهما في تابوت من قوارير تحت الفلق في بحار من نار ) (2).

فإذا كانا في تابوت من نار ، فكيف يشفعان له عليه السلام!

وعلى الرابع : عن الحسين بن ثوير وأبي سلمة السرّاج قالا : سمعنا أبا عبد الله عليه السلام ، وهو يلعن في دبر كلّ مكتوبة أربعة من الرجال ، وأربعاً من النساء : التيمي والعدوي وفعلان ومعاوية - ويسميهم - وفلانة وفلانة وهند وأُمّ الحكم أخت معاوية (3) ، فهل معنى هذا أنّه يتولاّهما؟!

وعلى الخامس : عن إسحاق بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه

ص: 186


1- 1. الأمالي للشيخ الطوسيّ : 157.
2- 2. ثواب الأعمال : 214.
3- 3. تهذيب الأحكام 2 / 321.

جعفر بن محمّد ، عن آبائه عليهم السلام قال : ( خطب أمير المؤمنين عليه السلام خطبة بالكوفة ، فلمّا كان في أخر كلامه قال : ألا وإنّي لأولى الناس بالناس ، وما زلت مظلوماً منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقام إليه الأشعث بن قيس فقال : يا أمير المؤمنين لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلاّ وقلت : والله أنّي لأولى الناس بالناس ، وما زلت مظلوماً منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولمّا ولي تيم وعدي ألا ضربت بسيفك دون ظلامتك؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ( يا بن الخمّارة ، قد قلت قولاً فاسمع منّي : والله ما منعني من ذلك إلاّ عهد أخي رسول الله صلى الله عليه وآله ، أخبرني وقال لي : يا أبا الحسن ، إنّ الأُمّة ستغدر بك وتنقض عهدي ... ) (1).

فهذه صريحة بأنّهما لم يجلسا مجلس الخلافة بحقّ ، وهي عن الإمام الصادق عليه السلام.

وعلى السادس : عن أبان بن تغلب عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( لمّا انصرفت فاطمة عليها السلام من عند أبي بكر ، أقبلت على أمير المؤمنين عليه السلام ، فقالت : يا ابن أبي طالب ، اشتملت مشيمة الجنين ، وقعدت حجرة الظنين ، نقضت قادمة الأجدل ، فخانك ريش الأعزل ، هذا ابن أبي قحافة قد ابتزّني نحلة أبي وبليغة ابني ، والله لقد أجدّ في ظلامتي ، وألدّ في خصامي ... ) (2) ، فهي صريحة في ظلامة فاطمة عليها السلام.

وعن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : لمن كان الأمر حين قبض رسول الله؟ قال : ( لنا أهل البيت ) ، فقلت : فكيف صار في تيم وعدي؟

قال : ( إنّك سألت فافهم الجواب : إنّ الله تعالى لمّا كتب أن يفسد في الأرض ، وتنكح الفروج الحرام ، ويحكم بغير ما أنزل الله ، خلا بين أعدائنا

ص: 187


1- 1. الاحتجاج 1 / 280.
2- 2. الأمالي للشيخ الطوسيّ : 683.

وبين مرادهم من الدنيا حتّى دفعونا عن حقّنا ، وجرى الظلم على أيديهم دوننا ) (1).

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنّ الله عزّ وجلّ منّ علينا بأن عرّفنا توحيده ، ثمّ منّ علينا بأن أقررنا بمحمّد صلى الله عليه وآله بالرسالة ، ثمّ اختصّنا بحبّكم أهل البيت ، نتولاّكم ونتبرّأ من عدوّكم ، وإنّما يريد الله بذلك خلاص أنفسنا من النار ، قال : ورققت وبكيت.

فقال أبو عبد الله عليه السلام : ( سلني فو الله لا تسألني عن شيء إلاّ أخبرتك به ) ، قال : فقال له عبد الملك بن أعين : ما سمعته قالها لمخلوق قبلك ، قال : قلت : خبّرني عن الرجلين.

قال : ( ظلمانا حقّنا في كتاب الله عزّ وجلّ ، ومنعا فاطمة عليها السلام ميراثها من أبيها ، وجرى ظلمهما إلى اليوم ) ، قال - وأشار إلى خلفه - : ( ونبذا كتاب الله وراء ظهورهما ) (2).

وفي ما أوردناه كفاية ، وإنّما أردنا أن نستعرض تفاصيل الجواب على هذه الشبهة وأمثالها ، من نسبة تولّي الأوّلين إلى كلّ الأئمّة عليهم السلام ، أو إلى بني هاشم أو أولاد فاطمة ، فإنّ الجواب عليها بالأسلوب الذي سلكناه ، وعليكم التفصيل وإيراد الشواهد ، فإنّ في الباب مئات الروايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وعشرات عن الإمام الصادق عليه السلام بالخصوص صالحة للاستشهاد بها هنا ، تفوق حدّ التواتر مضموناً ، ولا مجال للطعن فيها سنداً.

ص: 188


1- 1. المصدر السابق : 226.
2- 2. الكافي 8 / 102.

التقيّة :

اشارة

( حمدي صالح. الكويت. سنّي )

جائزة للأدلّة الأربعة :

س : ما معنى كلمة التقيّة؟ هل تعني الكذب؟

فقد جاء في كتاب أُصول الكافي للكليني : عن أبي عمر الأعجمي قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : ( يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقيّة ، ولا دين لمن لا تقيّة له ... ) ، فما المقصود بالتقيّة؟

أرجوكم أرشدوني ، فقد تزايدت صفحات المتهجّمين على إخواننا الشيعة - أنا سنّي أحبّ الشيعة ، لأنّكم تحبّون أهل البيت - ومع السلامة.

ج : إنّ التقيّة رخصة شرعيّة في كتاب الله ، وسنّة الرسول صلى الله عليه وآله ، تعمل في موارد الخوف والخطر والضرر.

وقد جرت سيرة الأنبياء والأولياء والمؤمنين على العمل بها ، وقد استدلّ لجوازها بالأدلّة الأربعة :

الدليل الأوّل : القرآن :

قال تعالى : ( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) (1).

فنجد مؤمن آل فرعون يكتم إيمانه خوفاً من الضرر.

وقال تعالى : ( مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ

ص: 189


1- 1. غافر : 28.

بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (1).

فنجد الصحابيّ الجليل عمّار بن ياسر يعمل بالتقيّة ، والنبيّ صلى الله عليه وآله يمضي عمله ، ويجوّز له العمل بها.

وقد اشتهر في كتب التفسير : أنّ هذه الآية نزلت في عمّار بن ياسر الذي عُذّب في الله ، حتّى ذكر آلهة المشركين ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : ( إن عادوا فعد ) (2).

وهناك آيات أُخرى دالّة بالصراحة ، أو بالضمن على التقيّة ، وهن :

1 - ( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ ) (3).

2 - الكهف : 19.

3 - الأنعام : 119.

4 - البقرة : 195.

5 - الحالجواب : 78.

6 - فصّلت : 34.

الدليل الثاني : السنّة :

إنّ الروايات الدالّة على جواز التقيّة كثيرة ، منها :

ص: 190


1- 1. النحل : 106.
2- 2. المستدرك 2 / 357 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 8 / 208 ، فتح الباري 12 / 278 ، شرح نهج البلاغة 10 / 102 ، جامع البيان 14 / 237 ، أحكام القرآن للجصّاص 2 / 13 و 3 / 249 ، الجامع لأحكام القرآن 10 / 180 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 609 ، الدرّ المنثور 4 / 132 ، تفسير الثعالبي 3 / 443 ، فتح القدير 3 / 198 ، الطبقات الكبرى 3 / 249 ، تاريخ مدينة دمشق 43 / 373 ، سير أعلام النبلاء 1 / 411.
3- 3. آل عمران : 28.

1 - سئل الإمام الصادق عليه السلام عن التقيّة؟ فقال : ( التقيّة من دين الله ) ، قلت : من دين الله؟

قال : ( إي والله من دين الله ، ولقد قال يوسف : ( أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ) ، والله ما كانوا سرقوا شيئاً ، ولقد قال إبراهيم : ( إِنِّي سَقِيمٌ ) ، والله ما كان سقيماً ) (1).

وهناك أحاديث كثيرة بهذا المضمون.

2 - أخرج البخاريّ من طريق قتيبة بن سعيد ، عن عروة بن الزبير ، أنّ عائشة أخبرته ، أنّه استأذن على النبيّ صلى الله عليه وآله رجل قال صلى الله عليه وآله : ( ائذنوا له فبئس ابن العشيرة ) - أو بئس أخو العشيرة - فلمّا دخل ألان له الكلام.

فقلت له : يا رسول الله ، قلت ما قلت ، ثمّ ألِنت له في القول؟

فقال : ( أي عائشة ، إنّ شرّ الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه ) (2). الدليل الثالث : الإجماع :

اتّفق جميع المسلمين وبلا استثناء على أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان يدعو الناس سرّاً إلى الإسلام ، مدّة ثلاث سنين من نزول الوحي ، فلو كانت التقيّة غير مشروعة لكونها نفاقاً ، لما مرّت الدعوة إلى الدين الحنيف بهذا العمر من التستّر والكتمان.

وقد نقل الإجماع - على أنّ التقيّة مشروعة وجائزة - جمهرة من علماء السنّة ، منهم : القرطبيّ المالكيّ (3) ، ابن كثير الشافعيّ (4).

الدليل الرابع : العقل أو العقلاء :

إنّ التقيّة موافقة لمقتضاه ، فإنّ جميع الناس يستعملونها في حالات الخطر

ص: 191


1- 1. الكافي 2 / 217 ، المحاسن 1 / 258.
2- 2. صحيح البخاريّ 7 / 102.
3- 3. الجامع لأحكام القرآن 10 / 182.
4- 4. تفسير القرآن العظيم 2 / 609.

والضرر ، من دون أن يسمّوها تقيّة.

الفتاوى والأقوال :

وأمّا فقه المذاهب الإسلاميّة ، فقد ذهبوا إلى جوازها فتجد :

1 - الإمام مالك يقول بعدم وقوع طلاق المكره على نحو التقيّة ، محتجّاً بذلك بقول الصحابيّ ابن مسعود : ( ما من كلام يدرأ عنّي سوطين من سلطان إلاّ كنت متكلّماً به ) (1).

ولاشكّ أنّ الاحتجاج بهذا القول ، يعني جواز إظهار خلاف الواقع في القول عند الإكراه ، ولو تمّ أي الإكراه بسوطين.

2 - ابن عبد البرّ المالكيّ (2) حيث أفتى بعدم وقوع عتق المكره وطلاقه ، ولو كانت التقيّة لا تجوز في العتق والطلاق عند الإكراه من ظالم عليهما لقال بوقوعهما.

وغيرهما كثير (3).

( علي حسين - السعودية - سنّي )

هي أمر فطري :

س : الذي أعرفه ويعرفه الكثيرون أنّ أُصول مذهبكم تقوم على التقيّة.

ج : إنّ مقتضى الإنسانية : أن يكون الإنسان ذا إنصاف في الحكم على من يعتقد غير عقيدته ، وأن يتفحّص أوّلاً ، ويقرأ كتب علماء المتخاصمين ثمّ يحكم ، لا أن يتكلّم بجهل وعدم دراية.

ص: 192


1- 1. المدونة الكبرى 3 / 29.
2- 2. أُنظر : الكافي في فقه أهل المدينة : 503.
3- 3. أُنظر : تفسير ابن جزي : 366 ، الجامع لأحكام القرآن 10 / 182 ، المبسوط للسرخسيّ 24 / 48 و 51 و 77 و 152 ، فتح الباري 12 / 278 ، المجموع 18 / 3 ، المغني لابن قدامة 8 / 262.

وعليه نوصيك بمطالعة كتب الشيعة أوّلاً ، ثمّ تحكيم العقل ، فإنّ التقيّة أمر فطريّ ، تستعملها أنت وجميع البشرية ، من دون أن تعرف أنّها تقيّة.

فالتقيّة لا تستعمل إلاّ في حالات الخوف الشديد ، حيث يضطرّ الإنسان إلى إظهار غير ما يعتقد ، وكتمان ما يعتقد.

هذا ، وفي القرآن الكريم ، وفي السنّة النبويّة ، ما هو صريح في التقيّة.

ثمّ لم نعرف مقصودك من أنّ أُصول مذهبكم تقوم على التقيّة ، إذ أنّ أُصول المذهب الشيعيّ هي الأُصول والأركان الأساسيّة للدين الإسلاميّ ، والتي تقوم على أدلّة مبرهنة وواضحة ، وإنّما التقيّة حكم من أحكامها ولها أدلّتها ، ولكن ليست هي من أُصول المذهب حتّى تزعم أنّ الدين والعقيدة تقوم على أساسها.

( جعفر - الكويت - .... )

لا تقيّة في النبيذ والمسح على الخفّين :

س : قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : ( والتقيّة في كلّ شيء إلاّ في النبيذ ، والمسح على الخفّين ) (1).

أرجو منكم شرح العبارة السابقة ، وما الحكمة من ذلك؟ وشكراً لكم على جهودكم.

ج : قد أشار الإمام الصادق عليه السلام بقوله : ( والتقيّة في كلّ شيء ) إلى أنّ التقيّة غير مختصّة بالأحكام والأعمال الدينية ، بل تكون في الأفعال العرفية أيضاً ، مثل الخلطة بهم ، وعيادة مرضاهم ، ونحوها.

وأمّا عدم التقيّة في شرب النبيذ ، ومسح الخفّين ، هو لعدم وقوع الإنكار فيهما من العامّة غالباً ، لأنّ أكثرهم يحرّمون المسكر ، ولا ينكرون خلع

ص: 193


1- 1. الكافي 2 / 217.

الخفّ ، وغسل الرجلين ، بل الغسل أولى منه ، نعم ، إذا قدّر خوف ضرر نادراً جازت التقيّة.

وجاء في شرح أُصول الكافي : ( وقال الشيخ الطوسيّ : لا تقيّة فيهما لأجل مشقّة يسيرة لا تبلغ إلى الخوف على النفس أو المال ، وإن بلغت أحدهما جازت.

ويقرب منه قول من قال : لا ينبغي الاتقاء فيهما ، وإن حصل ضرر عظيم ، ما لم يؤدّ إلى الهلاك.

وقيل : عدم الاتقاء مختصّ بالمعصوم عليه السلام ، باعتبار أنّ الاتقاء لا ينفعه ، لكون لا حكم فيها معروفاً من مذهبه ) (1).

( ... - .... - .... )

مفهومها وأنواعها :

س : ورد في أحد الأخبار : أنّ معاوية أتى باثنين ، فأمرهما بسبّ أمير المؤمنين عليه السلام ، ففعل أحدهما فأطلقه معاوية ، وامتنع الآخر فقتله ، فلمّا سمع بذلك الإمام علي عليه السلام قال ما معناه : ( أمّا الأوّل فبرخصة الله أخذ ... ) ، فهل معنى هذا أنّه يجوز ترك العمل بالتقيّة؟

وهل توجد تقيّة اسمها تقيّة تخييرية؟

ج : هذه القصّة مروية عن الرسول صلى الله عليه وآله في رجلين عُرض عليهما البراءة منه صلى الله عليه وآله ، فأبى أحدهما ، ووافق الآخر تقيّة ، إلى آخر القصّة.

وطبيعي أنّ التقيّة إذا اجتمعت شروطها لاشكّ في صحّتها بل وجوبها ، كما حدّث القرآن الكريم بقوله : ( إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ) (2) ، وقوله : ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) (3).

ص: 194


1- 1. شرح أُصول الكافي 9 / 119.
2- 2. آل عمران : 28.
3- 3. النحل : 105.

فالتقيّة هي أسلوب في التحفّظ على الحقّ ، حتّى لا يلزم إلحاق الضرر بالحقّ نفسه ، أو بأهل الحقّ إذا خيف من إظهاره ، ما لم يُخش على نفس الحقّ من الضياع ، فإذا تعرّض نفس الحقّ إلى الضياع بسبب التقيّة فلا تقيّة فيه ، وهذا ما يعبّر عنه بحفظ بيضة الإسلام ، أو بيضة الحقّ.

ثمّ إنّ الإنسان يكون في بعض المواقع مخيّراً بين التقيّة وعدمها ، وذلك من خلال موازنة المصالح والمفاسد ، فأحياناً تكون التقيّة واجبة ، وأحياناً محرّمة ، وأحياناً يتخيّر الإنسان ، والظاهر من الرواية أنّ الموقع كان موقع تخيير ، وهذا هو معنى التقيّة التخييرية.

هذا بناءً على صحّة الرواية ، والله أعلم.

( محمّد إسماعيل قاسم - الكويت - 16 سنة - طالب )

معالجة ما يعارضها في صحيحة زرارة :

س : ذكر الشيخ السبحانيّ في المسح على الخفّين على ضوء الكتاب والسنّة :

1 - روى الشيخ الطوسيّ في التهذيب بسند صحيح عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : هل في مسح الخفّين تقيّة؟ فقال : ( ثلاثة لا أتقيّ منهن أحداً : شرب المسكر ، ومسح الخفّين ، ومتعة الحجّ ) (1).

ووجدت في العروة الوثقى : ( يجوز المسح على الحائل - كالقناع والخف والجورب ونحوها - في حالة الضرورة من تقيّة ، أو برد يخاف منه على رجله ... ) (2).

والسؤال هو : أنّ في الحديث يقول الإمام بعدم جواز التقيّة في المسح على الخفّ ، وفي المسألة عكس ذلك؟ ودمتم موفّقين.

ص: 195


1- 1. تهذيب الأحكام 1 / 362.
2- 2. العروة الوثقى : 69.

ج : الأحكام الفقهيّة لا تستنبط عادةً من رواية واحدة وإن كانت صحيحة ، بل من مجموع النصوص الواردة في المسألة ، أي يجب على الفقيه أن يتتبّع كافّة الأحاديث المتعلّقة بالموضوع ، ثمّ يميّز المعتبر منها ، ويرى وجه الجمع بينها إن كانت متعارضة من حيث الدلالة ، ثمّ يخرج بالنتيجة التي تعتبر فتواه.

فلربما حديث صحيح سنداً ، ولكن لا يمكن الاعتماد عليه بسبب معارضته بمثله مدلولاً ، فيطرح في مقام الاستدلال.

وفي موضوع س : وردت روايات كثيرة - فيها معتبرات - على جواز أو وجوب التقيّة مطلقاً - أي في كافّة الموارد - فيتعارض إطلاق هذه الأخبار مع صحيحة زرارة.

وفي هذا المقام ذكر الفقهاء عدّة وجوه للجمع بين الطرفين :

منها : أنّ صحيحة زرارة تحمل على نفي وجوب التقيّة في تلك الموارد ، والأخبار المطلقة تنصرف إلى جواز التقيّة من دون وجوب ؛ فتكون التقيّة في هذه الموارد الثلاث جائزة ، وفي غيرها واجبة.

ولعله مراد زرارة حيث علّق في ذيل الصحيحة المذكورة فقال : ولم يقل عليه السلام : الواجب عليكم أن لا تتّقوا فيهن أحداً.

منها : المراد من نفي التقيّة في هذه الموارد المذكورة ، نفيها موضوعاً لا حكماً ؛ أي لا فرض للتقيّة غالباً في تلك الموارد ، لاختلاف مذاهب المخالفين فيها ، فلا يكون في ترك المسح على الخفّين خوف الضرر.

وبعبارة أُخرى : بما أنّ غير الشيعة يختلفون في هذه المسألة ، فتوجد هناك مندوحة ورخصة عملية في ترك المسح على الخفّ ، بل المسح على البشرة ، فإن اطلع على هذا العمل أحد منهم ، يتوهّم أنّه على مذهب من مذاهبهم.

ص: 196

التكتّف :

اشارة

( .... - أمريكا - .... )

الظاهر أنّه من محدثات عمر :

السؤال : أُودّ أن أشكركم على الجهود التي تبذلونها لوجه الله تعالى في الردّ على بعض الشبهات ، التي نقابلها من بعض الجماعة الذين عندهم حبّ استطلاع عن مذهب آل البيت عليهم السلام ، ماذا يكون ردّنا على هؤلاء ، من يقول بأنّ الشيعة تختلف عن بقية المذاهب في الصلاة ، حيث أنّ الشيعة يسبلون وغيرهم يتكتّف ، أو يشبك اليدين عند القيام ، وجزاكم الله عنّا خيراً.

ج : الإسبال عندنا في الصلاة واجب ، لورود مجموعة من الروايات عن أهل البيت عليهم السلام.

وأمّا التكتّف في الصلاة - أو ما يسمّى التكفير - فالظاهر أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي أحدثه ، كما جاء في جواهر الكلام : ( حكي عن عمر لمّا جيء بأُسارى العجم كفّروا أمامه ، فسأل عن ذلك ، فأجابوه : بأنّا نستعمله خضوعاً وتواضعاً لملوكنا ، فاستحسن هو فعله مع الله تعالى في الصلاة ، وغفل عن قبح التشبيه بالمجوس في الشرع ) (1).

ولابدّ لهذه الحكاية المنقولة من وجه ، مع النظر إلى إنكار المالكيّة وجوبه ، بل وترى كراهيّته في الفرائض (2) ، خصوصاً أنّ الشافعيّ وأبا حنيفة ، وسفيان

ص: 197


1- 1. جواهر الكلام 11 / 19.
2- 2. أُنظر : المدونة الكبرى 1 / 74 ، بداية المجتهد 1 / 112 ، المجموع 3 / 311 ، نيل الأوطار 2 / 200 ، المغني لابن قدامة 1 / 513 ، المبسوط للسرخسيّ 1 / 20.

وأحمد بن حنبل ، وأبا ثور وداود ، كانوا يذهبون إلى استحبابه لا وجوبه ، وحتّى أنّ الليث بن سعد كان يرى استحباب الإسبال (1).

وعلى الأخصّ ذكر ابن أبي شيبة : ( أنّ الحسن والمغيرة ، وابن الزبير ، وابن سيرين ، وابن المسيّب ، وسعيد بن جبير ، والنخعي كانوا يرسلون أيديهم في الصلاة ، ولا يضعون إحداهما على الأُخرى ، بل كان بعضهم يمنع وينكر على فاعله ) (2).

ومع هذا الاختلاف الواسع في حكمه - مع أنّ كيفية صلاة النبيّ صلى الله عليه وآله كانت بمرأى ومنظر الصحابة كلّهم - هل يعقل أن يكون من السنّة؟! فالإنصاف أن نحكم بأنّه بدعة ابتدع في زمن ما ، خصوصاً بالنظر إلى الروايات المذكورة في كتب الشيعة ، بأنّ هذا كان من فعل المجوس ، وأهل الكتاب (3).

ولا يخفى على المتّتبع : أنّ دخول الفرس المجوس كأُسارى إلى المدينة ، واختلاطهم بالمسلمين كان على عهد عمر ، فلا يبعد أن تكون هذه البدعة قد حدثت في خلافته ، ولم يردعهم هو عن ذلك ، بل وعمل بها ، فأصبحت سنّة متخذّة عندهم.

( ... - ... - ..... )

ردّ أدلّة أهل السنّة في استحبابه :

س : هل توجد أدلّة نقلية ، وخاصّة من الكتب السنّية - مثل البخاريّ أو مسلم أو غيره - تثبت أنّ رسول الله لم يصلّي متكتّفاً بل صلّى مسبلاً ، لأنّه تسبّب لي بعض المضايقات ، حيث يسألوني بعض الأصدقاء : لماذا أخالفهم في

ص: 198


1- 1. فتح الباري 2 / 186.
2- 2. المصنّف لابن أبي شيبة 1 / 428 ، المجموع 3 / 311 ، المغني لابن قدامة 1 / 513 ، الشرح الكبير 1 / 514 ، عمدة القارئ 5 / 407.
3- 3. الكافي 3 / 299 ، دعائم الإسلام 1 / 159 ، علل الشرائع 2 / 358.

الصلاة؟ وبأنّ الرسول كان يصلّي متكتّفاً ، ولم يصلّي يوماً مسبلاً ، ودمتم في رعاية الله وحفظه.

ج : وردت روايات كثيرة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام تنهى عن التكتّف في الصلاة ، ولهذا حكم فقهاؤنا ببطلان الصلاة به ، وللوقوف على بعض تلك الروايات ، راجع كتاب وسائل الشيعة للشيخ الحرّ العامليّ / كتاب الصلاة / باب 15 من قواطع الصلاة ح 1 - ح 7.

فإنّه ورد لا تكفّر ، فإنّما يفعل ذلك المجوس. والتكتّف في الصلاة عمل ، وليس في الصلاة عمل.

ولو كان التكتّف ثابتاً عن النبيّ صلى الله عليه وآله لشاع واشتهر ، إذ أنّ الصلاة تؤدّى في كلّ يوم خمس مرّات كفرض ، ما عدا المندوب.

هذا ويرى مالك عدم وجوب التكتّف ، بل يرى كراهيته في الفرائض (1).

ويرى الشافعيّ وأبو حنيفة ، وسفيان وأحمد بن حنبل ، وأبو ثور وداود إلى استحباب التكتّف لا وجوبه ، وهذا دليل على أنّ التكتّف ليس من واجبات الصلاة فيجوز تركه ، وحتّى أنّ الليث بن سعد كان يرى استحباب الإسبال (2).

ثمّ إنّ حجّة الجمهور في استحباب التكتّف هو أوّلاً : حديث وائل بن حجر - الذي انفرد به مسلم في صحيحه - أنّه رأى النبيّ رفع يديه حين دخل في الصلاة كبّر ثمّ التحف بثوبه ، ثمّ وضع يده اليمنى على اليسرى ، فلمّا أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ، ثمّ رفعهما ، ثمّ كبّر فركع ... (3).

وفيه : أوّلاً : كيف رأى النبيّ صلى الله عليه وآله واضعاً يده اليمنى على اليسرى بعدما التحف بثوبه؟

وثانياً : رؤية النبيّ صلى الله عليه وآله واضعاً يده اليمنى على اليسرى لا تدلّ على استحباب

ص: 199


1- 1. المغني لابن قدامة 1 / 513 ، المجموع 3 / 311.
2- 2. فتح الباري 2 / 186.
3- 3. صحيح مسلم 2 / 13.

العمل - كما هم يزعمون - بل تدلّ على جواز العمل.

والحجّة الثانية هو : حديث أبي حازم عن سهل بن سعد قال : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. قال أبو حازم : لا أعلمه إلاّ ينمى ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وآله ، قال إسماعيل : يُنمى ذلك ، ولم يقل : ينمي (1).

وفيه : ما هو الدليل على أنّ الآمر هو النبيّ صلى الله عليه وآله؟ بل نفس الأمر شاهد على أنّه أمر طارئ وحادث لم يكن في عصر الرسول صلى الله عليه وآله ، وإلاّ فلا يحتاج إلى الأمر به ، لأنّ رؤية صلاته صلى الله عليه وآله كانت كافية على الأمر به ، وإذا كان هو أمر حادث بعد النبيّ صلى الله عليه وآله فيكون بدعة ، ولا يجوز العمل به ، أو لا أقلّ التجنّب عنه عملاً بالاحتياط.

( .... - مصر - 23 سنة )

لم يحصل في صلاة النبيّ :

س : هل توجد رواية في كتب أهل السنّة تبيّن كيفية صلاة النبيّ صلى الله عليه وآله؟ وأنّه مسبل فيها غير متكتّف؟ وإن وجدت فهل سندها قويّاً حتّى يمكن الاستشهاد بها على إخواننا أهل السنّة؟ وشكراً جزيلاً ، ودمتم في بركة الله.

ج : نعم ، وردت رواية ينقلها البيهقيّ في سننه (2) ، والترمذيّ في سننه (3) ، وغيرهما (4) ، ونحن نذكرها بنصّ البيهقيّ قال : ( أخبرنا أبو عبد الله الحافظ : حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب ... ، قال حدّثني محمّد بن عمرو بن عطاء ،

ص: 200


1- 1. صحيح البخاريّ 1 / 180.
2- 2. السنن الكبرى للبيهقيّ 2 / 72.
3- 3. الجامع الكبير 1 / 188.
4- 4. أُنظر : مسند أحمد 5 / 424 ، سنن الدارمي 1 / 313 ، سنن ابن ماجة 1 / 337 ، صحيح ابن حبّان 5 / 183.

قال : سمعت أبا حميد الساعديّ في عشرة من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله ، فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي.

فقال أبو حميد الساعدي : أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، قالوا : لِمَ! ما كنت أكثرنا له تبعاً ، ولا أقدمنا له صحبة. قال : بلى. قالوا : فاعرض علينا.

قال : فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه ، ثمّ يكبّر حتّى يقرّ كلّ عضو منه في موضعه معتدلاً ، ثمّ يقرأ ثمّ يكبّر ، ويرفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه ، ثمّ يركع ويضع راحتيه على ركبتيه ، ثمّ يعتدل ولا ينصب رأسه ولا يقنع ، ثمّ يرفع رأسه فيقول : ( سمع الله لمن حمده ) ، ثمّ يرفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه ، حتّى يعود كلّ عضو منه إلى موضعه معتدلاً.

ثمّ يقول : ( الله أكبر ) ، ثمّ يهوي إلى الأرض ، فيجافى يديه عن جنبيه ، ثمّ يرفع رأسه ، فيثنى رجله اليسرى فيقعد عليها ، ويفتح أصابع رجليه إذا سجد ، ثمّ يعود ، ثمّ يرفع فيقول : ( الله أكبر ) ، ثمّ يثني برجله فيقعد عليها معتدلاً ، حتّى يرجع أو يقرّ كلّ عظم موضعه معتدلاً ، ثمّ يصنع في الركعة الأُخرى مثل ذلك.

ثمّ إذا قام من الركعتين كبّر ، ورفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه كما فعل ، أو كبّر عند افتتاح الصلاة ، ثمّ يصنع مثل ذلك في بقية صلواته ، حتّى إذا كان في السجدة التي فيها التسليم ، أخّر رجله اليسرى وقعد متوركاً على شقّه الأيسر ، فقالوا جميعاً : صدق ، هكذا كان يصلّي رسول الله صلى الله عليه وآله ).

والذي يوضّح صحّة الاجتماع به الأُمور التالية :

1 - تصديق أكابر الصحابة ، وهذا العدد لأبي حميد يدلّ على قوّة الحديث ، وترجيحه على غيره من الأدلّة.

2 - أنّه وصف الفرائض والسنن والمندوبات ، ولم يذكر القبض ، ولم

ص: 201

ينكروا عليه ، أو يذكروا خلافه ، وكانوا حريصين على ذلك ، لأنّهم لم يسلّموا له أوّل الأمر أنّه أعلمهم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، بل قالوا جميعاً : صدقت ، هكذا كان رسول الله يصلّي ، ومن البعيد جدّاً نسيانهم وهم عشرة ، وفي مجال المذاكرة.

3 - الأصل في وضع اليدين هو الإرسال ؛ لأنّه الطبيعي فدلّ الحديث عليه ؛ لأنّه لو كان غير ذلك لذكر.

4 - هذا الحديث لا يقال عنه إنّه عام ، وأحاديث التكتّف خصّصته ، لأنّه وصف وعدّد جميع الفرائض والسنن والمندوبات ، وكامل هيئة الصلاة ، وهو في معرض التعليم والبيان ، والحذف فيه خيانة ، وهذا بعيد عنه وعنهم.

5 - بعض من حضر من الصحابة قد روى أحاديث التكتّف ، فلم يعترض ، فدلّ على أنّ التكتّف منسوخ ، أو على أقلّ أحواله بأنّه جائز للاعتماد لمن طوّل في صلاته ، وليس من سنن الصلاة ، ولا من مندوباتها ، كما هو مذهب الليث ابن سعد ، والأوزاعيّ ، ومالك.

ص: 202

التوحيد والتثليث :

اشارة

( حسين - البحرين - .... )

تعدّد المشيئة دليل على التوحيد :

س : كيف يمكننا الردّ على الإشكالية التي يطرحها بعض المسيح ، وهي : إمكانية الاستدلال على الثالوث عن طريق الثلاث شموع التي يتّحد نورها في ضوء واحد؟

ج : إنّ الإشكال الأساسيّ الذي يرد على الثالوث : أنّ لكلّ واحد من الثلاث له مشيئة ، فإمّا أن تتّحد مشيئة الثلاث دائماً ولا تختلف ، فهذا لا يمكن مع التزامنا بالتعدّدية ، وينجر هذا القول إلى الالتزام بالوحدانية من حيث لا يشعرون ، ولا يمكن القول بالتعدّد.

وإمّا أن تختلف ، فإذا اختلفت المشيئة عند الثلاث ، فأيّها تقدّم؟ فمن قدّمت مشيئته على غيره كان هو الربّ ، والآخر مربوب.

( ... - ... - ..... )

بهما يناظر مع المسيحية :

س : كيف نستطيع أن نناظر ونباحث مع أهل الكتاب سيّما المسيحيّين؟ جزاكم الله عن الإسلام خير الجزاء وجعلنا من جيران مولانا أمير المؤمنين في الجنّة.

ج : أهم اختلاف هو في التوحيد والتثليث ، وبهذا الموضوع يمكن مناظرتهم ، يعني لابدّ وأن تكون بداية المناظرة في هذا الموضوع ، الذي هو أصل الاختلاف.

ص: 203

ونوصيكم بمطالعة كتب العلاّمة الشيخ محمد جواد البلاغيّ قدس سره ؛ فإنّ له مؤلّفات قيّمة أمثال : التوحيد والتثليث ، الرحلة المدرسية.

وكذلك نوصيكم بمطالعة كتب الأُستاذ ديدات في مناظراته مع علماء المسيحية ، وكذلك نوصيكم بمطالعة كتاب هبة السماء رحلتي من المسيحية إلى الإسلام للأُستاذ علي الشيخ.

( ... - ... - ..... )

الردّ على شبهة ابن كمّونة :

س : هل شبهة ابن كمّونة المسمّاة بشبهة افتخار الشياطين لها حلّ وجواب؟ وأين أجد الجواب؟ في أيّ كتاب؟

ج : خير ما قيل في ردّ شبهة ابن كمّونة : إنّ المفهوم الواحد لا يمكن انتزاعه من الأُمور المتخالفة والمتباينة بما هي كذلك ، بل لابدّ في صحّته وجود جهة وحدة مشتركة بينها ، كمفهوم الإنسان المنتزع من جزئيات متباينة بالعوارض ، ومتّحدة في تمام الماهية المشتركة.

ومن أوضح البراهين على التوحيد ما أفاده بعض العباقرة ، وفرسان ميدان المعقول : أنّ الكثرة بين الأشياء إن كانت نوعية فبالماهية ، وإن كانت عددية ، فإن كانت في الجواهر فبالمادّة ولواحقها ، وإن كانت في الأعراض فبالموضوعات ، وإذا استحال أن يكون له تعالى موضوع أو ماهية أو هيولى ومادّة ، فكيف تتحقّق الأثنينية.

ويمكن استفادة الجواب على شبهة ابن كمّونة من كلام الإمام الصادق عليه السلام في حديث مع زنديق ، وكان من قول الإمام الصادق عليه السلام : ( لا يخلو قولك : إنّهما اثنان ، من أن يكونا قديمين قويّين ، أو يكونا ضعيفين ، أو يكن أحدهما قويّاً والأخر ضعيفاً ، فإن كانا قويّين ، فلم لا يدفع كلّ منهما صاحبه ويتفرّد بالتدبير ، وإن زعمت أنّ أحدهما قويّ والآخر ضعيف ، ثبت أنّه واحد

ص: 204

كما نقول ، للعجز الظاهر في الثاني.

فإن قلت : إنّهما اثنان ، لم يخل من أن يكونا متّفقين من كلّ جهة ، أو متفرّقين من كلّ جهة ، فلمّا رأينا الخلق منتظماً ، والفلك جارياً ، والتدبير واحداً ، والليل والنهار ، والشمس والقمر ، دلّ صحّة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أنّ المدبّر واحد.

ثمّ يلزمك إن ادّعيت اثنين فرجة ما بينهما حتّى يكونا اثنين ، فصارت الفرجة ثالثاً بينهما قديماً معهما ، فيلزمك ثلاثة ، فإن ادّعيت ثلاثة لزمك ما قلت في الاثنين ، حتّى تكون بينهم فرجة ، فيكونوا خمسة ، ثمّ يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة ) (1).

ص: 205


1- 1. شرح أُصول الكافي 3 / 42.

ص: 206

التوسّل والاستغاثة :

اشارة

( أُمّ عبد الله. السعودية .... )

بأهل البيت جائز :

س : لماذا نتوسّل بأهل البيت عليهم السلام؟ مع الاستشهاد بالقرآن الكريم ، والأحاديث الشريفة للشيعة والسنّة؟

ج : قد خلق الله سبحانه العالم التكوينيّ على أساس الأسباب والمسبّبات ، فلكلّ ظاهرة في الكون سبب عادي يؤثّر فيها بإذنه سبحانه ، فالماء مثلاً يؤثّر على الزرع بصريح هذه الآية : ( وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ ) (1).

والباء في الآية بمعنى السببية ، والضمير يرجع إلى الماء ، وهذا ليس بمعنى تفويض النظام لهذه الظواهر المادّية ، والقول بتأصّلها في التأثير ، واستقلالها في العمل ، بل الكلّ متدلٍّ بوجوده سبحانه ، قائم به ، تابع لمشيئته وإرادته وأمره.

هذا هو الذي نفهمه من الكون ، ويفهمه كلّ من أمعن النظر فيه ، فكما أنّ الحياة الجسمانية قائمة على أساس الأسباب والوسائل ، فهكذا نزول فيضه المعنوي سبحانه إلى العباد تابع لنظام خاصّ كشف عنه الوحي ، فهدايته سبحانه تصل إلى الإنسان عن طريق ملائكته ، وأنبيائه ورسله وكتبه ، فالله

ص: 207


1- 1. البقرة : 32.

سبحانه هو الهادي ( وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) (1).

والقرآن أيضاً هو الهادي : ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) (2).

والنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله أيضاً هو الهادي ، ولكن في ظلّ إرادة الله سبحانه : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (3).

فهداية الله تعالى تصل إلى الإنسان عن طريق الأسباب والوسائل التي جعلها الله سبحانه طريقاً لها. وإلى هذا الأصل القويم يشير الإمام الصادق عليه السلام في كلامه ، فيقول : ( أبى الله أن يجري الأشياء إلاّ بأسباب ، فجعل لكلّ شيء سبباً ، وجعل لكلّ سبب شرحاً ... ) (4).

فعلى ضوء هذا الأساس ، فالعالم المعنوي يكون على غرار العالم المادّي ، فللأسباب سيادة وتأثير بإذنه سبحانه ، وقد شاء الله أن يكون لها دور في كلتي النشأتين ، فلا غرور لمن يطلب رضا الله أن يتمسّك بالوسيلة ، قال الله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (5). فالله سبحانه حثّنا للتقرّب إليه على التمسّك بالوسائل وابتغائها ، والآية دعوة عامّة لا تختصّ بسبب دون سبب ، بل تأمر بالتمسّك بكلّ وسيلة توجب التقرّب إليه سبحانه.

وعندئذ يجب علينا التتبّع في الكتاب والسنّة ، حتّى نقف على الوسائل المقرّبة إليه سبحانه ، وهذا ممّا لا يعلم إلاّ من جانب الوحي ، والتنصيص عليه في الشريعة ، ولولا ورود النصّ لكان تسمية شيء بأنّه سبب للتقرّب بدعة في الدين ، لأنّه من قبيل إدخال ما ليس من الدين في الدين.

ص: 208


1- 1. الأحزاب : 4.
2- 2. الإسراء : 6.
3- 3. الشورى : 52.
4- 4. الكافي 1 / 183.
5- 5. المائدة : 35.

ونحن إذا رجعنا إلى الشريعة ، نقف على نوعين من الأسباب المقرّبة إلى الله سبحانه :

النوع الأوّل : الفرائض والنوافل التي ندب إليها الكتاب والسنّة ، ومنها : التقوى ، والجهاد الواردين في الآية ، وإليه يشير الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، ويقول : ( إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى ، الإيمان به وبرسوله ، والجهاد في سبيله ؛ فإنّه ذروة الإسلام ، وكلمة الإخلاص ؛ فإنّها الفطرة ، وإقامة الصلاة ؛ فإنّها الملّة ، وإيتاء الزكاة ؛ فإنّها فريضة واجبة ، وصوم شهر رمضان ؛ فإنّه جُنّة من العقاب ، وحجّ البيت واعتماره ؛ فإنّهما ينفيان الفقر ، ويرحضان الذنب ، وصلة الرحم ؛ فإنّها مثراة في المال ، ومنسأة في الأجل ، وصدقة السرّ ؛ فإنّها تكفّر الخطيئة ، وصدقة العلانية ؛ فإنّها تدفع ميتة السوء ، وصنائع المعروف ؛ فإنّها تقيّ مصارع الهوان ... ) (1).

غير أنّ مصاديق هذا النمط من الوسيلة لا تنحصر في ما جاء في الآية ، أو في تلك الخطبة ، بل هي من أبرزها.

النوع الثاني : وسائل ورد ذكرها في الكتاب والسنّة الكريمة ، وحثّ عليها الرسول صلى الله عليه وآله ، وتوسّل بها الصحابة والتابعون ، وكلّها توجب التقرّب إلى الله سبحانه.

ومن تلك الوسائل المقرّبة هم أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

فقد ورد في بعض الروايات : أنّ المراد من الوسيلة في قوله تعالى : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) هم أهل البيت عليهم السلام ، منها :

1 - قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( الأئمّة من ولد الحسين ، من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى ، وهم الوسيلة إلى الله تعالى ) (2).

ص: 209


1- 1. شرح نهج البلاغة 7 / 221.
2- 2. عيون أخبار الرضا 1 / 63 ، ينابيع المودّة 2 / 318 و 3 / 292.

2 - قال أمير المؤمنين عليه السلام في قوله تعالى ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) : ( أنا وسيلته ) (1).

3 - ورد في زيارة الجامعة الكبيرة المروية عن الإمام الهادي عليه السلام : ( مستشفع إلى الله تعالى بكم ، ومتقرّب بكم إليه ، ومقدّمكم أمام طلبتي وحوائجي ، وإرادتي في كلّ أحوالي وأُموري ... ) (2).

4 - ورد في دعاء التوسّل عن الأئمّة عليهم السلام : ( يا سادتي ومواليَّ إنّي توجّهت بكم أئمّتي وعُدّتي ليوم فقري وحاجتي إلى الله ، وتوسّلت بكم إلى الله ، واستشفعت بكم إلى الله ... ) (3).

5 - ورد في دعاء الندبة : ( وجعلتهم الذريعة إليك ، والوسيلة إلى رضوانك ... ) (4).

هذا وكانت سيرة أصحاب أئمّة أهل البيت عليهم السلام يتوسّلون بدعائهم ، لأنّ التوسّل بدعاء الإمام ؛ لأجل أنّه دعاء روح طاهرة ، ونفس كريمة ، وشخصية مثالية ، كرّمها الله وعظّمها ، ورفع مقامها وذكرها ، وقال : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (5).

فهذا هو علي بن محمّد الحجّال ، كتب إلى الإمام الهادي عليه السلام ، وجاء في كتابه : وأصابتني علّة في رجلي ، لا أقدر على النهوض والقيام بما يجب ، فإن رأيت أن تدعو الله أن يكشف علّتي ، ويعينني على القيام بما يجب عليّ ، وأداء الأمانة في ذلك ... (6).

ص: 210


1- 1. مناقب آل أبي طالب 2 / 273.
2- 2. عيون أخبار الرضا 1 / 308.
3- 3. بحار الأنوار 99 / 249.
4- 4. إقبال الأعمال 1 / 505.
5- 5. الأحزاب : 33.
6- 6. كشف الغمة 3 / 182.

وذكر ابن حجر في كتابه ( الصواعق المحرقة ) توسّل الإمام الشافعيّ بآل البيت عليهم السلام :

آل النبيّ ذريعتي *** وهم إلي-ه وسيلتي

أرجو به-م أع-طى غداً *** بيدي اليمين صحيفتي (1)

وقال الشاعر الصاحب بن عبّاد في ذلك :

وإذا الرجال توسّلوا بوسيلة *** فوسيلتي حبّي لآل محمّد

الله طهّرهم بفضل نبيّهم *** وأبان شيعتهم بطيب المولد (2)

ثمّ من المتّفق عليه جواز التوسّل بدعاء الرجل الصالح ، وبحقّه وحرمته ومنزلته ، فكيف بمن هم سادة وقدوة الصلحاء؟ ألا وهم أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

وتأييداً لما قلنا ، صرّح الزرقانيّ في شرح المواهب بجواز بل استحباب التوسّل بالنبيّ صلى الله عليه وآله لزائره (3) وغيرهم.

( رؤوف - السعودية - 27 سنة - طالب )

الأئمّة هم الوسيلة إلى الله تعالى :

س : قال الله تعالى : ( وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (4) ، وقال : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (5) ، ونحن نتّجه للأئمّة ، أنا لا أشكّ في الأئمّة ، بل لم لا نعتمد على الله ( حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) (6)؟ لم اعتمادنا على الأئمّة أكثر من اعتمادنا على الله تعالى؟

ص: 211


1- 1. الصواعق المحرقة 2 / 524.
2- 2. مناقب آل أبي طالب 3 / 399.
3- 3. شرح المواهب اللدنية 8 / 317.
4- 4. آل عمران : 122.
5- 5. غافر : 60.
6- 6. آل عمران : 173.

ج : إنّ الله تعالى قال : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .

وهو يعني أنّ العبد لابدّ أن ينقطع إلى الله تعالى في طلب كلّ شيء ، لافتقاره لكلّ شيء ، فهو المحتاج إلى الله والفقير إليه ، والله تعالى الغني عن عباده.

إلاّ أنّ ذلك لا يمنع من أن نجعل الأئمّة عليهم السلام وسيلة إلى الله تعالى ، فكما أمرنا بدعائه ، فقد أمرنا بابتغاء الوسيلة إليه ، قال تعالى : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (1) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( الأئمّة من ولد الحسين ، من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى ، وهم الوسيلة إلى الله تعالى ) (2).

وأعلم يا أخي : إنّ قلّة طاعتنا ، وكثرة ذنوبنا نحن العبيد ، كلّ ذلك يوجب حجب الدعاء عن الله تعالى ، والاستجابة لنا ، إلاّ أنّ توسّطهم عليهم السلام وشفاعتهم ، وقرب منزلتهم إلى الله تعالى ، يقتضي منه تعالى أن يستجيب دعاءنا كرامة لهم عليهم السلام.

كما إنّك لو سألت أحداً حاجة - وتعلم أنّ قضاءها يكون بتوسّط أحد مقرّبيه - فإنّ العقل يدعوك إلى أن تسأل هذا المقرّب بحاجتك ، وأن يتوسّط بحقّه وبمنزلته في قضاء حاجتك. والأئمّة عليهم السلام لكرامتهم عند الله يستجيب لنا ، ويقضي حوائجنا ، بحقّهم عنده ، ولا ينافي ذلك في توكلّنا على الله تعالى بعد أن نقرّ بربوبيّته وقدرته ، ونعترف بعبوديتنا له تعالى ، فهل ينافي هذا التوكلّ على الله تعالى ، والانقطاع إليه في أُمورنا وحوائجنا؟!

( علي - سنّي - .... )

من وسائلهما التوسّل بالنبيّ وآله :

س : تستدلّون على التوسّل بالنبيّ والأئمّة بقوله تعالى : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ

ص: 212


1- 1. المائدة : 35.
2- 2. عيون أخبار الرضا 1 / 63 ، ينابيع المودّة 2 / 318 و 3 / 292.

الْوَسِيلَةَ ) ، بينما فسّر علي الوسيلة بالعمل الصالح ، كما جاء في نهج البلاغة : خطبة 110 ، حيث قال : ( إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى ، الإيمان به وبرسوله ، والجهاد في سبيله ، فإنّه ذروة الإسلام ، وكلمة الإخلاص فإنّها الفطرة ، وإقامة الصلاة فإنّها الملّة ... ) (1).

فما تفسيركم لهذا التناقض بين الآية الكريمة ، وكلام علي في نهج البلاغة؟

ج : ليس هناك تناقض بين الآية الكريمة ، وكلام أمير المؤمنين عليه السلام ، لأنّه وردت روايات تفسّر الوسيلة بالعمل الصالح ، وأيضاً وردت عندنا روايات تفسّر الوسيلة بمعنى التوسّل بالنبيّ وأهل بيته عليهم السلام.

ثمّ إنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لم يحصر الوسيلة بالعمل الصالح ، وإنّما قال : أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى كذا وكذا ، وذكر مجموعة من الأعمال الصالحة ، وهذا معناه توجد وسائل فاضلة ، ولكن هذا أفضل.

ومن المعلوم : أنّ أفعل التفضيل تأتي للمفاضلة بين أمرين مشتركين في النوع ، مختلفين بالدرجة في الغالب.

فعندما نقول : أفضل الصلوات الصلاة الوسطى ، فهذا لا يعني أنّ بقية الصلوات غير مطلوبة.

وعندما نقول : أفضل الليالي في شهر رمضان ليلة القدر ، فهل معناه أنّ غيرها ليس فيها فضيلة؟ كلاّ.

وعندما نقول : أفضل الوسائل العمل الصالح أو التقوى ، لا يعني أنّ بقية الوسائل من التوسّل بالنبيّ وأهل بيته عليهم السلام ليس لها فضيلة.

وإن قلت : إذاً ، التوسّل بالعمل الصالح أفضل من التوسّل بالأشخاص.

قلت : أنّ الملاك الأساسيّ للمتوسِّل والمتوسَّل به هو تقوى الله تعالى ، يعني

ص: 213


1- 1. شرح نهج البلاغة 7 / 221.

الذي جعل الرسول صلى الله عليه وآله بهذا المقام عند الله تعالى هو بتقواه ، وهكذا الإنسان المتوسّل ، فكلّما يكون أكثر تقوى كلّما كان أكثر استجابة ، إذاً الملاك لكلّ منهما هو القرب إلى الله تعالى.

ثمّ إنّ دليلنا على التوسّل ليس هو الآية فقط ، وإنّما دليلنا آيات أُخرى منها : ( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) (1).

فهنا لم يقولوا : اللهم أنّا نستغفر أو اغفر لنا ، بل قالوا : يا أبانا استغفر لنا ، أي اطلب لنا من الله تعالى المغفرة.

فهذا توسّل بأبيهم يعقوب عليه السلام ، وهكذا نحن نأتي إلى الإمام عليه السلام ونقول له : بجاهك عند الله ، اسأل الله أن يغفر لنا ، ويفرّج عنّا.

مضافاً إلى خبر عثمان بن حنيف ، الذي يروي قضية توسّل ذلك الأعمى بالنبيّ صلى الله عليه وآله وشفاءه ، حيث قال : ( اللهم إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيي محمّد نبيّ الرحمة ، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّك أن يكشف لي عن بصري ، فردّ الله تعالى عليه بصره ) (2).

( أبو مجاهد - ... - ..... )

الرقية لا مانع منها عقلاً وشرعاً :

س : هل تجوز الرقية شرعاً وعقلاً؟

ج : لا مانع من الرقية عقلاً وشرعاً إذا كانت في حدودها وموازينها الشرعيّة ، فهي تدخل تحت عمومات الأدعية والتوسّل ، والتبرّك المشروع - باختلاف مواردها - فلا يصغى لما تقوله جماعة في منعها رأساً ، كيف وقد وردت في كتبهم المعتبرة أحاديث دالّة على الجواز : منها : ( استرقوا لها فإنّ بها النظرة ) (3).

ص: 214


1- 1. يوسف : 97.
2- 2. السنن الكبرى للنسائيّ 6 / 169.
3- 3. صحيح البخاريّ 7 / 23 ، المستدرك 4 / 212 ، المصنّف للصنعانيّ 11 / 16 ، الجامع الصغير 1 / 149.

ومنها : قول الرسول صلى الله عليه وآله للذي رقى بالقرآن ، وأخذ عليه أجراً : ( من أخذ برقية باطلٍ فقد أخذت برقية حقّ ) (1).

ومنها : بعدما عرض عليه صلى الله عليه وآله بعض الرقيات قال : ( لابأس بها ، إنّما هي مواثيق ) (2).

وأيضاً قد أمر صلى الله عليه وآله غير واحد من أصحابه بالرقية ، وسمع بجماعة يرقون فلم ينكر عليهم (3).

( أبو ذر - ... - ..... )

بذوات الصالحين من مسائل العقيدة :

س : التوسّل في الدعاء بذوات الصالحين بحقّهم أو جاههم ، هل هي من مسائل العقيدة أم من الفروع؟

ج : قد ثبت بالأدلّة القطعية مشروعية التوسّل ، ومطلوبيّته عند الله تعالى ، وهذا لا مجال لإنكاره بعد الوقوف على أدلّته العقلية والنقلية من الكتاب والسنّة.

ثمّ أنّ الحكم على هذا الموضوع ، إن كان من باب إثبات أو ردّ تلك الأدلّة ، فهي ترتبط بالمسائل العقائديّة ربطاً وثيقاً ، وإن كان من باب العمل ، فهي مسألة فرعية تتعلّق بأفعال المكلّف باستحبابها في إتيانها.

( الموالي - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

بقولنا يا علي :

س : يسأل البعض عن كلمة ( علي ) عندما يقولها الشيعة ، فهل هي تعني

ص: 215


1- 1. تحفة الأحوذيّ 6 / 182 و 301 ، المصنّف لابن أبي شيبة 5 / 446.
2- 2. مسند أحمد 3 / 393 ، تحفة الأحوذيّ 6 / 182 ، المعجم الأوسط 8 / 297.
3- 3. النهاية في غريب الحديث والأثر 2 / 255.

( العلي ) الله عزّ وجلّ أم الإمام علي عليه السلام؟

ج : الاستغاثة بالنبيّ صلى الله عليه وآله وبإخوانه النبيّين والمرسلين ، وبالأوصياء والصالحين ، هي عبارة عن سؤال الشفاعة منهم لقضاء الحوائج ، ودفع النوائب ، وتفريج الكروب ، ولا ريب أنّ كلّ من يناديهم من المؤمنين ، فهو عالم أنّه لا يعبد إلاّ الله ، ولا يفعل ما يريد ، ولا يمنح ما يطلب إلاّ الله ، وليس هؤلاء إلاّ شفعاء فقط.

وقد أرشدنا الله ورسوله للاستغاثة بعباد الله الصالحين من الأنبياء والأوصياء ، بقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (1).

وقد ورد في بعض الأخبار : أنّ المقصود من الوسيلة هو أمير المؤمنين علي عليه السلام (2) ، فعندما تنادي الشيعة بكلمة : ( يا علي ) في الواقع تتوسّل به عليه السلام إلى الله تعالى ، لما يحمله من المنزلة والمقام الرفيع ، والقرب من المولى تعالى.

( محمّد - الكويت - .... )

بأهل البيت مأمورون به :

س : لماذا مبدأ التوسّل بأهل البيت؟ والله تعالى يقول في كتابه بما معناه : أنّه أقرب للإنسان من حبل الوريد ، وشكراً.

ج : إنّ الله سبحانه أمرنا بذلك بقوله تعالى : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) ، فالأنبياء والأوصياء والأولياء الصالحون إنّما هم واسطة فيض ، ومن الوسائل التي نصل بها إلى الله سبحانه ، فالتوسّل بهم توسّل بالله تعالى ، بل لو لم نتوسّل بهم فإنّا خالفنا الله في عبادته والتوسّل به ، لأنّ الله يريد العبادة التي هو يأمر بها ، لا أنّ الإنسان بعقله وفكره يعبد ربّه. كما قال الشيطان عندما أمره الله أن يسجد لآدم ، أن يعفيه عن هذه السجدة ، ويسجد لله سجدة لم يسجدها

ص: 216


1- 1. المائدة : 35.
2- 2. مناقب آل أبي طالب 2 / 273.

أحد من الملائكة ، فأبى الله عليه ذلك ، وقال : أريد العبادة والسجدة التي أنا أريدها ، لا أنت الذي تريده.

وقد ورد عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام : ( بنا عرف الله ، وبنا عبد الله ) (1) ، فهم باب الله الذي منه يؤتى ، وهم السبب المتّصل بين السماء والأرض ، وهم سفن النجاة من ركبها نجى ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى.

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

فلسفة قول الشيعة : يا علي :

س : سؤالي هو : ما هو فلسفة قول الشيعة عند قيامهم ، أو عند حملهم أشياء ثقيلة : يا أبا الحسن أو يا علي ، ودمتم موفّقين لكلّ خير.

ج : في البدء لابد من البحث عن مشروعية مثل هذه الأقوال ، لأنّه إذا ثبت حرمتها ، فلا مجال ولا جدوى للبحث في فلسفة هذه الأقوال.

فنقول : الأصل في الأفعال والأقوال الحلّيّة ، كما يذكر ذلك في علم الأُصول ، وكذا في القواعد الفقهيّة : ( كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه ) (2) ، فما لم يثبت حرمة فعل أو قول فهو باق على الحلّيّة ، هذا أوّلاً.

وأمّا ثانياً ، فهو الكلام في فلسفة مثل هذه الأقوال ، فنقول : هذه الأقوال هي عبارة عن نداء يخاطب به الإنسان غيره ، كما نقول : يا زيد أو يا عمرو ، وما إلى ذلك ، فكما لا يوجد أيّ إشكال على مثل هذا النداء حيث نستعمله يومياً عشرات المرّات ، فكذا لا إشكال في قولنا : يا محمّد ويا علي.

والفرق بأنّ رسول الله وعليّاً وفاطمة أموات ، والذين نناديهم أحياء ، فيصحّ ويحل نداء الأحياء ، دون نداء الأموات ، فهو فرق لا يستلزم الاختلاف في الحكم بالحلّيّة ؛ إذ لا يوجد دليل على التفصيل بين الحلّيّة في مناداة الأحياء ،

ص: 217


1- 1. التوحيد : 152.
2- 2. الكافي 5 / 313.

والحرمة في مناداة الأموات.

هذا مضافاً إلى أنّ أيّ نداء لشخص - سواء كان حيّاً أو ميّتاً - إن كان المنادي والقائل يعتقد قدرة المنادى ، والمدعو على إعانة القائل على الأمر المعيّن على نحو الاستقلالية عن الله تعالى ، فهو شرك وحرام قطعاً.

وإن كان يعتقد بقدرة المدعو - كالنبيّ وعلي عليهما السلام - على العمل المعيّن ، كأن يدعوان له أو يشفعان له ، أو ما إلى ذلك من موارد الاستعانة ، وهذا من دون الاعتقاد باستقلالية المنادى ، بل مع اعتقاد أنّه من أولياء الله ، وأنّه يستطيع أن يعين الشخص المنادي من خلال وساطته عند الله ومنزلته عنده ، فهذا لا مانع فيه. بل الاستعانة والنداء مع هذا الاعتقاد ، هو نداء لله تعالى بصورة أُخرى ، واستعانة به تعالى.

( علي الشهراني - البحرين - 23 سنة - طالب )

الأدلّة على جوازهما :

س : أنا تصفّحت كتب الشيعة فلم أجد الإجابة الوافية بشأن التوسّل بالأموات ، خصوصاً من السنّة ، لأنّي جادلت أحد أهل السنّة بالجواز ، قال : أنا أقبل فقط من البخاريّ ومسلم. قلت : إنّك متعصّب ، هذه كلّها من مصادركم ، وأغلقت عليه الإنترنت ، وشكراً لكم.

ج : إنّ التوسّل يتصوّر على قسمين :

1 - تارة نطلب من الله تعالى بحقّ نبيّ أو إمام ، أو عبد صالح ، أن يقضي حوائجنا.

2 - وتارة نطلب من النبيّ والوصي ، والعبد الصالح ، أن يطلب من الله تعالى قضاء الحوائج.

قال تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ

ص: 218

الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (1).

وقال تعالى حكاية عن أولاد يعقوب : ( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (2).

وربما يقول قائل : إنّ هذا جائز في حال الحياة ، أمّا بعد الممات فلا ، لكونه شركاً بالله تعالى.

فيقال : إنّ الشيء لا ينقلب عمّا هو عليه ، وإذا كان جائزاً ، فلا فرق سواء كان في حياته أو بعد مماته ، إذ أنّ النبيّ آتاه الله الدرجة الرفيعة ، وهو الوسيلة إلى الله في الدنيا والآخرة ، فلا بدع لو توسّل به المؤمن في كلّ يوم ، وقال : يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله.

وروي عن عثمان بن حنيف أنّه قال : ( أنّ رجلاً ضرير البصر أتى النبيّ صلى الله عليه وآله ، فقال : أدع الله أن يعافيني. فقال صلى الله عليه وآله : ( إن شئتَ أخّرت لك وهو خير ، وإن شئتَ دعوت ). قال : فادعه.

فأمره صلى الله عليه وآله أن يتوضّأ فيحسن وضوءه ، ويصلّي ركعتين ، ويدعو بهذا الدعاء : اللهم إنّي أسألك وأتوجّه إليك بمحمّد نبيّ الرحمة ، يا محمّد إنّي توجّهت بك إلى ربّي في حاجة هذه لتقضى ، اللهم شفّعه فيّ.

قال ابن حنيف : فو الله ما تفرّقنا ، وطال بنا الحديث ، حتّى دخل علينا كأن لم يكن به ضرّ ) (3).

قال الرفاعيّ الوهابيّ المعاصر : ( لا شكّ أنّ هذا الحديث صحيح ومشهور ، وقد ثبت فيه بلاشكّ ولا ريب ارتداد بصر الأعمى بدعاء رسول الله ).

ص: 219


1- 1. النساء : 64.
2- 2. يوسف : 97 - 98.
3- 3. سنن ابن ماجة 1 / 441 ، مسند أحمد 4 / 138 ، مستدرك الحاكم 1 / 313 ، الجامع الصغير 1 / 183 ، المعجم الكبير 9 / 31 ، تاريخ مدينة دمشق 58 / 375 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 407.

وروي عن عمر بن الخطّاب ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال : ( لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا ربّ أسألك بحقّ محمّد لما غفرت لي ) (1).

هذا ، وقد جرت سيرة المسلمين في حياة النبيّ صلى الله عليه وآله وبعد وفاته على التوسّل به صلى الله عليه وآله ، والأولياء الصالحين ، والاستشفاع بمنزلتهم وجاههم عند الله تعالى.

( البحرين - سنّي - 21 سنة - طالب جامعة )

اعتقاد باستقلالية الأسباب شرك :

س : من المعلوم لدى أهل السنّة أنّ الاستغاثة والاستشفاء والتوسّل والدعاء بقبر كائن من كان شرك ، لقوله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (2).

ولقوله تعالى : ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) (3).

ولقوله تعالى : ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ) (4).

فمن يؤمن بكمال القرآن لم يسأل ، ولم يدعو ، ولم يستغفر غير الله.

ولقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (5).

وبعد هذه الآيات من القرآن لكلّ من يؤمن بالقرآن - وهذه ليست أحاديث من البخاريّ أو مسلم وإنّما قرآن - ماذا تقول فيمن يصرّ على دعاء واستغاثة غير الله تعالى؟

قد تقول : إنّ النية موجّهة إلى الله تعالى ، وحينها نقول : ما هو تعريف

ص: 220


1- 1. المستدرك على الصحيحين 2 / 615 ، سبل الهدى والرشاد 1 / 85 ، الدرّ المنثور 1 / 58.
2- 2. البقرة : 186.
3- 3. الشعراء : 80.
4- 4. النمل : 62.
5- 5. الأعراف : 194.

الشرك في عبادة الدعاء؟! بل أنّ الدعاء والكلمات سيحاسب عليها البشر ، حيث قال سبحانه : ( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (1).

ج : قولك في بداية الكلام إنّ التوسّل عند أهل السنّة شرك غير صحيح ؛ فإنّ التوسّل أجمعت على جوازه الأمّة الإسلاميّة. وخالفهم في ذلك فرقة تسمّى بالوهابيّة. وقد ردّ أهل السنّة على هذه الفرقة بردود كثيرة جدّاً منها كتاب ( شفاء السقام ) لتقي الدين السبكي ، وكتاب ( مفاهيم يجب أن تصحح ) لمحمّد بن علوي المالكي وغيرها.

وأمّا ما ذكرته من أيات قرآنية مباركة ، فإتيانك بها في هذا المقام يدلّ على على إنّك لم تفهم التوسّل حتى على المستوى اللغويّ. فإيّاك من تكرار كلام الآخرين من دون تفكير وتأمّل وتدبّر ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها ) (2).

أخي الكريم ، التوسّل هو اتخاذ الوسيلة فكلّ ما تفعل أنت من صباح يومك هذا الى صباح اليوم التالي توسّل في توسّل من استخدامك للفراش والملبس والطعام ومراجعة الطبيب وطلب النجدة من الشرطة واستغاثتك بالناس عند الغرق ...

فإذا كان التوسّل شركاً فأنت أوّل المشركين ؛ لأن الله هو القاضي للحاجات فكيف تتخذ أنت هذه الوسائل لقضاء حوائجك؟!

أخي الكريم ، إنّ من توسّل بشيء وهو يعتقد أنّه ينفع ويضرّ وله قدرة من دون الله فهو مشرك قطعاً.

ومن توسّل وهو يعتقد أنّ الوسيلة لا حول لها ولا قوّة إلاّ بالله ، إنّما هي وسيلة من الوسائل التي جعل الله سبحانه وتعالى رحمة لعباده فلا يكون المتوسّل بها مشركاً. فلا يكون طلبه الشفاء من الطبيب شركاً لأنّ الطبيب من الوسائل

ص: 221


1- 1. ق : 18.
2- 2. محمّد : 24.

التي جعلها الله للحصول على الشفاء وكذلك الدواء. وقد قال عز وجل ( فيه شفاء للناس ) (1) مع أن الله هو المشافي إلاّ أنّ العسل من الوسائل التي جعلها الله تعالى للحصول على الشفاء فمن استعان بالعسل للحصول على الشفاء لا نقول إنّه استعان بغير الله عزّ وجلّ.

ومن أفضل الوسائل في قضاء الحاجات من قبل الله عزّ وجلّ هو التوسّل إليه تعالى بمحمّد وآل محمّد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وعلى ذلك دلّت النصوص الشرعيّة مثل حديث عثمان بن حنيف الصحيح. فراجع.

وأظنّ أنّ بهذا البيان صار واضحاً جواب سؤالك الأخير وهو : ما هو تعريف الشرك في عبادة الدعاء. وهو أن تدعو غير الله أن يقضي حاجتك من دون الله. وفقك الله يا أخي لكلّ خير.

( أُمّ طلال - الكويت - 56 سنة - دكتوراه )

لا ضمان للإجابة والغفران إلاّ بهما :

س : تعليقي على أن يجوز الاستغاثة بالأموات ، كنت في مكّة ، وعند الطواف كثيرات منّا كانوا يطلبون ويتوسّلون بالأئمّة ، ولم يذكروا اسم الله تعالى ، ونحن في بيته ، شعرت بألم من ذلك ، فإذا سمحنا لكلّ واحد ينادى ويطلب من الأموات ، فمن ينادى الله؟

والأموات لا يستطيعون أداء أيّ عمل ، لأنّهم ماتوا وانقطعت أعمالهم ، ربّنا تعالى أعطى الشفاعة لحبيبنا ورسولنا محمّد صلى الله عليه وآله في يوم القيامة ، ولا يوجد أيّ دعاء لأئمّتنا أنّهم توسّلوا بجدّهم بعد وفاته ، فلماذا نحن نبتدع من عندنا؟

ج : ذكرت عدّة آيات التوسّل بالصالحين ، منها :

1 - قال تعالى : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (2) فالله تعالى يأمرنا ويطلب منّا

ص: 222


1- 1. النحل : 69.
2- 2. المائدة : 35.

التقرّب إليه بأشياء نتوسّل بها إليه ، ولا نأتيه مباشرة من دونها ، سواء فُسّرت الوسيلة بالأعمال أم فُسرت بأهل البيت عليه السلام ، فكلاهما شيء آخر غير الله نتقرّب به إلى الله تعالى.

2 - قال تعالى : ( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (1).

فها هم الخاطئون أمثالنا أخوة يوسف لم يستغفروا من الله مباشرة ، بل طلبوا الشفاعة والوسيلة من يعقوب عليه السلام ليغفر الله لهم ، ولم يردّهم يعقوب عليه السلام ، ولم ينكر القرآن ذلك ، فهذا يدلّ على الجواز وصحّة فعلهم ، وغفران الله تعالى لهم بحق وشفاعة يعقوب عليه السلام لهم.

3 - قال تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (2) ، وهذا نفس مؤدّى الآية السابقة ، بل قد تبيّن هذه الآية انحصار غفران الله تعالى الأكيد للخاطئين والظالمين بالشفاعة والتوسّل دون دعائهم المباشر ، لأنّهم ملوّثون مجرمون ، قد لا يستجاب لهم دعاء ، فلا ضمان للإجابة والغفران إلاّ بهذا الطريق ، الذي فيه من التواضع والانكسار لأولياء الله الطاهرين ، الذين هم ليسوا آلهة ، وإنّما هم أُناس وبشر ، ولكنّهم أطاعوا الله حقّ طاعته ، وعرفوه حقّ معرفته ، فالاستشفاع بهم واتخاذهم وسيلة إلى خالقهم العظيم ، والسير معهم وبجانبهم ، يجعل الله تعالى ينظر للخاطئ الظالم المظلم بفضل النور الذي توسّل واستشفع به وقرن نفسه معه ، وكلّ ذلك نعمة وفضل من الله تعالى.

فهذه يا أختاه فلسفة التوسّل والشفاعة على فهمنا ، ويعضده اختبار الله تعالى لإبليس بالسجود والخضوع لآدم فأبى واستكبر ، وقال : أسجد لك سجدة لم يسجدها أحد قبلي ولا بعدي ، أو قال : أطلب منّي كلّ شيء أفعله لك سوى

ص: 223


1- 1. يوسف : 97 - 98.
2- 2. النساء : 64.

ذلك ، فأجابه تعالى : أُريدك أن تعبدني بما أحبّ لا بما تحب ، فيا ترى ما الذي منع إبليس من السجود والخضوع لآدم؟

ولماذا يصرّ الله تعالى على هذا الاختبار دائماً ، وهو الخضوع والتوسّل بأوليائه الذين يختارهم ويصطفيهم؟

الجواب بسيط ، ويتبيّن من تركيز الإسلام على أن يكون المسلم خاضعاً متذلّلاً للمؤمن ، وليس متكبّراً مختالاً فخوراً ، كي يكون عبداً حقيقياً لله تعالى من باب أولى ، والله العالم.

( عبد الحسين الجعفريّ - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

التوسّل بأهل البيت :

س : شكراً على هذه المعلومات المفيدة التي تقدّموها لنشر الفكر الإسلاميّ الأصيل ، وجزاكم الله كلّ خير.

أُودّ أن استفسر منكم يا سيّدي عن قدرة أهل البيت عليهم السلام في قضاء الحوائج حين التوسّل بهم.

والأمر الثاني هو : في قوله تعالى : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (1) هل من الممكن أن تكون الوسيلة هي الدعاء وطلب الحاجة من الله؟ وكيف نوازن أُمور الدعاء مع قول الله تعالى : ( فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا ) (2).

ولكم منّي جزيل الشكر والتقدير ، آملاً أن يدوم هذا التواصل بيننا.

ج : إنّ التوسّل بأهل البيت عليهم السلام يتصوّر على قسمين :

1 - تارة نطلب من الله تعالى بحقّهم عليهم السلام ، ومنزلتهم عنده تعالى ، أن يقضي حوائجنا ، وهذا القسم لا علاقة له بقدرتهم عليهم السلام على قضاء الحوائج.

2 - وتارة نطلب منهم عليهم السلام أن يطلبوا من الله تعالى قضاء حوائجنا ، وهذا

ص: 224


1- 1. المائدة : 35.
2- 2. الجنّ : 18.

القسم من التوسّل مقدور عندهم عليهم السلام ، فهو مجرد طلب من الله تعالى ، في قضاء الحاجات ، فالله تعالى هو القاضي لا هم عليهم السلام.

كما في قضية طلب أولاد يعقوب عليه السلام من أبيهم أن يستغفر لهم ، قال تعالى : ( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (1).

وأمّا بالنسبة إلى الأمر الثاني نقول :

الوسيلة لا تنافي الدعاء ، لأنّ الدعاء هو الطلب من الله تعالى في قضاء الحوائج ، والوسيلة كما قلنا هو الطلب من الله تعالى بحقّ أهل البيت عليهم السلام أن يقضي الحوائج ، أو الطلب منهم عليهم السلام أن هم يطلبوا من الله تعالى في قضاء الحوائج ، لقربهم منه تعالى ، ولأمرنا بابتغاء الوسيلة إليه ، والوسيلة هم عليهم السلام كما في الروايات.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( الأئمّة من ولد الحسين ، من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى ، وهم الوسيلة إلى الله تعالى ) (2).

ثمّ أنّ التوسّل بهم عليهم السلام لا يعني دعاءهم ، حتّى ينافي قوله تعالى : ( فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا ) ، فنحن كما قلنا ، لا نقول أنّهم عليهم السلام هم يقضون الحاجات ، وإنّما هم واسطة إلى الله تعالى في قضاء الحوائج.

فنحن متوكّلون على الله تعالى ، ونقرّ بربوبيته وقدرته ، ونعتقد أنّه تعالى هو القاضي للحاجات لا هم. على أنّه من الممكن أن يعطي الله سبحانه وتعالى قدرة التعرّف ببعض الأُمور التكوينيّة بيد الإمام ، فيكون الإمام هو من يقضي الحاجة ، ولكن بإذن الله ، كما أعطى الله عزّ وجلّ قدرة تدبير بعض الأُمور

ص: 225


1- 1. يوسف : 97 - 98.
2- 2. عيون أخبار الرضا 1 / 63 ، ينابيع المودّة 2 / 318 و 3 / 292.

التكوينيّة بيد الملائكة ( فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً ) (1) أعطى هذه القدرة - وهو القادر على ما يشاء - لمحمّد وآل محمد صلى الله عليه وآله وعلى ذلك دلّت بعض الروايات ، فتأمّل.

فطلب الحاجة من أهل البيت عليهم السلام بما هم وسائل جعلها الله لذلك لا يتنافى مع دعاء الله فأنا عندما أطلب من شرب العسل الشفاء ، لا يعني هذا أنّني طلبت الشفاء من غير الله لأنّ الله جعل العسل وسيلة للشفاء فقال ( فيه شفاء للناس ) (2) فعلى هذا طلب الحاجة من محمّد وآل محمّد هو طلبها من الله عزّ وجلّ ودعاء لله تعالى.

( السيّد عبّاس - البحرين - .... )

بغير النبيّ وآله :

س : الإخوة في مركز الأبحاث العقائديّة ، وفّقكم الله على الجهود التي تقومون بها في خدمة المذهب الحقّ والدفاع عنه في هذا العصر ، الذي تكالبت فيه جنود الشيطان على أهل الإيمان ، وبهذا الصدد أود إعلامكم بأنّنا بحاجة إلى بعض الروايات عن أهل بيت العصمة عليهم السلام ، والتي تفيد بجواز التوسّل بالأولياء الصالحين والمؤمنين من العلماء ، وذلك للردّ على بعض المناظرين حيث أنّهم يؤمنون بضرورة التوسّل بالمعصومين عليهم السلام فقط ، أمّا غير المعصومين فلا يجوز التوسّل بهم.

ودمتم محروسين وموفّقين بعين الله.

ج : جاء في الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين عليه السلام في دعائه في كلّ يوم من شهر رمضان التوسّل بالملائكة المقرّبين ، إذ يقول عليه السلام : ( اللهم ربّ الفجر وليال عشر ، والشفع والوتر ، وربّ شهر رمضان وما أنزلت فيه من القرآن ،

ص: 226


1- 1. النازعات : 5.
2- 2. النحل : 69.

وربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، وجميع الملائكة المقرّبين ... وأسألك بحقّك عليهم ، وبحقّهم عليك ... ) (1).

وفي كلام للإمام علي عليه السلام عن القرآن الكريم : ( فاسألوا الله به ، وتوجّهوا إليه بحبّه ) (2).

وقد ورد في بعض الأدعية تعليم التوسّل بالملائكة المقرّبين والأنبياء السابقين ، وكتب الله المنزلة ، وعباده الصالحين ، وبالأعمال الصالحة ، ولكن تبقى عمدة التوسّل والاستشفاع هو بالنبيّ وآله المعصومين عليهم السلام.

ومن روايات الحثّ على زيارة بعض أبناء الأئمّة وذرّيتهم عليهم السلام كالسيّدة معصومة عليها السلام في قم الواردة بأسانيد صحيحة ومعتبرة ، يمكن استفادة رجحان التوسّل بها ، واستجابة الدعاء عندها.

ص: 227


1- 1. الصحيفة السجادية : 237.
2- 2. شرح نهج البلاغة 10 / 19.

ص: 228

الجبر والاختيار :

اشارة

( أمير العرادي - الكويت - .... )

معنى القضاء والقدر :

س : هل الإنسان مخيّر أم مسيّر؟ وإذا كان مخيّراً فما هو إذاً القضاء والقدر؟

ج : لا يوجد تعارض بين القول بالاختيار للإنسان ، وبين الالتزام بالقضاء والقدر ، وذلك إذا عرفنا معنى القضاء والقدر.

فمعنى التقدير هو : أن يكون لوجود كلّ شيء حدّاً وقدراً ، كما لتحقيق وجوده قضاءاً وحكماً مبرماً في جانبه تعالى ، فكلّ شيء يقدّر أوّلاً ، ثمّ يحكم عليه بالوجود.

وهذه الشبهة كانت عالقة في بعض الأذهان منذ القدم ، وقد أجاب عنها أئمّة أهل البيت عليه السلام.

فعن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام : دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : ( ... أجل يا شيخ ، فالله ما علوتم تلعة ، ولا هبطتم من وادٍ ، إلاّ بقضاء من الله وقدره ).

فقال الشيخ : عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين - ومعنى هذه الجملة : إنّي لم أقم بعمل اختياري ، ولأجل ذلك أحتسب عنائي -.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ( مهلاً يا شيخ ، لعلّك تظنّ قضاءً حتماً وقدراً لازماً ، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب ، والأمر والنهي والزجر ،

ص: 229

واسقط معنى الوعد والوعيد ، ولم تكن على المسيء لائمة ، ولا لمحسن محمّده ، ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب ، والمذنب أولى بالإحسان من المحسن ، تلك مقالة عبدة الأوثان ، وخصماء الرحمن ، وقدرية هذه الأُمّة ومجوسها. يا شيخ إنّ الله كلّف تخييراً ، ونهى تحذيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يُعص مغلوباً ، ولم يُطع مكرهاً ، ولم يملك مفوّضاً ، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً ... ) (1).

والحديث الشريف جمع بين القول بالقضاء والقدر ، وكون الإنسان مخيّراً لا مسيّراً.

( عبد الرسول - الكويت - .... )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : إنّ إجابتكم على سؤال الأخ أمير العراديّ غير كافية ، وذلك لأنّ الموضوع صعب ، ويحتاج إلى مزيد من التوضيح ، وخصوصاً الرواية التي ذكرتموها ، هذه الرواية تحتاج إلى شرح وافي.

ج : إنّ الإنسان مخيّر وليس مسيّراً ، لأنّه يملك بصريح الوجدان والقرآن كامل حرّيّته في الاختيار ، ودليل حرّيته في الاختيار تردّده في الانتخاب ، ومسؤوليّته عن فعله ، وإحساسه بالندم والراحة عند انتخاب ما يصلح ، وما لا يصلح ، والوجدان أقوى شاهد على هذه الحقيقة ، هذا أوّلاً.

وثانياً : العقلاء يمدحون العادل والمحسن إلى الناس ، ويذمّون الظالم الجائر ، والمسيء إلى الناس ، ولو لم يكن الإنسان هو الفاعل باختياره ، لما استحقّ المدح أو الذمّ.

وثالثاً : إنّ العقاب على الأعمال أكبر دليل على الاختيار ، قال الله تعالى :

ص: 230


1- 1. عيون أخبار الرضا 2 / 127.

( وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (1).

ثمّ إنّ القول باختيار الإنسان لا يتعارض مع القضاء والقدر ، الذي هو من الأُصول المسلّمة في الكتاب والسنّة ، وليس لمسلم واع أن ينكر واحداً منهما ، إلاّ أنّ المشكلة في توضيح ما يراد منهما ، فإنّه المزلقة الكبرى في هذا المقام ، ولأجل ذلك نذكر المعنى الصحيح لهذين اللفظين ، الذي يدعمه الكتاب ، وأحاديث العترة الطاهرة.

أمّا القدر : فالظاهر من موارد استعماله أنّه بمعنى الحدّ والمقدار ، وإليه تشير الآيات التالية :

1 - قوله تعالى : ( قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) (2).

2 - قوله تعالى : ( وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) (3).

3 - قوله تعالى : ( وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) (4).

وأمّا القضاء : فقد ذكروا له معاني كثيرة.

والظاهر أنّه ليس له إلاّ معنى واحد ، وما ذكر من المعاني كلّها مصاديق لمعنى واحد.

وأوّل من تنبّه لهذه الحقيقة ، هو اللغويّ المعروف أحمد بن فارس بن زكريا ، يقول : القضاء أصل صحيح يدلّ على إحكام أمر وإتقانه ، وإنفاذه لجهته ، قال الله تعالى : ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ) (5) ، أي احكم خلقهن ... إلى أن قال : والقضاء الحكم ، قال الله سبحانه في ذكر من قال : ( فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ) (6) ، أي اصنع وأحكِم ، ولذلك سمّي القاضي قاضياً ، لأنّه

ص: 231


1- 1. السجدة : 14.
2- 2. الطلاق : 3.
3- 3. المزمل : 20.
4- 4. الحجر : 21.
5- 5. فصّلت : 12.
6- 6. طه : 70.

يُحكم الأحكام ويُنفذها.

وسمّيت المنية قضاءً لأنّها أمر ينفذ في ابن آدم وغيره من الخلق (1).

إذاً كلّ قول أو عمل إذا كان متقناً محكماً ، وجادّاً قاطعاً ، وفاصلاً صارماً ، لا يتغيّر ولا يتبدّل ، فذلك هو القضاء.

هذا ما ذكره أئمّة اللغة ، وقد سبقهم أئمّة أهل البيت عليه السلام ، ففسّروا القدر والقضاء على النحو التالي :

1 - عن الإمام الرضا عليه السلام ، وقد سأله يونس عن معنى القدر والقضاء ، فقال : ( القدر هي الهندسة ، ووضع الحدود من البقاء والفناء ، والقضاء هو الإبرام وإقامة العين ) (2).

2 - عن علي بن إبراهيم الهاشميّ قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام يقول : ( لا يكون الشيء إلاّ ما شاء الله ، وأراد وقدّر وقضى ) ، قلت : ... ما معنى قدر؟ قال : ( تقدير الشيء من طوله وعرضه ) ، قلت : فما معنى قضى؟ قال : ( إذا قضى أمضاه ، فذلك الذي لا مردّ له ) (3).

( عبد الرسول - السعودية - .... )

الهداية والضلال لا تعارض الاختيار :

س : قال تعالى : ( مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) (4).

إذا كانت الهداية والضلال من الله ، فكيف يستحقّ البشر الثواب والعقاب؟ وجزاكم الله خيراً.

ص: 232


1- 1. معجم مقاييس اللغة 5 / 99.
2- 2. الكافي 1 / 158.
3- 3. المصدر السابق 1 / 150.
4- 4. الأعراف : 178.

ج : لتوضيح مراد الآية لابدّ من مقدّمات :

1 - أنّ الله تعالى له ملك السماوات والأرض ملكاً مطلقاً غير مقيّد من أي وجه من الوجوه ، ويلزمه كمال التسلّط.

وملك غيره تعالى محدود جدّاً بالحدود التي حدّها الله ، وبالمقدار الذي أذن الله به ، ومع ذلك لا يكون ملك الآخرين للأشياء منافياً ولا ملغياً لملكه ، لأنّه المملِّك لما يُمْلَك ، والمسلِّط على ما هو مُتَسَلَّط عليه.

فإنّ الإنسان إذا ملك دابّةً تسلّط على ركوبها ، والتصرّف بها بالمقدار الذي يعرفه العقلاء ، وهذا لا يلغي قدرة الله وتسلّطه عليه ، وعلى الدابة أبداً.

والإنسان في المثال لا يملك أن يغيّر ولا يبدّل في خلقتها ، ولا في زيادة قدرتها على الحمل والسرعة ، وأمثال ذلك.

2 - أنّ الهداية والضلال أيضاً داخلة في ملكه ، ومن مظاهر سلطته ، لأنّ كلّ تصرّف من تصرّفات عباده ، وكلّ صفة من صفاتهم غير خارجة عن دائرة ملكه وقدرته.

3 - أنّ ذلك لا ينافي اختيار العبد في الأفعال الاختيارية ، ولا يؤدّي إلى الوقوع في الجبر.

وأمّا تفصيل الموضوع ، فيحتاج إلى بيان أكثر ، والمطلب دقيق جدّاً.

فنحن لا نشكّ أنّ الله نصب نفسه في مقام التشريع ، وشرع لعباده شريعة ، وسنّ لهم قوانين كلّفهم بالالتزام بها ، ووعد المطيعين بالثواب ، وتوعّد العاصين بالعقاب ، فلو أجبرهم على الطاعات والمعاصي لم يكن الثواب في مورد الطاعة إلاّ جزافاً وعبثاً ، والعقاب في مورد المعصية إلاّ ظلماً ، وكلاهما محال على الله تعالى ، لأنّ حكمته وعدله تقتضيان عدم العبث وعدم الظلم.

فالتكليف غير مبني على الإجبار ، وهو متوجّه إلى العباد من حيث أنّهم مختارون في الفعل والترك ، والمكلّفون إنّما يثابون ويعاقبون بما كسبت أيديهم من خير وشر.

ص: 233

وأمّا ما ينسبه القرآن إليه تعالى من الإضلال والخدعة والمكر ، والإمداد في الطغيان ، وتسليط الشيطان وتوليته على الإنسان ، وتقييض القرين ونظائر ذلك ، جميعها منسوبة إليه تعالى على ما يلائم ساحة قدسه ، ونزاهته عن ألوان النقص والقبح المنكر والظلم.

ولا يمكن نسبة الإضلال إليه بالمعنى الذي ننسبه إلى البشر ، فلا ينسب إليه الإضلال الابتدائي من دون سبق عمل شيء ، ولا الإضلال على سبيل الإغفال والإيقاع في الضلال ، فإنّه غير لائق بجنابه ، وبعيد عن ساحته.

والقرآن في هذا المجال يفسّر بعضه بعضاً : قال تعالى : ( فَلَمَّا زَاغوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ ) (1) ، وقال : ( كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ ) (2).

وإذا اتّضح ذلك ، فانّ أفعال العباد لها انتسابان : انتساب إلى الفاعل باعتبار اختياره ، وهو الانتساب الفعلي ، وانتساب إلى الخالق باعتبار أنّه الموجد والمكوّن ، وهو الانتساب الوجودي.

والعبد عندما يقدم بملء إرادته على كسر زجاجة ، كان قادراً على ترك ذلك الفعل ، لكنّه عندما أراده وأقدم عليه كان تحقّق الانكسار متوقّفاً على إذن الله التكوينيّ لا التشريعيّ ، فإنّه ربما كان محرّماً ، وكذلك حركة العبد تتوقّف على إذن الله التكوينيّ ، وأقدار العبد ليكون قادراً على الفعل.

ومنه يتّضح : أنّ هداية الله على نحوين : هداية بمعنى الإرشاد والتعليم ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) (3) ، وهي مهمّة الأنبياء والعقل والفطرة.

وهداية تكوينيّة ، بمعنى تحقّق المتابعة للهدى ، وصيرورة الإنسان مهتدياً ، وهذه متأخّرة مرتبة عن تلك ، وهذه تتوقّف على إرادة العبد واختياره ، فإذا اهتدى هداه الله ، ومنه قوله تعالى : ( اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ) بعد تقدّم

ص: 234


1- 1. الصف : 5.
2- 2. المؤمن : 34.
3- 3. البلد : 10.

الحمد والتسليم التام ، الذي هو فعل العبد.

وبعبارة أُخرى : فإنّ الآية تقول : من اهتدى واقتفى الطرق التشريعيّة ، التي رسمها ووضعها الله تعالى له ، فهو مهتد بالهداية التكوينيّة.

وننقل لكم نصّ ما جاء في تفسير الآية من تفسير الميزان :

مفاد الآية : أنّ مجرد الاهتداء إلى شيء لا ينفع شيئاً ، ولا يؤثّر أثر الاهتداء ، إلاّ إذا كانت معه هداية الله سبحانه ، فهي التي يكمل بها الاهتداء ، وتتحتّم معها السعادة ، وكذلك مجرد الضلال لا يضرّ ضرراً قطعيّاً ، إلاّ بانضمام إضلال الله سبحانه إليه ، فعند ذلك يتمّ أثره ، ويتحتّم الخسران.

فمجرد اتصال الإنسان بأسباب السعادة ، كظاهر الإيمان والتقوى ، وتلبّسه بذلك لا يورده مورد النجاة ، وكذلك اتصاله وتلبّسه بأسباب الضلال لا يورده مورد الهلاك والخسران ، إلاّ أن يشاء الله ذلك ، فيهدي بمشيئته من هدى ، ويضلّ بها من أضل.

فيؤول المعنى إلى أنّ الهداية إنّما تكون هداية حقيقية - تترتّب عليها آثارها - إذا كانت لله فيها مشيئة ، وإلاّ فهي صورة هداية ، وليست بها حقيقة ، وكذلك الأمر في الإضلال.

وإن شئت فقل : إنّ الكلام يدلّ على حصر الهداية الحقيقيّة في الله سبحانه ، وكذلك الإضلال ، ولا يضلّ به إلاّ الفاسقين (1).

( ندى - ... - ..... )

ليس في الانتماء إلى الإسلام إجبار :

س : كيف تكون لك الحرّية في دخول الإسلام ، مع أنّ الله يتوعّد الذين لا يدخلون الإسلام ببئس المصير.

ص: 235


1- 1. الميزان في تفسير القرآن 8 / 334.

ومن ذلك نستنج : أنّ الإنسان مجبور ، وليس مخيّراً ، وتوجد آيات تقول غير ذلك.

ج : ننقل لكم نصّ كلام العلاّمة الطباطبائيّ في كتابه تفسير الميزان حول تفسير قوله تعالى ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ... ) (1).

( وفي قوله تعالى : لا إكراه في الدين ، نفى الدين الإجباريّ ، لما أنّ الدين وهو سلسلة من المعارف العلميّة التي تتّبعها أُخرى عملية يجمعها أنّها اعتقادات ، والاعتقاد والإيمان من الأُمور القلبية التي لا يحكم فيها الإكراه والإجبار ، فإنّ الإكراه إنّما يؤثّر في الأعمال الظاهريّة ، والأفعال والحركات البدنية المادّية.

وأمّا الاعتقاد القلبيّ فله علل وأسباب أُخرى قلبية من سنخ الاعتقاد والإدراك ، ومن المحال أن ينتج الجهل علماً ، أو تولّد المقدّمات غير العلميّة تصديقاً علميّاً ، فقوله : لا إكراه في الدين ، إن كان قضية إخبارية حاكية عن حال التكوين أنتج حكماً دينيّاً بنفي الإكراه على الدين والاعتقاد ، وإن كان حكماً إنشائياً تشريعيّاً كما يشهد به ما عقبه تعالى من قوله : ( قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) ، كان نهياً عن الحمل على الاعتقاد والإيمان كرهاً ، وهو نهي متّك على حقيقة تكوينيّة ، وهي التي مرّ بيانها أنّ الإكراه إنّما يعمل ويؤثّر في مرحلة الأفعال البدنية دون الاعتقادات القلبية.

وقد بيّن تعالى هذا الحكم بقوله : ( قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) ، وهو في مقام التعليل ، فإنّ الإكراه والإجبار إنّما يركن إليه الآمر الحكيم والمربّي العاقل في الأُمور المهمّة ، التي لا سبيل إلى بيان وجه الحقّ فيها ، لبساطة فهم المأمور ورداءة ذهن المحكوم ، أو لأسباب وجهات أُخرى ، فيتسبّب الحاكم في حكمه بالإكراه ، أو الأمر بالتقليد ونحوه.

وأمّا الأُمور المهمّة التي تبيّن وجه الخير والشرّ فيها ، وقرّر وجه الجزاء الذي

ص: 236


1- البقرة : 256.

يلحق فعلها وتركها ، فلا حاجة فيها إلى الإكراه ، بل للإنسان أن يختار لنفسه ما شاء من طرفي الفعل ، وعاقبتي الثواب والعقاب ، والدين لمّا انكشفت حقائقه ، واتّضح طريقه بالبيانات الإلهيّة الموضّحة بالسنّة النبويّة ، فقد تبيّن أنّ الدين رشد ، والرشد في اتباعه ، والغيّ في تركه والرغبة عنه ، وعلى هذا لا موجب لأن يُكره أحد أحداً على الدين.

وهذه إحدى الآيات الدالّة على أنّ الإسلام لم يبتن على السيف والدم ، ولم يفت بالإكراه والعنوة ، على خلاف ما زعمه عدّة من الباحثين من المنتحلين وغيرهم : أنّ الإسلام دين السيف ، واستدلّوا عليه : بالجهاد الذي هو أحد أركان هذا الدين.

وقد تقدّم الجواب عنه في ضمن البحث عن آيات القتال ، وذكرنا هناك : أنّ القتال الذي ندب إليه الإسلام ، ليس لغاية إحراز التقدّم وبسط الدين بالقوّة والإكراه ، بل لإحياء الحقّ ، والدفاع عن أَن-ْفَسِ متاعٍ للفطرة وهو التوحيد ، وأمّا بعد انبساط التوحيد بين الناس ، وخضوعهم لدين النبوّة ، ولو بالتهوّد والتنصّر فلا نزاع لمسلم مع موحّد ولا جدال ، فالإشكال ناش عن عدم التدبّر.

ويظهر ممّا تقدّم : أنّ الآية - أعني قوله : ( لا إكراه في الدين ) - غير منسوخة بآية السيف ، كما ذكره بعضهم.

ومن الشواهد على أنّ الآية غير منسوخة التعليل الذي فيها ، أعنّي قوله : قد تبيّن الرشد من الغيّ ، فإنّ الناسخ ما لم ينسخ علّة الحكم ، لم ينسخ نفس الحكم ، فإنّ الحكم باق ببقاء سببه ، ومعلوم أنّ تبيّن الرشد من الغيّ في أمر الإسلام أمر غير قابل للارتفاع بمثل آية السيف ، فإنّ قوله : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) مثلاً ، أو قوله : ( وقاتلوا في سبيل الله ) الآية ، لا يؤثّران في ظهور أحقّية الدين شيئاً ، حتّى ينسخا حكماً معلولاً لهذا الظهور.

وبعبارة أُخرى : الآية تعلّل قوله : ( لا إكراه في الدين ) بظهور الحقّ ، وهو

ص: 237

معنى لا يختلف حاله قبل نزول حكم القتال وبعد نزوله ، فهو ثابت على كلّ حال ، فهو غير منسوخ ) (1).

( علي عباس - البحرين - .... )

المرتد يقتل لخطره على المجتمع :

السؤال : هناك من يوصم الإسلام بأنّه لا يعطي الإنسان حرّية اختيار العقيدة ، إذ أنّه يحكم على من يغيّر عقيدته من الإسلام إلى غيره بالارتداد ، والارتداد حكمه القتل ، فهو يسلب منه حرّية الاختيار مسبقاً.

ج : إنّ الحرّية تارة مطلقة ، وأُخرى مقيّدة ، وفي الإنسان ليست حرّيته مطلقة ، بل هناك قيود - إمّا دينية أو اجتماعيّة أو مدنية أو ما شابه ذلك - فإذا خرج من نطاقها ودائرتها ، فإنّه يدخل في دائرة الحرّية الحيوانية ، فيكون كالأنعام بل أضلّ سبيلاً ، فالإنسان ليس حرّاً على الإطلاق ، بل في عين أنّه حرّ من جهات ، هو مقيّد من جهات أُخرى.

وأمّا بالنسبة إلى اختيار دين من الأديان ، فقبل أن يختار أعطاه الله حرّية الانتخاب ، وإنّه ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) لأنّه ( قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ ) ، فأرسل الله الأنبياء والرسل ، وأنزل الكتب ، وهدى الإنسان لنجد الخير ولنجد الشرّ ، والإنسان مختار في انتخاب أيّ الطريقين ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (2) ، فأعطاه الاختيار ابتداءً ، ولكن بعث إليه الأنبياء ، وورثتهم من العلماء الصالحين في كلّ عصر ومصر ، حتّى يعرّفوا الحقّ من الباطل ، ويختاروا ما هو الصحيح.

وهذا كلّه من لطف الله وعدله ، فإنّ اللطف بمعنى ما يقرّب العبد للطاعة ،

ص: 238


1- 1. الميزان في تفسير القرآن 2 / 342.
2- 2. الإنسان : 3.

ويبعّده عن المعصية ، فقال للإنسان : أنت مختار ، إلاّ أنّه انتخب الدين الصحيح الذي ارتضيته لك ، لأنّ الدين دين الله ، فلابدّ أن نرى أيّ دين يطالبنا به ، وقد ثبت أنّ النبوّة قد ختمت بنبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله ، وأنّ القرآن الكريم معجزته. وجاء في قوله تعالى : ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ) (1) ، وقوله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) (2) ، فالدين المختار والمرضي لله هو الإسلام الحنيف ، فقبل الانتخاب كان الإنسان مختاراً ، ولكن الله لا يرضى لعبده ديناً إلاّ الإسلام ، فطلب من الإنسان أن يختار الإسلام ، وهذا من الحرّية الإنسانية ، والعدالة الإلهيّة.

وبعد اختيار الإسلام المرضيّ لا يحقّ له أن يخرج منه ، لأنّ صاحب الإسلام - وهو الله سبحانه - أراد ذلك ، وأمر أنّه من يرتدّ عن دينه فإنّه يُقتل ، لأنّه يخلّ بالمجتمع الإسلاميّ ، فيكون بحكم الجرثومة المضرّة ، لابدّ من القضاء عليها ، وإلاّ تفسد الشيء ويفسد المجتمع ، والله المولى لا يريد فساد دينه ومجتمعه. ولا أن يكون دينه بيد عبده يوماً يختاره ويوماً يردّه ، فالمجتمع الحاكم عليه حكومة الإسلام ، من ارتدّ عنه فإنّه يُطرد منه ويُقتل ؛ لأنّه يصبح خطراً على المجتمع ، والعقل وكذلك الوحي يأمران برفع الخطر ، وقتل الجراثيم.

( محمّد - الكويت - .... )

الحظّ يدخل في القضاء والقدر :

س : هل هناك شيء اسمه الحظّ؟ أم نقول : أنّه القدر؟

وإذا لم يكن هناك شيء اسمه الحظّ ، وأنّه القدر ، فما هو تفسير الشخص الذي لا يأتيه الحظّ الجيّد ، أو القدر الجيّد ، ودائماً أو كثيراً يكون الخسران ، أو تكون الأُمور ضدّه في غالب الأحوال؟ ونسألكم الدعاء.

ص: 239


1- 1. آل عمران : 85.
2- 2. المائدة : 3.

ج : إنّ كان المقصود من الحظّ هو الصدفة التي يعتقد بها علماء المادّة ، فبطبيعة الحال لا يوجد لهذا المصطلح بهذا المعنى وجود في المنظور الإسلاميّ.

أمّا إن كان المقصود من الحظّ ، هو ما يدخل في مفهوم القضاء والقدر ، فهو أمر لا إشكال فيه ، حيث نعتقد أنّ الله تعالى قسّم الأرزاق ، وقدّر لكلّ مخلوق رزقه ، وما يجري عليه من ولادته إلى مماته.

فيقال : أنّ فلاناً مثلاً محظوظ ، أي أنّ الله تعالى وفّقه ، وسهّل عليه الحصول على بعض الاحتياجات الدنيوية ، من تجارة أو صحّة ، أو زوجة صالحة ، أو ذرّية ، وما إلى ذلك.

كما أنّ من المعلوم إمكانية تغيّر القدر ، وذلك تبعاً للأُمور التكوينيّة ، أو بعض القضايا الشرعيّة الواردة في الشريعة الإسلاميّة ، مثل الصدقة تزيد في الرزق ، وصلة الرحم تطيل في العمر ، وغير ذلك.

( وسيمة المدحوب - البحرين - .... )

الرقيّ وعلاقتها بالقدر :

س : سئل الإمام الصادق عليه السلام عن الرقي ، هل يدفع من القدر شيئاً؟ فقال : ( هي من القدر ) (1) ، ما المقصود بهذا الحديث؟ وما علاقة القضاء والقدر بالرقيّ أي الرقعة؟

وفي الختام : نشكر جهودكم المبذولة في خدمة الإسلام والمذهب ، ونسأل الله لكم دوام الموفّقية والسداد ، ونسألكم الدعاء لنا بالتوفيق.

ج : المقصود من القدر هو هندسة الشيء وتحديده ، ثمّ إبرام القضية ، أي القضاء بها ، فعلى هذا يكون القدر قبل القضاء ، ولمّا كان المقصود من القدر هو الهندسة وتحديد شكل القضية ، فيمكن أن تتدخّل عوامل كثيرة في تحديدها ، وبيان الصياغة النهائية لها ، كالدعاء مثلاً ، وإرادة الإنسان كذلك ،

ص: 240


1- 1. التوحيد : 382.

ومنها الرقي والتعويذات ، فإنّها من القدر.

وعلى سبيل المثال : قد يقدّر الله إصابة عبد ما بمرض وداء معيّن ، إذا لم يعوّذ بمعوذة معيّنة وخاصّة ، كما أنّ الدواء يمنع كثير من الأمراض والعلل ، فكما أنّ الدواء من القدر ، فكذا الرقيّ والتعويذات لا فرق بينها.

( كميل - عمان - 22 سنة. طالب جامعة )

عدم الرضا عن القتل يعود إلى فعل العبد :

س : كيف نوفّق بين عدم الرضا عن الظلم ، وبين الرضا بقضاء الله وقدره ، مثلاً إذا قتل رجل ظلماً ، هل علينا عدم الرضا عن القتل؟ أم نرضى بموته ، لأنّ موته كان بقضاء وقدر؟

ج : إنّ هذه المسألة تعود إلى مسألة الجبر والتفويض ، وذلك أنّ العبد فاعل ما به الوجود ، والله تعالى فاعل ما منه الوجود ، فمن ناحية فاعل ما به الوجود لا جبر ، ومن ناحية فاعل ما منه الوجود لا تفويض ، فيصحّ في العقل ما جاء في الأثر عن أهل البيت عليه السلام : ( لا جبر ولا تفويض ، ولكن أمر بين أمرين ) (1).

وفي المثال الذي ذكرتموه ، يجب عدم الرضا عن القتل ، لأنّه يعود إلى فعل العبد الذي عبّرنا عنه أنّه فاعل ما به الوجود ، والرضا بموته ؛ لأنّه يعود إلى فعل الله الذي عبّرنا عنه أنّه فاعل ما منه الوجود ، إذ لو انقطع فيض الله عن العبد لحظة واحدة لانعدم العبد ، وانعدمت أفعاله.

( زهرة المصطفى - البحرين - .... )

القضاء المحتوم والموقوف :

س : من المعروف أنّ للقضاء نوعان : المحتوم والموقوف ، فكيف يمكننا أن

ص: 241


1- 1. الكافي 1 / 160.

نوفّق بين القضاء المحتوم ، وتخيير الإنسان في أعماله؟ وجزاكم الله خيراً.

ج : إنّ القضاء المحتوم في الأعمّ الأغلب هو القواعد والقوانين التكوينيّة السائدة في الكون ، وفي عالم الخلق ، فلا معنى لتعريف تخيير إرادة الإنسان فيها ، إذ هي خارجة عن متناول يده ذاتاً.

ومن جانب آخر : أنّ التخيير في الإنسان لا يكون في جميع أجزاء الكون والوجود ، بل له نطاق محدّد ، وعليه فخارج هذه الحوزة لا يشمله اختيار الفرد ، فمثلاً القوانين والنواميس الثابتة الإلهيّة ، لا تكون تحت تصرّف الإنسان حتّى يفترض فيها تخييره.

ومجمل الكلام في حدود خيارات الفرد هو : أنّ ما كان ضروريّاً بالنسبة لرقيّ وتكامل الإنسان يكون على العموم من موارد تخييره ، وما كان خارجاً عن تخطيطه ومتناول يده ، يكون قضاءاً حتميّاً بالنسبة إليه.

( علي موسى - البحرين - .... )

الفرق بين القضاء والقدر :

س : ما الفرق بين القضاء والقدر باختصار؟ وشكراً.

ج : إنّ القدر هو عبارة عن تقدير وجود الشيء وكيفيته ، وتعيين حدوده وخصوصيّاته التي يوجد عليها ، كالخيّاط يقدّر الثوب قبل أن يخيطه.

والقضاء : عبارة عن ضرورة وجود الشيء في ظرفه الخاصّ ، عند تحقّق جميع الأسباب والشرائط التي يتوقّف عليها.

فالتقدير هندسة الشيء ، والقضاء هو البت بلزوم تحقّق تلك الهندسة.

ولا يلزم من القضاء والقدر أن يكون الإنسان مجبراً في فعله ، باعتبار كون الأفعال مقدّرة ومقضية من الله تعالى ؛ وذلك لأنّ من ضمن الشرائط الدخيلة في تقدير الشيء والقضاء به ، هي اختيارية الإنسان وإرادته ، فالله قدّر الفعل وقضى به ، لكن من ضمن حدود الشيء وخصوصيّاته ، أن يكون مقدوراً وباختياره.

ص: 242

ورد في الكافي قال : كان أمير المؤمنين جالساً بالكوفة بعد منصرفه من صفّين ، إذ اقبل شيخ فجثا بين يديه ، ثمّ قال له : يا أمير المؤمنين ، أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام ، أبقضاء من الله وقدر؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ( أجل يا شيخ ، ما علوتم تلعة ، ولا هبطتم بطن وادٍ ، إلاّ بقضاء من الله وقدر ) ، فقال له الشيخ : عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين! فقال عليه السلام : ( مه يا شيخ ، فو الله لقد عظم الله الأجر في مسيركم وأنتم سائرون ، وفي مقامكم وأنتم مقيمون ، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ، ولا إليه مضطرين ).

فقال له الشيخ : وكيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ، ولا إليه مضطرّين ، وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ، ومنقلبنا ، ومنصرفنا؟

فقال له : ( وتظنّ أنّه كان قضاء حتماً وقدراً لازماً ، إنّه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب ، والأمر والنهي والزجر من الله ، وسقط معنى الوعد والوعيد ، فلم تكن لائمة للمذنب ، ولا محمّدة للمحسن ، ولكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن ، ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب! تلك مقالة أخوان عبدة الأوثان ، وخصماء الرحمن ، وحزب الشيطان ، وقدرية هذه الأُمّة ومجوسها ، إنّ الله تبارك وتعالى كلّف تخييراً ، ونهى تحذيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يعص مغلوباً ، ولم يطع مكرهاً ، ولم يملك مفوّضاًَ ، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً ، ولم يبعث النبيّين مبشّرين ومنذرين عبثاً ، ذلك ظنّ الذين كفروا ، فويل للذين كفروا من النار ) (1).

فبيّن عليه السلام أنّ القضاء والقدر لا ينافي اختيارية الإنسان ، وأنّه ليس مجبراً ، لأنّ الأفعال الإنسانية لا تخرج عن دائرة علم الله سبحانه ، ومع ذلك فالإنسان مختار فيما يفعل.

ص: 243


1- 1. الكافي 1 / 155.

( عبد الله - الكويت - 28 سنة - خرّيج ثانوية )

التخيير والتسيير :

س : تحية طيّبة وبعد ، أنّي تتبعت موضوع القضاء والقدر ، ولكن وجدت إجابات مختلفة في الموضوع ، فما الفرق بين القضاء والقدر؟ ومسيّر أو مخيّر؟ وكانت الإجابة : أنّ الإنسان مخيّر لا مسيّر ، وكذلك وجدت إجابة : أنّ الإنسان ما بين البينين ، وكانت تحت معنى آخر ، وهو الجبر والتفويض.

وسؤالي : هل يوجد فرق بالمعنى والفهم بين مسيّر ومخيّر؟ والجبر والتفويض؟

ج : إنّ معنى القدر هو : الحدّ والمقدار ، قال ابن فارس : القدر هو حدّ كلّ شيء ومقداره وقيمته وثمنه.

وقال الراغب : القدر والتقدير : تبيين كمّية الشيء.

وأمّا القضاء : قال ابن فارس : القضاء أصل صحيح يدلّ على أحكام أمر وإتقانه وإنفاذه لجهته.

قال الإمام الرضا عليه السلام : ( القدر هي الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء ، والقضاء هو الإبرام وإقامة العين ) (1).

والقضاء والقدر كلاهما عينيّ وعلميّ :

فالعينيّ : يمثّل كيفية الخلقة وشعبها ، والخلق من مراتب التوحيد ، وهو التوحيد في الخالقية ، وأنّه ليس على صفحة الوجود خالق مستقلّ سواه.

وكون التقدير والقضاء العينيّين منه سبحانه ، لا يلازم كون الإنسان مسلوب الاختيار ، لأنّ المفروض أنَّ الحرّية والاختيار من الخصوصيّات الموجودة في الإنسان.

فالله سبحانه قدَّر وجود الإنسان بخصوصيّات كثيرة ، منها كونه فاعلاً بالاختيار.

ص: 244


1- 1. الكافي 1 / 158.

وأمّا القضاء والقدر العلميّان : وهذه هي المزلقة الكبرى للسطحيين الذين مالوا إلى الجبر.

وبيانه : أنّ علمه سبحانه لم يتعلّق بصدور أيّ أثر من مؤثّره على أيّ وجه اتفق ، وإنّما تعلّق علمه بصدور الآثار عن العلل ، مع الخصوصية الكامنة في نفس تلك العلل.

فإن كانت العلّة علّة طبيعية فاقدة للشعور والاختيار ، كصدور الحرارة عن النار ، أو واجدة للعلم فاقدة للاختيار ، كصدور الارتعاش في الإنسان المرتعش ، فتعلّق علمه سبحانه بصدور فعلها وأثرها عنها بهذه الخصوصيّات.

أمّا لو كانت العلّة عالمة وشاعرة ومريدة ومختارة ، كالإنسان فقد تعلّق علمه سبحانه على صدور أفعالها منها بتلك الخصوصيّات ، وانصباغ فعلها بصبغة الاختيار والحرّية ، فلا يلزم من قضاء الله وقدره العلميّين القول بالجبر.

وقد تبيّن ممّا قدّمناه : أنّ الإيمان بالقضاء والقدر لا يجرّ إلى القول بالجبر قطعاً.

وأمّا سؤالك عن الفرق بين معنى التسيير والتخيير ، ومعنى الجبر والتفويض ، فإنّ التسيير بمعنى الجبر ، والتخيير يعني أنّ الإنسان مخيّر في فعله غير مجبور ، والتفويض يعني أنّ الله فوّض أفعال الإنسان للإنسان ولا دخل له بها ، ونحن نقول : أنّه لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين ، كما أوضح ذلك أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، والمراد من ذلك الأمر هو نفس معنى ( وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (1).

وكذلك قولنا : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، وببساطة نقول : أنّ المسبّب لأفعالنا والذي يعطينا الحول والقوّة والقدرة على فعل ما نشاء هو الله سبحانه ، وبشكل متواصل ومستمر ، ولو شاء قطع ذلك بإرادته ، ولما استطعنا فعل شيء أبداً ،

ص: 245


1- 1. التكوير : 29.

فتكون مشيئتنا وإرادتنا تابعة لمشيئة الله وإرادته ، وكذا حولنا وقوّتنا تابعة لاستمرار عطاء الله تعالى وتقديره لنا فعل ما نريد ، فلو شاء أعطى وأقدر ، ولو شاء منع وأعجز.

وأمّا الفاعل المباشر المختار فهو الإنسان الفقير ، الذي يمدّه الله تعالى بالحول والقوّة لفعل ما يريد ، ولكن بمشيئة الله تعالى ، لأنّ الله تعالى هو المعطي ويستطيع المنع في أيّ آن من الآنات التي يشاء ، فنبقى محتاجين فقراء لعطاء الله دائماً ، لا كما قال المفوّضة من أنّ الإنسان مستقلّ بفعله. ولا ما قاله المجبّرة من أنّ الإنسان مجبور على فعله غير مخيّر ؛ إذ يلزم على الأوّل عدم سعة قدرته ، وعلى الثاني قبح عقابه على المعصية.

( فاطمة راشد عبد الكريم - البحرين - 20 سنة - توجيهي )

الشقاوة والسعادة مع اختيارية الإنسان :

س : ما معنى العبارة التالية في العقيدة الإسلاميّة : ( السعيد سعيد في بطن أُمّه ، والشقيّ شقيّ في بطن أُمّه ) (1)؟ وكيف تتناسب هذه العبارة واختيارية الإنسان وعدم إجباره؟ وشاكرين لكم حسن تعاونكم معنا ، وجزاكم الله خيراً.

ج : إنّ هذا الحديث وإن ورد في بعض المصادر المعتبرة لدى الإمامية ، إلاّ أنّه قد رفضه بعض الأجلاّء مثل بهاء الدين العامليّ قدس سره ، ونسبه إلى الوضع ، إلاّ أنّه لو ثبت ففي ضوء الأدلّة التي تحتّم علينا الالتزام بأنّ لا جبر ولا تفويض والأمر بين الأمرين توضيح هذا الحديث بنحوٍ لا يتنافى مع هذا المبدأ ، وقد قيل في ذلك شيء كثير.

ويمكن أن يفسّر بأنّ الحديث يكشف عن أنّ من يسعد في عمله وعقيدته

ص: 246


1- 1. شرح أُصول الكافي 1 / 235.

بعد الولادة ، وبلوغه حدّ التكليف ، معلوم لله سبحانه ، كما أنّ من يشقى باختياره فساد العقيدة والعمل معلوم لله سبحانه أيضاً ، ومعلوم أنّ العلم لا يكون علّة للمعلوم ؛ لأنّه كاشف وغير مؤثّر وتابع وليس متبوعاً ، فعلمك بأنّك تموت يوماً ما جزماً ويموت جميع من على الأرض يوماً من الأيّام ، ليس يعني أنّك بعلمك قاتل لهم ، هذا هو أبرز التفاسير وأحسنها ، وقلنا هناك تفاسير أُخرى ، والله ولي التوفيق.

وبناء على ظاهر النصّ المقتضي تحقّق الشقاوة ، والإنسان جنين في رحم أُمّه ، فإنّ أُريد الشقاوة الدنيوية من الصحّة والمرضية البدنية والنفسية ، والفقر والغنى ، فهي إمّا من تقدير الله سبحانه ابتلاءً منه للعباد حسب اقتضاء الحكمة البالغة ، التي لا تصل إليها ادراكات عقولنا ، وإمّا بعض منها بفعل الأباء والأُمهات ، ومعنى الشقاوة التعب والمشقّة ، التي يبتلى بها الناس. وإن أُريد بها الشقاوة الأُخروية ، فالمراد بها ما يؤول إليه أمر الجنين نتيجة سوء التصرّف منه ، ومن الأبوين كأن يكون ابن زنى ، وهو على هذا جناية أبويه ، فيكون معظم وزره عليهما ، مثل من كان سبباً لضلال أحد.

( نوفل - المغرب - 26 سنة )

فعلنا بإرادتنا وبقدرة من الله :

س : هل الإنسان بإرادته هو الفاعل؟ أم الله هو خالق الإرادة ، والإنسان متروك له حرّية الاختيار؟ ( وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) ، وشكراً جزيلاً.

ج : إنّ أصحاب المناهج الفكرية في مسألة أفعال الإنسان ، اعتقدوا بأنّ الأمر ينحصر في القول بالجبر أو التفويض ، وأنّه ليس هناك طريق ثالث يسلكه الإنسان الباحث لتفسير أفعال العباد ، فقد كان الجنوح إلى الجبر في العصور الأُولى لأجل التحفّظ على التوحيد الأفعالي ، وأنّه لا خالق إلاّ هو ، كما أنّ الانحياز إلى التفويض كان لغاية التحفّظ على عدله سبحانه.

ص: 247

فالأشاعرة جنحوا إلى الجبر حرصاً على الأصل الأوّل ، والمعتزلة إلى الثاني حرصاً على أصل العدل ، وكلا الطرفين غفل عن نظرية ثالثة يوافقها العقل ويدعمها الكتاب والسنّة ، وفيها الحفاظ على كلّ من أصلي التوحيد والعدل ، مع نزاهتها عن مضاعفات القولين ، فإنّ في القول بالجبر بطلان البعث والتكليف ، وفي القول بالتفويض الثنوية والشرك.

فهذه النظرية الثالثة هي مذهب الأمر بين الأمرين ، الذي لم يزل أئمّة أهل البيت عليه السلام يحثّون عليه ، وخلاصة هذا المذهب :

أنّ أفعالنا من جهة هي أفعالنا حقيقة ، ونحن أسبابها الطبيعية ، وهي تحت قدرتنا واختيارنا ، ومن جهة أُخرى هي مقدورة لله تعالى ، وداخلة في سلطانه ، لأنّه هو مفيض الوجود ومعطيه ، فلم يجبرنا على أفعالنا حتّى يكون قد ظلمنا في عقابنا على المعاصي ، لأنّ لنا القدرة والاختيار فيما نفعل ، ولم يفوّض لنا خلق أفعالنا حتّى يكون قد أخرجها عن سلطانه ، بل له الخلق والحكم والأمر ، وهو قادر على كلّ شيء ومحيط بالعباد.

وهذا بحث دقيق شريف ينبغي الاطلاع عليه ، وللتوسعة يراجع كتاب الإلهيّات للشيخ السبحانيّ ، بحث مناهج الاختيار ، وكتاب عقائد الإمامية للشيخ المظفّر قدس سره.

أمّا آية ( وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) (1) ، فالظاهر من السياق أنّ ( ما ) موصولة بقرينة قوله تعالى : ( قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ) (2) ، ويكون معنى الآية : أتعبدون الأصنام التي تنحتونها ، والله خلقكم أيّها العبدة والأصنام التي تعملونها.

فتتمّ الحجّة على المشركين بأنّهم ومعبوداتهم مخلوقات لله سبحانه ، فلا

ص: 248


1- 1. الصافّات : 96.
2- 2. الصافّات : 95.

وجه لترك عبادة الخالق وعبادة المخلوق ، أمّا لو قلنا بأن ( ما ) في الآية مصدرية ، فتفقد الآية الثانية صلتها بالأُولى ، ويكون مفاد الآيتين : أتعبدون الأصنام التي تنحتونها والله خلقكم أيّها العبدة وخلق أعمالكم وأفعالكم؟

والحال أنّه ليس لعملهم صلة بعبادة ما ينحتونه ، ولو قلنا بذلك لتمّت الحجّة لغير صالح نبيّ الله إبراهيم عليه السلام ولانقلبت عليه ، إذ عندئذ ينفتح لهم باب العذر بحجّة أنّه لو كان الله سبحانه هو الخالق لأعمالنا ، فلماذا توبّخنا وتنددنا بعبادتنا إيّاهم.

( حيدر عبد الأمير - العراق - .... )

التقدير العلميّ والعينيّ :

س : أرجو مساعدتي في التمييز بين القضاء والتقدير الإلهيّ ، وما سواها من حوادث الأُمور ، التي ينبغي فيها للمؤمن أن لا يستسلم ، ولا يتنازل عن أبسط حقوقه.

وأعني هل يجب على المؤمن أن يصبر دائماً ، ويرضى بما يحصل عليه ويعتبره تقديراً إلهيّاً؟ ويحقّ له أن يفعل كلّ ما يضمن له استحقاقاته.

أرجو إرشادي إلى أحد المصادر المفصّلة ، وحفظكم الله.

ج : لقد أوضح أهل البيت عليه السلام المراد من القضاء والقدر ، فعن الإمام الرضا عليه السلام قال : ( القدر هي الهندسة ، ووضع الحدود من البقاء والفناء ، والقضاء هو الإبرام وإقامة العين ) (1) ، وقال الإمام الكاظم عليه السلام - بعد سؤاله عن معنى قضى - : ( إذا قضى أمضاه ، فذلك الذي لا مردّ له ) (2).

وقد قسّم التقدير والقضاء على قسمين : علميّ وعينيّ :

وحاصل التقدير العينيّ : أنّ الموجودات الإمكانية على صنفين! موجود مجرّد

ص: 249


1- 1. الكافي 1 / 158.
2- 2. المصدر السابق 1 / 150.

عن المادّة والزمان والمكان ، فقدره هو ماهيته التي يتحدّد بها وجوده ، وموجود مادّيّ خلق في إطار الزمان والمكان ، فقدره عبارة عن جميع خصائصه الزمانية والمكانية والكيفية والكمّية.

وأمّا القضاء فهو عبارة عن الضرورة التي تحف وجود الشيء بتحقيق علّته التامّة ، بحيث يكون وجوده ضرورياً مقطوعاً به من ناحية علّته الوجودية ، وعلى ذلك فكلّ ما في الكون لا يتحقّق إلاّ بقضاء وقدر ، فتقديره تحديد الأشياء الموجودة فيه من حيث وجودها ، وآثار وجودها ، وخصوصيّات كونها ، أي العلل والشرائط.

وأمّا قضاؤه ، فلمّا كانت الحوادث في وجودها وتحقّقها منتهية إليه سبحانه ، فما لم يتمّ لها العلل والشرائط الموجبة لوجودها ، فإنّها تبقى على حال التردد بين الوقوع واللاوقوع ، فإذا تمّت عللها وعامّة شرائطها ، ولم يبق لها إلاّ أن توجد كان ذلك في الله قضاءه ، وفصلاً لها من الجانب الآخر ، وقطعاً للإبهام.

ثمّ إنّ كون التقدير والقضاء العينيّين منه سبحانه لا يلازم كون الإنسان مسلوب الاختيار ، لأنّ المفروض أنّ الحرّية والاختيار من الخصوصيّات الموجودة فيه ، كما أنّه سبحانه إذا قضى بأفعال الإنسان ، فإنّما قضى على صدورها منه عن طريق المبادئ الموجودة فيه التي منها الحرّية والاختيار.

وإنّ السنن الإلهيّة الواردة في الكتاب والسنّة ، أو التي كشف عنها الإنسان عبر ممارساته وتجاربه كلّها من تقديره وقضائه سبحانه ، والإنسان تجاه هذه النواميس والسنن حرّ مختار ، فعلى أيّة واحدة منها طبّق حياته يرى نتيجة عمله.

فالشاب مثلاً الذي يبدأ حياته بإمكاناته الحرّة ، وأعصابه المتماسكة ، وذكائه المعتدل ، فإمّا أن يصرف تلك المواهب في سبيل تحصيل العلوم والفنون والكسب والتجارة ، فمصيره وتقديره هي الحياة السعيدة الرغيدة ، وإمّا أن

ص: 250

يسئ الاستفادة من رصيده المادّي والمعنوي ، ويصرفه في الشهوات واللذّات الزائدة ، فتقديره هو الحياة الشقية المظلمة.

والتقديران كلاهما من الله تعالى ، والشاب حرّ في اختيار أحد الطريقين ، والنتيجة التي تعود إليه بقضاء الله وقدره ، كما أنّ له أن يرجع أثناء الطريق ، فيختار بنفسه تقديراً آخر ويغيّر مصيره ، وهذا أيضاً يكون من تقدير الله تعالى ، فإنّه هو الذي خلقنا وخيّرنا وقدّرنا على الرجوع ، وفتح لنا باب التوبة.

ومثال آخر : المريض الذي يقع طريح الفراش ، أمامه تقديران : إمّا أن يعالج نفسه فيشفى ، أو يهمل نفسه فيستمر المرض به. والتقديران كلاهما من الله تعالى ، والمريض حرّ في اختيار سلوك أيّ الطريقين شاء. وأنت إذا نظرت إلى الكون والمجتمع والحياة الإنسانية تقدر على تمييز عشرات من هذه السنن السائدة ، وتعرف أنّها كلّها من تقاديره سبحانه ، والإنسان حرّ في اختيار واحد منها ، ولأجل ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وآله : ( خمسة لا يستجاب لهم : رجل ... ، ورجل مرّ بحائط مائل وهو يقبل إليه ، ولم يسرع المشي حتّى سقط عليه ... ) (1).

والسرّ في عدم استجابة دعائه واضح ؛ لأنّ تقديره سبحانه وقضاءه على الإنسان الذي لا يقوم من تحت ذلك الجدار المائل هو الموت ، وبذلك تقف على مغزى ما روي عن علي عليه السلام عندما عدل من حائط مائل إلى حائط آخر ، فقيل له : يا أمير المؤمنين أتفرّ من قضاء الله؟ فقال عليه السلام : ( أَفِرُّ من قضاء الله إلى قدر الله عزّ وجلّ ) (2).

يعني أنّ ذلك باختياري ، فإن شئت بقيت في هذا القضاء ، وإن شئت مضيت إلى قدر آخر ، فإن بقيت أقتل بقضاء الله ، وإن عدلت أبقى بتقدير منه سبحانه ، ولكلّ تقدير مصير ، فأيّهما فعلت فقد اخترت ذلك المصير.

وأمّا القضاء والقدر العلميّ ، فالتقدير منه : هو علمه سبحانه بما تكون

ص: 251


1- 1. الخصال : 299.
2- 2. التوحيد : 369.

عليه الأشياء كلّها من حدود وخصوصيّات ، والقضاء منه : علمه سبحانه بحتمية وجود تلك الأشياء وعللها ومبادئها ، والقضاء والقدر العلميّ لا يستلزم وجود الجبر في الأفعال الاختيارية للعباد ، وذلك لأنّ علمه سبحانه تعلّق بصدور الآثار عن العلل مع الخصوصية الكافية في نفس تلك العلل ، ومن تلك الخصوصيّات الاختيار عند الإنسان ، ولمزيد من التفصيل راجع كتاب الإلهيّات للشيخ جعفر السبحانيّ.

ص: 252

الجفر :

اشارة

( عبد الله الحمد ........ )

علمه من مختصّات الأئمّة :

س : أُودّ لو أعلم هل عندكم علم الجفر للإمام الصادق؟ وشكراً.

ج : الجفر الذي أنتم بصدده ليس موجوداً عندنا ، ولا عند أيّ شخص ، بل هو من مختصّات الأئمّة عليهم السلام يتوارثونه ، وهو الآن عند الإمام الحجّة المنتظر عليه السلام ، يظهره عند ظهوره عليه السلام.

وللمزيد من المعلومات عن الجفر ، ننقل لكم بعض ما روي عن أهل البيت عليه السلام في التعريف به :

1 - عن علي بن سعيد قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ( أمّا قوله في الجفر إنّما هو جلد ثور مدبوغ كالجراب ، فيه كتب وعلم ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة من حلال أو حرام ، إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخطّ علي عليه السلام (1).

2 - عن أبي مريم قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : ( عندنا الجامعة ، وهي سبعون ذراعاً ، فيها كلّ شيء حتّى أرش الخدش ، إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخطّ علي عليه السلام ، وعندنا الجفر ، وهو أديم عكاظيّ ، قد كتب فيه حتّى ملئت أكارعه ، فيه ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ) (2).

3 - عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ذكروا ولد الحسن

ص: 253


1- 1. بصائر الدرجات : 181.
2- 2. المصدر السابق : 180.

فذكروا الجفر ، فقال : ( والله إنّ عندي لجلدي ماعز وضأن ، إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخطّه علي عليه السلام بيده ، عندي لجلد سبعين ذراعاً ، إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخطّه علي عليه السلام بيده ، وإنّ فيه لجميع ما يحتاج إليه الناس حتّى أرش الخدش ) (1).

4 - عن علي بن الحسين عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّ عبد الله بن الحسن يزعم أنّه ليس عنده من العلم إلاّ ما عند الناس ، فقال : ( صدق والله عبد الله ابن الحسن ، ما عنده من العلم إلاّ ما عند الناس ، ولكن عندنا والله الجامعة ، فيها الحلال والحرام ، وعندنا الجفر ، أيدري عبد الله بن الحسن ما الجفر؟ مسك بعير أم مسك شاة؟ وعندنا مصحف فاطمة ، أما والله ما فيه حرف من القرآن ، ولكنّه إملاء رسول الله ، وخطّ علي ، كيف يصنع عبد الله إذا جاء الناس من كلّ أُفق يسألونه ) (2).

ومن أراد المزيد حول موضوع الجفر فاليراجع كتاب ( حقيقة الجفر ) لأكرم بركات العامليّ ، تقديم العلامة السيّد جعفر مرتضى العامليّ.

( عمّار - الكويت - .... )

مضمونه :

س : بارك الله في جهودكم ، وشكر الله مساعيكم ، كثيراً ما اسمع عن الجفر ، فهل يمكنكم أن تذكروا لي بعض مضامينه؟ وشكراً.

ج : في مضمون الجفر أقوال كثيرة ، نذكر منها :

1 - إنّ في الجفر تفسير القرآن الكريم ، وما في باطنه من غرائب المعاني ، وكلّ ما يحتاج إلى علمه أتباع آل البيت عليهم السلام ، وكلّ ما يكون إلى يوم القيامة.

ص: 254


1- 1. المصدر السابق : 179.
2- 2. المصدر السابق : 178.

2 - إنّ في الجفر ما جرى للأولين ، وما جرى للآخرين ، وفيه اسم الله الأعظم ، وتاج آدم ، وخاتم سليمان ، وحجاب آصف.

3 - إنّ الإمام علي عليه السلام قد ذكر فيه على طريقة علم الحروف الحوادث التي تحدث إلى انقراض العالم.

4 - إنّ في الجفر علم ما سيقع لأهل البيت عليه السلام على العموم ، ولبعض الأشخاص منهم على الخصوص.

5 - إنّ في الجفر مجموعة نبوءات وحكم ، ورموز وعبر.

ويستخلص من مجمل هذه الأقوال ، أنّ الجفر يتضمّن ذكر الأخبار التي ستقع حتّى انقراض العالم.

قال الإمام الباقر عليه السلام : ( وعندنا الجفر ، وهو أديم عكاظيّ ، قد كتب فيه حتّى ملئت أكارعه ، فيه ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ) (1).

وللمزيد راجع الكتاب الذي أشرنا إليه في الإجابة على السؤال الأوّل.

ص: 255


1- 1. بصائر الدرجات : 180.

ص: 256

الجمع بين الصلاتين :

اشارة

( العلي - ... - ..... )

في صحيح البخاريّ ومسلم :

س : أُريد أن تتفضّلوا عليّ بذكر الأحاديث من كتب السنّة ، التي تؤيّد ما تنتهجه الشيعة في جمع الصلوات؟

ج : لا يخفى أنّ حجّتنا التي نتعبّد فيما بيننا وبين الله تعالى في مسألة الجمع بين الصلاتين ، وفي غيرها من المسائل ، إنّما هي في صحاحنا عن أئمّتنا عليهم السلام.

وقد نحتجّ على أهل السنّة بصحاحهم لظهورها فيما نقول ، وحسبنا منها ما قد أخرجه الشيخان في صحيحيهما ، وإليك ما أخرجه مسلم في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر من صحيحه ، إذ قال :

( 1 - حدّثنا يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : صلّى رسول الله صلى الله عليه وآله الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء جميعاً ، في غير خوف ولا سفر.

2 - وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ... عن ابن عباس قال : صلّيت مع النبيّ صلى الله عليه وآله ثمانياً جميعاً ، وسبعاً جميعاً ، قلت : يا أبا الشعثاء ، أظنّه أخّر الظهر وعجّل العصر ، وأخّر المغرب وعجّل العشاء ، قال : وأنا أظنّ ذاك.

3 - وحدّثنا أبو الربيع الزهرانيّ ... عن ابن عباس : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً ، الظهر والعصر والمغرب والعشاء.

4 - حدّثنا أبو الربيع الزهرانيّ ... عن عبد الله بن شقيق قال : خطبنا ابن

ص: 257

عباس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس ، وبدت النجوم ، وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة ، قال : فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني : الصلاة الصلاة ، فقال ابن عباس : أتعلّمني بالسنّة لا أُمّ لك؟

ثمّ قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء.

قال عبد الله بن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة فسألته ، فصدّق مقالته.

5 - وحدّثنا ابن أبي عمر ... عن عبد الله بن شقيق العقيليّ قال : قال رجل لابن عباس : الصلاة ، فسكت ، ثمّ قال : الصلاة ، فسكت ، ثمّ قال : الصلاة ، فسكت ، ثمّ قال : لا أُمّ لك أتعلّمنا بالصلاة؟ وكنّا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله.

6 - حدّثنا أحمد بن يونس ... عن ابن عباس قال : صلّى رسول الله صلى الله عليه وآله الظهر والعصر جميعاً بالمدينة ، في غير خوف ولا سفر.

7 - وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ... عن ابن عباس قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وآله بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء بالمدينة ، في غير خوف ولا مطر ، فقيل لابن عباس : ما أراد إلى ذلك؟ قال : أراد أن لا يحرج أمّته ) (1).

هذه الصحاح صريحة في أنّ العلّة في تشريع الجمع إنّما هي التوسعة بقول مطلق على الأُمّة ، وعدم إحراجها بسبب التفريق ، رأفة بأهل الأشغال ، وهم أكثر الناس.

وإليك ما اختاره البخاريّ في صحيحه :

1 - حدّثنا أبو النعمان ... عن ابن عباس : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً ، الظهر والعصر والمغرب والعشاء (2).

ص: 258


1- 1. صحيح مسلم 2 / 151.
2- 2. صحيح البخاريّ 1 / 137.

2 - حدّثنا آدم قال ... عن ابن عباس قال : صلّى النبيّ صلى الله عليه وآله سبعاً جميعاً ، وثمانياً جميعاً (1).

3 - عن ابن عمر وأبي أيوب وابن عباس : أن النبيّ صلى الله عليه وآله صلّى المغرب والعشاء - يعني جمعهما - في وقت إحداهما دون الأُخرى (2).

وهذا النزر اليسير من الجمّ الكثير من صحاح الجماعة كاف في الدلالة على ما نقول.

ويؤيّده ما عن ابن مسعود إذ قال : جمع النبيّ صلى الله عليه وآله بين الأُولى والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، فقيل له في ذلك ، فقال : ( صنعت هذا لكي لا تحرج أُمّتي ) (3).

والمأثور عن عبد الله بن عمر إذ قيل له : لم ترى النبيّ صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء مقيماً غير مسافر؟ أنّه أجاب بقوله : لأن لا يحرج أُمّته إن جمع رجل (4).

وبالجملة : فإنّ علماء الجمهور كافّة متصافقون على صحّة هذه الأحاديث ، وظهورها فيما نقول من الجواز مطلقاً ، فراجع ما شئت ممّا علّقوه عليها يتّضح لك ذلك ، وحسبك ما نقله النوويّ عنهم في تعليقه على هذه الأحاديث من شرحه لصحيح مسلم.

( يعقوب نور - الكويت - .... )

رسول الله أوّل من جمع بينهما :

س : لماذا نرى في المذهب الشيعيّ الجمع بين الصلاتين ، كالظهر والعصر مثلاً.

ص: 259


1- المصدر السابق 1 / 140.
2- المصدر السابق 1 / 141.
3- المعجم الأوسط 4 / 252.
4- كنز العمّال 8 / 246.

ج : في الحقيقة أنّ الرسول صلى الله عليه وآله هو أوّل من جمع بين الصلاتين في وقت واحد ، من غير ضرورة تلجئه إليه ، من سفر أو مطر أو غير ذلك ؛ والأخبار بذلك كثيرة في الصحاح الستّة ، ومسند أحمد ، وموطأ مالك ، وعلى سبيل المثال : عن ابن عباس قال : ( جمع رسول الله صلى الله عليه وآله بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء بالمدينة ، من غير خوف ولا مطر ، قيل لابن عباس : وما أراد بذلك؟ قال : أراد أن لا يحرج أُمّته ) (1).

مضافاً إلى أنّ في الجمع تسهيلاً على المكلّفين ، فيؤدّي هذا الأمر بالمآل إلى توسيع نطاق الالتزام بالصلاة عند الكلّ.

( شهيناز - البحرين - سنّية - 20 سنة - طالبة جامعة )

وجه الجمع بينهما :

س : لماذا الجمع بين الصلاتين؟ وقد أمر الله بخمس صلوات في اليوم ، مع أنّ الشيعة يعرفون هذا ، ولكنّهم اتبعوا الإمام الحسين ، مع أنّه جمع الصلاتين لأنّه كان في حرب وهذا جائز ، أمّا عندما لا يكون للمرء ظروف تستدعيه للجمع ، فعليه أن يصلّي الصلوات منفردة ، وإلاّ فما الفائدة من تسميته بصلاة العصر أو العشاء؟ إذا كنّا سنصليه في غير وقته؟

ج : إنّ الجمع بين الصلاتين لم يكن من مختصّات الشيعة وحدهم ، بل اشترك جميع المسلمين في رواية جواز الجمع بين الصلاتين ، من دون عذر ولا مطرٍ ولا سفر ، وهذه الصحاح هي دليلنا على جواز الجمع.

ولنا أن نتساءل الآن عن سبب تحريم الجمع بين الصلاتين؟ مع ما ورد في

ص: 260


1- 1. مسند أحمد 1 / 223 و 354 ، صحيح مسلم 2 / 152 ، سنن أبي داود 1 / 272 ، سنن النسائيّ 1 / 290 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 167 ، السنن الكبرى للنسائيّ 1 / 491 ، المعجم الأوسط 5 / 113 ، المعجم الكبير 10 / 327 ، تاريخ بغداد 5 / 404 ، سير أعلام النبلاء 13 / 275.

جواز الجمع من صحاح صريحة ، فهل هناك دليل على حرمة الجمع يمكن أن تجدينه أيّتها الأُخت؟

لا أظنّك ستجدين دليلاً واحداً يقول بعدم جواز الجمع ، نعم هناك اعتذارات وتوجيهات لهذه الصحاح التي ذكرناها ، كلّها لا تقوى على إبطال قول الإمامية بجواز الجمع.

والإمامية تقول بالتفريق في الصلاة ، وتقول أيضاً بجواز الجمع ، فلا مانع في الإتيان بكلتي الرخصتين ، ولئلا يشقّ رسول الله صلى الله عليه وآله على أُمّته ، فقد أجاز الجمع بين الصلاتين ، وأنتِ ترين كم هو محرج حقّاً أن يواظب الإنسان - خصوصاً في هذا العصر مع تفاقم الانشغالات والالتزامات - الالتزام بالتفريق بين الصلاتين.

وإلى هنا ، فقد تبيّن أنّ الشيعة الإمامية لم تأخذ جواز الجمع من الإمام الحسين عليه السلام ، بل أخذته من رسول الله صلى الله عليه وآله استناداً إلى ما ذكرناه من الصحاح.

وبذلك تبيّن أيضاً عدم العلاقة بين تسمية صلاة الظهر وصلاة العصر وبين الجمع بينهما ؛ فإنّ الحكم لا يغيّر من حقيقة الموضوع ، فضلاً عن تسميته.

( تايف بن جرمان الهذلي - السعودية - سنّي )

أدلّته من الكتاب والسنّة :

اشارة

س : فرض الله خمس صلوات على المسلمين ، وأراد تبارك وتعالى : إتيان الصلاة في وقتها ، هل تصلّون الخمس صلوات في أوقاتها؟ ولكم جزيل الشكر ، وبحفظ الله.

ج : إنّ الشيعة الإمامية ينفردون تطبيقيّاً في الجمع بين الصلاتين ، ويذهبون إلى جوازه مطلقاً بلا خلاف بينهم ، بل الجمع عندهم من البديهيات ، وهم يعملون به في جميع الآفاق ، تابعين في ذلك أئمّتهم عليهم السلام ، الذي نهجوا نهج رسول

ص: 261

الله صلى الله عليه وآله ، ولذا لا تجد لهذه المسألة عنواناً في فقههم - مع أنّه موجود في أخبارهم - بينما على العكس من ذلك في فقه غيرهم.

فلقد جوّز مالك والشافعيّ وأحمد الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء في السفر والمطر و ... على تفصيل عندهم ، في حين منع أبو حنيفة ذلك!!

وممّا اتفق عليه الفريقان - شيعة وسنّة - هو الجمع بين الظهر والعصر في عرفة ، وبين المغرب والعشاء في المزدلفة؟ والدليل على صحّة ما يذهب إليه الإمامية هو القرآن الكريم ، والسنّة النبويّة المطهّرة ، التي ترويها كتب الجمهور!

مواقيت الصلاة في القرآن :

1 - قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ) (1) يقول الفخر الرازيّ - وهو أحد أعلام المفسّرين من أهل السنّة - : ( فإن فسّرنا الغسق بظهور أوّل الظلمة ، كان الغسق عبارة عن أوّل المغرب ، وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات ، وقت الزوال ، ووقت أوّل المغرب ، ووقت الفجر.

وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتاً للظهر والعصر ، فيكون هذا الوقت مشتركاً بين هاتين الصلاتين ، وأن يكون أوّل المغرب وقتاً للمغرب والعشاء ، فيكون هذا الوقت مشتركاً أيضاً بين هاتين الصلاتين ، فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء مطلقاً.

إلاّ أنّه دلّ الدليل على أنّ الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز ، فوجب أن يكون الجمع جائزاً بعذر السفر وعذر المطر وغيره ) (2).

وعلى عادته في عدم استغلال النتائج ، وتنكّره لصحّتها ، مع كامل اعترافه

ص: 262


1- 1. الإسراء : 78.
2- 2. التفسير الكبير 5 / 384.

الصريح بدلالة الآية على جواز الجمع ، يفضّل الرازيّ التشبّث ببعض الروايات الملائمة لأهوائه!

كما أيّد البغداديّ هذا الأمر بقوله : ( والحمل على الزوال أولى القولين : لكثرة القائلين به ، وإذا حملناه عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلّها ، فدلوك الشمس يتناول صلاة الظهر والعصر ، ( إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ) أي ظهور ظلمته ، وقال ابن عباس : بدو الليل ، وهذا يتناول المغرب والعشاء ، ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ) يعني صلاة الفجر ) (1).

2 - قوله تعالى : ( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) (2).

يقول القرطبيّ في تفسير هذه الآية : ( لم يختلف أحد من أهل التأويل في أنّ الصلاة في هذه الآية يراد بها الصلوات المفروضة ... قوله تعالى : ( طَرَفَيِ النَّهَارِ ) قال مجاهد : الطرف الأوّل صلاة الصبح ، والطرف الثاني صلاة الظهر والعصر ، واختاره ابن عطية ... والزلف المغرب والعشاء ... ) (3).

وفي تفسير القرآن العظيم عن مجاهد في قوله تعالى : ( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ... ) قال : ( هي الصبح في أوّل النهار ، والظهر والعصر مرة أُخرى ....

وقال الحسن في رواية ابن المبارك عن مبارك بن فضالة عنه : وزلفاً من الليل يعني المغرب والعشاء ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : هما زلفا الليل ، المغرب والعشاء ... ، وكذا قال مجاهد ومحمّد بن كعب وقتادة والضحّاك : أنّها صلاة المغرب والعشاء ) (4).

فهذه الآيات ، وأقوال المفسّرين قد دلّت بصراحة على أنّ أوقات الصلاة ثلاثة ، وهذا يعني أنّ جمع الصلاة عند الشيعة الإمامية موافق للأصل.

ص: 263


1- 1. تفسير الخازن 3 / 140.
2- 2. هود : 114.
3- 3. الجامع لأحكام القرآن 9 / 109.
4- 4. تفسير القرآن العظيم 2 / 478.
جمع النبيّ صلى الله عليه وآله للصلاة :

ولقد جمع النبيّ صلى الله عليه وآله بين صلاتي الظهر والعصر ، وبين صلاتي المغرب والعشاء في المدينة - أي أنّه كان حاضراً وغير مسافر - ولم يكن هناك عارض من مطر أو مرض أو ... وقد أقرّت بذلك كتب أهل السنّة.

فقد أخرج مسلم عن ابن عباس قال : ( صلّى رسول الله صلى الله عليه وآله الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء في غير خوف ولا سفر ) (1).

وأيضاً عن ابن عباس قال : ( إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً ، الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ) (2).

وعن عبد الله بن شقيق قال : ( خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس وبدت النجوم ، وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة ، قال : فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني ، الصلاة الصلاة.

فقال ابن عباس : أتعلّمني بالسنّة لا أُمّ لك؟! ثمّ قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء.

قال عبد الله ابن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة فسألته ، فصدّق مقالته ) (3).

وعن معاذ بن جبل قال : ( جمع رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، قال : فقلت : ما حمله على ذلك؟ فقال : أراد أن لا يحرج أُمّ-ت-ه ) (4).

ص: 264


1- 1. صحيح مسلم 2 / 151.
2- 2. المصدر السابق 2 / 152.
3- 3. صحيح مسلم 2 / 153 ، مسند أحمد 1 / 251 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 168 ، تحفة الأحوذيّ 1 / 475 ، مسند أبي داود : 355 ، المعجم الكبير 12 / 162 ، تهذيب الكمال 9 / 303.
4- 4. صحيح مسلم 1 / 284 ، الجامع الكبير 2 / 33 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 162 ، المصنّف لابن أبي شيبة 2 / 344 و 8 / 373 ، المعجم الأوسط 6 / 267 ، المعجم الكبير 20 / 58 ، كنز العمّال 8 / 247 ، علل الدارقطنيّ 6 / 43 ، سبل الهدى والرشاد 8 / 235.

وأخرج البخاريّ بسنده عن أبي أمامه قوله : ( صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ، ثمّ خرجنا حتّى دخلنا على أنس بن مالك ، فوجدناه يصلّي العصر! فقلت : يا عم! ما هذه الصلاة التي صلّيت؟ قال : العصر ، وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله التي كنّا نصلّي معه ) (1).

وكذا اخرج مالك في موطّئه عن ابن عباس : ( صلّى رسول الله صلى الله عليه وآله الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء جميعاً ، في غير خوف ولا سفر ) (2).

كما أخرج أحمد في مسنده عن ابن عباس أنّه قال : ( صلّى رسول الله صلى الله عليه وآله في المدينة مقيماً غير مسافر سبعاً وثمانياً ) (3).

ومصادر أُخرى ذكرت جمع النبيّ صلى الله عليه وآله لصلاتي الظهر والعصر ، وصلاتي المغرب والعشاء ، من غير اضطرار (4).

وبالجملة : فإنّ علماء الجمهور - القائلين بجواز الجمع وغير القائلين به - متّفقون على صحّة هذه الأحاديث وظهورها ، وتعليقاتهم خير دليل على ذلك! وحسبك ما نقله النوويّ في شرحه لصحيح مسلم ، والزرقانيّ في شرحه لموطّأ مالك ، والعسقلانيّ والقسطلانيّ ، وزكريا الأنصاريّ في شروحهم لصحيح البخاريّ ، وسائر من علّق على أيّ كتاب من كتب السنن المشتمل على أحاديث عبد الله بن عباس في الجمع بين الصلاتين.

علّة الجمع :

ولقد كانت الأحاديث التي روتها الصحاح ، كحديث ابن عباس : أراد أن لا يحرج أحداً من أُمّته ، وحديث معاذ بن جبل : أراد أن لا يحرج أُمّته ، صريحة في بيان العلة ، فجمع النبيّ صلى الله عليه وآله بين صلاتي الظهرين وصلاتي العشائين ، هو

ص: 265


1- 1. صحيح البخاريّ 1 / 138.
2- 2. الموطّأ 1 / 144.
3- 3. مسند أحمد 1 / 221.
4- 4. سنن أبي داود 1 / 271 ، سنن النسائيّ 1 / 286 ، السنن الكبرى للنسائيّ 1 / 491.

للتوسعة على الأُمّة ، وعدم إحراجها بالتزام التفريق ، رأفة بأهل المشاغل - وهم أغلب الناس - لأنّ التفريق لا يتيسّر لكلّ أحد ، وعدم اليسر لا يجتمع مع سهولة الشريعة وسماحتها ، إذ إنّ التزام التفريق بين الصلوات قد يجعل البعض متوجّهاً للصلاة على مضض! أو تركها أصلاً!

ولقد جرت حكمة الله تعالى بتشريع الجمع على لسان نبيّه صلى الله عليه وآله ، ومن خلال فعله المبارك ، فلماذا ينكر المخالفون أمر الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله؟! ولماذا يتأوّلون هذا التشريع ويتركون غيره؟!

فالجمع ميسور لكلّ إنسان ، ولا يتنافى مع الشرع الصحيح ، ويقبله العقل والذوق السليم ، فهو يتماشى مع القرآن ، ويهتدي بالسنّة.

ولقد اتفقت مرويّات أهل البيت عليهم السلام مع الآيات المباركة التي ذكرت في مورد الاستدلال ، ومع الأحاديث الشريفة التي رويت عن النبيّ صلى الله عليه وآله.

فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : ( إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علّة بأذان وإقامتين ) (1).

هذا بالإضافة إلى أحاديث كثيرة مروية عن أهل البيت النبويّ الطاهر بهذا الخصوص.

( أحمد الصنعانيّ - اليمن - سنّي - 32 سنة - طالب علم )

بحث حول جوازه لعذر وغيره :

س : أجاز فقهاء الحنابلة للمسلم وللمسلمة الجمع بين الظهر والعصر ، أو بين المغرب والعشاء في بعض الأحيان لعذر من الأعذار ، وهذا تيسير كبير ، فقد ورد أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله جمع في غير سفر ولا مطر ، فسئل في ذلك ابن عباس فقيل له :

ص: 266


1- 1. من لا يحضره الفقيه 1 / 278.

ما أراد بذلك؟ فقال : أراد ألاّ يحرج أُمّته.

فإذا كان هناك حرج في بعض الأحيان من صلاة كلّ فرض في وقته ، فيمكن الجمع ، على ألاّ يتّخذ الإنسان ذلك ديدناً وعادة ، كلّ يومين أو ثلاثة ، وكلّما أراد الخروج إلى مناسبة من المناسبات الكثيرة المتقاربة في الزمن ، إنّما جواز ذلك في حالات الندرة ، وعلى قلّة ، لرفع الحرج والمشقّة التي يواجهها الإنسان.

فمثلاً ، شرطي المرور إذا كانت نوبته قبل المغرب إلى ما بعد العشاء ، فله أن يجمع المغرب مع العشاء جمع تقديم أو تأخير ، على حسب استطاعته ، أو طبيب يجري عملية لمريض ، ولا يستطيع تركها ، يمكنه في هذه الحالة أن يجمع جمع تقديم أو تأخير ، وذلك ممّا شرع تيسيراً من الإسلام لأهله ، ورفعاً للحرج عنهم.

أمّا الذهاب إلى الاحتفال بمناسبة من المناسبات ، فلا أرى ضرورة أو عذراً للجمع ، مادام الإنسان يجد فرصة هناك للصلاة ، وينبغي ألاّ يستحي بإقامته للصلاة - سواء كان رجلاً أو امرأة - لأنّ هذا الحياء غير جائز فيما يتعلّق بالصلاة وأدائها في أيّ مكان ، بل الواجب فيمن يقيم الصلاة أن يجعل من نفسه قدوة صالحة للآخرين حتّى يتعلّم الناس الصلاة ، لأنّها من شعائر الله التي يجب أن تظهر ، وأن يجاهر المسلمون بها ويعظّموها ( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (1).

وإن ممّا يعاب على كثير من الاحتفالات الرسمية التي تقام في كثير من البلاد الإسلاميّة ، أنّها تبتلع أوقات الصلاة - وبخاصّة المغرب - دون أن تبالي بحقّ الله تعالى ، وبضمائر المؤمنين الحريصين على أداء الصلوات في مواقيتها.

ولو أنّ المحافظين على الصلاة الذين يحضرون مثل هذه الاحتفالات ، قاموا إلى الصلاة عند حضور وقتها ، قومة رجل واحد ، لحسّب المسؤولون عن تلك الاحتفالات لوقت الصلاة ألف حساب وحساب.

ص: 267


1- 1. الحجّ : 32.

وعلى كلّ حال ، من وجد حرجاً أو مشقّة في صلاة كلّ صلاة في وقتها ، فله أن يجمع كما ذكرنا ، والله الموفّق للسداد.

ج : لقد قرأنا مقالكم الذي نعتزّ به ونقدّره ، ونلفت انتباهكم إلى أنّ الرخصة الواردة في الجمع مطلقة ، غير مخصّصة بالعذر ، بالأخصّ إذا لاحظنا بعين الاعتبار التسهيل على الأُمّة ، فيمكن أن يجمع الناس دائماً ، وإن كان التفريق أفضل.

هذا مع العلم أنّ الروايات المروية عن طريق أهل البيت عليهم السلام صريحة وواضحة في جواز الجمع مطلقاً ، وأمّا ما روي عن طريق أهل السنّة ، فيمكن إثبات الرخصة المطلقة أيضاً ، وذلك لما روي عن ابن عباس قال : ( صلّى رسول الله صلى الله عليه وآله الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء جميعاً ، في غير خوف ولا سفر ) (1).

وفي حديث وكيع قال : ( قلت لابن عباس : لم فعل ذلك؟ قال : كي لا يحرج أُمّته ) (2).

وفي حديث أبي معاوية قيل لابن عباس : ( ما أراد إلى ذلك؟ قال : أراد أن لا يحرج أُمّته ) (3).

وعن جابر بن يزيد عن ابن عباس : ( أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً ، الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ) (4).

ص: 268


1- 1. صحيح مسلم 2 / 151 ، سنن النسائيّ 1 / 290 ، سنن أبي داود 1 / 271 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 166 ، السنن الكبرى للنسائيّ 1 / 491 ، صحيح ابن خزيمة 2 / 85 ، صحيح ابن حبّان 4 / 471 ، المعجم الكبير 12 / 58 ، سير أعلام النبلاء 10 / 453 ، سبل الهدى والرشاد 8 / 236.
2- 2. مسند أحمد 1 / 354 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 167 ، شرح صحيح مسلم 5 / 217.
3- 3. صحيح مسلم 2 / 152 ، الجامع الكبير 1 / 121 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 167.
4- 4. صحيح البخاريّ 1 / 137 ، صحيح مسلم 2 / 152 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 167 ، مسند ابن الجعد : 246 ، السنن الكبرى للنسائيّ 1 / 157 ، صحيح ابن حبّان 4 / 474 ، المعجم الكبير 12 / 137.

وعن عبد الله بن شقيق قال : ( خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس وبدت النجوم ، وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة ، قال : فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني ، الصلاة الصلاة.

فقال ابن عباس : أتعلّمني بالسنّة لا أُمّ لك؟! ثمّ قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء.

قال عبد الله بن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة فسألته ، فصدّق مقالته ) (1).

قال النوويّ : ( وأمّا حديث ابن عباس ، فلم يجمعوا على ترك العمل به ، بل لهم أقوال : منهم من تأوّله على أنّه جمع بعذر المطر ، هذا مشهور عن جماعة من الكبار المتقدّمين ، وهو ضعيف بالرواية الأُخرى : من غير خوف ولا مطر.

ومنهم من تأوّله على أنّه كان في غيم ، فصلّى الظهر ثمّ انكشف الغيم وبان أنّ وقت العصر دخل فصلاّها ، وهذا أيضاً باطل ، لأنّه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر ، لا احتمال فيه في المغرب والعشاء.

ومنهم من تأوّله على تأخير الأُولى إلى آخر وقتها ، فصلاّها فيه ، فلمّا فرغ منها دخلت الثانية فصلاّها ، فصارت صلاته صورة جمع ، وهذا أيضاً ضعيف أو باطل ، لأنّه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل ، وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب ، واستدلاله بالحديث لتصويب فعله ، وتصديق أبي هريرة له وعدم إنكاره ، صريح في ردّ التأويل.

ومنهم من قال : هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه ، ممّا هو في معناه من الأعذار ، وهذا قول أحمد بن حنبل ، والقاضي حسين من أصحابنا ، واختاره الخطّابيّ ، والمتولّي والروياني من أصحابنا ، وهو المختار في تأويله

ص: 269


1- 1. صحيح مسلم 2 / 153 ، مسند أحمد 1 / 251 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 168 ، تحفة الأحوذيّ 1 / 475 ، مسند أبي داود : 355 ، المعجم الكبير 12 / 162 ، تهذيب الكمال 9 / 303.

لظاهر الحديث ، ولفعل ابن عباس ، وموافقة أبي هريرة ، ولأنّ المشقّة فيه أشدّ من المطر ) (1).

ولكن الوجه الذي اختاره النوويّ ، ومن سبقه غير صحيح ، لأنّ فعل ابن عباس لا يوحي بالمرض ، إذ كيف يتسنّى لمريض أن يخطب منذ العصر ، وحتّى ظهور النجوم ، فإذا كان النبيّ صلى الله عليه وآله قد جمع بسبب المرض ، فما عذر ابن عباس في الجمع ، ولا أدري ما وجه موافقة أبي هريرة في الدلالة على المرض؟!

وقد ردّ القسطلانيّ هذا العذر بقوله : ( وحمله بعضهم على الجمع للمرض ، وقوّاه النوويّ لأنّ المشقّة فيه أشدّ من المطر ، وتعقّب بأنّه مخالف لظاهر الحديث ، وتقييده به ترجيح بلا مرجّح ، وتخصيص بلا مخصّص.

وقد أخذ آخرون بظاهر الحديث ، فجوّزوا الجمع في الحضر للحاجة ، لمن لا يتّخذه عادة ، وبه قال أشهب والقفال الشاشي ، وحكاه الخطّابيّ عن جماعة من أصحاب الحديث ، وتأوّله آخرون على الجمع الصوريّ بأن يكون آخر الظهر إلى آخر وقتها ، وعجّل العصر في أوّل وقتها ، وضعّف لمخالفته الظاهر ) (2).

أمّا الترمذيّ ، فقد أورد هذه الروايات في جامعه ، وادّعى في كتاب العلل أنّ هذا الحديث غير معمول به ، ولكن المباركفوري قال : ( قال الترمذيّ في كتابه العلل ما لفظه : جميع ما في هذا الكتاب من الحديث هو معمول به ، وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين : حديث ابن عباس رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر بالمدينة ، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر ولا سفر ، وحديث النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال : ( من شرب الخمرة فاجلدوه ، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه ) ... (3) قال : وقد بيّنا علّة الحديثين جميعاً في الكتاب.

قلت : وقد تعصّب المُلاّ معين في كتابه دراسات اللبيب على كلام الترمذيّ

ص: 270


1- 1. شرح صحيح مسلم 5 / 218.
2- 2. إرشاد الساري 2 / 222.
3- 3. تحفة الأحوذيّ 1 / 478.

هذا ، وقد أثبت أنّ هذين الحديثين كليهما معمول بهما ، والحقّ مع المُلاّ معين عندي والله تعالى أعلم.

أمّا رواية حنش عن عكرمة عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وآله : ( من جمع بين صلاتين بغير عذر ، فقد أتى باباً من أبواب الكبائر ) (1) ، فإنّ الترمذيّ بعد أن أخرج هذا الحديث ، قال : حنش هذا أبو علي الرحبي متروك ) (2).

وقال ابن حجر في ترجمة حنش : ( قال البخاريّ : أحاديثه منكرة جدّاً ، ولا يكتب حديثه ... ، وقال العقيليّ : له غير حديث لا يتابع عليه ولا يعرف إلاّ به ولا أصل له ، وقد صح عن ابن عباس أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر ... ) (3).

ص: 271


1- 1. مسند أبي يعلى 5 / 136 ، المعجم الكبير 11 / 172 ، سنن الدارقطنيّ 1 / 380.
2- 2. سنن الدارقطنيّ 1 / 380.
3- 3. تهذيب التهذيب 2 / 314.

ص: 272

الحجاب :

اشارة

( محمّد - أمريكا - .... )

فلسفته :

س : ما هي فلسفة الحجاب؟ ولماذا هو واجب في الإسلام؟

ج : إنّ فلسفة الحجاب مذكورة في القرآن الكريم ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) (1).

وقال أيضاً : ( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللهِ عَظِيمًا ) (2).

حيث بيّن علّة الحجاب بقوله : ( ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) من الخواطر المريبة والشيطانية ، وأجلب للعفّة ، وأبعد للتهمة ، وأقوى في الحماية.

فالآيتان الشريفتان تدلاّن على وجوب الحجاب ، بالإضافة إلى ورود روايات عن النبيّ وأهل بيته عليهم السلام تؤكّد وجوب الحجاب.

ص: 273


1- 1. الأحزاب : 59.
2- 2. الأحزاب : 53.

والسيرة العملية للمسلمين في مختلف الأدوار والبلدان قائمة على حفظ الحجاب.

هذا بالإضافة ما للحجاب من آثار إيجابية في حفظ الروابط العائلية والأُسرية ، والعلاقة الزوجية بين المرأة وزوجها ، وأهلها وذويها ، وكلّما تكون المرأة محجّبة فستكون ارتباطاتها وعلاقاتها بأهلها وذويها أتمّ ، وصيانتها أكثر ، وخاصّة إذا كانت متزوّجة ، وكلّما كان هناك سفور وخلاعة فستكون المرأة مبتذلة ، وستكون غير ملتزمة بشيء من الآداب الدينية والأخلاق الرفيعة.

( محمّد آل إبراهيم - السعودية - .... )

هو من مصلحة الفرد والمجتمع :

س : يطرح إشكال في وسط بعض الشباب ، وهو : هل الدين شأن فردي أم هو شأن اجتماعيّ؟ يعني هل المظاهر الاجتماعيّة من حجاب وغيره ، هو أمر خاصّ بالمرأة وقناعتها؟ أم هو واجب تلتزم به اجتماعيّاً حتّى ولو لم تكن مقتنعة به شرعاً؟

ما هو الردّ المناسب في هذا المجال ، وحفظكم الله من كلّ سوء ، ونفع بكم المسلمين.

ج : إنّ الحجاب وأمثاله ممّا أوجبه الله تعالى واجب على المرأة أن تلتزم به ، ولو لم تكن مقتنعة به ، لكن لابدّ من تبيين فلسفة الحجاب وأمثاله للمرأة المسلمة ، حتّى تعمل بهذا الواجب الإلهيّ عن قناعة ، فإنّ الله تعالى لم يفرض على عباده شيئاً ، ولم ينههم عن شيء إلاّ لمصلحة الفرد والمجتمع وإصلاحهما.

( علي - المغرب - 22 سنة - ليسانس )

عدم قناعة المرأة به لا يسقط الفرض :

س : إذا كان ارتداء الحجاب نتيجة ضغوط معيّنة ، أو عن عدم اقتناع ، فأظنّ أنّه لا داعي لارتدائه.

ص: 274

إنّ فهم عمق الحجاب الذي يتعدّى مجرد كونه قيد اجتماعيّ ، وإلى كونه يعبّر عن هوية المرأة المسلمة ، وعن كينونيتها الحقيقيّة ، إنّ مثل هذا الفهم الواعي للحجاب ، سوف يجعل المرأة المسلمة تفتخر بلباسها ، وهويّتها أينما حلّت وارتحلت ، وشكراً لكم.

ج : إنّ وجوب الحجاب من المسلّمات في الشريعة الإسلاميّة ، لاشكّ لأحد فيه ، وحكمه حكم سائر الواجبات ، نعم إذا كان عن قناعة ذاتيّة مصحوبة بالدليل فهو المطلوب ، وعلينا أن نوصل فلسفة الحجاب إلى جميع النساء ، ليرتدين الحجاب عن قناعة كاملة ، ولكن إذا لم تتوصّل المرأة إلى قناعة تامّة ، فهل يسقط الفرض؟!

الجواب واضح : بأنّ الوجوب باق ، وتأثم من لا ترتدي الحجاب ، وهذا حكمه حكم سائر الفرائض ، إذا لم يتوصّل الإنسان إلى حكمتها ، فإنّها لا تسقط عنه.

( أحمد - السعودية - .... )

لا فرق في مشروعيته بين الحرّة والأمة :

س : لماذا يفرّق الشارع في الحجاب بين الحرّة والأمة؟ وما هو معنى الحجاب؟ وماذا يريد الشارع منه؟

ج : قال الله تعالى : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ... وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (1).

وقال تعالى : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ

ص: 275


1- 1. النور : 30 - 31.

أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) (1).

وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (2).

فقد حدّدت الآيات هدف التشريع من إيجاد العازل والحجاب بين الجنسين - الذكر والأنثى - هو المحافظة على جوّ العفّة والطهارة من الفواحش ، والانتهاكات الجنسية الرذيلة ، والغضّ من الطرفين غير مقيّد بالحرّ والحرائر دون العبد والإماء ، بل هو عامّ لجميع المؤمنين ، لاسيّما إذا اشتمل على تلذّذ جنس ونظرات مرتابة.

نعم ، قد استثنى جملة من الفقهاء لزوم التجنّب من وقوع النظر ، بالنسبة إلى النساء المتهتّكات في الحجاب ، لكن شرط عدم التلذّذ من النظر إليهن.

أمّا لزوم الحجاب والتستّر على الحرائر دون الإماء في الآيات الكريمة ، فليس بمعنى عدم مشروعية الحجاب للأمة ، وحرمة الحجاب عليها ، فهذا لم يقل به قائل من فقهاء الإمامية ، وذهاب عمر إلى ذلك فهو وشأنه ، لا صلة لفهمه بالآيات الكريمة ، وإنّما مؤدّى الآيات هو قصر الوجوب على الحرائر دون الإماء.

وذلك لكون الإماء في الغالب إنّما استعبدت بسبب الكفر ، كي تمرّ ببيئة مسلمة تربوية تتعرّف فيها على الدين والإيمان ، ومع كونهن في الغالب من الكافرات ، فالخطاب الديني كيف يتوجّه إليهن ، فالمشروعية للحجاب عامّ لكلّ من الحرائر والإماء ، إلاّ أنّ اللزوم هو على الحرائر كمسؤولية أشد ، لارتفاع المستوى التربوي فيهن.

كما لا يعني هذا القصر - من تحميل المسؤولية بنحو اللزوم على الحرائر -

ص: 276


1- 1. الأحزاب : 53.
2- 2. المؤمنون : 5 - 6.

جواز انتهاك أعراض الإماء ، كما يتوهّمه هذا القائل ، فإنّ ذلك لم يتوهّمه أحد من الآيات أو الفتاوى.

( أحمد - مصر - 22 سنة - طالب )

الأدلّة على وجوب ستر الوجه والردّ عليها :

س : سؤالي عن النقاب ، وهو أن تغطّي المرأة وجهها بحيث لا يظهر منه إلاّ العينان ، هل له أدلّة في المذهب الشيعيّ؟ وهل كانت السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام والسيّدة زينب ، وكلّ أُمّهات المؤمنين يظهرن أمام الرجال ووجوههن مكشوفة؟ أم كنّ يرتدين النقاب؟

ج : لقد اختلف الفقهاء في جواز النظر إلى وجه المرأة الأجنبية مع عدم التلذّذ والريبة ، فمن الأقوال في ذلك قول بعدم الجواز مطلقاً إلاّ لحاجة ، وقول بالجواز مطلقاً على كراهية.

ومن أدلّة القائلين بعدم جواز النظر إلى وجه المرأة ، ما يؤدّي بالتالي إلى ستر المرأة وجهها ، ما يأتي :

1 - قوله تعالى : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ... ) (1) ، ووجه الاستدلال بالآية أنّها تدلّ على العموم.

2 - قوله تعالى : ( وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ... ) (2) ، ووجه الاستدلال بالآية أنّ الوجه من الزينة ، والذي يؤيّد هذا الفهم مفهوم الأخبار القائلة في أنّه لابأس بالنظر إلى وجه من يراد تزويجها ، حيث اشترط في بعضها عدم البأس بصورة إرادة التزويج.

3 - قول الإمام الصادق عليه السلام : ( إنّ النظر سهم من سهام إبليس مسموم ) (3).

ص: 277


1- 1. النور : 30.
2- 2. النور : 31.
3- 3. الكافي 5 / 559.

4 - قول الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام : ( ما من أحد إلاّ وهو يصيب حظّاً من الزنا ، فزنا العينيّن النظر ) (1).

5 - قول الإمام الصادق عليه السلام : ( وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة ) (2).

6 - مكاتبة الصفّار قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم ، هل يجوز له أن يشهد عليها وهي من وراء الستر ، ويسمع كلامها ، إذا شهد عدلان أنّها فلانة بنت فلان ، التي تشهدك وهذا كلامها ، أو لا تجوز الشهادة عليها ، حتّى تبرز ويثبتها بعينها؟ فوقّع عليه السلام : ( تتنقّب وتظهر للشهود إن شاء الله ) (3).

7 - جريان السيرة على منع النساء من أن يخرجن متكشّفات.

8 - إنّ النظر مظنّة الشهوة والفتنة ، فالأليق بمحاسن الشرع حسم الباب.

9 - خبر المرأة الخثعمية التي جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في حجّة الوداع تستفتيه ، وكان الفضل بن العباس رديف رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه ، فصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وجه الفضل عنها ، وقال : ( رجل شاب وامرأة شابة فخشيت أن يدخل الشيطان بينهما ) (4).

وقد ردّت جميع تلك الأدلّة ، بما يأتي :

1 - إنّ آية الغضّ لا تفيد العموم.

2 - إنّ قوله تعالى : ( وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ... ) مخصّصة بقوله : ( إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ... ) ، وقد مرّ في رواية بالثياب والكحل وخضاب الكفّ والسوار ، ولا ريب أنّ إبداء الأخيرين مستلزم لإبداء الكفّين غالباً.

هذا بالإضافة إلى الروايات التي توضّح خروج الوجه والكفّين عن الزينة ،

ص: 278


1- 1. نفس المصدر السابق.
2- 2. الكافي 5 / 559.
3- 3. من لا يحضره الفقيه 3 / 67.
4- 4. إيضاح الفوائد 3 / 6.

مثل صحيحة الفضيل ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذراعين من المرأة ، هما من الزينة التي قال الله تعالى : ( وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ... ) ؟ قال : ( نعم ، وما دون الخمار دون الزينة ، وما من السوارين ) (1) ، ففيها دلالة ظاهرة على خروج الوجه والكفّين عن الزينة التي يحرم إبداؤها ، هذا بالإضافة إلى أخبار أُخرى تجوّز إظهار الوجه والكفّين.

وأمّا الأخبار التي تدلّ على اشتراط جواز النظر بإرادة التزويج ، ففيه أوّلاً : إنّ سياقه الشرط فيها ليس مفيداً للتعليق ، كما يظهر بالتأمّل فيها ، مع أنّه لو سلّم ثبوت المفهوم ، فقد عرفت أنّ الجواز هناك غير مشروط بما يشترط هنا من عدم قصد اختيار حسن المرأة خلقة ، ولون وجهها وقبحها وقابليتها للمعاشرة والمباشرة وعدمها ، ولاشكّ أنّ النظر بهذا القصد معلّق على إرادة التزويج ، مع أنّ الجواز هناك أُريد به الإباحة بالمعنى الأعم ، وهو معلّق على إرادة التزويج ، هذا كلّه مع أنّ في الأخبار التي ذكرناها كفاية في الخروج عن ظاهر المفهوم ، بحمل البأس على الكراهة.

3 - وأمّا فيما دلّ على أنّ النظر سهم من سهام إبليس ، فلإنّه ظاهر فيما كان عن شهوة كما لا يخفى ، وكذا ما دلّ على أنّ ( زنى العين النظر ) ، ويشهد له قوله عليه السلام : ( وزنا الفم القبلة ) ، فإنّها لا تكون إلاّ عن شهوة.

4 - أمّا قوله : ( ربّ نظرة أورثت حسرة ) فلأنّه على وجه الإيجاب الجزئي ، ولا يجدي في ما نحن فيه.

5 - وأمّا في المكاتبة ، فلعدم وجوب التنقّب أوّلاً ، واحتمال كون الأمر بالتنقّب من جهة اباء المرأة عن التكشّف لكونها متستّرة مستحية عن أن تبرز للرجال ، فإنّ ذلك ممّا يشقّ على كثير من النساء ، وإن كان جائزاً ، إذ ربّ جائز يشقّ من جهة الغيرة والمروءة.

ص: 279


1- 1. وسائل الشيعة 20 / 200.

6 - وأمّا جريان السيرة على المنع ، فإنّه لا يخفى أنّ هذا المنع ليس بآكد من منع تكشّفهن لمن يريد تزويجهن ، بل هذا آكد بمراتب شتّى ، ومع ذلك فالثابت أنّه فعل جائز ، وما الإنكار في المقامين إلاّ لأجل الغيرة والاستحياء ، إذا كانت المرأة من أولي الأخطار وذوات الأستار.

7 - وأمّا فيما ذكره من أنّ النظر مظنّة الشهوة ووقوع الفتنة ، ففيه أنّ المعهود من الشارع حسم الباب في أمثال هذه المظان بالحكم بالكراهة دون التحريم ، كما يعلم بالتتبع في الأحكام الشرعيّة ، مع أنّ هذا استحسان لا نقول به.

8 - وأمّا خبر الخثعمية ، فهو على جواز النظر أدلّ كما لا يخفى ، الخبر إنّما يصلح أن يكون دليلاً لحرمة النظر مع الريبة مطلقاً ، لأنّها بأيّ معنى كانت من الشيطان.

فالحصيلة من كلّ هذا : إنّ كلّ الأدلّة التي قيلت في عدم جواز النظر إلى الوجه ، وما يستتبعه من ستر الوجه على المرأة لا تنهض في قبال أدلّة القائلين بالجواز ، فلذلك إنّ من قال بعدم جواز النظر جعل ذلك على سبيل الاحتياط.

أمّا الأخبار الواردة عن الزهراء عليها السلام ، والتي تدلّل على مدى محافظتها عليها السلام على الحجاب ، مثل قولها عليها السلام : ( ما من شيء خير للمرأة من أن لا ترى رجلاً ولا يراها ) (1) ، وإجابتها على سؤال النبيّ صلى الله عليه وآله عن المرأة : ( متى تكون أدنى من ربّها )؟ فأجابت : ( أدنى ما تكون من ربّها أن تلزم قعر بيتها ) (2).

والأخبار التي تنقل عنها أنّها عندما تكلّمت مع أبي بكر ، وحشر من المسلمين ، نيطت دونها ملاءة ، وإنّها عليها السلام كانت مرتدية لرداء على وجهها حال زفافها لعلي عليه السلام ، فإنّ هذه الأخبار لا تدلّ على وجوب ستر المرأة لوجهها.

وما قالته أو عملته الزهراء عليها السلام ما هو إلاّ الحالة المثالية للمرأة ، وإذا كانت عليها السلام بهذا المستوى من الحجاب ، فلأنّها عليها السلام القمّة للمرأة المثالية ، التي تعمل

ص: 280


1- 1. دعائم الإسلام 2 / 215.
2- 2. بحار الأنوار 43 / 92.

المستحبّات ، وتنتهي عن المكروهات ، فلا يمكن أن يكتشف من فعلها وجوب ستر الوجه للمرأة.

وكذلك الحال بالنسبة لزينب عليها السلام ، التي استنكرت من يزيد إبداء وجوه النساء ، وإنّ أُمّ كلثوم خطبت بالناس من وراء كلّتها ، فإن تصرف تلكن النساء العظيمات لم يفهم منه الفقهاء وجوب ستر الوجه على المرأة ، بل إنّه عمل راجح للمرأة.

وأمّا أُمّهات المؤمنين ، فقد نزلت في حقّهن آية أن لا يسألوهن إلاّ من وراء حجاب ، وقد قيل : إنّ هذه الآية من مختصّاتهن.

ص: 281

ص: 282

الحديث :

اشارة

( أبو علي الموسويّ - ... - ..... )

ابن شهر آشوب وتوثيقه لأبي سعد الدجاجيّ :

س : جاء في كتاب مناقب آل أبي طالب 3 / 57 ما نصّه : ( أحمد بن حنبل ، عن عبد الرزاق ، عن المعمّر ، عن الزهري ، عن ابن المسيّب ، عن أبي هريرة وابن بطّة في الإبانة ، عن ابن عباس ، كلاهما عن النبيّ صلى الله عليه وآله قال : ( من أراد أن ينظر إلى آدم في حلمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى موسى في مناجاته ، وإلى إدريس في تمامه وكماله وجماله ، فلينظر إلى هذا الرجل المقبل ) ، قال : فتطاول الناس بأعناقهم فإذا هم بعلي كأنّما ينقلب في صبب ، وينحط من جبل ).

وكما تلاحظون فإنّ الإسناد صحيح ، وغير مطعون فيه أبداً ، لكن المشكلة هي : من أين نقل ابن شهر آشوب هذا الحديث عن أحمد؟

ذكر في كتابه : أنّه نقل أحاديث أحمد عن طريق هذه السلسلة : عن أبي سعد بن عبد الله الدجاجيّ ، عن الحسن بن علي المذهب ، عن أبي بكر بن مالك القطيفيّ ، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه.

وكلّ من في السلسلة معروف ، إلاّ أبي سعد بن عبد الله الدجاجيّ ، فمن هو؟ وما هي ترجمته؟ وهل صحّت روايته عن الحسن بن علي المذهب؟

ج : سألت عن أبي سعد بن عبد الله الدجاجيّ ، ومدى توثيقه عند العامّة أو الخاصّة ، فنقول : إنّا لم نجد صراحةً اسم أبي سعد بن عبد الله الدجاجيّ في كتب الرجال ، بل هناك من يسمّى بالدجاجيّ ، هو محمّد بن علي الدجاجيّ ،

ص: 283

وثّقه ابن ماكولا في الإكمال بتعليقة قال : ( وكان ثقة في الحديث ) (1).

وذكره السمعاني في الأنساب ، في باب الدال والجيم ، ولا يبعد أن يكون المشار إليه هو أبو سعد الدجاجيّ ، فإنّ كثيراً من الرواة تتعدّد أسماؤهم وكناهم ، فبعضهم يعرفونهم بالكنية ، وآخرون بالاسم الصريح.

ومهما يكن من شيءٍ ، فإنّ ابن شهر آشوب صرّح في مقدّمة كتابه المناقب : أنّ ما أورده من روايات هذا الكتاب هو ما صحّ عنده ، وهذه شهادة مهمّة على توثيقه لطرق رواياته من الخاصّة والعامّة ، ويكفينا قوله : فصحّ لي الرواية عنهم ، بأن أقول : حدّثني وأخبرني وأنبأني ، وسمعت واعترف لي بأنّه سمعه ، ورواه كما قرأته ، وناولني من طرق الخاصّة.

فقد وثّق من نقل عنه ، أو سمعه ، أو أخبره مباشرة ، وكان من هؤلاء أبو سعد الدجاجيّ ، الذي نقل عنه كتاب أحمد بن حنبل.

فإنّ شهادة ابن شهر آشوب ترقى إلى مستوى الحسّ ، من رجلٍ شهدت له الطائفة بالعلم والزهد والعبادة ، فضلاً عن معرفته بالرجال.

وقال السيّد الخوئيّ في معجمه : ( قال السيّد التفريشي في النقد : محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندرانيّ ، رشيد الدين ، شيخ هذه الطائفة ، وفقيهها ... له كتب ، منها كتاب الرجال ... ، وقال الشيخ الحرّ ... كان عالماً فاضلاً ث-ق-ة ) (2).

وأثنى عليه ابن حجر العسقلانيّ ثناءً حسناً ، وقال عنه بعد مدحه : ( اشتغل بالحديث ، ولقى الرجال ، ثمّ تفقّه ، وبلغ النهاية في فقه أهل البيت ) (3).

ممّا يشعر بأنّ الرجل كان مقبولاً حتّى عند العامّة ، فضلاً عن الخاصّة.

وأثنى عليه كذلك من العامّة الصفدي فقال : ( ووعظ على المنبر أيّام المقتفي

ص: 284


1- 1. الإكمال 4 / 208.
2- 2. معجم رجال الحديث 17 / 354.
3- 3. لسان الميزان 5 / 310.

ببغداد ، فأعجبه وخلع عليه ) (1) ، وأثنى عليه كثيراً.

وذكره كذلك الفيروز آباديّ في البلغة ، وقال عنه السيوطيّ : ( ونبغ في الأُصول حتّى صار رحلة - أي يقصده العلماء من كلّ مكان - ) (2).

ولا ننسى أنّ ابن شهر آشوب من علماء الطائفة ، في القرن السادس الهجريّ ، فهو من جملة متقدّمي علماء الطائفة ، ممّا يعدّ توثيقه أشبه بالحسّ منه إلى الحدس ، لذا فإنّ توثيقه لأبي سعد بن عبد الله الدجاجيّ يعدّ كافياً لنا ، ولعلّه لم يقع بأيدينا مصدراً رجالياً يذكر أبو سعد الدجاجيّ ، وهذا لا يعني نفي الرجل ، بل أنّ كثيراً من الرواة ذكرهم الرجاليون ، دون أن نعثر عليهم في مكان آخر.

وبذلك توثيق أبو سعد الدجاجيّ ممّا لا ريب فيه ، استناداً إلى توثيق وشهادة ابن شهر آشوب.

( ... - ... - ..... )

ذكر الأحاديث الضعاف في الكتب الأربعة :

س : لماذا ذكر أصحاب الكتب الأربعة بعض الأحاديث الضعاف؟ أو حتّى ما يمسّ العقيدة بشيء من التجريح ، وهي التي يأخذها علينا أهل السنّة - وإن كانت صحاحهم مملوءة بذلك - فسؤالي هو : لماذا ذكر هؤلاء تلك الأحاديث؟ مع ما في ظاهرها من الباطل؟

ثمّ إنّ ذهاب جمع من الإخباريّين إلى صحّة رواية الكتب الأربعة ، ألا يقدح بالمذهب؟ لما ذكرته من وجود روايات غير صحيحة فيها؟

ج : لا يوجد عندنا - نحن الشيعة الإمامية الاثنا عشرية - كتاب صحيح من أوّله إلى آخره ، سوى القرآن الكريم ، وعلماؤنا كان همّهم بالدرجة الأُولى

ص: 285


1- 1. الوافي بالوفيات 4 / 118.
2- 2. طبقات المفسّرين : 96.

جمع الأحاديث في الكتب.

ويشهد بذلك ، أنّ نفس هؤلاء العلماء - الذين ألّفوا هذه الكتب الجامعة للأحاديث - عندما نرجع إلى مؤلّفاتهم في العقائد ، نرى بأنّهم يعتقدون بالعقائد الحقّة ، التي نعتقدها نحن الآن ، على خلاف ما تدلّ عليه بعض الأخبار ، التي ذكروها هم في كتبهم الحديثية ، ممّا يدلّ على أنّهم في كتبهم الحديثية ، لم يكونوا ملتزمين بالصحّة ، وأنّه لا تدلّ روايتهم لحديث على اعتقادهم بمضمون ذلك الحديث ، فكان همّهم في تلك العصور أن يجمعوا الروايات.

أمّا في خصوص الروايات المتعلّقة بالأحكام الشرعيّة الفرعية ، فأكثرها مستنبطة من الكتب الأربعة المذكورة في السؤال ، وهذا لا يدلّ على أنّ كلّ حديث موجود في هذه الكتب فهو صحيح.

وأمّا أن تكون روايات هذه الكتب كلّها من الأوّل إلى الآخر صحيحة ، فلا يقول به أحد إلاّ مجموعة من الإخباريّين ، وكان هذا الرأي الضعيف قد ردّ عليه علماؤنا في كتبهم ، ولا يوجد الآن من يعتقد بهذا الرأي من علمائنا ، لذلك سمّي أُولئك بالإخباريّين ، وسمّي سائر العلماء بالأصوليّين. والإخباريّون وإن كانوا من علمائنا الذين نحترمهم ، إلاّ أنّ مدرسة الإخباريّين تميّزت بآراء لم يكن لها أُسس علميّة متينة ، ولذلك لم يكتب لها البقاء والاستمرار في الأوساط العلميّة.

( عبد الرزاق - الكويت - سنّي - 30 سنة - طالب ثانوية )

حديث الطينة في مصادر أهل السنّة :

س : ما هي عقيدة الطينة؟ ولا أقصد بذلك التربة ، ولكن الطينة التي كما قرأتها للكليني ( باب طينة المؤمن والكافر ).

ج : إنّ أحاديث الطينة ومضامينها ليست ممّا تنفرد بها الشيعة ، كيف وقد وردت روايات كثيرة في هذا المجال عند أهل السنّة ، فعلى سبيل المثال جاء :

ص: 286

( وجعلت شيعتكم من بقية طينتكم ... ) (1).

وجاء : ( خلقت ذرّية محبّينا من طينة تحت العرش ، وخلقت ذرّية مبغضينا من طينة الخبال ، وهي في جهنّم ) (2).

وجاء : ( فيها طينة خلقنا الله تعالى منها ، وخلق منها شيعتنا ، فمن لم يكن من تلك الطينة ، فليس منّا ، ولا من شيعتنا ... ) (3).

وجاء : ( إنّ الله خلق عليّين ، وخلق طينتنا منها ، وخلق طينة محبّينا منها ، وخلق سجّين ، وخلق طينة مبغضينا منها ، فأرواح محبّينا تتوق إلى ما خُلِقت ... ) (4).

وأيضاً ، وردت أحاديث فيها مضامين دالّة على معنى الطينة ، فمنها : ( السعيد من سعد في بطن أُمّه ، والشقي من شقي في بطن أُمّه ) (5).

ثمّ إنّ علمائنا الأبرار ذكروا وجوهاً للتفصّي في المقام :

منها : أنّها أخبار آحاد لا تفيد علماً ، بل وأنّ في إسناد بعضها ضعف بيّن ، حتّى أنّ العلاّمة المجلسيّ في شرحه للكافي ، ضعّف كافّة أسانيد روايات هذا الباب السبعة (6) ، مضافاً إلى معارضتها مع ما يدلّ على اختيار الإنسان بين الخير والشرّ ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) (7).

ومنها : أنّها تدلّ على الاختلاف التكوينيّ في قابليّات النوع البشري.

ص: 287


1- 1. الشيعة في أحاديث الفريقين : 232 ، عن در بحر المعارف للشيخ ابن حسنويه الحنفيّ : 65 مخطوط.
2- 2. الفضائل : 170.
3- 3. تاريخ مدينة دمشق 42 / 65.
4- 4. المصدر السابق 41 / 255.
5- 5. المعجم الأوسط 3 / 107 ، الجامع الصغير 2 / 68 ، كنز العمّال 1 / 107 ، فيض القدير 4 / 184 ، كشف الخفاء 1 / 452.
6- 6. مرآة العقول 7 / 1.
7- 7. البلد : 10.

ومنها : - وهو الصحيح على التحقيق - أنّها منزّلة على العلم الإلهيّ ، فكما أنّ علم الله لا ينتج منه الجبر - كما قرّر في محلّه - هذا الأمر في المقام أيضاً لا يوجب الجبر.

وعليه فالواجب علينا : أن نقتفي الأحكام الظاهريّة ، ونسعى في سبيل هداية الناس ، لأنّ العلم الإلهيّ لا يولّد وظيفةً قطّ.

( غدير - الكويت - .... )

كتبه التي يرجع إليها الشيعة :

س : أُودّ معرفة ما هي الكتب التي يرجع إليها المذهب الشيعيّ في أحاديثهم؟ مثال لتوضيح السؤال : أعني أنّ المذهب السنّي يرجع إلى مختار الصحاح ، فنحن إلى ماذا نرجع؟

ج : إنّ الشيعة ترجع إلى الكتب الأربعة ، وهي : الكافي ، من لا يحضره الفقيه ، الاستبصار ، التهذيب ، وغيرها من كتب الحديث.

ولكن هناك فرق ، فإنّ عند أكثر أهل السنّة : أنّ الصحاح كلّها صحيحة ، وعند الشيعة : كلّ كتاب غير القرآن المجيد خاضع للبحث في السند ، وهذا البحث يختصّ بالعلماء المطّلعين.

( سيّد عدنان - البحرين - 23 سنة - طالب ثانوية )

معنى من قارف ذنباً فارقه عقل :

س : ما معنى هذا الحديث النبويّ الشريف : ( من أذنب ذنباً فارقه عقل لا يعود إليه أبداً )؟

ج : لم يرد هذا الحديث في المجامع الروائية عند الفريقين ، مثل الكتب الأربعة ، والبحار ، والصحاح الستّة ، والمسانيد ، والسنن ، بل جاء في بعض الكتب الأخلاقية والعرفانية بصورة مرسلة بعبارة : ( من قارف - قارن - ذنباً

ص: 288

فارقه عقل لا يعود - لم يعد - إليه أبداً ) (1).

وقد نقل في هامش ( علم اليقين ) : أنّ العراقيّ في ( تخريج أحاديث الاحياء ) يقول : إنّه لم ير لهذا الحديث أصلاً.

وأمّا مع غضّ النظر عن سند هذا الحديث ، فالمعنى لابدّ وأن ينصبّ في مدى تأثير الذنوب على روح الإيمان في المؤمن ، وهذا ممّا استفاضت الروايات والأحاديث حوله ، بالنسبة لمطلق الذنوب أو ذنوب خاصّة.

وأيضاً يستقلّ العقل به ، إذ أنّ كلّ فعل لابدّ وأن يكون له تأثير في نفس الفاعل وفي الخارج ، فالذنب من المذنب له تأثير سلبيّ في وجوده التكوينيّ.

نعم ، وفي نفس الوقت ، وردت أحاديث كثيرة تدلّ على فاعلية التوبة والاستغفار ، وإتيان الأعمال الصالحة لإحباط الذنوب ، أو آثارها التكوينيّة والتشريعيّة ؛ فعلى ضوء هذا المطلب ، ينبغي أن لا ييأس المذنب من روح الله ، وعفوه ورحمته ، بل ويسعى أكثر فأكثر في الجانب الإيجابي ، بعد أن مسّه الشرّ قليلاً في الجانب السلبيّ.

( علي - الكويت - 18 سنة - طالب )

عدّة من أصحابنا لا تعني مجهولية الرواة :

س : أورد أحد الإخوة الكرام في موضوعه الذي نُشر في بعض الشبكات ، قول السيّد الخوئيّ في كتابه معجم رجال الحديث 8 / 245 : ( لا يكاد ينقضي تعجّبي ، كيف يذكر الكشّي والشيخ هذه الروايات التافهة الساقطة غير المناسبة لمقام زرارة وجلالته ، والمقطوع فسادها ، ولاسيّما أنّ رواة الرواية بأجمعهم مجاهيل ).

وهنا نرى : أنّ السيّد الخوئيّ أسقط الرواية ، لأنّ رواتها مجاهيل ، ولكنّنا في بعض الروايات الشيعيّة نرى كلمة ( عن جماعة من أصحابنا ) ، وما شابهها ،

ص: 289


1- إحياء علوم الدين 3 / 23 و 4 / 77 و 583 ، المحجّة البيضاء 5 / 24 و 7 / 95 و 8 / 160.

فهل هذا يعني أنّ الرواة مجهولين - لأنّ هذه الكلمة لا تفصح عن أسماء الرواة بالسند - وبالتالي هذا يؤدّي إلى إسقاط الروايات التي يوجد بها مثل هذه الكلمة ، على حسب قول السيّد الخوئيّ أعلاه؟

وإذا أمكن ، يرجى بيان معنى هذه الكلمة ، وما شابهها المذكورة في بعض الروايات؟ شاكرين لكم تعاونكم ، ودمتم برعاية الباري عزّ وجلّ.

ج : ما ذكرتموه من تضعيف السيّد الخوئيّ قدس سره للروايات الواردة في ذمّ زرارة ، ليس من جهة عبارة ( عن جماعة من أصحابنا ) ، بل لجهة مجهولية رواة السند ، علماً أنّ عبارة الرجاليّين ( جماعة من أصحابنا ) ، أو ( عدّة من أصحابنا ) لا تعني مجهولية الرواة ، بل أنّ هؤلاء الجماعة ، أو العدّة المعروفين مصرّح بأسمائهم ، فهم ليسوا مجاهيل ، ولا يعني سند العدّة أو الجماعة على كون السند مرسلاً ، بل صرّح أكثرهم : أنّ عدّة من أصحابنا تعني فلان وفلان من الرواة الثقات ، فمثلاً : أنّ الشيخ الكلينيّ قدس سره ذكر أسماء عدّته بهذا التعريف ، فقال : ( وكلّ ما كان فيه : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ابن خالد البرقي ، فهم : أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمّيّ ، ومحمّد ابن عبد الله بن أذينة ، وأحمد بن عبد الله بن أُمية ، وعلي بن الحسين السعد آبادي ) (1).

وذكر النجاشيّ عدّته فقال : ( كلّ ما كان في كتابي ( عدّة من أصحابنا ) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، فهم : محمّد بن يحيى العطّار ، وعلي بن موسى الكميذاني ، وداود بن كورة ، وأحمد بن إدريس ، وعلي بن إبراهيم بن هاشم ) (2).

وهكذا ، فهم معروفون ، وفي كلّ عدّة - على الأقلّ - فيهم الثقة ، فهو يكفي لصحّة العدّة في السند ، بل أنّ الشيخ حسن بن الشهيد الثاني قدس سره أدّعى :

ص: 290


1- 1. الكافي 1 / 48.
2- 2. رجال النجاشيّ : 378.

أنّ محمّد بن يحيى العطّار أحد العدّة مطلقاً ، وبهذا استنتج أنّ الطريق صحيح من جهة العدّة مطلقاً.

إذاً ، فالعدّة من أصحابنا ، أو جماعة من أصحابنا ليسوا مجهولين ، بل هم مصرّح بأسمائهم ، وفيهم الثقات.

( أبو علي - عمان - .... )

من رواته عمر بن سعد :

س : هل صحيح أنّ عمر بن سعد - قاتل الإمام الحسين عليه السلام - من رجال الأحاديث ، عند أصحاب الصحاح الستّة؟

ج : نعم ، قد رووا عنه الكثير في صحاحهم ومسانيدهم ، ووثّقوه في كتب رجالهم.

وهذا من أوضح الدلائل على ابتعاد خطّ السلف والمذاهب الأُخرى عن أهل البيت عليهم السلام.

وإن تعجب فاعجب للبخاري ، حيث لم يرو أيّة رواية عن الإمام الصادق عليه السلام ، مع أنّه طفق الخافقين علماً وفقهاً وحكمة.

وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ( إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً ).

( أبو محمّد - ... - ..... )

المناقشة في الكتب لا تقدح بمؤلّفيها :

س : نحن الشيعة نؤمن بمذهبنا 100% ، ولا عندنا أيّ شكّ ، ولكن هناك من يأتي من بعض أهل السنّة ، ليشكّك بالمذهب عن طريق الكتب الأربعة لدينا - الكافي وغيره - في الروايات الواردة فيها عن تحريف القرآن الكريم ، فكيف يكون الجواب عليهم؟ وهل هذا الكلام صحيح بكتاب الكافي وصاحبه الكلينيّ؟

ص: 291

قال الأردبيليّ في ترجمته : ( محمّد بن يعقوب بن إسحاق أبو جعفر الكلينيّ ، خاله علان الكلينيّ الرازيّ ، وهو شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم ، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم ، صنّف كتاب الكافي في عشرين سنة ) (1).

والفيض الكاشانيّ : ( أمّا الكافي فهو وإن كان أشرفها وأوثقها ، وأتمّها وأجمعها ، لاشتماله على الأُصول من بينها ، وخلوّه من الفضول وشينها ... ) (2).

وأمّا تفسير القمّيّ ، وصاحبه الشيخ القمّيّ :

قال النجاشيّ في الفهرست : ( ثقة في الحديث ، ثبت ، معتمد ، صحيح المذهب ، سمع فأكثر ، وصنّف كتباً ) (3).

وأمّا المجلسيّ ، وكتبه المعتمدة الموثوقة :

قال الأردبيليّ عنه : ( محمّد باقر بن محمّد تقيّ بن المقصود علي الملقّب بالمجلسيّ ، أُستاذنا وشيخنا ، شيخ الإسلام والمسلمين ، خاتم المجتهدين ، الإمام العلاّمة ، المحقّق المدقّق ، جليل القدر ، عظيم الشأن ، رفيع المنزلة ، وحيد عصره ، فريد دهره ، ثقة ، ثبت ، عين ، كثير العلم ، جيّد التصانيف ... له كتب نفيسة جيّدة ... منها : كتاب بحار الأنوار المشتمل على جلّ أخبار الأئمّة الأطهار ) (4).

وأخيراً الإمام الطبرسيّ :

حسين محمّد تقيّ الدين النوريّ الطبرسيّ ، المتوفّى سنة 1320ه- ، ومن مؤلّفاته : مستدرك الوسائل وفصل الخطاب.

قال آقا بزرك الطهرانيّ : ( هو الشيخ الميرزا حسين بن الميرزا محمّد تقيّ بن الميرزا علي محمّد بن تقيّ النوريّ الطبرسيّ ، إمام أئمّة الحديث والرجال في

ص: 292


1- 1. جامع الرواة 2 / 218.
2- 2. الوافي 1 / 6.
3- 3. رجال النجاشيّ : 260.
4- 4. جامع الرواة 2 / 78.

الأعصار المتأخّرة ، ومن أعاظم علماء الشيعة ، وكبار رجال الإسلام في هذا القرن ) (1).

ج : إنّ المبنى عند أكثر الشيعة أن يخضع كلّ كتاب إلى البحث في السند والدلالة ، ولا يوجد كتاب صحيح من أوّله إلى آخره غير القرآن الكريم.

والعلماء الأعلام قديماً وحديثاً جمعوا الأحاديث ، ورتّبوها حسب المواضيع الفقهيّة ، والعقائديّة والأخلاقية و ... ، وجمعهم لهذه الأحاديث ، لا يعني قولهم بصحّة جميعها ، وإنّما جمع الكثير من العلماء الأحاديث للحفاظ عليها ، وإيصالها إلى الأجيال الأُخرى ، وحتّى الذين جمعوا ما اعتقدوا صحّته ، فإنّه يتماشى مع مبانيهم في التصحيح والتضعيف ، فإذا اختلفت المباني اختلفت النتائج.

ولا يُفهم من عدم قبولنا لجميع الأحاديث ، قدحنا في مؤلّفي تلك الكتب ، فإنّهم وكما نقلت من أقوال : علماء أتقياء ، ولكن الاجتهاد شيء آخر ، فلا نخلط بين أن يكون المؤلّف عالماً ورعاً تقيّاً ، وبين مناقشتنا لما جاء في كتابه ، فلا منافاة بينهما ، بالأخصّ مع اختلاف المباني ، وباب الاجتهاد مفتوح.

هذا ، وإنّ الكتب الأربعة هي : الكافي للكليني ، ومن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ، والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسيّ ، وليس تفسير القمّيّ ، ولا مؤلّفات المجلسيّ والنوريّ والطبرسيّ من الكتب الأربعة.

وأمّا كتاب فصل الخطاب ، فإنّه جمع فيه من أحاديث أهل السنّة في التحريف ، أكثر ممّا جمعه وأورده من مصادر الشيعة ، هذا أوّلاً.

وثانياً : فقد ألّف علماء الشيعة عدّة كتب في ردّ كتاب فصل الخطاب.

وثالثاً : ألّف السجستانيّ كتاب المصاحف ، وابن الخطيب كتاب الفرقان ، أثبتا فيه التحريف ، وكلاهما من علماء أهل السنّة.

ونحن نرفض أي قول في التحريف أيّاً كان قائله.

ص: 293


1- 1. مستدرك الوسائل 1 / 41.

( موالي - الكويت - 19 سنة - طالب )

حديث يعفور أو عفير :

س : ما مدى صحّة هذه الرواية ، علماً بأنّ العامّة يتّهموننا ، بأنّنا نروي عن الحمير :

روى الكلينيّ في أُصول الكافي هذه الرواية عن الحمار يعفور ، وهي : أنّ الرسول صلى الله عليه وآله مسح على كفل حماره ، فبكى الحمار ، وسأله النبيّ صلى الله عليه وآله : ما يبكيك؟

فردّ الحمار قائلاً : حدّثني أبي عن جدّي ، عن أبيه عن جدّه ، عن الحمار الأكبر الذي ركب مع نوح في السفينة : أنّ نبيّ الله نوح مسح على كفله ، وقال : يخرج من صلبك حمار يركبه خاتم النبيّين ، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار.

ج : قال ثقة الإسلام الكلينيّ رحمه الله - بعد ذكره لرواية أشير فيها إلى أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان يملك حماراً اسمه ( عفير ) - : وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : ( إنّ ذلك الحمار كلّم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : بأبي أنت وأمّي ، إنّ أبي حدثني ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أبيه أنّه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال : يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيّد النبيّين وخاتمهم ، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار ).

هذه هي الرواية التي ذكرها الكلينيّ رحمه الله في الكافي ، ولا أدري ما هو إشكال الخصم فيها ، فإن كان إشكال في أنّها ذكرت أنّ للنبيّ صلى الله عليه وآله حمار اسمه عفير ، فهذا ما ذكره غير واحد من علمائه كالقاضي أبي الفضل عياض ابن موسى الحصبيّ ( ت 544 ه- ) حيث قال : ( وما روى عن إبراهيم بن حمّاد بسنده من كلام الحمار الذي أصابه بخيبر وقال له : اسمي يزيد بن شهاب ، فسمّاه النبيّ يعفوراً ) ، وابن الأثير في أسد الغابة ( 1 / 140 ) : ( كان له حمار أخضر اسمه عفير وقيل يعفور ) والمناويّ في فيض القدير : ( وكان له حماراً اسمه عفير ) وغيرهم.

وإن كان إشكال الخصم - كما ذكرت - أنّنا نروي عن الحمير ، فما

ص: 294

أجهل صاحب هذا الإشكال حيث إنّه لا يفرّق بين سند الرواية ومتنها ، فهذه الرواية مرسلة كما هو واضح من قول الكلينيّ رحمه الله : ( وروي أن أمير المؤمنين قال : ... ) ، وما ذكر في الرواية من قول الحمار : ( إن أبي حدثني ، عن أبيه ... ) هو داخل متن الرواية الذي بدأ من قول المرويّ عن أمير المؤمنين عليه السلام : ( إنّ ذلك الحمار كلّم رسول الله ... ) إلى آخر الرواية - وليس سنداً لها.

وإن كان إشكال البعض في هذه الرواية من حيث إنها ذكرت تكلّم الحمار مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، فما أبعد صاحب هذا الإشكال عن كتاب الله وما ذكره من تكلّم سيلمان عليه السلام مع الهدهد ، ونبيّنا أفضل من سليمان. ويظهر أن صاحب الإشكال لا يعلم بما في صحاحه ، حيث روى البخاريّ في صحيحه (1) تكلّم البقرة والذئب بمرأى ومسمع من الصحابة فتعجّبوا وقالوا : ( سبحان الله بقرة تتكلم؟! ... سبحان الله ذئب يتكلّم؟! ... ).

وفي الختام نذكر ما رواه ابن عساكر - وهو من أعلام القوم - في تاريخ مدينة دمشق ( 4 / 232 ) : ( ... عن أبي منظور قال : ... فكلّم رسول الله صلى الله عليه وآله الحمار ، فكلّمه الحمار ، فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله : ما اسمك؟ قال : يزيد بن شهاب ، أخرج الله عزّ وجلّ من نسل جدّي ستين حماراً كلّهم لم يركبهم إلا نبي ، قد كنت أتوقعك أن تركبني ، لم يبق من نسل جدّي غيري ، ولا من الأنبياء غيرك ... قال له النبيّ صلى الله عليه وآله : فأنت يعفور ، يا يعفور ، قال : لبيك ... ).

( سعد الربيعي - ألمانيا - .... )

الكتب الأربعة والكلام في أسانيدها :

س : هناك قول منسوب إلى شرف الدين الموسويّ ، لا أعلم أين ذكر ، فهل هو صحيح؟ وما تفسيره؟

وهو : قال عبد الحسين شرف الدين الموسويّ : الكافي والاستبصار ومن لا

ص: 295


1- 1. صحيح البخاري 4 / 149.

يحضره الفقيه والتهذيب متواترة .. مقطوع بصحّة مضامينها ، والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها.

فهل هذا القول صحيح؟ وإذا كان صحيحاً ، فما معنى قوله : مقطوع بصحّة مضامينها؟ هل أنّ كلّ ما ورد فيه من أحاديث هي صحيحة؟ أرجو موافاتي بالإجابة بالسرعة الممكنة ، مع احترامي وتقديري ، وبارك الله فيكم.

ج : إنّ الرأي المعتمد عند الشيعة هو : أنّ كلّ حديث يخضع للبحث في السند والدلالة ، وما إلى ذلك من الأُصول ، مثل العرض على الكتاب ، ودراسة تاريخيّة لزمن صدور الحديث.

وذهب جماعة من المحدّثين إلى أنّ روايات الكتب الأربعة قطعية الصدور.

وذهب البعض - ومنهم السيّد شرف الدين قدس سره - إلى أنّ الكتب الأربعة مقطوع بصحّة مضامينها ، بمعنى : أنّ الأحاديث الضعيفة فيها والغير معتمدة ، تؤيّدها بنفس المضمون أحاديث أُخرى صحيحة السند ، فتكون المضامين مقطوع بصحّتها.

وكما قلنا : فإنّ الرأي المعتمد عند الشيعة - وعليه أكثر المتأخّرين - يخالف هاتين النظريتين ، وهذا القول لا يقدح بالكتب الأربعة ، وكما ربما يتوهّمه بعض الجهلة ، فإنّ المبنى الصحيح والموافق للعقل عند الشيعة ، فتح باب الاجتهاد واستمراره ، فإذا اجتهد أيّ عالم في أيّ مسألة ، فيحقّ للمجتهد الآخر مناقشة ما توصّل إليه الآخر ، وتأييده أو نقضه ، والمسائل الرجالية أيضاً من هذا القبيل.

وهذا البحث المبنائيّ ، ينجرّ أيضاً لمناقشة مباني أهل السنّة القائلين بصحّة البخاريّ ومسلم ، إذ كيف يمكن دعوى القطع بصدور رواية رواها واحد عن واحد ، ولاسيّما أنّ في الرواة من هو معروف بالكذب والوضع ، ولا أقلّ نجزم بوجود رواة مختلف فيهم ، فأيّ دليل يلزمنا أن نقلّد البخاريّ ومسلم فيما اجتهدا فيه؟! بالأخصّ مع علمنا بوجود روايات متناقضة أشدّ التناقض فيما بين البخاريّ ومسلم ، بل في كلّ من البخاريّ ومسلم.

ص: 296

( بدر الدين - المغرب - .... )

صحّته عند أهل السنّة لا يكون حجّة علينا :

س : سؤالي متعلّق بالحديث الوارد عن الإمام علي عليه السلام : ( خير هذه الأُمّة بعد نبيّها أبي بكر وعمر ) ، فهذا الحديث رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة من عدّة طرق ، ويرويه عن الإمام كلّ من محمّد بن الحنفيّة عند أبي داود ، وكلّ من وهب بن عبد الله ، ويزيد بن عبد خير ، وعلقمة بن قيس عند أحمد ، وعبد الله ابن سلامة عند ابن ماجة.

والرواة فيما أرى من خلال برنامج الكتب التسعة ، الذي أعدّته شركة صخر أغلبهم ثقات ، فمن المحال أن يجتمع كلّ هؤلاء على كذبه! بل كيف إذا علمنا بأنّ الكثيرين منهم معدودون عند الشيعة من الثقات أيضاً.

لقد اخترت مذهب أهل البيت عليهم السلام عن قناعة تامّة بولاية علي عليه السلام ، وعلوّ شأنه ، لكن تبقى مثل هذه الأحاديث تدعوني لمراجعة المفاهيم.

أرجو منكم جواباً علميّاً شافياً ، مبنيّاً على دراسة السند والرجال ، حول مدى مصداقية هذا الحديث ، أو عدم مصداقيته؟ ولكم جزيل الشكر ، والسلام.

ج : إنّ المبنى عند الشيعة هو أن يخضع كلّ حديث إلى البحث السندي ، والجرح والتعديل ، بخلاف المبنى عند أهل السنّة ، حيث يذهب الأكثر إلى صحّة ما في البخاريّ ومسلم ، وفي الآونة الأخيرة نجد بعض العلماء من أهل السنّة ممّن يذهب إلى نفس المبنى عند الشيعة في الأخذ بالأحاديث.

وإن استشهد الشيعة بشيء من الأحاديث في صحاح أهل السنّة ، فهو من باب الإلزام ، ( ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم ) ، وإلاّ فإنّ هذه الصحاح لا توجد فيها أيّ حجّية عند الشيعة ، وإنّما يستشهد بها الشيعة من باب الإلزام على من تكون عنده معتبرة.

وبعد هذا كلّه ، فيمكننا أن نبحث هذه الأحاديث التي ذكرتها في عدّة مراحل :

ص: 297

1 - إذا أردنا إبطالها من باب الإلزام ، فعلينا البحث في السند بحثاً دقيقاً ، ومن ثمّ نشاهد هل تتمّ كلّ هذه الأحاديث من الناحية السندية بجميع رواة هذه الأحاديث ، أم لا؟

2 - حتّى لو فرضنا صحّة بعض أسانيد هذه الأحاديث على مباني أهل السنّة ، فكما قلنا : فإنّها لا تكون حجّة علينا ، لأنّ أصل الكتب التي روت هذه الأحاديث ليست حجّة علينا ، لأسباب كثيرة ليس هذا محلّه.

3 - وعلى هذا الفرض ، حيث نفترض صحّة سند بعضها ، فإنّها معارضة بأحاديث صحيحة أُخرى مثلها ، ومنها : ما أخرجه مسلم في صحيحه ، عن مالك بن أوس في حديث طويل ، أنّه قال عمر بن الخطّاب لعلي والعباس ما هذا نصّه :

( فلمّا توفّي رسول الله صلى الله عليه وآله قال أبو بكر : أنا وليّ رسول الله صلى الله عليه وآله ، فجئتما ، تطلب ميراثك من ابن أخيك ، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها ، فقال أبو بكر : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( لا نورّث ما تركناه صدقة ) ، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً ، والله يعلم أنّه لصادق بارّ راشد تابع للحقّ ، ثمّ توفّي أبو بكر ، وأنا وليّ رسول الله صلى الله عليه وآله ، ووليّ أبي بكر ، فرأيتماني كاذباً آثما غادراً خائناً ، والله يعلم أنّي لصادق بارّ راشد تابع للحقّ ) (1).

فالمبنى عند أهل السنّة صحّة ما في صحيح مسلم ، وفيه : أنّ عليّاً والعباس رأيهما أنّ أبا بكر وعمر : كاذبان ، آثمان ، غادران ، خائنان ، فكيف يمكن أن يرى علي عليه السلام أبا بكر وعمر خير هذه الأُمّة بعد نبيّها؟!

وكذلك يمكنك مراجعة الأحاديث التي تنصّ على أنّ عليّاً عليه السلام أحبّ الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأنّه خير البشر ، وأفضل الخلق بعد النبيّ ، وغيرها.

وكذلك يمكنكم مراجعة حديث الطير المشوي ، وقول رسول الله صلى الله عليه وآله :

ص: 298


1- 1. صحيح مسلم 5 / 152.

( اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير ) ، فجاء علي وأكل معه (1).

( بدر الدين - المغرب - .... )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : لقد كان جوابكم شافياً ومفاجئاً في نفس الوقت ، عندما قرأت الحديث الذي أشرتم إليه في صحيح مسلم لأوّل مرّة ، ونتيجة لذلك فالسؤال الذي دائماً يلح في الذهن هو : ما هي المقاييس التي تعرف بها الأحاديث التي يجب اتباعها؟ من التي يجب الاحتياط منها ، أو تركها؟ أتكلّم هنا عن مصادر أهل السنّة.

والسؤال الثاني : هو كيف التعامل مع بعض الرواة من الصحابة ، الذين تحاملوا ، أو لم يوالوا وينصروا أمير المؤمنين عليه السلام ، مثل أبي هريرة؟ هل تعتبر أحاديثه متروكة؟ وفي هذه الحالة ، هل نترك الأحاديث التي رواها في فضائل الإمام عليه السلام؟

وأخيراً : أتوجّه إليكم بطلب النصح لما ينبغي عمله الآن ، خاصّة وإنّي أحاول أن أبذل الجهد لتقريب معاني الولاية والإمامة لإخواني وعشيرتي من أهل السنّة ، الذين أصبحت أعاني من الجفاء من ناحيتهم على اثر التحوّل الذي صرت إليه ، والفضل لله في ذلك.

ومن ناحية أُخرى ، فقد كلّمني بعض الإخوة من الشيعة حول اتخاذ مرجعية ، لكن هذه النقطة مازالت عندي محلّ غموض واحتياط ، فأرجو توضيح أبعاد اتخاذ المرجعية ، وماذا يتبعها من التزامات ، وما هو توجيهكم في هذا الباب؟ أرجو ألاّ أكون أطلت عليكم ، والسلام.

ج : كما قلنا لكم في الجواب السابق : إنّ استشهاد الشيعة بشيء من

ص: 299


1- 1. الجامع الكبير 5 / 300.

أحاديث أهل السنّة هو من باب الإلزام ، ولا يعني استشهادهم هذا هو الحجّية ، لأنّ الحجّية في الحديث لا تكون إلاّ أن يكون جميع الرواة ثقات ، وقبل أن نبحث عن سند الحديث من ناحية الجرح والتعديل ، علينا أن نبحث أوّلاً عن المؤلّفين لكتب الحديث ، والجامعين لها ، فإذا لم تثبت وثاقتهم سقطت كتبهم بالكلّ من الحجّية.

هذا ، ولو بحثنا في سيرة مؤلّفي الصحاح والمسانيد بحثاً علميّاً موضوعيّاً مجرّداً عن أيّ تعصّب ، لتوصّلنا إلى أنّ أكثرهم لم تبلغ وثاقته إلى حدّ يصلح أن يكون حجّة ، حيث أثّرت فيهم السلطة الحاكمة في وقتهم على كيفية جمع الحديث ونقله ، حتّى أنّهم حرّفوا في بعض الأحاديث إرضاءً منهم لأهواء الحاكم ، كما أنّ مذاهبهم التي كانوا يعتقدون بها وخلافهم مع المذاهب الأُخرى ، جعلهم ينحازون كلّ الانحياز في تقطيع الأحاديث ، وكيفية تبويبها.

أضف إلى ذلك تعصّبهم الملحوظ ، الذي كانوا يبدونه ضدّ أهل البيت عليه السلام ومذهبهم ، ممّا جعلهم يروون عن أعداء أهل البيت عليهم السلام ، ويتركوا الرواية عن نفس أئمّة مذهب أهل البيت عليهم السلام.

ونكرّر ونعيد : بأنّنا إنّما نستشهد بأحاديث أهل السنّة من باب الإلزام : ( ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم ) لا من باب الحجّية.

هذا ، وإنّ أحاديثهم يمكن أن تكون قرينة وشاهداً للاستفادة منها ، يعني تكون مساعداً للحجّية ، لا حجّة بنفسها.

وتبيّن من هذا الجواب كيفية المعاملة مع بعض الرواة من الصحابة ، وأنّ أحاديثهم نستشهد بها من باب الإلزام ، والتي توافق المذهب الحقّ منها ، تكون قرينة مساعدة للحجّية ، لا حجّة بنفسها.

وأمّا النصح ، فإنّكم والحمد لله قد دخلتم إلى المذهب الحقّ عن قناعة كاملة ، وبحث متكامل ، ولقد عرفتم طريقة أهل البيت عليه السلام في كيفية التعامل مع من يخالفهم ، بالأخصّ من ذوي الأرحام ، حيث كانت معاملتهم مع من يخالفهم في غاية الحُسن والتلطّف معهم ، ومجادلتهم بالتي هي أحسن ، حتّى

ص: 300

انقلب الكثير ممّن كان يبغض أهل البيت عليهم السلام إلى موالين ومخلصين ، وذلك بعد أن عرفوا الحقّ يتجلّى بأعمال الأئمّة عليهم السلام وسيرتهم قبل أقوالهم.

فعلينا أن نقتدي بأئمّتنا عليهم السلام ، فتكون أعمالنا وسيرتنا وأخلاقنا موافقة لهم ، ونتعامل مع من يخالفنا بكلّ أدب واحترام ، ونبتعد عن كلّ ما يوجب النفرة ، ونجادلهم بالتي هي أحسن ، ونوصل لهم الدليل والبرهان بحكمة تدريجياً ، بعد أن نتسلّح بسلاح الدليل والبرهان ، والعمق في المطالب العلميّة ومعرفة المباني ، لتكون أبحاثنا مبتنية على أُسس البحث العلميّ ، والمباني الصحيحة.

وأمّا مسألة التقليد ، فإنّ الأصل الأوّلي يقتضي أن يكون كلّ واحد منّا مجتهداً ، بأن يدرس ويبحث في علوم آل محمّد عليهم السلام ويجتهد ، ليصل بالدليل إلى معرفة رأيهم ، فيما أختلف فيه الرواة ، فيما رووه عنهم ، وفيما أختلف فيه من الدلالة في القرآن الكريم ، وكلام المعصومين عليهم السلام.

وبما أنّ هذا يستلزم صرف وقت كثير ، يتعذّر على أكثر المكلّفين ، وربما يشلّ حركة الحياة ، إذ لو تفرّغ كلّ الناس إلى طلب العلوم الدينية ليجتهدوا ، لما استطاعوا أن يدخلوا في سائر متطلّبات الحياة وما يحتاجه المجتمع ، لذا أجزأ أن يجتهد جماعة خاصّة في العلوم الدينية في الفروع ، ويقلّدهم الآخرون فيما توصّلوا إليه.

قال الله تعالى : ( فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (1).

وبما أنّ المجتهدين غير متساوين في العلميّة ، فالعقل يحكم بالرجوع إلى الأعلم ، لأنّ الأعلم سيكون أقرب إلى الحكم الواقعيّ.

هذا ، ونسأل الله تعالى لكم كمال التوفيق والسداد.

ص: 301


1- 1. التوبة : 122.

( ... - .... - .... )

كلّ كتب الحديث تخضع للجرح والتعديل :

س : من الملاحظ على الشيعة أنّهم يستشهدون على الأُمور التي تخصّ المذهب بأيّ حديث وجد ، من غير الانتباه والاهتمام بصحّته ، ولكن المهمّ أن يؤيّد المذهب ، وهذا غير سديد ، فما رأيكم؟ وجزاكم الله خيراً.

ج : إنّ المبنى عند الشيعة في الحديث غير المبنى عند أهل السنّة : الشيعة لا تقول بصحّة كتاب من أوّله إلى آخره غير القرآن الكريم ، وكلّ كتاب غير القرآن يخضع للجرح والتعديل.

وأهل السنّة أكثرهم يذهب إلى صحّة ما في البخاريّ ومسلم.

فالشيعة ومن باب الإلزام - أي : ( ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم ) - يستدلّون بكتابي البخاريّ ومسلم وبالصحاح الستة وغيرها في مقام الإلزام.

( كميل - ... - ..... )

التواتر فيه يحصل من رواة متعدّدين :

س : هل الحديث إنّما يكون متواتراً إذا كان رواته ينتمون إلى مذاهب متعدّدة؟ وبالتالي يتحقّق شرط عدم تواطئهم على الكذب.

ج : لا يشترط في التواتر أن يكون رواته ينتمون إلى مذاهب متعدّدة ، إذ المناط عدم إمكان الاتفاق على الكذب ، وهذا يحصل وإن كان الرواة من مذهب واحد ، وذلك إذا كثر الرواة للخبر وكانوا من أماكن متعدّدة ، بحيث يستنبط من خبرهم عدم إمكان اجتماعهم واتفاقهم على الكذب ، وذلك يحصل تارة بالكثرة لوحدها ، وتارة بالعدد ، وكونهم من أماكن متفرّقة ، وتارة بوجود القرينة على عدم إمكان اتفاقهم على الكذب.

نعم ، إذا كان الرواة من مذاهب مختلفة سيكون قرينة أُخرى على عدم

ص: 302

إمكان توافقهم على الكذب ، لا أنّ كون الرواة من مذاهب مختلفة شرط في التواتر.

( ميكائيل - ... - ..... )

تقدّم الشيعة في تأسيس علم الدراية :

س : بارك الله جهودكم الطيّبة ، ووفّقكم لنصرة أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، أمّا بعد ، لدي سؤال أرجو أن أحصل على الإجابة الشافية منكم عليه : متى بدأ علم الجرح والتعديل في الحديث عندنا نحن الشيعة ، قبل أهل السنّة أم بعدهم؟

ج : إنّ الشيعة حتّى وأن تأخّرت عن أهل السنّة في مسألة الجرح والتعديل ، فإنّ ذلك يعود إلى أنّ الشيعة عندها الإمام والمعصوم ، وتلقّي الحديث عن المعصوم بعد النبيّ إلى آخر الغيبة الصغرى ، فكانوا يأخذون معالم دينهم عن أهل البيت عليهم السلام ، الذين طهّرهم الله وأذهب عنهم الرجس ، وما كانت لهم حاجة إلى علم الجرح والتعديل ، على أنّ في المسألة خلاف ، في كون الجرح والتعديل عند الشيعة متى بدأ؟ قبل أهل السنّة أم بعدهم؟

وقد ذكر السيّد حسن الصدر في كتابه (1) ، أدلّته على تقدّم الشيعة في تأسيس علم دراية الحديث ، وتنويعه إلى الأنواع المعروفة.

( موسى - السعودية - .... )

حكم الترمذيّ على فضائل علي بأنّها غريبة :

س : نشكر لكم جهودكم المبذولة في تبيان الحقّ ، والدفاع عن مذهب أهل البيت عليه السلام.

ص: 303


1- 1. الشيعة وفنون الإسلام : 55.

والسؤال هو : عندما نقرأ مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في سنن الترمذيّ نلاحظ أنّه في تصحيح معظم الأحاديث يقول : قال أبو عيسى : هذا حديث غريب.

فيكاد ينفي كلّ أو معظم الأحاديث الواردة في فضل الإمام عليه السلام ، كحديث الطير وغيره من الأحاديث ، فهل هذا صحيح؟ وعلى ماذا يدلّ؟ وشكراً.

ج : نشير إلى أُمور يتّضح من خلالها الجواب :

1 - إنّ تضعيف الترمذيّ وأمثاله لمناقب أهل البيت عليهم السلام لا يؤثّر على معتقداتنا ، لوجود تلك المناقب في مصادرنا الشيعيّة بطرق كثيرة وصحيحة.

2 - إنّ تضعيف الترمذيّ لفضائل أمير المؤمنين عليه السلام هو ديدن كثير من كتّاب ومؤلّفي أهل السنّة.

3 - إنّ الكثير من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام التي يراها الترمذيّ ضعيفة ، قد صحّحها وحسّنها كثير من علماء السنّة ، ونقلوها في كتبهم بعدّة طرق.

4 - اعترف البعض - كالدكتور بشّار عوّاد - بوجود عشرات الأحاديث قد أقحمت في الكتاب لا صحّة لها ، وبوجود مئات الجمل والتعليقات قد أدرجت في نصّ الكتاب ، وليست منه.

5 - انتقد بعض علماء السنّة - كالذهبيّ - تصحيح الترمذيّ ، أو تحسينه لأحاديث معلولة ، وعلى هذا يعرف قيمة حكمه على الأحاديث.

6 - وجود اختلاف في حكم الترمذيّ على أسانيد معيّنة دليل على عدم دقّته ، فتارة يصحّح السند ، وأُخرى يحسّنه ، وثالثة يضعّفه.

7 - معنى الغريب من الحديث هو : ما يكون إسناده متّصلاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولكن يرويه واحد ، وعليه فالغرابة لا تنافي الصحّة.

نعم ، إذا وجد معارض راجح - كأن يخالفه جمع من الثقات - فعندئذ يحكم على الرواية بالشذوذ.

والدليل على أنّ غرابة الرواية لا تنافي صحّتها ، هو قوله : حديث حسن

ص: 304

غريب ، فيلحق الغرابة بالحسن ، أو يلحقها بالصحّة ، فيقول : حديث حسن غريب صحيح.

( جمال أحمد - البحرين - .... )

معنى حديث علماء أُمّتي :

س : ما المقصود من علماء أُمّتي في قوله صلى الله عليه وآله : ( علماء أُمّتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل )؟ هل هم الأئمّة عليهم السلام أم العلماء والفقهاء؟

ج : إنّ هذا الحديث ورد بلفظ : ( علماء أُمّتي كأنبياء بني إسرائيل ) (1).

وورد بلفظ : ( منزلة الفقيه في هذا الوقت ، كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل ) (2).

وبلفظ : ( علماء أُمّتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل ) (3).

وهذه الأخبار ضعيفة السند ، إذ أنّها في أحسن الحالات مرسلات ، وعلى فرض ورود الخبر عن النبيّ صلى الله عليه وآله ، فإنّ معنى العلماء هنا ، فيه إشارة إلى الأئمّة عليهم السلام ، بدلالة حديث : ( نحن العلماء وشيعتنا المتعلّمون ) (4) ، والله أعلم.

( .... - استراليا - .... )

رأي الألبانيّ في حجّية الخبر الواحد ونقده :

س : في موقع الشيخ الألبانيّ : رأيه في حجّية خبر الواحد ، أرجو الإجابة عليه ، حيث أنّ الكثير من الإخوة السنّة يأخذون بهذا الرأي ، ويحتجّون به

ص: 305


1- 1. تحرير الأحكام 1 / 3 و 38 ، أوائل المقالات : 178 ، الصراط المستقيم 1 / 131 و 213 ، تاريخ ابن خلدون 1 / 325 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 337.
2- 2. فقه الرضا : 338.
3- 3. المزار للشيخ المفيد : 6.
4- 4. بصائر الدرجات : 29.

علينا ، نرجو التوضيح ، والسلام عليكم.

ج : إنّ موضوع حجّية خبر الواحد قد ورد بحثه مفصّلاً عند المتكلّمين والأُصوليّين في علميّ الكلام والأُصول ، ويحتاج إلى تفصيل لسنا بصدده ، ومن أراد فليراجع مظانّه ، ولكن الذي ينبغي أن نشير إليه في المقام باختصار هو :

1 - أنّ القائل بهذه المقولة - الألبانيّ - لم يفرّق بين اليقين والعلم الذاتيّ ، وبين العلم التعبّدي ، إذ أنّ لكلّ منهما تعريفاً خاصّاً يجب أن يتميّز به عن الآخر.

فإنّ اليقين الذاتيّ أو القطع : ما تكون حجّيته ثابتة عند العالم بدون اجتماعه مع شكّ أو ريب في نفسه ، وهذا إنّما يحصل لو لم تكن هناك واسطة في عروض القطع واليقين في نفس القاطع والمتيقّن ، أي : أنّ العالم - في هذا الفرض - يرى نفسه جازماً غير شاكٍ بدون أن تكون حجّية هذا الجزم واليقين مستلهمة من مصدرٍ آخر.

وأمّا العلم التعبّدي فهو : يحصل بمقدّمات يقينية ، فحجّيته ليست ذاتيّة ، بل جاءت من تلك المقدّمات المقطوعة.

وفي المقام ، فإنّ حجّية خبر الواحد لم تكن مستقلّة وذاتيّة نابعة من صميم ذلك الخبر ، بل أنّها تثبت بمعونة أدلّة عقلية ونقلية أُخرى من الكتاب والسنّة.

وبعبارة واضحة : أنّ خبر الواحد بما هو ليس فيه اقتضاء الحجّية ، بل حجّيته جاءت نتيجة لتعبّدنا ببعض الأدلّة ، وعليه يحمل عدم اعتبار حجّيته عند بعض علمائنا - كالسيّد المرتضى - إذ لم تتمّ عنده الأدلّة على حجّيته تعبّداً بعد أن لم يكن عنده علماً ذاتيّاً.

2 - المطلوب والواجب في أُصول الدين والعقيدة هو الالتزام والإيمان بها بيقين جازم ، أي : يجب أن يكون العلم بها علماً قطعيّاً وذاتيّاً لا يبقى للشكّ فيه مجال ، وهذا لا ينتج من خبر الواحد ، فإنّ العلم والالتزام بمضمونه يحصل تعبّداً.

ومجمل القول : أنّ خبر الواحد لا ينفي الشكّ في النفس وجداناً بل تعبّداً ، وما

ص: 306

كان هكذا فلا دور له في الاعتقادات الأساسيّة ، إذ يجب فيها نفي الشكّ وطرده مستقلاً وبدون الاستعانة من شيء آخر.

والخلاصة : أنّ الخبر الواحد لا يفيد علماً قطعيّاً ذاتيّاً ، وإن أفاد علماً تعبّدياً ، والحال أنّ اللازم في أُصول العقيدة أن يكون الاعتقاد بها عن يقين ذاتيّ ووجدانيّ.

3 - وممّا ذكرنا يظهر بوضوح وجه التمايز بين الأحكام والعقائد ، فإنّ المطلوب في الأحكام هو الالتزام والعمل بها حتّى لو كان عن تقليد ، وهنا يأتي دور خبر الواحد الذي يعطينا العلم التعبّدي بصدورها عن الشارع المقنّن ، فلا نحتاج فيها إلى أكثر من إثبات الصدور.

ثمّ بمعونة مقدّمة أُخرى - وهي حجّية خبر الواحد - نحصل على نتيجة مسلّمة ، وهي ثبوت الحكم بالنسبة إلينا ، فلم نكن نحتاج في الأحكام إلى الاعتقاد الجزميّ بمضمونها ، إذ لا سبيل إلى فلسفة الأحكام على التمام ، بل ينبغي لنا الالتزام والعمل على طبق مؤدّى خبر الواحد ، حتّى ولو كان في النفس شيء من الخبر - من جهة الرواة مثلاً أو أيّ أمر آخر - فإنّ حجّية خبر الواحد لا تنفي هذه الشكوك بالمرّة ، بل تعيّن الوظيفة وجهة التعبّد.

4 - وأمّا بعض الموارد التي ذكرها القائل ، كنزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان ، فليس من الأحكام ولا من أُصول العقيدة ، بل هو إخبار عن المستقبل والموضوعات ، فإنّ كانت الروايات الواردة فيه بحدّ الاستفاضة والتواتر - كما هو في المقام - فلا ينبغي التوقّف عن الالتزام بها لكونها مفيدة للعلم ، وإن لم تكن في ذلك الحدّ ، فلا مجال لفرض العلم القطعيّ والذاتيّ في المورد ، بل غاية ما يكون هناك الالتزام التعبّديّ ، وفي هذه الحالة لا يمكن الحكم بأنّ المورد المذكور هو من العقائد المسلّمة التي يجب للمسلم أن يؤمن بها حتّى يصحّ إسلامه.

نعم مع قبول حجّية خبر الواحد ، وصحّة الحديث سنداً ودلالةً ، يجب

ص: 307

الالتزام بمضمونه تعبّداً ، ولكن هذا أمر آخر لا يرتبط بأُصول الدين والعقيدة.

5 - على ضوء ما ذكرنا ، فإنّ موارد السنّة والروايات كلّها تأتي في حوزة شمول الأحكام ، فلا معنى لذكر أمثلة من هذا القبيل للاستدلال على حجّية خبر الواحد في العقائد ، فإنّ الفرائض - هي أوامر ونواهي - تعبّدية يجب الالتزام والعمل بها ، لا أنّها من أُسس العقيدة ، وعليه فإنّ السنّة تثبت بخبر الواحد - مع اجتماع شروط الصحّة - وهذا ممّا لا خلاف فيه ، ولكن هذا لا يستلزم ثبوت العقيدة به.

6 - ومن هنا تعرف أنّ الأحاديث التي ذكرها القائل - على فرض صحّتها بأجمعها - أجنبية عن المقام ، ولا ملازمة بين قبولها ، وبين حجّية خبر الواحد في العقائد.

7 - خلاصة القول هي : أنّ الخبر الواحد بما هو ، ليس فيه إلاّ اقتضاء الظنّ ، ثمّ بمعونة أدلّة الحجّية يتّصف بصفة العلم ، ولكن هذا علم تعبّديّ وتنزيليّ ، أي أنّه - الخبر الواحد - ينال مقام العلميّة بواسطة أدلّة أُخرى ، فليس في كنه وجوده - بدون تلك الأدلّة - إلاّ الظنّ.

ومن جانب آخر ، فإنّ أُصول الدين والعقائد تحتاج لاعتقاد قطعي وجزمي ، لا تستمد صفة علميّتها من أدلّة أُخرى ، بل تكون هي بوحدها تفيد العلم واليقين ، وهذا لا يفرض في الخبر الواحد.

8 - وأخيراً : نرى أنّ ردّ صاحب المقال على الحنفيّة في وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة أيضاً محلّ مناقشة وتأمّل ، والصحيح أن نرد قول الحنفيّة بعدم التنافي بين مفاد الآية والروايات ، بل التنافي يقع بين إطلاق الآية والأحاديث المذكورة ، وبحسب القواعد المقرّرة في علم الأُصول نرفع اليد عن الإطلاق والعموم في الآية ، ونقيّدها أو نخصّصها بتلك الروايات ، وهذا هو الجمع العرفي بين الإطلاق والتقييد ، أو العموم والخصوص.

ص: 308

وأمّا مناقشتهم بتواتر الحديث عند البخاريّ فليس في محلّه ، إذ غاية ما يقال أن يكون متواتراً عند البخاريّ ، وهذا سوف يكون حجّة على البخاريّ نفسه لا على غيره ، وأمّا الآخرون - ومنه الحنفيّة - فيجب أن يبحثوا ويتحقّقوا عن التواتر بأنفسهم حتّى يحصل لهم العلم ، فإنّ التواتر عند البعض لا يكون حجّة على الآخرين إلاّ إذا ثبت عندهم أيضاً.

( مازن - ... - ..... )

أحاديث الكافي خاضعة للجرح والتعديل :

س : ما هو رأيكم بكتاب أُصول الكافي؟ والذي رغم ضخامته والجهد العظيم المبذول من قبل مؤلّفه لإخراجه ، واعتباره كمرجع أساسي لأحاديث أهل البيت عليهم السلام ، والإطراء الكثير الذي حظي به من قبل العلماء المتقدّمين ، إلاّ أنّه احتوى على عدد من الأحاديث التي لا أعتقد أنّها ممكن أن تصدر عن الأئمّة عليهم السلام ، والتي أصبحت نقاط ضعف يثبتها علينا ويحاججنا بها الإخوان من أهل المذاهب الأُخرى ، فما هو الردّ المناسب لهم؟

ج : إنّ المباني التي عليها الشيعة : أنّه لا يوجد كتاب صحيح من أوّله إلى آخره غير القرآن الكريم ، فكلّ كتاب سوى القرآن تجري عليه قواعد الجرح والتعديل ، فما صحّ سنده عملت به الشيعة ، وما لم يصحّ لا تعمل الشيعة به.

وكتاب الكافي على عظمته عند الشيعة ، فإنّ الطريق الصحيح هو البحث في كلّ حديث وفقاً لقواعد الجرح والتعديل والتعارض.

وهذا ، بخلاف مباني أهل السنّة ، حيث اعتبروا صحّة كلّ ما في البخاريّ ومسلم.

وفي هذا المجال أبحاث معمّقة واستدلالات لإثبات هذا المدّعى ليس هنا محلّها.

وفي الختام : ننوّه بأنّ علمائنا الأبرار بذلوا قصارى جهدهم لجمع الأحاديث

ص: 309

المروية عن أهل البيت عليه السلام ، وذلك بالاعتماد على أصحّ الطرق والأسانيد ، ولكن وكما تعلمون فإنّ باب الاجتهاد مفتوح ، وهذا بخلاف أهل السنّة الذين أغلقوا باب الاجتهاد.

( محمّد الحلّيّ - البحرين - .... )

لا يوجد عندنا كتاب كلّ أحاديثه صحيحة :

س : لماذا لا يكون عند الشيعة كتاب يحتوي على الأحاديث الصحيحة فقط؟ كما لأهل السنّة صحاح.

ج : إنّ ما تفضّلتم به في سؤالكم يتوقّف على فهم المرتكزات الأساسيّة التي ابتنى عليها التشيّع - الممثّل للسنّة النبويّة - وفهم مرتكزات الأطروحة السنّية ، وبالتالي نفهم الجواب على السؤال ، وإليكم جزء يسير وخلاصة للجواب :

إنّ الشيعة - واقتداءً بأئمّتهم عليهم السلام الذين أسّسوا علم الدراية وعلم الرجال - عندهم باب الاجتهاد مفتوح ، ولم يقف على عالم أو شخص ، والأئمّة عليهم السلام بيّنوا الضوابط التي تؤخذ بها الرواية عند توفّرها ، وتردّ عند عدم وجودها ، كقول الإمام الصادق عليه السلام : ( وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ) (1) ، وكقوله عليه السلام عند تعارض الروايات : ( يؤخذ به - أي المجمع عليه - من حكمنا ، ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ) (2) ، وغير ذلك من الروايات التي أوضحت بأنّ هناك من يكذب على الأئمّة ، وأنّ هناك من يدسّ ويزوّر.

فألّف علماء الشيعة - في الزمن القديم المتاخم لزمن الأئمّة عليهم السلام ، وبعضهم في زمن الأئمّة - كتب الرجال لبيان الثقة من غيره ، وبيان الرواة وأحوالهم.

وبما أنّ باب الاجتهاد مفتوح عند علماء الشيعة ، والعالم الشيعيّ له رأيه في كلّ راوي وكلّ رواية ، فكان هناك اختلاف في النظر والتوثيق والتضعيف ،

ص: 310


1- 1. المحاسن 1 / 221 ، الكافي 1 / 69.
2- 2. الكافي 1 / 68.

فقد يوثّق أحد العلماء راوٍ معيّن لأدلّة خاصّة عنده ، بينما نرى عالماً آخر لا يوثّق هذا الراوي أو يتوقّف فيه لأدلّته الخاصّة ، ومناقشته أدلّة من وثّقه ، وهكذا إذا كثر العلماء تكثر الآراء وتختلف تبعاً لطبيعة الاجتهاد ، الذي فتحه الأئمّة لعلماء الشيعة ، الذين يتولّون الأُمور بعدهم.

فعلى ذلك ، إذا أراد عالم من العلماء تأليف كتاب صحيح - كصحيح الكافي مثلاً - فلا يمكنه أن يلزم به علماء الشيعة الآخرين ، لأنّ كلّ عالم له نظره الخاصّ ، واجتهاده المبني على الأُصول والقواعد ، الذي قد يخالف فيه ذلك العالم ، وبالتالي فما يراه ذلك العالم الذي ألّف صحيح الكافي صحيحاً لا يرى العالم الآخر صحّة كلّ ما فيه ، بل يرى فيه بعض الروايات الضعاف ، وترجع المسألة إلى عدم صحّة هذا الكتاب من أوّله إلى آخره عند العلماء ، ولا يمكن إلزام العلماء بمبنى واحد ، لأنّ معنى ذلك غلق باب الاجتهاد الذي فرغنا عن كونه لم يغلق.

أضف إلى ذلك : أنّ هناك روايات كثيرة صحيحة عند علماء الشيعة ، وهي أكثر من روايات أهل السنّة ، فهذا الكافي الذي يحتوي على أكثر من ( 16 ) ألف رواية ، يصرّح العلماء بوجود روايات صحيحة فيه أكثر من (4) آلاف رواية ، وهذا الكافي لوحده ، فما بالك بكتب الروائية الأُخرى - كالاستبصار والتهذيب ، ومن لا يحضره الفقيه ، وغيرها من كتب الحديث -؟!

وهناك من ألّف من العلماء كتباً لجمع الصحيح والحسن من الروايات ، ككتاب ( منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان ) لابن الشهيد الثاني قدس سره ، لكن يبقى أيضاً تحت نظر الفقيه الآخر ، ومدى قبوله للروايات من حيث التصحيح والتضعيف.

وأمّا المنهج السنّي ، فهو يحتاج إلى بيان كيفية بنائه ، والأُسس التي سار عليها ، والتي بعد معرفتها نرى المشاكل التي واجهها علم الحديث عندهم ،

ص: 311

بعد منع أبي بكر وعمر تدوين الحديث (1).

ثمّ مجيء دولة بني أُمية وتدوين الحديث ، إلى أن ظهرت آلاف الكتب التي تحدّثت عن النبيّ صلى الله عليه وآله ، إلى أن ظهر لنا البخاريّ المولود سنة 194 ه- ، والذي شرع في تأليف صحيحه ، وهو في سنّ السادسة عشر (2).

ثمّ جاء القوم بعده وقلّدوه فيما قاله : من أنّ هذا الكتاب كلّه صحيح من أوّله إلى آخره ، وكذلك ألّف تلميذه مسلم بن الحجّاج صحيحه ، مدّعياً نفس دعواه ، وجاء من بعدهم معتمداً على كلامهم - والسياسة لها دخل أيضاً - بأنّ كلّ ما فيهما صحيح ، فلذلك انسدّ باب الاجتهاد في روايات صحيح مسلم والبخاريّ من حيث توثيق الرواة ، ومن حيث الرواية ، فكلّ رواية وردت فيهما فهي صحيحة.

وهذه هي النكتة المائزة ، فإذا ألّف مسلم والبخاريّ كتابيهما ، ومن يأتي بعدهما لا يناقشهما فيهما ، فينتج أنّهما صحيحان ، لا غبار عليهما ، وهذا هو غلق لسنّة النبيّ صلى الله عليه وآله الآمرة بالنظر في الحديث ، وتمييز الصحيح من السقيم.

وليس ذلك أمراً إيجابياً للفكر السنّي كما قد يتصوّر ، بل إذا أردنا التعمّق أكثر وأكثر ، ينتج لنا أنّ المدرسة السنّية أضفت العصمة على كتابي مسلم والبخاريّ ، ورفضت سنّة النبيّ صلى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام.

وهناك ملحوظة لابدّ من أن نلتفت إليها ، وهي : أنّ القوم وإن قالوا بصحّة روايات البخاريّ ومسلم ، لكنّهم في مقام العمل لا يعملون بكلّ ما في البخاريّ ومسلم ، لوجود التعارض والتضارب بين بعض الروايات التي ينقلها البخاريّ نفسه ، أو مسلم نفسه ، كروايات الرضعات الخمس الواردة في صحيح مسلم (3) ، وكروايات تزوّج النبيّ صلى الله عليه وآله ميمونة وهو محرم ، مع أنّها نفسها تنكر ذلك ،

ص: 312


1- 1. سير أعلام النبلاء 2 / 601.
2- 2. تاريخ بغداد 2 / 14.
3- 3. صحيح مسلم 4 / 167.

ومسلم (1) يأتي برواية يجمع فيها بين أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله تزوّجها وهو محرم ، وبين أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله تزوّجها وهو في حلّ ، وفي نفس الجزء (2) ينقل الرواية عن ميمونة زوجة النبيّ صلى الله عليه وآله تقول : تزوّجني وهو حلال.

وبالتالي لابدّ أن تكون إحدى الروايات مخالفة للواقع ، لأنّه لا يمكن أن نصدّقهما معاً ، فأين الصحّة المدّعاة لمسلم والبخاريّ؟!

وهناك شواهد كثيرة أغمضنا عن نقلها ، تستطيع مراجعتها.

والخلاصة : إنّ دعوى أنّ كلّ ما في البخاريّ ومسلم صحيح ، لا يعمل بها أهل السنّة أنفسهم ، لوضوح وجود التضارب بين بعض الروايات التي في نفس البخاريّ ، وبعض الروايات التي في نفس مسلم.

وهناك تفصيلات أُخرى يطول الوقت بذكرها ، تركناها اختصاراً.

( .... - سنّي - .... )

كلّه خاضع للبحث السنديّ والدلاليّ :

س : عندي ملاحظة : من المعروف أنّكم بدأتم في دراسة مصطلح الحديث بعد أن هاجمكم أهل السنّة ، ألم تلاحظ أنّ القليل من أحاديثكم يصل سندها إلى الرسول صلى الله عليه وآله؟

ألم تلاحظ أنّ معظم الأحاديث التي تروى عن أبي عبد الله ليس لها سند متّصل إلى الرسول صلى الله عليه وآله؟ أهكذا تأخذون دينكم؟ أم أنّكم ستنتظرون مهديّكم المنتظر لتأخذوا منه العلم الذي لم يؤتيه الله لأحد حتّى نبيّه صلى الله عليه وآله؟

ج : إنّ موضوع دراسة الحديث يصدق بتمامه عند من يعرض كافّة الروايات لقانون البحث السنديّ والدلاليّ ، وهذه هي الطريقة المألوفة عند علمائنا قديماً وحديثاً ، بخلاف أهل السنّة الذين يعتقدون بصحّة كافّة روايات البخاريّ ومسلم

ص: 313


1- 1. المصدر السابق 4 / 137.
2- 2. المصدر السابق 4 / 138.

وغيرهما ، مع ما فيها من رواة مدلّسين ومجروحين وكذّابين ، ومن أحاديث موضوعة يأباها الكتاب ، والسنّة الصحيحة ، والعقل السليم ، فهل هذا هو الأخذ بسنّة الرسول صلى الله عليه وآله عندكم؟

ولماذا يخشى أهل السنّة من نقد البخاريّ أو مسلم؟ في حين لا يرى الشيعيّ بأساً في دراسة كافّة المجامع الحديثية نقضاً وإبراماً؟ فأيّهما المتحرّي للحقيقة؟ وأيّهما المتعصّب والمتزمّت؟

وأمّا بالنسبة لأحاديثنا المروية عن أبي عبد الله عليه السلام ، فمبنى الشيعة هو عصمة الإمام عليه السلام - كما ثبت في محلّه - ، وعليه فكلامه عليه السلام نفس كلام الرسول صلى الله عليه وآله ، فلسنا بحاجة إلى التصريح بسلسلة السند إلى النبيّ صلى الله عليه وآله.

ثمّ حتّى على مبنى أهل السنّة ، من لزوم اتصال السند ، فإنّ الأئمّة عليه السلام قد صرّحوا بأنّ حديثهم حديث أبيهم ، وحديث أبيهم حديث أبيه ... ، حتّى يصل إلى الرسول صلى الله عليه وآله جدّهم ، وبما أنّ أصحاب الرجال والحديث عند أهل السنّة ، قد صرّحوا بجلالة ووثاقة الأئمّة عليه السلام ، فيكون حديثهم متّصل إلى الرسول صلى الله عليه وآله من حيث السند.

وأمّا موضوع المهديّ عليه السلام ، فهو لا يختصّ بالمذهب ، بل هو متّفق عليه عند الكلّ ، ونوصيك أن تراجع أحاديث المهديّ عليه السلام في كتب أهل السنّة ، حتّى تقف قليلاً على الموضوع.

وأمّا ادعاؤك أنّنا نعتقد بأنّ المهدي عنده علم لم يؤت النبيّ صلى الله عليه وآله فهو كذب ، فاتق الله يا أخي ولا تكن من الظالمين.

( خالد حسين - العراق - 26 سنة - معهد إدارة )

معنى المؤمن القويّ والضعيف الوارد فيه :

س : هنالك حديث يروى عن أهل بيت العصمة معناه - إن لم يكن نصّه - المؤمن القوي خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف.

ص: 314

السؤال : نصّ الحديث وسنده ومدى صحّته؟ وبيانه بشكل مبسوط ، مع التركيز على معنى القوّة في الحديث.

ج : الحديث المذكور ورد عن طريق أهل السنّة ، ففي صحيح مسلم ما هذا نصّه : حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير قالا : حدّثنا عبد الله بن إدريس عن ربيعة بن عثمان عن محمّد بن يحيى بن حبّان عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( المؤمن القويّ خير. وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كلّ خير احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أنّي فعلت كان كذا وكذا ، ولكن قل : قدّر الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان ) (1).

ويكفيك من سنده أنّ فيه أبو هريرة ، وفي دلالته ما فيه من ركّة وتفكّك ، لا يمكن أن يصحّ صدوره من النبيّ صلى الله عليه وآله بهذه الكيفية.

والمراد بالقوّة - حسب ما يوضّحه النوويّ في شرحه للحديث - هنا عزيمة النفس والقريحة في أُمور الآخرة ، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداماً على العدوّ في الجهاد ، وأسرع خروجاً إليه وذهاباً في طلبه ، وأشدّ عزيمة في الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والصبر على الأذى في كلّ ذلك ، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى ، وارغب في الصلاة والصوم ، والأذكار وسائر العبادات ، وانشط طلباً لها ، ومحافظة عليها ، ونحو ذلك.

وأمّا قوله صلى الله عليه وآله : ( وفي كلٍّ خير ) ، فمعناه في كلّ من القويّ والضعيف خير اشتراكهما في الإيمان ، مع ما يأتي به الضعيف من العبادات (2).

ونحن لا يمكننا أن نشرح الحديث ، لأنّنا لا نعلم مراد أبي هريرة منه ، وإن علمنا مراده ، فلا يهمّنا ذلك.

نعم ، قد ورد عندنا : أنّ الله تعالى ليبغض المؤمن الضعيف ، الذي لا دين له ،

ص: 315


1- 1. صحيح مسلم 8 / 56.
2- 2. شرح صحيح مسلم 16 / 215.

فقيل له : وما المؤمن الذي لا دين له؟ قال : الذي لا ينهى عن المنكر ، وهذا الحديث يغاير ذلك الحديث.

( أُمّ علي - البحرين - .... )

الخبر المتواتر والواحد :

س : كثيراً ما أقرأ هذا الحديث من الأخبار الآحاد ، ما المقصود بأخبار الآحاد؟ وهل يوجد له قسيم؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : إنّ الخبر على قسمين رئيسين خبر متواتر وخبر واحد ، والمتواتر ما أفاد سكون النفس سكوناً يزول معه الشكّ ، ويحصل الجزم القاطع ، من أجل إخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب ، ويقابله الخبر الواحد في الاصطلاح ، وإن كان المخبر أكثر من واحد ، ولكن لم يبلغ المخبرون حدّ التواتر ، وعرف أيضاً بالخبر الذي لا يفيد العلم.

( .... اليمن. 28 سنة. طالب حوزة )

ردّ شبهات القوم على أحاديثنا :

س : فيما يلي موضوع أحسبه نشر جديداً ، ولم أجد في الإنترنت ، أو فيما بين يدي جواباً مُعدّاً عليه ، وقد طرح هذه السؤال جديداً في أكثر من منتدى حوار ، أرجو أن تساهموا في الإجابة عليه ، وجزاكم الله عن الإسلام والمسلمين ألف خير.

علماً أنّ تأخّركم عن الإجابة قد يقلّل من أهمّيتها وقيمتها ، وتحيّاتي إلى كلّ العامليّن في المركز ، لاسيّما الأخ المحقّق الشيخ فارس الحسّون ، والإخوة الكتّاب والمحقّقين في المركز.

نصّ الشبهة : علم الحديث عند الرافضة.

من المعروف أنّ أيّ مذهب - سواءً كان فقهيّاً أو اعتقادياً - يعتمد على الأحاديث في تحديد أحكامه وعقائده ، حتّى في تفسير القرآن ، فإنّ المذاهب

ص: 316

تعتمد على أحاديث أسباب النزول وتفسير الآيات.

وأهل السنّة والجماعة - عمالقة الحديث وعظماء الجرح والتعديل - قاموا بوضع أُسس وقواعد غاية في الدقّة لجمع الأحاديث وتصحيحها ، فبنوا معتقداتهم ومذهبهم على الصحيح فقط من الأحاديث.

وسنبيّن في هذا البحث إن شاء الله : أنّ الشيعة ليس لهم علم معتبر في جمع الأحاديث ، إنّما بنوا مذهبهم على الأحاديث الضعيفة والمنكرة والموضوعة من قبل فاسدين المذاهب ، وأصحاب الفتن والكذّابين ، فلا يعرف صحيحهم من ضعيفهم ، ولا يعرف مصدر عقائدهم ولا شرائعهم ، بل هو دين إعلاميّ تطوّر عبر الزمن من كثرة الأحاديث الموضوعة فيه.

الجرح والتعديل عند الشيعة :

لم يكن للشيعة كتاب في أحوال الرجال حتّى ألّف الكاشانيّ في المائة الرابعة كتاباً لهم في ذلك ، وهو كتاب غاية في الاختصار ، وقد أورد فيه أخباراً متعارضة في الجرح والتعديل ، وليس في كتب رجالهم الموجودة إلاّ حال بعض رواتهم ، كما أنّ المتتبع لأخبار رجالهم يجد أنّه كثيراً يوقع غلط واشتباه في أسماء الرجال ، أو آبائهم أو كناهم أو ألقابهم.

وقد كان التأليف في أُصول الحديث وعلومه معدوماً عندهم ، حتّى ظهر زين الدين العامليّ الملقّب عندهم بالشهيد الثاني ، المتوفّى سنة 965 ه-.

فيقول شيخهم الحائريّ : ومن المعلومات التي لا يشكّ فيها أحد أنّه لم يصنّف في دراية الحديث من علمائنا قبل الشهيد الثاني - مقتبس الأثر 3 / 73 -.

فتصوّروا معي يا إخوة ، علم الحديث يؤلّف فيه في القرن التاسع من الهجرة ، فالزمن الذي سبق هذا ( 900 سنة ) يتعبّد الناس بأحاديث لا يعرف صحّتها من ضعفها؟! فعلام قام هذا المذهب يا ترى؟ وقد كثر الوضع على رسول الله صلى الله عليه وآله ، والأئمّة من بعده في العصور المتقدّمة!! حتّى علم الجرح والتعديل المستحدث فيه تناقضات واختلافات ما الله بها عليم ، حتّى قال شيخهم الفيض الكاشانيّ : في الجرح والتعديل وشرايطهما اختلافات وتناقضات واشتباهات لا تكاد ترتفع بما تطمئن إليه النفوس كما لا يخفى على الخبير بها - الوافي 1 / 11 -.

فإذا كان هذا اعتراف شيخ الجرح والتعديل عندهم؟ فهل نثق نحن في

ص: 317

أحاديث القوم؟ واسمعوا معي الآن المصيبة الكبرى : يقول الحرّ العامليّ معرّفاً الحديث الصحيح : ( بل يستلزم ضعف الأحاديث كلّها عند التحقيق ، لأنّ الصحيح - عندهم - : ما رواه العدل ، الإماميّ ، الضابط ، في جميع الطبقات ).

ولم ينصّوا على عدالة أحد من الرواة إلاّ نادراً ، وإنّما نصّوا على التوثيق ، وهو لا يستلزم العدالة قطعاً ، بل بينهما عموم من وجه ، كما صرّح به الشهيد الثاني وغيره.

ودعوى بعض المتأخّرين : أنّ الثقة بمعنى العدل الضابط ممنوعة ، وهو مطالب بدليلها.

وكيف؟ وهم مصرّحون بخلافها ، حيث يوثقون من يعتقدون فسقه ، وكفره ، وفساد مذهبه؟! وسائل الشيعة 30 / 260.

فنستنتج من كلام العامليّ أنّ :

1 - أحاديث الشيعة كلّها ضعيفة.

2 - لم ينصّ المصحّحين للأحاديث على عدالة الراوي ، إنّما نصّوا على التوثيق فقط.

3 - وثّق العلماء الفسّاق والكفّار ، وأصحاب المذاهب الفاسدة!!

والجرح والتعديل المستحدث يلزم تخطئة جميع الطائفة حسب قول العامليّ : إنّ الاصطلاح الجديد يستلزم تخطئة جميع الطائفة المحقّة ، في زمن الأئمّة ، وفي زمن الغيبة ، كما ذكره المحقّق في أُصوله ، حيث قال : أفرط قوم في العمل بخبر الواحد ، إلى أن قال : واقتصر بعض عن هذا الإفراط ، فقالوا : كلّ سليم السند يعمل به ، وما علم أنّ الكاذب قد يصدق ، ولم يتفطّن أنّ ذلك طعن في علماء الشيعة ، وقدح في المذهب ، إذ لا مصنّف إلاّ وهو يعمل بخبر المجروح ، كما يعمل بخبر العدل - وسائل الشيعة 30 / 259 -.

فبعد هذا الكلام كلّه نعلم أنّه ليس للشيعة ناقة ولا بعير في التصحيح والتضعيف ، وأنّهم لو أرادوا إلزام أنفسهم بالصحيح فقط من أحاديثهم لصدموا بعدم وجود أحاديث صحيحة بمقاييس أهل السنّة الدقيقة للحديث الصحيح.

فلجأ علماءهم لتوثيق الكذّابين والمجاهيل للخروج من هذا المأزق ، ولأختصر على الشيعة المسافة ، أتركهم مع قول شيخهم يوسف البحرانيّ الذي لخّص

ص: 318

الحلّ في سطور : قال يوسف البحرانيّ : الواجب إمّا الأخذ بهذه الأخبار ، كما هو عليه متقدّمو علمائنا الأبرار ، أو تحصيل دين غير هذا الدين ، وشريعة أُخرى غير هذه الشريعة لنقصانها وعدم تمامها ؛ لعدم الدليل على جملة أحكامها ، ولا أراهم يلتزمون شيئاً من الأمرين ، مع أنّه لا ثالث لهما في البيّن ، وهذا بحمد الله ظاهر لكلّ ناظر ، غير متعسّف ولا مكابر - لؤلؤة البحرين : 47 -.

إذاً فعلى الشيعيّ أن يأخذ الأحاديث كما هي دون النظر في صحّتها ، وإلاّ فليحصل دين غير هذا الدين!! لأنّه ليس كامل ولا دليل عليه!!

رجال الشيعة :

ولقد لخّص شيخ الطائفة الطوسيّ أحوال رجالهم باعتراف مهمّ ، يقول فيه : إنّ كثيراً من مصنّفي أصحابنا ينتحلون المذاهب الفاسدة ، ومع هذا أنّ كتبهم معتمدة - الفهرست للطوسي : 24 -.

وكما قلنا سابقاً ، يقول الحرّ العامليّ على ثقات الشيعة : يوثّقون من يعتقدون فسقه ، وكفره ، وفساد مذهبه؟! - وسائل الشيعة 30 / 260 -.

أي وربّي ، أهؤلاء هم ثقات الرواة عند الشيعة؟؟ وسنفرد موضوعاً آخر لاحقاً يتحدّث عن أوثق رواة الشيعة بالتفصيل ، ومدى كذبهم وفسادهم.

وقال : ومثله يأتي في رواية الثقات الأجلاء - كأصحاب الإجماع ، ونحوهم - عن الضعفاء ، والكذّابين ، والمجاهيل ، حيث يعلمون حالهم ، ويروون عنهم ، ويعملون بحديثهم ، ويشهدون بصحّته - وسائل الشيعة 30 / 206 -.

هل من عاقل يسمع ويعقل ما يقال؟ بعد معرفتنا بحال الثقات ، نعرف الآن حال الذين روي الثقات عنهم ، وهم الضعفاء والمجاهيل بل والكذّابين!! بل يرى الحرّ العامليّ أنّ الثقات يعلمون حال هؤلاء ، ومع ذلك يصحّحون أحاديثهم.

هل بعد هذا الكلام يؤمن الأخذ من أحاديث الشيعة والتعبّد بها؟

سبب تأليف علم الحديث عند الشيعة :

إنّ تقسيم الشيعة للأحاديث إلى صحيح وضعيف كان في القرن السابع ، كما يقول الحرّ العامليّ : إنّ هذا الاصطلاح مستحدث ، في زمان العلاّمة ، أو شيخه ، أحمد ابن طاووس ، كما هو معلوم ، وهم معترفون به - وسائل الشيعة

ص: 319

30 / 262 - فما السبب يا ترى في وضعهم لهذا العلم بعد أن كان مهملاً؟

إنّ من الملاحظ ، أنّ هذا العلم ظهر عند الشيعة موافقاً لحملة شيخ الإسلام ابن تيمية في التشنيع على الشيعة ، حيث أنّ ليس لديهم علم في الرجال.

ويظهر هذا جلياً في قول العامليّ - إمام الجرح والتعديل عند القوم - : والذي لم يعلم ذلك منه ، يعلم أنّه طريق إلى رواية أصل الثقة الذي نقل الحديث منه ، والفائدة في ذكره مجرد التبرّك باتصال سلسلة المخاطبة اللسانية ، ودفع تعيير العامّة الشيعة بأنّ أحاديثهم غير معنعنة ، بل منقولة من أُصول قدمائهم! - وسائل الشيعة 30 / 258 -.

فهنا يبيّن الحرّ العامليّ - الذي هو المفروض أن يكون علاّمة في الجرح والتعديل - أنّ وضع السند فقط لدفع اتهامات أهل السنّة والجماعة ، إنّما أصل تصحيحهم هو ناقل الحديث الثقة ، ولا يلزم ثقة المنقول عنهم!!

فعلم الحديث عندهم ما هو إلاّ تقليداً للسنّة ، وهنا الدليل :

يقول شيخهم الحائريّ : ومن المعلومات التي لا يشكّ فيها أحد أنّه لم يصنّف في دراية الحديث من علمائنا قبل الشهيد الثاني ، وإنّما هو من علوم العامّة - يعني بالعامّة أهل السنّة - مقتبس الأثر 3 / 73.

ويقول الحرّ العامليّ : أنّ طريقة المتقدّمين مباينة لطريقة العامّة ، والاصطلاح الجديد موافق لاعتقاد العامّة ، واصطلاحهم ، بل هو مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر بالتتبع ، وكما يفهم من كلام الشيخ حسن ، وغيره - وسائل الشيعة 30 / 259 -.

ولعمري إنّ هذا لاعتراف خطير ، فنفهم من هذا الكلام أنّ الدافع لتأليف علم للأحاديث ليس هو الوصول إلى صحّة الحديث بقدر ما هو توقّي نقد المذهب من قبل الخصوم والدفاع.

ولهذا كثر الاختلاف : وطبعاً نتيجة لعدم التفريق بين الصحيح والضعيف ، واختلاط الحابل بالنابل في دين الاثني عشرية ، كثر الاختلاف في كتبهم ، والتناقض ، حتّى في الأُمور العقدية ، تصوّروا؟!

ص: 320

فقد تألّم شيخهم محمّد بن الحسن الطوسيّ كثيراً لما آلت إليه كتبهم وأحاديثهم من التضاد والاختلاف والمنافاة والتباين ، وقال : لا يكاد يتّفق خبر إلاّ وبازائه ما يضادّه ، ولا يسلم حديث إلاّ وفي مقابلته ما ينافيه - تهذيب الأحكام 1 / 2 -.

وأيضاً الفيض الكاشانيّ صاحب الوافي اشتكى من ذلك كثيراً ، فقال : تراهم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولاً ، أو ثلاثين قولاً أو أزيد ؛ بل لو شئت أقول لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا عليها ، أو في بعض متعلّقاتها - الوافي المقدمة : 9 -.

تصوّروا يا إخوة ، قول أكبر علمائهم بأنّه لا توجد مسألة إلاّ اختلف فيها ، وكان هذا إلاّ لعدم وجود مرجع صحيح يرجعون إليه.

واسمعوا ما جاء به الكشّي : اشتكى الفيض بن المختار إلى أبي عبد الله ، قال : جعلني الله فداك ، ما هذا الاختلاف الذي بين شيعتكم؟ فقال : ( وأي الاختلاف )؟ فقال : إنّي لأجلس في حلقهم بالكوفة ، فأكاد أشكّ في اختلافهم في حديثهم ... فقال أبو عبد الله : ( أجل هو ما ذكرت أنّ الناس أولعوا بالكذب علينا ، وإنّ أحدث أحدهم بالحديث ، فلا يخرج من عندي ، حتّى يتأوّله على غير تأويله ، وذلك أنّهم لا يطلبون بحديثنا وحبّنا ما عند الله ، وإنّما يطلبون الدنيا ، وكلّ يحبّ أن يدعى رأساً ) - اختيار معرفة الرجال : 135 ، بحار الأنوار 2 / 246 -.

خاتمة : إنّي أهيب بكلّ شيعي باحث عن الحقّ ، وليس التعصّب الأعمى ، أن يتأمّل هذه الحقائق.

ويعرف الأُسس التي بني عليها دينه ، وأنّ جميع الأحاديث والأخبار التي على أساسها وضع المذهب هي أخبار ضعيفة ، وأحاديث مكذوبة ، وضعها الكذّابين والفاسدين على أهل بيت النبوّة.

فكيف للشيعي أن يتأكّد من صحّة صلاته أو وضوءه؟ أو أيّ من العبادات والتشريعات؟ وهو لا يعرف صحيح الحديث من ضعيفه.

نرى دائماً الشيعة يستدلّون بكتب أهل السنّة والجماعة ، ولكنّهم لا يسألون

ص: 321

أنفسهم ، لماذا يحاول مشائخهم إبعادهم عن كتب الشيعة!!

فليسأل الشيعيّ نفسه ، من ردّ على كتاب البرقعي - الذي كان من أقران الخمينيّ - عندما ضعّف جميع أحاديث الكافي مستخدماً مقاييس الشيعة في التصحيح والتضعيف ، ومستدلاً بكتب المجلسيّ ، وهذا في كتابه الذي هزّ الرافضة - كتاب كسر الصنم - وما ردّكم على كتاب : طريق الاتحاد لحيدر علي قلمداران القمّيّ ، حين عرض جميع الأدلّة على الإمامة ، ونقضها واحدة تلو الأُخرى.

وأسأل نفسك ، لماذا دخلنا في القرن الرابع عشر هجري ، ولم يؤلّف كتاب واحد يحوي الصحيح من أحاديثكم؟ وادخلوا عليكم الأكاذيب والحيل لإبعادكم عن هذه الفكرة.

وما كان هذا إلاّ لعدم وجود أحاديث صحيحة عندكم.

نسأل الله أن يرينا الحقّ حقّاً ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

ج : إنّ المسائل التي ذكرت تطلب جوابهاً مستعجلاً ، ليست من المسائل الجديدة إذ لم تجد جوابها في الإنترنت ، وإنّها طروحات قديمة مغرضة ، تثار ضدّ الشيعة الإمامية بين آونة وأُخرى ، لغرض إيقاع الفرقة ، وصدّ التيار الذي بدأ يكتسح الأشواك أمامه ، حتّى بلغ السيل الربى ، فتصاعد عدد المستبصرين إلى الآلاف بفضل الوعي الإسلاميّ الصحيح ، وهذا ما يغيظ الذين هم كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا.

أيّها الشيخ الطالب للحقّ : اعلم أيّدك الله ورعاك ، إنّا كشيعة امامية لو فعلنا ما فعلوا لزاد النار أواراً ، لكنّنا استعملنا عقولنا ، وقلنا لهم : بيننا وبينكم كتاب الله ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو يقول : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (1) ، وإن ما آتانا

ص: 322


1- الحشر : 7.

به الرسول وأمرنا بالتمسّك به قوله صلى الله عليه وآله : ( إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً ) (1) ، وهذا هو المعروف بحديث الثقلين.

وقد صدع به صلى الله عليه وآله في ستّة مواطن تأكيداً على أهمّيته ، منها يوم الطائف ، ويوم عرفة ، ومسجد الخيف بمنى ، ويوم الغدير ، وقبل موته بأيّام يسيرة ، وسادسها في حجرته وقد غصّت بأصحابه ، وفي هذا الموقف قال صلى الله عليه وآله : ( أيّها الناس إنّي خلّفت فيكم كتاب الله وسنّتي وعترتي أهل بيتي ، فالمضيّع لكتاب الله كالمضيّع لسنّتي ، والمضيّع لسنّتي كالمضيّع لعترتي ، أمّا أنّ ذلك لن يفترقا حتّى ألقاه على الحوض ) (2).

فنحن والحمد لله تمسّكنا بهم ، وأخذنا بأحاديثهم ، كما أخذنا بأحاديثه صلى الله عليه وآله حتّى ما صحّ ذلك عنه صلى الله عليه وآله وعنهم عليهم السلام ، ولذلك موازيننا موازين العلماء لمعرفة الحقّ ، وتمييز الصحيح عن غيره كما سيأتي بيانه.

ولم نشطح كغيرنا ممّن غالا بإفراط وقال : إنّ صحيح البخاريّ أصحّ كتاب بعد كتاب الله ، وهذه المقولة تعني أنّ متون روايات البخاريّ هي في حجّيتها

ص: 323


1- فضائل الصحابة : 15 ، الجامع الكبير 5 / 328 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 196 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 418 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 45 و 130 ، خصائص أمير المؤمنين : 93 ، المعجم الصغير 1 / 135 ، المعجم الأوسط 4 / 33 و 5 / 89 ، المعجم الكبير 3 / 66 و 5 / 154 و 166 و 170 و 182 ، شرح نهج البلاغة 9 / 133 ، نظم درر السمطين : 232 ، كنز العمّال 1 / 172 و 186 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 122 ، المحصول 4 / 170 ، الإحكام للآمدي 1 / 246 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطنيّ 6 / 236 ، أنساب الأشراف : 111 و 439 ، البداية والنهاية 5 / 228 ، السيرة النبويّة لابن كثير 4 / 416 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 95 و 99 و 105 و 112 و 119 و 123 و 132 و 345 و 349 و 2 / 432 و 438 و 3 / 65 و 141 و 294 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 211 و 3 / 177 ، لسان العرب 4 / 538 و 11 / 88 ، تاج العروس 7 / 245.
2- مسند زيد بن علي : 404.

كحجّية ألفاظ القرآن الكريم ، إلاّ أنّها تأتي بعدها في الرتبة ، وهذه دعوى خطيرة ، والأُولى أن نسمّيها فطيرة فالآيات القرآنيّة كلّها بألفاظها قطعية الصدور ، وحجّة على المسلمين إلى يوم الدين ، أمّا روايات البخاريّ فإنّها أخبار آحاد ، فهي ظنّية الصدور فضلاً عن دلالتها ، وأغلبها مرويّ بالمعنى ، وكثيراً منها ما قطّعه البخاريّ ، فتجد الحديث الواحد مروياً في عدّة أبواب ، وعدّة كتب يختلف زيادة ونقصاناً ، مع اتحاد الراوي ، على أنّا لو وافقناهم في تسمية صحيح البخاريّ بالجامع للأحاديث النبويّة بتمام معنى الكلمة ، لتخلّف عن ذلك المعنى الدقيق في عرضه الحوادث والسير والمغازي ومواقف صحابية ، بل وحتّى أحاديث النساء ، مثل قصّة أُمّ زرع وأبي زرع ، فأين هذا من الحديث النبويّ الشريف.

إذاً ، فتصوّر عصمة متون صحيح البخاريّ تصوّر عاميّ خاطئ ، وقد ردّ ذلك غير واحد من أعلام أهل السنّة المحدثين فضلاً عن المتقدّمين من محمّد رشد رضا صاحب المنار ، وإلى ناصر الدين الألبانيّ في مقدّمة شرح العقيدة الطحاويّة وغيرهما.

أمّا عن أسانيده فرجاله - وإن قال المقدسيّ في الرجل يخرج عنه في الصحيح : هذا جاز القنطرة ، بل وهذا من الاسفاف في القول - فإنّ فيهم من لا تلتقيّ بذمّه الشفتان ، وحسبك أن ترجع إلى مقدّمة فتح الباري لابن حجر ، لتجد بنفسك العدد الضخم ، ممّن جرّحه علماء الجرح والتعديل ، فقد قال : ( أنّ الذين انفرد البخاريّ بالإخراج لهم دون مسلم أربعمائة وبضع وثلاثون رجلاً ، المتكلّم فيهم بالضعف منهم ثمانون رجلاً ، والذين انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاريّ ستمائة وعشرون رجلاً ، المتكلّم فيه بالضعف منهم مائة وستون رجلاً ) (1).

وإذا قرأت تراجمهم - وقد ساقهم ابن حجر على حروف الهجاء - لوجدت فيهم

ص: 324


1- 1. مقدمة فتح الباري : 9.

متروكاً ، منكر الحديث غير مرضيّ ، ليس بثقة ولا مأمون ، مجهول ، كان يعلم المجان والمجون ، فهذه كلّها فيمن اسمه أحمد ، فما بالك ببقية الأسماء في سائر الحروف ، فأقرأ وأضحك ، وشرّ البلية ما يضحك.

إنّ الزاعم يتحامل بغير حقّ على الشيعة ، فينقل كلمات يقتطعها من جملة كلام لو نقله بتمامه لأفاد على عكس مرامه ، ومهما يكن فإنّ الزاعم من رجال التهويش والتشويش ، وجاهلاً حتّى بمذهبه ، فلو لم يكن كذلك لعرف أنّ انقسام الفقهاء في الحديث - كان من عهد التابعين واتباعهم من أئمّة المذاهب - إلى مدرستين.

1 - مدرسة الرأي ومركزها الكوفة في العراق ، وزعيمها ربيعة الرأي ، سمّي بذلك لأنّه كان يعرف بالرأي والقياس وهو من التابعين ، ومن أعلام هذه المدرسة أبو حنيفة إمام الأحناف.

2 - مدرسة الحديث والأثر ، ومركزها المدينة المنوّرة ، وإمام المالكيّة مالك ابن أنس من أعلامها.

ولم يكن الخلاف بين المدرستين حول حجّية الحديث النبويّ الشريف ، فجميعهم يقبلون على الحديث إن ثبت عندهم وصحّ لديهم ، فهو حجّة يجب اتباعه عند الجميع ، لكن الذي ميّز المدرستين هو المنهج في قبول الحديث وردّه.

فمدرسة الحديث تقبل كلّ ما جاء من طرق معتبرة سنداً عندهم ، أي ما كان سلسلة رواته عدولاً ثقات ، وإن كان خبر آحاد ، بغضّ النظر عن موافقته للكتاب أو مخالفته ، وسواء وافق عمل وسيرة المسلمين أم لا ، بل اكتفى مالك حتّى بعمل أهل المدينة فجعله مصدراً من مصادر التشريع في الحكم.

بينما مدرسة الرأي ترفض هذا المنهج ، ولها منهج أشدّ دقّة وسداداً ، حيث تنظر الحديث متناً وسنداً ، ومدى توافقه مع القرآن الكريم أو آثار الصحابة ، ولهم في ذلك قواعد بنوا عليها منهجهم في النقد ، ففي المتن يردّونه مادام يخالف

ص: 325

الكتاب أو آثار الصحابة ، حتّى ولو رواه مثلاً البخاريّ أو مسلم أو غيرهما بسند اعتمده أهل الحديث.

وما أكثر الشواهد على ردّ أحاديث وردت في البخاريّ ، كان أبو حنيفة قد نقدها وردّها ، فجاء البخاريّ فأخرجها في صحيحه ، وهنا نسأل الأحناف اليوم لمن يتبّعون في تلك الأحاديث قبولاً وردّاً ، لإمامهم أبي حنيفة إذ ردّها قبل خلق البخاريّ؟ أو للبخاري الذي رواها في صحيحه وهم يقدّسون صحيحه بإفراط؟

وقبل أن نفيض بذكر تلك الأحاديث إذ لا حاجة بنا إلى ذكرها ، لكن أردنا أن نعلم الزاعم المهرّج ، أنّ انقسام الفقهاء إلى مدرستين ، مدرسة رأي ومدرسة أثر كان من عهد التابعين ، واستمر الحال على ذلك حتّى بعد تميّز المذاهب الأربعة من أهل السنّة ، وكذلك كان الشيعة الإمامية.

فقد حصل الانقسام بين فقهائهم منذ عهد الأئمّة عليهم السلام وما بعده ، فاتسعت أخيراً الهوة بين المحدّثين - الإخباريّين - والأُصوليّين ، فكان لكلّ منهم منهج خاصّ في قبول الحديث ونقده ، وقد أدلى كلّ فريق بحجّته على صحّة رأيه ، فكان النقض والإبرام هو الذي وسّع شقّة الخصام ، وكلّ من الفريقين لا ينكر حجّية الحديث ، ولكن في أسلوب التعامل معه من حيث السند ، فضلاً عن سلامة المتن في عدم مخالفة الكتاب ، وروايات العرض على الكتاب عند التعارض هي ميزان القبول والردّ.

وهذا ما أخذ به حتّى أبو يوسف القاضي - تلميذ أبي حنيفة - عن إمام الشيعة أبي جعفر الباقر عليه السلام ، فقد قال : فعليك من الحديث بما تعرف العامّة ، وإيّاك والشاذّ منه ، فإنّه حدّثنا ابن أبي كريمة عن أبي جعفر عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه دعا اليهود فسألهم ، فحدّثوه حتّى كذّبوا على عيسى ، فصعد النبيّ صلى الله عليه وآله المنبر ، فخطب الناس فقال : ( إنّ الحديث سيفشو عنّي ، فما أتاكم عنّي يوافق القرآن

ص: 326

فهو عنّي ، وما أتاكم عنّي يخالف القرآن فليس منّي ) (1).

فالاختلاف في المنهج عند من باب الاجتهاد لديه مفتوح أيسر من غيره من سدّ باب الاجتهاد ، وبقي يتوحّل ويتحمّل بين آراء المدرستين ، فليس من العقل أن يخوض من لا دراية له في إثارة مسائل لا يحسن الخوض فيها ويهاجم من يقول : أخذت ديني عمّن أمرني ربّي تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله بالأخذ منه ، وأمرني بإتباعه ، فأعملت جهدي حين وصلتني الأحاديث عن أهل بيت العصمة ، وقد مرّت عليها قرون وأكثرها أخبار آحاد ، ورواها أُناس كثيرون ، إلاّ أنّهم لم يكونوا جميعاً بالمستوى المطلوب شأنهم ، شأن الرواة عند غير الشيعة ، ففيهم العدل الضابط الإمامي ، وفيهم من هو دونه.

ولمّا كان التوثيق يجامع غير الإمامي وغير العدل فلا مانع في الأخذ بحديثه ، ما لم يصادم كتاباً أو سنّة ثابتة ، وهذا ليس فيه ما يشهر بقائله ، بل هذه سيرة العلماء في جميع المذاهب.

ولو أنّ الزاعم من أيّ مذهب كان اطلع على ما يقوله الإمام النوويّ في شرحه على صحيح مسلم ، باب صحّة الاحتجاج بالحديث المعنعن ، لم يهاجم الشيعة بأنّ ليس لهم علم معتبر في جمع الأحاديث ، فإذا لم يكن لديهم علم كما زعم ، فمن أين للنووي أن يقول : وأمّا خبر الواحد : فهو ما لم يوجد فيه شروط المتواتر ، سواء كان الراوي له واحداً أو أكثر ، واختلف في حكمه.

فالذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين ، فمن بعدهم من المحدّثين والفقهاء وأصحاب الأُصول : ( أنّ خبر الواحد الثقة حجّة من حجج الشرع يلزم العمل بها ، ويفيد الظنّ ولا يفيد العلم ، وأنّ وجوب العمل به عرفناه بالشرع لا بالعقل ، وذهبت القدرية - يقصد المعتزلة - والرافضة - يقصد الشيعة الإمامية - وبعض أهل الظاهر إلى أنّه لا يجب العمل به ، ثمّ منهم من يقول منع

ص: 327


1- 1. الأُم 7 / 358.

العمل به دليل العقل ، ومنهم من يقول : منع دليل الشرع ) (1).

إذاً ليس غرض الزاعم إلى التشويش والتحريش ، وسوف أذكر لك أنّ الشيعة هم أقدم في تدوين الحديث وعلومه من غيرهم ، ولكن الزاعم الكاذب يفتري عليهم بما هم منه براء فالله حسبه ، ولا علينا أن لا نجيبه ، لكن كرامة لك يا شيخ نقول : إنّ زعم الزاعم بأنّ الشيعة ليس لهم علم معتبر في جمع الأحاديث ، فهذا زعم باطل ، ولو أنصف الزاعم نفسه قبل غيره لم يقل هذا.

فلنسأله عن صحيح البخاريّ - وهو عنده أصحّ كتاب بعد كتاب الله - كم هي الأحاديث التي أخرجها فيه عن كتاب علي؟ وعليه أن يراجع باب كتابة العلم ، وباب إثم من تبرّأ من مواليه ، وفي نفس صحيح البخاريّ في أبواب العلم : وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم : أُنظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله فاكتبه ....

فاسأل من هذا الزاعم : من كان أقدم زماناً في حفظ الحديث وتدوينه ، علي عليه السلام أُم عمر بن عبد العزيز؟ فشهادة الإمام عليه السلام كانت سنة 41 ه- ، ووفاة عمر بن عبد العزيز سنة 101 ه- ، فكتاب فيه تدوين الحديث النبويّ عند الشيعة قبل أن يكون للسنّة كتاب مدوّن فيه بأكثر من ستين سنة ، وكتاب الإمام علي عليه السلام بقي متداولاً عند الأئمّة عليهم السلام ، ثمّ عند أصحابهم أحاديث ذلك الكتاب.

ولو أنّه راجع كتاب ( تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ) للسيّد حسن الصدر ، لكان يطّلع فيه على نصوص منقولة من مصادر مقبولة عند الفريقين ، تثبت أنّ السبق كان للشيعة في تدوين الحديث ، فإنّ أوّل من جمع الحديث النبويّ بعد الإمام علي عليه السلام هو أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله.

قال النجاشيّ في ترجمته : ( ولأبي رافع كتاب السنن والأحكام والقضايا ) (2) ،

ص: 328


1- 1. شرح صحيح مسلم 1 / 131.
2- 2. رجال النجاشيّ : 6.

ثمّ ذكر إسناده إليه باباً باباً ، الصلاة والصيام ، والحجّ والزكاة والقضايا.

وإذا عرفت أنّ وفاة أبي رافع كانت في أوّل خلافة علي عليه السلام على الصحيح ، كما يقول ابن حجر في ( التقريب ) ، وأوّل خلافته كانت سنة 35 ه- ، فلا اقدم من أبي رافع بالتأليف بالضرورة.

وأوّل من صنّف في الآثار هو سلمان المحمّدي ، ثمّ أبو ذر ، ثمّ الأصبغ بن نباتة ، ثمّ عبيد الله بن أبي رافع ، وهذا كان كاتب علي عليه السلام وهو ثقة ، كما يقول ابن حجر في ( التقريب ) ، وهكذا استمر الشيعة في التأليف من عهد الصحابة ، ثمّ التابعين وتابعي التابعين ، وتجد أسماء تأليفهم في الحديث والتفسير والآثار والرجال وسائر فنون المعرفة ، راجع ( تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ) هذا جواب ( علم الحديث عند الرافضة ).

وأمّا جواب ( الجرح والتعديل عند الشيعة ) فلا نطيل المقام عنده ، وحسب الزاعم الكذوب مراجعة كتاب ( ميزان الاعتدال ) للذهبي ، و ( لسان الميزان ) لابن حجر العسقلانيّ ، ليرى كم هم رجال الشيعة الذين ورد تراجمهم في الكتابين؟ ومن أين أخذا المعلومات عنهم؟ خصوصاً الثاني : فإنّ ( انتخاب الحسان من لسان الميزان ) وهو اسم كتاب لبعضهم ، استخرج فيه أسماء الشيعة الذين ذكرهم ابن حجر العسقلانيّ ، وترجمهم اعتماداً على مصادر شيعية في الرجال ، وفيها مصنّفات في الجرح والتعديل ، فذكر منها : فهرست النجاشيّ ، وفهرست الطوسيّ ، وفهرست ابن بابويه ، ورجال ابن أبي طي ، ورجال ابن عقدة ، وغيرهم.

فليراجع الزاعم ليرى أنّه قد بلغ عدد الرجال الحسان ( 725 ) رجلاً ، كلّهم نقل ابن حجر تراجمهم من مصادر شيعية في الرجال جرحاً وتعديلاً ، ومع هذا فلم يستوف جميع المصادر ، فكيف يقول الزاعم : ( لم يكن للشيعة كتاب في أحوال الرجال حتّى ألف الكاشانيّ في المائة الرابعة كتاباً لهم في ذلك ، وهو كتاب غاية في الاختصار ، وقد أورد فيه أخباراً متعارضة في الجرح والتعديل )؟

ص: 329

وأحسب أنّ سهواً حصل في تسمية الكاشانيّ لجعله من أهل المائة الرابعة ، فإنّ الكاشانيّ هو ملاّ محسن الفيض صاحب الوافي وغيره ، وهو متوفّى سنة 1091 ه- ، فهو من أهل المائة الحادية عشرة لا المائة الرابعة ، إذ ليس هو المراد قطعاً ، ولعلّ المراد الكشّي الذي هو من أعلام المائة الرابعة ، ولكن مع ذلك لو سلّمنا أنّه المراد في المقام ، فزعم الزاعم باطل ، لأنّ قبله من رجال الشيعة الذين لهم كتب في الرجال ، وتناولوا فيها بيان أحوالهم جماعة ، نذكر منهم ولو على سبيل الاستقصاء ، بل للتذكرة لمن يخشى.

فمنهم الحسن بن فضّال الكوفي ، المتوفّى سنة 224 ه- ، ترجمه النجاشيّ وعدّ من كتبه كتاب الرجال.

ومنهم الحسن بن محبوب السراد ، المتوفّى سنة 224 ه- ، كما أرّخه الكشّي له كتاب المشيخة ، وكتاب معرفة رواة الأخبار ، كما في معالم العلماء لابن شهر آشوب.

ومنهم أبو عبد الله محمّد بن خالد البرقي ، الذي كان من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام ، المتوفّى سنة 203 ه- ، وقد ذكره ابن النديم في الفهرست في أوّل الفنّ الخامس من المقالة السادسة في أخبار فقهاء الشيعة ، وعدّ تصانيفه كتاب الرجال في ذكر من روى عن أمير المؤمنين عليه السلام.

ومنهم علي بن الحكم بن الزبير النخعي الأنباري أبو الحسن الغرير ، وكان تلميذ ابن أبي عميرة ، وعن كتابه في الرجال نقل ابن حجر في لسان الميزان بعض تراجم الشيعة ، منها في ترجمة حسان بن أبي عيسى الصيقلي ، الراوي عنه الحسن بن علي بن يقطين ، ومنها في ترجمة إبراهيم بن سنان ، ومنها في ترجمة إبراهيم بن عبد العزيز ، وأنّهما من أصحاب الصادق عليه السلام.

ومنهم أحمد بن محمّد البرقي ، المتوفّى سنة 274 أو سنة 280 ه- ، له كتاب الرجال ، وقد وصلت نسخته إلينا وهو مطبوع.

فكلّ هؤلاء وغيرهم من لم نأت على ذكرهم قبل الكشّي ، وقد تناولوا

ص: 330

أحوال الرجال جرحاً وتعديلاً وتاريخاً ، ولكن الأعمى عن الحقّ لا يريد أن يبصر الحقيقة.

وأمّا قوله : ( وقد كان التأليف في أُصول الحديث وعلومه معدوماً عندهم ، حتّى ظهر زين الدين العامليّ الملقّب عندهم بالشهيد الثاني ، المتوفّى سنة 965 ه-.

فيقول شيخهم الحائري : ومن المعلومات التي لا يشكّ فيها أحد أنّه لم يصنّف في دراية الحديث من علمائنا قبل الشهيد الثاني ).

فالجواب : أنّه زعم باطل باعتراف أئمّة أهل الحديث من العامّة ، وذلك أنّ أوّل من تصدّر لمعرفة علوم الحديث هو الحاكم ابن البيع النيسابوريّ ، وقد نصّ في ( كشف الظنون ) في باب حرف الميم ما نصّه : ( معرفة علوم الحديث أوّل من تصدّر له الحاكم أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الحافظ النيسابوريّ ، المتوفّى سنة خمس وأربعمائة ... ).

وهو خمسة أجزاء مشتملة على خمسين نوعاً ، وتبعه في ذلك ابن الصلاح ، فذكر من أنواع الحديث خمسة وستين نوعاً.

وقال : فأوّل من تصدّر له الحاكم أبو عبد الله ، وعمل عليه أبو نعيم مستخرجاً ، ثمّ جاء الخطيب فعمل الكتابين وهما الجامع لأخلاق الراوي ، وآداب السامع ، والكفاية في معرفة قوانين الرواية.

إذا عرفت هذا ، فقد نصّ السمعاني وابن تيمية والذهبيّ على تشيّع الحاكم المذكور.

قال الذهبيّ في ترجمة الحاكم : ( قال ابن طاهر : سألت أبا إسماعيل الأنصاريّ عن الحاكم ، فقال : ثقة في الحديث ، رافضي خبيث ، ثمّ قال ابن طاهر : كان شديد التعصّب للشيعة في الباطن ، وكان يظهر التسنّن في التقديم والخلافة ، وكان منحرفاً عن معاوية وآله ، متظاهراً بذلك ولا يعتذر منه.

ص: 331

قلت - والقائل الذهبيّ - أمّا انحرافه عن خصوم علي فظاهر ، أمّا أمر الشيخين فمعظّم لهما بكلّ حال ، فهو شيعي لا رافضي ) (1).

فقد بان كذب زعمه : ( وقد كان التأليف في أُصول الحديث وعلومه معدوماً عندهم ، حتّى ظهر زين الدين العامليّ الملقّب عندهم بالشهيد الثاني ) ، وأيضاً فإنّ السيّد جمال الدين أحمد بن موسى بن طاووس المتوفّى 673 ه- ، وهو أُستاذ العلاّمة الحلّيّ ، هو واضع الاصطلاح الجديد للإمامية في صحيح الحديث وحسنه وموثقه وضعيفه ، كما نصّ عليه كلّ علماء الرجال في ترجمته قدس سره.

ويأتي بعده السيّد علي بن عبد الحميد الحسيني النجفي صاحب شرح أُصول دراية الحديث ، وهو من علماء المائة الثامنة ، ويروي عن العلاّمة الحلّيّ وهو أُستاذ ابن فهد الحلّيّ ، وهؤلاء الأعلام كلّهم قبل زمان الشهيد الثاني المتوفّى 965 ه- ، فأين صار زعمه؟

وأمّا ما نقله عن الحائري ففيه تلبيس وغموض ، وعلى فرض صحّته فهو وهم منه يدفعه الوجدان ، وكذلك ما نقله عن الفيض الكاشانيّ ، فإنّه - الفيض لمّا كان من المحدثين - فقد قال في تصويب طريقة القدماء في تقسيم الحديث ، ونقد طريقة السيّد ابن طاووس ، والعلاّمة ومن تبعهما في تقسيم الحديث إلى الأقسام الثالثة : الصحيح والحسن والموثّق.

فقد قال : ( قد اصطلح متأخّروا فقهائنا على تنويع الحديث المعتبر في صحيح وحسن وموثّق ، فإن كان جميع سلسلة سنده أماميين ممدوحين بالتوثيق سمّوه صحيحاً ، أو أماميين ممدوحين بدونه كلاّ أو بعضاً مع توثيق الباقي سمّوه حسناً ، أو كان كلاّ أو بعضاً غير أماميين مع توثيق الكلّ سمّوه موثّقاً ) (2).

وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا ، بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كلّ حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه ، واقترن بما

ص: 332


1- 1. تذكرة الحفّاظ 3 / 1045.
2- 2. الوافي : 11.

يوجب الوثوق به والركون إليه ، كوجوده في كثير من الأُصول الأربعمائة المشهورة المتداولة بينهم ، التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتّصلة بأصحاب العصمة عليهم السلام.

وتكرّره في أصل أو أصلين منها فصاعد ، بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة ، وكوجوده في أصل معروف الأنساب إلى أحد الجماعة ، الذين اجمعوا على تصديقهم ، كزرارة ومحمّد بن مسلم والفضيل بن يسار ، أو على تصحيح ما يصحّ عنهم ، كصفوان بن يحيى ويونس بن عبد الرحمن.

أو على العمل بروايتهم كعمّار الساباطي ونظرائه ، وكإدراجه في أحد الكتب التي عرضت على أحد الأئمّة المعصومين عليهم السلام فأثنوا على مؤلّفيها ككتاب عبيد الله الحلبي ، الذي عرض على الإمام الصادق عليه السلام ، وكتابي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على الإمام العسكريّ عليه السلام.

وكأخذه من أحد الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها ، سواء كان مؤلّفوها من الإمامية ، ككتاب الصلاة لجرير بن عبد الله السجستانيّ ، وكتب بُني سعيد وعلي بن مهزيار ، أو من غير الإمامية ، ككتاب حفص بن غياث القاضي ، والحسين بن عبيد الله السعدي ، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري.

وقد جرى صاحبا كتابي الكافي والفقيه على متعارف المتقدّمين في إطلاق الصحيح على ما يركن إليه ، ويعتمد عليه ، فحكما بصحّة جميع ما أورداه في كتابيهما من الأحاديث ، وإن لم يكن كثير منه صحيحاً على مصطلح المتأخّرين.

إلى أن قال : ( وعلى هذا جرى العلاّمة والشهيد في مواضع من كتبهما مع أنّهما الأصل في الاصطلاح الجديد ، وربما يقال : الباعث لهم على العدول عن طريقة القدماء طول المدّة ، واندراس بعض الأُصول المعتمدة ، والتباس الأحاديث المأخوذة من الأُصول المعتمدة ، بالمأخوذة من غير المعتمدة ... ).

ص: 333

إلى أن قال : ( وبعد فإنّ في الجرح والتعديل وشرائطهما اختلافات وتناقضات واشتباهات لا يكاد ترتفع بما تطمئن إليه النفوس ، كما لا يخفى على الخبير بها ، فالأولى الوقوف على طريقة القدماء ، وعدم الاعتناء بهذا الاصطلاح المستحدث رأساً وقطعاً ، والخروج عن هذه المضايق.

نعم ، إذا تعارض الخبران المعتمد عليهما على طريقة القدماء ، فاحتجنا إلى الترجيح بينهما ، فعلينا أن نرجع إلى حال رواتهما في الجرح والتعديل المنقولين عن المشايخ فيهم ، ونبني الحكم على ذلك ، كما أشير إليه في الأخبار الواردة في التراجيح ، بقولهم عليهم السلام : ( فالحكم ما حكم به أعدلهما وأورعهما وأصدق في الحديث ) ، وهو أحد وجوه التراجيح المنصوص عليها ... ).

هذا ما قاله الفيض قدس سره ، نقلته باقتضاب لأكشف زعم الكذّاب حين أخذ فقرة من كلامه اقتطعها عمّا سبقها ، ولحق بها ما أخلّ بالمعنى الذي أراده الفيض فلاحظ ، فهل في هذا دلالة على عدم الوثوق بالأحاديث كما زعم الزاعم.

ثمّ إنّ قوله : ( واسمعوا معي الآن المصيبة الكبرى يقول الحرّ العامليّ معرّفاً الحديث الصحيح ، بل يستلزم ضعف الأحاديث كلّها عند التحقيق ، لأنّ الصحيح - عندهم - ما رواه العدل الإمامي الضابط في جميع الطبقات ، ولم ينصّوا على عدالة أحد من الرواة ... ) ، ألا مسائل هذا الزاعم الكاذب كيف يتسق التعريف للحديث الصحيح مع الابتداء بحرف بل الدال على الإضراب.

قال في القاموس : ( وبل حرف إضراب ، إن تلاها جملة كان معنى الإضراب ، إمّا الإبطال ك- ( سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ) (1) ، وأمّا الانتقال من غرض إلى غرض آخر ( فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) (2) ، وإن تلاها مفرد

ص: 334


1- 1. الأنبياء : 26.
2- 2. الأعلى : 15 - 16.

فهي عاطفة ، ثمّ إن تقدّمها أمر أو إيجاب كاضرب زيداً بل عمراً ، أو قام زيد بل عمرو ، فهي تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه ، وإن تقدّمها نفي أو نهي فهي لتقرير ما قبلها على حاله ، وجعل ضدّه لما بعدها ، وأجيز أن تكون ناقلة معنى النفي والنهي إلى ما بعدها ، فيصحّ ما زيد قائماً بل قاعداً وبل قاعد ... ) (1).

أقول : إنّما ذكرت للقارئ أوّلاً أحكام بل ، ليرى بنفسه كيف يكون الدجل والتضليل عند الزاعم الكاذب ، فهل ما نسب إلى الحرّ العامليّ بقوله : ( بل يستلزم ضعف الأحاديث كلّها عند التحقيق ... ) ، يكون هذا معرّفاً للحديث الصحيح؟ أليس كان اللازم وواجب الأمانة نقل الكلام السابق على بل ليصحّ فيه الإضراب؟

ثمّ إنّ بقية ما ذكره من كلام الحرّ العامليّ ، لأنّ الصحيح - عندهم - ما رواه العدل الإمامي الضابط في جميع الطبقات ، ولم ينصّوا على عدالة أحد من الرواة إلاّ نادراً ، وإنّما نصّوا على التوثيق ، وهو لا يستلزم العدالة قطعاً ، بل بينهما عموم من وجه ، كما صرّح به الشهيد الثاني وغيره.

ودعوى بعض المتأخّرين أنّ الثقة بمعنى العدل الضابط ممنوعة ، وهو مطالب بدليلها ، وكيف وهم مصرّحون بخلافها ، وحيث يوثّقون من يعتقدون فسقه ، وكفره وفساد مذهبه ، فهذا لا يدلّ على ما استنتجه حيث قال : ( فنستنتج من كلام العامليّ أنّ :

1 - أحاديث الشيعة كلّها ضعيفة.

2 - لم ينصّ المصحّحين - كذا والصواب المصحّحون - للأحاديث على عدالة الراوي ، إنّما نصّوا على التوثيق فقط.

3 - وثّق العلماء الفسّاق والكفّار وأصحاب المذاهب الفاسدة ... ).

ليس بهذا التضليل واللف والدوران والخداع تبحث الحقائق ، إنّها لمصيبة

ص: 335


1- 1. القاموس المحيط 3 / 338.

كبرى ، ومهما يكن ، فإنّي أعرض للقارئ باختصار ماذا أراد الحرّ العامليّ بكلامه الذي أساء الزاعم الكاذب نقله :

( إنّ الحرّ العامليّ - وهو فقيه محدّث - ذكر في خاتمة كتابه - تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة - عدّة فوائد ، كانت الفائدة التاسعة : في ذكر الأدلّة على صحّة أحاديث الكتب المعتمدة تفصيلاً ووجوب العمل بها ، بعد أن ذكر في الفائدة السادسة مثل ذلك إجمالاً ، وساق في هذه الفائدة - التاسعة - اثنين وعشرين وجهاً ، حاول إثبات مرامه ما أمكنه في تقوية طريقة القدماء ، ونقد المصطلح الجديد.

وقد رتّب تلك الوجوه بحيث أنّ بعضها ليس بمعزل عمّا سبقه ، فلابدّ لمن أراد فهمها أن يحيط بها جميعاً لفهمها ، وما نقله الزاعم إنّما هو فقرات من الوجه الرابع عشر الذي هو مترتّب فهماً على الثالث عشر ، والآن اذكر منهما ما يتبيّن به الحقّ ، قال : الثالث عشر : أنّ الاصطلاح الجديد يستلزم تخطئة جميع الطائفة المحقّقة في زمن الأئمّة ....

الرابع عشر - يعني الاصطلاح الجديد - يستلزم ضعف أكثر الأحاديث التي قد علم نقلها من الأُصول المجمع عليها ، لأجل ضعف بعض رواتها ، أو جهالتهم ، أو عدم توثيقهم ... بل يستلزم - الاصطلاح الجديد - ضعف الأحاديث كلّها عند التحقيق ، لأنّ الصحيح - عندهم - : ما رواه العدل الإمامي ، الضابط في جميع الطبقات ... ).

ثمّ قال الحرّ : ( وإنّما المراد بالثقة ، من يوثق بخبره ، ويؤمن منه الكذب عادة ، والتتبع شاهد به ، وقد صرّح بذلك جماعة من المتقدّمين والمتأخّرين ، ومن معلوم - الذي لا ريب فيه عند منصف - : أنّ الثقة تجامع الفسق ، بل الكفر.

وأصحاب الاصطلاح الجديد قد اشترطوا - في الراوي - العدالة ، فيلزم من ذلك ضعف جميع أحاديثنا لعدم العلم بعدالة أحد منهم إلاّ نادراً ، ففي إحداث

ص: 336

هذا الاصطلاح غفلة من جهات متعدّدة كما ترى ) (1).

أقول : إنّ الزاعم لمّا كان غرضه التهويش والتشويش ، عمد إلى نقل كلام المحدّثين - الإخباريّين - في ردّ ونقد المصطلح الجديد في تمييز الحديث ، وليته نقله كما هو بحذافيره ، ليتبيّن للقارئ وجه الحقيقة ، ولكنّه بتر الكلام فشوّه الحقيقة ، ولقد نقد الأُصوليون تلك الحجج بوجوه واضحة ، وردود حاسمة ، حتّى أنّ السيّد الخوئيّ قدس سره قال في مقدّمة كتابه معجم رجال الحديث : ( وقد ذكر صاحب الوسائل لإثبات ما ادعاه من صحّة ما أودعه في كتابه من الأخبار ، وصدورها من المعصومين عليهم السلام وجوها ، سمّاها أدلّة ، ولا يرجع شيء منها إلى محصّل ، ولا يترتّب على التعرّض لها والجواب عنها غير تضييع الوقت ... ) (2).

كما شجب مسلك الإخباريّين في الأخذ بجميع ما في الكتب الأربعة - الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار - بل وألحق بعضهم الأخذ ببقية ما وصل إلينا من كتب القدماء ، كالمحاسن وبصائر الدرجات وبقية الأُصول الأربعمائة ، فقد شجب ذلك المسلك غير واحد من أعلام الأُصوليّين ، وإنّ في مقدّمة كتاب وسائل الشيعة للسيّد محسن الأعرجي الكاظمي ما يفني ويغني ، ولم يكن من دونه الشيخ محمّد حسن البار فروشي المازندرانيّ ، المتوفّى 1345 ه- في كتاب نتيجة المقال : 65 ، وغيرهم.

ولو كان الزاعم صادقاً في غرضه لنقل كلام الأُصوليّين أيضاً في نقدهم لحجج الإخباريّين ، ولتبيّن للقارئ الحقّ ، وأنّ لا نقاش لدى كلّ فريق في صحّة الخبر عند قيام الحجّة على صدقه ، إلاّ أنّ مسالكهم تختلف في تنويع الحديث ، فالقدماء لقرب عهدهم بالأئمّة الأطهار عليهم السلام كان من السهل عليهم تحصيل القطع بصدور الأحاديث عنهم عليهم السلام لكثرة القرائن الدالّة على ذلك ، فلا حاجة

ص: 337


1- 1. وسائل الشيعة 30 / 259.
2- 2. معجم رجال الحديث 1 / 33.

إلى التفتيش عن رجال السند ، كي يضطرّوا إلى هذا التنويع ، وهذا ما لا ينكره الأخباريون ولا الأُصوليون.

أمّا المتأخّرون ، فلمّا بعد زمانهم عن زمان صدور الحديث ، وخفيت عليهم تلك القرائن الدالّة على صدق الحديث ، فقد رأوا أن لا مناص لهم من تنويع الحديث بلحاظ السند وصفات الراوي ، ومن أراد مزيداً من الإيضاح فليرجع إلى ما تقدّم ذكره من المصادر وغيرها ، وفي حجّية خبر الواحد في أبحاث الأُصول ، ليتبيّن له أنّ الزاعم الكاذب غرضه التهويش والتشويش.

يدلّك على ذلك ما ذكره أخيراً من خبر الفيض بن المختار نقلاً عن البحار عن الكشّي ، فهو خبر ضعيف أوّلاً ، وثانياً لم ينقله بنصّه لئلا يعرف القارئ مدى خيانته في النقل ، وإليك الحديث عن مصدره الأوّل الكشّي : ( محمّد بن قولويه قال : حدّثني سعد بن عبد الله قال : حدّثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يوماً ، ودخل عليه الفيض بن المختار ، فذكر له آية من كتاب الله عزّ وجلّ تأوّلها أبو عبد الله عليه السلام.

فقال له الفيض : جعلني الله فداك ، ما هذا الاختلاف الذي بين شيعتكم؟ قال : ( وأيّ الاختلاف يا فيض )؟ فقال له الفيض : إنّي لأجلس في حلقهم بالكوفة فأكاد أشكّ في اختلافهم في حديثهم ، حتّى ارجع إلى المفضّل بن عمر فيوقفني من ذلك على ما تستريح إليه نفسي ، ويطمئن إليه قلبي.

فقال أبو عبد الله عليه السلام : ( أجل هو كما ذكرت يا فيض ، إنّ الناس قد أولعوا بالكذب علينا ، إنّ الله افترض عليهم لا يريد منهم غيره ، وإنّي أحدّث أحدهم بالحديث فلا يخرج من عندي حتّى يتأوّله على غير تأويله ، وذلك أنّهم لا يطلبون بحديثنا وبحبّنا ما عند الله ، وإنّما يطلبون به الدنيا ، وكلّ يحبّ أن يدّعي رأساً ، أنّه ليس من عبد يرفع نفسه إلاّ وضعه الله ، وما من عبد وضع نفسه إلاّ رفعه الله وشرّفه ، فإذا أردت بحديثنا فعليك بهذا الجالس ) ، وأومأ إلى رجل من

ص: 338

أصحابه ، فسألت أصحابنا عنه ، فقالوا : زرارة بن أعين ) (1).

فهذا الخبر في سنده محمّد بن سنان ، وهو مختلف فيه توثيقاً ، ولو أغمضنا النظر عن السند ، فليس في المتن ما يستوجب التشهير بالشيعة كما يروم الزاعم ، بل على العكس ففيه مدح ، وفيه دلالة على أنّ هناك فئة تتورّع في سماع الحديث فلا تقبله من كلّ أحد لاحتياطهم ، ومنهم الفيض بن المختار.

كما دلّ على أنّ أُناساً يحتسبون على الشيعة من الفرق الضالّة ، يسمعون الحديث فيأوّلونه على غير تأويله ، فلامهم أبو عبد الله عليه السلام.

ودلّ أيضاً على أنّ هناك من هو مأمون على الحديث ، مثل زرارة الذي أومأ إليه أبو عبد الله عليه السلام ، ودلّ الفيض على الأخذ منه ، فأين ما يروم الزاعم التشهير به على الشيعة؟

ولست في المقام بصدد ذكر ما عند المذاهب الأُخرى من مفارقات ومنابذات ، ولكن هل للزاعم الذي يهيب بالشيعيّ أن يتأمّل ما ذكره وسمّاه بالحقائق!!

فهل هو تأمّل في تراثه؟ ورآه خلوا من العيب ، ولا يتطرّقه الريب ، فرمى بيوت الآخرين بالأحجار ، وما درى أنّ بيته من زجاج ، ثمّ هل له أن يجيب من يقول له : أنّ الصحاح الست عندكم أصحّها صحيح البخاريّ ، وهو فيما تزعمون أصحّ كتاب بعد كتاب الله ، وفي هذا الصحيح من سفاسف الحديث المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله ما يسقطه عن الاعتبار ، وليس صحيح مسلم من دونه في هذه الجهة.

وإلى القارئ نماذج قليلة ممّا فيه مخالفة لكتاب الله تعالى ، والثابت من سنّة نبيّه صلى الله عليه وآله ، فنهيب بالسنّي بما أهاب به الزاعم للشيعي أن ينظر في تراثه من جديد ، فالحاجة ماسّة إلى إعادة النظر لتنكشف الحقائق أمامه ، ولا أدعوه إلى هدم السنّة ، فإنّ ذلك هدم للدين ، ولكن عليه أن يتورّع في أخذ معالم دينه

ص: 339


1- 1. اختيار معرفة الرجال 1 / 347.

عمّن يكون حجّة بينه وبين ربّه تعالى ، وفي ذلك عودة إلى الذات الصحيحة التي تدعو إلى نبذ العقل التسليمي النقلي ، كما نبذه عمر بن الخطّاب حين نقد أبا هريرة على كثرة حديثه ، بل وحتّى ضربه بالدرّة.

أليس عمر خليفة المسلمين؟ وأبو هريرة راوية الإسلام كما يسمّونه؟ فليس في الرجوع إلى الذات الصحيحة ما يستدعي تعطيل العقل الواعي ، بل بالعكس فهو - الرجوع إلى الذات الصحيحة - ينبذ العنف والتشنّج ، ويشارك في معرفة الصحيح من التراث المقبول على ضوء الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

فقد حدّث أبو يوسف القاضي - صاحب أبي حنيفة - قال : حدّثنا ابن أبي كريمة ، عن أبي جعفر ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه دعا اليهود فسألهم ، فحدّثوه حتّى كذبوا على عيسى ، فصعد النبيّ المنبر ، فخطب الناس فقال : ( إنّ الحديث سيفشو عنّي ، فما أتاكم عنّي يوافق القرآن فهو عنّي ، وما أتاكم عنّي مخالفاً القرآن فليس عنّي ) (1).

إنّ النصوص التي نسبت إلى النبيّ الكريم هي نصوص أحادية ، رواها شخص واحد أو شخصان ، ثمّ ولا أحد يستطيع أن يؤكّد ويجزم أنّ تلك الأحاديث هي بألفاظها نفسها كما نطقها النبيّ الكريم.

ولنختم الكلام مع الزاعم الكاذب مهما كان ، ومن يكن من أهل المذاهب ، نسأله ما رأيه فيما قاله شيخ إسلامه ابن تيمية وقد ترّحم عليه ، وهو من أهل الأثر ذوي المشرب الظاهريّ ، يرى الصحّة القطعية ، وإفادة العلم لكلّ ما اتفق عليه الشيخان ، إلاّ أنّه مع ذلك يقرّر قائلاً : ( وكما أنّهم يستشهدون ويعتبرون بحديث الذي فيه سوء حفظ ، فإنّهم أيضاً يضعّفون من حديث الثقة الصدق الضابط أشياء تبيّن لهم أنّه غلط فيها بأمور ويستدلّون بها ، ويسمّون هذا علم علل الحديث ، وهو من أشرف علومهم ، بحيث يكون الحديث قد

ص: 340


1- 1. الأُم 7 / 358.

رواه ثقة ضابط ، وغلط فيه ، وغلطه فيه عرف أمّا بسبب ظاهر كما عرّفوا أنّ النبيّ تزوّج ميمونة وهو حلال - أي من الإحرام - وأنّه صلّى في البيت ركعتين ، وجعلوا رواية ابن عباس تزوّجها حراماً - أي وهو محرم - ، ولكونه لم يصل ممّا وقع فيه الغلط ، وكذلك أنّه اعتمر أربع عمر.

وعلموا أنّ قول ابن عمر أنّه اعتمر في رجب ممّا وقع فيه الغلط ، وعلموا أنّه تمتّع وهو آمن من حجّة الوداع ، وإنّ قول عثمان لعلي : كنّا يومئذ خائفين ، ممّا وقع فيه الغلط ، وأنّ ما وقع في بعض طرق البخاريّ : أنّ النار لا تمتلئ حتّى ينشئ الله لها خلقاً آخر ، ممّا وقع فيه الغلط ، وهذا كثير ) (1).

وقوله : ( وأنّ ما وقع في بعض طرق البخاريّ : أنّ النار لا تمتلئ ... ) ، يشير إلى رواية صحيح البخاريّ ، بسنده عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وآله قال : ( اختصمت الجنّة والنار إلى ربّهما ، فقالت الجنّة : يا ربّ ، ما لها لا يدخلها إلاّ ضعفاء الناس وسقطهم ، وقالت النار : يعني أوثرت بالمتكبّرين ، فقال الله تعالى للجنّة : أنت رحمتي ، وقال للنار : أنت عذابي أصيب بك من أشاء ، ولكلّ واحدة منكما ملؤها.

قال : فأمّا الجنّة فإنّ الله لا يظلم من خلقه أحداً ، وإنّه ينشئ للنار من يشاء فيلقون فيها ، فتقول : هل من مزيد؟ ثلاثاً ، حتّى يضع فيها قدمه ، فتمتلئ ويرد بعضها إلى بعض ، وتقول : قط قط قط ) (2).

قال ابن حجر : وقد قال جماعة من الأئمّة : أنّ هذا الموضع مقلوب ، جزم ابن القيّم بأنّه غلط ، واحتجّ بأنّ الله تعالى أخبر بأنّ جهنّم تمتلئ من إبليس وأتباعه ، وكذا أنكر الرواية شيخنا البلقيني ، واحتج بقوله تعالى : ( وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) (3).

ص: 341


1- 1. مجموع الفتاوى 13 / 352.
2- 2. صحيح البخاريّ 8 / 186.
3- 3. الكهف : 49 ، فتح الباري 13 / 368.

فليقرأ السنّي هذا بإمعان ، وليعرف عمّن يأخذ دينه ، من كتاب هو عيبة سفاسف لا الجامع الصحيح كما سمّوه ، ممّا وقع فيه الغلط , وهذا كثير.

أقول للزاعم المهرّالجواب : أرأيت كيف حمل شيخ إسلامك على رموز أعلامك ، وكشف الغطاء عن بعض موارد الغلط والشطط عند زوامل الأسفار ، الذين يرون في صحيح البخاريّ أنّه أصحّ كتاب بعد كتاب الله؟

ولم يسلم صحيح مسلم من نقد ابن تيمية ، فقد قال في كتابه : ( وممّا قد يسمّى صحيحاً ما يصحّحه علماء الحديث ، وآخرون يخالفونهم في تصحيحه ، فيقولون : هو ضعف ليس بصحيح ، مثل ألفاظ رواها مسلم في صحيحه ، ونازعه في صحّتها غيره من أهل العلم ، إمّا مثله أو دونه أو فوقه ، فهذا لا يجزم بصدقه إلاّ بدليل ، مثل حديث ابن وعلة عن ابن عباس : أنّ رسول الله قال : ( أيما إهاب دبغ فقد طهر ) ، فإنّ هذا انفرد به مسلم عن البخاريّ ، وقد ضعّفه الإمام أحمد وغيره ، وقد رواه مسلم ) (1).

ثمّ ذكر عدّة موارد أُخرى ، ولا أُريد أن أطيل الوقوف عند هذا الباب ، فإنّه لا يخلو منه كتاب غير كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وكم من دراسات حديثة صدرت حول كتابي البخاريّ ومسلم وغيرهما من بقية الصحاح ، فأبانت عن الأخطاء والأوهام في المتون والأسانيد في تلك الكتب التي يسمّونها أصحابها والمتعبّدون بالأخذ بما فيها بالصحاح ، وهي فيها من الشاذّة والمردودة لنكارة فيها سنداً أو متناً.

وتعجبني كلمة الإمام الحافظ المحدّث العلاّمة أبي الفيض أحمد بن محمّد ابن الصدّيق الغماري الحسني ، المتوفّى 1380 ه- ، قالها في خاتمة كتابه - المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير : 136 ، بعد أن ذكر العمدة في

ص: 342


1- 1. مجموع الفتاوى 18 / 17.

معرفة الحديث الموضوع - : ومنها وجود النكارة الظاهرة في متنه بركاكة اللفظ أو مخالفة المعنى للثابت المعروف ، وإن كان سنده صحيحاً.

قال : ( ومنها أحاديث الصحيحين ، فإنّ فيها ما هو مقطوع ببطلانه فلا تغتر بذلك ، ولا تتهيّب الحكم عليه بالوضع لما يذكرونه من الإجماع على صحّة ما فيهما ، فإنّها دعوى فارغة لا تثبت عند البحث والتمحيص ، فإنّ الإجماع على صحّة جميع أحاديث الصحيحين غير معقول ولا واقع ... ).

نقلاً بواسطة نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث ، إسماعيل الكردي ، وقد أقرّه على ذلك الشيخ ناصر الدين الألبانيّ المحدّث المشهور في مقدّمة كتابه آداب الزفاف : 60 ، بعد ذكره عبارة الغماري تلك : وذه إمّا لا يشكّ فيه كلّ باحث متمرّس في هذه العلم ، وقد كنت ذكرت نحوه في مقدّمة شرح الطحاويّة ... الخ.

وقال الألبانيّ في إرواء الغليل 5 / 33 : ( وأمّا القول بأنّ من روى له البخاريّ فقد جاوز القنطرة ، فهو لا يلتفت إليه أهل التحقيق ، كأمثال ابن حجر العسقلانيّ ، ومن له اطلاع لابأس به على كتاب التقريب يعلم صدق ما نقول ).

وأخيراً : فأنا أهيب بكلّ سنّي باحث عن الحقّ ، وليس التعصّب الأعمى ، أن يتأمّل هذه الحقائق ، ويعرف الأُسس التي بنى عليها دينه ، وأنّ الأحاديث التي في الصحاح ، وخصوصاً في الصحيحين فيها أخبار ضعيفة وشاذّة ومنكرة ، بل وموضوعة ، بمعنى أنّها أحاديث مكذوبة ، وضعها الكذّابون والمفسدون لأغراض مهينة ومشينة ، فليتق الله ربّه ولا تخدعه زبرجة الألقاب ، والله هو الهادي إلى الصواب.

وأمّا ما جاء في آخر المسائل : من ردّ على كتاب البرقعي ، وكتاب حيدر علي قلمداران القمّيّ : فالجواب لو أراد الشيعة أن ينصبوا أنفسهم للردّ على كلّ كتاب يتناولهم بالسبّ والتهريج ، لأضاعوا أوقاتهم في غير فائدة ، فإنّ سماسرة

ص: 343

الأقلام المشتراة في كلّ زمان ومكان ليس عندهم من جديد ما يفيد ، بل هو أجزاء طعام الآخرين من الأوّلين السابقين ، وما صدر عن أعلام الشيعة في جواب أُولئك يكفي.

( أبو حسين - هولندا - .... )

الفرق بين القدسيّ والنبويّ :

س : ما الفرق بين الحديث القدسيّ والحديث النبويّ الشريف؟ وجزاكم الله خير الجزاء.

ج : إنّ المقصود من الحديث النبويّ : هو الحديث الذي يحكي قول النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله ، أو فعله ، أو تقريره.

أمّا الحديث القدسيّ ، أو الإلهيّ ، أو الربّاني ، أو أسرار الوحي : هو كلّ حديث يضيف فيه المعصوم عليه السلام قولاً إلى الله تعالى ، ولم يرد في القرآن الكريم.

أو قل : هو الكلام المنزل بألفاظ بعثها الله تعالى في ترتيبها المعيّن لا لغرض الإعجاز ، نظير قوله تعالى : ( الصوم لي وأنا أجزي عليه ) (1) ، أو ( به ) (2) ، وبذا افترق عن القرآن الذي هو الكلام المنزل بألفاظه المعيّنة في ترتيبها المعيّن للإعجاز ، كما أنّه بخلاف الحديث النبويّ الذي هو الوحي إليه صلى الله عليه وآله بمعناه لا بألفاظه.

أمّا وجه إضافة الحديث القدسيّ إلى القدس ، فلأنّها الطهارة والتنزيه ، وإلى الإله والربّ لأنّه صادر منه ، وهو المتكلّم به والمنشئ له ، وإن كان جميعها صادراً بوحي إلهيّ ، لأنّ الرسول صلى الله عليه وآله كما قال تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى

ص: 344


1- 1. الكافي 4 / 63.
2- 2. من لا يحضره الفقيه 2 / 75.

إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (1) ، ومن هنا كان من أسرار الوحي.

وبالجملة : فإنّ وجوه التمايز بين القرآن الكريم والحديث القدسيّ ، خمسة :

الأوّل : أنّ القرآن معجز والحديث القدسيّ لا يلزم أن يكون معجزاً.

الثاني : أنّ الصلاة لا تكون إلاّ بالقرآن بخلاف الحديث القدسيّ.

الثالث : أنّ جاحد القرآن يكفّر بخلاف جاحد الحديث القدسيّ.

الرابع : أنّ القرآن لابدّ فيه من كون جبرائيل عليه السلام وسيلة بين النبيّ صلى الله عليه وآله وبين الله تعالى ، بخلاف الحديث القدسيّ.

الخامس : أنّ القرآن لا يمسّ إلاّ مع الطهارة ، والحديث القدسيّ يجوز مسّه من المحدث.

ص: 345


1- 1. النجم : 3 - 4.

ص: 346

حديث اثني عشر خليفة :

اشارة

( حسين حامد - أمريكا - .... )

النصوص المصرّحة بهم في كتب السنّة :

س : هل هناك حديث حول الأئمّة الاثني عشر بعد النبيّ صلى الله عليه وآله في كتب أهل السنّة؟ وما هو إذا وجد؟ وشكراً.

ج : لقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله : بأنّ عدد الأئمّة الذين يلون الأمر من بعده اثنا عشر ، كما روى عنه ذلك أصحاب الصحاح والمسانيد الآتية :

1 - عن جابر بن سمرة قال : دخلت مع أبي على النبيّ صلى الله عليه وآله ، فسمعته يقول : ( إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ) ، قال : ثمّ تكلّم بكلام خفي عليّ ، قال : فقلت لأبي : ما قال؟ قال : ( كلّهم من قريش ) (1).

2 - عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وآله يقول : ( لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً ) ، ثمّ تكلّم النبيّ صلى الله عليه وآله بكلمة خفيت عليّ ، فسألت أبي : ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال : ( كلّهم من قريش ) (2).

3 - عن سمّاك بن حرب قال : سمعت جابر بن سمرة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ( لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ) ، ثمّ قال كلمة لم

ص: 347


1- 1. صحيح مسلم 6 / 3.
2- 2. نفس المصدر السابق.

افهمها ، فقلت لأبي : ما قال؟ فقال : ( كلّهم من قريش ) (1).

4 - عن جابر بن سمرة قال : قال النبيّ صلى الله عليه وآله : ( لا يزال هذا الأمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ) ، قال : ثمّ تكلّم بشيء لم افهمه ، فقلت لأبي : ما قال؟ فقال : ( كلّهم من قريش ) (2).

5 - عن جابر بن سمرة قال : انطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ومعي أبي ، فسمعته يقول : ( لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة ) ، فقال كلمة صمنيها الناس ، فقلت لأبي : ما قال؟ قال : ( كلّهم من قريش ) (3).

6 - عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص قال : كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع : أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله قال : فكتب إليّ : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يوم جمعة عشية رجم الأسلمي ، يقول : ( لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ) (4).

7 - عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( لا تزال هذه الأُمّة مستقيما أمرها ، ظاهرة على عدوّها ، حتّى يمضي منهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ، ثمّ يكون المرج ) (5).

8 - عن جابر بن سمرة قال : كنت مع أبي عند النبيّ صلى الله عليه وآله فقال : ( يكون لهذه الأُمّة اثنا عشر قيّماً ، لا يضرّهم من خذلهم ) ، وهمس رسول الله بكلمة لم أسمعها ، فقلت لأبي : الكلمة التي همس بها رسول الله ، قال : ( كلّهم من قريش ) (6).

ص: 348


1- 1. صحيح مسلم 6 / 3 ، مسند أحمد 5 / 90 و 100 و 106 ، مسند أبي داود : 105 و 180 ، صحيح ابن حبّان 15 / 44 ، المعجم الكبير 2 / 232.
2- 2. صحيح مسلم 6 / 3 ، مسند أحمد 5 / 98.
3- 3. صحيح مسلم 6 / 4 ، المعجم الكبير 2 / 195.
4- 4. صحيح مسلم 6 / 4 ، الآحاد والمثاني 3 / 128 ، مسند أبي يعلى 13 / 456.
5- 5. كنز العمّال 12 / 32 ، تهذيب الكمال 3 / 223 ، البداية والنهاية 6 / 279.
6- 6. المعجم الأوسط 3 / 201 ، المعجم الكبير 2 / 196 ، كنز العمّال 12 / 33.

9 - عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ( لا يزال هذا الدين قائماً حتّى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ) (1).

10 - عن جابر بن سمرة قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله ، فسمعته يقول : ( لا يزال أمر هذه الأُمّة ظاهراً حتّى يقوم اثنا عشر خليفة ) ، وقال كلمة خفيت عليّ ، وكان أبي أدنى إليه مجلساً منّي ، فقلت : ما قال؟ قال : ( كلّهم من قريش ) (2).

11 - عن مسروق قال : كنّا جلوساً ليلة عند عبد الله - أي ابن مسعود - يقرئنا القرآن ، فسأله رجل فقال : يا أبا عبد الرحمن ، هل سألتم رسول الله كم يملك هذه الأُمّة من خليفة؟

فقال عبد الله : ما سألني أحد منذ قدمت العراق قبلك ، قال : سألناه فقال : ( اثنا عشر عدّة نقباء بني إسرائيل ) (3).

12 - قال ابن مسعود : قال رسول الله : ( يكون بعدي من الخلفاء عدّة أصحاب موسى ) (4).

إذاً نصّت الروايات الآنفة أنّ عدد الولاة اثنا عشر ، وأنّهم من قريش ، وقد بيّن الإمام علي عليه السلام في كلامه المقصود من قريش ، حيث قال : ( إنّ الأئمّة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا يصلح الولاة من غيرهم ) (5).

وقال عليه السلام : ( اللهم بلى ، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة ، إمّا ظاهراً

ص: 349


1- 1. سنن أبي داود 2 / 309 ، فتح الباري 13 / 182 ، تحفة الأحوذيّ 6 / 391 ، كتاب السنّة : 518 ، المعجم الكبير 2 / 208 ، كنز العمّال 11 / 135 ، ينابيع المودّة 3 / 289.
2- 2. المستدرك 3 / 617 ، المعجم الكبير 2 / 196.
3- 3. المستدرك 4 / 501 ، مسند أحمد 1 / 398 و 406.
4- 4. كنز العمّال 12 / 33 ، البداية والنهاية 6 / 278.
5- 5. شرح نهج البلاغة 9 / 84.

مشهوراً ، وأمّا خائفاً مغموراً ، لئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته ) (1).

( هاشم - الكويت - .... )

لا ينطبق إلاّ على أئمّة الشيعة :

س : كيف نثبت إمامة الأئمّة الطاهرين دون ما يذهب إليه الزيديّة وغيرهم؟ ولكم منّا جزيل الشكر.

ج : تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله : ( بعدي اثنا عشر أميراً أو خليفة أو قيّماً ، كلّهم من قريش ، أو كلّهم من بني هاشم ) ، وهذا الحديث ورد بألفاظ مختلفة ، رواه جميع المسلمين باختلاف مذاهبهم.

وهذا الحديث لا ينطبق إلاّ على الأئمّة الاثني عشر ، الذين يأتمّ بهم الشيعة ، لا على أهل السنّة ، ولا على الزيديّة ، ولا على الإسماعيلية.

أضف إلى ذلك ، ما ورد متواتراً عند الشيعة من ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله أسماؤهم ، وكذلك ما روي متواتراً من طريق الشيعة من نصّ بعضهم على الآخر.

( عبد المنعم الخلف - السعودية - 31 سنة - دبلوم )

معنى يكون الدين عزيزاً بوجودهم :

س : الرجاء منكم إعطائي معنى للحديث الشريف : ( لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ) (2) ، ماذا قصد الرسول صلى الله عليه وآله من هذا الحديث؟

ص: 350


1- 1. شرح نهج البلاغة 18 / 347 ، كنز العمّال 10 / 263 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 18 و 50 / 253 ، تهذيب الكمال 24 / 221 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 12 ، جواهر المطالب 1 / 303 ، ينابيع المودّة 1 / 89.
2- 2. صحيح مسلم 6 / 3 ، مسند أحمد 5 / 90 و 100 و 106 ، مسند أبي داود : 105 و 180 ، صحيح ابن حبّان 15 / 44 ، المعجم الكبير 2 / 232.

وما معنى أن يكون الدين عزيزاً بوجودهم؟ وهل كان الدين عزيزاً في حياتهم؟ أم لا؟ لا أُريد الإطالة ، ولكن أُريد منكم شرحاً كاملاً ووافياً وبالتفصيل ، حتّى يكون المعنى واضح لدينا.

يمكنكم إرشادي لبعض المصادر أو المواقع للاستفادة منها ، في معرفة معنى الأحاديث التي تتحدّث عن الأئمّة الاثني عشر ، هذا ووفّقكم الله ، وسدّد خطاكم.

ج : يمكن تفسير هذا الحديث بعدّة تفاسير ، أبرزها تفسيران :

الأوّل : أنّ الملتزمين بالدين يكونون قليلين ، يعني يكون الدين عزيز الوجود إلى حين ظهور الإمام الثاني عشر عليه السلام ، حيث يغلب الدين على البسيطة كلّها تحت رعايته ورايته ، فيكون مصداقاً لقوله سبحانه : ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ... ) (1).

الثاني : أنّ عزّة الدين بالأئمّة عليهم السلام ، ويبقى الدين مؤيّداً مسدّداً ، وإن كان المتمسّكون به قد يقل وجودهم ، ولكن بعد ارتحال الإمام الثاني عشر من الدنيا يرتفع الدين ، ويكون على الأرض شرار الخلق ، بعدما يستولي الفساد عليها ، وتقوم القيامة على شرار الخلق.

ويمكنك لمعرفة معاني الأحاديث المعتبرة الواردة في الأئمّة ، المراجعة إلى كتاب : ( مرآة العقول ) للعلاّمة المجلسيّ ، ( بحار الأنوار ) للعلاّمة المجلسيّ ، ( شرح على أُصول الكافي ) للمازندراني ، ( كتاب الوافي ) للفيض الكاشانيّ ، ( كتاب مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار ) للسيّد عبد الله شبر.

ص: 351


1- 1. التوبة : 33.

ص: 352

حديث الثقلين :

اشارة

( حبيب - الدانمارك - سنّي - 20 سنة )

رواه مسلم ناقصاً :

س : قوله صلى الله عليه وآله : ( إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً ) ، هل أنت متأكّد بأنّ مسلم روى هذه الرواية في صحيحه؟ هلا تكرّمت علينا بذكر نصّ رواية مسلم؟

ج : أخرج مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم أنّه قال : ... لقد كبرت سنّي وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وآله ، فما حدثتكم فاقبلوا ، وما لا فلا تكلّفونيه ، ثم قال : قام رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خمّاً بين مكّة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثم قال : ( أمّا بعد ألا أيّها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأُجيب ، وأنا تارك فيكم الثقلين ؛ أوّلهما كتاب الله ، فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به - فحثّ على كتاب الله ورغبّ فيه ثم قال : - وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتني أذكّركم الله في أهل بيتني أذكّركم الله في أهل بيتني ).

وإذا أردت المزيد فراجع سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني حيث ذكر مجموعة من الصيغ المختلفة لحديث الثقلين وأقام على صحّته الأدلّة العلمية الواضحة.

إنّ حديث الثقلين حديث صحيح مشهور لا غبار عليه ، ورواية مسلم ليست

ص: 353

وحدها الصحيحة ، وليس ما يرويه مسلم قرآناً حتّى يُقاس ويُعرض عليه جميع ما سواه ، بل حاله حال غيره من الأحاديث الصحيحة ، ولا يقدّم على غيره إلاّ لثبوت صحّته عندكم بمجرد رواية مسلم له ، فلا يحتاج إلى بحث في سنده.

وأمّا غيره من الأحاديث فنحتاج في تصحيحها إلى مراجعة السند ، فإذا صحّ السند في أيّ رواية فهي توازي رواية مسلم ، إن لم تقدّم عليها أحياناً ، وهذا متّفق عليه. هذا كلّه في الخبر الواحد ، وأمّا في التواتر - كما في حديث الثقلين - فلا تصل النوبة إلى آحاد الأسانيد ، فلاحظ.

فالروايات الصحيحة والمتواترة تنصّ على التمسّك بالكتاب والعترة ، لأنّهما خليفتا رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأنّهما عاصمان من الضلال ، والآخذ بهما مهتدٍ ، أمّا الآخذ بغيرهما ، أو التارك لأحدهما فهو في ضلال مبين.

ورواية مسلم ناقصة قطعاً ، لأنّها لا تحتوي على بعض المقاطع المهمّة ، التي بيّن زيد بن أرقم أنّه سوف لن يرويها خوفاً ، فقد قال في بداية حديثه للسائلين : فما حدّثتكم فاقبلوا ومالا فلا تكلّفونيه (1) ، واعتذر بكبر سنّه ونسيانه ، فلماذا ينسى زيد مقطع مثل : ( ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ) ، أو قوله صلى الله عليه وآله : ( وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض )؟ وهو يروي الحادثة بطولها وتفاصيلها ، خصوصاً أنّ زيداً نفسه بيّن ذلك - وفسّر قوله : قد كبرت سنّي ونسيت بعض الذي أعي من رسول الله صلى الله عليه وآله ، فما حدّثتكم فاقبلوا ، ومالا فلا تكلّفونيه - في نفس الرواية.

ولكن برواية أحمد لا مسلم ، وبنفس إسناد رواية مسلم أكملها بحادثة أُخرى تبيّن معنى قوله واعتذاره ، وبراءته من تلك الأوصاف ، وهو يقول لهم : أنّ عبيد الله بن زياد قد نهاه ، وكذّبه في رواية أحاديث الحوض ، ورماه ووصفه بأنّه قد خرف ، وإليك نصّ رواية أحمد في مسنده :

ص: 354


1- 1. صحيح مسلم 7 / 122.

( قال يزيد بن حيّان نفس الراوي بعد رواية حديث الثقلين : حدّثنا زيد بن أرقم في مجلسه ذلك ، قال : بعث إليّ عبيد الله بن زياد فأتيته ، فقال : ما أحاديث تحدّثها وترويها عن رسول الله صلى الله عليه وآله لا نجدها في كتاب الله ، تحدّث أنّ له حوضاً في الجنّة ، قال : قد حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وآله ووعدناه ، قال : كذبت ، ولكنّك شيخ قد خرفت ) (1).

( علي - أمريكا - 27 سنة - طالب )

مصادره في كتب أهل السنّة :

س : الإخوة المسؤولين عن الموقع المحترمين.

لدي سؤالاً ، أرجو مساعدتي في الإجابة عليه ، جزاكم الله خير الجزاء : ما هي مصادر أهل السنّة التي أوردت الحديث الشريف : ( خلّفت فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) ، وما هي المصادر التي أوردت الحديث : ( خلّفت فيكم الثقلين كتاب الله وسنّتي ) بانتظار إجابتكم ، جزاكم الله خيراً.

ج : ذكرت مصادر أهل السنّة حديث الثقلين ، وفيه تارة لفظة : كتاب الله وعترتي ، وأُخرى لفظة : كتاب الله ... وأهل بيتي ، ومرّة ثالثة لفظة : كتاب الله وسنّتي.

أمّا بلفظة : كتاب الله وعترتي : فقد روي عن زيد بن ثابت ( إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً ) (2).

ص: 355


1- 1. مسند أحمد 4 / 367.
2- 2 - فضائل الصحابة : 15 ، الجامع الكبير 5 / 328 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 196 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 418 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 45 و 130 ، خصائص أمير المؤمنين : 93 ، المعجم الصغير 1 / 135 ، المعجم الأوسط 4 / 33 و 5 / 89 ، المعجم الكبير 3 / 66 و 5 / 154 و 166 و 170 و 182 ، شرح نهج البلاغة 9 / 133 ، نظم درر السمطين : 232 ، كنز العمّال 1 / 172 و 186 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 122 ، المحصول 4 / 170 ، الإحكام للآمدي 1 / 246 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطنيّ 6 / 236، أنساب الأشراف : 111 و 439 ، البداية والنهاية 5 / 228 ، السيرة النبويّة لابن كثير 4 / 416 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 95 و 99 و 105 و 112 و 119 و 123 و 132 و 345 و 349 و 2 / 432 و 438 و 3 / 65 و 141 و 294 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 211 و 3 / 177 ، لسان العرب 4 / 538 و 11 / 88 ، تاج العروس 7 / 245.

وأمّا بلفظة : كتاب الله ... وأهل بيتي : فقد روي عن زيد بن أرقم أنّه قال : قام رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خمّاً بين مكّة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكّر ، ثمّ قال : ( أمّا بعد ألا أيّها الناس ، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسولُ ربّي فأُجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين : أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ) ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثمّ قال : ( وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ) (1).

وروي أيضاً عن زيد بن أرقم ، أنّه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ) (2).

وأمّا بلفظة : كتاب الله وسنّتي ، فقد رواه مالك في الموطّأ عن ابن عباس مرسلاً ، والحاكم في المستدرك مسنداً عن أبي هريرة ، وفي سنده ضعف ، كما صرّح بذلك المحدّث السلفيّ الألبانيّ.

ص: 356


1- صحيح مسلم 7 / 123 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 2 / 148 و 7 / 30 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 197 ، كتاب السنّة : 629 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 51 ، صحيح ابن خزيمة 4 / 63 ، المعجم الكبير 5 / 182 ، نظم درر السمطين : 231 ، الجامع الصغير 1 / 244 ، كنز العمّال 1 / 178 و 13 / 640 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 494 و 4 / 122 ، تاريخ مدينة دمشق 19 / 257 و 41 / 19 و 69 / 240 ، فضائل الصحابة : 22 ، مسند أحمد 4 / 366 ، سنن الدارمي 2 / 431.
2- الجامع الكبير 5 / 329 ، فضائل الصحابة : 15 ، مسند أحمد 3 / 14 و 27 و 59 و 182 ، مجمع الزوائد 9 / 163 و 10 / 363.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

يشمل بقية الأئمّة غير أهل الكساء :

س : من هم أهل البيت المقصودين في حديث الثقلين؟ وقد أتيتم بجواب عن حديث الكساء ، وأنّهم : النبيّ صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، لكن كيف نثبت أنّ الذين في حديث الثقلين يشملهم الأئمّة عليه السلام دون غيرهم من ذرّية النبيّ والإمام علي ، مثل زيد بن علي ، أو إسماعيل بن جعفر ، أو أيّ أحد آخر من ذرّية النبيّ صلى الله عليه وآله؟

ج : إنّ اشتمال الحديث لباقي الأئمّة عليهم السلام يظهر من النصوص التي جاءت في التنصيص عليهم من قبل الرسول صلى الله عليه وآله (1) ، وتصريح كلّ إمام على ما بعده من المعصومين عليهم السلام (2).

فعلى ضوء ما ذكرنا لا تشمل الإمامة الإلهيّة - بحسب الأدلّة المذكورة - أمثال زيد بن علي ، أو إسماعيل بن جعفر - مع جلالة قدرهما - أو أيّ شخص آخر ، عدا ما صرّح بأسمائهم في الآثار والروايات الصحيحة والمعتبرة ، وكذلك ما ثبت في حديث ( الخلفاء من بعدي اثنا عشر ) الآنف الذكر.

( السيّد جلال - البحرين - 27 سنة - ماجستير )

رواته :

س : أرجو أن تردّوا على هذه الشبهة التي وردتني من وهابيّ ، وترسلوا لي الردّ لأعطيه إيّاه.

في حوار لي مع وهابيّ ذكرت له : قول رسول الله صلى الله عليه وآله : ( إنّي تارك فيكم

ص: 357


1- 1. ينابيع المودّة 3 / 249 و 284 و 399 ، مناقب آل أبي طالب 1 / 254 ، الهداية : 39 ، كفاية الأثر : 145 ، كشف الغمّة 3 / 316.
2- 2. الكافي 1 / 292 ، دعائم الإسلام 2 / 348 ، من لا يحضره الفقيه 4 / 189 ، تهذيب الأحكام 9 / 176.

الثقلين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا من بعدي أبداً ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ).

فردّ بقوله : الرواية ليست في صحيح مسلم ، الرواية لم يصحّحها سوى الألبانيّ ، وتصحيح المتساهل الألبانيّ لا يؤخذ ؛ يكفي أنّ شيخ الإسلام ابن تيمية نسفها.

ج : لقد روي حديث الثقلين بألفاظ مختلفة ، وطرق كثيرة صحيحة ، بلغت حدّ الاستفاضة بل التواتر ، الذي يعني إفادة العلم والقطع بصدور هذا الحديث المبارك عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله ، وفي ذلك يقول ابن حجر : ( ثمّ اعلم أنّ لحديث التمسّك بذلك طرقاً كثيرة ، وردت عن نيف وعشرين صحابياً ، ومرّ له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه ، وفي بعض تلك الطرق أنّه قال ذلك بحجّة الوداع بعرفة ، وفي أُخرى : أنّه قاله بالمدينة في مرضه ، وقد امتلأت الحجرة بأصحابه ، وفي أُخرى : أنّه قال ذلك بغدير خمّ ، وفي أُخرى : أنّه قاله لمّا قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف ، كما مر ) (1).

ثمّ قال ابن حجر : ( ولا تنافي ، إذ لا مانع من أنّه كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها ، اهتماماً بشأن الكتاب العزيز ، والعترة الطاهرة ).

فمن الرواة من الصحابة - الذين أشار إليهم ابن حجر في كلامه المتقدّم - نذكر : أمير المؤمنين علي عليه السلام ، جابر بن عبد الله الأنصاريّ ، زيد بن أرقم ، أبو سعيد الخدري ، حذيفة بن أسيّد ، خزيمة بن ثابت ، زيد بن ثابت ، سهل بن سعد ، ضميرة الأسلميّ ، عامر بن ليلى الغفاريّ ، عبد الرحمن بن عوف ، عبد الله بن عباس ، عبد الله بن عمر ، عدي بن حاتم ، عقبة بن عامر ، أبو ذر الغفاريّ ، أبو رافع الأنصاريّ ، أبو شريح الخزاعيّ ، أبو قدامة الأنصاريّ ، أبو هريرة ، أبو إلهيّثم بن التيهان ، أُمّ سلمة ، أُمّ هانئ بنت أبي طالب ، وهذا العدد هو فوق التواتر بكثير.

ص: 358


1- 1. الصواعق المحرقة 2 / 440.

وأمّا رواته من التابعين نذكر منهم : أبو الطفيل عامر بن واثلة ، عطية بن سعيد العوفي ، حنش بن المعتمر ، الحارث الهمدانيّ ، حبيب بن أبي ثابت ، علي ابن ربيعة القاسم بن حسان ، حصين به سبره ، عمر بن مسلم ، أبو الضحى مسلم بن صبيح ، يحيى بن جعدة ، الأصبغ بن نباتة ، عبد الله بن أبي رافع ، المطلّب بن عبد الله بن حنطب ، عمر بن علي بن أبي طالب.

وقد تابع العلماء من الفريقين رواة الحديث على مرّ القرون ، من القرن الثاني وحتّى القرن الرابع عشر الهجريّ ، يمكن متابعة أسماء هؤلاء الرواة في كتاب ( حديث الثقلين تواتره - فقهه ) للسيّد علي الميلانيّ.

وقد روى هذا الحديث الشريف أيضاً ما لا يقل عن ثلاثمائة عالم من كبار أهل السنّة ، بألفاظ مختلفة ، وأسانيد متعدّدة ، وفيهم أرباب الصحاح والمسانيد ، وأئمّة الحديث والتفسير والتاريخ ، يمكن مراجعة نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار ، التي ألفها السيّد حامد النقوي للوقوف على جملة من أسماء هؤلاء الأعلام (1).

فقد روى هذا الحديث الشريف - بالإضافة إلى صحيح مسلم وسنن الترمذيّ - أحمد بن حنبل بثلاث طرق في مسنده ، وقد صرّح ابن تيمية في الكتاب الذي ألّفه في الردّ على البكري : ( إنّ القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث نوعان : منهم من لم يرو إلاّ عن ثقة عنده ، كمالك ، ... وأحمد بن حنبل ) (2).

وأيضاً ممّن رواه ابن خزيمة في صحيحة ، وقد قال الحافظ السيوطيّ عن هذا الصحيح : ( صحيح ابن خزيمة أعلى مرتبة من صحيح ابن حبّان ، لشدّة تحرّيه ، حتّى أنّه يتوقّف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد ، فيقول : إن صحّ الخبر ، وإن ثبت كذا ، ونحو ذلك ) (3).

ص: 359


1- 1. خلاصة عبقات الأنوار 2 / 17.
2- 2. شفاء السقام : 76.
3- 3. صحيح ابن حبّان 1 / 42 نقلاً عن تدريب الراوي 1 / 109.

وأيضاً أخرجه الحافظ أبو عوانة الاسفرائينيّ في صحيحه ، كما أورده عنه العلاّمة الشيخ محمود القادريّ في كتابه الصراط السويّ ، وقد نصّ القوم على صحّة كتابه ، وتلّقوه بالقبول ، حتّى وصفوه بالمسند الصحيح (1).

وأيضاً أخرجه الحاكم النيسابوريّ في كتابه المستدرك على الصحيحين ، بأسانيد على شرطها ، وأخرجه أبو عبد الله الحميديّ في الجمع بين الصحيحين ، وكذلك رزين العبديّ في تجريد الصحاح ، وأيضاً قد أخرجه غير واحد من الحفّاظ في كتبهم ، التي التزموا فيها بالصحّة ، كالعلاّمة سراج الدين الفرغانيّ في كتابه نصاب الأخبار ، والذي وعد بجمعه مقتصراً على إيراد ألفّ حديث صحيح ، وكالحافظ ضياء الدين المقدسيّ في كتابه المختارة.

قال الحافظ السيوطيّ : ( جمع كتاباً سمّاه المختارة التزم فيه الصحّة ، وذكر فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها ) (2).

وقد أخرجه غير هؤلاء الكثير من أئمّة الحديث وأرباب السنن ، كالنسائيّ والطبرانيّ ، وابن أبي شيبة ، وابن سعد ، وابن أبي عاصم الشيبانيّ وغيرهم.

وممّن نصّ على صحّة هذا الحديث ، نذكر : محمّد بن جرير الطبريّ (3) ، والحاكم النيسابوريّ في مستدركه (4) ، وتابعه الذهبيّ في تلخيص المستدرك ، والحافظ أبو بكر إلهيّثميّ في مجمع الزوائد (5) ، والحافظ ابن كثير في تاريخه ، ونقل أيضاً تصحيح الذهبيّ (6) ، وفي تفسيره أيضاً (7) ،

ص: 360


1- 1. تذكرة الحفّاظ 3 / 779 ، وفيات الأعيان 5 / 337 ، طبقات الشافعيّة الكبرى 2 / 344.
2- 2. تدريب الراوي 1 / 144.
3- 3. كنز العمّال 1 / 380.
4- 4. المستدرك 3 / 109 و 148.
5- 5. مجمع الزوائد 9 / 163.
6- 6. البداية والنهاية 5 / 228.
7- 7. تفسير القرآن العظيم 4 / 122.

والحافظ جلال الدين السيوطيّ في الجامع الصغير (1) ، وتبعه شارحه العلاّمة المنّاويّ في فيض القدير (2).

ورواه أيضاً أبو يعلى بسند لابأس به ، والحافظ عبد العزيز بن الأخضر ، وزاد أنّه قال في حجّة الوداع ، ووهم من زعم وضعه كابن الجوزيّ ، قال السمهوديّ : ( وفي الباب : ما يزيد على عشرين من الصحابة ).

والمتحصّل من ذلك كلّه : أنّ حديث الثقلين - الكتاب والعترة - صحيح متواتر لا يمكن ردّه ، أو الالتفاف عليه بأساليب مثل : ضعّفه فلان ، أو قال بوضعه فلان ، أو أنّ تصحيح فلان لا يؤخذ به ، وذلك لاختلاف طرق هذا الحديث وكثرتها - كما نصّ على ذلك أعلام أهل السنّة أنفسهم حسبما عرفته سابقاً - ممّا لا يمكن القبول معه بدعوى التضعيف أو الوضع ، بأيّ حال من الأحوال ، لكثرة الطرق وتضافرها.

أمّا دعوى أنّ الحديث لم يرد بلفظ التمسّك في صحيح مسلم ، لذا لا يكون اتباع أهل البيت عليهم السلام حجّة ، أو واجباً على الناس ، فهي دعوى واهية ومردودة من عدّة وجوه :

الوجه الأوّل : أنّ للحديث المذكور طرقاً صحيحة كثيرة - باعتبار أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله ذكره في مواطن متعدّدة ، كما نصّ على ذلك علماء الحديث عند أهل السنّة - وفيها من الدلالات الواضحات على الأخذ بهدي أهل البيت عليهم السلام ومتابعتهم ، بألفاظ دالّة على حجّية الأخذ والاتّباع كما سيأتي بيانه ، فلا وجه للاقتصار على صحيح مسلم فقط.

وقد وردت الألفاظ الدالّة على الاتّباع بطرق أُخرى صحيحة ، إذ الاقتصار على صحيح مسلم فقط - بعد القطع بأنّ هذا الصحيح لم يشتمل على الأحاديث

ص: 361


1- 1. الجامع الصغير 1 / 402.
2- 2. فيض القدير 3 / 19.

النبويّة الصحيحة كلّها - يعد تضييعاً للسنّة النبويّة الشريفة وردّ لها ، وهو محرّم شرعاً.

الوجه الثاني : إنّ المتمعّن في الرواية التي ينقلها مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم ، يمكنه استفادة الحجّية فيها في متابعة أهل البيت عليهم السلام أيضاً.

وذلك لمورد العطف في كلام النبيّ صلى الله عليه وآله بعد ذكره للثقل الأوّل ، وهو الكتاب الكريم ، وقوله صلى الله عليه وآله بعد ذلك : ( وأهل بيتي ... ) ، أي كما ورد الأمر والحث بالتمسّك بالكتاب ، فأهل البيت عليهم السلام كذلك (1).

ولو تنزّلنا هنا مع الخصم وقلنا - حسب دعواه - أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يوص هنا سوى بالمودّة والمحبّة لأهل البيت عليهم السلام المستفادة من كلمة أذكّركم - حسب فهمه - إلاّ أنّه يبقى مقام التمسّك بحجّية الاتّباع على قوّته حسب ألفاظ الحديث ، وذلك لأنّ الاتّباع إنّما هو جزء من المودّة والمحبّة التي أوصى بها النبيّ صلى الله عليه وآله في حقّ أهل بيته ، بل هو حقيقة المودّة والمحبّة حسب المفهوم القرآنيّ للمودّة والمحبّة ، كما في قوله تعالى : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) (2).

فلا يمكن المصير بعد ذلك إلى دعوى المودّة والمحبّة القلبية المجرّدة عن الاتّباع ، والقرآن الكريم يعدّ مؤسّساً للمفاهيم الشرعيّة التي يجب على المسلمين الأخذ بها ، والالتفات إليها وعدم تجاوزها.

الوجه الثالث : لقد ورد لفظ الأخذ والأمر به في رواية غير واحد ، كالترمذيّ في صحيحه (3) ، وابن أبي شيبة في مصنّفه (4) ، وأحمد في مسنده (5) ، وابن سعد في

ص: 362


1- 1. صحيح مسلم 7 / 123.
2- 2. آل عمران : 31.
3- 3. الجامع الكبير 5 / 329.
4- 4. المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 176 و 418.
5- 5. مسند أحمد 3 / 59.

طبقاته (1) ، والطبرانيّ في معجمه الكبير (2).

قال القاري : ( والمراد بالأخذ بهم التمسّك بمحبّتهم ، ومحافظة حرمتهم ، والعمل بروايتهم ، والاعتماد على مقالتهم ) (3).

وقال الخفاجي : ( ما أن أخذتم به ) أي : تمسّكتم وعملتم به واتبعتموه (4) ، فإذن الأخذ هو الاتّباع.

وفي الحديث الذي صحّحه الحاكم في المستدرك ، وتابعه الذهبيّ عليه ، قال النبيّ صلى الله عليه وآله : ( إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وأهل بيتي ، وأنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ) (5).

وفقه هذا الحديث ودلالته واضحة لمن له أدنى مسكة علم ، وتعرّف على علوم القرآن والعربية ، فعدم الافتراق عن القرآن يعني تمام طاعة أهل البيت عليهم السلام لله تعالى ، وهو دليل العصمة ، وعلامة الهداية ، إذ أنّ باقتراف المعاصي - ولو للحظة واحدة - يتحقّق الافتراق لغة ، وقد أخبر النبيّ صلى الله عليه وآله بعدمه ، كما في هذا الحديث الصحيح ، الأمر الذي يدلّ على كمال طاعتهم لله سبحانه ، وأنّهم أئمّة الهدى الواجب اتباعهم ، كما نصّ عليه القرآن بقوله : ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (6).

وأمّا قوله صلى الله عليه وآله : ( حتّى يردا عليّ الحوض ) فهو دليل على وجود من يكون أهلاً للتمسّك به منهم في كلّ زمان إلى يوم القيامة ، وهذا المعنى الذي فهمناه من الحديث فهمه العلماء الأعلام من أهل السنّة ، وشرّاح الأحاديث النبويّة.

ص: 363


1- 1. الطبقات الكبرى 2 / 194.
2- 2. المعجم الكبير 3 / 66 و 180 و 5 / 166 و 182.
3- 3. تحفة الأحوذيّ 10 / 196.
4- 4. نسيم الرياض 3 / 410.
5- 5. المستدرك 3 / 148.
6- 6. يونس : 35.

قال ابن حجر في الصواعق : ( وفي أحاديث الحثّ على التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة ، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي ، ويشهد لذلك الخبر السابق : في كلّ خلف من أُمّتي عدول من أهل بيتي ) (1).

وقال الحافظ السمهودي : ( هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلاً للتمسّك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كلّ زمان إلى قيام الساعة , حتّى يتوجّه الحثّ المذكور إلى التمسّك به ، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك ، فلذلك كانوا أماناً لأهل الأرض ، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض ) (2).

ص: 364


1- 1. الصواعق المحرقة 2 / 442.
2- 2. فيض القدير 3 / 20.

حديث الدار :

اشارة

( أحمد - ... - ..... )

مصادره في كتب أهل السنّة :

س : نحن عندما نحتجّ على أهل السنّة في نزول آية الإنذار ، أو حديث الدار ، يقولون : بأنّ البخاريّ روى عن ابن عباس قال : لمّا نزلت : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (1) صعد النبيّ صلى الله عليه وآله على الصفا ، فجعل ينادي : يا بني فهر ، يا بني عديّ ، لبطون قريش حتّى اجتمعوا ، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش ، فقال : ( أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي )؟ قالوا : نعم ، ما جربنا عليك إلاّ صدقاً.

قال : ( فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) ، فقال أبو لهب : تبّاً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت : ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ) (2) ، فما رأيكم في هذا الكلام؟ ودمتم سالمين.

ج : صحيح أنّ هذه الرواية وردت في صحيح البخاريّ عن ابن عباس ، ولكنّها رواية ساقطة عن الحجّية ، لأنّ ابن عباس إنّما أسلم بالمدينة ، وهذه القصّة كانت بمكّة ، وكان ابن عباس يومئذ إمّا لم يولد ، وإمّا طفلاً ، كما صرّح بذلك شرّاح صحيح البخاريّ - كالقسطلانيّ في ( إرشاد الساري ) ، والعسقلانيّ في

ص: 365


1- 1. الشعراء : 214.
2- 2. المسد : 1 - 2 ، صحيح البخاريّ 6 / 16.

( فتح الباري ) ، والعينيّ في ( عمدة القاري ) - وعليه فالرواية لا حجّية فيها لأنّها مرسلة ، هذا أوّلاً.

وثانياً : نحن إنّما نحتجّ عليهم بما رواه أعلام السنّة لحديث الدار الوارد في شأن نزول آية الإنذار (1).

( عبد الله - ... - .. 29 سنة )

رواه عدّة رواة :

س : ذكر ابن كثير في البداية والنهاية ، أنّ راوي حديث الدار هو عبد الغفّار بن القاسم أبو مريم ، وهو كذّاب شيعي ، اتهمه علي بن المديني وغيره بوضع الحديث ، وضعّفه الباقون (2).

لو كان كلام ابن كثير صحيحاً ، لا يمكن لنا أن نثبت بحديث الدار إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، فما هو الردّ على ذلك ، وشكراً على إجابتكم مقدّمة.

ج : يتّضح الجواب ببيان عدّة نقاط :

1 - إنّ طعن ابن كثير لعبد الغفّار بن القاسم غير صحيح ، فقد وصفه ابن حجر العسقلانيّ بقوله : ( كان ذا اعتناء بالعلم وبالرجال ... ) ، وقال شعبة :

ص: 366


1- 1. مسند أحمد 1 / 111 ، المعجم الأوسط 2 / 272 ، مجمع الزوائد 8 / 302 و 9 / 113 ، كنز العمال 13 / 128 و 149 ، شرح نهج البلاغة 13 / 210 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 363 ، الدرّ المنثور 5 / 97 ، التاريخ الكبير 6 / 33 ، علل الدارقطنيّ 3 / 75 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 62 ، البداية والنهاية 3 / 53 ، السيرة النبويّة لابن كثير 1 / 457 ، الكامل في التاريخ 2 / 62 ، دلائل النبوّة 2 / 179 ، نظم درر السمطين : 82 ، تاريخ مدينة دمشق 4 / 32 و 42 / 47 و 67 / 163 ، سبل الهدى والرشاد 2 / 324 ، ينابيع المودّة 1 / 311 ، جامع البيان 19 / 148 ، التفسير الكبير 8 / 536 ، السيرة النبويّة لابن إسحاق : 188 ، تفسير الثعلبي 7 / 182.
2- 2. البداية والنهاية 3 / 53.

( لم أر أحفظ منه ... ) ، وقال ابن عدي : ( سمعت ابن عقدة يثني على أبي مريم ويطريه ، وتجاوز الحدّ في مدحه حتّى قال : لو ظهر على أبي مريم ما اجتمع الناس إلى شعبة ، قال : وإنّما مال إليه ابن عقدة هذا الميل لإفراطه في التشيّع ).

ثمّ قال ابن حجر - في ترجمته ذاتها - : وقال البخاريّ : عبد الغفّار بن القاسم ابن قيس بن فهد ليس بالقوي عندهم.

حدّثنا أحمد بن صالح ، حدّثنا محمّد بن مرزوق ، حدّثنا الحسين بن الحسن الفزاري ، حدّثنا عبد الغفّار بن القاسم ، حدّثني عدي بن ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال حدّثني بريدة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( علي مولى من كنت مولاه ) (1).

فمن هذا الحديث الذي ذكره جاء طعنهم عليه ، وتضعيفهم له.

2 - لم ينفرد عبد الغفّار بن القاسم بحديث الدار فقط ، فقد ورد الحديث من طرق أُخرى ليس فيها عبد الغفار ، كما في : تاريخ ابن عساكر قال : أخبرنا أبو البركات عمر بن إبراهيم الزيديّ العلوي بالكوفة ، أنبأنا أبو الفرج محمّد ابن أحمد علان الشاهد ، أنبأنا محمّد بن جعفر بن محمّد بن الحسين ، أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن القاسم بن زكريا المحاربي ، أنبأنا عباد بن يعقوب ، أنبأنا عبد الله بن عبد القدّوس ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عباد ابن عبد الله عن علي بن أبي طالب قال : ( ... أيّكم يقضي ديني ، ويكون خليفتي ووصيي من بعدي؟ ... فقلت : أنا يا رسول الله ، فقال : أنت يا علي ، أنت يا علي ) (2).

وكما في تاريخ الطبري : حدّثني زكريا بن يحيى الضرير قال : حدّثنا عفّان ابن مسلم قال : حدّثنا أبو عوانة ، عن عثمان بن المغيرة ، عن أبي صادق ، عن

ص: 367


1- 1. لسان الميزان 4 / 43.
2- 2. تاريخ مدينة دمشق 42 / 48.

ربيعة بن ناجد : أنّ رجلاً قال لعلي عليه السلام : يا أمير المؤمنين ، بم ورثت ابن عمّك دون عمّك؟

فقال علي : ( هاؤم ) - ثلاث مرّات - حتّى اشرأب الناس ، ونشروا آذانهم ، ثمّ قال : ( جمع رسول الله صلى الله عليه وآله - أو دعا رسول الله - بني عبد المطلب ... ثمّ قال رسول الله : فأيّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟ فلم يقم إليه أحد ، فقمت إليه وكنت أصغر القوم ، فقال : اجلس ) ، قال : ( ثمّ قال ثلاث مرّات ، كلّ ذلك أقوم إليه فيقول لي : اجلس ، حتّى كان في الثالثة ، فضرب بيده على يدي ) ، قال : ( فبذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي ) (1).

وكما في رواية الحاكم : ( حدّثني ابن فنجويه قال : حدّثنا موسى بن محمّد ابن علي بن عبد الله قال : حدّثنا الحسن بن علي بن شبيب المعمّري قال : حدّثنا عباد بن يعقوب قال : حدّثنا علي بن هاشم ، عن صباح بن يحيى المزني ، عن زكريا بن ميسرة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : لمّا نزلت ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) ... ) (2).

فهل خفي هذا كلّه ، وغيره عن ابن كثير؟ كلاّ طبعاً ، إلاّ أنّه لم يجد منفذاً إليها ، إلاّ ما صنعه بعضهم على أبي مريم ، فتناوله وطعن فيه ، وأوهم القارئ أنّ هذه الرواية محصورة في هذا الطريق!

3 - ثمّ أين تأويله الذي اتكأ عليه ، من قوله تعالى : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) ؟ فهل كان أمر الله تعالى له بإنذار عشيرته أن يقضوا عنه دينه ، ويحفظوا له عياله؟! وهل يستدعي أمر كهذا كلّ ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله من دعوة أربعين رجلاً ثلاث مرّات ، وإبلاغهم ، أمّا كان يكفيه أن يستدعي من يثق به منهم ويطمئن إليه فيوصيه بعياله ، وقضاء دينه؟

ص: 368


1- 1. تاريخ الأُمم والملوك 2 / 64.
2- 2. شواهد التنزيل 1 / 542.

( .... - عمان - 40 سنة )

خصوصيّاته :

س : لماذا النبيّ في بداية دعوته ينصّب له خليفة من بعده ، والدين بعد لم ينتشر؟ وهل معنى : أنت خليفتي ، أيّ على المسلمين أم على أهل بيته فقط؟ ودمتم في بركة الله.

ج : من جملة أدلّتنا على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام الدالّة على إمامته وولايته بالنصّ هو حديث الدار ، لما في هذا الحديث من خصوصيّات ، قد لا تكون في غيره.

الخصوصية الأُولى : صدور هذا الحديث في أوائل الدعوة النبويّة ، وفي بدء البعثة المحمّدية ، فكأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله مأمور بأن يبلّغ ثلاثة أُمور في آن واحد وفي عرض واحد : مسألة التوحيد والدعوة إلى الله تعالى ، ومسألة رسالته ، ومسألة خلافته من بعده الثابتة لعلي عليه السلام ، وقد أسفر ذلك المجلس ، وتلك الدعوة عن هذه الأُمور الثلاثة.

الخصوصية الثانية : أنّ القوم من أبي لهب وغيره قالوا - وهم يضحكون - لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع وتطيع لابنك علي.

هذا يؤيّد قولنا : في أنّ معنى قوله : وخليفتي من بعدي ، ليس معناه : خليفتي على أهلي فقط ، بل على كلّ المسلمين ، فأُولئك المشركون فهموا من هذا اللفظ ، ومن كلام رسول الله صلى الله عليه وآله : إنّه يريد أن ينصّب عليّاً إماماً مطاعاً من بعده لعموم المسلمين.

الخصوصية الثالثة : استدلال الإمام علي عليه السلام بحديث الدار في جواب سائل - يروي هذا الخبر النسائيّ - يقول : إنّ رجلاً قال لعلي : يا أمير المؤمنين ، لم ورثت ابن عمّك دون عمّك؟ أي ، بأي دليل أصبحت أنت وارثاً لرسول الله؟ ولم يكن العباس وارثاً لرسول الله صلى الله عليه وآله؟

فذكر الإمام عليه السلام حديث الإنذار ، وجاء في هذا الحديث بهذا اللفظ ،

ص: 369

وقال صلى الله عليه وآله : ( أنت أخي وصاحبي ووارثي ووزيري ).

فذكر أمير المؤمنين في جواب هذا السائل هذا الخبر ، ثمّ قال عليه السلام : ( فبذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي ) (1).

إذاً ، يصبح الإمام علي عليه السلام بحكم هذا الحديث خليفة لرسول الله ووزيراً له ، ووارثاً ووصياً وقائماً مقامه ، ووليه من بعده ، والناس كلّهم مأمورون لأن يطيعوه ويسمعوه.

أو ليست الخلافة والإمامة هذه؟ وأيّ شئ يريدون منّا عند إقامتنا الأدلّة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام أوضح وأصرح من مثل هذه الأحاديث الواردة في كتبهم ، وبأسانيد معتبرة ، ينصّون هم على صحّتها؟

وهل ورد مثل هذا في حقّ أحد غير علي عليه السلام مع هذه الخصوصيّات من حيث السند والدلالة ، والقرائن الموجودة في لفظه؟

ص: 370


1- 1. السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 126.

حديث ردّ الشمس :

اشارة

( رؤوف. السعودية - 27 سنة - طالب )

عدم تدوينه لا يدلّ على عدم وجوده :

س : إذا كانت رواية ردّ الشمس لعلي صحيحة ، وهي معجزة كونية ، فإنّ من الطبيعي أنّ الكثيرين من أهل الأرض قد شاهدها.

والسؤال : أنّ حادثة مثل هذه لا يمكن أن تمر دون أن تدوّن في كتب أصحاب السير والمؤرّخين من الأُمم الأُخرى ، ولأصبحت مشهورة باعتبارها حدث كوني غير قابل للتفسير ، ومثلها نقيس على معجزة شقّ القمر التي وردت في القرآن الكريم.

فهل ورد ما يشير إلى هاتين الحادثتين من كتب لغير المسلمين؟ بالإضافة إلى أنّ التأخير الذي حصل في حركة الفلك - في تصوّري - أنّه من الممكن قياسه ومعرفة قدره ومقداره.

ج : أوّلاً : الذي يظهر من سؤالكم هو أنكم تعمّمون إشكال ردّ الشمس مع شقّ القمر ، فإذاً الإشكال ليس خاصّاً بالشيعة بل يُعم.

وثانياً : إنّ المقصود من قولكم - كتب أصحاب السير والمؤرّخين من الأُمم الأُخرى - هو ما كان أيّام الرسالة لا بعدها ، أي كلّ ما قارنها ، كما أنّكم لا تقصدون بالطبع ، كتب المسلمين ومدوّناتهم ، إذ لنا فيها الكثير ممّا سنوافيك به في فرصة أُخرى بإذن الله تعالى.

وثالثاً : لاشكّ ولا ريب بحدوث حوادث كونية عظيمة على مدّ التاريخ ، بدءاً من طوفان نوح عليه السلام ، إلى فلق البحر لموسى عليه السلام ، إلى إبراء الأكمة والأبرص

ص: 371

لعيسى عليه السلام ، وكذا إحياء الموتى ، بل وبناء صرح هامان ، وعجل السامري ، وقصر سليمان ، وكلّ الحوادث الكونية والإعجازية.

ولا ريب أنّ أهل الأرض قد شاهدوها بل لمسوها ، فأين محلّ هذه الحوادث من كتب السير والمؤرّخين؟

بل هناك أُمور مسلّمة جدّاً قارنت ولادة رسول الله صلى الله عليه وآله ، مثل أصحاب الفيل ، وكسر طاق كسرى ، وحوادث أُخرى ، كلّ هذه أين دوّنت؟ ومن أين تُعرف؟ بل لا نجد أيّ تدوين للجزئيات الكونية في تاريخ البشر آنذاك ، ولا نعرف مدوّنات في هذا الباب ، وكذا كلّ ما كان من زلازل ، أو فيضانات ، أو طوفان ، وخسف وانهدام ، وغيرها لا نعرف لها مصدراً إلى يومنا هذا ، سوى ما حدّثتنا به الكتب السماوية ، علماً بأنّ تلك الحوادث غالباً ما تقترن بأصوات مهيبة ، وصواعق وآثار مهيجة جدّاً ومخيفة ، بخلاف ردّ الشمس ، أو خسوف القمر ، وحتّى شقّه ، حيث يندر من يلتفت له أو يتوجّه إليه.

وبكلمة جامعة : أنّ تاريخ البشرية مملوء بالمجاهيل والمبهمات ، وكثير ممّا ورد فيه من الحدسيات بل التوهّمات ، فما نعرف اليوم شيئاً عن لقمان مثلاً ، أو زردشت ، أو غيرهما ، مولداً ومسكناً ومدفناً ، هذا أوّلاً.

وثانياً : أنّ كلّ حادثة كونية إنّما تعلم لمن كان مترقّباً لها ، ناظراً إليها ، أو يكون ذلك بشكل عفوي وتصادف محض ، وذاك ممّن هو فطن ومتوجّه ، بل قد يحدث كسوف أو خسوف مكرّراً ولا يعلم به أحد ، إلاّ من كان راصداً للحادثة مترقّباً لها.

وثالثاً : أنّ من الواضح أنّ غروب الشمس يكون ممكن الرؤية في نصف الكرة دون النصف الآخر ، وعليه يخرج نصف الناس من الشبهة.

ورابعاً : أنّ من الواضح أنّ تدوين الحوادث والوقائع التاريخيّة ونشرها لم يكن كيومنا هذا ، وذلك لانتشار الأُمّية وعدم وجود وسائل الارتباط.

وخامساً : أنّ حركة ردّ الشمس لم تكن إلاّ من جهة تمديد في الزمن ،

ص: 372

بمعنى أنّها من نهار إلى نهار ، ومن شمس إلى شمس ، ومن النادر للإنسان يلحظ مثل هذا أو يحّس به ، بخلاف الكسوف التام الذي يستلزم ظلام مطبق مثلاً ، أو زلزال مهيب ، أو خسف ، أو ما شابه ذلك.

هذا ، ولم يكن يومذاك من يهتمّ بالأُمور الكونية ، والأجرام الفلكية ، بل لم يعرفوا عظمة الكون وعجائبه كيومك هذا ، كما ولا نعرف من مؤرّخ أو غيره - لو كان - تكذيب للحادثة ونفيها.

سادساً : أنّ حركة التدوين مسألة متأخّرة جدّاً ، لا نعرفها إلاّ من أواخر القرن الثاني الهجريّ ، وما كان قبل ذلك فكان سبر واثبات لتاريخ الملوك والخلفاء ، وما جرى على أيديهم من حروب وبناء ، وغير ذلك.

وبعد ملاحظة ما سلف ، فلا تعجب من عدم ذكر أمثال هذه الحوادث وضبطها في كتبنا ، فضلاً عن غيرنا ، ولا يدلّ ذا ولا ذاك على عدم وقوع الحادثة بحال ، وعدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود ، بل الوقوع أدلّ دليل على الإمكان.

وبعد كلّ هذا ، نسأل ما هي كتب غير المسلمين التي عاصرت زمن الرسالة؟ واختصّت بالتدوين وضبط مثل هذه الحوادث ، حتّى نرجع لها ونأخذ منها؟

أمّا قولكم : ( في تصوّري أنّه يمكن قياس ومعرفة قدره ومقداره ) ، فليس لنا اختصاص في ذلك ، كي نثبت به تصوّركم أو ننفيه ، ولا يعدّ موضوعاً عقائدياً يخصّنا الإجابة عليه.

( أُمّ زينب - الإمارات - .... )

رواته :

س : يرجى توضيح معجزة ردّ الشمس للإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

ج : قال ابن شهر آشوب : ( روى أبو بكر بن مردويه في المناقب ، وأبو إسحاق

ص: 373

الثعلبي في تفسيره ، وأبو عبد الله النطنزي في كتاب الخصائص ، والخطيب في الأربعين ، وأبو أحمد الجرجاني في تاريخ جرجان ، ردّ الشمس لعلي عليه السلام.

ولأبي بكر الورّاق كتاب طرق من روى ردّ الشمس ، ولأبي عبد الله الجعل مصنّف في جواز ردّ الشمس ، ولأبي القاسم الحسكانيّ مسألة في تصحيح ردّ الشمس وترغيم النواصب الشُمُس ، ولأبي الحسن الشاذان كتاب بيان ردّ الشمس على أمير المؤمنين عليه السلام.

وذكر أبو بكر الشيرازي في كتابه بالإسناد عن شعبة ، عن قَتادة ، عن الحسن البصري ، عن أُمّ هانئ هذا الحديث مستوفى ، ثمّ قال : قال الحسن عقيب هذا الخبر : وأنزل الله عزّ وجلّ آيتين في ذلك : قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ) (1) يعني هذا يخلف هذا لمن أراد أن يذكر فرضاً ، أو نام عليه ، أو أراد شكوراً.

وانزل أيضاً : ( يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ) (2) ، وذكر أنّ الشمس رُدّت عليه مراراً ....

وأمّا المعروف مرّتان : في حياة النبيّ صلى الله عليه وآله بكراع الغميم ، وبعد وفاته ، ببابل.

فأمّا في حال حياته صلى الله عليه وآله ما روت أُم سلمة ، وأسماء بنت عُمَيس ، وجابر بن عبد الله الأنصاريّ ، وأبو ذرّ الغفاريّ ، وابن عبّاس ، والخُدريّ ، وأبو هريرة ، والصادق عليه السلام : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله صلّى بكراع الغَميم ؛ فلمّا سلّم نزل عليه الوحي ، وجاء علي عليه السلام ، وهو على ذلك الحال ، فأسنده إلى ظهره ، فلم يزل على تلك الحال حتّى غابت الشمس ، والقرآن ينزل على النبيّ صلى الله عليه وآله ، فلمّا تمّ الوحي قال : ( يا علي! صلّيتَ )؟.

ص: 374


1- 1. الفرقان : 62.
2- 2. الزمر : 5.

قال : ( لا ) ، وقصّ عليه ، فقال : ( ادع ليردّ الله عليك الشمس ) ، فسأل الله ، فردّت عليه بيضاء نقية.

وفي رواية أبي جعفر الطحاويّ : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال : ( اللهُمّ إنّ عليّاً كان في طاعتك ، وطاعة رسولك ، فاردد عليه الشمس ) ، فردّت ، فقام علي عليه السلام وصلّى ، فلمّا فرغ من صلاته وقعت الشمس وبدر الكواكب.

وفي رواية أبي بكر مَهرويه : قالت أسماء : أمَا والله ، لقد سمعنا لها عند غروبها صريراً كصرير المنشار في الخشب ....

وسُئل الصاحب أن ينشد في ذلك ، فأنشأ :

لا تقبل التوب-ة م-ن تائب *** إلاّ بح-بّ ابن أب-ي طالب

أخي رسول الله بل صهره *** والص-هر لا يعدل بالصاحب

يا قوم من مث-ل عليٍّ وقد *** ردّت عليه الشمس من غائب

وأمّا بعد وفاته صلى الله عليه وآله ، ما روى جويرية بن مسهّر ، وأبو رافع ، والحُسين بن علي عليهما السلام : أنّ أمير المؤمنين لمّا عبر الفرات ببابل ، صلّى بنفسه في طائفة معه العصر ، ثمّ لم يفرغ الناس من عبورهم حتّى غربت الشمس ، وفاتت صلاة العصر الجمهور ، فتكلّموا في ذلك ، فسأل الله تعالى ردّ الشمس عليه ، فردّها عليه ، فكانت في الأُفق ، فلمّا سلّم القوم ، غابت ، فسُمع لها وجيب شديد ، هال الناس ذلك ، وأكثروا التهليل والتسبيح والتكبير ، ومسجد ردّ الشمس بالصاعدية من أرض بابل شايع ذايع.

وعن ابن عبّاس بطرق كثيرة ، أنّه لم تردّ الشمس إلاّ لسليمان وصيّ داود ؛ وليوشع وصيّ موسى ؛ ولعليّ بن أبي طالب وصيّ محمّد عليه السلام (1).

وتحدّث الشيخ الأميني في الغدير عن موضوع ردّ الشمس ، وجواب المنكرين ،

ص: 375


1- 1. مناقب آل أبي طالب 2 / 143.

وبيان رواته ، وذكر ثلاثة وأربعين من كبار الأعلام الذين رووا هذا الحديث (1).

وقال : ( حديث ردّ الشمس لعلي عليه السلام ببابل ، أخرجه نصر بن مزاحم في كتاب صفّين ص 52 ط مصر ، بإسناده عن عبد خير ، ثمّ ينقل ما قاله عبد خير في كيفيّة صلاته مع علي ) (2) ، وتختلف روايته عن رواية ابن شهر آشوب.

وأنشد ابن حمّاد في ذلك :

وردّت لك الشمس في بابل *** فساميت يوشع لمّا سمى

ويعقوب ما كان أسباطه *** كنجليك سبطي نبي الهدى (3)

( يحيى سليم القرشي - السعودية - سنّي - طالب جامعة ) من ألّف حوله من أهل السنّة :

س : كثيراً يتردّد عنكم عن ردّ الشمس لعلي رضي الله عنه ، أُريد أن أعلم منكم ما هي مصادركم؟ والدليل على ذلك ، أرجو إفادتي بذلك ، والسلام.

ج : إنّ حديث ردّ الشمس أخرجه جمع من الحفّاظ الأثبات بأسانيد جمّة ، صحّح جمع من مهرة الفنّ بعضها ، وحكم آخرون بحسنه ، وشدّد جمع منهم النكير على : ابن حزم ، وابن الجوزيّ ، وابن تيمية ، وابن كثير ، الذين ضعّفوا الحديث.

وجاء آخرون من الأعلام ، وقد عظم عليهم الخطب بإنكار هذه المأثرة النبويّة ، والمكرمة العلوية الثابتة ، فأفردوها بالتأليف ، وجمعوا فيه طرقها وأسانيدها ، فمنهم :

ص: 376


1- 1. الغدير 3 / 126 - 142.
2- 2. المصدر السابق 3 / 393.
3- 3. مناقب آل أبي طالب 2 / 146.

1 - أبو بكر الورّاق ، له كتاب في من روى ردّ الشمس ، ذكره له ابن شهر آشوب في المناقب (1).

2 - أبو الفتح الموصليّ محمّد بن الحسن الأزديّ ، المتوفّى 377 ه- ، له كتاب مفرد فيه ، ذكره له الحافظ الكنجيّ في الكفاية (2).

3 - أبو عبد الله الجعل الحسين بن علي البصري البغداديّ ، المتوفّى 399 ه- ، له كتاب جواز ردّ الشمس ، ذكره له ابن شهر آشوب في المناقب (3).

4 - أبو القاسم الحاكم ابن الحذاء النيسابوريّ الحسكانيّ الحنفيّ ، المتوفّى 483 ه- ، له رسالة في الحديث اسماها : ( مسألة في تصحيح ردّ الشمس وترغيم النواصب الشمس ) ، ذكر شطراً منها ابن كثير في البداية والنهاية (4) ، وذكرها له الذهبيّ في التذكرة (5).

5 - أبو الحسن شاذان الفضلي ، له رسالة في طرق حديث ردّ الشمس ، ذكرها له المتقيّ الهنديّ في الكنز (6).

6 - اخطب خوارزم ، أبو المؤيّد موفّق بن أحمد ، المتوفّى 568 ه- ، له كتاب ردّ الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام ، ذكره له معاصره ابن شهر آشوب في المناقب (7).

7 - أبو علي الشريف محمّد بن اسعد بن علي بن معمّر الحسني النقيب النسّابة ، المتوفّى 588 ه- ، له جزء في جمع طرق حديث ردّ الشمس لعلي عليه السلام ، ذكره له ابن حجر في الميزان (8).

ص: 377


1- 1. مناقب آل أبي طالب 2 / 143.
2- 2. كفاية الطالب : 383.
3- 3. مناقب آل أبي طالب 2 / 143.
4- 4. البداية والنهاية 6 / 88.
5- 5. تذكرة الحفّاظ 3 / 1200.
6- 6. كنز العمّال 12 / 350.
7- 7. مناقب آل أبي طالب 2 / 172.
8- 8. لسان الميزان 5 / 76.

8 - الحافظ جلال الدين السيوطيّ ، المتوفّى 911 ه- ، له رسالة في الحديث ، اسماها : ( كشف اللبس عن حديث ردّ الشمس ) ، ذكرها له محمّد زهري النجّار - من علماء الأزهر - في مقدّمته على كتاب شرح المعاني (1).

9 - أبو عبد الله محمّد بن يوسف الصالحيّ الدمشقيّ ، المتوفّى 942 ه- - تلميذ السيوطيّ - له كتاب : ( مزيل اللبس عن حديث ردّ الشمس ) ، ذكره في سبل الهدى والرشاد (2).

وآخر ما صدر في هذا الباب تتبعاً وجمعاً هو كتاب : ( كشف الرمس عن حديث ردّ الشمس ) ، للشيخ محمّد باقر المحموديّ المعاصر ، المطبوع من قبل مؤسّسة المعارف الإسلاميّة.

وأمّا الذين ادرجوا الحديث في تأليفهم فلا يحصون كثرة ، عدّ من العامّة منهم 32 مصنّفاً ، في كتاب كشف الرمس ، وهم أكثر من ذاك بكثير.

ولا يسعنا ذكر تلكم المتون ، وتلكم الطرق والأسانيد ، إذ يحتاج إلى تأليف ضخم يخصّ به ، غير أنّا نذكر نماذج ممّن أخرجه من الحفّاظ والأعلام ، بين من ذكره من غير غمز فيه ، وبين من تكلّم حوله وصحّحه ، وفيها مقنع وكفاية :

1 - الحافظ أبو جعفر أحمد بن محمّد الطحاويّ ، المتوفّى 321 ه- ، في مشكل الآثار (3).

2 - الحافظ أبو القاسم الطبرانيّ ، المتوفّى 360 ه- ، رواه في المعجم الكبير (4).

3 - الحاكم أبو عبد الله النيسابوريّ ، المتوفّى 405 ه- ، رواه في تاريخ

ص: 378


1- 1. شرح معاني الآثار 1 / 46.
2- 2. سبل الهدى والرشاد 9 / 437.
3- 3. مشكل الآثار 2 / 8.
4- 4. المعجم الكبير 24 / 145.

نيسابور ، في ترجمة عبد الله بن حامد الفقيه الواعظ.

4 - الحافظ ابن مردويه الأصفهاني ، المتوفّى 410 ه- ، أخرجه في المناقب (1).

5 - الحافظ أبو بكر البيهقيّ ، المتوفّى 458 ه- ، رواه في الدلائل ، كما في فيض القدير (2).

6 - الحافظ القاضي عياض أبو الفضل المالكيّ الأندلسيّ إمام وقته ، المتوفّى 544 ه- ، رواه في ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى ) (3) وصحّحه.

7 - أخطب الخطباء الخوارزميّ ، المتوفّى 568 ه- ، رواه في المناقب (4).

8 - العلاّمة سبط ابن الجوزيّ ، المتوفّى 654ه- ، رواه في تذكرة الخواص (5).

9 - الحافظ أبو عبد الله محمّد بن يوسف الكنجيّ الشافعيّ ، المتوفّى 658 ه- ، جعل في كتابه ( كفاية الطالب ) فصلاً في حديث ردّ الشمس.

10 - شيخ الإسلام الجوينيّ ، المتوفّى 730 ه- ، رواه في فرائد السمطين (6).

11 - الحافظ ابن حجر العسقلانيّ ، المتوفّى 852 ه- ، ذكره في فتح الباري ، وقال : ( روى الطحاويّ ، والطبرانيّ في الكبير ، والحاكم ، والبيهقيّ في الدلائل ، عن أسماء بنت عميس : أنّه صلى الله عليه وآله دعا لمّا نام على ركبة علي ففاتته صلاة العصر ، فردّت الشمس حتى صلّى علي ، ثمّ غربت ، وهذا أبلغ في المعجزة ، وقد أخطأ ابن الجوزيّ بإيراده له في الموضوعات ، وهكذا ابن تيمية في كتاب الردّ على الروافض في زعم وضعه ، والله أعلم ) (7).

12 - الإمام العينيّ الحنفيّ ، المتوفّى 855 ه- ، قال في عمدة القاري شرح

ص: 379


1- 1. مناقب علي بن أبي طالب : 145.
2- 2. فيض القدير 5 / 562.
3- 3. الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 / 284.
4- 4. المناقب : 306.
5- 5. تذكرة الخواص : 53.
6- 6. فرائد السمطين 1 / 183.
7- 7. فتح الباري 6 / 155.

صحيح البخاريّ : ( وقد وقع ذلك أيضاً للإمام علي ، أخرجه الحاكم ، عن أسماء بنت عميس ... وذكره الطحاويّ في ( مشكل الآثار ) قال : وكان أحمد بن صالح يقول : لا ينبغي لمن سبيله العلم أن يتخلّف عن حفظ حديث أسماء لأنّه من أجل علامات النبوّة ، وقال : وهو حديث متّصل ، ورواته ثقات ، وإعلال ابن الجوزيّ هذا الحديث لا يلتفت إليه ) (1).

13 - الحافظ أبو العباس القسطلانيّ ، المتوفّى 923 ه- ، ذكره في المواهب اللدنية من طريق الطحاويّ ، والقاضي عياض ، وابن مندة ، وابن شاهين ، والطبرانيّ ، وأبي زرعة ، من حديث أسماء بنت عميس ، ومن طريق ابن مردويه من حديث أبي هريرة (2).

14 - الحافظ ابن حجر الهيتميّ ، المتوفّى 974 ه- ، عدّه في الصواعق المحرقة كرامةً باهرةً لأمير المؤمنين عليه السلام وقال : ( وحديث ردّها صحّحه الطحاويّ والقاضي في الشفاء ، وحسّنه شيخ الإسلام أبو زرعة ، وتبعه غيره ، وردّوا على جمعٍ قالوا : إنّه موضوع ) (3).

15 - شهاب الدين الخفاجي الحنفيّ ، المتوفّى 1069 ه- ، قال في شرح الشفا : ( ورواه الطبرانيّ بأسانيد مختلفة ، رجال أكثرها ثقات ) (4).

16 - أبو عبد الله الزرقانيّ المالكيّ ، المتوفّى 1122 ه- ، صحّحه في شرح المواهب وقال : ( وذكره ابن الجوزيّ في الموضوعات فأخطأ ) ، وبالغ في الردّ على ابن تيمية ، وقال : ( فالعجب العجاب إنّما هو من كلام ابن تيمية هذا ) (5).

17 - ميرزا محمّد البدخشيّ قال في نزل الأبرار : ( الحديث صرّح بتصحيحه

ص: 380


1- 1. عمدة القاري شرح صحيح البخاريّ 15 / 59.
2- 2. شرح المواهب اللدنية 5 / 115.
3- 3. الصواعق المحرقة 2 / 375.
4- 4. نسيم الرياض في شرح الشفا 3 / 10.
5- 5. شرح المواهب اللدنية 5 / 115.

جماعة من الأئمّة الحفّاظ : كالطحاويّ ، والقاضي عياض وغيرهما ، وقال الطحاويّ : هذا حديث ثابت رواته ثقات ) (1).

18 - الشيخ محمّد الصبّان ، المتوفّى 1206 ه- ، عدّه في إسعاف الراغبين من معجزات النبيّ صلى الله عليه وآله ، ومن كرامات أمير المؤمنين عليه السلام ، وذكر الحديث (2).

19 - السيّد محمّد مؤمن الشبلنجيّ ، عدّه في نور الأبصار من معجزات رسول الله صلى الله عليه وآله (3) ، نكتفي بهذا المقدار القليل.

( علي الشهراني - البحرين - 23 سنة - طالب )

معجزة للرسول وفضيلة لعلي :

س : يرى أهل الاختلاف والبدع : أنّ قضية رجوع الشمس إلى أمير المؤمنين عليه السلام غير صحيحة ، نرجو التفضّل بالردّ على ذلك.

ج : تارة نبحث عن سند حديث ردّ الشمس ، فإنّه حديث صحيح أخرجه جمع من الحفّاظ والمحدّثين بأسانيد متعدّدة ، وطرقه كثيرة ، وفيها طرق صحيحة ثابتة ، نصّ على ذلك غير واحد منهم ، وهي تنتهي إلى : الإمام علي والإمام الحسين عليهما السلام ، وابن عباس ، وجابر ، وأبي هريرة ، وأبي رافع ، وأبي سعيد الخدري ، وأسماء بنت عميس ، كما أنّ بعض كبار علماء أهل السنّة أفردوه بالتأليف.

وللتفصيل حول من روى هذا الحديث ، وصحّح أسانيده ، راجع المصادر التي ذكرت ذلك (4).

ص: 381


1- 1. نزل الأبرار : 40.
2- 2. إسعاف الراغبين : 58 و 152.
3- 3. نور الأبصار : 43.
4- 4. الغدير 3 / 126 ، قبسات من فضائل أمير المؤمنين : 23 ، تاريخ مدينة دمشق : ترجمة أمير المؤمنين ، إحقاق الحقّ 5 / 521 و 16 / 316.

وأمّا بخصوص شبهة أهل الاختلاف والبدع ، فإنّ نظرة سريعة في متن الحديث تدفع هذا الإشكال : ( عن أسماء بنت عميس : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله صلّى الظهر بالصهباء من أرض خيبر ، ثمّ أرسل عليّاً في حاجة ، فجاء وقد صلّى رسول لله العصر ، فوضع رأسه في حجر علي ، ولم يحرّكه حتّى غربت الشمس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( اللهم إنّ عبدك عليّاً احتبس نفسه على نبيّه ، فردّ عليه شرقها ).

قالت أسماء : فطلعت الشمس حتّى رفعت على الجبال ، فقام علي فتوضّأ وصلّى العصر ، ثمّ غابت الشمس ) (1).

ولا أعلم لماذا يحارب النواصب هذه الفضيلة؟ التي هي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وآله قبل أن تكون فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام.

ص: 382


1- 1. البداية والنهاية 6 / 88 نقلاً عن تصحيح ردّ الشمس وترغيم النواصب الشمس للحسكاني.

حديث السفينة :

اشارة

( السيّد جلال - البحرين - 27 سنة - ماجستير )

من ذكره من أهل السنّة :

س : أرجو أن تردّوا على هذه الشبهة التي وردتني من وهابيّ ، وترسلوا لي الردّ لأعطيه إيّاه.

في حوار لي مع وهابيّ ذكرت له : قول رسول الله صلى الله عليه وآله : ( مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجى ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى ) ، فقال : بأنّ الرواية منكرة ، وقال الألبانيّ : موضوعة.

ج : إنّ حديث السفينة ذكره الكثير من علماء أهل السنّة في كتبهم ، فمنهم :

الحاكم النيسابوريّ في المستدرك وصحّحه (1) , والطبرانيّ في المعجم (2) ، وإلهيّثمي في مجمع الزوائد (3) ، وغيرهم (4).

ص: 383


1- 1. المستدرك 2 / 343 و 3 / 151.
2- 2. المعجم الصغير 1 / 139 و 2 / 22 ، المعجم الأوسط 5 / 355 و 6 / 85 ، المعجم الكبير 3 / 45 ، 12 / 27.
3- 3. مجمع الزوائد 9 / 168.
4- 4. الجامع الصغير 1 / 373 و 2 / 533 ، كنز العمّال 12 / 94 ، شواهد التنزيل 1 / 361 ، ذخائر العقبى : 20 ، مسند الشهاب 2 / 273 و 275 ، فيض القدير 2 / 658 ، الدرّ المنثور 3 / 334 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 123 ، علل الدارقطنيّ 6 / 236 ، تهذيب الكمال 28 / 411 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 490 ، ينابيع المودّة 1 / 93 و 2 / 101 و 118 و 269 و 327 ، نزل الأبرار : 6 ، نظم درر السمطين : 235 ، ميزان الاعتدال 1 / 482 و 4 / 167 ، لسان العرب 3 / 20 ، تاج العروس 2 / 259.

قال ابن حجر في صواعقه ما هذا لفظه : وجاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضاً : ( إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ) (1).

وكان العلاّمة نجم الدين العسكريّ في كتابه المعد لذكر حديث الثقلين وحديث السفينة ، قد ذكر من طرق أهل السنّة مع تعيين مواضع مصادر الحديث ما زاد عن حدّ التواتر ، بل عن مائة حديث (2) ، فراجع ثمّة.

( أحمد - .... -. 18 سنة )

رواته من الصحابة والتابعين :

س : نشكركم على إجاباتكم ، وبارك الله في جهودكم.

قرأت في منهاج السنّة لابن تيمية حول حديث السفينة ، فهناك يقول : ( أمّا قوله : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، فهذا لا يعرف له إسناد لا صحيح ، ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها ، فإن كان قد رواه من يروي أمثاله من حطاب الليل الذين يروون الموضوعات ، فهذا ممّا يزيده وهناً ).

فالرجاء ، هل كلامه صحيح؟ وإذا لم يكن صحيحاً ، فما هو الردّ؟

ج : لا يخفى بطلان هذا الكلام وهوانه على ذوي البصيرة والخبرة بالأحاديث ، إذ روى حديث السفينة جماعة كبيرة من علماء أهل السنّة وحفّاظهم ، بطرق متكاثرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله.

هذا وقد رواه ثمانية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهم :

الإمام علي عليه السلام ، أبو ذر الغفاريّ ، عبد الله بن عباس ، أبو سعيد الخدري ، أبو الطفيل عامر بن واثلة ، سلمة بن الأكوع ، أنس بن مالك ، عبد الله بن الزبير.

وممّن رواه من التابعين فكثيرون ، ومن أشهرهم :

الإمام علي بن الحسين عليهما السلام ، سعيد بن جبير ، حنش بن المعتمر ، سعيد بن

ص: 384


1- 1. الصواعق المحرقة 2 / 445.
2- 2. حديث الثقلين : 130.

المسيّب ، عطية بن سعيد العوفي ، عامر بن عبد الله بن الزبير ، أياس بن سلمة ابن الأكوع ، رافع مولى أبي ذر.

ونضيف على هذا ما ذكره الأخوة في موقع البرهان ( www.albrhan.org ) في الإجابة على عبارة ابن تيميّة :

ابن تيميّة والألبانيّ وبعض الجهلة ، تلاعب مكشوف في حديث السفينة :

أما ابن تيمية في ( منهاج البدعة التيمية ) ج 7 ص 395.

قال ابن تيمية : quot; وأما قوله مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح فهذا لا يعرف له إسناد لا صحيح ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها فإن كان قد رواه مثل من يروي أمثاله من حطاب الليل الذين يروون الموضوعات فهذا ما يزيده وهنا.

أما الألباني :

ففي سلسلته الضعيفة الحديث رقم 4503 فقال عنه ضعيف الإسناد لأنّ طريق ابن لهيعة لا معاضد له ( حدّثنا يحيى بن يعلى بن منصور ينا ابن أبي مريم ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عامر بن عبيد الله بن الزبير عن أبيه أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها سلم ومن تركها غرق ).

ولكنه جهل أو تجاهل عمدا طريق مصنف ابن أبي شيبة الذي يرفعه لمرتبة الحسن!!

مصنف ابن أبي شيبة ج 6 ص 372 ح 32115 : ( حدّثنا معاوية بن هشام قال ثنا عمار عن الأعمش عن المنهال عن عبد الله بن الحارث عن علي قال : إنّما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح وكتاب حطة في بني إسرائيل ).

وهذا الجهل لا بأس به؛ لأنّا تعوّدنا على جهل القوم حتى في أسانيدهم.

ولكن الذي يحز في القلب أن نفس الطرق التي ذكرها الألبانيّ في سلسلته الضعيفة يمكن أن تتعاضد بنفس موازين الألبانيّ ؛ إذ في أبحاث الألبانيّ قد عضّد نفس هذه الطرق ببعضها! ولكن عندما لم يكن الكلام عن فضائل أهل البيت عليهم السلام.

ص: 385

توضيح : - أننا لا نحب الإطالة ولكن لا بأس ب-ها هنا - :

قال الألبانيّ عن إسناد حديث ابن عباس الذي خدشه بأبي الصهباء الكوف-يّ إذ لم يوثقه إلا ابن حبان ، وبالحسن بن أبي جعفر وهو متروك وقال فيه البخاريّ منكر الحديث.

نقول : أمّا أبو الصهباء الكوف-يّ ، فقد وثقه الذهبيّ في الكاشف!

الكاشف ج 2 ص 436 ت 6692 : ( أبو الصهباء الكوف-يّ عن سعيد بن جبير وعنه حماد بن زيد وعدّة ( ثقة ).

فهل جهل أم تجاهل؟!

في نظرنا ، إلى هنا لا بأس به ، لأنّنا تعودنا - كما قلنا سابقا - على الجهل.

لكن الطامة الكبرى فهنا :

أنّ السبب لعدم قابلية هذا الطريق - طريق ابن عباس - لأن يتعاضد من طريق ابن لهيعة الذي ذكره الألبانيّ نفسه ، هو وجود الحسن بن أبي جعفر الذي زعم الألبانيّ أنه شديد الضعف ، فالحسن بن أبي جعفر في نظر الألبانيّ لا يستشهد بحديثه لشدة ضعفه.

ولكن لننظر لما قاله الألبانيّ عن ( الحسن بن أبي جعفر ) في سلسلته الصحيحة ج 6 ص 1240 - 1241.

أخرجه الدارقطنيّ وعلقه البيهقيّ وقال : الحسن بن أبي جعفر ليس بالقويّ ، وقال الذهبي في الكاشف : صالح ، خيّر ، ضعفوه. وقال الحافظ : ضعيف الحديث مع عبادته وفضله. قلت - أي الالباني - : ( فمثله يستشهد به ) إن شاء الله تعالى ).

سبحان الله! يستشهد به هنا ، ولا يستشهد ] به في فضائل أهل البيت [ لماذا الحقد على أهل البيت؟! ..

( أحمد - ..... - 18 سنة )

دلالته على إمامة أهل البيت :

س : هل يدلّ حديث السفينة على إمامة أهل البيت عليهم السلام؟ أم مجرد يدلّ على

ص: 386

محبّتهم والتودّد لهم؟ أرجو الإجابة وشاكراً جهودكم.

ج : يدلّ حديث السفينة على إمامة أهل البيت عليهم السلام من وجوه :

1 - وجوب اتباعهم عليهم السلام على الإطلاق ، ولا يجب اتباع أحد كذلك - بعد الله ورسوله - إلاّ الإمام.

2 - اتباعهم عليهم السلام يوجب النجاة والخلاص ، ومن المعلوم أنّ كونهم عليهم السلام كذلك دليل العصمة.

3 - أفضليتهم عليهم السلام من سائر الناس مطلقاً ، إذ لو كان أحد أفضل منهم - أو في مرتبتهم من الفضل - لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بالاقتداء به دونهم عليهم السلام ، وإلاّ لزم أن يكون قد غشّ أُمّته ، وحاشا لرسول الله من ذلك.

4 - عصمتهم عليهم السلام ، إنّ هذا الحديث يدلّ على أن محبّة أهل البيت عليهم السلام توجب النجاة ، وهذا المعنى يستلزم عصمتهم ، إذ لو كان منهم ما يوجب سخط الباري تعالى لما جازت محبّتهم ومتابعتهم ، فضلاً عن وجوبها وكونها سبباً للنجاة ، وإذا ثبت عصمتهم عليهم السلام لم يبق ريب في إمامتهم.

5 - يدلّ على هلاك وضلال المتخلّفين عن أهل البيت عليهم السلام ، وتخلّف الخلفاء عنهم من الوضوح بمكان ، فبطل بهذا خلافتهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، وثبتت خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

6 - يدلّ على أنّ من اتبعهم عليهم السلام كان من المفلحين الناجين ، ومن خالفهم وتركهم كان من الكافرين الخاسرين ، فبهم وباتباعهم يعرف المؤمن من الكافر ، وهذا المعنى أيضاً يقتضي الإمامة والرئاسة العامّة ، لأنّه من شؤون العصمة المستلزمة للإمامة.

7 - يدلّ على لزوم وجود إمام معصوم من أهل البيت عليهم السلام في كلّ زمان إلى يوم القيامة ، ليتسنّى للأُمّة في جميع الأدوار ركوب تلك السفينة.

ص: 387

ص: 388

حديث العشرة المبشّرة :

اشارة

( حسام - ألمانيا - .... )

أدلّة على بطلانه وعدم صحّته :

س : أسمع أنّ الشيعة يقولون : بأنّ أبا بكر ، وعمر ابن الخطّاب ، اغتصبا حقّ سيّدنا علي عليه السلام في الإمامة ، وغير ذلك من الأُمور التي تجعلهم من أهل الضلال ، فكيف نوفّق بين هذا الكلام - إن صحّ عن الشيعة - وبين أنّهما مبشّران بالجنّة؟ ولكم كلّ التقدير.

ج : نحن نعتقد أنّ حديث العشرة المبشّرة هو من الموضوعات المختلقة على عهد بني أُمية ، وضعوه على لسان بعض الصحابة.

وممّا يثبت القول ببطلان حديث تبشير العشرة بالجنّة ، ما رواه الشيخان والنسائيّ عن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال : ما سمعت النبيّ صلى الله عليه وآله يقول لأحد يمشي على الأرض ، أنّه من أهل الجنّة إلاّ لعبد الله بن سلام (1).

فهذا أبو سعد - وهو أب أحد العشرة المذكورين في حديث التبشير - قد شهد بأنّه لم يسمع النبيّ صلى الله عليه وآله يبشّر أحداً بالجنّة ، سوى عبد الله بن سلام.

لكنّا نعلم أنّ قوله هذا لا يصحّ على إطلاقه ، إذ قد استفاضت النقول بتبشير جماعة من خيار الصحابة بالجنّة ، إلاّ أنّ القدر المتيقّن من كلامه أنّه لم تقع البشارة من النبيّ صلى الله عليه وآله لجميع أُولئك العشرة ، لاسيّما على النحو المذكور في حديث العشرة ، وإن قطعنا بوقوعه لبعضهم في موطن آخر ، كتبشير النبيّ صلى الله عليه وآله

ص: 389


1- 1. صحيح البخاريّ 4 / 229 ، صحيح مسلم 7 / 160 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 70.

أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام ، وأهل بيته الكرام بالجنّة ، وإخباره بأنّه ساقي الحوض وصاحبه عليه ، وأنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وغير ذلك.

فتبيّن : أنّ حديث العشرة المبشّرة والشهادة لهم بالجنّة ، وإنّما هو - كما قلنا - من الموضوعات المختلقة.

ثمّ إنّ ممّا يبيّن بطلان الخبر ، أنّ أبا بكر لم يحتجّ به لنفسه ، ولا احتجّ به له في مواطن دفع فيها إلى الاحتجاج به - كالسقيفة وغيرها - وكذلك عمر ، وعثمان أيضاً ، كيف ذهب عنه الاحتجاج؟ - إن كان حقّاً - لمّا حُوصر ، وطُولب بخلع نفسه ، وهمّوا بقتله ، وما منعه من التعلّق به لدفعهم عن نفسه؟ بل تشبّث بأشياء تجري مجرى الفضائل والمناقب ، وذكر القطع بالجنّة أولى منها وأحرى ، فلو كان الأمر على ما ظنّه القوم من صحّة هذا الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله ، أو روايته في وقت عثمان لاحتجّ به على حاصريه في يوم الدار في استحلال دمه ، وقد ثبت في الشرع حظر دماء أهل الجِنان.

ثمّ ما الذي ثبّط طلحة والزبير الناكثَين ، وسائر الأحياء من العشرة يوم ذاك عن نجدة وليّهم بحديث التبشير بالجنّة؟! ولِمَ ضنّ به أُولئك الرهط - لو كان - على صاحبهم ، مع أنّه من أنجع ما يُدرأ به الشرّ وتحسم به مادّة النزاع؟!

وعلامَ نبذوا ابن عفّان بعد مقتله ثلاثة أيّام ملقىً على المزبلة حتّى خرج به ناس يسير من أهله إلى حائط بالمدينة ، يقال له : ( حشّ كوكب ) كانت اليهود تدفن فيه موتاهم ، فرجم المسلمون سريره ، ومنعوا الصلاة عليه ، إلى غير ذلك ممّا هو مذكور في كتب السِيَر والتواريخ في قصّة قتل عثمان (1).

بل روى ابن عبد ربّه الأندلسيّ عن العتبيّ قال : ( قال رجل من بني ليث : لقيت الزبير قادماً ، فقلت : أبا عبد الله ، ما بالك؟ قال : مطلوب مغلوب ، يغلبني ابني ويطلبني ذنبي ، قال قدمت المدينة ، فلقيت سعد بن أبي وقّاص فقلت : أبا إسحاق ،

ص: 390


1- 1. الاستيعاب 3 / 161 ، تاريخ الأُمم والملوك 3 / 438 ، المعجم الكبير 1 / 79 ، تاريخ مدينة دمشق 39 / 532 ، تاريخ المدينة 1 / 112 ، الإمامة والسياسة 1 / 65.

من الذي قتل عثمان؟ قال : قتله سيف سلّته عائشة ، وشحذه طلحة ، وسمّه علي ، قلت : فما حال الزبير؟ قال : أشار بيده ، وصمت بلسانه ) (1).

فلو أنّ شيئاً من تبشير عثمان بالجنّة كان قد ثبت عند الصحابة ، لَما ألّبوا عليه ولا كتبوا إلى الناس يستدعونهم لجهاده ، والمنصف المتأمّل لذلك يجزم بأنّ حديث التبشير لم يكن له إذ ذاك عين ولا أثر ، وإنّما اختُلق في دولة بني أُمية.

ثمّ قد علم البرّ والفاجر ، والمؤمن والكافر ، ما وقع من أكثر هؤلاء المبشّرين من المخالفات للإمام علي عليه السلام ، وبين طلحة والزبير من المباينة في الدين ، والتخطئة من بعضهم لبعض ، والتضليل والحرب وسفك الدم على الاستحلال به دون التحريم ، وخروج الجميع من الدنيا على ظاهر التديّن بذلك دون الرجوع عنه بما يوجب العلم واليقين ، فكيف يكون كلّ من الفريقين على الحقّ والصواب؟ (2).

وكيف يحكم للجميع بالأمان من عذاب الجحيم ، والفوز بجنّات النعيم ، والحقّ مع علي يدور معه حيث دار؟ (3).

ثمّ لو كان الحديث صحيحاً - كما زعموا - لكان الأمان من عذاب الله لأبي بكر وعمر وعثمان به حاصلاً ، ولَما جزعوا عند احتضارهم من لقاء الله تعالى ، واضطربوا من قدومهم على أعمالهم ، مع اعتقادهم أنّها مرضية لله سبحانه ، ولا شكّوا بالظفر بثواب الله عزّ وجلّ ، ولجَرَوا في الطمأنينة لعفو الله تعالى - لثقتهم بخبر الرسول صلى الله عليه وآله - مجرى أمير المؤمنين عليه السلام في التضرّع إلى الله عزّ وجلّ في حياته أن يقبضه الله تعالى إليه ، ويعجِّل له السعادة بما وعده من الشهادة ، وعند احتضاره أظهر من سروره بقرب لقائه برسول الله صلى الله عليه وآله ، واستبشاره بالقدوم على الله عزّ وجلّ لمعرفته بمكانه ، ومحلّه من ثوابه ،

ص: 391


1- 1. العقد الفريد 5 / 46.
2- 2. الإفصاح : 73 ، الطرائف : 522.
3- 3. المستدرك 3 / 124 ، شرح نهج البلاغة 6 / 376 و 10 / 270 ، شواهد التنزيل 1 / 246 ، ينابيع المودّة 1 / 270.

كيف؟! ومن أطاع الله أحبّ لقاءه ، ومن عصاه كره لقاءه.

قال الشيخ المفيد قدس سره : ( والخبر الظاهر أنّ أبا بكر جعل يدعو بالويل والثبور عند احتضاره ، وأنّ عمر تمنّى أن يكون تراباً عند وفاته ، وودَّ لو أنّ أُمّه لم تلده ، وأنّه نجا من أعماله كفافاً ، لا له ولا عليه ، وما ظهر من جزع عثمان بن عفّان عند حصر القوم له ، وتيقّنه بهلاكه ، دليل على أنّ القوم لم يعرفوا من رسول الله صلى الله عليه وآله ما تضمّنه الخبر من استحقاقهم الجنّة على كلّ حال ، ولا أمِنوا من عذاب الله سبحانه لقبيح ما وقع منهم من الأعمال ) (1).

هذا وقد ثبت عند المحقّقين عدم صحّة أسانيد كافّة الطرق المنقولة لهذا الحديث ، إمّا من جهة الإرسال ، وإمّا من جهة اشتمالها على كذّابين ومدلّسين ، أو مهملين ومجهولين.

ويؤيّد ما ذكرنا عدم نقل البخاريّ ومسلم لهذا الحديث ، مع نقلهما لما هو دون هذا الحديث في إثبات فضائل بعض هذه العشرة!!

وممّا قرّرنا ينكشف لك : أنّ حديث تبشير العشرة بالجنّة زخرف من القول ، ليس له أصل ، فلا تغرّنك كثرة طرقه ، ولا تهولنّك وفرة أسانيده وشهرته ، فلرُبّ مشهور لا أصل له.

ومن هنا اتّضح : أنّ أبا بكر وعمر وعثمان ليسا من المبشّرين بالجنّة ، وعليه لا يرد على معتقدات الشيعة شيء.

( حسام - ألمانيا - .... )

تعقيب على الجواب السابق :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لا أعرف كيف أشكركم على هذا الجهد البنّاء ، والردّ المقنع الذي

ص: 392


1- 1. الإفصاح : 73.

ارفقتموه لي ، والذي سوف يساعدني كثيراً عند محاورتي لبعض معاندي أهل السنّة.

( أبو ساجد - أمريكا - 33 سنة - بكالوريوس )

تعقيب على الجواب السابق :

أشكر مركز الأبحاث العقائديّة على الردّ المقنع على حديث العشرة المبشّرة بالجنّة المزعومة.

هناك دليل عقلي ونقلي على بطلانه وهو : كيف لرجل - مثل عمر بن الخطّاب - يدخل الجنّة وهو صاحب بدع ورذائل؟ وأشهرها :

1 - أنّه ابتدع صلاة التراويح وجعلها جماعة.

2 - أنّه ابتدع التكتّف بالصلاة تقليداً للمجوس عبدة النار.

3 - كان يعترض على النبيّ صلى الله عليه وآله ، وأكبر اعتراض هو عند كتابة الوصية ، واتهامه النبيّ بالهجر.

4 - هجومه على بيت الزهراء وعلي عليهما السلام ، وحرق الباب ، وإسقاط الجنين ، ورفس غلامه قنفذ لبطن فاطمة عليها السلام.

5 - كان غليظاً خاصّة على النساء ، وهو أوّل حاكم يضرب الناس من غير حقّ.

6 - كان يعتقد بتحريف القرآن ، ويعتقد بسورتين مزعومتين.

7 - مبايعته هو وأبو بكر وعثمان وبقية العشرة المزعومين للإمام علي عليه السلام في غدير خم ، ومن ثمّ نكثوا وغدروا به.

فبعد كلّ هذه الرذائل ، هل يدخل الجنّة من غير حساب ولا عقاب؟

ملاحظة : هذه الرذائل الذي ذكرتها موجودة في كتب أهل السنّة ، والمصادر مذكورة عند مركز الأبحاث لمن يريد أن يتأكّد.

ص: 393

( نسيم محمّد - أمريكا - 30 سنة - طالب جامعة )

تعقيب على الجواب السابق :

أحببت أن أساهم بالجواب حول مسألة العشرة المبشّرين بالجنّة ، فأقول : ذكر الإمام مالك الحديث التالي في الموطّأ : ( مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله مع أبي بكر على شهداء أُحد ، فقال : ( هؤلاء أشهد عليهم ) ، فقال أبو بكر : ألسنا يا رسول الله بإخوانهم؟ أسلمنا كما أسلموا ، وجاهدنا كما جاهدوا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( بلى ، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي )!! ، فبكى أبو بكر ، ثمّ بكى ، ثمّ قال : إنا لكائنون بعدك؟ ) (1).

فهل هذا الحديث يدلّ على أنّ أبا بكر من المبشّرين؟ وهذا هو حاله.

ونقل المتقيّ الهنديّ عن الضحّاك بن مزاحم قال : ( قال أبو بكر - ونظر إلى عصفور - : طوبى لك يا عصفور ، تأكل من الثمار ، وتطير في الأشجار ، لا حساب عليك ولا عذاب ، والله! لوددت أنّي كبش يسمّنني أهلي ، فإذا كنت أعظم ما كنت وأسمنه يذبحوني ، فيجعلوني بعضي شواء ، وبعضي قديداً ، ثمّ أكلوني ، ثمّ ألقوني عذرة في الحش ، وأنّي لم أكن خلقت بشراً ) (2).

فبالله عليكم ، هل هذا كلام شخص بشّره الله ورسوله بالجنّة؟

وروى الحافظ أبو نعيم عن الضحّاك قال : ( قال عمر : يا ليتني كنتُ كبش أهلي ، يسمّنوني ما بدا لهم ، حتّى إذا كنت أسمن ما أكون ، زارهم بعض من يحبّون ، فجعلوا بعضي شواء ، وبعضي قديداً ، ثمّ أكلوني ، فأخرجوني عذرة ، ولم أك بشراً ) (3) ، بينما قال الإمام علي عليه السلام لحظة استشهاده : ( فُزتُ وربّ الكعبة ).

ص: 394


1- 1. الموطّأ 2 / 462.
2- 2. كنز العمّال 12 / 529.
3- 3. حلية الأولياء 1 / 88.

والبخاريّ يروي لنا كلام عمر بن الخطّاب ساعة احتضاره ، قال عمر أثناء وفاته : ( والله لو أنّ لي طلاع الأرض ذهباً لافتديتُ بهِ من عذاب الله )!! (1).

بالله عليكم ، هل يقول هذا الكلام من تقولون له بحديث البشارة بالجنّة؟ وهذا يدلّ بطلان أنّه من المبشّرين في الجنّة.

ويروي الإمام أحمد في مسنده ، قال صلى الله عليه وآله : ( إنّ من أصحابي من لا يراني بعد أن أفارقه ... ) ، وكان عمر يسأل أُمّ سلمة : بالله منهم أنا؟ (2).

لماذا يسألها عمر من دون سائر الصحابة؟ لماذا عمر يسأل أُمّ سلمة إذا كان من المبشّرين بالجنّة؟ كاد المريب أن يقول : خذوني فأين هم من حديث البشارة بالجنّة؟ والحرّ تكفيه الإشارة.

( حسين مردان - العراق - 39 سنة - مهندس )

ما ورد في تأييده مردود :

س : لي تعقيب على بطلان كون الخلفاء من بعد الرسول غير مبشّرين بالجنّة.

هناك حديث للرسول صلى الله عليه وآله يقول ما مضمونه : ( إنّ الله اطلع على أهل بدر ، فقال : أعملوا ما شئتم ، فإنّي قد غفرت لكم ) ، وكان الخلفاء من الذين شهدوا بدراً.

ولقد كانوا من الذين جاهدوا مع الرسول الكريم في بدايات الدعوة ، فهل يحقّ لنا الآن أن لا نذكرهم بخير؟ بسبب خلافهم مع الإمام علي ، ولماذا عاش الإمام معهم دون مشاكل كبيرة؟ الرجاء أعطونا إجابة شافية.

ج : الحديث الذي اعتبرته دليلاً على مدّعاك لا يصمد أمام النقد لوجوه :

1 - الحديث من أحاديث الآحاد ، وهي مضطربة الطرق والإسناد.

ص: 395


1- 1. صحيح البخاريّ 4 / 201.
2- 2. مسند أحمد 6 / 290.

2 - معارضة هذا الحديث لمجموعة كبيرة من الآيات القرآنيّة ، والروايات التي رواها الثقات.

3 - اختلفت دلالة الأحاديث ، لكن أغلبها يشير إلى احتمال حصول الغفران على سبيل الظنّ ، لا كما نقلته على سبيل اليقين.

ولو سلّمنا صحّة سند الأحاديث ، فكلّه مشروط بسلامة العاقبة ، ولا يجوز أن يخبر الحكيم مكلّفاً غير معصوم ، بأن لا عقاب عليه ، فليفعل ما يشاء ، كما وأنّه أمّا أن يكون قصد النبيّ : اعملوا ما شئتم من أعمال الشرّ ، أو يكون قصده : اعملوا ما شئتم من أعمال الخير والبر.

فإن قالوا : أراد أعمال الخير والبر ، قيل لهم : هذا غير مستنكر أن يكون الله قد غفر لهم ما كان منهم من كراهية الجهاد في هذه المواطن ، كما أخبر عنهم في قوله : ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ) (1) إلى آخر القصّة.

فهذه أحوال كلّها مذمومة من أهل بدر ، فجائز أن يكون الله قد غفر لهم من بعد بأفعال جميلة ظهرت منهم ، ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وآله : استأنفوا عمل الخير بالطاعة ، وحسن العمل والتسليم ، وإن كان هذا فيهم كذلك ، فليس هذا حالاً يوجب لأهل بدر كلّهم النجاة ، بل يوجب لمن استأنف منهم أعمال الخير بالمسارعة إلى الطاعة والانقياد بالرضا ، والتسليم إلى ما قد وعدهم الله من المغفرة والعفو عن الدين.

أمّا الذين وصفهم فيه بالأعمال المذمومة ، ومن قصّر في ذلك ، وجرى إلى خلاف ما يرتضيه الله منه ، حمله من بعض معانيه ممّا يلزم غيره من المسلمين.

وإن قالوا : إنّه أراد بقوله : اعملوا ما شئتم من الأعمال السيّئة ، كان هذا القائل جاهلاً متخرّصاً ، لأنّ هذا يوجب إباحة المحارم لأهل بدر ، والتحليل لهم

ص: 396


1- 1. الأنفال : 5.

ما حرّمه على غيرهم في الشريعة ، من الزنا والربا ، وشرب الخمر ، وقتل النفس التي حرّم الله قتلها ....

وإن قالوا : إنّ الله قد علم أنّهم لا يأتون بشيء من ذلك ، قيل لهم : إن كان هذا كما وصفتم ، فقوله : اعملوا ما شئتم وهم لا يعملون ، لا معنى له ولا فائدة فيه ، وليس هذا من قول الحكيم.

وإن قالوا : إنّما أراد بذلك إظهار جلالة منزلتهم للناس ، وتبيين فضيلتهم بتحليل المحارم ، والإباحة للمحظورات ، فيجعل للجاهل سبيلاً إلى الدخول في ذلك ، أو في شيء منه ، قيل لهم : هذا ما لا يستقيم عند ذوي عقل ولا فهم.

مع ما يقال لهما كيف يصحّ ما يقولون : إنّ الرسول صلى الله عليه وآله قال للزبير : ( إنّك تقاتل عليّاً ، وأنت ظالم له ) ، فلو كان أباح لهم ما زعمتم ، لكان قوله صلى الله عليه وآله للزبير : تقاتل عليّاً وأنت ظالم له ، ظلماً من الرسول صلى الله عليه وآله ، واعتداء على الزبير ... (1).

وحتّى لو غضضنا النظر عن دلالة الحديث ، فإنّ إقرارك بوجود الخلاف بينهم وبين الإمام علي عليه السلام وحده يكفي لعدم استحقاقهم للجنّة ، لأنّ الخلاف الذي تذكره ليس هو خلافاً شخصيّاً ، بل خلاف يفصح عن عصيانهم لأوامر النبيّ صلى الله عليه وآله ، وعدم امتثال أوامره ، وإذا كنت شيعيّاً كما تقول ، فأنت تعترف قطعاً باغتصاب الخلفاء الثلاثة للخلافة ، وهذا من أعظم الكبائر.

وما ورد عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله يكفي ، إذ قال : ( أنا فرطكم على الحوض ، ولأنازعن أقواماً ثمّ لأغلبن عليهم ، فأقول : يا ربّ أصحابي أصحابي! فيقال إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك )! (2) ، وقال صلى الله عليه وآله : ( والذي نفسي بيده

ص: 397


1- 1. كنز العمّال 11 / 340 ، الإصابة 2 / 460 ، الإمامة والسياسة 1 / 92 ، ينابيع المودّة 2 / 389.
2- 2. مسند أحمد 1 / 384 و 402 ، صحيح مسلم 7 / 68 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 602 ، مسند أبي يعلى 9 / 102 و 126 ، كنز العمّال 14 / 418.

لأذودن عن حوضي رجالاً كما تذاد الغريبة من الإبل ) (1).

أمّا عدم إيصال الخلاف إلى حدّ الاقتتال ، فذلك لعهد عهده له رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا يفرّق بين المسلمين ، والإسلام ما يزال بعد في أوّله.

ص: 398


1- 1. مسند أحمد 2 / 467 ، صحيح مسلم 7 / 70 ، فتح الباري 11 / 414 ، كنز العمّال 14 / 420.

حديث المؤاخاة :

اشارة

( هاشم - الكويت - 18 سنة - طالب جامعة )

العسقلانيّ يرد ابن تيمية لتضعيفه الحديث :

س : يدّعي بعض المتعصّبين من أهل السنّة بطلان حديث المؤاخاة بين رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام ، وعدم وجود سند صحيح لهذه الحادثة ، فماذا تردّون عليهم؟

ج : إنّ القائل بضعف حديث المؤاخاة هو ابن تيمية في كتابه منهاج السنّة (1) ، ولكنّه كلام باطل جدّاً ، فللمؤاخاة أحاديث صحيحة كثيرة ، حتّى اعترف بذلك كبار العلماء الحفّاظ من أهل السنّة ، كابن حجر العسقلانيّ في فتح الباري (2) ، وصرّح ببطلان كلام ابن تيمية ، وردّ عليه.

( مصطفى - السعودية - .... )

يثبت إمامة علي عليه السلام :

س : لاشكّ أنّ حديث المؤاخاة يثبت أنّ عليّاً أخ رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولكنّه لا يدلّ على إمامة علي عليه السلام نصّاً.

سؤال طُرح ، فالرجاء ردّه ، وجزاكم الله خيراً.

ج : إنّ النصّ من النبيّ صلى الله عليه وآله على نوعين ، منه ما يدلّ بلفظه وصريحه على

ص: 399


1- 1. منهاج السنّة 7 / 278.
2- 2. فتح الباري 7 / 211.

الإمامة ، ومنه ما يدلّ - فعلاً كان أو قولاً - بنوع من التنزيل عليها ، وحديث المؤاخاة من النوع الثاني.

لأنّ الغرض من مؤاخاة النبيّ صلى الله عليه وآله للإمام علي عليه السلام هو تعريف بمنزلة الإمام عليه السلام ، وبيان فضله على غيره ، لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان يؤاخي بين الرجل ونظيره - كما دلّ عليه بعض الأخبار - فيكون أمير المؤمنين عليه السلام هو النظير لرسول الله صلى الله عليه وآله ، كما جعلته آية المباهلة نفسه ، وذلك رمز لإمامته عليه السلام ، ولذا احتج الإمام علي عليه السلام بهذا الحديث يوم الشورى (1).

كما أشار رسول الله صلى الله عليه وآله أيضاً إلى ذلك بقوله : ( أنت أخي ووارثي ) ، قال عليه السلام : ( وما أرثك )؟ قال : ( ما ورثت الأنبياء قبلي كتاب الله وسنّتي ) (2).

فإنّ عليّاً عليه السلام إذا ورث مواريث الأنبياء كان من خلفائهم ، وإمام الأُمّة ، إذ ليس الإمام إلاّ من كان كذلك.

( محمّد - ..... - 21 سنة )

متواتر ورواه الكثير من أهل السنّة :

س : ما هو حديث المؤاخاة؟ وهل هو صحيح سنداً؟ شاكرين جهودكم في خدمة الإسلام.

ج : بعد هجرة النبيّ صلى الله عليه وآله إلى المدينة المنوّرة بعدّة أشهر ، آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بين أصحابه من المهاجرين - الذين هاجروا من مكّة إلى المدينة - وبين الأنصار ، وهم أهل المدينة ، على الحقّ والمواساة ، فكان يؤاخي بين الرجل ونظيره ، حتّى بقي هو وعلي عليهما السلام فآخاه ، أي جعله أخاً له ، ومن جملة ما قاله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : ( وأنت أخي ووارثي ) ، وهذا نعبّر عنه بحديث المؤاخاة.

ص: 400


1- 1. شرح نهج البلاغة 6 / 167 ، كنز العمّال 5 / 725 ، تاريخ مدينة دمشق ، ميزان الاعتدال 1 / 442.
2- 2. مفردات غريب القرآن : 519.

ولا يخفى عليك ، إنّنا من خلال هذا الحديث نثبت أحقّية الإمام علي عليه السلام لمنصب الإمامة والخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، حيث يثبت هذا الحديث فضيلة كبيرة ، ومنزلة عظيمة لأمير المؤمنين عليه السلام ، وهي : أنّه أخ له ووارثه.

كما لاشكّ أنّ هذا الحديث تواتر نقله ، ولا يمكن إنكاره ، ولا التشكيك فيه ، فقد رواه أصحاب السنن والسير والتواريخ من أعلام أهل السنّة في كتبهم ، فضلاً عن علماء الشيعة ، وعليه فهو حديث صحيح ، ولا يعبأ بقول ابن كثير وابن حزم - المعروفين بالنصب والتعصّب ضدّ فضائل علي عليه السلام - بأنّه حديث غير صحيح ، خصوصاً وأنّ بعض علماء أهل السنّة قد صححه وقوّاه.

وفي هذا المجال نذكر بعض نصوص هذا الحديث ، وبعض مصادره من أهل السنّة ، ومن قال بتصحيحه ، حتّى يتبيّن الحقّ لم ينكره.

1 - روي عن زيد بن أبي أوفى قال : لمّا آخى النبيّ صلى الله عليه وآله بين أصحابه ، وآخى بين عمر وأبي بكر ... فقال علي : ( يا رسول الله ، ذهب روحي ، وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري ، فإن كان من سخطة عليّ؟ فلك العتبى والكرامة ).

فقال صلى الله عليه وآله : ( والذي بعثني بالحقّ ، ما أخّرتك إلاّ لنفسي ، فأنت عندي بمنزلة هارون من موسى ووارثي ).

قال : ( يا رسول الله ما أرث منك )؟! قال : ( ما أورثت الأنبياء ) ، قال : ( ما أورثت الأنبياء قبلك )؟! قال : ( كتاب الله وسنّة نبيّهم ، وأنت معي في قصري في الجنّة مع فاطمة ابنتي ، وأنت أخي ورفيقي ) (1).

ص: 401


1- 1. المعجم الكبير 5 / 221 ، نظم درر السمطين : 94 ، كنز العمّال 9 / 167 و 13 / 105 ، الدرّ المنثور 4 / 371 ، تاريخ مدينة دمشق 21 / 415 و 42 / 53 ، المناقب : 152 ، ينابيع المودّة 1 / 177 ، الآحاد والمثاني 5 / 172.

2 - وروي : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله آخى بين أصحابه ، فبقي رسول الله وأبو بكر وعمر وعلي ، فآخى بين أبي بكر وعمر ، وقال لعلي : ( إنّما تركتك لنفسي ، أنت أخي وأنا أخوك ، فإنّ ذكرك أحد فقل : أنا عبد الله وأخو رسول الله ، لا يدّعيها بعدك إلاّ كذّاب ) (1).

ص: 402


1- 1. ذخائر العقبى : 66 ، نظم درر السمطين : 95 ، كنز العمّال 11 / 608 و 13 / 140 ، علل الدارقطنيّ 9 / 205 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 52 و 61 ، جواهر المطالب 1 / 71 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 152.

حديث مدينة العلم :

اشارة

( ناصر - أمريكا - .... )

تصريح علماء السنّة بصحّته وحسنه :

س : سألني أحد الإخوة عن حديث ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) ، وأنا في أمريكا لا يوجد لديّ كثير من المصادر ، فهل لكم أن ترشدونا إليه من كتب العامّة.

ج : من أقوى الأدلّة على أعلميّة أمير المؤمنين عليه السلام من جميع الصحابة ، حديث ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) ، هذا الحديث الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله بالأسانيد والطرق المعتبرة في كتب الفريقين ، وله ألفاظ مختلفة وشواهد متكثّرة ، حتّى نصّ جماعة من علماء أهل السنّة على كونه من الأحاديث المشتهرة ، وتفرّغ آخرون لإبطال الطاعنين في سنده.

لكن السبب الأصلي لطعن القوم في سنده قوّة دلالته على أفضلية الإمام عليه السلام ، والأفضلية مستلزمة للإمامة والخلافة ، ولهذا عمد بعضهم إلى التلاعب في متنه بالتأويل والتحريف.

فممّن صرّح بصحّته وحسنه من علماء أهل السنّة : سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص (1) ، الحاكم النيسابوريّ في المستدرك (2) ، يحيى بن معين (3) ،

ص: 403


1- 1. تذكرة الخواص : 51.
2- 2. المستدرك 3 / 126.
3- 3. تهذيب الكمال 18 / 77.

البدخشانيّ في نزل الأبرار ، الذي التزم فيه بالصحّة (1) ، محمّد بن يوسف الكنجيّ في كفاية الطالب (2) ، ابن الجزريّ في أسنى المطالب (3) ، السخاويّ في المقاصد الحسنة (4) ، ابن حجر العسقلانيّ (5) ، صلاح الدين العلائيّ (6) ، الصالحيّ الشاميّ (7) ، المنّاويّ في فيض القدير (8) ، الصبّان في إسعاف الراغبين (9) ، الشوكانيّ في الفوائد المجموعة (10).

( ... - ... - ..... )

صحّحه الحاكم :

س : أرجو إفادتنا بسند صحيح أنّ الرسول صلى الله عليه وآله قال : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ).

ج : حديث ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) له أسانيد صحيحة في كتب أهل السنّة ، منها : ما أخرجه الحاكم - وصححّه - عن سفيان بن سعيد الثوري - من رجال الصحاح الستة - عن عبد الله بن عثمان بن خثيم - وثّقه : ابن معين والعجلي والنسائيّ وابن سعد ، وذكره ابن حبّان في الثقات ، وقال أبو حاتم : ما به بأس صالح الحديث - عن عبد الرحمن بن بهمان - ذكره ابن حبّان في الثقات ، ووثّقه

ص: 404


1- 1. نزل الأبرار : 38.
2- 2. كفاية الطالب : 119.
3- 3. أسنى المطالب : 70.
4- 4. المقاصد الحسنة : 123.
5- 5. كشف الخفاء 1 / 204 عنه في اللآلي.
6- 6. سبل الهدى والرشاد 1 / 509.
7- 7. نفس المصدر السابق.
8- 8. فيض القدير 3 / 61.
9- 9. إسعاف الراغبين : 148.
10- 10. الفوائد المجموعة : 349.

ابن حجر في التهذيب وتقريب التهذيب ، وكذا غيرها - قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله يقول : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأت من الباب ) (1).

( وليد محمّد - مصر - 27 سنة )

جاء بسند معتبر في كتبنا :

س : تمنّيت أن تقوموا بإعطائنا السند الصحيح الموثّق من كتب الشيعة الكرام حول حديث : أنا مدينة العلم ... ولا رغبة لي بما في كتب السنّة ، وبارك الله فيكم.

ج : إنّ حديث ( أنا مدينة العلم ) موجود في كتبنا بأسانيد معتبرة ، وهو حقيقة مسلّمة ، بحيث جاء ذكره حتّى في زيارات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وحتّى في الأدعية المأثورة.

ومن أسانيده المعتبرة : رواية الشيخ الصدوق قدس سره قال : حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن خالد ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن راشد ، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : ( قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله على منبره : يا علي ، أنا مدينة العلم وأنت بابها ، وهل تؤتى المدينة إلاّ من بابها ) (2).

ص: 405


1- 1. المستدرك 3 / 126.
2- 2. الأمالي للشيخ الصدوق : 655.

ص: 406

حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه :

اشارة

( أبوعلي - الكويت - 31 سنة - دبلوم صيدلة )

في مصادر الفريقين :

س : نرجو التفضّل في معرفة سند هذا الحديث وصحّته ، والحديث هو : ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) ، وشكراً لكم ، والسلام.

ج : إنّ هذا الحديث قد ورد بعبارات متقاربة ومضمون واحد ، بطرق متعدّدة في مصادر كثيرة من الفريقين ، نذكر فيما يلي طرفاً منها :

أوّلاً : قد وردت هذه الرواية في كتب الحديث عند الشيعة في حدّ التواتر والاستفاضة ، وهو كما نعلم آية صحّة الحديث من حيث الصدور ، مضافاً إلى أنّ جلّ الأسناد في هذا المجال صحيحة ومعتبرة وقابلة للاعتماد (1).

ثانياً : إنّ هذا الحديث قد جاء في موارد كثيرة عند أهل السنّة (2).

ص: 407


1- 1. انظر : الرسائل العشر : 317 ، الإمامة والتبصرة : 152 ، كمال الدين وتمام النعمة : 409 ، الفصول المختارة : 325 ، الإفصاح : 28 ، مناقب آل أبي طالب 1 / 212 و 3 / 18 ، تفسير أبي حمزة الثمالي : 80.
2- 2. انظر : مسند أحمد 4 / 96 ، مجمع الزوائد 5 / 218 و 224 ، مسند أبي داود : 259 ، كتاب السنّة : 489 ، مسند أبي يعلى 13 / 366 ، صحيح ابن حبّان 10 / 434 ، المعجم الأوسط 6 / 70 ، المعجم الكبير 19 / 388 ، مسند الشاميّين 2 / 438 ، شرح نهج البلاغة 9 / 155 و 13 / 242 ، كنز العمّال 1 / 103 و 6 / 65 ، علل الدارقطنيّ 7 / 63 ، ينابيع المودّة 1 / 351 و 3 / 372 و 456.

( منى علي - البحرين - .... )

دليل على وجوب معرفة الإمام وطاعته :

س : ما معنى الحديث الشريف : ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية )؟ مع الشكر الجزيل.

ج : قد ورد هذا الحديث الصحيح المتّفق عليه في عدّة مصادر ، بألفاظ قريبة المعنى ، وهو دليل صريح على وجوب معرفة الإمام ، والاعتقاد بولايته الإلهيّة ، ووجوب طاعته والانقياد له ، وأنّ الجاهل أو الجاحد له يموت على الكفر ، كما هو الحال بالنسبة إلى الاعتقاد بالنبوّة لنبيّنا صلى الله عليه وآله.

فالنتيجة : إنّ الاعتقاد والالتزام بمعرفة الإمام ركن أساسي في الدين لا مجال للتهرّب منه.

( علي محمّد الصبّاغ - البحرين - .... )

سنده وألفاظه :

س : الإخوة الأكارم في موقع العقائد الإسلاميّة المحترمين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد ، سؤال مهمّ وضروريّ جدّاً : حديث ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) ، أُريد سند ومتن هذا الحديث من كتب السنّة تحديداً ، وماذا يعني هذا الحديث؟

ج : ورد الحديث بعبارات مختلفة ، وإليك نصّها :

1 - ( من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية ) (1).

ص: 408


1- 1. مسند أحمد 4 / 96 ، مجمع الزوائد 5 / 218 ، مسند أبي داود : 259 ، المعجم الكبير 19 / 388 ، مسند الشاميّين 2 / 438 ، شرح نهج البلاغة 9 / 155 ، كنز العمّال 1 / 103 و 6 / 65 ، علل الدارقطنيّ 7 / 63.

2 - ( من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية ) (1).

3 - ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) (2).

4 - ( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) (3).

ومعنى الحديث : أنّ لكلّ زمان إماماً حقّاً ، يجب معرفته وطاعته ، والإذعان بولايته ، ومعاداة أعدائه ، والبراءة من كلّ ولاية غير ولايته ، التي هي ولاية الله ورسوله.

وأمّا تحديد مصداق الإمام ، فلابدّ من الاستفادة من سائر النصوص الشريفة ، أمثال ما ورد عند الشيعة وأهل السنّة : من أنّ الأئمّة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله اثنا عشر إماماً ، كلّهم من قريش ، وفي بعض النصوص : من بني هاشم.

ص: 409


1- 1. مجمع الزوائد 5 / 225 ، كتاب السنّة : 489 ، مسند أبي يعلى 13 / 366 ، صحيح ابن حبّان 10 / 434 ، المعجم الأوسط 6 / 70.
2- 2. ينابيع المودّة 3 / 372.
3- 3. المجموع 19 / 190 ، مواهب الجليل 8 / 367 ، المحلّى 1 / 46 و 9 / 359 ، نيل الأوطار 7 / 356 ، صحيح مسلم 6 / 22 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 8 / 156 ، فتح الباري 13 / 5 ، تحفة الأحوذيّ 8 / 132 ، كتاب السنّة : 489 و 500 ، المعجم الكبير 19 / 335 ، رياض الصالحين : 336 ، كنز العمّال 6 / 52 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 530.

ص: 410

حديث المنزلة :

اشارة

( حميد - عمان - .... )

دلالته على إمامة علي ومصادره :

س : ما هو حديث المنزلة؟ وهل يدلّ على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام؟

ج : هو قول رسول الله صلى الله عليه وآله للإمام علي عليه السلام :

( أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ) ، وهو من الأحاديث المتواترة ، فقد رواه جمهرة كبيرة من الصحابة ، ومصادره كثيرة ، نذكر منها من كتب أهل السنّة : صحيح البخاريّ (1) ، صحيح مسلم (2) ، وغيرهما (3).

ص: 411


1- 1. صحيح البخاريّ 4 / 208 و 5 / 129.
2- 2. صحيح مسلم 7 / 120.
3- 3 - سبل السلام 1 / 44 ، ذخائر العقبى : 120 ، فضائل الصحابة : 13 ، الجامع الكبير 5 / 302 و 304 ، المستدرك 2 / 337 و 3 / 109 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 9 / 40 ، مجمع الزوائد 9 / 109 ، فتح الباري 7 / 60 و 9 / 53 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 157 و 161 ، مسند أبي داود : 28 ، المصنّف للصنعانيّ 5 / 406 و 11 / 226 ، مسند الحميدي 1 / 38 ، مسند ابن الجعد : 301 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 496 و 8 / 562 ، مسند ابن راهويه 5 / 37 ، مسند سعد بن أبي وقّاص : 51 و 103 و 174 و 177 ، الآحاد والمثاني 5 / 172 ، كتاب السنّة : 551 و 586 و 595 و 610 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 44 و 108 و 113 و 120 و 125 و 144 و 240 ، خصائص أمير المؤمنين : 48 و 64 و 76 و 80 و 85 و 116 ، مسند أبي يعلى 1 / 286 و 2 / 57 و 66 و 86 و 99 و 132 و 12 / 310 ، أمالي المحامليّ : 209 و 251 ، صحيح ابن حبّان 15 / 16 و 369 ، المعجم الصغير 2 / 22 و 54 ، المعجم الأوسط 2 / 126 و 3 / 139 و 5 / 287 و 6 / 77 و 83 و 7 / 311 و 8 / 40 ، المعجم الكبير 1 / 146 و 2 / 247 و 4 / 17 و 184 و 5 / 203 و 221 و 11 / 61 و 12 / 15 و 78 و 19 / 291 و 23 / 377 و 24 / 146 ، فوائد العراقيين : 94 ، شرح نهج البلاغة 2 / 264 و 5 / 248 و 6 / 169 و 10 / 222 و 13 / 211 و 249 و 17 / 174 و 18 / 24 ، الأذكار النوويّة : 277 ، نظم درر السمطين : 24 و 95 و 107 و 134 و 194 ، موارد الظمآن : 543 ، كنز العمّال 5 / 724 و 9 / 167 و 11 / 599 و 603 و 13 / 106 و 123 و 151 و 158 و 163 و 172 و 192 و 16 / 186 ، كشف الخفاء 2 / 382 و 420 ، إرواء الغليل 5 / 11 و 8 / 127 ، شواهد التنزيل 1 / 190 و 194 و 2 / 35 و 418 ، الجامع لأحكام القرآن 1 / 266 و 7 / 1 و 8 / 280 ، الطبقات الكبرى 3 / 23 ، التاريخ الكبير 1 / 115 ، معرفة الثقات 2 / 184 و 457 ، الثقات 1 / 142 و 2 / 93 ، طبقات المحدّثين 4 / 264 ، علل الدارقطنيّ 4 / 313 و 373 و 381 ، تاريخ بغداد 1 / 342 و 4 / 56 و 176 و 291 و 425 و 5 / 147 و 7 / 463 و 8 / 52 و 262 و 10 / 45 و 11 / 430 و 12 / 320 ، تاريخ مدينة دمشق 2 / 31 و 13 / 150 و 18 / 138 و 20 / 360 و 21 / 415 و 30 / 60 و 359 و 38 / 7 و 39 / 201 و 41 / 18 و 42 / 16 و 42 و 53 و 98 و 111 و 116 و 139 و 144 و 150 و 156 و 162 و 168 و 175 و 181 و 54 / 226 و 70 / 35 ، أُسد الغابة 4 / 26 و 5 / 8 ، تهذيب الكمال 5 / 277 و 577 و 7 / 332 و 8 / 443 و 14 / 407 و 16 / 346 و 20 / 483 و 25 / 396 و 423 و 32 / 482 و 35 / 263 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 10 و 217 و 2 / 523 ، ميزان الاعتدال 1 / 561 و 2 / 3 و 3 / 122 ، سير أعلام النبلاء 1 / 142 و 12 / 214 و 13 / 341 و 14 / 210 و 15 / 42 ، تهذيب التهذيب 2 / 209 و 6 / 84 و 7 / 296 ، لسان الميزان 2 / 325 و 414 و 5 / 378 ، الإصابة 4 / 464 ، أنساب الأشراف : 92 و 106 ، الجوهرة : 14 و 69 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 368 ، التنبيه والإشراف : 236 ، ذكر أخبار إصبهان 1 / 80 و 2 / 281 و 328 ، البداية والنهاية 5 / 11 و 7 / 251 و 370 و 375 و 8 / 84 ، السيرة النبويّة لابن هشام 4 / 947 ، المناقب : 39 ، السيرة النبويّة لابن كثير 4 / 12 ، النزاع والتخاصم : 101 ، جواهر المطالب 1 / 37 و 57 و 171 و 197 و 212 و 296 ، سبل الهدى والرشاد 5 / 441 و 11 / 291 ، ينابيع المودّة 1 / 112 و 156 ، 160 و 177 و 200 و 240 و 255 و 259 و 309 و 341 و 348 و 374 و 389 و 404 و 431 و 2 / 65 و 86 و 97 و 119 و 146 و 153 و 201 و 237 و 302 و 386 و 3 / 208 و 261 و 278 و 369 و 403.

ودلالته على ولاية علي عليه السلام وإمامته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله واضحة ، إذ أنّ هارون كان خليفة لموسى عليه السلام ونبيّاً ، وقد أثبت رسول الله صلى الله عليه وآله نفس المنزلة لعلي عليه السلام باستثناء النبوّة ، فدلّ ذلك على ثبوت الخلافة له عليه السلام.

ص: 412

( سعد - السعودية - .... )

هو أحد أدلّة الإمامة :

س : بالنسبة لحديث المنزلة ، يقول أهل السنّة : أنّ الرسول صلى الله عليه وآله قاله فقط عندما خلّف عليّاً بالمدينة في غزوة تبوك ، وهذا لا يدلّ على خلافته ، فما هو ردّكم؟

وثانياً : أنّ هارون لم يصبح خليفة لموسى ؛ لأنّه توفّي في زمنه ، بل أصبح يوشع بن نون ، فما هو ردّكم؟

ج : نعلمكم أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يقل حديث المنزلة مرّة واحدة - وذلك في غزوة تبوك - حتّى يرد الإشكال ، بل قاله عدّة مرّات ، وكرّره في عدّة مواطن ، ومن تلك المواطن :

1 - عند مؤاخاته لأمير المؤمنين عليه السلام (1).

2 - في خطبة غدير خم (2).

3 - في قضية فاطمة ابنة حمزة سيّد الشهداء (3).

4 - في حديث عن جابر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله (4).

5 - عند تسمية الإمام الحسن عليه السلام ، عن أسماء بنت عميس ... ثمّ قال صلى الله عليه وآله لعلي : ( أيّ شيء سمّيت ابني )؟ قال : ( ما كنت لاسبقك بذلك ) ، فقال : ( ولا أنا

ص: 413


1- 1. الآحاد والمثاني 5 / 172 ، المعجم الأوسط 8 / 40 ، المعجم الكبير 5 / 221 و 11 / 63 ، كنز العمّال 9 / 167 و 170 و 11 / 607 و 13 / 106 ، الثقات 1 / 142 ، تاريخ مدينة دمشق 21 / 415 و 42 / 53 ، سير أعلام النبلاء 1 / 142 ، المناقب : 39 و 140 و 152 ، ينابيع المودّة 1 / 159 و 177 و 179 و 431 ، نظم درر السمطين : 95 ، الدرّ المنثور 4 / 371.
2- 2. المناقب : 61 ، ينابيع المودّة 3 / 278.
3- 3. تاريخ مدينة دمشق 42 / 170 و 186.
4- 4. الجامع الكبير 5 / 304 ، كتاب السنّة : 588 ، المعجم الكبير 2 / 247 ، تاريخ بغداد 4 / 56 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 139 و 176 ، لسان الميزان 5 / 378 ، الجوهرة : 15 ، البداية والنهاية 7 / 378 ، المناقب : 109 ، ينابيع المودّة 1 / 260 و 2 / 302.

أسابق ربّي ) ، فهبط جبرائيل عليه السلام فقال : ( يا محمّد إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول لك : علي منك بمنزلة هارون من موسى ، لكن لا نبيّ بعدك ... ) (1).

6 - في حديث عن أُمّ سلمة (2).

وهناك موارد أُخرى ، وعليه فالحديث يدلّ على خلافة وإمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.

وبالنسبة إلى سؤالكم الثاني فنقول : إنّ المقصود من كون هارون خليفة لموسى عليه السلام هو ما جاء في قوله تعالى : ( وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِح ) (3).

فهذا مقام لهارون بأمر من الله تعالى ، وقد نزّل نبيّنا عليّاً بهذه المنزلة من نفسه ، ومن المقطوع به أنّ هذا المعنى لم يرد في حقّ غير علي عليه السلام من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولذا ورد عن غير واحد منهم - كما مرّ - أنّه كان يتمنّى لو ورد هذا الحديث في حقّه عن النبيّ ، وثبتت له هذه المنزلة منه.

وأمّا الاستخلاف بمعنى القيام مقام النبيّ بعد الموت ، فهذا ممّا لم يثبت لهارون لموته قبل موسى ، ولكنّه ثبت لعلي لوجوده بعد الرسول الأعظم بحديث المنزلة ، وغيره من الأحاديث القطعية ، المتّفق عليها بين المسلمين.

وبعبارة أوضح : إنّ رتبة الوصاية كانت موجودة عند هارون ، ولكن لم يصل إليها لطروّ المانع وهو الموت ، وأمّا في الإمام علي عليه السلام فلعدم وجود المانع كانت الوصاية قد وصلت إلى مرحلة الفعلية بعد النبيّ صلى الله عليه وآله.

ص: 414


1- 1. ذخائر العقبى : 120 ، نظم درر السمطين : 194 ، ينابيع المودّة 2 / 64 و 201 و 3 / 261.
2- 2. مسند أبي يعلى 12 / 310 ، صحيح ابن حبّان 15 / 15 ، المعجم الكبير 12 / 15 ، موارد الظمآن : 543 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 42 و 169 و 181 ، ميزان الاعتدال 2 / 3 ، لسان الميزان 2 / 414 ، البداية والنهاية 7 / 378 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 291 ، ينابيع المودّة 1 / 389 ، مجمع الزوائد 9 / 111.
3- 3. الأعراف : 142.

وبالجملة : فإنّ الحديث يدلّ بدلالة قطعية على إمامة ووصاية أمير المؤمنين عليه السلام.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

كلّ ما ثبت لهارون يثبت لعلي إلاّ النبوّة :

س : حين نذكر دلالات حديث المنزلة ، وأنّ الاستثناء من أدوات العموم ، ممّا يعني ثبوت جميع المنازل للإمام علي عليه السلام التي كانت لهارون عليه السلام ما عدا النبوّة ، فإن-ّهم يردّون بشبهة : بأن لو كان هذا هو المعنى الذي نذهب إليه في الحديث ، فيجب أن يكون علي عليه السلام نبيّاً في حياة النبيّ صلى الله عليه وآله ، كما كان هارون نبيّاً في حياة موسى عليه السلام ، وذلك بدليل قوله : ( إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ) ، ممّا يستلزم كون علي عليه السلام نبيّاً في حياة النبيّ صلى الله عليه وآله ، فما هو ردّكم؟

ج : من المسلّم أن لا نبيّ في زمن نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله غيره.

ثمّ إن حديث المنزلة ، وإن كان يثبت للإمام علي عليه السلام كلّ ما كان ثابتاً لهارون عليه السلام ، ومنها نبوّته في حياة موسى عليه السلام ، إلاّ أنّ هناك قيود وتخصيصات في غير هذا الحديث ، أخرجت كون علي عليه السلام نبيّاً في حياة النبيّ صلى الله عليه وآله.

هذا ويمكن أن يردّ الأشكال بجواب آخر : بأنّ كلمة ( بعدي ) في الحديث يمكن أن تكون عامّة ، فتشمل البعدية الرتبية ، بالإضافة إلى البعدية الزمانية ، فمعنى لا نبيّ بعدي ، أي : لا نبيّ بعدي من جهة الرتبة ، كما أنّه لا نبيّ بعدي من جهة الزمان.

أي بمعنى : لا نبيّ بعد زماني ، فأنا خاتم الأنبياء ، وفي زماني لا نبيّ بعدي له رتبة النبوّة حتّى تصل له ، إن لم أكن موجوداً وحاضراً معكم.

ويؤيّد هذا الاستعمال ، أي استعمال البعدية بمعنى الرتبية ، ما ورد في قضية بريدة ، حيث قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وآله بعثين إلى اليمن ، على أحدهما علي بن أبي طالب ، وعلى الآخر خالد بن الوليد ، فقال : ( إذا التقيتم فعلي على الناس ،

ص: 415

وإن افترقتما فكلّ واحد منكما على جنده ).

قال : فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا ، فظهر المسلمون على المشركين ، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرّية ، فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه ، قال بريدة : فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره بذلك ، فلمّا أتيت النبيّ صلى الله عليه وآله دفعت الكتاب فقرأ عليه ، فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله.

فقلت : يا رسول الله ، هذا مكان العائذ ، بعثتني مع رجل ، وأمرتني أن أطيعه ، ففعلت ما أرسلت به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( لا تقع في علي ، فإنّه منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي ، وأنّه منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي ) (1).

أي هو وليّكم بعدي في الرتبة ، بمعنى أن لم أكن حاضراً وموجوداً معكم فالولاية من بعدي تكون له ، فعلي وليّ عليكم في حياتي أن لم أكن موجوداً بينكم ، وإلاّ فالولاية لي.

هذا بالإضافة إلى أن الاستثناء في الحديث متّصل ، وأنّه لابدّ من أن يكون متّصلاً ، وأنّه لا يصحّ حمله على الانقطاع ، لوجوب حمل الاستثناء دائماً على الاتصال ما أمكن ، ولعدم وجود شرط الاستثناء المنقطع في هذا الحديث ، وهو وجود مخالفة بوجه من الوجوه.

وعليه فمعنى الحديث يكون : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ النبوّة ، لأنّه لا نبيّ بعدي ، فحذف لفظ النبوّة الذي هو المستثنى في الحقيقيّة.

وفي بعض الروايات وردت فيها لفظ النبوّة ، ففي كتاب البداية والنهاية لابن كثير قال : ( عن عائشة بنت سعد ، عن أبيها : أنّ عليّاً خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، حتّى جاء ثنية الوداع ، وعلي يبكي يقول : ( تخلّفني مع الخوالف )؟!

ص: 416


1- 1. مسند أحمد 5 / 356 ، مجمع الزوائد 9 / 127 ، تحفة الأحوذيّ 5 / 294 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 133 ، خصائص أمير المؤمنين : 98 ، شرح نهج البلاغة 9 / 170 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 189 ، البداية والنهاية 7 / 380 ، ينابيع المودّة 2 / 490.

فقال صلى الله عليه وآله : ( أو ما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ النبوّة ) ، وهذا إسناده صحيح ولم يخرّجوه (1).

إذاً لعلي عليه السلام ما لهارون إلاّ النبوّة ، فليست له لا في حياة النبيّ ولا بعد حياته صلى الله عليه وآله.

ص: 417


1- 1. البداية والنهاية 7 / 377.

ص: 418

الخلفاء :

اشارة

( هاني - الكويت - سنّي )

كيفية تقييمهم :

س : ما تقولون في الصدّيق أبي بكر؟ وفي الفاروق عمر بن الخطّاب؟ وفي الشهيد عثمان بن عفّان؟ وماذا تقصدون بالبراءة من الخلفاء الراشدين؟

ج : نلخّص الجواب في نقطتين :

1 - أنّ تقييم الفرد في المنطق الإسلاميّ يرجع إلى سلوكه وسيرته - قولاً وعملاً وتقريراً - فنحن لا نقيّم الأشخاص بما هم أشخاص ، بل نقيّمهم بعد عرض أعمالهم على الكتاب والسنّة ؛ لنرى مدى قرب هذا أو ذاك ، أو بعده عن المسار الصحيح ، لأنّ الحقّ لا يعرف بالرجال ، ولكن الرجال يُعرفون بالحقّ.

وعليه ، فقضيّتنا مع الصحابة لم تكن قضية قبلية ، أو عصبية ، أو عشائرية ، بل هي قضية دين وشريعة ، واتّباع نصّ أو مخالفته.

وحيث ثبت أنّ الخلفاء الثلاثة كانوا يجتهدون أمام النصوص ، ويتّبعون المصلحة التي يتصوّرونها مع وجود النصّ القرآنيّ والسنّة النبويّة ، وجب علينا الابتعاد عنهم ، والتمسّك بالمتعبّدين الذين لا يفتونا برأي واجتهاد ، بل كلّ ما قالوه كان عن آثار ورثوها كابر عن كابر.

إذاً ، إنّ اجتهادات هؤلاء الخلفاء ، وتأصيلهم لأُصول بعيدة عن واقع التشريع الإسلاميّ ، هو الذي أوقعهم في كثير من الأخطاء العقائديّة والفقهيّة والاجتماعيّة ، وهو الآخر قد دعا حماة الدين أن يرشدوا الناس إلى الابتعاد عن

ص: 419

أُولئك ، لكي لا يتأثّر الآخرون بأخطائهم.

وعليه ، فنحن حين نرشد الآخرين إلى أخطاء أُولئك الخلفاء ، لا نبغي من ورائه إلاّ الوقوف على الحقيقة ، وللحدّ من الانحراف عن جادّة النصوص ، وذلك اتباعاً لقول النبيّ صلى الله عليه وآله : ( ما إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ) ؛ لأنّ الاجتهاد مقابل النصّ يؤدّي بالفرد إلى الابتعاد عن سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وما نزل به الوحي ، وقد أطلق عن الشريعة بالإسلام لما يعنيه من التسليم والانقياد ، والأخذ بالنصوص ، والابتعاد عن الرأي.

وعليه ، فلا يمكن للمسلم المتعبّد الركون إلى أهل الاجتهاد والرأي والمصلحة المتوهّمة ، لأنّه سيؤدّي بالفرد إلى الابتعاد عن النصوص - قرآناً وسنّة - شيئاً فشيئاً ، ثمّ أخذه بما شرع رأياً على أنّه شريعة ودين.

2 - وبناء على ما تقدّم من اعتبار مقاييس الأعمال ، فعلينا كمسلمين أن نتبرّأ من كلّ من خالف كتاب الله وسنّة الرسول صلى الله عليه وآله ، واجتهد مقابل النصّ ، وشرّع أُموراً غير شرعيّة في شريعة المسلمين ، مهما كان نوع المخالفة ، ومهما كانت منزلة الشخص المخالف.

( أُمّ محمّد - ... - سنّية )

عدم قرب الشيخين من رسول الله :

س : إنّ الشيعة تدّعي : أنّ الخليفتين نكثوا العهد بعد الرسول ، فلماذا كانوا أقرب الناس إلى الرسول؟ وكانوا معاونيه في الدعوة الإسلاميّة ، ألم يكن الرسول يعلم بذلك؟ وهو الذي يخبر عن كلّ صغيرة وكبيرة ، فلماذا لم يتكلّم الرسول ويخبر بذلك؟

ج : أمّا قولك : لماذا كان الشيخان أقرب الناس إلى الرسول ، فلا ندري ما مقصودك من القرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله؟ هل بمعنى القرابة؟ فهذا - كما تعلميّن - غير صحيح ، أم أنّك تقصدين أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعتمد عليهما في

ص: 420

كلّ صغيرة وكبيرة ، فهذا - كما تعلميّن أيضاً - غير ثابت ، وذلك لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يخصّهما في شيء كما خصّ غيرهما.

وأهمّ ما نلاحظه أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يؤاخ بينه وبين أحدٍ منهما ، بل لم تذكر جميع كتب السير أنّه صلى الله عليه وآله خصّهما في المشورة دون أصحابه ، أو أودعهما سرّه دون غيرهما من المسلمين ، أو ولاّهما على شيء قد اختصّا به ، بل بالعكس من ذلك ، فإنّ الحقيقة هي خلاف ما تذكرينه تماماً ، وذلك لشواهد :

أوّلاً : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله سدّ الأبواب المشرفة على المسجد ، ومنها باب أبي بكر وعمر ، ولم يميّزهما عن غيرهما ، وأبقى باب علي بن أبي طالب عليه السلام مفتوحاً.

فقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال : ( أمّا بعد ، فإنّي أُمرت بسدّ هذه الأبواب إلاّ باب علي ، فقال فيه قائلكم : والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ، ولكن أمرت بشيء فاتّبعته ) (1).

وروي أيضاً عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال : ( أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيدي ، فقال : إنّ موسى سأل ربّه أن يطهّر مسجده بهارون ، وإنّي سألت ربّي أن يطهّر مسجدي بك وبذرّيتك ، ثمّ أرسل إلى أبي بكر أن سدّ بابك ، فاسترجع ثمّ قال : سمعاً وطاعة ، فسدّ بابه ، ثمّ أرسل إلى عمر ، ثمّ أرسل إلى العباس بمثل ذلك ، ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي ، ولكن الله فتح باب علي وسدّ أبوابكم ) (2).

ثانياً : أنّه صلى الله عليه وآله أمّر أُسامة بن زيد على الشيخين ، وعلى جمعٍ من الصحابة ، وكان فتىً صغيراً ، ولم يقدّم الشيخين في هذا الجيش؟

ص: 421


1- 1. المستدرك 3 / 125 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 118 ، خصائص أمير المؤمنين : 73 ، كنز العمّال 11 / 618 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 138 ، البداية والنهاية 7 / 379 ، المناقب : 327 ، جواهر المطالب 1 / 186 ، ينابيع المودّة 2 / 169 و 233 و 398.
2- 2. كنز العمّال 13 / 175 ، النزاع والتخاصم : 117.

فعن عبد الله بن عبد الرحمن : ( أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله في مرض موته ، أمّر أُسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه جلّة المهاجرين والأنصار ، منهم أبو بكر وعمر ، وأبو عبيدة بن الجرّاح ، وعبد الرحمن بن عوف ، وطلحة والزبير ، وأمره أن يغير على مؤتة ، حيث قتل أبوه زيد ... ) (1).

ثالثاً : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد آخى بينه وبين علي عليه السلام ، في حين لم يؤاخ بينه وبين أحدٍ من الشيخين ، بل آخى بين أبي بكر وبين خارجة بن زيد (2) ، وآخى بين عمر بن الخطّاب وبين عتبان بن مالك (3).

فلو كان الشيخان أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وآله لآخى بينه وبين أحدهما.

رابعاً : أنّ الشيخين لو كانا قريبين من رسول الله صلى الله عليه وآله لبلّغ أحدهما عنه ، في حين أنّه قال : ( علي منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلاّ علي ) (4).

فلو كان الشيخان أقرب الناس لبلّغا عن النبيّ صلى الله عليه وآله وخصصهما بتبليغه.

إلى آخر الصفات والمنازل التي لم يختصّ بهما الشيخان ، فكيف يكونان من أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله؟

أمّا عدم إخبار الرسول عن خفايا سرائرهم فإنّه كان يخضع لمصالح ومفاسد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعلم بها ، ويمكن استنتاجها لمن نظر نظرة تأمّل لتاريخ تلك الحقبة وكما أنّ الرسول صلى الله عليه وآله لم يخبر عن المنافقين اللذين كانوا يحيطون به.

ص: 422


1- 1. شرح نهج البلاغة 6 / 52.
2- 2. الجامع لأحكام القرآن 14 / 124 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 477 ، الدرّ المنثور 3 / 207 ، فتح القدير 2 / 330.
3- 3. مقدّمة فتح الباري : 321.
4- 4. سنن ابن ماجة 1 / 44 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 495 ، الآحاد والمثاني 3 / 183 ، كتاب السنّة : 584 ، فيض القدير 4 / 470 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 152 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 47.

( زياد - فلسطين - سنّي )

عدم صلاحية الأوّل والثاني للخلافة :

س : ما تقولون في أميري المؤمنين أبو بكر وعمر؟ الموصوفان بأنّهما أعدل رجلين في العالم بعد الرسول صلى الله عليه وآله؟

ولماذا تكثرون من تقديس علي رضي الله عنه وأبنائه بطريقة غريبة؟ نحن نحترم عليّاً ، ونكن له كلّ الاحترام - كونه صحابي جليل من صحابة رسول الله - أمّا أن نزيد آية في القرآن الكريم ( وجعلنا علي صهرك ) ، فهذا لا يمكن قبوله أبداً ، لأنّ القرآن قد وصلنا متواتراً ، وكوننا نزيد هذه الآية ، فهذا انتقاص في حقّ الله ، وكأنّنا نصف الله بالنسيان أو الخطأ.

ج : إنّ الشيعة ترى أنّ الأفضلية في كافّة الجهات الإيجابية كانت لأمير المؤمنين علي عليه السلام - كما هو مذكور في كتب العقائد عندهم - وعليه ، فإنّ مؤهّلاته الشخصية كانت هي الوحيدة لاستيعاب أمر الخلافة والوصاية والإمامة بعد الرسول صلى الله عليه وآله ، خصوصاً بعد صدور النصوص المتواترة والمستفيضة التي تصرّح بكلّ وضوح : بأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله استخلفه في أمر الإمامة بعده.

وممّا ذكرنا يظهر : أنّ العدول عن هذا الأمر واضح البطلان ، فنستنج أنّ خلافة الأوّل والثاني كانت خلافاً للعقل والنقل - كما أشرنا إليه - فهل تسمّى مخالفة العقل عدلاً؟!

ويكفي في عدم صلاحيتهما للخلافة ، ما صدر منهما تجاه بضعة الرسول صلى الله عليه وآله فاطمة الزهراء عليها السلام - كما ذكر في محلّه - والتي قال في شأنها النبيّ صلى الله عليه وآله : ( فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها أغضبني ) (1).

ص: 423


1- 1. صحيح البخاريّ 4 / 210 ، ذخائر العقبى : 37 ، فتح الباري 7 / 63 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 526 ، الآحاد والمثاني 5 / 361 ، نظم درر السمطين : 176 ، الجامع الصغير 2 / 208 ، كنز العمّال 12 / 108 و 112 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 444 ، ينابيع المودّة 2 / 52 و 73 و 79 و 97 و 322.

وإمّا كلامك عن تقديس الشيعة لعلي عليه السلام ، فهل ترى فيه إشكال بعد ما ورد من نصوص وآثار في هذا المجال لا تعدّ ولا تحصى ، ويكفيك أن تطالع الكتب المختصّة بهذا الموضوع ، وتنظر بعين الأنصاف حتّى ترى ما كان له عليه السلام من مناقب وفضائل ملأت الخافقين.

وأمّا ما ذكرته من آية مجعولة ، فلم نر لها أثراً في الأوساط الشيعيّة ، ( سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ) (1).

( .... - الكويت - .... )

في نظر الشيعة :

س : أُريد رأيكم الصريح في أبي بكر وعمر وعثمان؟ جرحكم وتعديلكم لهم ، ولكم الشكر.

ج : إنّ هذا السؤال يرجع إلى مسألة عدالة الصحابة : فأهل السنّة قالوا بعدالة جميع الصحابة ، وبأيّهم اقتديتم اهتديتم ، مع اعترافهم بعدم عصمة الصحابة ، وفيهم القاتل والمقتول ، والظالم والمظلوم.

وأمّا الشيعة ، فلا تقول بعدالة جميع الصحابة ، بل تجري عليهم قواعد الجرح والتعديل ، فمن كان على الطريقة المستقيمة ، ولم يغيّر ولم يبدّل ، فالشيعة تحترمه وتقدّسه ، ومن نافق أو غيّر وبدّل وانحرف ، فالشيعة وكلّ عاقل لا يقيمون أيّ احترام وتقدير لهكذا شخص.

وكذلك الشيعة تقول : بأنّ الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بالنصّ ، ورسول الله نصّ على من يلي الأمر من بعده ، وهو أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وتستدلّ الشيعة على هذا بآيات وأحاديث من مصادر الفريقين.

وكذلك يمكنك مراجعة ما ورد في صحاح ومسانيد أهل السنّة في روايتهم عن

ص: 424


1- 1. النور : 16.

النبيّ ، أنّه قال : ( فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها أغضبني ) (1).

وكذلك مراجعة الصحاح والمسانيد ، وكتب السير والتاريخ عند أهل السنّة : من أنّ فاطمة ماتت ، وهي واجدة على أبي بكر وعمر ، أو هجرتهما ولم تكلّمهما (2) ، وبالمقارنة بين هذين الحديثين مع قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) (3) ، يتّضح لك موقفنا منهم.

( حسين علي - الجزائر - 26 سنة - ليسانس فلسفة )

لم يثبت لهم موقف في الغزوات :

س : لماذا لا نجد أيّ مكان لأبي بكر في الغزوات التي خاضها النبيّ؟ وهل فعلاً كان من الذين قالوا بوفاة الرسول في غزوة أُحد؟ وهل كان من الذين تفاوضوا من أجل أن يرجعوا إلى قريش؟

ج : نعم ، لم يثبت للخلفاء الثلاثة موقف مشرّف في جميع الغزوات ، وإنّما كان دورهم جليّاً في الهزيمة والتثبيط من عزيمة المسلمين.

وأمّا في غزوة أُحد ، فكانوا من الفارّين (4) ، حتّى أنّ أبا بكر بنفسه كان

ص: 425


1- 1. صحيح البخاريّ 4 / 210 ، ذخائر العقبى : 37 ، فتح الباري 7 / 63 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 526 ، الآحاد والمثاني 5 / 361 ، نظم درر السمطين : 176 ، الجامع الصغير 2 / 208 ، كنز العمّال 12 / 108 و 112 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 444 ، ينابيع المودّة 2 / 52 و 73 و 79 و 97 و 322.
2- 2. شرح نهج البلاغة 6 / 50 و 16 / 218 ، صحيح البخاريّ 8 / 3 ، فتح الباري 6 / 139 ، المصنّف للصنعانيّ 5 / 472 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 448 ، البداية والنهاية 5 / 306 ، السيرة النبويّة لابن كثير 4 / 567 و 570.
3- 3. الأحزاب : 57.
4- 4. شرح نهج البلاغة 15 / 24 ، الدرّ المنثور 2 / 88 ، كنز العمّال 2 / 376 و 13 / 71 ، جامع البيان 4 / 193 ، تاريخ مدينة دمشق 39 / 257 ، البداية والنهاية 7 / 231 ، سبل الهدى والرشاد 4 / 206 ، السيرة الحلبية 2 / 309.

يذعن بفراره ، بأنّه أوّل من فاء يوم أُحد (1).

وتصرّح بعض المصادر : أنّ عمر وغيره من المهاجرين والأنصار أخبروا أنس بن النضر بقتل النبيّ صلى الله عليه وآله (2).

وأمّا بالنسبة للتفاوض مع قريش ، فتؤكّد كتب السيرة : بأنّ بعض المسلمين - من أصحاب الصخرة - بعد هزيمتهم في أُحد ، قد أبدوا استعدادهم لأخذ الأمان من أبي سفيان ، والالتحاق بقريش (3).

ولا يخفى أنّ أصحاب الصخرة كانوا من المهاجرين لا الأنصار ، لأنّهم صرّحوا في كلامهم ، بأنّ قريش قومهم ، وبنو عمومتهم.

( عمر عثمان - السودان - سنّي - 30 سنة - طالب )

علاقتهم بالإمام علي :

س : أُريد أن أعرف العلاقة بين الإمام علي وأبو بكر وعمر وعثمان؟

ج : حسب الأدلّة النقلية الموجودة ، فإنّ أُولئك الثلاثة ، قد غصبوا الخلافة من الإمام علي عليه السلام ، مع علمهم بتقدّمه عليهم ومعرفتهم بنصّ النبيّ صلى الله عليه وآله عليه ،

ص: 426


1- 1. الطبقات الكبرى 3 / 218 ، السيرة النبويّة لابن كثير 3 / 58 ، البداية والنهاية 4 / 33 ، مسند أبي داود : 3 ، المستدرك 3 / 266 ، كتاب الأوائل : 91 ، كنز العمّال 10 / 425 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 425 ، تاريخ مدينة دمشق 25 / 75 ، تهذيب الكمال 13 / 417 ، سبل الهدى والرشاد 4 / 199.
2- 2. شرح نهج البلاغة 14 / 276 ، جامع البيان 4 / 150 ، تفسير القرآن الكريم 1 / 422 ، الدرّ المنثور 2 / 81 ، الثقات 1 / 228 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 199 ، البداية والنهاية 4 / 39 ، السيرة النبويّة لابن هشام 3 / 600 ، السيرة النبويّة لابن كثير 3 / 68 ، سبل الهدى والرشاد 4 / 215.
3- 3. فتح الباري 7 / 271 ، جامع البيان 4 / 149 ، الدرّ المنثور 2 / 80 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 201 ، البداية والنهاية 4 / 26 ، السيرة النبويّة لابن كثير 3 / 44 ، سبل الهدى والرشاد 4 / 196 ، السيرة الحلبية 2 / 310.

وقد صرّح واحتجّ الإمام علي عليه السلام في مواقف متعددّة بهذا الموضوع ، ولعلّ من أبرز وأوضح مصاديق شكاويه ، ما أدلى به في خطبته المعروفة بالشقشقية - الموجودة في نهج البلاغة - إذ يؤكّد فيه اغتصاب حقّه في عهد الخلفاء الثلاثة.

نعم ، إنّ الإمام عليه السلام ومن منطلق أخذ المصالح العليا بعين الاعتبار ، لم يقم بأيّ عمل ظاهري في سبيل إرجاع حقّه ، بعد أن رأى أنّ الوسط العام في المجتمع آنذاك قد خدع بخطط الغاصبين ، فخشي عليه السلام قيام الفتن الداخلية ، وحدوث الردّة عند الأكثر - إذ هم قريبو العهد بالإسلام - وهجوم الأجانب على الدولة الإسلاميّة الفتيّة ، فصبر عن حقّه الواضح ، بعد ما أشار إليه بلسانه أحياناً ، وبسلوكه تارةً ، وإليه يشير في نفس الخطبة المذكورة : ( فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا ) (1).

وملاحظة ما ورد في النصوص من احتجاجات أمير المؤمنين عليه السلام على الخلفاء في مواطن متعدّدة ، لإثبات أحقّيته بمنصب الخلافة ، خير شاهد على إيضاح المطلب.

( إبراهيم زاير حسين - البحرين - 34 سنة - طالب جامعة )

فتوحاتهم وإذعانهم بفضائل علي :

س : لدي سؤالان ، أرجو مساعدتي في الإجابة عليهما :

الأوّل : في زمن الخليفة الأوّل والخليفة الثاني زادت الفتوحات ، وقد قويت شوكة الإسلام في خلافتهما ، ومن المشهود لهما بإخلاصهما ، فكيف يحقّ لنا اتهامهما بغصب الخلافة؟

الثاني : هل يحقّ لنا اتهامهما بغصب الخلافة؟ بالرغم من أن-ّهما كانا يعترفان بفضل الإمام علي عليه السلام ، وهو ما شاع في كتب التاريخ ، فلو كان الأمر كذلك لقاما بعكس ذلك.

ص: 427


1- 1. شرح نهج البلاغة 1 / 151.

أرجو أن توضّحوا المسألة بالتفصيل قدر الإمكان ، لكون السائل من إخواننا السنّة ، ودمتم ذخراً ، وسدّد الله خطاكم ، وزادكم علماً.

ج : إنّ التفسير والتحليل هو فرع وجود الواقع في الخارج ، فعلينا إذاً أن نبحث عن الواقع ، وثمّ نرى القضايا على ضوئه ، لا أن نعتمد على تفسير خاطئ ، وننفي الواقع من خلاله.

وأمّا فيما نحن فيه ، فإنّ الغصب المذكور واقع تاريخيّ ، شهدت له أئمّة السير والحديث في كتبهم ، وذكروا المناقشات والحوادث المتعلّقة به ، فكيف ننكره رأساً ، اعتماداً على احتمالات ، وتأويلات مزيّفة؟!

ثمّ إنّ زيادة الفتوحات العسكريّة هل تدلّ بملازمة عقلية على حقّانية الفاتح؟ أم أنّها أُمور تدور قيمتها مدار النيّة والصدق في العمل؟ وكم ترى في طول التاريخ من قادة فاتحين ومنتصرين ، ليس لهم منها إلاّ أمر الدنيا؟

وأمّا إذعانهما بفضل الإمام علي عليه السلام ، فهو إن دلّ على شيء ، فإنّما يدلّ على كثرة فضائله عليه السلام التي ملأت الخافقين ، ممّا أجبرت الخصوم على الاعتراف ببعضها ، وقد صرّح البعض حينما سئل عن فضائل علي عليه السلام قال : ( ما أقول في شخص أخفى أعداؤه فضائله حسداً ، وأخفى أولياؤه فضائله خوفاً وحذراً ، فظهر ما بين هذين فضائل طبقت الشرق والغرب ) (1).

( اشرف سالم - مصر - سنّي )

اعتراض الإمام علي عليهم :

س : من الثابت تاريخيّاً أنّ الإمام علي رضي الله عنه لم يعترض على تولّي الخلفاء الراشدين ، فلماذا اعترضت الشيعة على ذلك بعد وفاته؟

ج : في الجواب عن ذلك نقول :

ص: 428


1- 1. كشف اليقين : 4.

1 - إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد اعترض غير مرّة ، كيف وقد تأخّر أو رفض - على قولين - البيعة مع أبي بكر ، وهذا بحدّ نفسه دليل قاطع في المقام ، إذ لو كانت البيعة فرضاً مسلّماً ، أفهل يعقل تهاونه وعدم مبالاته وقعوده - والعياذ بالله - عن الوظيفة الشرعيّة؟ أما يدلّ هذا على الاستنكار للوضع الموجود؟ أما يدلّ على مطالبته للحقّ ، وإعلانه عن عدم أحقّية خلافة أبي بكر؟

مضافاً إلى أنّه عليه السلام قد احتجّ بحديث الغدير في موارد ، منها يوم الشورى (1) ، وأيضاً أنّه عليه السلام خرج يحمل فاطمة عليها السلام على دابّة ليلاً في مجالس الأنصار ، تسألهم النصرة (2).

2 - إنّه عليه السلام قد بيّن موارد اعتراضه بعد بسط يده في أيّام خلافته ، ويدلّ عليه ما ورد في الخطبة الشقشقية المعروفة (3) ، من أنّ سكوته آنذاك لم يكن عن رضىً ، بل لمصلحة حفظ بيضة الإسلام عن التلف ، فهو في الواقع اعتراض صامت ، وقد فهمت الشيعة هذا منه عليه السلام بدلالة تلك الخطبة وغيرها ، والقرائن الحافّة بحياته عليه السلام ، والروايات التي وردت من طريق أهل البيت عليهم السلام ، فلم تزل تصرّح باعتراضها لهذا الأمر منذ ذلك العهد حتّى الآن ، وهذا ليس بدافع الحبّ والولاء لأئمّتهم عليهم السلام فحسب ، بل هو أيضاً لبيان وإظهار انحراف المسيرة التاريخيّة للخلافة.

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

ادعاء التواتر في فضلهم يحتاج إلى إثبات :

س : قد قرأت في أحد الكتب السنية رواية ، مفادها بأنّ النبيّ كان يحبّ أبا بكر وعمر ، ويقول الكاتب : بأنّ الرواية متواترة ، فماذا تقولون؟

ص: 429


1- 1. مناقب الإمام علي : 138 ، شرح نهج البلاغة 6 / 167.
2- 2. شرح نهج البلاغة 6 / 13 ، الإمامة والسياسة 1 / 29.
3- 3. شرح نهج البلاغة 1 / 151.

ج : ادعاء التواتر شيء ، وإثباته شيء آخر ، ومعنى التواتر كما هو واضح لدى جميع المسلمين هو : اتفاق جماعة على خبر لا يحتمل تواطؤهم على الكذب ، وهذا يشترط في جميع طبقات الأسانيد ، يعني : كلّ طبقة في السند لابدّ أن تكون متواترة ، حتّى يصدق على الخبر أنّه متواتر.

فإثبات أنّ الخبر الفلاني متواتر عن النبيّ صلى الله عليه وآله ، ليس بهذه السهولة ، أضف إلى ذلك ، فإنّ علماء الرجال ألّفوا الكتب الكثيرة في الموضوعات ، وذكروا الكثير ممّا روي في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان من الموضوعات ، فلا يمكن إثبات صحّتها ، فضلاً عن إثبات تواترها.

( خالد علي - الإمارات - سنّي )

تقدّموا على علي بلا استحقاق :

س : ما قولكم في الصحابة أبو بكر الصدّيق وعمر بن الخطّاب؟

ج : علينا أن نتّبع العقل وما يؤدّي إليه العقل ، بالاعتماد على الأدلّة ، فنقول : أصل الاختلاف بعد وفاة الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله في الإمامة والخلافة :

فقالت الشيعة : إنّ الإمامة بالنصّ ، حيث وردت نصوص قرآنية وأحاديث نبوية على إمامة علي عليه السلام كما في آية الولاية ، وآية التطهير ، وآية المباهلة ، وفي حديث الغدير ، وحديث الدار ، وحديث الولاية ، وحديث الثقلين ، وحديث الطير ، وحديث المنزلة.

وهذا هو أصل الاختلاف ، فالشيعة التي تقول : بأنّ الإمامة والخلافة بعد رسول الله بالنصّ ، يعني : نصّ رسول الله صلى الله عليه وآله على أنّ الخليفة بعده ، هو علي ابن أبي طالب عليه السلام ، فبالله عليك ماذا يكون حكم المتقدّم على أمير المؤمنين علي؟!

فعليك أن تبحث لتصل إلى حقيقة الأمر ، ولا ندعوك إلى اعتناق التشيّع ، وإنّما ندعوك للبحث والتحقيق في الأُمور ، ومن ثمّ الاعتقاد بما تتوصّل إليه ، بشرط أن تترك التعصّب ، وتنظر في الموروث بعين الإنصاف.

ص: 430

وأختم كلامي بذكر حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، حيث قال لفاطمة عليها السلام : ( فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها أغضبني ) (1).

وقد استدلّ السهيلي بهذا الحديث على أنّ من سبّ فاطمة كفر ، لأنّه يغضبه صلى الله عليه وآله ، وأنّها أفضل من الشيخين (2).

وروى البخاريّ : ( أنّ فاطمة غضبت على أبي بكر فهجرته ، فلم تزل مهاجرته حتّى توفّيت ) (3).

وروى البخاريّ أيضاً : ( أنّ فاطمة وجدت على أبي بكر فهجرته ، فلم تكلّمه حتّى توفّيت ) (4).

وروى الترمذيّ : ( أنّ فاطمة قالت لأبي بكر وعمر : والله لا أكلّمكما أبداً ، فماتت ولا تكلّمهما ) (5).

وروى ابن قتيبة : ( فقال عمر لأبي بكر : انطلق بنا إلى فاطمة ، فإنّا قد أغضبناها ، فانطلقا جميعاً ، فاستأذنا على فاطمة ، فلم تأذن لهما ، فأتيا عليّاً فكلّماه ، فأدخلهما عليها ، فلمّا قعدا عندها ، حوّلت وجهها إلى الحائط ، فسلّما عليها ، فلم ترد عليهما السلام ... فقالت : ( أرأيتكما إن حدّثتكما حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله تعرفانه وتفعلان به )؟ قالا : نعم.

فقالت : ( نشدتكما الله ، ألم تسمعا رسول الله يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبّني ، ومن

ص: 431


1- 1. صحيح البخاريّ 4 / 210 ، ذخائر العقبى : 37 ، فتح الباري 7 / 63 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 526 ، الآحاد والمثاني 5 / 361 ، نظم درر السمطين : 176 ، الجامع الصغير 2 / 208 ، كنز العمّال 12 / 108 و 112 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 444 ، ينابيع المودّة 2 / 52 و 73 و 79 و 97 و 322.
2- 2. فيض القدير 4 / 554.
3- 3. صحيح البخاريّ 4 / 42.
4- 4. المصدر السابق 5 / 82.
5- 5. الجامع الكبير 3 / 255.

أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني )؟ قالا : نعم ، سمعناه من رسول الله ، قالت : ( فإنّي أشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني ، وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبيّ لاشكونّكما إليه ).

فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثمّ انتحب أبو بكر يبكي حتّى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : ( والله لأدعون الله عليك في كلّ صلاة أصليها ) ، ثمّ خرج باكياً ، فاجتمع إليه الناس ، فقال لهم : يبيت كلّ رجل منكم معانقاً حليلته ، مسروراً بأهله ، وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي ... ) (1).

وقال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (2).

( كُميل - الكويت - .... )

حول أُمّهاتهم :

س : بوركت جهودكم في دحض افتراءات ( القوم ) ، ووفّقكم الله دوماً وأبداً ، لنصرة أهل بيت النبوّة.

أمّا بعد ، أرجو من سماحتكم إدراج معلومات حول أُمّهات كلّ من الخلفاء الثلاثة - أبو بكر وعمر وعثمان - وأنسابهم من الكتب المعتمدة لدى أهل السنّة ، حتّى نكون على بيّنة من أشخاصهم.

ج : أمّا أبو بكر ، فأسرته لم تكن من الأُسر الشريفة في قريش ، قال ابن الأثير - في حديث أبي بكر والنسّابة : إنّك من زمعات قريش - : ( الزمعة بالتحريك : التلعة الصغيرة : أي لست من أشرافهم ) (3).

ص: 432


1- 1. الإمامة والسياسة 1 / 31.
2- 2. الأحزاب : 57.
3- 3. النهاية في غريب الحديث والأثر 2 / 313.

وقال الجوهري : ( والزمع : رذال الناس وسفلتهم ) (1).

وفي شرح نهج البلاغة : ( لمّا بويع أبو بكر ، جاء أبو سفيان إلى علي ، فقال : أغلبكم على هذا الأمر أذلّ بيت من قريش وأقلّها ) (2).

وفي شرح نهج البلاغة أيضاً : ( أنّ أبا بكر قال في الجاهلية لقيس بن عاصم المنقري : ما حملك على أن وأدت؟ قال : مخافة أن يخلف عليهن مثلك ) (3).

وفي إلزام النواصب : ( أجمع أهل السير : أنّ أبا قحافة كان أجيراً لليهود يعلّم أولادهم ، وقد تعجّب أبوه - أبو قحافة - يوم بويع ابنه - أبو بكر - للخلافة ، فقال : كيف ارتضت الناس بابني مع حضور بني هاشم؟!

قالوا : لأنّه أكبر الصحابة سنّاً ، فقال : والله أنا أكبر منه ) (4)

وأمّا عمر : فقد قال ابن كثير : ( وكان الخطّاب والد عمر بن الخطّاب ، عمّه وأخاه لأُمّه ، وذلك لأنّ عمرو بن نفيل كان قد خلف على امرأة أبيه بعد أبيه ، وكان لها من نفيل أخوه الخطّاب ) (5).

روي عن أنس أنّه قال : ( خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وهو غضبان ، فخطب الناس ، فقال : لا تسألوني عن شيء اليوم إلاّ أخبرتكم به ، ونحن نرى أنّ جبرائيل معه ... فقال عمر : يا رسول الله إنّا كنّا حديثي عهد بجاهلية ، فلا تبد علينا سوآتنا ، فاعف عنّا عفا الله عنك ) (6).

وفي النهاية : ( في حديث خزيمة : كان عمر في الجاهلية مبرطشاً ، وهو السعي بين البائع والمشتري ، شبه الدلاّل ) (7).

ص: 433


1- 1. الصحاح 3 / 1226.
2- 2. شرح نهج البلاغة 6 / 40.
3- 3. المصدر السابق 13 / 177.
4- 4. إلزام النواصب : 97 نسخة خطّية.
5- 5. السيرة النبويّة لابن كثير 1 / 153 ، البداية والنهاية 2 / 296.
6- 6. مجمع الزوائد 7 / 188 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 438 ، مسند أبي يعلى 6 / 361.
7- 7. النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 119.

وفي الإصابة : ( خرج عمر من المسجد ومعه الجارود العبدي ، فإذا بامرأة برزت على ظهر الطريق ، فسلّم عليها عمر ، فردّت عليه وقالت : هيهاً يا عمر ، عهدتُك وأنت تسمّى عميراً في سوق عكّاظ ، تروّع الصبيان بعصاك ، فلم تذهب الأيّام حتّى سمّيت عمر!! ثمّ لم تذهب الأيّام حتّى سمّيت أمير المؤمنين!! فاتق الله في الرعية ... ) (1).

وروى هاشم بن محمّد بن السائب الكلبي - أحد علماء أهل السنّة - في كتابه المثالب ، قال : ( كانت صهاك أمة حبشية لهاشم بن عبد مناف ، ثمّ وقع عليها عبد العزّى بن رياح ، فجاءت بنفيل جدّ عمر بن الخطّاب ) (2).

وروى الحافظ أبو نعيم عن الضحّاك قال : ( قال عمر : يا ليتني كنتُ كبش أهلي ، يسمّنوني ما بدا لهم ، حتّى إذا كنت أسمن ما أكون ، زارهم بعض من يحبّون ، فجعلوا بعضي شواء ، وبعضي قديداً ، ثمّ أكلوني ، فأخرجوني عذرة ، ولم أك بشراً ) (3).

وأمّا عثمان : ( فروى مؤلّف كتاب إلزام النواصب ، عن هشام بن محمّد السائب الكلبي ، أنّه قال : ومّمن كان يلعب به ويُفتحل ، عفّان أبو عثمان ) (4).

قال الشهرستاني : ( ووقعت في زمانه - عثمان - اختلافات كثيرة ، وأخذوا عليه أحداثاً كلّها محالة على بني أُمية.

منها : ردّه الحكم بن أُمية إلى المدينة ، بعد أن طرده رسول الله صلى الله عليه وآله .....

ومنها : نفيه أبا ذر إلى الربذة ، وتزويجه مروان بن الحكم بنته ، وتسليمه خمس غنائم أفريقية له ، وقد بلغت مائتي ألف دينار.

ص: 434


1- 1. الإصابة 8 / 115 ، تاريخ المدينة 2 / 394 و 774.
2- 2. الطرائف : 469 عن المثالب.
3- 3. حلية الأولياء 1 / 88.
4- 4. بحار الأنوار 31 / 498 عن إلزام النواصب.

ومنها : إيواؤه عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وكان رضيعه ، بعد أن أهدر النبيّ دمّه ، وتوليته إيّاه مصر بأعماله ... ) (1).

( أبو حسن - السعودية - .... )

إنفاقهم الأموال في ميزان النقد العلميّ :

س : يحتجّ أبناء السنّة : بأنّ أبا بكر وعمر وعثمان أفضل من الإمام علي عليه السلام ، لأنّ أبا بكر قد تصدّق بكلّ ماله في سبيل الله ، ويروون أنّ الرسول صلى الله عليه وآله قال : ( ما نفعني مال مثل مال أبي بكر ) ، وأنّ عمر أنفق نصف ماله ، وعثمان أنفذ جيش العسرة ، فكيف نردّ على هذا الكلام؟

أرجو أن تكون الإجابة موثّقة حتّى يمكنني الرجوع للمصادر ، ولكم جزيل الشكر.

ج : إنّ الموارد التي ذكروها كمنقبة لأُولئك الثلاثة ، كلّها مردودة عقلاً ونقلاً ودلالةً ، فنقول توضيحاً :

1 - إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يكن محتاجاً إلى أموال أبي بكر ، إذ كان يكفله عمّه أبو طالب عليه السلام قبل زواجه صلى الله عليه وآله ، وبعد تزويجه بخديجة عليها السلام كانت أموالها تحت يده تغنيه ، هذا كلّه قبل الهجرة.

وأمّا بعد الهجرة ، فغاية ما يدّعى : أنّ أبا بكر جاء بستة آلاف درهم - وهي جميع ما كانت عنده من المال - من مكّة إلى المدينة ، وما عساها أن تجدي نفعاً لو أنفقها كلّها؟ وما هي قيمتها تجاه مصارف الدولة والحكومة الإسلاميّة آنذاك؟

2 - لو كان لأبي بكر هذه الأموال الطائلة - كما يقولون - أليس كان الأجدر به أن يصرف قسطاً منها لإغناء أو رفع فاقة أبيه - أبي قحافة - والذي

ص: 435


1- 1. الملل والنحل 1 / 26.

كان أجيراً لعبد الله بن جدعان للنداء على طعامه.

وأيضاً لو كان له ما حسبوه من الثروة ، لما ردّ الرسول صلى الله عليه وآله إليه ثمن الراحلة التي قدّمها له ، ولم يكن ردّ النبيّ صلى الله عليه وآله إيّاها إلاّ لضعف حال أبي بكر من ناحية المال ، أو أنّه صلى الله عليه وآله لم يرقه أن يكون لأحد عليه منّة.

3 - متى كان إنفاق أبي بكر لثروته الطائلة على النبيّ صلى الله عليه وآله!!؟ وكيف أنفق ولم يره أحد ، ولا رواه راوٍ ، ولم يذكر التاريخ مورداً من موارد نفقاته؟ وقد حفظ له تقديم راحلة واحدة مع أخذ ثمنها من الرسول صلى الله عليه وآله.

4 - إنّ أمير المؤمنين عليه السلام تصدّق بأربعة دراهم ليلاً ونهاراً ، وسرّاً وجهراً ، فنزلت آية في حقّه : ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ... ) (1) ، وتصدّق بخاتمه ، فأنزل الله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ... ) (2) ، وأطعم هو وأهله مسكيناً ويتيماً وأسيراً ، فنزل في حقّهم : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ... ) (3).

ثمّ هل من المعقول أن ينفق أبو بكر بجميع ماله ، ولم يوجد له مع ذلك كلّه ذكر في القرآن؟! إلاّ أن يقال : ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) (4).

5 - إنّ الروايات المنقولة في ثراء أبي بكر كلّها مفتعلة وموضوعة سنداً ، فمثلاً ترى أنّهم يروون عن عائشة أنّها كانت تفتخر بأموال أبيها في الجاهلية (5) ، والحال أنّ عائشة لم تدرك العهد الجاهلي ، كيف وقد ولدت بعد المبعث بأربع أو خمس سنين (6) ، وهكذا حال الأحاديث الأُخرى.

ص: 436


1- 1. البقرة : 274.
2- 2. المائدة : 55.
3- 3. الإنسان : 8.
4- 4. المائدة : 27.
5- 5. ميزان الاعتدال 3 / 375 ، مجمع الزوائد 4 / 317.
6- 6. الإصابة 8 / 231.

6 - هل يعقل أنّ أبا بكر وعمر كانا صاحبي ثروة ، وقد أخرجهما الجوع ذات ليلة في المدينة طلباً للطعام؟! (1).

7 - من أين جاء عمر بأموال تزيد على حاجته حتّى ينفق نصفها ، وهو كان في الجاهلية إمّا راعياً (2) ، أو نخّاساً للحمير (3) ، أو حمّالاً للحطب مع أبيه.

8 - إنّ إنفاق عثمان على جيش العسرة ، أيضاً هو من المواضيع المختلقة عندهم ، إذ ذكره الرازيّ في تفسيره لآية ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُون ... ) (4) ، وذكره آخرون في تفسيرهم لآية ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ... ) (5) ، والحال أنّ هاتين الآيتين هما من سورة البقرة ، وهي أوّل سورة مدنية ، وقد نزلت قبل غزوة تبوك وجيشها - جيش العسرة الواقعة في شهر رجب سنة تسع - بعدّة سنين.

مضافاً إلى أنّ البيضاوي في تفسيره ، والزمخشري في كشّافه ، يؤكّدان نزول الآية الأخيرة في أبي بكر (6) ، فكيف ينحلّ هذا التناقض؟

وهكذا الكلام في مكذوبة أبي يعلى الدالّة على إنفاق عثمان بعشرة آلاف دينار في غزوة ، إذ إنّ إسناده ضعيف جدّاً ، كما جاء في فتح الباري (7).

ثمّ إنّ رواياتهم - على تقدير التسليم - تدلّ على تجهيز عثمان مائتي راحلة في غزوة تبوك ، وكان جيش رسول الله صلى الله عليه وآله الذي خرج به يومئذٍ خمسة وعشرين

ص: 437


1- 1. صحيح مسلم 6 / 116 ، مسند أبي يعلى 11 / 41 ، صحيح ابن حبّان 12 / 16 ، الدرّ المنثور 6 / 389.
2- 2. تاريخ المدينة 2 / 655.
3- 3. الطرائف : 468 ، عن نهاية الطلب للحنبلي.
4- 4. البقرة : 262 ، التفسير الكبير 3 / 40.
5- 5. البقرة : 274 ، الدرّ المنثور 1 / 363 ، فتح القدير 1 / 294.
6- 6. أنوار التنزيل 1 / 141 ، الكشّاف 1 / 504.
7- 7. فتح الباري 5 / 306 و 7 / 44.

ألفاً غير الأتباع ، فما هي النسبة بين أُولئك المجاهدين وبين مائتي راحلة؟ ولماذا هذه المبالغة الكاذبة في كونه - أي عثمان - جهّز وأنفذ جيش العسرة؟

9 - إنّ الإنفاق عمل قصدي ، فيشترط في صحّته نية القربة ، وليس مجرد صرف المال ، وفي المقام لا يوجد دليل نقلي معتدٌّ به على تأييد إعطائهم الأموال من آية محكمة أو حديث معتبر ، وكلّ ما في الأمر بعض الروايات الموضوعة والضعيفة والمتعارضة فيما بينها ، لا تغني ولا تسمن من جوع.

10 - الذي يقوى في النظر : أنّ هذه الأكاذيب كلّها قد وضعت في قبال فضائل أهل البيت عليهم السلام المسلّمة عند الكلّ ، ريثما يتوفّر لأُولئك الثلاثة وأشياعهم بعض الصلاحيات في تصدّيهم لأمر الأُمّة والإمامة.

( أحمد - ... - ..... )

نفي ما يوهم تأييد الأئمّة لهم :

س : يقول الإمام الصادق عليه السلام لامرأة سألته عن أبي بكر وعمر : أتولاّهما؟ فقال : ( تولّيهما ) ، فقالت : فأقول لربّي إذا لقيته إنّك أمرتني بولايتهما؟! فقال لها : ( نعم ) (1).

وتعجّب رجل من أصحاب الإمام الباقر حين وصف الباقر أبا بكر بالصدّيق!! فقال الرجل : أتصفه بذلك؟! فقال الباقر : ( نعم الصدّيق ، فمن لم يقل له الصدّيق ، فلا صدّق الله له قولاً في الآخرة ) (2) ، ما رأيكم في هذا الكلام؟

ج : بالنسبة للحديث الأوّل فيلاحظ :

أنّ الحديث قد روي في نفس الكافي في موضعين (3) ، ولكن بسند ضعيف ،

ص: 438


1- 1. الكافي 8 / 101.
2- 2. كشف الغمّة 2 / 360.
3- 3. الكافي 8 / 101 و 237.

لورود معلّى بن محمّد فيه ، الذي ضعّفه النجاشيّ ، وابن الغضائريّ ، كما أشار إليه العلاّمة المجلسيّ قدس سره في شرحه على الكافي (1).

ثمّ مع فرض صحّة الحديث سنداً ، فلابأس في دلالته ، فهذه الرواية ونظائرها قد صدرت تقيّة ، كما يشير إليه فرض الرواية في صدرها ، فإنّ يوسف بن عمر الثقفي - وهو أحد طغاة بني أُمية - كان واقفاً على أخبار أُمّ خالد ، فأراد الإمام عليه السلام أن لا يثير حفيظة الظلمة ، الذين لا يرقبون في المؤمنين إلاً ولا ذمّة.

ويؤيّد ما ذكرنا أيضاً ، ورود اسم كثير النوا فيها ، الذي كان من وعّاظ السلاطين ، والمنحرفين القريبين من السلطة ، وله أفكار وأنصار.

نعم إنّ الإمام عليه السلام ، وفي نفس الوقت يعطي الرأي الصحيح في الموضوع ، من خلال ترجيحه لأبي بصير وردّه كثير النوا وأصحابه ، وحتّى أنّ العبارة المستشهد بها من كلامه عليه السلام في الرواية ، ليس فيها ما هو صريح على تأييد أبي بكر وعمر ، فإنّ هذه الفقرة هكذا : ... فسألته عنهما ، فقال لها : ( تولّيهما ) ، قالت : فأقول لربّي إذا لقيته إنّك أمرتني بولايتهما؟ قال : ( نعم ... ).

فإنّ كلمة ( تولّيهما ) يحتمل فيه وجه آخر ، وهو الترك ، من باب ( نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ) (2) أي : نتركه وندعه مع ما أحبّه والتزم به ، أي أنّ الإمام عليه السلام قد استعمل التورية في استخدام هذه الكلمة ، فأراد معنىً صحيحاً ، وإن كانت توهم معنى آخر أيضاً.

وحتّى أنّ كلمة ( نعم ) قد توهم بموافقة الإمام عليه السلام لكلام السائلة ، ولكن في نفس الوقت يمكن أن يردّ بأنّ كلمة ( نعم ) تأتي لتأييد النفي كما للإثبات ، فإن كان مقصوده عليه السلام التأييد الحتمي ، كان ينبغي له عليه السلام أن يستعمل كلمة ( بلى ) التي لا تدلّ إلاّ على الإقرار الإيجابي.

ص: 439


1- 1. مرآة العقول 25 / 244.
2- 2. النساء : 115.

وكيف ما كان ، وحتّى لو كانت المعاني المستعملة قد توهم شيئاً ، فإنّ الإمام عليه السلام وفي تتمّة الحديث نبّه بمراده في المقام بشكل دقيق ، بتأييده رأي أبي بصير ، علماً بأنّنا حتّى في فرض عدم ورود ذيل الرواية ، كنّا نحكم بصدورها تقيّة - لما ذكرناه من ظروف صدور الرواية - فلا يدلّ على مدّعى أهل السنّة بتاتاً.

وأمّا الحديث الثاني ، فيغنينا البحث عنه عدم إسناده في كشف الغمّة ، فلا يعلم سلسلة السند بعد عروة ، الذي هو راوي الحديث ، فالحديث مقطوع السند ، ولا يكون حجّة ، فنستغني عنه.

ولا يخفى على المتتبع : أنّ الأربلي ، وإن كان من علماء الشيعة ، ولكن جاء بأحاديث كثيرة من تراث العامّة في هذا الكتاب ، لا توجد لها أثر في مجامعنا الحديثية ، فيجب على الباحث أن يكون فطناً في تمييز الخطأ عن الصواب.

( محمّد الشوحة - الأردن - سنّي - 26 سنة - طالب جامعة )

لا توجد لهم فضائل في كتبنا :

س : وبعد ، إنّ في كتب أهل السنّة التاريخيّة والعقائديّة ، وكتب الصحاح ، الكثير من الأحاديث الدالّة على فضل ومكانة الإمام علي وعلو شأنه.

والسؤال : هل في كتب الشيعة التاريخيّة أو الدينية ، مثل أُصول الكافي والتهذيب والاستبصار ... ما يدلّ ولو بشكل بسيط ، أو أيّ إشارة إلى مكانة أبي بكر ، وعمر بن الخطّاب ، علماً بأنّهما كانا من السبّاقين لرفع راية الإسلام ، وكانا من الملازمين للرسول الأعظم.

وبتسليم أنّ الأئمّة الاثني عشر كانوا يعلمون بالأُمور المستقبلية ، فالأولى أنّ النبيّ كان على علم بالأُمور المستقبلية ، فكيف يضع ثقته وصحبته بأُناس

ص: 440

سوف يطعن بهم الناس بعده؟

ج : لا توجد روايات في مصادرنا الحديثية تشير إلى مكانة أبي بكر وعمر ، وذلك لعدم وجود فضائل لهما واقعاً ، وما هو موجود في كتب أهل السنّة ، فنحن نعتقد بأنّه غير صحيح ، بل موضوع.

وأمّا ما هو موجود فيها من فضائل إمامنا علي عليه السلام فهو أدلّ دليل على واقعية وحقيقة فضائله عليه السلام.

ثمّ إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يضع ثقته في هؤلاء النفر لهو أوّل الكلام ، نعم هذا ما حاول أن يصوّره الخطّ الأُموي بالروايات الكثيرة التي وضعت لهذا الغرض ، عبر ما رواه رواة هذا الخطّ ، وكان من رؤوس الرواة في هذا الخطّ المنحرف عن أهل البيت عليهم السلام عائشة ، إذ حاولت بمختلف الروايات دعم موقف أبيها وموقف عمر.

ثمّ استمر هذا الاتجاه مع الرواة الآخرين - كأبي هريرة - المدعومين من السلطة الأُموية ، فكان هؤلاء الرواة أحد أعمدة الحرب الموجّه ضدّ علي عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام.

أمّا لماذا لم يطردهم رسول الله صلى الله عليه وآله من حوله؟ فذلك لأنّ الرسول صلى الله عليه وآله هاد ومنذر ، ولا ينبغي له صلى الله عليه وآله أن يدفع من يؤمن به ولو ظاهراً ، بحجّة أنّه منحرف أو سينحرف ، إذ كيف سيؤمن به الآخرون ويلتحقون به ، وهذا واضح من قول النبيّ صلى الله عليه وآله : ( لا يتحدّث الناس أنّ محمّداً يقتل أصحابه ) (1) ، عندما أشير عليه بذلك في قصّة معروفة.

وإذا اعترض معترض بأنّه لماذا لا نجد روايات في بيان حقيقتهم؟ وما سيؤول إليه أمرهم ، فإنّا نقول له : توجد ولكنّها لم تنقل في كتب أهل السنّة ، لأنّها

ص: 441


1- 1. مسند أحمد 3 / 393 ، صحيح البخاريّ 4 / 160 و 6 / 66 ، صحيح مسلم 8 / 19.

خلاف عقيدتهم ، وبقيت في كتب الشيعة إلى الآن.

( ... - ... - ..... )

ما ورد عن ابن الحنفيّة في أبي بكر وعمر ضعيف :

س : لقد فادني موقعكم في أمر ديننا ودنيانا كثيراً.

هناك حديث يردّده دائماً السلفيّون وهو : أنّ محمّد بن الحنفيّة سأل أمير المؤمنين عن من هو أفضل بعد النبيّ ، فقال : ( أبو بكر وعمر ) ، ثمّ قال : ( أنا واحد من المسلمين ... ).

وأنّه عليه السلام كان يجلد كلّ من قال : إنّ عليّاً أفضل من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة ... ، ولكن العقل السليم يرفض هذا الحديث ، لأن-ّه لا يمكن لأبي بكر وعمر مغتصبي الخلافة ، ومغتصبي حقّ الزهراء عليها السلام ، أن يكونا أفضل من علي عليه السلام ، وأن يدخلا الجنّة كأنّهما لم يفعلا شيئاً ، وإنّي سمعت أنّ هذا الحديث افتراه ابن تيمية ، فما تقولون في هذا الحديث وصحّته؟ الرجاء إفادتي.

ج : نلخّص الإجابة بنقاط :

1 - ما ورد في كتب أهل السنّة ليس بحجّة علينا ، وإلاّ كانت رواياتنا حجّة عليهم أيضاً.

2 - إنّ السلفيّين يدعون تواتر مضمون هذا الحديث ، وقد يكون تبعاً لمجمل كلام ابن تيمية ، فإنّ له عدّة عبارات في كتبه غير منضبطة المعنى ، ولكن إدعاء تواتره دعوى بلا دليل ، ويعجزون عن إثباتها قطعاً ، وإنّما هي حجّة لإحراج الشيعيّ ، لا تصمد أمام النقد والاستقصاء.

3 - هذه الرواية عن ابن الحنفيّة وردت في البخاريّ (1) وهي ضعيفة السند ، إذ

ص: 442


1- 1. صحيح البخاريّ 4 / 195.

فيه محمّد بن كثير العبدي ، قال فيه ابن معين : ( لم يكن بثقة ) (1) ، وفيه سفيان الثوري ، وكان يدلّس عن الضعفاء (2).

( كرّار أحمد المصطفى - الكويت - 19 سنة - طالب جامعة ومبلّغ دين )

عدم مشاركة الأئمّة في فتوحاتهم :

س : هل كان أئمّة أهل البيت عليهم السلام يقومون بفتح الدول تحت لواء مغتصبي الخلافة؟ فمثلاً هل قام الإمام الحسن عليه السلام بحركات فتح لدول غير إسلامية تحت إمرة أحد ولاة عمر أو أبي بكر؟

وإذا كان ذلك صحيحاً ألا يعتبر ذلك إضفاء نوع من الشرعيّة على خلافة هؤلاء؟ وماذا عن نشر الدين الإسلاميّ بصورة مبتورة؟ فهم بذلك يفتحون الدول تحت اسم إسلام ناقص من مفهوم الإمامة؟

ج : ورد في بعض كتب السير والتاريخ ما يشير إلى هذا الموضوع ، ولكن بطرق غير سليمة ، إمّا لعدم وجود السند ، وإمّا لضعفه ، فلا يثبت منه حتّى مورد واحد لكي يحتجّ به.

على أنّنا نجد عدم ذكر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الفتوحات!! وهو الأحرى أن يكون قائداً لها ، أو مشاركاً فيها على الأقل.

مضافاً إلى أنّ أئمّة الحقّ عليهم السلام كانوا لا يرون في الاشتراك في هذه الحروب مصلحة ، بل لا يرون نفس تلك الحروب خيراً ، فقد روي أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال لعبد الملك بن عمرو : ( يا عبد الملك مالي لا أراك تخرج إلى هذه المواضع التي يخرج إليها أهل بلادك )؟ قال : قلت : وأين؟

قال : ( جدّة ، وعبّادان ، والمصيصة ، وقزوين ) ، فقلت : انتظاراً لأمركم ،

ص: 443


1- 1. مقدمة فتح الباري : 441.
2- 2. الجرح والتعديل 4 / 225 ، مسند ابن الجعد : 279.

والاقتداء بكم ، فقال : ( إي والله ، لو كان خيراً ما سبقونا إليه ) (1).

وثمّة عدّة روايات أُخرى تدلّ على أنّهم عليهم السلام كانوا لا يشّجعون شيعتهم ، بل ويمنعونهم من الاشتراك في تلك الحروب.

وهل هذا كلّه ينسجم مع ما ذكرته تلك الكتب من مشاركتهم في الحروب؟!

وأخيراً : جاء في بعض الكتب أنّ الإمام الحسن عليه السلام قد اشترك في فتح جرجان ، وهذا إن ثبت فإنّه يحمل على كونه أيّام خلافة أمير المؤمنين عليه السلام ، كما صرّح به بعضهم وقال : ( فإن ثبت هذا يدلّ على أنّه كان في أيّام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ) (2).

( غانم فرحان - الكويت - 30 سنة - دبلوم )

تعامل أبي بكر وعمر مع الأحداث :

س : كثيراً ما يحتجّ البعض حول مسألة الفتوحات الإسلاميّة في عهد أبي بكر وعمر ، بأنّها انتصار ودليل على حسن القيادة في ذلك الوقت ووحدة المسلمين ، ولو أخذنا الموضوع بشكل سطحي ، قد يتبادر إلينا أنّ هذا الاعتقاد صحيح؟

لكن بالمقابل وعند قراءة التاريخ الإسلاميّ والتمعّن فيه ، لا يذكر لهذه الوحدة بشيء ، ولم يتطرّق إلاّ للمشاكل والفتن في عهد الخلفاء الثلاثة ، فكيف يمكن أن نوفّق بين الفتوحات والمشاكل والفتن في ذلك الزمن؟ مع الشكر الجزيل.

ج : إنّ المراحل الأُولى من الخلافة كانت مرحلة استقرار سياسي بالنسبة للخلفاء ، فلم يكن أحد يعارض أبا بكر وعمر على الخلافة ، بعدما أظهرا من القسوة والغلظة الشديدة مع الخصوم ، وهذا ما يعبّر عنه بالوحدة التي حصلت

ص: 444


1- 1. الكافي 5 / 19 ، التهذيب 6 / 126.
2- 2. تاريخ جرجان : 48.

تحت سطوة سيف الخليفة ودرّة عمر ، فصار لهما المجال لتوسيع النفوذ على المناطق المجاورة للدولة الإسلاميّة.

يقول الكاتب المصري سعيد أيوب : ( ولولا غلظة عمر في التعامل مع بعض رؤوس القوم ، لوجد أعداء الدولة لهم ثغرات يعملون فيها على انقراض الإسلام بصورة من الصور ، ولكن عمر وهو المشهور بالتصدّي لهم ، وعلى سبيل المثال فعمر هو القائل في سعد بن عبادة - وهو رئيس الأنصار وسيّدها - : اقتلوا سعداً قتل الله سعداً.

وعمر هو الذي شتم أبا هريرة ، وعمر هو الذي خوّن عمرو بن العاص ، ونسب إليه سرقة مال الفيء ، وعمر شتم خالد بن الوليد وطعن في دينه ، وحكم بفسقه وبوجوب قتله ، فسرعة عمر إلى محاسبة البعض جعلت البعض الآخر يعيش يومه ) (1).

نعم كانت في بداية خلافة أبي بكر وقائع ، استخدم معهم أبو بكر السيف ، حتّى استتب له أمر الخلافة ، فجهّز الجيوش للفتوحات.

( أحمد - البحرين - 29 سنة - ماجستير )

نقدهم علماؤنا :

س : يقولون أنّ الإمام الخميني قد سبّ الشيخين في كتابه كشف الأسرار ، حيث قال : ( ولا شغل لنا الآن مع الشيخين ، ومع مخالفتهما للقرآن ، وتلاعبهما بأحكام الله ، والتحليل والتحريم من أنفسهم ، والظلامات التي ألحقوها بفاطمة بنت النبيّ صلى الله عليه وآله ، وجهلهما بأحكام الله ، … وأمثال هؤلاء الأشخاص من الجهّال الظالمين لا يليقون بالإمامة ، وليسوا بأولي الأمر ) (2).

ص: 445


1- 1. معالم الفتن 1 / 393.
2- 2. كشف الأسرار : 119.

كيف يمكن الردّ على مثل هذه الأقاويل ، جزاكم الله خير الجزاء عن أهل البيت.

ج : مسألة سبّ السيّد الخميني قدس سره للشيخين ، فإنّ قوله فيهم ليس من السبّ والشتم ، وإنّما هو في مقام نقد رجال يتصدّون لمواقع الإمامة والقيادة ، وهنا ليس هو جائزاً فحسب ، وإنّما الواجب على العالم بعدم استحقاق من يتصدّى لذلك أن يبيّن للناس الواقع والحقّ ، ولا حرج منه أبداً كما يفعل علماء الجرح والتعديل ، مثلاً وكما قال ابن سيرين : ( هذا الحديث دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم ) (1).

وهذا الأمر لا ينفرد به السيّد الخميني ، بل نقل مسلم في صحيحه عن الإمام علي عليه السلام بأنّه نسب ذلك وأكثر لأبي بكر وعمر ، فقال على لسان عمر : ( فرأيتماه - أي أنت يا علي والعباس - كاذباً آثماً غادراً خائناً ، والله يعلم إنّه لصادق بار راشد تابع للحقّ ، ثمّ توفّي أبو بكر ، وأنا ولي رسول الله صلى الله عليه وآله ، وولي أبي بكر ، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً ، والله يعلم أنّي لصادق بار راشد تابع للحقّ ... ) (2).

ص: 446


1- 1. فيض القدير 6 / 497 ، الجرح والتعديل 2 / 15.
2- 2. صحيح مسلم 5 / 152.

الخلق والخليقة :

اشارة

( رؤوف - السعودية - 27 سنة - طالب )

لا منافاة بين علمه تعالى وبين خلقه :

س : إذا كان الله تعالى يعلم من سيدخل النار فلماذا خلقه؟ هل ينسجم هذا مع الرحمة الإلهيّة؟

ج : إنّ الله تعالى يعلم من سيدخل النار ، ومن سيدخل الجنّة بلا شك في ذلك ، إلاّ أنّه لا منافاة ولا تعارض بين علمه تعالى وبين خلقه ، فعلمه لا يعني إجبار الإنسان أن يدخل النار ، فهو خلقه وترك له الاختيار للصلاح والطاعة ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (1).

فالله تعالى قد خلق خلقه ، وأوضح لهم سبل الهداية ، وترك لهم الاختيار ، فإمّا الطاعة وإمّا المعصية ، وهذا لا ينافي علمه تعالى في خلقه ، وعلمه تعالى لا يؤثّر في طاعة المطيع ، ولا في معصية العاصي.

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

العلم الإلهيّ لا يولّد وظيفة قط :

س : يراودني سؤال هو : إذا كان الله تعالى يعلم بأنّ فلان في النار ، فلماذا أوجده؟ وما هي العلّة من خلق المعذّبين في النار؟

ص: 447


1- 1. الإنسان : 3.

ج : فملّخص القول في المقام هو : أنّ العلم الإلهيّ لا يتولّد منه وظيفة عملية ، أي أنّه لا يكون علّة تشريعيّة لأفعال العباد ، وعليه فلا جبر من جانبه تعالى ، بل إنّ الناس في سعةٍ واختيار ، بالنسبة لتكاليفهم وقراراتهم الشخصية.

نعم ، إنّ الله تعالى ومن منطلق علمه الذاتيّ ، يعلم بما يؤول إليه أفعال الإنسان ، وهذا أمر آخر لا يفرض تلك الأفعال على الإنسان ، فالأفعال التي تصدر منه تكون اختيارية ، وإن كان معلوماً مسبقاً في علم الله تعالى.

وأمّا علّة خلق المعذّبين بالنار ، فهو في الحقيقة التساؤل عن حكمة مطلق الخلق والوجود ، والجواب هو : القول بالتفضّل الإلهيّ ، إذ إنّ الوجود - في مقابل العدم - فضل وميزة بلا كلام ونقاش ، وأمّا الخصوصيّات الأُخرى - مثل معصية الإنسان التي توجب النار وغيرها - خارجة عن حكمة أصل الوجود ، بل إنّها من صفات عمل الفرد.

( محمّد إبراهيم الإبراهيم - الكويت - .... )

مسألة كون الأرض على قرن ثور :

س : سادتي الكرام ، لقد قرأت في الروايات والأحاديث : ( إنّ الأرض على قرن ثور ) ، فكيف ذلك؟ ونسألكم الدعاء.

ج : وردت عدّة روايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، تنصّ على ردّ الروايات الغامضة إليهم عليهم السلام لتوضيحها وبيانها ، ولا يصحّ طرحها أو تفسيرها حسب المذاق والمزاج ، ومن تلك الروايات :

1 - عن محمّد بن عيسى قال : أقرأني داود بن فرقد الفارسي كتابه إلى الإمام أبي الحسن الثالث عليه السلام وجوابه بخطّه ، فقال : نسألك عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك عليهم السلام ، قد اختلفوا علينا فيه ، كيف العمل على اختلافه؟ إذ نرد إليك فقد أختلف فيه؟

ص: 448

فكتب عليه السلام : ( وقرأته ما علمتم أنّه قولنا فألزموه ، وما لم تعلموا فردّوه إلينا ) (1).

2 - عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( وانظروا أمرنا وما جاءكم عنّا ، فإن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به ، وإن لم تجدوه موافقاً فردّوه ، وإن اشتبه الأمر عليكم فيه فقفوا عنده ، وردّوه إلينا حتّى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا ) (2).

3 - عن جابر قال : قال أبو جعفر عليه السلام : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنّ حديث آل محمّد صعب مستصعب ، لا يؤمن به إلاّ ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان ، فما ورد عليكم من حديث آل محمّد ( صلوات الله عليهم ) فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه ، وما اشمأزت قلوبكم وأنكرتموه فردّوه إلى الله وإلى الرسول ، وإلى العالم من آل محمّد ، وإنّما الهالك أن يحدّث أحدكم بشيء منه لا يحتمله ، فيقول : والله ما كان هذا ، والإنكار هو الكفر ) (3).

وهذه الرواية التي ذكرتموها من الروايات الغامضة التي لا نعرف بيانها وتفسيرها ، فنردّ علمها إلى أهلها.

كما وجّه السيّد هبة الدين الشهرستاني في كتابه هذه الرواية بقوله : ( نعم ، إنّما يستشكل المعترض فيما ورد في الشريعة : من أنّ الأرض خلقت على الحوت ، أو على قرن الثور ، ونحو ذلك ) (4).

ولذا لم يؤمن بهذه الأخبار كثير من الفضلاء ، وأوّلها جماعة إلى المعاني الباطنية.

ص: 449


1- 1. بصائر الدرجات : 544.
2- 2. الأمالي للشيخ الطوسيّ : 232.
3- 3. الكافي 1 / 401.
4- 4. إلهيّئة والإسلام : 58.

وقد منّ الله تعالى عليّ بفتح مقفلها ، وحلّ مشكلها بتقدير المضاف ، وهو أمر شائع عند البلغاء ، والمعنى : أنّ الأرض خلقت على شكل قرن ثور - بناءاً على القول المختار في هذه العصور - فيكون التناسب بين هيئة الأرض وهيئة قرني الثور من جهات :

الأُولى : أنّ وضع القرون في الثيران على الاستدارة من طرفي اليمين والشمال ، وكذلك الأرض مستديرة من طرفيها المشرق والمغرب ، فيناسب ذلك ما في بعض الأخبار من أنّ قرناً من قرني ذلك الثور في المشرق ، والقرن الآخر في المغرب.

ومن الغريب أنّ استدارة القرن بهذه الكيفية مخصوص بنوع الثيران ، ليس لباقي الأنعام وذوات القرون مثله على ما استقريناه.

الثانية : أنّ شكل القرنين في الثور مسطّح من طرفيه الأعلى والأسفل ، ومحدّب مستدير من جانبيه اليمين واليسار ، وقد عرفت استكشاف نيوتون وإصرار من تأخّر عنه على أنّ الأرض مستديرة الجانبين مسطّحة القطبين ، وذكرنا أنّ هذا المعنى المستخرج بالآلات الدقيقة والأفكار الحادّة مستفاد من أخبار وافرة عن النبيّ وعترته الطاهرة عليهم السلام.

الثالثة : أنّ جرم الأرض على الدوام واقع في طرف مدار بيضوي ، وكذلك قرنا الثور واقعان في موضع من رأسه ، لو فرض خطّ وهميّ من موضعهما إلى ذقنه ، بحيث يحيط بتمام رأسه ذلك الخطّ ظهر شكل المدار البيضوي ، ولو اعتبرت المدار بدن الثور أيضاً كان قرناه واقعين في موضع من البدن ، لو فرض خطّ وهميّ من موضعهما إلى موضع الذنب بحيث يحيط بجثّته ذلك الخطّ ظهر أيضاً شكل المدار البيضوي.

فالحدس يطمئن بأنّ الحجج عليهم السلام لم يجدوا مساغاً لتوضيح هذه العلوم والأسرار لجهّال عصرهم ، فأدرجوها في طيّ كلماتهم ورمزوها في ضمن إشاراتهم لأجل ذلك ، وضربوا للإشارة إلى مطلوبهم تمثالاً جامعاً لأكثر الجهات بأخصر العبارات ، حتّى إذا تلى بعدهم على أهل العلم والتحقيق استخرجوا من طيّه السرّ الدقيق.

ص: 450

( عيسى أحمد كلوت - لبنان - .... )

فلسفة الخلقة :

س : لماذا خلق الله الخلق؟

ج : لم يخلق الله تعالى الخلق عبثاً وباطلاً ، وإنّما خلقهم لعلّةٍ وحكمةٍ ، وهو غير محتاج إليهم ، ولا مضطرّ إلى خلقهم ، وأشارت إلى هذا المعنى الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ، ننقل لك بعضها ، وللمزيد راجع كتاب ( بحار الأنوار ) للعلاّمة المجلسيّ (1).

أمّا الآيات ، فمنها :

1 - قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ ) (2).

2 - قوله تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ) (3).

3 - قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (4).

4 - قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ ) (5).

5 - قوله تعالى : ( أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ) (6).

وأمّا الأحاديث ، فمنها :

1 - عن جعفر بن محمّد بن عمارة ، عن أبيه قال : سألت الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام فقلت له : لم خلق الله الخلق؟

ص: 451


1- 1. بحار الأنوار 5 / 309.
2- 2. الحجر : 85.
3- 3. المؤمنون : 115.
4- 4. ص : 27.
5- 5. الأنبياء : 16.
6- 6. القيامة : 36.

فقال : ( إنّ الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثاً ، ولم يتركهم سدىً ، بل خلقهم لإظهار قدرته ، وليكلّفهم طاعته ، فيستوجبوا بذلك رضوانه ، وما خلقهم ليجلب منهم منفعةً ، ولا ليدفع بهم مضرّةً ، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى نعيم الأبد ) (1).

2 - عن عبد الله بن سلام مولى رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ( في صحف موسى بن عمران عليه السلام : يا عبادي إنّي لم أخلق الخلق لأستكثر بهم من قلّة ، ولا لآنس بهم من وحشةٍ ، ولا لأستعين بهم على شيء عجزت عنه ، ولا لجرّ منفعة ، ولا لدفع مضرّة ، ولو أنّ جميع خلقي من أهل السماوات والأرض اجتمعوا على طاعتي وعبادتي ، لا يفترون عن ذلك ليلاً ولا نهاراً ، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً ، سبحاني وتعاليت عن ذلك ) (2).

3 - روى هشام بن الحكم ، أنّه سأل الزنديق أبا عبد الله عليه السلام : فلأيّ علّة خلق الخلق؟ وهو غير محتاج إليهم؟ ولا مضطرّ إلى خلقهم؟ ولا يليق به العبث بنا؟

قال : ( خلقهم لإظهار حكمته ، وإنفاذ علمه ، وإمضاء تدبيره ... ) (3).

( محمّد - هولندا - .... )

هل خلقت الأرواح قبل الأجساد؟

س : هناك طائفة كبيرة من الروايات التي تقول : بأنّ الأرواح خلقت قبل الأجساد ، فهل هذه الروايات معتمدة بين العلماء؟ وهل ينسجم القول بأنّ النفس جسمانية الحدوث روحانية البقاء - كما هو أصل في الحكمة المتعالية - مع تلك الروايات؟ وما هو وجه الجمع إن أمكن؟

ص: 452


1- 1. علل الشرائع 1 / 9.
2- 2. المصدر السابق 1 / 13.
3- 3. الاحتجاج 2 / 80.

هذا ، ولكم منّا خالص الدعاء.

ج : قال الشيخ المفيد قدس سره : ( وأمّا الخبر بأنّ الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، فهو من أخبار الآحاد ، وقد روته العامّة كما روته الخاصّة (1) ، وليس هو مع ذلك بما يقطع على الله سبحانه بصحّته ، وإنّما نقله رواته لحسن الظنّ به.

وإن ثبت القول فالمعنى فيه : إنّ الله تعالى قدّر الأرواح في علمه قبل اختراع الأجساد ، واخترع الأجساد ، ثمّ اخترع لها الأرواح ، فالخلق للأرواح قبل الأجساد خلق تقدير في العلم كما قدمّناه ، وليس بخلق لذواتها كما وصفناه ) (2).

وقال العلاّمة المجلسيّ قدس سره : ( اعلم أنّ ما تقدّم من الأخبار المعتبرة في هذا الباب ، وما أسلفناه في أبواب بدء خلق الرسول صلى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام - وهي قريبة من التواتر - دلّت على تقدّم خلق الأرواح على الأجساد ، وما ذكروه من الأدلّة على حدوث الأرواح عند خلق الأبدان مدخولة ، لا يمكن ردّ تلك الروايات لأجلها ).

وجاء في الهامش : ( الكلام حول روايات خلق الأرواح قبل الأبدان ، يقع في جهات :

1 - في صدورها : هل تكون مقطوعة الصدور أو لا؟ وعلى فرض عدم القطع بصدورها ، هل يوجد دليل على وجوب التعبّد بها أو لا؟

2 - في دلالتها : هل تدلّ دلالة صريحة على تقدّم وجود الأرواح على أبدانها ، خارجاً بالتقدّم الزماني أو لا؟

3 - في توافقها مع الأدلّة العقلية.

فنقول : أمّا من الجهة الأُولى ، فهي غير بالغة حدّ التواتر ، فلا يحصل القطع بصدورها عادة ، وأدلّة حجّية الخبر الواحد قاصرة عن غير ما يتعلّق بالأحكام

ص: 453


1- 1. معاني الأخبار : 108.
2- 2. المسائل السروية : 52.

الفرعية العملية ، فلا يوجد دليل على وجوب التعبّد بها.

وأمّا من الجهة الثانية ، فلا ريب في ظهورها في ذلك في حدّ نفسها ، وإن لم يبلغ إلى مرتبة النصّ.

وقد أوّل الشيخ المفيد الخلق بالتقدير ، كما أنّه يمكن حملها على نوع من التمثيل والاستعارة ، إذا وجد دليل قطعي معارض لمدلولها.

وأمّا من الجهة الثالثة ، فقد دار البحث بين الفلاسفة حول حدوث النفس وقدمها ، وذهب أصحاب مدرسة صدر المتإلهيّن ، إلى أنّها تحدث بحدوث البدن ، غير بالغة حدّ التجرّد العقلي متحركة نحوه ، ولا مجال لذكر أدلّتهم ونقدها هاهنا.

وهناك أمر يتعلّق بمعرفة شؤون النفس ، يستعصي على الأذهان المتوغّلة في المادّيات ، ولعلّ إجادة التأمّل فيه يعين على حلّ العويصة ، وهو : أنّ النفس وإن كانت أمراً متعلّقاً بالمادّة ، بل ناشئاً عنها ومتحداً بها ، وبهذا الاعتبار صحّ مقايستها بالحوادث ، واتصافها بالمقارنة والتقدّم والتأخر زماناً ، إلاّ أنّها حين ما تدخل في حظيرة التجرّد ، تجد نفسها محيطة بالبدن ، من ناحية البدء والنهاية ، وأنّ شعاعها يمتد إلى ما قبل حدوث البدن ، كما أنّه يمتد إلى ما بعد انحلاله.

فالذي ينظر إلى جوهرها المجرّد ، من فوق عالم الطبيعة ، يجدها خارجة عن وعاء الزمان محيطة به ، وإذا قايسها إلى ظاهرة مادّية ، واقعة في ظرف الزمان كالبدن ، يجدها موجودة معها وقبلها وبعدها ، فيصحّ له أن يحكم بتقدّم وجودها على وجود البدن ، مع أنّ من ينظر إليها من نافذة عالم المادّة ، ويعتبرها أمراً متعلّقاً بالبدن ، بل مرتبة كاملة له ، انتهى إليها بالحركة الجوهرية ، وبهذا الاعتبار يسمّيها نفساً ، يحكم بحدوثها عند حدوث البدن ، وحصول التجرّد لها بعد ذلك ، ولا منافاة بين النظرين ، وبهذا يمكن الجمع بين القولين.

ص: 454

وممّا ينبغي الالتفات إليه ، أنّ في تقدّم خلق الأرواح على الأبدان بألفي عام - على حدّ التعبير الوارد في الروايات - لم يعتبر كلّ روح إلى بدنه ، بحيث يكون خلق كلّ روح قبل خلق بدنه ، بألفي عام كامل لا أزيد ولا أنقص ، وإلاّ لزم عدم وجود جميع الأرواح في زمن علي عليه السلام ، فضلاً عمّا قبله ، ضرورة حدوث كثير من الأبدان بعد زمنه بآلاف السنين ، ولا يبعد أن يكون ذكر الألفين لأجل التكثير ، وتثنية الألف للإشارة إلى التقدّم العقلي والمثالي ) (1).

( خالد - الجزائر - 28 سنة - التاسعة أساسي )

أوّل شيء خلقه الله :

س : ما هو أوّل شيء خلقه الله تعالى؟ هل هو القلم؟ كما تقول العامّة.

ج : تعدّدت الأقوال في أوّل مخلوق خلقه الله تعالى ، وذلك لاختلاف الروايات الواردة في هذا المجال ، وهي :

1 - نور النبيّ : فعنه صلى الله عليه وآله : ( أوّل ما خلق الله نوري ، ففتق منه نور علي ، ثمّ خلق العرش واللوح ، والشمس وضوء النهار ، ونور الأبصار والعقل والمعرفة ) (2).

2 - روح النبيّ : فعنه صلى الله عليه وآله : ( أوّل ما خلق الله روحي ) (3).

3 - العرش : فعن ابن عباس : أوّل ما خلق الله العرش فاستوى عليه (4).

4 - القلم : فعن الإمام الصادق عليه السلام : ( أوّل ما خلق الله القلم ، فقال له : اكتب ، فكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ) (5).

ص: 455


1- 1. بحار الأنوار 58 / 141.
2- 2. بحار الأنوار 54 / 170.
3- 3. شرح أُصول الكافي 12 / 11.
4- 4. بحار الأنوار 54 / 314.
5- 5. تفسير القمّيّ 2 / 198.

وذهب بعض الأعلام إلى أنّ العقل الوارد في الأخبار بأنّه أوّل المخلوقات ، هو نوره صلى الله عليه وآله.

5 - الماء : فعن جابر الجعفي قال : جاء رجل من علماء أهل الشام إلى أبي جعفر عليه السلام ، فقال : جئت أسألك عن مسألة لم أجد أحداً يفسّرها لي ، وقد سألت ثلاثة أصناف من الناس ، فقال كلّ صنف غير ما قال الآخر.

فقال أبو جعفر عليه السلام : ( وما ذلك )؟ فقال : أسألك ، ما أوّل ما خلق الله عزّ وجلّ من خلقه؟ فإن بعض من سألته قال : القدرة ، وقال بعضهم : العلم ، وقال بعضهم : الروح.

فقال أبو جعفر عليه السلام : ( ما قالوا شيئاً ، أخبرك أنّ الله علا ذكره كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزاً ولا عز ، لأنّه كان قبل عزّه ، وذلك قوله : ( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (1) ، وكان خالقاً ولا مخلوق ، فأوّل شيء خلقه من خلقه الشيء الذي جميع الأشياء منه ، وهو الماء ) (2).

6 - الهواء : في تفسير قوله تعالى : ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء ) (3) ، قال الشيخ القمّيّ قدس سره : ( وذلك في مبدأ الخلق ، أنّ الربّ تبارك وتعالى خلق الهواء ، ثمّ خلق القلم ، فأمره أن يجري ، فقال : يا ربّ بم أجري؟ فقال : بما هو كائن ، ثمّ خلق الظلمة من الهواء ، وخلق النور من الهواء ، وخلق الماء من الهواء ، وخلق العرش من الهواء ، وخلق العقيم من الهواء - وهو الريح الشديد - وخلق النار من الهواء ، وخلق الخلق كلّهم من هذه الستّة التي خلقت من الهواء ) (4).

7 - العقل : فعن رسول الله صلى الله عليه وآله : ( أوّل ما خلق الله العقل ) (5).

ص: 456


1- 1. الصافّات : 180.
2- 2. التوحيد : 66.
3- 3. هود : 7.
4- 4. تفسير القمّيّ 1 / 321.
5- 5. شرح أُصول الكافي 1 / 204.

ووجه التوفيق بين هذه الأخبار هو : أنّ بعضها محمول على الأوّلية الإضافية ، وبعضها على الحقيقة ، فأوّلية نور النبيّ صلى الله عليه وآله حقيقية ، وغيره إضافية نسبية.

( ... - ... - ..... )

كيفية خلق الإنسان :

س : في حديث لابن القيّم الجوزيّة في كتابه إغاثة اللهفان ، قال متحدّثاً عن الملائكة : ( فإنّهم موكلّون بتخليقه - أي الإنسان - ونقله من طور إلى طور ، وتصويره وحفظه في أطباق الظلمات الثلاث ، وكتابة رزقه وعمله وأجله ، وشقاوته وسعادته ، وملازمته في جميع أحواله ، وإحصاء أقواله وأفعاله ، وحفظه في حياته ، وقبض روحه عند وفاته ، وعرضها على خالقه وفاطره ، وهم الموكلّون بعذابه ونعيمه في البرزخ ، وبعد البعث ، وهم الموكلّون بعمل آلات النعيم والعذاب ) (1).

هل نؤمن بهذا الحديث؟ وما المقصود في قوله : ( الظلمات الثلاث )؟

ج : إنّ ما ذكره ابن القيّم في خلق الإنسان هو قريب إلى رواياتٍ وردت عن آل البيت عليهم السلام في هذا الشأن ، حيث ذكرت هذه الروايات كيفية الخلقة ، والملكان الموكّلان في ذلك.

ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( إنّ الله عزّ وجلّ إذا أراد أن يخلق النطفة التي هي ممّا أخذ عليها الميثاق في صلب آدم ، أو ما يبدو له فيه ) إلى أن قال : ( فتردد فيه أربعين صباحاً ، ثمّ تصير علقة أربعين يوماً ، ثمّ تصير مضغة أربعين يوماً ، ثمّ تصير لحماً تجري فيه عروق مشتبكة.

ثمّ يبعث الله ملكين خلاقين يخلقان في الأرحام ما يشاء الله ، يقتحمان في بطن المرأة من فم المرأة فيصلان إلى الرحم ، وفيها الروح القديمة المنقولة في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فينفخان فيهما روح الحياة والبقاء ، ويشقّان له

ص: 457


1- 1. إغاثة اللهفان 2 / 130.

السمع والبصر ، وجميع الجوارح ، وجميع ما في البطن بإذن الله.

ثمّ يوحي الله إلى الملكين : اكتبا عليه قضائي وقدري ونافذ أمري ، واشترطا لي البداء فيما تكتبان ، فيقولان : يا ربّ ، ما نكتب؟ قال : فيوحي الله عزّ وجلّ إليهما : ارفعا رؤوسكما إلى رأس أُمّه ، فيرفعان رؤوسهما ، فإذا اللوح يقرع جبهة أُمّه ، فينظران فيه فيجدان في اللوح صورته ورؤيته ، وأجله وميثاقه ، شقياً أو سعيداً ، وجميع شأنه ... ) (1).

على أنّ ما حكته الصحيحة من أطوار خلقته خارج عن إدراك عقولنا ، والوصول إلى ذلك بأذهاننا القاصرة ، فما علينا إلاّ التسليم ، فسبحان الله وبحمده.

ثمّ أنّ الظاهر من الظلمات الثلاث ، المراحل الثلاث المبهمة التي يمرّ بها الطفل ، فهي : مرحلة النطفة ، ومرحلة العلقة ، ومرحلة المضغة ، وكلّ واحدة منها أبهم من سابقتها ، ولمجهوليتها فكأنّها ظلمة في ظلمة ، هذا ما يمكن تفسيره بالظلمات الثلاث ، والله أعلم.

( سالم بن زيد - الكويت - .... )

من أيّ شيء خلقت الملائكة والنباتات والبهائم :

س : خلق الله الإنسان من طين ، والجنّ من النار ، ممّا خلق الملائكة والبهائم والنباتات؟

ج : إنّ الملائكة خلقت من النور ، والنباتات خلقت من التراب ، وأمّا البهائم فالظاهر من بعض الروايات أنّها خلقت من التراب ، غايته كيفية التربة تختلف بين الإنسان والبهائم ، فالتربة التي اختيرت لأبي البشر عليه السلام مغايرة في الجودة والنوعية والدرجة لتربة خلق البهائم ، ولكن توجد كلمات في بعض كتب

ص: 458


1- 1. تفسير الصافي 1 / 316.

الحديث بخلاف ذلك ، أي أنّ الحيوان الفلاني مثلاً ، خُلق من المادّة الفلانية ، والحيوان الفلاني خُلق من الريح ، وما شاكل ذلك.

( مريم محمّد - فلسطين - .... )

كيفية زواج أولاد آدم :

س : هل صحيح أنّ أبناء آدم عليه السلام كانوا يتزوّجون في بداية الخلق من أخواتهم؟ وشكراً.

ج : لقد أختلف العلماء والمفسّرون في كيفية بدء النسل بعد آدم عليه السلام ، فقيل : يحتمل أن يكون قبل آدم بشر مخلوق ، كما في بعض الروايات ، وإن كانت ضعيفة ، فربما بقي من ذلك النسل ما تزوّجه هابيل وقابيل ، ومن ثمّ بدء النسل الجديد لآخر المرحلة البشرية المتكاملة.

وقيل : بجواز نكاح الأخ من الأُخت في النسل الأوّل فقط ، أي بين هابيل وقابيل وأختيهما ، إذ حوّاء كانت تلد توأماً من ذكر وأنثى ، ويكون هذا من التشريع الخاصّ لبدء النسل البشري ، وهذا ما يتمسّك به المجوس من جواز نكاح المحارم ، إلاّ أنّه ورد في الروايات أنّ التحليل كان في النسل الأوّل ، ومن بعده كان التحريم ، والمجوس قالوا بما بعد الأوّل.

والصحيح ما ورد عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وإنكار مقولة المجوس واتباعهم غاية الإنكار ، فقد ورد في خبر زرارة قال : سئل الإمام الصادق عليه السلام : كيف بدأ النسل من ذرّية آدم عليه السلام؟ فإنّ أُناساً عندنا يقولون : إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى آدم عليه السلام : يزوّج بناته بنيه ، وإنّ هذا الخلق كلّه أصله من الأخوة والأخوات.

فقال عليه السلام : ( تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً ، يقول من قال هذا : بأنّ الله عزّ وجلّ خلق صفوة خلقه ، وأحبّائه وأنبيائه ورسله ، والمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات من حرام؟ ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال؟ وقد أخذ ميثاقهم على الحلال الطهر الطاهر الطيّب.

ص: 459

فو الله لقد تبيّنت أنّ بعض البهائم تنكّرت له أُخته ، فلمّا نزا عليها ونزل كشف له عنها ، فلمّا علم أنّها أخته أخرج عزموله - أي ذكره - ثمّ قبض عليه بأسنانه حتّى قطعه فخرّ ميتاً ، وآخر تنكّرت له أُمّه ، ففعل هذا بعينه ، فكيف الإنسان في أُنسيته وفضله وعلمه؟!

غير أنّ جيلاً من هذا الخلق الذي ترون ، رغبوا عن علم أهل بيوتات أنبيائهم ، وأخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه ، فصاروا إلى ما قد ترون من الضلال والجهل بالعلم ، كيف كانت الأشياء الماضية من بدء أن خلق ما خلق وما هو كائن أبداً ) إلى أن قال : ( وهذا نحن قد نرى منها هذه الكتب الأربعة المشهورة في هذا العالم : التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ... ليس فيها تحليل شيء من ذلك ، حقّاً أقول : ما أراد من يقول هذا وشبهه ، إلاّ تقوية حجج المجوس ، فمالهم قتلهم الله )؟!

ثمّ أنشأ يحدّثنا كيف كان بدء النسل من آدم ، وكيف كان بدء النسل من ذرّيته ، فقال : عليه السلام : ( إنّ آدم عليه السلام ولد له سبعون بطناً ، في كلّ بطن غلام وجارية ، إلى أن قتل هابيل ، فلمّا قتل قابيل هابيل ، جزع آدم على هابيل جزعاً قطعه عن إتيان النساء ، فبقي لا يستطيع أن يغشى حوّاء خمس مائة عاماً ، ثمّ تخلّى ما به من الجزع عليه ، فغشي حوّاء فوهب الله له شيثاً وحده ليس معه ثاني ، واسم شيث هبة الله ، وهو أوّل من أوصى إليه من الآدميين في الأرض.

ثمّ ولد له من بعد شيث يافث ليس معه ثاني ، فلمّا أدركا وأراد الله عزّ وجلّ أن يبلغ بالنسل ما ترون ، وأن يكون ما قد جرى به القلم ، من تحريم ما حرّم الله عزّ وجلّ من الأخوات على الأخوة ، أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنّة اسمها نزلة ، فأمر الله عزّ وجلّ آدم أن يزوّجها من شيث فزوّجها منه ، ثمّ أنزل بعد العصر حوراء من الجنّة اسمها منزلة ، فأمر الله تعالى آدم أن يزوّجها من يافث فزوّجها منه ، فولد لشيث غلام ، وولد ليافث جارية ، فأمر الله عزّ وجلّ آدم حين أدركا أن يزوّج بنت يافث من ابن شيث ، ففعل ذلك فولد

ص: 460

الصفوة من النبيّين والمرسلين من نسلهما ، ومعاذ الله أن ذلك على ما قالوا من الأخوة والأخوات ) (1).

ولنا روايات أُخرى بهذا المضمون أيضاً ، ومنها ما يدلّ على أنّ الله تعالى بعث إلى هابيل حوراء وإلى قابيل امرأة من طائفة الجنّ ، والجنّ أيضاً يتشكّل بشكل الإنسان كما كان ذلك للملائكة ، وأنّ الحور في الجنان أشكالهن كشكل النساء في الدنيا ، والملائكة وإن كانوا من المجرّدات ، ولكن يتشكّلوا بشكل الإنسان أيضاً ، بأمر الله سبحانه لحكمة خاصّة.

عن معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن آدم أبي البشر أكان زوّج ابنته من ابنه؟

فقال : ( معاذ الله ، والله لو فعل ذلك آدم عليه السلام لما رغب عنه رسول الله صلى الله عليه وآله ، وما كان آدم إلاّ على دين رسول الله صلى الله عليه وآله ).

فقلت : وهذا الخلق من ولد من هم؟ ولم يكن إلاّ آدم وحوّاء ....

فقال : عليه السلام : ( فلمّا أدرك قابيل ما يدرك الرجل ، أظهر الله عزّ وجلّ جنّية من ولد الجانّ ، يقال لها : جهانة في صورة أنسية ، فلمّا رآها قابيل ومقها - أي مال إليها - فأوحى الله إلى آدم : أن زوّج جهانة من قابيل ، فزوّجها من قابيل.

ثمّ ولد لآدم هابيل ، فلمّا أدرك هابيل ما يدرك الرجل ، أهبط الله إلى آدم حوراء واسمها : ترك الحوراء ، فلمّا رآها هابيل ومقها ، فأوحى الله إلى آدم أن زوّج تركاً من هابيل ففعل ذلك ، فكانت ترك الحوراء زوجة هابيل بن آدم ... ) (2).

وعن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( إنّ الله عزّ وجلّ أنزل حوراء من الجنّة إلى آدم ، فزوّجها أحد ابنيه ، وتزوّج الآخر إلى الجنّ فولدتا جميعاً ، فما كان من الناس من جمال وحُسن خلق فهو من الحوراء ، وما كان فيهم من سوء الخلق فمن بنت الجان ) ، وأنكر أن يكون زوّج بنيه من بناته (3).

ص: 461


1- 1. علل الشرائع 1 / 18.
2- 2. بحار الأنوار 11 / 226.
3- 3. علل الشرائع 1 / 103.

( أبو عباس - البحرين - 40 سنة - طالب جامعة )

ظاهر القرآن لا يساعد بالتزاوج من جنس آخر :

س : المشكلة التي يطرحها العلاّمة الطباطبائي تجاه هذه الروايات هي : أنّه لا يمكن فلسفياً أن يقع التزاوج بين جنسين مختلفين ، كالبشر والحور ، أو كالبشر والجنّ ، فلذلك مال إلى تقوية القول بتزاوج الأخوة والأخوات.

ج : إنّ السيّد الطباطبائي لم يجعل السبب في قوله بتزاوج الأخوة والأخوات في شريعة آدم ، هو عدم إمكان زواج البشر بالحور أو الجنّ ، بل جعل ذلك لأنّه لا يتناسب مع ظاهر القرآن ، فإنّ ظاهر إطلاق قوله تعالى : ( وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ) (1) ، أنّ النسل موجود من الإنسان ، إنّما ينتهي إلى آدم وزوجته ، من غير أن يشاركهما في ذلك غيرهما من ذكر أو أُنثى ، ولم يذكر القرآن للبث إلاّ إيّاهما ، ولو كان لغيرهما شركه في ذلك ، لقال : وبثّ منهما ومن غيرهما أو ذكر ذلك بما يناسبه من لفظ ، ومن المعلوم أنّ انحصار مبدأ النسل في آدم وزوجته يقضي بازدواج بنيهما من بناتهما.

( علي جبر القره غولي - 26 سنة - العراق - طالب علم )

الزواج من جنس آخر ممكن إذا تحوّل :

س : هل من الممكن أن يتّصل مخلوق الجنّ بمخلوق البشر جنسياً؟ أو أيّ وسيلة اتصال أُخرى؟

وما حقيقة أو تفسير الآية : ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاد ) (2)؟ وكيف يمكن للجنّ أن يمسّ البشر بحيث يعبّر عنه أن-ّه ممسوس أو مجنون والعياذ بالله.

ص: 462


1- 1. النساء : 1.
2- 2. الإسراء : 64.

ج : الجنّ مخلوقون من نار ، والإنس مخلوقون من تراب ، ولا يتصوّر على هذا أنّه يمكن أن يحصل تزاوج بينهما ، لاختلاف في مادّة الخلق ، فضلاً عن النوع الواحد ، فهل يتصوّر زواج إنسان من كلب ، وحصان ببقرة ، فكيف بالجنّ.

وإن مر عليك أنّ جنّياً تزوّج من إنسان ، فهذا لا يعني بقاءه على صورته ، بل حوّله الله تعالى إلى مخلوق أنسي حتّى يصحّ التزاوج ، هذا كلّه على فرض صحّة تلك الأخبار.

وأمّا ما يتعلّق بالآية القرآنيّة ، فيقول العلاّمة الطباطبائي : ( فمشاركة الشيطان للإنسان في ماله أو ولده ، مساهمته له في الاختصاص والانتفاع ، كأن يحصل المال الذي جعله الله رافعاً لحاجة الإنسان الطبيعية من غير حلّه ، فينتفع به الشيطان لغرضه ، والإنسان لغرضه الطبيعي ، أو يحصّله من طريق الحلّ ، لكن يستعمله في غير طاعة الله فينتفعان به معاً ، وهو صفر الكفّ من رحمه الله.

وكأن يولد الإنسان من غير طريق حلّه أو يولد من طريق حلّه ، ثمّ يربّيه تربية غير صالحة ، ويؤدّبه بغير أدب الله ، فيجعل للشيطان سهماً ولنفسه سهماً ، وعلى هذا القياس ) (1).

واستناد الجنون إلى الشيطان أو الجنّ ليس على نحو الاستقامة ، ومن غير واسطة ، بل لأسباب طبيعية ، كاختلال الأعصاب والآفة الدماغية أسباب قريبة وراءها الشيطان (2).

( .... السعودية .... )

خلق الأئمّة لهداية الخلق :

س : هل أنّ أهل البيت عليهم السلام خلقوا لهداية الخلق؟ والأخذ بيدهم ، وفّقكم الله.

ص: 463


1- 1. الميزان في تفسير القرآن 13 / 146.
2- 2. المصدر السابق 2 / 413.

ج : من الواضح أنّ الله تعالى لم يخلق هذا الخلق عبثاً ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ) (1) ، وإنّما خلق الله الأشياء من أجل الإنسان ( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ) (2) ، وخلق الإنسان من أجل تكامله ، والتكامل يحتاج إلى هداة إليه ، والهداة هم أئمّة أهل البيت عليهم السلام - كما نقرأ في زيارة الجامعة الكبيرة المروية عن الإمام الهادي عليه السلام - : ( السلام على أئمّة الهدى ومصابيح الدجى ... وأنتم نور الأخيار وهداة الأبرار ... ).

إذاً الأئمّة عليهم السلام خُلقوا لهداية الخلق ، والخلق وباقي المخلوقات خُلقت لأجل اتباع الخمسة من أهل الكساء عليهم السلام ، كما ورد هذا المعنى في حديث الكساء - المروي عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ - : ( يا ملائكتي ويا سكّان سماواتي ، إنّي ما خلقت سماء مبنية ، ولا أرضاً مدحية ، ولا قمراً منيراً ، ولا شمساً مضيئة ، ولا فلكاً يدور ، ولا بحراً يجري ، ولا فلكاً يسري ، إلاّ في محبّة هؤلاء الخمسة ، الذين هم تحت الكساء ).

جعلنا الله وإيّاكم من المتمسّكين بولاية أهل البيت عليهم السلام.

( عباس - عمان - 25 سنة )

الاستنساخ البشري ليس خلقاً جديداً :

س : ما الذي يثبت الاستنساخ في القرآن؟ لأنّنا نقرأ في الآيات القرآنيّة أنّ الخلق إمّا أن يكون من الطين مباشرة - كخلق آدم عليه السلام - أو ببث الروح والنفخ - كخلق عيسى عليه السلام - أو كالخلق العادي من مني يمنى ... من أين نستشف الاستنساخ من القرآن الكريم؟

ج : إنّ الاستنساخ - على ما ذكره أهل الاختصاص - ليس خلقاً جديداً بمعنى الإيجاد من العدم ، بل هو نقل الصفات والمميّزات من مخلوق إلى آخر ، بغية

ص: 464


1- 1. المؤمنون : 115.
2- 2. الجاثية : 13.

تطوير وتحسين المواصفات في المخلوق الثاني ، وإن كان الأمر حاليّاً في عالم الفرضيات والنظريات بالنسبة للخلقة الإنسانية ، ويبدو أنّه قد يرى بعض المشاكل والموانع في طريقه نحو التطبيق والفعلية.

ثمّ على فرض الوجود فلا يكون متناقضاً مع الخلق الأوّل الذي ابتدعه الله تعالى في صورة آدم عليه السلام وحوّاء ، فإنّ النسل البشري - في كافّة أنحاء تقلّباته - ينتهي بالمآل إليهما ، وعليه فتبقى اطلاقات الآيات القرآنيّة والأحاديث كلّها بحالها في هذا المجال ، فإنّ النصوص الدينية تصرّح بأنّ الإيجاد الأوّل كان بيد الله تعالى ، ثمّ إنّ التطوّرات حصلت أو قد تحصل في دائرة شمولية هذا الخلق.

وأخيراً : فإنّ الحكم الشرعيّ في هذا المجال يجب أن ينظر فيه من زاوية النظرة الفقهيّة ، فيراجع فيه إلى المراجع والمجتهدين وذوي الاختصاص.

( حسين جبّاري - البحرين - 23 سنة. طالب )

أوّل مخلوق جسماني خلق هو الماء :

س : ما هو أوّل خلق الله؟ وخصوصاً أنّ السنّة يختلفون في هذا الأمر ، فهناك من يقول أنّه الماء ، ومن يقول أنّه نور محمّد ... ، فما هو قول الشيعة في هذا الأمر؟ وما هو الدليل على ذلك من القرآن.

ج : قد وردت عندنا روايات تبيّن من هو أوّل خلق لله تعالى ، منها ما ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله : ( أوّل ما خلق الله روحي ) (1) ، وعنه أيضاً : ( أوّل ما خلق الله العقل ) (2) ، وعن الإمام الصادق عليه السلام : ( قال الله تبارك وتعالى : يا محمّد إنّي خلقتك وعليّاً نوراً - يعني روحاً - بلا بدن ، قبل أن أخلق سماواتي وأرضي ، وعرشي وبحري ، فلم تزل تهلّلني وتمجّدني ... ) (3) ، وهناك روايات أُخرى تشير

ص: 465


1- 1. شرح أُصول الكافي 12 / 11.
2- 2. المصدر السابق 1 / 204.
3- 3. الكافي 1 / 440.

إلى أنّ الماء أوّل صنع في عالم الخلق ، وقد شرح المازندرانيّ في شرح أُصول الكافي هذا الاختلاف ، وقال : لا منافاة بين هذه الروايات ، لأنّ هذه الثلاثة متحدة بالذات مختلفة بالحيثيات.

إذ هذا المخلوق الأوّل من حيث أنّه ظاهر بذاته ومظهر لظهوره وجودات غيره ، وفيضان الكمالات من المبدأ عليها سمّي نوراً ، ومن حيث إنّه حيّ وبسببه حياة كلّ موجود سمّي روحاً ، ومن حيث أنّه عاقل لذاته وصفاته وذوات سائر الموجودات وصفاتها سمّي عقلاً (1).

وجاء في الهامش : أنّ أوّل صادر من الواجب تعالى في السلسلة الطولية - أعني العلل والمعلولات - أشرف المخلوقات مطلقاً ، لكونه أقرب إلى الواجب تعالى ، وليس إلاّ روح خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله ، وهو نور لتحقّق معناه فيه ، وكونه ظاهراً بذاته ومظهراً لغيره ، وهو عقل لتقدّم العقل على الجسم ....

وأمّا كون الماء أوّل المخلوقات فالمراد منه أوّل موجود جسماني ، لا أوّل الموجودات مطلقاً كما علم ممّا مر ، وأعلم أنّ الإمام عليه السلام جرى ها هنا على اصطلاح الناس في ذلك العصر ، فإنّ العناصر عندهم كانت منحصرة في أربعة : الماء والهواء أي الريح ، والنار والأرض ، وبيّن عليه السلام أنّ الأصل هو الماء ، والثلاثة الأُخرى مولدة منه.

( عادل. البحرين - 21 سنة - طالب ثانوية )

الهدف من الخلقة :

س : أودّ منكم الإجابة على هذه الأسئلة التي تكاد تفجّر رأسي حول الغاية من خلق الإنسان :

من أين أنا؟ ولماذا؟ وإلى أين؟ الرجاء كلّ الرجاء السرعة في الردّ.

ص: 466


1- 1. شرح أُصول الكافي 12 / 11.

ج : من حقّك أن تسأل مثل هذا ، فلابدّ للإنسان أن يعرف من أين مبدأه ، وإلى أين منتهاه ، وما هي العلّة من وجوده؟ فأنت في الواقع تسأل عن أصلين من أُصول الدين ، وهما : التوحيد والمعاد ، بالإضافة إلى الهدف من خلق الإنسان؟

وللإجابة على ذلك على نحو الإجمال ؛ هو أن تفهم أنّ البداية من الله ، وأنّ النهاية إلى الله ، وقد أوجز سبحانه ذلك بقوله : ( إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ) (1).

أمّا ما هي الغاية أو الحكمة من خلق الإنسان؟ فهي التخلّق بالقيم والمثل الروحية والأخلاقية ، والاتصاف بالأسماء والصفات الإلهيّة ، وذلك يتحقّق بالعبودية لله تعالى.

وبما أنّك مسلم فلابدّ أن تعترف بالقرآن ، ولابدّ أن ترجع إليه لأنّه خير معين ، وهو يجيبك على ما في خلجات نفسك ، فالله تعالى يقول في كتابه العزيز : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (2) ، فالعبودية هي الغرض الإلهيّ من خلق الإنسان ، وكمال عائد إليه هي وما يتبعها من الآثار ، كالرحمة والمغفرة وغير ذلك ، ولو كان للعبادة غرض كالمعرفة الحاصلة بها والخلوص لله ، كان هو الغرض الأقصى ، والعبادة غرضاً متوسّطاً.

وقد قال تعالى : ( ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ) (3) ، وقوله : ( خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) تعليل لقوله : ( لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ) (4) ، أي إنّما انحصرت الألوهية فيه لأنّه خالق كلّ شيء من غير استثناء ، فلا خالق غيره لشيء من الأشياء حتّى يشاركه في الألوهية ، وكلّ شيء مخلوق له خاضع له بالعبودية فيها ، وقوله : ( فَاعْبُدُوهُ ) متفرّع كنتيجة على قوله : ( ذَلِكُمُ

ص: 467


1- 1. البقرة : 156.
2- 2. الذاريات : 56.
3- 3. الأنعام : 102.
4- 4. البقرة : 163.

اللهُ رَبُّكُمْ ) أي إذا كان الله سبحانه هو ربّكم لا غير فاعبدوه.

وقد قال تعالى أيضاً : ( إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ) (1) ، وهذه وغيرها من الآيات الكثيرة تثبت المعاد ، والرجوع إلى عالم أخر ، فلابدّ إذاً من الاستعداد إلى ذلك العالم.

وإن كنت تجد في نفسك شيء من الإسلام ؛ فلابدّ إذاً من البحث في القرآن وإعجازه حتّى يتسنّى لك الاستفادة منه ، فالقرآن تحدّى جميع البشر أن يأتوا بمثله ، وقد عجزوا عن ذلك! فهو إذاً من قوّة عليا فوق قدرة البشر.

ثمّ أنّ الإيمان بالمبدأ والتوجّه إلى ما وراء الطبيعة من الأُمور الفطرية ، التي عجنت خلقة الإنسان بها كما عجنت بكثير من الميول والغرائز ، وإنّ الشعور الديني الذي يتأجّج لدى الشباب في سنّ البلوغ ، يدعو الإنسان إلى الاعتقاد بأنّ وراء هذا العالم عالماً آخر ، يستمد هذا العالم وجوده منه ، وإنّ الإنسان بكلّ خصوصيّاته متعلّق بذلك العالم ويستمد منه ، وقد ذكر الله تعالى ذلك بقوله : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) (2).

وإنّ عبارة فطرة الله تفسير للفظة الدين الواردة قبلها ، وهي تدلّ بوضوح على أنّ الدين شيء خُلِق الإنسان عليه وفُطِر به ، كما خُلِق وفُطِر على كثير من الميول والغرائز ، والدين هنا يعني الاعتقاد بخالق العالم والإنسان ، وأنّ مصير الإنسان بيده.

ثمّ إنّ الدين عامل قويّ يرجّح كفّة الأخلاق ، ويوصي الإنسان بالعمل بالقيم وكبح جماح الغرائز ، لأنّ المتدّين يعتقد بأنّ كلّ ما يعمل من خير وشر في هذه الدنيا يحاسبه الله سبحانه عليه بأشدّ الحساب.

ص: 468


1- 1. العلق : 8.
2- 2. الروم : 30.

الخمس :

اشارة

( راشد حسين علي - الكويت - .... )

جزاء تاركه عمداً :

س : ما جزاء تارك الخمس عمداً؟

ج : إنّ الخمس واجب على الجميع ، وتاركه عمداً إذا لم يكن مستحلاً له فهو من مرتكبي الكبائر ، ويعاقب يوم القيامة عقاباً شديداً ، ويجب عليه إخراج جميع ما تعلّق بذمّته من الخمس منذ سنّ التكليف ، وإذا لم يعلم مقداره ، فعليه بمراجعة مرجع التقليد أو وكيله لإجراء المصالحة معه.

( حسن محمّد يوسف - البحرين - 18 سنة - طالب جامعة )

يشمل غير غنائم الحرب :

س : هل الخمس واجب في غنائم الحرب فقط ، كما يقول أهل السنّة؟ ولماذا؟

ج : إنّ دليل وجوب الخمس في القرآن كما تعلم هو قوله تعالى : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (1).

والغنيمة هنا مطلق ما يغنمه المرء وما يكسبه من تجارةٍ أو هبةٍ أو بسبب الحرب ، الذي من خلاله يغنم على ممتلكات العدو.

هذا معنى الغنيمة ، فالغنيمة بمعنى الغنم والظفر والحصول على شيء ،

ص: 469


1- 1. الأنفال : 41.

وقد أكّد هذا المعنى الراغب الأصفهاني - وهو من علماء أهل السنّة - بأنّ كلّ ما يحصل عليه من كسبٍ ومن غيره في حربٍ أو غير حرب فهو غنم ، فقال : والغنم : إصابته والظفر به ، ثمّ استعمل في كلّ مظفورٍ به من جهة العدى وغيرهم (1).

قال تعالى : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ ... ) ، وقال : ( فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا ) (2) والمغنم : ما يغنم وجمعه مغانم ، قال تعالى : ( فَعِندَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ) (3).

فالغنيمة ، هو مطلق حصول الإنسان على شيء من حربٍ أو غير حرب ، هذا ما يوافق القرآن ، وأهل اللسان ، وما خالفه لا يلتفت إليه ولا يسمع إلى قوله.

فالذين حصروا الخمس في غنيمة الحرب خالفوا ما عليه إطلاق المعنى ، وحصروه في غنائم الحرب من دون دليل ، بل خلاف القرآن واجتهاد مقابل النصّ.

وبعبارة أُخرى : فإنّ الدليل مع من قال بإطلاق اللفظ على معنى الغنائم جميعاً ، في الحرب أو التجارة أو غيرها.

وأمّا من ضيّق دائرة نطاق اللفظ ليحصرها على مورد واحد من موارد الغنيمة ، كانت دوافعه سياسية معروفة ، فأهل البيت عليهم السلام ومن تبعهم كانوا يشكّلون قوّة خطرٍ دائم على النظام ، ولغرض إضعاف القوّة الهاشميّة الناشطة آنذاك ، ولغرض فرض حصارٍ اقتصادي يوجب شل حركة الهاشميّين ، أوّلوا الغنيمة إلى كلّ ما يكسبه المقاتل في الحرب ، وألغوا جميع معانيها الأُخرى ، وعلماء البلاط لا يفتون إلاّ بما يضمن مصالح النظام ، ودفع أي احتمال خطر

ص: 470


1- 1. مفردات غريب القرآن : 366.
2- 2. الأنفال : 69.
3- 3. النساء : 94.

يحيط بهم الآن أو مستقبلاً ، وبذلك عطّلوا عاملاً قوياً ومهمّاً في تنشيط الهاشميّين وتفعيل تحرّكاتهم ، هذا هو سبب حصر اللفظ على معنى واحد ، وهو كما ترى لا يستقيم.

( حيدر - الكويت - .... )

أدلّة وجوبه في أرباح المكاسب :

س : ما هي الدلائل الشرعيّة على وجوب الخمس من القرآن الكريم ، وكتب السنّة والشيعة؟ حيث أنّه لا يوجد عند السنّة إلاّ الزكاة ، لأنّها ذكرت في القرآن الكريم ، وشكراً.

ج : من المواضيع المختلف فيها بين الشيعة والسنّة هو إخراج الخمس من أرباح المكاسب ، وكلّ ما حصلوا عليه من أموال طيلة سنتهم بشروط خاصّة ، بعد الاتفاق بينهم على وجوب الخمس في غنائم الحرب ، لصريح الآية الكريمة : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللهِ ... ) (1) ، ولصريح قول رسول الله صلى الله عليه وآله : ( آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع : الإيمان بالله ... ، وأقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وأن تؤدّوا خمس ما غنمتم ) (2).

فالشيعة - امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله - يخرجون خمس أرباح مكاسبهم ، وما حصلوا عليه من أموال طيلة سنتهم - التي تتوفر فيها شرائط خاصّة - ، ويفسّرون معنى الغنيمة بكلّ ما يكسبه الإنسان من أرباح بصفة عامّة.

أمّا أهل السنّة ، فقد أجمعوا على تخصيص الخمس بغنائم الحرب فقط ، وفسّروا قوله تعالى : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ ... ) يعني ما حصّلتم عليه في الحرب.

ص: 471


1- 1. الأنفال : 41.
2- 2. صحيح البخاريّ 1 / 133 و 2 / 109 و 4 / 44 و 5 / 116.

وما ذهب إليه أهل السنّة من تخصيص الخمس بغنائم الحرب غير صحيح ، وذلك لأمرين :

1 - أخرجوا في صحاحهم فرض الخمس في غير غنائم الحرب ، ونقضوا بذلك تأويلهم ومذهبهم ، فقد جاء في صحيح البخاريّ أن في الركاز الخمس ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( في المعدن جُبار ، وفي الركاز الخمس ) (1).

والركاز هو : الكنز الذي يستخرج من باطن الأرض ، وهو ملك لمن استخرجه ، ويجب فيه الخمس لأنّه غنيمة ، كما أنّ الذي يستخرج العنبر واللؤلؤ من البحر ، يجب عليه إخراج الخمس لأنّه غنيمة.

وبما أخرجه البخاريّ في صحيحه يتبيّن لنا : أنّ الخمس لا يختص بغنائم الحرب.

2 - خلاف المعنى اللغويّ للغنيمة ، فقد جاء في المنجد : ( أنّ الغنيمة ما يؤخذ من المحاربين عنوة ، المكسب عموماً ) (2) ، وعلى هذا فكلّ مكسب فهو غنيمة ، وعليه فالغنيمة تشمل أرباح المكاسب.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ الشيعة اعتمدت في وجوب الخمس على الآية والروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، والذين هم عدل الكتاب ، لا يضلّ من تمسّك بهم ، ويأمن من يلجأ إليهم.

( رياض عيسى - البحرين - .... )

أهمّيته وكيفية إخراجه :

س : أُريد توضيحاً عن الخمس ، وكيفية إخراجه؟

ج : قال الله تعالى : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ

ص: 472


1- 1. المصدر السابق 2 / 137.
2- 2. المنجد : 561.

وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِالله ) (1).

الخمس من الفرائض الإسلاميّة والواجبات الدينية على كلّ مسلم ومؤمن. فعن الإمام الباقر عليه السلام قال عندما قرأت عليه آية الخمس : ( ما كان لله فهو لرسوله ، وما كان لرسوله فهو لنا ) ، ثمّ قال : ( لقد يسّر الله على المؤمنين أنّه رزقهم خمسة دراهم ، وجعلوا لربّهم واحداً ، وأكلوا أربعة حلالاً ) ، ثمّ قال : ( هذا من حديثنا صعب مستصعب ، لا يعمل به ولا يصبر عليه إلاّ ممتحن قلبه للإيمان ) (2).

ويبدو أنّ إعطاء الخمس من مظاهر هذا الامتحان الإلهيّ ، فمن أعطى الخمس بطيب نفسه وابتهاج وسرور ، فإنّ ذلك من علامات الإيمان ، ولا يصبر عليه إلاّ ممتحن قلبه للإيمان.

وعن الإمام الكاظم عليه السلام قال : ( قال لي هارون : أتقولون إنّ الخمس لكم؟ قلت : نعم ، قال : إنّه لكثير ، قلت : إنّ الذي أعطاناه علم أنّه لنا غير كثير ) (3).

فمن أمثال هارون الرشيد الطاغية يصعب عليه الخمس ويراه كثيراً ، فكيف بمن ينكر ويمنع أصل ذلك؟

والخمس كما في الآية الشريفة للأصناف الستة : لله وللرسول ولذوي القربى - وهم الأئمّة الأطهار - وما كان لله فهو لرسوله ، وما كان للرسول فهو للإمام المعصوم عليه السلام.

وقد تعارف بين المتشرّعة وجود سهم في زمن الغيبة الكبرى ، باسم سهم الإمام ، يصرف في ترويج الدين الإسلاميّ والمصالح العامّة بإذن من مرجع

ص: 473


1- 1. الأنفال : 41.
2- 2. بصائر الدرجات : 49.
3- 3. بحار الأنوار 48 / 158.

التقليد الجامع للشرائط أو وكيله ، والنصف الثاني من الخمس يعطى للأصناف الثلاثة الأُخرى المذكورين في الآية الشريفة من الهاشميّين بدلاً من الزكاة ، لأنّها من غيرهم تحرم عليهم ، ويسمّى هذا القسم : بسهم السادة.

فالخمس من الفرائض المؤكّدة المنصوص عليها في القرآن الكريم ، وقد ورد الاهتمام الكبير بشأنه في كثير من الروايات المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام ، وفي بعضها اللعن والويل والثبور على من يمتنع من أدائه ، وعلى من يأكله بغير استحقاق.

فمن كتاب لإمامنا المهديّ عليه السلام قال : ( ومن أكل من أموالنا شيئاً ، فإنّما يأكل في بطنه ناراً ) (1).

وقال عليه السلام أيضاً في كتاب آخر : ( بسم الله الرحمن الرحيم : لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على كلّ من أكل من مالنا درهماً حراماً ) (2).

وقال عليه السلام أيضاً : ( وأمّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلّ منها شيئاً فأكله ، فإنّما يأكل النيران ) (3).

فيا ترى ، فهل يعيش برغد وسعادة من يمنع الخمس؟ وأنّى يكون ذلك وصاحب العصر والزمان عليه السلام يدعو عليه؟ وطوبى لمن أدّى خمسه ، وشمله دعاء مولاه ، فكيف لا يسعد ولا يوفّق في حياته ، ولا يعيش بهناء في الدنيا ، وجنّات عرضها السماوات والأرض في الآخرة.

وهذا المال ممّن؟ أليس من الله سبحانه؟ فلماذا يبخل الإنسان؟

وإن قيل : إنّما هو بكدّي وعرق جبيني ، فنقول : وممّن الحول والقوّة؟ وممّن الصحّة والعافية؟ وممّن التوفيق؟ فلماذا لا نطيع ربّ العالمين؟ ولماذا البخل؟ وما قيمة المال بلغ ما بلغ؟ فكيف لو كان ذلك موجباً لدعاء صاحب الأمر عليه السلام

ص: 474


1- 1. كمال الدين وتمام النعمة : 521.
2- 2. المصدر السابق : 522.
3- 3. المصدر السابق : 485.

عليه ، فيما لم يودّ حقوقه الشرعيّة؟ وفي المال حقّ للسائل والمحروم ، وما ثمن المال لو كان عاقبته النيران والويل ، ولعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

وجاء في تفسير القمّيّ عندما يسأل أهل النار ( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ) (1)؟ فمن أجوبتهم ، يقولون : ( وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ) (2) قال : ( حقوق آل محمّد صلى الله عليه وآله من الخمس لذوي القربى ، واليتامى والمساكين ، وابن السبيل ، وهم آل محمّد عليهم السلام ) (3).

وجاء أيضاً في قوله تعالى : ( وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) (4) أي لا تدعوهم ، وهم الذين غصبوا آل محمّد حقّهم ، وأكلوا أموال اليتامى وفقراءهم ، وأبناء سبيلهم (5) ، وهذا من التأويل أن لم يكن من التفسير ، فتدبّر وأمعن النظر ، فلا يقل الخمس عن الزكاة في القدر ، ولا في الحكمة والأثر.

وأمّا كيفية استخراج الخمس ، فإنّه مذكور بالتفصيل في الرسائل العملية لمراجعنا الكرام ، فر اجع.

( أحمد - ... - ..... )

آية ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) لا تدلّ عليه :

س : وجدت في تفسير آية ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) ، وفي رواية أنّ علي بن الحسين عليهما السلام قال لرجل من أهل الشام : ( نحن ذو القرابة ) ، وأنّ معناها الخمس.

ص: 475


1- 1. المدّثّر : 42.
2- 2. المدّثّر : 44.
3- 3. تفسير القمّيّ 2 / 395.
4- 4. الفجر : 18.
5- 5. تفسير القمّيّ 2 / 420.

ووجدت روايات في بعض الكتب ، أنّه حينما نزلت الآية ، أعطى النبيّ صلى الله عليه وآله فدكاً لفاطمة عليها السلام ، فلذا أيّها الأساتذة الأفاضل ، إذا كانت الآية هي الخمس ، فما هو التفسير في إعطاء النبيّ صلى الله عليه وآله فدكاً لفاطمة عليها السلام عند نزولها ، فهل فدك كانت من الخمس؟

أرجو منكم الإجابة التي تشفي الغليل ، وتطمئن القلب.

ج : نعم ، وردت روايات كثيرة إلى حدّ الاستفاضة في إعطاء النبيّ صلى الله عليه وآله فدكاً لفاطمة عليها السلام بعد نزول هذه الآية ، والتي وردت في سورتين (1) ، وأيضاً ورد في رواية الاحتجاج عن الإمام السجّاد عليه السلام تأويله ( ذَا الْقُرْبَى ) بأهل البيت عليهم السلام (2).

ولكن لم يرد في أثر أنّ مقصود الآية هو الخمس ، فالمجامع الروائية خالية من هذا المعنى ، ولا نعلم له وجهاً وجيهاً ، وللمزيد من الإيضاح راجع تفاسير الميزان ، الصافي ، العيّاشيّ ، البرهان ، وكافّة المجموعات الحديثية عند الفريقين.

وأمّا إبداء احتمال لدى بعض المفسّرين ، فبما أنّه لا يعتمد على دليل قوي فلا حجّية له.

( أُمّ بدر - الكويت - سنّية )

أين حديث الرسول في وجوب الخمس :

س : أين حديث الرسول صلى الله عليه وآله في وجوب الخمس في ما زاد عن المؤنة؟ مع العلم لقد اطلعت على أحاديث الأئمّة ، ووجدت حديث الرسول عن الخمس في غنائم الحرب والركاز فقط ، ولم أجد روايات عن الإمام علي رضي الله عنه عن خمس في ما زاد عن المؤنة.

ج : الدليل على وجوب الخمس فيما يفضل عن مؤنة السنة له ولعياله من أرباح التجارات والصناعات والزراعات ، هو قوله تعالى : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن

ص: 476


1- 1. الإسراء : 26 ، الروم : 38.
2- 2. الاحتجاج 2 / 33.

شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ ) (1) ، والغنيمة اسم للفائدة ، فكما يتناول هذا اللفظ غنيمة دار الحرب بإطلاقه ، يتناول غيرها من الفوائد.

وكذلك الدليل على الوجوب الأخبار المستفيضة عن أهل البيت عليهم السلام (2).

وهذا الحكم مقطوع به في كلام فقهاء الشيعة ، بل ادّعى عليه العلاّمة في التذكرة والمنتهى الإجماع ، وتواتر الأخبار (3).

وكما تعلمون ، فإنّ الأحكام الشرعيّة تعبّدية ، فإذا ثبت الحكم برواية صحيحة يجب الاتباع ، فكيف بثبوته بالأخبار المتواترة.

( حسين ثابت - السعودية - .... )

آية الخمس تشمل غير غنائم الحرب :

س : ما هو الدليل على أنّ الخمس واجب شرعيّ عامّ؟ وليس واجباً فقط في الحرب؟ كما نعلم في نزول آية : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ ... ) (4) ، وهل يؤيّد ذلك في مصادر إخواننا أبناء السنّة؟ ودمتم سالمين.

ج : إنّ الشيعة تلتزم بتعميم الحكم المستفاد من الآية المذكورة ، بمعونة الروايات والأحاديث المتواترة الواردة من طريق أهل البيت عليهم السلام ، وهذا ممّا لا ريب فيه.

ثمّ قد يدّعي أهل السنّة باختصاص الآية بغنائم الحرب ، ويلاحظ عليهم :

أوّلاً : إنّ هذا القول مخالف لإجماع أهل اللغة في معنى كلمة ( الغنيمة ) ، فإنّهم يصرّحون باشتمالها على كلّ ما ظفر به من الفوائد والأرباح والمكاسب ، وغنائم الحرب.

ص: 477


1- 1. الأنفال : 41.
2- 2. وسائل الشيعة 9 / 499.
3- 3. تذكرة الفقهاء 1 / 252 ، منتهى المطلب 1 / 548.
4- 4. الأنفال : 41.

وعليه ، فصرف معنى الكلمة عن ظهورها ، وحصره في غنيمة الحرب ، يحتاج إلى دليل عقليّ أو نقليّ ، وكلاهما مفقودان في المسألة.

ثانياً : ورد في بعض الأحاديث في المصادر السنّية في تخميس موارد ليست من غنائم الحرب ، فجاء أنّه ( في الركاز الخمس ) (1) ، ممّا يؤيّد عدم انحصار قانون الخمس في غنائم الحرب فحسب.

ثالثاً : هناك من يرى من أعلام السنّة وجوب الخمس في غير غنائم الحرب من الكنز وغيره ، فمثلاً ينسب البخاريّ إلى الحسن وجوب الخمس في العنبر واللؤلؤ (2) ، ونقل بعضهم وجوب الخمس في المعدن عن عدّة ، منهم أبي حنيفة والزهري ، وأصحاب الرأي (3).

رابعاً : نرى بعض أعلام أهل السنّة - كابن حزم - يعتمد على نفس الآية المذكورة في استدلاله لوجوب الخمس في الكنز (4).

وهذا إنّما يدلّ على التزامه بإطلاق الآية ، أي أنّه يعتقد بأنّ آية الغنيمة لا تختصّ بغنائم الحرب ، بل وتعمّ كافّة المكاسب والفوائد.

( إبراهيم محمّد - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

يجب في المال الحلال المخلوط بالحرام :

س : كيف يصدق لفظ الغنيمة في الخمس على المال المخلوط بالحرام؟ وما يفضل عن مؤونة سنته؟ وشكراً.

ص: 478


1- 1. صحيح البخاريّ 2 / 137 ، سنن ابن ماجة 2 / 839 ، سنن أبي داود 2 / 53 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 4 / 152 ، مسند أحمد 1 / 314 و 3 / 336 ، مجمع الزوائد 3 / 78 ، فتح الباري 3 / 288 ، تحفة الأحوذيّ 3 / 243.
2- 2. صحيح البخاريّ 2 / 136.
3- 3. المجموع 6 / 90.
4- 4. المحلّى 7 / 324.

ج : بالرجوع إلى اللغة نجد أنّ كلمة الغنيمة هي الفائدة المكتسبة ، والفائدة تنطبق على كلّ ما أوجب فيه الخمس ، بما فيه المال المخلوط بالحرام ، وما يفضل عن مؤنة سنته ، وعلى هذا الأساس اعتبر بعض المفسّرين الآية القرآنيّة تشمل كلّ أقسام الخمس ، ففي تفسير الميزان قال : ( الغنم والغنيمة إصابة الفائدة من جهة تجارة أو عمل أو حرب ، وينطبق بحسب مورد نزول الآية على غنيمة الحرب ... والغنم - بالضم فالسكون - إصابته والظفر به ، ثمّ استعمل في كلّ مظفور به من جهة العدى وغيرهم ) (1).

وقال أيضاً : ( وإنّ الحكم متعلّق بما يسمّى غنماً وغنيمة ، سواء كانت غنيمة حربية مأخوذة من الكفّار أو غيرها ، ممّا يطلق عليه الغنيمة لغة ، كأرباح المكاسب والغوص والملاحة ، والمستخرج من الكنوز والمعادن ، وإن كان مورد نزول الآية هو غنيمة الحرب ، فليس للمورد أن يخصّص ) (2).

والذي يدعم هذا التفسير لمعنى الغنيمة الروايات التي توضّح أنّ الخمس يشمل جميع تلك الأقسام.

والذي يخصّص مفاد الآية ليشمل ما يفضل عن مؤنة سنته دون غيره من الفوائد المصروفة في المؤنة روايات عنهم عليهم السلام ، فعن محمّد بن حسن الأشعريّ قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام : اخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيده الرجل ، من قليل وكثير ، من جميع الضروب؟ وعلى الضياع فكيف ذلك؟ فكتب بخطّه : ( الخمس بعد المؤنة ) (3).

وأمّا الحلال المخلوط بالحرام ، فقد اختلف فيه هل يجب فيه الخمس بعنوان خمس؟ أو يجب فيه إخراج الخمس بعنوان ردّ للمظالم؟ فالذي أوجب فيه الخمس قال : إنّ اسم الغنيمة يشمله ، لأنّه فائدة ، وكلّ فائدة غنيمة ، وإن

ص: 479


1- 1. الميزان في تفسير القرآن 9 / 89.
2- 2. المصدر السابق 9 / 91.
3- 3. الاستبصار 2 / 55.

كان يرى بعضهم أنّ الحلال المخلوط بالحرام إنّما وجب فيه الخمس استناداً إلى السنّة ، واستدلّ بروايات فيها عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( إنّ رجلاً أتى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين إنّي أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه؟ فقال : أخرج الخمس من ذلك المال ، فإنّ الله قد رضي من المال بالخمس ، واجتنب ما كان صاحبه يعلم ) (1) ، واستشكلّ بعضهم أن يجب في الحلال المخلوط بالحرام الخمس ، وقال : إنّما يدفع الخمس عن ذلك بعنوان أعم من الخمس وردّ المظالم ، ويرجع في ذلك لمراجع التقليد والرسائل العمليّة.

ص: 480


1- 1. تهذيب الأحكام 4 / 124.

الخوارج والأباضية :

اشارة

( الموالي لسفينة النجاة - قطر - .... )

تاريخ الأباضية :

س : أودّ أن أبدأ بحوار مع صديق لي ، وهو من معتنقي مذهب الأباضية ، أُريد معرفة عن هذا المذهب؟ وكيف نشأ وتأسّس؟ وبطرق علميّة منطقية يقبلها العقل ، لكي أبدأ حواري مع أخي من هذا المذهب ، وأرجو أن يوفّقني الله لإنارة الطريق له ولغيره.

إذا أمكن أدلّة متسلسلة ورائعة من القرآن والسنّة النبويّة المحمّدية.

ج : إنّ الأباضية مذهب تشعّب تاريخيّاً وعقائديّاً من مذهب الخوارج - الذي هو معروف لدى الجميع - ومع أنّ الأباضية في زماننا تنكر نسبتها إلى الخوارج منشأً ومعتقداً ، ولكن نظرة يسيرة في المصادر الموجودة ، تعطينا اليقين بأنّ هذه الطريقة قد انبثقت من بطون الخوارج في التاريخ ، طبعاً مع اختلاف طفيف في الأفكار والعقائد ، أغلب الظنّ أنّه من ثمرة الضغوط الواردة عليها ، وللفرار من العزلة السياسيّة والاجتماعيّة التي سادت أوساطها.

وتختلف المصادر الموجودة في تعيين القائد الأوّل لهذه الحركة ، فبينما تؤكّد بعضها بأنّه هو عبد الله بن أباض التميميّ (1) - الذي توفّي في أواخر أيّام عبد الملك ابن مروان - تنفي الأُخرى هذا الادعاء ، وتنسبه إلى أقوال الأُمويّين آنذاك ، وتدّعي أنّ رئيس هذا المذهب أبو الشعثاء جابر بن يزيد الأزديّ ، المتوفّى 96 ه- (2).

ص: 481


1- 1. أصدق المناهج في تمييز الأباضية من الخوارج : 20.
2- 2. الأباضية مذهب إسلامي معتدل : 9.

فعلى كلا القولين فإنّ إمام هذه الحركة لم يشهد الرسول صلى الله عليه وآله ، ولم يأخذ منه شيئاً ، وعليه لابدّ من إثبات مذهبه بأدلّة كافية وشافية تحقّق مدّعاه ؛ والموجود فعلاً من تراثهم العقائديّ هو فكرة الخوارج في مضمونه السياسيّ - إلاّ في حكمهم على المذاهب الأُخرى بالتكفير ، وشهرهم السلاح في وجه من خالفهم - مع شيءٍ يسير من عقائد المعتزلة ، وأحكام فقهيّة من مذاهب إسلامية شتّى.

وعلى سبيل المثال : أنّهم يرون مخالفة عثمان بعد مضي ستّ سنوات من خلافته ، والإمام علي عليه السلام بعد معركة صفّين ، كانت على حقّ ، ويخالفون التحكيم ، شأنهم في ذلك شأن الخوارج ، إلى غير ذلك من موارد الشبه بين حركة الأصل الخوارج ، والفرع الأباضية.

ولا يخفى على المتأمّل في سيرتهم ، أنّهم تخلّوا عن سلبيّات الخوارج في العهود القريبة ، تحفّظاً على كيانهم الاجتماعيّ ، وهذا أمر جيّد وفي محلّه ، لو كان التزاماً عملياً بالابتعاد عن منهج الخوارج وأساليبهم ، خصوصاً إذا كان فيه إشارة واضحة لاتباع سبيل الحقّ أينما دلّ الدليل.

( عبد الله حاجي - الكويت - .... )

أُصول الأباضية :

س : من هم الأباضية؟ سمعت عنهم الكثير ، وأُريد أعرف من يكونون؟

ج : إنّ الفرقة الأباضية هي إحدى فرق الخوارج ، وهم اتباع عبد الله بن أباض - على قول - ، الذي عاصر معاوية ، وعاش إلى أواخر أيّام عبد الملك بن مروان.

وقد حكم الأباضية مكّة والمدينة فترة وجيزة ، وتوجد طوائف منهم يسكنون في الصحراء الغربية بين مصر وليبيا ، وجماعة في الجزائر ومسقط ، وفي عمان لهم سلطة حتّى الآن ، ويعتبر مذهبهم المذهب الرسمي فيها.

ثمّ أنّ الأباضية تشترك مع سائر فرق الخوارج في أمرين بلا شكّ ولا شبهة ،

ص: 482

ولا يمكن لأحد منهم إنكاره.

1 - تخطئة التحكيم.

2 - عدم اشتراط القرشية في الإمام.

ثمّ إنّ لهم أُصولاً يتميّزون في بعضها عن أهل السنّة ، وإن كانوا يلتقون فيها مع غيرهم ، وهي :

1 - صفات الله ليست زائدة على ذاته بل هي عين ذاته.

2 - امتناع رؤية الله سبحانه في الآخرة.

3 - إنّ القرآن حادث غير قديم ، ومخلوق لله سبحانه.

4 - إنّ الشفاعة لا تنال أهل الكبائر ، وإنّما هي تسرّع المؤمنين بدخول الجنّة.

5 - إنّ مرتكب الكبيرة كافر نعمة لا كافر ملّة.

6 - وجوب الخروج على الإمام الجائر.

7 - التولّي لأولياء الله والحبّ لهم ، والبغض لأعداء الله والبراءة منهم ، والتوقّف فيمن لم يعلم فيه موجب الولاية ولا البراءة.

( إدريس عبد الله الرواحي - عمان. أباضي - 19 سنة - طالب )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : أُريد أن أعلّق على هذا الكلام المكتوب عن الأباضية :

فإنّهم لا يقولون بوجوب الخروج على الإمام الجائر ، وإنّما يقولون بالجواز ، وهناك فرق كبير بين الوجوب والجواز ، كما هو معروف لدى الجهّال ، فضلاً عن طلبة العلم ، وأنّهم لم يتفرّدوا بهذا القول لوحدهم ، وإنّما وافقهم على ذلك الحنفيّة ، فليتفكّر من كان له عينان يقرأ بهما كتابات الأباضية أنفسهم لا ما كتبه عنهم غيرهم من غير الرجوع إلى كتب الأباضية ، وهذا من الظلم والإجحاف بمكان ، فتفكّروا يا أُولي الألباب ، والله أعلم.

ج : جاء في كتاب بحوث في الملل والنحل للشيخ السبحانيّ ، ما نصّه :

( يقول أبو الحسن الأشعريّ : والأباضية لا ترى اعتراض الناس بالسيف ،

ص: 483

لكنّهم يرون إزالة أئمّة الجور ، ومنعهم من أن يكونوا أئمّة ، بأيّ شيء قدروا عليه بالسيف أو بغيره.

وربما ينسب إليهم أمر غير صحيح ، وهو أنّ الأباضية لا يرون وجوب إقامة الخلافة.

إنّ وجوب الخروج على الإمام الجائر أصل يدعمه الكتاب والسنّة النبويّة ، وسيرة أئمّة أهل البيت إذا كانت هناك قدرة ومنعة ، وهذا الأصل الذي ذهبت إليه الأباضية بل الخوارج عامّة ، هو الأصل العام في منهجهم ، ولكن نرى أنّ بعض الكتّاب الجدد من الأباضية - الذين يريدون إيجاد اللقاء بينهم وبين أهل السنّة - يطرحون هذا الأصل بصورة ضئيلة.

يقول علي يحيى معمّر : إنّ الأباضية يرون أنّه لابدّ للأُمّة المسلمة من إقامة دولة ، ونصب حاكم يتولّى تصريف شؤونها ، فإذا ابتليت الأُمّة بأن كان حاكمها ظالماً ، فإنّ الأباضية لا يرون وجوب الخروج عليه ، لاسيّما إذا خيف أن يؤدّي ذلك إلى فتنة وفساد ، أو أن يترتّب على الخروج ضرر أكبر ممّا هم فيه.

ثمّ يقول : إذا كانت الدولة القائمة جائرة ، وكان في إمكان الأُمّة المسلمة تغييرها بدولة عادلة دون إحداث فتن أكبر تضر بالمسلمين ، فإنّهم ينبغي - إنّ الرجل لتوخّي المماشاة مع أهل السنّة يعبّر عن مذهبه بلفظ لا يوافقه ، بل عليه أن يقول مكان ينبغي ( يجب ) - لهم تغييرها.

أمّا إذا كان ذلك لا يتسنّى إلاّ بفتن وإضرار ، فإنّ البقاء مع الدولة الجائرة ومناصرتها في حفظ الثغور ، ومحاربة أعداء الإسلام ، وحفظ الحقوق والقيام بما هو من مصالح المسلمين ، وإعزاز كلمتهم ، أوكد وأوجب.

إنّ ما ذكره لا تدعمه سيرة الأباضية في القرون الأُولى ، ويكفي في ذلك ما ذكره المؤرّخون في حقّ أبي يحيى عبد الله بن يحيى طالب الحقّ ، قالوا : إنّه كتب إلى عبيدة بن مسلم بن أبي كريمة ، وإلى غيره من الأباضية بالبصرة يشاورهم بالخروج ، فكتبوا إليه : إن استطعت ألاّ تقيم إلاّ يوماً واحداً فافعل ،

ص: 484

فأشخص إليه عبيدة بن مسلم أبا حمزة المختار بن عوف الأزديّ في رجال من الأباضية فقدموا عليه حضرموت ، فحثّوه على الخروج ، وأتوه بكتب أصحابه ، فدعا أصحابه فبايعوه ، فقصدوا دار الإمارة ....

وأظنّ أنّ ما يكتبه علي يحيى معمّر في هذا الكتاب ، وفي كتاب ( الأباضية في موكب التاريخ ) دعايات وشعارات لصالح التقارب بين الأباضية وسائر الفرق ، خصوصاً أهل السنّة ، ولأجل ذلك يريد أن يطرح أُصول الأباضية بصورة خفيفة ، حتّى يتجاوب مع شعور أهل السنّة ، تلك الأكثرية الساحقة.

وأوضح دليل على أنّهم يرون الخروج واجباً مع القدرة والمنعة بلا اكتراث ، أنّهم يوالون المحكّمة الأُولى ويرون أنفسهم أخلافهم ، والسائرين على دربهم ، وهم قد خرجوا على علي بزعم أنّه خرج بالتحكيم عن سواء السبيل.

وأظنّ أنّ هذا الأصل أصل لامع في عقيدة الخوارج والأباضية بشرطها وشروطها ، وأنّ التخفيض عن قوّة هذا الأصل دعاية بحتة.

والعجب أنّه يعترف بهذا الأصل في موضع آخر من كتابه ، ويقول : إنّ الثورة على الظلم والفساد والرشوة ، وما يتبع ذلك من البلايا والمحن ، إنّما هو المنهج الذي جاء به الإسلام ودعا إليه المسلمين ، ودعا المسلمون إليه ، وقاموا به في مختلف أدوار التاريخ ، ولم تسكت الألسنة الآمرة بالمعروف ، الناهية عن المنكر ، ولم تكفّ الأيدي الثائرة في أيّ فترة من فترات الحكم المنحرف ... وقد استشهد في هذا السبيل عدد من أفذاذ الرجال ، ويكفي أن أذكر الأمثلة لأُولئك الثائرين على الانحراف والفساد : شهيد كربلاء الإمام الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعبد الله بن الزبير نجل ذات النطاقين ، وسعيد بن جبير ، وزيد بن علي بن الحسين ، وكلّ واحد من هؤلاء يمثّل ثورة عارمة من الأُمّة المسلمة على الحكم الظالم ، والخروج عليه ومدافعته حتى الاستشهاد ) (1).

ص: 485


1- 1. بحوث في الملل والنحل 5 / 264.

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

كانت عبادتهم بلا علم وثقافة :

س : كيف تفسّرون قتل الخوارج لزوجة عبد الله بن الخباب؟ وبقر بطنها رغم حملها ، مع أنّ حركتهم كانت ذات طابع دينيّ؟

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ عبادة العالم تعادل عبادة الجاهل بأضعاف مضاعفة ، وذلك لأنّ العابد غير العالم لا يؤمن من وقوعه في الأخطاء الفاحشة ، والخوارج من أمثال هؤلاء ، عبادتهم بلا علم وثقافة دينية ، فوقعوا بما وقعوا فيه.

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

يعتبرون مقصّرين :

س : أسألكم عن كيفية التوفيق بين دخول الخوارج النار ، وبين أنّهم أرادوا الحقّ فأخطاؤوه ، وذلك لأنّ الإنسان يحاسب بحسب عقله ، وهؤلاء أرادوا الحقّ ، فكيف يستقيم أن يدخلوا النار؟

ج : علينا أوّلاً إثبات صحّة الحديث القائل : أنّهم أرادوا الحقّ فأخطاؤوه ، وعلى فرض صحّة الحديث ، فإنّ المقصود من أخطاؤوه عدم إصابتهم للحقّ ، وعدم الإصابة تكون غالباً عن تقصير في طلب الحقّ ، وتدخّل الأهواء النفسانية وحبّ الدنيا.

الكلّ يدّعي أنّه يريد الحقّ ، ولكن بعضهم يصل ، وبعضهم لا يصل ، والذي وصل تجرّد عن كلّ التعصّبات ، وكانت بغيته الوحيدة إصابة الحقّ ، وأمّا من لم يصل فعلى قسمين :

1 - قاصر ، وهذا القسم لا يصدق على الخوارج ، الذين أدرك الكثير منهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسمع حديثه ، أو سمع ممّن سمع حديث الرسول ، الأحاديث التي صرّح فيها بوجوب لزوم علي عليه السلام ، وأنّه مع الحقّ والحقّ معه ، فالخوارج لا يصدق عليهم القصور ، بل يشملهم الشقّ الثاني.

ص: 486

2 - مقصّر ، وهذا يشمل اللذين تمكّنوا من تحصيل العلوم والوصول إلى الحقّ ، كالخوارج الذين سمعوا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله ، أو عاشروا من سمع حديثه.

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : إذا كان الخوارج مقصّرين ؛ فلم قال الإمام علي عليه السلام في حقّهم : ليس من أراد الحقّ فأخطأه كمن أراد الباطل فأصابه ، وليس فقط الإمام علي ، وإنّما الإمام الحسن أيضاً ، حينما أرسل إليه معاوية لحرب الخوارج.

ج : يكون المعنى : ليس من أراد الحقّ ( فقصّر في طلبه ) فأخطأه ( أي : لم يصبه ) كمن أراد الباطل ( من البداية ) فأصابه.

فهنا الكلام في مقام المقايسة بين القسم الأوّل والقسم الثاني ، وقطعاً فإنّ من أراد الحقّ من البداية ولكن قصّر في طلبه ، وتدخّلت عوامل حبّ الدنيا ، واستولى الشيطان على قلبه فلم يصب الحقّ ، هذا القسم ليس كمن طلب الباطل من أوّل الأمر.

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

لم يكن اندفاعهم للموت مشروعاً :

س : أودّ سؤالكم عن الآية : ( فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (1) ، ما فهمت من هذه الآية : أنّ من تمسّك بالمذهب الحقّ ، هم من بالفعل يتمنّون الشهادة ، ولكن في التاريخ نرى أُناساً يحرصون على الشهادة بالرغم من بغضهم لأمير المؤمنين عليه السلام ، مثل الخوارج ؛ فكيف التوفيق؟

ص: 487


1- 1. البقرة : 94.

ج : لابدّ من معرفة معنى الآية والمقصود منها ، لتتّضح لنا جوانب الشبهة وإمكانية حلّها.

إنّ الآية الكريمة في صدد الإخبار عن الذين تهوّدوا ، وقالوا نحن أحباء الله وأولياؤه ، فأراد القرآن ردّ هذه الدعوى وتكذيبها ، فقال على سبيل التعجيز : ( فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ، ثمّ أجاب في نفس السورة ( وَلاَ يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) (1) ، لأنّ ما ارتكبوه من مخالفةٍ لأوامره تعالى ، وعدائهم لرسل الله تيقّنوا من أنفسهم بسوء مصيرهم ، وسوء منقلبهم كذلك ، ولذا فهم لا يتمنّون الموت ، ولا يتمنّون لقاءه تعالى.

أمّا الفرق المنحرفة المبغضة لأمير المؤمنين عليه السلام ، فإنّ اندفاعهم للموت لم يكن مشروعاً وحقّاً ، وذلك لأنّ اعتقادهم الباطل يدفعهم إلى الموت بدافع العناد ، وليس الإيمان الحقّ لقضيّتهم وهدفهم واعتقادهم ، وهناك فرق بين من يتمنّى الموت بدافع الحقّ ، وبين من يتمنّى الموت بدافع العناد والجهل.

ألا ترى من اندفاع بعض الكفّار الذين لا يعتنقون الإسلام - بل لعلّهم لا يؤمنون بالله تعالى - يندفعون إلى الموت لتحقيق غاياتهم وأهدافهم ، كالذي يقوم بعمليةٍ انتحارية لدافع دنيوي لانتسابه إلى منظّمة سياسية مثلاً ، أو كالذين قرّروا الانتحار الجماعي في نهاية القرن الميلادي العشرين ، بدعوى انتهاء العالم ، فهل تحسب هؤلاء اندفعوا للموت لقناعتهم في لقاء الله تعالى؟

وهكذا حال الخوارج ومن ماثلهم من الفرق ، فإنّ اندفاعهم للموت لا يكون إلاّ عن عنادٍ وجهل ، وليس بدافع الحبّ الإلهيّ المحض ، ولا عليكم في دعاويهم ، بل عليك بواقع الحال ، وما يقتضيه الإيمان بالله تعالى ، وما تتطلّبه شروط الشهادة من أجله تعالى.

ص: 488


1- 1. البقرة : 95.

الدعاء :

اشارة

( أبو سلطان - عمان - .... )

حول مقطع منه :

س : لدي سؤال يرجى التكرّم بالردّ عليه مشكورين.

ورد في دعاء الصلوات - الذي أورده الشيخ القمّيّ في مفاتيح الجنان ، نقلاً عن المصباح ، والذي درج الشيعة على قرائته ، ظهر يوم الجمعة بعد الصلاة - في الفقرة الأخيرة من الصلوات : ( اللهم صلّ على محمّد المصطفى ، وعلي المرتضى ، وفاطمة الزهراء ، والحسن الرضا ، والحسين المصفّى ، وجميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين ، والصراط المستقيم ، وصلّ على وليّك وولاة عهدك ، والأئمّة من ولده ، ومدّ في أعمارهم ، وزد في آجالهم ، وبلغهم أقصى آمالهم ديناً ودنياً وآخرة ، إنّك على كلّ شيء قدير ).

الأمر الذي يؤدّي إلى إثارة عدد من التساؤلات ، نوجزه على النحو التالي :

1 - ما هو رأي سماحتكم؟ ورأي الأعلام في سند هذا الدعاء؟

2 - هل يتطابق هذا المتن وهذا المضمون مع عقائد الإمامية ، التي تقضي بحصر الإمامة في الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام؟

3 - في حالة صحّة السند ، ما هو توجيه هذا المضمون؟

4 - وفي هذا الصدد ، ما هو رأيكم ورأي الأعلام فيما أورده الشيخ الصدوق عن وجود اثني عشر مهديّاً بعد الإمام المهديّ عليه السلام؟ يرجى التكرّم بالإجابة على هذه الاستفسارات.

ج : يمكن حمل عبارة ( وصلّ على وليّك ) على أمير المؤمنين علي عليه السلام ،

ص: 489

بقرينة ( والأئمّة من ولده ) ، حيث لا يوجد أئمّة من غير أبناء علي عليه السلام ، أوّلهم الإمام الحسن ، وآخرهم الإمام المهديّ.

وأمّا قوله : ( ومدّ في أعمارهم ) يمكن أن يكون المقصود خصوص الإمام الحجّة عليه السلام ، وإن كان الاستعمال لضمير الجمع ، وهذا لا مانع منه في اللغة ، حيث نراه مستعملاً في القرآن ، كقوله تعالى : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ ) (1) ، حيث كان القائل واحداً ، وكذا قوله تعالى في آية المباهلة : ( قُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ... ) (2) ، حيث عبّر بضمير الجمع في ( وَنِسَاءنَا ) ، مع أنّه لم يكن غير فاطمة الزهراء عليها السلام بين الحضور.

كما يمكن حملها على روايات الرجعة ، وهي متواترة إجمالاً ، لا على نحو التفصيل ، لذا لا يجب الاعتقاد بجميع تفاصيل روايات الرجعة ، لأنّها أخبار آحاد ، وهذا ما تشير إليه رواية الشيخ الصدوق قدس سره وأمثالها.

أمّا بالنسبة للبحث السندي ، فالقاعدة العامّة تقتضي البحث أوّلاً في الدلالة والمضمون ، فإن كانت موافقة للقرآن ، وليس فيها ما يتعارض مع المباني القرآنيّة ، أو ما هو متواتر في السنّة ، أو يخالف العقل الصريح ، فلا مانع من التمسّك بها ، وإن كان سندها ضعيفاً ، حيث ليس المطلوب في مثل هذه الأُمور - كالأدعية والقضايا الأخلاقية - البحث في السند.

( حسن محمّد يوسف - البحرين - .... )

ما يقال للعاطس :

س : أرجو أن تذكر بعض الروايات عن الدليل الشرعيّ عن قولنا لشخص ما :

ص: 490


1- 1. آل عمران : 173.
2- 2. آل عمران : 61.

( رحمك الله ) عندما يعطس من طريقنا ، ومن طريق القوم ، ولك جزيل الشكر والامتنان.

ج : أمّا من مصادرنا فرويت روايات كثيرة في ذلك ، منها : كان أبو جعفر عليه السلام إذا عطس ، فقيل له : يرحمك الله ، قال : ( يغفر الله لكم ويرحمكم ) ، وإذا عطس عنده إنسان ، قال : ( يرحمك الله ) (1).

وعن الإمام علي عليه السلام قال : ( إذا عطس أحدكم فسمّتوه ، قولوا : يرحمكم الله ، وهو يقول : يغفر الله لكم ويرحمكم ) (2).

وعطس رجل عند أبي جعفر عليه السلام ، قال : الحمد لله ، فلم يسمّته أبو جعفر ، وقال : ( نقصنا حقّنا ) ، وقال : ( إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وأهل بيته ) ، قال : فقال الرجل ، فسمّته أبو جعفر عليه السلام (3).

وأمّا ما روي من طريق القوم : فروى البخاريّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله قال : ( إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله ، وليقل له أخوه أو صاحبه : يرحمك الله ، فإذا قال له : يرحمك الله ، فليقل : يهديكم الله ويصلح بالكم ) (4).

وروى البخاريّ أيضاً عن النبيّ صلى الله عليه وآله قال : ( فإذا عطس أحدكم وحمد الله ، كان حقّاً على كلّ مسلم سمعه أن يقول له : يرحمك الله ) (5).

( عبد الله ناصر - الكويت - .... )

مستحبّات ليلة القدر :

س : أرجو الإجابة على هذه الأسئلة :

ص: 491


1- 1. الكافي 2 / 655.
2- 2. وسائل الشيعة 12 / 89.
3- 3. الكافي 2 / 654.
4- 4. صحيح البخاريّ 7 / 125.
5- 5. نفس المصدر السابق.

1 - كم من رمضان يصادف ليلة القدر؟

2 - ما الدعاء المناسب عند ختمة القرآن؟

3 - ما مستحبّات ليلة القدر؟

ج : إنّ ليلة القدر مردّدة بين ليلة 19 و 21 و 23 من شهر رمضان.

والدعاء المناسب عند ختم القرآن ، هو ما كان يدعو به أمير المؤمنين عليه السلام : ( اللهم اشرح بالقرآن صدري ، واستعمل بالقرآن بدني ، ونوّر بالقرآن بصري ، وأطلق بالقرآن لساني ، واعنّي عليه ما أبقيتني ، فإنّه لا حول ولا قوّة إلاّ بك ) (1).

وأمّا مستحبّات ليلة القدر فكثيرة ، منها :

1 - الغسل.

2 - الصلاة ركعتان ، يقرأ في كلّ ركعة بعد الحمد التوحيد سبع مرات ، ويقول بعد الفراغ سبعين مرة : استغفر الله وأتوب إليه.

3 - تأخذ المصحف فتنشره وتضعه بين يديك ، وتقول : ( اللهم إنّي أسألك بكتابك المُنزل ، وما فيه وفيه اسمك الأكبر ، وأسماؤك الحُسنى ، وما يُخاف ويُرجى ، أن تجعلني من عُتقائك من النار ) ، وتدعو بما بدا لك من حاجة (2).

4 - تأخذ المصحف فتدعه على رأسك ، وتقول : ( اللهم بحقّ هذا القرآن ، وبحقّ من أرسلته به ، وبحقّ كلّ مؤمن مدحته فيه ، وبحقّك عليهم فلا أحد أعرف بحقّك منك ).

ثمّ قل عشر مرّات : بك يا الله ، وعشر مرّات : بمحمّد ، وعشر مرّات : بعلي ، وعشر مرّات : بفاطمة ، وعشر مرّات : بالحسن ، وعشر مرّات : بالحسين ، وعشر مرّات : بعليّ بن الحسين ، وعشر مرّات : بمحمّد بن علي ، وعشر مرّات : بجعفر بن محمّد ، وعشر مرّات : بموسى بن جعفر ، وعشر مرّات ، بعليّ بن

ص: 492


1- 1. بحار الأنوار 89 / 209.
2- 2. الكافي 2 / 629.

موسى ، وعشر مرّات : بمحمّد بن علي ، وعشر مرّات : بعلي بن محمّد ، وعشر مرّات ، بالحسن بن علي ، وعشر مرّات : بالحجّة ، وتسأل حاجتك (1).

5 - زيارة الإمام الحسين عليه السلام ، ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام : ( إذا كان ليلة القدر ، وفيها يفرق كلّ أمر حكيم ، نادى منادٍ تلك الليلة من بطنان العرش : أنّ الله قد غفر لمن زار قبر الحسين في هذه الليلة ) (2).

6 - إحياء هذه الليالي الثلاث ، فعن الإمام الباقر عليه السلام : ( من أحيا ليلة القدر غُفرت له ذنوبه ، ولو كانت ذنوبه عدد نجوم السماء ، ومثاقيل الجبال ، ومكاييل البحار ) (3).

7 - الصّلاة مائة ركعة ، فإنّها ذات فضل كثير ، والأفضل أن يقرأ في كلّ ركعة بعد الحمد التوحيد عشر مرّات.

هذا ، وهناك أعمال أُخرى يذكرها الشيخ عباس القمّيّ في كتابه مفاتيح الجنان ، فراجع.

ونسألكم الدعاء.

( بدر - .... - .... )

شروط استجابته :

س : تحية طيّبة ، وبعد : ما هي شروط استجابة الدعاء؟ نرجو من سماحتكم الإجابة الوافية ، ولكم جزيل الشكر.

ج : لقد حدَّدت النصوص الإسلاميّة عن النبيّ وآله عليهم السلام آداباً للدعاء ، وقرّرت شروطاً لابدّ للداعي أن يراعيها كي يتقرّب إلى خزائن رحمة الله تعالى وذخائر لطفه ، ويتحقّق مطلوبه من الدعاء.

ص: 493


1- 1. بحار الأنوار 95 / 146.
2- 2. كامل الزيارات : 341.
3- 3. إقبال الأعمال 1 / 346.

وإذا أهملها الداعي فلا تتحقّق له الاستجابة المرجوة من الدعاء ، ولا تحصل له نورانية القلب ، وتهذيب النفس ، وسُمُوُّ الروح المطلوبة في الدعاء.

وفيما يلي أهمّ هذه الشروط والآداب :

الأوّل : الطهارة :

من آداب الدعاء أن يكون الداعي على وضوء ، سيَّما إذا أراد الدعاء عقيب الصلاة ، فقد رَوَى مسمع عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : ( يا مسمع ، ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غَمٌّ من غموم الدنيا ، أن يتوضّأ ثمّ يدخل مسجده ، ويركع ركعتين فيدعو الله فيهما )؟ (1).

الثاني : الصدقة ، وشمُّ الطيب ، والذهاب إلى المسجد :

روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : ( كان أبي إذا طلب الحاجة ... قدَّم شيئاً فتصدّق به ، وشمَّ شيئاً من طيب ، وراح إلى المسجد ... ) (2).

الثالث : الصلاة :

ويستحبّ أن يصلّي الداعي ركعتين قبل أن يشرع بالدعاء ، فقال الإمام الصادق عليه السلام : ( من توضّأ فأحسن الوضوء ، وصلّى ركعتين ، فأتمَّ ركوعهما وسجودهما ، ثمّ جلس فأثنى على الله عزّ وجلّ ، وصلّى على رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثمّ سأل حاجته ، فقد طلب الخير في مظانِّه ، ومن طلب الخير في مظانِّه لم يخب ) (3).

الرابع : البسملة :

ومن آداب الدعاء أن يبدأ الداعي دعاءه بالبسملة ، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله : ( لا يُرَدُّ دعاء أوَّله بسم الله الرحمن الرحيم ) (4).

ص: 494


1- 1. تفسير العيّاشيّ 1 / 43.
2- 2. الكافي 2 / 477.
3- 3. المصدر السابق 3 / 478.
4- 4. الدعوات : 52.

الخامس : الثناء على الله تعالى :

ينبغي للداعي إذا أراد أن يسأل ربّه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة ، أن يحمد الله ويثني عليه ، ويشكر ألطافه ونعمه قبل أن يشرع في الدعاء.

قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره ، وسبباً للمزيد من فضله ، ودليلاً على آلائه وعظمته ) (1).

السادس : الدعاء بالأسماء الحسنى :

على الداعي أن يدعو الله تعالى بأسمائه الحسنى ، لقوله تعالى : ( وَللهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) (2).

وقوله تعالى : ( قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى ) (3).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( لله عزّ وجلّ تسعة وتسعون اسماً ، من دعا الله بها استجاب له ، ومن أحصاها دخل الجنّة ) (4).

السابع : الصلاة على النبيّ وآله عليهم السلام :

لابدّ للداعي أن يصلّي على محمّد وآله عليهم السلام بعد الحمد والثناء على الله سبحانه ، وهي تؤكّد الولاء لرسول الله صلى الله عليه وآله ولأهل بيته المعصومين عليهم السلام ، الذي هو في امتداد الولاء لله تعالى ، لذا فهي من أهمّ الوسائل في صعود الأعمال ، واستجابة الدعاء.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( لا يزال الدعاء محجوباً حتّى يصلّى عليَّ وعلى أهل بيتي ) (5).

ص: 495


1- 1. شرح نهج البلاغة 9 / 209.
2- 2. الأعراف : 180.
3- 3. الإسراء : 110.
4- 4. التوحيد : 195.
5- 5. كفاية الأثر : 39.

الثامن : التوسّل بمحمّد وأهل بيته عليهم السلام :

وينبغي للداعي أن يلج من الأبواب التي أمر الله تعالى بها ، وأهل البيت عليهم السلام هم سفن النجاة لهذه الأُمّة ، فحريٌّ بمن دعا الله تعالى أن يتوسّل إلى الله بهم عليهم السلام ، ويسأله بحقّهم ، ويقدّمهم بين يدي حوائجه.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( الأوصياء منّي ... بهم تُنصر أُمّتي ، وبهم يُمطرون ، وبهم يدفع الله عنهم ، وبهم يُستجاب دعائهم ) (1).

التاسع : الإقرار بالذنوب :

وعلى الداعي أن يعترف بذنوبه مقرّاً مذعناً ، تائباً عمَّا اقترفه من خطايا ، وما ارتكبه من ذنوب.

قال الإمام الصادق عليه السلام : ( إنّما هي مدحة ، ثمّ الثناء ، ثمّ الإقرار بالذنب ، ثمّ المسألة ، إنّه والله ما خرج عبد من ذنب إلاّ بالإقرار ) (2).

العاشر : المسألة :

وينبغي للداعي أن يذكر - بعد الثناء على الله تعالى والصلاة على النبيّ وآله عليهم السلام والإقرار بالذنب - ما يريد من خير الدنيا والآخرة ، وأن لا يستكثر مطلوبه ، لأنّه يطلب من ربّ السماوات والأرض ، الذي لا يعجزه شيء ، ولا تنفد خزائن رحمته التي وسعت كلّ شيء.

الحادي عشر : معرفة الله ، وحسن الظنّ به سبحانه :

وهذا يعني أنّ من دعا الله تعالى يجب أن يكون عارفاً به وبصفاته ، فعلى الداعي أن يوقن برحمة الله اللامتناهية ، وبأنّه سبحانه لا يمنع أحداً من فيض نعمته ، وأنّ باب رحمته لا يغلق أبداً.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( قال الله عزّ وجلّ : من سألني وهو يعلم أنّي أضرُّ وأنفع استجبت له ) (3).

ص: 496


1- 1. تفسير العيّاشيّ 1 / 14.
2- 2. الكافي 2 / 484.
3- 3. ثواب الأعمال : 153.

وقيل للإمام الصادق عليه السلام : ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟! قال عليه السلام : ( لأنّكم تدعون من لا تعرفونه ) (1).

الثاني عشر : العمل بما تقتضيه المعرفة :

على الداعي أن يعمل بما تقتضيه المعرفة لخالقه ، بأنّ يفي بعهد الله ويطيع أوامره ، وهما من أهمّ الشروط في استجابة الدعاء.

قال رجل للإمام الصادق عليه السلام : يقول الله : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (2) ، وإنَّا ندعو فلا يُستجاب لنا؟! فقال عليه السلام : ( إنّكم لا تفون لله بعهده ، فإنّه تعالى يقول : ( وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) (3) ، والله لو وفيتم لله سبحانه لوفى لكم ) (4).

الثالث عشر : الإقبال على الله تعالى :

من أهمّ آداب الدعاء هو أن يقبل الداعي على الله سبحانه بقلبه ، وعواطفه ، ووجوده ، وأن لا يدعو بلسانه وقلبه مشغول بشؤون الدنيا.

فهناك اختلاف كبير بين مجرّد قراءة الدعاء ، وبين الدعاء الحقيقيّ - الذي ينسجم فيه اللسان انسجاماً تامّاً مع القلب - فَتَهتَزُّ له الروح ، وتحصل فيه الحاجة في قلب الإنسان ومشاعره.

قال الإمام الصادق عليه السلام : ( إنّ الله عزّ وجلّ لا يستجيب دعاء بظهر قلبٍ ساهٍ ؛ فإذا دعوت فأقبل بقلبك ، ثمّ استيقن بالإجابة ) (5).

الرابع عشر : الاضطرار إلى الله سبحانه :

لابدّ للداعي أن يتوجّه إلى الله تعالى توجّه المضطرّ الذي لا يرجو غيره ، وأن

ص: 497


1- 1. التوحيد : 289.
2- 2. غافر : 60.
3- 3. البقرة : 40.
4- 4. بحار الأنوار 66 / 341.
5- 5. الكافي 2 / 473.

يرجع في كلّ حوائجه إلى ربّه ، ولا ينزلها بغيره من الأسباب العادية التي لا تملك ضرّاً ولا نفعاً.

فإذا لجأ الداعي إلى ربّه بقلب سليم ، وكان دعاؤه حقيقياً صادقاً جادّاً ، وكان مدعوُّه ربّه وحده لا شريك له ، تحقّق الانقطاع الصادق بالاضطرار الحقيقيّ إلى الله تعالى ، الذي هو شرط في قبول الدعاء.

الخامس عشر : تسمية الحوائالجواب :

إنّ الله تعالى محيط بعباده ، يعلم حالهم وحاجاتهم ، وهو أقرب إليهم من حبل الوريد ، ولكنّه سبحانه يحبُّ أن تُبثُّ إليه الحوائج ، وتُسمَّى بين يديه تعالى ، وذلك كي يُقبل الداعي إلى ربّه ، محتاجاً إلى كرمه ، فقيراً إلى لطفه ومغفرته.

قال الإمام الصادق عليه السلام : ( إنّ الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه ، ولكنّه يحبُّ أن تُبثّ إليه الحوائج ، فإذا دعوت فسمِّ حاجتك ) (1).

السادس عشر : ترقيق القلب :

ويستحبّ الدعاء عند استشعار رقّة القلب ، وحالة الخشية التي تنتابه بذكر الموت ، والبرزخ ، ومنازل الآخرة ، وأهوال يوم المحشر ، وذلك لأنّ رقَّة القلب سبب في الإخلاص المؤدّي إلى القرب من رحمة الله وفضله.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( اغتنموا الدعاء عند الرقّة ، فإنّها رحمة ) (2).

السابع عشر : البكاء والتباكي :

خير الدعاء ما هيّجه الوجد والأحزان ، وانتهى بالعبد إلى البكاء من خشية الله ، الذي هو سيّد آداب الدعاء وذروتها ، ذلك لأنّ الدمعة لسان المذنب الذي يفصح عن توبته ، وخشوعه وانقطاعه إلى بارئه ، والدمعة سفير رِقَّةِ القلب ، الذي يؤذن بالإخلاص والقرب من رحاب الله تعالى.

ص: 498


1- 1. المصدر السابق 2 / 476.
2- 2. الدعوات : 30.

قال الإمام الصادق عليه السلام لأبي بصير : ( إن خفتَ أمراً يكون أو حاجة تريدها ، فابدأ بالله ومَجِّدهُ ، واثنِ عليه كما هو أهله ، وصلِّ على النبيّ صلى الله عليه وآله وَسَل حاجتَكَ ، وتباكَ ولو مثل رأس الذباب ، إنّ أبي كان يقول : إنّ أقرب ما يكون العبد من الربّ عزّ وجلّ وهو ساجد باكٍ ) (1).

الثامن عشر : العموم في الدعاء :

ومن آداب الدعاء أن لا يخصَّ الداعي نفسه بالدعاء ، بل يذكر إخوانه المسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات.

وهذا من أهمّ آداب الدعاء ، لأنّه يدلّ على التضامن ونشر المودَّة والمحبّة بين المؤمنين ، وإزالة أسباب الضغينة والاختلاف فيما بينهم ، وذلك من منازل الرحمة الإلهيّة ، ومن أقوى الأسباب في استجابة الدعاء ، فضلاً عن ثوابه الجزيل للداعي والمدعو له.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( إذا دعا أحدكم فليعمُّ ، فإنّه أوجب للدعاء ) (2).

التاسع عشر : التضرّع ومدُّ اليدين :

ومن آداب الدعاء إظهار التضرّع والخشوع ، فقد قال تعالى : ( وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً ) (3).

وقد ذمَّ الله تعالى الذين لا يتضرّعون إليه في قوله تعالى : ( وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ) (4).

وعن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : ( فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ) ، فقال عليه السلام : ( الاستكانة هي الخضوع ،

ص: 499


1- 1. الكافي 2 / 483.
2- 2. المصدر السابق 2 / 487.
3- 3. الأعراف : 205.
4- 4. المؤمنون : 76.

والتضرُّع هو رفع اليدين والتضرُّع بهما ) (1).

العشرون : الإسرار بالدعاء :

فيستحبّ أن يدعو الإنسان خُفية ليبتعد عن مظاهر الرياء التي تمحق الأعمال وتجعلها هباءً منثوراً ، قال تعالى : ( ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) (2).

وقال الإمام الرضا عليه السلام : ( دعوة العبد سِراً دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية ) (3).

الواحد والعشرون : التَرَيُّث بالدعاء :

ومن آداب الدعاء أن لا يستعجل الداعي في الدعاء ، بل يدعو مترسّلاً ، وذلك لأنّ العجلة تنافي حالة الإقبال والتوجّه إلى الله تعالى ، وما يلزم ذلك من التضرُّع والرقّة ، كما أنّ العجلة قد تؤدّي إلى ارتباك في صورة الدعاء ، أو نسيان لبعض أجزائه.

الثاني والعشرون : عدم القنوط :

وعلى الداعي أن لا يقنط من رحمة الله ، ولا يستبطأ الإجابة فيترك الدعاء ، لأنّ ذلك من الآفات التي تمنع ترتّب أثر الدعاء ، وهو بذلك أشبه بالزارع ، الذي بذر بذراً فجعل يتعاهده ويرعاه ، فلّما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله.

فعن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليه السلام ، أنّه قال : ( لا يزال المؤمن بخير ورجاء ، رحمة من الله عزّ وجلّ ما لم يستعجل ، فيقنط ويترك الدعاء ) ، قلتُ له : كيف يستعجل؟ قال عليه السلام : ( يقول : قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة ) (4).

ص: 500


1- 1. الكافي 2 / 480.
2- 2. الأعراف : 55.
3- 3. الكافي 2 / 476.
4- 4. المصدر السابق 2 / 490.

الثالث والعشرون : الإلحاح بالدعاء :

وعلى الداعي أن يواظب على الدعاء والمسألة في حال الإجابة وعدمها ، لأنّ ترك الدعاء مع الإجابة من الجفاء ، الذي ذَمَّهُ تعالى في محكم كتابه بقوله : ( وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ ) (1).

قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( وإن أصابه بلاء دعا مضطرّاً ، وإن ناله رخاء أعرض مغترّاً ) (2).

الرابع والعشرون : التَقَدُّم في الدعاء :

ومن آداب الدعاء أن يدعو العبد في الرخاء على نحو دعائه في الشدّة ، لما في ذلك من الثقة بالله ، والانقطاع إليه ، ولفضله في دفع البلاء ، واستجابة الدعاء عند الشدّة.

قال الإمام الصادق عليه السلام : ( من سَرَّهُ أن يُستجابَ له في الشدّة ، فليكثر الدعاء في الرخاء ) (3).

الخامس والعشرون : التَخَتُّم بالعقيق والفَيرُوزَالجواب :

ويستحبّ في الدعاء لبس خاتم من عقيق أو من فيروزج ، وذلك لقول الإمام الصادق عليه السلام : ( ما رُفِعَت كفٌّ إلى الله عزّ وجلّ أحبُّ إليه من كفٍّ فيها عقيق ) (4).

ولقوله عليه السلام : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال الله عزّ وجلّ : إنّي لأستحي من عبدٍ يرفع يدَه وفيها خاتم فيروزج فأَرُدَّهَا خائبة ) (5).

ص: 501


1- 1. الزمر : 8.
2- 2. شرح نهج البلاغة 18 / 356.
3- 3. الكافي 2 / 472.
4- 4. ثواب الأعمال : 174.
5- 5. بحار الأنوار 90 / 321.

( ابن الخاجة - البحرين - .... )

دعاء القدح :

س : هل ثبت لدى علمائنا الدعاء المسمّى بدعاء القدح؟ وهل عدم ثبوته يعني عدم جواز قرائته وتوزيعه ونشره؟

ج : الظاهر أنّ دعاء القدح لم يثبت عند علمائنا بطريق معتبر ، ولكن يمكن أن يقرأ برجاء المطلوبية ، وعندها يحصل الإنسان على الثواب.

إذاً يجوز قراءته بعنوان رجاء أنّه مطلوب من الشارع المقدّس ، لا بعنوان أنّه ورد فيه استحباب ، وعليه فيجوز توزيعه ونشره.

( علي نزار - الكويت - 23 سنة - طالب كلّية الدراسات التجارية )

أسباب حجبه :

س : في معرض ردّكم على استفسار الأخ رؤوف حول موضوع التوسّل والاستغاثة بأهل البيت عليهم السلام ، جاءت هذه العبارة : إنّ قلّة طاعتنا وكثرة ذنوبنا نحن العبيد إليه ، يوجب ذلك حجب الدعاء عن الله والاستجابة لنا.

هل هناك في القرآن الكريم ما يدعم هذا المعنى؟ وكذلك هل هناك من الروايات الصحيحة الواردة عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله بهذا الخصوص؟ وشكراً.

ج : نعم ، هناك روايات وردت عن النبيّ وآله عليهم السلام تؤكّد : بأنّ الذنوب والمعاصي تحجب وتمنع عن استجابة الدعاء ، ومن تلك الروايات :

1 - عن الإمام الباقر عليه السلام : ( إنّ العبد يسأل الله تعالى الحاجة ، فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب ، أو إلى وقت بطيء ، فيذنب العبد ذنباً ، فيقول الله تبارك وتعالى للملك : لا تقض حاجته ، وأحرمه إيّاها ، فإنّه قد تعرّض لسخطي ، واستوجب الحرمان منّي ) (1). وورد في الدعاء المعروف بدعاء كميل

ص: 502


1- الکافي 271/2.

( واغفر لي الذنوب التي تحجب الدعاء ).

( محسن - إيران - 27 سنة - ليسانس )

معرفة الله مقدّمة لمعرفة الإمام وبالعكس :

س : نقرأ في الدعاء المنقول عن الصادق عليه السلام : ( اللهمّ عرّفني نفسك ، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك ... ) (1) ، فإنّ الفاء للتفريع ، فمعرفة الله والنبيّ مقدّمة لمعرفة الإمام عليه السلام.

مع أنّا نعلم أنّ معرفة الله غاية المعارف ، ومعرفة النبيّ والإمام مقدّمة له ، فكيف نوفّق بين هذا وبين قوله عليه السلام في الدعاء المأثور؟ وشكراً.

ج : إنّ معرفة البارئ تعالى غاية المعارف وأجلّها بلا إشكال وبلا خلاف عند الجميع ؛ ولكن هذه المعرفة لا تتمّ ولا تكمل إلاّ من طريق معرفة الأنبياء والأئمّة المعصومين عليهم السلام ؛ لأنّهم أبواب معرفة الله تعالى ، كما جاء في أحاديث مختلفة ، هذا من جهة.

ومن جهة أُخرى ، فإنّ الأصل في جميع هذه المعارف هو التوحيد ومعرفة الله سبحانه ، إذ لا تعقل معرفة النبوّة والإمامة إلاّ من بعد معرفته جلّ وعلا.

وبعبارة واضحة : فإنّ معرفة الإمام عليه السلام فرع معرفة النبيّ صلى الله عليه وآله ، ومعرفة النبيّ صلى الله عليه وآله فرع معرفة الله تعالى.

والنتيجة : أنّ المعرفة الإجمالية للتوحيد لا تتوقّف على أيّة معرفة أُخرى ، بل هي من جانب الله تعالى ، ومن هذه المعرفة تنشأ معرفة النبيّ صلى الله عليه وآله ، ومنها معرفة الإمام عليه السلام.

ثمّ إن أردنا المعرفة التفصيلية لله تعالى - في حدود استيعاب عقول الممكنات - يجب علينا مراجعة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، لأنّهم خلفاء الله سبحانه في أرضه

====

2. الكافي 1 / 337.

ص: 503


1- 1. الكافي 2 / 271.

وعباده ، فالعلم والمعرفة التامّة قد أودعها عندهم ، فهم السبيل والصراط إلى الله تعالى.

وبالجملة ، فهنا مرحلتان : إحداهما : من معرفة البارئ إلى معرفة الإمام عليه السلام ، وهذه هي المعرفة الإجمالية.

وثانيهما : من معرفة الإمام عليه السلام إلى معرفة الله تعالى ، وهذه هي المعرفة التفصيلية.

فلو نظرنا إلى الأحاديث والروايات الواردة في العقائد والمعارف الإلهيّة ، لخرجنا بهذه النتيجة ؛ فإنّ منها ما تشير إلى المعرفة الإجمالية ، ومنها ما تدلّ على المعرفة التفصيلية.

وممّا ذكرنا يظهر أنّ الدعاء المذكور هو في مقام تبيين وتوضيح المرحلة الأُولى من المعرفة ، وهي المعرفة الإجمالية.

( حسن رضائي - ... - ..... )

في مراقد الأئمّة :

س : يقول مخالفوا أهل البيت : بأنّ الشيعة مشركون ؛ لأنّهم يدعون من غير الله ، ويطلبون حوائجهم من أئمّتهم ، فما هو الجواب؟

ج : إنّ الدعاء في مراقد أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وطلب قضاء الحاجة منهم ، يتصوّر على نحوين :

1 - تارة نطلب من الله بحقّهم عليهم السلام أن يقضي حوائجنا.

2 - وتارة نطلب من الإمام عليه السلام أن يطلب من الله قضاء حوائجنا.

قال الله تعالى في كتابه الكريم : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (1).

وقال تعالى حكاية عن أولاد يعقوب عليه السلام : ( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا

ص: 504


1- 1. النساء : 64.

إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (1).

وربما قائل يقول : إنّ هذا جائز في حال الحياة ، أمّا بعد الممات فلا ، لكونه شركاً بالله تعالى.

فيقال : إنّ الشيء لا ينقلب عمّا هو عليه ، وإذا كان جائزاً فلا فرق سواء كان في حياته أو بعد مماته ، إذ أنّ النبيّ أتاه الله الدرجة الرفيعة ، وهو الوسيلة إلى الله في الدنيا والآخرة ، فلا بدع لو توسّل به المؤمن في كلّ يوم وقال : يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله.

وروي عن عثمان بن حنيف أنّه قال : ( أنّ رجلاً ضريراً أتى النبيّ صلى الله عليه وآله فقال : أدع الله أن يعافيني ، فقال صلى الله عليه وآله : ( إن شئتَ دعوتُ لك ، وإن شئتَ أخّرت ذاك فهو خير ) ، قال : فادعه ، فأمره صلى الله عليه وآله أن يتوضّأ فيحسن وضوءه ويصلّي ركعتين ، ويدعو بهذا الدعاء : ( اللهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك نبيّ الرحمة ، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّي في حاجتي هذه فتُقضى لي ، اللهم شفّعه فيّ ).

قال ابن حنيف : فو الله ما تفرّقنا وطال بنا الحديث ، حتّى دخل علينا كأن لم يكن به ضرر ) (2).

وقال الرفاعي الوهابيّ المعاصر : ( لاشكّ أنّ هذا الحديث صحيح ومشهور ، وقد ثبت فيه بلا شكّ ولا ريب ارتداد بصر الأعمى بدعاء رسول الله ).

وروي عن عمر بن الخطّاب ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال : ( لمّا اقترف آدم الخطيئة قال : يا ربّ أسألك بحقّ محمّد لما غفرت لي ... ) (3).

ص: 505


1- 1. يوسف : 97 - 98.
2- 2. مسند أحمد 4 / 138 ، المستدرك 1 / 313 و 519 و 526 ، السنن الكبرى للنسائيّ 6 / 169 ، صحيح ابن خزيمة 2 / 226 ، العهود المحمّدية : 112 ، تاريخ مدينة دمشق 6 / 24 ، تهذيب الكمال 19 / 359 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 / 322 ، دفع الشبه عن الرسول : 149.
3- 3. المستدرك 2 / 615 ، كنز العمّال 11 / 455 ، تاريخ مدينة دمشق 7 / 437 ، البداية والنهاية 1 / 91 و 2 / 393 ، السيرة النبويّة لابن كثير 1 / 320 ، دفع الشبه عن الرسول : 137 ، سبل الهدى والرشاد 1 / 85 و 12 / 403 ، الدرّ المنثور 1 / 58.

هذا ، وقد جرت سيرة المسلمين في حياة النبيّ وبعد وفاته صلى الله عليه وآله على التوسّل به وبالأولياء الصالحين عليهم السلام ، والاستشفاع بمنزلتهم وجاههم عند الله تعالى.

( .... - البحرين - .... )

يستحبّ بالخاتم العقيق أو الفيروزج :

س : يستحبّ في الدعاء لبس خاتم من عقيق أو من فيروزج ، وذلك لقول الإمام الصادق عليه السلام : ( ما رُفِعَت كفٌّ إلى الله عزّ وجلّ أحبُّ إليه من كفٍّ فيها عقيق ) (1).

ولقوله عليه السلام : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال الله سبحانه : إنّي لأستحي من عبدٍ يرفع يدَه وفيها خاتم فيروزج فأَرُدَّهَا خائبة ) (2).

السؤال : ما هو السرّ في هذا الحجر الذي يستحبّ أن يُدعى به؟

ج : إنّ جميع الأحكام الشرعيّة ومنها المستحبّة لا يستطيع الفقهاء إدراك العلل الواقعية لها ، إذا لم يكن مصرّحاً بها عن النبيّ وآله عليهم السلام ، وقد وردت الروايات الكثيرة التي تحبّذ التختّم بالعقيق والفيروزج وغيرهما ، والفقهاء تبعاً لتلك الروايات يفتون باستحباب التختّم بالعقيق والفيروزج.

وما ورد عنهم عليه السلام من صفات هذه الأحجار الكريمة ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : ( يا علي تختم فإنّها فضيلة من الله عزّ وجلّ للمقرّبين ) ، قال : ( بم أتختم يا رسول الله )؟ قال : ( بالعقيق الأحمر فإنّه أوّل جبل أقرّ لله تعالى بالربوبية ، ولي بالنبوّة ، ولك بالوصية ، ولولدك بالإمامة ، ولشيعتك بالجنّة ، ولأعدائك بالنار ) (3).

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : ( تختّموا بالعقيق ... وهو الجبل الذي

ص: 506


1- 1. ثواب الأعمال : 174.
2- 2. بحار الأنوار 90 / 321.
3- 3. من لا يحضره الفقيه 4 / 374.

كلّم الله عزّ وجلّ عليه موسى تكليماً ) (1).

وعن بشير الدهّان قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : جعلت فداك ، أيّ الفصوص أفضل أركبه على خاتمي؟ فقال : ( يا بشير ، أين أنت عن العقيق الأحمر ، والعقيق الأصفر ، والعقيق الأبيض ، فإنّها ثلاثة جبال في الجنّة.

فأمّا الأحمر فمطلّ على دار رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأمّا الأصفر فمطلّ على دار فاطمة الزهراء عليها السلام ، وأمّا الأبيض فمطلّ على دار أمير المؤمنين عليه السلام ، والدور كلّها واحدة ....

وإنّ هذه الجبال تسبّح الله وتقدّسه وتمجّده ، وتستغفر لمحبّي آل محمّد عليهم السلام ... ) (2).

وأنّ الولاية عرضت على الجبال ، فأوّل جبال أقرّت بذلك ثلاثة جبال : العقيق ، وجبل الفيروزج ، وجبل الياقوت ، فلعلّ هذه الصفات أعطت ميزة لهذه الأحجار على غيرها.

فخصّها الله بخصائص ، وضّحها لنا الأئمّة المعصومون عليهم السلام ، ومن تلك الخصائص استجابة الدعاء لمن يتختّم بها حال الدعاء ، والأمر كلّه راجع إلى الأُمور الغيبية التي نأخذها من الروايات ، ولم يستطع العقل البشري لحدّ الآن من الولوج في هذا المضمار.

( زيد - .... - .... )

يستحبّ الإلحاح فيه :

س : تحية عطرة إلى كلّ العامليّن بهذا الموقع الرائع.

أودّ من سماحتكم الإجابة على هذا السؤال : ما الغاية من تكرار الدعاء

ص: 507


1- 1. مكارم الأخلاق : 87.
2- 2. الأمالي للشيخ الطوسيّ : 38.

نفسه في عدّة فترات ، مع أنّ الله تعالى يسمع ، وفّقكم الله تعالى في خدمة أهل البيت عليهم السلام.

ج : ورد في كثير من الأحاديث استحباب الإلحاح في الدعاء ، الذي هو عبارة عن تكراره ، ويمكن أن يقال في تفسير الإلحاح في الدعاء عدّة أُمور :

أوّلاً : أنّ الدعاء هو نوع من الرابط الروحي بين العبد وربّه ، وكلّما تكرّر الدعاء وصار فيه نوع من الإلحاح ، كلّما زاد هذا الرابط بين العبد وربّه.

ثانياً : أنّ الدعاء هو نوع من ترويض النفس على طاعة ربّ العالمين والاجتناب عن معاصيه ، وفي تكراره والإلحاح فيه وصول بالنفس إلى أن تكون لها ملكة الطاعة ، والبعد عن المعصية.

ثالثاً : ذكرت عدّة شروط لاستجابة الدعاء ، فإذا لم تتحقّق شروط الاستجابة لم يستجب الدعاء ، فعلى العبد أن يكرّر الدعاء ويلحّ فيه ، لعلّ دعاءه تتحقّق فيه شروط الاستجابة التي من أهمّها صفاء النيّة والإخلاص ورقّة القلب.

ص: 508

الذبح عند القبور :

اشارة

( سيف الإسلام - السعودية - سنّي )

ليس فيه محذور :

س : هل يجوز الذبح للقبور؟

ج : لا يجوز عندنا الذبح للقبور ، كما لا يجوّزه أحد من المسلمين.

وأمّا الذبح لله تعالى عند القبور - لوفاء نذر وشبهه - فهذا جائز ، وليس فيه محذور ، لأنّ الذبح حصل لله تعالى ، فلا يحصل الخلط بين المسألتين.

وكذلك يأتي الفرق بين من تقرّب للقبر ونحوه ، وبين من تقرّب لله عزّ وجلّ في مسجد ، أو عند قبر نبيّ من الأنبياء عليهم السلام ، أو ولي من الأولياء ، فهو تقرّب لله عزّ وجلّ في أماكن يحبّ الله أن يتقرّب له فيها.

( إبراهيم - الكويت - .... )

ذبائح الحسين جائزة الأكل :

س : بارك الله فيكم ، يقال : لا يجوز أكل طعام الحسين الذي يصنع ويوزّع في المساجد والحسينيات عندنا ، فكيف ذلك والناس تأكل منه؟

ج : الطعام الذي يصنع ويوزّع في المناسبات الدينية - كإحياء مجالس أبي عبد الله الحسين عليه السلام - جائز وليس بمحرّم ، بل أكثر من هذا الناس تأكله بنية الشفاء والعافية ، باعتبار أنّه طعام منسوب إلى الإمام الحسين عليه السلام ، فيتبرّكون به.

والذي يقول بحرمته وعدم جواز أكله حصل له تصوّر خاطئ ، إن لم نقل

ص: 509

جهل بالحكم الشرعيّ ، فتصوّر أنّ الطعام الذي يعطى باسم الحسين عليه السلام مصنوع من لحم مذبوح لغير الله تعالى ، لأنّه مذبوح للحسين عليه السلام ، وكلّ مذبوح لغير الله تعالى لا يجوز أكله ، بل أكله محرّم.

والواقع والحقيقة أنّ المذبوح ذبح لله تعالى وبالطريقة الشرعيّة الجائزة ، من التسمية عليه واستقبال القبلة ، ولكن باسم الإمام الحسين عليه السلام أيّ لأجل الحسين عليه السلام ، كما نذبح الذبيحة لقدوم الحاج ، فهو ذبح لله ، وهكذا ذبح الذبيحة لشراء بيت ، أو لمولود جديد كما في العقيقة ، فهذا كلّه لله تعالى جائز أكله ، ولا نقصد منه التقرّب به لغير الله.

( .... - السعودية - 27 سنة )

شرك عند الوهابيّة :

س : لماذا تكفّرنا الوهابيّة عند ذبحنا الأضحية عند قبور الأئمّة عليهم السلام؟ وفّقكم الله لكلّ خير ، وشكراً.

ج : لقد كفّر الوهابيّة المسلمين ، ونسبوهم إلى الشرك ، بزعمهم : أنّهم يذبحون وينحرون للأموات والقبور ، ويقرّبون لها القرابين ، وأنّ ذلك كالذبح والنحر للأصنام ، الذي كانت تفعله أهل الجاهلية الموجب للشرك.

ونقول : النحر والذبح قد يضاف لله تعالى ، فيقال : ذبح لله ونحر لله ، ومعناه : أنّه نحر لوجهه تعالى امتثالاً لأمره ، وتقرّباً إليه ، كما في الأضحية بمنى وغيرها ، والفداء في الإحرام ، والعقيقة وغير ذلك ، وهذا يدخل في عبادته تعالى.

وقد يضاف إلى المخلوق ، فيقال : ذبحت الدجاجة للمريض ، أو ذبحت الشاة للضيف ، وهذا لا محذور فيه.

وأمّا النوع الذي لا يجوز أو يعدّ شركاً هو ما يضاف إلى المخلوق بقصد التقرّب إليه ، كما يتقرّب إلى الله طلباً للخير من المخلوق ، مع كون هذا

ص: 510

المخلوق حجراً وجماداً لا يضرّ ولا ينفع ، ولا يعقل ولا يسمع ، سواء كان تمثالاً لنبيّ أو شخص صالح أو غير ذلك ، ويذكر اسم المخلوق على المنحور والمذبوح ، ويعرض عن اسم الله تعالى ، فيجعله نظيراً لله تعالى وندّاً له ، ويطلى بدم المنحور أو المذبوح قصد التقرّب إليه ، مع كون ذلك عبثاً ولغواً نهى عنه الله تعالى ، كما كان يفعل المشركون مع أصنامهم ، وهذا قبيح منكر بل شرك وكفر ، سواء سمّي عبادة أو لا.

وهذا ما توهّم الوهابيّة أنّ المسلمين يفعلون مثله للأنبياء والأوصياء والصلحاء ، فينحرون ويذبحون لهم عند مشاهدهم أو غيرها ، ويقرّبون لهم القرابين كما كان عبدة الأصنام والأوثان يفعلون ذلك بأصنامهم وأوثانهم ، وهو توهّم فاسد.

فإنّ ما يفعله المسلمون لا يخرج عن الذبح والنحر لله تعالى ؛ لأنّه يقصد إنّي أذبح هذا في سبيل الله لأتصدّق بلحمه وجلده على الفقراء مثلاً ، وأهدي ثواب ذلك لصاحب المشهد.

والذبح الذي يقصد به هذا ، يكون راجحاً وطاعةً لله تعالى وعبادة له ، سواء أهدي ثواب ذلك لنبيّ أو وليّ ، أو أب أو أُمّ ، أو أيّ شخص من سائر الناس ، ونظيره من يقصد إنّي أطحن هذه الحنطة لأعجنها وأخبزها وأتصدّق بخبزها على الفقراء ، وأهدي ثواب ذلك لأبوي ، فأفعاله هذه كلّها طاعة وعبادة لله تعالى لا لأبويه.

ولا يقصد أحد من المسلمين بالذبح لنبيّ أو غيره ما كانت تقصده عبدة الأوثان من التقرّب إليها بالذبح لها ، ولا يفعل ما كانت تفعله من ذكر اسمها على الذبيحة والإهلال بها لغير الله ، وطليها بدمها مع نهي الله تعالى لهم عن ذلك ، ولو ذكر أحد من المسلمين اسم نبيّ أو غيره على الذبيحة لكان ذلك عندهم منكراً وحرّمت الذبيحة.

فليس الذبح لهم بل عنهم ، بمعنى أنّه عمل يهدى ثوابه إليهم ، كسائر أعمال

ص: 511

الخير ، أو لهم باعتبار ثوابه ، ولذلك لا ينافيه قولهم : ذبحت لفلان ، أو أُريد أن أذبح لفلان ، أو عندي ذبيحة لفلان ، لو فرض وقوعه ، فالمقصود في الكلّ كونها له باعتبار الثواب ، وهذا كما يقال : ذبحت للضيف أو للمريض أو نحو ذلك.

والحاصل : أنّ المسلمين لا يقصدون من الذبح للنبيّ أو الولي غير إهداء الثواب ، أمّا العارفون منهم ، فحالهم واضح في أنّهم لا يقصدون غير ذلك ، وأمّا الجهّال فإنّما يقصدون ما يقصد عرفاؤهم ولو إجمالاً ، حتّى لو فرض وقوع إضافة الذبح إلى النبيّ أو الولي ، فليس المقصود إلاّ كون ثوابها له ، لا يشكّ في ذلك إلاّ معاند.

ولو سألنا عارفاً أو عامّياً أيّاً كان : هل مرادك الذبح لصاحب المشهد تقرّباً إليه ، كما كان المشركون يذبحون لأصنامهم؟ أو مرادك إهداء الثواب له؟ لقال : معاذ الله أن أقصد غير إهداء الثواب ، ولو فرضنا أنّنا شككنا في قصده أو خفي علينا وجه فعله ، لما جاز لنا أن نحمله إلاّ على الوجه الصحيح ، لوجوب حمل أفعال المسلمين وأقوالهم على الصحّة حتّى يعلم الفساد ، ولم يجز لنا أن ننسبه إلى الشرك ، ونستبيح دمه وماله وعرضه بمجرّد ظنّنا أنّ قصده الذبح لها كالذبح للأصنام.

ص: 512

رؤية الله تعالى :

( المستجير بالله - السعودية - .... )

ممكنة بالرؤية القلبية :

س : كيف يرى الله بالرؤية القلبية؟ لقول أمير المؤمنين عليه السلام : ( ويلك ما كنت أعبد ربّاً لم أره ) (1).

ج : إنّ الرؤية على قسمين : رؤية مادّية حسّية بصرية ، ورؤية معنوية قلبية عقلية.

أمّا بالنسبة إلى القسم الأوّل : فالله تعالى منزّه عن الرؤية المادّية الحسّية البصرية ، لقوله تعالى : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ... ) (2) ، ولقوله تعالى لموسى عليه السلام : ( ... لَن تَرَانِي ... ) (3) ، ولقول أمير المؤمنين عليه السلام لذعلب اليماني : ( لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ) (4) ، يعني : أنّ رؤيته ليست بالعين وبمشاهدة القوّة البصرية الجسمانية ، فإنّ هذه غير جائزة على الله تعالى ، لما يستلزمه من الجسمية والمكانية والجهتية وغيرها ، والله تعالى منزّه عن ذلك لقوله : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (5).

ص: 513


1- 1. الكافي 1 / 98.
2- 2. الأنعام : 103.
3- 3. الأعراف : 143.
4- 4. شرح نهج البلاغة 10 / 64.
5- 5. الشورى : 11.

وأمّا بالنسبة إلى القسم الثاني : وهو الرؤية المعنوية القلبية العقلية ، وهي أن ينتقل بنا العقل من معلوم إلى مجهول ، ومن شاهد محسوس إلى شاهد غائب.

فلقد رأت العيون الخلق ، وحكم العقل وجزم بوجود الخالق ، واعتقد القلب وآمن ، وهذا ما عناه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بقوله لذعلب : ( تدركه القلوب بحقائق الإيمان ) ، أي آمن القلب حقّاً وواقعاً ؛ لأنّه رأى بعين الحسّ والعقل.

وبعبارة أُخرى : تدركه القلوب - أي تدركه العقول الصافية عن ملابسة الأبدان - بحقائق الإيمان ، أي بالأنوار العقلية الناشئة من الإيمان القوي ، والعلم والإذعان الخالص بوجود الباري عزّ وجلّ ، وأنّ الإيمان إذا اشتدّ يصبح مشاهدة قلبية ورؤية عقلية.

ولا يخفى أنّ إدراك القلوب فوق إدراك العيون ، لعدم وقوع اللبس والاشتباه في إدراكها بخلاف إدراك العيون ، فيقع اللبس والاشتباه فيها كثيراً ، ولبعضهم : لئن لم تَرَكَ العينُ فقد أبصركَ القلبُ.

والخلاصة : أنّ الإنسان المؤمن إذا وصل إلى أعلى مراتب الإيمان ، بحيث حصل له القطع واليقين والعلم المتين بوجود الخالق العظيم ، من خلال الآثار والحقائق والآيات الدالّة عليه ، سوف يرى الله تعالى - بقلبه ووجدانه وعقله المذعن الخالي عن المادّيات ، والصافي من الشكوك والأوهام - رؤية نورانية معنوية.

( .... - البحرين - .... )

مستحيلة دنياً وآخرة :

س : ما هو برهانكم بعدم رؤية الله في الآخرة؟

ج : إنّ القول بجواز الرؤية على الله تعالى فيه التزامات مستحيلة عليه - تعالى عنها علوّاً كبيراً - منها : القول بالتجسيم في حقّه ، والجهة ، وأنّه ذو أبعاد ، والمحدودية ، والتناهي ، وأنّه ذو أجزاء وأبعاض.

ص: 514

فلذا امتنع القول برؤيته مطلقاً - في الدنيا والآخرة - ولابدّ من طرح جميع ما ظاهره جواز وإمكان الرؤية ، أو تأويله لمخالفته للعقل والنقل الصحيح.

واليك تفصيل الكلام :

1 - إنّ الرؤية إنّما تصحّ لمن كان مقابلاً - كالجسم - أو ما في حكم المقابل - كالصورة في المرآة - والمقابلة وما في حكمها ، إنّما تتحقّق في الأشياء ذوات الجهة ، والله منزّه عنها ، فلا يكون مرئياً.

2 - إنّ الرؤية لا تتحقّق إلاّ بانعكاس الأشّعة من المرئي إلى أجهزة العين ، وهو يستلزم أن يكون سبحانه جسماً ذا أبعاد.

3 - إنّ الرؤية إمّا أن تقع على الذات كلّها ، أو على بعضها ، فعلى الأوّل يلزم أن يكون المرئي محدوداً متناهياً ، وعلى الثاني يلزم أن يكون مركّباً ذا أجزاء وأبعاض ، والجميع مستحيل في حقّه تعالى.

( سامي العبسي - البحرين - سنّي )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : هناك تعليق عمّا قرأته عن رؤية الله تعالى المستحيلة عندكم :

أوّلاً : في النقاط التي استدللتم بها عن عدم إمكانية رؤية الله في الدار الآخرة.

1 - ما معنى قوله تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (1) ، ما المراد بالنظر هنا؟

2 - قولكم : إنّ الرؤية لا تتحقّق إلاّ بانعكاس الأشعة من المرئي ... قوله تعالى : ( إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ) (2) ، هل كانت الرؤيا هنا بانعكاس الأشعة؟

ص: 515


1- 1. القيامة : 22 - 23.
2- 2. الصافّات : 102.

3 - قولكم : إنّ الرؤية إنّما تقع على الذات كلّها أو بعضها ... قال الرسول متحدثاً عن الجنّة : ( فيها ما لا عين رأت ، ولا أُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ) ، فهل تقولون لما لا تستطيع عقولكم أن تتخيّله هو مستحيل الوقوع؟ وجزى الله خيراً من تعلّم العلم واتبع أحسنه.

ج : إنّ موضوع عدم إمكانية رؤية الله تعالى لا يخالجه شكّ ، فلابأس الانتباه للنقاط التالية :

1 - إنّ الأدلّة العقليّة القائمة في المقام ، لا ينبغي المناقشة فيها ، إذ القاعدة العلميّة في هذه الأدلّة أن تناقش بوجوه علميّة وعقلية لا بأمثلة قابلة للتأويل.

وبيانه : أنّ الرؤية المادّية تستلزم لا محالة تحديد المرئي ، وهذا يتطلّب تمييز المورد المشاهد بالعيان ، والتمييز يترادف مع إفراز المرئي والمشاهد في الخارج ، وهذا هو الجسمية بعينها ، وهو مردود عقلاً ونقلاً ، إذ فيه التزام بافتقار الجسم إلى مكان وزمان ( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ) (1).

فحذراً من هذه الملازمات الباطلة ، يجب علينا الاعتقاد بعدم إمكانية رؤيته جلّ وعلا.

2 - إنّ الآية التي ذكرتها لم تصرّح بالرؤية المادّية ، بل هي قابلة للتأويل من حيث احتمال النظر إلى آلاء الله تبارك وتعالى ، أو ثوابه وما شابه ذلك ، وبما أنّ الأدلّة العقلية الدالّة على استحالة طروّ المواصفات المادّية على الباري عزّ وجلّ هي أدلّة ثابتة ومسلّمة ، فيجب صرف ظهور معنى الرؤية في الآية ، إلى المعاني التي لا تنافي تلك الأدلّة العقلية ، من رؤية أمر الله ، أو نعمه أو عظمته ، وأمثال ذلك.

وهذا التفسير والتأويل متّفق عليه عند الشيعة ، وعليه علماء المعتزلة من أهل السنّة.

والغريب في المقام ما صدر عن البعض - كالرازيّ والقرطبيّ - عند تفسيرهم

ص: 516


1- 1. الأنعام : 100.

الآية : ( وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) (1) ، إذ يأتون بأدلّة متعدّدة على استحالة مجيء الربّ عزّ وجلّ يوم القيامة بنفسه وهيكله ، لامتناع الجسمية والتحوّل والتحرّك وغيرها عليه ، وفي نفس الوقت يؤيّدون رؤيته تعالى يوم القيامة ، بآية : ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (2) ، اعتماداً على روايات مردودة سنداً أو دلالةً ، أليس هذا تهافتاً واضحاً في كلام هؤلاء؟

3 - وأمّا بالنسبة لآية ( إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ) ، فإنّها لم تعبّر عن الرؤية المادّية المحسوسة في اليقظة - والكلام في هذا الفرض - والشاهد على ما نقول هو : ( فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ) (3) ، إذ ليس المقصود النظرة والرؤية بالعين ، بل بمعنى إبداء الرأي في الموضوع.

وبعبارة واضحة : أنّ إبراهيم عليه السلام كان يريد أن يذكر لابنه إسماعيل عليه السلام بنزول الوحي في المنام بذبحه ، والدليل الواضح جواب إسماعيل : ( قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ) (4) ، فإنّه يدلّ على ورود الوحي ، ولو في الرؤيا.

وعلى كلّ ، فإنّ الكلام في امتناع رؤية الله عزّ وجلّ بالرؤية البصرية ، والآية لا تدلّ على إمكانية الرؤية المذكورة بدون انعكاس الضوء وتمييز المرئي.

4 - ليس هناك أيّ تناقض بين لزوم وقوع الرؤية بالبصر على المرئي كلّه أو بعضه ، وتشخيصه وتمييزه عمّا سواه ، وبين الرواية التي ذكرت فيها صفة الجنّة بأنّ ( فيها ما لا عين رأت ... ) ، فإنّ الحديث يذكر عظمة أنعم الله تعالى في الجنّة ، بأنّ فيها نعم ظاهرة وباطنة لم تراها أعين البشر في الدنيا ، فأين هذا من جواز رؤية الله عزّ وجلّ في الآخرة؟!

ص: 517


1- 1. الفجر : 22.
2- 2. القيامة : 23.
3- 3. الصافّات : 102.
4- 4. الصافّات : 102.

هذا ، وإن كان مقصودك في هذه الفقرة ، من أنّنا نحكم باستحالة ما لا تستوعبه عقولنا ، فهذا خطأ واضح ، وقد خلط عليك الأمر ، بل إنّنا - وبمعونة العقل والشرع - نحكم باستحالة وامتناع الرؤية المادّية ، والمشاهدة بالعيان بالنسبة لله عزّ وجلّ مطلقاً ، لملازمتها التوالي الفاسدة والباطلة من الجسمية والتمييز و ....

أي أنّ لنا دليلاً على عدم إمكان الرؤية ، لا أنّنا حكمنا في المقام لعدم الظفر بأدلّة الرؤية حتّى تأتينا - مثلاً - بأحاديث الرؤية.

فالموضوع دقيق وخطير ، ويحتاج إلى تأمّل منك ، حتّى تتجلّى لك الحقيقة بصورة واضحة ، فإنّ الأحكام العقلية البحتة غير قابلة للمناقشة ، وإلاّ لبطلت كافّة الأدلّة العقلية والنقلية ، فمثلاً هل تناقش الذي حكم ( 1 + 1 = 2 ) بأنّه يمكن أن يكون الجواب (3) ، حتّى ولو لم يستوعبه عقلك؟!

إذ يردّك بأنّ الدليل قائم على المسألة بما لا ريب فيه ، فمن أين أتيت بحكم يخالف العقل؟ أليس هذا أيضاً حكماً عقلياً؟ فأين تذهبون.

وبالجملة : فالقاعدة العامّة أن نحكم بعدم إمكان رؤيته تعالى في الدنيا والآخرة ، لا لعدم وجود الدليل على الرؤية ، بل لقيام الدليل على استحالتها وامتناعها.

( ريما الجزائريّ - البحرين - .... )

ورؤية الملكوت رؤية قلبية :

س : أسألكم عن كيفية رؤية الملكوت؟

ج : إنّ رؤية الملكوت هي رؤية القلب ، التي هي من آثار اليقين ، كما تشير إليه الآية في رؤية إبراهيم عليه السلام لملكوت السماوات والأرض ( وَكَذَلِكَ نُرِي

ص: 518

إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (1) ، فاليقين والإيقان هو طريق لهذه الرؤية.

( حسين - السعودية - 34 سنة - خرّيج جامعة )

لموسى كانت بطلب من قومه :

س : في قوله تعالى : ( وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) (2) ماذا كان يريد نبيّ الله موسى عليه السلام؟

ج : كان نبيّ الله موسى عليه السلام يطلب ما ألحّ به قومه عليه ، من أن يريهم الله جهرة ، وهو يعلم أنّ الرؤية لا تجوز على الله تعالى.

فعن الإمام الرضا عليه السلام في نقله للقصّة : ( فقال موسى : يا قوم إنّ الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له ، وإنّما يعرف بآياته ، ويعلم بأعلامه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتّى تسأله ، فقال موسى عليه السلام : يا ربّ إنّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل ، وأنت أعلم بصلاحهم ، فأوحى الله جلّ جلاله إليه : يا موسى سلني ما سألوك ، فلن أؤاخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى : ( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) ) (3).

( عبد السلام. هولندا. سنّي ) يوم القيامة مستحيلة :

س : شكراً لكم على هذه الصفحة الممتازة ، وأرجو من الله أن يوفّقكم.

سؤالي هو بخصوص رؤيتنا لله يوم القيامة ، حيث يعتقد المسلمون من أهل السنّة : أن ستكون لنا امتيازات أُخرى تسهّل لنا رؤية الله ، وأنّ الله عبارة عن جسم ، ولكن مختلف عن أجسامنا ، ولا يجوز أن نتطرّق إلى هذه النقطة ،

ص: 519


1- 1. الأنعام : 75.
2- 2. الأعراف : 143.
3- 3. التوحيد : 122.

فماذا تردّون على هذا الكلام؟

ج : قد ثبت بالأدلّة العقلية والنقلية استحالة رؤية الله تعالى ؛ لأنّه ليس بجسم ، إذ الجسمية تستلزم المحدودية ، وهي تستلزم النقص ، وكلّ ذلك من ملازمات الممكن ، والله واجب الوجود ، فلا يمكن رؤيته في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) (1).

أمّا الرؤية القلبية ، فهي ثابتة لمن توصّل إلى المقامات العالية في معرفة الله تعالى ، كما قال الإمام علي عليه السلام : ( ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ) (2) ، وعليه تحمل بعض الآيات والروايات التي فيها إشارة إلى رؤية الله تعالى.

( أبو علي سجّاد - السعودية - .... )

لم تتحقّق لموسى :

س : لديّ تساؤل بسيط حول موضوع التجسيم الذي لا نعتقده ، ولكن هناك آية صريحة في القرآن حول مطالبة نبيّ الله موسى عليه السلام رؤية الله ، فهل كان اعتقاد موسى بالتجسيم؟ وكيف تجلّى الله عزّ وجلّ للجبل؟

وفي الختام ، تحياتي للجميع ، ونسألكم الدعاء.

ج : إنّ النبيّ موسى عليه السلام يعتقد بعدم إمكان رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة؛ لأنّه يلزم منه التجسيم ، وسؤاله عليه السلام عن رؤية المولى عزّ وجلّ لم يكن بدافع من نفس موسى عليه السلام ، بل بضغط من قومه.

نذكر لكم رواية واحدة عن الإمام الرضا عليه السلام تؤيّد ما نقوله : قال علي بن محمّد بن الجهم : حضرت مجلس المأمون ، وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام ، فقال له المأمون : يا ابن رسول الله ، أليس من قولك : إنّ الأنبياء معصومون؟ قال : ( بلى ) ، فسأله عن آيات من القرآن ، فكان فيما سأله أن قال له : فما

ص: 520


1- 1. الأنعام : 103.
2- 2. الكافي 1 / 98.

معنى قول الله عزّ وجلّ : ( وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي ) (1) ، كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران عليه السلام لا يعلم أنّ الله - تعالى ذكره - لا يجوز عليه الرؤية ، حتّى يسأله هذا السؤال؟

فقال الإمام الرضا عليه السلام : ( إنّ كليم الله موسى بن عمران عليه السلام علم أنّ الله تعالى عن أن يُرى بالأبصار ، ولكنّه لما كلّمه الله عزّ وجلّ وقرّبه نجيّاً ، رجع إلى قومه فأخبرهم : أنّ الله عزّ وجلّ كلّمه وقرّبه وناجاه.

فقالوا : لن نؤمن لك حتّى نسمع كلامه كما سمعت ، وكان القوم سبعمائة ألف رجل ، فاختار منهم سبعين ألفاً ، ثمّ اختار منهم سبعة آلاف ، ثمّ اختار منهم سبعمائة ، ثمّ اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربّه ، فخرج بهم إلى طور سينا ، فأقامهم في سفح الجبل ، وصعد موسى عليه السلام إلى الطور ، وسأل الله تبارك وتعالى أن يكلّمه ويسمعهم كلامه ، فكلّمه الله تعالى ذكره ، وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ، ويمين وشمال ، ووراء وأمام ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ أحدَثه في الشجرة ، ثمّ جعله منبعثاً منها حتّى سمعوه من جميع الوجوه.

فقالوا : لن نؤمن لك بأنّ هذا الذي سمعناه كلامَ الله ، حتّى نرى الله جهرةً ، فلمّا قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا ، بعث الله عزّ وجلّ عليهم صاعقةً فأخذتهم بظلمهم فماتوا.

فقال موسى عليه السلام : يا ربّ ، ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعتُ إليهم ، وقالوا : إنّك ذهبت بهم فقتلتهم ؛ لأنّك لم تكن صادقاً فيما ادّعيت من مناجاة الله إيّاك ، فأحياهم الله وبعثهم معه ، فقالوا : إنّك لو سألت الله أن يريك أن تنظر إليه لأجابك ، وكنت تخبرنا كيف هو ، فنعرفه حقّ معرفته.

فقال موسى عليه السلام : يا قوم إنّ الله لا يُرى بالأبصار ، ولا كيفية له ، وإنّما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتّى تسأله.

ص: 521


1- 1. الأعراف : 143.

فقال موسى عليه السلام : يا ربّ ، إنّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل ، وأنت أعلم بصلاحهم ، فأوحى الله جلّ جلاله إليه : يا موسى ، اسألني ما سألوك ، فلن أُؤاخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى عليه السلام : ( ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرَّ مكانه - وهو يهوي - فسوف تراني ، فلمّا تجلّى ربّه للجبل - بآية من آياته - جعله دكّاً وخرَّ موسى صعقاً ، فلمّا أفاق قال : سبحانك تُبت إليك - يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي - وأنا أوّل المؤمنين منهم بأنّك لا تُرى ).

فقال المأمون : لله درّك يا أبا الحسن ، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة (1).

وأمّا بالنسبة إلى تجلّي الله عزّ وجلّ للجبل ، فإنّ ظاهر الآية أنّه سبحانه تجلّى للجبل ، وهو لم يتحمّل تجلّيه ، لا أنّه رآه وشاهده.

( أبو علي - الجزائر - .... )

التي طلبها موسى :

س : من أيّ قسم كانت الرؤية التي طلبها سيّدنا موسى عليه السلام؟ إذا كان الجواب هو الرؤية البصرية ، فهل سيّدنا موسى عليه السلام - الذي هو من أولي العزم من الأنبياء ، على علوّ مرتبته وصفاء نفسه - لم يكن حاصلاً على هذه الرؤية قبل طلبها؟

وإذا كان الجواب هو الرؤية القلبية ، فلماذا كان جواب الله تعالى باستحالة الرؤية ، مع أنّها متيسّرة للمؤمنين الخلّص فضلاً عن الأنبياء؟

ملاحظة : هذا الأشكال واجهني ، وأنا أبحث مسألة الرؤية ، أرجو أن نتعاون على فكّه.

ج : الرؤية التي طلبها نبيّ الله موسى عليه السلام من الله تعالى ، هي الرؤية الحسّية

ص: 522


1- 1. التوحيد : 121.

البصرية ، لا الرؤية المعنوية القلبية ، ولهذا أجابه الله عزّ وجلّ باستحالة هذه الرؤية الحسّية البصرية بقوله : ( لَن تَرَانِي ) (1).

والسبب الذي دعا موسى عليه السلام أن يطلب هذه الرؤية - مع علمه واعتقاده بعدم رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة ، لأنّه يلزم منه التجسيم في حقّ الله تعالى ، ومن ثمّ المحدودية والتناهي ، وهذه كلّها من ملازمات الممكن ، والله واجب الوجود وليس بممكن - هو بضغط من قومه ، ولم يكن بدافع من نفس موسى عليه السلام ، بدليل قوله تعالى عن لسان قوم موسى : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً ) (2).

( خالد - الكويت - 35 سنة - مهندس )

في المنام أيضاً غير ممكنة :

س : أتوجّه بسؤالي إلى مكتبكم الموقّر ، بخصوص رؤية الباري تعالى في المنام ، حيث إنّ كثيراً ما يخبرني بعض المقرّبين برؤيتهم ، مثل هذه الرؤى ، فقد يرونه نوراً أو رجلاً مهيباً ، فهل هذه رؤى؟ أم هي من الأحلام؟ وكيف يكون للشيطان مدخلاً في هذا الأمر؟

علماً بأنّ رؤية الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله لا يتدخّل فيها الشيطان ، فكيف بالخالق سبحانه؟ وهل هذه الرؤى من الرؤى القلبية؟

ج : لا معنى لرؤية الله تعالى في اليقظة أو في المنام ، فإنّ الدليل العقلي والنقلي قائم بعدم إمكان رؤيته من الأساس ، كما هو مقرّر في محلّه.

وأمّا إخبار البعض بحصول هكذا أحلام ، فإن صحّ الخبر - بحيث يعتمد عليه ويركن إليه - فهو من باب انعكاس عالم التخيّل عند الفرد ، فلا حقيقة له بتاتاً.

ص: 523


1- 1. الأعراف : 143.
2- 2. البقرة : 55.

خصوصاً أنّ الأجواء التي يعيش فيها الإنسان قد تؤثّر في خلق الصور الخيالية الموهومة عنده.

ويحتمل أنّ بعض المبتلين بهذه التوهّمات قد قرؤوا أو سمعوا مقالات باطلة من بعض مجسّمة العصر - السلفيّة والوهابيّة - حول إمكان الرؤية ، فحصلت لهم هذه التخيّلات الفاسدة.

ثمّ لا ينكر دور الشيطان في المقام ؛ ولا يقاس بعدم إمكان تمثّله بصورة الرسول صلى الله عليه وآله ؛ إذ أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله إنسان مخلوق ، فقد يتوهّم أحد أنّ الشيطان يتمكّن أن يظهر في صورة وهيئة النبيّ صلى الله عليه وآله ، فنفاه صلى الله عليه وآله بهذا الحديث - على أنّ الرواية المشار إليها قابلة للنقاش السندي والدلالي ، ولكن لا يسعنا التطرّق إليه في هذا المختصر - فبما أنّ الأمر كان ملتبّساً ، رفع الرسول صلى الله عليه وآله هذا الالتباس ، ودفع هذه الشبهة.

وبعبارة مختصرة : فإنّ الأمر في المقام كان لا يحتاج كثيراً إلى رفع الإبهام والشبهة ، فإنّ العقل بوحده يكفي في ردّها ؛ فاعتماداً على قدرة العقل لم ترد في المقام نصوص تنفي وتحذّر من مكر الشيطان.

وإلاّ ، فإنّ المقام أيضاً هو مرتع الشيطان يلعب ويعبث بعقيدة المؤمن الساذج ، كما تبنى هذا الدور بعضهم في عصرنا ، وقال : بجواز الرؤية فضل وأضل ، أعاذنا الله وإيّاكم من الفتن.

( علي موسى - البحرين - 23 سنة - طالب )

ممتنعة للكتاب والسنّة والعقل :

س : ما الأدلّة العقلية ، ومن القرآن والسنّة أنّ الله سبحانه لا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة بالتفصيل ، حتّى نردّ الشبهات؟ اشرحوا لنا ( وَيَبْقَى وَجْهُ

ص: 524

رَبِّكَ ... ) (1) ، وعن التركيب وما شابه؟

ج : الأدلّة على امتناع رؤية الباري تعالى في الدنيا والآخرة من القرآن والسنّة والعقل كثيرة.

فمن القرآن :

1 - قوله تعالى : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) (2).

2 - قوله تعالى : ( وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) (3).

3 - قوله تعالى : ( قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي ) (4).

ومن السنّة :

1 - عن الإمام الباقر عليه السلام : ( لم تره العيون بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ، لا يعرف بالقياس ، ولا يدرك بالحواس ، ولا يشبه بالناس ... ) (5).

2 - عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : ( ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ) (6).

3 - عن الإمام الصادق عليه السلام : ( إنّ الله عظيم رفيع ، لا يقدر العباد على صفته ، ولا يبلغون كنه عظمته ، ولا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار ... ) (7).

4 - عن الإمام الرضا عليه السلام عن قول الله تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا

ص: 525


1- 1. الرحمن : 27.
2- 2. الأنعام : 103.
3- 3. طه : 110.
4- 4. الأعراف : 143.
5- 5. التوحيد : 108.
6- 6. المصدر السابق : 109.
7- 7. المصدر السابق : 115.

نَاظِرَةٌ ) (1) : ( يعني مشرقة تنظر ثواب ربّها ) (2).

ومن العقل :

قد اقتضت الضرورة العقلية على أنّ الأبصار بالعين متوقّف على حصول المقابلة بين العين والمرئى ، أو حكم المقابلة ، كما في رؤية الصور في المرآة ؛ وعليه ، فلا يمكن تحقّق الرؤية فيما إذا تنزّه الشيء عن المقابلة ، أو الحلول في المقابلة ، وقد ثبت مسبقاً أنّ المولى عزّ وجلّ ليس بجسم ولا جسماني ، ولا في جهة ، والرؤية فرع كون الشيء في جهة خاصّة.

والمقصود من الوجه الذي نسب إلى الحقّ تعالى في الآية هو ذاته سبحانه ، لا العضو الخاصّ الموجود في جسم الإنسان وما يشابهه ؛ فالقرآن عندما يتحدّث عن هلاك ما سوى الله وفنائه ، يقول : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ) (3).

ثمّ يخبر عقيب ذلك مباشرة عن بقاء الذات الإلهيّة ودوامها ، وأنّه لا سبيل للفناء إليها ، فيقول : ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ) (4).

والتركيب قد يكون عقلياً ، وهو التركيب من الجنس والفصل ، وقد يكون خارجياً كتركيب الجسم من المادّة والصورة ، وتركيب المقادير وغيرها ، والجميع منتف عن الواجب تعالى ، لاشتراك المركبات في افتقارها إلى الأجزاء ، فلا جنس له ولا فصل له ، ولا غيرهما من الأجزاء الحسّية والعقليّة.

ص: 526


1- 1. القيامة : 22 - 23.
2- 2. التوحيد : 116.
3- 3. الرحمن : 26.
4- 4. الرحمن : 27.

الرجعة :

اشارة

( عبد الحميد عيد - البحرين - .... )

مفهومها ووقوعها :

س : ما هو مفهوم الرجعة؟ وفي أيّ زمن تحصل؟

ج : إنّ مفهوم الرجعة هو : رجوع جماعة من الأموات إلى الحياة الدنيوية قبل يوم القيامة في صورتهم التي كانوا عليها ، وذلك عند قيام الإمام المهديّ عليه السلام وبعده.

ولا يرجع إلاّ من علت درجته في الإيمان ، أو من بلغ الغاية في الفساد ، ثمّ يصيرون بعد ذلك إلى النشور ، وما يستحقّونه من الثواب والعقاب.

وأهمّ ما استدلّت به الشيعة الإمامية على إمكان الرجعة ، هو الأحاديث الكثيرة المتواترة عن النبيّ والأئمّة عليهم السلام - المروية في الكتب المعتمدة - وإجماع الطائفة المحقّة على ثبوتها ، حتّى أصبحت من ضروريات مذهب الإمامية ، كما استدلّوا أيضاً بالآيات القرآنيّة الدالّة على وقوعها في الأُمم السابقة ، أو الدالّة على وقوعها في المستقبل ، إمّا نصّاً صريحاً ، أو بمعونة الأحاديث المعتمدة الواردة في تفسيرها.

ثمّ لا يخفى عليك ، أنّ القول بالرجعة ليس من مختصّات الشيعة ، فإنّ الجميع يؤمنون برجعة السيّد المسيح عليه السلام في آخر الزمان.

( السيّد محمّد البحرانيّ - البحرين - 41 سنة - طالب جامعة )

لجميع الناس أو بعضهم :

س : ما هي حقيقة الرجعة؟ مِن العلماء مَن يقر هذا الاعتقاد ومنهم من ينفيه

ص: 527

ويدحضه وأدلّته على مدعاه؟ والحقائق المرتبطة بالرجعة؟

ج : إنّ الرجعة بمعناها الاصطلاحيّ ، هي الرجوع إلى الدنيا ، ويدلّ عليها بعض الآيات القرآنيّة والنصوص المستفيضة من أهل البيت عليهم السلام ، وأصل هذا الاعتقاد من ضروريات المذهب الجعفريّ ، وإن اختلف في حوزة شموله ، فمنهم من يقول بالرجعة لجميع الناس ، ومنهم من يحصرها في عدد معيّن ؛ ثمّ إنّ هناك اختلافاً بالنسبة إلى هؤلاء المتعينيّن مع الاتفاق في موارد.

وأمّا بدء هذه الحركة ، فهو في زمن الإمام الحجّة عليه السلام ، ويمتدّ إلى ما بعد أيّامه ، هذا هو المقدار المتيقّن في المسألة ، وفي هذا المجال أقوال وكلمات للعلماء لا يسعنا ذكر تفاصيلها.

( علي المؤمن - السعودية - .... )

إثباتها من الكتاب والسنّة :

س : لقد أوضحتم جزاكم الله مفهوم الرجعة من خلال بعض الإجابات ، لكن السؤال : كيف أثبت الرجعة من خلال آيات القرآن الكريم والسنّة؟ شاكراً لكم.

ج : قال السيّد المرتضى قدس سره : ( اعلم أنّ الذي يقوله الإمامية في الرجعة لا خلاف بين المسلمين - بل بين الموحّدين - في جوازه ، وأنّه مقدور لله تعالى.

وإنّما الخلاف بينهم : في أنّه يوجد لا محالة ، أو ليس كذلك ، ولا يخالف في صحّة رجعة الأموات إلاّ ملحد وخارج عن أقوال أهل التوحيد ، لأنّ الله تعالى قادر على إيجاد الجواهر بعد إعدامها ، وإذا كان عليها قادراً جاز أن يوجدها متى شاء ) (1).

وقال الآلوسي : ( وكون الإحياء بعد الإماتة ، والإرجاع إلى الدنيا من

ص: 528


1- 1. رسائل المرتضى 3 / 135.

الأُمور المقدورة له عزّ وجلّ ، ممّا لا ينتطح فيه كبشان ، إلاّ أنّ الكلام في وقوعه ) (1).

فإذا كان إمكان الرجعة أمراً مسلّماً به عند جميع المسلمين ، فلماذا الشكّ والاستغراب لوقوع الرجعة؟! ولماذا التشنيع والنبز بمن يعتقد بها ، لورود الأخبار الصحيحة المتواترة عن أئمّة الهدى عليهم السلام بوقوعها؟

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتّى لو أنّ أحدهم دخل حجر ضب لدخلتم ) (2).

وقال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ... ) (3).

فجميع الروايات الواردة في تفسير هذه الآية المباركة ، تدلّ على أنّ هؤلاء ماتوا مدّة طويلة ، ثمّ أحياهم الله تعالى ، فرجعوا إلى الدنيا ، وعاشوا مدّة طويلة.

فإذا كانت الرجعة قد حدثت في الأزمنة الغابرة ، فلم لا يجوز حدوثها في آخر الزمان : ( سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً ) (4).

وقال تعالى : ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ ... ) (5).

ص: 529


1- 1. روح المعاني 10 / 237.
2- 2. مسند أحمد 2 / 511 ، صحيح البخاريّ 8 / 151 ، المستدرك 4 / 455 ، مجمع الزوائد 7 / 261 ، مسند أبي داود : 289 ، كتاب السنّة : 36 ، المعجم الكبير 6 / 186 ، شرح نهج البلاغة 9 / 286.
3- 3. البقرة : 243.
4- 4. الأحزاب : 62.
5- 5. البقرة : 259.

لقد اختلفت الروايات والتفاسير في تحديد هذا الذي مرّ على قرية ، لكنّها متّفقة على أنّه مات مائة عام ، ورجع إلى الدنيا وبقي فيها ، ثمّ مات بأجله ، فهذه رجعة إلى الحياة الدنيا.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( لتركبن سنن من كان قبلكم ... ).

هذا ، وروي عن أبي بصير أنّه قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : ( ينكر أهل العراق الرجعة )؟ قلت : نعم ، قال : أمّا يقرؤون القرآن ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ) ؟ (1).

وروي عن حمّاد ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ما يقول الناس في هذه الآية : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ) ؟ قلت : يقولون : إنّها في القيامة.

قال عليه السلام : ليس كما يقولون ، إنّ ذلك الرجعة ، أيحشر الله في القيامة من كلّ أُمّة فوجاً ويدع الباقين؟! إنّما آية القيامة قوله : ( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) (2).

ويمكن أن يتجلّى لنا الهدف من هذا الأمر الخارق الذي أخبر عنه أئمّة الهدى عليهم السلام ، إذا عرفنا أنّ العدل الإلهيّ واسع سعة الرحمة الإلهيّة ، ومطلق لا يحدّه زمان ولا مكان ، وأنّه أصيل على أحداث الماضي والحاضر والمستقبل ، والرجعة نموذج رائع لتطبيق العدالة الإلهيّة ، ذلك لأنّها تعني أنّ الله تعالى يعيد قوماً من الأموات ممّن محّض الإيمان محضاً ، أو محّض الكفر محضاً ، فيديل المحقّين من المبطلين عند قيام المهديّ عليه السلام.

وفي الختام : نشير إلى أنّ الشيخ الحرّ العامليّ قدس سره أورد في الباب الثاني من كتابه ( الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة ) اثني عشر دليلاً على صحّة الاعتقاد بالرجعة ، وأهمّ ما استدلّ به الإمامية على ذلك : هو الأحاديث الكثيرة المتواترة علن النبيّ والأئمّة عليهم السلام - المروية في الكتب المعتمدة - وإجماع الطائفة

ص: 530


1- 1. النمل : 83 ، مختصر بصائر الدرجات : 25.
2- 2. الكهف : 47 ، مختصر بصائر الدرجات : 41.

المحقّة على ثبوت الرجعة ، حتّى أصبحت من ضروريات مذهب الإمامية.

( حسين العلوي - ... - ..... )

نسيان الكافر فيها لعالم البرزخ :

س : هل أنّ أُولئك الأفراد الذين محّضوا الكفر محضاً ، هل مرّوا بعالم البرزخ؟ إذا كانت الإجابة نعم ، هل يتذكّرون ذلك العالم عند بعثهم مرّة أُخرى؟ وإذا كانت الإجابة نعم ، ألا يؤثّر ذلك فيهم؟

خالص شكري لكم ، ودمتم للإسلام ولآل البيت مصباحاً تنيرون به طريق الحقّ.

ج : من الممكن أن يكون هؤلاء وغيرهم قد مرّوا بعالم البرزخ ، ورأوا ما وعدهم الله من سوء المنقلب ، ومن العذاب وعاقبة كفرهم ، إلاّ أنّ هؤلاء لم يتذكّروا عالم البرزخ ، ولم يبق شيء في ذاكرتهم ممّا رأوه ، لذا فإنّ النشأة السابقة التي مرّ بها الإنسان لا يمكن تذكّرها ، كنشأة عالم الجنين ، وما مرّ به الجنين من أطوارٍ ومراحل ، هذا حال جميع الخلق الذين يمرّون بنشأة قبل خلقهم ، فهم لا يتذكّرون منها شيئاً ، كما أن الكفّار لا يتذكّرون من عوالمهم البرزخية شيئاً ، ودليل ذلك قوله تعالى : ( قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) (1).

مع أنّهم لبثوا أحقاباً وهم لا يتذكّرون كم لبثوا ، ولو تأمّلنا في حال النائم ، فهو لا يتذكّر كم نامَ ، وفي أيّ نشأةٍ كان ، وبأيّ الأحوال مرّ ، وقس كلّ ذلك حال الكفّار ، وقد مروا بعالم البرزخ.

ومن الممكن أيضاً - وهو الأقرب والأصحّ - أنّ هؤلاء قد محضوا الكفر والنفاق فلا يرجعون عن غيّهم حتى ولو رأوا العذاب ومرّوا به ، وقد قال تعالى : ( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ

ص: 531


1- 1. الكهف : 19.

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) (1).

( ... - ... - ..... )

رواياتها تنصّ على رجعة النبيّ وآله :

س : هل رواية أنّ جزاء الحسين الدنيوي ، هو حكمه الطويل في زمن الرجعة؟ هل تحكم فيه كلّ الأئمّة أم إمام دون آخر؟ وماذا عن رسول الله؟

ج : الرجعة تعدّ واحدة من أُمور الغيب ، واستدلّ الإمامية على صحّة الاعتقاد بالرجعة بالأحاديث الصحيحة المتواترة عن النبيّ وآله المعصومين عليهم السلام - المروية في المصادر المعتبرة - فضلاً عن إجماع الطائفة المحقّة على ثبوت الرجعة ، حتّى أصبحت من ضروريات المذهب.

كما واستدلّ الشيعة على إمكان الرجعة بالآيات القرآنيّة ، الدالّة على رجوع أقوام من الأُمم السابقة إلى الحياة الدنيا ، رغم خروجهم من عالم الأحياء إلى عالم الموتى ، كالذين خرجوا من ديارهم حذر الموت وهم ألوف ، والذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها ، والذين أخذتهم الصاعقة ، وأصحاب الكهف ، وذي القرنين ، وغيرهم.

واستدلّ الشيعة على وقوع الرجعة في المستقبل ، بقوله تعالى : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ) (2) الدال على الحشر الخاصّ قبل يوم القيامة.

ومن حصيلة مجموع الروايات الواردة في الرجعة نلاحظ : أنّها تنصّ على رجعة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأمير المؤمنين عليه السلام ، والإمام الحسين عليه السلام ، وكذلك باقي الأئمّة والأنبياء عليهم السلام ، وتنصّ كذلك على رجعة عدد من أنصار الإمام المهديّ عليه السلام ، وبعض أصحاب الأئمّة ، ومن جانب آخر تنصّ على رجعة الظالمين ،

ص: 532


1- 1. الأنعام : 27 - 28.
2- 2. النمل : 83.

وأعداء الله ورسوله وأهل بيته عليهم السلام.

قال السيّد عبد الله شبر : ( يجب الإيمان بأصل الرجعة إجمالاً ، وأن بعض المؤمنين وبعض الكفّار يرجعون إلى الدنيا ، وإيكال تفاصيلها إليهم عليهم السلام ، والأحاديث في رجعة أمير المؤمنين والحسين عليهما السلام متواترة معنى ، وفي باقي الأئمّة قريبة من التواتر ، وكيفية رجوعهم ، هل هو على الترتيب أو غيره؟ فكلّ علمه إلى الله سبحانه وإلى أوليائه ).

( أبو أحمد البحرانيّ - البحرين - 31 سنة - طالب علم )

كيفية حكم الأئمّة بعدها :

س : هلاّ بيّنتم لنا عن كيفية حكم الأئمّة عليهم السلام بعد الرجعة؟ فهل تكون على سبيل المثال الحاكمية للإمام الحسين عليه السلام حين يرجع؟ أم تكون للمهدي المنتظر عليه السلام؟ خصوصاً بعد دلالة الروايات على أنّه أوّل من يرجع من الأئمّة عليهم السلام.

وهل أنّ البشرية بعد حاكمية دولة الحقّ تنقى من شوائب الإجرام إلى قيام الساعة؟ أم أنّ بعض الناس ينقلبون على الحقّ ويتّبعون الباطل؟

ج : من خلال مراجعة بعض الروايات يتّضح أنّ أوّل من يحكم هو الإمام المنتظر عليه السلام ، ثمّ بعد ذلك الإمام الحسين عليه السلام ، فعن الإمام الصادق عليه السلام حينما سئل عن الرجعة أحقّ هي؟ قال : ( نعم ) ، فقيل له : من أوّل من يخرج؟ قال : ( الحسين عليه السلام يخرج عن أثر القائم ) ، قلت : ومعه الناس كلّهم؟ قال : ( لا ، بل كما ذكر الله في كتابه : ( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ) (1) قوم بعد قوم ، ويقبل الحسين عليه السلام في أصحابه الذين قُتلوا معه ، ومعه سبعون نبيّاً ، كما بعثوا مع موسى بن عمران عليه السلام ، فيدفع إليه القائم الخاتم ، فيكون الحسين عليه السلام هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ، ويواريه في حفرته ) (2).

ص: 533


1- 1. النبأ : 18.
2- 2. مختصر بصائر الدرجات : 48.

ثمّ إنّ بعض الروايات تشير إلى أنّ النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله يقتل إبليس ، فيكون بقتله هلاك جميع أشياعه ، فعند ذلك يعبد الله تعالى ولا يشرك به شيئاً ، أمّا قبل ذلك في زمن الإمام المهديّ عليه السلام فالخلق سوف لا يكونون معصومين ، وليس جميعهم عدولاً ، لكن الإمام يحكم بينهم بالعدل ، ويأخذ للمظلوم حقّه من الظالم.

ص: 534

رزية يوم الخميس :

اشارة

( محمّد - قطر - .... )

لم يكتب النبيّ بعدها كتاباً :

س : نشكر لكم هذه الجهود لنشر معالم أهل البيت عليهم السلام ، ووفّقكم الله لكلّ خير.

سؤالي هو عن رزية يوم الخميس ، الكلّ يعلم بأنّ الرزية حدثت يوم الخميس ، والنبيّ صلى الله عليه وآله حسب علميّ توفّى يوم الاثنين ، فلماذا لم يكتب النبيّ صلى الله عليه وآله وصيّته في هذه المدّة؟ ولكم منّي كلّ شكر وامتنان على ما تقدّموه.

ج : إنّما عدل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الكتابة ، لأنّ كلمة عمر بن الخطّاب : ( إنّ الرجل ليهجر ، أو ليهذي ، أو قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله ) ، واتفاق كلمة أكثر الحاضرين على ما قاله عمر - هذه الكلمة التي فاجأت النبيّ صلى الله عليه وآله - اضطرّته إلى العدول عن الكتابة ، إذ لم يبق بعدها أثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة والاختلاف من بعده ، في أنّه هل هجر فيما كتبه - والعياذ بالله - أو لم يهجر ، كما اختلفوا في ذلك وأكثروا اللغو واللغط نصب عينيّه ، فلم يتسنّ له يومئذ أكثر من قوله لهم : ( قوموا عنّي ) (1).

ص: 535


1- 1. مسند أحمد 1 / 325 ، صحيح البخاريّ 1 / 37 و 8 / 161 ، السنن الكبرى للنسائيّ 4 / 36 ، شرح نهج البلاغة 12 / 87 ، الإحكام في أُصول الأحكام لابن حزم 7 / 984 ، الطبقات الكبرى 2 / 244 ، البداية والنهاية 5 / 271 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2 / 192 ، السيرة النبويّة لابن كثير 4 / 499.

ولو أصرّ فكتب الكتاب للجّوا في قولهم هجر ، ولأوغل أشياعهم في إثبات هجره - والعياذ بالله - فسطّروا به أساطيرهم ، وملأوا طواميرهم ردّاً على ذلك الكتاب ، وعلى من يحتجّ به.

لهذا اقتضت حكمته البالغة أن يضرب صلى الله عليه وآله عن ذلك الكتاب صفحاً ، لئلا يفتح هؤلاء المعارضون وأولياؤهم باباً إلى الطعن في النبوّة - نعوذ بالله وبه نستجير - وقد رأى صلى الله عليه وآله أنّ عليّاً وأولياءه خاضعون لمضمون ذلك الكتاب - سواء عليهم كتب أم لم يكتب - وغيرهم لا يعمل به ، ولا يعتبره حتّى لو كتب ، فالحكمة - والحال هذه - توجب تركه ، إذ لا أثر له بعد تلك المعارضة سوى الفتنة ، كما لا يخفى.

( أبو الزين - الأردن - .... )

قول بعضهم للإمام السجّاد : أنّه ليهجر :

س : بعد السلام والتحية أحتجّ الأخوة الأشاعرة بما يشابه حديث الرزية عندهم ، في ختام نشرة وزّعوها حول موضوع الرزية ، قال الكاتب : ملاحظة هذه رواية روتها كتب الشيعة الإمامية في حقّ أحد الأئمّة ، وهو معصوم عندهم ، لا فرق بينه وبين النبيّ إلاّ بالإيحاء :

قال ابن طاووس شرف العترة وركن الإسلام في كتابه فرج المهموم : ( ومن ذلك في دلائل علي بن الحسين عليهما السلام ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر بن رستم ، قال : حضر علي بن الحسين الموت ، فقال لولده : ( يا محمّد أيّ ليلة هذه )؟ ... ثمّ دعا بوضوء فجيء به ، فقال : ( إنّ فيه فارة ) ، فقال بعض القوم : أنّه ليهجر ، فجاءوا بالمصباح ... ) (1).

ج : يلاحظ أوّلاً : أنّ الحديث المذكور مع اشتماله على هذه الصيغة - ليهجر-

ص: 536


1- 1. فرج المهموم : 228.

قد ورد فقط في كتاب فرج المهموم بسند غير واضح ، وعليه فلا دليل على اعتباره مطلقاً.

وثانياً : جاء هذا الحديث بدون ذكر هذه العبارة في مصادر حديثية أُخرى : كمختصر بصائر الدرجات (1) ، وبصائر الدرجات (2) ، والكافي (3) ، ومناقب آل أبي طالب (4) ، وكشف الغمّة (5).

ومنه يظهر : أنّ النقل المذكور في السؤال حتّى لو كان معتبراً - فرضاً - كان متعارضاً مع نقل باقي المصادر التي ذكرناها ، فتكون مرجوحة بالنسبة إليها.

وثالثاً : أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا يعيشون حالة التقيّة والتستّر من الأعداء ، وهذا يعني أنّهم كانوا يحاطون بمجموعة من الأشخاص الذين لهم صلة بالجهات الحكومية آنذاك ، أو على الأقلّ لا يعترفون بإمامتهم ، وهذا يظهر من حياتهم وسيرتهم بأدنى تأمّل ، إذ يوجد هناك من كان راوياً عن الإمام عليه السلام ، ولم يعتقد به كإمام.

وعلى هذا ، فصدور كلمة أو اتخاذ موقف لدى بعض الناس لا يدلّ على تشيّعه ، بل وفي عبارة الرواية المذكورة ما يوحي خلاف ذلك ، إذ جاء فيها : ( فقال بعض القوم ) ، والتعبير بالقوم يستعمل عادةً في أحاديثنا للإشارة إلى أهل السنّة ، كما هو الحال بالنسبة للتعبير بالناس.

وعليه ، فالخطّ المعادي للحقّ قال للنبي صلى الله عليه وآله : إنّه ليهجر ، واستمر هذا الخطّ المعادي إلى أن وصل إلى زمن الإمام السجّاد عليه السلام ، وقال : إنّه ليهجر ، ولو تتبعنا في التاريخ ربما وجدنا أنّ هذه الكلمة تكرّرت لسائر أهل البيت عليهم السلام.

ص: 537


1- 1. مختصر بصائر الدرجات : 7.
2- 2. بصائر الدرجات : 503.
3- 3. الكافي 1 / 468.
4- 4. مناقب آل أبي طالب 3 / 283.
5- 5. كشف الغمّة 2 / 322.

( عبد العليم - أندونيسيا - 38 سنة - طالب جامعة )

سبب امتناع النبيّ من الكتابة :

س : سؤالي هو : لماذا عندما أمر الله تعالى النبيّ بكتابة كتاب للقوم في رزية الخميس ، وعندها تجرّأ عمر ومنع النبيّ من كتابة ذلك الكتاب ، فهل كان امتناع النبيّ من الكتابة بأمر من الله؟ أم منه ، مع رضا الله بذلك؟ وإذا كان منه تعالى ، فهل كان بداءً؟ أو كان غير ذلك ، يعني هل كان عمر سبباً في منع الكتابة؟ والحال الآية القرآنيّة تشير إلى أنّ الله يعصمك من الناس؟؟

وشكراً لجهودكم الطيّبة.

ج : إنّ الأوامر والنواهي الواردة على النبيّ صلى الله عليه وآله قد تكون مطلقة - أي لا تتقيّد بحالة دون حالة - وقد ترد بصورة التعليق - أي أنّها مقيّدة بقيود - ولكلّ من القسمين شواهد في سيرته وحياته صلى الله عليه وآله.

وفي المقام ، كانت كتابة النبيّ صلى الله عليه وآله مشروطة ومقيّدة بتمكين الكلّ ، وعدم إظهار الخلاف عنده صلى الله عليه وآله ، وبما أنّه لم تحصل هذه الجهة انتفت الكتابة من الأساس.

ولو أمعنّا النظر في المسألة ، لوجدنا أنّ الكتابة في ذلك الظرف الحسّاس - وبدون رضوخ القوم لها - كانت تؤدّي إلى انشقاق وتشتّت الأُمّة ، مضافاً لفقدها قائدها ؛ فنظراً لهذه المصلحة الهامّة غضّ النبيّ صلى الله عليه وآله طرفه ، ورفع يده عن الكتابة ، اعتماداً على إبلاغ ووصول الوصية المذكورة بمرّات وكرّات في طول عهد البعثة النبويّة ، وخشيةً منه صلى الله عليه وآله على وحدة الأُمّة.

نعم ، لو كانت تكتب تلك الوصية ، كان أمر الإمامة والخلافة أكثر وضوحاً عند عامّة الناس ، ولكن في نفس الوقت ، بما أنّ عمر خالف النبيّ صلى الله عليه وآله جهراً ، وأيّدته عصابته في ذلك ، رأى النبيّ صلى الله عليه وآله أنّ كتابة الوصية آنذاك أصبحت مرجوحة ، فأعرض عنها.

ص: 538

وبالجملة : فمنع عمر كان سبباً سلبيّاً في الموضوع بدون شكّ.

وأمّا الآية الشريفة ، فتشير إلى قضية الإبلاغ في غدير خم ، إذ كان الأمر هناك مطلقاً ، وبدون تعليق على شرط أو قيد ؛ وحتّى أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان يخشى من ارتداد الناس ، وعدم قبولهم للحقّ ، فجاء الوحي لدفع هذا الاحتمال ، فكان الأمر كما أراده الله تعالى.

فظهر ممّا ذكرنا : أنّ موضوع الإبلاغ في الغدير يختلف عن موضوع كتابة الوصية ، باختلاف نوعية الأمر النازل على النبيّ صلى الله عليه وآله.

( حسين الثابت - السعودية - 40 سنة - خرّيج ثانوية )

موقف المسلمين من مقولة عمر :

س : كيف سكت المسلمون عندما سمعوا من عمر كلمة يهجر؟ هل هؤلاء لم يكونوا مسلمين؟ أم إسلامهم بالقول فقط؟ وإذا كانوا بهذا المستوى ، من الذي بنى أمجاد الإسلام؟ أليس هم هؤلاء المسلمين؟ وكيف رضخوا بالأمر الواقع؟ هل خوفاً من عمر؟ أم أنّ في الأمر سرّاً؟ خصوصاً إذا علمنا أنّ الإسلام انتصر بالسيف ، ووصل إلى جميع بقاع الدنيا - كما نقرأ في التاريخ - وهناك أحداث سياسية مضطربة في عهد الرسول صلى الله عليه وآله ، كيف نوفّق بين هذا وهذا؟

هل لا يوجد تناقض بين الأمرين؟ خصوصاً أنّ المسلمين دائماً ما يفتخرون بإنجازاتهم وبطولاتهم التي ملأت الخافقين ، نرجو الإيضاح ، وكيف قبل المسلمون خلافة أبي بكر؟ رغم أنّه غير موصى به من قبل الرسول صلى الله عليه وآله ، هل المسلمون قبلوا ذلك رغماً عنهم؟ أم أنّ ذلك مؤامرة منهم؟ وأين الأغلبية منهم؟ والأبطال الذين مدحهم الرسول في حياته صلى الله عليه وآله؟

ج : لم يثبت لدينا أنّ المسلمين بأجمعهم قد سمعوا كلمة عمر ، بل سمعها الحاضرون عند النبيّ صلى الله عليه وآله ، ثمّ نقل هذا الخبر والحادث بواسطة هؤلاء إلى الآخرين ، فوصل إلينا.

وبما أنّ الرسول صلى الله عليه وآله قد نهاهم من التشاجر والخلاف عنده ، حصل نوع من

ص: 539

الغفلة والتناسي عند القوم بالنسبة لمقولة عمر ، فاستغلّ أصحاب السقيفة هذه الفجوة ، واشتغال الناس بمأساة النبيّ صلى الله عليه وآله فحدث ما حدث.

وعليه ، فالنتيجة حصلت لهم بفضل التعتيم الإعلامي المذكور ، وإلاّ فالخطّ العامّ من المسلمين كان لا يصبر على هذه الجسارة الصادرة من عمر إن سمعها.

ثمّ ذكرت الأمجاد ، فإنّ كان المراد منها الفتوحات التي كان بعضها باستشارة أمير المؤمنين عليه السلام فلا كلام في شرعيّتها ، ومدى تأثيرها في توسيع رقعة الإسلام ، مع نشر فكره وثقافته.

وأمّا أكثر هذه الحروب والفتوحات لم تكن في مصلحة الدين بقدر ما كان الداعي إليها توسيع دائرة الحكم ، فترى أحياناً أنّها كانت مثيرة للضغائن عند بعض الأُمم والقوميات ، ممّا كان ينعكس سلبيّاً على معاملتهم مع أصل الدين.

وصفوة القول : أنّنا لا نسلّم بأنّ مطلق الفتوحات بعد النبيّ صلى الله عليه وآله تحسب من الأمجاد ، بل الأمر قابل للنقاش في الموارد المختلفة.

فخلافة الثلاثة الأُول جاءت نتيجةً لمؤامرة مدبّرة من قبل البعض ، خلافاً للنصوص الواردة في الموضوع ، ورغماً عن رأي الأقلّية المحقّة ، فاستغلّوا غفلة الأغلبية وعدم تجاوبهم مع الحقّ ، فجاءوا بالباطل بدلاً عن الحقّ.

ويمكنك مراجعة الأسئلة المتعلّقة بالإمامة فإن فيها أجوبة أكثر تفصيلاً.

ص: 540

زواج المسيار :

اشارة

( رندا - فلسطين - سنّية - 23 سنة )

شروطه وحكمه :

س : ما هو زواج المسيار؟ وما هي شروطه؟ وما حكمه شرعاً؟ وكيف يكون؟

ج : إنّ زواج المسيار الذي شاع مؤخّراً عند بعض الناس هو : أن يشترط الزوجان في متن العقد على إسقاط نفقة الزوجة ، والمبيت عندها ، وغير ذلك من حقوقها ، مقابل تمتّع أحدهما بالآخر ، ثمّ يطلّق الزوج زوجته متى شاءا.

ودافع هذا كما هو معلوم ، الاستجابة إلى الحاجة الجنسية لكلا الزوجين ، دون قيود وشروط تسبّب مشكلةً في الاقتران بينهما.

ولكن المسلمين لا حاجة لهم بزواج المسيار بعد أن أباح الله زواج المتعة ، إذ إنّ الإسلام أخذ بالاعتبار أهمّية إشباع الحاجة الجنسية لدى الجنسين ، وأكّد على تهذيبها وتوجيهها بطريقة تضمن لكلا الطرفين حقوقهما الجنسية ورغبتهما ، وقد أكّد القرآن الكريم هذا الزواج المعروف بالمتعة ، بقوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (1) ، فكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله يمارسون هذا الزواج المؤقّت - المعروف بالمتعة - متى ما احتاج أحدهم إلى ذلك.

ص: 541


1- 1. النساء : 24.

أخرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال : كنّا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله ليس لنا نساء ، فقلنا : يا رسول الله ألا نستخصي؟ فنهانا ، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثمّ قرأ علينا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (1).

وزواج المتعة أو الزواج المؤقّت هو : أن يتّفق الزوجان على الزواج ، ويحدّدان مدّة معلومة ، ومهرٍ معلوم - تماماً كما هو الزواج الدائم - إلاّ أنّ له مدّة محدودة ، هذا هو الزواج المؤقّت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثمّ أُلغي وبقي عليه الشيعة وبعض السنّة (2) يبيحونه.

( ... - ... - ..... )

الفرق بينه وبين المتعة :

س : ما هو الفرق بين زواج المسيار وزواج المتعة؟ هل الفارق على مستوى الاسم والاصطلاح؟ أم هناك اختلافاً جوهرياً؟

ج : إنّ زواج المسيار هو : أن يشترط الزوجان في متن العقد على إسقاط نفقة الزوجة ، والمبيت عندها ، وغير ذلك من حقوقها ، مقابل تمتّع أحدهما بالآخر ، ثمّ يطلّق الزوج زوجته متى شاء.

وهذا الزواج كما تعلم اتفاق بين الزوجين بإسقاط الحقوق إشباعاً للحاجة الجنسية بينهما ، وهي طريقة مستجدّة ، وممّا يُؤسف عليه أنّ هؤلاء الذين لجئوا إلى هذه الطريقة من الزواج لم يريدوا - عن عمدٍ أو عن جهل - أن يذعنوا إلى حكم شرعيّ شرّعه الله تعالى في كتابه - كما شرّع الزواج الدائم - وهو نكاح المتعة.

فكما أنّ المجتمع يخشى إفلات أبنائه بسبب الدوافع الجنسية غير المهذّبة ،

ص: 542


1- 1. المائدة : 87 ، صحيح مسلم 4 / 130.
2- 2. كابن جريج المكّيّ.

شرّع الله تعالى - وهو العالم بما يحتاجه خلقه - زواج المتعة تلافياً لأيّ عملٍ يوقع الإنسان في معصيته ، بعد أن يكون غرضاً للتجاذبات الجنسية.

وزواج المتعة هو : عقد بين الزوجين على مهرٍ معلوم ، وبأجلٍ معلوم ، فإذا انتهى الأجل انتهى الزواج ، دون الحاجة إلى طلاق ، وليس بين الزوجين توارث - أي لا يرث أحدهما الآخر ، إن مات أحدهما في مدّة العقد - وعلى الزوجة أن تعتدّ. ويراجع في ذلك الى الكتب الفقهية.

وبهذا استطاع الإسلام من أوّل بزوغه ، أن يعالج المشكلة الجنسية بحكمةٍ بالغة ، ولم يُنسخ حكمها أبداً ، بل اجتهد رجل برأيه فحرّم ذلك ، وبقي البعض على تشريع رسول الله صلى الله عليه وآله ، واتبع الآخرون تحريم من اجتهد بالتحريم.

فزواج المتعة زواج قائم بذاته ، له خصوصيّاته ، وللزوجة مهرها ، وعليها عدّتها ، في حين زواج المسيار هو زواج دائم ، بإسقاط حقوق الزوجة ، أو حقوق الزوجين كلاهما.

( ... - .... - .... )

حكمه عند الإمامية :

س : ما هو حكم زواج المسيار على مباني الإمامية ، وفتاواهم؟

ج : إنّ زواج المسيار - على ما ينقل من ذوي الخبرة - هو زواج يعتبر فيه العقد - من الإيجاب والقبول - وثبوت المهر ، ويختلف عن الزواج العادي ، بتنازل الزوجة عن حقّ المبيت ، والنفقة والإرث ، أو حتّى عن مراعاة العدل بينها ، وبين الزوجات الأُخرى - إن وجدت -.

وهذا الزواج بحسب الموازين الشرعيّة يعتبر زواجاً دائماً مع شروط.

ولكنّ الذي ينبغي أن يقال : إنّ هناك - في موضوع الزواج - حقوقاً وأحكاماً ، فما كان من الحقوق فهو قابل للتنازل ، أو المصالحة متى ما وجد - كحقّ المبيت أو النفقة - وأمّا ما كان من الأحكام - كالإرث - فلا سبيل لإسقاطه ،

ص: 543

أو التنازل عنه ، لأنّه حكم شرعيّ ثابت لكلّ زواج دائم ، فلا أثر لإلغائه في المقام.

وبالجملة : ففي هذا الزواج - المتداول عند البعض - توجد شروط غير صحيحة من الأصل - كاشتراط عدم التوريث - وشروط جائزة ، ولكن مع صياغتها بصورة صحيحة.

وعلى كلّ حال ، وحتّى في صورة بطلان الشرط - من الأساس أو من جهة شكلية صياغتها - فلا يضرّ بأصل الزواج ، لأنّ الشرط الفاسد ليس مفسداً ومبطلاً للعقد ، فيبقى الزواج المذكور زواجاً دائماً شرعيّاً ، مع غضّ النظر عن الشروط.

وأخيراً : فإنّ الحلّ الصحيح في الموضوع ، هو زواج المتعة - الذي هو عقد شرعيّ - وإن أنكرها البعض دعماً لمذهبهم ، ومخالفةً منهم للحقّ الصريح ، ففيه ما يطلبه البعض من الاشتراطات المذكورة في زواج المسيار بدون ورود النقوض عليه ، من اشتراط عدم التوريث وغيرها.

فعلى المسلمين أن يعملوا بما شرّع لهم ، حتّى لا يقعوا في مأزق ، يجعلهم يبحثون عن قوانين وأحكام غير صحيحة ، أو غير متّفقة.

وتتميماً للفائدة نذكر لكم بعض فتاوى علماء الطائفة حول زواج المسيار :

ظهر في الآونة الأخيرة في دول الخليج - خصوصاً في السعودية - ما يسمّى بزواج المسيار أو زواج النهاريات ، وصورته : أن يتزوّج الرجل المرأة بإيجاب وقبول ، مع الالتزام بالشروط الشرعيّة ، من عقد وشاهد ، لكنّه يتميّز عن الزواج العادي ، بأنّ الزوجة فيه تتنازل عن حقّها في أن ينام زوجها عندها ، وتتنازل عن حقّها بالعدل بينها وبين الزوجة الأُولى ، وعن النفقة والإرث ، وهذا إنّ الزوج لا يخبر زوجته الأُولى بأنّه متزوّج من ثانية.

جواب مكتب سماحة السيّد السيستانيّ : ( لا مانع منه ، لكن لا أثر للتنازل عن الإرث فعلاً ، نعم يجوز اشتراط أن تعرض عن سهمها في وقته لصالح الورثة

ص: 544

أو تهبه لهم ، فيجب عليها ذلك تكليفاً ).

وأجاب سماحة الشيخ جواد التبريزي بقوله : ( تنازل الزوجة ( المسيار ) عن حقّها في النفقة ، والقسم ( المبيت ) لابأس به ، وأمّا تنازلها عن حقّها في الإرث فلا يصحّ ، نعم إذا مات زوجها لها أن لا تطالب الورثة الباقين بحصّتها وتتركها لهم ، ولا يجب عليها إخبار الورثة بترك حصّتها لهم وإعراضها عنها ، والله العالم ).

( العامليّ - الكويت - 28 سنة )

أحد مصاديق الزواج الدائم :

س : لا يوجد دليل شرعيّ على زواج المسيار ، بل هو من اختراع البعض من شرذمة من يدّعي الإسلام ، فأين الراوية أو الآية على جوازه؟

ج : لا تطلق الأحكام الشرعيّة هكذا جزافاً ، فإنّ لاستنباط الحكم الشرعيّ سواء كان تكليفيّ أو وضعيّ قواعد وأُصول خاصّة يتبعها الفقيه ، لكي يفتي بجواز أو صحّة أو بطلان فعل أو سلوك أو تصرّف معيّن.

فأوّلاً ؛ أودّ أن أوضّح لك أنّ مصطلح الزواج المسيار مصطلح جديد ، لم يكن موجوداً في زمن التشريع ، وإنّما تعورف واتفق عليه عرف الناس في الوقت الحاضر ، بأنّه يدلّ على عقد زواج دائم بشروط معيّنة.

ومن هذا يتّضح لك أنّ الزواج المسيار هو في الأساس على حقيقته زواج دائم اشترط في عقده شروط معيّنة ، أي لو أنّ رجلاً وامرأة عاشا في قرون المسلمين السابقة ، وتعاقدا على مثل هذا العقد المسمّى الآن بالزواج المسيار ، فمن الواضح أنّ في زمانهما لم يكن يطلق عليه مثل هذه التسمية ، ولكن مع ذلك لا يخلو أمره من حكم شرعيّ ، ومنه تعرف أنّه لا مجال للاعتراض على مثل هذا الزواج بالقول أنّه لا رواية فيه أو آية ، وإنّما يجب أن يعرف حكمه بالرجوع إلى الأدلّة والقواعد الفقهيّة.

ص: 545

فنقول : كما عرفت فإنّ هذا الزواج المصطلح عليه الآن بالزواج المسيار هو أحد مصاديق الزواج الدائم ، والزواج الدائم بإجماله جائز قطعاً لا يختلف فيه أحد من المسلمين ، ولكن عقد الزواج الدائم فيه شروط مذكورة في كتب الفقه ، ثمّ أنّه كغيره من العقود يمكن الاتفاق فيه بين الطرفين على شروط من خارجه.

فجاء الكلام في الشروط التي تنافي مقتضى العقد بين الفقهاء ، كشرط عدم الإرث ، أو عدم النفقة ، أو عدم السفر بها ، أو عدم التسرّي وغير ذلك ، فمن قائل بالجواز ، ومن قائل ببطلان أصل العقد ، ومن قائل بصحّة العقد ولغو الشرط ، وهذا الاختلاف مأخوذ من مجمل أقوال علماء المذاهب الإسلاميّة الخمسة.

وعليه ، فإنّ الحكم في الزواج المسيار يعود في الحقيقة إلى المختار في القول بالشرط المخالف لمقتضى العقد ، إذ ليس هو نوع مستقلّ من أنواع الزواج ، حتّى يحتاج إلى دليل خاصّ به ، كما في زواج المتعة مثلاً.

وعليه ، فنحن يجب أن نناقش من جوّزه أو حرّمه ، أو قال بأنّ الشرط لاغ في مبناه الفقهيّ في مسألة الشرط المخالف لمقتضى العقد.

ولكن لي كلمة أخيرة وهي : أنّ سبب اللجوء إلى مثل هكذا زواج بهذه الشروط ؛ هو نتيجة لتضييق شرع الله عندما حرّم عمر المتعة على المسلمين ، فألجأتهم الحاجة إلى اختراع مثل هكذا زواج.

وأخيراً : أنّه يمكن أن يكون بعض من يحرّم الزواج المسيار الآن - خاصّة من الفرقة الوهابيّة - يستند في فتواه وحكمه إلى الاستحسان وسدّ الذرائع وما إلى ذلك ، وهو نفس الدافع الذي دفع عمر إلى تحريم المتعة ، ألا وهو رأي أرتآه!! مخالفاً لما شرّع من قبل الله ، وجاء به الرسول صلى الله عليه وآله.

ص: 546

زيارة القبور :

اشارة

( أبو منتظر - السعودية - سنّي )

زيارة الشيعة لها :

س : إخواني الكرام ، أشكركم على تعاونكم معنا ، والله أنا أميل إلى الشيعة أكثر من السنّة ، لأنّ السنّة : معتقداتهم وهمية ، يمكن أن تناقشها على أيّ واحد بأسئلة ليست فكرية إلى حدّ ما ، وهو لا يجد كلام يقوله ، لذا نشكركم على حسن متابعتكم لنا ، وجزاكم الله خيراً ، ودمتم لنا ذخراً وشرفاً لنا إن شاء الله.

ولكن عندي استفسار : هناك بعض الشيعة يدخلون المشاهد التي يدخلها الملايين من البشر ، ومع ذلك فهناك بعض كأنّه يعبد القبر عبادة عمياء ، لا يدري أنّه بشر مثلنا ، وهو يقول مثلاً : اشفع لنا يوم القيامة ، ألا تعتبر أن هذا شرك بالله ، والله هو الوحيد الذي يغفر ذنوب الأنس والجنّ ، ولكن أنا أدعو الناس إلى زيارة القبور ، لأنّها توعّي الإنسان ، ولكن لا أن توصل إلى عبادة القبر ، فما هو دليلكم على هذا السؤال؟

ج : نسأل الله تعالى لكم التوفيق في التعرّف على مذهب أهل البيت عليهم السلام أكثر فأكثر ، والتعمّق فيه ومعرفة مبانيه وأدلّته ، ليكون اختياركم لمذهب أهل البيت عليهم السلام عن دليل وقناعة كافية.

وأمّا بالنسبة إلى ما ذكرت ، فإنّه لا يوجد شيعيّ واحد يعبد القبور ، وإنّما هي زيارة وتبرّك وعبادة لله تعالى في أماكن يستجاب فيها الدعاء ، لأنّها أماكن تضمّ قبور الأنبياء والأئمّة والصالحين ، وإن كان مرادك أنّ مطلق

ص: 547

التبرّك هو عبادة للقبر ، فنجيبك بما يلي :

أنّه لم نجد قولاً بالحرمة لأحد من أعلام المذاهب الأربعة ، ممّن لهم ولآرائهم قيمة في المجتمع ، وإنّما القائل بالنهي عنه من أُولئك يراه تنزيهاً لا تحريماً ، ويقول بالكراهة ، مستنداً إلى زعم أنّ الدنوّ من القبر الشريف يخالف حسن الأدب ، ويحسب أنّ البعد منه أليق به ، وليس من شأن الفقيه أن يفتي في دين الله بمثل هذه الاعتبارات ، التي لا تبنى على أساس ، وتختلف باختلاف الأنظار والآراء.

نعم ، هناك أُناس شذّت عن شرعة الحقّ وحكموا بالحرمة ، قولاً بلا دليل ، وتحكّماً بلا برهان ، ورأياً بلا بيّنة ، وهم معروفون في الملأ بالشذوذ ، لا يعبأ بهم وبآرائهم.

وأمّا بالنسبة إلى طلب الحوائج منهم عليهم السلام ، فإنّما هي في الحقيقة أنّ الشيعة تطلب الحوائج من الله تعالى ليقضيها لهم بحقّ صاحب القبر ومنزلته من الله ، أو طلب الحاجة من صاحب القبر ليطلبها هو من الله تعالى ، فإنّ عقيدتنا أنّ النبيّ والأئمّة عليهم السلام كما كانوا يدعون لشيعتهم في حياتهم ويحيطون بهم علماً ، فكذلك بعد وفاتهم.

( جاسم محمّد غلوم بدر - البحرين - 24 سنة - دبلوم )

الضرب على القبور بالحجر :

س : لماذا يضربون على القبر بالحجر؟ وبعض الأحيان باليد ، قبل قراءة الفاتحة ، أو قراءة الزيارة؟ وهل لهذا الفعل استحباب أو أنّه بدعة؟ وإذا كان العمل مستحبّ ، أرجو ذكر الدليل.

ج : قد ورد استحباب وضع اليد على القبر وقراءة سورة ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) سبع مرّات ، فإنّ الميت يرى بعد ذلك الزائر لقبره ببركة قراءة هذه السورة ، وهذا كثيراً ما يعمله الناس.

ص: 548

أمّا ضرب القبر بالحجر أو باليد ، فلعلّها عادة بعضهم عند زيارة قبور موتاهم ، ظنّاً منهم أنّ ذلك أبلغ في وصول ما يهديه من الفاتحة ، ولم يرد في هذا المجال شيء من الروايات أو السيرة.

( ... - ... - ..... )

كيف تعادل كذا حجّة وعمرة :

س : أحياناً يقال : أنّ زيارة المعصوم تعادل كذا حجّة وعمرة ، أُريد أن أعرف هل هذا موجود في الروايات؟

ج : من الأُمور المتعارف عليها أن يقاس بعض الأشياء بأشياء أُخرى ، إذا كان الشيء الثاني معلوماً ، فمثلاً يقاس قبح الغيبة بالزنا ، لأنّ قبح الزنا معلوم لكلّ مسلم ، بل لكلّ موحّد ، بل لكلّ عاقل ، ومعلومية الأشياء تختلف باختلاف الثقافات والأشياء ، والأعصار والأمصار كما هو واضح.

ففضيلة الحجّ والعمرة معلومة لكلّ مسلم من خلال مصدر التشريع الإسلاميّ - من الآيات القرآنيّة والسنّة الشريفة - فكان الحجّ مقياساً للفضيلة والثواب ، كما أنّ الشهيد يُعدّ من المقاييس في بيان الفضائل والأجر والثواب.

ومن هذا المنطلق ، نجد الروايات التي تخبر عن مقام الزائر للعتبات المقدّسة ، وزيارة الأئمّة الأطهار عليهم السلام لأجل بيان الثواب والأجر العظيم يقاس بالحجّ والعمرة ، والروايات في مقام العدد مختلفة ، فمثلاً في زيارة الإمام الرضا عليه السلام ورد أنّها يكتب للزائر سبع حجج ، وفي بعضها سبعين ، وفي آخر مائة حجّة ، ومائة عمرة مقبولة ، وفي آخر مائة ألف حجّة مقبولة ، هذه الدرجات والأعداد إنّما هي باعتبار ما يحمل الزائر من المعرفة بإمامه المزور ، فمن الزائرين والزائرات ما يعطى لهم ثواب سبع حجج ، ومنهم ما يعطى لهم ثواب مائة ألف حجّة ، وهذا من الأمر الطبيعي والوجدانيّ والعقلي ، فلو كان العطاء واحداً والناس يختلفون في علمهم ومعرفتهم وثقافتهم لكان خلافاً للعدل ، بل من العدالة أن يعطى كلّ

ص: 549

واحد بما يستحقّه ، فإنّ العدل بمعنى وضع الشيء في موضعه.

وأمّا الروايات التي فيها أجر الزائر قياساً بالحجّ ، فإليك جملة منها :

1 - عن محمّد بن سليمان قال : سألت أبا جعفر محمّد بن علي الرضا عليهما السلام عن رجل حجّ حجّة الإسلام ، فدخل متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ ، فأعانه الله تعالى على حجّه وعمرته ، ثمّ أتى المدينة فسلّم على النبيّ صلى الله عليه وآله ، ثمّ أتى أباك أمير المؤمنين عليه السلام عارفاً بحقّه ، يعلم أنّه حجّة الله على خلقه ، وبابه الذي يؤتى منه ، فسلّم عليه ، ثمّ أتى أبا عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام فسلّم عليه ، ثمّ أتى بغداد فسلّم على أبي الحسن موسى عليه السلام ، ثمّ انصرف إلى بلاده.

فلمّا كان في هذا الوقت رزقه الله تعالى ما يحجّ به ، فأيّهما أفضل؟ هذا الذي حجّ حجّة الإسلام يرجع أيضاً فيحجّ ، أو يخرج إلى خراسان إلى أبيك علي بن موسى الرضا عليهما السلام فيسلّم عليه؟ قال عليه السلام : ( بل يأتي خراسان فيسلّم على أبي عليه السلام أفضل ، وليكن ذلك في رجب ... ) (1).

2 - عن أبي الصلت الهروي قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : ( والله ما منّا إلاّ مقتول شهيد ) ، فقيل له : فمن يقتلك يا بن رسول الله؟

قال : ( شرّ خلق الله في زماني يقتلني بالسمّ ، ثمّ يدفنني في دار مضيعة وبلاد غربة ، ألا فمن زارني في غربتي كتب الله عزّ وجلّ له أجر مائة ألف شهيد ، ومائة ألف صدّيق ، ومائة ألف حاج ومعتمر ، ومائة ألف مجاهد ، وحشر في زمرتنا ، وجعل في الدرجات العلى من الجنّة رفيقنا ) (2).

3 - عن أحمد البزنطي قال : قرأت كتاب أبي الحسن الرضا عليه السلام : ( أبلغ شيعتي أنّ زيارتي تعدل عند الله عزّ وجلّ ألف حجّة ).

قال : فقلت لأبي جعفر عليه السلام - الإمام الجواد - : ألف حجّة؟

ص: 550


1- 1. عيون أخبار الرضا 1 / 289.
2- 2. المصدر السابق 1 / 287.

قال عليه السلام : ( أي والله ، وألفا حجّة لمن زاره عارفاً بحقّه ) (1).

4 - عن سليمان بن حفص المروزي قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام يقول : ( من زار قبر ولدي علي كان له عند الله تعالى سبعون حجّة مبرورة ).

قلت : سبعون حجّة؟ قال : ( نعم سبعين ألف حجّة ) ، ثمّ قال : ( ربّ حجّة لا تقبل ، من زاره أو بات عنده ليلة كان كمن زار الله في عرشه ... ) (2).

( يعرب البحرانيّ - الإمارات - .... )

كيفية قياسها بالحجّ والعمرة :

س : ورد في كتاب مفاتيح الجنان وضياء الصالحين - على سبيل المثال - : إنّ الزيارة تعادل ستين حجّة ، أو من قرأ الدعاء المذكور ، غفر الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، ما المقصود بذلك؟

ج : إنّ ما ورد في كتاب مفاتيح الجنان من الأجر العظيم ، لبعض الزيارات فهو شيء معقول ، لأنّ قضية الأجر والثواب قضية شرعيّة - أي بيد الشارع تحديد الأجر والثواب - وهذا لا يعني أنّ الزيارة أفضل أو مساوية للحجّ والعمرة أبداً ، ولكن المقصود هو : أنّ الزيارة حيث كانت لغرض مقدّس - الذي هو إحياء أمر الحسين عليه السلام ، وبالتالي إحياء لأمر الإسلام ، وتعظيم لشعائر الله تعالى - فحينئذ يدخل في باب الشعائر التي أهتمّ بها الشارع المقدّس ، وتعبيراً منه لهذا الاهتمام ، يقرّر مثلاً أنّ الزيارة الفلانية تعادل كذا حجّة وعمرة في الثواب والأجر ، وهذا ناظر إلى الحجّ والعمرة المستحبّتين دون الواجبتين.

ونظير هذا ورد حتّى في كتب إخواننا السنّة : حيث ورد في بعض المستحبّات أنّها تعادل حجّة أو مائة حجّة ، مثلاً : الترمذيّ يروي حديث الرسول صلى الله عليه وآله : ( من

ص: 551


1- 1. ثواب الأعمال : 98.
2- 2. عيون أخبار الرضا 1 / 290.

سبّح الله مائة بالغداة ومائة بالعشي ، كان كمن حجّ مائة حجّة ... ) (1) ، فهذا ليس معناه أنّ التسبيح هو أفضل من الحجّ مطلقاً ، وإنّما لبيان عظمة التسبيح وأهمّيته ، وأنّ له ثواب كذا حجّة ، والمقصود هو الحجّات المستحبّة ، مضافاً إلى أنّ التسبيح لا يغني عن الحجّ.

وكذا ما رواه أحمد بن حنبل من حديث الرسول صلى الله عليه وآله : ( من مشى إلى صلاة مكتوبة ، وهو متطهّر ، كان له كأجر الحاج المحرم ... ) (2).

فزيارة الإمام الحسين عليه السلام باعتبارها من المستحبّات الأكيدة ، تدخل ضمن شعائر الله ، ولهذا تعادل بأجر الحجّة أو العمرة المستحبّتان.

( البحرانيّ - البحرين - 20 سنة - طالب حوزة )

الأدلّة على جوازها :

س : ما الدليل على جواز زيارة القبور؟

ج : الأدلّة على جواز زيارة القبور هي :

أوّلاً : الكتاب الكريم ، قال تعالى : ( وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ ) (3).

نهت الآية عن الصلاة والقيام على قبر المنافق ، ومفهومها مطلوبية هذين الأمرين بالنسبة لغيره - أي للمؤمن -.

ثانياً : السنّة النبويّة ، فالنبيّ صلى الله عليه وآله جسّد بعمله مشروعية زيارة القبور - مضافاً إلى أنّه أمر بها - وعلّم كيفيّتها ، وكيف يتكلّم الإنسان مع الموتى ، فقد ورد أنّه صلى الله عليه وآله زار البقيع ، واليك بعض النصوص :

ص: 552


1- 1. الجامع الكبير 5 / 176.
2- 2. مسند أحمد 5 / 268.
3- 3. التوبة : 84.

1 - روى مسلم عن عائشة أنّها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وآله كلّما كان ليلتها منه ، يخرج من آخر الليل إلى البقيع ، فيقول : ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وأتاكم ما توعدون غداً مؤجّلون ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللّهم أغفر لأهل بقيع الغرقد ) (1).

2 - قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( نهيتكم عن ثلاث ، وأنا آمركم بهنّ : نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنّ في زيارتها تذكرة ) (2).

ثالثاً : الفطرة ، فالنفوس السليمة تشتاق إلى زيارة من له بها صلة روحية أو مادّية ، والإسلام دين الفطرة.

رابعاً : سيرة المسلمين ، فإنّها جرت على زيارة قبر النبيّ صلى الله عليه وآله منذ وفاته ، وإلى يومنا هذا.

خامساً : تصريح أكابر الأُمّة الإسلاميّة وفقهائها على زيارة قبر النبيّ صلى الله عليه وآله ، فقد خصّ الإمام السبكيّ الشافعيّ في كتابه ( شفاء السقام في زيارة خير الأنام ) باباً لنقل نصوص العلماء على استحباب زيارة قبر النبيّ صلى الله عليه وآله ، وقد بيّن أنّ الاستحباب أمر مجمع عليه بين المسلمين.

كما نقل العلاّمة الأميني في ( الغدير ) كلمات أعلام المذاهب الأربعة بما يتجاوز الأربعين كلمة حول الزيارة (3).

هذا ، وقد تضافرت الأحاديث عن أهل البيت عليهم السلام حول زيارة قبر النبيّ صلى الله عليه وآله ، منها مثلاً :

1 - قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( من زارني في حياتي وبعد موتي ، فقد زار الله تعالى ... ) (4).

ص: 553


1- 1. صحيح مسلم 3 / 63.
2- 2. سنن أبي داود 2 / 189 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 9 / 292 ، كنز العمال 15 / 648.
3- 3. الغدير 5 / 109.
4- 4. عيون أخبار الرضا 2 / 106.

2 - قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة ) (1).

ثمّ بالإضافة إلى هذه الأدلّة ، هناك آثار تربوية وأخلاقية واجتماعيّة تنطوي عند زيارة القبور ، ومن يشكّك في استحباب زيارة قبر النبيّ صلى الله عليه وآله ، في الواقع يشكّك في الأُمور المسلّمة ، والمتّفق عليها عند المسلمين.

( محمّد - ... - ..... )

لا تنافي لا تتخذوا القبور مساجد :

س : ما هو الردّ - من الكتاب أو السنّة - عند الشيعة على حديث : ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) (2).

وعلى حديث : ( ألا وإن من كان قبلكم ، كانوا يتّخذون قبور أنبيائهم مساجد وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتّخذوا القبور مساجد ، إنّي أنهاكم عن ذلك ) (3).

ما هو الردّ على هذين الحديثين ، ومدى صحّتهما.

ج : إنّ احترام العظماء والصلحاء ، وعلى رأسهم الأنبياء والأولياء ، نشأت عليها جميع الشعوب والأُمم على مدى التاريخ ، فهل من المعقول أن يقابله الدين الحنيف مع ما فيه من تعظيم ، وتركيز للأُسس والمفاهيم الدينية؟

فهذا القرآن الكريم في نقله لقصّة أصحاب الكهف ، يذكر بناء مسجد على قبورهم ، مع تأييده لهذا العمل ، لعدم ردعهم عنه ( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ) (4) فهل هذا حرام؟ أو على العكس فهو إحياء لذكرى هؤلاء ، وإشارة واضحة لتأييد عملهم؟

ص: 554


1- 1. كامل الزيارات : 41.
2- 2. صحيح البخاريّ 1 / 110.
3- 3. صحيح مسلم 2 / 68.
4- 4. الكهف : 21.

وأيضاً قوله تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) (1) ، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله : بأنّ هذه البيوت بيوت الأنبياء ، وحتّى بيت علي وفاطمة (2).

ومن المعلوم : أنّ الرسول صلى الله عليه وآله دفن في بيته ، فزيارته والصلاة والدعاء عند قبره ، يعتبر مشمولاً للنصّ القرآنيّ.

وأمّا الروايتان التي أشرتم إليها ، فمع غضّ النظر عن سندها ، فهما محمولتان على صورة عبادة القبر أو صاحبه ؛ فيا ترى هل يوجد شخص مسلم - حتّى مع الوعي القليل - ينوي العبادة للقبور؟!

مضافاً إلى أنّه توجد هناك روايات كثيرة بألفاظ متقاربة ، تحثّ على زيارة القبور.

( أبو احمد الأمين - الدانمارك - 53 سنة - بكالوريوس )

تعقيب على الجواب السابق :

الإنسان مخلوق من الطين ، وكذا جميع المخلوقات على البسيطة ، ولما يموت الحيوان - ناطقاً كان أو غير ناطق - يدفن أو يذرى على البسيطة ، وعلى رأي المخالفين إن صحّ عندهم عدم جواز الصلاة على القبور أو عند القبور ، فأين إذن نذهب لنصلّي ، هل على القمر؟

إذ الخليقة - أي الكرة الأرضية - منذ أن خلق الله تعالى عليها كلّ دابة هي مكان لقبور هذه الحيوانات ، فلا أرض إلاّ وفيها قبور ، فكلّ الديار قبور منذ أن خلق الإنسان والحياة على الأرض ، إذاً معناه يجب أن نبطل الصلاة ولا نصلّي ، لأنّ الأرض كلّ بقعة فيها ، أمّا قبراً أو تراباً لجسد.

ص: 555


1- 1. النور : 36.
2- 2. روح المعاني 9 / 367 ، الدرّ المنثور 5 / 50.

( محسن - كندا - 25 سنة - طالب )

زيارة عاشوراء مشهورة السند :

س : أحد الخطباء قال : زيارة عاشوراء مجعولة ، وليست من كلام المعصوم ، بل هي من كلام أحد العلماء ، ولذلك لا يجوز قراءة هذه الزيارة ، هذه القضية أثارت الشكّ في قلوب شباب الشيعة هنا في كندا.

فأرجو تزويدنا بإسناد هذه الزيارة ومعلومات حولها ، حتّى نزيل الشكّ من قلوب الشباب ، أفيدونا مأجورين.

ج : زيارة عاشوراء من الزيارات التي وردت نسبتها إلى الإمام المعصوم عليه السلام ، وليست هي من تأليف أحد العلماء - كما يدّعي ذلك الخطيب - وكان بإمكانكم الرجوع إلى مفاتيح الجنان وملاحظة سند الرواية ، ونسبتها إلى الإمام الباقر عليه السلام مرّة ، وأُخرى إلى عمل الإمام الصادق عليه السلام بها.

وإن كان البعض يرى ضعف سند الرواية ، إلاّ أنّ عمل المشهور جابر لضعف السند ، أي أنّ كلّ خبر عمل به المشهور فهو حجّة ، سواء كان الراوي ثقة أو غير ثقة.

( محمّد حسين - مصر - 32 سنة )

زيارة الناحية إحدى زيارات الإمام الحسين :

س : ما حكم زيارة الناحية المقدّسة الواردة عن الإمام المهديّ عليه السلام؟ هل هي صحيحة؟ مع العلم أنّها تحتوي على بعض الأُمور التي نفاها علماؤنا ، كخروج الهاشميّات من خيامهن ، وهن ناشرات الشعور ، لاطمات الخدود ...!!

ج : قد ذكر زيارة الناحية الشيخ محمّد بن المشهديّ ، ونسبها إلى الناحية المقدّسة عليه السلام عن طريق أحد الأبواب (1) ، ولهذا وبملاحظة عدم وجود سند واضح

ص: 556


1- 1. المزار الكبير : 496.

يعتمد عليه ، لا يمكن البتّ القاطع بصحّتها ، ولكن لا يضرّ هذا في صحّة العمل بها ، وهي - أي الزيارة - من الأُمور المستحبّة ، كما وقد عمل بزيارة الناحية مجموعة كبيرة من العلماء والصلحاء.

أمّا ما يرد عن بعض العلماء من نفي بعض الأُمور ، فهو نفي للأُمور المحرّمة ، التي تحتملها مضامين تلك الفقرات ، ولكن إذا أمكن تأويل المراد من تلك الفقرات - وهو ممكن - بما يصحّح تلك الأفعال ، فليس هناك ما يقدح بدلالة تلك الزيارة.

( محمّد إسماعيل قاسم - الكويت - 16 سنة - طالب )

زيارة الأربعين كانت في نفس سنة القتل :

س : هل كانت زيارة الأربعين في نفس السنة التي قُتل فيها سيّد الشهداء عليه السلام؟

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ أعداء أهل البيت عليهم السلام حاولوا على مدى الزمان ، منع إقامة الشعائر الحسينية ، أو التشكيك والسخرية في كثير منها ، ولكن بسبب وقوف الحاسم لمراجع الدين أمام هذا التيّار ، وحثّهم للأُمّة على إقامة الشعائر ، بالإضافة إلى وجود الحبّ والولاء لأهل البيت عليهم السلام لدى الأُمّة ، أفشل الكثير من تلك المحاولات والخطط ، فأثبتوا للأعداء قوّة تمسّكهم بأهل البيت عليهم السلام ، وبإقامة شعائرهم ، مهما كلّفهم الأمر من الخطر.

ثمّ لا يخفى عليكم أنّ الكثير من القضايا التاريخيّة لم تصل إلينا بشكل صحيح ، فيد التزوير وقلب الحقائق وتشويهها لا زال موجوداً ، من أجل مصالح شخصية ودنيوية.

كما لا يخفى عليكم أنّ ثبوت بعض القضايا التاريخيّة أو عدم ثبوتها بشكل قطعي ، كقضية رجوع السبايا إلى كربلاء ، لا تمنع المحبّ والموالي لأهل البيت عليهم السلام ، من إقامة الشعائر الحسينية.

ص: 557

والنتيجة : إنّ قضية رجوع السبايا إلى كربلاء من القضايا المشهورة عند علمائنا ، وأنّ رأس الحسين عليه السلام قد أعاده الإمام زين العابدين عليه السلام بعد الرجوع من الأسر ، وألحقه بالجسد الشريف بعد أربعين يوماً من استشهاده ، أي يوم العشرين من صفر في نفس تلك السنة (1).

( أحمد. الإمارات - 19 سنة - طالب حوزة )

زيارة الله لقبر الحسين زيارة شرفية :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهابيّة في المنتديات ، أرجو الردّ السريع : الله يزور قبر الحسين ، قد تعجبون من هذه الحقيقة ، والحقيقة مُرّة.

روى الكلينيّ وغيره : أنّ أبا عبد الله عتب على من أتاه ولم يزر قبر علي بن أبي طالب ، قائلاً : ( لولا أنّك من شيعتنا ما نظرت إليك ، ألا تزور من يزوره الله مع الملائكة ويزوره الأنبياء )؟ الكافي 4 / 580 ، تهذيب الأحكام 6 / 20 ، كامل الزيارات : 89 ، كتاب المزار : 19 ، فرحة الغريّ : 102.

وبسبب ما ورد من مثل هذه الفضائل تفوّه أحد أصحاب أبي عبد الله بهذه الكلمة : والله لقد تمنّيت أنّي زرته ولم أحج ( الكافي 4 / 583 ) ، فتأمّل!

أرجو إعطائي بعض المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهابيّة ، وشكراً.

ج : لقد وردت روايات متضافرة بثواب زيارة الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، وفيها من الترغيب والحثّ الكبير ، الدال بكلّ وضوح على الاستحباب المؤكّد ، ويمكن للسائل أن يراجع المصادر المذكورة في متن السؤال ليقف عليها بالتفصيل.

وبالنسبة للألفاظ الواردة فيها - كقوله عليه السلام : ( ألا تزور من يزوره الله ... ) - فنقول : قد أثبت الإمامية في بحوثهم الكلامية بما لا مزيد عليه استحالة الانتقال

ص: 558


1- 1. أُنظر : مثير الأحزان : 86 ، اللهوف : 114.

والتنقّل في حقّه سبحانه من مكان إلى مكان ، لما يلزم من الجسمية والنقص والاحتياج ، فلا يمكن تصوّر زيارته سبحانه لغيره - كما في لسان هذه الروايات - كزيارة الناس بعضهم لبعض ، أو زيارة الملائكة للأولياء الصالحين.

وإنّما المراد هو معنى مجازي ، المقصود منه بيان شرفية المزور وكرامته عنده سبحانه ، كما بيّن سبحانه في آيات عديدة من القرآن الكريم ، مثلاً شرفية الخمس والصدقات ، فذكر سهماً له في الخمس أو بأخذه للصدقات ، كما في قوله تعالى : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (1) ، وقوله تعالى : ( أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ ) (2).

فلا يمكن تصوّر أن يكون لله سبحانه سهماً في الخمس على نحو الأخذ والانتفاع ، فهذا محال في حقّه سبحانه ، كذلك لا يمكن أن يتصوّر أن يأخذ الله الصدقات على نحو الحقيقة من التناول والقبض ، فهذه ألفاظ إنّما أُريد منها معنى مجازياً لبيان شرفية الموضوع المتحدّث عنه ، وعليه تكون الألفاظ الواردة في روايات الزيارة إنّما هي وفق هذا السياق القرآنيّ المار ذكره.

أمّا بخصوص عبارة معاوية بن وهب التي ذكرها المستشكل وهي : والله لقد تمنّيت أنّي زرته ولم أحج ، نقول - على فرض ثبتوتها - : فهي ظاهرة في إرادة الحجّ المستحبّ ، إذ لا مقارنة بين الواجب منه وبين الزيارة المستحبّة ، وإنّما المقارنة بين المستحبّين ، ومن الممكن أن يكون مستحبّاً أكثر ثواباً من مستحبّ آخر.

وفي الختام نقول : رحم الله امرأً استعان بنعم الله التي وهبها لعباده من الحواس والعقل وسخّرها لمعرفة حقائق الأُمور بالبحث والتدبّر ، بدل أن يكون

ص: 559


1- 1. الأنفال : 41.
2- 2. التوبة : 10.

مطيّه لأهوائه وغرائزه والشيطان ، ويخسر عندها الدنيا والآخرة ، ولا ينفعه الندم إن أراد الندم يوم ذاك ، ولله الحجّة البالغة ، وهو الموفّق للصواب.

( محمود البحرانيّ - البحرين - 17 سنة - طالب الثانوية )

الميّت يدرك بعد الموت وينتفع بالعمل :

س : عند زيارة قبر أحد الأموات ، هل يسمع الميّت كلام الزائر أم أنّ روحه قد انتقلت إلى مكان أخر ، وإنّ صوت الزائر لا يصله ، وإذا كان الصوت لا يسمع فما الفائدة من زيارة القبر إذاً؟

أتمنّى الإجابة ، ولكم الشكر الجزيل ، متمنّياً من المولى أن يرزقنا وإيّاكم الثواب وحسن الختام.

ج : إنّ السؤال ينقسم إلى قسمين :

1 - هل هناك حياة أُخرى بعد الموت يكون للميّت فيها فعل وإدراك وشعور؟ وهل يمكن أن يكون هناك اتصال بين الحياة الدنيا وعالم البرزخ الذي تنتقل إليه الروح؟ وبالتالي أنّ الميّت يستطيع أن يسمع كلام الحيّ؟

2 - هل أنّ الميّت ينتفع بالأعمال التي يؤدّيها الحيّ بالنيابة عنه ، أو يهديها إليه أو لا؟

والجواب عن القسم الأوّل يكون بنقاط :

1 - إنّ حقيقة الإنسان هي بروحه لا ببدنه ، وإنّ هذه الروح لا تفنى بفناء الجسد ، وإنّما تنتقل إلى عالم آخر وهو البرزخ ، قال تعالى : ( اللهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (1) ، ويتوضّح ذلك أكثر إذا عرفنا أنّ معنى التوفّي هو الأخذ والقبض والاستيفاء وليس الإعدام.

ص: 560


1- 1. الزمر : 42.

2 - إنّ روح الإنسان تبقى حية بعد خروجها من الجسد ، وانتقالها إلى عالم البرزخ ، ومعنى أنّها حية أنّ لها عقل وإدراك ، ويدلّ عليه آيات كثيرة ، منها قوله تعالى في قصّة حبيب النجّار : ( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) (1).

فإنّه هناك وهو في عالم البرزخ يتمنّى أن يعلم قومه ما أنعم الله عليه ، والتمنّي فعل منه ، وكذلك قوله تعالى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) (2) ، فهي صريحة بحياتهم بعد الممات ، وأنّهم يفرحون ويستبشرون.

3 - وجود الصلة بين الحياة الدنيوية والحياة البرزخية ، بمعنى إمكان الاتصال بالأرواح ومخاطبتها ، وأنّها تسمع وتحسّ بما يفعله الأحياء ، قال تعالى عما أخبر به عن نبي الله صالح عليه السلام : ( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ) (3).

وقول النبيّ صلى الله عليه وآله لأصحابه بعدما خاطب المشركين المقتولين في معركة بدر : ( ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنّهم لا يستطيعون أن يجيبوا ) (4).

وسلامنا على رسول الله صلى الله عليه وآله في نهاية كلّ صلاة ، إذ لو لم يكن هناك صلة بالنبيّ صلى الله عليه وآله بعد وفاته ، فما معنى سلامنا عليه.

ورواية أنّ الميّت يسمع قرع نعال أصحابه بعد وضعه في القبر (5) ، وهناك

ص: 561


1- 1. ياسين : 26 - 27.
2- 2. آل عمران : 169 - 170.
3- 3. الأعراف : 78 - 79.
4- 4. مسند أحمد 3 / 104 ، صحيح مسلم 8 / 164.
5- 5. الجامع الصغير 1 / 317 ، الجامع لأحكام القرآن 13 / 233.

كلمات كثيرة لعلماء المسلمين تؤيّد ذلك ، وكلّ ما ذكرنا قد دلّت عليه التجارب والبحوث العلميّة لعلماء الغرب أيضاً ، والتي نشرت في مقالات وكتب كثيرة.

وأمّا ما ذكرت من انتقال الروح إلى مكان آخر ، وهو يوحي بأنّك تتصوّر أنّ للحياة البرزخية نفس قوانين الحياة الدنيوية من المكان والزمان والقرب والبعد وغيرها ، فإذا بعد الشخص لمسافة لا يمكنه سماع المتكلّم البعيد عنه ، ولكن يزول هذا التوهّم إذا عرفنا أنّ الحياتين مختلفتين بالقوانين ، وأنّ عالم البرزخ غير عالم الدنيا ، ثمّ أنّه ثبت في محلّه في علم الفلسفة ، أنّ الروح مجرّدة لا تخضع للقوانين المادّية.

وأمّا الجواب على القسم الثاني من السؤال ، فيكون أيضاً بنقاط :

1 - إنّ الإيمان يجب أن يكون مقروناً بالعمل ، فلا نفع للإيمان بدون عمل ، خلافاً لما قاله المرجئة ، إذ قدّموا الإيمان وأخّروا العمل.

2 - إنّ الله بفضله وجوده وسّع على الإنسان دائرة الانتفاع بالعمل ، حتّى شمل الانتفاع بعد الموت بالأعمال التي تتحقّق بعد الموت ، وهذه الأعمال على نوعين :

أ - ما إذا قام الإنسان بالعمل بنفسه ، ولكن يبقى العمل بعد موته يستفيد منه الناس ، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله : ( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلاّ من ثلاثة : إلاّ من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ) (1) ، فهذه الأعمال ناتجة من الإنسان ، وهو الذي تسبّب بها ، وبقيت بعد موته يستفاد منها.

ب - فيما إذا لم يكن للميّت في العمل سعي ولا تسبيب ، وظاهر الكتاب والسنّة أنّ ثواب هذا العمل من غيره يصل إلى الميّت بفضل الله وسعة جوده ورحمته ، فيما إذا قام الآخر بالعمل الصالح نيابة عن الميّت ، وبعث ثوابه إليه.

ص: 562


1- 1. مسند أحمد 2 / 372 ، صحيح مسلم 5 / 73.

قال تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) (1) ، ففيها تصريح بدعاء المؤمنين للآخرين ، وأنّهم ينتفعون بعمل غيرهم.

والروايات تدلّ على انتفاع الميّت بدعاء الآخرين ، فقد تواتر عن النبيّ صلى الله عليه وآله زيارته لأهل بقيع غرقد ودعائه لهم ، وأمّا الأعمال غير الدعاء - كالصوم والصلاة والحجّ والصدقة والقراءة وغيرها - نيابة عن الميت ، فقد روي عن عائشة : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ( من مات وعليه صيام ، صام عنه وليه ) (2).

وعن سعد بن عبادة قال : يا رسول الله إنّ أُمّ سعد كانت تحجّ من مالي ، وتصدّق وتصل الرحم وتنفق من مالي ، وأنّها قد ماتت ، فهل ينفعها أن أفعل ذلك عنها؟ قال : ( نعم ) (3).

وغيرها من الروايات الكثيرة عن العامّة والخاصّة ، وإنّما نقلنا روايات العامّة لإلقاء الحجّة ، وعلى هذا فقهاء المذاهب الإسلاميّة فراجع ، مع أنّ هناك شبهات يأتي بها الوهابيّون ليس هنا مجال إيرادها.

وعلى كلٍّ فإنّ الغرض من طرح هذا الموضوع من أنّ الميّت لا ينتفع بعمل غيره ، يطرح كمقدّمة للدخول إلى منع التوسّل والاستغاثة بالنبيّ صلى الله عليه وآله ، والأئمّة عليهم السلام والأولياء ، باعتبار أنّهم موتى.

ونذكر هنا رواية واحدة من كتبنا للفائدة ، فعن محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام نزور الموتى؟ قال : ( نعم ) ، قلت : فيسمعون بنا إذا أتيناهم؟ قال : ( أي والله ليعلمون بكم ، ويفرحون بكم ، ويستأنسون إليكم ) (4).

ص: 563


1- 1. الحشر : 10.
2- 2. صحيح البخاريّ 2 / 240 ، صحيح مسلم 3 / 155.
3- 3. كنز العمّال 6 / 598.
4- 4. مستدرك الوسائل 2 / 362.

وأخيراً بقي هناك شيء وهو فائدة الإحياء من زيارة القبور وهي عديدة :

منها : التذكرة بالآخرة : فعن عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ( زوروا القبور فإنّها تذكّركم الآخرة ) (1).

ومنها : الزهد في الدنيا ، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنّها تزهّد في الدنيا ) (2).

ومنها : في خصوص زيارة قبر النبيّ ، لقوله صلى الله عليه وآله : ( من زار قبري وجبت له شفاعتي ) (3).

وما في كتب الخاصّة من فوائد وثواب زيارة قبور الأئمّة عليهم السلام الشيء الكثير ، وهو واضح ، ويكفي مراجعة مفاتيح الجنان لمعرفة ذلك.

ص: 564


1- 1. سنن ابن ماجة 1 / 500.
2- 2. المصدر السابق 1 / 501 ، الجامع الصغير 2 / 297.
3- 3. الجامع الصغير 2 / 605 ، كنز العمّال 15 / 651.

زيد بن علي والزيديّة :

اشارة

( العرادي - الكويت - .... )

منشأ ظهور الزيديّة والإسماعيلية :

س : أودّ الاستفسار منكم عن عدد فرق الشيعة؟ وكذلك ظروف ظهور كلّ فرقة منها - كالإسماعيلية والزيديّة -؟

ج : إنّ فرق الشيعة أكثرها لم تدم إلاّ وقتاً قليلاً من الزمن وانقرضت ، ولم يبق من هذه الفرق إلاّ الزيديّة والإسماعيلية ، وإذا أطلق اسم الشيعة فإنّه ينصرف إلى الإمامية الاثني عشرية ، الذين يعتبرون هم الأصل في التشيّع.

وأمّا منشأ ظهور هذه الفرق ، فإنّه يعود إلى مسائل سياسية ودنيوية.

فإنّ زيد بن الإمام علي زين العابدين عليه السلام كان قيامه بإذن الإمام الباقر عليه السلام ، وكان هدفه إعطاء الإمامة إلى أهلها ، لكن لمّا استشهد ، حرّفوا أصل الواقعة ، ونسبوا إلى زيد أشياء هو بريء منها.

وأمّا الإسماعيلية ، فإنّ إسماعيل بن الإمام الصادق عليه السلام قبل دفنه ، كشف الإمام الصادق عليه السلام عن وجهه درءاً للشبهة ، ومع هذا كلّه ، فإنّ فرقة منهم ادعوا أنّه لم يمت.

والزيديّة والإسماعيلية وسائر الفرق يشتركون في مسألة واحدة في أصل تأسيس هذه الفرق ، وهي الحصول على أموال ومناصب ، هذا كلّه بالإضافة إلى التدخّلات الخارجية لإيجاد الخلاف في التيار الشيعيّ ، وهذا يعود إلى الظروف السياسيّة آنذاك.

ص: 565

( خالد - مصر - طالب )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : تعليقاً على الجواب المذكور للأخ العرادي ، فإنّ إنكار أنّ الإمام الشهيد زيد عليه السلام كان يدّعي الإمامة ، هو مكابرة عجيبة.

ج : إنّ أسلوب التحقيق في القضايا التي تمسّ العقيدة هو : أن لا يعتمد الإنسان المتحرّي للحقيقة ، على كلّ ما قيل أو يقال في أيّ موضوع ، فلربما يكون كذباً صريحاً ، نشره أصحاب المصالح والأهواء ، في سبيل تعزيز المطامع ، والشهوات الدنيوية.

وفي المقام ، ثبت عندنا بطرق قطعية وروايات صريحة : أنّ حركة زيد الشهيد كانت بتأييد وإمضاء الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، حتّى ورد أنّه كان يريد الرضا من آل محمّد صلى الله عليه وآله - وهو كناية عن تأييد إمامة أهل البيت عليهم السلام في قبال الأمويين ، الذين كانوا لا يرون حقّاً لهم - ومن البديهيات التي لا يمكن إنكارها أنّ أئمّتنا عليهم السلام لا يؤيّدون شخصاً خرج من ولايتهم ، أو ادّعى الإمامة لنفسه ، لأنّ هذا يعتبر فسقاً ، والفاسق لا يستوجب المدح والثناء!.

وهنا لا نستبعد أن تكون الأيادي الأموية والعباسية وراء محاولات الكذب والتزوير لتفتيت الخطّ الإمامي الموحّد ، والذي كان متمثّلاً في إمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام.

( محمّد العمدي - اليمن - .... )

السعي لإبراء الذمّة للبقاء على الزيديّة :

س : هل يجوز التعبّد بالمذهب الزيديّ وغيره من المذاهب؟

ج : إن كان المراد من التعبّد في أُصول الدين ، فعلى كلّ إنسان مسلم مكلّف أن يحقّق عن المذهب الحقّ من بين المذاهب الإسلاميّة ، ولا يكون معذوراً بمجرد أن يقول : لم يتبيّن لي.

ص: 566

وإن كان المراد من التعبّد في فروع الدين ، فعلى كلّ إنسان مسلم مكلّف لم يتبيّن له المذهب الحقّ أن يحتاط - أي يجمع بين الفتاوى بقدر الإمكان - وهذا ما يقتضيه حكم العقل.

وعلى كلّ حال ، لابدّ للإنسان المسلم المكلّف أن يسعى في إبراء ذمّته ، بعد العلم باشتغالها اعتقاداً وعملاً.

( عبد الله أحمد حمادي - اليمن - زيدي - دبلوم )

زيد الشهيد ليس من الأئمّة الاثني عشر :

س : هل تعتبرون الإمام الشهيد زيد بن علي عليه السلام من أئمّة أهل البيت عليهم السلام؟ ولماذا لا يتمّ اعتباره واحداً من أئمّة أهل البيت عليهم السلام؟

ج : إنّ الإمامة - بحسب عقيدة الإمامية الاثني عشرية - تتبع للنصوص الواردة في هذا المجال ، ولا طريق لإثباتها بدون الوقوف على هذه النصوص والآثار والأحاديث المروية عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ، والأئمّة المعصومين عليهم السلام.

ثمّ على ضوء ما ذكرنا ، فإنّ زيد الشهيد لم يصرّح - في ما ورد إلينا - بإمامته وخلافته عن رسول الله صلى الله عليه وآله.

نعم ، ورد بطرق كثيرة وصحيحة : أنّ نهضته كانت من أجل رضا أهل البيت عليهم السلام ، ولم يدّع الإمامة لنفسه ، بل تصدّى للباطل والجور في سبيل أن يتاح للحقّ - وهم الأئمّة المعصومون - فرصة الظهور.

وعلى أيّ حال ، فهو ممدوح من قبل أئمّتنا عليهم السلام ، وترحّم وبكى عليه من سمع منهم خبر استشهاده ، فهو في الذروة العليا مع الشهداء والصدّيقين ، وحسن أُولئك رفيقاً.

( علي نزار - الكويت - 23 سنة - طالب كلّية الدراسات التجارية )

عقيدة الزيديّة بالإمام المهديّ :

س : ما هي عقيدة الزيديّة بالمهديّ؟

ص: 567

ج : تعتقد الزيديّة بظهور الإمام المهديّ عليه السلام في آخر الزمان ، وأنّه يملك الأرض ، وتخضع له أهل الأديان ، وأنّه من أهل البيت ، وفي بعض الروايات أنّه من ولد فاطمة عليها السلام ، وبالخصوص من ولد الحسن عليه السلام ، ولا يعتقدون بأنّه من ولد الحسين عليه السلام - أي ابن الحسن العسكريّ عليه السلام - ولا يعتقدون بعصمته ، ولا بولادته ، ولا بغيبته.

وللمزيد ، يمكنكم مراجعة كتاب ( العقد الثمين في تبيين أحكام سيرة الأئمّة الهادين ) ، تصنيف الإمام عبد الله بن حمزة بن سليمان ، أحد أئمّة الزيديّة.

( ... - ... - ..... )

موارد اختلاف الزيديّة عن الإمامية :

س : هل توجد اختلافات بين المذهب الاثني عشري والزيديّة؟

ج : نعم توجد اختلافات بين المذهب الاثني عشري والزيديّة ، نذكر بعضاً منها :

1 - ترى الإمامية أنّ الإمامة لا تكون إلاّ بالنصّ من الله تعالى على لسان رسوله ، أو على لسان الإمام المنصوب ، إذا أراد أن ينصّ على إمام بعده ، وليس للناس حقّ التدخّل في تعيينه.

بينما ترى الزيديّة أنّ الإمامة تكون بالاختيار ، ويعتقدون أنّ النصّ الخفي كان لبعضهم.

2 - ترى الإمامية عدد الأئمّة اثنا عشر إماماً ، أوّلهم أمير المؤمنين ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمّد بن علي بن الحسين ، حتّى الإمام الثاني عشر محمّد المهديّ عليه السلام.

بينما لا ترى الزيديّة للأئمّة عدداً ، فكلّ من خرج بالإمامة وشهر سيفه ودعا إلى نفسه يكون إماماً واجب الطاعة ، فأوّلهم أمير المؤمنين ، ثمّ الحسن ، ثمّ

ص: 568

الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ زيد بن علي بن الحسين ، ثمّ ابنه يحيى ، وهكذا.

3 - ترى الإمامية عصمة أئمّتهم عليهم السلام ، بينما لا ترى ذلك الزيديّة.

4 - لم تقل الزيديّة بالرجعة ، والتقيّة ، وغيبة الإمام المهديّ عليه السلام ، وزواج المتعة ، ويقولون : بالقياس كأبي حنيفة ، ويرون صحّة العمل بالاستصحاب ، ويعتبرون أساس الأحكام الشرعيّة إجماع علماء المسلمين ، ويجوّزون المسحّ على الخفّين ، والاقتداء بالصالح والفاجر في الصلاة ، وأكل ذبائح أهل الكتاب.

والخلاصة : إنّ الزيديّة يرجعون في أكثر أُصولهم إلى المعتزلة ، وفي أكثر فروعهم إلى الحنفيّة.

هذا ، والجدير بالذكر أنّ الزيديّة الجارودية تختلف عن غيرها في كثير من المسائل ، فلا يقع الخلط فيما بينهما.

( محمّد أحمد مطهّر - اليمن - زيدي - 28 سنة - بكالوريوس شريعة وقانون )

زيديّ يسأل عن 44 سؤالاً :

س : انطلاقاً ممّا كلّفنا الله به من البحث والسؤال عن مشكلات الدين ، وسعياً لتطهيره عن شائبات شبه المبطلين ، وممّا لا يمكن إنكاره من انتماء المذهب الاثني عشري لمذاهب المسلمين ، فإنّه كغيره يجب البحث في صحّته من عدمها ، ومناقشة عقائده قبل الحكم بصحّة مذهب ما ، وإنّ أهمّ ما يتبادر إلى ذهن المتتبع لأقوال أتباعه ، ويستشكله من ينظر في عقيدة أصحابه ، هي هذه الإشكالات التي نطالب إخواننا منهم كشف ما تضمّنته من المعضلات ، غير متوانين عن تبيين الحقّ الذي يعلمونه ، والاعتراف ببطلان ما قد يرونه ، عملاً بقوله تعالى : ( وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ ) (1) ، وقوله : ( وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ

ص: 569


1- 1. آل عمران : 187.

تَعْلَمُونَ ) (1) ؛ نسأل الله أن يكتب فائدة ذلك لجميع المسلمين ، وأن ينفع به من أراد اليقين ، آمين ربّ العالمين.

س 1 : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) ، فهل نحن مكلّفون بموجب هذا الحديث بمعرفة الإمام ذاتاً؟ بحيث لو طلب من أحدنا الإشارة إليه وتعيينه وتحديده من بين مجموعة من الناس لاستطاع ، أم أنّا مكلّفون بمعرفته صفة؟ أم أنّه يكفينا مجرد معرفة كونه حيّاً وموجوداً كحجّة ، حتّى ولو كان غائباً؟!

ج : نزولاً عند رغبتكم نجيبكم على أسئلتكم ، عسى الله أن ينفع بها إخواننا المؤمنين ، ويهدينا وإيّاكم وإيّاهم جميعاً إلى سواء السبيل ، وإليكم الجواب عن مسائلكم حسب تسلسلها في رسالتكم :

ج 1 : إنّ الحديث مذكور في التراث الإسلاميّ السنّي والشيعيّ ، وذلك يبعث على الاطمئنان بصحّته إجمالاً لتفاوت ألفاظه ، ولسنا بصدد تحقيق ذلك ، غير أنّا نقول :

الواجب في معرفة الإمام عليه السلام - كما هو الواجب في معرفة النبيّ صلى الله عليه وآله - تشخيصه اسماً ونعتاً وعنواناً ، أمّا معرفته بذاته - كما تفسّرون - فليس بواجب ، إذ لو قلنا بذلك لخرج أهل العصور التالية بعد النبيّ صلى الله عليه وآله عن الإسلام ، وهذا لا يقوله أحد ، ومن قال به وادعى لزوم معرفة النبيّ والإمام بذاتهما ، كذّبه واقع الحال حتّى في بعض معاصريهما ، إذ لم يكن جميع المسلمين في عصر النبيّ صلى الله عليه وآله يعرفونه بذاته ، وكتب السير والتاريخ تشهد بذلك.

ودونك تراجم الصحابة في مصادرها ، تجد تقسيمهم إلى عدّة أقسام ، ومنهم من كان صحابياً ولم يره صلى الله عليه وآله مع معاصرته له ، فهل كلّ أُولئك ماتوا ميتة جاهلية؟ لأنّهم لم يعرفوا نبيّهم بذاته ، بحيث لو طلب من أحدهم الإشارة إليه وتعيينه وتحديده من بين مجموعة من الناس استطاع؟

ص: 570


1- 1. البقرة : 42.

ويدحض هذا ، ما ترويه بعض كتب السيرة في قدوم النبيّ صلى الله عليه وآله إلى المدينة مهاجراً ، ومعه أبو بكر ، فكان المسلمون في استقباله ، ومنهم من كان يسأل أيّهما النبيّ؟ فهل يمكن أن نقول : أنّ أُولئك الذين ماتوا وهم لم يعرفوا النبيّ صلى الله عليه وآله ماتوا ميتة جاهلية؟ معاذ الله أن يقول ذلك أحد من المسلمين.

ولمّا كانت الإمامة امتداداً للنبوّة ، وخلافة عنها في إتمام رعاية رسالتها لأنّها فرع عنها ، فهل لك أن تقول : بأنّه يجب في الفرع أكثر ممّا في الأصل؟ إنّما الواجب معرفة النبيّ أو الإمام معرفة إجمالية بأسمائهما وأوصافهما ، وتواتر الحجّة على صحّة وجودهم ، والإيمان بحجّتهم نبوّة أو إمامة.

س 2 : إنّ الله تعالى حيّ وموجود معنا في كلّ مكان ، وهو الحجّة الأكبر ، فما هي الحاجة إلى حجّة دونه؟ ما لم يكن بين حجّية الله تعالى وحجّية الإمام فرق؟ أم أنّ هناك فرقاً ، فما هو؟!

ج 2 : صحيح أنّ الله تعالى موجود حي ، ولكن ليس هو الحجّة ، بل الصحيح أن نقول : له الحجّة كما في الكتاب المجيد ( فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (1) ، لأنّ معنى الحجّة هو البرهان والدليل ، وهو حال من مستدلّ وهو غيره ، والله سبحانه هو جاعل الحجّية فلا يقال هو الحجّة ، إنّما الحجّة له على خلقه بإرساله الرسل وبعثه الأنبياء عليهم السلام ، فهم الحجج.

فتنبّه إلى غلط التعبير عندك - وهو الحجّة الأكبر - فالله سبحانه بمنّه وفضله ولطفه بعباده بعث لهم أنبياء ، وجعل لهم أوصياء من بعدهم يرعون رسالاتهم ، وبذلك يستدلّ على خطأ من يقول : الله هو الحجّة الأكبر.

ثمّ أنا لو سلّمنا جدلاً بصحّة تلك المقولة ، كيف السبيل إلى الأخذ عنه ، وهو يرى ولا يُرى ، فلابدّ للناس من وسيلة يبلغهم عنه أوامره وزواجره ، وهم الأنبياء ، ومن بعدهم الأوصياء ، ونحن على ذلك.

ص: 571


1- 1. الأنعام : 149.

س 3 : ما هي الحكمة من غياب الإمام؟ وكيف يتناسب الغياب مع أعمال وواجبات الإمامة؟

ج 3 : ليست الغيبة بدعة في التاريخ ، ولا في الدين ، فقد غاب غير واحد من الأنبياء نتيجة اضطرارهم ، والخوف على أنفسهم ، فقد قال موسى عليه السلام : ( فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (1) ، وما لنا نذهب في التاريخ السحيق ونغيب في متاهاته ، ولكن هلمّ بنا إلى تاريخ الإسلام القريب ، ألم يغب رسول الله صلى الله عليه وآله مضطرّاً في حصار الشعب طيلة ثلاث سنوات؟ فماذا كان المسلمون يستفيدون منه ، وهو في الشعب محجوب عنهم؟ ألم يغب عن مسلمي مكّة حين هاجر إلى المدينة خائفاً يترقّب؟

وما دمنا كمسلمين نؤمن بأنّ الله تعالى هو الذي يأمر أنبياءه بالغيبة والهجرة حفاظاً عليهم ، ولم يبعدهم عن الطبيعة البشرية من خوف على السلامة ، كان علينا التسليم بأنّ ذلك كان لمصلحة ، وأن كنّا لا ندرك سرّها أسوة بما نجهل كثيراً من أسرار وحكم في أُمور الشريعة ، فليس لنا ولا يحقّ لنا أن نسأل : لماذا غيّب الله موسى عن فرعون عند ولادته؟ ثمّ ردّه الله ليربّيه في قصره ، ليكون له عدوّاً وحزناً؟

وليس لنا أن نسأل : لماذا أمر الله نبيّه محمّد صلى الله عليه وآله بالهجرة حين أنزل عليه ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ ) ؟ (2).

وليس لنا أن نسأل : لماذا صلاة الصبح ركعتان؟ وصلاة الظهر أربعاً؟ والمغرب ثلاثاً؟ وهكذا.

وكلّ ما أمكننا أن ندرك من وجه الحكمة في غيبة بعض الأنبياء عليهم السلام ، هو الحفاظ على حياتهم من شرّ أعدائهم ، فكذلك كانت الحكمة في غيبة الإمام المهديّ عليه السلام الحفاظ على سلامته ، مادام ظرفه كظروفهم من حيث

ص: 572


1- 1. الشعراء : 21.
2- 2. الأنفال : 30.

ملاحقة العدو له ، وطلب القضاء عليه ، ألم تقرأ في تاريخ الغيبة ما صنع المعتمد العباسي في جدّه وسعيه وإمعانه في التفتيش عن الإمام المهديّ عليه السلام ، حتّى حبس الجواري برهة من السنين ، فذلك من وجه الحكمة فيما نعلم.

س 4 : كيف سيعرف الإمام المهديّ الغائب عند خروجه بعد غيابه مئات السنين؟

ج 4 : يُعرف عندما يؤذن له بالظهور بالآيات البيّنات الخارقة للعادات ، وسمّها بالمعجزات ، كالنداء من السماء باسمه عليه السلام ، وصلاة النبيّ عيسى خلفه ، ونحو ذلك ، فقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله : ( يخرج المهديّ وعلى رأسه ملك ينادي : إنّ هذا المهديّ فاتبعوه ) (1).

وروي عن علي عليه السلام قال : ( إذا نادى منادٍ من السماء : إنّ الحقّ في آل محمّد ، فعند ذلك يظهر المهديّ على أفواه الناس ، ويشربون حبّه ، ولا يكون لهم ذكر غيره ) (2).

س 5 : إذا كان الغياب لحكمة ما ، فلماذا لا تكون تلك الحكمة سبباً لأن يكون معدوماً؟ حتّى إذا حان وقته أوجده الله؟!

ج 5 : السائل يحسب أنّ الحكمة في الخلق هي بافتراضنا ، وليست بأمر بارئ الخلائق ، فهو الذي يقضي بحكمه ويقدّر بحكمته ، فلا يقال : لماذا جعل الليل والنهار متعاقبين؟ ولم يجعل الزمان كلّه نهاراً أو كلّه ليلاً؟ وهذا ما نطق به القرآن مندّداً بمن لا يدرك وجه الحكمة ، ولا يسلّم لأمره تعالى في ذلك ، فقال : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ

ص: 573


1- 1. مسند الشاميين 2 / 72 ، ينابيع المودّة 3 / 296 و 299 و 344 و 385 و 392.
2- 2. كنز العمّال 14 / 588.

تُبْصِرُونَ * وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (1).

فنحن إذاً نتبع ما بيّن لنا الله تعالى وجه الحكمة فيه ، وما لم يبيّن لنا ذلك ، ليس من حقّنا - كمسلمين - الاعتراض عليه ، فنقول : لماذا ولماذا؟

ثمّ لو سلّمنا جدلاً أنّ الحكمة أن يكون معدوماً ، فإذا حان وقت ميعاده أوجده الله تعالى ، فذلك يستلزم خلوّ الزمان من إمام يرجع إليه ، وعندها تكون الحجّة للناس على الله حيث لا حجّة إمام يرجعون إليه ، فيبطل الثواب والعقاب ، وتنتفي الحكمة من خلق الخلق ، حيث يقول الله سبحانه : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (2).

س 6 : ما الفائدة من عصمة الإمام وعلمه وهو غائب؟ واذكروا لنا الفوائد العملية التي انتفع بها سابقاً ، وينتفع بها حالياً المسلمون عامّة ، والشيعة خاصّة من الإمام المهديّ في فترة غيبته الطويلة؟!

ج 6 : الفائدة من الإمام المهديّ عليه السلام في غيبته ، كالفائدة من الشمس إذا تجلّلها السحاب ، كما ورد في الحديث المروي في ( كمال الدين وتمام النعمة ) للشيخ الصدوق قدس سره فراجع (3).

على أنّ في الغيبة نحو اختبار للناس على حدّ ما جاء في القرآن المجيد : ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) (4) ، فتلك سنّة الله في خلقه ، ولن تجد لسنّته تحويلاً.

س 7 : تحاولون إضفاء صفات على أئمّتكم عامّة ، وعلى الإمام المهديّ

ص: 574


1- 1. القصص 71 - 73.
2- 2. الذاريات : 56.
3- 3. كمال الدين وتمام النعمة : 207.
4- 4. العنكبوت : 1 - 2.

الغائب خاصّة ، منها : أنّه يطوف العالم ، ويعرف شيعته ، ويتّصل بالخلّص منهم ، ويلقي إليهم أوامره ، وأنّه يعلم الغيب ، ومفوّض من الله بالتصرّف في الكون ، فسبحان الله هل هذه إلاّ صفات ربّ العالمين؟!

ج 7 : ليست الصفات المشار إليها تخرجهم عن الطبيعة البشرية ، ولا نقول فيهم إلاّ أنّهم : ( عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (1) ، على أنّ بعض ما ذكرت ليس مختصّاً بهم وحدهم ، فإنّ الخضر حيٌّ ويطوف العالم ، ويتّصل بمن أراد أن يلقاه ، فيلقي إليه من علمه ، كما تعلّم منه موسى عليه السلام ، فهل وجدت من قال بربوبيته؟

س 8 : لم يرو أنّ أحد الأئمّة الاثني عشر غاب ؛ فلماذا اختلفت السنّة الإلهيّة في الأئمّة عند المهديّ؟ حتّى غاب هذا الزمن الطويل؟ خاصّة وأنّ معظم الأئمّة الاثني عشر ينطبق عليهم نفس علّة غياب المهديّ؟ وهي الخوف وعدم الناصر كما تقولون؟!

ج 8 : إنّما اختلفت السنّة في الإمام المهديّ عليه السلام ، لأنّه خاتم الأئمّة الاثني عشر ، الذين أخبر عنهم جدّهم رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأمر بالتمسّك بهم ، كما في حديث الثقلين - المتواتر نقله - وأخبر أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض.

ولأنّه الموعود المنتظر لإقامة الأمن والعوج ، وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلمت وجوراً ، فهو في مطادرة من أعدائه أكثر ممّا كان عليه آباؤه من الخوف ، وإن كانت لهم غيبات في غياهب السجون طالت أو قصرت ، لكنّها لفترات محدودة.

ومع ذلك فقد ولّدت تلك الحالة عند بعض الشيعة القول بمهدية بعض الأئمّة ، كما في الواقفة الذين وقفوا بالإمامة على الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، وجاءت الأحاديث بذمّهم.

س 9 : لماذا لا نجوّز أنّ الله تعالى قد بدا له في أمر إماتته ، ونقل المهدوية إلى

ص: 575


1- 1. الأنبياء : 26 - 27.

غيره ممّن سيولد لاحقاً ، ويعيش حياة طبيعية كسائر الأئمّة من آبائه ؛ خاصّة وأنّ هناك مرجّحاً لذلك ، وهو طول غيبته التي لها إلى الآن مئات السنين؟!

ج 9 : ليست مسألة البداء في أمر إمامة المهديّ عليه السلام بواردة بل منفية ، لأنّها لو كانت واردة لوجب على الله من باب اللطف أن يعرّف الناس إماماً غيره ، ولا يتركهم هملا ، لئلا تخلو الأرض من حجّة قائم لله بأمر الشريعة ، وحيث لم يعيّن غيره فتعيّن هو ، ولا يكون التعيين إلاّ بالنصّ ، وفي الإمام المهديّ عليه السلام لو تمّ القول بالبداء فممّن يكون النصّ؟ بينما كان النصّ عليه موجوداً باسمه ونعته من قبل وجوده ، وحتّى بعد ولادته.

س 10 : لماذا لا نجوّز أنّه شخصية وهمية افترضت من قبلكم تقيّة ، لئلا يندثر مذهبكم بعد انعدام ذرّية الحسن العسكريّ ؛ خاصّة وأنّ هناك مرجّحاً لذلك ، وهو وجود العمل بنظرية التقيّة لديكم ، ودفاعكم عنها دفاعاً شديداً ، وتميّزكم بها دون سائر المذاهب الإسلاميّة؟!

ج 10 : مادام أقصى ما لديكم لماذا ولماذا ، فلا أرى يجدي معكم الحوار ، لأنّ المتعنت ليس لديه فوق لماذا من مخرج؟

ومع ذلك فنقول لكم : إذا افترضنا جدلاً كما تقول : فمن هو الإمام الذي يقود الأُمّة في فترة خلوّ الأرض منه ، إذا لم يكن هو المصلح المنتظر؟ وكيف يكون شخصية وهمية ، وقد ثبت وجوده الخارجي ، وشهد بولادته القابلة عمّة أبيه حكيمة ، وأُمّه وأبوه ، وأراه لبعض خواصّه ، ولو أغمضنا النظر عن ذلك كلّه ، فما رأيكم في علماء العامّة الذين لا يؤمنون بالتقيّة ، وشهدوا بولادته؟ وصحّة نسبه ، وأنّه ابن الحسن العسكريّ عليه السلام؟

س 11 : كيف تقبلون رواية ولادة الإمام المهديّ عن امرأة واحدة فقط ، وهي جارية أبيه نرجس ، أم أنّ هناك رواة غيرها ، ومن هم؟!

ج 11 : نحن لم نقبل رواية الولادة عن امرأة واحدة فقط ، وهي جارية أبيه نرجس ، بل هناك غيرها ، وهي القابلة عمّة أبيه حكيمة ، وشهادة القابلة في

ص: 576

إثبات الولادة والاستهلال مقبولة عند جميع المسلمين ، فدونك ما يقول علماؤهم ، وأئمّة المذاهب منهم.

قال أبو حنيفة : ( لأنّ أنساب المسلمين وأحوالهم ، يجب حملها على الصحّة ، وذلك أن تكون ولدته منه في نكاح صحيح ) (1).

وقال النوويّ : ( ويقبل فيما لا يطلع عليه الرجال من الولادة والرضاع ، والعيوب التي تحت الثياب شهادة النساء المنفردات ، لأنّ الرجال لا يطّلعون عليها في العادة ، فلو لم تقبل فيها شهادة النساء منفردات ، بطلت عند التجاحد ، ولا يثبت شيء من ذلك ) (2).

وإذا أخذنا بالإقرار ، فقد جاء في البحر الزخّار - وهو من المصادر المهمّة لدى علماء الزيديّة - :

فصل : ( ويصحّ إقرار الرجل بولد أو والد إجماعاً ، بشرط مصادقة البالغ ، وعدم شهرة نسب آخر ) (3).

فتبيّن لنا : أنّ مذاهب المسلمين تقول بما قلناه في الإقرار ، وشهادة النساء المنفردات ، فعلام التشهير بمن يرتّب الآثار على ذلك؟

س 12 : هل تجب الحدود على أهلها في حال الغيبة؟ أم أنّها تسقط؟ وهل يجوز سقوطها مئات السنين؟ وما هي الحكمة إذاً من تشريعها؟!

ج 12 : من قال لك تسقط الحدود في زمن الغيبة؟ أو تعطّل الأحكام فيها؟ وهذا الشيخ المفيد قدس سره يقول : ( فأمّا إقامة الحدود : فهي إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبل الله تعالى ، وهم أئمّة الهدى من آل محمّد عليهم السلام ، ومن نصّبوه لذلك من الأمراء والحكّام ، وقد فوّضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان ) (4).

ص: 577


1- 1. المغني لابن قدامة 5 / 336 ، الشرح الكبير 5 / 285.
2- 2. المجموع 20 / 256.
3- 3. البحر الزخّار 5 / 12.
4- 4. المقنعة : 810.

س 13 : في أحاديث الأئمّة مجمل ومتشابه وتقيّة ، فمن أين لنا بإمام الآن في غياب المعصوم ، يبيّن لنا كلّ ذلك؟!

ج 13 : يعرف ذلك الفقهاء من شيعتهم ، الذين جعلوا لهم المرجعية عند عدم الحضور ، سواء كان ذلك في أيّامهم ، أو بعد غيبة آخرهم عليه السلام ، وكم في تاريخ رجالات الشيعة من أُناس أرجع الأئمّة إليهم الشيعة لأخذ أحكامهم منهم ، كيونس بن عبد الرحمن وأمثاله ، أو النوّاب الأربعة في زمن الغيبة الصغرى.

س 14 : تقول الإمامية أنّها أخذت مذهبها عن المعصومين ، فكيف تعرف صحّة مذهبها الآن؟ إن قيل بأحاديث الأئمّة ، فهلا اكتفوا بأحاديث النبيّ صلى الله عليه وآله ، وما هو الفرق بينهم وبين سائر المسلمين حينئذ ، فكلّ منهم يأخذ عن المعصوم وهو النبيّ؟!

ج 14 : لا يمكن الاكتفاء بالأحاديث النبويّة وحدها ، بعد علمكم بأنّها شيبت بالمكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله من الموضوعات ، وهذا أمر حدث في أيّامه ، وآية النبأ ، وحديث من كذّب عليّ ... وغيرهما ، تثبت أنّه لا يمكن الاكتفاء بالأحاديث النبويّة.

ثمّ هو صلى الله عليه وآله أمر أُمّته بالرجوع إلى أهل بيته ، كما في حديث الثقلين ، والتمسّك بهم على حدّ التمسّك بالقرآن ، كما أمر باتباعهم ، وأمرنا أن لا نتقدّمهم بسبق عليهم في فكر أو مسألة ، لأنّهم أعلم الأُمّة ، ولولا أن يكونوا كذلك لما جاز للنبيّ أن يرجع إليهم ما داموا هم مفضولين.

س 15 : متى عرفت الإمامية علم الحديث وأُصول الفقه؟ ومن أوّل من وضعه؟ وما هي حاجتهم إليهما مع وجود المعصوم؟ وما هي فائدة العصمة مع وجودهما؟ وهل بقي هناك داع لادعائهم التميز عن سائر المسلمين بالأخذ عن المعصومين؟!

ج 15 : أوّل من كتب في علم الحديث هو الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد دوّن الصحيفة الجامعة التي أملاها رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكتبها علي عليه السلام.

فقد روى الكشي عن العيّاشيّ بإسناده إلى سورة بن كليب ، قال : ( قال

ص: 578

لي زيد بن علي : يا سورة كيف علمتم أنّ صاحبكم - يعني جعفر بن محمّد عليهما السلام - على ما تذكرونه؟ قال : فقلت له : على الخبير سقطت ، قال : فقال : هات.

فقلت له : كنا نأتي أخاك محمّد بن علي عليهما السلام نسأله ، فيقول : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقال الله جلّ وعزّ في كتابه ) ، حتّى مضى أخوك فأتيناكم آل محمّد صلى الله عليه وآله ، وأنت فيمن أتيناه ، فتخبرونا ببعض ، ولا تخبرونا بكلّ الذي نسألكم عنه ، حتّى أتينا ابن أخيك جعفراً ، فقال لنا كما قال أبوه : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقال تعالى ) فتبسّم - يعني زيد بن علي - وقال : أما والله إن قلت هذا ، فإن كتب علي عليه السلام عنده ) (1).

فهذا زيد يقول : أنّ للإمام علي عليه السلام كتباً ، وواحدة من تلك الكتب هي الصحيفة الجامعة ، وقد ورد ذكرها في غير واحد من الكتب المعتبرة المعوّل عليها.

وقد أوصى المعصومون عليهم السلام بحفظ الكتب ، وبكتابة الحديث ، فعن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : ( احتفظوا بكتبكم ، فإنّكم سوف تحتاجون إليها ) ، وعن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ( اكتبوا ، فإنّكم لا تحفظون حتّى تكتبوا ) (2).

أمّا الحاجة إلى علم الحديث مع وجود الإمام المعصوم ، فإنّ الاتباع لا يتاح لهم جميعاً أن يأخذوا العلم مباشرة من الإمام عليه السلام ، فقد يكونوا في مناطق بعيدة عن الإمام عليه السلام ، فيأخذون ممّن سمع من الإمام ، وإذا كان ذلك الحديث مكتوباً يكون أوثق لدى السامع ، وكتابتهم للحديث في ذلك الزمان ليس لهم فقط ، بل لمن يأتي بعدهم ، وإلى يومنا هذا ، وهو كفائدة كتابة حديث رسول الله صلى الله عليه وآله في زمانه.

ص: 579


1- 1. اختيار معرفة الرجال 2 / 674.
2- 2. الكافي 1 / 52.

وأمّا أُصول الفقه ، فإنّ أوّل ما أخذه الشيعة من الأئمّة عليهم السلام أنفسهم كقواعد كلّية ، وهذا واضح لمن راجع كتب أُصول الفقه عندنا ، ومع ذلك فقد ذكرت كتب الرجال عندنا : أنّ بعض أصحابهم عليهم السلام ألّفوا في أُصول الفقه ، منها مباحث الألفاظ ، فراجع رجال النجاشيّ ، وفهرست الشيخ الطوسيّ ، وغيرهما.

وأمّا العصمة فهي شرط في الإمام ، والإمام ليس مجتهداً ، فإنّه يعطي حكم الله الواقعي ، والمجتهد يفتي بحكم الله الظاهر ، وهذا السؤال ناتج عن عدم الدقّة!!

ثمّ إنّ التطوّر والتوسّع في أُصول الفقه كان في زمن غيبة الإمام عليه السلام ، ومن ضمن فائدة هذا العلم هو الاستعانة به من أجل فهم النصوص الواردة عن المعصومين بعد غياب الإمام المعصوم ، أمّا العصمة للإمام فلابدّ منها ، لأنّها هي التي تثبت لنا عدم وجود احتمال أيّ خطأ في كلام أو فعل أو تقرير المعصوم.

س 16 : تقولون بصحّة الاجتهاد في زمن الغيبة ، بعد أن حرّمتموه في زمن الأئمّة ؛ فما هو الدليل القطعي على صحّته؟ وهل هذا الدليل مأخوذ عن الأئمّة أم غيرهم؟ وهل هو موجود في كتبكم المؤلّفة قبل عصر الغيبة؟ بيّنوا لنا ذلك وخرّجوه من تلك المصادر؟!

ج 16 : الاجتهاد الذي نقول به هو : الجهد الذي يبذله الفقيه في استخراج الحكم الشرعيّ من أدلّته ومصادره ، ولا نقول بالمعنى الثاني للاجتهاد ، الذي هو مصدر للفقيه يصدر عنه ودليلاً يستدل به ، كما يصدر عن آيةٍ أو رواية ، والاجتهاد بالمعنى الأوّل من البديهيات ، وكان عمل الأصحاب والاتباع على ذلك ، ولم ينكر الأئمّة عليهم السلام هذا الاجتهاد بالمعنى الأوّل ، بل أنّهم أمروا بعض أصحابهم بالعمل بذلك ، كما أمر الإمام الباقر عليه السلام أبان بن تغلب ، أن يجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ويفتي الناس ، حيث قال له : ( اجلس في مسجد

ص: 580

المدينة وافت الناس ، فإنّي أحبّ أن يرى في شيعتي مثلك ) (1).

وبملاحظة تعريف الاجتهاد نجد أنّه لابدّ للمجتهد من الاحتياج لقول المعصوم ، الذي لا يقع فيه الخطأ ، حتّى لا يحصل الاجتهاد بالمعنى الثاني ، الذي هو في قبال الآيات والروايات.

س 17 : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ) ، فأين الثقل الثاني الآن؟ وما تفسير عدم مفارقته للقرآن في زمن الغيبة؟

ج 17 : إنّ حديث الثقلين يثبت - بوضوح - المرجعية العلميّة لأهل البيت النبويّ ، جنباً إلى جنب مع القرآن الكريم ، ويلزم المسلمين بأن يتمسّكوا في الأُمور الدينية جنباً إلى جنب مع القرآن الكريم ، ويلتمسوا رأيهم.

وإنّ غيبة الإمام لا تمنع الانتفاع به ، بل أنّ الكلّ ينتفع بوجوده ، كما ينتفع بالشمس إذا غيّبها السحاب ، هذا ما ورد عنهم عليهم السلام.

س 18 : تعتذر الإمامية لأئمّتهم في عدم القيام بالإمامة والخروج ، بالخوف وعدم وجود الناصر ، والعلم بعدم الجدوى.

وكيف استطاع بعض أئمّة أهل البيت عليهم السلام القيام والخروج على الظالمين؟ كالإمام الحسين والإمام زيد ، ونجح بعضهم في إقامة دولة الإسلام لمئات السنين ، كالإمام الهادي؟!

ج 18 : إنّ الأدوار الملقاة على عاتق كلّ إمام تختلف باختلاف الظروف المحيطة بالإمام ، فإذا خرج الإمام الحسين عليه السلام ، فإنّه لا يعني أنّ جميع الأئمّة يجب عليهم الخروج ، بل النصوص الواردة من النبيّ صلى الله عليه وآله تشير وبوضوح إلى إمامة كلّ من الحسن والحسين ، بقوله صلى الله عليه وآله : ( الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ) (2) ، أي قاما بالسيف والجهاد أو قعدا عن ذلك ، وهذا خير دليل على

ص: 581


1- 1. الفهرست : 57.
2- 2. روضة الواعظين : 156 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 163.

اختلاف الأدوار عند الأئمّة عليهم السلام ، ونحن الآن تبعاً لإمامنا المنتظر ، ننتظر اليوم الموعود للقيام والقضاء على الظلم ، وإقامة دولة الحقّ بعونه تعالى.

وتعليقاً على ما ذكرته : أثبت أوّلاً إمامة الهادي ثمّ ناقش في نجاحه ، وهذا كإثبات خلافة أبي بكر بالفتوحات التي حصلت في عصره!!

س 19 : كيف تجمعون بين وصفكم الإمام بالخوف ، وبين المعلوم ضرورة من وجوب اشتراط الشجاعة فيه؟ أم أنّكم تجوّزون الجبن في حقّه؟!

ج 19 : من المواصفات الثابتة للإمام عليه السلام الشجاعة ، وإذا ورد أنّ الإمام يخاف ، فهو لا يخاف على نفسه حتّى يثبت له الجبن ، بل أنّه يخاف على الدين من الضياع والاندراس والاضمحلال ، وبهذا الخوف لا تنتفي الشجاعة عن الإمام ، بل الإمام في قمّة شجاعته ، لكن الموقف يحتمّ عليه عدم إعمال شجاعته ذلك أن تقول أنّه خائف على نفسه التي بذهابها يذهب الدين ، وإلاّ فما تفسير خوف موسى عليه السلام بنصّ القرآن؟!

س 20 : إذا كان الأئمّة يعلمون الغيب ، فلماذا خرج الإمام الحسين عليه السلام إذا كان يعلم عدم الجدوى؟ بينما لم يخرج باقي الأئمّة ، خاصّة بعد وجود الناصر لبعضهم ، كزين العابدين عليه السلام عندما عرضت عليه البيعة والإمامة فرفض ، وقبلها ابن عمّه الحسن بن الإمام الحسن ، مع أنّ وجود الناصر يقيم الحجّة ، حتّى ولو كان الناصر غير صادق في بيعته ، كما قال الإمام علي عليه السلام : ( والله لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجّة بوجود الناصر ... ، لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها ) (1)؟!

ج 20 : الإمام الحسين عليه السلام لم يخرج من أجل الانتصار العسكريّ السريع ، بل كان يعلم بمقتله ومقتل أصحابه ، لكن هذا العمل - وهو الشهادة في سبيل الله - هو الانتصار الحقيقيّ الذي كان ينظر إليه الإمام ، بأنّه هو الذي يعيد الإسلام إلى المسار الصحيح ، بعد أن أراد بنو أُمية إعادة الأمر جاهلية.

ص: 582


1- 1. شرح نهج البلاغة 1 / 202.

ثمّ إنّه لابدّ من أجل قيام الإمام زين العابدين عليه السلام من وجود العدد الكافي لذلك ، وتشخيص الإمام زين العابدين عليه السلام - وهو المعصوم - أنّ أنصاره من القلّة بحيث لا يستطيع القيام بهم ، وهذا يختلف تمام الاختلاف مع الإمام علي عليه السلام ، الذي كانت مقاليد السلطة بيديه ، عندما حارب حروبه الثلاثة ، ولذلك فالإمام علي عليه السلام لم يقم قبل خلافته ، وكان يعتذر أيضاً بقلّة الناصر.

ثمّ أنّ معنى حضور الحاضر ، من حضر لبيعته ، ولزوم البيعة لذمّة الإمام بحضوره ، والإمام بعبارته لم يعلّق الأمر على قيام الحجّة بوجود الناصر فقط ، بل أضاف ذلك إلى حضور الحاضر ، وهذا هو الفرق بين الإمامين عليهما السلام.

س 21 : لماذا تناول السمّ من مات من الأئمّة مسموماً؟ وهو يعلم أنّه مسموم ، كالإمام الحسن ، وعلي بن موسى الرضا ، ألا يكون ذلك قتلاً للنفس؟!

ج 21 : إنّ الله تعالى قدّر عليهم ذلك ، وقضاه وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار ، فإن اختاروا ذلك كتبت لهم تلك المنازل ، وأعطيت لهم تلك الكرامات ، التي لا ينالها إلاّ من قتل في سبيله ، وهذا ليس مختصّاً بمن شرب السمّ ، بل حتّى من قتل بالسيف ، كالإمام علي عليه السلام ، فقد كان يعلم قاتله ، والليلة التي يقتل فيها ، والموضع الذي يقتل فيه.

يعلّل إمامنا الرضا عليه السلام عن ذلك بقوله : ( ذلك كان ، ولكنّه خير في تلك الليلة ، لتمضي مقادير الله عزّ وجلّ ) (1) ، وهكذا كان الجواب منهم عليهم السلام عن شأن حادثة الحسين عليه السلام.

س 22 : ما معنى وصف أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام للأئمّة بالقيام في قوله : ( وإنّما الأئمّة قوام الله على خلقه ) (2) ، وقوله : ( اللهم بلى ، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة ) (3)؟!

ص: 583


1- 1. الكافي 1 / 259.
2- 2. شرح نهج البلاغة 9 / 152.
3- 3. المصدر السابق 18 / 347.

ج 22 : أنت بذكرك لقول الإمام علي عليه السلام أمّا أن تعترف به وتقرّ بصحّته أو لا؟ فإذا أقرّيت بصحّته ، فكيف تفسّر الفترات الزمنية التي لم يوجد فيها إمام يحمل تلك الصفات؟ وأمّا أنّك لا تعترف بصحّة قول الإمام علي عليه السلام فلا داعي للنقاش فيه.

والذي نقوله نحن : أنّ الخبر صحيح ، وأنّ المراد بهم الأئمّة الاثنا عشر ، الذين لا تخلو الأرض منهم ، وأن لم يقوموا بالسيف ، بدليل آخر الخبر الذي بترته ولم تذكره ، وهو قوله عليه السلام : ( لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة ، إمّا ظاهراً مشهوراً ، وإمّا خائفاً مغموراً ).

س 23 : ورد عن الإمام علي عليه السلام عدّة روايات تذكر صفات الأئمّة ، كقوله : ( وقد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء ... البخيل ) (1) ، وكقوله : ( إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه ) (2) ، لماذا يذكر الأئمّة بالصفات مع علمه بالأسماء ، فيقول : إنّ أحقّ الناس بالإمامة هم المنصوص عليهم ، وهم فلان وفلان؟!

ج 23 : الإمام علي عليه السلام ليس بصدد الإجابة عن سؤال : من هم الأئمّة؟ أو إيضاح ذلك ، حتّى يبيّن لهم أسماء الأئمّة واحداً واحداً ، بل هو بصدد إيضاح مسؤوليته هو كإمام ، ومسؤولية الأئمّة من بعده ، وذكره للصفات لا ينفي وجود نصوص تعيّن فيها أسماء الأئمّة واحداً واحداً ، وهي كثيرة فراجع.

س 24 : تجوّزون إمامة الأطفال ، تبريراً لإمامة الجواد والهادي حال طفوليتهما ، اذكروا لنا الدليل القطعي على جواز الإمامة في الأطفال؟!

ويستدلّ بعضكم على جواز الإمامة في الأطفال ، بقوله تعالى : ( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) (3).

ص: 584


1- 1. المصدر السابق 8 / 263.
2- 2. المصدر السابق 9 / 328.
3- 3. مريم : 12.

فكيف تقيسون أئمّتكم على هذه الآية ، مع أنّكم تحرّمون القياس؟! وهل معنى قياسكم على هذه الآية أنّ كلّ ما ورد في الأنبياء من الخصوصيّات فهو في الأئمّة ، كتكليم الله لموسى عليه السلام ، وكجواز تعدّد الزوجات في حقّ النبيّ صلى الله عليه وآله لأكثر من أربع؟! إن قلتم : نعم ، فبيّنوا وقوع ذلك للأئمّة بالدليل القطعي.

ج 24 : للإجابة على هذا السؤال نذكر النقاط الآتية :

1 - لا يحتاج لإثبات إمامة الجواد عليه السلام لأكثر من النصوص الواردة باسمه من قبل الإمام الرضا عليه السلام ، ومن قبل بقية المعصومين عليهم السلام ، وكذلك الحال بالنسبة للإمام الهادي عليه السلام.

2 - هناك فرق بين القياس الباطل الذي لا نقول به ، والقياس الذي يصحّ الاستدلال به ، لأنّ المناط في القضيتين واحد ، فجواز تبليغ الأحكام وهداية الخلق ، مثل ما جاز في النبوّة من قبل من هو صغير السنّ ، كذلك يجوز أيضاً في الإمامة.

3 - نحن لا نقول : بأنّ الإمام كان يمتلك عقول الأطفال ، حتّى يرد علينا ما يرد ، ولكن نقول : أنّ الإمام كان أعلم أهل زمانه ، والمناظرات التي أجراها مع علماء عصره - وهو صغير السنّ - تثبت ذلك.

س 25 : هل للقيام والخروج على الظالمين أصل في مذهب الإمامية؟ أم لا؟! إن قلتم : نعم ؛ فأوردوه لنا بالطرق القطعية؟! وكيف تجمعون بينه وبين المشهور من مذهبكم من التقيّة؟!

ج 25 : الخروج على الظالمين قد يكون من الواجبات التي لا يقدّم عليها غيرها ، كما عمل الإمام الحسين عليه السلام عندما رأى أنّ شريعة جدّه لا يعمل بها ، فخرج ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ولا مجال هنا للتقيّة ، لأنّ الحفاظ على الدين والمذهب أهمّ من الحفاظ على النفس.

أمّا إذا كان بالخروج إزهاق لأرواح كثير من المؤمنين ، دون أن توجد هناك فائدة أعظم للدين والمذهب ، يتوقّف عندها علماء المذهب في الخروج على الظالمين.

ص: 585

س 26 : لماذا لم يعمل الإمامية بمبدأ القيام والخروج على الظالمين قبل الخميني طيلة مئات السنين؟!

ج 26 : قد عمل الكثير من علماء المذهب بنفس المنهج الذي سار عليه الإمام الخميني ، لكن الفرق أنّهم لم يستطيعوا التوصّل إلى النتيجة التي وفّق إليها الإمام الخميني.

س 27 : ما الفرق بين نظرية ولاية الفقيه عند الإمامية ، وبين الإمامة عند الزيديّة؟

ج 27 : إنّ الإجابة على هذا السؤال تعود إلى الأُصول الاعتقادية عند الفريقين ، فلاحظ أنّ الإمامية القائلين بمبدأ ولاية الفقيه المطلقة أو المقيّدة ، لا يخرجون ويرفعون الفقيه من مجتهد إلى إمام.

وإذا قلت : أنّ أئمّة الزيديّة أيضاً مجتهدون ، فلا يبقى بينها سوى أنّ المجتهد الإمامي يستنبط من الأدلّة الشرعيّة التي قرّرها الله تعالى ، والمجتهد الزيديّ كالمجتهد من أهل العامّة ، يستنبط من أدلّة اختارها هو ، بعضها من دون دليل ، واتبع فيها هواه!

س 28 : هل ولي الفقيه حجّة على العباد أم لا؟! إن لم يكن حجّة ، فما الحكمة من نصبه؟!

ج 28 : الولي الفقيه حجّة على من يعتقد بولاية الفقيه ، وهذه مسألة فقهيّة لا تأتي النوبة إليها إلاّ بعد الفراغ عن الأُصول ، فهل أقررت بأُصول الإمامية حتّى نتناقش في فروعهم!!

س 29 : أين كانت نظرية ولاية الفقيه ألفا ومائتي سنة؟

ج 29 : ولاية الفقيه موجودة عند جميع العلماء ، إلاّ أنّ هناك خلافاً في حدود تلك الولاية ، فقسم من الفقهاء يرى أنّها عامّة ، وقسم يرى أنّها خاصّة ، والأبحاث فيها قديمة ، راجع ذلك في كتب الفقه.

س 30 : هل مناصرة الإمام الخميني واجبة أم لا؟! إن قلتم : نعم ، فكيف

ص: 586

يجب علينا مناصرة غير الإمام المنصوص عليه ، ولما لم توجبوا ذلك في حقّ أئمّة الزيديّة؟!

ج 30 : واجبة على مقلّديه ومن يعتقد بولاية الفقيه ، أمّا بالنسبة لأئمّة الزيديّة فليس الواجب علينا إطاعتهم ما داموا ليسوا على الحقّ عندنا ، وهي مسألة ترجع إلى الأُصول.

س 31 : إن كانت ولاية الفقيه من الغائب ، فمتى التقى الغائب بالإمام الخميني حتّى يعطيه هذه الولاية ، وما هو الدليل القطعي على ذلك؟!

ج 31 : الإمام الغائب عليه السلام لم ينصّب مجتهداً بعينه للتقليد ، وإنّما أعطى الشروط ، وكذا لولي الفقيه شروط عند القائلين بها ، وليس هو منصب لشخص بعينه ، وولي الفقيه يقوم مقام الإمام عليه السلام لحين ظهوره عليه السلام.

س 32 : ما هو الفرق إذاً بين تولّي الإمام الخميني لإعمال الإمامة ، وبين تولّي أئمّة الزيديّة لذلك؟ ولماذا تعيبون عليهم جعل الإمامة في غير المعصوم المنصوص عليه من الله بالذات؟!

ج 32 : الفرق بين الولي الفقيه والإمام الزيديّ ، هو أنّ الفقيه الشيعيّ لا يدّعي الإمامة لنفسه من الله ، ويعتقد أنّ الإمام الأعظم منصَّب من الله تعالى بالنصّ ، فهو تابع للأئمّة عليهم السلام ، ولا يعتقدون بأنّهم خلفاء الله في الأرض ، بل هم نوّاب عن الإمام ، وذلك مؤقت وسدٌّ للفراغ ، فإنّ ظهر الإمام المعصوم سلّم له زمام الأمر ، وكان من أتباعه وخدّامه ، فقد قال تعالى عن الإمامة العظمى : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) (1).

س 33 : جاء في الأحاديث : أنّ أنصار الإمام المهديّ عليه السلام هم أهل اليمن ، وأهل خراسان ، وأنّ الراية اليمانية هي أهدى الرايات ، فما سبب أفضلية الراية اليمانية؟ هل لأنّهم زيدية؟ أم لأنّهم سيصبحون اثني عشرية؟!

إذا كان لأنّهم سيصبحون اثني عشرية ؛ فمن سيهديهم إلى الاثني عشرية؟

ص: 587


1- 1. البقرة : 30.

هل هم أصحاب الراية الخراسانية أم غيرهم؟!

ج 33 : إنّ أحاديث الظهور وعلاماته تذكر خروج اليماني ، واليمن فيها من كلّ فرقة وطائفة ، فهل تجزم أنّه سيكون زيدياً؟ وكذلك فإنّ اليماني يدعو ويمهّد للإمام المهديّ - بنصّ الأحاديث - ولا يدعو لنفسه ، كما قال عليه السلام ، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني هي راية هدى ، لأنّه يدعو إلى صاحبكم ، وهذا خلاف عقيدتكم.

وقد يكون اليماني هو الذي يدعو أهل اليمن للاثني عشرية ، وخصوصاً عندما يوصف في الأحاديث بأنّه يحمل راية هدى ، ويدعو للإمام المهديّ وينصره ، وكذلك تحذّر الأحاديث من التأويل وعدم نصرته ، لأنّه خلاف مذهب الناس ، هناك فقال عليه السلام : ( وإذا خرج اليماني فانهض إليه ، فإنّ رايته راية هدى ، ولا يحلّ لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار ، لأنّه يدعو إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم ) (1).

ومن المعلوم : أنّ الحقّ المدّعى في رواياتنا هو مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وقد يتغيّر أهل اليمن ، وكما هو واضح الآن انتشار التشيّع لديهم شيئاً فشيئاً ، والله العالم بالغيب.

س 34 : هل الإيمان بالإمامة عندكم ضرورة دينية لاكتمال وصحّة الدين الإسلاميّ أم لا؟!

ج 34 : نعم ، وجوب الإيمان بالإمامة ضرورة دينية لاكتمال وصحّة الدين ، كما قال تعالى لنبيّه صلى الله عليه وآله : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (2).

فهذا الأمر العظيم المكمّل للدين ، وهذا التهديد بعدم الإكمال لولا وجود هذا الأمر وتبليغه ، يدلّ على عدم كمال الدين من دونه ، وخصوصاً أنّ هذه

ص: 588


1- 1. الغيبة للنعماني : 256.
2- 2. المائدة : 67.

الآيات الكريمة تمثّل آخر ما نزل من القرآن الكريم على خاتم النبيّين صلى الله عليه وآله ، كذلك نزول آية إكمال الدين بعدها يبيّن أهمّية الإمامة وضرورتها ، قال تعالى : ( أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... ) (1).

وكذلك ما دلّت عليه الأحاديث الشريفة عن النبيّ صلى الله عليه وآله : ( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) (2) ، وقوله : ( من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية ) (3) ، وقوله : ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) (4).

والأئمّة الذين أمرنا النبيّ صلى الله عليه وآله بمبايعتهم وطاعتهم المطلقة ، هم خلفاء الله المعصومون الراشدون المهديّون ، وهم اثنا عشر ، كما قال صلى الله عليه وآله : ( لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ) (5).

وروى أحمد في مسنده ، وحسّنه ابن حجر في فتح الباري ، عن ابن مسعود قال : ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : ( اثنا عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل ) (6).

ومذهبكم قطعاً يخالف هذا الحديث العظيم ، الذي حار فيه كلّ مخالف للإمامية ، فأهل السنّة لم يجدوا اثني عشر إماماً عادلاً ، حتّى يطبّقوا هذا الحديث ، وكذلك اختلفوا في تسميتهم ، وأنتم لديكم أكثر من هذا العدد

ص: 589


1- 1. المائدة : 3.
2- 2. صحيح مسلم 6 / 22 ، كتاب السنّة : 489 ، المعجم الكبير 19 / 335 ، المجموع 19 / 190 ، المحلّى 1 / 46 و 9 / 359 ، نيل الأوطار 7 / 356 ، كنز العمّال 6 / 52.
3- 3. كتاب السنّة : 489 ، مجمع الزوائد 5 / 225 ، مسند أبي يعلى 13 / 366 ، المعجم الأوسط 6 / 70.
4- 4. شرح المقاصد 2 / 275.
5- 5. صحيح مسلم 6 / 4 ، الآحاد والمثاني 3 / 128 ، مسند أبي يعلى 13 / 456.
6- 6. مسند أحمد 1 / 398 ، فتح الباري 13 / 183.

قطعاً ، فلم ينطبق هذا الحديث على غير مذهب الاثني عشرية ، ولله الحمد والمنّة.

س 35 : تصرّح بعض الآيات القرآنيّة بصفات التفضيل ، ويتّضح بجلاء عدم انطباقها على بعض أئمّة الاثني عشرية ، كقوله تعالى : ( فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ) (1) ، وكقوله تعالى : ( وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) (2) ، ما قولكم؟

هل هناك آيات مثيلة - أي مصرّحة بصفات تفضيل - تذكر صفات يمكن انطباقها على جميع أئمّة الاثني عشرية ؛ وخاصّة من هم موضع خلاف مع الزيديّة ، وما هي؟!

ج 35 : هذا التفاضل صحيح لولا أنّه أجنبي عن الموضوع ، فالإمامة لدينا خلافة الله في الأرض ، والله سبحانه يجعل وينصّب خليفة عنه وباختياره وبتفضيله ، قال تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) (3) ، وقوله تعالى : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا ) (4).

وقال تعالى : ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (5).

فهذا التفضيل بين الناس إذا تساووا في المرتبة ، وليس بين جمهورهم والإمام ،

ص: 590


1- 1. النساء : 95.
2- 2. النساء : 95.
3- 3. القصص : 68.
4- 4. النساء : 54.
5- 5. البقرة : 247.

فإنّ الإمامة مرتبة لا تدانيها مرتبة أُخرى.

والإمام لا يقعد حين يجب القيام ، وكذا لا يقوم حيث يجب القعود ، ولا ينفع القيام بل قد يضرّ.

س 36 : ما حكم خروج أفاضل وأعلام أهل البيت عليهم السلام من أئمّة الزيديّة وشيعتهم عند الإمامية؟ كالإمام الأعظم الشهيد زيد بن علي ، وابنه الإمام يحيى ، والأئمّة الأخوة محمّد وإبراهيم وإدريس ويحيى أبناء عبد الله الكامل بن الحسن بن الإمام الحسن بن الإمام علي ، وكالإمام الحسين بن علي الفخ ، والإمام القاسم الرسي ، وحفيده الإمام الهادي وغيرهم عليهم السلام؟!

هل هم بغاة على الأئمّة الاثني عشر؟! أم أنّهم جهلوا النصّ على الاثني عشر؟! أم أنّ خروجهم كان دعوة إلى الاثني عشر؟!

ج 36 : كان خروجهم على الظلم ، وكان أمراً بالمعروف ، ونهياً عن المنكر ، وكان مباركاً ومأذوناً من قبل الأئمّة عليهم السلام ، وحاشاهم من البغي أو الدعوة لأنفسهم ، ولو ظفروا لوفوا للأئمّة عليهم السلام ، كما وصفوهم ومدحوهم عليهم السلام ، وكذلك صرّحوا بسعادتهم وأجرهم وشهادتهم.

وكانوا يعتقدون بأئمّتنا عليهم السلام ، وروى يحيى بن زيد عن أبيه الطاهر : ( أنّ الأئمّة اثنا عشر ، وسمّاهم بأسمائهم ، وقال : إنّه عهد معهود عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله (1).

هذا في بعض من ذكرت ، وأمّا البعض الأُخر ، فمنهم من نتوقّف فيهم لا نعلم حقيقتهم ، ومنهم من دعا إلى نفسه لا إلى إمام زمانه.

س 37 : فما معنى الأحاديث المجمع عليها ، التي وردت في كتبكم - كالغدير للأميني - والتي جاءت في مدح أئمّة الزيديّة ، والثناء عليهم من النبيّ صلى الله عليه وآله ، والدعاء على قاتلهم ، والبكاء عليهم عند إعلام الوحي له بقتل أحد منهم؟

ج 37 : لو قرأت الغدير جيّداً ، وكذلك النصّ والاجتهاد ، وغيرها من كتب

ص: 591


1- 1. النصّ والاجتهاد : 531.

الرجال والتراجم ، لرأيت جزم المؤلّفين بتشيّع هؤلاء الرجال العظام ، وغيرهم من عظماء وشهداء وعلماء أهل البيت للأئمّة الاثني عشر عليهم السلام ، ولأئمّة زمانهم ، كعبد الله بن عباس ، والشهيد زيد بن علي ، وابنه يحيى ، وعبد الله بن الحسن المحض ، وغيرهم.

والقاعدة هي تشيّعهم ، وعدم الدعوة لأنفسهم ، وإنّما كانوا يدعون إلى الرضا من آل محمّد ، ولو ظفروا لوفوا كما وصف الإمام الصادق عليه السلام عمّه الشهيد زيد بن علي ، وترحّم عليهم ، وقال في وصفهم أيضاً : ( أنّهم نالوا الأجر والسعادة ) ، وبكى عليهم ، وغير ذلك من دلالات الوفاق والتأييد ، وتأدية الواجب والمطالبة بحقّ الأئمّة عليهم السلام.

س 38 : هل أئمّة الزيديّة وشيعتهم معذورون بخروجهم على الظلم أم لا؟

ج 38 : نعم معذورون بل مأجورون ، وبنصّ أئمّتنا عليهم السلام ، بل كانوا مأذونين من قبل الأئمّة عليهم السلام ، ولكن ليس كلّ أئمّة الزيديّة ، الذين تعتقدون بهم أنتم ، والباقون وأن كان الزيديّة يعدّونهم في أئمّتهم ، كزيد ويحيى وغيرهما ، ولكنّا لا نعدهم زيدية بل إمامية.

س 39 : إن كان خروج أئمّة الزيديّة للدعوة للاثني عشر ، فما هو الدليل القطعي على ذلك من الروايات التاريخيّة؟ التي تثبت التنسيق بين الأئمّة الزيديّة مع الأئمّة الاثني عشر؟

لماذا لم يقل ذلك ويعترف به ، ويسلّم به الإمام الأعظم الشهيد الولي بن الولي زيد بن علي عليه السلام للروافض؟ الذين رفضوه محتجّين بإمامة جعفر الصادق عليه السلام ؛ مع أنّ موقفه كان موقف الحريص على الفرد الواحد ولو بإرضائه تقيّة ؛ فكيف بالصدق والحقّ؟!

ج 39 : من أين لكم هذه الأكاذيب؟ بأنّ الشيعة رفضوا زيداً وناهضوه ، إلاّ إذا صدّقتم ما في كتب أعدائهم!! بل على العكس من ذلك ، فقد نصروه وقاتلوا معه ولم يخالفوه ، وهم كانوا في نفس الوقت يعتقدون بإمامة الإمام الصادق عليه السلام ، وعدم قتال جميع الشيعة لا يدلّ على إثمهم ورفضهم له ، بل

ص: 592

حصل ذلك مع الحسين عليه السلام عندما نصحه بعض أهل البيت بعدم الخروج ، كابن عباس ، ومحمّد بن الحنفيّة ، وغيرهما.

وعدم خروج جميع أهل البيت ، أو جميع الشيعة معه ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب كفائي ، إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، وليس هو كالجهاد الدفاعي ، الذي يجب على كلّ مسلم حتّى المريض والمعذور ، والمرأة والطفل.

وأصحاب الأئمّة عليهم السلام لم يكونوا يعتقدون بزيد بأنّه إمام واجب الطاعة ، فلاحظ!! ومع ذلك فإنّ بعض أصحاب الأئمّة طلب - أي الإمام المعصوم عليه السلام - في الخروج مع زيد.

ثمّ متى كنتم تعتقدون بإمامة زين العابدين؟ حتّى تقول عن زيد بن علي : الولي بن الولي!! وإذا قلت : أنّه من باب الإلزام ، فنقول لك : إنّا لا نعتقد بأنّ زيد عليه السلام إمام ، وإن كنّا نعتقد بأنّ السجّاد عليه السلام إمام.

س 40 : البداء إنّما وضع حلاً لموت إسماعيل - قبل أبيه - الذي اعتقدوا إمامته فترة من الزمن ، عملاً بنظرية أنّ الإمامة في الكبير من أولاد الإمام السابق.

ج 40 : ثبوت مسألة البداء كعقيدة إسلامية يكفي في الدلالة عليها ما يلي :

1 - قوله تعالى : ( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (1).

2 - قوله تعالى : ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) (2).

3 - قوله تعالى : ( لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) (3).

وكذلك ما ورد في آثار الدعاء وفلسفته في تغيير القدر ، أو الصدقة التي تدفع ميتة السوء ، أو صلة الرحم التي تطيل العمر ، وهذه كلّها مسلّمات عند جميع المسلمين ، وهي من البداء.

ص: 593


1- 1. الرعد : 39.
2- 2. الرحمن : 29.
3- 3. الطلاق : 1.

وكذلك ورد لفظ البداء في صحيح البخاريّ عن أبي هريرة قال : أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ( إنّ ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأعمى وأقرع بدا لله عزّ وجلّ أن يبتليهم ، فبعث إليهم ملكاً ... ) (1) ، وهناك أحاديث كثيرة بهذا اللفظ ، أو بمعنى البداء.

س 41 : حصر الإمامة في اثني عشر ، وضع حلاً لانعدام ذرّية الإمام الحادي عشر عندكم.

ج 41 : ثبت ذلك في كتب السنّة قبل وفاة الإمام العسكريّ عليه السلام ، فروى حديث الأئمّة الاثني عشر ، كلّ من أحمد بن حنبل (2) ، والبخاريّ (3) ، ومسلم (4) ، وكلّ هؤلاء ألّفوا كتبهم قبل وفاة الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام.

حتّى قال ابن كثير في البداية والنهاية ، بعدما نقل من التوراة أنّ الله بشّر إبراهيم بإسماعيل ، وإنّه ينمّيه ويكثّره ، ويجعل من ذرّيته اثني عشر عظيماً ، ونقل عن شيخه ابن تيمية ، أنّه قال : ( وهؤلاء المبشّر بهم في حديث جابر بن سمرة ، وقرّر أنّهم يكونون مفرقين في الأُمّة ، ولا تقوم الساعة حتّى يوجدوا ، وغلط كثير ممّن تشرف بالإسلام من اليهود ، فظنّوا أنّهم الذين تدعو إليهم فرقة الرافضة فاتبعوهم ) (5).

وكلّ ذلك يا أخي ، يدلّ على وجود النصّ على الأئمّة الاثني عشر حتّى في الأديان السابقة ، ناهيك عن كتب المسلمين المتقدّمين منهم والمتأخّرين ، فهي من الأُمور المتسالمة.

س 42 : جاء في نهج البلاغة ذكر صفات هامّة لإمام المسلمين ، من ذلك :

ص: 594


1- 1. صحيح البخاريّ 4 / 146.
2- 2. مسند أحمد 1 / 398 و 5 / 86 و 90 و 95 و 101 و 107.
3- 3. صحيح البخاريّ 8 / 127.
4- 4. صحيح مسلم 6 / 3.
5- 5. البداية والنهاية 6 / 280.

1 - قال الإمام علي عليه السلام حين جمع الناس وحثّهم على الجهاد ، فتكاسلوا وتحجّجوا بعدم خروجهم معه ، فقالوا : إن تخرج نخرج ، فقال كلاماً منه : ( أفي مثل هذا ينبغي لي أن أخرج! وإنّما يخرج في مثل هذا رجل ، ممّن أرضاه من شجعانكم ، وذوي بأسكم ، ولا ينبغي لي أن أدع الجند والمصر وبيت المال وجباية الأرض ، والقضاء بين المسلمين ، والنظر في حقوق المطالبين ، ثمّ أخرج في كتيبة أتبع أخرى ... ) (1).

2 - قال عليه السلام في تبيين سبب مطالبته بالإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله : ( اللهم إنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان ، ولا التماس شيء من فضول الحطام ، ولكن لنرد المعالم من دينك ، ونظهر الإصلاح في بلادك ، فيأمن المظلومون من عبادك ، وتقام المعطّلة من حدودك ... ) (2).

يبيّن فيها سبب طلبه للحكم ، ويصف الإمام الحقّ.

3 - قال عليه السلام : ( إنّه ليس على الإمام إلاّ ما حمل من أمر ربّه : الإبلاغ في الموعظة ، والاجتهاد في النصيحة ، والإحياء للسنّة ، وإقامة الحدود على مستحقيها ، وإصدار السهمان على أهلها ) (3).

في بعض صفات الرسول الكريم ، وتهديد بني أُمية وعظة الناس.

فقد ذكر عليه السلام في الكلمة الأُولى بعضاً من أهمّ أعمال الإمام ، وهي أنّه لا ينبغي للإمام ترك الجند والمصر ، وبيت المال وجباية الأرض ، والقضاء بين المسلمين ، والنظر في حقوق المطالبين ، رغم وجاهة السبب وهو الخروج للجهاد.

كما ذكر عليه السلام في الكلمة الثانية أعمالاً هامّة أُخرى للإمام ، وهي ردّ المعالم من الدين ، وإظهار الإصلاح في بلاد ربّ العالمين ، وتأمين المظلومين ، وإقامة المعطّل من حدود أحكم الحاكمين.

ص: 595


1- 1. شرح نهج البلاغة 7 / 285.
2- 2. المصدر السابق 8 / 263.
3- 3. المصدر السابق 7 / 167.

كما ذكر عليه السلام في الكلمة الثالثة أعمالاً أُخرى للإمام ، وهي : الإبلاغ في الموعظة ، والاجتهاد في النصيحة ، والإحياء للسنّة ، وإقامة الحدود على مستحقّيها ، وإصدار السهمان على أهلها ، ومن المعلوم أنّ اشتراط الإمام علي عليه السلام في الإمام القيام بتلك الأعمال هو معنى ما تشترطه الزيديّة في الإمام ، من الدعوة والقيام بأمر الإمامة.

كما أنّه من المعلوم : أنّ غائب الاثني عشرية لا يقوم بشيء من تلك الأعمال ، ولا يفعل شيئاً من تلك المهام ؛ فهو تارك للجند والمصر ، وبيت المال ، وجباية الأرض ، والقضاء بين المسلمين ، والنظر في حقوق المطالبين ، كما أنّه لا يردُّ المعالم من الدين ، ولا يظهر الإصلاح في بلاد المسلمين ، ولا يؤمن المظلومين ، ولا يقيم حدود دين ربّ العالمين ، وكذلك لا ينطبق عليه ما اشترطه الإمام علي عليه السلام في الإمام ، من الإبلاغ في الموعظة ، والاجتهاد في النصيحة ، والإحياء للسنّة ، وإقامة الحدود على مستحقّيها ، وإصدار السهمان على أهلها ؛ فهو لا يبلغ في الموعظة ولا ينصح ، ولا يحيي السنّة ولا يقيم الحدود ، ولا يصدر السهمان على أهلها ، أليس في عدم اتصاف غائب الاثني عشرية بتلك الصفات والأعمال نقض لمشروعية الغيبة؟

وكيف ستجمعون بين كلام الإمام علي عليه السلام وبين عدم اتصاف غائب الاثني عشرية بهذه الصفات الإمامية الهامّة؟ وعدم قيامه بشريف تلك الأعمال السامية.

ج 42 : المواصفات التي ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام واضحة ، لمن كان من الأئمّة عليهم السلام متقلّداً للإمامة ظاهراً.

فإنّ الإمام علي عليه السلام هو نفسه لم يفعل كلّ ذلك أو أغلبه ، لما أبعد عن مقامه في بداية الخلافة ، وكذلك في زمانه لم يستطع فعل الكثير من السنن ، أو النهي عن الكثير من البدع ، وكذلك أنّه لم يُطع إلاّ قليلاً ، وقد حورب وكفّر ، ولم يُسمع رأيه.

فالإمامة التي تصلح الأُمّة بها ، لا تكون فيها المصلحة الكاملة حتّى تكون في وقتها وبشروطها ، فلمّا ترك المسلمون ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ضلّوا واختلفوا ،

ص: 596

ولم يوفّقوا لثمرة الإمامة إلاّ بالنزر اليسير.

فالأئمّة عليهم السلام لم يتقلّدوا الإمامة إلاّ في زمان أمير المؤمنين ، وهي خمسُ سنوات وستّة أشهر ، وللإمام الحسن ، وجرى في جُلِّ هذه المدّة البسيطة من حربهم ومخالفتهم حتّى انقضت.

وكذلك عصر الغيبة لا يختلف عمّا سبق ، إلاّ بعدم ظهور الإمام ، وقد حصل السجن أو القعود في البيت لكثير من الأئمّة قبله ، والفرق هنا هو طول مدّة الغيبة ، وعدم مشاركة الناس الظاهرة ، أو وجود آرائه ، أو المشاركة في شيء من الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر ، أو نشر العلم أو غير ذلك ظاهراً مشهوراً بين الناس معروفاً ، وإن كان الكثير منه معروفاً لدى القليل منهم ، وليس ذلك أمراً غريباً بعدما رفضوا من قبل المسلمين ، ولم يعملوا بوصية رسول ربّ العالمين.

ثمّ أورد عليك نقضاً بغياب رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة أيّام في الغار ، فما تقول هنا نقول هناك؟

س 43 : قال الإمام علي عليه السلام : ( وقد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء ، والمغانم والأحكام ، وإمامة المسلمين البخيل فتكون في أموالهم نهمته ، ولا الجاهل فيضلّهم بجهله ، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه ، ولا الحائف للدول فيتخذ قوماً دون قوم ، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ، ويقف بها دون المقاطع ، لا المعطّل للسنّة فيهلك الأُمّة ) (1).

يبيّن فيها سبب طلبه للحكم ، ويصف الإمام الحقّ.

إذا كانت الإمامة محدّدة بالنصّ على أسماء أشخاص معينيّن كما تقولون ، وليست كما تقول الزيديّة من أنّها بالشروط والصفات ؛ فلماذا لم يقل الإمام علي عليه السلام أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين - غير الأئمّة الاثني عشر - وإنّما عيّن الأئمّة بذكر صفات كما

ص: 597


1- المصدر السابق 263/8.

هو مذهب الزيديّة من تحديد الإمامة بالصفات والشروط؟

ج 43 : الإمام هنا يبيّن صفاته وواجباته بعد ثبوت إمامته وولايته للأمر ، أي أنّه يبيّن صفات الإمام الواقعية ، أمّا إذا اغتصب آخر للخلافة ، وجعلها ملكاً عضوضاً ، أو ملكاً جبرياً ، أو دون نصّ من الله أو رسوله ، فلا يقصد الإمام وصفه بذلك واقعاً وشرعاً كما بيّنا سابقاً.

وقد بيّن الإمام عليه السلام حقّه والنصّ عليه ، كما يروي أحمد في مسنده (1) وغيره ، من أنّه أشهد الصحابة على نصّ حديث الغدير في رحبة الكوفة ، ودعا على من لم يشهد له بعد أن كان خليفة عليهم وباختيارهم ، وكانوا قد بايعوه واتفقوا على خلافته ، فلماذا يستشهد ويستدلّ بحديث الغدير؟ ويظهر النصّ عليه من قبل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله.

س 44 : قال عليه السلام لعثمان بن عفّان : ( فاعلم أنّ أفضل عباد الله عند الله إمام عادل ، هُدِي وهَدَى ، فأقام سنّة معلومة ، وأمات بدعة مجهولة ، وإنّ السنن لنيرة لها أعلام ، وإن البدع لظاهرة لها أعلام ، وإنّ شرّ الناس عند الله إمام جائر ، ضَلَّ وضُلَّ به ، فأمات سنّة مأخوذة ، وأحيا بدعة متروكة ، وإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر ، وليس معه نصير ولا عاذر ، فيلقى في نار جهنّم ، فيدور فيها كما تدور الرحى ، ثمّ يرتبط في قعرها ) (2).

قالها حينما اجتمع إليه الناس شاكين عثمان ، وطلبوا منه مخاطبته ونصحه.

قسّم الإمام علي عليه السلام في هذه الكلمة أصحاب الإمامة إلى عادل مهدي ، مقيم للسنّة ، ومميت للبدعة ، وإلى جائر ضالّ ، مميت للسنّة ، ومحيي للبدعة ، فإذا كانت الإمامة منحصرة في اثني عشر كما تقولون ، فسيكون معنى تقسيم الإمام عليه السلام أنّ الإمام الجائر الضالّ المميت للسنّة ، والمحيي للبدعة ، إنّما

ص: 598


1- مسند أحمد 1 / 84 و 118 و 4 / 370
2- .1. المصدر السابق 9 / 261.

هو من أُولئك الاثني عشر ، فما تعليقكم؟

وأخيراً : نسأل الله أن يوفّقنا جميعاً لمرضاته ، ويهدينا للمستقيم من صراطه ، ويجنبنا الشكّ في دينه ، والإلحاد عن سبيله ، والضلال عن ما ارتضاه منهجاً لجميع عبيده ، آمين اللهمّ آمين.

ج 44 : نقول يرد ذلك عليكم أيضاً ، فإنّكم لا تؤمنون بأئمّة الجور أيضاً.

بالإضافة إلى ذلك نقول : أنّ الإمام عليه السلام هنا ليس في صدد قبول إمامة الإمام العادل ، والإمام الجائر ، وشرعيّة إمامتهم ، ولكنّه يتكلّم عن الواقع الحاصل في الخارج ، وذلك لبيان حاجة الناس للإمام ، سواء كان إماماً شرعيّاً ، أو غاصباً غير شرعيّ.

وعندنا قامت الأدلّة كافّة على شرعيّة اثني عشر إماماً فقط ، منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قيام المهديّ عليه السلام وظهوره ، وقيام دولة الحقّ في الأرض ، وإقرار عيون المؤمنين ، وكذلك شرعيّة نُوّابهم الخاصّين والعامّين إلى قيام يوم الدين.

وفي الختام : نسأل لك الموفّقية والهداية لمذهب أهل البيت عليهم السلام ، فإنّه والله السعادة في الدنيا والآخرة.

( أحمد محمّد - مصر - 22 سنة - بكالوريوس في الهندسة الطبية )

رأي زيد في أبي بكر وعمر :

س : ما رأيكم في رأي الإمام زيد في أبي بكر وعمر؟ وهل كان حقّاً مقرّاً بخلافتهم؟ وإن كان ذلك صحيحاً فما تفسير ذلك؟ وإن كان خاطئاً ، فكيف شاع هذا الرأي عنه؟ وشكراً جزيلاً لسعة صدركم.

ج : إنّ زيد بن الإمام زين العابدين عليه السلام كان جليل القدر ، عظيم الشأن ، كبير المنزلة ، رأيه في أبي بكر وعمر رأي أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، من أنّهما غصبا الخلافة من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وهو أحقّ بها ، وما ورد ممّا يوهم خلاف ذلك ، فهو أمّا مطروح ، أو محمول على التقيّة.

ص: 599

ويؤيّد هذا ما جاء في كتب القوم ، من أنّ أتباع زيد سألوه عن رأيه في أبي بكر وعمر ، وعن مطالبته بدم أهل البيت ، فقال : ( إنّا كنّا أحقّ بسلطان رسول الله صلى الله عليه وآله من الناس أجمعين ، وإنّ القوم استأثروا علينا ، ودفعونا عنه ... ) (1).

فهذه الرواية تنصّ بصراحة ، ولا تقبل التأويل والجدل ، على أنّ زيداً كان يرى أنّ القوم قد اغتصبوهم حقّهم ، واستأثروا به عليهم ، وهي لا تتّفق مع الشائع عنه على ألسنة بعض الكتّاب.

( يعقوب الشمّري - اسكتلندا - 18 سنة - طالب )

ما صدر عن زيد حول الشيخين :

س : هل صحيح أنّ زيد بن علي كان يتولّى الشيخين؟

ج : نُسب إلى زيد كلمات وأقوال في هذا المجال ، لا طريق لنا لإثبات صحّتها ، لأنّها وردت في بعض كتب التاريخ والسير بدون سند ، أو بسند ضعيف؛ مضافاً إلى معارضتها مع ما ورد عندنا من تصريح زيد بالبراءة منهما (2).

نعم ، قد يكون صدر منه بعض العبارات إمّا تقيّة ، ولحقن الدماء ، وتوحيد صفوف جبهة المعارضة ضدّ بني أُمية ، وإمّا أنّ هذه الكلمات صدرت بنحو التورية في الكلام ، كما ينسب إليه أنّه سئل عنهما فأجاب بأنّهما : إمامان عادلان ، فكان يقصد العدول عن الحقّ ، ولو أنّه يوهم خلاف ذلك.

ص: 600


1- 1. تاريخ الأُمم والملوك 5 / 498 ، البداية والنهاية 9 / 361.
2- 2. بحار الأنوار 46 / 201.

زينب الكبرى :

اشارة

( زهراء - العراق - .... )

نبذة من حياتها :

س : أُريد أن ترسلوا لي مناقشات جديدة حول السيّدة زينب عليها السلام ، التي لم تكن معهودة حتّى الآن في محافل الشيعة ، ولم تطرح وتناقش جوانبها ، وشكراً على مساعدتكم.

ج : إنّ السيّدة زينب عليها السلام هي الصدّيقة الصغرى ، عقيلة بني هاشم ، ولدت في الخامس من شهر جمادى الأُولى من السنّة الخامسة للهجرة ، ولمّا ولدت جاءت بها أُمّها الزهراء عليها السلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقالت : ( سم هذه المولودة )؟

فقال : ( ما كنت لأسبق رسول الله صلى الله عليه وآله ) ، وكان في سفر له ، ولمّا جاء النبيّ وسأله علي عن اسمها؟ فقال : ( ما كنت لأسبق ربّي تعالى ) ، فهبط جبرائيل يقرأ على النبيّ السلام من الله الجليل ، وقال له : ( سم هذه المولودة زينب ، فقد اختار الله لها هذا الاسم ).

ثمّ أخبره بما يجري عليها من المصائب ، فبكي النبيّ ، وقال : ( من بكى على مصاب هذه البنت ، كان كمن بكى على أخويها الحسن والحسين ) (1).

ولمّا دنت الوفاة من رسول الله ، جاءت زينب إليه صلى الله عليه وآله قائلة : ( يا جدّاه رأيت البارحة رؤيا : أنّه انبعثت ريح عاصفة ، سوّدت الدنيا وما فيها وأظلمتها ، وحرّكتني من جانب إلى جانب ، فرأيت شجرة عظيمة ، فتعلقتُ بها من شدّة

ص: 601


1- 1. وفيات الأئمّة : 431.

الريح ، فإذا بالريح قلعتها وألقتها على الأرض ، ثمّ تعلّقت على غصن قوي من أغصان تلك الشجرة ، فقطعتها أيضاً ، فتعلّقت بفرع آخر ، فكسرته أيضاً ، فتعلّقت على أحد الفرعين من فروعها ، فكسّرته أيضاً ، فاستيقظت من نومي ) ، فبكى رسول الله وقال : ( الشجرة جدّك ، والفرع الأوّل أُمّك فاطمة ، والثاني أبوك علي ، والفرعان الآخران هما أخواك الحسنان ، تسودّ الدنيا لفقدهم ، وتلبسين لباس الحداد في رزيّتهم ).

قال يحيى المازني : كنت في جوار أمير المؤمنين عليه السلام في المدينة مدّة مديدة ، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته ، فلا والله ، ما رأيت لها شخصاً ، ولا سمعت لها صوتاً ، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدّها رسول الله صلى الله عليه وآله تخرج ليلاً ، والحسن عن يمينها ، والحسين عن شمالها ، وأمير المؤمنين أمامها ، فإذا قربت من القبر الشريف ، سبقها أمير المؤمنين عليه السلام فأخمد ضوء القناديل ، فسأله الحسن مرّة عن ذلك؟ فقال : ( أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب ) (1).

وكان الإمام الحسين عليه السلام إذا زارته زينب يقوم لها إجلالاً ، ويجلسها في مكانه.

وروى القندوزي في ينابيع المودّة حديثاً طويلاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، جاء فيه : ( وهذا الحسين خير الناس أباً وأُمّاً وأخاً وأختاً ، أبوه علي ، وأُمّه فاطمة ، وأخوه الحسن ، وأخته زينب ورقية ) (2).

وروي عن أحمد بن إبراهيم قال : دخلت على حكيمة بنت محمّد بن علي الرضا - أخت أبي الحسن العسكريّ - في سنة 262 ه- بالمدينة ، فكلّمتها من وراء حجاب ، وسألتها عن دينها ، فسمّت لي من تأتم بهم ، ثمّ قالت : فلان ابن الحسن العسكريّ عليه السلام ، فسمّته ....

ص: 602


1- 1. المصدر السابق : 435.
2- 2. ينابيع المودّة 2 / 380.

فقلت : فإلى من تفزع الشيعة؟ قالت : إلى الجدّة أُمّ أبي محمّد عليه السلام ، فقلت لها : اقتدى بمن في وصيّته إلى امرأة؟ فقالت : اقتداء بالحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ، إنّ الحسين بن علي أوصى إلى أخته زينب بنت علي بن أبي طالب في الظاهر ، وكان ما يخرج عن علي بن الحسين من علم ، ينسب إلى زينب بنت علي ، ستراً عليه (1).

ومن مواقفها عليها السلام ما رواه الشيخ المفيد : من أنّ عائشة كتبت من البصرة إلى حفصة ، تخبرها بنزول علي عليه السلام بذي قار مستهزئة بجيشه ، فجمعت حفصة الصبيان ، وأعطت جواريها دفوفاً ، وأمرتهن أن يضربن الدفوف ، ويقلن :

ما الخبر ما الخبر علي في كالأشقر *** إن تقدّم نحر وإن تأخّر عقر

فخرجت زينب عليها السلام متنكرة ، مستصحبة جواريها متخفرات ، فدخلت عليهن ، فلمّا رأت ما هن فيه من العبث والسفه ، كشفت نقابها وأبرزت وجهها ، ثمّ قالت : ( إن تظاهرتِ وأختك على أمير المؤمنين ، فقد تظاهرتما على أخيه رسول الله صلى الله عليه وآله من قبل ، فأنزل الله عزّ وجلّ فيكما ما أنزل ، والله من وراء حربكما ) ، فانكسرت حفصة ، وأظهرت خجلاً ، وقالت : إنّهن فعلن هذا بجهل ، وفرّقتهن في الحال ، فانصرفن من المكان (2).

هذه نبذة مختصرة ، وإلاّ فتسليط الضوء على مواقفها يحتاج إلى كتب ومؤلّفات.

( أُمّ مهدي - السعودية - .... )

مرقدها في سوريا :

س : نعلم بأنّ السيّدة زينب عليها السلام بعد خروجها من المدينة ، ذهبت إلى

ص: 603


1- 1. كمال الدين وتمام النعمة : 501 ، الغيبة للشيخ الطوسيّ : 230.
2- 2. الكافئة : 16.

كربلاء ، ومن كربلاء سُبيت إلى الشام ، ومن الشام إلى المدينة ، فكيف أصبح مرقدها عليها السلام في الشام؟ وشكراً جزيلاً لكم.

ج : اختلفت الأقوال في مدفن السيّدة زينب عليها السلام ومحلّ قبرها ، اختلافاً عجيباً ، هي :

1 - أنّها توفّيت في المدينة ، ودفنت هناك.

2 - أنّها دفنت في ضواحي مدينة دمشق في الشام.

3 - أنّها هاجرت إلى بلاد مصر ، وعاشت هناك حوالي سنة واحدة ، ثمّ توفّيت ودفنت في مدينة القاهرة.

وذكر القائل بدفنها عليها السلام في الشام ، أنّ سبب رجوعها كان : المجاعة التي أصابت أهل المدينة ، فخرجت عليها السلام مع زوجها عبد الله بن جعفر إلى ضيعته بالشام ، وبعد وصولها بمدّة مرضت وماتت ، ودفنت هناك.

( خديجة - السعودية - .... )

أسباب خطبتها في الشام :

س : لماذا خطبت السيّدة زينب بنت علي في مجلس يزيد؟ ألا كان السكوت لها أولى؟ لأنّها امرأة لا تقدر أمام خليفة المسلمين.

أرجو الإجابة ، ولكم جزيل الشكر.

ج : لقد شاهدت السيّدة زينب عليها السلام في مجلس يزيد مشاهد وقضايا ، وسمعت من يزيد كلمات تعتبر من أشدّ أنواع الإهانة والاستخفاف بالمقدّسات.

مظاهر وكلمات ينكشف منها إلحاده وزندقته وإنكاره لأهمّ المعتقدات الإسلاميّة.

مضافاً إلى ذلك ، أنّ يزيد قام بجريمة كبرى ، وهي أنّه وضع رأس الإمام الحسين عليه السلام أمامه ، وبدأ يضرب بالعصا على شفتيه وأسنانه ، وهو - حينذاك - يشرب الخمر!

ص: 604

فهل يصحّ ويجوز للسيّدة زينب أن تسكت؟ وهي ابنة أمير المؤمنين عليه السلام.

كيف تسكت ، وهي تعلم أنّ بإمكانها أن تزيّف تلك الدعاوى ، وتفنّد تلك الأباطيل ، لأنّها مسلّحة بسلاح المنطق المفحم ، والدليل القاطع ، وقدرة البيان ، وقوّة الحجّة.

ولعلّ التكليف الشرعيّ فرض عليها أن تكشف الغطاء عن الحقائق المخفية عن الحاضرين في ذلك المجلس الرهيب ، لأنّ المجلس كان يحتوي على شتّى طبقات الناس ، وقد خدعتهم الدعايات الأُموية ، وجعلت على أعينهم أنواعاً من الغشاوة ، فصاروا لا يعرفون الحقّ من الباطل ، طيلة أيّام الحكم الأُموي.

وعلامات الفرح والسرور تبدو على الوجوه بسبب انتصار السلطة على عصابة عرّفتهم أجهزة الدعاية الأُموية بصورة مشوّهة.

أما ينبغي لزينب عليها السلام أن تنتهز الفرصة ، وتجازف بحياتها في سبيل الله ، وتنفض الغبار عن الحقّ والحقيقة ، وتعرّف الباطل بكلّ صراحة ووضوح؟

بالرغم من أنّها كانت أجلّ شأناً ، وأرفع قدراً من أن تخطب في مجلس ملوّث لا يليق بها ، لأنّها سيّدة المخدّرات والمحجّبات!

ولكن الضرورة أباحت لها أن توقظ تلك الضمائر ، وتعيد الحياة إلى القلوب التي أماتتها الشهوات ، فباتت وهي لم تسمع كلمة موعظة من واعظ ، ولا نصيحة من ناصح.

ص: 605

ص: 606

الفهرس

البداء

الفرق بينه وبين النسخ... 7

حصوله في الإمامين العسكريّ والكاظم... 8

رأي الشيعة حوله... 10

علاقة الدعاء به... 13

يكون إبلاغه بواسطة المعصوم... 14

يكون في القضايا التكوينيّة... 15

البدعة

تعريفها... 19

تقسيمها إلى حسنة وسيّئة... 19

تشخيصها عن غيرها... 20

البكاء على الميّت

لا يتنافى مع الرضا بقضاء الله وقدره... 23

لا يعذّب الميّت ببكاء الحيّ عليه... 23

في مصادر أهل السنّة... 24

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 25

البناء على القبور

ليس فيه محذور... 27

ص: 607

أدلّة الفريقين على جوازه... 27

أدلّة المانعين وردّها... 30

البيعة

بيعة الناس لأمير المؤمنين... 35

تخلّف الإمام علي عنها... 36

لم بايع الإمام علي الخلفاء... 37

لم تحصل من الإمام علي... 39

بيعة الشجرة... 41

بيعة العقبة... 42

بيعة علي لأبي بكر كانت على الحقّ... 43

أُكره الإمام علي عليها... 45

التبرّك

تبرّك الصحابة بقبر النبيّ... 47

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 49

رأي الشيعة فيه... 51

بالأضرحة وربط الخرق الخضراء... 52

أخطاء البعض لا تكون باعثة لحذفه... 55

منه تقبيل الأضرحة... 56

التجسيم والتشبيه

الآيات الموهمة لهما... 59

الهُشامان لا يقولان بهما... 62

ص: 608

عقيدة الوهابيّة فيهما... 68

نزول الربّ إلى دار الدنيا... 70

يعتبران نقصاً للمولى تعالى... 71

معنى يد الله فوق أيديهم... 71

هشام بن الحكم... 73

ما رواه النرسيّ خلاف الكتاب والسنّة... 74

التثنية في يداه مبسوطتان... 79

العلوّ لله بمعنى العلوّ في القدرة... 80

تحريف القرآن

الشيخ الطوسيّ ينفيه... 83

المسلمون متّفقون على عدمه... 84

رواياته في كتب أهل السنّة... 85

مردود عند الشيعة... 88

رواياته في نظر الفريقين... 89

ردّ على من يتّهمنا به... 92

نصيحتنا لأهل السنّة أن لا يبحثوا فيه... 95

المفيد والصدوق والعامليّ والمجلسيّ لا يقولون به... 96

الزيادة في آية الكرسيّ زيادة توضيحية... 97

موضوع يثيره أعداء الدين... 98

عدم ثبوت اعتقاد الكلينيّ به... 99

معانيه... 99

من قال به وحكم من يعتقد به... 100

ص: 609

تعليق على السؤال السابق وجوابه... 101

آية الولاية... 105

القرآن غير محرّف قطعاً... 106

روايات الكلينيّ والقمّيّ محمولة على التفسير... 107

لا ننكر وجود أحاديث تدلّ عليه... 108

توجد فيه روايات في مصادر الفريقين... 109

معنى نسخ التلاوة... 111

بحث مفصّل للإمام الخوئيّ حول نسخ التلاوة... 111

نشير إلى نقاط ريثما يتأمّل فيها المحقّقون... 115

أدلّتنا على عدمه... 118

تعدّد القراءات لا يعدّ تحريفاً... 119

حول كتاب فصل الخطاب... 120

تزويج أُمّ كلثوم من عمر

في مصادر الفريقين... 121

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 122

لو ثبت لثبت أنّ عمر رجل فاسق فاجر... 122

تعقيب على الجواب السابق... 123

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 124

بحث تفصيلي وردّ الشبهات حوله... 127

تعقيب حول الجواب السابق... 138

بعض أقوال علماء الشيعة فيه... 139

في غاية الغموض والتضارب... 145

ص: 610

زواج أُم كلثوم وقبرها وسيرتها... 147

يثبت منقصة لعمر لا فضيلة... 149

التسمية بأبي بكر وعمر وعثمان

لا تدلّ على حقّانيتهم... 151

كانت في أولاد الأئمّة وأصحابهم... 154

لم يسم الشيعة أبناءها بهذه الأسماء... 155

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 159

التسمية بعبد النبيّ ونحوه

يجوز مجازاً... 161

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 161

لا تنافي العبودية... 162

تعليق على الجواب السابق... 163

تعقيب على الجواب السابق... 163

تعقيب حول الموضوع... 164

تعقيب حول الموضوع... 170

تفضيل الأئمّة

وجوه تفضيل علي على الأنبياء... 173

تفضيل علي على الخلفاء... 175

الأدلّة العقلية عليه... 175

علي أفضل من إبراهيم... 176

على الأنبياء ما عدا نبيّنا... 179

ص: 611

على الشيخين... 183

التقيّة

جائزة للأدلّة الأربعة... 189

هي أمر فطري... 192

لا تقيّة في النبيذ والمسح على الخفّين... 193

مفهومها وأنواعها... 194

معالجة ما يعارضها في صحيحة زرارة... 195

التكتّف

الظاهر أنّه من محدثات عمر... 197

ردّ أدلّة أهل السنّة في استحبابه... 198

لم يحصل في صلاة النبيّ... 200

التوحيد والتثليث

تعدّد المشيئة دليل على التوحيد... 203

بهما يناظر مع المسيحية... 203

الردّ على شبهة ابن كمّونة... 204

التوسّل والاستغاثة

بأهل البيت جائز... 207

الأئمّة هم الوسيلة إلى الله تعالى... 211

من وسائلهما التوسّل بالنبيّ وآله... 212

الرقية لا مانع منها عقلاً وشرعاً... 214

بذوات الصالحين من مسائل العقيدة... 215

ص: 612

بقولنا يا علي... 215

بأهل البيت مأمورون به... 216

فلسفة قول الشيعة : يا علي... 217

الأدلّة على جوازهما... 218

اعتقاد باستقلالية الأسباب شرك... 220

لا ضمان للإجابة والغفران إلاّ بهما... 222

التوسّل بأهل البيت... 224

بغير النبيّ وآله... 226

الجبر والاختيار

معنى القضاء والقدر... 229

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 230

الهداية والضلال لا تعارض الاختيار... 232

ليس في الانتماء إلى الإسلام إجبار... 235

المرتد يقتل لخطره على المجتمع... 238

الحظّ يدخل في القضاء والقدر... 239

الرقيّ وعلاقتها بالقدر... 240

عدم الرضا عن القتل يعود إلى فعل العبد... 241

القضاء المحتوم والموقوف... 241

الفرق بين القضاء والقدر... 242

التخيير والتسيير... 244

الشقاوة والسعادة مع اختيارية الإنسان... 246

فعلنا بإرادتنا وبقدرة من الله... 247

ص: 613

التقدير العلميّ والعينيّ... 249

الجفر

علمه من مختصّات الأئمّة... 253

مضمونه... 254

الجمع بين الصلاتين

في صحيح البخاريّ ومسلم... 257

رسول الله أوّل من جمع بينهما... 259

وجه الجمع بينهما... 260

أدلّته من الكتاب والسنّة... 261

بحث حول جوازه لعذر وغيره... 266

الحجاب

فلسفته... 273

هو من مصلحة الفرد والمجتمع... 274

عدم قناعة المرأة به لا يسقط الفرض... 274

لا فرق في مشروعيته بين الحرّة والأمة... 275

الأدلّة على وجوب ستر الوجه والردّ عليها... 277

الحديث

ابن شهر آشوب وتوثيقه لأبي سعد الدجاجيّ... 283

ذكر الأحاديث الضعاف في الكتب الأربعة... 285

حديث الطينة في مصادر أهل السنّة... 286

كتبه التي يرجع إليها الشيعة... 288

ص: 614

معنى من قارف ذنباً فارقه عقل... 288

عدّة من أصحابنا لا تعني مجهولية الرواة... 289

من رواته عمر بن سعد... 291

المناقشة في الكتب لا تقدح بمؤلّفيها... 291

حديث يعفور أو عفير... 294

الكتب الأربعة والكلام في أسانيدها... 295

صحّته عند أهل السنّة لا يكون حجّة علينا... 297

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 299

كلّ كتب الحديث تخضع للجرح والتعديل... 302

التواتر فيه يحصل من رواة متعدّدين... 302

حكم الترمذيّ على فضائل علي بأنّها غريبة... 303

معنى حديث علماء أُمّتي... 305

رأي الألبانيّ في حجّية الخبر الواحد ونقده... 305

أحاديث الكافي خاضعة للجرح والتعديل... 309

لا يوجد عندنا كتاب كلّ أحاديثه صحيحة... 310

كلّه خاضع للبحث السنديّ والدلاليّ... 313

معنى المؤمن القويّ والضعيف الوارد فيه... 314

الخبر المتواتر والواحد... 316

ردّ شبهات القوم على أحاديثنا... 316

الفرق بين القدسيّ والنبويّ... 344

حديث اثني عشر خليفة

النصوص المصرّحة بهم في كتب السنّة... 347

ص: 615

لا ينطبق إلاّ على أئمّة الشيعة... 350

معنى يكون الدين عزيزاً بوجودهم... 350

حديث الثقلين

رواه مسلم ناقصاً... 353

مصادره في كتب أهل السنّة... 355

يشمل بقية الأئمّة غير أهل الكساء... 357

رواته... 357

حديث الدار

مصادره في كتب أهل السنّة... 365

رواه عدّة رواة... 366

خصوصيّاته... 369

حديث ردّ الشمس

عدم تدوينه لا يدلّ على عدم وجوده... 371

رواته... 373

من ألّف حوله من أهل السنّة... 376

معجزة للرسول وفضيلة لعلي... 381

حديث السفينة

من ذكره من أهل السنّة... 383

رواته من الصحابة والتابعين... 384

دلالته على إمامة أهل البيت... 386

ص: 616

حديث العشرة المبشّرة

أدلّة على بطلانه وعدم صحّته... 389

تعقيب على الجواب السابق... 392

تعقيب على الجواب السابق... 393

تعقيب على الجواب السابق... 394

ما ورد في تأييده مردود... 395

حديث المؤاخاة

العسقلانيّ يرد ابن تيمية لتضعيفه الحديث... 399

يثبت إمامة علي عليه السلام... 399

متواتر ورواه الكثير من أهل السنّة... 400

حديث مدينة العلم

تصريح علماء السنّة بصحّته وحسنه... 403

صحّحه الحاكم... 404

جاء بسند معتبر في كتبنا... 405

حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه

في مصادر الفريقين... 407

دليل على وجوب معرفة الإمام وطاعته... 408

سنده وألفاظه... 408

حديث المنزلة

دلالته على إمامة علي ومصادره... 411

هو أحد أدلّة الإمامة... 413

ص: 617

كلّ ما ثبت لهارون يثبت لعلي إلاّ النبوّة... 415

الخلفاء

كيفية تقييمهم... 419

عدم قرب الشيخين من رسول الله... 420

عدم صلاحية الأوّل والثاني للخلافة... 423

في نظر الشيعة... 424

لم يثبت لهم موقف في الغزوات... 425

علاقتهم بالإمام علي... 426

فتوحاتهم وإذعانهم بفضائل علي... 427

اعتراض الإمام علي عليهم... 428

ادعاء التواتر في فضلهم يحتاج إلى إثبات... 429

تقدّموا على علي بلا استحقاق... 430

حول أُمّهاتهم... 432

إنفاقهم الأموال في ميزان النقد العلميّ... 435

نفي ما يوهم تأييد الأئمّة لهم... 438

لا توجد لهم فضائل في كتبنا... 440

ما ورد عن ابن الحنفيّة في أبي بكر وعمر ضعيف... 442

عدم مشاركة الأئمّة في فتوحاتهم... 443

تعامل أبي بكر وعمر مع الأحداث... 444

نقدهم علماؤنا... 445

الخلق والخليقة

لا منافاة بين علمه تعالى وبين خلقه... 447

ص: 618

العلم الإلهيّ لا يولّد وظيفة قط... 447

مسألة كون الأرض على قرن ثور... 448

فلسفة الخلقة... 451

هل خلقت الأرواح قبل الأجساد؟... 452

أوّل شيء خلقه الله... 455

كيفية خلق الإنسان... 457

من أيّ شيء خلقت الملائكة والنباتات والبهائم... 458

كيفية زواج أولاد آدم... 459

ظاهر القرآن لا يساعد بالتزاوج من جنس آخر... 462

الزواج من جنس آخر ممكن إذا تحوّل... 462

خلق الأئمّة لهداية الخلق... 463

الاستنساخ البشري ليس خلقاً جديداً... 464

أوّل مخلوق جسماني خلق هو الماء... 465

الهدف من الخلقة... 466

الخمس

جزاء تاركه عمداً... 469

يشمل غير غنائم الحرب... 469

أدلّة وجوبه في أرباح المكاسب... 471

أهمّيته وكيفية إخراجه... 472

آية ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) لا تدلّ عليه... 475

أين حديث الرسول في وجوب الخمس... 476

آية الخمس تشمل غير غنائم الحرب... 477

ص: 619

يجب في المال الحلال المخلوط بالحرام... 478

الخوارج والأباضية

تاريخ الأباضية... 481

أُصول الأباضية... 482

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 483

كانت عبادتهم بلا علم وثقافة... 486

يعتبرون مقصّرين... 486

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 487

لم يكن اندفاعهم للموت مشروعاً... 487

الدعاء

حول مقطع منه... 489

ما يقال للعاطس... 490

مستحبّات ليلة القدر... 491

شروط استجابته... 493

دعاء القدح... 502

أسباب حجبه... 502

معرفة الله مقدّمة لمعرفة الإمام وبالعكس... 503

في مراقد الأئمّة... 504

يستحبّ بالخاتم العقيق أو الفيروزج... 506

يستحبّ الإلحاح فيه... 507

ص: 620

الذبح عند القبور

ليس فيه محذور... 509

ذبائح الحسين جائزة الأكل... 509

شرك عند الوهابيّة... 510

رؤية الله تعالى

ممكنة بالرؤية القلبية... 513

مستحيلة دنياً وآخرة... 514

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 515

ورؤية الملكوت رؤية قلبية... 518

لموسى كانت بطلب من قومه... 519

يوم القيامة مستحيلة... 519

لم تتحقّق لموسى... 520

التي طلبها موسى... 522

في المنام أيضاً غير ممكنة... 523

ممتنعة للكتاب والسنّة والعقل... 524

الرجعة

مفهومها ووقوعها... 527

لجميع الناس أو بعضهم... 527

إثباتها من الكتاب والسنّة... 528

نسيان الكافر فيها لعالم البرزخ... 531

رواياتها تنصّ على رجعة النبيّ وآله... 532

كيفية حكم الأئمّة بعدها... 533

ص: 621

رزية يوم الخميس

لم يكتب النبيّ بعدها كتاباً... 535

قول بعضهم للإمام السجّاد : أنّه ليهجر... 536

سبب امتناع النبيّ من الكتابة... 538

موقف المسلمين من مقولة عمر... 539

زواج المسيار

شروطه وحكمه... 541

الفرق بينه وبين المتعة... 542

حكمه عند الإمامية... 543

أحد مصاديق الزواج الدائم... 545

زيارة القبور

زيارة الشيعة لها... 547

الضرب على القبور بالحجر... 548

كيف تعادل كذا حجّة وعمرة... 549

كيفية قياسها بالحجّ والعمرة... 551

الأدلّة على جوازها... 552

لا تنافي لا تتخذوا القبور مساجد... 554

تعقيب على الجواب السابق... 555

زيارة عاشوراء مشهورة السند... 556

زيارة الناحية إحدى زيارات الإمام الحسين... 556

زيارة الأربعين كانت في نفس سنة القتل... 557

زيارة الله لقبر الحسين زيارة شرفية... 558

ص: 622

الميّت يدرك بعد الموت وينتفع بالعمل... 560

زيد بن علي والزيديّة

منشأ ظهور الزيديّة والإسماعيلية... 565

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 566

السعي لإبراء الذمّة للبقاء على الزيديّة... 566

زيد الشهيد ليس من الأئمّة الاثني عشر... 567

عقيدة الزيديّة بالإمام المهديّ... 567

موارد اختلاف الزيديّة عن الإمامية... 568

زيديّ يسأل عن 44 سؤالاً... 569

رأي زيد في أبي بكر وعمر... 599

ما صدر عن زيد حول الشيخين... 600

زينب الكبرى

نبذة من حياتها... 601

مرقدها في سوريا... 603

أسباب خطبتها في الشام... 604

الفهرس الإجمالى... 607

ص: 623

المجلد 4

هوية الكتاب

المؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة

الناشر: مركز الأبحاث العقائدية

المطبعة: ستاره

الطبعة: 1

الموضوع : العقائد والكلام

تاريخ النشر : 1429 ه.ق

ISBN (ردمك): 978-600-5213-04-1

المكتبة الإسلامية

موسوعة

الأسئلة العقائدية

المجلد الرابع

تأليف

مركز الأبحاث العقائدية

ص: 1

اشارة

مركز الأبحاث العقائدية :

إيران - قم المقدسة - صفائية - ممتاز - رقم 34

ص . ب : 3331 / 37185

الهاتف : 7742088 (251) (0098)

الفاكس : 7742056 (251) (0098)

العراق - النجف الأشرف - شارع الرسول (صلى اللّه عليه وآله)

جنب مكتب آية اللّه العظمى السيد السيستاني دام ظله

ص . ب : 729

الهاتف : 332679 (33) (00964)

الموقع على الإنترنيت : www.aqaed.com

البريد الإلكتروني : info@aqaed.com

شابِك ( ردمك ) :3-00-5213-600-978

شابِك ( ردمك ) :0-01-5213-600-978

موسوعة الأسئلة العقائدية المجلد الأول

تأليف

مركز الأبحاث العقائدية

الطبعة الأولى - 2000 نسخة

سنة الطبع: 1429ه

المطبعة : ستارة

الفلم والألواح الحسّاسة : تيزهوش

* جميع الحقوق محفوظة للمركز *

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

دليل الكتاب

السبئية وعبد اللّه بن سبأ... 7

السجود على التربة... 15

سرية أُسامة... 27

السقيفة... 33

الشطرنج... 37

الشفاعة... 43

الشهادة الثالثة في الأذان... 53

الشورى... 59

الشيعة... 63

الصحابة... 127

الصلاة... 169

صلاة التراويح... 191

الصلاة عند القبور... 203

الصوم... 209

صوم يوم عاشوراء... 215

الطهارة والنجاسة... 223

عائشة بنت أبي بكر... 227

ص: 5

عالم الذرّ... 257

عثمان بن عفّان... 293

العصمة... 303

علم المعصوم... 359

عمر بن الخطّاب... 375

العولمة والحداثة... 407

الغدير... 411

الغسل... 427

الغلوّ... 431

الغناء والموسيقى... 441

الغيبة... 449

فاطمة الزهراء عليها السلام... 471

فدك... 511

فرق ومذاهب... 517

الفرقة الناجية... 567

الفهرس... 573

ص: 6

السبئية وعبد اللّه بن سبأ :

اشارة

( حامد - البحرين - .... )

ابن سبأ بين الأسطورة والواقع :

س : من هو عبد اللّه بن سبأ؟

ج : هناك نظريتان حول عبد اللّه بن سبأ ، نذكرهما باختصار :

1 - إنّ عبد اللّه بن سبأ شخصية وهمية وأسطورة ، وهذا القول كما ذهب إليه السيّد العسكري والشيخ مغنية ، ذهب إليه عدد من المفكّرين المسلمين المستشرقين.

نعم ، إنّ الآراء التي نشرها السيّد العسكري حول عبد اللّه بن سبأ ، الأسطورة السبئية ، والتي صدرت في مجلّدين ، ليست هي كُلّ النتائج التي توصّل إليها ، فهناك مجلّد مخطوط اسمه « عبد اللّه بن سبأ والأسطورة السبئية » حيث تناول فيه الأسطورة السبئية بتفصيل أوسع.

2 - إنّ عبد اللّه بن سبأ له وجود عادي ، وأنّ الكثير ممّا نسب إليه لا أصل له ، بل اخترعه النواصب للطعن بالتشيّع.

والأدلّة تساعد على أنّ ابن سبأ كان له وجود ، ولكن أعداء التشيّع أرادوا وسيلة يتّخذونها للطعن بالتشيّع ، وخير وسيلة كانت لهم أن جعلوا من ابن سبأ شخصية تاريخية كبيرة نسبوا له تأسيس التشيّع ، مع أنّ ابن سبأ ملعون على

ص: 7

لسان أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وملعون على لسان علمائنا ، والشيعة منه براء ، ولا توجد له أيّ صلة بالتشيّع.

( عبد اللّه حاجي - الكويت - .... )

طعن علماء السنّة بابن سبأ :

س : تحياتي لكم على هذا المجهود الذي تبذلونه ، منذ فترة قريبة كنت أتناقش مع أحد السنّة ، فذكر لي شخص اسمه « عبد اللّه بن سبأ » ، لذا أُريد أن اسأل بعض الأسئلة عن هذا الشخص :

1 - هل كان يهودياً؟

2 - هل صحيح أنّه مؤسّس مذهب الشيعة؟

3 - هل صحيح أنّه دخل على الإمام علي عليه السلام ، وقال له : أنت ربّي؟

4 - هل صحيح كانت له علاقة قوية بالإمام علي عليه السلام؟

ج : نجيب على أسئلتك إجمالاً وتفصيلاً :

أمّا أجمالاً : بالنسبة لسؤالك الأوّل نقول : نعم ، كان يهودياً ، إن لم نقل أنّه شخصية وهمية.

وبالنسبة لسؤالك الثاني نقول : غير صحيح ، بل مؤسّس أساس التشيّع هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

وبالنسبة لسؤالك الثالث نقول : نعم ، هو أوّل من قال بألوهية الإمام علي عليه السلام.

وبالنسبة لسؤالك الرابع نقول : غير صحيح ، ومن يدّعي ذلك فليأتنا بدليل.

وأمّا تفصيلاً : فالذي أفاده جمع من المحقّقين والباحثين - كالعلاّمة السيّد مرتضى العسكري في كتابه عبد اللّه بن سبأ - أنّه رجل اختلقه خصوم الشيعة ، كيداً لهم وإزراءً عليهم.

وتأييداً لذا ، قال الدكتور عبد العزيز الهلابي - الأُستاذ في قسم التاريخ بكُلّية الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض - : « وعلى أيّة حال ، فسَيف - وهو راوي قصّة ابن سبأ - أراد طعن الشيعة في الصميم ، وذلك بنسبة مذهب التشيّع

ص: 8

إلى يهودي حاقد على الإسلام ، يريد تقويضه من الداخل ، وأنّ أفكار الشيعة - المعتدلين منهم والغلاة - ليست سوى أفكار هذا اليهودي » (1).

وقال الدكتور طه حسين : « إنّ أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء ، إنّما كان متكلّفاً منحولاً ، قد اختُرع بأخَرَة ، حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفِرق الإسلامية ، أراد خصوم الشيعة أن يُدخِلوا في أُصول هذا المذهب عنصراً يهودياً ، إمعاناً في الكيد لهم والنيل منهم »(2).

ويأتي الدكتور أحمد محمّد صبحي ، ليستعرض كلام الدكتور طه حسين حول وهمية عبد اللّه بن سبأ ، ثمّ يعلّق على هذا الموضوع قائلاً :

« ويبدوا أنّ مبالغة المؤرّخين وكتّاب الفرق في حقيقة الدور الذي قام به عبد اللّه بن سبأ ، يرجع إلى سبب آخر غير ما ذكره الدكتور طه حسين ، فلقد حدثت في الإسلام أحداث سياسية ضخمة - كمقتل عثمان ، ثمّ حرب الجمل ، وقد شارك فيها كبار الصحابة ، وزوجة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وكُلّهم يتفرّقون ويتحاربون - وكُلّ هذه الأحداث تصدم وجدان المسلم المتتبع لتاريخه السياسي ... ولم يكن من المعقول أن يتحمّل وزر ذلك كُلّه صحابة أجلاّء أبلوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بلاءً حسناً ، فكان لابدّ أن يقع عبء ذلك كُلّه على ابن سبأ »(3).

وحسبكم هذه الكلمات التي كتبها محمّد كرد علي قائلاً : « أمّا ما ذهب إليه بعض الكتّاب من أنّ مذهب التشيّع من بدعة عبد اللّه بن سبأ - المعروف بابن السوداء - فهو وهم ، وقلّة علم بتحقيق مذهبهم ، ولمن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة ، وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله ، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف في ذلك ، علم مبلغ هذا القول من الصواب » (4).

ص: 9


1- وقفة مع الجزائري : 81 ، نقلاً عن كتاب الهلابي ، عبد اللّه بن سبأ : 26.
2- نفس المصدر السابق ، نقلاً عن كتاب طه حسين ، علي وبنوه : 518.
3- نظرية الإمامة : 39.
4- الغدير 3 / 95 ، نقلاً عن كتاب محمّد كرد علي ، خطط الشام 6 / 251.

( خالد - الجزائر - .... )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : عفواً ، لكن هناك تناقضاً في إجاباتكم حول ابن سبأ المزعوم : فمرّة تقولون : إنّ ابن سبأ كان وهماً ، ومرّة تقولون : إنّه ادعى الألوهية لأمير المؤمنين عليه السلام ، مع أنّ بعض أهل السنّة أنكروا أو شكّكوا في وجوده ، والذين رووا روايات ابن سبأ ضعّفهم علماء الرجال من السنّة ، وهذه بعض الأدلّة من كتب إخواننا من أهل السنّة :

1 - فقد أشرتم إلى رأي طه حسين ، وراجعت كتابه - الفتنة الكبرى عثمان ، الطبعة التاسعة ، دار المعارف القاهرة - فبعد ذكر ما رواه العامّة عن ابن سبأ المزعوم ، يقول في صفحة 134 :

« وأكبر الظنّ أنّ عبد اللّه بن سبأ هذا - إن كان كُلّ ما يروى عنه صحيحاً - إنّما قال ما قال ، ودعا ما دعا إليه بعد ما كانت الفتنة ، وعظم الخلاف ، فهو قد استغل الفتنة ولم يثرها.

وأكبر الظنّ كذلك أنّ خصوم الشيعة أيّام الأمويين والعباسيين قد بالغوا في أمر ابن سبأ هذا ، ليشكّكوا في بعض ما نسب من الأحداث إلى عثمان وولاته من ناحية ، وليشنّعوا على علي وشيعته من ناحية أُخرى ، فيردّوا بعض أُمور الشيعة إلى يهودي أسلم كيداً للمسلمين ، وما أكثر ما شنّع خصوم الشيعة على الشيعة! وما أكثر ما شنّع الشيعة على خصومهم في أمر عثمان ، وفي غير أمر عثمان!

فلنقف من هذا كُلّه موقف التحفّظ والتحرّج والاحتياط ، ولنكبّر المسلمين في صدر الإسلام عن أن يعبث بدينهم وسياستهم وعقولهم ودولتهم رجل أقبل من صنعاء ، وكان أبوه يهودياً ، وكانت أمّه سوداء ، وكان هو يهودياً ثمّ أسلم لا رغباً ولا رهباً ، ولكن مكراً وكيداً وخداعاً ، ثمّ أتيح له من النجح ما كان يبتغي ، فحرّض المسلمين على خليفتهم حتّى قتلوه ، وفرّقهم بعد ذلك ، أو قبل ذلك شيعاً وأحزاباً ».

ص: 10

2 - وأشرتم إلى رأي الدكتور أحمد محمود صبحي ، فراجعت كلامه ، وانقل كلامه كاملاً بلا تحريف ، يقول الدكتور السنّي أحمد محمود صبحي في كتابه - الزيدية ، الطبعة الثانية سنة 1984 دار الزهراء للنشر العربي ، صفحة 22 - :

« وينسب الكثيرون ظهور التشيّع إلى هذه الفترة ، ويردّها بعض أهل السنّة إلى شخصية يهودي أسلم ليكيد للإسلام والمسلمين ، هو عبد اللّه بن سبأ ، ويصوّره القائلون بهذا الرأي محرّكاً الأحداث التاريخية ، بل والعقائدية في هذه الفترة ، من أواخر عهد عثمان وأثناء خلافة علي ، فهو يؤلّب الناس على عثمان حتّى أفضى الأمر إلى حصاره وقتله ، ثمّ هو يثير حرب الجمل ، ولم يكن اجتماع الفريقين على قتال.

أمّا من الناحية العقائدية ، فهو أوّل من نادى بقداسة علي ، وأنّه وصي النبيّ ، وأنّه نادى برجعته بعد مقتله ، ثمّ هو أوّل من هاجم الخلفاء الثلاثة ، واعتبرهم مغتصبون حقّه.

ويهدف كتّاب الفرق من أهل السنّة - أشاعرة وسلفية - من هذه الرواية إلى إدانة التشيّع من جهة ، وإلى تبرير قيام حرب بين بعض كبار الصحابة وتبرئتهم من دمائها ، حتّى تتسنّى موالاتهم جميعاً من جهة أُخرى ، لقد ساءتهم الحرب وأرادوا أن يحفظوا لصحابة كبار مكانتهم في نفوس المسلمين ، فلم يجدوا إلاّ أن يتحمّل وزر ذلك كُلّه يهودي أسلم ليكيد للإسلام.

ولكن فاتهم أنّ هذا التفسير يعني أنّ يهودياً نكرة ، قد تلاعب بصحابة كبار فأثار بينهم قتال ، وأمّا ما اختلقه ابن سبأ من عقائد فقد أثبت البحث الدقيق أنّ هذا استباق للحوادث ، وأنّ الأفكار المنسوبة إليه من اختلاق المتأخّرين ».

3 - أمّا الرواية التي تصف ابن سبأ ، وما قام به من أعمال خيالية لا يقبلها العقل السليم ، فقد رواها جمع من السنّة ، والظاهر أنّ كُلّ من روى هذه الرواية مثل ابن خلدون وابن كثير وغيرهما ، أخذها من تاريخ الطبري ، لأنّه التاريخ المعتبر والمعتمد عند جمهور السنّة.

ص: 11

نرجع إلى تاريخ الطبري ، طبعة دار الفكر ، بيروت لبنان ، الطبعة الأُولى سنة 1998 ، المجلد الخامس ، أحداث سنة خمس وثلاثين ، صفحة 147 ذكر مسير من سار إلى ذي خشب من أهل مصر ، وسبب مسير من سار إلى ذي المروة من أهل العراق ، يقول الطبري : « أخبرنا شعيب بن إبراهيم ، أخبرنا سيف بن عمر ، عن عطية عن يزيد الفقعسي ، قال : كان ابن سبأ يهودياً من أهل صنعاء ... ».

هنا ندرس الرواية ورواتها حسب كتب الرجال من إخواننا من أهل السنّة :

أوّلاً : شعيب بن إبراهيم الكوفي ، مجهول ، راجع : ميزان الاعتدال 1 / 447 ، لسان الميزان 3 / 145.

ثانياً : سيف بن عمر ، يروي الأحاديث الكاذبة وينسبها إلى الرواة الثقات ، راجع : ميزان الاعتدال 1 / 438 ، تهذيب التهذيب 4 / 295.

ثالثاً : يزيد الفقعسي ، مجهول لم يذكر اسمه في كتب الرجال.

وبعد هذا ، لنا أن نتساءل : لماذا يصرّ بعض الناس على هذه الرواية التي رواها الطبري؟ مع أنّ كُلّ رواتها هم بين كذّاب ومجهول ووضّاع ، وهل يصحّ أن يعتمد على رواية كهذه في إثبات نسبة طائفة تعد ثاني أكبر طائفة من المسلمين؟

ولنا أن نتساءل : هل جهل العلماء - الذين أصرّوا على هذه الرواية - سند الرواية أم تجاهلوها؟ ولم يكن همّهم إلاّ اتهام الشيعة أنّهم من اختلاق اليهودي ابن سبأ المزعوم.

ج : ليس في إجاباتنا تناقض وتعارض ، غاية ما هنالك أردنا طرح المسألة بشكل فيه نوع من التردّد ، وعدم القطع برأي دون آخر ، وإنّما أشرنا إلى الآراء في المسألة ، وما ذُكر من استدلال ؛ ويرجع ذلك إلى أصل الواقع ، والاضطراب الشديد في جزئياتها ، والاختلافات في الأقوال ، وهذا هو السبب وراء من قال بأسطورية عبد اللّه بن سبأ.

ص: 12

( عبد اللّه - الكويت - 28 سنة - خرّيج ثانوية )

وجود ابن سبأ محلّ نظر :

س : كنت أتصفّح في أحد المواقع الشيعية فوجدت هذه الرواية ، في بحار الأنوار : « وقال بعضهم : بل هو الربّ ، وهو عبد اللّه بن سبأ وأصحابه ، وقالوا : لولا أنّه الربّ كيف يحيي الموتى؟ قال : فسمع بذلك أمير المؤمنين عليه السلام وضاق صدره ، وأحضرهم ، وقال : « يا قوم ، غلب عليكم الشيطان إن أنا إلاّ عبد اللّه ، أنعم عليّ بإمامته وولايته ووصية رسوله صلى اللّه عليه وآله ، فأرجعوا عن الكفر ، فأنا عبد اللّه وابن عبده ، ومحمّد صلى اللّه عليه وآله خير منّي ، وهو أيضاً عبد اللّه ، وإن نحن إلاّ بشر مثلكم ».

فخرج بعضهم من الكفر ، وبقي قوم على الكفر ما رجعوا ، فألحّ عليهم أمير المؤمنين عليه السلام بالرجوع ، فما رجعوا ، فأحرقهم بالنار ، وتفرّق منهم قوم في البلاد ، وقالوا : لولا أنّ فيه من الربوبية ما كان أحرقنا بالنار ، فنعوذ باللّه من الخذلان » (1).

وكان الموقع يعدّ هذا الشيء من معجزات الإمام علي عليه السلام ، فما ردّكم على هذه الرواية؟ وهل هي رواية صحيحة؟ والمعلوم أنّ عبد اللّه بن سبأ شخص أسطوري.

ج : وردت الإشارة إلى تلك الرواية في بحار الأنوار مرّتين ، مرّة نقلاً عن الفضائل ، وأُخرى عن عيون المعجزات ، وإذا رجعنا إلى سند الروايتين نجد أنّ كلاهما جاءت عن طريق أبي الأحوص عن أبيه ، عن عمّار الساباطي ، وهذا يعني أنّهما في الحقّيقة رواية واحدة منسوبة إلى عمّار الساباطي ، وبالرجوع إلى سند رواية عيون المعجزات ، نجد أنّ كلاً من حسّان بن أحمد الأزرق ، وموسى ابن عطية الأنصاري مجهول الحال.

ص: 13


1- بحار الأنوار 41 / 214.

وأنّ نسبة كتاب الأنوار إلى الحسن بن همام غير صحيحة ، بل الصحيح أنّ الكتاب لمحمّد بن همام ، هذا بالإضافة إلى ما قيل في عمّار من أنّه ضعيف فاسد المذهب ، لا يعمل على ما يختصّ بروايته.

وأمّا رواية الفضائل فإنّها مقطوعة السند ، كما وإنّ كلا الطريقين لا يظهر منهما أنّ عمّار الساباطي ينسب الرواية إلى المعصومين عليهم السلام ، بل هو ناقل لواقعة تاريخية هو بعيد عنها بما يقارب من المائة والخمسين سنة ، إذاً فالروايتان على هذا غير تامّتي السند.

هذا بالإضافة إلى أنّ هناك اختلافاً في مضمون الروايتين على الرغم من أنّ مرجع سندهما واحد ، فرواية عيون المعجزات تذكر أنّ الذين أحرقهم أمير المؤمنين عليه السلام وذراهم في الريح ، رجعوا إلى منازلهم بأحسنّ ما كانوا بعد ثلاثة أيّام ، والأُخرى لم تذكر ذلك.

ورواية الفضائل تذكر حال ذلك الملك وسقوط قصره وندمه عن عدم إيمانه بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأنّه الآن في النار ، ولا يعذّب بالنار وغير ذلك ، والأُخرى لا تذكر ذلك ، كما وأنّ رواية الفضائل تقول : إنّ الذين قالوا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو الربّ هو عبد اللّه بن سبأ وأصحابه ، والأُخرى تقول : إنّ بعضهم قالوا مثل ما قال عبد اللّه بن سبأ وأصحابه.

فهذه الاختلافات وغيرها تدلّ على أنّ الرواة غير مضبوطين في نقل الرواية ، فالحصيلة من كُلّ ذلك أنّه لا يمكن الاعتماد على هكذا رواية ، وإنّ ما تثبته من وجود عبد اللّه بن سبأ يبقى محلّ نظر.

وقد ذكرنا مسبقاً من أنّ هناك نظريتين : إحداهما تقول : إنّه شخصية وهمية ، والأُخرى تقول : بأنّه له وجود ، وإن كانت الأدلّة تساعد على أنّ ابن سبأ كان له وجود ، ولكن أعداء التشيّع أرادوه وسيلة يتخذونها للطعن بالتشيّع ، وخير وسيلة كانت لهم أن جعلوا من ابن سبأ شخصية تاريخية كبيرة ، نسبوا له تأسيس التشيّع مع أنّ ابن سبأ ملعون على لسان أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وملعون على لسان علماء المذهب ، والشيعة منه براء ، ولا توجد أيّ صلة له بالتشيّع.

ص: 14

السجود على التربة :

اشارة

( مفيد أبو جهاد - السعودية - .... )

أدلّته من السنّة :

س : ما الأدلّة التي تقول بوجوب السجود على التربة؟ في السنّة النبوية الشريفة ، وذلك من كتب الشيعة والسنّة؟

ج : إنّ الشيعة لا يوجبون السجود على التربة فحسب ، بل يوجبون السجود على الأرض - التي منها التربة - أو ما أنبتته الأرض ، إلاّ ما أُكل أو لبس ، فلا يجوز السجود عليه ، ويستدلّون على ذلك ب- :

1 - قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً » (1) ، ومن المعلوم ، أنّ لهذا الحديث ألفاظاً مختلفة ، ولكنّ المعنى والمضمون واحد.

كما لا يخفى أنّ المقصود من كلمة « مسجداً » يعني : مكان السجود ، والسجود هو وضع الجبهة على الأرض تعظيماً لله تعالى ، ومن كلمة « الأرض » يعني : التراب والرمل والحجر و... ، وممّا لاشكّ فيه ، أنّ التربة جزء من أجزاء الأرض ، فيصحّ السجود عليها.

ص: 15


1- الخصال : 201 و 292 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 285 ، الأمالي للشيخ الطوسي : 57 ، مسند أحمد 1 / 301 و 2 / 250 و 442 و 502 و 5 / 145 ، سنن الدارمي 2 / 224 ، صحيح البخاري 1 / 86 و 113 ، سنن ابن ماجة 1 / 188 ، الجامع الكبير 3 / 56 ، سنن النسائي 1 / 210 و 2 / 56.

2 - قال خالد الحذاء : رأي النبيّ صلى اللّه عليه وآله يسجد كأنّه يتّقي التراب ، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « ترّب وجهك يا صهيب » (1).

وصيغة الأمر « ترّب » هنا تدلّ على استحباب السجود على التربة دون غيرها من أجزاء الأرض.

3 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لأبي ذر : « حيثما أدركت الصلاة فصلّ ، والأرض لك مسجد »(2).

4 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إذا سجدت فمكّن جبهتك وانفك من الأرض »(3).

5 - عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال : كنت أصلّي مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الظهر ، فآخذ قبضة من حصى في كفّي لتبرد حتّى اسجد عليها من شدّة الحرّ(4).

فنقول : لو كان السجود على الثياب جائزاً ، لكان أسهل من التبريد جدّاً ، وهذا الحديث ظاهر على عدم جواز السجود على غير الأرض.

6 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « لا تسجد إلاّ على الأرض ، أو ما انبتت الأرض ، إلاّ القطن والكتّان »(5).

7 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « السجود على الأرض فريضة ، وعلى الخمرة سنّة »(6). وظاهره : أنّ السجود على الأرض فرض من اللّه عزّ وجلّ ، والسجود على الخمرة - التي هي من النباتات ، حصيرة مصنوعة من سعف النخل - ممّا سنّه الرسول صلى اللّه عليه وآله.

ص: 16


1- المصنّف للصنعاني 1 / 391.
2- صحيح البخاري 4 / 136 ، صحيح مسلم 2 / 63 ، سنن النسائي 2 / 32 ، السنن الكبرى للنسائي 6 / 377.
3- أحكام القرآن للجصّاص 3 / 272 ، كنز العمّال 8 / 164.
4- مسند أحمد 3 / 327 ، سنن النسائي 2 / 204 ، السنن الكبرى للنسائي 1 / 227.
5- الكافي 3 / 330 ، الاستبصار 1 / 331 ، تهذيب الأحكام 2 / 303.
6- الكافي 3 / 331.

8 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « السجود لا يجوز إلاّ على الأرض ، أو ما انبتت الأرض ، إلاّ ما أُكل أو لبس » (1).

والنتيجة : أنّ جميع الأحاديث تدلّ على وجوب السجود على الأرض ، أو ما انبتت من دون عذر ، وممّا لاشكّ فيه أنّ التربة هي جزء من الأرض ، فيصحّ السجود عليها ، بل تستحبّ إذا كانت من أرض كربلاء ، لوجود روايات كثيرة في هذا المجال عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

( أحمد - السعودية - .... )

أدلّة وضع الجبهة على الأرض :

س : أتمنّى منكم لو ترسلوا بعض الأدلّة من القرآن أو السنّة ، بما يفيد وجوب وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ، واستحباب باقي الأعضاء ، مع دعائي لكم بالتوفيق والتسديد.

ج : إنّ الأحكام الشرعية تعبّدية ، لا يمكن أخذها إلاّ من الكتاب والسنّة الصحيحة ، والروايات صريحة ودالّة على وجوب وضع الجبهة على الأرض ، أو ما يصحّ السجود عليه ، وأمّا باقي الأعضاء ، فمستحبّ.

والروايات الدالّة على ذلك كثيرة ، فقد ذكر الشيخ الحرّ العاملي قدس سره في كتابه « وسائل الشيعة » تحت عنوان : أنّه لا يجوز السجود بالجبهة إلاّ على الأرض ، أو ما أنبتت غير مأكول ولا ملبوس(2) ، فذكر أحد عشر حديثاً ، منها :

1 - عن هشام بن الحكم ، أنّه قال لأبي عبد اللّه عليه السلام : أخبرني عمّا يجوز السجود عليه؟ وعمّا لا يجوز؟

ص: 17


1- علل الشرائع 2 / 341 ، تهذيب الأحكام 2 / 234.
2- وسائل الشيعة 5 / 343.

قال : « السجود لا يجوز إلاّ على الأرض ، أو على ما أنبتت الأرض ، إلاّ ما أُكل أو لبس » ، فقال له : جعلت فداك ما العلّة في ذلك؟

قال : « لأنّ السجود خضوع لله عزّ وجلّ ، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس ، لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في عبادة اللّه عزّ وجلّ ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا ، الذين اغترّوا بغرورها ... ».

2 - عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : « لا يسجد إلاّ على الأرض ، أو ما أنبتت الأرض ، إلاّ القطن والكتّان ».

3 - عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « وكُلّ شيء يكون غذاء الإنسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه ، فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود ، إلاّ ما كان من نبات الأرض من غير ثمر ، قبل أن يصير مغزولاً ، فإذا صار غزلاً فلا تجوز الصلاة عليه ، إلاّ في حال ضرورة ».

كما وذكر تحت عنوان : عدم جواز السجود اختياراً على القطن والكتّان والشعر والصوف ، وكُلّ ما يلبس أو يؤكل ، سبعة أحاديث(1).

وذكر تحت عنوان : جواز السجود بغير الجبهة على ما شاء ، ثلاثة أحاديث(2).

وذكر تحت عنوان : أنّ من أصابت جبهته مكاناً غير مستو ، أو لا يجوز السجود عليه ، ستة أحاديث(3).

كما وذكر صاحب كتاب ( جامع أحاديث الشيعة ) مائتين وتسعين حديثاً يتعلّق بالسجود ، فأشارت بعض أحاديثه إلى ذلك(4).

ص: 18


1- المصدر السابق 5 / 346.
2- المصدر السابق 5 / 352.
3- وسائل الشيعة 6 / 353.
4- جامع أحاديث الشيعة 5 / 463.

( يعقوب نور - الكويت - سنّي )

حكمته :

س : لماذا نرى بالمذهب الشيعي الصلاة على التربة؟

ج : إنّ السجود على الأرض ممّا أجمع عليه المسلمون ، لما رواه الكُلّ متواتراً عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً »(1).

والشيعة إنّما تسجد على التربة ، لأنّها قطعة متّخذة من الأرض ، يجوز السجود عليها ، وأمّا غير الأرض ، فلم يثبت جوازه.

ومن جانب آخر ، فإنّ الأرض وإن كانت كُلّها مسجداً ، إلاّ أنّ الدليل كما قد خصّ بعضها بالكراهة - كالأرض السبخة - خصّ بعضها الآخر بالرجحان والاستحباب - كأرض كربلاء - لمّا ورد عن أئمّتنا عليهم السلام من الفضل الكثير ، والثواب العظيم للسجود عليها.

فالشيعة اتّخذت هذه القطع من الأرض كمسجد لها ، كما كان الأمر في الصدر الأوّل في اتّخاذ الحصباء والخمرة في هذا المجال.

ففي الحديث : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يسجد على الخمرة ، والخمرة حصيرة أصغر من المصلّى ، وقيل : الخمرة الحصير الصغير الذي يسجد عليه ، سمّيت خمرة لأنّ خيطها مستورة بسعفها(2).

وأيضاً عن ابن الوليد قال : « سألت ابن عمر عمّا كان بدء هذه الحصباء التي في المسجد؟ قال : نعم ، مطرنا من الليل فخرجنا لصلاة الغداة ، فجعل الرجل

ص: 19


1- الخصال : 201 و 292 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 285 ، الأمالي للشيخ الطوسي : 57 ، مسند أحمد 1 / 301 و 2 / 250 و 442 و 502 و 5 / 145 ، سنن الدارمي 2 / 224 ، صحيح البخاري 1 / 86 و 113 ، سنن ابن ماجة 1 / 188 ، الجامع الكبير 3 / 56 ، سنن النسائي 1 / 210 و 2 / 56.
2- لسان العرب 4 / 258.

يمر على البطحاء ، فيجعل في ثوبه من الحصباء ، فيصلّي عليه ، فلمّا رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ذاك قال : « ما أحسن هذا البساط » ، فكان ذلك أوّل بدئه »(1).

( عادل عبد الحسين العطّار - البحرين - .... )

أمر مستحبّ لا واجب :

س : أُريد منك شرحاً مفصّلاً عن السجود على التربة الحسينية ، هذا لكثرة سؤال زوجتي ، لأنّها على المذهب السني المالكي ، هذا ، ووفّقكم اللّه إلى ما فيه الخير.

ج : إنّ الشيعة لا تجوّز السجود إلاّ على الأرض ، أو ما أنبتته الأرض من غير المأكول والملبوس ، وتستدلّ بما روي عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام في ذلك ، وكذلك تستدلّ بما روي في مصادر أهل السنّة ، منها :

قوله صلى اللّه عليه وآله : « جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً » ، ومعلوم : أنّ لفظ الفرش ليس من الأرض ، ولا يصدق عليه اسم الأرض ، كما أنّ الحديث المروي عن أبي سعيد الخدري قال : « فبصرت عيناي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على جبهته أثر الماء والطين »(2).

كما أنّ أحاديث كثيرة وردت : أنّ الصحابة كانوا يأخذون قبضة من حصى في كفّهم لتبرد حتّى يسجدون عليها(3) ، وكذلك وردت أحاديث بأنّ النبيّ والصحابة كانوا يسجدون على حصير ، ويتخذّون منه خمرة للصلاة عليها ، ولا نطيل عليكم بذكر بقيّة الأحاديث ، والشيعة عملت بهذه الأحاديث.

ص: 20


1- السنن الكبرى للبيهقي 2 / 440.
2- صحيح البخاري 2 / 256 ، سنن أبي داود 1 / 311 ، سنن النسائي 2 / 208 ، مسند أحمد 3 / 7 ، صحيح ابن حبّان 8 / 431.
3- السنن الكبرى للبيهقي 2 / 105 ، سنن أبي داود 1 / 100 ، المستدرك 1 / 195 ، المصنّف لابن أبي شيبة 1 / 358 ، صحيح ابن حبّان 6 / 53.

وأمّا التربة ، فإنّها من التراب ، وكما يعلم الجميع فإنّ من شرط السجود أن يكون على شيء طاهر ، فاتخاذ التربة أمر يتيقّن المصلّي منه بطهارة موضع سجوده.

وأمّا بخصوص كون هذه اللبنة والتربة من كربلاء ، فإنّه ليس بواجب - بل كما قلنا فإنّه يجب السجود على الأرض أو ما أنبتته - ولكن هو أمر مستحبّ ، لورود روايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بذلك ، وكذلك ورود روايات عن أهل السنّة تروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّ جبرائيل أخبره بمقتل الحسين عليه السلام ، وأتى له بتربة كربلاء ، وكذلك كانت تربة كربلاء عند أمير المؤمنين عليه السلام ، وأمّ سلمة ، وهي التربة التي كان الزوّار يعرفون بشم رائحتها قبر الحسين عليه السلام ، لما أخفاه خلفاء الجور عنهم(1).

( محمّد السعيد - البحرين - .... )

يوجب الاطمئنان من طهارتها :

س : دخلت بعض المنتديات ، ووجدت بعض هذه الشبهات ، فهل من إجابة وبالدليل؟

الشيعة تسجد على التربة ، وحجّتهم أنّه لا يجوز السجود على ما يلبس أو يأكل ، لذا لا يسجدون على السجّاد ، فلماذا لا يسجدون على ثمانية ترب بعدد المساجد الثمانية؟

ج : إنّ الأحكام الشرعية توقيفية ، بمعنى أنّ الشارع يحدّدها ، فإذا ثبت حكم ما أنّ الشارع أثبته ، فلا يحقّ لنا أعمال ما تشتهيه أنفسنا.

ص: 21


1- مجمع الزوائد 9 / 187 و 191 ، مسند أحمد 1 / 85 ، ذخائر العقبى : 148 ، الآحاد والمثاني 1 / 309 ، مسند أبي يعلى 1 / 298 ، كنز العمّال 12 / 127 و 13 / 655 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 188 ، تهذيب الكمال 6 / 407 ، تهذيب التهذيب 2 / 300 ، جواهر المطالب 2 / 290 ، سبل الهدى والنجاة 11 / 74.

فالسجود ثابت في الشريعة ، بأنّه لا يجوز إلاّ على الأرض أو ما أنبتته الأرض ، من غير المأكول والملبوس ، وأن يكون موضع السجود طاهر ، فيمكن للمصلّي أن يسجد على الأرض ، أو على ورق الأشجار ، وسعيف النخل و... ، والشيعة اتخذت قطعة من الأرض لتسجد عليها ، ولتطمئن من طهارتها ، فلا يأتي س : لماذا لا يسجدون على ثمان ترب بعدد المساجد الثمانية؟

( موالي - الكويت - 19 سنة - طالب )

السجود على الثوب مع العذر :

السؤال : عن أنس بن مالك : كنّا إذا صلّينا مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فلم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض من شدّة الحرّ ، طرح ثوبه ثمّ سجد عليه(1) ، ألا تدلّ هذه الرواية على جواز السجود على الثوب لعذر؟ ودمتم سالمين.

ج : تدلّ هذه الرواية على جواز السجود على الثوب لعذر كشدّة الحرّ ، لا جوازه مطلقاً.

وأمّا الشيعة فعندهم عدم جواز السجود على غير الأرض ، أو ما أنبتته من غير المأكول والملبوس ، إلاّ لعذر شرعي كحال التقية ، وأدلّتهم على ذلك روايات وردت في هذا المضمار عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

( عماد - البحرين - 26 سنة - طالب ثانوية )

سجود الشيعة على التربة الحسينية :

س : هناك بعض الأشخاص لديهم بعض الاستغراب ، من أنّا نصلّي على التربة الحسينية ، فلماذا نصلّي على التربة؟ وليس على الأرض مباشرة؟

ص: 22


1- السنن الكبرى للبيهقي 2 / 106.

ج : تختصّ الشيعة الإمامية بالقول باستحباب السجود على تربة قبر الإمام الحسين عليه السلام تبعاً لأئمّتهم ، بل اتباعاً لمنهج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - ومنهج أهل البيت هو منهج الرسول صلى اللّه عليه وآله لا يخالفونه قيد شعرة أبداً - في تكريمه للحسين سيّد الشهداء عليه السلام ، وتكريم تربة قبره.

فاللازم علينا إذاً ، هو الإتيان ببعض الأحاديث عن أهل البيت عليهم السلام أوّلاً ، وبيان منهج الرسول صلى اللّه عليه وآله ثانياً ، فهاك نصوص كلمات أهل البيت عليهم السلام :

1 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « السجود على طين قبر الحسين عليه السلام ينوّر إلى الأرض السابعة ، ومن كان معه سبحة من طين قبر الحسين عليه السلام كتب مسبّحاً وإن لم يسبح بها » (1).

2 - قال الإمام الكاظم عليه السلام : « لا يستغني شيعتنا عن أربع : خمرة يصلّي عليها ، وخاتم يتختّم به ، وسواك يستاك به ، وسبحة من طين قبر الحسين عليه السلام »(2).

3 - عن معاوية بن عمّار قال : كان لأبي عبد اللّه عليه السلام خريطة ديباج صفراء ، فيها من تربة أبي عبد اللّه عليه السلام ، فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على سجادته وسجد عليه ، ثمّ قال عليه السلام : « إنّ السجود على تربة أبي عبد اللّه عليه السلام يخرق الحجب السبع » (3).

4 - كان الإمام الصادق عليه السلام لا يسجد إلاّ على تربة الحسين عليه السلام تذلّلاً لله ، واستكانة إليه(4).

5 - سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن استعمال التربتين ، من طين قبر حمزة وقبر الحسين عليهما السلام ، والتفاضل بينهما ، فقال عليه السلام : « السبحة التي من طين قبر الحسين عليه السلام تسبّح بيد الرجل من غير أن يسبّح »(5).

ص: 23


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 268 ، وسائل الشيعة 5 / 365.
2- وسائل الشيعة 5 / 359.
3- المصدر السابق 5 / 366.
4- نفس المصدر السابق.
5- المصدر السابق 6 / 455.

6 - عن محمّد بن عبد اللّه بن الحميري قال : كتبت إلى الإمام صاحب الزمان عليه السلام أسأله : هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين القبر؟ وهل فيه فضل؟ فأجاب : « يسبّح الرجل به ، فما من شيء من السبح أفضل منه »(1).

والظاهر أنّ المراد من القبر قبر الحسين عليه السلام ، والألف واللام للعهد ؛ لكون ذلك معهوداً مشهوراً عند أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم.

7 - عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري قال : كتبت إلى الإمام صاحب الزمان عليه السلام أسأله : عن السجدة على لوح من طين القبر ، وهل فيه فضل؟ فأجاب عليه السلام : « يجوز ذلك ، وفيه الفضل »(2).

ولا غرو أن يجعل اللّه سبحانه الفضل في السجود على تربة سيّد الشهداء عليه السلام ، وهو سيّد شباب أهل الجنّة ، وقرّة عين الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ومهجة فاطمة البتول عليها السلام ، وابن أمير المؤمنين عليه السلام ، وأحد أصحاب الكساء ، وهو وأخوه المراد من الأبناء في الكتاب الكريم في قصّة المباهلة ، وهو شريك أبيه وأُمّه في سورة هل أتى ، وأحد الأئمّة الكرام الهداة ، وأحد الخلفاء الاثني عشر ، وهو مصباح الهدى ، وسفينة النجاة.

فأيّ مانع من تشريف اللّه تعالى له وتكريمه إيّاه بتفضيل السجود على تربته؟

وقال الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء قدس سره في كتابه « الأرض والتربة الحسينية » في بيان حكمة إيجاب السجود على الأرض ، واستحباب السجود على التربة الشريفة :

ولعلّ السرّ في إلزام الشيعة الإمامية السجود على التربة الحسينية ، مضافاً إلى ما ورد في فضلها من الأخبار ، ومضافاً إلى أنّها أسلم من حيث النظافة والنزاهة من السجود على سائر الأراضي ، وما يطرح عليها من الفرش والبوراي ، الحصر الملوّثة والمملوءة غالباً من الغبار والمكروبات الكامنة فيها ، مضافاً إلى كُلّ ذلك ، فلعلّه

ص: 24


1- الاحتجاج 2 / 312.
2- نفس المصدر السابق.

من جهة الأغراض العالية ، والمقاصد السامية أن يتذكّر المصلّي حين يضع جبهته على تلك التربة ، تضحية ذلك الإمام بنفسه وآل بيته ، والصفوة من أصحابه في سبيل العقيدة والمبدأ ، وتحطيم هياكل الجور والفساد والظلم والاستبداد.

ولمّا كان السجود أعظم أركان الصلاة ، وفي الحديث « أقرب ما يكون العبد إلى اللّه وهو ساجد » (1) ، مناسب أن يتذكّر بوضع جبهته على تلك التربة الزاكية ، أُولئك الذين جعلوا أجسامهم عليها ضحايا للحقّ ، وارتفعت أرواحهم إلى الملأ الأعلى ، ليخشع ويخضع ويتلازم الوضع والرفع ، ويحتقر هذه الدنيا الزائفة وزخارفها الزائلة.

ولعلّ هذا المقصود من أنّ السجود عليها يخرق الحجب السبعة - كما في الخبر الآتي ذكره - فيكون حينئذٍ في السجود سر الصعود والعروج من التراب إلى ربّ الأرباب ، إلى غير ذلك من لطائف الحكم ودقائق الأسرار(2).

( حسين مردان - العراق - 39 سنة - مهندس )

لا يقاس بالتيمّم :

س : إذا كان التيمّم عند عدم وجود الماء يجوز ، حتّى لو مسحت يدك بتراب الجدران ، أو أيّ أثاث في البيت بقصد الصلاة ، فلماذا لا يجوز الصلاة على السجّادة بدون التربة الحسينية؟ هذا السؤال كثيراً ما يثار معي في النقاش مع أهل السنّة ، أجيبونا أثابكم اللّه.

ج : نجيب على هذا السؤال بعدّة نقاط :

1 - إنّ هذا الإشكال مبنيّ على القياس ، وهو مردود صغرى وكبرى :

أ - أمّا الكبرى : فالقياس باطل عندنا ، فقد نهى أئمّتنا عليهم السلام عن اتخاذ القياس دليلاً على الأحكام الشرعية ، فإنّ دين اللّه لا يقاس بالعقول ، وأوّل من قاس إبليس ( لعنه اللّه ).

ص: 25


1- ثواب الأعمال وعقابها : 34 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 211 ، كنز العمّال 7 / 292.
2- الأرض والتربة الحسينية : 32.

ب - ثمّ إنّ هذا القياس غير صحيح ، لأنّ الطهارة الترابية بدل اضطراري عن الطهارة المائية ، أي إنّ النوبة تصل إلى التيمّم بعد فقد الماء وعدم التمكّن من الوضوء ، فيتيمّم بغبار الجدران ، أو أثاث البيت إذا عجز عن التيمّم بالأرض ، فالمقاس عليه اضطرار في اضطرار.

فكيف يقاس عليه السجود على السجّادة في حالة الاختيار ، الذي هو مفروض السؤال ، وهو المتبع عند أهل السنّة.

2 - إنّ حكم السجود عندنا هو : وجوب السجود على ما يصدق عليه أنّه أرض ، ومنه التربة الحسينية ، لا ما يتوهّمه الآخرون من وجوب السجود على التربة الحسينية.

نعم ، السجود عليها مستحبّ لورود روايات في استحبابها.

3 - إنّ طريقة طرح السؤال غير صحيحة من البداية ، إذ لا يجوز أن يعترض على مذهب مخالف من خلال الاعتماد على قواعد يعتمدها المذهب الآخر ، بل يجب أمّا أن يبنى على قواعد متّفق عليها ، أو أن يبنى على قواعد نفس المذهب المعترض عليه.

ص: 26

سرية أُسامة :

اشارة

( ناصر - أمريكا - .... )

ثبوت اللعن عقلاً ونقلاً لمن تخلّف عنها :

س : ما هي الكتب التي تقول : لعن اللّه من تخلّف عن حملة أُسامة بن زيد ، غير كتاب الملل والنحل ، والسقيفة للجوهري؟

ج : إنّ المتتبّع يجد ، أنّ ما يرتبط بالصحابة من القضايا التاريخية - سواء ما وقع منها في زمن الرسالة أو بعده - لم يصل لنا إلاّ القليل منه ، أمّا أن يخفى ، أو يذكر بشكل مبهم أو محرّف ، ممّا يشمّ منه أنّ أصل تلك القضايا مسلّمة ، ووجود روايات كثيرة في القرن الأوّل ، فضلاً عمّا بعده ممّا لا يقبل الإنكار.

فإنّ مسألة جيش أُسامة من المسلّمات عند جميع المسلمين ، وقد تناقلوه في أكثر كتبهم.

وأمّا ورود الحديث في لعن المتخلّف عن جيش أُسامة ، فهو في المصادر الشيعية كثير ، وأمّا المصادر السنّية ، فإنّها لم ترد بعد تفحّصنا إلاّ فيما ذكرته من وجودها في كتاب الملل والنحل(1) وكتاب السقيفة ، فإنّ المسائل التي فيها طعن على أيّ واحد من الصحابة أو التابعين تحذف من تاريخ الإسلام ، فضلاً من الخلفاء ، وهذا شيء طبيعي.

ص: 27


1- الملل والنحل 1 / 23.

فتحصيل شيء من هذا القبيل من الصعوبة جدّاً أن يبقيه التاريخ ، لأنّ الذي ينقل الطعن يتّهم بالرفض والزندقة ، وكُلّ التهم التي تترتّب عليه ، حتّى أنّ الأيادي الأثيمة قد بدّلت عبارة اللعن على المتخلّف عن جيش أُسامة - في كتب التاريخ - بفقرة أُخرى وهي : اللعن من اتخاذ قبور الأنبياء مساجد ، وهو كما ترى خيانة وتحريف للحقائق ، إذ لا علاقة بين موضوع خطاب النبيّ صلى اللّه عليه وآله عندئذ ، وبين الصلاة عند القبور(1).

وعلى كُلّ حال ، فإنّ ما ورد في كتاب الملل والنحل وكتاب السقيفة فيهما الكفاية في إثبات ما ورد من الحديث ، في لعن المتخلّف عن جيش أُسامة ، وذلك :

لأنّ الشهرستاني في الملل والنحل ، أرسل الحديث إرسال المسلّمات ، والشهرستاني - مع نصبه وعداوته المعروفة لأهل البيت وشيعتهم - لمّا يرسل مثل هذا الحديث إرسال المسلّمات ، يكون حجّة وأيّ حجّة؟

ولأنّ الجوهري في كتابه السقيفة - كما نقله عنه ابن الحديد في الشرح(2) - أورده بسند متّصل معتبر : عن أحمد بن إسحاق بن صالح ، عن أحمد بن سيّار ، عن سعيد بن كثير الأنصاري ، عن رجاله ، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن.

ثمّ من جانب آخر ، فإنّ طاعة الرسول واجبة ، وعليه فالتخلّف عن جيش أُسامة تخلّف عن طاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والتخلّف عن طاعة رسول اللّه يوجب أذى رسول اللّه ، وأذية رسول اللّه توجب اللعنة بنصّ القرآن الكريم : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (3).

ومن المجمع والمسلّم عليه بين الكُلّ : أنّ أبا بكر وعمر تخلّفا عن جيش أُسامة ، فسواء ثبت حديث لعن المتخلّف عن جيش أُسامة أو لم يثبت فإنّ اللعنة

ص: 28


1- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 431 ، تاريخ مدينة دمشق 2 / 47.
2- شرح ابن أبي الحديد 6 / 52.
3- الأحزاب : 57.

شاملة لكُلّ من تخلَّف ، باستثناء من خرج بالدليل عن شمول الالتحاق ، وهو أمير المؤمنين عليه السلام والفضل بن العباس.

( أُمّ بدر - ... - ..... )

عدم خروج علي فيها :

س : لماذا لم يخرج الإمام علي عليه السلام مع جيش أُسامة؟ وظلّ بالمدينة حتّى موت الرسول الأعظم ، وحتّى عندما خرج جيش أُسامة بعد موت الرسول ، هل خرج علي بن أبي طالب معهم؟ وهل أُسامة خرج بعد موت الرسول صلى اللّه عليه وآله؟

ج : ذكر التاريخ أسماء كبار الصحابة ، الذين أمرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالخروج مع جيش أُسامة ، ومنهم أبو بكر وعمر وآخرون ، ومن المعلوم وممّا لاشكّ فيه : أنّ علياً عليه السلام كان من كبارهم ، ولكن التاريخ لم يذكر اسمه في ضمن صحابة النبيّ صلى اللّه عليه وآله الذين أمروا بالخروج ، وهذا دليل على عدم أمر النبيّ له بالخروج.

مضافاً إلى أنّه لو كان مأموراً بالخروج ولم يخرج ، لشنّ عليه أعداؤه حملة لا هوادة فيها ، للتقليل من شأنه ، بينما لا نجد ولا أيّ كتاب تاريخي يذكر أنّه تخلّف ، خلافاً لبقية الصحابة الكبار.

كما أنّ عدم خروج الإمام علي بعد وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله مع جيش أُسامة ، لأنّ الإمام لا يرى الشرعية في بعث جيش أُسامة من قبل أبي بكر ، لأنّه يعتبر نفسه الخليفة الشرعي بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

كما أنّ المعروف والمتّفق عليه تاريخياً : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لم يؤمّر على علي عليه السلام أحداً طيلة حياة النبيّ ، وهذا من ضمن الموارد ، وفي ذلك دلالة واضحة على رسول اللّه لا يريد أن يجعل شخصاً فوق علي عليه السلام وأميراً عليه ، ممّا يدل على أفضلية علي عليه السلام على غيره من الصحابة.

ص: 29

( باسم علية - تونس - .... )

الكفاءات لا تحسب بالسنّ والوجاهات :

س : أودّ أن أسألكم عن الأسباب الخفية لتجنيد كبار الصحابة في جيش أُسامة ، ولماذا أصرّ الرسول الأكرم على إرسال أُسامة بالذات قائداً للجيش؟ مع الشكر والامتنان.

ج : إنّ الإسلام دين الحقّيقة والمعاملة مع الواقع العملي ، وعليه فالكفاءات لا تحسب بالسنّ والوجاهات التي كانت عليها قريش في الجاهلية ، فالكفاءة إذا كانت في شاب فهو المقدّم.

وفي هذا درس عظيم لنا ، أن نتعامل مع الواقع ، ولا تغلبنا الاعتبارات الأُخرى التي هي أقرب ما تكون إلى البعد عن الواقع العملي.

وعليه ، فتبطل نظرية أبي بكر عندما سئل بأنّ الخليفة الحقّ هو علي؟ فأجابهم : بأنّه أكبر منه سناً!!

وفي مسألة جيش أُسامة وتأميره على كبار الصحابة ، واستثناء النبيّ صلى اللّه عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام للبقاء معه ، ولعنه من تخلّف عن جيش أُسامة ، في كُلّ هذه دروس وعبر لمن اعتبر ، بالأخصّ في مسألة الإمامة.

وفي هذه الأيّام ، طلب النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالدواة والقلم ليكتب لهم وصيّته ، فوقف أمامها عمر بن الخطّاب - الذي تخلّف عن جيش أُسامة - وحال دون كتابة النبيّ لهذه الوصية.

( فاضل السبع - البحرين - 22 سنة - طالب )

خروج جميع الصحابة فيها :

س : أشكر القائمين على هذا الموقع المبارك ، وأتمنّى لكم مزيد من التقدّم.

ص: 30

عندي سؤال : هل أنّ أبا ذر ، والمقداد ، وسلمان المحمّدي ، وعمّار ، وجميع صحابة علي عليه السلام الخلّص ، كانوا ضمن جيش أُسامة؟ أم أنّهم بقوا في مدينة الرسول؟

وهل بالإمكان معرفة أسماء الصحابة المتخلّفين عن جيش أُسامة؟ مع كتابة المصادر الدالّة على ذلك من كتب أهل السنّة؟ وشكراً جزيلاً.

ج : ذكرت كتب الفريقين أنّ جميع المهاجرين ووجوه الأنصار خرجوا في جيش أُسامة إلاّ الإمام علي عليه السلام ، ومن هذا الإطلاق يعلم : أنّ أبا ذر ، والمقداد ، وسلمان المحمّدي ، وعمّار ، وكُلّ صحابة الإمام علي عليه السلام ، خرجوا في جيش أُسامة امتثالاً لأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولم يتخلّفوا عنه ، وعسكروا في منطقة الجرف قرب المدينة المنوّرة ، وبعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله رجعوا إلى المدينة ، وفوجئوا بقضية السقيفة ، ومبايعة أبي بكر للخلافة.

وأمّا بالنسبة إلى ذكر أسماء من تخلّف عن جيش أُسامة - خصوصاً من كتب أهل السنّة - فهذا غير ممكن ، لأنّ كُلّ ما يرتبط بالصحابة من القضايا التاريخية - سواء ما وقع منها في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أو بعده - لم يصل لنا منه إلاّ القليل ، إمّا أن يخفى ، أو يذكر بشكل مبهم ، أو محرّف ، ممّا يشمّ منه أنّ أصل تلك القضايا كانت من المسلّمات ، ومن تلك القضايا مسألة تخلّف بعض الصحابة عن جيش أُسامة.

نعم ، ورد في بعضها : أنّ أبا بكر وعمر وعثمان وأبا عبيدة وطلحة والزبير كانوا ممّن نفذ في جيش أُسامة ، ولكن في نفس الوقت نجد هؤلاء كانوا في سقيفة بني ساعدة ، بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ممّا يدلّل أنّهم تخلّفوا عن الجيش.

ص: 31

ص: 32

السقيفة :

اشارة

( علي طاهر - السعودية - 40 سنة )

كما في الاحتجاج للطبرسي :

س : ذكر الرواة بأنّ بعض الأنصار كان في السقيفة ، مع أنّ مصادر الشيعة يذكرون بأنّ الأنصار كانوا مع الإمام علي عليه السلام ما عدا ثلاثة أو خمسة ، ومنهم بشير الأنصاري أبو النعمان.

هل الصحابي سعد بن عبادة يريد أن يأخذ الخلافة؟ لأنّه كان موجوداً وعشيرته تريد أن تبايعه ، أم أنّه شعر بريحة الخيانة من جهة عمر؟ أو علم من الأخبار لأنّه رئيس عشيرة وعيونه أخبرته بنية القوم؟

ودمتم موفّقين ، واللّه يحفظكم من كُلّ شرّ ، ويجعلكم نوراً يستضئ به المؤمنون.

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ، كما ذكرت ذلك كتب الفريقين ، والظاهر أنّ المقصود من الاجتماع ، اجتماع بعضهم لا اجتماع كُلّهم من أوسهم وخزرجهم ، ولكن كم مقدارهم؟ فبعض كتبنا كالاحتجاج للعلاّمة الطبرسي قدس سره عبّرت هكذا : « وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار ، وسعد بن عبادة بينهم مريض ... » (1).

ص: 33


1- الاحتجاج 1 / 91.

ويمكن أن بعض كتبنا ذكرت مجموعة قليلة ، وسواء قلنا إنّهم كانوا خلقاً كثيراً أم أنّهم كانوا مجموعة قليلة ، كان المعروف بينهم أنّ الخليفة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هو الإمام علي عليه السلام.

وأمّا بالنسبة إلى قضية سعد بن عبادة ، فتتّضح من خلال ما نقله العلاّمة الطبرسي في الاحتجاج حول قصّة السقيفة ، حيث قال :

« ثمّ اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة ، وجاءوا به إلى سقيفة بني ساعدة ، فلمّا سمع بذلك عمر أخبر بذلك أبا بكر ، فمضيا مسرعين إلى السقيفة ، ومعهما أبو عبيدة بن الجرّاح ، وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار ، وسعد بن عبادة بينهم مريض ، فتنازعوا الأمر بينهم ، فآل الأمر إلى أن قال أبو بكر في آخر كلامه للأنصار : إنّما أدعوكم إلى أبي عبيدة بن الجرّاح أو عمر ، وكلاهما قد رضيت لهذا الأمر ، وكلاهما أراهما له أهلاً.

فقال عمر وأبو عبيدة : ما ينبغي لنا أن نتقدّمك يا أبا بكر ، وأنت أقدمنا إسلاماً ، وأنت صاحب الغار وثاني اثنين ، فأنت أحق بهذا الأمر وأولى به.

فقال الأنصار : نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منّا ولا منكم ، فنجعل منّا أميراً ومنكم أميراً ونرضى به ، على أنّه إن هلك اخترنا آخر من الأنصار.

فقال أبو بكر بعد أن مدح المهاجرين : وأنتم يا معشر الأنصار ، ممّن لا ينكر فضلهم ولا نعمتهم العظيمة في الإسلام ، رضيكم اللّه أنصاراً لدينه ، وكهفاً لرسوله ، وجعل إليكم مهاجرته ، وفيكم محل أزواجه ، فليس أحد من الناس بعد المهاجرين الأوّلين بمنزلتكم ، فهم الأمراء وأنتم الوزراء.

فقال الحباب بن المنذر الأنصاري : يا معشر الأنصار ، أمسكوا على أيديكم ، فإنّما الناس في فيئكم وظلالكم ، ولن يجترئ مجتر على خلافكم ، ولن يصدر الناس إلاّ عن رأيكم.

وأثنى على الأنصار ثمّ قال : فإنّ أبى هؤلاء تأميركم عليهم ، فلسنا نرضى بتأميرهم علينا ، ولا نقنع بدون أن يكون منّا أمير ومنهم أمير.

ص: 34

فقام عمر بن الخطّاب فقال : هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد ، إنّه لا ترضى العرب أن تؤمّركم ونبيّها من غيركم ، ولكن العرب لا تمتنع أن تولّي أمرها من كانت النبوّة فيهم ، وأُلو الأمر منهم ، ولنا بذلك على من خالفنا الحجّة الظاهرة ، والسلطان البيّن ، فيما ينازعنا سلطان محمّد ، ونحن أولياؤه وعشيرته ، إلاّ مدل بباطل أو متجانف بإثم ، أو متورّط في الهلكة محبّ للفتنة.

فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال : يا معشر الأنصار امسكوا على أيديكم ، ولا تسمعوا مقال هذا الجاهل وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، وإن أبوا أن يكون منّا أمير ومنهم أمير ، فأجلوهم عن بلادكم ، وتولّوا هذا الأمر عليهم ، فأنتم واللّه أحقّ به منهم ، فقد دان بأسيافكم قبل هذا الوقت ، من لم يكن يدين بغيرها ، وأنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ، واللّه لئن أحد ردّ قولي لأحطمن أنفه بالسيف.

قال عمر بن الخطّاب : فلمّا كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام ، فإنّه جرت بيني وبينه منازعة في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فنهاني رسول اللّه عن مهاترته ، فحلفت أن لا أكلّمه أبداً.

قال عمر لأبي عبيدة : تكلّم ، فقام أبو عبيدة بن الجرّاح وتكلّم بكلام كثير ، وذكر فيه فضائل الأنصار ، وكان بشير بن سعد سيّداً من سادات الأنصار ، لمّا رأى اجتماع الأنصار على سعد بن عبادة لتأميره حسده ، وسعى في إفساد الأمر عليه ، وتكلّم في ذلك ورضى بتأمير قريش ، وحثّ الناس كُلّهم لاسيّما الأنصار على الرضا ، بما يفعله المهاجرون.

فقال أبو بكر : هذا عمر وأبو عبيدة شيخان من قريش فبايعوا أيّهما شئتم؟

فقال عمر وأبو عبيدة : ما نتولّى هذا الأمر عليك أمدد يدك نبايعك.

فقال بشير بن سعد : وأنا ثالثكما ، وكان سيّد الأوس ، وسعد بن عبادة سيّد الخزرج ، فلمّا رأت الأوس صنيع سيّدها بشير ، وما ادعيت إليه الخزرج من تأمير سعد ، أكبّوا على أبي بكر بالبيعة ، وتكاثروا على ذلك وتزاحموا ، فجعلوا يطأون سعداً من شدّة الزحمة ، وهو بينهم على فراشه مريض.

ص: 35

فقال : قتلتموني ، قال عمر : اقتلوا سعداً قتله اللّه ، فوثب قيس بن سعد فأخذ بلحية عمر وقال : واللّه يا بن صهّاك ، الجبان في الحرب ، والفرّار الليث في الملا والأمن ، لو حرّكت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة.

فقال أبو بكر : مهلا يا عمر مهلا ، فإنّ الرفق أبلغ وأفضل ، فقال سعد : يا بن صهّاك الحبشية ، أما واللّه لو أنّ لي قوّة النهوض ، لسمعتها منّي في سككها زئيراً أزعجك وأصحابك منها ، ولالحقّنكما بقوم كنتما فيهم أذناباً أذلاء تابعين غير متبوعين لقد اجترأتما.

ثمّ قال للخزرج : احملوني من مكان الفتنة ، فحملوه وأدخلوه منزله ، فلمّا كان بعد ذلك بعث إليه أبو بكر ، أن قد بايع الناس فبايع ، فقال : لا واللّه حتّى أرميكم بكُلّ سهم في كنانتي ، وأخضب منكم سنان رمحي ، وأضربكم بسيفي ما أقلّت يدي ، فأقاتلكم بمن تبعني من أهل بيتي وعشيرتي ، ثمّ وأيم اللّه لو اجتمع الجنّ والأنس عليّ لما بايعتكما ، أيّها الغاصبان حتّى أعرض على ربّي ، وأعلم ما حسابي.

فلمّا جاءهم كلامه ، قال عمر : لا بدّ من بيعته ، فقال بشير بن سعد : إنّه قد أبى ولجّ وليس بمبايع أو يقتل ، وليس بمقتول حتّى يقتل معه الخزرج والأوس ، فاتركوه فليس تركه بضائر ، فقبلوا قوله وتركوا سعداً ، فكان سعد لا يصلّي بصلاتهم ، ولا يقضي بقضائهم ، ولو وجد أعواناً لصال بهم ولقاتلهم ، فلم يزل كذلك مدّة ولاية أبي بكر حتّى هلك أبو بكر ، ثمّ ولي عمر وكان كذلك ، فخشى سعد غائلة عمر ، فخرج إلى الشام فمات بحوران في ولاية عمر ، ولم يبايع أحداً.

وكان سبب موته أن رمي بسهم في الليل فقتله ، وزعم أنّ الجنّ رموه ، وقيل أيضاً أنّ محمّد بن سلمة الأنصاري تولّى ذلك بجعل جعل له عليه ، وروي أنّه تولّى ذلك المغيرة بن شعبة ، وقيل خالد بن الوليد ... » إلى نهاية كلامه قدس سره.

ص: 36

الشطرنج :

اشارة

( حمد النصّار - الكويت - .... )

سبب تحريمها :

س : ما هو سبب تحريم الشطرنج؟ مع أنّها قد تفيد الإنسان ذهنياً عن طريق التفكير ، ونفسياً عن طريق الترفيه ، وشتّان بين الضرر الذي يسبّبه السجائر والضرر الذي يسبّبه الشطرنج؟ ومع ذلك لم يحرّم علماؤنا السجائر مع ثبات الضرر الذي تحقّقه ، أفيدونا يرحمكم اللّه؟

ج : إنّ الأحكام الشرعية تعبّدية ، أي يجب العمل بها تعبّداً ، سواء في ذلك توصّلنا إلى فلسفة الأحكام أو لم نتوصّل ، بل حتّى تلك الأحكام التي توصّلنا إلى فلسفتها ، فهي لا تعبّر بالضرورة الفلسفة الحقّيقية للحكم ، بل تعبّر عن بعض ما توصّلنا إليه.

ويعتبر تحريم الشطرنج من هذا القبيل ، فهو حكم تعبّدي ، حتّى فسّرت آية ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ ... ) (1) بالشطرنج ، كما ورد في الكثير من الأحاديث(2).

ص: 37


1- الحجّ : 30.
2- أُنظر : الكافي 6 / 435 ، دعائم الإسلام 2 / 210 ، من لا يحضره الفقيه 4 / 58 ، معاني الأخبار : 349 ، تفسير القمّي 2 / 84.

ويمكن أن يكون سبب ورود الكثير من الروايات في التحريم ، والتأكيد على تحريم الشطرنج بالذات : أنّ الشطرنج من الألعاب التي تنسي ذكر اللّه ، حتّى أنّه قيل : أنّ كثيراً من لاعبي الشطرنج يغفلون عن أداء الصلاة ، لأنّ الشطرنج من الألعاب الملهية التي تستغرق وقتاً كثيراً كما يقال.

وقيل أيضاً : إنّ الشطرنج يوجب البغضاء بين الممارسين له ، ويكدّر صفو القلوب.

وكما قلنا لك : الأحكام تعبّدية ، وما ذكر من الأسباب مجرّد احتمال.

هذا ، وبالأخص إذا عدّ عرفاً الشطرنج من آلات القمار ، والمؤمنون لا يقتربون آلة تعدّ عرفاً من آلات القمار التي يقامر بها من لا دين له ، ويكون كتحريم الجلوس على مائدة فيها خمر ، وإن كان الجالس لا يشرب الخمر.

( أحمد - العراق - 29 سنة - طالب حوزة )

مصادر حرمتها :

س : لدي سؤال لو سمحتم :

1 - هل من الممكن أن تدلّونا على أسماء الكتب التي تذكر فلسفة تحريم الشطرنج؟ ويا حبّذا لو تدلّونا على مواقعها في الإنترنت.

2 - تفضّلتم قائلين : ويمكن أن يكون سبب ورود الكثير من الروايات في التحريم ، والتأكيد على تحريم الشطرنج بالذات : أنّ الشطرنج من الألعاب التي تنسي ذكر اللّه ، حتّى أنّه قيل : إنّ كثيراً من لاعبي الشطرنج يغفلون عن أداء الصلاة ، لأنّ الشطرنج من الألعاب الملهية التي تستغرق وقتاً كثيراً كما يقال.

وقيل أيضاً : إنّ الشطرنج يوجب البغضاء بين الممارسين له ، ويكدّر صفو القلوب.

فيا حبّذا لو تذكروا لنا المصدر في ذلك ، مع جزيل الشكر ، ووفّقكم اللّه لما يحبّ ويرضى.

ص: 38

ج : لقد ذكرت مسألة حرمة الشطرنج في المكاسب المحرّمة عند أغلب بحوث علمائنا ، كما وردت عن المعصومين عليهم السلام روايات كثيرة في تلك المسألة ، فارجع إلى الكتب الآتية : « المكاسب المحرّمة » للسيّد الخميني ، « مصباح الفقاهة » للسيّد الخوئي ، كتاب « المكاسب » للشيخ الأنصاري ، « جواهر الكلام » للشيخ الجواهري ، « الكافي » للشيخ الكليني ، « من لا يحضره الفقيه » للشيخ الصدوق ، « وسائل الشيعة » للشيخ الحرّ العاملي ، « بحار الأنوار » للعلاّمة المجلسي (1).

أمّا ما يتعلّق بسبب تحريم الشطرنج ، فكما تعرف قد ذكرنا ما يتعلّق بالموضوع في موقعنا ، وما ذكر ما هي إلاّ استنتاجات مستفادة من أقوال بعض الرواة والعلماء ، والسيّد الخميني لم يحلّل الشطرنج الذي هو من آلات القمار ، بل قال قدس سره : « إنّ الشطرنج إن كان قد خرج عن كونه من آلات القمار جاز اللعب به »(2) ، وهذه قضية تعليقية شرطية ، أي أنّ حرمة الشطرنج ترتفع إذا تبدّل العنوان وصار الشطرنج ليس من آلات المقامرة ، وصدق الشرطية لا يستلزم صدق طرفيها.

( جواد - السعودية - .... )

حكم اللعب بها وبالنرد :

س : إن سمحتم لدي سؤال وهو : من المعروف أنّ النرد والشطرنج من المحرّمات ، وسمعت أنّ هنالك حديث ينصّ على أنّ اللعب بالنرد مثل الزاني بفرج أُمّه؟ فما مدى سند هذا الحديث وصحّته؟ علماً بأنّي سمعت من أحد الأشخاص يقول : بأنّ سند هذا الحديث غير صحيح ، أو أنّه ضعيف ، أفيدونا أفادكم اللّه.

ص: 39


1- مأساة الزهراء 1 / 162.
2- ؟؟؟؟

ج : الآلات التي يلعب بها بعض منها ورد نصّ على تحريمها ، وبعض لم يرد نصّ.

أمّا الآلات التي لم يرد نصّ على تحريمها ، فاللعب بها مع الرهان حرام قطعاً ، وأمّا بدون الرهان ، فإن كان اللعب بها في الأعم الأغلب مع الرهان بحيث سمّيت عرفاً آلة قمار ، فاللعب بها بدون رهان حرام قطعاً ، وإن كان العرف لا يسمّيها آلة قمار ، فإنّ اللعب بها بدون رهان جائز شرعاً.

وأمّا الآلات التي ورد نصّ في تحريمها - كالنرد والشطرنج - فمشهور العلماء يذهب إلى أنّ موضوع الحرمة هو نفس الآلة ، مع غض النظر عن صدق القمارية عليه وعدمه ، وعليه يحرم اللعب بها مطلقاً.

ولكن ذهب بعض إلى أن موضوع الحرمة هو صدق القمارية عرفاً ، فإذا كان العرف لا يعدّها آلة قمار ، فاللعب بها بدون رهان جائز ، وإن اختلفوا في كيفية الصدق العرفي لخروج الآلة عن اسم القمار.

فذهب بعض إلى أنّ الآلة لا يمكن أن تخرج عرفاً عن اسم القمار ، إلاّ بعد أن يترك الجميع اللعب بها مع الرهان ، فلو كان شخص واحد يلعب بها مع الرهان ، فالآلة عرفاً تبقى على اسم القمار ، ويحرم اللعب بها من دون رهان.

وبعض ذهب إلى أنّ الأعم الأغلب إذا ترك اللعب بها مع الرهان ، فعرفاً تخرج عن اسم آلة القمار ، ويكون حكمها كالخمر إذا انقلب خلاً.

هذا هو موجز تفاصيل المسألة ، وعلى كُلّ فرد أن يرجع في هذه المسألة إلى مرجع تقليده ، والاحتياط في الاجتناب عن اللعب بالآلات التي ورد فيها النصّ على الحرمة - كالنرد والشطرنج - لا يترك.

ص: 40

( إيهاب - مصر - 15 سنة - طالب )

القائلون بحرمتها من أهل السنّة :

س : أنا لاعب شطرنج ، أصلّي وأصوم ، وأحبّ زملائي في اللعبة ، هل لعب أحدكم الشطرنج ليعرف مدى رقي تلك اللعبة؟ وأنّها لا يمكن أن تكون الرجز من الأوثان.

ج : إنّ الأحكام الشرعية لا يمكن إدراك العلل الواقعية لها ، وإنّ أغلبها تأتي غير معلّلة ، فلذلك لا يستطيع أحد أن يعترض على تلك الأحكام ، بل عليه التسليم لها.

والذي يمكن البحث فيه والنقاش هو : متابعة دليل الفقيه في استنباط الحكم الشرعي ، فإذا كان دليله فقط الآية القرآنية نوقش فيها ، وإن كان هناك دليل آخر من السنّة ، نوقش فيه أيضاً ، فلابدّ إذاً من فهم الأدلّة التي أدّت بالفقهاء للقول بحرمة الشطرنج.

وكما ذكرنا سابقاً ، فإنّ الذي شرح مراد الآية القرآنية هي الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام ، فالإمام المعصوم هو الذي يقول : أنّ من الميسر كُلّ ما يتقامر به ، ومنه الشطرنج ، وهذا القول قد قبله بعض علماء أهل السنّة وعمل به.

هذا وأنّ هناك روايات كثيرة تكفي لوحدها أن تكون دليلاً على حرمة الشطرنج ، حتّى لو لم نفهم المراد من الآية القرآنية ، ومن تلك الروايات ما ورد عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتخاذها كفر ، واللعب بها شرك ، والسلام على اللاهي بها معصية ، وكبيرة وموبقة ... » (1).

ص: 41


1- السرائر 3 / 577.

ولسنا الوحيدين القائلين بحرمة الشطرنج ، فقد ورد في فقه السنّة : « فمن حرّمه : أبو حنيفة ومالك وأحمد ، وقال الشافعي وبعض التابعين : يكره ولا يحرم »(1).

وأمّا قولك : أنّ اللعبة فيها رقي ، فنحن لا ننكر أنّ في اللعبة منافع ، بل إنّ هذا هو لسان القرآن ، إذ قال : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ) (2).

فإذا قال لك أحد : إنّ في الخمر منافعاً ، وأنّه شراب لذيذ مثلاً ، وإنّي أشرب منه مقدار لا يضرّ بعقلي ، فهل يحقّ له أن يعترض على حرمة الخمر؟ فإذا لم تقبل منه اعتراضه ، فكذلك الحال في الشطرنج ، فوجود المنافع فيها لا يزيل عنها الحرمة.

ص: 42


1- أُنظر : فقه السنّة 3 / 513.
2- البقرة : 219.

الشفاعة :

اشارة

( أُمّ زهراء - السعودية - .... )

لا يستحقّها الظالم لأهل البيت :

س : ما حكم من يعتقد بأنّ شفاعة المعصومين عليهم السلام ربّما قد تشمل ظالميهم ، ومن أغتصب حقّهم ، وظلم شيعتهم ، أو أنّ رحمة اللّه فوق كُلّ هذا ، أم يستحيل أصلاً ورود الرحمة والشفاعة في مثل هذا المورد بالخصوص؟ مثل قتل الإمام الحسين عليه السلام ، وكسر ضلع الزهراء عليها السلام ، وغصب الخلافة؟

ج : وردت نصوص تفيد بأنّ الظالمين لآل محمّد عليهم السلام آيسون من رحمة اللّه تعالى ، ومن هذا يظهر عدم شمول الشفاعة لمن ظلمهم.

وأمّا من ظلم شيعتهم ، فتارة ظلم شيعتهم لأنّهم شيعة لأهل البيت عليهم السلام ، فهذا بحكم الناصبي ، والناصبي لا شفاعة له ولا نجاة.

وتارة أُخرى ظلم شيعتهم بعنوان شخصي ، فهذا يدخل ضمن مظالم العباد ، ومظالم العباد فيما بينهم - حسب ما في الروايات - معلّق على أداء الحقّ إلى أصحابه ، فإذا أدّى هذا الإنسان الظالم الحقّ إلى أصحابه ، أو ابرأ ذمّتهم ، فحينئذ يمكن أن تعمّه الشفاعة.

وأمّا إذا لم يعد الحقّ إلى صاحبه ولم يستبرئ ذمّته ، فمقتضى الروايات الواردة : أنّ الشفاعة موقوفة على رضا صاحب الحقّ ، ولكن قد يستفاد من بعض الروايات بأنّه من الممكن أنّ اللّه تعالى لبعض الأعمال الصالحة لهذا

ص: 43

الإنسان الظالم يرضي عنه خصومه يوم القيامة ، ثمّ ينجّيه ، ويظهر من هذا توقّف النجاة على الرضا ، فهنا يمكن أن تتناول الشفاعة هذا القسم.

فالخلاصة : من ظلمهم عليهم السلام لا تشمله الشفاعة ، وأمّا من ظلم شيعتهم لتشيّعهم فهو ناصبي فلا تشمله أيضاً ، وإن لم يكن لتشيّعهم فيدخل في مظالم العباد ، فإن أدّى الحقّ أو ابرأ الذمّة فتشمله الشفاعة ، وإلاّ فلا تشمله الشفاعة إلاّ أن يرضي اللّه خصومه.

أمّا كيف يرضي اللّه خصومه؟ فيمكن أن يكون بسبب الأعمال الصالحة - من قبيل الاستغفار والصدقة على الطرف المعتدى عليه - وهذه مسألة متروكة إلى اللّه تعالى.

ثمّ إنّ المتبادر من ظالميهم من ظلم مقامهم وولايتهم ، وأنكر مودّتهم أو ما شاكل ذلك ، فمن اعتقد أنّ الشفاعة تشمل هكذا ظالم ، فهو منحرف الاعتقاد.

وأمّا لو أنّ شخصاً يحبّ الإمام الحسين عليه السلام مثلاً ، ويعتقد بإمامته ، ولكن دخل معه في معاملة فظلمه بدينار مثلاً ، فهنا يمكن للإمام عليه السلام أن يعفو عنه ويصفح عنه ، لأنّها مظلمة شخصية مادّية ، فتناله الشفاعة ، لأنّ ظلمه هذا لم يكن ناتج عن بغض لهم عليهم السلام وإنكار لمقامهم.

( نضال - قطر - .... )

رواياتها في كتب العامّة :

س : ما هي حقيقة الشفاعة؟ وما هي البراهين عليها من كتب السنّة؟

ج : إنّ الشفاعة التي وقع الخلاف فيها هي نوع من الوساطة إلى اللّه تعالى ، من وليّ مقرّب عنده ، ليغفر لمذنب ويسامحه ، وقد أثبتها المسلمون قاطبة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلاّ من شذّ منهم.

ص: 44

والأدلّة على ثبوتها كثيرة جدّاً ، ومتضافرة على حصول الشفاعة في يوم القيامة ، من قبل الصالحين والأولياء إلى المذنبين والعاصين ، واستجابة لطلبك سوف نقتصر على بعض الروايات المثبتة للشفاعة عند أهل السنّة :

1 - عن ابن عمر قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من قضى لأخيه حاجة ، كنت واقفاً عند ميزانه ، فإن رجح ، وإلاّ شفعت له » (1).

2 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من صلّى على محمّد وقال : اللّهم أنزله المقعد المقرّب عندك يوم القيامة ، وجبت له شفاعتي »(2).

3 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من قال حين يسمع النداء : اللّهم ربَّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة ، آت محمّداً الوسيلة والفضيلة ، وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، حلّت له شفاعتي يوم القيامة »(3).

4 - عن أبي أُمامة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « صنفان من أمّتي لن تنالهما شفاعتي ، ولن أشفع لهما ، ولن يدخلا شفاعتي : سلطان ظلوم غشوم عسوف ، وغال مارق عن الدين »(4).

وهذا الحديث يدلّ بالمفهوم على ثبوت الشفاعة ، وإمكانها لطوائف آخرين في أمّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

5 - عن جابر بن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أعطيت خمساً لم يعطهّن أحد قبلي ... وأعطيت الشفاعة ، ولم يعط نبيٌّ قبلي ... »(5).

ص: 45


1- الدرّ المنثور 3 / 71.
2- مسند أحمد 4 / 108 ، كتاب السنّة : 381 ، المعجم الأوسط 3 / 321 ، المعجم الكبير 5 / 26.
3- صحيح البخاري 1 / 152 و 5 / 228 ، سنن النسائي 2 / 27 ، السنن الكبرى للبيهقي 1 / 410 ، المعجم الصغير 1 / 240 ، مسند الشاميين 4 / 149.
4- المعجم الكبير 8 / 281 و 20 / 214 ، كنز العمال 6 / 21 و 30 ، مجمع الزوائد 5 / 235 ، كتاب السنّة : 184.
5- صحيح البخاري 1 / 113 ، صحيح مسلم 2 / 63 ، سنن النسائي 1 / 211.

ولنقتصر على هذا القدر من الروايات.

( شهيناز - البحرين - سنّية - 20 سنة - طالبة جامعة )

في الكتاب والسنّة :

س : ما الدليل من الكتاب والسنّة على الشفاعة؟

ج : إنّ القول بالشفاعة لم يختصّ بالشيعة وحدهم ، بل اشترك في ذلك جميع المسلمين ، ودليلهم القرآن الكريم والسنّة الشريفة :

أمّا من القرآن الكريم ، فقوله تعالى : ( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) (1) ، إلى غيرها من الآيات الكريمة التي تؤكّد شفاعة المقرّبين عند اللّه تعالى ، ومن يرتضيهم من شفعاء.

أمّا السنّة الشريفة : فعن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تلا قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي »(2).

وعن قتادة قال : وذكر لنا أنّ نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « إنّ في أمّتي رجلاً ليدخلن اللّه الجنّة بشفاعته أكثر من بني تميم »(3).

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أنا أوّل شفيعٍ يوم القيامة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، إنّ من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة ما معه مصدّق غير واحد »(4).

وعن جابر بن عبد اللّه قال : قال صلى اللّه عليه وآله : « أنا قائد المرسلين ولا فخر ، وأنا خاتم النبيين ولا فخر ، وأنا أوّل شافع ومشفع ولا فخر »(5).

ص: 46


1- الأنبياء : 28.
2- المستدرك 2 / 382.
3- المصدر السابق 6 / 285.
4- السنن الكبرى للبيهقي 9 / 4 ، تاريخ بغداد 12 / 398.
5- المعجم الأوسط 1 / 61 ، الجامع الصغير 1 / 413 ، كنز العمّال 11 / 436 ، التاريخ الكبير 4 / 286.

فهذه الآيات والروايات تؤكّد أصل وجود الشفاعة ، وهي خاصّة بمن ارتضاهم اللّه وفضّلهم وأكرمهم.

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

لا تنال شفاعتنا من استخف بصلاته :

س : أسأل اللّه العلي القدير أن يمنّ عليكم بنعمة نشر المعارف الحقّة المستقاة من منبع الطهر والعصمة محمّد وآله الطاهرين.

السؤال حول الحديث المروي عن الرسول صلى اللّه عليه وآله الذي يقول : « ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي يوم القيامة » (1) ، وهناك رواية تنقل عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام تقول : « إنّه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة »(2).

والسؤال هو : إذا كان الاستخفاف بالصلاة من الكبائر ، والتي وعد صاحبها بعدم نيل الشفاعة ، فهل ينال صاحبها شفاعة الرسول صلى اللّه عليه وآله؟ وكيف؟ وهل هناك بين الروايتين تناقض؟ إذ لا ينال الشفاعة من استخفّ بالصلاة لأنّه عمل كبيرة ، وينال الشفاعة من جهة أُخرى لأنّ شفاعة الرسول صلى اللّه عليه وآله لأهل الكبائر قد ادخرت؟ فعلى كلا الوجهين سينال الشفاعة ممّن سيشفع لمن يستحقّ الشفاعة ، إذ إنّهم عليهم السلام لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى ، وهم من خشيته مشفقون ، أم إنّ الذي يأتي بما تقدّم لا ينال الرضى ليستحقّ الشفاعة؟ أم ماذا؟ أفيدونا مأجورين.

ج : يمكن أن نتصوّر عدّة أجوبة للجمع بين الحديثين :

1 - إنّ قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله عام يشمل جميع أهل الكبائر ، وأمّا قول الإمام الصادق عليه السلام فهو خاص ينحصر بالمستخف بالصلاة - أي المتهاون بها - ، فيحمل العام على الخاصّ ، كما هو متعارف عليه عند الأُصوليين في مثل هذه الحالة ، وتسمى بالتعارض غير المستقرّ ، وتجمع جمعاً عرفياً ، ذُكر بشكل مفصّل في بحوث أُصول الفقه ، مبحث التعارض والتراجيح.

ص: 47


1- التبيان 1 / 213 ، المعجم الأوسط 6 / 106 ، البداية والنهاية 10 / 254.
2- الكافي 3 / 270 و 6 / 401 ، تهذيب الأحكام 9 / 107.

2 - إنّ شفاعة أهل البيت عليهم السلام لها منازل متعدّدة ، فيمكن حمل قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله على منزل منها ، كأن يكون آخر المراحل في يوم القيامة ، ويحمل قول الإمام الصادق عليه السلام على عدم نيل الشفاعة في منزل آخر ، كأن يكون في البرزخ مثلاً أو غيره.

وهنالك ما يؤيّد ما ذكرناه ، وهو قول النبيّ : « ادخرت » ، إٍذ إنّ الادخار يفيد معنى عدم الإعطاء في أوّل أزمنة الحاجة ، والحفاظ عليها إلى الأزمنة المهمّة جدّاً.

3 - يمكن أن يكون الفرق هو : إنّ الإمام الصادق عليه السلام ينفي الشفاعة عن المستخفّ بالصلاة على النحو الفعلي وواقعاً ، وهذا لا تعارض له مع قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، إذ إنّ النبيّ لم يقل إنّي اشفع فعلاً لأهل الكبائر ، بل قال : إنّي أدّخر شفاعتي لهم ، ومعنى الادخار هو الحفاظ عليها إلى وقت الشدّة ، والحفاظ لا يعني إعطاؤه بشكل قطعي ، فربما يعطي الشفاعة وربما لا يعطيها.

وهذا كما نجده في قوله تعالى : ( قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) (1) ، فليس معنى السعة لكُلّ شيء هو حصول الرحمة ووقوعها للجميع فعلاً ، وإلاّ لتعارض مع عقاب أيّ مخلوق - الكفرة وغيرهم - بل المقصود أنّ الرحمة من اللّه تعالى لها قابلية الشمول للجميع ، لكن البعض ليست له القابلية على نيلها ، وكما يقال : العجز في القابل لا في الفاعل.

وهنالك أوجه أُخرى يمكن تصوّرها لا داعي لذكرها.

( منير - السعودية - .... )

تكون للأنبياء والأئمّة والشهداء و... :

س : من هم الذين يسمح اللّه لهم بالشفاعة يوم القيامة؟ هل هم الأنبياء فقط؟ أم هناك غيرهم أيضاً؟ وهل هناك أدلّة تؤيّد ذلك؟

ص: 48


1- الأعراف : 156.

ج : الظاهر من روايات كثيرة واردة في كتب الفريقين : إنّ الشفاعة يوم القيامة تكون للأنبياء وللأئمّة والعلماء والشهداء وغيرهم ، ومن تلك الروايات :

1 - عن ابن عباس قال : أوّل من يشفع يوم القيامة في أمّته رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأوّل من يشفع في أهل بيته وولده أمير المؤمنين ، وأوّل من يشفع في الروم المسلمين صهيب ، وأوّل من يشفع في مؤمني الحبشة بلال(1).

2 - عن عثمان بن عفّان عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ الشهداء ، ثمّ المؤذّنون »(2).

3 - عن عثمان بن عفّان قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ العلماء ، ثمّ الشهداء »(3).

( جعفر سلمان - البحرين - .... )

شفاعة المعصوم تحقق إرادة اللّه :

س : هل شفاعة المعصوم عليه السلام متأخّرة رتبة على إرادة اللّه؟ وليس دورها إلاّ مطابقتها لهذه الإرادة ، ويكون هدفها فقط بيان مقام هؤلاء المعصومين؟ أو أنّ الأمر أبعد من ذلك ، حيث تكون شفاعة المعصوم من مقتضيات تحقّق إرادة اللّه تعالى ، وبالتالي تكون جزء علّة لفعل اللّه ، أو أنّ هناك شيء آخر؟

ج : لا يخفى أنّ كُلّ شيء وجودي في الكون مسبوق بعلم اللّه تعالى أزلاً ، ومقيّد بتعلّق إرادة اللّه الفعلية به في الوجود تكويناً.

هذا ، وإنّ مقام الشفاعة بتفاصيلها يدخل ضمن المخطّط الإلهي في الوجود ، فلا يخرج عن علمه تعالى أوّلاً ، وعن إرادته سبحانه في الوجود ثانياً.

ص: 49


1- مناقب آل أبي طالب 2 / 14.
2- مجمع الزوائد 10 / 381.
3- الجامع الصغير 1 / 434 ، كنز العمّال 10 / 151 ، تاريخ بغداد 11 / 178 ، تهذيب الكمال 22 / 551.

على ضوء ما ذكرنا ، يظهر أنّ مقام الشفاعة قد أعطي للمعصوم عليه السلام من قبل اللّه تعالى ، ثمّ إنّ المعصوم عليه السلام واستناداً إلى هذه المرتبة الممنوحة له يشفع في العباد.

فالنتيجة : إنّ مقام الشفاعة وإن أعطيت أصالةً من قبل اللّه تعالى ، ولكن تنفيذه وتطبيقه بيد المعصوم عليه السلام ، فلا يكون دوره شكلياً بل حقيقياً ، وإن كنّا نعلم - بمقتضى صفة العصمة - أنّه عليه السلام لا يخرج في شفاعته عن رضوان اللّه تعالى.

ومجمل الكلام : إنّنا إن نظرنا إلى المسألة من زاوية الإرادة الإلهية التكوينية ، فالشفاعة وثمراتها سوف تكون مسبوقة بإرادة اللّه تعالى ، ومتأخّرة من حيث الشأن والرتبة والوجود ، وإن نظرنا إليها من ناحية الإرادة الإلهية التشريعية ، فسوف تعتبر الشفاعة حينئذٍ أصيلة وغير منوطة بأيّ شيء ، ويكون المعصوم عليه السلام فيها مختاراً مستقلاً ، وبالنتيجة يكون عليه السلام من أجزاء تحقّق إرادة اللّه تعالى.

( الحائر - السعودية - .... )

تشمل أهل المعاصي لا النواصب :

س : إلى الإخوان العاملين في مركز الأبحاث ، تحية طيّبة ، أشكركم على الإجابة السابقة ، وإن تأخّرت بعض الشيء.

سؤالي لكم كالتالي : هل الشفاعة تشمل أهل المعاصي الذين ماتوا عليها غير تائبين؟ وهل تشمل كُلّ موحّد وإن كان من الذين نصبوا العداء لأهل البيت عليهم السلام؟

ج : إنّ بحث الشفاعة بحث علمي ودقيق ، وللوقوف على أصلها وحدودها نحتاج إلى تفصيل وإطناب في الكلام ، فلا يسعنا تصوير البحث بنحو تامّ ، ولكن نجيب على سؤالك بالإجمال.

ص: 50

أوّلاً : الظهور الأوّلي المتبادر من مفهوم الشفاعة ، هو شمولها لأهل المعاصي غير التائبين ، إذ إنّ التائب حقيقةً لا ذنب له ، فلا يحتاج إلى شفاعة في ذلك المورد.

مضافاً إلى أنّ بعض الروايات الواردة في المقام تصرّح بهذا المعنى ، قال صلى اللّه عليه وآله : « إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي » (1).

ثانياً : إنّ شمول الشفاعة للعاصين يختلف باختلاف المعاصي والعصاة في كيفية صدور المعصية عنهم وكمّيتها ؛ فمنهم من تناله الشفاعة في بادئ الأمر ، ومنهم من لا يليق لهذه المكرمة إلاّ بعد مسّه النار وتطهيره ، ومنهم بين ذلك.

ثالثاً : بحسب الأدلّة النقلية فإنّ الشفاعة بمراتبها المختلفة مشروطة بوجود مؤهّلات ومواصفات في المشفوع لهم ، منها : التوحيد وعدم الشرك.

ومنها : الإسلام والإيمان.

ومنها : محبّة أهل البيت عليهم السلام وعدم العداء لهم.

ومنها : عدم الاستخفاف بالصلاة.

ويدلّ على ذلك كُلّه الأخبار الواردة في المقام ، نذكر بعضها :

قال الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ المؤمن ليشفع لحميمه ، إلاّ أن يكون ناصباً ، ولو أنّ ناصباً شفع له كُلّ نبي مرسل وملك مقرّب ما شفعوا » (2).

وقال الإمام الصادق عليه السلام أيضاً : « لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة »(3).

ص: 51


1- المستدرك 2 / 382.
2- المحاسن 1 / 186.
3- الكافي 3 / 270 و 6 / 401 ، تهذيب الأحكام 9 / 107.

ص: 52

الشهادة الثالثة في الأذان :

اشارة

( السيّد علي رضا - ... - ..... )

الأدلّة على جوازها :

س : ما هي حقيقة الشهادة الثالثة؟ وهل وصّى بها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أم أنّها أضيفت بعد فترة؟

ج : قد اتفق علماء الشيعة على جواز الشهادة الثالثة في الأذان ، ثمّ ذهب بعضهم إلى أنّها جزء مستحبّ من أجزاء الأذان ، كما هو الحال في القنوت بالنسبة إلى الصلاة.

وذهب أكثر علمائنا إلى أنّها مستحبّة لا بقصد الجزئية - أي ليست جزءً ، ولا فصلاً من فصول الأذان - مستفيدين الاستحباب من بعض العمومات والإطلاقات في الروايات المؤكّدة على المقارنة بين اسم النبيّ صلى اللّه عليه وآله واسم الإمام علي عليه السلام ، كما هو الحال في الصلاة على محمّد وآل محمّد بعد الشهادة الثانية.

من تلك العمومات والإطلاقات :

1 - عن القاسم بن معاوية ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « فإذا قال أحدكم : لا اله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، فليقل : علي أمير المؤمنين » (1) ، والحديث لم يتقيّد بزمان ولا مكان ، ولا في فعل خاصّ ، فهو عام يشمل الأذان وغيره.

ص: 53


1- الاحتجاج 1 / 231.

2 - عن أبي الحمراء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « لمّا أسري بي إلى السماء نظرت إلى العرش ، فإذا عليه مكتوب : لا إله إلا اللّه ، محمّد رسول اللّه أيّدته بعلي ونصرته به » (1).

3 - عن عبد اللّه بن مسعود عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « يا عبد اللّه أتاني ملك فقال : يا محمّد ، سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ قال : قلت : على ما بعثوا؟ قال : على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب »(2).

4 - عن حذيفة بن اليمان عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، سمّي أميراً وآدم بين الروح والجسد ، قال اللّه تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) (3) قالت الملائكة : بلى ، فقال تبارك وتعالى : أنا ربّكم ومحمّد نبيّكم وعلي أميركم »(4).

ففي كُلّ مورد يذكر رسول اللّه يذكر علي معه ، والأذان من جملة الموارد ، ومن شواهدها من كتب أهل السنّة قوله صلى اللّه عليه وآله لعلي : « ما سألت ربّي شيئاً في صلاتي إلاّ أعطاني ، وما سألت لنفسي شيئاً إلاّ سألت لك »(5).

ص: 54


1- مناقب أمير المؤمنين 1 / 244 ، شرح الأخبار 1 / 210 ، المعجم الكبير 22 / 200 ، شواهد التنزيل 1 / 298 ، جواهر المطالب 1 / 92 ، ينابيع المودّة 1 / 69 و 2 / 160 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 336 ، تهذيب الكمال 33 / 260 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 / 174.
2- شواهد التنزيل 2 / 223 ، كشف الغمّة 1 / 318.
3- الأعراف : 172.
4- فردوس الأخبار 2 / 197.
5- السنن الكبرى للنسائي 5 / 151 ، خصائص أمير المؤمنين : 125 ، ذخائر العقبى : 61 ، مجمع الزوائد 9 / 110 ، كتاب السنّة : 582 ، أمالي المحاملي : 203 و 367 ، المعجم الأوسط 8 / 47 ، نظم درر السمطين : 119 ، كنز العمّال 11 / 625 و 13 / 151 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 310 ، المناقب : 110 ، جواهر المطالب 1 / 239 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 298 ، ينابيع المودّة 2 / 149.

والخلاصة : إنّ الشهادة لعلي عليه السلام بالولاية في الأذان - عند أكثر علمائنا - مكمّلة للشهادة الثانية بالرسالة ، ومستحبّة في نفسها ، وإن لم تكن جزءً من الأذان.

ونلفت انتباهكم إلى أنّ ما قد يفهم من ظاهر كلمات بعض الأعلام من منعها في الأذان ، فهو وقوعها على نحو الجزئية ، لا على نحو أنّها مستحبّة في نفسها.

جعلنا اللّه وإيّاكم من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنين عليه السلام.

( طلال - الكويت - سنّي )

أذان الشيعة من مصادر أهل السنّة :

س : لله الحمد أنّنا مسلمون ، ومنّ اللّه علينا بالإسلام.

سؤالي : أُريد دليلاً على أنّ الأذان الحالي عندكم هو ما كان عليه في صدر الإسلام ، وعهد الرسول صلى اللّه عليه وآله.

ج : إنّ الأذان الموجود عند الشيعة - بحسب الأحاديث التي وصلتهم - هو ما كان في عهد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، مضافاً إلى تأييد هذه الصورة من الأذان في كتب أهل السنّة ، فنذكر لك فيما يلي مواضع الاختلاف بين فصول أذان الشيعة وأذان السنّة ، وما يدلّ عليها من مصادركم :

1 - التكبير في أوّل الأذان بنظر الشيعة أربع مرّات ، ويوافقنا في ذلك الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري(1).

مضافاً إلى ورود رواية من طرق السنّة تصرّح بهذا الحكم ، فعن محمّد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جدّه قال : قلت : يا رسول اللّه علّمني سنّة

ص: 55


1- أُنظر : المجموع 3 / 90 ، فتح العزيز 3 / 160 ، مختصر المزني : 12 ، مغني المحتاج 1 / 135 ، المغني لابن قدامة 1 / 415 ، بداية المجتهد 1 / 88.

الأذان ، فمسح مقدّم رأسه ، وقال : « تقول : اللّه أكبر ... » (1) فذكر التكبير أربع مرّات.

وأيضاً أنّ الحديث الذي هو المستند في تثنية التكبير لا دلالة له أصلاً ، بل هو إخبار عن المنام ، فهو كما ترى!!(2).

2 - أطبقت الشيعة الإمامية على تثنية التهليل في آخر الأذان ، ويدلّ عليه من كتب أهل السنّة ، ما ورد من أمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله بلالاً أن يشفّع الأذان(3).

3 - التثويب بدعة عند الشيعة في الصبح وغيره ، ويوافقنا في ذلك الشافعي في أحد قوليه(4).

ويؤيّد هذا الرأي بما روي في الصحيح عن أذان النبيّ صلى اللّه عليه وآله خالٍ عن التثويب(5).

وروى ابن أبي شيبة : أنّ الأسود بن يزيد كان يعترض لزيادة هذه الفقرة في الأذان(6).

وروى الترمذي : إنكار ابن عمر على من زادها في الأذان ، باعتبارها بدعة(7).

وعن الإمام علي عليه السلام أنّه قال حين سمعها : « لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه »(8).

ص: 56


1- سنن أبي داود 1 / 121 ، تحفة الأحوذي 1 / 486 ، صحيح ابن حبّان 4 / 578 ، المعجم الكبير 7 / 174 ، تهذيب الكمال 26 / 23 ، السنن الكبرى للبيهقي 1 / 394.
2- أُنظر : الجامع الكبير 1 / 122 ، صحيح ابن خزيمة 1 / 189 ، أُسد الغابة 3 / 166.
3- صحيح البخاري 1 / 150 ، صحيح مسلم 2 / 2 ، سنن ابن ماجة 1 / 241 ، الجامع الكبير 1 / 124 ، سنن الدارمي 1 / 270 ، سنن أبي داود 1 / 125 ، سنن النسائي 2 / 3.
4- الأُم 1 / 104 ، المجموع 3 / 92 ، فتح العزيز 3 / 169 ، مختصر المزني : 12 ، بدائع الصنائع 1 / 148.
5- صحيح مسلم 2 / 3.
6- المصنّف لابن أبي شيبة 1 / 237.
7- الجامع الكبير 1 / 128 ، السيرة الحلبية 2 / 135.
8- نيل الأوطار 2 / 18.

4 - أجمعت الشيعة على ذكر فقرة « حيّ على خير العمل » في الأذان ، وممّا يدلّ عليها : أنّ عمر نهى عنها - وهو على المنبر - إذ قال : أيّها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول اللّه ، أنا أنهى عنهنّ ، وأُحرمهنّ وأُعاقب عليهنّ وهي : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحيّ على خير العمل(1) ، وهذا الكلام منه دليل ورود هذه الفقرة « حيّ على خير العمل » في أذان النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

وورد أيضاً أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام وابن عمر كانا يقولان في الأذان بعد حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل(2).

وأيضاً جاء عن بلال أنّه كان يؤذّن بالصبح فيقول : حيّ على خير العمل(3).

5 - المستحبّات الواردة قبل البدء في الأذان وبين فقراتها كثيرة ، كقول بعض المؤذّنين في الابتداء : « وقل الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ... » ، أو الصلاة بعد ذكر النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

ثمّ إنّ من المستحبّات الشهادة لأمير المؤمنين عليه السلام بالولاية بعد الشهادتين.

فالشيعة لا ترى هذه الفقرة جزءً أو فصلاً من الأذان ، بل هي ذكر مستحبّ ، لورود أحاديث كثيرة في مصادر أهل السنّة ، قرنت بين اسم النبيّ صلى اللّه عليه وآله وبين اسم علي عليه السلام(4).

أضف إلى ذلك ، فقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « هو وليّ كُلّ مؤمن من بعدي »(5).

ص: 57


1- شرح تجريد العقائد : 374.
2- السيرة الحلبية 2 / 137 ، السنن الكبرى للبيهقي 1 / 424 ، المصنّف للصنعاني 1 / 464 ، المصنّف لابن أبي شيبة 1 / 244 ، مسند زيد بن علي : 93.
3- السنن الكبرى للبيهقي 1 / 425 ، المعجم الكبير 1 / 352 ، كنز العمّال 8 / 342.
4- مناقب أمير المؤمنين 1 / 244 ، شرح الأخبار 1 / 210 ، المعجم الكبير 22 / 200 ، شواهد التنزيل 1 / 298 ، جواهر المطالب 1 / 92 ، ينابيع المودّة 1 / 69 و 2 / 160 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 336 ، تهذيب الكمال 33 / 260 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 / 174.
5- 5 - فضائل الصحابة : 15 ، المستدرك 3 / 134 ، مسند أبي داود : 111 و 360 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 504 ، الآحاد والمثاني 4 / 279 ، كتاب السنّة : 550 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 45 و 126 و 132، خصائص أمير المؤمنين : 64 و 97 ، مسند أبي يعلى 1 / 293 ، صحيح ابن حبّان 15 / 374 ، المعجم الكبير 12 / 78 و 18 / 129 ، نظم درر السمطين : 79 و 98 ، موارد الظمآن : 543 ، كنز العمّال 11 / 599 و 607 و 13 / 142 ، فيض القدير 4 / 471 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 100 و 198 ، أُسد الغابة 4 / 27 ، سير أعلام النبلاء 8 / 199 ، الإصابة 4 / 467 ، الجوهرة : 64 ، البداية والنهاية 7 / 381 ، المناقب : 127 و 153 ، جواهر المطالب 1 / 212 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 291 ، ينابيع المودّة 1 / 112 و 2 / 78 و 86 و 159 و 236 و 398 و 490 و 3 / 364.

وقال صلى اللّه عليه وآله أيضاً : « أنا وهذا حجّة على أمّتي يوم القيامة »(1).

وأخيراً : ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (2).

( .... - لبنان - .... )

تعقيب على الجواب السابق :

أودّ إضافة شيء على الجواب الجيّد ، وهو أنّه لنا التمسّك بعموم الخبر الصحيح الوارد في الاحتجاج لإثبات أرجحية ذكر الشهادة بالولاية عقب الشهادة بالرسالة ، انقل مضمونه : من قال لا اله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه ، فليقل : علي أمير المؤمنين ....

ص: 58


1- كنز العمّال 11 / 620 ، تاريخ بغداد 2 / 86 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 309 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 292.
2- يونس : 35.

الشورى :

اشارة

( علي - البحرين - .... )

معنى ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) :

س : ما معنى قوله تعالى : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ؟

ج : جاء في تفسير مجمع البيان : « وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ(1) أي : استخرج آراءهم ، واعلم ما عندهم.

واختلفوا في فائدة مشاورته صلى اللّه عليه وآله إيّاهم - مع استغنائه بالوحي عن تعرّف صواب الرأي من العباد - على أقوال :

أحدها : إنّ ذلك على وجه التطييب لنفوسهم ، والتآلف لهم ، والرفع من أقدارهم ، ليبيّن أنّهم ممّن يوثق بأقوالهم ، ويرجع إلى آرائهم ، عن قتادة والربيع وابن إسحاق.

وثانيها : إنّ ذلك لتقتدي به أمّته في المشاورة ، ولم يروها نقيصة ، كما مدحوا بأنّ أمرهم شورى بينهم ، عن سفيان بن عيينة.

وثالثها : إنّ ذلك ليمتحنهم بالمشاورة ، ليتميّز الناصح من الغاش.

ورابعها : إنّ ذلك في أُمور الدنيا ، ومكائد الحرب ، ولقاء العدو ، وفي مثل ذلك يجوز أن يستعين بآرائهم ، عن أبي علي الجبائي »(2).

ص: 59


1- آل عمران : 159.
2- مجمع البيان 2 / 428.

وعن ابن عباس بسند حسن : لمّا نزلت : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ( أما أنّ اللّه ورسوله لغنيان عنها ، ولكن جعلها اللّه رحمة لأمّتي ، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً ، ومن تركها لم يعدم غيّاً ) (1).

إنّ هذه الرواية تفيد : أنّ استشارته صلى اللّه عليه وآله أصحابه لا قيمة لها على صعيد اتخاذ القرار ، لأنّ اللّه ورسوله غنيان عنها ، لأنّهما يعرفان صواب الآراء من خطئها ، فلا تزيدهما الاستشارة علماً ، ولا ترفع جهلاً ، وإنّما هي أمر تعليمي أخلاقي للأُمّة ... ، وإذا كانت الاستشارة أمراً تعليمياً أخلاقياً ، فلا محذور على الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله فيها(2).

( أحمد - السعودية - .... )

ليست مشروعة في تعيين الخليفة :

س : هل يمكن أن تكون الشورى بديلاً عن النصوص الواردة في تحديد الخلافة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟

ج : لاشكّ أنّ الشورى لا تصلح أن تكون بديلاً عن النصوص القاطعة في خصوص إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وذلك لأنّ ترك النصوص واللجوء إلى الشورى يعدّ رأياً واجتهاداً في مقابل النصّ ، وهو بلاشكّ غير صحيح لقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّه وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا ) (3).

فالموقف النهائي والقول الفصل يعود إلى اللّه تعالى ورسوله لا إلى من سواهما ، وليس لأحد الامتناع أو المخالفة في ذلك ، إلاّ أن يخرج عن دائرة

ص: 60


1- الدرّ المنثور 2 / 90 ، فيض القدير 5 / 565 ، فتح القدير 1 / 395.
2- الصحيح من سيرة النبيّ 6 / 90.
3- الأحزاب : 36.

الإيمان ، وهذا حكم عامّ لا استثناء فيه حتّى في تلك الموارد التي رخّص اللّه تعالى لرسوله الكريم مشورة الناس فيها.

قال تعالى : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) (1).

فمدار القرار ومحوره عزم الرسول وإقدامه في تحديد أيّ موقف ، ولا رأي للناس في ذلك ، ولم تكن مشورتهم إلاّ لتطيب خواطرهم ، وإشعارهم بشخصيتهم في ميدان العمل والتطبيق ، مضافاً إلى ما للمشورة من تأثير على تمسّكهم بأوامر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والتزامهم بما ألزموا به أنفسهم ، خصوصاً في مواطن الشدّة كالحرب.

هذا ، وإنّ الشورى لم تتحقّق بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في سقيفة بني ساعدة ، فقد حضرها مجموعة قليلة من الأنصار والمهاجرين ، ولم يكونوا يمثّلون جميع أهل الحلّ والعقد ، خصوصاً وأنّ علياً عليه السلام قد أبدى اعتراضه على ما جرى في السقيفة ورفض البيعة ، كما اعترض كبار الصحابة : كالمقداد ، وسلمان ، والزبير ، وعمّار ، وعبد اللّه بن مسعود ، وسعد بن عبادة ، والعباس ابن عبد المطلب ، وأُسامة بن زيد ، وأُبي بن كعب ، وعثمان بن حنيف.

ولو تنزّلنا وقلنا : حصلت الشورى في انتخاب الخليفة الأوّل ، لكنّها لم تحصل في الخليفة الثاني ، حيث تمّ تعيينه مباشرة ومن دون مشورة أحد.

وهكذا لم تحصل في الخليفة الثالث ، حيث إنّ عمر رشّح ستة أشخاص ، ووضع لهم طريقة خاصّة في انتخاب الخليفة ، كما ورد في كتب التاريخ(2).

ثمّ لو كانت الشورى مشروعة في تعيين الخليفة لبيّنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ورفع الغموض عنها ، مع أنّه لم يؤثر عنه صلى اللّه عليه وآله شيء في هذا المجال.

ص: 61


1- آل عمران : 159.
2- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 295 ، تاريخ المدينة 3 / 924.

وهل يعقل أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يهتمّ في مسألة الحاكم الذي يليه ، بينما يكون غيره - كأبي بكر وعمر - أكثر حرصاً منه صلى اللّه عليه وآله فيقدما على الوصاية من بعدهما ، ولا يقدم نبي الرحمة على ذلك؟

والخلاصة : حيث إنّه لم يؤثر عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه تحدّث عن الشورى كأسلوب في تعيين الخليفة من بعده ، فلابدّ من الرجوع إلى النصوص المأثورة عنه صلى اللّه عليه وآله والدالّة على تنصيب الإمام علي عليه السلام كخليفة المسلمين.

( .... - السعودية - .... )

ليست أساس الحكم والخلافة :

س : حاول المتجدّدون من متكلّمي أهل السنّة ، صب صيغة الحكومة الإسلامية على أساس المشورة بجعله بمنزلة الاستفتاء الشعبي ، واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) (1) ، فما هو ردّكم؟

ج : إنّ الآية الشريفة حثّت على الشورى فيما يمت إلى شؤون المؤمنين بصلة ، لا فيما هو خارج عن حوزة أُمورهم ، وكون تعيين الإمام داخلاً في أُمورهم فهو أوّل الكلام ، إذ لا ندري - على الفرض - هل هو من شؤونهم أو من شؤون اللّه سبحانه؟ ولا ندري ، هل هي إمرة وولاية إلهية تتمّ بنصبه سبحانه وتعيينه ، أو إمرة وولاية شعبية يجوز للناس التدخّل فيها؟ فما لم يحرز تعيين الإمام أمر مربوط بالمؤمنين لم يجز التمسّك بعموم الآية في أنّها تشمل تعيين الإمام.

ص: 62


1- الشورى : 38.

الشيعة :

اشارة

( فاطمة السنّية - سنّية - 25 سنة - طالبة )

دفع تهم عنهم :

س : أرجو منكم الردّ عليّ فوراً يا شيعة : سئل الإمام مالك عن الشيعة ، فقال : لا تكلّمهم ، ولا ترو عنهم ، فإنّهم يكذبون.

وقال الشافعي : ما رأيت أهل الأهواء قوم أشهد بالزور من الرافضة.

وقال شيخ الإسلام : لا توجد فرقة تقدّس الكذب سوى الرافضة.

ج : إنّ البحث عن الحقائق لا يُؤخذ هكذا ، ولا يكون بالحكم على الأشياء سلفاً دون الاعتماد على تقصّي الوقائع ، ودون اللجوء إلى استماع الأقاويل ، وتقليد الآخرين في حكمهم ، فإنّ اللّه غداً سائلنا عن كُلّ ما نقوله ، فماذا نعتذر غداً إذا لم نملك حجّة نعتذر بها عند اللّه تعالى؟

قال تعالى : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (1) ، نحن مسؤولون عن كُلّ صغيرة وكبيرة ، عن ظلمنا لشخص واحد ، فكيف بظلمنا لطائفةٍ من المسلمين؟

علينا أن نبحث أوّلاً عن نشوء مصطلح الرافضة ، ومن هم؟ فاصطلاح الرافضة ليس من الضروري أن يطلق على الشيعة ، إلاّ أنّ الأنظمة السياسية عزّزت من

ص: 63


1- الإسراء : 36.

فكرة استخدام هذا المصطلح على الشيعة ، وقلّدهم الآخرون في ذلك ، فأطلقوا هذا المصطلح على كُلّ شيعي ، من هنا نشكّك في دعوى انتساب هذا المصطلح إلى التشيّع ، ومنه يمكننا إلغاء كُلّ ما تدّعينه في حقّ شيعة أهل البيت عليهم السلام ، وتنسبين أقوال هؤلاء العلماء في حقّهم ، وهذا الكلام يؤيّده ما قاله إمام الشافعية :

إذا نحن فضّلنا علياً فإنّنا *** روافضُ بالتفضيل عند ذوي الجهلِ

وقال كذلك :

إذا في مجلس ذكروا علياً *** وسبطيه فاطمة الزكية

يقال تجاوزوا يا قوم هذا *** فهذا من حديث الرافضية

برئت إلى المهيمن من أُناسٍ *** يرون الرفض حبّ الفاطمية

وقال كذلك :

قالوا ترفّضت قلت كلاّ *** ما الرفض ديني ولا اعتقادي

لكن تولّيت غير شكّ *** خير إمامٍ وخير هادي

إن كان حبّ الولي رفضاً *** فإنّني أرفض العبادِ(1)

وهكذا فرّق الشافعي بين مصطلح التشيّع الذي هو ولاء علي وأولاده عليهم السلام وبين مصطلح الرافضة الذي أطلقه النظام السياسي الحاكم على معارضيه ، ومن هنا فإنّ الذي تذكرينه عن الشافعي لا يستقيم.

أمّا ما تذكرينه عن مالك في حقّ الشيعة ، فلم يثبت في مصدر يعوّل عليه ، ولم تذكرين لنا المصدر الذي تأخذين هذا القول عنه ، ويستحيل أن ينسب مالك هذا الكلام لشيعة أهل البيت عليهم السلام.

ص: 64


1- نظم درر السمطين : 111.

واعلمي أنّ الشيعة لم يضعوا الحديث ، ولم يكذّبوا فيه ، فإنّهم كانوا تحت رقابةٍ مشدّدة من التعديلات الرجالية ، بحيث كان الرجاليون يترقّبون كُلّ من وضع الحديث ، أو كذّب فيه ، فيسقطونه عن الاعتبار ، وكانوا يتحرّجون في ذلك أشدّ التحرّج ، ولو كان قد صدر منهم كذب في حديث لوجدتِ أنّ الأنظمة الحاكمة قد جعلت ذلك ذريعة للتشهير بهم ، ومحاربتهم بحجّة وضع الحديث وكذبهم فيه.

إلاّ أنّنا نعلمك : أنّ آفة وضع الحديث قد امتاز بها غير الشيعة ، وشهد لذلك ابن حجر الهيثمي وغيره لهذه المشكلة فقال : « وقد اغتر قوم من الجهلة ، فوضعوا أحاديث الترغيب والترهيب وقالوا : نحن لم نكذب عليه - أي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته ... » (1).

وأخرج البخاري في تاريخه عن عمر بن صبح - وهو من رواة أهل السنّة - يقول : أنا وضعت خطبة النبيّ صلى اللّه عليه وآله(2).

قيل لأبي عصمة : من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضل سور القرآن سورة سورة؟ فقال : إنّي رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن ، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ، ومغازي ابن إسحاق ، فوصفت هذا الحديث حسبة(3).

وهكذا ، فإنّ الوضع لم يكن عند الشيعة كما تذكرين ، بل هؤلاء علماء أهل السنّة يعترفون بمشكلة الوضع عند رواة أهل السنّة ، وهي مشكلة تعمّ الكثير من الأحاديث ، وعليكِ متابعة الموضوع من مصادره ، ليتبيّن لكِ الحقّ والواقع.

نسأل اللّه تعالى أن يكشف لكِ الكثير من الحقائق لتقفين بنفسكِ على كثيرٍ من الأُمور.

ص: 65


1- فتح الباري 1 / 178.
2- التاريخ الصغير 2 / 192.
3- الجامع لأحكام القرآن 1 / 78 ، البرهان في علوم القرآن 1 / 432.

( خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي )

تعقيب على الجواب السابق :

لقد قرأت سؤال الأُخت فاطمة السنّية ، حيث نقلت عن بعض النواصب : إنّ الشيعة يكذبون ، وأردت أن أبيّن الحقيقة لكُلّ من يطلبها ، وأبيّن من هم الكذّابين؟ وأرجو منكم أن تنشروا هذه الفقرات تبياناً للحقيقة ، وخدمة لأهل البيت عليهم السلام.

فأقول بعد الصلاة على محمّد وآل محمّد :

1 - قال ابن الأثير في تاريخه : « فلمّا مات زياد عزم معاوية على البيعة لابنه يزيد ... ، ثمّ كتب معاوية بعد ذلك إلى مروان بن الحكم ... ، فقام مروان فيهم وقال : إنّ أمير المؤمنين قد اختار لكم فلم يألُ ، وقد استخلف ابنه يزيد بعده.

فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال : كذبت واللّه يا مروان وكذب معاوية! ما الخيار أردتما لأُمّة محمّد ، ولكنّكم تريدون أن تجعلوها هرقلية كلّما مات هرقل قام هرقل ....

فسمعت عائشة مقالته فقامت من وراء الحجاب وقالت : يا مروان ... كذبت! ... ولكنّك أنت فضض من لعنه نبي اللّه » (1).

لكن البخاري ذكر الحديث في باب : « والذي قال لوالديه أُفّ لكما ، فقال : كان مروان على الحجاز استعمله معاوية ، فخطب وجعل يذكر يزيد لكي يبايع له بعد أبيه ، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً ، فقال : خذوه ، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه ، فقال مروان : إنّ هذا الذي أنزل اللّه فيه : والذي قال لوالديه أُفّ لكما أتعدانني ، فقالت عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل اللّه فينا شيئاً من القرآن إلاّ أنّ اللّه أنزل عذري » (2).

لاحظوا جيّداً كيف حذف الشيخ البخاري كلام عبد الرحمن عندما قال : كذبت واللّه يا مروان وكذب معاوية! ما الخيار أردتما لأُمّة محمّد ،

ص: 66


1- الكامل في التاريخ 3 / 506.
2- صحيح البخاري 6 / 42.

ولكنّكم تريدون أن تجعلوها هرقلية كُلّما مات هرقل قام هرقل ، وأبدله بعبارة : فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً ، وحذف قول عائشة لمروان : يا مروان ... كذبت! ... ولكنّك أنت فضض من لعنه نبي اللّه.

2 - روى الطبري في تاريخه في وصف مرض النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « عن عائشة قالت : فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بين رجلين من أهله ، أحدهما الفضل بن العباس ورجل آخر ... ، قال عبيد اللّه : فحدّثت هذا الحديث عنها عبد اللّه بن عباس فقال : هل تدري من الرجل؟ قلت : لا ، قال : علي بن أبي طالب ، ولكنّها كانت لا تقدر على أن تذكره بخير وهي تستطيع »(1).

ورواه أيضاً ابن سعد في طبقاته(2).

3 - أخذ ابن هشام من سيرة ابن إسحاق برواية البكائي ، وقال في ذكر منهجه في أوّل الكتاب ، وتارك بعض ما أورده ابن إسحاق في هذا الكتاب ، وأشياء يشنع الحديث به ويسوء الناس ذكره ، وكان ممّا يسوء الناس ذكره ممّا حذف : خبر دعوة النبيّ بني عبد المطلب حينما نزلت ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (3).

فقد روى الطبري في تاريخه : أنّه بعد نزول هذه الآية دعا النبيّ بني عبد المطلب وقال لعلي : « إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا » (4) ، وقد تدارك الطبري أهمّية هذا الحديث ، فتدارك في تفسيره ما غفل عنه في تاريخه ، فلمّا أورد الحديث بنفس الإسناد في تفسير الآية قال : فقال النبيّ لعلي : « إنّ هذا أخي وكذا وكذا ، فاسمعوا له وأطيعوا »(5).

ص: 67


1- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 433.
2- الطبقات الكبرى 2 / 218.
3- الشعراء : 213.
4- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 63.
5- جامع البيان 19 / 149.

وكذلك فعل ابن كثير في تاريخه وتفسيره ، حيث حذف كلمة : أخي ووصيي ، وأبدلها بعبارة : كذا وكذا ، وكذلك محمّد حسين هيكل حيث ذكر الحديث بتمامه في الطبعة الأُولى من كتابه حياة محمّد ، لكنّه حذفه في الطبعة الثانية.

4 - أورد الطبري وابن الأثير في تاريخهما خطبة الإمام الحسين عليه السلام فقالوا : قال الحسين : « أمّا بعد ، فانسبوني فانظروا من أنا ، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها ، فانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟! ألست ابن بنت نبيّكم ، وابن وصيّه ، وابن عمّه »؟!(1).

لكن ابن كثير ذكر الخبر وحذف عبارة : وابن وصيه وابن عمّه!(2).

5 - ابن تيمية الذي يتهمّ الشيعة بالكذب ، فحسبنا أنّه أنكر حديث من كنت مولاه فعلي مولاه(3).

ويقول الشيخ الألباني : « فزعم - ابن تيمية - أنّه كذب! وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرّعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقّق النظر فيها »(4).

وبهذه الأمثلة من كتب أهل السنّة يتبيّن للأخوة القرّاء عامّة ، وللأخت فاطمة خاصّة ، من هم الكذّابين الحقّيقيين؟!

وإنّ ما نسب للشيعة وعلمائنا الكبار أنّه محض افتراء ، وفي هذا بيان كافّ إن شاء اللّه تعالى.

ص: 68


1- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 322 ، الكامل في التاريخ 4 / 61.
2- البداية والنهاية 8 / 193.
3- منهاج السنّة 7 / 319.
4- سلسلة الأحاديث الصحيحة 4 / 344.

( خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي )

تعقيب ثاني على الجواب السابق :

إتماماً للفقرة الأُولى التي ذكر فيها بعض الأمثلة على كذب علماء العامّة ، أرجو منكم أن تضيفوا هذه الفقرات نظراً لأهمّيتها ، وخدمة للقرّاء الكرام.

1 - نقل الذهبي في ترجمة الإمام النسائي قال : « سئل النسائي عن فضائل معاوية : ألا تخرج فضائل معاوية؟ فقال : أيّ شيء أخرج؟ حديث : « اللّهم لا تشبع بطنه » ، فسكت السائل ».

قال الذهبي : لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبيّ : « اللّهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة »!(1).

وجاء ابن كثير من بعده فقال : « لقد انتفع معاوية بهذه الدعوة »(2).

وقد روى مسلم في صحيحه حديث النبيّ صلى اللّه عليه وآله الذي يذمّ فيه معاوية : « لا اشبع اللّه بطنه »(3).

وعندما وقع أهل السنّة في حيرة من هذا الحديث - وقد روته صحاحهم - نسبوا للنبي صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « اللّهم من لعنته أو شتمته فجعل ذلك له زكاة ورحمة » فربطوا بين الحديثين ، وجعلوا منهما منقبة لمعاوية.

سبحان اللّه ، هل يعقل أنّ سيّد الخلق يسبّ ويشتم المؤمنين! وهل يعقل أنّ النبيّ الذي خاطبه اللّه تعالى بقوله : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (4) ، وبقوله : ( وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) (5) ، هل يعقل أن يتحوّل هذا النبيّ الكريم من الرسول القدوة إلى من يسبّ ويلعن المؤمنين؟

ص: 69


1- تذكرة الحفّاظ 2 / 699.
2- البداية والنهاية 8 / 128.
3- صحيح مسلم 8 / 27.
4- صحيح مسلم 8 / 27.
5- آل عمران : 159.

2 - ما فعله الطبراني بالحديث الآتي عن سلمان الفارسي رض اللّه عنه قال : قلت يا رسول اللّه لكُلّ نبي وصي فمن وصيّك؟ فسكت عنّي ، فلمّا كان بعد رآني فقال : « يا سلمان » ، فأسرعت إليه قلت : لبيك ، قال : « تعلم من وصي موسى »؟ قلت : نعم يوشع بن نون ، قال : « لِمَ »؟ قلت : لأنّه كان أعلمهم يومئذ ، قال : « فإنّ وصيي وموضع سرّي وخير من اترك بعدي ، وينجز عدّتي ، ويقضي ديني علي بن أبي طالب ».

فبعد روايته للحديث قال الطبراني : « قوله وصيي يعني أنّه أوصاه بأهله لا بالخلافة »(1).

سبحان اللّه ، انظروا كيف أوّل الطبراني هذا الحديث حسب هواه ، والحديث واضح ، وهو يؤكّد أنّ علياً عليه السلام وصي النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وصدق اللّه العظيم حين يقول في كتابه : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) (2) ، فلا حول ولا قوّة إلاّ باللّه.

3 - قال الذهبي في ترجمة الحاكم النيسابوري : « فسئل أبو عبد اللّه الحاكم عن حديث الطير فقال : لا يصحّ ، ولو صحّ لما كان أحد أفضل من علي بعد النبيّ.

قلت : ثمّ تغيّر رأي الحاكم ، وأخرج حديث الطير في مستدركه ، ولا ريب أنّ في المستدرك أحاديث كثيرة ليست على شرط الصحّة ، بل فيه أحاديث موضوعة شأن المستدرك بإخراجها فيه.

وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة جدّاً ، قد أفردتها بمصنّف ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل ، وأمّا حديث : « من كنت مولاه » ، فله طرق جيّدة ، وقد أفردت ذلك أيضاً » (3).

ص: 70


1- المعجم الكبير 6 / 221.
2- الجاثية : 23.
3- تذكرة الحفّاظ 3 / 1042.

فالذهبي ينقل فضل الحاكم ، وبما أنّ الحاكم نقل في مستدركه أحاديث في فضائل علي ، وما فيه انتقاص لمعاوية ، طعنوا فيه وقالوا : ثقة في الحديث رافضي خبيث.

قال الذهبي : « أمّا انحرافه عن خصوم علي فظاهر ، وأمّا أمر الشيخين فمعظّم لهما بكُلّ حال ، فهو شيعي لا رافضي ، وليته لم يصنّف المستدرك على الصحيحين ، فإنّه غضّ من فضائله بسوء تصرّفه »(1).

ومن العجيب أنّ ابن كثير بعدما نقل في أربع صفحات من تاريخه ، ملئها بطرق حديث الطير وأسانيده ورواته ، ونحو أكثر من مائة ممّن رووا عن أنس هذا الحديث قال : « وبالجملة ففي القلب من صحّة هذا الحديث نظر ، وإن كثرت طرقه »(2).

انظروا إلى هذا التعصّب الأعمى ، كيف جعلهم يتّهمون عالماً من علمائهم بالتشيّع والرفض ، بسبب روايته أحاديث لا تعجبهم ، والأعجب بعد هذا أن يقول ابن كثير بعد روايته للحديث : في القلب من صحّة هذا الحديث نظر!

والجدير بالذكر : أنّ حديث الطير رواه الترمذي في سننه ، والطبراني في المعجم الأوسط ، وغيرهما من أعلام السنّة(3) ، وممّا لاشكّ فيه ، أنّه لو كان الحديث يخصّ أحد الصحابة - خاصّة الخلفاء الأوائل - لدقّوا عليه الطبول.

ومن أمثلة الأحاديث التي رواها الحاكم :

1 - عن علي عليه السلام قال : « اخبرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : إنّ أوّل من يدخل الجنّة أنا وفاطمة والحسن والحسين ، قلت : يا رسول اللّه فمحبّونا ، قال : من ورائكم ».

ص: 71


1- المصدر السابق 3 / 1045.
2- البداية والنهاية 7 / 390.
3- الجامع الكبير 5 / 300 ، طبقات المحدّثين بأصبهان 3 / 454 ، البداية والنهاية 7 / 390 ، المناقب : 108 ، سبل الهدى والرشاد 7 / 191 ، ينابيع المودّة 2 / 150 ، المستدرك 3 / 130 ، أُسد الغابة 4 / 30 ، المعجم الأوسط 2 / 207 و 6 / 90 و 7 / 267 و 9 / 146 ، تاريخ بغداد 9 / 379 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 250 و 257.

قال الحاكم : « صحيح الإسناد ولم يخرجاه »(1) ، وقال الذهبي في تلخيصه : « الحديث منكر من القول ، يشهد القلب بوضعه ».

2 - عن علي عليه السلام قال : « سمعت النبيّ يقول : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء الحجاب : غضّوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمّد حتّى تمر »(2).

قال الحاكم : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه »(3) ، وقال الذهبي في تلخيصه : « لا واللّه بل موضوع ».

وأخرج الحاكم بإسناده إلى علي عليه السلام في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (4) ، قال علي : « رسول اللّه المنذر وأنا الهادي ».

قال الحاكم : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه » (5) ، وقال الذهبي : « بل كذب قبّح اللّه واضعه ».

وسئل أحمد بن حنبل عن حديث : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » فقال : « قبّح اللّه أبا الصلت »(6).

لاحظوا كيف استدلّوا على وضع الأحاديث التي لم تعجبهم : فتارة يستشهدون بالقلب ، وتارة باليمين ، وتارة بالسبّ ، وهل يعقل أن نستشهد على وضع الحديث بالقلب أو اليمين بلا دليل؟ فلا حول ولا قوّة إلاّ باللّه.

4 - نقل ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (7) ، قال

ص: 72


1- المستدرك 3 / 151.
2- ذخائر العقبى : 48 ، نظم درر السمطين : 182 ، الجامع الصغير 1 / 127 ، كنز العمّال 12 / 108 ، فيض القدير 1 / 549 ، كشف الخفاء 1 / 96 ، أُسد الغابة 5 / 523 ، ينابيع المودّة 2 / 88 و 137.
3- المستدرك 3 / 153.
4- الرعد : 7.
5- المستدرك 3 / 130.
6- الموضوعات 1 / 354.
7- النساء : 64.

ابن كثير : وقد ذكر جماعة ، منهم الشيخ أبو منصور بن الصبّاغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي قال : كنت جالساً عند قبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله فجاء إعرابي فقال : السلام عليك يا رسول اللّه ، سمعت اللّه يقول : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) ، وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربّي ، ثمّ انشأ يقول :

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه *** فطاب من طيبهن القاع والاكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه *** فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثمّ انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله في النوم فقال : « يا عتبي الحق الإعرابي فبشّره أنّ اللّه قد غفر له »(1).

وذكر هذه القصّة النووي الشافعي في كتابه « الأذكار » ، ولكن عندما طبع الكتاب سنة 1409 هجري في دار الهدى في الرياض ، حذفت قصّة العتبي ، وحذف قول النووي : « اعلم أنّ على كُلّ من حجّ أن يتوجّه إلى زيارة النبيّ ، فإنّ زيارته من أهمّ القربات ».

لماذا حذفت قصّة العتبي وحذف قول النووي؟ بالطبع لأنّ الوهّابية تحرّم الاستشفاع والتوسّل بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وبما أنّ قصّة العتبي رواها كبار علماء السنّة ، فلم يجدوا المخرج إلاّ بتحريف الكتاب ، فحذفوا ما لا يروقهم ، فهل من الأمانة العلمية أن تحرّف الكتب؟! هذا سؤال يبقى مطروح على علماء الوهّابية.

ويشبه هذا ما يفعله علماء الوهّابية حالياً بكتاب الرحّالة ابن بطّوطة ، إذ إنّ ابن بطوطة عندما يصف رحلته إلى الشام يذكر ابن تيمية ، ويقول عنه : أنّه إنسان مجنون ، ونقل عن ابن تيمية أنّه كان ينزل من أعلى المنبر إلى أسفله ، ثمّ يقول : إنّ اللّه ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجة من المنبر(2).

ص: 73


1- تفسير القرآن العظيم 1 / 532.
2- رحلة ابن بطّوطة : 95.

لكن الكتب التي تطبع حالياً - خاصّة في الأوساط الوهّابية - تنزع منها هذه العبارة ، ولكن في النسخ القديمة ما زالت موجودة ، والحمد لله.

يقول الشيخ محمّد إبراهيم شقرة في شريط اسمه لا دفاعاً عن ابن تيمية ، ولكن إظهاراً للحقّ : إنّ ابن بطّوطة كان ينقل عن العوام ، وما نقله عن ابن تيمية سمعه ولم يره ، ولهذا فكتب ابن بطّوطة تحذف منها هذه العبارة الآن!

سبحان اللّه ، كيف يجوّزون لأنفسهم حذف الأخبار والأحاديث - التي لا تعجبهم - ثمّ يتّهمون الشيعة بالكذب ، وهل يقبل إنسان عاقل هذه التبريرات منهم؟ وهل اصبحوا كاليهود حيث يقول اللّه تعالى عنهم : ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ) (1).

هذه بعض الأمثلة سقناها للقرّاء الكرام حول كيفية تحريف علماء العامّة عامّة والوهّابية خاصّة للأخبار والأحاديث التي لا تعجبهم.

والآن نأتي بأمثلة أُخرى من كتبهم حول تركهم للسنّة بدعاوى مختلفة :

1 - قال ابن حزم : « وأمّا قولنا في الرجلين فإنّ القرآن نزل بالمسح ... ، وقد قال بالمسح على الرجلين جماعة من السلف ، منهم علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، والشعبي ، وجماعة غيرهم ، وهو قول الطبري »(2).

قال ابن الجوزي في المنتظم : « كان ابن جرير - أي الطبري - يرى المسح على القدمين ، ولا يوجب غسلهما ، فلهذا نسب إلى الرفض »(3).

لاحظوا كيف ينسبون علماءهم ويتهمونهم بالرفض والتشيّع إذا اقرّوا بالحقيقة ، ومعروف في التاريخ : أنّ الطبري حاصره الحنابلة - أجداد الوهّابية والسلفية - في داره ، ومنعوا من دفنه ، وادعوا عليه الإلحاد حتّى دفن ليلاً.

ص: 74


1- النساء : 46.
2- المحلّى 2 / 56.
3- المنتظم 13 / 217.

وذكر ثابت بن سنان في تاريخه : « أنّه إنّما أخفيت حاله ، لأنّ العامّة اجتمعوا ومنعوا من دفنه بالنهار ، وادعوا عليه الرفض ثمّ ادعوا عليه الإلحاد »(1).

2 - قال أبو حنيفة ومالك وأحمد : « التسنيم أولى ، لأنّ التسطيح صار شعاراً للشيعة »(2).

وقال الغزّالي : « ثمّ التسنيم أفضل من التسطيح مخالفة لشعار الروافض »!(3).

3 - ذكر الزرقاني في شرح المواهب اللدنية في صفة عِمّة النبيّ على رواية علي في إسدالها على منكبه حين عمّمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ ذكر قول الحافظ العراقي : « كما يفعله بعضهم ، إلاّ أنّه صار شعار الإمامية فينبغي تجنّبه ، لترك التشبه بهما »(4).

4 - قال الزمخشري في كيفية الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « وأمّا إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو فمكروه ، لأنّ ذلك شعاراً لذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولأنّه يؤدّي إلى الاتهام بالرفض »(5).

قال ابن تيمية عند بيان التشبّه بالشيعة : « ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبّات إذ صارت شعاراً لهم »(6).

سبحان اللّه ، هل يعقل أن يترك من يدّعي أنّه يتبع السنّة ، السنّة الصحيحة ، بدعوى أنّ من يسمّوهم الرافضة تتبع هذه السنن.

فهل أمر اللّه تعالى أو نبيّه الكريم صلى اللّه عليه وآله بمخالفة الشيعة؟! وإذا وجب مخالفة الشيعة ، فلماذا لا يفتي علماؤهم لاتباعهم بترك الصلاة والحجّ ، لأنّ الشيعة

ص: 75


1- نفس المصدر السابق.
2- رحمة الأُمّة : 102.
3- الوجيز 1 / 78.
4- شرح المواهب اللدنية 5 / 13.
5- الكشّاف 5 / 96.
6- منهاج السنّة 4 / 154.

يصومون ويحجّون؟! وهل يعقل أن يخالف المرء السنّة بحجّة أنّ الشيعة يعملون بها؟!

ومن هم الرافضة؟! أهم الذين رفضوا الإسلام كما يروّجه الوهّابية؟ أم من رفضوا البدع ، وحكّام الجور ، وتمسكوا بالسنّة؟! هذه أسئلة نطرحها على كُلّ إنسان له ضمير حيّ ، وعلى كُلّ إنسان جرّد نفسه من التعصّب الأعمى.

وممّا يجدر بالذكر أنّ كُلّ الأمثلة التي ذكرت هي من أُمّهات كتب السنّة ، ولا يوجد حديث أو رواية واحدة من كتب الشيعة حتّى تكون الحجّة عليهم ، وكما قيل : ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم.

والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وآله المعصومين.

( عاشق التوحيد - السعودية - سنّي )

الأئمّة لم يذمّوا شيعتهم :

س : إنّ علياً رض اللّه عنه وأولاده ، كانوا يبغضون الشيعة المنتسبين إليهم - المدّعين حبّهم واتباعهم - وكانوا يذمّونهم على رؤوس الإشهاد.

فهذا علي يذمّ شيعته ، ويدعو عليهم فيقول : « لقد ملأتم قلبي قيحاً ، وشحنتم صدري غيظا ... ، وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان » (1).

ويروي الكليني عن أبي الحسن أنّه قال : « لو ميّزت شيعتي ما أجدهم إلاّ واصفة ، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلاّ مرتدّين »(2).

وقال الحسين بن علي مخاطباً الرافضة : « تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً ، وبؤساً لكم؟ حين استصرختمونا ولهين ، فأصرخناكم موجفين ، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيدينا ، وحمشتم علينا ناراً أضرمناها على عدوّكم

ص: 76


1- شرح نهج البلاغة 2 / 75.
2- الكافي 8 / 228.

وعدوّنا ، فأصبحتم ألباً على أوليائكم ، ويداً على أعدائكم ، من غير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، ولا ذنب كان منّا إليكم ... »(1).

ج : إنّ البحث عن الحقائق لا تأتي هكذا اعتباطاً ، ما لم يعزّز البحث عنها بالدليل والبرهان ، وإلاّ ستكون محاولات يائسة تجرّ صاحبها إلى سخط اللّه تعالى ، وتحيله إلى مقلّدٍ أعمى لا يعي ما يقول ، فالغيور على دينه ، ينبغي عليه أن يتحرّى الأُمور بحقائقها ، ويتابع الأشياء بوقائعها ، وأن لا يقلّد كُلّ ما سمعه وردّده الآخرون.

إنّ ما ذكرته : إنّ علياً عليه السلام قد ذمّ شيعته ، فهذا ما لا ينبغي أن يصدر منك ، فإنّ شيعة علي عليه السلام هم خير من عرفهم التاريخ ، واعتزّ بذكرهم بكُلّ إجلال ، منهم سلمان الفارسي وعمّار وأبو ذر ومحمّد بن أبي بكر وعبد اللّه بن مسعود وأبو الهيثم بن التيّهان وأمثالهم ، فهم خيرة من عرفت وأحصيت ، فكيف فات عليك ذكر هؤلاء؟ وكيف أنّ علياً عليه السلام قد ذمّ أمثال هؤلاء ووبّخهم؟!

وعليك أن ترجع إلى تاريخ ما حدث أيّام خلافة علي عليه السلام ، وتابع بنفسك ما أحدثه المنشقوّن على طاعته ، والخارجون على إمامته ، فأشعلوا حروب صفّين والجمل والنهروان ، فقد كانت مجموعة من رعية الإمام وقت ذاك أناس مخالفون لطاعته ، لا ينصاعون لأوامره ، يثبّطون قومه على الخروج معه ، وكان أشهرهم أبو موسى الأشعري ، الذي تخاذل حين استخلفه الإمام عليه السلام على الكوفة ، وثبّط الناس عن الخروج ، فوبّخه وكتب إليه في أمر الحكمين وخيانته قائلاً : « فإنّ شرار الناس طائرون إليك بأقاويل السوء » (2) ، ممّا يعني أنّ هناك عصابة من المنافقين قد تألبوا عليه.

وعبّر عليه السلام عن سخطه من طلحة والزبير ، ومن كان معهما في حرب الجمل ، التي تسبّبت في إزهاق آلاف من نفوس المسلمين فقال عليه السلام : « فخرجوا يجرّون

ص: 77


1- الاحتجاج 2 / 24.
2- شرح نهج البلاغة 18 / 74.

حرمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كما تجرّ الأمة عند شرائها ، متوجّهين بها إلى البصرة ، فحبسا نساءهما في بيوتهما ، وأبرز حبيس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لهما ولغيرهما ، في جيش ما منهم رجل إلاّ وقد أعطاني الطاعة ، وسمح لي بالبيعة ... » (1).

فقد أنّب الإمام علي عليه السلام كُلّ من خرج في حرب الجمل دون استثناء ، وحمّلهم مسؤولية الخروج على طاعته ، وهؤلاء - كما تعلم - كانوا يشكّلون الغالبية العظمى من رعايا الإمام ، فكان الإمام عليه السلام يوجّه لومه إلى مثل هؤلاء ، هذا من جهة.

ومن جهة أُخرى كان رعايا الإمام ممّن انخرطوا في صفٍ معارضٍ خطير ، وهم الخوارج الذين آل الأمر إليهم بالخروج عليه في حرب النهروان ، وأدّى بعد ذلك انحرافهم وخبثهم ، أن سخّروا عبد الرحمن بن ملجم المرادي - الذي هو أحد رؤوس الخوارج - إلى اغتيال الإمام عليه السلام في فاجعة الاعتداء الغشيمة ، وقتله في مسجد الكوفة.

هؤلاء الخوارج ، ومثلهم أصحاب الجمل ، أضف إليهم المتقاعسون القاعدون عن القتال أتباع أبي موسى الأشعري ، إذ كانوا يشكّلون نسبة كبيرة من أتباعه ، وكان الأشعث بن قيس - رأس المنافقين - طابور خيانة داخل دولة الإمام عليه السلام ، فيشعلون الفتن ، ويطعنون بالإمام من خلفه ، كُلّ هؤلاء كان الإمام عليه السلام قد خاطبهم بالخطب التي ذكرتها ، وليس كما عبّرت من كون المخاطبين كانوا شيعة الإمام.

كيف يصف الإمام شيعته ومحبّيه بهذه الأوصاف؟ التي لا تنم إلاّ عن أوصاف أعدائه ومخالفيه ، وعليك فيما بعد أن تتابع الأحداث التي عاشها الإمام مع هؤلاء ، فحينئذ تجد قد شكّلوا نسبة كبرى من المنافقين الذين خرجوا على الإمام ، وخرقوا طاعته ومعصيته. .

ص: 78


1- المصدر السابق 9 / 308.

أمّا ما ذكرته عن خطبة الإمام الحسين عليه السلام ، فإنّك خلطت في كثير من القضايا ، فالخطبة كانت للإمام الحسين عليه السلام يوم الطفّ ، وكان يخاطب بها الجيش الأموي ، ومن الخطأ الكبير أن تنسب هؤلاء إلى شيعة الإمام ، إذ إنّ شيعة الإمام هم الذين شكّلوا جيش الإمام ، وقد فدوا نفوسهم دونه ، وكانوا من خيرة الشيعة الذين يعتزّ بهم التاريخ ، بل يذكرهم العالم - المسلم وغير المسلم - بكُلّ إجلال وإكبار ، لتضحيتهم ووفائهم أمثال : حبيب بن مظاهر الأسدي ، ومسلم بن عوسجة ، وبرير بن خضير ، وأمثالهم الذين ضحّوا بنفوسهم الزكية ، هؤلاء هم شيعة الحسين عليه السلام.

فكيف تنسب أعداء الحسين - الذين خرجوا لحربه - إلى كونهم شيعته؟ فهل هذا إلاّ تناقض وخلط للحقائق؟ أرجو أن تكون دقيقاً في متابعتك للأُمور ، لا أن يغلبك القيل والقال دون تروٍ وتحقيق.

ونفس الكلام سيكون في ما ذكرته من قول الإمام أبي الحسن موسى عليه السلام ، فإنّ الشيعة الذين يقصدهم الإمام لم يكونوا شيعته حقيقة ، بل أنّ ظاهر ما اشتهر عن هؤلاء أنّهم شيعة ، فيظنّ الظانّ أنّ هؤلاء يحسبون من اتباع الإمام اشتباهاً ، وهم ليسوا من أتباعه حقيقة ، فأراد عليه السلام أن يرفع شبهة من نسب هؤلاء إلى الإمام بأنّهم من خيرة شيعته ومريديه.

هذا ، وفي الختام نذكّرك بأنّ لفظ الشيعة له معنى خاصّ ، ومعنى عام ، فالمعنى الخاصّ : من اعتقد بالإمامة وأنّها من اللّه تعالى وبالنصّ ، وذلك يستلزم اعتقاد عصمة الإمام ومقاماته.

والشيعة بالمعنى العام : هو من أحبّ الإمام واتبعه بصفة أنّه خليفة ، أو من أهل البيت عليهم السلام ، ولم يعتقد بإمامته الإلهية ولا بعصمته ، فهذا يعبّر عنه بالشيعة بالمعنى العام ، وفي كلمات الأئمّة عليهم السلام إن ورد ذمّ الشيعة فمحمول على معناه العام لا الخاصّ.

ص: 79

( أبو أحمد - مصر - .... )

موقفهم من أهل السنّة :

س : لماذا هذا العداء بين الشيعة والسنّة؟ مع العلم أنّ العداء من الطرفين.

ج : عليك بالتأمّل في كتب التاريخ لترى بوضوح : إنّ العداء لم يشرع من الشيعة في مقابل إخوانهم السنّة ، ولا أيضاً استمرّ من قبلهم ، فالشيعة وعلى مرّ العصور في موقف دفاع ، فهم دائماً يعانون أنواع الظلم الذي يجري عليهم ، وحتّى يومنا الحاضر ، فالشيعة دائماً في موقف دفاع ، وأكثر ما استعمله الشيعة في موقف الدفاع هو الردّ بالدليل وتأليف الكتب ، حتّى وإن كان ما واجهوه من الظلم بالاعتداء على النفوس المحترمة والأموال ، فالشيعة دائماً في موقف دفاع بالطريق العلمي المستدلّ.

( عبد الأمير - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

كيفية انتشارها في إيران :

س : كيف انتشر التشيّع في إيران؟ هل صحيح أنّ أحد حكّام الدولة الصفوية قديماً قام بفرضه على الناس؟ حيث كان وزيره شيعياً ، وذهب معه إلى النجف ، ثمّ اقتنع بالتشيّع ، أو هناك روايات أُخرى؟

ج : إنّ كيفية انتشار التشيّع هي حديث التاريخ لا المذهب والعقيدة ؛ ولكن باختصار نقول :

أوّلاً : إنّ العلّة الأساسية لبسط نفوذ الشيعة في أي منطقة - ومنها إيران - تكمن وراء ثلاث نقاط :

1 - عدالة قضيّتهم وحقّانيتهم المدعومة بالأدلّة الواضحة والمبرهنة.

2 - مظلوميّتهم لما يرونه من السلطات وتحدّيهم لهؤلاء حكّام الجور.

3 - نشاطات علمائهم ومبلّغيهم لنشر أفكارهم.

ص: 80

ومن هذا المنطلق ، كان التواجد الشيعي في إيران منذ الصدر الأوّل مع الفتوحات الإسلامية ، فعلى سبيل المثال ترى أنّ مناطق من آذربيجان عندما فُتحت أسلم أهلها ، واعتنقوا المذهب الشيعي ، بما إنّ القائد لفتوحات تلك المنطقة كان مسلم بن عوسجة رض اللّه عنه - الذي استشهد فيما بعد في كربلاء - فيقول التاريخ عنه : أنّه كان يأخذ البيعة لعلي عليه السلام بعد الشهادتين.

وترى أيضاً : إنّ أهل قم كانوا من الشيعة الخلّص في القرن الأوّل الهجري بنزول الأشعريين فيها(1).

وإنّ خراسان كانت تحتضن الزخم الهائل من الشيعة ، بعدما هجّر زياد بن أبيه - حاكم الكوفة - خمسين ألف من الشيعة من الكوفة إلى خراسان - وهذا هو الداعي لاستغلال العباسيين الموقف للثورة على الأمويين بمعونة الخراسانيين ، لما كانوا يعرفون العداء بينهم وبين الأمويين - وأنّ قدوم الإمام الرضا عليه السلام إلى خراسان ، كان له التأثير التام - وإن كان هو عليه السلام تحت رقابة عباسية شديدة - في نشر الفكر الشيعي في تلك المنطقة بالأخصّ ، وفي جميع ربوع إيران على نحو العموم.

وبالجملة : كانت نشأة التشيّع في بعض المناطق الأُخرى هكذا : كمنطقة همدان ، إصفهان ، ري ، قزوين ، فارس ، طبرستان ، كاشان ، سجستان - من القرن الثالث للهجرة - وكرمان ، خوزستان - من القرن الرابع للهجرة - بيهق - من القرن السادس - ومناطق أُخرى.

ثانياً : إنّ الدولة الصفوية - التي جاءت إلى الحكم في القرن العاشر للهجرة - لا دور لها في تأسيس الفكر الشيعي في إيران.

نعم ، كان لها الفضل في تشييد أركان التشيّع في المنطقة ، بحذف الحكومات الجائرة التي كانت تمنع الإعلام والتحرّك الشيعي ، وأيضاً

ص: 81


1- معجم البلدان 4 / 397.

ساهمت - هذه الدولة - في تثبيت الأُسس الشيعية في المعارف والعقائد والأحكام بتخصيص الموارد المالية ، ودعم علماء الطائفة وغيرها.

ولا يخفى أنّ هذا الدور كان أيضاً للدولة البويهية والدولة السربدارية ، وبعض ملوك المغول ، الذين تشيّعوا بيد العلاّمة الحلّي قدس سره - في القرن الثامن - في نطاق أضيق.

( حسين حسن العلي - سوريا - .... )

يعتمدون على الكتاب والعترة في إثبات مذهبهم :

س : السلام على من يتّبع هدي النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لماذا اسمع عن أهل السنّة أنّ عندهم دلائل من القرآن والحديث ، ولا اسمع هذا الشيء من الشيعة؟

ج : إنّ الشيعة تعتمد في حقّانيّتها على الحديث المتواتر عند الفريقين ، وهو حديث الثقلين ، حيث قال الرسول صلى اللّه عليه وآله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي » (1) ، فمن باب أولى تعتمد الشيعة على هذين المصدرين كركيزتين أساسيّتين في إثبات مذهبها ، واستخراج أُصولها وفروعها.

ص: 82


1- فضائل الصحابة : 15 ، الجامع الكبير 5 / 328 ، تحفة الأحوذي 10 / 196 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 418 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 45 و 130 ، خصائص أمير المؤمنين : 93 ، المعجم الصغير 1 / 135 ، المعجم الأوسط 4 / 33 و 5 / 89 ، المعجم الكبير 3 / 66 و 5 / 154 و 166 و 170 و 182 ، شرح نهج البلاغة 9 / 133 ، نظم درر السمطين : 232 ، كنز العمّال 1 / 172 و 186 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 122 ، المحصول 4 / 170 ، الإحكام للآمدي 1 / 246 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطني 6 / 236 ، أنساب الأشراف : 111 و 439 ، البداية والنهاية 5 / 228 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 416 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 95 و 99 و 105 و 112 و 119 و 123 و 132 و 345 و 349 و 2 / 432 و 438 و 3 / 65 و 141 و 294 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 211 و 3 / 177 ، لسان العرب 4 / 538 و 11 / 88 ، تاج العروس 7 / 245.

وهل كان هناك مورداً واحداً تدّعيه الشيعة بلا سندٍ من الكتاب والسنّة الصحيحة؟ والمتّتبع للأقوال يرى أنّ ما تقوله هذه الطائفة - في أيّ مجال - هو المطابق للقرآن والآثار المروية حتّى في كتب أهل السنّة.

وللكلام في هذا المضمار مجال واسع ، ويكفيك أن تقرأ كتب الشيعة المشحونة بهذه الأدلّة القرآنية والحديثية.

( ليالي - السعودية - 18 سنة - طالبة ثانوية )

الفرق بينهم وبين السنّة :

س : ما الفرق بين الشيعة والسنّة؟

ج : الفرق بين الشيعة والسنّة باختصار هو : أنّ الشيعة تعتقد بإمامة أمير المؤمنين علي عليه السلام بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله بلا فصل - بحسب الأدلّة العقلية والنقلية المذكورة في مظانّها - ثمّ ترى الإمامة في المعصومين الأحد عشر - المنصوص عليهم من قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله من أولاد علي عليه السلام - وهذا هو الفارق الأساسي بينهما.

ثمّ إنّ هناك فروقاً أُخرى في فهم الشريعة ، وأُصول الدين وفروعه ، كُلّها تبتني على الأخذ من معارف وعلوم أهل البيت عليهم السلام ، فالشيعة - بما ترى العصمة في أئمّتها عليهم السلام - تلتزم بالسير في هداهم والتمسّك بسيرتهم.

ولكن أهل السنّة بما أنّهم حرموا من اتّباع خط الإمامة ، أصبحوا صفر اليد من هذه المعارف الإلهية ، وعلى العكس ، أخذوا علومهم من أشخاص معيّنين - كأئمّة المذاهب الأربعة وغيرهم - ممّن لا ضمان لعلومهم وأقوالهم من الخطأ والزلل ، ثمّ ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى ) (1).

ص: 83


1- يونس : 35.

( حيدر - الكويت - .... )

من علامات الشيعي التختم باليمين :

س : ما هي الدلائل التي نأخذها - نحن الشيعة - عند ارتداء الخاتم باليد ، حيث أنّنا نرتدي الخواتم - سواء عقيق أو غيره - في كلتا اليدين.

فأرجو أن توضّحوا لنا الدلائل من كتب السنّة والشيعة ، حيث أن السنّة يقولون : إنّ التختّم - عموماً باليمين أو باليسار - هو بدعة ، فكيف أرد على مثل هؤلاء؟

ج : لا خلاف في استحباب التختّم - وخصوصاً باليمين عند الشيعة - وهذا ممّا تكاثرت عليه الروايات والأقوال عند علماء الشيعة ، وقد أخذوه قطعاً من السنّة النبوية الشريفة.

فعلى سبيل المثال : « عن عائشة : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يتختّم في يمينه ، وقبض صلى اللّه عليه وآله والخاتم في يمينه »(1).

وذكر السلامي : « أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يتختّم في يمينه والخلفاء الأربعة بعده ، فنقله معاوية إلى اليسار ، فأخذ المروانية بذلك »(2).

وأيضاً صرّح بعضهم كالإمام البروسوي في تفسيره : « كالتختّم باليمين فإنّه في الأصل سنّة ، لكنّه لمّا كان شعار أهل البدعة والظلمة صارت السنّة أن يجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا »(3).

وأمّا ما روي من طريق أهل البيت عليهم السلام في استحباب التختّم في اليمين فكثير جدّاً(4).

ص: 84


1- مجمع الزوائد 5 / 153.
2- ربيع الأبرار 4 / 24.
3- روح البيان 4 / 142.
4- جامع أحاديث الشيعة 21 / 459.

نعم ، إذا تختّم الإنسان باليمين فقد أصاب السنّة ، فإذا أراد أن يتختّم بخاتم آخر ، فيمكنه أن يتختّم باليسار ، بشرط أن يبقى الخاتم الأوّل في يده اليمنى.

( صفاء - سوريا - .... )

الفرق بينهم وبين العلويين :

س : من هم العلويين؟ وما الفرق بينهم وبين الشيعة؟

ج : العلويون منهم من يؤلّه علياً عليه السلام فهؤلاء كفّار ، ولا توجد لهم أيّ صلة بالشيعة ، ومنهم من يغالي في علي عليه السلام ويعطي له صفات الربوبية ، وهؤلاء أيضاً لا صلة لهم بالشيعة ، ومنهم من لا يلتزم بالأحكام الشرعية ولا يرى وجوبها ، وهؤلاء أيضاً التشيّع منهم بريء.

نعم ، بعض العلويين معتدلين في الاعتقاد ، ملتزمين بالأحكام الشرعية ، يعتقدون ويعملون كما يعمل الشيعة ، وهؤلاء لا يوجد فرق أساسي بينهم وبين الشيعة.

( سلمان - الكويت - .... )

منها الإخبارية والشيخية والأُصولية :

س : أُريد الإجابة بكُلّ صراحة ، هل الشيعة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام هي : الإخبارية والشيخية والأُصولية؟ وإذا كان صحيحاً أرجو التوضيح ، وإذا كان خاطئاً أرجو معرفة الصواب ، مع خالص الشكر لكم.

ج : إنّ الشيعة ينقسمون الآن إلى ثلاث فرق : الشيعة الزيدية ، والشيعة الإسماعيلية ، والشيعة الإمامية الاثني عشرية.

والزيدية والإسماعيلية قليلون ، والنسبة الأكثر تعود إلى الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، حتّى إنّه إذا أطلق لفظ التشيّع يتبادر إلى الأذهان الإمامية.

ص: 85

وأمّا ما ذكرت من الإخبارية والشيخية والأُصولية فإنّها ليست فرق ، بل هم شيعة إمامية اثنا عشرية ، وإن اختلفوا في بعض المباني العلمية فيما بينهم ، إلاّ أنّ اختلافهم لا يخرجهم عن التشيّع ، شأنهم شأن اختلاف مراجع مذهب واحد في بعض النظريات.

( أبو الزين - الأردن - .... )

لو ميّزت شيعتي ما أجدهم إلاّ واصفة :

س : أسيادنا الأعزّة ، ما تحليلكم لقول الإمام علي عليه السلام الوارد في الكافي : « لو ميّزت شيعتي ما أجدهم إلاّ واصفة ، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلاّ مرتدّين » (1).

يستغل بعض المشاغبين هذا النصّ للقول أنّ الإمام قد تبرّأ ممّن ينتسب لمسلكه.

ج : الرواية هذا نصّها : وبهذا الإسناد ، عن محمّد بن سليمان ، عن إبراهيم ابن عبد اللّه الصوفي ، قال : حدّثني موسى ابن بكر الواسطي قال : قال لي أبو الحسن عليه السلام : « لو ميّزت شيعتي لم أجدهم إلاّ واصفة ، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلاّ مرتدّين ، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد ، ولو غربلتهم غربلة لم يبق منهم إلاّ ما كان لي ، إنّهم طال ما أتكوا على الأرائك ، فقالوا : نحن شيعة علي ، إنّما شيعة علي من صدق قوله فعله ».

وهذه الرواية أوّلاً : ليست عن الإمام أبي الحسن علي عليه السلام ، بل المراد من أبي الحسن هنا هو الإمام الكاظم عليه السلام.

وثانياً : ضعيفة السند بإبراهيم بن بكر الصوفي.

وثالثاً : تتعرّض لمن يخالفون أهل البيت عليهم السلام ويدّعون أنّهم من شيعتهم ، كمؤيّدي أعدائهم والمدافعين عنهم ، فإنّها تتعرّض لمن يدعون محبّة أهل البيت ولا يعملون بمقتضى المحبّة.

ص: 86


1- الكافي 8 / 228.

وأهل السنّة هم الذين يفعلون ذلك ، فيدّعون حبّ أهل البيت ويأخذون دينهم من أعدائهم ، فالبخاري يروي عن معاوية وعمرو بن العاص ومروان وغيرهم من أعداء أهل البيت ، ولا يروي عن فاطمة الزهراء والإمام الحسن عليهما السلام.

فأكثر أهل السنّة يدّعون المحبّة ولا يصدّقهم العمل ، وفي آخر هذه الرواية : « إنّما شيعتنا من صدق قوله فعله ».

ورابعاً : إذا كان أكثر من يدّعي التشيّع ويحاول اللحوق بركبهم بهذه الأوصاف ، فما حال النواصب والتابعين لأعدائهم؟!

( فاطمة - الإمارات - .... )

الفرق بينهم وبين الصوفية :

س : هل يمكن أن تزوّدوني ببعض المعلومات حول الطائفة الصوفية ، وعن الفرق بيننا - نحن الشيعة - وبينهم في عقيدة التوسّل بالأولياء؟

ج : توجد الكثير من المشتركات فيما بيننا وبين الصوفية ، منها مسألة الزيارة والتبرّك والتوسّل ، كما وتوجد اختلافات أساسية أيضاً ، إذ إنّ الكثير من الصوفية على منهج أهل السنّة ، وإن كانت عندهم محبّة شديدة لأهل البيت عليهم السلام ، إذ كما تعلمون أنّ الحبّ شيء والاتباع شيء آخر.

كما أنّ الشيعة تتمسّك بالأذكار بما روي عن أهل البيت عليهم السلام ، وذلك سواء كان في نفس الذكر والدعاء أو في عدده وتكراره ، أمّا الصوفية فلهم أذكارهم الخاصّة ، والتمسّك بعدد معيّن لم ترد أكثرها في الأحاديث النبوية ، ولا في أحاديث أهل البيت عليهم السلام.

والتصوّف يميل إلى العزلة ، والتشيّع صريح في كون الإنسان في المجتمع ، ويكون أيضاً متّصلاً باللّه تعالى ، وذلك تمسّكاً من الشيعة بأهل البيت عليهم السلام الذين قالوا : « لا رهبانية في الإسلام » (1) ، وفوارق أُخرى كثيرة.

ص: 87


1- مجمع البيان 9 / 402 ، دعائم الإسلام 2 / 193.

( حسن محمّد يوسف - البحرين - .... )

لا تألّه غير اللّه تعالى :

س : هل نقول - نحن الشيعة - بتأليه النبيّ أو الإمام أو أحد الأئمّة عليهم السلام؟ وما هو مصدر هذه الفكرة؟

ج : إنّ الشيعة تعتقد بالتوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد ، ولا تألّه غير اللّه تعالى ، ومن ينسب إلى الشيعة أنّهم يألّهون غير اللّه تعالى فهو افتراء على الشيعة.

وأمّا مصدر هذه الفكرة هو : إنّ من طرق خصوم الشيعة للطعن بالتشيّع هو الافتراء والالتجاء إلى اختلاق أفكار ونسبتها إلى الشيعة ، والكثير من هذه النسب والافتراءات لم يسمع بها الشيعة ، فضلاً عن أن يعتقدوا بها.

( حسن أحمد عبد الرزاق - البحرين - .... )

اعتمدوا على القرآن والسنّة والعقل :

س : من هو أحق الشيعة أو السنّة؟ وما الدليل؟

ج : إنّ الدين عند اللّه الإسلام ، ونبي هذا الدين هو محمّد المصطفى صلى اللّه عليه وآله ، ومعجزته القرآن الكريم ، والتشيّع هو الإسلام ، والإسلام هو التشيّع ، ومنشأ الاختلاف كان بعد وفاة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وأصل الاختلاف في الإمامة ، فمن المسلّم عند الجميع أنّ الأنبياء كان لهم أوصياء ، فهل لنبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله وصي؟

هل عيّن رسول اللّه الخليفة من بعده ونصّ عليه؟ وإذا لم يكن قد عيّن الخليفة ، هل وضّح الرسول نظام الحكم في الإسلام؟ وما هي الأُسس التي تبتني عليه الأُمّة في تعيين الخليفة؟

هل الخلافة ببيعة الناس لشخص حتّى ولو كان كبار القوم قد تخلّفوا عن البيعة! كما حدث لخلافة أبي بكر! أم أنّها بالنصّ والتعيين كما نصّ

ص: 88

أبو بكر على عمر؟! أم أنّها بالشورى؟ كما حدث لعثمان ، مع العلم أنّ الشورى ما كانت حقيقية ، وإنّما هي أقرب ما تكون إلى مسرح أو تمثيلية!!

أُناس اعتمدوا على القرآن الكريم ، والسنّة النبوية الشريفة ، وأدلّة العقل والفطرة ، وقالوا : إنّ الإمامة بالنصّ ، نصّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على علي عليه السلام بالإمامة ، والإمامة إلهية ، واحتجّوا بآية التطهير ، وآية الاستخلاف ، وآية المباهلة ، وآية الإنذار ، وآية التصدّق بالخاتم ، وحديث الثقلين ، وحديث الغدير ، وحديث المنزلة ، وغيرها من الآيات والأحاديث.

وإنّ العقل يحتّم على كُلّ إنسان يريد سفراً أن يوصي بعياله من يدبّر أُمورهم ويرجعون إليه ، فكيف برسول اللّه يغادر أُمّته إلى الأبد ، ويتركهم سدى بلا أن يعيّن لهم خليفة ، وهؤلاء الناس هم الشيعة ، لمشايعتهم علياً عليه السلام.

( محمّد خالد زواهرة - فلسطين - .... )

ما كانت في عهد الرسول سنّة ولا شيعة :

س : هل كانت الشيعة في زمن الرسول؟ وما رأي الإسلام بشكل عام فيها؟

ج : ما كانت في عهد الرسول صلى اللّه عليه وآله سنّة ولا شيعة ، كان الرسول والقرآن ، وإنّما نشأ الاختلاف بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، حيث اختلفت الأُمّة في مسألة الخلافة والإمامة.

فقسم قال : بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله مات ولم يعيّن ولم ينصّ على أحد يكون بعده خليفة ، وإنّما أوكل الأمر إلى الأُمّة ، فتارة قالوا : الخليفة يكون بالبيعة ، وهي لم تتمّ لأبي بكر ، إذ تخلّف عنها كبار بني هاشم والصحابة ، ولم يبايعوا إلاّ بعد مدّة وبالقوّة ، وتارة ينصّ أبو بكر على عمر ، وتارة الشورى التي أمر بها عمر ، وهي أشبه ما تكون بالتمثيلية ، وهؤلاء هم أهل السنّة.

ص: 89

وقسم قال : بأنّ الإمامة بالنصّ - وكما كان للأنبياء السابقين أوصياء فكذلك لنبيّنا - وإنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله نصّ على الإمام علي عليه السلام في الغدير وغيره ، ويستدلّ هؤلاء بآيات كثيرة - كآية البلاغ والتطهير والإنذار والتصدّق بالخاتم - وبأحاديث كثيرة متواترة - كحديث الغدير والثقلين والطير والسفينة - وهؤلاء هم الشيعة.

( بشاير - الكويت - .... )

أحاديث في فضلهم من مصادر السنّة :

س : إنّي أواجه صعوبة مع أحد صديقاتي في ما هو معنى الشيعة؟ ولماذا أطلق هذا الاسم؟ وأنا في الحقيقة لا أعلم الكثير ، فأحببت أن أشارك حتّى أستفيد ، ولا تتصوّرون فرحتي الكبيرة لأنّي وجدت هذا الموقع ، وشكراً.

ج : إنّ الاختلاف في الأُمّة الإسلامية نشأ بعد وفاة النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله ، فالشيعة قالت : بأنّ الإمامة والخلافة بعد رسول اللّه بالنصّ - يعني أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نصّ على شخص بعينه ليكون الخليفة والإمام بعده - وهذا الشخص المنصوص عليه هو الإمام علي عليه السلام للآيات والأحاديث الدالّة على ذلك.

فمن تابع علياً عليه السلام وقال بإمامته بعد الرسول بلا فصل فهم الشيعة ، يعني شايعوا علياً عليه السلام.

هذا ، وسنذكر لك بعض الأحاديث الواردة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حول فضل الشيعة ، ومن مصادر أهل السنّة :

فقد روى الكثير من مفسّري أهل السنّة وعلماء الحديث في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (1).

ص: 90


1- البينة : 7.

1 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « هو أنت وشيعتك »(1) ، « أنت يا علي وشيعتك »(2) ، « هم أنت وشيعتك »(3).

2 - وقال صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « أنت وشيعتك في الجنّة »(4).

3 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « إذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسمائهم وأسماء أمّهاتهم ستراً من اللّه عليهم ، إلاّ هذا - يعني علياً - وشيعته ، فإنّهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحّة ولادتهم »(5).

4 - وقال صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « يا علي إنّك ستقدم على اللّه أنت وشيعتك راضين مرضيين »(6).

5 - وقوله صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « يا علي إنّ اللّه قد غفر لك ولولدك ولأهلك ولذرّيتك ولشيعتك ولمحبّي شيعتك »(7).

6 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « يا علي إنّ أوّل أربعة يدخلون الجنّة : أنا ، وأنت ، والحسن ، والحسين ، وذرارينا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرارينا ، وشيعتنا عن أيماننا وعن شمائلنا » (8).

ص: 91


1- نظم درر السمطين : 92 ، الدرّ المنثور 6 / 379 ، فتح القدير 5 / 477 ، المناقب : 226 ، ينابيع المودّة 2 / 357.
2- جامع البيان 30 / 335.
3- شواهد التنزيل 2 / 459.
4- المعجم الأوسط 6 / 354 و 7 / 343 ، كنز العمّال 11 / 323 ، تاريخ بغداد 12 / 284 و 353 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 332 ، المناقب : 113 ، ينابيع المودّة 1 / 425.
5- مروج الذهب 3 / 428.
6- المعجم الأوسط 4 / 187 ، نظم درر السمطين : 92 ، كنز العمّال 13 / 156 ، شواهد التنزيل 2 / 465 ، ينابيع المودّة 2 / 357 و 445 و 452 ، الصحاح 1 / 397 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 4 / 106 ، لسان العرب 2 / 566 ، تاج العروس 2 / 209.
7- ينابيع المودّة 2 / 357 و 452 ، الصواعق المحرقة 2 / 467 و 672.
8- المعجم الكبير 1 / 319 و 3 / 41 ، كنز العمّال 12 / 104 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 169 ، الصواعق المحرقة 2 / 466 و 671 ، مجمع الزوائد 9 / 131.

هذا ، وإنّ الإنسان لا يصدق عليه أنّه من شيعة علي إلاّ إذا اتبعه وأخذ معالم دينه منه.

( أبو الزين - الأردن - .... )

نصيحة في جواب رسالة النصح :

س : نحن من الذين هدانا اللّه إلى اعتناق مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وعلماؤنا دائماً يتهجّمون علينا ويرموننا بالجهل وما إلى ذلك من الكلمات البذيئة ، حتّى أنّ مدير جمعية الصالحين أصدر منشوراً تحت عنوان « رسالة النصح » ، نرجو أن تولّوها اهتماماً خاصّاً ، لعلّ اللّه تعالى يفتح على أيديكم ، إنّه سميع مجيب.

ج : لقد قرأنا مقتطفات من رسالة النصح - التي وجهها الأُستاذ مدير جمعية الصالحين - ونحن بدورنا - مع احترامنا لهذا الأُستاذ - نوجّه رسالة إلى كُلّ إنسان تجرّد عن العصبية ، واتخذ البحث الموضوعي منهجاً له لمعرفة الحقّ ، فنقول :

الإنسان بفطرته يفكّر ، وبفطرته يبحث عن الحقّ ، والتكليف الموجّه إلى المخلوق من الخالق هو أن يبحث الإنسان عن الحقّ بمقدار وسعه ، ومن ثمّ يعتقد به ، وسيكون بهذا قد أدّى تكليفه أمام خالقه ، ومثل هكذا إنسان سيلقى ربّه يوم القيامة منادياً : ربّاه هذه عقيدتي اعتقدت بها بعد بحث وتمحيص بمقدار وسعي ....

أمّا إذا اقتصر الإنسان على عقائده الموروثة ، متجنّباً توسيع آفاق رؤيته لمعرفة الحقّ ، بذريعة أنّ كُلّ فكر غير ما هو عليه ضلال وبدعة ، فإنّ هذا سوف يسدّ سُبل الهداية لمن يرث الأفكار الخاطئة من مجتمعه.

وأمّا منهج كيفية البحث الموضوعي الذي يرضي اللّه تعالى ، فيبيّنه لنا أمير المؤمنين علي عليه السلام بقوله : « لا يعرف الحقّ بالرجال ، اعرف الحقّ تعرف أهله »(1) ،

ص: 92


1- روضة الواعظين : 31.

وقد صدق أمير المؤمنين عليه السلام إذ جعل المناط في معرفة الحقّ هو معرفة الحقّ نفسه ، لا معرفة الحقّ بالرجال.

وهذه المقولة تفيدنا بأن يجرّد الإنسان نفسه من الموروث ، وممّا ورثه من البيئة والرجال ، وليس المقصود أن يتخلّى من الموروث ، بل المقصود أن يبحث في الموروث ، فما وافق منه الكتاب والسنّة والعقل اتبعه ، وما خالفه رفضه.

ومعرفة الحقّ في أيّ مسألة لا يمكن إلاّ بعد معرفة المباني التي تبتني عليه هذه المسألة ، فالبحث في الجزئيات من دون معرفة المباني بحث عقيم لا يوصل إلى الحقّ.

فإذا أردنا أن نعرف أيّة مسألة - عند أيّ مذهب ما - لابدّ علينا أوّلاً أن نعرف المبنى الذي ابتنت عليه هذه المسألة وإلاّ فسنقع في متاهات ، وسنرمي المؤمنين بما لم يقولوه.

وعليه ، فالمناقشة في المسائل العقائدية في مذهب أهل البيت عليهم السلام لا يمكن معرفتها والوصول إلى كنهها إلاّ بعد معرفة المباني التي تبتني عليها هذه المسائل.

ومنها على سبيل المثال : ينبغي أن نعرف معنى التمسّك بأهل البيت عليهم السلام ، هل هو مجرد محبّة سطحية لا أثر لها في واقعنا العملي؟ أم هو اتباع واقتداء وانتهال علوم ومعارف الرسول صلى اللّه عليه وآله منهم؟

كما ينبغي أن نعرف مَن هم أهل البيت؟ وما المراد من سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟

فمعرفة المصدر الذي منه نتلقّى العلوم والمعارف الإسلامية - التي جاء بها الرسول - يعتبر من المباني التي لابدّ من الإحاطة بها قبل الخوض في الجزئيات.

ومن هذا القبيل قوله صلى اللّه عليه وآله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي » ، فعلينا أن نبحث أوّلاً هل هذا الحديث صحيح؟ أو أنّ الحديث الذي يقول : « كتاب اللّه وسنّتي » صحيح؟ أو أنّ كلا الحديثين صحيحان؟

ص: 93

وذلك بالجمع بينهما ، بأنّ أهل البيت هم المصدر الذي يمكن الوثوق به لمعرفة سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

وهذه المفردة مهمّة جدّاً ، إذ تبيّن لنا المصدر الذي منه نأخذ معالم ديننا ، وأحكامنا الشرعية.

كما يحقّ لنا أن نتساءل : لماذا قال الرجل : حسبنا كتاب اللّه؟ ولماذا منع من تدوين سنّة رسول اللّه؟ ولماذا حرق مدوّنات سنّة رسول اللّه؟

والسؤال الآخر : من هم آل البيت عليهم السلام؟ وهذه مسألة مهمّة جدّاً ، علينا أن نعرفهم لنأخذ معالم ديننا منهم ونقتدي بهديهم ، ونجعلهم سبيلاً موثوقاً يوصلنا إلى ما جاء به النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

هل آل البيت هم : النبيّ وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام؟ - كما ورد في الصحاح والمسانيد والسنن في تفسير آية التطهير - أو أنّهم نساؤه؟ كما قال به البعض.

وبناءً على مقولة هذا القائل بأنّ نساءه من أهل البيت ، ماذا يقول بالنسبة للأحاديث الواردة في الصحاح والسنن في حصر أهل البيت بهؤلاء الخمسة؟

بالأخصّ ما ورد من سؤال أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة : وأنا منهم يا رسول اللّه؟ فقال صلى اللّه عليه وآله : « لا ، إنّك على خير » (1).

وأمّا مسألة الفرق بين الشيعة والسنّة ، فلا يمكن التوصّل إليها بالتمسّك بالجزئيات ، وإنّما يمكن التوصّل إليه بمعرفة أُسس الاختلاف ومبانيه ، فأصل الخلاف هو في الإمامة والخلافة والصحبة والصحابة.

فالشيعة تعتقد أنّ اللّه تعالى اصطفى لهذه الأُمّة بعد الرسول أئمّة - ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ... ) (2) - كما اصطفى آل عمران وآل إبراهيم ، فجعلهم حفظة

ص: 94


1- شواهد التنزيل 2 / 63 و 115 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 142 ، المستدرك 2 / 416 ، مسند أبي يعلى 12 / 456 ، المعجم الكبير 3 / 53 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 13.
2- آل عمران : 34.

على الشريعة ، التي جاء بها الرسول وخلفاؤه في الأرض ، وقد مدّهم بعناياته الخاصّة ، فهم الملجأ بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله لأخذ معالم الدين ، لأنّهم أعرف الناس بعد الرسول بمحكم القرآن ومتشابهه ، ومطلقه ومقيّده ، وناسخه ومنسوخه ، وهم الذين جعل الرسول صلى اللّه عليه وآله التمسّك بهم وبالقرآن عصمة من الضلال ، فالشيعة تتّبعهم وتأخذ معالم الدين منهم.

ولكن أهل السنّة يعتقدون بأنّ مصدر أخذ معالم الشريعة هم الصحابة ، وهم لمّا رأوا التناحر والتمزّق والصراع بين مصادر أخذ معالم الدين اضطروا إلى مقولة عدالة الصحابة مع اعترافهم بعدم عصمتهم ، ومع اعترافهم بأنّ فيهم القاتل والمقتول ، ومع اعترافهم بأنّ فيهم من كفّر بعضهم بعضاً ، وأنّ فيهم من لعن بعضهم بعضاً ، ومع اعترافهم بورود آيات كثيرة تخاطب الرسول صلى اللّه عليه وآله وتحذّره من المنافقين - والمنافق غير الكافر ، إذ المنافق من يظهر الإسلام ويبطن الكفر - ، ومع اعترافهم بورود أحاديث كثيرة في الصحاح والسنن تقول : « ليأتينّ أقوام يوم القيامة فيذادون عن الحوض أعرفهم بأسمائهم فأقول : يا ربّ أصحابي أصحابي! فيأتي النداء : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك! فأقول : بعداً بعداً ، أو قال : سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي »!(1).

وأمّا الشيعة فيقولون : نحن مع احترامنا للصحابة لكنّنا حين أخذ معالم الدين نجري عليهم قواعد الجرح والتعديل ، وننظر إلى سيرتهم ، فمن لم يغيّر ولم يبدّل ولم يحدث في الدين فهو مصدر ثقة ، نعتمد عليه في نقله لروايات الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ومن كان غير ذلك فلا.

ص: 95


1- مسند أحمد 3 / 28 و 281 و 5 / 48 و 393 و 400 ، صحيح البخاري 4 / 110 ، صحيح مسلم 7 / 68 ، المستدرك 2 / 447 ، المصنّف للصنعاني 11 / 407 ، مسند ابن راهويه 1 / 379 ، صحيح ابن حبّان 16 / 344 ، المعجم الكبير 7 / 207 ، مسند الشاميين 3 / 310 ، الجامع الصغير 2 / 449 ، جامع البيان 4 / 55 ، الدرّ المنثور 2 / 349.

فهذه الأبحاث من المباني التي لابدّ أن نتطرّق إليها ، وأمّا الأُمور الأُخرى فهي أُمور تترتّب على هذه الأبحاث ، ويمكننا أن نتداولها فيما لو حدّدنا مواقفنا من البحث الأساسي.

وكذلك مسألة الإمامة والخلافة ، وهل نصّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على أحد؟ وهل عيّن نظام الحكم أم أهمله؟ وإذا عيّن وقلنا بأنّه عيّنه شورى ، فهل كانت خلافة الخلفاء كلّهم بالشورى؟ أم نصّ بعضهم على بعض؟

وهل اطلعنا على استدلالات الشيعة؟ ومرادنا من الاطلاع قراءة ما كتبه الشيعة أنفسهم لا ما كتبه أعداؤهم.

وأمّا مسألة الاستشهاد بقول واحد من علماء فرقة معيّنة ، فهو لا يدلّ ولا يمثّل رأي كُلّ تلك الفرقة ، ولا ينكر أحد وجود أقوال شاذّة في كُلّ مذهب ، لا يمكن حملها على جميع المذهب.

وأمّا التشنيع على الشيعة بتصرّفات بعض أبنائها فهذا تهريج ، وهذه مقولة بعيدة عن البحث العلمي الموضوعي ، لأنّ بعض أهل السنّة يشرب الخمر ولا يتّقي اللّه تعالى ، ولا يصلّي ولا يصوم ، فهل يصحّ لنا أن نرمي جميع أهل السنّة أو غالبيتهم بهذه الصفات؟ أو أن نستنكر منهجهم الفكري بهذه الطريقة؟

وأمّا مسألة البدعة وأهل البدع ، فإذا أردنا أن يكون بحثنا موضوعياً مبتنياً على المباني فعلينا أن نعرف معنى البدعة ، فهي إدخال ما ليس من الدين في الدين ، وعليه فعلينا أن نعرف الدين لنعرف المسائل التي هي ليست من الدين ، ثمّ دخلت في الدين.

فإذا عرفنا الدين بالبحث والتتبع يمكننا بعد ذلك أن نعرف هل مقولة « الصلاة خير من النوم » في الأذان من الدين أو لا؟

أو أنّ نافلة صلاة شهر رمضان جماعة - المعروفة بصلاة التراويح - كانت من الدين أو لم تكن؟ وإنّما سنّها البعض قائلاً : « نعمت البدعة »!!

ص: 96

أو أنّ مقولة قائلهم : « متعتان كانتا على عهد رسول اللّه وأنا أُحرّمهما »!! من الدين أم ليست من الدين؟!

أو أنّ مقولة : « السنّة هي التختّم باليمين ولكن بما أنّها صارت شعاراً للرافضة فالسنّة تكون التختم باليسار » ، فهل هذا من الدين؟!

والمسألة الأُخرى هي : باللّه عليكم إذا تحرّى شخص الحقّ وبحث بفكر حرّ بعيد عن كُلّ تعصّب وتقليد أعمى ، فتوصّل إلى أنّ الحقّ مع أهل البيت عليهم السلام ومذهبهم ، فهل يمكننا أن ننهى هذا الشخص ونقول له : لماذا بحثت؟ ونرميه بشتّى الألفاظ الركيكة.

ونسلّط الضوء على المقولة التي تقول : « وغرّتك كثرتهم » ، ونسيت أو تناسيت أنّ أهل الحقّ هم القلّة في كُلّ زمان ومكان!

باللّه عليك ، أناشد فطرتك ، ألم تعلم أنّ أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام كانوا على مرّ العصور هم المضطهدون المقتولون المشرّدون ، فأين كثرتهم؟! أليسوا هم من أهل القلّة التي تصدق عليهم مقولة هذا القائل : ونسيت أو تناسيت أنّ أهل الحقّ هم القلّة.

يكفي لمن له أدنى معرفة بالتاريخ أن يراجع وليرى الفجائع التي ارتكبت ضدّ الشيعة - من إباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم ، وما لقوه من قتل وظلم -.

وأقسم باللّه ، لو أنّ أيّ فرقة من الفرق الإسلامية الأُخرى لاقت عشر معشار ما لاقاه شيعة أهل البيت لما بقي لهم الآن إلاّ الاسم ، ولانمحوا عن التاريخ أساساً.

ولكن السؤال هنا : إنّ الشيعة على رغم ما لاقوه من ظلم وتعدّي ومصاعب هل انمحوا من التاريخ؟ أم بقوا وصمدوا وواجهوا من واجههم بالدليل والبرهان والبحث العلمي حتّى نصرهم اللّه ، وهم يوماً بعد يوم في انتشار واسع في العالم ، ودليل انتشارهم هو دليلهم القاطع والقوي المتّفق مع العقل والفطرة ، الذي جعل الأنظار تتوجّه إليهم وإلى كتبهم وأدلّتهم ومبانيهم الفكرية ، كما يمكننا أن نعتبر التراث الإسلامي الذي جاء به الشيعة هو الأنقى والأفضل ، لأنّه

ص: 97

لم يتأثّر بضغوط السلطات الجائرة ولم يخضع لهم ، ولم يسمح لتراثه الإسلامي أن يصاغ بصورة تتلاءم مع أهواء حكّام الجور من بني أُمية وبني العباس وغيرهم.

فكان الشيعة هي الثلّة الوحيدة التي صمدت بوجه الذين أرادوا أن يغيّروا معالم الدين وفق مصالحهم ومبتغياتهم الشخصية ، فالذي يستخدم العقل ويتمسّك بالدليل والبرهان ويبحث وينقّب ويصل إلى الحقّ لا يتأثّر بمقولات من يقول : هل نصبت نفسك مجتهداً لتطلق أحكاماً تتعلّق بعقائد الأُمّة ....

أو من يقول : هل هي من اختصاص حثالة من الأولاد يعبثون بشرع اللّه ....

هذه المقولات الجارحة - غفر اللّه لمن قالها - لا تؤثّر على الشباب الواعي الذي يتحرّى الحقيقة ليجدها ويقبلها برحابة صدر.

وأمّا الإحصائيات الدقيقة عن نسبة الشيعة من بين المسلمين جميعاً ، فالقدر المتيقّن أنّ الشيعة الإمامية يمثّلون 25 % من المسلمين بجميع طوائفهم.

وأمّا فيما يخصّ معاوية فإنّ هذا البحث إذا أردنا أن نبحثه وفق الأُسس والأُصول فإنّه يعود إلى مبنى عدالة جميع الصحابة الذي مرّ ذكره.

فإذا كان معاوية من الصحابة ، فإنّه لاشكّ سيكون من الذين بلغته أقوال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حقّ علي عليه السلام أمثال : « الحقّ مع علي وعلي مع الحقّ » ، وحديث سدّ الأبواب ، وحديث مدينة العلم ، وحديث الطير المشوي ، وحديث الغدير ، وآية التطهير ، وآية الولاية ، وآية المباهلة ، وغير ذلك.

وهنا نورد حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حقّ علي عليه السلام : « سيكون من بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فألزموا علي بن أبي طالب ، فإنّه أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأُمّة ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين » (1).

ص: 98


1- الإصابة 7 / 294 ، المناقب : 105 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 450 ، أُسد الغابة 5 / 287.

وكذلك ما رواه الحاكم النيسابوري في « المستدرك » وصحّحه ، حيث قال سعد بن أبي وقّاص لمن شتم علياً : يا هذا ، على ما تشتم علي بن أبي طالب ، ألم يكن أوّل من أسلم؟ ألم يكن أوّل من صلّى مع رسول اللّه؟ ألم يكن أزهد الناس؟ ألم يكن أعلم الناس؟ وذكر حتّى قال : ألم يكن ختن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على ابنته؟ ألم يكن صاحب راية رسول اللّه في غزواته؟ ثمّ استقبل القبلة ورفع يديه وقال : اللّهم إن هذا يشتم ولياً من أوليائك ، فلا تفرّق هذا الجمع حتّى تريهم قدرتك ، قال قيس : فو اللّه ما تفرّقنا حتّى ساخت به دابته ، فرمته على هامّته في تلك الأحجار فانفلق دماغه ومات(1).

فنحن الآن في عصرٍ لا يعذر فيه الجاهل ، لأنّ التقدّم الحادث في عصرنا في مجال الاتصالات مهّد السبيل للوصول إلى الحقائق ، وجعل العالم بأسرة كأنّه قرية صغيرة.

فيا ترى هل يعقل أن يأتي أقوام فيقولون : القاتل والمقتول في الجنّة!! القاتل اجتهد في قتل وقتال علي عليه السلام فأخطأ! فباللّه عليك كيف وسعه أن يجتهد في مقابل النصوص التي سمعها بنفسه من الرسول صلى اللّه عليه وآله فهل هذا اجتهاد؟ أم هو اتباع للأهواء والمصالح والمبتغيات؟!

وفي النهاية أختم رسالتي بالإشارة إلى مسألة الوحدة والتقريب بين المذاهب الإسلامية فأقول : إنّ مفهوم الوحدة هو أن يتقارب المسلمون بشتّى المذاهب فيما اتفقوا عليه ، وهذا المتّفق عليه يكون سبباً لتقاربهم ووحدة صفهم.

وأمّا في المسائل الخلافية الموجودة حتّى بين المذاهب الأربعة السنّية فنقول : على المسلمين أن يجلسوا على طاولة الحوار الهادف الهادئ بعد تزكية أنفسهم وقصد التقرّب إلى اللّه تعالى فقط ، لأنّ الإنسان إذا لم يتمكّن من مجاهدة هواه ، فإنّه لا يتمكّن أن يطمئن إلى النتائج الفكرية التي يتوصّل إليها ، فمن

ص: 99


1- المستدرك 3 / 500.

لم يتغلّب على هواه ، لا يستطيع أن يتنازل عن عقائده الموروثة ، ولا يستطيع أن يتخلّى عن التعصّب ، فتكون النتيجة أنّه يلتجئ إلى التبرير والتمويه والمغالطة اتباعاً لهواه.

فالحوار والتفاهم هو الرابط الوحيد بين من يختلفون في الفكر والعقيدة ، فإن توصّلوا بالدليل إلى النتيجة فهو المطلوب ، وإن لم يتوصّلوا فتبقى الوجوه المشتركة التي أقلّها هي الإنسانية هي السبب في أخوتهم وعلاقتهم ، وهذا هو الذي رسمه لنا اللّه تعالى ، ونبيّه العظيم محمّد صلى اللّه عليه وآله.

ونوجّه نداءنا إلى جميع الإخوان من جميع المذاهب الإسلامية : أن يتّحدوا ويتقاربوا ويتحاببوا في اللّه ، وأن تكون أبحاثهم علمية موضوعية متجرّدة عن أيّ تعصّب أو تقليد أعمى للموروث.

( .... - السعودية - .... )

توضيح المذهب الشيعي :

س : نشكركم إخواني على تعاونكم مع العالم ، وجزاكم اللّه خيراً.

أمّا بعد : في إحدى محادثاتي مع الأخوات على الماسنجر اتصلت بي بنت من أهل السنّة ، ودامت المحادثات بيننا لأيّام على أشياء عديدة ، وعندما وصلنا إلى المذاهب أرادت أن تعرف نبذة عن الشيعة ، لاحتمال دخولها في المذهب الشيعي ، بعدما تعرف من هم؟

وأنا الآن أُريد منكم مساعدتي في توضيح المذهب الشيعي لها ، وما هي الأساسيات الواجب أن تعلمها لدينا؟ مع الشكر الجزيل.

ج : أهمّ شيء في البحث الموضوعي أن نعرف أنّ لكُلّ إنسان موروثاً ، وهذا الموروث شيء محترم يعتزّ به كُلّ منّا ، لكنّ المشكلة تكمن فيما إذا تعصّبنا لهذا الموروث ، نحن لا نريد ممّن خالفنا أن يترك الموروث ويرفضه ، بل نريد منه أن لا يتعصّب له ، بل ينظر له نظرة ناقد وباحث عن الحقيقة ، فما وافق من هذا الموروث الحقّ اتبعناه ، وما خالف للحقّ والأدلّة العقلية رفضناه.

ص: 100

بعد هذه المقدّمة ، وبعد تفهيمنا هذا الأصل إلى الآخرين ، يمكن الجلوس على طاولة الحوار الهادف للوصول إلى الحقّ.

فأوّل ما نعرض على مَن خالفنا من المذاهب الأُخرى : مسألة الإمامة التي هي أصل الاختلاف ، ونذكر الأدلّة العقلية النابعة عن الوجدان والفطرة ، ومن ثّم ننتقل إلى الأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة.

فنستدلّ بالعقل بنفس الأدلّة العقلية على وجود النبيّ صلى اللّه عليه وآله وبعثه للأُمّة من قبل اللّه تعالى وأنّه لطف ، وذلك لتتمّ الحجّة ، وأنّ اللّه تعالى من عدله لا يترك الأُمّة سُدى ، كذلك يمكن الاستدلال بنفس هذا الدليل على لزوم تعيين الإمام بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأنّ اللّه لم يترك أُمّته سُدى ، بل عيّن لهم الأوصياء بعد النبيّ الخاتم ، كما عيّن لكُلّ نبي من الأنبياء السابقين وصيّاً.

ومن القرآن يمكن الاستدلال بآية التصدّق بالخاتم ، وآية الإنذار ، وآية التطهير ، وآية الاستخلاف ، وغيرها من الآيات.

ومن السنّة يمكن الاستدلال بحديث الغدير ، وحديث الثقلين ، وحديث الطير ، وحديث الولاية ، وغيرها من الأحاديث.

ولكُلّ مفردة من هذه المفردات توجد أبحاث مفصّلة ، تجدونها في المكتبة العقائدية من موقعنا ، وفي نفس الإجابة على الأسئلة العقائدية.

( مازن - ... - ..... )

بالمعنى الأعم والأخص :

س : إنّي أحد المتابعين المهتمّين لموقعكم القيّم ، وخاصّة فقرة الأسئلة العقائدية.

هل إنّ رواية ترك عقيل بن أبي طالب لأخيه أمير المؤمنين - في فترة خلافته أو بعدها - والتجائه إلى معاوية وقوله : الدنيا مع معاوية والآخرة مع علي صحيحة؟

ص: 101

وهل صحيح أنّ جيش عمر بن سعد - الذي حارب الحسين عليه السلام في الطفّ - كان يتكوّن من أهل الكوفة؟ أي من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام ، وممّن بايعوا الحسين في بادئ الأمر؟ وكم كانت نسبتهم في الجيش؟

ج : في الإجابة نقول :

أوّلاً : إنّ التاريخ وما ورد من روايات عن أهل البيت عليهم السلام حول عقيل مضطرب كُلّ الاضطراب ، لذا لا يمكن لنا أن نخرج بنتيجة علمية مبتنية على أُسس صحيحة حول هذا الموضوع ، وإن كان بعض العلماء حاول أن يوجد بعض المبرّرات لما يُنسب إلى عقيل لتنزيه ساحته.

وثانياً : وأمّا عن شيعة الإمام الحسين عليه السلام من أهل الكوفة فإنّهم على قسمين :

1 - شيعة بالمعنى الأخصّ ، يعني يعتقدون بالتولّي والتبرّي ، وهؤلاء لم يكونوا في جيش عمر بن سعد - الذي حارب الإمام الحسين عليه السلام - بل إمّا استشهدوا مع الحسين عليه السلام ، أو كانوا في السجون ، أو وصلوا إلى كربلاء بعد شهادة الحسين عليه السلام.

2 - شيعة بالمعنى الأعم ، يعني يحبّون أهل البيت عليهم السلام ، ويعتقدون بالتولّي ولا يعتقدون بالتبرّي ، ولا يرون أنّ الإمامة إلهية وبالنصّ ، وهؤلاء كان منهم من بايع الإمام الحسين عليه السلام في أوّل الأمر وصار إلى جيش عمر بن سعد.

وكُلّ ما ورد من روايات ونصوص تاريخية فيها توبيخ لأهل الكوفة فإنّما تحمل على الشيعة بالمعنى الأعم ، أي الذين كانوا يتشيّعون بلا رفض وبلا اعتقاد بالإمامة الإلهية ، وما إلى ذلك من أُصول التشيّع.

( محمّد الجعفري - المغرب - .... )

يدخّنون في المساجد :

س : هل صحيح أنّ الشيعة يدخّنون في مساجدهم؟

ص: 102

ج : أوّلاً نذكر لكم أنّ أصل المبنى عند أكثر علماء الشيعة أنّ التدخين حلال ، لأنّ الأصل في الأُمور الإباحة ما لم يأت دليل من القرآن والسنّة ينصّ على التحريم.

هذا ، وإنّ مساجد الشيعة تقام فيها الجماعة ، والدروس الدينية ، وإحياء المناسبات الدينية لتثقيف المسلمين ، فالمساجد هي بيوت للعبادة بكُلّ ما تحمله لفظة العبادة من معنى.

وعليه ، فالتدخين عند الشيعة في المساجد غير صحيح ، وما يفعله بعض العوام من الناس فهذا غير محمول على أصل المذهب.

( محمّد علي الشاخوري - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

تكفير ابن باز لهم :

س : ما هو الدليل على أنّ ابن باز كان يحلّل دماء الشيعة وتكفيرهم في كُلّ شيء؟ ودمتم سالمين.

ج : قد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية - المؤلّفة كلاً من عبد العزيز بن باز ، وعبد الرزاق عفيفي ، وعبد اللّه بن غديان ، وعبد اللّه ابن قعود - عدّة أسئلة حول الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، منها :

وجّه إلى اللجنة الدائمة سؤال عن حكم أكل ذبائح جماعة من الجعفرية الإمامية الاثني عشرية ، فأجابت اللجنة بقولها ما نصّه : « إذا كان الأمر كما ذكر السائل من أنّ الجماعة الذين لديه من الجعفرية يدعون علياً والحسن والحسين وسادتهم فهم مشركون مرتدّون عن الإسلام والعياذ باللّه ، لا يحلّ الأكل من ذبائحهم ، لأنّها ميتة ولو ذكروا عليها اسم اللّه » (1).

وقالت اللجنة في جواب آخر ما نصّه : « إذا كان الواقع كما ذكرت من دعائهم علياً والحسن والحسين ونحوهم فهم مشركون شركاً أكبر يخرج من

ص: 103


1- فتاوى اللجنة الدائمة 2 / 372.

ملّة الإسلام ، فلا يحلّ أن نزوّجهم المسلمات ، ولا يحلّ لنا أن نتزوّج من نسائهم ، ولا يحلّ لنا أن نأكل من ذبائحهم »(1).

كما قالت اللجنة في جواب آخر عن حكم من يعتقد أنّ القرآن قد وقع فيه التحريف - يقصدون بهم الشيعة الإمامية - بقولها ما نصّه : « ومن قال : إنّه غير محفوظ ، أو دخله شيء من التحريف أو النقص فهو ضالّ مضلّ ، يستتاب فإن تاب وإلاّ وجب على ولي الأمر قتله مرتداً ... »(2).

وقال ابن باز حول الشيعة ما نصّه : « وأفيدكم بأنّ الشيعة فرق كثيرة وكُلّ فرقة لديها أنواع من البدع ، وأخطرها فرقة الرافضة الخمينية الاثنا عشرية لكثرة الدعاة إليها ، ولما فيها من الشرك الأكبر كالاستغاثة بأهل البيت ، واعتقاد أنّهم يعلمون الغيب ، ولاسيّما الأئمّة الاثني عشر حسب زعمهم ، ولكونهم يكفّرون ويسبّون غالب الصحابة كأبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما ، نسأَلُ اللّه السلامة ممّا هم عليه من الباطل » (3).

وقال أيضاً : « وبذلك نكتشف بطلان جميع المذاهب الهدّامة والأكثر منحلة ، لأنّ من علم شرع اللّه وتبصّر في دينه ، وتفقّه في ذلك اتضح له كُلّ مذهب باطل ، وكُلّ فكر فاسد ، سواء كان ذلك فكراً خارجاً عن الدين بالكُلّية ، أو فكراً يزعم صاحبه أنّه من الإسلام ، وليس من الإسلام ، فتعرف المذاهب الهدّامة من شيوعية وغيرها ، وهكذا الأفكار والدعوات المنحرفة من الإمامية أو قومية أو غير ذلك ، ممّا يدعو إليه كثير من الناس ، فالقرآن الكريم والسنّة المطهّرة يحاربان كُلّ هذه الدعوات الباطلة ، فلا قومية ولا علمانية ، ولا شيوعية ولا بعثية ، ولا شيعية ولا بوذية ، ولا نصرانية ولا يهودية ، ولا غير ذلك.

ص: 104


1- المصدر السابق 2 / 373.
2- المصدر السابق 4 / 9.
3- مجموع فتاوى ابن باز 3 / 1108.

كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يحاربون هذه المذاهب الباطلة ، وهذه الأفكار الزائفة ، ويبيّن القرآن والسنّة أنّ الحقّ في اتباع كتاب اللّه العظيم ، وسنّة رسول اللّه الأمين فقط ».

وسُئلت اللجنة أيضاً : ما حكم عوام الروافض الإمامية الإثنى عشرية؟ وهل هناك فرق بين علماء أيّ فرقة من الفرق الخارجة عن الملّة وبين أتباعها من حيث التكفير أو التفسيق؟

فأجابت : من شايع من العوام إماماً من أئمّة الكفر والضلال ، وانتصر لسادتهم وكبرائهم بغياً وعدواً ، حكم له بحكمهم كفراً وفسقاً ، قال اللّه تعالى : ( قَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ) (1) ... وغير ذلك في الكتاب والسنّة كثير ؛ ولأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قاتل رؤساء المشركين وأتباعهم ، وكذلك فعل أصحابه ، ولم يفرّقوا بين السادة والأتباع.

وباللّه التوفيق ، وصلى اللّه على نبيّنا محمّد وآله وصحبه وسلم(2).

إذاً ، الدليل على تكفير الشيعة هو الفتاوى الصادرة من اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية ، وفيهم ابن باز.

( عبد اللّه - عمان - 28 سنة - دبلوم )

تأسيسهم للعلوم المختلفة :

س : ماذا قدّم المذهب الشيعي على مدى التاريخ للإسلام من ثقافات؟ العلم والأدب ، والطبّ والشعر ، والفلسفة والفيزياء ، والكيمياء والرياضيات ، وغيرها من العلوم الأُخرى مع ذكر أسماء العلماء ، وشكراً على المساعدة.

ص: 105


1- الأحزاب : 67 - 68.
2- فتاوى اللجنة الدائمة 2 / 376.

ج : لا يخفى أنّ لعلماء الشيعة السبق على غيرهم من الطوائف الإسلامية في تأسيس كثير من فنون العلوم الإسلامية ، نذكر في هذا المجال بعض مشاهير الشيعة في كُلّ علم ، مع مراعاة الأقدم منهم فالأقدم.

1 - علم النحو : أوّل من أسّس هذا العلم هو أبو الأسود الدؤلي ، وهو من كبار التابعين الشيعة.

ومن مشاهيره : الخليل بن أحمد إمام البصريين ، محمّد بن الحسن الرواسي إمام الكوفيين ، حمران بن أعين أخو زرارة بن أعين ، الفرّاء يحيى بن زياد ، أبو العباس المبرّد ، الشيخ أبو علي الفارسي ، أبو بكر الخوارزمي.

2 - علم الصرف : أوّل من أسّس هذا العلم هو معاذ بن مسلم الهراء ، وهو من كبار الشيعة.

ومن مشاهيره : الشيخ أبو علي الفارسي ، أبو الفتح عثمان بن جنّي ، أبو جعفر الطبري ، الشيخ أحمد بن علي الماه آبادي ، محمّد بن الحسن الاسترآبادي الغروي.

3 - علم اللغة : أوّل من أسّس هذا العلم هو الخليل بن أحمد ، وهو من علماء الشيعة.

ومن مشاهيره : أبان بن تغلب ، ابن السكّيت ، أبو بكر بن دريد الأزدي ، الصاحب بن عبّاد ، محمّد بن سلمة اليشكري ، أبو الفضل الصابوني ، محمّد ابن يحيى بن محمّد الأرزني.

4 - علم المعاني والبيان والبديع : أوّل من أسّس هذا العلم الإمام المرزباني أبو عبد اللّه محمّد بن عمران ، وهو من علماء الشيعة.

ومن مشاهيره : الشيخ ميثم بن علي بن ميثم البحراني ، الشيخ حسام الدين المؤذني ، الشيخ يحيى بن أحمد الكاشي ، صفي الدين الحلّي ، الشيخ إبراهيم ابن علي العاملي.

ص: 106

5 - علم العروض : أوّل من أسّس هذا العلم هو الخليل بن أحمد ، وهو من علماء الشيعة.

ومن مشاهيره : أبو عثمان المازني ، السيّد أبو الرضا فضل اللّه ضياء الدين الراوندي الحسين ، الشيخ أبو المحاسن شهاب الدين يوسف ، الشيخ عبد علي ابن رحمة الحويزي.

6 - فنون الشعر وطرائقه :

ومن مشاهيره : النابغة الجعدي حبّان بن قيس المضري ، لبيد بن أبي ربيعة العامري ، الفرزدق ، الكميت الأسدي ، السيّد الحميري ، سفيان بن مصعب العبدي ، دعبل الخزاعي ، المفجّع ، ابن الرومي ، السيّد الشريف الرضي ، السيّد المرتضى ، أبو الحسين المهيار ، أبو الطيّب المتنبّي.

7 - التاريخ والسير : أوّل من أسّس علم السير والآثار ، هو عبيد اللّه بن أبي رافع مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وكان من خيار الشيعة.

وأوّل من أسّس علم المغازي - مغازي النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسيرته - هو محمّد بن إسحاق المطلبي.

وأوّل من أسّس علم الرجال ، هو أبو محمّد عبد اللّه بن جبلة الكناني.

وأوّل من صنّف في علم الفرق في الإسلام ، هو الحسن بن موسى النوبختي.

8 - علم الحديث : أوّل من جمع الحديث النبوي في الإسلام ودوّنه ، هو أبو رافع مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

أوّل من صنّف في الآثار ، هو سلمان الفارسي ، أبو ذر الغفاري ، الأصبغ بن نباتة ، سليم بن قيس الهلالي ، ميثم التمّار ، جابر بن يزيد الجعفي ، زيد الشهيد ، زرارة بن أعين ، الشيخ الكليني ، الشيخ الطوسي ، الشيخ المجلسي ، الفيض الكاشاني ، الحرّ العاملي ، النوري الطبرسي.

9 - علم الدراية : أوّل من دوّن في علم دارية الحديث ، هو أبو عبد اللّه الحاكم النيسابوري ، السيّد ابن طاووس ، الشيخ البهائي.

ص: 107

10 - علم الفقه : أوّل من دوّن في علم الفقه علي بن أبي رافع مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

ومن مشاهيره : سعيد بن المسيّب ، علي بن حمزة البطائني ، إبراهيم بن محمّد الثقفي ، صفوان بن يحيى البجلي ، علي بن أحمد الكوفي ، ابن الجنّيد ، ابن أبي عقيل ، السيّد المرتضى ، الشيخ الطوسي.

11 - علم أُصول الفقه : أوّل من صنّف في مسائل علم أُصول الفقه ، هو هشام بن الحكم.

ومن مشاهيره : أبو سهل النوبختي ، ابن الجنيد ، ابن داود ، الشيخ المفيد ، السيّد المرتضى ، الشيخ الطوسي ، العلاّمة الحلّي ، المحقّق الحلّي.

12 - علوم القرآن : أوّل من وضع نقط المصحف ، هو أبو الأسود الدؤلي.

وأوّل من صنّف في القراءة ودوّن علمها ، هو أبان بن تغلب.

وأوّل من صنّف في فضائل القرآن ، هو أُبي بن كعب.

وأوّل من صنّف في مجاز القرآن ، هو الفرّاء يحيى بن زياد.

وأوّل من صنّف في أحكام القرآن ، هو محمّد بن السائب.

وأوّل من صنّف في علم تفسير القرآن ، هو سعيد بن جبير.

13 - علم الكلام : أوّل من ناظر في التشيّع ، هو الكميت بن زياد.

وأوّل من صنّف في علم أُصول العقائد ، هو علي بن إسماعيل بن ميثم التمّار.

14 - علم الأخلاق : أوّل من صنّف في علم الأخلاق ، هو إسماعيل بن مهران السكوني.

نكتفي بهذا المقدار ، وللمزيد راجع كتاب تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام للسيّد حسن الصدر.

ص: 108

( البحرين - سنّي - 21 سنة - طالب جامعة )

يتأثّرون بالقرآن ويخشونه :

س : العجيب أنّنا نرى الشيعة وصل بهم الغلوّ في آل البيت بحيث يبكون حين يقرأ عليهم أبيات شعر في عزاء علي أو الحسين أو فاطمة ، ولم ترهم يتأثّرون حين تقرأ آيات من القرآن الحكيم؟ بالرغم من أنّ اللّه تعالى يقول : ( اللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللّهِ ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللّهُ فَمَا له مِنْ هَادٍ ) (1).

وقال سبحانه : ( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) (2) ، فجميعنا نحبّ آل البيت ، ولكن لا يعني أنّنا نصرف الدعاء لهم؟

ج : ادعاؤك بأنّ الشيعة غلاة لأنّهم يبكون على مصائب أهل البيت عليهم السلام ، ولا يبكون من ذكر اللّه تعالى ، فهذا بهتان مبين وفرية علينا.

فإنّ أكثر الشيعة على مرِّ التاريخ متمسّكون بالثقل الأكبر القرآن الكريم ، ويتبعونه ويقدّسونه ، ويستشهدون بآياته على جميع مسائل الشريعة ، ويتعاهدون قراءته ، ويخشعون عند سماعه ، وهم أشدّ حبّاً لله ولكلامه.

وهذا أمر قلبي لا يعلمه إلاّ اللّه ، ولم يكونوا يوماً ممّن يتباكون بالدموع فقط ، وعلى الصوت الجميل القريب من الغناء يدغدغ المشاعر ، ويسمّوا أنفسهم خاشعين باكين من خشية اللّه تعالى ، وكُلّ ذلك مجانب للصواب ، وإنّما العبرة والصواب والمأمور به هو الخشوع والخشية والتأثّر والتقوى والهداية ، التي تنشأ من التدبّر في القرآن ، وليس صبّ الدموع المزعوم فقط.

ص: 109


1- الزمر : 23.
2- الحشر : 21.

قال تعالى : ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (1) ، وقوله عزّ وجلّ : ( أَفَمَن شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ) (2) ، وقوله تعالى : ( اللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللّهِ ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللّهُ فَمَا له مِنْ هَادٍ ) (3) فالخشوع هو الاحتياج والانكسار لله تعالى والإذعان للحقّ ، وكذلك الخشية بمعنى الخوف والتقوى التي يلزم منها الإذعان للحقّ.

فالخشوع والخشية قلبية ، وهذا العمل القلبي مطلوب وممدوح لأنّه ملازم للتقوى والإذعان للحقّ والهداية ، أمّا البكاء فهو تعبير ظاهري عن الخشية والخشوع وهو غير ملازم لها ، لأنّه قد يكون مفتعلاً ، وقد يكون لسبب آخر ، وقد يكون آنياً وقتياً ، وقد يكون صادقاً ، ولكن صاحبه في ضلال مبين ، كالخوارج أو النواصب ، أو المشرك أو المبتدع ، فبالتالي لا يجوز الحكم على الفرقة ، أو الشخص عن طريق البكاء ، بأنّه على صواب أو خطأ ، فلا تلازم في ذلك.

( ... - ... - سنّي )

ليسوا هم قتلة الحسين عليه السلام :

س : إلى مركز الأبحاث العقائدية : أرجو أن يكون الاستدلال عن طريق كتب أهل السنّة.

يطرح سؤال مهمّ : من قتلة الحسين؟ أهم أهل السنّة ، أم معاوية ، أم يزيد بن معاوية ، أم من؟ إنّ الحقيقة المفاجئة أنّنا نجد العديد من كتب الشيعة تقرّر وتؤكّد أنّ شيعة الحسين هم الذين قتلوا الحسين.

ص: 110


1- محمّد : 24.
2- الزمر : 22.
3- الزمر : 23.

فقد قال أبو جعفر الباقر : « ثمّ بايع الحسين عليه السلام من أهل العراق عشرون ألفاً ، ثمّ غدروا به وخرجوا عليه ، وبيعته في أعناقهم وقتلوه »(1).

والحسين يناديهم قبل أن يقتلوه : « تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً ، وبؤساً لكم حين استصرختمونا ولهين ، فاصرخناكم موجفين ، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيدينا ، وحمشتم علينا ناراً أضرمناها على عدوّكم وعدوّنا ، فأصبحتم ألباً أوليائكم ، ويداً على أعدائكم ... » (2).

ثمّ ناداهم الحرّ بن يزيد أحد أصحاب الحسين - وهو واقف في كربلاء - فقال لهم : « أدعوتم هذا العبد الصالح حتّى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنّكم قاتلو أنفسكم دونه ، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه ... فصار كالأسير في أيديكم ... لا سقاكم اللّه يوم الظمأ الأكبر »(3).

ويذكر المؤرخ الشيعي اليعقوبي في تاريخه : أنّه لمّا دخل علي بن الحسين الكوفة رأى نساءها يبكين ويصرخن فقال : « هؤلاء يبكين علينا فمن قتلنا »؟(4) أي من قتلنا غيرهم.

هذه الأشياء ليس من تفسيري بل علماء السنّة يقولون هكذا ، هل هذا صحيح؟

ج : كأنّك هنا تريد أحد أمرين أو كلاهما معاً :

الأوّل : إنّ شيعة الحسين عليه السلام هم قتلته ، وهم الذين يبكون عليه.

الثاني : إنّ قتلة الحسين عليه السلام هم الشيعة فلا ربط لذلك بيزيد وبني أُمية ، وبالتالي كُلّ ما ورد من ذمّ لا يعود لابن زياد ، وابن مرجانه ، وعمر بن سعد ، ويزيد بل يرجع على الشيعة.

ص: 111


1- شرح نهج البلاغة 11 / 43.
2- الاحتجاج 2 / 24.
3- الإرشاد 2 / 100.
4- تاريخ اليعقوبي 2 / 245.

ونأتي لمعالجة القضيتين ، أمّا الأُولى فنقول : هذه المقولة قديمة جدّاً وليست جديدة ، ومثلها مقولة معاوية بن سفيان حينما قتل عمّار بن ياسر ، حيث كان معلوماً لدى العموم أنّ الفئة الباغية هي التي تقتل عمّار بن ياسر ، فبعد مقتل عمّار تبيّن للناس أنّ معاوية وحزبه بغاة ، وليسوا على حقّ موهوم ، وهو دم عثمان فضلاً عن حقّ واقعي ، فأطلق معاوية مقولته المشهورة : لم نقتله نحن ، بل قتله من جاء به ، وهو علي بن أبي طالب ، فقلب الأمر ظهراً على عقب ، وجعل علياً هو قاتل عمّار ، وبالتالي يكون علي بن أبي طالب عليه السلام - والعياذ باللّه - هو الباغي ، طبقاً لقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولا يكون على حقّ ، إذ ذلك لازم لمقولة معاوية.

وقد ردّ علماء السنّة وحتّى السلفية على معاوية مقولته هذه ، وحكموا ببطلانها(1).

ومن المعلوم أنّ الكوفة من الحواضر الإسلامية المستحدثة ، والتي فتحت متأخّراً ، وكان مكانها من اليهود والنصارى كثير كما يذكر الطبري وغيره.

وكان إحدى تشكيلتها السكّانية هم المسلمون ، وهؤلاء المسلمون جديدو عهدٍ بالإسلام ، لا يعرفون بعد النبوّة فضلاً عن الإمامة ، وقد تولّى عليها حكّام من طرف الخليفة عمر ، وربّاهم على التربية العمرية ، بحيث إنّ علي بن أبي طالب عليه السلام عندما أراد منعهم من صلاة التراويح ، صاحوا جميعاً في المسجد : وا عمراه ، واضطر إلى الاصطدام معهم(2).

ص: 112


1- سبل السلام 3 / 258 ، أحكام القرآن للجصّاص 3 / 532 ، المناقب : 234 ، مسند أحمد 2 / 161 و 4 / 199 ، الطبقات الكبرى 3 / 253 ، تاريخ مدينة دمشق 43 / 425 ، أنساب الأشراف : 317.
2- شرح نهج البلاغة 12 / 283.

وتولّى أمرتها أبو موسى الأشعري المعروف بالعداء لعلي عليه السلام ، فقد ذكر ابن حجر في فتح الباري : « أنّ علي بن أبي طالب حينما خرجت عليه عائشة في واقعة الجمل ، أرسل إلى أبي موسى الأشعري أن يدعوا الناس للخروج مع علي عليه السلام ، فأبى وثبّط عزائم الناس حتّى اضطر علي عليه السلام إلى عزله »(1).

وبعد أن قدم الإمام علي عليه السلام الكوفة سعى بكُلّ جهده إلى أن يفهّمهم الإسلام ، فضلاً عن الإمامة ، وقد ذكر ذمّهم في كثير من خطبه ، ولمّا استشهد عليه السلام تولّى خلافة الكوفة المغيرة بن شعبة من قبل معاوية ، وأخذ يربّي الناس على بغض علي وآل علي ، إلى أن أوصل بهم الأمر إلى أن يسبّ علياً على المنبر علناً ، ويأمر أولياءه بالسبّ(2).

في ظلّ هذه الأجواء تصل الأُمور إلى يزيد ، ويبلغ الظلم أوجه ، إذ تصل الخلافة إلى مستوى الطلقاء ، وهم بنو أُمية ، ثمّ تصل إلى دعي من أدعياء الطلقاء ، وهو يزيد ذو التربية النصرانية ، التي لا تعرف معنى الإسلام ، فضلاً عن حقوق المسلمين ، وفي ظلّ هذه الأُمور يرسل يزيد إلى الحسين عليه السلام أن بايعني ، فيأبى الحسين ويخرج إلى العراق ، فيكتب يزيد إلى عامله على الكوفة عبيد اللّه بن زياد : إنّه قد بلغني أنّ حسيناً قد سار إلى الكوفة ، وقد ابتلى زمانك من بين الأزمان ، وبلدك من بين البلاد ، وابتليت به من بين العمّال ، وعندها تعتق أو تعود عبداً كما تعتبد العبيد(3) ، وصرّح بوثاقة رجاله.

والإمام الحسين عليه السلام عندما رفض البيعة دعا إلى إقامة العدل والحقّ ، وأطلق كلمته المشهورة - والصحيحة سنداً - إذ قال : « قد نزل ما ترون من الأمر ، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت ، وأدبر معروفها ، وانشمر حتّى لم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء ، إلاّ خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون الحقّ لا

ص: 113


1- فتح الباري 13 / 48.
2- سير أعلام النبلاء 3 / 31.
3- مجمع الزوائد 9 / 193.

يعمل به ، والباطل لا يتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء اللّه ، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برما »(1).

فعقد العزم سيّد الشهداء عليه السلام للخروج على حكم الطلقاء ، ودعا الناس إلى ذلك ، وأجاب من أجاب ، وأبى من أبى ، وممّن بعث إليه بالنصرة قسم من أهل الكوفة ، فأرسلوا إليه على أن يقدم عليهم ، والحسين عليه السلام كان عازماً على الخروج ، سواء بايعته الناس على النصرة أو لا ، ودليل ذلك أنّه بعد أن خذلوه لم يتراجع ، لأنّ قولته المتقدّمة « والحياة مع الظالمين إلاّ برما » لم يغيّرها خذل الخاذلين ، وتراجع بعض من المبايعين.

ثمّ أنّ أهل الكوفة ، هذا المجتمع الخليط من المسلمين والنصارى واليهود ، وصاحب التركيبة الاجتماعية الغريبة ، لما مرّ عليه من حكم القرآن المتمثّل بعلي عليه السلام ، وحكم الجاهلية المتمثّل بمعاوية وخليفته المغيرة بن شعبة ، ثمّ جاء يزيد وسلّط عليه عن أصلاب الأدعياء ، وهو عبيد اللّه بن زياد بن أبيه ، فهذا المجتمع عندما نريد أن نحكم عليه بأنّه شيعي ، وبايع الحسين وخذله ، لابدّ أن تتوفّر فيه أوّلاً : كونه شيعياً ، وثانياً : كونه بأجمعه خذل الحسين عليه السلام.

أمّا القضية الأُولى وهي كونه شيعياً : فالشيعي له اصطلاحان لغوي وشرعي ، اللغوي يعني الناصر ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ ) (2) ، أي من أنصاره وأعوانه ومن المؤازرين له ، والمعنى الاصطلاحي : يعني من يعتقد بأحقّية علي بن أبي طالب عليه السلام بالخلافة ، وأنّه الخليفة بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله مخاطباً علياً : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه ... » الحديث المتواتر الذي صرّح بتواتره الشيخ محمد ناصر الدين الألباني(3) ، وغيره من العلماء.

ص: 114


1- المصدر السابق 9 / 192 ، المعجم الكبير 3 / 114 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 217 ، سير أعلام النبلاء 3 / 310 ، تاريخ الأُمم والملوك 4 / 305 ، جواهر المطالب 2 / 270.
2- الصافات : 83.
3- سلسلة الأحاديث الصحيحة 4 / 344.

فمن بايع الحسين؟ ولم ينصره؟ وخرج عليه في جيش يزيد ، أي معنىً من معاني الشيعي يصدق عليه؟ هل يصدق عليه المعنى اللغوي ، أو المعنى الشرعي ، أو كليهما؟

والجواب : إنّه لا يصدق عليه أي معنىً من المعنيين ، وذلك لأنّ المعنى اللغوي أُخذ فيه النصرة والمؤازرة ، وهؤلاء لم ينصروا ولم يؤازروا ، وإنّما وعدوا الحسين عليه السلام بالنصرة ، ولم يفوا بالوعد ، وهذا ليس نصرة ، وإنّما وعد بالنصرة ، والنصرة هي المؤازرة والمعاونة ، فأيّ تشيّع لغوي يصدق عليهم؟ وهذا من المغالطات التي يستخدمها السلفية لنصرة الطلقاء وأبناء الأدعياء ، ويقولون : الشيعة هم قتلوا الحسين عليه السلام ، مع أنّ هؤلاء لا يصدق عليهم التشيّع بجميع معانيه ، لأنّه لم ينصر ولم يؤازر ، وإنّما وعد بالنصر والمؤازرة ولم يفِ.

وأمّا المعنى الشرعي للتشيّع ، فلا يصدق عليه ، إذ متى اعتقدوا بالنصّ على خلافة الحسين عليه السلام ، ومتى صرّحوا بذلك؟! وهم النصرة والمؤازرة لا تصدق عليهم ، فكيف يصدق عليهم الولاء والاعتقاد بخلافة الحسين عليه السلام؟!

أضف إلى ذلك أنّ مسلم بن عقيل حين ورد الكوفة ، ودعا الناس إلى الحسين عليه السلام ، واجتمع حوله من اجتمع ، وكان الوالي عليها من قبل يزيد النعمان ابن بشير ، فلم يبادر إلى المنع ، وكان جاسوس يزيد مسلم بن سعيد الحضرمي ، فكتب إلى يزيد بن معاوية ما يجري في الكوفة ، وموقف النعمان بن بشير ، فبعث يزيد بكتاب إلى عبيد اللّه بن زياد ، وكان واليه على البصرة في ضمّ ولاية الكوفة له ، وأمره بأن يقتل مسلم بن عقيل ، ويترصّد الحسين عليه السلام ومحاربته ، وجاء عبيد اللّه بن أبيه الكوفة ، وتوعّد أهلها بالقتل ، وقتل وسجن من لم يرجع ، أي الشيعة الثابتين(1).

ص: 115


1- أُنظر : فتح الباري 7 / 74 ، البداية والنهاية 8 / 166 ، أنساب الأشراف : 78 ، تاريخ مدينة دمشق 18 / 295 ، الثقات 2 / 309 ، تهذيب الكمال 6 / 425 ، الإصابة 2 / 70.

ومن ذلك نعرف أن أهل الكوفة ، ممّن وعد نصرة الحسين عليه السلام ، إمّا تخاذل ولم يفِ بوعده ، وهذا ليس شيعياً لا بمعناه اللغوي ولا الشرعي كما هو واضح ، وإمّا تعرّض للقتل أو السجن وهذا معروف حكمه ، وإمّا وعد بنصره لكنّه من بطش عبيد اللّه بن زياد انقلب وخرج مع جيش يزيد لقتل الحسين ، فهذا يبرأ منه التشيع لغة وشرعاً.

فهذه المقولة وهي : أنّ الشيعة هم قتلة الحسين لا أساس لها من الصحّة ، وإنّما يلهج بها نابتة الطلقاء والأدعياء نصراً لآبائهم ، وسيراً على منهجهم في قتل آل البيت ، وعترتهم الطاهرة ، التي هي عدل القرآن ، المأمورين باتباعها.

( البحرانية - البحرين - 18 سنة - طالبة ثانوية )

لغة واصطلاحاً وتاريخاً :

س : ما هو المقصود بالتشيّع؟ ومن هم الشيعة؟

ج : إنّ معنى الشيعة لغة كما ورد في كتب اللغة : شيعة الرجل بالكسر أتباعه وأنصاره ، والفرقة على حدة ، ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكّر والمؤنّث ، وقد غلب هذا الاسم على من يتولّى علياً وأهل بيته عليهم السلام حتّى صار اسماً لهم خاصّاً.

قال الشيخ السبحاني : « الشيعة لغة هم الجماعة المتعاونون على أمر واحد في قضاياهم ، يقال تشايعَ القوم إذا تعاونوا ، وربّما يُطلق على مطلق التابع ، قال تعالى : ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) (1).

وأمّا اصطلاحاً : فتطلق على من يشايع علياً وأولاده باعتبار أنّهم خلفاء الرسول وأئمّة الناس بعده ، نصبهم لهذا المقام بأمر من اللّه سبحانه ... »(2).

ص: 116


1- الصافات : 83 - 84.
2- بحوث في الملل والنحل 6 / 7.

وقال السيّد محسن الأمين : « وكانت هذه اللفظة تقال على من شايع علياً عليه السلام قبل موت النبيّ صلى اللّه عليه وآله وبعده » (1).

أمّا تاريخ الشيعة والتشيّع ، فقال عنه السيّد الأمين : « وسواء أكان إطلاق هذا الاسم عليهم يوم الجمل أم في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، أو بعد يوم الجمل ، فالقول بتفضيل علي عليه السلام وموالاته الذي هو معنى التشيّع كان موجوداً في عهد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، واستمر بعده إلى اليوم »(2).

وأمّا الشيخ السبحاني فقال عنه : « وأمّا تاريخاً : والشيعة هم المسلمون من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان في الأجيال اللاحقة ، هم الذين بقوا على ما كانوا عليه في عصر الرسول في أمر القيادة ، ولم يغيّروه ولم يتعدّوا عنه إلى غيره ... ففزعوا في الأُصول والفروع إلى علي وعترته الطاهرة »(3).

فليس للتشيّع تاريخ وراء تاريخ الإسلام ، ولا للشيعة أُصول سوى أنّهم رهط من المسلمين الأوائل في عصر الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ومن جاء بعدهم عبر القرون ، وجاء في مدح هذه التسمية ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : « ليهنئكم الاسم » ، قلت : وما هو جعلت فداك؟ قال : « الشيعة » ، قلت : إنّ الناس يعيّروننا بذلك ، قال : أمّا تسمع قول اللّه : ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ ) وقوله : ( فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ) (4).

والشيعة فرق ومذاهب شتّى ، فمنها نحن الإمامية الاثنا عشرية ، ومنها : الزيدية والإسماعيلية ، والواقفية والفطحية ، والكيسانية والناووسية ، وغيرهم ، فإذا أطلق لفظ الشيعة أو الرافضة أو الإمامية فإنّما يقصدون الطائفة

ص: 117


1- أعيان الشيعة 1 / 18.
2- المصدر السابق 1 / 19.
3- بحوث في الملل والنحل 6 / 102.
4- تفسير القمّي 2 / 223.

المنصورة ، والفرقة الناجية الإمامية الإثنى عشرية ، أوّل أئمّتهم أمير المؤمنين ونفس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وزوج ابنته سيّدة نساء العالمين ، وأبو سبطي وريحانتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله سيّدا شباب أهل الجنّة ، علي بن أبي طالب عليه السلام ، وآخرهم الإمام المهدي المنتظر عليه السلام ، الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلِئت ظلماً وجَوراً.

( محمّد الشوحة - الأردن - 26 سنة - طالب جامعة )

لا توجد فيها المفضّلة :

س : ماذا يقصد الوهّابية بقولهم : إنّ المفضّلة من الشيعة هم معتدلون أقرب للسنّة ، وعليه من هم هذه الفئة من الشيعة؟

ج : إنّ مذهب التشيّع مذهب عريق وأصيل ، ويحاول المشكّكون والمخالفون النيل منه بشتّى الوسائل ، ومنها ما ذكرته ، وغيره من التشكيكات في أصل نشأة التشيّع ، مستغلّين بعض الوسائل التي يستخدمها الشيعة في الحفاظ على كيانهم ووجودهم ، كمسألة التقية التي حوفظ من خلالها على المذهب بعدم التصريح بالمعتقد ، وبعض الاختلافات مع العامّة في الفروع ، ممّا جعلهم يستغلّون ذلك في النيل من أيّ شخص يصرّح ببعض ذلك ، أو قيامهم بالتفكيك بين الشيعة وجعلهم طوائف متعدّدة ، بسبب بوح شخص بمسألة وبوح آخر بغيرها ، وهكذا حتّى جعلوا للشيعة عشرات الفرق حسب ذلك.

وهذه الفرقة - المفضّلة - هي إحدى الفرق المختلقة منهم ، للتشكيك بتكامل مذهب أهل البيت عليهم السلام ، حيث جعلوا بعض الشيعة يفضّلون عليّاً على أبي بكر وعمر فحسب ، وبعضها يفضّله على عثمان فقط ، وبعضهم كابن سبأ - وفي حقيقته ونسبته إلى الشيعة كلام كثير - يسبّ الشيخين ويتبرّأ منهما ، ويؤمن بأنّ الخلافة في علي وبنيه ، وبعضهم كجابر الجعفي يؤمن بالرجعة فقط ، وآخر يؤمن بالبداء فقط ، وآخر يغلو في علي ويعبده ، وهكذا دواليك.

ص: 118

فكُلّ هذه المحاولات لإضعاف المذهب أوّلاً ، ولتشويهه والحطّ منه ومن معتنقيه ثانياً ، ولإضاعة المذهب بين فرق متعدّدة غير واضحة ، لكُلّ فرقة مسألة واحدة ، أو مسألتين يشذّون فيها عن بقية المسلمين ، حتّى لا يُعبأ بهم ولا يُلتفت إليهم ، وبالتالي لا يكون هنالك مذهب متكامل أصيل يجسّد التمسّك بأهل البيت ، كما أمر بذلك النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله في حديث الثقلين وغيره.

فنطالبهم بذكر أسماء المفضّلة لعلي عليه السلام على الشيخين ، وعددهم وإثبات كونهم شيعة وأتباع علي ، وأنت تنقض كلامك بأنّ علياً عليه السلام كان ينكر ذلك ، ويقيم عليهم الحدّ ، فأتني بشخص واحد فقط أقام علي عليه السلام عليه الحدّ بسبب تفضيله على الشيخين ، أُنظر كيف كذّبوا على أنفسهم ، وضلّ عنهم ما كانوا يفترون.

( كامل غني عزيز العبيدي - العراق - 45 سنة - خريج إعدادية )

لا يتجاوزون على غيرهم مع القدرة :

س : لماذا الشيعة دائماً مظلومين وغير مرغوب بهم في بعض المجالات؟ هل لأنّ الإمام علي عليه السلام كان غير مرغوب فيه؟ أم لأنّ الشيعة أخذوا البساطة من الإمام علي عليه السلام؟ أم ما هو السبب؟

ج : الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن بسيطاً أو ساذجاً - حاشاه - بل هو اعلم وأحكم وأشجع الناس بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، نعم كان غير مرغوب به لأنّه صاحب حقّ ، وينادي بالحقّ ، ويطبّق الحقّ في جميع المحافل وعلى أعلى المستويات.

وكان كحال أبي ذر رض اللّه عنه حين قال : إنّ قول الحقّ لم يدع لي صديقاً.

وكذلك لكون أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته أيضاً مخالفين لهم ، ولديهم من الفضائل والعلم والتميّز على أقرانهم والحظوة والاحترام في داخل المذهب ، فهم محسودون ويتمنّى مخالفوهم زوال ذلك عنهم إليهم ، فيقومون دائماً بسحب البساط

ص: 119

من تحت أقدام الشيعة ، وكذلك يقومون بتفضيل أنفسهم والتعالي علينا من دون أيّ سبب أو دليل من أجل حطام الدنيا ، وكما فعل ذلك من قبل معاوية ويزيد.

وكذلك فإنّ الإمام عليه السلام وشيعته لا يظلمون ولا يتجاوزون على غيرهم مع القدرة ، وكما قال أمير المؤمنين عليه السلام : « واللّه ما معاوية بأدهى منّي ، ولكنّه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ، ولكن كُلّ غدرة فجرة ، وكُلّ فجرة كفرة ، ولكُلّ غادر لواء يعرف به يوم القيامة ، واللّه ما أستغفل بالمكيدة ، ولا أستغمز بالشديدة » (1).

والأوضاع الآن خير دليل على حقيقة ذلك وواقعه من قبل شيعة علي عليه السلام ، فموقف الشيعة عموماً والمرجعية خصوصاً كان ناصعاً كالشمس في رابعة النهار في بثّ روح التسامح والتآخي والتعاون ، ونسيان الآلام التي كان بعض مخالفيهم يسومونهم منها سوء العذاب ، فاستبدلوا الانتقام بالعفو والنسيان ، وأبدلوا خوفهم بالأمان.

فكانوا خير من طبّق قاعدة العفو عند المقدرة ، والحديث في هذا المجال ذو شجون ويبكي العيون ، ولكنّنا نقتصر على النزر اليسير الذي ذكرناه ، لعلّه يكفي في هذه العجالة.

( ... - .... - .... )

الاستبصار عمل يثاب عليه :

س : هل ترك أحد المذاهب والتشيّع وموالاة أهل البيت والتأسّي بهم يثاب عليه الإنسان ، أو أنّه يعاقب؟ وشكراً.

ج : إنّ التحوّل إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام عمل كبير يثاب عليه المستبصر أعظم الثواب ، وينال من الجزاء أعظم الجزاء ، لأنّه عمل يصحّح للإنسان أعماله ، ويتقبّل اللّه أعماله بذلك العمل أحسن القبول ، أمّا الأعمال السابقة

ص: 120


1- شرح نهج البلاغة 10 / 211.

التي عمل بها على مذهبه السابق ، فقسم من تلك الأعمال تحتاج إلى إعادة ، وقسم منها لا تحتاج إعادة ، بل تكون أعماله السابقة مجزية ، وهذا مذكور في اغلب الرسائل العملية للعلماء ، فلكي يتخلّص المستبصر من تبعات الأعمال السابقة لابدّ من تصحيح تلك الأعمال ، التي لا تصحّ إلاّ على طريقة مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وبتصحيحها سوف يأمن من العقوبة.

( عمرو - السودان - سنّي )

هم اتباع أهل البيت :

س : أخوتي أنا سنّي المذهب ، وأودّ أن أعرف ما هو المذهب الشيعي؟ والفرق بينه وبين المذاهب الأُخرى؟ وما هو حقيقة الذي نسمعه عنهم؟ وجزاكم اللّه خيراً.

ج : الشيعة الإمامية اتباع أهل البيت عليهم السلام الذين أمرنا بالتمسّك بهم ، وهكذا جميع المسلمين مأمورون بذلك بأدلّة نثبتها من القرآن الكريم ، والسنّة النبوية الشريفة ، منها قوله تعالى : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (1) ، ومنها حديث الثقلين : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً »(2).

ص: 121


1- الشورى : 23.
2- 2 - فضائل الصحابة : 15 ، الجامع الكبير 5 / 328 ، تحفة الأحوذي 10 / 196 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 418 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 45 و 130 ، خصائص أمير المؤمنين : 93 ، المعجم الصغير 1 / 135 ، المعجم الأوسط 4 / 33 و 5 / 89 ، المعجم الكبير 3 / 66 و 5 / 154 و 166 و 170 و 182 ، شرح نهج البلاغة 9 / 133 ، نظم درر السمطين : 232 ، كنز العمّال 1 / 172 و 186 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 122 ، المحصول 4 / 170 ، الإحكام للآمدي 1 / 246 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطني 6 / 236 ، أنساب الأشراف : 111 و 439 ، البداية والنهاية 5 / 228 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 416، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 95 و 99 و 105 و 112 و 119 و 123 و 132 و 345 و 349 و 2 / 432 و 438 و 3 / 65 و 141 و 294 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 211 و 3 / 177 ، لسان العرب 4 / 538 و 11 / 88 ، تاج العروس 7 / 245.

ومنها حديث الغدير الذي يثبت الإمامة لأمير المؤمنين علياً عليه السلام وهو الخليفة لرسوله اللّه صلى اللّه عليه وآله الذي كان يجب أن يتبعه المسلمون دون غيره ، وهذا هو الأساس في الاختلاف وانشقاق المسلمين إلى فرقتين هم الشيعة والسنّة.

فالشيعة يرون أنّ الإمام علي عليه السلام هو الأحقّ بالخلافة بنصّ الرسول صلى اللّه عليه وآله على ذلك ، وأنّ المتقدّمين عليه ما هم إلاّ غاصبين لها منه ، وأنّهم بتوليهم ذلك المنصب حرفوا الأُمّة عن مسارها الذي أراده اللّه لها ، وتسبّبوا في انشقاق المسلمين إلى تلكما الفرقتين.

أمّا أهل السنّة فيرون أنّه لا يوجد نصّ على نصب علياً عليه السلام للخلافة ، وإنّما رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ترك الأُمّة سدى ، وفوّض للمسلمين اختيار الخليفة من بعده ، فاختار بعض المسلمين في السقيفة أبا بكر ، وكاد أن يقع بين المسلمين القتال على ذلك ، إلاّ أنّه مع ذلك يدعون الإجماع على خلافة أبي بكر ، ونحن نكذّب هذا الإجماع ، لأنّ أفضل المسلمين وهم أهل بيت الرسول ظلّوا يرفضون خلافة أبي بكر ، وأعلنوا معارضتهم لذلك ، ومعهم غيرهم من المهاجرين والأنصار.

هذا بالإضافة إلى الأدلّة الكثيرة التي نثبتها تنصّ على خلافة الإمام علي عليه السلام من قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والتي بثبوتها لا يبقى أي مجال لخلافة أبي بكر سواء تمّ الإجماع أم لم يتمّ.

إذاً منشأ الخلاف هو النزاع على تولّي أمر المسلمين بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولا يخفى عليك أنّ هذا المنصب منصب مرموق تطمح له العيون ويتنافس عليه الكثيرون ، ولعلّك تدرك أنّ أيّ ملك أو زعيم قوم عندما يجعل له خليفة من بعده ، لابدّ أن يتعرّض إلى معارضين يرفضون هذا التعيين ، وقد لا يتمّ لهذا الخليفة تولّي الأُمور أن لم يستخدم القوّة ، وهذا هو فعلاً ما حصل مع الإمام

ص: 122

علي عليه السلام ، لكن الذين عارضوا الإمام علي عليه السلام ، قد عارضوا بفعلهم ذاك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، الذي نصّ على خلافة علي عليه السلام ، بل قد عارضوا اللّه تعالى الذي أوحى إلى رسوله أن يبلّغ ما أمر به من تنصيب علي عليه السلام للإمامة ، بقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (1) ، والذي حصل بتنصيب علياً عليه السلام إكمال الدين لقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (2).

ومن الجدير ذكره أنّ الشيعة تعتبر منصب الإمامة على أنّه رئاسة في الدين والدنيا ، لا كما يقصره غيرهم على أنّه رئاسة في أُمور الدنيا.

واستمر الخلاف وانشقاق المسلمين والذي أدّى بالتبع نتيجة الاعتقاد السابق إلى أن يختلف الشيعة عن السنّة في الأخذ بتعاليم دينهم ، ففي حين تمسّك الشيعة الإمامية بأئمّتهم الاثني عشر المعصومين ، الذين اختارهم اللّه ليكونوا هداة إلى دينه ، وأوصياء لنبيّه من بعده ، ومنهم أخذوا أحكام دينهم افترق بقية المسلمين إلى فرق ومذاهب تبعاً لعلمائهم وفقهاءهم ورؤساءهم.

وهذا ممّا وسّع الخلاف وافترق المسلمون في العقائد والأحكام ، إلاّ أنّ الأمر المهمّ الذي نتمسّك به نحن الإمامية أنّنا نقول بعصمة الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام ، الذي يجعلنا نختلف عن باقي المسلمين ، الذين أخذوا معالم دينهم من أشخاص يقرّون بخطئهم ويعترفون بعدم عصمتهم.

ولأنّه ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّ أُمّته ستفترق من بعده إلى فرق كثيرة ، وأنّ واحدة هي فقط الناجية ، يجعل حتماً على الجميع البحث عن تلك الفرقة الناجية ، ونحن بحمد اللّه ليس لدينا أدنى شكّ في أنّ المراد بتلك الفرقة الناجية هي فرقة أهل البيت عليهم السلام ، والأئمّة المعصومين عليهم السلام.

ص: 123


1- المائدة : 67.
2- المائدة : 3.

فعليك أن تبحث عن تلك الفرقة الناجية ، ويكفيك للوصول إليها والتعرّف عليها أن تحكّم عقلك ، وتنساق وراء الأدلّة العلمية دون الأقوال.

وأن ما تسمعه من أقوال عن الشيعة لابدّ أن تميّز بعضه عن بعض ، فقسم منه نحن لا نقول به ، بل يقول به بقية الفرق القريبة منّا ، وقسم آخر لا يعرض بالشكل الذي نقول به بل يضاف عليه أو ينقص منه بحيث يشوّه محتواه.

فعليك إذاً أن تسألنا لنجيبك أو تقرأ كتبنا لتتعرّف على حقيقة مذهب أهل البيت عليهم السلام.

( أبو محمّد - البحرين - سنّي - 30 سنة - دبلوم )

عقائدهم تثبت بالعقل والنقل :

س : سمعت أنّ العقائد الرئيسية عند الشيعة تعتمد على العقل أكثر منها على النقل ، واعتقد أنّ هذا الكلام منطقي جدّاً ، فهل هذا الكلام صحيح وما رأيكم؟ وكيف أحصل على كتاب أو موقع يعلّق على هذه المقولة.

ج : العقائد عند الشيعة الإمامية سواء الرئيسة منها أو الجزئية تثبت بالطريقين النقلي والعقلي ، ولعلّ ما سمعته ناتج من القول أنّ عقيدة التوحيد مثلاً لا نثبتها - إذا أردنا البدء بها في إثبات بقية العقائد - بالأدلّة النقلية ، لأنّ ذلك يستلزم الدور المحال ، وكذلك الحال في إثبات النبوّة مثلاً ، أو إعجاز القرآن ، فإنّنا لا نثبتها إذا أردنا البدء بها بالأدلّة النقلية ، لأنّ ذلك يستلزم الدور المحال.

ومعنى هذا الكلام أنّنا لو أثبتنا مثلاً نبوّة محمّد صلى اللّه عليه وآله عن طريق القرآن دون الاعتراف بعد بأعجازه ، فهذا يعني أنّنا أثبتنا النبوّة بالقرآن والقرآن بالنبوّة ، وهذا هو الدور المحال غير المقبول عقلاً ، فلابدّ للتخلّص منه أن نثبت أحدهما بالدليل العقلي ، ويمكن بذلك أن نثبت الآخر بالدليل النقلي ، فبعد الاعتراف مثلاً بأعجاز القرآن ، وأنّه كلام اللّه ، وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من

ص: 124

خلفه ، كُلّ ذلك نثبته بالأدلّة العقلية ، يمكن بعدها إثبات النبوّة بما يقوله القرآن.

ولأنّ هناك أكثر من طريق لإثبات جميع العقائد ، نرى أنّ جميع العقائد مرّة يستدلّ عليها بالدليل النقلي ، وأُخرى بالدليل العقلي ، على أن يراعى في كُلّ تلك الأدلّة عدم الوقوع في الدور المحال.

ص: 125

ص: 126

الصحابة :

اشارة

( علي حسين - السعودية - سنّي )

بين الجرح والتعديل :

س : الذي اعرفه ويعرفه الكثيرون أنّ أُصول مذهبكم يقوم على سبّ أبي بكر وعمر.

ج : إنّ مقتضى الإنسانية أن يكون الإنسان ذا إنصاف في الحكم على من يعتقد غير عقيدته ، وأن يتفحّص أوّلاً ويقرأ كتب علماء المتخاصمين ثمّ يحكم ، لا أن يتكلّم بجهل وعدم دراية ، فنوصيك بمطالعة كتب الشيعة أوّلاً ، ثمّ تحكيم العقل.

فالشيعة تحترم صحابة الرسول صلى اللّه عليه وآله وتعظّمهم ، ولكن تجري قواعد الجرح والتعديل عليهم ، فالصحابة غير معصومين باتفاق جميع المسلمين ، فأيّ عقل يقبل أن تكون مجرّد رؤية الرسول - حيث يكون بها الإنسان صحابياً - ترفع قانون البحث عن الرجل وأفعاله؟

فالشيعة تجري قواعد الجرح والتعديل عليهم ، فمن بقي على الدين بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله ومات على الملّة ولم يغيّر ولم يبدّل فالشيعة تعظّمه ، ومن لا فلا.

( أحلام - لبنان - .... )

ليس كُلّهم عدول :

س : ما هو دليلكم بعدم عدالة الصحابة؟

ص: 127

ج : إنّ سؤالك يعطي انطباعاً عن الشيعة أنّهم لا يعترفون بعدالة الصحابة على الإطلاق ، وهذا التصوّر بعيد عن الحقّيقة ، مجانب للواقع ، فليس الأمر كما تتصوّرين ، أو يتصوّره البعض ، فالشيعة يقولون في حقّ الصحابة ما يلي :

إنّ اللّه تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ، وشرّع له شريعة ليبلّغها إلى المسلمين ، فقال : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) (1).

فمن التزم بهذه الشريعة - بكُلّ أبعادها من الأوامر والنواهي - فهو مسلم بحقّ ، ويجب على جميع المسلمين احترامه وتقديره والترحّم عليه.

ثمّ من ضيّع هذه الأوامر أو بعضها ، فإن كان عن جهلٍ وقصور فهو معذور ، وإن كان عن عمدٍ وعنادٍ واستخفافٍ بأوامر اللّه ورسوله ، فهو وإن لم يخرج عن الإسلام - إذا بقي ملتزماً بالشهادتين - لكن يعتبر خارجاً عن طاعة اللّه ورسوله ، وموجباً للحكم عليه بالفسق ، وهذا أمر نعتقد أنكِ توافقين عليه بشكلٍ كامل.

وهنا نقول : إنّ من ضمن الأوامر التي أمرنا اللّه ورسوله باتباعها والالتزام بها هي قوله تعالى : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (2).

فمودّة أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله من الواجبات على كُلّ مسلم بنصّ القرآن الكريم والسنّة القطعيّة ، والتارك لها مخالف لأمر اللّه تعالى ، كما أنّ التارك لغيرها من الواجبات - كالصلاة والصوم وغيرهما - يعتبر فاسقاً عند المسلمين كافّة.

وعلى كُلّ حال ، فالإشكال في أنّ جميع الصحابة عدول والبحث في الكُلّية ، لأنّ الصحابي من رأى الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ولا يوجد دليل صحيح صريح يقول بعدالة كُلّ هؤلاء ، بل نجري قواعد الجرح والتعديل عليهم.

ص: 128


1- المائدة : 67.
2- الشورى : 23.

( معاذ - الأردن - سنّي - 33 سنة - طالب جامعة )

تعقيب على الجواب السابق :

الصحابة ليس كُلّهم عدول ، لأنّ منهم المغيرة بن شعبة وهو رجل فاسق ، ويقال : إنّه أوّل من شتم علي بن أبي طالب على المنابر ، كما أنّه زاني ، وقصّته معروفة حينما شهد عليه ثلاث بالزنا ، ثمّ قال الرابع : إنّي لم أتحقّق من الرؤية جيّداً ، فبرّأه عمر بن الخطّاب.

( ... - ... - سنّي )

آية البيعة لا تدل على عدالتهم :

س : إلى كُلّ شيعي يبحث عن الحقّ ، ويتبع الحوار الهادف الذي فيه نجاته من عذاب اللّه ، لدّي مداخلة بسيطة ، وهو سؤال واحد ، اسأل فيه كُلّ جمهور الشيعة : من كذبّ على اللّه ما حكمه في الإسلام؟

فإن قلت : لا يكفّر ، فهذا قول غير المسلمين.

وإن قلت : يكفّر ، فسوف نأخذ شريحة واحدة من قول اللّه تعالى في كتابه الكريم : ( لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) (1).

من الذي كان تحت الشجرة؟ إن قلت : غير الصحابة ، فمن هم إذاً؟ اليهود ، قريش ، الروم ، الفرس؟ كُلّ المفسّرين يتّفقون على أنّهم صحابة رسول اللّه ، أكثر من ألف صحابي ، وعلى رأسهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.

والشيعة أجمعت بردّتهم وخروجهم من الإسلام ، من غير علي رض اللّه عنه ، وقليل من الصحابة - على عدد أصابع اليد الواحدة - وإن قلت بردّتهم ، فمعنى هذا أنّ الشيعة يتّهمون اللّه بالجهل ، إذ رضي اللّه عنهم ، ولم يعلم ما في قلوبهم ، أنّهم

ص: 129


1- الفتح : 18.

يرتدّون بعد وفاة رسوله ، وعلى هذا من كفّر من رضي اللّه عنهم فقد وصف اللّه بالجهل ، ومن وصف اللّه بهذا فقد كفر بإجماع أهل الإسلام.

وإن قلت : بردّ هذه الآية ، فقد اتهم اللّه بالعجز ، لعدم حفظ كتابه من التحريف والنقص والزيادة ، واللّه قد تكفّل بحفظ كتابه ، حيث يقول في كتابه الكريم : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا له لَحَافِظُونَ ) (1).

ومن ردّ هذه الآية فقد ردّ كتاب اللّه بأكمله ، ويقول المفسّرون : إنّ اللّه قد حفظ كتابه عند إنزاله من استراق الشياطين ، وبعد نزوله من التغيير والزيادة ، والنقص والتحريف ، ومعانية من التبديل.

وأطلب من كُلّ الشيعة الرجوع إلى كتاب اللّه وسنّة رسوله ، وعدم المكابرة مثل بني إسرائيل ، والجهل مثل النصارى.

ومعذرة في الإطالة ، وشكراً لله أن يسّر لنا هذا ، والحمد لله وحده.

ج : نجيبك باختصار ، وعليك بالتأمّل والمراجعة :

1 - هذه الآية لا يمكن الاستدلال بها على عدالة جميع الصحابة ، لأنّها مختصّة بأهل بيعة الرضوان - بيعة الشجرة - ولا علاقة لها بسائر الصحابة ، والنزاع الأساسي فيما بيننا هو في مسألة عدالة جميع الصحابة ، التي تقول بها أهل السنّة ، ولا تقول بها الشيعة ، مادام لم تثبت عصمتهم ، ولم يدّعها أحد لهم.

2 - في الآية المباركة قيود ، إذ رضي اللّه تعالى عن المؤمنين الذين بايعوا ، وليس كُلّ من بايع كان مؤمناً ، فالآية ليست بصدد إثبات أنّ كُلّ من بايع فهو مؤمن ، بل هي في صدد بيان شمول رضوان اللّه ، ونزول السكينة على المؤمنين منهم.

3 - ثمّ إنّ هناك شرط آخر في المقام ، وهو مذكور في القرآن الكريم أيضاً : ( فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللّه ... ) (2).

ص: 130


1- الحجر : 9.
2- الفتح : 10.

فالآية لا تدلّ على الأصل الذي أنتم قائلون به ، وهو عدالة جميع الصحابة ، ولابدّ من توفّر الشروط والقيود المذكورة فيها ، لمن نريد تزكيته منهم ، وأنّ المزكّى منهم لابدّ وأن لا يكون ممّن بايع ثمّ نكث البيعة فيما بعد.

وأخيراً : فموضوع عدالة الصحابة مسألة مهمّة جدّاً ، لابدّ من التأمّل فيها ، ودراسة النصوص القرآنية دراسة معمّقة ، والبحث في السنّة النبوية من ناحية السند والدلالة ، ومن ثمّ تحكيم العقل بعيداً عن التعصّب ، واتّخاذ القرار الحاسم والعقيدة الصحيحة في أنّ الصحابة كُلّهم عدول؟ أم يجوز إجراء قواعد الجرح والتعديل عليهم؟

( أبو القاسم - البحرين - 21 سنة )

تعقيب على الجواب السابق :

تعقيباً على سؤال الأخ الذي أجبتم عليه ، أقول : إبليس كان يعبد اللّه ، وأكرمه اللّه ورفعه إلى السماء ، وحين عصا ولم يسجد لآدم غضب عليه الرحمن وأنزله ، فما المانع أن يكون الصحابة هكذا.

ونذكر لك أبسط الأُمور :

إنّهم تخلّفوا عن جيش أُسامة ، وأيضاً قوله تعالى : ( قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ... إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا باللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) (1).

ويلحق بهم المؤلّفة قلوبهم من الصحابة ، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يعطيهم الأموال ليتألفهم على الإسلام ، ومنهم أبو سفيان وأولاده(2) ، ومع هذا كُلّه ، وتقولون : كُلّهم عدول؟

ص: 131


1- الحجرات : 14 - 15.
2- سير أعلام النبلاء 2 / 106.

وأيضاً الآية : ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ ) (1) ، روي عن عبد اللّه بن عباس أنّها نزلت في علي والوليد ، والمراد بالفاسق هو الوليد بن عقبة(2).

وأيضاً الآية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين ) (3).

وسبب نزولها : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعث الوليد بن عقبة لجمع صدقات بني المصطلق ، فلمّا شارف ديارهم ركبوا مستقبلين له فحسبهم مقاتليه ، فرجع لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقال له : إنّهم قد ارتدّوا ومنعوا الزكاة ، فجاءوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأخبروه بعدم صحّة قول الوليد ، فنزلت الآية.

وهي محلّ اتّفاق بين المفسّرين والمؤرّخين في نزولها في الوليد بن عقبة ، وفي تسميته فاسقاً ...(4).

( آمال - الأردن - سنّية - 30 سنة - طالبة ثانوية )

منهم المؤمن ومنهم المنافق :

س : هناك بعض الأحاديث الموضوعة ، والتي تقلّل من شأن صحابة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، فبعض الصحابة تقدّسونهم وبعضهم تسبّونهم؟ ونحن من أين نعلم ما في نفوس البشر ، حتّى ولو كانوا منافقين؟ بل اللّه أعلم بهم.

ص: 132


1- السجدة : 18.
2- نظم درر السمطين : 92 ، شواهد التنزيل 1 / 573 ، الجامع لأحكام القرآن 14 / 105 ، جواهر المطالب 1 / 220 ، ينابيع المودّة 2 / 176.
3- الحجرات : 6.
4- السنن الكبرى للبيهقي 9 / 55 ، مجمع الزوائد 7 / 109 ، الآحاد والمثاني 4 / 310 ، المعجم الكبير 3 / 275 و 23 / 401 ، أحكام القرآن للجصّاص 3 / 529 ، أسباب نزول الآيات : 262 ، زاد المسير 7 / 180 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 223 ، الدرّ المنثور 6 / 88 ، فتح القدير 5 / 60 ، تاريخ مدينة دمشق 63 / 230 ، أُسد الغابة 5 / 90 ، تهذيب الكمال 31 / 56 ، تهذيب التهذيب 11 / 126 ، الإصابة 1 / 674 و 6 / 481 ، البداية والنهاية 8 / 234 ، جواهر المطالب 2 / 225.

ج : تقديس أحد أو التبرّي من أحد لا يكون صحيحاً ما لم تكن هناك قرائن على استحقاق ذلك الشخص منزلة التقديس أو التبرّي ، ونحن الإمامية ننتهج منهجاً عقلائياً لا يحيد عن الفطرة والوجدان ، وتؤيّده أدلّة صحيحة صريحة.

والشيعة الإمامية يرفضون التقديس الاعتباطي الذي لا يستند إلى دليل ، ولا يقرّه عقل ، بل يرفضه القرآن الكريم بقوله تعالى : ( وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) (1) ، وقوله تعالى : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ ) (2) ، وهكذا نهى اللّه تعالى عن مساواة المؤمن بالكافر أو بالمنافق.

هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى فإنّ تقديسنا لصحابي أو عدمه تؤيّده سيرته وأحواله ، إذ ذلك مرهون بالاستقراء التاريخي الذي تفرضه سيرة هذا وأحوال ذاك ، وإذا كنّا نتردّد في حديثٍ أو حديثين ونتهمهما بالوضع والكذب ، فلا يمكننا أن نتهم التاريخ كُلّه بالوضع وعدم الصحّة ، إذ ذلك إلغاء لكثير من الحقائق ، واتهام أكثر الأُمور بالتشكيك وعدم التصديق.

والتحقيق : إنّ أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان منهم الصالحين ، ومنهم المنافقين الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم ، ولعلّ استعراضاً لسيرة الكثير من الصحابة سيعطيكِ تصوّراً آخر عن موقفكِ من جميع الصحابة ، بما فيهم أُولئك الذين أباحوا سبّ علي عليه السلام على منابر الشام أربعين عاماً ، وقد قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله فيه : « من سبّ علياً فقد سبّني » (3).

ص: 133


1- غافر : 58.
2- الأنعام : 50.
3- مسند أحمد 6 / 323 ، ذخائر العقبى : 66 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 121 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 133 ، خصائص أمير المؤمنين : 99 ، نظم درر السمطين : 105 ، الجامع الصغير 2 / 608 ، كنز العمّال 11 / 573 و 602 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 132 و 30 / 179 و 42 / 266 و 533 ، البداية والنهاية 7 / 391 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 250 و 294 ، ينابيع المودّة 1 / 152 و 2 / 102 و 156 و 274 و 395 ، جواهر المطالب 1 / 65.

وكان معاوية يدعو أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى سبّ علي ، كالمغيرة بن شعبة ، وبسر بن أرطاة ، وأمثالهما.

فإنّ بسر بن أرطاة صعد على منبر البصرة ، فشتم علياً عليه السلام ، ثمّ قال : نشدت اللّه رجلاً علم أنّي صادق إلاّ صدّقني ، أو كاذب إلاّ كذّبني ، فقال أبو بكرة : اللّهم إنا لا نعلمك إلاّ كاذباً ، قال : فأمر به فخنق(1).

وكان المغيرة بن شعبة - لمّا ولي الكوفة - يقوم على المنبر ويخطب ، وينال من علي عليه السلام ويلعنه ويلعن شيعته(2).

فإذا كان النبيّ صلى اللّه عليه وآله يصرّح بأن : « من سبّ علياً فقد سبّني » ، وكان معاوية وبعض الصحابة يسبّون علياً عليه السلام ، ممّا يعني أنّهم كانوا يسبّون رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، كما قالت أُمّ سلمة حينما سمعت بعضهم يسبّ علياً عليه السلام : من منكم سبّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ فقيل لها : معاذ اللّه ، فقالت : سمعت رسول اللّه يقول : « من سبّ علياً فقد سبّني »(3).

هذه سيرة بعض الصحابة ، فهل بإمكاننا أن نتردّد في التبرّي من هؤلاء بحجّة الصحبة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟!

( عبدو - لبنان - .... )

عدم ثبوت عدالتهم في نقل الحديث :

س : ما رأيكم بقول عدالة الصحابة؟ على اعتبار العدالة هي في التبليغ عن ما سمعوا عن الرسول - أي أنّهم عدول في نقل الحديث - مع احتجاج الخصم على ذلك بعدم ورود مثل هذا التجريح في الصحاح.

ص: 134


1- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 128.
2- مسند أحمد 4 / 369 ، المصنّف لابن أبي شيبة 3 / 244 ، المستدرك على الصحيحين 1 / 385.
3- مسند أحمد 6 / 323 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 121 ، مجمع الزوائد 9 / 130 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 133 ، خصائص أمير المؤمنين : 99 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 266 و 533 ، البداية والنهاية 7 / 391 ، المناقب : 149 ، جواهر المطالب 1 / 66.

ج : لابدّ وأن يكون لكُلّ دعوى دليل ، وإلاّ لابتعدنا عن المباني العلمية ، وهذا المدّعى في المقام لا يتمّ لعدم ثبوت الدليل ، بل الدليل على خلافه.

وهنا أسئلة نطرحها حول المدّعى :

1 - هل كُلّ ما ورد في الصحاح صحيح؟! بالأخصّ عند البحث في الأسانيد الواردة في الصحاح ، ففيها من الرواة الوضّاعين والكذّابين والمدلّسين ، ولأجل هذا اعترف قسم كبير من علماء أهل السنّة مؤخّراً بعدم صحّة كُلّ ما ورد في الصحاح.

2 - هل الصحابة كُلّهم عدول؟ سواء في ذلك العدالة المطلقة أو في نقل الحديث؟ بالأخصّ عند مراجعة سيرة حياة بعضهم المليئة بمخالفة سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والنفاق ، وتكفير بعضهم بعضاً ، وتكذيب بعضهم بعضاً ، والجهل!!

3 - لم يثبت بالدليل عدالة جميع الصحابة ، فأيّ فرق بين العدالة المطلقة والعدالة في النقل؟! بالأخصّ إذا لاحظنا أنّ بعض الصحابة حارب السنّة ، ومنع من تدوينها ، وقال : حسبنا كتاب اللّه.

( معد البطاط - استراليا - 30 سنة )

أحدثوا بعد الرسول بنص حديث الحوض :

س : من عقائدنا أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يعلم ما يحدث بعده بإذن اللّه ، فكيف يتلائم مع ما موجود في كتب القوم من حديث الحوض : « إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك » ، وما هو الجواب على ذلك؟ أنؤمن بمتناقضات؟ أو تأويلات بعيدة لا تقنع القوم؟ أم ماذا؟

ج : إنّ علم النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالحوادث والوقائع هو بإذن اللّه تعالى ، وعليه ففي بعض الأحيان قد تكون مصلحة في إخفائه - من خضوع المورد للامتحان

ص: 135

والاختبار ، أو احتمال طرّو البداء وغيرها من المصالح - فعلم الرسول صلى اللّه عليه وآله هو علم إلهي مأذون ، فلا دليل على إطلاق علمه صلى اللّه عليه وآله بدون قيد وشرط.

وأمّا القاعدة التي ذكرتموها في مورد علم النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فهي مطابقة لعقيدة الشيعة ، ولكنّ الرواية المشار إليها - حديث الحوض - حديث عامّي السند ، وما جاء في بعض المصادر الشيعية فهو مرسل(1) ، فلا حجيّة له ، إذاً لا يكون نقضاً للقاعدة المذكورة.

نعم ، لابأس بالاستناد بهذه الرواية على معتقدات القوم ؛ ولكن ليس من معتقداتهم علم النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالموضوعات والوقائع بتمامها حتّى في زمن حياته ، فضلاً عن بعد ارتحاله.

ثمّ إنّ الحديث المذكور - على فرض تماميّته سنداً - محمول على الظاهر من عدم العلم ظاهراً بحدوث ما صدر عن بعض الصحابة في زمن حياة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، أي أنّ العلم الظاهري للنبي صلى اللّه عليه وآله لا يشمل تلك الحوادث في ذلك الزمان - وإن كان يعلم النبيّ صلى اللّه عليه وآله بهذه الوقائع بعلم النبوّة والإمامة - ولكن كان صلى اللّه عليه وآله مكلّفاً بالظاهر ، وعليه فجواب : « إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك » هو على ضوء العلم العادي والظاهري لا علم النبوّة.

وهنا لابدّ من ملاحظة أمر وهو : أنّنا بحكمنا على جماعة من الصحابة بالانحراف عن خطّ الرسالة ، لم نكن أعلم من الرسول صلى اللّه عليه وآله - كما يتوهّم بعضهم - بل إنّ الحوادث السلبية التي وقعت بعد ارتحال النبيّ صلى اللّه عليه وآله هي مسلّمة الوقوع عندنا ، لأنّ علمنا بها كانت بعد وقوعها ، ولكن تلك الحوادث لم تقع في حياة الرسول صلى اللّه عليه وآله فعلمه بها - بالعلم العادي والظاهري - لم يحصل بعد ، وإن كانت هذه الوقائع معلومة بالتفصيل عنده صلى اللّه عليه وآله بالعلم النبوي.

ويدلّ عليه ما جاء عنه صلى اللّه عليه وآله في وصيّته لعلي عليه السلام ، وإخباره عن مستقبل الأُمّة وحكّامها وغير ذلك ؛ وحتّى إنّ أمثال هذه الرواية المبحوث عنها في المقام ، خير

ص: 136


1- الاعتقادات : 65 ، الإفصاح : 51 ، الأمالي للشيخ المفيد : 37.

دليل لإثبات علمه النبوي ، إذ يتحدّث هو صلى اللّه عليه وآله ويخبرهم بأنّ أمر الصحابة - بمجموعهم - لم يكن إلى خير ، خصوصاً أنّ في بعض الروايات التي وردت في هذا المجال لم تذكر عبارة : « إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك » ، بل جاء فيها قول النبيّ جازماً بحدوث الردّة في الصحابة ، بعبارة : « ولكنّكم أحدثتم بعدي ورجعتم - أو ارتددتم - على أعقابكم القهقري » (1).

ثمّ إنّ هناك احتمال آخر في المقام وهو : أن يكون جوابه صلى اللّه عليه وآله جواباً تعريضيّاً واستنكاريّاً - أي يريد أن يلفت أنظار الجميع إلى ما أحدثه بعضهم بعد ارتحاله - وهذا النوع من البيان يكون أبلغ في إيصال المعنى ؛ وله نظائر حتّى في القرآن المجيد ، فمثلاً يخاطب اللّه تعالى عيسى عليه السلام يوم القيامة : ( وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ... مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ ... وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا توفّيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (2).

وأيضاً جاء في قصّة إبراهيم عليه السلام أنّه قال : ( قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِين فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) (3).

والحال نعلم بالقطع واليقين أنّ عيسى عليه السلام يعلم يوم القيامة بانحراف قومه - إذ هو عليه السلام سيهبط قبل يوم القيامة إلى دار الدنيا ، ويصلّي خلف الإمام المهدي عليه السلام بإجماع الفريقين - فسيكون على علمٍ ممّا حدث في أُمّته بعد توفّيه.

ص: 137


1- مسند أحمد 3 / 18 و 39 ، المستدرك 4 / 74 ، مسند أبي داود : 295 ، كنز العمّال 11 / 177 و 14 / 434.
2- المائدة : 116 - 117.
3- الأنعام : 76 - 78.

وهكذا فإنّ إبراهيم عليه السلام لم يعتقد بعبادة الأصنام قطّ ، ولكن هذا نوع من البيان يتماشى القائل والمستدلّ فيه مع اعتقاد المخاطب ، ثمّ يفنّد أساس معتقده بالأدلّة الواضحة عنده.

( معد البطاط - استراليا - 30 سنة )

الآيات النازلة في حقّهم لا تعمّ الجميع :

س : السؤال كما طرحه الأخوة السنّة :

قال تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (1).

وقال تعالى : ( لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللّه وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) (2).

وروى الكليني عن أبي جعفر عليه السلام قال : « كان الناس أهل ردّة بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلاّ ثلاثة » ، فقلت : ومن الثلاثة؟ فقال : « المقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي »(3) ، فأين ذهب الذين ذكرهم اللّه تعالى؟

فائدة : جاء في الكافي في حديث أبي بصير عن المرأة التي جاءت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام ، تسأل عن أبي بكر وعمر ، فقال لها : « تولّيهما » ، قالت : فأقول لربّي إذا لقيته : إنّك أمرتني بولايتهما؟ قال : « نعم » (4).

أرجو أن تبيّنوا هل الروايتين صحيحتين؟ مع ذكر السند ، وخدش الرواية أو صحّتها ، مع ذكر المصادر تفصيلاً ، وشرح للآيات التي تتكلّم عن رضا اللّه ، وآية بيعة الشجرة ، والسلام.

ص: 138


1- التوبة : 100.
2- الحشر : 8.
3- الكافي 8 / 245.
4- المصدر السابق 8 / 101.

ج : نرجو الانتباه إلى النقاط التالية للإجابة على الموارد التي ذكرتموها :

أوّلاً : إنّ الآيتين في مجال ذكر فضيلة الهجرة والنصرة واتباعهما ، ولا إشكال فيه من حيث المبدأ ، ولكن لا تدلاّن على تأييد جميع المهاجرين والأنصار ، حتّى ولو انحرفوا عن الخطّ السليم ، وغاية ما يمكن أن يدّعى أنّ فيهما إطلاق ، وقد ثبت في محلّه : أنّ الإطلاق محمول على المقيّد إن ثبت التقييد - أي إن لم يرد قيد فالإطلاق محكم ، وإلاّ فلا - وفي المقام قد ثبت بالأدلّة الواضحة : انحراف جماعة عن الخطّ النبوي الذي رسمه لهم صاحب الرسالة صلى اللّه عليه وآله.

مضافاً إلى أنّ في الآية الأُولى توجد قرينة صارفة عن الإطلاق ، وهي « من » التي تدلّ على التبعيض ، لأنّ الأصل فيها أن تكون تبعيضية لا بيانية - كما قرّر في محلّه - وعليه فإنّ رضا اللّه كان لعدد منهم لا لجميعهم.

وممّا يدلّ على هذا الوجه الآية التي تلت الآية الأُولى في سورة التوبة هي : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) (1) أليس أهل المدينة من الأنصار؟ فكيف نجمع بين الآيتين بغير ما ذكرناه؟

وأيضاً على سبيل المثال يقول أصحاب السير : بأنّ أُمّ حبيبة - زوجة الرسول صلى اللّه عليه وآله - هاجرت مع زوجها الأوّل ، والذي كان مسلماً آنذاك إلى الحبشة - في هجرة المسلمين إليها - وهناك ارتدّ زوجها وصار ما صار ، إلى أن رجعت هي مع المسلمين إلى المدينة.

وهنا ، أفهل يحقّ لنا أن ندخل هذا المرتدّ تحت شمول الآية استناداً إلى صدق الهجرة عليه؟!

ص: 139


1- التوبة : 101.

وبالجملة : فإنّ الآيتين لا تدلاّن نصّاً أو مضموناً على ما يدّعيه بعضهم ، بل أنّهما تدلاّن على اقتضاء الهجرة والنصرة للفضيلة إن لم يكن هناك مانع ، والحال نحن نعلم بطروّ المانع في بعضهم ، وهو تخلّفهم عن طاعة الرسول صلى اللّه عليه وآله.

وأمّا الروايات التي وردت في مصادرنا الخاصّة عن الارتداد ، فهي وإن كانت موجودة في بعض الموارد ، ولكن معناها العدول والانحراف عن وصية الرسول صلى اللّه عليه وآله ، بالنسبة لإمامة أمير المؤمنين عليه السلام لا غير ، وهذا ثابت تاريخيّاً.

ثمّ إنّه قد ورد في بعض كتب التاريخ - مثل تاريخ الطبري - : أنّ العرب ارتدّوا كُلّهم بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله عدا فئة في المدينة والطائف ، فكيف لا يثير هذا المطلب التساؤل عندهم؟!

وأمّا الرواية التي نقلت عن الكافي ففيها : أنّ السند ضعيف ، بسبب ورود معلّى بن محمّد ، الذي ضعّفه كُلّ من النجاشي وابن الغضائري في رجالهما ، وعليه ورد تضعيف المجلسي لسند الرواية(1).

ومع غضّ النظر عن سندها ، فهي محمولة على التقية - جمعاً بينها وبين باقي الروايات - ، مضافاً إلى أنّ في تتمّة الحديث إشارة واضحة لنية الإمام عليه السلام ، إذ يرجّح القائل بالبراءة ، فهو عليه السلام يشير إلى مراده بترجيح ذلك القائل ، ومن ثمّ يؤكّد على مقصوده بآيات كريمة ، ويقول : إنّ هذا نوع من التخاصم ، أي إنّه عليه السلام أبدى رأيه بلسان أحد أصحابه.

وعليه فلا غرابة في حديث الإمام عليه السلام إذ إنّ ظروف التقية - وجود حاكم سفّاك من جلاوزة بني أُمية وهو يوسف بن عمر الثقفي ، كما ذكرته الرواية ، على اطلاع قريب من المرأة السائلة « أُمّ خالد » ، وأيضاً نشر آراء وأفكار أحد المنحرفين القريبين للسلطة « كثير النوا » - كانت تفرض عليه أن يذكر الحقيقة بشكل دقيق ، حتّى لا يثير مؤيّدي الخطّ المنحرف لدى وصول الخبر إليهم ، وفي نفس الوقت يعلن الحقّ لذوي البصيرة.

ص: 140


1- مرآة العقول 25 / 244.

( محمّد إبراهيم الإبراهيم - الكويت - 23 سنة - ثانوية عامّة )

من التزم منهم بوصية الرسول فهو ممدوح :

س : يرجى تزويدي بأسماء جميع معاصرين النبيّ صلى اللّه عليه وآله من الصحابة ، مع ذكر الموالي منهم لأهل البيت والمعادي لهم؟ دون الحاجة لذكر الموقف الذي حصل له.

مع خالص شكري وتقديري لجهودكم المبذولة في خدمة الدين والمسلمين ، ودمتم موفّقين إن شاء اللّه.

ج : فكما روى علماء المذاهب الإسلامية : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، قاله صلى اللّه عليه وآله في عدّة مواطن ، آخرها قبيل وفاته ، ويعتبر هذا الحديث وصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى أُمّته.

وكذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في يوم غدير خم : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه » (1) ، فجمع المسلمين ، وأخذ منهم البيعة لعلي عليه السلام.

فالصحابة الذين عملوا بوصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والتزموا بالبيعة التي أخذها منهم لعلي عليه السلام يوم غدير خم ، فهؤلاء هم الصحابة الذين استقاموا على الطريق السوي.

نعم ، ربما كان بعض الصحابة ، ولظروف قاسية لم يلتزموا بوصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فترة ، ثمّ عادوا إلى الحقّ ، فهؤلاء أيضاً من الممدوحين.

وما ورد على لسان الروايات بالارتداد بالنسبة إلى الصحابة الذين لم يلتزموا بوصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فهو ارتداد عن الولاية والإمامة لا ارتداد عن الإسلام.

وكُلّ متفحّص في كتب الحديث والسير والتاريخ سيشخص الصالح من الصحابة من الطالح.

ص: 141


1- الدرّ المنثور 2 / 293.

( أحمد - ... - سنّي )

حديث لا تسبّوا أصحابي :

س : قال الرسول صلى اللّه عليه وآله : « لا تسبّوا أصحابي ، فإنّ أحدكم لو أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه » (1) ، ما صحّة هذا الحديث؟ ومن هو الذي رواه من الصحابة؟

ج : قد روى هذا الحديث أبو هريرة ، وأبو سعيد الخدري ، وآخرون.

وعلى فرض صحّة الحديث ، فليس المقصود هو أنّه لا تسبّوا كُلّ الصحابة ، حتّى ولو كان منافقاً ، أو فاسقاً ، أو مرتدّاً ، أو ... ، بل المقصود : لا تسبّوا الصحابة الذين آمنوا ، وعملوا الصالحات ، وأطاعوا اللّه ورسوله ، ويؤيّد هذا قوله تعالى : ( وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم - أي من الصحابة - مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (2) ، وأمّا غير المؤمنين من الصحابة لا يغفر لهم.

إذاً فمجرّد اسم الصحابي لا ينفع ، بل لابدّ أن يكون مؤمناً ، وعاملاً للصالحات ، ومطيعاً لله ورسوله.

( أبو أيمن علي - الجزائر - سنّي )

تساؤلات؟

س : أنا من المداومين على قراءة كتب إخواننا الشيعة وأشرطتهم ، خصوصاً المستبصرين منهم ، وأحاول جهدي الاقتناع بمحصّلاتهم العقائدية ، لكنّني ألاحظ عليهم الكثير من التحفّظات ، وهي كالتالي : مواقفهم المبدئية من بعض الصحابة ، تجعلهم يرمونهم بأيّ كان من النقائص ، كتفسيرهم مثلاً لحادثة الإفك ، والغار ، وغيرها كثير.

ص: 142


1- مسند أحمد 3 / 11 و 64 و 6 / 6 ، صحيح البخاري 4 / 195 ، سنن أبي داود 2 / 404 ، السنن الكبرى للبيهقي 10 / 209.
2- الفتح : 29.

ألا تعتقدون أنّ ما تقومون به في هذا الموقع يعمّق فجوة الخلاف بين المسلمين؟

ألا تعتقدون الإخوّة في قناة المنار قدوة لكم في حرصهم على الوئام الإسلامي؟ وهناك أسئلة كثيرة أتمنّى أن يتّسع صدركم لها ، ودمتم في رعاية اللّه.

ج : نحيّي فيكم هذه الروح الشفّافة ، والتطلّع والبحث في كتب الشيعة والمستبصرين منهم ، وهذا كُلّه إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على وجود روح البحث والتحقيق عندكم ، والتجرّد عن تقليد الموروث بلا دليل ، وهذه صفة قلّ من يتّصف بها في عصرنا الحاضر.

وأمّا تحفّظاتكم في مسألة الصحابة ، فإنّ البحث في هذا الموضوع لابدّ وأن يبحث فيه بحثاً مبنائياً ، نشرع فيه من بداية الهرم وحتّى منتهاه ، وبداية الهرم هو مسألة كون الصحابة جميعاً عدول ، وهنا عندنا بعض التحفّظات والأسئلة :

1 - هل الصحابة معصومون؟

2 - إذا قلنا : لا ، فكيف نثبت عدالتهم ككُلّ؟!

3 - هل فيهم من قتل بعضهم بعضاً؟

4 - هل فيهم مَن كفّر بعضهم بعضاً؟

5 - هل فيهم من لعن وسبّ وشتم بعضهم بعضاً؟

6 - إذا كان كُلّ هذا موجود ، فكيف نقول بعدالتهم جميعاً؟!

7 - مَن هم المنافقون؟

8 - هل المنافق كافر؟

9 - أم المنافق مَن أظهر الإسلام وأبطن الكفر؟

10 - هل الآيات الواردة في المنافقين تقصد بعض الصحابة؟

11 - إذاً مَن هم المنافقون من الصحابة؟!

12 - ألم يضعّف علماء الحديث : « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم » ورموه بالوضع؟!(1).

ص: 143


1- لسان الميزان 2 / 137 و 312.

13 - هل أنّ ما استدلّ من آيات على عدالة الصحابة ، هل هو صريح أو يدلّ على عدالة جميعهم ، إذ بحثنا في الكُلّ؟

وبعد كُلّ هذا ، فإذا لم نستطع أن نثبت عدالة جميع الصحابة ، يحقّ لنا بل يجب أن نبحث في حالاتهم وخصوصياتهم ، فمن ثبتت عدالته فهو الصحابي الذي يقتدى به ، ونطمئن بما ينقله من أحاديث ، ومن لم تثبت عدالته وغيّر وبدّل ، فإنّه ليس فقط لا يستحقّ الاقتداء به ، وأخذ معالم الدين منه ، بل يستحقّ لعنة اللّه والرسول والمؤمنين.

وفي الختام : كما أنّنا نقدّر ما تقوم به قناة المنار من الحفاظ على الوحدة الإسلامية ، والتقريب بين المذاهب ، وهذا فرض على الجميع ، عقيدة نعتقد بها ، ولكن لا ينافي هذا الجلوس على طاولة الحوار الهادئ الهادف ، الحوار الأخوي ، وذلك للوصول إلى نتيجة فيما اختلفنا فيه ، فإن توصّلنا إلى نتيجة فهو المطلوب ، وإلاّ فإنّ اختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضية.

هذا ، وإنّ وحدتنا وتقاربنا الظاهري مع الاعتراف بوجود اختلافات أساسية ، ومن دون أن نوجد الجوّ الهادئ للحوار الهادف قربة إلى اللّه ، فإنّ هكذا وحدة سوف لن تستمرّ ، لأنّ الاختلافات ستظهر وستؤثّر ، وربما لو ظهرت ستكون شديدة بعض الشيء ، لأنّ الإخفاء سيولد الكبت ، والكبت يولد الانفجار.

( علي - السعودية - .... )

حديث خير القرون قرني :

س : ما مدى صحّة الحديث : « خير القرون قرني ، ثمّ الذين يلونهم ، ثمّ الذين يلونهم »؟(1) وما هي دلالته؟ جزاكم اللّه خيراً ، ونفعنا بكم.

ص: 144


1- أحكام القرآن للجصّاص 1 / 615 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 331 و 4 / 305 ، الإصابة 1 / 21 ، البداية والنهاية 6 / 283.

ج : في الجواب نشير إلى نقاط :

1 - إنّ هذا الحديث وأمثاله لم يرد من طرق الشيعة ، وإنّما ورد من طرق أهل السنّة ، وهو لا يمكن أن يكون حجّة علينا ، لأنّ قانون المناظرة والمحاججة أن تذكر المسائل المتّفق عليها بين الطرفين ، أو أن يحتجّ بما وافق عليه الطرف الآخر ، « ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم »(1).

2 - بعد الإغماض عمّا في سند هذا الحديث عند أهل السنّة ، فإنّه لا دلالة لهذا الحديث على ما يقصده أهل السنّة منه ، وذلك بادعائهم خيرية جميع الناس الموجودين في قرن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لأنّ قولنا : إنّ قريش أفصح العرب وأكرمهم ، لا يقتضي لغة وعرفاً أن يكون كُلّ واحد من آحاده كذلك ، لظهور وجود الآحاد المتّصفة بأضداد ذلك.

3 - هذا الحديث معارض بما رواه أهل السنّة عن عمر ، قال صلى اللّه عليه وآله : « أتدرون أيّ الخلق أفضل إيماناً »؟ قالوا : الملائكة ، قال : « وحقّ لهم بل غيرهم » ، قالوا : الأنبياء ، قال : « وحقّ لهم بل غيرهم » ، ثمّ قال : « أفضل الخلق إيماناً قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني ، فهم أفضل الخلق إيماناً » (2).

4 - وكذلك هذا الحديث معارض بأحاديث أُخرى مثل : « مثل أُمّتي مثل المطر ، لا يدرى أوّله خير أم آخره »(3) ، وقوله : « ليدركن المسيح أقواماً ، إنّهم لمثلكم أو خير ثلاثاً »(4).

5 - إن مظلومية أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله أمر متسالم عليه ، وكُلّ ما ذكرته كتب الحديث والتاريخ ممّا جرى على فاطمة عليها السلام ، وعلي أمير المؤمنين

ص: 145


1- تهذيب الأحكام 9 / 322.
2- فيض القدير 4 / 369 ، كنز العمّال 12 / 182 ، الجامع لأحكام القرآن 4 / 172.
3- مسند أحمد 3 / 130 و 143 و 4 / 319 ، مجمع الزوائد 10 / 68 ، مسند أبي داود : 90 و 270 ، مسند أبي يعلى 6 / 380.
4- فتح الباري 7 / 5 ، المصنّف لابن أبي شيبة 4 / 567 و 8 / 548.

والحسنين عليهم السلام ، كُلّ هذا كان في تلك البرهة من الزمن ، وكُلّ الفتن كانت في تلك البرهة من الزمن!!

فكيف يعبّر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن تلك الفترة بأنّها ... ، وفيها سفكت دماء أهل بيته عليهم السلام ، وظلمت ابنته ، وقتل الحسن والحسين عليهما السلام؟!

كُلّ ذلك ، وقد أخبر الرسول صلى اللّه عليه وآله عن ما يجري على أهل بيته بأحاديث كثيرة.

ولا تنس عزيزي القارئ فترة بني أُمية التي كانوا يسبّون فيها أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ويلعنونه على المنابر.

6 - كُلّ ما جرى من محن على أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وكذلك ما جرى من فتن عمياء ، كُلّ ذلك جرى من أناس شاهدوا الرسول صلى اللّه عليه وآله ، أو شاهدوا من شاهد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، فتكون الحجّة عليهم أكمل ، والعقاب أشدّ بكثير ممّن لم تتمّ عليهم الحجّة.

وأخيراً : فإنّ هذا الحديث وأمثاله لا يمكن أن يستند عليه باحث متجرّد عن أيّ تعصّب ، هدفه إصابة الحقّ.

إضافة إلى أنّ اختلاف الأئمة نشأ نتيجة اختلاف القرن الأوّل الذي وقعت فيه الحروب ، وسفكت الدماء وقتل بعضهم بعضاً.

( ... - ... - سنّي )

الرسول لم يصلحهم :

س : لقد قرأت الكثير عن الشيعة أو الرافضة ، ولكن عندي ملاحظة على موضوع الصحابة ، واتهامكم لهم ، ألم يستطع الرسول صلى اللّه عليه وآله أن يصلح الصحابة؟ ألم يستطع أن يحذّرنا منهم؟ وهم من حملوا لنا رسالة الإسلام والقرآن ، وأوصلوه لنا بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ألم يستطع علي رض اللّه عنه أن يخلّصنا منهم؟ وهو أشجع الرجال وأقواهم.

ص: 146

ج : إنّ الشيعة ليس لها عداء شخصي وخصومة مع الصحابة ، بل وبعبارة واضحة : لا تعتقد ولا تلتزم بما سمّوه الآخرين ب- « عدالة الصحابة » ، أي لم تر أصلاً موضوعياً - من الكتاب والسنّة والعقل والإجماع - في المقام يطهّر الصحابة بأجمعهم عن الخطأ والزلل ، وهذا لم يكن اتهاماً منّا لهم ، بل هو نتيجة متابعة الدليل والعقل.

وأمّا الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، فهو وإن كان يستطيع أن يصلح المنحرف منهم بالقدرة الإلهية والمعجزة ، ولكن ليس هذا دأب الرسل ، ولم تكن وظيفته تفرض عليه أن يعالج كافّة الانحرافات بالقهر والغلبة : ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ) (1) ، وإلاّ فأين دور الامتحان والاختبار؟!

وهكذا كان معاملة الإمام علي عليه السلام معهم ، فكان يداريهم ما لم يقفوا في وجه الحكومة ، ثمّ عندما أقدموا على محاربته تصدّى لهم.

وأمّا أنّ رسالة الإسلام والقرآن قد وصلت إلينا بواسطة المنحرفين من الصحابة ، فهذا بهتان عظيم ، بل أنّ المعارف والأحكام كانت لها حملة لا تأخذهم في اللّه لومة لائم ، وهم أهل البيت عليهم السلام ، والخطّ الموالي لهم في مختلف العصور والفترات دون انقطاع ، وحاش للإسلام أن يحتاج لبعض المنحرفين والمنافقين والظلمة - وإن تلبّسوا بزيّ الصحابة - في نقل ثقافته وفكره إلى الأجيال.

وهنا نشير إلى نكتة مهمّة في مقام النقض وهي : إنّ الكثير من الأنبياء والرسل السابقين على نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله ، لم يستطيعوا أن يبلّغوا رسالات ربّهم ، بل قُتلوا وشرّدوا ، فهل يصحّ لنا أن نعترض ونقول : ألم يستطيعوا أن يصلحوا أُمّتهم؟!

القضية ليست قضية استطاعة وعدمها ، وإنّما اختبار وامتحان ، فالأنبياء والرسل بعثوا ليوضّحوا للناس البينات ، ( وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ

ص: 147


1- الغاشية : 21 - 22.

اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ ... ) (1) ، ( وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ ) (2) ، وذلك : ( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (3).

وثمّة مسألة أُخرى وهي : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله نوّه إلى مسألة ما سيحدث بعده من الاختلاف بين الصحابة ، وأن بعضهم سيضرب رقاب بعض ، وأنّهم سيرجعون بعدّه مرتدّين.

قال صلى اللّه عليه وآله : إنّكم محشورون إلى اللّه تعالى ... ، ويؤخذ بقوم منكم ذات الشمال ، فأقول : يا ربّ أصحابي! فيقال لي : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم مذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح : ( كُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا توفّيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ... ) (4).

وقال صلى اللّه عليه وآله : « ليردن عليّ الحوض رجال ممّن صحبني ورآني ، حتّى إذا رفعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني ، فلأقولن : ربّ أصحابي أصحابي؟ فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك »(5).

وقال صلى اللّه عليه وآله : « بينا أنا قائم فإذا زمرة ، حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلمّ ، فقلتُ : أين؟ قال : إلى النار واللّه ، قلتُ : ما شأنهم؟ قال : إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقري ، ثمّ إذا زمرة ... فلا أراهم يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم ، فأقول : أصحابي أصحابي ، فقيل : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : بُعداً بُعداً - أو : سحقاً سحقاً - لمن بدّل بعدي »(6).

ص: 148


1- البقرة : 92.
2- البقرة : 99.
3- الأنفال : 42.
4- المائدة : 117 ، مسند أحمد 1 / 235 و 253 ، صحيح البخاري 4 / 110 و 143 و 5 / 192 و 240 و 7 / 195 ، صحيح مسلم 8 / 157.
5- مسند أحمد 5 / 48 ، صحيح البخاري 7 / 208 ، صحيح مسلم 7 / 70 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 415 ، مسند ابن راهويه 1 / 379.
6- صحيح البخاري 7 / 208 ، كنز العمّال 11 / 132 ، تاريخ مدينة دمشق 8 / 108.

( السيّد يوسف البيومي - لبنان - 25 سنة - طالب جامعة وحوزة )

تفسير آية ( محمّد رَّسُولُ اللّهِ ... )

س : إنّ هناك آية في القرآن الكريم تتكلّم عن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والسنّة يستدلّون بها على عدالتهم ، وهذه الآية هي : ( محمّد رَّسُولُ اللّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء ... ) (1) ، فما هو التفسير الحقيقي لهذه الآية؟ وكيف يمكن أن ندحض زعمهم؟ ولكم الأجر والثواب.

ج : ننقل لكم نصّ ما قاله الشيخ المفيد قدس سره حول الآية في كتابه « الإفصاح » : « فإن قال : أفليس اللّه تعالى يقول في سورة الفتح : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ) ، وقد علمت الكافّة أنّ أبا بكر وعمر وعثمان من وجوه أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ورؤساء من كان معه ، وإذا كانوا كذلك فهم أحقّ الخلق ، بما تضمّنه القرآن من وصف أهل الإيمان ، ومدحهم بالظاهر من البيان ، وذلك مانع من الحكم عليهم بالخطأ والعصيان؟!

قيل لهم : إنّ أوّل ما نقول في هذا الباب : أنّ أبا بكر وعمر وعثمان ، ومن تضيفه الناصبة إليهم في الفضل - كطلحة والزبير ، وسعد وسعيد ، وأبي عبيدة ، وعبد الرحمن - لا يتخصّصون من هذه المدحة بما خرج عنه أبو هريرة وأبو الدرداء ، بل لا يتخصّصون بشيء لا يعمّ عمرو بن العاص ، وأبا موسى الأشعري ، والمغيرة بن شعبة ، وأبا الأعور السلمي ، ويزيد ومعاوية بن أبي سفيان ، بل لا يختصّون منه بشيء دون أبي سفيان صخر بن حرب ، وعبد اللّه ابن أبي سرح ، والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، والحكم بن أبي العاص ،

ص: 149


1- الفتح : 29.

ومروان بن الحكم ، وأشباههم من الناس ، لأنّ كُلّ شيء أوجب دخول من سمّيتهم في مدحة القرآن ، فهو موجب دخول من سمّيناه ، وعبد اللّه بن أبي سلول ، ومالك بن نويرة ، وفلان وفلان ، إذ إنّ جميع هؤلاء أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ومن كان معه ، ولأكثرهم من النصرة للإسلام ، والجهاد بين يدي النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والآثار الجميلة والمقامات المحمودة ما ليس لأبي بكر وعمر وعثمان ، فأين موضع الحجّة لخصومنا في فضل من ذكره على غيره؟ من جملة من سمّيناه ، وما وجه دلالتهم منه على إمامتهم ، فإنا لا نتوهّمه ، بل لا يصحّ أن يدّعيه أحد من العقلاء؟!

ثمّ يقال لهم : خبّرونا عمّا وصف اللّه تعالى به من كان مع نبيّه صلى اللّه عليه وآله بما تضمّنه القرآن ، أهو شامل لكُلّ من كان معه صلى اللّه عليه وآله في الزمان ، أم في الصقع والمكان ، أم في ظاهر الإسلام ، أم في ظاهره وباطنه على كُلّ حال ، أم الوصف به علامة تخصيص مستحقّه بالمدح دون من عداه ، أم لقسم آخر غير ما ذكرناه؟

فإن قالوا : هو شامل لكُلّ من كان مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الزمان أو المكان أو ظاهر الإسلام.

ظهر سقوطهم وبان جهلهم ، وصرّحوا بمدح الكفّار وأهل النفاق ، وهذا ما لا يرتكبه عاقل.

وإن قالوا : إنّه يشمل كُلّ من كان معه على ظاهر الديانة وباطنها معاً ، دون من عددتموه من الأقسام.

قيل لهم : فدلّوا على أئمّتكم وأصحابكم ، ومن تسمّون من أوليائكم ، أنّهم كانوا في باطنهم على مثل ما أظهروه من الإيمان ، ثمّ ابنوا حينئذ على هذا الكلام ، وإلاّ فأنتم مدعون ومتحكّمون بما لا تثبت معه حجّة ، ولا لكم عليه دليل ، وهيهات أن تجدوا دليلاً يقطع به على سلامة بواطن القوم من الضلال ، إذ ليس به قرآن ولا خبر عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ومن اعتمد فيه على غير هذين ، فإنّما اعتمد على الظنّ والحسبان.

ص: 150

وإن قالوا : إنّ متضمّن القرآن من الصفات المخصوصة ، إنّما هي علامة على مستحقّي المدحة من جماعة مظهري الإسلام ، دون أن تكون منتظمة لسائرهم على ما ظنّه الجهّال.

قيل لهم : فدلّوا الآن على من سمّيتموه كان مستحقّاً لتلك الصفات ، لتتوجّه إليه المدحة ، ويتمّ لكم فيه المراد ، وهذا ما لا سبيل إليه حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط.

ثمّ يقال لهم : تأمّلوا معنى الآية ، وحصّلوا فائدة لفظها ، وعلى أيّ وجه تخصص متضمّنها من المدح ، وكيف مخرج القول فيها؟ تجدوا أئمّتكم أصفاراً ممّا ادعيتموه لهم منها ، وتعلموا أنّهم باستحقاق الذمّ وسلب الفضل بدلالتها منهم بالتعظيم والتبجيل من مفهومها ، وذلك أنّ اللّه تعالى ميّز مثل قوم من أصحاب نبيّه صلى اللّه عليه وآله في كتبه الأُولى ، وثبوت صفاتهم بالخير والتقى في صحف إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، ثمّ كشف عنهم بما ميّزهم به من الصفات التي تفرّدوا بها من جملة المسلمين ، وبانوا بحقيقتها عن سائر المقرّبين.

فقال سبحانه : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ ... ) وكأنّ تقدير الكلام : إنّ الذين بينت أمثالهم في التوراة والإنجيل من جملة أصحابك ومن معك - يا محمّد - هم أشدّاء على الكفّار ، والرحماء بينهم الذين تراهم ركّعاً سجّداً ، يبتغون فضلاً من اللّه ورضواناً.

وجرى هذا في الكلام مجرى من قال : زيد بن عبد اللّه إمام عدل ، والذين معه يطيعون اللّه ، ويجاهدون في سبيل اللّه ، ولا يرتكبون شيئاً ممّا حرّم اللّه ، وهم المؤمنون حقّاً دون من سواهم ، إذ هم أولياء اللّه الذين تجب مودّتهم دون من معه ممّن عداهم ، وإذا كان الأمر على ما وصفناه ، فالواجب أن تستقرئ الجماعة في طلب هذه الصفات ، فمن كان عليها منهم فقد توجّه إليه المدح

ص: 151

وحصل له التعظيم ، ومن كان على خلافها ، فالقرآن إذاً منبّه على ذمّه ، وكاشف عن نقصه ، ودالّ على موجب لومه ، ومخرج له عن منازل التعظيم.

فنظرنا في ذلك واعتبرناه ، فوجدنا أمير المؤمنين عليه السلام ، وجعفر بن أبي طالب ، وحمزة بن عبد المطلب ، وعبيدة بن الحارث ، وعمّار بن ياسر ، والمقداد ابن الأسود ، وأبا دجانة - وهو سمّاك بن خرشة الأنصاري - وأمثالهم من المهاجرين والأنصار ( رضي اللّه عنهم ) ، قد انتظموا صفات الممدوحين من الصحابة في متضمّن القرآن.

وذلك أنّهم بارزوا من أعداء الملّة الأقران ، وكافحوا منهما الشجعان ، وقتلوا منهم الأبطال ، وسفكوا في طاعة اللّه سبحانه دماء الكفّار ، وبنوا بسيوفهم قواعد الإيمان ، وجلوا عن نبيّهم صلى اللّه عليه وآله الكرب والأحزان ، وظهر بذلك شدّتهم على الكفّار ، كما وصفهم اللّه تعالى في محكم القرآن ، وكانوا من التواصل على أهل الإسلام ، والرحمة بينهم على ما ندبوا إليه ، فاستحقّوا الوصف في الذكر والبيان.

فأمّا إقامتهم الصلاة وابتغاؤهم من فضل اللّه تعالى القربات ، فلم يدفعهم عن علو الرتبة في ذلك أحد من الناس ، فثبت لهم حقيقة المدح لحصول مثلهم فيما أخبر اللّه تعالى عنهم في متقدّم الكتب ، واستغنينا بما عرفنا لهم ممّا شرحناه في استقراء غيرهم ، ممّن قد ارتفع في حاله الخلاف ، وسقط الغرض بطلبه على الاتفاق.

ثمّ نظرنا فيما ادعاه الخصوم لأجل أئمّتهم ، وأعظمهم قدراً عندهم من مشاركة من سمّيناه فيما ذكرنا من الصفات وبيّناه ، فوجدناهم على ما قدّمناه من الخروج عنها ، واستحقاق أضدادها على ما رسمناه.

وذلك أنّه لم يكن لأحد منهم مقام في الجهاد ، ولا عرف لهم قتيل من الكفّار ، ولا كلّم كلاماً في نصرة الإسلام ، بل ظهر منه الجزع في مواطن القتال ، وفرّ في يوم خيبر وأُحد وحنين ، وقد نهاهم اللّه تعالى عن الفرار ، وولّوا

ص: 152

الأدبار ، مع الوعيد لهم على ذلك في جلي البيان ، وأسلموا النبيّ صلى اللّه عليه وآله للحتوف في مقام بعد مقام ، فخرجوا بذلك عن الشدّة على الكفّار ، وهان أمرهم على أهل الشرك والضلال ، وبطل أن يكونوا من جملة المعنيين بالمدحة في القرآن ، ولو كانوا على سائر ما عدا ما ذكرناه من باقي الصفات ، وكيف وأنّى يثبت لهم شيء منها بضرورة ولا استدلال ، لأنّ المدح إنّما توجّه إلى من حصل له مجموع الخصال في الآية دون بعضها ، وفي خروج القوم من البعض بما ذكرناه ، ممّا لا يمكن دفعه إلاّ بالعناد ، ووجوب الحكم عليهم بالذمّ بما وصفناه؟! وهذا بيّن جلي والحمد لله.

ثمّ يقال لهم : قد روى مخالفوكم عن علماء التفسير من آل محمّد عليهم السلام : أنّ هذه الآية إنّما نزلت في أمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمّة عليهم السلام من بعدهم خاصّة دون سائر الناس ، وروايتهم لما ذكرنا عمّن سمّينا أولى بالحقّ والصواب ، ممّا ادعيتموه بالتأويل والظنّ الحسبان والرأي ، لإسنادهم مقالتهم في ذلك إلى من ندب النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلى الرجوع إليه عند الاختلاف ، وأمر باتباعه في الدين ، وأمن متبعه من الضلال.

ثمّ إنّ دليل القرآن يعضده البيان ، وذلك أنّ اللّه تعالى أخبر عمّن ذكره بالشدّة على الكفّار ، والرحمة لأهل الإيمان ، والصلاة له ، والاجتهاد في الطاعات ، بثبوت صفته في التوراة والإنجيل ، وبالسجود لله تعالى وخلع الأنداد ، ومحال وجود صفة ذلك لمن سجوده للأوثان ، وتقرّبه لللات والعزّى دون اللّه الواحد القهّار ، لأنّه يوجب الكذب في المقال ، أو المدحة بما يوجب الذمّ من الكفر والعصيان.

وقد اتفقت الكافّة على أنّ أبا بكر وعمر وعثمان ، وطلحة والزبير ، وسعداً وسعيداً ، وأبا عبيدة وعبد الرحمن ، قد عبدوا قبل بعثة النبيّ صلى اللّه عليه وآله الأصنام ، وكانوا دهراً طويلاً يسجدون للأوثان من دون اللّه تعالى ، ويشركون به الأنداد ، فبطل أن تكون أسماؤهم ثابتة في التوراة والإنجيل ، بذكر السجود على ما نطق به القرآن ، وثبت لأمير المؤمنين والأئمّة من ذرّيته عليهم السلام ذلك ، للاتفاق على أنّهم لم يعبدوا قط غير اللّه تعالى ، ولا سجدوا لأحد سواه ، وكان

ص: 153

مثلهم في التوراة والإنجيل واقعاً موقعه على ما وصفناه ، مستحقّاً به المدحة قبل كونه ، لما فيه من الإخلاص لله سبحانه على ما بيّناه.

ووافق دليل ذلك برهان الخبر عمّن ذكرناه ، من علماء آل محمّد عليهم السلام ، بما دلّ به النبيّ صلى اللّه عليه وآله من مقاله الذي اتفق العلماء عليه ، وهذا أيضاً ممّا لا يمكن التخلّص منه مع الإنصاف.

ثمّ يقال لهم : خبّرونا عن طلحة والزبير ، أهما داخلان في جملة الممدوحين بقوله تعالى : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ ... ) إلى آخره ، أم غير داخلين في ذلك؟

فإن قالوا : لم يدخل طلحة والزبير ونحوهما في جملة القوم.

خرجوا من مذاهبهم ، وقيل لهم : ما الذي أخرجهم من ذلك ، وأدخل أبا بكر وعمر وعثمان ، فكُلّ شيء تدعونه في استحقاق الصفات ، فطلحة والزبير أشبه أن يكونا عليها منهم ، لما ظهر من مقاماتهم في الجهاد ، الذي لم يكن لأبي بكر وعمر وعثمان فيه ذكر على جميع الأحوال؟!

فلا يجدون شيئاً يعتمدون عليه في الفرق بين القوم ، أكثر من الدعوى الظاهرة الفساد.

وإن قالوا : إنّ طلحة والزبير في جملة القوم الممدوحين بما في الآية.

قيل لهم : فهلاّ عصمهما المدح الذي ادعيتموه لهم ، من دفع أمير المؤمنين عليه السلام عن حقّه ، وإنكار إمامته ، واستحلال حربه ، وسفك دمه ، والتديّن بعداوته على أيّ جهة شئتم : كان ذلك من تعمّد ، أو خطأ ، أو شبهة ، أو عناد ، أو نظر ، أو اجتهاد!

فإن قالوا : إنّ مدح القرآن - على ما يزعمون - لم يعصمهما من ذلك ، ولابدّ من الاعتراف بما ذكرناه ، لأنّ منع دفعه جحد الاضطرار.

قيل لهم : فبما تدفعون أنّ أبا بكر وعمر وعثمان ، قد دفعوا أمير المؤمنين عليه السلام عن حقّه ، وتقدّموا عليه وكان أولى بالتقدّم عليهم ، وأنكروا إمامته وقد كانت ثابتة ، ودفعوا النصوص عليه وهي له واجبة ، ولم يعصمهم

ص: 154

ذلك ، ثمّ توجّه المدح لهم من الآية ، كما لم يعصم طلحة والزبير ممّا وصفناه ، ووقع منهم في إنكار حقّ أمير المؤمنين عليه السلام ، كما وقع من الرجلين المشاركين لهم فيما ادعيتموه من مدح القرآن ، وعلى الوجه الذي كان منهما ذلك ، من تعمّد أو خطأ أو شبهة أو اجتهاد أو عناد؟ وهذا ما لا سبيل لهم إلى دفعه ، وهو مبطل لتعلّقهم بالآية ، ودفع أئمّتهم عن الضلالة ، وإن سلم لهم منها ما تمنّوه تسليم جدل للاستظهار.

ويؤكّد ذلك : أنّ اللّه تعالى مدح من وصف بالآية ، بما كان عليه في الحال ، ولم يقض بمدحه له على صلاح العواقب ، ولا أوجب العصمة له من الضلال ، ولا استدامة لما استحقّ به المدحة في الاستقبال.

ألا ترى أنّه سبحانه قد اشترط في المغفرة لهم والرضوان ، الإيمان في الخاتمة ، ودلّ بالتخصيص لمن اشترط له ذلك ، على أنّ في جملتهم من يتغيّر حاله ، فيخرج عن المدح إلى الذمّ واستحقاق العقاب ، فقال تعالى فيما اتصل به من وصفهم ومدحهم بما ذكرناه من مستحقّهم في الحال : ( كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (1).

فبعضهم في الوعد ولم يعمهم به ، وجعل الأجر مشترطاً لهم بالأعمال الصالحة ، ولم يقطع على الثبات ، ولو كان الوصف لهم بما تقدّم موجباً لهم الثواب ، ومبيّناً لهم المغفرة والرضوان ، لاستحال الشرط فيهم بعده وتناقض الكلام ، وكان التخصيص لهم موجباً بعد العموم ظاهر التضاد ، وهذا ما لا يذهب إليه ناظر ، فبطل ما تعلّق به الخصم من جميع الجهات ، وبان تهافته على اختلاف المذاهب في الأجوبة والإسقاطات ، والمنّة لله » (2).

ص: 155


1- الفتح : 29.
2- الإفصاح : 139.

( عبد اللّه النمر - السعودية - .... )

حقيقة الخلاف حولهم بين الشيعة والسنّة :

س : أُريد معرفة حقيقة الخلاف بين الشيعة وأهل السنّة في مسألة الصحابة؟

ج : الكلام حول عدالة الصحابة عنوان وتعبير لا يرسم حقيقة الخلاف بين الشيعة الإمامية وأهل السنّة ، لأنّ الخلاف ليس في كُلّ الصحابة ، فانّ الإمامية تعدل الصحابة ممّن تابع ووالى علياً عليه السلام - كسلمان والمقداد وعمّار وأبي ذر ، وخالد بن سعيد بن العاص وأخيه ، وابن التيّهان وذي الشهادتين ، وجابر بن عبد اللّه الأنصاري ، وأبي بردة الأسلمي ، وغيرهم جمع غفير ممّن والى علياً عليه السلام - وكذلك غالب وجلّ الأنصار فإنّهم ممدوحون عندهم.

وإنّما الخلاف حقيقة هو في أصحاب السقيفة ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإنّ القرآن الكريم قد نطق بوجود المنافقين ، والذين في قلوبهم مرض ، والمرجفون ، ومنهم الذين يلمزون رسول اللّه في الصدقات ، ومنهم الذين يؤذون النبيّ ، ويقولون : هو أُذن ، ومنهم من عاهد اللّه ونكث ، ومنهم الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين ، ومنهم المخلّفون بمقعدهم ، ومنهم الخوالف ، ومنهم المعذرون ، ومنهم الذين مردوا على النفاق ، ومنهم المرجون ، ومنهم الذين ارتابت قلوبهم ، ومنهم الذين ابتغوا الفتنة ، ومنهم أهل الإفك ، وغيرهم من الطوائف التي نصّ عليها القرآن ، فكما قد مدح طائفة منهم ، فقد ذمّ طوائف عديدة كثيرة ، أفتؤمنون ببعض وتكفرون ببعض؟!

وفي سورة المدّثر - وهي رابع سورة من البعثة ، نزلت على النبيّ صلى اللّه عليه وآله - يشير القرآن إلى اندساس مجموعة في صفوف المسلمين الأوائل ، ويطلق عليهم اسم ( الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ) (1) ، أي ممّن يظهر الإسلام ويبطن المرض في قلبه ، وقد فسّرت سورة محمّد صلى اللّه عليه وآله معنى المرض ، وهو الظغينة والعداء للرسول صلى اللّه عليه وآله

ص: 156


1- المائدة : 52.

وخاصّته ، وقد ذمّ القرآن بعض أهل بدر في سورة الأنفال ، كما ذمّ بعض أهل أُحد في سورة آل عمران ، كما ذمّ طوائف من الصحابة في واقعة الأحزاب في سورة الأحزاب وسورة محمّد صلى اللّه عليه وآله ، وذمّ جماعة منهم في واقعة حنين.

بل في واقعة أُحد قال تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) (1).

وقد اشترط القرآن الكريم لنجاة الصحابي وكُلّ مسلم شرائط ، إن وفى بها نجى وسلم وفاز ، وإلاّ فيهلك ويخسر ، لقوله تعالى مخاطباً أصحاب بيعة الرضوان : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللّه يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللّه فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) (2) ، فالناكث هالك منهم بحكم القرآن الكريم ، ومن ثمّ اصطلح بين الصحابة اشتراط أن لا يبدّل الواحد منهم في الدين ، ولا يحدث حدث.

وفي ذيل سورة الفتح ، وعد القرآن بعض الذين مع الرسول بالنجاة فقال : ( وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (3) ، فقال تعالى : ( مِنْهُم ) أي بعضهم لا كُلّهم.

وقد روى البخاري ومسلم في كتاب الفتن والعلم : إنّ جمع من الصحابة يرتدّون على أدبارهم القهقري بعد رسول اللّه ، ويبعدون عن حوض الكوثر ، ويختلسون دون رسول اللّه ، فيقول صلى اللّه عليه وآله : « ربّ أصحابي أصحابي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً »(4).

ص: 157


1- آل عمران : 144.
2- الفتح : 10.
3- الفتح : 29.
4- مسند أحمد 2 / 300 و 3 / 28 و 5 / 333 ، صحيح البخاري 7 / 208 و 8 / 87 ، صحيح مسلم 1 / 151 و 7 / 66 ، السنن الكبرى للبيهقي 4 / 78.

( خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي )

عدم ثبوت توبة طلحة والزبير :

س : هل ثبتت توبة الزبير ابن العوام بعد محاربته للإمام علي عليه السلام؟

إذ إنّ كثيراً من المصادر التاريخية تذكر أنّ الزبير انسحب من المعركة بعد أن ذكّره أمير المؤمنين عليه السلام بكلام ، فتبعه ابن جرموز فقتله ، وهو يصلّي ، وأصبح ابن جرموز فيما بعد من كبار الخوارج.

وهل صحّت توبة طلحة ، إذ إنّ المصادر تذكر أن مروان بن الحكم قتله أثناء المعركة؟ حتّى يختلط الحابل بالنابل ، فهل أراد طلحة الانسحاب من المعركة - كالزبير - فقتله مروان حتّى لا يتمّ الصلح؟

ج : إنّ طلحة والزبير قد ضلاّ وأضلاّ الكثير بنكثهما البيعة مع أمير المؤمنين عليه السلام ، وبهذا أصبحا جاحدين لإمام زمانهما ، وشملهما الحديث : « من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية » (1).

وأيضاً قد فقدا إيمانهما بخروجهما على إمام زمانهما ، فاعتُبرا من الغاوين المنحرفين.

وأمّا توبتهما فلم تثبت بطريق صحيح ، لأنّهما قُتلا وهما مصمّمان على الحرب مقيمان على الفسق ، ولو كانا تائبين للزمهما أن يصرّحا بخطئهما ، وظلمهما واعتداءاتهما ، ثمّ كان يجب عليهما الحضور في معسكر الإمام عليه السلام ، وإطاعة أوامره ونواهيه ، لا الانسحاب والفرار من المعركة ؛ إذ قد يحتمل أن انسحاب الزبير كان بسبب بدو العجز والانكسار في معسكر الضلال.

وأمّا قضية طلحة فهي أوضح ، لأنّه كان عازماً على الاستمرار في القتال إلى أن غدر به صاحبه.

ص: 158


1- كتاب السنّة : 489 ، مجمع الزوائد 5 / 225 ، مسند أبي يعلى 13 / 366 ، المعجم الأوسط 6 / 70.

وبالجملة : فهما إلى النار ، ولا سبيل إلى فرض صحّة توبتهما ؛ وهذا ما عليه أعلام الشيعة ، كالشيخ المفيد وغيره من وجوه الطائفة.

( فراس العبدواني - ... - ..... )

لا يصحّ الترضي على جميعهم :

س : هل صحيح أنّه يستحبّ الترضي للصحابة ، ولا يصحّ أن يقال بعد ذكر اسم الإمام علي بقول عليه السلام أو ( كرّم اللّه وجهه ) ، والصحيح أن يقال : رض اللّه عنه.

ج : هذه دعوى بلا دليل ، إذ إنّ من الصحابة :

1 - يسار بن سبع - المعروف بأبي الغادية الجهني - وهو من الصحابة بإجماع أهل السنّة ، وهو قاتل عمّار بن ياسر رض اللّه عنه ، وقد صحّ عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قوله : « قاتل عمّار وسالبه في النار » (1) ، فهذا الشخص في النار بشهادة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، كما اعترف شيخ الوهّابية ناصر الدين الألباني ، فكيف ترضى على أهل النار؟!

2 - مسلم بن عقبة المري ، ذكره ابن عساكر وابن حجر من الصحابة(2) ، وهو الذي غزا المدينة ، واستباح بنات الصحابة والتابعين ، وقد صحّ عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قوله : « من آذى أهل المدينة آذاه اللّه ، وعليه لعنة اللّه والملائكة »(3) ، واعترف النووي بأنّه من أهل النار ، فكيف تترضى عليه؟!

3 - بسر بن أرطاة ، قد أوقع بأهل المدينة ومكّة أفعال قبيحة ، وآذى الصحابة ، وارتكب الأُمور العظام منها ما نقله أهل الأخبار والحديث : من ذبحه عبد الرحمن وقثم ابني عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطلب ، وهما

ص: 159


1- المستدرك 3 / 387 ، مجمع الزوائد 7 / 244 و 9 / 297 ، الآحاد والمثاني 2 / 102 ، الجامع الصغير 2 / 233 ، تاريخ مدينة دمشق 43 / 474.
2- تاريخ مدينة دمشق 58 / 102 ، الإصابة 6 / 232.
3- مجمع الزوائد 3 / 307 ، الجامع الصغير 2 / 547 ، كنز العمّال 12 / 237 ، فيض القدير 6 / 25.

صغيران بين يدي أُمّهما ، وكان معاوية سيّره إلى الحجاز واليمن ليقتل شيعة علي ، ويأخذ البيعة له ، فسار إلى المدينة ففعل بها أفعالاً شنيعة ، وسار إلى اليمن ففعل فيها كذلك.

وقال الدارقطني : « بسر بن أرطاة له صحبة ، ولم تكن له استقامة بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ... ودخل المدينة فهرب منه كثير من أهلها ... ، وقتل فيها كثيراً ، وأغار على همدان باليمن ، وسبى نساءهم ، فكنّ أوّل مسلمات سُبين في الإسلام »(1).

فكيف ترضى على القتلة المستبيحين للنفس المحرّمة ، وللزنا؟!

4 - معاوية بن خديج أو حديج ، ذكروا في ترجمته أنّه كان صحابياً ، وكان من أسبّ الناس لعلي عليه السلام ، وقد صحّ عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قوله : « من سبّ علياً فقد سبّني » (2) ، فكيف تترضى على رجل يسبّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟

5 - المغيرة بن شعبة ، ولي لمعاوية الكوفة ، وكان ينال من علي عليه السلام ، ولم يكتفِ بذلك ، بل أمر الولاة بالنيل منه ، وقد صحّ عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قوله : « ولا يحبّه إلاّ مؤمن ، ولا يبغضه إلاّ منافق »(3) ، فكيف تترضى على المنافقين؟!

6 - مروان بن الحكم ، كان يسبّ علياً عليه السلام ، فكيف تترضى عليه؟!

7 - معاوية بن أبي سفيان ، كان يسبّ علياً ، ويأمر الولاة بسبّه ، فكيف تترضى عليه؟!

ص: 160


1- أُسد الغابة 1 / 180 ، تهذيب 4 / 62.
2- مسند أحمد 6 / 323 ، ذخائر العقبى : 66 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 121 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 133 ، خصائص أمير المؤمنين : 99 ، نظم درر السمطين : 105 ، الجامع الصغير 2 / 608 ، كنز العمّال 11 / 573 و 602 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 132 و 30 / 179 و 42 / 266 و 533 ، البداية والنهاية 7 / 391 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 250 و 294 ، ينابيع المودّة 1 / 152 و 2 / 102 و 156 و 274 و 395 ، جواهر المطالب 1 / 65.
3- شرح نهج البلاغة 8 / 119 و 9 / 172 و 18 / 24 ، كنز العمّال 14 / 81 ، تاريخ مدينة دمشق 12 / 398 و 42 / 134 و 279 ، تهذيب التهذيب 8 / 411 ، جواهر المطالب 1 / 250 ، ينابيع المودّة 2 / 179 و 492.

8 - طليحة بن خويلد ، ارتدّ بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله وادّعى النبوّة(1) ، وقتل هو وأخوه بعض الصحابة ، فكيف تترضى عليه؟!

9 - عمرو بن العاص ، قد ورد بإسناد صحيح أنّ الإمام الحسن عليه السلام شهد بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لعنه ، وقد كان يسبّ علياً عليه السلام ، فكيف تترضى على من لعنه النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟!

هذه غيض من فيض الصحابة ، الذين يطهر اللسان عن ذكرهم فضلاً عن الترضّي عليهم ، فبأيّ حقّ يقال باستحباب الترضّي على جميع الصحابة ، روايات أُموية أظهرت لنا عموم الصحابة بمظهر ملائكي!!

وماذا يفعل لحديث الحوض المتواتر والمروي في صحيح مسلم والبخاري ، والذي فيه ارتداد الصحابة ، ولا يبقى منهم بدون ردّة إلاّ مثل همل النعم ، أي القليل جدّاً؟!

وليس بعيد على الدين الأموي أن يترضّى حتّى على إبليس وحزبه ، ويخالف صريح القرآن ، كالغزّالي الذي يمنع من لعن يزيد ، بل وحتّى الكافر إذا لم يتيقّن من موته على الكفر ، ويقول : ولا خطر في السكوت عن لعن إبليس(2)!! أي لعن إبليس لعلّه فيه خطر ، لكن ترك لعنه لا خطر فيه!!

( منار أحمد - السعودية - 26 سنة - طالب )

نكثوا البيعة :

س : ما هو الردّ على أهل السنّة؟ حيث يقولون : إنّ اللّه تعالى علم ما في قلوب المبايعين فأنزل السكينة عليهم وأثابهم.

ص: 161


1- السنن الكبرى للبيهقي 8 / 175 ، فتح الباري 13 / 180 ، كنز العمّال 14 / 551 ، الثقات 2 / 167 و 3 / 321 ، تاريخ مدينة دمشق 25 / 149.
2- إحياء علوم الدين 3 / 186.

قال تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ... ) ، ومن ضمن الذين بايعوا الرسول أبو بكر وعمر ، فالخطاب إذاً يشملهم بأنّهم مؤمنين ، ونزول السكينة عليهم.

ج : إنّ الآية الكريمة قيّدت رضوان اللّه ونزول السكينة على المؤمنين فحسب ، فقالت : ( لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) (1).

ولو سلّمنا أنّ أبا بكر وعمر وعثمان كانوا من المؤمنين في تلك البيعة ، ولكن نقول : استمرارية بقاء رضوان اللّه تعالى على المبايع ، ونزول السكينة عليه ، مشروطة بأن لا ينكث البيعة ، ولا ينقض إيمانه ولا يرتدّ ، ويرجع عن الجادّة المحمّدية لقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللّه يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللّه فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) (2).

وعندنا نحن روايات بأنّ هؤلاء الثلاثة وآخرين من الصحابة ارتدوا بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن الولاية والإمامة لعلي عليه السلام ، ولم يعملوا بأوامر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ونواهيه ، وتراجعوا عن منهج الرسالة المحمّدية.

( حسن - السعودية - سنّي - 27 سنة - طالب جامعة )

نبحث حولهم لضمان سلامة ديننا :

س : أشكرك أخي على ردّك عليّ ، ولكن ألا ترى أنّ الغوص في الصحابة والحكم عليهم ليس من شأننا نحن ، وحسابهم عند اللّه ، هو خالقهم وإليه يرجعون ، ولك منّي جزيل الشكر.

ص: 162


1- الفتح : 18.
2- الفتح : 10.

ج : نحن نتّفق معك تمام الاتفاق أنّ البحث في أمر لا يعني المسلم في شيء من أُمور دينه ودنياه هو مضيعة للوقت وهدر للطاقات ، ولكن المشكلة الأساسية في موضوع البحث عن واقع الصحابة ، وما كانوا عليه في حياة النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله وبعده يرتبط ارتباطاً مباشراً بالكثير من القضايا التي تهمّ عقيدة المسلم ، وتفاصيل فروع دينه ، الأمر الذي يدفع للبحث والتنقيب في الموضوع بكُلّ جدّية.

وأنت تعلم علم اليقين أنّ رواة السنّة وأحاديث النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله التي تمثّل العمود الفقري لديننا الحنيف - وهي المبيّنة للكتاب الكريم - هم من الصحابة ، والعقل والشرع يأمرنا أن لا نأخذ بكُلّ حديث يرويه أيّ كان من الناس عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلاّ من كان ثقة مأموناً على نقل الخبر الصحيح إلى أهله ، وإلاّ لو قبلنا نقل أيّ كان من الناس لحديث النبيّ صلى اللّه عليه وآله حتّى ولو كان فاسقاً ، بدون فحص وتمحيص فقد هلكنا وأهلكنا ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين ) (1).

وقد ثبت في القرآن الكريم(2) ، وأيضاً في النقل الصحيح عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله - كما في أحاديث الحوض وغيرها - أنّ هناك انحرافاً واضحاً وبيّناً قد حصل عند الصحابة عن الدين القويم ، الأمر الذي يدعونا للبحث والتنقيب في الموضوع بشكل موضوعي نستطيع فيه معرفة الغثّ من السمين في هذا الموضوع الحسّاس والمهمّ ، كي نضمن سلامة ديننا والتوقّف عن أخذ الدين عن كُلّ من هبّ ودبّ من الناس ، والذين لا يمكن الاطمئنان إليهم في نقل الشريعة المقدّسة إلى المسلمين ، وقد ورد عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله الحثّ والدعوة إلى التدقيق والتحقيق بما لا مزيد عليه.

ص: 163


1- الحجرات : 6.
2- أُنظر : سورة التوبة : 101 - 107.

فالبحث في موضوع الصحابة وشؤونهم لا يخدمنا إلاّ بما له علاقة بنقلهم لأحاديث النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وتبيان حقيقة المؤمن من الفاسق ، أو المنافق منهم لأجل ذلك فقط ، إذ لا يستقيم جعل المنافقين والمؤمنين من الصحابة في عرض واحد ، وقد أخبر اللّه سبحانه بآية محكمة : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) (1).

فاللّه سبحانه لا يريد في هذه الآية الحديث عن اليهود أو النصارى ، فأُولئك يُطلق عليهم الكفّار ، أو أهل الكتاب ، أو الحديث عن المشركين ، إنّما أراد الحديث عن المسلمين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ، وهو معنى النفاق ، وهؤلاء كانوا من أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

( عيسى - الإمارات - 26 سنة - طالب ثانوية )

كمال بعضهم نسبي لا مطلق :

س : قد يصادف الإنسان الموالي الكثير من الشبهات والردود حول مذهبه الحقّ ، ليس فقط من إخواننا أهل السنّة ، وإنّما من جميع المذاهب الإسلامية الأُخرى , فعند الخوض في الحديث عن الصحابة ، فأهل السنّة لا يرضون النقد والجرح على أيّ منهم ، بل في ميزان العدل والتجريح عندهم إن ثبتت رواية تقدح صحابياً أو آخر فيجب عليهم أن يخرجوها بأحسن تأويل , أي تفسيرها إلى ما يليق صحبتهم إلى الرسول صلى اللّه عليه وآله وعدم انتقاصهم ونقدهم ، وذلك لآيات وروايات قد اتخذوها دليلاً على ذلك.

وبحمد اللّه علماء الإمامية قد أفحموهم بأدلّة ليس بعدها أدلّة ، إن كان من القرآن أو السنّة النبوية ، وحتّى الدليل العقلي الذي لا يقبل حجّتهم في هذا

ص: 164


1- التوبة : 100.

الموضوع ، ولكن تبقى مسألة وأتمنّى منكم بأنّ توضّحوها لنا , ألا وهي أنّ أهل السنّة يقولون : إنّكم تأخذون بعدالة عمّار بن ياسر ، وسلمان وأبي ذر وغيرهم من الصحابة من أمثالهم ، أليس ذلك اعترافاً منكم أنتم الشيعة على أنّهم وصلوا إلى درجة الكمال , حيث نحن نعرف بأنّ الكمال لله عزّ وجلّ؟ فما هو ردّكم على تلك الشبهة , ولكم فائق الاحترام والتقدير.

ج : تقول الشيعة - وذلك حسبما تمليه عليهم تعاليم الشريعة السمحاء المتمثّلة بالكتاب الكريم والسنّة الشريفة الصحيحة - بعدالة جمع من الصحابة ثبت أنّهم أطاعوا اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، ولم ينقلبوا على الأعقاب كما حصل للآخرين ، فهم كما ذكرت الصحابي الجليل عمّار بن ياسر الذي وصفه النبيّ صلى اللّه عليه وآله بقوله : « عمّار ملئ إيماناً إلى مشاشه » (1) ، وسلمان الفارسي الذي قال عنه صلى اللّه عليه وآله : « سلمان منّا أهل البيت »(2) ، وأبا ذر الذي جاء في حقّه عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « ما اظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من رجل أصدق لهجة أصدق من أبي ذر »(3).

ولا يعني القول بعدالة هؤلاء الصحابة وأمثالهم أنّهم وصلوا إلى درجة الكمال المطلق ، فهذه المنزلة هي لله سبحانه وتعالى فقط ، ولا يصل إليها أحد من عباده أبداً من الأنبياء أو الملائكة فما دونهم ، وإنّما هناك كمال نسبي بين العباد أنفسهم ، أي أنّ الأنبياء أكمل من بقية العباد ، وبعض الصالحين أكمل من غيرهم ، وهكذا.

أمّا الكمال المطلق فهو من خصوصيات الخالق سبحان جلَّ شأنه ، وتكامل هؤلاء الصحابة إنّما هو تكامل نسبي بلحاظ كمال طاعتهم لله ورسوله صلى اللّه عليه وآله.

ص: 165


1- الجامع الصغير 2 / 178 ، فيض القدير 4 / 473 ، البداية والنهاية 7 / 345.
2- المستدرك 3 / 598 ، مجمع الزوائد 6 / 130 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 616 ، المعجم الكبير 6 / 213 ، الجامع الصغير 2 / 52.
3- مسند أحمد 2 / 163 ، سنن ابن ماجة 1 / 55 ، المستدرك 3 / 342 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 526 ، الآحاد والمثاني 2 / 231 ، صحيح ابن حبّان 16 / 84 ، المعجم الأوسط 5 / 223.

( لقمان - السعودية - .... )

في بيعة الرضوان :

س : سلامي الكبير إلى من يخدم النبيّ الأكرم وأهل بيته في هذه الشبكة الكبيرة الجبّارة بمواضيعها.

أخواني لقد أرسلت لكم سؤال حول بيعة الرضوان أو آية الرضوان ( لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) وكان منهم أبو بكر وعلي وعثمان و... ، وأنا بصراحة محتاج إلى الإجابة ، ولكم منّي ألف تحية وشكر.

ج : آية الرضوان أو ما يعرف ببيعة الرضوان المشار إليها في قوله تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) (1) فإنّ سبب البيعة هو وصول الخبر بمقتل عثمان بن عفّان من قبل المشركين ، بعد أن أرسله النبيّ صلى اللّه عليه وآله مبعوثاً عنه إلى قريش ، فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى البيعة على قتال المشركين ، وقد نزلت هذه الآية في عام الحديبية لحصول الحادثة في ذلك الوقت.

وفي الآية المباركة قيود ، إذ هي لم تتضمّن إطلاق الرضا عنهم ، بل تضمّنت بيان منشأ الرضا وسببه - وهو بيعتهم تحت الشجرة - والظاهر أنّ ذلك لا ينافي غضبه عليهم إذا عصوه ، فلا يمكن أن نفهم منها التأبيد في الرضا ، كما يريد البعض.

وأيضاً يوجد شرط آخر في الآية ، بأنّ البيعة لا تكفي في النجاة إلاّ مع الوفاء ، إذ قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللّه يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللّه فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا

ص: 166


1- الفتح : 18.

عَظِيمًا ) (1) قال المفسّرون : إنّ رضوان اللّه وسكينته مشروطة بالوفاء وعدم نكث العهد(2).

وقد ذكر أهل الحديث والمؤرّخون أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بايعهم على أن يقاتلوا المشركين ولا يفرّوا(3).

والظاهر أنّ المراد أن لا يفرّوا في جميع حروبهم ، لا في خصوص غزوة الحديبية ، ولذا اشترط اللّه تعالى عليهم الوفاء في الآية المتقدّمة ، مع أنّ غزوة الحديبية لم يقع فيها حرب ، وسورة الفتح نزلت بعد صلح الحديبية ، كما يناسبه أيضاً تذكير النبيّ صلى اللّه عليه وآله لهم بهذه البيعة في واقعة حنين ، حيث صاح النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالناس : « يا أهل سورة البقرة ، يا أهل بيعة الشجرة ، أنا رسول اللّه ونبيّه ، فتولّوا مدبرين »(4).

وعلى ذلك يكون فرار جماعة منهم في غزوة خيبر وفرار أكثرهم في غزوة حنين نكثاً لتلك البيعة ، رافعاً لرضا اللّه سبحانه عنهم ، بل الملاحظ أنّ الشكّ والريب دخل قلوب بعض الصحابة ، فخالفوا أوامر النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعد معاهدة الصلح في الحديبية مباشرة ، فلم يستجيبوا للنبي صلى اللّه عليه وآله حينما أمرهم بالحلق والنحر إلاّ بعد التكرار ، وقيامه بنفسه بالحلق والنحر(5).

ويمكنك أن تراجع جملة من المصادر التي ذكرت في هذا الجواب ، لتطلع على أسماء الفارّين والهاربين من غزوتي خيبر وحنين ، وكذلك الشاكّين في يوم الحديبية ، واللّه الموفّق للصواب.

ص: 167


1- الفتح : 10.
2- أُنظر : جامع البيان 26 / 100 ، الجامع لأحكام القرآن 16 / 268 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 199.
3- أُنظر : صحيح مسلم 6 / 25 ، صحيح ابن حبّان 10 / 415 ، الجامع الكبير 3 / 75 ، السنن الكبرى للبيهقي 8 / 146 ، السنن الكبرى للنسائي 4 / 423.
4- المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 552.
5- تاريخ اليعقوبي 2 / 55.

ص: 168

الصلاة :

اشارة

( محمّد يوسف - السعودية - .... )

كيفية صلاة المعصومين :

س : أُودّ أن أعرف عن كيفية الصلاة التي كان يعمل بها في زمن الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ومن بعده الأئمّة الأطهار؟ جزاكم اللّه خيراً.

ج : إنّ أفضل حديث يمكن الاعتماد عليه في معرفة كيفية صلاة المعصوم عليه السلام هو حديث حمّاد بن عيسى الصحيح السند :

قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام يوماً : « يا حمّاد تحسن أن تصلّي »؟ قال : فقلت : يا سيّدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة ، فقال عليه السلام : « لا عليك يا حمّاد ، قم فصلّ » ، قال : فقمت بين يديه متوجّهاً إلى القبلة ، فاستفتحت الصلاة فركعت وسجدت ، فقال عليه السلام : « يا حمّاد ، لا تحسن أن تصلّي ، ما أقبح بالرجل أن يأتي عليه ستّون سنة ، أو سبعون سنة ، فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة »؟!

قال حمّاد : فأصابني في نفسي الذلّ فقلت : جعلت فداك فعلّمني الصلاة ، فقام أبو عبد اللّه عليه السلام مستقبل القبلة منتصباً ، فأرسل يديه جميعاً على فخذيه ، قد ضمّ أصابعه ، وقرّب بين قدميه حتّى كان بينهما ثلاثة أصابع مفرجات ، واستقبل بأصابع رجليه جميعاً لم يحرّفهما عن القبلة ، وقال بخشوع : « اللّه أكبر » ، ثمّ قرأ الحمد بترتيل ، وقل هو اللّه أحد ، ثمّ صبر هنيئة بقدر ما يتنفّس وهو قائم ، ثمّ رفع يديه حيال وجهه وقال : « اللّه أكبر » وهو قائم ، ثمّ ركع وملأ كفّيه من ركبتيه منفرجات ، وردّ ركبتيه إلى خلفه حتّى استوى ظهره ، حتّى لو صبّ عليه

ص: 169

قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ، ومدّ عنقه وغمّض عينيه ، ثمّ سبّح ثلاثاً بترتيل وقال : « سبحان ربّي العظيم وبحمده ».

ثمّ استوى قائماً ، فلمّا استمكن من القيام قال : « سمع اللّه لمن حمده » ، ثمّ كبّر وهو قائم ، ورفع يديه حيال وجهه وسجد ، وبسط كفّيه مضمومي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه فقال : « سبحان ربّي الأعلى وبحمده » ثلاث مرّات ، ولم يضع شيئاً من بدنه على شيء منه ، وسجد على ثمانية أعظم : الكفّين ، والركبتين ، وأنامل إبهامي الرجلين ، والجبهة ، والأنف وقال : « سبعة منها فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها اللّه في كتابه ... ».

ثمّ رفع رأسه من السجود ، فلمّا استوى جالساً قال : « اللّه أكبر » ، ثمّ قعد على فخذه الأيسر ، وقد وضع ظاهر قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر وقال : « استغفر اللّه ربّي وأتوب إليه » ، ثمّ كبّر وهو جالس وسجد السجدة الثانية وقال كما قال في الأُولى ، ولم يضع شيئاً من بدنه على شيء منه في ركوع ولا سجود وكان مجنّحاً ، ولم يضع ذراعيه على الأرض فصلّى ركعتين على هذا ، ويداه مضمومتا الأصابع وهو جالس في التشهّد ، فلمّا فرغ من التشهّد سلّم فقال : « يا حمّاد ، هكذا صلِّ » (1).

( .... - السعودية - .... )

كيفية السلام في صلاة الشيعة :

س : أنا على مذهب الإسماعيلية ، ولكن قدّر لي اللّه أن أطّلع على أُمور كثيرة عن مذهب الاثني عشرية وأُعجبت به ، وبدأت أشعر أنّه هو المذهب الصحيح ، ولكنّي لم أحسم أمري بعد ، فهناك بعض التساؤلات التي لم أجد لها إجابة ، إذا كنتم على استعداد على حلّها لي أكون لكم من الشاكرين.

السلام في الصلاة عند جميع المذاهب واحد وغير مختلف فيه حتّى في المذاهب الشيعية الأُخرى ، فلو افترضنا جدلاً أنّ هذه هي الطريقة التي كان عليها السنّة

ص: 170


1- الكافي 3 / 311 ، من لا يحضره الفقيه 1 / 300.

المطهّرة وآل البيت ، لوجدناها في المذاهب الشيعية الأُخرى ، لأنّنا نعرف أنّ الاختلافات في الصلاة حصلت بعد موت الرسول وفي عهد عمر ، عندما زاد « آمين » ، وحذف « حيّ على خير العمل » ، وهذا ما يعترف به جميع المذاهب الشيعية ، ولكن موضوع التسليم في آخر الصلاة هذا تتساوى فيه المذاهب الشيعية - كالزيدية والإسماعيلية - مع السنّة ، ويشذّ عنها مذهب الاثنا عشرية ، ممّا يعطي الإيحاء بأنّ هذه الزيادة أتت من عند الاثني عشرية ، وليست في سنّة آل البيت.

أرجو الإجابة حيث أنّ هذا السؤال يحيّرني.

ج : نسأل اللّه تعالى لك التوفيق في التعرّف على مذهب أهل البيت عليهم السلام أكثر فأكثر ، والتعمّق فيه ، ومعرفة مبانيه وأدلّته ، ليكون اختيارك لمذهب أهل البيت عليهم السلام عن دليل وقناعة كافية.

أعلم أنّ التسليم عندنا يتم بأحد الصيغتين : الأُولى : « السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين » ، والثانية : « السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ».

فالمصلّي إذا قال الصيغة الأُولى استحبّت له الصيغة الثانية ، أمّا لو قال الثانية قبل الأُولى لم تستحبّ له الأُولى ، وعليه فبأيّ الصيغتين ختم صلاته فإنّ صلاته تختم.

وأمّا صيغة « السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته » فهي ليست من صيغ السلام - كما نصّ الفقهاء - وإنّما هي مستحبّة ، والدليل هو ورود نصوص عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

وهذا ليس بالأمر الغريب ، إذ في المقابل المذاهب الأربعة ربّما استدلّوا على بعض الأحكام التي لا يقول بها الشيعة بقول بعض الصحابة ، فمثلاً ما ينقل عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : في العسل زكاة(1) ، فلماذا يستغرب هؤلاء إذا اعتمدنا على أئمّة أهل البيت عليهم السلام؟

ص: 171


1- المصنّف لابن أبي شيبة 3 / 33 ، الآحاد والمثاني 5 / 147.

إذاً ، مستند التسليم عندنا هو ما ورد عن طريق أهل البيت عليهم السلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - وليس المستند هو المزاج والهوى - أي ورد من طرقنا ، وفي أدلّة صحيحة عن أهل البيت عليهم السلام : أنّ الحكم الكذائي كذا وكذا ، وأهل البيت عليهم السلام لم يأخذوه دون مستند ، ومستندهم هو النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لذا هم أمناء على سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

هذا بالإضافة إلى أنّنا مأمورون باتباع النبيّ صلى اللّه عليه وآله عند اختلاف الأُمّة ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله دلّنا إلى من نرجع إليهم عند الاختلاف ، لأنّ بالرجوع إليهم نجاة ، وبتركهم هلاك ، وهم أهل البيت عليهم السلام : « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها هوى » (1).

ثم إنّ انفرادنا عن بقية المذاهب في الحكم الكذائي ليس بالأمر الغريب ، لأنّ كثير من أهل السنّة خالفوا فقهاء المسلمين ، من قبيل ما يقوله الشافعي في جواز نكاح البنت من الزنا ، فإنّه انفرد فيه وخالفه بقية الفقهاء.

نسأله تعالى أن يعرّفنا الحقّ حقّاً ويوفّقنا لاتباعه.

( .... - السعودية - .... )

التخيير بين الحمد والتسبيحات الأربعة :

س : أودّ أن أشكركم على الجهود التي تبذلونها لوجه اللّه تعالى في الردّ على بعض الشبهات ، التي نقابلها من بعض الجماعة ، الذين عندهم حبّ استطلاع عن مذهب آل البيت عليهم السلام.

ص: 172


1- المستدرك على الصحيحين 2 / 343 و 3 / 151 ، مجمع الزوائد 9 / 168 ، المعجم الأوسط 5 / 355 و 6 / 85 ، المعجم الكبير 3 / 45 و 12 / 27 ، مسند الشهاب 2 / 273 ، نظم درر السمطين : 235 ، الجامع الصغير 1 / 373 و 533 ، كنز العمّال 12 / 94 ، فيض القدير 2 / 658 و 5 / 660 ، الدرّ المنثور 3 / 334 ، علل الدارقطني 6 / 236 ، تهذيب الكمال 28 / 411 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 490 ، ينابيع المودّة 1 / 93 و 2 / 90 و 101 و 472 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 2 / 298 ، لسان العرب 3 / 20.

لماذا أكثر المذاهب يقومون بقراءة الفاتحة في جميع الركعات ، بينما المذهب الجعفري يكتفي بقراءتها في الأُولى والثانية فقط ، ويقول التسبيحات في بقية الركعات؟ جزاكم اللّه عنّا خيراً.

ج : قد وردت روايات عن أهل البيت عليهم السلام تدلّ على التخيير ، بمعنى أنّ المكلّف مخيّر في الركعتين الأخيرتين بين قراءة سورة الحمد وبين قراءة التسبيحات الأربعة ، دون الركعتين الأوّليتين فيجب فيهما قراءة الحمد ، وذلك لقوله : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » (1).

( موالي - الكويت - 19 سنة - طالب )

حكم صلاة الجمعة في عصر الغيبة :

س : لماذا لا تقام صلاة الجمعة إلاّ في حضور الإمام الغائب؟ أليس حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة؟

ج : إنّ صلاة الجمعة تقام في حضور الإمام عليه السلام أو في غيبته ، إلاّ أنّ حكمها في غيبة الإمام لا يكون واجباً تعيينياً بل هي واجب تخييري ، أي إنّ المكلّف مخيّر بين إقامة صلاة الجمعة عند توفّر شرائطها وبين الإتيان بصلاة الظهر فيما إذا لم يحضر صلاة الجمعة.

نعم ، عند حضور الإمام عليه السلام يكون حكم صلاة الجمعة واجباً تعيينياً ، أي يتعيّن على المكلّف الإتيان بها ، ولا يصحّ منه الإتيان بصلاة الظهر ، على أنّ الإمامية يقيمون صلاة الجمعة في بلدانهم ، ولعلّ ما تراه في إيران دليل على ذلك ، إذ إقامتها في الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها دليل على أنّ الإمامية يقيمون صلاة الجمعة حتّى عند عدم حضور الإمام عليه السلام ، ولا علاقة لذلك في زمن الحضور أو الغيبة.

ص: 173


1- الخلاف 1 / 327 و 342 ، المعتبر 2 / 166 و 173 و 349 و 382.

( أمريكا - 31 سنة - ليسانس )

ما يقرأ في القنوت والركعتين الأخيرتين :

س : هل القنوت في الصلاة مستحبّ أم واجب؟ وهل يجب فيه قول مخصوص؟ وماذا يقرأ في الركعة الثالثة والرابعة؟

ج : إنّ القنوت مستحبّ في جميع الصلوات - فريضة كانت أو نافلة - والمستحبّ منه مرّة بعد القراءة قبل الركوع في الركعة الثانية ، إلاّ في العيدين والآيات والجمعة والوتر ففيها تفصيل.

ولا يشترط في القنوت قول مخصوص ، بل يكفي فيه ما يتيسّر من ذكر أو دعاء أو حمد أو ثناء ، والمستحبّ قراءة المأثور عن المعصومين عليهم السلام ، ودلّت على استحباب القنوت مجموعة روايات عن أهل البيت عليهم السلام.

وأمّا بالنسبة إلى ما يقرأ في الركعة الثالثة والرابعة ، فالمصلّي - مأموماً كان أو إماماً - يتخيّر في ثالثة المغرب وأخيرتي الرباعيات بين قراءة الفاتحة والتسبيحات الأربعة وهي : « سبحان اللّه ، والحمد لله ، ولا إله إلاّ اللّه ، واللّه أكبر ».

( وليد محمّد - مصر - 27 سنة )

التكبيرات الثلاث بعدها :

س : بالنسبة للتكبيرات الثلاث في نهاية كُلّ صلاة هل لكم أن توافونا بالروايات الصحيحة الواردة في هذا الخصوص؟

ج : وردت روايات كثيرة تدلّ على التكبير بعد الصلاة في مصنّفات الفريقين ، نذكر لك بعضها على سبيل المثال لا الحصر :

1 - عن المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : لأيّ علّة يكبّر المصلّي بعد التسليم ثلاثاً يرفع بها يديه؟ فقال : « لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لمّا فتح مكّة صلّى بأصحابه الظهر عند الحجر الأسود ، فلمّا سلّم رفع يديه وكبّر ثلاثاً وقال : لا

ص: 174

إله إلاّ اللّه وحده وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وأعزّ جنده ، وغلب الأحزاب وحده ، فله الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو على كُلّ شيء قدير ».

ثمّ أقبل على أصحابه فقال : « لا تدعوا هذا التكبير وهذا القول في دبر كُلّ صلاة مكتوبة ، فإنّ من فعل ذلك بعد التسليم وقال هذا كان قد أدّى ما يجب عليه من شكر اللّه تعالى على تقوية الإسلام وجنده » (1).

2 - عن ابن عباس قال : ما كنّا نعرف انقضاء صلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلاّ بالتكبير(2).

3 - عن أبي معبد مولى ابن عباس أخبره : أنّ رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأنّه قال : قال ابن عباس : كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته(3).

( أحمد الخاجة - البحرين - 15 سنة - طالب ثانوية )

طهارة المولد شرط في إمامة الجماعة :

س : من الشروط الواجب توفّرها في إمام الجماعة أن يكون طاهر المولد ، فهل يتحمّل المرء عقوبة جريمة لم يقم بارتكابها؟

ج : ليس ما ذكرتموه من باب العقوبة ، إذ أنّ تعريف العقوبة في الإسلام ، هو ما توعدّ عليه الباري تعالى النار - مع فرض عدم التوبة - ومورد السؤال ليس من هذا القبيل قطعاً.

ص: 175


1- علل الشرائع 2 / 360.
2- صحيح مسلم 2 / 91 ، مسند الحميدي 1 / 225 ، مسند أبي يعلى 4 / 280 ، المعجم الكبير 11 / 335 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 223.
3- مسند أحمد 1 / 367 ، صحيح البخاري 1 / 204 ، صحيح مسلم 2 / 92 ، سنن أبي داود 1 / 226.

بل إنّ طهارة المولد صفة وميزة متوخّاة في إمامة الجماعة ، لا أنّ عدم طهارة المولد ذنب يؤاخذ عليه ، أو جريمة يؤنّب عليها ، وحال هذه الخصوصية حال بقية مواصفات الإمام ؛ وعليه فتوزيع الوظائف والأدوار وتعيين الحدود والشرائط في نفسه لا يدلّ على نقصٍ أو مزية ، إلاّ فيما نصّ عليه الشرع.

( ... - .... - .... )

كيفية المواظبة على صلاة الصبح :

س : لا أُريد أن أضيّع صلاة الفجر فما السبيل لذلك؟

ج : إنّ التوفيق لطاعة اللّه تعالى تحتاج إلى أن يصل العبد إلى منزلة خاصّة ، وما يرتكبه العبد من أُمور لا يرتضيها اللّه تعالى يوجب الحرمان من هذه المرتبة ، فلا يوفّقه حينئذ لطاعته بل يخذله ويكلّه إلى نفسه.

وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « إنّ الرجل ليكذب الكذبة فيحرم بها صلاة الليل فإذا حرم صلاة الليل حرم بها الرزق » (1) ، فكم من خطايا وذنوب حرمت العبد من توفيق الطاعة ، وكم من حسناتٍ زادته تقرّباً وتسديداً منه تعالى.

وأعلم ، إنّ الإنسان كلّما أراد القرب منه تعالى جعل نفسه متذلّلاً لسلطانه وجبروته ، فهو دائماً طوع إرادته ، فيتخضّع إليه بالإقرار بذنوبه وطلب مغفرته ، ويتقرّب له بالاستغفار ممّا ارتكبه ، وهذا ديدن أهل البيت عليهم السلام مع عدم ارتكابهم المعصية ، أو اقترافهم الذنوب ، فإنّهم يجعلون أنفسهم أذلاء لسلطانه ، فلا يخرجون عن ربقة عبوديته وذل طاعته ، فتراهم يستغفرون ويتأوّهون على ما لا يعد عندنا معصية أو ذنب ، بل تركهم الأُولى يجعلهم هكذا يرجون عفوه ، ويطمعون في رحمته.

ص: 176


1- علل الشرائع 2 / 362.

وأنت أيّها الأخ ونحن جميعاً في نير عبوديته ، ثمّ نرتكب من المعاصي ما لا يعفو عنها إلاّ الندم والرجوع إليه تعالى ، فإكثار الاستغفار للعفو عنّا يقرّبنا منزلة لديه ، ويفتح لنا آفاق الطاعة ، ويعيننا على عبادته ، فأكثر الاستغفار والتوسّل بأن يوفّقك لصلاة الفجر ، فإذا علم منك الصدق وخلوص النية أخذ بيديك ووفّقك إلى ما تحبّ.

ثمّ أبحث عن السبب المادّي لذلك ، فلعلّ السهر أكثر من المعتاد يجعلك غير قادرٍ على النهوض ، فتغيير برنامجك اليومي ، والنوم مبكّراً ، سيعينك في المرحلة الأُولى على النهوض إلى صلاة الفجر ، عندها ستقوى على ما تتعوّد عليه ، واللّه يعينك على طاعته ولزوم عبادته.

( علوي - البحرين - .... )

أهمّيتها عند المؤمن :

س : لو سمحتم عندي سؤال : ما أهمّية الصلاة عند المؤمن؟

ج : لا يخفى عليك أنّ الصلاة هجرة روحية ، يطوي الإنسان فيها فواصل البعد بينه وبين اللّه تعالى ، وممارسة تعبّدية يستهدف بها اكتشاف العلاقة بينه وبين بارئه تعالى.

ففي الصلاة يكون الإنسان المؤمن في موارد القرب ، والحبّ الإلهي العظيم ، وفي الصلاة يعلن عن تصاغره وعبوديّته لخالقه ، وفي الصلاة تتّسع أمام الإنسان المؤمن آفاق العظمة والقدرة الإلهية.

وفي الصلاة يتجسّد للإنسان فقره وضعفه وحاجته إلى غنى بارئه ، وتتابع افاضاته ورحمته ، وفي الصلاة تهبط الحجب بين العبد وربّه ، فتفيض اشراقات الحبّ والجمال الإلهي على النفس ، لتعيش أسعد لحظات الاستمتاع والرضى ، وهي في أرقى ما تكون من حالات الصحو الوجداني ، والاستعداد للتلقّي والقبول التعبّدي.

ص: 177

وفي الصلاة عودة للوعي ، واكتشاف لحقيقة الذات ، ومعرفة قدرها أمام خالقها العظيم ، وفي الصلاة محاولة صادقة للهجر والخلاص من الذنوب ، وفي الصلاة سعي للعودة بطهارة النفس ، وسلامتها إلى لحظة ميلادها الفطري ، بنقائه وطهارته ؛ لأنّ في الصلاة عزيمة جادّة لهجر الذنوب والمعاصي ، ومحاولة مخلصة للانفلات من قيود المادّة والشهوة.

فهي سعي للهجرة إلى اللّه تعالى ، والتسامي نحوه ، وهي محاولة للتعالي والانتقال إليه ، وهي عودة إلى اللّه بعد كُلّ فترة زمنية يمارس فيها الإنسان حياته ؛ فيتعامل مع نفسه أو مع اللّه ، والناس الذين يعيش معهم ، فيتهاون بأداء حقوق اللّه عليه حيناً ، أو يسيء إلى الناس فيسلك سلوكاً شاذّاً ومنحرفاً حيناً آخر ، فيكون بحاجة إلى التخلّص من هذه الآثار السلوكية السلبية ، والتوجّهات النفسية المنحرفة ، فيجد في الصلاة محطّة لتطهير النفس ، والتأمّل في خيرها وصلاحها ، ومنطلقاً لتغيير مساره وتوجّهه في الحياة.

فهو في وقفته الصادقة بين يدي اللّه تعالى يستغفره ويتضرّع إليه ، ويعلن براءته وندمه ، ورغبته في الاستقامة والطهارة ، فيجدّد بذلك عهده مع اللّه تعالى ، ويستشرف آفاق مسيرته الحياتية من أوضح مداخلها ، وأصفى أجوائها ، فتنمو بكثرة الممارسة والإقبال على الصلاة ملكات الخير ، وتتصاغر نوازع الشرّ ، وتتوارى عن الظهور مناشئ الإجرام ، فتقوى بذلك العزيمة ، وتشتدّ الإرادة على الإصلاح وارتياد سبل الخير ، وتنمو الرغبة في الطرح والخلاص من كُلّ سيئ في الحياة ، بممارسة انسحاب النفس الدائم ، وإخلاء آفاقها من عتمة الجرائم والآثام.

لذا كانت الصلاة نظاماً تعبّدياً لوقاية النفس من شذوذها ، وعلاجاً جذرياً يداوي أمراضها ، بتعهّد قواها وملكاتها ونوازعها بالتنشئة الصحيحة ، والتربية المستقيمة.

ص: 178

وصدق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهو يصف أهمّية الصلاة ، ودورها في تطهير النفس ، وتقويم السلوك البشري في الحياة بقوله : « لو كان على باب دار أحدكم نهر فاغتسل في كُلّ يوم منه خمس مرّات ، أكان يبقى في جسده من الدرن شيء »؟ قلنا : لا.

قال : « فإنّ مثل الصلاة كمثل النهر الجاري ، كُلّما صلّى صلاة كفّرت ما بينهما من الذنوب » (1).

وقال رجل : يا رسول اللّه أوصني ، فقال صلى اللّه عليه وآله : « لا تدع الصلاة متعمّداً ، فإنّ من تركها متعمّداً فقد برئت منه ملّة الإسلام »(2).

وجاء عنه صلى اللّه عليه وآله : « ما بين الكفر والإيمان إلاّ ترك الصلاة »(3).

وقال صلى اللّه عليه وآله : « لكُلّ شيء وجه ، ووجهُ دينكم الصلاة ، فلا يُشِينَنَّ أحَدُكُم وجهَ دينه ... »(4).

وروي عنه صلى اللّه عليه وآله : « ليسَ منّي من استخفّ بصلاته ، لا يَردُ عليَّ الحوضَ لا واللّه ... »(5).

وقال صلى اللّه عليه وآله : « لا يزال الشيطان ذعراً من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهن ، فإذا ضيّعهن تجرأ عليه فأدخله في العظائم » (6).

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام : « ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة ، ألا ترى أنّ العبد الصالح عيسى بن مريم قال : ( وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ) »(7).

ص: 179


1- تهذيب الأحكام 2 / 237 ، وسائل الشيعة 4 / 12.
2- الكافي 3 / 488 ، وسائل الشيعة 4 / 42.
3- ثواب الأعمال وعقابها : 231 ، وسائل الشيعة 4 / 43 ، الصراط المستقيم : 204.
4- الكافي 3 / 270 ، تهذيب الأحكام 2 / 238.
5- فقه الرضا : 101 ، المقنعة : 73 ، الكافي 3 / 269 ، من لا يحضره الفقيه 1 / 206.
6- عيون أخبار الرضا 1 / 31 ، تهذيب الأحكام 2 / 236.
7- مريم : 31 ، الكافي 3 / 264 ، من لا يحضره الفقيه 1 / 210.

وروي أيضاً عنه عليه السلام : « إذا قام المصلّي إلى الصلاة نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى أعنان الأرض ، وحفّت به الملائكة وناداه ملك : لو يعلم هذا المصلّي ما في الصلاة ما انفتل »(1).

ولهذه الأهمّية العظمى للصلاة أصبحت فريضة عبادية في كُلّ رسالة إلهية بشّر بها الأنبياء ، لأنّها الصلة بين العبد وربّه ، ولأنّها معراج يتسامى الفرد بها إلى مستوى الاستقامة والصلاح.

ولذلك فإنّ القرآن الكريم عندما تحدّث عن الأنبياء ورسالتهم في الحياة قال : ( وَجَعلناهُم أئمةً يَهدُونَ بأمرِنا وأوحينا إِليهمْ فِعْلَ الخيراتِ وإقامَ الصّلاةِ وإيتاءَ الزَّكاةِ وكانوا لنا عابِدين ) (2).

فالصلاة شعار وعلامة للفرد المؤمن وللأُمّة المؤمنة ، وهي حدّ فاصل بين المؤمن الحقّ وبين من لا ينتمي لأُمّة الإيمان ، لذا جاء قوله تعالى : ( فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ) (3).

فهي شعار أهل الإيمان ، وصفة أُمّة التوحيد على تعاقب الأجيال ، وتتابع الرسالات والعصور.

لذلك تحدّث القرآن الكريم عن أُولئك المسلمين ، وعن شعارهم مع النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله فأثنى عليهم ، وقرن صفتهم بصفة أسلافهم من أتباع الأنبياء ، وأصفياء الرسل ، فقال عزّ من قائل : ( محمّد رسولُ اللّهِ وَالَّذينَ مَعَهُ أشِدّاءُ على الكُفّارِ رُحَماءُ بينهُم تَراهُم رُكَّعاً سُجَّداً يبتَغُونَ فضْلاً منَ اللّهِ ورضْواناً سيماهُمْ في وُجوهِهم من أثَرِ السُّجودِ ذلكَ مَثَلُهُم في التَّوراةِ ومَثَلُهُمْ في الإنجيلِ كزَرْعٍ أخرَجَ شَطْأََهُ فآزرهُ فاستغلظَ فاستَوى على سُوقهِ يُعْجِبُ الزُّراعَ لِيَغيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ .. ) (4).

ص: 180


1- الكافي 3 / 265 ، وسائل الشيعة 4 / 32.
2- الأنبياء : 73.
3- النساء : 103.
4- الفتح : 29.

وما كان للقرآن هدف في هذا العرض التاريخي للصلاة إلاّ ليؤكّد للمؤمنين أنّ الصلاة في كُلّ الرسالات الإلهية كانت أولى شعائرها ، ومخّ عبادتها بعد الإيمان باللّه تعالى.

وكم أوحى لنا القرآن بقداسة الصلاة ، وأهمّيتها في دعوة الأنبياء ؛ فحدّثنا عن مناجاة أبي الأنبياء عليه السلام وشعاره الحنيفي الذي تلقّاه من ربّه ، والذي كان يردّده خشوعاً ينساب في نفوس أتباعه عقيدةً ووعياً وطريقةً : ( قُلْ إنّ صلاتي ونُسُكي وَمَحيايَ ومَماتي للهِ ربِ العالَمينَ لا شَريكَ له وبذلكَ أُمِرتُ وَأنا أوَّلُ المسلمين ) (1).

وكم كان يشتدّ بإبراهيم عليه السلام الشوق إلى اللّه تعالى ، فيرفع دعاءه إليه راجياً منه أن يجعله وذرّيته من مقيمي الصلاة والمتعبّدين بها فيقول : ( رَبِّ اجعلني مُقيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرّيتي ... ) (2).

وهكذا عرض لنا القرآن نماذج من الخطابات الإلهية الموجّهة للأنبياء ، بوجوب الصلاة فريضة على أُممهم وأتباعهم ، ليؤكّد لنا أهمّية الصلاة ، ويوضّح مركزها في دعوات الأنبياء ورسالات الرسل عليهم السلام.

( عقيل أحمد جاسم - البحرين - 32 سنة - بكالوريوس )

حول صلاة الجمعة :

س : لماذا حرمت أجيالنا السابقة من صلاة الجمعة وقالوا : إنّها لا تجوز إلاّ خلف الإمام الغائب؟

ج : إنّ صلاة الجمعة مشروعة القيام زمن الحضور والغيبة ، ففي زمن الحضور هي واجبة تعييناً ، وفي زمن الغيبة واجبة تخييراً ، وفقهاء الشيعة

ص: 181


1- الأنعام : 162 - 163.
2- إبراهيم : 40.

يعتقدون بمشروعيتها إلا آن يطرأ طارئ فتكون محرّمة ، فإن منصب الإمامة في صلاة الجمعة منصباً سياسياً وحكومياً - بما أنّ الإمام يجب عليه أن يتطرّق إلى المسائل السياسية والاجتماعية ، ويبدي نظراً خاصّاً في كُلّ موضوع - فيجب أن يكون منصوباً مباشرةً - بالنيابة الخاصّة أو العامّة - من قبل الحاكم وهو الإمام المعصوم عليه السلام حسب رأي الشيعة.

وعندما كانوا لا يرون للإمام عليه السلام أو المجتهدين يداً مبسوطة في الجانب الحكومي كانت الجمعة عندهم محظورة ، لأنّها حينئذٍ تؤدّي إلى تأييد وتشييد مباني الظلمة وحكوماتهم.

( علي أحمد جعفر - البحرين 19 سنة - طالب متوسطة )

لا تصحّ خلف الفاجر :

س : لماذا في مذهبنا الشيعي دائماً يكون إمام الجماعة عالم دين؟ ولا تصحّ الصلاة إلاّ إذا كنت تعرفه وتطمئن إليه؟

أمّا عند إخواننا السنّة فكُلّ مسلم يمكن أن يكون إمام جماعة - سواء كان ملتزماً أو غير ملتزم ، طاهر المولد أو لا - فأرى أنّهم على صواب ، فصلاة الجماعة لها ثواب عظيم ، فهم أين ما ذهبوا يصلّون جماعة.

نرجو أن تبصرونا حول هذا الموضوع ، ونشكركم على هذه الجهود الجبّارة.

ج : الصلاة جماعة عندنا تصحّ خلف كُلّ مكلّف بالغ ، فيحقّ لأيّ شخص التقدّم لإمامة جماعة من الناس - سواء كان عالماً أو غير عالم ، مرتدياً لزي العلماء أو غير مرتدٍ لذلك الزي - لكن عندنا لإمام الجماعة شروط يجب تحقّقها ، منها : عدالته ، فلا تصحّ الصلاة خلف الفاسق ، والفقهاء إنّما استفادوا وجوب هذا الشرط في إمام الجماعة من خلال أدلّة من الكتاب والسنّة.

ص: 182

فمن الكتاب : قوله تعالى : ( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) (1) ، والفاسق ظالم لقوله تعالى : ( وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) (2) ، والائتمام ركون ، لأنّ معنى الركون هو الميل القليل.

ومن الروايات : قول الإمام الصادق عليه السلام : « لا تصلّ خلف الغالي وإن كان يقول بقولك ، والمجهول والمجاهر بالفسق ، وإن كان مقتصداً »(3).

ومنها : قيل للإمام الرضا عليه السلام : رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر ، أُصلّي خلفه؟ قال : « لا »(4).

ومنها : قيل لأبي جعفر عليه السلام : إنّ مواليك قد اختلفوا ، فأُصلّي خلفهم جميعاً؟ قال : « لا تصلّ إلاّ خلف من تثق بدينه »(5).

فعلى هذا الشرط يمكن لك إذا كنت تحرز في نفسك العدالة أن تصلّي بالناس جماعة ، أو تصلّي خلف أيّ شخص تثق بعدالته ، مع تحقّق الشروط الأُخرى لصلاة الجماعة ، من كونه صحيح القراءة ، بالغاً عاقلاً مؤمناً ، وولادته شرعية ، ذكراً إذا كان المأموم ذكراً ، فهذه الشروط يمكن أن تتحقّق في كثير من الناس ، وليست هي متحققّة فقط في رجل الدين ، بل رجل الدين هو أحد المصاديق.

نعم بعض العلماء يذكرون تحديد الإمام بالمتلبّس بزي العلماء ، إذا كان موجوداً في الجماعة ، ولا يصحّ لغيره أن يكون إماماً وهو مأموم ، وهو من باب حفظ مقام العلماء ، ودوام نظام معتنقي مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وأنّ العالم هو المركز الذي تدور عليه كُلّ أُمور الجماعة.

ص: 183


1- هود : 113.
2- الطلاق : 1.
3- تهذيب الأحكام 3 / 31 و 282.
4- المصدر السابق 3 / 31.
5- الكافي 3 / 374 ، تهذيب الأحكام 3 / 266.

وأمّا عند أهل السنّة فإنّهم لكي يصحّحوا صلاة من تسلّط على رقاب المسلمين ، أفتوا بصحّة الصلاة خلف كُلّ بر وفاجر ، حتّى عمّ وانتشر هذا التساهل في الإمام ، ووصل إلى وقتنا الحاضر ، وإن كان منشأه سياسياً.

( حسين - السعودية - 34 سنة - خرّيج جامعة )

كراهة لبس السواد فيها :

س : هل يكره للمصلّي لبس السواد؟ أرجو الإجابة ، مع شكري الجزيل.

ج : قد ذكر بعض فقهائنا ذلك ، واستثنى منه العمامة والخف ، وقد قيّدها بعضهم بها ، إذا اتخذ السواد شعاراً كبني العباس ، لا فيما إذ لبس السواد صدفة ، أو حزناً على ميّت ، أو لجمال فيه وهيبة أحياناً ، واستثنى بعضهم ما لبسه للحسين عليه السلام ، فإنّه لا يكره بل يرجّح لغلبة جانب تعظيم شعائر اللّه على ذلك ، مضافاً إلى روايات متضافرة في موارد مختلفة يستفاد منها ذلك.

( علي العلي - السويد - .... )

وجوب صلاة الجمعة تخييري :

س : أسأل اللّه تعالى أن تكونوا في أتمّ الصحّة والعافية ، وأن يسدّد خطاكم لما هو خير ، ويوفّقكم لإعلاء كلمة الحقّ ، إنّه سميع مجيب.

لقد شجّعتموني على أن أسألكم كُلّما احتجت إلى ذلك ، ويا كثرة احتياجاتي ، وأعانكم اللّه عليها.

في الحقيقة أنا أحاور في كُلّ الأُمور ومع الجميع ، حيث أحاور الشيعة على التمسّك بخطّهم ، وخصوصاً من له ميل للعلمانية ، وحوار مثل هؤلاء أشدّ من غيرهم ، وأحاور أهل السنّة لأثبت لهم أنّ منهج الحقّ ليس منهجهم ، كما وأحاور النصارى ، وأنا دارس جيّد لكتابهم بعهديه القديم والجديد ، كما وأُحاور غيرهم ، وبأساليب مختلفة ، كُلّ حسب طريقته أو الطريقة التي تنفع معه.

ص: 184

سادتي الكرام ، لقد حاورت أحد الإخوة الشيعة ذوي الميول العلمانية ، وكان دائماً يقول : بأنّ علماء الدين الشيعة يفتون كما يحلوا لهم ، وبدون أيّ سند ، وقد أقنعته في كُلّ استشكالاته , وكان أحد استشكالاته عن تعطيل صلاة الجمعة.

بعد انتهاء الحديث أحببت أنا شخصيّاً أن ازداد علماً بموضوع صلاة الجمعة ، ومتى تمّ تعطيلها؟ ومن أوّل من عطّلها من علمائنا ( رضوان اللّه عليهم ) وأدلّة ذلك ، وما هي استدلالاته على ذلك؟

ج : الكلام في إقامتها وعدمها لا يتبع لأيّ عامل غير الأدلّة المستفادة من الكتاب والسنّة ، وبحسب هذه الأدلّة قد يخرج الفقيه الشيعي بنتيجة تدل على وجوب إقامة الجمعة في عصر الغيبة ، وقد يرى عدمه ، وثالثة يفتي بالوجوب التخييري بينها وبين الظهر ، هذه كُلّها خيارات الفقيه ، ولا يجوز - بحسب مذهب الشيعة - إلزام المجتهد بإحداها تمشيةً لأهواء البعض.

وأمّا أدلّة القائلين بالوجوب أو الجواز فمعروفة وواضحة من الكتاب والسنّة والإجماع ، منها آية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ... ) (1).

منها : الأحاديث المعتبرة الدالّة على وجوب الجمعة مطلقاً ، أعمّ من زمن الحضور والغيبة(2).

وأمّا من لا يرى الوجوب التعييني لصلاة الجمعة في زمن الغيبة ، فقد يعتمد إلى ظهور اشتراط حضور الإمام عليه السلام ، وبسط يده في الروايات ، بحيث يستنبط منها أنّ صلاة الجمعة وإمامتها هي من شؤون الحكومة ، لأنّ خطبتها يجب أن تتناول المواضيع السياسية والاجتماعية التي تهمّ الناس ، ومن المعلوم عدم توفّر هذا الشرط في ظلّ الحكومات الفاسدة.

ص: 185


1- الجمعة : 9.
2- وسائل الشيعة / أبواب صلاة الجمعة.

نعم ، إن قلنا بحصول إذن عام للفقيه الجامع لشرائط الفتوى - نظراً إلى موضوع ولاية الفقيه - أو إذن خاصّ له في إقامة صلاة الجمعة - نظراً إلى الروايات الواردة في المقام - يمكننا القول بوجوب إقامتها في عصر الغيبة.

ثمّ لا يخفى أنّ الرأي المتبع عند المحقّقين المتأخّرين هو الوجوب التخييري بين صلاة الجمعة وفريضة الظهر ، ويعتمد هذا الرأي أساساً على نتيجة التعارض بين عمومات الظهر والجمعة المنتهية إلى التخيير ؛ وللأخذ بالأمر الوجوبي الوارد بالنسبة لإقامة الجمعة ، وبما أنّ الوجوب أعمّ من العيني والتخييري فيبقى الوجوب التخييري بعد انتفاء العيني ؛ ولظهور بعض الروايات الملوّحة بالتخيير(1).

( زين العابدين أيوبي - سوريا - 20 سنة - طالب جامعة )

الأدلّة على رفع اليدين بالتكبير :

س : السادة في مركز الأبحاث العقائدية الأفاضل : أرغب بمعرفة الأدلّة من كتب الفريقين حول عملية ختم الصلاة بالتكبير ثلاث مرّات ، ورفع اليدين عند كُلّ تكبيرة ، علماً بأنّني قرأتها في كتاب مفاتيح الجنان نقلاً عن مصباح المتهجّد ، وأُريد معرفة أدلّة أكثر لو سمحتم ، وجزيتم خيراً.

ج : هناك قاعدة لابدّ من معرفتها ، وهي أنّ مسائل الفروع والفقه لا يطالب المذهب بأدلّتها من كتب المذاهب المختلفة معه حتّى في الأُصول ، وإلاّ لأصبح جميع المختلفين غير مختلفين وعلى مذهب واحد ، ولذلك فإنّنا نقول : إنّ طلب أدلّة الفروع من الفريقين ، وفي جميع التفاصيل غير وارد قطعاً ، ومثال لذلك بأنّ يأتي نصراني ويقول : اثبتوا لي أصل الصلاة ، أو الصيام ، أو الحجّ من الأديان الأُخرى ، فهل تستطيع إثبات ذلك له؟ بل إنّك سوف تجيبه بأنّ هذه الأديان مختلفة في الأُصول ، ولا يمكن بالتالي أنّ يتوافقوا في أدلّة الفروع ، لأنّ مصادر تشريعهم تختلف.

ص: 186


1- الكافي 3 / 421 ، تهذيب الأحكام 3 / 19 ، وسائل الشيعة 7 / 310.

إذاً ، سوف نحتاج إلى إثبات صحّة أحد هذه الأديان أو المذاهب في العقائد ، ومن ثمّ نسلّم بمصادر تشريعها للفروع وهذا واضح ، لأنّ الفروع تتفرّع وتبتني على أُصولها ومنابعها ، وهذا أمر مسلّم لدى الجميع.

ومع ذلك فقد يتّفق في بعض المسائل الفرعية أن تكون متّفقاً عليها لدى الجميع ، وقد يكون لديك حكماً تنفرد به ، ومع ذلك تجد أدلّته في كتب المخالفين ، وقد توجد مسائل لا تجد لها دليلاً لدى المخالف ، بل في نفس المذهب الواحد قد يشذّ أو ينفرد أحد العلماء بقول لا دليل عليه ، حتّى في مذهبه نفسه ، وهذا واضح أيضاً.

ومسألتنا من المسائل التي ننفرد بها عن سوانا ، ولكن سوف نأتي بادلّتها من كتبهم أيضاً إن شاء اللّه تعالى.

فنقول : أمّا الأدلّة من كتب أتباع أهل البيت عليهم السلام فمنها :

1 - عن المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : لأي علّة يكبّر المصلّي بعد التسليم ثلاثاً يرفع بها يديه؟ فقال : « لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لمّا فتح مكّة صلّى بأصحابه الظهر عند الحجر الأسود ، فلمّا سلّم رفع يديه وكبّر ثلاثاً ... » (1).

2 - عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إذا سلّمت فارفع يديك بالتكبير ثلاثاً »(2).

وأمّا من كتب أهل السنّة فمنها :

1 - عن ابن عباس قال : إنّ رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

وقال ابن عباس : كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته(3).

ص: 187


1- علل الشرائع 2 / 360.
2- مستدرك الوسائل 5 / 52.
3- صحيح البخاري 1 / 204 ، مسند أحمد 1 / 367 ، المصنّف للصنعاني 2 / 245 ، صحيح ابن خزيمة 3 / 102.

فلو جمعنا هذه الروايات وجعلناها رواية واحدة ، يتبيّن لنا بأنّ المراد برفع الصوت بالذكر بعد انقضاء الصلاة على عهد النبيّ صلى اللّه عليه وآله هو التكبير.

2 - عن ابن عباس في الحديث السابق قال : ما كنت أعرف انقضاء صلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلاّ بالتكبير(1).

3 - قال ابن حجر العسقلاني عند شرحه للحديث : وفيه دليل على جواز الجهر بالذكر عقب الصلاة ، قال الطبري : فيه الإبانة عن صحّة ما كان يفعله بعض الأمراء من التكبير عقب الصلاة ، وتعقّبه ابن بطال بأنّه لم يقف على ذلك عن أحد من السلف ، إلاّ ما حكاه بن حبيب في الواضحة أنّهم كانوا يستحبّون التكبير في العساكر عقب الصبح والعشاء تكبيراً عالياً ثلاثاً(2).

أمّا مسألة رفع اليدين عن التكبير ، فالأدلّة العامّة تشمل كُلّ تكبير ، وهذا التكبير داخل قطعاً لعدم الفرق بينه وبين كُلّ تكبير في الصلاة ، فإنّه آخر فعل مستحبّ فيها ، فيكون حكمه حكم كُلّ تكبير في الصلاة ، واليك الأحاديث الواردة في شأنها :

1 - عن عمير بن حبيب قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يرفع يديه مع كُلّ تكبيرة في الصلاة المكتوبة(3).

2 - عن قتادة قال : قلت لأنس بن مالك : أرنا كيف صلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ فقام فصلّى فكان يرفع يديه مع كُلّ تكبيرة ، فلمّا انصرف قال : هكذا كانت صلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله(4).

ص: 188


1- مسند أحمد 1 / 222 ، صحيح مسلم 2 / 91 ، سنن أبي داود 1 / 226 ، سنن النسائي 3 / 67.
2- فتح الباري 2 / 269.
3- سنن ابن ماجة 1 / 280 ، المعجم الكبير 17 / 49 ، تاريخ مدينة دمشق 18 / 154.
4- المعجم الأوسط 9 / 105.

ونفهم - من التأكيد على رفع اليدين مع كُلّ تكبيرة وسؤاله عن كيفية الصلاة وأخباره بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يصلّي هكذا - من كُلّ ذلك بأنّ الناس قد تلاعبوا بالصلاة ، وخصوصاً بهذه السنّة التي ركّز عليها قتادة ، وأكّد وجودها أنس ، فأصبحت بعد ذلك من المستغربات والسنن المهجورة عندهم ، فأكّدها ونسبها للنبي صلى اللّه عليه وآله.

3 - عن الذيال بن حرملة قال : سألت جابر بن عبد اللّه الأنصاري : كم كنتم يوم الشجرة؟ قال : كنا ألفاً وأربعمائة ، قال : وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يرفع يديه في كُلّ تكبيرة من الصلاة(1).

4 - عن نافع قال : إنّ عبد اللّه بن عمر كان إذا أبصر رجلاً يصلّي لا يرفع يديه كُلّما خفض ورفع حصبه حتّى يرفع يديه(2).

5 - وأخيراً قال المحدّث الوهّابي الألباني : « وأمّا الرفع من التكبيرات الأُخرى ، ففيه عدّة أحاديث أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يرفع يديه عند كُلّ تكبيرة » (3).

ص: 189


1- مجمع الزوائد 2 / 101 ، التاريخ الكبير 8 / 105.
2- مسند الحميدي 2 / 277.
3- تمام المنّة : 172.

ص: 190

صلاة التراويح :

اشارة

( شهيناز - البحرين - سنّية - 20 سنة - طالبة جامعة )

هي من سنّة عمر لا من سنّة الرسول :

س : لماذا الشيعة لا يصلّون صلاة التراويح؟ وكثير من صلوات السنّة؟ ومن هذا المنطلق أهل السنّة يسمّون الشيعة بالروافض ، لأنّه على حدّ قولهم : أنّ الشيعة يرفضون اتباع سنّة الرسول صلى اللّه عليه وآله.

ج : إنّ اللّه تعالى فرض على عباده الفرائض ، وأوحى بها إلى رسوله صلى اللّه عليه وآله لتبليغ ذلك إلى أُمّته ، فكُلّ صلاة وصيام وحجّ وزكاة وغيرها من الفرائض كانت عن اللّه تعالى ، أوحاها إلى نبيّه صلى اللّه عليه وآله وبلّغها بدوره إلى أُمّته.

وهكذا ، فإنّ أيّة عبادة تسمّى توقيفية ، أي تتوقّف مشروعيتها على استئذان الشارع واعتباره إيّاها ، وما عدا ذلك من صلاة بما أنّها لم تكن من قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله مشرّعة فإنّها بدعة ، والبدعة هي إدخال ما ليس في الدين في الدين.

وعندها فإنّ العبادة التي لم يشرّعها الشارع تعدّ غير مشروعة وغير معتبرة ، ومن يدري فلعلّ ما نفعله دون إذن الشارع من العبادة التي هي التقرّب إلى اللّه تعالى ستكون مبعّدة عن اللّه تعالى ، بل سننال سخطه تعالى وغضبه.

ومن هنا فإنّ الشيعة الإمامية لا تتعدّى النصّ الوارد عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله في إحداث أيّة عبادة لم يأمر بها صلى اللّه عليه وآله ، وليس لأحد الحقّ في تشريع عبادة معيّنة ، فإذا

ص: 191

شرّعها أحد دون النبيّ صلى اللّه عليه وآله صارت تلك العبادة بدعة ، واستحقّ بذلك سخط اللّه تعالى وغضبه.

وهكذا في صلاة التراويح ، فلم يرد فيها نصّ قرآني ولا حديث نبوي حتّى يمكننا أن نقول بشرعية هكذا عبادة ، أمّا إذا كانت مستندة إلى اجتهاد رجل ورأي يرتأيه ، فهذا ما لا تعتبره الإمامية مشروعاً بل تعتبره بدعة.

واليكِ ممّن اعترف بأنّ صلاة التراويح هي ليست من سنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، بل هي من سنّة عمر بن الخطّاب ، وهو أوّل من سنّها وجمع الناس عليها ، كما نصّ عليه الباجي والسيوطي والسكتواري وغيرهم.

وإنّ إقامة النوافل بالجماعات في شهر رمضان من محدثات عمر ، وأنّها بدعة حسنة(1).

( هويدا - ... - ..... )

صلاة ابتدعها عمر :

س : لماذا لا نصلّي التراويح مثل أهل السنّة؟

ج : نعلمك بأنّ صلاة التراويح في الواقع هي صلاة الألف ركعة النافلة في شهر رمضان ، وورد في فضل هذه الصلاة فضل كثير ، ولكن عمر بن الخطّاب أضاف إلى هذه النافلة « الجماعة » ، أي أنّها تصلّى جماعة لا فرادى.

ص: 192


1- كتاب الموطّأ 1 / 114 ، صحيح البخاري 2 / 252 ، السنن الكبرى للبيهقي 2 / 493 ، فتح الباري 4 / 219 ، المدونة الكبرى 1 / 222 ، تنوير الحوالك : 137 ، المغني لابن قدامة 1 / 798 ، الشرح الكبير 1 / 747 ، نيل الأوطار 3 / 63 ، نصب الراية 2 / 174 ، الجامع لأحكام القرآن 2 / 87 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 166 ، تاريخ بغداد 8 / 51 ، سير أعلام النبلاء 10 / 70 ، تاريخ المدينة 2 / 714 ، سبل الهدى والرشاد 1 / 365 ، تحفة الأحوذي 3 / 450 ، المصنّف للصنعاني 4 / 259 ، صحيح ابن خزيمة 2 / 155 ، شرح نهج البلاغة 12 / 159 ، التعديل والتجريح 1 / 46 ، كنز العمّال 8 / 407 ، سبل السلام 2 / 10.

وكما هو المعلوم : أنّ العبادات توقيفية ، أي أنّها تؤدّى كما ذكرها الشارع ، والإضافة على ما جاء به الشارع يكون بدعة ، ولهذا لمّا أضاف عمر الجماعة إلى النافلة وقال : نعمت البدعة.

( محمّد - عمان - 22 سنة - طالب جامعة الطبّ )

أدلّة مشروعيتها عند أهل السنّة :

س : ما هو دليل العامّة على مشروعية صلاة التراويح؟ وما هو ردّنا العلمي على ذلك؟

ج : ابتدع أهل السنّة صلاة التراويح - وهي قيام ليالي شهر رمضان جماعة - ودليلهم : أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي جمع الناس على إمام واحد ، ولم يشرّعها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولم يسنّها بل كانت سنّة عمر.

على أنّ عمر بن الخطّاب قال معترفاً بأنّها ليس من تشريع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بل هي بدعةً ابتدعها ، إلاّ أنّه وصفها أنّها بدعة حسنة.

قال عبد الرحمن بن عبد القاري : « خرجت مع عمر بن الخطّاب ليلة في رمضان إلى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرّقون ، يصلّي الرجل لنفسه ، ويصلّي الرجل فيصلّي بصلاته الرهط.

فقال عمر : إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثمّ عزم فجمعهم على أُبي بن كعب ، قال : ثمّ خرجت معه في ليلة أُخرى والناس يصلّون بصلاة قارئهم ، فقال عمر : نعمت البدعة هذه ... » (1).

على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان قد نهى عنها ، وإليك ما رواه البخاري : حدّثنا عبد الأعلى بن حمّاد قال : حدّثنا وهيب قال : حدّثنا موسى بن عقبة ، عن سالم أبي

ص: 193


1- المغني لابن قدامة 1 / 798 ، تحفة الأحوذي 3 / 450 ، نصب الراية 2 / 174 ، كنز العمّال 8 / 407 ، تلخيص الحبير 4 / 247 ، كتاب الموطّأ 1 / 114 ، تنوير الحوالك : 137 ، الشرح الكبير 1 / 747 ، نيل الأوطار 3 / 63 ، صحيح البخاري 2 / 252 ، فتح الباري 4 / 219 ، المصنّف للصنعاني 4 / 259 ، صحيح ابن خزيمة 2 / 155.

النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن زيد بن ثابت : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله اتخذ حجرة ، قال : حسبت إنّه قال : من حصير في رمضان فصلّى فيها ليالي ، فصلّى بصلاته ناس من أصحابه ، فلمّا علم بهم جعل يقعد ، فخرج إليهم فقال : « قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم ، فصلّوا أيّها الناس في بيوتكم ، فإنّ أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة » (1).

وأنت ترى صراحة نهي النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن الإتيان بهذه الصلاة ، ومن ثمّ اعترف عمر بأنّها لم تسنّ من قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، بل ابتدعها من عنده ، علماً أنّ البدعة : الحدث وما ابتدع من الدين بعد الإكمال.

ومن الغريب تقسيم ابن الأثير البدعة إلى بدعتين : بدعة هدى وبدعة ضلال ، وقال : « وذلك إذا كان في خلاف ما أمر اللّه به ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، ومن هذا النوع قول عمر : نعمت البدعة هذه ، لما كانت من أفعال الخير وداخلة في حيّز المدح سمّاها بدعة ومدحها ، لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يسنّها لهم ، وإنّما صلاّها ليالي ثمّ تركها ولم يحافظ عليها ، ولا جمع الناس لها ، ولا كانت في زمن أبي بكر ، وإنّما عمر جمع الناس عليها وندبهم إليها ... »(2).

وهذا كما ترى من غريب ما يعتذر به ، فاعترافه بدعة وإنّها لم يأمر بها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ولم يسنّها ، دليل كاف على أنّها بدعة ، وكُلّ بدعة ضلالة ، وكُلّ ضلالة في النار.

هذا ما رووه أهل السنّة فضلاً عن الشيعة ، فكيف تكون بعد ذلك البدعة نوعان : بدعة هدى وبدعة ضلال؟ وهذا العذر يمكن أن يعتذر به كُلّ أحد ، فإذا قلنا للسارق لماذا سرقت؟ قال : السرقة نوعان : سرقة حرام وسرقة حلال ، وهذه سرقتي حلال ، فعلتها طلباً لقوت أطفالي ، وهكذا يمكن أن يفتح باباً للاعتذار عن كُلّ ذنب ومعصية ، ولا يحقّ لأحد الاعتراض عليه بعد ذلك.

ص: 194


1- صحيح البخاري 1 / 178.
2- النهاية في غريب الحديث 1 / 106.

على أنّه يمكن لأيّ أحد أن يبتدع صلاةً معيّنة ، أو عملاً معيّناً ويقول : هي بدعة ، ولكن نعمت البدعة هذه ... كما فعل من قبلي عمر!!

وأنت تعلم أنّ العبادة أمر توقيفي ، أي أنّها موقوفة من قبل الشارع ، فما لم يأمر به الشارع فلا يجوز الإتيان به ، فكيف نتعبّد بأمرٍ نهى عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟!

أليس العبادة هي التقرّب إلى اللّه تعالى ، فكيف نتقرّب إلى اللّه بشيء مبغوض ، فإنّ الأمر المنهي عنه مبغوض عند اللّه ، إذ لا ينهي النبيّ عن شيء إلاّ كونه مبغوض ، فكيف نتقرّب إلى اللّه بشيء مبغوض؟!

وهل فات النبيّ صلى اللّه عليه وآله تشريع صلاة التراويح؟ إذا كانت مندوبة عند اللّه تعالى ومطلوبة ، فهل غفل عن ذلك النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسبقه إلى ذلك عمر؟! سؤال نطرحه إلى كُلّ من رأى محبوبية صلاة التراويح وتشريعها.

فإننا أتباع سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وليس سنّة أحد ، فكُلّ سنّة دون سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بدعة ، وكُلّ بدعة ضلالة ، وكُلّ ضلالة في النار.

أعاذنا اللّه وإيّاك من البدع ، ووفّقنا للعمل بسنّة رسوله صلى اللّه عليه وآله.

( عبد اللّه - الكويت - 28 سنة - خرّيج ثانوية )

تعقيب على الجواب السابق :

س : تحية طيّبة ، وبعد :

أقول : لقد تقدّم القول : إنّ البدعة - في المعنى الاصطلاحي الشرعي - هي إدخال ما ليس من الدين في الدين ، وهذا التعريف - أي الإدخال في الدين - يحتمل معنى الزيادة ومعنى الإنقاص أيضاً.

ولنبدأ بتعريف صلاة التراويح : هي النافلة جماعة في ليالي شهر رمضان ، وإنّما سمّيت تراويح للاستراحة فيما بعد كُلّ أربع ركعات.

نبحث بما روى عن الرسول صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « أيّها الناس إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في الجماعة بدعة ، وصلاة الضحى بدعة ، ألا فلا تجتمعوا ليلاً في شهر رمضان لصلاة الليل ، ولا تصلّوا صلاة الضحى فإنّ تلك

ص: 195

معصية ، ألا فإنّ كُلّ بدعة ضلالة ، وكُلّ ضلالة سبيلها إلى النار » ثّم نزل صلى اللّه عليه وآله وهو يقول : « قليل في سنّة خير من كثير في بدعة » (1).

وروي عن زيد بن ثابت قال : احتجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حجيرة مخصفة أو حصيراً ، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إليها ، فتتبع إليه رجال وجاءوا يصلّون بصلاته ، ثمّ جاءوا إليه فحضروا ، وأبطأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عنهم ، فلم يخرج إليهم ، فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب ، فخرج إليهم مغضباً ، فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « ما زال بكم صنيعكم حتّى ظننت أنّه سيكتب عليكم ، فعليكم بالصلاة في بيوتكم ، فإنّ خير صلاة المرء في بيته ، إلاّ الصلاة المكتوبة » (2).

وعن أنس قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يصلّي في رمضان ، فجئت فقمت إلى جنبه ، وجاء رجل فقام أيضاً حتّى كنّا رهط ، فلمّا أحسّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّا خلفه جعل يتجوّز في الصلاة ، ثمّ دخل رحله فصلّى صلاة لا يصلّيها عندنا ، قال : قلنا له حين خرج : أفطنت بنا الليلة؟ فقال : « نعم ، ذاك الذي حملني على الذي صنعت » (3).

وعن أبي سلمة ، أنّه سأل عائشة : كيف كانت صلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في رمضان؟

فقالت : ما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يزيد في رمضان ولا في غيرها على إحدى عشرة ركعة ، يصلّي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثمّ يصلّي أربعاً فلا تسألوا عن حسنهن وطولهن ، ثمّ يصلّي ثلاثاً.

فقالت عائشة : فقلت : يا رسول اللّه ، أتنام قبل أن توتر؟ قال : « يا عائشة! إنّ عيني تنامان ، ولا ينام قلبي » (4). .

ص: 196


1- من لا يحضره الفقيه 2 / 137 ، الاستبصار 1 / 468 ، تهذيب الأحكام 3 / 70.
2- صحيح البخاري 7 / 99 ، صحيح مسلم 2 / 188 ، المعجم الكبير 5 / 144.
3- صحيح مسلم 3 / 134.
4- الموطّأ 1 / 120 ، صحيح البخاري 2 / 47 و 252 ، صحيح مسلم 2 / 166 ، سنن أبي داود 1 / 301.

وسُئل عمر عن الصلاة في المسجد فقال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « الفريضة في المسجد ، والتطوّع في البيت »(1).

ومثل هذه الأحاديث الصحيحة كثيرة جدّاً في كتب أرباب الحديث ، ولكن الغريب أنّ بعضهم قال : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أتى بها ثمّ تركها من غير نسخ ، وهو يتعارض مع قوله صلى اللّه عليه وآله : « فعليكم بالصلاة في بيوتكم » ، وقوله صلى اللّه عليه وآله : « ذلك الذي حملني على الذي صنعت » ، وغضبه لاجتماعهم في النافلة ، لا يعني مطلقاً أنّ التراويح كانت عملاً جائزاً.

والأغرب من هذا كُلّه ، أنّ كتب الحديث والتاريخ تقول : أنّ صلاة التراويح من مبدعات عمر بن الخطّاب ... فلماذا هذه الدعاوى وهذه التعاليل؟!

ولذا ، فإنّ صلاة التراويح لم يشرّعها الشارع المقدّس بل هي بدعة ، وقد روي عنه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « من رغب عن سنّتي فليس منّي »(2).

ومن أقوال علماء أهل السنّة بأنّ صلاة التراويح هي من فعل عمر بن الخطّاب ، وليست من عمل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

قال أبو الوليد محمّد بن الشحنة حيث ذكر وفاة عمر في حوادث سنة 33 من تاريخه : « هو أوّل من نهى عن بيع أُمّهات الأولاد ، وجمع الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز ، وأوّل من جمع الناس على إمام يصلّي بهم التراويح ، الخ ».

ولما ذكر السيوطي في تاريخه أوّليات عمر نقلاً عن العسكري قال : « هو أوّل من سمّي أمير المؤمنين ... ، وأوّل من سنّ قيام شهر رمضان - بالتراويح - ... ، وأوّل من حرّم المتعة ... ، وأوّل من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات ... » (3).

وقال ابن سعد : « وهو أوّل من سنّ قيام شهر رمضان - بالتراويح - وجمع الناس على ذلك ، وكتب به إلى البلدان ، وذلك في شهر رمضان سنة أربع

ص: 197


1- الجامع الصغير 2 / 231 ، كنز العمّال 7 / 771 و 8 / 384.
2- صحيح البخاري 6 / 116 ، صحيح مسلم 4 / 129 ، سنن النسائي 6 / 60.
3- الإمامة والسياسة : 126.

عشرة ، وجعل للناس بالمدينة قارئين ، قارئاً يصلّي بالرجال ، وقارئاً يصلّي بالنساء ... » (1).

وقال الشوكاني : « وقال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم : الأفضل فرادى في البيت لقوله صلى اللّه عليه وآله : « أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة » متّفق عليه.

وقالت العترة : إنّ التجميع فيها بدعة (2).

أضف إلى هذا ، أنّ إعفاء النافلة من الجماعة يمسك على البيوت حظّها من البركة والشرف بالصلاة فيها ، ويمسك عليها حظّها من تربية الناشئة على حبّها والنشاط لها ، ذلك لمكان القدوة في عمل الآباء والأُمّهات ، والأجداد والجدّات ، وتأثيره في شدّ الأبناء إليها شدّاً يرسخها في عقولهم وقلوبهم.

وقال عبد اللّه بن سعد : سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أيّما أفضل : الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ فقال صلى اللّه عليه وآله : « ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد! فلأن أصلّي في بيتي أحبّ إليّ من أن أصلّي في المسجد ، إلاّ أن تكون صلاة مكتوبة » (3).

وعن زيد بن ثابت : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله ... فقال صلى اللّه عليه وآله : » ... فصلّوا أيّها الناس في بيوتكم ، فإنّ أفضل صلاة المرء في بيته ، إلاّ الصلاة المكتوبة » (4).

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أكرموا بيوتكم ببعض صلاتكم » (5). .

ص: 198


1- الطبقات الكبرى 3 / 281.
2- نيل الأوطار 3 / 60.
3- سنن ابن ماجة 1 / 439 ، الآحاد والمثاني 2 / 145 ، مسند الشاميين 2 / 159.
4- مسند أحمد 5 / 182 ، صحيح البخاري 1 / 178 و 8 / 142 ، سنن النسائي 3 / 198 ، السنن الكبرى للبيهقي 2 / 494 و 3 / 109.
5- المستدرك 1 / 313 ، المصنّف للصنعاني 1 / 393 ، صحيح ابن خزيمة 2 / 213 ، الجامع الصغير 1 / 212.

وعنه صلى اللّه عليه وآله قال : « مثل الذي يذكر اللّه فيه والبيت الذي لا يذكر اللّه فيه مثل الحيّ والميت »(1).

وعن جابر قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده ، فليجعل لبيته نصيباً من صلاته ، فإنّ اللّه جاعل في بيته من صلاته خيراً »(2).

وما روي عن ابن أبي الحديد : أنَّ الإمام عليه السلام بعث الحسن عليه السلام ليفرّقهم عن الجماعة في نافلة رمضان.

ففي شرح النهج : « روي أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا اجتمعوا إليه بالكوفة ، فسألوه أن ينصب لهم إماماً يصلّي بهم نافلة شهر رمضان ، زجرهم وعرّفهم أنّ ذلك خلاف السنّة فتركوه ، واجتمعوا لأنفسهم وقدّموا بعضهم ، فبعث إليهم ابنه الحسن عليه السلام ، فدخل عليهم المسجد ومعه الدرّة ، فلمّا رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا : وا عمراه »(3).

ومن خلال التأمّل في الروايات المتقدّمة ، تراها أجمعت على النهي عن أداء صلاة التراويح جماعة ، غاية الأمر أنَّ بعض الروايات أرجعت النهي إلى أسباب خشية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن تكتب عليهم أي أن تفرض عليهم فتكون جزءً من التشريع بتلك الكيفية.

فأعترف بأنّها بدعة وخلاف السنّة ، وهم يروون عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « كُلّ بدعة ضلالة ، وكُلّ ضلالة في النار » (4).

وأقول لمن يريد الحقّ : فليراجع المصادر ، ويبتعد عن التعصّب والجاهلية ، وليعلم بأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال لأصحابه : « ذَرُوني ما تركتكم ، فإنّما هلك

ص: 199


1- مسند أبي يعلى 13 / 291 ، الجامع الصغير 2 / 528 ، كشف الخفاء 2 / 197.
2- مسند أحمد 3 / 316 ، صحيح مسلم 2 / 187 ، المصنّف لابن أبي شيبة 2 / 157 ، مسند أبي يعلى 3 / 446.
3- شرح نهج البلاغة 12 / 283.
4- سنن النسائي 3 / 189 ، السنن الكبرى للنسائي 1 / 550 و 3 / 450 ، صحيح ابن خزيمة 3 / 143.

من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، ما نهيتكم عنه فانتهوا ، وما أمرتكم فأتوا منه ما استطعتم »(1) ، ثمّ يقول في الحديث التالي : « مَن أطاعني فقد أطاع اللّه ، ومَن عصاني فقد عصى اللّه »(2).

ويقول اللّه تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَا نْتَهُوا ) (3) ، وقال أيضاً : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (4).

وأخيراً ، نسأل اللّه تعالى أن يجمعنا على كلمة الحقّ.

( أبو علي - الكويت - .... )

نهى عنها الإمام علي عليه السلام :

السؤال : بعد الصلاة على محمّد وآله الطيبين الطاهرين ، لماذا لم ينه الإمام علي عليه السلام عن صلاة التراويح على الرغم من أنّه عليه السلام لم تأخذه بالحقّ لومة لائم؟ وكان أوّل فعله عند استلامه للخلافة أن عزل الولاة الظالمين ، ومنهم الملعون معاوية بن أبي سفيان ، حيث لم ينتظر أمير المؤمنين عليه السلام أن تثبت له أركان الخلافة ، فلم لم ينه عن هذه الصلاة البدعة؟

ج : لمّا ولي الإمام علي عليه السلام أُمور المسلمين ، وجد صعوبة كبيرة في إرجاع الناس إلى السنّة النبوية الشريفة ، وحظيرة القرآن الكريم ، وحاول جهده أن يزيل البدع التي أُدخلت في الدين ، ومنها صلاة التراويح ، ولكن بعضهم صاح : وا عمراه.

ص: 200


1- مسند أحمد 2 / 247 و 428 و 457 و 508 ، صحيح مسلم 4 / 102 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 103 ، المعجم الأوسط 6 / 136.
2- مسند أحمد 2 / 252 و 270 و 416 و 467 ، صحيح البخاري 4 / 8.
3- الحشر : 7.
4- المائدة : 11.

روى ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج ، حيث قال : « وقد روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا اجتمعوا إليه بالكوفة ، فسألوه أن ينصب لهم إماماً يصلّي بهم نافلة شهر رمضان ، زجرهم وعرّفهم أنّ ذلك خلاف السنّة فتركوه ، واجتمعوا لأنفسهم وقدّموا بعضهم ، فبعث إليهم ابنه الحسن عليه السلام ، فدخل عليهم المسجد ومعه الدرّة ، فلمّا رأوه تبادروا الأبواب ، وصاحوا : وا عمراه » (1).

وقال الإمام علي عليه السلام : « قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله متعمّدين لخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيّرين لسنّته ، ولو حملت الناس على تركها ... إذاً لتفرّقوا عنّي ، واللّه لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة ، وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي : يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر! ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً ، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ... »(2).

( أحمد محمّد - البحرين - 22 سنة - طالب جامعة )

وفرقها مع صلاة جعفر الطيّار :

س : إذا كانت صلاة التراويح بدعة ، فما هو اختلافها مع صلاة جعفر الطيّار؟

ج : لاشكّ أنّ كلا الصلاتين - صلاة التراويح وصلاة جعفر الطيّار - من الصلوات المستحبّة ، بمعنى ورد من الشارع المقدّس استحباب بإتيانهما ، كما ورد من الشارع المقدّس أنّ الصلوات المستحبّة لا تصلّى إلاّ فرادى ، ولو صلّيت جماعة تكون باطلة.

ص: 201


1- شرح نهج البلاغة 12 / 283.
2- الكافي 8 / 59.

وعليه ، باعتبار أنّ صلاة التراويح عند أهل السنّة تصلّى جماعة لا فرادى ، فتكون باطلة وغير صحيحة.

وكما هو معلوم : أنّ صلاة التراويح - التي هي صلاة ألف ركعة تصلّى في ليالي شهر رمضان - إنّما صلّيت جماعة بعدما كانت تصلّى فرادى ، بأمر من عمر بن الخطّاب ، لا بأمر من الشارع المقدّس ، وعمر ليس له حقّ التشريع ، فصار إتيانها جماعة بدعة.

وقد اعترف عمر بنفسه بأنّها بدعة ، ولكن عبّر عن هذه البدعة ب- : « نعمت البدعة » ، بينما صلاة جعفر الطيّار ليست كذلك ، فإنّها تؤدّى فرادى لا جماعة.

ص: 202

الصلاة عند القبور :

اشارة

( إبراهيم - السعودية - .... )

ليست محرّمة :

س : هل تجوز الصلاة عند القبور؟ وشكراً.

ج : قد جرت السيرة المطّردة من صدر الإسلام - منذ عصر الصحابة الأوّلين ، والتابعين لهم بإحسان - على زيارة قبور ، ضمّنت في كنفها نبيّاً مرسلاً ، أو إماماً طاهراً ، أو وليّاً صالحاً ، أو عظيماً من عظماء الدين ، وفي مقدّمها قبر النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله.

وكانت الصلاة لديها ، والدعاء عندها ، والتبرّك والتوسّل بها ، والتقرّب إلى اللّه ، وابتغاء الزلفة لديه بإتيان تلك المشاهد من المتسالم عليه بين فرق المسلمين ، من دون أيّ نكير من آحادهم ، وأيّ غميزة من أحد منهم على اختلاف مذاهبهم ، حتّى ولد ابن تيمية الحرّاني ، فجاء كالمغمور مستهتراً يهذي ولا يبالي ، فأنكر تلكم السنّة الجارية ، وخالف هاتيك السيرة المتبعة ، فإذاً دليل جواز الصلاة عند القبور سيرة المسلمين.

وأمّا حديث ابن عبّاس : لعن رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وآله زائرات القبور ، والمتّخذين عليها المساجد والسُرُج(1) ، فالظاهر والمتبادر من اتّخاذ المسجد على القبر هو السجود

ص: 203


1- مسند أحمد 1 / 229 ، سنن أبي داود 2 / 87 ، الجامع الكبير 1 / 201 ، سنن النسائي 4 / 95.

على نفس القبر ، وهذا غير الصلاة عند القبر ، هذا لو حملنا المساجد على المعنى اللغوي.

وأمّا لو حملناها على المعنى الاصطلاحي ، فالمذموم اتّخاذ المسجد عند القبور ، لا مجرّد إيقاع الصلاة ، كما هو المتعارف بين المسلمين ، فإنّهم لا يتّخذون المساجد على المراقد ، فإنّ اتّخاذ المسجد ينافي الغرض في إعداد ما حول القبر إعانة للزوّار على الجلوس لتلاوة القرآن وذِكر اللّه والدعاء والاستغفار ، بل يُصَلُّون عندها ، كما يأتون بسائر العبادات هنالك.

هذا ، مع أنّ اللعن غير دالٍّ على الحرمة ، بل يجامع الكراهةَ أيضاً.

( .... - البحرين - .... )

الأدلّة على جوازها :

س : ما هو ردّكم على كلام ابن تيمية حيث قال : لم يقل أحد من أئمّة السلف أنّ الصلاة عند القبور وفي مشاهد القبور مستحبّة ، أو فيها فضيلة ، ولا أنّ الصلاة هناك والدعاء أفضل من الصلاة في غير تلك البقعة والدعاء ، بل اتفقوا كُلّهم على أنّ الصلاة في المساجد والبيوت أفضل من الصلاة عند القبور(1).

ج : إنّ ما دلّ على جواز الصلاة والدعاء في كُلّ مكان يدلّ بإطلاقه على جواز الصلاة ، والدعاء عند قبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله وقبور سائر الأنبياء والصالحين أيضاً ، ولا يشكّ في الجواز من له أدنى إلمام بالكتاب والسنّة ، وإنّما الكلام هو في رجحانها عند قبورهم.

فنقول في هذا المجال : إنّ إقامة الصلاة عند تلك القبور لأجل التبرّك بمن دفن فيها ، وهذه الأمكنة مشرّفة بهم ، وقد تحقّق شرف المكان بالمكين ، وليست الصلاة - في الحقيقة - إلاّ لله تعالى لا للقبر ولا لصاحبه ، كما أنّ الصلاة في

ص: 204


1- رسالة القبور 1 / 28.

المسجد هي لله أيضاً ، وإنّما تكتسب الفضيلة بإقامتها هنا لشرف المكان ، لا أنّها عبادة للمسجد.

فالمسلمون يصلّون عند قبور من تشرّفت بمن دفن فيها لتنالهم بركة أصحابها الذين جعلهم اللّه مباركين ، كما يصلّون عند المقام الذي هو حجر شرف بملامسة قدمي إبراهيم الخليل عليه السلام لها.

قال اللّه تعالى : ( وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ... ) (1) ، فليس لاتخاذ المصلّى عند ذلك المقام الشريف سبب إلاّ التبرّك بقيام إبراهيم عليه السلام عليه ، وهم يدعون اللّه عند القبور لشرفها بمن دفن فيها ، فيكون دعاؤهم عندها أرجى للإجابة وأقرب للاستجابة ، كالدعاء في المسجد أو الكعبة أو أحد الأمكنة ، أو الأزمنة التي شرّفها اللّه تعالى.

والحاصل : أنّه يكفي في جواز الصلاة الاطلاقات والعمومات الدالّة على أنّ الأرض جعلت لأُمّة محمّد مسجداً وطهوراً.

وأمّا الرجحان فللتبرّك بالمكان المدفون فيه النبيّ أو الولي ذي الجاه عند اللّه ، كالتبرّك بمقام إبراهيم ، أفلا يكون المكان الذي بورك بضمّه لجسد النبيّ الطاهر مباركاً ، مستحقّاً لأن تستحبّ عنده الصلاة وتندب عبادة اللّه فيه.

والعجب أنّ ابن القيّم جاء في كتابه زاد المعاد بما يخالف عقيدته ، وعقيدة أُستاذه ابن تيمية إذ قال : « وأنّ عاقبة صبر هاجر وابنها على البعد والوحدة ، والغربة والتسليم إلى ذبح الولد آلت إلى ما آلت إليه ، من جعل آثارهما ومواطئ أقدامهما مناسك لعباده المؤمنين ، ومتعبّدات لهم إلى يوم القيامة ، وهذه سنّته تعالى فيمن يريد رفعه من خلقه »(2).

ص: 205


1- البقرة : 125.
2- زاد المعاد 1 / 75.

فإذا كانت آثار إسماعيل وهاجر لأجل ما مسّها من الأذى مستحقّة لجعلهما مناسك ومتعبّدات ، فآثار أفضل المرسلين الذي قال : « ما أوذي نبيّ قطّ كما أوذيت » لا تستحقّ أن يعبد اللّه فيها ، وتكون عبادة اللّه عندها ، والتبرّك بها شركاً وكفراً؟ كيف وقد كانت عائشة ساكنة في الحجرة التي دفن فيها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وبقيت ساكنة فيها بعد دفنه ودفن صاحبيه ، وكانت تصلّي فيها ، وهل كان عملها هذا عبادة لصاحب القبر يا ترى؟!

( ... - .... - .... )

لا ينافي قول : اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد :

س : هناك أحاديث عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله تنهى عن الصلاة عند القبور ، حيث ورد عنه : « قاتل اللّه اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (1) ، فأرجو الردّ.

ج : لا يخفى عليكم أنّ تاريخ اليهود لا يتّفق مع مضامين هذا الحديث ، لأنّ سيرتهم قد قامت على قتل الأنبياء وتشريدهم وإيذائهم إلى غير ذلك من أنواع البلايا التي كانوا يصبّونها على أنبيائهم.

ويكفي في ذلك قوله تعالى : ( لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ) (2).

وقوله تعالى : ( قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (3).

وقوله تعالى : ( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ ... ) (4).

ص: 206


1- صحيح البخاري 1 / 113 ، صحيح مسلم 2 / 67.
2- آل عمران : 181.
3- آل عمران : 183.
4- النساء : 155.

أفتزعم أنّ أُمّة قتلت أنبياءها في مواطن مختلفة تتحوّل إلى أُمّة تشيّد المساجد على قبور أنبيائها تكريماً وتبجيلاً لهم؟ وعلى فرض صدور هذا العمل عن بعضهم ، فللحديث محتملات أُخرى غير الصلاة فيها والتبرّك بصاحب القبر ، وهي :

1 - اتخاذ القبور قبلة.

2 - السجود على القبور تعظيماً لها ، بحيث يكون القبر مسجوداً عليه.

3 - السجود لصاحب القبر بحيث يكون هو المسجود له ، فالقدر المتيقّن هو هذه الصور الثلاث لا بناء المسجد على القبور تبرّكاً بها.

والشاهد على ذلك أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حسب بعض الروايات يصف هؤلاء بكونهم شرار الناس.

أخرج مسلم : إنّ أُمّ حبيبة وأُمّ سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة ، فيها تصاوير لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إنّ أُولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً ، وصوّروا فيه تلك الصور ، أُولئك شرار الخلق عند اللّه يوم القيامة » (1) ، إنّ وصفهم بشرار الخلق يميط اللثام عن حقيقة عملهم ، إذ لا يوصف الإنسان بالشرّ المطلق إلاّ إذا كان مشركاً - وإن كان في الظاهر من أهل الكتاب - قال تعالى : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ) (2).

وقال : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (3) ، وهذا يعرب عن أنّ عملهم لم يكن صرف بناء المسجد على القبر والصلاة فيه ، أو مجرد إقامة الصلاة عند القبور ، بل كان عملاً مقروناً بالشرك بألوانه ، وهذا كما في اتخاذ القبر مسجوداً له ، أو مسجوداً عليه ، أو قبلة يصلّي عليه.

ص: 207


1- صحيح مسلم 2 / 66.
2- الأنفال : 22.
3- الأنفال : 55.

قال القرطبي : « وروى الأئمّة عن أبي مرثد الغنوي قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « لا تصلّوا إلى القبور ، ولا تجلسوا عليها » ، أي لا تتخذوها قبلة فتصلّوا عليها أو إليها ، كما فعل اليهود والنصارى ، فيؤدّي إلى عبادة من فيها » (1).

إنّ الصلاة عند قبر الرسول صلى اللّه عليه وآله إنّما هو لأجل التبرّك بمن دفن ، ولا غرو فيه وقد أمر سبحانه الحجيج باتخاذ مقام إبراهيم مصلّى ، قال تعالى : ( وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) (2).

إنّ الصلاة عند قبور الأنبياء كالصلاة عند مقام إبراهيم عليه السلام ، غير أنّ جسد النبيّ إبراهيم عليه السلام لامس هذا المكان مرّة أو مرّات عديدة ، ولكن مقام الأنبياء احتضن أجسادهم التي لا تبلى أبداً.

هذا وأنّ علماء الإسلام فسّروا الروايات الناهية بمثل ما قلناه ، قال البيضاوي : « لمّا كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيماً لشأنهم ، ويجعلونها قبلة يتوجّهون في الصلاة نحوها ، واتخذوها أوثاناً ، لعنهم ، ومنع المسلمين عن مثل ذلك.

فأمّا من اتخذ مسجداً في جوار صالح ، وقصد التبرّك بالقرب منه لا للتعظيم له ، ولا للتوجّه ونحوه ، فلا يدخل في ذلك الوعيد »(3).

وقال السندي شارح سنن النسائي : « ومراده بذلك أن يحذّر صلى اللّه عليه وآله أُمّته أن يصنعوا بقبره ما صنع اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم من اتخاذ تلك القبور مساجد ، إمّا بالسجود إليها تعظيماً لها ، أو بجعلها قبلة يتوجّهون في الصلاة إليها »(4).

ص: 208


1- الجامع لأحكام القرآن 10 / 280.
2- البقرة : 125.
3- فتح الباري 1 / 438 ، فيض القدير 5 / 320.
4- حاشية السندي على النسائي 2 / 41.

الصوم :

اشارة

( حسن - عمان - .... )

الإفطار في السفر واجب :

س : كيف يمكن الردّ على من يقول : أنّ الإفطار في السفر ليس واجباً بل هو اختياري ، وهو يعتمد على قوله تعالى : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (1) ، أرجو أن يكون الردّ مفصّلاً.

ج : اتّفقت كلمة الفقهاء من الفريقين على مشروعية الإفطار في السفر تبعاً للذكر الحكيم ، والسنّة المتواترة ، إلاّ أنَّهم اختلفوا في كونه عزيمة أو رخصة ، نظير الخلاف في كون القصر فيه جائزاً أو واجباً.

ذهبت الإمامية - تبعاً لأئمّة أهل البيت عليهم السلام - والظاهرية إلى كون الإفطار عزيمة ، واختاره من الصحابة : عبد الرحمن بن عوف ، وعمر وابنه عبد اللّه ، وأبو هريرة ، وعائشة ، وابن عباس ، ومن التابعين : سعيد بن المسيّب ، وعطاء ، وعروة بن الزبير ، وشعبة ، والزهري ، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر ، ويونس ابن عبيد وأصحابه(2).

وذهب جمهور أهل السنّة - وفيهم فقهاء المذاهب الأربعة - إلى كون الإفطار رخصة ، وإن اختلفوا في أفضلية الإفطار والصوم.

ص: 209


1- البقرة : 184.
2- أُنظر : المحلّى 6 / 258 ، المصنّف للصنعاني 2 / 567.

ويدلّ على كون الإفطار في السفر عزيمة : الكتاب والسنّة ثمّ إجماع الإمامية والظاهرية ، أمّا الكتاب فيدلّ عليه قوله سبحانه : ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (1).

استثنى سبحانه صنفين : المريض والمسافر ، والفاء للتفريع ، والجملة متفرّعة على قوله : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) وعلى قوله : ( أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ) فنبّه بالاستثناء على أنّه لو عرض عارض - من مرض أو سفر - فهو يوجب ارتفاع حكم الصوم ، وقضاءه بعد شهر رمضان ( فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) .

وعلى هذا المعنى فالآية بدلالتها المطابقية تفرض عليهما القضاء الذي هو يلازم عدم فرض الصيام عليهما ، وهذا يدلّ على أنّ الإفطار عزيمة ، إذ المكتوب عليهما من أوّل الأمر هو القضاء.

هذا وتظافرت السنّة المتواترة الواردة من طرق الشيعة والسنّة على أنّ الإفطار في السفر عزيمة ، ونذكر من كُلّ من الفريقين حديثين للاختصار ، وإذا أردت المزيد فعليك بكتاب البدعة للشيخ السبحاني :

1 - عن الزهري عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : « وأمّا صوم السفر والمرض ، فإنّ العامّة قد اختلفت في ذلك ، فقال : يصوم ، وقال آخرون : لا يصوم ، وقال قوم : إن شاء صام ، وإن شاء أفطر ، وأمّا نحن فنقول : يُفطر في الحالين جميعاً ، فإن صام في حال السفر أو في حال المرض فعليه القضاء ، فإنّ اللّه تعالى يقول : ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) فهذا تفسير الصيام »(2).

2 - عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : « سمّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قوماً صاموا حين أفطر وقصّر : عُصاة ، وقال : هُم العصاة إلى يوم القيامة ، وإنّا لنعرف أبناء أبنائهم إلى يومنا هذا » (3).

ص: 210


1- البقرة : 184.
2- وسائل الشيعة 10 / 174.
3- الكافي 4 / 128 ، من لا يحضره الفقيه 1 / 435 و 2 / 141 ، تهذيب الأحكام 4 / 217.

وأمّا ما رواه أهل السنّة في مجال الإفطار :

1 - عن جابر بن عبد اللّه : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خرج عام الفتح إلى مكّة في رمضان ، فصام حتّى بلغ كراع الغميم فصام الناس ، ثمّ دعا بقدح من ماء فرفعه حتّى نظر الناس إليه ثمّ شرب ، فقيل له بعد ذلك : إنّ بعض الناس قد صام؟ فقال : « أُولئك العصاة ، أُولئك العصاة »(1).

وهذا الحديث صريح في أنّ الصوم في السفر معصية لا يجوز.

2 - عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر »(2).

هذا وإن استدلّ القائلون بكون الإفطار في السفر رخصة لا عزيمة بقوله تعالى : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) فالآية راجعة إلى المسافر ، فهو يدلّ مضافاً إلى جواز الصيام في السفر ، يدلّ على أفضليته فيه ، وينتج أنّ الإفطار رخصة والصيام أفضل.

ولكن يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ الاستدلال إنّما يتمّ لو لم نقل بأنّ الآية الثانية ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ... ) (3) ناسخة للآية المتقدّمة برمّتها ، ومنها قوله : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) ، وإلاّ فعلى القول بالنسخ - كما رواه البخاري - يسقط الاستدلال ، وإليك ما روى : قال : باب ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ) (4) قال ابن عمر وسلمة بن الأكوع : نسختها ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ... ) (5).

ص: 211


1- صحيح مسلم 3 / 141 ، مسند أبي يعلى 3 / 400 ، صحيح ابن خزيمة 3 / 255 ، صحيح ابن حبّان 6 / 423.
2- سنن ابن ماجة 1 / 532 ، الجامع الصغير 2 / 91 ، كنز العمّال 8 / 503 ، الدرّ المنثور 1 / 191.
3- البقرة : 185.
4- البقرة : 184.
5- صحيح البخاري 2 / 238.

وثانياً : إنّ الاستدلال مبنيّ على أن لا يكون قوله سبحانه : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) ناسخاً لقوله : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ له ) كما رواه البخاري عن ابن أبي ليلى ، أنّه حدّثه أصحاب محمّد صلى اللّه عليه وآله : نزل رمضان فشقّ عليهم ، فكان من أطعم كُلّ يوم مسكيناً ترك الصوم ممّن يطيقه ورخّص لهم في ذلك ، فنسختها : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) فأمروا بالصوم(1).

إذ على هذا التفسير لا صلة بالمنسوخ والناسخ بالمسافر ، بل كلاهما ناظران إلى الحاضر ، فقد كان من يطيقه تاركاً للصوم مقدّماً للفدية ، فنزل الوحي وأمرهم بالصوم ، فأيّ صلة له بالموضوع.

وثالثاً : مع غضّ النظر عمّا سبق من الأمرين ، وتسليم أنّ الآية ليس فيها نسخ - كما هو الحقّ - نقول : إنّ قوله : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) حضّ على الصيام ودعوة إلى تلك العبادة ، من غير نظر إلى المريض والمسافر والمطيق ، وإنّما هو خروج عن الآية بإعطاء بيان حكم كُلّي ، وهو أنّ الصيام خير للمؤمنين ، وليس عليهم أن يتخلّوا عنه لأجل تعبه ، ولأجل ذلك يقول : ( إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) .

قال العلاّمة الطباطبائي : « قوله تعالى : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) جملة متمّمة لسابقتها ، والمعنى بحسب التقدير : تطوّعوا بالصوم المكتوب عليكم ، فإنّ التطوّع بالخير خير ، والصوم خير لكم ، فالتطوّع به خير على خير.

وربما يقال : إنّ قوله : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) خطاب للمعذورين دون عموم المؤمنين المخاطبين بالفرض والكتابة ، فإنّ ظاهرها رجحان فعل الصوم غير المانع من الترك ، فيناسب الاستحباب دون الوجوب ، ويحمل على رجحان الصوم واستحبابه على أصحاب الرخصة من المريض والمسافر ، فيستحبّ عليهم اختيار الصوم على الإفطار والقضاء.

ص: 212


1- المصدر السابق 2 / 239.

ويرد عليه : عدم الدليل عليه أوّلاً ، واختلاف الجملتين ، أعني قوله : ( فَمَن كَانَ مِنكُم ... ) ، وقوله : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) بالغيبة والخطاب ثانياً ، وأنّ الجملة الأُولى ليست مسوقة لبيان الترخيص والتخيير ، بل ظاهر قوله : ( فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) تعيّن الصوم في أيّام أُخر كما مرّ ثالثاً.

وأنّ الجملة الأُولى على تقدير ورودها لبيان الترخيص في حقّ المعذور لم يذكر الصوم والإفطار حتّى يكون قوله : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) بياناً لأحد طرفي التخيير ، بل إنّما ذكرت صوم شهر رمضان ، وصوم عدّة من أيّام أُخر ، وحينئذ لا سبيل إلى استفادة ترجيح صوم شهر رمضان على صوم غيره ، من مجرد قوله : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) من غير قرينة ظاهرة رابعاً.

وأنّ المقام ليس مقام بيان الحكم حتّى ينافي ظهور الرجحان كون الحكم وجوبياً ، بل المقام - كما مرّ سابقاً - مقام بيان ملاك التشريع ، وإنّ الحكم المشرّع لا يخلو عن المصلحة والخير والحسن ، كما في قوله تعالى : ( فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ ) (1) ، وقوله تعالى : ( فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ ) (2) ، وقوله تعالى : ( تُؤْمِنُونَ باللّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (3) ، والآيات من ذلك كثيرة »(4).

( محمّد - ... - 24 سنة )

انغماس الرأس بالماء مبطل له :

س : المعروف أنّ من مبطلات الصوم هي : الأكل والشرب والجماع لا انغماس الرأس في الماء ، مع أنّي شاهدت أنّكم توجبون بالإضافة إلى بطلان الصوم القضاء والكفّارة.

ص: 213


1- البقرة : 54.
2- الجمعة : 9.
3- الصف : 11.
4- الميزان في تفسير القرآن 2 / 14.

ج : من الأُمور الفقهية التي نختلف فيها مع أهل السنّة هي هذه المسألة ، حيث يرى أهل السنّة عدم بطلان الصوم بانغماس الرأس بالماء ، بينما يرى أكثر علماء الشيعة بأنّ انغماس الرأس بالماء موجب لبطلانه ، وإنّ كان عند عمد فيجب فيه بالإضافة إلى القضاء الكفّارة.

والدليل عليه روايات وردت عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، فعن الإمام الباقر عليه السلام قال : « لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء » (1).

وعن الإمام علي عليه السلام قال : « وأمّا حدود الصوم فأربعة حدود : أوّلها : اجتناب الأكل والشرب ، والثاني : اجتناب النكاح ، والثالث : اجتناب القيء متعمّداً ، والرابع : الاغتماس في الماء وما يتّصل بها ... »(2).

( عبد اللّه - السعودية - .... )

أكل ما لا يعتاد أكله يفسده :

س : هل صحيح أنّ أكل جلد الحيوان أو أوراق الأشجار لا يفسد الصوم؟

ج : هذه شبهة طرحها الدهلوي في كتابه « التحفة الاثني عشرية » (3) ، كباقي الشبهة التي يطرحها ضدّ مذهب أهل البيت عليهم السلام ، ولكن لو رجعنا إلى الرسائل العملية لمراجعنا العظام وكتبهم الفقهية نجد الحكم خلاف ذلك.

فقد أوردوا من المفطّرات للصوم الأكل والشرب المعتاد وغيره ، وهو حكم إجماعي للكتاب والسنّة.

ص: 214


1- وسائل الشيعة 10 / 31.
2- المصدر السابق 10 / 32.
3- مختصر التحفة الاثنى عشرية : 219.

صوم يوم عاشوراء :

اشارة

( أبو نصر اللّه - ... - ..... )

صومه في مصادر أهل السنّة :

س : أُريد أن أعرف الأحاديث عن صيام عاشوراء؟ وأنا أعلم بحرمته ، وإنّما أُريد الأحاديث المعتبرة عند أهل السنّة لإيضاح الصورة لهم.

اللّه يوفّقكم لخدمة مذهب آل محمّد الأطهار عليهم السلام.

ج : قال علقمة : دخل الأشعث بن قيس على ابن مسعود وهو يأكل يوم عاشوراء ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إنّ اليوم يوم عاشوراء ، فقال : قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان ، فلمّا نزل رمضان ترك ، فإن كنت مفطراً فاطعم(1).

وإن الأحاديث الواردة في صوم يوم عاشوراء في الصحاح والمسانيد عند أهل السنّة في غاية الاضطراب والتناقض ، ممّا يقوّي الظنّ بأنّ كُلّ هذه الأحاديث مختلقة من قبل أُجراء بني أُمية :

ففي بعضها : أنّ أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء ، فصامه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ أمر الناس بصومه حين قدم المدينة ، ثمّ فرض صوم رمضان ، ونسخ وجوبه وبقي مستحبّاً(2).

ص: 215


1- صحيح البخاري 5 / 155 ، صحيح مسلم 3 / 149.
2- صحيح البخاري 2 / 226 ، صحيح مسلم 3 / 147 ، السنن الكبرى للنسائي 6 / 295.

وفي بعضها : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يكن ملتفتاً إلى صوم عاشوراء ، وإنّما علم به بعد قدومه المدينة من اليهود ، فأمر به لأحقّيته من اليهود بموسى(1).

فالأحاديث بين ما يسند صومه وصوم المسلمين بأمره صلى اللّه عليه وآله إلى تقليد أهل الجاهلية ، وبين ما يسنده إلى تقليد اليهود ، وتشاهد في رواية مسلم وأبي داود أن النبيّ صلى اللّه عليه وآله عندما صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه لم يكن عالماً بأنّ اليهود والنصارى يعظّمون يوم عاشوراء ، فما علم به صلى اللّه عليه وآله عزم على ترك صومه ، وقصد صوم اليوم التاسع ، لكنّه صلى اللّه عليه وآله توفّي قبل حلول العام المقبل(2).

فلا يعقل أن يغفل النبيّ صلى اللّه عليه وآله طيلة تسعة أعوام عن تعظيم أهل الكتاب لليوم المذكور ، فإنّ الأحاديث الأُخرى تدلّ على أنّه صلى اللّه عليه وآله صام يوم عاشوراء من أوائل دخول المدينة.

وكذلك تجد التناقض بين حديث مسلم وأبي داود هذا ، وبين حديث مسلم وأبي داود الآخر عن ابن عباس : إذا رأيت هلال المحرّم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائماً ، قلت : هكذا كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يصومه؟ قال : نعم(3).

فالمتأمّل في هذه الروايات المتعارضة المتضاربة ، يفهم أنّها موضوعة مجعولة من قبل بني أُمية ، ويزيد في وضوح كذبها أنّه لا أثر لهذا الصوم فيما نقل عن آثار أهل الجاهلية ، وهؤلاء اليهود والنصارى لا يعرفون يوم عاشوراء ولا صومه!!.

( أُمّ حسين - إمارات - .... )

صيامه من مبتدعات الأُمويين :

س : أودّ أن أكتب رسالة إلى إحدى الأخوات حيث أرسلت مجلّة إسلامية ، وذكرت مواضيع تمسّ بالعقيدة الشيعية ، وأُريد أن أردّ عليها بالتي هي

ص: 216


1- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 129 ، مجمع الزوائد 3 / 184 ، فتح الباري 4 / 215 ، المعجم الكبير 12 / 40.
2- صحيح مسلم 3 / 151 ، سنن أبي داود 1 / 546.
3- نفس المصدرين السابقين.

أحسن ، مع بيان المواضيع التي ذكرتها بأسلوب مقنع ، وأتمنّى من سماحتكم أن تفيدوني في ذلك.

بالنسبة للمواضيع التي أشارت إليها هي ثواب صيام عاشوراء ، وأنّه من أفضل الصوم بعد صيام شهر رمضان ، وذكرت مواضيع أُخرى تحت عنوان بدعة مثل : الطواف بالأضرحة ، بناء المساجد والقباب على القبور ورفعها ، إقامة الموالد للأنبياء والصالحين ، التوسّل بالنبيّ والصالحين ، التمسّح بقبر النبيّ.

ولكم جزيل الشكر والامتنان.

ج : ما ذكرتيه من مطالب ، فنجيب عليها باختصار :

1 - أمّا صوم يوم عاشوراء ، فإنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام نهوا عنه نهياً شديداً ، ولمّا سئل الإمام الرضا عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء قال : « عن صوم ابن مرجانة تسألني؟ ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين عليه السلام ، وهو يوم يتشأم به آل محمّد ... » (1).

وقال الإمام الرضا عليه السلام في حديث آخر عن صوم يوم عاشوراء : « كلاّ وربّ البيت الحرام ، ما هو يوم صوم ، وما هو إلاّ يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين ، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام ... »(2).

فصيام يوم عاشوراء من مبتدعات الأُمويين ، أدخلوه في السنّة ووضعوا عليه أحاديث باطلة ، وفي مقام الاحتجاج يمكن أن يحتجّ عليهم بما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن علقمة ، حيث قال : « دخل الأشعث بن قيس على ابن مسعود وهو يأكل يوم عاشوراء فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إنّ اليوم يوم عاشوراء ، فقال : قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان ، فلمّا نزل رمضان ترك ، فإن كنت مفطراً فاطعم » (3).

ص: 217


1- الكافي 4 / 146 ، الاستبصار 2 / 135.
2- الكافي 4 / 147.
3- صحيح البخاري 5 / 155 ، صحيح مسلم 3 / 149.

2 - البدعة ، وهي إدخال شيء ليس من الدين في الدين ، فعلينا أوّلاً أن نعرف ما هو الدين؟ ومن أين يُؤخذ؟ ثمّ نبحث عن الأُمور التي ليست من الدين ودخلت في الدين ، حيث روى جميع المسلمين متواتراً عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قوله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، فالدين ما كان في الكتاب وما روته العترة.

ولو قيل : بأنّ الحديث روي أيضاً بلفظ « كتاب اللّه وسنّتي » ، فالجواب : أنّه ضعيف ، هذا أوّلاً ، وثانياً أنّه حتّى لو قلنا بصحّته ، فإنّ معنى السنّة يعود إلى العترة وهذا هو معنى الجمع بين الحديثين ، حيث حديث العترة يفسّر حديث السنّة.

فهنا نسأل ونقول أوّلاً : من قال بأنّ هذه الأُمور ليست من السنّة حتّى تكون بدعة؟ ومن له أدنى معرفة بالأدلّة يعلم أنّ الكثير من المسائل التي لم ترد بخصوصها سنّة تشملها العمومات ، وإذا شملتها العمومات فستكون سنّة ، ولا تسمّى بدعة.

هذا ، وما ورد من ذكر هذه الأُمور ، فإنّه متّفق على العمل به بين جميع المذاهب الإسلامية ، ولهم عليها أدلّتهم ، والمخالف في هذه الأُمور هم الوهّابيون - أتباع محمّد بن عبد الوهاب وابن تيمية - الذين خالفوا جميع المذاهب الإسلامية ، بل وحتّى كفّروا أتباع المذاهب الإسلامية.

ولو أردنا أن ندخل في تفاصيل كُلّ موضوع وذكر الأدلّة عليه لطال بنا المقام ، ونكتفي بالإشارة إلى أنّها مسائل قبلتها المذاهب الإسلامية ، وخالفت فيه الوهّابية العمياء.

( عبد اللّه - الكويت - 28 سنة - خرّيج ثانوية )

تعقيب على الجواب السابق :

تحية طيّبة وبعد.

المعروف أنّ بني أُمية بعد اغتصابهم للخلافة وجعلها ملكاً عضوضاً ، قاموا بوضع أحاديث تسيء لأهل البيت عليهم السلام ، وتنال من شخصيّتهم ، وتزوير

ص: 218

مناسباتهم ، وما جاء في صيام عاشوراء هو أمر مستهجن لمن أنصف وتأمّل وفكّر.

وأذكر بعض الأحاديث التي تمسّك بها أهل السنّة على وجوب صيام العاشر من المحرّم.

عن عائشة : إنّ قريشاً كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية ، ثمّ أمر رسول اللّه بصيامه حتّى فرض رمضان ، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من شاء فليصمه ، ومن شاء أفطر » (1).

وعن الربيع : أرسل النبيّ صلى اللّه عليه وآله غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار : « مَن أصبح مفطراً فليتمّ بقية يومه ، ومن أصبح صائماً فليصم »(2).

وعن ابن عباس : قدم النبيّ صلى اللّه عليه وآله المدينة ، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال : « ما هذا »؟ قالوا : هذا يوم صالح ، هذا يوم نجّى اللّه بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى ، قال : « فأنا أحقّ بموسى منكم » ، فصامه وأمر بصيامه(3).

وعن أبي موسى : كان يوم عاشوراء تعدّه اليهود عيداً ، قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « فصوموه أنتم »(4).

وعن ابن عباس : ما رأيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله يتحرّى صيام يوم فضّله على غيره ، إلاّ هذا اليوم يوم عاشوراء ، وهذا الشهر يعني شهر رمضان(5).

أقول : المستفاد من رواية عائشة : أنّ أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء فصامه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ أمر الناس بصومه حين قدم المدينة ، ثمّ فرض صوم رمضان ونسخ وجوبه وبقي مستحبّاً ، ولكن المستفاد من خبر ابن عباس ،

ص: 219


1- صحيح البخاري 2 / 226 ، السنن الكبرى للنسائي 6 / 295.
2- صحيح البخاري 2 / 242 ، صحيح مسلم 3 / 152.
3- صحيح البخاري 2 / 251.
4- نفس المصدر السابق.
5- نفس المصدر السابق.

وأبي موسى : أنّ النبيّ لم يكن متلفتاً إلى صوم عاشوراء ، وإنّما علم به بعد قدومه المدينة من اليهود ، فأمر به لأحقّيّته من اليهود بموسى عليه السلام.

فالأحاديث بين ما يسند صومه وصوم المسلمين بأمره صلى اللّه عليه وآله إلى تقليد أهل الجاهلية ، وبين ما يسنده إلى تقليد اليهود ، وهذا مع الأسف حينما يؤخذ على علاّته يثير الاستغراب والعجب ، وهل أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يأخذ دينه من اليهود؟ وهل أنّ النبيّ هو المشرّع؟ أم اللّه المشرّع؟ هذا فضلاً عن أنّ اليهود لا يصومون يوم عاشوراء ، ولم يسبق لهم أن صاموه.

وهنا تناقض آخر نقل في كتاب مسلم عن عبد اللّه بن عباس ، وإليك نصّه : « حين صام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يوم عاشوراء وأمر بصيامه ، قالوا : يا رسول اللّه إنّه يوم تعظّمه اليهود والنصارى ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « فإذا كان العام المقبل إن شاء اللّه صمنا اليوم التاسع » قال : فلم يأت العام المقبل حتّى توفّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله » (1).

فترى الحديث يقول : أنّ النبيّ لم يكن عالماً بأنّ اليهود والنصارى يعظّمون يوم عاشوراء ، فلمّا علم به عزم على ترك صومه ، وقصد صوم اليوم التاسع ، لكنّه توفّي قبل حلول العام المقبل ، وفي هذا الحديث أُمور أُخر ، منها : أنّ أمره بصوم يوم عاشوراء كان باقياً إلى قبل سنة من موته لا أنّه نسخه وجوب صوم رمضان.

وأنّ النبيّ لم يصم اليوم التاسع أصلاً ، لكن هنا حديثاً آخر يقول : أنّه صلى اللّه عليه وآله كان يصوم اليوم التاسع! وإليك نصّه : « عن ابن عباس : إذا رأيت هلال المحرّم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائماً ، قلت : هكذا كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يصومه؟ قال : نعم » (2).

وأقول : أيعقل أن يقلّد النبيّ صلى اللّه عليه وآله اليهود ، ويصوم عاشوراء ويأمر أصحابه بصيامه ، وهو اليوم الذي صامه اليهود حسب الادعاء ، بينما ينهانا عن اتباع سنن أهل الكتاب!

ص: 220


1- صحيح مسلم 3 / 151.
2- نفس المصدر السابق.

إذ روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً ، وذراعاً ذراعاً حتّى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم » ، قلنا : يا رسول اللّه اليهود والنصارى؟ قال : « فمن »؟ (1).

وقال أبو هريرة : كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ، ويفسّرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم ، وقولوا آمنا باللّه ، وما أُنزل إلينا »(2).

وقال ابن عباس : « كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء ، وكتابكم الذي أُنزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أحدث تقرؤنه محضاً لم يشب ، وقد حدّثكم أنّ أهل الكتاب بدّلوا كتاب اللّه وغيّروه ، وكتبوا بأيديهم الكتاب ، وقالوا هو من عند اللّه ، ليشتروا به ثمناً قليلاً إلاّ ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم ، لا واللّه ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذي أُنزل عليكم »(3).

فكيف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يتبع اليهود؟ وهو الذي ينهانا عن أتباعهم ، وأنّ اليهود لم تصم عاشوراء ، لأنّ تواريخها لا توافق هذا اليوم ، لما لهم حساب غير ثابت بسبب إضافة شهر إلى الشهور الاثني عشر كُلّ مدّة من الزمان حتّى تتوافق أعيادهم بالربيع أو الشتاء.

ولعلّ القرآن يشير إلى ذلك في قوله تعالى : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) (4).

ثمّ يقول تعالى في آية أُخرى : ( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (5).

ص: 221


1- صحيح البخاري 8 / 151.
2- المصدر السابق 5 / 150.
3- صحيح البخاري 8 / 160.
4- التوبة : 36.
5- التوبة : 37.

وبالتالي على فرض أنّ اليهود صامت عاشوراء ، فهذا يستدعي التلاعب بسنّتهم ممّا يجعلهم يضيفون أو يزيدون ليوافقوا عاشوراء ، وهذا النسيء أشار إليه القرآن ووصفه بالكفر ( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ) ، حيث النسيء بمعنى الزيادة ، وهذا يستدعي فيما إذا قلّدهم المسلمون أن يوافقون اليهود ويقرّوهم على النسيء ، وهو ليس كفراً فقط بل زيادة بالكفر.

أقول : المتأمّل في هذه الروايات المتعارضة المتضاربة يفهم أنّها موضوعة مجعولة من قبل بني أُمية ، ويزيد في وضوح كذبها أنّه لا أثر لهذا الصوم في ما نقل عن آثار أهل الجاهلية ، وهؤلاء اليهود والنصارى لا يعرفون يوم عاشوراء ولا صومه وهم ببابك! لعن اللّه الكاذبين المفترين على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعلى سنّته.

ص: 222

الطهارة والنجاسة :

اشارة

( ... - .... - .... )

الكلب نجس :

س : لماذا يعتبر المسلمون بأنّ الكلب نجس حين لمسه ، أو تربيته في المنزل؟ مع الاستدلال بالقرآن والسنّة والاستدلال العلمي إن أمكن؟

ج : نشير إلى بعض النقاط التالية :

أ - الطهارة والنجاسة من الأحكام التعبّدية التي تدور مدار قول الشارع ، فلا مجال للعقل استقلالاً للتحكّم في مواردها.

ب - نعلم إجمالاً بأنّ حكمة الأحكام - بما فيها الطهارة والنجاسة - لا تنكر إذ مع العلم بصدورها من الحكيم - والحال هذه - لا ينبغي التأمّل بوجود الحكم والمصالح فيها ، ولو أنّنا لم نصل إلى كنه كُلّ منها ، وهذا لا يضرّ في تعبّدنا بعد علمنا المسبق بوجود المنافع والمضار فيها.

نعم ، لابأس بالتحرّي واستكشاف هذه المصالح والحكم بمعونة العلم الجديد وغيره.

ج - الذي عليه كافّة علماء الشيعة ، وأكثر علماء السنّة نجاسة الكلب عيناً ولعاباً ، فهو من الأعيان النجسة بعينه وولوغه ، فيحكم عليه بقاعدة النجاسات ، وعليه فلا يضرّ لمسه أو وجوده في البيت - كما هو الحال عند رعاة الغنم - إذا لم تتعدّ النجاسة منه إلى الموارد التي يجب طهارتها - مثل موارد الأكل والشرب

ص: 223

ولباس المصلّي - برطوبة مسرية ، ولو أنّ اقتناءه وحفظه في المنزل يعدّ مكروهاً إن لم تكن ضرورة في البين.

د - الروايات الواردة في المقام كثيرة من الفريقين ، ففي بعضها : « رجس نجس » (1) ، وفي بعضها الآخر : « لا واللّه إنّه نجس »(2) ، وأيضاً : « طهر إناء أحدكم إذ ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرّات »(3).

ه- - قد ثبت علميّاً اختزان بعض الجراثيم الفتّاكة على جلد الكلب وشعره ، ممّا يؤدّي إلى نقلها داخل المجتمع ؛ وهذا ما أكّدته بعض النظريات العلمية المختصّة ، وأنّ هذه الجراثيم لا يمكن القضاء عليها إلاّ بالتراب ، فلابأس بالمراجعة إلى تلك الجهات للوقوف على هذه المعلومات.

( .... - السويد - 23 سنة )

الكافر نجس :

س : ما هي الأدلّة الشرعية على نجاسة من لا يؤمن باللّه تعالى؟ وجزاكم اللّه خير الجزاء.

ج : إنّ الكافر عند علمائنا كافّة نجس العين ، وذلك للأدلّة التالية :

1 - قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (4).

2 - قوله تعالى : ( كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (5).

3 - قال صلى اللّه عليه وآله : « المؤمن ليس بنجس »(6).

ص: 224


1- الاستبصار 1 / 19 ، تهذيب الأحكام 1 / 225.
2- نفس المصدرين السابقين.
3- مسند أحمد 2 / 314 و 427 ، صحيح مسلم 1 / 162 ، المصنّف للصنعاني 1 / 96.
4- التوبة : 28.
5- الأنعام : 125.
6- المغني لابن قدامة 1 / 43 و 2 / 307 ، المصنّف لابن أبي شيبة 3 / 153.

4 - سئل الإمام الباقر عليه السلام عن رجل صافح مجوسيّاً؟ فقال : « يغسل يده ولا يتوضّأ » (1).

( أحمد - ... - طالب متوسطة )

النجاسات عشرة :

س : ما هي النجاسات ، أرجو بيانها.

ج : ذكر علماؤنا في كتبهم الفقهية ورسائلهم العملية أنّ النجاسات عشرة ، وهي :

الأوّل والثاني : البول والغائط من كُلّ حيوان له نفس سائلة محرّم الأكل بالأصل ، أو بالعارض ، كالجلال والموطوء ، أمّا ما لا نفس له سائلة أو كان محلّل الأكل ، فبوله وخرؤه طاهران.

الثالث : المني من كُلّ حيوان له نفس سائلة وإن حلّ أكل لحمه ، وأمّا مني ما لا نفس له سائلة فطاهر.

الرابع : الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة ، وإن كان محلّل الأكل ، وكذا أجزاؤها المبانة منها ، وإن كانت صغاراً.

الخامس : الدم من الحيوان ذي النفس السائلة ، أمّا دم ما لا نفس له سائل كدم السمك ، والبرغوث ، والقمل ، ونحوها فإنّه طاهر.

السادس والسابع : الكلب ، والخنزير البرّيان بجميع أجزائهما وفضلاتهما ورطوباتهما دون البحريين.

الثامن : المسكر المائع بالأصالة بجميع أقسامه ، وأمّا الجامد كالحشيشة فهو طاهر لكنّه حرام.

التاسع : الفقاع : وهو شراب مخصوص متّخذ من الشعير ، وليس منه ماء الشعير الذي يصفه الأطباء.

ص: 225


1- الكافي 2 / 650 ، تهذيب الأحكام 1 / 263.

العاشر : الكافر : وهو من لم ينتحل ديناً أو انتحل ديناً غير الإسلام ، أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنّه من الدين الإسلامي ، بحيث رجع جحده إلى إنكاره الرسالة ، نعم إنكار المعاد يوجب الكفر مطلقاً ، ولا فرق بين المرتدّ ، والكافر الأصلي ، والحربي ، والذمّي ، والخارجي ، والغالي ، والناصب ، هذا في غير الكتابي(1).

ص: 226


1- أُنظر : منهاج الصالحين للسيّد الخوئي 1 / 106.

عائشة بنت أبي بكر :

اشارة

( منصور جاسم أحمد - الكويت - .... )

زواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله منها :

س : كيف لا تتعارض الآية التالية مع زواج رسول اللّه من عائشة ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) (1) على اعتبار أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من الطيّبين ، وعائشة من الخبيثات؟

ج : قبل الإجابة عن سؤالك نودّ أن نوضّح بعض النقاط المتعلّقة بهذا الموضوع :

الأُولى : هناك من يدّعي على الشيعة زوراً وبهتاناً : أنّ الشيعة يطعنون بشرف عائشة ، وعادة يثير هؤلاء المدّعون هذه القضية عند الحديث عن حادثة الإفك التي ذكرها القرآن ، حتّى ارتبط في أذهان أكثر أهل السنّة أنّ من تسبّب في حادثة الإفك هم الشيعة ، وهذا افتراء عظيم ، والشيعة أبرياء منه للأسباب التالية :

أوّلاً : الشيعة لا يطعنون بشرف عائشة - على أقلّ تقدير احتراماً لشرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - ويعتقدون بأنّ الرسول منزّه عن العيوب ، ومن العيوب التي ينزّه عنها الإخلال بشرف أزواجه ، لأنّ ذلك الشيء إن حدث - نعوذ باللّه - سيضعّف من مكانته في المجتمع ، ويؤثّر على تبليغه لرسالة ربّه.

ص: 227


1- النور : 26.

ثانياً : حادثة الإفك حدثت في زمن النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، والذين تسبّبوا فيها هم جماعة من الصحابة - الذين يعتقد أهل السنّة بعدالتهم ، ولا يسمحون لأحد بأن يناقش أفعالهم وتصرّفاهم - وقد نصّ القرآن على ذلك بقوله : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ) (1).

ثالثاً : ثمّ إنّ هناك أخباراً ترويها كتب التاريخ ، تبيّن أنّ التي اتهمت بحادثة الإفك ليست عائشة ، وإنّما هي أُمّ المؤمنين مارية القبطية - أُمّ إبراهيم بن الرسول صلى اللّه عليه وآله - ، وإنّ عائشة كانت لها دوراً في نشر تلك التهمة ضدّ مارية ، ولكن السياسة الأُموية التي قلبت كثيراً من الحقائق ، تلاعبت بهذه القصّة أيضاً لأسباب سياسية ليس هذا محلّ الحديث عنها.

النقطة الثانية : إنّ مجرد زواج امرأة من نبيّ لا يعطيها عصمة وقدسية زائدة ، وهذا معروف لكُلّ مطّلع على القرآن ، فقد جعل اللّه تعالى زوجات بعض الأنبياء مثلاً للذين كفروا ، بسبب عدم إيمانهن باللّه ومخالفتهن لأوامره ، قال تعالى : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (2).

وكون امرأة نوح وامرأة لوط مثلاً للذين كفروا لم يقلّل من مكانة نوح ولوط عليهما السلام ، ولم يشكّك أحد في نوح ولوط لأنّ زوجتيهما كانتا كافرتين ، وأنّهما من أهل النار.

نعم ، زواج المرأة من النبيّ أو الرسول شرف عظيم لها ، وأمانة كبرى في عنقها ، يجب عليها أن تقدّر هذا التشريف ، وتحفظ تلك الأمانة ، ولذلك عبّر اللّه سبحانه عن تمرّد امرأتي نوح ولوط ومخالفتهما لأوامر اللّه بأنّه خيانة ( فَخَانَتَاهُمَا ) ، ولهذا السبب وعد اللّه تعالى من يحفظ هذه الأمانة من زوجات

ص: 228


1- النور : 11.
2- التحريم : 10.

النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله بأن يؤتها أجرها مرّتين ، وهدّد من تخون هذه الأمانة بأن يضاعف لها العذاب ضعفين ، قال تعالى : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللّه وَرَسُولَهُ ) (1).

فبيّنت هذه الآيات أنّ لأزواج النبيّ الأكرم تكاليف تتناسب مع كونهن زوجات لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وعليهن الالتزام بهذه التكاليف وعدم مخالفتها.

وهذا يدلّ أنّه ليس لديهن عصمة ، وإنّما لديهن تكليف زائد يتناسب مع التشريف الذي حصلن عليه من خلال الارتباط برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

النقطة الثالثة : أنّه لا يوجد عند الشيعة عداء شخصي مع واحدة من زوجات الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ولا ولاء لأُخرى ، وإنّما هم مأمورون باحترام زوجات الرسول صلى اللّه عليه وآله بشكل عام ، إلاّ من يثبت أنّها لم تحفظ تلك الأمانة التي تحدّث عنها القرآن ، أو أنّها خالفت أوامر اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله.

وقد ثبت تاريخياً أنّ عائشة لم ترع تلك الأمانة ، وخالفت أوامر اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله - سواء في حياة الرسول صلى اللّه عليه وآله أو بعد وفاته - ومن تلك المخالفات ما سجّله القرآن على عائشة وشريكتها حفصة ، منها على سبيل المثال :

1 - أنّهما تظاهرتا على النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حادثة المغافير التي سجّلها القرآن في سورة التحريم ، وتسبّبتا في أذية النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، حتّى حرّم على نفسه العسل ، فنزلت سورة التحريم.

ص: 229


1- الأحزاب : 30 - 33.

2 - أنّها خالفت أمر اللّه ورسوله ، الذي أمر نساء النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأن يقرن في بيوتهن ولا يخرجن منها ، قال تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) (1).

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لنسائه في حجّة الوداع : « هذه ثمّ ظهور الحصر »(2) ، والحال أنّها خرجت من بيتها ، وقادت الجيش لمحاربة المسلمين ، وقتل بسبب خروجها أكثر من عشرة آلاف مسلماً.

3 - أنّها خرجت على إمام زمانها - الخليفة الشرعي الإمام علي عليه السلام - وقاتلته ، وكانت تبغضه ولا تطيق ذكر اسمه على لسانها ، ولما سمعت بموته فرحت ، رغم أنّها سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول لعلي عليه السلام مراراً وتكراراً : « يا علي لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق »(3) ، إلى غير هذه الأُمور.

من المواقف التي تظهر عدم مودّتها لأهل البيت ، الذين أمر اللّه تعالى بمودّتهم بقوله : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (4).

ولم تأت واحدة من نساء النبيّ الأُخريات بما أتت عائشة ، بل على العكس من ذلك ، كنّ ينتقدن عائشة بما تفعل ، ويحاولن منعها دون جدوى.

وخلاصة الكلام : إنّ قيام عائشة ببعض المخالفات لا يؤثّر على نزاهة النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، وقد جعل اللّه تعالى زوجتي نبيّين من الأنبياء الكرام - نوح ولوط عليهما السلام - مثلاً للذين كفروا ، ممّا يدلّ على أنّ كون المرأة زوجة نبيّ لا يعفيها من العقاب عند ارتكاب المخالفة والمعصية ، بل قال اللّه تعالى عن امرأة

ص: 230


1- الأحزاب : 33.
2- مسند أحمد 6 / 324 ، سنن أبي داود 1 / 388.
3- مسند أحمد 1 / 95 و 128 ، مجمع الزوائد 9 / 133 ، فتح الباري 1 / 60 و 7 / 58 ، شرح نهج البلاغة 13 / 251 ، تاريخ بغداد 8 / 416 و 14 / 426 ، أُسد الغابة 4 / 26 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 10.
4- الشورى : 23.

نوح وامرأة لوط أنّهما : ( كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (1).

وحذّر اللّه تعالى نساء النبيّ بقوله : ( مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا ) (2).

فإنّه كما أنّ اللّه تعالى يؤتي الحسنة منها أجرها مرّتين ، كذلك في حال المخالفة والمعصية يضاعف لها العذاب ضعفين.

( .... - مصر - .. سنّي )

عدم تأثير وشايتها على الرسول :

س : أنا من السنّة ولست شيعياً ، ولكن أُريد أن أعرف بعض الأُمور عن أخواني من هذا المذهب ، من مصادرهم هم ، وليس من غيرهم.

ما تفسير الإخوة الشيعة لقيام الرسول صلى اللّه عليه وآله بتطليق اثنتان من زوجاته - بناء على وشاية من السيّدة عائشة - وهذا يعترف به السنّة والشيعة ، فأنا أسأل : لماذا يطلّقهم الرسول؟ فهل هذا خطأ وقع فيه الرسول صلى اللّه عليه وآله؟ كيف يحدث ذلك وهو معصوم عن الخطأ؟

ج : القول بأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تأثّر بوشاية عائشة وطلّق اثنتين من نسائه ورد عن طريق أهل السنّة ، ولم يثبت من طريقنا ، نعم ربّما نقلته كتبنا ، والنقل في الكتب لا يعني بالضرورة القبول فيه والتسليم به.

ونحن نحاشي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ونجلّه من أن يقدم على طلاق زوجة واحدة - فضلاً عن زوجتين - لمجرد وشاية ، وبهذه البساطة ، وهذا لا يكون من الإنسان المؤمن العاقل الموزون العادي ، فكيف بسيّد العقلاء وهو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟

ص: 231


1- التحريم : 10.
2- الأحزاب : 30.

« أبو يحيى درويش - اليمن - 24 سنة - طالب كلّية الشريعة »

معنى الطلاق في وصية الرسول :

س : هل ثبت أنّ الإمام علي طلّق عائشة من رسول اللّه؟ إذا كان كذلك فما هي الأدلّة؟

ج : ورد في بعض أخبارنا : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أوصى علياً عليه السلام أن يطلّق أزواجه اللاتي يخرجن عليه بعد وفاته صلى اللّه عليه وآله.

والظاهر أنّ الطلاق الذي قصده النبيّ صلى اللّه عليه وآله ليس هو الطلاق المتعارف ، إذ الطلاق الحقيقي هو : كون الزوجة في حبالة زوجها فيصحّ انقطاع عصمتها عنه بتطليقها ، أمّا وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله فقد حالت دونه ودون أن تكون أزواجه في حبالته ، فكيف يصحّ انقطاع عصمتهن الزوجية بالطلاق؟

إلّا أنّ الذي نستظهره - وهو الأوفق إن شاء اللّه بالمقام - أنّ طلاق أزواجه حين خروجهن على إمامهن وقت ذاك - الإمام علي عليه السلام - بمعنى إلغاء خصوصيتها من مقام أزواج النبي صلى اللّه عليه وآله ، وإلغاء كونها من أمّهات المؤمنين ، وعدم شمولها بخصوصية أن يكون لها أجران من العمل ، كما في قوله تعالى : ( ومن يقنت منكنّ لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرّتين وأعتدنا لها رزقاً كريماً ) (1).

فهذه الخصوصيات والمنازل التي تتمتّع بها أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله تلغى ، ومن ثمّ يسقط اعتبار تلك التي تخرج على إمام زمانها ، نعم تبقى خصوصية عدم جواز نكاحها من بعده حتّى لو طلّقت بالمعنى المجازي الذي ذكرناه ، حرمة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وكرامة له ، فإنّ مفعول الآية الكريمة لا يزال يبقى سارياًَ حتّى لو طلّقت من النبيّ صلى اللّه عليه وآله بهذا المعنى ، وهو قوله تعالى : ( ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً ) (2) فهذا التأييد هو لمراعاة مقامه صلى اللّه عليه وآله في حرمة نكاح أزواجه من بعده.

ص: 232


1- الأحزاب : 31.
2- الأحزاب : 53.

( ... - ... - ..... )

منزّهة عن الفحشاء ومتّهمة بالإفك :

س : هل صحيح أنّ الشيعة يتّهمون عائشة بالزنا والعياذ باللّه؟ وإن كان ذلك صحيحاً فما دليلكم عليه؟

ج : إنّ الشيعة تعتقد - وهذه كتبهم في متناول الجميع - أنّ نساء النبيّ صلى اللّه عليه وآله - بل نساء الأنبياء قاطبة - منزّهات عن الفواحش ، التي تمسّ الشرف والعرض ، فإنّ ذلك يخدش بمقام النبوّة ، ولكن لا يعني ذلك أنّ نساء النبيّ معصومات عن سائر الأخطاء ، بل جاء في القرآن ما يدلّ على أنّ امرأتين من نساء بعض الأنبياء كان مصيرهما النار ، وهما امرأة نوح وامرأة لوط عليهما السلام كما في قوله تعالى : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (1).

وأمّا نساء النبيّ صلى اللّه عليه وآله فهنّ وإن كنّ لسن كسائر النساء - كما تحدّث القرآن عنهن - لكن لا يعني ذلك العصمة لهنّ ، وإنّما اختلافهن عن سائر النساء في الثواب والعقاب ، فيضاعف لهن الثواب إذا جئن بالحسنة ، كما يضاعف لهنّ العقاب إذا جئن بالسيّئة ، قال تعالى : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا ً * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ) (2).

وذلك لمكان قربهن من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وجسامة مسؤوليتهنّ عند اللّه تعالى وعند الرسول صلى اللّه عليه وآله.

ص: 233


1- التحريم : 10.
2- الأحزاب : 30 - 31.

ولعلّ اتّهام الشيعة بهذه المسألة يشير إلى قضية الإفك التي تحدّث عنها القرآن الكريم في قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ له عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (1).

وقد ذكرت القصّة مفصّلة في صحيح البخاري وغيره(2) ، والمراد بالإفك هو الكذب العظيم ، أو البهتان على عائشة أو غيرها من أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله كما سيأتي بيان ذلك.

وجوابنا عن ذلك :

أوّلاً : إنّ هذه القضية وقعت في زمان النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وتحدّث عنها القرآن الكريم ، وإذا كان الشيعة لم يوجدوا بعدُ - كما يدّعي أهل السنّة - فأيّ علاقة بين هذه القضية وبين الشيعة؟

ثانياً : إنّ بعض الصحابة قد تورّط في هذه القضية ، ومنهم حسّان بن ثابت(3) ، وكان لحسّان في ذلك شعر ، يعرّض فيه بابن المعطّل المتّهم في هذه القضية ، وبمن أسلم من مضر ، فإذا كان الأمر كذلك ، فكيف نحكم على أنّ جميع الصحابة كانوا على العدالة والاستقامة؟ الأمر الذي يثبت ويؤكّد أنّ الصحابة حالهم كحال سائر الناس.

ثالثاً : إنّ هذه القضية محلّ خلاف بين المؤرّخين ، فذهب بعض السنّة إلى أنّ عائشة هي المتّهمَة ، كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه ، والترمذي ، والبيهقي ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهم ، وذهب بعض علماء الشيعة وجمع من علماء السنّة : أنّ المتّهمَة في هذه القضية هي مارية القبطية - زوج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله

ص: 234


1- النور : 11.
2- أُنظر : صحيح البخاري 6 / 5.
3- صحيح البخاري 3 / 155 و 5 / 56.

أُمّ إبراهيم - لورود روايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام في ذلك(1) ، ولورود روايات ذكرها علماء أهل السنّة في ذلك(2).

ورابعاً : إنّ من العجيب حقّاً والملفت للنظر ، أنّ نجد في الروايات السنّية أنّ ممّن اتّهم مارية القبطية عائشة نفسها ، وأنّها قد أصابتها الغيرة الشديدة ، حتّى أن ابن سعد في طبقاته يروي عن عائشة قولها : « ما غرت على امرأة إلاّ دون ما غرت على مارية »(3).

وهي التي نفت الشبه بين إبراهيم وبين الرسول صلى اللّه عليه وآله كما ذكر ذلك السيوطي في « الدرّ المنثور »(4) ، ويقول ابن أبي الحديد عن موقف عائشة حين مات إبراهيم : « ثمّ مات إبراهيم فأبطنت شماتة ، وإن أظهرت كآبة ... »(5).

هذا ما يذكره علماء السنّة حول القضية ، وأنّ لعائشة دوراً كبيراً في إثارة التهمة ضدّ مارية ، فقل بربّك هل يسوغ اتّهام الشيعة بأنّهم يقذفون نساء الرسول صلى اللّه عليه وآله؟

ألا يقتضي التثبّت والتروّي أن يبحث الإنسان في كتب الروايات والتاريخ عن هذا الأمر ليقف على الحقيقة بنفسه ، بدلاً من بثّ الدعايات المغرضة التي لا طائل من ورائها غير إيقاع الفتنة بين الناس!

( حمد - السعودية - .... )

خروجها على الإمام علي يوم الجمل :

س : أُريد أن اعرف ما هي قصّة مولانا علي عليه السلام مع عائشة في واقعة الجمل؟ وكيف انتهت هذه المعركة؟

ص: 235


1- تفسير القمّي 2 / 99.
2- صحيح مسلم 8 / 119 ، المستدرك 4 / 39 ، الإصابة 5 / 517 ، الكامل في التاريخ 2 / 313 ، طبقات ابن سعد 8 / 214 ، المعجم الأوسط 4 / 90.
3- الطبقات الكبرى 8 / 212.
4- الدرّ المنثور 6 / 240.
5- شرح نهج البلاغة 9 / 195.

ج : التحقيق في كتب التاريخ والسير المعتبرة يفيدنا بوضوح : أنّ عائشة كانت من المتشدّدين في الخلاف مع عثمان ، ومواقفها ضدّ عثمان كثيرة جدّاً ، وهي مسجّلة بكُلّ وضوح في مصادر المسلمين ، حتّى أنّها كانت تحرّض المسلمين على قتل عثمان بعبارتها : « اقتلوا نعثلاً ، قتل اللّه نعثلاً » (1) ، وكانت في فعلها هذا تأمل أن تصل الخلافة إلى طلحة أو الزبير ، بأمر قد دبّر من ذي قبل ....

ولكن لمّا قُتل عثمان ، وبايع الناس أمير المؤمنين علي عليه السلام ، شعرت عائشة بخيبة أمل ، فدبّرت هي وطلحة والزبير قضية الخروج على أمير المؤمنين عليه السلام ، ونكث طلحة والزبير البيعة ، والتحقوا بالبصرة ، وذهبت عائشة أيضاً إلى البصرة ، وهي تنادي إلى نصرة عثمان وتنعاه ، فجمعت من المسلمين عدداً لحرب الإمام علي عليه السلام ، واتهمته بقتل عثمان.

ودارت حرب الجمل ، وسرعان ما فشل جيش عائشة ، وقتل طلحة والزبير ، وانتهت الحرب ، وأُرجعت عائشة إلى المدينة(2).

( عزّ الدين - الإمارات - سنّي - 20 سنة - طالب جامعة )

آيات نزلت فيها :

س : ما سبب نزول سورة التحريم؟ وفيمن نزلت؟

ج : إنّ المتّفق عليه عند أرباب التفاسير من الفريقين - بعبارات شتّى ومضمون واحد - : أنّ الآيات الأُولى من سورة التحريم قد نزلت في مورد عائشة وحفصة ،

ص: 236


1- شرح نهج البلاغة 6 / 215 و 20 / 17 ، تاريخ الأُمم والملوك 3 / 477 ، الإمامة والسياسة 1 / 72.
2- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 477 ، الإمامة والسياسة 1 / 72 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 180 ، الكامل في التاريخ 3 / 206 ، البداية والنهاية 7 / 229.

وإيذائهما الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله(1) ؛ وحتى أنّ الفخر الرازي يرى أنّ آية ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ ... ) (2) فيها تعريض آخر بحفصة وعائشة ، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشدّه لما في التمثيل من ذكر الكفر(3).

( رضا عبد اللّه السيّد - الكويت - 38 سنة - مهندس حاسوب )

وفاتها ومدفنها والصلاة عليها :

س : الرجاء موافاتي بالإجابة الكافية حول موضوع وفاة عائشة ، وأين دفنت؟ ومن صلّى عليها؟

ج : ماتت عائشة بنت أبي بكر سنة 57 أو 58 من الهجرة ، وصلّى عليها أبو هريرة ، ودفنت ليلاً بالبقيع بوصيةٍ منها.

قيل لها : تدفنين مع رسول اللّه؟ قالت : لا ، إنّي أحدثت بعده أحدثاً!(4).

( أبو الزين - الأردن - .... )

قولها : ما وجدتَ إلاّ فخذي! :

س : في الحقّيقة بالإضافة إلى استعجابي من هذه الروايات العجيبة في مصادرنا ، لا أدري - حتّى مع افتراض ضعفها - الفائدة من إيرادها ، سامح اللّه المتسرّعين قديماً وحديثاً : عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : أتيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعنده أبو

ص: 237


1- تفسير القرآن 3 / 301 ، زاد المسير 8 / 49 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 413 ، السنن الكبرى للنسائي 3 / 130 و 5 / 286 ، كنز العمّال 2 / 533 ، التفسير الكبير 10 / 568 ، روح المعاني 14 / 341.
2- التحريم : 10.
3- التفسير الكبير 10 / 574.
4- العقد الفريد 5 / 79 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 708.

بكر وعمر ، فجلست بينه وبين عائشة ، فقالت لي عائشة : ما وجدتَ إلاّ فخذي أو فخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ فقال : « مه يا عائشة ، لا تؤذيني في علي ... »(1).

ج : في سند الرواية إسحاق بن عبدوس وهو غير موثّق ، ومحمّد بن بهار وهو غير موثّق أيضاً.

وفي متنها : أوّلاً : أنّ الإمام عليه السلام جلس بينها وبين الرسول ، ولم يجلس على فخذها وفخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولكن لكرهها لعلي عليه السلام جعلت حيلولته بينها وبين رسول اللّه سبباً في أن تتكلّم له بهذا الكلام الغير مهذّب.

فلم تصدّق في كلامها ، وما عهدنا من علي عليه السلام غير الصدق ، أمّا عائشة فإنّها كذبت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في قضية المغافير ، فلا مانع أن تكذب أيضاً على علي عليه السلام.

وهذا نصّ تلك الرواية : عن عائشة قالت : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش ويمكث عندها ، فواطأت أنا وحفصة على أيّتنا دخل عليها فلتقل له : أكلت مغافير؟ إنّي أجد منك ريح مغافير!!

قال : « لا ، ولكنّي كنتُ أشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش ، فلن أعود له ، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحداً » (2).

ثانياً : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله غضب عليها ، وهذا ما يؤكّد افتراءها على علي عليه السلام فإنّه معصوم ، والمعصوم لا يغضب إلاّ لله تعالى.

ثالثاً : إنّ الإمام علي عليه السلام جلس مع وجود الرسول صلى اللّه عليه وآله وأبي بكر وعمر ، وليس علي وحده.

ولكن الذي هو غير مناسب أن تجلس لوحدها مع رجلين ، كما رواه الترمذي في سننه ، عن أنس بن مالك قال : بين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بامرأة من نسائه ، فأرسلني

ص: 238


1- الأمالي للشيخ الطوسي : 290.
2- صحيح البخاري 6 / 68.

فدعوت قوماً إلى الطعام ، فلمّا أكلوا وخرجوا قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله منطلق قبل بيت عائشة ، فرأى رجلين جالسين ، فانصرف راجعاً ، فقام الرجلان فخرجا ، فأنزل اللّه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ) (1)(2).

ومن غير المناسب أن تتوضّأ عائشة وتغسل يديها وخدّيها ووجهها وأذنيها أمام الناس : « فعن أبي عبد اللّه سالم سبلان قال : وكانت عائشة تستعجب بأمانته وتستأجره ، فأرتني كيف كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يتوضّأ ، فتمضمضت واستنثرت ثلاثاً ، وغسلت وجهها ثلاثاً ، ثمّ يدها اليمنى ثلاثاً واليسرى ثلاثاً ، ووضعت يدها في مقدّم رأسها ، ثمّ مسحت رأسها واحدة إلى مؤخّره ، ثمّ أمرت يديها بأذنيها ، ثمّ مرّت على الخدين.

قال سالم : كنت آتيها مكاتباً ما تختفي منّي ، فتجلس بين يدي وتتحدّث معي ، حتّى جئتها ذات يوم فقلت : ادعي لي بالبركة يا أُمّ المؤمنين ، قالت : وما ذاك؟ قلت : أعتقني اللّه ، قالت : بارك اللّه لك وأرخت الحجاب دوني ، فلم أرها بعد ذلك اليوم » (3).

كما وليس من المناسب أن تغتسل أمام الرجال أيضاً ، كما ورد عن أبي سلمة عن عائشة قال : سألها أخوها من الرضاعة عن غسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من الجنابة ، فدعت بماء قدر الصاع ، واغتسلت وصبّت على رأسها ثلاثاً(4).

فإذا كان ليس من المناسب أن يجلس علي عليه السلام بينها وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهي بحجابها ، فإنّه ليس من المناسب أكثر أن تغتسل أمام الرجال ، وإن كانوا إخوانها من الرضاعة.

ص: 239


1- الأحزاب : 53.
2- الجامع الكبير 5 / 35.
3- السنن الكبرى للنسائي 1 / 86.
4- السنن الكبرى للبيهقي 1 / 195 ، مسند أحمد 6 / 143 ، صحيح البخاري 1 / 68 ، صحيح مسلم 1 / 176.

وهنا ينبغي أن نذكّر الإخوة : بأنّ المجامع الحديثية لابدّ لها أن تنقل الروايات على ما هي عليه ، مع غضّ النظر عن صحّة الحديث وضعفه ، أو كون الحديث مورداً للقبول من ناحية المعنى وعدمه ، بالأخص أنّ المبنى عند الشيعة أن يخضع كُلّ حديث إلى قواعد الجرح والتعديل ، فلا يكون مجرد النقل قبوله ، كما هو المبنى عند أهل السنّة.

والجدير بالذكر : أنّ هذه الراوية قد جاءت في بعض مصادر العامّة عن لسان عائشة ، مع اختلاف يسير في التعبير ، ففيها : قالت : نعم ، دخل - علي عليه السلام - على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهو معي وعليه جرد قطيفة ، فجلس بيننا ، فقلت : أما وجدت مكاناً هو أوسع لك من هذا؟

فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « يا عائشة دعي لي أخي ، فإنّه أوّل الناس إسلاماً ، وآخر الناس بي عهداً ، وأوّل الناس لي لقياً يوم القيامة »(1).

والاختلاف في التعبير قد نشأ إمّا من الرواة ، وإمّا من أصحاب الكتب ، حفظاً منهم على كرامة عائشة ، وصون لفظها من الركاكة!!

( أبو محمود - البحرين - 28 سنة - مهندس حاسب آلي )

وما ترويه من خُلق النبيّ :

هذه مقتطفات من كتب أهل السنّة تجد فيها كيف يرون أخلاق النبيّ ، وأخلاق نسائه ، فمن تلك الروايات : ما رواه أحمد عن عائشة قالت : خرجت مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله في بعض أسفاره ... ثمّ قال لي : « تعالي حتّى أسابقك » فسابقته فسبقته ، فسكت عنّي حتّى إذا حملت اللحم ... فسابقته فسبقني ، فجعل يضحك وهو يقول : « هذه بتلك » (2).

ص: 240


1- الإصابة 8 / 307.
2- مسند أحمد 6 / 264.

أقول : تخيّلوا معي ، لو أنّ المسلمين اليوم تسابقوا مع زوجاتهم ، تأسّياً بما رواه أئمّتهم عن الرسول صلى اللّه عليه وآله ، الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق؟ أين آداب الطريق يا رسول اللّه؟ أين هي الغيرة؟ وهل من الخُلق العظيم أن يتسابق الرجل مع زوجته؟ وهل يبقى لرسول اللّه ولأُمّ المؤمنين عائشة هيبة إذا رآهما أحد؟!

وعن أبي سلمة قال : دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة ، فسألها أخوها عن غسل النبيّ صلى اللّه عليه وآله فدعت بإناء نحو من صاع فاغتسلت ، وافاضت على رأسها ، وبيننا وبينها حجاب(1).

سؤال : هل يعقل أن يصدر هذا الفعل من امرأة ، يفترض أن تكون عنواناً للعفّة والأخلاق ، وقدوة حسنة للمؤمنات ، بحكم كونها أُمّهم؟! فماذا ترون يا سادة يا كرام ، فيمن يرمي نبيّكم بهذا الكلام؟

( غانم النصار - الكويت - .... )

حكمها في الدنيا الإسلام :

س : هل يقول كبار علماء الشيعة بأنّ عائشة كافرة؟ جزاكم اللّه خيراً.

ج : إنّ حكمها في هذه الدنيا الإسلام ، وكونها مسلمة ، وما ارتكبته من مخالفات لله ورسوله صلى اللّه عليه وآله فإنّ هذا متعلّق بيوم القيامة.

( جعفر صادق - البحرين - .... )

خلاصة حرب الجمل :

س : ما هي خلاصة حرب الجمل؟

ج : بعد مقتل عثمان بن عفّان ، بايع الناس الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ومن بين المبايعين طلحة بن عبيد اللّه ، والزبير بن العوام ، وطلباً منه عليه السلام أن يولّيهما بعض ولاياته ، ولكن الإمام عليه السلام قال لهما : « واعلما إنّي لا أشرك في

ص: 241


1- صحيح البخاري 1 / 68.

أمانتي إلاّ من أرضى بدينه وأمانته من أصحابي ، ومن عرفت دخيلته » (1) ، فداخلهما اليأس من المنصب ، فاستأذناه للعمرة ، وخرجا من المدينة إلى مكّة ناكثين بيعة أمير المؤمنين عليه السلام.

ولمّا وصلا إلى مكّة دخلا على عائشة ، وأخذا يحرّضانها على الخروج ، فخرجت عائشة معهما على جمل - مطالبة بدم عثمان - قاصدين الشام ، فصادفهم في إثناء الطريق عبد اللّه بن عامر - عامل عثمان على البصرة - قد صرفه أمير المؤمنين عليه السلام بحارثة بن قدامة السعدي ، فرجّح لهم البصرة ، لما فيها من كثرة الضيع والعدّة ، فتوجّهوا نحوها ، فمانع عنها عثمان بن حنيف ، والخزّان والموكلون ، فوقع بينهم القتال ، ثمّ اسروا عثمان وضربوه ونتفوا لحيته.

ولمّا سمع أمير المؤمنين عليه السلام بوصولهم ، جهّز جيشاً وخرج إلى البصرة ، ولمّا وصلها بعث إليهم يناشدهم ، فأبوا إلاّ الحرب لقتاله.

ثمّ أخذ الإمام عليه السلام يناشد طلحة والزبير فلم تنفع معهما ، عند ذلك نشبت الحرب بينهما ، وأسفرت عن قتل ستة عشر ألف وسبعمائة وسبعون رجلاً من أصحاب الجمل ، وأربعة آلاف رجلاً من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وانكسار جيش أصحاب الجمل.

ثمّ إنّ الإمام عليه السلام أمر محمّد بن أبي بكر ، أن ينزل عائشة في دار آمنة بنت الحارث ، ثمّ أمر بإرجاعها إلى المدينة ، ورجع هو عليه السلام إلى الكوفة.

هذا ، ومع العلم بأنّ أكثر المؤرّخين ذكروا : أنّ عائشة كانت من أوائل المحرّضين على قتل عثمان ، وعباراتها مشهورة ومعروفة : « اقتلوا نعثلاً لعن اللّه نعثلاً فقد كفر »!!(2).

ص: 242


1- شرح نهج البلاغة 1 / 231.
2- شرح نهج البلاغة 6 / 215 و 20 / 17 ، تاريخ الأُمم والملوك 3 / 477 ، الإمامة والسياسة 1 / 72.

( أبو الزين - الأردن - .... )

تفسير القمّي في قوله تعالى : ( فَخَانَتَاهُمَا )

س : أيّها الأحبّة ، جاء في تفسير القمّي في قوله تعالى : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً ... فَخَانَتَاهُمَا ) (1) : « واللّه ما عنى بقوله : ( فَخَانَتَاهُمَا ) إلاّ الفاحشة ، وليقيمن الحدّ على فلانة فيما أتت في طريق ، وكان فلان يحبّها ، فلمّا أرادت أن تخرج إلى ... » (2).

فكيف بعد ذلك تنفون الموضوع بشدّة وتقولون : الشيعة قاطبة على القول بأنّ الآية نازلة في حقّ مارية ، مع أنّ طائفة قليلة من علمائهم فقط أشارت لذلك.

ثمّ أودّ أن أسألكم : هل أنّ زوجات الأنبياء متّفق عند الإمامية على منع وقوع الفاحشة منهن شرعاً تكريماً للنبي؟ أم أنّ في المسألة خلاف؟ وشكراً.

ج : بالنسبة للرواية المنقولة من تفسير القمّي فيلاحظ :

أوّلاً : إنّ الأدلّة العقلية والنقلية - ومنها إجماع الإمامية - قائمة على تنزيه زوجات الأنبياء عليهم السلام من الفواحش ، احترازاً من مسّ حياة الأنبياء عليهم السلام بالدنس ، وعليه فما يوهم أن يكون خلاف ذلك فهو مردود أساساً.

ثانياً : لا يوجد هناك تفسير شيعي يشير إلى أنّ الآية المذكورة قد نزلت في حقّ مارية ، وأغلب الظنّ أنّ الذين أسندوا هذا القول للشيعة خلطوا بين هذه الآية وبين شأن نزول الآيات الأوّل من السورة ، التي وردت روايات كثيرة بأنّها نزلت في حقّ مارية ، عندما أفشى بعض زوجات النبيّ صلى اللّه عليه وآله سرّها.

ثالثاً : إنّ الرواية المذكورة ليست تامّة السند ، فللبحث السندي فيها مجال ، فمثلاً : أنّ الروايات الموجودة في نفس الصفحة كُلّها مسندة إلى المعصوم عليه السلام ، ولكن هذه الرواية بظاهرها هي مقول قول علي بن إبراهيم ، ولم يسندها إلى الإمام عليه السلام.

ص: 243


1- التحريم : 10.
2- تفسير القمّي 2 / 377.

مضافاً إلى أنّ إسناد تفسير القمّي ليست كُلّها معتبرة ، ففيها الصحيح وفيها غيره ، فلابدّ من ملاحظة السند في كُلّ مورد ، وهو كما ترى في المقام.

رابعاً : إنّ الرواية لم تصرّح باسم الشخص ، ولا يمكننا الجزم بنية القائل في استعمال فلان وفلانة ، وتمييزهما دعوى بدون دليل.

خامساً : من المسلّم القطعي بإجماع المسلمين ، حرمة نكاح زوجات النبيّ صلى اللّه عليه وآله بصراحة : ( وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) (1) ، فكيف يحتمل مخالفة هذا الحكم القطعي بمرأى ومسمع من المسلمين؟!

وبالجملة : فالاستدلال المذكور مفنّد من أساسه عقلاً ونقلاً.

( أبو توفيق - السعودية - 19 سنة - طالب جامعة )

القمّي والبرسي والمجلسي واتهامهم لها بالفاحشة :

س : أمّا بعد ، هل قال أحد من علماء الإمامية : بأنّ عائشة قد زنت؟ علماً بأنّ عثمان الخميس في مناظرته على قناة المستقلّة ذكر : أنّ القمّي والمجلسي ورجب البرسي قد ذكروا هذا الفعل من عائشة ، ولم يرد السيّد محمّد الموسوي كلامه.

أفيدونا جزاكم اللّه خيراً.

ج : إنّ الأدلّة العقلية والنقلية - ومنها إجماع الإمامية - قائمة على تنزيه زوجات الأنبياء عليهم السلام من الفاحشة - أي الزنا - ، احترازاً من مسّ حياة الأنبياء عليهم السلام بالدنس ، وعليه فما يوهم أن يكون خلاف ذلك فهو مردود أساساً.

وعليه فما ادّعاه عثمان الخميس - من أنّ المجلسي والقمّي والبرسي ذكروا في كتبهم زنا عائشة - فهو كذب وافتراء عليهم ، ولا صحّة له من الواقع ، فهذه كتبهم ومؤلّفاتهم مطبوعة ، وفي متناول أيدي الناس.

ص: 244


1- الأحزاب : 6.

نعم ، قال القمّي عند تفسير قوله تعالى : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ) (1) ما نصّه : « واللّه ما عنى بقوله فخانتاهما إلاّ الفاحشة ، وليقيمن الحدّ على فلانة فيما أتت في طريق ، وكان فلان يحبّها ، فلمّا أرادت أن تخرج إلى ... قال لها فلان : لا يحلّ لك أن تخرجي من غير محرم ، فزوّجت نفسها من فلان »(2).

وقد نقل العلاّمة المجلسي هذا عن القمّي وقال عنه ما نصّه : « فيه شناعة شديدة ، وغرابة عجيبة ، نستبعد صدور مثله عن شيخنا علي بن إبراهيم ، بل نظنّ قريباً أنّه من زيادات غيره ، لأنّ التفسير الموجود ليس بتمامه منه قدس سره ، بل فيه زيادات كثيرة من غيره ، فعلى أيّ هذه مقالة يخالفها المسلمون بأجمعهم - من الخاصّة والعامّة - وكُلّهم يقرّون بقداسة أذيال أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله ممّا ذكر ، نعم بعضهم يعتقدون عصيان بعضهنّ لمخالفتها أمير المؤمنين علي عليه السلام » (3).

وجاء في البحار بعد نقله قول القمّي ما نصّه :

« بيان : المراد بفلان طلحة ، وهذا إن كان رواية فهي شاذة مخالفة لبعض الأُصول ، وإن كان قد يبدو من طلحة ما يدلّ على أنّه كان في ضميره الخبيث مثل ذلك ، لكن وقوع أمثال ذلك بعيد عقلاً ونقلاً وعرفاً وعادةً ، وترك التعرّض لأمثاله أولى »(4).

ومن هذا يتّضح أنّ العلاّمة المجلسي مجرد ناقل قول القمّي ، ورادّ عليه ، فكيف يتّهمه الخميس بأنّه قائل بذلك.

وأمّا الحافظ البرسي ، فعلى فرض أنّه نقل شيئاً من ذلك ، فعلماؤنا لا يأخذون بما تفرّد بنقله.

ص: 245


1- التحريم : 10.
2- تفسير القمّي 2 / 377.
3- بحار الأنوار 22 / 240.
4- المصدر السابق 32 / 107.

وقال العلاّمة المجلسي حول كتب البرسي : « ولا اعتمد على ما يتفرّد بنقله ، لاشتمال كتابيه على ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع »(1).

( المنصور - البحرين - .... )

زواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله منها كان بأمر اللّه :

س : هل زواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله من عائشة بأمر من اللّه تعالى؟

ج : إنّ زواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله من عائشة كان بأمر من اللّه تعالى ، ومن ضمن الأهداف التي تحصّلت من هذا الزواج وغيره ارتباط النبيّ صلى اللّه عليه وآله بجميع قبائل العرب ، فهناك حكمة إلهية وتدبير منه تعالى ، وتمييز من يطيعه عمّن يعصيه ، ولا ينفعها ذلك إن كانت خانت اللّه والرسول ، بخروجها على إمام زمانها ....

قال تعالى : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (2).

( ألياس - السعودية - 24 سنة - طالب جامعة )

موقفها من دفن الحسن :

س : هل توجد أدلّة في كتب التاريخ عن ما جرى في دفن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ، من منع دخول الإمام الحسين عليه السلام بجثمان أخيه من قبل عائشة وقولها : أتدخلون بيتي من لا أحبّ؟

ج : نعم ، ذكرت كتب التاريخ والسير موقف عائشة من دفن الإمام الحسن عليه السلام ، وإليك بعضها :

ص: 246


1- المصدر السابق 1 / 10.
2- التحريم : 10.

1 - روى الشيخ الكليني قدس سره بسنده عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « لمّا احتضر الحسن بن علي عليهما السلام قال للحسين : يا أخي إنّي أُوصيك بوصية فاحفظها ، فإذا أنا متّ فهيّئني ، ثمّ وجّهني إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لأحدث به عهداً ، ثمّ اصرفني إلى أُمّي فاطمة عليها السلام ، ثمّ ردّني فادفنّي بالبقيع.

واعلم أنّه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها وعداوتها لله ولرسوله صلى اللّه عليه وآله ، وعداوتها لنا أهل البيت.

فلمّا قُبض الحسن عليه السلام وضع على سريره ، فانطلقوا به إلى مصلّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، الذي كان يصلّي فيه على الجنائز ، فصلّى على الحسن عليه السلام ، فلمّا أن صلّي عليه حمل فادخل المسجد ، فلمّا أوقف على قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بلغ عائشة الخبر ، وقيل لها : إنّهم قد أقبلوا بالحسن بن علي ليدفن مع رسول اللّه ، فخرجت مبادرة على بغل بسرج - فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجاً - فوقفت وقالت : نحّوا ابنكم عن بيتي ، فإنّه لا يدفن فيه شيء ، ولا يهتك على رسول اللّه حجابه.

فقال لها الحسين بن علي عليهما السلام : قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب رسول اللّه ، وأدخلت بيته من لا يحبّ رسول اللّه قربه ، وإنّ اللّه سائلك عن ذلك يا عائشة ، إنّ أخي أمرني أن أقرّبه من أبيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ليحدث به عهداً.

واعلمي أنّ أخي أعلم الناس باللّه ورسوله ، وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول اللّه ستره ، لأنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ) (1) ، وقد أدخلت أنت بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الرجال بغير أذنه ، وقد قال اللّه عزّ وجلّ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ) (2) ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند

ص: 247


1- الأحزاب : 35.
2- الحجرات : 2.

إذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله المعاول ، وقال اللّه عزّ وجلّ : ( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ) (1) ، ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بقربهما منه الأذى ، وما رعيا من حقّه ما أمرهما اللّه به على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، إنّ اللّه حرّم من المؤمنين أمواتاً ما حرّم منهم أحياء ، وتاللّه يا عائشة ، لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه رسول اللّه عليهما السلام جائزاً فيما بيننا وبين اللّه ، لعلمت أنّه سيدفن ، وإن رغم معطسك ».

قال : ثمّ تكلّم محمّد بن الحنفية وقال : يا عائشة يوماً على بغل ، ويوماً على جمل ، فما تملكين نفسك ، ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم.

قال : فأقبلت عليه فقالت : يا بن الحنفية هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك؟ فقال لها الحسين عليه السلام : « وأنى تبعدين محمّداً من الفواطم ، فو اللّه لقد ولدته ثلاث فواطم : فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم ، وفاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت زائدة بن الأصم ابن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر ».

قال : فقالت عائشة للحسين عليه السلام : نحّوا ابنكم ، واذهبوا به فإنّكم قوم خصمون.

قال : فمضى الحسين عليه السلام إلى قبر أُمّه ، ثمّ أخرجه فدفنه بالبقيع » (2).

2 - قال الشيخ الحرّ العاملي قدس سره : لمّا توفّي الحسن عليه السلام مسموماً ، وخرج به أخوه الحسين عليه السلام ليجدد به العهد بقبر جدّه صلى اللّه عليه وآله ، خرجت عائشة على بغلة شهباء ، يحف بها بنو أُمية وهي تصيح : لا تدخلوا بيتي من لا أحبّ ، إنّ دفن الحسن في بيتي لتجز هذه ، وأومأت إلى ناصيتها.

ص: 248


1- الحجرات : 3.
2- الكافي 1 / 302.

وليت شعري ألم تسمع أُمّ المؤمنين قول جدّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حقّه : « اللّهم إنّي أحبّه فاحبّه ، وأحبّ من يحبّه »(1).

وقوله صلى اللّه عليه وآله : « اللّهم إنّ هذا ابني وأنا أحبّه ، فأحبّه وأحبّ من يحبّه » (2).

وقوله صلى اللّه عليه وآله : « من سرّه أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنّة ، فلينظر إلى الحسن »(3)(4).

3 - روى ابن عساكر بسنده عن أبي عتيق قال : « سمعت جابر بن عبد اللّه يقول : شهدنا حسن بن علي يوم مات ، فكادت الفتنة أن تقع بين حسين بن علي ومروان بن الحكم ، وكان الحسن قد عهد إلى أخيه أن يدفن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فإن خاف أن يكون في ذلك قتال فليدفن بالبقيع ، فأبى مروان أن يدعه ، ومروان يومئذ معزول ، يريد أن يرضي معاوية بذلك ، فلم يزل مروان عدوّاً لبني هاشم حتّى مات.

قال جابر : فكلّمت يومئذ حسين بن علي فقلت : يا أبا عبد اللّه اتق اللّه ، فإنّ أخاك كان لا يحبّ ما ترى ، فادفنه بالبقيع مع أُمّه ففعل »(5).

ص: 249


1- مسند أحمد 2 / 249 و 331 و 532 ، صحيح البخاري 3 / 20 و 7 / 55 ، سنن ابن ماجة 1 / 51 ، مجمع الزوائد 9 / 176 ، مسند الحميدي 2 / 451 ، مسند ابن الجعد : 295 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 49 ، مسند أبي يعلى 11 / 279 ، صحيح ابن حبّان 15 / 417 ، المعجم الكبير 3 / 32 ، نظم درر السمطين : 198 ، تاريخ بغداد 12 / 9 ، تاريخ مدينة دمشق 13 / 176 و 186 و 192 و 288 ، تهذيب الكمال 6 / 226 ، سير أعلام النبلاء 3 / 250 ، تهذيب التهذيب 2 / 258 ، البداية والنهاية 8 / 38 ، سبل الهدى والرشاد 9 / 369 و 11 / 64 ، ينابيع المودّة 2 / 44 ، ذخائر العقبى : 122.
2- كنز العمّال 13 / 652 ، تاريخ مدينة دمشق 13 / 197.
3- الجامع الصغير 2 / 609 ، موارد الظمآن : 553 ، كنز العمّال 12 / 116 ، تاريخ مدينة دمشق 13 / 209 ، الأنساب 3 / 476 ، البداية والنهاية 8 / 39 ، ينابيع المودّة 2 / 102.
4- وسائل الشيعة 1 / 35.
5- تاريخ مدينة دمشق 13 / 287.

وعن ابن عمر قال : « حضرت موت حسن بن علي ، فقلت للحسين : اتق اللّه ولا تثر فتنة ، ولا تسفك الدماء ، وادفن أخاك إلى جنب أُمّه ، فإنّ أخاك قد عهد بذلك إليك ، فأخذ بذلك الحسين »(1).

4 - جاء في تاريخ اليعقوبي : « وقيل : إنّ عائشة ركبت بغلة شهباء وقالت : بيتي لا آذن فيه لأحد ، فأتاها القاسم بن محمّد بن أبي بكر فقال لها : يا عمّة! ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر ، أتريدين أن يقال يوم البغلة الشهباء؟ فرجعت » (2).

( ... - ... - سنّي )

كانت مخطئة ومخالفة لأمر اللّه ورسوله :

س : أتمنّى أن تعينوني على فهم بعض الأُمور التي مرّت عليّ ، وأُريد التأكّد منها ، هل ما سمعت عن كره الشيعة للسيّدة عائشة صحيح؟ جزاكم اللّه كُلّ خير.

ج : إنّ مسألة الحبّ والبغض من المسائل المتّفق عليها بين المسلمين كافّة ، وهي الحبّ في اللّه ، والبغض في اللّه ، وكذلك الموالاة لأولياء اللّه والمعاداة لأعدائه.

قال تعالى : ( لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ باللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّه وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (3).

ص: 250


1- المصدر السابق 13 / 288.
2- تاريخ اليعقوبي 2 / 225.
3- المجادلة : 22.

ولا عداء شخصي للشيعة مع أحد أبداً ، وإنّك ترى أنّ أهل البيت عليهم السلام يرحمون حتّى أعداءهم وقاتليهم ، ويبكون عليهم ويوصون بهم.

وترى أنّ الشيعة يتعاملون مع المسلمين كافّة كُلّ بحسبه ، فالمؤمن الصادق موقّر لديهم ، وإن كان ابن كافر ، والمنحرف مذموم لديهم ، وإن كان ابن أو أخ إمام.

فهذا عمّار وسلمان وأبو ذر والمقداد وأُمّ سلمة وعبد اللّه بن عباس ومحمّد بن أبي بكر ، وغيرهم من المؤمنين الملتزمين الممدوحين في الأحاديث الشريفة الصحيحة.

وها هو عبيد اللّه بن العباس وجعفر الكذّاب ، وغيرهم من السادة الهاشميين ، ولكنّهم يتبرّأون منهم ، ويبغضون أعمالهم.

فنحن لدينا موازين شرعية نضع الناس بحسبها لا بأهوائنا ولا بالنسب ، وإنّما بالتقوى والسيرة الحسنة ، أو العكس لأيّ شخص كائناً من كان.

وأمّا بخصوص عائشة ، فقد ثبت أنّها آذت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في كثير من المواقف ، كما في قصّة المغافير ، وتهديد اللّه تعالى لها أشدّ تهديد في القرآن لأحد من العالمين ، قال تعالى : ( وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّه هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) (1) ، وكذلك في الكثير من أقوالها وأفعالها معه صلى اللّه عليه وآله.

وكذلك موقفها من الإمام علي عليه السلام بعد تحذير النبيّ صلى اللّه عليه وآله إيّاها من ذلك الخروج ، وحرب أمير المؤمنين والخروج على إمام زمانها.

وأيضاً موقفها من دفن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام مع جدّه صلى اللّه عليه وآله ، وعدم إذنها بذلك ، وغير ذلك ممّا هو معلوم لدى الجميع.

فموقفنا ليس شخصياً وعداءً لذاتها ، بل هو موقف من أعمالها ، وعدم كونها بمستوى المسؤولية والموقع الرفيع ، بكونها زوجة خاتم النبيين صلى اللّه عليه وآله ،

ص: 251


1- التحريم : 4.

وقد قال تعالى : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا ... وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ... ) (1) ، وكان عمر في زمن خلافته يمنعهن حتّى من الخروج للحجّ ، حتّى أذن لهن في آخر خلافته ، فكيف بالخروج على إمام زمانها ومحاربته.

فإنا نعتقد أنّها كانت مخطئة ومخالفة لأمر اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، وعلى هذا فالدليل يسوقنا إلى عدم موالاتها ، ولا غرابة ، فالقرآن يعلّمنا البراءة من زوجة نوح ولوط ، وموالاة آسية امرأة فرعون.

( عيسى الشيباني - الإمارات - 26 سنة - طالب ثانوية عامّة )

كانت تعلم بمبايعة الناس لعلي عليه السلام :

س : وفّقكم اللّه لخدمة الإسلام والمسلمين ، وأظهر الحقّ على لسانكم وفي كتبكم المقدّسة ، يدّعي البعض بأنّ خروج عائشة في معركة الجمل عن عدم درايتها بأنّ علي بن أبي طالب عليه السلام قد تمّت له البيعة ، واستلام الخلافة له , وبالتالي هي معذورة في خروجها على الإمام في تلك الحرب ، حيث أنّها لو علمت لما خرجت على رأس الجيش؟

الرجاء توضيح هذه الشبهة ، ولكم فائق الاحترام والتقدير.

ج : المعروف أنّ واقعة الجمل كان سببها خروج عائشة مع طلحة والزبير للمطالبة بدم عثمان ، إلاّ أنّ الثابت تاريخياً أنّ عائشة هي التي حرّضت الناس على قتل عثمان بن عفّان ، وأصدرت فتوى بقتله بعد نعته بنعثل اليهودي ، وقالت : « اقتلوا نعثلاً فقد كفر »(2) ، تعني عثمان ، وفي رواية أُخرى : « اقتلوا نعثلاً قتل اللّه نعثلاً »(3) تعني عثمان ، ونعثل هو رجل يهودي كان يعيش في

ص: 252


1- الأحزاب : 30 - 33.
2- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 477 ، شيخ المضيرة أبو هريرة : 171.
3- تاج العروس 8 / 141 ، لسان العرب 11 / 670 ، شرح نهج البلاغة 6 / 215 و 20 / 22.

المدينة طويل اللحية ، بل ورد أنّ حفصة وعائشة قالتا لعثمان : « إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله سمّاك نعثلاً تشبيها بنعثل اليهودي » (1) ، وقيل : « إنّ نعثل هو الشيخ الأحمق ، وهو رجل من أهل مصر كان طويل اللحية وكان يشبه عثمان »(2).

وقال ابن أبي الحديد : « قال كُلّ من صنّف في السير والأخبار : إنّ عائشة كانت من أشدّ الناس على عثمان ، حتّى أنّها أخرجت ثوباً من ثياب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فنصبته في منزلها ، وكانت تقول للداخلين إليها : هذا ثوب رسول اللّه لم يبل ، وعثمان قد أبلى سنّته»(3).

وقد صدّق المسلمون - وعلى رأسهم الصحابة - دعوى عائشة ، واستجابوا لتحريضها ، فشاركوا في قتله ، ودفنوه في مقبرة اليهود(4).

ولكن السؤال المثير هو : لماذا خرجت عائشة للمطالبة بدم عثمان؟ وتجييش الجيوش من أجل ذلك؟

قال الطبري عن تلك الأحداث : « أنّ عائشة لما انتهت إلى سرف - موضع ستة أميال من مكّة - راجعة في طريقها إلى مكّة ، لقيها عبد ابن أُمّ كلاب ، وهو عبد ابن أبي سلمة ينسب إلى أُمّه ، فقالت له : مهيم؟

قال : قتلوا عثمان ، فمكثوا ثمانياً ، قالت : ثمّ صنعوا ماذا؟

قال : أخذها أهل المدينة بالاجتماع ، فجازت بهم الأُمور إلى خير مجاز ، اجتمعوا على علي بن أبي طالب ، فقالت : واللّه ليتَ إنّ هذه انطبقت على هذه إن تمّ الأمر لصاحبك ، ردّوني ردّوني ، فانصرفت إلى مكّة وهي تقول : قتل واللّه عثمان مظلوماً ، واللّه لأطلبن بدمه ، فقال لها ابن أُمّ كلاب : ولم؟ فو اللّه أنّ أوّل من أمال حرفه لأنتِ ، ولقد كنتِ تقولين : اقتلوا نعثلاً فقد كفر.

ص: 253


1- كشف الغمّة 2 / 108.
2- لسان العرب 11 / 699.
3- شرح نهج البلاغة 6 / 215.
4- أُنظر : الطبقات الكبرى 3 / 78.

قالت : إنّهم استتابوه ثمّ قتلوه ، وقد قلت وقالوا ، وقولي الأخير خير من قولي الأوّل ، فقال ابن أُمّ كلاب :

منكِ البداء ومنكِ الغير *** ومنكِ الرياح ومنكِ المطر

وأنتِ أمرتِ بقتل الإمام *** وقلتِ لنا أنّه قد كفر

فهبنا أطعناكِ في قتله *** وقاتله عندنا من أمر

إلى آخر الأبيات.

فانصرفت إلى مكّة ، فنزلت على باب المسجد ، فقصدت الحجر ، فسترت واجتمع إليها الناس ، فقالت : يا أيّها الناس ، إنّ عثمان قُتل مظلوماً ، وواللّه لأطلبن بدمه » (1).

والحاصل : إنّ عائشة كانت تعلم بمبايعة الناس لأمير المؤمنين علي عليه السلام ، ومن هنا كانت نقطة الانقلاب في موقفها ، وبمراجعة يسيرة إلى المصادر التاريخية تجد أنّ عائشة حتّى عند إخبارها بمقتل عثمان قبل علمها بمبايعة علي عليه السلام كانت تسمّيه نعثلاً وتتشفّى بمقتله ، ولكن علمها بمبايعة الإمام عليه السلام قلب موقفها تماماً ، وقادها إلى القيام بتلك الفتنة الكبيرة التي راح ضحيّتها عشرات الآلاف من المسلمين ، فكيف لا تعلم عائشة بمبايعة الناس لأمير المؤمنين علي عليه السلام ، وهي عندما قدمت إلى البصرة وجدت عليها عثمان بن حنيف عامل أمير المؤمنين عليه السلام عليها ، وقد أرسل أليها أبو الأسود الدؤلي يسألها عن خبرها ، وعن علّة مجيئها إلى البصرة ، فقالت له : أطلب بدم عثمان ، قال : إنّه ليس في البصرة من قتلة عثمان أحد ، قالت : صدقت ولكنّهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة(2).

ص: 254


1- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 476.
2- شرح نهج البلاغة 6 / 226.

وعندما لم تجد عائشة آذاناً صاغية من عثمان بن حنيف وأصحابه في البصرة في مطالبها ، اشتد النزاع بين الفريقين حتّى حصلت تلك الواقعة المسمّاة ب- « واقعة الجمل الأصغر » ، والتي كان من آثارها أن قتل أربعون رجلاً من شيعة علي عليه السلام في المسجد ، وسبعون آخرون في مكان آخر ، وأسروا عثمان بن حنيف ، وكان من فضلاء الصحابة ، فأرادوا قتله ، ثمّ خافوا أن يثأر له أخوه سهل والأنصار ، فنتفوا لحيته وشاربيه وحاجبيه ورأسه وضربوه وحبسوه ، ثمّ طردوه من البصرة(1).

وكان النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد أخبر عائشة عن خروجها هذا وحذّرها منه ، وقال لها : « لا تكوني التي تنبحك كلاب الحوأب » ، والحوأب هو وادي كثير الماء نبحت كلابه عند مسير عائشة إلى البصرة ، وعندما سألت عنه أخبروها أنّ هذا المكان يسمّى بماء الحوأب.

فقالت : ردّوني ، ردّوني ، وذكرت التحذير الذي سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولكن وبمحضر من طلحة والزبير أحسّ بجسامة الموقف ، فاحضر خمسين رجلاً ، وشهدوا بأنّ هذا المكان لا يسمّى بماء الحوأب ، وكانت تلك أوّل شهادة زور في الإسلام كما يذكره المؤرّخون(2).

وخلاصة القول في مسير عائشة هو قول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له : « أيّها الناس ، إنّ عائشة سارت إلى البصرة ومعها طلحة والزبير ، وكُلّ منهما يرى الأمر له دون صاحبه ، أمّا طلحة فابن عمّها ، وأما الزبير فختنها ، واللّه لو ظفروا بما أرادوا - ولن ينالوا ذلك أبداً - ليضربن أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع

ص: 255


1- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 485 ، انساب الأشراف : 225 ، أُسد الغابة 2 / 40 ، شرح نهج البلاغة 6 / 226.
2- أُنظر : مسند أبي يعلى 8 / 282 ، شرح نهج البلاغة 6 / 225 و 9 / 310 ، انساب الأشراف : 224 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 181 ، البداية والنهاية 7 / 258 ، المناقب : 181.

منهما شديد ، واللّه إنّ راكبة الجمل الأحمر ما تقطع عقبة ، ولا تحل عقدة إلاّ في معصية اللّه وسخطه ، حتّى تورد نفسها ومن معها موارد الهلكة » (1).

وقد حذّر اللّه سبحانه قبل هذا نساء النبيّ صلى اللّه عليه وآله من الخروج من بيوتهنّ وأمرهنّ بالقرار فيها بقوله : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) (2) ، ولذا نقول : ما حكم من خرجت من بيتها ومدينتها بل وكُلّ بلادها ، وذهبت إلى بلاد أُخرى تبعد عنها آلاف الأميال ، وأشعلت كُلّ هذه الفتنة التي يراها البعض بداية لفتن صفّين والنهروان ، وثمّ تولّي معاوية على رقاب المسلمين ، ثمّ واقعة كربلاء ، وما جرى على المسلمين إلى يومنا هذا؟ التي يعدّها البعض نتيجة حتمية لضعف العرب والمسلمين بسبب الفتن التي أشعلها الأوائل بوجه الخلافة العلوية.

ولا نريد أن نشير هنا إلى قول النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله الذي رواه مسلم عن ابن عمر قال : خرج رسول اللّه من بيت عائشة فقال : « رأس الكفر من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان »(3) ، بل جاء في صحيح البخاري عن عبد اللّه قال : قام النبيّ صلى اللّه عليه وآله خطيباً ، فأشار نحو مسكن عائشة فقال : « هاهنا الفتنة ، هاهنا الفتنة ، هاهنا الفتنة ، من حيث يطلع قرن الشيطان »(4).

ص: 256


1- شرح نهج البلاغة 1 / 233.
2- الأحزاب : 33.
3- صحيح مسلم 8 / 181.
4- صحيح البخاري 4 / 46.

عالم الذرّ :

اشارة

( ميسون رضا - لبنان - 23 سنة - دراسة ماجستير في العلوم الإلهية )

بحث مفصّل للعلاّمة الطباطبائي حوله :

اشارة

س : فكرة موجزة عن عالم الذرّ : أهم العلماء الذين يؤيّدون هذه النظرية ، بعض المصادر التي تناولت هذا الأمر من خلال أحاديث أهل البيت عليهم السلام.

ج : ننقل لك ما قاله العلاّمة الطباطبائي قدس سره حول الموضوع :

قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ... ) (1).

أخذ الشيء من الشيء يوجب انفصال المأخوذ من المأخوذ منه ، واستقلاله دونه بنحو من الأنحاء ، وهو يختلف باختلاف العنايات المتعلّقة بها ، والاعتبارات المأخوذة فيها ، كأخذ اللقمة من الطعام ، وأخذ الجرعة من ماء القدح ، وهو نوع من الأخذ ، وأخذ المال والأثاث من زيد الغاصب ، أو الجواد أو البائع أو المعير ، وهو نوع آخر ، أو أنواع مختلفة أُخرى ، وكأخذ العلم من العالم ، وأخذ الأهبة من المجلس ، وأخذ الحظّ من لقاء الصديق وهو نوع ، وأخذ الولد من والده للتربية ، وهو نوع إلى غير ذلك.

فمجرد ذكر الأخذ من الشيء لا يوضّح نوعه إلاّ ببيان زائد ، ولذلك أضاف اللّه سبحانه إلى قوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ ) الدال على تفريقهم وتفصيل بعضهم من بعض.

ص: 257


1- الأعراف : 172.

قوله : ( مِن ظُهُورِهِمْ ) ليدلّ على نوع الفصل والأخذ ، وهو أخذ بعض المادّة منها ، بحيث لا تنقص المادّة المأخوذ منها بحسب صورتها ، ولا تنقلب عن تمامها واستقلالها ، ثمّ تكميل الجزء المأخوذ شيئاً تامّاً مستقلاً من نوع المأخوذ منه ، فيؤخذ الولد من ظهر من يلده ويولده ، وقد كان جزء ، ثمّ يجعل بعد الأخذ والفصل إنساناً تامّاً مستقلاً من والديه ، بعدما كان جزء منهما.

ثمّ يؤخذ من ظهر هذا المأخوذ مأخوذ آخر ، وعلى هذه الوتيرة حتّى يتمّ الأخذ ، وينفصل كُلّ جزء عمّا كان جزء منه ، ويتفرّق الأناسي وينتشر الأفراد ، وقد استقلّ كُلّ منهم عمّن سواه ، ويكون لكُلّ واحد منهم نفس مستقلة لها ما لها ، وعليها ما عليها ، فهذا مفاد قوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) ، ولو قال : أخذ ربّك من بني آدم ذرّيتهم أو نشرهم ونحو ذلك ، بقي المعنى على إبهامه.

وقوله : ( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) ينبأ عن فعل آخر إلهي تعلّق بهم ، بعد ما أخذ بعضهم من بعض ، وفصل بين كُلّ واحد منهم وغيره ، وهو إشهادهم على أنفسهم ، والإشهاد على الشيء هو إحضار الشاهد عنده ، وإراءته حقيقته ، ليتحمّله علماً تحمّلاً شهودياً ، فإشهادهم على أنفسهم ، هو إراءتهم حقيقة أنفسهم ، ليتحمّلوا ما أُريد تحمّلهم من أمرها ، ثمّ يؤدّوا ما تحمّلوه إذا سئلوا.

وللنفس في كُلّ ذي نفس جهات من التعلّق والارتباط بغيرها ، يمكن أن يستشهد الإنسان على بعضها دون بعض ، غير أنّ قوله : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) يوضّح ما أشهدوا لأجله ، وأُريد شهادتهم عليه ، وهو أن يشهدوا ربوبيته سبحانه لهم ، فيؤدّوها عند المسألة.

فالإنسان وإن بلغ من الكبر والخيلاء ما بلغ ، وغرّته مساعدة الأسباب ما غرّته ، واستهوته لا يسعه أن ينكر أنّه لا يملك وجود نفسه ، ولا يستقلّ بتدبير أمره ، ولو ملك نفسه لوقّاها ممّا يكرهه من الموت ، وسائر آلام الحياة

ص: 258

ومصائبها ، ولو استقلّ بتدبير أمره لم يفتقر إلى الخضوع قبال الأسباب الكونية ، والوسائل التي يرى لنفسه أنّه يسودها ويحكم فيها ، ثمّ هي كالإنسان في الحاجة إلى ما وراءها ، والانقياد إلى حاكم غائب عنها ، يحكم فيها لها أو عليها ، وليس إلى الإنسان أن يسدّ خلّتها ويرفع حاجتها.

فالحاجة إلى ربّ - مالك مدبّر - حقيقة الإنسان ، والفقر مكتوب على نفسه ، والضعف مطبوع على ناصيته ، لا يخفى ذلك على إنسان له أدنى الشعور الإنساني ، والعالم والجاهل ، والصغير والكبير ، والشريف والوضيع في ذلك سواء.

فالإنسان في أيّ منزل من منازل الإنسانية نزل ، يشاهد من نفسه أنّ له ربّاً يملكه ويدبّر أمره ، وكيف لا يشاهد ربّه وهو يشاهد حاجته الذاتية؟ وكيف يتصوّر وقوع الشعور بالحاجة من غير شعور بالذي يحتاج إليه؟

فقوله : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) بيان ما أشهد عليه ، وقوله : ( قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ) اعتراف منهم بوقوع الشهادة وما شهدوه ، ولذا قيل : إنّ الآية تشير إلى ما يشاهده الإنسان في حياته الدنيا ، أنّه محتاج في جميع جهات حياته من وجوده ، وما يتعلّق به وجوده من اللوازم والأحكام ، ومعنى الآية إنّا خلقنا بني آدم في الأرض ، وفرّقناهم وميّزنا بعضهم من بعض بالتناسل والتوالد ، وأوفقناهم على احتياجهم ، ومربوبيتهم لنا ، فاعترفوا بذلك قائلين : بلى شهدنا أنّك ربّنا.

وعلى هذا يكون قولهم : ( بَلَى شَهِدْنَا ) من قبيل القول بلسان الحال ، أو إسناد اللازم القول إلى القائل بالملزوم ، حيث اعترفوا بحاجاتهم ، ولزمه الاعتراف بمن يحتاجون إليه ، والفرق بين لسان الحال ، والقول بلازم القول :

أنّ الأوّل انكشاف المعنى عن الشيء لدلالة صفة من صفاته ، وحال من أحواله عليه ، سواء شعر به أم لا ، كما تفصح آثار الديار الخربة عن حال ساكنيها ، وكيف لعب الدهر بهم؟ وعدت عادية الأيّام عليهم؟ فأسكنت

ص: 259

أجراسهم وأخمدت أنفاسهم ، وكما يتكلّم سيماء البائس المسكين عن فقره ومسكنته وسوء حاله.

والثاني انكشاف المعنى عن القائل ، لقوله بما يستلزمه أو تكلّمه بما يدلّ عليه بالالتزام.

فعلى أحد هذين النوعين من القول ، أعني القول بلسان الحال ، والقول بالاستلزام يحمل اعترافهم المحكي بقوله تعالى : ( قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ) ، والأوّل أقرب وأنسب ، فإنّه لا يكتفي في مقام الشهادة إلاّ بالصريح منها المدلول عليه بالمطابقة دون الالتزام.

ومن المعلوم : أنّ هذه الشهادة على أيّ نحو تحقّقت فهي من سنخ الاستشهاد المذكور في قوله : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) ، فالظاهر أنّه قد استوفى الجواب بعين اللسان الذي سألهم به ، ولذلك كان هناك نحو ثالث يمكن أن يحمل عليه هذه المساءلة والمجاوبة ، فإنّ الكلام الإلهي يكشف به عن المقاصد الإلهية بالفعل ، والإيجاد كلام حقيقي - وإن كان بنحو التحليل - كما تقدّم مراراً في مباحثنا السابقة ، فليكن هنا قوله : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) وقولهم : ( بَلَى شَهِدْنَا ) من ذاك القبيل ، وسيجيء للكلام تتمّة.

وكيف كان فقوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ ) الآية ، يدلّ على تفصيل بني آدم بعضهم من بعض ، وإشهاد كُلّ واحد منهم على نفسه ، وأخذ الاعتراف على الربوبية منه ، ويدلّ ذيل الآية وما يتلوه أعنّي قوله : ( أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) (1) على الغرض من هذا الأخذ والإشهاد.

وهو على ما يفيده السياق إبطال حجّتين للعباد على اللّه ، وبيان أنّه لولا هذا الأخذ والإشهاد ، وأخذ الميثاق على انحصار الربوبية ، كان للعباد أن يتمسّكوا

ص: 260


1- الأعراف : 172 - 173.

يوم القيامة بإحدى حجّتين ، يدفعون بها تمام الحجّة عليهم في شركهم باللّه ، والقضاء بالنار على ذلك من اللّه سبحانه.

والتدبّر في الآيتين ، وقد عطفت إحدى الحجّتين على الأُخرى بأو الترديدية ، وبنيت الحجّتان جميعاً على العلم اللازم للإشهاد ، ونقلتا جميعاً عن بني آدم المأخوذين المفرقين يعطي أنّ الحجّتين كُلّ واحدة منهما مبنية على تقدير من تقديري عدم الإشهاد كذلك.

والمراد أنّا أخذنا ذرّيتهم من ظهورهم ، وأشهدناهم على أنفسهم فاعترفوا بربوبيتنا ، فتمّت لنا الحجّة عليهم يوم القيامة ، ولو لم نفعل هذا ولم نشهد كُلّ فرد منهم على نفسه بعد أخذه ، فإنّ كنّا أهملنا الإشهاد من رأس فلم يشهد أحد نفسه ، وأنّ اللّه ربّه ، ولم يعلم به لأقاموا جميعاً الحجّة علينا يوم القيامة ، بأنّهم كانوا غافلين في الدنيا عن ربوبيتنا ، ولا تكليف على غافل ولا مؤاخذة ، وهو قوله تعالى : ( أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) .

وإن كنّا لم نهمل أمر الإشهاد من رأس ، وأشهدنا بعضهم على أنفسهم دون بعض ، بأن أشهدنا الآباء على هذا الأمر الهام العظيم دون ذرّياتهم ، ثمّ أشرك الجميع كان شرك الآباء شركاً عن علم ، بأنّ اللّه هو الربّ لا ربّ غيره ، فكانت معصية منهم.

وأمّا الذرّية فإنّما كان شركهم بمجرد التقليد فيما لا سبيل لهم إلى العلم به لا إجمالاً ولا تفصيلاً ، ومتابعة عملية محضة لآبائهم فكان آباؤهم هم المشركون باللّه ، العاصون في شركهم لعلمهم بحقيقة الأمر ، وقد قادوا ذرّيتهم الضعاف في سبيل شركهم بتربيتهم عليه وتلقينهم ذلك ، ولا سبيل لهم إلى العلم بحقيقة الأمر ، وإدراك ضلال آبائهم وإضلالهم إيّاهم ، فكانت الحجّة لهؤلاء الذرّية على اللّه يوم القيامة ، لأنّ الذين أشركوا وعصوا بذلك ، وأبطلوا الحقّ هم الآباء ، فهم المستحقّين للمؤاخذة ، والفعل فعلهم.

ص: 261

وأمّا الذرّية فلم يعرفوا حقّاً حتّى يؤمروا به فيعصوا بمخالفته ، فهم لم يعصوا شيئاً ، ولم يبطلوا حقّاً ، وحينئذ لم تتمّ حجّة على الذرّية ، فلم تتمّ الحجّة على جميع بني آدم ، وهذا معنى قوله تعالى : ( أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) .

فإن قلت : هنا بعض تقادير أُخر لا يفي به البيان السابق ، كما لو فرض إشهاد الذرّية على أنفسهم دون الآباء مثلاً ، أو إشهاد بعض الذرّية مثلاً ، كما أنّ تكامل النوع الإنساني في العلم والحضارة على هذه الوتيرة ، يرث كُلّ جيل ما تركه الجيل السابق ، ويزيد عليه بأشياء ، فيحصل للاحق ما لم يحصل للسابق.

قلت : على أحد التقديرين المذكورين تتمّ الحجّة على الذرّية ، أو على بعضهم الذين أشهدوا.

وأمّا الآباء الذين لم يشهدوا فليس عندهم إلاّ الغفلة المحضة عن أمر الربوبية ، فلا يستقلّون بشرك إذ لم يشهدوا ، ولا يسع لهم التقليد إذ لم يسبق عليهم فيه سابق كما في صورة العكس ، فيدخلون تحت المحتجّين بالحجّة الأُولى : ( إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) .

وأمّا حديث تكامل الإنسان في العلم والحضارة تدريجاً ، فإنّما هو في العلوم النظرية الاكتسابية التي هي نتائج وفروع تحصل للإنسان شيئاً فشيئاً ، وأمّا شهود الإنسان نفسه ، وأنّه محتاج إلى ربّ يربّه ، فهو من مواد العلم التي إنّما تحصل قبل النتائج ، وهو من العلوم الفطرية التي تنطبع في النفس انطباعاً أوّلياً ، ثمّ يتفرّع عليها الفروع ، وما هذا شأنه لا يتأخّر عن غيره حصولاً ، وكيف لا ، ونوع الإنسان إنّما يتدرّج إلى معارفه وعلومه عن الحسّ الباطني بالحاجة كما قرّر في محلّه.

فالمتحصّل من الآيتين : أنّ اللّه سبحانه فصل بين بني آدم بأخذ بعضهم من بعض ، ثمّ أشهدهم جميعاً على أنفسهم ، وأخذ منهم الميثاق بربوبيته ، فهم

ص: 262

ليسوا بغافلين عن هذا المشهد ، وما أخذ منهم الميثاق حتّى يحتجّ كُلّهم بأنّهم كانوا غافلين عن ذلك ، لعدم معرفتهم بالربوبية ، أو يحتجّ بعضهم بأنّه إنّما أشرك وعصى آباؤهم وهم برآء.

ولذلك ذكر عدّة من المفسّرين : أنّ المراد بهذا الظرف المشار إليه بقوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ) هو الدنيا ، والآيتان تشيران إلى سنّة الخلقة الإلهية الجارية على الإنسان في الدنيا ، فإنّ اللّه سبحانه يخرج الذرّية الإنسانية من أصلاب آبائهم إلى أرحام أُمّهاتهم ، ومنها إلى الدنيا ، ويشهدهم في خلال حياتهم على أنفسهم ، ويريهم آثار صنعه ، وآيات وحدانيته ، ووجوه احتياجاتهم المستغرقة لهم من كُلّ جهة ، الدالّة على وجوده ووحدانيته ، فكأنّه يقول لهم عند ذلك : ألست بربّكم ، وهم يجيبونه بلسان حالهم : بلى شهدنا بذلك ، وأنت ربّنا لا ربّ غيرك ، وإنّما فعل اللّه سبحانه ذلك لئلا يحتجّوا على اللّه يوم القيامة ، بأنّهم كانوا غافلين عن المعرفة ، أو يحتجّ الذرّية بأنّ آباءهم هم الذين أشركوا ، وأمّا الذرّية فلم يكونوا عارفين بها ، وإنّما هم ذرّية من بعدهم نشئوا على شركهم من غير ذنب.

وقد طرح القوم عدّة من الروايات تدلّ على أنّ الآيتين تدلاّن على عالم الذرّ ، وأنّ اللّه أخرج ذرّية آدم من ظهره ، فخرجوا كالذرّ فأشهدهم على أنفسهم وعرّفهم نفسه ، وأخذ منهم الميثاق على ربوبيته ، فتمّت بذلك الحجّة عليهم يوم القيامة.

وقد ذكروا وجوها في إبطال دلالة الآيتين عليه ، وطرح الروايات بمخالفتها لظاهر الكتاب :

1 - إنّه لا يخلو إمّا أن جعل اللّه هذه الذرّية المستخرجة من صلب آدم عقلاء ، أو لم يجعلهم كذلك ، فإن لم يجعلهم عقلاء فلا يصحّ أن يعرفوا التوحيد ، وأن يفهموا خطاب اللّه تعالى ، وإن جعلهم عقلاء وأخذ منهم الميثاق ، وبنى صحّة التكليف على ذلك ، وجب أن يذكروا ذلك ولا ينسوه ، لأنّ أخذ الميثاق إنّما تتمّ

ص: 263

الحجّة به على المأخوذ منه ، إذا كان على ذكر منه من غير نسيان ، كما ينصّ عليه قوله تعالى : ( أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) ، ونحن لا نذكر وراء ما نحن عليه من الخلقة الدنيوية الحاضرة شيئاً ، فليس المراد بالآية إلاّ موقف الإنسان في الدنيا ، وما يشاهده فيه من حاجته إلى ربّ يملكه ويدبّر أمره ، وهو ربّ كُلّ شيء.

2 - إنّه لا يجوز أن ينسى الجمع الكثير ، والجمّ الغفير من العقلاء أمراً قد كانوا عرفوه وميّزوه ، حتّى لا يذكره ولا واحد منهم ، وليس العهد به بأطول من عهد أهل الجنّة بحوادث مضت عليهم في الدنيا ، وهم يذكرون ما وقع عليهم في الدنيا ، كما يحكيه تعالى في مواضع من كلامه كقوله : ( قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ) (1) إلى آخر الآيات.

وقد حكى نظير ذلك من أهل النار كقوله : ( وَقَالُوا مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الأَشْرَارِ ) (2) إلى غير ذلك من الآيات.

ولو جاز النسيان على هؤلاء الجماعة مع هذه الكثرة ، لجاز أن يكون اللّه سبحانه قد كلّف خلقه فيما مضى من الزمن ، ثمّ أعادهم ليثيبهم ، أو ليعاقبهم جزاء لأعمالهم في الخلق الأوّل ، وقد نسوا ذلك ، ولازم ذلك صحّة قول التناسخية : أنّ المعاد إنّما هو خروج النفس عن بدنها ، ثمّ دخولها في بدن آخر ، لتجد في الثاني جزاء الأعمال التي عملتها في الأوّل.

3 - ما أورد على الأخبار الناطقة بأنّ اللّه سبحانه أخذ من صلب آدم ذرّيته ، وأخذ منهم الميثاق ، بأنّ اللّه سبحانه قال : ( أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَم ) ولم يقل من آدم ، وقال : ( مِن ظُهُورِهِمْ ) ولم يقل من ظهره ، وقال : ( ذُرِّيَّتَهُمْ ) ولم يقل : ذرّيته ، ثمّ أخبر بأنّه إنّما فعل بهم ذلك لئلا يقولوا يوم القيامة : ( إِنَّا كُنَّا

ص: 264


1- الصافات : 51.
2- ص : 61.

عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) ، أو يقولوا : ( إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ) الآية ، وهذا يقتضي أن يكون لهم آباء مشركون ، فلا يتناول ظاهر الآية أولاد آدم لصلبه.

ومن هنا قال بعضهم : إنّ الآية خاصّة ببعض بني آدم غير عامّة لجميعهم ، فإنّها لا تشمل آدم وولده لصلبه ، وجميع المؤمنين ، ومن المشركين من ليس له آباء مشركون ، بل تختصّ بالمشركين الذين لهم سلف مشرك.

4 - إنّ تفسير الآية بعالم الذرّ ينافي قولهم - كما في الآية - ( إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا ) لدلالته على وجود آباء لهم مشركين ، وهو ينافي وجود الجميع هناك بوجود واحد جمعي.

5 - ما ذكره بعضهم : أنّ الروايات مقبولة مسلّمة ، غير أنّها ليست بتأويل للآية ، والذي تقصّه من حديث عالم الذرّ ، إنّما هو أمر فعله اللّه سبحانه ببني آدم قبل وجودهم في هذه النشأة ، ليجروا بذلك على الأعراق الكريمة في معرفة ربوبيته ، كما روي : أنّهم ولدوا على الفطرة ، وكما قيل : إنّ نعيم الأطفال في الجنّة ثواب إيمانهم باللّه في عالم الذرّ.

وأمّا الآية فليست تشير إلى ما تشير إليه الروايات ، فإنّ الآية تذكر أنّه إنّما فعل بهم ذلك لتنقطع به حجّتهم يوم القيامة ، ( إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) ، ولو كان المراد به ما فعل بهم في عالم الذرّ لكان لهم أن يحتجّوا على اللّه ، فيقولوا : ربّنا إنّك أشهدتنا على أنفسنا يوم أخرجتنا من صلب آدم ، فكنّا على يقين بأنّك ربّنا ، كما أنا اليوم - وهو يوم القيامة - على يقين من ذلك ، لكنّك أنسيتنا موقف الإشهاد في الدنيا ، التي هي موطن التكليف والعمل ، ووكلتنا إلى عقولنا ، فعرف ربوبيتك من عرفها بعقله ، وأنكرها من أنكرها بعقله ، كُلّ ذلك بالاستدلال ، فما ذنبنا في ذلك؟ وقد نزعت منّا عين المشاهدة ، وجهّزتنا بجهاز شأنه الاستدلال ، وهو يخطئ ويصيب؟

ص: 265

6 - إنّ الآية لا صراحة لها فيما تدلّ عليه الروايات ، لإمكان حملها على التمثيل ، وأمّا الروايات فهي إمّا مرفوعة أو موقوفة ، ولا حجّية فيها.

هذه جمل ما أوردوه على دلالة الآية ، وحجّية الروايات ، وقد زيّفها المثبتون لنشأة الذرّ ، وهم عامّة أهل الحديث ، وجمع من غيرهم من المفسّرين بأجوبة :

فالجواب عن الأوّل : إنّ نسيان الموقف وخصوصياته لا يضرّ بتمام الحجّة ، وإنّما المضرّ نسيان أصل الميثاق ، وزوال معرفة وحدانية الربّ تعالى : وهو غير منسي ، ولا زائل عن النفس ، وذلك يكفي في تمام الحجّة ، ألا ترى أنّك إذا أردت أن تأخذ ميثاقاً من زيد فدعوته إليك ، وأدخلته بيتك ، وأجلسته مجلس الكرامة ، ثمّ بشّرته وأنذرته ما استطعت ، ولم تزل به حتّى أرضيته ، فأعطاك العهد ، وأخذت منه الميثاق ، فهو مأخوذ بميثاقه ما دام ذاكراً لأصله ، وإن نسي حضوره عندك ، ودخوله بيتك وجميع ما جرى بينك وبينه وقت أخذ الميثاق غير أصل العهد.

والجواب عن الثاني : إنّ الامتناع من تجويز نسيان الجمع الكثير لذلك ، مجرد استبعاد من غير دليل على الامتناع ، مضافاً إلى أنّ أصل المعرفة بالربوبية مذكور غير منسي كما ذكرنا ، وهو يكفي في تمام الحجّة ، وأمّا حديث التناسخية فليس الدليل على امتناع التناسخ منحصراً في استحالة نسيان الجماعة الكثيرة ، ما مضى عليهم في الخلق الأوّل ، حتّى لو لم يستحلّ ذلك صحّ القول بالتناسخ ، بل لإبطال القول به دليل آخر ، كما يعلم بالرجوع إلى محلّه ، وبالجملة : لا دليل على استحالة نسيان بعض العوالم في بعض آخر.

والجواب عن الثالث : إنّ الآية غير ساكتة عن إخراج ولد آدم لصلبه من صلبه ، فإنّ قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَم ) كاف وحده في الدلالة عليه ، فإنّ فرض بني آدم فرض إخراجهم من صلب آدم من غير حاجة إلى مؤنة زائدة ، ثمّ إخراج ذرّيتهم من ظهورهم بإخراج أولاد الأولاد من صلب الأولاد ، وهكذا ، ويتحصّل منه أنّ اللّه أخرج أولاد آدم لصلبه من صلبه ، ثمّ أولادهم من

ص: 266

أصلابهم ، ثمّ أولاد أولادهم من أصلاب أولادهم ، حتّى ينتهي إلى آخرهم ، نظير ما يجري عليه الأمر في هذه النشأة الدنيوية التي هي نشأة التوالد والتناسل.

وقد أجاب الرازي عنه في تفسيره ، بأنّ الدلالة على إخراج أولاده لصلبه من صلبه من ناحية الخبر ، كما أنّ الدلالة على إخراج أولاد أولاده من أصلاب آبائهم من ناحية الآية ، فبمجموع الآية والخبر تتمّ الدلالة على المجموع ، وهو كما ترى.

وأمّا الأخبار المشتملة على ذكر إخراج ذرّية آدم من صلبه ، وأخذ الميثاق منهم ، فهي في مقام شرح القصّة ، لا في مقام تفسير ألفاظ الآية ، حتّى يورد عليها بعدم موافقة الكتاب أو مخالفته.

وأمّا عدم شمول الآية لأولاد آدم من صلبه ، لعدم وجود آباء مشركين لهم ، وكذا بعض من عداهم فلا يضرّ شيئاً ، لأنّ مراد الآية أنّ اللّه سبحانه إنّما فعل ذلك لئلا يقول المشركون يوم القيامة : إنّما أشرك آباؤنا ، لا أن يقول كُلّ واحد واحد منهم : إنّما أشرك آبائي فهذا ممّا لم يتعلّق به الغرض البتة ، فالقول قول المجموع من حيث المجموع ، لا قول كُلّ واحد فيئوّل المعنى إلى أنّا لو لم نفعل ذلك لكان كُلّ من أردنا إهلاكه يوم القيامة يقول : لم أشرك أنا ، وإنّما أشرك من كان قبلي ، ولم أكن إلاّ ذرّية وتابعاً لا متبوعاً.

والجواب عن الرابع : يظهر من الجواب عن سابقه ، وقد دلّت الآية والرواية على أنّ اللّه فصل هناك بين الآباء والأبناء ، ثمّ ردّهم إلى حال الجمع.

والجواب عن الخامس : إنّه خلاف ظاهر بعض الروايات ، وخلاف صريح بعض آخر منها ، وما في ذيله من عدم تمام الحجّة من جهة عروض النسيان ظهر الجواب عنه من الجواب عن الإشكال الأوّل.

والجواب عن السادس : إنّ استقرار الظهور في الكلام كاف في حجّيته ، ولا يتوقّف ذلك على صفة الصراحة ، وإمكان الحمل على التمثيل لا يوجب

ص: 267

الحمل عليه ما لم يتحقّق هناك مانع عن حمله على ظاهره ، وقد تبيّن أن لا مانع من ذلك.

وأمّا أنّ الروايات ضعيفة لا معوّل عليها فليس كذلك ، فإنّ فيها ما هو الصحيح ، وفيها ما يوثق بصدوره ، كما سيجيء إن شاء اللّه تعالى في البحث الروائي التالي.

هذا ملخّص ما جرى بينهم من البحث في ما استفيد من الآية من حديث عالم الذرّ إثباتاً ونفياً ، واعتراضاً وجواباً ، واستيفاء التدبّر في الآية والروايات ، والتأمّل فيما يرومه المثبتون بإثباتهم ، ويدفعه المنكرون بإنكارهم يوجب توجيه البحث إلى جهة أُخرى غير ما تشاجر فيه الفريقان بإثباتهم ونفيهم.

فالذي فهمه المثبتون من الرواية ، ثمّ حملوه على الآية ، وانتهضوا لإثباته محصّله : أنّ اللّه سبحانه بعد ما خلق آدم إنساناً تامّاً سوياً أخرج نطفة التي تكوّنت في صلبه - ثمّ صارت هي بعينها أولاده الصلبيين - إلى الخارج من صلبه ، ثمّ أخرج من هذه النطف نطفها التي ستتكون أولاداً له صلبيين ففصل بين أجزائها ، والأجزاء الأصلية التي اشتقّت منها ، ثمّ من أجزاء هذه النطف أجزاء أُخرى ، هي نطفها ، ثمّ من أجزاء الأجزاء أجزاءها ، ولم يزل حتّى أتى آخر جزء مشتق من الأجزاء المتعاقبة في التجزّي.

وبعبارة أُخرى : أخرج نطفة آدم التي هي مادّة البشر ، ووزّعها بفصل بعض أجزائه من بعض إلى ما لا يحصى من عدد بني آدم ، بحذاء كُلّ فرد ما هو نصيبه من أجزاء نطفة آدم ، وهي ذرّات منبثّة غير محصورة.

ثمّ جعل اللّه سبحانه هذه الذرّات المنبثّة عند ذلك - أو كان قد جعلها قبل ذلك كُلّ ذرّة منها إنساناً تامّاً في إنسانيته ، هو بعينه الإنسان الدنيوي الذي هو جزء المقدّم له ، فالجزء الذي لزيد هناك هو زيد هذا بعينه ، والذي لعمرو هو عمرو هذا بعينه ، فجعلهم ذوي حياة وعقل ، وجعل لهم ما يسمعون به ، وما يتكلّمون به ، وما يضمرون به معاني فيظهرونها أو يكتمونها ، وعند ذلك عرّفهم نفسه

ص: 268

فخاطبهم فأجابوه ، وأعطوه الإقرار بالربوبية ، إمّا بموافقة ما في ضميرهم لما في لسانهم أو بمخالفته ذلك.

ثمّ إنّ اللّه سبحانه ردّهم بعد أخذ الميثاق إلى مواطنهم من الأصلاب ، حتّى اجتمعوا في صلب آدم ، وهي على حياتها ، ومعرفتها بالربوبية ، وإن نسوا ما وراء ذلك ممّا شاهدوه عند الإشهاد وأخذ الميثاق ، وهم بأعيانهم موجودون في الأصلاب حتّى يؤذن لهم في الخروج إلى الدنيا فيخرجون ، وعندهم ما حصلوه في الخلق الأوّل من معرفة الربوبية ، وهي حكمهم بوجود ربّ لهم من مشاهدة أنفسهم محتاجة إلى من يملكهم ويدبّر أمرهم.

هذا ما يفهمه القوم من الخبر والآية ويرومون إثباته ، وهو ممّا يدفعه الضرورة ، وينفيه القرآن والحديث بلا ريب ، وكيف الطريق إلى إثبات أنّ ذرّة من ذرّات بدن زيد - وهو الجزء الذرّي الذي انتقل من صلب آدم من طريق نطفته إلى ابنه ، ثمّ إلى ابن ابنه ، حتّى انتهى إلى زيد - هو زيد بعينه ، وله إدراك زيد وعقله وضميره ، وسمعه وبصره ، وهو الذي يتوجّه إليه التكليف ، وتتمّ له الحجّة ، ويحمل عليه العهود والمواثيق ، ويقع عليه الثواب والعقاب؟ وقد صحّ بالحجّة القاطعة من طريق العقل والنقل أنّ إنسانية الإنسان بنفسه ، التي هي أمر وراء المادّة حادث بحدوث هذا البدن الدنيوي ، وقد تقدّم شطر من البحث فيها.

على أنّه قد ثبت بالبحث القطعي أنّ هذه العلوم التصديقية البديهية والنظرية منها التصديق بأنّ له ربّاً يملكه ويدبّر أمره ، تحصل للإنسان بعد حصول والتطوّرات ، والجميع تنتهي إلى الاحساسات الظاهرة والباطنة ، وهي تتوقّف على وجود التركيب الدنيوي المادّي ، فهو حال العلوم الحصولية التي منها التصديق ، بأنّ له ربّاً هو القائم برفع حاجته.

على أنّ هذه الحجّة إن كانت متوقّفة في تمامها على العقل والمعرفة معاً ، فالعقل مسلوب عن الذرّة حين أرجعت إلى موطنه الصلبي ، حتّى تظهر ثانياً في

ص: 269

الدنيا ، وإن قيل إنّه لم يسلب عنها ما تجري في الأصلاب والأرحام ، فهو مسلوب عن الإنسان ما بين ولادته وبلوغه ، أعني أيّام الطفولية.

ويختل بذلك أمر الحجّة على الإنسان ، وإن كانت غير متوقّفة عليه ، بل يكفي في تمامها مجرد حصول المعرفة ، فأيّ حاجة إلى الإشهاد وأخذ الميثاق ، وظاهر الآية أنّ الإشهاد وأخذ الميثاق إنّما هما لأجل إتمام الحجّة ، فلا محالة يرجع معنى الآية إلى حصول المعرفة ، فيئول المعنى إلى ما فسّرها به المنكرون.

وبتقرير آخر : إن كانت الحجّة إنّما تتمّ بمجموع الإشهاد ، والتعريف وأخذ الميثاق سقطت بنسيان البعض ، وقد نسي الإشهاد والتكليم وأخذ الميثاق ، وإن كان الإشهاد وأخذ الميثاق جميعاً مقدّمة لثبوت المعرفة ، ثمّ زالت المقدّمة ولزمت المعرفة ، وبها تمام الحجّة تمّت الحجّة على كُلّ إنسان حتّى الجنين والطفل والمعتوه والجاهل ، ولا يساعد عليه عقل ولا نقل.

وإن كانت المعرفة في تمام الحجّة بها متوقّفة على حصول العقل والبلوغ ونحو ذلك ، وقد كانت حصلت في عالم الذرّ فتمّت الحجّة ، ثمّ زالت وبقيت المعرفة حجّة ناقصة ، ثمّ كملت ثانياً لبعضهم في الدنيا فتمّت الحجّة ثانياً بالنسبة إليهم ، فكما أنّ لحصول العقل في الدنيا أسباباً تكوينية يحصل بها ، وهي الحوادث المتكرّرة من الخير والشر ، وحصول الملكة المميّزة بينهما من التجارب حصولاً تدريجياً ، ينتهي من جانب إلى حدّ من الكمال ، ومن جانب إلى حدّ من الضعف لا يعبأ به ، كذلك المعرفة لها أسباب إعدادية تهيّأ الإنسان إلى التلبّس بها ، وليست تحصل قبل ذلك ، وإذا كانت تحصل في ظرفنا هذا بأسبابها المعدّة لها كالعقل ، فأي حاجة إلى تكوينه تكويناً آخر في سالف من الزمان لإتمام الحجّة ، والحجّة تامّة دونه؟ وماذا يغني ذلك؟

على أنّ هذا العقل الذي لا تتمّ حجّة ، ولا ينفع إشهاد ، ولا يصحّ أخذ ميثاق بدونه حتّى في عالم الذرّ المفروض ، هو العقل العملي الذي لا يحصل للإنسان ، إلاّ في هذا الظرف الذي يعيش فيه عيشة اجتماعية ، فتتكرّر عليه حوادث

ص: 270

الخير والشرّ ، وتهيج عواطفه واحساساته الباطنية نحو جلب النفع ودفع الضرر ، فتتعاقب عليه الأعمال عن علم وإرادة فيخطئ ويصيب حتّى يتدرّب في تمييز الصواب من الخطأ ، والخير من الشر ، والنفع من الضرّ ، والظرف الذي يثبتونه أعني ما يصفونه من عالم الذرّ ليس بموطن العقل العملي ، إذ ليس فيه شرائط حصوله وأسبابه.

ولو فرضوه موطناً له ، وفيه أسبابه وشرائطه ، كما يظهر ممّا يصفونه تعويلاً على ما في ظواهر الروايات ، أنّ اللّه دعاهم هناك إلى التوحيد ، فأجابه بعضهم بلسان يوافقه قلبه ، وأجابه آخرون وقد أضمروا الكفر ، وبعث إليهم الأنبياء والأوصياء فصدّقهم بعض ، وكذّبهم آخرون ، ولا يجري ما هاهنا إلاّ على ما جرى به ما هنالك إلى غير ذلك ممّا ذكروه ، كان ذلك إثباتاً لنشأة طبيعية قبل هذه النشأة الطبيعية في الدنيا ، نظير ما يثبته القائلون بالأدوار والأكوار ، واحتاج إلى تقديم كينونة ذرّية أُخرى ، تتمّ بها الحجّة على من هنالك من الإنسان ، لأنّ عالم الذرّ على هذه الصفة لا يفارق هذا العالم الحيوي الذي نحن فيه الآن ، فلو احتاج هذا الكون الدنيوي إلى تقديم إشهاد وتعريف حتّى يحصل المعرفة ، وتتمّ الحجّة لاحتاج إليه الكون الذرّي من غير فرق فارق البتة.

على أنّ الإنسان لو احتاج في تحقّق المعرفة في هذه النشأة الدنيوية إلى تقدّم وجود ذرّي يقع فيه الإشهاد ، ويوجد فيه الميثاق حتّى تثبت بذلك المعرفة بالربوبية لم يكن في ذلك فرق بين إنسان وإنسان ، فما بال آدم وحوّاء استثنيا من هذه الكُلّية؟ فإن لم يحتاجا إلى ذلك لفضل فيهما ، أو لكرامة لهما ففي ذرّيتهما من هو أفضل منهما وأكرم! وإن كان لتمام خلقتهما يومئذ فأثبتت فيهما المعرفة من غير حاجة إلى إحضار الوجود الذرّي ، فلكُلّ من ذرّيتهما أيضاً خلقة تامّة في ظرفه الخاصّ به ، فلم لم يؤخّر إثبات المعرفة فيهم ، ولهم إلى تمام خلقتهم بالولادة حتّى تتمّ عند ذلك الحجّة؟ وأيّ حاجة إلى التقديم؟

ص: 271

فهذه جهات من الإشكال في تحقّق الوجود الذرّي للإنسان على ما فهموه من الروايات لا طريق إلى حلّها بالأبحاث العلمية ، ولا حمل الآية عليه معها حتّى بناء على عادة القوم في تحميل المعنى على الآية إذا دلّت عليه الرواية ، وإن لم يساعد عليه لفظ الآية ، لأنّ الرواية القطعية الصدور كالآية مصونة عن أن تنطق بالمحال ، وأمّا الحشوية وبعض المحدّثين ممّن يبطل حجّة العقل الضرورية قبال الرواية ، ويتمسّك بالآحاد في المعارف اليقينية فلا بحث لنا معهم ، هذا ما على المثبتين.

بقي الكلام فيما ذكره النافون : أنّ الآية تشير إلى ما عليه حال الإنسان في هذه الحياة الدنيا ، وهو أنّ اللّه سبحانه أخرج كلاّ من آحاد الإنسان من الأصلاب والأرحام إلى مرحلة الانفصال والتفرّق ، وركب فيهم ما يعرفون به ربوبيته واحتياجهم إليه ، كأنّه قال لهم إذا وجّه وجوههم نحو أنفسهم المستغرقة في الحاجة : ألست بربّكم؟ وكأنّهم لمّا سمعوا هذا الخطاب من لسان الحال قالوا : بلى أنت ربّنا شهدنا بذلك ، وإنّما فعل اللّه ذلك لتتمّ عليهم حجّته بالمعرفة ، وتنقطع حجّتهم عليه بعدم المعرفة ، وهذا ميثاق مأخوذ منهم طول الدنيا جار ما جرى الدهر ، والإنسان يجري معه.

والآية بسياقها لا تساعد عليه ، فإنّه تعالى افتتح الآية بقوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ) الآية ، فعبّر عن ظرف هذه القضية بإذ ، وهو يدلّ على الزمن الماضي ، أو على أيّ ظرف محقّق الوقوع نحوه ، كما في قوله : ( وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ - إلى أن قال - قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ) (1) فعبر بإذ عن ظرف مستقبل لتحقّق وقوعه.

وقوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ) خطاب للنبي صلى اللّه عليه وآله أو له ولغيره ، كما يدلّ عليه قوله : ( أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) الآية ، إن كان الخطاب متوجّهاً إلينا معاشر

ص: 272


1- المائدة : 116 - 119.

السامعين للآيات المخاطبين بها ، والخطاب خطاب دنيوي لنا معاشر أهل الدنيا ، والظرف الذي يتكي عليه هو زمن حياتنا في الدنيا ، أو زمن حياة النوع الإنساني فيها ، وعمره الذي هو طول إقامته في الأرض ، والقصّة التي يذكرها في الآية ظرفها عين ظرف وجود النوع في الدنيا ، فلا مصحّح للتعبير عن ظرفها بلفظة إذ الدالّة على تقدّم ظرف القصّة على ظرف الخطاب ، ولا عناية أُخرى في المقام تصحّح هذا التعبير من قبيل تحقّق الوقوع ونحوه ، وهو ظاهر.

فقوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) في عين أنّه يدلّ على قصّة خلقه تعالى النوع الإنساني بنحو التوليد ، وأخذ الفرد من الفرد ، وبثّ الكثير من القليل ، كما هو المشهود في نحو تكوّن الآحاد من الإنسان ، وحفظهم وجود النوع بوجود البعض من البعض على التعاقب ، يدلّ على أنّ للقصّة - وهي تنطبق على الحال المشهود - نوعاً من التقدّم على هذا المشهود ، من جريان الخلقة وسيرها.

وقد تقدّمت استحالة ما افترضوا لهذا التقدّم من تقدّم هذه الخلقة بنحو تقدّماً زمانياً ، بأن يأخذ اللّه أوّل فرد من هذا النوع ، فيأخذ منه مادّة النطفة التي منها نسل هذا النوع ، فيجزؤها أجزاء ذرّية بعدد أفراد النوع إلى يوم القيامة ، ثمّ يلبس وجود كُلّ فرد بعينه بحياته وعقله ، وسمعه وبصره ، وضميره وظهره وبطنه ، ويكسيه وجوده التي هي له قبل أن يسير مسيره الطبيعي فيشهده نفسه ، ويأخذ منه الميثاق ، ثمّ ينزعه منها ويردّها إلى مكانها الصلبي حتّى يسير سيره الطبيعي ، وينتهي إلى موطنها الذي لها من الدنيا ، فقد تقدّم بطلان ذلك ، وأنّ الآية أجنبية عنه.

لكن الذي أحال هذا المعنى هو استلزامه وجود الإنسان بما له من الشخصية الدنيوية مرّتين في الدنيا ، واحدة بعد أُخرى المستلزم لكون الشيء غير نفسه بتعدّد شخصيته ، فهو الأصل الذي تنتهي إليه جميع المشكلات السابقة.

ص: 273

وأمّا وجود الإنسان أو غيره في امتداد مسيره إلى اللّه ، ورجوعه إليه في عوالم مختلفة النظام ، متفاوتة الحكم فليس بمحال ، وهو ممّا يثبته القرآن الكريم ، ولو كره ذلك الكافرون ، الذين يقولون إن هي إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيا ، وما يهلكنا إلاّ الدهر ، فقد أثبت اللّه الحياة الآخرة للإنسان وغيره يوم البعث ، وفيه هذا الإنسان بعينه ، وقد وصفه بنظام وأحكام غير هذه النشأة الدنيوية نظاماً وأحكاماً ، وقد أثبت حياة برزخية لهذا الإنسان بعينه ، وهي غير الحياة الدنيوية نظاماً وحكماً.

وأثبت بقوله : ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) (1) أنّ لكُلّ شيء عنده وجوداً وسيعاً غير مقدّر في خزائنه ، وإنّما يلحقه الأقدار إذا نزله إلى الدنيا مثلاً ، فللعالم الإنساني على سعته سابق وجود عنده تعالى في خزائنه أنزله إلى هذه النشأة.

وأثبت بقوله : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ له كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ) (2) ، وقوله : ( وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) (3) وما يشابههما من الآيات ، أنّ هذا الوجود التدريجي الذي للأشياء ، ومنها الإنسان ، هو أمر من اللّه يفيضه على الشيء ، ويلقيه إليه بكلمة ( كُنْ ) إفاضة دفعية ، وإلقاء غير تدريجي ، فلوجود هذه الأشياء وجهان ، وجه إلى الدنيا ، وحكمه أن يحصل بالخروج من القوّة إلى الفعل تدريجا ، ومن العدم إلى الوجود شيئاً فشيئاً ، ويظهر ناقصاً ثمّ لا يزال يتكامل حتّى يفني ويرجع إلى ربّه ، ووجه إلى اللّه سبحانه ، وهي بحسب هذا الوجه أُمور تدريجية ، وكُلّ ما لها فهو لها في أوّل وجودها ، من غير أن تحتمل قوّة تسوّقها إلى الفعل.

ص: 274


1- الحجر : 21.
2- ياسين : 82 - 83.
3- القمر : 50.

وهذا الوجه غير الوجه السابق ، وإن كانا وجهين لشيء واحد ، وحكمه غير حكمه ، وإن كان تصوّره التامّ يحتاج إلى لطف قريحة ، وقد شرحناه في الأبحاث السابقة بعض الشرح ، وسيجيء إن شاء اللّه استيفاء الكلام في شرحه.

ومقتضى هذه الآيات : أنّ للعالم الإنساني على ما له من السعة وجوداً جميعاً عند اللّه سبحانه ، وهو الذي يلي جهته تعالى ، ويفيضه على أفراده لا يغيب فيها بعضهم عن بعض ، ولا يغيبون فيه عن ربّهم ، ولا هو يغيب عنهم ، وكيف يغيب فعل عن فاعله ، أو ينقطع صنع عن صانعه ، وهذا هو الذي يسمّيه اللّه سبحانه بالملكوت ، ويقول : ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (1) ، ويشير إليه بقوله : ( كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ) (2).

وأمّا هذا الوجه الدنيوي الذي نشاهده نحن من العالم الإنساني ، وهو الذي يفرّق بين الآحاد ، ويشتّت الأحوال والأعمال بتوزيعها على قطعات الزمان ، وتطبيقها على مرّ الليالي والأيّام ، ويحجب الإنسان عن ربّه بصرف وجهه إلى التمتعات المادّية الأرضية ، واللذائذ الحسّية ، فهو متفرّع على الوجه السابق متأخّر عنه ، وموقع تلك النشأة ، وهذه النشأة في تفرّعها عليها موقعاً كن فيكون في قوله تعالى : ( أَنْ نقول له كُنْ فَيَكُونُ ) (3).

ويتبيّن بذلك : أنّ هذه النشأة الإنسانية الدنيوية مسبوقة بنشأة أُخرى إنسانية هي هي بعينها ، غير أنّ الآحاد موجودون فيها غير محجوبين عن ربّهم ، يشاهدون فيها وحدانيته تعالى في الربوبية بمشاهدة أنفسهم ، لا من طريق

ص: 275


1- الأنعام : 75.
2- ياسين : 82.
3- التكاثر : 7.

الاستدلال ، بل لأنّهم لا ينقطعون عنه ولا يفقدونه ، ويعترفون به وبكُلّ حقّ من قبله ، وأمّا قذارة الشرك وألواث المعاصي فهو من أحكام هذه النشأة الدنيوية دون تلك النشأة ، التي ليس فيها إلاّ فعله تعالى القائم به ، فافهم ذلك.

وأنت إذا تدبّرت هذه الآيات ، ثمّ راجعت قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) الآية ، وأجدت التدبّر فيها وجدتها تشير إلى تفصيل أمر تشير هذه الآيات إلى إجماله ، فهي تشير إلى نشأة إنسانية سابقة ، فرّق اللّه فيها بين أفراد هذا النوع ، وميّز بينهم ( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ) .

ولا يرد عليه ما أورد على قول المثبتين في تفسير الآية على ما فهموه من معنى عالم الذرّ من الروايات على ما تقدّم ، فإنّ هذا المعنى المستفاد من سائر الآيات ، والنشأة السابقة التي تثبته لا تفارق هذه النشأة الإنسانية الدنيوية زماناً ، بل هي معها محيطة بها لكنّها سابقة عليها السبق ، الذي في قوله تعالى : ( كُنْ فَيَكُونُ ) ، ولا يرد عليه شيء من المحاذير المذكورة.

ولا يرد عليه ما أوردناه على قول المنكرين في تفسيرهم الآية بحال وجود النوع الإنساني في هذه النشأة الدنيوية من مخالفته ، لقوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ) ثمّ التجوّز في الإشهاد بإرادة التعريف منه ، وفي الخطاب بقوله : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) بإرادة دلالة الحال ، وكذا في قوله : ( قَالُواْ بَلَى ) ، وقوله : ( شَهِدْنَا ) بل الظرف ظرف سابق على الدنيا وهو غيرها ، والإشهاد على حقيقته ، والخطاب على حقيقته.

ولا يرد عليه أنّه من قبيل تحميل الآية معنى لا تدلّ عليه ، فإنّ الآية لا تأبى عنه ، وسائر الآيات تشير إليه بضمّ بعضها إلى بعض.

وأمّا الروايات ، فسيأتي أنّ بعضها يدلّ على أصل تحقّق هذه النشأة الإنسانية كالآية ، وبعضها يذكر أنّ اللّه كشف لآدم عليه السلام عن هذه النشأة الإنسانية ،

ص: 276

وأراه هذا العالم الذي هو ملكوت العالم الإنساني ، وما وقع فيه من الإشهاد وأخذ الميثاق ، كما أرى إبراهيم عليه السلام ملكوت السماوات والأرض.

رجعنا إلى الآية : قوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ) أي واذكر لأهل الكتاب في تتميم البيان السابق ، أو واذكر للناس في بيان ما نزلت السورة لأجل بيانه ، وهو أنّ لله عهداً على الإنسان وهو سائله عنه ، وأنّ أكثر الناس لا يفون به ، وقد تمّت عليهم الحجّة.

اذكر لهم موطناً قبل الدنيا أخذ فيه ربّك ( مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) فما من أحد منهم إلاّ استقلّ من غيره ، وتميّز منه فاجتمعوا هناك جميعاً ، وهم فرادى فأراهم ذواتهم المتعلّقة بربّهم ( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ) فلم يحتجبوا عنه ، وعاينوا أنّه ربّهم ، كما أنّ كُلّ شيء بفطرته يجد ربّه من نفسه من غير أن يحتجب عنه ، وهو ظاهر الآيات القرآنية كقوله : ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) (1).

( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) وهو خطاب حقيقي لهم لا بيان حال ، وتكليم إلهي لهم فإنّهم يفهمون ممّا يشاهدون أنّ اللّه سبحانه يريد به منهم الاعتراف ، وإعطاء الموثق ، ولا نعني بالكلام إلاّ ما يلقى للدلالة به على معنى مراد ، وكذا الكلام في قوله : ( قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ) .

وقوله : ( أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) الخطاب للمخاطبين بقوله : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) القائلين : ( بَلَى شَهِدْنَا ) فهم هناك يعاينون الإشهاد ، والتكليم من اللّه ، والتكلّم بالاعتراف من أنفسهم ، وإن كانوا في نشأة الدنيا على غفلة ممّا عدا المعرفة بالاستدلال ، ثمّ إذا كان يوم البعث ، وانطوى بساط الدنيا ، وانمحت هذه الشواغل والحجب عادوا إلى مشاهدتهم ومعاينتهم ، وذكروا ما جرى بينهم وبين ربّهم.

ص: 277


1- الإسراء : 44.

ويحتمل أن يكون الخطاب راجعاً إلينا معاشر المخاطبين بالآيات ، أي إنّما فعلنا ببني آدم ذلك حذر أن تقولوا أيّها الناس يوم القيامة كذا وكذا ، والأوّل أقرب ، ويؤيّده قراءة : ( أَن يقُولُواْ ) بلفظ الغيبة.

وقوله : ( أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا ) هذه حجّة الناس إن فرض الإشهاد ، وأخذ الميثاق من الآباء خاصّة دون الذرّية ، كما أنّ قوله : ( أَن تَقُولُواْ ) إلخ حجّة الناس إن ترك الجميع ، فلم يقع إشهاد ولا أخذ ميثاق من أحد منهم.

ومن المعلوم أن لو فرض ترك الإشهاد ، وأخذ الميثاق في تلك النشأة ، كان لازمه عدم تحقّق المعرفة بالربوبية في هذه النشأة ، إذ لا حجاب بينهم وبين ربّهم في تلك النشأة ، فلو فرض هناك علم منهم كان ذلك إشهاداً وأخذ ميثاق ، وأمّا هذه النشأة فالعلم فيها من وراء الحجاب ، وهو المعرفة من طريق الاستدلال.

فلو لم يقع هناك بالنسبة إلى الذرّية إشهاد وأخذ ميثاق ، كان لازمه في هذه النشأة ، أن لا يكون لهم سبيل إلى معرفة الربوبية فيها أصلاً ، وحينئذ لم يقع منهم معصية شرك ، بل كان ذلك فعل آبائهم ، وليس لهم إلاّ التبعية العملية لآبائهم ، والنشوء على شركهم من غير علم ، فصحّ لهم أن يقولوا : إنّما أشرك آباؤنا من قبل ، وكنّا ذرّية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون.

قوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (1) ، تفصيل الآيات تفريق بعضها وتمييزه من بعض ، ليتبيّن بذلك مدلول كُلّ منها ، ولا تختلط وجود دلالتها ، وقوله : ( وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) عطف على مقدّر ، والتقدير : لغايات عالية كذا وكذا ، ولعلّهم يرجعون من الباطل إلى الحقّ.

بحث روائي :

في الكافي ، بإسناده عن زرارة عن حمران ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : « إنّ اللّه تبارك وتعالى حيث خلق الخلق ماء عذباً ، وماء مالحاً أجاجاً ، فامتزج

ص: 278


1- الأعراف : 174.

الماءان ، فأخذ طيناً من أديم الأرض فعركه عركاً شديداً ، فقال لأصحاب اليمين وهم كالذرّ يدبّون : إلى الجنّة ولا أُبالي ، وقال لأصحاب الشمال : إلى النار ولا أُبالي.

ثمّ قال : ألست بربّكم؟ قالوا : بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين » الحديث(1).

وفيه ، بإسناده عن عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( فِطْرَةَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) (2) ما تلك الفطرة؟ قال : « هي الإسلام فطرهم اللّه حين أخذ ميثاقهم على التوحيد قال : ألست بربّكم؟ وفيه المؤمن والكافر »(3).

وفي تفسير العيّاشي ، وخصائص السيّد الرضي ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن علي عليه السلام قال : أتاه ابن الكواء فقال : أخبرني يا أمير المؤمنين عن اللّه تبارك وتعالى ، هل كلّم أحداً من ولد آدم قبل موسى؟ فقال علي عليه السلام : « قد كلّم اللّه جميع خلقه برّهم وفاجرهم ، وردّوا عليه الجواب » ، فثقل ذلك على ابن الكواء ولم يعرفه ، فقال له : كيف كان ذلك يا أمير المؤمنين؟

فقال له : « أو ما تقرأ كتاب اللّه إذ يقول لنبيّه : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ) ، فقد أسمعهم كلامه ، وردّوا عليه الجواب ، كما تسمع في قول اللّه يا بن الكواء ( قَالُواْ بَلَى ) ، فقال لهم : إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا ، وأنا الرحمن الرحيم ، فأقرّوا له بالطاعة والربوبية ، وميّز الرسل والأنبياء والأوصياء ، وأمر الخلق بطاعتهم ، فأقرّوا بذلك في الميثاق ، فقالت الملائكة عند إقرارهم بذلك : شهدنا عليكم يا بني آدم أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين » (4).

ص: 279


1- الكافي 2 / 8.
2- الروم : 30.
3- الكافي 2 / 12.
4- تفسير العيّاشي 2 / 41.

أقول : والرواية كما تقدّم ، وبعض ما يأتي من الروايات ، يذكر مطلق أخذ الميثاق من بني آدم من غير ذكر إخراجهم من صلب آدم وإراءتهم إيّاه.

وكان تشبيههم بالذرّ - كما في كثير من الروايات - تمثيل لكثرتهم كالذرّ لا لصغرهم جسماً أو غير ذلك ، ولكثرة ورود هذا التعبير في الروايات سمّيت هذه النشأة بعالم الذرّ.

وفي الرواية دلالة ظاهرة على أنّ هذا التكليم كان تكليماً حقيقياً ، لا مجرّد دلالة الحال على المعنى.

وفيما دلالة على أنّ الميثاق لم يؤخذ على الربوبية فحسب ، بل على النبوّة وغير ذلك ، وفي كُلّ ذلك تأييد لما قدّمناه.

وفي تفسير العيّاشي عن رفاعة قال : سألت أبا عبد اللّه عن قول اللّه : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) ؟ قال : « نعم ، لله الحجّة على جميع خلقه ، أخذهم يوم أخذ الميثاق هكذا » وقبض يده(1).

أقول : وظاهر الرواية أنّها تفسّر الأخذ في الآية بمعنى الإحاطة والملك.

وفي تفسير القمّي عن أبيه عن ابن أبي عمير ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ) ، قلت : معاينة كان هذا؟ قال : « نعم ، فثبتت المعرفة ، ونسوا الموقف وسيذكرونه ، ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه ، فمنهم من أقرّ بلسانه في الذرّ ، ولم يؤمن بقلبه ، فقال اللّه : ( فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ ) (2) »(3).

أقول : والرواية تردّ على منكري دلالة الآية على أخذ الميثاق في الذرّ تفسيرهم قوله : ( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) أنّ المراد به أنّه

ص: 280


1- المصدر السابق 2 / 37.
2- يونس : 74.
3- تفسير القمّي 1 / 248.

عرّفهم آياته الدالّة على ربوبيته ، والرواية صحيحة ، ومثلها في الصراحة والصحّة ما سيأتي من رواية زرارة وغيره.

وفي الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير عن زرارة : أنّ رجلاً سأل أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُم ) إلى آخر الآية ، فقال وأبوه يسمع : « حدّثني أبي أنّ اللّه عزّ وجلّ قبض قبضة من تراب التربة التي خلق منها آدم ، فصبّ عليها الماء العذب الفرات ، ثمّ تركها أربعين صباحاً ، ثمّ صبّ عليها الماء المالح الأجاج ، فتركها أربعين صباحاً ، فلمّا اختمرت الطينة ، أخذها فعركها عركاً شديداً ، فخرجوا كالذرّ من يمينه وشماله ، وأمرهم جميعاً أن يقعوا في النار ، فدخلها أصحاب اليمين فصارت عليهم برداً وسلاماً ، وأبى أصحاب الشمال أن يدخلوها »(1).

أقول : وفي هذا المعنى روايات أُخر ، وكان الأمر بدخول النار كناية عن الدخول في حظيرة العبودية ، والانقياد للطاعة.

وفيه ، بإسناده عن عبد اللّه بن محمّد الحنفي ، وعقبة جميعاً ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إنّ اللّه عزّ وجلّ خلق الخلق ، فخلق من أحبّ ممّا أحبّ ، فكان ما أحبّ أن خلقه من طينة الجنّة ، وخلق من أبغض ممّا أبغض ، وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النار ، ثمّ بعثهم في الظلال ».

فقيل : وأيّ شيء الظلال؟ قال : « ألم تر إلى ظلّك في الشمس شيء ، وليس بشيء ، ثمّ بعث معهم النبيين ، فدعوهم إلى الإقرار باللّه ، وهو قوله : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ) (2) ، ثمّ دعوهم إلى الإقرار ، فأقرّ بعضهم وأنكر بعض ، ثمّ دعوهم إلى ولايتنا فأقرّ بها واللّه من أحبّ ،

ص: 281


1- الكافي 2 / 7.
2- الزخرف : 87.

وأنكرها من أبغض ، وهو قوله : ( فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ ) ، ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام : « كان التكذيب »(1).

أقول : والرواية وإن لم تكن ممّا وردت في تفسير آية الذرّ ، غير أنّا أوردناها لاشتمالها على قصّة أخذ الميثاق ، وفيها ذكر الظلال ، وقد تكرّر ذكر الظلال في لسان أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، والمراد به - كما هو ظاهر الرواية - وصف هذا العالم الذي هو بوجه عين العالم الدنيوي وبوجه غيره ، وله أحكام غير أحكام الدنيا بوجه وعينها بوجه ، فينطبق على ما وصفناه في البيان المتقدّم.

وفي الكافي وتفسير العيّاشي عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : كيف أجابوا وهم ذرّ؟ قال : « جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه »(2).

وزاد العيّاشي : « يعني في الميثاق »(3).

أقول : وما زاده العيّاشي من كلام الراوي ، وليس المراد بقوله « جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه » دلالة حالهم على ذلك ، بل لما فهم الراوي من الجواب ما هو من نوع الجوابات الدنيوية ، استبعد صدوره عن الذرّ ، فسأل عن ذلك ، فأجابه عليه السلام بأنّ الأمر هناك بحيث إذا نزلوا في الدنيا كان ذلك منهم جواباً دنيوياً باللسان والكلام اللفظي ، ويؤيّده قوله عليه السلام ما إذا سألهم ، ولم يقل : ما لو تكلّموا ونحو ذلك.

وفي تفسير العيّاشي أيضاً عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) قالوا بألسنتهم؟ قال : « نعم ، وقالوا بقلوبهم » ، فقلت : وأين كانوا يومئذ؟ قال : « صنع منهم ما اكتفى به » (4).

ص: 282


1- الكافي 1 / 436.
2- المصدر السابق 2 / 12.
3- تفسير العيّاشي 2 / 27.
4- المصدر السابق 2 / 40.

أقول : جوابه عليه السلام أنّهم قالوا : بلى بألسنتهم وقلوبهم ، مبنيّ على كون وجودهم يومئذ بحيث لو انتقلوا إلى الدنيا كان ذلك جواباً بلسان على النحو المعهود في الدنيا ، لكن اللسان والقلب هناك واحد ، ولذلك قال عليه السلام : نعم وبقلوبهم ، فصدق اللسان ، وأضاف إليه القلب.

ثمّ لمّا كان في ذهن الراوي ، أنّه أمر واقع في الدنيا ونشأة الطبيعة ، وقد ورد في بعض الروايات التي تذكر قصّة إخراج الذرّية من ظهر آدم : تعيين المكان له ، وقد روى بعضها هذا الراوي ، أعني أبا بصير سأله عليه السلام عن مكانهم بقوله : وأين كانوا يومئذ ، فأجابه عليه السلام بقوله : « صنع منهم ما اكتفى به » ، فلم يجبه بتعيين المكان ، بل بأنّ اللّه سبحانه خلقهم خلقاً يصحّ معه السؤال والجواب ، وكُلّ ذلك يؤيّد ما قدّمناه في وصف هذا العالم ، الرواية كغيرها مع ذلك ، كالصريح في أنّ التكليم والتكلّم في الآية على الحقيقة دون المجاز ، بل هي صريحة فيه.

وفي الدرّ المنثور : « أخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأُصول ، وأبو الشيخ في العظمة ، وابن مردويه عن أبي أُمامة : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « خلق اللّه الخلق وقضى القضية ، وأخذ ميثاق النبيين وعرشه على الماء ، فأخذ أهل اليمين بيمينه ، وأخذ أهل الشمال بيده الأُخرى ، وكلّتا يد الرحمن يمين ، فقال : يا أصحاب اليمين فاستجابوا له ، فقالوا : لبّيك ربّنا ، وسعديك ، قال : ألست بربّكم؟ قالوا : بلى ، قال : يا أصحاب الشمال فاستجابوا له ، فقالوا : لبّيك ربّنا وسعديك ، قال : ألست بربّكم؟ قالوا : بلى ، فخلط بعضهم ببعض ، فقال قائل منهم : ربّ لم خلطت بيننا؟ قال : ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون أن يقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين ، ثمّ ردّهم في صلب آدم ، فأهل الجنّة أهلها ، وأهل النار أهلها ». فقال

ص: 283

قائل : يا رسول اللّه فما الأعمال؟ قال : « يعمل كُلّ قوم لمنازلهم » ، فقال عمر بن الخطّاب : إذاً نجتهد » (1).

أقول : قوله صلى اللّه عليه وآله : « وعرشه على الماء » كناية عن تقدّم أخذ الميثاق ، وليس المراد به تقدّم خلق الأرواح على الأجساد زماناً ، فإنّ عليه من الإشكال ما على عالم الذرّ بالمعنى الذي فهمه جمهور المثبتين ، وقد تقدّم.

وقوله صلى اللّه عليه وآله : « يعمل كُلّ قوم لمنازلهم » أي أنّ كُلّ واحد من المنزلين يحتاج إلى أعمال تناسبه في الدنيا ، فإن كان العامل من أهل الجنّة عمل الخير لا محالة ، وإن كان من أهل النار عمل الشر لا محالة ، والدعوة إلى الجنّة وعمل الخير ، لأنّ عمل الخير يعيّن منزله في الجنّة ، وأن عمل الشر يعيّن منزله في النار لا محالة ، كما قال تعالى : ( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ ) (2).

فلم يمنع تعيّن الوجهة عن الدعوة إلى استباق الخيرات ، ولا منافاة بين تعيّن السعادة والشقاوة بالنظر إلى العلل التامّة ، وبين عدم تعيّنها بالنظر إلى اختيار الإنسان في تعيين عمله ، فإنّه جزء العلّة ، وجزء علّة الشيء لا يتعيّن معه وجود الشيء ولا عدمه ، بخلاف تمام العلّة ، وقد تقدّم استيفاء هذا البحث في موارد من هذا الكتاب ، وآخرها في تفسير قوله تعالى : ( كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ ) (3) ، وأخبار الطينة المتقدّمة من أخبار هذا الباب بوجه.

وفيه ، أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس في قوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَم ) الآية ، قال : خلق اللّه آدم وأخذ ميثاقه أنّه ربّه ، وكتب أجله ورزقه ومصيبته ، ثمّ

ص: 284


1- الدرّ المنثور 3 / 143.
2- البقرة : 148.
3- الأعراف : 30.

أخرج ولده من ظهره كهيئة الذرّ ، فأخذ مواثيقهم أنّه ربّهم ، وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم(1).

أقول : وقد روي هذا المعنى عن ابن عباس بطرق كثيرة في ألفاظ مختلفة ، لكن الجميع تشترك في أصل المعنى ، وهو إخراج ذرّية آدم من ظهره ، وأخذ الميثاق منهم.

وفيه ، أخرج ابن عبد البر في التمهيد من طريق السدي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح عن ابن عباس ، وعن مرّة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وناس من الصحابة في قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُم ) قالوا : لمّا أخرج اللّه آدم من الجنّة قبل تهبيطه من السماء ، مسح صفحة ظهره اليمنى ، فأخرج منه ذرّية بيضاء مثل اللؤلؤ كهيئة الذرّ ، فقال لهم : « ادخلوا الجنّة برحمتي » ، ومسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذرّية سوداء كهيئة الذرّ فقال : « ادخلوا النار ولا أبالي » ، فذلك قوله : « أصحاب اليمين وأصحاب الشمال » ، ثمّ أخذ منهم الميثاق فقال : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) ؟ قالوا : بلى ، فأعطاه طائفة طائعين ، وطائفة كارهين على وجه التقية.

فقال هو والملائكة : شهدنا أن يقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين ، أو يقولوا : إنّما أشرك آباؤنا من قبل ، قالوا : فليس أحد من ولد آدم إلاّ وهو يعرف اللّه أنّه ربّه ، وذلك قوله عزّ وجلّ : ( وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا ) (2) ، وذلك قوله : ( قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) (3) يعني يوم أخذ الميثاق.

أقول : وقد روي حديث الذرّ كما في الرواية موقوفة وموصولة عن عدّة من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كعلي عليه السلام ، وابن عباس ، وعمر بن الخطّاب ، وعبد اللّه بن عمر ، وسلمان ، وأبي هريرة ، وأبي أُمامة ، وأبي سعيد الخدري ، وعبد

ص: 285


1- الدرّ المنثور 3 / 141.
2- آل عمران : 83.
3- الأنعام : 149.

اللّه بن مسعود ، وعبد الرحمن بن قتادة ، وأبي الدرداء ، وأنس ، ومعاوية ، وأبي موسى الأشعري.

كما روي من طرق الشيعة عن علي ، وعلي بن الحسين ، ومحمّد بن علي ، وجعفر بن محمّد ، والحسن بن علي العسكري عليهم السلام ، ومن طرق أهل السنّة أيضاً عن علي بن الحسين ، ومحمّد بن علي ، وجعفر بن محمّد عليهم السلام بطرق كثيرة ، فليس من البعيد أن يدعى تواتره المعنوي.

وفي الدرّ المنثور أيضاً : وأخرج ابن سعد وأحمد عن عبد الرحمن بن قتادة السلمي ، وكان من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « إنّ اللّه تبارك وتعالى خلق آدم ، ثمّ أخذ الخلق من ظهره ، فقال : هؤلاء في الجنّة ولا أبالي ، وهؤلاء في النار ولا أبالي » ، فقال رجل : يا رسول اللّه فعلى ماذا نعمل؟ قال : « على مواقع القدر » (1).

أقول : القول في ذيل الرواية نظير القول في ذيل رواية أبي أُمامة المتقدّمة ، وقد فهم الرجل من قوله : « هؤلاء في الجنّة ولا أبالي ، وهؤلاء في النار ولا أبالي » الخبر ، سقوط الاختيار ، فأجابه صلى اللّه عليه وآله بأنّ هذا قدر منه تعالى ، وأنّ أعمالنا في عين أنا نعملها ، وهي منسوبة إلينا ، تقع على ما يقع عليه القدر ، فتنطبق على القدر وينطبق هو عليها ، وذلك أنّ اللّه قدّر ما قدّر من طريق اختيارنا ، فنعمل نحن باختيارنا ، ويقع مع ذلك ما قدّره اللّه سبحانه لا أنّه تعالى أبطل بالقدر اختيارنا ، ونفي تأثير إرادتنا ، والروايات بهذا المعنى كثيرة.

وفي الكافي عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ ) (2) قال : « الحنفية من الفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللّه » ، قال : فطرهم على المعرفة به.

ص: 286


1- الدرّ المنثور 3 / 144.
2- الحج : 31.

قال زرارة : وسألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ) الآية ، قال : « أخرج من ظهر آدم ذرّيته إلى يوم القيامة ، فخرجوا كالذرّ فعرفهم وأراهم نفسه ، ولولا ذلك لم يعرف أحد ربّه » ، وقال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : «كُلّ مولود يولد على الفطرة ، يعني على المعرفة ، بأنّ اللّه عزّ وجلّ خالقه ، كذلك قوله : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ ) (1) »(2).

أقول : وروى وسط الحديث العيّاشي في تفسيره عن زرارة بعين اللفظ ، وفيه شهادة على ما تقدّم من تقرير معنى الإشهاد والخطاب في الآية ، خلافاً لما ذكره النافون أنّ المراد بذلك المعرفة بالآيات الدالّة على ربوبيته تعالى لجميع خلقه.

وقد روي الحديث في المعاني بالسند بعينه عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ، إلاّ أنّه قال : فعرفهم وأراهم صنعه بدل قوله : فعرفهم وأراهم نفسه ، ولعلّه من تغيير اللفظ قصداً للنقل بالمعنى ، زعماً أنّ ظاهر اللفظ يوهم التجسّم ، وفيه إفساد اللفظ والمعنى جميعاً ، وقد عرفت أنّ الرواية مروية في الكافي ، وتفسير العيّاشي ، بلفظ : أراهم نفسه.

وتقدّم في حديث ابن مسكان عن الصادق عليه السلام قوله : قلت معاينة كان هذا؟ قال : « نعم » ، وقد تقدّم أن لا ارتباط للكلام بمسألة التجسّم.

وفي المحاسن عن الحسن بن علي بن فضال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ) الآية ، قال : « ثبتت المعرفة في قلوبهم ونسوا الموقف ، ويذكرونه يوماً ، ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه » (3).

ص: 287


1- لقمان : 25.
2- الكافي 2 / 13.
3- المحاسن 1 / 241.

وفي الكافي بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « كان علي بن الحسين عليهما السلام لا يرى بالعزل بأساً ، يقرأ هذه الآية : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ) فكُلّ شيء أخذ اللّه من الميثاق فهو خارج ، وإن كان على صخرة صماء »(1).

أقول : ورواه في الدرّ المنثور عن ابن أبي شيبة ، وابن جرير عنه عليه السلام ، وروي هذا المعنى أيضاً عن سعيد بن منصور ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

واعلم أنّ الروايات في الذرّ كثيرة جدّاً ، وقد تركنا إيراد أكثرها لوفاء ما أوردنا من ذلك بمعناها ، وهنا روايات أُخر في أخذ الميثاق عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وسائر الأنبياء عليهم السلام ، سنوردها في محلّها إن شاء اللّه تعالى » (2).

( علي - ... - ..... )

تأثيره في وجود الإنسان :

س : ما هو عالم الذرّ؟ وكيف يؤثّر هذا العالم على شخصيتنا ومستقبلنا؟

ج : المستفاد من النصوص أنّ عالم الذرّ هو عالم الميثاق وأخذ العهود ، أي أنّ العنصر البشري قد مرّ بمرحلة خاصّة في تكوينه ، تسمّى عالم الذرّ ، أودع اللّه سبحانه فيه قدرة كامنة في وجوده ، يمكنه من التطلّع على الحقّ ، والانجذاب نحوه ، وهي ما تسمّى بالفطرة.

وبهذه الميزة الفريدة يميل الإنسان في عالم الدنيا إلى التقرّب من المُثل العليا ، والكمال المطلق ، ومن ثمّ معرفة التوحيد ، وبعض أركان العقيدة الصحيحة.

ص: 288


1- الكافي 5 / 504.
2- تفسير الميزان 8 / 331.

وعليه ، فالفطرة الإنسانية هي القدرة المودعة في عالم الذرّ ، من قبل الباري تعالى لتيسير معرفته في عالم الدنيا ؛ فالإنسان كما أُعطي العقل للوصول إلى الحقيقة ، وكذلك أودع فيه الفطرة ، وهي التي تحثّه نحو الخيرات ، وتأمره بإتباع الحقّ.

وممّا ذكرنا يظهر : أنّ عالم الذرّ عالم تكويني لا تشريعي ، فلا تكليف فيه - كما يتوهّمه البعض - وحكمة وجود هذا العالم هي من أجل معونة الإنسان لمعرفة اللّه عزّ وجلّ ، وبعض المعتقدات الأساسية والقيم الأخلاقية.

وأمّا تأثير هذا العالم على الوجود البشري فهو واضح ممّا قلنا ، فكُلّ ما كان من ميزة وجودية مكنوّنة في عمق الضمير الإنساني ، والذي يدعوه نحو المبدأ الأعلى وما يتعلّق به ، ويصرف نظره عن الوقوع في متاهات المادّة ، فهو حصيلة ذلك العالم الذي تمثّله الفطرة السليمة.

ومجمل القول : أنّ اللّه تعالى قد جعل لهداية الإنسان ثلاث طرق : الرسل عليهم السلام ، والعقل ، والفطرة ، ومنشأ هذه الفطرة هو عالم الذرّ.

فالنتيجة : يجب علينا في هذه الدنيا إتباع هذه الفطرة ، حتّى تتمّ بها حكمة الهداية في الخلق ، وفي عكس هذه الحالة ، فسوف يكون الوجود الإنساني ناقصاً من حيث السير نحو الكمال.

( .... - البحرين - 35 سنة )

آراء المفسّرين حوله :

س : هل يمكنكم تزويدي بآراء المفسّرين حول الآية المباركة : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ... ) (1) ، ونشكركم على جهودكم الجبّارة.

ص: 289


1- الأعراف : 172.

ج : إنّ للمفسّرين - في هذه الآية - آراء متعدّدة تعويلاً منهم على الروايات الواردة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام ، ومن أهمّ هذه الآراء رأيان.

1 - حين خلق آدم عليه السلام ظهر أبناؤه على صورة الذرّ إلى آخر نسل له من البشر ، وطبقاً لبعض الروايات ظهر هذا الذرّ أو الذرّات من طينة آدم نفسه ، وكان لهذا الذرّ عقل وشعور كاف للاستماع والخطاب والجواب ، فخاطب اللّه تعالى الذرّ قائلاً : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) ؟! فأجاب الذرّ جميعاً : ( بَلَى شَهِدْنَا ) .

ثمّ عاد هذا الذرّ أو هذه الذرّات جميعاً إلى صلب آدم أو إلى طينته ، ومن هنا فقد سمّي بهذا العالم بعالم الذرّ ، وهذا العهد بعهد ( أَلَسْتَ ) ؟ فبناء على ذلك ، فإنّ هذا العهد المشار إليه آنفاً هو عهد تشريعي ، ويقوم على أساس الوعي الذاتي بين اللّه والناس.

2 - إنّ المراد من هذا العالم وهذا العهد هو عالم الاستعداد والكفاءات ، وعهد الفطرة والتكوين والخلق ، فعند خروج أبناء آدم من أصلاب آبائهم إلى أرحام الأُمّهات ، وهم نطف لا تعدو الذرّات الصغار ، وهبهم اللّه الاستعداد لتقبّل الحقيقة التوحيدية ، وأودع ذلك السرّ الإلهي في ذاتهم وفطرتهم بصورة إحساس داخلي ، كما أودعه في عقولهم وأفكارهم بشكل حقيقة واعية بنفسها.

فبناء على هذا ، فإنّ جميع أبناء البشر يحملون روح التوحيد ، وما أخذه اللّه من عهد منهم أو سؤاله إيّاهم : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) ؟ كان بلسان التكوين والخلق ، وما أجابوه كان باللسان ذاته!

ومثل هذه التعابير غير قليلة في أحاديثنا اليومية ، إذ نقول مثلاً : لون الوجه يخبر عن سرّه الباطني ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم ) (1) ، أو نقول : إنّ عيني فلان المجهدتين تنبئان أنّه لم ينم الليلة الماضية.

ص: 290


1- الفتح : 29.

وقد روي عن بعض أدباء العرب وخطبائهم أنّه قال في بعض كلامه : سل الأرض من شقّ أنهارك وغرس أشجارك وأينع ثمارك؟ فإن لم تجبك حواراً أجابتك اعتباراً! كما ورد في القرآن الكريم التعبير على لسان الحال ، إذ جاء فيها : ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) (1).

هذا باختصار هو خلاصة الرأيين أو النظرتين المعروفتين في تفسير الآية آنفة الذكر ، إلاّ أنّ التفسير الأوّل فيه بعض الإشكالات ، ونعرضها في ما يلي :

1 - ورد التعبير في نصّ الآية المتقدّمة عن خروج الذرّية من بني آدم من ظهورهم ، إذ قال تعالى : ( مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) ، مع أنّ التفسير الأوّل يتكلّم عن آدم نفسه أو عن طينة آدم.

2 - إذا كان هذا العهد قد أخذ عن وعي ذاتي وعن عقل وشعور ، فكيف نسيه الجميع؟! ولا يتذّكر أحد مع أنّ الفاصلة الزمانية بين زماننا ليست بأبعد مدى من الفاصلة بين هذا العالم والعالم الآخر أو القيامة؟ ونحن نقرأ في آيات عديدة من القرآن الكريم أنّ الناس سواء كانوا من أهل الجنّة أو من أهل النار لا ينسون أعمالهم الدنيوية في يوم القيامة ، ويتذكّرون ما اكتسبوه بصورة جيّدة ، فلا يمكن أن يوجّه هذا النسيان العمومي في شأن عالم الذرّ أبداً ولا مجال لتأويله!

3 - أيّ هدف كان من وراء مثل هذا العهد؟! فإذا كان الهدف أن يسير المعاهدون في طريق الحقّ عند تذكّرهم مثل هذا العهد ، وألا يسلكوا إلاّ طريق معرفة اللّه تعالى ، فينبغي القول بأنّ مثل هذا الهدف لا يتحقّق أبداً وبأيّ وجه كان ، لأنّ الجميع نسوه!! وبدون هذا الهدف يعدّ هذا العهد لغواً ولا فائدة فيه.

ص: 291


1- فصّلت : 11.

4 - إنّ الاعتقاد بمثل هذا العالم يستلزم - في الواقع - القبول بنوع من التناسخ ، لأنّه ينبغي - طبقاً لهذا التفسير - أن تكون روح الإنسان قد خلقت في هذا العالم قبل ولادته الفعلية ، وبعد فترة طويلة أو قصيرة جاء إلى هذا العالم ثانية ، وعلى هذا فسوف تحوم حوله كثيراً من الإشكالات في شأن التناسخ! غير أنّنا إذا أخذنا بالتفسير الثاني ، فلا يرد عليه أيّ إشكال ممّا سبق ، لأنّ السؤال والجواب ، أو العهد المذكور عهد فطري ، وما يزال كُلّ منّا يحسّ بآثاره في أعماق روحه ، وكما يعبّر عنه علماء النفس بالشعور الديني ، الذي هو من الإحساسات الأصيلة في العقل الباطني للإنسان.

وهذا الإحساس يقود الإنسان على امتداد التأريخ البشري إلى طريق معرفة اللّه تعالى ، ومع وجود هذا الإحساس أو الفطرة لا يمكن التذرّع بأنّ آباءنا كانوا عبدة للأصنام ونحن على آثارهم مقتدون!!

والإشكال الوحيد الذي يرد على التفسير الثاني هو أنّ هذا السؤال والجواب يتخذ شكلاً كنائياً ، ويتّسم بلغة الحوار ، إلاّ أنّه مع الالتفات إلى ما بيّناه آنفاً بأنّ مثل هذه التعابير كثير في لغة العرب وجميع اللغات ، فلا يبقي أيّ إشكال في هذا المجال.

ويبدو أنّ هذا التفسير أقرب من سواه!

ص: 292

عثمان بن عفّان :

اشارة

( حسين - ... - ..... )

زواجه من بنات النبيّ :

س : كيف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يزوّج بنتين من بناته لعثمان؟ وهو اعلم الناس به.

ج : للعلماء في هذا المجال أقوال : فمنهم من يرى عدم ثبوت دعوى التزويج المذكور تاريخياً ، ومنهم من يقول : بأنّ هاتين كانتا ربيبتي الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وحتّى أنّ بعضهم يصرّح بأنّهما كانتا بنتي هالة أخت خديجة عليها السلام ، في حين أنّ البعض الآخر يؤيّد نظرية التزويج المذكور ، وللبحث في مدى صحّة الأقوال مجال آخر.

وبالجملة : فإنّ الزواج من الأحكام الظاهرية في الإسلام ، الذي يدور مدار اعتناق الدين وأداء الشهادتين ، والالتزام بالظواهر الشرعية ، وليس فيه أيّ دلالة على موضوع إيمان الشخص واعتقاداته في داخل نفسه إثباتاً أو نفياً ، فتزويجه صلى اللّه عليه وآله هاتين من عثمان لا يدلّ إلاّ على إسلامه الظاهري ، وهذا ممّا لا ينكر ، وإلاّ فكيف يوصف بالنفاق وهي صفة من يدّعي الإسلام ، وفي الواقع يكون على خلافه.

وعليه حتّى لو افترضنا صحّة القضية ، فلا يضرّ في المقام ، فإنّ المصالح العليا كانت تقتضيه حتماً ، مضافاً إلى أنّ علم النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالمستقبل لا يفرض عليه فعلاً الخروج عن الوظيفة الظاهرية ، وكم له نظير ، فمثلاً زواجه صلى اللّه عليه وآله من عائشة وحفصة - مع ما أوردا من مصائب فيما بعد - كان لمصالح ، منها :

ص: 293

تكبيت الضغائن التي كانت في صدور القوم ، ومسايرتهم إلى أن يستتبّ أمر الإسلام ، وإخماد الدسائس والفتن والنعرات القبلية ، مع علمه صلى اللّه عليه وآله بالمواقف المعادية لعائشة بالنسبة لأمير المؤمنين عليه السلام وهكذا.

فكقاعدة عامّة : إنّ علم الإمامة والنبوّة لا تطبّق على المجتمع مطلقاً ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله إنّما يجب عليه تطبيق الأحكام الظاهرية فحسب ، والإسلام والتناكح من تلك الأحكام.

( .... - السعودية - 22 سنة )

مخالفته للنصوص والسنن :

س : نرجو تزويدنا بمخالفات عثمان بن عفّان للنصوص والسنن ، وجزاكم اللّه خيراً.

ج : بدأ عثمان حياته في الخلافة بمخالفات للنصوص والسنن ، نذكر منها :

1 - مخالفته نصّ القتل في قضية عبيد اللّه بن عمر الذي تعمّد في قتل ثلاثة من المسلمين - وهم : الهرمزان وابنته وشخص ثالث - فعفا عنه وأكرمه(1).

2 - قصّر الصلاة في منى كما عمل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله والشيخين ، ولكن بعد ستّة سنوات أتمّها مخالفاً بها النصّ والسنّة ، فعابوا عليه(2).

( ... - ... - ....... )

رأي الصحابة فيه :

س : ما هو رأي الصحابة في الخليفة عثمان؟ مع ذكر المصادر , وشكراً.

ص: 294


1- تاريخ اليعقوبي 2 / 161 ، الطبقات الكبرى 5 / 17 ، الكامل في التاريخ 3 / 75.
2- مسند أحمد 2 / 16 و 4 / 94 ، صحيح البخاري 2 / 35 ، صحيح مسلم 2 / 146 ، سنن أبي داود 1 / 438 ، السنن الكبرى للبيهقي 3 / 126 و 143 ، المصنّف للصنعاني 2 / 516 ، المصنّف لابن أبي شيبة 4 / 340.

ج : لا نستطيع أن نعرض لكم نظر ورأي الصحابة فرداً فرداً في عثمان ، ولكن نعرض آراء بعضهم قولاً وعملاً.

1 - رأي الإمام علي عليه السلام : وهو عليه السلام غني عن البيان ، وهو الفاروق بين الحقّ والباطل(1).

كتب عليه السلام - حينما بويع في الخلافة وأرسل مالك الأشتر لمصر - لأهل مصر اللذين قاموا على ظلم عثمان : « من عبد اللّه علي أمير المؤمنين إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصى في أرضه ، وذهب بحقّه ، فضرب الجور سرادقه على البر والفاجر ، والمقيم والظاعن ، فلا معروف يستراح إليه ولا منكر يتناهى عنه »(2).

وقال عليه السلام في خطبته الشقشقية - التي فيها تظلّمه من الثلاثة وقوله في عثمان - : « إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال اللّه خضم الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث عليه فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته »(3).

وقال عليه السلام أيضاً في عثمان : « لو أمرت به لكنت قاتلاً ، أو نهيت عنه لكنت ناصراً ، غير أنّ من نصره لا يستطيع أن يقول : خذله من أنا خير منه ، ومن خذله لا يستطيع أن يقول : نصره من هو خير منّي ، وأنا جامع لكم أمره : استأثر فأساء الأثرة ، وجزعتم فأسأتم الجزع ، ولله حكم واقع في المستأثر والجازع »(4).

والإمام علي عليه السلام على يقين أنّ ما أنفقه عثمان من بيت المال يجب أن يعود ويقسّم على من وضعه اللّه له ، لذا نراه يقول حينما استلم مقاليد الأُمور : « ألا

ص: 295


1- تاريخ مدينة دمشق 42 / 450 ، المناقب : 105 ، ينابيع المودّة 2 / 234 ، 289.
2- شرح نهج البلاغة 16 / 156.
3- المصدر السابق 1 / 197.
4- المصدر السابق 2 / 126.

إنّ كُلّ قطيعة أقطعها عثمان ، وكُلّ مال أعطاه من مال اللّه ، فهو مردود في بيت المال ، فإنّ الحقّ القديم لا يبطله شيء ، ولو وجدته قد تزوّج بالنساء ، وفرّق في البلدان لرددته إلى حاله ، فإنّ في العدل سعة ، ومن ضاق عنه الحقّ فالجور عنه أضيق » (1).

2 - رأي عبد الرحمن بن عوف : وهو الذي قدّم الخلافة لعثمان محاباة وطمعاً عاد اليوم بعد إثرائه من بيت مال المسلمين يطلب من الإمام علي عليه السلام إقامة الحرب على عثمان لأنّه نكث العهد ، وأيّ عهد نكث! نعم خيّب أمل عبد الرحمن بإحالة الأمر إليه.

3 - رأي طلحة بن عبيد : بدأ بعد نصب عثمان للخلافة الصلة به لابتزاز ما يستطيع من بيت مال المسلمين حتّى وجدنا ثروته بين الصحابة هو والزبير ، غير أنّنا نجد طلحة رغم ما وصلته من عثمان من الثروات الطائلة التي باح بها عثمان نفسه ، كان يريد المزيد ، ويحلم بالخلافة ، أو ولاية يشبع بها نهمه.

ولشدّ ما زاده غيظاً على عثمان لمّا وجد عثمان بدأ يكيل لبني أُمية من الأموال بأضعاف ما يكيل له ، ويقرّب من لم يكن في العير ولا النفير ، بل بالعكس من أُولئك المنفورين المطرودين من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

واشتدّ إذ وجده يتّخذ منهم الوزراء والمستشارين ويصاهرهم ، وأشد أنّه يولّيهم أهم ولايات الإمبراطورية الإسلامية ، ويؤهّلهم للخلافة من بعده ، حتّى ثارت ثائرة طلحة ، وتشد أزره أُمّ المؤمنين عائشة ، والزبير صهر أبي بكر ، وزوج أخت عائشة يشدوا الخناق على الرجل العجوز المسلوب الإرادة ، المنقاد بيد مروان وبنو أبيه وأعمامه ، فأثارا على عثمان الرأي العام ، وكانت في تلك حقائق لو كان رائدهم الحقّ ، لا المطامع الشخصية التي ظهرت من نتيجة

ص: 296


1- شرح نهج البلاغة 1 / 269.

أعمالهم وبيعتهم علياً عليه السلام بعده ، ونكثهم البيعة ، وإقامته المجازر والفتك بالمسلمين في البصرة.

واعترض الناس على طلحة في البصرة يوم أتى للأخذ بثأر عثمان بقولهم : يا أبا محمّد قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا(1).

وخاطب سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه الذاهبين إلى البصرة بقوله : أين تذهبون وتتركون ثأركم على أعجاز الإبل - يعني عائشة وطلحة والزبير - اقتلوهم ثمّ ارجعوا إلى منازلكم(2).

وخلا سعيد بطلحة والزبير فقال : إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر أصدقاني؟ قالا : لأحدنا ، أيّنا اختاره الناس ، قال : بل اجعلوه لولد عثمان ، فإنّكم خرجتم تطلبون بدمه.

قالا : ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم ، قال : فلا أراني أسعى لأخرجها من بني عبد مناف ، فرجع(3).

4 - رأي الزبير بن العوّام : هو شريك طلحة في آرائه في عثمان والتحريض عليه حتّى قتله ، وسار مع طلحة حذو النعل بالنعل في ابتزاز أموال الناس من عثمان ، ثمّ التحريض عليه حتّى القتل ، وثمّ بيعة علي عليه السلام ونكث البيعة طلباً للرئاسة باسم الثأر لعثمان.

وكان الزبير يحرّض الناس على قتل عثمان بقوله : اقتلوه فقد بدّل دينكم ، فقالوا له : إن ابنك يحامي عنه بالباب؟ فقال : ما أكره أن يقتل عثمان ولو بدء بابني ، إنّ عثمان لجيفة على الصراط غداً(4).

ص: 297


1- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 486 ، الكامل في التاريخ 3 / 216 ، أنساب الأشراف : 229.
2- الكامل في التاريخ 3 / 209.
3- نفس المصدر السابق ، تاريخ الأُمم والملوك 3 / 472 ، تاريخ ابن خلدون 2 / 155.
4- شرح نهج البلاغة 9 / 36.

وقد شهد ابن عباس على أنّ طلحة والزبير أجلبا عليه - على عثمان - وضيّقا خناقه ، ثمّ خرجا ينقضان البيعة ، ويطلبان الملك(1).

5 - رأي سعد بن أبي وقّاص : يكتب سعد إلى عمرو بن العاص الذي يسأله عن قتل عثمان فيجيب : إنّك سألتني من قتل عثمان؟ وإنّي أخبرك أنّه قتل بسيف سلّته عائشة ، وصقله طلحة ، وسمّه ابن أبي طالب ، وسكت الزبير وأشار بيده ، وأمسكنا نحن ، ولو شئنا دفعناه عنه ، ولكن عثمان غيّر وتغيّر ، وأحسن وأساء ، فإن كنّا أحسنا ، وإن كنّا أسأنا فنستغفر اللّه(2).

6 - رأي عبد اللّه بن العباس : هو من الأسرة الهاشمية ، المرموق بعلمه ودرايته ، وقربه لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ومن ذوي الرأي ، ولم يحظ من الخلفاء رغم ثقتهم برأيه سوى المشورة ، وهو بالوقت الجدّ الأكبر للخلفاء العباسيين.

وكان عثمان كثيراً ما يتّخذه وسيطاً بينه وبين علي عليه السلام ، وآخر أيّامه قبيل مقتل عثمان أرسله أميراً للحجّ ، وحينما تأزّم الأمر على عثمان يرسل عثمان نافع ابن طريف يتلو كتاب عثمان على أهل مكّة مستغيثاً بهم ، بيد لم نجد من ابن عباس أيّ بادرة لنصرة الخليفة ، وهو آنذاك ذو الكلمة المسموعة.

كما طلبت عائشة - وهي في مكّة - من ابن عباس عدم مد عثمان بأيّة مساعدة ، لأنّ ابن عباس من الهاشميين المنكوبين منذ عهد السقيفة والشورى ، ويعرف إجماع الأُمّة على خلع عثمان ، ولم يكن ابن عباس لهذه الدرجة من الغباوة التي يسكت تجاه موبقات عثمان في عبثه بالمال ، وتسليط فجرة الأُمويين على رقاب الناس قهراً.

ويرى ابن عباس كيف أنّ عثمان يتّهم جميع الأُمّة بالكفر والخروج على ولايته المزعومة ، وكم مرّة تاب عثمان ونكث ، وهو يترقّب هذه المرّة الضربة القاضية على أيدي المتظلّمين ، الطالبين اعتزاله ، والجميع يعلمون أنّه مخادع ، والعاقل لا يلدغ من جحر مرّتين.

ص: 298


1- المصدر السابق 8 / 66.
2- الإمامة والسياسة 1 / 67.

وهاك وصف ابن عباس لعثمان لمّا سأله سائل عنه فقال : رجل ألهته نومته عن يقظته(1) ، وهو أشدّ الضعف الذي يمكن أن يوصف به الخليفة.

وحقّاً لم ينتبه عثمان من نومته ، ولا وعي من غفلته ، أو كاد حتّى حرّفه مستشاروه الأُمويون ، وحتّى ذلك لا يجوز لخليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هذه الصفة التي اتصف بها عثمان بنظر ابن عباس ، ودلّ عليه عمله إذ العمل صفة العامل.

وهل يستطيع النائم أن يحكّم عقله ، وقد حكم علماء النفس إنّ النوم يطلق الغرائز من مكمنها لتعمل ما تشاء بعيدة عن سيطرة العقل ، وهذا ما يعنيه ابن عباس في الخليفة.

7 - رأي عمرو بن العاص : وهو رجل انتهازي يساير المصالح الدنيوية ، ساير عمر في شدّته ، ومكث مع عثمان ردحاً حتّى جرّده عثمان من الولاية ، وخصّ بها ابن أبي سرح.

ولا يخفى ما لعمرو بن العاص من أيادي في مصر ، وما كان ليسكت عن عثمان ، وكانت له اليد الطولى في إثارة مصر عليه ، وعلى الخصوص وأنّ عثمان قام بكلم يستوجب نقمة المسلمين ، من ولاة السوء ، والتصرّف الأسوء بأموال الصدقات وبيت المال ، والنكال بالمتظلّمين والناصحين ، وأخصّ الصحابة المقرّبين.

فتجد عمرو لا يترك حقيقة من ألاعيب عثمان إلاّ شهره بها ، وأثار المسلمين عليه حتّى قتل عثمان ، وعندها تنفّس عمرو مترنحاً فخوراً نكالاً بعثمان وتشفّياً ، قائلاً : أنا أبو عبد اللّه قتلته وأنا بوادي السباع ، من يلي هذا الأمر من بعده! إن يله طلحة فهو فتى العرب سبباً ، وإن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلاّ سيستنظف الحقّ وهو أكره من يليه إلي(2).

ص: 299


1- الاستيعاب 3 / 1130.
2- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 559 ، الكامل في التاريخ 3 / 275.

قال ابن عبد البر : « فلمّا بلغه قتل عثمان وكان معتزلاً بفلسطين قال : إنّي إذا نكأت قرحة أدميتها »(1).

وكان يقول عمرو بعد محاجة وقعت له مع عثمان الذي طلبوا توبته في المدينة ونكث ، وحاصروه أن خرج عمرو من المدينة إلى قصره بفلسطين وهو يقول : واللّه إن كنت لألقي الراعي فأحرّضه على عثمان(2).

وفي لفظ يخاطب به عثمان : إنّك قد ركبت بهذه الأُمّة نهاية من الأمر ، وزغت فزاغوا ، فاعتدل أو اعتزل(3).

8 - رأي معاوية بن أبي سفيان : مدّه عثمان بضمّ الولايات له ، ومنحه اللعب بأموال المسلمين وإغراؤه عثمان بالمدد ، وإغواؤه بالتمادي ، وأنّه يمدّه بالعدّة والعدد ، حتّى إذا وثق واستمر نكث بوعده حتّى قتلوا عثمان ، وعندها رفع ثوبه الملطّخ بالدماء صارخاً : وا عثماناه.

ومعاوية يعلم حقّ العلم أنّ عثمان رجل ضعيف الإرادة ، وأنّه سوف تقوم عليه الأُمّة ، ويطلبون عزله لما غيّر وبدّل وتمادى ، وإن قبل عثمان بالعزل وانتخب المسلمون بعده من شاءوا فلم يبق له عند الخليفة القادم وهو أموي سوى اعتزال مقامه ، وهذا ما لا يريده معاوية ، وقد هيّأ نفسه للملك.

وهو لم يجد في الأمر سوى الكيد ، وما هو هذا الكيد؟ نعم هو إغراء الخليفة بما سيمدّه له من القوّة والعدد والعدّة وحثّه على المقاومة ، وحث مروان وزيره المستشار على ذلك ، وبالوقت تأليب المسلمين وتخديرهم بقتل الخليفة الذي لم يرض اعتزال الحكم والتخلّي لغيره ، ولا تعديل نفسه والوفاء بالعهود.

وما أن قتل عثمان حتّى ضمّ المحرّضين على قتله وقاتليه إلى صفّه ، وأرسل بيعته إلى طلحة والزبير اللذان بايعا علياً لنكث العهد ، ولبث التفرقة في

ص: 300


1- الاستيعاب 3 / 919.
2- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 395 ، الكامل في التاريخ 3 / 163.
3- شرح نهج البلاغة 6 / 323.

الصفوف والكيد للأُمّة ، وقد نجحت خطّته أمام علي عليه السلام لما يعرفه فيهم ، وأنّ قيامهم إنّما لأجل المال والمآل لا الدين ، وهذا ما لم يجداه في علي عليه السلام.

واتخذ القتل ذريعة ، وأعلن قتل الخليفة مظلوماً ، وهيّأ الشهود المزيّفين لمن وجد فيه النفوذ في العامّة ، وزيّف الشهود وأوهم العامّة في ولاية الشام وأثارهم ، وجمع جيشه ومدّهم بالمال ، وأرسل من أرسل إلى أطراف الولايات للثورة على المتظلّمين ، والإطاحة بخيرة المنتخبين البريئين.

وقد خاطب شبث بن ربعي معاوية : إنّه لا يخفى علينا ما تقرب وما تطلب ، إنّك لم تجد شيئاً تستغوي به الناس ، وتستميل به أهواءهم ، وتستخلص به طاعتهم إلاّ أن قلت لهم : قتل إمامكم مظلوماً ، فهلمّوا نطلب بدمه ، فاستجاب له سفهاء طغام رذال ، وقد علمنا أنّك قد أبطأت عنه بالنصر ، وأحببت له القتل بهذه المنزلة التي تطلب(1).

وهذا ابن عباس يجيب معاوية حينما اتّهمه بأنّه من القتلة والمحرّضين على قتل عثمان : فأقسم باللّه لأنت المتربّص بقتله ، والمحبّ لهلاكه ، والحابس الناس قبلك عنه على بصيرة من أمره ، ولقد أتاك كتابه وصريخه يستغيث بك ويستصرخ ، فما حفلت به حتّى بعثت إليه معذراً بأجرة ، أنت تعلم أنّهم لن يتركوه حتّى يقتل ، فقتل كما كنت أردت ، ثمّ علمت عند ذلك أنّ الناس لن يعدلوا بيننا وبينك ، فطفقت تنعى عثمان وتلزمنا دمه ، وتقول : قتل مظلوماً ، فإن يك قتل مظلوماً فأنت أظلم الظالمين ، ثمّ لم تزل مصوباً ومصعداً وجاثماً ورابضاً ، تستغوي الجهّال ، وتنازعنا حقّنا بالسفهاء ، حتّى أدركت ما طلبت(2).

ومن هذا نعرف كيف أنّ عثمان استأمن كُلّ خائن مستشاراً ، مثل مروان الذي كان ينكث العهود ، ووالياً مثل معاوية الذي خانه طلباً للملك في أحرج الساعات ، وهل يصلح مثل هذا الخليفة لتسيير دفّة الحكم؟

ص: 301


1- وقعة صفّين : 187.
2- شرح نهج البلاغة 16 / 155.

9 - رأي عائشة بنت أبي بكر : لقد اتخذت عائشة دورين مهمّين تجاه عثمان ، فقد أيّدته في بدء خلافته حتّى أوردت فيه أحاديث نبوية أبلغته مقام العصمة ، ثمّ انقلبت عليه ، وأقل ما قالت فيه : « اقتلوا نعثلاً ، قتل اللّه نعثلاً »(1).

وقد تركت المدينة إلى مكّة وهي واثقة أنّ عثمان يقضي آخر أيّامه ، وسوف يقتل ، ولها الأمل الوطيد بعودة الخلافة إلى تيم بزعامة طلحة ، أو على أقلّ تقدير الزبير زوج أختها.

10 - رأي قيس بن سعد بن عبادة : هو بدري ورئيس الخزرج ، ولقيس هذا محاورة مع النعمان بن بشير في صفّين جواباً يرويه نعمان ، قوله : أمّا ذكرك عثمان ، فإن كانت الأخبار تكفيك فخذ منّي واحدة : قتل عثمان من لست خيراً منه ، وخذله من هو خير منك(2).

وترى من مفهوم هذا إنّما الذي قتل عثمان وأفتى بقتله إنّما مجموع الأُمّة ، وفي مقدّمتهم خيار الصحابة من البدريين.

11 - رأي أبي أيوب الأنصاري : الصحابي العظيم الذي أوّل من اختار اللّه منزله لإيواء رسوله ، شهد مع رسوله صلى اللّه عليه وآله كُلّ الحروب أخص بدراً ، وهو من المعينين في عزل عثمان ثمّ قتله ، وصرّح بخطبة خطبها في عهد الإمام علي عليه السلام يذكر به عهد عثمان المشؤوم بقوله : « أليس إنّما عهدكم بالجور والعدوان أمس ، وقد شمل العباد وشاع في الإسلام ، فذو حقّ محروم ، مشتوم عرضه ، ومضروب ظهره ، وملطوم وجهه ، وموطوء بطنه ، وملقى بالعراء - يقصد عهد عثمان - فلمّا جاءكم أمير المؤمنين - يقصد علياً عليه السلام - صدع بالحقّ ، ونشر بالعدل ، وعمل بالكتاب ، فاشكروا نعمة اللّه عليكم ، ولا تتولّوا مجرمين » (3).

ص: 302


1- شرح نهج البلاغة 6 / 215 و 20 / 17 ، تاريخ الأُمم والملوك 3 / 477 ، الإمامة والسياسة 1 / 72.
2- شرح نهج البلاغة 8 / 88 ، الإمامة والسياسة 1 / 130.
3- الإمامة والسياسة 1 / 173.

العصمة :

اشارة

( مفيد أبو جهاد - السعودية - .... )

عصمة الأئمّة في كتب أهل السنّة :

س : ما الأدلّة على عصمة أهل البيت عليهم السلام من كتب أهل السنّة ، الذين يقولون بعدم عصمتهم؟

ج : إنّ إثبات عصمة الأئمّة عليهم السلام تتوقّف على التسليم بقضية إمامتهم عليهم السلام ، يعني بعد التسليم والإيمان بإمامة الأئمة الاثني عشر ، عند ذلك يمكن إثبات عصمتهم ، وذلك من خلال الكتاب ، والسنّة المتمثّلة بأقوال الرسول صلى اللّه عليه وآله ، أو أقوالهم عليهم السلام ، حيث أثبتوا لهم العصمة ، وأقوالهم هذه موجودة في كتبنا الشيعية بكثير ، ولكنّها لم تثبّت في كتب أهل السنّة ، وهذا شيء طبيعي أن لا تذكر أدلّة عصمتهم عليهم السلام في كتب من لا يؤمن بعصمتهم.

نعم ، يمكن إثبات عصمتهم عليهم السلام من أقوال الرسول صلى اللّه عليه وآله الثابتة والمدوّنة في كتب أهل السنّة ، منها :

1 - حديث الثقلين ، فقد ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله متواتراً قوله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، رواه وأخرجه أكثر من ( 180 ) عالماً سنّياً(1).

ص: 303


1- 1 - فضائل الصحابة : 15 ، الجامع الكبير 5 / 328 ، تحفة الأحوذي 10 / 196 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 418 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 45 و 130 ، خصائص أمير المؤمنين : 93، المعجم الصغير 1 / 135 ، المعجم الأوسط 4 / 33 و 5 / 89 ، المعجم الكبير 3 / 66 و 5 / 154 و 166 و 170 و 182 ، شرح نهج البلاغة 9 / 133 ، نظم درر السمطين : 232 ، كنز العمّال 1 / 172 و 186 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 122 ، المحصول 4 / 170 ، الإحكام للآمدي 1 / 246 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطني 6 / 236 ، أنساب الأشراف : 111 و 439 ، البداية والنهاية 5 / 228 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 416 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 95 و 99 و 105 و 112 و 119 و 123 و 132 و 345 و 349 و 2 / 432 و 438 و 3 / 65 و 141 و 294 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 211 و 3 / 177 ، لسان العرب 4 / 538 و 11 / 88 ، تاج العروس 7 / 245.

دلّ هذا الحديث على عصمة أهل البيت عليهم السلام لأنّهم عدل القرآن ، وبما أنّ القرآن محفوظ من الزلل ، ومعصوم من الخطأ ، لأنّه من عند اللّه تعالى ، فكذلك ما قرن به ، وهم عترة محمّد صلى اللّه عليه وآله ، وإلاّ لما صحّت المقارنة.

2 - حديث السفينة ، فقد ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قوله : « مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجى ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى » (1) ، فدلّ هذا الحديث على عصمة الأئمّة عليهم السلام ، لأنّ النجاة والخلاص من الوقوع في الضلالة والانحراف يتوقّف على كون المنجي معصوماً من الخطأ والزلل ، وإلاّ لم يحصل منه النجاة الحتمي.

نكتفي بهذين الحديثين للاختصار ، وعليكم بمراجعة كتاب عمدة النظر للبحراني ، حيث ذكر ( 45 ) حديثاً على عصمتهم عليهم السلام ، كما ذكر اثنا عشر دليلاً عقلياً على عصمتهم عليهم السلام.

ص: 304


1- المستدرك 2 / 343 و 3 / 151 ، المعجم الصغير 1 / 139 و 2 / 22 ، المعجم الأوسط 5 / 355 و 6 / 85 ، المعجم الكبير 3 / 45 ، 12 / 27 ، مجمع الزوائد 9 / 168 ، الجامع الصغير 1 / 373 و 2 / 533 ، كنز العمّال 12 / 94 ، شواهد التنزيل 1 / 361 ، ذخائر العقبى : 20 ، مسند الشهاب 2 / 273 و 275 ، فيض القدير 2 / 658 ، الدرّ المنثور 3 / 334 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 123 ، علل الدارقطني 6 / 236 ، تهذيب الكمال 28 / 411 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 490 ، ينابيع المودّة 1 / 93 و 2 / 101 و 118 و 269 و 327 ، نزل الأبرار : 6 ، نظم درر السمطين : 235 ، لسان العرب 3 / 20 ، تاج العروس 2 / 259 ، الصواعق المحرقة 2 / 445.

( .... - مصر - سنّي )

حدودها :

س : أنا من السنّة ولست شيعياً ، ولكن أُريد أن اعرف بعض الأُمور عن إخواني من هذا المذهب من مصادرهم هم ، وليس من غيرهم : ما هي حدود العصمة؟

ج : نحن نعتقد أنّ العصمة هي ملكة تعصم صاحبها من مقارفة المعاصي ، وفي نفس الوقت باعتبار الحجّية للحجج - سواء كانوا أولياء أو أوصياء - لابدّ أن يكونوا معصومين من الخطأ - سواء كان ذلك في تلقّي أحكام الشريعة عن اللّه تعالى ، أو في إلقائها إلى الناس ، أو في تطبيقاتها ، لأنّ التطبيقات نحو من أنحاء التبليغ - والكُلّ متّفقون على عصمته صلى اللّه عليه وآله في التبليغ ، وكما يكون التبليغ بالقول يكون بالتقرير والفعل ، وعليه لا يخطأ النبيّ صلى اللّه عليه وآله في فعله أيضاً.

( العرادي - البحرين - .... )

رأي الإمامية في عصمة الأنبياء :

س : نذهب نحن الشيعة إلى عصمة الأنبياء والرسل عليهم السلام فإذا سلّمنا بذلك ، فما هو تفسير خروج أبينا آدم وأُمّنا حوّاء من الجنّة؟

وما هو تفسير بقاء نبي اللّه يونس في بطن الحوت مدّة من الزمن ، وكذلك قصّة نبي اللّه موسى ، ألا ينافي ذلك عصمة الأنبياء؟ أودّ معرفة الإجابة بمزيد من التفصيل.

ج : يشير الشيخ المفيد قدس سره إلى رأي الإمامية حول عصمة الأنبياء عليهم السلام بقوله : « إنّ جميع أنبياء اللّه عليهم السلام معصومون من الكبائر قبل النبوّة وبعدها ، وما يستخف فاعله من الصغائر كُلّها ، وأمّا ما كان من صغير لا يستخف فاعله

ص: 305

فجائز وقوعه منهم قبل النبوّة وعلى غير تعمّد ، وممتنع منهم بعدها على كُلّ حال ، وهذا مذهب جمهور الإمامية ، والمعتزلة بأسرها تخالف فيه » (1).

وعلى هذا ، يمكن توجيه خروج أبينا آدم عليه السلام وأُمّنا حوّاء من الجنّة ، بأنّ الخروج من الجنّة ليس عقاباً - على معصيتهما وهما منزّهان منها - لأنّ سلب اللذّات والمنافع ليس بعقوبة ، وإنّما العقوبة هي الضرب والألم الواقعان على سبيل الاستخفاف والإهانة ، وكيف يكون من تعبّدنا اللّه فيه بنهاية التعظيم والتبجيل ، مستحقّاً منّا ومنه تعالى الاستخفاف والإهانة؟

فإن قيل : فما وجه الخروج إن لم يكن عقوبة؟

قلنا : لا يمتنع أن يكون اللّه تعالى علم أنّ المصلحة تقتضي بقاء آدم عليه السلام في الجنّة وتكليفه فيها متى لم يتناول من الشجرة ، فمتى تناول منها تغيّرت الحال في المصلحة ، وصار إخراجه عنها وتكليفه في دار غيرها هو المصلحة.

وإنّما وصف إبليس بأنّه مخرج لهما من الجنّة ( فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ) (2) من حيث وسوس إليهما ، وزيّن عندهما الفعل الذي يكون عند الإخراج.

ثمّ لا يخفى أنّ المعصية هي مخالفة الأمر ، والأمر من الحكيم تعالى قد يكون بالواجب والمندوب معاً ، فلا يمتنع على هذا أن يكون آدم عليه السلام مندوباً إلى ترك التناول من الشجرة ، ويكون بمواقعتها تاركاً نفلاً وفضلاً وغير فاعل قبيحاً ، وليس يمتنع أن يسمّى تارك النفل عاصياً ، كما يسمّى بذلك تارك الواجب.

وفي هذا المجال نذكر هذه الرواية الشريفة : روى الشيخ الصدوق قدس سره : « لمّا جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا عليه السلام أهل المقالات من أهل الإسلام ،

ص: 306


1- أوائل المقالات : 62.
2- البقرة : 36.

والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر أهل المقالات ، فلم يقم أحد إلاّ وقد ألزمه حجّته كأنّه قد ألقم حجراً ، قام إليه علي بن محمّد بن الجهم ، فقال له : يا بن رسول اللّه ، أتقول بعصمة الأنبياء؟ قال : « بلى » ، قال : فما تعمل في قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ) (1) ، وقوله عزّ وجلّ : ( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) (2) ....

فقال مولانا الرضا عليه السلام : « ويحك - يا علي - اتق اللّه ، ولا تنسب إلى أنبياء اللّه الفواحش ، ولا تتأوَّل كتاب اللّه برأيك ، فإنّ اللّه تعالى يقول : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (3).

أمّا قوله عزّ وجلّ في آدم عليه السلام : ( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ) فإنّ اللّه عزّ وجلّ خلق آدم حجّة في أرضه ، وخليفة في بلاده ، لم يخلقه للجنّة ، وكانت المعصية من آدم في الجنّة لا في الأرض ، تتمّ مقادير أمر اللّه عزّ وجلّ ، فلمّا أُهبط إلى الأرض ، وجُعل حجّة وخليفة عُصِمَ بقوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (4).

وأمّا قوله تعالى : ( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) إنّما ظنّ أنّ اللّه عزّ وجلّ لا يضيق عليه رزقه ، ألا تسمع قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) (5) أي ضيّق عليه ، ولو ظنّ أنّ اللّه تبارك وتعالى لا يقدر عليه لكان قد كفر »(6).

ص: 307


1- طه : 119.
2- الأنبياء : 87.
3- آل عمران : 7.
4- آل عمران : 33.
5- الفجر : 16.
6- الأمالي للشيخ الصدوق : 150.

وأمّا يونس عليه السلام إنّما بقي في بطن الحوت إلى مدّة من الزمن ، لا لمعصية صدرت منه ، ولا لذنب ارتكبه ، والعياذ باللّه ، وإنّما لكونه خرج من قومه - وهو معرضاً عنهم ، ومغضباً عليهم ، بعد أن دعاهم إلى اللّه تعالى فلم يجيبوه إلاّ بالتكذيب والردّ - ولم يعد إليهم ظانّاً أنّ اللّه تعالى لا يضيّق عليه رزقه ، أو ظانّاً أن لن يبتلى بما صنع حتّى وصل إلى البحر ، وركب السفينة ، فعرض لهم حوت فلم يجدوا بدّاً من أن يلقوا إليه واحداً منهم يبتلعه ، وتنجو السفينة بذلك ، فقارعوا فيما بينهم ، فأصابت يونس عليه السلام فألقوه في البحر ، فابتلعه الحوت ونجت السفينة.

ثمّ إنّ اللّه سبحانه وتعالى حفظه حيّاً في الحوت مدّة من الزمن ، ويونس عليه السلام يعلم أنّها بلية ابتلاه اللّه بها ، مؤاخذة بما فعل من عدم رجوعه إلى قومه ، بعد أن آمنوا وتابوا ، فأخذ ينادي في بطن الحوت : أن ( لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) (1) - قيل أي لنفسي بالمبادرة إلى المهاجرة - فاستجاب اللّه له ونجّاه من الحوت.

وأمّا قتل موسى عليه السلام للقبطي ، فلم يكن عن عمد ولم يرده ، وإنّما اجتاز فاستغاث به رجل من شيعته على رجل من عدوّه بغى عليه وظلمه وقصد إلى قتله ، فأراد موسى عليه السلام أن يخلّصه من يده ، ويدفع عنه مكروهه ، فأدّى ذلك إلى القتل من غير قصد إليه ، وكُلّ ألم يقع على سبيل المدافعة للظالم من غير أن يكون مقصوداً فهو حسن غير قبيح ، ولا يستحقّ عليه العوض به ، ولا فرق بين أن تكون المدافعة من الإنسان عن نفسه ، وبين أن يكون عن غيره في هذا الباب ، والشرط في الأمرين أن يكون الضرر غير مقصود ، وأنّ القصد كُلّه إلى دفع المكروه ، والمنع من وقوع الضرر ، فإن أدّى ذلك إلى ضرر فهو غير قبيح.

ص: 308


1- الأنبياء : 87.

( ... - .... - .... )

عصمة الأئمّة في القرآن :

س : ما الأدلّة على عصمة أهل البيت عليهم السلام من القرآن الكريم؟

ج : من الأدلّة على عصمتهم عليهم السلام من القرآن الكريم كثيرة ، نذكر أهمّها :

1 - قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1).

هذه الآية نزلت في أصحاب الكساء وهم : رسول اللّه وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وعلى هذا تواترت روايات كثيرة من السنّة والشيعة ، وإذا أردت الوقوف على ما ندّعيه ، فعليك بمراجعة كتاب « البرهان في تفسير القرآن »(2).

وممّن ذكر نزول هذه الآية المباركة في أهل البيت عليهم السلام من أهل السنّة : الطبري ، الحاكم الحسكاني ، ابن كثير ، ابن حجر ، السيوطي ، الحاكم النيسابوري ، ابن عساكر ، وغيرهم من علماء السنّة(3).

وهذه الآية صريحة في عصمة أصحاب الكساء ، بدليل إذهاب الرجس عنهم ، والتطهير لهم على الإطلاق.

2 - قوله تعالى : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (4).

ص: 309


1- الأحزاب : 33.
2- البرهان في تفسير القرآن 3 / 209.
3- جامع البيان 22 / 9 ، شواهد التنزيل 2 / 37 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 492 ، الصواعق المحرقة 2 / 421 ، الدرّ المنثور 5 / 198 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 416 ، تاريخ مدينة دمشق 13 / 205.
4- آل عمران : 61.

وهذه الآية الشريفة نزلت في حقّ النبيّ وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام كما ذكر ذلك علماء الفريقين(1).

حيث جعلت علياً عليه السلام نفس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والرسول معصوم بالاتفاق ، إذن علي عليه السلام كذلك.

3 - قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ... ) (2).

المراد من أُولي الأمر في الآية الشريفة هم الأئمّة الاثنا عشر من آل محمّد عليهم السلام ، للروايات الكثيرة المروية عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، والمذكورة في عدّة كتب منها : كتاب « البرهان في تفسير القرآن »(3).

وهذه الآية دلّت على عصمة أُولي الأمر ، بدليل أنّ طاعتهم مقرونة بطاعة اللّه تعالى ، وطاعة رسوله صلى اللّه عليه وآله ، والطاعة لا تكون إلاّ لذوي العصمة والطهارة.

وأمّا الآيات الأُخرى الدالّة على عصمتهم كثيرة(4) ، وللوقوف على الحقيقة والواقع ، راجع كتاب « عمدة النظر » للسيّد هاشم البحراني ، وكتب التفسير الشيعية.

ص: 310


1- المستدرك على الصحيحين 3 / 150 ، أحكام القرآن للجصّاص 2 / 18 ، أُسد الغابة 4 / 26 ، تحفة الأحوذي 8 / 278 ، نظم درر السمطين : 108 ، أسباب نزول الآيات : 68 ، شواهد التنزيل 1 / 159 و 181 و 2 / 34 ، الجامع لأحكام القرآن 4 / 104 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 379 ، الإصابة 4 / 468 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 82 ، البداية والنهاية 7 / 376 ، جواهر المطالب 1 / 171 ، ينابيع المودّة 1 / 136.
2- النساء : 59.
3- البرهان في تفسير القرآن 1 / 381.
4- منها : التوبة : 119 ، المائدة : 55 ، الرعد : 43 ، النساء : 41 ، الحجّ : 77 - 78 ، النحل : 43 ، الأنبياء : 73 ، السجدة : 24 ، النور : 55.

( موالي - الكويت - 19 سنة - طالب )

الأدلّة على عصمة الأنبياء :

س : إنّي شيعي ولله الحمد ، ومن القائلين بعصمة الأنبياء ، وأطلب منكم شاكراً معرفة أدلّة عصمة الأنبياء ، وعلاقتها مع الآية التالية : ( فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ له إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (1).

ج : إنّ الأدلّة على عصمة الأنبياء عليهم السلام كثيرة ، فقد ذكر العلاّمة الحلّي ثلاثة منها في « كشف المراد »(2) ، وأضاف إليها القوشجي دليلين آخرين في « شرح التجريد »(3) ، وذكر الإيجي تسعة أدلّة في « المواقف »(4).

ونقتصر في هذا المجال على ذكر دليلين ، هما :

1 - الوثوق فرع العصمة.

إنّ التبليغ يعمّ القول والفعل ، فكما في أقوال النبيّ تبليغ فكذلك في أفعاله ، فالرسول صلى اللّه عليه وآله معصوم عن المعصية وغيرها ، لأنّ فيها تبليغاً لما يناقض الدين ، وهو معصوم من ذلك.

ولا يفتقر ذلك على زمن البعثة فقط ، وإنّما يشمل ما قبلها أيضاً ، لأنّه لو كانت سيرة النبيّ صلى اللّه عليه وآله غير سليمة قبل البعثة ، فلا يحصل الوثوق الكامل به ، وإن صار إنساناً مثاليّاً.

إذاً ، فتحقّق الغرض الكامل من البعثة ، رهن عصمته في جميع فترات عمره.

ص: 311


1- القصص : 15 - 16.
2- كشف المراد : 471.
3- شرح تجريد العقائد : 358.
4- المواقف : 359.

2 - التربية رهن عمل المربّي.

إنّ الهدف العام الذي بُعث الأنبياء لأجله ، هو تزكية الناس وتربيتهم ، ومعلوم أنّ فاقد الشيء لا يعطيه ، فلذا لابدّ من التطابق بين مرحلتي القول والعمل ، وهذا الأصل التربوي يجرّنا إلى القول بأنّ التربية الكاملة المتوخّاة من بعثة الأنبياء ، لا تحصل إلاّ بمطابقة أعمالهم لأقوالهم ، فإنّ لسوابق الأشخاص وصحائف أعمالهم الماضية تأثيراً في قبول الناس كلامهم وإرشاداتهم.

أمّا ما ذكرته بالنسبة للآية المباركة من سورة القصص ، فإنّ الأصل في الأنبياء العصمة ، والأدلّة من القرآن والسنّة والعقل صريحة بالعصمة ، وكلّ ما ورد بحيث يكون ظاهره مناف للعصمة ، فلابدّ من البحث عن التأويل له وفهم معناه.

فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن علي بن محمّد بن الجهم قال : « حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام ، فقال له المأمون : يا ابن رسول اللّه ، أليس من قولك : الأنبياء معصومون؟ قال : « بلى » ....

قال : ... فأخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ) .

قال الرضا عليه السلام : « إنّ موسى عليه السلام دخل مدينةً من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها ، وذلك بين المغرب والعشاء ، فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوّه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوّه ، فقضى موسى على العدو وبحكم اللّه تعالى ذكره ( فَوَكَزَهُ ) فمات ، ( قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ) ، يعني الاقتتال الذي وقع بين الرجلين ، لا ما فعله موسى عليه السلام من قتله ، إنه - يعني الشيطان - عدوّ مضلّ مبين ».

فقال المأمون : فما معنى قول موسى عليه السلام : ( رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ) ؟

ص: 312

قال : « يقول : إنّي وضعت نفسي غير موضعها بدخول هذه المدينة ، ( فَاغْفِرْ لِي ) أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني ، فغفر له إنّه هو الغفور الرحيم.

قال موسى : ربّ بما أنعمت عليّ من القوّة حتّى قتلت رجلاً بوكزة ، فلن أكون ظهيراً للمجرمين ، بل أجاهد سبيلك بهذه القوّة حتّى ترضى ... » (1).

( راشد علي - .... - .... )

عصمة الأئمّة في التشريع وغيره :

س : تحية طيّبة وبعد.

ما هو الدليل على عصمة الأئمّة عليهم السلام في غير ما يرتبط بالشريعة؟

ج : هنالك عدّة أدلّة لبيان عصمتهم بشكل عام ، غير مختصّة بالعصمة في التشريع ، ونكتفي ببيان بعضها من القرآن الكريم :

قال تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (2).

إنّ تحلية الرجس ب- « أل » دليل على الشمولية والعموم ، كما قرّر في محلّه من علم اللغة - سواء أُريد منها الاستغراق أو الجنس - ولا يمكن جعلها عهدية ، لعدم تقدّم ذكر أو إشارة إلى الرجس حتّى تكون عهدية ، وهذه الشمولية تعني نفي الرجس عن هؤلاء البررة نفياً عامّاً ، شاملاً لجميع مستويات الرجس ، سواء على مستوى الاعتقاد ، أم الأعمال ، أم الأخلاق والسلوك ، أم التعلّق بغير اللّه تعالى ، فكُلّ رجس وكُلّ قذارة قد أذهبها اللّه تعالى عنهم ، وأثبت مكانها الطهارة المؤكّدة.

ص: 313


1- عيون أخبار الرضا 2 / 174.
2- الأحزاب : 33.

وقال تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1).

حيث تفيد هذه الآية المباركة أنّ كُلّ ظلم - وبجميع أقسامه - ممنوع عن منصب الإمامة ، والمعروف في اللغة أنّ الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه ، فتكون النتيجة ممنوعية كُلّ فرد من أفراد الظلمة عن الارتقاء لمنصب الإمامة ، سواء كان ظالماً في فترة من عمره ثمّ تاب أو لا.

ومن السنّة النبوية :

ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله متواتراً قوله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً ».

وبما أنّ القرآن الكريم محفوظ من الزلل والخطأ لأنّه من عند اللّه تعالى ، فكذلك ما قرن به ، وهم عترة محمّد صلى اللّه عليه وآله ، وإلاّ لما صحّت المقارنة.

وحاشا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يقول شيئاً من عنده ( إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2).

( حسن عبد اللّه - ... - ..... )

تفسير قوله : ( هَمَّتْ بِهِ هَمَّ بِهَا )

س : بعد الدعاء لكم بطول العمر والتوفيق والتسديد لكُلّ خير وصلاح ، نرجو التكرّم بالجواب على السؤال التالي :

قال أحد المفسّرين عند تفسيره لقوله تعالى : ( وَهَمَّ بِهَا ) (3) : وهكذا نتصوّر موقف يوسف ، فقد أحسّ بالانجذاب في إحساس لا شعوري ، وهمّ بها استجابة لذلك الإحساس ، كما همّت به ، ولكنّه توقّف وتراجع.

ص: 314


1- البقرة : 124.
2- النجم : 4.
3- يوسف : 24.

علماً أنّه في مكان آخر يقول : إنّ همّ يوسف هذا الذي كان نتيجة الانجذاب اللاشعوري ، هو أيضاً لا شعوري بل طبعي ، وأنّ قصد المعصية من يوسف لم يحصل.

فما رأيكم بقوله هذا؟ هل يتنافى مع عصمة الأنبياء عليهم السلام حسب رأي الشيعة في العصمة أم لا؟ وإن كان جوابكم بأنّه مناف لها ، فالرجاء بيان وجه المنافاة.

ج : إنّ ما نقلتموه في تفسير تلك الآية لا يتوافق مع العقيدة الصحيحة في شأن الأنبياء عليهم السلام ، ولمزيد من التوضيح نذكر رؤوساً للنقاط الهامّة في هذا المجال :

أوّلاً : إنّ عصمة الأنبياء عليهم السلام مسألة ثابتة بالأدلّة العقلية والنقلية - كما ذكر في محلّه - وعليه فالانجذاب نحو المعصية - حتّى ولو كان عن غير شعور - يتنافى مع مقام العصمة ، لأنّ العصمة هي الابتعاد عن المعصية والهمّ بها.

ثانياً : إنّ قول ذلك القائل يتعارض مع روايات أهل البيت عليهم السلام في هذا المجال ، ففي أكثرها إنّ متعلق الهمّ يختلف عند يوسف عليه السلام وامرأة العزيز ، إذ أنّ امرأة العزيز همّت بفعل الفاحشة ، ولكن يوسف عليه السلام همّ بعدم فعلها ، أو أنّ يوسف عليه السلام همّ بضربها ، أو قتلها إن أجبرته على ذلك.

ثالثاً : على فرض عدم قبول هذه الروايات - سنداً أو دلالةً - فالآية بظاهرها كافية في ردّ كلام القائل ، فإنّ ( لولا ) ملحقة بأدوات الشرط ، وتحتاج إلى جزاء ، فجملة ( وَهَمَّ بِهَا ) تكون جزاءً مقدّماً عليها.

وأمّا على تقدير كلام ذلك القائل ، فاللازم أن تكون الجملة هكذا « فلولا » أو « ثمّ لولا » أي السياق حينئذٍ يقتضي أن يؤتى بعبارة فصلية لا وصلية.

( علي العلي - الكويت - .... )

عصمة الأئمّة ليست جبرية :

س : هناك من يقول أنّ عصمة الأنبياء جبرية ، وذلك لعلمهم بخفايا الأُمور ، وحقائق الأشياء مثلاً : قول الإمام : « واللّه لا أراه إلاّ قيحا » ، وذلك إشارة إلى

ص: 315

طعام ما ، فهو بناء على علمه يكون مجبراً على عدم الأكل مثلاً ، ما مدى صحّة هذه المقولة؟

ج : إنّ كان المراد من الجبر أنّ الأئمّة عليهم السلام لعلمهم بحقائق الأشياء فهم غير قادرين على ارتكاب المعصية والخطأ ، فمن الواضح أنّ العلم بحقيقة الشيء لا يستلزم عدم القدرة على المخالفة ، والعلم بحقيقة الشيء لا يسلب من الإنسان اختياره ، ولا منافاة بين أن يكون الإنسان عالماً بحقيقة شيء ، وأن يرتكب ذلك الشيء ، إلاّ أنّ أئمّتنا عليهم السلام كانوا عالمين بحقائق الأشياء ، ومع ذلك كانوا يجتنبون ولا يرتكبون المعاصي والخطايا ، ولا يصدر عنهم السهو ولا النسيان عن اختيار.

( الموالي - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

الأدلّة العقلية عليها :

س : ما الدليل العقلي على عصمة الأئمّة عليهم السلام؟

ج : إنّ الأدلّة العقلية كثيرة ، نقتصر على اثني عشر دليلاً :

الأوّل : الإمام يجب أن يكون حافظاً للشرع ، فيجب أن يكون معصوماً ، ليؤمن منه الزيادة والنقصان في الشريعة.

الثاني : يجب أن يكون متولّياً لسياسة الرعية ، فيجب أن يكون معصوماً ليؤمن منه الظلم والجور ، والتعدّي في الحدود والتعزيرات.

الثالث : الإمام يجب أن يكون معصوماً بعد النبيّ لوجوب الحاجة إلى النبيّ ، فهو في مقام النبيّ ورتبته ، فما دلّ على عصمة النبيّ دلّ على عصمة الإمام ؛ لأنّ النبوّة والإمامة من اللّه تعالى ، فلا يجوز بعث غير المعصوم في النبوّة ، ولا نصب غير المعصوم في الإمامة ، لأنّه قبيح عقلاً وهو لا يفعل قبيحاً.

الرابع : الإمام يجب أن يكون غير جائز الخطأ ، وإلاّ لاحتاج إلى مدد ، فيجب أن يكون معصوماً ؛ وإلاّ تسلسل.

ص: 316

الخامس : الإمام يجب أن يكون غير مداهن في الرعية ، وإلاّ وقع الهرج والمرج ، وغير المعصوم يجوز فيه ذلك ، فتنتفي فائدة نصبه ، فيجب أن يكون معصوماً.

السادس : الإمام يجب أن لا يقع منه منكر ، وإلاّ لزم ترك الواجب إن لم ينكر عليه ، وخروجه عن أن يكون إماماً بل ومأموماً ، فيجب أن يكون الإمام معصوماً فلا يقع منه منكر.

السابع : الإمام يجب أن يكون مقتدى به في أقواله وأفعاله على الإطلاق ، فيجب أن يكون معصوماً.

الثامن : الإمام يجب أن يكون صادقاً على الإطلاق ليحصل الوثوق بأخباره ، فيجب أن يكون معصوماً.

التاسع : الإمام يجب أن لا يفعل قبيحاً ولا يخلّ بواجب ، وإلاّ لارتفع محلّه من القلوب ؛ فيجب أن يكون معصوماً.

العاشر : الإمام يجب طاعته على الإطلاق ، وغير المعصوم لا يجب طاعته على الإطلاق ، فيجب أن يكون الإمام معصوماً ، لقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ... ) (1).

الحادي عشر : الإمام يجب أن يكون أعلى رتبة في الرعية ، فيجب أن يكون معصوماً ، وإلاّ انحطّ عن رتبة ساير الرعية عند فعله المعصية ، لعلمه بموجب الطاعة والمعصية ، فإقدامه على ترك الطاعة وفعل المعصية مع علمه يكون سبباً لانحطاط رتبته عند الخلق والمخلوق.

الثاني عشر : الإمام يجب أن يكون منزّهاً عن جميع الذنوب والفواحش ما ظهر منها وما بطن ، لأنّه أقرب إلى الخالق تعالى في الرعية ؛ فيجب أن يكون

ص: 317


1- النساء : 59.

معصوماً وإلاّ ساوى المأموم والإمام ، والتابع والمتبوع ، واللّه سبحانه يقول : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) (1).

( علي - المغرب - سنّي - 28 سنة - طالب جامعة )

لا تشمل الصحابة

س : إذا كان الشيعة يدّعون عصمة الإمام ، فكيف ينفونها عن الصحابة؟ وهم أقرب إلى النبيّ مكاناً ومكانة.

ج : إنّ اعتقاد الشيعة يبتني على التنصيص في الإمامة - كما ثبت في محلّه - وعليه فبما أنّ الإمام منصوب من قبل اللّه تعالى ، فيجب على الباري تعالى أن يعصمه من الخطأ والزلل ، حتّى لا يقع المأموم عند اتّباعه في انحراف وضلال ، وهذا ممّا لا تنفرد به الشيعة ، بل أنّ بعض علماء السنّة أيضاً يعتقدون به ، فعلى سبيل المثال يصرّح الفخر الرازي في تفسيره للآية ( 124 ) من سورة البقرة بهذا المعنى(2) ؛ فهم في اعتقادهم هذا لا يرون العصمة لغير المنصوص عليهم.

وأمّا الصحابة فبما أنّهم لم يثبت في حقّهم النصّ للإمامة أو العدالة ، فهم في دائرة الجرح والتعديل.

( يوسف - الكويت - .... )

عصمة الأنبياء في رأي الفريقين :

س : هل هناك خلاف بين العلماء حول موضوع عصمة الأنبياء؟ وهل المشهور سابقاً خلاف ذلك؟ وشكراً.

ص: 318


1- الزمر : 9.
2- التفسير الكبير 2 / 36.

ج : ممّا تفرّدت به الإمامية هو القول بوجوب عصمة الأنبياء عليهم السلام في أخذ الوحي وإيصاله وتطبيقه ، واجتناب المعاصي والذنوب - كبيرة كانت أو صغيرة - ولهم في هذا المجال دلائل واضحة وجلية ، لا مجال لنا بذكره في هذه العجالة.

واتّفق رأي أهل السنّة على عدم وجوب العصمة إلاّ في تبليغ الرسالة ، حتّى أنّ جمهورهم جوزّوا صدور المعاصي من الأنبياء عليهم السلام - والعياذ باللّه -.

نعم ، كان هناك رأي للشيخ الصدوق قدس سره وشيخه ابن الوليد في جواز السهو على النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الموضوعات التطبيقية - لا في تبليغ الوحي ، ولا في الابتعاد عن المعاصي - وهذا رأيهما الخاصّ ، ولم يتبعهما في ذلك أساطين الطائفة الشيعية وجمهورها.

( أبو هاشم الموسوي - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : الشيخ الصدوق لم يقل بجواز السهو على النبيّ ، بل قال بجواز الإسهاء للنبي صلى اللّه عليه وآله ، بخلاف ما يظهر من الكلام في إجابتكم السابقة ، والتي بدأ يهرّج بها الوهّابية على الشيعة ، وأنا انقل لكم رأي الشيخ السبحاني على قضية السهو ، قال بعد نقل كلام الشيخ الصدوق : « وحاصل كلامه : أنّ السهو الصادر عن النبيّ إسهاء من اللّه إليه لمصلحة ، كنفي وهم الربوبية عنه ، وإثبات أنّه بشر مخلوق ، وإعلام الناس حكم سهوهم في العبادات وأمثالها.

وأمّا السهو الذي يعترينا من الشيطان فإنّه صلى اللّه عليه وآله منه بريء ، وهو منزّه عنه ، وليس للشيطان عليه سلطان ولا سبيل ، ومع ذلك كُلّه ، فهذه النظرية مختصّة به ، وبشيخه ابن الوليد ، ومن تبعهما كالطبرسي في مجمعه على ما سيأتي ؛ والمحقّقون من الإمامية متّفقون على نفي السهو عنه في أُمور الدين حتّى مثل الصلاة ».

ولقد شاهدت كلاماً للعلاّمة السيّد جعفر مرتضى العاملي حول الموضوع ، مؤدّاه نفس الكلام ، وهو أنّ الشيخ الصدوق وأستاذه ذهبا إلى جواز الإسهاء ،

ص: 319

وليس السهو كما يظهر من كلامهما - الإسهاء هو من اللّه لغاية معيّنة كما هو معلوم - وقد خالفتهم الطائفة المحقّة في هذا الكلام.

هذا ، ولكم جزيل الشكر لما تقومون به من الذود عن العقائد الحقّة.

ج : لم نكن بصدد التفريق بين السهو والإسهاء ، وإنّما كنّا بصدد بيان مسألة السهو ، مع غض النظر عن الدخول في مبحث السهو والإسهاء ، والطرف الآخر من جهله بالمباني يعتمد على هكذا مسائل ، ولا أقلّ عليه أن يفرّق بين السهو الذي يقع علينا ، وبين السهو الذي يقع على الأنبياء على رأي من يقول به.

وهنا ننقل نصّ كلام الشيخ الصدوق قدس سره لتتّضح المسألة :

قال : « إنّ الغلاة والمفوضة لعنهم اللّه ينكرون سهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ويقولون : لو جاز أن يسهو عليه السلام في الصلاة ، لجاز أن يسهو في التبليغ ، لأنّ الصلاة عليه فريضة ، كما أنّ التبليغ عليه فريضة ، وهذا لا يلزمنا ، وذلك لأنّ جميع الأحوال المشتركة يقع على النبيّ صلى اللّه عليه وآله فيها ما يقع على غيره ، وهو متعبّد بالصلاة كغيره ممّن ليس بنبيّ ، وليس كُلّ من سواه بنبيّ كهو ، فالحالة التي اختصّ بها هي النبوّة ، والتبليغ من شرائطها ، ولا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع عليه في الصلاة ....

وليس سهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله كسهونا ، لأنّ سهوه من اللّه عزّ وجلّ ، وإنّما هو أسهاه ليعلم أنّه بشر مخلوق ، فلا يتّخذ ربّاً معبوداً دونه ، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا ، وسهونا عن الشيطان ، وليس للشيطان على النبيّ صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام سلطان ، إنّما سلطانه على الذين يتولّونه ، والذين هم به مشركون ، وعلى من تبعه من الغاوين ....

وكان شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ( رحمه اللّه ) يقول : أوّل درجة الغلوّ نفي السهو عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولو جاز أن ترد الأخبار الواردة في هذا المعنى ، لجاز أن ترد جميع الأخبار ، وفي ردّها إبطال الدين والشريعة ... » (1).

ص: 320


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 359.

( أبو جعفر - ... - ..... )

الإمام معصوم منذ الولادة :

س : هل المعصوم يكون معصوماً من أوّل ولادته ، أم يكون معصوماً عندما يستلم إمامة المسلمين؟ وشكراً.

ج : إنّ الأئمّة عليهم السلام معصومون منذ الولادة ، ولا يكون إماماً إلاّ إذا كان معصوماً ، فالعصمة إذاً تحقّق موضوع الإمامة.

ثمّ إنّ معنى العصمة هو الانكشاف التامّ واليقين القطعي بملاكات الأحكام ، وبالمصالح والمفاسد وراء الأحكام الشرعية ، فإذا علم الإنسان علماً قطعياً بالضرر الكبير المترتّب على الفعل المعيّن فلا يمكن أن يقدم عليه ، وهذا هو معنى العصمة.

إذاً ، فأهل البيت عليهم السلام لمّا كانوا يعلمون حقائق الأُمور ، وملاكات الأحكام من قبل تسلّم الإمامة ومن بعدها ، فهم معصومون منذ الولادة.

هذا مضافاً إلى آية التطهير : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1) الدالّة على العصمة ، مع عدم اشتراط سنّ معيّن ، أو حالة معيّنة كالإمامة مثلاً ، فهي عامّة شاملة لجميع الأعمار ، وسواء حصلت الإمامة أم لم تحصل ، كما في فاطمة الزهراء عليها السلام ، وكما في أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام ، حيث كانوا معصومين بنصّ آية التطهير قبل تسلّم الإمامة.

( أبو العياط نور الدين - الجزائر - .... )

النبيّ والأئمّة خلّص عباد اللّه فعصمهم :

س : هل عصمة النبيّ والأئمّة عليهم السلام بأمر من اللّه؟ أي أنّ اللّه خلقهم من غير أن يخطأوا ، أم أن تكوينهم الذاتي والنفسي وارتباطهم الدائم باللّه جعلهم رساليين ، فعصمتهم من عمق رسالتهم؟ والسلام على محمّد وآل محمّد.

ص: 321


1- الأحزاب : 33.

ج : العصمة تارة تكون من الذنب ، فهي من مجاهدتهم عليهم السلام ، إذ بإرادتهم لم يذنبوا مع مقدرتهم على الذنب ، ويكون حال الذنب وابتعادهم عنه ، كحال ابتعاد أحدنا عن أكل العذرة مع قدرته على الأكل.

وتارة تكون العصمة عن السهو والنسيان والخطأ ، فهي عصمة إلهية بأمر من اللّه تعالى ، أي : أنّ اللّه خلقهم كذلك ، وذلك لسبق علم اللّه بأنّ هؤلاء خلّص عباده فعصمهم ، فمقدّمات العصمة في هذا القسم كسبية ، وكانت النتيجة إلهية وهبها لعباده المخلصين.

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : معنى كلامكم : أنّ اللّه تعالى اختارهم أئمّة لعلمه المسبق بأنّهم لا يعصونه بإرادتهم ، وهنا أطرح سؤالين :

الأوّل : كيف نفسّر بأنّ أهل البيت عليهم السلام قد وجدوا أنواراً حول العرش قبل خلق آدم؟

الثاني : كيف نفسّر قول الإمام علي عليه السلام للمسلمين : « ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينوني بورع واجتهاد »؟(1).

هل يمكنكم إعطاء توضيح أكثر في التوفيق بين العصمة وبين الاختيار؟

ج : قلنا أنّ العصمة عن الذنب هي عن مجاهدةٍ منهم ، وأنّهم يستطيعون أن يذنبوا ، ولكن لا يذنبون بإرادة منهم ، وأمّا العصمة عن السهو والنسيان والخطأ ، فإنّ اللّه خلقهم كذلك ، وذلك لسبق علم اللّه ، ومقصودنا من سبق علم اللّه قبل أن يوجدهم أنواراً حول العرش ، إذ لم يقل أحد بقدم هذه الأنوار.

وأمّا عن السؤال الثاني فنقول : ما هو مقصود أمير المؤمنين عليه السلام بقوله : « لا تقدرون على ذلك »؟ فإذا كان قصده لا تقدرون على ما يقدر عليه أهل

ص: 322


1- شرح نهج البلاغة 16 / 205.

البيت عليهم السلام المعصومون بالعصمة الإلهية ، والعصمة التي هي بإرادتهم ، فإنّه لا يرد عليه أيّ إشكال.

( أنيس مهدي - الجزائر - .... )

الجبر والاختيار فيها :

س : هل الأئمّة المعصومون عليهم السلام مجبرين في عصمتهم؟ أم وارد احتمال الخطأ منهم ، وهم يمتنعون لسموّ أرواحهم الطاهرة؟

ج : العصمة تارة تكون من الذنب فهي باختيار المعصوم ، يتجنّبها المعصوم بإرادته ، ويكون الذنب أمام المعصوم واجتنابه عنه ، كما ينظر أحدنا للعذرة ويتجنّب عن أكلها ، مع قدرته على أكلها.

وتارة تكون عن السهو والنسيان فإنّها جبرية ، متعلّقة بعلم اللّه بأنّ هؤلاء سيكونون من أفضل البشر ، فاصطفاهم وطهّرهم تطهيراً.

( ابتسام - البحرين - .... )

آية ابتلاء إبراهيم :

س : السادة الأفاضل الرجاء التكرّم بالإجابة على سؤالي : من الأدلّة العقلية الدالّة على عصمة الإمام : آية ابتلاء إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1).

1 - إنّ الإمامة في الآية غير النبوّة ، لماذا؟

2 - ما المراد من الظالمين؟

3 - هناك شبهة تقول : إنّ الآية تشمل من كان مقيماً على الظلم ، وأمّا التائب فلا يتعلّق به الحكم ، لأنّ الحكم إذا كان معلّقاً على صفة وزالت الصفة زال الحكم ، فكيف نردّ على هذه الشبهة؟

ص: 323


1- البقرة : 124.

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل فنقول :

الإمامة أعلى شأناً من النبوّة ، إذ النبوّة هي مقام تلقّي الوحي فقط ، ولكن الإمامة رتبة التصدّي لقيادة الأُمّة على ضوء تعاليم الوحي ، فالإمام هو خليفة اللّه على الأرض لعظم المسؤولية التي تقع على عاتقه.

ومن هنا نعلم أنّ المناسب للرتبة التي منحت لإبراهيم عليه السلام بعد ابتلائه هو الإمامة ، مضافاً إلى أنّ ظهور كلمة : ( إِمَامًا ) في الآية تدلّ بالصراحة على منصب الإمامة لا النبوّة ، فصرفها إلى النبوّة تكلّف بلا حجّة ولا دليل.

على أنّ المعنى واضح من خلال الآية ، فإبراهيم عليه السلام في أوان نبوّته كان لا يعلم بحصول ذرّية له في المستقبل ، بل وفي قصّة تبشير الملائكة بإسماعيل وإسحاق ما يلوح منه آثار اليأس والقنوط من الحصول على الأولاد ، فكيف والحال هذه يستدعي إبراهيم عليه السلام من اللّه تبارك وتعالى إعطاء رتبة الإمامة لذرّيته؟

فيظهر لنا أنّ هذا الدعاء كان بعد ولادة بعض ذرّيته على الأقل ، أي بعد حصوله على رتبة النبوّة.

ثمّ إنّ هنا أيضاً نقطة هامّة لابأس بالإشارة إليها ، وهي أنّ ( جَاعِلُكَ ) اسم فاعل ، ولا يعمل إلاّ في الحال أو الاستقبال ، أي قوله تعالى : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) يدلّ على إعطاء الإمامة فيما بعد ، مع أنّ هذا القول هو وحي ، فلا يمكن وصوله إلاّ مع نبوّة ، فثبت أنّه عليه السلام كان نبيّاً قبل تقلّده الإمامة.

وبالنسبة إلى السؤال الثاني فنقول :

المقصود من الظالمين ، مطلق من صدر منه ظلم ، ولو في مقطع من الزمن ، وحتّى ولو تاب فيما بعد ، والآية بهذه الصراحة تريد أن تركّز على صفة العصمة في الإمام ، فمن لم تكن فيه هذه الميزة - ولو في برهة من عمره - لا يليق بهذا المقام.

وبالنسبة إلى السؤال الثالث فنقول :

ص: 324

بداهة العقل تردّ هذه الشبهة ، فهل يعقل أنّ إبراهيم عليه السلام الذي عرف منزلة الإمامة وشأنها - بعد الابتلاءات العصيبة التي مرّ بها - يسأل هذه الرتبة للمقيم على الظلم؟! ألا يعلم هو عليه السلام أنّ هذه المكانة السامية لا تجتمع مع الشرك أو المعاصي؟! فمنه يظهر أنّ استدعائه عليه السلام الإمامة كان لمن لم يعص أبداً من ذرّيته أو عصى ثمّ تاب ، ونفى اللّه تعالى إعطائها لغير المعصوم من نسله ، فبقي المعصوم هو الذي يكون مشمولاً للآية.

ثمّ حتّى على فرض الأخذ بظهور الآية ، فإن كلمة : ( الظَّالِمِينَ ) مطلقة ، وتشمل جميع من صدر منهم الظلم - سواء تابوا بعد أم لا - ولا دليل لتخصيصها بقسم دون آخر.

( محمّد أنور اللواتي - أمريكا - .... )

التوفيق بين ترك الأُولى لآدم وتوبته :

س : يقول علماؤنا الإجلاّء : إنّ النبيّ آدم عليه السلام ترك الأولى ولم يقترف ذنباً ، لعدم إمكانية ذلك في المعصوم ، ولكن القرآن الكريم يبيّن أنّ آدم عليه السلام تاب ، والتوبة لا تكون إلاّ من المذنب ، كيف نتمكّن من التوفيق بين الأمرين؟

ج : نلفت انتباهكم إلى الأُمور التالية :

1 - إنّ الأدلّة القائمة على العصمة أدلّة عقلية ونقلية قطعية ومسلّمة ، وقد ثبت في محلّه أنّ هذه الأدلّة هي مستقلّة عن الأمثلة ، أي أنّها لا يعتمد في إثباتها على الأمثلة ، وعليه فلا تقاس صحّة هذه الأدلّة بالأمثلة النقضية ، إذ أنّ النقوض تأتي فقط على الأدلّة التي تثبت عن طريق الاستقراء والتمثيل ، وبما أنّ المقام ليس كذلك ، فلا يرد عليه أيّ نقض تمثيلي ، بل يجب أن يفسّر كُلّ مورد ومثال على ضوء تلك القاعدة العامّة.

2 - التوبة في اللغة هي في الأصل الرجوع عن الشيء والإقلاع عنه ، ولم يؤخذ في معنى الكلمة الرجوع عن المعصية بالذات ، ويؤيّد ما قلنا استعمال مادّة التوبة

ص: 325

لله تعالى في القرآن الكريم ، نعم ، كثرة استعمالها في الرجوع عن المعاصي في العباد صرفت الكلمة إلى هذا المعنى.

ثمّ بناءً على ما ذكرناه آنفاً ، يتحتّم علينا أن نفسّر توبة آدم عليه السلام بما لا ينافي قاعدة العصمة ، فإنّ توبته كانت إقلاعاً ورجوعاً عن علمه السابق ، وإظهار الندم عليه ، ولكن لا دليل على أنّ ذلك العمل كان معصيةً ، بل نلتزم بأنّه كان تركاً للأولى ، حفظاً لقاعدة العصمة ، مع عدم منافاته لظهور الكلمة.

( حفيظ بلخيرية - تونس - .... )

مسألة خروج آدم من الجنّة :

س : إنّني من المعتقدين بعصمة الأنبياء عليهم السلام ، ولكن المرء يجد في القرآن الكريم عدّة آيات لا يجد لها تفسيراً واضحاً للردّ على الشبهات ، ومن بينها مسألة خروج آدم عليه السلام من الجنّة ، فإن كان غير مكلّف في الجنّة - كما جاء في تفسيركم - فالحال يشمل إبليس عليه اللعنة ، إذ أنّه خالف اللّه في مسألة السجود لآدم فلعنه اللّه.

أمّا فيما يخصّ اصطفاء آدم ، فما هو تفسير الآية : ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ) (1).

ج : إنّ موضوع عصمة الأنبياء عليهم السلام يعتمد على أدلّة عقلية ونقلية ثابتة ومسلّمة - كما ذكر في محلّه - ومع النظر إلى هذه الأدلّة نعرف أنّها لا تعتمد في إثباتها على أمثلة وشواهد ، أي أنّها مستقلّة عنها ، وبعبارة أُخرى : لا يستفاد في إثبات أدلّة العصمة من القياس التمثيلي.

وعليه ، فلا ترد عليها - أي العصمة - نقوض من باب الموارد والأمثلة ، بل وبحسب القواعد العلمية يجب تفسير تلك الموارد غير الواضحة على ضوء أدلّة

ص: 326


1- فاطر : 32.

العصمة ، فإنّه من تفسير وتوضيح المشكوك بالقطعي ، وهذا ممّا يدلّ عليه الوجدان بالضرورة.

وممّا ذكرنا يظهر وجه الدلالة على عصمة آدم عليه السلام ، فيجب علينا أن نفسّر الأحداث والقضايا التي مرّت به عليه السلام بعد الفراغ والتسليم لعصمته ، فلا معنى لورود النقض عليها ، هذا أوّلاً.

وثانياً : عدم تكليف آدم عليه السلام في الجنّة هو أحد الآراء في المسألة ، وهناك أقوال أُخرى ، وعلى سبيل المثال يرى بعضهم : أنّ النهي المتوجّه لآدم عليه السلام من قبل اللّه تعالى كان نهياً إرشادياً لا مولوياً ، ومعناه عدم صدور معصية منه عليه السلام في صورة ارتكابه للمنهي ، بل مجرد تعرّضه لبعض المتاعب والمصاعب تكويناً ، وهذا ما قد حدث ، فإنّه عليه السلام قد هبط إلى الأرض ومارس هو وولده الحياة الصعبة على وجهها إلى يوم القيامة ، بعدما كان قد تنعّم في الجنّة بدون تعب ومشقّة.

وأمّا إبليس ، فإنّه كان مكلّفاً بالأوامر والنواهي التكليفية ، كما يظهر من الأمر بالسجود المتوجّه إليه ، ومؤاخذته من قبل اللّه تعالى على عدم انصياعه لذلك الأمر.

فبالنتيجة : كان إبليس في عالم التكليف ، بخلاف آدم عليه السلام الذي لم يتوجّه إليه التكليف - عموماً أو في خصوص التناول من الشجرة المعينة - أو كان الأمر المتوجّه إليه إرشادياً ، أو أنّه عليه السلام كان قد ترك الأولى والأفضل.

وبالجملة : فصدور المعصية من إبليس أمر مسلّم ، لمخالفته الصريحة في مسألة السجود ، لكن الذي صدر من آدم عليه السلام لم تكن مخالفة مولوية ، بقرينة عدم مؤاخذته من قبل اللّه تعالى.

وأمّا بالنسبة لتفسير آية : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ... ) (1) فملخّص القول فيه :

ص: 327


1- فاطر : 32.

أوّلاً : إنّ الكتاب المذكور هو القرآن ، بدليل أنّ الآية السابقة تصرّح بهذا المطلب : ( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ... ) (1) ، فبدلالة السياق نعرف أنّ المقصود هو القرآن ، فاللام في ( الْكِتَابِ ) للعهد دون الجنس.

ثانياً : اصطفاء آدم عليه السلام ثابت بحسب النصّ القرآني : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا ... ) (2).

ثالثاً : هذا الاصطفاء كان بعد هبوط آدم عليه السلام وتوبته ، وجعله خليفة اللّه في الأرض ، لا عند إسكانه في تلك الجنّة المعيّنة ، أو عند أكله للشجرة الممنوعة.

رابعاً : الضمير في ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ ) فيه احتمالان :

الأوّل : أن يرجع إلى ( عِبَادِنَا ) باعتبار قاعدة رجوع الضمير إلى الأقرب ، وعليه فالمعنى يكون واضحاً بلا شكّ وريب ، إذ لا يكون الظالم - حينئذٍ - مشمولاً للاصطفاء.

الثاني : أن يرجع إلى ( الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا ) ، ولا مانع منه وتصحّ هذه النسبة - نسبة الوراثة - إلى الكلّ مع قيام البعض بها حقيقةً ، كما جاء في القرآن ( وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ... ) (3) ، والحال نعلم أنّ المؤدّين لحقّ الكتاب والقائمين بأمره آنذاك بعض بني إسرائيل لا جميعهم.

خامساً : كما ذكرنا في مقدّمة الجواب ، فإنّ ظلم آدم عليه السلام لنفسه لم يكن ظلماً تشريعياً ، أي لم يخالف اللّه تعالى في أمر تكليفي مولوي يستحقّ العقاب والمؤاخذة ، بل ظلم نفسه بإلقائها في المتاعب والمشاكل الدنيوية ، وإن استدركه بالتوبة والاستغفار والإنابة.

سادساً : الظاهر من الآية المذكورة : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ... ) أنّها بصدد تعريف المصطفين بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، بدلالة سبقها بآية ( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ

ص: 328


1- فاطر : 31.
2- آل عمران : 33.
3- غافر : 53.

الْكِتَابِ ... ) ، وبقرينة الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام ، فلا تشمل المصطفين من الأُمم السابقة ، وإن سلّمنا باصطفائهم بأدلّة عقلية ونقلية أُخرى.

( أبو أحمد البحراني - البحرين - 31 سنة - طالب علم )

الفرق بين اختيار المعصوم بالإمكان الذاتي وحتمية العصمة بالإمكان الوقوعي :

س : أرجو منكم توضيح الفارق : بين اختيار المعصوم بالإمكان الذاتي ، وحتمية العصمة بالإمكان الوقوعي؟

وببيان آخر : إنّ المعصوم في ذاته يمكن أن يصدر منه الخطأ ، فعدم ارتكابه للمعصية هو عن اختيار ، وذلك يرجع لانكشاف الواقع له كما هو ، أمّا بالإمكان الوقوعي فهو لا يمكن أن يعصي ، وذلك للزوم المحال في صدور المعصية منه خارجاً.

أرجو من سماحتكم بيان وجه المحالية بالشرح والتوضيح مع ضرب الأمثلة ، وهل يلزم من القول بمحالية وقوع المعصية منه خارجاً على نحو الإمكان الوقوعي كون الإمام مجبوراً وغير قادر على فعل المعصية خارجاً؟

هذا هو سؤالي ، أرجو التوضيح التامّ للمسألة يخرج منه اللبس والإيهام ، ودمتم مسدّدين.

ج : العصمة هي مناعة وصيانة عن الوقوع في الخطأ والمعصية ، ولكن ليست هذه الحصانة تنفي قدرة واختيار المعصوم عليه السلام ، بل صدور الخطأ ممكن منه عليه السلام من حيث الفرض ، ولكن لا يقع عملاً ، وهذا ما يسمّى بالإمكان الوقوعي ، أي أنّ الزلل ممكن منه عليه السلام وقوعاً - وليس ممتنع ذاتاً - ولكن لا يرتكب المعصية ، وذلك وفقاً لأدلّة العصمة.

والمقصود من الاستحالة في المقام هي الاستحالة الوقوعية لا الذاتية ، وهذه الاستحالة الوقوعية هي نتيجة الاعتماد على أدلّة العصمة.

ص: 329

فالترتيب المنطقي للموضوع هكذا : إنّ صدور السلبيات من المعصوم عليه السلام ممكن نظرياً بالإمكان الوقوعي ، ولكن نظراً إلى أدلّة العصمة نلتزم باستحالة ذلك بالاستحالة الوقوعية.

فترى أنّ هذه الاستحالة لا تفرض حالة جبرية على المعصوم عليه السلام ، بل هي نتيجة الأخذ بأدلّة العصمة.

وإن شئت عبّرت عن الموضوع : بأنّ المعصوم عليه السلام لا يصدر منه الخطأ والمعصية في الخارج ، وإن كان صدورها منه عليه السلام ممكن الوقوع عقلاً.

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

آية التطهير تدلّ على عصمة أهل البيت :

س : يشكّك البعض في آية التطهير ، قائلين بأن لو كان بالفعل تدلّ على العصمة ، فلم حكم شريح القاضي على أمير المؤمنين لصالح ذاك اليهودي؟ ولم يفعل مثل ذو الشهادتين؟ فإن كان الإمام عليه السلام معصوماً وجب على شريح تصديقه.

ج : إنّ القواعد العلمية في كُلّ مجال تقتضي أن يفسّر المردّد أو المشكوك على ضوء المقطوع والمتيقّن ؛ وفي المقام : فإنّ دلالة آية التطهير لا يشوبها شكّ ولا ريب في إفادتها العصمة لأهل البيت عليهم السلام ، وأمّا ما توهّم كنقض في هذا المجال فجوابه من وجوه :

1 - إنّ الأدلّة القائمة على لزوم العصمة في الأنبياء والأئمّة عليهم السلام ليست منحصرة في آية التطهير فحسب ، بل وإنّ لها دلائل كثيرة عقلية ونقلية من الكتاب والسنّة - كما هو مقرّر في علم الكلام -.

2 - إنّ في مسألة خزيمة ، كان طرف النبيّ صلى اللّه عليه وآله أعرابياً مسلماً ، وبحسب الظاهر كان يجب على هذا الأعرابي الإيمان بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله وعصمته وأقواله ، فلا يحقّ له أن يعارض قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله أو أن يحاججه ، وشهادة خزيمة كانت من

ص: 330

باب حفظ الظواهر والموازين ، وإلاّ لم تكن هناك حاجة إلى شهادة شاهد أساساً.

وأمّا في موضوع حكم شريح ، كانت الدعوى بين أمير المؤمنين عليه السلام ويهودي ، فحينئذ لا مجال لفرض قبول عصمة أمير المؤمنين عليه السلام في أقواله وأفعاله من جانب ذلك اليهودي ، وعليه فلابدّ وأن تكون الحكومة والقضاء بينهما بالطريقة المألوفة من الأيمان والبيّنات ، فنفذّ شريح الأسلوب القضائي المتعارف بين الناس ، مع غضّ النظر عن مقام الإمامة ، حتّى لا يتوجّه إشكال مبنائي بينه عليه السلام وبين اليهودي.

3 - ليس لنا علم ويقين بأنّ أشخاصاً - كشريح - كانت لهم تلك المعرفة الحقيقية بمقام الإمام عليه السلام وعصمته ، حتّى تكون تصرّفاتهم على ضوء تلك العقيدة الصحيحة ؛ بل وإنّ البعض منهم كانوا يرون الإمام عليه السلام كخليفة ليس إلاّ ، وعليه فيمكن أن يكون أسلوب شريح في هذا الموضوع على ضوء هذا الاحتمال.

بقي أن نعلم بأنّ الإمام عليه السلام خوفاً من إثارة الفتن ، وحفظاً لمصالح عليا ، رجّح إبقاء أمثال شريح - مع ما كانوا عليه - في منصبه القضائي ، ريثما تتهيّأ الأرضية المناسبة لتبديله أو إقصائه.

( عبد الكريم - المغرب - 45 سنة - دكتوراه في الطبّ )

غير واجبة في حقّ العلماء :

س : لدّي إشكال في قضية انتفاء عصمة المرجعية عند الشيعة في عصرنا ؛ إذ أنّ تقليد غير المعصوم يفضي إلى إمكانية الخطأ ؛ واللّه تعالى يقول : ( وَلاَ

ص: 331

تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) (1) ، وقوله : ( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ... ) (2).

ج : إنّ عقيدة الإمامية هي عصمة الإمام عليه السلام لا غيره - كما هو واضح ومبرهن بالأدلّة العقلية والنقلية - لأنّ العصمة في كُلّ شخص على خلاف الأصل ، إذ القاعدة الأوّلية في كُلّ إنسان السهو والغفلة والخطأ والنسيان ، إلاّ ما أخرجه دليل العصمة من شمول هذه القاعدة.

ومن جانب آخر نعلم بأنّ دليل العصمة لا يتولّى إثبات عصمة ما عدا المعصومين المعنيين عليهم السلام.

بقيت هنا نقطة فيها من الإبهام وهي : أنّه قد يتساءل البعض كيف نفرّق بين مقام الإمام عليه السلام والمجتهد؟ ونلتزم بالعصمة في الأوّل دون الثاني ، إذ أنّهما كليهما يتولّيان زعامة الدين والطائفة ، فلماذا هذا التمييز؟

والجواب يكمن في نحوية الزعامة والمسؤولية ، فالإمام المعصوم عليه السلام يلقى على عاتقه بيان الأحكام الواقعية المتلقّاة من مصادر الوحي والنبوّة ، وعليه فالعصمة شرط لازم في نطاق وظيفته ؛ وإلاّ فلا يمكن الاعتماد على أيّ حكم صادر منهم عليهم السلام بأنّه حكم إلهي.

وأمّا المجتهد فحوزة مسؤوليّته تقع في مجال السعي لحصول تلك الأحكام الواقعية ، فربّما يظفر على الحكم الواقعي ، وأحياناً يطبّق الحكم الظاهري ، وعلى أيّ حال فهو معرّض للخطأ في اجتهاده.

ثمّ إنّ الحكمة في هذا الاختلاف هي أنّ طروّ الخطأ والسهو في مجال وظيفة المجتهد ، لا يؤثّر في أركان العقيدة ، والمباني الأساسية للدين والمذهب ، إذ أنّ نطاق الاجتهاد هو بنفسه مضيّق ومحدود ، فمثلاً لا يجتهد المجتهد في أُصول الدين والمذهب ، والضروريات والموضوعات ، فلا تمسّ أخطاؤه المبدأ والعقيدة ،

ص: 332


1- الأنعام : 164.
2- البقرة : 166.

بخلاف احتمال خطأ الإمام عليه السلام ، فإنّه يضعضع أوامر السماء من الأساس ، فيتحتّم على المولى الحكيم أن يعصمه من الخطأ والزلل حذراً من تضييع الدين ؛ وهذا هو الفارق بين المقامين.

وأمّا مسألة اختلاف الأنظار والفتاوى ، فإنّه ممّا لابدّ منه بعد قبول أصل الاجتهاد ، ولكن هذا لا يصطدم مع أصل الدين والمذهب ، فإنّ الدين يبقى في كماله ، ولو أنّ فهم المجتهدين قد يختلف في تلقّيهم داخل ذلك النطاق المعترف به.

( .... السعودية - سنّي - 25 سنة - طالب )

صلح الحسن وقتال الحسين لا ينفي عصمتهما :

س : يزعم الرافضة أنّ الأئمّة معصومون ، فكيف تنازل الإمام الحسن المعصوم لمعاوية؟ هل يعني هذا أنّ خلافة معاوية شرعية؟ أم أنّ الحسن أخطأ؟ وإذا كان مخطئاً كيف يتوافق هذا مع عقيدة العصمة؟ ثمّ كيف تنازل عن الخلافة وقد نالها بنصّ إلهي كما تزعمون؟

ولماذا خرج الحسين لمقاتلة الأُمويين؟ وهو مخالف لما فعله الحسن من قبل ، فأيّهما كان مصيباً ، وأيّهما كان مخطئاً؟

ج : إنّ الشيعة لا تعتقد شيئاً إلاّ على أساس الأدلّة والبراهين العقلية أو النقلية ، وتلتزم بأيّ مطلب يستدلّ عليه بالأدلّة الواضحة والجلية ، ولا تخشى أيّ مانع في هذا المجال ؛ ولكن في نفس الوقت تتوقّع من الضمائر الحيّة والحرّة أن تنصف فيما تقول ، ثمّ لها الخيار في الحكم في المقام.

وأمّا ما طرحته من مسألة العصمة ، فإنّها مورد اتفاق الشيعة ، بما أنّها مستخرجة من الأدلّة القطعية من الكتاب والسنّة والعقل والإجماع ، وبعبارة أُخرى : إنّ دليل العصمة لم يكن دليلاً استقرائياً أو تمثيلياً ، بل هو دليل منتج من العقل والنقل.

ص: 333

وعليه فلا يتوهّم ورود النقض عليه ، إذ النقض لا يمكن وروده على الدليل القطعي ، فنستنتج أنّ النقوض المتوهّمة ليست على ما هي ، بل إنّها توهّمات خالية من الدلالة ، ثمّ بعد الفحص عنها نرى ماهية هذه التوهّمات كما يلي :

1 - إنّ صلح الإمام الحسن عليه السلام لم يكن تنازلاً منه عن الإمامة الإلهية ، بل كان عملاً مرحلياً لكشف زيف معاوية في المجتمع الإسلامي ، فهو شبه مهادنة ، أو مصالحة مؤقّتة ، لأجل مصالح عامّة - قد ذكرت في مظانّها - ومعاوية لا يستحقّ الإمارة ، فكيف يستحقّ الخلافة؟

ثمّ لا غرابة لهذا الموقف في سيرة المعصومين عليهم السلام ، فمثلاً بأيّ تفسير يجب أن نقتنع بصلح الحدبيية؟ أليس النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان معصوماً في أفعاله وتصرّفاته؟ وهل أنّ الصلح المذكور يقلّل - والعياذ باللّه - من مرتبة النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟ أو أنّه يعتبر تنازلاً؟! فالصحيح أنّ أمثال هذه الموارد بأسرها هي من شؤون الإمام المعصوم عليه السلام ، وليس فيها أيّ إشعار أو إشارة بتنازل أو عدول عن الخطّ المستقيم.

2 - إنّ موقف الحسين عليه السلام يختلف مع موقف أخيه الإمام الحسن عليه السلام في الظروف التي واجهها ، وذلك باختلاف معاوية عن يزيد في تصرّفاته ، فإنّ معاوية كان يتظاهر بالشعائر والالتزمات الدينية بحدّ وسعه ، لتغطية أفعاله الشرّيرة ، وهذا كان يسبّب - إلى حدّ كبير - التمويه على المسلمين ، فهم كانوا لا يعرفونه حقّ المعرفة ، إلى أن عرّفه الإمام الحسن عليه السلام بتخليه الساحة له مؤقّتاً ، حتّى يراه المسلمون كما هو ، ويتّضح لهم ما كان وما يريد.

وعلى العكس فإنّ يزيد لم يكن يرى أيّ إحراج في إعلانه الفسوق والعصيان ، وإظهاره شعائر الكفر والشرك علانية ، فلا يبقى فرض مدّة أو طريقة لتعريفه لدى المسلمين ، بل أنّ الواجب كان يلزم على الإمام الحسين عليه السلام أن يقوم في وجهه حفظاً لدين جدّه المصطفى صلى اللّه عليه وآله من التلاعب بيد الطغمة الظالمة ، المتمثّلة في كيان الخلافة آنذاك.

ص: 334

وبعد ذلك ألسنا نرى التمايز في ظروف زمانهما الذي ولّد اختلاف موقف أحدهما عن الآخر عليهما السلام.

( علي - المغرب - سنّي - 28 سنة - طالب جامعة )

ردّ توهّمات أهل السنّة في عصمة النبيّ :

س : تعتقد الشيعة على خلاف أهل السنّة العصمة التامّة والكاملة للرسول محمّد صلى اللّه عليه وآله ، حتّى في الشؤون المتعلّقة بالحياة المعيشية ، فما قولكم في المسألة؟

خاصّة وأنّ الكثير من النصوص القرآنية والشواهد التاريخية تثبت - بما لا يدع مجالاً للشكّ - ما يذهب إليه أهل السنّة ، فما قولكم في واقعة أسرى بدر؟ وترخيصه لبعض من تخلّف من المقاتلين في عدم المشاركة في الجهاد ، أو النزول عند الموقع المحدّد في واقعة بدر الكبرى ، وكذلك تأبير النخل في الحديث المشهور عنه صلى اللّه عليه وآله : « أنتم أعلم بشؤون دنياكم » حين بدا له عدم صواب رأيه؟

المرجو إيفادنا بالشرح المستفيض والدقيق ، معزّزاً بالأدلّة الشرعية من مصادر أهل السنّة ، وكذلك الشيعة ما أمكن ، لكُلّ حادثة من الحوادث المذكورة أعلاه ، ولكم جزيل الشكر والامتنان.

ج : إنّ الأدلّة القائمة على العصمة التامّة - للأنبياء عليهم السلام عموماً ، ولنبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله خصوصاً - أدلّة عقلية ونقلية لا يعتريها الشكّ والريب - كما قرّر في محلّه - وعليه فلابدّ من تأويل ما جاء خلافه - إن صحّ سنده - فإنّ ما يوهم خلاف تلك القاعدة مردود ، إذ أنّ القاعدة المذكورة لم تبتن على الأمثلة حتّى يرد عليها النقض ، بل يجب أن يفسّر كُلّ حادث على ضوء تلك القاعدة.

ثمّ إنّ ما ذكرتموه في المقام ، لا يصلح لأن يكون مورداً للنقض لما يلي :

أوّلاً : إنّ ما ذكر في بعض كتب السير والتاريخ - من أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد نزل أدنى ماء ببدر أوّلاً ، وثمّ بعد ما أشار عليه الحباب بن المنذر بأن ينزل أدنى ماء

ص: 335

من القوم ، ويصنع أحواضاً ويمنع المشركين من الماء ، صوّب الرسول صلى اللّه عليه وآله رأيه وأمر بتنفيذه - لم يصحّ لوجوه :

منها : إنّ المشركين هم الذين سبقوا بالنزول في بدر ، ولا يعقل أن ينزلوا في مكان لا ماء فيه ، ويتركوا الماء لغيرهم من المسلمين.

ومنها : إنّ العدوة القصوى التي نزلها المشركون كان فيها الماء ، وكانت أرضاً لابأس بها ، على العكس ممّا نزلها المسلمون ، وهي العدوة الدنيا ، إذ كانت غبار تسوخ فيها الأرجل ، ولم يوجد فيها الماء(1).

ومنها : إنّ ابن الأثير - من أصحاب السير - ينصّ على أنّ المشركين وردوا الحوض ، فأمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن لا يعترضوهم(2).

ومنها : إنّ المنع من الماء لا ينسجم مع أخلاقيات ومبادئ الإسلام ونبيّه الأعظم صلى اللّه عليه وآله.

فإذاً ، الصحيح هو الرواية التي تقول بأنّ المسلمين لم يكونوا على الماء ، فأرسل اللّه السماء عليهم ليلاً حتّى سال الوادي ، فاتخذوا الحياض كما جاء في الذكر الحكيم : ( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ) (3) ، وهذا هو سرّ بناء الأحواض لا ما ذكروه.

ثانياً : إنّ البعض قد ذكروا : أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله رخّص طلحة بن عبيد اللّه وسعيد بن زيد وعثمان في عدم المشاركة في بدر ، ثمّ ضرب لهم سهامهم من الغنائم.

ص: 336


1- فتح القدير 2 / 311 ، شرح نهج البلاغة 14 / 118 ، جامع البيان 10 / 14 ، زاد المسير 3 / 246 ، الجامع لأحكام القرآن 8 / 21 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 326 ، الدرّ المنثور 3 / 166 ، الطبقات الكبرى 2 / 27.
2- الكامل في التاريخ 2 / 123.
3- الأنفال : 11.

وهذا أيضاً من الموضوعات ، إذ جاء في بعض الكتب : أنّ العلّة للتخلّف في الأوّليين - طلحة وسعيد - هو التجسّس لخبر العير بأمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله(1) ، وجاء في بعضها الآخر : أنّهما كانا في تجارة إلى الشام(2) ؛ فإذا كانت العلّة هذه ، هل يعقل أن يضرب لهما سهامهما من الغنائم؟! خصوصاً أنّ السيوطي وغيره ينكران هذه الفضيلة لغير عثمان(3).

وأمّا في مورد عثمان ، فإنّ الرواية التي تذكر علّة تخلّفه - أنّها لتمريض زوجته رقية بأمر الرسول صلى اللّه عليه وآله - متعارضة مع الرواية التي تصرّح بأنّ العلّة هي إصابة عثمان نفسه بالجدري(4).

وأيضاً كان بعض المسلمين يعيّرون عثمان بعدم حضوره في بدر ، وهذا لا ينسجم مع رخصته فيه ، إذ كيف خفي هذا العذر على مثل عبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود(5).

وأخيراً : لقد جاء في حديث مناشدة علي عليه السلام لأصحاب الشورى - وفيهم طلحة وعثمان - قوله : « أفيكم أحد كان له سهم في الحاضر وسهم في الغائب »؟ قالوا : لا(6) ، وهذا يفنّد كلام القوم من الأساس!!

ثالثاً : إنّ ما يذكر من خطأ اجتهاد النبيّ صلى اللّه عليه وآله - والعياذ باللّه - في موضوع أُسرى بدر لا أساس له من الصحّة ، فالآية التي يشير إليها البعض في المقام ( مَا

ص: 337


1- السيرة الحلبية 2 / 203 ، أُسد الغابة 2 / 307 ، تاريخ المدينة 1 / 219 ، سبل الهدى والرشاد 4 / 19.
2- التنبيه والإشراف : 205 ، المستدرك 3 / 368 ، الاستيعاب لابن عبد البر 2 / 765 ، المعجم الكبير 1 / 110.
3- السيرة الحلبية 2 / 254.
4- المصدر السابق 2 / 253.
5- مسند أحمد 1 / 68 و 75 ، مجمع الزوائد 7 / 226 ، الدرّ المنثور 2 / 89 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 428 ، تاريخ مدينة دمشق 39 / 258 ، البداية والنهاية 7 / 231.
6- كنز العمّال 5 / 725 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 435.

كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ له أَسْرَى ... ) (1) في وزان إيّاك أعني واسمعي يا جارة ، فالمقصود من الآية المسلمون لا النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، إذ أنّ الالتزام به يكون بمعنى مخالفة النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأوامر الوحي ، وهذا محالّ.

ولكنّ المعنى أنّ الصحيح في المقام هو الحكم الأوّلي في شأن الأسرى ببدرٍ كان القتل ، وهو حكم خاصّ بهم ، لا أنّ الفداء لا يحلّ أبداً في الأسرى ، إذ قد عمل به - الفداء - في واقعة عبد اللّه بن جحش قبل بدر بأزيد من عام ، ولم ينكره اللّه تعالى(2) ، وبعدما أصرّ المسلمون على مخالفة ذلك الحكم الأوّلي ، عاتبهم اللّه تعالى فاستحقّوا العذاب ثمّ عفا عنهم.

ويدلّ عليه أنّه جاء في بعض النصوص : أنّ جبرائيل عليه السلام أخبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله بكراهة ما صنعه قومه من أخذ الفداء ، وأخبره بأنّ اللّه أمره أن يخيّرهم بين قتل الأسرى وأخذ الفداء ، على أن يقتل منهم في المستقبل بعددهم ، فرضوا بالفداء والشهادة(3) ، وعلى الأخصّ فقد نصّ البعض على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله مال إلى القتل(4).

رابعاً : إنّ حديث تأبير النخل - بالشكل الذي نقلوه - لا يوافق العقل والنقل ، لوجوه :

منها : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يعيش في منطقة تغصّ بالنخل ، فهل يعقل أنّه لم يكن يعرف تأثير تأبير النخل وفائدته؟ وأنّ النخل لا ينتج بدونه؟! والحال نرى أنّ الرواية المزعومة تقول : بأنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله نفى لزوم التأبير فتركوه.

ومنها : كيف نصدّق بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يرضى بإدخال ذلك الضرر الجسيم عليهم - عدم نتاج نخلهم - بتصرّفه فيما ليس من اختصاصه؟!

ص: 338


1- الأنفال : 67.
2- السيرة الحلبية 2 / 263.
3- المصنّف للصنعاني 5 / 209 ، الطبقات الكبرى 2 / 22 ، عيون الأثر 1 / 373 ، الدرّ المنثور 3 / 202.
4- الكامل في التاريخ 2 / 136.

ومنها : إنّه صلى اللّه عليه وآله كيف يقول لهم - حسب الرواية المذكورة - أنّ العملية كانت من ظنونه - والعياذ باللّه - وليس لهم أن يؤاخذوه بالظنّ ، في الوقت الذي كان يحثّ الناس على كتابة ورواية ما يصدر عنه(1).

وصفوة القول : أنّ العصمة لها أدلّتها القيّمة من العقل والنقل ، فلا تنثلم بما نقل بخلافها مع وهن السند والدلالة.

( أحمد الأسدي - اندونيسيا - 26 سنة - خرّيج ثانوية )

النبيّ لم يكن مخاطباً في قوله : ( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ ... ) :

س : قال تعالى : ( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ ... ) (2).

كيف يخاطب القرآن النبيّ هكذا؟ ونحن نعرف عصمة النبيّ عن الخطأ ، هل النبيّ نسي أن يقول أن شاء اللّه؟ أجيبوا جزاكم اللّه.

ج : الآية الكريمة لا تنافي العصمة عند النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، إذ الخطاب موجّه للمكلّفين ، والقرآن نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة ، وليس هو خطاب للنبي صلى اللّه عليه وآله.

ثمّ على قول من قال أنّه خطاب للنبي صلى اللّه عليه وآله ، فليس فيه ما يسيء إلى عصمته صلى اللّه عليه وآله ، إذ ذلك من اللّه تعالى تذكير له صلى اللّه عليه وآله ، بأنّ كُلّ أمر موقوف على إرادته واشائته ، فإن شاء كان ، وإن لم يشأ لم يكن ، وهو صلى اللّه عليه وآله غيرُ غافلٍ عن ذلك ، وقد شهد اللّه تعالى له بذلك ، فقال : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (3) ، وقال صلى اللّه عليه وآله : « أدّبني ربّي فأحسن تأديبي »(4).

ص: 339


1- مجمع الزوائد 1 / 139 ، 151 ، الجامع الصغير 1 / 404 ، كنز العمّال 10 / 224 و 229.
2- الكهف : 23 - 24.
3- القلم : 4.
4- شرح نهج البلاغة 11 / 233 ، الجامع الصغير 1 / 51 ، كشف الخفاء 1 / 70.

وقد كانت سنّة الأنبياء تعليق كُلّ شيء على إرادته تعالى ، فقال تعالى حكاية عن موسى : ( قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ) (1) ، وقال حكاية عن شعيب : ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (2) ، وقال حكاية عن إسماعيل : ( قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) (3).

وهكذا هي سنّة الأنبياء في مخاطباتهم ، بل تعليق الفعل على إرادته سيرة الصالحين ، فكيف بخيرة الصالحين وخاتم الأنبياء والمرسلين يصدر منه خلاف إرادته تعالى ، ومن ثمّ يعاتب عليه؟ فثبت أنّ ذلك خطاب للمكلّفين دونه صلى اللّه عليه وآله.

( حبيب - الدانمارك - سنّي حنفي - 20 سنة )

معالجة الآيات الواردة خلافها :

س : قال العلاّمة الحلّي : « إنّه لو جاز عليه - أي الإمام - السهو والخطأ ، لجاز ذلك في جميع أفعاله ، ولم يبق وثوق بإخباراته عن اللّه تعالى ، ولا بالشرائع والأديان ، جواز أن يزيد فيها وينقص سهواً ، فتنتفي فائدة البعثة.

ومن المعلوم بالضرورة : أنّ وصف النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالعصمة ، أكمل وأحسن من وصفه بضدّها ، فيجب المصير إليه ، لما فيه من الاحتراز عن الضرر المظنون ؛ بل المعلوم » (4).

كُلّ ما سبق من كلامه يردّه كتاب اللّه ، الذي أشار إلى وقوع بعض الأنبياء في المعاصي والتوبة ، منها : قوله تعالى عن موسى عليه السلام : ( لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ) (5) ، لماذا يعتذر موسى عليه السلام كُلّما سأل

ص: 340


1- الكهف : 69.
2- القصص : 27.
3- الصافات : 102.
4- الرسالة السعدية : 75.
5- الكهف : 73.

الخضر عن أفعاله ، وبماذا اعتذر هنا؟ لقد اعتذر بأنّه نسى ، ولا يمكن حملها هنا على الترك.

وقول موسى عليه السلام : ( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ... ) (1) ، فإنّ الرؤية عند الشيعة من أعظم المحال ، لأنّها تستلزم التحديد وغير ذلك ، فدعاء موسى هذا دائر بين الجهل بالربّ سبحانه ، وبين التجاوز في الدعاء والاعتداء فيه ، بل وإساءة الأدب مع اللّه تعالى.

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (2) ، فلماذا ورد هذا السؤال من اللّه عزّ وجلّ ، إنّه عتاب للرسول صلى اللّه عليه وآله ، أنّه حرّم على نفسه سريته مارية ، أو شرب العسل.

وأيضاً هل يصحّ أن يحرّم أحد الشيعة على نفسه شيئاً ممّا أحلّه اللّه ويكون محموداً؟ أليس هذا هو مقتضى العصمة واللطف الذي أوجبتموه على اللّه؟

وقوله : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) (3).

ما المقصود بقوله تعالى ذنبك؟ فاللّه جلّ جلاله أثبت ذنباً متقدّماً وذنباً متأخّراً ، وأثبت له مغفرة ذلك كُلّه.

ج : أمّا قوله تعالى عن موسى عليه السلام : ( لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ... ) ، فيمكن أن تحمل : أنّه أراد لا تأخذني بما تركت من عهدك ، وقد روي هذا الوجه عن ابن عباس وأُبي بن كعب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله (4).

والوجه الآخر الذي يمكن أن تحمل عليه الآية : أنّه أراد لا تؤاخذني بما فعلته ، ممّا يشبه النسيان ، فسمّاه نسياناً للمشابهة ، كما قال المؤذّن لأخوة .

ص: 341


1- الأعراف : 143.
2- التحريم : 1.
3- الفتح : 1 - 2.
4- جامع البيان 15 / 354 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 100 ، الدرّ المنثور 4 / 232 ، تاريخ الأُمم والملوك 1 / 263.

يوسف عليه السلام : ( إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ) (1) أي تشبهون السرّاق ، وكما يتأوّل الخبر الذي يرويه أبو هريرة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « كذب إبراهيم عليه السلام ثلاث كذبات : في قوله : سارة أختي ، وفي قوله : بل فعله كبيرهم هذا ، وقوله : إنّي سقيم » ، والمراد بذلك - إن كان هذا الخبر صحيحاً - أنّه فعل ما ظاهره الكذب(2).

وأمّا قول موسى عليه السلام : ( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ... ) ، أنّه عليه السلام لم يسأل الرؤية لنفسه ، وإنّما سألها لقومه.

فقد روي أنّ قومه طلبوا ذلك منه ، فأجابهم : بأنّ الرؤية لا تجوز عليه تعالى ، فلجّوا به وألحّوا عليه في أن يسأل اللّه تعالى أن يريهم نفسه ، وغلب في ظنّه أن الجواب إذا ورد من جهته جلّت عظمته كان أحسم للشبهة وأنفى لها ، فأختار السبعين الذين حضروا للميقات ، لتكون المسألة بمحضر منهم ، فيعرفوا ما يرد من الجواب ، فسئل عليه السلام على ما نطق به القرآن ، وأجيب بما يدلّ على أنّ الرؤية لا تجوز عليه تعالى.

ويقوّي هذا الجواب أُمور منها : قوله تعالى : ( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ) (3).

ومنها : قوله تعالى : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللّه جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ) (4).

ص: 342


1- يوسف : 70.
2- مسند أحمد 2 / 403 ، صحيح البخاري 4 / 112 و 6 / 121 ، صحيح مسلم 7 / 98 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 366 و 10 / 198.
3- النساء : 153.
4- البقرة : 55.

ومنها : قوله تعالى : ( فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ ) (1) فأضاف ذلك إلى السفهاء ، وهذا يدلّ أنّه كان بسببهم من حيث سألوا ما لا يجوز عليه تعالى.

وليس لأحد أن يقول : لو كان موسى عليه السلام يسأل الرؤية لقومه ، فلم يضف السؤال إلى نفسه ، فيقول : ( أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) ، ولم كان الجواب مختصّاً به في قوله : ( لَن تَرَانِي ) ؟ وذلك أنّه غير ممتنع وقوع الإضافة على هذا الوجه ، مع أنّ المسألة كانت من أجل غيره ، إذا كانت هناك دلالة تؤمن من اللبس.

فلهذا يقول أحدنا إذا شفّع في حاجة غيره للمشفوع إليه : أسألك أن تفعل بي كذا وكذا ، وتجيبني إلى كذا وكذا ، ويحسن أن يقول المشفوع إليه : قد أجبتك وشفّعتك ، وما جرى مجرى هذه الألفاظ.

وإنّما حسن هذا لأنّ للسائل في المسألة غرضاً ، وإن رجعت إلى آخر لتحقّقه بها ، وتكلّفه كتكلفه إذا اختصّه.

وأمّا قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ... ) يظهر من كلامك أنّك تريد أن تقول : أنّ فعل النبيّ هذا - وهو التحريم - يقدح في عصمته ، لأنّ العتاب الموجّه له من اللّه ما هو إلاّ ذمّ للنبي صلى اللّه عليه وآله على فعله هذا ، والذمّ لابدّ أن يكون على شيء قبيح ، وهو يقدح بالعصمة ، هذا ما فهمناه من كلامك.

وما يقال في تفسير هذه الآية : إنّها تومي إلى عمل من الأعمال المحلّلة ، التي يقترفها النبيّ صلى اللّه عليه وآله لا ترتضيه أزواجه ، فضيّقن عليه وآذينه حتّى أرضاهن بالحلف على أن يتركه ولا يأتي به بعد.

وقوله : ( لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكَ ) ، المراد بالتحريم التسبيب إلى الحرمة بالحلف ، على ما تدلّ عليه الآية التالية ، فإنّ ظاهر قوله : ( قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ... ) (2) أنّه صلى اللّه عليه وآله حلف على ذلك ، ومن شأن اليمين

ص: 343


1- الأعراف : 155.
2- التحريم : 2.

أن يوجب عروض الوجوب ، إن كان الحلف على الفعل ، والحرمة إن كان الحلف على الترك ، وإذا كان صلى اللّه عليه وآله حلف على ترك ما أحلّ اللّه له ، فقد حرّم ما أحلّ اللّه بالحلف ، وليس المراد بالتحريم تشريعه صلى اللّه عليه وآله على نفسه الحرمة ، فيما شرّع اللّه له في الحلّية فليس له ذلك.

وقوله : ( تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ) ، أي تطلب بالتحريم رضاهن بدل من تحرم ....

وحال من فاعله ، والجملة قرينة على أنّ العتاب بالحقيقة متوجّه إليهن ، ويؤيّده قوله خطاباً لهما : ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ... ) (1).

أمّا قوله تعالى : ( وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) ، فإنّ الخطاب وأن كان للنبي صلى اللّه عليه وآله ، إلاّ أنّ المقصود منه الأُمّة ، وهذا موجود في القرآن في آيات أُخر أيضاً.

وأمّا قوله تعالى : ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ) ، للتعرّف على تلك الآية ونظائرها لابدّ من الوقوف على الأصل المسلّم بين العقلاء ، وهو أنّ عظمة الشخصية وخطر المسؤولية متحالفان ، وربّ عمل يعدّ صدوره من شخص جرماً وخلافاً ، وفي الوقت نفسه لا يعدّ صدوره من إنسان آخر كذلك.

فالعارف بعظمة الربّ يتحمّل من المسؤولية ما لا يتحمّله غيره ، فيكون المترقّب منه غير ما يترقّب من الآخر ، ولو صدر منه ما لا يليق ، وتساهل في هذا الطريق ، يتأكّد منه الاستغفار ، وطلب المغفرة لا لصدور الذنب منه ، بل من باب قياس عمله إلى علو معرفته وعظمة مسؤوليته.

ولأجل ذلك تعدّ بعض الغفلات ، أو اقتراف المكروهات من الأوّلياء ذنباً ، إذا قيس إلى ما أعطوا من الإيمان والمعرفة ، ولو قاموا بطلب المغفرة والعفو ، فإنّما هو لأجل هذه الجهات.

ص: 344


1- التحريم : 4.

يقول العلاّمة الإربلي : « إنّ الأنبياء والأئمّة عليهم السلام تكون أوقاتهم مشغولة باللّه تعالى ، وقلوبهم مملوءة به ، وخواطرهم متعلّقة بالملأ الأعلى ، وهم أبداً في المراقبة ، كما قال عليه السلام : « اعبد اللّه كأنّك تراه ، فإن لم تره فإنّه يراك ».

فهم أبداً متوجّهون إليه ، ومقبلون بكلّهم عليه ، فمتى انحطوا عن تلك المرتبة العالية ، والمنزلة الرفيعة إلى الاشتغال بالمأكل والمشرب ، والتفرّغ إلى النكاح وغيره من المباحات عدّوه ذنباً ، واعتقدوه خطيئة ، واستغفروا منه ... »(1).

وأمّا قوله تعالى : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) ، فإنّ الذنب في اللغة يأتي بثلاثة أُصول : « أحدها الجرم ، والآخر مؤخّر الشيء ، والثالث : كالحظّ والنصيب » (2).

وكون الذنب في الآية بمعنى الجرم ممّا لا ريب فيه ، غير أنّ الذي يجب التنبيه عليه ، هو أنّ اللفظ لا يدلّ على أزيد من كون صاحبه عاصياً وطاغياً ، وناقضاً للقانون ، وأمّا الذي عصى وطغى عليه ونقض قانونه فهو يختلف حسب اختلاف البيئات والظروف ، وليست خصوصية العصيان لله سبحانه مأخوذة في صميم اللفظ ، بحيث لو أطلق ذلك اللفظ يتبادر منه كونه سبحانه هو المعصي أمره ، وإنّما تستفاد الخصوصية من القرائن الخارجية ، وهذا هو الأساس لتحليل الآية ، وفهم المقصود منها ، والغفران باللغة هو الستر.

والآية تدلّ على أنّ الغاية المتوخّاة من الفتح هي مغفرة ذنب النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ما تقدّم منها وما تأخّر ، غير أنّ في ترتّب تلك الغاية على ذيلها غموضاً في بادئ النظر ، والإنسان يستفسر في نفسه كيف صار تمكينه سبحانه نبيّه من فتح القلاع والبلدان ، أو المهادنة والمصالحة في أرض الحديبية مع قريش سبباً لمغفرة ذنوبه.

ص: 345


1- كشف الغمّة 3 / 47.
2- معجم مقاييس اللغة 2 / 361.

مع أنّه يجب أن تكون بين الجملة الشرطية والجزائية رابطة عقلية أو عادية ، بحيث تعدّ أحدهما علّة لتحقّق الأُخرى ، أو ملازمة لها ، وهذه الرابطة خفية في المقام جدّاً ، فإنّ تمكّن النبيّ من الأعداء والسيطرة عليهم ، يكون سبباً لانتشار كلمة الحقّ ورفض الباطل ، واستطاعته التبليغ في المنطقة المفتوحة ، فلو قال : إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ، لتتمكّن من إظهار الحقّ ونشر التوحيد ودحض الباطل ، كان الترتّب أمراً طبيعياً ، وكانت الرابطة محفوظة بين الجملتين.

وأمّا جعل مغفرة ذنوبه جزاء لفتحه صقعاً من الأصقاع ، فالرابطة غير واضحة.

وهذه هي النقطة الحسّاسة في فهم مفاد الآية ، وبالتالي دحض زعم المخطئة في جعلها ذريعة لعقيدتهم ، ولو تبيّنت صلة الجملتين لاتضح عدم دلالتها على ما تتبنّاه تلك الطائفة.

إنّ الحوادث الدامية بين قريش والنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ما هي إلاّ حوادث مرّة في واقعهم ، بما أنّها جرت إلى ذهاب كيانهم ، وحدوث التفرقة في صفوفهم ، والفتك بصناديدهم على يد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، صوّرته في مخيلتهم وخزانة أذهانهم صورة إنسان مجرم مذنب ، قام في وجه سادات قومه ، فسبّ آلهتهم ، وعاب طريقتهم بطريقة تراها قريش ، ما هي إلاّ كذب وافتراء وكهانة وسحر ، ولم يكتف بذلك حتّى شنّ عليهم الغارة والعدوان ، فصارت أرض يثرب وما حولها مجازر لقريش ، ومذابح لأسيادهم ، فأيّ جرم أعظم من هذا؟ وأيّ ذنب أكبر منه عند هؤلاء الجهلة الغفلة؟ الذين لا يعرفون الخيّر من الشرير ، والصديق من العدو ، والمنجي من المهلك.

وإنّ واقعة الفتح التي حصلت لمس منها الكفّار خُلق النبيّ العظيم ، فرفع الستار الحديدي الذي وضعه بعض أعدائه بينه وبين قومه ، فعرفوا أنّ ما يرمي

ص: 346

به نبي العظمة ، ويوصف به بين أعدائه ، كانت دعايات كاذبة ، وكان منزّهاً عنها ، بل عن الأقل منها.

فأصبحت هذه الذنوب التي كانت تدّعيها قريش على النبيّ - بعد وقعة الحديبية ، أو فتح مكّة - أسطورة خيالية ، قضت عليها سيرته في كُلّ من الواقعتين ، من غير فرق بين ما الصقوا به قبل الهجرة أو بعدها ، وعند ذلك يتّضح مفاد الآيات ، كما يتّضح ارتباط الجملتين : الجزائية والشرطية.

وعلى ذلك ، فالمقصود من الذنب : ما كانت قريش تصفه به ، كما أنّ المراد من المغفرة : إذهاب آثار تلك النسب في المجتمع.

( عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

نسيان موسى ليس حقيقياً :

س : عندي سؤال ، أرجو الإجابة عليه : قال تعالى على لسان موسى : ( قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ) (1) ، فهل يمكن القول بأنّ النبيّ لا ينسى أو لا يسهو ، والآية تصرّح بنسيان موسى وهو نبيّ؟

ج : إنّ العصمة ثبتت بأدلّة عقلية ، ولذا فهي لا تتخلّف في مورد دون مورد آخر ، ولا ترد عليها النقوض النقلية ، فإذا ورد من النقل ما ظاهره خلاف القاعدة العقلية في العصمة وجب أن يؤوّل بما يوافقها ، ولذا نقول في هذه الآية : أنّ العلماء - جزاهم اللّه خيراً - أعطوا عدّة احتمالات لتفسير الآية بما لا يخرم قاعدة العصمة ، ونورد هنا أحدها.

وهو : أنّه لم يحدث نسيان من موسى عليه السلام بمعنى الغَيبة ، وإنّما حدث منه ما يشابه النسيان في النتيجة ، وذلك لأنّه قدّم الأهم على المهمّ حسب علمه ، فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وترك الوعد بالصبر عندما تزاحما على مورد

ص: 347


1- الكهف : 73.

واحد ، فإنّه عليه السلام كان ملتفتاً لما وعد به الخضر عليه السلام ، ولكنّه لم يصبر على ما رآه منه عليه السلام ، فما رآه لا يقاس بشيء أمام الوعد الذي قطعه للخضر عليه السلام.

ومثله ما لو كنت عند قائد لجيش لتناقشه في قضية ، ووعدك بالاستماع إليك ، ثمّ منعه من تنفيذ وعده دخول أحد مساعديه يخبره بوقوع هجوم للعدو ، فيسارع لتدارك الأمر الأهم ويتغاضى عن المهمّ ، وهو وعده إيّاك دون أن ينساه ، وإنّما قد يسمّى نسياناً لمشابهته لمعنى النسيان اللغوي في النتيجة ، ولو قدّم وعده إليك وترك أمر الهجوم لكنت أوّل من لامه على ذلك ، أمّا لو كنت تعلم بأنّ ما تريد أن تناقشه فيه أخطر من الهجوم لنبّهته إلى ذلك ، ومثله هاهنا.

ولما أشرنا إليه من المشابهة ، قد يعبّر عنه بالنسيان حالة الاعتذار ، كما فعل موسى عليه السلام مع الخضر بعد أن نبّهه الخضر عليه السلام إلى مخالفة الشرط.

وهذا واضح من سياق الآيات ، حيث أنّ الخضر عليه السلام قال له : ( أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ) (1) ، أي بأنّه شرط عليه أن يصبر على ما لا يعلمه ، ولا يطبّق الأحكام على ظاهر ما يرى ، وأن لا يسأله عن شيء حتّى يخبره بحقيقته كما بيّنته الآيات السابقة على هذه.

فوضَّح له أنّ ما يعلمه ، وفعل ما فعل على طبقه أهمّ في واقع الأمر وليس مهمّاً فقط ، وأنّه ما شرط عليه ما شرط إلاّ لهذا ، وأنّ الأمر يدور مدار العلم وعدمه.

( عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

الفرق بين الأمر المولوي والإرشادي :

س : عندي سؤال ، أرجو الإجابة عليه :

إذا قلنا بأنّ معصية آدم لا تعدّ معصية للأمر المولوي ، وإنّما هي معصية للأمر الإرشادي ، باعتبار أنّ ( وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ) (2) نوع النهي هنا إرشادي ،

ص: 348


1- الكهف : 72.
2- البقرة : 35.

فلابدّ أن نقول : ( وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ ) (1) أيضاً نهي إرشادي ، لأنّ العبارتين متشابهتين تماماً من حيث التركيب وطريقة النهي ، وإذا كان الأمر ليس كذلك ، فكيف فسّرنا على أنّ الأُولى نهي إرشادي ، والثانية ليست نهي إرشادي؟

ج : نودّ أن نقدّم مقدّمة في تعريف الأمر الإرشادي والأمر المولوي ، والفرق بينهما قبل الجواب : فالأمر المولوي : هذا الأمر الصادر منه سبحانه بوصفه مولى تجب طاعته ، ويترتّب على عدم طاعته استحقاق العقاب ، إلاّ أنّه يرتفع أثر المخالفة بالتوبة.

والأمر الإرشادي : هو الأمر الصادر منه سبحانه بوصفه ناصح ومرشد ومعلّم ، ويترتّب على ترك نصحه وإرشاده أثر تكويني وضعي لا يرتفع بالتوبة ، والفرق بينهما :

1 - إنّ مخالفة الأمر المولوي توجب استحقاق العذاب ، ومخالفة الإرشادي يترتّب عليه أثر تكويني ولا عقاب عليه.

2 - إنّ أثر مخالفة الأمر المولوي يرتفع بالتوبة دون الإرشادي ، لأنّ أثره تكويني.

3 - إنّ المولى يكون مؤسّس للأمر المولوي ، ولا حكم للعقل فيه على عكس الإرشادي ، فإنّ للعقل حكم فيه ، كما في وجوب الصلاة كحكم مولوي ، ووجوب إطاعة اللّه ورسوله وأُولي الأمر في الآية كحكم إرشادي ، فإنّ العقل يحكم مستقلاً ودون الاعتماد على الشرع بوجوب طاعة اللّه ورسوله وأُولي الأمر ، فإذا جاء الأمر به من الشارع فهو إرشاد إليه.

وبهذا يتّضح أنّ المدار في كون الأمر مولوي أو إرشادي لا علاقة له بالتشابه في منطوق وظاهر وتركيب الخطاب الصادر من الشارع ، وإنّما معياره ما ذكرنا أعلاه. .

ص: 349


1- الأنعام : 152.

وأقرّب لك ذلك : أنّ الحكم بعصمة الأنبياء حكم عقلي لا يتخلّف في مورد ، ولذا يجب أن تفسّر ما ورد من الشارع بما ظاهره خلاف القاعدة العقلية في العصمة إلى ما يوافقها ، ونأخذ الآية : ( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) (1) كمؤيّد ، حيث لم يتخلّف الأثر التكويني وهو الطرد من الجنّة ، مع أنّ آدم وحوّاء تابا بالاتفاق.

( حسين حبيب عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

تأويل ما يوحي نسيان المعصوم :

س : هل الأنبياء عليهم السلام والأئمّة عليهم السلام ينسون أو لا ينسون؟ فهناك العديد من الآيات التي تشير للنسيان ، فهل هي تفسّر على معنى آخر؟ وإذا ممكن بعض الأمثلة.

ج : لقد ثبت بالدليل العقلي القاطع : أنّ الأنبياء عليهم السلام ، وكذلك الأئمّة عليهم السلام معصومون من الذنوب والخطأ والنسيان مطلقاً ، وعلى هذا لابدّ من تأويل كُلّ الآيات القرآنية التي ظاهرها يوحي بنسبة النسيان إليهم عليهم السلام.

ومن الآيات التي ذكرت ، قوله تعالى في قصّة موسى عليه السلام : ( قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ) (2).

فإنّ هذه الآية قد يفهم منها للوهلة الأُولى نسبة النسيان للنبي موسى عليه السلام ، لكن لتعارض ظاهر هذه الآية مع الدليل العقلي الجازم الذي لا يقبل الشكّ على عصمة النبيّ من النسيان ، يدفعنا إلى تأويل ظاهر هذه الآية ، إلى ما يتلائم مع الدليل العقلي.

وقد ذكر في تأويلها ما روي عن ابن عباس : بلا تؤاخذني بما تركت من عهدك ، وأوّلت أيضاً : بلا تؤاخذني بما فعلته ممّا يشبه النسيان ، فسمّاه نسياناً

ص: 350


1- طه : 121.
2- الكهف : 73.

للمشابهة ، كما قال المؤذّن لأخوة يوسف عليه السلام : ( إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ) ، أي تشبهون السرّاق ، فما حصل من موسى عليه السلام ليس نسياناً بمعنى الغيبة ، بل بما يشبه النسيان في النتيجة ، وذلك لأنّه قدّم الأهم على المهمّ حسب علمه ، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وترك الوعد بالصبر ، عندما تزاحم في مورد واحد ، فإنّه كان ملتفتاً إلى ما وعد به الخضر عليه السلام ، ولكنّه لم يصبر على ما رآه منه ، فما رآه لا يقاس بشيء أمام الوعد الذي قطعه للخضر عليه السلام.

وأمّا قوله تعالى : ( وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) (1) ، فإنّ الخطاب وإن كان موجّهاً للنبي صلى اللّه عليه وآله ، إلاّ أنّ المقصود منه الأُمّة ، وهذا موجود في القرآن في آيات أُخرى أيضاً.

أمّا قوله تعالى في قصّة آدم : ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ) (2) ، فإنّ المراد بالنسيان هنا هو أنّه عمل عمل الناسي ، بأن ترك الأمر وانصرف عنه ، كما يترك الناسي الأمر الذي يطلب منه ، وقد روي عنهم عليهم السلام : أنّ آدم لم ينسَ ، وكيف ينسى وهو يذكره ، ويقول له إبليس : ( مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ) (3).

هذه بعض الآيات التي يجب أن تأوّل ، وهناك الكثير من الآيات الأُخرى التي يجب أن تأوّل أيضاً ، لأنّ ظاهرها يتعارض مع الحقائق الثابتة بالقطع ، فمثلاً لابدّ من تأويل : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) (4) ، وكذلك ( وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) (5) وغيرها كثير.

ص: 351


1- الكهف : 24.
2- طه : 113.
3- الأعراف : 20.
4- القصص : 88.
5- الإسراء : 72.

( عادل أحمد - البحرين - 35 سنة - خرّيج جامعة )

تحصل بسبب علم المعصوم الحضوري :

س : هل عصمة الإمام ذاتية أم من اللّه؟ وهل الآية الكريمة : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1) تدلّ على أنّ العصمة من اللّه؟ حيث إنّ جميع العلماء يستدلّون بالآية على العصمة.

ج : ما نفهمه من سؤالكم تريدون السؤال عن منشأ العصمة ، هل هي من اللّه تعالى؟ أي أنّها تكوينية؟ فيتبادر إلى الذهن لزوم الجبر وعدم فضل الإمام عليه السلام في شيء ، فلا يستحقّ الثناء أو الثواب عليها ، أم أنّها ذاتية؟ أي هي التزام من الإمام بأوامر اللّه تعالى التشريعية ، فهي إذن باختيار الإمام ، ويستحقّ عليها الثناء والثواب ، ولكن استدلالنا بآية التطهير على أنّها إرادة تكوينية من اللّه سبحانه ، يلزم منها عندك إشكال الجبر والاضطرار.

فنقول : عَرَّف علماؤنا العصمة : بأنّها لطف يفعله اللّه بالمكلّف بحيث يمتنع منه وقوع المعصية وترك الطاعة ، مع قدرته عليهما ، قال تعالى : ( وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) (2).

فهذا اللطف والفضل والرحمة هو نحو من العلم اليقيني ، الذي أطّلعوا من خلاله على عالم الملكوت والغيب ، فهو علم شهودي حضوري لا حصولي كعلومنا ، والفرق بين العلمين بأنّ هنالك فرقاً بين أن تعلم بأنّ النار محرقة ، وبين أن تحسّ بالإحراق وتحترق مثلاً.

وكذلك هناك فرق بين أن تعلم شيئاً عن الجنّة وبين دخولك فيها ، ولذلك ينقل عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قوله : « واللّه لو كشف لي الغطاء ما ازددت

ص: 352


1- الأحزاب : 33.
2- النساء : 113.

يقيناً » ، وهذا العلم اليقيني ثابت للإمام وهو العصمة ، قال تعالى : ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (1) ، وقال تعالى أيضاً : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (2) ، والذي يصل من حيث العلم إلى مقام اليقين ، فهو يصل يقيناً من حيث العمل إلى مقام الصبر ، ومن ثَمَّ لن يكون هناك انفكاك بين هذا السنخ من العلم والعمل ، هذا هو جوهر العصمة.

وأمّا الاستحالة ذاتية ووقوعية : فامتناع وقوع المعصية ، واستحالتها ليست ذاتية للإمام ، نتيجة عصمته المفاضة من اللّه تعالى ، أي إنّ ذاته لا تقع منها المعصية ، حتّى يلزم منها الجبر والاضطرار ، فلا تكون باختيار الإمام وجهده ، فلا يستحقّ عليها الثناء والثواب ، وإنّما يكون امتناع وقوع المعصية من الإمام مع علمه اليقيني ، بنحو ما نعبّر عنه بالاستحالة الوقوعية ، أي إنّه لا يمكن أن يصدر عنه ذلك مع قدرته عليه ، كما أثبت سبحانه ذلك في حقّ الأنبياء عليهم السلام بقوله للنبي الأعظم صلى اللّه عليه وآله : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (3).

فهذا الخطاب للأنبياء يدلّ على إمكان صدور الشرك منهم عليهم السلام ذاتاً وعقلاً ، لكونهم فاعلين مختارين ، وإنّما الواقع يقول : بأنّ أحداً من الأنبياء عليهم السلام لم ولن يرتكب شركاً قط ، لعلمه اليقيني باللّه الواحد الأحد ، ومعرفتهم الحضورية به تعالى ، وبحقائق الأعمال الحسنة والسيّئة ، وحقيقة التوحيد والشرك ، فلا يتخلّف حينئذ عملهم عن علمهم مع اختيارهم الكامل ، وعدم جبرهم ، أو اضطرارهم لتركه ، وإلاّ لما نهاهم تعالى عن الشرك المجبرين على تركه ، فإنّه لا معنى للنهي عمّا لا يُستطاع فعله أصلاً.

ص: 353


1- الأنعام : 75.
2- السجدة : 24.
3- الزمر : 65.

فالإنسان المعصوم إنّما ينصرف عن المعصية بنفسه ومن اختياره وإرادته ، ونسبة الصرف إلى عصمته تعالى كنسبة انصراف غير المعصوم عن المعصية إلى توفيقه تعالى ، فتنبّه.

( علي - السعودية - 22 سنة )

تأويل نسيان موسى :

س : إذا نظرنا إلى قصّة النبيّ موسى مع الخضر في سورة الكهف ، لوجدنا أدلّة تثبت عدم عصمة النبيّ موسى عليه السلام ، في البداية نسيانه الحوت ، ثمّ نسيانه للوعد الذي قطعه مع الخضر ، ثمّ عدم اعتباره من قصّة السفينة والولد حتّى سأل الخضر عن الأجر.

ج : إذا رجعنا إلى الآيات القرآنية الواردة بعد هذه الآية ، نجد أنّها ترفع اللبس الذي طرحتموه في السؤال ، فالآية التي ذكرتموها ظاهرة في أنّ موسى عليه السلام قد عرض عليه النسيان ؛ قال تعالى : ( فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا ... ) (1) ، لكن الآيات التي بعدها تقول : ( فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ) (2).

فالملاحظ أنّ الفتى نسب النسيان إليه ، وجاء بضمير المفرد ( فَإِنِّي نَسِيتُ ) ، ولم يقل : « فإنا نسينا » كي تكون النسبة لكليهما ، فالحوت كان موضوعاً في سلّة السفر ، وكان الفتى هو المكلّف بحملها ، فلمّا جلسا طلب موسى من فتاه أن يأتي بالحوت ، فلم يجد الفتى الحوت ، وقال نسيته.

ولا يتصوّر أنّ هذا كلام الفتى وليس كلام المعصوم كي نتمسّك به ، أو نعتمد عليه ، وذلك لأنّ القرآن الكريم في طرحه القصص لا يطرح القصّة هباءً

ص: 354


1- الكهف : 61.
2- الكهف : 62 - 63.

منثوراً ، وإنّما يطرحها ضمن ضوابطها الإلهية وقوانينها الربانية ، أي يحكي الحالة الواقعية لتلك القصّة.

وعليه فيراعي كيفية النسبة والأسلوب ، والآية القرآنية الأُولى وإن أتت بألف التثنية ، لكن ذلك لا يدلّ مع وجود القرائن الأُخرى على أنّ النسبة حقيقة لكليهما ، وإنّما النسبة حقيقة لكن لبعضهما ، وهذا سيّال في كلام العرب ، فنقول : جاء القوم وهم يحملون متاعهم ، مع أنّ الحامل للمتاع هو بعض القوم لا عمومهم ، ولكن نسبت ذلك إلى هذا المعنى العام الشامل للجميع ، لأجل تلبّس البعض بذلك ، وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة عند العرب.

وأمّا الآيات الأُخرى التي ذكر فيها نسيان موسى عليه السلام للعهد الذي قطعه مع الخضر عليه السلام ، فنقول : بعد قيام الدليل العقلي على نفي النسيان عن الأنبياء عليهم السلام ، فلا يمكن بعد ذلك التمسّك بظاهر الآية - على تقدير أنّ ذلك ظاهرها - وترك الدليل القطعي ، ولذلك أجاب السيّد المرتضى بقوله : وأمّا قوله : ( لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ) (1) فقد ذكر فيه وجوه ثلاثة :

أحدها : إنّه أراد النسيان المعروف ، وليس ذلك بعجب مع قصر المدّة ، فإنّ الإنسان قد ينسى ما قرب زمانه ، لمّا يعرض له من شغل القلب وغير ذلك.

الثاني : إنّه أراد أن لا تؤاخذني بما تركت ، ويجري ذلك مجرى قوله تعالى : ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ) (2) أي ترك ، وقد روي هذا الوجه عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : ( وقال موسى : لا تؤاخذني بما نسيت ، يقول : بما تركت من عهدك ) .

الثالث : إنّه أراد لا تؤاخذني بما فعلته ممّا يشبه النسيان ، فسمّاه نسياناً للمشابهة ، كما قال المؤذّن لأخوة يوسف عليه السلام : ( إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ) (3) ، أي إنّكم تشبهون السرّاق ....

ص: 355


1- الكهف : 73.
2- طه : 113.
3- يوسف : 70.

وإذا حملنا هذه اللفظة على غير النسيان الحقيقي فلا سؤال فيها ، وإذا حملناها على النسيان في الحقيقة ، كان الوجه فيه أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لا يجوز عليه النسيان فيما يؤدّيه عن اللّه تعالى أو في شرعه ، أو في أمر يقتضي التنفير عنه ، فأمّا فيما هو خارج عمّا ذكرناه فلا مانع من النسيان(1).

فإذا كان لفظ النسيان صريح في النسيان الحقيقة ، فيجب حمل الآية على ما يوافق البراهين القطعية القرآنية وغيرها الناطقة بعصمة الأنبياء ، وبما يشمل النسيان ، فكيف الحال فيما إذا كان لفظ النسيان ظاهر في ذلك ، ويحمل معنى الترك في ذاته أيضاً ، فلا يمكن بعدها التمسّك بهذا الظاهر ، وطرح ذلك الفرع القطعي القائم على نفي جميع ذلك عن الأنبياء.

( تسنيم الحبيب - الكويت - 19 سنة - طالبة جامعة )

طلب المعصوم تخفيف سكرات الموت لا يدلّ على ارتكابه للمعصية :

س : ذكر الشيخ الحائري اليزدي في إلزام الناصب(2) : أنّ نبي اللّه عيسى عليه السلام أحيا سام بن نوح عليهما السلام في قصّة مفصّلة.

ثمّ إنّ سام طلب من النبيّ عيسى عليه السلام أن يدعو اللّه له ليخفّف عنه سكرات الموت ، السؤال هو : أليس سام وصي نوح عليهما السلام؟ وألا يفترض أن يكون أوصياء الأنبياء معصومين؟ فلماذا يطلب سام عليه السلام تخفيف سكرات الموت عنه؟!

وجزاكم اللّه خير الجزاء ، ودمتم موفّقين.

ج : إنّ سام وصي نوح عليه السلام ، وكُلّ وصي معصوم ، وطلبه في تخفيف سكرات الموت لا يدلّ على ارتكابه للمعصية.

ثمّ هذه الرواية نقلها صاحب إلزام الناصب عن مجمع البيان في تفسير القرآن للعلاّمة الطبرسي(3) ، والعلاّمة قدس سره ذكرها بلا سند ، فهي رواية مرسلة لا

ص: 356


1- تنزيه الأنبياء : 121.
2- إلزام الناصب 2 / 271.
3- مجمع البيان 2 / 299.

حجّية لها ، وعلى فرض صحّتها نقول : إنّ طلب الأنبياء والأوصياء للتخفيف في سكرات الموت يختلف عن المعنى الذي يطلبه عامّة البشر.

ومثاله مثال التوبة التي يطلبها المعصوم من اللّه تعالى ، والتوبة التي نطلبها نحن ، حيث توبتنا ناشئة من الذنب ، بخلاف توبة المعصوم عليه السلام.

( أحمد العباسي - الكويت - 21 سنة - طالب جامعة )

عصمة الملائكة واجبة :

س : هل عصمة الملائكة اختيارية كعصمة الأنبياء؟ وهل مسألة ترك الأولى ممكنة بالنسبة للملائكة؟ وفّقكم اللّه لكُلّ خير.

ج : إنّ عصمة الملائكة ليست اختيارية كعصمة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام ، بل إنّ عصمتهم واجبة لأنّهم وسائط التدبير ، وليس لهم شأن إلاّ إجراء الأمر الإلهي في مجراه وتقريره في مستقرّه ، كما في قوله تعالى : ( لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (1).

ومن حيث عدم معصيتهم لله فإنّهم ليست لهم نفسية مستقلّة ذات إرادة مستقلّة تريد شيئاً غير ما أراد اللّه سبحانه ، وهذا ما أشار إليه قوله تعالى : ( لاَ يَعْصُونَ اللّه مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) (2).

ومن هذا يتّضح جواب السؤال الثاني بأن لا أولوية لهم حتّى يحقّ تركها ، فكُلّ الأوامر يجب أن تنفّذ على طبق الإرادة الإلهية.

ص: 357


1- الأنبياء : 27.
2- التحريم : 6.

ص: 358

علم المعصوم :

اشارة

( .... - السعودية - .... )

علمه بالطعام المسموم :

س : هل المعصوم من أهل البيت عليهم السلام يعلم أنّ الأكل الذي يأكله مسموم أم لا يعلم؟

ج : الجواب عن هذه الشبهة يتمّ بأحد وجهين :

الأوّل : إنّ الأئمّة عليهم السلام أقدموا على القتل وشرب السمّ ، مع علم ويقين منهم على ذلك ، وأمّا أنّهم لا يعلمون بما يجري عليهم ، ولو علموا لم يقدموا لأنّه من الإلقاء في التهلكة ، فهذا ينافي صريح الأخبار عنهم في هذا الشأن.

فهذا الإمام الصادق عليه السلام يقول : « إنّ الإمام لو لم يعلم ما يصيبه وإلى ما يصير ، فليس ذلك بحجّة اللّه على خلقه »(1).

وهذا الإمام الرضا عليه السلام يقول له الحسن بن الجهم : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد عرف قاتله ، والليلة التي يقتل فيها ، والموضع الذي يقتل فيه ، وقوله لما سمع صياح الأوز في الدار : « صوائح تتبعها نوائح ».

وقول أُمّ كلثوم : « لو صلّيت الليلة داخل الدار ، وأمرت غيرك أن يصلّي بالناس »؟ فأبى عليها ، وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح ، وقد عرف عليه السلام أنّ ابن ملجم قاتله بالسيف ، كان هذا ممّا يجز تعرّضه؟

ص: 359


1- بصائر الدرجات : 504.

فقال عليه السلام : « ذلك كان ولكنّه خيّر في تلك الليلة ، لتمضي مقادير اللّه عزّ وجلّ » (1).

وهكذا كان الجواب منهم عليهم السلام عن شأن حادثة الإمام الحسين عليه السلام(2) ، وإلى كثير من أمثال هذه الأحاديث والأجوبة.

ولكن أجمعها لرفع هاتيك الشبهة ، وأصرحها في الغرض خبر ضريس الكناسي ، فإنّه قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول - وعنده أناس من أصحابه - : « عجبت من قوم يتولّونا ويجعلونا أئمّة ، ويصفون أنّ طاعتنا مفترضة عليهم ، كطاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ يكسرون حجّتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم ، فينقصونا حقّنا ، ويعيبون ذلك على من أعطاه اللّه برهان حقّ معرفتنا ، والتسليم لأمرنا ، أترون أنّ اللّه تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده ، ثمّ يخفى عنهم أخبار السماوات والأرض ، ويقطع عنهم مواد العلم فيما يراد عليهم ممّا فيه قوام دينهم ».

فقال له حمران : جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين عليهم السلام ، وخروجهم وقيامهم بدين اللّه عزّ ذكره ، وما أصيبوا من قتل الطواغيت إيّاهم ، والظفر بهم حتّى قُتلوا وغلبوا؟

فقال أبو جعفر عليه السلام : « يا حمران إنّ اللّه تبارك وتعالى قد كان قدّر ذلك عليهم ، وقضاه وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار ، ثمّ أجراه فبتقدّم علم إليهم من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، قام علي والحسن والحسين ، وبعلم صمت من صمت منّا ، ولو أنّهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل بهم من أمر اللّه عزّ وجلّ ، وإظهار الطواغيت عليهم ، سألوا اللّه تعالى أن يدفع عنهم ذلك ، وألحّوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت وذهاب ملكهم ، إذاً لأجابهم ودفع ذلك عنهم ، ثمّ كان

ص: 360


1- الكافي 1 / 259.
2- المصدر السابق 1 / 258.

انقضاء مدّة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدّد ، وما كان ذلك الذي أصابهم يا حمران لذنب اقترفوه ، ولا لعقوبة معصية خالفوا اللّه فيها ، ولكن لمنازل وكرامة من اللّه أراد أن يبلغوها ، فلا تذهبنّ بك المذاهب فيهم » (1).

وبعد هذا البيان الجلي ، والحجّة الناصعة ، تحصل القناعة لكُلّ عارف بصير ، فالحاصل : أنّ التسليم بما هو قضاء اللّه وقدره ليس من الإلقاء للنفس في التهلكة.

الثاني : إنّ الأئمّة المعصومين عليهم السلام كانوا مجبورين في حياتهم الشخصية ، وأمام الأحداث والظواهر على العمل بعلمهم العادي المتأتّي من العلل الطبيعية ، والأسباب المتداولة المتوفّرة للجميع.

ويؤكّد على ذلك استسلام النبيّ صلى اللّه عليه وآله أمام إرادة اللّه تعالى ، جاء في التاريخ : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان في المسجد ، فأخبروه بسوء حال ابنه إبراهيم ، فذهب صلى اللّه عليه وآله إلى البيت واحتضن ابنه ، فقال له - وهو ينظر إليه - : « يا إبراهيم إنّا لن نغني عنك من اللّه شيئاً ، إنّا بك يا إبراهيم لمحزونون ، تبكي العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الربّ ، ونهانا عن الصياح ، ولولا أنّه وعد صادق وموعود جامع وجدنا عليك يا إبراهيم وجداً شديداً ما وجدناه »(2).

وكان بإمكان النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن طريق الإعجاز والولاية ، تلك الولاية التي كانت للسيّد المسيح عليه السلام في معجزاته في إحياء الموتى ، وإعادة صحّة وسلامة المرضى من أمراضهم الصعبة ، أن يعيد سلامة ابنه.

كان بإمكان النبيّ صلى اللّه عليه وآله ببركة الدعاء المستجاب الذي منحه اللّه تعالى أن يغيّر الحالة التي كانت لابنه ، وكان بإمكان النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن طريق العلم الغيبي

ص: 361


1- المصدر السابق 1 / 261.
2- السيرة الحلبية 3 / 434.

أن يقضي على عوامل المرض لكي لا يمرض ابنه ، ولكنّه صلى اللّه عليه وآله لم يستخدم في هذا الأمر ، ولا في الأُمور الأُخرى هذه الأسباب المؤثّرة ، ولم يخطُ خارج الأحداث الطبيعية والأسباب العادّية ، لماذا؟!

لأنّ هذه الأسباب غير العادّية أُعطيت للنبي صلى اللّه عليه وآله لأهداف أُخرى ، وأنّه عليه أن يستخدمها فيما يخصّ بإثبات الولاية ، أو في المواقف التي يحتاج إليها فيها ، لا في المسائل الصغيرة والأعمال الشخصية العادّية.

نعم ، إنّه يستطيع استخدام هذه الأسباب عندما يقترن الأمر بإذن إلهي ، عندما يريد أن يثبت ويبرهن نبوّته وارتباطه بمقام الربوبية مثلاً.

ومن أسباب عدم استخدام هذه الأُمور رعاية الجوانب التربوية ، فإنّ حياة الزعيم القائد والإمام لو كانت بعيدة عن المصائب والمشاكل ، والبلايا والأمراض مثلاً ، لم يستطع أن يوصي الآخرين بالصبر والتحمّل في المشاكل والمصائب ، أو يدعو الأُمّة للمقاومة وتحمّل الصعاب والصبر عليها ، إذ لاشكّ في أنّ صبر القائد والإمام في المصائب والمشاكل ، ومقاومته وإيثاره في ميادين الجهاد قدوة للآخرين ، لأنّ الشخص الذي لا يعرف الألم وعدم الراحة ، ولم يلمس طوال حياته المصائب والمشاكل ، لا يمكنه أن يكون نموذجاً في الأخلاق ، وقدوة لحياة الإنسان.

ولهذا ترى في التاريخ أنّ الشخصيات الإلهية كانت تسعى كالآخرين لحلّ مشاكلها ، ومواجهة مصائبها بالوسائل العادّية.

ويؤكّد على ذلك ما نشاهده في أسلوب حياة المعصومين عليهم السلام من أنّه لا يختلف كثيراً عن حياة الآخرين ، كانوا يمرضون مثلهم ، ويتوسّلون لشفائهم بالأدوية التي كانت في زمنهم ، وفي الحياة الاجتماعية ، أو المعارك الجهادية يستخدمون نفس الوسائل التي يستخدمها الآخرون ، ويرسلون الأشخاص ليأتوهم بالتقارير عن المعارك ، فإنّ كُلّ ذلك يدلّ على أنّهم لم يكونوا ليستفيدون من الوسائل الإعجازية.

ص: 362

فصفوة البحث : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله والأئمّة يعلمون الغيب ، ولكن لا يستخدمون ذلك العلم إلاّ في المواقف الخاصّة ، لا في حياتهم اليومية العادّية.

فكانوا عليهم السلام يعلمون أنّ هذا الطعام الذي يأكلونه مسموم ، ولكنّهم يسلّمون لأمر اللّه تعالى وقدره.

( السيّد الموسوي الساري - البحرين - .... )

يشمل الموضوعات الخارجية :

س : هل الإمام يعلم بالموضوعات الخارجية المحضة؟ وما هو الدليل؟

ج : إنّ علم الإمام عليه السلام كتب حوله الكثير من علمائنا الأبرار ، وذكروا أدلّتهم عليه ، فتارة نبحث في علم الإمام ، وتارة نفرّق بين علمه بالموضوعات الخارجية المحضة وغيره ، فإذا فرغنا من الأدلّة الدالّة على علم الإمام ، وأثبتنا بالدليل والبرهان هذه المسألة ، فالأدلّة تشمل علم الإمام بكُلّ نواحيه ، والفرق بين علمه بالموضوعات الخارجية وغيره يحتاج إلى دليل ، لا أنّ علمه بالموضوعات الخارجية المحضة يحتاج إلى دليل ، إذ الأدلّة عامّة تشمل كُلّ العلوم ، والتخصيص يحتاج إلى دليل.

أضف إلى هذا ، توجد أدلّة صريحة في علم الإمام بالموضوعات الخارجية ، لا نطيل بذكرها الجواب.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

علمه بيوم موته :

س : هل يعلم الإمام عليه السلام بيوم موته؟ وأنّه متى يموت؟

ج : لقد ثبت في محلّه عقلاً ونقلاً : أنّ الأرض بل كُلّ الكون الرحب الوسيع لا يخلو من حجّة لله تعالى ، إمّا ظاهراً وإمّا مستوراً ، ويكون كالشمس خلف السحاب ، والحجّة هو الإنسان الكامل الذي يكون بمنزلة قطب رحى عالم

ص: 363

الإمكان ، ولولاه لساخت الأرض بأهلها ، وهذه الحجّة الإلهية التي تتجلّى وتتبلور في الإنسان الكامل ، الذي هو خليفة اللّه في أسمائه وصفاته ، إنّما تكون بنصّ ونصب واختيار واصطفاء من اللّه سبحانه.

فكان أوّل مخلوق لله هو نور محمّد المصطفى صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ نور أمير المؤمنين علي عليه السلام اشتقّ من نور رسول اللّه ، وكلاهما من نور اللّه ، ومن شجرة واحدة ، كما في الأحاديث الشريفة عند السنّة والشيعة ، فأعطاهما اللّه الولاية العظمى في خلقه ، ثمّ كانت في عترتهما الأئمّة الأطهار عليهم السلام ، وفي الأنبياء والأوصياء ، فكُلّ واحد في عصره كان حجّة اللّه على خلقه ، ولازم الحجّية أن يعلم الحجّة بعلم لدُّني وغيبي من لدن حكيم عليم من اللّه سبحانه ، فاطلعهم اللّه برضاه على مغيّباته.

ومن المغيّبات علم المنايا والآجال ، فالنبيّ وكذلك الوصي حجّة اللّه يعلم علم المنايا والآجال ، ولولا ذلك العلم لما تمّت الحجّة الإلهية ، ولله الحجّة البالغة ، فلابدّ لحجّة اللّه أن يعلم متى يموت؟ وتنتقل الحجّة منه إلى وصيّه وخليفته من بعده - من نبي أو وصي - فكُلّ إمام معصوم حجّة اللّه يعلم متى يموت ، ومتى يُسلّم مقاليد الإمامة والحجّة إلى الإمام الذي من بعده ، بنصّ ونصب من اللّه تعالى ، ومن لم يعلم بزمان موته ، كيف يكون حجّة اللّه على الخلائق؟ وكيف يسلّم مقاليد وأزمة الأُمور طرّاً إلى من كان بعده.

فالعقل وكذلك النقل يقضي أن يكون الحجّة عالماً بما كان وما يكون ، وما هو كائن ، كُلّ ذلك بإذن من اللّه تعالى وبإرادته ، فإنّ اللّه جلّ جلاله هو العالم بالغيب على الإطلاق ، إلاّ أنّه يطلع على الغيب من ارتضى من رسول ، فالرسول يعلم الغيب إلاّ أنّه بإذن اللّه سبحانه ، فالحجّة - النبيّ أو الوصي - يعلم موته ، ويعلم بالمغيّبات ، ولولا ذلك لما كان حجّة اللّه على الطبيعة وما ورائها ، فتدّبر.

ص: 364

( هناء علي سلمان - البحرين - .... )

وظيفة المعصوم العمل بالظاهر :

س : لماذا يا ترى لا يدفع الأئمّة عليهم السلام الأذى عن أنفسهم؟ مع علمهم بوجود الضرر ، والذي يؤدّي بهم إلى الوفاة؟

ج : علم المعصوم شيء ، وعمله وتكليفه شيء آخر ، إذ المعصوم عليه السلام مكلّف بالعمل بالظاهر ، ليتمّ الاختيار الذي وهبه اللّه للبشرية ، فالنبيّ والإمام عليهما السلام وظيفتهما العمل بالظاهر ، وخير شاهد على هذا : لو رجعنا إلى زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لرأيناه ما كان يقيم الحدّ إلاّ على من تمّت الشهادة عليه ، ونعلم قطعاً بوجود مخالفات في عهد الرسول لم تقام الشهادة عليها ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لم يعاقب عليها بالاعتماد على علمه بالأُمور.

( سمير - السعودية - .... )

وظيفة المعصوم ترتيب الأثر على الظاهر :

س : دائماً ما يسألني زملائي في المدرسة عن حقيقة أنّ الأئمّة المعصومين يعلمون الغيب ، وأنا طبعاً أجاوبهم بالتأكيد أنّهم يعلمون الغيب - حسب ما تعلّمناه من شيوخنا في القطيف وغيرها - ولكن سألني أحدهم قائلاً : ما دام أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام يعلم الغيب ، فلماذا لم يجتنب عبد الرحمن بن ملجم الخارجي لعنه اللّه عندما قتله؟ ولماذا لم يتراجع الحسين عليه السلام عن الذهاب إلى كربلاء ، وهو يعلم أنّه سيخذل وسيقتل ، وشكراً.

ج : إنّ علم الغيب المطلق من مختصّات ربّ العالمين ، فلا يعلم الغيب إلاّ هو ، نعم يطلع اللّه أنبياءه ورسله وأولياءه على الغيب ، وذلك كإحياء الموتى الذي هو من مختصّات اللّه جلّ جلاله إلاّ من إذن له ، هذا أوّلاً.

ص: 365

وثانياً : إنّ الأنبياء والمرسلين والأولياء الذين يطلعهم اللّه على الغيب ، وظيفتهم العملية ترتيب الأثر على الظاهر.

توضيح ذلك : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله ما كان يقيم الحدّ إلاّ بعد أن تتمّ البيّنة ، مع أنّنا نجزم بأنّ في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان الناس يعصون في خلواتهم ، ونجزم بأنّ النبيّ كان يعلم بأفعالهم ، ولكن ما كان يقيم الحدّ إلاّ إذا تمّت البيّنة.

مثال آخر : قوله تعالى : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (1).

فهنا يرد سؤال : كيف تزوّج نوح ولوط عليهما السلام بامرأتين طالحتين مع علمهما بحالهما؟

الجواب : إنّ نوح ولوط وجميع الأنبياء والمرسلين والأولياء عليهم السلام لم تكن وظيفتهم ترتيب الأثر إلاّ على الظاهر ، إلاّ في موارد نادرة ، وذلك لئلا يبطل الاختيار وسنّة الحياة التي سنّها اللّه تعالى.

هذا ، وفي المسألة أقوال أُخرى ، نشير إلى بعضها :

1 - إنّ الأنبياء والمرسلين والأولياء إذا شاءوا علموا ، وهذه الموارد من الموارد التي لم تتعلّق مشيئتهم بالعلم بها.

2 - إنّ اللّه تعالى ينسيهم ما كانوا يعلمون في هذه الموارد.

3 - إنّ من عظمة المعصومين أن يعلموا ويسلّموا التسليم المطلق لإرادة اللّه سبحانه في هذه الموارد.

وختاماً : ننبّهكم بأنّ مسألة علم الإمام فرع لمسألة الإمامة ، لا يمكن أن نبحثها قبل البحث في مسألة الإمامة والتسليم بها.

ص: 366


1- التحريم : 10.

( محمّد - اليمن - .... )

كيف ينسجم مع عزل علي لقيس بخدعة من معاوية :

س : كيف يكون الإمام علي عالماً بالغيب ، مع أنّه عزل قيس بن سعد من ولاية مصر بخدعة من معاوية؟ ألم يكن الإمام عالماً بهذا؟ أرجو الإجابة.

ج : في البداية أرى من الضروري التمييز بين مصطلحين : علم الغيب ، وتعلّم الغيب من عالم الغيب.

فالأوّل - أعني علم الغيب - هو من مختصّات اللّه سبحانه ( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ) (1) ، ( وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) (2).

وأمّا الثاني - أعني تعلّم الغيب من عالم الغيب - فيمكن ثبوته لغير اللّه سبحانه ، قال تعالى : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ ) (3) ، ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ... إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) (4) ، وكان عيسى عليه السلام يعلم الغيب ( وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ) (5).

وكان الخضر عليه السلام يعلم الغيب ، كما صرّح القرآن الكريم بذلك في سورة الكهف حيث قتل الغلام ، وأقام الجدار ، وأعاب السفينة ، ولم يتمكّن موسى من الصبر على هذا الغيب ، حتّى بيَّن له الخضر النكات الغيبية في ذلك : ( فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ

ص: 367


1- الأنعام : 59.
2- الأعراف : 188.
3- آل عمران : 179.
4- الجنّ : 26 - 27.
5- آل عمران : 49.

جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا ... وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ... ) (1) ، ومن خلال هذا نخرج بهذه النتيجة ، وهي أنّه لا يوجد أيّ محذور في ثبوت الغيب لأئمّة أهل البيت عليهم السلام ، ولكن ارجع لاستدرك وأقول هو تعلّم الغيب وليس علماً بالغيب.

وباتضاح هذا نعود إلى التساؤل الذي أشرتم إليه ونقول : إنّ أصل القضية التي قام بها معاوية هي مجرّد نقل تاريخي ، وليس كُلّ نقل تاريخي يمكن الاعتماد عليه ، والذي نقل تلك القضية هو إبراهيم الثقفي في كتابه الغارات(2).

ويوجد كلام حول أصل كتاب الغارات ، فضلاً عن سند الرواية ، ولو سلّمنا صدقها فمن المحتمل أن يكون الإمام عليه السلام عالماً بالخدعة ، ولكنّه كان مضطرّاً على عزل قيس بسبب ضغط بعض أصحابه ، كما هو الحال في حرب صفّين في قضية الحكمين ، فإنّه عليه السلام كان يعلم بأنّ قضية الحكمين خدعة ، ولكنّه كان مضطرّاً إلى قبولها لضغط بعض أصحابه.

وما نقوله ليس مجرد احتمال ، بل تساعده بعض الكتب التاريخية ، فقد روى البلاذري في أنساب الأشراف أنّه كان مضطرّاً إلى عزل قيس من قبل أصحابه(3) ، ونقل ذلك أيضاً الطبري في تاريخه(4).

وملخّص ما نريد أن نقوله : أنّ قضية خدعة معاوية ، قد نقلها الثقفي في كتابه ، ومجرد النقل التاريخي لا يصلح أن يكون مدركاً لتسجيل الإشكال ، وإذا كان يصلح لذلك ، فهناك نقل تاريخي معاكس يدلّ على اضطرار الإمام عليه السلام لقبول عزل قيس ، وهو نقل البلاذري والطبري.

ص: 368


1- الكهف : 74 - 80.
2- الغارات 1 / 217.
3- أنساب الأشراف : 392.
4- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 554.

( جمال أحمد - البحرين - .... )

معنى علمه الناسوتي واللاهوتي :

س : قرأنا أنّ علم الأنبياء والأئمّة عليهم السلام ينقسم إلى ناسوتي ولاهوتي ، الرجاء شرح هذين القسمين مع الأمثلة إن أمكن.

ج : إنّ علم الأنبياء والأئمّة عليهم السلام قد يكون من مبدأ الوحي بلا واسطة أو بواسطة ، فهذا علم إلهي ، أو قد يعبّر عنه البعض بعلمٍ لاهوتي.

وقد يكون منشأ علمهم الطرق المتعارفة والمألوفة عند الناس ، وهذا علم عادي ، وقد يسمّيه البعض بعلم ناسوتي.

ثمّ إنّ القسم الأوّل هو المايز بين المرتبطين بعالم الوحي وغيرهم ، إذ لا إشكال في عدم طرق الخطأ والزلل في هذا العلم ، ومن ثمّ سوف يكون عالمه معصوماً من جميع الجهات ، كما هو واضح بأدنى تأمّل ، ومن هذا القسم ، علم الأحكام والعقائد والمعارف الإلهية.

وأمّا القسم الثاني ، فيحصل من مقدّمات عادية ومتداولة ، وهذا القسم يشمل العلم بالموضوعات الصرفة التي لا علاقة لها بأصل الدين والوحي ، فالنبيّ أو الإمام عليه السلام يتصرّف في مورده بمعونة القواعد العقلية والعرفية.

وهذا القسم وإن كان يحتمل فيه الخطأ والخلل عند الناس بصورة عامّة ، إلاّ أنّ المصلحة الإلهية تقتضي نفي هذا الاحتمال بالنسبة للنبي والإمام عليه السلام ، وهذه المصلحة هي حفظ مكانة المعصوم عليه السلام في أعين الناس عن مطلق السهو والخطأ ، ولأنّ التمييز بين الأحكام والموضوعات ليس أمراً سهلاً عند الجميع ، فينبغي سدّ باب الاحتمال لئلا يكون إغراءً لهم في المقام.

على أن تقسيم علم النبي والإمام عليهما السلام إلى ناسوتي ولاهوتي غير صحيح ، لأنّ المطّلع على العلم اللاهوتي له إطلاع على العلم الناسوتي ، أو بالأحرى لا يحتاج له أصلاً.

ص: 369

( أبو علي - لبنان - 33 سنة - طالب علم )

الفرق بينه وبين علم اللّه :

س : ما هو القول الفصل لديكم حول علم الإمام المعصوم عليه السلام؟ هل هو حصولي أم هو حضوري؟ علماً أنّ هناك لكُلّ من القولين روايات عدّة تؤيّده ، فأيّ طائفة من الروايات تؤيّدون؟

أرجو الإجابة مع الدليل القاطع إن أمكن ، ولكن الأجر.

ج : تارة نبحث عن علم المعصوم عليه السلام هل هو حضوري - أي حاضر عنده بدون أن يتعلّم ويكتسب العلم - أو هو حصولي - أي يحصل عنده من خلال التعلّم والتكسّب -؟

وظاهر المشهور هو الأوّل ، أي أنّ علمهم عليهم السلام حضوري.

وأُخرى نبحث عن علم المعصوم عليه السلام على رأي المشهور - أي أنّ علمه عليه السلام حضوري لا حصولي - فنقول : هل أنّ علمه عليه السلام حاضر عنده بالفعل - بمعنى أنّ المعلومات منكشفة عنده فعلاً - أو حاضر عنه بالقوّة - بمعنى متى ما أراد وأشاء أن يعلم علم -؟

وظاهر المشهور هو الأوّل ، أي أنّ علمه عليه السلام فعلي.

وما أُثير من أنّه يلزم على هذا الرأي اتحاد علم اللّه تعالى مع علم المعصوم عليه السلام ، وبالتالي يلزم الشرك والغلوّ.

فيردّه : بأنّ هناك فروق بين علمه تعالى الحضوري وعلم المعصوم عليه السلام الحضوري الفعلي ، منها :

1 - إنّ علمه تعالى قديم وعلم المعصوم حادث.

2 - إنّ علمه تعالى علّة وعلم المعصوم معلول.

3 - إنّ علمه تعالى عين ذاته وعلم المعصوم عرضي موهوب منه تعالى.

ص: 370

4 - إنّ علمه تعالى مطلق وعلم المعصوم محدود ، بمعنى أنّه عليه السلام يعلم ما كان وما يكون ، وما هو كائن بمقدار ما اطلعه اللّه تعالى عليه ، ولا يعلم العلم المخزون المكنون الذي استأثر اللّه به لنفسه.

وقد ذكر علماؤنا في بحث علم الإمام عليه السلام مجموعة من المؤيّدات للنصوص - من الآيات والروايات - المثبتة لعموم علمه عليه السلام وفعليته.

هذا وقد حملوا النصوص - من الآيات والروايات - النافية لعموم علم المعصوم عليه السلام ، والنافية لفعلية علمه عليه السلام على عدّة محامل ، فلتراجع في مظانّها.

( علي - أمريكا - 27 سنة - طالب )

ثابت بسبب تعليم من اللّه :

س : لدي عدّة أسئلة عن علم الغيب :

1 - هل علم أهل البيت عليهم السلام لدنّي؟

2 - هل الإمام المهدي عليه السلام الآن مثلاً يعلم بأمر رسالتي هذه إليكم؟ أي هل عنده علم الغيب الذي من هذا النوع؟

3 - ما معنى الفقرة : « ارتضاكم لغيبه » الواردة في شرح الزيارة الجامعة؟

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل نقول : إذا كنتم تقصدون من العلم اللدنّي العلم الذاتي الذي لا يحتاج إلى تعليم حتّى بالطرق غير المتعارفة - وذلك كما هو الحال في علم اللّه سبحانه - فالجواب : كلا ، إنّ علمهم ليس علماً لدنّياً بالمعنى المذكور ، كيف وأمير المؤمنين عليه السلام يقول : « إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله علّمني ألف باب من العلم ، يفتح كُلّ باب ألف باب » (1).

كيف وعندهم الصحيفة الجامعة ، التي فيها علم كُلّ شيء حتّى أرش الخدش ، كيف والمولود منهم إذا وُلد ضرب له عمود من نور يرى من خلاله

ص: 371


1- الخصال : 572.

الأشياء ، كيف وهم يزدادون في كُلّ ليلة جمعة ، إنّ هذا وما شاكله يدلّ على أنّ علمهم ليس ذاتياً كعلم اللّه تعالى.

وإن كنتم تقصدون منه العلم الذي لا يحتاج إلى تعليم بالطرق المتعارفة ، بل يحصل لهم بطرق غير متعارفة ، فنسلّم أنّ علمهم لدنّي بالمعنى المذكور.

فحصيلة الجواب إذاً : أنّه لابدّ من التفصيل ، فعلمهم لدنّي بالمعنى الثاني ، وليس لدنّياً بالمعنى الأوّل.

وبالنسبة إلى السؤال الثاني نقول : نعم ، أيّ مانع في أن يكون الإمام عليه السلام علم برسالتك هذه ، فإنّ علم الغيب على قسمين ، علم بالغيب من دون تعليم من اللّه سبحانه ، وهذا من مختصّات اللّه سبحانه ( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ) (1) ، وعلم بالغيب بسبب تعليم من اللّه سبحانه ، وهذا هو الثابت للنبي والإمام ، قال تعالى : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ ) (2) ، وقال : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) (3).

وكان عيسى عليه السلام يعلم الغيب ( وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ) (4) ، وكان الخضر عليه السلام يعلم الغيب أيضاً على ما نقل القرآن الكريم في القصّة التي دارت بينه وبين موسى عليه السلام : ( وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ... ) (5).

وجاء في نهج البلاغة : أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حينما أخبر عن التتار بقوله : « كأنّي أراهم قوماً كأنّ وجوههم المجانُّ المطرّقة ، يلبسون السَرَق والديباج ،

ص: 372


1- الأنعام : 59.
2- آل عمران : 179.
3- الجنّ : 26 - 27.
4- آل عمران : 49.
5- الكهف : 80.

ويعتقبون الخيل العتاق ... » ، فقال له بعض أصحابه : لقد أُعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب؟ فضحك عليه السلام وقال للرجل - وكان كلبياً - : « يا أخا كلب ، ليس هو بعلم الغيب ، وإنّما هو تعلّم من ذي علم ... »(1).

وبالنسبة إلى السؤال الثالث نقول : معناها واضح ، وهو أنّهم عليهم السلام يعلمون الغيب ، بسبب التعليم من قبل اللّه سبحانه ، فالعلوم الغيبية الثابتة لله سبحانه قد ثبت بعضها لهم عليهم السلام كما قال تعالى : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ ) (2) ، ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ) (3).

( سامي جحهف - اليمن - زيدي - 19 سنة - طالب )

لا يتنافى مع قوله ( لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ )

س : قال اللّه تعالى : ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) (4) فقد نفى اللّه أن يكون النبيّ يعلم الغيب ، فكذلك من هم أقلّ منه منزلة ، وهم الأئمّة فما هو ردّكم؟

ج : إنّ عقيدتنا في علم المعصوم عليه السلام تتلخّص فيما يلي :

أ - علمهم عليهم السلام علم لدنّي ، أي أعطي من قبل اللّه تعالى كرامةً لهم.

ب - يعلمون الغيب بصراحة القرآن : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ... ) (5).

ج - إنّ حدود علمهم عليهم السلام من جهة الكمّية والكيفية تتبع إرادة اللّه تعالى ، فلا يكون ذاتياً ولا أزلياً.

ص: 373


1- شرح نهج البلاغة 8 / 215.
2- آل عمران : 179.
3- الجنّ : 26 - 27.
4- التوبة : 101.
5- الجنّ : 26 - 27.

د - إنّهم عليهم السلام ليسوا مكلّفين بالعمل على طبق هذا العلم ، بل وليست وظيفتهم إظهاره في كافّة الموارد.

وعليه ، فكثيراً ما كانوا يتعاملون مع الواقع الموجود على ضوء العلوم العادّية والظاهرية بدلاً من علم الغيب ، لمصالح شتّى ذكرت في مظانّها.

وبناءً على ما ذكرنا ، فإنّ عدم العلم المذكور في الآية هو بالنظر إلى العلوم العادّية ، لا العلم اللدنّي المسمّى بعلم الغيب ، وهذا نتيجة الجمع بين الأدلّة في المقام.

ولتقريب المعنى نذكر مورداً آخر يدلّ بوضوح على الموضوع ، فمثلاً : يخاطب القرآن النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالنسبة لبعض المنافقين ويقول : ( وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ... ) (1) ، أي كان ممكناً أن يعرّف اللّه تعالى المنافقين بواسطة الوحي للنبي صلى اللّه عليه وآله ، على أنّه صلى اللّه عليه وآله كان بإمكانه أيضاً أن يتعرّف عليهم - المنافقين - من خلال العلم العادي.

فالنتيجة : إنّ إعطاء علم الغيب للمعصوم عليه السلام لا ينكر ، وهذا بمعنى قابليته عليه السلام لهذا المقام ، وأمّا تطبيقه له في الموارد المختلفة ، فذلك أمر آخر.

ص: 374


1- محمّد : 30.

عمر بن الخطّاب :

اشارة

( .... - الكويت - .... )

عدم انطباق ما جاء في الإنجيل عليه :

س : جاء في مقالة لأحد الكتّاب السنّة ، وهي : ورغبة منّا في بيان بعض صفات الفاروق في أسفار أهل الكتاب ، نقول : قد وردت نبوآت كثيرة ومتواترة في أُمّة محمّد صلى اللّه عليه وآله ، جاءت تترى في كتب اليهود والنصارى ، ومن ذلك :

يقول النبيّ زكريا وفي سفره : ابتهجي يا بنة صهيون ، اهتفي يا بنت أورشليم ، هو ذا ملكك يأتي إليك ، هو عادل ومنصور ، وديع وراكب على حمار ، وعلى جحش بن آتان ، واقطع المركبة من افرايم ، والفرس من أورشليم ، وتقطع قوس الحرب ، ويتكلّم بالسلام - أي الإسلام - للأُمم ، وسلطانه من البحر إلى البحر ، ومن النهر إلى أقاصي الأرض « سفر زكريا 9 / 9 طبعة البروتستنتية - دار الكتاب المقدّس ».

وأورشليم هي القدس ، والمَلِك الذي فتح القدس بالصلح والموادعة هو قطعاً عمر ، وأبرز صفة فيه هي العدل ، وقد ركب عمر في طريقه إلى بيت المقدس ، وهذا مصداق لقوله : يأتي إليك ، وراكب على جحش ابن آتان ، وهو البرذون ، وقد حاول القسّ المسيحي وليم باركلي في كتابه تفسير العهد الجديد ، أن يزوّر هذه البشارة فيقول : حاول بعض مفكّري وعلماء الإسلام أن يثبتوا هذه البشارة على أحد خلفائهم ، الذي أتوا بعد محمّد ، والصحيح أنّ كلامهم

ص: 375

باطل ، بل المبشّر به هو الربّ يسوع المسيح ، عندما يأتي في الدينونة ، يدين الناس بالحقّ ، والكلمة في آخر العالم « تفسير العهد الجديد : 174 ».

وأقول أنا : أنّ كلامه في غاية الهذيان والبطلان ، لأنّ هذا الملك هو بشر ، وليس ربّ وإله!! ثمّ إنّه من زمن زكريا إلى زمن عيسى إلى ما بعدهم لم يأت ملك عادل تدين له القدس ، بل كانت القدس تحت السيطرة الوثنية للرومان المحتلّين بحكم الحديد والنار ، وأوّل فتح إسلامي للقدس هو في زمن الفاروق ، بل وهو الذي أتى بنفسه لفتحها بكُلّ وداعة وعدل ، فليتأمّل كُلّ من ورم أنفه!!

ولو تأمّلت قليلاً ، وركّزت ذهنك برهة ، لوجدت أنّ الصفات التي جاءت في حقّ الفاروق ، كالتالي : عادل ، منصور وديع ، راكب على حمار!!

إنّها ثلاثة صفات تدلّ على الفاروق خاصّة ، في مسيره نحو بيت المقدس ، وتجد كُلّ صفة منها مفصول بينها حرف : العطف « واو » ، والذي يلفت النظر بحقّ ، أنّنا لو رتّبنا الحروف الأُولى من هذه الصفات لوجدنا : عادل = ع ، منصور = م ، راكب حمار = ر ، فإنّ النتيجة تكون : عمر!!

وممّا يؤكّد ذلك أيضاً ، ما جاء في سفر حبقوق قدامه : ذهب الوباء ، وعند رجليه خرجت الحمى ، وقف وقاس الأرض نظر فرجفت الأُمم ، ودكّت الجبال الدهرية ، وخسفت آكام القدم ، مسالك الأزل له ، رأيت خيام كوشان تحت رجليه ، وجفّت أرض مدين « سفر حبقوق قدامة 3 / 5 ».

وأنا أقول : من الذي ظهرت في طريقه الحمى؟ ألم تسمعوا بطاعون عامواس! وكيف أنّه ظهر في مقدم عمر إلى القدس ، ومن الذي دكّت الجبال الدهرية على يديه - فارس والروم -؟

من الذي صارت خيام كوشان - هي مصر كما جاء في قاموس الكتاب المقدّس - تحت رجليه؟ انتهى كلام الكاتب السنّي.

وبالتالي فإنّه يستدلّ على صحّة خلافة عمر بن الخطّاب بما جاء في كتب أهل الكتاب ، مثلما جاءت البشارات في رسول اللّه محمّد صلى اللّه عليه وآله.

فنرجو منكم الردّ على هذا الاستدلال ، ولو كان ردّاً مختصراً ، وفّقكم اللّه لمرضاته.

ص: 376

ج : في الإجابة عدّة نقاط :

الأُولى : إنّ الكتاب المقدّس « العهد القديم » - وكما هو معروف - قد كتب باللغة العبرانية ، وهذا ما اتفق عليه معظم علماء الكتاب المقدّس ، إذ إنّها كانت اللغة السائدة في ذلك الزمان ، ومن ثمّ ترجم إلى اللغات الأُخرى ، كاليونانية والإنكليزية والعربية ، وغيرها.

ومعظم النسخ الأصلية لهذا الكتاب مفقودة ، وأقدم نسخة التي وجدت تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد ، وهي ناقصة ، إذ لا تحتوي إلاّ على بعض الأسفار من العهد القديم ، وهذا أحد أسباب الشكّ في نسبة هذا الكتاب كُلّه إلى الوحي الإلهي.

الثانية : فيما يخصّ سفر زكريا ، فإنّ علماء الكتاب المقدّس قسّموا هذا السفر إلى قسمين : الأوّل يبدأ من الإصحاح « 1 - 8 » ، وأمّا القسم الثاني فإنّه يبدأ من الإصحاح « 9 - 14 ».

ومن يطالع هذا السِفر يجد الاختلاف في الأسلوب بين القسمين ، حتّى شاعت بين العلماء نسبة هذا السِفر إلى كاتبين مختلفين ، وحاولوا بشتّى الوسائل حلّ هذا الاختلاف ، لكي لا يفقد هذا السِفر قيمته ، وبالتالي يؤدّي إلى التشكيك بصحّة العهد القديم.

ولكن للاختصار نترك البحث في هذه المسألة ، ونسلّم بأنّ كاتب السِفر هو النبيّ زكريا عليه السلام.

وأمّا النصوص :

1 - أمّا قول الكاتب السنّي : هو ذا ملكك يأتي إليك.

فالمشهور أنّ الخليفة الثاني لم يكن ملكاً لأورشليم ولا لفلسطين ، بل كُلّ ما في الأمر أنّه قدم إلى بيت المقدس - سنة 15 أو 16 هجرية - لعقد الصلح مع أهلها ، ودفعهم للجزية ، ولم يلبث فيها إلاّ أيّاماً معدودة ، ومن ثمّ عاد إلى المدينة ، فهو لم يحكم أورشليم ، ولا استفاد أهلها بظلّ عدله!!

ص: 377

فهل ينطبق هذا على كون ملك أورشليم المنتظر ، الذي بشّر به النبيّ زكريا عليه السلام هو الخليفة الثاني ، والذي لم يمكث في بيت المقدس إلاّ أيّاماً؟!

2 - وأمّا الصفات التي ذكرها الكاتب ، وحاول جاهداً إلباسها للخليفة الثاني ، كي تنطبق عليه ما جاء في سِفر زكريا عليه السلام ، فهي غير صحيحة ، لأنّ الكاتب يقول عند ذكر صفة هذا الملك : عادل ومنصور وديع ... ، ويفسّر منصور وديع ، أي الذي فتح القدس بالصلح والموادعة ، وهذا خلاف ما يفهم من النصّ ، فالوديع هنا صفة للملك ، وليست صفة للنصر ، ولأنّ المشهور والمعروف عن الخليفة الثاني - بل تكاد تكون أبرز صفة فيه - هي غلظته وشدّته وقساوته ، وهذا ما تواترت به كتب التاريخ والحديث ، ولهذا فإنّ الكاتب السنّي ، وهروباً من هذه الحقيقة ، جعل صفة « وديع » للنصر ، وهذا ما لا يرضاه أيّ باحث له إلمام بسيط باللغة العربية.

وحتّى ما فسّره الكاتب بالفتح بوداعة ، فهو مردود أيضاً ، فإنّ الصلح كان بعد معارك بين المسلمين ، وأهل ايليا ، فهذا الأزدي يذكر : أنّ أهل ايليا قاتلوا المسلمين ساعة ثمّ انهزموا ، ثمّ قاتلوهم ثمّ انهزموا إلى داخل حصونهم ، بل يضيف الواقدي : « ولم يزل أبو عبيدة ينازل أهل بيت المقدس أربعة أشهر كاملة ، وما من يوم إلاّ ويقاتلهم قتالاً شديداً » (1) ، ومن بعد هذه المعارك جاء عمر وعقد الصلح ، فهل يعني ذلك أنّ فتح أورشليم كان عن وداعة!!

3 - وأمّا قوله : بأنّ أبرز صفة فيه هي العدل ، ففي ذلك أيضاً شكّ ، فإنّ الخليفة الثاني هو أوّل من أعطى العطايا على السابقة ، وفرّق بين المسلمين في العطاء ، وفي الواقع هو أوّل من أرسى النظام الطبقي في المجتمع الإسلامي ، والذي كان نتيجة طبيعية لهذا التمايز في الفرض والعطاء ، حتّى وصل ذروته في زمن الخليفة الثالث ، الذي انتهج سيرة عمر.

ص: 378


1- فتوح الشام 1 / 224.

ولعلّ أحد الأسباب غير الظاهرية لحرب الجمل في زمان أمير المؤمنين عليه السلام ، هي رفض أمير المؤمنين عليه السلام التفاضل في العطاء بين المسلمين للسابقة ، ممّا دفع بعض الصحابة الأوائل - كطلحة والزبير - إلى اتخاذ مواقف سلبية من أمير المؤمنين عليه السلام ، وإشعال نار الفتنة والحرب ضدّه.

4 - وما ذكره الكاتب حول ركوب الخليفة الثاني للبرذون ، فنقول :

أوّلاً : لماذا لم يشر الكاتب إلى أنّ هذا الملك الموعود يكون راكباً على حمار كما ذكر النصّ؟

والجواب : لأنّ المؤرّخين بلا استثناء ما ذكر أحداً منهم أنّ الخليفة الثاني ركب الحمار عند خروجه من المدينة إلى بيت المقدس ، بل اختلفوا في أنّه امتطى فرساً أو ناقة ، ولهذا نرى الكاتب يغمض عينيه عن هذا المقطع.

وثانياً : حتّى ما ذكره حول ركوب الخليفة للبرذون غير مقبول ، وذلك لأنّ الخليفة لم يركب البرذون إلاّ للحظة واحدة فقط ، فهذا ابن كثير يقول : ثمّ سار عمر إلى بيت المقدس من الجابية وقد توحّى فرسه ، فأتوه ببرذون فركبه ، فجعل يهملج به ، فنزل عنه وضرب وجهه ، وقال : لا علم اللّه من علّمك هذا من الخيلاء(1) ، وأضاف الواقدي : « قال عمر : احسبوا ، احسبوا ، ما كنت أرى الناس يركبون الشيطان قبل هذا ، فأتى بجمله فركبه ».

وقال الطبري : « ثمّ دعا بفرسه بعد ما أجمه أيّاماً يوقحه فركبه ، ثمّ سار حتّى انتهى إلى بيت المقدس ... ولم يركب برذوناً قبله ولا بعده »(2).

فليت شعري هل يعقل أن يتنبأ النبيّ زكريا عليه السلام بملك أورشليم العظيم ، والمنتظر بصفة كانت له للحظة واحدة ، وهي ركوبه للبرذون؟!

5 - وأمّا ردّه على القسّ المسيحي ، فذلك أيضاً فيه نظر ، وذلك لأنّ النبيّ زكريا عليه السلام عندما ذكر نبؤته ، كان يعلم أنّ المسيح عليه السلام ليس ربّاً ولا

ص: 379


1- البداية والنهاية 7 / 67.
2- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 106.

إلهاً ، بل هذا من تحريفات النصارى ، الذين ألبسوا المسيح عليه السلام ثوب الألوهية زوراً وبهتاناً.

6 - وأمّا ترتيبه للحروف بهذا الشكلّ ، فليس عليه دليل إلاّ الحمية والعصبية ، فيا ترى لو تأمّل أيضاً قليلاً ، ورتّب الحروف من الحرف الرابع ، لكانت النتيجة : ب ول = مادّة نجسة!! فهل هذا يحسب تنبّؤاً؟!

وذكره عن سِفر حبقوق ، فالأمر اغرب ، فقد تكلّف الكاتب السنّي كثيراً ، واكتفى بنقل مقتطفات من النصّ ، وليته لم يفعل ، وهنا سنبيّن النصّ كاملاً ، ولنرى هل ينطبق على الخليفة الثاني أم لا؟!

وإليك هذا النصّ : اللّه جاء من تيمان ، والقدّوس من جبل فاران ، سلاه ، جلاله غطّى السماوات ، والأرض امتلأت من تسبيحه ، وكان لمعان كالنور ، له من يده شعاع ، وهناك استتار قدرته ، قدامه ذهب الوباء ، وعند رجليه خرجت الحمى ....

فالضمير في « قدامه » يعود إلى القدّوس الآتي من جبل فاران ، ولا أدري كيف لم يلتفت إلى هذه المسألة البديهية الكاتب السنّي ، فهو يصف القدّوس بأنّ « جلاله غطّى السماوات و... » ، فهل تنطبق هذه الصفات على الخليفة الثاني؟! يا حبّذا لو يبيّن الكاتب السنّي ذلك لنستضيء بعلمه.

وختاماً نقول : إنّ الذي يُؤذي ويُغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لا يستحقّ أن يكون خليفة للمسلمين ، والخليفة الأوّل والثاني قد أغضبا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وذلك كما نُقل عن صحيح البخاري : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال عن فاطمة عليها السلام : « فإنّما هي بضعة منّي ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها » (1) ، وأيضاً هجرها لأبي بكر ، وأنّها لم تكلّمه حتّى توفّيت(2).

ص: 380


1- صحيح البخاري 6 / 158.
2- المصدر السابق 5 / 82.

والمعروف والمشهور أنّ فاطمة عليها السلام خرجت من الدنيا وهي غاضبة على أبي بكر وعمر ، وأمرت أمير المؤمنين عليه السلام أن لا يسمح لأبي بكر وعمر حضور تشييع جنازتها ، ولهذا فقد دفنت ليلاً.

( العجمي - عمان - .... )

شكّه في يوم الحديبية :

س : ما مدى صحّة قول الخليفة الثاني عمر في يوم الحديبية : ما شككت بنبوّة محمّد مثل شكّي يوم الحديبية؟ وأرجو ذكر المصادر.

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ عمر بن الخطّاب وقع في الشكّ والريب بنبوّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في يوم الحديبية وغيره ، والمصادر التاريخية خير شاهد على ذلك.

فقد قال السيوطي : « وأخرج عبد الرزاق ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر عن المسور بن مخرمة ، ومروان بن الحكم ... فذكر قضية شكّ عمر يوم الحديبية ، إلى أن وصل إلى قول عمر : واللّه ما شككت منذ أسلمت إلاّ يومئذ » (1).

وأورد الصالحي الشامي هذه القضية في سيرته ، ناقلاً عن ابن إسحاق ، وأبي عبيد ، وعبد الرزاق ، وأحمد بن حنبل ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، وأبي داود ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن مردويه ، ومحمّد بن عمر عن المسور بن مخرمة ، ومروان بن الحكم ، فذكر هذه القضيّة ، إلى أن حكى قول عمر قائلاً : وقال كما في الصحيح : واللّه ما شككت منذ أسلمت إلاّ يومئذ(2).

ص: 381


1- الدرّ المنثور 6 / 77.
2- سبل الهدى والرشاد 5 / 53.

وعن أبي يعلى عن عمر أنّه قال : اتهموا الرأي على الدين ، فلقد رأيتني أردّ أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله برأي ، وما ألوت عن الحقّ ، وفيه قال : فرضي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأبيت ، حتّى قال لي : يا عمر ، تراني قد رضيت وتأبى (1).

فإنّ قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « أوَ في شكّ أنت يا بن الخطّاب » للإنكار التوبيخي - كما قال القسطلاني في شرحه لصحيح البخاري (2).

لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان عالماً بما يخطر في نفس الخليفة ، وما يجول في باله ، وعارفاً بمفاد مقاله ، لا أنّه استعلم عمّا خفي عليه من حاله ، والخليفة لم ينكر ذلك ، بل طلب من النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن يستغفر له من وباله.

( بدر الدين - المغرب - .... )

تركه لشرب الخمر :

س : ورد في بعض الكتب : أنّ عمر بن الخطّاب بقي يشرب الخمر حتّى نزل قول اللّه تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) (3) ، فقال عمر : انتهينا انتهينا (4).

السؤال : هل لديكم تقدير لوقت نزول هذه الآية؟ وبالتالي متى توقّف عمر عن شرب الخمر؟ فوقت نزولها إذن أراه مهمّاً في هذه القضية!

ج : لا يمكن تحديد تواريخ نزول الآيات بالضبط ، فذلك عسير جدّاً بعد أن أغفل من قبل محقّقي الفريقين ، ولعلّ دليل عدم اهتمامهم في متابعة تاريخ نزول

ص: 382


1- المعجم الكبير 1 / 72 و 6 / 88 ، مجمع الزوائد 6 / 145 ، فتح الباري 5 / 254 و 13 / 245 ، كنز العمّال 1 / 372.
2- إرشاد الساري 5 / 539.
3- المائدة : 91.
4- مسند أحمد 1 / 53 ، الجامع الكبير 4 / 320 ، سنن النسائي 8 / 287 ، جامع البيان 2 / 493 و 7 / 45 ، الجامع لأحكام القرآن 6 / 286.

السور ، هو الاقتصار على مهمّة تفسير الآية دون التعرّض إلى ملازماتها التاريخية ، إلاّ أنّ إمكانية معرفة تاريخ نزول الآيات يمكن استخلاصه من خلال قرائن تاريخية تقرّب تاريخ النزول.

فالآية آنفة الذكر يحتمل بعض المفسّرين أنّها نزلت بعد غزوة أحد بأربعة أشهر(1) ، وبعضهم قال : إنّها نزلت بعد غزوة الأحزاب بأيّام(2).

( مقداد - الإمارات - سنّي - 18 سنة - طالب جامعة )

بعض ما اتصف به :

س : جاء في بعض كتب الشيعة : أنّ عمر بن الخطّاب كان مصاباً بداء في دبره ، لا يهدأ إلاّ بماء الرجال ، فهل هذه الرواية صحيحة؟ أُريد إجابة صريحة ، إمّا نعم ، وإمّا لا.

ج : إنّ البحث عن هكذا مواضيع - نفياً أو إثباتاً - لا يثمر في المقام ، والصفح عنها أحرى وأجدر.

ولا يفوتنا أن نذكّركم بأنّ هذا الموضوع بالذات ، قد جاء في بعض كتب أهل السنّة أيضاً ، ففي حاشية السيوطي المدّونة على القاموس في لفظ « الابنة » جاء : « بأنّها كانت في خمسة في زمن الجاهلية ، أحدهم سيّدنا عمر » (3).

ثمّ حتّى لو ذكر في كتاب ، فإنّ الموضوع يرتبط برأيه الشخصي ، فلا ينبغي أن يحمل على المذهب ، إلاّ بعد خضوعه للبحث السندي والدلالي ، إذ لا تعتقد الشيعة بصحّة أي كتاب - سوى القرآن الكريم - مائة بالمائة ، وهنا تخالف الشيعة أهل السنّة في اعتمادهم بلا استثناء على كتب كالصحيحين.

ص: 383


1- تاريخ اليعقوبي 2 / 49.
2- الدرّ المنثور 2 / 318 ، فتح القدير 2 / 75.
3- بحار الأنوار 31 / 96.

فعلى ضوء ما ذكرنا ، يضطرّ السنّي للدفاع عن البخاري أو مسلم ، ومن ثمّ يرد عليه أخطاؤهما ، في حين أنّ الشيعي لا يتحمّل أخطاء الآخرين - إن أخطأوا - مهما كانت جلالة قدرهم.

( هادي الفقيه - أمريكا - 21 سنة - هندسة الحاسبات )

ما ورد حوله في مصادر أهل السنّة :

س : عندي الكثير من الأصدقاء السنّة ، وهم يسألوني بعض الأسئلة ، وأتمنّى منكم أن تجيبون عليها ، حيث يقولون : عمر بن الخطّاب أفضل من علي بن أبي طالب عليه السلام.

أُريد منكم إن تعطوني بعض الأمثلة لأثبت أنّ علياً عليه السلام أفضل من عمر ، ومن كتبهم.

ج : إنّ فضائل الإمام علي عليه السلام قد ملأت الخافقين ، ممّا أجبرت الخصوم على الاعتراف ببعضها ، وقد صرّح كبار علماء الفريقين : بأنّ ما بلغنا من فضائل لأمير المؤمنين عليه السلام هو أقلّ بكثير ممّا هو على حقيقته ، والفضل ما شهدت به الأعداء.

وأمّا عن عمر ، فننقل لك ما ورد عنه في كتب القوم :

قد لقّبه أهل الكتاب بلقب الفاروق(1) ، وهو لقب لعلي عليه السلام ، لقّبه به الرسول صلى اللّه عليه وآله(2) ، وابتز لقب أمير المؤمنين عليه السلام لنفسه(3) ، وهو يعلم بأنّ هذا اللقب خاصّ بعلي عليه السلام.

ص: 384


1- تاريخ المدينة 2 / 662 ، الطبقات الكبرى 3 / 270 ، تاريخ مدينة دمشق 44 / 51 ، أُسد الغابة 4 / 57 ، تاريخ الأُمم والملوك 3 / 267.
2- ذخائر العقبى : 56 ، شرح نهج البلاغة 13 / 228 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 42 ، ينابيع المودّة 22 / 144.
3- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 277 ، كنز العمّال 12 / 576 ، تاريخ مدينة دمشق 30 / 297 ، أُسد الغابة 4 / 71 ، تاريخ المدينة 2 / 678.

وقال في موارد متعدّدة : « لولا علي لهلك عمر » (1).

وكان يعتقد بإضافة سورتين مزعومتين - الخلع والحفد - إلى القرآن الموجود (2) ، وادعى آيات أُخرى (3) ، وكان يقول بتحريف القرآن ، ويرى أنّ أكثره قد ضاع (4) ، وحرّم السؤال والبحث في تفسير الآيات القرآنية (5).

وكان كثير الاعتراض على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فقد اعترض عليه في صلاته على عبد اللّه بن أُبي (6) ، واعترض في تبشيره صلى اللّه عليه وآله الناس بالجنّة بقولهم كلمة التوحيد (7) ، وأنكر بشدّة عليه صلى اللّه عليه وآله في الحديبية ، حتّى اعترف فيما بعد بشكّه في النبيّ صلى اللّه عليه وآله والإسلام (8). .

ص: 385


1- شرح نهج البلاغة 1 / 18 و 141 و 12 / 179 و 205 ، نظم درر السمطين : 130 ، المناقب : 81 ، جواهر المطالب 1 / 195 ، ينابيع المودّة 1 / 216 و 227 و 3 / 147.
2- مسند أحمد 1 / 199 ، فتح الباري 9 / 12 ، مجمع الزوائد 7 / 35 ، كنز العمّال 2 / 421 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 419 ، الدرّ المنثور 3 / 296.
3- صحيح البخاري 8 / 26 ، الدرّ المنثور 1 / 106 و 4 / 371 ، مسند أبي داود : 12 ، مسند أحمد 1 / 47 ، فتح القدير 3 / 471 ، السيرة النبوية لابن هشام 4 / 1072 ، مجمع الزوائد 1 / 97 ، فتح الباري 12 / 131 ، المصنّف للصنعاني 5 / 441 و 9 / 50 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 570 ، المعجم الكبير 5 / 121 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 127 ، كنز العمّال 2 / 596 و 5 / 429 و 6 / 208 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 476 ، الدرّ المنثور 1 / 106 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 446.
4- الدرّ المنثور 5 / 179 و 6 / 422 ، المصنّف للصنعاني 7 / 330 ، كنز العمّال 1 / 517 و 5 / 431 ، مجمع الزوائد 7 / 163 ، المعجم الأوسط 6 / 361 ، فيض القدير 4 / 700.
5- الدرّ المنثور 2 / 7 و 227 ، سنن الدارمي 1 / 55 ، كنز العمّال 2 / 331 و 383 ، تاريخ مدينة دمشق 23 / 411 ، فتح القدير 1 / 319 ، الإصابة 3 / 370.
6- صحيح البخاري 2 / 100 ، السيرة النبوية لابن هشام 4 / 979 ، المحلّى 11 / 209 ، الجامع الكبير 4 / 343 ، سنن النسائي 4 / 68 ، تحفة الأحوذي 8 / 393 ، صحيح ابن حبّان 7 / 449.
7- صحيح مسلم 1 / 45.
8- المعجم الكبير 1 / 72 و 6 / 88 ، مجمع الزوائد 6 / 145 ، فتح الباري 5 / 254 و 13 / 245 ، كنز العمّال 1 / 372 ، الدرّ المنثور 6 / 77 ، سبل الهدى والرشاد 5 / 53.

وكان لا يأتمر بأوامر النبيّ صلى اللّه عليه وآله وشرعه ومنهاجه ، فقد تخلّف عن جيش أُسامة مع تشديد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ولعنه المتخلّفين(1).

وابتدع الجماعة في صلاة النوافل « التراويح » ، واستحسن هذه البدعة(2) ، ومنع عن متعة الحجّ ومتعة النساء ، واعترف أنّهما مشرّعتان من النبيّ صلى اللّه عليه وآله(3) ، وغيّر تشريع الطلاق(4).

وكان يرى عدم وجوب الصلاة لمن أجنب ولم يجد ماءً(5) ، وكان يذعن ويعترف بقلّة علمه حتّى بالنسبة إلى النساء(6).

ص: 386


1- الملل والنحل 1 / 23.
2- المغني لابن قدامة 1 / 798 ، تحفة الأحوذي 3 / 450 ، نصب الراية 2 / 174 ، كنز العمّال 8 / 407 ، تلخيص الحبير 4 / 247 ، كتاب الموطّأ 1 / 114 ، تنوير الحوالك : 137 ، الشرح الكبير 1 / 747 ، نيل الأوطار 3 / 63 ، صحيح البخاري 2 / 252 ، فتح الباري 4 / 219 ، المصنّف للصعناني 4 / 259 ، صحيح ابن خزيمة 2 / 155.
3- مسند أحمد 3 / 356 ، شرح نهج البلاغة 1 / 182 و 12 / 251 و 16 / 265 ، كنز العمّال 16 / 521 ، أحكام القرآن للجصّاص 1 / 352 و 191 ، الجامع لأحكام القرآن 2 / 392 ، علل الدارقطني 2 / 156 ، تاريخ بغداد 14 / 202 ، تاريخ مدينة دمشق 64 / 71 ، تهذيب الكمال 31 / 214 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 366 ، المبسوط للسرخي 4 / 27 ، المغني لابن قدامة 7 / 572 ، الشرح الكبير 7 / 537 ، المحلّى 7 / 107.
4- صحيح مسلم 4 / 183 ، مسند أحمد 1 / 314 ، المستدرك 2 / 196 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 336 ، فتح الباري 9 / 297 ، المجموع 17 / 122 ، المحلّى 10 / 168 ، سبل السلام 3 / 172 ، نيل الأوطار 7 / 14 ، عون المعبود 6 / 190 ، سنن الدارقطني 4 / 31 ، الجامع لأحكام القرآن 3 / 130.
5- مسند أحمد 4 / 265 ، السنن الكبرى للبيهقي 1 / 211 و 226 ، صحيح ابن حبّان 4 / 128 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 517.
6- شرح نهج البلاغة 1 / 182 و 12 / 208 ، الدرّ المنثور 2 / 133 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 233 ، مجمع الزوائد 4 / 284 ، كنز العمّال 16 / 537 ، فيض القدير 2 / 8 ، كشف الخفاء 1 / 269 و 2 / 118 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 478 ، فتح القدير 1 / 443.

وقال قولته المشهورة عند وفاة رسول اللّه ، وبمحضره صلى اللّه عليه وآله ، وردّاً لطلبه صلى اللّه عليه وآله : إنّه ليهجر ، أو إنّه يهجر(1) ، قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبكم كتاب اللّه(2) ، حتّى لا يجعل الرسول صلى اللّه عليه وآله الأمر لعلي عليه السلام.

ويشهد التاريخ بمدى جبنه في الحروب!!(3) ، واعترف بانفلات بيعة أبي بكر لتضمّنها الشرّ(4) ، وهاجم بيت علي عليه السلام وفاطمة عليها السلام في جماعة ، لتثبيت بيعة أبي بكر ، وصار ما صار من الحرق ، وإسقاط الجنين(5).

وخالف النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأبي بكر في جعله الخلافة في شورى بين ستة(6) ، وتعلّم سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة!!(7).

ومنع من نشر أحاديث الرسول صلى اللّه عليه وآله ، بل وأمر بإحراقها(8) ، ومنع زيارة شجرة الرضوان وأمر بقطعها(9).

ص: 387


1- صحيح مسلم 5 / 76 ، السنن الكبرى للنسائي 3 / 435 مسند أحمد 1 / 355 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 436 ، الكامل في التاريخ 2 / 320 ، أضواء على السنّة المحمّدية : 55.
2- مسند أحمد 1 / 325 ، صحيح البخاري 1 / 37 و 5 / 138 و 8 / 161 ، الطبقات الكبرى 2 / 244 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2 / 192.
3- المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 525 ، مجمع الزوائد 6 / 150 و 9 / 124 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 93 ، البداية والنهاية 7 / 373 ، المستدرك 3 / 37 ، كنز العمّال 10 / 462.
4- السنن الكبرى للنسائي 4 / 272 ، صحيح ابن حبّان 2 / 158 ، شرح نهج البلاغة 2 / 26 و 9 / 31 و 12 / 147 و 20 / 21 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 158 ، لسان العرب 2 / 67.
5- الإمامة والسياسة : 30 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 443 ، 3 / 203 ، شرح نهج البلاغة 2 / 56 و 6 / 48 ، المختصر في أخبار البشر 1 / 219.
6- تاريخ اليعقوبي 2 / 160.
7- الدرّ المنثور 1 / 21 ، تنوير الحوالك : 216 ، الجامع لأحكام القرآن 1 / 40.
8- الطبقات الكبرى 6 / 7 ، البداية والنهاية 8 / 115 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 7 ، الأم 7 / 358 ، كنز العمّال 2 / 285 ، المستدرك 1 / 102.
9- المصنّف لابن أبي شيبة 2 / 269 ، الدرّ المنثور 6 / 73 ، شرح نهج البلاغة 12 / 101 ، فتح القدير 5 / 52 ، فتح الباري 7 / 345 ، سبل الهدى والرشاد 5 / 50.

وأخيراً : وبعد هذا كُلّه ، كيف يكون أفضل من الإمام علي عليه السلام ، وكيف يكون أولى بالخلافة منه؟!

( تقي الدين - مصر - سنّي - 35 سنة - طالب علم )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : أُعلّق على شيء واحد : لا تصحّ قصّة قطع سيّدنا عمر لشجرة بيعة الرضوان عند المحقّقين من أهل السنّة ، والحافظ ابن حجر لو رجعتم إلى كلامه في فتح الباري ، لوجدتم أنّه قال : « ثمّ وجدت عند سعد بإسناد صحيح عن نافع أنّ عمر بلغه ... » (1) ، فالحافظ لم يصحّح إلاّ إسناد القصّة إلى نافع ، لكن يبقى أنّ هناك انقطاعاً بين نافع وعمر فلا تصحّ القصّة ، هذا من حيث السند ، وقد ضعّفها غير واحد.

ومن حيث المتن : فإنّ هذه الحادثة لا يمكن أن تكون صحيحة ، لمخالفتها ما ثبت في الصحيحين ، من أنّ مكان الشجرة قد خُفي على الصحابة ، وأنّ التابعين كانوا يبحثون عنها بعد وفاة سيّدنا عمر ، ولو كان قد قطعها لانتشر خبر ذلك بينهم.

ففي صحيح البخاري : « حدّثنا محمّد بن رافع حدّثنا شبابة بن سوار أبو عمرو الفزاري ، حدّثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيّب عن أبيه قال : لقد رأيت الشجرة ، ثمّ أتيتها بعد فلم أعرفها ، قال محمود : ثمّ أنسيتها بعد » (2).

وفيه أيضاً : « حدّثنا محمود ، حدّثنا عبيد اللّه عن إسرائيل عن طارق بن عبد الرحمن قال : انطلقت حاجّاً فمررت بقوم يصلّون قلت : ما هذا المسجد؟ قالوا : هذه الشجرة حيث بايع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بيعة الرضوان ، فأتيت سعيد بن المسيّب فأخبرته ، فقال سعيد : حدّثني أبي أنّه كان فيمن بايع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تحت الشجرة ، قال : فلمّا خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها ،

ص: 388


1- فتح الباري 7 / 345.
2- صحيح البخاري 5 / 64.

فقال سعيد : إنّ أصحاب محمّد صلى اللّه عليه وآله لم يعلموها ، وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم »(1).

وفيه أيضاً : « حدّثنا موسى حدّثنا أبو عوانة ، حدّثنا طارق عن سعيد بن المسيّب عن أبيه : أنّه كان ممّن بايع تحت الشجرة ، فرجعنا إليها العام المقبل فعميت علينا »(2).

يقول الطبري : « وزعموا أنّ عمر بن الخطّاب مر بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة فقال : أين كانت؟ فجعل بعضهم يقول : هنا ، وبعضهم يقول : ههنا ، فلمّا كثر اختلافهم قال : سيروا ، هذا التكلّف فذهبت الشجرة ، وكانت سمرة ، إمّا ذهب بها سيل ، وإمّا شيء سوى ذلك » (3).

ولم يرتض الحافظ إنكار سعيد حيث قال : « لكن إنكار سعيد بن المسيّب على من زعم أنّه عرفها معتمداً على قول أبيه ، إنّهم لم يعرفوها في العام المقبل لا يدلّ على رفع معرفتها أصلاً ، فقد وقع عند المصنّف من حديث جابر الذي قبل هذا : لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة ، فهذا يدلّ على أنّه كان يضبط مكانها بعينه ، وإذا كان يضبط موضعها ففيه دلالة على أنّه كان يعرفها بعينها ، لأنّ الظاهر أنّها حين مقالته تلك كانت هلكت إمّا بجفاف أو بغيره ، واستمر هو يعرف موضعها بعينه »(4).

قلت : حاصل ما ذكره الحافظ أن يقال : بأنّ مكان الشجرة كان خافياً على جماهير الصحابة ، وليس هناك ما يدلّ على علم سيّدنا عمر بمكانها.

ج : نودّ أن نذكّركم بأنّ المقام مقام بحث وردّ وبدل ، وقرع الحجّة بالحجّة ، وليس المقام مقام إدلاء الكلام ، ورميه كيف ما كان ، فالبدء بالدليل جزء من البدء بغيره ، لأنّ الزمن أصبح زمن الدليل ، وولّى عصر الدعاوى التي لا تقوم على سند.

ص: 389


1- المصدر السابق 5 / 65.
2- نفس المصدر السابق.
3- جامع البيان 26 / 112.
4- فتح الباري 7 / 344.

بالنسبة لشجرة بيعة الرضوان ، فالمروي عن نافع بسند صحيح : أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي قطعها.

يبقى الكلام في كون نافع - الذي لا يعرف له أب ولا أُمّ ولا رسم - مولىً لابن عمر ، وأنّ ابن عمر هو الذي أسره في بعض الغزوات ، فالرواية مرسلة هذا ملخّص الإشكال؟

والجواب أوّلاً : الحديث المرسل لم يقل أحد بأنّه لا يصحّ مطلقاً ، فهناك من فرّق بين إرسال كبار التابعيين وبين غيرهم ، فقد احتجّ بالمرسل مالك وأبو حنيفة ، وأحمد بن حنبل(1) ، ونافع من أئمّة التابعين فيمكن الاحتجاج بقوله.

وثانياً : إنّ نافعاً لم يسند الرواية إلى عمر بن الخطّاب حتّى نقول بأنّها مرسلة ، وإنّما جزم بأنّ عمر بن الخطّاب هو الذي قطعها ، وهذا لا يعني الإرسال ، لأنّ نافعاً معاصر لابن عمر بن الخطّاب - وهو مولاه - ولكثير من الصحابة ، فيكون هذا الأمر معلوم عنده بواسطة الصحابة الذين عاصروا عمر ابن الخطّاب.

ومن خلال معاصرته لزمن قريب من زمن عمر بن الخطّاب ، فقواعد الحديث أشبهت في تطبيقها هنا ، وإنّما هو قول لنافع مولى ابن عمر في أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي قطع الشجرة.

وثالثاً : على كُلّ تقدير ، فقد قال الإمام مالك في حقّ نافع : « إذا قال نافع شيئاً فاختم عليه »(2).

وقال الخليلي : « نافع من أئمّة التابعين بالمدينة ، إمام في العلم متّفق عليه صحيح الرواية ، منهم من يقدّمه على سالم ، ومنهم من يقارنه به ، ولا يعرف له خطأ في جميع ما رواه »(3).

ص: 390


1- الباعث الحثيث : 57.
2- سير أعلام النبلاء 5 / 98.
3- تهذيب الكمال 29 / 306.

وأمّا ما روي عن سعيد بن المسيّب فهو مطروح لعدّة أُمور.

أوّلاً : إنّ المبايعين تحت الشجرة بشهادة ابن المسيّب نفسه 1600 نفر ، أو 1500 نفر ، فكيف تعقل أنّ هؤلاء جميعاً نسوا مكان شجرة بيعة الرضوان ، مع أنّ مكان الشجرة يقع في الحديبية ، وهي تبعد مرحلة عن مكّة ، أي مسير نصف يوم(1) ، وفي هؤلاء المبايعين كثير من المهاجرين ، الذين هم من أهل مكّة ، وهم سكنة تلك المناطق.

أقول : مع هذا كُلّه ، كيف نتصوّر أنّهم أضاعوا المكان ولا يعرفوه؟!

بل أنّنا نجد شخصاً أنصارياً - وهو جابر بن عبد اللّه الأنصاري - يقول : لو كنت أبصرت اليوم لأريتكم مكان الشجرة(2) ، مع أنّه كان في زمن بيعة الرضوان شاباً يافعاً ، وهو مدني والحديبية تبعد عن المدينة تسع مراحل(3) ، ومع ذلك يقول : أنا أعرف مكانها ، وأعرف محلّها ، فما بالك بالمهاجرين ، والذين فيهم الكبار ، وهم أهل مكّة ، كيف لا يعرفونها مع هذا العدد الضخم؟ الذي لا يقل عن 1400 نفر من المبايعين؟!

فهذا كُلّه يشهد لصحّة كلام نافع مولى ابن عمر ، من أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي قطعها ، ويبطل قول سعيد بن المسيّب ، بل لا يمكن تصحيح كلام سعيد بن المسيّب بتاتاً ، والقضية مشهورة عند علماء المسلمين ، وإليك بعض كلماتهم :

قال ابن أبي الحديد : « قد وجدنا في الآثار والأخبار في سيرة عمر أشياء تناسب قوله هذا في الحجر الأسود ، كما أمر بقطع الشجرة التي بويع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تحتها بيعة الرضوان في عمرة الحديبية ، لأنّ المسلمين بعد وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله كانوا يأتونها فيقيلون تحتها ، فلمّا تكرّر ذلك أوعدهم عمر فيها ، ثمّ أمر بها فقطعت »(4).

ص: 391


1- معجم البلدان 2 / 229.
2- صحيح البخاري 5 / 63.
3- معجم البلدان 2 / 229.
4- شرح نهج البلاغة 12 / 101.

واثبت هذا القول ابن الجوزي في « زاد المسير » (1) ، وذكرها السيوطي في « الدرّ المنثور » (2) ، والشوكاني في « فتح القدير » (3).

وأمّا ما نقلته عن الطبري فلا ربط له بالمقام ، إذ إنّ عمر مرّ بالمكان بعد أن ذهبت الشجرة ، والكلام هو فيمن أذهب الشجرة؟ لا بعد ذهاب الشجرة ، ولا يوجد أيّ مستند على ذهاب السيل بها ، أو شيء آخر ، وإنّما هو كلام بلا سند.

ثمّ إنّ في رواية سعيد بن المسيّب عن أبيه عبارة وهي : « أنسيناها » أو « نسيناها » ، والبخاري أورد « أتيناها » ، أي أن فعل الانساء خارج عن إرادتهم ، ولم يكن منهم ، فكأنّما اللّه أنساهم مكان الشجرة ، وهذا شيء فيه استفهام كبير ، إذ ما السر في انسائهم مكان شجرة التي بايعوا تحتها بيعة الحديبية.

وأمّا قولك أخيراً : « قلت : حاصل ما ذكره ... » ، فقد اتّضح ما فيه بعد وضوح كون الصحابة الذين بايعوا أكثر من أربعة عشر مائة ، ومنهم من المهاجرين ، والمكان لا يبعد عن مكّة إلاّ نصف يوم ، فكيف خفي عليهم؟!

وكيف لم يخف على جابر بن عبد اللّه الأنصاري الحدث السن في تلك الأيّام ، والذي يبعد عن مكّة أربعة أيّام ونصف ، ويخفى على المهاجرين أهل البلد؟!

هذا ملخّص ما جال في البال ، وإلاّ فللمقام كلام يطول به ، أعرضنا عنه اختصاراً.

( إبراهيم - البحرين - .... )

اعتداؤه بالقول على الرسول :

س : هل وردت في كتب أهل السنّة حادثة اعتداء عمر بن الخطّاب بالقول على الرسول محمّد صلى اللّه عليه وآله قبل وفاته؟ وبالتحديد عندما أراد الرسول صلى اللّه عليه وآله أن يكتب وصيّته.

ص: 392


1- زاد المسير 7 / 167.
2- الدرّ المنثور 6 / 73.
3- فتح القدير 5 / 52.

ج : قد ورد اعتداء عمر بالقول على الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ومنعه من كتابة وصيّته قبيل ارتحاله صلى اللّه عليه وآله بعبارات مختلفة ، ومضمون واحد ، يدلّ على مواجهته مع الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وإليك نماذج تلك الأقاويل :

أ - إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يهجر(1).

ب - اعتراف عمر بصدّه الرسول صلى اللّه عليه وآله عن كتابة الكتاب ، حتّى لا يجعل الأمر لعلي عليه السلام(2).

ج - إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد غلب عليه الوجع ، حسبنا كتاب اللّه(3).

( غانم النصّار - الكويت - .... )

لا يتوب اللّه عليه ما دام غاصباً :

س : قال تعالى : ( عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) (4).

يروى أنّ الآية المباركة نزلت في عمر بن الخطّاب حينما جامع النساء في رمضان وقت الصيام ، السؤال : يقول الباري عزّ وجلّ : ( فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) ، فهل المقصود أنّ اللّه تاب عليه؟ وكيف يتوب عليه وهو المغتصب لحقّ آل البيت؟

ج : أوّلاً : علينا أن نثبت صحّة الرواية ، وعلى فرض صحّتها فإنّ مورد قبول التوبة هو في فعل الجماع في شهر رمضان ، لا مطلق قبول التوبة التي تشمل غصبه لحقّ آل محمّد عليهم السلام.

ص: 393


1- صحيح مسلم 5 / 76 ، السنن الكبرى للنسائي 3 / 435 مسند أحمد 1 / 355 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 436 ، الكامل في التاريخ 2 / 320 ، أضواء على السنّة المحمّدية : 55.
2- شرح نهج البلاغة 12 / 79.
3- مسند أحمد 1 / 325 ، صحيح البخاري 1 / 37 و 5 / 138 و 8 / 161 ، الطبقات الكبرى 2 / 244 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2 / 192.
4- البقرة : 187.

هذا ، والروايات مختلفة في شأن نزول هذه الآية ، فتدبّر.

( زهيدي - المغرب - .... )

تلبّسه بالخلافة وتغييره لأحكام اللّه :

س : ما حقيقة وصف بعض الشيعة عمر بن الخطّاب بأنّه أساء إلى الخلافة.

ج : إنّ الشيعة ترى أنّ الخلافة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالنصّ والتعيين ، وأنّ الخليفة بعده هو الإمام علي عليه السلام بنصّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عليه ، وهذا النصّ إلهي ، أي : أنّ النبيّ أمر بتعيين علي عليه السلام الخليفة بعده بأمر من اللّه تعالى.

والنصوص على ذلك من الكتاب والسنّة كثيرة ، منها : آية التطهير ، وآية الولاية ، وآية المباهلة ، وآية المودّة ، وآية التبليغ ، وحديث الغدير ، وحديث الثقلين ، وحديث الدار ، وحديث السفينة ، وغيرها من الأدلّة الشرعية ، كما وتستدلّ الشيعة بالعقل ، وذلك لاستحالة أن يترك النبيّ أُمّته من دون أن يعيّن لهم خليفة بعده ، ويترك أُمّته يتنازعون فيما بينهم بعده ، وكذلك تجد سائر الأنبياء والمرسلين لهم أوصياء.

وعلى مبنى الشيعة ماذا يكون حكم المتلبّس بالخلافة؟ وهي ليست له؟! فأوّل إساءة صدرت منه : أنّه تلبّس بالخلافة التي نصّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على أنّها لعلي عليه السلام.

ومن ثمّ تغييره لأحكام اللّه الثابتة ، كصلاة التراويح التي قال عنها : نعمت البدعة(1) ، وكمتعة الحجّ والنساء التي قال عنهما : أنا أنهى عنهما وأعاقب

ص: 394


1- المغني لابن قدامة 1 / 798 ، تحفة الأحوذي 3 / 450 ، نصب الراية 2 / 174 ، كنز العمّال 8 / 407 ، تلخيص الحبير 4 / 247 ، كتاب الموطّأ 1 / 114 ، تنوير الحوالك : 137 ، الشرح الكبير 1 / 747 ، نيل الأوطار 3 / 63 ، صحيح البخاري 2 / 252 ، فتح الباري 4 / 219 ، المصنّف للصعناني 4 / 259 ، صحيح ابن خزيمة 2 / 155.

عليهما (1) ، ومنعه لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يكتب الكتاب ، وقوله : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يهجر (2) ، وبلغ بجهله إلى مرتبة أن صرح بقوله : كُلّ أحد أفقه من عمر (3).

وأختم لك الكلام بحديث عن عمر يقول فيه : « يا ليتني كنت كبش أهلي ، سمّنوني ما بدا لهم ، حتّى إذا كنت أسمن ما أكون ، زارهم من يحبّون ، فجعلوا بعضي شواءً ، وبعضي قديداً ، ثمّ أكلوني ، فأخرجوني عذرة ، ولم اكن بشراً » (4).

فاقرأ وحكّم عقلك واحكم ، هدانا اللّه وإيّاك إلى سواء السبيل.

( كُميل - الكويت - .... )

كان من المنهزمين يوم أُحد :

س : أجد الكثير من الروايات التي لا أعلم مدى صحّتها عند أهل السنّة ، فأرجو تزويدي بالمصادر الموثّقة عندنا ، أو عند أهل السنّة ، حتّى تتمّ الحجّة عليهم : إنّ من بين الفارّين في يوم أُحد عمر وعثمان ، أتمنّى لو احصل على نصّ الحديث ، ولكم منّا جزيل الشكر والامتنان.

ص: 395


1- الشرح الكبير 7 / 537 ، المحلّى 7 / 107 ، كنز العمّال 16 / 519 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 206 ، شرح معاني الآثار 2 / 146 ، شرح نهج البلاغة 12 / 251 و 16 / 265 ، أحكام القرآن للجصّاص 1 / 338 و 352 و 2 / 191 و 3 / 312 ، الجامع لأحكام القرآن 2 / 392 ، علل الدارقطني 2 / 156.
2- صحيح مسلم 5 / 76 ، السنن الكبرى للنسائي 3 / 435 مسند أحمد 1 / 355 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 436 ، الكامل في التاريخ 2 / 320 ، أضواء على السنّة المحمّدية : 55.
3- السنن الكبرى للبيهقي 7 / 233 ، مجمع الزوائد 4 / 284 ، شرح نهج البلاغة 1 / 182 و 12 / 15 و 208 و 17 / 171 ، كنز العمّال 16 / 537 ، فيض القدير 2 / 8 ، كشف الخفاء 1 / 269 و 2 / 118 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 478 ، الدرّ المنثور 2 / 133 ، فتح القدير 1 / 443 ، علل الدارقطني 2 / 239 ، نور الأبصار : 100.
4- كنز العمّال 12 / 619 ، حلية الأولياء 1 / 88 ، نور الأبصار : 102 ، تاريخ مدينة دمشق 30 / 331.

ج : قد روى الفخر الرازي في تفسيره الكبير في ذيل قوله تعالى : ( إإِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ ) (1) قال : « ومن المنهزمين - يعني يوم أُحد - عمر ، إلاّ أنّه لم يكن في أوائل المنهزمين ولم يبعد ، بل ثبت على الجبل إلى أن صعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ومنهم أيضاً عثمان ، انهزم مع رجلين من الأنصار يقال لهما سعد وعقبة ، انهزموا حتّى بلغوا موضعاً بعيداً ، ثمّ رجعوا بعد ثلاثة أيّام »(2).

( منار الحقّ - السعودية - .... )

قوله لولا علي لهلك عمر :

س : ما هي المصادر التي نقلت قول عمر : لولا علي لهلك عمر ، وأقواله الأُخرى في حقّ الإمام علي عليه السلام.

ج : لعمر بن الخطّاب كلمات مشهورة تعرب عن غاية احتياجه في العلم إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، نذكر بعضها :

1 - لولا علي لهلك عمر(3).

2 - لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن(4).

3 - اللّهم لا تبقني لمعضلة ليس لها أبو الحسن(5).

4 - لا أبقاني اللّه لمعضلة ليس لها أبو الحسن(6).

ص: 396


1- آل عمران : 155.
2- التفسير الكبير 3 / 398.
3- تأويل مختلف الحديث : 152 ، شرح نهج البلاغة 1 / 18 و 141 و 12 / 179 ، نظم درر السمطين : 130 ، المناقب : 81 ، جواهر المطالب 1 / 195 و 296 ، ينابيع المودّة 1 / 216 و 227 و 3 / 147 ، فيض القدير 4 / 470 ، الجوهرة : 72 ، ذخائر العقبى : 82.
4- شرح نهج البلاغة 1 / 18.
5- نظم درر السمطين : 132.
6- أنساب الأشراف : 100.

5 - اللّهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب حيّاً(1).

6 - قال سعيد بن المسيّب : كان عمر يتعوّذ باللّه من معضلة ليس لها أبو الحسن(2).

7 - أعوذ باللّه من كُلّ معضلة ليس لها أبو حسن(3).

8 - نعوذ باللّه من معضلة لا علي لها(4).

9 - أعوذ باللّه من معضلة ولا أبو حسن لها(5).

10 - أعوذ باللّه من معضلة ليس فيها علي(6).

11 - لا أبقاني اللّه بأرض لستَ بها يا أبا الحسن(7).

12 - عن أبي سعيد : أنّ عمر كان يسأل علياً عن شيء فأجابه ، فقال عمر : أعوذ باللّه أن أعيش في قوم ليس فيهم أبو الحسن(8).

( محمّد يوسف - السعودية - .... )

الاحتفال في اليوم التاسع من ربيع الأوّل :

س : تقام هذه الأيّام مراسم احتفالات بعيد الزهراء عليها السلام ، وحيث إنّه معلوم أنّ بضعة الرسول الأكرم توفّيت بعد أبيها بستّة أشهر على أكثر الروايات ،

ص: 397


1- المناقب : 97 ، ينابيع المودّة 1 / 227 ، مقتل الحسين للخوارزمي : 78.
2- ذخائر العقبى : 82 ، فتح الباري 13 / 286 ، كنز العمّال 1 / 300 ، الطبقات الكبرى 2 / 339 ، أُسد الغابة 4 / 23 ، تهذيب الكمال 20 / 485 ، تهذيب التهذيب 7 / 296 ، الإصابة 4 / 467 ، ينابيع المودّة 2 / 172 و 405 ، مطالب السؤول : 137.
3- تأويل مختلف الحديث : 152 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 406 ، غريب الحديث 2 / 293 ، النهاية في غريب الحديث 3 / 254 ، لسان العرب 11 / 453 ، تاج العروس 8 / 22.
4- نظم درر السمطين : 131 ، المناقب : 96.
5- البداية والنهاية 7 / 397.
6- ينابيع المودّة 3 / 147.
7- شرح نهج البلاغة 12 / 101.
8- فيض القدير 4 / 470.

ولكن يقال إنّه هذا اليوم هو وفاة الخليفة الثاني ، الذي اغتصب حقّها من أبيها ، لذلك نحن نحتفل بهذا اليوم ، نرجو التوضيح في هذه المسألة.

أفيدونا جزاكم اللّه خيراً.

ج : إنّ الاحتفال في اليوم التاسع من ربيع الأوّل جاء لورود روايات عن أهل البيت عليهم السلام في فضل هذا اليوم ، وثّقها بعض وضعّفها آخرون ، وقد تكون جاءت لتنصيب الإمام الحجّة المنتظر عليه السلام للإمامة بعد وفاة أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام في الثامن من ربيع الأوّل.

وهناك روايات تاريخية تنصّ على مصادفة هذا اليوم مع يوم مقتل عمر بن الخطّاب.

( فراس - الأردن - .... )

ما ورد من رثائه في نهج البلاغة :

س : كيف يتّفق ما عرفناه مع ما يلي وهو مقتبس من نهج البلاغة شرح محمّد عبده : « لله بلاء فلان ، فلقد قوّم الأود ، وداوى العمد ، وأقام السنّة ، وخلف الفتنة ، ذهب نقي الثوب ، قليل العيب ، أصاب خيرها ، وسبق شرّها ، أدّى إلى اللّه طاعته ، واتقاه بحقّه ، رحل وتركهم في طرق متشعّبة ، لا يهتدي فيها الضالّ ، ولا يستيقن المهتدي » (1).

أفتونا مأجورين.

ج : للجواب على هذا السؤال نذكر وباختصار عدّة مطالب :

1 - لم يقل أحد من علماء الشيعة بصحّة كُلّ ما جاء في نهج البلاغة ، بل وحتّى الشريف الرضي - مؤلّف كتاب نهج البلاغة - لم يدعّ صحّة كُلّ ما جاء في كتابه نهج البلاغة ، ولم يصرّح بأنّه ما روى إلاّ ما صحّ عنده سنده ، وكما هو المعلوم من المبنى عند الشيعة ، أن يخضع كُلّ حديث إلى البحث في السند والدلالة.

ص: 398


1- شرح نهج البلاغة 12 / 3.

2 - الخطبة وردت من دون تعيين شخص بعينه.

3 - لو سلّمنا كُلّ هذا ، فإنّ بعض المصادر(1) ذكرت : أنّ أصل هذا الكلام حكاه الإمام علي عليه السلام عن النادبة أو الباكية لهذا البعض من الأصحاب ، وفي آخره قال الإمام علي عليه السلام : « أما واللّه ما قالت ولكنّها قوّلت »(2).

ولتوضيح المطلب نقول : إنّ الإمام عليه السلام حكى هذا القول عن النادبة أو الباكية لهذا البعض من الأصحاب ، وربما يشكل بأنّ حكايته لهذا الكلام دليل على قبوله؟ فالجواب يكون بأنّه عليه السلام قال بعد أن استشهد بكلام النادبة : « واللّه ما قالت ولكنّها قوّلت » ، ممّا يشعر بردّه لكلام النادبة وعدم قبوله له.

( موسى - السعودية - .... )

نصحه الإمام علي بعدم غزو الروم :

س : قرأت في نهج البلاغة : ومن كلام له عليه السلام ، وقد شاوره عمر بن الخطّاب في الخروج إلى غزو الروم : « وَقَدْ تَوَكَّلَ اللّهُ لأَهْلِ هَذا الدِّينِ بِإِعْزَازِ الْحَوْزَةِ ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ ، وَالَّذِي نَصَرَهُمْ - وَهُمْ قَلِيلٌ لاَ يَنْتَصِرُونَ ، وَمَنَعَهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌ لاَ يَمتَنِعُونَ - حَيٌّ لاَ يَمُوتُ.

إنَّكَ مَتَى تَسِرْ إلى هذَا الْعَدُوِّ بِنَفْسِكَ ، فَتَلْقَهُمْ بِشَخْصِكَ فَتُنْكَبْ ، لاَ تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ كَانِفَةٌ دُونَ أَقْصَى بِلاَدِهِمْ ، وَلَيْسَ بَعْدَكَ مَرْجِعٌ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ رَجُلاً مِجْرَباً ، وَاحْفِزْ مَعَهُ أَهْلَ الْبَلاَءِ وَالنَّصِيحَةِ ، فَإِنْ أَظْهَرَ اللّهُ فَذَاكَ مَا تُحِبُّ ، وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى ، كُنْتَ رِدْءاً للنَّاسِ وَمَثَابَةً لِلْمُسْلِمِينَ » (3).

فهل المقصود من ذلك اعترافه بخلافة عمر؟ وأنّه المرجع الوحيد للناس في زمن خلافته؟

ص: 399


1- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 285 ، تاريخ مدينة دمشق 44 / 458 ، البداية والنهاية 7 / 158.
2- شرح نهج البلاغة 12 / 5.
3- شرح نهج البلاغة 8 / 296.

ج : الحكومة في نظر الأنبياء والأئمّة عليهم السلام ليست هدفاً ، وإنّما وسيلة ، والهدف هو رضى اللّه تعالى ، والتمكّن من تطبيق أوامر اللّه ونواهيه ، والحكومة هي إحدى مهامّهم ، وليست كُلّ مهامّهم.

ولأجل هذا ، تجد أنّ أكثر الأنبياء والرسل والأئمّة عليهم السلام لم يصلوا إلى الحكومة ، لأنّها لم تكن الهدف ، ولم يكونوا عليهم السلام كسائر السلاطين والحكّام الذين كرّسوا كُلّ جهودهم للوصول إلى الحكم ، وبأيّ وسيلة كانت.

فإذا تبيّن هذا ، فإنّ الحفاظ على أصل الإسلام وكيانه من أهمّ واجبات الإمام عليه السلام ، ولمّا رأى الإمام علي عليه السلام أنّ الناس جديدو عهد بالإسلام ، وأنّ أيّ منازعة منه للخلفاء ستؤدّي إلى ارتداد الكثيرين ، وبالتالي سيكون الإسلام في خطر ، فكان عليه السلام كما وصف هو حاله : « فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا »(1).

وكذلك بالنسبة إلى هذه الخطبة ، فإنّه عليه السلام ليس له همّ إلاّ الحفاظ على أصل الإسلام ، فلمّا كان في شخوص عمر بن الخطّاب بنفسه إلى الحرب ، ممّا سيؤدّي إلى تضعيف الإسلام ، وذلك للأسباب التي وضّحها عليه السلام في هذه الخطبة ، وجّه عليه السلام نصحه إلى عمر بأن لا يخرج ، وهذا ليس اعتراف منه عليه السلام بصحّة خلافة عمر ، كما أنّ صبره عليه السلام ليس اعتراف بصحّة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان.

هذا ، وإن نصح الإمام وخطابه ليس موجّهاً إلى عمر بن الخطّاب بشخصه ، بل إلى عمر بما يستحلّه من مقام زعامة المسلمين ، وإن كان هذا المقام قد اغتصبه عمر وليس هو حقّ له ، ولكن الآن يحتلّ هذا المقام ، وفي شخوصه تضعيف للإسلام ، ومن أهمّ وظائف الإمام حفظ بيضة الإسلام.

ص: 400


1- المصدر السابق 1 / 151.

( موسى - السعودية - .... )

تعقيب على الجواب السابق :

أشكركم على هذا الردّ الوافي ، وأتمنّى لكم دوام الصحّة والعافية ، وأن ينفع اللّه بعلمكم الأُمّة الإسلامية.

( عبد اللّه - ... - ..... )

اعتراضاته :

س : تحية طيّبة وبعد ، أنا من الذين يتعرّضون لبعض المواجهات مع بعض الأشخاص من العامّة والوهّابية ، وحيث إنّه يوجّهون بعض الإشكالات على مذهب الحقّ ، ورغبتنا منّا في الحصول على الردّ المناسب وعدم الرد المتسرّع ، أوجّه لكم هذه الرسالة من أحد أهل السنّة ، والتي سوف أكون شاكراً لكم ، لو حصلت على الردّ المناسب على هذه الرسالة.

أمّا أنّ عمر ابن الخطّاب اعترض على أمر الرسول صلى اللّه عليه وآله في حياته ، فاعلم أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله له أمران : أمر في شؤون الدين والتشريع ، فلا يسع أحداً أن يشاور فيها ، ولا يقدّم بين يدي اللّه ورسوله ، وأمر في شؤون الحياة ، وهو الذي تطبّق فيه الشورى.

في غزوة بدر نزل الرسول صلى اللّه عليه وآله بالصحابة في مكان ، وأشار الحباب بن المنذر بمكان أخر فاختير مكان الحباب.

في غزوة أُحد كان رأي الرسول صلى اللّه عليه وآله المكوث في المدينة ، وكان رأي شباب الصحابة الخروج ، وكان الخروج ....

هنا يقول : أنّه لم يصدر أيّ حديث بذمّ عمر بن الخطّاب من الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ولا أيّ قول أثر عن علي بن أبي طالب يذمّ فيه عمراً ، إذا كان لديك قول ممّا سبق فإلينا به.

ثالثاً : إذا حكمت بعدم عدالة عمر ، فهذا يعني أنّه ليس بكفؤ للزواج من بنت علي بن أبي طالب ، فلماذا زوجّه إذن؟ إن قلت : بسبب التهديد ، فهذا قول

ص: 401

مردود ، لأنّه لا اعتقد أنّ الفارس يرضخ لتهديد عمر ، الذي ذكرتم في جبنه الأقاويل.

وإن قلت : بسبب التهديد ، فكيف يحلّ لمعصوم أن يتنازل عن أمر فاضل إلى مفضول تحت التهديد ، وهو المعصوم من اللّه عصمتين ، عصمة من الخطأ في أمر الدين ، وعصمة من أن يقتله أحد من البشر ، قال تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ) (1) ، وقال تعالى : ( وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (2).

فإن أسقطت هاتين العصمتين على الإمام علي بن أبي طالب ، فهذا يتنافى تماماً مع رضوخه للتهديد ، وإن لم تسقطها عليه ، فهذا يناقض عقيدة العصمة عندكم ، وإن قلت بالأُولى دون الثانية ، فهذا يعني أنّ كلام الإمام هو وحي من اللّه ، فهل أنت تقول بهذا القول؟ وإن قلت بالثانية دون الأُولى ، فالإمام علي مات شهيداً مقتولاً.

إن قلت : إنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله زوّج ابنته بأحد المشركين قبل الهجرة ، فأقول لك : إنّ ذلك قبل اكتمال شرائع الدين ، ولكن بعد اكتمال شرائع الدين لا يحلّ ذلك ، وإن قلت : إنّ الإمام زوّج عمر عن رضى منه ، فهذا يعني كفاءة وعدالة عمر ، وهو عكس ما أنت عليه الآن.

وإن قلت بالقول الشائع ، إنّه هناك ملابسات خاصّة ، فعليك بذكر تلك الملابسات.

وإن قلت : إنّ الإمام زوّجها خطأً ، فذلك ينافي العصمة ، وهل صحيح أنّه هناك من اجتهد مقابل قول الرسول في حياته ، ولم يصدر من الرسول أيّ شيء حيال هذا الاجتهاد؟

انتظر الردّ بفارغ الصبر ، وأرجو أن يكون سريعاً.

ج : يمكنكم أن تبعثوا بهذه الرسالة إلى من ذكر لكم هذه الإشكالات لتكون جواباً على استفساراته : .

ص: 402


1- النجم : 3.
2- المائدة : 67.

أودّ في البداية أن الفت انتباهكم إلى أنّ المشكلة تكمن في أنّكم في مقام الاستشهاد والاستدلال تحاولون التمسّك بالأخبار والتاريخ الوارد في كتبكم ، وتجعلون ذلك حجّة علينا ، أمّا حينما تصل النوبة إلينا فلا حقَّ لنا أن نستشهد بما ورد في كتبنا ، فلماذا باؤكم تجرُّ دون بائنا؟ وهل هذا من العدل والإنصاف؟!

وعلى أيّ حال ما أشرتم إليه أوّلاً من انقسام الأمر إلى قسمين فهذا وجيه ، ولكن ماذا نفعل إذا كانت المخالفة في شؤون الدين ، فتعال واقرأ :

1 - عن ابن عباس : لما حضر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطّاب ، قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « هلمَّ اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده » ، قال عمر : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب اللّه.

فاختلف أهل البيت فاختصموا ، فمنهم من يقول : قربّوا يكتب لكم النبيّ صلى اللّه عليه وآله كتاباً لن تضلّوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلمّا اكثروا اللغو والاختلاف عند النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، قال رسول اللّه : « قوموا » (1).

وينقل البخاري نفسه أنّه صلى اللّه عليه وآله قال : « آتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً » ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيّ تنازع ، فقالوا : هجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله(2).

إنّه ما أعظمه من اعتراض! وهل يوجد اعتراض أكبر من هذا يوجّه إلى النبيّ؟ ويقابل به بهذا الشكل من الوقاحة؟ إنّه صلى اللّه عليه وآله يطلب أن يكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده أبداً ، وهل يوجد كتاب أعظم من هذا الكتاب الذي لا يضلّ بعده المسلمون؟ ويأتي الاعتراض والردّ على النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأنّه غلبه الوجع أو هجر ، وهل تعلم ما معنى ذلك؟ أي أنّه يتكلّم بلا شعور ولا إدراك ، في الوقت الذي

ص: 403


1- صحيح البخاري 7 / 9 و 8 / 161 ، صحيح مسلم 5 / 76 ، المصنّف للصنعاني 5 / 438 ، مسند أحمد 1 / 324.
2- صحيح البخاري 4 / 31.

يقول عنه تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (1) ، ماذا يتصوّر من جريمة أعظم من هذه الجريمة؟

واقبح من هذا أن يأتي المرقّع فيقول : إنّ المقصود الاستفهام ، أي أهَجَر ، وهل الاستفهام أقلّ قبحاً من نسبة الهجر إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله من دون الاستفهام.

2 - عن أبي وائل قال : « قام سهل بن حنيف يوم صفّين فقال : أيّها الناس اتهموا أنفسكم ، لقد كنّا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يوم الحديبية ، ولو نرى قتالاً لقاتلنا ، وذلك في الصلح الذي كان بين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وبين المشركين ، فجاء عمر بن الخطّاب ، فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال : يا رسول اللّه ألسنا على حقّ وهم على باطل؟

قال : « بلى » ، قال : أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار؟ قال : « بلى » ، قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ، ولمّا يحكم اللّه بيننا وبينهم؟ فقال : « يا بن الخطّاب إنّي رسول اللّه ، ولن يضيعني اللّه أبداً ».

قال : فانطلق عمر فلم يصبر متغيّظاً ، فأتى أبا بكر ، فقال : يا أبا بكر ألسنا على حقّ وهم على باطل؟ قال : بلى ، قال : أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار؟ قال : بلى ، قال : فعلامَ نعطي الدنية في ديننا ونرجع ، ولمّا يحكم اللّه بيننا وبينهم؟

فقال : يا بن الخطّاب إنّه رسول اللّه ، ولن يضيعه اللّه أبداً ، قال : فنزل القرآن على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالفتح ، فأرسل إلى عمر فأقرأه إيّاه ، فقال : يا رسول اللّه أو فتح هو؟ قال : « نعم » فطابت نفسه ورجع » (2).

ولا ندري ما هو الاعتراض إذا لم تكن مواجهة النبيّ صلى اللّه عليه وآله بهذه الشدّة اعتراضاً.

ص: 404


1- النجم : 3 - 4.
2- صحيح مسلم 5 / 175 ، صحيح البخاري 4 / 70 و 6 / 45 ، مسند أحمد 3 / 486.

وقد يقول قائل : هل في المشورة بأس؟ وهل من القبيح أن يدلي بعض الصحابة برأيه في موضوع معيّن؟ ولماذا لا نحمل هذين الخبرين على ذلك؟

والجواب واضح ، فإنّ التشاور يعني إبداء الرأي من دون رفض ومعارضة بخلاف الاعتراض ، فإنّه يعني الرفض والإنكار دون مجرد إبداء الرأي ، وواضح أنّه في هذين الحديثين نجد الرفض والإنكار بأعلى درجاته ، إنّه إلى حدِّ نسبة الهجر إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وإلى حدٍّ لا يكتفي عمر بجواب الرسول صلى اللّه عليه وآله حتّى يذهب إلى أبي بكر ، وينزل القرآن بعد ذلك ، وتطيب آنذاك نفس الخليفة ، إنّه إلى حدٍّ يتغيّض على النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

وأمّا ما أشرتم إليه من أنّه هل هناك ذمّ من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام؟ فجوابه : إنّ الشخص الذي تصدر منه مثل هذه المواجهة للنبي صلى اللّه عليه وآله - الذي هو أعظم شخصية إسلامية - ويسكت النبيّ صلى اللّه عليه وآله خوفاً على الإسلام من أن يصاب بثلمة بسبب الاختلاف ، فكيف بالإمام علي عليه السلام؟

هل تتوقّعون منه الاعتراض والذمّ؟ وقد صدر أكبر ذمّ منه عليه السلام للخليفة الثاني ، وذلك بعد موت الخليفة في الخطبة الشقشقية المعروفة ، التي من أجلها أنكرتم وأنكر أصحابكم نسبة نهج البلاغة إلى الإمام علي عليه السلام ، ولكن ليس وراء الحقّ إلاّ الضلال.

وأمّا ما أشرتم إليه من أنّه إذا حكمت بعدم عدالة عمر فكيف زوجّه الإمام عليه السلام بابنته ، بعد عدم كونه كفؤاً ، فهو مضحك حقّاً ، حيث ليس لكم اطلاع على أنّ المسلم كفؤ المسلمة ، وليس العادل كفؤ العادلة ، إنّ التكافؤ لابدّ أن يكون بالإسلام وليس بالعدالة ، وبهذا تبطل جميع المقدّمات والشقوق المنطقية أو العقلية ، التي سوّدتم صحيفتكم بها.

نسأله تبارك وتعالى الهداية والتوفيق.

ص: 405

ص: 406

العولمة والحداثة :

اشارة

( خليفة الرحمن - السعودية - .... )

موقف الإسلام منهما :

س : ما مفهوم كُلّ من المصطلحين التاليين : الحداثة؟ العولمة؟ وما موقف الإسلام منهما؟ وما دور الشباب المسلم تجاه ما يعنيانه؟ وفّقكم اللّه وسدّد خطاكم.

ج : تارة نتكلّم عن الحداثة في مفهومها اللغوي ، وتارة في مفهومها العلماني.

فالحداثة بمفهومها اللغوي هي بمعنى الأكثر جدّة ، فهذا الجديد أو الأجد إذا كان ينسجم مع أحكام الإسلام وقوانينه ولا يعارضه ، فموقف الإسلام منه موقف إيجابي لا سلبي ، فالإسلام لا يحارب الجدّة والحداثة ، نعم هو يحارب كُلّ ما يتعارض مع أحكامه وقوانينه.

وأمّا الحداثة بمفهومها العلماني هي عبارة عن الابتداع في كُلّ شيء من شؤون الحياة ، حتّى لو أدّى إلى ضرب الدين عرض الجدار ، وهذا ممّا لاشكّ فيه يتنافى مع روح الإسلام ، فالإسلام مع الحداثة التي تنسجم مع قوانينه الخالدة ، وضدّ الحداثة التي هي الدعوة إلى ضدّها ، ولكن بأسلوب جديد وحديث.

ص: 407

وأمّا بالنسبة إلى العلمانية فهي بمفهومها الوضعي عبارة عن الرجوع إلى نتائج البحث العلمي البشري البحت بعيداً عن الدين ، فالعلمانية بهذا المفهوم تتنافى مع الدين.

ولاشكّ أنّ الدين قائم على أساس العلم ، والعلم قائم على الأسس العقلية المتينة ، والقواعد المنطقية الصحيحة ، ولا يوجد في الدين ما يتنافى مع ضرورات العقل ، والمقرّرات العقلية للعلم ، أمّا المقرّرات غير القطعية فبما أنّها عُرضة للتغيير فلا يمكن أن نربط الدين بها ، فيصبح الدين متغيّراً ، فليس من الصحيح أن نقول : أنّ الدين تبع للعلم.

إذاً ، العلمانية لا تعتقد بالثوابت الدينية ، وإنّما تعتمد على نتائج الفكر البشري المحدود.

وبتعبير آخر أوضح : إنّ العلمانية أُريد لها أن تكون شيئاً مضادّاً للدين ، يعني هناك أطروحتان لإدارة الحياة : أطروحة إلهية ، وأطروحة وضعية بشرية بعيدة عن قوانين الدين ، ولهذا حينما تقارن التشريعات يقال : هذا تشريع ديني إلهي ، وهذا تشريع وضعي بشري.

فالأطروحة العلمانية هي الأطروحة الوضعية التي تتقيّد بنتائج الفكر البشري ، بعيدة عن الدين عقائداً وأخلاقاً وأحكاماً ، وبهذا تتنافى مع الدين.

وليس المقصود من العلمانية في الاصطلاح معناها اللغوي المشتقّ من العلم ، لأنّ العلم في حدود القواعد المنطقية والأُسس العقلية السليمة يقرّ بالدين ، ولا يتنافى مع الدين في الحدود المسموح بها.

أمّا هناك أُمور غير مسموح بها لأنّها فوق طاقة العقل البشري ، ولهذا تجد المختبرات العلمية تكتشف اليوم أمراً ثمّ تنسفه غداً ، أمّا في الدين لا يوجد شيء من هذا القبيل إنّما حلال محمّد صلى اللّه عليه وآله حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

ص: 408

فالتغيّر إنّما يكون في الموضوعات أو في المصاديق ، أمّا في أصل الأحكام فإنّها ثابتة لا تقبل التبديل والتعديل.

( ... - ... - ..... )

المجتمع الحديث :

س : ما هو المقصود من المجتمع الحديث؟ وشكراً.

ج : المجتمع الحديث هو الذي يستخدم أفراده وحكومته أكثر المنجزات العلمية والتكنولوجية تطوّراً في إنجاز أعمالهم ونيل أهدافهم ، أي أنّهم في المجتمع الحديث ، إذا أرادوا إرسال نداء أو رسالة لا يرسلون قاصداً بل يستخدمون أفضل وسائل الاتصال في أسرع وقت ، وفي منتهى الدقّة ، كما أنّ الحكومة تمتلك أفضل المعلومات ، وتستخدم أرقى العلوم تطوّراً لتحليل قضاياها ، كما أنّها مسلّحة بآخر المنجزات الصناعية.

ص: 409

ص: 410

الغدير :

اشارة

( حميد - عمان - .... )

دلالة حديث الغدير على إمامة علي عليه السلام :

س : ما هو حديث الغدير؟ وكيف يدلّ على إمامة علي عليه السلام؟

ج : حديث الغدير هو : قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حجّة الوداع بغدير خم ، حينما قام في الناس خطيباً - من خطبة طويلة - : « يا أيّها الناس إنّ اللّه مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه ، فهذا مولاه - يعني علياً - اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ... ».

وقد روى هذا الحديث كثير من الصحابة ، وأورده جمع كبير من علماء الفريقين في كتبهم ، وأرسلوه إرسال المسلّمات(1).

ودلالة الحديث على خلافة وولاية علي عليه السلام واضحة ، فلا يمكن حمل الولاية على معنى المحبّ والصديق وغيرهما ، لمنافاته للمطلوب بالقرائن الحالية والمقالية.

أمّا المقالية : فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ذكر ولاية علي بعد ولاية اللّه وولايته ، ثمّ جاء بقرينة واضحة على أنّ مراده من الولاية ليس هو الصديق والمحبّ وما

ص: 411


1- مسند أحمد 1 / 118 و 152 و 4 / 281 و 370 و 5 / 347 و 370 ، الجامع الكبير 5 / 297 ، سنن ابن ماجة 1 / 45 ، المستدرك 3 / 109 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 495 ، مجمع الزوائد 9 / 104 ، المعجم الكبير 4 / 17 و 5 / 170 و 5 / 192 و 5 / 204 ، شواهد التنزيل 2 / 381 ، التاريخ الكبير 1 / 375 ، الكامل في ضعفاء الرجال 3 / 256 ، 6 / 82 و 350 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 213 و 217 و 230 ، تهذيب الكمال 20 / 484 ، تهذيب التهذيب 7 / 296 ، الجوهرة : 67 ، البداية والنهاية 5 / 231 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 421 ، ينابيع المودّة 2 / 249 و 283 و 391.

شاكل ، وذلك بقوله : « وأنا أولى بهم من أنفسهم » ، فهي قرينة تفيد أنّ معنى ولاية الرسول ، وولاية اللّه تعالى ، هو الولاية على النفس ، فما ثبت للرسول يثبت لعلي عليه السلام ، وذلك لقوله : « من كنت مولاه فهذا مولاه ».

وأمّا الحالية : فإنّ أيّ إنسان عاقل إذا نعيت إليه نفسه وقرب أجله تراه يوصي بأهم الأُمور عنده ، وأعزّها عليه.

وهذا ما صنعه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حينما حج حجّة الوداع ، حيث جمع المسلمين وكانوا أكثر من مائة ألف في يوم الظهيرة في غدير خم ، ويخطبهم تلك الخطبة الطويلة ، بعد أن أمر بإرجاع من سبق ، وانتظار من تأخّر عن العير ، وبعد أمره لتبليغ الشاهد الغائب.

كُلّ هذا فعله الرسول صلى اللّه عليه وآله ليقول للناس : إنّ علياً محبّ لكم صديق لكم ، فهل يليق بحكيم ذلك؟ وهل كان خافياً على أحد من المسلمين حبّ علي عليه السلام للإسلام والمسلمين؟ وهو الذي عرفه الإسلام بإخلاصه وشجاعته ، وعلمه وإيمانه.

أم أن ذلك يشكّل قرينة قطعية على أنّه صلى اللّه عليه وآله جمعهم لينصب بعده خليفة بأمر اللّه تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (1).

نسأله تعالى أن يعرّفنا الحقّ حقّاً ويوفّقنا لاتباعه.

( عبد السلام - هولندا - سنّي )

عيد من الأعياد الإسلامية :

س : هل للمسلمين عيدين فقط ، كما يوجد في بعض الأحاديث أم لا؟ وهل هناك أحاديث بأنّ صيامه سنّة مؤكّدة؟ اذكروها إن أمكن ، ولكم جزيل الشكر.

ج : اتفق المسلمون على وجود عيدين في الإسلام ، عيد الأضحى ، وعيد الفطر ، وتترتّب عليه بعض الأحكام الفقهية ، مثل حرمة الصيام فيهما.

ص: 412


1- المائدة : 67.

أمّا مسألة صومه ، فهناك أحاديث كثيرة في فضله ، رويت من طرق الشيعة وأهل السنّة على السواء.

وإليك بعض ما روي في كتب السنّة : عن أبي هريرة قال : من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجّة ، كتب اللّه له صيام ستين شهراً ، وهو يوم غدير خم ، لما أخذ النبيّ صلى اللّه عليه وآله بيد علي بن أبي طالب فقال : « ألست ولي المؤمنين »؟

قالوا : بلى يا رسول اللّه ، فقال : « من كنت مولاه فعلي مولاه ».

فقال عمر بن الخطّاب : بخ بخ لك يا بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كُلّ مسلم ، فأنزل اللّه تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ ... ) (1).

وعليه فعيد الغدير من الأعياد الإسلامية الكبرى ، لأنّه المتمّم لمفاهيم عيدي الفطر والأضحى ، إذ بعيد الفطر يتميّز الصائمون من غيرهم ، وبعيد الأضحى يتميّز الحجّاج ، ومن يعظّمون الحجّ عن غيرهم ، وبعيد الغدير يتميّز من يقدّس هذين العيدين بأبعادهما الإسلامية كاملة.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

نزول آيتي البلاغ والإكمال في علي :

س : أودّ أن أسأل حضراتكم عن الآيتين : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) ، و ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) ؟

فالأُولى رقمها ( 67 ) في سورة المائدة ، والثانية رقمها ثلاث في نفس السورة ، وكما نسمع في الروايات أنّ آية البلاغ نزلت قبل آية الإكمال ، لكن في القرآن نجدها بعد آية الإكمال ، كيف ذلك؟

ثمّ هل إنّ الروايات القائلة بنزول الآيتين في شأن الإمام علي عليه السلام متواترة؟

ج : إنّ القرآن الكريم رتّبت آياته من قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، بأمر الوحي عن اللّه تعالى ، ولا علاقة لذلك بترتيب السابق واللاحق في النزول ، وهذا ما يسمّى

ص: 413


1- المائدة : 3 ، شواهد التنزيل 1 / 200 و 203 ، تاريخ بغداد 8 / 284 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 233 ، البداية والنهاية 7 / 386 ، المناقب : 156.

بالنظم - أي نظم آيات السورة بحسب أغراض ومصالح معينة ، قد تظهر أسبابها عندنا ، وقد تخفى أسباب بعضها كذلك -.

واعلم إنّ آية ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) إذا أخذنا فيها ترتيب الآيات - وهو ما نسمّيه بسياق الآيات - بنظر الاعتبار ، فإنّ الآيات التي قبلها والتي بعدها تتحدّث عن أهل الكتاب ، فالآية التي قبلها هي : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ ... ) ، والآية التي بعدها هي : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ... ) ، مع أنّ اليهود والنصارى في ذلك العهد النبوي لم يكن لهم شأنٌ وخطر ، فهم ليس بأهل قوّةٍ ولا شوكةٍ ، ولا سطوة حتّى يخشى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله منهم ، إن هو بلّغ الإسلام ، فإنّ الإسلام عند نزول الآية قد أعزّه اللّه تعالى بقوّته ، وتمكّنت سطوته ، فلا معنى لخوف النبيّ صلى اللّه عليه وآله من النصارى في تبليغ الإسلام ، وإذا كان الأمر كذلك ، فإنّ الآية تشير إلى تبليغ أعظم ، وأمر أخطر لم يألفه المسلمون ، وسيرتاب منه المنافقون ، ويتزعزع لعظم خطره أهل الجاه والدنيا ، وهذا الأمر هو تبليغ ولاية علي عليه السلام الذي لا يطيقه المنافقون ، والذين في قلوبهم مرض ، فإنّهم سيحاولون إلى التصدّي لجهوده صلى اللّه عليه وآله.

لذا أخبره تعالى أنّه سيعصمك من خطر هؤلاء ومن مؤامراتهم ، مضافاً إلى أنّ الروايات من قبل الفريقين تؤكّد أنّ آية ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) نزلت في تبليغ ولاية علي عليه السلام(1) ، ممّا يعني أنّ ترتيب الآيات وسياقها لا علاقة له بمعنى الآية وسبب نزولها.

لذا فلا عليك أن ترى تقدّم آية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) على آية ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) ، فإنّ روايات أهل السنّة والشيعة كُلّها متّفقة على نزولهما في تبليغ ولاية علي عليه السلام.

ص: 414


1- أُنظر : أسباب نزول القرآن : 135 ، شواهد التنزيل 1 / 239 و 249 و 256 و 353 و 402 و 2 / 391 و 451 ، الدرّ المنثور 2 / 298 ، فتح القدير 2 / 60 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 237 ، المناقب : 7 ، ينابيع المودّة 1 / 359 و 2 / 249 و 285.

( أبو مهدي - .... - .... )

أحد الأدلّة على إمامة علي :

س : لقد ناقشت أحد إخواننا السنّة حول قضية الغدير ، والتي صرّح فيها الرسول صلى اللّه عليه وآله بالولاية لعلي عليه السلام ، فأجابني : بأنّ الموقف كان بيان من الرسول ليوضّح منزلة علي عليه السلام منه وحبّه ، والسبب الوحيد هو ليزيل ما في قلوب بعض الصحابة عليه ، ولو أراد خلافته فلم لم يصرّح بوضوح ، كأن يقول : يا أيّها الناس إنّ علياً إمامكم من بعدي ، وقد فرض اللّه طاعته عليكم.

فالرجاء إعطائي جواباً شافياً مع الشكر الجزيل.

ج : قد صرّح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام من بعده في عدّة أحاديث ، من بداية الدعوة الإسلامية وإلى يوم الغدير ، ومن تلك الأحاديث :

1 - حديث الدار : عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، أنّه لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (1) : « دعاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وقال لي : يا علي ، ... إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوه »(2) ، فهل تجد أصرح من هذه العبارة؟

2 - حديث الولاية : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « أنت وليّ كُلّ مؤمن بعدي » (3) ، أو : « أنت وليّ كُلّ مؤمن بعدي ومؤمنة »(4) ، أو : « أنت وليّي في كُلّ مؤمن بعدي »(5).

ص: 415


1- الشعراء : 213.
2- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 63 ، كنز العمّال 13 / 114 ، شرح نهج البلاغة 13 / 211 ، جواهر المطالب 1 / 80 ، جامع البيان 19 / 149 ، شواهد التنزيل 1 / 486 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 364 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 49 ، السيرة النبوية لابن كثير 1 / 459.
3- ذخائر العقبى : 87 ، مجمع الزوائد 9 / 120 ، مسند أبي داود : 360 ، خصائص أمير المؤمنين : 64 ، المعجم الكبير 12 / 78 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 199 ، الجوهرة : 64 ، البداية والنهاية 7 / 381 ، جواهر المطالب 1 / 212 ، ينابيع المودّة 2 / 86.
4- المستدرك 3 / 134.
5- مسند أحمد 1 / 331 ، كتاب السنّة : 552 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 102.

أليس هذا الحديث يدلّ على ثبوت الأولوية بالتصرّف لعلي عليه السلام؟ وهذه الأولوية مستلزمة للإمامة.

3 - حديث الغدير : أخرج أحمد بن حنبل بسند صحيح وغيره عن زيد بن أرقم قال : نزلنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بواد يقال له : وادي خم ، ... قال صلى اللّه عليه وآله : « فمن كنت مولاه فإنّ علياً مولاه ، اللّهم عاد من عاداه ، ووال من والاه »(1).

فأثبت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في هذا الحديث لعلي عليه السلام ما ثبت له من الأولوية بالناس من الناس ، أي من أنفسهم ، ثمّ إنّهم - أي الصحابة - جميعاً بايعوه على هذا ، وسلّموا عليه بإمرة المؤمنين ، وهنّؤوه ، ونظمت فيه الأشعار.

( هاشم - الكويت - 18 سنة - طالب جامعة )

المولى بمعنى الإمام لا المحب والنصير :

س : نشكركم على إتاحة الفرصة لنا بالاستفادة منكم ، أدام اللّه توفيقكم.

سؤالي هو : لماذا لا تكون عبارة النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « من كنت مولاه فهذا مولاه » دليلاً وقرينة على أنّ معنى « المولى » هو المحبّ والنصير؟

ج : إنّ هذه الشبهة هي محاولة منسوخة من قبل البعض لتأويل معنى « المولى » في حديث الغدير(2) ، ولكنّها مردودة لوجوه :

منها : إنّ صدر الحديث لا يحتمل فيه هذا التوجيه ، إذ لا يعقل أن يأمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله الناس بالاجتماع والإصغاء إلى مجرّد معنى المحبّة والنصرة.

وبعبارة أُخرى : لدينا قرينة حالية صريحة بأنّ ذاك الاهتمام البالغ لا يتصوّر أن ينصب فقط لبيان كون علي عليه السلام محبّاً وناصراً ، لمن كان النبيّ محبّاً وناصراً له ، أو بمعنى : من أحبّني وتولاّني فليحبّ علياً وليتولّه.

ص: 416


1- مسند أحمد 4 / 372 ، البداية والنهاية 7 / 385.
2- شرح تجريد العقائد : 368.

ومجمل الكلام : إنّ القرينة المقامية والحالية توجب رفع اليد عن معنى المحبّ والناصر للمولى في صدر الحديث ، بل وصرفه إلى معنى الأولوية على الأنفس التي هي الإمامة.

وأمّا تتمّة الحديث ، فلابدّ من لحاظها مع صدر الحديث لا بالاستقلال ، فيكون الدعاء الوارد في ذيل الحديث متوجّهاً إلى من قبل إمامة علي عليه السلام.

( أبو حسين - الكويت - .... )

بلّغ الرسول فيه لا في نفس الحجّ :

س : عندي سؤال حفظكم اللّه :

بالنسبة لواقعة غدير خم ، ما هو المغزى لتأخّر الرسول صلى اللّه عليه وآله بإبلاغ الناس عن ولاية الإمام علي عليه السلام؟ لماذا لم يخطب بالناس في الحجّ؟ مع أنّ الناس هناك كانوا أكثر؟ أفيدوني.

ج : إنّ الوحي الإلهي لا يخضع في أصل وجوده وكيفية نزوله للعقل البشري ، لأنّ دوره هو هداية الإنسان ، فلا يقع تحت شمول القواعد والتحليلات العقلية.

وفي المقام ، لا يسعنا التكهّن بمصلحة مكان وزمان واقعة الغدير ، بل وحتّى النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان قد تعبّد فيهما ، فعندما نزل الوحي وقرأ جبرائيل عليه السلام آية التبليغ ، انصدع الرسول صلى اللّه عليه وآله لأمر السماء ، وبلّغ ما أمر به ، ولم يتقدّم أو يتأخّر في تنفيذه.

فالمهم في الموضوع : أن نرى تواتر حديث وواقعة الغدير ، فإنّها - بحمد اللّه تعالى - مسجّلة في أُمّهات مصادر الفريقين ، ولم ولن يستطيع المناوئون إخفاء فضائل أهل البيت عليهم السلام أو تضييعها ، فأصل الحادث أمر مسلّم ، وأمّا حكمة إبدائه في ذلك المقطع من الزمان والمكان فيه شيء آخر ، قد يذكر له وجوه استحسانية ، فلا يهمّنا معرفتها بعد أن تيقّنا أصل الواقعة.

ص: 417

ثمّ إنّ مدلول حديث الغدير هو إمامة أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وهذا المعنى جاء في حديث الثقلين ، ثمّ إنّ حديث الثقلين قد ورد في عدّة أمكنة ، منها : في حجّة الوداع عند زمزم(1) ، وفي عرفات(2) ، وفي مسجد الخيف(3).

فترى أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد بلّغ في أزمنة وأمكنة متعدّدة - قبل وبعد الغدير - ولاية الإمام علي عليه السلام ، وأمّا خصوصية الغدير فتكمن في نزول آية التبليغ والإكمال فيها ، وبيعة المسلمين الذين حضروا المشهد بأجمعهم مع أمير المؤمنين عليه السلام ، وهذه المسألة فريدة في نوعها في تثبيت إمامة الإمام علي عليه السلام والتأكيد عليها.

( سعد - الكويت - .... )

تحقيق حول معنى المولى :

س : أهل السنّة يقولون : إنّ كلمة مولاه لا تعني أولى بالشيء ، ويقولون : تعني النصرة والمحبّة ، ويستندون بآية ( فَإِنَّ اللّه هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) (4) فكيف نردّ على هذه الآية؟

ثمّ هل هناك فرق بين كلمة مولى وكلمة والي وكلمة أُولي؟ ولماذا لم يقل النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الغدير أُولي؟ وشكراً.

ج : إنّ الولاية التي نؤمن بها هي : الإمامة والإمارة ، والسلطة الدينية والدنيوية ، وقيادة الأُمّة بعد نبيّها صلى اللّه عليه وآله على الصراط المستقيم ، والمحجّة البيضاء ، والحفاظ على الإسلام والمسلمين.

ص: 418


1- تاريخ اليعقوبي 2 / 109.
2- الجامع الكبير 5 / 328 ، المعجم الأوسط 5 / 89 ، المعجم الكبير 3 / 66 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 ، نظم درر السمطين : 232 ، ينابيع المودّة 1 / 109 و 125.
3- ينابيع المودّة 1 / 109.
4- التحريم : 4.

وقد عبَّر النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن هذه الولاية بعدّة ألفاظ منها : « ولي ومولى » ، وهذين اللفظين قد صحّحهما أهل السنّة أيضاً ، ووردت بألفاظٍ أُخرى عند الفريقين ، ولكن أهل السنّة ضعّفوها ، مثل لفظ : « خليفة وأمير و... ».

وأمّا النقاش في اللفظين الصحيحين عند الفريقين ، فهما بالاتفاق بمعنى واحد ، وهو الولاية ، قال الفرّاء : والوليُّ والمولى واحدٌ في كلام العرب.

قال أبو منصور : من هذا قولُ سيّدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أيُّما امرأة نكحتْ بغير إذن مولاها » ، ورواه بعضهم : « بغير إذن وليِّها » لأنّهما بمعنى واحد.

وروى ابن سلام عن يونس قال : ... ومنه قول سيّدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من كنت مولاه فعلي مولاه » أي : مَنْ كنت وليُّه.

قال الزجاج : والولاية التي بمنزلة الإمارة مكسورة ... والوليُّ : ولي اليتيم الذي يلي أمره ، ويقوم بكفايته ، وولي المرأة : الذي يلي عقد النكاح عليها ، ولا يدعها تستبد بعقد النكاح دونه.

وقال ابن منظور : وليّ : في أسماء اللّه تعالى : الوليُّ هو الناصر ، وقيل : المتولّي لأُمور العالم والخلائق القائم بها ، ومن أسمائه عزّ وجلّ : الوالي ، وهو مالك الأشياء جميعها المتصرّف فيها.

وقال ابن الأثير : وكأنّ الولاية تُشعر بالتدبير والقدرة والفعل ، وما لم يجتمع ذلك فيها لم يطلق عليه اسم الوالي(1).

ومن هذا القول الأخير لابن الأثير تعلم الردّ على أهمّ إشكالاتهم حول الولاية ، بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يجب عليه أن يقول « والي » ، وليس ولي أو مولى.

فاشتراط الفعل والقدرة على الولي كي يسمّى والياً ، غير متوفّر في الإمام علي عليه السلام في زمان النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهو صلى اللّه عليه وآله على قيد الحياة ، فهو عليه السلام لم يعمل ، ولم يباشر بالولاية في زمان النبيّ صلى اللّه عليه وآله أبداً ، وهذا ما أشار إليه النبيّ صلى اللّه عليه وآله في بعض الروايات بقوله : « بعدي ».

ص: 419


1- لسان العرب 15 / 406.

وفي البعض الآخر قوله صلى اللّه عليه وآله : « تركت فيكم » ، وفي حديث الغدير قال صلى اللّه عليه وآله : « يوشك أن يأتيني رسول ربّي عزّ وجلّ فأُجيب ، وإنّي مخلّف فيكم الثقلين ... » (1).

وروي عن أبي هريرة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة اقرؤا إن شئتم : النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ » (2).

فهذا البيان كُلّه قد قرَّره أهل اللغة ، وهو المرجع الذي سوف نفهم الآيات الكريمة ، والأحاديث الشريفة على أساسه ، ونرى ما إذا دلّت على ذلك.

فبعد أن رأينا أنّ لفظة « ولي أو مولى » تأتي في اللغة بمعان عديدة ، منها ما ندّعيه هنا في هذا المقام ، وكذلك تدلّ على معانٍ عدّة أُخرى ، فيشترط أهل اللغة والعقل والعلم الشرعي : بأنّ اللفظ المشترك بين معانٍ متعدّدة ، يسمّى مشتركاً لفظياً ، ولا يجوز استخدامه في أيّ معنى من المعاني ، حتّى تنصب له القرينة الدالّة ، والمحددة للمعنى الذي يريده المتكلّم.

ولدينا على إثبات مدّعانا قرائن عديدة ، منها حالية ، ومنها مقالية ، نذكر أهمها :

1 - القرائن الحالية : وهي اختيار النبيّ صلى اللّه عليه وآله غدير خم - ذلك المكان الذي يعتبر مفترق الطرق بين مكّة والمدينة - وبعد الحجّ ، بل بعد حجّة الوداع التي دعا النبيّ صلى اللّه عليه وآله المسلمين كافّة للتشرّف بحضورها ، حتّى حضر معه مائة ألف مسلم أو أكثر ، وهذا المكان منه يفترق المسلمون للرجوع إلى ديارهم ، وهو أقرب نقطة على كلّ أحد من الجهات المختلفة للبلاد الإسلامية.

فهو آخر مكان يمكن فيه اجتماع النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأكثر المسلمين في ذلك الوقت ، قبل الافتراق والرحيل إلى الرفيق الأعلى. .

ص: 420


1- مسند أحمد 4 / 367 ، صحيح مسلم 7 / 122 ، السنن الكبرى للبيهقي 2 / 148 ، الجامع الصغير 1 / 244 ، كنز العمّال 1 / 178 ، دفع شبه التشبيه : 103.
2- صحيح البخاري 6 / 22 ، السنن الكبرى للبيهقي 6 / 238 ، جامع البيان 21 / 147 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 476 ، الدرّ المنثور 5 / 182.

وكذلك تقديم النبيّ صلى اللّه عليه وآله المتأخّرين بانتظارهم حتّى اجتمعوا ، وإرجاع المتقدّمين الذين أسرعوا بالسير ، وجمعهم في تلك البقعة ، وفي ذلك الوقت الحارّ ، وقت الظهيرة الشديد الحرّ ، وخصوصاً أنّهم قد قضوا مناسكهم وهم مسافرون ، وتنتظرهم مسافات شاسعة للوصول إلى ديارهم وأهليهم.

فما هو ذلك الأمر المهمّ ، الذي يستوجب كُلّ هذا من جمع كبير ، وحشد مؤمن راجع من شعيرة عظيمة تمحي الذنوب ، وترجع العبد إلى ربّه كالثوب الأبيض ، وتهيأه لتحمّل أمر صعب القبول على النفس الأمارة بالسوء؟

فأوضح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعد ذلك بخطبته البليغة ما يريد أن يزفّ من بشرى وعيد للمؤمنين ، مع خوفه وإشفاقه على الآخرين ، الذين سيغيّرون ويحدثون في الدين من بعده صلى اللّه عليه وآله ، كما صرّح بذلك في مناسبات أُخر.

2 - القرائن المقالية : وهي ابتداء النبيّ صلى اللّه عليه وآله بقوله : « يوشك أن يأتيني رسول ربّي عزّ وجلّ فأُجيب ».

فهذه قرينة واضحة لكُلّ عاقل ، بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يريد أن يوصي أُمّته وصية موته ، وأمر الأُمّة من بعده ، وقوله صلى اللّه عليه وآله : « وإنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه فيه الهدى والنور ... وأهل بيتي » (1) ففيها دلالة على ترك البديل له صلى اللّه عليه وآله ، والممثّل الشرعي من بعده.

وقوله صلى اللّه عليه وآله : « أذكركم اللّه في أهل بيتي » تأكيد عميق منه صلى اللّه عليه وآله ، بعد أن أكّد ذلك ثلاث مرّات بالتكرار ، للتأكيد على هذا الأمر العظيم الثقيل ، الذي يتوقّع عدم قبوله من أكثرهم.

وأمّا في الرواية الأُخرى ، ففي بدايتها يشهدهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله بقوله : « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم »؟ قالوا : بلى ، فأكّد ثانياً ، وقال : « ألست أولى

ص: 421


1- صحيح مسلم 7 / 123 ، سنن الدارمي 2 / 432 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 30 و 114 ، تحفة الأحوذي 10 / 197.

بكُلّ مؤمن من نفسه »؟ قالوا : بلى ، بعد الإقرار منهم له صلى اللّه عليه وآله ، بأنّه أولى بالتصرّف بهم من أنفسهم ، وله الولاية العظمى عليهم ، أتبع ذلك بقوله : « من كنت مولاه فعليٌّ مولاه »(1) ، فهذا تفريع على ذلك الإقرار وتلك المقدّمة.

وأمّا عدم قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله أولى صراحة فلأنّه إمام البلغاء ، فلو استخدم هذا اللفظ فسوف يقول : « من كنت أولاه فعلي أولاه » ، وهذا لا يجوز في اللغة العربية ، وكذلك أنّ لفظة « أولى » مبنية على أفعل التفضيل - الذي فيه مشاركة وزيادة - فتعني أنّ علياً أولى من ولي آخر ، ولا يوجد هناك ولي آخر في ذلك الوقت ، لأنّ الإمام والقائد يجب أن يكون واحداً للزمان الواحد ، وهذا بديهي ومسلّم من الجميع.

وعليه ، فإنّ علياً عليه السلام الولي الوحيد بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (2) ، وإنّما تفيد الحصر والقصر.

ولو أردت قرائن أُخر ، وروايات شتّى ، وأقوال لعلماء أهل السنّة ، وحتّى الصحابة بمعنى الولاية وقصدها من النبيّ صلى اللّه عليه وآله لزدناك.

( أُمّ محمّد - الكويت - 40 سنة - جامعية )

عصم النبيّ فيه من القتل والتكذيب :

س : من المؤكّد أنّ العصمة الموعودة من اللّه تعالى لنبيّه الكريم في آية ( وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (3) لا تشير إلى خوف من النبيّ على نفسه ، وإنّما

ص: 422


1- مسند أحمد 4 / 281 ، سنن ابن ماجة 1 / 43 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 503 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 221 ، البداية والنهاية 5 / 229 و 7 / 385 ، المناقب : 155 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 417 ، ينابيع المودّة 1 / 98.
2- المائدة : 55.
3- المائدة : 67.

خوف من التكذيب وعدم نفاذ هذا الأمر ، فكيف استطاع عمر بن الخطّاب أن يمنعه بقوله : إنّه ليهجر؟

ج : إنّ الروايات الواردة في تفسير هذه الآية عن أهل البيت عليهم السلام ، وكذلك أقوال المفسّرين من الإمامية وغيرهم ، تشير إلى أنّ العصمة التي وعد اللّه نبيّه صلى اللّه عليه وآله في هذه الآية ، تدور بين أمرين ؛ إمّا العصمة من القتل ، أو العصمة من التكذيب حين تبليغ ما أمر اللّه عزّ وجلّ بتبليغه ، وكلاهما قد وفى اللّه سبحانه بهما لنبيّه صلى اللّه عليه وآله.

ففي حديث طويل عن ابن عباس : فانزل اللّه تبارك وتعالى عليه : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « تهديد بعد وعيد ، لأمضين أمر اللّه عزّ وجلّ ، فإن يتّهموني ويكذّبوني فهو أهون عليَّ من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا والآخرة » (1).

وفي شرح أُصول الكافي للمولى المازندراني : قوله : ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) من ولاية علي عليه السلام ، ( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) ، لأنّ الولاية أصل الدين وسائر الشرائع فروع وتوابع لها ، وعدم تبليغ الأصل موجب لعدم تبليغ الفرع قطعاً ، ( وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) قد وفى اللّه تعالى بما وعده ، حيث أنّهم عن آخرهم قبلوا منه ذلك وصدّقوه يومئذ ، وحيّوه بأحسن تحية وباركوه(2).

وعن ابن عباس وجابر بن عبد اللّه قالا : أمر اللّه محمّداً صلى اللّه عليه وآله أن ينصب علياً للناس فيخبرهم بولايته ، فتخوّف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يقولوا : حابى ابن عمّه ، وأن يطعنوا في ذلك عليه ، فأوحى اللّه إليه الآية(3).

ص: 423


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 436.
2- شرح أُصول الكافي 6 / 119.
3- مجمع البيان 3 / 382.

وفي المصدر ذاته : وقد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهما السلام أنّ اللّه أوحى إلى نبيّه صلى اللّه عليه وآله أن يستخلف علياً عليه السلام فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه ، فأنزل اللّه سبحانه هذه الآية تشجيعاً له على القيام بما أمره بأدائه(1).

وقد وردت بعض الأقوال في تفسير هذه الآية بالعصمة من القتل(2).

ومن خلال ذلك نعلم أنَّ العصمة للنبي صلى اللّه عليه وآله تحقّقت بشقّيها - سواء الخشية من القتل أو الخشية من التكذيب - حيث سلم النبيّ صلى اللّه عليه وآله من المنافقين والحاقدين من أن يعتدوا عليه لتنصيب علي عليه السلام.

وهو في هذا الموقف يشابه موقف موسى عليه السلام حيث توقّف عن التبليغ خشية القتل ، كما حكى اللّه تعالى عنه : ( رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ) (3) ، وقد قتل علياً عليه السلام من قريش نفوساً كثيرة.

وأيضاً تحقّق له أمر تصديقهم له ، وتسليمهم لعلي عليه السلام بإمرة المؤمنين ، والولاية في وقتها في أحاديث مشهورة متضافرة نقلت وقائع تلك الحادثة ، وهذا لا ينافي حصول المعارضة بعد ذلك ، لأنّ الذي يفهم من الآية وحسب ظاهرها أنّ العصمة كانت في آن التبليغ بولاية علي عليه السلام ، وقد تحقّق ذلك للنبي صلى اللّه عليه وآله.

( فايز الزبيدي - اليمن - 40 سنة )

أمر التبليغ بولاية علي كانت فيه :

س : عندما أرسل الرسول صلى اللّه عليه وآله الرسائل إلى قيصر الروم وملك فارس ، يدعوهم للإسلام أو الجزية أو الحرب ، لم يذكر فيها الإمام علي عليه السلام إذ قال

ص: 424


1- المصدر السابق 3 / 383.
2- أُنظر : السنن الكبرى للبيهقي 9 / 8 ، الأم 4 / 168 ، بحار الأنوار 89 / 164 ، الخرائج والجرائح 3 / 1045.
3- القصص : 33.

فيما معناه : « أن تشهد أنّ لا اله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه » ولم يضف : « علي ولي اللّه » ، لماذا؟

ج : من المعلوم لديكم أنّ أحكام الشريعة المقدّسة قد نزلت بالتدرّج ، ولم تنزل دفعة واحدة ، فإنّك تجد مثلاً أنّ النطق بالشهادتين في أوّل الدعوة مدعاة لعصمة المال والدم ، كما ورد في الأحاديث الشريفة المتضافرة : ( لا أزال أقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلاّ اللّه ، فإذا قالوها فقد عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها وحسابهم على اللّه » (1).

ثمّ بعد نزول الفرائض وتوسّع الأحكام ، قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « من شهد أن لا إله إلاّ اللّه ، واستقبل قبلتنا ، وصلّى صلاتنا ، وأكل ذبيحتنا ، فهو المسلم ، له ما للمسلم ، وعليه ما على المسلم »(2).

لذا فالرسائل التي بعثها النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله إلى رؤساء البلدان في أوّل الدعوة كانت وفق هذا السياق ، وهو إعلان التوحيد الذي أراده اللّه سبحانه ، بأن لا يشرك به عباده شيئاً ، والإقرار بنبوّة نبيّه محمّد صلى اللّه عليه وآله ، الذي يعني التسليم بكُلّ ما سيبلّغه النبيّ صلى اللّه عليه وآله للأُمّة ، ومنها ولاية علي عليه السلام التي نزل أمر اللّه سبحانه للنبيّ صلى اللّه عليه وآله بالتبليغ بها في آخر الدعوة ، كما هو المعلوم في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (3).

وقد جمع النبيّ صلى اللّه عليه وآله أصحابه في ذلك الموقع الذي يقال له غدير خم في حادثة مشهورة معروفة ، ليخبرهم بأمر اللّه في التبليغ بولاية علي عليه السلام ، وبعد التبليغ بولايته عليه السلام نزل قوله تعالى : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا »(4).

ص: 425


1- الأُم 6 / 4 و 170 ، المصنّف للصنعاني 10 / 172 ، السنن الكبرى للنسائي 2 / 280 ، المعجم الأوسط 6 / 215 و 299 ، المعجم الكبير 20 / 63.
2- صحيح البخاري 1 / 103 سنن النسائي 7 / 76 ، السنن الكبرى للنسائي 2 / 280.
3- المائدة : 67.
4- المائدة : 3.

نعم ورد التبليغ بولاية علي عليه السلام وخلافته بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله في موارد خاصّة - لا على نحو التبليغ العام كما جرى في غدير خم - كما في يوم الدار عند نزول قوله تعالى : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (1) ، حيث قال : النبيّ صلى اللّه عليه وآله آخذاً بيد علي عليه السلام : « إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا » (2).

ولعلّ للتأخّر في الإبلاغ العام بولاية علي عليه السلام أسباب كثيرة ، فيها موقع سيف علي عليه السلام في الذود عن حمى الرسالة ، ووتره لكُلّ القبائل العربية بقتل أبنائها في الحروب التي واجهوا بها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولخصائصه النفسية وقربه الشديد من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، حيث جعله موضع حسد البعض وتحاملهم عليه.

لذا نجد النبيّ صلى اللّه عليه وآله يخشى التبليغ بأمر الولاية بشكل عام ، واللّه سبحانه قد علم من نبيّه صلى اللّه عليه وآله هذه الخشية ، فأخبره سبحانه بأنّه سيعصمه من الناس من حيث القتل والتكذيب عند التبليغ ، وقد وفى سبحانه لنبيّه صلى اللّه عليه وآله بما وعده عليه ، حيث سلّم جميع الحاضرين في يوم غدير خم على الإمام علي عليه السلام بالولاية.

وقد اشتهر قول عمر في تلك الواقعة : هنيأً يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كُلّ مؤمن ومؤمنة(3).

ص: 426


1- الشعراء : 213.
2- تاريخ مدينة دمشق 42 / 49 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 63 ، شرح نهج البلاغة 13 / 211 ، جواهر المطالب 1 / 80 ، جامع البيان 19 / 149 ، شواهد التنزيل 1 / 486 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 364 ، السيرة النبوية لابن كثير 1 / 459 ، كنز العمّال 13 / 133.
3- مسند أحمد 4 / 281 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 503 ، شرح نهج البلاغة 5 / 8 ، نظم درر السمطين : 109 ، كنز العمّال 13 / 134 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 222 ، البداية والنهاية 5 / 229 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 417 ، جواهر المطالب 1 / 84.

الغسل :

اشارة

( حسن أحمد الملاّح - البحرين - .... )

كيفية تغسيل الميت التالف :

س : نرجو التفضّل بإفادتنا حول كيفية إجراء غسل الميت في الحالات التالية :

1 - إذا تعرّض الإنسان لحرق أدّى لتفحّم الجثّة ، أو شبه التفحّم ، مع فقدان أعضاء التيمّم ، وعدم إمكان صبّ الماء بالطريقة المتعارفة في عملية الغسل ، خشية الضرر على الجثّة.

2 - في حالة تعرّض الجثّة إلى التعجّن أو ما شابه - كما في حالات الكوارث من الطيران أو السيّارات - بحيث يختلط العظم باللحم والأحشاء ، ممّا لا يبقي الجثّة على صورتها الطبيعية ، بل يحوّلها إلى كومة من الخليط اللحمي ، أجارنا اللّه وإيّاكم والمؤمنين والمؤمنات من سوء هذا الأمر.

أفيدونا مأجورين.

ج : لقد ثبت في الفقه الإسلامي وأُصوله : إنّ لكُلّ موضوع حكماً ، وأنّ الحكم تابع للموضوع ، ومع فقد الموضوع يسقط الحكم ، كما أنّ مع تغيّر الموضوع يتغيّر الحكم ، وسقوط الحكم الشرعي إنّما يكون بواحدة من هذه الأُمور :

إمّا بالطاعة ، كمن يتوجّه إليه حكم الصلاة فصلّى ، فإنّ حكم وجوب الصلاة يسقط عنه ، وكذلك يسقط بالمعصية ، كمن لم يصلّ في وقتها

ص: 427

معصيةً ، فإنّه يسقط عنه حكم الأداء ، ويبقى عليه حكم القضاء ، وقد أثم بترك الأداء لو كان متعمّداً.

وممّا يوجب سقوط الحكم أيضاً فقدان الموضوع ، كوجوب غسل الميت لو كان الميت موجوداً ، ومع عدمه - كما لو أكله الحيوان ، أو أخذه السيل - فإنّه يسقط الغسل أو التكفين ، ومفروض المسألة : لو كان يمكن غسله ولو بصبّ الماء عليه فإنّه يلزم ذلك ، أمّا لو كان بنحو لا يمكن حتّى صبّ الماء عليه ، فهو بحكم المفقود ، فيلزم سقوط الغسل عنه حينئذٍ.

وعن الإمام علي بن الحسين ، أو عن الإمام الصادق عليهم السلام قال : « المجدور والكسير والذي به القروح يصبّ عليه الماء صبّاً » (1).

وعن الإمام علي عليه السلام أنّه سُئل عن رجل يحترق بالنار ، فأمرهم أن يصبّوا عليه الماء صبّاً ، وأن يصلّى عليه(2).

وعن الإمام علي عليه السلام أيضاً قال : « إنّ قوماً أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقالوا : يا رسول اللّه ، مات صاحب لنا وهو مجدور ، فإن غسلناه انسلخ ، فقال : يمّموه »(3).

وطبقاً لهذه الروايات الشريفة ، إن أمكن صبّ الماء عليه فليصب ، وإلاّ فيتيمّم ، إن كانت أعضاء التيمّم سالمة ويمكن تيمّمه ، وإلاّ فإنّه يسقط الحكم الشرعي ، أي وجوب الغسل بزوال الموضوع ، أو عدم التمكّن منه.

وجاء في كتاب العروة الوثقى : « القطعة المبانة من الميت ، إن لم يكن فيها عظم ، لا يجب غسلها ولا غيره ، بل تلفّ في خرقة وتدفن ، وإن كان فيها عظم ، وكان غير الصدر تغسل ، وتلفّ في خرقة وتدفن ، وإن كان الأحوط تكفينها بقدر ما بقي من محلّ القطعات الثلاث ، وكذا إن كان عظماً مجرّداً.

ص: 428


1- تهذيب الأحكام 1 / 333.
2- الكافي 3 / 213 ، تهذيب الأحكام 1 / 333.
3- تهذيب الأحكام 1 / 333.

وأمّا إذا كانت مشتملة على الصدر ، وكذا الصدر وحده ، فتغسل وتكفّن ويصلّى عليها وتدفن ، وكذا بعض الصدر ، إذا كان مشتملاً على القلب ، بل وكذا عظم الصدر ، وإن لم يكن معه لحم.

وفي الكفن يجوز الاقتصار على الثوب واللفّافة ، إلاّ إذا كان محلّ المئزر أيضاً موجوداً ، والأحوط القطعات الثلاثة مطلقاً ، ويجب حنوطها أيضاً » (1).

إن بقي جميع عظام الميّت بلا لحم ، وجب إجراء جميع الأعمال(2).

نقول : ولمّا كانت بعض هذه الموارد مورد احتياط واختلاف بين الفقهاء ، فالمفروض أن تسأل من تقلّده ، وترجع إليه في الفتوى.

( .... - البحرين - 18 سنة )

عندنا يختلف عن الغسل عند أهل السنّة :

س : هل يوجد اختلاف في الغسل بيننا وبين أهل السنّة ، كما هو موجود في الوضوء؟

ج : واجبات الغسل عندنا هي :

أوّلاً : النية ، ثانياً : غسل تمام البشرة ، ثالثاً : الترتيب بين أعضاء الغسل أي بين الرأس والطرفين ، وبين الشقّ الأيمن والأيسر ، رابعاً : تطهير تمام البدن من كُلّ نجاسة.

بينما نجد واجبات الغسل عند أهل السنّة تختلف حسب اختلاف المذاهب :

فقد اتفق الأئمّة الأربعة على أنّ تعميم الجسد كُلّه بالماء فرض ، واختلفوا في داخل الفم والأنف ، فقال الحنابلة والحنفية : إنّه من البدن ، فالمضمضة الاستنشاق فرض عندهما في الغسل ، أمّا الشافعية والمالكية فقد قالوا : إنّ الفرض هو غسل الظاهر فقط ، فلا تجب المضمضة والاستنشاق في الغسل.

ص: 429


1- العروة الوثقى 2 / 46.
2- نفس المصدر السابق.

واتفقوا على ضرورة إيصال الماء إلى كُلّ ما يمكن إيصاله إليه من أجزاء البدن ، واتفقوا على إزالة كُلّ حائل يمنع وصول الماء إلى ما تحته ، إلاّ أنّ الحنفية قد اغتفروا للصناع ما يلصق برؤوس أناملهم تحت الأظافر ، إذا كان يتعذّر عليهم إزالته دفعاً للحرج.

واتفقت الشافعية والمالكية على أنّ النية فرض ، وأمّا الحنابلة يقولون : إنّ النية شرط لا فرض ، والحنفية يقولون : إنّها سنّة.

( .... - 24 سنة - طالب جامعة )

الإمام عليه السلام يحتاج إليه :

س : هل الإمام المعصوم عليه السلام يحتاج إلى غسل؟ وإذا كان الجواب بنعم ، فما معنى طهارتهم في قوله تعالى : ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1)؟

ج : إنّ حكم الغسل جار للمعصوم وغيره ، فالإمام عليه السلام يغتسل ويغسّل غسل الميت ، ولهذا ورد أنّ الإمام لا يغسّله إلاّ إمام مثله(2).

وأمّا المقصود من الطهارة للإمام عليه السلام في قوله تعالى : ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) هو : الطهارة من الآفات والمعاصي والذنوب.

فعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « فأنا وأهل بيتي مطهّرون من الآفات والذنوب »(3).

ص: 430


1- الأحزاب : 33.
2- الكافي 1 / 385 ، الخرائج والجرائح 1 / 264.
3- تفسير فرات الكوفي : 340.

الغلوّ :

اشارة

( ... - .... - سنّي )

لا غلوّ في حبّ علي وما قاله :

س : أُودّ أن أفهم مدى الغلوّ في الإمام علي؟ وكيف أنّ الإمام علي روح من الرسول صلى اللّه عليه وآله؟ وكيف أنّ الإمام علي ( كرّم اللّه وجه ) قال : « أنا عبد من عبيد الرسول »؟

ج : نودّ إعلامك : أنّ الغلوّ بمعنى تجاوز الشيء حدّه ، لذا نهي عن الغلوّ في قوله تعالى : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحقّ ) (1) ، لأنّ النصارى قالوا : إنّ المسيح ابن اللّه ، وهذا غلوّ في حقّ عيسى كونه ابن اللّه ، وغلوّ في حقّ اللّه تعالى لأنّهم نسبوا له ولداً ، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً.

ثمّ إذا كان قصدك من الغلوّ في الإمام علي عليه السلام هو الحبّ الذي تكنّه الشيعة له ، فهذا لا يعدّ غلوّاً ، فإنّ الشيعة قد تبعت بذلك اللّه تعالى ورسوله ، ولم تتجاوز ذلك أبداً ، ففي حديث الراية ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لأعطين الراية غداً رجلاً يحبّه اللّه ورسوله ، يفتح اللّه عليه » ، فإذا نحن بعليٍ وما نرجوه ، فقالوا : هذا علي ، فأعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ففتح اللّه عليه(2).

ص: 431


1- المائدة : 77.
2- فضائل الصحابة : 15 ، مسند أحمد 5 / 333 ، صحيح البخاري 4 / 20 و 207 و 5 / 76 ، السنن الكبرى للبيهقي 6 / 362 ، مجمع الزوائد 6 / 150 ، مسند أبي داود : 320 ، كتاب السنّة : 594، السنن الكبرى للنسائي 5 / 46 و 108 و 173 ، خصائص أمير المؤمنين : 49 و 56 و 61 ، المعجم الكبير 7 / 31 و 18 / 237 ، دلائل النبوّة : 124 ، شرح نهج البلاغة 11 / 234 و 13 / 186 ، نظم درر السمطين : 98 ، كنز العمّال 10 / 468 و 13 / 162 ، فيض القدير 6 / 465 ، شواهد التنزيل 2 / 36 ، الثقات 2 / 12 و 267 ، الكامل في التاريخ 5 / 52 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 82 و 88 و 97 و 118 و 123 ، تهذيب الكمال 20 / 485 ، تهذيب التهذيب 7 / 296 ، الإصابة 4 / 466 ، أنساب الأشراف : 93 ، الجوهرة : 68 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 56 ، البداية والنهاية 4 / 211 و 7 / 251 و 372 ، السيرة النبوية لابن هشام 3 / 797 ، المناقب : 108 و 170 و 199 ، السيرة النبوية لابن كثير 3 / 351 ، سبل الهدى والرشاد 2 / 32 و 10 / 62 ، ينابيع المودّة 1 / 153 و 2 / 231 و 390 ، النهاية في غريب الحديث 2 / 140 ، لسان العرب 10 / 430 و 14 / 352 ، تاج العروس 7 / 133.

وعن عوف بن أبي عثمان النهدي قال : قال رجل لسلمان : ما أشدّ حبّك لعلي! قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « من أحبّ علياً فقد أحبّني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني » (1).

وهكذا ورد في علي بن أبي طالب كُلّ خير ، وفي موالاته كُلّ نجاة ، فهل حبّه الذي فرضه النبيّ صلى اللّه عليه وآله علينا يعدّ غلوّاً وتجاوزاً ، أعيذك باللّه أن تجعل ما فعله النبيّ صلى اللّه عليه وآله غلوّاً وغير الحقّ ، وهكذا هو تعاملنا مع علي عليه السلام لا يتجاوز ما أمرنا النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حبّه وولايته.

وأيضاً في قوله تعالى : ( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (2) فعن ابن عباس قال : ( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ ) يعني يحبّ اللّه ، ( وَرَسُولَهُ ) يعني محمّداً ، ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ ) يعني ويحبّ علي بن أبي طالب ، ( فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) يعني شيعة اللّه ، وشيعة محمّد ، وشيعة علي هم الغالبون ، يعني العالون على جميع العباد ، الظاهرون على المخالفين لهم.

قال ابن عباس : فبدأ اللّه في هذه الآية بنفسه ، ثمّ ثنّى بمحمّد ، ثمّ ثلّث بعلي ، ثمّ قال : فلمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « رحم اللّه علياً ، اللّهم أدر الحقّ معه حيث دار ».

ص: 432


1- المستدرك على الصحيحين 3 / 130 ، المناقب : 70.
2- المائدة : 56.

قال ابن مؤمن - من علماء أهل السنّة - : « لا خلاف بين المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين علي » (1).

فإذا كان الأمر في علي هكذا ، فهل هذا غلوّ؟ وهل تقول الشيعة غير هذا في علي عليه السلام ، فهذه مرويّات أهل السنّة تؤكّد ما تذهب إليه الشيعة ، وما تعتقده في علي ، فهل هذا يعدّ غلوّاً فيه؟!

وما ذكرته من السؤال : كيف أنّ الإمام علي عليه السلام روح من الرسول صلى اللّه عليه وآله؟ فإنا نؤكّد أنّ المقصود من الروح في سؤالك تعني به إمّا قبل الخلقة ، وإمّا بعد الخلقة :

أمّا قبل الخلقة : فإنّ حديث النورانية يؤكّد أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعلي عليه السلام كانا نوراً واحداً ، فلمّا خلق اللّه آدم قسّم ذلك النور إلى جزئين ، فجزء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وجزء علي عليه السلام ، وهذا الحديث قد تواتر عند علماء أهل السنّة ، كما تواتر عند علماء الشيعة ، فعن سلمان المحمّدي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي اللّه تعالى ، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق اللّه آدم قسّم ذلك النور جزأين ، فجزء أنا ، وجزء علي بن أبي طالب » (2).

هذا بعض ما رواه علماء أهل السنّة في أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعلي عليه السلام كانا نوراً واحداً ، ثمّ قسّم إلى نورين : أحدهما النبيّ صلى اللّه عليه وآله والآخر علي عليه السلام ، ممّا يعني أنّهما روح واحدة في أصل خلقتهما ، وهي ما تعنيه أحاديث النور الواحد الآنفة الذكر.

أمّا بعد الخلقة : فإنّ القرآن قد نصّ على ذلك في قوله تعالى : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا .

ص: 433


1- شواهد التنزيل 1 / 246.
2- نظم درر السمطين : 7 و 79 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 67 ، جواهر المطالب 1 / 61 ، ينابيع المودّة 1 / 47 و 2 / 307 ، شرح نهج البلاغة 9 / 171 ، المناقب : 145 ، الرياض النضرة 3 / 103.

وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) (1) ، فعن جابر : ( وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) رسول اللّه وعلي ، ( أَبْنَاءنَا ) الحسن والحسين ، ( وَنِسَاءنَا ) فاطمة(2).

وعن ابن عباس قال : نزلت في رسول اللّه وعلي ( وَأَنفُسَنَا ) (3) ، وقال الشعبي : ( وَأَنفُسَنَا ) علي بن أبي طالب(4).

والخطاب كان موجّهاً من النبيّ صلى اللّه عليه وآله للنصارى بقوله : ( وَأَنفُسَنَا ) ، يعني نفس النبيّ الذي هو علي ، لأنّ الضمير « نا » وهو ضمير المتكلّم يرجع إلى علي ، فعلي عليه السلام نفس النبيّ صلى اللّه عليه وآله بمقتضى سياق الآية.

هذا ما أمكننا ذكره في هذه العجالة ، ومنه ثبت أنّ علياً نفس النبيّ ، أي روحه كما عبّرت في سؤالك.

وعن حبشي بن جنادة السلولي قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « علي منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلاّ علي »(5).

وقوله صلى اللّه عليه وآله : « علي منّي وأنا منه » يعني أنّ « من » التي تفيد التبعيض ، تؤكّد أنّ علياً من النبيّ ، أي امتداد له وهو نفسه ، وليس في ذلك دعوى تدّعيها الشيعة دون ما تستند إلى نصوصٍ صريحة صحيحة.

ص: 434


1- آل عمران : 61.
2- الدرّ المنثور 2 / 39 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 379.
3- شواهد التنزيل 1 / 160.
4- أسباب نزول الآيات : 68.
5- فضائل الصحابة : 15 ، تحفة الأحوذي 10 / 152 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 495 ، الآحاد والمثاني 3 / 183 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 45 و 128 ، خصائص أمير المؤمنين : 90 ، المعجم الكبير 4 / 16 ، نظم درر السمطين : 79 ، الجامع الصغير 2 / 177 ، كنز العمّال 11 / 603 ، كشف الخفاء 1 / 205 ، شواهد التنزيل 1 / 319 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 345 ، تهذيب الكمال 5 / 350 ، سير أعلام النبلاء 8 / 212 ، الجوهرة : 63 ، البداية والنهاية 5 / 232 و 7 / 394 ، ينابيع المودّة 2 / 78 و 96 و 3 / 143 ، الصواعق المحرقة 2 / 356.

على أنّ كلامنا هذا يؤكّده أبو بكر في حقّ علي عليه السلام ومنزلته ، فعن ابن السمّاك : أنّ أبا بكر قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « لا يجوز أحد الصراط إلاّ من كتب له علي الجواز » (1).

أمّا قولك : إنّ علياً عليه السلام قال : « أنا عبد من عبيد الرسول » ، فهذا لا ينافي عبودية علي لله تعالى ، فعلي عبد لله ، ورسول اللّه عبد لله تعالى ، ومعنى قوله : « أنا عبد من عبيد محمّد » ، يعني أنا تابع من أتباعه ، ومطيع له ، وهو بمعنى قولك : إنّ زيد عبد لعمرو ، أي أنّ عمرو له حقّ الطاعة على زيد ، ولا يعني أن تريد يعبد عمرواً ، فالعبد هنا تابع لسيّده ومطيع له ، وهذا منتهى إخلاص علي للنبي صلى اللّه عليه وآله ، فهو يقرّ له بالطاعة والاتباع ، وليس كما تتصوّر أنّ ذلك يعني العبودية المطلقة ، فالعبودية المطلقة لله تعالى وحده لا يشاركه فيه أحد ، ومن قال خلاف ذلك فهو كافر مشرك.

( هادي محمّد - الكويت - .... )

ليس في خطبتي البيان والطتنجية غلوّ :

السؤال : هل لخطبة البيان والطتنجية سند؟ وإذا كان لها سند ألا تفيد الغلوّ؟ شكراً لمساعيكم.

ج : كثيراً ما يتساءل عن خطبة البيان والخطبة الطتنجية سنداً ودلالةً ، بل كُلّ ما هناك من ألفاظ وصفات إلهية نسبت للمعصومين عليهم السلام ممّا تفيد الغلوّ ، بل الشرك والكفر ، لو أُريد منها معانيها الظاهرية أمثال قولهم عليهم السلام : « نحن الأوّل ، والآخر ، والظاهر ، والباطن » وإلى غير ذلك.

فنقول وباللّه التوفيق : إنّ الأُمّة المحمّدية قد خصّت من دون الأُمم بفضيلة الإسناد ، وفُضّلت على سائر الشرائع بنعمة الاستناد والاتصال بالمعصومين عليهم السلام

ص: 435


1- ذخائر العقبى : 71 ، ينابيع المودّة 2 / 404 و 3 / 230 ، الصواعق المحرقة 2 / 369 ، الرياض النضرة 3 / 118.

بالرجال الثقات والممدوحين ، وعليه فكُلّ خبر ما لم يكن مسنداً متّصلاً لا قيمة له ولا حجّية ، من أيّ أحد صدر ، ولأيّ شخص نُسب ، وما أرسل منه أو رفع ، أو وقف له أحكامه الخاصّة به ، مذكورة في محلّها ، وعليه :

أوّلاً : لم يذكر لأمثال هذه الخطب سنداً معتبراً ، بل قد نجده أرسل - بالمعنى الأعم - مع أنّا نجد غالب كلمات أمير المؤمنين عليه السلام وخطبه مسندة في مواطن ، وإن كانت مرسلة في النهج وغيره.

ثانياً : صرف وجود خطبة أو رواية في كتاب - مهما كان - لا يكفي على مذهب الإمامية للحجّية ، ما لم يقرن بقرائن خاصّة مذكورة في محلّها ، وهذا ما يسمّى بالوجادة ، التي لا حجّية فيها ولا سندية لها في نفسها.

ثالثاً : إنّ إعراض العلماء موهن للخبر ، بل قد يسقطه عن الحجّية ، خصوصاً وهو في مرأى ومسمع منهم ، وأيضاً عدم وجوده في كتب الأُصول « لأُم » عند الطائفة ، وعدم درجه فيها مضعّف له.

رابعاً : وجود طائفة كبيرة من أخبار العرض - الأخبار العلاجية - وما ورد عنهم عليهم السلام مستفيضاً من قولهم عن الحديث : « ما خالف كتاب اللّه فهو : زخرف : لم نقله : وأضربه عرض الجدار ، و... » ، وهي أحاديث لا تحصى كثرةً ، كما لنا أحاديث جمّة في إسقاط كُلّ حديث خالف العقول ، أو لزم منه الشرك والكفر ، إلاّ إذا أمكن تأويله أو حمله على محمل صحيح ، هذا بشكل عام ، وهي فائدة تنفع في موارد متعدّدة ، ومقامات أُخرى.

وأمّا ما يخصّ المقام فنقول :

أوّلاً : لقد نُسب للسيّد الخوئي قدس سره في خصوص خطبة البيان كون ألفاظها ركيكة ، وأنّها ليست بعربية فصيحة ، وأنّها مخالفة للسان أهل البيت عليهم السلام ، وهو كلام إنّما يتمّ عند أهل الفن خاصّة ، وفيه مجال للرّد والإبرام ، خصوصاً مع كون « حديثنا صعب مستصعب » ، وقولهم عليهم السلام : « ردّوه إلينا » ، كما ويخشى من تعميمه في مواطن أُخرى من غير من هو أهل لذلك.

ص: 436

ثانياً : وجود روايات صريحة صحيحة كثيرة مقابل هذه الأخبار الشاذّة النادرة ، وهذا كافٍ لإسقاطها عن الحجّية.

ثالثاً : إنّها مخالفة للعقل ، ولا يمكن القول بظاهرها من موحّد ، إلى غير ذلك من الوجوه الكثيرة ، التي لا غرض لنا هنا بإحصائها ، إذ لا نجد ثمّة ضرورة في ذلك.

والحاصل : إنّ عمدة الإشكال هنا أنّا لهم مع قوله تعالى : ( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ... ) (1) ، وقوله عزّ من قائل : ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (2) ، وقوله عزّ اسمه : ( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) (3) وغيرها مثلاً وما أكثرها ، فكيف يردّ التعبير عنهم عليهم السلام أمثال هذه الألفاظ التي يستشمّ منها الغلوّ والكفر ، والعياذ باللّه.

ولبّ الجواب عليه - فضلاً عمّا سلف - هو : إنّه وردت في كتبنا روايات كثيرة عنهم عليهم السلام صحيحة ، عندما ذكروا هذه الألفاظ فيها فسّروها لنا ، وقالوا : نقصد منها كذا ، فلو فسّرت بغير هذا من أيّ كان ، أو أخذ بظواهرها ، لكان ردّاً عليهم عليهم السلام ، ولابدّ من الأخذ بتأويلهم وبما فسّروه ، وإلاّ لكان باطلاً لم يقصدوه ولا يريدوه ، بل تقوّل عليهم وافتراء ، مثال ذلك :

أ - قوله صلى اللّه عليه وآله : « أنا الأوّل والآخر » ، ثمّ فسّره بقوله : « أوّل في النبوّة ، وآخر في البعثة » (4).

ب - سئل أمير المؤمنين عليه السلام : كيف أصبحت؟ فقال : « أصبحت وأنا الصدّيق الأوّل الأكبر ، والفاروق الأعظم ، وأنا وصيّ خير البشر ، وأنا الأوّل وأنا

ص: 437


1- النجم : 43 - 44.
2- الحديد : 3.
3- البقرة : 258.
4- إعلام الورى 1 / 51 ، كشف الغمّة 1 / 13.

الآخر ، وأنا الباطن وأنا الظاهر ، وأنا بكُلّ شيء عليم ، وأنا عين اللّه ، وأنا جنب اللّه ، وأنا أمين اللّه على المرسلين ، بنا عبد اللّه ، ونحن خزّان اللّه في أرضه وسمائه ، وأنا أُحيي وأنا أُميت ، وأنا حيّ لا أموت ».

فتعجّب الإعرابي من قوله ، فقال عليه السلام : « أنا الأوّل ؛ أوّل من آمن برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأنا الآخر ؛ آخر من نظر فيه لمّا كان في لحده ، وأنا الظاهر فظاهر الإسلام ، وأنا الباطن بطين من العلم ، وأنا بكُلّ شيء عليم ؛ فإنّي عليم بكُلّ شيء أخبر اللّه به نبيّه فأخبرني به ، فأمّا عين اللّه ؛ فأنا عينه على المؤمنين والكفرة ، وأمّا جنب اللّه ؛ فأن تقول نفس : يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه ، ومن فرّط فيّ فقد فرّط في اللّه ، ولم يخبر لنبيّ نبوّة حتّى يأخذ خاتماً من محمّد صلى اللّه عليه وآله ، فلذلك سمّي خاتم النبيين محمّد سيّد النبيين ، فأنا سيّد الوصيين.

وأمّا خزّان اللّه في أرضه ؛ فقد علمنا ما علمّنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بقول صادق ، وأنا أُحيي ؛ أُحيي سنّة رسول اللّه ، وأنا أُميت ؛ أُميت البدعة ، وأنا حيّ لا أموت لقوله تعالى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ... ) »(1).

ج - روي أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كان قاعداً في المسجد ، وعنده جماعة ، فقالوا له : حدّثنا يا أمير المؤمنين ، فقال لهم : « ويحكم إنّ كلامي صعب مستصعب ، لا يعقله إلاّ العالمون » ، قالوا : لابدّ من أن تحدّثنا ، قال : « قوموا بنا » ، فدخل الدار.

فقال : « أنا الذي علوت فقهرت ، أنا الذي أُحيي وأُميت ، أنا الأوّل والآخر ، والظاهر والباطن » ، فغضبوا وقالوا : كفر!! وقاموا.

فقال علي عليه السلام للباب : « يا باب استمسك عليهم »! فاستمسك عليهم الباب ، فقال : « ألم أقل لكم إنّ كلامي صعب مستصعب ، لا يعقله إلاّ العالمون؟!

ص: 438


1- آل عمران : 169 ، مناقب آل أبي طالب 2 / 205.

تعالوا أفسّر لكم ، أمّا قولي : أنا الذي علوت فقهرت ، فأنا الذي علوتكم بهذا السيف فقهرتكم حتّى آمنتم باللّه ورسوله ، وأمّا قولي : أنا أُحيي وأُميت ؛ فأنا أُحيي السنّة وأُميت البدعة.

أمّا قولي : أنا الأوّل ؛ فأنا أوّل من آمن باللّه وأسلم ، وأمّا قولي : أنا الآخر ؛ فأنا آخر من سجّى على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ثوبه ودفنه ، وأمّا قولي : أنا الظاهر والباطن ، فأنا عندي علم الظاهر والباطن ».

قالوا : فرّجت عنا فرّج اللّه عنك(1).

د - عن أبي جعفر عليه السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا وجه اللّه ، أنا جنب اللّه ، وأنا الأوّل ، وأنا الآخر ، وأنا الظاهر ، وأنا الباطن ، وأنا وارث الأرض ، وأنا سبيل اللّه ، وبه عزمت عليه ».

قال معروف بن خربوذ : ولها تفسير غير ما يذهب فيها أهل الغلوّ(2).

وعلّق عليه العلاّمة المجلسي قدس سره بقوله : « وبه عزمت عليه ، أي باللّه أقسمت على اللّه عند سؤال الحوائج عنه »(3).

( .... - البحرين - .... )

ليس عندنا غلوّ :

س : يطلقون علينا ألفاظ كالرافضة والغلاة ، فما معنى الغلوّ لغة واصطلاحاً؟ وهل ينطبق علينا الغلوّ واقعاً؟

ج : إنّ الغلوّ لغة هو : مجاوزة الحدّ ، قال ابن منظور : « وغلا في الدين ، والأمر يغلو غلوّاً : جاوز حدّه ... التهذيب : قال بعضهم : غلوت في الأمر غلوّاً وغلانية وغلانيا إذا جاوزت فيه الحدّ ، وأفرطت فيه » (4).

ص: 439


1- الاختصاص : 163.
2- اختيار معرفة الرجال 2 / 471.
3- بحار الأنوار 39 / 349.
4- لسان العرب 15 / 132.

فالغلوّ : هو الارتفاع والتجاوز للحدّ ، وهو في كُلّ شيء بحسبه.

أمّا الغلوّ اصطلاحاً هو : تجاوز أشخاص البشر عن مقاماتها من حدّ العبودية إلى مقام الربوبية ، كما فعل أهل الكتاب بأنبيائهم ، كما في قوله تعالى : ( لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ ) (1) ، وهذا وارد بحقّ النصارى في عيسى عليه السلام ، حين رفعوه من مقام النبوّة إلى مقام الربوبية والأُلوهية.

والغالي في الإسلام : الذي يقول في محمّد وآله عليهم السلام بما لا يقولون : كأنّ يدّعي فيهم النبوّة والأُلوهية ، كالغلاة الذين قالوا بأُلوهية الإمام علي عليه السلام ، فحكم فيهم بالقتل والتحريق بالنار ، وقضت الأئمّة عليهم السلام عليهم بالإكفار ، والخروج عن الإسلام.

أمّا نحن الشيعة الإمامية الإنثا عشرية فلا ندّعي في أئمّتنا عليهم السلام شيئاً من ذلك ، بل نقول فيهم كما قال الإمام علي عليه السلام : « لا تتجاوزوا بنا العبودية ، ثمّ قولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا ... »(2).

لذا تجدنا نقول في زيارتهم عليهم السلام : السلام على عباد اللّه المكرمين ، السلام على عباد اللّه المخلصين.

ص: 440


1- المائدة : 77.
2- الاحتجاج 2 / 233.

الغناء والموسيقى :

اشارة

( محمّد سلمان الغافلي - السعودية - .... )

نصوص التحريم :

س : ما هي الأدلّة التي تدلّ على تحريم الأغاني من القرآن الكريم ، والسنّة النبوية؟

ج : إنّ الأدلّة الدالّة على التحريم من القرآن الكريم هي :

1 - قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (1).

حيث فسّرت الأخبار - من العامّة والخاصّة - لهو الحديث بالغناء ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال في تفسير هذه الآية : « منه الغنا »(2).

وسئل عليه السلام عن الغناء فقال : « لا تدخلوا بيوتاً اللّه معرض عن أهلها »(3) ، وقال عليه السلام : « الغناء مجلس لا ينظر اللّه إلى أهله ، وهو ممّا قال اللّه : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللّهِ ) »(4).

2 - قوله تعالى : ( اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) (5).

ص: 441


1- لقمان : 6.
2- تفسير نور الثقلين 4 / 193.
3- الكافي 6 / 434.
4- الكافي 6 / 433 ، دعائم الإسلام 2 / 207.
5- الحجّ : 30.

حيث فسّرت الأخبار قول الزور بالكذب ، وروي أصحابنا أنّه يدخل فيه الغناء(1).

3 - قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) (2).

حيث فسّرت الزور باللّهو الباطل كالغناء ونحوه ، أي الذين لا يحضرون مجالس الباطل(3).

وعن مسعدة بن زياد قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام ، فقال له رجل : بأبي أنت وأُمّي إنّي أدخل كنيفاً لي ، ولي جيران وعندهم جوار يتغنين ويضربنّ بالعود ، فربما أطلت الجلوس استماعاً منّي لهن.

فقال : « لا تفعل » ؛ فقال الرجل : واللّه ما آتيهن إنّما هو سماع اسمعه بإذني ، فقال عليه السلام : « لله أنت أمّا سمعت اللّه عزّ وجلّ يقول : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (4) ... »(5).

وسُئل الإمام الصادق عليه السلام عن بيع الجواري المغنّيات؟ فقال عليه السلام : « شراؤهن وبيعهن حرام ، وتعليمهن كفر ، واستماعهن نفاق »(6).

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « كان إبليس أوّل من تغنّى »(7).

وعن صفوان بن أُمية قال : كنّا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فجاءه عمرو قرة ، فقال : يا رسول اللّه ، قد كتبت عليّ الشقوة ، فلا أراني أرزق إلاّ من دفي بكفّي ، فتأذن لي في الغناء من غير فاحشة.

ص: 442


1- التبيان 7 / 312 ، مجمع البيان 7 / 148.
2- الفرقان : 72.
3- الميزان في تفسير القرآن 15 / 244.
4- الإسراء : 36.
5- الكافي 6 / 432.
6- المصدر السابق 5 / 120.
7- تفسير العيّاشي 1 / 40.

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لا آذن لك ولا كرامة ، كذبت يا عدوّ اللّه لقد رزقك اللّه حلالاً طيّباً ، فاخترت ما حرّم اللّه من رزقه مكان ما أحلّ اللّه من حلاله ، ولو كنت تقدّمت إليك لفعلت بك ، قم عنّي ، وتب إلى اللّه ، أمّا أنّك إن نلت بعد التقدمة شيئاً ضربتك ضرباً وجيعاً » (1).

4 - قوله تعالى ينذر فيه أُمّة محمّد صلى اللّه عليه وآله : ( وَأَنتُمْ سَامِدُونَ ) (2).

قال عكرمة عن ابن عباس : « هو الغناء بلغة حِميَر ، يقال : سمّد لنا : أي غنّ لنا »(3).

5 - خطاب اللّه تعالى لإبليس : ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) (4).

قال ابن عباس ومجاهد : « إنّه الغناء والمزامير واللّهو »(5).

وقد جاء في السنّة الشريفة عنه صلى اللّه عليه وآله : « ما رفع أحد صوته بغناء إلاّ بعث اللّه تعالى إليه شيطانان يجلسان على منكبيه ، يضربان بإعقابهما على صدره حتّى يمسك »(6).

( .... - السعودية - 27 سنة - بكالوريوس )

حرمتهما عقلاً :

س : أُؤمن بأنّ الأغاني حرام ، لكنّني لست مقتنعة للأسف ، وكُلّما قرأت كلاماً لا أشعر بأنّه يقنعني أترك الغناء فقط لأنّه حرام ، ولكنّني لا اقتنع بذلك ، فلهو الحديث قد لا يكون غناء ، واضرب برجلك قد لا يكون المقصود به غناء ، فما الدليل العقلي للحرمة؟

ص: 443


1- المعجم الكبير 8 / 51 ، مسند الشاميين 4 / 390 ، كنز العمّال 15 / 222.
2- النجم : 61.
3- الجامع لأحكام القرآن 17 / 123.
4- الإسراء : 64.
5- الجامع لأحكام القرآن 10 / 288.
6- فتح القدير 4 / 236 ، مجمع الزوائد 8 / 119 ، المعجم الكبير 8 / 204 ، الدرّ المنثور 5 / 159.

لو فكّرنا أنّ اللّه حرّم الغناء لمضارّ كثيرة ، لكن أين تلك المضارّ؟ تجعل الأعصاب مشدودة؟ لا أشعر بذلك!

تسيء الأخلاق؟ من أراد أن تسوء أخلاقه ساءت دون غناء ، وقد أكون اسمع الغناء بسبب سوء نفسيتي ، فابحث عن شيء يؤنسني ويجعلني أفضل ، ومع العلم أنّي ملتزمة بالصلاة والحمد لله ، وبقراءة القرآن ، ولست مستمعة مدمنة على الغناء ، وقد ابتعدت عنه ما يقارب السنتين إلاّ في الأعياد؟ لكنّني أرى الفتيات أفضل نفسية منّي ، وخصوصاً عندما تحرّك فيهم الغناء النشاط ، وأراهم يرقصن سعيدين.

أعلم أنّ الغناء حرام ، لكن هل تستطيع إقناعي بمحادثة عقلي مباشرة ، بعيداً عن الأحاديث والآيات؟ قد يكون لك القدرة على ذلك ، ولكن تذكّر لو سمحت أن تحادثني برفق ، لأنّي أنفر بشدّة من الأسلوب القاسي ، احترامي وشكري.

ج : أُختي الكريمة ، أرجو النظر في هذه الآيات الكريمة بدّقة وتأمّل ، لا لتحكي حكماً شرعياً - لأنّك ارتأيتي عدم الاستدلال بالآيات والأحاديث - وإنّما لأنّها تحكي وتوضّح حكماً عقلياً ، وحقيقة واقعية في معنى الإيمان والإسلام ، والطاعة والتقوى ، فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللّه كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى باللّهِ وَكِيلًا مَّا جَعَلَ اللّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ... ) (1).

فهذه الآيات الكريمة تبيّن فلسفة الطاعات والمعاصي والحلال والحرام ، بأنّها متضادّة متنافية متناقضة ، لا يمكن أن تجتمع في قلب واحد وتستقرّ به ، فالآيات تبيّن حقائق منها : إتباع ما يوحى - كالواجبات مثل قراءة القرآن - وعدم طاعة الكافرين والمنافقين - وإحدى مصاديقها المحرّمات مثل الغناء - وهذا كُلّه

ص: 444


1- الأحزاب : 1 - 4.

يحتاج إلى تقوى في النفس من اللّه تعالى أوّلاً ، وتحتاج ثانياً إلى التوكّل على اللّه لطلب العفو ، لأنّ النفس تميل عادة إلى الراحة والشهوات والمعاصي ، ولا تميل إلى بذل الجهد والتكلّف والصبر والحرمان والطاعات ، فتحتاج النفس إلى مجاهدة ومصابرة وترويض.

كما أشار النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلى صعوبة ذلك ، فقال للصحابة عندما رجعوا من الجهاد والمعركة : « مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر ، وبقي عليهم الجهاد الأكبر » ، قيل يا رسول اللّه وما الجهاد الأكبر؟ قال : « جهاد النفس » (1).

ونستطيع تشبيه الطاعات بالنور والمعاصي بالظلام ، ونسأل هل يمكن أن يجتمع النور بالظلمة في مكان؟ أبداً ، وكذلك القلب فإنّه لا يستطيع الإنسان أن يحبّ ويدخل في قلبه القرآن ، ثمّ يحبّ ويملأ قلبه الغناء ، كما قال تعالى : ( مَّا جَعَلَ اللّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ... ) ، واللّه الهادي إلى سواء السبيل.

( ... - ... - ..... )

تعريف الغناء وروايات في تحريمه :

س : الرجاء بيان الغناء ، وذكر الروايات الواردة في تحريمه , وشكراً لسعيكم.

ج : الغناء بالمد ككساء قيل : هو مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب ، فلا يحرم بدون الوصفين ، أعني الترجيع والإطراب ، والطرب : خفّة تعتريه تسرّه أو تحزنه.

وردّه بعضهم إلى العرف ، فما سُمّي فيه غناء يحرم وإن لم يطرب ، ولا خلاف في تحريمه ، ولا فرق في ظاهر كلام الأصحاب ، بل صريح جملة منهم ، في كون ذلك في قرآن أو دعاء أو شعر أو غيرها.

ص: 445


1- الكافي 5 / 12 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 553 ، معاني الأخبار : 160.

استجابة لطلبكم نذكر بعض الروايات التي وردت في تحريم الغناء :

1 - عن عبد اللّه بن أبي بكر قال : قمت إلى متوضأ لي ، فسمعت جارية لجار لي تغنّي وتضرب ، فبقيت ساعة أسمع ، قال : ثمّ خرجت ، فلمّا أن كان الليل دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فحين استقبلني قال : « الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا ، اجتنبوا قول الزور ».

قال : فما زال يقول : « الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا » ، قال : فضاق بي المجلس ، وعلمت أنّه يعنيني ، فلمّا أن خرجت قلت لمولاه معتب : واللّه ما عنى غيري(1).

2 - عن سعيد بن محمّد الطاهري عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سأله رجل عن بيع جواري المغنّيات؟ فقال : « شراؤهن وبيعهن حرام ، وتعليمهن كفر ، واستماعهن نفاق »(2).

3 - عن نصر بن قابوس قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « المغنّية ملعونة ، ملعون من أكل من كسبها »(3).

4 - عن إبراهيم ابن أبي البلاد قال : أوصى إسحاق بن عمر عند وفاته بجوار له مغنّيات أن نبيعهن ونحمل ثمنهن إلى أبي الحسن عليه السلام ، قال إبراهيم : فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم ، وحملت الثمن إليه ، فقلت له : إنّ مولى لك يقال له : إسحاق بن عمر أوصى عند موته ببيع جوار له مغنّيات ، وحمل الثمن إليك ، وقد بعتهن ، وهذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم ، فقال : « لا حاجة لي فيه إنّ هذا سحت ، وتعليمهن كفر ، والاستماع منهن نفاق ، وثمنهن سحت » (4).

ص: 446


1- الأمالي للشيخ الطوسي : 720.
2- الكافي 5 / 120.
3- الاستبصار 3 / 61.
4- الكافي 5 / 120.

5 - عن زيد الشحّام قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : « بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة ، ولا تجاب فيه الدعوة ، ولا يدخله الملك »(1).

6 - عن أبي أُسامة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « الغناء غشّ النفاق »(2).

7 - عن يونس قال : سألت الخراساني عليه السلام عن الغناء وقلت : إنّ العباسي ذكر عنك أنّك ترخّص في الغناء ، فقال : « كذب الزنديق ، ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء ، فقلت : إنّ رجلاً أتى أبا جعفر عليه السلام فسأله عن الغناء ، فقال : يا فلان ، إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء؟ قال : مع الباطل ، فقال : قد حكمت »(3).

8 - عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن قول الزور ، قال : « منه قول الرجل للذي يغنّي : أحسنت »(4).

9 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « شرّ الأصوات : الغناء »(5).

10 - عن الحسن بن هارون قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « الغناء يورث النفاق ويعقب الفقر » (6).

11 - عن عنبسة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « استماع الغناء واللّهو ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع »(7).

ص: 447


1- المصدر السابق 6 / 433.
2- وسائل الشيعة 17 / 305.
3- الكافي 6 / 435.
4- وسائل الشيعة 17 / 309.
5- المقنع : 456.
6- الخصال : 24.
7- الكافي 6 / 434.

ص: 448

الغيبة :

اشارة

( أبو جعفر - البحرين - .... )

الدليل العقلي على غيبة الحجّة :

س : هل توجد أدلّة عقلية تكشف عن أسباب غيبة الإمام المنتظر ( أرواحنا لمقدمه الفداء )؟

ج : إنّ اللّه تعالى وعد - ووعده الحقّ - بأن يُظهر دين الإسلام على وجه الكرة الأرضية بقوله : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (1).

وهذا الوعد لم يتحقّق في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولا في زمن الأئمّة عليهم السلام ، فهنا العقل يحكم بأنّ مثل هذا المشرّع الحكيم لابدّ وأن يجعل للثاني عشر من الأئمّة عليهم السلام أمراً يحقّق به ما وعد ، وبما أن الإمام الثاني عشر كان مطالباً من قبل الحكم الجائر في زمانه ليقتل - ولا يتحقّق وعد اللّه تعالى - فاللّه تعالى كان مخيّراً بين أمرين : بين أن يميته ثمّ يحييه حياة ثانية في الدنيا ، وبين أن يطيل عمره ، وحيث أنّ الإمامة الإلهية ليست فائدتها منحصرة في بيان الأحكام ، بل إنّ وجود الإمام عليه السلام واسطة لنزول الرحمة الإلهية على الخلق ، فاقتضت الحكمة الإلهية أن تكون لهذا الإمام حياة طويلة في الغيبة ، حتّى لا يبتلى بما

ص: 449


1- التوبة : 33.

ابتلي به آباؤه الطاهرون ، من تعقيب وسجن ، ثمّ استشهاد على يد الظالم ، وأن هذه الحياة في الغيبة تمتد إلى حين يأذن اللّه تعالى بحكمه ولطفه أن يظهره بعد غيبته ، وبه يظهر دينه على الدين كُلّه ، وهذا كُلّه ممّا يدركه العقل.

( .... - الكويت - .... )

كيفية الانتفاع بالإمام المهدي في غيبته :

س : أرجو من سماحتكم توضيح هذه النقطة : كيف يكون مولانا المهدي عليه السلام حجّة اللّه على الخلق؟ وهو غائب ، وأدام اللّه التوفيق لكم.

ج : قد سُئل النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن كيفية الانتفاع بالإمام المهدي عليه السلام في غيبته فقال : « إي والذي بعثني بالنبوّة ، إنّهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس ، وإن تجلّلها السحاب » (1).

وقال الإمام الصادق عليه السلام - بعد أن سُئل عن كيفية انتفاع الناس بالحجّة الغائب المستور - : « كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب »(2).

وروي أنّه خرج من الناحية المقدّسة إلى إسحاق بن يعقوب ، على يد محمّد بن عثمان : « وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي ، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب »(3).

فيمكن أن يقال : إنّ الشبه بين الإمام المهدي عليه السلام وبين الشمس المجلّلة بالسحاب ، من عدّة وجوه :

1 - الإمام المهدي عليه السلام كالشمس في عموم النفع ، فنور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسّطه.

ص: 450


1- كمال الدين وتمام النعمة : 253 ، كفاية الأثر : 54.
2- الأمالي للشيخ الصدوق : 253 ، كمال الدين وتمام النعمة : 207.
3- كمال الدين وتمام النعمة : 485 ، الاحتجاج 2 / 284.

2 - إنّ منكر وجوده عليه السلام كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.

3 - إنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ، ينتظرون في كُلّ آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ، ليكون انتفاعهم بها أكثر ، فكذلك في أيّام غيبته عليه السلام ، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كُلّ وقت وزمان ، ولا ييأسون منه.

4 - إنّ الشمس قد تخرج من السحاب على البعض دون الآخر ، فكذلك يمكن أن يظهر في غيبته لبعض الخلق دون البعض.

5 - إنّ شعاع الشمس يدخل البيوت بقدر ما فيها من النوافذ ، وبقدر ما يرتفع عنها الموانع ، فكذلك الخلق إنّما ينتفعون بأنوار هدايته بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم ، من الشهوات النفسية والعلائق الجسمانية ، والالتزام بأوامر اللّه ، والتجنّب عن معاصيه ، إلى أن ينتهي الأمر حيث يكون بمنزلة مَن هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب.

جعلنا اللّه وإيّاكم من المتمسّكين بولايتهم ، ورفع عنّا وعنكم كُلّ شكّ وشبهة.

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

الحيرة الموجودة لا تنفي وجود حكمتها :

س : حينما نستدلّ على الإمامة نقول : بأنّهم وجدوا لحفظ الأُمّة الإسلامية من التيه ، إذ لولا وجودهم لما عرفنا التفسير الصحيح للقرآن ، ولا الأحكام ، والعقائد الصحيحة.

السؤال هو : كيف يمكن التوفيق بين هذا وبين غيبة الإمام الحجّة عليه السلام؟ إذ أنّ الغيبة جعلتنا نحتار بين الحلال والحرام ، وليس هناك من يمحو هذه الحيرة مائة بالمائة؟ فالنتيجة هي : أنّ الحكمة من وجودهم عليهم السلام ليست لرفع الحيرة ، وإنّما لشيء آخر ، فكيف تحلّون هذا الإشكال؟

ص: 451

ج : إنّ مصلحة وجود الأئمّة عليهم السلام لا تنحصر في الجانب التشريعي ، بل وإنّهم بما لديهم من قدرات وصلاحيّات ، لهم التصرّف في الجانب التكويني أيضاً ، فعليه فحكمة وجود الإمام الغائب ترتبط إلى حدّ كبير بمقام وساطته في الفيض الإلهي للوجود - كما قرّر في محلّه -.

ثمّ إنّ الغيبة بما هي معلولة لعدم التجاوب المطلوب من جانب الناس لخطّ الإمامة ، فكافّة آثارها السلبية - إن وجدت - فهي حصيلة هذا التخاذل والقعود عن الحقّ.

وبعبارة أوضح : إنّ الحيرة الموجودة لا تنفي وجود الحكمة في الأصل ، بل وإنّ كُلّ الآثار السيّئة في هذه الفترة ترجع بالنتيجة إلى الناس أنفسهم ، كضوء الشمس المستتر أحياناً بالغيم ، إذ إنّ وجود الضوء ومصلحته لا يخالجه أيّ شكّ ، وأمّا عدم وصوله إلينا فعلّته وجود الغيم ، وهنا لا يصحّ لنا أن ننكر حكمة وجود الشمس الممتنعة الضوء بالغيم ، بل وإنكارنا يجب أن ينصب دائماً على المانع في جميع المجالات.

مضافاً إلى أنّ اللّه تعالى ومن منطلق محبّته لعباده ، وإيصال المنافع لهم دائماً ، قد رتّب مصالح في هذه الغيبة ، حتّى لا يخسر المؤمنون في هذه الفترة بالمرّة ، فمنها : توطيد المحبّة الولائية في نفوسهم ، حتّى يتمهّد الطريق في المستقبل القريب - إن شاء اللّه - لحكم الإمام عليه السلام.

ومنها : اجتياز المراحل الصعبة في الامتحان الإلهي ، وثمّ إعطاء درجات الإيمان لهم.

ومنها : ترويضهم في هذه الفترة لمواجهة المشاكل والأُمور الصعاب بأنفسهم ، حتّى تترقّى قابلياتهم ، ويؤهّلوا لمرحلة تثبيت الحكم الإسلامي ، إلى آخر ما هنالك من مصالح كُلّية وجزئية جاءت جابرة إلى حدّ ما خسارة الناس من غيبة إمامهم عليه السلام.

ص: 452

( منصور جواد - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

عدم خلو الأرض من حجّة لا تناقض الغيبة :

س : لقد ورد في كثير من الروايات : عدم خلو الأرض من حجّة ، وأنّه لولا الحجّة لساخت الأرض بأهلها.

وسؤالي هو : ألا يعتبر غياب الإمام المهدي هو تناقض صريح مع ما ورد؟

ج : لا تناقض بين الحديث وغيبة الإمام المهدي عليه السلام ، لأنّ معنى الحديث : أنّ الأرض لا تخلو من وجود حجّة لله تعالى ، ولولا وجوده لساخت الأرض ، ومن المعلوم أنّ الإمام المهدي عليه السلام موجود حيّ يعيش على الأرض ، لكنّه غائب عن أنظارنا ، وعدم ظهوره لا يدلّ على عدم وجوده.

( عبد الأمير - البحرين - .... )

أسباب غيبة الإمام المهدي :

س : ما هي الأسباب والحكم من غيبة الإمام المهدي عليه السلام؟

ج : إنّ غيبة الإمام المنتظر عليه السلام كانت ضرورية لابدّ للإمام منها ، نذكر لك بعض الأسباب التي حتمت غيابه عليه السلام :

1 - الخوف عليه من العباسيين :

لقد أمعن العباسيون منذ حكمهم ، وتولّيهم لزمام السلطة في ظلم العلويين وإرهاقهم ، فصبّوا عليهم وابلاً من العذاب الأليم ، وقتلوهم تحت كُلّ حجرٍ ومدرٍ ، ولم يرعوا أيّة حرمة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في عترته وبنيه ، ففرض الإقامة الجبرية على الإمام علي الهادي ، ونجله الإمام الحسن العسكري عليهما السلام في سامراء ، وإحاطتهما بقوى مكثّفة من الأمن - رجالاً ونساءً - هي لأجل التعرّف على ولادة الإمام المنتظر عليه السلام لإلقاء القبض عليه ، وتصفيته جسدياً ، فقد أرعبتهم وملأت قلوبهم فزعاً ما تواترت به الأخبار عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وعن أوصيائه الأئمّة الطاهرين : أنّ الإمام المنتظر هو آخر خلفاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأنّه هو

ص: 453

الذي يقيم العدل ، وينشر الحقّ ، ويشيع الأمن والرخاء بين الناس ، وهو الذي يقضي على جميع أنواع الظلم ، ويزيل حكم الظالمين ، فلذا فرضوا الرقابة على أبيه وجدّه ، وبعد وفاة أبيه الحسن العسكري أحاطوا بدار الإمام عليه السلام ، وألقوا القبض على بعض نساء الإمام الذين يظنّ أو يشتبه في حملهن.

فهذا هو السبب الرئيسي في اختفاء الإمام عليه السلام ، وعدم ظهوره للناس ، فعن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره » ، قلت : ولَمِ؟ فقال عليه السلام : « يخاف » ، وأومئ بيده إلى بطنه ، قال رزارة : يعني القتل(1).

ويقول الشيخ الطوسي : « لا علّة تمنع من ظهوره عليه السلام إلاّ خوفه على نفسه من القتل ، لأنّه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار »(2).

2 - الامتحان والاختبار :

وثمّة سبب آخر علّل به غيبة الإمام عليه السلام ، وهو امتحان العباد واختبارهم ، وتمحيصهم ، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « أمّا واللّه ليغيبن إمامكم سنيناً من دهركم ، ولتمحصن حتّى يقال : مات أو هلك ، بأيّ وادٍ سلك ، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ، ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر ، فلا ينجو إلاّ من أخذ اللّه ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيّده بروح منه »(3).

ولقد جرت سنّة اللّه تعالى في عباده امتحانهم ، وابتلاءهم ليجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون ، قال تعالى : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (4) ، وقال تعالى : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ) (5).

ص: 454


1- علل الشرائع 1 / 246 ، كمال الدين وتمام النعمة : 481.
2- الغيبة للشيخ الطوسي : 329.
3- الإمامة والتبصرة : 125 ، الكافي 1 / 336 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 191.
4- الملك : 2.
5- العنكبوت : 2.

وغيبة الإمام عليه السلام من موارد الامتحان ، فلا يؤمن بها إلاّ من خلص إيمانه ، وصفت نفسه ، وصدّق بما جاء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله والأئمّة الهداة المهديين من حجبه عن الناس ، وغيبته مدّة غير محدّدة ، أو أنّ ظهوره بيد اللّه تعالى ، وليس لأحدٍ من الخلق رأي في ذلك ، وإن مثله كمثل الساعة فإنّها آتية لا ريب فيها.

3 - الغيبة من أسرار اللّه تعالى :

وعُلّلت غيبة الإمام المنتظر عليه السلام بأنّها من أسرار اللّه تعالى ، التي لم يطّلع عليها أحد من الخلق ، فقد ورد عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « إنّما مثله كمثل الساعة ، ثقلت في السماوات والأرض ، لا تأتيكم إلاّ بغتة »(1).

4 - عدم بيعته لظالم :

ومن الأسباب التي ذكرت لاختفاء الإمام عليه السلام أن لا تكون في عنقه بيعة لظالم ، فعن علي بن الحسن بن علي بن فضّال عن أبيه ، عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال : « كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه » ، قلت له : ولم ذلك يا بن رسول اللّه؟ قال عليه السلام : « لأنّ إمامهم يغيب عنهم » ، فقلت : ولِمَ؟ « لئلا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف »(2).

وأعلن الإمام المهدي عليه السلام ذلك بقوله : « إنّه لم يكن لأحد من آبائي عليهم السلام إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي » (3).

هذه بعض الأسباب التي علّلت بها غيبة الإمام المنتظر عليه السلام ، وأكبر الظنّ أنّ اللّه تعالى قد أخفى ظهور وليّه المصلح العظيم لأسباب أُخرى أيضاً لا نعلمها إلاّ بعد ظهوره عليه السلام.

ص: 455


1- كفاية الأثر : 168 و 250 ، ينابيع المودّة 3 / 310.
2- علل الشرائع 1 / 245 ، عيون أخبار الرضا 2 / 247.
3- كمال الدين وتمام النعمة : 485 ، الغيبة للشيخ الطوسي : 292.

( فاطمة حسن - .... - .... )

تعقيب على الجواب السابق :

قد يقول قائل : ما العلّة وما فائدة الإمام المنتظر في استمرار وجوده غائباً؟ وعدم ظهوره ليصلح ما أفسده الناس ، وما جرفوه من حكم الإسلام.

الجواب : قد ورد في جواب الإمام الحجّة عليه السلام لإسحاق بن يعقوب ، كما في توقيعه الشريف : « وأمّا علّة ما وقع مِن الغيبة ، فإنّ اللّه عزَّ وجلّ يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (1) إنّه لم يكن أحد من آبائي إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد مِن الطواغيت في عنقي.

وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحاب ، وإنّي لأمان لأهل الأرض ، كما أنّ النجوم أمان أهل السماء ، فأغلقوا أبواب السؤال عمَّا لا يعنيكم ، ولا تتكلّفوا على ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإنّ ذلك فرجكم ، والسلام عليكم يا إسحاق بن يعقوب وَعلى مَن اتبع الهدى »(2).

فالعلّة في غيبة الإمام وفائدتها أُمور :

1 - الغيبة سرّ مِن أسرار اللّه فلا تتكلّفوه ، كما ذكر الإمام عليه السلام واستشهد بالآية.

2 - غيبته إنّما وقعت لئلا يكون في عنقه بيعة لطاغية.

3 - إنّ مثل وجوده ونفعه للمجتمع كمثل وجود الشمس ، فإنّ غيبته لا تمنع مِن الاستفادة بوجوده الشريف.

4 - الإمام الحجّة أمان لأهل الأرض بوجوده ودعائه وبركاته.

ص: 456


1- المائدة : 101.
2- الغيبة للشيخ الطوسي : 292 ، كمال الدين وتمام النعمة : 485.

5 - طلبه الدعاء له بالفرج ، لأنّ تضرّع المؤمنين إلى اللّه بتعجيل فرجه له تأثير عند اللّه بتقريب ظهوره.

6 - إنّ لله حكم وأسرار فيها ما هو جلي ، ومنها ما هو خفي ، قد أخفاها لمصالح تعود للعباد ، وأمر المهدي عليه السلام في غيبته كذلك.

7 - إنّ وجود المهدي حجّة لله قائمة في الأرض يحفظ اللّه به البلاد والعباد.

8 - قد يكون المانع مِن ظهوره هم الناس أنفسهم ، لعدم وجود أنصار له.

9 - إنّ تأخير ظهوره قد يكون لإعطاء فرصة ومهلة للرجوع إلى اللّه تعالى.

10 - إنّ الحجّة المنتظر بوجوده يحفظ اللّه التوازن في المجتمع البشري ، كما تحفظ الجاذبية التوازن في المجموعة الكونية.

جعلنا اللّه وإيّاكم محلّ رضاه ، وجمعنا به العليّ القدير عاجلاً غير آجل ، إنّه سميع مجيب.

وعلى كُلّ واحد - أينما كان - أن يجعل ارتباطه باللّه تعالى شفّافاً ، واضحاً ، قوياً ومتكاملاً.

نسألكم الدعاء.

( يوسف - الكويت - .... )

غيبة المهدي لا تنفي مصلحة وجوب وجوده :

س : الإخوة القائمين على هذا المركز : تحية طيّبة ، وشكراً على هذه الجهود الجبّارة ، التي تقومون بها لترويج مذهب أهل البيت عليهم السلام.

قد يثير البعض شبهة حول الأدلّة العقلية التي نستدلّ بها في إثبات الإمامة ، من خلال الاحتجاج بغيبة مولانا صاحب الأمر عليه السلام ، وكمثال على ذلك : حينما نمرّ بذكر الأدلّة التي ساقها أهل البيت عليهم السلام وأصحابهم الكرام في إثبات الإمامة ، وأنّها ضرورة عقلية ، في باب الاضطرار إلى الحجّة من كتاب الحجّة في أُصول الكافي : نرى أنّ الأئمّة عليهم السلام وأصحابهم ، قد احتجّوا بأنّه لابدّ للناس من إمام يكون حجّة بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ويكون سفيراً لله تعالى يدلّ الناس على

ص: 457

منافعهم ومصالحهم ، وما به بقاؤهم ، وفي تركه فناؤهم ، وأنّه لابدّ للناس من إمام يردّون إليه شكّهم وحيرتهم.

وبما أنّ الإمام المهدي عليه السلام غائب ، فلا يمكنه القيام بتلك الوظائف ، أي أنّه لا يدلّ الناس على مصالحهم ، ولا يستطيع الناس ردّ حيرتهم وشكّهم إليه ، بل يردّونها إلى العلماء ، وهنا لا يختلف الشيعة عن السنّة ، فهم أيضاً يردّون مسائلهم إلى علمائهم.

وبالنتيجة ، لا يمكن الاعتماد على هذه الأدلّة العقلية في إثبات الإمامة ، إذ لو اعتمدنا عليها لأبطلنا إمامة الإمام المهدي عليه السلام ، ولو قلنا بإمامته - مع غيبته - فلا يصحّ الاستدلال بتلك الأدلّة السابقة.

أرجو أن أجد لديكم الإجابة الشافية للردّ على هذه الشبهة.

ج : إنّ الأدلّة العقلية التي أشرتم إليها هي صحيحة لا محيص منها - كما ذكر في محلّه - ولكن يجب التنبّه إلى مفادها ، فهي تأخذ على عاتقها إثبات وجود الإمام في الكون ؛ وهذا أعمّ من الإمام الحاضر والغائب ، فعلى سبيل المثال : دليل الاحتجاج بوجود الإمام عليه السلام يستنتج منه وجوده فقط لا وجوده الحضوري ؛ فالغيبة لا تنفي مصلحة وجوب وجود الإمام عليه السلام ، والإمامة والهداية لا تنحصر بحال الحضور ، فمثلاً الهداية التكوينية لا علاقة لها بالحضور أو الغيبة ، بل ترتبط بمجرّد وجود الإمام عليه السلام.

نعم ، إنّ صفة الغيبة تضع عراقيل في طريق الاتّصال بالحجّة عليه السلام ، من جهة عدم بسط يده وعلمه وإمامته الظاهرية ؛ وهذا وإن كان مورداً للقبول عند كافّة الشيعة ، إلاّ أنّه لمّا لم تكن العلّة في الغيبة من جهته عليه السلام ، فالمسؤولية في هذا المجال تبقى على عاتق الناس.

وبعبارة أوضح : لو كانت المصالح تقتضي - ومنها تلقّي الوسط العام من المجتمع قبول الإمام عليه السلام - لما استمرّت الغيبة طوال هذه الفترة المديدة ، وهذا معنى كلام بعض العلماء : « وجوده لطف ، وتصرّفه لطف آخر ، وعدمه منّا ».

ص: 458

( حيدر - .... - .... )

لا يطرأ عليها البداء :

س : شكراً على الإجابة.

لقد اطلعت على أسباب الغيبة ، وسؤالي فقط : هل يمكن اعتبار الغيبة من أُمور البداء؟ حفظكم اللّه ورعاكم.

ج : إنّ أصل مسألة الإمام المهدي عليه السلام وغيبته وظهوره ، من المبادئ التي لا يطرأ عليها البداء.

نعم قد يحصل في بعض الخصوصيات ، من طول فترة الغيبة أو قصرها ، وعلائم الظهور وفقاً للمصلحة الإلهية.

وقد وردت رواية في هذا المجال تؤكّد وتصرّح بهذا الموضوع ، عن أبي هاشم الجعفري قال : كنّا عند أبي جعفر محمّد بن علي الرضا عليهما السلام ، فجرى ذكر السفياني ، وما جاء في الرواية من أنّ أمره من المحتوم ، فقلت لأبي جعفر عليه السلام : هل يبدو لله في المحتوم؟

قال عليه السلام : « نعم » ، قلنا له : فنخاف أن يبدو لله في القائم! قال عليه السلام : « إنّ القائم من الميعاد واللّه لا يخلف الميعاد » (1) ، وفيها إشارة إلى الآية ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) (2).

( جاسم محمّد علي - الكويت - .... )

شبهات وردود حول مسألة السرداب :

س : أُريد توضيحاً كاملاً عن مسألة السرداب ، والإجابة على الشبهات المثارة حوله ، وشكراً لكم.

ص: 459


1- الغيبة للنعماني : 303.
2- آل عمران : 9 ، الرعد : 33.

ج : كان الإمام المهدي عليه السلام خلال الفترة الأُولى من حياته ، يعيش في بيت أبيه الإمام العسكري عليه السلام ، وكان يتستّر عن عيون الحكّام وجواسيسهم ، ويلجأ أحياناً إلى مخبأ في البيت ، يسمّونه « السرداب » ، وكان السرداب - ولا يزال حتّى اليوم - يستعمل في بيوت العراق للوقاية من حرّ الصيف اللاهب.

فإذا اشتدّ الطلب عليه ، أو حوصر بيته ، كان يخرج من البيت محاطاً بعناية اللّه ورعايته ، ويغيب مدّة يحضر فيها المواسم الدينية ، أو يزور مجالس أصحابه الأوفياء ، يحلّ مشاكلهم ، ويقضي حوائجهم ، من حيث لا يعرفه إلاّ الصفوة المخلصون منهم.

وحين بدأت غيبته الكبرى عليه السلام ، خرج من بيت أبيه في سامرّاء إلى أرض اللّه الواسعة ، يعيش مع الناس ، ويقاسي ما يقاسون ، ويحضر مواسم الحجّ وغيرها من المناسبات ، دون أن يعرفه أحد ، حسب التخطيط الإلهي ، والمصلحة الإسلامية العامّة ، الأمر الذي هو سرّ من سرّ اللّه ، وغيب من غيبه ، كما قال الإمام الصادق عليه السلام.

وقد استغلّ الحاقدون زيارات المؤمنين لمرقد الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام في سامرّاء ، واتّهموهم بالقول بأنّهم يعتقدون أنّ الإمام المهدي عليه السلام دخل السرداب وما زال فيه ، وهذا لاشكّ افتراء رخيص ، وادّعاء باطل.

فقد عرفنا أنّ الإمام المهدي عليه السلام ، غادر بيت أبيه نهائياً ، ليعيش كما يعيش غيره من الناس ، وذلك حتّى يحين وقت المهمّة التي ادّخره اللّه لها ، فيظهر ليحقّ الحقّ ويزهق الباطل ، ويملأ الدنيا قسطاً وعدلاً ، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً ، تسليماً بقول الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، الذي لا ينطق عن الهوى ، ومصداقاً لوعد ربّ العالمين ، بأن يرث المؤمنون الأرض وما عليها.

وعلينا نحن إلى ذلك الوقت - وقت ظهوره الشريف - أن نجنّد أنفسنا لنكون من أعوانه وأنصاره ، وذلك بأن نتقيّد بتعاليم رسالة جدّه المصطفى صلى اللّه عليه وآله ، وأن نكون من أُمّة تأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتأبى الظلم وتحارب

ص: 460

الظالمين ، لنستحقّ أن نكون من جنوده عليه السلام - جنود الحقّ والعدل والإيمان - داعين إلى اللّه سبحانه أن يعجّل فرجه ، ويسهّل مخرجه ، ويجعلنا من أنصاره ، والدعاة إلى سبيله.

كما قلنا : إنّ السرداب هو المكان الذي يحفر تحت الأرض في الأماكن الحارّة عادة ، يكون بعيداً عن الشمس ، وقريباً من الرطوبة يكون بارداً ، وقد كان ذلك من القديم ، ولكن اعتقاد الشيعة به ليس لأجل أنّه يسكن فيه الإمام ، حيث لم يتفوّه بذلك أحد قط ، بل لأجل أنّه كان في بيت الإمام الهادي والإمام الحسن العسكري عليهما السلام ، وأنّ الإمام الحجّة كان في أوائل عمره فيه ، لأجل كونه تراثاً فيه ذكريات الأئمّة نحترمه ، وأمّا كون الإمام يسكن فيه فهو تهمة مفتراة ، وهي ليست تهمة مستحدثة ، بل كانت من القديم.

نعم ، هناك رواية واحدة تقول : إنّ الإمام حينما هجموا عليه بعد الصلاة على أبيه ، التجأ إلى السرداب ، وغاب عن الأنظار ، ولكن ليس معنى ذلك ، أنّه مقيم فيه إلى الآن.

وقد علّق الأُستاذ محمّد أبو زهره عن الفرقة الإثنى عشرية بقوله : « والاثنا عشرية ، يرون أنّ الإمامة بعد الحسين لعلي زين العابدين ابنه ، ثم لمحمّد الباقر ، ثمّ لجعفر الصادق ، وبعد جعفر الصادق ابنه موسى الكاظم ، ثمّ لعلي الرضا ، ثمّ لمحمّد الجواد ، ثمّ علي الهادي ، ثمّ للحسن العسكري ، ثمّ لمحمّد ابنه ، وهو الإمام الثاني عشر ، ويعتقدون أنّه دخل سرداباً في دار أبيه بسر من رأى ، وأُمّه تنظر إليه ، ولم يعد بعد ، وهو المهدي المغيّب ، ويترقّبون كُلّ حين ليحكم ويملأ الأرض عدلاً ... ».

وليت الأُستاذ أبو زهره قد تأمّل - ولو قليلاً - لوجد نفسه غنياً عن هذه المقولة المجحفة ، فالإمامية تقول بغيبة الإمام المهدي عليه السلام ، ودخوله إلى السرداب كانت حالة طارئة ، دفعته للاختفاء فيه عند مداهمة السلطة لبيت أبيه عليه السلام ، وكانت خطوة احترازية ذكية ، أربك فيها السلطة وقت ذاك ، بعد أن كانت القوّة

ص: 461

المسلّحة المرسلة من قبل الخليفة لم تتوقّع دخوله في سرداب بيته ، فإن إخفاء نفسه في بيته المداهم لم يكن متوقّعاً ، فمن المستبعد لديهم أنّ المهدي الملاحق من قبلها ، يختفي في مكان قريب منها ، ثمّ هو يخرج من بينهم خارج الدار ، وهم ينظرون إليه ، لعدم توقّعهم أنّ الملاحق هذا الفتى الذي يخرج من السرداب ، ولم يعرفوا شكله حيث أخفاه أبوه عن أعين العامّة ، فمتى يتاح للقوّة المداهمة معرفته ، وملاحقته بعد ذلك؟

هذا ما كان من خبر السرداب الذي ترويه الشيعة ، وهو الموافق تماماً للخطوات الاحترازية الأمنية المتّخذة من قبل أيّ شخص مطارد ، وقد دوهم بيته غيلة ، فضلاً عن المهدي عليه السلام ، الذي اتّخذ في اختفائه خطوات طبيعية ، ثمّ هي مناورة سريعة غير مرتقبة لا من قبل النظام ، ولا من قبل القوّة المداهمة ، حيث أربكها تماماً ، واسقط ما في أيديها ، ورجعت خائبة لم تحقّق مهمّتها بعد ذلك.

إذاً ، لم تعد كلمة السرداب انتقاصاً لمسألة الغيبة ، حتّى يعدّها الآخرون عملية مستهجنة ، تدلل على سخف فكرة الغيبة ، فأصل الغيبة ومستلزماتها لا علاقة لها أصلاً بقضية السرداب ، إنّما هو مقدّمة تكتيكية كان الإمام قد عملها بعد مداهمة قوّات الأمن لبيته ، ثمّ يعاجلهم بعد ذلك بالخروج فوراً دون أدنى تأخير ، فلم تكن مسألة السرداب هي المعبّر عن الغيبة إذن.

ولم يقل أحد أن سيظهر من السرداب ، بل تردّد في الأحاديث أنّه يخرج في بيت اللّه الحرام ، نعم قد وردت زيارة في السرداب ، كما وردت زيارات في أماكن أُخرى ، بل تستحبّ زيارته في كُلّ مكان ، وفي كُلّ زمان.

إنّ اعتماد مفردات بسيطة مستهجنة سوف يوحي للآخرين شعوراً بالسخرية والاستخفاف ، وهكذا فإن ّ اقتران أيّة فكرة مهما تكن عظيمة في جميع خطواتها بهذا النحو من المفردات الساذجة سيوحي بسذاجتها ، لما يتركه هذا الاقتران من انطباع نفسي لدى القارئ أو السامع ، فالسرداب الذي جعله البعض

ص: 462

شعاراً لغيبة الإمام المهدي عليه السلام ، هو تسرّع غير لائق في تحليل فكرة إسلامية أصيلة ، استندت إلى برنامج علمي دقيق ، وخطوات أمنية محسوبة ، فضلاً عن دعمها بنصوص نبوية متواترة.

إنّ خطوات المشاريع التثقيفية ، خصوصاً في طرح غيبة المهدي ، ترافقها خطوات استفزازية ، تحفّز القارئ إلى الحذر من فكرة المهدي ، وتسلّمه إلى دائرة التشكيك في مبتنيات الفكرة المهدوية.

ولعلّ من أحسن من انصف في مجال التاريخ للفرقة الإثنى عشرية ، هو الأُستاذ أبو زهرة ، ومع ذلك فإنّ توجّساً يحيط كلامه بالحذر مرّة ، والاستخفاف ثانية ، عند طرحه لعقيدة المهدي ، ولعلّ الذي دعاه إلى ذلك عدّة أُمور ، منها :

أوّلاً : الموروث الثقافي الذي يطارده.

وثانياً : فإنّ عدم رجوعه إلى أحاديث نبوية قد سلّم هو بها ، كما سلّم غيره عن ظهور المهدي ، قد أربك تقييماته هذه ، فجاءت وكأنّها استجابة لمشاريع تقليدية مضادّة.

وثالثها : ولعلّ الأهمّ هو إغفاله لكتب علماء الإمامية ، ومراجعة ما أثبتته بطرق الفريقين حول فكرة المهدي ، وكونها فكرة إسلامية ، قالت بها جميع المذاهب ، وأنّ مسألة السرداب لم تكن شعاراً لأطروحة الغيبة الإلهية ، وإنّما هي من إفرازات العصبية المذهبية ، ابتدعها نفر للتقليل من شأن هذه الأطروحة ، والاستخفاف بفلسفتها.

وقد ساهمت حقبة فكرية غير ناضجة في قلب صورة الحدث الإسلامي ، وراحت تزاحم مبتنيات تركيبة العقل المسلم ، الذي درج على مرتكزات الخلافة ، والتي عنونتها أدبيات الفكر المعصومي على إنّها خلافة نبوّة ، وجاهدت مبتنيات سياسية غير رشيدة ، أن تعنونها على أنّها خلافة ملك قيصري ، أو أبهة كسروية ، وبين هذين العنوانيين حفلت مطوّلات التاريخ

ص: 463

الإسلامي بلائحة من التبريرات ، يتكفّلها الكاتب التقليدي ، ليلزم بها القارئ المتطّلع إلى قراءة الحدث الإسلامي بموضوعية وواقعية ، وهيأت هذه الحقّبة الفكرية للكاتب الإسلامي أن يكون مجرد سارد قصصي ، يحاكي في نقل التاريخ قصص ألف ليلة وليلة ، ليسرد الحدث الإسلامي هكذا دون تحليل ، أو إذا أحسن التدبير فإنّه لا يكون سوى مخرج لدراما قصصية ، يتفكّه بها القارئ ليضيفها إلى دائرة ترفه الأدبي.

أثقلت الحقّبة الأُموية كاهل التاريخ الإسلامي بخروقات يرتكبها الخليفة الأُموي ، ليطلب بعد ذلك من كتّاب البلاط أن يؤرّخوا شخصية إسلامية ، على أنّها أسهمت في تطوير المفهوم الإسلامي ، وإعلاء كلمة اللّه في ظل حكمه.

لم يكن هذا التحرّك الفكري ينطلق من فراغ ، بل كان على أنقاض سياسة ما بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، والتي فتحت أبواب التبرير السياسي ، واستخدام مصطلحات الاعتذار ، فمن محاولة إطفاء نائرة الفتنة التي توجسها كادر السقيفة ، كانت أهمّ أطروحة تبريرية سياسية لم تلق نجاحاً ملحوظاً ، حتّى محاولات استخدام اصطلاحات اعتذارية ، كالإجماع ، وأهل الحلّ والعقد ، وأقلّ ما يقال : إنّها محاولات مرتبكة أخفقت في مجال التطبيق الميداني.

هذه السياسة استخدمها الأُمويون ، ولهج في تطويرها منظروهم من كتّاب البلاط ، فقدّموا صيغاً تبريرية جاهزة ، يستخدمها البلاط حتّى ما بعد حياة الخليفة الأُموي ، فمن اللّهو والعبث الذي قرّره كتّاب البلاط ، على أنّه تقدّم رائع في مجال الفنّ الإسلامي ، وصورة من صور تواضع الخلافة ، إلى الترف والبذخ داخل البلاط ، الذي عبّروا عنه أنّه قمّة الكرم والسخاء ، ومن البطش والجبروت الذي امتاز به آل أُمية ، فصوّروه بأنّه البأس والشجاعة في ذات اللّه وعزّة الدولة الإسلامية ، إلى حالات الإخفاق الفكري والثقافي ، فكان في منظوره حالة من حالات الوعي الفكري والنضوج الثقافي.

ص: 464

لم تتوقّف حالات الخرق الفكري هذه عند بني أُمية فحسب ، بل تابعهم على ذلك بنو العبّاس ، وافتتحوا عهد حكمهم بأهمّ شعار تبريري رفعوه كلافته ثورية تنادي ب- « الرضا من آل محمّد » ، وأكّدوا على ذلك في جميع أدبياتهم ، حتّى بدأت شعاراتهم تتهاوى إبّان عهد خليفتهم السفّاح ، الذي قرّر مشروع ملاحقة آل علي ، والتضييق عليهم ، وأكّد ذلك المنصور ، وطوّره الرشيد ، وتبعه الباقون.

وإذا أردنا دراسة هذه الحقّب الحاكمة ، ومعرفة ما أثقلته من خروقات شرعية وفكرية وثقافية على المفهوم الإسلامي ، فإنّ دراسة تقليدية لم تكن لتقدّم المطلوب ، بل محاولة دراسة التاريخ المقارن بين قائمتين من مدرستي النزاع كفيلة بأن تقدّم الرواية الإسلامية الواعية.

فدراسة قائمة خلفاء مدرسة النصّ ، المتمثّلة بآل البيت النبوي عليهم السلام ، وما صاحبها من قراءة سيرة الأئمّة الأطهار ، الذين مثّلوا الورع والتقوى والهدى والخير والصلاح ، كفيلة بأن تكشف خروقات قائمة خلفاء مدرسة الإجماع ، وهو كما ترى فضح للتاريخ التبريري ، الذي درج عليه البعض من الكتّاب ، وإسقاط لجميع المرتكزات المغلوطة في أذهان الأُمّة ، من أنّ الخليفة ملك كسروي ، أو أمير قيصري ، بل إنّ الخلافة وراثة نبوّة ، وحمل رسالة ، وعيبة وحي السماء.

وعليه ليس اشتهار هذا السرداب بسرداب الغيبة ، لأنّ الحجّة عليه السلام غاب فيه - كما زعمه البعض من يجهل التاريخ - بل لأنّ بعض الأولياء تشرّف بخدمته ، وحيث إنّه مبيت الثلاثة من الأئمّة ، ومعبدهم طوال المدّة ، كما حظى فيه عدّة من الصلحاء بلقائه ، صار من البقاع المتبرّكة ، فينبغي إتيانه بخضوع وحضور قلب ، والوقوف على الباب والدعاء.

وإنّ الإمامية تعتقد أنّ الحجّة اسمه يطابق اسم رسول اللّه ، وكنيته كنيته ، وشمائله شمائله ، وقد ولد في سر من رأى في 15 من شعبان سنة 256 ه- ، فلما

ص: 465

توفّى أبوه غاب عن الأنظار ، لا أنّه دخل في السرداب ، وأُمّه تنظر إليه ، كما توجد هذه العبارات في بعض كتب العامّة ، وأنّ الشيعة الإمامية براء من هذه المعتقدات ، التي يلصقها بهم من أراد الحطّ من كرامة مذهبهم.

لقد أجمعت الفرقة الناجية على هذا الرأي الحسن ، الذي يعتري من الخرافات والخزعبلات الواهنة ، والقدسية التي نعقدها ، ما هي إلاّ ارتباط روحي ووجداني مع أثر من آثار ثلاثة أئمّة من أئمّة المسلمين في مكان واحد.

أوردت كتب التاريخ في عصر قتل الإمام الحسين عليه السلام قضيّة في غاية الغرابة.

فعندما حمل رأس الحسين عليه السلام على أسنة الرماح ، وطافوا به البلدان والأقطار ، مروا براهب مسيحي يتعبّد في صومعته ، أناخوا الرحال قليلاً ليستريحوا من عناء السفر ، فسألهم الراهب : رأس من هذا؟ فقالوا له : رأس الحسين بن فاطمة بنت محمّد ، فسكت قليلاً ، ثمّ أعاد الراهب السؤال مرّة أُخرى : رأس من هذا؟ فقالوا له : هو رأس الحسين بن فاطمة بنت محمّد ، ثمّ أعاد نفس السؤال عليهم مرّة ثالثة ، ممّا أثار غضبهم.

تعجب الراهب من عملهم ، واستنكر عليهم فعلتهم المشينة ، فقال لهم : هذا ابن بنت نبيّكم قتلتموه ، وسلبتم أهل بيته وعياله ، ونحن لم نجد ما نتقرّب به إلى اللّه ، فنصبنا معبداً لحافر حمار نبيّنا المسيح نتبرّك به ، ليقرّبنا إلى اللّه زلفى ، فاسلم الراهب ببركة رأس الحسين عليه السلام ، بعد أن حمل عليهم وأثقل القول فيهم.

فهل يصحّ أن نلام؟ ونحن نتتبع آثار العترة الطاهرة ، ونبحث عن بركاتهم ، وكُلّ ما يتّصل بهم ، مهما كانت ظروف تلك الموجودات ، وطبائعها الكونية.

قطعاً لا ، إنّ التجاذب الروحي ، وعنصر العاطفة الذي يتأجّج مع اقتراب المحبوب من حبيبه ، هو أساس السلوكيات التي نسلكها مع تلك الآثار الطيّبة ، كتعبير على مدى الحبّ المتفجّر من جوانب المحبّين ، والموالين للأئمّة عليهم السلام.

ص: 466

( فاطمة - إيران - 28 سنة - خرّيجة ابتدائية )

العامل في عصرها كالعامل في عصر الظهور :

س : نشكركم على ما تبذلونه من خدمة لمذهب أهل البيت عليهم السلام ، لدي سؤال : لا أدري هل هو مناسب أن أطرحه هنا أم لا؟

دائماً ما يخطر ببالي إذا نحن لم تكن لنا السعادة لكي نكون مع سيّدنا ومولانا أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام لنفوز الفوز العظيم ، ولا سمح اللّه أن لم نكن مع مولانا الحجّة عليه السلام لننصره ، ونستشهد بين يديه ، أو نكون تحت ظلّه ، فما هي السعادة التي يجب أن نحصل عليها؟

أو بعبارة أُخرى : فما هو ذنبنا ، وما هو تقصيرنا لأنّنا لم نكن مع أئمّتنا عليهم السلام؟ هل هذا يتبع عالم الذرّ؟ وهو نتيجة امتحاننا في ذلك العالم؟ واللّه أنا لا أعلم كيف كنت في عالم الذرّ ، ولكنّي الآن أنا قلبي يقطر دماً على فراق مولاي ومولى كُلّ مؤمن ومؤمنة أبا صالح المهدي ، روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء.

ولا أعلم هل تفوتني السعادة إن قلّ عمري وطال الظهور؟ مثلما لم نحضر زمان أبي عبد اللّه لننصره ونستشهد بين يديه؟ وشكراً لكم.

ج : إنّ العاملين بوظيفتهم في عصر الغيبة ينالون من المقام والرفعة والرتبة ما لا يقل عن عصر الظهور ، كما صرّحت به الأحاديث الكثيرة :

1 - قال الإمام زين العابدين عليه السلام : « إنّ أهل زمان غيبته القائلون بإمامته ، والمنتظرين لظهوره أفضل أهل كُلّ زمان ... أُولئك المخلصون حقّاً وشيعتنا صدقاً » (1).

2 - عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام قال : قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « يا علي! واعلم أنّ أعظم الناس يقيناً قوم يكونون في آخر الزمان ، لم يلحقوا النبيّ ، وحجب عنهم الحجّة ، فآمنوا بسوادٍ في بياض »(2).

ص: 467


1- كمال الدين وتمام النعمة : 320.
2- بحار الأنوار 52 / 125.

3 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « انتظار الفرج بالصبر عبادة »(1).

4 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر ، كمن هو مع القائم عليه السلام في فسطاطه ... ، لا بل كمن قارع معه بسيفه ... ، لا واللّه ألا كمن استشهد مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله »(2).

5 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « من عرف إمامه ثمّ مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر ، كان بمنزلة من كان قاعداً في عسكره »(3).

6 - قال الإمام علي عليه السلام : « المنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه »(4).

7 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أفضل أعمال أُمّتي انتظار الفرج من اللّه عزّ وجلّ » (5).

8 - قال الإمام الرضا عليه السلام : « انتظار الفرج من الفرج »(6).

9 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة ، المتمسّك فيها بدينه كالخارط للقتاد »(7).

10 - قال الإمام الباقر عليه السلام : « من مات وهو عارف لإمامه لم يضرّه ، تقدّم هذا الأمر أو تأخّر »(8).

11 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « من عرف هذا الأمر فقد فرّج عنه لانتظاره »(9) ، وغيرها من الأحاديث ، ممّا تدلّ جميعاً على ما ذكرنا ، بشرط الالتزام والبقاء على العقيدة الصحيحة والعمل الصالح.

ص: 468


1- الدعوات : 41 ، الجامع الصغير 1 / 417 ، الجامع لأحكام القرآن 4 / 323.
2- المحاسن 1 / 174 ، شرح الأخبار 3 / 571.
3- الكافي 1 / 371 ، الغيبة للنعماني : 329.
4- كمال الدين وتمام النعمة : 645 ، شرح الأخبار 3 / 560.
5- كمال الدين وتمام النعمة : 644.
6- تفسير العيّاشي 2 / 138 و 159 ، الغيبة للشيخ الطوسي : 459.
7- الإمامة والتبصرة : 126 ، الكافي 1 / 335.
8- الكافي 1 / 371 ، الغيبة للنعماني : 330.
9- نفس المصدرين السابقين.

( عبد المنعم الخلف - السعودية - 31 سنة - دبلوم )

من أسبابها :

س : لماذا الإمام المهدي عليه السلام غائب إلى هذا الوقت؟ وما الحكمة من اختفائه؟ والأُمّة في أمسّ الحاجة إليه؟ هذا ووفّقكم اللّه ، وسدّد خطاكم.

ج : أسباب غيبة الإمام المهدي عليه السلام كثيرة ، منها :

1 - عدم وجود الناصرين بمقدار الكفاية ، لأنّ جل من يتمنّاه أو يدعو لظهوره ، إنّما يفعل طمعاً في الراحة والرخاء ، والطمأنينة الدنيوية التي يأمل المسلمون أن يحصلوا عليها في ظل رعايته ، وأيّام ظهوره ، فهؤلاء إنّما يدعون لأنفسهم.

2 - إنّ النفوس غير مستعدّة لتقبّل الحكم على طبق الواقع ، الذي سوف يمارسه عليه السلام ويحكم في إطاره.

3 - غلبة الأهواء وأهل الفسق والفجور على أزمة الأُمور في جلّ بلاد العالم ، ولابدّ لإزاحة هؤلاء من نفوس طاهرة طيّبة مطيعة للإمام ، كإطاعة جوارح الإنسان لمشيئته وإرادته.

4 - الحكمة الإلهيّة اقتضت غيبة الإمام عليه السلام ، وهذه النقطة الحقيقة التي يدور عليها غيبة الإمام عليه السلام ، وأمّا الأُمور الأُخرى المذكورة فهي أسباب أو حكم ذكرت في بعض الآثار ، وهي أجوبة وقتية لا مطلقة ، لأنّ الإمام يراعي الظروف الموجودة فيه والموضوعات التي تحكم الواقع الخارجي ، فالسرّ في غيبة الإمام كالسرّ في كون الأئمة عليهم السلام اثني عشر إماماً لا أكثر ولا أقل. وعلى المسلم المؤمن التسليم لأوامر اللّه سبحانه وتعالى وما تقتضيه حكمته.

ص: 469

ص: 470

فاطمة الزهراء عليها السلام :

اشارة

( حسين الحائري - إيران - .... )

التهديد بحرق بابها في كتب أهل السنّة :

س : أهدي سلامي وتحيّاتي إلى الإخوة العاملين في هذا المركز المبارك.

هل هناك أدلّة عند أهل السنّة على استشهاد الزهراء عليها السلام ، بسبب الحادثة التي وقعت بعد وفاة النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله من حرق باب دارها عليها السلام؟

ج : ليس من الضروري والمهمّ وجود ما نعتقد به عند أهل السنّة وكتبهم ، بل المهمّ والضروري هو وجوده في مصادرنا وكتبنا بطرق كثيرة ، ربما تصل إلى حدّ التواتر ، فهناك الكثير ممّا هو أبسط من هذا الأمر بل وأشهر ، ومع ذلك لا تجد عن أهل السنّة إلاّ مثل هَمَل النعم ، وإلاّ النزر القليل والشاذّ النادر ، الذي يسطّر ويذكر في كتابه بعضاً منها ، فكيف بهذا الأمر الخطير ، الذي حاولوا بشتّى الطرق كتمانه والتستّر عليه ، ومع كُلّ هذا الجهد المبذول للتعتيم ، ظهر من هنا وهناك من كتّابهم وحفّاظهم وعلمائهم ، من أشار أو صرّح بهذه المصيبة العظمى ، نذكر بعضاً منهم :

1 - روى ابن قتيبة الدينوري بإسناده عن عبد الرحمن الأنصاري : « وإنّ أبا بكر تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي ( كرّم اللّه وجهه ) ، فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار علي ، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده ، لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها!

ص: 471

فقيل له : يا أبا حفص ، إنّ فيها فاطمة؟ فقال : وإن »!!(1).

2 - روى أبو الفداء إسماعيل : « فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار ، فلقيته فاطمة وقالت : « إلى أين يا بن الخطّاب ، أجئت لتحرق دارنا »!! قال : نعم ، أو تدخلوا فيما دخلت به الأُمّة »!(2).

3 - روى ابن جرير الطبري عن زياد بن كليب قال : « أتى عمر بن الخطّاب منزل علي ، وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال : واللّه لأحرقنّ عليكم ، أو لتخرجنّ إلى البيعة! فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف ، فعثر فسقط السيف من يده ، فوثبوا عليه فأخذوه »(3).

4 - روى الجوهري عن مسلمة بن عبد الرحمن قال : « لمّا جلس أبو بكر على المنبر ، كان علي والزبير وناس من بني هاشم في بيت فاطمة ، فجاء عمر إليهم فقال : والذي نفسي بيده لتخرجن للبيعة أو لأحرقن البيت عليكم »(4).

5 - روى البلاذري بإسناده عن سليمان التميمي ، وعن ابن عون : « أنّ أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه قبس ، فتلقّته فاطمة على الباب.

فقالت فاطمة : « يا بن الخطّاب! أتراك محرّقاً عليّ بابي »؟ قال : نعم ، وذلك أقوى لما جاء به أبوك »(5).

6 - روى الشهرستاني عن النظّام أنّه قال : « وكان عمر يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها!! وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين » (6).

ص: 472


1- الإمامة والسياسة 1 / 30.
2- المختصر في أخبار البشر 1 / 219 ، العقد الفريد 5 / 13.
3- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 443.
4- السقيفة : 52 ، شرح نهج البلاغة 2 / 56 و 6 / 48.
5- جمل من أنساب الأشراف 2 / 268.
6- الملل والنحل 1 / 57.

7 - روى ابن أبي شيبة عن زيد بن اسلم ، عن أبيه اسلم - وهو مولى عمر - : « أنّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول اللّه فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم ، فلمّا بلغ ذلك عمر بن الخطّاب ، خرج حتّى دخل على فاطمة فقال : يا بنت رسول اللّه ، واللّه ما من أحد أحبّ إلينا من أبيك ، وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك ، وأيم اللّه ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك ، إنّ أمرتهم أن يحرّق عليهم البيت »(1).

وسند هذه الرواية صحيح ، أو قل : حسن بالتعبير الدارج على ألسنة المحدثين.

8 - روى ابن عبد ربّه : « فأمّا علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتّى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطّاب ليخرجوا من بيت فاطمة ، وقال له : إن أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة فقالت : « يا بن الخطّاب ، أجئت لتُحرق دارنا »؟ قال : نعم ، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأُمّة »(2).

9 - وروى المتّقي الهندي عن أسلم : « فلمّا بلغ ذلك عمر بن الخطّاب خرج حتّى دخل بيت على فاطمة فقال : يا بنت رسول اللّه ... وأيم اللّه ما ذاك بما نعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم الباب ، فلمّا خرج عليهم عمر جاؤها قالت : تعلمون أنّ عمر قد جاءني وقد حلف باللّه لئن عدتم ليحرقن عليكم الباب » (3) ، وغيرها من مصادر أهل السنّة.

وممّا يؤيّد ما سبق اعتراف أبي بكر وإقراره ، بل وتظاهره بالندم على كشفه لبيت الزهراء عليها السلام ، فعن عبد الرحمن بن عوف قال : « دخلت على أبي بكر أعوده فاستوى جالساً ... ، فقلت : ما أرى بك بأساً والحمد لله ، فلا تأس على الدنيا ، فو اللّه إن علمناك إلاّ كنت صالحاً مصلحاً ، فقال أبو بكر : إنّي

ص: 473


1- المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 572.
2- العقد الفريد 5 / 13.
3- كنز العمّال 5 / 651.

لا آسي على شيء إلاّ على ثلاث ، وددت أنّي لم أفعلهن : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته »(1).

( علي - أمريكا - 27 سنة - طالب )

موقفها من أبي بكر :

س : ما هي قصّة فاطمة الزهراء عليها السلام مع الخليفة الأوّل ، هل هي مؤكّدة؟

ج : إنّ الصحابة ينقسمون إلى قسمين : قسم منهم توفّوا في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فالشيعة وباقي المسلمين يحترمونهم ، وقسم منهم توفّوا بعد وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهؤلاء على قسمين :

الأوّل : منهم من عمل بوصية النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فالشيعة وباقي المسلمين يحترمونهم.

الثاني : منهم من لم يعمل بوصية النبيّ صلى اللّه عليه وآله - التي أوصى بها في عدّة مواطن - فالشيعة وكُلّ منصف لا يحترمهم.

وأمّا بالنسبة إلى السبّ ، فالسبّ غير اللعن ، لأنّ اللّه تعالى قد لعن في القرآن الكريم في عدّة مواطن ، منها قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) (2).

ومع الجمع بين هذه الآية وما روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ، وينصبني ما انصبها »(3) ، وقال أيضاً : « فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ، ويغضبني ما أغضبها »(4).

ص: 474


1- السقيفة : 75 ، شرح نهج البلاغة 20 / 24 ، تاريخ مدينة دمشق 30 / 419 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 619 ، كنز العمّال 5 / 631.
2- الأحزاب : 57.
3- مسند أحمد 4 / 5 ، الجامع الكبير 5 / 360 ، المستدرك 3 / 159 ، كنز العمّال 12 / 107 ، سير أعلام النبلاء 2 / 133 ، ينابيع المودّة 2 / 53 و 478.
4- الآحاد والمثاني 5 / 362 ، المعجم الكبير 22 / 405 ، تاريخ مدينة دمشق 3 / 156.

وما روي أيضاً في صحيح البخاري وغيره : من أنّ فاطمة عليها السلام ماتت وهي واجدة - أي غضبانة - على أبي بكر(1) يتبيّن الجواب عن سؤالكم.

( أبو محسن - الكويت - .... )

مصادر شيعية في كسر ضلعها :

س : نشكركم على جهودكم العظيمة ، ما الدليل على صحّة قضية كسر ضلع الزهراء عليها السلام؟

ج : إنّ الدليل على صحّة قضية كسر ضلع الزهراء عليها السلام هو النصوص الكثيرة الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، نذكر لكم نموذجاً منها :

1 - جاء في رواية : « وحالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت ، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها ، وإنّ بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إيّاها ، فأرسل أبو بكر إلى قنفذ : اضربها ، فألجأها إلى عُضادة باب بيتها ، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها ، وألقت جنيناً من بطنها » (2).

2 - جاء في زيارتها عليها السلام : « الممنوعة إرثها ، المكسور ضلعها ، المظلوم بعلها ، المقتول ولدها »(3).

3 - عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه : « وأمّا ابنتي فاطمة ... وإنّي لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي ، كأنّي بها وقد دخل الذلّ بيتها ، وانتهكت حرمتها ، وغصب حقّها ، ومنعت إرثها ، وكسر جنبها ، وأسقطت جنينها ... »(4).

ص: 475


1- صحيح البخاري 5 / 82 ، مسند أحمد 1 / 9 ، صحيح مسلم 5 / 154 ، السنن الكبرى للبيهقي 6 / 300 ، صحيح ابن حبّان 11 / 153 و 14 / 573 ، مسند الشاميين 4 / 198 ، الطبقات الكبرى 2 / 315 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 369.
2- بحار الأنوار 28 / 283 ، مرآة العقول 5 / 320 ، الاحتجاج 1 / 109.
3- إقبال الأعمال 3 / 166 ، بحار الأنوار 97 / 200.
4- الأمالي للشيخ الصدوق : 176 ، بشارة المصطفى : 307.

4 - روي في كتاب سليم بن قيس : « فألجأها قنفذ لعنه اللّه إلى عضادة باب بيتها ودفعها ، فكسر ضلعها من جنبها ، فألقت جنيناً من بطنها ، فلم تزل صاحبة فراش حتّى ماتت صلّى اللّه عليها من ذلك شهيدة »(1).

5 - قال السيّد الحميري قدس سره في شعره :

ضربت واهتضمت من حقّها *** وأذيقت بعده طعم السلع

قطع اللّه يدي ضاربها *** ويد الراضي بذاك المتبع(2)

السلع : الشقّ والجرح.

وشعر السيّد الحميري يدلّ على شيوع هذا الأمر في عهد الإمام الصادق عليه السلام ، وذيوعه ، حتّى لتذكره الشعراء ، وتندّد به ، وتزري به على من فعله.

وخلاصة الأمر : إنّه لا يمكن بملاحظة كُلّ ما ذكرناه تكذيب هذا الأمر ، ما دام أنّ القرائن متوفّرة على أنّهم قد هاجموها ، وضربوها ، واسقطوا جنينها ، وصرّحت النصوص بموتها شهيدة أيضاً ، الأمر الذي يجعل من كسر الضلع أمراً معقولاً ومقبولاً في نفسه ، فكيف إذا جاءت روايته في كتب الشيعة والسنّة ، بل وأشار إليه الشعراء أيضاً ، ولاسيّما المتقدّمون منهم.

ثمّ لا يخفى عليكم أننّا لا نحتاج في إثبات هذه القضايا إلى صحّة السند ، بل يكفي الوثوق بصدورها ، وعدم وجود داع إلى الكذب كافّ لصحّة الأخذ بالرواية.

( هويدا - ... - ..... )

تسبيحتها وكيفيته :

س : ما هي تسبيحة الزهراء؟ وكيف تكون؟

ص: 476


1- كتاب سليم بن قيس : 153 ، الاحتجاج 1 / 109.
2- الصراط المستقيم 3 / 13.

ج : نحيطك علماً بأنّ تسبيح الزهراء عليها السلام قد ورد في فضله الكثير من الروايات عن النبيّ وأهل بيته عليهم السلام.

وكيفيته هي : أن تقول أربع وثلاثون مرّة اللّه أكبر ، وثلاث وثلاثون مرّة الحمد لله ، وثلاث وثلاثون مرّة سبحان اللّه ، وذلك بعد كُلّ صلاة فريضة.

وأصل هذا التسبيح علّمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فاطمة الزهراء عليها السلام ، كما ورد في عدّة روايات.

( ... - .... - .... )

قضيتها عقائدية لا تاريخية محضة :

س : هناك من يعتقد ويقول : بأنّ بعض القضايا التاريخية يجب على الإنسان المسلم الشيعي أن لا يقف عندها طويلاً ، لأنّها ليست من الأُمور الهامّة في الإسلام ، كقضية فاطمة الزهراء عليها السلام ، وما جرى عليها من المصائب ، فهي قضية حصلت منذ فترة من الزمن وانتهت ، وأنّه ليس من الضروري الخوض في تفاصيل تلك المسألة؟

فما هو ردّكم على هذا القول؟ إذ من المعلوم حقّاً بأنّ العقائد لا تقليد فيها ، إذ يجب على الفرد المسلم أن يبحث ويدقّق في تلك العقائد حتّى تطمئن نفسه ، فسؤالي هو : ما هي العقائد التي ترونها لا تقليد فيها ، فهل المطروح حالياً في الساحة من الإشكالات حول ما يطرحه البعض من قضية الزهراء عليها السلام مثلاً هو من العقائد؟ أدامكم اللّه للإسلام والمسلمين.

ج : إنّ ردّنا على هذا القول هو : إنّ أقلّ ما يفيدنا الوقوف عند هذه القضية هو كون الزهراء عليها السلام ، وأمير المؤمنين عليه السلام مظلومين ، وأنّ القوم ظلموهما ، وظلموا أهل البيت ، وأقلّ ما يستفاد من هذه القضية ، والوقوف عليها كون أُولئك القوم ظالمين ، وقد قال اللّه تعالى : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1) ،

ص: 477


1- البقرة : 124.

وهذا أقلّ ما يستفاد من دراسة تلك القضية ، أنّ فلاناً وفلاناً لم يكونا لائقين لأنّ يجلسا مجلس النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ويقوما مقامه من بعده ، وهذا أمر يرجع إلى مسألة الإمامة التي هي عندنا من أُصول الدين.

فالتحقيق عن قضية الزهراء عليها السلام في الحقيقة ، تحقيق عن مسألة عقائدية هي من صلب الإيمان ، وليست قضية تاريخية محضة ، ومن يقول بهذه المقولة التي ذكرتموها ، إن كان جاهلاً فعلينا أن نعلمه وننبّهه ، وإن كان يفهم ما يقول ، ففي قلبه مرض ، والشيعي حقّاً لا يقول بمثل هذا الكلام.

ثمّ إنّ قضية الزهراء عليها السلام ترجع إلى أمر من صلب الدين ، وتتعلّق بقضية مصيرية للإسلام والمسلمين ، وقد ذكرنا بأنّ أقلّ ما يستفاد من هذه القضية ، وتدلّ عليه : أنّ خصوم الزهراء وأمير المؤمنين كانوا ظلمة ، فلم يستحقّوا الإمامة والنيابة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

إذن دراسة قضية الزهراء عليها السلام تنتهي إلى نفي إمامة وخلافة غير أمير المؤمنين ، من الذين تصدّوا الأمر بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

فهذه القضية إذن قضية ضرورية عقائدية ، وجديرة بالبحث والتحقيق فيها ، وأمّا القضايا العقائدية الأُخرى المطروحة في الساحة الآن ، والتي تقع موقع البحث والردّ والإيراد ، فتلك على قسمين :

منها : ما هو من ضروريات الدين والمذهب ، فهنا يجب الاعتقاد بها عن اجتهاد لا عن تقليد ، والضروري هو ما يجب الاعتقاد به ، وإن إنكاره أو التشكيك فيه خروج عن الدين أو المذهب.

ومنها : ما ليس من ضروريات الدين والمذهب ، وإنكاره أو التشكيك فيه ، ليس بمخرج عن الدين أو المذهب ، وقول علمائنا : بأنّ أُصول الدين والعقائد لا تقليد فيها ، ليس معنى ذلك أن يقول الإنسان بما تهواه نفسه ، بل المراد من عدم التقليد في أُصول الدين والمسائل العقائدية هو : أن يكون الإنسان معتقداً بتلك العقيدة عن دليل ، وبرهان قطعي.

ص: 478

على أنّ مسألة فاطمة الزهراء عليها السلام مرتبطة بالإمامة ؛ لأنّ الأمور التي جرت عليها بسبب غصب الحقّ الشرعي لعلي عليه السلام وأبنائه عليهم السلام ، فالمسألة من صميم العقيدة وليست هامشية حتى يمكن التغاضي عنها.

( الهادي - بريطانيا - .... )

بعض الأدلّة على عصمتها :

س : هل هناك دليل على عصمة الزهراء عليها السلام؟ وما هو الدليل على ضرورة عصمتها عليها السلام؟ وشكراً.

ج : هناك عدّة آيات وروايات تدلّ على عصمتها عليها السلام ، منها آية التطهير التي تدلّ بالصراحة على عصمتها عليها السلام ، والتي لا شبهة ولا خلاف في كون الزهراء عليها السلام داخلة تحت هذه الآية المباركة.

هذا مضافاً إلى أنّها عليها السلام بضعة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولا يعقل أن تكون بضعته غير معصومة.

وبالنسبة إلى ضرورة عصمتها عليها السلام ، فليست العصمة دائرة مدار الإمامة حتّى يقال : بأنّ الزهراء عليها السلام لم تكن إماماً ، وإنّما العصمة منزلة إلهية توجد عند الإنسان ، بفضل قربه من اللّه تعالى ، ويترتّب على ذلك وجوب إطاعته والاقتداء به ، وأنّ اللّه تعالى يجعله حجّة بينه وبين الخلق ، ومن يحتجّ به اللّه تعالى لابدّ وأن يكون معصوماً.

( محمّد إسماعيل قاسم - الكويت - 16 سنة - طالب )

نزول الملائكة عليها :

س : هل هناك روايات تقول بأنّ الملائكة لم تنزل على السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام؟ وهل هي صحيحة مقابلة مع الروايات الصحيحة والمعتبرة ، التي تقول بأنّ الملائكة قد نزلت عليها عليها السلام؟

ص: 479

وهل أنّ قول الرسول بما معناه : بأنّ الوحي سينقطع من بعده ، هل كان يقصد به الوحي النبوي إن صحّ التعبير؟

ج : لا توجد عندنا روايات تنفي نزول الملائكة على فاطمة الزهراء عليها السلام ، بل العكس هناك روايات تثبت نزول الملائكة عليها عليها السلام وتكلّمها معها ، ومن هنا ورد في الروايات أنّ من ألقابها عليها السلام محدّثة ، أي أنّ الملائكة كانت تحدّثها بعد وفاة أبيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

وهذا ليس ببعيد ، بعدما نقل لنا القرآن الكريم نماذج من النساء تحدّثن وتكلّمن مع الملائكة ، وهن لسن بنبيّات ولا وصيّات ، وإنّما كنّ وليّات من أولياء اللّه ، منهن :

1 - مريم عليها السلام ، قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ) (1).

2 - سارة عليها السلام ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى ... وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ ... ) (2).

3 - أُمّ موسى عليهما السلام ، قال تعالى : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ... ) (3).

والاعتقاد بنزول الملائكة على فاطمة الزهراء عليها السلام لا يعدّ غلوّاً ، ولا مبالغة في فضلها ، فهي عليها السلام سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وأفضل من مريم بنت عمران ، ومن سارة امرأة إبراهيم عليه السلام ، ومن أُمّ موسى عليهما السلام ، وقد ثبت بالنصوص القرآنية مشاهدتهن للملائكة وتكليمهن لهم ، فأيّ غلوّ في نسبة مثل ذلك لمن هي أفضل منهن؟

ص: 480


1- آل عمران : 42.
2- هود : 69 - 73.
3- القصص : 7.

ثمّ أنّ الإيحاء لم يقتصر على الأنبياء والمرسلين ، وعلى من ذكرناهم من النساء ، فقد أوحى اللّه تعالى إلى كُلّ من :

1 - النحل ، قال تعالى : ( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ... ) (1).

2 - الحواريون - أصحاب عيسى عليه السلام - قال تعالى : ( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي ... ) (2).

3 - السماوات ، قال تعالى : ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا ... ) (3).

4 - الأرض ، قال تعالى : ( بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ) (4).

ويظهر من خلال هذه الآيات القرآنية وآيات أُخرى : أنّ الوحي ليس مختصّ بالأنبياء والرسل فقط ، بل هو يتعدّى إلى أولياء اللّه تعالى ، نعم الوحي هنا في هذه الآيات ، المفهوم منه غير الوحي في إبلاغ الرسالات إلى الأنبياء ، بل هو شأن آخر من الوحي.

فالوحي لغة : الإعلام الخفي السريع ، واصطلاحاً : الطريقة الخاصّة التي يتّصل بها اللّه تعالى برسله وأنبيائه لإعلامهم ألوان الهداية والعلم ، وإنّما جاء تعبير الوحي عن هذه الطريقة باعتبارها خفية عن الآخرين ، ولذا عبّر اللّه تعالى عن اتصاله برسوله الكريم بالوحي.

قال تعالى : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ... ) (5).

ص: 481


1- النحل : 68.
2- المائدة : 111.
3- فصلت : 12.
4- الزلزلة : 5.
5- النساء : 163.

وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (1).

وهذه الآية الأخيرة حدّدت معنى الوحي الذي يختصّ بالأنبياء والمرسلين ، أمّا الآيات الأُخرى المتقدّمة الذكر ، فلها معاني آخر للوحي ، والذي نقول به : إنّ فاطمة الزهراء عليها السلام إنّما كانت محدّثة من قبل الملائكة بنحو من أنحاء الوحي ، الذي بيّنته الآيات الآنفة الذكر ، فلا محالة أن تكون قد حدّثت من قبل الملائكة كما دلّ القرآن على إمكان وقوع ذلك.

ولا أدري ، لماذا تقوم قيامة البعض إذا قلنا بأنّ الزهراء عليها السلام يوحي لها ، وقد أوحى اللّه تعالى إلى السماوات والأرض والحشرات وهي لا تعقل ، فما وجه نفي الوحي عن الزهراء عليها السلام وهي بشر ، بل أفضل البشر قاطبة؟

فإنّ من أوحى لأحجار وحشرات لقادر على أن يُوحي لأفضل بريّته بعد رسوله صلى اللّه عليه وآله.

وإذا رجعت إلى مرويّات أهل السنّة لرأيت العجب العجاب في نزول الوحي على محبّيهم ، فلنلق نظرة على كتب الحديث والسيرة والتاريخ عندهم ، لنرى كيف يدعى تحدّث الملائكة مع الكثير من رجالهم :

1 - أخرج البخاري عن أبي هريرة ، ومسلم عن عائشة : أنّ عمر بن الخطّاب كان من المحدّثين(2).

وقد حاول شرّاح البخاري أن يأوّلوه بأنّ المراد أنّه من الملهمين ، أو من الذين يلقى في روعهم ، أو يظنّون فيصيبون الحقّ ، فكأنّه حدث ... ، وهو كما ترى تأويل لا يساعد عليه ظاهر اللفظ.

ص: 482


1- الشورى : 51.
2- أُنظر : صحيح البخاري 4 / 200 ، صحيح مسلم 7 / 115 ، مسند أحمد 2 / 339 ، مسند الحميدي 1 / 123 ، كتاب السنّة : 569 ، كنز العمّال 11 / 577 ، تاريخ مدينة دمشق 44 / 94 ، سير أعلام النبلاء 19 / 546 ، تأويل مختلف الحديث : 152 ، الجامع لأحكام القرآن 13 / 174 ، تاريخ ابن خلدون 1 / 110 ، تهذيب الكمال 21 / 324.

2 - ممّن أُدّعي أنّ الملائكة تحدّثهم ، عمران بن الحصين الخزاعي - المتوفّى سنة 52 ه- - قالوا : « كانت الملائكة تسلم عليه حتّى اكتوى بالنار فلم يسمعهم عامّاً ، ثمّ أكرمه اللّه بردّ ذلك »(1).

3 - ومنهم أبو المعالي الصالح - المتوفّى سنة 427 ه- - رووا أنّه كلّمته الملائكة في صورة طائر(2).

4 - أبو يحيى الناقد - المتوفّى سنة 285 ه- - رووا أنّه كلّمته الحوراء(3).

وأمثال هذه المرويّات في كتب أهل السنّة غير قليل ، ولم يستنكر ذلك أحد ، ولم يتّهم أصحابها بالغلوّ.

ومن الجدير بالذكر : أنّ الوحي له أساليب وأغراض متعدّدة ، ولا تلازم بين الوحي والنبوّة ، وإن كان كُلّ نبيّ لابدّ أن يُوحى إليه ، وكذلك لا تلازم بين الوحي والقرآن ، فبالنسبة للرسول صلى اللّه عليه وآله لم يكن كُلّ ما نزل عليه من الوحي قرآناً ، فهناك الأحاديث القدسية ، وهناك تفسير القرآن وتأويله ، والإخبار بالموضوعات الخارجية ، وأمثال ذلك ، وكُلّها ليست قرآناً.

فاتّضح أنّ تحديث الملائكة للزهراء عليها السلام لم يكن من الوحي النبوي ، ولا من الوحي القرآني ، وممّا يدلّ على عدم الملازمة بين تحديث الملائكة والنبوّة : ما رواه صاحب بصائر الدرجات ، عن حمران بن أعين قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : « إنّ علياً كان محدّثاً » ، فخرجت إلى أصحابي فقلت لهم : جئتكم بعجيبة! قالوا : ما هي؟ قلت : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « كان علياً محدّثاً » ، قالوا : ما صنعت شيئاً إلاّ سألته : من يحدّثه؟ فرجعت إليه فقلت له : إنّي حدّثت أصحابي بما حدّثتني قالوا : ما صنعت شيئاً إلاّ سألته من يحدّثه؟

ص: 483


1- أُنظر : الطبقات الكبرى 4 / 288 و 7 / 11 ، المعجم الكبير 18 / 107 ، شرح نهج البلاغة 1 / 94.
2- أُنظر : صفة الصفوة 2 / 701.
3- تاريخ بغداد 8 / 463.

فقال لي : « يحدّثه ملك » ، قلت : فنقول : إنّه نبيّ؟ قال : فحرّك يده هكذا ثمّ قال : « أو كصاحب موسى أو كذي القرنين أو ما أبلغتكم أنّه قال وفيكم مثله »(1).

ومن الروايات الدالّة على نزول الملائكة على الزهراء عليها السلام.

1 - عن أبي عبيدة عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « إنّ فاطمة مكثت بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خمسة وسبعين يوماً ، وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرائيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها ، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة » (2).

2 - عن أبي حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب اللّه ، وإنّما هو شيء ألقي إليها بعد موت أبيها صلوات اللّه عليهما »(3).

3 - عن حمّاد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « إنّ اللّه تبارك وتعالى لمّا قبض نبيّه صلى اللّه عليه وآله ، دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلاّ اللّه عزّ وجلّ ، فأرسل اللّه إليها ملكاً يسلّي غمّها ويحدّثها ، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال لها : إذا أحسست بذلك فسمعت الصوت فقولي لي ، فأعلمته ، فجعل يكتب كُلّما سمع حتّى أثبت من ذلك مصحفاً »(4).

4 - عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر محمّد بن علي عليهم السلام عن مصحف فاطمة عليها السلام ، فقال : « أنزل عليها بعد موت أبيها » ، قلت : ففيه شيء من القرآن؟ فقال : « ما فيه شيء من القرآن »(5).

ص: 484


1- بصائر الدرجات : 341.
2- المصدر السابق : 174.
3- المصدر السابق : 179.
4- المصدر السابق : 177.
5- المصدر السابق : 105.

5 - عن إسحاق بن جعفر بن محمّد بن عيسى بن زيد بن علي قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « إنّما سمّيت فاطمة محدّثة ، لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها ، كما تنادي مريم بنت عمران ، فتقول : يا فاطمة ، إنّ اللّه اصطفاك وطهّرك ، واصطفاك على نساء العالمين ، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين - إشارة إلى آية 42 من آل عمران - فتحدّثهم ويحدّثونها.

فقالت لهم ذات ليلة : أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا : إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها ، وإنّ اللّه عزّ وجلّ جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها ، وسيّدة نساء الأوّلين والآخرين » (1).

6 - عن إسماعيل بن بشّار قال : « حدّثنا علي بن جعفر الحضرمي بمصر منذ ثلاثين سنة قال : حدّثنا سليمان قال : محمّد بن أبي بكر لمّا قرأ : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ ) (2) ولا محدّث ، وهل يحدّث الملائكة إلاّ الأنبياء؟ قال : إنّ مريم لم تكن نبية وكانت محدّثة ، وأُمّ موسى بن عمران كانت محدّثة ، ولم تكن نبية ، وسارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشّروها بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ، ولم تكن نبية ، وفاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كانت محدّثة ، ولم تكن نبية »(3).

والمحدّث من تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ، ولا رؤية صورة ، أو يلهم له ويلقى في روعه شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى ، أو ينكت له في قلبه من حقائق تخفى على غيره ، أو غير ذلك من المعاني التي يمكن أن يراد منه.

ص: 485


1- علل الشرائع 1 / 182.
2- الحجّ : 52.
3- علل الشرائع 1 / 183.

والنتيجة : أنّ الوحي كان ينزل على الزهراء عليها السلام ، لا وحي نبوي ، أي يدلّ على نبوّتها ، ولا وحي قرآني ، أي أنّه يحمل لها آيات قرآنية ، بل وحي يوحى لها ، كما أوحي إلى مريم وسارة وأُمّ موسى.

( عبد اللّه - البحرين - سنّي )

معنى : ولولا فاطمة لما خلقتكما :

س : أنا من أهل السنّة ، ولديّ سؤال أرجو منكم الإجابة عليه : تقولون أنّ اللّه عزّ وجلّ قال لرسوله صلى اللّه عليه وآله : « لولاك يا محمّد لما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما » فكيف يكون ذلك؟

هل أنّ علياً وفاطمة أفضل من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ لذلك لولاهما لما خلق اللّه رسوله ، وإلاّ فما هو المقصود بذلك الكلام؟ أرجو منكم الإجابة بالتفصيل.

ج : إنّ فهم هذا الحديث يتوقّف على فهم معنى الإمامة عند الشيعة الاثني عشرية ، والالتفات إلى حقيقة الإمامة عندهم ، فإذا فهمت معنى الإمامة عندهم ، عند ذلك تستطيع فهم الحديث ، فلذلك نقول : تعتقد الشيعة أنّ الإمامة رئاسة عامّة على الدين والدنيا ، ومنصب إلهي يختاره ويعيّنه اللّه تعالى بسابق علمه ، ويأمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأن يعلم الناس به ، ويأمرهم باتباعه ، ووظيفة الإمام مكمّلة لوظيفة النبيّ ، فالنبيّ هو الذي يأتي بشريعة ويبلّغها إلى الناس ، والإمام من بعده يصبح قيّم على الرسالة ، ويكون ناظراً عليها وعلى الأُمّة ، وحفظ الدين من التحريف والتبديل.

وبما أنّ الدين الإسلامي الحنيف رسالة خالدة ، وشريعة دائمة على مرّ الأزمان والدهور ، فلابدّ فيها من وجود إمام بعد النبيّ يكمل المسيرة النبوية ، ويحفظ الشريعة الربّانية ، هذا مفهوم الإمامة بشكل مجمل عند الشيعة الاثني عشرية.

وكُلّ ما تقدّم كان من الناحية الكُلّية ، وتحديد معنى الإمامة بشكل عام ، أمّا في مقام التطبيق الخارجي ، فالشيعة الإمامية تعتقد بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله

ص: 486

نصّب إماماً من بعده ، وذلك الإمام هو علي بن أبي طالب عليه السلام لأدلّة كثيرة ذكرت في محلّها : كحديث الثقلين ، والكساء ، والغدير ، وغيرها الكثير.

ومن تلك الأدلّة على إمامة علي عليه السلام قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) (1) ، فعن أبي هريرة قال : « لمّا كان يوم غدير خم ، وهو يوم ثماني عشر من ذي الحجّة قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ، فنزل اللّه اليوم أكملت لكم دينكم »(2).

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (3).

فقد أخرج الحاكم الحسكاني والقندوزي الحنفي والسيوطي وابن عساكر وغيرهم أنّها نزلت في شأن علي عليه السلام بغدير خم(4) ، إلى غير ذلك من الأدلّة الكثيرة.

إذا عرفت معنى الإمامة عند الشيعة ، وعرفت أنّ الإمام هو علي بن أبي طالب ، وولده الأحد عشر ، ستعرف معنى الحديث : فاللّه لم يخلق الوجود إلاّ للنبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله ، واللّه خلق الكون لأجل إيصاله إلى الغاية المطلوبة منه ، كما قال : ( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) (5) ، فهو خلقه لأجل أن يوصله إلى كماله المطلوب منه.

ص: 487


1- المائدة : 3.
2- الدرّ المنثور 2 / 259 ، شواهد التنزيل 1 / 204 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 15.
3- المائدة : 67.
4- أسباب نزول القرآن : 135 ، شواهد التنزيل 1 / 239 و 249 و 256 و 353 و 402 و 2 / 391 و 451 ، الدرّ المنثور 2 / 298 ، فتح القدير 2 / 60 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 237 ، المناقب : 7 ، ينابيع المودّة 1 / 359 و 2 / 249 و 285.
5- طه : 48.

وبما أنّ أفضل الموجودات هو الإنسان ، وخلق اللّه تعالى الإنسان لأجل أن يوصله إلى كماله اللائق به ، أو قل : هي معرفة ربّه وعبادته ، كما في قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (1) ، وهذه العبادة تحتاج إلى معلّم ومرشد يبيّنها ، ويكون عارف بها ، أو قل : يحتاج الإنسان إلى واسطة بين عالم الغيب وبينه ، والواسطة هو النبيّ صلى اللّه عليه وآله الذي هو أشرف الكائنات ، وهو المبين للرسالة السماوية ، فلولاه لما خلق الكائنات ، لأنّ الكائنات خلقت لأجل غاية ، وهذه الغاية لا تحصل إلاّ بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وبما أنّ الإمامة هي واسطة ومكمّلة للنبوّة كما بيّنّا لك ذلك.

فإذاً النبوّة تحتاج إلى الإمامة ، وبما أنّ الإمام هو علي بن أبي طالب عليه السلام ، فيكون معنى قوله : « ولولا علي لما خلقتك » أي : أنّ الغاية لا تحصل إلاّ بك وبعلي ، والهدف لا يكمل إلاّ بكما ، فأحدكما مكمّل لدور الآخر.

وليس يعني ذلك أنّ علياً أفضل من النبيّ ، لأنّه ورد في آية المباهلة أنّ علياً نفس النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وورد في أحاديث أُخرى : أنّ اللّه خلق آدم لأجل هؤلاء الخمسة - كما في حديث الكساء - فإنّ هذا توهّم باطل ، بل المقصود بالحديث هو التوقّف في الدور الذي تلعبه الإمامة ، إذ كما أنّ الناس بحاجة إلى النبوّة هم بحاجةٍ إلى الإمامة.

وقوله : « لولا فاطمة لما خلقتكما » يصبح واضحاً ، لأنّ فاطمة عليها السلام هي أُمّ الأئمّة الأحد عشر بعد الإمام علي ، وبما أنّ الإمامة هي المكمّلة لدور النبوّة ، وبما أنّ فاطمة هي أُمّ الأئمّة عليهم السلام ، فلذلك لولاها لما حصلت الغاية والمطلوب من خلق الموجودات وجميع الكائنات ، فهي أُمّ إحدى عشر إماماً ، والإمامة هي المكمّلة لمسيرة النبوّة ، وتقدّم أنّه لولا النبوّة لما خلق الكون ، وفاطمة عليها السلام هي أُمّ الإمام المهدي الثاني عشر ، الذي يصلح العالم ، ويقيم العدل الإلهي ، فهو

ص: 488


1- الذاريات : 56.

الموعود من اللّه بإصلاح الأرض ومن عليها ، وهذا الوعد الإلهي يتحقّق على يده ، وهذا المهدي أُمّه فاطمة.

فالحديث لا يعطي الأفضلية ، ولا يفهم منه ذلك لمن عرف معنى الإمامة ، ولمن لاحظ بقية الروايات ، بل المقصود بالحديث ما ذكرناه ، والثابت عند الشيعة أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أفضل الكائنات على الإطلاق.

( أُمّ أحمد - البحرين - .... )

تفسير : السرّ المستودع فيها :

س : ما المقصود ب- : « اللّهم صلّي على فاطمة وأبيها ، وبعلها وبنيها ، والسرّ المستودع فيها » ، فما المقصود بالسرّ المستودع فيها؟

ج : لم يرد نصّ خاصّ يفسّر لنا معنى « السرّ المستودع فيها ».

نعم ، يمكن أن يقال في معناه عدّة احتمالات :

1 - إشارة إلى الأئمّة من ولدها عليهم السلام.

2 - إشارة إلى ولدها المحسن ، الذي أسقطته اليد الظالمة ، وصار شعاراً لمظلومية الإمامة ، ودليلاً على أحقّية أهل البيت عليهم السلام بالإمامة.

3 - إشارة إلى الإمام المهدي المنتظر عليه السلام ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، بعدما مُلئت ظلماً وجوراً ، وأنّه من ذرّيتها.

4 - إشارة إلى مظلوميتها.

5 - إشارة إلى كونها حلقة وصل بين النبوّة والإمامة ، وبما أنّ الإمامة هي استمرار للنبوّة ، فلولا حلقة الوصل لما استمرت النبوّة بالإمامة.

( رباب - ... - ..... )

معنى : السرّ المستودع فيها :

س : أُودّ أن اسأل ما معنى : « اللّهم إنّي أسألك بحقّ الزهراء وأبيها ، والسرّ المستودع فيها » ، ما معنى السرّ المستودع فيها؟ وما هو هذا السرّ؟

ص: 489

ج : الذي يقوى في النظر أنّ السر المذكور هو الميزة الفريدة التي أودعها اللّه تعالى في نشأة سيّدة نساء العالمين الزهراء عليها السلام ، وهي كونها الحلقة الوسيطة بين النبوّة والإمامة ، فبما أنّها بضعة النبيّ صلى اللّه عليه وآله تكويناً ، وبتصريح الرسول صلى اللّه عليه وآله - كما ورد في روايات كثيرة - تحمل في وجودها أسرار النبوّة ومميّزاتها.

ومن جانب آخر أصبحت عليها السلام تحتضن الإمامة ، بما أنّها كانت بجانب أمير المؤمنين عليه السلام ، تربّي ولديها الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام ، فهي أصبحت تعتبر أُمّاً للأئمّة المعصومين عليهم السلام.

وبالجملة : فهي بنت الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وزوجة الإمام علي عليه السلام ، وأُمّ الأئمّة عليهم السلام ، وهذه صفة لا نظير لها في الخلق ، وبهذا الاعتبار لا يبعد التوسّل والتمسّك بهذا السرّ المخزون في ذاتها ، في التقرّب إلى اللّه تعالى ، والعلم عند اللّه.

( أبو علي البحراني - ... - ..... )

مصادر ضربها وإسقاط جنينها :

س : هل صحيح ما نسمعه من بعض الشيوخ والمحاضرين ، الذين يروون أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام قد ضربت من قبل الخليفة الثاني ، وأسقطت حملها أيضاً ، ما صحّة هذه الرواية؟ وهل هي من كتب الإمامية ، أو من كتب السنّة؟ دمتم للخير.

ج : لقد نقلت كتب الفريقين - قديماً وحديثاً - ما جرى على سيّدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام من مأساة وظلامات - بعد رحيل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى الرفيق الأعلى - أدّت بها إلى استشهادها عليها السلام.

ص: 490

من تلك الظلامات التي تسأل عن وجودها ، هو ضربها ، وإسقاط جنينها عليها السلام ، فنذكر لك بعض المصادر التي ذكرت ضربها عليها السلام ، وعليك بالمراجعة(1).

ونذكر لك بعض المصادر التي ذكرت إسقاط جنينها عليها السلام ، وعليك بالمراجعة(2).

( عبد المنعم - البحرين - .... )

مظلوميتها ثابتة :

س : هل قضية ضرب الزهراء مثبتة حقّاً وبالنصّ الأكيد؟ أرجو منكم الردّ سريعاً ، وذلك لاختلاج السؤال في ذهني.

ج : إنّ اللّه تعالى خلق الإنسان وعرّفه طريق الخير من الشر ، ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) (3) ليختار أيّ الطريقين ( إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (4) ، وبالاختيار هذا الذي وهبه اللّه لعبده يستحقّ العبد الثواب أو العقاب ، ولولا الاختيار هذا لبطل الأجر.

وإنّ اللّه تعالى - وإتماماً للحجّة - جعل الأنبياء والأوصياء والأئمّة ليكونوا حجّة اللّه على الخلق ، فالنبيّ صلى اللّه عليه وآله أخبر بكُلّ ما يجري على أهل بيته ، بالأخصّ ابنته الزهراء عليها السلام.

ص: 491


1- الهداية الكبرى : 179 و 407 ، تفسير العيّاشي 2 / 308 ، تفسير نور الثقلين 3 / 200 ، الاحتجاج 1 / 109 ، بيت الأحزان : 123.
2- الاحتجاج 1 / 109 ، إقبال الأعمال 3 / 166 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 176 ، بشارة المصطفى : 307 ، كتاب سليم بن قيس : 153 ، تلخيص الشافي 3 / 156 ، إثبات الهداة 2 / 370 ، بحار الأنوار 28 / 283 و 97 / 200 ، مرآة العقول 5 / 320.
3- البلد : 10.
4- الإنسان : 3.

وحتّى النبيّ صلى اللّه عليه وآله لاقى الكثير من التعدّي والأذى من قومه ، فصبر وصابر حتّى استطاع أن يوصل هذا الدين إلى الأرض المعمورة ، ويتمّ الحجّة على الناس.

ثمّ إنّ الإمام علي وفاطمة الزهراء والحسن والحسين وسائر الأئمّة المعصومين عليهم السلام ظُلموا وقُتلوا ، وتحمّلوا أنواع الأذى لأجل الدفاع عن الدين وبقائه.

فكُلّ هذه المظلومية ثابتة بنصوص بلغت بعضها حدّ التواتر ، وبذلك نعلم عظمة أهل البيت عليهم السلام في صبرهم ، وتحمّلهم أنواع الظلم ، وسقيهم بدمائهم شجرة الإسلام ، التي منع النواصب عنها الماء.

( نوح الحاج - لبنان - .... )

لها خادمة لا ينافي زهدها :

س : السيّدة الزهراء عليها السلام كانت قمّة الزهد دون شكّ ، لكن الإشكال هو : كيف كانت لها خادمة اسمها فضة؟

ج : إنّ فاطمة الزهراء عليها السلام كانت المثل العليا لكافّة الصفات الحسنة والمكرمات الأخلاقية ، كما تصرّح بها نصوص الحديث والتاريخ والسيرة.

وأمّا في موضوع السؤال ، فإنّ الروايات المتضافرة دالّة على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد منحها ، وعلّمها التسبيحة التي نسبت فيما بعد إليها ، بدلاً من الاستعانة بخادمة في البيت(1).

وأمّا ما جاء من وجود خادمة لها عليها السلام اسمها فضّة ، فهذا قد حدث متأخّراً بعد ما تحسّن وضع المسلمين نوعاً ما ، بسبب كثرة الفتوحات والغنائم ، فأتحفها الرسول صلى اللّه عليه وآله فضّة ، لتستعين بها على بعض الأشغال في البيت ، حتّى تتفرّغ لعبادتها أكثر.

ص: 492


1- شرح الأخبار 3 / 67 ، من لا يحضره الفقيه 1 / 320 ، علل الشرائع 2 / 366.

ثمّ هناك نقطة هامّة يجب الانتباه إليها - وهي مطّردة في حياة المعصومين عليهم السلام جميعاً - وهي : أنّهم كانوا يربّون أشخاصاً في بيوتهم تحت عنوان الخادم ، والغلام والعبد والأمة وغيرها ، وهؤلاء بدورهم كانوا يبثّون علوم ومعارف أهل البيت عليهم السلام بين الناس ، وهذا ما نشاهده في بعض الأحاديث المذكورة ، والكلمات المنقولة عن فضّة مثلاً.

وعليه ، فتواجد الخادمة في بيت فاطمة عليها السلام ، قد كان من أجل تربيتها وتثقيفها أوّلاً وبالذات ، كما حدث كذلك.

( محمّد الزين - البحرين - .... )

مظلوميتها من أساسيات المذهب لا من المسائل التاريخية :

س : ما رأي أكثر الفقهاء في مسألة ضرب السيّدة الزهراء عليها السلام؟ هل يعتبر من أساسيات المذهب؟ أم أنّه مجرد مسألة تاريخية؟ ودمتم في خدمة الإسلام.

ج : لا يخفى على أحد أنّ من أهمّ أركان التشيّع :

1 - التولّي والولاية ، وهو عبارة عن موالاة أولياء اللّه واتباعهم ، وجعلهم القدوة في كُلّ الأُمور.

2 - التبرّي والبراءة من أعداء اللّه ، سواء في ذلك بالعلن أو الخفية ، بالجنان واللسان.

فلا يصدق على أحد أنّه شيعي إذا أخلّ بأحد هذين ، إذ لا يمكن للولاء أن يتمّ من دون التبرّي ، ولأجل التبرّي والبراءة في الفكر الشيعي لقّب الشيعة بالروافض ، ولأجل هذا نشاهد أنّ المؤرّخين ينعتون من كان يروي من علماء أهل السنّة روايات في فضائل أهل البيت : « شيعي بلا رفض » أو « يتشيّع بلا رفض ».

ومن أهمّ المصاديق التي يبتني عليه التبرّي ، هو مظلومية أهل البيت عليهم السلام عموماً ، ومظلومية الزهراء عليها السلام خصوصاً.

ص: 493

فالذين يشككّون - أيّاً من كان - في مظلومية أهل البيت عليهم السلام ، ومظلومية الزهراء عليها السلام ، هم الذين في قلوبهم مرض ، يريدون أن يجعلوا التشيّع في الولاء فقط من دون تبرّي ، وذلك لأغراض أضمروها في قلوبهم.

وبعد هذا كُلّه ، يمكن للقارئ العزيز أن يشخّص هو بنفسه أنّ مظلومية أهل البيت عليهم السلام عموماً ، ومظلومية الزهراء عليها السلام خصوصاً ، هل هي من أساسيات المذهب ، أم أنّها مجرد مسائل تاريخية؟

( أُمّ حسين - البحرين - .... )

قولها « خير للمرأة أن لا ترى رجلاً » لا يعارض خطبتها في المسجد :

س : في متابعتي لحياة السيّدة الزهراء عليها السلام ، وجدت أنّها تقول : « خير للمرأة أن لا ترى رجلاً ، ولا يراها رجل » في حين أنّها عليها السلام قد ذهبت مع ثلّة من نساء بني هاشم إلى مسجد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، لمطالبة أبي بكر بفدك ، وهو جالس مع جماعة من المهاجرين والأنصار ، وألقت خطبتها الشهيرة ، في حين أنّنا نعلم أيضاً أنّ صوت المرأة عورة ، أليس هناك تناقض في ذلك؟ مع شكري الجزيل.

ج : قول الزهراء عليها السلام فيما هو الخير للمرأة : « أن لا ترى رجلاً ، ولا يراها رجل » (1) هو بمعنى الأفضل والأحسن للمرأة أن لا ترى رجلاً ، ولا يراها رجل ، وذلك في الأوقات والحالات الطبيعية العادية ، وأمّا في الأوقات والحالات الضرورية ، التي تتطلّبها مقتضيات الحياة فلا ، كخروجها لصلة أرحامها ، أو ذهابها إلى الطبيب لمعالجتها ، وغير ذلك.

بل قد يتوجّب عليها الخروج بسبب الحفاظ على الدين وضرورياته ، ولا ضرورة أوجب من الدفاع عن الإمامة ، وعن مظلومية إمام اغتصبت فيه الخلافة ، كما فعلته الزهراء عليها السلام ، وذلك لتبيين الحقائق للأُمّة الإسلامية ، وعليه فلا تناقض في ذلك.

ص: 494


1- مناقب آل أبي طالب 3 / 119.

( حسين قرقور - البحرين - .... )

سبب خروجها لباب دارها عند هجوم القوم :

س : من الآداب الإسلامية ، إذا جاء أحد لزيارة أحد البيوت يخرج الرجل إلى استقبال الزائر ، فلماذا لم يخرج الإمام علي عليه السلام يوم هجوم القوم على الزهراء؟ وهو جالس في المنزل؟ أليس على الإمام عليه السلام هو الذي يخرج ليستقبلهم بدل الزهراء؟

أو لماذا لم يخرج أحد الصحابة الذين كانوا مع الإمام علي عليه السلام في ذلك الوقت لاستقبالهم؟ لماذا تذهب امرأة لمقابلة رجال.

ج : أوّلاً : لم يأت القوم إلى بيت الزهراء عليها السلام زيارة ، وإنّما كان هجوماً كما ذكرتم ، حيث جاء جماعة للحرب على صورة همجية بصياح وعربدة.

وثانياً : خروج الزهراء عليها السلام لهم كان من باب أن يرتدع القوم من الهجوم على بيت بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لأنّ المخاطب لهم من وراء الباب هو بنت نبيّهم ، التي قال في حقّها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « فإنّما هي بضعة منّي ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها » (1).

فهل ارتدع القوم ورجعوا؟! أم أنّ عمر لمّا أمر بإحراق البيت ، قيل له : إنّ فيها فاطمة؟ فقال : وإن!!(2) ، وإن في شخوص الزهراء خلف الباب ، ومحاججتها مع القوم ، هو إتمام الحجّة عليهم ، وعلى جميع المسلمين ، ولكن أين مَن له قلب؟! وأين من يلقي السمع وهو شهيد؟!

ص: 495


1- صحيح البخاري 6 / 158 ، مسند أحمد 4 / 5 ، الجامع الكبير 5 / 360 ، المستدرك 3 / 159 ، كنز العمّال 12 / 107 ، سير أعلام النبلاء 2 / 133 ، ينابيع المودّة 2 / 53 و 478 ، الآحاد والمثاني 5 / 362 ، المعجم الكبير 22 / 405 ، تاريخ مدينة دمشق 3 / 156.
2- الإمامة والسياسة 1 / 30.

( أحمد - السعودية - .... )

كان علي في بيتها عند هجوم القوم :

س : هل كان الإمام علي عليه السلام موجود في البيت عندما ضربت فاطمة الزهراء عليها السلام؟

ج : ذكرت الأخبار وجود الإمام علي عليه السلام والحسنين عليهما السلام في الدار ، حين هجوم القوم على دار الزهراء عليها السلام ، وعصرها ما بين الحائط والباب ، وأضافت بعض الأخبار وجود الزبير وفضّة أيضاً(1).

هذا وقد استفاد البعض من وجود الإمام علي عليه السلام في الدار لإثارة بعض الشبهات لتكذيب ما ورد من المآسي على الزهراء عليها السلام.

من تلك الشبهات : أنّ وجوده عليه السلام في الدار ، وعدم نصرته للزهراء عليها السلام ينافي الشجاعة.

قال ابن روزبهان عن حديث الإحراق : « لو صحّ هذا دلّ على عجزه ، حاشاه عن ذلك ، فإنّ غاية عجز الرجل أن يحرق هو وأهل بيته ، وامرأته في داره ، وهو لا يقدر على الدفع ... ».

وقد أجاب عن هذه الشبهة أحد علماء الزيدية - وهو ابن حمزة - في كتابه الشافي ما نصّه : « أنّا قد بيّنا أنّه لا عار عليه في أن يغلب ، إذ ليست الغلبة دلالة حقّ ، ولا باطل ، ولا على جبن ، وهو إمام معصوم بالنصّ ، لا يفعل بالعصبية ، وإنّما يفعل بالأمر ، وقد أُمر بالصبر ، فكان يصبر امتثالاً لأمر اللّه تعالى ، وأمر رسوله صلى اللّه عليه وآله ، لا يقدم غضباً ولا يحجم جبناً ... » (2).

بالإضافة إلى هذا الردّ ، فقد كان المهاجمون على دار الزهراء عليها السلام يريدون استدراج الإمام علي عليه السلام لمعركة ، يتضرّر من خلالها الإسلام ، فشجاعة علي عليه السلام هنا هي بصبره على الأذى ، وعدم استجابته للاستفزاز الذي مارسوه ضدّه عليه السلام.

ص: 496


1- الأمالي للشيخ المفيد : 49 ، الاحتجاج 1 / 237.
2- الشافي 4 / 200.

ومن تلك الشبهات أيضاً : أنّ وجوده عليه السلام في الدار ، وتركه زوجته تبادر لفتح الباب يتنافى مع الغيرة والحمية.

ونقول في الجواب :

أوّلاً : أنّه لاشكّ في أنّ علياً عليه السلام هو إمام الغياري ، وهو صاحب النجدة والحمية.

وثانياً : المهاجمون هم الذين اعتدوا ، وفعلوا ما يخالف الدين والشرع ، والغيرة والحمية ، وحتّى العرف الجاهلي ، أمّا الإمام علي عليه السلام فلم يصدر منه شيء من ذلك ، بل هو قد عمل بتكليفه ، حتّى ولو كلّفه ذلك روحه التي بين جنبيه.

وثالثاً : لقد كان النبيّ صلى اللّه عليه وآله يأمر بعض زوجاته - كأُمّ أيمن - بأن تجيب من كان يطرق عليه الباب حين يتقضي الأمر ذلك ، وهل هناك أغير من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟

وأخيراً : فإنّ مثول بنت الرسول وراء الباب ، ومحاججتها معهم ، كُلّ ذلك إتماماً للحجّة ، لكي يرجع القوم إلى الحقّ ، ويعرفوا طريقه ، ( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (1).

( .... - البحرين - .... )

وصية النبيّ لعلي تشمل السكوت عند ضربها :

س : ما هو مدلول وصية الرسول صلى اللّه عليه وآله إلى الإمام علي عليه السلام؟ فالبعض يقول : إنّها خاصّة بالخلافة ، وليس فيها ما يشير إلى وصيّته بالسكوت عند ضرب الزهراء عليها السلام.

ج : إنّ الوصية المذكورة لم تنقل إلينا بتمامها وتفاصيلها ، وإنّما وردت مقاطع منها في نصوص مختلفة ، تدلّ بالمجموع على أمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بالصبر على غدر الأعداء ، وتهاون البعض وغير ذلك.

ص: 497


1- الأنفال : 42.

ومن ضمن الأُمور المنصوصة في هذه الوصية هو : الصبر على انتهاك الحرمة ، وقد وردت نصوص أُخرى تخبر عن المظالم التي سوف تقع على أهل البيت عليها السلام عموماً ، والزهراء عليها السلام خصوصاً(1).

فمن مجموع هذه الأخبار ، نستنتج أنّ الإمام عليه السلام كان مأموراً بالصبر ، حتّى بالنسبة للمظالم التي وردت على فاطمة الزهراء عليها السلام.

( علي الشهراني - البحرين - 23 سنة - طالب )

السبب في عدم دفاع الإمام علي عنها :

س : يجادلونا أهل السنّة ويقولون لنا : ما هي الأدلّة أنّ عمر كسر ضلع فاطمة؟ وأسقط جنينها؟ وأحرق بيتها؟ وطبعاً أنا ما عندي شكّ ، ولا تزحزحني أباطيلهم ، نعم هم الذين هجموا على فاطمة الزهراء عليها السلام.

ويقولون لنا : لماذا الإمام علي ما دافع وقتلهم وهم في بيته؟ أنا الذي أعرفه من وصية من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، نرجو منكم ما حكمة هذه الوصية وفلسفتها ، ونريد منكم غير الوصية من الإثباتات؟

وشكراً لكم ، وطيّب اللّه أنفاسكم ، وجعلكم ذخراً للأُمّة الإسلامية.

ج : الأدلّة على كسر ضلع الزهراء عليها السلام ، وإسقاط جنينها ، ولطمها على خدّها ، وإحراق باب دارها ، وعصرها بين الحائط والباب ، هي النصوص المتواترة التي نقلتها كتب الفريقين ، بل بعض أهل السنّة لم يسكتوا عن نقلها حتّى من أشدّها رزية ومصيبة ، منهم :

1 - الذهبي : « إنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت بمحسن » (2).

2 - ابن قتيبة : « إنّ محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي »(3).

ص: 498


1- الصراط المستقيم 2 / 92.
2- سير أعلام النبلاء 15 / 578.
3- مناقب آل أبي طالب 3 / 133 عن المعارف لابن قتيبة.

3 - الشهرستاني : « إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها »(1).

4 - المسعودي : « وضغطوا سيّدة النساء بالباب حتّى أسقطت محسناً »(2).

5 - الصفدي : « إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت المحسن من بطنها »(3).

والسبب في عدم دفاع الإمام علي عليه السلام عن هجوم القوم على بيته ، هو :

1 - قيّدته عليه السلام وصية من أخيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالصبر على ما يلاقيه من القوم للحفاظ على بيضة الإسلام ، فصبر عليه السلام امتثالاً لأمر اللّه تعالى ، وأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وتحمّل أنواع الأذى في هذا السبيل.

2 - إنّ الظروف آنذاك ما كانت تسمح للإمام عليه السلام عن أنّ يدافع ويحارب القوم وذلك :

أ - لقلّة الناصر ، فقد صرّح عليه السلام في خطبه بهذه النقطة.

ب - لضياع الدين الإسلامي الأصيل ، فإنّه عليه السلام ذكر في كلامه مع الزهراء عليها السلام بأنّ مواجهة القوم تؤدّي إلى رفع الشهادة الثانية من الأذان ، وتشويه وتزييف الحقائق ، ولم يكن عليه السلام ليفرط في دينه في سبيل شيء آخر.

3 - أراد عليه السلام يكشف لمجتمعه وللأجيال القادمة حقيقة القوم في التزامهم لمبادئ الدين الإسلامي.

هذا ولا يخفى ما للوصية من حكم لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى ، ولعلّ من أبرزها هو امتحان الأُمّة في مدى تمسّكها بالثقل الثاني الذي أوصى به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حديث الثقلين.

ص: 499


1- الملل والنحل 1 / 57.
2- إثبات الوصية : 146.
3- الوافي بالوفيات 6 / 15.

( يوسف - الجزائر - سنّي - 25 سنة )

قبرها مجهول :

س : أخبرني شيخ شيعي : أنّ قبر فاطمة الزهراء غير معلوم لأنّها أوصت بأن لا يُعرف ، بينما أخبرني أحد مشايخ الصوفية : أنّ قبرها موجود في البقيع ، وأنّه قد زاره ، وفسّر وصيتها ، أي أن لا توضع على القبر علامة.

بينما وجدت في كتاب دلائل الخيرات للشيخ سليمان الجزولي : أنّ قبرها موجود بجوار الروضة الشريفة ، فما وجه الصواب في هذه المسألة الخلافية؟

ج : الحقّ ما أخبرك به الشيخ الشيعي ، من أنّ قبرها غير معلوم ، لأنّها أوصت بأن تدفن ليلاً ، وأن لا يشهد أحد من أعداء اللّه جنازتها ، ولا دفنها ، ولا الصلاة عليها.

وأمّا الروايات التي تقول أنّ قبرها في البقيع ، فذلك لأنّ الصحابة توقّعوا قبرها في البقيع ، فذهبوا فوجدوا فيه أربعين قبراً جدداً ، لأنّ الإمام قد رشّ أربعين قبراً في البقيع ، ولا يعني هذا أنّ القبر بالبقيع ، لاحتمال كونه في غير البقيع ، كما تخبر بعض الأخبار الأُخرى بذلك.

أمّا كون قبرها في الروضة ، فهو أحد الاحتمالات على ما فهم من حديث الرسول صلى اللّه عليه وآله : « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة » ، وذلك بأنّ الروضة هي قبر فاطمة عليها السلام على ما توضّحه بعض الروايات عن المعصومين عليهم السلام.

وأمّا ما في البقيع فهو قبر فاطمة بنت أسد أُمّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، يزوره بعض أهل السنّة على أنّه قبر فاطمة الزهراء عليها السلام ، ولكن الحقائق التاريخية تثبت أنّه لفاطمة بنت أسد.

( أبو علي - السعودية - .... )

خطبتها في مصادر أهل السنّة :

س : هل وردت في كتب القوم إشارات لخطبة سيّدتنا ومولاتنا الزهراء عليها السلام؟ نرجو تزويدنا بالمصادر ، وفّقكم اللّه لكُلّ خير.

ص: 500

ج : إنّ لمولاتنا الزهراء البتول عليها السلام أكثر من خطبة ، والظاهر أنّ مرادك هو خطبتها في مسجد النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعد منع فدك عنها ، وبعد ما جرى عليها ، والتي تقول فيها : « وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي ، ولا رحم بيننا ، أفخصّكم اللّه بآية أخرج أبي صلى اللّه عليه وآله منها؟ أم هل تقولون إنّ أهل ملّتين لا يتوارثان؟ أو لست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟ ... ».

فقد ذكرت هذه الخطبة الشريفة ، أو بعضاً منها ، عدّة مصادر من أهل السنّة ، نذكر لك بعضها : السقيفة للجوهري ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ، جواهر المطالب لابن الدمشقي الشافعي ، بلاغات النساء لابن طيفور ، تاريخ اليعقوبي(1).

( سارة - الجزائر - سنية )

ما هو لوحها :

س : يشرّفني أن أتواصل مع حضرتكم ، في البداية لي ثقة كبيرة في الشيعة وفي صدقهم ، وأرجو أن تجيبوا عليّ بكُلّ صدق ، لقد أعطاني أحد أقربائي كتاباً يتحدّث عن عقائد الشيعة ، والذي كان يحمل عقائد ليست في المستوى المطلوب ، لهذا أرجو أن تردّوا على سؤالي : ما هو لوح فاطمة؟

ج : لوح فاطمة عليها السلام لوح شاهده جابر بن عبد اللّه الأنصاري عند دخوله على فاطمة لتهنأتها بولادة ابنها الحسن عليه السلام ، فيه اسم النبيّ ووالدته ، وأسماء الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام الذين نعتقد بإمامتهم ، وأسماء أمّهاتهم ، قد أهداه اللّه إلى رسوله صلى اللّه عليه وآله فأهداه إلى فاطمة عليه السلام(2).

ص: 501


1- السقيفة : 144 ، شرح نهج البلاغة 16 / 251 ، جواهر المطالب 1 / 160 ، بلاغات النساء : 14 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 127.
2- أُنظر : الكافي 1 / 8.

( سيّد جعفر سيّد محمّد - البحرين - .... )

العوامل التي أغضبتها :

س : أُريد معرفة الأسباب التي دفعت البعض إلى إغضاب فاطمة الزهراء عليها السلام ، وتعريضها للظلم من خلال ذكر ثلاثة أدلّة تاريخية تتعلّق بالأحداث التي أعقبت وفاة الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ ما هو السبب الذي دعا الإمام علي عليه السلام للغضّ عن حقّه وسكوته عمّا كان يجري آنذاك؟ وشاكرين لكم حسن الإجابة.

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل ، هو مردّد بين احتمالين هما :

1 - أن يكون المقصود لماذا غضبت الزهراء عليها السلام؟ أو ما هي العوامل التي جعلت الزهراء عليها السلام تغضب؟

2 - أن يكون المقصود ما هي الأسباب التي جعلت البعض يغضب الزهراء عليها السلام؟ فإن كان المقصود هو الأوّل ، فأسباب غضب الزهراء عليها السلام واضحة ، فإنّ مخالفة وصية النبيّ صلى اللّه عليه وآله بل وصية اللّه سبحانه في تصدّي أمير المؤمنين عليه السلام للخلافة من بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله هو الذي أثار غضبها ، وكيف لا تغضب للحقّ وتسكت عن تنفيذ وصية اللّه سبحانه ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله؟! ثمّ لماذا يُجبر أمير المؤمنين عليه السلام على البيعة للبعض ، ويُسحب إلى المسجد؟! ولماذا أيضاً غصب فدك ظلماً وعدواناً؟!

إنّ هذه بعض العوامل التي جعلت الزهراء عليها السلام تغضب - هذا إذا كان المقصود هو الأوّل.

وأمّا إذا كان المقصود هو الثاني ، فلعلّ الجواب أوضح ، إذ هم أرادوا الخلافة والمنصب لأنفسهم لا لغيرهم ، وهذا لا يمكن أن يتحقّق لهم إلاّ بمخالفة وصية النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حقّ أمير المؤمنين عليه السلام ، وإلاّ بغصب فدك ، وإلاّ بسحب أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد وإجباره على البيعة - هذا بالنسبة إلى السؤال الأوّل.

وأمّا السؤال الثاني ، فالذي دعا أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن يسكت أمران :

ص: 502

1 - قلّة الناصر.

2 - إنّ الإسلام حديث الوجود والولادة ، فلو وقف الإمام عليه السلام وحارب كان ذلك تهديداً جدّياً له ، فخوفاً على الوليد الجديد سكت عليه السلام عن حقّه.

( .... السعودية - 30 سنة - خرّيج ثانوية )

الهجوم على دارها بعد خطبتها :

س : سؤالي حول الأحداث التي وقعت بعد وفاه الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، وخصوصاً المتعلّق منها ببضعته الزهراء البتول عليها السلام ، حيث يصعب ترتيب الأحداث ترتيباً متسلسلاً ، فمثلاً من حيث النظرة الأوّلية يصعب معرفة هل كان حرق الدار وعصر البتول وإسقاط الجنين كان قبل الخطبة الفدكية أم بعدها؟

وهل هناك تعرّض آخر لها عليها السلام من قبل ذلك الملعون بعد أخذها ورقة بفدك من صاحبه؟ ومتى كانت بيعة أمير المؤمنين عليه السلام للقوم إن وقعت؟ وما هو وجه الارتباط بين البيعة ووفاة الزهراء؟ فهل يمكن أن ترشدونا في هذا المجال؟ خدمة للزهراء وأبيها وبعلها وبنيها.

ج : من خلال متابعة الأحداث التي جرت على الزهراء عليها السلام يتبيّن أنّ حرق الدار ، وإسقاط الجنين كان بعد الخطبة الفدكية ، وذلك لأنّ الزهراء عليها السلام مرضت بعد تلك الحادثة الأليمة ، ولازمت الفراش ، هذا بالإضافة إلى أنّها رفضت التحدّث مع أبي بكر وعمر بعد تلك الحادثة ، ورفضت أوّلاً دخول أبي بكر وعمر لعيادتها والحديث معهما.

والروايات تذكر أنّها تعرّضت للأذى بعد تمزيق الصحيفة ، بالإضافة إلى الأذى الذي حصل عند الباب.

وهناك اختلاف في بيعة الإمام عليه السلام ، فقسم من الروايات تذكر أنّ البيعة حصلت بعد الهجوم على الدار ، وأخذهم لعلي عليه السلام كرهاً إلى البيعة ، وحصلت

ص: 503

بمسح يده وهي مضمومة على كفّ أبي بكر ، واكتفى القوم بذلك ، وقسم آخر من الروايات تقول : إنّ البيعة لم تحصل إلاّ بعد وفاة الزهراء عليها السلام.

( عبد اللّه - الكويت - 21 سنة - طالب جامعة )

بكاؤها على أبيها :

س : ما صحّة هذا الكلام حول الحزن الهادئ؟ وهل يمكنكم إيراد الروايات التي تقول إنّها كانت تبكي على أبيها؟ وهل بكائها على أبيها منقصة لها؟

الحزن الرسالي : إنّنا نسمع الكثير من الناس الذين حاصروا الزهراء عليها السلام في دائرة الحزن إلى حدّ الجزع ، يقولون : إنّها كانت تبكي في الليل والنهار ، وكان أهل المدينة يضجّون من بكائها حتّى قالوا لعلي : إمّا أن تبكي أباها ليلاً أو نهاراً!! أيّ كلام هو هذا الكلام؟!

إنّ الزهراء عليها السلام أعظم وأعظم من ذلك ، ولاسيّما أنّنا نقرأ في حديث عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام في تفسير الآية الكريمة : ( وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ) (1) ، قال : « إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال لفاطمة : إذا أنا متّ فلا تخمشي عليّ وجهاً ، ولا ترخي عليّ شعراً ، ولا تنادي بالويل ، ولا تقيمن عليّ نائحة » ، قال : ثمّ قال : « هذا هو المعروف » (2).

كان حزنها حزناً رسالياً ، كانت تذهب إلى قبر رسول اللّه وقبور الشهداء ولا تزيد عن القول : « ها هنا كان رسول اللّه » ، لتذكّر الناس كي لا ينسوا رسول اللّه في مسجده ، وفي مواقعه التي كان يتجوّل فيها ، وكانت تأخذ الحسن والحسين إلى قبر جدّهما وتحدّثهما عن حركة أبيها هنا وهناك.

كان حزنها حزناً رسالياً هادئاً منفتحاً على الرسالة في تذكّرها لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لأنّ التذكر لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يحمل الانفتاح على الإسلام

ص: 504


1- الممتحنة : 12.
2- وسائل الشيعة 3 / 272.

كُلّه ، وفي كتاب الكافي يقول بعض الرواة عن أمير المؤمنين عليه السلام وهو يعظ الناس : « مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم » ، ويستشهد الإمام علي عليه السلام في هذا الخطّ بالزهراء عليها السلام فقال : « فإنّ فاطمة لمّا قُبض أبوها صلى اللّه عليه وآله أسعدتها بنات هاشم - على طريقة النساء عند الموت - فقالت : اتركن التعداد - أي لا تعددن الآلام والأحزان - وعليكن بالدعاء » (1).

هكذا كانت الزهراء عليها السلام تفهم قضية الاحتفال بمناسبة الموت ، حتّى لو كان الميت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لذلك فإنّ هؤلاء الذين يتحدّثون بهذه الطريقة عن الزهراء عليها السلام في جزعها يسيئون إليها ، باعتبار وصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ووعي الزهراء وعصمتها ، فالزهراء لم تكن في موقع الإمامة ، ولكنّها كانت في موقع العصمة ، لأنّها أوّلاً كانت من أهل هذا البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وهذا دليل عصمة علي والحسن والحسين وفاطمة.

وثانياً : لأنّها كانت سيّدة نساء أهل الجنّة ، ولا يمكن إلاّ أن تكون معصومة.

وثالثاً : لأنّنا لو درسنا كُلّ حياة الزهراء لرأيناها تمثّل العصمة كُلّها ، ولهذا لم تخطئ في حياتها لا في قول ولا في فعل ، كانت لا تقول إلاّ حقّاً ، ولا تتصرّف إلاّ بالحقّ ، سواء مع الذين يلتقون معها أو مع الذين لا يلتقون معها.

وكانت قمّة احتجاجها على الواقع المنحرف أنّها قالت لعلي عليه السلام : « ادفني ليلاً » ، لا تدع هؤلاء يحضرون جنازتي ، ودُفنت ليلاً ، واختلف الناس في موضع قبرها ، وهناك أحاديث عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام أنّها دُفنت في بيتها ، وعندما وُسّع المسجد دخل بيتها وقبرها في المسجد ، ولعل الحديث : « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة » (2) ، يشير إلى الزهراء عليها السلام ، وهناك رواية تقول إنّها دُفنت في البقيع.

الزهراء عليها السلام الطاهرة ، الصدّيقة ، المعصومة ، التي كانت تمثّل التجسيد الحيّ لكُلّ القيم الروحية والإنسانية ، كانت قوية في مواقع القوّة للدفاع عن .

ص: 505


1- الكافي 3 / 217.
2- من لا يحضره الفقيه 2 / 568.

الحقّ ، وكانت عابدة ترتفع صلواتها إلى اللّه ، ومعلّمة تعطي العلم للنساء ، وكانت تعيش مسؤوليتها في البيت والمجتمع مع أبيها وزوجها ، فسلام اللّه عليها حين وُلدت ، وحين انتقلت إلى رحاب ربّها ، وعندما تُبعث حية.

علينا أنّ نجعل منها القدوة - رجالاً ونساءً - لأنّها من خير من يُقتدى به ، كانت حبيبة رسول اللّه وتلميذته ورفيقته ، وقد قال أمير الشعراء أحمد شوقي وهو يتحدّث عن الزهراء عليها السلام :

ما تمنّى غيرها نسلاً ومن *** يلد الزهراء يزهد في سواها

ج : لقد وردت روايات صحيحة تخبرنا عن بكاء سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام على أبيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعد وفاته ، ويستفاد أيضاً من هذه الروايات شدّة تأثّرها وحزنها لفراق أبيها صلى اللّه عليه وآله ، وكذلك للأحداث المؤلمة التي جرت بعد وفاته مباشرة.

ومن ذلك ما رواه الشيخ المفيد قدس سره بسنده عن عبد اللّه بن محمّد بن سليمان الهاشمي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن زينب بنت علي بن أبي طالب عليهم السلام قالت : « لمّا اجتمع رأي أبي بكر على منع فاطمة عليها السلام فدك والعوالي ، وآيست من إجابته لها عدلت إلى قبر أبيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فألقت نفسها عليه ، وشكت إليه ما فعله القوم بها ، وبكت حتّى بلّت تربته بدموعها وندبته ، ثمّ قالت في آخر ندبتها :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة *** لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها *** وأختل قومك فأشهدهم فقد نكبوا

إلى قولها :

فقد لقينا الذي لم يلقه أحد *** من البرية لا عجم ولا عرب

ص: 506

فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت *** لنا العيون بتهمال له سكب » (1)

وكذلك روى الشيخ القمّي قدس سره بسند صحيح عن عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : « لمّا بويع لأبي بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك فأخرج وكيل فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله منها ، فجاءت فاطمة عليها السلام إلى أبي بكر ... فخرجت فاطمة عليها السلام من عندهما باكية حزينة ... ودخلت فاطمة إلى المسجد ، وطافت بقبر أبيها عليه السلام وهي تبكي »(2) ، ثمّ أنشدت أبياتاً مقاربة لما أورده الشيخ المفيد.

وروى الشيخ الكليني قدس سره بسندين صحيحين عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سمعته يقول : « عاشت فاطمة عليها السلام بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً لم تر كاشرة ولا ضاحكة ، تأتي قبور الشهداء في كُلّ جمعة مرّتين : الاثنين والخميس ، فتقول : هاهنا كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، هاهنا كان المشركون » (3).

والكشر كما نعرف هو بدو الأسنان عند التبسّم ، ومن هنا نعرف أيّ حزن وألم عاشته الزهراء عليها السلام في تلك الأيّام بعد وفاة أبيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

وفي الرواية الصحيحة الأُولى عن الشيخ المفيد ورد قولها عليها السلام في أبيات الشعر : سوف نبكيك ما عشنا وما بقيت.

ومن المعلوم أنّ الزهراء عليها السلام عاشت على أكثر الروايات ستة أشهر بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فإذا عددنا المواقف التي جاء فيها ذكر لبكاء الزهراء من يوم وفاته صلى اللّه عليه وآله ، وأخذ فدك والهجوم على بيتها وخطبها في المسجد ، والدوران على بيوت الأنصار وغيرها ، وأخذنا نسبة بينها وبين أيّامها القلائل التي عاشت فيها بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، يظهر لنا أنّ القول بكثرة بكائها بعد أبيها صلى اللّه عليه وآله لا يخرج عن الصواب.

ص: 507


1- الأمالي للشيخ المفيد : 40.
2- تفسير القمّي 2 / 155.
3- الكافي 3 / 228.

وأنّ الروايات المصرّحة بذلك الواردة عن طريق أئمّة أهل البيت عليهم السلام يمكن الاعتماد عليها والاطمئنان بها ، وإن لم تكن ترقى إلى درجة الصحّة ، ولذا جعلها علمائنا مورداً للقبول على أنّا لا نتعامل مع الروايات التاريخية كما نتعامل مع روايات الأحكام ، فلاحظ.

ولا يتنافى هذا البكاء والحزن المتواصل من سيّدة النساء عليها السلام مع الشرع ، كما يريد البعض أن يوحي بذلك ، فقد ذكر القرآن الكريم شدّة تأثّر يعقوب عليه السلام لفراق ابنه يوسف عليه السلام الذي كان يعلم بعدم موته ، ولكنّه يجهل مكانه ، قال تعالى : ( وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) (1).

وقد ذكر المفسّرون أنّه أُصيب بالعمى نتيجة هذا الحزن وشدّة البكاء المتواصل ، وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « بكى علي بن الحسين على أبيه حسين بن علي عشرين سنة ، أو أربعين سنة ، وما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى على الحسين ، حتّى قال له مولى له : جعلت فداك يا بن رسول اللّه إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين ، قال عليه السلام : ( إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) » (2).

وروى ابن قولويه قدس سره : إنّه لما كثر بكاؤه عليه السلام قال له مولاه : أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال : « ويحك واللّه شكى يعقوب عليه السلام إلى ربّه في أقل ممّا رأيت حتى قال : ( يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ ) ، إنّه فقد ابنا واحداً ، وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبحون حولي »(3).

فلماذا لم يكن حزن الإمام السجّاد عليه السلام رسالياً كما يسمّيه هذا المدّعي؟ ولماذا لا يتنافى هذا البكاء مع مسؤوليات الإمام عليه السلام؟ ويعقوب النبيّ عليه السلام ، ولماذا لا يكتب في حزنهما مثلما كتب هنا!؟

ص: 508


1- يوسف : 84.
2- كامل الزيارات : 213.
3- نفس المصدر السابق.

وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه وقف على قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ساعة دفنه فقال : « إنّ الصبر لجميل إلاّ عنك ، وأنّ الجزع لقبيح إلاّ عليك »(1).

وعليه ، فإنّ بكاء الزهراء عليها السلام على أبيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - وفي الوقت الذي تزامنت فيه تلك الأحداث الجسام من غصب الخلافة ، وغصب الإرث ، وكشف البيت الطاهر ، والاستخفاف بحرمة الدين وأهله - كان بكاءً على الرسالة ، والدين القويم ، والحقوق المضيّعة ، بل هو بكاء على الملايين من المسلمين الذين سيكونون ضحايا هذه المظالم ، وتبعات هذه الأحداث.

والزهراء عليها السلام تعلم بتلك الأُمور ، وما ستؤول إليه ، لذا كان البكاء عند الزهراء عليها السلام يتجاوز معناه العاطفي المحدود إلى معان أُخرى من الاستنهاض والثورة على الظالمين ، وبعث رسالة إلى أعماق التاريخ أن لا يغفلوا عن أحداث هذه الفترة التي غيّرت وجه الدنيا بانحرافها وميلها عن الحقّ ، فقد كان البكاء هو الوسيلة الوحيدة المتخذة أمام الزهراء عليها السلام لإعلان الحقّ ورفض الباطل ، واستمراره ليلاً ونهاراً هو استمرار المطالبة بالحقّ واستمرار رفض الباطل.

ومن هناك أدرك الخصوم المعاني التي يختزنها بكاء الزهراء عليها السلام ، لذا قاموا بالتحريض عليه ، مع أنّه من المستحبّات البكاء على سيّد المرسلين صلى اللّه عليه وآله ، والزهراء عليها السلام حين بكت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وطال حزنها ، وأظهرت هذا الحزن لم تخالف وصية رسول اللّه ، فهي : لم تخمش عليه وجهاً ، ولم ترخ عليه شعراً ، ولم تناد بالويل ، ولم تقم عليه نائحة ... إنّما كان بكاؤها بكاء الثائرين ... كما يمثّل بكاء شيعة أهل البيت عليهم السلام على الحسين عليه السلام ، وتواصل هذا البكاء لقرون متمادية ، وحثّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام عليه ، كما ورد في الأحاديث الصحيحة المعتبرة ، ثورتهم ورفضهم للظلم والظالمين ، ومن هنا جاءت قوّة منعه من قبل سلاطين الجور وأئمّة الضلال.

ص: 509


1- شرح نهج البلاغة 19 / 195.

ومن هذا يظهر سخف ما رتّب على الفرض من أنّ بكائها كان ينافي العصمة ، أو يخلّ بالمسؤولية ، أو أنّها كانت إلى حدّ الجزع - وإن كان في قبح الجزع في مثل هذا المورد كلام ولنا في يعقوب أُسوة - وأنّ حزنها كان هادئاً ، وإن الحزن الهادئ هو الرسالي وغيره فلا ، وغير ذلك ممّا يحتويه هذا الكلام الإنشائي ، فهو كُلّه مبنيّ على فكرة باخت في عقل قائلها ، سببها عدم إدراك حقيقي لمعنى بكاء الزهراء ودوافع منعها ، فإذا وعينا ذلك سنجد أنّ كُلّ ما قيل سينهار كالرماد ، وإليك قول القائل : وكانت قمّة احتجاجها على الواقع المنحرف أنّها قالت لعلي عليه السلام : « ادفني ليلاً ... ».

يا اللّه أين هذا من خطبتها الصريحة بكفرهم في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ وأين هو من مطالبة الأنصار بالثورة يوم كانت تدور عليهم وتطالبهم بالوفاء ببيعة الغدير ، ألمثل الزهراء يقال إنّ قمّة احتجاجها أن تطالب بدفنها ليلاً!

ص: 510

فدك :

اشارة

( خالد جاسم - سنغافورة - .... )

غصبها :

س : ما هو دليلكم على أنّ أرض فاطمة الزهراء عليها السلام مغصوبة؟

ج : لحق الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله بالرفيق الأعلى ، مخلّفاً من الورثة بنته الوحيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، وزوجات عدّة.

وكانت فدك ممّا أفاء اللّه به على رسوله - عام خيبر - نحلها الرسول صلى اللّه عليه وآله ابنته الزهراء عليها السلام ، وكانت يدها على فدك يوم وفاة أبيها.

ولمّا استولى أبو بكر على أريكة الخلافة ، ابتزّ فدكاً من فاطمة عليها السلام واستولى عليها ، فادّعت فاطمة عليها السلام على أبي بكر ، وطالبت نحلة أبيها - لكون هذه الأرض ممّا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، فكان ملكاً خاصّاً لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - وأشهدت زوجها أمير المؤمنين علياً عليه السلام ، وابنيها الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة ، وأُمّ أيمن حاضنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على أنّ أباها نحلها فدكاً.

فردّ أبو بكر دعواها ، وردّ شهاداتهم لها ، فوجدت فاطمة عليها السلام على أبي بكر فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت.

هذا ما نقلته الأخبار في كتب الفريقين ، فتكون دليلاً على غصبها.

ص: 511

( محمّد - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

السكوت عنها :

س : لماذا لم يرجع الإمام علي عليه السلام فدكاً أيّام خلافته؟

ج : إنّ المطالبة بفدك في فكرتها الأساسية هي للإشارة إلى غصب حقوق أهل البيت عليهم السلام على وجه العموم ، وليس فقط فيها مطالبات مالية ، حتّى ترتفع بردّها إلى أهلها.

فالزهراء عليها السلام والأئمّة عليهم السلام ، عندما كانوا يشيرون إلى مسألة فدك ، كانوا يريدون التصريح والتلويح بالمظالم التي أوردتها الزمرة الغاصبة في سبيل الحصول على الحكم.

ويدلّ على ما قلنا : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام صرّح في أيّام خلافته : بأنّ الجانب الاقتصادي من فدك ، ليس بحدٍّ أن يكون حافزاً وباعثاً لاعتراض أهل البيت عليهم السلام في مطالبته : « وما أصنع بفدكٍ وغير فدك » (1).

وورد في بعض الروايات : بأنّ سيرة أهل البيت عليهم السلام هي : أن لا يسترجعوا ما أخذ منهم غصباً وعدواناً(2).

فنرى أنّ فيها إشارة واضحة لإبقاء صوت مظلوميتهم على طول التاريخ ، وحقّانيتهم في الإمامة ، وزعامة الدين والدنيا ، كما هو الحال في اختفاء مرقد الزهراء عليها السلام ، واختلاف تاريخ استشهادها.

( أحمد - السعودية - .... )

من ردّها إلى أهل البيت :

س : أودّ معرفة جميع من غصب فدك فاطمة الزهراء عليها السلام؟ وجميع من قام بردّها إلى أهل البيت عليهم السلام؟ من يوم غصبها على يد أبي بكر.

ص: 512


1- شرح نهج البلاغة 16 / 208.
2- بحار الأنوار 29 / 395.

ج : كانت فدك ملكاً لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لأنّها ممّا لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، ثمّ قدّمها لابنته الزهراء عليها السلام ، وبقيت عندها حتّى توفّي أبوها صلى اللّه عليه وآله ، فانتزعها الخليفة الأوّل ، ولمّا ولي معاوية ، أقطعها مروان بن الحكم(1) ، ثمّ صفت لعمر بن عبد العزيز بن مروان ، فلما تولّى الحكم ردّ فدك على ولد فاطمة عليها السلام ، ثمّ انتزعها يزيد بن عبد الملك من أولاد فاطمة عليها السلام ، فصارت في أيدي بني مروان حتّى انقضت دولتهم(2).

فلمّا قام أبو العباس السفّاح بالأمر ، ردّها على عبد اللّه بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، ثمّ قبضها أبو جعفر المنصور في خلافته ، وردّها المهدي بن المنصور على الفاطميين ، ثمّ قبضها موسى بن المهدي من أيديهم ، ولم تزل في أيدي العباسيين حتّى تولّى المأمون فردّها على الفاطميين سنة 210 ه.

ولمّا بويع المتوكّل انتزعها من الفاطميين ، وأقطعها عبد اللّه بن عمر البازيار ، وينتهي آخر عهد الفاطميين بفدك بخلافة المتوكّل ، ومنحه إيّاها عبد اللّه بن عمر البازيار.

( أحمد - الإمارات - .... )

لم يرجعها علي أيّام خلافته :

س : هل قام الإمام علي عليه السلام بإرجاع فدك إلى الحسن والحسين بعد تولّيه الخلافة؟ ولماذا؟

ج : صرّحت عدّة روايات بعدم إرجاع الإمام علي عليه السلام لفدك أيّام حكومته ، كما صرّحت بالعلّة التي من أجلها لم يسترجع الإمام عليه السلام فدكاً ، ومن تلك الروايات :

ص: 513


1- فتوح البلدان 1 / 37.
2- شرح نهج البلاغة 16 / 216.

1 - عن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : قلت له : لِم لَم يأخذ أمير المؤمنين عليه السلام فدكاً لمّا ولي الناس ، ولأيّ علّة تركها؟

فقال : « لأنّ الظالم والمظلوم قد كانا قدما على اللّه عزّ وجلّ ، وأثاب اللّه المظلوم ، وعاقب الظالم ، فكره أن يسترجع شيئاً قد عاقب اللّه عليه غاصبه ، وأثاب عليه المغصوب » (1).

2 - عن إبراهيم الكرخي قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام ، فقلت له : لأيّ علّة ترك أمير المؤمنين فدكاً لمّا ولي الناس؟ فقال : « للاقتداء برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لمّا فتح مكّة ، وقد باع عقيل ابن أبي طالب داره ، فقيل له : يا رسول اللّه ألا ترجع إلى دارك؟

فقال صلى اللّه عليه وآله وهل ترك عقيل لنا داراً ، إنّا أهل بيت لا نسترجع شيئاً يؤخذ منّا ظلماً ، فلذلك لم يسترجع فدكاً لمّا ولي »(2).

3 - عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن أبيه عن الإمام الكاظم عليه السلام قال : سألته عن أمير المؤمنين عليه السلام لِم لَم يسترجع فدكاً لمّا ولي الناس؟ فقال : « لأنّا أهل بيت لا نأخذ حقوقنا ممّن ظلمنا ، إلاّ هو - يعني إلاّ اللّه - ونحن أولياء المؤمنين ، إنّما نحكم لهم ، ونأخذ حقوقهم ممّن ظلمهم ، ولا نأخذ لأنفسنا »(3).

( محمّد - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

المراد من الإرث المعنى اللغوي لا الفقهي :

س : هل جاء حديث : « نحن معاشر الأنبياء لا نورّث » في مصادر الشيعة؟

ج : لم يذكر هذا الحديث في مصادرنا الخاصّة ، ولكن الموجود هو بهذه العبارة : عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « إنّ العلماء ورثة الأنبياء ، وذلك أنّ

ص: 514


1- علل الشرائع 1 / 154.
2- المصدر السابق 1 / 155.
3- نفس المصدر السابق.

الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنّما ورّثوا أحاديث من أحاديثهم ، فمن أخذ شيئاً منها فقد أخذ حظّاً وافراً ... » (1).

وأمّا معناه فهو : أنّ الأنبياء عليهم السلام لم يخلّفوا بالنسبة للأُمّة شيئاً من الأموال ، بل إنّهم ورّثوهم العلم والأحاديث.

ويظهر من هذا المعنى ، أنّ كلمة الإرث في هذه الروايات ، قد استعملت في معناها العرفي واللغوي ، لا معناها الاصطلاحي والفقهي ، ويدلّ على هذا التخريج عدّة وجوه :

منها : إنّ الحمل على المعنى الفقهي من الإرث يتعارض مع ظهور الآيات(2) ، كما ذكرته الزهراء عليها السلام في خطبتها المعروفة ، ردّاً على غاصبي فدك ، إذ فيها ما يدلّ على أنّ التوريث المصطلح كان ساري المفعول حتّى عند الأنبياء ، ولم تكن أموالهم بحيث يكون الناس فيها شرع سواء.

ومنها : إنّ القرائن الموجودة في تلك الروايات فيها دلالة واضحة إلى أنّ المراد هو المعنى اللغوي - لا الفقهي - فمثلاً : هل في الواقع الخارجي لم يبق الأنبياء عليهم السلام حتّى درهماً واحداً من الأموال لتركتهم؟! وهذا ما ينفيه التاريخ والنقل.

ومنها : إنّ عبارة : « إنّما أورثوا أحاديث » أو « ورّثوا العلم » تدلّ على ما ذكرنا ، من أنّ النفي في صدر الروايات يكون بالنظر إلى الأُمّة لا إلى الورثة العاديين ؛ إذ هل يعقل أن تكون الأحاديث النبوية حصص إرثية؟!

ومنها : إنّ عبارة : « فمن أخذ شيئاً ... » تدلّ على إطلاق الآخذ أيّاً من كان ؛ وهذا أيضاً يدلّ على أنّ التوريث المستعمل في هذه الروايات ليس من باب الوراثة المصطلحة الفقهية ، وإلاّ فهل يعقل عدم تعيين الوارث في إرثٍ ما ، وتعليقه على نحو البدلية بعبارة : « فمن أخذ »؟!

ص: 515


1- بصائر الدرجات : 30 ، الكافي 1 / 32 ، الاختصاص : 4.
2- أُنظر : مريم : 6 ، النمل : 16.

وأخيراً : فإنّ الرواية المزعومة عند المخالفين تشتمل على تتمّة وهي : « ما تركناه صدقة » ، وأنت ترى أنّ الروايات الشيعية بأكملها خالية عن هذه العبارة ، بل وفيما تحتويها من ذكر الأحاديث والعلم - كميراث للنبوّة - متعارضة مع ما ادعّوه ، إذ من البديهي أنّ الأحاديث والعلم ليست صدقة.

وعليه ، فالعبارة المذكورة واضحة البطلان ، ومن ثمّ فاستدلال القوم دفاعاً عن غصب حقّ الزهراء عليها السلام مردود ، إذ أنّ مجهودهم العلمي يبتني على ورود هذه العبارة في الروايات ، وهو منتفٍ قطعاً كما ذكرنا.

ص: 516

فرق ومذاهب :

اشارة

( سمير - سوريا - 25 سنة )

العلاقة بين العلوية والنصيرية :

س : هل العلوية هم نفسهم النصيرية؟ وكيف كانت علاقة الأئمّة عليهم السلام مع مؤسّس النصيرية؟

ج : قال الشيخ السبحاني حول النصيرية ما نصّه :

« الكتابة عن النصيرية كسائر الفرق الشيعية أمر صعب ، لاسيّما وأنّهم اضطروا إلى التخفّي والانطواء على أنفسهم ، وعاشوا في ظل التقية ، ومن يتصفّح التاريخ يجد أنّه لا مندوحة لهم من التكتّم والتحفّظ في عقائدهم ، فمعاجم الفرق مليئة بذمّهم وتفسيقهم وتكفيرهم ، وقد أخذ بعضهم عن بعض ، ولا يمكن الاعتماد على ما نقلوه عنهم ، إلاّ بالرجوع إلى كتب تلك الفرقة ، أو التعايش معهم في أوطانهم ، حتّى ينجلي الحقّ ، ليقف الإنسان على مكامن عقائدهم ، وخفايا أُصولهم ... » (1).

ثمّ قال تحت عنوان : النصيرية فرقة بائدة :

« إذا كانت النصيرية هي التي عرّفها أصحاب المعاجم وغيرهم ، فهذه الفرقة قد بادت ، لا تجد أحداً يتبنّى أفكارها بين المسلمين ، إلاّ إذا كان مغفّلاً أو مغرضاً ، وربّما تكون بعض هذه النسب ، ممّا لا أصل له في الواقع ، وإنّما

ص: 517


1- بحوث في الملل والنحل 8 / 397.

اتهمت بها بعض فرق الشيعة من قبل أعدائهم ، فإنّ خصومهم من العباسيين شنّوا حملة شعواء ، ودعايات مزيّفة ومضلّلة ضدّهم ، حتّى يجد الباحث أنّ الكتّاب والمؤلّفين المدعومين من قبل السلطات ، لا يألون جهداً في اتهامهم بأرخص التهم في العقيدة والعمل ، حتّى صارت حقائق راهنة في حقّ هؤلاء ، وتبعهم غير واحد من أصحابنا ، لحسن ظنّهم بما كتب حولهم » (1).

وقال تحت عنوان : العلويون وأصل التسمية بالنصيرية :

« إنّ هناك أقلاماً مغرضة ، حاولت أن تنسب العلويين المنتشرين في الشام والعراق وتركيا وإيران إلى فرقة النصيرية البائدة ، اعتماداً على أُمور ينكرها العلويون اليوم قاطبة.

وأظنّ أنّ السبب في ذلك هو جور السلطات الظالمة التي أخذت تشوّه صحيفة العلويين وتسودّها ، فأقامت فيهم السيف والقتل ، والفتك والتشريد ، ولم تكتفِ بل أخذت بالافتراء عليهم ، لتنفّر الناس من الاختلاط بهم ، وأنّهم زمرة وحشية هجمية ، ممّا زاد في انكماش هذه الطائفة على نفسها ، لذا نجد من المناسب الكتابة عنهم حسب ما كتبوه عن أنفسهم.

أمّا سبب تسمية العلويين بالنصيرية ، لأَنّه لما فتحت جهات بعلبك وحمص ، استمد أبو عبيدة الجرّاح نجدة ، فأتاه من العراق خالد بن الوليد ، ومن مصر عمرو بن العاص ، وأتاه من المدينة جماعة من أتباع علي عليه السلام ، وهم ممّن حضروا بيعة غدير خم ، وهم من الأنصار ، وعددهم يزيد عن أربعمائة وخمسين ، فسمّيت هذه القوّة الصغيرة نصيرية ، إذ كان من قواعد الجهاد تمليك الأَرض التي يفتحها الجيش لذلك الجيش نفسه ، فقد سمّيت الأراضي التي امتلكها جماعة النصيرية : جبل النصيرية ، وهو عبارة عن جهات جبل الحلو ، وبعض قضاء العمرانية المعروف الآن ، ثمّ أصبح هذا الاسم علماً خاصّاً لكُلّ جبال العلويين من جبل لبنان إلى إنطاكية.

ص: 518


1- المصدر السابق 8 / 402.

وهذا الرأي أقرب إلى الصواب ، ذلك أنّ المؤرّخين الصليبيّين أطلقوا على هذا الجبل اسم النصيرة ، ويبدو أنّ هذا الاسم قد حرّف إلى نصيرية ، والذي يعزّز القناعة بصحّة هذا الرأي هو : أنّ إطلاق اسم نصيرية على هذا الجبل ، لم يظهر إلاّ أثناء الحملات الصليبية ، أي بعد عام 498 ه- ، وإذا كان معنى ذلك أنّ اسم نصيرية قد تغلّب على اسم الجبل في زمن الشهرستاني » (1).

وقال السيّد عبد الحسين مهدي العسكري : « والنصيرية تنسب إلى أبي شعيب محمّد بن نصير النميري ، عاش في القرن الثالث الهجري ، وعاصر ثلاثة من الأئمّة عشر عليهم السلام ، وهم : علي الهادي ، والحسن العسكري ، ومحمّد المهدي.

زعم ابن نصير أنّه الباب إلى الإمام الحسن ، والحجّة من بعده ، فتبعه طائفة من الشيعة ، سمّوا النصيرية ، ولكن ابن نصير لم يكتف بذلك ، وإنّما ادعى النبوّة والرسالة ، وغلا في حقّ الأئمّة ، فنسبهم إلى الألوهية ، ولمّا بلغت مقالته الإمام الحسن العسكري عليه السلام تبرّأ منه ، ولعنه وحذّر أتباعه من فتنته »(2).

( خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي )

الطائفة اليزيدية :

س : أُودّ أن أعرف شيئاً عن الطائفة اليزيدية؟ ومن هو مؤسّسها؟

ج : إنّ مجمل القول في الطائفة اليزيدية كما يلي :

1 - هذه الطائفة تنحدر من أصل كردي ، ويسكن معظم معتنقيها في كردستان العراق - حوالي مدينة الموصل - كما أنّ نشأتهم كانت هناك.

2 - مؤسّسو هذه الفرقة كانوا ينتمون إلى العائلة الأُموية ، فزرعوا في قلوب مواليهم محبّة الأُمويين ، وبما أنّ المجتمع الإسلامي المحيط بهم كان يتبرّأ من

ص: 519


1- المصدر السابق 8 / 404.
2- العلويون أو النصيرية : 7.

بني أُمية ، وعلى الخصوص من يزيد بن معاوية ، لما صنعه بأهل البيت عليهم السلام ، قاومت هذه الفرقة الضالّة فكرة اللعن والبراءة ، بل وتصدّت لها ، وأظهرت ولائها ليزيد ، واستمرت في هذا النهج الباطل حتّى اعتقدت فيه التأليه ، أو ما يقاربه مضموناً.

3 - ومن منطلق عدم جواز اللعن ، استحوذ عليهم الشيطان ، فاعتبروه أوّل الموحّدين ، لرفضه السجود لغير اللّه عزّ وجلّ ، بل وتمادوا في غيّهم ، وأعطوه صفة الربوبية ، تحت عناوين مختلفة ، فعبدوه ، وإن أنكر رجال دينهم هذا المعنى ، ولكن الذي يظهر من سلوك معتنقيهم هو ما ذكرناه.

4 - يذهب أكثر المحقّقين على أنّ المعتنقين الأوائل من هذه الطائفة كانوا على دين المجوس ، وعلى ضوء هذه النظرية ، يمكن تفسير بعض معتقدات اليزيدية ، بأنّها رواسب ذلك الدين السابق لهم ، وعلى سبيل المثال ، يعتقدون بمنشأ الخير « اللّه » ، ومصدر الشرّ « الشيطان » ، وهذه هي عقيدة المجوس بالضبط.

ثمّ يختلفون معهم ، بأنّ المجوس يرون انتصار الحقّ على الباطل - أي الرحمن على الشيطان - في منتهى الأمر ، ولكن اليزيدية لا ترى هذه النتيجة حتمية الوقوع ، وعليه تتقرّب بل تعبد الشيطان خوفاً من سطوته وشرّه ، ولا تهتمّ لعبادة الرحمن ، لأنّه مصدر الخير ، فلا يعاقب أحداً على عدم عبادته!!

5 - تدّعي هذه الفرقة بوجود كتابين سماويين لها : الجلوه ومصحف رشد ، ومن خلال فقرات وعبارات هذين الكتابين ، يتّضح جلياً أنّهما من صنع بعض المنحرفين ، ولا علاقة لهما بوحي السماء ، ففيهما أباطيل تضحك الثكلى ، ويشتملان على مخالفات واضحة للعقل السليم ، والنقل المتّفق عليه عند جميع الأديان السماوية.

6 - وأخيراً : إنّ هذه الطائفة ليست لها أيّ منطق للتبليغ والدفاع عن معتقداتها ، بل تحتكر هذا الدين الباطل لنفسها ، فمن الصعب الحصول على كافّة أقوالها

ص: 520

وآرائها ؛ وما ذكرناه هو القدر المتيقّن المنقول في كتبهم ، وإلاّ فهم يلتزمون بخرافات وأساطير باطلة ، قد يخفونها على عامّة الناس.

( فاطمة - العراق - .... )

عقيدة اليزيديين :

س : ما هي عقيدة اليزيديين عبدة الشيطان؟

ج : اليزيدية إحدى الطوائف التي تكتّمت في إظهار معتقداتها ، لهذا نرى الباحثين في هذا المذهب يختلفون في نتائج تحقيقاتهم ، فنرى جماعة من ينسب اليزيدية إلى يزيد بن معاوية الأُموي ، وجماعة تنسبهم إلى يزيد بن أنيسة الخارجي ، وجماعة يرجعونهم إلى دين المجوس ، ويرون أن كلمة يزيدية مشتقّة من الكلمة الفارسية « يزدان » التي تعني اللّه ، وبعضهم يدّعي أنّ كلمة اليزيدية مأخوذة من لفظة يزد ، المدينة المشهورة في إيران.

والظاهر أنّهم كانوا في بداية أمرهم من المجوس ، فاعتنقوا الإسلام بعد مجوسيّتهم ، ولمّا حلّ الشيخ عدي بن مسافر الأُموي بين ظهرانيهم في منتصف القرن السادس للهجرة ، وأسّس طريقته العدوية ، كانوا أوّل من والاها واعتنقها ، وقد غلوا فيه ونسبوا إليه ما لا يصحّ نسبته إلى مخلوق مثله ، وبعد وفاته ظهر بين خلفائه بعض من أضلّهم ، وأبعدهم عن التعاليم الإسلامية ، فظهرت فيهم براعم الدين القديم.

وإنّما سمّو باليزيدية لأنّهم كانوا يعتقدون بصلاح يزيد بن معاوية اعتقاداً تجاوز الحدّ حتّى قالوا فيه إلهاً.

ويرى اليزيدون أنّ الكون وجد من قوّتين : قوّة الخير وهي اللّه ، وقوّة الشرّ وهي الشيطان ، ولهذا يتحاشون عن ذكر اسم الشيطان.

وتختلف العبادة التي يتقرّب بها اليزيدية ، فعبادتهم للشيطان عبادة تضرّع ، وتعطّف وخشية ، وعبادتهم لله عبادة خضوع وشكر وامتنان.

ص: 521

وقد بلغ الخوف باليزيدية من الشيطان درجة أنّهم تركوا عبادة إله الرحمة ، مبرئين أنفسهم من الخطأ في ذلك ، إنّ اللّه الذي لا حدّ لصلاحه وجوده ومحبّته للخلائق ، لا يفعل بهم شرّاً لأنّه صالح ، أمّا الشيطان فهو منقاد طبعاً إلى عمل الشرّ ، لأنّه مصدر الشرّ ومبدأه ، وعليه فالفطنة تقتضي على من يريد سعادة الحياة أن يهمل عبادة اللّه الصالح بطبيعته ، الذي لا يشاء عمل الشرّ ، ويطلب ولاء الشيطان وحمايته تخلّصاً من أذاه ، إذ للشيطان وحده أن يسلّط الشرور وأن يدفعها.

هذه بعض عقائد اليزيدية في الكون ، وأمّا عن شعائرهم التعبّدية - كالصوم والصلاة ، والحجّ والزكاة ، وسائر فروض العبادة - فإنّها تخالف ما فرض الإسلام من ناحية الكم والكيف.

( الموالي - السعودية - .... )

فرقة الكرامية :

س : من هم الكرامية؟ وما هي أهمّ آراؤهم الفقهية والعقائدية؟ وما رأي علماء المسلمين فيهم؟ وهل الفرقة الوهّابية الضالّة تعتبر امتداداً لهم؟

نرجو ذكر بعض المصادر التي تتناولهم بالتفصيل ، حفظكم اللّه ورعاكم.

ج : إنّ مؤسّس فرقة الكرامية هو : محمّد بن كرام السجستاني - المتوفّى 255 ه- - وباسمه سمّيت هذه الفرقة ، وهي من الفرق المنحرفة ، ولهم آراء فاسدة ، كالقول بالتجسيم ، وأنّ لله على العرش استقراراً ، وعلى أنّه بجهة فوق ذاتاً ، وأطلق عليه اسم الجوهر ، ومسألة اليد والوجه والرؤية كُلّها من اعتقاداتهم ، ولم تمت الكرامية بموت مؤسّسها ، فلقد عاشت بعد موته ، حيث تلقّاها الهروي الأنصاري ، ثمّ احتضنها ابن تيمية ، واعتقد بكثير من عقائدها ، وكذلك الوهّابية المتأثّرون بأفكار ابن تيمية.

ص: 522

( حسن - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

حركة القرامطة حركة سياسية :

س : من هم القرامطة؟ وما حقيقة حركة القرامطة في الجزيرة العربية؟

ج : إنّ القرامطة حركة سياسية ، ينتسبون إلى حمدان قرمط ، الذي كان أحد دعاتهم - وسمّي بذلك ، أي قرمط ، لأنّه كان يترقمط في مشيته ، أي يقارب بين خطواته ، وقد أقام في الكوفة سنة 278 ه- - وادعوا انتسابهم إلى الفرقة الإسماعيلية.

والعباسيون في ذلك الوقت كانوا قد أعلنوا عداءهم للفاطميين ولاة مصر ، وكانوا يحاولون إلصاق أيّة تهمة بالخليفة الفاطمي آنذاك ، وبالفاطميين أنفسهم ، وقد ساعد بثّ هذه الدعوى أن حمدان قرمط قد أدّعى انتسابه إلى الإسماعيلية ، وحاول أن يجعل من نفسه منتسباً إلى المذهب الإسماعيلي ، لاستقطاب العامّة من البسطاء إليه ، بل ادّعى أكثر من ذلك ، وهو انتسابه إلى الفاطميين ، إلاّ أنّه لم يثبت ذلك.

وفي سنة 281 ه- قدم إلى البحرين من يدّعي أنّه رسول المهدي الفاطمي ، وطلب منهم الانضمام إلى دعوة القرامطة ، فأجابه بعضهم ، وكان أبرزهم أبي سعيد الجنابي ، واسمه الحسن بن بهرام.

وفي سنة 283 ه- تزعّم أبو سعيد الجنابي الحركة القرمطية في البحرين ، وسار بأصحابه إلى القطيف ، ثمّ إلى البصرة ، وقد عهد أبو سعيد الجنابي إلى ابنه أبي طاهر حركة القرامطة ، ففي سنة 307 ه- سار إلى البصرة فاستباحها ، وفي سنة 312 ه- اعترض حجّاج بيت اللّه الحرام فقتل منهم ، وانهزم الباقون.

وفي سنة 317 ه- هجم على مكّة ، وقتل كثيراً من الحجّاج ونهب أموالهم ، وفي سنة 319 ه- سار أبو طاهر أيضاً إلى مكّة ، فقتل الحجّاج واقتلع الحجر الأسود ، وحمله إلى هجر ، فلمّا بلغ الخبر إلى المهدي الفاطمي ، كتب إليه بالنكير واللعن ، وهدّده إذا لم يرجع الحجر الأسود.

ص: 523

هذه نبذة من تاريخ القرامطة ، والشيعة منهم براء ، ومن أفعالهم القبيحة ، أعاذنا اللّه وإيّاكم من الفتن والأهواء ، إنّه سميع الدعاء.

( موالي - الكويت - 19 سنة - طالب )

الإخبارية وإنكارهم للعقل :

س : كيف نردّ على الإخبارية الذين ينكرون العقل والإجماع في استنباط الحكم الشرعي؟

ج : إنّ البحث في هذا المجال ، ومن ثمّ الحكم فيه يحتاج إلى دراسة مفصّلة لمقطع من علم الأُصول ، ولا يسعنا التطرّق إليه في هذا المختصر ، ولكن مع هذا نشير إلى نقاط ذات صلة في الجواب :

أوّلاً : لا يرى الأُصولي حجّية العقل مطلقاً - حتّى يرد عليه كلام الإخباري - بل إنّ العقل عنده حجّة في فهم الحكم ، والدليل في المستقّلات العقلية ، وأمّا الإجماع - في نظر المحقّقين من الأُصوليين - فليس حجيّته من جهة نفسه ، بل حجيّته تأتي من اشتماله على قول المعصوم عليه السلام ، فإن كان فهو ، وإلاّ ليس الإجماع على الإطلاق حجّة.

وفي الواقع : أنّ الإجماع المعتمد عند الأُصولي المحقّق مرجعه إلى السنّة والروايات ليس إلاّ.

وأمّا الدليل على كلام الأُصولي لحجّية العقل في المجالين المذكورين ، هو استقلال العقل في الدلالة على المطلب ، وعدم ردع الشارع عنه ، وهذا آية ارتضائه لهذه السيرة العقلائية.

وثانياً : أمّا الآيات والروايات الواردة في المنع عن الاعتماد على العقل ، فكُلّها تنصبّ في مجرى اتّباع العقل بصورة ناقصة ، مثلاً في باب المنع عن القياس أو الاستحسان ، إذ لا يعقل أن يمنع من إجراء العقل بتاتاً ، فإنّه يفضي إلى عدم حجّية النواهي في هذه النصوص المذكورة أيضاً.

ص: 524

هذا ما تيسّر لنا توضيحه ، وللمزيد من المعلومات ينبغي الرجوع إلى مظانّها في مباحث علم الأُصول ، وعلى الخصوص إلى كتاب فرائد الأُصول ، الذي يطلق عليه الرسائل للشيخ الأنصاري.

( خالد - استراليا - .... )

عقائد الشيخية :

س : أُريد توضيحاً حول الفرقة الشيخية ، الذين ينتمون إلى الشيخ الأحسائي ، وما هو الفرق الأساسي بينهم وبين الفرق الأُخرى في الشيعة؟

ج : إنّ الشيخية في الأصل هم أتباع الشيخ أحمد الأحسائي ، المتوفّى 1241 ه.

أمّا العقيدة المميّزة عندهم تبتني على التركيز بوجود ركن رابع في عصر غيبة الإمام المنتظر عليه السلام ، تخوّل إليه أكثر مسؤوليات وصلاحيّات الإمام عليه السلام ، بعدما كان يرون أنّ الإمام المهدي عليه السلام قد غاب عن عالم الدنيا إلى عالم الأرواح ، وظهوره هو عوده إلى هذا العالم ، ومن ثمّ يقوم الركن الرابع مقامه عليه السلام حذراً من تعطيل الشريعة.

واصطلاح الركن الرابع جاء كإشارة إلى الأركان الأساسية الأربعة في الدين والمذهب ، وهي : التوحيد ، النبوّة ، الإمامة ، الركن الرابع.

ومن عقائدهم أيضاً نفيهم المعاد الجسماني ، بل يقولون بإعادة النفوس يوم القيامة في قالب مثالي ، الذي يصوّرونه بصورة خاصّة.

ثمّ إنّ هذه الفرقة قد التفّت حول السيّد كاظم الرشتي عقيب موت الأحسائي كتلميذٍ له ، وركن رابع جديد لطائفتهم ، الذي هو أيضاً توفّى 1259 ه- ، وخلّف التفرّق والتشعّب داخل حوزتهم ، ممّا أدّى انقسامهم إلى فرق متعدّدة ، أهمّها فعلاً طائفتان :

ص: 525

شيخية كرمان الذين يتبعون حاج محمّد كريم خان القاجار كوصيّ للرشتي ، وهذه المجموعة قد انحرفت تدريجاً عن الالتزام بالظواهر الشرعية والأحكام الدينية.

والإحقاقية وهم اتباع ملا باقر الاسكوئي التبريزي ، وفي زماننا كانوا تبعاً للشيخ الإحقاقي الساكن في الكويت ، وبحسب المعلومات المتوفّرة عندنا ، فهذه المجموعة بالذات قد تخلّت كثيراً ما عن تطرّفات العقيدة الأُمّ للفرقة ، وتبنّت الفكر الشيعي المعتدل المتمثّل في الحوزات العلمية ومراجع التقليد ، كما يظهر ذلك من سيرتهم ومؤلّفاتهم ، وهذا شيء يستحقّ التقدير إلى حدٍّ ما ، والعلم عند اللّه.

( هند - المغرب - 19 سنة - طالبة ثانوية )

المذاهب الإسلامية الموجودة حالياً :

س : كم مذهب إسلامي موجود الآن؟

ج : إنّ أكثر الفرق والمذاهب الإسلامية انقرضت ، والمشهور من الباقي منها الآن ، هي :

1 - المذاهب الإسلامية الأربعة : المذهب الحنفي ، والمالكي ، والشافعي ، والحنبلي ، وهم أتباع أبي الحسن الأشعري في أُصول العقيدة.

2 - الأباضية ، وهي إحدى فرق الخوارج.

3 - الزيدية ، وهي إحدى فرق الشيعة.

4 - الإسماعيلية ، وهي إحدى فرق الشيعة.

ولكُلّ واحدة من هذه الفرق الثلاث منهجها وفقهها الخاصّ بها.

5 - الشيعة الإمامية الاثنا عشرية ، وهم أتباع الأئمّة المعصومين عليهم السلام من آل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في الأُصول والفروع.

ص: 526

والسبب في تعدّد المذاهب الإسلامية هو اختلافهم من ناحية أُصول العقيدة - كاختلافهم في صفات اللّه ، وفي عدله ، وفي القضاء والقدر ، والجبر والاختيار ، والإمامة ، والعصمة ، وغيرها - ومن ناحية مناهج استنباط الأحكام الشرعية في استعمال الرأي والقياس ، والاستحسان ، والمصالح المرسلة ، وسنّة الصحابي ، وسنّة أهل البيت عليهم السلام وغيرها.

( بريطانيا - سنّي - 25 سنة )

العلويون :

س : ما هي العلوية؟ وما هي الشيعة؟ وما هي أوجه الاختلاف والتشابه بينهما؟

ج : إنّ الشيعة الاثني عشرية تطلق على المذهب الجعفري ، الذي يعتقد بإمامة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام - كخليفة ووصيّ للنبيّ صلى اللّه عليه وآله - ومن بعده الأئمّة المعصومين الإحدي عشر عليهم السلام.

نعم ، هناك فرق من الشيعة - كالزيدية والإسماعيلية - تتقلّص عدد الأئمّة عليهم السلام عندهم إلى أربعة أو ستّة ، ولكن هؤلاء لم يعدّوا من المذهب الجعفري الاثني عشري.

وأمّا العلوية ، فحسب المعلومات المتوفّرة عنهم ، فإنّهم شيعة إمامية جعفرية ، يعتقدون بالأئمّة المعصومين الاثني عشر عليهم السلام.

نعم ، كُلّ ما هناك أنّهم انعزلوا في طول التاريخ عن المجتمعات الشيعية ، بسبب مطاردتهم من قبل حكّام الجور ، والسلطات الظالمة بين حين وآخر هنا وهناك ، ممّا أدّى إلى ظهور التخلّف الديني نوعاً ما في بعض طبقات العوام منهم ، وهذا أصبح سبباً قويّاً في رميهم بالتهم ؛ وإلاّ فهم شيعة جعفريّون ، يعتقدون ما تعتقده الشيعة الاثنا عشرية في العقائد والأحكام ، من الأُصول

ص: 527

والفروع ، وهذا ممّا تشهد له آثارهم المكتوبة ، وشهادة علماء الحوزات العلمية الشيعية ، وسيرة علمائهم في كافّة مجالات العلم والعمل.

وعليه ، فإذا سُمع عنهم شيء لا يتّفق مع الخطّ العام للثقافة الشيعية ، فهو إمّا موضوع ومختلق ، وإمّا هو صادر عن بعض العوام منهم ، فلا دلالة له على التزامات مذهبهم.

بقي علينا أن نذكر : بأنّ العلويين أبناء عشائر وقبائل خاصّة تلتزم بالمذهب الشيعي ، فالمذهب الشيعي هو الإطار العام للعلويين ، وغيرهم من أبناء المذهب ، وبناءً عليه فكُلّ علوي شيعي ، ولكن ليس كُلّ شيعي يجب أن يكون من العلويين ، فهم امتداد عرقي يعتقدون بالتشيّع من الأوّل حتّى الآن.

( علي - المغرب - 22 سنة - ليسانس )

نقطة الخلاف بين الشيعة وبقية المذاهب :

س : ما هي مواطن الاختلاف بين المذهب الجعفري وباقي المذاهب الشيعية ، خصوصاً الزيدية والإسماعيلية؟ ولماذا هذا الاختلاف مادام أنّ الأئمّة محدّدون بمقتضى نصوص الرسول الأعظم.

ج : إنّ المذهب الإمامي الاثني عشري ، يلتزم في أساسه بإمامة الأئمّة الاثني عشر المعصومين عليهم السلام ، وهذا هو نقطة الخلاف بينه وبين باقي المذاهب الشيعية ، فمثلاً الزيدية تشترك معنا في الاعتقاد بأربعة من أئمّتنا فقط ، في حين أنّ الإسماعيلية توافقنا في ستّة منهم.

وأمّا دليل عدم قبول هذه المذاهب جميع أئمّتنا مع ورود النصّ النبوي ، ونصوص الأئمّة عليهم السلام ، فإنّه يرجع إلى عدم رضوخهم للحقّ ، شأنهم في ذلك شأن أهل السنّة في عدم انصياعهم للأوامر والوصايا المتواترة والمستفيضة في إمامة وخلافة أمير المؤمنين عليه السلام ، وأولاده المعصومين عليهم السلام.

ص: 528

( هادي - لبنان - .... )

الفرق بين الاخباريين والأُصوليين :

س : جناب الإخوة الأعزاء أدامكم المولى ، أُودّ أن أزعجكم بهذا السؤال : من هم الاخباريون؟ وما العلاقة بينهم وبين الأُصولية؟

ج : إنّ اصطلاح الاخباريين يطلق على جماعةٍ من علماء الشيعة ، كانوا يرون طريق الاجتهاد المألوف عند الأُصوليين مغلقاً ، ويجب العمل فقط مطابقاً للنصوص الروائية الموجودة ، وعلى الأخصّ الكتب الأربعة ، من حيث أنّها صحيحة السند بأكملها ، ويتفرّع على هذا المبنى حكمهم بالاحتياط في الشبهات الحكمية التحريمية ، كشرب التبغ وغيره.

نعم ، الاختلاف بين الأُصوليين والإخباريين اختلاف في المباني الفقهية والأُصولية ، وليس اختلافاً في أُصول مباني المذهب.

( علاء علاونة - .... - .... )

الحركة البهائية حركة استعمارية :

س : الرجاء تزويدي بأيّ معلومات تخصّ الحركة البهائية ، ومعتقداتهم وطقوسهم ، وأيّ شيء يخصّ هذه الحركة ، وفّقكم اللّه.

ج : إنّ الحركة البهائية وقسيمها الأزلية وأصلهما البابية ، حركة استعمارية لا علاقة لها بالأديان السماوية ، ومنشؤها فكرة عشوائية صدرت من الخبط الحادث في عقل شخص يدعى سيّد علي محمّد - الذي سُمّي فيما بعد ب- « باب » - من تلامذة السيّد كاظم الرشتي نزيل كربلاء ، وقطب الشيخية آنذاك ، فاستغلّها الاستعمار الروسي أوّلاً ، والبريطاني ثانياً لتحقّق مآربها ، فألقوها في أحضان الصهيونية بالمآل ، وهذا ممّا يشهد التاريخ به.

ثم إنّ هذه الحركة تشعّبت بعد الباب إلى فرقتين رئيسيّتين : البهائية والأزلية - تسميةً لألقاب مزعومة لدى قطبيها : بهاء اللّه وصبح أزل - وبما أنّ البهائية

ص: 529

تحالفت مع الاستعمار البريطاني ، وأبدت استعدادها في العمالة والتجسّس أكثر من الأزلية ، تبنّاها البريطانيون وبعدهم الأمريكان والصهاينة ، ولم يبق ذكر من الأزلية إلاّ القليل في جزيرة قبرص ، وعلى العكس تماماً انتشرت البهائية بدعم من الاستعمار ، حتّى أنّها حازت على إجازة تأسيس مركز رئيسي لها في حيفا في فلسطين ، بإذن من سلطات الاحتلال البريطاني في وقته.

وأمّا العقائد والأحكام عندهم ، فهي تختلف باختلاف أذواق ولاتهم ، فمثلاً أنّ « بهاء » قد نسخ جملة من أحكام « باب » للتسهيل.

وعلى الجملة ، لا نجد أثراً استدلالياً لهم في العقائد ، وأمّا في الأحكام فقد أخذوا فيها شطراً من الأديان السماوية ، وخلطوها بآرائهم ريثما يظهروها على البسطاء ، بأنّها من جعل السماء!!

وأمّا كتبهم المقدّسة فهي في الواقع كتابات شخصية ، لم يوجد فيها أيّ جهة إعجاز ، أو إشارة بأنّها متلقّاة من الوحي ، وهي مشحونة بالأغلاط الأدبية والعلمية - كما يراها ذوو الاختصاص -.

وبالجملة : فهذه الحركة حركة مفتعلة ، لا نصيب لها من الواقع ، ولا تستحقّ الخوض في التحقيق عنها بأكثر من هذا.

( محمّد إبراهيم الإبراهيم - الكويت - .... )

الدولة الفاطمية كانت إسماعيلية :

س : عندي عدّة أسئلة عن الدولة الفاطمية ، وهي :

1 - هل الدولة الفاطمية شرعية؟

2 - هل فعلاً وقع العلويين عن نسب المهدي؟

هذا النصّ : ولم يستطع الخليفة العباسي المقتدر باللّه أن يدفع قيامها ، وكُلّ ما فعله أنّه أصدر منشوراً بالطعن في نسب المهدي ، وقّعه وجهاء الهاشميين بما فيهم العلويون؟

ص: 530

3 - هل كانت الدولة الفاطمية تنشر علوم أهل البيت أم لا؟ ولماذا يحاربونها السنّة؟

4 - هل فعلاً استعانت الدولة الفاطمية باليهود؟ ونسألكم الدعاء.

ج : إنّ الدولة الفاطمية كانت على المذهب الإسماعيلي ، والمذهب الإسماعيلي له خلافات جذرية مع الإمامية ، وإن كانت لها بعض المشتركات مع الإمامية.

والخليفة العباسي - كما ورد في التاريخ وثبت عند المحقّقين - عمل عريضة طويلة في القدح بنسب الفاطميين ، أجبر العلماء على التوقيع فيها ، وأكّد على علماء الإمامية بما فيهم الأشراف والسادة منهم ، وأجبرهم على التوقيع ، وهدّد مَن لم يوقّع في هذه العريضة ، ومع هذا فإنّ الشيخ المفيد قدس سره لم يرد اسمه فيمن وقّع ، وكذلك الكثير من زعماء الإمامية ممّن امتنع من التوقيع.

والدولة الفاطمية وإن كانت إسماعيلية ، إلاّ أنّ لها مشتركات مع الإمامية ، لذا ما قامت به من نشر أحاديث أهل البيت عليهم السلام ينصبّ نفعه على الإمامية أيضاً ، ولم يثبت عن الدولة الفاطمية أنّها استعانت باليهود ، وإنّما هي افتراءات وجّهها النواصب إليهم للطعن بهم.

وفي الختام : نودّ أن ننبّه على أنّ ما ذكره التاريخ والمؤرّخون عن الدولة الفاطمية الكثير منه غير صحيح ، وإنّما هي أكاذيب افتعلتها الأيدي الأثيمة للطعن بالدولة الفاطمية ، وإن كنّا لا ننزّه الدولة الفاطمية أيضاً من بعض الانحرافات.

( أياد - السعودية - .... )

عقائد الدروز :

س : هل تعتبر الطائفة الدرزية من الطوائف الإسلامية؟ وما هي عقائدهم؟

ص: 531

ج : اختلفت الآراء والأبحاث حول الطائفة الدرزية ، ننقل لكم بعض الآراء حول عقائدهم :

1 - ما ورد في دائرة المعارف البستانية : « وإيمان الدروز أنّ اللّه واحد أحد ، لا بداءة له ولا نهاية ، وأنّ النفوس مخلّدة تتقمّص بالأجساد البشرية - التناسخ - ولابدّ لها من ثواب وعقاب يوم المعاد بحسب أفعالها ... ، وعندهم للوصية نفوذ تام ، فإنّ الإنسان مختار أنّ يوصي قبل موته بأملاكه لمن يشاء ، قريباً كان أم غريباً ... » (1).

2 - ما ورد في دائرة المعارف المصرية : « من معتقداتهم أنّ الحاكم بأمر اللّه هو اللّه نفسه ، وقد ظهر على الأرض عشر مرّات ... ، ويعتقدون أنّ إبليس ظهر في جسم آدم ، ثمّ نوح ثمّ إبراهيم ثمّ موسى ثمّ عيسى ثمّ محمّد ... ، ويعتقدون بأنّ عدد الأرواح محدود ، فالروح التي تخرج من جسد الميت تعود إلى الدنيا في جسد طفل جديد ... ، ويعتقدون بالإنجيل ، فيختارون منها ما يستطيعون تأويله ، ويتركون ما عداه ... ، ويعتقدون أنّ الحاكم بأمر اللّه تجلّى لهم في أوّل سنة 408 ه- ، فأسقط عنهم التكاليف من صلاة وصيام ، وزكاة وحجّ وجهاد ، وولاية وشهادة ... ».

3 - ما ورد في دائرة المعارف الإسلامية : « وقد قام مذهب الإسماعيلية على فكرة أنّ اللّه قد تجسّد في الإنسان في جميع الأزمان ، وهم يتصوّرون أنّ اللّه ذاته أو على الأقلّ القوّة الخالقة ، تتكوّن من مبادئ متكثّرة ، يصدر الواحد منها عن الآخر ، ويتجسّد كُلّ مبدأ من هذه المبادئ في الإنسان ، وقد احتفظت العقيدة الدرزية بهذا المذهب.

فالخليفة الحاكم - وفقاً لهذه العقيدة - يمثّل اللّه في وحدانيته ... ، ومعرفة ذات اللّه وصفاته وتجلياته في سلسلة المبادئ المتجسّدة في الأئمّة هي عقائد هذا المذهب ... » (2).

ص: 532


1- دائرة المعارف 7 / 675.
2- دائرة المعارف الإسلامية 9 / 217.

4 - ما ورد في موسوعة الأديان في العالم : « كان الموحّدون الدروز منذ نشأة مذهبهم في مطلع القرن الخامس للهجرة محترسين في كتمانه ، مشيحين عن إعلانه ، صيانة لأنفسهم من الاضطهاد ، ووقاية لها من العدوان في ذلك الزمان ، هذه الفرقة المتفرّعة من الشيعة ، كانت عرضة لنقمة الشيعة والسنّة على السواء ... »(1).

عقيدة التجلّي الإلهي في الدرزية ، هي أجلّ العقائد وأشرفها ...(2).

إنّ موقف الدروز المعاصرين من الإسلام والمسلمين لمثير للدهشة والغرابة ، فالكتب الدرزية المعاصرة مشحونة بالمغالطات حول هذا الموضوع ، إنّ الدروز لا يفتأون يعلنون انتماءهم إلى الإسلام ويفاخرون بذلك ، وفي ثنايا الكتب الدرزية المعاصرة محاولات كثيرة لتبرئة الدروز من تهمة المروق عن الإسلام ، وذلك تبعاً لمبدأ التقية(3).

5 - ما ورد في كتاب « الموحدّون الدروز في الإسلام » لمؤلّفه الشيخ مرسل نصر ، رئيس المحكمة الاستئنافية الدرزية العليا في لبنان : « إنّ الموحّدين الدروز انطلاقاً من إيمانهم بالإسلام ديناً ، وبمحمّد صلى اللّه عليه وآله رسولاً ، يشهدون أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، ويقرّون بوجوب الصلاة والصيام ، والزكاة والحجّ ، والجهاد والولاية » (4).

وبعد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم السؤال الآتي : ما هي الفوارق بين مذهب التوحيد وبقية المذاهب الإسلامية؟ فالجواب : على ذلك أن ثمّة فوارق عدّة ، وهي :

1 - اعتماد الزوجة الواحدة.

ص: 533


1- موسوعة الأديان في العالم / الدروز الموحدون : 29.
2- المصدر السابق : 33.
3- المصدر السابق : 134.
4- الموحدون الدروز : 33.

2 - عدم إعادة المطلّقة.

3 - حرية الإيصاء.

4 - التقمّص اجتهاداً(1).

هذه بعض الأقوال عن الطائفة الدرزية من المؤيّدين والنافين ، واللّه العالم بحقائق الأُمور.

( خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي )

تعقيب على الجواب السابق :

لديّ تعليق بسيط حول الطائفة الدرزية إذا سمحتم :

يقول العلاّمة الشيخ محمّد جواد مغنية قدس سره في كتابه نفحات محمّدية : « وسُئلت أكثر من مرّة : هل الدروز مسلمين؟ وكان جوابي : أنّ أهل الإسلام هم القوم الذين يدينون به ، أي إسلام القرآن وسنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهم الذين يحجّون إلى الكعبة ، ويزورون الروضة المحمّدية ، ويصلّون إلى القبلة ، ويعلنون من على المآذن الشهادة لله بالوحدانية ، ولمحمّد بالرسالة ، ويصومون رمضان ، ويأتون الزكاة ، ويدرسون القرآن والسنّة النبوية ....

والدروز لا يلتزمون بشعائر الإسلام ، التي أشرنا إليها كما يفعل السنّة والشيعة ، ولا يعلنون ما يدينون ، نقول هذا مع الاحترام لعقيدتهم الدينية ، ولغيرتهم الإنسانية ، وأخلاقهم العالية ، ومع الاعتراف بشهامتهم وشجاعتهم » (2).

وأظن أنّ الشيخ قدس سره أعلم بعقيدة الدروز ، نظراً لتواجدهم بكثرة في لبنان ، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.

ص: 534


1- المصدر السابق : 51.
2- نفحات محمّدية : 123.

( زهير - ... - ..... )

عقائد الأشاعرة :

س : من هم الأشاعرة؟ وما هي أهمّ عقائدهم في الاختلاف مع الأُمّة الإسلامية؟

ج : هم أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري البصري ، ومن عقائدهم : أنّ صفات الباري تعالى - كعلمه وحكمته وقدرته وحياته - هي أشياء زائدة على ذاته سبحانه ، وهي أيضاً قديمة ، كذاته جلّ وعلا ، فحينئذٍ يلزم تعدّد القديم ، وهو شرك ، وهذا الشرك يسمّى شرك الصفات.

وإنّ أبا الحسن الأشعري كان تلميذاً لأبي علي الجبّائي من شيوخ المعتزلة ، ثمّ أعرض عنه ، وانحاز إلى الكلابية - أصحاب عبد اللّه بن سعيد الكلابي - وأختار مذهبه في إثبات الصفات ، وإثبات القدر خيره وشرّه من اللّه تعالى ، وأبطل القول بتحسين العقل وتقبيحه ، لأنّ العقل لا يوجب المعارف بل السمع ، وأنّ المعارف تحصل بالعقل وتجب بالسمع ، ولا يجب على اللّه شيء بالعقل ، والنبوّات من الجائزات العقلية والواجبات السمعية ، وأكثر أهل السنّة اليوم على هذا المذهب.

والأشاعرة يكفّرون المعتزلة ، والمعتزلة يكفّرون الأشاعرة ، لقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « القدرية مجوس هذه الأُمّة » (1) ، فالمعتزلة يقولون : القدرية هم الأشاعرة ، والأشاعرة يقولون : القدرية هم المعتزلة.

( علي الشهراني - البحرين - 23 سنة - طالب )

تقسيم العلماء إلى إخباريين وأُصوليين لا يثير الفتنة :

س : تقولون : إنّ نعمة اللّه الجزائري ، والسيّد هاشم البحراني ، والشيخ النوري كلّهم إخباريون وليسوا أُصوليين ، ما الذي تقصدون؟ هل هم على

ص: 535


1- سنن أبي داود 2 / 410 ، المستدرك 1 / 85 ، السنن الكبرى للبيهقي 10 / 203 ، كتاب السنّة : 149.

خطأ؟ لماذا تثيرون الفتنة والحسّاسية : هذا إخباري وهذا أُصولي؟ أنا لا أعتقد من المراجع يقبل هذا.

ج : العلماء سواء كانوا من الإخباريين أو الأُصوليين فكُلّهم من علماء الطائفة الحقّة ، نحترمهم وهم قدوتنا ، رضوان اللّه عليهم ، حتّى أنّ مدير مركز الأبحاث العقائدية سماحة الشيخ فارس الحسون ( رحمه اللّه ) ألّف كتاباً مختصّاً بحياة السيّد هاشم البحراني ، وهو كتاب قيّم فيه دراسة معمّقة عن هذا العالم الجليل.

ولكن الأمر اختلط عليكم ، وذلك لعدم معرفتكم بمباني الطرفين ، إذ الإخباريون يقولون بصحّة كُلّ الكتب الأربعة وغيرها من كتب الحديث لقدامى الأصحاب ، بينما الأُصوليون لا يقولون بهذا ، ويجرون قواعد الجرح والتعديل عل كُلّ الأحاديث.

وبما أنّ المشهور من العلماء هم الأُصوليون ، فما يحتجّ به علينا من روايات نناقش سندها ، ولا نقول بقول الإخباريين بأن كُلّ أحاديث الكتب الأربعة صحيحة.

( علي الشهراني - البحرين - 23 سنة - طالب )

تعقيب على الجواب السابق :

لعلّكم متفهّمين وضعي ، كما تعرفون كُلّ الفقهاء في البحرين إخباريين ، وآخرهم الشيخ محمّد أمين زين الدين قدس سره ، كما نحترمهم نحن في البحرين ، كما نحترم الأُصوليين ، إلاّ أنّ هناك اختلاف كما أشرتم ، وهذا بين الفقهاء ، هم يحدّدون هذه الرواية صح أم خطأ كما قلتم.

أرجو السماح على تعبيري إن كان حادّاً ، أنا أحترمكم وأثق بكم بكُلّ ما تقولون ، ولكن كما يفهم منكم هناك تهجّم على الإخباريين.

ص: 536

( هشام محمود - مصر - .... )

طرق الصوفية ممتزجة بين الحقّ والباطل :

س : الإخوة الأفاضل : ما هو قولكم في طرق الصوفية : مثل العزمية والخليلية و... ، وكُلّ منهم يقول أنّه إمام العصر؟ أرجو الردّ ، وجزاكم اللّه خيراً.

ج : إنّ أكثر طرق الصوفية هي من اختراعات البشر ، ولم يرد في الشرع ما ينصّ على هذه الطرق ، فهي طرق ممتزجة بين الحقّ والباطل ، بين الأذكار الحقّة وبين الإتيان بها بطريقة ما أنزل اللّه بها من سلطان ، وعليه فإنّ علينا البحث فيها ، فما وافق النصّ منها يؤخذ به ، وما خالف النصّ والدليل يترك.

( هداية - السعودية - .... )

الفوارق والمشتركات بين الشيعة والمعتزلة :

س : ما هي الفوارق والمشتركات الكلامية بين الشيعة والمعتزلة؟

ج : لا يخفى عليكم أنّ الفروق والمشتركات بين الشيعة والمعتزلة كثيرة ، وقد ذكر الشيخ المفيد قدس سره في كتابه « أوائل المقالات » تلك الفروقات الكلامية ، ونحن نذكر بعضها للاختصار ، وهي :

1 - القول بالإمامة :

اتفق أهل الإمامة على أنّه لابدّ في كُلّ زمان من إمام موجود ، يحتجّ اللّه عزّ وجلّ به على عباده المكلّفين ، ويكون بوجوده تمام المصلحة في الدين ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

واتفقت الإمامية على أنّ إمام الدين لا يكون إلاّ معصوماً من الخلاف لله تعالى ، عالماً بجميع علوم الدين ، كاملاً في الفضل ، بايناً من الكُلّ بالفضل عليهم في الأعمال التي يستحقّ بها النعيم المقيم ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

واتفقت الإمامية على أنّ الإمامة لا تثبت مع عدم المعجز لصاحبها ، إلاّ بالنصّ على عينه والتوقيف ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

ص: 537

واتفقت الإمامية على أنّ الإمامة بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله في بني هاشم خاصّة ، ثمّ في علي والحسن والحسين عليهم السلام ، ومن بعد في ولد الحسين عليهم السلام دون ولد الحسن إلى آخر العالم ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

واتفقت الإمامية على أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله استخلف أمير المؤمنين عليه السلام في حياته ، ونصّ عليه بالإمامة بعد وفاته ، وأنّ من دفع ذلك فقد دفع فرضاً من الدين ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

واتفقت الإمامية على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله نص على إمامة الحسن والحسين بعد أمير المؤمنين عليه السلام ، وأنّ أمير المؤمنين أيضاً نص عليهما كما نص الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

واتفقت الإمامية على أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نصّ على علي بن الحسين عليه السلام ، وأنّ أباه وجدّه نصّاً عليه كما نصّ عليه الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وأنّه كان بذلك إماماً للمؤمنين ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك(1).

2 - القول في محاربي أمير المؤمنين عليه السلام :

واتفقت الإمامية ... على أنّ الناكثين والقاسطين من أهل البصرة والشام أجمعين كفّار ضلال ، ملعونون بحربهم أمير المؤمنين عليه السلام ، وأنّهم بذلك في النار مخلّدون ، وأجمعت المعتزلة سوى الغزّال منهم وابن باب ... ، على خلاف ذلك.

واتفقت الإمامية ... على أنّ الخوارج على أمير المؤمنين عليه السلام المارقين عن الدين ، كفّار بخروجهم عليه ، وأنّهم في النار بذلك مخلّدون ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك(2).

ص: 538


1- أوائل المقالات : 29.
2- المصدر السابق : 42.

3 - القول في أنّ العقل لا ينفكّ عن سمع ، وأنّ التكليف لا يصحّ إلاّ بالرسل عليهم السلام :

واتفقت الإمامية على أنّ العقل محتاج في علمه ونتائجه إلى السمع ، وأنّه غير منفكّ عن سمع ينبّه العاقل على كيفية الاستدلال ، وأنّه لابدّ في أوّل التكليف وابتدائه في العالم من رسول ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

4 - القول في الفرق بين الرسل والأنبياء عليهم السلام :

واتفقت الإمامية على أنّ كُلّ رسول فهو نبيّ ، وليس كُلّ نبيّ فهو رسول ، وقد كان من أنبياء اللّه عزّ وجلّ حفظة لشرائع الرسل وخلفائهم في المقام ... ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

5 - القول في آباء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأُمّه وعمّه أبي طالب عليه السلام.

واتفقت الإمامية على أنّ آباء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من لدن آدم إلى عبد اللّه بن عبد المطلب مؤمنون باللّه عزّ وجلّ موحّدون له ....

وأجمعوا على أنّ عمّه أبا طالب رض اللّه عنه مات مؤمناً ، وأنّ آمنة بنت وهب كانت على التوحيد ، وأنّها تحشر في جملة المؤمنين ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

6 - القول في الرجعة والبداء وتأليف القرآن :

واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة ، وإنّ كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف.

واتفقوا على إطلاق لفظ « البداء » في وصف اللّه تعالى ، وأنّ ذلك من جهة السمع دون القياس.

واتفقوا على أنّ أئمّة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن ، وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

7 - القول في الوعيد :

واتفقت الإمامية على أنّ الوعيد بالخلود في النار متوجّه إلى الكفّار خاصّة ، دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة باللّه تعالى ، والإقرار بفرائضه من أهل الصلاة ... ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

ص: 539

واتفقت الإمامية على أنّ من عذّب بذنبه من أهل الإقرار والمعرفة والصلاة ، لم يخلّد في العذاب ، وأخرج من النار إلى الجنّة ، فينعم فيها على الدوام ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

8 - القول في الشفاعة :

واتفقت الإمامية على أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يشفع يوم القيامة ، لجماعة من مرتكبي الكبائر من أُمّته ، وأنّ أمير المؤمنين عليه السلام يشفع في أصحاب الذنوب من شيعته ، وأنّ أئمّة آل محمّد عليهم السلام يشفعون كذلك ، وينجي اللّه بشفاعتهم كثيراً من الخاطئين ... وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

9 - القول في الأسماء والأحكام :

واتفقت الإمامية على أنّ مرتكب الكبائر من أهل المعرفة والإقرار لا يخرج بذلك عن الإسلام ، وأنّه مسلم ، وإن كان فاسقاً بما فعله من الكبائر والآثام ... وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

10 - القول في الإسلام والإيمان :

واتفقت الإمامية على أنّ الإسلام غير الإيمان ، وأنّ كُلّ مؤمن فهو مسلم ، وليس كُلّ مسلم مؤمناً ، وأنّ الفرق بين هذين المعنيين في الدين كما كان في اللسان ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

11 - القول في التوبة وقبولها :

واتفقت الإمامية على أنّ قبول التوبة تفضّل من اللّه عزّ وجلّ ، وليس بواجب في العقول إسقاطها ... وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

12 - القول في أصحاب البدع ، وما يستحقّون عليه من الأسماء والأحكام :

واتفقت الإمامية على أنّ أصحاب البدع كُلّهم كفّار ، وأنّ على الإمام أن يستتيبهم عند التمكّن بعد الدعوة لهم ، وإقامة البينات عليهم ، فإنّ تابوا عن بدعهم وصاروا إلى الصواب ، وإلاّ قتلهم لردّتهم عن الإيمان ، وأن من مات منهم على تلك البدعة فهو من أهل النار ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

ص: 540

13 - القول في المفاضلة بين الأنبياء والملائكة عليهم السلام :

واتفقت الإمامية على أنّ أنبياء اللّه عزّ وجلّ ورسله من البشر أفضل من الملائكة ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

وأمّا المشتركات بين الشيعة والمعتزلة ، فمنها :

1 - القول في التوحيد :

إنّ اللّه عزّ وجلّ واحد في الإلهية والأزلية لا يشبهه شيء ، ولا يجوز أن يماثله شيء ، وأنّه فرد في المعبودية لا ثاني له فيها على الوجوه كُلّها والأسباب ... ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول.

2 - القول في الصفات :

إنّ اللّه عزّ وجلّ حيّ لنفسه لا بحياة ، وأنّه قادر لنفسه وعالم لنفسه ... ، وإنّ كلام اللّه تعالى محدث ... ، وإنّ القرآن كلام اللّه ووحيه ، وأنّه محدث كما وصفه اللّه تعالى ، وامنع من إطلاق القول عليه بأنّه مخلوق ... ، وإنّ اللّه تعالى مريد من جهة السمع والاتباع والتسليم ... ، وإنّ إرادة اللّه تعالى لأفعاله هي نفس أفعاله ، وإرادته لأفعال خلقه أمره بالأفعال ... ، وإنّه لا يجوز تسمية الباري تعالى إلاّ بما سمّى به نفسه في كتابه ، أو على لسان نبيّه صلى اللّه عليه وآله ، أو سمّاه به حججه عليهم السلام من خلفاء نبيّه ، واتفقت المعتزلة البغداديون معنا في هذا القول.

3 - القول في وصف الباري تعالى بأنّه سميع بصير وراء ومدرك :

إنّ استحقاق القديم سبحانه لهذه الصفات كُلّها من جهة السمع دون القياس ودلائل العقول ، وإنّ المعنى في جميعها العلم خاصّة ، دون ما زاد عليه في المعنى ، إذ ما زاد عليه في معقولنا ومعنى لغتنا هو الحسّ ، وذلك ممّا يستحيل على القديم ... ، واتفقت المعتزلة البغداديون معنا في هذا القول.

4 - القول في وصف الباري تعالى بالقدرة على العدل وخلافه ، وما علم كونه وما علم أنّه لا يكون :

ص: 541

إنّ اللّه عزّ وجلّ قادر على خلاف العدل ، كما أنّه قادر على العدل ، إلاّ أنّه لا يفعل جوراً ولا ظلماً ولا قبيحاً ... ، وإنّه سبحانه قادر على ما علم أنّه لا يكون ، ممّا لا يستحيل كاجتماع الأضداد ونحو ذلك من المحال ... ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول.

5 - القول في نفي الرؤية على اللّه تعالى بالأبصار :

إنّه لا يصحّ رؤية الباري سبحانه بالأبصار ... ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول.

6 - القول في العدل والخلق :

إنّ اللّه عزّ وجلّ عدل كريم ، خلق الخلق لعبادته ، وأمرهم بطاعته ، ونهاهم عن معصيته ، وعمّهم بهدايته ، بدأهم بالنعم ، وتفضّل عليهم بالإحسان ، لم يكلّف أحداً إلاّ دون الطاقة ، ولم يأمره إلاّ بما جعل له عليه الاستطاعة ... ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول.

7 - القول في كراهة إطلاق لفظ « خالق » على أحد من العباد :

إنّ الخلق يفعلون ويحدثون ويخترعون ، ويصنعون ويكتسبون ، ولا أطلق القول عليهم بأنّهم يخلقون ، ولا أقول أنّهم خالقون ، ولا أتعدى ذكر ذلك فيما ذكر اللّه تعالى ، ولا أتجاوز به مواضعه من القرآن ، واتفقت المعتزلة البغداديون معنا في هذا القول.

8 - القول في اللطف والأصلح :

إنّ اللّه تعالى لا يفعل بعباده ماداموا مكلّفين ، إلاّ أصلح الأشياء لهم في دينهم ودنياهم ، وإنّه لا يدّخرهم صلاحاً ولا نفعاً ، وإنّ من أغناه فقد فعل به الأصلح في التدبير ، وكذلك من أفقره ومن أصحه ومن أمرضه فالقول فيه كذلك ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول(1).

ص: 542


1- المصدر السابق : 59.

( مصطفى البحراني - عمان - 25 سنة - طالب ثانوية )

الفرق بين الأُصولية والإخبارية والشيخية :

س : هل يوجد اختلاف في العقائد بين الفرق الشيعية الاثني عشرية الإمامية الجعفرية « الأُصولية ، الإخبارية ، الشيخية »؟ وإذا كان هناك اختلاف فما هو؟ وبماذا يستدلّ كُلّ في معتقده إذا كان هناك اختلاف؟

ج : يوجد هناك فروق بين الطرق والمسالك التي ذكرتموها - بعد اتفاقهم على أُسّس المذهب من الإمامية وغيرها - فالأُصولية تعتقد بحجّية الاجتهاد في الرأي داخل نطاق الروايات ، والإخبارية تخالفهم وتسدّ باب الاجتهاد لكي تعمل بروايات الكتب الأربعة ، إذ تراها صحيحة السند بأكملها ، ومن هنا يظهر الفرق بين الفقهين الأُصولي والإخباري ، ففي الشبهة الحكمية التحريمية يتشدّد الإخباري ، ويحكم بالاحتياط ، بينما يرى الأُصولي أنّها مجرى قاعدة البراءة.

وأمّا الشيخية - أتباع الشيخ أحمد الأحسائي - يرون أنّ أُصول الدين تبتني على أربع أُسّس : التوحيد والنبوّة والإمامة والركن الرابع.

وهذا اعتقادهم بالركن الرابع هو الفارق الرئيسي بينهم وبين غيرهم من الطوائف الأُخرى ، فهم يعتقدون بأنّ الإنسان الكامل في كُلّ عصر في زمان الغيبة هو الوسيط بين الحجّة عليه السلام والشيعة ، ومن جهة أُخرى يرون أنّ الغيبة هي بمعنى غياب الإمام عليه السلام من عالمنا اليوم وانتقاله إلى عالم المثال ، وعليه فلا مناص من حجّية رأي الركن الرابع بتمام الكلمة ، فطاعته طاعة الإمام عليه السلام.

وأيضاً لهم كلام في المعاد الجسماني ، فيعتقدون بعدم إعادة هذا الجسم الدنيوي في النشأة الآخرة ، هذا مجمل الاختلاف بين هذه الطوائف ، ولكُلّ منهم دلائل - بين الصحيح والسقيم - لا مجال للبحث والأخذ والردّ فيها بهذه العجالة ، فليراجع في مظانّها.

ص: 543

( علي نزار - الكويت - 23 سنة - طالب كُلّية الدراسات التجارية )

الفرق بين المعتزلة والأشاعرة :

س : أُريد أن أعرف من هم المعتزلة والأشاعرة؟

ج : تنقسم السنّة - في مقابل الشيعة - من جهة الفقه والأحكام إلى مذاهب أربعة ، وهي الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية.

وتنقسم السنّة من جهة العقائد والكلام إلى معتزلة وأشاعرة.

فالمعتزلة : فرقة من فرق السنّة ، ظهرت في أوائل القرن الثاني ، وسلكت منهجاً عقلياً في بحث العقائد الإسلامية ، ومؤسّسها واصل بن عطاء الغزال ، المتوفّى 131 ه.

وقيل : سمّيت بالمعتزلة لأنّ واصل من تلامذة التابعي الحسن البصري اعتزل عن أُستاذه.

ثمّ أنّ المعتزلة قد افترقوا إلى ما يقارب اثنتين وعشرين فرقة ، منها : الواصلية ، النظامية ، الهشامية ، الصالحية ، الجبائية ، الحمارية.

وكُلّ فرق المعتزلة تجمع على أُمور يسمّونها الأُصول الخمسة ، وهي : التوحيد ، العدل ، الوعد والوعيد ، المنزلة بين المنزلتين ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وأمّا الأشاعرة : فهي فرقة من فرق السنّة ، ظهرت في أواخر القرن الثالث - أو في بدايات القرن الرابع - وسلكت منهجاً نقلياً وعقلياً في بحث العقائد الإسلامية ، ومؤسّسها أبو الحسن الأشعري ، المتوفّى 324 ه.

وكان الأشعري شافعي المذهب ، وكان تلميذاً متحمّساً للجبائي الفقيه المعتزلي ، ثمّ انفصل عن أُستاذه ، وسلك طريقه الخاصّ.

ص: 544

وكانت الحنفية تؤثر رأي الماتردي الذي عاصر الأشعري ، وكان يخالفه في بعض مسائل الفروع ، واستمسك الحنابلة بآراء السلف ، وظلّوا خصوماً لمذهب الأشعري(1).

( حسين قرقور - البحرين - 30 سنة - مهندس معماري )

معنى المرجئة :

س : أرجو منكم التكرّم بشرح موجز عن معنى المرجئة ، وشكراً.

ج : المرجئة لغة : من أرجيت الشيء وأرجأته إذا أنت أخَّرته ، ومنه قول اللّه تعالى : ( تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ ) (2) ، وإنّما سُمّوا بذلك لأنّهم زعموا أنَّ الإيمان قول ، وأرجئوا العمل : أي قدّموا الإيمان على العمل.

أو : هم يعتقدون بأنّه لا يضرّ مع الإيمان معصية ، كما أنّه لا ينفع مع الكفر طاعة.

سُمّوا مرجئة لاعتقادهم أنّ اللّه أرجأ تعذيبهم على المعاصي : أي أخَّره عنهم.

فاصطلاح الإرجاء : إمّا أن يكون مأخوذاً من التأخير ، وإمّا أن يكون مأخوذاً من الرجاء ، أي الأمل.

( جعفر سلمان عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

الديانة الأحمدية وعقائدها :

س : ما هي الديانة الأحمدية؟

ج : الأحمدية : فرقة تنسب إلى الميرزا غلام أحمد القادياني ، يرجع نسبه إلى تيمور الكوركاني ، كانوا يسيطرون على ولاية كش من بلاد ما وراء النهر ،

ص: 545


1- دائرة المعارف الإسلامية 2 / 219.
2- الأحزاب : 51.

ثمّ هاجروا إلى خراسان ثمّ إلى الهند ، وسكنت منطقة نهر بياس ، وقام عميد الأُسرة بتشييد قرية سمّاها اسلامبول بالقرب من النهر.

ولد غلام أحمد في سنة 1255 ه- - 1839 م ، ودرس العلوم الإسلامية ، وبعد أن أكمل الدراسة الدينية دخل في خدمة الحكومة الإنجليزية ، وعمل في خدمتها إلى سنة 1865 م ، ثمّ اعتزل الخدمة وأختار العزلة في مسقط رأسه قاديان ، وفي سنة 1880 م أصدر كتابه الديني « البراهين الأحمدية » ، وهو في الأربعينيات من عمره.

وعندما ناهز الخمسين بشّر بنفسه ، وزعم أنّه يوحى إليه ، كما أدّعى أنّه مأذون بقبول البيعة ، وفي سنة 1904 م أطلق على نفسه المسيح والمهدي الموعود ، وكان يقول : إنّ المسيح لم يصلب ، وإنّما فرّ من أعدائه ، وسافر إلى الهند ، وأقام في كشمير ، وأنبرى لتعليم الإنجيل ، وعمّر مائة وعشرين سنة ثمّ مات ، ودفن في سري تكر ، ومرقده معروف « يوذاسف ».

توفّي غلام أحمد سنة 1326 ه- - 1908 م ، فانتخب أتباعه شخصاً يدعى مولوي نور الدين ، وبعد فترة انتخبوا نجله الميرزا بشير الدين محمود بصفته خليفة المسيح الثاني ، حكم هذا أربعين سنة ، وأضفى على المذهب أُمور أُخرى جديدة.

أمّا عقائدهم : فهم يفترقون عن المسلمين بثلاثة أُمور :

الأوّل : طبيعة المسيح ؛ فإنّ الأحمدية يؤمنون بأنّ المسيح لم يصلب ، ولكنّه مات في الظاهر فقط ، ودفن في قبر خرج منه بعد ذلك ، وهاجر إلى الهند ، وبالتحديد إلى كشمير ليعلّم الإنجيل ، ويقال : إنّه توفّي هناك بالغاً من العمر مائة وعشرين عاماً ، ودفن في سري تكر.

الثاني : المهدي ؛ حيث يعتقدون أنّ المهدي يتجسّد فيه المسيح والنبيّ في وقت واحد ، والاعتراف به من الإيمان.

ص: 546

الثالث : الجهاد ؛ فإنّ الأحمدية يؤمنون بأنّ الوظيفة الأُولى هي الدعوى إلى الإسلام والجهاد ، يجب أن لا يقوم على امتشاق الحسام ، بل يجب أن يقوم على وسائل سليمة.

يقول غلام أحمد : لا يجب أن يكون الجهاد في عصرنا بالحرب والسيف ، بل يجب أن يكون جهاداً يقوم به أتباع ذلك المذهب لنشر عقائدهم وتوسيعها بسلام وهدوء.

( عباس الشيخي - العراق - 28 سنة - ماجستير فيزياء - شيعي شيخي كرماني )

بحث موضوعي عن الشيخية :

س : من أين لكم هذه الافتراءت على الشيخية الكرمانية ، وما هو دليلكم الشرعي والعقلي على بطلان عقيدتهم ، وشكراً مسبقاً على الإجابة.

ج : سنذكر لكم بحثاً مفصّلاً حول الشيخية وعقائدهم , والذي حاولنا أن نلتزم فيه بالموضوعية الكاملة , ليكون مرجعاً إلى كُلّ من يريد معرفة حقيقة الأمر , فنقول :

الشيخية : فرقة من الشيعة الإمامية ظهرت في أواخر النصف الأوّل من القرن الثالث عشر الهجري - التاسع عشر الميلادي - وسمّيت بذلك نسبة إلى زعيمها الأوّل شيخ أحمد الأحسائي ، المتوفّى 1241 ه- - 1825 م ، وتسمّى بالكشفية أيضاً لما يصرّح به زعيمها من الكشف والإلهام ، أو لأنّ اللّه سبحانه قد كشف غطاء الجهل وعدم البصيرة في الدين عن بصائرهم ، كمّا تسمّى بالركنية أيضاً لقولها بالركن الرابع ، والشيعي الكامل ، واعتباره من أُصول الدين ، كما سيأتي ، وهذه الأفكار التي أدّت إلى حوادث نزعها بينها وبين الشيعة الأُصولية ، الذين أنكروا هذه المسائل.

وهذه المسائل التي طرحها الشيخ أحمد الأحسائي أدّت إلى البعض بتبنّيها ، وبالأخصّ تلميذه المقرّب السيّد كاظم الرشتي ، إذ بعد وفاة الشيخ أحمد عهد

ص: 547

إليه بالخلافة لأُستاذه ، أو بالركنية والمرجعية لأُمور الدين ، واستمر أمر هذه الفرقة متبنّياً لأراء الأحسائي ، وتلميذه السيّد الرشتي إلى أن حصل الافتراق بينهما بعد حسن جوهر ، وهكذا برزت إلى الوجود مدرستان ، مدرسة تبريز والمسمّاة بشيخية تبريز ، ومشيخة كرمان ، ووقع نازع بينهما.

وزعيم الشيخية التبريزية الآن عبد اللّه عبد الرسول الإحقاقي وموطنه الكويت ، وزعيم الشيخية الكرمانية الآن عبد الرضا خان الإبراهيمي ، وموطنه كرمان ، ولهم مركز واسع في العراق في البصرة ، وأكثرهم في منطقة التنّومة ، والمدينة ، وينوب عن الزعيم الخان السيّد علي الموسوي.

وقد بثّت هذه الطائفة بعض الآراء والأفكار التي أدّت إلى حدوث النزاع بينهم وبين الطرف الآخر ، وقد ذكروا عدّة فروق بينهم وبين الشيعة الأُصولية ، تزيد على ثلاثين فرقاً ، إلاّ أنّها في الحقيقة مسائل جزئية لا يمكن جعلها من الخصائص المكوّنة للفرقة الشيخية ، وأهمّ المسائل التي طُرحت ، وهي محلّ الخلاف بين الطرفين هي أربع : المعاد الجسماني ، والغلوّ والتفويض ، والمعراج ، والركن الرابع ، فإنّ هذه المسائل هي أهمّ نقاط الخلاف بين الشيخية وغيرهم.

وقد أدّت الأفكار التي طرحتها الشيخية إلى حصول نزاع شديد بينهم وبين خصومهم ، واتخاذ بعض المواقف من قبل ما تبنّونه من آراء وأفكار ، وعموماً فإنّ من يرجع إلى أفكار التي طرحها الجانبان الكرمانية والتبريزية يجدها تحتوي على أُمور غريبة ، لا تمتّ إلى الدين بصلة ؛ حيث جعلوا الفروع من الأُصول ، بل وأضافوا إلى الأُصول أشياء لم يقم عليها دليل قرآني أو روائي ، كمسألة الركن الرابع ، والتي جعلوها من أُصول الدين ، ومن لم يؤمن بها أو لم يعرفها ، فهو لم يعرف التوحيد ولا النبوّة ولا الإمامة.

وسندرس هذه النقاط الأربعة تباعاً ، ونطرح ما يؤمن به الشيخية فيها ، ثمّ التعقيب عليها بما أمكن.

ص: 548

النقطة الأُولى : المعاد الجسماني : يعتقد الشيعة الإمامية كما يعتقد سائر المسلمين أنّ اللّه عزّ وجلّ يعيد الخلائق ويحييهم بعد موتهم يوم القيامة للحساب والجزاء ، وأنّ المعاد هو الشخص بعينه وجسده وروحه لو رآه الرائي لقال : هذا فلان ، فهم ممّن يقول بإتيان المعادين الجسماني والروحاني.

لكن الشيخية قالوا : إنّ الجسم جسمان ، والجسد جسدان : جسد عنصري دنيوي ، وهو مخلوق من عناصر هذه الدنيا التي تحت فلك القمر ، وهذه تفنى ويلحق كُلّ شيء إلى أصله ويعود إليه ، فيعود ماؤه إلى الماء ، وهواؤه إلى الهواء ، وناره إلى النار ، وترابه إلى التراب ، ولا يرجع ولا يعود ; لأنّه كالثوب يلقى من الشخص.

والثاني : جسد أصلي من عناصر « هورقليا » ، وهو كامن في هذا المحسوس ، وهو مركّب من الروح فيقوم للحساب ، وهو الجسد الذي يتألّم ويتنعّم ، وهو الباقي وبه يدخل الجنّة والنار.

وهكذا تلميذه كاظم الرشتي كما ذكر ذلك في كتابه « دليل المتحرين : 79 » ، والشيخ حسن جوهر في كتابه « المخازن : 123 ».

فالشيخ الأحسائي وتلامذته من بعده ومن اتبعهم يؤمنون بأنّ هذا الجسد لا يرجع في الآخرة ، وإنّما هناك مادّة « هورقليا » هي التي تعاد يوم القيامة ، وهي التي تنعم بعد الموت ، فقال يتأكّل حتّى لا يبقى منه إلاّ الطينة ، فقد فسّرها الأحسائي ب- « الهورقليا » إلى المادّة الأصلية الباقية التي لا تُفنى.

وهذا الكلام خلاف ما عليه الشيعة الإمامية الأُصولية ، وكذلك فلاسفتهم ومتكلّميهم ، فهم يؤمنون بما نطقت به الشريعة الحقّة ، من أنّ المعاد للروح والجسد معاً ; لأنّ ذلك ما أخبر به الصادق الأمين ، وكُلّ أخباره حقّ لا ريب فيها.

وعليه ، فيكون منكر ذلك منكر لأمر متّفق عليه بين الشيعة ، ومسلّم عندهم ، لكن على أيّ حال لا يمكن القول بأنّ الشيخ أحمد الأحسائي ينكر المعاد الجسماني ، وإنّما هو وقع في خطأ في فهم المعاد الجسماني ، وبعد ورود

ص: 549

الإشكالات على مسألة المعاد الجسماني ، وإضافة إلى روايات الطينة وغيرها اخترع الشيخ أحمد للإنسان جسماً آخر سمّاه « هورقليا » ، وبيّن أنّه هو الجسم الحقيقي دون غيره ، وأنّه هو الذي يتألّم ويمرض وغير ذلك ، وأمّا هذا الجسم العنصري فلا قيمة له لا في ألم أو حسّ أو غير ذلك.

النقطة الثانية : المعراج النبوي : اتفق المسلمون عموماً على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله عرج إلى السماء ، وأُسري به من مكّة إلى المسجد الأقصى ، ومن هناك كان عروجه إلى السماء.

وقد اختلفوا في كيفية عروجه صلى اللّه عليه وآله إلى ربّه ، فهل كان بجسده وروحه معاً ، أم كان بروحه دون جسده؟ ذهب عموم المسلمين إلاّ ما شذّ منهم إلى أنّ عروجه كان بروحه وجسده معاً ، وأنّ ذلك من المعجزات الإلهية التي تثبت نبوّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وشذّ بعض إلى الذهاب بعروج روحه دون جسده فقط.

والشيعة الإمامية تؤمن بأنّ المعراج كان بالروح والجسد لقوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ) (1) ، فقد أطلق المعراج على الظاهر من النبيّ صلى اللّه عليه وآله وهو هيكله المادّي والروحي ، وأيضاً لكون المعراج معجزة من المعاجز ، فلذلك كان بروحه وجسده معاً ، هذا ما تعتقده الشيعة الإمامية الاثني عشرية.

وأمّا الشيخية فهم لا يعتقدون بالعروج الجسماني للنبي صلى اللّه عليه وآله ، وينكرون كون النبيّ صلى اللّه عليه وآله عرج بروحه وجسده المادّي الذي كان متلبّساً به ، وإنّما عرج بروحه وبمادّة.

قال الشيخ أحمد الأحسائي : « إنّ الصورة البشرية عند إرادة صعوده يجوز فيها احتمالان ، في الواقع هما سواء ، وفي الظاهر الأوّل أبعد من المعقول والآخر أقرب!!

ص: 550


1- الإسراء : 1.

فالأوّل : إنّ الصاعد كُلّما صعد ألقى منه عند كُلّ رتبة ما منها فيها ، مثلاً : إذا أراد تجاوز الهواء ألقى ما فيه من الهواء فيها ، وإذا أراد تجاوز كرة النار ألقى ما فيه منها فيها ، فإذا رجع أخذ ما له من كرة النار ، وإذا وصل الهواء أخذ ما له الهواء.

لا يقال على هذا : إنّ هذا قول بعروج الروح خاصّة ، من لأنّه إذا ألقى ما فيه عند كُلّ رتبة لم يصل منه إلاّ الروح؟

لأنا نقول : إنّا لو قلنا بذلك ، فالمراد بها إعراض ذلك ؛ ذوات تلك لو ألقاها بطلت بنيّته بالكُلّية ، فيجب أن لا يكون ذلك موتاً ; لأنّ القائلين بعروج الروح يقولون : إنّ بنيّته باقية لا تتفكّك ، وإنّما مرادنا أنّ الجسم بالنسبة إلى عالم الفساد يتلطّف إذا صعد إلى عالم الكون ، وإلاّ فهو على ما هو عليه من التجسّد والتخطيط.

والثاني : إنّ الصورة البشرية التي هي المقدار والتخطيط تابعة للجسم في لطافته وكثافته ، وإنّ الأجساد اللطيفة النورانية تكون بحكم الأرواح لا تزاحم فيها ولا تضايق ، ولهذا يبلغ المعصوم من مشرق الدنيا إلى مغربها في أقل من طرفة عين » (1).

وهو هنا أن حاول التقسيم واللف والدوران ، لكن رأيه واضح في أنّ العروج لم يكن بهذا الجسد الكثيف ; لأنّ صعود العناصر تقضي الخرق والالتئام.

ولذلك ردّ عليه الشيخ محمّد رضا الهمداني بقوله : « وقالت الشيخية بما هو لفظ الشيخ في رسالته المسمّاة بالقطيفية قال : أنّه لمّا أراد العروج ألقى في كُلّ كرة ما منها ، فألقى ترابه في التراب ، وماءه في الماء ، وهواءه في الهواء ، وناره في النار ، وكُلّ قبضة في تلك السماء ، ثمّ لما رجع أخذ من كُلّ كرة ما ألقى

ص: 551


1- الرسالة القطيفية ضمن كتاب جوامع الكلم 1 / 181.

فيها »(1) ، وقد خالف بذلك ما عليه الشيعة الإمامية ، من أن عروجه كان بهذا الجسم الكثيف ، وهو من معجزات النبوّة.

وأمّا مسألة الخرق والالتئام ، وأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله عند عروجه ألقى كُلّ ما فيه من هواء وماء وحرارة وتراب في فلكها السماوي المخصوص به ، فهو كلا غير صحيح.

وذلك : أوّلاً : إنّ نظرية الأفلاك ، وإنّ هناك أفلاك نارية ، وأفلاك مائية ، وأفلاك ترابية وغير ذلك غير صحيحة ، خصوصاً بعد ملاحظة أنّ الأفلاك تكتسب حرارتها من غيرها ، فهي غير نارية بالذات ، وإنّما النارية عارضة لها ، وكذلك المائية والهوائية.

ثانياً : إنّ نزع ذلك في حقيقته هو نزع للجسد ; لأنّه يؤمن أنّ الجسد مكوّن من هذه العناصر الأربع ، فإذا نزعها انتفت عنه وانتهت ».

النقطة الثالثة : الغلوّ : الدين الإسلامي دين سماوي ، مبنيّ على أُصول شرعية وعقلائية ، جاء موافقاً للفطرة وللذوق العقلائي ، وجاء هادياً الناس إلى أنّ يعتقدون بأُلوهية اللّه سبحانه وتعالى ، ولا يشركون به شيئاً ، فهو الموجد للكون وخالقه ، ومجري حركاته وسكناته ، وهو رازق من فيه ، ومحي كُلّ حيّ ، ومميت كُلّ ميّت ، وهو الذي يشفي ، وهو الذي يمرض ، وبمشيئته يحصل كُلّ شيء ، قال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ ) (2).

وبيّن أنّه القاهر فوق عباده فقال : ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ) (3) ، وبيّن أنّ كُلّ من في الأرض عبيده ، وكُلّ آتيه طوعاً أو كرهاً : ( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ) (4) ، وصوّر للإنسان أنّه هو الخالق له

ص: 552


1- هدية النملة إلى مرجع الملّة : 23.
2- الزخرف : 84.
3- الأنعام : 18.
4- مريم : 93.

ولكُلّ شيء فقال : ( وَاللّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) (1).

وقال مبيّناً خلق الإنسان وكيفية إنشائه : ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ) (2).

وقد ذمّ اللّه سبحانه وتعالى غلوّ المسيحيين في عيسى فقال : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الحقّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكُلّمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ) (3).

وبيّن اللّه سبحانه وتعالى أنّه المتفرّد بالعلم بالغيب فقال : ( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) (4) ، وقال : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ) (5).

وبيّن اللّه سبحانه وتعالى اختصاصه بالرزق والإحياء والإماتة والإمراض والاشفاء ، وغيرها ممّا هي من شؤون ربوبية اللّه سبحانه وتعالى ، والتي أكّدها أئمّة أهل البيت عليهم السلام بشكل واضح وصريح.

فقد ورد في الاحتجاج ردّاً على المفترين الغلاة ، قال فيه الإمام المهدي عليه السلام : « يا محمّد بن علي تعالى اللّه عزّ وجلّ عمّا يصفون ، سبحانه وبحمده ، ليس نحن شركاؤه في علمه ولا في قدرته ، بل لا يعلم الغيب غيره ، كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه : ( قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللّهُ ) (6) ، وأنا وجميع آبائي من الأوّلين : آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم

ص: 553


1- الصافات : 96.
2- السجدة : 7 - 9.
3- النساء : 171.
4- الأنعام : 59.
5- الجنّ 26 - 27.
6- النمل : 65.

من النبيين ، ومن الآخرين محمّد رسول اللّه وعلي بن أبي طالب وغيرهم ، ممّن مضى من الأئمّة عليهم السلام إلى مبلغ أيّامي ومنتهى عصري عبيد اللّه عزّ وجلّ ، يقول اللّه عزّ وجلّ : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ له مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ) (1).

يا محمّد بن علي آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم ، ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه ، فأشهد اللّه الذي لا إله إلاّ هو وكفى به شهيداً ، ورسوله محمّد صلى اللّه عليه وآله وملائكته وأنبياؤه وأوّلياؤه عليهم السلام ، وأشهدك وأشهد كُلّ من سمع كتابي هذا أنّي بريء إلى اللّه وإلى رسوله ممّن يقول : إنّا نعلم الغيب ، ونشاركه في ملكه ، أو يحلّنا محلاً سوى المحلّ الذي رضيه اللّه لنا وخلقنا له ، أو يتعدّى بنا عمّا قد فسّرته لك وبيّنته في صدر كتابي.

وأشهدكم ؛ أنّ كُلّ من نبرأ منه ، فإنّ اللّه يبرأ منه وملائكته ورسله وأوّلياؤه ، وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانة في عنقك ... »(2).

فعقيدة الإسلام والمتمثّلة بأهل البيت عليه السلام واضحة المعالم محدودة الأُصول والأطراف ، وهي موافقة لكتاب اللّه سبحانه وتعالى ، في نفي المشاركة له في الرزق والإحياء والإماتة والغيب وغيره ذلك ، وبهذا وغيره ينفى كُلّ شيء دخيل عليها أو شيء يوهم غير ذلك من نسبة أُمور لا واقع لها إلى أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

إلاّ أنّ الشيخ أحمد الأحسائي نجده غير ذلك تماماً ، ففي كلماته تجد ما ينفي قول الأئمّة فيهم أنفسهم ، فهو ينسب إليهم الإحياء والإماتة والرزق ، وصفات مختصّة باللّه سبحانه وتعالى ، قال في شرح الزيارة الجامعة : « ألا إلى اللّه تصير الأُمور : أنّها تصير إلى علي ، وبيان ذلك أنّ الأُمور حادثة مخلوقة ،

ص: 554


1- طه : 122 - 124.
2- الاحتجاج 2 / 288.

والحادث المخلوق لا يصل إلى القديم ، ولا يرجع إليه سبحانه ; لأنّه تعالى متعال عن كُلّ شيء ، وإنّما المعنى أنّ الأُمور تصير وترجع إلى أمره تعالى ، وأمره تعالى جعله عند وليّه ، فالمصير إلى إليه مصير إلى اللّه ، والرادّ إليه رادّ إلى اللّه ، وقد قال تعالى : ( إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ) (1).

وقد دلّت الأدلّة القاطعة مع الإجماع!! على إياب الخلق إليهم وحسابهم عليهم ، فإنّ الأخبار متواترة بذلك ... »(2).

ويقول : « الأربعة عشر معصوماً هم صفات اللّه وأسماؤه والآؤه ونعمه ، ورحمته الواسعة ورحمته المكتوبة ، وهم معانيه ، وهم وجه اللّه الذي يتوجّه إلى الأولياء ، وهم اسم اللّه المبارك ذي الجلال والإكرام ، ووجهه الباقي بعد فناء كُلّ شيء ، والوجه الذي ينقلب في الأرض ، ومقصد كُلّ متوجّه ، وسائر من مطيع حيث يحبّ اللّه ، ومن عاص حيث يكره اللّه ، وهم أوعية غيبه ، وهم ظاهره في سائر المراتب ، وجميع المعاني والمقامات ، آياتهم ظاهرة في الآفاق ، وفي أنفس الخلق ، ومعجزاتهم باهرة ، وهم ملوك الدنيا والآخرة »(3).

وقال : « والطاعة حادثة وهم ذلك الحدث »(4).

وقال : « فانحصرت العبادة التي هي فعل ما يرضي والعبودية التي هي رضا ما يفعل فيهم وبهم عليهم السلام ، فإنّ التسبيح والتقديس والتحميد والتكبير والتهليل والخضوع والخشوع والركوع والسجود وجميع الطاعات وأقسام العبادات وكذلك العبودية ; كُلّ ذلك أسماء معانيها تلك الذوات القدسية والحقائق الإلهية » (5).

ص: 555


1- الغاشية : 25 - 26.
2- 2 - شرح زيارة الجامعة
3- المصدر السابق : 17.
4- المصدر السابق : 36.
5- المصدر السابق : 132.

وقال : « ولله الأسماء الحسنى ، أي ملكه وخلقه ، فادعوه بها ، فتقول : يا كريم يا رحيم يا غفور إلى سائر أسمائه ، وهي هم - يعني أهل البيت - »!!(1).

وقال : « إنّ أهل البيت خلق فوق بني آدم وجسومهم لن ترى في الأبصار بل حتّى البصائر »!!(2).

وقال : « فإذا كان اللّه غنياً لم يرد شيئاً لنفسه ، وإنّما يريده لغيره وهم - يعني أهل البيت - ذلك الغير ، والطاعة حادثة ، وما تنسب لغير حادث ، وهم ذلك الحادث المنسوب إليه الحادث.

إنّ اللّه تعالى حصر شؤونه في أهل البيت ، وحصر حاجات خلقه عندهم »(3).

وقال : « وهم العلل الأربعة للمخلوقات ، فالعلّة الفاعلة بهم ، والعلّة المادّية منهم ، أي من شعاعهم وظلّهم ، والعلّة الصورية بهم على حسب قوابل الأشياء من خير أو شرّ ، والعلّة الغائية هم ; لأنّ الأشياء خُلقت لأجلهم »(4).

وقال : « وأمّا الرزق فهو ما ينتفع به الحيّ ، وليس لغيره منعه منه ، والمراد بالغير غير اللّه وغير رسوله وأهل بيته »(5).

ويذهب الشيخ أحمد الأحسائي إلى فوق ذلك فيقول : « بأنّ الخلق كُلّهم عبيد لأهل البيت عليهم السلام عبودية رقّية ملكية ، وليست عبودية طاعة ، قال : أمّا نسبة العبد إلى اللّه فلا توقّف لأحد في أنّه عبد رقّ وعبد طاعة لا يملك شيئاً من أمره ... وأمّا نسبتهم إلى الخلق ، فالمعروف عند كثير من العلماء ، ومن بعض الأخبار أنّهم عبيد طاعة لا عبيد رقّ.

ص: 556


1- المصدر السابق : 289.
2- المصدر السابق : 385.
3- المصدر السابق : 438.
4- المصدر السابق : 384.
5- حياة النفس : 58.

والذي يدلّ عليه الدليل عقلاً ونقلاً أنّه - يعني الإمام - أولى بهم من أنفسهم بالأولوية التي كانت لرسول اللّه ، وهي إنّه سبحانه خلق الأشياء له ولأهل بيته الطاهرين ، وفي الحديث القدسي : « خلقتك لأجلي وخلقت الأشياء لأجلك ».

وقول علي عليه السلام : « نحن صنائع ربّنا ، والخلق بعد صنائع لنا » أي صنعهم اللّه لنا ، واللام في لنا للملك ، وهذا المعنى هو الذي تقيده أخبارهم إنارة ، لأنّ التصريح فيه فصحّ بالحكمة فوجب الإشارة للتقية » (1).

وهناك كلمات كثيرة ضربنا عنها صفحاً روماً للاختصار.

لكن نقول : إنّ علماء الشيخية في القديم والحديث قد تجاوزوا الحدّ في تقديس أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وغالوا في حبّهم كثيراً ، وفوّضوا إليهم بعض الأُمور ، مدّعياً في بعض الأحيان الإجماع على ما يعتقدونه!! وهو بعيد كُلّ البعد ، لأنّ زعماء الطائفة في القديم والحديث قد طرحت مذهب أهل البيت عليهم السلام وبيّنوه بشكل يلائم العقل والفطرة والوجدان ، وقاموا بالأخذ من منبع النبوّة الصافي ، الذي يعرض الدين الإسلامي الحنيف وأئمّته بشكل يحدّد لكُلّ شخص مقامه ووظائفه ، لا يتجاوزها ولا يحيد عنها ، والتحذير من الروايات الغريبة والضعيفة التي فيها كلام يخالف الأُصول الكُلّية ، والقواعد العامّة التي بيّنها اللّه تعالى ، وبيّنها أئمّة أهل البيت عليهم السلام في كلماتهم وأقوالهم وأفعالهم.

ومثالاً على ذلك ما قال ياسر الخادم نقلاً عن الإمام الرضا عليه السلام حيث قال : قلت للرضا عليه السلام : ما تقول في التفويض؟ قال : « إنّ اللّه تبارك وتعالى فوّض إلى نبيّه صلى اللّه عليه وآله أمر دينه ، فقال : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (2) فأمّا الخلق والرزق فلا ... »(3).

ص: 557


1- شرح الزيارة : 28.
2- الحشر : 7.
3- عيون أخبار الرضا 1 / 219.

وما نقله آنفاً عن الإمام الحجّة عليه السلام حينما تبرّأ من نسبة بعض الأفعال إليهم ، كعلم الغيب ونحوه.

وفي الحقيقة أنّ هذه الأقوال والكلمات والاعتقاد بها جرّ على أئمّة أهل البيت وشيعتهم ويلات كثيرة ، وأدّت إلى طرح المذهب الشيعي المتمثّل بالإسلام الحقيقي بشكل مشوّه ، وبشكل ينفر منه الطبع الإنساني ، بل والمنبع الصافي للإسلام ، وأدّت إلى الطعن بأئمّة وشيعة أهل البيت ، ورميهم بالغلوّ والزندقة ، واتهامهم بأنّهم أهل باطن لا يعيرون للحياة الدنيا أيّ أهمّية ، فهم مذهب كهنوتي قنصوي أقرب من كونهم يطرحون الإسلام الذي جاء به النبيّ صلى اللّه عليه وآله وجاء به القرآن الكريم ، وهذا واضح لدى أبسط فرد احتكّ بشخص مسلم لم يطّلع إلاّ على هذه الآراء الشخصية التي شذّت عن علماء الطائفة ، وارتأت روايات خاصّة يرويها بعض الغنوصين كعلي بن حمزة البطائني وغيره.

لقد جاء الإسلام ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ، مبيّناً تفرّد اللّه سبحانه وتعالى بالأُلوهية ، وما يتبعها من شؤون من إحياء وإماتة ، ورزق وعلم كُلّ شيء وغير ذلك ، وإنّ هذا الرسول الذي أُرسل إليهم وظيفته تبليغ شرع اللّه تعالى ، ولا يملك من نفسه شيئاً ممّا أضافت إليه هذه الأفكار الكهنوتية القنوصية ، والإمام من بعده هو حافظ للشريعة عن الانحراف والانعطاف في المزالق والمهاوي المهلكة ، لا يملكون لأنفسهم شيئاً ولا رزق ولا إماتة وإحياء ولا غير ذلك ، وكُلّ هذا هو خروج عن تعاليم السماء ، والانعطاف بالرسالة من مسيرها الأصلي الذي جاءت به ، وهو أُلوهية اللّه تعالى وحاكميته على الكون كُلّه.

وعليه تتفرّع كُلّ الأُمور الأُخرى من عبودية له ، وتشريع مختصّ به وقدرة مختصّ بها ، وتصرّف بالشؤون ، وغير ذلك ممّا لا يعدّ ولا يحصى.

النقطة الرابعة : الركن الرابع : إنّ الدين الإسلامي والمذهب الشيعي يقرّان بأنّ اللّه تعالى هو الإله المنفرد بالأُلوهية ، وأنّ اللّه سبحانه هو الذي تجب طاعته

ص: 558

عقلاً وشرعاً ، وأنّ اللّه تعالى أرسل رسلاً مبشّرين ومنذرين ، وتجب طاعتهم لأنّهم رسل اللّه إلى البشر ، وكذلك الإمام بعد النبيّ تجب طاعته لأنّها طاعة لله وللنبي صلى اللّه عليه وآله ، فهذه هي السلسلة الحقيقة التي يجب الارتباط بها : اللّه ، الرسول ، الإمام.

واللّه تعالى هو الإله المتفرّد بشؤون الخلق والرزق والحاكمية والأُلوهية.

والنبيّ والإمام قد عصمهم اللّه تعالى ، ولذلك وجبت طاعتهم لأنّهم يمثّلون الشريعة الإلهية الصادقة ، وأمّا غير النبيّ والإمام فهم بشر حالهم حال غيرهم ، لا تجب طاعة أحد لأحد ، ولا يجب الأخذ بكلام أحد دون أحد بل هم سواسية ، والفقيه يرجع إليه في الأُمور الفقهية الفرعية المرتبطة بأُمور الدين ، لأنّه من أهل الاختصاص ومن أصحاب هذا الشأن ، فارجع الإمام إليه في الحكم والفتوى في الدين ، وهو إنسان يخطئ ويصيب ليس معصوماً أو كاملاً تامّاً بحيث لا يخطأ ، وإنّما هو بشر فيجري ما يجري على البشر.

بعد أن عرفنا أنّ العصمة مختصّة بأربعة عشر معصوماً لا غير ، وهو وظيفته إرشاد الأُمّة إلى ما فيه الخير والصلاح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولزوم الرجوع إليه باعتباره متخصّصاً بالفقه ، واستنباط الأحكام الشرعية بعدما كان يعجز أيّ إنسان يمارس ذلك الفنون معرفة الحكم الشرعي.

هذه هي عقيدة الشيعة في العالم المجتهد الفقيه ، ولأجل ذلك جاز عندهم تعدّد الفقهاء ووجود أكثر من واحد منهم في زمن واحد.

إلاّ أنّا نجد الشيخية قد خالفوا ذلك ، وادعوا أنّ هناك ما يمكن تسميته بالنيابة الخاصّة ، وأنّ الفقيه هو النائب عن المعصوم الخاصّ ، ويكون عالماً بكُلّ ما يحتاج إليه الناس ، ويكون هو الواسطة بين الإمام والرعية ، ويجب دعوة الخلق إليه ، ولا يحقّ لغيره أن يتصدّى للأُمور العامّة إلاّ بإذنه ، ولأجل ذلك سمّوه بالناطق والنائب والقطب والركن الرابع ... وغير ذلك من التسميات ، وهو إنسان كامل تامّ.

ص: 559

قال الكرماني في رسالة أرسلها إلى السيّد كاظم الرشتي : « اعتقادي أنّ من لم يعرف السابق عليه ، والباب الذي تجري منه جميع الفيوض لم يعرف شيئاً من التوحيد والنبوّة والإمامة ، وأنا عبدك الأثيم!! محمّد كريم قد انقطعت من الدنيا كُلّها إليك.

إنّ الشيخ الأجل الأمجد كان قطب زمانه لتصريح النبيّ صلى اللّه عليه وآله فيه : أنت قطب!! فالشيخ الأكبر هو الذي يعبد به الرحمن وتكتسب به الجنان ; لأنّه العقل.

وقد رأينا أنّ الأمر بعده رجع إليك ظاهراً ، فأنت نائبه بالنصّ الجلي منه ، فإذن أنت الذي يُعبد به الرحمن ويُكتسب به الجنان ، وأنت باب اللّه لا يؤتى إلاّ منه ، كما سمعت منك في الطيف!!

والآن يكون قرب ثلاث سنين إنّي جعلتك لوجهتي باب تجاهي في أوقات دعواتي وصلواتي ، وأقدّمك بين يدي حوائجي وإرادتي في كُلّ أحوالي وأُموري ، وأعتقد أنّ من لم يفعل هذا صلّى إلى غير القبلة والوجهة!!

فإن كان كائن عليك لا أرانا اللّه ذلك ، فمن ولي الأمر بعدك؟ ولو كان يجوز نبيّ بعد نبيّ وادعيتم النبوّة لم نطلب منكم معجزة ، بل واللّه مع ذلك لو ادعيت ذلك الآن لصدّقتك بلا معجزة »!!(1) ، وهذا كفر بعينه.

فانظر إلى هذا الكلام حيث أشار فيه :

1 - وجود الركن الرابع الذي هو خليفة الإمام ، وهو الذي يكون القبلة ، وهو الذي يعبد به الرحمن ، ومن لم يقرّ بذلك يكن غير مدركاً لله ولا لرسوله ولا للإمام!!

2 - إنّ الشيخ أحمد هو باب الإمام ، وأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله نصّبه ذلك المنصب ، وقال له : أنت نائبي.

ص: 560


1- إحقاق الحقّ للأحسائي : 168.

3 - إنّ كاظم الرشتي هو نائب الأحسائي ، وذلك رآه الكرماني في المنام « الطيف ».

4 - إنّ كاظم الرشتي لو ادّعى النبوّة لصدّقه الكرماني بلا حاجة إلى معجزة!! وأرى أنّ هذا الكلام لا يحتاج إلى تعليق ; لأنّه فاسد وباطل بأوضح البديهيات ، لكن النقطة الأخيرة منه خطيرة جدّاً ، حيث أنّ المعتقد بها يخرج عن الملّة لكونه غير معتقداً بختم النبوّة بمحمّد صلى اللّه عليه وآله وحشرنا مع محبّيه ، وهو خلاف البديهي من الدين الإسلامي.

وإذا انتقلنا مع الكرماني في كتابه « إرشاد العوام » - باللغة الفارسية - نجده يصرّح بكلام خطير جدّاً لا يمكن لأيّ مسلم قبوله ، وخلاصة كلامه المثبت في الجزء الرابع هو : إنّ صاحب الزمان أو المهدي المنتظر عليه السلام قد مضى إلى حال سبيله ، وانتفى موضوعه إن بالموت وإن بالغيبة ، ولم يعد صالحاً للاستفادة من الوجه من الوجوه ، وعلينا أن نسعى لمعرفة الإمام الناطق الحيّ الذي يجب أن يكون بيننا لنراه ونحادثه ، ونعرض عليه ما يحدث لنا من مشاكل ونطلب منه تلافيها ، وإيجاد الحلول لها ».

وقال : « فكيف أستطيع مع لساني الكليل ويدي القاصرة ونفسي الضعيفة ، أن أحمل هذا الأمر على رقاب هؤلاء الناس المنكوبين ، الذين عاشوا في جاهلية الغيبة ألفاً وعشر سنين ، ونشؤا على الهدى والخيالات ».

وقال : « إنّ حاكماً - يقصد الإمام المهدي عليه السلام - كان قبل ألف سنة لا يصلح اليوم ، ولا يمكن ضبط العالم والسيطرة عليه بحاكم قد ودّع الدنيا »!! فهنا يؤمن بأنّ المهدي عليه السلام قد ودّع الدنيا!!

وقال : « إنّ وجود الحاكم بين الخلق ضروري لكي يروه ويسمعوا منه ، وإذا كان في الإمكان أن لا يروه فالأجدر بهم أن يكتفوا باللّه الذي لا يرونه ، وعليه فقد اختفت ثمرة الحكومة وفائدتها إذا لم يروه ويستمعوه ويشكوا إليه

ص: 561

داؤهم ، ويطلبوا منه العلاج لها ، فما هو الفرق بين الإمام الغائب واللّه؟ فكلاهما غير مدرك.

وإذا استطاع الخلق اليوم أن يكتفوا باللّه فقد استطاعوا الاكتفاء بالإمام الغائب ; لأنّه يتصرّف في الملك وراء الستار وفي ظهر الغيب ، واللّه كذلك فما الفرق بينهما؟

وإذا كان الحجّة على الخلق تتمّ بالإمام الغائب؟ فما هي الحاجة إلى إرسال الرسل وتعرّضهم للمشّاق؟ فليبقوا وراء الغيب ويتصرّفوا في العالم!! وقد علمت بأنّ الحجّة على الخلق لا تتمّ إلاّ بمشاهدة من يقيم عليهم الحجّة ، وأيّ حجّة تمكن إقامتها ، والإمام غائب في الوقت الذي يولد فيه الناس ويموتون والإمام غائب؟

وإذا كان التاريخ والخبر كافيين كان وجود النبيّ وحده كافياً ، ولم تكن هناك حاجة إلى أوصيائه الذين تحمّلوا في سبيل تأدية رسالته وحفظها ما لا يطاق من المصائب ، ومن هذا يظهر أنّ الأحاديث والكتب السالفة لا تكفي ».

وقال : « وقد اتّضح من هذا الفصل أنّ قوام بقاء هذا العالم ومداره هو الحاكم والمحكوم ، إذ لا يمكن أن يخلو إن ظاهراً وإن باطناً من حاكم إلهي يقوم مقامه تعالى وينوب عنه ، على أن يكون مشهوداً مرئياً ، وكان نابهاً للغاية وذكياً ، والتفت إلى أنّنا نوزّع المطالب في هذا الكتاب ونفرّقها على عدّة أماكن ، ونقول في كُلّ موضع شيئاً لئلا يحرم أهل الحكمة ، ولئلا يلتفت فاقدوا الأهلية ، وينتبهوا إلى جواهر وأسرار الحكمة الإلهية ، ويجدوا طريقاً إليها ، ولا قوّة إلاّ باللّه ».

وقال : « وبديهي أنّ الأُستاذ الغائب والأُستاذ الميّت لا يعلم ولا يقبل تلاميذه ، وهم لا يستطيعون أن يحصلوا منه على معرفة شيء ، كما لم تجر عادة اللّه بأنّ يتعلّم أحد بهذا الشكل ، وإذن فالواجب أن يكون في كُلّ عصر أُستاذ حاضر موجود ».

ص: 562

وقال : « ولم يكن من طبيعة هذا العالم ولا جرى العادة فيه أن يحصل الإنسان على العلم من الأموات ، وأن يقنع بهم ويكتفي في التعليم ».

وقد صرّح في موطن بعدم ضرورة عصمة الإمام ، بينما يصرّح في مكان بأنّ الركن الرابع معصوم!!

قال مصرّحاً بعدم ضرورة عصمة الإمام : « وإذا لم يكن معصوماً فهو كأحد الناس ، ويجب أن يكون معصوماً في حفظ الدين على الأقلّ ، ولو بمساعدة الغير ، إذا لم يكن معصوماً في كُلّ شيء ».

وقال مصرّحاً بعصمة الركن الرابع : « وإذن فالإمام الغائب لا يجدي الناس نفعاً ، وهم يريدون إماماً حيّاً حاضراً معصوماً ».

وهذا الكلام لا يمكن أن يقرّ به إنسان مسلم شهد الشاهدتين ، وآمن باللّه ورسوله وأئمّة أهل البيت عليهم السلام ، إذ إنّ هذه المسألة - وهي القول بالركن الرابع ، واتباعها يسمّون الركنية وهي مختصّة بشيخية كرمان الموجودين في إيران والعراق في البصرة وكربلاء - لم يرد بها دليل ، ولم تقم عليها حجّة ، بل الدليل على خلافها ; لأنّه لا حاكمية لأحد بعد اللّه ورسوله ، ومن نصّبه اللّه ورسوله وجعله هادياً ومعتمداً ، ولم ينطق بها لسان الشرع أبداً ، فضلاً عن جعل الركن هو الباب إلى اللّه ورسوله وأئمّته ، بحيث من لم يعرفه فهو لم يعرف التوحيد ولا النبوّة ولا الإمامة ، فإنّ في ذلك رمي للقائلين بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالجهل وعدم الإيمان ; لأنّهم أخلّوا بالتوحيد ، وبالتالي هو إدخال شرط في التوحيد ، وأنّ المسلم لا يصحّ منه توحيده ما لم يقرّ بالركن الرابع ، ويعترف له بالوجيه والبابية وغير ذلك ، ويكون فاقداً للشهادة ما لم يقرّ بذلك!!

وهذا تحميل لشريعة السماء بما لم تجئ به أصلاً ، وإدخال شيء فيها لم يقله اللّه ورسوله ، وهذا يدخل ضمن المغالاة في الدين ، والانحراف عن المسار الحقيقي الذي رسمته شريعة السماء ، والتي بيّنته في تعاليمها من لزوم الإيمان

ص: 563

باللّه والاعتقاد بوحدانيته ، وأنّه لا إله إلاّ هو وحده لا شريك له ، وأنّه أرسل رسله بالهدى مبشّرين ومنذرين ، وإنّ آخرهم النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله مبعوث للبشر كافّة ، يحمل تعاليم السماء المتمثّلة بالقرآن الكريم.

وقد شرح الرسول صلى اللّه عليه وآله ما خفي منه وما أجمل وبيّنه للناس ، وعلى الناس اتباعه واقتفاء أثره ، وقد نصب لهم إماماً بعده ، وأنّه الذي يرشد الناس على الخير والصلاح ، ويحافظ على شريعة السماء من الانحراف ، ويوضّح ما خفي منهما وما أُجمل ، وعلى المسلم القيام بتعاليم الإسلام من واجبات ومحرّمات ، فمن التزم بذلك بالإيمان باللّه ورسوله وعمل ما فرض عليه ، وانتهى عمّا نهي عنه ، عند ذلك يكون إنساناً مسلماً مؤمناً مستحقّاً لدخول الجنّة.

وبقية الأُمور مسائل مصطنعة لا تمتّ بصلة إلى الإسلام أصلاً ، كالإيمان بالركن الرابع ، وكالإيمان بأنّ الأئمّة هم وجه اللّه ، وأنّهم حملة العرش ، وأنّهم يوجّه إليهم المسلم في صلاته ، وأنّهم يرزقون ويخلقون وإلى غير ذلك من المسائل ، التي لا ارتباط لها بتعاليم الإسلام الحنيف ، وهي مسائل خارجة خروجاً تامّاً عن جوهر الإسلام وحقيقته.

هذا هو الذي ينبغي للإنسان المسلم الالتزام به والاعتقاد به ، وأن يعيش الإسلام حقيقة واقعية تمارس حياته العملية اليومية ، بحيث يراها يجري معه في العبادة الخاصّة ، وفي المصنع والمعمل وفي الشارع وفي الدائرة ، يراه يتعايش مع كافّة جوانب الحياة التي هي كنهر جار لا يقف عند حدّ ، فعليه جعل الإسلام كذلك بحراً عذباً جارياً لا يقف عند حدّ وحدود ، ولا يجعلوه طقوس كهنوتية تتعايش بالرموز أو الألغاز أو المنامات الليلة ، والأحلام الخيالية ، وحصر الإسلام العظيم الذي فيه الخير للبشرية دنياً وآخرة حصره بمفاهيم وألغاز أقرب للشعوذة منها إلى الواقعية ، والتعامل معه كدين يعالج الروح أو يتعامل بعوالم الملكوت واللاهوت ، وما شابه ذلك من كلام لم ينزل به سلطاناً.

ص: 564

الإسلام دين الفطرة السليمة والوجدان الصافي ، والروح المعتدلة التي تعرف حقّها ، وحقّ الجسد الذي هويّتها التي تعيش فيه ; جاء الإسلام ورسالته لخير الاثنين معاً لا واحداً منها.

وأيضاً جاء بتعاليم كُلّها سمحاء ، كما قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « بعثت بالشريعة السهلة السمحاء » (1) ، التي تعاليمها واضحة لكُلّ أحد ، لا تتاح إلى عناء وتكلّف ، وتعاليمها فيها مرونة كاملة بحيث تسهّل الأمر على العاجز والضعيف وصاحب الحاجة ، لا تكلّف الإنسان ما هو فوق طاقته ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ) (2) ، ولا يحمل الجريرة والتبعة على غير مرتكبها ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) (3) ، ولها حقوق وكيان واحترام ، وعليها حقوق وأُمور يجب أن تؤدّيها حفظاً لكيانها ، وحفظاً للكيان الاجتماعي الذي تعيش فيه ، ليتعايش المسلمون فيما بينهم بودّ واحترام وكينونة ، ذات بناء محكم وشامخ ; فلأجل ذلك جاءت تعاليم تنسجم مع الفطرة ، وتنسجم مع العقل الإنساني هذا الكيان العظيم ، فمن الظلم بعد ذلك تحميل رسالة السماء مسائل وأشياء لم ينزل اللّه بها سلطاناً ، أو حصرها بيد أُناس هم بشر يخطؤون ويصيبون ، ولا عصمة لهم بقول أو بفعل ، وجعلهم مقياساً يقاس به تعاليم السماء ، بدل عكس الأُمور ومقايسة أفعالهم إلى الشرع المبين.

ومن الأُمور المهمّة التي تفتقدها الشيخية بقسميها مسألة التقليد ؛ حيث إنّهم لا يرجعون في الفروع إلى فقيه يقلّدونه ويأخذون منه أحكام دينهم ، وإنّما يرجعون إلى أُناس ليس لهم أهلية الفتوى.

وفي الواقع أنّ هناك تلاعباً عند زعماء الشيخية يريدون الإقرار به الآن ، وإنّما أقرّ به الكرماني سابقاً حيث شجب مسألة التقليد ، واعتقد بأنّ الإنسان

ص: 565


1- الحبل المتين : 90.
2- البقرة : 286.
3- المدّثّر : 38.

يرجع مباشرة إلى روايات أهل البيت عليهم السلام من دون حاجة إلى تقليد فقيه أو مجتهد ، وكانت الأدلّة عند الحاج محمّد كريم خان تقتصر على الكتاب والسنّة ويقول : « فالواجب تقليد آل محمّد » (1).

وكان يقول : « ليس ثمّة حاجة إلى الرسائل العملية ، فإنّ رسائل المشايخ الموجودة لديهم كافية ، وهي عين متون أخبار آل محمّد »(2).

وقال : « ينبغي أن يقلّص تجديد الرسائل والفتاوى المختلفة ; لأنّ الدنيا يجب أنّ تسير نحو الوحدة والتكامل وتوحيد الكلمة »(3).

ص: 566


1- فصل الخطاب للكرماني : 3.
2- فهرست كتب مرحوم شيخ أحمد احسائي 1 / 24.
3- المصدر السابق 1 / 5.

الفرقة الناجية :

اشارة

( صلاح - ..... - سنّي )

الشيعة الإمامية هم الفرقة الناجية :

س : الملاحظ أنّكم تبذلون جهوداً جبّارة في إثبات أنّ مذهب الشيعة هو المذهب الحقّ ، لكن لديّ بعض الملاحظات : ما مدى مصداقية ما تنقلونه من نقائص في أهل السنّة ، ومنهم السلفية ، ولماذا لا يكون الدافع هو التعصّب؟

وما رأيكم في من يقول من علمائكم : أنّ الشيعة الإمامية هي الفرقة الناجية ، وأن ماعداها كفّار من أهل النار؟

ج : إنّ مدى مصداقية ما ننقله من النقائص عن أهل السنّة والسلفية ، إذا كان غير معتمدٍ على دليل ، ومن كتب أهل السنّة ، فذلك يعدّ افتراءً وبهتاناً ، أمّا إذا كان كلامنا معتمداً على دليل من نفس كتب أهل السنّة ، فأظنّ ذلك أجدر أن يكون حجّة نحتجّ بها أمام ربّنا تعالى ، ولك الحقّ أن تذكر مورداً واحداً لا يعتمد على دليل ، ومن نفس كتب أهل السنّة ، لكي نقول : نعم هذا دافعه التعصّب.

أمّا دليلنا على أنّ الفرقة الناجية هم الشيعة الإمامية ، فذلك يستند إلى دليلين ، نقلي وعقلي.

ص: 567

أمّا الدليل العقلي ، فيستند إلى مقدّمتين ، المقدّمة الأُولى : أنّ قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « وستفترق أُمّتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كُلّها في النار إلاّ واحدة » (1).

ومعنى ذلك : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد أشار إلى حدوث اختلاف من بعده ، تفترق فيه أُمّته إلى ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة منها ناجية.

أمّا المقدّمة الثانية : لابدّ من تشخيص الفرقة الناجية ، وتشخيصها هكذا : لمّا كان المسلمون قد افترقوا إلى عدّة مذاهب ، كُلّها تقول بإمامة أبي بكر ، وكونه هو الخليفة من بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، واختلفوا فيما بينهم بالجزئيات ، عدا الفرقة الإمامية الاثني عشرية ، فإنّها اختلفت معهم في تقديم علي عليه السلام ، ويتلوه أحد عشر إماماً ، يتبيّن لنا اتفاق جميع الفرق على مشتركٍ واحد ، وهو تقديم أبي بكر على علي عليه السلام ، في حين أنّ الإمامية الاثني عشرية تختلف مع الجميع في تقديم علي عليه السلام ، فقد تبيّن لنا تمييز فرقة واحدة تختلف مع بقية الفرق ، وهو نتيجة قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : أنّ هناك فرقة واحدة لابدّ أن تختلف مع الجميع ، وهي الفرقة الناجية ، فثبت أنّ الإمامية الاثني عشرية هي المختلفة مع الجميع ، وبذلك ستكون هي المشار إليها في قوله صلى اللّه عليه وآله.

أمّا بقية الفرق الشيعية ، فتلك أكثرها منقرضة غير موجودة ، فهي ليست داخلة في مصداق الحديث الشريف ، وما بقي منها - كالإسماعيلية والزيدية - فهي غير متّفقة مع الاثني عشرية ، أمّا الزيدية فتقول بإمامة أبي بكر ، وأمّا الإسماعيلية فلا تقول بإمامة اثني عشر إمام ، فثبت أنّ المذهب الإمامي هو الذي يختلف عن بقية المذاهب الإسلامية الأُخرى ، وليس له معها أيّ مشترك آخر في الإمامة ، وهي الحقيقة التي تشاهدها الآن ، فإنّ جميع الفرق تقول بمشروعية غيرها ، وجميع الفرق في نفس الوقت تتّفق على عدم مشروعية الإمامية الاثني عشرية.

ص: 568


1- سنن الدارمي 2 / 241 ، سنن ابن ماجة 2 / 1322 ، سنن أبي داود 2 / 390 ، الجامع الكبير 4 / 135 ، المستدرك 1 / 128 ، المعجم الكبير 8 / 273.

فثبت أنّ الفرقة التي أشار إليها النبيّ صلى اللّه عليه وآله والمختلفة مع غيرها مطلقاً ، هي الاثنا عشرية ، فهي الفرقة الناجية إذاً.

أمّا الدليل النقلي : فقد روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله بألفاظ متعدّدة ، ومضمونها أنّ شيعة علي هم الفائزون ، أي الناجون ، وشيعة علي هم الذين يقولون بإمامته ، وإمامة ولده الأحد عشر إماماً ، وهم الاثنا عشرية.

أضف إلى ذلك حديث الثقلين ، المروي متواتراً في مصادر الفريقين ، الذي يعتبر بمثابة وصية النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأُمّته ، وهو قوله صلى اللّه عليه وآله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، والمتمسّك بهذه الوصية بحذافيرها هم الشيعة.

وكذلك الحديث المشهور المروي في مصادر الفريقين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يكون بعدي اثنا عشر أميراً أو خليفة كُلّهم من قريش » ، والفرقة الوحيدة التي تعتقد بإثني عشر خليفة أو أمير هم الشيعة ، الذين عُرفوا بالاثني عشرية ، فثبت أنّ الفرقة الناجية هم الاثنا عشرية ، بالدليلين العقلي والنقلي.

( أحمد - باكستان - سنّي )

هي التي تمسّكت بأهل البيت :

س : قال الرسول محمّد صلى اللّه عليه وآله فيما معناه : « تنقسم أُمّتي إلى بضع وسبعين شعبة ، كُلّها في النار إلاّ واحدة » ، وهي التي اتبعت سنّة الرسول محمّد صلى اللّه عليه وآله ، جعلني اللّه من متّبعي سنّة نبيّه ، وأسال اللّه العليّ القدير لكم الهداية والصلاح.

ج : لقد أخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بأنّ أُمّته سوف تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة ، حيث قال : « وستفترق أُمّتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كُلّها في النار إلاّ واحدة ».

ص: 569

والفرقة الناجية هي الفرقة التي تمسّكت بحبل ولاء آل بيت النبيّ المصطفى صلى اللّه عليه وآله ، ورجعت إليهم عليهم السلام في عقائدها ، وعباداتها ، وأحكامها ، وأخلاقها ، وتلك الفرقة هم الشيعة الاثنا عشرية.

وعلى هذا ، فإنّ المقياس لمعرفة وتشخيص الفرقة الناجية ، هو الرجوع إلى أهل البيت عليهم السلام في الولاء ، وفي أُصول الدين وفروعه ، وذلك للأدلّة الكثيرة القرآنية والروائية التي أكّدت وأوجبت الرجوع والولاء إليهم عليهم السلام.

( محبّة أهل البيت - ... - ..... )

من هي؟

س : هناك حديث للرسول صلى اللّه عليه وآله يقول : « تنقسم أُمّتي من بعدي 73 فرقة ، واحدة من هذه الفرق هي الناجية » ، فمن هي الفرقة الناجية وما الدلائل؟!

ج : روى علماء الحديث من الشيعة والسنّة أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال في عدّة مواطن : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، وهذا الحديث هو المعروف بحديث الثقلين ، بلغ حدّ التواتر ، وهو يعدّ وصية من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى أُمّته ، فمن عمل بهذه الوصية يكون من الفرقة الناجية ، ومن تركها فليس منها.

وربما قال قائل : بأنّ الحديث روي بلفظ : « كتاب اللّه وسنّتي ».

فنقول : إنّ الحديث المروي بلفظ « كتاب اللّه وسنّتي » ضعيف ضعّفه علماء الحديث ، وعلى فرض صحّته ، فما هي سنّة رسول اللّه؟ ولماذا قال عمر : حسبنا كتاب اللّه؟

والجمع بين الحديثين أولى من طرح أحدهما ، حيث يكون الجمع في علم الحديث بقبول اللفظين ، وحمل لفظ : « وسنّتي » على كون النبيّ صلى اللّه عليه وآله يوصينا بالتمسّك بالسنّة الحقيقية المتمثّلة بعترته عليهم السلام.

ص: 570

ونعلمكم بأنّ حديث الثقلين بلفظ : « كتاب اللّه وعترتي » ، رواه أكثر من ثمانية عشر صحابياً ، منهم : الإمام علي ، والإمام الحسن عليهما السلام ، وأبو ذر ، وسلمان ، وجابر ، وكذلك من رواته : فاطمة الزهراء عليها السلام ، وأُمّ سلمة ، وأُمّ هاني أُخت الإمام علي عليه السلام ، وكذلك رواه المئات من مشاهير الأئمّة في مختلف القرون.

قال المنّاوي : « في هذا الحديث تصريح بأنّهما - أي : القرآن والعترة - كتوأمين خلّفهما ، وأوصى أُمّته بحسن معاملتهما ، وإيثار حقّهما على أنفسهم ، والاستمساك بهما في الدين » (1).

( أبو روح اللّه المنامي - البحرين - 21 سنة - طالب حوزة )

لا يمكن إعطاء ضابطة تحدّد الفرق الإسلامية :

س : سؤالي الأوّل يتعلّق بحديث الافتراق : « ستفترق أُمّتي إلى ثلاثة وسبعين فرقة ، كُلّهم في النار سوى واحدة ... » ، هل هذا الحديث صحيح عندنا نحن الإمامية؟ ومن صحّحه من علمائنا؟

الثاني : ما هي الضابطة والقاعدة لكي نقول : بأنّ هذه المجموعة فرقة إسلامية؟ وفّقكم اللّه لكُلّ خير وصلاح.

ج : الحديث من المشهورات ، وقد رواه الفريقان مع اختلاف في النصوص.

ولقد اختلفت الآراء في صحّة سند الحديث : والذي يجبر ضعف السند هو تضافر نقله ، واستضافة روايته في كتب الفريقين : الشيعة والسنّة بأسانيد مختلفة ، ربما تجلب الاعتماد وتوجب ثقة الإنسان به.

وقد صرّحت أكثر الروايات على وجود فرقة ناجية من بين تلك الفرق الهالكة ، ولذلك كثرت عبارات العلماء في البحث عن تلك الفرقة الناجية.

ص: 571


1- فيض القدير 3 / 20.

ولا يمكن إعطاء ضابطة تحدّد الفرق الإسلامية ، وقد اختلفت الآراء في ذلك ، فهل الفرق تتحقّق إذا اختلفت الأُصول فقط؟ أم أنّ الفرق تتحقّق حتّى في الاختلاف في الفروع؟

ثمّ إنّه هل الاختلاف يتحقّق - وتنشأ الفرق - بالاختلاف في الأُصول والمعارف ، التي ليست مداراً للهداية والضلالة؟ أم أنّ الاختلاف يحصل إذا اختلفت العقائد الإسلامية ، التي يدور عليها فلك الهلاك والنجاة؟ وإذا افترضنا أنّ الأخيرة هي الضابطة ، وربطنا بينها وبين الحديث المتقدّم ، لابدّ أن تكون الفرق المذمومة في الإسلام هي أصحاب الأهواء الضالّة ، الذين خالفوا الفرقة الناجية في مواقع تعدّ من صميم الدين ، كالتوحيد بأقسامه ، والعدل والقضاء والقدر ، والتجسيم والتنزيه ، والجبر والاختيار ، والهداية والضلالة ، ورؤية اللّه سبحانه ، وإدراك البشر له تعالى ، والإمامة والخلافة ونظائرها.

ولكن إذا رجعنا إلى الفرق الإسلامية الواقعة حالياً نجد : أنّ كثيراً يرجع اختلافهم إلى أُمور عقلية أو كونية ، ممّا لا يرتبط بالدين ، أو ما لا يسأل عنه الإنسان في حياته وبعدها ، ولا يجب الاعتقاد به.

ص: 572

الفهرس

السبئية وعبد اللّه بن سبأ

ابن سبأ بين الأسطورة والواقع... 7

طعن علماء السنّة بابن سبأ... 8

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 10

وجود ابن سبأ محلّ نظر... 13

السجود على التربة

أدلّة وضع الجبهة على الأرض... 17

حكمته... 19

أمر مستحبّ لا واجب... 20

يوجب الاطمئنان من طهارتها... 21

السجود على الثوب مع العذر... 22

سجود الشيعة على التربة الحسينية... 22

لا يقاس بالتيمّم... 25

سرية أُسامة

ثبوت اللعن عقلاً ونقلاً لمن تخلّف عنها... 27

ص: 573

عدم خروج علي فيها... 29

الكفاءات لا تحسب بالسنّ والوجاهات... 30

خروج جميع الصحابة فيها... 30

السقيفة

كما في الاحتجاج للطبرسي... 33

الشطرنج

سبب تحريمها... 37

مصادر حرمتها... 38

حكم اللعب بها وبالنرد... 39

القائلون بحرمتها من أهل السنّة... 41

الشفاعة

لا يستحقّها الظالم لأهل البيت... 43

رواياتها في كتب العامّة... 44

في الكتاب والسنّة... 46

لا تنال شفاعتنا من استخف بصلاته... 47

تكون للأنبياء والأئمّة والشهداء و... 48

شفاعة المعصوم تحقق إرادة اللّه... 49

تشمل أهل المعاصي لا النواصب... 50

الشهادة الثالثة في الأذان

الأدلّة على جوازها... 53

ص: 574

أذان الشيعة من مصادر أهل السنّة... 55

تعقيب على الجواب السابق... 58

الشورى

معنى ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ... 59

ليست مشروعة في تعيين الخليفة... 60

ليست أساس الحكم والخلافة... 62

الشيعة

دفع تهم عنهم... 63

تعقيب على الجواب السابق... 66

تعقيب ثاني على الجواب السابق... 69

الأئمّة لم يذمّوا شيعتهم... 76

موقفهم من أهل السنّة... 80

كيفية انتشارها في إيران... 80

يعتمدون على الكتاب والعترة في إثبات مذهبهم... 82

الفرق بينهم وبين السنّة... 83

من علامات الشيعي التختم باليمين... 84

الفرق بينهم وبين العلويين... 85

منها الإخبارية والشيخية والأُصولية... 85

لو ميّزت شيعتي ما أجدهم إلاّ واصفة... 86

الفرق بينهم وبين الصوفية... 87

لا تألّه غير اللّه تعالى... 88

ص: 575

اعتمدوا على القرآن والسنّة والعقل... 88

ما كانت في عهد الرسول سنّة ولا شيعة... 89

أحاديث في فضلهم من مصادر السنّة... 90

نصيحة في جواب رسالة النصح... 92

توضيح المذهب الشيعي... 100

بالمعنى الأعم والأخص... 101

يدخّنون في المساجد... 102

تكفير ابن باز لهم... 103

تأسيسهم للعلوم المختلفة... 105

يتأثّرون بالقرآن ويخشونه... 109

ليسوا هم قتلة الحسين عليه السلام... 110

لغة واصطلاحاً وتاريخاً... 116

لا توجد فيها المفضّلة... 118

لا يتجاوزون على غيرهم مع القدرة... 119

الاستبصار عمل يثاب عليه... 120

هم اتباع أهل البيت... 121

عقائدهم تثبت بالعقل والنقل... 124

الصحابة

بين الجرح والتعديل... 127

ليس كُلّهم عدول... 127

تعقيب على الجواب السابق... 129

آية البيعة لا تدل على عدالتهم... 129

ص: 576

تعقيب على الجواب السابق... 131

منهم المؤمن ومنهم المنافق... 132

عدم ثبوت عدالتهم في نقل الحديث... 134

أحدثوا بعد الرسول بنص حديث الحوض... 135

الآيات النازلة في حقّهم لا تعمّ الجميع... 138

من التزم منهم بوصية الرسول فهو ممدوح... 141

حديث لا تسبّوا أصحابي... 142

تساؤلات؟... 142

حديث خير القرون قرني... 144

الرسول لم يصلحهم... 146

تفسير آية ( محمّد رَّسُولُ اللّهِ ... ) ... 149

حقيقة الخلاف حولهم بين الشيعة والسنّة... 156

عدم ثبوت توبة طلحة والزبير... 158

لا يصحّ الترضي على جميعهم... 159

نكثوا البيعة... 161

نبحث حولهم لضمان سلامة ديننا... 162

كمال بعضهم نسبي لا مطلق... 164

في بيعة الرضوان... 166

الصلاة

كيفية صلاة المعصومين... 169

كيفية السلام في صلاة الشيعة... 170

التخيير بين الحمد والتسبيحات الأربعة... 172

ص: 577

حكم صلاة الجمعة في عصر الغيبة... 173

ما يقرأ في القنوت والركعتين الأخيرتين... 174

التكبيرات الثلاث بعدها... 174

طهارة المولد شرط في إمامة الجماعة... 175

كيفية المواظبة على صلاة الصبح... 176

أهمّيتها عند المؤمن... 177

حول صلاة الجمعة... 181

لا تصحّ خلف الفاجر... 182

كراهة لبس السواد فيها... 184

وجوب صلاة الجمعة تخييري... 184

الأدلّة على رفع اليدين بالتكبير... 186

صلاة التراويح

هي من سنّة عمر لا من سنّة الرسول... 191

صلاة ابتدعها عمر... 192

أدلّة مشروعيتها عند أهل السنّة... 193

تعقيب على الجواب السابق... 195

نهى عنها الإمام علي عليه السلام... 200

وفرقها مع صلاة جعفر الطيّار... 201

الصلاة عند القبور

ليست محرّمة... 203

الأدلّة على جوازها... 204

ص: 578

لا ينافي قول : اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد... 206

الصوم

الإفطار في السفر واجب... 209

انغماس الرأس بالماء مبطل له... 213

أكل ما لا يعتاد أكله يفسده... 214

صوم يوم عاشوراء

صومه في مصادر أهل السنّة... 215

صيامه من مبتدعات الأُمويين... 216

تعقيب على الجواب السابق... 218

الطهارة والنجاسة

الكلب نجس... 223

الكافر نجس... 224

النجاسات عشرة... 225

عائشة بنت أبي بكر

زواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله منها... 227

عدم تأثير وشايتها على الرسول... 231

معنى الطلاق في وصية الرسول... 232

منزّهة عن الفحشاء ومتّهمة بالإفك... 233

خروجها على الإمام علي يوم الجمل... 235

آيات نزلت فيها... 236

ص: 579

وفاتها ومدفنها والصلاة عليها... 237

قولها : ما وجدتَ إلاّ فخذي!... 237

وما ترويه من خُلق النبيّ... 240

حكمها في الدنيا الإسلام... 241

خلاصة حرب الجمل... 241

تفسير القمّي في قوله تعالى : ( فَخَانَتَاهُمَا ) ... 243

القمّي والبرسي والمجلسي واتهامهم لها بالفاحشة... 244

موقفها من دفن الحسن... 246

كانت مخطئة ومخالفة لأمر اللّه ورسوله... 250

كانت تعلم بمبايعة الناس لعلي عليه السلام... 252

عالم الذرّ

بحث مفصّل للعلاّمة الطباطبائي حوله... 257

تأثيره في وجود الإنسان... 288

آراء المفسّرين حوله... 289

عثمان بن عفّان

زواجه من بنات النبيّ... 293

مخالفته للنصوص والسنن... 294

رأي الصحابة فيه... 294

العصمة

عصمة الأئمّة في كتب أهل السنّة... 303

ص: 580

حدودها... 305

رأي الإمامية في عصمة الأنبياء... 305

عصمة الأئمّة في القرآن... 309

الأدلّة على عصمة الأنبياء... 311

عصمة الأئمّة في التشريع وغيره... 313

تفسير قوله : ( هَمَّتْ بِهِ هَمَّ بِهَا ) ... 314

عصمة الأئمّة ليست جبرية... 315

الأدلّة العقلية عليها... 316

لا تشمل الصحابة... 318

عصمة الأنبياء في رأي الفريقين... 318

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 319

الإمام معصوم منذ الولادة... 321

النبيّ والأئمّة خلّص عباد اللّه فعصمهم... 321

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 322

الجبر والاختيار فيها... 323

آية ابتلاء إبراهيم... 323

التوفيق بين ترك الأُولى لآدم وتوبته... 325

مسألة خروج آدم من الجنّة... 326

الفرق بين اختيار المعصوم بالإمكان الذاتي وحتمية العصمة بالإمكان الوقوعي... 329

آية التطهير تدلّ على عصمة أهل البيت... 330

غير واجبة في حقّ العلماء... 331

صلح الحسن وقتال الحسين لا ينفي عصمتهما... 333

ردّ توهّمات أهل السنّة في عصمة النبيّ... 335

ص: 581

النبيّ لم يكن مخاطباً في قوله : ( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ ... ) ... 339

معالجة الآيات الواردة خلافها... 340

نسيان موسى ليس حقيقياً... 347

الفرق بين الأمر المولوي والإرشادي... 348

تأويل ما يوحي نسيان المعصوم... 350

تحصل بسبب علم المعصوم الحضوري... 352

تأويل نسيان موسى... 354

طلب المعصوم تخفيف سكرات الموت لا يدلّ على ارتكابه للمعصية... 356

عصمة الملائكة واجبة... 357

علم المعصوم

علمه بالطعام المسموم... 359

يشمل الموضوعات الخارجية... 363

علمه بيوم موته... 363

وظيفة المعصوم العمل بالظاهر... 365

وظيفة المعصوم ترتيب الأثر على الظاهر... 365

كيف ينسجم مع عزل علي لقيس بخدعة من معاوية... 367

معنى علمه الناسوتي واللاهوتي... 369

الفرق بينه وبين علم اللّه... 370

ثابت بسبب تعليم من اللّه... 371

لا يتنافى مع قوله ( لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) ... 373

ص: 582

عمر بن الخطّاب

عدم انطباق ما جاء في الإنجيل عليه... 375

شكّه في يوم الحديبية... 381

تركه لشرب الخمر... 382

بعض ما اتصف به... 383

ما ورد حوله في مصادر أهل السنّة... 384

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 388

اعتداؤه بالقول على الرسول... 392

لا يتوب اللّه عليه ما دام غاصباً... 393

تلبّسه بالخلافة وتغييره لأحكام اللّه... 394

كان من المنهزمين يوم أُحد... 395

قوله لولا علي لهلك عمر... 396

الاحتفال في اليوم التاسع من ربيع الأوّل... 397

ما ورد من رثائه في نهج البلاغة... 398

نصحه الإمام علي بعدم غزو الروم... 399

تعقيب على الجواب السابق... 401

اعتراضاته... 401

العولمة والحداثة

موقف الإسلام منهما... 407

المجتمع الحديث... 409

ص: 583

الغدير

دلالة حديث الغدير على إمامة علي عليه السلام... 411

عيد من الأعياد الإسلامية... 412

نزول آيتي البلاغ والإكمال في علي... 413

أحد الأدلّة على إمامة علي... 415

المولى بمعنى الإمام لا المحب والنصير... 416

بلّغ الرسول فيه لا في نفس الحجّ... 417

تحقيق حول معنى المولى... 418

عصم النبيّ فيه من القتل والتكذيب... 422

أمر التبليغ بولاية علي كانت فيه... 424

الغسل

كيفية تغسيل الميت التالف... 427

عندنا يختلف عن الغسل عند أهل السنّة... 429

الإمام عليه السلام يحتاج إليه... 430

الغلوّ

لا غلوّ في حبّ علي وما قاله... 431

ليس في خطبتي البيان والطتنجية غلوّ... 435

ليس عندنا غلوّ... 439

الغناء والموسيقى

نصوص التحريم... 441

ص: 584

حرمتهما عقلاً... 443

تعريف الغناء وروايات في تحريمه... 445

الغيبة

الدليل العقلي على غيبة الحجّة... 449

كيفية الانتفاع بالإمام المهدي في غيبته... 450

الحيرة الموجودة لا تنفي وجود حكمتها... 451

عدم خلو الأرض من حجّة لا تناقض الغيبة... 453

أسباب غيبة الإمام المهدي... 453

تعقيب على الجواب السابق... 456

غيبة المهدي لا تنفي مصلحة وجوب وجوده... 457

لا يطرأ عليها البداء... 459

شبهات وردود حول مسألة السرداب... 459

العامل في عصرها كالعامل في عصر الظهور... 467

من أسبابها... 469

فاطمة الزهراء عليها السلام

التهديد بحرق بابها في كتب أهل السنّة... 471

موقفها من أبي بكر... 474

مصادر شيعية في كسر ضلعها... 475

تسبيحتها وكيفيته... 476

قضيتها عقائدية لا تاريخية محضة... 477

بعض الأدلّة على عصمتها... 479

ص: 585

نزول الملائكة عليها... 479

معنى : ولولا فاطمة لما خلقتكما... 486

تفسير : السرّ المستودع فيها... 489

معنى : السرّ المستودع فيها... 489

مصادر ضربها وإسقاط جنينها... 490

مظلوميتها ثابتة... 491

لها خادمة لا ينافي زهدها... 492

مظلوميتها من أساسيات المذهب لا من المسائل التاريخية... 493

قولها « خير للمرأة أن لا ترى رجلاً » لا يعارض خطبتها في المسجد... 494

سبب خروجها لباب دارها عند هجوم القوم... 495

كان علي في بيتها عند هجوم القوم... 496

وصية النبيّ لعلي تشمل السكوت عند ضربها... 497

السبب في عدم دفاع الإمام علي عنها... 498

قبرها مجهول... 500

خطبتها في مصادر أهل السنّة... 500

ما هو لوحها... 501

العوامل التي أغضبتها... 502

الهجوم على دارها بعد خطبتها... 503

بكاؤها على أبيها... 504

فدك... 511

غصبها... 511

السكوت عنها... 512

من ردّها إلى أهل البيت... 512

ص: 586

لم يرجعها علي أيّام خلافته... 513

المراد من الإرث المعنى اللغوي لا الفقهي... 514

فرق ومذاهب

العلاقة بين العلوية والنصيرية... 517

الطائفة اليزيدية... 519

عقيدة اليزيديين... 521

فرقة الكرامية... 522

حركة القرامطة حركة سياسية... 523

الإخبارية وإنكارهم للعقل... 524

عقائد الشيخية... 525

العلويون... 527

نقطة الخلاف بين الشيعة وبقية المذاهب... 528

الفرق بين الاخباريين والأُصوليين... 529

الحركة البهائية حركة استعمارية... 529

الدولة الفاطمية كانت إسماعيلية... 530

تعقيب على الجواب السابق... 534

عقائد الأشاعرة... 535

تقسيم العلماء إلى إخباريين وأُصوليين لا يثير الفتنة... 535

تعقيب على الجواب السابق... 536

طرق الصوفية ممتزجة بين الحقّ والباطل... 537

ص: 587

الفوارق والمشتركات بين الشيعة والمعتزلة... 537

الفرق بين الأُصولية والإخبارية والشيخية... 543

الفرق بين المعتزلة والأشاعرة... 544

معنى المرجئة... 545

الديانة الأحمدية وعقائدها... 545

بحث موضوعي عن الشيخية... 547

الفرقة الناجية

الشيعة الإمامية هم الفرقة الناجية... 567

هي التي تمسّكت بأهل البيت... 569

من هي؟... 570

لا يمكن إعطاء ضابطة تحدّد الفرق الإسلامية... 571

الفهرس... 573

ص: 588

المجلد 5

هوية الكتاب

المؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة

المطبعة: ستاره

الطبعة: 1

الموضوع : العقائد والكلام

تاريخ النشر : 1429 ه.ق

ISBN (ردمك): 978-600-5213-05-8

المكتبة الإسلامية

موسوعة

الأسئلة العقائدية

المجلد الخامس

تأليف

مركز الأبحاث العقائدية

ص: 1

اشارة

مركز الأبحاث العقائدية :

إيران - قم المقدسة - صفائية - ممتاز - رقم 34

ص . ب : 3331 / 37185

الهاتف : 7742088 (251) (0098)

الفاكس : 7742056 (251) (0098)

العراق - النجف الأشرف - شارع الرسول (صلى اللّه عليه وآله)

جنب مكتب آية اللّه العظمى السيد السيستاني دام ظله

ص . ب : 729

الهاتف : 332679 (33) (00964)

الموقع على الإنترنيت : www.aqaed.com

البريد الإلكتروني : info@aqaed.com

شابِك ( ردمك ) :3-00-5213-600-978

شابِك ( ردمك ) :0-01-5213-600-978

موسوعة الأسئلة العقائدية المجلد الأول

تأليف

مركز الأبحاث العقائدية

الطبعة الأولى - 2000 نسخة

سنة الطبع: 1429ه

المطبعة : ستارة

الفلم والألواح الحسّاسة : تيزهوش

* جميع الحقوق محفوظة للمركز *

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

دليل الكتاب

القرآن الكريم... 7

القسم بغير اللّه... 61

قول آمين في الصلاة... 67

القياس... 73

كتاب لله ثمّ للتاريخ... 91

كربلاء وواقعة الطف... 119

اللعن... 187

متعة الحجّ... 201

متعة النساء... 209

المسح على الرجلين... 235

مصحف فاطمة عليها السلام... 239

المعاد... 245

معاوية بن أبي سفيان... 267

المعجزة... 279

الملائكة... 283

النبوّة والأنبياء... 293

النبي محمّد صلى اللّه عليه وآله... 311

النساء... 381

ص: 5

النصّ على الأئمّة... 393

النصب والنواصب... 405

النكاح... 413

نهج البلاغة... 439

الوحدة الإسلامية... 447

الوضوء... 453

وطئ الزوجة من الدبر... 457

وقت الإفطار... 469

الولاية التكوينية والتشريعية... 471

الوهّابية ومحمّد بن عبد الوهّاب... 483

يزيد بن معاوية... 505

الأسئلة المتفرّقة... 513

فهرس المصادر... 587

الفهرس الإجمالى... 653

ص: 6

القرآن الكريم :

اشارة

( سعيد حبيب اليوسف - الإمارات العربية - .... )

وجه تسمية السور :

س : نودّ من جنابكم التكرّم بالرّد على النقاط التالية :

أ - هل جاءت تسمية السور في القرآن الكريم من قبل الوحي ، أو من جهة أُخرى؟

ب - ما هي الحكمة أو القاعدة المتبعة في تسمية السور في القرآن الكريم؟

ت - من الملاحظ في العديد من السور بأنّ السورة الواحدة تشتمل على عدد من المواضيع ، لا تنسجم مع عنوان السورة ذاتها ، فعلى سبيل المثال في سورة البقرة بالإضافة إلى قصّة البقرة - الآيات 67 إلى 71 - نجد عدداً من المواضيع الأُخرى مثل :

1 - إبراهيم عليه السلام : الآيات 124 - 133.

2 - القبلة : الآيات 142 - 150.

3 - الحجّ : الآيات 196 - 203.

4 - استخلاف آدم عليه السلام : الآيات 30 - 39.

فكيف يمكن تبرير إدراج هذه المواضيع المختلفة ضمن عنوان البقرة؟ تمنّى لكم دوام التوفيق والعافية.

ج : إنّ تسمية السور جاءت من قبل القرّاء والمقرئين ، مع ملاحظة نظر الذوق العام أو العرف العام ، ففي سورة البقرة - مثلاً - جلب نظرهم قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً ) (1).

ص: 7


1- 1 - البقرة : 67

فابتداءً كانوا يقولون السورة التي تذكر فيها البقرة ، أو السورة التي يذكر فيها آل عمران ، ثمّ اختصاراً تحوّل إلى سورة البقرة ، وسورة آل عمران.

وهذا لا يعود إلى وحي ، ولا إلى تسمية معصوم ، وإنّما يعود إلى نظر الذوق العام أو العرف العام ، فالذي جلب نظرهم في هذه السورة المباركة هو موضوع البقرة لا المواضيع الأُخرى ، كموضوع إبراهيم عليه السلام لم يجلب نظرهم هنا ، نعم في سورة أُخرى موضوع إبراهيم عليه السلام جلب نظرهم ، فسمّيت تلك السورة بسورة إبراهيم ، وهكذا.

( .... - الكويت - .... )

ترتيب الآيات :

س : أسأل اللّه تعالى أن يوفّقكم لخدمة أهل البيت عليهم السلام ، والدفاع عن المذهب الحقّ ، ما هي عقيدتنا بترتيب الآيات في سور القرآن الكريم؟ هل ترتيبها في القرآن الموجود هو الذي أمر به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : إنّ الترتيب الموجود في الآيات هو ما كان على عهد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، بدلالة نفي التحريف مطلقاً عن القرآن ، الذي بمضمونه الالتزامي يدلّ على الاحتفاظ بترتيب الآيات ، كما نشاهده فعلاً ؛ وأيضاً ممّا يدلّ عليه تعارف وتداول قراءة السور ، مع ترتيب آياتها الموجود حاليّاً عند المسلمين ، من لدن الصدر الأوّل إلى الآن.

ولمزيدٍ من التوضيح ، عليكم بمطالعة الكتب التي دوّنت في هذا المجال ، ومنها - على سبيل المثال لا الحصر - « البيان في تفسير القرآن » للسيّد الخوئي قدس سره ، والرأي المتّبع عند الشيعة هو : - كما ذكر وعليه المعوّل ، وصرّح به علماء الطائفة - بأنّ الترتيب الفعلي للآيات كان من زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله (1).

ص: 8


1- صراط النجاة 1 / سؤال 1321.

( موالي - الكويت - 19 سنة - طالب )

قضية خلقه قضية مفتعلة :

س : هل يعتبر القرآن الكريم مخلوقاً أم لا؟

ج : إنّ منهج أهل البيت عليهم السلام هو الاهتمام الجدّي والحقيقي بالقضايا الإسلامية الحيوية ، وعدم اقتحامهم في قضايا لها حساباتها السياسية الخاصّة ، لذا فإنّك تجد أئمّة الهدى عليهم السلام أهملوا مسألة خلق القرآن ، لعدم علاقتها بالفكر الإسلامي الحقيقي ، متجنّبين - وشيعتهم كذلك - مخاطرات اللعب السياسية ، التي كانت الأنظمة تفتعلها لأغراض ليس هنا محلّ ذكرها.

ولو تأمّلت في قضية خلق القرآن ، لوجدتها قضية مفتعلة ليس لها آثارها الواقعية على بساط البحث العلمي ، فلو قلنا : إنّ القرآن مخلوق ، أو غير مخلوق ، فما هي آثار هذه القضية بالضبط في حياة الأُمّة؟ وفي مستقبل المسلمين؟ بل في واقعية الفكر الإسلامي عموماً؟

لذا فإنّ أئمّة آل البيت عليهم السلام أغلقوا باب النزاع العقيم هذا ، وحثّوا شيعتهم إلى الاهتمام بقضايا لا تشغلهم عن واقعهم المأساوي الذي يعيشونه ، وبذلك أجاب الإمام الرضا عليه السلام بإجابة لا تعطي معها نتيجة واضحة ، تدليلاً على أنّ أصل هذه القضية لا تعدو عن محاولاتٍ سياسية ، لتصفية حسابات خصومٍ سياسيين ، فقال عليه السلام في معرض إجابته هل القرآن مخلوق أم لا؟

« ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنّه كلام اللّه عزّ وجلّ » (1) ، وبذلك أراد الإمام عليه السلام أن لا يشغل الشيعة أنفسهم في قضايا عقيمة غير ذات بال.

( بدر الدين - المغرب - .... )

قول الأئمّة حول خلقه :

س : ما موقف الشيعة من مسألة خلق القرآن؟ نجد في التاريخ أنّ علماء قد

ص: 9


1- التوحيد : 223.

امتحنوا في هذه القضية - على رأسهم أحمد بن حنبل ، ونعيم المروزي - لكن لا نجد أثراً يذكر لأئمّة أهل البيت عليهم السلام للتصدّي لهذه المقولة! فهل القول عندهم كان هو أنّ القرآن مخلوق؟ كما يقول الخوارج والمعتزلة ، أم كان لهم موقف لم يصلنا خبره.

أفيدونا جزاكم اللّه خيراً.

ج : إنّ مسألة خلق القرآن إذا كنّا قد عرفنا دوافع افتعالها اتّضح لنا موقف أهل البيت عليهم السلام ، فمسألة خلق القرآن لا تحمل طابعها العلمي والديني بقدر ما تحمل طابعاً ودوافع سياسية صرفة ، أهمّها تصفية حسابات الخليفة العباسي المأمون مع أهل السنّة لأسباب عديدة لا يمكن ذكرها في المقام ، على أنّ أهل السنّة قد استفادوا من الإصرار على القول بعدم خلق القرآن اعتبارات سياسية أُخرى ، إذ كان المتوكّل العباسي الذي رفض سياسة المأمون قال بعدم خلق القرآن ، وقرّب الذين رفضوا بالخضوع لقول المأمون السياسي ، وأسبغ عليهم طابع الإصرار على عدم التساؤم في دين اللّه ... إلى آخرها من الأُمور التي استفاد بها بعضهم سياسياً ، كمعارضين ومؤيّدين لسياسات هوجاء غير صحيحة.

لذا فقد أُريقت دماء لقضية ليس لها أثرها العلمي والديني بحال ، فخلق القرآن وعدم خلقه ، لا يعني إلاّ لعبة سياسية مقيتة ليس لها آثارها على المجتمع الإسلامي ، وبذلك فإنّ أهل البيت عليهم السلام يعرفون دوافع هذه القضية ، فأمروا شيعتهم بتجنّب هذه المزالق السياسية صوناً لحياتهم الشريفة ، وبالمقابل فإنّ أهل البيت عليهم السلام رفضوا الدخول في هذه اللعبة السياسية ، التي ترجع عوائدها إلى النظام لا غير.

لذا فإنّ الإمام الرضا عليه السلام تدارك هذه القضية حينما سئل عن القرآن أهو مخلوق أم لا؟ فقال : « ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنّه كلام اللّه عزّ وجلّ » (1) ، وبذلك تجد أنّ الإمام عليه السلام قد اجتنب الدخول في هذه اللعبة السياسية ، التي أُريقت بسببها دماء دونها طائل.

ص: 10


1- التوحيد : 223.

وأخيراً : ما نؤمن به هو : أنّ القرآن مخلوق ، لأنّه غير ذاته تعالى ، وكُلّ شيء غير ذاته تعالى فهو مخلوق لا محالة.

( صلاح الدين مفتاح - المغرب - سنّي - 23 سنة - طالب جامعة الزراعة )

ترتيب الآيات والسور :

س : ما هو رأي الشيعة في ترتيب آيات وسور القرآن الكريم؟ هل تعتقد بتوقيفيّته؟ وهل يرتبط هذا الموضوع بالتحريف؟

ج : نقول في هذا المجال :

أوّلاً : إنّ الأدلّة العقلية والنقلية مجمعة على عدم التحريف في جانب الزيادة والنقصان ، والتبديل وترتيب الآيات ، كما هو مذكور في مظانّه ، ويتبنّاه المحقّقون من الشيعة من الصدر الأوّل حتّى الآن.

ثانياً : ليس لنا في ترتيب جميع السور طريق إلى إثبات توقيفيّته ، لأنّ الأدلّة العقلية قاصرة عن هذا المطلب ، والأدلّة النقلية لا تشمله إطلاقاً أو مورداً.

ولتوضيح المقام نقول : بأنّ الإعجاز الإلهي في القرآن لا يتوقّف على الترتيب الكامل الموجود بين السور ، كما هو واضح لمن له أدنى تأمّل ، ومن جانب آخر فإنّ النصوص الواردة في عدم التحريف تنصرف كُلّها - إن لم نقل بالتصريح - للتحريف الذي ذكرناه في البند الأوّل ، والذي يلتزم المحققّون بنفيه.

نعم ، كما قلنا : لم نعثر حتّى الآن على دليل علمي لتوقيفية ترتيب السور ، ولكن لا ننكره من الأساس ، بل هو أمر ممكن ، ولكن لا دليل على وقوعه.

( طالب نور - ... - ..... )

معاني الحروف المقطّعة :

س : ما هي معاني الأسماء المقطّعة؟ وهل هي أسماء لأشياء معيّنة أم ماذا؟

ج : أُختلف المفسّرون في معاني الحروف المقطّعة إلى أحد عشر قول :

ص: 11

إحداها : إنّها من المتشابهات التي استأثر اللّه سبحانه بعلمها ، لا يعلم تأويلها إلاّ هو.

الثاني : إنّ كلاً منها اسم للسورة التي وقعت في مفتتحها.

الثالث : إنّها أسماء القرآن ، أي لمجموعه.

الرابع : إنّ المراد بها الدلالة على أسماء اللّه تعالى ، فقوله : ( الم ) معناه : أنا اللّه أعلم ، وقوله : ( المر ) معناه : أنا اللّه أعلم وأرى ، وقوله : ( المص ) معناه : أنا اللّه أعلم وأفصل ، وقوله : ( كهيعص ) الكاف من الكافي ، والهاء من الهادي ، والياء من الحكيم ، والعين من العليم ، والصاد من الصادق ، وهو مروي عن ابن عباس.

الخامس : إنّها أسماء اللّه تعالى مقطّعة ، لو أحسن الناس تأليفها لعلموا اسم اللّه الأعظم ، وهو مروي عن سعيد بن جبير.

السادس : إنّها أقسام أقسم اللّه بها ، فكأنّه هو أقسم بهذه الحروف على أنّ القرآن كلامه ، وهي شريفة لكونها مباني كتبه المنزلة.

السابع : إنّها إشارات إلى آلائه تعالى وبلائه ، ومدّة الأقوام وأعمارهم وآجالهم.

الثامن : إنّ المراد بها الإشارة إلى بقاء هذه الأُمّة على ما يدلّ عليه حساب الجمل.

التاسع : إنّ المراد بها حروف المعجم.

العاشر : إنّها تسكيت للكفّار ، لأنّ المشركين تواصوا فيما بينهم ، أن لا يستمعوا للقرآن ، وأن يلغوا فيه ، كما حكاه القرآن عنهم بقوله : ( لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ ) (1) ، فربما صفّروا ، وربما صفّقوا ، وربما غلّطوا فيه ، يغلّطوا النبيّ صلى اللّه عليه وآله في تلاوته ، فأنزل اللّه تعالى هذه الحروف ، فكانوا إذا سمعوها استقربوا واستمعوا إليها ، وتفكّروا فيها ، واشتغلوا بها عن شأنهم ، فوقع القرآن في مسامعهم.

ص: 12


1- فصلت : 26.

الحادي عشر : إنّها من قبيل تعداد حروف التعجيز ، والمراد تعجيزهم عن تأليف مثل القرآن ، إلاّ أنّ السيّد الطباطبائي بعد ذكره هذه الوجوه لم يختر أحداً منها ، ويختار رأياً يختصّ به وهو : « أنّ بين هذه الحروف المقطّعة وبين مضامين السور المفتتحة بها ارتباطاً خاصّاً ، ويؤيّد ذلك ما نجد أنّ سورة الأعراف المصدّرة ب- ( المص ) في مضمونها ، كأنّها جامعة بين مضامين الميمات وص.

ويستفاد من ذلك : أنّ هذه الحروف رموز بين اللّه سبحانه وبين رسوله صلى اللّه عليه وآله خفية عنّا ، لا سبيل لإفهامنا العادية إليها إلاّ بمقدار أن نستشعر أن بينها وبين المضامين المودعة في السور ارتباطاً خاصّاً » (1).

( إبراهيم زاير حسين - البحرين - 34 سنة - طالب جامعة )

آخر ما نزل منه :

س : سؤالي حول قوله تعالى : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) (2) من حيث الترتيب ، حيث أنّنا نؤمن بأنّ آية : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (3) قد نزلت بعد آية : ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) (4) وهي آخر ما أنزل.

السؤال : ما وجه القول بأنّ قوله تعالى : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) قد نزلت بعد الآيات السابقة؟

أرجو أن توضّحوا المسألة بالتفصيل قدر الإمكان ، لكون السائل من إخواننا السنّة ، ودمتم ذخراً ، وسدّد اللّه خطاكم ، ولكم الشكر على ما أسلفتم من ردود ، في أمان اللّه.

ج : من المتسالم عليه عند أهل البيت عليهم السلام : أنّ آخر ما نزل من الفرائض في القرآن سورة المائدة ، وبالتحديد آية إكمال الدين.

ص: 13


1- الميزان في تفسير القرآن 18 / 6.
2- المعارج : 1.
3- المائدة : 3.
4- المائدة : 67.

قال الإمام الصادق عليه السلام : « يقول اللّه عزّ وجلّ : لا أنزل عليكم بعد هذه - فريضة الولاية - فريضة ، قد أكملت لكم الفرائض » (1).

وتؤيّد هذا الرأي روايات صحيحة وكثيرة في مصادر أهل السنّة ، منها :

1 - عن أبي ميسرة قال : آخر سورة أُنزلت سورة المائدة ، وأن فيها لسبع عشرة فريضة (2).

2 - روينا من طريق عائشة أُمّ المؤمنين أنّ سورة المائدة آخر سورة نزلت ، فما وجدتم فيها حلالاً فحلّلوه ، وما وجدتم فيها حراماً فحرّموه (3).

3 - قال عبد اللّه بن عمر : آخر سورة نزلت المائدة (4).

ويمكن القول بأنّ آية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) وحدها تكفي دليلاً على أنّها آخر آية نزلت من كتاب اللّه تعالى ، لأنّها تنصّ على أنّ نزول الفرائض قد تمّت بها ، فلا يصحّ القول بأنّه نزل بعدها فريضة.

وعليه ، فكُلّ ما نزل بعدها من القرآن ، لابدّ أن يكون خالياً من الفرائض والأحكام ، لأنّ التشريع قد تمّ بنزولها ، فلا حكم بعدها.

وآية ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) ليست حكماً ولا فريضة ، فلا مانع من نزولها بعد آية الإكمال ، فتكون آية الإكمال آخر آية تشريعية نزلت ، وآية السائل آخر آية غير تشريعية نزلت.

ثمّ إنّ هناك احتمال آخر وهو : أن تكون آية ( سَأَلَ سَائِلٌ ) قد نزلت بصورة مكرّرة بعد آية الإكمال ، وهذا الاحتمال له نظائر في موارد أُخرى ، كما هي غير خافية على المتّتبع في مجال نزول الآيات.

ص: 14


1- الكافي 1 / 289.
2- الدرّ المنثور 2 / 252.
3- المحلّى 9 / 407.
4- التبيان في تفسير القرآن 3 / 413.

( أمير أحمد - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

نزوله باللغة العربية :

س : ما هي أسباب اختيار اللّه تعالى اللغة العربية كي ينزل بها القرآن الكريم؟ ويجب قدر المستطاع الإتيان بها في بعض العبادات والمعاملات - كالصلاة - وكثير من الأعاجم يعتبرونها اللغة الأصعب والأعقد عليهم ، والمستشرقون يأخذون هذا حجّة سلبية على الإسلام.

ج : إنّ اختيار اللّه تعالى للّغة العربية كلسانٍ لخاتم الأديان كان عن مصلحة ، إذ هو حكيم وخالق لكافّة اللغات والألسنة ، فترجيحه لابدّ وأن يصدر عن علمٍ وحكمة.

وهذا ما نراه فعلاً في مميّزات هذه اللغة عن غيرها ، فلم توجد هناك لغة - على ما نعرف - في حدّ شموليّتها للتعبير عن مختلف جوانب الحياة الدنيوية والأُخروية ، بما فيها من تعابير حقيقية ومجازية ، واستعارات وكنايات وغيرها.

ولابأس في هذا المجال أن تقاس الكتب الأدبية والمعاجم اللغوية التي أُلّفت في اللغة العربية بغيرها من اللغات كمّاً وكيفاً ، حتّى نرى وسع دائرة شمول هذه اللغة ، وهذا شيء يرجع فيه إلى ذوي الاختصاص ، والأهمّ دلالةً في هذا المقام ، هو الإعجاز الخالد للقرآن الكريم ، فهو وإن لم ينحصر في مظهره الأدبي - بل ويشمل كافّة أنحاء المفاهيم والمواضيع المختلفة - ولكن لا يخفى أنّ أسلوبه في التعبير والقالب ، له الدور الأساسي في تركيز معانيه القيّمة ، وهذا ممّا أتاحت له مميّزات هذه اللغة الفريدة ، حتّى استطاع أن يبرز كمعجزة خالدة عبر الدهور والأجيال.

ثمّ إنّ الإشكال المتوهّم في عدم إمكانية الإفصاح بهذه اللغة عند البعض ، فليس في محلّه ، إذ أنّ الواجب واللازم الإتيان بقدر الاستطاعة لا أكثر ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ) (1).

ص: 15


1- البقرة : 286.

نعم الأحرى والأجدر أن يبذل المسلم المكلّف الجهد في سبيل تعلّم هذه اللغة ، بمقدار متطلّبات الأحكام ، حتّى لا يحرم عن فهم معانيها وميزاتها الفريدة.

( علي عدنان العلي - الكويت - .... )

الفرق بين التدبّر والتفسير والتأويل :

س : ما هو الفرق بين التدبّر في القرآن والتفسير والتأويل؟ وما هو التفسير المنهي عنه في روايات أهل البيت عليهم السلام؟

ج : إنّ التدبّر هو : الوقوف عند الآيات والتعمّق وأخذ العبر للعمل بها ، فهو في الواقع ناتج عن التفسير والتأويل الصحيحين.

وأمّا التفسير في الاصطلاح هو : كشف الغوامض والأستار عن ظاهر القرآن ، بمعونة شرح الألفاظ ، والتفقّه في موارد اللغة ، واستنتاج المفاهيم والمعاني ، خصوصاً بمراجعة المأثور من كلام المعصومين عليهم السلام ، وعلى الأخصّ في مجال تمييز المتشابهات عن المحكمات ، وبيان المراد منها.

وأمّا التأويل فهو في الحقيقة : تطبيق المفاهيم والآيات في الخارج ، أي تعيين المصاديق الخارجية لمعاني الآيات ، فالتأويل الصحيح يترتّب من ناحية المعنى على التفسير الصحيح ، ولا يخفى أنّ التأويل الصحيح لا مجال للوصول إليه إلاّ من طريق الوحي ، وكلام المعصومين عليهم السلام.

وأمّا التفسير المنهي عنه في كلام أهل البيت عليهم السلام ، فهو إظهار معانٍ خاصّة تناقض كلام الوحي والعصمة ، اعتماداً على آراءٍ وأهواءٍ ، والذي يسمّى بالتفسير بالرأي ؛ إذ لا يعقل أن يكون تفسير آية - مثلاً - على خلاف باقي الآيات ، أو نقيض كلام الرسول صلى اللّه عليه وآله ، والأئمّة المعصومين عليهم السلام ، فإنّها كُلّها نزلت من مبدأ واحدٍ ، فلابدّ من التوحيد.

ص: 16

( محمّد شاوف - المغرب - سنّي مالكي - 31 سنة )

تفسير ( وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى ) :

س : يقول اللّه تعالى : ( وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى ) (1) ما تفسيركم؟

ج : قال العلاّمة الطباطبائي في تفسير الميزان حول الآية ما نصّه : « وقوله ( وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى ) أي وعد اللّه كلاً من القاعدين والمجاهدين ، أو كلاً من القاعدين غير أُولى الضرر ، والقاعدين أُولى الضرر ، والمجاهدين الحسنى ، والحسنى وصف محذوف الموصوف ، أي العاقبة الحسنى أو المثوبة الحسنى ، أو ما يشابه ذلك ، والجملة مسوقة لدفع الدخل ، فإنّ القاعد من المؤمنين ربما أمكنه أن يتوهّم من قوله ( لاَّ يَسْتَوِي ) - إلى قوله - ( دَرَجَةً ) أنّه صفر الكفّ ، لا فائدة تعود إليه من إيمانه وسائر أعماله ، فدفع ذلك بقوله : ( وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى ) » (2).

( حيدر - بريطانيا - .... )

تفسير آية 62 من البقرة :

س : أُريد شرحاً لآية 62 من سورة البقرة.

ج : قال العلاّمة الطباطبائي في تفسير الميزان حول الآية ما نصّه : « تكرار الإيمان ثانياً ، وهو الاتصاف بحقيقته ، كما يعطيه السياق يفيد أنّ المراد بالذين آمنوا في صدر الآية هم المتصفون بالإيمان ظاهراً ، المتسمّون بهذا الاسم ، فيكون محصّل المعنى أنّ الأسماء والتسمّي بها مثل المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين لا يوجب عند اللّه تعالى أجراً ، ولا أمناً من العذاب ،

ص: 17


1- النساء : 95.
2- الميزان في تفسير القرآن 5 / 46.

كقولهم : ( لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى ) (1) ، وإنّما ملاك الأمر وسبب الكرامة والسعادة حقيقة الإيمان باللّه واليوم الآخر والعمل الصالح ، ولذلك لم يقل من آمن منهم بإرجاع الضمير إلى الموصول اللازم في الصلة ، لئلاّ يكون تقريراً للفائدة في التسمّي على ما يعطيه النظم كما لا يخفى.

وهذا ما تكرّرت فيه آيات القرآن أنّ السعادة والكرامة تدور مدار العبودية ، فلا اسم من هذه الأسماء ينفع لتسمّيه شيئاً ، ولا وصف من أوصاف الكمال يبقى لصاحبه وينجيه إلاّ مع لزوم العبودية ، الأنبياء ومن دونهم فيه سواء ، فقد قال تعالى في أنبيائه بعد ما وصفهم بكُلّ وصف جميل : ( وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) (2).

وقال تعالى في أصحاب نبيّه ومن آمن معه ، مع ما ذكر من عظم شأنهم وعلوّ قدرهم : ( وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (3) ، فأتى بكلمة منهم ، وقال في غيرهم ممّن أُوتي آيات اللّه تعالى : ( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ) (4) ، إلى غير ذلك من الآيات الناصّة على أنّ الكرامة بالحقيقة دون الظاهر » (5).

وقال العلاّمة الطباطبائي في بحثه الروائي ما نصّه : « في الدرّ المنثور : عن سلمان الفارسي قال : سألت النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن أهل دين كنت معهم ، فذكر من صلاتهم وعبادتهم فنزلت : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ ) (6).

أقول : وروي أيضاً نزول الآية في أصحاب سلمان بعدّة طرق أُخرى.

ص: 18


1- البقرة : 111.
2- الأنعام : 88.
3- الفتح : 29.
4- الأعراف : 176.
5- الميزان في تفسير القرآن 1 / 193.
6- البقرة : 62.

وفي المعاني : عن ابن فضّال قال : قلت للرضا عليه السلام لم سمّي النصارى نصارى؟ قال : « لأنّهم كانوا من قرية اسمها ناصرة من بلاد الشام ، نزلتها مريم وعيسى بعد رجوعيهما من مصر ».

وفي الرواية أنّ اليهود سمّوا باليهود لأنّهم من ولد يهودا بن يعقوب.

وفي تفسير القمّي : قال : قال عليه السلام : « الصابئون قوم لا مجوس ولا يهود ، ولا نصارى ولا مسلمون ، وهم يعبدون النجوم والكواكب ».

أقول : وهي الوثنية ، غير أنّ عبادة الأصنام غير مقصورة عليهم ، بل الذي يخصّهم عبادة أصنام الكواكب » (1).

( حسن عبد الشهيد - البحرين - .... )

معنى الكفر في ( فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) :

س : أشكركم على هذا الموقع الرائع والمثير للإعجاب ، حتّى لأعداء الإسلام ، أودّ الحصول على الإجابة على تفسير قوله تعالى : ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) (2) ، حتّى ولو كان الحاكم أو القاضي ينطق بالشهادتين؟

ج : الكفر لغة بمعنى الستر ، فالكافر من يستر على الحقّ ولا يظهره ، والكفر تارة في العقيدة ، كمن يكفر باللّه أو رسوله أو وصيّه ، فيكون كافراً بالتوحيد أو خاتم النبوّة ، أو الإمامة الحقّة ، وأُخرى كفر في العمل ، ومنه كفر النعمة وجحودها ، فمن يترك الصلاة وهو مقرّ بالشهادتين فهو كافر - كما ورد في الأحاديث - ولكن هذا من الكفر في العمل ، وكذلك في قوله تعالى : ( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (3) ، فهذا لمن ترك الحجّ وهو مستطيع ، فإنّه كافر في

ص: 19


1- الميزان في تفسير القرآن 1 / 194.
2- المائدة : 44.
3- آل عمران : 97.

العمل ، ولا يوجب ذلك نجاسته ، كما هو ثابت في محلّه من الفقه الإسلامي ، وإن كان يعاقب على تركه الحجّ.

وحينئذٍ من يحكم بغير ما أنزل اللّه ، تارة ينكر ما أنزل اللّه فيحكم بغيره ، ويعتقد أنّ غير حكم اللّه هو الصواب والحقّ ، فهذا يرجع إلى إنكار اللّه سبحانه ، والكفر به في العقيدة ، ويحكم عليه بالنجاسة في الدنيا ، والخلود في النار في الآخرة - كالشيوعيين الذين ينكرون اللّه ، وينكرون حكمه - وأُخرى يؤمن باللّه ويقول بالشهادتين إلاّ أنّه جهلاً ، يتصوّر أنّ الأحكام الوضعية أوفق بالتطبيق في عصرنا الحاضر ، فيحكم بغير ما أنزل اللّه جهلاً ، وإن كان مثقّفاً وقاضياً يحمل العلوم العصرية ، فهذا كافر في العمل ، وفاسق في التطبيق ، فيعاقب على فسقه وكفره العملي ، إلاّ أنّه لا يخلّد في النار ، كما كان يخلّد الكافر في العقيدة ، فنقول بالتفصيل بين الكفر العملي والكفر في العقيدة.

( عبد الحسين - لبنان - .... )

هو مخلوق :

س : هل القرآن مخلوق؟

ج : لا يخفى عليك أنّ هذا السؤال طرح في زمن الأئمّة عليهم السلام ، واستغلّه ملوك العباسيين لتثبيت مناصبهم من جهة ، ولإيجاد التفريق بين المذاهب من جهة أُخرى ، وحصلت فيه الكثير من القضايا التي أبعدت المسلمين عن أُمورهم الأساسية ، وتقوية الدولة الإسلامية ، لذا نجد أهل البيت عليهم السلام كانوا يحاولون تجنيب أنفسهم وشيعتهم من الدخول في مثل هذه الفتنة العمياء.

فكان الإمام الصادق عليه السلام حينما يسأل عن خلق القرآن يقول : « كلام اللّه » ، ولكن بعد أن انجلت الفتنة وانتهى أمدها ، صرّحوا عليهم السلام بحدوثه.

ص: 20

هذا وإن كان في الجواب الأوّل للإمام عليه السلام دلالة على خلقه ، وأنّه ليس بقديم ، إذ أنّ كلام اللّه معناه غير اللّه ، وكُلّ ما كان غير اللّه فهو حادث مخلوق.

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

قولنا : صدق اللّه العلي العظيم :

س : عندي سؤال وهو : نحن الشيعة عندما ننهي الآية أو السورة من القرآن الكريم نقول : صدق اللّه العلي العظيم ، ولا نقول : صدق اللّه العظيم ، فما هو السر في ذكر العلي؟ ودمتم موفّقين.

ج : من الطبيعي عدم ورود مثل هذه الأُمور في الروايات ، لذا فمن الناحية الأوّلية يمكن الإتيان بأيّهما شاء ، لكن لمّا كان في هذه الجملة « العلي العظيم » من زيادة في تعظيم اللّه تعالى أوّلاً ، وثانياً لأنّها وردت في القرآن الكريم بموردين :

1 - قوله تعالى : ( وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (1).

2 - قوله تعالى : ( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (2).

ولم نجد في القرآن اقتران العظيم بلفظ الجلالة لوحده فقط ، لذا كان الأفضل هو الجملة الأُولى ، أي : « العلي العظيم » ، ولهذا تمسّك بها أتباع أهل البيت عليهم السلام.

( .... - المغرب - .... )

جواز قراءته بالقراءات المشهورة :

س : قرأت كلاماً للشيخ السبحاني مفاده : إنّ القراءة المعتمدة في القرآن الكريم هي القراءة المسندة إلى أمير المؤمنين علي أبي طالب عليه السلام دون باقي الروايات ، فهل هذا يعني أنّ القراءات الأُخرى لا تعتبرونها؟ وكيف يكون ذلك

ص: 21


1- البقرة : 255.
2- الشورى : 4.

والقراءات الأُخرى مروية بالتواتر ، وتستند إلى أجلّة الصحابة ، كأُبي بن كعب ، وعبد اللّه بن مسعود ، وابن عباس.

ونحن في المغرب ، لا نعرف سوى رواية ورش عن نافع ، التي تنتهي إلى ابن عباس ، ثمّ إقرار الرسول صلى اللّه عليه وآله لعمر بن الخطّاب والصحابي لمّا أختلفا في قراءة آية وغير ذلك ، أليس هذا أصلاً لاختلاف القراءات؟ وفّقكم اللّه لإصابة الحقّ ولشفاء الصدر.

ج : إنّ فقهاء الشيعة يفتون بجواز قراءة القرآن بالقراءات المشهورة ، وكون القراءات السبع مجزية عندهم ، ولكن الاختلاف بين الشيعة وأهل السنّة في كون القرآن نزل على سبعة أحرف ، حيث تنفي الشيعة هذا ، وذلك بالاعتماد على ما روي عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

فعن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف ، فقال : « كذبوا أعداء اللّه ، ولكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد » (1).

( .... - المغرب - سنّي )

نزل على حرف واحد :

س : أودّ من فضيلة العلماء أن يرشدوني في مسألة ما تزال غامضة إلى الآن ، خاصّة أنّ كثيراً ممّن تطرّق إليها لا يوفّي حقّها ، ويترك أمام القارئ سلسلة من الاحتمالات والمفاهيم الناقصة ، التي لا تشفي غليل الباحث عن الحقّ ، ذلك أنّي قرأت كتاباً للشيخ مناع القطان بعنوان : مباحث في علوم القرآن ، تطرّق فيه إلى مسألتين مهمّتين : الحروف السبع التي أنزل عليها القرآن الكريم ، والقراءات التي يقرأ بها.

فذكر أنّ القول الراجح هو : أنّ معنى الحروف السبع المذكورة في الأحاديث هي عدد لهجات العرب ، وهذا تخفيفاً على الناس كما ذكر ، ثمّ لمّا وقع

ص: 22


1- الكافي 2 / 630.

الاختلاف والتنازع زمن عثمان بن عفّان ، تمّ جمع الناس على لغة قريش ، أمّا اختلاف القراءات يرجع إلى الرسول صلى اللّه عليه وآله وذلك بأحد أمرين :

أمّا أن يكون الاختلاف في القراءة صادراً عن النبيّ الكريم ، كقراءة ملك ومالك ، وإقرار النبيّ صلى اللّه عليه وآله سلمان الفارسي ذلك : بأنّ منهم صدّيقين ورهباناً ، بدل قسّيسين ورهباناً الآية ، وغير ذلك ممّا هو كثير ، أو أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أقرّ من يقرأ على هذه القراءة.

إذاً ، فكُلّ قراءة توفّرت فيها الشروط ، ومنها التواتر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هي قراءة صحيحة ، كما أنّني كنت قرأت عن بعض علمائكم أنّكم لا تعتبرون إلاّ قراءة حفص عن عاصم ، فما مصير القراءات الأُخرى؟

ج : الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام في هذا المجال تقول : أنّ القرآن نزل على حرف واحد ، لا على سبع حروف كما يدّعون ، فالقرآن واحد ، نزل من عند الواحد ، أنزله الواحد على الواحد ، فهذه هي عقيدة أئمّة أهل البيت عليهم السلام بالقرآن.

وأمّا سبب اختلاف في القراءة فله تأويلات ، وأسباب كثيرة ، وعلى كُلّ حال ، فالقرآن لم ينزل على أشكال وقراءات ، وإنّما الاختلاف حصل من البشر.

( عادل عبد الحسين العطّار - البحرين - .... )

جواز قراءته في أيّام الدورة الشهرية غيباً :

س : هل يجوز لمن هي في أيّام الدورة الشهرية قراءة القرآن غيباً؟ ولكم منّي جزيل الشكر والاحترام.

ج : جوّز فقهاؤنا قراءة القرآن الكريم على ظهر الغيب - لمن هي في أيّام الدورة الشهرية - وفي المصحف ، ولكن لا تمسّ المصحف ، ولا تقرأ آيات السجدة.

ونلفت انتباهك إلى أنّ الروايات عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام وردت في جواز قراءة القرآن لمن هي في أيّام الدورة الشهرية ، إلاّ أنّها تنصّ على كراهة قراءة أكثر من سبع آيات.

ص: 23

( يوسف العاملي - المغرب - .... )

تفسير ( لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) :

س : السلام على جميع العاملين في هذا المركز العظيم ، الذي نشر تعاليم آل محمّد وعلومهم ، جعلهم اللّه شفعاؤكم يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلاّ من أتى اللّه بقلب سليم ، وهكذا فإنّنا نبارك لكم حلول أيّام العيد الفطر السعيد ، جعله اللّه عليكم خيراً وغفراناً من كُلّ ذنب.

لقد أرسلتم لنا في شهر رمضان المبارك هذا العام كتاب جميل جدّاً : عقائد الإمامية لكاتبه العلاّمة الشيخ محمّد رضا المظفّر ، فالشكر لكم على ما تخصصوه من العناية والرعاية لأتباع هذا المذهب في كُلّ أنحاء العالم.

لكنّني عندما قرأت هذا الكتاب الرائع استوقفتني جملة في ، وهي كالتالي : يقول العلاّمة : كما لا يجوز لمن كان على غير طهارة أن يمسّ كلماته أو حروفه ( لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (1) سواء كان محدثاً بالحدث الأكبر ، كالجنابة والحيض والنفاس وشبهها ....

وبدوري أتساءل : هل يصحّ أن نفسّر هذه الآية بدلالتها اللفظية الظاهرية؟ ونحن نعلم جميعاً أنّ جلّ علماء الشيعة استدلّوا بهذه الآية على عمق علوم أهل البيت عليهم السلام فقالوا : إنّ تلك المعاني العميقة في القرآن لا يمكن لأحد غيرهم فهمها أو إدراكها؟ فكيف يمكن التوفيق بين ما جاء في هذا الكتاب وما قلناه نحن؟ لا تنسونا من خالص الدعاء.

ج : لا مانع من دلالة الآية الشريفة على المعنيين المذكورين بنظرتين مختلفتين في الرتبة ، فعندما ننظر إليها من زاوية الأخذ بظاهر الألفاظ ، تعطينا حكماً فقهياً يمكننا الاستدلال عليه بهذه الآية ، وحينما نريد أن نتأمّل فيها ونستنتج مفادها ، فسوف ترشدنا إلى حكم عقائدي في غاية الأهمّية ، وهو : الإشارة إلى عظمة مرتبة أهل البيت عليهم السلام العلمية ، وقد جاء هذان التفسيران للآية في مصادر الفريقين ، فلاحظ.

ص: 24


1- الواقعة : 79.

ثمّ إنّ العلاّمة المظفر قدس سره لا يريد أن ينفي التفسير الثاني ، بل كان في مقام الاستدلال بالآية على المعنى الأوّل.

( محمّد الحلّي - البحرين - .... )

فائدة الآية المنسوخة :

س : ما الفائدة من الآية المنسوخة؟

ج : يتّضح الجواب بعد بيان عدّة نقاط :

الأُولى : ما معنى النسخ؟

أ - النسخ في اللغة : هو الاستكتاب ، كالاستنساخ والانتساخ ، وبمعنى النقل والتحويل ، ومنه تناسخ المواريث والدهور ، وبمعنى الإزالة ، ومنه نسخت الشمس الظلّ ، وقد كثر استعماله في هذا المعنى في ألسنة الصحابة والتابعين ، فكانوا يطلقون على المخصّص والمقيّد لفظ الناسخ.

ب - النسخ في الاصطلاح : هو رفع أمر ثابت في الشريعة المقدّسة بارتفاع أمده وزمانه ، وسواء أكان من المناصب الإلهية أم من غيرها ، من الأُمور التي ترجع إلى اللّه تعالى بما أنّه شارع ، وهذا الأخير كما في نسخ القرآن من حيث التلاوة فقط.

الثانية : هل وقع النسخ في الشريعة الإسلامية؟

لا خلاف بين المسلمين في وقوع النسخ ، فإنّ كثيراً من أحكام الشرائع السابقة قد نسخت بأحكام الشريعة الإسلامية ، وإنّ جملة من أحكام هذه الشريعة قد نسخت بأحكام أُخرى من هذه الشريعة نفسها ، فقد صرّح القرآن الكريم بنسخ حكم التوجّه في الصلاة إلى القبلة الأُولى ، وهذا ممّا لا ريب فيه.

الثالثة : أقسام النسخ في القرآن :

1 - نسخ التلاوة دون الحكم :

ص: 25

وقد مثّلوا لذلك بآية الرجم فقالوا : إنّ هذه الآية كانت من القرآن ، ثمّ نسخت تلاوتها وبقي حكمها ، والقول بنسخ التلاوة هو نفس القول بالتحريف ، ومستند هذا القول أخبار آحاد ، وأخبار الآحاد لا أثر لها.

2 - نسخ التلاوة والحكم :

ومثّلوا لنسخ التلاوة والحكم معاً ، بما روي عن عائشة أنّها قالت : « كان فيما أُنزل من القرآن : عشر رضعات معلومات يحرّمن ، ثمّ نسخن بخمس معلومات ، فتوفّي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهن فيما يقرأ من القرآن » (1).

والكلام في هذا القسم ، كالكلام على القسم الأوّل بعينه.

3 - نسخ الحكم دون التلاوة :

وهذا القسم هو المشهور بين العلماء والمفسّرين ، وقد ألّف فيه جماعة من العلماء كتباً مستقلّة ، وذكروا فيها الناسخ والمنسوخ ، وخالفهم في ذلك بعض المحقّقين ، فأنكروا وجود المنسوخ في القرآن ، وقد اتفق الجميع على إمكان ذلك ، وعلى وجود آيات في القرآن ناسخة لأحكام ثابتة في الشرائع السابقة ، ولأحكام ثابتة في صدر الإسلام.

الرابعة : ما الفائدة من الآية المنسوخة؟

سئل الإمام علي عليه السلام عن الناسخ والمنسوخ؟ فقال : « إنّ اللّه تبارك وتعالى بعث رسوله صلى اللّه عليه وآله بالرأفة والرحمة ، فكان من رأفته ورحمته أنّه لم ينقل قومه في أوّل نبوّته عن عادتهم ، حتّى استحكم الإسلام في قلوبهم ، وحلّت الشريعة في صدورهم ، فكان من شريعتهم في الجاهلية أنّ المرأة إذا زنت حبست في بيت ، وأقيم بأودها حتّى يأتيها الموت ، وإذا زنى الرجل نفوه من مجالسهم وشتموه ، وآذوه وعيّروه ولم يكونوا يعرفون غير هذا.

فقال اللّه تعالى في أوّل الإسلام : ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ ... فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً * وَاللَّذَانَ

ص: 26


1- صحيح مسلم 4 / 167 ، الجامع الكبير 2 / 309.

يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (1).

فلمّا كثر المسلمون وقوي ، واستوحشوا أُمور الجاهلية ، أنزل اللّه تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ... ) (2) ، فنسخت هذه الآية آية الحبس والأذى » (3).

يظهر من هذه الرواية أنّ هناك مصلحة إلهية اقتضت تغيير الحكم تدريجياً.

ومنها : بيان عظمة وقدرة الباري تعالى على تغيير الحكم ، مع وجود مصلحة مؤقّتة في كلا الحكمين ، ولكن في الحكم الأوّل كانت مصلحة مؤقّتة ، وفي الحكم الثاني كانت المصلحة دائمية ، وكلا المصلحتين كانتا بنفع المؤمنين.

ومنها : إظهار بلاغتها وإعجازها ، وغير ذلك.

( عبد اللّه - السعودية - .... )

تفصيل حول خلقه :

س : أُريد تفصيلاً عن مسألة خلق القرآن من عرض للروايات والأقوال ، مع جمع وتحليل ، وشكراً لكم.

ج : إنّ مسألة كون القرآن قديماً أو مخلوقاً ، والاختلاف في معنى المخلوق ، ونفي الإمام عليه السلام كونه مخلوقاً ، وإنّما كلام اللّه ، ويريد بذلك نفي ما ربما يتصوّر من كونه مخلوقاً أن يطرأ عليه الكذب ، أو احتمال أن يكون منحولاً ، وإلاّ فلا مجال للاختلاف من كون كلام اللّه حادثاً ، ومع هذا فهو غير مخلوق ، بمعنى غير مكذوب.

ص: 27


1- النساء : 15 - 16.
2- النور : 2.
3- بحار الأنوار 90 / 6.

روي عن عبد الرحيم أنّه قال : كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللّه عليه السلام : جعلت فداك أُختلف الناس في القرآن ، فزعم قوم أنّ القرآن كلام اللّه غير مخلوق ، وقال آخرون : كلام اللّه مخلوق؟

فكتب عليه السلام : « فإنّ القرآن كلام اللّه محدث غير مخلوق ، وغير أزلي مع اللّه تعالى ذكره ، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً ، كان اللّه عزّ وجلّ ولا شيء غير اللّه معروف ولا مجهول ، كان عزّ وجلّ ولا متكلّم ولا مريد ، ولا متحرّك ولا فاعل ، جلّ وعزّ ربّنا.

فجميع هذه الصفات محدثة غير حدوث الفعل منه ، عزّ وجلّ ربّنا ، والقرآن كلام اللّه غير مخلوق ، فيه خبر من كان قبلكم ، وخبر ما يكون بعدكم ، أُنزل من عند اللّه على محمّد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله » (1).

قال الشيخ الصدوق قدس سره : « كان المراد من هذا الحديث ما كان فيه من ذكر القرآن ، ومعنى ما فيه أنّه غير مخلوق أي غير مكذوب ، ولا يعني به أنّه غير محدث ، لأنّه قال : محدث غير مخلوق ، وغير أزلي مع اللّه تعالى ذكره » (2).

وقال أيضاً : « قد جاء في الكتاب أنّ القرآن كلام اللّه ، ووحي اللّه ، وقول اللّه ، وكتاب اللّه ، ولم يجيء فيه أنّه مخلوق ، وإنّما امتنعنا من إطلاق المخلوق عليه لأنّ المخلوق في اللغة قد يكون مكذوباً ، ويقال : كلام مخلوق أي مكذوب ، قال اللّه تبارك وتعالى : ( إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ) (3) أي كذباً ، وقال تعالى حكاية عن منكري التوحيد : ( مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ ) (4) أي افتعال وكذب.

فمن زعم أنّ القرآن مخلوق بمعنى أنّه مكذوب فقد كذب ، ومن قال : أنّه غير مخلوق بمعنى أنّه غير مكذوب فقد صدق ، وقال الحقّ والصواب ، ومن

ص: 28


1- التوحيد : 227.
2- المصدر السابق : 229.
3- العنكبوت : 7.
4- ص : 7.

زعم أنّه غير مخلوق بمعنى أنّه غير محدث ، وغير منزل وغير محفوظ ، فقد أخطأ وقال غير الحقّ والصواب.

وقد أجمع أهل الإسلام على أنّ القرآن كلام اللّه عزّ وجلّ على الحقيقة دون المجاز ، وأنّ من قال غير ذلك فقد قال منكراً وزوراً ، ووجدنا القرآن مفصّلاً وموصلاً ، وبعضه غير بعض ، وبعضه قبل بعض ، كالناسخ الذي يتأخّر عن المنسوخ ، فلو لم يكن ما هذه صفته حادثاً بطلت الدلالة على حدوث المحدثات ، وتعذّر إثبات محدثها ، بتناهيها وتفرّقها واجتماعها.

وشيء آخر : وهو أنّ العقول قد شهدت ، والأُمّة قد أجمعت : أنّ اللّه عزّ وجلّ صادق في أخباره ، وقد علم أنّ الكذب هو أن يخبر بكون ما لم يكن ، وقد أخبر اللّه عزّ وجلّ عن فرعون وقوله : ( أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ) (1) ، وعن نوح أنّه : ( وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ) (2).

فإن كان هذا القول وهذا الخبر قديماً ، فهو قبل فرعون وقبل قوله ما أخبر عنه ، وهذا هو الكذب ، وإن لم يوجد إلاّ بعد أن قال فرعون ذلك ، فهو حادث ، لأنّه كان بعد أن لم يكن.

وأمر آخر وهو : أنّ اللّه عزّ وجلّ قال : ( وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) (3) ، وقوله : ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) (4) ، وما له مثل ، أو جاز أن يعدم بعد وجوده ، فحادث لا محالة » (5).

وقال الشيخ الطوسي : « كلام اللّه تعالى فعله ، وهو محدث ، وامتنع أصحابنا من تسميته بأنّه مخلوق ، لما فيه من الإيهام بكونه منحولاً ، وقال

ص: 29


1- النازعات : 24.
2- هود : 42.
3- الإسراء : 86.
4- البقرة : 106.
5- التوحيد : 225.

أكثر المعتزلة : أنّه مخلوق ، وفيهم من منع من تسميته بذلك ، وهو قول أبي عبد اللّه البصري وغيره.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمّد : أنّه مخلوق ، قال محمّد : وبه قال أهل المدينة ، قال الساجي : ما قال به أحد من أهل المدينة ، قال أبو يوسف : أوّل من قال بأنّ القرآن مخلوق أبو حنيفة ، قال سعيد بن سالم : لقيت إسماعيل بن حماد ابن أبي حنيفة في دار المأمون ، فقال : إنّ القرآن مخلوق ، هذا ديني ودين أبي وجدّي.

وروي عن جماعة من الصحابة الامتناع من تسميته بأنّه مخلوق ، وروي ذلك عن علي عليه السلام أنّه قال يوم الحكمين : « واللّه ما حكمت مخلوقاً ، ولكنّي حكمت كتاب اللّه » ، وروي ذلك عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وابن مسعود ، وبه قال جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام - فإنّه سئل عن القرآن - فقال : « لا خالق ولا مخلوق ، ولكنّه كلام اللّه تعالى ووحيه وتنزيله » ، وبه قال أهل الحجاز.

وقال سفيان بن عيينة : سمعت عمرو بن دينار وشيوخ مكّة منذ سبعين سنة يقولون : إنّ القرآن غير مخلوق ، وقال إسماعيل بن أبي أويس : قال مالك : القرآن غير مخلوق ، وبه قال أهل المدينة ، وهو قول الأوزاعي وأهل الشام ، وقول الليث بن سعد ، وأهل مصر ، وعبيد اللّه بن الحسن العنبري البصري ، وبه قال من أهل الكوفة ابن أبي ليلى وابن شبرمة ، وهو مذهب الشافعي ، إلاّ أنّه لم يرو عن واحد من هؤلاء أنّه قال : القرآن قديم ، أو كلام اللّه قديم ، وأوّل من قال بذلك الأشعري ومن تبعه على مذهبه ، ومن الفقهاء من ذهب مذهبه.

دليلنا على ما قلناه : ما ذكرناه في الكتاب في الأُصول ليس هذا موضعها ، فمنها قوله : ( مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ ) (1) فسمّاه

ص: 30


1- الأنبياء : 2.

محدثاً ، وقال : ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) (1) ، وقال : ( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ) (2) فسمّاه عربياً ، والعربية محدثة ، وقال : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ) (3) ، وقال : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ) (4) فوصفه بالتنزيل.

وهذه كُلّها صفات المحدث ، وذلك ينافي وصفه بالقدم ، ومن وصفه بالقدم فقد أثبت مع اللّه تعالى قديماً آخر ، وذلك خلاف ما أجمع عليه الأُمّة في عصر الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم إلى أيّام الأشعري ، وليس هذا موضع تقصّي هذه المسألة ، فإنّ الغرض هاهنا الكلام في الفروع.

وروي عن نافع قال : قلت لابن عمر : سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في القرآن شيئاً؟ قال : نعم ، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « القرآن كلام اللّه غير مخلوق ، ونور من نور اللّه » ، ولقد أقرّ أصحاب التوراة : أنّه كلام اللّه ، وأقرّ أصحاب الإنجيل : أنّه كلام اللّه.

وروى أبو الدرداء أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « القرآن كلام اللّه غير مخلوق ».

وقد مدح الصادق عليه السلام بما حكيناه عنه بالنظم ، فقال بعض الشعراء لاشتهاره عنه :

قد سأل عن ذا الناس من قبلكم *** ابن النبيّ المرسل الصادق

فقال قولاً بيّناً واضحاً *** ليس بقول المعجب المايق

كلام ربّي لا تمارونه *** ليس بمخلوق ولا خالق

جعفر ذا الخيرات فافخر به *** ابن الوصي المرتضى السابق (5)

وفي الختام ننقل لكم عدّة روايات حول الموضوع ، وذلك لأهمّيته القصوى :

ص: 31


1- الزخرف : 3.
2- الشعراء : 194.
3- الحجر : 9.
4- النحل : 44.
5- الخلاف 6 / 118.

1 - عن ابن خالد قال : قلت للرضا عليه السلام : يا بن رسول اللّه أخبرني عن القرآن أخالق أو مخلوق؟ فقال : « ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنّه كلام اللّه عزّ وجلّ » (1).

2 - عن الريّان بن الصلت قال : قلت للرضا عليه السلام : ما تقول في القرآن؟ فقال : « كلام اللّه لا تتجاوزوه ، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلّوا » (2).

3 - عن علي بن سالم ، عن أبيه قال : سألت الصادق عليه السلام فقلت له : يا بن رسول اللّه ، ما تقول في القرآن؟ فقال : « هو كلام اللّه ، وقول اللّه ، وكتاب اللّه ، ووحي اللّه وتنزيله ، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد » (3).

4 - عن اليقطيني قال : كتب علي الرضا عليه السلام إلى بعض شيعته ببغداد : « بسم اللّه الرحمن الرحيم ، عصمنا اللّه وإيّاك من الفتنة ، فإن يفعل فأعظم بها نعمة ، وإلاّ يفعل فهي الهلكة ، نحن نرى أنّ الجدال في القرآن بدعة ، اشترك فيها السائل والمجيب ، فتعاطى السائل ما ليس له ، وتكلّف المجيب ما ليس عليه ، وليس الخالق إلاّ اللّه ، وما سواه مخلوق ، والقرآن كلام اللّه ، لا تجعل له اسماً من عندك ، فتكون من الضالّين ، جعلنا اللّه وإيّاك من الذين يخشون ربّهم بالغيب ، وهم من الساعة مشفقون » (4).

5 - عن الجعفري قال : قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام : يا بن رسول اللّه ما تقول في القرآن؟ فقد أُختلف فيه من قبلنا ، فقال قوم : إنّه مخلوق ، وقال قوم : إنّه غير مخلوق ، فقال عليه السلام : « أمّا إنّي لا أقول في ذلك ما يقولون ، ولكنّي أقول : إنّه كلام اللّه عزّ وجلّ » (5).

ص: 32


1- التوحيد : 223.
2- نفس المصدر السابق.
3- نفس المصدر السابق.
4- نفس المصدر السابق.
5- نفس المصدر السابق.

6 - عن فضيل بن يسار قال : سألت الرضا عليه السلام عن القرآن ، فقال لي : « هو كلام اللّه » (1).

7 - عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن القرآن ، فقال لي : « لا خالق ولا مخلوق ، ولكنّه كلام الخالق » (2).

8 - عن زرارة قال : سألته عن القرآن أخالق هو؟ قال : « لا » ، قلت : أمخلوق؟ قال : « لا ، ولكنّه كلام الخالق » (3).

9 - عن ياسر الخادم عن الرضا عليه السلام أنّه سئل عن القرآن فقال : « لعن اللّه المرجئة ، ولعن اللّه أبا حنيفة ، إنّه كلام اللّه غير مخلوق ، حيث ما تكلّمت به ، وحيث ما قرأت ونطقت ، فهو كلام وخبر وقصص » (4).

10 - هشام المشرقي أنّه دخل على أبي الحسن الخراساني عليه السلام ، فقال : إنّ أهل البصرة سألوا عن الكلام فقالوا : إنّ يونس يقول : إنّ الكلام ليس بمخلوق ، فقلت لهم : صدق يونس إنّ الكلام ليس بمخلوق ، أما بلغكم قول أبي جعفر عليه السلام حين سئل عن القرآن : أخالق هو أو مخلوق؟ فقال لهم : « ليس بخالق ولا مخلوق ، إنّما هو كلام الخالق » ، فقوّيت أمر يونس (5).

( أبو مهدي - ... - ..... )

كيفية تصحيح الآراء المختلفة في تفسيره :

س : نسمع كثيراً عن اختلاف أصحاب المذاهب الأربعة في تفسير القرآن ، مثل محتوى التابوت الذي فيه آثار آل موسى وهارون ، والمفسّر يستشهد بهذه الآراء المختلفة على أنّها صحيحة.

ص: 33


1- تفسير العيّاشي 1 / 6.
2- نفس المصدر السابق.
3- نفس المصدر السابق.
4- نفس المصدر السابق.
5- اختيار معرفة الرجال 2 / 784.

أرجو إعطاء بعض التفصيل ، ولكم جزيل الشكر.

ج : إنّ أصحاب المذاهب الأربعة يجتهدون بآرائهم ، واختلافهم يكون اختلاف بين مجتهدين - وهذا بخلاف أقوال الأئمّة عليهم السلام ، فإنّهم معصومون يستقون العلم من أصل أصيل - وعليه فإذا وجد اختلاف في رواياتهم في تفسير القرآن ، فهنا تجري عدّة مراحل :

1 - ملاحظة الأسانيد أوّلاً ، ليعمل بالصحيح المروي عنهم.

2 - بعد التسليم بصحّة الأسانيد ، فإنّ الاختلاف في تفسير القرآن محمول على تعدّد معاني هذه الآيات ، وأنّ للقرآن عدّة بطون ، ولكُلّ بطن بطون ....

وأمّا التابوت الذي فيه آثار موسى ، فبعد التسليم بصحّة أسانيد كُلّ ما ورد من روايات في محتوى التابوت ، فلعلّ أنّ كُلّ رواية ناظرة إلى قسم من محتويات التابوت ، والجمع فيما بينها يعطينا نظرة عن محتويات التابوت.

( عبد اللّه - الكويت - 28 سنة - خرّيج ثانوية )

مراحل نزوله :

س : تحية طيّبة وبعد : كيف نزل القرآن الكريم؟ وما هي المراحل التي استغرقها نزوله؟ وهل نزل جملة واحدة على قلب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ أم نزل على فترات متباعدة؟

وهل نحن الشيعة نعتقد كما يعتقد أهل السنّة ، بأنّ القرآن الكريم نزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بفترات متباعدة ، ولم ينزل جملة واحدة؟

أتمنّى أنّي أجد منكم الإجابة الوافية مع الأدلّة القاطعة ، ومن كتب الطرفين ، إنّ كنا نختلف معهم بالرأي ، وأكون لكم من الشاكرين.

ج : لاشكّ أنّ القرآن نزل تدريجاً ، وأنّ آياته تتابعت طبق المناسبات والظروف ، التي كانت تمر بها الرسالة الإلهية في مسيرتها ، تحت قيادة الرسول الكريم صلى اللّه عليه وآله ، وقد لمّحت إلى هذا النزول التدريجي للقرآن الآية

ص: 34

الكريمة : ( وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ) (1) ، وقوله تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ) (2).

ومع ذلك فإنّ هناك نصوصاً قرآنية تشير إلى دفعية النزول القرآني على ما يفهم من ظاهرها ، وذلك كما في الآيات المباركة التالية : قال تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (3) ، وقال تعالى : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) (4) ، وقال تعالى : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (5).

وقد أختلف الباحثون في وجه الجمع بين الأمرين ، وقد ذكروا في ذلك آراء ونظريات ، نذكر فيما يلي أهمّها :

النظرية الأُولى : وهي التي تعتبر للقرآن نزولين.

النزول الأوّل إلى البيت المعمور ، أو بيت العزّة - حسب بعض التعابير - وهذا هو النزول الدفعي الذي أشارت إليه بعض الآيات السابقة ، والنزول الثاني على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالتدريج ، وطيلة المدّة التي كان يمارس فيها مهمّته القيادية في المجتمع الإسلامي.

وقد خالف المحقّقون من علماء القرآن هذا الرأي ، ورفضوا النصوص التي وردت فيها ، ورموها بالضعف والوهن ، وأقاموا شواهد على بطلانه.

وأهمّ ما يرد على هذه النظرية يتلخّص في شيئين :

ص: 35


1- الإسراء : 106.
2- الفرقان : 32.
3- البقرة : 185.
4- الدخان : 3.
5- القدر : 1.

1 - ورود الآيات القرآنية في بعض المناسبات الخاصّة ، بحيث لا يعقل التكلّم بتلك الآية قبل تلك المناسبة المعيّنة.

2 - عدم تعقّل فائدة النزول الأوّل للقرآن من حيث هداية البشر ، فلا وجه لهذه العناية به في القرآن والاهتمام به.

النظرية الثانية : إنّ المراد من إنزاله في شهر رمضان ، وفي ليلة ابتداء القدر منه ، ابتداء إنزاله في ذلك الوقت ، ثمّ استمر نزوله بعد ذلك على الرسول صلى اللّه عليه وآله بالتدريج ، ووفقاً للمناسبات والمقتضيات.

ويبدو أنّ هذا الرأي هو الذي استقطب أنظار الأغلبية من محققّي علوم القرآن والتفسير ، نظراً إلى كونه أقرب الآراء إلى طبيعة الأُمور ، وأوفقها مع القرائن ، وظواهر النصوص القرآنية ، فإنّ القرآن يطلق على القرآن كُلّه ، كما يطلق على جزء منه ، ولذلك كان للقليل من القرآن نفس الحرمة والشرف الثابتين للكثير منه.

وتأييداً لهذه الفكرة ، فإنّنا نحاول الاستفادة من التعابير الجارية بين عامّة الناس حين يقولون مثلاً : سافرنا إلى الحجّ في التاريخ الفلاني ، وهم لا يريدون بذلك إلاّ مبدأ السفر ، أو : نزل المطر في الساعة الفلانية ، ويقصد به ابتداء نزوله ، فإنّه قد يستمر إلى ساعات ، ومع ذلك يصحّ ذلك التعبير.

ولابدّ أن نضيف على هذا الرأي إضافة توضيحية وهي : أنّ المقصود من كون ابتداء النزول القرآني في ليلة القدر من شهر رمضان ليس ابتداء الوحي على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لأنّه كان لسبع وعشرين خلون من رجب - على الرأي المشهور - وكانت الآيات التي شعّت من نافذة الوحي على قلب الرسول صلى اللّه عليه وآله لأوّل مرّة هي : ( اقْرَأْ بِاسْمِ ... ) (1).

ثمّ انقطع الوحي عنه لمدّة طويلة ، ثمّ ابتدأ الوحي من جديد في ليلة القدر من شهر رمضان ، وهذا الذي تشير إليه الآية المباركة ، واستمرّ الوحي عليه صلى اللّه عليه وآله

ص: 36


1- العلق : 1.

حتّى وفاته ، وبما أنّ هذا كان بداية استمرار النزول القرآني ، فقد صحّ اعتباره بداية لنزول القرآن.

النظرية الثالثة : وهي النظرية التي اختصّ بها العلاّمة الطباطبائي ، وهي تمثّل لوناً جديداً من ألوان الفكر التفسيري ، انطبعت بها مدرسة السيّد الطباطبائي في التفسير ، وهذه النظرية تعتمد على مقدّمات ثلاث ، تتلخّص فيما يلي :

1 - هناك فرق بين « الإنزال » و « التنزيل » ، والإنزال إنّما يستعمل فيما إذا كان المنزل أمراً وحدانياً نزل بدفعة واحدة ، والتنزيل إنّما يستعمل فيما إذا كان المنزل أمراً تدريجياً ، وقد ورد كلا التعبيرين حول نزول القرآن : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ) ، ( وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ) (1).

والتعبير ب- « الإنزال » إنّما هو في الآيات التي يشار فيها إلى نزول القرآن في ليلة القدر ، أو شهر رمضان ، بخلاف الآيات الأُخرى التي يعبر فيها ب- « التنزيل ».

2 - هناك آيات يستشعر منها أنّ القرآن كان على هيئة وحدانية ، لا أجزاء فيها ولا أبعاض ، ثمّ طرأ عليه التفصيل والتجزئة ، فجعل فصلاً فصلاً ، وقطعة قطعة ، قال تعالى : ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) (2).

فهذه الآية ظاهرة في أنّ القرآن حقيقة محكمة ، ثمّ طرأ عليها التفصيل والتفريق بمشيئة اللّه تعالى ، والأحكام الذي يقابل التفصيل هو وحدانية الشيء وعدم تركّبه وتجزّئه.

3 - هناك آيات قرآنية تشير إلى وجود حقيقة معنوية للقرآن غير هذه الحقيقة الخارجية اللقيطة ، وقد عبّر عنها في القرآن ب- « التأويل » في غير واحدة من الآيات ، قال تعالى : ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ

ص: 37


1- الإسراء : 106.
2- هود : 1.

كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ) (1) ، وقال تعالى : ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ ) (2).

فالتأويل على ضوء الاستعمال القرآني هو الوجود الحقيقي والمعنوي للقرآن ، وسوف يواجه المنكرون للتنزيل الإلهي تأويله وحقيقته المعنوية يوم القيامة.

واستنتاجاً من هذه المقدّمات الثلاث ، فللقرآن إذاً حقيقة معنوية وحدانية ليست من عالمنا هذا العالم المتغيّر المتبدّل ، وإنّما هي من عالم أسمى من هذا العالم ، لا ينفذ إليه التغيّر ، ولا يطرأ عليه التبديل.

وتلك الحقيقة هو الوجود القرآني المحكم ، الذي طرأ عليه التفصيل بإرادة من اللّه جلّت قدرته ، كما أنّه هو التأويل القرآني الذي تلمح إليه آيات الكتاب العزيز.

وإذا آمنا بهذه الحقيقة ، فلا مشكلة إطلاقاً في الآيات التي تتضمّن نزول القرآن نزولاً دفعياً في ليلة القدر ، وفي شهر رمضان ، فإنّ المقصود بذلك الإنزال هو هبوط الحقيقة المعنوية للوجود القرآني على قلب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وانكشاف ذلك الوجود التأويلي الحقيقي للقرآن أمام البصيرة الشفّافة النبوية ، فإنّ هذا الوجود المعنوي هو الذي يناسبه الإنزال الدفعي ، كما أنّ الوجود اللفظي التفصيلي للقرآن هو الذي يناسبه التنزيل التدريجي.

وليس المقصود ممّا ورد من روايات عن أهل البيت عليهم السلام حول النزول الأوّل للقرآن في البيت المعمور إلاّ نزوله على قلب النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فإنّه هو البيت المعمور الذي تطوف حوله الملائكة ، وقد رمز إليها الحديث بهذا التعبير الكنائي.

وهذه النظرية مع ما تتّصف به من جمال معنوي ، لا نجد داعياً يدعونا إلى تكلّفها ، كما لا نرى داعياً يدعونا إلى محاولة نقضه وتكلّف ردّه ، فليست النظرية هذه تتضمّن أمراً محالاً ، كما لا لزوم في الأخذ بها بعد أن وجدنا لحلّ المشكلة ما هو أيسر هضماً وأقرب إلى الذهن.

ص: 38


1- يونس : 38 - 39.
2- الأعراف : 52 - 53.

( إبراهيم - المغرب - .... )

معجزته غير البلاغية :

س : هل تضمّن القرآن جوانب أُخرى غير معجزة البلاغة والفصاحة ، تصلح مؤيّداً لنبوّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ وأنّه المبعوث بحقّ من اللّه تعالى؟

ج : لقد تضمّن القرآن الكريم جملة مؤيّدات في هذا المجال ، نكتفي بذكر مؤيّدين فيها :

الأوّل : الإخبار عن الغيب.

إنّ في القرآن إشارات إلى وقوع بعض الحوادث ، والتي لم تكن قد وقعت بعد ، منها حادثة انتصار الروم على الفرس من بعد انكسارهم ، قال تعالى : ( الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ ) (1).

حيث انتصرت الإمبراطورية الفارسية على الإمبراطورية الرومانية عام 614 م - أي بعد أربع سنوات من ظهور الإسلام - وانتصرت الإمبراطورية الرومانية على الإمبراطورية الفارسية عام 622 م ، الموافق للسنة الثانية للهجرة.

فتحقّق تنبّؤ القرآن الكريم ، وأثبت ما وعد اللّه تعالى من نصرة الروم على الفرس.

الثاني : الإخبار عن بعض الظواهر والقوانين الكونية.

لابدّ من التأكّد أوّلاً على أنّ القرآن ليس إلاّ كتاب هداية ، والهدف منه صنع الإنسان وسوقه إلى طريق الكمال والرقي ، ولا دخل له في ملاحظة ومتابعة الشؤون والمفردات المتعلّقة بالعلوم الأُخرى.

ومع هذا ، فقد أشار القرآن إلى بعض الظواهر والسنن الطبيعية ، ليجعلها دليلاً على وجود اللّه تعالى وعظمته ، وحقانية دعوة الأنبياء إلى ربّهم ، ومن تلك الظواهر العلمية التي أشار إليها القرآن الكريم :

ص: 39


1- الروم : 1 - 3.

1 - قانون الجاذبية : الذي اكتشفه نيوتن في القرن السابع عشر الميلادي ، والذي أكّد عليه نيوتن في هذا القانون هو : أنّ الجاذبية قانون عام ، وحاكم على أرجاء الوجود المادّي كافّة ، بينما هذه الفكرة مسلّمة في منطق القرآن ، وقبل نيوتن بألف عام.

قال تعالى : ( اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ) (1).

2 - قانون الزوجية العام : الذي اكتشفه العالم السويدي شارك لينيه ، عام 1731 م ، والذي أكّد من خلاله على أنّ الأنوثة والذكورة حقيقة ثابتة في النبات ، وأنّ الأشجار لا يتمّ الحصول على ثمرها إلاّ من خلال تلقيح بذور النبات الذكري للنبات الأنثوي.

بينما القرآن الكريم أثبت وجود هذه الحقيقة لكُلّ الموجودات بقوله تعالى : ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (2) ، وأنّ تلقيح النباتات يتمّ عن طريق الرياح لقوله تعالى : ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ) (3).

3 - قد بيّن القرآن الكريم مسألة حركة الأرض ، والأجرام السماوية بقوله : ( لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (4) ، في الوقت الذي تضارب فيه آراء علماء الهيئة في اليونان.

( رضا شريعتي - إيران - 40 سنة - دكتور )

أُمّ الكتاب :

س : ما أُمّ الكتاب؟ هل هي بنفسها الإمام المبين؟ والكتاب المكنون؟ واللوح المحفوظ؟ والكتاب المبين؟ ومحكمات القرآن؟ وأمير المؤمنين؟ والأئمّة عليهم السلام؟

ص: 40


1- الرعد : 3.
2- الذاريات : 49.
3- الحجر : 22.
4- يس : 40.

ج : إنّ المعاني التي ذكرتها يطلق عليها أُمّ الكتاب على بعض الأقوال ، فالنذكر المعاني مع الأقوال :

1 - الإمام المبين ، ورد في تفسير الصافي ما نصّه : « في المجمع أنّ بني سلمة كانوا في ناحية من المدينة ، فشكوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بُعد منازلهم من المسجد والصلاة معه ، فنزلت الآية ( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) (1) ، قيل : يعني اللوح المحفوظ ، والقمّي يعني في كتاب مبين » (2).

فعلى هذا القول الذي نقله الفيض الكاشاني ، أنّ الإمام المبين هو اللوح المحفوظ ، وقد ذكر في معنى اللوح المحفوظ أنّه أُمّ الكتاب ، إذاً فالإمام المبين هو أُمّ الكتاب.

وورد في تفسير الميزان ما نصّه : « والمراد بكتابة ما قدّموا وآثارهم ، ثبتها في صحائف أعمالهم وضبطها فيها ، بواسطة كتبة الأعمال من الملائكة ، وهذه الكتابة غير كتابة الأعمال وإحصائها في الإمام المبين ، الذي هو اللوح المحفوظ » (3).

فيرى السيّد الطباطبائي : أنّ الإمام المبين هو اللوح المحفوظ ، والنتيجة كسابقه أي : أنّ الإمام المبين هو أُمّ الكتاب.

2 - الكتاب المكنون ، قال العلاّمة الطباطبائي ما نصّه : « ثمّ إنّه تعالى قال : ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (4) ، ولا شبهة في ظهور الآيات في أنّ المطّهرين من عباد اللّه هم يمسّون القرآن الكريم الذي في الكتاب المكنون ، والمحفوظ من التغيّر ، ومن التغيّر تصرف الأذهان بالورود عليه والصدور منه ، وليس هذا المس إلاّ نيل الفهم والعلم ، ومن المعلوم أيضاً أنّ الكتاب المكنون هذا هو أُمّ الكتاب المدلول عليه بقوله : ( يَمْحُو اللّهُ

ص: 41


1- يس : 12.
2- تفسير الصافي 4 / 246.
3- الميزان في تفسير القرآن 17 / 66.
4- الواقعة : 77 - 79.

مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (1) ، وهو المذكور في قوله : ( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (2) » (3).

فيرى السيّد الطباطبائي أنّ الكتاب المكنون هو أُمّ الكتاب.

3 - اللوح المحفوظ ، ورد في تفسير مجمع البيان في تفسير هذه الآية ما نصّه : « ( وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ ) من القرآن ( تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ ) أي : لمعرفتهم بأنّ المتلوّ عليهم كلام اللّه ، وأنّه حقّ ( يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا ) أي : صدّقنا بأنّه كلامك أنزلته على نبيّك ( فَاكْتُبْنَا ) أي : فاجعلنا بمنزلة من قد كتب ودوّن.

وقيل : فاكتبنا في أُمّ الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ ( مَعَ الشَّاهِدِينَ ) أي : مع محمّد وأُمّته الذين يشهدون بالحقّ ، عن ابن عباس (4) » (5).

فعلى هذا القول الذي نقله الشيخ الطبرسي ، أنّ أُمّ الكتاب هو اللوح المحفوظ.

4 - الكتاب المبين ، ورد في تفسير نور الثقلين ما نصّه : « عن يعقوب بن جعفر ابن إبراهيم قال : كنت عند أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام ، إذ أتاه رجل نصراني فقال : إنّي أسألك أصلحك اللّه ، فقال : « سل » ، فقال : أخبرني عن كتاب اللّه الذي أُنزل على محمّد ، ونطق به ، ثمّ وصفه بما وصفه ، فقال : ( حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) (6) ، ما تفسيرها في الباطن؟

ص: 42


1- الرعد : 39.
2- الزخرف : 4.
3- الميزان في تفسير القرآن 3 / 54.
4- المائدة : 83.
5- مجمع البيان 3 / 402.
6- الزخرف : 1 - 3.

فقال : « أمّا حم فهو محمّد صلى اللّه عليه وآله ، وهو في كتاب هود الذي أُنزل عليه ، وهو منقوص الحروف ، وأمّا الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وأمّا الليلة ففاطمة عليها السلام ... » (1).

فالكتاب المبين هو أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وعلي هو أُمّ الكتاب ، إذاً يمكن أن يقال : أنّ الكتاب المبين هو أُمّ الكتاب.

قال العلاّمة الطباطبائي : « ولا مانع من أن يرزق اللّه عبداً وحده ، وأخلص العبودية له العلم بما في الكتاب المبين ، وهو عليه السلام سيّد الموحّدين بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله » (2).

5 - محكمات القرآن أو الآيات المحكمات ، أطلق عليها المولى عزّ وجلّ أنّها أُمّ الكتاب في قوله : ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ... ) (3).

6 - الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة من ولده ، ذكر ابن عباس عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : « أنا واللّه الإمام المبين ، أُبيّن الحقّ من الباطل ، وورثته من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله » (4).

فعلي عليه السلام إمام مبين ، والإمام المبين هو أُمّ الكتاب ، إذاً يمكن أن يقال : أنّ علياً عليه السلام هو أُمّ الكتاب.

وفي أُصول الكافي : « عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ) قال : أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام ، ( وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) قال : فلان وفلان ، ( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ) أصحابهم وأهل ولايتهم ، ( فَيَتَّبِعُونَ مَا

ص: 43


1- تفسير نور الثقلين 4 / 623.
2- الميزان في تفسير القرآن 17 / 70.
3- آل عمران : 7.
4- تفسير القمّي 2 / 212.

تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام » (1).

( أبو مهدي - السعودية - .... )

بحث في القراءات :

س : من فوائد إثبات عدم تحريف القرآن هي القدرة على استنباط الأحكام والمفاهيم من القرآن الكريم ، مع اليقين بأنّها صادرة عن اللّه تعالى ، وبالتالي نستطيع الاعتماد على القرآن الكريم في جميع أُمورنا الدينية.

لكنّ مع وجود قراءات مختلفة للقرآن الكريم - سبع قراءات - فذلك قد ينفي الفائدة المذكورة أعلاه ، أو يقلّل من شأنها ، بسبب عدم يقيننا بالنصّ الوارد في القرآن الكريم.

كمثال واضح : قال تعالى : ( فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا ) (2) ، وبحسب إحدى القراءات ، كما سمعت في إحدى المحاضرات ( وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتْكاً ) وهو نوع من الفاكهة ، فالمعنى يتراوح بين المتّكَأ والفاكهة.

فتغيّر القراءات بغير المعاني ، وبالتالي قد تتغيّر المفاهيم والأحكام تبعاً لذلك ، فكيف نوفّق بين القراءات وبين حفظ القرآن الكريم؟ وبالخصوص في المثال الذي ذكرت ، شاكرين لكم جهودكم ، ونسألكم الدعاء.

ج : إنّ ثبوت القرآن واتصاف كلام بكونه كذلك - أي قراناً - ينحصر طريقه بالتواتر ، كما أطبق عليه المسلمون بجميع نحلهم المختلفة ومذاهبهم المتفرّقة.

والمعروف عن الشيعة الإمامية : أنّ القراءات غير متواترة ، بل هي بين ما هو اجتهاد من القارئ ، وبين ما هو منقول بخبر الواحد ، واختار هذا القول جماعة

ص: 44


1- الكافي 1 / 414.
2- يوسف : 31.

من المحققّين من العامّة ، ولا يبعد دعوى كونه هو المشهور بينهم ، وهناك أدلّة كثيرة يُستدل بها على عدم تواتر القراءات.

ومن ضمن الأخبار الوارد في ذلك ، خبر الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن على سبعة أحرف ، فقال : « كذبوا أعداء اللّه ، ولكنّه نزل على حرف واحد من عند واحد » (1) ، ويؤيّده خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة » (2).

وبعد معرفة عدم تواتر القراءات ، لا يبقى مجال للاستدلال بتلك القراءات ، إلاّ أن يقال : إنّها أخبار آحاد ، وتشملها الأدلّة القطعية الدالّة على حجّية خبر الواحد ، ولكنّ هذا غير ظاهر ، لعدم ثبوت كونها رواية ، بل يحتمل أن تكون اجتهادات من القرّاء واستنباطات منهم ، وقد صرّح بعض الأعلام بذلك.

وعلى فرض كونها رواية ، إلاّ أنّه لم يحرز كونها مستوفية لشرائط الحجّية ، ومع جمعها للشرائط يبقى أنّه مع العلم الإجمالي بعدم صدور بعضها عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقع بينها التعارض ، ولابدّ من إعمال قواعد التعارض من الترجيح أو التخيير ، فلا يبقى مجال لدعوى الحجّية ، وجواز الاستدلال بكُلّ واحدة منها ، كما هو الظاهر.

وقد صرّح السيّد الخوئي بعدم الحجّية بقوله : « ولكنّ الحقّ عدم حجّية هذه القراءات ، فلا يستدلّ بها على الحكم الشرعي ، والدليل على ذلك أنّ كُلّ واحد من هؤلاء القرّاء يحتمل فيه الغلط والاشتباه ، ولم يرد دليل من العقل ، ولا من الشرع على وجوب إتباع قارئ منهم بالخصوص ، وقد استقلّ العقل ، وحكم الشرع بالمنع عن إتباع غير العلم » (3).

ص: 45


1- الكافي 2 / 630.
2- نفس المصدر السابق.
3- البيان في تفسير القرآن : 164.

أمّا ما يتعلّق بجواز القراءة بتلك القراءات ، فقد ورد عنهم عليهم السلام إمضاء القراءات المعروفة في زمانهم عليهم السلام ، بقولهم : « اقرأ كما يقرأ الناس » (1).

وبعد كُلّ هذا ، وما عرفت من عدم الاعتماد على تلك القراءات في استنباط الحكم الشرعي ، ينحلّ ما أشكل عليك في الآية القرآنية التي استشهدت بها ، إضافة إلى أنّ صاحب مجمع البيان نقل عن الطبري قوله : « وروي في الشواذ قراءة مجاهد متكاً خفيفة ساكنة التاء » (2).

( ... - ... - ..... )

معنى نزوله على سبعة أحرف :

س : السادة الأعزاء ، أودّ الاستفسار عن موضوع نزول القرآن على سبعة أحرف ، كما يقول أبناء المذاهب الأُخرى ، فهل هذا الشيء يقول به الشيعة؟ وكيف ذلك ، أرجو الإفادة عنه ، مشكورين ومقدّرين.

ج : حديث نزول القرآن على سبعة أحرف ، جاء في مصادر أهل السنّة ، وقد أُدّعي تواتره عندهم ، وكيف ما كان فلا أثر لهذا الحديث في مجامعنا الحديثية ، إلاّ ما جاء في الخصال للشيخ الصدوق ، وتفسير العيّاشي بصورة روايتين غير نقيتي السند (3) ، ومنهما قد انتقل الحديث إلى بعض المصادر الأُخرى - كالبحار وبعض التفاسير : كمجمع البيان ، والصافي وغيرهما - وعليه فيلاحظ في المقام :

أوّلاً : إنّ الحديث عنها غير ثابت سنداً بشكل قطعي ، فلا يكون حجّة علينا.

ص: 46


1- الكافي 2 / 633.
2- مجمع البيان 5 / 392.
3- أُنظر : الخصال : 358 ، تفسير العيّاشي 1 / 12.

ثانياً : إنّ هذا الحديث على فرض وروده ، يتعارض مع روايات أُخرى ، تصرّح بكذب مضمونه ، منها : « إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة » (1).

ومنها : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن على سبعة أحرف ، فقال : « كذبوا أعداء اللّه ، ولكنّه نزل على حرف واحد من عند واحد » (2).

ثالثاً : الطريقة الصحيحة هنا لحلّ التعارض هي : أن نلتزم بحكومة هذه الروايات على ذلك الحديث ، أي أنّ هذه الروايات تأخذ في منظارها ذلك الحديث وتردّه وتكذّبه ، ولكن ذلك الحديث لم ينظر إلى هذه الروايات تأييداً أو ردّاً ، فبناءً على القاعدة المقرّرة في علم الأُصول ، تقدّم هذه الروايات دلالة على ذلك الحديث.

ثمّ هناك طريقة أُخرى لحلّ التعارض وهي : تساقط الروايات والحديث من حيث الدلالة ، والرجوع إلى ثبوت شكل واحد في النزول ، كما هو ظاهر القرآن الكريم الفعلي.

وأيضاً لدينا طريق آخر لرفع التعارض في المقام وهو : ترجيح جانب الروايات لاحتمال صدور الحديث - في مصادر الشيعة - تقية موافقاً للعامّة.

رابعاً : أختلف علماء العامّة في معنى سبعة أحرف على خمسة وثلاثين قولاً ، أو أربعين (3) ؛ وهذا إن دلّ على شي? ، فإنّما يدلّ على عدم الوثوق بأيّ معنى من تلك المعاني ، فتبقى الدلالة مجملة وغير واضحة ، فلا حجّية للحديث من حيث الدلالة ، حتّى لو فرضنا صحّة صدوره سنداً.

خامساً : إنّ مضمون هذا الحديث يأباه العقل ، إذ كيف يتصوّر نزول قرآن واحد على النبيّ صلى اللّه عليه وآله بسبعة صور؟ وهل هذا كان ينسجم مع الاحتفاظ على هذا

ص: 47


1- الكافي 2 / 630.
2- نفس المصدر السابق.
3- أُنظر : البرهان في علوم القرآن 1 / 212.

الكتاب المقدّس لدى المسلمين؟ أليس فرض هذا الحديث كان يفتح الباب على تعويم النصّ القرآني وبالتالي تحريفه؟ ومن أجل هذه المحاذير ترى أنّ هذا الحديث يجب أن يردّ علمه إلى اللّه تعالى ، ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، وأهل البيت عليهم السلام.

( ... - ... - ..... )

حصل جمعه في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله :

س : ما هي الانتقادات الموجّهة لعملية جمع القرآن الكريم من طرف عثمان؟

ج : إنّ إسناد جمع القرآن الكريم إلى الخلفاء أمر موهوم مخالف للكتاب والسنّة والإجماع والعقل ، بل إنّ جمعه وتأليفه قد حصل في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، إذ أنّ القرآن كان معروفاً بسوره وآياته حتّى عند المشركين وأهل الكتاب ، لما ثبت من تحدّي الرسول صلى اللّه عليه وآله على الإتيان به أو بسورة منه ، ومعناه إنّ سور القرآن كانت في متناول أيدي الناس ، وأيضاً وردت مجموعة كثيرة من الروايات بهذا المضمون حتّى عند أهل السنّة ، تصرّح بجمعه وتأليفه في زمن الرسول صلى اللّه عليه وآله (1).

ومن جانب آخر لا يعقل أن يكون القرآن - مع اهتمام النبيّ صلى اللّه عليه وآله والمسلمين به - عرضة للضياع في عهد الرسالة ، بل كان مورد تعظيمهم وتبجيلهم وحفظهم له ، مضافاً إلى إجماع المسلمين قاطبة : بأنّ القرآن لا طريق لإثباته إلاّ التواتر ، والحال أنّ الروايات المزعومة في جمع الخلفاء تعتمد في إثباته على شهادة شاهدين ، بل وشهادة رجل واحد في بعض الأحيان ، خصوصاً أنّ هذه الروايات مختلفة فيما بينها في مسألة الجمع ، فلم يعلم أنّ عملية الجمع كانت في زمن أبي بكر أو عمر أو عثمان؟ ومن كانوا العاملين عليها؟

ص: 48


1- أُنظر : صحيح البخاري 4 / 229 و 6 / 103 ، صحيح مسلم 7 / 149 ، الجامع الكبير 5 / 331 ، مسند أحمد 3 / 233 و 277 ، السنن الكبرى للبيهقي 6 / 211 ، مسند أبي داود : 270 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 9 ، مسند أبي يعلى 5 / 258 و 467 و 6 / 22 ، صحيح ابن حبّان 16 / 72.

فبالجملة : لا دليل على جمع القرآن أو تدوينه في زمن الخلفاء الثلاثة ، نعم قد ثبت أنّ عثمان جمع الناس على قراءة واحدة ، وحذف القرائات الأُخر ، وهذا ممّا لا كلام فيه ، ولكن الأمر الذي يؤخذ عليه هو إحراقه لمجموعة كبيرة من المصاحف ، وأمره بإحراقها في مختلف الأمصار في سبيل توحيد القراءة ، وهو كما ترى لا وجه لعمله هذا ، وقد اعترض جماعة من المسلمين في ذلك عليه ، حتّى أنّهم سمّوه بحرّاق المصاحف (1).

( العلام غزوي - المغرب - 40 سنة - أولى ماجستير )

منهج التفسير عند السيّد الطباطبائي :

س : أودّ من سيادتكم تسليط الضوء على منهج التفسير عند السيّد الطباطبائي.

ج : إنّ منهج السيّد الطباطبائي - كما يوضّحه في كتابه الميزان - هو تفسير القرآن بالقرآن ، واستيضاح معنى الآية من نظيرتها بالتدبّر المندوب إليه في نفس القرآن ، وتشخيص المصاديق والتعرّف عليها بالخواص التي تعطيها الآيات ، ويستشهد بقوله تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (2) ، وحاشا أن يكون القرآن تبياناً لكُلّ شيء ولا يكون تبياناً لنفسه ، وقوله تعالى : ( هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (3) ، وقوله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ) (4).

وكيف يكون القرآن هدى وبيّنة وفرقاناً ونوراً مُبيناً للناس في جميع ما يحتاجون ، ولا يكفيهم في احتياجهم إليه وهو أشدّ الاحتياج ، وقوله تعالى :

ص: 49


1- أُنظر : الجامع لأحكام القرآن 1 / 54 ، تاريخ المدينة 3 / 995.
2- النحل : 82.
3- البقرة : 185.
4- النساء : 174.

( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) (1) ، وأيّ جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتابه؟ وأيّ سبيل أهدى إليه من القرآن؟

ثمّ لا يخفى تأثير الجنبة الفلسفية للسيّد الطباطبائي على تفسيره ، وذلك العمق العقلي الدقيق ، والتشقيق للمطالب.

ولاحظ أنّ السيّد يبحث الموضوع المشار إليه في الآية ، مورد البحث كاملاً ، ويأتي بالآيات الأُخرى المتفرّقة الدالّة على الموضوع ، ويصبّها في صميم البحث ، مع مراعاة عدم الغفلة عن الروايات الخاصّة به ، وهي نفس الطريقة والمحاولة التي حاولها صدر المتألّهين الشيرازي في مزاوجة وموافق العقل مع النقل.

( الموالي - السعودية - 22 سنة - طالب حوزة )

الآراء المطروحة في نزوله :

س : كيف نجمع بين نزول القرآن في شهر رمضان - كما في سورة القدر ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) - وبين لقاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بجبرائيل للمرّة الأُولى في غار حراء ، وقراءة خمس آيات من سورة العلق؟

أتمنّى التوضيح ، ولكم جزيل الشكر.

ج : هنالك آراء كثيرة حول هذا الموضوع ، ولكن الرأي المشهور هو :

إنّ للقرآن نزولين ، الأوّل : دفعي ويسمّى أيضاً إجمالي ، والثاني : تدريجي أو تنجيمي ، وهو الذي استمر خلال فترة البعثة النبوية قرابة ( 23 ) سنة ، وعلى هذا الرأي فلا إشكال في أنّ أوّل ما نزل من القرآن كانت الآيات الخمس الأوّل من سورة العلق إلى آخر ما نزل كسورة تامّة وهي النصر.

أمّا في النزول الإجمالي أو الدفعي وهو المتحقّق في ليلة القدر ، فكان النازل لا هذا القرآن بسوره وآياته ، وأسباب نزوله المختلفة والمتفرّقة ، لأنّها تابعة

ص: 50


1- العنكبوت : 69.

لحوادث شخصية وزمانية ومكانية لا تصدق عليها إلاّ بحصولها - أي حصول مواردها - وحسب التعابير اللفظية من ماضي ومضارع أو الحال ، التي جميعها تستدعي النزول المتفرّق ، بل النازل هو حقيقة القرآن بعلومه ومعارفه الإلهية ، ليتنوّر قلب النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالمعارف القرآنية.

وهذا الرأي ذهب إليه العلاّمة الطباطبائي في الميزان ، والسيّد محمّد باقر الصدر في المدرسة القرآنية ، والسيّد محمّد باقر الحكيم في علوم القرآن ، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير الأمثل ، والشيخ هاشم البحراني في البرهان ، والشيخ جواد مغنية في الكاشف.

وإليك الآراء الأُخرى غير المشهورة :

1 - المراد بنزوله في ليلة القدر افتتاح نزوله التدريجي ، حيث إنّ أوّل سورة - وهي الحمد - نزلت في ليلة القدر ، وهو خلاف ظاهر الآيات والأخبار.

2 - إنّه نزل جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، ثمّ نزل نجوماً إلى الأرض.

3 - معظم القرآن نزل في شهر رمضان ، فصحّ نسبة الجميع إليه.

4 - كان ينزل في كُلّ ليلة قدر من كُلّ عام ما يحتاج إليه الناس في تلك السنّة من القرآن.

5 - شهر رمضان الذي نزل في فضله القرآن ، أي فرضَ صيامه.

6 - إنّ بدء نزول القرآن في ليلة القدر ، ولكنّه يختلف عن القول الأوّل ، بأنّ القرآن الذي نزل في ليلة القدر هو هذا القرآن بسوره واسمه قرآن ، والسور المتقدّمة على ليلة القدر ، مثل سورة العلق - أوائل - وغيرها لم تجمع بما يسمّى قرآن.

هذا ملخّص الآراء المطروحة ، والتي تردّ من قبل أصحاب هذا الفن.

ص: 51

( علي - البحرين - 25 سنة - طالب )

المخاطب في قوله ( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً ) الزوجان لا آدم وحوّاء :

س : قال تعالى : ( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا ) (1) ، المعروف أنّ النبيّ آدم وحوّاء معصومان عن الخطأ ، فعن مجاهد : كان لا يعيش لآدم عليه السلام ولد ، فقال الشيطان : إذا ولد لكما ولد فسمّياه عبد الحارث - وكان الشيطان يسمّى بالحارث - فأطاعاه في الاسم ، فذلك قوله تعالى : ( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا ) ما تعليقكم على هذا التفسير؟ نرجو الجواب الكافي.

ج : هذه الرواية واضحة الكذب والبطلان ، فإنّ اللّه سبحانه وهب العقل للإنسان ليفكّر به ، وليميّز الحقّ عن الباطل من خلاله ، فلماذا نعطّل عقولنا إلى هذا الحدِّ؟!

إنّ مضمون القصّة المذكورة نرفض نسبته إلى الإنسان العادي ، فكيف بآدم عليه السلام؟! وكيف نحتمل في حقّه أن يتابع الشيطان إلى هذا الحدِّ ، ويجعل لله شريكاً؟!

إنّه أمر مرفوض ، فآدم عليه السلام حتّى إذا لم نقل بعصمته ، ولكن لا نحتمل أن يكون مستواه بالغاً إلى هذا الحدِّ الذي هو دون مستوى الإنسان العادي.

فلماذا هذا مع خليفة اللّه في الأرض؟! ولماذا هذا مع مَنْ علّمهُ اللّه سبحانه الأسماء؟! ولماذا هذا مع أنبياء اللّه تعالى؟! إنّنا نأسف أن تدخل أساطير الإسرائيليات ، وتشقّ طريقها إلى كتبنا بهذا الشكل ، ويأخذ بتناقلها هذا عن ذاك.

إنّ المقصود من الآية الكريمة واضح ، فهي تشير إلى نوع الإنسان - وليس إلى آدم وحوّاء - وتقول : إنّ أمر الإنسان غريب ، فعندما يتحقّق الحمل يطلب الزوجان من اللّه سبحانه أن يكون ذلك الحمل ولداً صالحاً ، ويكونان بذلك من

ص: 52


1- الأعراف : 190.

الشاكرين له ، ولكن حينما يرزقهما ذلك يأخذ كلامهما بالتغيّر ، فيقولان : إنّ ولدنا كان من عطاء الشيطان ، أو أنّه كان كاملاً ، لأنّ غذاءه وظروفه الصحّية كانت جيّدة ، أو ما شاكل ذلك.

( علي - الكويت - 30 سنة - دبلوم )

معنى ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) :

س : أُريد تفسير الآية الكريمة : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (1)؟

ج : إنّ الدعوة إلى النار ، هي الدعوة إلى ما يستوجب النار ، من الكفر والمعاصي ، لكونها هي التي تتصوّر لهم يوم القيامة ناراً يعذّبون فيها ، أو المراد بالنار ما يستوجبها مجازاً من باب إطلاق المسبّب وإرادة سببه.

ومعنى جعلهم أئمّة يدعون إلى النار ، تصيرهم سابقين في الضلال يقتدى بهم اللاحقون ، ولا ضير فيه لكونه بعنوان المجازاة على سبقهم في الكفر والجمود ، وليس من الإضلال الابتدائي في شيء.

وفي الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) : « يقدّمون أمرهم قبل أمر اللّه ، وحكمهم قبل حكم اللّه ، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب اللّه عزّ وجلّ » (2).

وفي كتاب نفحات اللاهوت : نقلاً عن كتاب المثالب لابن شهر آشوب : أنّ الصادق (عليه السلام) سئل عن أبي بكر وعمر ، فقال : « كانا إمامين ... » ، فلمّا خلا المجلس ، قال له بعض أصحابه : كيف قلت يا بن رسول اللّه ؟ فقال : « نعم ، أمّا قولي : كانا إمامين ، فهو مأخوذ من قول_ه تعالى : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ }» (3).

ص: 53


1- القصص : 41.
2- الكافي 1 / 216.
3- بحار الأنوار 30 / 286 .

( فادي نجدي - لبنان - 27 سنة )

ترتيب آيتي البلاغ والإكمال :

س : بالنسبة إلى موضوع ترتيب الآيات في القرآن أرى يستحقّ النظر : إنّ الترتيب الزمني يستوجب أنّ آية البلاغ تأتي بعد آية الإكمال ، بالرغم أنّهما في القرآن موجودتان في سورة واحدة بالترتيب المعكوس.

وقد ألزمتم أنفسكم بأنّ الترتيب للسور والآيات كان منذ عهد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، فكيف تردّون على هذه الشبهة التي تجعل من دلالة الآيات منافية لما ندّعيه من نزولها في شأن ولاية علي عليه السلام؟

ج : لا يخفى أنّ القرآن الكريم رتّبت آياته من قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بأمر الوحي عن اللّه تعالى ، ولا علاقة لذلك بترتيب السابق واللاحق في النزول ، وهذا ما يسمّى بالنظم ، أي : نظم آيات السورة بحسب أغراض ومصالح معيّنة ، تظهر أسبابها عندنا ، وقد تخفى أسباب بعضها كذلك.

واعلم إنّ آية ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ... ) (1) إذا أخذنا ترتيب الآيات - وهو ما نسمّيه بسياق الآيات - بنظر الاعتبار ، فإنّ سياق الآيات لا تساعد على قولنا أنّها نزلت في الإمام علي عليه السلام ، بل إنّ الآيات التي قبلها والتي بعدها تتحدّث عن أهل الكتاب ، فالآية التي قبلها هي قوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ ... ) (2) ، والآية التي بعدها هي قوله تعالى : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ... ) (3) ، مع أنّ اليهود والنصارى في ذلك العهد النبوي لم يكن لهم شأنٌ وخطر ، فهم ليس بأهل قوّةٍ ولا شوكةٍ ، ولا سطوة حتّى يخشى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله منهم إنّ هو بلّغ الإسلام.

فإنّ الإسلام عند نزول الآية قد أعزّه اللّه تعالى بقوّته وتمكّنت سطوته ، فلا معنى لخوف النبيّ صلى اللّه عليه وآله من النصارى في تبليغ الإسلام ، وإذا كان الأمر

ص: 54


1- المائدة : 67.
2- المائدة : 66.
3- المائدة : 68.

كذلك ، فإنّ الآية تشير إلى تبليغ أعظم ، وأمر أخطر لم يألفه المسلمون ، وسيرتاب منه المنافقون ، ويتزعّزع لعظم خطره أهل الجاه والدنيا ، وهذا الأمر هو تبليغ ولاية علي عليه السلام الذي لا يطيقه المنافقون ، والذين في قلوبهم مرض ، فإنّهم سيحاولون إلى التصدّي لجهوده صلى اللّه عليه وآله ، لذا أخبره تعالى إنّ اللّه سيعصمك من خطر هؤلاء ومن مؤامراتهم.

مع أنّ الروايات من قبل الفريقين تؤكّد أنّ آية ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ... ) قد نزلت في تبليغ ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام ، ممّا يعني أنّ ترتيب الآيات وسياقها لا علاقة له بمعنى الآية وسبب نزولها ، لذا فلا عليك أن ترى تقدّم آية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ... ) (1) ، على آية ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ... ) ؟ فإنّ روايات السنّة والشيعة كُلّها متّفقة على نزولهما في تبليغ ولاية علي عليه السلام.

( ... - ... - ..... )

المقصود بالفؤاد :

س : قال تعالى : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (2) ، ما المقصود بالفؤاد؟ وما معنى مسؤولية الفؤاد؟ نرجو منكم الإجابة الوافية ، ولكم جزيل الشكر والتحية الطيّبة.

ج : قال العلاّمة الطباطبائي قدس سره ما نصّه : « قوله تعالى : ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) ... والآية تنهى عن اتباع ما لا علم به ، وهي لإطلاقها تشمل الاتباع اعتقاداً وعملاً ، وتتحصّل في مثل قولنا : لا تعتقد ما لا علم لك به ، ولا تقل ما لا علم لك به ، ولا تفعل ما لا علم لك به ، لأنّ في ذلك كُلّه اتباعاً ...

ص: 55


1- المائدة : 3.
2- الإسراء : 36.

وقوله : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) تعليل للنهي السابق في قوله : ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) .

والظاهر المتبادر إلى الذهن ، أنّ الضميرين في ( كَانَ عَنْهُ ) راجعان إلى ( كُلُّ ) ، فيكون ( عَنْهُ ) نائب فاعل لقوله : ( مَسْؤُولاً ) مقدّماً عليه ، كما ذكره الزمخشري في الكشّاف ، أو مغنياً عن نائب الفاعل ، وقوله : ( أُولئِكَ ) إشارة إلى السمع والبصر والفؤاد ...

والمعنى : لا تتبع ما ليس لك به علم ، لأنّ اللّه سبحانه سيسأل عن السمع والبصر والفؤاد ، وهي الوسائل التي يستعملها الإنسان لتحصيل العلم ، والمحصّل من التعليل بحسب انطباقه على المورد ، أنّ السمع والبصر والفؤاد إنّما هي نعم آتاها اللّه الإنسان ، ليشخّص بها الحقّ ، ويحصّل بها على الواقع ، فيعتقد به ويبني عليه عمله ، وسيسأل عن كُلّ منها ، هل أدرك ما استعمل فيه إدراكاً علمياً؟

وهل اتبع الإنسان ما حصلته تلك الوسيلة من العلم؟ فيسأل السمع هل كان ما سمعه معلوماً مقطوعاً به؟ وعن البصر هل كان ما رآه ظاهراً بيّنا؟ وعن الفؤاد هل كان ما فكّره ، وقضى به يقينياً لاشكّ فيه؟ وهي لا محالة تجيب بالحقّ ، وتشهد على ما هو الواقع ، فمن الواجب على الإنسان أن يتحرّز عن اتباع ما ليس له به علم ، فإنّ الأعضاء ووسائل العلم التي معه ستسأل ، فتشهد عليه فيما اتبعه ممّا حصلته ، ولم يكن له به علم ، ولا يقبل حينئذ له عذر.

وما له إلى نحو من قولنا : لا تقف ما ليس لك به علم ، فإنّه محفوظ عليك في سمعك وبصرك وفؤادك ، واللّه سائلها عن عملك لا محالة ، فتكون الآية في معنى قوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ - إلى أن قال - وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا

ص: 56

تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ ) (1) ، وغيرها من آيات شهادة الأعضاء.

غير أنّ الآية تزيد عليها بعد الفؤاد من الشهداء على الإنسان ، وهو الذي به يشعر الإنسان ما يشعر ، ويدرك ما يدرك ، وهو من أعجب ما يستفاد من آيات الحشر ، أن يوقف اللّه النفس الإنسانية ، فيسألها عمّا أدركت ، فتشهد على الإنسان نفسه.

وقد تبيّن : أنّ الآية تنهى عن الإقدام على أمر مع الجهل به ، سواء كان اعتقاداً مع الجهل ، أو عملاً مع الجهل بجوازه ووجه الصواب فيه ، أو ترتيب أثر لأمر مع الجهل به ، وذيلها يعلّل ذلك بسؤاله تعالى السمع والبصر والفؤاد ، ولا ضير في كون العلّة أعم ممّا عللتها ، فإنّ الأعضاء مسؤولة حتّى عما إذا أقدم الإنسان مع العلم بعدم جواز الإقدام ، قال تعالى : ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) الآية (2).

قال في المجمع في معنى قوله : ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) : معناه لا تقل : سمعت ولم تسمع ، ولا رأيت ولم تر ، ولا علمت ولم تعلم ، عن ابن عباس وقتادة ، وقيل : معناه لا تقل في قفا غيرك كلاماً ، أي إذا مرّ بك فلا تغتبه عن الحسن ، وقيل : هو شهادة الزور ، عن محمّد بن الحنفية.

والأصل أنّه عام في كُلّ قول أو فعل أو عزم يكون على غير علم ، فكأنّه سبحانه قال : لا تقل إلاّ ما تعلم أنّه يجوز أن يقال ، ولا تفعل إلاّ ما تعلم أنّه يجوز أن يفعل ، ولا تعتقد إلاّ ما تعلم أنّه ممّا يجوز أن يعتقد انتهى » (3).

وقال الشيخ الطبرسي قدس سره ما نصّه : « ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) معناه : إنّ السمع يسأل عمّا سمع ، والبصر عمّا رأى ، والقلب عمّا عزم عليه.

ص: 57


1- فصّلت : 20 - 23.
2- يس : 65.
3- الميزان في تفسير القرآن 13 / 92.

ذكر سبحانه السمع والبصر والفؤاد ، والمراد أنّ أصحابها هم المسؤولون ، ولذلك قال : ( كُلُّ أُولئِكَ ) وقيل : المعنى كُلّ أُولئك الجوارح يسأل عمّا فعل بها.

قال الوالبي عن ابن عباس : يسأل اللّه العباد فيما استعملوها » (1).

( عبد الماجد - فرنسا - 34 سنة - ليسانس )

ثواب سورة الواقعة :

س : هل صحيح أنّ من قرأ سورة الواقعة كُلّ ليلة يحفظه اللّه من الفقر؟

ج : مصدر هذا الخبر رواية وردت عن أهل العامّة ، نقلها الكثير منهم عن عبد اللّه بن مسعود في محاورة مع عثمان بن عفّان ، يقول عبد اللّه بن مسعود في آخرها : فإنّي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « من قرأ سورة الواقعة كُلّ ليلة لم يصبه فاقة أبداً » (2).

وقد نقلها من علمائنا الشيخ الطبرسي في تفسيره (3) ، ويبدو أنّه نقله عنهم ، وإن لم يصرّح بذلك.

ومن يعمل بها من أصحابنا فهو استناداً على قاعدة التسامح في أدلّة السنن ، والتي تعني أنّ المستحبّات التي ترد في الشريعة المستندة إلى روايات تدلّ على ذلك ، لا ينظر إلى سند تلك الروايات ومدى صحّته وعدمه ، لأنّ الرواية أكثر ما تدلّ على الاستحباب ، وليس هناك محذور في الفعل أو الترك ، بل يعمل بالرواية رجاء صحّة صدورها ، فإنّ المرء يثاب على ذلك العمل.

وقد ورد خبر آخر في سورة الواقعة ، نقله الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق عليه السلام قوله : « من قرأ في كُلّ ليلة جمعة الواقعة أحبّه اللّه ، وأحبّه إلى

ص: 58


1- مجمع البيان 6 / 251.
2- معالم التنزيل 4 / 292 ، الجامع لأحكام القرآن 17 / 194 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 302.
3- أُنظر : مجمع البيان 9 / 354.

الناس أجمعين ، ولم ير في الدنيا بؤساً أبداً ولا فقراً ولا فاقة ، ولا آفة من آفات الدنيا ، وكان من رفقاء أمير المؤمنين عليه السلام ، وهذه السورة لأمير المؤمنين عليه السلام خاصّة لم يشركه فيها أحد » (1) ، وبضمّ هذا الخبر إلى ذاك يقوى احتمال صحّة الأثر المترتّب على قراءة تلك السورة ، ويقوى أكثر بضمّهما إلى الخبر الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام حيث قال : « من سمع شيئاً من الثواب على شيء فصنعه ، كان له ، وإن لم يكن على ما بلغه » (2).

( نسمة - الإمارات - 20 سنة - طالبة جامعة )

معنى الحجّة البالغة :

س : وفّقكم اللّه تعالى لكُلّ خير ، عندي استفسار حول الآية الكريمة ، ( فَللهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (3) ، كيف نربط بين هذه الآية وبين من لم يصل لهم الإسلام ، بمعنى أنّ الحجّة بالغة علينا نحن المسلمين ، ممّن ولد في بيئة مسلمة ، ولكن كيف تكون الحجّة بالغة على ممّن ولد في بيئة كافرة ، لا يعرف عن الإسلام شيئاً؟ وشكراً.

ج : إنّ فهمك للآية القرآنية بما ذكرت غير صحيح ، بل إنّ مراد الآية الردّ على المشركين ، الذين أرادوا أن يثبتوا شركهم بحجّتهم التي ما هي إلاّ إتباع الظنّ ، فجاءت هذه الآية تفريعاً على تلك الآية السابقة ، وفاء التفريع الموجودة في أوّل الآية تدلّ على ذلك.

وقال العلاّمة الطباطبائي حول الآية ما نصّه : « والمعنى : أنّ نتيجة الحجّة قد التبست عليكم بجهلكم وإتباعكم الظنّ ، وتخرّصكم في المعارف الإلهية ، فحجّتكم تدلّ على أنّ لا حجّة لكم في دعوته إيّاكم إلى رفض الشرك ، وترك

ص: 59


1- ثواب الأعمال وعقابها : 117.
2- الكافي 2 / 87.
3- الأنعام : 149.

الافتراء عليه ، وأنّ الحجّة إنّما هي لله عليكم ، فإنّه لو شاء لهداكم أجمعين ، وأجبركم على الإيمان وترك الشرك والتحريم » (1).

وقال الشيخ الطوسي حول الآية ما نصّه : « ومعنى البالغة : التي تبلغ قطع عذر المحجوج ، وتزيل كُلّ لبس وشبهة عمّن نظر فيها ، واستدلّ أيضاً بها » (2) ، لأنّ معناها أنّها تبلغ إلى جميع أفراد البشر كما فهمت.

وعلى هذا فليس هناك أيّ تعارض بين الآية القرآنية وبين عدم وصول الدين الحقّ إلى مجموعة من الأفراد ، بل أنّ القرآن يوضّح أنّ مجموعة من الناس سوف لا يصل إليهم الحقّ ، ويسمّيهم بالمستضعفين ، وهم معذورون في عدم وصول الدين الحقّ إليهم ، يقول تعالى : ( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ) (3).

قال صاحب الميزان : « يتبيّن بالآية أنّ الجهل بمعارف الدين إذا كان عن قصور وضعف ليس فيه صنع للإنسان الجاهل كان عذراً عند اللّه سبحانه » (4).

ص: 60


1- الميزان في تفسير القرآن 7 / 366.
2- التبيان 4 / 311.
3- النساء : 98.
4- الميزان في تفسير القرآن 5 / 51.

القسم بغير اللّه :

اشارة

( عبد المجيد البحراني - .... )

جائز ولكن لا يصحّ :

س : توجد رواية ذكرت في أكثر من مصدر من مصادرنا ، ونصّ الرواية عن الإمام المعصوم : « إنّ لله عزّ وجلّ أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به » (1).

فيقول السائل : نجد أنّ البعض يقسم على الآخر بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وسائر الأئمّة عليهم السلام ، فكيف نجمع بين هذه الرواية وبين ما يفعله البعض؟

ج : إنّ الأحاديث المروية في الوسائل (2) ، والمقارنة والجمع فيما بينها ، يوصلنا إلى نتيجة : أنّ هذه الرواية لا تدلّ على الحرمة ، بل على عدم ترتّب آثار اليمين ، فلا يكون يميناً ، وليس عليه كفّارة إن خالف ، لأنّ اليمين الذي تترتّب عليه الآثار ، وتجب بمخالفته الكفّارة ، هو الحلف باللّه وأسمائه الخاصّة ، حتّى أنّك تشاهد في الرسائل العملية التعبير : بلا يصحّ الحلف باللّه وبأسمائه تعالى ، ولم يقولوا : لا يجوز.

وللتوضيح أكثر ، فإنّ الروايات المروية في هذا الباب على قسمين :

ص: 61


1- الكافي 7 / 449 ، من لا يحضره الفقيه 3 / 376 ، تهذيب الأحكام 8 / 277.
2- وسائل الشيعة 23 / 259.

قسم : تنهى عن القسم بغير اللّه ، كهذا الحديث وأمثاله.

وقسم فيها القسم بغير اللّه ، كقول الإمام الرضا عليه السلام في حديث : « لا وقرابتي من رسول اللّه ... » (1) ، وقول الإمام الرضا عليه السلام أيضاً : « تعدوا وبيت اللّه الحقّ ... » (2) ، وقول أبي جرير القمّي لأبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك ، قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثمّ إليك ، ثمّ حلفت له : وحقّ رسول اللّه ، وحقّ فلان وفلان حتّى انتهيت إليه ... (3).

ولمّا سمع أمير المؤمنين عليه السلام رجلاً يقول : لا والذي احتجب بسبع طباق ، قال : فعلاه بالدرّة وقال له : « ويحك إنّ اللّه لا يحجبه شيء عن شيء » ، فقال الرجل : فأُكفّر عن يميني يا أمير المؤمنين؟ قال : « لا ، لأنّك حلفت بغير اللّه » (4).

فالجمع بين هذه الأحاديث جعل العلماء يفتون بعدم صحّة القسم بغير اللّه ، بمعنى عدم ترتّب آثار القسم عليه ، لا عدم الجواز.

( الغريب - أمريكا - 30 سنة - مهندس كهرباء )

يترتّب عليه أثر دنيوي وأُخروي :

س : هل يترتّب أثر دنيوي أو أُخروي للقسم بالقرآن الكريم كذباً؟

ج : أمّا من حيث الأثر التكليفي كالكفّارة فلا ، لانحصاره بالحلف ب- « اللّه » فقط ، نعم يترتّب عليه أثر دنيوي وأُخروي لفرية الكذب ، منها : حرمان الهداية ، قال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) (5) ، ووراثة الفقر ، فعن الإمام علي عليه السلام : « واعتياد الكذب يورث الفقر » (6).

ص: 62


1- الكافي 1 / 187.
2- الأمالي للشيخ الصدوق : 779.
3- الكافي 1 / 380.
4- الفصول المختارة : 65.
5- غافر : 28.
6- الخصال : 505.

وذهاب البهاء ، قال النبيّ عيسى عليه السلام : « من كثر كذبه ذهب بهاؤه » (1) ، وقد جُعل الكذب شرّ مفاتيح الشرّ ، قال الإمام الباقر عليه السلام : « إنّ اللّه جعل للشرّ أقفالاً ، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب ، والكذب شرّ من الشراب » (2).

ومن الآثار الآخروية التعرّض لعقاب اللّه تعالى ، والمكوث في النار ، قال المولى جلّ وعلا : ( وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ) (3).

وهذا العمل ، أي الحلف بالقرآن الكريم كاذباً ، فيه جناية مزدوجة ، الأُولى جرأة صارخة على كتاب اللّه العزيز ، الذي قال المولى سبحانه فيه : ( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللّهِ ) (4) ، والثانية جريمة الكذب والافتراء التي تمحق الحقوق وتهدر الكرامات.

أعاذنا اللّه من شرور أنفسنا ، ووفّقنا لما يحبّه ويرضاه.

( أحمد - ... - 31 سنة )

حكمه في المذاهب الأربعة :

س : هل يجوز الحلف بغير اللّه عزّ وجلّ؟ وما هو حكمه عند المذاهب الأربعة؟ وشكراً.

ج : تضافر الحلف بغير اللّه تعالى في الكتاب العزيز والسنّة النبوية ، فقد حلف النبيّ صلى اللّه عليه وآله في غير مورد بغير اسم اللّه.

فعن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله فقال : يا رسول اللّه أيّ الصدقة أعظم أجراً؟ فقال : « أما وأبيك لتنبئنه أن تصدق وأنت صحيح شحيح ، تخشى الفقر وتأمل البقاء » (5).

ص: 63


1- الكافي 2 / 341.
2- المصدر السابق 2 / 339.
3- الجاثية : 7.
4- الحشر : 21.
5- صحيح مسلم 3 / 93.

هذا وقد حلف غير واحد من الصحابة بغير اللّه تعالى كأبي بكر ، فعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ، أنّ رجلاً من أهل اليمن - أقطع اليد والرجل - قدم فنزل على أبي بكر ، فشكا إليه أنّ عامل اليمن قد ظلمه ، فكان يصلّي من الليل ، فيقول أبو بكر : وأبيك ، ما ليلك بليل سارق (1).

وهذا علي بن أبي طالب عليه السلام قد حلف بغيره تعالى في غير واحد من خطبه ، كقوله : « ولعمري ما عليّ من قتال من خالف الحقّ ، وخابط الغي من إدهان ولا إيهان » (2) ، وكقوله عليه السلام : « ولعمري ما تقادمت بكم ولا بهم العهود » (3) ، إلى غير ذلك من الأقسام الواردة في كلامه عليه السلام وسائر أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

ومجمل القول : إنّ الكتاب العزيز هو الأُسوة للمسلمين عبر القرون ، فإذا ورد فيه الحلف من اللّه تعالى بغير ذاته تعالى من الجماد والنبات والإنسان ، فيستكشف منه أنّه أمر سائغ لا يمتّ إلى الشرك بصلة ، وتصوّر جوازه لله سبحانه دون غيره أمر غير معقول ، فإنّه لو كان حقيقة الحلف بغير اللّه شركاً ، فالخالق والمخلوق أمامه سواء.

نعم ، الحلف بغير اللّه لا يصحّ في القضاء وفضّ الخصومات ، بل لابدّ من الحلف باللّه تعالى ، أو بإحدى صفاته التي هي رمز ذاته ، وقد ثبت هذا بالدليل ، ولا علاقة له بالبحث.

وأمّا المذاهب الفقهية فغير مجمعين على أمر واحد.

أمّا الحنفية فقالوا : بأنّ الحلف بالأب والحياة - كقول الرجل : وأبيك ، أو : وحياتك وما شابه - مكروه.

وأمّا الشافعية فقالوا : بأنّ الحلف بغير اللّه - لو لم يكن باعتقاد الشرك - فهو مكروه.

ص: 64


1- الموطّأ 2 / 835.
2- شرح نهج البلاغة 1 / 331.
3- المصدر السابق 6 / 387.

وأمّا المالكية فقالوا : إنّ في القسم بالعظماء والمقدّسات - كالنبيّ والكعبة - فيه قولان : الحرمة والكراهة ، والمشهور بينهم : الحرمة.

وأمّا الحنابلة فقالوا : بأنّ الحلف بغير اللّه وبصفاته سبحانه حرام ، حتّى لو كان حلفاً بالنبيّ أو بأحد أولياء اللّه تعالى.

هذه فتاوى أئمّة المذاهب الأربعة ، ولسنا الآن بصدد مناقشتهم ، ولكن الحري بفقهائهم - ولاسيّما في العصر الراهن - فتح باب الاجتهاد والرجوع إلى المسألة والنظر إليها بمنظار جديد ، إذ كم ترك السلف للخلف.

على أنّ نسبة الحرمة إلى الحنابلة غير ثابتة أيضاً ، لأنّ ابن قدامة يصرّح في كتاب المغني - الذي كتبه على غرار فقه الحنابلة - : « أنّ أحمد بن حنبل أفتى بجواز الحلف بالنبيّ ، وأنّه ينعقد لأنّه أحد ركني الشهادة » (1).

وقال أحمد : « لو حلف بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله انعقدت يمينه ، لأنّه حلف بما لا يتمّ الأيمان إلاّ به فتلزمه الكفّارة » (2).

ص: 65


1- أُنظر : المغني لابن قدامة 11 / 209.
2- المجموع 18 / 18.

ص: 66

قول آمين في الصلاة :

اشارة

( السيّد سلمان - البحرين - .... )

لا يصحّ لتوقيفية العبادات :

س : أمّا بعد ، لا أرى أيّ مانع في استخدام كلمة آمين في الصلاة ، إذا كانت بمعنى : اللّهم استجب ، فالصلاة في طبيعة الحال هي نوع من أنواع الدعاء ، الذي تصحبه حركات نصّ الباري عليها ، ليقوم بها العبد للتأكيد على صدقية هذا الدعاء ، والحاجة إليه ، وللاعتراف بربوبية اللّه عزّ وجلّ.

كما أنّ كلمة آمين كثيراً ما تنطلق من أفواه خطبائنا على المنابر بعد الفراغ من مجالس الذكر ، فهل يجوز ذكرها على المنابر؟ ولا تجوز في الصلاة؟ وما هو الفرق؟

ج : إنّ العبادات توقيفية ، بمعنى عدم جواز الإضافة من عندنا ، وأن كانت حسنة المعنى ، بل الالتزام بكُلّ تفاصيلها بما ورد من نصوص في ذلك.

وكلمة آمين كلمة حسنة ، نستعملها ونستعمل غيرها من الألفاظ ، ولكنّ استعمالها في الصلاة يحتاج إلى نصّ صريح ، ولم يرد النصّ فتكون بدعة ، والبدعة : إدخال شيء ما في الدين وهو ليس منه.

ونعطيك مثالاً آخر يوضّح لك المطلب : من المستحبّات صلاة ألف ركعة في شهر رمضان ، كانت تصلّى هذه الألف في عهد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأبي بكر فرادى ،

ص: 67

ولمّا كان في عهد عمر بن الخطّاب ، دخل المسجد فرأى الناس يصلّونها فرادى ، فجمعهم فصلّى بهم هذه النافلة جماعة ، ثمّ قال : نعمت البدعة هذه (1).

أُنظر يا أخي ، تارة يكون الملاك الالتزام بما جاء به الشرع ، وتارة يكون بالذوقيات ، لا بما حدّده الشرع ، والعقل والفطرة والقرآن والسنّة كُلّها تدلّ على وجوب الالتزام بما جاء به الشرع ، وإلاّ فكان الدين لعبة بيد الحكّام ، تتلاعب به الأذواق.

( عبد السلام - هولندا - سنّي )

مبطل للصلاة :

س : شكراً لكم على هذه الصفحة العقائدية الهادفة ، وأتمنّى لكم دوام النجاح.

سؤالي هو بخصوص آمين ، حيث أنّ علماء الشيعة لم يتوحّدون على جواب واحد : فمنهم من يقول : إنّ آمين تبطل الصلاة ، لأنّ أي زيادة أو نقصان في الصلاة هو مبطل لها ، مع أنّكم تستحبّون بقول شيء آخر غير آمين ، ولا أتذكر بالضبط القول الذي تقولونه بعد ( وَلاَ الضَّالِّينَ ) .

فهل يوجد حديث يحرّم أو ينهي على قول آمين ، سواء في كتب العامّة؟ أو في كتبكم؟ وشكراً لكم.

ج : الكلام في قول آمين كما يلي : إنّ هذه اللفظة لم ترد على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعد الحمد ، وبما أنّ العبادات - وعلى رأسها الصلاة - توقيفية ، بمعنى أنّها موقوفة على إذن الشارع وما ورد عنه ، فيجب التقيّد بما صدر عنه فيها.

فإذا لم تكن لفظة آمين واردة عن الشارع ، فإمّا أن يقصد المصلّي من الإتيان بها بعد الحمد أنّها جزء من الصلاة - كما يفعله أهل السنّة - أو لا يقصد الجزئية بها.

ص: 68


1- أُنظر : صحيح البخاري 2 / 252 ، المصنّف للصنعاني 4 / 259 ، صحيح ابن خزيمة 2 / 155 ، المغني لابن قدامة 1 / 798 ، الموطّأ 1 / 114.

فإن كان الأوّل فالصلاة باطلة ، لدخولها تحت عنوان البدعة ، والتي هي : إدخال ما ليس من الدين في الدين.

وإن لم يقصد بها الجزئية - سواء الجزء الواجب أو المستحبّ - فتارة يقصد بها مطلق الدعاء لله تعالى ، والذي هو بمعنى : ربّ استجب ، وأُخرى يأتي بها لا بعنوان الدعاء.

فإن قصد الأوّل فلابأس به ، ويجوز الإتيان بها بعنوان مطلق استحباب الدعاء في إثناء الصلاة ، وإن لم يقصد الدعاء فالصلاة باطلة ، لأنّه لغو وكلام زائد في الصلاة ، وقد اتفق الأعلام على أنّ الكلام الزائد في الصلاة عمداً مبطل لها.

وأمّا ما تقوله الشيعة بعد سورة الحمد ، فهو عبارة عن دعاء ، قولهم : الحمد لله ربّ العالمين ، وقد وردت النصوص والروايات الكثيرة في استحباب هذا الدعاء بعد سورة الحمد ، مضافاً إلى الأدلّة العامّة ، والتي تقول باستحباب الدعاء وذكر اللّه في كُلّ وقت ومكان.

( أبو أحمد - الكويت - .... )

من البدع التي أُحدثت بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله :

س : نشكركم على جهودكم الطيّبة ، وجعلها اللّه في ميزان حسناتكم.

أمّا بعد : هل توجد روايات في كتب العامّة ، من أنّ أوّل من سنّها في الصلاة عمر؟ أي : قول آمين ، هذا وتقبّلوا منّا فائق الاحترام والشكر.

ج : لم يقل أحد من الشيعة أو السنّة بأنّ عمر سنّ قول آمين في الصلاة ، ولكنّ الوارد في رواياتنا عن أهل البيت عليهم السلام : أنّها من البدع التي أُحدثت بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ومن هنا حكم فقهاء الشيعة ببطلان الصلاة حال التلفّظ بها بقصد الجزئية ، كما يفعله أهل السنّة.

ص: 69

وما ورد في روايات أهل السنّة عن قول آمين كُلّها تعاني من مشاكل في أسانيدها ، فمنها المرسل ، ومنها مروية عن رجال متّفق على تضعيفهم ، ومنها مروية عن رجال مختلف فيهم ، ومنها مروية عن مجهولين ، وهكذا.

إذاً ، كُلّها أحاديث عليها علامات استفهام ، ولا يصحّ الاعتماد عليها.

( عبد السلام - هولندا - سنّي )

الروايات الدالّة على مشروعيتها ضعيفة السند :

س : أنا سنّي مالكي ، أُريد الإجابة على سؤالي : ما هو الدليل بأنّ التأمين بدعة ، يوجد حديث في الكتب السنّية بأنّ التأمين سنّة نبوية ، فما هو تعقيبكم على ذلك؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : التأمين في الصلاة بعد قراءة الحمد محظور ومبطل عند الشيعة ، لخروجه عن مصداقية الصلاة ، إذ هو من كلام الآدميين ، ولا يصلح شيء منه في الصلاة ، ولهم في هذا المجال أحاديث وردت عن طريق أئمّتهم عليهم السلام.

ويؤيّد هذا الحكم بأنّ الروايات التي وردت عند أهل السنّة لمشروعية التأمين ، بأجمعها غير صالحة للاستناد بسبب ضعف السند ، إذ أكثرها نقلت عن أبي هريرة ، وهو كما نعلم مغموز فيه ، ويكفيك أن تقرأ كتابي : أبو هريرة للسيّد شرف الدين ، وشيخ المضيرة أبي هريرة للشيخ محمود أبو ريّة ، لتطلّع على شخصيته.

وبعضها القليل قد جاء في طريقه محمّد بن كثير العبدي ، الذي جرّحه يحيى بن معين ، وبعضها الآخر قد اشتمل على حجر بن عنبس في السند ، الذي أنكره ابن القطّان ، وقال : إنّه لا يعرف ، وأحياناً وردت عن أبي عبد اللّه ، الذي أنكره صاحب الزوائد ، وعن بشر بن رافع ، الذي ضعّفه أحمد ، ونسبه ابن حبّان بالوضع في الرواية.

ص: 70

فهي كما ترى لا يوجد فيها حديث صحيح السند ، قابل للاعتماد في إثبات هذه السنّة المزعومة!!

ثمّ على فرض ورود أحاديث في هذا المجال ، فهي متعارضة مع روايات أُخرى تحدّثت عن صلاة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ولم يرد فيها التأمين ، فعلى سبيل المثال :

عن محمّد بن عمرو بن عطاء قال : سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه وآله فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي فقال أبو حميد الساعدي : أنا أعلمكم بصلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ... ، قالوا : فأعرض علينا ، قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ... ثمّ يقرأ ثمّ يكبّر (1) ، فلم يذكر التأمين ، وعليه فيجب علينا إسقاط طرفي المعارضة من الحجّية - كما هو مقرّر في علم الأُصول - ثمّ الحكم بعدم ورود التأمين في الصلاة.

ص: 71


1- السنن الكبرى للبيهقي 2 / 72 ، سنن الدارمي 1 / 313 ، شرح معاني الآثار 1 / 223 ، صحيح ابن حبّان 5 / 196.

ص: 72

القياس :

اشارة

( أحمد أزهر - الإمارات - )

في نظر الشيعة :

س : هل تؤمن الشيعة بمبدأ القياس في التشريع الإسلامي؟

ج : الشيعة لا تعمل بالقياس في أحكامها الشرعية ، وذلك لوجود النهي عنه في النصوص الشرعية ، ولبطلانه عقلاً ، ولوجود قواعد كُلّية وأدلّة تامّة تغنينا عن إعمال القياس.

( علي نزار - الكويت - 23 سنة - طالب كُلّية الدراسات التجارية ) تعريفه :

س : ما معنى القياس الذي يعدّه العامّة مصدراً من مصادر التشريع في فقههم؟ ومن المعلوم أنّ القياس باطل في عرف مدرسة أهل البيت عليهم السلام الحقّة ، ودمتم سالمين.

ج : إنّ القياس في اللغة هو : التقدير ، ومنه قست الثوب بالذراع ، إذ قدّرته به ، وفي الاصطلاح عرّف تارة بالاجتهاد ، وأُخرى ببذل الجهد لاستخراج الحقّ ، ولكن يرد على هذين التعريفين أنّهما غير جامعين ولا مانعين.

أمّا كونهما غير جامعين ، فلخروج القياس الجلي عنهما ، إذ لا جهد ولا اجتهاد فيه في استخراج الحكم.

ص: 73

وأمّا كونهما غير مانعين ، فلدخول النظر في بقية الأدلّة ، كالكتاب والسنّة ، وغيرهما من مصادر التشريع ضمن هذا التعريف ، مع أنّها ليست من القياس المصطلح بشيء.

والمشهور أنّه : حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما ، أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما ، من حكم أو صفة.

ولكن سجّلت على هذا التعريف عدّة مفارقات ، لعلّ أهمّها ما أورده الآمدي عليه من لزوم الدور ، ولهذا عرّفه الآمدي بأنّه : « عبارة عن الاستواء بين الفرع والأصل في العلّة المستنبطة من حكم الأصل » (1).

وعرّفه ابن الهمام : « هو مساواة محلّ لآخر في علّة حكم له شرعي ، لا تدرك بمجرّد فهم اللغة » ، ويبدو أنّ هذا التعريف أسلم التعاريف من الإشكالات والمؤاخذات.

ثمّ إنّ الذي رفضه أهل البيت عليهم السلام من القياس ، هو القياس في الأحكام الشرعية ، لعدم إحراز علّة الحكم التي بنى الشارع عليها حكمه ، وأمّا القياس في مجال أُصول العقائد فلا مانع فيه.

( جابر عبد الواحد - البحرين - .... )

أدلّته :

س : أشكركم على جهودكم ، وأسألكم عن أدلّة القياس التي أعتمد عليها أهل السنّة في حجّيته؟ مع ذكر ردّ علمائنا عليهم ، وأرجو أن يكون فيه شيء من التطويل ، وجزاكم اللّه خير الجزاء.

ج : الأدلّة التي ذكرها المثبتون للقياس كثيرة ، وهذه الأدلّة تعتمد على الكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، والعقل.

أدلّتهم من الكتاب : وقد استدلّوا من الكتاب بعدّة آيات هي :

ص: 74


1- الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي 3 / 190.

1 - قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) (1).

وتقريبها : أنّ القياس بعد استنباط علّته بالطرق الظنّية من الكتاب والسنّة ، يكون ردّاً إلى اللّه والرسول ، ونحن مأمورون بالرجوع إليهما بهذه الآية ، ومعناه أنّنا مأمورون بالرجوع إلى القياس عند التنازع ، وليس معنى الأمر بذلك إلاّ جعل الحجّية له.

ولكن يرد عليه بعض المؤاخذات وهي :

أ - إنّ دلالة الآية متوقّفة على أن يكون القياس الظنّي ردّاً إلى اللّه والرسول ، وهو موضع النزاع ، ولذلك احتجنا إلى هذه الآية ونظائرها لإثبات كونه ردّاً.

ب - الآية إنّما وردت في التنازع والرجوع إلى اللّه والرسول لفضّ النزاع والاختلاف ، ومن المعلوم أنّ الرجوع إلى القياس لا يفضّ نزاعاً ولا اختلافاً ، لاختلاف الظنون.

وعلى هذا ، فالآية أجنبية عن جعل الحجّية لأيّ مصدر من مصادر التشريع قياساً أو غير قياس ، وموردها الرجوع إلى من له حقّ القضاء ، والحكم باسم الإسلام لفضّ الخصومات.

ج - إنّ الآية لا تدلّ على حجّية القياس بقول مطلق ، إلاّ بضرب من القياس ، وذلك لورودها في خصوص باب التنازع ، فتعميمها إلى مقام الإفتاء والعمل الشخصي ، لا يتمّ إلاّ من طريق السبر والتقسيم أو غيره.

2 - قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللّهِ فَأَتَاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ) (2).

ص: 75


1- النساء : 59.
2- الحشر : 2.

موضع الدلالة من الآية كلمة اعتبروا ، بدعوى أنّ في القياس عبوراً من حكم الأصل ومجاوزة عنه إلى حكم الفرع ، فإذا كنّا مأمورين بالاعتبار فقد أُمرنا بالعمل بالقياس ، وهو معنى حجّيته.

ولكن هذه الاستفادة كسابقتها لا يتّضح لها وجه ، وذلك :

أ - إنّ إثبات الحجّية لمطلق الاعتبار بحيث يشمل المجاوزة القياسية موقوف على أن يكون المولى في مقام البيان من هذه الجهة ، والمقياس في كونه في مقام البيان ، هو أنّنا لو صرّحنا بالمعنى الذي يراد بيانه لكان التعبير سليماً ، وظاهر الدلالة على كونه مراداً لصاحبه.

ب - مع التنزّل وافتراض مجيئها لبيان هذا المعنى ولو بإطلاقها ، إلاّ أنّها واردة لجعل الحجّية لأصل القياس كدليل.

3 - قوله تعالى : ( قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (1).

وقد قرّب دلالتها صاحب مصادر التشريع بقوله : إنّ اللّه عزّ وجلّ ، استدلّ بالقياس على ما أنكره منكرو البعث ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ قاس إعادة المخلوقات بعد فنائها على بدأ خلقها وإنشائها أوّل مرّة ، لإقناع الجاحدين بأنّ من قدر على بدأ خلق الشيء قادر على أن يعيده ، بل هذا أهون عليه ، فهذا الاستدلال بالقياس إقرار لحجّية القياس وصحّة الاستدلال به ، وهو قياس في الحسّيات ، ولكنّه يدلّ على أنّ النظير ونظيره يتساويان.

والجواب على هذا التقريب :

أ - إنّ هذه الآية لو كانت واردة لبيان الإقرار على حجّية القياس ، لصحّ أن يعقّب بمضمون هذا الإقرار ، ولسلّم الكلام كأن نقول : قل يحييها الذي أنشأها أوّل مرّة ، فقيسوا النبيذ على الخمر.

ص: 76


1- يس : 78 - 79.

ب - لو سلّم ذلك - جدلاً - فالآية غاية ما تدلّ عليه ، هو مساواة النظير للنظير ، أي جعل الحجّية لأصل القياس لا لمسالكه ، والدليل الذي يتكفّل حجّية الأصل لا يتكفّل بيان ما يتحقّق به.

ج - ولو سلّمنا أيضاً دلالته على حجّية مسالكه ، فهي لا تدلّ عليها بقول مطلق ، إلاّ بضرب من القياس ، لأنّ الآية إنّما وردت في قياس الأُمور المحسوسة بعضها على بعض ، فتعميمها إلى الأُمور الشرعية موقوف على السبر والتقسيم أو غيره ، فيلزم الدور.

4 - قوله تعالى : ( فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (1).

قد استدلّ بها الشافعي على حجّيته ، حيث قال : « فهذا تمثيل الشيء بعدله ، وقال تعالى : ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ) ، وأوجب المثل ، ولم يقل أيّ مثل ، فوكّل ذلك إلى اجتهادنا ورأينا » (2).

والجواب : إنّ الشارع وإن ترك لنا أمر تشخيص الموضوعات ، إلاّ أنّه على وفق ما جعل لها الشارع ، أو العقل من الطرق ، وكون القياس الظنّي من هذه الطرق كالبيّنة هو موضع الخلاف ، والآية أجنبية عن إثباته.

5 - قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) (3).

قد استدلّ بها ابن تيمية على القياس بتقريب : أنّ العدل هو التسوية ، والقياس هو التسوية بين مثلين في الحكم ، فيتناوله عموم الآية.

وقد أجاب عنه الشوكاني : « بمنع كون الآية دليلاً على المطلوب بوجه من الوجوه ، ولو سلّمنا لكان ذلك في الأقيسة التي قام الدليل على نفي الفارق فيها ، فإنّه لا تسوية إلاّ في الأُمور المتوازنة ، ولا توازن إلاّ عند القطع بنفي الفارق ، لا في

ص: 77


1- المائدة : 95.
2- إرشاد الفحول 2 / 127.
3- النحل : 90.

الأقيسة التي هي شعبة من شعب الرأي ، ونوع من أنواع الظنون الزائفة ، وخصلة من خصال الخيالات المختلّة » (1).

والأنسب أن يقال : إنّ هذه لو تمّت دلالتها على الأمر بالقياس ، بما أنّه عدل ، فهي إنّما تدلّ على أصل القياس ، لا على مسالكه المظنونة ، والكلام إنّما هو في القياس المعتمد على استنباط العلل.

أدلّتهم من السنّة : أمّا ما استدل به من السنّة ، فروايات تكاد تنتظم في طائفتين تتمثّل :

أولاهما : حديث معاذ بن جبل ، حيث ورد فيه : لمّا بعثه صلى اللّه عليه وآله إلى اليمن قال : « كيف تقضي إذا عرض لك قضاء »؟ قال : أقضي بكتاب اللّه ، قال : « فإن لم تجد في كتاب اللّه »؟ قال : فبسنّة رسول اللّه ، قال : « فإن لم تجد في سنّة رسول اللّه ، ولا في كتاب اللّه »؟ قال : أجتهد رأيي ... ، قال : فضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله صدره ، وقال : « الحمد لله الذي وفّق رسول رسول اللّه لما يرضاه رسول اللّه » (2).

وتقريبه : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أقرّ الاجتهاد بالرأي في طول النصّ ، بإقراره لاجتهاد معاذ ، وهو شامل بإطلاقه للقياس.

ويردّ على الاستدلال بالرواية :

1 - إنّها ضعيفة بجهالة الحارث بن عمرو ، حيث نصّوا على أنّه مجهول ، وبإغفال راويها لذكر من أخذ عنهم الحديث من الناس من أصحاب معاذ.

2 - إنّ هذا الحديث غير وافي الدلالة على ما سيق لإثباته ، وذلك :

أ - إنّ إقرار النبيّ صلى اللّه عليه وآله لمعاذ ربما كان لخصوصية يعرفها النبيّ صلى اللّه عليه وآله فيه ، تبعده عن الوقوع في الخطأ ، ومجانبة الواقع ، وإلاّ لما خوّله هذا التخويل المطلق في استعمال الرأي.

ص: 78


1- إرشاد الفحول 2 / 128.
2- مسند أحمد 5 / 230 و 236 و 242 ، سنن الدارمي 1 / 60 ، الجامع الكبير 2 / 394 ، السنن الكبرى للبيهقي 10 / 114 ، مسند أبي داود : 76.

ب - إنّ هذا الحديث وارد في خصوص باب القضاء ، وربما اختصّ باب القضاء بأحكام لا تسري إلى عالم الإفتاء.

ج - إنّ هذا الحديث معارض بما دلّ على الردع عن إعمال الرأي ، ولا أقلّ من تخصيصه بخروج الآراء الفاسدة جمعاً بين هذه الأدلّة.

ثانيهما : ما ورد من الأحاديث المشعر بعضها باستعمال النبيّ صلى اللّه عليه وآله للقياس ، وبما أنّ عمله حجّة باعتباره سنّة واجبة الإتباع ، فإنّ هذه الطائفة من الأحاديث دالّة على حجّية القياس.

والأحاديث التي ذكروها كثيرة :

منها : حديث الجارية الخثعمية أنّها قالت : يا رسول اللّه ، إنّ أبي أدركته فريضة الحجّ شيخاً زمناً لا يستطيع أن يحجّ ، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها : « أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان ينفعه ذلك »؟ قالت : نعم ، قال : « فدين اللّه أحقّ بالقضاء ».

ووجه الاحتجاج به كما قرّبه الآمدي : إنّه ألحق دين اللّه بدين الآدمي في وجوب القضاء ونفعه ، وهو عين القياس.

ومنها : الحديث الذي جاء فيه : إنّه قال لأُمّ سلمة ، وقد سئلت عن قُبلة الصائم : هل أخبرته أنّي أُقبّل وأنا صائم ، وإنّما ذكر ذلك فيما يقول الآمدي تنبيهاً على قياس غيره عليه.

ومنها : قوله لما سئل عن بيع الرطب بالتمر : أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا : نعم ، فقال : « فلا إذن » (1).

والجواب على هذه الأحاديث :

1 - إنّ هذه الأحاديث لو كانت واردة في مقام جعل الحجّية للقياس ، فغاية ما يستفاد منها ، جعل الحجّية لمثل أقيسته صلى اللّه عليه وآله ، ممّا كان معلوم العلّة لديه ، كما هو مقتضى ما تلزم به رسالته ، من كونه لا يعدو في تشريعاته ما أمر بتبليغه من الأحكام.

ص: 79


1- الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي 4 / 34.

ومثل هذا العلم بالحكم لا يتوفّر إلاّ عند العلم بالعلّة في الفرع ، على أنّ نسبة ما يصدر منه للقياس موقوف على إمكان صدور الاجتهاد منه ، أمّا إذا نفينا ذلك عنه ، وقصرنا جميع تصرّفاته على خصوص ما يتلقّاه من الوحي ( إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (1) ، فتشبيه قياساتنا بقياساته ، وإثبات الحجّية لها على هذا الأساس قياس مع الفارق الكبير ، وقد أشار عمر بن الخطّاب إلى هذا الفارق في بعض خطبه ، بقوله : يا أيّها الناس ، إنّ الرأي إنّما كان من رسول اللّه مصيباً ، لأنّ اللّه كان يريه ، وإنّما هو منّا الرأي والتكلّف (2).

ومع هذا الفارق ، كيف يمكن لنا أن نسري الحكم إلى قياساتنا المظنونة ، أليست صحّة هذه التسرية إليها مبنية على ضرب من القياس المظنون ، وهو موضع الخلاف!

2 - إنّ هذه الأنواع من الأحاديث ليست من القياس في شيء ، فرواية الخثعمية واردة في تحقيق المناط من قسمة الأوّل ، أي تطبيق الكبرى على صغراها.

فالكبرى - وهي مطوية - : « كُلّ دين يقضى » هي في واقعها أعمّ من ديون اللّه وديون الآدميين ، وقد طبّقها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على دين اللّه لأبيها ، فحكم بلزوم القضاء ، وأين هذا من القياس المصطلح؟ على أنّا لو سلّمنا أنّه منه ، فهو من قبيل قياس الأولوية بقرينة قوله صلى اللّه عليه وآله : « فدين اللّه أحقّ » أي أولى بالقضاء ، وهو ليس من القياس.

وما يقال عن رواية الخثعمية ، يقال عن الرواية الثالثة حيث نقّح صلى اللّه عليه وآله بسؤاله صغرى لكبرى كُلّية ، وهي كُلّما ينقص لا يجوز بيعه.

ولسان الرواية الثانية يأبى نسبة مضمونها إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فهو أسمى من أن يشهر بشيء يعود إلى شؤونه وعوالمه الخاصّة مع نسائه.

ص: 80


1- النجم : 4.
2- الإحكام في أُصول الأحكام لابن حزم 6 / 779.

استدلالهم بالإجماع : والإجماع المحكي هنا ، هو إجماع الصحابة ، وتقريب الاستدلال به هو : أنّ الصحابة اتفقوا على استعمال القياس في الوقائع التي لا نصّ فيها من غير نكير من أحد منهم (1).

وتوجيه اتفاقهم - مع أنّه لم ينقل ذلك عنهم تاريخياً - هو : أنّ آحاداً منهم أفتوا استناداً إلى القياس ، وسكت الباقون فلم ينكروا عليهم ، وسكوتهم يكون إجماعاً ، أو أنّ بعضهم صرّح بالأخذ بالرأي من دون إنكار عليه ، ومن ذلك قول أبي بكر في الكلالة : « أقول فيها برأيي ، فإن يكن صواباً فمن اللّه ، وإن يكن خطأ فمنّي ومن الشيطان ، واللّه ورسوله بريئان منه » (2).

ومنه قول عمر : « أقول في الجدّ برأيي ، وأقضي فيه برأيي » (3).

والنقاش في هذا الإجماع واقع صغرى وكبرى :

أمّا الصغرى : فبإنكار وجود مثله عادة ، لأنّ مثل هذه الروايات - لو تمّت دلالتها على القياس - فإنّما هي صادرة من أفراد من الصحابة أمام أفراد ، فكيف اجتمع عليها الباقون منهم ، واتفقوا على فحواها؟ ولعلّ الكثير منهم لم يكن في المدينة عند صدورها.

وأمّا الكبرى : فبالمنع من حجّية مثل هذا الإجماع ، وذلك لأُمور :

1 - إنّ السكوت - لو شكّل إجماعاً - لا يدلّ على الموافقة على المصدر الذي كان قد اعتمده المفتي ، أو الحاكم بفتياه أو حكمه ، وبخاصّة إذا كان هو نفسه غير جازم بسلامة مصدره ، كقول أبي بكر السابق : « أقول فيها برأيي ، فإنّ يكن صواباً فمن اللّه ، وإن يكن خطأ فمنّي ومن الشيطان ».

على أنّ منشأ السكوت قد يكون هو المجاملة أو الخوف أو الجهل بالمصدر ، فدفع هذه المحتملات وتعيين الإيمان بالمصدر ، وهو حجّية الرأي من

ص: 81


1- الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي 4 / 40.
2- تفسير القرآن العظيم 1 / 470.
3- الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي 3 / 287.

بينها ، لا يتمّ إلاّ بضرب من القياس المستند إلى السبر والتقسيم أو غيره من مسالك العلّة ، وهو موضع الخلاف ، ولا يمكن إثباته بالإجماع للزوم الدور.

2 - إنّ هذا الإجماع - لو تمّ - معارض بإجماع مماثل على الخلاف.

ويمكن تقريبه بمثل ما قرّبوا به ذلك الإجماع ، من أنّ الصحابة أنكروا على العاملين بالرأي والقياس ، أمثال قول الإمام علي عليه السلام : « لو كان الدين بالرأي ، لكان أسفل الخفّ أولى بالمسح من أعلاه » (1).

وفي رواية أُخرى : « لو كان الدين بالقياس ، لكان المسح على باطن الخفّ أولى من ظاهره » (2).

وسكوت الصحابة بنفس تقريبهم السابق يكون إجماعاً على إبطاله.

3 - مع تسليم حجّية هذا النوع من الإجماع ، والتغاضي عن كُلّ ما أُورد عليه ، إلاّ أنّ ما قام عليه الإجماع هو نفس القياس لا مسالكه المظنونة ، إذ ليس في هذه الفتاوى ما يشير إلى الأخذ بمسلك من هذه المسالك موضع الخلاف ليصلح للتمسّك به على إثباته ، والإجماع من الأدلّة اللبّية التي يقتصر فيها على القدر المتيقّن ، إذ لا إطلاق أو عموم لها ليصحّ التمسّك به ، والقدر المتيقّن هو خصوص ما كان معلوم العلّة منه ، فلا يصحّ التجاوز عنه إلى غيره.

أدلّتهم من العقل : وقد صوّروها بصور عدّة منها :

1 - ما ذكره خلاف من : أنّ اللّه سبحانه ما شرّع حكماً إلاّ لمصلحة ، وأنّ مصالح العباد هي الغاية المقصودة من تشريع الأحكام ، فإذا ساوت الواقعة المسكوت عنها الواقعة المنصوص عليها في علّة الحكم التي هي مظنّة المصلحة ، قضت الحكمة والعدالة أن تساويهما في الحكم ، تحقيقاً للمصلحة التي هي مقصود الشارع من التشريع ، ولا يتّفق وعدل اللّه وحكمته أن يحرّم الخمر

ص: 82


1- سنن أبي داود 1 / 44 ، السنن الكبرى للبيهقي 1 / 292 ، المصنّف لابن أبي شيبة 1 / 207 ، سنن الدارقطني 1 / 211.
2- الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي 4 / 47.

لاسكارها محافظة على عقول عباده ، ويبيح نبيذاً آخر فيه خاصّية الخمر وهي الاسكار ، لأنّ مآل هذا المحافظة على العقول من مسكر ، وتركها عرضة للذهاب بمسكر.

وهذا الدليل إنّما يتمّ على خصوص مبنى العدلية في التحسين والتقبيح العقليين ، وإلاّ فأيّ ملزم للشارع المقدّس - بحكم العقل - أن لا يخالف بين الحكمين ، مادام لا يؤمن العقل بحسن أو قبح عقليين.

والحقيقة : إنّ حكم العقل غاية ما يدلّ عليه هو حجّية أصل القياس ، لا حجّية مسالك علله وطرقها ، فمع المساواة في العلّة التامّة الباعثة على الحكم ، لابدّ أن يتساوى الحكم ، أي مع إدراك العقل لمقتضى التكليف وشرائطه ، وكُلّ ما يتّصل به ، لابدّ أن يحكم بصدور حكمه على وفق ما يقتضيه.

أمّا أن يحكم لمجرّد ظنّه بالعلّة ، وتوفّرها في الفرع ، فهذا ما لا يلزم به العقل أصلاً.

نعم ، إذا ظنّ العقل بوجود العلّة فقد ظنّ بوجود الحكم ، إلاّ أنّ مثل هذا الظنّ لا دليل على حجّيته ، مادامت طريقيته ليست ذاتية ، وحجّيته ليست عقلية.

2 - ما ذكره الشهرستاني : « نعلم قطعاً ويقيناً أنّ الحوادث والوقائع في العبادات والتصرّفات ممّا لا يقبل الحصر والعدّ ، ونعلم قطعاً أنّه لم يرد في كُلّ حادثة نصّ ، ولا يتصوّر ذلك أيضاً ، والنصوص إذا كانت متناهية وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى علم قطعاً ، أنّ الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار حتّى يكون بصدد كُلّ حادثة اجتهاد » (1).

وهذا الاستدلال يبتني في تماميته على مقدّمتين :

الأُولى : دعوى تناهي النصوص وعدم تناهي الحوادث.

الثانية : دعوى أن ما يتناهى لا يضبط ما لا يتناهى.

ص: 83


1- الملل والنحل 1 / 199.

والدعوى الأُولى ليست موضعاً لشكّ ولا شبهة ، فالنصوص بالوجدان متناهية ، والحوادث بالوجدان أيضاً غير متناهية.

ولكن الكلام في تمامية الدعوى الثانية ، وهي دعوى أن ما يتناهى لا يضبط ما لا يتناهى.

وذلك أنّ الذي لا يتناهى هي الجزئيات لا المفاهيم الكُلّية ، والجزئيات يمكن ضبطها - بواسطة كُلّياتها - وقضايا الشريعة إنّما تتعرّض للمفاهيم الكُلّية غالباً ، وهي كافية في ضبط جزئيات ما يجد من أحداث ، وبخاصّة إذا ضمّ إليها ما يكتشفه العقل من أحكام الشرع على نحو القطع.

وما جعل لها من الطرق والإمارات والأُصول المؤمنة ، يغني عن اعتبار القياس بطرقه المظنونة كضرورة عقلية لابدّ من اللجوء إليها ، وهي وافية بحاجات الناس على اختلاف عصورهم وبيئاتهم.

3 - قولهم : إنّ القياس دليل تؤيّده الفطرة السليمة ، والمنطق الصحيح ، ويبني عليه العقلاء أحكامهم ، فمن نهي عن شراب لأنّه سام ، يقيس بهذا الشراب كُلّ سام ، ومن حرم عليه تصرّف لأنّ فيه اعتداء وظلم لغيره ، يقيس بهذا كُلّ تصرّف فيه اعتداء وظلم لغيره ، ولا يعرف بين الناس اختلاف في أنّ ما جرى على أحد المثلين يجري على الآخر ، وأنّ التفريق بين المتساويين في أساسه ظلم.

وهذا الدليل لا يتعرّض إلى أكثر من حجّية أصل القياس لا طرقه المظنونة ، وحجّية أصل القياس لا تقبل المناقشة.

خلاصة البحث : إنّ جميع ما ذكره مثبتو القياس من الأدلّة لا تنهض بإثبات الحجّية له ، فنبقى نحن والشكّ في حجّيته ، والشكّ في الحجّية كاف للقطع بعدمها.

وتمام رأينا في القياس : أنّ القياس يختلف باختلاف مسالكه وطرقه ، فما كان مسلكه قطعياً أُخذ به ، وما كان غير قطعي لا دليل على حجّيته.

ص: 84

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

أركانه وحجّيته :

س : يا حبّذا لو تذكروا لنا أركان القياس ومدى حجّيته؟ ودمتم في أمان اللّه.

ج : للقياس أركان أربعة :

1 - الأصل أو المقيس عليه : وهو المحلّ الذي ثبت حكمه في الشريعة ، ونصّ على علّته ، أو استنبطت.

2 - الفرع أو المقيس : وهو الموضوع الذي يراد معرفة حكمه من طريق مشاركته للأصل في علّة الحكم.

3 - الحكم : ويراد به الاعتبار الشرعي ، الذي جعله الشارع على الأصل ، والذي يطلب إثبات نظيره للفرع.

4 - العلّة : وهي الجهة المشتركة بينهما ، التي بني الشارع حكمه عليها في الأصل.

فإذا قال الشارع - مثلاً - : حرّمت الخمر لاسكارها ، فالخمر أصل ، والحرمة حكمه ، والاسكار علّتها ، فإذا وجد الاسكار في النبيذ - وهو الفرع - فقد ثبتت الحرمة له بالقياس.

وأمّا بالنسبة إلى البحث حول حجّية القياس نقول : لقد تباينت الأقوال والآراء حوله.

فالغزالي قال : « وقد قالت الشيعة وبعض المعتزلة : يستحيل التعبّد بالقياس عقلاً ، وقال قوم في مقابلتهم : يجب التعبّد به عقلاً ، وقال قوم : لا حكم للعقل فيه بإحالة ولا إيجاب ، ولكنّه في مظنّة الجواز ، ثمّ اختلفوا في وقوعه ، فأنكر أهل الظاهر وقوعه ، بل ادعوا حظر الشرع له » (1).

ص: 85


1- المستصفى : 283.

ولكن بعض الشافعية أوجبوا التعبّد به شرعاً ، وإن لم يوجبوه من وجهة عقلية ، والذي عليه أئمّة المذاهب السنّية وغيرهم من أعلام السنّة ، هو الجواز العقلي ، ووقوع التعبّد الشرعي به ، كما هو فحوى أدلّتهم.

ونسبة الإحالة العقلية - بقول مطلق - إلى الشيعة غير صحيحة.

ومن الأخطاء التي تكرّرت على ألسنة كثير من الباحثين ، هو نسبة رأي إلى مجموع الشيعة لمجرّد عثورهم على ذهاب مجتهد من مجتهديهم إليه ، ناسين أنّ الشيعة قد فتحوا على أنفسهم أبواب الاجتهاد ، فأصبح كُلّ مجتهد له رأيه الخاصّ ، ولا يتحمّل الآخرون تبعته.

نعم ، ما كان من ضروريات مذهبهم فإنّ الجميع يؤمنون به ، والشيء الذي لا نشكّ فيه هو : أنّ المنع عن العمل بقسم من أقسام القياس يعدّ من ضروريات المذهب ، لتواتر أخبار أهل البيت عليهم السلام في الردع عن العمل به ، لا أنّ العقل هو الذي يمنع التعبّد به ويحيله.

وعلى أيّ حال ، فإنّ حجّية القياس وعدمها تعود إلى ثلاثة أقوال رئيسية :

1 - قول بالإحالة العقلية.

2 - قول بالوجوب العقلي.

3 - قول بالإمكان ، وهو ذو شقّين ، إمكان مع القول بالوقوع ، والقول بعدمه.

( إحسان - ألمانيا - 33 سنة - طالب علم )

أقسامه :

س : الإخوة الأعزاء في مركز الأبحاث العقائدية ، في إحدى كتب القانون كان النقاش حول موضوع مصادر التشريع ، وكما تعلمون أنّ الشيعة يتّفقون مع السنّة في ثلاثة مصادر من مصادر التشريع - القرآن والسنّة والإجماع - ويختلفون في الرابع ، حيث تقول السنّة بالقياس وتقول الشيعة بالعقل.

ص: 86

وكان أحد السلفيين موجود في القاعة ، فاستغلّ هذا الموقف وقال : هل من لا يقولون بالقياس يحلّلون المخدّرات؟! حيث علّل قوله بأنّ الحكم على حرمة المخدّرات مقاسة بحرمة الخمر ، وذلك أنّ الاثنين يذهبا العقل.

فردّ أحد الشيعة : الموضوع لا يحتاج لقياس أو غيره ، كُلّ ما في الأمر أنّ كُلّ ما يضرّ بالنفس فهو حرام ، واستمر الحال ، حيث لا زال ذلك المتشدّد من ذكر بعض العبارات الاستفزازية.

وقد سألت أحد الأصدقاء عن ذلك ، وقال : إنّ الشيعة يستخدمون مصدر القياس في بعض الأُمور وقليلاً ما يستخدم.

وقد ذُكر في الكتاب حادثة وهي : إنّ عمر ابن الخطّاب جاء إلى الرسول صلى اللّه عليه وآله قائلاً : صنعت اليوم يا رسول اللّه أمراً عظيماً ، قبّلت زوجتي وأنا صائم ، فقال له الرسول صلى اللّه عليه وآله : « أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم »؟ فقلت : لا بأس بذلك ، فقال رسول اللّه : « ففيم »؟ أي ففي أمر هذا الأسف؟ وهم يعلّلون بذلك شرعية مصدر القياس.

الأسئلة :

1 - هل مصدر القياس مغيّب عند الشيعة؟

2 - كيف يحكم الشيعة على بعض الأُمور بالحرمة كحرمة المخدّرات؟

3 - كيف يمكن للعقل الحكم في الأُمور المختلفة التي لم يعرف عنها من قبل في زمن الرسول أو أهل البيت ، كالمخدّرات مثلاً؟ جزاكم اللّه خير الجزاء.

ج : نجيب على أسئلتكم بالترتيب كما يلي :

1 - التعبير بالقياس له إطلاقان : فتارةً يطلق ويراد منه القياس المنطقي ، وهذا مقبول عند الكُلّ ، ولا كلام فيه ، فما تمّت فيه المقدّمات تخرج النتيجة بصورة صحيحة وسليمة.

وتارةً يطلق ويراد منه التشبيه ، وهذا هو الذي يعبّر عنه بالقياس الفقهي ، وهو مردود عقلاً - كما هو مقرّر عند المنطقيين والحكماء والأُصوليين - وممنوع شرعاً عند الشيعة الإمامية.

ص: 87

ومضمون هذا القياس الباطل هو : الحكم على موضوع بسبب مشابهته لموضوع آخر ، فترى أنّ العقل السليم أيضاً - مضافاً إلى الدليل النقلي عندنا - يقطع ببطلان هذا القياس ، إذ إنّ الحكم الشرعي يتبع لأوامر الوحي ، ومجرّد المشابهة في بعض الصور والحالات لا يدلّ على اتحاد الحكم.

وأمّا الحديث الذي يذكرونه لشرعية القياس ، فمع غضّ النظر عن سنده لا يدلّ على المدّعى ، فالرسول صلى اللّه عليه وآله - على فرض الرواية - ينظّر بين المقامين ، وهذا من حقّ المشرّع بلا كلام ولا مناقشة ؛ إنّما الكلام في إعمال القياس من جانب الآخرين ، فليس في الحديث ما يشعر بصحّة هذا العمل كما هو واضح بأدنى تأمّل.

وعليه ، فيبقى هذا القياس الفقهي أمراً فارغاً لا يدلّ عليه العقل ، ولا يؤيّده النقل ، نعم قد يكون العمل بهذا القياس موجّهاً في صورة استثنائية ، وهي قياس منصوص العلّة ، وهو فيما إذا كانت علّة الحكم منصوصة ومصرّحة ، كما إذا قيل : لا تأكل الرمّان لأنّه حامض ، فقد اتفقت كلمة الأُصوليين على إسراء حكم عدم الأكل لكافّة الحموضات ، وهذا ليس من باب تشابه موضوعات الأحكام ، بل من جهة تعدّية الحكم بنفسه إلى الموارد الأُخرى بسبب تواجد العلّة فيها.

2 - حرمة المخدّرات ، إمّا أن نحكم عليها - أو على بعضها - من جهة الإسكار ، وإمّا أنّها بصفتها تعتبر من موارد الإضرار المعتدّ به بالنفس عرفاً.

فالحكم في القسم الأوّل يكون من مصاديق حرمة المسكّرات ، وحينئذ تترتّب مقدّمات الاستدلال هكذا : كُلّ مسكر حرام ، وهذا مسكر ، فهذا حرام.

وفي القسم الثاني أيضاً كذلك : كُلّ ما أضرّ إضراراً معتدّاً به للنفس فهو حرام ، والمخدّرات تضرّ ضرراً بليغاً بالنفس ، فهي حرام.

ص: 88

فترى أنّ الاستدلال في المقام يبتني على مقدّمات ونتيجة ، وليس فيه أي إشارة لمشابهة المخدّرات للخمر في ناحية الموضوع ، نعم هما متشابهان في ناحية الحكم ، ولكن ليس هذا قياساً فقهياً ، بل هو من موارد القياس المنطقي الصحيح.

3 - ظهر ذلك ممّا ذكرنا ، فهذه الأُمور إمّا أن تكون من مصاديق موارد منصوصة ، فتكون صغرى لكبرى مصرّحة في الشرع ؛ وإمّا أن تطبّق فيه قواعد الأُصول العملية من الاستصحاب والبراءة والاحتياط والاشتغال ، كما هو مقرّر في علم الأُصول.

ص: 89

ص: 90

كتاب لله ثمّ للتاريخ :

اشارة

( عقيل أحمد جاسم - البحرين - 32 سنة - بكالوريوس )

تأليف بعض الوهّابية :

س : هناك بعض الاستفسارات بخصوص مذهب أهل البيت ، أرغب في طرحها على سماحتكم ، وأتمنّى أن يكون صدرك واسع في تقبّلها ، والردّ عليها ردّاً شافياً.

1 - هل نكاح الجاريات جائز؟ فهناك من يتّهم الشيعة بأنّهم عند سفرهم يضعون زوجاتهم وجواريهم عند الآخرين للتمتّع بهنّ.

2 - لماذا حرمت أجيالنا السابقة من صلاة الجمعة ، وقالوا : أنّها لا تجوز إلاّ خلف الإمام الغائب؟

3 - بخصوص الإمام المنتظر ، قال الإمام الصادق عن أبيه الباقر عليهما السلام : « كأنّي أنظر إليه بين الركن والمقام ، يبايع الناس على كتاب جديد » (1) ، والمقصود من ذلك كتاب غير القرآن ، لأنّهم يدّعون بأنّنا نقول : بأنّ القرآن محرّف ، والقرآن الحقيقي عند الغائب.

هناك شخصية أريد التعرّف عليها ، هل هي حقيقية أم هي من تأليف الوهّابية؟ من أجل التهجّم علينا ، فقد استغلّوا هذا الاسم من أجل تشويه سمعة مذهبنا ، والنيل من الحوزات الدينية في النجف وقم ، لأنّ هذا الشخص يروي ماذا يحدث في الحوزة : من استغلال أموال الناس من خلال الخمس ، وأُمور أُخرى.

ص: 91


1- الغيبة للنعماني : 263.

وكُلّ هذا افتراءات من أجل النيل بمذهبنا ، والشخصية هي حسين الموسوي.

ج : بما أنّ أسئلتك أكثرها أخذت من كتاب « لله ... ثمّ للتاريخ » نرى من الأفضل أن نعطي بعض المعلومات عن هذا الكتاب ومؤلّفه ؛ فإنّ هذا الكتاب من تأليف بعض الوهّابيين الذي قبض عليه أخيراً في الكويت ، وهو من تلامذة أحد أصنام الوهّابية هناك ، ولا صلة للشيعة بهذا الكتاب ، لا من قريب ولا من بعيد ، بل أنّ المصنّف الحاقد قد جاء في كتابه هذا بإشكالات واهية ، وتهم غريبة على الشيعة ، بأسلوب روائي وقصصي ، حتّى يؤثّر في بعض النفوس الضعيفة ، فتراه يقلّد موسى الأصفهاني في أخذ إجازة الاجتهاد من الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء ، فيرى أن لا يختلف عن سلفه في أسلوبه ، حتّى لا يثير الشكّ في أوساط عامّة الناس ، وينسى أن يصوّر نسخة من تلك الإجازة المزعومة!!

وهو بعد لا يعلم بأنّ كاشف الغطاء كان يعرف بالشيخ لا بالسيّد ، حسب الاصطلاح المتداول في الحوزة العلمية ، وعامّة الشيعة!!

وفي مقطع آخر من الكتاب يروي قصّة مكذوبة في قراءة أُصول الكافي على بعض العلماء ، وهو لا يدري أنّ المنهج الدراسي في الحوزات العلمية الشيعية لا تشتمل على قراءة كتب الأحاديث ، وهذا دليل واضح بأنّ هذا الوهّابي قد قاس الحوزات الشيعية بالسنّية ، إذ يوجد في منهجهم قراءة كتب الحديث - كالبخاري - على الأُستاذ!!

والغريب أنّه يدّعي القرب من أكثرية المراجع ، فيا ترى من هو هذا الذي لا يعرفه أيّ أحد من طلبة الحوزة وعلمائها؟!

وأحياناً يأتي باسم الطباطبائي كمرجع ، وهو لا يعلم أنّ السيّد الطباطبائي هو صاحب تفسير الميزان ، ولم يكن مرجعاً دينياً!!

ص: 92

وتارةً يرى أنّ بعض الشيعة في منطقة الثورة ببغداد يقلّدون السيّد البروجردي ، وهذا ممّا يضحك الثكلى ، إذ أنّ السيّد البروجردي قد توفّي قبل أكثر من أربعين سنة ، ولم يبن في زمانه منطقة الثورة من الأساس!!

حتّى إنّه ومن كثرة جهله لم يعرف الوائلي الخطيب - مع أنّه يعتبره صديقاً لنفسه - كشيخ ، بل عرّفه بأنّه سيّد ، والحال هو معروف حتّى عند العوام ، فكيف عند من يدّعي تواجده سنين متمادية في الحوزات العلمية؟! وهكذا الأمر بالنسبة للشيخ كاشف الغطاء ، الذي يدّعي بأخذ إجازة الاجتهاد منه ، وهو لا يعرفه بتاتاً.

وهذا المؤلّف الكذّاب لا يعرف حدوداً لكذبه وأباطيله ، حتّى أنّه ينقل وصية مكذوبة على الإمام الخوئي قدس سره على فراش الموت!! والكُلّ يعلم أنّ السيّد الخوئي لم يقع في الفراش ، بل أنّ وفاته كانت على أثر سكتة قلبية مفاجئة.

وفي مقطع آخر يتّهم أحد العلماء - والعياذ باللّه - بعدم الختان ، ثمّ لم يعيّنه بالشخص خوفاً من معرفة ذوي الميّت إيّاه - أي المؤلّف - وهذا هو الغريب ، إذ هو يعرّف نفسه بالسيّد حسين ، ويذكر في قصص كثيرة من كتابه هذا ، أنّ المراجع والعلماء كانوا أيضاً يعرفونه بهذا الاسم ، فكيف يا ترى يحتال في إخفاء اسمه؟!

وأخيراً : نكتفي في هذا المجال إلى الكذب الصريح الذي صدر منه - وشاء اللّه أن يفضح الكذّابين - إذ يدّعي زيارته للهند ، والتقاؤه مع السيّد دلدار علي النقوي ، صاحب كتاب أساس الأُصول ، فهذا السيّد قد توفّي سنة 1235 ه- (1) ، فكيف يزوره هذا الكذّاب ، وهو يعيش حالياً في الأربعينات من عمره؟! فإذا كان عمره عند زيارته للهند ثلاثين سنة ، وقد زار السيّد دلدار علي النقوي في سنة وفاته ، فهو الآن يجب أن يكون عمره 218 سنة!!

ص: 93


1- الذريعة 2 / 4.

فكيفما كان ، فالكتاب أثر مختلق يمثّل مدى حقد البعض على الشيعة.

وأمّا بالنسبة إلى الشبهات التي سألت عنها ، فتجد أجوبتها موجودة في محلّها من الأسئلة العقائدية في موقعنا.

( أحمد النمر - السعودية - .... )

في النقد العلمي :

س : السلام عليكم ، وجزاكم اللّه خيراً.

قرأت إجاباتكم حول كتاب لله ثمّ للتاريخ ، وكانت إجابات جيّدة ومقنعة ، ولكن أُريد إجابة وافية ، وتوسعة في الردّ.

ج : لقد كان القلم وما زال أداةً طالما ركبت صهوة المجد ، وتسنّمت ذرى الرفعة والكمال ، حتّى فضّل اللّه تعالى مداد العلماء على دماء الشهداء ، وجعلهم ورثة الأنبياء ، وبه اقسم ربّ العزّة فقال : ( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) (1).

لكن وا أسفاه عندما يهبط برمح الحقّ هذا إلى وهاد الزور والكذب ، وا أسفاه حينما يُجرُّ رغماً عنه إلى مهاوي الخداع والتضليل ، فنحن في زمن صارت الكلمة الصادقة فيه أندر وأعزُّ من الكبريت الأحمر ، زمن غدت به الأكاذيب حذّاقة ، والتزوير والخداع فطنة ، فالغاية صارت تبرّر الوسيلة ، حتّى كأنّ اللّه تعالى لم يقل في كتابه المجيد : ( وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) (2).

لله ... ثمّ للتاريخ : هكذا جاء هذا العنوان المزوق برّاقاً موهماً ، كتاب أساسه الكذب ، ودعائمه البهتان ، وسقفه الزور.

لقد كانت العرب قبل الإسلام تحترم الكلمة ، وتعطي أرواحها كي تصون كلمتها ، فما بال المؤلّف - إن كان يدّعي أنّه عربي - لم يلتزم بأدنى قواعد الجاهلية ، فضلاً عن قواعد الإسلام؟ فأين شرف الكلمة؟! أين أمر اللّه بوجوب الصدق؟!

ص: 94


1- القلم : 1.
2- الحجّ : 30.

كتابٌ حاول النيل من عقائد الشيعة - وليست هذه أوّل ولا آخر محاولة ، ولكن هيهات ، فالجبال لا تزيلها الرياح - فلم يجد إلاّ طريقاً مفضوحاً ساذجاً ، لا ينطلي إلاّ على البسطاء من الناس ، وتغافل أنّنا نعيش في عصر الكمبيوتر والإنترنت ، وأنّه ممكن للقارئ وبضغطة زر واحد أن يحصل على ما شاء من المعلومات الدقيقة والعميقة.

وإليك أيّها المسلم الغيور نكت حول الكتاب ، اختصرناها من كتاب كامل في الردّ على مثل هذه الترهات ، فاضحك إن شئت تضحك ، وأبك أن شئت ، فنحن في زمن مضحك مبك ، يرتكب فيه بعض من يدّعي الإسلام أبشع الكبائر ، وأكبر الذنوب لضرب أخيه المسلم ، فلخدمة مَن؟ وكم هو الأجر؟!

1 - مؤلّف الكتاب عمره 200 سنة أو أكثر :

لقد قيل في المثل : إذا كنت كذوباً فكن ذكوراً ، لكن المؤلّف نسي هذا المثل ، وهذا طبيعي فحبل الكذب قصير ، فقد ذكر في كتابه ص 104 ما نصّه : في زيارتنا للهند التقينا بالسيّد دلدار علي النقوي فأهداني كتابه أساس الأُصول ....

ومعلوم جزماً : أنّ السيّد دلدار علي النقوي - وهو مؤلّف وعالم شيعي - توفّي سنة 1820 م - كما هو مذكور في كتاب الأعلام للزركلي (1) ، ولنفرض أنّ هذا المؤلّف كان عمره آنذاك حين التقى بدلدار علي النقوي 20 سنة - على أقل تقدير - إذاً ستكون ولادة هذا المؤلّف سنة 1800 م ، هذا بالنسبة لولادته.

أمّا وفاته ، فهو لم يتوفّ بعد ، لأنّه قال في مقدّمة كتابه ص 6 : أمّا أنا فما زلت حيّاً داخل العراق ، وفي النجف بالذات ... ، كما أنّه يدّعي أنّه كان حاضراً حينما توفّي السيّد الخوئي ، ومعلوم أنّ السيّد الخوئي توفّي سنة 1992 م ، فإذا طرحنا 1992 من 1800 سيكون عمره إلى حين وفاة السيّد الخوئي 192 سنة ، أمّا عمره إلى الآن فهو 203 سنوات!! فاضحك فقد راق الضحك.

ص: 95


1- الأعلام 2 / 340.

2 - يقول أنّه مجتهد ، وأنّه نال الاجتهاد من الشيخ كاشف الغطاء :

ومعلوم أنّ الشيخ كاشف الغطاء قدس سره - وهو مرجع شيعي كبير - ولد سنة 1877 م (1) ، أي إنّ المؤلّف حينما ولد كاشف الغطاء كان عمره 77 سنة ، كما أنّ الشيخ كاشف الغطاء بدأ بتدريس بحوث الخارج سنة 1898 م ، أي كان عمر المؤلّف 98 سنة ، على أنّ الطالب يحضر هذه الدروس لا أقل مدّة 5 سنوات كي يجتهد ، فيكون عمر المؤلّف 103 سنوات حينما حصل على إجازة الاجتهاد ، ويقول في ص 5 : أنّه حصل عليها بتفوّق ....

فأي تفوّق هذا يا ترى؟ وما حال الطلاّب غير المتفوّقين؟ لابدّ أنّ أعمارهم تصل إلى 200 أو 300 سنة ، حتّى ينالوا الاجتهاد!!

3 - المؤلّف لا يعرف مصطلح السيّد ومصطلح الشيخ ، ولا يميّز بينهما ، وإليكها :

الأُولى : قال في ص 5 : أنهيت الدراسة بتفوّق حتّى حصلت على إجازتي العلمية في نيل درجة الاجتهاد من أوحد زمانه سماحة السيّد محمّد الحسين آل كاشف الغطاء ....

وقال في ص 9 : وسألت السيّد محمّد حسين آل كاشف الغطاء ....

الثانية : قال في ص 13 : والسيّد محمّد جواد مغنية ....

الثالثة : قال في ص 21 : قال السيّد علي الغروي ....

الرابعة : قال في ص 48 : السيّد لطف اللّه الصافي ....

الخامسة : وكان صديقنا الحجّة السيّد أحمد الوائلي ....

السادسة : قال في ص 102 : بينما يقول السيّد أبو جعفر الطوسي المتوفّي 460 ه- ....

السابعة : بل وصل به الحال إلى الجمع بين المتناقضين ، فقال في ص 102 : قال الشيخ الثقة السيّد حسين بن السيّد حيدر الكركي العاملي المتوفّى 1076 ه- ...

ص: 96


1- العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية : 12.

وهناك موارد أُخرى لم نذكرها اختصاراً.

ومن الواضح البيّن عند الشيعة ، يعرفه صغيرهم وكبيرهم : أنّ هناك فرقاً بين السيّد والشيخ ، فالسيّد يطلق على مَن ينتسب إلى السلالة العلوية ، والشيخ يطلق على كُلّ من لم يكن من السلالة العلوية ، فكيف غاب عن هذا الشخص ، والذي يدّعي الاجتهاد ، أنّ هؤلاء الذين ذكرهم في كلامه ، وأطلق عليهم لفظ السيّد ، أنّهم من المشايخ وليسوا من السادة؟!

مع أنّ هذا الأمر يعرفه أطفال الشيعة فضلاً عن عوامّهم ، فما بالك بفقهائهم؟ وكيف غاب عنه أنّ محمّد حسين آل كاشف الغطاء شيخاً ، وليس سيّداً؟ مع أنّه يقول : حضرت عنده وحصلت على درجة الاجتهاد منه ، فكيف غاب عنه خلال هذه الفترة من الحضور عنده أنّه شيخاً ، وليس سيّداً ، بحيث أطلق عليه في ثلاث موارد : ص 5 و 9 و 52 لفظ السيّد؟!

فالمؤلّف المذكور ألّف مسرحية ، ولم يتّقن أداء الدور فيها ، فلبس لباس التشيّع ، وأخذ يكتب بعنوان كونه شيعياً ، لكنّه لم يفلح بذلك ، فوقع في أغلاط فاضحة.

4 - زعم هذا الكذّاب في ص 14 من كتابه المذكور : أنّ الشيعة يسمّون إخوانهم أهل السنّة بالنواصب.

وهذا هو الخبث بعينه ، والفتنة بعينها ، واللّه تعالى يقول : ( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ) (1) ، فهو يريد الوقيعة بين الشيعة وإخوانهم من أهل السنّة ، ويريد للمسلم أن يكفّر أخاه المسلم ، ويلعنه ويقاتله ، وقد روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « أُمرت أن أُقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلاّ اللّه ، فمن قالها فقد عصم منّي ماله ونفسه إلاّ بحقّه وحسابه على اللّه » (2).

ص: 97


1- البقرة : 191.
2- صحيح البخاري 2 / 110 و 4 / 6.

وإليك قارئي الكريم حقيقة الحال في لفظ النواصب ، ومن أُمّهات كتب الشيعة ، لتعرف حقيقة الحال ، ولكي لا تنطلي عليك مثل هذه الألاعيب الخبيثة ، فالنواصب عند الشيعة : هم جماعة خاصّة تبغض أهل البيت عليهم السلام وتكرههم ، وتنصب لهم العداوة ، مخالفةً بذلك أمر اللّه تعالى حيث يقول في كتابه المجيد : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (1) ، أي قل يا محمّد لقومك : لا سألكم على الرسالة ، وعلى أتعابي ، وما لقيت من جهد ، أيّ أجر سوى أجراً واحداً ، وهو أن تودّوا أهل قرباي.

ومعلوم لدى كُلّ مسلم من هم قرابة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فكُلّ من يعاديهم - والعياذ باللّه - فهو ناصبي ، وإليك كلمات علمائنا في ذلك :

أ - الشهيد الثاني زين الدين العاملي الجبعي - وهو من كبار فقهاء الشيعة - في كتابه مسالك الإفهام : النواصب : وهم المعلنون بعداوة أهل البيت عليهم السلام أو أحدهم صريحاً أو لزوماً (2).

ب - الشيخ رضا الهمداني في كتابه مصباح الفقيه : النواصب : الذين اظهروا عداوة أهل البيت ، الذين أوجب اللّه مودّتهم وولايتهم ، وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً (3).

ج - السيّد محمّد رضا الكلبايكاني في هداية العباد : النواصب : وهم المعلنون بعداوة أهل البيت عليهم السلام وإن اظهروا الإسلام (4).

د - السيّد أبو القاسم الخوئي في كتابه تنقيح العروة الوثقى : وهم الفرقة الملعونة التي تنصب العداوة ، وتظهر البغضاء لأهل البيت عليهم السلام (5).

ص: 98


1- الشورى : 23.
2- مسالك الأفهام 1 / 24.
3- مصباح الفقيه 1 / 564.
4- هداية العباد 2 / 217.
5- تنقيح العروة الوثقى 2 / 75.

فاتضحّ لك الأمر قارئي الكريم : أنّ الشيعة تطلق لفظ النواصب على فرقة خاصّة كرهت أهل البيت ، مثل : الخوارج الذين حاربوا إمام زمانهم ، وسيّد أهل بيت النبيّ ، وهو الإمام علي عليه السلام ، أو من قاتل الإمام الحسين عليه السلام ، فهؤلاء نواصب.

أمّا عامّة أهل السنّة ، فإنّهم محبّون لأهل البيت عليهم السلام ، بل إنّ كثيراً منهم يذرفون الدمع عند سماعهم بمصيبة الحسين وأهل بيته ، فكيف نسمّيهم نواصب؟! وما هذا الكذب الذي افتراه هذا المفتري إلاّ كيداً للإسلام ، وضرباً لأتباع النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله من سنّة أو شيعة ، فأخزى اللّه كُلّ متآمر على الإسلام.

5 - في ص 14 من كتابه المذكور - والكتاب كُلّه عبارة عن كذب ومغالطات رخيصة - ذكر عدّة مفتريات توالت بنسق واحد ، ومصبّها وهدفها إلصاق كُلّ ما يمكن إلصاقه من المفتريات بالشيعة والتشيّع ، محاولاً أن يجمع فيها كُلّ كلمة ذمّ وتوبيخ وعتاب ، قيلت من قبل الأئمّة في أي جماعة كانت ، ولصقها بالشيعة ، بل زاد - وبشكل مفضوح - الأمر بأن جعل كلام الإمام الحسين عليه السلام الذي قاله بحقّ أعدائه وقتلته - الذين قاتلوه في يوم عاشوراء - جعل هذا الكلام موجّهٌ إلى الشيعة ، ولكن لا عجب ، فقد قال الشاعر :

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى *** حتّى يراق على جوانبه الدم (1)

وقبل البدء بالجواب نستعرض لك - أيّها القارئ اللبيب - قسماً من تلك المفتريات المخزية ، ثمّ نجيب عليها إن شاء اللّه :

أ - في ص 14 : نقل كلام أمير المؤمنين عليه السلام الموجّه لأهل الكوفة : « يا أشباه الرجال ولا رجال ، حلوم الأطفال ، وعقول ربّات الحجال ... » (2).

ص: 99


1- شرح نهج البلاغة 3 / 268.
2- المصدر السابق 2 / 75.

ب - في ص 15 أورد خطبة الإمام علي عليه السلام - وقد حذف منها كلمتين - فغيّر المخاطب وهذا أُسلوب قذر ، إذ قد يرد الذمّ والتوبيخ لزيد ، لكن الناقل للذمّ يغيّره ويقول : إنّ الذمّ ورد في عمرو - فقد أورد الكاتب الخطبة هكذا : « صمٌ ذوو أسماع ، وبكم ذوو كلام ، وعمي ذوو أبصار ، لا أحرار صدق عند اللقاء ... » (1) ، وقد حذف أوّل الخطبة ، وهي قول أمير المؤمنين عليه السلام : « يا أهل الكوفة ، منيت منكم بثلاث واثنتين : صمٌ ذوو أسماع ... ».

فتلاحظ كم تغيّر الخطاب ، وكم هو الفرق بين أن يدّعي هذا الكاذب أنّ الخطاب مقصود به الشيعة ، وبين حقيقة الحال ، وأنّ المقصود به هم أهل الكوفة ، وسنثبت للقارئ الفرق الكبير والبون العظيم الشاسع بين اللفظتين : الشيعة وأهل الكوفة.

ج - في ص 18 لخَّص مطالبه بأُمور ، وكان أهمّها قوله : ملل وضجر أمير المؤمنين من « شيعتهم أهل الكوفة » ، وأرجو من القارئ أن يتنبّه جيّداً للتعبير الذي بين القوسين ، ففيه تمام المغالطة على ما سنبيّنه لاحقاً.

الجواب : تلاحظ - عزيزي القارئ - أنّه استخدم لفظ « أهل الكوفة » ليضرب به الشيعة والتشيّع ، محاولاً إيهام القرّاء أنّ لفظ « الكوفة = الشيعة » والعكس بالعكس ، وهذا كذب عظيم ، سنجيب عليه بالنقاط التالية :

أ - إنّ المتتبّع لتاريخ الكوفة تتبّعاً علمياً دقيقاً يجد : أنّ الكوفة من المدن التي أحدثها الإسلام ، فقد بناها سعد بن أبي وقاص ، بأمر من الخليفة الثاني عمر ابن الخطّاب سنة 17 ه- ، حتّى سمّيت ب- « كوفة الجند » (2) ، وعندما تأسّست هذه المدينة ، تسابق لها المسلمون بشتّى مشاربهم واتجاهاتهم السياسية والفكرية ، حتّى أحصى ابن سعد في كتابه الطبقات الكبرى ، في باب طبقات الكوفيين ، ما يقارب ( 150 ) صحابياً ، ممّن نزل الكوفة ، وقد سكنها العرب واليهود والنصارى والفرس.

ص: 100


1- المصدر السابق 7 / 71.
2- معجم البلدان 4 / 491.

أمّا العرب فقد كان تعدادهم على ما أخبر به الشعبي فقال : كنّا نعدّ أهل اليمن اثني عشر ألفاً ، وكانت نزار ثمانية آلاف (1).

إذاً ، فالعرب في الكوفة أيّام علي عليه السلام وولده الحسن والحسين ، يربوا عددهم على العشرين ألف ، فهل من العقل والمنطق أن نقول : أنّ عشرين ألف عربي ، و 150 صحابياً كُلّهم شيعة لعلي عليه السلام؟!

ب - الفرس في الكوفة : وكان عددهم 4000 رجلاً ، تحالفوا مع قبيلة تميم ، وسمّوا بالحمراء أو حمراء ديلم ، لأنّ قائدهم يدعى ديلم ، وهم بقايا فلول الجيش الفارسي المنهزم من معركة القادسية ، استوطنوا الكوفة (2) ، فهل هؤلاء أيضاً هم شيعة أو يمكن أن يكونوا شيعة؟!

ج - الأديان في الكوفة :

أوّلاً : النصارى : قال ياقوت الحموي في وصف الكوفة : أمّا ظاهر الكوفة فإنّها منازل النعمان بن المنذر ... وما هناك من المتنزّهات والديرة الكبيرة (3).

والديرة : جمع دير وهو مكان عبادة النصارى.

كما ذكر لنا المؤرّخ الشهير الطبري في تاريخه ، كيف أنّ نصارى العرب من قبيلة تغلب ، كانوا ممّن ساهموا في اعمار الكوفة واستيطانها في زمان الخليفة الثاني ، وإليك النصّ : فعاقدوا عمر على بني تغلب فعقد لهم على أنّ من أسلم منهم فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، ومن أبى فعليه الجزاء - أي أن يدفع الجزية - ... فقالوا : إذاً يهربون وينقطعون فيصيرون عجماً ... فهاجر هؤلاء التغلبيون ومن أطاعهم من النمريين والأياديين إلى سعد بالمدائن ، وخطّوا معه بعد بالكوفة ... (4) ، فلا أدري هل هؤلاء النصارى الذين سكنوا الكوفة هم من الشيعة؟!

ص: 101


1- المصدر السابق 4 / 492.
2- فتوح البلدان 2 / 344.
3- معجم البلدان 4 / 493.
4- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 145.

د - اليهود في الكوفة : لقد تواجد اليهود في الكوفة منذ زمن بعيد ، يرجع إلى 597 قبل الميلاد ، منذ أن سباهم الملك الكلداني نبوخذ نصّر ، وحافظوا على وجودهم في المنطقة على مرّ العصور ، كما انظمّ إلى يهود العراق يهود المدينة حين تمّ جلاؤهم منها ، فاستوطنوا الكوفة منذ عام 20 للهجرة.

وقد سيطر اليهود في الكوفة على التجارة والصياغة ، ولهم معابد ومزارات لا تزال موجودة إلى اليوم ، ومن كان من أهل الكوفة يعرف ذلك جيّداً ، فنسأل هل اليهود أيضاً من شيعة علي عليه السلام؟!

ه- - المسلمون ومشاربهم السياسية في الكوفة : وأخيراً ننهي الجواب بالتعرّف إلى أمر مهمّ ، وهو أنّ المسلمين الذين استوطنوا الكوفة أنفسهم لم يكن لهم رأي واحد ، أو مشرب سياسي واجتماعي واحد ، فقد كان كثير منهم ، بل الأغلبية الغالبة ، كانوا يرون أفضلية أبي بكر وعمر وعثمان على علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهذا واضح لمن له أدنى تأمّل.

ويكفينا هنا شاهد واحد من أدلّة وشواهد لا تحصى ، لكنّ المقام مقام اختصار ، فقد قال ابن أبي الحديد المعتزلي : « وقد روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا اجتمعوا إليه بالكوفة ، فسألوه أن ينصب لهم إماماً يصلّي بهم نافلة شهر رمضان - وهي صلاة التراويح عند أهل السنّة ، وهي بدعة عندنا ، بل أنّ عمر نفسه سمّاها بدعة ، واستحسنها قائلاً : نعمت البدعة هذه - فزجرهم - أي أمير المؤمنين - وعرّفهم أنّ ذلك خلاف السنّة ، فتركوه واجتمعوا لأنفسهم ، وقدّموا بعضهم - أي أنّهم عصوا أميرهم وسيّدهم - فبعث إليهم ابنه الحسن عليه السلام ، فدخل عليهم المسجد ومعه الدرّة ، فلمّا رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا : وا عمراه » (1).

وأوّل من صاح بها قاضي الكوفة شريح ، كما نقل ذلك التستري (2) ، فهل هؤلاء شيعة علي عليه السلام؟!

ص: 102


1- نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق ليوسف رزق اللّه : 103.
2- شرح نهج البلاغة 12 / 283.

أم هل يمكن أنّ أبا موسى الأشعري ، الذي وقف يخاطب جموع أهل الكوفة ، ويثبّطهم عن نصرة أمير المؤمنين علي عليه السلام في حرب الجمل ، ويقول لهم : « أنّ علياً - لاحظ أنّه حتّى لم يقل أمير المؤمنين وقاحةً وصلفاً - إنّما يستنفركم لجهاد أُمّكم عائشة ... أشيموا سيوفكم ، وقصروا رماحكم ، وقطعوا أوتاركم ، وألزموا البيوت » (1).

فهل هذا ومن لفَّ لفّه يمكن أن نعدّهم من شيعة علي عليه السلام؟

وأخيراً : هذين شذرتين صغناها لك قارئي الكريم لتكتمل معرفتك ، وهناك شذرات لا عدَّ لها لمن أراد الاستزادة ، وهي موجودة في بطون الكتب ، فمن أراد فليتابع البحث بنفسه :

1 - قال الحسين عليه السلام مخاطباً الجيش الذي جاء لقتاله في يوم عاشوراء : « ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون » (2).

2 - في كتاب اختيار معرفة الرجال - المعروف برجال الكشي - للشيخ الطوسي ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « كان علي بن أبي طالب عليه السلام عندكم بالعراق يقاتل عدّوه ومعه أصحابه ، وما كان منهم خمسون رجلاً يعرفونه حقّ معرفته ، وحقّ معرفته إمامته » (3).

فيتبيّن لك - قارئي الكريم - من هم قتلة الحسين عليه السلام؟ وكم هم الشيعة الواقعيون في ذاك الزمان.

6 - جهل المؤلّف بالمصطلحات الشرعية التي يعرفها عوام الناس ومنها :

جهله بمعنى التقية عند الشيعة والسنّة ، وجاء بكلام حولها لا يتفوّه به إلاّ الجهّال ، ومن لا معرفة عندهم ، فقد قال في ص 9 : وسألت السيّد محمّد

ص: 103


1- قاموس الرجال 5 / 405.
2- الجمل : 134 ، شرح نهج البلاغة 14 / 15.
3- اللّهوف في قتلى الطفوف : 71.

الحسين آل كاشف الغطاء عن ابن سبأ؟ فقال : إنّ ابن سبأ خرافة وضعها الأمويون والعباسيون حقداً منهم على آل البيت الأطهار ، فينبغي للعاقل أن لا يشغل نفسه بهذه الشخصية ... ، ويتابع المؤلّف كلامه فيقول : ولكنّي وجدت في كتابه - أي كتاب كاشف الغطاء - المعروف بأصل الشيعة وأُصولها : 40 - 41 ، ما يدلّ على وجود هذه الشخصية وثبوتها ، حيث قال : أمّا عبد اللّه ابن سبأ ، الذي يلصقونه بالشيعة ، ويلصقون الشيعة به ، فهذه كتب الشيعة بأجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه ... ، ثمّ يقول المؤلّف : ولاشكّ أنّ هذا تصريح بوجود هذه الشخصية ، فلمّا راجعته في ذلك قال : إنّما قلت هذا تقية ، فالكتاب مقصود به أهل السنّة.

وملخّص ما ذكره المؤلّف : أنّ كاشف الغطاء ذكر رأيين في كتاب واحد في صفحة واحدة حول عبد اللّه بن سبأ ، فلمّا سأله الكاتب عن ذلك أجاب : إنّ ذلك تقية!

وهذا جهل فضيع من المؤلّف بمعنى التقية ، التي يؤمن بها الشيعة والسنّة ، لا يصدر من متعلّم فضلاً عن عالم يدّعي الاجتهاد والعلم ، وإليك معنى التقية الشرعية عند الشيعة بإجماع فقهائهم ، لترى هل ينطبق عليها كلام المؤلّف أم لا؟

معنى التقية : أنّ الإنسان إذا خاف على نفسه أو عياله أو على مؤمن من عدوّ أو ظالم ، فله أن يخالف الشريعة في حدود ما يرتفع به الخوف والإكراه (1).

وقال بشرعيتها الشيعة والسنّة ، كما أنّ القرآن والسنّة النبوية نطقا بذلك : قال تعالى : ( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ... ) (2).

ص: 104


1- اختيار معرفة الرجال 1 / 26.
2- الموسوعة الفقهية الميسّرة 1 / 19.

وأمّا السنّة النبوية : فارجع إلى الحاكم ، وابن سعد ، وابن عساكر ، والذهبي وغيرهم في قضية عمّار بن ياسر ، حينما قال له الرسول صلى اللّه عليه وآله : « ما وراءك »؟ قال : شرّ يا رسول اللّه ، ما تُرِكتُ حتّى نِلتُ منك ، وذكرتُ آلهتهم بخير ، فقال : « كيف تجد قلبك »؟ قال : مطمئن بالإيمان ، قال صلى اللّه عليه وآله : « إن عادوا فعد » (1).

وذكر الشوكاني - وكان قاضي القضاة ، وإمام أهل السنّة - : أنّ تسمية زياد بن سفيان ، الذي ورد في كلام المحدّثين ، كان في زمن بني أُمية خوفاً واتقاءً منهم ، مخالفين بذلك الإجماع على تحريم نسبته إلى أبي سفيان ، قال : وقد أجمع أهل العلم على تحريم نسبته إلى أبي سفيان ، وما وقع من أهل العلم في زمان بني أُمية فإنّما هو تقية (2) ، فهل التقية حلال على أهل السنّة ، حرام على أهل الشيعة؟

وأخرج البخاري قول أبي هريرة : « حفظت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعاءين ، فأمّا أحدهما فبثثته ، وأمّا الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم » (3) ، أي أنّه أخفاه تقيةً وخوفاً.

وقد علّق العلاّمة شعيب الأرنؤوط على ذلك بقوله : « وقد حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثّه على الأحاديث التي فيها تبيين أمراء السوء وأحوالهم ... ولا يصرّح به خوفاً على نفسه منهم ، كقوله : أعوذ باللّه من رأس الستين وإمارة الصبيان ، يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية ، لأنّها كانت على رأس سنة ستين من الهجرة » (4).

ص: 105


1- آل عمران : 28 ، النحل : 106 ، غافر : 28.
2- المستدرك 2 / 357 ، الطبقات الكبرى 3 / 249 ، سير أعلام النبلاء 1 / 411 ، تاريخ مدينة دمشق 43 / 373 ، السنن الكبرى للبيهقي 8 / 209 ، شرح نهج البلاغة 10 / 102 ، جامع البيان 14 / 237 ، أحكام القرآن للجصّاص 2 / 13 ، الجامع لأحكام القرآن 10 / 180 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 609 ، الدرّ المنثور 4 / 132 ، تفسير الثعالبي 3 / 443.
3- نيل الأوطار 5 / 194.
4- صحيح البخاري 1 / 38 ، الطبقات الكبرى 2 / 362.

وقال الفخر الرازي : « روى عوف عن الحسن : أنّه قال : التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة ، وهذا القول أولى ، لأنّ دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان » (1).

إذا عرفنا معنى التقية عند الشيعة والسنّة أنّها تجوز عند الضرورة ، لا فرق بين أن تكون مع الكفّار أو المسلمين ، نأتي إلى كلام المؤلّف فنقول : إذا كان الشيخ كاشف الغطاء يتّقي في كتابه أصل الشيعة وأُصولها ، فلماذا لم يقتصر على إنكار وجود عبد اللّه بن سبأ فقط ، ولا حاجة لأن يثبت وجوده؟!

بينما نجده يقول في ص 40 - 41 : أمّا عبد اللّه بن سبأ ، الذي يلصقونه بالشيعة ، أو يلصقون الشيعة به ، فهذه كتب الشيعة بأجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه ، وأخف كلمة تقولها كتب الشيعة في حقّه ، ويكتفون بها عن ترجمة حاله عند ذكره في العين هكذا : عبد اللّه بن سبأ العن من أن يذكر ، على أنّه ليس من البعيد رأي القائل أنّ عبد اللّه بن سبأ وأمثاله كُلّها أحاديث خرافة ، وضعها القصّاصون وأرباب السمر والمجون؟!

فالشيخ يقول : أوّلاً : أنّ الشيعة تتبرّأ من عبد اللّه بن سبأ ، ولا ربط لعقيدة الشيعة به ، سواء كان موجوداً أو غير موجود.

ثانياً : أنّ عبد اللّه بن سبأ لعلّه شخصية وهمية ، وضعها أعداء الشيعة للنيل منهم.

فأين التقية في هذا الكلام؟ وما هي الضرورة - التي عندها يجوز التقية - التي دعت الشيخ إلى ذلك؟ وإذا كان يريد الاتقاء ومداراة أبناء السنّة ، لكان من المضحك أن يقول هذا الكلام ، إذ فيه الإقرار بوجود عبد اللّه بن سبأ ، فكيف يتّقي وينكره؟!

وكيف يأتي بأمرين في آن واحد وهو يتّقي ، فهذا يكون حاله كحال من اضطره الكفّار إلى الكفر ، فيقول : كفرت ، ثمّ يتبع كلامه بالقول : لا أنا

ص: 106


1- سير أعلام النبلاء 2 / 597.

باق على الإسلام ولم أكفر ، في نفس الوقت ، وفي نفس الموقف ، فهل هذا إلاّ ضحك ولعب؟!

7 - جهل المؤلّف بالمعنى الشرعي لنكاح المتعة :

قال المؤلّف الذي يدّعي العلم - كما زعم - في ص 38 : إنّ المتعة كانت مباحة في العصر الجاهلي ، ولمّا جاء الإسلام أبقى عليها مدّة ، ثمّ حرّمت يوم خيبر.

وأخذ يفسّرها بما شاء من الأكاذيب والأباطيل ، ولكن إذا رجعنا إلى المصادر الروائية والتاريخية ، لا نجد ذكراً لنكاح المتعة في الأنكحة الجاهلية ، فارجع إلى صحيح البخاري ، تجد أنّ عائشة ذكرت أنّ نكاح الجاهلية أربعة أقسام :

1 - النكاح المعروف في زماننا من الخطبة والمهر والتزويج.

2 - المرأة المتزوّجة يطلب منها زوجها أن تذهب ، وتستبضع من رجل آخر ، كي تحمل بحمل من ذلك الشخص ، طلباً لنجابة الولد.

3 - أن يجتمع عشرة أنفار على امرأة ، فإذا حملت أرسلت إليهم ، وهي تعيّن من الأب لهذا الحمل.

4 - نكاح البغايا وحاملات الرايات (1).

ونقل سيّد سابق نوعين آخرين :

1 - نكاح البدل : وهو أن يبدل الرجل مع الرجل الآخر زوجة كُلّ منهما.

2 - الخدن : وهي المتزوّجة التي تصادق شخص سرّاً يزني بها (2).

وسواء كانت الأقسام أربعة أم ستّة ، لا نجد نكاح المتعة في أنكحة الجاهلية ، فكيف يدّعي أنّه نكاح جاهلي؟!

والمؤلّف بما أنّه ليس شيعياً ، فقد أخذ هذا القول من الوهّابي المتشدّد موسى جار اللّه صاحب كتاب الوشيعة في نقض عقائد الشيعة ، حيث قال هناك ص3 : أرى أنّ المتعة من بقايا الأنكحة الجاهلية.

ص: 107


1- التفسير الكبير 3 / 194.
2- صحيح البخاري 6 / 132.

فلاحظ أنّه قال : أرى ، ولم يكن لديه أيّ دليل ، والمؤلّف لمّا كان وهّابي ، ولمّا كان ينقل من غيره ، وقع في هذا الخطأ الفضيع نفسه.

8 - قال في ص 42 عند كلامه عن مفاسد المتعة : « إنّ المتعة ليس فيها إشهاد ولا إعلان ، ولا رضى ولي أمر المخطوبة ، ولا يقع شيء من ميراث المتمتِّع للمتمتَّع بها ، فكيف يمكن إباحتها وإشاعتها ... ».

إنّ أيّ شخص شيعي يقرأ هذا الكلام يتّضح له وضوح الشمس في رائعة النهار : أنّ هذا المؤلّف ليس شيعياً ، وكذلك يتّضح حتّى لغير الشيعة ممّن لهم معرفة بالشيعة وفقههم ، فضلاً عن شخص يدّعي الفقاهة ، كالمؤلّف المزعوم ، وذلك :

أ - قال : « المتعة ليس فيها إشهاد » ، ونحن نقول : إنّ الشيعة قاطبة قديماً وحديثاً ، لا تشترط الإشهاد في عقد النكاح ، لا فرق في ذلك بين الدائم والمنقطع - المتعة - ، أي أنّ حضور شاهدين عند العقد ليس شرطاً في صحّة العقد ، بل يصحّ العقد من دون حضور شهود ، وإنّما يشترط الشهود في عقد النكاح عند المذاهب الأربعة الأُخرى - المالكية ، والحنفية ، والحنبلية ، والشافعية - فمن هذا يتّضح أنّ المؤلّف ليس شيعياً ، فضلاً عن أن يكون عالماً ، إذ لم يميّز بين الفقه الشيعي ، وفقه المذاهب السنّية ، فأخذه قلمه وفضحه.

ب - قال : « ولا إعلان » ، وهذا أيضاً كسابقه ، إذ الشيعة لا تشترط الإعلان في النكاح دوماً أو متعة ، وإنّما يشترطه بقية المذاهب السنّية الأُخرى (1).

فكيف غاب عن المؤلّف الذي يدّعي العلم ، أنّ الشيعة لا تشترط الإعلان في العقد بإجماعهم قديماً وحديثاً ، والذي يشترطه غيرهم ، حتّى جاء وعدّ ذلك من مفاسد المتعة؟!

فهذا يدلّ على أنّ المؤلّف لا يعرف المصطلحات الشرعية في المذهب الشيعي ، فضلاً عن أن يكون عالماً شيعياً عمره 200 سنة ويزيد.

ص: 108


1- فقه السنّة 2 / 8.

ج - قال في ص 40 : « إنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو الذي روى تحريم المتعة في نقله عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فكيف يفتي هنا بأن نكاح متعة ... ».

المؤلّف هنا لا يميّز بين كلام الإمام المعصوم عليه السلام ، وبين فتوى الفقيه ، فالشيعة قاطبة تؤمن بأنّ المعصوم هو المصدر للحكم الشرعي ، ولا تطلق عليه أنّه يفتي ، وإنّما كلامه كلام اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، وليس مفتياً ، والفقيه هو الذي يفتي لأنّ الفتوى معرّضة للصواب والخطأ ، فلذلك لا يقال : أفتى علي عليه السلام بحلّية المتعة مثلاً ، لأنّ علي بن أبي طالب عليه السلام معصوم ، وكلامه مطابق للواقع ، ولا يكون فيه خطأ ، فلذلك لا يقال : أفتى علي عليه السلام ، وإنّما يقال : أفتى السيّد الخوئي - مثلاً - بحلّية المتعة ، لأنّ السيّد الخوئي فقيه غير معصوم ، فكلامه يحتمل الإصابة وعدم الإصابة.

ولكن المؤلّف باعتباره سنّياً ، فيرى علي بن أبي طالب عليه السلام ليس معصوماً ، وإنّما هو أحد الصحابة الذين يفتون ، فلذلك ظهر هنا بلباسه الواقعي ، وقال : « فكيف يفتي هنا بأنّ هذا نكاح متعة ... » ، وجهل بأنّ علياً معصوماً ، ولا يطلق عليه أنّه مفتىً ، وإنّما هو مصدر من مصادر التشريع.

فهو جاهل باصطلاح المفتي ، واصطلاح المشرّع ، ومصدر الشرع.

9 - الجهل بمعنى لفظ الجارية :

قال في ص 46 : « إنّ انتشار العمل بالمتعة جرّ إلى إعارة الفروج ، وإعارة الفروج معناها : أن يعطي الرجل امرأته ... إلى رجل آخر ، فيحلّ له أن يتمتّع بها ، أو أن يصنع بها ما يريد ، فإذا ما أراد الرجل أن يسافر أودع امرأته عند جاره أو صديقه ، أو أي شخص يختاره ، فيبيح له أن يصنع بها ما يشاء ... ، وهناك طريقة ثانية لإعارة الفروج ، إذا نزل أحد ضيفاً عند قوم ، وأرادوا إكرامه ، فإنّ صاحب الدار يعير امرأته للضيف طيلة مدّة الإقامة ... ».

ص: 109

واستدلّ لكلامه بما روي عن الصادق عليه السلام : « يا محمّد خذ هذه الجارية تخدمك وتصيب منها ، فإذا خرجت فارددها إلينا » (1).

إنّ من يقرأ هذا الكلام - بغضّ النظر عن الكذب والافتراء الذي فيه ، إذ إنّ ما ذكره ليس هو نكاح متعة ، بل زنا تحرّمه الشيعة - يعجب من المؤلّف المذكور ، ويتحيّر في كيفية فهم كونه فقيهاً ، عمره أكثر من مائتين سنة ، فهو لا يفرّق بين الزوجة الحرّة وبين الجارية ، والتي تعني الأمة المملوكة!

إذ كيف يكون بهذا العمر ويدّعي الفقاهة ، وهو لا يعرف معنى لفظ الجارية؟ سبحانك اللّهم ، فإذا كان حال العالم هكذا ، فماذا نقول عن الجاهل؟! بل وأي معنىً يبقى لتعريف الجاهل؟! فهذا المؤلّف بعيد عن العلم ، بل هو بعيد عن الدين الإسلامي بمذاهبه المختلفة.

هناك في الفقه الإسلامي باب يسمّى : باب الإماء والعبيد ، ويُعنى به أنّ الأسير المشرك إذا وقع بيد المسلمين في حرب إسلامية مع الكفّار ، يكون عبداً لهم ، ويحقّ لهم تملّكه ، سواء كان امرأة أو رجلاً ، ويطلق على الأمة المملوكة لفظ الجارية أيضاً ، لأنّ لفظ الجارية مشترك بين المرأة الحرّة والأمة المملوكة ، وبين الصغيرة والكبيرة ، والمؤلّف هنا خلط - جهلاً أو تجاهلاً - بين المرأة الحرّة والمرأة الأمة.

وهذه الروايات التي أوردها ، والتي ذكرنا منها واحدة - اختصاراً - أوردها الشيخ الطوسي في التهذيب والاستبصار تحت باب نكاح الإماء (2) ، أي النساء الجواري المملوكات ، والمؤلّف لا يعرف معنى الجارية ، ولا يعرف عنوان الباب الذي نقل منه الرواية ، واستخدام لفظ الجارية في المرأة المملوكة أمر معروف ومشهور في كتب الشيعة والسنّة على السواء ، فكيف لم يستطع المؤلّف معرفته ، وجعل الروايات واردة في جواز التمتّع بالزوجة الحرّة؟!

ص: 110


1- بداية المجتهد 2 / 15.
2- تهذيب الأحكام 7 / 242 ، الاستبصار 3 / 136.

هذا بغضّ النظر عن أنّ المتعة هي قسم من أقسام النكاح ، ومن شروط النكاح عند عموم المسلمين - شيعة وسنّة وظاهرية وغيرهم - أن تكون المرأة غير متزوّجة ، ولا يقع نكاح بامرأة متزوّجة ، لأنّه لا ينعقد نكاح مع نكاح آخر ، مع أنّ الروايات واردة في نكاح الجواري - أي النساء المملوكات - ولا ربط لذلك بنكاح المتعة ، ولا بنكاح المرأة الحرّة المتزوجة؟!

ويمكن القارئ مراجعة الكتب الفقهية الشيعية لمعرفة ذلك ، ونقتصر هنا على نقل بعض ما ورد حول الجارية من كتب أهل السنّة :

1 - قال ابن حجر : « إنّ عطاء بن أبي رباح كان يجوّز وطئ الجارية المرهونة بإذن مالكها » (1).

2 - قال محمّد الشربيني : « وللمشتري وطئ الجارية المبيعة حال النزاع وقبل التحالف على الأصح » (2).

3 - قال النووي : « إذا علم البائع أنّ المشتري يطأ الجارية ، وسكت عليه ، هل يكون مجيزاً »؟ (3).

4 - قال الحجّاوي : « إن كان الشريك المستولد أصلاً لشريكه يسري كما لو استولد الجارية التي كانت كُلّها له ، وعليه قيمة نصيب شريكه » (4).

والمؤلّف فضح نفسه حينما قال في ص 6 : « فقرأت كُلّ ما وقفت عليه من المصادر المعتبرة ، وحتّى غير المعتبرة ، بل قرأت كُلّ كتاب وقع في يدي ... ».

مع أنّه لا يميّز بين الجارية التي تعني الأمة المملوكة ، وبين المرأة الحرّة ، ولا يميّز بين نكاح الإماء ، وبين التزوّج متعة؟! ولم يرجع إلى كتاب « الأُم » للشافعي ، ولا إلى « الدرّ المختار » للحصفكي ، و « حاشية المختار » لابن

ص: 111


1- التلخيص الحبير 10 / 194.
2- مغني المحتاج 2 / 96.
3- روضة الطالبين 3 / 118.
4- الإقناع 2 / 291.

عابدين ، و « البحر الرائق » لابن نجيم المصري ، و « الموطّأ » للإمام مالك ، و « تنوير الحوالك » لجلال الدين السيوطي ، و « المبسوط » للسرخسي ، ولا إلى المصادر المتقدّمة ، فأيّ المصادر المعتبرة قرأها؟ وأيّ مصدر غير معتبر قرأه؟

وأيّ كتب قرأها من غير المصادر المعتبرة وغير المعتبرة؟! وأين تقع الكتب التي ذكرناها ممّا قرأه المؤلّف؟إنّ القارئ عندما يلحظ جهل الكاتب بأبسط الأُمور ، بحيث لا يعرف معنى لفظ الجارية ، ويقرأ عبارته في ص 6 يقطع بكذبه وجهله ، وأنّه لم يكن شيعياً في يوم من أيّامه ، وأنّه لم يقرأ إلاّ الكتب التي كتبها أعداء الشيعة ، كإحسان إلهي ظهير ، وموسى جار اللّه ، وناصر القفاري ، ومحمّد مال اللّه ، وعبد اللّه الغفاري ، وقام بتجميع ما فيها من تهم وأباطيل وجمعها في كتابه.

10 - لا يعرف الكتب التي تدرّس في الحوزة :

لعلّ القارئ يتفاجأ من العنوان ويندهش ، إذ كيف يكون المؤلّف غير عارف بمنهج الدراسة الحوزوية ، وما هي الكتب التي تدرّس فيها؟ مع أنّه ذكر في أوّل الكتاب ، بأنّه حضر عند السيّد محمّد حسين آل كاشف الغطاء ، ونال درجة الاجتهاد منه ، وله من العمر الآن أكثر من مائتين سنة ، وقضى عمره في الحوزة العلمية - كما زعم - فكيف لا يعرف ماذا يدرّس في الحوزة العلمية من كتب؟

لكن هذا الاستغراب يزول عندما يأتي المؤلّف في ص 20 ، ويقول : « كنّا نقرأ أُصول الكافي مرّة مع بعض طلبة الحوزة العلمية في النجف على الإمام الخوئي ... ».

وإذا سألنا أيّ طالب علم في الحوزة العلمية : بأنّ أُصول الكافي هل يدرّس في الحوزة أم لا؟

كان الجواب : بأنّ أُصول الكافي لا يدرّس في الحوزة العلمية ، وليس من مناهج التدريس فيها ، والمناهج التدريسية في الحوزة العلمية واضحة ، وهي

ص: 112

الفقه والأُصول ، والعقائد والتفسير ، والنحو ... ، وليس أُصول الكافي واحداً من هذه الأُمور ، وإنّما هو مصدر روائي يرجع إليه لأخذ الروايات فقط ، فأُنظر إلى سفاهة عقل المؤلّف ، يأخذ الاجتهاد بتفوّق في عمر 103 سنة!

وله من العمر أكثر من مائتين سنة ، ولا يعرف ما يُدرّس في الحوزة العلمية من كتب؟!

والمؤلّف بما أنّه ليس شيعياً صدر منه هذا الخطأ المضحك ، وبما أنّ الكتب الروائية - كصحيح مسلم والبخاري - يدرسونها في المدارس الدينية ، فتصوّر أنّ الشيعة أيضاً تدرّس كتبها الروائية في المعاهد الدينية ، فلذلك وقع في هذا الخبط الأعمى وفضح نفسه.

ثمّ إنّه قال : أخذت الاجتهاد من السيّد محمّد الحسين آل كاشف الغطاء ، والشيخ كاشف الغطاء ولد 1877 م ، وفرضنا على أقلّ تقدير أنّه أخذ إجازة الاجتهاد من كاشف الغطاء ، حينما كان عمره 25 سنة ، أي في سنة 1902م ، وعمر المؤلّف حينما أخذ إجازة الاجتهاد 103 سنة على أقلّ حساب ، والسيّد الخوئي ولد عام 1899 م (1) ، أي أنّ المؤلّف قبل ولادة السيّد الخوئي بسبع سنين مجتهداً ، فيكون عمر المؤلّف حينما ولد السيّد الخوئي 110 سنة ، ولنفرض أنّ السيّد الخوئي في سنّ الثلاثين من عمره الشريف درّس المؤلّف المذكور - كتاب أُصول الكافي - فيكون عمر المؤلّف حينما حضر درس أُصول الكافي عند السيّد الخوئي 140 سنة ، وهذا من المضحكات :

1 - أنت مجتهد قبل ولادة السيّد الخوئي ، فكيف لم تطّلع على أُصول الكافي وترجع إليه؟!

2 - كيف تحضر بعد أربعين سنة من اجتهادك - كما زعمت - وتدرس أُصول الكافي؟ إذاً أين كنت في الفترة الماضية؟!

ص: 113


1- مجلّة الموسم 17 / 13.

3 - إذا كان الإنسان في سن 140 سنة يحضر درس أُصول الكافي ، فكم عمره إذا أراد أن يصير مجتهداً؟!

إنّ من يسمع هذا الكلام يضحك ويهزأ بعقل المؤلّف - إن كان له عقل - إذ جعل من نفسه أضحوكة يتسلّى بها الأطفال لا الكبار ، فعميت عيونٌ أصمّها التعصّب ، وأزلّها الشيطان حتّى أصبحت من جنوده ، تدافع عن الباطل بالكذب والخرافات ، وتريد طمس الحقّ بمثل هذه الترهات ، ولكن ( وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (1).

( محمود البصري - البحرين - 19 سنة )

ما نشرته صحف الكويت حوله :

س : هل قبض على ناشر كتاب لله ثمّ للتاريخ المختلق على الطائفة الإمامية؟ وما هو اسمه الحقيقي؟ وما هو مصيره؟ وشكراً.

ج : إنّ هذا الكتاب من تأليف بعض الوهّابيين ، الذي قبض عليه أخيراً في الكويت ، وهو من تلامذة أحد أصنام الوهّابية هناك ، ولا صلة بالكتاب بالنسبة إلى الطائفة الشيعية ، لا من قريب ولا من بعيد ، بل إنّ المصنّف الحاقد قد جاء في كتابه هذا بإشكالات واهية وتهم غريبة على الشيعة ، بأسلوب روائي وقصصي ، حتّى يؤثّر في بعض النفوس الضعيفة.

وفي هذا المجال لابأس أن نذكر لكم ما نشرته جريدة الرأي العام الكويتية بتاريخ 28 / 6 / 2001 ما يلي :

لله ... ثمّ للتاريخ ، يثير شيعة الكويت : كذب وبهتان يهدّد الوحدة الوطنية.

كتب علي الشمّري : حملت أوساط الطائفة الشيعية بعنف على مضمون كتاب ، قالت : إنّ تداوله يتمّ على نطاق واسع في المدارس والجامعات

ص: 114


1- الصف : 8.

والوزارات ، ويوزّع على منازل أبناء الطائفة ومساجدها ، إذ اعتبرت أنّه يهدف إلى ضرب الوحدة الوطنية نظراً لمساسه بالعقيدة الشيعية وبمراجع الطائفة.

وأثار توزيع الكتاب الذي يحمل عنوان « لله ... ثمّ للتاريخ » سخطاً كبيراً في أوساط علماء الشيعة في الكويت.

ويقع الكتاب في 120 صفحة من القطع الوسط ، وذكر على غلافه أنّ مؤلّفه هو السيّد حسين الموسوي ، ووصف الموسوي على الغلاف بأنّه من علماء النجف.

وورد على الغلاف أنّ الكتاب أصدرته دار الأمل للطباعة والنشر والتوزيع في القاهرة ، وله طبعة رابعة مصحّحة ومنقّحة ، وحمل الغلاف كذلك ، تحت عنوان الكتاب ، عبارة : كشف الأسرار وتبرئة الأئمّة الأطهار.

لكن أوساط العلماء الشيعة الكويتيين شكّكت في هوية مؤلّف الكتاب ، وفي هوية الدار التي أصدرته ، إضافة إلى اعتراضها على مضمونه ، داعية وزير الإعلام الشيخ أحمد الفهد إلى التدخّل لمعالجة الأمر.

وفي هذا الإطار ، أعرب إمام جامع معرفي الشيخ علي الصالح عن أسفه لسعي بعض المتطرّفين في الكويت - على حدّ قوله - إلى ضرب الوحدة الوطنية.

وأوضح أنّ الكويتيين ضربوا أروع الأمثلة في تلك الوحدة عندما حاول النظام العراقي خلال فترة الغزو تفكيكها ، لكنّه لم يستطع التفريق بين شخصين ، مع أنّه نجح في اختراق وتفكيك أكثر من عشرين مليون عراقي ، مؤكّداً أنّ هذه الحادثة تدلّ على تماسك الجبهة الداخلية للكويت بفضل عقلائها من جميع الطوائف.

جاء كلام الصالح في خطبة ألقاها وتطرّق فيها إلى كتاب يوزّع بشكل كبير ، وقال : إنّه يتضمّن أحداثاً وأُموراً تمسّ عقيدة الشيعة.

وأوضح في معرض كلامه : أنّ كتاباً يحمل اسم « لله ... ثمّ للتاريخ » دون عليه اسم شخص ، يدّعي أنّه من علماء الشيعة في النجف الأشرف ، يوزّع

ص: 115

بكمّيات كبيرة على منازل ومساجد الشيعة ، وعلى بعض المدارس والجامعات ، وبعض الوزارات في الدولة.

وأردف الصالح أنّ هذا الكتاب مليء بالكذب والبهتان ، وفيه بعض الأحاديث الساقطة.

وأكّد أنّ القرآن الكريم هو الكتاب المعتبر عند الشيعة ، وما عداه فيه خطأ وأخطاء ، وهذا شيء مسلّم به ، إلاّ أنّه أوضح أنّ أيادي خفية تقوم بنشر هذا الكتاب وأمثاله ، لخلق فتنة أن انتشرت فلن تبقي ولن تذر.

وأضاف الصالح : يحتوي الكتاب على الكثير من الكذب على الشيعة وعلى مراجع الشيعة ، ممّا يدلّ على أنّ من قام بتأليف الكتاب ليس لديه إلمام بأُمور الشيعة ، كما أنّ اسم المؤلّف المدوّن على الكتاب غير صحيح ، فهو ليس بعالم شيعي ، والدليل عدم درايته بأبسط أُمور الشيعة.

وأوضح : الكتاب موضّح عليه أنّه طبع في إحدى الدول العربية ، بينما هو مطبوع في الكويت.

وطالب الصالح من اسماهم أصحاب العقول بأن ينقلوا هذه القضية إلى السلطات ، وبشكل خاصّ إلى وزير الإعلام ، لأنّه شاب متفتّح ، وليست لديه طائفية ، ولا يقبل مثل هذه الأُمور.

وطالب الممثّل العام لقائمة الحبّ والحياة في جامعة الكويت علي النقي وزير الإعلام بالتدخّل والتحقيق بأسرع وقت ، إطفاء للفتنة التي يؤجّج نارها الجهل وضبابية الفهم ، فالضرورة ماسّة لتدعيم الأمن القومي ، وتكريس التآلف الوطني.

ثمّ استكمالاً لعمل الجهات الحكومية الكويتية لدرء مفاسد هذه الطائفية اللعينة ، ذكرت الجريدة ذاتها في 29 / 6 / 2001 ما يلي :

الإعلام : أصدرنا قراراً بمنع « لله ... ثمّ للتاريخ » صادرنا نسخاً ، وسنحيل المكتبات على النيابة ، أكّدت وزارة الإعلام أمس أنّها أصدرت في وقت سابق

ص: 116

قراراً بمنع كتاب « لله ... ثمّ للتاريخ » ، الذي اعتبرته أوساط الطائفة الشيعية في الكويت مسيئاً إلى المذهب ، وأنّها صادرت نسخاً منه من بعض المكتبات ، وستحيل هذه المكتبات على النيابة العامّة ، مشدّدة على أنّها حريصة على عدم تداول مثل هذه الكتب التي تثير الفتنة الطائفية ، وتهدّد الوحدة الوطنية.

وقال مدير إدارة الصحافة والمطبوعات والنشر في وزارة الإعلام عبد اللّه الحمّاد ل- « الرأي العام » : أنّ الوزارة سبق أن سحبت هذا الكتاب في 30 إبريل الفائت من جناح مكتبة الشاطئ في معرض الكتاب الإسلامي ، الذي نظّمته جمعية الإصلاح الاجتماعي ، وتمّ عرضه على لجنّة الكتب في الوزارة في 2 مايو فاعتمدت في اليوم نفسه منعه بموجب المحضر الرقم 7 / 2001.

وأكّد الحمّاد حرص الوزارة على عدم نشر وتداول هذه الكتب التي تثير الفتنة الطائفية وتهدّد الوحدة الوطنية ، وأنّها مستمرة في متابعة كُلّ من يسهّل بيع وتداول مثل هذه الكتب ، واتخاذ الإجراءات القانونية ضدّه.

ص: 117

ص: 118

كربلاء وواقعة الطف :

اشارة

( أُمّ مرتضى - ... - ..... )

مسائل تتعلّق بها :

س : لديّ عدّة أسئلة عقائدية ، أودّ من سماحتكم التفضّل عليّ بالإجابة عليها ، مع خالص شكري وتقديري لكم.

1 - لماذا أصرّ يزيد بن معاوية على أخذ البيعة من الإمام الحسين ، حتّى ولو بالإجبار؟

2 - لماذا لم يأخذ الإمام علي بن الحسين بثأر أبيه من بعده ، ويقتل قاتليه؟ ومن هو الذي أخذ بثأر الحسين من بعده؟

3 - لماذا لبّى الإمام الحسين دعوة أهل الكوفة ، رغم معرفته الجيّدة بحالهم ، وبأنّ احتمال خذلانهم له أمر وارد ، فقد خذلوا أباه - الإمام علي - من قبله؟

4 - عرف الإمام الحسين بغدر أهل الكوفة بمسلم بن عقيل وقتلهم له ، وهو في منتصف الطريق إلى الكوفة ، فلماذا لم يرجع إلى مكّة أو المدينة مثلاً ، ويقتل هناك بين أهله وأنصاره؟

5 - نقل في الأخبار : إنّه لو كان الإمام الحسن قد قاوم معاوية وحاربه ثمّ قتل على يديه ، فإنّ هذا الفعل سيكون وصمة عار على الإسلام والمسلمين ، خلافاً للإمام الحسين ، فإنّ قتله مفخرة عظيمة للإسلام ، لماذا؟

6 - قال أحد صحابة الإمام الحسين : يا ابن رسول اللّه ، إنّ قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قيل لنا به.

ص: 119

من قصد الصحابي بقوله : قتال هؤلاء ، وبماذا ردّ عليه الإمام الحسين ، ولماذا؟

7 - طرح الإمام الحسين بعض الخيارات على عمر بن سعد وأصحابه بدلاً من قتله ، ما هي هذه الخيارات؟ ولماذا رفضها عمر بن سعد؟

ج : نجيب على أسئلتكم واحداً تلو الأخر :

ج1 : لقد كان يزيد متلهّفاً لأخذ البيعة من كبار الزعماء - لاسيّما المعروفين - وعلى رأسهم الإمام الحسين عليه السلام ، وبأيّ صورة كانت ، ليضفي على وضعه الطابع الشرعي في أوساط الأُمّة ، ولذا ركّز على ثلاث شخصيات ، حينما كتب إلى والي المدينة الوليد بن عتبة ، جاء فيه : « فخذ حسيناً ، وعبد اللّه بن عمر ، وابن الزبير بالبيعة ، أخذاً ليس فيه رخصة ... ».

لأنّ يزيد كان يرى أنّ لهؤلاء مركزاً ألمع من مركزه ، لاسيّما الإمام الحسين عليه السلام ، لأنّه يمتاز بمزايا منها :

1 - كونه صحابي ، وابن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

2 - سيّد شباب أهل الجنّة ، وخامس أهل العبا.

3 - الأبعاد العلمية والاجتماعية والدينية والأخلاقية التي تؤطّر شخصيته.

4 - العهد الذي يقيّد معاوية في تسليم الأمر إلى الإمام الحسن عليه السلام ، ومن بعده الحسين عليه السلام.

كُلّ هذه الأُمور وغيرها جعلت يزيد يفكّر جدّياً بالإمام الحسين عليه السلام ، لأنّ ابن عمر سرعان ما سلّم عندما قال : إذا بايع الناس بايعت!

وأمّا ابن الزبير فقد أدرك الناس أنّه يسعى للمنصب والتأمّر ، فلم تكن لديه دوافع دينية ، وأمّا الإمام الحسين عليه السلام فقد كانت الأنظار متّجهة صوبه ، ولذا انقطع الناس إليه ، وهذا يدلّ على موقعه في النفوس ، ولذا حاول يزيد التخلّص منه بأيّ شكل ، حتّى آل الأمر إلى بعث عدّة أشخاص لاغتيال الإمام الحسين عليه السلام في موسم الحجّ.

ص: 120

ج2 : إنّ كان معنى الثأر هو قتل نفس القتلة - عبيد اللّه بن زياد ، وعمر بن سعد بن أبي وقّاص ، وشمر بن ذي الجوشن ، وحرملة بن كاهل ، و ... - فقد قيّض اللّه تعالى لهؤلاء المختار بن أبي عبيد الثقفي وقتلهم جميعاً ، كما نال من كثير ممّن اشتركوا في واقعة كربلاء ضدّ الحسين عليه السلام.

وإن كان معنى الثأر هو فضح مخطط هؤلاء ، ومن ورائهم يزيد بن معاوية ، فإنّ الإمام السجّاد عليه السلام لم يتوان عن ذلك ، وثأر لدماء شهداء كربلاء في دمشق ، وبمحضر الجهاز الحاكم - لاحظوا خطبته في ذلك المجلس - حتّى أنّ يزيد أمر المؤذّن أن يقطع عليه خطبته ، لأنّه افتضح أمام أهل الشام المغفّلين ، وقد عرّفه - الإمام السجّاد عليه السلام هذه الحقيقة - حينما قال : ستعرف من الغالب ، وذلك عند رفع المؤذّن للأذان.

ج3 : إنّ تلبية الإمام الحسين عليه السلام لدعوة أهل الكوفة تنطوي على عدّة مضامين منها :

1 - إنّ استجابته عليه السلام لهم هي لقطع الألسنة وقطع المعاذير ، والحقيقة أنّ الأمر أعمق من ذلك ، وهذا ما سيتبيّن في النقاط التالية.

2 - إنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يعلم بمقتله ، لأنّ جدّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أخبر بذلك ، ودفع إليه بتربة من كربلاء - وهذا يرويه علماء من الفريقين - كما أنّه قال عليه السلام : « وخيّر لي مصرع أنا لاقيه » (1).

3 - إنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يكن ينوي اللجوء إلى مكان آمن - لغرض السلامة - بل قالها بصراحة : « إنّما خرجت ... أُريد آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي ... » (2).

فالإمام الحسين عليه السلام قصد الكوفة باعتبارها واحدة من الحواضر المتمرّدة على الحكم الأموي - غالباً - وباعتبار الأعراق والقوميات المختلفة فيها ،

ص: 121


1- شرح الأخبار 3 / 146 ، مثير الأحزان : 29.
2- مناقب آل أبي طالب 3 / 241.

وباعتبار الواجب الذي يراه عليه السلام ملقىً على عاتقه ، ومثل هذه المسألة - الغدر والخيانة - لا يأب بها الإمام حتّى يترك هدفه ، وإلاّ لكان أبوه عليه السلام أولى بمغادرة الكوفة من قبل! فاحتمال العصيان والنكول لا يسقط واجب التصدّي.

ج4 : ليس من السهولة بمكان أن يرجع الحسين عليه السلام إلى المدينة ، ومعه من النساء والأطفال ما يتجاوز المائة نفر ، كما أنّ الدولة الأموية ستحول بينه وبين المدينة ، لأنّها بدأت بالنفير وتجريد الجيوش لقتاله على كُلّ الساحات ، كما أنّ نفس مكّة والمدينة لم تكن صالحة للنصرة لعدّة أُمور :

1 - إنّ هاتان المدينتان حرم اللّه وحرم رسوله صلى اللّه عليه وآله ، فلا يجوز انتهاكهما.

2 - لو كان هناك أنصار واتباع ، لساروا معه ، ولما تركوه يسير بأهل بيته ، وبقلّة من الأنصار ، حتّى أنّ الإمام السجّاد عليه السلام يؤكّد هذه الحقيقة بقوله : « ما بمكّة ولا بالمدينة عشرون رجلاً يحبّنا » (1)!!

ج5 : لم نر أي خبر ينقل : أنّ فعل الإمام الحسن عليه السلام لو كان كفعل الإمام الحسين عليه السلام من حيث إعلان الثورة ، سيكون وصمة عار ، إنّ لكُلّ زمان ظروف ، وأنّه لولا صلح الإمام الحسن عليه السلام لما تمهّدت الأرضية أمام الحسين عليه السلام للثورة.

ج6 : القائل هو زهير بن القين ، والمراد من قوله : قتال هؤلاء ، قتال أصحاب الحرّ قبل مجيء جيش عمر بن سعد ، وأجابه الإمام الحسين عليه السلام بقوله : « فإنّي أكره أن أبدأهم بقتال » (2).

ج7 : ذكر الإمام الحسين عليه السلام خيارين لعمر بن سعد بدلاً من قتاله وهما : دعوني أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه ، أو أذهب في هذه الأرض العريضة.

فأرسل عمر رسالة إلى عبيد اللّه بن زياد يذكر له ذلك ، لكن ابن زياد أجابه برسالة أرسلها بيد شمر بن ذي الجوشن : « إنّي لم أبعثك إلى الحسين

ص: 122


1- الغارات 2 / 573 ، شرح نهج البلاغة 4 / 104.
2- الأخبار الطوال : 252.

لتكفّ عنه ، ولا لتطاوله ، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء ، ولا لتعذر عنه ، ولا لتكون له عندي شافعاً ، أُنظر فإن نزل الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا ، فابعث بهم إليّ سلماً ، وإن أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم ، وتمثّل بهم ... فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا ، وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر ، فإنا قد أمرناه بأمرنا ، والسلام » (1).

فبعدما قرأ ابن سعد الكتاب ، قال له شمر : أخبرني بما أنت صانع؟ أتمضي لأمر أميرك وتقاتل عدوّه ، وإلاّ فخل بيني وبين الجند والعسكر ، قال : لا ولا كرامة لك ، ولكن أنا أتولّى ذلك فدونك ، فكن أنت على الرجّالة.

( بدر - قطر - .... )

أسئلة تتعلّق بها :

س : لديّ بعض الأسئلة ، وهي :

1 - هل حقّاً كان الإمام زين العابدين عليه السلام عليلاً؟ وفي بعض الروايات تقول : أنّ الإمام قاتل هل هذا صحيح أم لا؟

2 - هل دفن رأس الحسين عليه السلام مع جسده الطاهر؟ وإذا كان صحيحاً متى دفن الرأس مع الجسد؟ وإذا لم يكن صحيحاً ، أين دفن رأس الحسين عليه السلام؟

3 - ما هي الحكمة في العدد؟ حيث أربعين الإمام الحسين عليه السلام ، واختلاء موسى عليه السلام لربّه ( 40 ) يوماً ، وأيضاً معرفة الجنين في بطن أمّه بعد ( 40 ) يوماً ، وبعض الرياضات الروحية المتعلّقة ب- ( 40 ) يوماً.

ولكم جزيل الشكر والتقدير ، وأتمنّى لكم التوفيق وإلى الأمام.

ج : نجيب على أسئلتكم واحداً تلو الآخر.

ج 1 : الصحيح أنّه كان مريضاً ، ولم يقاتل لمنع الإمام الحسين عليه السلام.

ص: 123


1- روضة الواعظين : 182 ، الإرشاد 2 / 88.

ج 2 : الصحيح الذي عليه محققّو علماء الطائفة : أنّ الرأس الشريف أُلحق بالجسد الشريف في العشرين من صفر عند رجوع السبايا إلى كربلاء.

ج 3 : لا يبعد أن يكون لعدد الأربعين خصوصية ، ولكنّها خصوصية غيبية لم يهتد إليها العلم الحديث إلى الآن ، ولكن جاءت في النصوص الدينية ، ولا يبعد أن يكون هناك ربط بين عدد الأربعين وبين آثار معيّنة يكشف عنها الشارع ، وإن لم يتوصّل العلم بعد إلى كشفها ، ككثير من الحقائق التي لم يهتد العلم إليها بعد ، وإنّما يكتشفها بالتدريج.

( عزيز العرادي - ... - ..... )

لطم الخدود وشق الجيوب :

س : أودّ الاستفسار عن ما إذا كانت بعض الروايات التي يعتمدها خطباء المنبر الحسيني صحيحة وثابتة تماماً أو لا؟ من مثل تلك الروايات التي تقول : بأنّ السيّدة زينب عليها السلام لطمت خدّها ، وشقّت جيبها حزناً على مصاب الإمام الحسين عليه السلام ، أو تلك الواردة في الزيارة المشهورة عن الإمام المهدي عليه السلام : « فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّا ، ونظرن سرجك عليه ملويّا ، خرجن من الخدور ، ناشرات الشعور ، وبالعويل داعيات ... » ، والسلام.

ج : الحقيقة أنّ ما وصلنا - من وقائع عاشوراء وتوابعها - هو أقلّ بكثير ممّا كان ، وإنّ الفجائع الواقعة على أهل البيت عليهم السلام لم تنتقل على حقيقتها إلينا ، ولذلك لا يستغرب من مثل هذه الأخبار التي أشرتم إليها ، وإن كان بعضها لم يبلغنا بسند معتبر.

( علي سالم - السعودية - .... )

زواج القاسم :

س : ما هي حقيقة حدوث زواج للقاسم بن الحسن يوم عاشوراء؟ بالرغم من تضارب الأقوال في ذلك وتعارضها ، خاصّة عندما يحدّد زواجه من سكينة بنت

ص: 124

الإمام الحسين عليه السلام! وما هي آراء الفقهاء السابقين والمعاصرين حول هذه الحادثة؟

ج : إنّ مسألة حدوث زواج القاسم عليه السلام يوم عاشوراء ، لم تذكره المصادر المعتبرة والمقاتل المعتمد عليها ، وإن حاول بعض الأعلام - كالعلاّمة الدربندي في كتابه « أسرار الشهادات » - إثبات هذه الحادثة ، وذكر عدّة أدلّة.

وعلى كُلّ حال ، فالمسألة تبقى في حيّز الاحتمال.

( ... - ... - ..... )

علي بن الحسين هو علي الأكبر :

س : من هو المقصود في : « السلام على علي بن الحسين » في زيارة عاشوراء؟ هل هو علي الأكبر أو علي الأصغر أو السجّاد عليه السلام؟ ولماذا هذا التخصيص؟ وشكراً.

ج : إنّ المقصود به علي الأكبر عليه السلام ، وذلك لبيان عظيم منزلته ، حتّى أنّكم لو راجعتم المقاتل ، لشاهدتم بوضوح أنّ من أشدّ المصائب على أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام كانت عندما برز علي الأكبر إلى القتال ، وعند شهادته.

( ... - ... - لبنان )

شبهات وردود حولها :

س : أنا أخوكم في اللّه من لبنان ، وقد حدث شيء أُريد أن أطلعكم عليه ، وهو : أنّ جمعية يعود دعمها إلى الحركة الوهّابية ، وبعض الجمعيات المتعصّبة في مصر ، يسمّون جمعيتهم هنا في لبنان بجمعية الاستجابة ، ومن أنشطتها محاربة البدعة في مدينة صيدا ، والتي معظم سكّانها من المذهب السنّي ، وبعد أن انتشر مذهب أهل البيت في هذه المنطقة ، رأى هؤلاء محاربة المستبصرين ، ولذلك سخّروا الكثير من الإمكانيات ، حتّى يوقفوا هذا الانتشار ، ومن هنا

ص: 125

بدأوا بطبع كتب مجّانية وكتيّبات ، وتوزيعها مجّاناً على الناس ، حتّى لا يتأثّروا بالامتداد الشيعي.

ولقد وقع بيدي كتاب كان يوزّع في العاشر من المحرّم ، والآن هم يوزّعون منه بمناسبة الأربعين ، لاستشهاد الإمام الحسين عليه السلام ، وهذا الكتيّب اسمه : « البرهان الجلي في مقتل الحسين بن علي » ، وبما أنّي إذا أرسلت هذا الكتيّب في البريد سوف يأخذ وقتاً طويلاً ، وللسرعة رأيت أن أرسله لكم طباعة هنا على البريد الإلكتروني ، وحتّى ترسلوا لي الردّ بالطريقة التي تروها ، حتّى ندافع عن هذا المذهب الحقّ بعون اللّه.

وهذا الكتيّب كتب فيه : بويع يزيد للخلافة سنة ستّين للهجرة ، وكان له من العمر أربع وثلاثون سنة ، ولم يبايع الحسين بن علي ، ولا عبد اللّه بن الزبير.

ذكر ابن كثير عن عبد اللّه بن مطيع وأصحابه ، أنّهم مشوا إلى محمّد بن الحنفية - محمّد بن علي بن أبي طالب أخو الحسن والحسين - فراودوه على خلع يزيد فأبى عليهم ، قال : ابن مطيع : إنّ يزيد يشرب الخمرة ويترك الصلاة.

وبلغ الخبر أهل العراق أنّ الحسين لم يبايع ليزيد ، فأرسلوا إليه الرسل والكتب : أنّا قد بايعناك ولا نريد إلاّ أنت ، حتّى بلغت أكثر من خمسمائة كتاب ، كُلّها جاءت من الكوفة.

فأرسل الحسين ابن عمّه مسلم بن عقيل إلى الكوفة ، ليتقصّى الأُمور ويعرف حقيقة الأمر ، فلمّا وصل مسلم بن عقيل إلى الكوفة ، جاء الناس أرتالاً يبايعون مسلماً على بيعة الحسين ، فتمّت البيعة عند أهل الكوفة للحسين.

فما كان من يزيد إلاّ أن أرسل عبيد اللّه بن زياد إلى الكوفة ، ليمنع مسألة الحسين أن يأخذ الكوفة ، لكي لا تعود الأُمور كما كانت قبل عام الجماعة ، فيرجع القتال بين أهل العراق وأهل الشام ، ولم يأمر عبيد اللّه بن زياد بقتل الحسين.

وبعد أن استقرّت الأحوال وبايع الناس لمسلم بن عقيل ، أرسل إلى الحسين أن أقدم ، وأنّ الجوّ قد تهيّأ ، فخرج الحسين من مكّة في يوم التروية قاصداً الكوفة.

ص: 126

فلمّا علم عبيد اللّه بن زياد بذلك ، أمر بقتل مسلم بن عقيل ، فما كان من الأخير إلاّ أن خرج مع أربعة آلاف من أهل الكوفة ، وحاصر قصر بن زياد ، إلاّ أنّ أهل الكوفة ما زالوا يتخاذلون عن مسلم بن عقيل ، حتّى بقي معه ثلاثون رجلاً من أربعة آلاف ، فقتل يوم عرفة.

وكان الحسين قد خرج قاصداً العراق يوم التروية ، وكان كثير من الصحابة نهوا الحسين عن الخروج ، منهم أبو سعيد الخدري ، وعبد اللّه بن عمر ، وعبد اللّه بن عباس ، وكذلك أخوه محمّد بن الحنفية ، وابن الزبير ، وعبد اللّه بن عمرو بن العاص.

قال الشعبي : كان ابن عمر بمكّة ، فلمّا علم أنّه توجّه إلى العراق لحق به إلى العراق على مسيرة ثلاثة أميال ، فقال : أين تريد؟ فقال : العراق ، وأخرج له الكتب التي أرسلت له من العراق وأنّهم معه.

فقال له : هذه كتبهم وبيعتهم ، فقال ابن عمر : لا تأتيهم ، فأبى الحسين إلاّ أن يذهب ، فقال ابن عمر : إنّي محدّثك حديثاً : أنّ جبرائيل أتى النبيّ صلى اللّه عليه وآله فخيّره بين الدنيا والآخرة ، فأختار الآخرة ولن يريد الدنيا ، وأنّك بضعة منه ، واللّه لا يليها أحد منكم أبداً ، ولا صرفها اللّه عنكم إلاّ الذي هو خير لكم ، فأبى أن يرجع ، فاعتنقه ابن عمر فبكى وقال : استودعك اللّه من قتيل.

وكلّمه أبو سعيد الخدري قال : يا أبا عبد اللّه إنّي ناصح لك ، وإنّي عليكم مشفق ، وقد بلغنا أنّ قوماً من شيعتكم قد كاتبوكم من الكوفة ، فلا تخرج إليهم ، فإنّي سمعت أباك يقول : « واللّه إنّي مللتهم وأبغضتهم وملوني وأبغضوني ... ».

ولمّا علم عبيد اللّه بن زياد بقرب وصول الحسين ، أمر الحرّ بن يزيد التميمي أن يخرج بألف رجل ليلقى الحسين في الطريق ، فلقيه قريباً من القادسية ، وأخبره بخبر مسلم بن عقيل ، وأنّ أهل الكوفة قد خدعوك وخذلوك ، فهمّ الحسين أن يرجع ، فتكلّم أبناء مسلم بن عقيل ، قالوا : لا واللّه لن نرجع حتّى نأخذ بثأر أبينا ، عند ذلك رفض الحسين الرجوع.

وأراد أن يتقدّم فجاء الحرّ بن يزيد فسايره وقال : إلى أين تذهب يا ابن بنت رسول اللّه؟ قال إلى العراق ، قال : ارجع من حيث أتيت ، أو اذهب إلى الشام

ص: 127

حيث يزيد بن معاوية ، ولكن لا ترجع إلى الكوفة ، فأبى الحسين ، ثمّ سار إلى العراق والحرّ بن يزيد يمنعه.

فقال الحسين : ابتعد عنّي ثكلتك أُمّك ، فقال الحرّ بن يزيد : واللّه لو غيرك قالها من العرب لاقتصصت منه ، ولكن ماذا أقول وأُمّك سيّدة نساء العرب ، فعند ذلك امتنع الحسين عن الذهاب ، ثمّ جاءت مؤخّرة الجيش ، وكان مقدارها أربعة آلاف بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقّاص ، وواجهوا الحسين في مكان يقال له كربلاء.

ولمّا رأى الحسين أنّ الأمر جدّ ، قال لعمر بن سعد : « إنّي أخيّرك بين ثلاث فاختر منها ما تشاء » ، قال : ما هي؟ قال الحسين : « أن تدعني أرجع ، أو تتركني إلى ثغر من ثغور المسلمين ، أو تتركني أذهب إلى يزيد ».

وأرسل عمر بن سعد إلى عبيد اللّه بن زياد بالخبر ، فرضي عبيد اللّه بأيّ واحدة يختارها الحسين ، وكان عند عبيد اللّه بن زياد رجل يقال له شمر بن ذي الجوشن ، قال : لا حتّى ينزل على حكمك ، فقال ابن زياد : نعم حتّى ينزل على حكمي ، بأن يأتي إلى الكوفة ، وأنا أسيّره إلى الشام ، أو إلى الثغور ، أو أرجعه إلى المدينة ، وأرسل عبيد اللّه شمر بن ذي الجوشن إلى الحسين ، إلاّ أنّ الحسين أبى أن ينزل على حكم ابن زياد.

فتوافق الفريقين ، وكان مع الحسين اثنان وسبعون فارساً ، قال الحسين لجيش بن زياد : « راجعوا أنفسكم وحاسبوها ، هل ينفعكم مثل هذا القتال ، وأنا ابن بنت نبيّكم ، وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري؟ وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لي ولأخي : سيّدا شباب أهل الجنّة ».

فانضمّ الحرّ بن يزيد إلى الحسين ، فقيل له : كيف جئت معنا أمير المقدّمة ، والآن تذهب إلى الحسين؟ قال : « ويحكم واللّه إنّي أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار ، واللّه لأختار الجنّة على النار لو قطّعت وأُحرقت ».

وبات الحسين تلك الليلة يصلّي ويدعو اللّه ، ويستغفر هو ومن معه ، وكان جيش بن زياد بقيادة الشمر بن ذي الجوشن يحاصره ومن معه ، فلمّا أصبح الصبح شبّ القتال بين الفريقين ، وذلك لأنّ الحسين رفض أن يستأثر عبيد اللّه ابن زياد.

ص: 128

ولمّا رأى الحسين بأنّه لا طاقة لهم بمقاتلة هذا الجيش ، أصبح همّهم الوحيد الموت بين يدي الحسين ، فأصبحوا يموتون الواحد تلو الآخر ، حتّى فنوا جميعاً ، لم يبق منهم أحد إلاّ الحسين بن علي ، وبقي بعد ذلك نهاراً طويلاً ، لا يقدم عليه أحد حتّى يرجع ، لأنّه لا يريد أن يبتلي بالحسين ، فعند ذلك صاح الشمر بن ذي الجوشن : « ويحكم ما حلّ بكم؟ أقدموا نحو الحسين فاقتلوه » ، كان ذلك في العاشر من محرّم سنة 61 هجرية ، والذي باشر بقتله أنس بن سنان النخعي ، وقيل أنّه الشمر بن ذي الجوشن.

قتل مع الحسين كثير من أهل بيته ، وممّن قتل من أولاد علي بن أبي طالب : الحسين وجعفر والعباس وأبو بكر وعثمان ومحمّد ، وثمانية عشر رجلاً كُلّهم من آل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

ولمّا بلغ يزيد قتل الحسين ظهر التوجّع عليه ، وظهر البكاء في داره ، ولم يسب لهم حريماً أصلاً ، بل أكرم أهل البيت وأجازهم حتّى ردّهم إلى ديارهم.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : لم يكن في خروج الحسين لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا ، أي أنّ خروجه ما كان سليماً ، لذلك نهاه كبار الصحابة عن ذلك ، يقول : بل يمكن أُولئك الطغاة من سبط النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن ليحصل لو بقي في بلده ، ولكنّه أمر من اللّه تعالى ، وقدر اللّه كان ولو لم يشأ الناس.

وطبعاً مقتل الحسين ليس هو بأعظم من قتل الأنبياء ، وقد قدّم رأس يحيى ابن زكريا عليهما السلام لبغي ، ونشر زكريا ، وأرادوا قتل موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام ، وكذلك قتل عمر وعثمان وعلي ، وهؤلاء كُلّهم أفضل من الحسين ، ولذلك لا يجوز إذا جاء ذكرى الحسين اللطم والشطم وما شابه ذلك ، بل هذا منهي عنه.

فقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « ليس منّا من لطم الخدود وشقّ الجيوب » ، والواجب على الإنسان المسلم أمثال هذه المصائب أن يقول كما قال تعالى : ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ) .

اللّهم ارحم شهداء آل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وسائر شهداء وموتى المسلمين ، واحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، واجمعنا على كتابك المنزل ، وعلى سنّة نبيّك المرسل صلى اللّه عليه وآله وصحبه وسلم ....

ص: 129

انتهى نصّ الكتيّب.

هذا النصّ أضعه بين يديكم الكريمة ، وبأذن اللّه ترون كيف تردّون عليهم ، ولكم الأجر والثواب.

ج : إنّ شبيه هذا الكتاب - الذي أرسلتموه - تمّ توزيعه في الكويت وغيرها من الدول ، التي يحيي فيها الشيعة مراسم عاشوراء ، وقد تصدّى الشيخ عبد اللّه حسين للردّ عليه ردّاً علمياً ، ولأهمّيته نورده إليكم بنصّه ، إذ فيه فوائد كثيرة ، ونكات ظريفة.

قال : إنّ نعم اللّه تعالى على أُمّة الإسلام أكثر من نعمه على جميع الأُمم ، فقد حظيت هذه الأُمّة بمقوّمات تجعلها أفضل أُمّة ، فدينها مرضي عند اللّه ، وقرآنها لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ورسولها أكرم خلق اللّه عنده تبارك وتعالى ، ولكن ....

وعلى رغم تلك النعم الإلهية المباركة ، فإنّ تاريخ هذا الدين العظيم يصدم قارئة بما يحويه بين دفتيه ، ممّا تعرّض له المسلمون من ظلم وقتل وسبي وتشريد.

بل الأدهى من ذلك أنّ رسول اللّه نفسه لم يسلم من الأذى والتكذيب عليه ، وأمّا آله فقد سامهم بعض من أدّعى الإسلام ألوان العذاب والاضطهاد ، حتّى كأنّ اللّه قد أوصى الأُمّة بقتلهم لا بمودّتهم واتباعهم.

ويتّضح ذلك بجلاء في مصاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بقتل سبطه سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ، فقد ارتكبت حكومة بني أُمية أسوأ جريمة في حقّه عليه السلام ، وحقّ أهل بيته ، وكوكبة من أصحابه ، الذين قلّ نظيرهم على هذه الأرض ، وسجّل لنا التاريخ ذلك ، ونقله إلينا المؤرّخون والمحدّثون بما يندى له الجبين!

لقد اهتزت الأُمّة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها لقتل الإمام الحسين عليه السلام في عصره ، وفي كُلّ العصور على اختلاف مذاهبها ومشاربها ... لكن للأسف أنّ هناك شرذمة لا يتعاطفون من أهل البيت عليهم السلام ، بل كانوا يرصدون - كما ينقل ابن كثير وابن عساكر - لشيعة أهل البيت عليهم السلام ومحبّيهم ، ويسفكون

ص: 130

دماءهم ، ويحبسوهم ليمنعوهم حتّى من إظهار الحزن ، كما حدث في بغداد في أحداث دامية في أيّام تسلّطهم.

وقد حالت بعد ذلك رحمة اللّه زمناً بين تلك الشرذمة وما يفعلون من إثارة الفتن ، وبدأنا نلمس من المنصفين من إخواننا من أهل السنّة التعاون الجميل ، والتعاطف النبيل مع إخوانهم الشيعة في أيّام العزاء ، بل إنّ بعضهم ليشارك ويحترم تلك الأيّام كما شيعة أهل البيت عليهم السلام ، ولكن بوادر الشيطان قد ظهرت ، فعادت الشرذمة للظهور ، وجاءوا بقلوب قاسية وعقول خاوية ، يريدون النيل من هذا التعاون وهذه الأُلفة بين المسلمين ، ليفرّقوا صدوراً مؤتلفة على محبّة أهل البيت عليهم السلام ، وهذا دين النواصب أنّى كانوا ، فلا غرابة ، ولكن الواجب يقتضي توعية الجميع تجاه سمومهم التي ينشرونها باسم الدين ، لذا كانت هذه السطور.

الهدف من هذه الرسالة :

قد أثبتت الأيّام بأنّ كثيراً من أهل السنّة يتعاطفون مع مصاب أهل البيت عليهم السلام كما الشيعة ، بل ويتوسّلون بهم ، فهؤلاء يحيطون بمراقد أهل البيت عليهم السلام في المدينة المنوّرة ، والعراق ومصر وخراسان ، متوسّلين باكين متبرّكين ، ممّا أوغر صدوراً خصبة يرتع فيها الشيطان ، فجاء أُولئك الجهلة وقد اختلط عليهم الأمر ، ليهدّموا تلك العلاقة بين المسلمين وأهل البيت المطهّرين عليهم السلام.

إنّا نعتقد جازمين : بأنّ المنصفين من أهل السنّة ، لا يقيمون وزناً لأمثال أُولئك المتعصّبين ، الذين يتقنون رسم النصوص دون أن يعوها ، وحمل الأسفار دون أن يفهموها.

حيث يلاحظ الجميع تلك المنشورات الخبيثة ، التي توزّع في أيّام عزاء سيّد الشهداء ، وإحياء ذكرى مصابه ، مندّدة بمثل هذه الشعائر الإسلامية ، مفرّقة بيننا كمسلمين ، يستغل أصحابها اختلافنا في الاجتهادات ، غافلين عن اجتماعنا على محبّة أهل البيت عليهم السلام ، الذين نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم.

ص: 131

من الذي يفرّق بين المسلمين؟

إنّنا لنعجب ممّن ينشر تلك المنشورات ، فبينما يجعل كاتبهم عنوان منشوره البغيض بعبارة : لماذا يزرع الشقاق بين المسلمين سنوياً ، إلاّ أنّه يغفل عن أنّه هو زارع الفرقة ، بما تحويه منشوراته من مغالطات وأكاذيب ، فيا عجباً لهذا الكاتب الجاهل ، الذي يعتبر إقامة مظاهر الحزن على الحسين عليه السلام زرعاً للشقاق بين المسلمين ، ويغفل عن أنّه غارق في إيذاء المسلمين ، ينشر أكاذيبه في كُلّ سنة.

وللمتابع أن يلاحظ : أنّ الشيعة - منذ زمن طويل - يقيمون الشعائر والمراسم الحسينية في الحسينيات العامرة ، بجوار إخوانهم السنّة ، وفي قلب مناطقهم بكُلّ رحابة صدر ، فأيّ شقاق تحقّق لولا بروز تلك الدعوات الشاذّة؟ نعم إنّ بذر الشقاق تزامن مع ظهور بعض العقليات السلفية المتحجّرة في مجتمع عرف بالتسامح والمودّة؟

ولو أنّ هذا الكاتب الجاهل يعلم ما يدور في هذه الحسينيات من تربية وتعليم ونصح وتذكير ، ومفاهيم أخلاقية تبني الإنسان المؤمن ليؤمن شرّ لسانه ويده وقلبه ببركة هذه الحسينيات ، لساهم بنفسه في إعمار هذه الشعائر كغيره من أهل السنّة والشيعة المحبّين لأهل البيت عليهم السلام ، ولكن كيف ذلك؟ وهل يرجى القبول بالحقّ ممّن سيطر عليه قرينه؟

المنشور الأسود :

تناولت الشرذمة المتسلّفة في منشورها قصّة مقتل الحسين عليه السلام ، وأظهروا قراطيسهم بمظهر البحث العلمي في عرض ذلك الحدث الأليم ، ولكن من خلال الأسطر التالية التي نكتبها سيتبيّن لك أيّها القارئ مدى الجهل الذي يعيشونه في معرفة التاريخ الإسلامي ، وانقيادهم لبعض مشايخهم المتعصّبين دون دراسة أو تمحيص لمصادر التاريخ ومجرياته ، وسيتبيّن لك من خلال هذه المناقشة أنّهم انتقائيون في قراءتهم للتاريخ ، قائدهم الهوى ، فلا أُصول علمية عندهم ، ولا هم يحزنون!

ص: 132

وهنا نتعرّض لنقاط وردت في إحدى تلك المنشورات ، مع بعض الردود الكافية لفضح تعصّبهم ، واللّه المستعان.

لماذا لم يتّخذ يوم وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله مأتماً؟

في البدء ذكر الكاتب قول ابن كثير : ورسول اللّه سيّد ولد آدم في الدنيا والآخرة ، وقد قبضه اللّه إليه كما مات الأنبياء قبله ، ولم يتّخذ أحد يوم موتهم مأتماً (1).

نقول : إنّ هذا الكاتب وأمثاله يتغافلون عن الحقّ ، فالشيعة يحيون ذكرى وفاة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وأئمّة أهل البيت عليهم السلام.

وإن كان يقصد التميّز الموجود في إحياء ذكرى سيّد الشهداء عليه السلام ، فليعلم أنّ ذكرى شهادة الإمام الحسين عليه السلام هي ذكرى مأساة لا مثيل لها ، فقتله جريمة عالمية نظهر موقفنا منها ، وبراءتنا ممّن قتل سبط الرسول وحبيبه ، ونعلن أنّنا نواليه وندين ما فعله أعداؤه.

إنّ زيارة خاطفة يقوم بها أيّ من المنصفين لهذه المجالس ، ودور العبادة والحسينيات المباركة ، يجد أنّنا نبكي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأهل بيته جميعاً ونتبرّك بذلك ، فليس البكاء مخصوصاً للحسين عليه السلام ، هذا فضلاً عن الأحاديث النبوية ، وعن أهل البيت عليهم السلام ، التي تبيّن خصوصية ظلامة الحسين عليه السلام ، وأهمّيتها عند الرسول وأهل بيته ، فنحن نتأسّى بهم.

ظهور الكرامات عند مقتل الحسين عليه السلام.

قال الكاتب : ولا ذكر أحد أنّه ظهر يوم موتهم ، وقبلهم شيء ممّا ادعاه هؤلاء يوم مقتل الحسين من الأُمور المتقدّمة.

نقول : إنّ هذا جهل من الكاتب ، أو كذب مبين ، فإنّ الأحاديث والنصوص في كتبهم ذكرت حدوث ظواهر كونية في ذلك اليوم ، وقد كذب

ص: 133


1- البداية والنهاية 8 / 221.

من قال أنّه لم يتحقّق في السابقين شيء من تلك الأُمور ، فهذا ابن كثير نفسه يقول في تفسيره :

وقد روى ابن جرير ... عن يحيى بن سعيد قال : سمعت سعيد بن المسيّب يقول : ظهر بخت نصّر على الشام ، فخرّب بيت المقدس وقتلهم ، ثمّ أتى دمشق فوجد بها دماً يغلي على كبا ، فسأل ما هذا الدم؟

فقالوا : أدركنا آباءنا على هذا ، وكُلّما ظهر عليه الكبا ظهر ، قال : فقتل على ذلك الدم سبعين ألفاً من اليهود وغيرهم فسكن ، وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيّب ، وهذا هو المشهور (1).

وقال في كتابه قصص الأنبياء : « وقال أبو عبيدة القاسم بن سلام ... عن سعيد بن المسيّب قال : قدم بخت نصّر دمشق ، فإذا هو بدم يحيى بن زكريا يغلي ، فسأل عنه فأخبروه ، فقتل على دمه سبعين ألفاً فسكن ، وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن المسيّب ، وهو يقتضي أنّه قتل بدمشق ، وأنّ قصّة بخت نصّر كانت بعد المسيح ، كما قاله عطاء والحسن البصري ، فاللّه أعلم » (2).

ثمّ روى قصّة مقتل يحيى عن ابن عساكر ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن قاسم مولى معاوية ، ثمّ قال : قال سعيد بن عبد العزيز : وهي دم كُلّ نبي ، ولم يزل يفور حتّى وقف عنده أرميا عليه السلام فقال : أيّها الدم أفنيت بني إسرائيل فاسكن بإذن اللّه ، فسكن ... (3).

جريمة قتل الحسين عليه السلام وجريمة قتل نبي اللّه يحيى عليه السلام!

إنّ الروايات الصحيحة الواردة في مصادر السنّة تقارن بين جريمة قتل يحيى عليه السلام وقتل الحسين عليه السلام ، فقد روى الحاكم في مستدركه ، بستّة طرق عن أبي نعيم : ثنا عبد اللّه بن حبيب بن أبي ثابت عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ،

ص: 134


1- تفسير القرآن العظيم 3 / 28.
2- قصص الأنبياء 2 / 364.
3- المصدر السابق 2 / 366.

عن ابن عباس قال : أوحى اللّه تعالى إلى نبيّكم صلى اللّه عليه وآله : إنّي قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً ، وإنّي قاتل بابن ابنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً (1).

إنّ هذه الحديث الشريف يعتبر قتل الحسين عليه السلام خطراً عظيماً ، يعادل قتل نبي اللّه يحيى عليه السلام!! فكيف يصحّ لمن يدّعي العلم أن ينكر الظواهر الكونية يوم مقتل الحسين عليه السلام ، ويستنكر البكاء على الحسين؟!!

وفي حديث القاضي أبي بكر بن كامل : إنّي قتلت على دم يحيى بن زكريا وإنّي قاتل على دم ابن ابنتك ، قال الحاكم : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه » (2) ، وقد صحّحه الذهبي في التلخيص على شرط مسلم.

إنّ المنصف يرى أنّ قتل الحسين عليه السلام - وبشهادة جدّه المصطفى صلى اللّه عليه وآله - جريمة عظيمة من جرائم التاريخ البشري ، أراد تعالى أن يخلّدها كما هو الحال في جريمة قتل نبي اللّه يحيى عليه السلام ، إذ لا يقل الحسين عليه السلام عن خاصّة أولياء اللّه ، كما هو واضح في الأحاديث النبوية الشريفة.

مقتل الحسين عليه السلام :

قال الكاتب مدّعياً أنّه ينقل قصّة مقتل الإمام الحسين كما أثبتها الثقات من أهل العلم : بلغ أهل العراق أنّ الحسين لم يبايع يزيد بن معاوية ، وذلك سنة 60 ه- ، فأرسلوا إليه الرسل والكتب يدعونه فيها إلى البيعة ، وذلك أنّهم لا يريدون يزيد ولا أباه ، ولا عثمان ولا عمر ولا أبا بكر ، إنّهم لا يرون إلاّ علياً وأولاده.

نقول : أوّلاً : لم يحدّد الكاتب المصدر الذي اعتمده ، وهذا أوّل التدليس! فأين الثقات الذين قال إنّه ينقل عنهم؟!!

ثانياً : حاول الكاتب أن يظهر أنّ قتلة الحسين هم الشيعة ، الذين يرفضون أبا بكر وعمر ، وأنّهم لا يريدون إلاّ علياً وأولاده.

ص: 135


1- المستدرك 2 / 290.
2- المصدر السابق 3 / 178.

والجواب : أنّهم شيعة آل أبي سفيان ، كما خاطبهم الإمام الحسين عليه السلام ، وهذه بعض النصوص التي تبيّن مذهب أهل الكوفة في ذلك الزمن ، فقد نقل ابن بطّة أحد علماء السنّة في المنتقى : « عن عبد اللّه بن زياد بن جدير قال : قدم أبو إسحاق السبيعي الكوفة ، قال لنا شمر بن عطية : قوموا إليه ، فجلسنا إليه ، فتحدّثوا ، فقال أبو إسحاق : خرجت من الكوفة ، وليس أحد يشكّ في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما ، وقدمت الآن وهم يقولون ويقولون ، لا واللّه ما أدري ما يقولون ».

وقال محبّ الدين الخطيب في حاشية المنتقى : « هذا نصّ تاريخي عظيم في تحديد تطوّر التشيّع ، فإنّ أبا إسحاق السبيعي كان شيخ الكوفة وعالمها ، ولد في خلافة أمير المؤمنين عثمان ، قبل شهادته بثلاث سنين ، وعمّر حتّى توفّي سنة 127ه- ، وكان طفلاً في خلافة أمير المؤمنين علي ... ».

إذاً ، فأبو إسحاق شيخ الكوفة وعالمها ، كان يبلغ من العمر ثمان وعشرين عاماً في سنة استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ، ومنه نفهم بأنّ الناس في الكوفة - في ذلك العام بالذات - كانوا على حسب قوله : ليس منهم أحد يشكّ في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما ، وبناءً على ذلك ، فالذين كاتبوا الإمام الحسين عليه السلام ثمّ خانوه وقتلوه لم يكونوا شيعة ، يقدّمون علي بن أبي طالب عليه السلام على أبي بكر وعمر.

وقد ذكر التاريخ : أنّ عبيد اللّه بن زياد ، قد سجن الشيعة المخلصين للإمام الحسين عليه السلام حتّى امتلأت سجونه منهم ، فهؤلاء هم الشيعة في ذلك الوقت!

ولذا قال الذهبي في الميزان : « كالتشيّع بلا غلوّ ولا تحرّف ، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم ، مع الدين والورع والصدق ، فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية ، وهذه مفسدة بيّنة ... فالشيعي الغالي في زمان السلف ، وعرّفهم هو من تكلّم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية ، وطائفة ممّن حارب علياً وتعرّض لسبّهم » (1).

ص: 136


1- ميزان الاعتدال 1 / 5.

هذا ما يردّ كلامه من نصوص السنّة ، وأمّا من نصوص الشيعة :

فمنه : ما ذكره الشيخ الكليني في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام : عن سليم بن قيس الهلالي قال : خطب أمير المؤمنين عليه السلام ... فقال : « قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله متعمّدين لخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيّرين لسنّته ، ولو حملت الناس على تركها وحوّلتها إلى مواضعها ، وإلى ما كانت في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لتفرّق عنّي جندي ، حتّى أبقى وحدي ، أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي ، وفرض إمامتي من كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ... إذاً لتفرّقوا عنّي ، واللّه لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة ، وأعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي : يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر ، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً ، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ، ما لقيت من هذا الأُمّة من الفرقة ، وطاعة أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار » (1).

قال العلاّمة المجلسي عن هذا الخبر : « عندي معتبر لوجوه ، ذكرها محمّد ابن سليمان في كتاب منتخب البصائر وغيره » (2).

وهذا يثبت للقارئ بأنّ أكثرية الذين راسلوا الحسين عليه السلام من أهل الكوفة ، لم يكونوا ممّن يقدّمونه على غيره ، كما يفعل الشيعة الموالون ، كيف وأهل الكوفة لم يقدّموا علياً عليه السلام على الخليفتين ، وهو أولى بالتقديم من الحسين عليه السلام؟ وهذا يخالف ادعاء الكاتب ، الذي ينسب كلامه للثقات من أهل العلم ، ولم يذكر مصدراً واحداً يثبت مزاعمه الباطلة!!

الصحابة ومنعهم الحسين عليه السلام عن الخروالجواب :

قال الكاتب : وحاول منعه كثير من الصحابة ، ونصحوه بعدم الخروج ، مثل ابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وأبي سعيد الخدري ، وابن عمرو ، وأخيه محمّد بن الحنفية ، وغيرهم ....

ص: 137


1- الكافي 8 / 58.
2- مرآة العقول 25 / 131.

وندعو القارئ هنا لتفحّص حقيقة كلام الكاتب ، نقول : لو كانت هناك فطرة سليمة لقيل : إنّه يجب على الصحابة الذين ذكروا نصرة الإمام الحسين عليه السلام وطاعته ، لا أنّه يجب عليه أن يطيعهم كما يطلب الكاتب!!

فنحن نعرف أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أخبر المسلمين بأنّ أُمّته سوف تقتل ولده الحسين في كربلاء! وكان الحسين والصحابة يعلمون بذلك؟

نعم ، الحسين كان أدرى من غيره بما سيحدث له بإخبار مسبق من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وروايات الشيعة والسنّة تؤكّد ذلك ، فهذه عمرة بنت عبد الرحمن - كما ذكر ابن كثير - ترسل إليه تطلب منه عدم الخروج وتقول : أشهد لسمعت عائشة تقول ، إنّها سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « يقتل الحسين بأرض بابل » ، فلمّا قرأ كتابها قال : « فلابدّ لي إذاً من مصرعي ومضى » (1).

وذكر أيضاً قول الحسين عليه السلام للفرزدق : « لو لم أعجل لأخذت » (2) ، وكذلك ما رواه عن يزيد الرشك ، من قوله عليه السلام : « ولا أراهم إلاّ قاتلي »!

وعن معاوية بن قرّة قال : قال الحسين : « واللّه لتعتدن عليّ كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت » ، وعن جعفر الضبعي عنه عليه السلام : « واللّه لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي » (3).

وذكر ابن كثير قول الإمام الحسين عليه السلام لمن طلب منه الرجوع : « إنّه ليس بخفي عليّ ما قلت وما رأيت ، ولكنّ اللّه لا يغلب على أمره » ، ثمّ ارتحل قاصداً الكوفة (4) ، فخروج الحسين عليه السلام كان بعلم منه بقتله ، بل كان يعلم بتفاصيل مقتله الشريف أيضاً.

وأمّا نصائح من ذكرهم الكاتب ، فنقول : نصيحة ابن عباس للحسين عليه السلام :

ص: 138


1- البداية والنهاية 8 / 176.
2- المصدر السابق 8 / 180.
3- المصدر السابق 8 / 183.
4- المصدر السابق 8 / 185.

نقل ابن كثير عن ابن عباس قال : استشارني الحسين بن علي في الخروج ، فقلت : لولا أن يزري بي وبك الناس لشبثت يدي في رأسك ، فلم أتركك تذهب ، فكان الذي ردّ عليّ أن قال : « لأن أُقتل في مكان كذا وكذا ، أحبّ إليّ من أن أُقتل بمكّة » ، قال : فكان هذا الذي سلى نفسي عنه (1).

إذاً ، فقد استسلم ابن عباس لرأي الحسين عليه السلام عندما علم أنّ بني أُمية قد عزموا على قتله أينما كان ، وأنّ خروجه إنّما هو لئلا يستحلّ بيت اللّه الحرام ، وتفهّم ابن عباس موقف الحسين عليه السلام! وبهذا يظهر لك زيف قول الكاتب : إنّ ابن عباس نهاه ومنعه!!

روى الحاكم عن ابن عباس قال : أوحى اللّه تعالى إلى محمّد صلى اللّه عليه وآله : إنّي قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً ، وإنّي قاتل بابن ابنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً ، هذا لفظ حديث الشافعي ، وفي حديث القاضي أبي بكر بن كامل : إنّي قتلت على دم يحيى بن زكريا ، وإنّي قاتل على دم ابن ابنتك (2) ، وقد مرّ تصحيح الحاكم والذهبي للحديث.

وهذا الحديث له دلالة عظيمة جدّاً بمكانة الإمام الحسين عليه السلام عند اللّه تعالى ، لا ينالها إلاّ صاحب حقّ ، وإلاّ فهل يدّعي الكاتب أنّ المخطئ الذي كان في خروجه فساد عظيم ، يقارنه اللّه بيحيى النبيّ عليه السلام ، بل يغضب له غضباً يفوق غضبه وانتقامه له؟ البصير يفهم ، وأمّا عمى القلب فمرض عضال.

ونقل الحاكم أيضاً عن ابن عباس قال : رأيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله فيما يرى النائم نصف النهار ، أشعث أغبر معه قارورة فيها دم ، فقلت : يا نبي اللّه ما هذا؟ قال : « هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم » ، قال : فأحصي ذلك اليوم فوجدوه قتل قبل ذلك بيوم ، قال الحاكم : « هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه » (3) ، وقال الذهبي على شرط مسلم.

ص: 139


1- المصدر السابق 8 / 172.
2- المستدرك 3 / 178.
3- المصدر السابق 4 / 398.

ونقل ابن كثير : عن أشعث بن سحيم عن أبيه قال : سمعت أنس بن الحارث يقول : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « إنّ ابني - يعني الحسين - يقتل بأرض يقال لها كربلاء ، فمن شهد منكم ذلك فلينصره » ، قال : فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء ، فقتل مع الحسين (1).

ويظهر من ابن حجر في ترجمة أنس بن الحارث قبوله للرواية ، قال : قتل مع الحسين بن علي ، سمع النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، قاله محمّد عن سعيد بن عبد الملك الحرّاني عن عطاء بن مسلم ، حدّثنا أشعث بن سحيم عن أبيه ، سمعت أنس بن الحارث ، ورواه البغوي وابن السكن وغيرهما من هذا الوجه ، ومتنه : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « إنّ ابني هذا - يعني الحسين - يقتل بأرض يقال لها كربلاء ، فمن شهد منكم فلينصره » ، قال : فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء ، فقتل بها مع الحسين.

قال البخاري : يتكلّمون في سعيد يعني رواية ، وقال البغوي : لا أعلم رواه غيره ، وقال ابن السكن : ليس يروى إلاّ من هذا الوجه ، ولا يعرف لأنس غيره ، قلت : وسيأتي ذكر أبيه الحارث بن نبيه في مكانه ، ووقع في التجريد للذهبي : لا صحبة له وحديثه مرسل ، وقال المزّي : له صحبه فوهم ، انتهى.

ولا يخفى وجه الردّ عليه ممّا أسلفناه ، وكيف يكون حديثه مرسلاً وقد قال : سمعت ، وقد ذكره في الصحابة البغوي ، وابن السكن ، وابن شاهين ، والدغولي ، وابن زبر ، والباوردي ، وابن مندة ، وأبو نعيم ، وغيرهم (2).

والبخاري إن عبّر عن سعيد بقوله : يتكلّمون في سعيد ... ، وهي تفيد بأنّه غير جازم بشيء ضدّه ، لكن ابن حبّان ذكره في كتابه الثقات (3).

ص: 140


1- البداية والنهاية 8 / 217.
2- الإصابة 1 / 271.
3- الثقات 8 / 267.

فهل يأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بنصح شخص مخطئ؟ أم هو التعصّب الذي دعا الكاتب إلى إنكار كون أنس من الصحابة ، وذلك كطريق وحيد لردّ الرواية ، وما يترتّب عليها.

نصيحة ابن عمر المزعومة!

أمّا عبد اللّه بن عمر ، فقد كان معروفاً بمبدأ الخضوع للحاكم مهما كان ، حيث بايع يزيد وهو يعلم أنّه شارب الخمور مرتكب الفجور ، ولم يترك هذا المبدأ إلاّ عند بيعة الأُمّة لعلي أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد ندم على فعله! (1).

فالذي يندم على أفعاله ، ويبايع يزيد مع أقلّ تهديد ، كيف يعتدّ الإمام الحسين عليه السلام بموقفه ونصحه؟

كما أنّ ما ذكروه عن نصيحة أبي سعيد الخدري وغيره غير ثابت ، وحتّى لو ثبت ، فقد عرفت أنّ الإمام الحسين عليه السلام يعمل بما أمر به جدّه المصطفى صلى اللّه عليه وآله ، الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلاّ وحي يوحى!

نصيحة ابن الزبير المزعومة!

وأمّا خلط الكاتب نصيحة ابن الزبير بجملة النصائح فعجب من القول ، لأنّ مصادر التاريخ تذكر عكس ذلك ، فقد كان ينصح الإمام الحسين عليه السلام أن يخرج إلى العراق ، وقد نقل ابن كثير قول ابن الزبير : أما لو كان لي مثل أنصارك ما عدلت عنها ، فلمّا خرج من عنده ، قال الحسين : « قد علم ابن الزبير أنّه ليس له من الأمر معي شيء ، وأنّ الناس لم يعدلوا بي غيري ، فودّ أنّي خرجت لتخلو له » (2).

ونقل : ولزم ابن الزبير الحجر ، ولبس المعافري ، وجعل يحرّض الناس على بني أُمية ، وكان يغدو ويروح إلى الحسين ، ويشير إليه أن يقدم العراق ، ويقول : هم شيعتك وشيعة أبيك (3).

ص: 141


1- البداية والنهاية 7 / 253.
2- المصدر السابق 8 / 172.
3- المصدر السابق 8 / 175.

حتّى ظنّ أبو سلمة بن عبد الرحمن ، بأنّ الحسين خرج متأثّراً بكلام ابن الزبير ، أورد ابن كثير : وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : وقد كان ينبغي لحسين أن يعرف أهل العراق ولا يخرج إليهم ، ولكن شجّعه على ذلك ابن الزبير ، وكتب إليه المسور بن مخرمة : إيّاك أن تغتر بكتب أهل العراق ، وبقول ابن الزبير ، ألحق بهم فإنهّم ناصروك (1).

ومن مسلّمات التاريخ : أنّ ابن الزبير لم يكن يوماً ما ناصحاً للإمام الحسين عليه السلام ، بل قد أثبت ابن كثير في تاريخه قول ابن عباس لابن الزبير وهو مغضب : « يا بن الزبير قد أتى ما أحببت ، قرّت عينك ، هذا أبو عبد اللّه خارج ويتركك والحجاز » (2).

وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء : « فقال ابن عباس للحسين : لولا أن يزري بي وبك لنشبت يدي في رأسك ، ولو أعلم أنّك تقيم ، إذاً لفعلت ، ثمّ بكى ، وقال : أقررت عين ابن الزبير ، ثمّ قال بعد لابن الزبير : قد أتى ما أحببت أبو عبد اللّه ، يخرج إلى العراق ، ويتركك والحجاز.

يا لك من قنبرة بمعمر *** خلا لك البر فبيضي واصفري

ونقري ما شئت أن تنقري *** صيّادك اليوم قتيل فابشري (3)

نصيحة ابن عمر المزعومة لا أصل لها :

من أين جاء الكاتب بهذه النصيحة المدعاة؟! فلم يذكر التاريخ أيّ لقاء تمّ بين الحسين عليه السلام وعبد اللّه بن عمر ، بل ينقل ابن كثير خلاف ذلك عن يحيى بن معين ، حدّثنا أبو عبيدة ، ثنا سليم بن حيّان عن سعيد بن مينا قال : سمعت عبد اللّه بن عمر : عجّل حسين قدره ، واللّه لو أدركته ما تركته يخرج إلاّ أن يغلبني (4).

ص: 142


1- المصدر السابق 8 / 176.
2- المصدر السابق 8 / 178.
3- سير أعلام النبلاء 3 / 297.
4- البداية والنهاية 8 / 173.

والكاتب يقول : رواه يحيى بن معين بسند صحيح ، ويتغافل عن سند ابن كثير إلى يحيى بن معين ، في حين أنّ سند يحيى ، كما في ابن عساكر مضطرب ، فيقول في تاريخ مدينة دمشق : « يحيى بن معين ثنا أبو عبيدة ثنا سليم بن حيّان ، قال الحرّاني : سليمان بن سعيد بن مينا قال : سمعت عبد اللّه ابن عمر يقول : عجّل حسين قدره ... » (1).

نعم قال المحقّق : بالأصل عمرو ، والمثبت عن الترجمة المطبوعة.

والمهم هنا : أنّ سليم ينقل عن سليمان بن سعيد لا سعيد بن مينا ، فضلاً عن وجود نسخ ، أنّه ابن عمر لا عمرو.

بل أنّ الفرزدق يروي خلاف ذلك - كما في سير أعلام النبلاء - حيث قال : « لمّا خرج الحسين لقيت عبد اللّه بن عمرو فقلت : إنّ هذا الرجل قد خرج ، فما ترى؟ قال : أرى أن تخرج معه ، فإنّك إن أردت دنيا أصبتها ، وإن أردت آخرة أصبتها ... » (2) ، فمن أين احتطب الكاتب هذه النصيحة والمنع المزعوم؟!!

نصيحة محمّد بن الحنفية :

روى ابن عساكر : « وتبعهم محمّد بن الحنفية ، فأدرك حسيناً بمكّة ، وأعلمه أنّ الخروج ليس له برأي » (3).

ولكن ما يرويه الطبري يختلف عن ذلك ، فقد ذكر أنّه قال : « تنح بتبعتك عن يزيد بن معاوية عن الأمصار ما استطعت ، ثمّ ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك ، فإن بايعوا لك حمدت اللّه على ذلك ، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص اللّه بذلك دينك ولا عقلك ... » (4).

ص: 143


1- تاريخ مدينة دمشق 14 / 202.
2- سير أعلام النبلاء 3 / 293.
3- تاريخ مدينة دمشق 14 / 211.
4- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 253.

وبهذا يتّضح : أنّ محمّد بن الحنفية لم يخالفه في أصل الخروج ، ولكن اقترح تفاصيل أُخرى ، فأجابه الحسين عليه السلام : « يا أخي قد نصحت فأشفقت ، فأرجو أن يكون رأيك سديداً موفّقاً » (1).

هذا وللحسين جواب شامل لكُلّ من عارضه على الخروج ، هو ما ذكره ابن كثير في ردّه على عبد اللّه بن جعفر ، الذي كتب له كتاباً يحذّره من أهل العراق ، ويناشده اللّه إن شخص إليهم ، فكتب إليه الحسين : « إنّي رأيت رؤيا ، ورأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمرني بأمر ، وأنا ماض له ، ولست بمخبر بها أحداً حتّى أُلاقي عملي » (2).

الحسين وأهل الكوفة :

يظنّ البعض بأنّهم يعرفون ما لا يعرفه الإمام الحسين عليه السلام في شأن أهل الكوفة ، وكيف يخفى على الحسين عليه السلام تذبذب نفوس أهل الكوفة ، وقد عاشرهم إبّان حياة أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ولم ينس قوله فيهم : « اللّهم إنّي قد مللتهم وملوني » (3) ، وقوله : « يا أشباه الرجال ولا رجال » (4).

وقد كانت خيانتهم للحسن عليه السلام على مرأى من عينيه ، ولازال الحسين يسمع صدى دعاء علي عليه السلام عليهم.

وقد صرّح عليه السلام بأنّه ذاهب إلى الشهادة كما نقلنا ، فادعاء الكاتب أنّ خروجه من أجل الدنيا والسلطة قدح في طهارة الحسين عليه السلام ، وتكذيب لجدّه المصطفى صلى اللّه عليه وآله ، بأنّه سيّد شباب أهل الجنّة ، وسوف يُسأل الكاتب عن هذا الظلم والعداء لأهل بيت النبيّ الطاهرين.

النهضة الحسينية : لم تكن نتيجة ضغط من أبناء مسلم بن عقيل :

ص: 144


1- نفس المصدر السابق.
2- البداية والنهاية 8 / 176.
3- شرح نهج البلاغة 1 / 332.
4- المصدر السابق 2 / 75.

قال كاتب المنشور : « وجاء الحسين خبر مسلم بن عقيل عن طريق الرسول ، الذي أرسله مسلم ، فهمّ الحسين بالرجوع ، فامتنع أبناء مسلم وقالوا : لا واللّه لن نرجع حتّى نأخذ بثأر أبينا ، عند ذلك رفض الحسين الرجوع ».

ونقول أوّلاً : الرواية ضعيفة السند ، إذ فيها خالد بن يزيد بن عبد اللّه القسري ، وقد قال عنه الذهبي : « وكان صاحب حديث ومعرفة ، وليس بالمتقن ، ينفرد بالمناكير ....

قال أبو جعفر العقيلي : لا يتابع على حديثه ، وقال أبو حاتم : ليس بقوي ، وذكره ابن عدي ، فساق له جماعة أحاديث ، وقال : أحاديثه لا يتابع عليها كُلّها ، لا إسناداً ولا متناً » (1) ، فعبارة : فهمّ الحسين بالرجوع ، من منكرات خالد هذا.

ثانياً : استغل الكاتب خطأ في تاريخ ابن كثير ، فسعى أن يوهم أن كلمة : لن نرجع ، إنّما هي أمر من أبناء مسلم بن عقيل للإمام الحسين عليه السلام ، فهُم الذين أجبروه على الاستمرار.

ولكن بالرجوع إلى ما نقله الطبري وسائر المؤرّخين ، نرى أنّ أبناء مسلم قالوا : واللّه لا نرجع حتّى نصيب بثأرنا أو نقتل ، فقال عليه السلام : « لا خير في الحياة بعدكم » فسار (2).

ثالثاً : وأمّا الحادثة كما رواها الشيخ المفيد خالية من تلك الزيادة ، بل فيها : فنظر - أي الحسين عليه السلام - إلى بني عقيل فقال : « ما ترون؟ فقد قتل مسلم » ، فقالوا : واللّه لا نرجع حتّى نصيب ثأرنا ، أو نذوق ما ذاق ، فأقبل علينا الحسين عليه السلام وقال : « لا خير في العيش بعد هؤلاء » (3).

ص: 145


1- سير أعلام النبلاء 9 / 410.
2- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 292 ، الإصابة 2 / 71 ، تهذيب الكمال 6 / 427 ، تهذيب التهذيب 2 / 304.
3- الإرشاد 2 / 75.

وكيف ينتظر أن ينساق الحسين عليه السلام مع أبناء مسلم؟ وهم أتباعه ، وتحت أمره ورأيه؟ بل كيف يتراجع ، وهو الذي عارض ناصحيه كما يقول الكاتب سابقاً؟ وهل يرتاب الحسين عليه السلام ويتزعزع عند أوّل مشكلة تواجهه؟ بينما هو خارج للشهادة ، ويدرك أنّ المصيبة جسيمة.

ولو أنّ الحسين عليه السلام كان من أُولئك الذين تغلبهم العصبية البغيضة ، لانتقم لمقتل أخيه الإمام الحسن عليه السلام ، خصوصاً مع ما حدث عند دفنه ، من منع عائشة وبني أُمية دفنه عند جدّه صلى اللّه عليه وآله ، وإثارة بني هاشم جميعاً ، لكنّه آثر الصبر.

افتراء نسب إلى الحسين عليه السلام أنّه قال : « أضع يدي في يد يزيد »؟

قال الكاتب : فانطلق الحسين يسير نحو طريق الشام نحو يزيد ، فلقيته الخيول بكربلاء بقيادة عمر بن سعد.

وقال : ولمّا رأى الحسين هذا الجيش العظيم ، علم أنّه لا طاقة له بهم ، وقال : « إنّي أُخيّركم بين أمرين : أن تدعوني أرجع ، أو تتركوني أذهب إلى يزيد في الشام » ، فقال له عمر بن سعد : أرسل إلى يزيد ، وأرسل أنا إلى عبيد اللّه ، فلم يرسل الحسين إلى يزيد.

والكاتب يعرض النصوص بشكل مخلّ ، وأمّا ما أورده الطبري في تاريخه في أحداث سنة 61 ه- ، عن حسان بن فائد بن بكر العبسي قال : أشهد أنّ كتاب عمر بن سعد جاء إلى عبيد اللّه بن زياد وأنا عنده ، فإذا فيه : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، أمّا بعد : فإنّي حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي ، فسألته عمّا أقدمه؟ وماذا يطلب ويسأل؟ فقال : « كتب إليّ أهل هذه البلاد ، وأتتني رسلهم ، فسألوني القدوم ففعلت ، فأمّا إذ كرهوني ، فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم ، فأنا منصرف عنهم » ، فلمّا قرأ الكتاب على ابن زياد قال : الآن إذ علقت مخالبنا به ، يرجو النجاة لات حين مناص (1).

ص: 146


1- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 311.

وروى الطبري : قال أبو مخنف : وأمّا ما حدّثنا به المجالد بن سعيد ، والصقعب بن زهير الأزدي ، وغيرهما من المحدّثين ، فهو ما عليه جماعة المحدّثين قالوا : إنّه قال : « اختاروا منّي خصالاً ثلاثاً : إمّا أن أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه ، وإمّا أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية ، فيرى فيما بيني وبينه رأيه ، وإمّا أن تسيّروني إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئتم ، فأكون رجلاً من أهله لي ما لهم ، وعليّ ما عليهم ».

قال أبو مخنف : فأمّا عبد الرحمن بن جندب فحدّثني عن عقبة بن سمعان قال : صحبت حسيناً ، فخرجت معه من المدينة إلى مكّة ، ومن مكّة إلى العراق ، ولم أفارقه حتّى قُتل ، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ، ولا بمكّة ، ولا في الطريق ، ولا في العراق ، ولا في عسكر إلى يوم مقتله ، إلاّ وقد سمعتها ، ألا واللّه ما أعطاهم ما يتذاكر الناس ، وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية ، ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ، ولكنّه قال : « دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة ، حتّى ننظر ما يصير من أمر الناس » (1).

فالطبري يروي الرواية التي تتحدّث عن الخيارات الثلاثة ، ثمّ يروي عن عقبة ابن سمعان - الذي عاصر الأحداث - إنكاراً واضحاً لما ذكر في الرواية السابقة ، أي ما تبنّاه كاتب المنشور ، وعرضه بشكل مخلّ.

هذا بالإضافة إلى شخصية الحسين عليه السلام وتربيته ، وما ورثه من أبيه عليه السلام ، لا تتناسب مع مثل هذا الموقف ، الذي يريد أن يصوّره الكاتب ، وكأنّ الحسين عليه السلام قد ندم على خروجه ، أو خاف هذه الجموع ، كيف وشجاعته واضحة في صفحات التاريخ؟ وهو الذي بشّره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بهذا الموقف الإيماني العظيم ، وقد قرأت رسالة عمرة بنت عبد الرحمن قبل فقرات ، وردّ الحسين عليه السلام عليها.

ص: 147


1- المصدر السابق 4 / 313.

ولعلّ الحجّة الأبلغ على الكاتب المحرّف ، ما رواه إمامه ابن كثير في البداية والنهاية قال : « ولكن طلب منهم أحد أمرين : إمّا أن يرجع من حيث جاء ، وإمّا أن يدعوه يذهب في الأرض العريضة حتّى ينظر ما يصير أمر الناس إليه » (1).

بل إنّ الطبري ينقل عكس هذا الادعاء في تاريخه ، حيث ينقل رفض الحسين عليه السلام أن يضع يده بيد يزيد ، قال : فنادى - الحسين عليه السلام - : « يا شبث بن ربعي ، ويا حجّار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ، ويا يزيد بن الحارث ، ألم تكتبوا إليّ ... »؟ قالوا له : لم نفعل ، فقال : « سبحان اللّه ، بلى ... إذ كرهتموني دعوني انصرف عنكم ... » ، فقال له قيس : أولا تنزل على حكم ابن عمّك - أي يزيد - فإنّهم لن يروك إلاّ ما تحب ، ولن يصل إليك منهم مكروه ، فقال له الحسين : » ... لا واللّه ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ... » (2) ، ورواه أيضاً ابن كثير في تاريخه (3).

ويؤكّد ذلك ما نقله الذهبي في تاريخ الإسلام قول الحسين عليه السلام : « ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء اللّه ، وإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً » (4).

وهذه هي الحقيقة التي تتناسب مع شخصية سبط النبيّ صلى اللّه عليه وآله وابن علي عليه السلام ، الذي تربّى تحت بارقة ذو الفقار ، لا ما استنتجه الكاتب ، ليقلّل من شأن موقف الحسين عليه السلام ، ويرفع من قيمة يزيد حفيد آكلة الأكباد.

تحريف الكاتب لموقف الحرّ بن يزيد الرياحي!

قال الكاتب : « وكان قد انضم إلى الحسين من جيش الكوفة ثلاثون رجلاً ، على رأسهم الحرّ بن يزيد التميمي ، ولمّا عاب عليه قومه ذلك قال : واللّه إنّي أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار ».

ص: 148


1- البداية والنهاية 8 / 190.
2- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 323.
3- البداية والنهاية 8 / 194.
4- تاريخ الإسلام 5 / 12.

إنّها كذبة تضاف إلى غيرها! وجملة : « عاب عليه قومه ذلك » ، بعد انضمامه إلى معسكر الحسين عليه السلام ، فهو تحريف لعبارة ابن كثير في البداية والنهاية ، حيث قال : « فلامه بعض أصحابه على الذهاب إلى الحسين ... » (1) ، وكُلّ ناطق بالضاد يعرف بأنّ اللوم غير التعييب ، رغم أنّ ابن كثير نفسه قد اختصر النصّ اختصاراً مخلاً ، إذا ما قارناها بالعبارة التي نقلها ابن جرير الطبري : « فأخذ يدنو من حسين قليلاً قليلاً ، فقال له رجل من قومه - يقال له المهاجر بن أوس - : ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العرواء ، فقال له : يا ابن يزيد ، واللّه إنّ أمرك لمريب ، واللّه ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن ، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلاً ما عدوتك ، فما هذا الذي أرى منك؟

قال : إنّي واللّه أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار ، وواللّه لا أختار على الجنّة شيئاً ، ولو قطّعت وحرّقت ، ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين » (2).

فنلاحظ أنّ ابن كثير بدأ بالتحريف ، ثمّ جاء الكاتب واستعمل التزييف!! وما فعلهما إلاّ من تأثير الهوى والتعصّب ، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه.

افتراؤه بأنّ الحسين عليه السلام لم يمنع من الماء!

قال الكاتب : « وأمّا قصّة منع الماء ، وأنّه مات عطشاناً ، وغير ذلك من الزيادات التي إنّما تذكر لدغدغة المشاعر ، فلا يثبت منها شيء ».

لقد زاد هذا الكاتب في بغضه لأهل البيت عليهم السلام حبّه لقاتليهم ، على أسياده وأئمّته ، فاستعمل الكذب الصريح المخالف لقول إمامه ابن كثير!!

قال ابن كثير : « وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة هذا الشأن ، لا كما يزعمه أهل التشيّع من الكذب » (3) ، فما يقوله ابن كثير هنا - كما يزعم - خال عن الكذب ، وهو يردّ كذب هذا الكاتب!

ص: 149


1- البداية والنهاية 8 / 195.
2- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 325.
3- البداية والنهاية 8 / 186.

ويقول عن عطش الإمام الحسين عليه السلام : « فردّ عليه ابن زياد : أن حل بينهم وبين الماء ، كما فعل بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفّان ... ، وجعل أصحاب عمر بن سعد يمنعون أصحاب الحسين الماء » (1) ، فالحديث عن منع الماء حديث أئمّة هذا الشأن - حسب قول ابن كثير - وليس حديث الشيعة كما زعم الكاتب!

وروى الطبري : « ولمّا اشتدّ على الحسين وأصحابه العطش ، دعا العباس بن علي بن أبي طالب أخاه ، فبعثه في ثلاثين فارساً ... واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي ، فقال عمرو بن الحجّاج الزبيدي : من الرجل؟ ... فقال : جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه ، قال : فاشرب هنيئاً ، قال : لا واللّه لا أشرب منه قطرة وحسين عطشان ... ، فقال : لا سبيل إلى سقي هؤلاء ، إنّما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء ... » (2).

وذكر - وهو يتحدّث عن الحرّ بن يزيد - : « ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين ، فاعتذر إليه بما تقدّم ، ثمّ قال : يا أهل الكوفة لأُمّكم الهبل والعبر ، إذ دعوتموه حتّى أتاكم أسلمتموه ... وخلاتموه ونساءه واصيبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري ، الذي يشربه اليهودي والمجوسي والنصراني ، وتمرّغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وها هم قد صرعهم العطش » (3).

ما الذي يجنيه كاتب المنشور من نفي العطش عن الحسين عليه السلام؟

هل يريد تقليل التعاطف مع الحسين عليه السلام؟ ظانّاً بأنّ أصل هذا التعاطف هو مجرّد العطش؟ فإن نفاه نفى مظلومية الحسين عليه السلام؟ أم أنّه يريد أن يكون جندياً إعلامياً من جيش ابن سعد ، إن لم يسعفه الزمن أن يكون محارباً مع إمامه يزيد؟

ص: 150


1- المصدر السابق 8 / 189.
2- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 311.
3- المصدر السابق 4 / 326.

فللمتّبع أن يدرك أنّ عطش الحسين عليه السلام من مسلّمات يوم الطفّ ، فقد روى ابن كثير : « وقد اشتدّ عطش الحسين ، فحاول أن يصل إلى أن يشرب من ماء الفرات فما قدر ، بل مانعوه عنه ، فخلص إلى شربة منه ، فرماه رجل يقال له حصين بن تميم في حنكه فأثبته ، فانتزعه الحسين من حنكه ففار الدم ، فتلقّاه بيديه ، ثمّ رفعهما إلى السماء وهما مملوءتان دماً ، ثمّ رمى به إلى السماء وقال : « اللّهم أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تذر على الأرض منهم أحداً » ، ودعا عليهم دعاءً بليغاً ، قال : فو اللّه إن مكث الرجل الرامي له إلاّ يسيراً ، حتّى صبّ اللّه عليه الظمأ ، فجعل لا يروى ويسقى الماء مبرداً ... (1).

وقد أنشد الحاكم النيسابوري في ذلك :

جاءوا برأسك يا بن بنت محمّد *** متزمّلاً بدمائه تزميلا

وكأن بك يا بن بنت محمّد *** قتلوا جهاراً عامدين رسولا

قتلوك عطشاناً ولم يتبروا *** في قتلك القرآن والتنزيلا

ويكبّرون بأن قتلت وإنّما *** قتلوا بك التكبير والتهليلا (2)

وروى ذلك ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ، والمزّي في تهذيب الكمال وغيرهما.

فماذا بقي بعد ذلك من مصادر للتاريخ لم تذكر قصّة منع الماء وعطش الحسين عليه السلام؟ ليقول ذلك الكاتب في كذبته المفضوحة : إنّما تذكر لدغدغة المشاعر ، فلا يثبت منها شيء ، نعوذ باللّه من الخذلان والهوى!

ردّ إنكاره للكرامات التي ظهرت :

ص: 151


1- البداية والنهاية 8 / 203.
2- البداية والنهاية 6 / 261 و 8 / 216 ، تاريخ مدينة دمشق 16 / 181 ، تهذيب الكمال 6 / 448.

قال : « وأمّا ما روي من أنّ السماء صارت تمطر دماً ، أو أنّ الجدران كأن يكون عليها الدم ، أو ما يرفع حجر إلاّ ويوجد تحته دم ، أو ما يذبحون جزوراً إلاّ صار كُلّه دماً ، فهذه كُلّها أكاذيب تذكر لإثارة العواطف ، ليس لها أسانيد صحيحة ».

هنا نقول : ما أعجله؟ أم ما أجهله؟ فقد تعجّل الكاتب إرضاء لهواه ، بالجزم بأنّ هذه الروايات كُلّها ليست لها أسانيد صحيحة ، بينما رواها الثقات من أهل العلم عنده ، بل رواها ابن كثير على تعصّبه ، ولم يجزم بردّها عند الحديث عن دلائل النبوّة ، إذ قال : « إلى غير ذلك ممّا في بعضها نكارة ، وفي بعضها احتمال ، واللّه أعلم » (1).

فإذا نفى بعضها ابن كثير المتعصّب ، واحتمل صحّة بعضها ، فإنّ هذا قد تجاوزه في التعصّب أو النصب حتّى نفاها كُلّها ، وهذه المصادر السنّية لتلك الكرامات :

أ - ما روي من أنّ السماء صارت تمطر دماً :

روى الهيثمي عن أُمّ حكيم قالت : قتل الحسين وأنا يومئذ جويرية ، فمكثت السماء أيّاماً مثل العلقة ، رواه الطبراني ورجاله إلى أُمّ حكيم رجال الصحيح (2).

ب - ما روي من كسوف الشمس :

روي عن أبي قبيل قال : لمّا قُتل الحسين بن علي انكسفت الشمس كسفة حتّى بدت الكواكب نصف النهار ، حتّى ظنّنا أنّها هي - أي القيامة - رواه الطبراني ، وإسناده حسن (3).

ونقل ذلك أيضاً السيوطي في تاريخ الخلفاء ، وأرسله إرسال المسلّمات ، فقال : « ولمّا قُتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيّام ، والشمس على الحيطان

ص: 152


1- البداية والنهاية 6 / 259.
2- مجمع الزوائد 9 / 196.
3- المصدر السابق 9 / 197.

كالملاحف المعصفرة ، والكواكب يضرب بعضها بعضاً ، وكان قتله يوم عاشوراء ، وكسفت الشمس ذلك اليوم ، واحمرت آفاق السماء ستّة أشهر بعد قتله ، ثمّ لا زالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك ، ولم تكن ترى فيها قبله » (1).

وروى الذهبي عن ابن سيرين : لم تبك السماء على أحد بعد يحيى عليه السلام إلاّ على الحسين (2) ، ونقل البيهقي في دلائل النبوّة إمطار السماء دماً (3).

وعلم بأنّ هذا لا يتعارض مع قوله صلى اللّه عليه وآله : « إنّ الشمس والقمر ... لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته » (4) ، حيث أنّ خسوف الشمس قد جاء نتيجة جرم البشر بقتل هذا السبط المطهّر عليه السلام ، لا مجرّد موت إنسان كما ينصّ الخبر ، وذلك مصداقاً لقوله تعالى : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ) (5).

وهذا هو الحال في جريمة قتل الحسين وأهل بيته عليهم السلام ، فبعد هذا كُلّه ، هل يصحّ كلام الكاتب؟

ج - الدم الذي ظهر على الجدر :

والطريف أنّه مذكور في رواية الطبري عن حصين بن عبد الرحمن ، وقد صرّح الكاتب بحسن سندها حينما استشهد بالرواية ، زاعماً طلب الحسين أن يضع يده في يد يزيد!!

قال الطبري : « قال حصين : فلمّا قتل الحسين لبثوا شهرين أو ثلاثة ، كأنّما تلطّخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتّى ترتفع » (6) ، فهذه رغم أنّها صحيحة عنده لم يأخذ بها ، لأنّها لا تصبّ في صالحه!

ص: 153


1- تاريخ الخلفاء : 207.
2- سير أعلام النبلاء 3 / 312.
3- دلائل النبوّة 6 / 471.
4- الكافي 3 / 208.
5- الروم : 41.
6- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 296.

د - وما رفع حجر إلاّ وجد تحته دم :

روى الهيثمي عن الزهري قال : قال لي عبد الملك : أيّ واحد أنت إن أعلمتني أيّ علامة كانت يوم قتل الحسين؟ فقال : قلت : لم ترفع حصاة بيت المقدس إلاّ وجد تحتها دم عبيط ، فقال لي عبد الملك : إنّي وإيّاك في هذا الحديث لقرينان ، رواه الطبراني ورجاله ثقات.

وعن الزهري قال : ما رفع حجر يوم قتل الحسين بن علي إلاّ عن دم ، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (1).

وروى ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء (2) ، والبيهقي في دلائل النبوّة (3) ، وغيرهم ، هذا ما رواه المخالف ، ومع ذلك ينكره ، فبأيّ حديث بعده يؤمن الكاتب؟

ه- - ذبحوا جزوراً فصار كُلّه دماً!

قال الهيثمي : « عن دويد الجعفي عن أبيه قال : لمّا قُتل الحسين انتهبت جزور من عسكره ، فلمّا طبخت إذا هي دم ، رواه الطبراني ورجاله ثقات » (4).

و - الفتن والحوادث الغريبة :

قال ابن كثير : « وأمّا ما روي من الأحاديث والفتن التي أصابت من قتله فأكثرها صحيح ، فإنّه قلّ من نجا من أُولئك الذين قتلوه من آفة وعاهة في الدنيا ، فلم يخرج منها حتّى أُصيب بمرض ، وأكثرهم أصابه الجنون » (5).

وقال ابن كثير : « وقد روى حماد بن سلمة عن عمّار بن أبي عمارة عن أُمّ سلمة ، أنّها سمعت الجنّ تنوح على الحسين بن علي ، وهذا صحيح » (6) ، وقال

ص: 154


1- مجمع الزوائد 9 / 196.
2- سير أعلام النبلاء 3 / 314.
3- دلائل النبوّة 6 / 741.
4- مجمع الزوائد 9 / 196.
5- البداية والنهاية 8 / 220.
6- المصدر السابق 6 / 259.

الهيثمي عن هذا الخبر : « رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح » (1) ، ترى! هل يظنّ هذا الكاتب أنّه لا يوجد أحد يكشف كذبه؟!

زعم الكاتب أنّه أعرف بمصلحة الإسلام من الحسين!!

قال : « لم يكن في خروج الحسين عليه السلام مصلحة لا في دين ولا دنيا ، ولذلك نهاه كثير من الصحابة وحاولوا منعه ، وهو قد همّ بالرجوع لولا أولاد مسلم » ، ولنترك ابن العماد الحنبلي ليردّ عليه :

يقول الحنبلي : « والعلماء مجمعون على تصويب قتال علي لمخالفيه ، لأنّه الإمام الحقّ ، ونقل الاتفاق أيضاً على تحسين خروج الحسين على يزيد » (2).

فتحسين خروجه مورد اتفاق العلماء ، والقول بعدم وجود مصلحة هو وقاحة وجرأة من الكاتب على مقام الحسين عليه السلام ، فالكاتب يرفع شعار الدفاع عن الصحابة ، ولكن النصب يقتضي أن يبرّر أعمال يزيد ومعاوية ، وهم ثمار الشجرة الملعونة في القرآن ، ويبلغ من جرأته أنّه يخطّئ الحسين المطهّر عليه السلام بنصّ القرآن ، وسيّد شباب أهل الجنّة بنصّ جدّه المصطفى صلى اللّه عليه وآله!!

كُلّ ذلك يفضّل أئمّته بني أُمية على أهل بيت النبوّة الطاهرين المطهّرين!!

قوله : أنّ خروج الحسين عليه السلام مفسدة.

قال الكاتب : « وكان في خروجه من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده ، ولكنّه أمر اللّه تبارك وتعالى ، وما قدّر اللّه كان ، ولو لم يشأ الناس».

الغريب أنّ الكاتب يقول بأنّه أمر اللّه ، ثمّ يلوم الحسين عليه السلام على الخروج ، فإن كان جبراً فلا ملامة على الحسين عليه السلام ، وإن كان مخيّراً - وهو كذلك - فإنّه أمر اللّه وقد أطاعه الحسين عليه السلام ، فماذا يقصد الكاتب؟ أم أنّه يهجر.

ثمّ العجيب من أمر هذا الكاتب وأضرابه ، يدعون تقديس الصحابة وعدالتهم ، ثمّ يتجرّأ على الإمام الحسين عليه السلام لخروجه على يزيد.

ص: 155


1- مجمع الزوائد 9 / 199.
2- شذرات الذهب 1 / 122.

نعم مع أهل البيت عليهم السلام يختل الميزان ، وتظهر جرأة النواصب ، وكأنّ أهل البيت ليسوا صحابة ، لقد جعلوا القرآن عضين ، يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.

ما هي جريمة الحسين عليه السلام؟!

إنّ جريمة الحسين عليه السلام سيّد شباب أهل الجنّة ، أنّه رفض بيعة يزيد لأنّه سلطان غاصب جائر ، وقد جعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أفضل الجهاد أن تعلن كلمة الحقّ أمامه وأمام أمثاله.

وقد أوحى اللّه تعالى لنبيه في حقّ الحسين عليه السلام : « وإنّي قاتل سبعين ألفاً بابن ابنتك » ، فجعل اللّه تعالى الانتقام من إراقة دمه الطاهر أشدّ من انتقامه عزّ وجلّ لقتل نبيّه يحيى عليه السلام ، وهذه لا ينالها إلاّ صاحب حقّ ، وإلاّ فهل يدّعي الكاتب أنّ المخطئ الذي كان في خروجه فساد عظيم يقارن بيحيى النبيّ عليه السلام؟

وقد ردّ الحسين عليه السلام على هذه الترهات قبل أن يتفوّه بها مبغضوه ، فقد نقل ابن كثير في تاريخه : وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص نائب الحرمين : إنّي أسأل اللّه إن يلهمك رشدك ، وأن يصرفك عمّا يرديك ، بلغني أنّك قد عزمت على الشخوص إلى العراق ، وإنّي أُعيذك اللّه من الشقاق ، فإنّك إن كنت خائفاً فأقبل إليّ ، فلك عندي الأمان والبر والصلة.

فكتب إليه الحسين : « إن كنت أردت بكتابك برّي وصلتي فجزيت خيراً في الدنيا والآخرة ، وإنّه لم يشاقق من دعا إلى اللّه وعمل صالحاً ، وقال : إنّني من المسلمين » (1).

فكلام الإمام الحسين عليه السلام : « لم يشاقق من دعا إلى اللّه وعمل صالحاً ، وقال : إنّني من المسلمين » ، إنّما هو ردّ من الحسين الصحابي عليه السلام على كلام الكاتب ، فهل يقبل به؟ لا أظنّ.

ص: 156


1- البداية والنهاية 8 / 176.

ثمّ نسأل المنصفين : هل الفساد هو أن تجهر بصوتك لإحقاق الحقّ والدين؟ والوقوف بوجه الظلمة؟ أمّ أنّ الفساد هو مداهنة الظلمة؟ ومد يد الخنوع والخضوع ليزيد؟ فصوّروا بذلك الإسلام هو دين الضعف والذل أمام الجبابرة لا دين العزّة ، وذلك الضعف كان مقدّمة واقعة الحرّة بكُلّ فظاعتها؟!

فهل كان موقف الحسين عليه السلام عند الكاتب أسوء من موقف أُولئك الذين مدّوا ليزيد ليفعل ما يشاء؟ ألهذا لم نسمع نقداً صريحاً لأنصار يزيد طوال القرون الماضية؟

لا ، ولكنّه النصب والعداوة الذي يدفع البعض ليتجرّأ على أهل البيت عليهم السلام ، ويمدح الذين ركعوا أمام يزيد ، والمشتكى إلى اللّه ربّ العالمين.

البدعة ومراسم العزاء على الإمام الحسين عليه السلام.

قال : « لا يجوز لمن خاف اللّه إذا تذكّر قتل الحسين ومن معه ، أن يقوم بلطم الخدود ، وشقّ الجيوب والنوح وما شابه ذلك ، وما علم أنّ علي بن الحسين ، أو ابنه محمّد ، أو ابنه جعفر ، أو موسى بن جعفر ، ما عرف عنهم ولا عن غيرهم من أئمّة الهدى ، أنّهم لطموا أو شقّوا أو صاحوا ، فهؤلاء هم قدوتنا ... ».

لابدّ أن نقرّر بداية ، بأنّ العناوين العامّة في الشريعة الإسلامية - كإحياء أمر الدين ، وتوقير النبيّ صلى اللّه عليه وآله بين المسلمين - إنّما هي عناوين شرعية عامّة ، لا يناقش فيها مسلم ، لذلك ترى المسلمين قاطبة - إلاّ المتمسلفين - يدعون للاحتفال بالمولد النبوي الشريف ، ويوم الإسراء والمعراج وغيرها ، كمصاديق لإحياء أمر الدين.

ومن السيرة التي يراها كُلّ عاقل على مرّ القرون ، يجد بأنّ للعرف أن يحدّد الطريقة المناسبة لإحياء أمر الدين ، شريطة أن يصدق عليها توقير مقام النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وإن لم يردّ نصّ صريح بخصوص الكيفية.

ولولا ذلك لما جاز تغيير وتطوير أساليب الدعوة - كطباعة الكتب ، والتلفزيون والمذياع ، والندوات والمخيّمات ، والمدارس الدينية - التي لم تكن في

ص: 157

زمن الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ولا زمن الطبقة الأُولى من المسلمين ، ولكن مع تطوّر الزمن تطوّر أُسلوب الدعوة.

وهذا ليس بممنوع ولا هو بدعة ، لأنّه أمر مندوب إليه بعنوانه العام ، وتحديد المصاديق موكول إلى العرف ، ما لم يدخل شيء منها في أحد عناوين المحرّمة.

وبناء على ذلك ، فإنّ من العناوين العامّة في الدين : إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام ، وتوقيرهم ومحبّتهم ، وإظهار الحزن لأحزانهم والفرح لأفراحهم ، فاللّه تعالى قد أمر بمودّة أهل البيت عليهم السلام ، فهل تتصوّر المودّة بالفرح بحزنهم؟ والحزن بفرحهم؟

والمآتم الحسينية إنّما هي مصداق من مصاديق تلك المودّة المفروضة ، وتلك المراسيم لم يرد فيها نهي ولا منع ، لذا فهي جائزة أصالة ، ويرجّح كفّة إقامتها لأنّها إحياء لأمر الدين ، وتتأكّد بورود روايات عن الأئمّة عليهم السلام في الحثّ عليها.

فإن منع الدين الحزن على المؤمن ، فلنمنع الحزن على الحسين عليه السلام ، وإن لم يجز لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله التأثّر الشديد بمقتل حمزة ، لم يجز لنا التأثّر بمقتل الحسين عليه السلام؟

كيف والحسين عليه السلام أعزّ عند اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله من حمزة عليه السلام؟ كُلّ ذلك حكم العقل والبداهة ، فضلاً عن وجود الأدلّة الخاصّة التي تدلّ على فضل البكاء والنوح على سيّد الشهداء عليه السلام ، سنذكرها فيما يلي.

مشروعية البكاء على سيّد الشهداء عليه السلام.

قال الكاتب : وما يذكر عن فضل البكاء في عاشوراء غير صحيح ، إنّما النياحة واللطم أمر من أُمور الجاهلية التي نهى النبيّ صلى اللّه عليه وآله عنها ، وأمر باجتنابها ، وليس هذا منطق أموي حتّى يقف الشيعة منه موقف العداء ، بل هو منطق أهل البيت ، وهو مروي عنهم عند الشيعة ، كما هو مروي عنهم أيضاً عند أهل

ص: 158

السنّة ، فقد روى ابن بابويه القمّي في من لا يحضره الفقيه : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « النياحة من عمل الجاهلية » (1).

إنّ إشكال القوم على الشيعة ، فيما يخصّ مراسيم إحياء ذكرى سيّد الشهداء عليه السلام محصورة في النقاط التالية :

أ - منع البكاء على الميّت مطلقاً.

واستدلّوا على ذلك : « وإنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه » (2) ، وقد رواه ابن عمر ، ويرد عليه :

أوّلاً : لاشكّ ببطلان مثل هذا الادعاء ، خاصّة مع وضوح بكاء النبيّ يعقوب على ابنه يوسف عليهما السلام في قوله تعالى : ( وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) (3).

ثانياً : إنّ عائشة لم تقبل بذلك ، وقد صرّحت بأنّ ابن عمر لم يحفظ الرواية بصورة صحيحة ، وأنّ قوله هذا مخالف لقوله تعالى : ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) (4) ، كما يروي ذلك البخاري في كتاب المغازي ، ومسلم في كتاب الجنائز.

ب - الإشكال على خصوص تكرار البكاء على الإمام الحسين عليه السلام ، وإعادة ذكر مصيبته في كُلّ سنة.

أوّلاً : يرد هذا الأمر بأنّ يعقوب عليه السلام قد أشكل عليه أبناؤه ، كما ينقل عنهم القرآن الكريم : ( قَالُواْ تَاللّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ) (5) ، فقوله ( تَفْتَأُ ) دليل على تكراره ذلك الأمر ، فحسب الشيعة فخراً أن تقتدي بأنبياء اللّه عليهم السلام حينما يبكون على أوليائه.

ص: 159


1- من لا يحضره الفقيه 4 / 376.
2- صحيح البخاري 2 / 85.
3- يوسف : 84.
4- فاطر : 18.
5- يوسف : 85.

ومكانة الحسين لا ينكرها إلاّ معاند ، فشأنه عند اللّه تعالى يتجلّى بما سبق ذكره من العلامات التي ظهرت في الكون ، وعبّرت عن الغضب الإلهي على قتلته عليه السلام ، وكذلك في الحديث الذي مرّ ذكره : من أنّ اللّه تعالى قد أوحى إلى نبيّه صلى اللّه عليه وآله ، بأنّه تعالى إذا كان قد انتقم لدم يحيى عليه السلام بقتل سبعين ألف ، فسوف ينتقم لدم الحسين عليه السلام بسبعين ألف وسبعين ألف.

ثانياً : وقد أجاب الإمام زين العابدين عليه السلام بما دلّ من القرآن على استمرار حزن يعقوب ، عند ردّه على من أشكل عليه باستمرار حزنه على أبيه ، كما أورده أبو نعيم الأصفهاني عن الحسين عليه السلام عن كثرة بكائه - أي بكاء زين العابدين عليه السلام - فقال : « لا تلوموني فإنّ يعقوب فقد سبطاً من ولده ، فبكى حتّى ابيضت عيناه ، ولم يعلم أنّه مات ، وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلاً من أهل بيتي في غزاة واحدة ، أفترون حزنهم يذهب من قلبي »؟ (1).

وهذا الإشكال من السلفيين هو نفس الإشكال على إحياء ذكرى المولد النبوي من التكرار السنوي للذكرى ، فالأمر محبّب ، وهو مثل تكرار دراسة الفقه أو الحديث أو القرآن الكريم.

ج - النياحة :

وقد أورد نصّاً من كتب الشيعة يصف النياحة بأنّها من عمل الجاهلية ، ويرد عليه :

أوّلاً : إنّ هذه الرواية موجودة في مصادر السنّة قبل الشيعة ، ومع ذلك فإنّ من علماء السنّة من أجاز النياحة ، ولم يعتبر هذا النصّ مانعاً من جوازها ، وقد أقرّ ابن حجر بهذا الخلاف عند شرحه لعنوان الباب الذي وضعه البخاري في صحيحه : باب ما يكره من النياحة على الميّت :

« قال الزين بن المنير : ما موصولة ، ومن لبيان الجنس ، فالتقدير الذي يكره من جنس البكاء هو النياحة ، والمراد بالكراهة كراهة التحريم ، لما

ص: 160


1- حلية الأولياء 3 / 162.

تقدّم من الوعيد عليه انتهى ، ويحتمل أن تكون ما مصدرية ، ومن تبعيضية ، والتقدير كراهية بعض النياحة ، أشار إلى ذلك ابن المرابط وغيره ، ونقل ابن قدامة عن أحمد رواية : أنّ النياحة لا تحرم ، وفيه نظر ، وكأنّه أخذه من كونه صلى اللّه عليه وآله لم ينه عمّة جابر لمّا ناحت عليه ، فدلّ على أنّ النياحة إنّما تحرم إذا انضاف إليها فعل من ضرب خدّ ، أو شقّ جيب ، وفيه نظر ... » (1).

وكذلك بحث الأمر ابن القيم وذكر الخلاف في كتابه قائلاً : « وأمّا الندب والنياحة فنصّ أحمد على تحريمها ، قال في رواية حنبل : النياحة معصية ، وقال أصحاب الشافعي وغيرهم : النوح حرام ، وقال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أنّ النياحة لا تجوز للرجال ولا للنساء.

وقال بعض المتأخّرين من أصحاب أحمد : يكره تنزيهاً ، وهذا لفظ أبي الخطّاب في الهداية قال : ويكره الندب والنياحة ، وخمش الوجوه ، وشقّ الجيوب والتحفي ، والصواب القول بالتحريم ....

وقال المبيحون لمجرّد الندب والنياحة مع كراهتهم له : روى حرب عن وائلة بن الأسقع وأبي وائل - وهما من الصحابة - أنّهما كانا يسمعان النوح ويسكتان.

قالوا : وفي الصحيحين عن أُمّ عطية قالت : لمّا نزلت هذه الآية : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ... ) (2) كان منه النياحة ... ، ونهانا عن النياحة فقبضت منّا امرأة يدها فقالت : فلانة أسعدتني فأنا أُريد أن أجزيها ، قالت : فما قال لها شيئاً فذهبت فانطلقت ثمّ رجعت فبايعها.

قالوا : وهذا الإذن لبعضهن في فعله يدلّ على أنّ النهي عنه تنزيه لا تحريم ، ويتعيّن حمله على المجرّد من تلك المفاسد جمعاً بين الأدلّة » (3).

والقصد من إيراده أنّ بعض علماء السنّة قال بجواز النياحة مع وجود الروايات الناهية عندهم ، كرواية الناهية من عمل الجاهلية ، فما هو جوابكم عن

ص: 161


1- فتح الباري 3 / 129.
2- الممتحنة : 12.
3- عدّة الصابرين : 104.

هذا ، أفلا تسمح للفقه الشيعي أن يقول بالجواز مع ورود الرواية المذكورة في مصادره.

والعجب من ابن تيمية حينما يدافع عن يزيد يقول : « وفي الجملة ، فما يعرف في الإسلام أنّ المسلمين سبوا امرأة يعرفون أنّها هاشمية ، ولا سبي عيال الحسين عليه السلام ، بل لمّا دخلوا بيت يزيد قامت النياحة في بيته ، وأكرمهم وخيّرهم بين المقام عنده والذهاب إلى المدينة ، فاختاروا الرجوع إلى المدينة » (1).

فلاحظ أنّ ابن تيمية يمدح يزيداً على إقامته النياح على الحسين عليه السلام ، وهو قاتله!!

ثانياً : إنّ علماء الطائفة لم يخف عليهم أمر الرواية ، وكما كان لعلماء السنّة آراء واجتهادات لفهم النصّ ، كذلك كانت لعلمائنا ، فينبغي للعاقل أن يطّلع على آراء علماء الطائفة وموقفهم تجاه هذا النصّ الشريف.

ويكفي للقارئ ملاحظة ما ورد في كتاب العروة الوثقى ، وهو كتاب يحشد آراء مجموعة من ٹلماء الشيعة الفقهية في حقبة من الزمان ، حيث تجد في كتاب الطهارة تحت عنوان : مكروهات الدفن حديثاً مفصّلاً حول تلك الأُمور ، فيقول السيّد اليزدي :

« مسألة 1 : يجوز البكاء على الميّت ولو كان مع الصوت ، بل قد يكون راجحاً ، كما إذا كان مسكّناً للحزن وحرقة القلب ، بشرط أن لا يكون منافياً للرضا بقضاء اللّه ، ولا فرق بين الرحم وغيره ، بل قد مرّ استحباب البكاء على المؤمن ، بل يستفاد من بعض الأخبار جواز البكاء على الأليف الضال ، والخبر الذي ينقل من أنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله ضعيف مناف لقوله تعالى : ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) .

وأمّا البكاء المشتمل على الجزع وعدم الصبر فجائز ، ما لم يكن مقروناً بعدم الرضا بقضاء اللّه ، نعم يوجب حبط الأجر ولا يبعد كراهته.

ص: 162


1- منهاج السنّة 4 / 559.

مسألة 2 : يجوز النوح على الميّت بالنظم والنثر ، ما لم يتضمّن الكذب ، ولم يكن مشتملاً على الويل والثبور ، لكن يكره في الليل ، ويجوز أخذ الأجرة عليه إذا لم يكن بالباطل ، لكن الأولى أن لا يشترط أوّلاً.

مسألة 3 : لا يجوز اللطم والخدش وجز الشعر ، بل والصراخ الخارج عن حد الاعتدال على الأحوط ، وكذا لا يجوز شقّ الثوب على غير الأب والأخ ، والأحوط تركه فيهما أيضاً » (1).

هذا علماً بأنّ هذه الفتاوى بكراهة الجزع أو النياحة ناظرة إلى غير مصاب سيّد الشهداء عليه السلام ، وأمّا مصابه أرواحنا له الفداء فقد وردت روايات خاصّة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام تجعله مصاباً مميّزاً عن غيره ، لا تشمله هاتيك الأحكام (2).

ثالثاً : روى الطوسي في أماليه عن المفيد ، عن ابن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن أبي محمّد الأنصاري ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « كُلّ الجزع والبكاء مكروه ، سوى الجزع والبكاء على الحسين » (3).

والسند تام ، فكُلّ الرواة ثقات عدا أبو محمّد الأنصاري ، وقد قال عنه السيّد الخوئي في المعجم : « أبو محمّد الأنصاري ، هذا يعتد بقوله لقول محمّد ابن عبد الجبّار ، في رواية الكافي المتقدّمة : أنّه خير ... ، وأمّا قول نصر بن الصباح من أنّه مجهول لا يعرف فلا يعتنى به ، لأنّ نصر بن الصباح ضعيف » (4).

ورواه ابن قولويه في كامل الزيارات مثل الرواية السابقة عن أبيه عن سعد عن الجاموراني ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام سمعته يقول : « إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كُلّ ما جزع ، ما خلا البكاء على الحسين بن علي عليهما السلام فإنّه فيه مأجور » (5).

ص: 163


1- العروة الوثقى 1 / 447.
2- بحار الأنوار 44 / 280.
3- الأمالي للشيخ الطوسي : 162.
4- معجم رجال الحديث 23 / 42.
5- كامل الزيارات : 201.

فهذه الرواية صريحة في أنّ المكروه السابق لا يشمل الحزن على سيّد الشهداء الحسين عليه السلام.

هذا وقد أشبع الحديث عن ذلك العلاّمة في المنتهى ، حيث قال : « البكاء على الميّت جائز غير مكروه إجماعاً قبل خروج الروح وبعده إلاّ الشافعي ، فإنّه كرهه بعد الخروج ....

النياحة بالباطل محرّمة إجماعاً ، أمّا بالحقّ فجائزة إجماعاً ....

يحرم ضرب الخدود ونتف الشعر وشقّ الثوب ، إلاّ في موت الأب والأخ ، وقد سوّغ فيها شقّ الثوب للرجل ، وكذا يكره الدعاء بالويل والثبور » (1).

وقال الشهيد في الذكرى : « يحرم اللطم والخدش وجز الشعر إجماعاً ، قاله في المبسوط لما فيه من السخط لقضاء اللّه ... ، واستثنى الأصحاب إلاّ ابن إدريس شقّ الثوب على موت الأب والأخ ، لفعل العسكري على الهادي عليهما السلام ، وفعل الفاطميات على الحسين عليه السلام ....

وسئل الصادق عليه السلام عن أجر النائحة فقال : « لابأس قد نيح على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله » ، وفي خبر آخر عنه عليه السلام : « لابأس بكسب النائحة إذا قالت صدقاً » ....

وروى أبو حمزة عن الباقر عليه السلام : « مات ابن المغيرة ، فسألت أُمّ سلمة النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن يأذن لها في المضي إلى مناحته فأذن لها ، وكان ابن عمّها - ثمّ رثته بأبيات - وفي تمام الحديث ، فما عاب عليها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ذلك ولا قال شيئاً » ....

يجوز الوقف على النوائح لأنّه فعل مباح ، فجاز صرف المال إليه ، ولخبر يونس بن يعقوب عن الصادق عليه السلام قال : « قال لي أبي : يا جعفر ، قف من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيّام منى » ، والمراد بذلك تنبيه الناس على فضائله ، وإظهارها ليقتدى بها » (2).

ص: 164


1- منتهى المطلب 1 / 467.
2- الذكرى : 72.

والشيخ في المبسوط وابن حمزة حرّما النوح ، وادعى الشيخ الإجماع ، والظاهر أنّهما أرادا النوح بالباطل ، أو المشتمل على المحرّم كما قيّده في النهاية ، وفي التهذيب جعل كسبها مكروهاً بعد روايته أحاديث النوح.

ثمّ أوّل الشهيد أحاديث المانع المروية من طرق المخالفين بالحمل على ما كان مشتملاً على الباطل أو المحرّم ، لأنّ نياحة الجاهلية كانت كذلك غالباً ، ثمّ قال : المراثي المنظومة جائزة عندنا ، وقد سمع الأئمّة عليهم السلام المراثي ولم ينكروها (1).

البكاء على الميّت مستحبّ عند أهل السنّة!

هذا وقد ورد في مصادر العامّة ما يدلّ على أنّ البكاء على الميّت سنّة سنّها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقد روى إسحاق بن راهويه في مسنده قائلاً : « أخبرنا النضر ابن شميل أخبرنا محمّد بن عمرو ، حدّثني محمّد بن إبراهيم عن عائشة قالت : مر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حين انصرف على بني عبد الأشهل ، فإذا نسائهم يبكين على قتلاهم ، وكان استمر القتل فيهم يومئذ ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لكن حمزة لا بواكي له ».

قال : فأمر سعد بن معاذ نساء بني ساعدة أن يبكين عند باب المسجد على حمزة ، فجعلت عائشة تبكي معهن ، فنام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فاستيقظ عند المغرب ، فصلّى المغرب ثمّ نام ، ونحن نبكي فاستيقظ رسول اللّه لعشاء الآخرة ، فصلّى العشاء ثمّ نام ، ونحن نبكي فاستيقظ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ونحن نبكي ، فقال : « ألا أراهن يبكين حتّى الآن ، مروهن فليرجعن » ، ثمّ دعا لهن ولأزواجهن ولأولادهن » (2).

والرواية حسنة على الأقل لوثاقة الكُلّ ، إلاّ محمّد بن عمرو بن علقمة الليثي ، قال ابن حجر في التقريب : « صدوق له الأوهام » (3).

ص: 165


1- بحار الأنوار 79 / 107.
2- مسند ابن راهويه 2 / 599.
3- تقريب التهذيب 2 / 119.

وقال أحمد في مسنده : حدّثنا زيد بن الحباب ، حدّثني أُسامة بن زيد ، حدّثني نافع عن ابن عمر : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لمّا رجع من أُحد ، فجعلت نساء الأنصار يبكين على من قُتل من أزواجهن ، قال : فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « ولكن حمزة لا بواكي له » ، قال : ثمّ نام فاستنبه وهن يبكين ، قال : « فهن اليوم إذاً يبكين يندبن بحمزة » (1).

وقد بيّن الحاكم في مستدركه الأمر الأخير بقوله : « وهو أشهر حديث بالمدينة ، فإنّ نساء المدينة لا يندبن موتاهن حتّى يندبن حمزة ، وإلى يومنا هذا » (2).

ولعلّك تلاحظ في هذه الرواية أنّها لا تدلّ على جواز البكاء على الميّت وندبه فحسب ، بل إنّها تدلّ على مشروعية تحويل البكاء إلى عادة مستمرة لقرون طويلة.

وقد ورد في المروي عن طريق أُسامة بن زيد الليثي زيادة تدلّ بظاهرها على نسخ الجواز ، وهي زيادة : « مروهن فليرجعن ولا يبكين على هالك بعد اليوم » (3).

قال الشوكاني : « ورجال إسناد حديث ابن عمر ثقات إلاّ أُسامة بن زيد الليثي ، ففيه مقال » (4).

ولك حتّى من لم يرفض هذه الزيادة من حيث السند ، فإنّه رفض كونها ناسخة ، كما صرّح بذلك ابن القيّم في كتابه عدّة الصابرين قال : « وأمّا دعوى النسخ في حديث حمزة فلا يصحّ ، إذ معناه لا يبكين على هالك بعد اليوم من قتلى أُحد ، ويدلّ على ذلك أنّ نصوص الإباحة أكثرها متأخّرة عن غزوة أُحد ، منها حديث أبي هريرة ، إذ إسلامه وصحبته كانا في السنة السابعة ،

ص: 166


1- مسند أحمد 2 / 40.
2- المستدرك 1 / 381.
3- مسند أحمد 2 / 84.
4- نيل الأوطار 4 / 253.

ومنها البكاء على جعفر وأصحابه ، وكان استشهادهم في السنة الثامنة ، ومنها البكاء على زينب ، وكان موتها في السنة الثامنة أيضاً ، ومنها البكاء على سعد بن معاذ ، وكان موته في الخامسة ، ومنها البكاء عند قبر أُمّه صلى اللّه عليه وآله ، وكان عام الفتح في السنة الثامنة » (1).

البكاء على الحسين سنّة سنّها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله :

فقد كان صلى اللّه عليه وآله أوّل من أخبر بواقعة شهادة الحسين عليه السلام ، وأوّل الباكين عليه عند ولادته عليه السلام.

روى ابن حبّان في صحيحه عن أنس بن مالك قال : « استأذن ملك القطر ربّه أن يزور النبيّ صلى اللّه عليه وآله فأذن له ، فكان في يوم أُمّ سلمة.

فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « احفظي علينا الباب ، لا يدخل علينا أحد » ، فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي فظفر فاقتحم ففتح الباب فدخل ، فجعل يتوثّب على ظهر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وجعل النبيّ يتلثّمه ويقبّله ، فقال له الملك : أتحبّه؟ قال : « نعم » ، قال : أما إنّ أُمّتك ستقتله ، إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه؟ قال : « نعم » ، فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه فأراه إيّاه ، فجاءه بسهلة أو تراب أحمر ، فأخذته أُمّ سلمة فجعلته في ثوبها » (2).

وأمّا بكاؤه صلى اللّه عليه وآله عليه ، فقد روى أحمد في مسنده عن نجي عن أبيه أنّه سار مع علي عليه السلام - وكان صاحب مطهرته - فلمّا حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفّين ، فنادى علي : « اصبر أبا عبد اللّه ، اصبر أبا عبد اللّه بشط الفرات » ، قلت : وماذا؟

قال : « دخلت على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ذات يوم ، وعيناه تفيضان؟ قلت : يا نبي اللّه أغضبك أحد ، ما شأن عينيك تفيضان؟ قال : بل قام من عندي جبرائيل قبل ، فحدّثني أنّ الحسين يقتل بشطّ الفرات ، قال : فقال : هل لك إلى أن أشمّك من

ص: 167


1- عدّة الصابرين : 104.
2- صحيح ابن حبّان 15 / 142.

تربته؟ قال : قلت : نعم ، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا » (1).

قال الهيثمي معلّقاً على الرواية : « رواه أحمد وأبو يعلى والبزّار والطبراني ، ورجاله ثقات ، ولم ينفرد نجي بهذا » (2).

وروى الطبراني عن أُمّ سلمة قالت : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله جالساً ذات يوم في بيتي فقال : « لا يدخل عليّ أحد « فانتظرت ، فدخل الحسين عليه السلام ، فسمعت نشيج رسول اللّه يبكي ، فاطلعت فإذا حسين في حجره ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله يمسح جبينه ، وهو يبكي ، فقلت : واللّه ما علمت حين دخل.

فقال : « إنّ جبرائيل كان معنا في البيت ، فقال : تحبّه؟ قلت : أمّا من الدنيا فنعم ، قال : إنّ أُمّتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء » ، فتناول جبرائيل عليه السلام من تربتها فأراها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فلمّا أُحيط بحسين حين قتل ، قال : ما اسم هذه الأرض؟ قالوا : كربلاء ، قال : « صدق اللّه ورسوله أرض كرب وبلاء » (3).

قال الهيثمي معلّقاً على سند الرواية : « رواه الطبراني بأسانيد ، ورجال أحدها ثقات » (4).

وروى الحاكم عن أُمّ الفضل بنت الحارث ، أنّها دخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقالت : يا رسول اللّه إنّي رأيت حلماً منكراً الليلة ، قال : « ما هو »؟ قالت : إنّه شديد ، قال : « ما هو »؟ قالت : رأيت كأنّ قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « رأيت خيراً ، تلد فاطمة إن شاء اللّه غلاماً ، فيكون في حجرك » ، فولدت فاطمة عليها السلام الحسين عليه السلام فكان في حجري ، كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

ص: 168


1- مسند أحمد 1 / 85.
2- مجمع الزوائد 9 / 187.
3- المعجم الكبير 3 / 108.
4- مجمع الزوائد 9 / 189.

فدخلت يوماً إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فوضعته في حجره ، ثمّ حانت منّي التفاته ، فإذا عينا رسول اللّه تهريقان من الدموع ، قالت : فقلت : يا نبي اللّه بأبي وأُمّي ما لك؟ قال : « أتاني جبرائيل فأخبرني أنّ أُمّتي ستقتل ابني هذا ، فقلت : هذا؟ فقال : نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء » (1).

هذه روايات صريحة في أنّ البكاء على الحسين هي سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والشيعة يتّبعون سنّته صلى اللّه عليه وآله في البكاء على سيّد الشهداء الحسين عليه السلام.

أعداء أهل البيت يصومون يوم عاشوراء فرحاً!

قال : « ممّا ورد من روايات في فضل صيام هذا اليوم من روايات الشيعة ، ما رواه الطوسي في الاستبصار ، وما لا أُطيق أفهم تجاهل علماء الشيعة للروايات الواضحة في بيان فضل صيام عاشوراء ... ».

لم يكن لصوم يوم العاشر من المحرّم صدى كما نسمعه اليوم ، ولا تركيز من قبل النواصب كما يفعلون اليوم ، فهل يريدون بذلك أن يغطّوا على شناعة فعل يزيد في ذلك اليوم ، دفاعاً عن بني أُمية.

أمّا عند الشيعة فقد اختلفت آراء فقهاء الشيعة ، تبعاً لاختلاف الروايات وتعارضها في مسألة صوم عاشوراء.

إذ يبدو أنّ القدماء منهم قد حكموا باستحباب صوم يوم العاشر ، إن كان على وجه الحزن ، وحمل الشهيد الثاني معنى الصوم على الامتناع عن المفطّرات إلى العصر ، لا على المعنى الشرعي للصوم ، فهو يرد القول باستحباب الصوم الشرعي ، إذ يقول : « لأنّ صومه متروك ، كما وردت به الرواية » (2).

وحكم المحقّق البحراني - من المتأخّرين - بالحرمة ، ويفهم من السيّد الطباطبائي في الرياض الاستحباب العام ، لا بالعنوان الخاصّ المؤكّد عليه

ص: 169


1- المستدرك 3 / 176.
2- مسالك الأفهام 2 / 78.

بالشريعة ، ويؤيّد صاحب الجواهر رأي القدماء ، نعم ظاهر السيّد الخوئي في كتابه المستند ترجيح الاستحباب الخاصّ.

فالقول بأنّ علماء الشيعة تجاهلوا الروايات الدالّة على فضل صيام عاشوراء ، يكشف عن جهل الكاتب الشديد ، بل هو توغّل في الجهالة.

إذاً ، فصوم عاشوراء إمّا أن يكون بالعنوان العام ، أو بالعنوان الخاصّ ، وكلاهما له مؤيّد ومعارض ، نعم هم يتّفقون على حرمة صوم العاشر بعنوان التبرّك ، واعتباره يوم فرح ، كما ظاهر بعض النصوص الواردة في مصادر السنّة ، وظاهر صيام بعضهم ، فذاك موطن التشنيع من قبل الشيعة ورفضهم.

ولعلّ القارئ المنصف يفهم ذلك عندما يقرأ ما صرّح به ابن تيمية في مجموعة الفتاوى : « فعارض هؤلاء قوم إمّا من النواصب المتعصّبين على الحسين وأهل بيته ، وإمّا من الجهّال ... » (1).

وقال : « فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء ، كالاكتحال والاختضاب ، وتوسيع النفقات على العيال ، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة ونحو ذلك ، ممّا يفعل في الأعياد والمواسم ، فصار هؤلاء يتّخذون يوم عاشوراء موسماً كمواسم الأعياد والأفراح » (2).

وقال : « وكذلك حديث عاشوراء ، والذي صحّ في فضله هو صومه ، وأنّه يكفّر سنة ، وأنّ اللّه نجّى فيه موسى من الغرق ، وقد بسطنا الكلام عليه في موضع آخر ، وبيّنا أنّ كُلّ ما يفعل فيه سوى الصوم بدعة مكروهة لم يستحبّها أحد من الأئمّة مثل الاكتحال والخضاب ، وطبخ الحبوب ، وأكل لحم الأضحية ، والتوسيع في النفقة وغير ذلك ، وأصل هذا من ابتداع قتلة الحسين ونحوهم » (3).

ص: 170


1- مجموع الفتاوى 25 / 309.
2- الفتاوى الكبرى 2 / 300.
3- منهاج السنّة 8 / 151.

وقد أقرّ ابن كثير في تاريخه ، بأنّ يوم عاشوراء يتّخذ يوم سرور عند النواصب من أهل الشام ، فقال : « وقد عاكس الرافضة والشيعة يوم عاشوراء النواصب من أهل الشام ، فكانوا إلى يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ، ويغتسلون ويتطيّبون ويلبسون أفخر ثيابهم ، ويتّخذون ذلك اليوم عيداً ، يصنعون فيه أنواع الأطعمة ، ويظهرون السرور والفرح » (1).

وقال العيني : « اتفق العلماء على أنّ صوم يوم عاشوراء سنّة وليس بواجب » (2).

نعم ، اختلق أعداء أهل البيت عليهم السلام أحاديث في استحباب التوسعة على العيال يوم عاشوراء ، والاغتسال والخضاب والاكتحال.

قال ابن الجوزي : « قد تمذهب قوم من الجهّال بمذهب أهل السنّة ، فقصدوا غيظ الرافضة ، فوضعوا أحاديث في فضل عاشوراء ، ونحن براء من الفريقين ، وقد صحّ أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمر بصوم عاشوراء ، إذ قال : « إنّه كفّارة سنة » ، فلم يقنعوا بذلك حتّى أطالوا وأعرضوا ، وترقّوا في الكذب » (3).

إذاً ، فمورد الخلاف في الحقيقة يتوجّه إلى ما صدر بعنوان السرور والفرح ، والزينة يوم عاشوراء ، وما زالت تجد بقاياه إلى يومنا هذا!! فاعتراضنا على من وضعوا الأحاديث التي تتّخذ يوم عاشوراء يوم فرح! منها ما عدّه ابن الجوزي في الموضوعات عن عبد اللّه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من وسّع على أهله يوم عاشوراء ، وسّع اللّه عليه سائر سنته » (4).

وكذلك روى ابن الجوزي عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبداً » (5).

ص: 171


1- البداية والنهاية 8 / 220.
2- عمدة القارئ 11 / 167.
3- الموضوعات 2 / 199.
4- المصدر السابق 2 / 203.
5- نفس المصدر السابق.

فنكرّر ونقول : إنّ اعتراض الشيعة على هذه الأُمور لا على مجرّد الصيام ، ويبدو من النصوص أنّ من ناقش مستحبّات ذلك اليوم قد ربط ذكرها بالصيام ، فغدا الصوم علامة على فرح ذلك اليوم ، ممّا جعل الصيام شعاراً للفرحين مع الأيّام إضافة للاكتحال والزينة ، ولبس الحلي والتوسعة على العيال وغيرها ، ولذا ينبغي للصائم في هذا اليوم ، أن يكون صومه حزناً ، ولا يفرح كما فرح أعداء الحسين وقاتلوه.

محاولة الكاتب تبرئة يزيد من قتل الحسين عليه السلام!

أ- نقل المؤرّخون رسالة يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة والي المدينة : « أمّا بعد ، فخذ حسيناً وعبد اللّه بن عمر وابن الزبير بالبيعة ، أخذاً شديداً ليست فيه رخصة ، حتّى يبايعوا والسلام » (1).

ب - ذكر في عهد يزيد إلى عبيد اللّه الأمر بقتل مسلم بن عقيل : ثمّ دعا مسلم بن عمرو الباهلي وكان عنده ، فبعثه إلى عبيد اللّه بعهده إلى البصرة ، وكتب إليه معه : أمّا بعد ، فإنّه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة ، يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة ، يجمع الجموع لشقّ عصا المسلمين ، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي أهل الكوفة ، فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتّى تثقفه فتوثقه ، أو تقتله أو تنفيه والسلام (2).

ت - وعن جعفر بن سليمان الضبعي قال : قال الحسين بن علي : « واللّه لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا سلّط اللّه عليهم من يذلّهم ، حتّى يكونوا أذلّ من فرم الأمة » (3).

ث - قول يزيد لزينب عليها السلام مؤكّداً لنظرته في استحقاق الإمام عليه السلام للقتل ، لأنّه خارجي خرج من الدين : إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك ، فقالت زينب : « بدين اللّه ودين أبي ودين أخي وجدّي اهتديت أنت وأبوك وجدّك » (4).

ص: 172


1- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 250 ، البداية والنهاية 8 / 157 ، الإمامة والسياسة 1 / 225.
2- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 265.
3- تاريخ مدينة دمشق 14 / 216 ، تاريخ الأُمم والملوك 4 / 296 ، البداية والنهاية 8 / 183.
4- تاريخ مدينة دمشق 69 / 177 ، تاريخ الأُمم والملوك 4 / 353 ، البداية والنهاية 8 / 212.

ج - وجاء كتاب : بأن سرّح الأُسارى إليّ ، قال : فدعا عبيد اللّه بن زياد محفز بن ثعلبة ، وشمر بن ذي الجوشن ، فقال : انطلقوا بالثقل والرأس إلى أمير المؤمنين يزيد بن معاوية ، قال : فخرجوا حتّى قدموا على يزيد ، فقام محفز بن ثعلبة ، فنادى بأعلى صوته : جئنا رأس أحمق الناس وألامهم ، فقال يزيد : ما ولدت أُمّ محفز ألام وأحمق ، ولكنّه قاطع ظالم ، قال : فلمّا نظر يزيد إلى رأس الحسين قال :

يفلقن هاما من رجال أعزّة *** علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما (1)

ح - رأي الذهبي في يزيد : « وكان ناصبياً فظّاً غليظاً جلفاً ، يتناول المسكر ، ويفعل المنكر ، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين ، واختتمها بواقعة الحرّة ، فمقته الناس » (2).

خ - قال السيوطي : « فقُتل وجيء برأسه في طست حتّى وضع بين يدي ابن زياد ، لعن اللّه قاتله ، وابن زياد معه ويزيد أيضاً » (3).

فما هو وجه اللعن من السيوطي ليزيد ، إذا لم يكن له يد في قتله عليه السلام؟

د - قال ابن كثير : « وقد أخطأ يزيد خطأً فاحشاً في قوله لمسلم بن عقبة ، أن يبيح المدينة ثلاثة أيّام ، وهذا خطأ كبير فاحش ، مع ما انضم إلى ذلك من قتل خلق من الصحابة وأبنائهم ، وقد تقدّم أنّه قتل الحسين وأصحابه على يدي عبيد اللّه بن زياد ، وقد وقع في هذه الثلاثة أيّام من المفاسد العظيمة في المدينة النبوية ما لا يحدّ ولا يوصف » (4).

ذ - قال الذهبي : « ولمّا فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل ، وقتل الحسين واخوته وآله ، وشرب يزيد الخمر ، وارتكب أشياء منكرة بغضه الناس ، وخرج عليه غير واحد ، ولم يبارك اللّه في عمره » (5).

ص: 173


1- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 354.
2- سير أعلام النبلاء 4 / 36.
3- تاريخ الخلفاء : 207.
4- البداية والنهاية 8 / 243.
5- تاريخ الإسلام 5 / 30.

وسؤالنا هو : أليست هذه أقوال علماء السنّة؟ أم لا يوجد عالم سنّي إلاّ ابن تيمية؟!

ندم يزيد المزعوم :

قال : « ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجّع على ذلك ، وظهر البكاء في داره ... ».

نعم ، قد بالغ يزيد في الندم حتّى صار بعد هذا البكاء المزعوم ، ينكت الرأس الشريف بقضيب بيده ، ثمّ يترنّم بأشعار جاهلية - كما سيأتي نقلاً عن تاريخ ابن كثير - ثمّ أدّعى أمام الجميع ، وبمواجهة العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام : أنّ بإمكانه أن يهدي ابنة الحسين عليه السلام جارية إلى أحد الحضور.

فإن كان ندم فهو ، لما قاله السيوطي في تاريخه : « ولمّا قُتل الحسين وبنو أبيه ، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد ، فسُرّ بقتلهم أوّلاً ، ثمّ ندم لما مقته المسلمون على ذلك ، وأبغضه الناس ، وحقّ لهم أن يبغضوه » (1).

فأنت ترى أيّها القارئ أنّ ندمه سياسي للعواقب السيّئة التي ترتّبت على جريمته ، لا لأنّه يرى قتل الحسين عليه السلام جريمة في نفسها.

ادعاؤه بأنّ يزيد لم يسب لهم حريماً ، بل أكرم أهل بيته وأجازهم ، حتّى ردّهم إلى بلادهم.

وتتجلّى مظاهر التكريم من يزيد لأهل بيت الحسين عليه السلام ، الذي يدّعيه الكاتب فيما نقله ابن كثير في تاريخه : « فلمّا دخلت الرؤوس والنساء على يزيد ، دعا أشراف الشام فأجلسهم حوله ، ثمّ دعا بعلي بن الحسين وصبيان الحسين ونسائه ، فأدخلن عليه والناس ينظرون ، فقال لعلي بن الحسين : يا علي أبوك قطع رحمي ، وجهل حقّي ، ونازعني سلطاني ، فصنع اللّه به ما قد رأيت ، فقال علي : ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي

ص: 174


1- تاريخ الخلفاء : 208.

كِتَابٍ ) (1) ، فقال يزيد لابنه خالد : أجبه ، قال : فما درى خالد ما يردّ عليه ، فقال له يزيد : ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) (2) ، فسكت عنه ساعة » (3).

وذكر في نفس الصفحة عن فاطمة بنت علي قالت : إنّ رجلاً من أهل الشام أحمر قام إلى يزيد فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه - يعنيني - وكنت جارية وضيئة ، فارتعدت فزعة من قوله ، وظننت أنّ ذلك جائز لهم ، فأخذت بثياب أختي زينب - وكانت أكبر منّي وأعقل ، وكانت تعلم أنّ ذلك لا يجوز - فقالت لذلك الرجل : « كذبت واللّه ولؤمت ، وما ذلك لك وله » ، فغضب يزيد فقال لها : كذبت ، واللّه إنّ ذلك لي ، ولو شئت أن أفعله لفعلت.

قالت : « كلاّ واللّه ، ما جعل اللّه ذلك لك ، إلاّ أن تخرج من ملّتنا ، وتدين بغير ديننا » ، قالت : فغضب يزيد واستطار ، ثمّ قال : إيّاي تستقبلين بهذا؟ إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك ، فقالت زينب : « بدين اللّه ودين أبي ودين أخي وجدّي اهتديت أنت وأبوك وجدّك » ، قال : كذبت يا عدوّة اللّه.

قالت : « أنت أمير المؤمنين مسلّط تشتم ظالماً تقهر بسلطانك » ، قالت : فو اللّه كأنّه استحى فسكت ، ثمّ قام ذلك الرجل فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه ، فقال له يزيد : أعزب وهب اللّه لك حتفاً قاضياً.

وذُكر أيضاً : لمّا وضع رأس الحسين بين يدي يزيد بن معاوية ، جعل ينكت بقضيب كان في يده في ثغره ، ثمّ قال : إنّ هذا وإيّانا كما قال الحصين بن الحمام المري :

يفلقن هاما من رجال أعزّة *** علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

ص: 175


1- الحديد : 22.
2- الشورى : 30.
3- البداية والنهاية 8 / 211.

فقال له أبو برزة الأسلمي : أما واللّه لقد أخذ قضيبك هذا مأخذاً ، لقد رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يرشفه (1).

ونحن نظنّ بأنّ كاتب المنشور لو كان متواجداً في ذاك المجلس لقال لأبي برزة : دع عنك هذا ، فإنّ يزيداً يكرمه بهذا.

مستند غريب لتبرئة يزيد :

قال : إنّ بني هاشم وبني أُمية أبناء عمومة ، وذلك إنّ هاشم بن عبد مناف والد بني هاشم ، وبني عبد شمس بن عبد مناف والد بني أُمية إخوان ، فالحسين ويزيد أبناء عمومة.

إنّ أوّل ما يتبادر إلى ذهن العاقل هذا التساؤل : ماذا يريد الكاتب من هذا الكلام؟ أيقول بأنّ أبناء العمومة يجوز لهم أن يقتلوا بعضهم؟ ولا حقّ لكم في التدخّل؟ أم أنّه يقول : بأنّ أبناء العمومة لا يقتلون بعضهم؟

وعلى كلا الفرضين ، فإنّ هذا الكلام نابع وبوضوح من نفس تؤمن بالعصبية والقبلية أيما إيمان ، وبغض النظر عن ذلك ، فإنّنا قد رأينا في تاريخ حكّام المسلمين : أنّ الأخ لا يمانع في قتل أخاه في سبيل المُلك ، فكيف بقرابة العمومة؟!

وهل يريد أن يقول أيضاً : أنّ المعلومات الواردة عن المعارك بين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعتاة بني أُمية - كأبي سفيان - غير صحيحة ، لأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأبا سفيان أبناء عمومة؟!

نعم ، هناك قرابة وتكنّها قرابة سوء كان يبغضها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقد روى الحاكم عن أبي برزة الأسلمي قال : كان أبغض الأحياء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بنو أُمية وبنو حنيفة وثقيف ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (2).

ص: 176


1- المصدر السابق 8 / 209.
2- المستدرك 4 / 480.

ورواه الطبراني في المعجم الكبير بإضافة قول عمران بن حصين : اكتم عليّ حتّى أموت (1).

وربما كانت هذه العداوة لاصطفاء اللّه تعالى بني هاشم دونهم ، كما يذكر ذلك مسلم في صحيحه عن واثلة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إنّ اللّه اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم » (2) ، فكم حسدت الناس بني هاشم؟

مكان دفن رأس الحسين عليه السلام :

قال : « لم يثبت أنّ رأس الحسين أُرسل إلى يزيد بالشام ، بل الصحيح أنّ الحسين قتل في كربلاء ، ورأسه أُخذ إلى عبيد اللّه بن زياد في الكوفة ».

هذا رأي الكاتب الذي ينتقي من كتب التاريخ ويختار منها ما يوافق هواه ، أمّا ابن كثير فيختلف رأيه عن رأي الكاتب ، إذ يقول : « وقد اختلف العلماء بعدها في رأس الحسين ، هل سيّره ابن زياد إلى الشام إلى يزيد أم لا؟ على قولين : الأظهر منهما أنّه سيّره إليه ، وقد ورد في ذلك آثار كثيرة ، فاللّه أعلم » (3).

وقال أيضاً : « وأمّا رأس الحسين ، فالمشهور عند أهل التاريخ وأهل السير : أنّه بعث به ابن زياد إلى يزيد بن معاوية ، ومن الناس من أنكر ذلك ، وعندي أنّ الأوّل أشهر ، فاللّه أعلم » (4).

ثمّ نقل أخباراً ، منها : ما رواه عن القاسم بن بخيت قال : ولمّا وضع رأس الحسين بين يدي يزيد قال : أما واللّه لو أنّي صاحبك ما قتلتك ، ثمّ أنشد قول الحصين بن الحمام المري الشاعر :

يفلقن هاما من رجال أعزّة *** علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

ص: 177


1- المعجم الكبير 18 / 230.
2- صحيح مسلم 7 / 58.
3- البداية والنهاية 8 / 209.
4- المصدر السابق 8 / 222.

وذكر أيضاً : « ثمّ أمر برأس الحسين فنصب بالكوفة ، وطيف به في أزقّتها ، ثمّ سيّره مع زحر بن قيس ، ومعه رؤوس أصحابه إلى يزيد بن معاوية بالشام ، وكان مع زحر جماعة من الفرسان ، منهم : أبو بردة بن عوف الأزدي ، وطارق بن أبي ظبيان الأزدي ، فخرجوا حتّى قدموا بالرؤوس كُلّها على يزيد بن معاوية بالشام » (1).

ونقل عن مجاهد قال : لمّا جيء برأس الحسين ، فوضع بين يدي يزيد ، تمثّل بهذه الأبيات :

ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج في وقع الأسل

فأهلّوا واستهلوا فرحاً *** ثمّ قالوا لي هنياً لا تسل

حين حكت بفناء بركها *** واستحر القتل في عبد الأسل

قد قتلنا الضعف من أشرافكم *** وعدلنا ميل بدر فاعتدل (2)

وقد صرّح السيوطي بإرسال الرأس إلى يزيد فقال : « ولمّا قُتل الحسين وبنو أبيه ، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد » (3).

تشكيك الكاتب في مكان قبر الحسين عليه السلام :

قال : « ولا يعلم قبر الحسين ، ولا يعلم مكان رأسه ... ».

ولعلّ آخر ما في كنانة هذا الكاتب جهالته وزعمه أنّ قبر الإمام الحسين عليه السلام مجهول!! فأُنظر إلى ما يقوله ابن كثير : « وأمّا قبر الحسين فقد اشتهر عند كثير من المتأخّرين أنّه في مشهد علي بمكان من الطف عند نهر كربلاء ، فيقال : إنّ ذلك المشهد مبني على قبره ... ، وذكر هشام بن الكلبي : أنّ الماء لمّا أُجرى على قبر الحسين ليمحي أثره ، نضب الماء بعد أربعين يوماً ، فجاء أعرابي من بني أسد ،

ص: 178


1- المصدر السابق 8 / 208.
2- المصدر السابق 8 / 209.
3- تاريخ الخلفاء : 208.

فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمها ، حتّى وقع على قبر الحسين فبكى ، وقال : بأبي أنت وأُمّي ما كان أطيبك وأطيب تربتك ، ثمّ أنشأ يقول :

أرادوا ليخفوا قبره عن عدوّه *** فطيب تراب القبر دلّ على القبر (1)

وممّا يدلّ على بقاء محلّه معروفاً ، ما ينقله ابن كثير : « ثمّ دخلت سنة ستّ وثلاثين ومائتين ، فيها أمر المتوكّل بهدم قبر الحسين بن علي بن أبي طالب ، وما حوله من المنازل والدور » (2).

نقل ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء معلّقاً : « وكان المتوكّل فيه نصب وانحراف » (3).

وذكر ذلك السيوطي في تاريخه (4) ، ثمّ قال : « ذكر أنّ الخليفة المنتصر باللّه ، الذي كان راغباً في الخير ، قليل الظلم ، محسناً إلى العلويين ، وصولاً لهم ، أزال عن آل أبي طالب ما كانوا فيه من الخوف والمحنة ، بمنعهم من زيارة قبر الحسين ، وردّ على آل الحسين فدك » (5).

بل كان القبر معروفاً إلى عام 553 ه- ، قال ابن كثير : « ثمّ دخلت سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة ... ، وفيها خرج المقتفي نحو الأنبار متصيّداً ، وعبر الفرات ، وزار قبر الحسين » (6).

وختام الكلام : نحن - كشيعة - نعلم يقيناً بأنّ من أهل السنّة من يحبّ أهل البيت عليهم السلام ، فأهل البيت ليسوا حكراً على الشيعة ، فقد أمر اللّه بمودّتهم المسلمين جميعاً ، بل هناك من النصارى من يحبّهم ، وقد تأثّر بهم ، وكتب عنهم!

ص: 179


1- البداية والنهاية 8 / 221.
2- المصدر السابق 10 / 347.
3- سير أعلام النبلاء 12 / 35.
4- تاريخ الخلفاء : 347.
5- المصدر السابق : 356.
6- البداية والنهاية 12 / 296.

ونحن نعلم : أنّ هذه الفئة القليلة المتمسلفة فئة شاذّة أموية ، لا تمثّل أيّاً من المذاهب السنّية ، وأنّهم مهما ادعوا مودّة أهل البيت النبوي عليهم السلام ، فهم يبغضونهم ، ويفضّلون عليهم من ظلمهم وقتلهم!! ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (1).

نرجو أن نكون قد وفّقنا في تحصيل رضى اللّه تعالى ، ورضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في الدفاع عن العترة الطاهرة ، خاصّة فلذة كبده الإمام الحسين عليه السلام ، جعلنا اللّه من ناصريه ، وإن حال بيننا الزمن.

( .... - سنّي - .... )

منع جيش الحسين من الماء :

س : إلى مركز الأبحاث العقائدية : أرجو أن يكون الاستدلال عن طريق كتب أهل السنّة.

هل قصّة منع الماء صحيحة؟ وأنّ الحسين مات عطشاناً ، ولاشكّ أنّها قصّة محزنة مؤلمة ، وخاب وخسر من شارك في قتل الحسين ومن معه ، وباء بغضب من ربّه.

ج : القصّة صحيحة ، وقد ذكرها علماء السنّة في كتبهم ، نذكر بعضهم :

1 - قال ابن حبّان : « فلمّا بلغ الحسين بن علي الخبر بمصاب الناس بمسلم بن عقيل ، خرج بنفسه يريد الكوفة ، وأخرج عبيد اللّه بن زياد عمر بن سعد إليه ، فقاتله بكربلاء قتالاً شديداً حتّى قُتل عطشاناً ، وذلك يوم عاشوراء » (2).

2 - قال ابن حجر الهيتمي : « ولولا ما كادوه به من أنّهم حالوا بينه وبين الماء لم يقدروا عليه ، إذ هو الشجاع القرم الذي لا يزول ولا يتحوّل ، ولمّا منعوه

ص: 180


1- الشعراء : 226.
2- الثقات 2 / 309.

وأصحابه الماء ثلاثاً ، قال له بعضهم : أُنظر إليه كأنّه كبد السماء ، لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشاً » (1).

3 - قال ابن كثير : « وقد اشتدّ عطش الحسين ، فحاول أن يصل إلى أن يشرب من ماء الفرات فما قدر ، بل مانعوه عنه » (2).

وقال : « وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة هذا الشأن لا كما يزعمه أهل التشيّع من الكذب » (3).

4 - قال ابن الأثير : « وحالوا بين الحسين وبين الماء ، وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيّام ، ونادى عبد اللّه بن أبي الحصين الأزدي ، وعداده في بجلية : يا حسين أما تنظر إلى الماء كأنّه كبد السماء ، واللّه لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشاً » (4).

وقد ذكر في مقدّمة كتابه أنّه يعتمد على المصادر الموثوقة.

5 - نفس كلام الكامل ذكره الطبري في تاريخه ، فارجع إليه (5).

6 - قال ابن الدمشقي الشافعي : « واشتدّ العطش بالحسين ، فحاول أن يصل إلى الفرات فمانعوه دونه ، فخلص إلى شربة من الماء ، فلمّا هوى إليها رماه حصين بن نمير بسهم في حنكه فأثبته فيه ... » (6).

7 - وارجع أيضاً إلى تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ترجمة الإمام الحسين عليه السلام.

8 - قال أبو الفداء : « واشتدّ بالحسين العطش ، فتقدّم ليشرب ، فرمي بسهم فوقع في فمه » (7).

ص: 181


1- الصواعق المحرقة 2 / 576.
2- البداية والنهاية 8 / 203.
3- المصدر السابق 8 / 186.
4- الكامل في التاريخ 4 / 53.
5- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 312.
6- جواهر المطالب 2 / 288.
7- المختصر في أخبار البشر 1 / 265.

9 - قال القندوزي الحنفي : « فمنعهم جيش عمر بن سعد ، فحمل عليهم العباس ، فقتل رجالاً من الأعداء حتّى كشفهم عن المشرعة ، ودفعهم عنها ، ونزل فملأ القربة ، وأخذ غرفة من الماء ليشرب ، فذكر عطش الحسين وأهل بيته ، فنفض الماء من يده ... » (1).

وارجع إلى كتاب سبل الهدى والرشاد ، ومقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي وغيرها ، لترى الواقعة ثابتة بما لا يقبل أدنى شكّ (2).

ويكفي شهادة ابن كثير المتعصّب الذي لا يخفى حاله على أحد ، لكن أبت المكابرة أن تفارق أهلها.

( ... - ... - ..... )

تقدّم كربلاء بالخلق بمعنى التقدير :

س : رأيت هذه الرواية يتداولها أهل السنّة ، وأحببت معرفة مدى صحّتها؟

عن أبي جعفر قال : « خلق اللّه تبارك وتعالى أرض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عاماً ... ، ولا تزال كذلك حتّى يجعلها اللّه أفضل أرض في الجنّة ، وأفضل منزل ومسكن يسكن اللّه فيه أوليائه في الجنّة » (3).

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ قُدسية كربلاء لم تكن لأجل أرض كربلاء ، بل لأجل من دُفن فيها ، فقد دُفن فيها أقدس إنسان في زمانه ، سيّد شباب أهل الجنّة ، الإمام الحسين عليه السلام ، الذي ضحّى بكُلّ شيء حتّى نفسه المقدّسة في سبيل اللّه تعالى ، ومن أجل الدين والعقيدة ، من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، من أجل إحقاق الحقّ وإبطال الباطل.

ص: 182


1- ينابيع المودّة 3 / 67.
2- سبل الهدى والرشاد 11 / 79 ، مقتل الحسين للخوارزمي 2 / 42.
3- كامل الزيارات : 450.

وليس معنى أنّ كربلاء مقدّسة إنكار كون بيت اللّه الحرام مقدّس ، فالبيت مقدّس باعتباره يرمز إلى توحيد اللّه تعالى ، ونبذ الشيطان ، وهكذا كربلاء ، فإنّها ترمز إلى التضحية من أجل بقاء التوحيد الصحيح ، ونكران شياطين الإنس المتمثّلة بالطواغيت والظلمة ، والغاصبين للحقوق اللّه تعالى والناس.

ولو تنزّلنا وقلنا : إنّ قُدسية كربلاء لم تكن من قُدسية الإمام الحسين عليه السلام ، مع ذلك فإنّ لها قُدسية خاصّة ، تفوق قُدسية الحرم الشريف ، وذلك بجعل من اللّه تعالى لها ، كما جعل المسح في الوضوء على ظاهر القدم ، مع أنّ باطنه أحقّ بالمسح من ظاهره ، وكما جعل الموقف خارج الحرم ، ولو كان في الحرم كان أفضل لأجل الحرم ، ولكن اللّه صنع ذلك في غير الحرم.

ثمّ إنّ من أشهر معاني الخلق في الآيات والأخبار هو التقدير ، ومنه قوله تعالى : ( فَتَبَارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) (1) ، فيكون تقدّم أرض كربلاء بالخلق بمعنى التقدير ، وتقدّم الكعبة بالخلق بمعنى الإيجاد.

ولعل المراد بالقبلية القبلية بالشرف ، وبالأعوام ، والدرجات.

( عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

فضل كربلاء

س : لماذا سمّيت الحسينيات بحسينيّات؟ ولم تسم مثلاً بمحمّديات أو عليّات؟ مع أنّ النبيّ أفضل من الحسين؟ ولماذا حازت كربلاء فضلاً لم تحزه باقي الأراضي كالنجف والبقيع؟

ولماذا أصبحت مصيبة الحسين من أشدّ المصائب؟ ففقد الرسول صلى اللّه عليه وآله ألا يعد من أشدّ المصائب؟

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل نقول :

ص: 183


1- المؤمنون : 14.

سمّيت بالحسينيّات نسبة إلى ما يقام فيها من مجالس الحزن والعزاء على الإمام الحسين عليه السلام ، هذه المجالس التي أهتمّ بإحيائها أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وحثّوا شيعتهم على إحيائها وإظهار الحزن والبكاء فيها على مصيبة الإمام الحسين عليه السلام ، باعتبار أنّ مأساته لا مثيل لها ، ومصيبته من أعظم المصائب ، كما يظهر من قول الإمام الحسن عليه السلام : « لا يوم كيومك يا أبا عبد اللّه » (1).

وبالنسبة إلى السؤال الثاني نقول :

حازت ذلك باعتبارها صارت محلاًّ لدفن جثمان الإمام الحسين عليه السلام ، والشهداء من أهل بيته وأصحابه ، الذين بذلوا مهجهم في سبيل اللّه تعالى ، وأبلوا بلاءً حسناً من أجل الدين والعقيدة ، حتّى قُتلوا بتلك القتلة البشعة ، فكبرت ظلامتهم ومصيبتهم.

وهناك بعض الروايات جاءت بهذا المضمون ، منها :

1 - قال الإمام علي بن الحسين عليهما السلام : « اتخذ اللّه أرض كربلاء حرماً آمنا مباركاً قبل أن يخلق اللّه أرض الكعبة ، ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام ، وأنّه إذا زلزل اللّه تبارك وتعالى الأرض وسيّرها رفعت كما هي بتربتها نورانية صافية ، فجعلت في أفضل روضة من رياض الجنّة ، وأفضل مسكن في الجنّة لا يسكنها إلاّ الأنبياء والمرسلون ، وأنّها لتزهر بين رياض الجنّة كما يزهر الكوكب الدري بين الكواكب لأهل الأرض ، يغشي نورها أبصار أهل الجنّة جميعاً ، وهي تنادي : أنا أرض اللّه المقدّسة الطيّبة المباركة ، التي تضمّنت سيّد الشهداء وسيّد شباب أهل الجنّة » (2).

2 - قال الإمام الباقر عليه السلام : « الغاضرية هي البقعة التي كلّم اللّه فيها موسى ابن عمران عليه السلام ، وناجى نوحاً فيها ، وهي أكرم أرض اللّه عليه ، ولولا ذلك ما استودع اللّه فيها أولياءه وأبناء نبيّه ، فزوروا قبورنا بالغاضرية » (3).

ص: 184


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 177.
2- كامل الزيارات : 451.
3- المصدر السابق : 452.

3 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يقبر ابني بأرض يقال لها : كربلاء ، هي البقعة التي كانت فيها قبّة الإسلام التي نجّا اللّه عليها المؤمنين ، الذين آمنوا مع نوح في الطوفان » (1).

وبالنسبة إلى السؤال الثالث نقول :

إنّما صارت مصيبة الإمام الحسين عليه السلام من أشدّ المصائب ، لعظم ما جرى فيها من المأساة والظلامات التي لم تجر على أحد من الأئمّة عليهم السلام ، بل لم ير مثلها في التاريخ.

ص: 185


1- نفس المصدر السابق.

ص: 186

اللعن :

اشارة

( علي - أمريكا - 27 سنة - طالب )

جواز لعن بعض الصحابة :

س : ما هو حكم سبّ الخلفاء الراشدين؟ وإذا كانت الإجابة بالنهي ، إذاً قصّة فاطمة الزهراء عليها السلام مع الخليفة الأوّل من حرق باب البيت وغيرها ، هي قصّة غير مؤكّدة.

ج : نقول في الجواب : إنّ الصحابة ينقسمون إلى قسمين :

1 - قسم منهم توفّوا في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فالشيعة وباقي المسلمين يحترمونهم.

2 - قسم منهم توفّوا بعد وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهؤلاء على قسمين :

الأوّل : منهم من عمل بوصية النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فالشيعة وباقي المسلمين يحترمونهم.

الثاني : منهم من لم يعمل بوصية النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، التي أوصى بها في عدّة مواطن ، فالشيعة وكُلّ منصف لا يحترمهم.

وأمّا بالنسبة إلى السبّ ، فالسبّ غير اللعن ، لأنّ اللّه تعالى قد لعن في القرآن الكريم في عدّة مواطن منها : قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) (1).

ص: 187


1- الأحزاب : 57.

ومع الجمع بين هذه الآية وما روي - في مصادر أهل السنّة - عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ، ويغضبني ما أغضبها » (1).

وما روي أيضاً - في صحيح البخاري وغيره - من أنّ فاطمة عليها السلام ماتت وهي واجدة - أي غاضبة - على أبي بكر (2) ، يتبيّن الجواب عن سؤالكم.

وأمّا قصّة فاطمة الزهراء عليها السلام مع الخليفة الأوّل من حرق باب بيتها ، فيمكنك مراجعة المصادر الآتية للتحقّق من صحّة هذه الواقعة : المصنّف لابن أبي شيبة ، تاريخ الطبري ، العقد الفريد ، المختصر في أخبار البشر ، وغيرها من المصادر (3).

( أبو محسن - الكويت - .... )

من لعنهم اللّه ورسوله :

س : نشكركم على جهودكم العظيمة ، ما مدى صحّة لعن الصحابة ، وهل هي جائزة؟ ولماذا؟

ج : نحن لا نعمل شيئاً ولا نفعله إلاّ على طبق ما ورد في القرآن الكريم ، أو السنّة الشريفة.

فنحن لا نلعن أحداً من الصحابة إلاّ من لعنه اللّه تعالى في كتابه العزيز ، أو لعنه الرسول العظيم صلى اللّه عليه وآله ، وأهل بيته الميامين عليهم السلام في السنّة الشريفة.

فقد لعن اللّه تعالى المنافقين والمنافقات في كتابه الكريم بقوله : ( وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللّهِ ظَنَّ السَّوْءِ

ص: 188


1- الآحاد والمثاني 5 / 362 ، المعجم الكبير 22 / 405 ، تاريخ مدينة دمشق 3 / 156.
2- صحيح البخاري 5 / 82 ، مسند أحمد 1 / 9 ، صحيح مسلم 5 / 154 ، السنن الكبرى للبيهقي 6 / 300 ، صحيح ابن حبّان 11 / 153 و 14 / 573 ، مسند الشاميين 4 / 198 ، الطبقات الكبرى 2 / 315 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 369.
3- الإمامة والسياسة 1 / 30 ، المختصر في أخبار البشر 1 / 219 ، العقد الفريد 5 / 13 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 443 ، السقيفة : 52 ، شرح نهج البلاغة 2 / 56 و 6 / 48 ، الملل والنحل 1 / 57 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 572 ، كنز العمّال 5 / 651.

عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ) (1).

وعليه ، فحقّ لنا أن نلعن كُلّ من ثبت بالأدلّة القطعية نفاقه وفسقه.

كما لعن اللّه تعالى أيضاً الذين في قلوبهم مرض بقوله : ( رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ... أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) (2).

ولعن أيضاً الظالمين بقوله : ( أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (3).

فنحن أيضاً نلعن كُلّ من ظلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأهل بيته عليهم السلام ، وبالأخص ابنته المظلومة المغصوب حقّها فاطمة الزهراء عليها السلام.

ولعن أيضاً كُلّ من آذى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بقوله : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (4).

ولاشكّ ولا ريب أنّ المتخلّف عن جيش أُسامة متخلّف عن طاعة رسول اللّه ، والتخلّف عن طاعة رسول اللّه يوجب أذى رسول اللّه ، وأذيّة رسول اللّه توجب اللعنة بصريح الآية.

ومن المجمع والمسلّم عليه بين الكُلّ : أنّ بعض الصحابة قد تخلّف عن جيش أُسامة فاستحقّ اللعنة.

كما لاشكّ ولا ريب أنّ أذيّة فاطمة الزهراء عليها السلام توجب أذيّة رسول اللّه لقوله صلى اللّه عليه وآله : « فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ، ويغضبني ما أغضبها » (5).

وقد نقل ابن أبي الحديد والجوهري : « أنّ فاطمة ماتت وهي غضبى على قوم ، فنحن غضاب لغضبها » (6).

ص: 189


1- الفتح : 6.
2- محمّد : 20 - 23.
3- هود : 18.
4- الأحزاب : 57.
5- الآحاد والمثاني 5 / 362 ، المعجم الكبير 22 / 405 ، تاريخ مدينة دمشق 3 / 156.
6- شرح نهج البلاغة 6 / 49 و 16 232 ، السقيفة : 75 و 118.

هذا كُلّه بالنسبة إلى من لعنهم المولى تعالى في كتابه الكريم ، وهناك أصناف أُخر لعنهم في كتابه فراجع.

وأمّا بالنسبة إلى من لعنهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقد لعن كُلّ من تخلّف عن جيش أُسامة (1).

ولعن أيضاً معاوية وأباه وأخاه بقوله صلى اللّه عليه وآله : « اللّهم العن القائد والسائق والراكب » ، فالراكب هو أبو سفيان ، ومعاوية وأخوه أحدهما قائد والآخر سائق (2).

ولعن صلى اللّه عليه وآله عمرو بن العاص بقوله : « اللّهم إنّ عمرو بن العاص هجاني ، وقد علم أنّي لست بشاعر ، فالعنه واهجه عدد ما هجاني » (3).

كما أنّه صلى اللّه عليه وآله لعن آخرين ، ومن هنا جاز لنا أن نلعن من لعنه النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

ثمّ على فرض عدم جواز لعن بعض الصحابة ، فلماذا بعض الصحابة والتابعين لعنوا بعض أكابر الصحابة؟ من قبيل معاوية ابن أبي سفيان ، فإنّه لعن أمير المؤمنين علي عليه السلام مدّة أربعين سنة من على المنابر ، مع أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال في علي عليه السلام : « من سبّ علياً فقد سبّني » (4).

وقال صلى اللّه عليه وآله أيضاً : « من أحبّ علياً فقد أحبّني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن آذى علياً فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى اللّه عزّ وجلّ » (5).

ص: 190


1- الملل والنحل 1 / 23 ، شرح نهج البلاغة 6 / 52 ، السقيفة : 77.
2- وقعة صفّين : 220.
3- الجامع لأحكام القرآن 2 / 188 ، كنز العمّال 13 / 548 ، تاريخ مدينة دمشق 46 / 118 ، لسان العرب 15 / 353.
4- مسند أحمد 6 / 323 ، ذخائر العقبى : 66 ، المستدرك 3 / 121 ، مجمع الزوائد 9 / 130 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 133 ، خصائص أمير المؤمنين : 99 ، نظم درر السمطين : 105 ، الجامع الصغير 2 / 608 ، كنز العمّال 11 / 573 و 602 ، فيض القدير 6 / 190 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 132 و 30 / 179 و 42 / 266 و 533 ، البداية والنهاية 7 / 391 ، المناقب : 137 و 149 ، جواهر المطالب 1 / 65 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 250.
5- ذخائر العقبى : 65 ، الجوهرة : 66.

كما بالغ مروان بن الحكم في سبّ الإمام علي عليه السلام ولعنه ، وانتقاصه حتّى امتنع الإمام الحسن عليه السلام عن الحضور في الجامع النبوي (1).

وأخيراً أنّ للشيعة على لعن بعض الصحابة أدلّة قاطعة.

( أحمد الخاجة - البحرين - 15 سنة - طالب ثانوية )

دعاء صنمي قريش :

س : ما هو دعاء صنمي قريش؟ الذي تتحدّث عنه بعض الكتب التي صدرت للتشهير بمذهب أهل البيت؟ والذي يحتوي على سبّ ولعن للشيخين وابنتيهما ، وإقرار بأنّهما حرّفا القرآن؟ هل تعتقدون بثبوته؟ وهل صحيح ما يقولونه بعض الأعلام ، فإنّه قد صدّق هذا الدعاء وأقرّه؟

ج : نودّ إعلامكم بأنّ هذا الدعاء قد ذكر في بعض المجامع الروائية ، وكتب الدعاء القديمة ، وقبوله وعدمه مبني على قواعد درائية وأُصول حديثية مختلف فيها عند العلماء سنداً ، كما ولهم في شرحه وبيان معانيه رسائل ، وتحليلات خاصّة قد ذكرت في محلّها ، وما ذكرته من تصديق الأعلام لهذا الدعاء ، لا نعرف له مستنداً ولا شاهداً ، مع بحثنا عن ذلك في مضانّه.

ولا تنسى أنّ أعداء الشيعة يترصّدون كُلّ صغيرة وكبيرة ، ويتوسّلون بكُلّ ذريعة للكيد بالمذهب والتنقيص به ، وليس هذا بجديدٍ منهم.

( إيمان - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

المقصود من لعن بني أُمية قاطبة :

س : ورد في زيارة الإمام الحسين عليه السلام لعن بني أُمية قاطبة ، فهل يعني أنّ اللعنة تشمل جيلهم إلى يومنا هذا؟ وربما أنّ فيهم من تشيّع وليس له يد فيما حصل.

ص: 191


1- تطهير الجنان واللسان : 163.

ج : ينبغي الالتفات إلى أنّ اللعن يشتمل على معنيين ، أحدهما : البراءة من ذلك الملعون ، ومن ثمّ عمله ، والثاني : الدعاء والطلب من اللّه تعالى إبعاده عن رحمته ورضاه.

ومقتضى الأوّل - وهو البراءة من الملعون ومن عمله - يقتضي تشخيص تلك الجهة ومعرفتها ، والإشارة إلى ذلك العمل المتبرأ منه ، كُلّ ذلك يعني الدافع الذي حثّ عليه أهل البيت عليهم السلام إلى التأكيد على لعن أعدائهم ، وهذه قضية جديرة بالاهتمام والتمعّن.

من هنا أمكننا تشخيص الجهة والأفراد الذين يشملهم اللعن ، ومقتضى ذلك أن يكون كُلّ فردٍ قد سلك بسلوك أعدائهم ، أو رضي بفعل أُولئك الذين قتلوا وغصبوا ، وأسّسوا أساس الظلم والجور والعدوان.

لذا فإنّنا نعني في اللعن لبني أُمية قاطبة ، أي من تسبّب في قتل أئمّة آل البيت عليهم السلام ، ومن رضي بفعلهم ، ألا تجدين اليوم من يبرّر فعل بني أُمية؟ ويلتزم فكرتهم في غصب حقوق آل البيت عليهم السلام وقتلهم؟ أي أنّه لا يزال يتربّص لأن يفعل ما فعل آباؤه من الظلم والعدوان.

نعم إنّنا لا نقصد من كان على خير وهدى منهم ، أمثال سعد بن عبد الملك الأموي ، الذي كان ملازماً للإمام الباقر عليه السلام ، فكان يسمّيه سعد الخير لجلالته وعلوّ شأنه ، مع أنّه أحد بني أُمية ، ممّا يعني أنّنا بلعننا لهؤلاء لا نقصد من كان على هدى وخير ، وهذا واضح جلي.

( محمّد - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

لا ينافي التقريب :

س : كيف نقرّب بين المذاهب الإسلامية ، وأهل المذاهب الأُخرى يبغضوننا؟ لأنّنا نسبّ ونشتم ونلعن عمر بن الخطّاب وغيره من الصحابة؟ ألا يحتاج ذلك منّا إلى وقفة لتدارس هذا الأمر والنهي عنه؟

ص: 192

ج : في الجواب نشير إلى بعض المطالب باختصار :

1 - الاختلاف بين الشيعة والسنّة حقيقة ثابتة لا يمكن أن ينكرها أحد ، وأنّ التجاهل بهذا الاختلاف ظاهراً ليس هو إلاّ تصنّع لا تحمد عواقبه.

ولكن المهمّ هو أن نعرف كيف نتعامل مع هذا الاختلاف ، والطرح الذي نؤكّد عليه باستمرار هو الحوار الهادئ الأخوي ، واستمرارية هذا الحوار ، مع التأكيد على أُسس الحوار الموضوعي ، فإن توصّل المتحاورون إلى نتيجة فهو المطلوب ، وإلاّ فلا يفسد الاختلاف للودّ قضية.

2 - اللعن غير الشتم فلا نخلط بينهما ، إذ اللعن حقيقة ثابتة في القرآن والسنّة ، لأنّ اللعن هو الدعاء على أشخاص أن يطردهم اللّه من رحمته ، بينما السبّ والشتم قد نهى عنه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والأئمّة عليهم السلام.

فإذا عرفنا هذا ، علينا أن نعرف حقيقة اللعن أوّلاً ، ثمّ نبحث عن مَن يستحق لهذا اللعن.

هذا ، ونوصيكم بالبحث أكثر والتعمّق في المسائل ، لئلاّ نقع في أخطاء لا تحمد عواقبها بسبب جهل بعض الأُمور.

( ... - ... - سنّي )

السبّ مرفوض في ديننا دون اللعن :

س : كيف تشتمون وتلعنون معاوية؟ بدلاً من أن تسبّوا شارون أو بوش تلعنون الصحابة؟ احذروا إذا كان معاوية قد أخطأ في حكمه ، أو أي شيء ، فحسابه على اللّه تعالى ، فكيف توقدون شعلة قد انتهت وانقرضت من زمان؟ وشكراً.

ج : السبّ والشتم والكلام البذيء مرفوض في ديننا دون اللعن ، فإنّه حقيقة ثابتة في القرآن الكريم والسنّة الصحيحة ، ويكفيك مراجعة المعجم المفهرس لألفاظ القرآن في مادّة « لعن » ، لتقف بنفسك على موارد اللعن في القرآن.

ص: 193

لا يقال : هذا اللعن مختصّ باللّه تعالى ، لأنّ الآية تقول : ( أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) (1).

وهنا حقيقة أُخرى علينا أن نبحثها بحثاً موضوعياً ، وهي هل جميع الصحابة عدول؟ إن قلنا : نعم ، فما هو الدليل؟ هل الدليل لأنّهم معصومون؟ كلاّ ، لم يقول أحد بعصمتهم.

وهل الدليل الآيات القرآنية الواردة في مدح الصحابة؟ أيضاً هذه الآيات لم تدلّ على أنّ جميعهم عدول ، ولا توجد ولا آية واحدة صريحة في عدالتهم جميعاً.

هل الدليل الحديث المشهور : « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم »؟ وأيضاً فهذا الحديث حكم بوضعه وضعفه وعدم قابليته للحجّية أكثر علماء الجرح والتعديل من أهل السنّة (2).

فإذاً الصحابة ليسوا جميعاً عدول ، وعليه فحالهم حال غيرهم في إجراء قواعد الجرح والتعديل عليهم.

فلا حاجة لنا بأن نخلق المبرّرات لمعاوية بأنّه أخطأ ، وما إلى ذلك من الخزعبلات ، التي ليس وراءها إلاّ إيجاد المبرّرات لأخطاء وقع فيها زعماء الأُمّة العربية ، وهذه المبرّرات هي التي ساقتنا إلى ما نحن عليه اليوم ، حيث الكثير منّا يبحث عن مبرّرات لزعمائه الخونة ، الذين هم في الحقيقة شاركوا شارون في طغيانه وعدوانه على الفلسطينيين ، فلو كنّا من اليوم الأوّل وقفنا أمام الظالمين ولعناهم ، وأعلنا براءتنا من معاوية لما قام به من الظلم والعدوان ، لما وصل بنا الحال إلى ما نحن عليه ، ولكن كُلّ ما كان منّا هو خلق المبرّرات ، وهذه تعاستنا.

ص: 194


1- البقرة : 159.
2- أُنظر : تحفة الأحوذي 10 / 155 ، لسان الميزان 2 / 137.

( باحث عن الحقيقة - .... - سنّي )

البحث فيه يستلزم التجرّد عن كُلّ موروث :

س : إنّكم تجيزون السبّ واللعن للشيخين وابنتيهما.

ج : على كُلّ باحث عن الحقيقة أن يتّبع الدليل ، ومهما كانت النتيجة فيقبلها برحابة صدر ، وإن كانت مخالفة للموروث العقائدي الذي وصل إليه.

تارة نبحث عن أصل اللعن ومشروعيته ، وتارة نبحث عن المصاديق والأفراد الذين يستحقّون اللعن ، وصفات من يستحقّ اللعن ، وفي هذه المسألة علينا أن نجرّد أنفسنا عن كُلّ موروث ونبحث بحثاً موضوعياً ، ثمّ مهما كانت النتيجة نركن إليها ، لأنّنا سمّينا أنفسنا بالباحثين عن الحقيقة ، وكما تعلم : فإنّ قبول الحقّ المخالف لما عليه الفرد صعب ومرّ.

ونوصيك بالبحث والتحقيق بحثاً موضوعياً في كُلّ مسألة تريد الاعتقاد بها.

( .... - السعودية - .... )

معناه ودليل جوازه من الكتاب والسنّة :

س : لديّ عدد من الأسئلة ، أرجو الإجابة عليها بشكل موجز :

1 - ما هو معنى اللعن؟

2 - متى يجوز اللعن؟

3 - ما هو الدليل على جوازه من القرآن الكريم؟

4 - ما هو دليل جوازه من سنّة الرسول والمعصومين عليهم السلام؟

5 - هل يوجد دليل عقلي على جوازه؟ وشكراً.

ج : إنّ معنى اللعن هو : الدعاء على شخص أو أشخاص أن يبعدهم اللّه تعالى ، ويطردهم عن رحمته ، وهو جائز وثابت في الشريعة الإسلامية ، والدليل على جوازه من القرآن الكريم آيات كثيرة ، منها :

1 - قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ) (1).

ص: 195


1- الأحزاب : 64.

2 - قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (1).

3 - قوله تعالى : ( أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (2).

4 - قوله تعالى : ( لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (3).

5 - قوله تعالى : ( أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) (4).

ومن السنّة الشريفة روايات كثيرة منها :

1 - قوله صلى اللّه عليه وآله : « لعنة اللّه على الراشي والمرتشي » (5).

2 - قوله صلى اللّه عليه وآله : « من أحدث في المدينة حدثاً ، أو آوى محدثاً فعليه لعنة اللّه » (6).

3 - قوله صلى اللّه عليه وآله : « إذا ظهرت البدع في أُمّتي ، فليظهر العالم علمه ، فمن لم يفعل فعليه لعنة اللّه » (7).

4 - قوله صلى اللّه عليه وآله : « جهّزوا جيش أُسامة ، لعن اللّه من تخلّف عنه » (8).

بالإضافة إلى هذا الدليل النقلي ، فقد قام الدليل العقلي على جواز اللعن ، فالعقل يحكم بصحّة وجواز دعاء المظلوم على الظالم - بإبعاده عن رحمة اللّه - والغاصب والخائن والقاتل والكاذب وغيرهم.

خصوصاً لمن يظلم آل البيت عليهم السلام ، ويغصب حقّهم ، ويقتل شيعتهم ، ويخون في أمانة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

ص: 196


1- الأحزاب : 57.
2- هود : 18.
3- آل عمران : 61.
4- البقرة : 159.
5- نيل الأوطار 9 / 170 ، المصنّف للصنعاني 8 / 148 ، مسند ابن الجعد : 406 ، الجامع الصغير 2 / 405.
6- الصراط المستقيم 2 / 226.
7- المحاسن 1 / 231 ، الكافي 1 / 54.
8- الملل والنحل 1 / 23.

( شري - البحرين - 20 سنة - طالبة )

حقيقته :

س : هل صحيح سبّ ولعن أبي بكر وعمر وعثمان مباح عندنا نحن الشيعة؟

ج : إذا عرفنا أنّ اللعن في اللغة هو الطرد والإبعاد ، لعنه لعناً - من باب نفع - : طرده وأبعده (1) ، فإذا قيل لأحد : لعنه اللّه ، فهو دعاء على هذا الشخص بالطرد والإبعاد من رحمة اللّه تعالى.

وإذا عرفنا أنّ اللعن حقيقة قرآنية ، وأنّ لفظ اللعن ورد في القرآن في أكثر من ثلاثين آية ، منها :

1 - ( إِنَّ اللّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ ) (2).

2 - ( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ ) (3).

3 - ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ ) (4).

4 - ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) (5).

5 - ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ) (6).

6 - ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) (7).

إذا عرفنا كُلّ هذا ، يكون تشخيص المصداق الخارجي سهل ، يمكن معرفته بأدنى تأمّل في تراجم الأشخاص ، وذلك بمعرفة من تنطبق عليه هذه

ص: 197


1- لسان الميزان 13 / 387 ، القاموس المحيط 4 / 267 ، تاج العروس 9 / 334.
2- الأحزاب : 64.
3- المائدة : 13.
4- النساء : 93.
5- الأحزاب : 57.
6- النساء : 52.
7- البقرة : 159.

الآيات : من اللذين كتموا ما أنزل من البينات والهدى ، ومن اللذين آذوا اللّه ورسوله ، ومن اللذين نقضوا ميثاقهم ؛ فهؤلاء اللذين يستحقون اللعنة : ( يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) .

( فاطمة - بريطانيا - 20 سنة - طالبة )

آيات وروايات تنهى عن السبّ :

س : ما هو حكم سبّ من ثبت نصبه لأهل البيت بمطلق السباب - باللغة العامية ، أو العربية الفصحى -؟ هل هو جائز أو غير جائز؟

ج : قد وردت عندنا روايات وآيات تنهى عن السبّ ، منها : قوله تعالى : ( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ) (1) ، وكذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام لمّا سمع قوماً من أصحابه يسبّون أهل الشام ، فقال : « إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين ، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم ، وذكرتم حالهم كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر » (2).

وكذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام لقنبر ، وقد رام أن يشتم شاتمه : « مهلاً يا قنبر ، دع شاتمك مهاناً ، ترض الرحمن وتسخط الشيطان ، وتعاقب عدّوك » (3).

وكذلك قول الرسول صلى اللّه عليه وآله : « لا تسبّوا الناس فتكتسبوا العداوة بينهم » (4).

وكذلك قول الإمام الكاظم عليه السلام لمّا رآى رجلين يتسابّان : « البادي منهما أظلم ، ووزره ووزر صاحبه عليه ، ما لم يعتذر إلى المظلوم » (5).

وكذلك قول الرسول صلى اللّه عليه وآله : « المتسابّان ما قالا ، فعلى البادي حتّى يعتدي المظلوم » (6).

ص: 198


1- الأنعام : 108.
2- شرح نهج البلاغة 11 / 21.
3- الأمالي للشيخ المفيد : 118.
4- الكافي 2 / 360.
5- نفس المصدر السابق.
6- ميزان الحكمة 2 / 1237.

وكذلك قول الإمام علي عليه السلام : « ما تسابّ اثنان إلاّ غلب الأمهما » (1).

وكذلك قول الإمام الكاظم عليه السلام : « ما تساب اثنان إلاّ انحط الأعلى إلى مرتبة الأسفل » (2).

وكذلك قول الرسول صلى اللّه عليه وآله بعد ما سأله عياض بن حماد : يا رسول اللّه ، الرجل من قومي يسبّني وهو دوني ، فهل عليّ بأس أن انتصر منه؟ فقال : « المتسابّان شيطانان يتعاويان ويتهاتران » (3).

فعلى الإنسان أن يترفّع عن السبّ ، وإن كان جائزاً ، لما عرف من الآيات والروايات الناهية عن السبّ.

ولكن هناك فرق بين السبّ واللعن ، وقد أوضحنا ذلك في موقعنا ، تحت عنوان الأسئلة العقائدية : السبّ مرفوض في ديننا دون اللعن.

ص: 199


1- شرح نهج البلاغة 19 / 204.
2- ميزان الحكمة 2 / 1237.
3- نفس المصدر السابق.

ص: 200

متعة الحجّ :

اشارة

( ... - ... - ..... )

ماهيّتها وتحريم عمر لها :

س : شكراً على المجهود الذي تبذلونه من أجل نشر مذهب أهل البيت ، ووفّقكم اللّه إلى ذلك ، وأرجو منكم وبدون مزاحمة أن توضّحوا لي : ما المقصود بمتعة الحجّ؟ ودمتم موفّقين

ج : ينقسم الحجّ إلى ثلاثة أقسام : حجّ إفراد ، وحجّ قِران ، وحجّ تمتّع ، ولكُلّ قسم أحكامه وخصائصه ، وقد كان القسمان الأوّل والثاني - أي الإفراد والقِران - معروفين حتّى حجّة الوداع ، حيث هبط جبرائيل على النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأعلمه بقسم ثالث من الحجّ ، وهو حجّ التمتّع.

وحجّ التمتّع : أن يحرم من الميقات ، ويأتي مكّة محرماً ، فيطوف حول البيت سبعة أشواط ، ثمّ يصلّي ركعتي صلاة الطواف ، ثمّ يسعى بين الصفا والمروة ، ويقصّر فيحل من إحرامه ، فإذا أحلّ من إحرامه حلّ له كُلّ شيء من النساء والطيب ، وكُلّ تروك الإحرام.

وهذه الفترة بين عمرته - هي عمرة التمتّع - حتّى الوقوف بعرفة تسمّى متعة الحجّ ، فيتمتّع الحاج خلال هذه الفترة بكُلّ ما كان محظوراً عليه من تروك الإحرام ، فهذه هي متعة الحجّ.

ص: 201

وقد عارض النبيّ صلى اللّه عليه وآله في ذلك عمر بن الخطّاب حيث قال : كيف نحلّ يا رسول اللّه ونتمتّع بالنساء والطيب وغير ذلك؟! وأصرّ عمر أن لا يفعلها!! وأعلن تحريمها عند خلافته ، كما اعترفت بذلك صحاح أهل السنّة.

روى البخاري : « عن عمران بن حصين : تمتّعنا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ونزل القرآن ، قال رجل برأيه ما شاء » (1).

وقال العسقلاني : « قال رجل برأيه ما شاء هو عمر بن الخطّاب لا عثمان بن عفّان ، لأنّ عمر أوّل من نهى عنها ، فكان مَن بعده تابعاً له في ذلك » (2).

وروى أحمد : « عن أبي موسى أنّه كان يفتي بالمتعة ، فقال له رجل : رويدك ببعض فتياك ، فإنّك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك ، حتّى لقيه فسأله ، فقال عمر : قد علمت أنّ النبيّ قد فعله وأصحابه ، ولكنّي كرهت أن يظلّوا بهنّ معرّسين في الأراك ، ثمّ يروحون في الحجّ تقطر رؤوسهم » (3).

وهذه مخالفة واضحة صريحة من عمر بن الخطّاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في أحكامه ، وهو يعلم أنّ رسول اللّه ( مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (4).

فماذا تعني هذه المخالفة وهذا الرأي قبال حكم اللّه ورسوله؟!

( إبراهيم - ... - 27 سنة )

أدلّتها ومن نهى عنها :

س : الرجاء بيان المقصود من حجّ التمتّع؟ وما الدليل عليه؟ ومن نهى عنه؟ ولكم جزيل الشكر.

ص: 202


1- صحيح البخاري 2 / 153 و 5 / 158.
2- إرشاد الساري 4 / 88.
3- مسند أحمد 1 / 50 ، السنن الكبرى للبيهقي 5 / 20 ، فتح الباري 3 / 332 ، السنن الكبرى للنسائي 2 / 349 ، صحيح مسلم 4 / 45 ، سنن ابن ماجة 2 / 992.
4- النجم : 3 - 4.

ج : المقصود من حجّ التمتّع هو : إحرام الشخص بالحجّ في أشهره المعروفة - شوّال وذي القعدة وذي الحجّة - والإتيان بأعمالها ، وهو الإحرام من الميقات بالعمرة إلى الحجّ ، ثمّ يدخل مكّة فيطوف بالبيت سبعة أشواط ، ثمّ يصلّي ركعتي الطواف في مقام إبراهيم ، ثمّ يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط ، ثمّ يقصر ، بأن يقلّم شيئاً من أظفاره ، أو يأخذ شيئاً من شعره ، فيحلّ له حينئذ جميع ما حرّم عليه بالإحرام.

ثمّ ينشئ بعد ذلك إحراماً للحجّ من مكّة يوم التروية ، والإتيان بأعماله من الوقوف بعرفات ، والإفاضة إلى المشعر الحرام ... الخ.

ويصحّ هذا النوع من الحجّ ممّن كان آفاقياً ، أي من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، بحيث يبتعد بيته عن مكّة بمقدار يجوز فيه تقصير الصلاة ، والمسافة هي عند الإمامية ( 48 ) ميلاً من كُلّ جانب ، وهي لا تتجاوز عن ( 16 ) فرسخاً.

وقد تظافرت الروايات المروية عند الفريقين أنّ متعة الحجّ ورد ذكرها وأحكامها في القرآن ، وهو قوله تعالى : ( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (1).

وتفسير الآية الشريفة : إنّ من ( تَمَتَّعَ ) بسبب الإتيان ( بِالْعُمْرَةِ ) بما يحرم على المحرم - كالطيب والمخيط والنساء - ومتوجّهاً ( إِلَى الْحَجِّ ) ، ( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) أي عليه ما استيسر من الهدي من البدنة أو البقرة أو الشاة ، ثمّ تبيّن الآية الشريفة حكم من لم يقدر على ذلك ، وهو الصيام عشرة أيّام.

وكيفية الصيام هي ( ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ) متواليات و ( وَسَبْعَةٍ إِذَا

ص: 203


1- البقرة : 196.

رَجَعْتُمْ ) إلى أوطانكم ( تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) ، ( ذَلِكَ ) التمتّع بالعمرة إلى الحجّ فرض ( لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) أي لم يكن من أهل مكّة وقُراها ( وَاتَّقُواْ اللّهَ ) فيما أُمرتم به ، ونُهيتم عنه في أمر الحجّ ( وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) .

والآية صريحة في جواز التمتّع بمحظورات الإحرام بعد الإتيان بأعمال العمرة ، وقبل الإحرام للحجّ ، ولم يدّع أحد أنّ الآية نسخت بآية أُخرى ، أو قول أو فعل من قبل النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، بل أنّه صلى اللّه عليه وآله أكّدها وأمر بها.

روى أحمد : « عن عائشة زوج النبيّ قالت : خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى الحجّ ، لخمس ليال بقين من ذي القعدة ، ولا يذكر الناس إلاّ الحجّ ، حتّى إذا كان بسرف وقد ساق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله معه الهدي ، وأشراف من أشراف الناس ، أمر الناس أن يحلّوا بعمرة إلاّ من ساق الهدي ... ودخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مكّة ، فحلّ كُلّ من كان لا هدي معه ، وحلّ نساؤه بعمرة » (1).

وروى ابن هشام : عن حفصة ابنة عمر قالت : لمّا أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نساءه أن يحللن بعمرة قلن : فما يمنعك يا رسول اللّه أن تحلّ معنا؟ فقال : « إنّي أهديت ولبدت ، فلا أحلّ حتّى أنحر هديي » (2).

وتظافرت الروايات حول هذه الواقعة وما أمر به النبيّ ، وسنذكر هنا قسماً منها.

1 - روى ابن داود : عن جابر بن عبد اللّه : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة : يطوفوا ، ثمّ يقصّروا ، ويحلّوا ، إلاّ من كان معه الهدي ، فقالوا : أفنطلق إلى منى وذكورنا تقطر؟! فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال : « لو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ، ولولا أنّ معي الهدي لأحللت » (3).

ص: 204


1- مسند أحمد 6 / 273 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 401.
2- السيرة النبوية لابن هشام 4 / 1021.
3- سنن أبي داود 1 / 402.

2 - روى مسلم : « عن أبي رجاء قال : قال عمران بن حصين : نزلت آية المتعة في كتاب اللّه - يعني متعة الحجّ - وأمرنا بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحجّ ، ولم ينه عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حتّى مات ، قال رجل برأيه بعد ما شاء » (1).

وكان عمر بن الخطّاب أوّل من نهى عنها ، وبهذا تواترت الأخبار ، منها :

1 - روى الطبراني : « عن سعيد بن المسيّب : إنّ عمر بن الخطّاب نهى عن المتعة في أشهر الحجّ وقال : فعلتها مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأنا أنهى عنها ، وذلك أنّ أحدكم يأتي من أُفق من الآفاق شعثاً نصباً معتمراً في أشهر الحجّ ، فإنّما شعثه ونصبه وتلبيته في عمرته ، ثمّ يقدم فيطوف بالبيت ويحلّ ويلبس ويتطيّب ويقع على أهله إن كانوا معه ، حتّى إذا كان يوم التروية أهل بالحجّ ، وخرج إلى منى يلبّي بحجّة لا شعث فيها ولا نصب ولا تلبية إلاّ يوماً ، والحجّ أفضل من العمرة ، لو خلينا بينهم وبين هذا لعانقوهم تحت الإزار » (2).

2 - روى ابن حزم : « ثمّ اتفق أيوب وخالد كلاهما عن أبي قلابة قال : قال عمر بن الخطّاب : مُتعتان كانتا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأنا أنهى عنهما وأضرب عليهما ، هذا لفظ أيّوب ، وفي رواية خالد : أنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحجّ » (3).

3 - روى أحمد : « عن جابر قال : مُتعتان كانتا على عهد النبيّ صلى اللّه عليه وآله فنهانا عنهما عمر فانتهينا » (4).

ولا نريد الاستطراد أكثر من هذا في ذكر الروايات التي أكّدت أنّ عمر بن الخطّاب نهى عن متعة الحجّ ، وأنّه كان يعاقب عليها ، وهي جزء من التشريع ، وسنّة الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله.

ص: 205


1- صحيح مسلم 4 / 48.
2- مسند الشاميين 3 / 320 ، كنز العمّال 5 / 164.
3- المحلّى 7 / 107.
4- مسند أحمد 3 / 325 و 356 و 363.

( .... - الكويت - 20 سنة )

موقف المسلمين من نهي عمر :

س : اخوتي الأعزّاء : ما هو موقف المسلمين من نهي عمر لمتعة الحجّ؟ ودمتم موفّقين.

ج : لقد عارض المسلمون هذا النهي الصريح من عمر ، وإليك الروايات الدالّة على ذلك مختصرة :

1 - روى مالك : « عن محمّد بن عبد اللّه ، أنّه سمع سعد بن أبي وقّاص ، والضحّاك بن قيس ، عام حجّ معاوية بن أبي سفيان ، وهما يذكران التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، فقال الضحّاك بن قيس : لا يفعل ذلك إلاّ من جهل أمر اللّه عزّ وجلّ! فقال سعد : بئس ما قلت يا ابن أخي! فقال الضحّاك : فإنّ عمر بن الخطّاب قد نهى عن ذلك ، فقال سعد : قد صنعها رسول اللّه وصنعناها معه » (1).

وللقارئ أن يمعن جيّداً في قول الضحّاك : لا يفعل ذلك إلاّ من جهل أمر اللّه عزّ وجلّ ، إذ إنّ التمتّع بالعمرة إلى الحجّ هي من أوامر اللّه الصريحة في القرآن الكريم ، لكنّها أصبحت عنده بسبب نهي عمر عنها مخالفة لأمر اللّه!!

وهذا من أسوأ آثار البدعة في الدين ، إذ تتحوّل الشريعة إلى بدعة عند الجهلة.

2 - روى الترمذي : « عن ابن شهاب : أنّ سالم بن عبد اللّه حدّثه : أنّه سمع رجلاً من أهل الشام وهو يسأل عبد اللّه بن عمر عن التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، فقال عبد اللّه بن عمر : حلال.

فقال الشامي : إنّ أباك قد نهى عنها! فقال عبد اللّه بن عمر : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، أمر أبي يتبع أم أمر رسول اللّه؟ فقال الرجل : بل أمر رسول اللّه ، فقال : لقد صنعها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله » (2).

ص: 206


1- الموطّأ 1 / 344 ، الجامع الكبير 2 / 159.
2- الجامع الكبير 2 / 159 ، مسند أبي يعلى 9 / 415.

3 - عن ابن تيمية : « وقد كان بعض الناس يناظر ابن عباس في المتعة ، فقال له : قال أبو بكر وعمر ، فقال ابن عباس : يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وتقولون : قال أبو بكر وعمر » (1).

4 - روى الهيثمي : « عن الحسن : أنّ عمر بن الخطّاب أراد أن ينهى عن متعة الحجّ ، فقال له أُبي : ليس ذلك لك ، قد تمتّعنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فأضرب عمر » (2).

لكن هذا الإضراب كان مؤقّتاً ، فقد نهى عنها فيما بعد.

ثمّ إنّ المتأخّرين قاموا بحفظ كرامة عمر ، فحرّفوا الكلم عن مواضعه ، وأوّلوا نهي عمر بوجهين :

1 - قال القرطبي : « وذلك أن يحرم الرجل بالحجّ حتّى إذا دخل مكّة ، فسخ حجّه في عمرة ، ثمّ حلّ وأقام حلالاً حتّى يهل بالحجّ يوم التروية » (3).

وهذا كما ترى ، لا يوافق ما مرّ من النصوص ، خصوصاً ما نقلناه من المناظرة بين سعد والضحّاك بن قيس ، ومن وقف على النصوص الكثيرة ، والمناظرة الدائرة بين النبيّ وأصحابه ، وبين الصحابة أنفسهم يقف على أنّه نهى عن حجّ التمتّع.

روى البخاري : عن مروان بن الحكم قال : شهدت عثمان وعلياً ، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما ، فلمّا رأى علي - أي النهي - أهل بهما : لبيك بعمرة وحجّة قال : « ما كنت لأدع سنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله لقول أحد » (4).

2 - إنّ نهي عمر عن متعة الحجّ لأجل اختصاص إباحة المتعة بالصحابة في عمرتهم مع رسول اللّه فحسب.

ص: 207


1- الفتاوى الكبرى 2 / 460.
2- مجمع الزوائد 1 / 285.
3- الجامع لأحكام القرآن 2 / 392.
4- صحيح البخاري 2 / 151.

ويكفينا في الردّ عليه ما نقله ابن القيّم : « فإنّ هذه الآثار - أي الدالّة على الاختصاص بالصحابة - بين باطل لا يصحّ ، عمّن نسب إليه البتة ، وبين صحيح عن قائل غير معصوم لا تعارض به نصوص المعصوم » (1).

ففي صحيحة الشيخين وغيرهما عن سراقة بن مالك قال : متعتنا هذه يا رسول اللّه لعامنا هذا أم للأبد؟ قال : « لا بل للأبد » (2).

قال العيني في قوله تعالى : ( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ) (3) : « وهذا عام ، وأجمع المسلمون على إباحة التمتّع في جميع الأعصار ، وإنّما اختلفوا في فضله ، وأمّا السنّة فحديث سراقة : المتعة لنا خاصّة أو هي للأبد؟ قال : « هي للأبد » ، وحديث جابر المذكور في صحيح مسلم في صفة الحجّ نحو هذا.

ومعناه : أهل الجاهلية كانوا لا يجيزون التمتّع ، ولا يرون العمرة في أشهر الحجّ ، فجوّزوا ، فبيّن النبيّ أنّ اللّه قد شرع العمرة في أشهر الحجّ ، وجوّز المتعة إلى يوم القيامة » (4).

ص: 208


1- زاد المعاد 2 / 191.
2- أُنظر : صحيح البخاري 3 / 114 ، صحيح مسلم 4 / 37.
3- البقرة : 196.
4- عمدة القاري 9 / 284.

متعة النساء :

اشارة

( ندى - ... - ..... )

في الكتاب والسنّة :

س : ما هو البرهان من القرآن والسنّة الصحيحين على جواز المتعة؟

ج : لاشكّ ولا ريب في تشريع متعة النساء - الزواج المؤقت - في الإسلام ، وهذا ما نصّ عليه القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، وإنّما الخلاف بين المسلمين في نسخها أو عدمه؟ فذهب أهل السنّة إلى أنّها منسوخة ، واستدلوا لذلك بعدّة روايات متعارضة فيما بينها ، بينما ذهبت الشيعة إلى بقاء هذا التشريع المقدّس وعدم نسخه لا من القرآن ولا السنّة.

وقبل التطرّق إلى الأدلّة نودّ القول : أنّ زواج المتعة ما هو إلاّ قضية فقهية ثابتة عند قوم ، وغير ثابتة عند آخرين - كسائر القضايا والأحكام الفقهية الأُخرى التي يمكن الاختلاف فيها - فليس من الصحيح التشنيع والتشهير بالشيعة وجعل زواج المتعة أداة لذلك ، فإنّ هذه الأساليب غير العلمية تكون سبباً للفرقة بين المسلمين ، في الوقت الذي تتركّز حاجتنا إلى لمّ الشعث ورأب الصدع.

وأمّا ما دلّ على مشروعيتها في القرآن الكريم قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً … ) (1) ، فقد روي عن جماعة - من كبار الصحابة والتابعين المرجوع إليهم في قراءة القرآن الكريم وأحكامه - التصريحُ

ص: 209


1- النساء : 24.

بنزول هذه الآية المباركة في المتعة ، منهم : عبد اللّه بن عباس ، وأُبي بن كعب ، وعبد اللّه بن مسعود ، وجابر بن عبد اللّه ، وأبو سعيد الخدري ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والسدي ، وقتادة (1).

وما دلّ على مشروعيتها من السنّة الشريفة :

أخرج البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم ، عن عبد اللّه بن مسعود قال : كنّا نغزو مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ليس لنا نساء ، فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثمّ قرأ عبد اللّه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (2).

مضافاً إلى ذلك الإجماع المنقول ، نصّ على ذلك القرطبي حيث قال : لم يختلف العلماء من السلف والخلف أنّ المتعة نكاح إلى أجل لا ميراث فيه ، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق ، ثمّ نقل عن ابن عطية كيفية هذا النكاح وأحكامه (3).

وكذا الطبري ، فقد نقل عن السدّي : هذه هي المتعة ، الرجل ينكح المرأة بشرطٍ إلى أجل مسمّى (4).

وعن ابن عبد البرّ في التمهيد : وأجمعوا أنّ المتعة نكاح لا إشهاد فيه ولا ولي ، وإنّه نكاح إلى أجلٍ ، تقع فيه الفرقة بلا طلاق ، ولا ميراث بينهما (5).

ص: 210


1- أُنظر : صحيح البخاري 6 / 129 ، جامع البيان 5 / 18 ، معاني القرآن : 61 ، أحكام القرآن للجصّاص 2 / 184 ، نواسخ القرآن : 124 ، الدرّ المنثور 2 / 140 ، فتح القدير 1 / 449 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 205 ، المغني لابن قدامة 7 / 571 ، سير أعلام النبلاء 13 / 108.
2- المائدة : 87 ، وأُنظر : مسند أحمد 1 / 432 ، صحيح البخاري 6 / 119 ، صحيح مسلم 4 / 130 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 79 و 200 ، المصنّف لابن أبي شيبة 3 / 271 و 391 ، السنن الكبرى للنسائي 6 / 337 ، مسند أبي يعلى 9 / 260 ، صحيح ابن حبّان 9 / 449.
3- الجامع لأحكام القرآن 5 / 132.
4- جامع البيان 5 / 18.
5- التمهيد 10 / 116.

وما زالت متعة النساء سارية المفعول مباحة للمسلمين زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وزمن أبي بكر ، وشطراً من خلافة عمر بن الخطّاب ، حتّى قال : مُتعتان كانتا على عهد رسول اللّه وأنا أنهى عنهما ، وأُعاقب عليهما ، وقد أورد مقالته هذه جمهرة من الكتّاب والحفّاظ في كتبهم (1).

فثبت من خلال هذا الاستعراض المختصر جواز ومشروعية زواج المتعة في الإسلام ، ومات النبيّ صلى اللّه عليه وآله وهي بعد مشرّعة غير محرّمة ، حتّى حرّمها عمر في أيّام خلافته.

( قيس - الدانمارك - .... )

أنواع الزواج وشروطه :

س : ما هي أنواع الزواج في الإسلام؟ وما هي شروطه؟

ج : في نظر الشيعة الإمامية أنّ الزواج الثابت في الإسلام هو : الزواج الدائم ، والزواج المؤقت - المتعة - ولا يوجد في زماننا اتصال واقتران بين الزوجين شرعي إلاّ من خلال هذين الزواجين.

وأمّا شروطهما فهي :

1 - يشترط في كليهما التلفّظ بصيغة عقد الزواج من الإيجاب والقبول.

ففي الدائم تقول المرأة للرجل : زوّجتكَ نفسي - أو أنكحتك نفسي - على المهر المعلوم.

فيقول الرجل لها : قبلت.

ص: 211


1- أُنظر : السنن الكبرى للبيهقي 7 / 206 ، معرفة السنن والآثار 5 / 345 ، الاستذكار 4 / 65 و 5 / 505 ، التمهيد 8 / 355 و 10 / 113 و 23 / 357 و 365 ، المحلّى 7 / 107 ، المبسوط للسرخي 4 / 27 ، المغني لابن قدامة 7 / 572 ، الشرح الكبير 7 / 537 ، شرح معاني الآثار 2 / 146 ، أحكام القرآن للجصّاص 1 / 338 و 354 و 3 / 312 ، التفسير الكبير 4 / 42 ، الجامع لأحكام القرآن 2 / 392 ، الدرّ المنثور 2 / 141.

وفي المؤقت تقول المرأة للرجل : متّعتك نفسي - أو أنكحتك نفسي - على المهر المعلوم في المدّة المعلومة.

فيقول الرجل لها : قبلت.

2 - يشترط في كليهما تعيين المهر.

ولا فرق بين أن يكون المهر مالاً - كألف دينار أو درهم - أو غير مال ، كمنفعة أو عمل أو تعليم أو غير ذلك.

3 - يشترط في كليهما إذن الولي على الأحوط عند المشهور - الأب والجد من طرف الأب - إذا كانت البنت بكراً ، ولا يشترط في كليهما إذن الولي إذا كانت المرأة ثيّباً.

4 - يشترط في كليهما العدّة بالمدخول بها ، لمن تريد أن تتزوّج ثانية.

5 - يشترط في الدائم النفقة على الزوجة ، ولا يشترط في المؤقت إلاّ مع الشرط ضمن العقد.

6 - يشترط في المؤقت ذكر مدّة التمتّع ، كسنة أو شهر أو يوم أو غير ذلك.

7 - يشترط في الدائم التوارث بين الزوجين دون المؤقت.

8 - يشترط الإشهاد في طلاق الزوجة الدائمة.

9 - لا طلاق في زواج المؤقت ، وإنّما تبين المرأة بانقضاء المدّة المقرّرة ، أو بهبة بقية المدّة لها.

10 - لا يشترط في كليهما الإشهاد حال العقد ، بل هو أمر مستحبّ.

( شاكر أحمد - السعودية - سنّي )

جوازها :

س : ما هو الدليل لجواز زواج المتعة؟ وهل ترضى أن تطبّقها على أُختك أو ابنتك؟

ص: 212

ج : الشيعة تستدلّ بالكتاب والسنّة الشريفة على إباحته ، وأنّ هذا الزواج كان مباحاً على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وعهد أبي بكر ، وشطراً من عهد عمر ، إلى أن حرّمه عمر بن الخطّاب ، وعمر هو من رواة حديث جواز المتعة ، حيث قال : « مُتعتان كانتا على عهد رسول اللّه وأنا أُحرّمهما » ، فالشيعة تأخذ بروايته وتترك درايته.

وأمّا قولك : هل ترضى أن تطبّقها ... ، فنقول : إنّ هذا الحكم مباح ، والإباحة ليست فيها إلزام بالعمل ، وكم من مباحات نتركها أو لا ترضاها عاداتنا وتقاليدنا ، وعلى سبيل المثال نقول : قال تعالى : ( فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ... ) (1) ، فهي صريحة في جواز تعدّد الزوجات ، فهل ترضى أن تزوّج أُختك إلى من له ثلاث زوجات؟ مع أنّ في جوازه نصّ قرآني صريح.

( عبد اللّه المحمّدي - السعودية - .... )

كيفية صيغتها :

س : أودّ الإفادة عن زواج المتعة بالبكر والثيّب ، وكيفية نطقه وشروط صحّتهما ، وهل يجوز التمتّع بمن لا تعتقد بزواج المتعة؟

ج : المشهور بين فقهاء الإمامية هو : عدم جواز التمتّع بالبكر غير الرشيدة ، إلاّ بإذن وليّها.

أمّا الرشيدة ، فالمسألة خلافية بين الفقهاء ، بين مجيزٍ وناهٍ ، ومعلّق ذلك على إذن الولي ، وبذلك يلزم رجوع المكلّف إلى مقلّده في هكذا أحكام شرعية ، هذا عن التزويج بالبكر.

أمّا الزواج بالثيّب ، فلا إشكال في جوازه ومشروعيته.

ص: 213


1- النساء : 3.

أمّا كيفية نطقه وشروط صحّته : فيشترط فيه تعيين المدّة والمهر ، وعدم كونها في عدّة آخر ، كأن تقول للرجل : متّعتك نفسي - أو أنكحتك نفسي - في المدّة المعلومة على المهر المعلوم ، وتلحظ حين قولها : المدّة المعلومة ، شهراً أو سنة أو يوماً ، أو غير ذلك ممّا تعاقدا عليه من الزمن في التمتّع ، وفي حين قولها : المهر المعلوم ، تلحظ ما تعاهدا عليه من مال - كألف دينار أو درهم - أو ما له المالية - كالسجّاد والتعلّم - أو غير ذلك ممّا لحظوه في العقد.

ويلزم على المرأة أن تعني بكلامها الإنشاء لا الإخبار ، ويقول الرجل - حين سماعه بكلام المرأة - : قبلتُ.

وأمّا اللاتي لا يؤمن بزواج المتعة من المسلمين فالأولى ترك التمتّع بهنّ.

أمّا الناصبة المعلنة بعداوة أهل البيت عليهم السلام ، فلا يجوز التمتّع بها ، لكونها كافرة ، بل هي شرّ من اليهود والنصارى على ما روي في أخبار أهل البيت عليهم السلام.

هذا ، وعليكم الرجوع إلى من تقلّدونه في الأحكام للأخذ بها.

( أمير العرادي - الكويت - .... )

الأدلّة على جوازها :

س : ما هو الدليل على جواز زواج المتعة؟ وما هو ردّكم على من يقول : أنّ المتعة تسبّب اختلاط الأنساب ، لأنّه قد يتزوّج الفرد امرأة تزوّجها والده ، أو أخوه دون علم ، وأنجب منها الاثنان ، وأنّ المتعة تشبه زواج المقت؟

ج : إنّ زواج المتعة - أي الزواج المنقطع - ممّا اتفقت عليه الإمامية ، واُعتبر من مختصّاتهم ، واستدلّوا له بأدلّة عديدة من القرآن الكريم ، والسنّة القطعية - كالتواتر - والإجماع.

ونذكر لك بعض الروايات في ذلك :

ص: 214

ورى الشيخ الكليني قدس سره عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن المتعة؟ فقال : نزلت في القرآن ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) (1).

وروى عن عبد اللّه بن سليمان قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « كان علي عليه السلام يقول : لولا ما سبقني به بني الخطّاب ما زنى إلاّ شقي » (2).

وقد وردت أحاديث كثيرة أيضاً في استحباب زواج المتعة ، منها : عن محمّد ابن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال لي : « تمتّعت »؟ قلت : لا ، قال : « لا تخرج من الدنيا حتّى تحيي السنّة » (3).

وهنالك روايات أُخرى تثبت عدم نسخ هذا الحكم وبقاءه إلى اليوم ، ففي الوسائل بأسانيد كثيرة إلى أبي عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : هل نسخ آية المتعة شيء؟ قال : « لا ، ولولا ما نهى عنها عمر ما زنى إلاّ شقي » (4).

فما يقال من أنّها منسوخة بروايات عن الصحابة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، مضافاً إلى ضعف سندها ، وتناقضها وتعارضها فيما بينها ، لا يقابل ولا يعارض ما ثبت بالضرورة عند الإمامية من شرعيّتها ، وعدم نسخها إلى يوم القيامة.

وبعد أن ثبت بالدليل والبرهان جوازها ، فلا مجال للاستحسان وإبداء الرأي وأشباه ذلك ، فهذه الأُمور متأخّرة عن الدليل الشرعي ، حتّى عند القائلين بحجيّتها وصحّتها.

والإشكال الذي أوردته من اختلاط الأنساب غير وارد ، وذلك لأنّ الأحكام الشرعية الثابتة لا تبطل اعتماداً على ما ربما تترتّب عليها ، وحكم ما ذكرته

ص: 215


1- النساء : 24 ، الكافي 5 / 448.
2- نفس المصدر السابق.
3- وسائل الشيعة 21 / 15.
4- المصدر السابق 21 / 11.

حكم الرضاع ، فما ربما يتسبّب من الاختلاط في الرضاع أكثر بكثير من موردنا ، فهل يصحّ لنا أن نحرّم الرضاع لأجله؟! وكذا ما ذكرته قد يقع في الزواج الدائم وإن كان نادراً.

( .... - السعودية - 22 سنة )

الفرق بينها وبين زواج المسيار :

س : ما هو الفرق بين زواج المسيار وزواج المتعة؟ هل الفارق هو الأسامي والاصطلاحات؟ أم هناك اختلافاً جوهرياً؟

ج : زواج المسيار هو أن يتّفق الزوجان فيما بينهما على إسقاط حقوق الزوجة من النفقة ، وتقسيم الليلة بين الزوجتين ، ثمّ ينتهي بالطلاق ، أو يستمرّا في حياتهما إن شاءا كذلك.

وهذا الزواج كما تعلم اتفاقٌ بين الزوجين بإسقاط الحقوق إشباعاً للحاجة الجنسية بينهما ، وهي طريقة مستجدّة ، وممّا يُؤسف عليه أنّ هؤلاء الذين لجئوا إلى هذه الطريقة من الزواج لم يريدوا - عن عمدٍ أو عن جهل - أن يذعنوا إلى حكم شرعي شرّعه اللّه تعالى في كتابه - كما شرّع الزواج الدائم - وهو نكاح المتعة ، فبما أنّ المجتمع يخشى إفلات أبنائه بسبب الدوافع الجنسية غير المهذّبة ، شرّع اللّه تعالى - وهو العالم بما يحتاجه خلقه - شرّع زواج المتعة تلافياً لأي عملٍ يوقع الإنسان في معصيته ، بعد أن يكون غرضاً للتجاذبات الجنسية المجنونة.

وزواج المتعة هو عقد بين الزوجين على مهرٍ معلوم وبأجلٍ معلوم ، فإذا انتهى الأجل انتهى الزواج دون الحاجة إلى طلاق ، وليس بين الزوجين توارث - أي لا يرث أحدهما الآخر - إن مات أحدهما في مدّة العقد ، وعلى الزوجة أن تعتد بحيضة واحدة ، أو بخمسٍ وأربعين يوماً ، إذا كانت ممّن لا تحيض.

ص: 216

وبهذا استطاع الإسلام من أوّل بزوغه أن يعالج المشكلة الجنسية بحكمةٍ بالغة ، لم ينسخ حكم زواج المتعة أبداً ، بل اجتهد رجل برأيه فحرّم ذلك ، وبقي البعض على تشريع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، واتبع الآخرون تحريم من اجتهد بالتحريم.

فزواج المتعة زواجٌ قائم بذاته له خصوصياته ، وللزوجة مهرها وعليها عدّتها ، في حين زواج المسيار هو زواج دائم بإسقاط حقوق الزوجة ، أو حقوق الزوجين كلاهما.

( كوثر - المغرب - دكتورة في الرياضيات )

فرقها مع الزنا ، ولم تحرّم يوم خيبر :

س : لدي عدّة أسئلة حول الزواج المؤقت :

1 - ما الفرق بين المتعة والزنا؟

2 - هل هذا الزواج يجوز لرجل له زوجة في البيت ، ويعيش مع أطفاله وعائلته ، بدون أن يستأذن زوجته؟

3 - هل يجوز للمتمتعة أن تفسخ عقد المتعة؟

4 - ما رأيكم حول هذا الحديث : قال علي عليه السلام : « إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر » (1)؟

ج : أوّلاً : أنّ قولك : ما الفرق بين المتعة والزنا ، هو كقولك : ما الفرق بين الزواج والزنا؟ أو ما الفرق بين البيع والربا؟ وهكذا ، فالزواج هو تشريع من اللّه تعالى بعقدٍ يقع بين الطرفين ، لتتمّ العلاقة الجنسية بين الزوجين ، والزنا هو تمرد على ذلك العقد ، فتقع العلاقة بين الرجل والمرأة دون الاستناد إلى شرعية هذا الاقتران.

وهكذا البيع فهو تبادل منفعة محلّلة ، والربا هو كسب الفائدة من الزيادة حراماً ، وهكذا يتمّ التقابل بين التشريع وبين غير التشريع ، أي بين الحلال

ص: 217


1- صحيح مسلم 4 / 134 ، البداية والنهاية 4 / 219.

وبين الحرام ، فبالكلام يقع التحليل ، وبالكلام يتمّ التحريم ، فالكلام الذي هو العقد له أثره في التشريعات ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فالمتعة عقد شرعي يقع بين الزوجين على مهرٍ معيّن ، والزنا هو اتفاق محرّم لا يستند إلى عقدٍ بين الرجل والمرأة.

ثمّ إنّ مشروعية هذا العقد تؤكّدها الآية الكريمة ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (1).

قال السيوطي في تفسير الآية : « وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان متعة النساء في أوّل الإسلام ، كان الرجل يقدم البلدة ليس معه من يصلح له ضيعته ولا يحفظ متاعه ، فيتزوّج المرأة إلى قدر ما يرى أنّه يفرغ من حاجته ، فتنظر في متاعه ، وتصلح له ضيعته ، وكان يقرأ : فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمّى ... » (2).

وأخرج ابن جرير عن مجاهد ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ ) قال : يعني نكاح المتعة (3).

وأخرج عن السدي في الآية قال : « هذه المتعة ، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجلٍ مسمّى ، ... وإذا انقضت المدّة فليس له عليها سبيل ، وهي منه بريئة ، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها ، وليس بينهما ميراث ، ليس يرث واحد منهما صاحبه » (4).

وعلى هذا ، فإنّ المتعة زواج شرعي يتمّ بعقدٍ بين الزوجين ، وعلى مهر معلوم ، وبأجلٍ معلوم ، أي أنّ الفرق بينها وبين الزواج الدائم ، أنّ في المتعة تحديداً للأجل ، وهذا كما تعلمين - أيّتها الأُخت - محاولة تشريعية راعى بها

ص: 218


1- النساء : 24.
2- الدرّ المنثور 2 / 139.
3- جامع البيان 5 / 18.
4- نفس المصدر السابق.

الإسلام تهذيب الدوافع الجنسية ، ومحاولة السيطرة عليها ، وتجنّب المزالق الأخلاقية ، التي تؤدّي بالمجتمع إلى مخاطر الانحراف والسقوط ، وعلينا أن نفرّق بين التشريع وحكمته وبين عواطفنا الفردية ومصالحنا الشخصية ، وأن لا نحمّل مسؤولية ذلك على حكمة التشريع البديعة والحكمة الإلهية الرائعة.

ثانياً : نعم ، يحقّ للزوج أن يتزوّج متعة دون أن يستأذن زوجته ، فإنّ ذلك معلّق برغبة الزوج وإرادته ، فكما يحقّ للزوج أن يتزوّج زوجة ثانية بالزواج الدائم ، يحقّ له أن يتزوّج ثانية بالزواج المنقطع.

وأعلمي أنّ هذا الزواج المنقطع سيجنّب العائلة من أزماتٍ ومشاكل خطيرة ، حيث أنّ الرجل لو رغب في امرأةٍ ما ، ولم يحقّ له الاقتران بها ، فإنّه سوف يرى كُلّ شيء حوله غير مقنعٍ ، وسيعكس هذه الحالة على زوجته ، وعلى علاقته بها وبأطفاله ، وسيجعل ذلك سبباً في عدم قناعته بحياته الزوجية ، فيلجأ إلى ارتكاب ما حرّمه اللّه وهو الزنا ، فتكون المشكلة وبالاً عليه وعلى عائلته ، وعلى المجتمع جميعاً ، في حين إذا وجد هناك مجالاً لتنفيذ رغبته بطريق حلال ، فسوف يكون ذلك حافزاً لحبّ زوجته واحترامها وحبّ أطفاله كذلك ، لإمكانية تنفيذ رغبته واستجابة عواطفه.

وسيجد أنّ الإسلام قد استجاب في تشريعاته لرغباته ، فسيكون أكثر التزاماً وأكثر تمسّكاً ، وعلى الزوج في الوقت نفسه مراعاة علاقته بزوجته وأطفاله ، وأن لا يكون اقترانه بأُخرى متعة على حساب حبّه لزوجته ولأطفاله ، كما عليه مراعاة احتياجات عائلته بكُلّ مسؤولية.

ثالثاً : لا يحقّ للمرأة فسخ عقد المتعة مادامت هي في مدّة العقد ولم ينته أجله ، نعم يحقّ للزوج أن يهبها المدّة المتبقية ، فإنّ عصمة الزوجية بيد الزوج لا بيد الزوجة ، فهو الذي يملك إنهاء المدّة وإبراءها ، كما لا يحقّ للمرأة أن تطلّق نفسها في الزواج الدائم ، لأنّ الزوجية بيد الزوج وليست بيد الزوجة ، فانتهاء المدّة في المتعة هو بمثابة الطلاق في الزواج الدائم.

ص: 219

رابعاً : أنّ روايات تحريم المتعة مضطربة اضطراباً عجيباً ، فبعضها تذكر أنّ علياً عليه السلام قال : « إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله حرّمها في خيبر » ، والأُخرى تقول : أنّه حرّمها في حجّة الوداع ، وثالثة تقول : بتحريمها في عام أوطاس ، وهكذا رابعة وخامسة ، وكُلّ رواية تحكي أنّ وقت التحريم يختلف عمّا حكته الرواية الأُخرى ، على أنّ نسخ الحكم - أي إلغائه - لا يكون إلاّ بآية بيّنة من كتاب اللّه ، أو بسنّة قطعية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

أمّا أخبار الآحاد - أي التي لم تصل إلى حدّ اليقين والعلم - لا يمكن الاعتماد عليها ، وهذه الرواية من هذا القبيل ، أي من قبيل أخبار الآحاد وهي ظنّية ، فلا يمكنها نسخ حكم قطعي يقيني كنكاح المتعة ، الذي أحلّه كتاب اللّه تعالى وقرّره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وبهذا فقد ثبت جواز نكاح المتعة ، والإبقاء على حلّيته مهما كانت الظروف ، وافترضت المقتضيات.

( عبد اللّه - الكويت - سنّي - 25 سنة - دبلوم تجارة )

جائزة مع الزانية :

س : في البداية أودّ أن أقول بأنّني لم أجد موقعاً في الإنترنت مثل موقعكم هذا ، حيث أنّني من محبّي معرفة الإسلام الحقّ ، وهذا الموقع وضّح لي الكثير من الأشياء ، التي كانت تُخفى عليّ ، المهمّ أُحبّ أن أقول بأنّني سنّي المذهب حتّى الآن ، ولكن فهمت الكثير من هذا الموقع ، وجزاكم اللّه خيراً ، حيث أنّني لم أكن أعرف معنى السجود على التربة ، وجمع الصلوات ، والخمس ، وزواج المتعة.

مع أنّي لست مع زواج المتعة كثيراً ، لأنّه بدأ الشباب بالعزوف عن الزواج العادي ، بحجّة جواز زواج المتعة لكُلّ شخص بالغ ، حيث أنّي لاحظت أنّ المراهقين عندنا في الكويت - يعني الذين عمرهم ما بين 15 إلى 18 - أكثر إقبالاً على هذا النوع من الزواج ، ممّا يجعلهم يتعوّدون على النساء ، والمشكلة

ص: 220

أنّهم يتزوّجون من مسيحيات ، ممّا يجعلهم يختلطون معهم في حفلات مختلطة ، وغناء ورقص وغير ذلك.

وأنا - كسنّي - فهمت بأنّ زواج المتعة حلال ، وله أدلّته كالزواج الدائم ، كما ذكر السيّد السيستاني وغيره من العلماء والمراجع ، يحفظهم اللّه أجمعين ، ولكن لماذا يحلّل بعض العلماء الزواج المؤقت من الزانية والمشهورة بالزنى؟ أو ليس هناك آية صريحة يقول فيها اللّه : ( وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ ) (1) ، أو ليس هذا اجتهاد صريح مقابل النصّ؟! أرجو التوضيح.

آسف على الإطالة ، ولكنّي أبحث عن الحقّ ، وقد أُعجبت بمذهب أهل البيت ، ولكن رأيت من يمثّل أهل البيت لهم فتاوى غريبة ، كالتي ذكرتها ، وأنا أُريد أن أسير في طريق أهل البيت ، ولكن يوجد فتاوى كالتي ذكرتها ، والمزيد ما لم اذكره أجد فيه غرابة ، واجتهاد مقابل النصّ القرآني.

على العموم أنا إنسان في طريق الاستبصار ، فقد فهمت كُلّ عقائد أهل البيت ، ولكنّي أعجب من فتاوى العلماء الذين سوف يكون واحد منهم مرجعي ، فأرجو منكم التوضيح التامّ للأمر الذي ذكرته ، وسوف يكون بيننا تواصل إنشاء اللّه تعالى.

ج : مسألة التمتّع بالزانية محلّ خلاف عند فقهاء الشيعة ، فمنهم من يرى الكراهة ، ومنهم من لا يجوّزها خصوصاً في المشهورة بالزنا ، ويعتمد كُلّ منهم على نصوص وأحاديث - كما هو مقرّر في محلّه - ولكن بنحو الإجمال نشير إلى أنّ الآية التي ذكرتموها ( وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ ) ، قد يحتمل فيها وجه آخر وهو : أنّ الزاني والزانية بعد توبتهما يصبحان كمن لا ذنب له ، والآية - على هذا الاحتمال - في مجال ذكر حكمهما قبل التوبة.

وعلى فرض التنزّل ، فالمسألة محلّ خلاف حتّى عند السنّة أيضاً ، وفي هذا المجال لابأس أن يراجع إلى المجموع للنووي (2) ، اعتماداً على حديث « لا يحرّم

ص: 221


1- النور : 3.
2- المجموع 16 / 219.

الحرام الحلال » (1) ؛ فالمسألة هي محلّ بحث ونقاش عند الفريقين ، وليس بالأمر المسلّم حتّى يعتمد عليه.

وأخيراً : لابأس أن نشير إلى نقطة هامّة في المقام ، وهو أنّه في طريق البحث عن العقيدة والمذهب الصحيح لا ينبغي أن نتحقّق في المواضيع الهامشية ، بل يجب علينا أن نبحث في الأُسس والأركان ، ثمّ إنّ رضينا وقنعنا بها ، نقبل بالتفاصيل بصورة عامّة.

ولا يعقل أن نتساءل في كُلّ مورد عن الأدلّة والتفاصيل ، بل نرجع فيها إلى ذوي الخبرة والاختصاص ، فالمسائل والفروع الفقهية هي محلّ بحث ونقاش حتّى الآن ، وهذا لا يخدش في أصل العقيدة والمذهب بعد ما أثبتنا صحّته بالدلائل العقلية والنقلية.

( عبد اللّه - الكويت - سنّي - 25 سنة - دبلوم تجارة )

تعليق على الجواب السابق :

س : السلام عليكم يا اتباع الحقّ.

في الحقيقة أنّني استلمت ردّكم على سؤالي ، وأنا أشكركم جدّاً على جهدكم المتواصل ، لتوصيل مذهب أهل البيت للناس ، ولكن للأسف قليل من الناس من يعرف قدر أهل بيت رسول اللّه ، المهمّ أنّني قرأت الإجابات ، وإنّني أصارحكم بأنّني لم اقتنع بشكل كامل ، ولكن أصبحت الصورة أوضح والحمد لله.

( حسام - .... - سنّي )

التطبيق العملي لها :

السؤال : الإخوة الأفاضل في مركز الأبحاث العقائدية.

ص: 222


1- السنن الكبرى للبيهقي 7 / 168 ، سنن الدارقطني 3 / 188 ، سنن ابن ماجة 1 / 649.

أُحبّ أن أشكركم على الكتب التي أرسلتموها لي في الفترة الماضية ، والحقيقة تقال : أنّ لديكم علماء ذوي أقدام راسخة في العلم ، وللأسف نحن أهل السنّة لا نعرفهم ، وهذا من باب إغلاق العقول وللأسف ، ولكنّني لست ممّن يغلق عقله ، بل على العكس أُحبّ الانفتاح على الفرق المخالفة لأهل السنّة ، بل لي كثير من الأفكار التي تخالفهم ، والحقيقة أنّني أقرأ كتبكم بحبّ وشوق ، وأنا حريص على الحقيقة.

ولكن عندي تساؤل وهو : إذا قلنا بالمتعة وجوازها بناء على الأدلّة ، كيف سيتمّ تطبيق ذلك عملياً ، ومقصدي : أنّ المرأة حينما تتزوّج بطريق المتعة عدّة مرّات ، ألا يعتبر ذلك عيباً في حقّها ، حتّى أنّ الأمر قد يصل إلى أن تفتح النساء مجالاً لأن تتزوّج بالمتعة ، فهل هذه التطبيقات العملية تكون مجدية أم لا يعتبر ذلك من العيوب؟ فيصير الأمر كأنّه شبيه ببيوت الدعارة؟ أرجو الإفادة في هذه النقطة.

ج : نسأل اللّه تعالى أن يوفّقكم لكُلّ خير ، ويبارك في جهودكم ويسدّد خطاكم ، ونلفت انتباهكم إلى عدّة أُمور :

1 - المتعة كالزواج الدائم في وجوب العدّة ، فكما يجب على المرأة المطلّقة في الزواج الدائم أن تعتدّ ، فكذا يجب على المرأة في المتعة أن تعتدّ بعد أن تنقضي المدّة المقرّرة ، وبناء على هذا الأصل لا يرد ما ذكرتموه.

ويكون حال المتمتعة كحال المرأة التي تطلّق عدّة مرّات ثمّ تتزوّج ، وما أكثر أمثال هذه الموارد في عصرنا الحاضر ، بالأخص في الخليج ، حيث أنّ الطلاق عندهم كثير جدّاً ، والمرأة تطلّق وتتزوّج عدّة مرّات.

2 - أنّ المتعة بُنيت على الكتمان ، كما ورد في الحديث.

3 - أنّ المتعة من المسائل التي جعلها الإسلام لحلّ المسألة الجنسية والاحتياج الجنسي في المجتمع ، وذلك بصورة منتظمة ، وذلك لئلاّ يقع الناس في حرج

ص: 223

ويرتكبوا المحرّم ، حتّى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام صرّح : « لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي » (1).

وعن ابن عباس : « ما كانت المتعة إلاّ رحمة رحم اللّه بها هذه الأُمّة ، ولولا نهي عمر بن الخطّاب عنها ما زنى إلاّ شقي » (2).

وكُلّ ما ذكرتموه من اشكالات وتصوّرات ترتابها الشكوك عن الواقع العملي للمتعة ، إنّما ينشأ لعدم أُلفة مجتمعاتنا لهذه المسألة ، ولم يكن تحريماً بسيطاً كسائر التحريمات ، وإنّما تحريم وعقاب ، تحريم مع تهديد بالرجم ، مع التشديد في العقوبة.

ففي المبسوط للسرخسي قال عمر : « لا أُوتي برجل تزوّج امرأة إلى أجل إلاّ رجمته ، ولو أدركته ميّتاً لرجمتُ قبره » (3).

وإنّ تحريم عمر للمتعة وتغليظه في التحريم ، ممّا جعل هذه المسألة تكون غير مألوفة في المجتمعات الإسلامية ، وإلاّ فإنّها كانت في غاية البساطة ، حتّى أنّ عبد اللّه بن مسعود قال : كنّا نغزو مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ليس لنا نساء ، فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثمّ قرأ عبد اللّه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (4).

وروي عن ابنة أبي خثيمة : « أنّ رجلاً قدم من الشام فنزل عليها ... ، فمكث معها ما شاء اللّه أن يمكث ، ثمّ إنّه خرج ، فأخبر عن ذلك عمر بن الخطّاب ،

ص: 224


1- المصنّف للصنعاني 7 / 500 ، جامع البيان 5 / 19 ، الدرّ المنثور 2 / 140 ، التفسير الكبير 4 / 41 ، تفسير البحر المحيط 3 / 225.
2- شرح معاني الآثار 3 / 26 ، الاستذكار 5 / 506 ، التمهيد 10 / 114 ، أحكام القرآن للجصّاص 2 / 186 ، الجامع لأحكام القرآن 5 / 130 ، الدرّ المنثور 2 / 141.
3- المبسوط للسرخي 5 / 153.
4- المائدة : 87 ، وأُنظر : مسند أحمد 1 / 432 ، صحيح البخاري 6 / 119 ، صحيح مسلم 4 / 130 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 79 و 200 ، المصنّف لابن أبي شيبة 3 / 271 و 391 ، السنن الكبرى للنسائي 6 / 337 ، مسند أبي يعلى 9 / 260 ، صحيح ابن حبّان 9 / 449.

فأرسل إليّ فسألني : أحقّ ما حدّثت؟ قلت : نعم ... ، قال : ما حملك على الذي فعلته؟

قال : فعلته مع رسول اللّه ثمّ لم ينهاها عنه حتّى قبضه اللّه ، ثمّ مع أبي بكر فلم ينهاها عنه حتّى قبضه اللّه ، ثمّ معك فلم تحدث لنا فيه نهياً ، فقال عمر : أما والذي نفسي بيده ، لو كنت تقدّمت في نهي لرجمتك » (1).

فمن هذا يتبيّن : أنّ المسألة كانت في غاية السهولة من ناحية الدافع العملي ، ولو كانت مجتمعاتنا قد رضيت بهذه المسألة وطبّقتها عملياً ، لكانت مجتمعاتنا مجتمعات صالحة يسودها كُلّ خير ، ولما اضطرّت إلى اختراع زواج المسيار!!

هذا ، وإنّ الأحكام الشرعية تعبّدية ، ليس لنا أن نرفضها لمجرّد بعض الفرضيات ، ولو فتحنا هكذا باب لرفضنا الكثير من الأحكام الشرعية ، أمثال مسألة الرضاع التي ربما سبّبت بعض المشاكل.

( إبراهيم عبد الكريم - النيجر - سنّي )

الشيعة تحلّلها :

س : بعد التحية الطيّبة ، أسأل اللّه أن يهدينا إلى الحقّ ، ويثبّتنا عليه بفضله وكرمه ، سؤالي هو : إنّ الشيعة يحلّلون زواج أكثر من أربع نساء.

ج : إنّ طلب الحقّ أمر ممدوح ، وعدم الاعتماد على الخصم في فهم التشيّع ، والاعتماد على كتب علماء الشيعة ، هو الطريق الوحيد لفهم مذهب أهل البيت عليهم السلام.

الشيعة لا تحلّل الزواج أكثر من أربع نساء ، نعم تحلّل الزواج المؤقت ، وله شروط منها : أن لا تكون البنت بكراً ، فلو كانت بكراً توقّف الجواز على إذن أبيها ، وتعيين الوقت والمهر ، والعدّة بعد انقضاء المدّة.

ص: 225


1- كنز العمّال 16 / 522.

وزواج المتعة اتفق المسلمون على أنّه كان حلالاً زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأبي بكر ، وبعض خلافة عمر ، حتّى حرّمه عمر بقوله : « مُتعتان كانتا على عهد رسول اللّه وأنا أنهى عنهما ، وأُعاقب عليهما » (1).

( أحمد منصور - البحرين )

التمتّع بالصغيرة ليست من مختصّات الشيعة :

س : أودّ في بداية هذه الرسالة أن أشكركم على جهودكم لتبيين كلمة الحقّ ، ودحض الحجج الواهية لأعداء مذهب الحقّ ، ممّا يأخذه بعضهم علينا مسألة التمتّع بالصغيرة أو الرضيعة ، وضّحوا لنا هذه المسألة ، جزاكم اللّه خيراً ، وكتبه في ميزان أعمالكم.

ج : أكثر علمائنا يشترط في التمتّع بالبنت بلوغها سنّاً يصدق عليه عرفاً إمكان التمتّع بها ، وهذا غير العقد على الصغيرة ، فالعقد شيء والتمتّع شيء آخر.

وهذه الشبهة ممّا أُثيرت مؤخّراً ضدّ الشيعة ، مع أنّها ليست من مختصّات فقه الشيعة ، بل يشترك فيها الكثير من علماء مذاهب أهل السنّة ، فهذا النووي يذكر في كتابه المجموع الكثير من الآراء لفقهاء المذاهب الإسلامية ، وفي أبواب مختلفة من كتابه تصبّ مصبّ التمتّع بالصغيرة (2).

ص: 226


1- أُنظر : السنن الكبرى للبيهقي 7 / 206 ، معرفة السنن والآثار 5 / 345 ، الاستذكار 4 / 65 و 5 / 505 ، التمهيد 8 / 355 و 10 / 113 و 23 / 357 و 365 ، المحلّى 7 / 107 ، المبسوط للسرخي 4 / 27 ، المغني لابن قدامة 7 / 572 ، الشرح الكبير 7 / 537 ، شرح معاني الآثار 2 / 146 ، أحكام القرآن للجصّاص 1 / 338 و 354 و 3 / 312 ، التفسير الكبير 4 / 42 ، الجامع لأحكام القرآن 2 / 392 ، الدرّ المنثور 2 / 141.
2- المجموع 16 / 27 و 40 و 168 و 172 و 196 و 330 و 340 و 374 و 408 و 17 / 9 و 51 و 74 و 154 و 169 و 308 و 395.

( .... - الجزائر - .... )

حلّ من الحلول للزانية :

س : في اعتقادنا أنّ الزانية أصلح ما يكون لها هو زواج المتعة بعد استتابتها ، لأنّه أحفظ لها من الضياع المطلق ، والفساد الأكيد الذي يحرق الأخضر واليابس ، فالزانية أخطر على الأُمّة من الأسلحة الفتّاكة ، لأنّ الزنا يفسد الحرث والنسل ، ولو دقّقتم في الأمر ، وتتبّعتم التسلسل القرآني لوجدتم ما أشرنا له.

ج : نعم ، الزانية يمكن أن يكون زواج المتعة حلّ من الحلول لها بعد استتابتها ، ولكن لا يمكن لنا أن نحصر فلسفة زواج المتعة بهذا المنظار الضيّق ، ولا أنّ الحلّ للزانية التائبة بزواج المتعة.

وعلى كُلّ حال ، فما ذكرتموه بعمومه جيّد.

( .... - السعودية - سنّي )

تعتبر من الحلول الأساسية للمجتمع :

س : بالنسبة لزواج المتعة لدي سؤال واحد فقط : هل ترضى أن تزوّج أُختك أو ابنتك زواج متعة؟ يتمتّع بها الرجال بين الحين والآخر ، هذا هو البلاء وعدم الاستقرار ، وهضم كامل لحقوق المرأة ، وبه أصبحت المرأة مجرّد سلعة رخيصة يلهو بها الرجال بين الحين والآخر ، يأكلون منها يوماً ويتركونها يوماً ، وبزواج المتعة ليس هناك حفظ للنسل ، ولا لحقوق المرأة ، فأيّ زواج هذا الذي تصبح به المرأة مجرّد شهوة وقتية يقضي به الرجل شهوته ثمّ يتركها؟ وألا تعتقد أنّ هذا الزواج قريب جدّاً من الزنا؟

ج : تارة نبحث عن أصل المشروعية له ، وما ذكر حوله في القرآن والسنّة ، وأنّه كان ثابتاً قطعاً ، فهل نسخ؟! وكما هو المعلوم النسخ لابدّ أن يأتي متواتراً ، وإذا كان قد نسخ ، لماذا قال عمر بن الخطّاب : « مُتعتان كانتا على عهد رسول اللّه وأنا أنهى عنهما ، وأُعاقب عليهما »؟! ولماذا كان ابن عباس

ص: 227

يفتي بالمتعة إلى آخر حياته؟! وهل يصدّق بأنّ ابن عباس لم يصل إليه النسخ؟! تساؤلات علينا أن نبحث فيها.

وتارة نبحث أترضى كذا وكذا ، فهل هذا بحث علمي ، أم هو من كلام العاجزين عن الدليل الذين يهذون بهذه الترهات.

فإذا استطعنا أن نثبت أصل الحكم الشرعي ، لا يمكن أن نورد هكذا خزعبلات ، وإذا فتحنا الباب أمام هذه المغالطات ، فإنّها ستجري على جميع الأحكام الشرعية.

فلو كانت أُختك أو ابنتك قد طلّقت ، وتزوّجت ثانية ، وطلّقت ، وأرادت الزواج مرّة أُخرى ، فكيف ترضى أن يتمتّع بها الرجال بين الحين والآخر؟!

وكما هو معلوم لدى أهل التحقيق : أنّ المتعة لها شروط منها : أن لا تكون بكراً ، فإذا كانت بكراً يشترط في زواجها متعة إذن الولي ، ومنها : العدّة ، فإذا انقضت المدّة وأرادت أن تتمتّع بآخر لا يمكن لها إلاّ بعد العدّة.

فالمتعة حقيقة ثابتة ، تعتبر من الحلول الأساسية للمجتمع ، وذلك إذا طبّقت بشرطها وشروطها.

( كنان حداد - ... - ..... )

تساؤلات حول المتعة :

س : وجزاكم اللّه كُلّ خير ، أرجو إجابتكم المفصّلة عن هذه الأسئلة التي طالما أرقتني وأضاقت صدري ، وأشعلت الشكوك في نفسي :

1 - هل تمتّع الأئمّة عليهم السلام أو نساء أهل البيت؟ - مع الدليل - وإذا لم يفعلوها ، فلماذا نفعل ما لم يفعلوه؟

2 - لماذا لم يعد الإمام علي عليه السلام العمل بالمتعة عند خلافته ، وإذا أعادها فما الدليل؟

3 - كيف يمكن التوفيق بين شرط العدل بين الزوجات وبين زواج المتعة؟

4 - كيف يمكن التوفيق بين أبغض الحلال عند اللّه الطلاق ، وبين استحباب التمتّع ، بل وأكثر من مرّة؟

ص: 228

5 - كيف تكون المستمتع بها مستأجرة وهو عقد بين طرفين؟

ج : نجيب على أسئلتكم بالترتيب كما يلي :

1 - إنّ الكلام في موضوع المتعة هو الكلام في جوازه لا في وجوبه حتّى يلتزم كُلّ مسلم بإتيانه ، فنحن نثبت جواز هذا العمل في السنّة النبوية ، ومن ثمّ تفسيق من حرّمه.

هذا ، وقد يستفاد من بعض النصوص أنّ المعصومين عليهم السلام قد أتوا بهذه السنّة في بعض الأحيان (1).

ثمّ إنّ هذا العمل أساسه على الكتمان والتستّر ، خصوصاً بعد أن عرفنا أنّ السلطات آنذاك كانت تطارد المجوّزين ، وتصرّ على الحرمة.

2 - من الطبيعي أن لا تكون الإعادة بالإشهار ، فهل يعقل أنّ الإمام عليه السلام يعلن الجواز على رؤوس الإشهاد؟ وما هي المصلحة من وراء ذلك؟ بل الطريق المتعارف هو عدم الردع عن العمل من جهة ، والإشارة إلى شناعة اجتهاد عمر في المسألة من جهة أُخرى ، وهذا ما صدر عنه عليه السلام إذ قال : « لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي » (2).

3 - لا علاقة بين المسألتين ، فإنّ المتعة لا تعارض حقوق الزوجات ، فللرجل أن يجمع بين الجهات المذكورة ، وأمّا إن فرضنا أنّ رجلاً لا يتمكّن من الجمع المذكور ، فهذا أمر يخصّه ، ولا يرتبط بمبدأ تشريع الحكم.

4 - الفرق واضح بين المقامين : فإنّ حكمة الزواج الدائم تأسيس كيان في المجتمع - العائلة - بناؤه على الدوام والاستمرار ، وحينئذٍ فانقطاعه في الحقيقة يحدث تضعضعاً في نظام المجتمع والأُسرة ، فهو حدث غير مرغوب فيه على شذوذه وندرته بخلاف زواج المتعة ، إذ هو عقد منقطع ومؤقت إلى أجل معلوم ، فلم يؤخذ فيه الاستمرارية حتّى نصطدم بانقضاء المدّة ، أي أن انتهاء الأجل في

ص: 229


1- وسائل الشيعة 21 / 10 و 13.
2- المصنّف للصنعاني 7 / 500 ، جامع البيان 5 / 19 ، الدرّ المنثور 2 / 140 ، التفسير الكبير 4 / 41 ، تفسير البحر المحيط 3 / 225.

الزواج المنقطع هو فرض قد أُخذ في العقد ، والطرفان على علم مسبق به ، ولكنّ الطلاق في الزواج الدائم هو أمر غير متوقّع في الأصل ، بل هو حلّ لحالات استثنائية وطارئة.

5 - نعم ، زواج المتعة عقد بين الطرفين ، ولا ينافي ذلك أن يكون عقد إجارة ، والمقصود من عقد الإجارة في المقام هو التنظير بين المسألتين في الحكم من حيث اعتبار المدّة والأجل والأجرة في مشروعية العمل في كلا الموردين.

( أبو هادي - فلسطين - سنّي - بكالوريوس تجارة )

صحيحة عقلاً وشرعاً :

س : أودّ أن أسأل عن زواج المتعة وحكمه؟ مع الاسترشاد بالأحاديث أو الآيات القرآنية الكريمة.

ج : هو حلّ معقول وجذري للمشكلة الجنسية في ظروف عدم التمكّن من الزواج الدائم ، أو موارد حرجة أُخرى ، هذا بحسب العقل.

وأمّا من جهة النصوص ، فلا خلاف في ثبوت تشريع المتعة عند علماء المذاهب الإسلامية بأجمعهم ، معتمدين في ذلك على آية ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (1) ، حتّى أن بعضهم قد قرأها بالشكل التالي : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمّى ) (2) ، وهذا صريح في إرادة الزواج المؤقت.

وعلى أيّ حال ، فالكُلّ متّفقون على إباحة المتعة بالكتاب والسنّة (3).

ص: 230


1- النساء : 24.
2- المستدرك 2 / 305 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 206 ، المعجم الكبير 10 / 320 ، الاستذكار 5 / 505 ، التمهيد 10 / 113 ، جامع البيان 5 / 18 ، معاني القرآن 2 / 61 ، أحكام القرآن للجصّاص ، الكشف والبيان 3 / 286 ، معالم التنزيل 1 / 414 ، الجامع لأحكام القرآن 5 / 130 ، تفسير البحر المحيط 3 / 225 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 486 ، الدرّ المنثور 2 / 140.
3- أُنظر : جامع البيان 5 / 18 ، الجامع لأحكام القرآن 5 / 130 ، الدرّ المنثور 2 / 140 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 486.

ثمّ إنّ المخالفين للجواز يدّعون ورود النسخ لهذه الآية بآيات أظهرها من حيث الدلالة هي : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) (1) بتوهّم حصر الزواج الشرعي في الدائم ، وملك اليمين ، ولكن من الواضح أنّ هذه الآية مكّية ، وآية المتعة مدنية ، ولا يعقل تقدّم الناسخ على المنسوخ ، على أنّ الآية المذكورة لا تنفي مشروعية المتعة ، إذ أنّها زواج شرعي - استناداً إلى الأدلّة التي ذكرناها - فتدخل ضمن ( أَزْوَاجِهِمْ ) في الآية.

وأيضاً قد اعتمدوا في إثبات الناسخ بروايات وأحاديث قد يوهم بعضها النسخ ، ولكن يردّه - مع غضّ النظر عن أسانيدها - بأنّها مختلفة فيما بينها في محلّ ورود النسخ ، حتّى أُشير إلى ستّة مواطن : خيبر ، عمرة القضاء ، عام الفتح ، أوطاس ، تبوك ، حجّة الوداع ، حنين (2) ، ممّا يوجب الاضطراب في مفادها ومضامينها ، ومن ثمّ عدم الركون إليها ، خصوصاً أنّها أخبار آحاد ، لا تصلح لنسخ الكتاب - على مبناهم -.

ومع التنزّل فإنّ هذه الأخبار متعارضة مع الأحاديث الدالّة على الجواز ، والتي هي صحاح تصل إلى حدّ الاستفاضة ، فإن قلنا بتساقط الطرفين في المعارضة ، أو ترجيح طرف الجواز لموافقتها لآية المتعة - كما هو المقرّر في علم الأُصول في حلّ التعارض بين الأخبار - تثبت نظرية الشيعة في التمسّك بالجواز في المقام.

وهنا لابأس أن نشير بورود بعض الروايات التي تدلّ بصراحة على أنّ المنع لم يشرّع في عهد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، بل أنّه كان باجتهاد خاصّ من قبل عمر! (3) حتّى أنّ بعضهم صرّح بأنّ عمر أسند النهي والمنع عن المتعة إلى نفسه ، لا إلى تشريع الرسول صلى اللّه عليه وآله (4).

ص: 231


1- المؤمنون : 5 - 6 ، المعارج : 29 - 30.
2- فتح الباري 9 / 138.
3- فتح الباري 3 / 339 و 9 / 141 ، كنز العمّال 16 / 523 ، جامع البيان 5 / 19 ، الدرّ المنثور 2 / 140 ، مسند أحمد 3 / 380.
4- شرح تجريد العقائد : 374.

( محمود أحمد عباس - العراق .... )

النهي عنها محمول على التقية :

س : وجدت حديثاً في كتاب وسائل الشيعة عن المتعة ، والحديث يقول : عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه عن علي عليه السلام قال : « حرّم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة » (1) ، فهذا الحديث يدلّ على أنّ النبيّ قد حرّم المتعة؟

ج : عند مراجعة سند الحديث نجد فيه : الحسين بن علوان : لم ينصّ على توثيقه ، بعكس أخيه ، ونسبه البعض إلى العامّة أو الزيدية ، وهو إلى الزيدية أقرب ، بدلالة من يروي عنهم.

وعمرو بن خالد : نُسب إلى العامّية ، وذكروا أنّه بتري زيدي ، بل من رؤسائهم ، وهو الأقرب (2).

وعلّق على الحديث الحرّ العاملي في الوسائل : حمله الشيخ وغيره على التقية - يعني في الرواية - لأنّ إباحة المتعة من ضروريات مذهب الإمامية.

فهذه الرواية لا تنهض حجّة على تحريم المتعة ، وذلك : لما مرّ آنفاً ما في سندها من وهن ، مع معارضتها لظاهر القرآن ، والروايات الصحيحة الكثيرة في حلّية المتعة ، وبعدها فهي محمولة على التقية.

( عبد السلام - المغرب - .... )

التمتّع بملك اليمين :

س : الإخوة الأفاضل القائمين على هذا الموقع : حكم التمتّع بالأمة ملك اليمين؟ هل لازال هذا الحكم قائماً؟ وجزاكم اللّه خيراً.

ص: 232


1- وسائل الشيعة 21 / 12.
2- أُنظر : منتهى المطلب 4 / 255 ، رجال الطوسي : 142 ، رجال ابن داود : 264 ، نقد الرجال 3 / 331 ، طرائف المقال 2 / 33 ، معجم رجال الحديث 14 / 102 ، وغيرها.

ج : ملك اليمين والعبيد والإماء في عصرنا الحاضر ليس لهم وجود ، وفي زمان وجودهم كُلّ من كان يملك أمة فيحقّ له أن يتمتّع بها بملكها ، وهذا ممّا لا خلاف فيه بين جميع المسلمين.

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

تكره مع المشهورة بالزنا :

س : لا أعرف ردّ هذه الشبهة ، فالرجاء المساعدة - وجدتها في بعض المنتديات - الخميني يجيز التمتّع بالزانية ، يقول في كتابه « تحرير الوسيلة » : مسألة 18 : يجوز التمتّع بالزانية على كراهية ، خصوصاً لو كانت من العواهر والمشهورات بالزنا ، وإن فعل فليمنعها من الفجور. تحرير الوسيلة 2 / 292.

ج : هذه الفتوى لم ينفرد بها السيّد الخميني ، بل هي قول الكثير من علمائنا ، بل المشهور جوازه بلا كراهة ما لم تكن مشهورة بالزنا ، فيكون السيّد أشدّ من غيره ، وأكثر احتياطاً بقوله بالكراهة مع وجوب منعها حينئذ من الزنا فلا مؤاخذة عليه.

وأمّا الآية الكريمة : ( الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (1).

فسوف لن أقول لك راجع التفاسير وكتب الفقه لمذهبك ، وأُنظر الاختلاف في فهمها منذ الرعيل الأوّل من الصحابة ، وثمّ التابعين ، ثمّ المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها ، ولكنّني سوف أردّ ردّاً واحداً وبسيطاً وهو : لو كانت الآية على ظاهرها للزم جواز زواج الزاني المسلم من المشركة ، والزانية المسلمة من المشرك ، وهذا لا يقول به مسلم ، وانعقد الإجماع على خلاف ذلك وعدم جوازه ، وبالتالي نقول : أنّ الآية صحيح أنّ ظاهرها يقتضي تحريم الزواج من الزانية ، ولكنّ الظاهر إذا اصطدم بإجماع أو نصّ - كما قدّمنا آنفاً - فحينئذ لا يكون الظاهر حجّة.

ص: 233


1- النور : 3.

( أحمد - الإمارات - 19 سنة - طالب حوزة )

ليست مسألة سائبة لا ضوابط فيها :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع : لو سألت هذا السؤال : هل يجوز لأيّ رجل أن يدخل أيّة أُنثى أيّ مكان ليفعل بها ما يشاء متى شاء ، ثمّ يدعها لينصرف إلى غيرها بمجرّد أن يتبادلا التلفّظ ببضع كلمات عن الثمن والمدّة أو عدد المرّات ، ومتّعتك نفسي وبلا حاجة إلى ولي أو شهود؟ ولا داعي للسؤال عمّا إذا كانت المرأة ذات زوج أو أنّها من الزانيات؟

لجاء الجواب ومن أوثق المصادر : بسمه تعالى يجوز ذلك!! أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : إنّ النكاح المنقطع - أو زواج المتعة كما يسمّى - هو زواج شرعي دلّت عليه النصوص القرآنية والنبوية الشريفة بما لا غبار عليه ، ودعوى نسخه دعوى باطلة لم يرد بها كتاب أو سنّة ، ومن أجل الوقوف التفصيلي على أدلّة هذا الزواج ومشروعيته وضوابطه انصح السائل أو المستشكل بالعودة إلى بعض البحوث المهمّة التي تناولت هذا الزواج بالشرح والتحقيق ككتاب « مسائل فقهية » للسيّد عبد الحسين شرف الدين قدس سره.

وكذلك كتاب « المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي » للأستاذ توفيق الفكيكي ، ليقف المرء على شروط وضوابط هذا الزواج الشرعي الصحيح ، وأنّه متى تحتاج المرأة إلى إذن وليّها في هذا الزواج ومتى لا تحتاجه ، وأيضاً ليتعرّف على الصفات التي يحثّ الشرع على توفّرها في المرأة المتمتّع بها.

فالمسألة ليست كما يتوهّم البعض أنّها مسألة سائبة لا ضوابط فيها ، كي تكون محلاً للترهات والأقوال الجاهلة ، وبالعودة إلى تلك المصادر وقراءتها بتمعّن وتدبّر يزداد المرء فهماً وعلماً بدينه وأحكام شريعته.

ص: 234

المسح على الرجلين :

اشارة

( سارة حسين - الكويت - .... )

في قوله ( وَأَرْجُلَكُمْ ) ثلاث قراءات :

س : بالنسبة لآية الوضوء الواردة في سورة المائدة ، هل صحيح أنّ ( وَأَرْجُلَكُمْ ) معطوفة على اغسلوا ، حيث أنّ الآية تقول : ( وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) (1) ، ولستُ ضالعة بقواعد اللغة العربية ، فهي معطوفة على من؟ أرجو إفادتي بأقرب وقت ممكن ، وجزاكم اللّه خيراً.

ج : في قوله تعالى : ( وَأَرْجُلَكُمْ ) ثلاث قراءات :

القراءة بالرفع ، ووصفت هذه القراءة بالشذوذ ، والوجه بالرفع قالوا : بأنّ الرفع هذا على الابتداء ، وكُلّ مبتدأ يحتاج إلى خبر ، فقال بعضهم : الخبر مغسولة ، يعني : وأرجلكم مغسولة.

قال الآلوسي : « وأمّا قراءة الرفع فلا تصلح للاستدلال للفريقين ، إذ لكُلّ أن يقدّر ما شاء ، ومن هنا قال الزمخشري فيها : إنّها على معنى وأرجلكم مغسولة أو ممسوحة » (2).

وأمّا القراءة بالجر ، ووجه هذه القراءة واضح ، لأنّ الواو عاطفة : تعطف الأرجل على الرؤوس ، والرؤوس ممسوحة فتكون الأرجل أيضاً ممسوحة.

ص: 235


1- المائدة : 6.
2- روح المعاني 3 / 251.

وأمّا القراءة بالنصب ، ووجه هذه القراءة واضح ، لأنّ الواو عاطفة على محلّ الجار والمجرور ، يعني : على محلّ كلمة : ( بِرُؤُوسِكُمْ ) ، ومحلّ ( بِرُؤُوسِكُمْ ) منصوب ، والعطف على المحلّ مذهب مشهور في النحو ، ولا خلاف في هذا على المشهور بين علماء النحو ، فيكون حكم الأرجل المسح كما هو في الرأس ، بناءً على العطف على محلّ ( بِرُؤُوسِكُمْ ) .

وتجدون الاعتراف من كبار علماء أهل السنّة على أنّ قراءة الجر والنصب على وجوب المسح دون الغسل (1).

( محمّد السعيد - البحرين - .... )

القرآن صريح في وجوبه :

س : دخلت بعض المنتديات ووجدت بعض هذه الشبهات ، فهل من إجابة وبالدليل؟ الشيعة يمسحون على أرجلهم ولا يغسلونها ، مع أنّه هناك من هو كثير العرق ، والذي رائحة رجله مؤذية ....

ج : إنّ الأحكام الشرعية توقيفية ، بمعنى أنّ الشارع يحدّدها ، فإذا ثبت حكم ما أنّ الشارع أثبته ، فلا يحقّ لنا إعمال ما تشتهيه أنفسنا ، ولماذا كذا؟ أو هل إذا كان كذا كان كذا.

فالقرآن صريح في وجوب المسح على الرجلين ، لأنّ قوله تعالى : ( وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) (2) إذا قرأت بالنصب أو الجرّ فإنّها معطوفة على برؤوسكم ، أو على محلّ برؤوسكم ، فيكون حكم الأرجل المسح ، فالشارع يوجب المسح ، ومن شاء بعد المسح أن يغسل فإنّه ليس من الوضوء ، بل أمر آخر خارج عن الوضوء.

ص: 236


1- أُنظر : المبسوط للسرخي 1 / 8 ، المغني لابن قدامة 1 / 120 ، التفسير الكبير 4 / 305.
2- المائدة : 6.

( عبد اللّه - الكويت - 28 سنة - خرّيج ثانوية )

معنى الكعب في قوله ( إِلَى الْكَعْبَينِ ) :

س : إنّ سؤالي بسيط جدّاً ، وهو عن موضوع مسح الرجلين في الوضوء : إنّي قرأت الكثير من الكتب في هذا المجال من السنّة والشيعة ، وكُلّ له دلائله ، ولكن سؤالي هو : لماذا ذكرت الآية القرآنية ( إِلَى الْكَعْبَينِ ) ، ونحن كشيعة لا نصل إلى الكعبين مطلقاً؟

نعم ، نحن نمسح كما في الآية المباركة ، ولكنّنا كما قلت أنّنا لا نصل إلى الكعبين ، وهم - أي أهل السنّة - يصلون إلى الكعبين ولكنّهم يغسلون ، لماذا توجد كلمة في القرآن ونحن لا نطبّقها ، أعني بذلك كلمة الكعبين؟

أرجو المعذرة ، ولكنّي فعلاً لا أستطيع أن أُجيب أيّ أحد ، وهل هي مجرّد زيادة في القرآن والعياذ باللّه؟ عندما يقول لي : إنّ الآية قالت : إلى الكعبين ، فلماذا لا نصل للكعبين؟

ج : إنّ الكعبين لا تعنيان أسفل القدم كما ربما يتوهّمه البعض ، بل المقصود من الكعبين هو قبّة القدم ، أي : أعلاه ، بمعنى : الارتفاع الظاهر فوق القدم ، هذا هو تعريف الكعبين.

ولا يمكن الاعتماد على قول أهل اللغة هنا لتحديد مفهوم الكعبين ، لاختلافهم في تعريفهما ، والرجوع إلى روايات أهل البيت عليهم السلام في تحديد مفهوم الكعبين هو الأهم في هذا المقام.

ففي صحيحة أحمد بن محمّد البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : « سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم ... » (1).

وهذا ظاهر أنّ المراد من الكعبين هو : العظم الناتي من قبّة القدم ، وليس شيئاً آخر ، وذلك بقرينة قوله عليه السلام : « إلى الكعبين إلى ظاهر القدم » ، وقوله : « ظاهر القدم » بيان لمعنى الكعبين.

ص: 237


1- الكافي 3 / 30 ، الاستبصار 1 / 62.

وما ورد عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : « ألا أحكي لكم وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله »؟ ثمّ أخذ كفّاً من ماء فصبّها على وجهه ... ثمّ مسح رأسه وقدميه ، ثمّ وضع يده على ظهر القدم ، ثمّ قال : « هذا هو الكعب » ، وأومأ بيده إلى أسفل العرقوب ، ثمّ قال : « إنّ هذا هو الظنبوب » (1).

فالظنبوب هو : منتهى العرقوب إلى أسفل ، أي سفل القدم من مؤخّره ، وقد اشتبه على أهل السنّة بأنّ هذا هو الكعب ، لذا فقوله تعالى : ( إِلَى الْكَعْبَينِ ) ليس كلاماً زائداً بل حكيماً ، ولا اشتباه فيما التزمه الشيعة من المسح على هذه المنطقة ، فالمسح أوفق في تحديدنا هذا بالكعب.

ولا يصلح الغسل بعد ذلك ، إذ كيف يمكنك غسل هذه المنطقة دون التعدّي إلى ما خلف الكعبين ، لذا فمسح الكعبين هو ما ذهب إليه الشيعة وهو ما ذكرناه لك.

ص: 238


1- تهذيب الأحكام 1 / 75.

مصحف فاطمة عليها السلام :

اشارة

( أحمد الخاجة - البحرين - 15 سنة - طالب ثانوية )

عند الإمام المهدي :

س : هل ينزل الوحي بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله؟ وما صحّة الرواية أنّ الوحي نزل على فاطمة الزهراء عليها السلام ، ليوحي لها بمصحف فاطمة؟ وهل مصحف فاطمة لا يزال موجوداً؟ وهل هو نفس المصحف الذي نراه عند بعض الإيرانيين في البقيع ، والذي يكتب عليه مصحف فاطمة؟

ج : وردت أحاديث - فيهّن صحاح - على وجود مصحف لفاطمة عليها السلام ، من إملائها أو إملاء الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وخطّ علي عليه السلام ، وفي بعضها أنّ ملكاً أو جبرائيل كان يحدثّها ، ثمّ هي تملي على أمير المؤمنين عليه السلام ليخطّه (1) ، ولكن هذا ليس بمعنى نزول الوحي بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، بل أنّ الوحي هو نزول جبرائيل بالرسالة النبوية ومتطلّباتها.

والحال أنّ المصادر التي أثبتت وجود المصحف المذكور أكّدت في نفس الوقت بعدم علاقته بالتشريع ، بل فيه إخبارات عن التكوين ، وإنباءات عن المستقبل ، وبين المقامين بون شاسع كما ترى.

ثمّ الذي ينبغي أن يقال هو : إنّ هذا المصحف لم يكن موجوداً في متناول أيدينا ، بل هو عند إمام العصر المهدي عليه السلام ، وعليه لا معنى للظفر عليه عند بعض الشيعة!!

ص: 239


1- الكافي 1 / 240 ، بصائر الدرجات : 173.

( عبد اللّه - السعودية .... )

ليس هو قرآن الشيعة :

س : أُريد أن أعرف هل صحيح أنّ للشيعة قرآناً غير هذا القرآن الموجود في البلاد الإسلامية؟ ويسمّونه بمصحف فاطمة.

ج : لقد أثار مصحف فاطمة عليها السلام حفيظة العديد من الكتّاب ، واتخذوا منه وسيلة للطعن والتشنيع على أتباع أهل البيت عليهم السلام ، باستغلال اسمه باعتبار أنّه يطلق عليه مصحف ، وجعله باباً لاتهام الشيعة بأنّهم لا يعترفون بالقرآن الموجود بين الدفتين ، والمتداول بين المسلمين قاطبة ، فيوقعون الناس في وهم : بأنّ مصحف فاطمة المذكور هو القرآن الذي يعتقده الشيعة.

وهنا لابدّ من معالجة هذه الشبهة التي أُثيرت حول مصحف فاطمة عليها السلام ، والضجّة المفتعلة التي يطلقها هؤلاء الكتّاب ، الذين ينقصهم الاطلاع الكافي والدقّة العلمية إن أحسنّا الظنّ بهم ، أو تنقصهم الأمانة والإنصاف ، فنقول :

أنّ الشيعة تعتقد بأنّ مصحف فاطمة عليها السلام ليس قرآناً ، بل القرآن هو ذلك الكتاب المنزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والمتداول الآن بين يدي المسلمين.

وأمّا مصحف فاطمة عليها السلام فهو مجرّد كتاب كتبه الإمام علي عليه السلام ، ذكر فيه أخبار ما كان وما يكون التي نقلتها له فاطمة الزهراء عليها السلام ، وليس فيه آية من آيات القرآن الكريم ، كما صرّحت بذلك الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، نذكر منها :

1 - عن أبي عبيدة عن الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ فاطمة مكثت بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خمسة وسبعين يوماً ، وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرائيل يأتيها فيحسن عزاها على أبيها ، ويطيب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها ، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة عليها السلام » (1).

ص: 240


1- بصائر الدرجات : 173.

2 - عن أبي حمزة عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب اللّه ، وإنّما هو شيء أُلقي عليها بعد موت أبيها صلى اللّه عليهما » (1).

3 - عن عنبسة بن مصعب عن الإمام الصادق عليه السلام : « ومصحف فاطمة أما واللّه ما أزعم أنّه قرآن » (2).

4 - عن الحسين بن أبي العلاء قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « ومصحف فاطمة ما أزعم أنّ فيه قرآناً » (3).

5 - عن محمّد بن عبد الملك عن الإمام الصادق عليه السلام : « وعندنا مصحف فاطمة ، أما واللّه ما هو بالقرآن » (4).

6 - عن علي بن سعد عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « وفيه مصحف فاطمة ، ما فيه آية من القرآن » (5).

7 - عن علي بن أبي حمزة عن الإمام الكاظم عليه السلام قال : « عندي مصحف فاطمة ليس فيه شيء من القرآن » (6).

8 - عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « وإنّ عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة ، مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات ، واللّه ما فيه من قرآنكم حرف واحد » (7).

9 - عن حمّاد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « إنّ اللّه تعالى لمّا قبض نبيّه صلى اللّه عليه وآله دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلاّ اللّه عزّ وجلّ ، فأرسل إليها ملكاً يسلّي عنها غمّها ويحدّثها ، فشكت ذلك إلى أمير

ص: 241


1- المصدر السابق : 179.
2- المصدر السابق : 174.
3- المصدر السابق : 170.
4- بحار الأنوار 26 / 38.
5- بصائر الدرجات : 176.
6- المصدر السابق : 174.
7- المصدر السابق : 172.

المؤمنين عليه السلام فقال لها : إذا أحسست بذلك فسمعت الصوت فقولي لي ، فأعلمته بذلك ، فجعل يكتب كُلّما سمع حتّى أثبت من ذلك مصحفاً ».

قال : ثمّ قال : « أما إنّه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ، ولكن فيه علم ما يكون » (1).

يتبيّن من خلال هذه الروايات أنّ مصحف فاطمة عليها السلام ليس قرآناً ، وليس هناك أيّ رواية توهّم كونه قرآناً ، فضلاً عن كونها ظاهرة في ذلك ليتمسّك بها من يفتّش عن المطاعن ، وعلى فرض وجودها فإنّ الروايات المستفيضة الواضحة صريحة ، والتي قدّمنا طائفة منها تقتضي رفع ذلك التوهّم أو الظهور لو تمّ وسلّم.

( محمّد - 22 سنة - طالب )

ليس فيه أحكاماً شرعية :

س : بارك اللّه في جهودكم ، لدي سؤال : هل في مصحف فاطمة أحكام شرعية؟

ج : يزعم البعض أنّ مصحف فاطمة عليها السلام يحوي أحكاماً شرعية ، وهو يستند إلى رواية عن الحسين بن أبي العلاء قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « عندي الجفر الأبيض » ، قال : قلنا : وأيّ شيء فيه؟ قال : فقال لي : « زبور داود ، وتوراة موسى ، وإنجيل عيسى ، وصحف إبراهيم ، والحلال والحرام ، ومصحف فاطمة ، ما أزعم أنّ فيه قرآناً ، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ، ولا نحتاج إلى أحد ، حتّى أنّ فيه الجلدة ، ونصف الجلدة ، وثلث الجلدة ، وربع الجلدة ، وأرش الخدش » (2).

ونجيب : أوّلاً : إنّ قوله : « وفيه ما يحتاج الناس إلينا » ليس معطوفاً على قوله : « ما أزعم أنّ فيه قرآناً » ليكون بياناً لما يحتويه المصحف ، وإنّما هو

ص: 242


1- المصدر السابق : 177.
2- بصائر الدرجات : 170.

معطوف على قوله : « زبور داود ، وتوراة موسى و ... » أي إنّ في الجفر الأبيض : زبور داود ، وتوراة موسى ، ومصحف فاطمة ، وفيه الحلال والحرام ، وفيه ما يحتاج الناس إلينا.

وثمّة رواية أُخرى عن عنبسة بن مصعب ذكرت : أنّ في الجفر سلاح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والكتب ، ومصحف فاطمة (1).

ثانياً : إنّ الحلال والحرام - أي الأحكام الشرعية - موجود في الجفر لا في المصحف.

ص: 243


1- أُنظر : المصدر السابق : 174.

ص: 244

المعاد :

اشارة

( السيّد علي - البحرين - .... )

رأي الشيعة في التناسخ والحلول والتشبيه :

س : ما معنى التناسخ والحلول والتشبيه؟ وما هو رأي الشيعة فيها؟

ج : إنّ معنى التناسخ هو رجوع الإنسان بعد موته إلى الحياة الدنيوية عن طريق النطفة ، والمرور بمراحل التكوّن البشري من جديد ، ليصير إنساناً مرّة أُخرى ، أو هو انتقال الروح من بدن إلى بدن آخر منفصل عن الأوّل.

وقد اتّفقت الشيعة على بطلان التناسخ وامتناعه ، لأنّ في التناسخ إبطال الجنّة والنار.

سأل المأمون الإمام الرضا عليه السلام : ما تقول في القائلين بالتناسخ؟ فقال عليه السلام : « من قال بالتناسخ فهو كافر باللّه العظيم مكذّب بالجنّة والنار » (1).

ثمّ إنّ القائلين بالتناسخ ينكرون القيامة والآخرة ، ويقولون : ليس قيامة ولا آخرة ، وإنّما هي أرواح في الصور ، فمن كان محسناً جوزي بأن ينقل روحه إلى جسد لا يلحقه فيه ضرر ولا ألم ، ومن كان مسيئاً جوزي بأن ينقل روحه إلى أجساد يلحق الروح في كونه فيها الضرر والألم ، وليس غير ذلك (2).

ص: 245


1- عيون أخبار الرضا 1 / 218.
2- محاضرات في الإلهيات : 423.

وأمّا بالنسبة إلى معنى الحلول ، فهو بمعنى : أنّ اللّه تعالى يحلّ في أبدان العارفين أو يتحدّ بها ، والحلول والاتحاد من مصطلحات الصوفية.

وقد اتّفقت الشيعة على بطلانه بالوجوه العقلية والنقلية من الكتاب والسنّة الشريفة ، لأنّه يستلزم على تقدير وقوعه اجتماع القدم والحدوث ، والوجوب والإمكان في أبدان العارفين ، وغير ذلك من اللوازم الفظيعة.

وأمّا بالنسبة إلى معنى التشبيه ، فهو بمعنى : التماس الشبه لله تعالى في مخلوقاته ، أو تمثيله تعالى بمخلوقاته في الأُمور الجسمية المادّية ، والأُمور المعنوية الفكرية.

وقد اتّفقت الشيعة على بطلان التشبيه وامتناعه لعدّة أدلّة منها : قوله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (1).

( .... - إيران - .... )

من هم الولدان المخلّدون :

س : من هم الولدان المخلّدون الذين ذكروا بالقرآن الكريم؟ وماذا يفعلون يوم القيامة؟

ج : قد وردت آيتان في القرآن الكريم فيها لفظ : ( وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ ) ، كما في قوله تعالى : ( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا ) (2) ، وقوله تعالى : ( يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ ) (3).

والولدان جمع ولد وهو الغلام ، وطوافهم عليهم - على المؤمنين في الجنّة - كناية عن خدمتهم لهم ، والمخلّدون من الخلود ، بمعنى الدوام - أي دائمون على ما هم عليه من الطراوة والبهاء ، وصباحة المنظر ، وباقون أبداً على هيئتهم من

ص: 246


1- الشورى : 11.
2- الإنسان : 19.
3- الواقعة : 17.

حداثة السن - وقيل : من الخَلَد بفتحتين وهو القرط ، والمراد أنّهم مقرطون بالخلد.

( ... - ... - ..... )

معنى ( لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ) :

س : يقول تعالى في كتابه الكريم : ( لِلْطَّاغِينَ مَآبًا لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ) (1) ، هل تكون الأحقاب مدّة محدّدة قد تنتهي يوماً؟

ج : الأحقاب جمع الحقبة ، وهي مدّة مبهمة من الزمن أو بلا نهاية ، فالأحقاب تكون بمعنى الأزمنة الكثيرة والدهور الطويلة من غير تحديد ، وبهذا المعنى تدلّ الآية على الخلود.

ثمّ إنّه قد ورد في بعض الأخبار والأقوال تحديد الحقب من الزمن بأربعين أو ستّين أو ثمانين سنة من سنين الآخرة ، الذي يكون اليوم فيها ( كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) (2) ، فإن ثبت هذا المعنى فتكون الآية بمثابة الآية ( خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ... ) (3) ، إشارة كنائية إلى الديمومة والأبدية - إذ أنّ السماوات والأرض لا خلود لهما البتةً -.

نعم جاء عن حمران أنّه سأل الإمام الباقر عليه السلام عن قول اللّه ( خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ... ) فقال : هذه في الذين يخرجون من النار (4) - لا الخالدين فيها - فإن قلنا بهذا التفسير ، فهو مذكور في بعض الآيات الأُخر مثل : ( قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ ) (5) ؛ والعلم عند اللّه تعالى.

ص: 247


1- النبأ : 22 - 23.
2- الحج : 47.
3- هود : 107.
4- تفسير العيّاشي 2 / 160.
5- الأنعام : 128.

( معد البطاط - استراليا - 30 سنة )

ماهية الولدان المخلّدون :

س : إنّ في الجنّة ولدان مخلّدون ، فكيف يدخل اللّه ناس بالجنّة ويبقون خدم؟

ج : إنّ موضوع الولدان المخلّدون أمر مسلّم عند المسلمين ، ولكن اختلفوا في ماهيّتهم ، فقيل : إنّهم أولاد أهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ، ولا سيئات فيعاقبوا ، فأنزلوا هذه المنزلة ، كما روي عن علي عليه السلام.

ورأي آخر قد روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه سئل عن أطفال المشركين فقال صلى اللّه عليه وآله : « هم خدم أهل الجنّة » ، وقيل : بل هم من خدم الجنّة على صورة الولدان ، خلقوا لخدمة أهل الجنّة (1).

وهذا يؤيّد بما في بعض الروايات من خلق جماعة لملء الجنّة في مقابل امتلاء جهنّم (2) ، وأيضاً وجود ولدان مستورون (3).

فعلى ضوء ما ذكر لا يرد هناك نقض على حكمة اللّه في خلقه وعدله.

( رباب - البحرين - 20 سنة - طالبة جامعة )

من يرعى الأطفال بعد موتهم :

س : أُولئك الذين يموتون ساعة الصيحة للآخرة لا يعيشون حياة البرزخ ، كيف ذلك؟ وسمعت أنّ الأطفال الذين يموتون وهم صغار ، ترعاهم السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، فهل هذا صحيح؟ أم السيّدة مريم عليها السلام؟ وجزاكم اللّه ألف خير.

ص: 248


1- مجمع البيان 9 / 391.
2- بحار الأنوار 8 / 133 و 198.
3- التبيان 10 / 215.

ج : إنّ الأدلّة العقلية والنقلية لا تدلّ على بقاء الحياة الدنيوية إلى نفخ الصور ، أي صيحة الآخرة ، فيمكن أن نلتزم بانتهاء الحياة في عالمنا ، وانتقال الجيل الأخير من البشر إلى عالم البرزخ قبل نفخ الصور بمدّة ، فيصدق عليهم أيضاً اجتياز البرزخ إلى أن ينفخ في الصور بإماتة الكُلّ.

وأمّا سؤالك عن الأطفال الذين يموتون ، فوردت روايات بمضامين مختلفة قريبة المعنى : بأنّ هؤلاء يراعون ويربّون تربية ربّانية ، إلى أن يرد أحد ذويهم إلى البرزخ ، فيدفعون إليه ، أو يبقون إلى أن يهدوا إلى آبائهم يوم القيامة.

وأمّا أنّ هذه الرعاية بيد من تكون؟ فالروايات الموجودة على طائفتين : منها ما تصرّح بأنّ هؤلاء الأطفال يحضنهم إبراهيم عليه السلام وتربّيهم سارة عليها السلام (1) ، ومنها ما تؤكّد بأنّ هذه التربية والحضانة تكون بيد فاطمة عليها السلام ؛ ويمكن الجمع بأن تكون فئة منهم هكذا وفئة أُخرى كذلك ، أو يكون الإشراف من ناحية فاطمة عليها السلام والحضانة والتربية بيدهما عليهما السلام.

وعلى أيّ حال لم نعثر على رواية يرد فيها ذكر السيّدة مريم عليها السلام كمربّية للأطفال.

( جميل أحمد - البحرين .... )

ما للنساء من أزواج في الجنّة :

س : في الجنّة يفوز المسلمين بالحور العين كما ذكر القرآن الكريم ، فعلى ماذا تحصل المسلمات؟

ج : وردت في عدّة روايات أنّ المؤمنة الصالحة تتخيّر بين البقاء مع زوجها وعدمه ، فمثلاً ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : « إذا كان هو أفضل منها خيّره ، فإن اختارها كانت من أزواجه ، وإن كانت هي خيراً منه خيرّها ،

ص: 249


1- شجرة طوبى 1 / 32.

فإن اختارته كان زوجاً لها » (1) ، وأنّها هي المرادة من الخيرات الحسان والحور العين ، كما ورد : « أنتم الطيّبون ونساؤكم الطيّبات ، كُلّ مؤمنة حوراء عيناء » (2).

وأمّا إن لم تتخيّر زوجها ، أو كانت غير متزوّجة في دار الدنيا ، فبمقتضى قوله تعالى : ( وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ ) (3) ، لابدّ وأن يكون هناك ما يؤمّن هذا الجانب الذي أُشير إليه في السؤال ، وإن كنّا لم نعلم بخصوصيات ذلك ، وهذا لا يضّر بنا بعد يقيننا بالنعيم والجنّة.

( أُمّ علي - البحرين - .... )

نصوص في المعاد الجسماني :

س : أُريد شرحاً لمعنى تجسيد الروح؟

ج : إذا كان سؤالك عن كيفية المعاد الجسماني ، فالذي ينبغي أن يقال أنّ مورد الإعادة هو الجسم والروح معاً ، وفي نفس القالب الدنيوي ، والأدلّة العقلية والنقلية من الكتاب والسنّة تدلّ على هذا الموضوع ، والمشهور من العلماء والمحقّقين من المتكلّمين يرون هذا النوع من المعاد هو الحقّ ، فمثلاً تقول الآية : ( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (4) ، وأيضاً : ( أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ) (5) ، وهكذا : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ) (6).

ص: 250


1- مجمع البيان 9 / 351.
2- الكافي 8 / 213 و 365 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 726.
3- الزخرف : 71.
4- يس : 79.
5- العاديات : 9.
6- يس : 51.

وورد في نهج البلاغة : « أخرجهم من ضرائح القبور ، وأوكار الطيور ، وأوجرة السباع ، ومطارح المهالك ، سراعاً إلى أمره ، مهطعين إلى معاده » (1) ، « وأخرج من فيها فجدّدهم بعد أخلاقهم ، وجمعهم بعد تفريقهم » (2) ، « وأعلموا أنّه ليس لهذا الجلد الرقيق صبر على النار ، فارحموا نفوسكم » (3) ، فنرى في جميع الفقرات الإشارة إلى الجسد الدنيوي في الإعادة ، فلا محيص من الإذعان بهذا الرأي وقبوله.

( السيّد محمّد السيّد حسن - البحرين .... )

شبهة الآكل والمأكول :

س : الرجاء الردّ على شبهة الآكل والمأكول بشكل مفصّل.

ج : إنّ هذه الشبهة من أقدم الشبهات التي وردت في الكتب الكلامية حول المعاد الجسماني ، وقد اعتنى بدفعها المتكلّمون والفلاسفة على اختلاف تعابيرهم ، والإشكال يقرّر بصورتين :

الصورة الأُولى : إذا أكل إنسان إنساناً بحيث عاد بدن الثاني جزءً من بدن الإنسان الأوّل ، فالأجزاء التي كانت للمأكول ثمّ صارت للآكل ، إمّا أن تعاد في كُلّ واحد منهما ، أو تعاد في أحدهما ، أو لا تعاد أصلاً؟ والأوّل محال ، لاستحالة أن يكون جزءً واحداً بعينه في آن واحد في شخصين متباينين.

والثاني خلاف المفروض ، لأنّ لازمه أن لا يعاد الآخر بعينه.

والثالث أسوأ حالاً من الثاني ، إذ يلزم أن لا يكون أي من الإنسانين معاداً بعينه ، فينتج أنّه لا يمكن إعادة جميع الأبدان بأعيانها.

الصورة الثانية : لو أكل إنسان كافر إنساناً مؤمناً ، وقلنا بأنّ المراد من المَعاد هو : حشر الأبدان الدنيوية في الآخرة ، فيلزم تعذيب المؤمن ، لأنّ المفروض

ص: 251


1- شرح نهج البلاغة 6 / 249.
2- المصدر السابق 7 / 201.
3- المصدر السابق 10 / 122.

أنّ بدنه أو جزءً منه صار جزءً من بدن الكافر ، والكافر يٌعَذَّب ، فيلزم تعذيب المؤمن.

والفرق بين الصورتين هو : أنّ الإشكال بالتقرير الأوّل يركّز على نقص الإنسان المُعاد من حيث البدن ، ولكنّه في التقرير الثاني يركّز على أنّ المَعاد الجسماني في المقام يستلزم خلاف العدل الإلهي ، فالأساس في الإشكال في الصورتين واحد ، وهو كون بدن إنسان جزءً من بدن إنسان آخر ، ولكن المترتّب على الصورة الأُولى هو عدم صدق كون المُعاد هو المنشأ في الدنيا ، وعلى الصورة الثانية هو تعذيب البريء مكان المجرم.

أمّا الصورة الأُولى من الإشكال ، فبعض احتمالاتها ساقط جدّاً ، وهو عود المأكول جزءً لكلا الإنسانين ، فيبقى الاحتمالان الآخران ، وبأيّ واحد منهما أخذنا يندفع الإشكال ، وذلك بالبيان التالي :

إنّ الإنسان من لدن تكوّنه وتولّده إلى يوم وفاته ، واقع في مهبّ التغيّر وخضم التبدّل ، فليس وجوده جامداً خالياً عن التبدّل ، فبدن الإنسان ليس إلاّ خلايا لا يحصيها إلاّ اللّه سبحانه ، وكُلّ منها يحمل مسؤوليته في دعم حياة البدن ، والخلايا في حال تغيّر وتبدّل مستمر ، تموت وتخلفها خلايا أُخرى.

إذا عرفت ذلك ، فنقول :

1 - لو فرض أنّ بدن إنسان صار جزءً من بدن إنسان آخر ، فبما أنّ للمأكول أبداناً متعدّدة على مدى حياته ، فواحد منها مقرون بالمانع ، والأبدان الأُخر خالية منه فيحشر مع الخالي.

2 - ولو فرض أنّ جميع أبدانه اقترنت بالمانع ، فإنّه أيضاً لا يصد عن القول بالمعاد الجسماني ، لأنّ الناموس السائد في التغذية هو أنّ ما يستفيده الإنسان من الغذاء لا يتعدّى ثلاثة بالمائة من المأكول والباقي يدفعه ، فإذاً لا مانع من أن تتعلّق الروح بأحد هذه الأبدان التي تتفاوت عن البدن الدنيوي من حيث الوزن والحجم ، ولم يدلّ على أنّ المحشور في النشأة الأُخروية يتّحد مع الموجود في النشأة الدنيوية في جميع الجهات ، وعامّة الخصوصيات.

ص: 252

وأمّا الصورة الثانية من الإشكال : فقد عرفت أنّها ترجع إلى مسألة العدل الإلهي ، وأنّ كون بدن المؤمن جزءً من بدن الكافر يستلزم تعذيب المؤمن ، ولكنّه مبني على إعطاء الأصالة في الحياة للبدن ، وهي نظرية خاطئة ، فإنّ اللذائذ والآلام ترجع إلى الروح ، والبدن وسيلة لتعذيبه وتنعيمه.

فصيرورة بدن المسلم جزءً من بدن الكافر لا يلازم تعذيب المؤمن ، لأنّ المعذّب بتعذيب البدن هو روح الكافر ونفسه ، لا روح المؤمن.

وهذا نظير أخذ كُليةٍ من إنسان حيّ ، ووصلها بإنسان يعاني من ضعفها وعلّتها ، فإذا نجحت عملية الوصل وصارت الكُلية الموصولة جزءً من بدن المريض ، ثمّ عُذّب هذا المريض فالمعذّب هو هو ولو نُعّم ، فالمُنعَّم هو هو ، ولا صلة بينه وبين من وَهَب كُليته وأهداها إليه.

( جنيد عباس - غانا - .... )

الحساب أوّلاً ثمّ المرور على الصراط :

س : هل يكون الحساب قبل المرور على الصراط؟ أو يكون المرور على الصراط أوّلاً ثمّ الحساب؟ ودمتم بخير.

ج : إنّ المستفاد من النصوص الروائية هو أنّ الصراط والحساب موقفان من مواقف يوم القيامة ، وبما أنّ موقف الصراط يعني تجاوز الإنسان من منطقة قريبة عن جهنّم ، فإمّا هو ينجو من الهلكة هناك ، وإمّا أن يسقط في الهاوية - نعوذ باللّه - فيظهر أنّ أحد هذين الاحتمالين هو نتيجة أعماله التي حوسب عليها قبل الورود على الصراط.

وعليه ، فموقف الحساب والميزان يكون مقدّماً على الصراط ، وذلك لأنّ محاسبة الأعمال سوف تنتج الوقوع في جهنّم أو الخلاص منها ، وهذا هو شأن الصراط.

ص: 253

( حسن الموسوي ........ )

مسألة خلق الجنّة والنار :

س : لو تفضّلتم بالجواب على هذا السؤال : هل الجنّة موجودة حالياً أم لا؟ وإن لم تكن حالياً موجودة ، فكيف عاش آدم عليه السلام فيها ، وثمّ أُخرج منها؟ وإن كانت موجودة فأين هي حالياً؟ شكراً جزيلاً.

ج : إنّ مسألة خلق الجنّة - وكذلك النار - مسألة خلافية ؛ فقد ذهب إلى عدم خلقها أكثر المعتزلة والخوارج ، وطائفة من الزيدية ، بينما تعتقد الأشاعرة والشيعة الإمامية خلقها ، استناداً إلى ظهور الآيات والروايات.

نعم ، يظهر من كلام السيّد الرضي من الإمامية أنّه كان يقول بعدم الخلق (1).

ثم إنّ هذه الجنّة لا علاقة لها بجنّة آدم عليه السلام على التحقيق ؛ إذ أنّ جنّته عليه السلام كانت تختلف عن جنّة القيامة جذريّاً ، والفارق الأساسي هو الخلود وعدم الخروج منها ، اللذان لم نجدها في جنّة آدم عليه السلام ؛ أضف إلى ذلك عدم وجود أوامر أو تكاليف في جنّة الآخرة ، خلافاً لما كان في جنّة آدم ، وأيضاً لا مجال للشيطان أن يدخل في جنّة القيامة ، على عكس ما حدث في جنّة آدم عليه السلام.

وأمّا تعيين محلّ جنّة الخلد حالياً ، فليس من المقدور لأيّ أحد ، لسكوت الآيات والروايات عن هذه الجهة.

( أُمّ علي - الإمارات - .... )

نصوص حول عالم البرزخ :

س : ما هي أهمّ النصوص الدالّة على وجود عالم البرزخ؟ وما هي مراحلها؟

ص: 254


1- حقائق التأويل : 245.

ج : الأدلّة النقلية على وجود عالم البرزخ قد جاءت في الكتاب والسنّة ، فمن الكتاب :

1 - قوله تعالى : ( وَمِن وَرائِهِم بَرزَخ إلى يَوم يُبعَثون ) (1).

2 - قوله تعالى : ( قالوا رَبَنا أمتنا اثنَتَينِ وَأحيَيتَنا اثنَتَين ) (2).

3 - قوله تعالى : ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ) (3).

4 - قوله تعالى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (4).

5 - قوله تعالى : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) (5).

6 - قوله تعالى : ( أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا ) (6).

وأمّا الروايات فهي متواترة ومتظافرة في كتب الفريقين ، ويمكن الوقوف عليها بمراجعة كتاب بحار الأنوار المجلّد السادس ، والمجامع الحديثية عند غيرنا.

وبعبارة مختصرة : وجود هذا العالم في الفاصل بين هذه الدنيا وعالم القيامة أمر مسلّم عند جميع المسلمين ، ومن ضروريات الدين.

( أحلام ........ )

غير المسلم قد يدخل الجنّة :

السؤال : هل غير المسلم يدخل الجنّة؟ وما هو الدليل؟

ص: 255


1- المؤمنون : 100.
2- غافر : 11.
3- البقرة : 154.
4- آل عمران : 169.
5- غافر : 46.
6- نوح : 25.

ج : ورد في الروايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام : بأنّ الكثير من غير المسلمين وغير الشيعة هم من المستضعفين ، وهم الذين لم يصل لهم الدليل بكماله ووضوحه ، ولم يكن لهم عناد في قبول الحقّ وإتباعه ، وعبّر عنهم بأنّهم من المرجوّين الذين ترجى لهم رحمة ربّ العالمين (1).

( صديقة - البحرين - .... )

الجنّ يحشرون مع الإنس في الجنّة والنار :

س : كما نعلم أنّ الجنّ يحشرون مع الإنس ليحاسبهم اللّه ، والجنّ والإنس مكلّفون بالعبادة كما في قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (2) ، وهذا التكليف ينبني عليه حساب.

السؤال : هل يحشرون الجنّ على الهيئة التي خُلقوا عليها؟ أم تتبدّل هيئتهم؟ لأنّ الإنسان لا يطيق رؤية الجنّ.

ج : قبل الإجابة على سؤالكم ننقل لكم ما ورد في سورة الأعراف : ( وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلََئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ * قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ

ص: 256


1- الكافي 2 / 407.
2- الذاريات : 56.

الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ * وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (1).

فمن قوله تعالى : ( قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ ) ، نعرف أنّ قسماً من الجنّ والإنس يدخلون في النار ، بسبب استكبارهم وتكذيبهم آيات اللّه ، وتركهم لما كلّفوا به.

وعليه ، لا فرق للإنسان الداخل في النار أن يرى الجنّ بهيئتهم التي لا تطاق ، أو بهيئة أُخرى تطاق ، لأنّ الإنسان هناك يعيش في أجواء كُلّها لا تطاق - من تعذيب وتخويف وحرق وغير ذلك - فليكن منها رؤيته للجنّ.

ومن قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ) ، نعرف أنّ قسماً من الجنّ والإنس يدخلون في الجنّة ، بسبب إيمانهم بآيات اللّه تعالى وعملهم للصالحات ، وما أوجبه اللّه عليهم.

وأنّ اللّه تعالى قد نزع من صدورهم الغلّ ، ونزع الغلّ في الجنّة تصفية الطباع ، وإسقاط الوساوس ، وإعطاء كُلّ نفس مناها ، ولا يتمنّى أحد ما لغيره.

فسلمت قلوبهم وطهرت من الحقد والحسد والشحناء ، ولم يكن بينهم إلاّ التعاطف والتراحم والتواد.

وعليه ، فلو كانت حالة أهل الجنّة - من الجنّ والإنس - هكذا ، فلابدّ أن هناك نوع من الانسجام والمحبّة بين الجنّ والإنس ، بحيث يمكن التعايش معهم ، والنظر إليهم ، بدون أي خوف وارتباك.

ص: 257


1- الأعراف : 36 - 43.

ثمّ من قال أنّ رؤية الجنّ لا تطاق ، لأنّ منظرهم مخوف مثلاً ، فالجنّ كما يعرّفه علماؤنا : جنس من الحيوان مستترون عن أعين البشر لرقّتهم (1).

( عماد الدين - أمريكا - 36 سنة - بكالوريوس هندسة )

الحياة في البرزخ :

س : سمعت أنّ الإنسان يذهب بعد الموت إلى البرزخ ، فكيف هي الحياة في البرزخ؟ هل هي شبه الجنّة أو ماذا؟ الرجاء أفادتني وشكراً.

ج : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من مات فقد قامت قيامته » (2) ، فالبرزخ هي حياة ونشأة بين الدنيا والآخرة ، والمقصود من الحديث « قامت قيامته » هي القيامة الصغرى ، أو فقل أوّل درجات القيامة ، والقيامة الكبرى هي يوم الحشر الأكبر.

والآيات والروايات تثبت الحياة في عالم البرزخ ، وتثبت فيه النعيم والعذاب ، فالقبر إمّا روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النيران.

قال الشيخ الصدوق : « اعتقادنا في المسألة في القبر أنّها حقّ لابدّ منها ، فمن أجاب بالصواب فاز بروح وريحان في قبره ، وبجنّة نعيم في الآخرة ، ومن لم يأت بالصواب فله نزل من حميم في قبره ، وتصلية جحيم في الآخرة » (3).

قال اللّه تعالى عن فرعون وأتباعه : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) (4).

وأجاب الإمام الصادق عليه السلام عندما سُئِلَ عن أرواح المؤمنين : « أرواح المؤمنين في حجرات في الجنّة ، يأكلون من طعامها ، ويشربون من شرابها ، ويقولون : ربّنا أقم لنا الساعة لتنجز لنا ما وعدتنا ».

ص: 258


1- التبيان 4 / 397 ، مجمع البيان 4 / 251.
2- بحار الأنوار 58 / 7.
3- الاعتقادات : 58.
4- غافر : 46.

وسُئل عليه السلام عن أرواح المشركين فأجاب : « في حجرات في النار يأكلون من طعامها ، ويشربون من شرابها ، ويتزاورون فيها ويقولون : ربّنا لا تُقم لنا الساعة ، لتنجز لنا ما وعدتنا » (1).

وهذه الرواية تدلّ بتمامها على وجود البرزخ بَعد الموت مباشرة ، ونعيم المؤمنين وعذاب الكافرين فيه مستمر حتّى تقوم الساعة.

فالبرزخ عالم حائل وحاجز بين الدنيا والآخرة ، وهو أوّل محطّات الرحلة إلى الآخرة ، وهو المنزل الأوّل للإنسان بعد مفارقة الدنيا بالموت ، كما قال تعالى : ( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (2).

( رقية - السعودية - .... )

التناسخ عقيدة باطلة :

س : ماذا تعتقد في التناسخ؟ وكيف تبرّر الحالات التي تحدث عند المعتقدين به؟

ج : التناسخ عقيدة باطلة ، ولو فرضنا أنّ بعض الحالات تحدث عند المعتقدين به ، فإنّها لا تدلّ على صحّة المعتقد ، ومثال ذلك : من لهم رياضات من عبّاد البقر والأوثان ، وما تحدث لهم من حالات ، فإنّها لا تدلّ على صحّة معتقدهم.

( سلام حسن الشمّري - العراق - طالب علم )

الحساب في البرزخ يختلف عمّا هو في الدنيا :

س : السؤال فرضي : لو أنّ شخصين كان لهما نفس العمر ، كأن يكون ( 55 ) سنة ، وكان لهما نفس الأعمال ، أي أنّهما بعد موتهما كان سجل أعمالهما متساوياً ، ولكن الأوّل عاش من سنة ( 1800 إلى 1855 ) ، والثاني من

ص: 259


1- المحاسن 1 / 178.
2- المؤمنون : 100.

( 1900 إلى 1955 ) ، فإنّ الأوّل سوف تكون فترة برزخه أكثر ، فلو كانا معذّبين ، فسوف يكون عذاب الأوّل أكثر من الثاني ، ولو كانا منعّمين فكذلك ، نعيم الأوّل أكثر من الثاني.

السؤال المترتّب على هذا الفرض : ألا يضرّ هذا في العدل الإلهي؟ أرجو الإيضاح المبسّط.

ج : السؤال المفترض مبنيّ على أنّ الحساب الزماني في البرزخ ويوم الحشر مثل ما عليه في الحياة الدنيوية.

فيقال : إنّ الحياة الأُخروية لا تقاس بالحياة الدنيوية ، فالنفس بعدما تفارق الجسد في الحياة الدنيوية ، تدخل إلى عالم آخر يختلف من حيث الزمان والمكان وباقي الأُمور الطبيعية ، وهذا الأمر قد أشارت إليه بعض النصوص القرآنية ، والسنّة المحمّدية.

ويمكن أن يقال لرفع الإشكال : إنّ الإنسان إذا ما مات تبدأ استحقاقاته ، فيكون في فترة البرزخ حساب بنحو من الأنحاء ، كما يشير إلى ذلك الحديث : « من مات فقد قامت قيامته » (1) ، وهي التي تسمّى عند البعض بالقيامة الصغرى.

( علي العلي - السويد - .... )

وقت موت إبليس :

س : أسأل اللّه تعالى أن تكونوا في أتمّ الصحّة والعافية ، وأن يسدّد خطاكم لما هو خير ، ويوفّقكم لإعلاء كلمة الحقّ ، إنّه سميع مجيب.

لقد شجّعتموني على أن أسألكم كُلّما احتجت إلى ذلك ، ويا كثرة احتياجاتي ، وأعانكم اللّه عليها.

ص: 260


1- بحار الأنوار 58 / 7.

في الحقيقة أنا أحاور في كُلّ الأُمور ومع الجميع ، حيث أحاور الشيعة على التمسّك بخطّهم ، وخصوصاً من له ميل للعلمانية ، وحوار مثل هؤلاء أشدّ من غيرهم ، وأحاور أهل السنّة لأثبت لهم أنّ منهج الحقّ ليس منهجهم ، كما وأحاور النصارى ، وأنا دارس جيّد لكتابهم بعهديه القديم والجديد ، كما وأحاور غيرهم ، وبأساليب مختلفة ، كُلّ حسب طريقته أو الطريقة التي تنفع معه.

سادتي الكرام ، يقول تعالى - وهو يتحدّث عن الحوار مع إبليس اللعين - : ( قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (1) ، وقد وعده اللّه سبحانه بذلك.

وحسب علمي البسيط أنّ يوم البعث بعد الممات ، أي يوم القيامة ، ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ) (2) ، ونحن نعلم من الروايات بأنّه يوم القيامة - أي يوم البعث - يكون بعد أن يموت الكُلّ ، ولا يبقى إلاّ وجهه الكريم ، ومن بعد ذلك أوّل من يحيه اللّه إسرافيل عليه السلام حيث ينفخ في الصور.

ما استشكل عليّ هو :

أ - أمّا بقاء إبليس اللعين إلى يوم البعث حسب ظاهر الآية ، وبالتالي يبقى هو مع اللّه ، ونحن نعلم بعد البعث الحساب والكتاب والخلود ، إمّا في الجنّة أو في النار ، ومعنى ذلك أنّ إبليس اللعين سيكون من الخالدين ، ولم يمر بمرحلة الموت! وهذا مخالف لما نؤمن به.

ب - وأمّا أن يبقى إلى يوم البعث ثمّ يموت بمفرده ، كخصوصية له حيث لا موت بعد البعث ، وقد أعطاه اللّه ما وعده ، وبالتالي يكون قد انتهى كمخلوق! وهنا استشكال أكبر حيث سوف لن يعاقب ولن يكون في جهنّم خالداً فيها ، كما خبّرنا بذلك.

سادتي الكرام : قد يكون الموضوع ليس موضوع ابتلاء ، ولكن قد ابتلاني اللّه بحبّ المعرفة ، والتأكّد من كُلّ شيء لأزداد علماً.

ص: 261


1- الأعراف : 14.
2- المؤمنون : 16.

أرجو أن لا أكون قد أطلت عليكم ، هذا وتقبّلوا فائق التقدير والاحترام.

ج : إنّ السؤال ذو جهتين : أصل الإمهال ، وغاية الإمهال ، أي أنّ الشيطان كان يريد الحياة إلى يوم القيامة ، ولكن اللّه تعالى ووفقاً لحكمته أجابه على أصل الإمهال ، ولم يجبه من جهة غايته ، إذ قال تعالى في جوابه : ( قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) (1) ، والوقت المعلوم - كما في بعض الأحاديث - يوم ظهور القائم عليه السلام ، أو رجعة الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام.

وبهذا التفسير يندفع كافّة الإشكالات المذكورة كما هو واضح.

وهناك بعض الروايات تشير إلى أنّ إبليس يموت في النفخة الأُولى ، وفي بعضها الآخر أنّ موته بين النفختين الأُولى والثانية ؛ فحتّى على هذين الاحتمالين يذوق الموت لا محالة.

والأصل في هذا المقام ونظائره هو : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) (2) فلا يشذّ من هذه القاعدة أحد من الإنس والجنّ والملائكة.

( مؤيّد الشمّري - العراق - 26 سنة - بكالوريوس الهندسة الكهربائية )

نوع الأكل يوم الحشر :

س : ندعو لكم بالتسديد الموفّق ، ونرجو الإجابة عن السؤال التالي :

ورد في الروايات : إنّ الخلائق يوم الحشر يبعثون عراة ، ينتظرون الحساب - وبفرض الانتظار أكثر من يوم - فعلى ماذا يتغذّون هناك؟ وإذا قلنا بالأكل هناك ، كيف يكون توابع الأكل من التخلّي وغيره؟ نسأل اللّه أن تشملنا وإيّاكم شفاعة محمّد وآل محمّد.

ص: 262


1- ص : 79 - 80.
2- العنكبوت : 57.

ج : سأل زرارة الإمام الباقر عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ ) (1) قال : « تبدّل خبزة نقية يأكل منها الناس حتّى يفرغوا من الحساب » (2) ، ويمكن أن يكون ذلك الطعام على نحوٍ لا يحوجهم إلى توابع الأكل - من التخلّي وغيره - على نحو ما نشاهده في الجنين في بطن أُمّه ، وورد ذلك في أهل الجنّة أيضاً.

( حبيب عباس راضي - البحرين - 14 سنة - طالب إعدادية )

حساب عرب الجاهلية :

س : كان العرب أيّام الجاهلية لا يعرفون الإسلام ، بل يعبدون الأصنام ، فهل يخلّدون في النار رغم أنّهم كانوا لا يعرفون النار؟

ج : إنّ اللّه سبحانه لا يعذّب قوماً حتّى يقيم الحجّة عليهم ، كما قال تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (3) ، وقد وردت بعض الروايات التي تفيد بأنّ الكفّار القاصرين الذين لم تصل إليهم الأدلّة - أي أدلّة التوحيد ومعرفة اللّه وما يجب عليهم القيام به من تكاليف في زمانهم ، إذ لكُلّ زمان نبي وشريعة كما نعرف من الروايات - فإنّ هؤلاء موكولون في الحكم عليهم في الآخرة إلى اللّه سبحانه ، وعبّرت عنهم هذه الروايات بالمستضعفين والمرجوّين لشمول رحمة الباري لهم.

ومن هنا علينا أن نعرف حال أهل الجاهلية ، فلا يمكن أن نجزم بأنّهم لم يعرفوا الجنّة ولا النار ، ولا الحساب ولا العقاب ، كيف وقد كان فيهم من الموحّدين من آباء النبيّ صلى اللّه عليه وآله الذين كانوا على الإبراهيمية أو الحنفية ، الأمر

ص: 263


1- إبراهيم : 48.
2- الكافي 6 / 286.
3- الإسراء : 15.

الذي يجعلنا نشكّ في عدم معرفتهم وجهلهم بأحكام التوحيد ، وعلى أيّة حال فالتفصيل السابق الذي أوردناه هو الجواب لهذا السؤال.

( عيسى سلمان - البحرين - 36 سنة - خرّيج ثانوية )

حشر الوحوش فيه :

س : كيف الوحوش تحشر يوم القيامة؟

ج : قال العلاّمة الطباطبائي في تفسير قوله تعالى : ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) (1) : « الوحوش جمع وحش ، وهو من الحيوان ما لا يتأنس بالإنسان كالسباع وغيرها.

وظاهر الآية من حيث وقوعها في سياق الآيات الواصفة ليوم القيامة ، أنّ الوحوش محشورة كالإنسان ، ويؤيّده قوله تعالى : ( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) (2).

وأمّا تفصيل حالها بعد الحشر وما يؤول إليه أمرها فلم يرد في كلامه تعالى ، ولا فيما يعتمد عليه من الأخبار ما يكشف عن ذلك ، نعم ربما استفيد من قوله في آية الأنعام : ( أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ) ، وقوله : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) بعض ما يتّضح به الحال في الجملة ، لا يخفى على الناقد المتدبّر ، وربما قيل : إنّ حشر الوحوش من أشراط الساعة لا ممّا يقع يوم القيامة ، والمراد به خروجها من غاباتها وأكنانها » (3).

وقال الشيخ الطوسي في تفسير قوله تعالى : ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) : « قال عكرمة : حشرها موتها ، وغيره قال : معناه تغيّرت الأُمور ، بأن صارت الوحوش التي تشرد في البلاد تجتمع مع الناس ، وذلك أنّ اللّه تعالى يحشر

ص: 264


1- التكوير : 5.
2- الأنعام : 38.
3- الميزان في تفسير القرآن 20 / 213.

الوحوش ليوصل إليها ما تستحقه من الأعواض على الآلام التي دخلت عليها ، وينتصف لبعضها من بعض ، فإذا عوّضها اللّه تعالى ، فمن قال : العوض دائم ، قال تبقى منعّمة على الأبد ، ومن قال : العوض يستحق منقطعاً ، اختلفوا فمنهم من قال : يديمها اللّه تفضّلاً لئلا يدخل على العوض غم بانقطاعه ، ومنهم من قال : إذا فعل بها ما تستحقه من الأعواض جعلها تراباً » (1) ، واللّه العالم بحقائق الأُمور.

ص: 265


1- التبيان 10 / 281.

ص: 266

معاوية بن أبي سفيان :

اشارة

( محمّد علي - أمريكا - .... )

بعض مثالبه :

س : جزاكم اللّه خيراً على مجهودكم هذا ، وبارك اللّه فيكم.

إذا أمكن ذكر بعض الشيء حول معاوية ، من الأحاديث والروايات من كتب أهل السنّة ، التي تبيّن بعض حقائق كاتب الوحي هذا؟ ونسألكم الدعاء.

ج : نذكر بعض الروايات الواردة في كتب أهل السنّة :

1 - عن ابن عباس قال : كنت ألعب مع الصبيان ، فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فتواريت خلف باب ، قال : فجاء فحطأني حطأة وقال : اذهب وادع لي معاوية ، قال : جئت فقلت : هو يأكل ، قال : ثمّ قال لي : اذهب فادع لي معاوية ، قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، فقال صلى اللّه عليه وآله : « لا أشبع اللّه بطنه » (1).

2 - عن ابن عباس قال : سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله صوت رجلين يغنّيان ... فسأل عنهما ، فقيل : معاوية وعمرو بن العاص ، فقال : « اللّهم أركسهما في الفتنة ركساً ، ودعهما إلى النار دعّاً » (2).

3 - عن الإمام الحسن عليه السلام قال : « باللّه يا عمرو وأنت يا مغيرة تعلمان أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : لعن اللّه السائق والراكب ، أحدهما فلان » - أي معاوية - قالا : اللّهم نعم بلى (3).

ص: 267


1- صحيح مسلم 8 / 27 ، مسند أبي داود : 359.
2- المعجم الكبير 11 / 32.
3- المصدر السابق 3 / 72 ، مجمع الزوائد 7 / 247.

هذا مضافاً إلى ما ورد من أخبار النبيّ صلى اللّه عليه وآله بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين ، وأنّ عمّار تقتله الفئة الباغية.

( أسد - أمريكا - سنّي )

كان يسبّ علياً :

س : ما هو دليلكم على أنّ معاوية كان يشتم علياً ( كرّم اللّه وجهه )؟

ج : إنّ مصادر التاريخ والسير مليئة بإثبات هذا المطلب ، حتّى كادت أن تكون متواترة ، ولا ينكر هذا المطلب إلاّ مكابر ، ونحن هنا نقتصر على ذكر روايتين ، علّنا في المستقبل نوفّق لأن نذكر بحثاً مختصراً يجمع أهم مصادر هذا البحث :

1 - عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص ، عن أبيه قال : « أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً ، فقال : ما منعك أن تسبّ أبا التراب؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فلن أسبه ... » (1).

2 - عن سهل بن سعد قال : « استعمل على المدينة رجل من آل مروان ، قال : فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم علياً ، قال : فأبى سهل ، فقال له : أما إذا أبيت فقل : لعن اللّه أبا تراب ... » (2).

( منتظر - ... - ..... )

من الطائفة الباغية :

س : الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر على ما ألهم ، أفضل الصلاة وأزكى التسليم على خير الخلائق أجمعين ، محمّد وآله الطاهرين ، واللعن الدائم المؤبّد على أعدائهم أجمعين ، إلى قيام يوم الدين.

ص: 268


1- صحيح مسلم 7 / 120 ، الجامع الكبير 5 / 301 ، المستدرك 3 / 108 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 122 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 111 ، أُسد الغابة 4 / 25 ، الإصابة 4 / 468 ، البداية والنهاية 7 / 376.
2- صحيح مسلم 7 / 123.

إخوتي الأعزاء : لقد وقع نقاش بيني وبين أحد الوهّابيين فقلت له : ارجع إلى حديث الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله الخاصّ بالصحابي الجليل عمّار بن ياسر : « تقتلك الفئة الباغية » (1) ، وهذا ما حصل في معركة صفّين.

فقال لي : ارجع إلى كتاب اللّه ما معنى البغي : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حتّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) (2).

ومن هنا يكتشف لدينا : أنّ معاوية وأصحابه من المؤمنين ، واستدلّ بقول الإمام علي عليه السلام : ( إخواننا بغوا علينا ) ، ما هو الردّ على هذا الإشكال؟ مع الشكر.

ج : نود توضيح بعض النقاط تتوقّف إجابة السؤال عليها :

1 - إنّ صفة المؤمنين مفهوم كُلّي ينطبق على مصاديق وأفراد كثيرة ، ولا يندرج فرداً أو مصداقاً تحت هذا المفهوم إلاّ بدليل قطعي ، ولا يكفي في دخوله مجرّد الشكّ ، وعليه فلابدّ من وجود دليل على كون معاوية وبعض من حوله من المؤمنين ، حتّى يدخل تحت هذه الآية ، ولا يكفي الشكّ في كونهم مؤمنين ، وهذا واضح.

2 - إذا ادّعى مدّعٍ : أنّ معاوية قد أسلم ظاهراً ، وهذا يكفي لإطلاق صفة الإيمان عليه ، نقول : إنّ الإسلام غير الإيمان ، فلا يخرج إثبات إيمانه عن احتياجه لدليل ، بل الأدلّة الكثيرة قائمة على عدم إيمانه ونفاقه ، وهي لا تخفى عليكم ، حيث أنّ الإيمان عمل قلبي لا يعرفه إلاّ اللّه والشخص المعني ، وإنّما نستدلّ عليه من تطابق أعمال الفرد مع المعايير الإسلامية ، ومعاوية بعيد عنها كُلّ البعد ، والأمثلة كثيرة.

3 - قد نثبت لمعاوية الإسلام الظاهري مع النفاق فهو منافق ، فيمكن أن يدخل في الآية من هذه الجهة ، لأنّ القرآن سمّى أُناساً كانوا مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله

ص: 269


1- مسند أحمد 2 / 161 و 3 / 5 و 5 / 306 و 6 / 300 و 311 ، صحيح مسلم 8 / 186 ، الجامع الكبير 5 / 333.
2- الحجرات : 9.

مؤمنين ، مع أنّ أفعالهم أفعال المنافقين ، فهذا الإطلاق في القرآن إطلاق عام يشمل المؤمنين حقيقة والمنافقين ، قال تعالى : ( وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ) (1).

قال الشيخ الطوسي : « وهذه صفة المنافقين بلا خلاف » (2).

4 - يجب التنبيه هنا على شيء مهمّ ، وهو التفريق في الكلام بين معاوية بخصوصه مع بعض من اتبعه - كمروان وعمرو بن العاص - وبين جماعة أهل الشام الذين معه ، فإنّ الغالبية العظمى من أتباعه جهّال خدعوا وهم مسلمون ، قد يكون منهم مخلصون في الدفاع عن الإسلام ، ولكن داءهم الجهل ، وهذا أمر عرفي واضح.

فإذا كان الكلام عن الجماعة ككل ، فلا مانع من أن تصفهم بأنّهم مسلمون ، أو مؤمنون بالمعنى العام المشار إليه ، أو حتّى مؤمنون جهّال وغير منافقين ، إذ كانوا يظنّون أنّهم يمثّلون الإسلام الحقيقي ، بما مارسه معاوية عليهم من كذب وإشاعات.

فإذا كان الكلام بخصوص معاوية وهؤلاء البعض من أعوانه ، فإنّ الأمر يختلف ، إذ أنّا يمكن أن ننسب إليهم النفاق والكفر بالمعنى الخاصّ - المقابل للإيمان - وإن كانوا غير كافرين بالمعنى العام - أي مجاهرين بالكفر - إذ هم مسلمون على الظاهر.

وهذا أمر واضح ، فإنّ الجماعة - كجماعة - يمكن أن تضم بينها المسلم والمؤمن والمنافق ، ولكن عند الخطاب يطلق عليها الصفة التي تنطبق عليها بالظاهر العام ، ولا تنفي هذه الصفة حقيقة الفرد المنضوي تحتها ، وهذا الأمر أيضاً ينطبق على جيش أمير المؤمنين عليه السلام ، فإنّ فيهم الخوارج والمنافقين ، وهذا أمر واضح.

ص: 270


1- الأنفال : 5 - 6.
2- المبسوط للشيخ الطوسي 7 / 262.

فيجب التفريق في الكلام على الجماعة بما هم جماعة ، وعلى الأفراد بما هم أفراد ، ومن هنا نفهم كلمات أمير المؤمنين عليه السلام : « إخواننا بغوا علينا » (1) ، نعم هم إخوان بالإسلام بما هم جماعة ككل ، وأحكامهم تختلف عن الكفّار المجاهرين بالكفر.

5 - إنّ الآية قد أطلقت صفة المؤمنين بالمعنى العام السابق على الطائفتين ، ثمّ قالت : ( فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى ) ، وقد حدّد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الطائفة الباغية ، التي تأمرنا الآية بقتالها.

فالمقتول في طائفة الحقّ في الجنّة كعمّار ، والمقتول في طائفة البغي في النار ، فعند حدوث البغي حصل التفريق بين الطائفتين وبين موقفيهما ، وهو واضح من الآية ، فما معنى إطلاق لفظة المؤمنين على البغاة بعد ذلك؟ إذ النزاع ليس لفظي ، مع أنّه يخالف المفهوم من الآية ، وجهة المقابلة الموجودة فيها بين الطائفتين.

ثمّ إنّ هذه المفاهيم - كالإسلام والإيمان - وضعت واستعملت للإشارة إلى حقائق أُخروية ، ونحن نستعملها كذلك ، فعندما نطلق على شخص أنّه مؤمن ، أي أنّه مصنّف في الناجين يوم القيامة ، فإذا ثبت لنا أنّه في النار ، فلا يكون إطلاق صفة الإيمان عليه إلاّ سفسطة.

ونزاعنا مع القوم ليس بالألفاظ ، وإنّما في المآل الأخروي الذي تدلّ عليه الألفاظ ، وإلاّ فما فائدة أن نطلق عليه مؤمن وهو في النار؟ إلاّ التلاعب بالألفاظ.

6 - ليكن من الواضح : أنّا عندما نطلق على معاوية أنّه كافر ، نريد به إمّا أنّه كافر بالمعنى الخاصّ المقابل للإيمان الخاصّ ، الذي هو الإيمان بالإمامة ، وهو غير الكافر بالمعنى العام ، أي المجاهر بالكفر المقابل للمسلم ، أو نريد به المنافق ، بل الأصح أنّا نريد به المنافق الذي يعامل معاملة المظهر للإسلام باللسان ، فهو كافر بالباطن.

ص: 271


1- السنن الكبرى للبيهقي 8 / 173.

أمّا الفئة العظمى من جيشه ، فإنّا نطلق عليهم مسلمين غير مؤمنين بالإمامة ، فهم ليسوا كفّاراً مجاهرين ، ولكن إذا أُطلق عليهم الكفر يراد به الكافر الخاصّ ، المقابل للإيمان الخاصّ ، ويمكن أن يطلق عليهم مؤمنين بالمعنى العام المشار إليه سابقاً ، الذي يساوي الإسلام العام.

7 - إنّ اختلاف جماعتين ربما يكون في شيء لا يخرج عن الإيمان أو الإسلام ، وربما يختلفان في شيء يخرج عنهما ، والآية عامّة شاملة لكلا الحالين.

ويبقى علينا التشخيص في تحديد الأمر المختلف عليه ، إذ بعد وقوع القتال وحصول التمايز بينهما بالبغي وعدمه ، نرجع في تحديد صفة كُلّ طائفة بما تعتقد به ، وتخالف الأُخرى عليه ، فإذا كانت طائفة تقاتل وتخالف الأُخرى على شيء يخرج عن الإسلام أو الإيمان ، نسبنا تلك الطائفة بما يناسبها من ذلك ، وهو ما حصل بين طائفة علي عليه السلام وطائفة معاوية ، فالخروج على إمام الزمان موبقة تخرج عن الإسلام أو الإيمان على الخلاف ، فلاحظ.

( الموسوي - العراق - 20 سنة - طالب )

مسلم في الظاهر :

س : قد طرح عليّ هذا السؤال : هل معاوية كان مؤمناً قبل الفتنة على الأقل في نظرك أنت؟ أُريد الجواب للتأصيل فقط لا غير ، وبعدها أنا سأكمل ، فأجبته : بنعم ، فأجابني الزميل المخالف بهذا ج : سيّدنا علي رضي اللّه عنه يقول : نعم ، حتّى في وقت الحرب ، وكما وعدتك ... من كتبك.

الأوّل : عن جعفر عن أبيه أنّ علياً عليه السلام كان يقول لأهل حربه : « إنّا لم نقاتلهم على التكفير لهم ، ولم نقاتلهم على التكفير لنا ، ولكنّا رأينا أنّا على حقّ ، ورأوا أنّهم على حقّ » (1).

ص: 272


1- قرب الإسناد : 93.

الثاني : قال علي عليه السلام : « وكان بدء أمرنا أنّا التقينا بالقوم من أهل الشام ، والظاهر أنّ ربّنا واحد ، ونبيّنا واحد ، ودعوتنا في الإسلام واحدة ، ولا نستزيدهم في الإيمان باللّه والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا ، والأمر واحد إلاّ ما اختلفنا فيه من دم عثمان ، ونحن منه براء » (1).

الثالث : عن جعفر عن أبيه : « أنّ علياً عليه السلام لم يكن ينسب أحداً من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق ، ولكنّه كان يقول : هم إخواننا بغوا علينا » (2).

الرابع : قال علي عليه السلام : « إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين ، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم ، وذكرتم حالهم كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر ، وقلتم مكان سبّكم إيّاهم : اللّهم أحقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ... » (3).

أذكرك بقوله تعالى : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حتّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) (4).

وبالإضافة للآية ... يكفيك الأحاديث المذكورة ، فما ردّي؟ هل هذه حجّة علينا أنّ الإمام علي عليه السلام شهد لمعاوية عليه من اللّه ما يستحق بأنّه مسلم ، فسؤالي هل معاوية كان مسلماً؟

أرجو الإفادة والمساعدة ، بارك اللّه بكم ، وجزاكم اللّه ألف خير في الدفاع عن هذا الإسلام المحمّدي الأصيل.

الجواب : الإسلام الظاهري لا ننفيه عن أيّ أحد يدّعي الإسلام ، ويتشهّد الشهادتين ، إلاّ أن يأتي بكفر بواح ، أو أنكر معلوماً من الدين بالضرورة عناداً للحقّ ، وتكذيباً للرسول صلى اللّه عليه وآله.

فنحن لا ننفي إسلام معاوية أو غيره في هذه الدنيا ، وإنّما نعتقد بأنّ من يخالف الحقّ ، ولم يتولّ أهل البيت عليهم السلام فهو ليس بمؤمن بالمعنى الأخص في

ص: 273


1- شرح نهج البلاغة 17 / 141.
2- قرب الإسناد : 94.
3- شرح نهج البلاغة 11 / 21.
4- الحجرات : 9.

الدنيا ، وليس بمسلم حقيقي عند اللّه في الواقع ، وهو يستحقّ النار في الآخرة.

ودليلنا على ذلك حديث الافتراق ، قال صلى اللّه عليه وآله : « وستفترق أُمّتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كُلّها في النار إلاّ واحدة » (1) ، فبيّن النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله بأنّ جميع الفرق هي أُمّته الإسلامية ، وتنتسب ظاهراً - وفي هذه الدنيا - إلى الإسلام ، ولكن الفرقة الناجية منها هي واحدة فقط ، فهي المسلمة حقّاً ، وهي المتبعة للحقّ وتستحقّ الجنّة.

فهؤلاء المحاربين لأمير المؤمنين عليه السلام لا نخرجهم عن الإسلام في هذه الدنيا ، فنجري عليهم حكم الإسلام والمسلمين ، ودليلنا ما ورد من قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله » (2) ، وقال عن إسناده ابن حجر : « ورجاله رجال الصحيح » (3).

وأمّا ما أوردت من نصوص عن أئمّتنا عليهم السلام فهي تدلّ على ما قدّمنا من إثبات إسلامهم الظاهري ، ولكن لم يثبت نجاتهم في الآخرة أبداً.

وأمّا الأحاديث والآية التي ذكرتها لإثبات إسلامهم ، فقد أثبتنا نحن أيضاً الإسلام الظاهر ، ولا تدلّ على أكثر من ذلك ، وكذلك وصف الإمام عليه السلام لهم بأنّهم إخواننا بغوا علينا ، أو أنّهم رأوا أنّهم على حقّ ، فهذه الأوصاف ليست كُلّية ، وتشمل كُلّ فرد فرد ، وإنّما فيهم المنافق وفيهم الفاسق ، وفيهم المعاند وفيهم الجاهل الخ.

وخصوصاً قول الإمام عليه السلام : « والظاهر أنّ ربّنا واحد » ، فإنّ الإمام عليه السلام يبيّن أيضاً بأنّهم مسلمون ظاهراً ، بل هي تدلّ على بغيهم ، ولو تأمّلت بالآية الكريمة

ص: 274


1- سنن الدارمي 2 / 241 ، سنن ابن ماجة 2 / 1322 ، سنن أبي داود 2 / 390 ، الجامع الكبير 4 / 135 ، المستدرك 1 / 128 ، المعجم الكبير 8 / 273.
2- مسند أحمد 3 / 33 و 82 ، المستدرك 3 / 123 ، مجمع الزوائد 5 / 186 و 6 / 244 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 154 ، خصائص أمير المؤمنين : 131 ، مسند أبي يعلى 2 / 341 ، صحيح ابن حبّان 15 / 385 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 451 ، أُسد الغابة 4 / 32.
3- مجمع الزوائد 5 / 186.

لما وجدتها تثبت ذلك لهم بعد البغي ( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حتّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) ، فالآية غير متعرّضة بالمرّة لمن لا يفئ إلى أمر اللّه ، فلا تستطيع إثبات الإيمان لمن أصرّ وبقي على بغيه من خلال هذه الآية ، فهي عليك لا لك.

ويكفينا لحكمنا هذا بالتفريق بين حالهم في الدنيا وحالهم في الآخرة ما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لعمّار - في أوّل أيّام الهجرة النبوية الشريفة ، عندما كانوا يبنون المسجد النبوي الشريف - : « ويح عمّار تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنّة ، ويدعونه إلى النار » (1).

فانظر يا أخي هداك اللّه كيف تجهد نفسك ، وتجعلها في صفّ مَن يدعو إلى النار وتتولاّه ، وتدافع عنه بهذه القوّة ، وتأتي بأحاديث وتقول : وكما وعدتك ... من كتبك ....

اتق اللّه يا أخي ، ودافع وجاهد عن الحقّ ، وعن الدعاة إلى الجنّة ، وكن معهم ، وجاهد وعاند الدعاة إلى النار ، وكن ضدّهم وتبرأ منهم.

( عيسى الشيباني - الإمارات - 26 سنة - الثانوية العامّة )

لم يبك على علي عند شهادته :

س : عداء معاوية لعلي بن أبي طالب عليه السلام كان معروفاً من عدّة روايات من كلا الفريقين , فأهل السنّة يقولون حين جاء خبر مقتل علي بن أبي طالب عليه السلام لمعاوية بكى ، فكيف لنا أن نوافق ما بين العداء الذي كان يحمله معاوية للإمام , والبكاء الذي ذرف من عينيه بعد سماعه مقتله؟

كيف لنا أن نقيم الحجّة على القوم؟ وخاصّة في حال وجود التضارب في الأقوال في مثل هذه الحالة؟ مع المتيقّن منه العداء للإمام ، فما مدى صحّة القول الثاني؟

ص: 275


1- مسند أحمد 3 / 91 ، صحيح البخاري 1 / 115 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 523 ، صحيح ابن حبّان 15 / 554 ، المعجم الكبير 12 / 301 ، صحيح مسلم 8 / 186.

ج : الخبر المذكور نقله ابن عساكر بسند متّصل إلى مغيرة ، ومغيرة هذا هو ابن مقسم الضبي ، وهو بعيد بكثير عن حادثة شهادة الإمام علي عليه السلام ، فالخبر إذاً مقطوع السند ، ثمّ أنّ هناك كلام في المغيرة ، فمنهم من وثّقة ، ومنهم من قال : أنّه يدلّس (1).

والخبر الذي نقله هو : « جاء نعي علي بن أبي طالب إلى معاوية ، وهو نائم مع امرأته فاخته بنت قرظة ، فقعد باكياً مسترجعاً ، فقالت له فاخته : أنت بالأمس تطعن عليه واليوم تبكي عليه ، فقال : ويحك أنا أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه » (2).

ولو غضضنا النظر عن السند ، وبحثنا في دلالته لتوصّلنا إلى ما يأتي :

1 - اعتراف معاوية للإمام علي عليه السلام بالحلم والعلم.

2 - استنكار امرأة معاوية من التناقض في سلوك معاوية من قتاله والبكاء عليه ، ومعنى كلامها أنّ عدائك للإمام عليه عليه السلام شديد ، حتّى وصل إلى القتال ، فما معنى بكاءك؟ فيردّ عليها : أنّ الذي عند الإمام علي عليه السلام من الحلم والعلم يجعل الأعداء تبكي عليه.

3 - احتياج الناس إلى الإمام عليه السلام ، وافتقارهم له عند موته.

4 - إقرار معاوية بقتاله لعلي عليه السلام.

5 - بكاء معاوية كان إشفاقاً على الناس لفقدهم الإمام عليه السلام حسب تعليله هو.

وبملاحظة هذه الأُمور ، فإنّ هذا الخبر لا يعطي أيّ دلالة على عدم وجود العداء بين الإمام عليه السلام ومعاوية ، بل على العكس من ذلك ، فهو يؤكّد وجود ذلك العداء ، ويظهر فضائل الإمام عليه السلام ، ويؤكّد الحجّة على معاوية.

ص: 276


1- الثقات : 464 ، التبيين لأسماء المدلّسين : 56.
2- تاريخ مدينة دمشق 42 / 582.

( أُمّ محمّد - الكويت - 40 سنة - خرّيجة جامعة )

وصيته ليزيد إن ظفر بالحسين :

س : ورد في رواياتنا وصية معاوية لابنه يزيد ، وكان فيها إشارة إلى معرفة معاوية لحقّ الحسين عليه السلام : « وأمّا الحسين فقد عرفت حظّه من رسول اللّه , وهو من لحم رسول اللّه ودمه , وقد علمت لا محالة أنّ أهل العراق سيخرجونه إليهم ، ثمّ يخذلونه ويضيّعونه , فإن ظفرت به فاعرف حقّه ومنزلته من رسول اللّه , ولا تؤاخذه بفعله , ومع ذلك فإنّ لنا به خلطة ورحماً , وإيّاك أن تناله بسوء , أو يرى منك مكروهاً ».

فهل يعقل ذلك أم في الروايات مآخذ؟

ج : الحديث نقله من أصحابنا الشيخ الصدوق قدس سره (1) ، وفي السند الذي ذكره أفراد مجهولون ، فلهذا لا يمكن الوثوق بصحّة مثل هكذا حديث.

ولو سلّمنا بصحّة السند ، فهو يدلّ على مدى الوقاحة لدى يزيد أن أقدم على قتل الحسين عليه السلام ، وهو عارف بحقّه ، ويدلّ أيضاً على مدى الدهاء الذي يتمتّع به معاوية الغاصب للخلافة ، والمحارب لأبي الحسين عليهما السلام ، العارف بحقّهما وقربهما من رسول اللّه ، والذي يجيز لابنه الظفر بالحسين عليه السلام ، ولا يجيز له أن يناله مكروه ، لأنّه يعلم أنّ إلحاق الأذى بالحسين عليه السلام سوف يزلزل ملك ابنه ، فهو معلّم لابنه أُسلوباً من أساليب الدهاء ، التي لم يجد الابن ممارستها.

وبالتمحيص في شخصية معاوية لا يبدو غريباً أن يصدر منه مثل هكذا وصيّه ، فقد عُرف بالمكر والخداع والدهاء ، وصدور مثل هكذا وصيّة من معاوية لا يعدّ فضيلة له ، بل فيها أكبر إدانة له ، حيث يعلّم ابنه الأساليب المناسبة للتسلّط على المسلمين ، وكبح جماح المعارضين ، وفي تسلّط يزيد

ص: 277


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 216.

الفاسق الفاجر على المسلمين أكبر ظلامة وقعت على الإسلام والمسلمين ، والتي يتحمّل جزءً كبيراً منها معاوية ، وذلك بتمهيد الطريق أمام ابنه للتسلّط على رقاب المسلمين ، وهذا ما ذكره معاوية في تلك الوصية في غير تلك الأسطر التي ذكرتها.

ص: 278

المعجزة :

اشارة

( السيّد علي - البحرين - .... )

شروطها :

س : ما هي شروط المعجزة؟

ج : ننقل لك نصّ عبارة الشيخ الطوسي قدس سره حول شروط المعجز : « والمعجز يدلّ على ما قلناه بشروط : أوّلها : أن يكون خارقاً للعادة ، والثاني : أن يكون من فعل اللّه تعالى أو جارياً مجرى فعله ، والثالث : أن يتعذّر على الخلق جنسه أو صفته المخصوصة ، والرابع : أن يتعلّق بالمدّعي على وجه التصديق لدعواه.

وإّنما اعتبرنا كونه خارقاً للعادة لأنّه لو لم يكن كذلك لم يعلم أنّه فعل للتصديق دون أن يكون فعل بمجرى العادة ، ألا ترى أنّه لا يمكن أن يستدلّ بطلوع الشمس من مشرقها على صدق الصادق ، ويمكن بطلوعها من مغربها وذلك لما فيه من خارق العادة.

واعتبرنا كونه من فعل اللّه لأنّ المدّعي إذا ادّعى أنّ اللّه يصدّقه بما يفعله ، فيجب أن يكون الفعل الذي قام مقام التصديق من فعل من طلب منه التصديق ، وإلاّ لم يكن دالاً عليه ، وفعل المدّعي كفعل غيره من العباد ، لأنّه لا يدلّ على التصديق ، وإنّما يدلّ فعل من أدّعى عليه التصديق ....

وإنّما اعتبرنا أن يكون متعذّراً في جنسه أو صفته ، لأنّا متى لم نعلمه كذلك لم نأمن أن يكون من فعل غير اللّه ، وقد بيّنا لابدّ أن يكون من فعله ... » (1).

ص: 279


1- الاقتصاد : 155.

( عبد اللّه - أمريكا - .... )

التمييز بين معجزة النبيّ وغيره :

س : كيف نفرّق بين معاجز الأنبياء وبين بعض الظواهر الغريبة الصادرة من السحرة ، والمرتاضين ، وأصحاب التنويم المغناطيسي؟

ج : يمكننا تمييز النبيّ بمعجزته عن غيره - من الذين تظهر منهم بعض الظواهر الخارقة للعادة - بعدّة نقاط :

الأُولى : أنّ النبيّ لا يحتاج في إظهار معجزته إلى تعليم أو تمرين ، بينما يحتاج غيره إلى ذلك ، حتّى يظهر ما هو خارق للعادة.

الثانية : ظاهرة المعجزة لا يمكن لغير النبيّ من الإتيان بمثلها ، بينما ظاهرة السحر والشعوذة ، والتنويم المغناطيسي ، ورياضة المرتاض يسهل على الغير تكرارها.

فبإمكان كُلّ إنسان أن يحوّل من الحبال أشكالاً وهمية تشبه الأفاعي ، حينما يسحر أعين الناس ، إلاّ أنّه يعجز عن أن يلقي عصاه - كما فعل النبيّ موسى عليه السلام - لتكون أفعى تلقف ما يؤفك من السحر.

الثالثة : ليس من عادة غير الأنبياء إعلان تحدّيهم للغير في الإتيان بمثل ما أتوا به ، بينما نلاحظ الأنبياء قد قرنوا معجزتهم بالتحدّي على الإتيان بمثل ما أتوا به ، كما تحدّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله المشركين حينما أظهر معجزة القرآن : ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) (1).

الرابعة : أنّ الساحر والمشعوذ والمرتاض وغيرهم يكون ما يظهر على أيديهم محدّداً بحدود خاصّة - تبعاً لطريقة التمرين والرياضة التي تعلّموها - بينما كان الأنبياء يلبّون طلب الناس في إظهار أيّ معجزة ، ومن دون سابق إعلان في تحديد

ص: 280


1- الإسراء : 88.

صورة وشكل المعجزة ، التي يريدها الناس منهم ، مع ملاحظة المصلحة في المقام ، كما حدث للنبي صالح عليه السلام حينما أخرج لقومه ناقة مع فصيلها ، حينما طالبه قومه بإظهارها كمعجزة لإثبات نبوّته ، ومن دون سبق إنذار.

( محمّد - ... - طالب )

لازمة لكُلّ نبي :

س : لماذا يحتاج كُلّ نبي إلى معجزة لإثبات نبوّته؟ ومع الشكر الجزيل.

ج : تكليف عامّة البشر واجب على اللّه تعالى ، وهذا الحكم قطعي قد ثبت بالبراهين الصحيحة ، والأدلّة العقلية الواضحة ، فإنّ البشر محتاجون إلى التكليف في طريق تكاملهم ، وحصولهم على السعادة الكبرى ، والتجارة الرابحة.

فإذا لم يكلّفهم اللّه تعالى ، فإمّا أن يكون ذلك لعدم علمه بحاجتهم إلى التكليف ، وهذا جهل يتنزّه عنه المولى عزّ وجلّ ، وإمّا لأنّ اللّه أراد حجبهم عن الوصول إلى كمالاتهم ، وهذا بخل يستحيل على الجواد المطلق ، وإمّا لأنّه أراد تكليفهم فلم يمكنه ذلك ، وهو عجز يمتنع على القادر المطلق ، فلابدّ من تكليف البشر.

ومن الضروري أنّ التكليف يحتاج إلى مبلّغ من نوع البشر يوقفهم على خفي التكليف وجليه : ( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (1).

ومن الضروري أيضاً أنّ السفارة الإلهية من المناصب العظيمة التي يكثر لها المدّعون ، ويرغب في الحصول عليها الراغبون ، ونتيجة هذا أن يشتبه الصادق بالكاذب ، ويختلط المضلّ بالهادي ، فلابدّ لمدّعي السفارة أن يقيم شاهداً واضحاً يدلّ على صدقه في الدعوى ، وأمانته في التبليغ ، ولا يكون هذا الشاهد من الأفعال العادّية التي يمكن غيره أن يأتي بنظيرها ، فينحصر الطريق بما يخرق النواميس الطبيعية.

ص: 281


1- الأنفال : 42.

وإنّما يكون الإعجاز دليلاً على صدق المدّعي ، لأنّ المعجز فيه خرق للنواميس الطبيعية ، فلا يمكن أن يقع من أحد إلاّ بعناية من اللّه تعالى ، وإقدار منه ، فلو كان مدّعي النبوّة كاذباً في دعواه ، كان إقداره على المعجز من قبل اللّه تعالى إغراء بالجهل ، وإشادة بالباطل ، وذلك محال على الحكيم تعالى.

فإذا ظهرت المعجزة على يده كانت دالّة على صدقه ، وكاشفة عن رضا الحقّ سبحانه بنبوّته.

ص: 282

الملائكة :

اشارة

( ... - ... - ..... )

علمها بأنّ الإنسان يسفك الدماء :

س : قالت الملائكة لله تعالى : ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ... ) (1) ، فظاهر الآية أنّ الملائكة كانت على علم بما سيقع ، من أين علمت؟ ونلاحظ أنّ الملائكة في ظاهر الآية أبدت اعتراض لمشيئة اللّه ، فكيف نفسّر هذا؟

ج : إنّ الملائكة قد رأوا من قبل ما فعله الجنّ في الأرض من الفساد ، والحديث عن الخلافة الإلهية في الأرض ، وهذه لا تتلائم مع السفك والفساد ، فبتحليلهم الخاصّ كأنّما قالوا في مقام الاستفهام وليس الاعتراض والاستنكار : أنّه كيف تجعل فيها خليفة لك ، وهو بطبيعته سوف يسفك الدم ويفسد في الأرض ، كما حدث لأبناء آدم عليه السلام؟

فأجابهم اللّه تعالى : ( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) ، كما أنّه يعلم غيب السماوات والأرض.

هذا ، وأجاب السيّد الطباطبائي بجواب آخر فقال : « قوله تعالى : ( قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ) إلى قوله : ( وَنُقَدِّسُ لَكَ ) مشعر بأنّهم إنّما فهموا وقوع الإفساد وسفك الدماء من قوله سبحانه : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) (2) ، حيث أنّ الموجود الأرضي بما أنّه مادّي مركّب من القوى

ص: 283


1- البقرة : 30.
2- البقرة : 30.

الغضبية والشهوية ، والدار دار التزاحم ، محدودة الجهات وافرة المزاحمات ، مركباتها في معرض الانحلال ، وانتظاماتها وإصلاحاتها في مظنّة الفساد ومصبّ البطلان ، لا تتمّ الحياة فيها إلاّ بالحياة النوعية ، ولا يكمل البقاء فيها إلاّ بالاجتماع والتعاون ، فلا تخلو من الفساد وسفك الدماء.

ففهموا من هناك أنّ الخلافة المرادة لا تقع في الأرض إلاّ بكثرة من الأفراد ، ونظام اجتماعي بينهم يفضي بالآخرة إلى الفساد والسفك ، والخلافة وهي قيام شيء مقام آخر لا تتمّ إلاّ بكون الخليفة حاكياً للمستخلف في جميع شؤونه الوجودية ، وآثاره وأحكامه وتدابيره بما هو مستخلف ، واللّه سبحانه في وجوده مسمّى بالأسماء الحسنى ، متّصف بالصفات العليا ، من أوصاف الجمال والجلال ، منزّه في نفسه عن النقص ، ومقدّس في فعله عن الشرّ والفساد جلّت عظمته ، والخليفة الأرضي بما هو كذلك لا يليق بالاستخلاف ، ولا يحكي بوجوده المشوب بكُلّ نقص وشين الوجود الإلهي المقدّس المنزّه عن جميع النقائص وكُلّ الأعدام ، فأين التراب وربّ الأرباب.

وهذا الكلام من الملائكة في مقام تعرف ما جهلوه ، واستيضاح ما أشكل عليهم من أمر هذا الخليفة ، وليس من الاعتراض والخصومة في شيء ، والدليل على ذلك قولهم فيما حكاه اللّه تعالى عنهم : ( إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) (1) حيث صدّر الجملة بأن التعليلية المشعرة بتسلّم مدخولها ، فافهم.

فملخّص قولهم يعود إلى أنّ جعل الخلافة إنّما هو لأجل أن يحكى الخليفة مستخلفه بتسبيحه بحمده وتقديسه له بوجوده ، والأرضية لا تدعه بفعل ذلك ، بل تجرّه إلى الفساد والشر ، والغاية من هذا الجعل وهي التسبيح والتقديس بالمعنى الذي مر من الحكاية حاصلة بتسبيحنا بحمدك وتقديسنا لك ، فنحن خلفاؤك أو فاجعلنا خلفاء لك ، فما فائدة جعل هذه الخلافة الأرضية لك؟ فردّ اللّه سبحانه ذلك عليهم بقوله : ( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ... ) (2).

ص: 284


1- البقرة : 32.
2- الميزان في تفسير القرآن 1 / 115.

( أبو ياسر الجبوري - سويسرا - .... )

اللّه تعالى غير محتاج لهم :

س : سؤالي هو : إن كان اللّه غير محتاج لأحد ، فلماذا خلق اللّه الملائكة رغم زهده فيهم؟ وفّقكم اللّه لمرضاته.

ج : إنّ خلق اللّه تعالى للملائكة ليس بسبب الحاجة إلى مراقبة العباد في أعمالهم ، والاستعانة بالملائكة لأُمور خلقه ، بل اللّه أكرم من أن يحتاج إلى أحد من خلقه ، إذ كيف يحتاج إلى مَن هو محتاج إليه؟ وقوله تعالى : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا ) (1) دليل على افتقار الملائكة إليه.

وعلمه تعالى بما يفعله العباد يدلّ على أنّه غير محتاج إلى الاستعانة بالملائكة ، وقد أشار إلى إحاطته بأعمال عباده بقوله تعالى : ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (2) أي : يعلم دقائق وتفاصيل أعضائه فضلاً عن خطرات قلبه ، فلا يحتاج إلى أن تعلمه الملائكة بذلك ، بل خلقه للملائكة لا من باب الحاجة بل من جهة أنّ اللّه تعالى قد خلق هذا الكون حسب نظام ومقتضيات وأسباب ، وأراد تعالى أن تجري أُمور هذا الكون بأسبابها ، وفق قوانينه التي خلقها لهذا الكون ، فهذا الكون وما فيه تحت هيمنته وجبروته لا يتخلّف عنه طرفة عين أبداً.

قال الإمام علي عليه السلام في دعاء كميل : « وكلّ سيئة أمرت باثباتها الكرام الكاتبين الذين وكّلتهم بحفظ ما يكون منّي ، وجعلتهم شهوداً عليّ مع جوارحي ، وكنت أنت الرقيب عليّ من ورائهم ، والشاهد لما خفي عنهم ... » (3).

ص: 285


1- البقرة : 31 - 32.
2- ق : 16.
3- مصباح المتهجّد : 849.

ومعنى هذا : أنّ الملائكة يخفى عليهم ما لا يخفى على اللّه تعالى ، فكيف هو يحتاج إليهم ويستعين بهم؟ بل الصحيح - واللّه أعلم - أنّ ذلك لانتظام الكون وشؤون الخلق ، فخلق الملائكة وكلّفهم بمهام وقضايا هو أعلم بها.

( سعد الحسيني - العراق - .... )

حول نورهم وسجودهم :

س : أرجو التفضّل بالإجابة على التساؤل التالي : هل إذا اجتمعت الملائكة يصبح نورهم مساوياً لنور اللّه عزّ وجلّ؟ وهل سجد جميع الملائكة لآدم عليه السلام؟ أم جزء منهم؟ أرجو تقبّل الشكر الجزيل.

ج : إنّ نور اللّه تعالى نور أزلي غير مخلوق لا نعرف كنهه ، بينما نور الملائكة نور حادث مخلوق ، وعليه لا يمكن أن نقيس نور من الأنوار بنور اللّه تعالى ، هذا أوّلاً.

وثانياً : قد سجد جميع الملائكة لآدم عليه السلام إلاّ إبليس ، وذلك لصريح الآية : ( فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ ) (1) ، فكلمة ( كُلُّهُمْ ) و ( أَجْمَعُونَ ) تدلاّن على سجود كُلّ الملائكة إلاّ ما استثنته الآية ، وهو إبليس لعنة اللّه عليه.

( .... - سوريا - 16 سنة )

تعقيب على الجواب السابق :

أُريد أن أنوّه إلى الأخ سعد الحسيني في سؤاله عن سجود الملائكة لآدم عليه السلام ، بعد أن أجاب مركز الأبحاث العقائدية جزاه اللّه تعالى عنّا كُلّ خير : أنّ إبليس لعنه اللّه ليس من الملائكة ، بل هو من الجنّ ، وقد خلقه اللّه تعالى من نار.

ص: 286


1- ص : 72 - 73.

قال اللّه تعالى في كتابه الكريم : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) (1) ، وهذا يدلّ أنّ إبليس لعنه اللّه ليس من الملائكة ، ولكنّه كان عبداً صالحاً ، وقد عصى اللّه تعالى وأصرّ على معصيته ، ولم يستغفر ربّه ولم يتب إليه ، فخرج من رحمة اللّه تعالى ، وهبط إلى الأرض.

( زهرة - البحرين - .... )

وظائفها :

س : لماذا خلق اللّه الملائكة؟ ولماذا كلّفهم بمهمّات معيّنة ومحدّدة؟ شاكرين لكم إجابتكم.

ج : حكمة خلق الملائكة - كما تظهر من بعض النصوص - هي لتنفيذ مشيئة اللّه تعالى في خلقه ، فمهمّتهم تلقّي الأوامر من مبدأ الخلق وإيصالها إلى عالم الخلق ، إمّا تشريعاً - كإيصال الوحي إلى الأنبياء - وإمّا تكويناً في موارد الإرادة التكوينية.

وبما أنّ إرادة الباري تعالى ومشيئته غير قابلة للخطأ والزلل ، فلابدّ أن تكون آلاتها وأدواتها مصونة من ذلك ، وهذا معنى عصمة الملائكة عليهم السلام.

وبما أنّ الوظائف والمهمّات التي يتولّونها هي مختلفة وأحياناً متغايرة ، فلابدّ من تقسيم الوظائف والتكاليف بالنظر إلى الأدوار التي خصّصوا للقيام بها.

( عصام البعداني. اليمن .... )

حكمة خلقهم :

س : ما هي الحكمة من خلق اللّه للملائكة؟

ص: 287


1- الكهف : 50.

ج : إنّ كثيراً من الحكم والعلل والأسباب لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى ، وعليه لا يمكننا معرفة كُلّ الحكم والعلل ، نعم يمكن أن نعرف بعضها من خلال ما ورد في القرآن الكريم ، والروايات عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام.

فما ورد في القرآن قوله تعالى : ( الْحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلآئِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (1) ، إذاً من الحكم : أنّهم رسل من قبل اللّه تعالى.

وأمّا ما ورد في الروايات ممّا يفهم منه بعض الحكم فكثير ، منها :

1 - قول الإمام علي عليه السلام : « ثمّ خلق سبحانه لإسكان سماواته ، وعمارة الصفيح الأعلى من ملكوته ، خلقاً بديعاً من ملائكته ، وملأ بهم فروج فجاجها ، وحشا بهم فتوق أجوائها ... » (2).

2 - قول الإمام الصادق عليه السلام : « والذي نفسي بيده! لملائكة اللّه في السماوات أكثر من عدد التراب في الأرض ، وما في السماء موضع قدم إلاّ وفيها ملك يسبّحه ويقدّسه ، ولا في الأرض شجرة ولا مدر إلاّ وفيها ملك موكّل بها ... » (3).

3 - قول الإمام علي عليه السلام : « وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سماواتك ، فليس فيهم فترة ، ولا عندهم غفلة ، ولا فيهم معصية ، هم أعلم خلقك بك ، وأخوف خلقك منك ، وأقرب خلقك إليك ، وأعملهم بطاعتك ، لا يغشاهم نوم العيون ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الأبدان ، لم يسكنوا الأصلاب ، ولم تتضمّنهم الأرحام ، ولم تخلقهم من ماء مهين ، أنشأتهم إنشاءً ، فأسكنتهم سماواتك » (4).

4 - قول الإمام علي عليه السلام : « ثمّ فتق ما بين السماوات العلا ، فملأهن أطواراً من ملائكته : منهم سجود لا يركعون ، وركوع لا ينتصبون ، وصافّون لا

ص: 288


1- فاطر : 1.
2- شرح نهج البلاغة 6 / 423.
3- تفسير القمّي 2 / 255.
4- المصدر السابق 2 / 207.

يتزايلون ، ومسبّحون لا يسأمون ، لا يغشاهم نوم العيون ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الأبدان ، ولا غفلة النسيان.

ومنهم أمناء على وحيه ، وألسنة إلى رسله ، ومختلفون بقضائه وأمره.

ومنهم الحفظة لعباده ، والسدنة لأبواب جنانه.

ومنهم الثابتة في الأرضيين السفلى أقدامهم ، والمارقة من السماء العليا أعناقهم ، والخارجة من الأقطار أركانهم ، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم ، ناكسة دونه أبصارهم ، متلفعون تحته بأجنحتهم ، مضروبة بينهم وبين من دونهم حُجب العزّة وأستار القدرة ، لا يتوّهمون ربّهم بالتصوير ، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين ، ولا يحدّونه بالأماكن ، ولا يشيرون إليه بالنظائر » (1).

5 - قول الإمام زين العابدين عليه السلام - في الصلاة على حملة العرش وكُلّ ملك مقرّب - : « اللّهم وحملة عرشك الذين لا يفترون من تسبيحك ... ، ورسلك من الملائكة إلى أهل الأرض بمكروه ، ما ينزل من البلاء ، ومحبوب الرخاء ، والسفرة الكرام البررة ، والحفظة الكرام الكاتبين ، وملك الموت وأعوانه ، ومنكر ونكير ، ومبشّر وبشير ، ورومان فتّان القبور ، والطائفين بالبيت المعمور ، ومالك والخزنة ، ورضوان وسدنة الجنان ، والذين لا يعصون اللّه ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ، والذين يقولون : سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ، والزبانية الذين إذا قيل لهم : ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ) (2) ابتدروه سراعاً ولم ينظروه ، ومن أوهمنا ذكره ، ولم نعلم مكانه منك ، وبأيّ أمر وكّلته ، وسكّان الهواء والأرض والماء ... » (3).

هذا ويمكن أن نعرف الحكمة من خلقهم من خلال أعمالهم التي وكّلوا بها ، والصفات التي يحملوها وهي :

ص: 289


1- شرح نهج البلاغة 1 / 91.
2- الحاقة : 30 - 31.
3- بحار الأنوار 56 / 218.

أوّلاً : أنّهم موجودات مكرّمون ، هم وسائط بينه تعالى وبين العالم المشهود ، فما من حادثة أو واقعة صغيرة أو كبيرة إلاّ وللملائكة فيها شأن ، وعليها ملك موكّل ، أو ملائكة موكّلون بحسب ما فيها من الجهة أو الجهات ، وليس لهم في ذلك شأن ، إلاّ إجراء الأمر الإلهي في مجراه ، أو تقريره في مستقرّه ، كما قال تعالى : ( لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (1).

ثانياً : أنّهم لا يعصون اللّه فيما أمرهم به ، فليست لهم نفسية مستقلّة ، ذات إرادة مستقلّة ، تريد شيئاً غير ما أراد اللّه سبحانه ، فلا يستقلّون بعمل ، ولا يغيّرون أمراً حملهم اللّه إيّاه ، بتحريف أو زيادة أو نقصان ، قال تعالى : ( لاَ يَعْصُونَ اللّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) (2).

ثالثاً : أنّ الملائكة - على كثرتهم - على مراتب مختلفة علوّاً ودنواً ، فبعضهم فوق بعض ، وبعضهم دون بعض ، فمنهم آمر مطاع ، ومنهم مأمور مطيع لأمره ، والآمر منهم آمر بأمر اللّه حامل له إلى المأمور ، والمأمور مأمور بأمر اللّه مطيع له ، فليس لهم من أنفسهم شيء البتة ، قال تعالى : ( وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ) (3) ، وقال تعالى : ( مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) (4) ، وقال تعالى : ( قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ ) (5).

رابعاً : أنّهم غير مغلوبين ، لأنّهم إنّما يعملون بأمر اللّه وإرادته ، قال تعالى : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ ) (6) ، وقال تعالى : ( وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ) (7) ، وقال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ) (8).

ص: 290


1- الأنبياء : 27.
2- التحريم : 6.
3- الصافّات : 164.
4- التكوير : 21.
5- سبأ : 23.
6- فاطر : 44.
7- يوسف : 21.
8- الطلاق : 3.

إذاً ، فهم وسائط بينه تعالى وبين الأشياء ، بدءاً وعوداً على ما يعطيه القرآن الكريم ، بمعنى أنّهم أسباب للحوادث ، فوق الأسباب المادّية في العالم المشهود ، قبل حلول الموت والانتقال إلى نشأة الآخرة وبعده.

أمّا في العود - أي حال ظهور آيات الموت ، وقبض الروح ، وإجراء السؤال ، وثواب القبر وعذابه ، وإماتة الكُلّ بنفخ الصور وإحيائهم بذلك ، والحشر ، وإعطاء الكتاب ، ووضع الموازين والحساب ، والسوق إلى الجنّة والنار - فوساطتهم فيها غني عن البيان ، والآيات الدالّة على ذلك كثيرة ، لا حاجة إلى إيرادها ، والأخبار المأثورة فيها عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأئمّة أهل البيت عليهم السلام فوق حدّ الإحصاء.

وكذا وساطتهم في مرحلة التشريع ، من النزول بالوحي ، ودفع الشياطين عن المداخلة فيه ، وتسديد النبيّ ، وتأييد المؤمنين ، وتطهيرهم بالاستغفار.

( أبو ياسر الجبوري - ... - ..... )

أيضاً يموتون :

س : منذ أيّام مرّ عليّ تساؤل حول الملائكة ، ولكنّني لم أجد الجواب لهذا السؤال ، أرجو منكم إرشادنا للجواب الصحيح.

سؤالنا هو : هل الملائكة تموت؟ وإن كانت لا تموت فما معنى الآية ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالْإِكْرَامِ ) (1) ، وهناك من يقول : بأنّ اللّه يميت ويفني كُلّ ما خلق ، لكي يبرهن قدرته على فناء كُلّ شيء ، أرجو الإجابة مع جزيل الشكر.

ج : قد روى الشيخ الحرّ العاملي بإسناده عن أبي المغرا قال : حدّثني يعقوب الأحمر قال : دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام نعزيه بإسماعيل ، فترحّم عليه ثمّ قال : « إنّ اللّه عزّ وجلّ نعى إلى نبيه صلى اللّه عليه وآله نفسه ، فقال : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم

ص: 291


1- الرحمن : 26 - 27.

مَّيِّتُونَ ) ، وقال : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ) » ، ثمّ أنشأ يحدّث فقال : « أنّه يموت أهل الأرض حتّى لا يبقى أحد ، ثمّ يموت أهل السماء حتّى لا يبقى أحد ، إلاّ ملك الموت ، وحملة العرش ، وجبرائيل ، وميكائيل ».

قال : « فيجيء ملك الموت حتّى يقوم بين يدي اللّه عزّ وجلّ فيقول له : من بقى؟ - وهو أعلم - فيقول : يا ربّ لم يبق إلاّ ملك الموت ، وحملة العرش وجبرائيل وميكائيل ، فيقال له : قل لجبرائيل وميكائيل فليموتا ، فتقول الملائكة عند ذلك : يا رب رسوليك وأمينيك! فيقول : إنّي قد قضيت على كُلّ نفس فيها الروح الموت.

ثمّ يجيء ملك الموت حتّى يقف بين يدي اللّه عزّ وجلّ ، فيقال له : من بقى؟ - وهو أعلم - فيقول : يا ربّ لم يبق إلاّ ملك الموت ، وحملة العرش ، فيقول : قل لحملة العرش فليموتوا ، قال : ثمّ يجيء مكتئباً حزيناً لا يرفع رأسه ، فيقول : من بقي؟ فيقول : يا ربّ لم يبق إلاّ ملك الموت ، فيقال له : مت يا ملك الموت ، ثمّ يأخذ الأرض بيمينه والسماوات بيمينه - أي بقدرته - ويقول : أين الذين كانوا يدّعون معي شريكاً؟ أين الذين كانوا يجعلون معي إلهاً آخر »؟ (1).

إذاً ، بموجب هذه الرواية والروايات الأُخرى الواردة في ذيل قوله تعالى : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ) (2) أنّ الملائكة أيضاً تموت.

ص: 292


1- الفصول المهمّة 1 / 297.
2- آل عمران : 158.

النبوّة والأنبياء :

اشارة

( زينب - بريطانيا - .... )

من صفات النبوّة السلامة من العاهات :

س : نشكر لكم جهودكم ونتمنّى لكم كُلّ خير وصلاح.

هناك سؤال نتمنّى الإجابة عليه وهو : من صفات اختيار الأنبياء والأئمّة عليهم السلام السلامة من العاهات والأمراض المعدية ، فلماذا شاء اللّه تعالى أن يبلى النبيّ أيوب بالأمراض المعدية؟

ج : أوّلاً : كُلّ ما جاء في القرآن الكريم فهو تعاليم لنا ، لا تعاليم لأُمّة موسى أو عيسى أو أيوب أو سليمان أو داود عليهم السلام.

واللّه تعالى صنع بأيوب عليه السلام ما صنع ، لكي يدلّ على شيء واحد وهو : أنّ اللّه تعالى لا يدفع عن أنبيائه وأوليائه كافّة مكاره الدنيا ، وحتّى أنّه لا يمنع عنهم القتل ( قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) (1) ، ( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) (2) ، ( أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) (3).

ص: 293


1- البقرة : 91.
2- النساء : 155.
3- البقرة : 87.

هذا التأكيد في الآيات الكريمة يعطي بأنّ اللّه تعالى لا يعصم نبيه عصمة مادّية ، نعم اللّه تعالى يعصم نبيّه عصمة معنوية ، يعني لا يرضى بهوان رسوله ، ولا بهوان نبيّه.

فاللّه تعالى ابتلى أيوب عليه السلام حيث يمتحن صبره ، فعندما تحوّل إلى نوع من الاستهانة نادى أيوب ربّه ، فأجابه تعالى : ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ) (1) ، ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) (2).

ثمّ أنّ رسل اللّه تعالى لهم مسؤوليتان :

الأُولى : إبلاغ ما شرّعه اللّه لعباده من أحكام.

والثانية : قيادة الأُمّة ، ولابدّ لها نوع من الخصائص والامتيازات التي بها تنقاد الأُمّة ، وإلاّ لا تنقاد الأُمّة إلى عالم بعلمه ، وإنّما تنقاد لعالم يتمكّن من جعل علمه مركز قوّة وسيطرة عقلية لا مادّية على من يؤمنون بعلمه ، فالأنبياء والأئمّة عليهم السلام حيث أنّ مسؤوليتهم الثانية أنّهم قادة أُممهم ، فلابدّ وأن تتوفّر فيهم المزايا والخصائص التي أن توفّرت في قائد تنقاد له الأُمّة.

فمثلاً : لا يشترط أن يكون أجمل الخلق ، لكن يشترط في حقّه أن لا يكون سيء الخلق والخُلق ، فالعاهات إن كانت عاهات لا تمسّ كرامة النبيّ والولي فيصابون بها ، فالنبيّ والولي يصابون بالحمّى ، لأنّ الحمّى والرمد وأمثال ذلك لا تشمئزّ منه النفوس ، وأمّا البتور مثلاً أو الجروح ، فهذه حيث النفوس تشمئزّ منها ، فاللّه تعالى يجنّب رسوله أو وليّه منها.

فالعمدة في المسألة تملّك قلوب من ينقادون إليه ، والناس اعتادوا أن تكون نظرتهم الحسّية مدخلاً للطاعة.

ص: 294


1- ص : 40 - 41.
2- الأنبياء : 90.

فمن هذه الناحية العاهات تختلف : عاهات لا تشمئزّ منها النفوس إن أُصيب بها واحد منهم ، وإنّما يعالجونه ويأتون لزيارته ، وعاهات تشمئزّ منها النفوس ، فاللّه تعالى لا يجنّب رسوله من كُلّ مرض وعاهة وحمّى ورمد وأمثال ذلك ، وأمّا الطاعون والبثور والأمراض المعدية ، أو الأمراض التي توجب سوء المنظر ، فاللّه تعالى يجنّب وليّه ونبيّه ، لأنّه جعل له مسؤولية قيادة الأُمّة.

( فاروق - المغرب - .... )

إدريس ومعجزته :

س : أُريد أن أعرف عن سيّدنا إدريس؟ ولماذا سمّي بهذا الاسم؟ وما هي معجزته؟

ج : إنّ إدريس كان نبيّاً من أنبياء اللّه تعالى لقوله تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ) (1).

وقيل : سُمّي إدريس لكثرة درسه الكتب ، وهو أوّل من خطّ بالقلم ، وكان خيّاطاً ، وأوّل من خاط الثياب.

وقيل : إنّ اللّه سبحانه علّمه النجوم والحساب وعلم الهيئة ، وكان ذلك معجزة له (2).

( أُمّ أحمد الدشتي - الكويت - .... )

المقصود بالأسباط :

س : وردت كلمة الأسباط في قوله تعالى : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ

ص: 295


1- مريم : 56 - 57.
2- بحار الأنوار 11 / 270.

وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ) (1) فمن هم الأسباط؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : الأسباط هم أنبياء أُنزل عليهم الوحي من ذرّية يعقوب عليه السلام ، أو من أسباط بني إسرائيل - كداود وسليمان ويونس وأيوب وغيرهم - أرسلهم اللّه تعالى لإتمام الحجّة على الناس ، ببيان ما ينفعهم وما يضرّهم في أخراهم ودنياهم ، لئلا يكون للناس على اللّه حجّة بعد الرسل.

( حسن محمّد يوسف - البحرين - 18 سنة - طالب جامعة )

عيسى ونفخ الروح :

س : من البديهي أن يوجد الولد بواسطة الأب والأمّ ، ولكن المسيحيين يعتقدون بأنّ المسيح هو ابن اللّه ، وذلك لوجود الأمّ دون الأب ، ولأنّ اللّه هو الذي نفخ في روح الأُمّ - على حدّ زعمهم - أرجو من سماحتكم توضيح هذا الإشكال.

ج : إنّ الطريقة المألوفة لولادة المولود عند البشر هي ولادته من أبٍ وأُمّ ، وهذا ممّا لا خلاف فيه ؛ إنّما الكلام في أنّ هذه الطريقة هل هي من مقوّمات وجود الإنسان؟ أي أنّ الإنسان بما هو إنسان هل تتوقّف ماهية وجوده على كيفية ولادته؟

والجواب واضح : بأنّ ولادة الإنسان لا ترتبط بموضوع تعنونه وتشخّصه ، بل إنّ كيفية الولادة هي طريق الوصول إلى عالم الدنيا فحسب.

نعم ، لا ننكر أنّ الأسلوب المتعارف هو الولادة من أب وأُمّ ، ولكن إذا اقتضت المصلحة الإلهية في موردٍ ما - كإظهار معجزة - تبديل هذه الكيفية بشكل آخر فلا مانع منه ، فلا يستغرب من ولادة المسيح عليه السلام من دون أب لأجل إظهار المعجزة التكوينية لله تعالى في هكذا خلقه ، ثمّ تأييد رسوله - عيسى -

ص: 296


1- النساء : 163.

بها ؛ وهذا الأمر قد حدث مسبقاً عند خلق آدم عليه السلام وحوّاء من غير أب ولا أُمّ ، فلا يستبعد أبداً.

وأمّا مسألة النفخ في المقام ، فهي عبارة عن إيجاد الحياة ليس إلاّ ، وعليه فإنّ النفخ الذي صدر من اللّه تعالى في الحقيقة هو إلقاء الروح البشري عند مريم عليها السلام.

ويدلّنا على هذا المعنى استعمالات كلمة النفخ في الموارد المشابهة في القرآن الكريم ، مثلاً : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) (1) ، إذ ليس المقصود في الآية : أنّ الباري تعالى قطع قطعةً من روحه ووهبها لمخلوقه!! بل بمعنى أنّه تعالى أعطى ومنح الوجود لهذا المخلوق ، وإضافة الروح إليه - روحي - إضافة تشريفية.

ثمّ لنا أن نقول لهم - على سبيل النقض - : إذا كانت عملية النفخ موجبة لإسناد المولود إلى اللّه ، فالأولى أن ينسب آدم عليه السلام إليه!! ( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ) (2).

( الموالي - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

التفاضل بين الأنبياء موجود :

س : ما هو الدليل القطعي على أفضلية الأنبياء على بعضهم ، رغم قوله تعالى : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) (3).

وقوله تعالى : ( قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (4).

ص: 297


1- الحجر : 29.
2- الأنعام : 100.
3- البقرة : 285.
4- البقرة : 136.

أمّا هذه الآية فتفضّل الأنبياء على بعض : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) (1) ، ولكم جزيل الشكر.

ج : صرّحت الآية الشريفة : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ... ) بوجود تفضيل إلهي واقع بين الأنبياء عليهم السلام ، ففيهم من هو أفضل ، وفيهم من هو مفضّل عليه ، وللجميع فضل ، فإنّ الرسالة في نفسها فضيلة ، وهي مشتركة بين الجميع.

كما صرّحت بوجود اختلاف في علوّ مقاماتهم ، وتفاوت درجاتهم ، مع اتحادهم في أصل الفضل وهو الرسالة ، واجتماعهم في مجمع الكمال وهو التوحيد.

وأمّا بالنسبة إلى قوله تعالى : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ... ) ، فلا يدلّ على عدم تفضيل اللّه تعالى بعض الأنبياء على البعض الآخر ، وقوله : ( لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ... ) هو لسان حال المؤمنين ، فالمؤمنون كُلّ منهم آمن باللّه تعالى ، وبملائكته وبكتبه وبرسله ، لا يفرّقون بين أحد من الرسل ، بخلاف اليهود فإنّهم فرّقوا بين موسى وبين عيسى ومحمّد صلى اللّه عليه وآله ، وبخلاف النصارى فإنّهم فرّقوا بين موسى وعيسى وبين محمّد ، فانشعبوا شعباً وتحزّبوا أحزاباً ، مع أنّ اللّه تعالى خلقهم أُمّة واحدة على الفطرة ، وعدم تفريق المؤمنين بين الرسل لا يدلّ على عدم وجود تفاضل بين الرسل عند اللّه تعالى.

ونفس هذا الكلام يأتي في قوله تعالى : ( وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ

ص: 298


1- البقرة : 253.

مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (1).

فالآية المباركة في صدد بيان جواب المؤمنين لليهود والنصارى ، وأنّهم لا يفرّقون بين أحد من الأنبياء ، فيؤمنون ببعض ولا يؤمنون بالبعض الآخر ، وإنّما يعتقدون بجميعهم.

( ... - ... - ..... )

دانيال وجرجيس نبيّان :

س : من هو النبيّ دانيال؟ وهل هناك نبي اسمه جرجيس؟

ج : كان دانيال عليه السلام نبيّاً مبعوثاً في بني إسرائيل ، حينما كانوا أسرى بيد بخت النصر في بابل ، إذ يظهر من بعض الآثار والأخبار أنّ بخت النصر قد أغار على أورشليم - عاصمة اليهود - ونهبها ، وأجلى أهلها إلى بابل في سنة 588 ق م.

وعلى كُلّ فقد عذّبه بخت النصر في بادئ الأمر ، وثمّ بعد الوقوف على غزارة علمه وحكمته - بتعبيره الرؤيا الخاصّة ببخت النصر - أطلق سراحه ، وخفّف عن اليهود بسببه ، ولكن هو عليه السلام قد قبض في تلك الأيّام بعدما بشّر قومه بعودتهم إلى وطنهم ، بيد من يبيد حكم بخت النصر.

وقد دفن عليه السلام في مدينة شوش في محافظة خوزستان الإيرانية ، ومضجعه معروف هناك.

ويظهر من بعض الأخبار : أنّ دانيال عليه السلام قد لاقى نبيّ اللّه داود عليه السلام في وقتٍ ما ، وعلى ضوء ما ذكرنا ، فلابدّ أن يكون هذا اللقاء قبل نبوّة دانيال عليه السلام بفترة غير وجيزة ، وعليه يجب أن نلتزم بأنّ دانيال عليه السلام كان من المعمّرين.

وأمّا جرجيس عليه السلام ، فقد جاء ذكره في عداد الأنبياء عليهم السلام في موارد كثيرة (2) ، وأنّه بعث إلى ملك بالشام كان يعبد الأصنام فردعه عنها فلم

ص: 299


1- البقرة : 135 - 136.
2- بحار الأنوار 14 / 445 و 39 / 64.

يرتدع ، بل وحبس جرجيس عليه السلام وعذّبه بشتّى الطرق ، وظهرت منه عليه السلام في هذه الفترة معاجز وكرامات ، أدّت إلى اعتقاد جماعة كثيرة من الناس ، وحتّى من حاشية الملك المذكور بنبوّته ورسالته.

( ... - .... - .... )

عدم اشتراط النبوّة بعمر خاصّ :

س : إنّ الأنبياء عليهم السلام لا يصبحون أنبياء إلاّ إذا أصبحوا أعمارهم ( 40 ) عاماً - مثل الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله - بغض النظر عن معجزاتهم عليهم السلام قبل الرسالة - مثل النبيّ عيسى عليه السلام - فلماذا لا ينطبق ذلك على الأئمّة عليهم السلام ، فهل شروط الإمامة مغايرة لشروط النبوّة؟

ج : ليس من شرائط النبوّة التخصيص بعمر خاصّ ، أضف إلى ذلك فإنّ شرائط النبوّة لا تتحد في جميعها مع شرائط الإمامة ، فإن بينهما اتحاد واختلاف.

( السيّد علي - ... - ..... )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : أنتم قلتم في ردّكم : ليس من شرائط النبوّة التخصيص بعمر خاصّ ، ولكن هذه الآية : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً ) (1) تثبت أنّ من شروط الأنبياء عليهم السلام هي الرجولة ، ولكن ما هو العمر المقصود هنا؟ واللّه ولي التوفيق.

ج : إنّ الجواب كان ليس من شرائط النبوّة التخصيص بعمر خاصّ ، والجواب لا يوحي إلى نفي أي شرط ، بل بالنسبة إلى العمر لا يوجد أيّ دليل يحدّد الأنبياء بعمر معيّن.

ص: 300


1- يوسف : 109.

( ميكائيل - ... - ..... )

رواية ضرب موسى لملك الموت ضعيفة :

س : بارك اللّه جهودكم الطيّبة ، ووفّقكم لنصرة أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ، أمّا بعد ، لدي سؤال أرجو أن أحصل على الإجابة الشافية منكم عليه :

هل صحيح أنّ رواية ضرب النبيّ موسى عليه السلام لملك الموت حتّى فقأ عينه صحيحة عند علماء الشيعة؟ حسب ما ذكر لي أحد المناقشين من أهل السنّة في المصادر التالي : لئالى الأخبار ، الأنوار النعمانية ، المحجّة البيضاء ، البرهان ، بحار الأنوار ، وفّقكم اللّه لما يحبّه ويرضاه.

ج : كُلّ الأحاديث المذكورة هي أحاديث ضعيفة غير معتمدة ، منقولة من كتب متأخّرة ، أُلّفت بعد القرن العاشر الهجري ، وكما تعلمون : فإنّ وجود رواية في مصادر الحديث عند الشيعة لا يعني أن تكون صحيحة ويجب العمل بها ، فكيف وأن ما ذكر موجود في مصادر متأخّرة ، وفي بعضها كالمحجّة البيضاء فإنّها منقولة عن مصادر أهل السنّة ، وعلى المدّعي أنّ الشيعة تعمل بهذه الروايات وتعتقد بها إثبات هذا المدّعى بالدليل ، ووفقاً على مباني الشيعة.

( مريم ساجواني - الإمارات - .... )

حكمة ذكر النبيّ موسى أكثر من غيره :

س : ما الحكمة من ذكر قصّة نبي اللّه موسى عليه السلام في القرآن الكريم أكثر من باقي الأنبياء عليهم السلام؟

ج : يمكن أن يقال : أنّ الحكمة في ذكر قصّة موسى عليه السلام في القرآن الكريم أكثر من باقي الأنبياء ، وذلك لما في عهد موسى عليه السلام من قضايا كثيرة تكون عبراً ودروساً ، ولكون قومه اليهود الذين أتمّ اللّه عليهم الحجّة أبوا إلاّ عتواً واستكباراً ، ومراحل التدرّج مع اليهود ومحاولات الهداية لهم ، فكانت نبوّة موسى عليه السلام مليئة بالحوادث والإثارات التي يمكن أن يستلهم منها الكثير من الدروس.

ص: 301

( مهند - البحرين - .... )

نوح الأب الثاني للبشرية :

س : لماذا لقّب نبي اللّه نوح عليه السلام بأنّه ثاني أب للبشرية بعد آدم عليه السلام؟ ألم يكن في السفينة معه بشر غيره؟ وألف سلام لكم وتحية.

ج : يستفاد من الآية : ( وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ ) (1) ، أنّ البشرية بعد نوح عليه السلام تكوّنت من نسله ، وأنّ الآخرين الموجودين في السفينة قد انقرضوا فيما بعد ، ولكن توجد رواية في تفسير القمّي لهذه الآية : بأنّ ولد آدم عليه السلام بالعموم لم يكونوا من ولد نوح بعد الطوفان (2) ، بل أنّ الآية بصدد حصر المؤمنين من ولد آدم عليه السلام في عقب نوح عليه السلام.

وممّا ذكرنا يظهر أن لقب الأب الثاني للبشرية ، لا يمكن التأكّد عليه إلاّ من باب المجاز والتوسّع في الكلمة ، وعلى أيّ حال فالأمر سهل ، كما لا يخفى على المتأمّل.

( أحمد عيسى - البحرين - 22 سنة - خرّيج معهد )

حكمة منع آدم الأكل من الشجرة :

س : أوّلاً نشكركم على فكرة طرح الأسئلة ، سؤالي هو : ما هي الحكمة من منع اللّه تعالى آدم عليه السلام من الأكل من تلك الشجرة؟

ج : الآيات القرآنية في آدم عليه السلام ، وفي هذا الموضوع بالذات ، تشير إلى وجود نوع من اختبار خاصّ ، وفتنة من نوع خاصّ مغاير للاختبار والفتنة الدنيوية ، وفيه إشارة إلى ما ستؤول إليه البشرية من بعد آدم ، وما ستبتلي به من الامتحان والاختبار.

ص: 302


1- الصافات : 77.
2- تفسير القمّي 2 / 223.

قال تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ ) (1).

وقال تعالى : ( فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى * وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى * فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ) (2).

حيث تشاهد بوضوح مسألة الامتحان ووسوسة الشيطان والاختبار ، وفي آخر الآيات ينجرّ الامتحان ليشمل الجميع من ذرّيته وولده.

هذا كُلّه أن استطعنا أن نتوصّل إلى حكمة وعلّة هذا المنع من أكل الشجرة ، الذي يعود إلى الامتحان والاختبار ، وإلاّ فإنّه ربما لم نتوصّل إلى سبب وحكمة بعض الأعمال ، وليس من الواجب أن يتّضح سبب وحكمة كُلّ الأعمال.

( أبو أحمد الموسوي - بريطانيا - 37 سنة - مهندس كيمياء )

أجساد المعصومين لا تبلى :

س : ورد في سيرة مولانا أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام ، قصّة الراهب النصراني ، والاستسقاء متوسّلاً بعظم لأحد الأنبياء عليهم السلام ، فكيف يتّفق هذا مع المشهور من أنّ الأجساد الشريفة للأنبياء والأئمّة عليهم السلام ، وكذا الشهداء

ص: 303


1- الأعراف : 27.
2- طه : 117 - 126.

والصالحين لا تبلى ، ولا ينتابها الفناء كرامة لهم؟ أفيدونا غفر اللّه لكم.

ج : هذه القصّة وردت في جُلّ الكتب التي دوّنت في مجال الحديث والسيرة (1) ، ممّا يبعث الاطمئان في النفس بحدوثها ؛ وفي نفس الوقت لا معارضة بينها وبين الاعتقاد بعدم فناء أجساد الأنبياء والأولياء عليهم السلام ، إذ بناءً على هذه الرواية فإنّ رجلاً أخذ عظماً من عظام النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فلا يبعد أن يكون اقتطعه وفصله عن جسده الشريف ، وليس في الحديث إشارة إلى تفسّخ الجسد ، وانفصال العظام وتجزئتها.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

الحجّة ما بين عيسى ومحمّد :

س : من اعتقاداتنا الأساسية نحن الشيعة : أنّ الأرض لا تخلو من حجّة ، لكن من زمن عيسى عليه السلام إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، هل كانت الأرض من دون حجّة؟ أو كان هناك أنبياء موجودين؟

ج : إنّ عقيدتنا بأنّ الأرض لا تخلو من الحجّة ممّا لا شبهة فيه عقلاً ونقلاً ، والأدلّة الواضحة هي قائمة على هذا المدّعى ، كما لا يخفى على المتتبع في هذا المجال ، ولكن لا نعتقد أنّ هؤلاء الحجج كانوا كُلّهم أنبياء ، بل أنّ بعضهم كانوا أوصياء.

وأمّا في الفترة ما بين عيسى عليه السلام والنبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله فقد تشير بعض الروايات إلى وجود بعض الأوصياء بل وحتّى الأنبياء ، فمثلاً ينقل الشيخ الصدوق قدس سره أنّ بين نبيّنا صلى اللّه عليه وآله وبين عيسى عليه السلام أنبياء وأئمّة مستورون خائفون ، منهم خالد بن سنان العبسي ، نبي لا يدفعه دافع ولا ينكره منكر ... ، وكان بين مبعثه ومبعث نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله خمسون سنة (2).

ص: 304


1- أُنظر : الثاقب في المناقب : 575 ، الخرائج والجرائح 1 / 442 ، كشف الغمّة 3 / 225 ، بحار الأنوار 50 / 271.
2- كمال الدين وتمام النعمة : 659.

ويؤيّده ما ورد في كتب أهل السنّة بوجود أربعة من الأنبياء في هذه الفترة ، منهم خالد المذكور (1) ، وقد ورد في بعض الآثار : أنّ أبا طالب كان من الأوصياء في هذه الفترة (2).

( جمال أحمد - البحرين - .... )

الفرق بين النبيّ والرسول :

س : هل يوجد فرق جوهري بين النبيّ والرسول؟ أم أنّ النبيّ هو ذاته الرسول؟ الرجاء التفصيل مع ذكر الأمثلة.

ج : أختلف العلماء في تعريف النبيّ والرسول ، وبيان الفرق بينهما ، ولكن الحقّ أنّ الرسول أعلى رتبةً من النبيّ ، إذ هو يحمل رسالةً إلى من بعث إليه ، وأمّا النبيّ فلا يتحمّل هداية الآخرين.

نعم الاثنان متّفقان في مسألة نزول الوحي إليهما ، ولكن النبيّ يأتيه الوحي في المنام ، والرسول يرى جبرائيل ، ويتلقّى الوحي معاينةً ومشافهةً (3).

وبالجملة : فالأمر سهل ، إذ قد تجتمع لبعضهم الرتبتان معاً ، كنبيّنا صلى اللّه عليه وآله وإبراهيم عليه السلام ، ومن جانب قد يستعمل كثيراً التعبير بأحدهما مكان الآخر مسامحةً وعنايةً.

( زكريا عباس راضي - البحرين - .... )

يأجوج ومأجوج :

س : أودّ أن أسألكم ، هل هناك موضوع يحكي عن يأجوج ومأجوج في موقعكم ، فقد بحثت فيه ولم أجد ، وشكراً لكم.

ص: 305


1- التفسير الكبير 4 / 330 ، روح المعاني 10 / 295 ، السيرة الحلبية 1 / 33.
2- الكافي 1 / 445 ، بحار الأنوار 35 / 73.
3- الكافي 1 / 176.

ج : هناك الكثير من الأخبار الغريبة في وصف يأجوج ومأجوج نحن اعرضنا عنها ، واكتفينا بنقل الأخبار المقبولة نوعاً ما.

فيأجوج ومأجوج أُمّتان ، وهم من أولاد آدم وحوّاء ، وهو قول أكثر العلماء ، ويشهد له قول الإمام الهادي عليه السلام : « إنّهم من ولد يافث بن نوح » (1).

وعن حذيفة قال : سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن يأجوج ومأجوج فقال : « يأجوج أُمّة ، ومأجوج أُمّة ، كُلّ أُمّة أربعمائة أُمّة ، لا يموت الرجل منهم حتّى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه ، كُلّ قد حمل السلاح » (2).

والمروي أنّهم أقوام وحشية غير متمدّنين ، بل يعيشون كالبهائم ، وقد أشار القرآن إلى أنّهم قوم مفسدون في الأرض ، وقيل من فسادهم أنّهم كانوا يخرجون فيقتلون ، ويأكلون لحومهم ودوابهم.

وعن الكلبي : كانوا يخرجون أيّام الربيع ، فلا يدعون شيئاً أخضر إلاّ أكلوه ، ولا يابساً إلاّ احتملوه (3).

كما إنّهم يتميّزون عن باقي الأقوام بكثرة العدد ، كما في الخبر عن الرسول صلى اللّه عليه وآله (4).

كما وإنّهم من الأقوام الذين يقاتلون عيسى بن مريم عليه السلام بعد خروجه ، فيغلبهم عليه السلام ويكون ذلك بين يدي الساعة (5).

( أميرة - البحرين - 15 سنة - طالبة )

علّة تكليم موسى :

س : لماذا النبيّ موسى عليه السلام هو الذي كلّمه اللّه تعالى؟

ص: 306


1- الكافي 8 / 220.
2- مجمع البيان 6 / 387.
3- نفس المصدر السابق.
4- المصدر السابق 7 / 126.
5- الخصال : 447.

ج : أورد الشيخ الصدوق روايتين عن العلّة التي من أجلها اصطفى اللّه تعالى موسى لكلامه دون خلقه :

1 - عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى موسى عليه السلام : أتدري لما اصطفيتك لكلامي دون خلقي؟ فقال موسى : لا يا ربّ ، فقال : يا موسى إنّي قلّبت عبادي ظهراً لبطن ، فلم أجد فيهم أحداً أذلّ لي منك نفساً ، يا موسى إنّك إذا صلّيت وضعت خدّيك على التراب ».

2 - عن إسحاق بن عمّار قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « إنّ موسى عليه السلام احتبس عنه الوحي أربعين أو ثلاثين صباحاً ، قال : فصعد على جبل بالشام يقال له : أريحا ، فقال : يا ربّ إن كنت حبست عنّي وحيك وكلامك لذنوب بني إسرائيل ، فغفرانك القديم ».

قال : « فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه : يا موسى بن عمران ، أتدري لم اصطفيتك لوحي وكلامي دون خلقي؟ فقال : لا علم لي يا ربّ ، فقال : يا موسى إنّي أطلعت إلى خلقي إطلاعة ، فلم أجد في خلقي أشدّ تواضعاً لي منك ، فمن ثمّ خصصتك بوحي وكلامي من بين خلقي ».

قال : « وكان موسى عليه السلام : إذا صلّى لم ينفتل حتّى يلصق خدّه الأيمن بالأرض والأيسر » (1).

هذه بعض العلل ، وقد تكون هناك علل أُخرى ، لا يعلمها إلاّ اللّه والراسخون في العلم ، بالإضافة إلى أنّ مثل هذه الأُمور لا يسأل عنها لقوله تعالى : ( لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) (2).

( أبو حيدر - عمان - 25 سنة - بكالوريوس )

اصطفاء الأنبياء :

س : كيف يتمّ اصطفاء واختيار الأنبياء عليهم السلام؟ وفي أيّ مرحلة يتمّ ذلك؟

ص: 307


1- علل الشرائع 1 / 56.
2- الأنبياء : 23.

ج : إنّ اللّه تعالى - ومن منطلق علمه الذاتي والأزلي - كان يعلم بأنّ الأنبياء عليهم السلام سيصلون بجدّهم وجهدهم في عالم الدنيا إلى المرتبة القصوى بين الممكنات ، بعد إعطائهم الخيار والاختيار من جانب الباري تعالى.

وبعبارة أُخرى : إنّ اللّه تعالى كان يعلم بوفاء الأنبياء عليهم السلام في عالم الوجود بكافّة المتطلّبات التي تؤهّلهم لهذا المنصب الإلهي ، وعليه فأعطاهم تلك المرتبة السامية بسبب علمه المسبق على الإعطاء.

فالنتيجة : إنّ كافّة المواهب المعطاة هي ناتجة ومكافئة على سلوكهم وسيرتهم عليهم السلام في الدنيا ، وإن أُعطيت من قبل.

ولا يخفى أنّ هذه النظرية قابلة للتأييد بنصوص روائية ، وعلى سبيل المثال ورد في فقرات من دعاء الندبة هكذا : « اللّهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك ، الذين استخلصتهم لنفسك ودينك ، إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم ، الذي لا زوال له ولا اضمحلال ، بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية ، وزخرفها وزبرجها ، فشرطوا لك ذلك ، وعلمت منهم الوفاء به ، فقبلتهم وقرّبتهم ... » (1).

والخلاصة : إنّ الفضائل والميزات التكوينية والتشريعية للأنبياء عليهم السلام بأجمعها هي حصيلة الجهود والمتاعب التي تحمّلوها في سبيل نشر الدين والعقيدة ، وتبليغ الوحي وزعامة الأُمّة وغيرها.

( الموالي - عمان - 24 سنة )

تمنّي مريم لا ينافي التسليم :

س : سؤالي حول السيّدة مريم العذراء عليها السلام حين قالت : ( يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا ) (2) ، كيف نوفّق بين هذا وبين رضاها بقضاء اللّه وقدره؟

ص: 308


1- إقبال الأعمال 1 / 504.
2- مريم : 23.

ج : إنّ مريم عليها السلام حينما تمنّت الموت لم تتمنّه رفضاً منها للقضاء الإلهي وإنكاراًً له ، بل كان ذلك منها استحياءً من قومها ، وخوفاً من اتهامهم لها ، إنّه حقّاً موقف عصيب وأمر شديد ، فمريم كانت امرأة معروفة بالعفّة والصلاح والمكانة العالية ، إذا بها فجأة تحمل وتلد من غير زوج ، ماذا تقول لهم؟ وهل يصدّقونها في دعواها؟ أنّه لهذا تمنّت الموت.

وهذا لا يتنافى مع التسليم للقضاء الإلهي ، أنّه تماماً نظير موقف الإمام الحسين عليه السلام حينما قال : « صبراً على قضائك ، ولا معبود سواك » (1) ، ولكنّه في نفس الوقت كان قلبه يعتصر ألماً لعياله وأطفاله ، بل ولأهل الكوفة المقاتلين له ، حيث يدخلون النار بسبب قتالهم له ، بل إنّ جدّه الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله الذي هو المصداق البارز للراضي بقضاء اللّه تعالى ، كان يتألّم لقومه ويحزن من إيذائهم له ، حتّى قال : « ما أُوذي نبيّ مثل ما أُوذيت » (2) ، إنّه كما لا منافاة بين هذا وذاك في حقّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله والإمام الحسين عليه السلام ، وكذلك لا منافاة بينهما في حقّ مريم عليها السلام.

ص: 309


1- ينابيع المودّة 3 / 82.
2- مناقب آل أبي طالب 3 / 42 ، كشف الغمّة 3 / 346.

ص: 310

النبي محمّد صلى اللّه عليه وآله :

اشارة

( عبد اللّه - الكويت - 28 سنة - خرّيج ثانوية )

وآية عبس وتولّى :

س : فيمن نزلت الآية : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) ؟

ج : قد ذهب أبناء العامّة في هذه القضية أنّها نزلت في النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، واعتمدوا في ذلك على أحاديث ضعيفة السند ، لأنّها تنتهي إلى من لم يدرك هذه القضية أصلاً ، لأنّه أمّا كان حينها طفلاً ، أو لم يكن ولد (1).

وورد عن أهل البيت عليهم السلام أنّها نزلت في رجل من بني أُمية (2) ، والقرائن أيضاً تدلّ على أنّها بعيدة عن ساحة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وذلك أنّ الآية تصف المعاتب بصفات منها : أنّه يتصدّى للأغنياء لغناهم ، ويتلهّى عن الفقراء لفقرهم ، وهذه الصفات بعيدة عن سجايا نبيّنا الأكرم ، إذ هو الذي وصفه اللّه بأنّه : ( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) (3).

وقال اللّه تعالى عن نبيّه في سورة القلم التي نزلت قبل سورة عبس ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (4) ، فكيف يصدر عنه صلى اللّه عليه وآله هذا الأمر المنافي للأخلاق ،

ص: 311


1- أُنظر : جامع البيان 30 / 64 ، أسباب نزول الآيات : 297 ، الجامع لأحكام القرآن 19 / 211 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 501.
2- التبيان 10 / 269 ، مجمع البيان 10 / 266 ، الأصفى في تفسير القرآن 2 / 1405.
3- التوبة : 128.
4- القلم : 4.

ولقد نزلت آية الإنذار ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (1) قبل سورة عبس بسنتين ، فهل نسي الرسول ذلك ، وإذا كان نسي فما الذي يؤمننا من أن لا يكون قد نسي غير ذلك أيضاً؟ وفي قوله تعالى عن الرسول : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (2).

ومن يتمعّن هذه الآيات يجد أنّها خبر محض ، ولم يُصرّح فيها بالمخبر عنه ، وقوله تعالى : ( وَمَا يُدْرِيكَ ) (3) ليس الخطاب فيها لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وإنّما هو التفات من الغيبة إلى الخطاب مع العابس نفسه ، فالآية في ظاهرها لا تدلّ أنّها فيمن نزلت ، وإنّما يفسّرها لنا أهل البيت - وهم الثقل الثاني الذي به نعتصم من الضلال - فورد عنهم أنّها نزلت في رجل من بني أُمية.

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إذا رأى عبد اللّه بن أُمّ مكتوم قال : مرحباً مرحباً ، لا واللّه لا يعاتبني اللّه فيك أبداً » (4) ، وكان يريد الرسول بذلك التعريض بمن صدر منه ذلك في حقّ ابن أُمّ مكتوم ، كأنّه يقول له : واللّه أنا لا أعاملك كما عاملك فلان.

فمدلول الآية يكون كالتالي : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) ذلك الرجل من بني أُمية ( أَن جَاءهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيك ) هذا التفات من الغيبة إلى الخطاب مع العابس نفسه ( لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنتَ ) أيّها العابس الغني ( لَهُ تَصَدَّى ) لأهداف دنيوية ( وَمَا عَلَيْك ) أيّها العابس ( أَلاَّ يَزَّكَّى ) على يد شخص آخر ممّن هو في المجلس كالنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ( وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنتَ ) أيّها العابس ( عَنْهُ تَلَهَّى ) لأهداف دنيوية.

ص: 312


1- الشعراء : 215.
2- الأحزاب : 21.
3- عبس : 3.
4- مجمع البيان 10 / 266.

هذا ولكن الأيدي غير الأمينة قد حرّفت هذا الموقف ، لتدافع عن بني أُمية غفلة منها أن ذلك يكون سبب ليتشبّث به المخالفون للإطاحة بمكانة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولكن ( يَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (1).

( رضا يوسف التوبلاني - البحرين - .... )

استشهاده مسموماً :

س : ما مدى صحّة ما ينقل من أنّ الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله استشهد مسموماً ، وما المصادر الذي تؤيّد ذلك؟ وهل تتّفقون مع ما قدّمه الكاتب المعاصر نجاح الطائي من تحقيقات تاريخية في اغتيالات الصدر الإسلامي الأوّل؟ دمتم موفّقين لكُلّ خير.

ج : إنّ استشهاد النبيّ صلى اللّه عليه وآله مسموماً أورده الشيخ الصدوق قدس سره ، وعدّه من عقائد الشيعة ، حيث قال : « اعتقادنا في النبيّ أنّه سُمّ في غزوة خيبر ، فما زالت هذه الأكلة تعاوده حتّى قطعت أبهره فمات منها » (2) ، وقد أخبر النبيّ والأئمّة أنّهم مقتولون ، فمن قال : إنّهم لم يقتلوا فقد كذبهم ... (3).

نعم ، بعض القدماء من علمائنا الأبرار لم تثبت عندهم شهادة النبيّ بالسمّ ، وذلك يعود للاختلاف في المبنى ، حيث أنّ مبناهم في الأحكام والموضوعات لا يتمّ إلاّ بالأخبار المتواترة ، ومن المعلوم : أنّ شهادة النبيّ بالسمّ ، أو العمومات الدالّة على شهادة جميع المعصومين ، لم ترد بها الأخبار المتواترة التي توجب القطع ، بل وردت بها أخبار تورث الظنّ القوي.

قال العلاّمة المجلسي : « مع ورود الأخبار الكثيرة الدالّة عموماً على هذا الأمر ، والأخبار المخصوصة الدالّة على شهادة أكثرهم ، وكيفيتها كما سيأتي في أبواب تواريخ وفاتهم عليهم السلام ، لا سبيل إلى الحكم بردّه ، وكونه من

ص: 313


1- التوبة : 32.
2- الاعتقادات : 97.
3- المصدر السابق : 99.

الأرجاف ، نعم ليس فيمن سوى أمير المؤمنين ، وفاطمة والحسن والحسين ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى عليهم السلام أخبار متواترة توجب القطع بوقوعه ، بل إنّما تورث الظنّ القوي بذلك ، ولم يقم دليل على نفيه ، وقرائن أحوالهم وأحوال مخالفيهم شاهدة بذلك » (1).

وأمّا سؤالك عن التحقيقات التاريخية في اغتيالات الصدر الأوّل ، فهي أيضاً تبقى في دائرة الاحتمال ، لعدم وجود دليل قطعي على إثباتها أو نفيها.

( خليفة - ... - ..... )

لا يتأثّر بالسحر :

س : توجد بعض المذاهب تعتقد بأنّ النبيّ قد سحر في فترة من فترات حياته ، فما رأيكم في هكذا اعتقاد؟ وما ردّكم عليهم؟

ج : جاء في بعض المجامع الحديثية من الفريقين ما يشعر بوقوع السحر (2) ، ولكنّ الصحيح أنّ السحر لا يؤثّر في نفوس الأنبياء والأئمّة عليهم السلام - كما عليه المشهور والمحقّقون من علماء الإمامية - ويدلّ عليه عقلاً ، بأنّه صلى اللّه عليه وآله في فترة السحر - على فرض المحال - تكون تصرّفاته غير لائقة بالإنسان العادي ، فكيف وهو نبي؟!

وأيضاً يعتبره القرآن من تقوّلات الكفّار والمعاندين في سبيل عدم الرضوخ للحقّ ( إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا ) (3) ، و ( فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا ) (4) ، و ( وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا ) (5).

ص: 314


1- بحار الأنوار 27 / 216.
2- الخرائج والجرائح 1 / 34 ، طبّ الأئمّة : 113 ، صحيح البخاري 7 / 29 و 88 و 164 ، صحيح مسلم 7 / 14 ، سنن ابن ماجة 2 / 1173.
3- الإسراء : 47.
4- الإسراء : 101.
5- الفرقان : 8 - 9.

وعليه فلابدّ من تأويل الأحاديث الواردة في هذا المجال بما لا ينافي المسلّمات ، أو طرحها من الأساس باعتبار ضعف أسانيدها.

وهنا نقطة لابأس بالإشارة إليها وهي : أنّ الروايات الشيعية في هذا الموضوع تدلّ فقط على محاولة بعض اليهود لسحر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وليس فيها دلالة على تأثير ذلك السحر في نفسه الكريمة صلى اللّه عليه وآله ، بل وفيها دلالة على صدق نبّوته ، إذ أنّه صلى اللّه عليه وآله اطّلع على هذا التمويه بإخبار من اللّه تعالى ، فأمر باستخراج السحر من مكان خاصّ ، فكان كما أخبر هو صلى اللّه عليه وآله ، وهذه القضية أصبحت تأييداً آخر لنبوّته ورسالته.

وعلى العكس ، فإنّ في روايات أهل السنّة في هذا المجال ما يأباه العقل والنقل ، ويردّه حتّى القرآن - كما ذكرنا - بالصراحة ، فتأويلها أو رفع اليد عنها أحرى وأجدر من طرح الأدلّة العقلية والنقلية بهذا الشأن.

( يحيى العلوي - البحرين - .... )

من اختصاصاته الزواج بأكثر من أربع نساء :

س : إذا كان الزواج بالمرأة الخامسة مع وجود أربع زوجات في ذمّة الرجل يعتبر غير جائز ، فما هو وجه الاستثناء بالنسبة للرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله؟ إذ بلغ عدد زوجاته - على أصحّ الروايات - تسع زوجات دائمات؟

أليس من الأحرى بالرسول صلى اللّه عليه وآله أن يلتزم بالحكم القرآني لعدد الزوجات ، وهو قدوة العالمين؟ هل السبب السياسي للزواجات هو كاف لتسويغ هذا الحكم؟ والحالة الاستثنائية له صلى اللّه عليه وآله.

وإن كان هذا هو السبب وغيره من الأسباب الاجتماعية أو النفسية ، أو غيرها من مسوّغات هذه الحالة الاستثنائية ، فلماذا لم ينزل فيها قرآن؟ مع علمنا بحكم الآية ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (1).

ص: 315


1- الحشر : 7.

ج : هناك أحكام شرعية خاصّة برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لمصالح وأسباب وحِكم لا يعلمها إلاّ اللّه ورسوله ، ومن تلك الأحكام ، له أن يتزوّج أكثر من أربع زوجات بعقد دائم.

وأمّا قضية ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) فهي بمعنى أنّ الأحكام الشرعية التي جاء بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لعموم المسلمين ، عليهم أن يتبعوه فيها ويطيعوه ، أمّا الأحكام الشرعية الخاصّة به فليس عليهم شيء.

( أبو قاسم - الكويت - 28 سنة - طالب ثانوية )

ليس له أُخوة :

س : هل الرسول صلى اللّه عليه وآله عنده إخوة؟ وما أسماؤهم؟ وأتمنّى أن تكون الإجابة سريعة ، واللّه يعطيكم العافية ، وشكراً على هذا الموقع الممتاز.

ج : لم يكن لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إخوة من النسب.

نعم ، ورد في حديث المؤاخاة الذي رواه جماعة من أعلام السنّة في أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام أخو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، بل نفسه كما ورد في آية المباهلة (1).

( زينب - بريطانيا - .... )

لا يحتاج إلى اجتهاد :

س : عفواً أطرح على حضرتكم هذا السؤال : نحن الشيعة نقول بعدم وقوع الاجتهاد من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فلماذا لم يقع الاجتهاد منه صلى اللّه عليه وآله مع أنّه معصوم ، والمعصوم لا يخطأ؟

ج : إنّ المراد من الاجتهاد الممنوع وقوعه من النبيّ صلى اللّه عليه وآله هو العمل بالظنّ في الأحكام الشرعية ، وبما أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله متّصل بالوحي وعنده العلم التام بالأحكام الواقعية ، فحينئذ لا يحتاج إلى اجتهاد وإلى عمل بالظنّ.

ص: 316


1- آل عمران : 61.

( تيما - الكويت - .... )

ابنته الوحيدة فاطمة :

س : هل صحيح أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله لم يكن لديه من البنات إلاّ السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام؟ وأنّ باقي البنات هنّ ربيباته ، وبنات السيّدة خديجة عليها السلام؟

ج : أقوال في عدد بنات رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والقول الحقّ هو ما عليه شيعة أهل البيت عليهم السلام تبعاً لأئمّتهم عليهم السلام ، وأهل البيت أدرى بما فيه.

وقولهم هو : لم يكن لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بنتاً غير فاطمة الزهراء عليها السلام ، وأمّا رقية وزينب فهما ابنتي هالة أُخت خديجة ، حيث تكفّلهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعد وفاة هالة وهما طفلتان ، وليستا هما بنات خديجة عليها السلام ، لأنّ خديجة تزوّجت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهي عذراء ، ولم تلد له من البنات إلاّ فاطمة عليها السلام (1).

( أُمّ البنين - السعودية - .... )

تعقيب على الجواب السابق :

قالت فاطمة الزهراء عليها السلام في خطبتها الشهيرة أمام الغاصبين : « فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون آبائكم وأنا ابنته دون نسائكم » (2).

وهذا دليل على أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لم يكن له بنات غيرها عليها السلام ، ودليل على أنّ عمر لم يتزوّج بنات رسول اللّه ، وشكراً.

( رملة السيّد مصطفى - البحرين - 19 سنة - طالبة جامعة )

على الأكثر مات مسموماً :

س : أودّ أن أطرح إلى حضرتكم سؤال ، وهو يتعلّق بنبي الرحمة النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله باختلاف وتعدّد الروايات ، بعضها تقول : إنّ النبيّ مات مسموماً من

ص: 317


1- أُنظر : الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم 2 / 121.
2- الطرائف : 264.

امرأة يهودية ، وبعضها تقول : موته طبيعي ، وسؤالي : ما هو سبب موت النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله؟

ج : إنّ بعض الروايات تؤكّد أنّ النبيّ استشهد في أثر السمّ الذي قدّم له بعد غزوة خيبر (1) ، وهذا ممّا يدلّ عليه الدليل النقلي مثل : « ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم » (2) ، وكما عليه الشيخ الصدوق قدس سره (3) ، وأكثر علمائنا الأبرار ، وإن كان بعضهم لا يرتضي بهذا القول بنحو الإطلاق ، بل يرى أنّ الشهادة ثابتة في حقّ بعضهم عليهم السلام ، لعدم توفّر شرط تواتر الخبر عنده ، وإن كان صحيحاً.

ويؤيّده أيضاً الدليل العقلي بأنّ المعصوم عليه السلام بما هو عارف بمنافع ومضارّ الأشياء فلا يتناول ضرراً جسيماً على حدّ التهلكة على نفسه ؛ وعليه فلا مناص من الالتزام بأنّ موته لا يكون كالمتعارف بين باقي الناس ، بل هو نتيجة مؤامرة تحاك عليه فتنجرّ إلى استشهاده.

ثمّ إنّ هناك اختلاف في منشأ السمّ ، فالمعروف أنّه من امرأة يهودية ، ولكن بعض الروايات الخاصّة لا توافق هذا الرأي ، بل ترى أنّ عملية دسّ السم كانت من عمل الآخرين ، ممّن لم تكن مصلحة في إظهار أساميهم لعلاقاتهم الوثيقة بالحكم السائد بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله (4).

ولا يبعد أن تشير قصّة اللدود إلى هذا المطلب ، فإنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعدما نهى أن يلدوه في مرضه ، أفاق وعلم بلدودهم فاعترض عليهم ، وأمر أن يلد كُلّ من كان في البيت من الرجال والنساء!! (5) ، وهذا يثير التساؤل ، فهل كان

ص: 318


1- الخرائج والجرائح 1 / 34 ، طب الأئمّة : 113 ، صحيح البخاري 7 / 29 و 88 و 164 ، صحيح مسلم 7 / 14 ، سنن ابن ماجة 2 / 1173.
2- كفاية الأثر : 162.
3- الاعتقادات : 99.
4- بحار الأنوار 28 / 20 و 31 / 641 ، تفسير العيّاشي 1 / 200.
5- صحيح البخاري 8 / 42 ، صحيح مسلم 7 / 24 ، السنن الكبرى للنسائي 4 / 374 ، صحيح ابن حبّان 14 / 554 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 437 ، البداية والنهاية 5 / 246 ، مسند أحمد 6 / 53 و 118.

النبيّ صلى اللّه عليه وآله على علم مسبق من الموضوع؟ وشكّ في مؤامرة داخل بيته ، فأمرهم بتناول اللدود ، أم ماذا؟! واللّه أعلم بحقائق الأُمور.

( هناء علي - البحرين - 19 سنة - طالبة جامعة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : أُريد أن أعرف ماذا قصدتم من اللدود؟ وبأنّه صلى اللّه عليه وآله أمر بأن يلد كُلّ من كان في البيت من الرجال والنساء.

ج : إنّ المقصود من اللدود هو نوع من الدواء - عجينة مُرّة - يُعطى لمن أُصيب بداء ذات الجنب.

والنبيّ صلى اللّه عليه وآله لمّا أحسّ بأنّه أُعطي هذا الدواء ، أمر بأن يُعطى لكُلّ من كان في البيت من الرجال والنساء.

( ريما الجزيري - البحرين - .... )

أزواجه وسبب زواجه منهنّ :

س : يقولون لنا : إنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام كانوا يتزوّجون في الحروب ، فأنا أُريد أن أعرف لماذا كانوا يفعلون ذلك؟ مع العلم أنّ البعض يقول : أنّهم لا يستغنون عن الزوجات ، وكيف ذلك وهم قد ارتقوا إلى مرحلة أعلى من الملائكة؟! ولكم جزيل الشكر.

ج : قد قصد النبيّ صلى اللّه عليه وآله بزواجه - في بعض الحالات - مصاهرة من تقوى بهم شوكته ويشتدّ بهم أزره ، وقصد في حالات أُخرى منح عطفه وحنانه ورعايته لبعض الأرامل والمنكوبات ، ممّن ترمّلن أو نكبن بسبب الإسلام وحروبه.

وإليك قائمة بزوجات النبيّ صلى اللّه عليه وآله :

1 - خديجة عليها السلام : تزوّج بها النبيّ صلى اللّه عليه وآله وهي في الأربعين من العمر ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله يعيش الخامسة والعشرين من حياته ، معرفة منه صلى اللّه عليه وآله بها ، فأصبحت المؤمنة الأُولى برسالته صلى اللّه عليه وآله.

ص: 319

2 - سودة بنت زمعة : أرملة توفّي زوجها المسلم في مكّة قبل الهجرة ، فخلّفها محنتي الوحدة والترمّل في تلك الظروف العصيبة ، فتزوّجها النبيّ صلى اللّه عليه وآله تقديراً لها ولزوجها ، وحفظاً عليها.

3 - عائشة بنت أبي بكر : تزوّجها النبيّ صلى اللّه عليه وآله وهي صغيرة السن , لمصالح يعرفها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تخدم الاسلام والمسلمين.

4 - حفصة بنت عمر : مات زوجها متأثّراً بجراحات غزوة بدر ، واستدعى أبوها زواجها من عثمان وأبي بكر فأبيا ، فتزوّجها الرسول صلى اللّه عليه وآله (1) تقديراً لمواقف زوجها ، ولنفس المصالح التي كانت في زواج عائشة.

5 - زينب بنت خزيمة : تزوّجت قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله مرّتين ، واستشهد زوجها الثاني يوم بدر ، فتزوّجها النبيّ صلى اللّه عليه وآله تكريماً لها وتقديراً له ؛ ولم تمكث في دار النبيّ صلى اللّه عليه وآله سوى ثمانية أشهر حتّى ماتت.

6 - أُمّ سلمة : استشهد زوجها أثر جراحات غزوة أُحد فيما بعد ، وخلّف أولاداً له منها ، فتزوّجها النبيّ صلى اللّه عليه وآله تكريماً لزوجها وإشفاقاً عليها ورعايةً لأطفالها ، مضافاً إلى أنّ زوجها الشهيد كان ابن عمّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

7 - زينب بنت جحش : ابنة عمّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، طلّقها زيد بن حارثة بعد أن كان قد زوجّه النبيّ صلى اللّه عليه وآله بها ، فتزوّجها الرسول صلى اللّه عليه وآله ، لأنّ زيد كان في الماضي قد تبنّاه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وعرف بزيد بن محمّد إلى أن نزلت الآية ( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ ) (2) فنسب إلى أبيه الحقيقي حارثة ، فأراد النبيّ صلى اللّه عليه وآله من زواجه هذا أن يظهر الحكم الشرعي في جواز الزواج مع مطلّقة الابن غير الحقيقي.

8 - جويرية بنت الحارث : أُسرت وهي بنت سيّد بني المصطلق ، وعلى أثر زواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله بها بادر المسلمون بإطلاق سراح كُلّ أسرى هذه القبيلة ، باعتبارهم أصهار الرسول صلى اللّه عليه وآله.

ص: 320


1- مسند أحمد 2 / 27 ، الطبقات الكبرى 8 / 81.
2- الأحزاب : 5.

9 - صفية بنت حيي : تزوّجت مرّتين من أبناء قومها اليهود ، وأُسرت في خيبر ، فتزوّجها إكراماً للأُسارى.

10 - أُمّ حبيبة بنت أبي سفيان : هاجرت مع زوجها المسلم إلى الحبشة مع من هاجر آنذاك ، وهناك ارتدّ زوجها ، فلم تطاوعه في ارتداده ، بل بقيت على غربتها محافظة على دينها ، فتزّوجها النبيّ صلى اللّه عليه وآله تقديراً لمواقفها.

11 - ميمونة بنت الحارث : أرملة ، لها من العمر ( 49 ) سنة ، وهبت نفسها للرسول صلى اللّه عليه وآله طالبة من أن يجعلها إحدى زوجاته.

12 - مارية القبطية : أُهديت كجارية إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله من جانب مقوقس صاحب الإسكندرية ، عندما بعث النبيّ صلى اللّه عليه وآله كتاباً إليه يدعوه إلى الإسلام ، فتقبّلها الرسول صلى اللّه عليه وآله ، فأنجبت إبراهيم عليه السلام ، وكان هذا سبباً لجعلها من أُمّهات المؤمنين.

13 - أُمّ شريك : واسمها غُزَية ، كانت متزوّجة من قبل ، ولها ولد يسمّى شريكاً ، ثمّ بعدها وهبت نفسها للنبي صلى اللّه عليه وآله لتكون إحدى أُمّهات المؤمنين.

14 - الجونية : كانت من كندة ، وأهداها أبو أسيد الساعدي للنبي صلى اللّه عليه وآله ، فوليت عائشة وحفصة مشطها وإصلاح أمرها ، ثمّ إنّها عندما رأت النبيّ صلى اللّه عليه وآله تعوّذت باللّه منه صلى اللّه عليه وآله - وهذا ما لقّنتاها عائشة وحفصة تدبيراً للخلاص منها ، حتّى لا تصبح شريكة أُخرى في أمرهما - فخرج النبيّ صلى اللّه عليه وآله عنها وأمر بالساعدي أن يلحقها بأهلها (1).

فكُلّ هذا كان لمصلحة الإسلام لا المصلحة الشخصية كما نرى.

ومنه يظهر حال زوجات الأئمّة عليهم السلام مطلقاً ، أو في بعض الحروب ، أو المقاطع الزمنية الخاصّة.

( أحمد البلوشي - الكويت - .... )

أسباب ونتائج هجرته :

س : الهجرة النبوية ، أسبابها ونتائجها؟

ص: 321


1- تاريخ اليعقوبي 2 / 85.

ج : إنّ السبب الرئيسي لهجرة نبينا محمّد صلى اللّه عليه وآله من مكّة إلى المدينة هو إفشال المؤامرة التي حاكتها قريش لقتله صلى اللّه عليه وآله ، وبالتالي إنهاء دعوته إلى الدين الإسلامي.

فقد أخبر اللّه تعالى نبيّه بهذه المؤامرة عن طريق الوحي ، ونزل قوله تعالى : ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) (1).

فأمر صلى اللّه عليه وآله أمير المؤمنين علياً عليه السلام بالمبيت على فراشه ، بعد أن أخبره بمكر قريش ، ثمّ خرج النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الليل ، وهو يقرأ هذه الآية : ( وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) (2).

وأمّا من نتائج هذه الهجرة المباركة هو : تأسيس الدولة الإسلامية الكبرى ، ومن ثمّ دعوة الناس إلى الإسلام ، وأيضاً القيام بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، وزرع روح المحبّة والإيمان والأُخوّة الإسلامية بين المسلمين.

( مصطفى البحراني - عمان - 25 سنة - طالب ثانوية )

لم يكن جبرائيل أعلم منه :

س : هل الأعلمية تعني الأفضلية؟ ومن كان أعلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أم جبرائيل عليه السلام؟ وكيف؟

إنّ مثل هذه الأسئلة تطرح من أناس يريدون أن يثبتوا أنّ خلافة أبي بكر صحيحة لا غبار عليها ، حيث أنّ جبرائيل عليه السلام هو من علّم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خير منه ، فكيف الردّ على مثل هذا الكلام؟

ج : نحن لا نسلّم بأنّ علم جبرائيل عليه السلام كان أكثر من علم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، بل غاية ما في الأمر هو أنّ جبرائيل عليه السلام كان رسولاً ، وحاملاً للوحي المنزّل على

ص: 322


1- الأنفال : 30.
2- يس : 9.

النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، بما أعطاه اللّه من دورٍ في إيصال كلامه تعالى إلى الأنبياء عليهم السلام ، أفهل ترى أنّ هذا بمعنى أعلميّته من الأنبياء عليهم السلام؟ هل هناك قاعدة علمية أو شرعية أو عرفية تدلّ على أعلمية الرسول من المرسل إليه؟ هذا أوّلاً.

وثانياً : تصرّح بعض الروايات : بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يتّصل أحياناً مباشرةً - وبدون معونة جبرائيل عليه السلام - بمبدأ الوحي ، وكانت هذه الحالة تعرف عند الأصحاب ، ويميّزونها عن اتّصاله بجبرائيل عليه السلام ، وهذا يعني إمكانية أخذه صلى اللّه عليه وآله العلم من الباري تعالى ، حيث لا يعلم به جبرائيل عليه السلام.

وثالثاً : لو أمعنّا النظر في الأخبار التي تدلّ على أفضلية خلقه صلى اللّه عليه وآله عن جميع المخلوقات ، التي توجد في كتب الفريقين ، نستنتج بأنّ الكون بأسره باستثناء وجود الباري تعالى يستفيض نور وجوده من فيض وجود الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، وعليه هل يبقى توهّم أنّ جبرائيل عليه السلام كان أعلم منه صلى اللّه عليه وآله؟!

وأخيراً : فإنّ تشبّث بعضهم بهذه الموهومات لإثبات خلافة فلان ، لا ناتج له إلاّ الحرمان من الحقّ ، جعلنا اللّه وإيّاهم من المتّقين.

( السيّد محمّد - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

موقفه من أسرى بدر :

س : ما هو تفسير الآية الشريفة التالية : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ ... ) (1) بالإضافة إلى الردّ الذي نردّ به على من يقول : أنّ عمر بن الخطّاب أصاب في هذه الواقعة ، حيث كان يريد أن يقتل الخصم ، والرسول أراد أن يبقيهم.

ج : إنّ النصوص التاريخية التي نطمئنّ بصحّتها نقلت : بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان رأيه أن يقتل أسرى معركة بدر - وهو الأصوب - ولكن لأجل إصرار بعض

ص: 323


1- الأنفال : 67.

الصحابة - كأبي بكر - على عدم قتلهم وأخذ الفداء منهم ، قرّر صلى اللّه عليه وآله أن يأخذ منهم الفداء ، بعد أن أخبر أصحابه بأنّ نتيجة أخذ الفداء هو أن يقتل في العام القابل من المسلمين بعدد الأسرى ، فقبلوا ذلك ، وتحقّق ما أوعدهم به صلى اللّه عليه وآله في معركة أُحد.

وممّا يؤيّد هذا ما جاء في بعض النصوص : أنّ جبرائيل نزل على النبيّ صلى اللّه عليه وآله يوم بدر فقال : « يا محمّد إنّ اللّه قد كره ما صنع قومك ، من أخذهم الأسارى ، وقد أمرك أن تخيّرهم بين أمرين : أن يقدّموا فتضرب أعناقهم ، وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم ».

فذكر صلى اللّه عليه وآله ذلك لهم ، فقالوا : يا رسول اللّه ، عشائرنا وإخواننا - وهذه الكلمة تشير إلى أنّ الذين قالوا ذلك هم من المهاجرين - لا بل نأخذ فداءهم ، فنقوى به على عدوّنا ، ويستشهد منّا عدّتهم (1).

فما تقدّم يدلّ على أنّ تخييرهم هذا إنّما كان بعد تأكيدهم على رغبتهم في أخذ الفداء ، وظهور إصرارهم عليه ، فأباح لهم ذلك.

ولكنّنا نجد روايات أُخرى تقرّر عكس ما ذكر آنفاً وتقول : إنّه صلى اللّه عليه وآله مال إلى رأي أبي بكر - أي إلى أخذ الفداء - ولكن عمر رفض ذلك ، وكان رأيه هو قتلهم ، فنزل القرآن بمخالفته وموافقة عمر ، وهذا غير صحيح ، لأنّ بعض علماء السنّة نصّ على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله مال إلى القتل (2).

وذكر الجاحظ : أنّ الأُسرى قالوا : « لو بعثنا إلى أبي بكر ، فإنّه أوصل قريش لأرحامنا ، ولا نعلم أحداً آثر عند محمّد منه ؛ فبعثوا إلى أبي بكر فأتاهم فقالوا : يا أبا بكر ، إنّ فينا الآباء والأبناء ، والأخوان والعمومة ، وبني العمّ ، وأبعدنا قريب ، فكلّم صاحبك يمن علينا أو يفادينا ، قال : نعم ، لا

ص: 324


1- جامع البيان 4 / 222 ، زاد المسير 2 / 52 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 434 ، الدرّ المنثور 2 / 93 ، سبل الهدى والرشاد 4 / 61.
2- الكامل في التاريخ 2 / 136.

آلوكم إن شاء اللّه خيراً ، ثمّ انصرف إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله » (1) ، وهذا دليل على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يرض بأخذ الفداء ، هذا أوّلاً.

وثانياً : إنّ الالتزام بما ذكروه معناه تكذيب قوله تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2).

كما أنّه لا يبقى معنى - والحالة هذه - لأمر اللّه تعالى للناس بإطاعة الرسول حيث قال : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ) (3) ، حتّى إذا امتثلوا الأمر الإلهي وأطاعوه يؤنّبهم ، ثمّ يتهدّدهم ، لقد كان يجب أن يتوجّه التأنيب والتهديد للرسول ، والمدح والثناء لهم ، لأنّهم عملوا بوظيفتهم.

وثالثاً : إنّ مجرّد الإشارة على الرسول بالفداء لا تستوجب عقاباً ، إذ غاية ما هناك أنّهم قد اختاروا غير الأصلح ، وعليه فلابدّ أن يكون ثمّة أمر آخر قد استحقوا العقاب لمخالفته ، وهو أنّهم حين أصرّوا على أخذ الفداء قد أصرّوا على مخالفة الرسول ، والتعلّق بعرض الحياة الدنيا في مقابل إرادة اللّه للآخرة - كما قال تعالى : ( تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ ) (4) - بعد بيان النبيّ صلى اللّه عليه وآله لهم بصورة صريحة ، إذ لا عقاب قبل البيان ثمّ المخالفة.

ولكن اللّه تكرّم وتفضّل عليهم ، وغفر لهم هذه المخالفة ، وأباح لهم أخذ الفداء تأليفاً لهم ، على ما فيه من عواقب وخيمة ، وقد بلغ من حبّهم لعرض الدنيا أنّهم قبلوا بهذه العواقب أيضاً.

بل يمكن أن يكون إصرار بعض المهاجرين على أخذ الفداء ، يرجع إلى أنّهم قد صعب عليهم قتل صناديد قريش ، حيث كانت تربطهم بهم صداقات ومصالح ووشائج رحم ، وقد استهوى موقفهم هذا جماعة من البسطاء والسذّج من سائر المسلمين الحاضرين.

ص: 325


1- العثمانية : 67.
2- النجم : 3 - 4.
3- النساء : 59.
4- الأنفال : 67.

فهذا التعاطف مع المشركين من قبل البعض ، ثمّ حبّ الحصول على المال ، قد جعلهم يستحقّون العذاب العظيم ، الذي إنّما يترتّب على سوء النيّات ، وعلى الإصرار على مخالفة الرسول ، والنفاق في المواقف والأقوال والحركات ، لاسيّما مع وجود رأي يطالب بقتل بني هاشم ، الذين أخرجهم المشركون كُرهاً ، ونهى الرسول صلى اللّه عليه وآله عن قتلهم ، مع ملاحظة : أنّه لم يشترك من قوم عمر أحد في حرب بدر.

( فاضل - السعودية - .... )

كونه أُمّياً لا يعدّ منقصة :

س : إنّنا نعتقد بعصمة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ونعتبره أكمل خلق اللّه ، والمعروف عنه صلى اللّه عليه وآله أنّه كان أُمّياً لا يقرأ ولا يكتب ، فهل تعتبر هذه منقصة في كمال الرسول صلى اللّه عليه وآله؟

ج : إنّ عدم القراءة لدى الإنسان العادي لعلّها تعدّ نقصاً ، إذ أنّ القراءة والكتابة الرافد الثقافي الطبيعي لدينا نحن ، أمّا علم النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعلم المعصومين عليهم السلام فهو علم حضوري لدنّي لا علاقة له بالاكتساب العلمي ، وليس للقراءة والكتابة من أثر في ذلك ، هذا من جهة.

ومن جهة أُخرى : لعلّ الحكمة من كونه صلى اللّه عليه وآله أُمّياً ، لكي لا يتاح للمشركين من إثارة تهمهم وشبهاتهم حول القرآن ، وأنّه من صنع البشر ، وأنّ محمّداً هو الذي كتبه وألّفه ، فإذا علموا أنّه صلى اللّه عليه وآله أُمّياً ، علموا أنّ ذلك إيحاء أو إعجازاً ، وليس ليد البشر من دخل.

على أنّ البعض نفوا كون النبيّ صلى اللّه عليه وآله أُمّياً ، أي لا يقرأ ولا يكتب ، وأنّه سيحتاج إلى من يكتب له ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله أفضل الخلق فلا يحتاج إلى مَن هو دونه ، وفسّروا أنّ الأُمّي نسبةً إلى أُمّ القرى ، أي مكّة.

ص: 326

( نصر اللّه - السعودية - .... )

هو والأئمّة سواء في رتبة الإمامة :

س : سؤالي هو : هل النبيّ صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام في مرتبة واحدة؟ وهل يجوز أن نساوي بين النبيّ وأحد من الخلق؟

وما معنى قوله تعالى : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (1) ، هذه بعض الأسئلة احتاج الردّ عليها لو سمحتم ، وشكراً.

ج : إنّ نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله له مقامان : مقام النبوّة ، من حيث رسالته ونزول الوحي عليه كان له مرتبة النبوّة ، ومقام الإمامة ، من حيث قيادته للأُمّة.

وأمّا باقي الأئمّة المعصومين عليهم السلام فلهم مرتبة الإمامة ، بما أنّهم قد جاء النصّ بخلافتهم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولكن ليسوا أنبياء لأنّهم لم يأتوا بدين جديد ، ولم يأتهم الوحي برسالة أُخرى.

فمجمل الكلام : أنّهم - النبيّ والأئمّة عليهم السلام - سواء في الإمامة ، ويمتاز عنهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله بمقام النبوّة والرسالة ، نعم ، هم يتساوون أيضاً في مرتبة العصمة ، بما أنّها صفة ملحوظة في كلا الرتبتين.

وأمّا بالنسبة إلى الآية ، فإنّها تشير وتؤيّد الأخلاق الحسنة والممتازة عند الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، كما سجّل ذلك سيرته وحياته وتحمّله للمتاعب والمصاعب في سبيل تبليغ رسالته ، فكان خُلُقه العظيم في كُلّ ذلك ، هو الذي دعا الناس أن يحوموا حوله ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) (2).

( ... - ... - ..... )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : كيف نوفّق بين كلامكم هذا ، وبين أنّ دعاء النبيّ مستجاب حتماً؟

ص: 327


1- القلم : 4.
2- آل عمران : 159.

أنّ دأب النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن يسعى لما فيه صلاح أُمّته وهدايتهم ، فهو يبذل لهم النُصح والموعظة الحسنة ، ومن ثمّ يدعو لهم بالهداية ، راجياً أن يهتدوا وأن لا يضلّوا ، وهذا من خُلقه الكريم ، فهو يأمل أن يهتدي بعضهم إلى الحقّ ، لذا فقوله : « اللّهم اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون » (1) ، لا يعني أنّ اللّه قد غفر لهم ، فقد بقوا على كفرهم وضلالهم ، بل أراد أن يترفّع الدعاء عليهم وإصابتهم بالسوء فلعلّهم يرجعون ، حتّى أنّ اللّه تعالى مدحه على كريم أدبه وحسن خُلقه فقال : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (2).

وهذا دأب الأنبياء ، كذلك فإنّ إبراهيم حاول هداية قومه وأن لا يصيبهم السوء ، وكان يحلم عنهم ، حتّى وصفه اللّه تعالى : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ ) (3) ، فهو يتأسّف على قومه لما سيصيبهم من سوء بسبب جهلهم وغيّهم ، هذا هو خُلق الأنبياء ، وقد مثّل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أروع أدبهم ، وكريم أخلاقهم ، وأمل في هداية قومه إلقاءً للحجّة عليهم ، وهذا لا يعني أنّهم سوف يهتدون فعلاً ، بل فيهم من بقي على كفره ، ومنهم من زاغ إلى النفاق والضلال.

أمّا دعاؤه لأهل عمان فلا نعلم مصدر ذلك ، وإن صحّ فإنّ نفس الكلام يأتي في أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يتنزّه عن الدعاء على قومه ، ويدأب في صلاحهم.

كلامكم جميل ، ولكن كيف نوفّق بين هذا وبين أنّ دعاء النبيّ مستجاب حتماً؟

ج : إنّ دعاء النبيّ صلى اللّه عليه وآله مستجاب حتماً ، والتوفيق يكون بأنّ المراد ليس جميع القوم أو جميع أهل عمان ، بل ما يصدق أن يسمّى قوماً ، فإنّ الكلام تارة يراد منه الجميع ، وأُخرى يراد المجموع ، والفرق بينهما أنّ في الأوّل لا يتحقّق إلاّ بشموله لجميع الأفراد ، وفي الثاني يتحقّق ببعضهم ، ممّا يصدق عليه اسم القوم أو جماعة من أهل عمان.

ص: 328


1- الطرائف : 505.
2- القلم : 4.
3- التوبة : 114.

ويمكن أن يقال : بأنّ كُلّ فرد يحبّ الخير والهداية لجميع البشرية ، فكيف برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ فإنّه قطعاً يحبّ الهداية للجميع ، وهذا الحبّ ظهر على صيغة الدعاء ، فليس المراد منه الطلب الحقيقي ، بل المراد منه إظهار هذا الحبّ لجميع البشرية.

( موالي - الكويت - 19 سنة - طالب )

كان يرقص بأكمامه في روايات أهل السنّة :

س : أودّ أن أسأل : هل توجد رواية في كتب الحديث لدى العامّة تقول : بأنّ رسول اللّه يرقص بأكمامه حين دخوله للمدينة ، وحين غناء النساء والصبيان ب- « طلع البدر علينا من ثنيّات الوداع »؟ ودمتم سالمين.

ج : قد جاءت عبارة الرقص بالأكمام في نقل العلاّمة الحلّي عن أهل السنّة (1).

والذي يؤيّد هذا الموضوع في المقام : هو أنّ الفضل بن روزبهان - وهو من أعلام العامّة - وفي مجال نقضه كلام العلاّمة لم يردّ هذا المطلب ، الأمر الذي يورث الاطمئنان في النفس بأنّ الحديث كان موجوداً في بعض مصادر أهل السنّة ، وإن حذفته بعض الأيادي الأثيمة دفاعاً عن مذهبهم.

( موالي - الكويت - 19 سنة - طالب )

لم يكن خائفاً عند نزول الوحي عليه :

س : كيف نردّ على روايات العامّة في بدء نزول الوحي؟ التي تصوّر النبيّ بأنّه خائف ، وأنّ جبرائيل عصره ثلاث مرّات ، وأنّ ورقة بن نوفل أو نسطور أو بحيرا أو عداس أو خديجة - حسب الروايات - نبّأوه بنبوّته؟

مع العلم أنّ بعض العامّة يبرّرون عصر جبرائيل لمحمّد كان بدافع إعطائه قوّة إيمانية وجسدية ، أو أنّه يريد إخباره بأنّه في يقظة لا في منام.

ص: 329


1- دلائل الصدق 1 / 631.

ج : الأخبار والأقوال التي ذكرتها معظمها ضعيفة السند والدلالة ، أمّا سنداً فيجب أن يراجع في كُلّ مورد حتّى يتبيّن وهن الأسانيد التي يعتمدون عليها.

وأمّا من جهة الدلالة ، فلا تنطبق على الموازين العقلية والنقلية القطعية ، ولا تنسجم مع أُصول العقيدة ، إذ كيف يكون النبيّ صلى اللّه عليه وآله خائفاً من أمر إيجابي ، وكأنّه لم يعرّف بالوحي ، بل أتاه دفعةً ومن غير مقدّمة؟ أو هل يعقل أن لا يعرف النبيّ الوحي بنفسه؟ وساعده الآخرون في تعريفه؟ وكأنّما الآخرون كانوا أولى منه في معرفة الوحي ، نعوذ باللّه ، هذه هي تساؤلات ونقوض لابدّ من اعتبارها على رأي هؤلاء.

وأمّا الحلّ ، فيجب علينا أن نعتقد أنّ الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله - الذي هو أشرف الكائنات - لا يحتاج في معرفة شؤون الوحي وأطواره ، وكيفية نزوله إلى أيّ شخص وجهة تعينه ، وإلاّ لتوقّفت مصداقية نبوّته على الآخرين ، وحتّى في موارد توسيط جبرائيل عليه السلام يعتقد المحققّون : بأنّ النبيّ كان بإمكانه الاتصال بمبدأ الوحي والكون بدونه - كما هو الحال في موارد متعدّدة من نزول الوحي المباشر التي نقلتها مصادر معتبرة عند الفريقين - ولكن نزول جبرائيل كان من باب إظهار عظمة الوحي ، كما ورد في تنزيل بعض السور والآيات من السماء بمعية الآلاف من الملائكة ، لبيان جلالتها وعظمتها.

وأخيراً : كم هو الفرق بين هذه الأقوال غير الصحيحة في كتب العامّة ، وبين ما ورد في هذا المجال عند الشيعة ، فمثلاً : جاء عن زرارة قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : كيف لم يخف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فيما يأتيه من قبل اللّه أن يكون ذلك ممّا ينزغ به الشيطان؟

قال : فقال عليه السلام : « إنّ اللّه إذا اتخذ عبداً رسولاً أنزل عليه السكينة والوقار ، فكان الذي يأتيه من قبل اللّه مثل الذي يراه بعينه » (1).

ص: 330


1- تفسير العيّاشي 2 / 201.

( السيّد عدنان - البحرين - .... )

هو الصادر الأوّل :

س : عندما يقال بأنّ نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله هو الصادر الأوّل ، فالسؤال المنطقي يقول : لماذا كان هو دون غيره؟ فيقال : بأنّ قابليته هي التي أهلّته لذلك المقام ، فالسؤال هو : أليس هو لم يكن شيئاً قبل ذلك؟

فالعبارة هذه يُفهم منها أنّه كان موجوداً قبل الخلقة ، فنرجو منكم توضيح هذا المطلب ، ولكم خالص الشكر.

ج : يجاب على سؤالكم بنحوين كُلّ منهما يصلح أن يكون جواباً مستقلاً في المقام :

الأوّل : إنّ اللّه تعالى - ومن منطلق علمه الذاتي والأزلي - كان يعلم بأنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله سيصل بجدّه وجهده في عالم الدنيا إلى المرتبة القصوى بين الممكنات ، بعد إعطائه الخيار والاختيار من جانب الباري تعالى ، فعلم اللّه تعالى وإن كان مقدّماً ولكن التطبيق كان متأخّراً.

وبعبارة واضحة : إنّ اللّه تعالى كان يعلم بوفاء نبيّنا صلى اللّه عليه وآله في عالم الوجود بكافّة المتطلّبات التي تؤهّله لهذا المنصب الإلهي ، وعليه فأعطاه تلك المرتبة السامية بسبب علمه المسبق على الإعطاء ، فالنتيجة : أنّ كافّة المواهب المعطاة هي ناتجة ومكافئة على سلوك وسيرة النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الدنيا ، وإن أُعطيت من قبل.

ولا يخفى أنّ هذه النظرية قابلة للتأييد بنصوص روائية ، وعلى سبيل المثال ورد في فقرات من دعاء الندبة هكذا : « اللّهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك ، الذين استخلصتهم لنفسك ودينك ، إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم ، الذي لا زوال له ولا اضمحلال ، بعد أن شرطت عليهم

ص: 331

الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية ، وزخرفها وزبرجها ، فشرطوا لك ذلك ، وعلمت منهم الوفاء به ، فقبلتهم وقرّبتهم ... » (1).

وملخّص الكلام : إنّ الفضائل والميزات التكوينية والتشريعية للنبي صلى اللّه عليه وآله - على ضوء هذا القول - بأجمعها هي حصيلة الجهود والمتاعب التي تحمّلها الرسول صلى اللّه عليه وآله في سبيل نشر الدين والعقيدة ، وتبليغ الوحي وزعامة الأُمّة ، وغيرها.

الثاني : عند بدء الخلق وفي أوانه ، عندما تعلّقت الإرادة التكوينية لله تعالى بإنشاء الممكنات ، جاء النور الأوّل - أو بعبارة أُخرى الصادر الأوّل - كأوّل مخلوق له سمة الخلافة عن الخالق في عالم الخلق ، وهذا هو الفيض الأوّل الصادر إلى عالم الوجود - وهنا لابأس بالإشارة إلى أنّ العلاقة بين الممكن والواجب أمر ضروري عقلاً ونقلاً ، فيجب أن تكون رابطة الفيض مستمرة بين الخالق والمخلوق بنحو تام -.

ثمّ على ضوء ما ذكرنا ، فإنّ المخلوق الأوّل يجب أن تتوفّر فيه الميزات العالية التكوينية والتشريعية لنيل هذه الرتبة السامية - أي الاستخلاف والنيابة عن اللّه تعالى في دائرة الوجود - لأنّ الحكمة الإلهية كانت تقتضي ولا تزال بأن يصدّر الأفضل حتّى تكون متابعة الآخرين له ينسجم مع القواعد العقلية في طريق الكمال والرقي ، وهذا النور الأوّل والمخلوق الممتاز قد سمّي وتعيّن بأنّه محمّد صلى اللّه عليه وآله ، لا أنّ نبيّنا قد حصل على هذه المكانة في أوّل الخلق ، بل أنّ الصادر الأوّل المميّز قد لقّب وتعنون بأنّه هو الرسول الأعظم أشرف الكائنات محمّد صلى اللّه عليه وآله.

وممّا ذكرنا يظهر جواب التوهّم المذكور ، إذ لم يكن يوجد أيّ ممكن عند نقطة بدء الخلق حتّى يتوهّم الانحياز والتمييز لمخلوق دون آخر ، بل أنّ

ص: 332


1- إقبال الأعمال 1 / 504.

الوجود الأوّل قد تعنون وسمّي بأنّه محمّد صلى اللّه عليه وآله ، ومن الملاحظ أنّه عند خلقه لم يكن هناك مخلوق آخر يوازيه ، حتّى يفرض أنّه صلى اللّه عليه وآله قد أعطي ما كان بالإمكان أن يعطي غيره.

وبعبارة دقيقة وواضحة : إنّ المرتبة العليا والوحيدة لعالم الممكنات خلق وسمّي محمّداً صلى اللّه عليه وآله ، لا أنّ التسمية والتعنون سبق إعطاء هذه المكانة السامية ، وفي الواقع أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله هو رمز المُثل والقيم الإلهية بشكل مجسّم في عالم الخلق ، والنموذج الحيّ الوحيد لكافّة الايجابيات في عالم الكون.

وهذا الرأي أيضاً قابل للتأييد بنصوص روائية كثيرة موجودة في مجامعنا الحديثة.

ثمّ لا يخفى أنّ النظريتين لا تتعارضان فيما بينهما ، بل نتمكّن من الجمع بينهما كما هو واضح بأدنى تأمّل.

( حسين أحمد مطر - البحرين - .... )

علماء السنّة القائلين بعدم نزول ( عَبَسَ ) فيه :

س : لديّ سؤال وهو : أنّ علماء أهل السنّة يفسّرون الآيات الأُولى من سورة ( عَبَسَ ) في الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، فيقولون : إنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله هو الذي عبس بوجهه وولّى عن ابن أُمّ مكتوم إلى نهاية الحادثة التي يروونها.

أمّا مرادي من حضرتكم الغالية : هل جميع أهل السنّة يقولون بهذا القول؟ وإذا وجد من يقول بخلاف هذا القول ، الرجاء منكم إرشادي إلى المصدر إن أمكن ، هذا ودمتم مسدّدين إن شاء اللّه لكُلّ خير.

ج : إنّ هناك جملة من كبار علماء السنّة ومفسّريهم ، لا يسلّم أنّ خطاب ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) متوجّه إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لأنّه ليس من صفات النبيّ صلى اللّه عليه وآله العبوسة ، من هؤلاء :

ص: 333

1 - الإمام الفخر الرازي - المتوفّى 606 ه- - في كتابه عصمة الأنبياء (1).

2 - القاضي عياض اليحصبي - المتوفّى 544 ه- - في كتابه الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2).

3 - الزركشي - المتوفّى 794 ه- - في كتابه البرهان في علوم القرآن (3).

4 - الصالحي الشامي - المتوفّى 942 ه- - في كتابه سبل الهدى والرشاد (4).

( يوسف البيومي - لبنان - 25 سنة - طالب جامعة )

بحث مفصّل في شأن نزول ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) :

اشارة

س : لقد قرأت جوابكم الكريم عن مسألة آية ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) ، وقد دخلت في مناقشة مع أحد المشايخ السنّة ، وطلب منّي شيئاً تفصيلاً عن الموضوع ، فهل تستطيعون أن تساعدوني على هذا ، ولكم الأجر والثواب.

ج : لقد بحث هذه المسألة بشكل مفصّل المحقّق السيّد جعفر مرتضى العاملي في كتابه الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، ننقل لكم نصّه :

ويذكر المؤرّخون بعد قضية الغرانيق ، القضية التي نزلت لأجلها سورة عبس وتولّى المكّية ، والتي نزلت بعد سورة النجم.

وملخص هذه القضية : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يتكلّم مع بعض زعماء قريش ، ذوي الجاه والمال ، فجاءه عبد اللّه بن أُمّ مكتوم - وكان أعمى - فجعل يستقرئ النبيّ صلى اللّه عليه وآله آية من القرآن قال : يا رسول اللّه ، علّمني ممّا علّمك اللّه.

فأعرض عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعبس في وجهه وتولّى ، وكره كلامه ، وأقبل على أُولئك الذين كان صلى اللّه عليه وآله قد طمع في إسلامهم ، فأنزل اللّه تعالى : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى

ص: 334


1- عصمة الأنبياء : 108.
2- الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2 / 161.
3- البرهان في علوم القرآن 2 / 243.
4- سبل الهدى والرشاد 11 / 474.

* أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) (1).

وفي رواية : أنّه صلى اللّه عليه وآله كره مجيء ابن أُمّ مكتوم ، وقال في نفسه : يقول هذا القرشي : إنّما أتباعه العميان والسفلة والعبيد ، فعبس صلى اللّه عليه وآله إلخ.

وكأنّ ذلك الزعيم لم يكن يعلم بذلك!! وكأنّ قريشاً لم تكن قد صرّحت بذلك وأعلنته!!

وعن الحكم : « ما رؤي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعد هذه الآية متصدّياً لغني ، ولا معرضاً عن فقير » (2).

وعن ابن زيد : « لو أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كتم شيئاً من الوحي ، كتم هذا عن نفسه » (3).

وأيّ تفسير قرآن آخر لغير الشيعة ؛ فإنّك تجد فيه الروايات المختلفة التي تصبّ في هذا الاتجاه.

فابن زيد يؤكّد بكلامه هذا على مدى قبح هذا الأمر ، وعلى مدى صراحة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، حتّى إنّه لم يكتم هذا الأمر ، رغم شدّة قبحه وشناعته!

لقد أجمع المفسّرون ، وأهل الحديث ، باستثناء شيعة أهل البيت عليهم السلام على أصل القضية المشار إليها.

ونحن نرى : أنّها قضية مفتعلة ، لا يمكن أن تصحّ ، وذلك أوّلاً : لضعف أسانيدها ، لأنّها تنتهي إلى عائشة ، وأنس ، وابن عباس من الصحابة ، وهؤلاء لم يدرك أحد منهم هذه القضية أصلاً ، لأنّه إمّا كان حينها طفلاً ، أو لم يكن ولد (4).

ص: 335


1- عبس : 1 - 10.
2- الدرّ المنثور 6 / 315.
3- جامع البيان 30 / 66 ، الدرّ المنثور 6 / 315.
4- أُنظر : الهدى إلى دين المصطفى 1 / 158.

أو إلى أبي مالك - الظاهر أنّ المراد به أبا مالك الأشجعي ، المشهور بالرواية وتفسير القرآن ، وهو تابعي - والحكم ، وابن زيد ، والضحّاك ، ومجاهد ، وقتادة ، وهؤلاء جميعاً من التابعين ، فالرواية مقطوعة لا تقوم بها حجّة.

وثانياً : تناقض نصوصها حتّى ما ورد منها عن راوٍ واحد ، فعن عائشة في رواية : إنّه كان عنده رجل من عظماء المشركين ، وفي أُخرى عنها : عتبة وشيبة ، وفي ثالثة عنها : في مجلس فيه ناس من وجوه قريش ، منهم أبو جهل ، وعتبة بن ربيعة.

وفي رواية عن ابن عباس : إنّه صلى اللّه عليه وآله كان يناجي عتبة ، وعمّه العباس ، وأبا جهل.

وفي التفسير المنسوب إلى ابن عباس : إنّهم العباس ، وأُمية بن خلف ، وصفوان بن أُمية.

وعن قتادة : أُمية بن خلف ، وفي أُخرى عنه : أُبي بن خلف.

وعن مجاهد : صنديد من صناديد قريش ، وفي أُخرى عنه : عتبة بن ربيعة ، وأُمية بن خلف.

هذا ، عدا عن تناقض الروايات مع بعضها البعض في ذلك ، وفي نقل ما جرى ، وفي نصّ كلام الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ونصّ كلام ابن أُمّ مكتوم.

ونحن نكتفي بهذا القدر ، ومن أراد المزيد فعليه بالمراجعة والمقارنة.

وثالثاً : إنّ ظاهر الآيات المدّعى نزولها في هذه المناسبة ، هو أنّه كان من عادة هذا الشخص وطبعه وسجيّته وخُلقه أن يتصدّى للغني ويهتم به ، ولو كان كافراً ، ويتلهّى عن الفقير ولا يبالي به أن يتزكّى ، ولو كان مسلماً.

وكُلّنا يعلم : أنّ هذا لم يكن من صفات وسجايا نبيّنا الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، ولا من طبعه وخُلقه.

ص: 336

كما أنّ العبوس في وجه الفقير ، والإعراض عنه ، لم يكن من صفاته صلى اللّه عليه وآله حتّى مع أعدائه ، فكيف بالمؤمنين من أصحابه وأودّائه ، وهو الذي وصفه اللّه تعالى بأنّه : ( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) (1).

بل لقد كان من عادته صلى اللّه عليه وآله مجالسة الفقراء ، والاهتمام بهم ، حتّى ساء ذلك أهل الشرف والجاه ، وشقّ عليهم ، وطالبه الملأ من قريش بأن يبعد هؤلاء عنه ليتّبعوه ، وأشار عليه عمر بطردهم ، فنزل قوله تعالى : ( وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) (2).

ويظهر : أنّ الآية قد نزلت قبل الهجرة إلى الحبشة لوجود ابن مسعود في الرواية ، أو حين بلوغهم أمر الهدنة ، ورجوعهم إلى مكّة.

ولكن يبقى إشكال أن ذكر عمر في هذا المقام في غير محلّه ، لأنّه لم يكن قد أسلم حينئذٍ ، لأنّه إنّما أسلم قبل الهجرة إلى المدينة بيسير.

كما أنّ اللّه تعالى قد وصف نبيّه في سورة القلم التي نزلت قبل سورة عبس وتولّى بأنّه على خُلق عظيم ، فإذا كان كذلك ، فكيف يصدر عنه هذا الأمر المنافي للأخلاق ، والموجب للعتاب واللوم منه تعالى لنبيّه صلى اللّه عليه وآله ، فهل كان اللّه - والعياذ باللّه - جاهلاً بحقيقة أخلاق نبيّه؟ أم أنّه يعلم بذلك لكنّه قال هذا لحكمة ولمصلحة اقتضت ذلك؟ نعوذ باللّه من الغواية ، عن طريق الحقّ والهداية.

ورابعاً : إنّ اللّه تعالى يقول في الآيات : ( وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى ) (3) ، وهذا لا يناسب أن يخاطب به النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لأنّه مبعوث لدعوة الناس وتزكيتهم.

وكيف لا يكون ذلك عليه مع أنّه هو مهمّته الأُولى والأخيرة ، ولا شيء غيره ، ألم يقل اللّه تعالى : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ

ص: 337


1- التوبة : 128.
2- الأنعام : 52 ، وأُنظر : الدرّ المنثور 3 / 12.
3- عبس : 7.

آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) (1) ، فكيف يغريه بترك الحرص على تزكية قومه.

خامساً : لقد نزلت آية الإنذار : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (2) ، قبل سورة عبس بسنتين ، فهل نسي صلى اللّه عليه وآله أنّه مأمور بخفض الجناح لمن اتبعه؟ وإذا كان نسي ، فما الذي يؤمّننا من أن لا يكون قد نسي غير ذلك أيضاً؟ وإذا لم يكن قد نسي ، فلماذا يتعمّد أن يعصي هذا الأمر الصريح؟!

سادساً : إنّه ليس في الآية ما يدلّ على أنّها خطاب للنبي صلى اللّه عليه وآله ، بل اللّه سبحانه يخبر عن رجل ما أنّه : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الأَعْمَى ) ، ثمّ التفت اللّه تعالى بالخطاب إلى ذلك العابس نفسه وخاطبه بقوله : ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ) إلخ.

سابعاً : لقد ذكر العلاّمة الطباطبائي : « أنّ الملاك في التفضيل وعدمه ليس هو الغنى والفقر ، وإنّما هو الأعمال الصالحة ، والسجايا الحسنة ، والفضائل الرفيعة ، وهذا حكم عقلي وجاء به الدين الحنيف ، فكيف جاز له صلى اللّه عليه وآله أن يخالف ذلك ، ويميّز الكافر لما له من وجاهة على المؤمن » (3)؟

والقول : بأنّه إنّما فعل ذلك لأنّه يرجو إسلامه ، وعلى أمل أن يتقوّى به الدين ، وهذا أمر حسن ، لأنّه في طريق الدين وفي سبيله ، لا يصحّ لأنّه يخالف صريح الآيات التي تنصّ على أنّ الذمّ له كان لأجل أنّه يتصدّى لذاك الغني لغناه ، ويتلهّى عن الفقير لفقره ، ولو صحّ هذا ، فقد كان اللازم أن يفيض القرآن في مدحه وإطرائه على غيرته لدينه ، وتحمّسه لرسالته ؛ فلماذا هذا الذمّ والتقريع إذن.

ونشير أخيراً : إلى أنّ البعض قد ذكر : أنّه يمكن القول بأنّ الآية خطاب كُلّي مفادها : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان إذا رأى فقيراً تأذّى وأعرض عنه.

ص: 338


1- الجمعة : 2.
2- الشعراء : 213 - 214.
3- الميزان في تفسير القرآن 20 / 303.

والجواب أوّلاً : إنّ هذا يخالف القصّة التي ذكروها من كونها قضية في واقعة واحدة لم تتكرّر.

وثانياً : إذا كان المقصود هو الإعراض عن مطلق الفقير ؛ فلماذا جاء التنصيص على الأعمى؟!

وثالثاً : هل صحيح أنّه قد كان من عادة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ذلك؟!

المذنب رجل آخر :

فيتّضح ممّا تقدّم : أنّ المقصود بالآيات شخص آخر غير النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ويؤيّد ذلك : ما روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال : « كان رسول اللّه إذا رأى عبد اللّه بن أُمّ مكتوم قال : مرحباً مرحباً ، واللّه لا يعاتبني اللّه فيك أبداً ، وكان يصنع به من اللطف حتّى يكف عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ممّا كان يفعل به » (1).

فهذه الرواية تشير إلى أنّ اللّه تعالى لم يعاتب نبيّه في شأن ابن أُمّ مكتوم ، بل فيها تعريض بذلك الرجل الذي ارتكب في حقّ ابن أُمّ مكتوم تلك المخالفة ، إن لم نقل : إنّه يستفاد من الرواية نفي قاطع حتّى لإمكان صدور مثل ذلك عنه صلى اللّه عليه وآله ، بحيث يستحقّ العتاب والتوبيخ ؛ إذ لا معنى لهذا النفي لو كان اللّه تعالى قد عاتبه فعلاً.

هذا ولكن الأيدي غير الأمينة قد حرّفت هذه الكلمة ؛ فادعت أنّه صلى اللّه عليه وآله كان يقول : « مرحباً بمن عاتبني فيه ربّي » ، فلتراجع كتب التفسير ، كالدرّ المنثور وغيره ، والصحيح هو ما تقدّم.

سؤال وجوابه :

ولعلّك تقول : إنّه إذا كان المقصود بالآيات شخصاً آخر ؛ فما معنى قوله تعالى : ( فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى ) ، وقوله : ( فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) ، فإنّ ظاهره : أنّ هذا التصدّي والتلهّي من قبل من يهمّه هذا الدين ؛ فيتصدّى لهذا ، ويتلهّى عن ذاك.

ص: 339


1- مجمع البيان 10 / 266.

فالجواب : أنّه ليس في الآيات ما يدلّ على أنّ التصدّي كان لأجل الدعوة إلى اللّه أو لغيرها.

فلعلّ التصدّي كان لأهداف أُخرى دنيوية ، ككسب الصداقة أو الجاه ، أو نحو ذلك.

وقوله تعالى : ( لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ) ليس فيه أنّه يزكّى على يد المخاطب ، بل هو أعم من ذلك ، فيشمل التزكّي على يد غيره ممّن هم في المجلس ، كالنبيّ صلى اللّه عليه وآله أو غيره.

ثمّ لنفرض : أنّه كان التصدّي لأجل الدعوة ، فإنّ ذلك ليس محصوراً به صلى اللّه عليه وآله ؛ فهم يقولون : إنّ غيره كان يتصدّى لذلك أيضاً ، وأسلم البعض على يديه لو صحّ ذلك!

الرواية الصحيحة : وبعد ما تقدّم ، فإنّ الظاهر هو أنّ الرواية الصحيحة ، هي ما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام : « أنّها نزلت في رجل من بني أُمية كان عند النبيّ صلى اللّه عليه وآله ؛ فجاءه ابن أُمّ مكتوم ، فلمّا رآه تقذّر منه ، وجمع نفسه ، وعبس في وجهه ، وأعرض بوجهه عنه ، فحكى اللّه سبحانه ذلك ، وأنكره عليه » (1).

ويلاحظ : أنّ الخطاب في الآيات لم يوجّه أوّلاً إلى ذلك الرجل ؛ بل تكلّم اللّه سبحانه عنه بصورة الحكاية عن الغائب : إنّه عبس وتولّى ، أن جاءه الأعمى.

ثمّ التفت إليه بالخطاب ، فقال له مباشرة : وما يدريك ، ويمكن أن يكون الخطاب في الآيات أوّلاً للنبي صلى اللّه عليه وآله من باب : إيّاك أعني واسمعي يا جارة ، والأوّل أقرب ، وألطف ذوقاً.

اتهام عثمان :

وبعض الروايات تتّهم عثمان بهذه القضية ، وأنّه هو الذي جرى له ذلك مع ابن أُمّ مكتوم (2).

ص: 340


1- نفس المصدر السابق.
2- تفسير القمّي 2 / 405.

ولكنّنا نشكّ في هذا الأمر ، لأنّ عثمان قد هاجر إلى الحبشة مع من هاجر ، فمن أين جاء عثمان إلى مكّة ، وجرى منه ما جرى؟!

إلاّ أن يقال : إنّهم يقولون : إنّ أكثر من ثلاثين رجلاً قد عادوا إلى مكّة بعد شهرين من هجرتهم كما تقدّم ، وكان عثمان منهم ، ثمّ عاد إلى الحبشة.

وعلى كُلّ حال ، فإنّ أمر اتهام عثمان - ونحن نجد في عثمان بعض الصفات التي تنسجم مع مدلول الآية ، كما يشهد له قضيّته مع عمّار حين بناء المسجد في المدينة - أو غيره من بني أُمية لأهون بكثير من اتهام النبيّ المعصوم ، الذي لا يمكن أن يصدر منه أمر كهذا على الإطلاق ، وإن كان يهون على البعض اتهام النبيّ صلى اللّه عليه وآله بها أو بغيرها ، شريطة أن تبقى ساحة قدس غيره منزّهة وبريئة!!

تاريخ هذه القضية :

ونسجّل أخيراً : تحفّظاً على ذكر المؤرّخين لرواية ابن مكتوم ، ونزول سورة عبس بعد قضية الغرانيق ؛ فإنّ الظاهر هو أنّ هذه القضية قد حصلت قبل الهجرة إلى الحبشة ، لأنّ عثمان كان قد هاجر إلى الحبشة قبل قضية الغرانيق بشهرين كما يقولون ، إلاّ أن يكون عثمان قد عاد إلى مكّة مع من عاد ، بعد أن سمعوا بقضية الغرانيق كما يدّعون.

أعداء الإسلام وهذه القضية :

وممّا تجدر الإشارة إليه هنا : أنّ بعض المسيحيين الحاقدين قد حاول أن يتّخذ من قضية عبس وتولّى وسيلة للطعن في قدسية نبيّنا الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، ولكن اللّه يأبى إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون ( وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (1).

فها نحن قد أثبتنا : أنّها أكاذيب وأباطيل ما أنزل اللّه بها من سلطان.

ص: 341


1- التوبة : 32.

( غانم النصار - الكويت - .... )

تأخير نزول الوحي عليه لا يدلّ على عدم عصمته :

س : تقول الروايات : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أخطأ عدّة مرّات ، ونحن نقول : أنّ الرسول معصوم من كُلّ زلل ، وإن كان كذلك ما هو تفسيركم للروايات التي فسّرت نزول سورة الكهف؟ التي تقول : أنّ الرسول لم يقل إن شاء اللّه ، وانقطع عنه الوحي عدّة أيّام؟ أليس في هذا زلل؟ يرجى التوضيح.

ج : من المعلوم أنّ العصمة هي الابتعاد عن كُلّ خطأ وزلّة ، وهذا المعنى ثابت ومسلّم بالنسبة إلى الرسول صلى اللّه عليه وآله.

وأمّا مورد السؤال فلا يدلّ على صدور معصية أو خطأ تمس جانب العصمة منه - والعياذ باللّه - بل أكثر ما تدلّ الروايات الواردة في هذا المجال هو الإشارة إلى الجانب التأديبي والأخلاقي بالنسبة إلى الأُمّة ، أي يعطي الفرد المسلم درساً لكي لا يستقل في كافّة تصرّفاته عن مبدأ الوجود ، وقد ورد عنه صلى اللّه عليه وآله : « أدّبني ربّي فأحسنَ تأديبي » (1).

مضافاً إلى أنّه يحتمل قوياً أن يكون في تأخّر الوحي فترة وجيزة مصالح أُخرى ، من اختبار المؤمنين وغيره ، وهذا الأمر كان له نظير في الأُمم السابقة ، فقد ذكر القرآن الكريم تأخير نزول النصر على نبي من الأنبياء ، إلى أن قالوا : ( وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ) (2).

وبالجملة : فليس في تأخير نزول الأمر الإلهي أيّ محذور عقلي أو شرعي ، حتّى يكون إشكالاً وإيراداً على عصمة الأنبياء عليهم السلام.

ص: 342


1- شرح نهج البلاغة 11 / 233 ، الجامع الصغير 1 / 51.
2- البقرة : 214.

( علي - البحرين - 30 سنة - دبلوم )

لماذا ختمت به الرسالات مع أنّ العلم يتطوّر :

س : لماذا ختم اللّه الرسالات السماوية برسالة النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟ على الرغم من أنّ العلم ما زال يتطوّر؟

ج : لم يقل أحد أنّ اللّه بعث الأنبياء والرسل بعلم الطبّ أو العلوم المادّية من الهندسة والتكنولوجيا ، وإنّما بعثهم لإيصال أوامر اللّه ونواهيه للبشرية ، ليكونوا الواسطة بين اللّه وبين خلقه ، وعلى هذا فلا مانع من ختم الرسالة بالنبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله ، على الرغم من أنّ العلم ما زال يتطوّر ، فإنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وإن كان يعلم هذه العلوم بتعليم إلهي ، ولكنّه لم يبعث لهذا الفرض ، لذا لا نجده كان يستعمل هذه العلوم إلاّ في موارد نادرة.

فلم يبعث اللّه الأنبياء ليعلّموا الناس الطبّ أو النجارة أو الزراعة أو تطوير العلوم ، وإنّما بعثه ليكون واسطة بينه وبين الخلق في إيصال أوامر اللّه ونواهيه للبشرية ، لعبادة ربّ العالمين وعدم الخروج عن طاعته تعالى ، وبذلك تتمّ الحجّة ويكون الثواب والعقاب ، وفي إجراء أوامر اللّه ونواهيه تطبيق للعدل الإلهي في الكرة الأرضية.

( سمير - روسيا - 25 سنة )

الجمع بين كون آباءه موحّدون وتسمية عبد المطلب ابنه بعبد العزى :

س : جزاكم اللّه خيراً عن هذا الموقع وعن جهودكم الجليلة ، عندي سؤال حيّرني ، وأرجو أن أجد عندكم ج :

بما أنّ آباء النبيّ صلى اللّه عليه وآله من آدم عليه السلام موحّدون ، ومن البعيد جدّاً أن يختار اللّه تعالى الأنبياء من نطف غير طاهرة قد دنّستها الأرجاس ، فما علّة تسمية عبد المطلب لابنه المعروف بأبي لهب بعبد العزّى؟ حفظكم اللّه ، والسلام عليكم.

ص: 343

الجواب : ممّا يجب أن نعرفه قبل الخوض في التسمية ومشروعيتها : أنَّ هناك أدلّة عديدة نؤمن بها بأنّ آباء الأنبياء والأئمّة عليهم السلام موحّدون مؤمنون ، وهم من أصلح وأفضل أهل زمانهم ، قال تعالى : ( مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ ) (1) ، وكذلك قوله تعالى : ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) (2).

وقد جاءت أحاديث كثيرة تتضمّن هذه المعاني ، فنذكر منها اختصاراً :

روى ابن جرير الطبري الشيعي : « قذفنا في صلب آدم ، ثمّ أخرجنا إلى أصلاب الآباء وأرحام الأُمّهات ، لا يصيبنا نجس الشرك ، ولا سفاح الكفر ، يسعد بنا قوم ، ويشقى بنا آخرون » (3).

وورد في تاريخ اليعقوبي : فكانت قريش تقول : عبد المطلب إبراهيم الثاني (4).

وكذلك قصّته المشهورة ، وقوله العظيم في وجه أبرهة الحبشي : للبيت ربٌّ يحميه ، واستسقائه بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله عند الجدب والمجاعة ، وتوجّهه إلى الكعبة ، والتوجّه والتوسّل به إلى اللّه تعالى.

وقال الشيخ المفيد : واتفقت الإمامية على أنّ آباء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من لدن آدم إلى عبد اللّه بن عبد المطلب مؤمنون باللّه عزّ وجلّ موحّدون له.

واحتجّوا في ذلك بالقرآن والأخبار ، قال اللّه عزّ وجلّ : ( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) .

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لم يزل ينقلني من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهّرات ، حتّى أخرجني في عالمكم هذا » (5).

وروى الشيخ الصدوق بإسناده عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال : « واللّه ما عبد أبي ولا جدّي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قط ».

ص: 344


1- الحجّ : 78.
2- الشعراء : 218.
3- دلائل الإمامة : 158.
4- تاريخ اليعقوبي 2 / 11.
5- أوائل المقالات : 45.

قيل له : فما كانوا يعبدون؟ قال : « كانوا يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم عليه السلام متمسّكين به » (1).

وقد روى أهل السنّة في تفاسيرهم ما يدعم صلاحهم ومدحهم ، ونقتصر على هذه الرواية :

روى السيوطي عن ابن مردويه عن ابن عباس قال : سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقلت : بأبي أنت وأُمّي أين كنت وآدم في الجنّة؟ فتبسّم حتّى بدت نواجذه ثمّ قال : « إنّي كنتُ في صلبه ... ولم يلتقِ أبواي قطّ على سفاح ، لم يزلِ اللّه ينقلني من الأصلاب الطيّبة إلى الأرحام الطاهرة ، مصفّى مهذّباً ، لا تتشعّب شعبتان إلاّ كنت في خيرهما » (2).

وبعد هذه المقدّمة والتسليم بها ، ينبغي علينا إحسان الظنّ بهم ، وتأويل بعض الأسماء مثل « عبد العزّى » التي وردت عنهم ، خصوصاً أنّ أبا لهب هذا من الكفّار ، وليس والداً للنبي صلى اللّه عليه وآله ، ولا للأئمّة عليهم السلام ، ولله الحمد والمنّة.

ومع ذلك نقول : بأنّ الأسماء عند العرب من أقسام الألفاظ المرتجلة التي لا تدلّ فيها الألفاظ على معانيها بل على مسمّياتها ، ومنها أسماء الأعلام والبلدان والآلات والأدوات وغيرها.

فمثلاً مَن سمّى ابنه جميلاً لا يجعله بهذه التسمية جميلاً واقعاً ، بل قد يكون غيرَ جميلٍ واقعاً ، ومن سمّى ابنه عبد اللّه قد يكون عدّواً لله ، فلم يدلّ الاسم على مسمّاه وهكذا.

بالإضافة إلى أن مفردة « العُزّى » غير مختصّة بالآلهة في أصل وضعها في اللغة العربية ، فإنّها تعني العزيزة الشريفة - مؤنث الأعز - ، فيكون معنى « عبد العزّى » خادم العزيزة ، وليس عبداً بمعنى العبادة ، كما في عبد المطلب نفسه.

ص: 345


1- كمال الدين وتمام النعمة : 174.
2- الدرّ المنثور 5 / 98.

وكذلك تسمية هذا الابن من بين أبنائه السبعة بهذه التسمية ، لها دلالتها على علم عبد المطلب بجحده وكفره بالرسالة العظيمة في مستقبله ، ويدعم هذا الرأي تسمية عدو اللّه أبي لهب بعبد العزّى ، وتسمية أبي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعبد اللّه.

وربما علمه وفعله في هاتين التسميتين ناتجة عن المداراة والمصلحة والتقية ، مع ذلك المجتمع القبلي الجاهلي الظالم ، فلولا هذه التغطية بعبد العزّى ، والتي قد يقصد منها « خادم العزيزة » ، وظاهرها اعترافه بآلهتهم كما كان أبو طالب يفعل ذلك معهم حمايةً للرسول صلى اللّه عليه وآله ، لما استطاع التسمية بعبد اللّه والحفاظ عليه وعلى نفسه من هؤلاء المشركين ، ليكون نبيّنا صلى اللّه عليه وآله بأبهى صورة ، وأجمل الأسماء وأحبّها إلى اللّه تعالى ، واللّه العالم.

( حسين الميّاحي - العراق - 35 سنة - طالب حوزة )

قضية زوجة زيد :

س : أدامكم اللّه ووفّقكم لكُلّ خير ، وسدّد خطاكم لنصرة الدين الحنيف.

لا يخفى عليكم ما يتعرّض له المذهب الحقّ ، مذهب أهل البيت عليهم السلام من حملات مسعورة ، خصوصاً في هذه الأيّام التي أصبحت فيها عقائد الشيعة ونظرياتهم وآراؤهم تلقى الترحيب والقبول من جمهور المسلمين.

ومساهمة منّا في دفع الشبهات التي يتشبّث بها المخالفون ، وتنطلي على العامّة أحياناً ، نرجو مساعدتنا في إيضاح ما يحتاج إلى التوضيح في أُمورنا العقائدية ، التي نرغب في الحصول عليها من المصادر الموثوقة ، لكي تكون إجاباتنا شافية كافية.

وسؤالي هو حول موقف علمائنا ورأيهم في الرواية الواردة في عيون أخبار الرضا عليه السلام ، عن علي بن محمّد بن الجهم : أنّ المأمون سأل الإمام الرضا عليه السلام

ص: 346

مجموعة من الأسئلة منها : أنّه سأله عن قوله تعالى : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ ... ) (1).

وأنّ الإمام الرضا عليه السلام أجاب : « إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده ، فرأى امرأته تغتسل ، فقال لها : سبحان الذي خلقك ... » (2) ، وما في هذا الخبر من إساءة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ تقبّل اللّه أعمالكم.

ج : إنّه من المؤسف تسامح البعض في تعابيره بشكل يمنح الأعداء حرّية الطعن في مقام النبوّة ، في الوقت الذي يمكن أن يفهم من القرائن الموجودة في نفس الآية ، وسبب نزولها وتاريخ النزول ، والأمر ليس بشكل معقّد.

إنّ زيداً كان عبداً للنبي صلى اللّه عليه وآله واعتقه ، وكان ابناً له بالتبنّي ، وكان الابن بالتبنّي طبقاً للسنّة الجاهلية يتمتّع بكُلّ أحكام الابن الحقيقي ، ومن جملتها حرمة الزواج بزوجة الابن المتبنّى المطلّقة.

في البداية خطب النبيّ صلى اللّه عليه وآله ابنة عمّته زينب لزيد ، ولكنّها رفضت لأنّها كانت ترى أنّ موقعها الاجتماعي أعلى من زيد ، فنزلت الآية الكريمة تهدّد مخالفة اللّه سبحانه ورسوله بقولها : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (3) ، فرضخت زينب.

وكان المقصود من وراء ذلك كسر سنّة جاهلية ، تقتضي بأنّ المؤمن ليس كفواً للمؤمنة ، ولكن لم يستمر الزواج طويلاً لحدوث خلاف بين الزوجين ، فصمّم زيد على طلاقها ، وصمّم النبيّ صلى اللّه عليه وآله بدوره جبراً لخاطر زينب أن يتزوّج بها ، إذا ما طلّقها زيد ، ليحقّق إلى جنب ذلك هدفاً آخر ، وهو هدم سنّة جاهلية أُخرى ، ويوضّح جواز الزواج بزوجة الابن المتبنّى المطلّقة.

ولكن النبيّ صلى اللّه عليه وآله خاف إبراز ما أضمره ، خشية من المجتمع وسننه الباطلة ، فطلب منه اللّه سبحانه أن لا يخشى الناس ممّا صمّم عليه ، بل عليه أن يخشى

ص: 347


1- الأحزاب : 37.
2- عيون أخبار الرضا 2 / 180.
3- الأحزاب : 36.

اللّه وحده ، وعلى هذا نفهم أنّ هدف النبيّ صلى اللّه عليه وآله هدف نبيل ، قصد من ورائه هدم سنّتين جاهليتين.

وإذا كانت التهمة الموجّهة إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله صحيحة ، وأنّه كان يعجبه جمال زينب ، فلماذا لم يخطبها في البداية لنفسه؟ وهي ابنة عمّته ، بل خطبها لزيد؟! ولماذا كان النبيّ صلى اللّه عليه وآله يمنع زيداً من طلاق زينب؟ في حين أنّ المناسب على تقدير رغبته في جمالها عدم تشجيعه على إبقاء الزوجية : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللّهَ ) (1)؟

على أنّ القرآن أوضح الهدف من الزواج المذكور ، وأنّه ليس جمال زينب ، بل هو شيء آخر : ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ) (2).

وأمّا ما جاء في عيون أخبار الرضا عليه السلام ، فلا نرى اشتماله على قدح في مقام النبوّة ، لأنّ الرواية هكذا : « إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده ، فرأى امرأته تغتسل ، فقال لها : سبحان الذي خلقك أن يتّخذ له ولداً ، يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال ... ».

والقدح المتصوّر هو من إحدى جهتين ، فهو أمّا من جهة أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله رآها تغتسل ، ولكن من الواضح أنّ الرواية لم تقل رآها عارية ، وإنّما المقصود رآها مشغولة بالغسل ، والمناسب أن تكون مستورة ، أو من جهة أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله عبّر بما يوحي بتأثير جمالها عليه ، ولكن يردّه أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يقل : سبحان الذي خلق جمالك ، وإنّما نزّه اللّه سبحانه من مقالة من قال : أنّ اللّه قد اتخذ بنات ، إنّه كيف يتّخذ بنتاً وهي تحتاج إلى التطهير والاغتسال؟!

وقد أخذ علمائنا بظاهر القرآن ، وأنّه هو الحجّة ، ولم يعيروا للرواية أهمّية ، وبعضهم أزرى بمثل هذه الرواية في كتب العامّة ، ووافق من أبطلها

ص: 348


1- الأحزاب : 37.
2- الأحزاب : 37.

منهم ، كالفخر الرازي والآلوسي ، نعم لم يتعرّضوا لهذه الرواية ، أو ما في معناها من كتبنا بالخصوص ، إلاّ من قال منهم أنّها قد تكون للتقية.

1 - إنّ هذه الشبهة ، وبهذا الحجم إنّما سعّر نارها المستشرقون ، وإن كان لها أصل في روايات الفريقين.

2 - لقد ذكر ابن الأثير في تاريخه ، والطبري في تاريخه أيضاً ، مثل هذه الرواية ، وقد وردت أيضاً من جانبنا ، فضلاً عما ذكرت في رواية قبل الرواية المعنية في نفس الكتاب ، وأيضاً بأكثر من رواية في تفسير القمّي ، وأوردها المجلسي في البحار ، والحويزي في نور الثقلين ، والصافي في تفسيره وغيرهما فراجع ، فإنّ للرواية بهذا المضمون أسانيد أُخرى غير هذا السند!!

3 - كما ذكرت لك أنّ لهذه الروايات أسانيد أُخرى ، وعن عدّة من الأئمّة ، وليست منحصرة بهذا السند حتّى يكفينا تضعيفه ، ولكن مع ذلك نتكلّم في أسانيدها ومتنها.

أ - هذه الرواية وردت بسندين مرّة عن طريق علي بن الجهم ، وأنّ السائل هو المأمون ، وأُخرى في الرواية التي قبلها أنّ السائل كان علي بن الجهم نفسه ، نقلها أبو الصلت الهروي ، وهذه الرواية بالخصوص تخلو ممّا ورد في رواية علي بن الجهم من رؤية النبيّ صلى اللّه عليه وآله لزينب.

ب - وردت الرواية المتضمّنة لرؤية النبيّ صلى اللّه عليه وآله لزينب بأسانيد أُخرى في تفسير القمّي ، ولنا في تفسير القمّي وتوثيق رجاله بحث نخالف فيه رأي السيّد الخوئي في معجم رجال الحديث ، لا يسع المجال هنا لبسطه.

ج - ولكن مع ذلك قد يكون من الصعب التفصّي عن الرواية بالطعن في السند ، لأنّك كما تعرف ستدعم الروايات بعضها بعضاً ، فقد يقال على رواية علي بن الجهم أنّه تابعه فلان وفلان ، وبعضهم لا يروي إلاّ عن ثقة ، مثل ابن أبي عمير فلاحظ.

د - ولكن يمكن الجمع بين الروايات ، ومعارضة متونها مع بعضها ، فإنّ إحداها لا تذكر الرؤية والبقية الأُخرى ، وأن اتفق مضمونها على حدوث الرؤية

ص: 349

من النبيّ صلى اللّه عليه وآله لزينب ، ولكن الكيفية التي رآها النبيّ صلى اللّه عليه وآله عليها متضاربة جدّاً فيها ، وأحسنها ما في رواية علي بن الجهم ، إذ فيه تنزيهاً للنبي صلى اللّه عليه وآله.

و - قد حمل بعض علمائنا هذه الرواية على التقية ، وذلك لمقام المأمون ، وحضور علماء العامّة في المجلس ، ومنهم نفس علي بن الجهم ، فحملوا جواب الإمام تنزيلاً على ما ذكره العامّة في كتبهم ، إذ في أحد الروايات يطرح السائل أقوال علماء العامّة في المسألة ، ثمّ يجيبه عليها الإمام عليه السلام.

ط - إنّ ما ذكره الشيخ الصدوق قدس سره في تعليقه على الرواية من قوله : هذا حديث غريب من طريق علي بن الجهم ... الخ ، لا يعني بالغريب المصطلح المتداول في علم الحديث ، من أنّه لا متابع له ، وإنّما غريب من جهة رواية علي ابن الجهم الناصبي له ، وقد ذكر الجزائري في قصص الأنبياء قول الصدوق بصيغة أُخرى هكذا : هذا حديث عجيب ... ، ثمّ علّق عليه بأنّه ليس عجيباً ، فإنّ اللّه يجري الحقّ في بعض الأحيان على لسان أعدائه.

( حبيب - الدانمارك - سنّي حنفي - 20 سنة )

سهوه في الصلاة غير صحيح :

س : قال الحرّ العاملي : « ذكر السهو في هذا الحديث وأمثاله - يقصد حديث السهو - محمول على التقية في الرواية ، كما أشار إليه الشيخ وغيره ، لكثرة الأدلّة العقلية والنقلية على استحالة السهو عليه مطلقاً » (1).

كيف يحمل على التقية؟ وكيف نعرف أيّهما قاله الإمام تقية؟ إنّ التقية تستلزم إظهار خلاف المعتقد ، والوقوع في الأخطاء والذنوب ، ومن ثمّ يقلّد الأتباع الأئمّة ، لقد جمع الشيعة في هذا المعتقد بين المتناقضات ، فإمّا أن يقولوا بالعصمة ، وإمّا أن يقولوا بالتقية ، أمّا الجمع بين الاثنين فهو تناقض واضح وبيّن.

ص: 350


1- وسائل الشيعة 8 / 199.

وإن كان العاملي ينقل كثرة الأدلّة العقلية والنقلية على استحالة السهو عليه مطلقاً ، فالمجلسي نفسه ينقل كثرة الأدلّة على صدور السهو عن الأئمّة ، حيث يقول : « وبالجملة المسألة في غاية الإشكال ، لدلالة كثير من الأخبار والآيات على صدور السهو عنهم » (1).

وكان ابن بابويه وغيره من شيعة القرن الرابع يعتبرون الردّ لهذه الروايات - روايات سهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله في صلاته - يفضي إلى إبطال الدين والشريعة.

يقول ابن بابويه : « ولو جاز أن تردّ الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن تردّ جميع الأخبار ، وفي ردّها إبطال الدين والشريعة ، وأنا احتسب الأجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله والردّ على منكريه إن شاء اللّه تعالى » (2).

ويؤيّد هذا القول - وهو الاعتقاد بأنّ الأئمّة يسهون - هو مذهب جميع الشيعة ، ونرى في كتابات شيعية معاصرة أُخرى نقل إجماع الشيعة على نفي السهو عنهم (3) ، وأنّ ذلك من ضرورات مذهب التشيّع فمن نصدّق؟ ومن هو الذي يعبّر عن مذهب الشيعة؟

وأخيراً أقول : اعتقادنا - أهل السنّة - في مسألة العصمة هو الموافق لنصوص الكتاب ، فكلّ هذه الآيات التي تفيد وجود ذنوب وتوبة ومعصية ونسيان كُلّها تؤيّد عقيدة أهل السنّة ولله الحمد ، فمن تلك النصوص في كتب الشيعة :

قيل للإمام الرضا : إنّ في سواد الكوفة قوماً يزعمون أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يقع عليه السهو في صلاته ، فقال : « كذبوا لعنهم اللّه ، أنّ الذي لا يسهو هو اللّه الذي لا إله إلاّ هو » (4).

وهناك نصوص كثيرة في كتبكم تفيد أنّ الأئمّة يستغفرون اللّه ويعترفون بالمعصية ، بل إنّ علمائكم المتقدّمين كانوا يلعنون من نفى السهو عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأنت ترى أنّه بذلك يلعن المظفّر ومن وافقه!

ص: 351


1- بحار الأنوار 25 / 351.
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 360.
3- صراط الحقّ 3 / 121.
4- عيون أخبار الرضا 1 / 219.

يقول ابن بابويه : « إنّ الغلاة والمفوضة لعنهم اللّه ينكرون سهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله ويقولون : لو جاز أن يسهو عليه السلام في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ ، لأنّ الصلاة فريضة كما أنّ التبليغ عليه فريضة ... وليس سهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله كسهونا ، لأنّ سهوه من اللّه عزّ وجلّ ، وإنّما أسهاه ليعلم أنّه بشر مخلوق ، فلا يتّخذ ربّاً معبوداً دونه ، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا ... وكان شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد يقول : أوّل درجة في الغلوّ نفي السهو عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله » (1).

قد يظنّ ظانّ أنّ نفي العصمة على الصورة الإمامية فيه تنقيص من شأن الأنبياء؟ فنقول : إنّ الصواب هو أن تعتقد فيما دلّت عليه نصوص الكتاب ، ولاشكّ أنّ الغلوّ في أي أمر لا يعدّ أمراً محموداً بل هو مذموم.

ونقول : إنّ الأنبياء عليهم السلام إن أخطأوا فإنّهم سرعان ما يتوبون ، ويكونون بعد الذنب خيراً منهم قبل الذنب ، إذ بدّل اللّه سيّئاتهم حسنات ، واللّه تعالى يحبّ التوّابين العائدين.

ج : إذا ثبت عندنا بالدليل القاطع أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يستحيل عليه السهو مطلقاً ، فإنّ كُلّ الروايات التي ظاهرها يوحي إلى نسبة السهو للنبي صلى اللّه عليه وآله يجب أن تأوّل إلى ما يتوافق مع الدليل القاطع - سواءً كان ذلك الدليل القاطع عقلياً أو نقلياً - وعلى هذا الأساس حمل الشيخ الحرّ العاملي قدس سره الروايات على التقية ، وهذا هو أحد الوجوه العلمية لتأويل تلك الروايات ، التي تتعارض مع الدليل القاطع ، وهناك وجوه أُخرى لرفع التعارض.

أمّا كيفية معرفة ما قاله الإمام تقية ، فيكون بعدّة أُمور منها :

1 - تعارض الخبر مع الأدلّة القاطعة.

2 - وجود قرائن داخلية أو خارجية.

3 - موافقة الأخبار لروايات أهل المذاهب التي يُتّقى منها في زمن الرواية.

ص: 352


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 359.

ولا تناقض في البين ، إذ نحن نقول : إنّا نعتقد بالعصمة ونعتقد أيضاً بالتقية ، والعمل على أساس التقية لا يقدح بالعصمة ، وليس العمل بالتقية يستلزم الوقوع في الخطأ ، بل هو رخصة أجازها الشارع المقدّس ، بل العمل على التقية في بعض الأحيان واجب لا يجوز مخالفته ، وبالحقيقة أنّ تصوّر الملازمة بين القول بالتقية ونفي العصمة ما هو إلاّ وهم من الأوهام ، وإلاّ فبيّن لنا الملازمة؟!

ثمّ إنّ الذي يعبّر عن رأي مذهب الشيعة هو العالم الذي يأتي بدليل ، ويبطل جميع الأدلّة التي تتعارض مع دليله ، ونحن ممّن لا نعرف الحقّ بالرجال ، ولكن نعرف الرجال بالحقّ ، ولا يقبل قول أيّ عالم إذا تعارض مع الدليل القاطع.

وصاحب البحار الذي تنقل عبارته ، وإن ذكر تلك العبارة ، إلاّ أنّه أيضاً ممّن يقول فيه : « إذا عرفت هذا فأعلم : أنّ العمدة فيما اختاره أصحابنا من تنزيه الأنبياء والأئمّة عليهم السلام من كُلّ ذنب ودناءة ومنقصة قبل النبوّة وبعدها قول أئمّتنا عليهم السلام بذلك المعلوم لنا قطعاً ، بإجماع أصحابنا ( رضوان اللّه عليهم ) مع تأييده بالنصوص المتظافرة ، حتّى صار ذلك من قبيل الضروريات في مذهب الإمامية » (1).

وحتّى الإسهاء الذي يريد ابن بابويه إثباته للرسول لم يرتضه من جاء بعده من العلماء ، فقالوا : النبيّ صلى اللّه عليه وآله منزّه حتّى عن الإسهاء من قبل اللّه تعالى.

والحقّ هو : نفي السهو عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله حتّى بذلك المعنى ، وعدم الاعتداد بالروايات التي تنسب السهو للنبي صلى اللّه عليه وآله ، وذلك لوجوه :

الأوّل : إنّ هذه الروايات معارضة لظاهر القرآن الدالّ على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله مصون عن السهو ، كما في قوله تعالى : ( وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ

ص: 353


1- بحار الأنوار 11 / 91.

عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) (1) وغيرها من الآيات.

الثاني : إنّ هذه الروايات معارضة لأحاديث كثيرة تدلّ على صيانة النبيّ عن السهو ، وقد جمعها المحدّث الحرّ العاملي في كتابه « التنبيه بالمعلوم من البرهان ».

الثالث : إنّ ما روته الإمامية من أخبار السهو ، أكثر أسانيده ضعيفة ، وأمّا النقي منها فخبر واحد لا يصحّ الاعتماد عليه في باب الأُصول.

الرابع : إنّها معارضة للأدلّة العقلية ، والتي منها :

1 - الوثوق فرع العصمة.

إنّ ثقة الناس بالأنبياء - وبالتالي حصول الغرض من بعثتهم - إنّما هو رهن الاعتقاد بصحّة مقالهم وسلامة أفعالهم ، وهذا بدوره فرع كونهم معصومين عن الخلاف والعصيان في السرّ والعلن عمداً وسهواً ، من غير فرق بين معصية وأُخرى ، ولا بين فترة من فترات حياتهم وأُخرى.

2 - إنّ الهدف العام الذي بُعث لأجله الأنبياء هو تزكية الناس وتربيتهم ، وأنّ التربية عن طريق الوعظ والإرشاد وأن كانت مؤثّرة ، إلاّ أنّ تأثير التربية بالعمل أشدّ وأعمق وآكد ، وذلك أنّ التطابق بين مرحلتي القول والفعل هو العامل الرئيسي في إذعان الآخرين بأحقّية تعاليم المصلح والمربّي.

ولو كان هناك انفكاك بينهما لأنفضّ الناس من حول النبيّ أو الرسول ، وفقدت دعوته أيّ أثر في القلوب ، ولأجل ذلك يقول سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ ) (2).

وهذا الأصل التربوي يجرّنا إلى القول بأنّ التربية الكاملة المتوخّاة من بعثة الأنبياء ، وترسيخها في نفوس المتربّين لا تحصل إلاّ بمطابقة أعمالهم لأقوالهم ، فليس هناك مجال لمخالفة أعمالهم لأقوالهم حتّى على سبيل السهو.

ص: 354


1- النساء : 113.
2- الصف : 2 - 3.

وإذا رجعنا إلى الروايات التي رواها أصحاب الصحاح ، فمع غض النظر عن إسنادها ، فإنّها مضطربة جدّاً في متونها.

والإجماع الذي يقوله صاحب صراط الحقّ لا يقدح به خروج بعض العلماء المعروفي النسب - كالصدوق وشيخه ابن الوليد - كما هو محقّق في محلّه من الأُصول.

ورواية الإمام الرضا عليه السلام لو سلّمنا بصحّة سندها ، فهي من أخبار آحاد ، ولا يمكن الاعتماد عليها في باب الأُصول كما عرفت ، ولتعارضها دلالة مع عشرات الأدلّة التي تشير إلى خلاف مدلولها.

ثمّ إنّ العصيان قد يأتي بمعنى خلاف الأولى ، فإنّه يسمّى عصياناً وسيّئة - كما ورد في الحديث « حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين » - والروايات والنصوص التي تنسب الذنب والمعصية إليهم عليهم السلام ، هي أمّا أنّها لا تدلّ على ما يقدح بالعصمة - ولكن فهمك القاصر يوحي لك بذلك - أو أنّ الروايات لا يعتمد عليها لضعف أو إرسال سندها.

ولو فرض وجود رواية أو روايتين ، فلا يمكن الاعتماد عليها ، وتُترك الأدلّة العقلية والنقلية القاطعة الكثيرة الدالّة على مطلق عصمتهم عليهم السلام.

والعلماء المتقدّمون الذين تذكرهم ، ما هم إلاّ ابن بابويه ، وشيخه محمّد بن الحسن ، وشذوذ اثنين لا يخرق الإجماع الذي عليه علماء الإمامية.

وقد ردّ قول ابن بابويه بسهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله علماء عصره ومن جاء بعده ، فالحرّ العاملي يردّ ويقول : « واستحالة السهو على المعصوم مطلقاً متّفق عليه من الإمامية ، لم يخالف فيه إلاّ ابن بابويه ، وهو أولى بالسهو من النبيّ » (1).

وهذا تلميذ ابن بابويه الشيخ المفيد يردّ على أُستاذه فيقول : « الذي خالف في هذا ، وقال بجواز وقوع السهو والنسيان عن المعصوم ، هو الشيخ الصدوق أبو جعفر

ص: 355


1- وسائل الشيعة 8 / 252.

ابن بابويه القمّي قدس سره ، فإنّه نظراً إلى ظاهر بعض روايات واردة في ذلك ، كالخبر المروي عن طرق العامّة ... وزعم أنّ من نفى السهو عنهم هم الغلاة والمفوّضة ... ومحقّقو أهل النظر من الإمامية ذهبوا إلى نفي وقوع السهو في أُمور الدين عنهم ، لما دلّ على ذلك من الأدلّة القطعية عقلاً ونقلاً ، والأدلّة الدالّة على عصمتهم ... » (1).

حتّى أنّه ألّف رسالة في عدم سهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وذكر فيها وهو في ذلك الزمان - زمان العلماء المتقدّمين - : « وإن شيعياً - يعتمد على هذا الحديث في الحكم على النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالغلط والنقص ، وارتفاع العصمة - لناقص العقل ، ضعيف الرأي ، قريب إلى ذوي الآفات المسقطة عنهم التكليف » (2).

فهذه هي عقيدتنا منذ ذلك الزمن ، وليس هنا أيّ تحوّل كما تدّعي ، وليس هنا أيّ غلوّ سوى ما ينسبه ابن بابويه وشيخه ، وقد ردّ عليهم الشيخ المفيد - تلميذ ابن بابويه - في رسالته تلك ، حتّى أنه قال : « وينبغي أن يكون كُلّ من منع السهو على النبيّ صلى اللّه عليه وآله في جميع ما عددناه من الشرع ، غالياً كما زعم المتهوّر في مقاله : أنّ النافي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله السهو غال ، وخارج عن حد الاقتصاد » (3).

( إبراهيم أحمد - السعودية - 33 سنة - طالب جامعة )

لم يحرّم على نفسه ما هو حرام :

س : بعلمنا أنّ الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله معصوم ، فلا يحرّم ولا يحلّل إلاّ من عند اللّه ، فما هو تفسيركم للآية التي تقول : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكَ ... ) (4) ، أفيدوني ، ودمتم سالمين.

ج : يتّضح الجواب بعد بيان عدّة أُمور :

ص: 356


1- أوائل المقالات : 171.
2- عدم سهو النبيّ : 7.
3- المصدر السابق : 30.
4- التحريم : 1.

أوّلاً : ليس المراد بالتحريم هنا أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله شرّع على نفسه الحرمة ، مقابل ما شرّع اللّه له من الحلّية ، فهذا ما لم يكن ، بل يعني أنّه منع على نفسه ما هو حلال له ، وأوجبه بالحلف ، وهذا ليس تشريعاً ولا قبيحاً ، فإنّ تحريم المرء ما هو حلال له بسبب من الأسباب ، أو لغير سبب ليس حراماً ، ولا من جملة الذنوب ، مع أنّه قد يقال لتارك النَفل لِمَ لَمْ تفعله مع كونه نفلاً؟

وبقرينة : ( تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ) يظهر أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله قام بعمل ممّا أحلّ اللّه له ، فآذاه بعض أزواجه وضيقن عليه ، وألجأنه بسبيل إرضائهن على أن يحلف لهن بتركه وعدم فعله بعد ذلك ، والمسؤولية في هذا تتوجّه إليهن في الحقيقة ، فهن من حملنه على ما ليست لهن بحقّ.

ويؤيّد ذلك قوله تعالى : ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ ) (1).

ويومئ إلى ذلك أنّ اللّه تعالى حين أمر نبيّه أن يتحلّل من يمينه في قوله : ( قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ) (2) ختمها بقوله : ( وَاللّه مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) فهي تشعر بالنصرة له صلى اللّه عليه وآله ، وبيان علم اللّه وحكمته التي كانت وراء أمره له.

وهذا هو الوارد في الخبر ، فقد روي : أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله كان في بيت حفصة في نوبتها فاستأذنته في الذهاب إلى بيت أبيها لحاجة ، فأذن لها ، فلمّا ذهبت أرسل إلى جاريته مارية القبطية فكانت عنده ... فلمّا عادت حفصة ووجدتها خاصمته قائلة : إنّما أذنت لي من أجل هذا ، أدخلت أمَتك بيتي ، ثمّ وقعت عليها في يومي ، وعلى فراشي ... أما رأيت لي حرمة وحقّاً؟! فقال صلى اللّه عليه وآله : « أليس هي جاريتي؟ قد أحلّ اللّه ذلك لي ، اسكتي فهو حرام عليّ ... » (3).

ص: 357


1- التحريم : 4.
2- التحريم : 2.
3- مجمع البيان 10 / 56.

ويبدو أنّ أُخريات ظاهرن حفصة ومنهنّ عائشة ، ولم يرضين حتّى حلف على عدم مقاربته لمارية بعد ذلك ، وحين أنزل اللّه سورة التحريم ، ومع تكريمه له في مخاطبته بلقب النبوّة ، فإنّ قوله : ( لِمَ تُحَرِّمُ ) مشوب بالعتاب ، ولذلك فإنّه حين تحلّل من يمينه طلّق حفصة ، وهجر نساءه سبعة وعشرين يوماً ، وسكن في مشربة أُمّ إبراهيم - مارية القبطية - ونزلت آية التخيير له في نسائه ، وبهذا يتّضح لك أنّ لا منافاة بين الخطاب في هذه الآية وبين العصمة.

ثانياً : إنّ كُلّ ما ورد في القرآن الكريم ممّا ظاهره عتاب أو لوم للنبي صلى اللّه عليه وآله ، فهو محمول على مخالفة الأولى من حيث المصلحة الواقعية ، شخصية أو اجتماعية ، حزبية أو سياسية ، أو ما يشبه ذلك ، وليس على المخالفة الشرعية أو الخُلقية.

ثالثاً : إنّ كثيراً ممّا خوطب به الرسول صلى اللّه عليه وآله في القرآن ممّا لا يناسب مقامه ، أو ما هو مفروض فيه كرسول ، علماً وتوحيداً وعصمةً لا يقصد به الرسول صلى اللّه عليه وآله نفسه وإنّما الناس ، ولذلك ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إنّ اللّه تعالى بعث نبيّه بإياك أعني واسمعي يا جارة ، فالمخاطبة للنبي صلى اللّه عليه وآله والمعنى للناس » (1).

وذكروا في الأمثلة قوله تعالى : ( وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا ) (2) ، وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ) (3) ، فهما ممّا لا يمكن أن يصدرا عنه بحكم علمه وعصمته ، وقوله تعالى على سبيل الإخبار : ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) (4) فإنّ القصد فيها أن يعلم الناس أنّه لا يمكن أن يفعل ذلك لا تجويز المنقول عليه حاشاه.

ص: 358


1- تفسير القمّي 2 / 171.
2- الإسراء : 39.
3- الأحزاب : 1.
4- الحاقة : 44 - 46.

( حسين حبيب عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

ما ينطق عن الهوى فيما يتعلّق بالوحي :

س : سؤالي يدور حول : هل أنّ الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله كُلّ ما يلفظه وحي ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ) (1) ، فمثلاً : عندما يقوم بأمر معيّن من باب اجتهاد شخصي وليس وحي ، مع وجود العصمة فلا يقع في الخطأ ، فهل هذا ممكن؟ أم أنّ ما يصدر من النبيّ من كلمة أو حركة كان وحياً وأمراً إلهياً؟ رجاءً التوضيح مع الشكر.

ج : ليس مقصود الآية الكريمة مطلق الأقوال الصادرة من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، بل خصوص ما من شأنه الارتباط بالوحي ، فإذا قال صلى اللّه عليه وآله لشخص : أفتح الباب أو أغلقها مثلاً ، فليس شأن مثل هذا الارتباط بالوحي ، فلا يكون مشمولاً للآية الكريمة ، أمّا إذا قال صلى اللّه عليه وآله : « آتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً » (2) ، فحيث أنّ المناسب لمثله الارتباط بالوحي ، فيكون مشمولاً للآية الكريمة.

وقد تسأل عن القرينة على تخصيص الآية الكريمة بما ذكر؟ إنّ القرينة نفس التعبير الوارد فيها ، حيث قالت : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (3) ، فما يرتبط بالوحي لا ينطق به عن الهوى.

( علي - البحرين - 25 سنة - طالب )

العفو عن تركه الأولى :

س : قال تعالى : ( عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حتّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ) (4) ، نلاحظ الخطاب موجّه لرسولنا الكريم صلى اللّه عليه وآله ، هل معناه ترك الأولى؟ أو ليس من ذلك شيء؟

ص: 359


1- النجم : 3.
2- صحيح البخاري 4 / 31.
3- النجم : 4.
4- التوبة : 43.

وإنّ كان ليس للرسول صلى اللّه عليه وآله ، هل يعني اللّه تعالى عفا عن المنافقين ، كما قال عزّ من قائل : ( عَفَا اللّهُ عَنكَ ... ) ؟ وهل النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يأذن لهم؟ ومنهم الذين أذن لهم؟ أي من هو الشخص الذي أذن لشخص آخر؟

وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) (1).

هل هذا عتب؟ ونرجو بيان ( وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ، هل يعني هناك ذنب ولو أولى؟ واللّه تعالى غفر له؟ وما معنى الرحمة هذه؟ والمعروف ضدّها غضب والعياذ باللّه؟ والرسول صلى اللّه عليه وآله معصوم ورحمة للعالمين.

وما معنى : ( قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ) ؟ وهل يعني هناك ذنب والعياذ باللّه؟ وإن لم يكن ذلك لماذا فرض اللّه تحلّة الإيمان؟ وهلاّ ضربتم لنا مثالاً في حياتنا؟ إن لم يكن ذنب وجب علينا تحلّة الإيمان؟ على العموم أنا مؤمن أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله معصوم من كُلّ ذنب ، وكذلك الأئمّة عليهم السلام ، ولكن أُريد توضيحاً منكم.

ج : علينا في البداية أنّ نعرف المضمون الإجمالي للآية الكريمة ، وحاصله : أنّ بعض المنافقين جاء إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله في غزوة تبوك ، وأخذ ببيان بعض الأعذار الواهية في تركه الخروج للغزوة ، وكان النبيّ صلى اللّه عليه وآله يعرف أن أعذارهم باطلة ، وأنّهم لا يريدون الخروج رأساً ، وأنّ استنادهم إلى تلك الأعذار ليس صادقاً.

أي أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يعلم أنّه حتّى لو لم يأذن لهم يتركون الحرب ، وينكشفون آنذاك لجميع المسلمين ، وحيث أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله عرف واقع الحال أذن لهم ، ونزلت الآية لتقول : إنّك لو لم تأذن لهم لانكشف حالهم إلى جميع المسلمين بسرعة ، فالمسألة مسألة عتاب على ترك الأولى ، أي أنّ الأولى له كان هو عدم الأذن لهم ، حتّى ينكشف حالهم للجميع بسرعة.

فالخطاب إذاً موجّه إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله وليس إلى المنافقين ، والعفو المذكور عفو عن ترك الأولى.

ص: 360


1- التحريم : 1 - 2.

هذا ويمكن أن يقال : أنّ ما جاء في الآية الكريمة ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكَ ... ) ليس عتاباً وتوبيخاً ، بل هو عطف وإشفاق ، نظير أن يقال للشخص : لماذا تتعب نفسك إلى هذا الحدِّ من دون نتيجة تعادل أتعابك ، فالآية الكريمة كأنّها تريد أن تقول : لماذا تتعب نفسك بإلزامها بترك ذلك الطعام الخاصّ - وهو العسل الذي كانت تقدّمه إليه زوجته زينب بنت جحش - لترضي بذلك بعض أزواجك ، يعني حفصة وعائشة.

وأمّا قوله تعالى : ( وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) فيمكن رجوعه إلى حفصة وعائشة ، أي أنّه سبحانه يغفر لهما ما صدر منهما من إيذاء النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، حيث طلب من حفصة أن لا تخبر أحداً بأنّه أكل عسلاً في بيت زينب ، ولكنّها أفشت سرَّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

وأمّا قوله تعالى : ( قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ... ) فهو في صدد بيان طريق لتخليص النبيّ صلى اللّه عليه وآله نفسه من القسم ، الذي الزم به نفسه - حيث حلف صلى اللّه عليه وآله على ترك تناول العسل ، الذي كانت تقدّمه إليه زينب بنت جحش - وذكرت أنّه سبحانه قد شرَّع ما يمكن به تخليص النفس من القسم ، وهو دفع الكفّارة ، فالمقصود من تحلّة إيمانكم هو الكفّارة التي يحلُّ بها الحالف حلفه ، وهذا لا يدلّ على صدور ذنب من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، بل على صدور القسم منه لا أكثر.

( السيّد يوسف البيومي - لبنان - 25 سنة - طالب جامعة وحوزة )

قصّة الإفك :

س : هل لكم أن تذكروا تفاصيل قصّة الإفك ، وكيف حدثت ، برأي علمائنا الأبرار؟ ولكم الأجر والثواب.

ج : خلاصة القصّة حسب ما ورد في رواياتنا عن أهل البيت عليهم السلام : أنّ ملك القبط أهدى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله غلاماً يدعى جريج ، وجارية تدعى مارية القبطية ، فأسلما وحسن إسلامهما.

ص: 361

فضمّ الرسول صلى اللّه عليه وآله الجارية إليه ، فولدت له إبراهيم ، فكان يحبّهما حبّاً شديداً ، وأصبح حبّه سبباً لحسد عائشة وحفصة ، حتّى قالتا مع أبويهما للرسول صلى اللّه عليه وآله : إنّ إبراهيم ليس بابنك؟! بل هو ولد الغلام جريج ، ونحن نشهد على ذلك.

وعلى الرغم من علم الرسول صلى اللّه عليه وآله بكذب الشهادة والتهمة ، لما كان يلهمه من أثر في النفوس ، أراد أن يظهر الأمر ويبيّن الحقيقة لأصحابه ، فأمر الإمام علي عليه السلام أن يذهب ويقتل الغلام جريجاً ، وقال له : إذا بان لك أنّ الأمر على غير ما قيل فلا تتعرّض له بسوء.

فذهب الإمام علي عليه السلام إلى جريج شاهراً سيفه ، ففرّ جريج من خوفه ، وتسلّق شجرة ، فتبعه عليه السلام فأهوى جريج بنفسه على الأرض ، فانحسر ثوبه عن رجليه ، فبان لعلي عليه السلام أنّه ممسوح ، فأتى به الرسول صلى اللّه عليه وآله وعرض عليه ما رأى منه.

فأحضر الرسول صلى اللّه عليه وآله أصحابه ، فشاهدوا الغلام ، وانكشف أمرهم وبطلت تهمتهم ، فجاءوا إليه صلى اللّه عليه وآله يطلبون المغفرة ... فنزلت الآيات بتبرئة الجارية مارية وجريج عن التهمة ، التي اتهما بها (1).

( السيّد يوسف البيومي - لبنان - 25 سنة - طالب جامعة وحوزة )

له قرين :

س : ما هو القرين؟ وهل صحيح أنّ النبيّ كان عنده قرين؟ ولكم الأجر والثواب.

ج : إنّ معنى القرين هو الصاحب ، أو الشيء الملازم للإنسان ، كعمله وفعله ، قال اللّه تعالى : ( قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ) (2) ، أي كان له

ص: 362


1- أُنظر : تفسير القمّي 2 / 99.
2- الصافّات : 51.

مصاحب لا يفارقه ، وقال تعالى : ( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) (1).

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لقيس بن عاصم وهو يعظه : « وإنّه لابدّ لك يا قيس من قرين ، يدفن معك وهو حيّ ، وتدفن معه وأنت ميّت ، فإن كان كريماً أكرمك ، وإن كان لئيماً أسلمك ، ثمّ لا يحشر إلاّ معك ، ولا تبعث إلاّ معه ، ولا تسأل إلاّ عنه ، فلا تجعله إلاّ صالحاً ، فإنّه إن صلح آنست به ، وإن فسد لا تستوحش إلاّ منه ، وهو فعلك » (2).

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « ما منكم من أحد إلاّ وقد وكّل به قرين من الشياطين » ، قالوا : وأنت يا رسول اللّه؟ قال : « نعم ، ولكنّ اللّه أعانني عليه فأسلم » ، رواه أحمد والطبراني والبزّار ، ورجاله رجال الصحيح غير قابوس بن أبي ظبيان ، وقد وثّق على ضعفه (3).

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « ما من أحد إلاّ جعل معه قرين من الجنّ » ، قالوا : ولا أنت؟ قال : « ولا أنا إلاّ أنّ اللّه أعانني عليه فأسلم ، فلا يأمرني إلاّ بخير » رواه الطبراني ، وفيه أبو حماد المفضّل بن صدقة ، وهو ضعيف (4).

فكُلّ إنسان إذاً له قرين من الشياطين أو من الجنّ ، أي مصاحب له.

( أشتر مذحِج - مصر - 20 سنة - طالب كُلّية الطبّ )

الحقيقة النبوية :

س : أمّا بعد ، فقد كان لي عدّة تساؤلات تعربد في عرصات فكري القاصر ، وعقلي الضئيل العاجز ، ترجو هدوءً لها وسكوناً ، والحديث

ص: 363


1- الزخرف : 36.
2- الخصال : 114.
3- مجمع الزوائد 8 / 225.
4- نفس المصدر السابق.

بخصوص أسرار محمّد وآله الطاهرين ، وبالأخص زعيم أهل البيت الأمير الأقدس عليه السلام ، وعن حقيقته المعمّى أمرها في مراتب الوجود!

وترددت كثيراً في أن أكتب إليكم كلامي هذا ، لولا أنّني وجدت العديد من الأسئلة لأخوة الولاية ، تعرّضت لهذا الموضوع كثيراً ... ، ولئن كانت أقل تعمّقاً من تعرّضي هذا ، بل ربما كان السائل يسأل بقصد التكذيب والطعن ، مرتدياً في سؤاله زيّ الموالي المتشيّع ، ووجدت أنّكم قد جاوبتم عليهم بما هو خير جواب ، يحمل في طيّاته هدي أهل البيت وجوهرية كلامه ، الذي ينهل منه كُلّ على حسب علمه ، ويردّه كُلّ امرؤ فيشب منه على قدر ظمئه ، ولا تحجب عن دارها سائل مهما كان علمه!

فوجدت أنّ السكوت عن طلب حقّ لي على نفسي من طلب العلم من مقرّكم يكون طاعةً للشيطان ، وتكاسل عن تلبية نداء الرحمن ، وعلى كُلّ حال فإنّنا قد تشرّفنا بمجرّد طرح سؤالنا ، وقراءتكم لاستفسارنا ، سواء أتانا جوابكم أو حجبتموه عنّا.

عن سيّد الكونين ونبراس نشأة العالمين صلى اللّه عليه وآله : « أوّل ما خلق اللّه القلم ... العقل ... روحي ... نور نبيّك يا جابر »! قال بعض المفسّرين : هي الحقيقة المحمّدية! في حين أنّ أساطين الحكمة والإشراق وجهابذة العرفان والتحقيق ، قد أشاروا إلى غير ذلك ، وخصوصاً الشيخ الأكبر ، ملاّ هادي السبزواري ، وعليه حكم ابن العربي ، فالعقل الأوّل - روح المصطفى - هو أوّل المبدعات ، وأكثرهم قبولاً لنور الحقيقة المحمّدية.

وعلى قول ملاّ هادي قدس سره : « أنّ العقل الأوّل هو أوّل المبدعات أيضاً ، والحقيقة المحمّدية هي برزخ البرازخ ، والنفس الرحماني ، والرحمة التي وسعت كُلّ شيء ، ووجه اللّه الباقي بعد فناء كُلّ شيء ، والوجود المطلق القائم بقيومية الوجود الحقّ » (1).

وكلاهما يتّفق مع الآخر مع الاختلاف في أنّ ابن العربي يقرّر أنّ الحقيقة المحمّدية ، أو الوجود المطلق هو الموصوف بالاستواء على العرش الرحماني.

ص: 364


1- شرح الأسماء الحسنى 1 / 7.

وهذا يتّضح أنّه يعني أنّ العرش هو القلم الأعلى ، وهذا يروق لي في النظر كثيراً جدّاً ، وأيضاً أنّ برزخ البرازخ عند ابن العربي ، أو أوّل البرازخ هي النفس الكُلّية ، ويبقى تناقض ظاهري واضح نرجو تفسيره الباطني الثاقب ، ونرجو جوابه عندكم إن شاء اللّه.

« أنا النقطة تحت الباء » اتفق أهل الحقيقة جميعاً على سرّ النقطة ، وإن اختلفت أقوالهم مع ثبات معناها ، فعند الشيخ الأكبر هي الموجودات كُلّها ، وعند ملاّ هادي هي الإمكان ، وكلاهما شيء واحد ، وكلاهما حقيقة الأمير ، وأنّ الباء بشكلها ونقطتها تمثّل خلافة العقل الكُلّي ، أو الإنسان الكامل عن الألف المحتجبة المنطوي نورها في نور الباء المظلمة بذاتها ، والمنوّرة بنور ربّها ، نعني خلافة الإنسان الكامل عن الذات الإلهية في مرتبتها الواحدية ، ونأتي للإشكال هنا :

ملاّ هادي قدس سره يقول : لأنّ الوجود المطلق الذي أشرنا إليه من قبل هو صنع اللّه وكلامه ، وكلمة كن المشار إليها في الآية الشهيرة ، والمشار إليها في كلام أصل طوبى ، وحقيقة سدرة المنتهى ، الأمير الأقدس صلى اللّه عليه وآله ، إنّما كلامه سبحانه فعله ، ولو كان قديماً لكان إلها ثانياً.

قال قدس سره : « فإنّ العقل الصريح والبرهان الصحيح يدلّنا على التثليث الآمر والأمر والمؤتمر ، والصانع والصنع والمصنوع » (1).

وهو يعني الوجود الحقّ هو الصانع ، والوجود المطلق هو الصنع ، والوجود المقيّد هو الصنعة ، وتتبادر إلى الأذهان عند ذكر هذه الكلمات ، فتحضر بوجودٍ لا ينكر وشهودٍ لا يستر ، قولة الأمير الشهيرة جدّاً لابن الآكلة : « فإنّا صنائعُ ربّنا والناسُ بعد صنائعٌ لنا » (2)!!

وأيضاً تلحق بها أقواله : « أنا واللّه وجهُ اللّه ... وأنا العرش ، وأنا الكرسي ... »! وهذا كُلّه إشارة إلى الوجود المطلق ، الذي هو صنع اللّه

ص: 365


1- نفس المصدر السابق.
2- شرح نهج البلاغة 11 / 113.

وكلامه ، وأيضاً روي عنه عليه السلام : « أنا الأسماءُ الحسنى ... » (1) ، وهي كذلك أيضاً!

والسؤال الذي يطرح نفسه لدينا بقوّة : بأيّ وجه يتّفق السابق مع اللاحق؟ إنّ مرتبة علي عليه السلام في مراتب الوجود ، وإن كانت عمى أمرها بعض الشيء أو كثيره.

فإنّ الكثير من العلماء كادوا أن يصرّحون بها ، أمثال ابن العربي في فتوحاته ، وكثير من شعراء أهل البيت المؤيّدين بروح القدس ، بشهادة سيّد الكونين في حديثه لحسّان بن ثابت ... أمثال كاظم الأزري ، وعبد الباقي الغمري ، بل ومن ليسوا أصلاً من أهل الولاية ، كالحكيم الفاضل ابن أبي الحديد!

ومن علمائنا الكرام ، فالإمام الخميني كاد أن يصرّح بها في مصباح هدايته ، إن لم يكن قد صرّح بها بالفعل ، مستنداً إلى أحد أقوال أبيه المرتضى!

والسؤال مرّة أُخرى ، وننتظر جوابكم على أحرّ من الجمر ، كيف يصحّ الإطلاق على العقل الكُلّي أنّه الحقيقة المحمّدية ، وأنّه كلام اللّه وأسمائه ، ووجهه الباقي ، وأنّه الرحمة التي وسعت كُلّ شيء ، وكُلّ ما أسلفناه من قبل رغم اختلاف المرتبة تقريباً!

هل هو من جهة الخلافة لهذا؟! أو كما قال السيّد الخميني قدس سره : أنّ الإنسان الكامل هو خليفة الاسم الأعظم ... ثمّ أعقب : بل هو عين الاسم الأعظم!!

وهذا ما أدين به ، وما دفعني للسؤال سوى بغية الطمأنينة على محصول فكري وبحثي ، وعندنا في مصر تعرفون الحال ، لا حوزات ولا يحزنون ، بل لا كتب أصلاً ، والرجوع إليكم أمثل ، وأكثر طمأنينة لبالي بدلاً من الخوض هكذا بلا دليل أو مرشد ، ومن ليس له شيخ فشيخه الشيطان! ودمتم سالمين.

ج : ينبغي أن يعلم أنّ الوجود المطلق في حقيقته كمفهومه ، له مراتب وتجلّيات ، وهذه التجلّيات إذ لوحظت باعتبار اتصالها ، بل اتحادها بالوجود

ص: 366


1- شرح الأسماء الحسنى 1 / 215.

المطلق فهي عينه ، وتلك التجلّيات مع كونها عينه يغايره بلحاظات ، وهذه اللحاظات لا تشكّل قيوداً ، إنّما هي عبارة عن اتصال النفوس بعد تحرّرها من علائق الجهل بالرياضة ، أو بالجذب إلى الأعلى لاستفادته بنور هدى هاديه ، فعليه هذه اللحاظات أشبه شيء بالمعاني الحرفية لا تقيد تلك التجلّيات ، ولا يمكن أن تصبح عناوينها بل هي نحو استنارة من تلك التجلّيات التي أمكن الاتصال بها كُلّ بحسبه.

هذا التجلّيات على وحدتها من حيث المبدأ تبدو في عين الممكن متكثّرة ، وكُلّ واحد منها يحمل في طيّاته ما هو أوسع من هذا الكون المرئي المحسوس ، فكثرة تلك التجلّيات وسعتها تؤكّد الوحدة التي نشأت منها ، فالعلم واللوح والعرش والكرسي - مع قطع النظر عن التفصيليات الواردة في العلم المنقول - هي متّحدة بفيض الفيّاض المطلق ، ومن هذا المنطلق كانت الحقيقة المحمّدية والولاية العلوية السامية فكان التجلّي ، وكان الفعل الكُلّي لسعته وإحاطته ، والتعبير عن هذه الذوات بالخلافة ، كما وجد في تعبيرات بعضهم ، إنّما هو نظراً إلى الوظائف التي أُنيطت بها باعتبارها تجلّيات.

واعلم أنّه إن حاول أحد الوصول إلى حقائق هذه المعاني ، فالطريق إليها مخيف ، محاط بمزال الأقدام ، فهو بين الرقي المطلق وبين الانحطاط المطلق ، لأنّ الوصول إلى كنه تلك التجلّيات لا يمكن باستعانة الألفاظ ، وإنّما كما قال سيّد الشهداء عليه السلام في مناجاته : « إلهي ما أقربك منّي ، وأبعدني عنك ، وما أرأفك بي ، فما الذي يحجبني عنك » (1) ، وقال : « ها أنا أتوسّل إليك بفقري إليك ، وكيف أتوسّل إليك بما هو محال أن يصل إليك » (2).

والمحال أنّ الوصول التي تلك المعاني إنّما يتمّ بطريق الجذب ، والتعبيرات لا توصله بل تبعد وتضطرب وتختلف ، لأنّها تقصر عن أداء الواقع ، وعن الإرشاد

ص: 367


1- تفسير الصافي 1 / 223.
2- بحار الأنوار 95 / 225.

إلى الحقيقة ، ولذلك لن تجد اثنين اتفقا على التعبير إلاّ نادراً ، بل لعلّك تجد شخصاً واحداً تعبّر تارة بشيء ، وبنحو وأُخرى بشيء آخر ونحو آخر.

ولذلك تجد شمس العارفين وقدوة الموحّدين بعد المعصومين يقول في بعض أرجوزته في مدح النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله :

هو التجلّي التام والمجلى الأتم *** ومالك الحدث سلطان القدم

أبو العقول والنفوس والبشر *** وقوّة القوى وصورة الصور

ولوح ألواح مجامع الحكم *** أو قلم الأقدام أو أعلى القلم

أصل الأُصول فهو علّة العلل *** عقل العقول فهو أوّل الأوّل

حقيقة الحقائق الكُلّية *** وجوهر الجواهر العلوية (1)

ويقول في ضمن ما وصف به الإمام علي عليه السلام :

اسم سما في عالم الأسماء *** كالشمس في كواكب السماء

اسم به سيدفع البلاء *** وإن يكن أبرمه القضاء

اسم به أورقت الأشجار *** اسم به أينعت الثمار

وقامت السبع العلى بلا عمد *** باسم علي فهو خير معتمد (2)

وكما ترى أنّ التعبير أن أراد به الإنسان الكشف والتعبير عن الحقيقة انزلق القلم وتطفّل اللسان ، ولذلك الخير في حقّ المحدد ، أمّا الاكتفاء بما يحصل عليه بالمنقول ، وأمّا إتباع من يجذبه ويعرج به إلى العلا وهو أن نجا وحصل على بغيته ، وأن حفظ من السقطة والزلّة ، فليصمت ولا ينطق ببنت شفه ، فإن فعل فلا يعدم في معظم الأحوال.

ص: 368


1- الأنوار القدسية : 14.
2- المصدر السابق : 32.

( سمير - روسيا - 25 سنة )

( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) :

س : حول آية ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) (1) ، ما تفسير ما جاء في القرآن عن أب إبراهيم ، وكذلك آدم وداود وسليمان ، وذي النون وموسى؟

ج : قال الشيخ الطوسي في تفسير قوله تعالى : ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) : « أي تصرّفك في المصلّين بالركوع والسجود والقيام والقعود - في قول ابن عباس وقتادة - وفي رواية أُخرى عن ابن عباس : إنّ معناه إنّه أخرجك من نبي إلى نبي حين أخرجك نبيّاً.

وقيل : معناه يراك حين تصلّي وحدك ، وحين تصلّي في جماعة ، وقال قوم من أصحابنا : إنّه أراد تقلّبه من آدم إلى أبيه عبد اللّه في ظهور الموحّدين ، لم يكن فيهم من يسجد لغير اللّه » (2).

وأمّا عن قول البعض : بأنّنا نسلّم بإيمان آباء النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلى إبراهيم عليه السلام ، ولكن كيف بالنسبة إلى أب إبراهيم عليه السلام ، وقد نصّ القرآن الكريم على كفره؟ حيث قال تعالى : ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ ) (3).

فنقول : إنّ ابن حجر العسقلاني يدّعي إجماع المؤرّخين على أنّ آزر لم يكن أبا لإبراهيم عليه السلام ، وإنّما كان عمّه أو جدّه لأُمّه على اختلاف النقل ، واسم أبيه الحقيقي : تارخ (4).

ص: 369


1- الشعراء : 218.
2- التبيان 8 / 68.
3- التوبة : 114.
4- فتح الباري 6 / 297.

وإنّما أُطلق عليه لفظ الأب توسّعاً وتجوّزاً ، وهذا كقوله تعالى : ( أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ ) (1) ، ثمّ عدّ فيهم إسماعيل ، وليس من آبائه ، ولكنّه عمّه.

وعلى هذا يثبت أنّ أباء النبيّ صلى اللّه عليه وآله من بعد إبراهيم إلى آدم عليهم السلام موحّدون أيضاً ، وأمّا آدم عليه السلام فلا أب له حتّى نبحث عن إيمانه.

وإمّا داود وسليمان وذي النون وموسى عليهم السلام ، فالمفروض أنّ آباءهم إلى آدم عليه السلام موحّدون كذلك ، لأنّه من البعيد جدّاً أن يختار اللّه تعالى الأنبياء من نطف غير طاهرة قد دنّستها الأرجاس ، مع أنّ المفروض أنّ النبيّ عليه السلام لابدّ أن يكون أكمل وأفضل الناس في زمانه من جميع الجهات حتّى من جهة النطفة.

( حسين حبيب عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

كان يعلم قبل نبوّته أنّه سيكون نبيّاً :

س : هل الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله كان يعلم من قبل أنّه نبي؟ أم من بعد نزول الرسالة؟ وهل كان معصوماً قبل البعثة؟ وإذا كان معصوماً ، فهل كان معصوم على دين عيسى عليه السلام؟ أو إبراهيم الحنيف عليه السلام؟

ج : هناك بعض فرق المسلمين ممّن يعتقد أنّ الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله لم يكن يعرف قبل البعثة أنّه نبي ، أو سوف يكون نبيّاً ، ولذلك حسب روايات هؤلاء خاف من الملك حين رآه أوّل مرّة ، وأخذته زوجته إلى ورقة بن نوفل ، ولكن الحقّ عند الإمامية أنّه كان نبيّاً ، ولم يخلق عارياً عن العلم والنبوّة.

غاية ما هنالك كان اللازم عليه بأمر من اللّه الصمت ، وعدم الإعلان إلى حين ما يأمره اللّه سبحانه به ، وهكذا حصل.

وأمّا أنّه كان يعمل على طبق أيّة شريعة؟ فمسألة طرحت في الكتب الأُصولية القديمة - كالعدّة للشيخ الطوسي وغيره - وليس لنا فعلاً طريق إلى

ص: 370


1- البقرة : 133.

إحراز ذلك ، والذي نعتقده أنّه كان يعمل على طبق ما أراد اللّه سبحانه منه ، وأفضلية شريعته يرجّح احتمال كونه يعمل بهذه الشريعة الغرّاء ، ولا ينافي ذلك تأخّر نزول القرآن ، فإنّ الأحكام الشرعية ليست كُلّها موضّحة في القرآن دائماً ، عرفها النبيّ الأعظم بطريق الوحي والإلهام ، ولم ينقطع الاتصال بينه وبين اللّه سبحانه طرفة عين في حياته.

( أحمد - السعودية - 22 سنة - طالب جامعة )

يجوز له أن يقتل من يشاء في مكّة :

س : يقال أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله في فتح مكّة أمر المسلمين بقتل المشركين ، حتّى ولو تعلّقوا بأستار الكعبة ، ومن ثمّ عفا عنهم عندما دخل مكّة ، فلماذا غيّر النبيّ صلى اللّه عليه وآله رأيه؟ ألا يعد رأيه الأوّلي انتهاك لحرمات الكعبة؟

ج : لقد آمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من تعلّق بأستار الكعبة ، واستثنى من ذلك نفر قليل هدر دمهم ، وهم : مقيس بن سبابة ، وابن أخطل ، وابن أبي سرح ، وقينتان وغيرهم ، وهؤلاء لم يعف عنهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وقد أجارت أُمّ هاني - أُخت الإمام علي عليه السلام - اثنين منهم ، فآجرهم النبيّ لإجارتها لهم ، ولمكانتها من علي عليه السلام.

وكذلك استأمن لامرأتين فأمنهما الرسول صلى اللّه عليه وآله ، واستأمن عثمان لأبي سرح فأمنه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والنبيّ لم يغيّر رأيه فيهم ، لأنّهم كانوا ممّن يستحقّون القتل ، ولا يستحقّون العفو ، ولا يمكن التغاضي عن الأفعال الشنيعة التي كانوا يعملونها ، حتّى أنّه عاتب المسلمين من عدم قتلهم لأبي سرح ، لما جاء به عثمان ، وتأخّر النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن قبول الأمان له ، وعندما لم يبادر إلى قتله أحد آمنه الرسول صلى اللّه عليه وآله ، فإنّ من خُلقه أن لا يردّ طلب طالب ، ويقبل إجارة المستجير.

ص: 371

ثمّ إنّ ما فعله النبيّ صلى اللّه عليه وآله من مختصّاته ، ولا يجوز لأحد غيره ، وعلى هذا الأساس فسّر قوله تعالى : ( وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ) (1) ، أي وأنت محلّ بهذا البلد ، وهو ضدّ المحرم ، والمراد : وأنت حلال لك قتل من رأيت به من الكفّار ، وذلك حين أمر بالقتال يوم فتح مكّة ، فأحلّها اللّه له ، حتّى قاتل وقتل ، وقد قال صلى اللّه عليه وآله : « لا يحلّ لأحد قبلي ، ولا يحلّ لأحد من بعدي ، ولم يحلّ لي إلاّ ساعة من نهار ».

وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة وعطاء : وهذا وعد من اللّه لنبيّه صلى اللّه عليه وآله أن يحلّ له مكّة حتّى يقاتل فيها ، ويفتحها على يده ، ويكون بها حلاً ، يصنع بها ما يريد من القتل والأسر ، وقد فعل سبحانه ذلك ، فدخلها غلبة وكُرهاً ، وقتل ابن أخطل وهو متعلّق بأستار الكعبة ، ومقيس بن سبابة وغيرهما (2).

( مطير - البحرين - 25 سنة - طالب جامعة )

زينب ورقية ربيبتاه :

س : ورد في أحد الأدعية النهارية الخاصّة بشهر رمضان المبارك هذا القول : اللّهم صلّ على رقية بنت نبيّك ، والعن من آذى نبيّك فيها ، اللّهم صلّ على أُمّ كلثوم بنت نبيّك ، والعن من آذى نبيّك فيها.

مع العلم أن عميد المنبر الحسيني الشيخ الدكتور أحمد الوائلي يقول في إحدى محاضراته في تفسير سورة الكوثر : أنّه لا بنت للنبي صلى اللّه عليه وآله إلاّ فاطمة عليها السلام , وأمّا زينب ورقية فهما ربائب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

وأمّا ما يتعلّق بأُمّ كلثوم فقد عبّر عنها الدكتور بقوله : إنّ بعض المحقّقين يشكّك في وجودها ، وقد اخترعت اختراع لتصبح كلمة ذو النورين ، والسؤال هو التالي :

ص: 372


1- البلد : 2.
2- مجمع البيان 10 / 361.

1 - كيف لنا أن نوفّق بين ما ورد في الدعاء وبين قول الدكتور الوائلي , مع العلم أنّ الدكتور - وكما عرف عنه - لا يتكلّم جزافاً؟

2 - هل هذا الدعاء من قول المعصوم عليه السلام؟

3 - إذا كان كلام الدكتور صحيح ألا يعد ذلك جرحاً في صيام الفرد؟

ملاحظة : أعتذر لعدم تمكّني من تقديم تأريخ المحاضرة ، حيث كانت مأخوذة من القسم العربي براديو الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

والأمر الآخر أنّ ذلك الدعاء وارد في كتيب لبعض أدعية الشهر الكريم دون توضيح اسم الدعاء الواردة به تلك العبارات.

وفي الختام : أدعو من العلي القدير أن يسدّد خطاكم في إظهار المذهب الحقّ ، وردّ الشبهات عنه , وشكراً.

ج : يتّضح الجواب بعد بيان عدّة نقاط :

1 - ما قاله الشيخ الوائلي راجع إلى الروايات التي تقول أنّه كانت لخديجة بنت خويلد من أُمّها أُخت يقال لها هالة ، لديها ابنتين هما زينب ورقية ، وقد ضمّت خديجة أُختها هالة مع تلك الاثنتين لها ، لأنّها كانت فقيرة ، وقد نسبت تلك الابنتان إلى الرسول صلى اللّه عليه وآله لأنّه هو الذي ربّاهما ، وقد كانت عادة أهل الجاهلية أن يسمّون الربيب ابناً.

فالأدعية الواردة - والتي تنسب الابنتان إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله - لابدّ أن تأوّل ، وتحمل على أنّ المراد منها ليس الابن بالمعنى الحقيقي ، بل الابن بمعنى الربيب.

2 - قد ذكر هذا الدعاء كُلّ عن الشيخ المفيد في المقنعة ، والشيخ الطوسي في مصباح المتهجّد ، وتهذيب الأحكام ، ولم ينسباه إلى المعصوم.

3 - نفهم من كلامك أنّ كلام الدكتور إذا كان صحيحاً يعني أنّ الدعاء كاذب ، والكذب على اللّه ورسوله في نهار شهر رمضان من المفطّرات.

فنقول : وإنّ كان كلام الشيخ الوائلي صحيحاً بناءً على صحّة تلك الأخبار ، إلاّ أنّه يبقى الدعاء صحيحاً ، لأنّه قابل للتأويل ، وكما عرفت من أنّ المقصود بالابن في الدعاء هو الربيب.

ص: 373

هذا بالإضافة إلى أنّ الذي يقدح في صحّة الصيام هو الكذب على اللّه ورسوله والأئمّة ، والقول عنهم بشيء لم يقولوه ، أمّا الدعاء بدعاء منسوب إليهم في بعض الكتب ، فالعهدة فيه على من أورده في كتابه هو لا يدّعي صحّته مطلقاً ، فضلاً عن أنّ الدعاء قابل للتأويل كما عرفت.

وعلى كُلّ حال فزينب ورقية هما ربيبتا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله والذي يرجّح هذا القول الكثير من الحقائق منها :

1 - هناك من يقول : أنّ خديجة إنّما تزوّجت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قبل البعثة بعشر أو ثلاث أو خمس سنوات ، فكيف تكون رقية وزينب قد ولدتا من خديجة ، وتزوّجتا قبل البعثة؟

2 - إنّ بعضهم ينصّ على أنّه قد صحّ عنده : أنّ رقية كانت أصغر من الكُلّ حتّى من فاطمة عليها السلام ، لكن هذا يناقض ما هو معروف من أنّها تزوّجت في الجاهلية من ابن أبي لهب ، ثمّ جاء الإسلام ففارقهما ، وهذا يدلّل على عدم صحّة الأخبار التي تنسب ولادتها من النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعد فاطمة عليها السلام.

3 - تذكر بعض المصادر : أنّ زينب ولدت وعمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ثلاثين سنة ، وتزوّجها أبو العاص بن الربيع قبل البعثة ، وولدت له علياً - مات صغيراً - وأمامة ، وأمامة أسلمت حيث أسلمت أُمّها أوّل البعثة النبوية.

وهذا غير معقول ، فإنّه لا يمكن لبنت في العاشرة أن تتزوّج ، ويولد لها بنت وتكبر تلك البنت حتّى تسلم مع أُمّها في أوّل البعثة ، وأُمّها لا تزال في العاشرة من عمرها.

( علي سالم الشمّاع - الكويت - 20 سنة - طالب جامعة )

حقيقته :

س : ما هي الحقيقة المحمّدية؟ وفّقتم لكُلّ خير.

ص: 374

ج : اعلم إنّ الإنسان العادي عاجز عن معرفة حقيقته ، فكيف به أن يعرف حقيقة غيره ، ولاسيّما حقيقة سيّد الرسل صلى اللّه عليه وآله ، وقد روي : « يا علي ما عرف اللّه حقّ معرفته غيري وغيرك ، وما عرفك حقّ معرفتك غير اللّه وغيري » (1).

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يا علي ما عرف اللّه إلاّ أنا وأنت ، ولا عرفني إلاّ اللّه وأنت ، ولا عرفك إلاّ اللّه وأنا » (2) ، فكيف يمكن أن نعرف الحقيقة المحمّدية؟

( خالد - الجزائر - 28 سنة - التاسعة أساسي )

سمّى المنافقين :

س : أردت أن أسألكم عن ليلة العقبة ، حين قام مجموعة من المنافقين بمحاولة اغتيال النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، من هؤلاء القوم اللذين أرادوا اغتيال النبيّ؟ ولماذا أغلب الروايات المروية عن حذيفة أو غيره تقول فلان وفلان ، ولا تذكر الأسماء صراحة؟

ج : إنّ المجموعة التي تآمرت على تنفير ناقة النبيّ صلى اللّه عليه وآله عند العقبة كانوا أربعة عشر شخصاًً ، وصفوا بالنفاق ، وقد عرفهم حذيفة من رواحلهم لأنّهم كانوا ملثّمين ، وعرّفه النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأسمائهم ، فكان - كما يقول ابن الأثير - صاحب سر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في المنافقين لم يعلمهم أحد إلاّ حذيفة ، أعلمه بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وسأله عمر أفي عمّالي أحد من المنافقين؟ قال : نعم واحد ، قال : من هو؟ قال : لا أذكره ، قال حذيفة : فعزله ، فكأنّما دلّ عليه ، وكان عمر إذا مات ميّت يسأل عن حذيفة ، فإن حضر الصلاة عليه صلّى عليه عمر (3).

وعن أبي الطفيل قال : « كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس ، فقال : أنشدك باللّه كم كان أصحاب العقبة؟ قال : فقال

ص: 375


1- مناقب آل أبي طالب 3 / 60.
2- مختصر بصائر الدرجات : 125.
3- أُسد الغابة 1 / 391.

له القوم أخبره إذ سألك ، قال : كنّا نخبر أنّهم أربعة عشر ، فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر ، وأشهد باللّه أنّ اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد » (1).

وروي : أنّ عمّاراً سئل عن أبي موسى ، فقال : لقد سمعت فيه قولاً عظيماً سمعته يقول : صاحب البرنس الأسود ، ثمّ كلح كلوحاً علمت أنّه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط (2).

وعن أبي نجا حكيم قال : « كنت جالساً مع عمّار فجاء أبو موسى فقال : ما لي ولك؟ ألست أخاك؟ قال : ما أدري إلاّ أنّي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يلعنك ليلة الجبل ، قال : إنّه قد استغفر لي ، قال عمّار : قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار » (3).

وعن أبي مسعود قال : خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خطبة ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : « إنّ فيكم منافقين فمن سمّيت فليقم » ، ثمّ قال : « قم يا فلان ، قم يا فلان » ، حتّى سمّى ستة وثلاثين رجلاً ثمّ قال : « إنّ فيكم أو منكم فاتقوا اللّه » (4).

أقول : فيظهر ممّا سبق أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله سمّاهم وغيرهم من المنافقين ، إلاّ أنّ التعتيم الإعلامي الرسمي كنّى عن الأسماء بفلان وفلان ، وكذلك فيما روي عن حذيفة قال : قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « إنّ في أصحابي اثنا عشر منافقاً ، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنّة ، ولا يجدون ريحها حتّى يلج الجمل في سم الخياط ، ثمانية منهم تكفيهم الدبيلة » ، وأربعة لم احفظ ما قال شعبة فيهم (5).

ص: 376


1- صحيح مسلم 8 / 123.
2- شرح نهج البلاغة 13 / 315.
3- تاريخ مدينة دمشق 32 / 93.
4- مسند أحمد 5 / 273 ، المعجم الكبير 17 / 246.
5- مسند أحمد 4 / 320 ، صحيح مسلم 8 / 122 ، السنن الكبرى للبيهقي 8 / 198 ، مسند أبي يعلى 3 / 190.

وعلى ذلك شواهد كثيرة طمست فيها حقائق تاريخية حفاظاً على شخوص الحاكمين.

( ........... )

حاشاه أن يتبوّل قائماً :

س : عن رجل عن الإمام الصادق عليه السلام قال : سألته عن الرجل يطلي فيبول وهو قائم؟ قال : « لابأس به » (1) ، فما مدى صحّة هذه الرواية؟ كما أنّ أهل السنّة يزعمون بأنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله قد بال قائماً ، أليس في ذلك انتقاص له صلى اللّه عليه وآله؟

ج : لقد ثبتت عصمة الأنبياء عليهم السلام بدليلي العقل والنقل ، ومن مراتب العصمة أن لا تحصل من الأنبياء أُمور توجب النفرة منهم ، لأنّ ذلك ينافي الغرض من بعثتهم ، وهو إبلاغ الرسالات السماوية بواسطتهم إلى الناس ، ومن ذلك مسألة البول قائماً التي توجب النفر من فاعلها ، وقلّة مروءته بين الناس ، والتي لا نتصوّر نحن البشر العادّيون أنّ أحداً من الناس المحترمين - فضلاً عن ذوي الشأن والسمو - يفعل ذلك.

ومن هنا يذكر ابن قدامة عن أبي مسعود قوله : « من الجفاء أن تبول وأنت قائم ، وكان سعد بن إبراهيم لا يجيز شهادة من بال قائماً ، قالت عائشة : من حدّثكم أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يبول قائماً فلا تصدّقوه ، ما كان يبول إلاّ قاعداً ، قال الترمذي : هذا أصحّ شيء في الباب » (2).

وأمّا الرواية المنقولة فهي تدلّ على الجواز لا على رجحان الفعل ، وموردها مورد المعذور عن القعود للتبوّل لوجود علّة ، وهي الطلاء من النورة ، مع أنّ الكلام في نسبة ذلك إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأنّه ينافي المروءة لا في جواز الفعل منّا ، فالرواية أجنبية عن محلّ الكلام.

ص: 377


1- الكافي 6 / 500.
2- المغني لابن قدامة 1 / 156.

أعاذنا اللّه من زلل الأقدام وزيغ الأفهام ، وأعاننا على ديننا ، وفهم عقيدتنا بجاه محمّد وآله الطيّبين الكرام.

( محمّد - الكويت - 40 سنة - خرّيج جامعة )

عوتب عتاب تشريف لا ذنب :

س : روى علي بن إبراهيم بسند صحيح في تفسير قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ ) (1) عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين عليه السلام ، وبلال ، وعثمان بن مظعون ، فأمّا أمير المؤمنين عليه السلام فحلف أن لا ينام بالليل أبداً ، وأمّا بلال فإنّه حلف أن لا يفطر بالنهار أبداً ، وأمّا عثمان بن مظعون فإنّه حلف أن لا ينكح أبداً.

فدخلت امرأة عثمان على عائشة وكانت امرأة جميلة ، فقالت عائشة : ما لي أراك معطّلة؟ فقالت : ولمن أتزيّن؟ فو اللّه ما قاربني زوجي منذ كذا وكذا ، فإنّه قد ترهّب ، ولبس المسوح ، وزهد في الدنيا ، فلمّا دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أخبرته عائشة بذلك ، فخرج فنادى : الصلاة جامعة.

فاجتمع الناس ، فصعد المنبر ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : ما بال أقوام يحرّمون على أنفسهم الطيّبات؟ ألا إنّي أنام بالليل ، وأنكح ، وأفطر بالنهار ، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي.

فقام هؤلاء فقالوا : يا رسول اللّه فقد حلفنا على ذلك ، فانزل اللّه : ( لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ ... ) (2) ، ثمّ بيّن كفّارته.

والسؤال الآن : هل علي بن أبي طالب عليه السلام أخطأ لأنّه أقسم يمين بعدم النوم ليلاً ، أو أنّ الرسول الذي أخطأ لأنّه خطب على المنبر ، بأنّ ما قام به هؤلاء - بمن فيهم علي عليه السلام - ليس من سنّته؟

ص: 378


1- المائدة : 87.
2- المائدة : 89 ، تفسير القمّي 1 / 179.

فكان ج : ليس في هذا الخطاب والعتاب منقصة على المخاطب والمعاتب إن لم يكن محمّدة نظير قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (1) ، فهل أخطأ النبيّ حين حرّم ما أحلّ لله له؟

فقالوا : نعم أخطأ النبيّ في ذلك ، وإلاّ ما احتاج الأمر إلى المعاتبة ، فما هو جوابكم؟ ولكم جزيل الشكر.

الجواب : في هذا الحديث دلالة على الكمال ، وفيه محمّدة للمخاطب ، ومن قال لك أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أخطأ فعوتب ، فالمخطئ هو لا النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وتقريب ذلك :

1 - إنّ التحريم ليس تحريماً شرعياً ، بل هو تحريم لغوي ، بمعنى المنع ، أي : لِمَ تمنع نفسك عن مشتهياتك بسبب مرضاة زوجاتك ، فإنّ رضاك مقدّم على رضاهُنّ ، فافعل ما تريد ، وإن هُنّ فعلن ما أردنَ ، فالإثم لهُنَّ لا لك ، فيكون التحريم بالمعنى اللغوي ، كما في قوله تعالى في موسى عليه السلام : ( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ ) (2) ، أي منعنا موسى عن ارتضاع امرأة مطلقاً إلاّ أُمّه حتّى رجع إليها.

2 - إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعلياً عليه السلام ، كُلّ منهما حرَّم على نفسه ، ولم يحرّم تحريماً عامّاً شرعياً ، ليكون خلاف ما أمر اللّه ، فلو أنّ شخصاً مَنَع نفسه من أكل التفاح مثلاً ، فهل يُعَدُّ هذا مشرِّعاً مُحرِّماً؟! اللّهم لا.

3 - إنّ هذا وارد مورد التحنّن والتوجّع ، مثل قوله تعالى : ( طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) (3).

قال الطبرسي : ( تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ) ، أي تطلب به رضاء نسائك ، وهُنَّ أحقّ بطلب مرضاتك منك ، وليس في هذا دلالة على وقوع ذنب منه ، صغير أو كبير ، لأنّ تحريم الرجل بعض نسائه ، أو بعض الملاذ ، لسببٍ أو لغير سبب

ص: 379


1- التحريم : 1.
2- القصص : 12.
3- طه : 1 - 2.

ليس بقبيح ، ولا داخلاً في جملة الذنوب ، ولا يمتنع أن يكون خرج هذا القول مخرج التوجّع له ، إذ بالغ في إرضاء أزواجه وتحمَّل في ذلك المشقّة (1).

4 - قال الفخر الرازي : « أنّ تحريم ما أحلّ اللّه ليس بذنب بدليل الطلاق والعتاق ، وأمّا العتاب ، فإنّ النهي عن فعل ذلك لابتغاء مرضاة النساء ، أو ليكون زجراً لهُنَّ عن مطالبته بمثل ذلك ، كما يقول القائل لغيره : لم قبلت أمر فلان واقتديت به وهو دونك ، وآثرتَ رضاهُ وهو عبدك ، فليس هذا عتاب ذنب ، وإنّما هو عتاب تشريف » (2).

ولذلك ذكر الإمام الحسن عليه السلام قضية أمير المؤمنين عليه السلام في معرض المدح والفخر ، فقال في حديث له عند معاوية وأصحابه : أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ عليّاً أوّل من حرّم الشهوات كُلّها على نفسه من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (3).

ولتقريب الموضوع خُذ هذا المثال : أنّك لو قلت لولدك : يا بني اعمل ، فصار ولدك يعمل من أجل رضاك ثمانية عشر ساعة كُلّ يوم ، فإنّك سترتاح لامتثاله لأمرك وحرصه على طاعتك ، لكنّك ستقول له : يا بُني أرح نفسك ولا تتعبها كُلّ هذا التعب!! فنهيك له عن أتعاب نفسه مدح وتشريف له.

5 - يبقى إشكال لم تطرحوه ، ولكن ربّما يخطر ببالكم ، وذلك في مثل قوله تعالى : ( وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ) (4) ، فإنّ النهي في مثل هذه الموارد نهي تنزيهي إرشادي ، يرشد به إلى ما فيه خير المكلّف وصلاحه في مقام النصح ، لا نهي مولوي.

ص: 380


1- مجمع البيان 10 / 57.
2- عصمة الأنبياء : 111.
3- المائدة 87 ، الاحتجاج 1 / 407.
4- البقرة : 35.

النساء :

اشارة

( لجين - الكويت - 21 سنة - طالبة جامعة )

معالجة الروايات التي تذمّ المرأة :

س : أرجو المعذرة ، ولكن الموضوع له شجون في القلب ، عن كيف نكون نحن من خلقنا البارئ ناقصات؟ هل نحن لا نستحقّ لقب الإنسانية الذي هو لنا؟ أرجو إفادتي في تفسير هذه الروايات التالية ، مع بيان مصادرها أو آراء العلماء الأجلاّء الأفاضل فيها :

1 - قال النبيّ : « شاوروا النساء وخالفوهن ، فإنّ خلافهن بركة » (1).

2 - قال النبيّ : « ليس على النساء جمعة ولا جماعة ... ولا تستشار » (2).

3 - قال الإمام الصادق : « استعيذوا باللّه من شرار نسائكم ، وكونوا من خيارهن على حذر ، ولا تطيعوهن في المعروف ، فيدعونكم إلى المنكر » (3).

4 - قال الإمام علي : « يا معاشر الناس ، لا تطيعوا النساء على حال ... » (4).

5 - قال الإمام الصادق : « يستشير رجلاً عاقلاً » (5).

6 - قال الإمام علي : « إيّاك ومشاورة النساء ، فإنّ رأيهن إلى الأفن ، وعزمهن إلى الوهن » (6).

ص: 381


1- بحار الأنوار 100 / 262.
2- من لا يحضره الفقيه 4 / 364.
3- الكافي 5 / 518.
4- من لا يحضره الفقيه 3 / 554.
5- المحاسن 2 / 602.
6- الكافي 5 / 338.

7 - قال النبيّ : « فإنّ أكثركن حطب جهنّم » (1).

8 - قال تعالى : ( إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) (2).

ج : إنّ اللّه تعالى قد شاء أن تكون استمرارية الحياة البشري على دعامتين : الرجل والمرأة ، فكُلّ منهما له الدور الأساسي في هذا المجال.

ومن جانب آخر فقد أودع بمقتضى المصلحة والحكمة في كُلّ منهما قوى ومشاعر لتوظيفها في الجهة المقصودة ، فكان السهم الأوفر من العواطف والحنان والأحاسيس نصيب المرأة ، بما أنّها تكون في الغالب ربّة البيت ، وأُمّاً للأطفال ، في حين أنّ وظيفة الرجل وهي إدارة العائلة والتوغّل في المجتمع يحتاج بالضرورة إلى تدبير أرقى وعقل مدبّر ، فكان نصيبه من قوّة العقل - بعيداً عن إثارة العواطف عنده - أكثر.

وهذا الفارق الأساسي لا يعني أنّ الرجل - بما هو رجل - في جميع الأحوال يكون أعظم درجةً من المرأة في الإسلام ، بل هو بمعنى تقسيم الوظائف والأدوار ليس إلاّ ، حتّى أنّه ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : « ربّ امرأة خير من رجل » (3).

وهنا لابدّ من التنبيه بأنّ المقصود من كلام الإمام عليه السلام في هذه الرواية ليس أمثال فاطمة وزينب عليهما السلام ، فإنّ الحكم بالنسبة إلى أمثالهما واضح ، بل الكلام هو في مجال سائر الناس ، كما يظهر من مفاد الرواية.

ثمّ البحث في الروايات والآية المشار إليها في السؤال يتطلّب أُموراً :

أوّلاً : إنّ الآية الكريمة : ( إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) نقل لكلام عزيز مصر ، ولا يدلّ على تأييده من جانب اللّه تعالى ، على أنّ الإشارة فيها إلى زوجته بالذات ، فلا يشمل باقي النساء لزوماً.

ص: 382


1- المصدر السابق 5 / 514.
2- يوسف : 28.
3- من لا يحضره الفقيه 2 / 427.

ثانياً : الروايات المذكورة بما أنّ أكثرها مرسلة ومقطوعة السند ، أو أنّ بعضها تحتوي في السند على رجال غير موثقين ، فلا يعتمد عليها في الاستدلال ، ولا حجّية لأكثرها سنداً.

ثالثاً : ومع غض النظر عن البحث في السند ، فإنّ الكثير من الروايات لا يصلح دليلاً على مدّعى القائل ، فعلى سبيل المثال : « يستشير رجلاً عاقلاً » لا ينفي استشارة امرأة عاقلة ؛ أو أنّ شاوروا النساء يتعارض مع « إيّاك ومشاورة النساء ».

وإنّ « ولا تطيعوهن في المعروف » مقطوع البطلان ، إذ كيف يكون معروفاً وفي نفس الوقت منهياً عنه! أو أنّ « لا تطيعوا النساء على حال » لا إطلاق له ، إذ قد يكون كلامهن ورأيهن - ولو في مورد واحد - صحيحاً ، فكيف ينبغي أن لا تطاع حتّى في هذه الحالة.

وحتّى أنّ « إنّهن ناقصات عقل ودين » (1) ليس معناه نقص الرتبة والمنزلة ، بل المراد هنا هو النقص التكويني والوظائفي - كما بيّناه في صدر الجواب - وهكذا باقي الموارد.

مضافاً إلى أنّ كافّة هذه الأحاديث - لو سلّمنا بصدورها بهذه الكيفية من المعصومين عليهم السلام - معارضة في إطلاقاتها ومفاهيمها مع أمثال الرواية التي ذكرناها في المقدّمة ، وعليه لابدّ من رفع اليد عنها ، أو تأويلها بما لا يتصادم مع صريح تلك الرواية أي « ربّ امرأة خير من رجل ».

ومن جملة ما يمكن أن يقال في سبيل علاج تلك الأحاديث هو : أن نلتزم بأنّها قضايا خاصّة تشير إلى موارد معيّنة ، وإن جاءت بنحو الإطلاق ، فإنّ هذا نوع من بديع الكلام ، كما هو المسلّم في الآية ( إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) ، إذ المخاطب زوجته فقط ، ولكن يذكر الحكم بنحو العموم لما فيه من التأثير في المخاطب.

ص: 383


1- شرح نهج البلاغة 18 / 199.

( حسين ناصر العباس - السعودية - 40 سنة - خرّيج ثانوية )

ورود ذم لركوبها الخيل :

س : هناك قول سمعته من أحد المؤمنين وهو : أنّ الفروج لا تركب السروج ، فهل هذا القول لأحد المعصومين عليهم السلام؟ وأن كان الحديث صحيحاً ، فهل معنى ذلك أنّ النساء يحرم عليهن ركوب الخيل؟ أفيدونا جزاكم اللّه خيراً.

ج : قد ورد الخبر بذلك ضمن الأخبار الواردة عن بعض الأئمّة عليهم السلام عن أحوال الناس قبل ظهور الإمام المهدي عليه السلام (1) ، وظاهر العبارة ذمّ ذلك إلاّ عند الضرورة والاضطرار ، واللّه العالم.

( .... - العراق - .... )

مسائل مختلفة تتعلّق بها :

س : أشكركم على إتاحة هذه الفرصة للسؤال ، وعندي أسئلة حول كتاب أحكام النساء للشيخ المفيد قدس سره :

1 - في صفحة 56 يقول : يكره لهن تعلّم الكتابة ، وقراءة الكتب ، هل هذا يتناسب مع الشريعة؟

2 - في صفحة 57 يقول : ولا يحلّ لها أن تصل شعرها بشعر غيرها من الناس ، ولابأس أن تصله بأصواف الغنم ، ألا ينطبق هذا مع الحديث الذي يرويه أهل السنّة « لعن اللّه الواصلة والمستوصلة »؟

3 - في ص 58 يقول : لا يحلّ لهن الاجتماع في العرسات ، ولا يجتمعن في المصائب.

4 - حديث : « أوصيكم بالضعيفين المرأة واليتيم » هل هو صحيح؟

5 - أهل السنّة يدعون إلى قعود المرأة في البيت بدليل آية القرّ ، ما هو الجواب الراد على هؤلاء؟

ص: 384


1- أُنظر : كمال الدين وتمام النعمة : 331.

6 - يقول الشيخ في إحدى محاضراته : أنّه لا توجد آية في القرآن تقول أنّ الرجل أفضل - بمعنى أحسن - من المرأة ، هل هذا صحيح؟

7 - آية : ( إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) (1) وردت على لسان العزيز ، فهل هي عامّة تشمل كُلّ النساء؟

ج : نجيب على أسئلتكم على الترتيب :

1 - لابدّ أوّلاً من التمييز بين العلم والتعلّم ، وبين الكتابة والقراءة ، فإنّ مصطلح الأُمّية والجهل لم يعدّ في المحافل الرسمية الدولية ، بمعنى عدم الكتابة والقراءة ، كما أعلنت اليونسكو عن ذلك في السنوات الأخيرة ، فإنّ العلم والتعلّم مقابل الجهل والأُمّية عرّفوه أخيراً ، بمعنى حرمان الإنسان العلم اللازم له كي يستثمر البيئة والوسط المعاش الذي هو فيه.

مثلاً : الزارع والفلاّح في الريف لا نستطيع أن نطلق عليهما الأُمّية والجهل لمجرّد عدم تعلّم الكتابة والقراءة ، والحال أنّهما يمتلكان علم الزراعة والفلاحة ، بحيث يتمكّنا من التغلّب والسيطرة على قواعد البيئة الزراعية والفلاّحية ، وعلى العكس لو كان ابن الزارع والريف يعرف الكتابة والقراءة ، لكن لا يعلم الموروث العلمي الزارعي والفلاحي من آبائه وقومه ، فإنّه يعدّ أُمّياً وجاهلاً لكونه لا يعرف العلم اللازم لحياته المعاشة.

وكذلك الحال في أصحاب وأرباب الصناعات والحرف ، فإنّ العلم والتعلّم في حقّهم ، لا تعنى بالضرورة الكتابة والقراءة ، بل تعنى في الدرجة الأُولى هو إتقانهم للصناعة والحرفة المتلبّسين هم بها.

ومن ثمّ تثار الأزمة في مجتمعات المدن في العصر الحاضر أنّ السلك التعليمي على صعيد المدارس والجامعات لا يلبّي حاجة المجتمع في جوانب الصناعة والزراعة والتجارة وغيرها من المجالات ، فإنّ تلك المدارس والجامعات لاسيّما في

ص: 385


1- يوسف : 28.

دول العالم الثالث تغذّي الطلاّب والمتعلّمين بعلوم لا تستثمر بعد سنين التخرّج من المدرسة والجامعة ، وبالتالي فلا يكون الفرد المتخرّج منهما مؤهّلاً للوظيفة في القطّاعات الكثيرة في مؤسّسات المجتمع.

وبكلمة : فأصبح في العرف التعليمي العلم في مقابل الأُمّية والجهل هو ليس بمعنى الكتابة والقراءة ، بل بمعنى معرفة العلم اللازم للعمل في المحيط والبيئة المعاشة ، فنعرف من ذلك أنّ الكتابة والقراءة ليس إلاّ آلة غير منحصرة للتعلّم ، وليست هي الآلة الوحيدة ، كما أنّ الكتابة والقراءة ليستا هما نفس العلم والمعرفة ، والعلم والمعرفة قد رغّب فيهما كُلّ من القرآن وسنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأهل بيته عليهم السلام.

وقد يعزى هذا الحكم بالكراهة دون الحرمة في الكتابة والقراءة ، أنّهما كانا في العصور السابقة طابعاً لأعمال الرجال ولأعمال النظام الاجتماعي خارج المنزل ، أي عليهما صبغة المهن والأعمال المستلزمة للاختلاط بالرجال.

وقد ورد في الحديث : « وعلّموهن سورة النور » (1) ، كما ورد استفتاء وتعلّم عدّة من النساء من النبيّ صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام.

2 - قد فسّر فقهاء أهل السنّة لعن الواصلة والمستوصلة : بوصل المرأة شعرها بشعر غيرها ، ومن ثمّ أفتوا بالحرمة ، ولكن ذلك نتيجة ابتعادهم عن الثقل الثاني وهو عترة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فإنّه قد ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام تفسير الواصلة والمستوصلة بالقوّادة والمقودة للفاحشة ، فالواصلة التي تقود لجمع الرجال بالنساء على الفاحشة ، والمستوصلة هي التي تقاد لذلك (2).

3 - فتوى فقهاء العصر على حلّية اجتماع النساء في الأعراس والمصائب ، شريطة أن لا يرتكب في تلك المجالس المعصية ، كما هو مقتضى الغالب في

ص: 386


1- الكافي 5 / 516.
2- المصدر السابق 5 / 119.

تلك المجالس ، فإنّ مجالس الأعراس في العادة ما يتغنّى بالمثير لشهوة الجنسية ، ويحصل الابتذال والرقص وغير ذلك ، ممّا يسبب الانحراف في السلوك الخُلقي ، وكذلك مجالس المصائب في موتى أهالي النساء ، فإنّه ربما ترتكب بعض الشنائع لإظهار المصاب في العادات التقليدية القديمة ، ولعلّ ذلك هو محمل فتوى الشيخ.

4 - وردت نصوص قرآنية وروائية عديدة توصي بحسن رعاية اليتيم ، وكذلك في المرأة ، وأنّهن قوارير فلا تكسر ، وأنّها ريحانة تعامل باللين والمودّة والمداراة ، وأنّ عقاب القبر هو من سوء المعاملة مع العيال.

5 - لا ريب أنّ من أعظم مسؤوليات المرأة هو تربية الجيل الناشئ الصالح للمجتمع ، وهو وظيفة منزلية ، كما أنّ من مسؤوليتها توفير الراحة والسكون النفسية للرجل في البيت ، وهو محطّة دفء واستقرار مهمّ عظيم لكُلّ أعضاء الأُسرة ، مضافاً إلى أنّ القرّ في الآية قد بيّن الغاية منه ، هو لأجل عدم التبرّج تبرّج الجاهلية الأُولى ، أي محافظة المرأة على الستر على بدنها ، ومفاتن جسدها ، كي لا تتلوّث بيئة المجتمع بالإثارات الغريزية الحيوانية ، فيكون الجوّ العام الخارجي جوّاً حيوانياً غرائزياً ، كما هو عليه الحال في المجتمعات الغربية ، حيث تبذلت المرأة عند خروجها من المنزل ، وأصبحت سلعة جنسية وأداة حيوانية لمسيرة الجنس ، والاستهلاك التجاري.

وتكبّلت المرأة مسؤوليات الرجل خارج المنزل ، فضاعت وظائف الأُسرة من دون من يتحمّل مسؤوليّتها ، فتصدّعت وأورثت ظواهر اجتماعية حادّة تفتك بالاستقرار الاجتماعي والأمني والروحي.

6 - الأفضلية في القرآن أعطيت للمتّقي : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ ) (1) ، وكما ذكر القرآن الأنبياء والمرسلين والأئمّة عليهم السلام ، فقد ذكر فاطمة في سورة

ص: 387


1- الحجرات : 13.

المباهلة ، والحشر ذي القربى والمودّة لهم وغيرها من السور ، وذكر مريم وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، وأُمّ موسى وأُمّ مريم وغيرهن.

نعم ، هذا لا يعني تشاكل وظائف الجنسين وكيفية أدوارهما ومسؤوليّتهما ، وإن كان باب الكمال مفتوح لكُلّ منهما ، لاسيّما الأخروي الأبدي ، وإن كان هناك عوائق ومؤهّلات تخصّ كُلّ جنس على حده يجب الجمع في النظرة ، وفي قراءة النصوص الدينية إلى ذلك نصوص العوائق ، ونصوص المؤهّلات المساعدة في كُلّ جنس.

7 - ورد في الروايات أنّ المرأة إذا لم تلتزم ، وصارت من جند الشر والشيطان ، فإنّ لها قابليات خطيرة للفتنة ، وافتتان الرجال والمجتمع بهن من ناحية الشهوة وغيرها ، ممّا يدلّل على خطورة موقعية المرأة في المجتمع والأُسرة وتنشأة الأجيال.

( عمرو إبراهيم يوسف - مصر - 25 سنة - بكالوريوس تجارة )

معنى ناقصة عقل ودين :

س : أرجو تفسير حديث : « إنّهن ناقصات عقل ودين » (1).

ج : مع غض النظر عن البحث في سند الحديث ، نلفت انتباهكم إلى أنّ نفس الحديث يشرح المراد من النقص في الدين ، وذلك بتركها للصلاة في أيّام عادتها ، وكذلك يشرح المراد من النقص في العقل ، بجعل شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل واحد ، ويعود ذلك إلى تركيبتها البدنية ، حيث خلقها اللّه تعالى لتكون أُمّاً تغلب عليها العاطفة ، وبذلك تستطيع أن تتحمّل أنواع المصاعب في تربيتها لأولادها ، بما أودعها اللّه من عاطفة كبيرة ، ولولا تلك العاطفة المودعة في المرأة لحدث نوع من الخلل في التركيبة الاجتماعية ، حيث كُلّ من الرجل والمرأة أودع اللّه تعالى فيهم من القدرات البشرية ما تحتاجه وتفرضه وظيفته.

ص: 388


1- شرح نهج البلاغة 9 / 192 و 18 / 199.

وبعد هذا ، فإنّ العاطفة الغالبة على المرأة سبّبت في أن تكون شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل واحد.

( السيّد علي الموسوي - إيران - 27 سنة - طالب حوزة )

( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) :

س : إنّ القرآن يثبت في آيات عديدة تساوي الإنسانية بين الرجال والنساء ، وأنّ الرجل بما هو الرجل ، والمرأة بما هي المرأة ، لا كرامة لهما ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ ) (1) ، إذاً فلماذا ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) (2)؟

ج : ننقل لكم ما ذكره الشيخ لطف اللّه الصافي حول هذا الموضوع :

« وأمّا الاختلاف في قدر نصيب الرجل والمرأة في بعض الموارد كالبنت والابن ، حيث قدّر للذكر مثل حظّ الأُنثيين ، وكالزوج والزوجة ، فليس فيه احتقار للمرأة وبخس حقّها ، بل إنّما جعل نصيب الرجل أكثر لكثرة حوائجه الاقتصادية ونفقاته المالية ، ولما أُلقي عليه من النفقات - كنفقة الزوجة والأولاد - أو يلقى عليه العرف والعادة - كتجهيز البنات - وإعطاء صداق زوجة الولد وغيرها.

وأمّا المرأة فليس عليها هذه النفقات ، ولا تدفع المهر عند الزواج ، بل تأخذه بعكس الرجل ، كما يتحمّل زوجها نفقتها ، فحاشا الإسلام أن يدع الضعيف ويوفّر نصيب القوي ، أو ينظر في مثل هذه الأحكام المالية المتضمّنة لحكم اقتصادية إلى ما ليس له دخل في تشريعها ، فهذا الفرق الطفيف بينهما ليس إلاّ لإقامة العدل بين الذكر والأُنثى ، والأخذ بأسباب الواقع والحقيقة.

ويدفع تعليل هذه الأحكام بتفضيل الرجال على النساء ، إنّ اللّه تعالى ساوى بين الأبوين في الميراث ، فقال سبحانه : ( وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا

ص: 389


1- الحجرات : 13.
2- النساء : 11.

السُّدُسُ ) (1) ، فلو كان الإسلام فضّل نصيب الرجل على المرأة مطلقاً لعلّة أنّ هذا رجل وهذه امرأة لما ساوى بينهما في هذا المقام ، وفي بعض المقامات الأُخر.

فهذا شاهد على أنّ الحكمة في امتياز الرجل على المرأة في الميراث ، ليس فضله عليها ، وهذا التوهّم إنّما نشأ من عدم مراجعة نصوص الكتاب والسنّة والتأمّل فيها.

والحاصل : أنّ من سبر الشرائع والقوانين وتواريخ الملل ، يجد أنّ أيّ شريعة من الشرائع ، وأُمّة من الأُمم ، لم تنصف المرأة كما أنصفها الإسلام وشريعته السمحاء.

فالإسلام قرّر حقوق المرأة ، وناصر المرأة ، وكرّم المرأة ، وحرّر المرأة ، وأخذ بيدها ممّا كانت تتردى فيه.

فعلى الذين يهتفون في بلاد المسلمين ، وتعلو صيحاتهم منادين بحقوق المرأة ، ويظهرون الترحّم على النساء ، إن كانوا صادقين أن يدعوا الجميع ، الرجال والنساء إلى النظام الإسلامي ، الذي عالج مشاكل الحياة الإنسانية كُلّها.

وإن كانت نزعتهم في ذلك أن يتّخذوا المرأة مطيّة لشهواتهم ، وأن يروّجوا الدعارة ، وفوضى الأخلاق ، وانحطاط الآداب ، وخروج النساء كاسيات عاريات ، يخلعن جلبات الحياء والعفّة ، وينزعن زيّ النجابة ، ويسلكن مسلك المرأة الغربية ، فنعوذ باللّه من فتنهم ، ومن دعاياهم الفاسدة الهدّامة ، التي هي من أضرّ ألاعيب الاستعمار على المسلمين » (2).

( علي - أمريكا - 27 سنة - طالب )

معنى غيرة المرأة كفر :

س : حفظكم اللّه ورعاكم لما فيه خدمة الجميع ، وأثابكم اللّه خيراً ، وأعطاكم الأجر والثواب.

ص: 390


1- نفس الآية السابقة.
2- مجموعة الرسائل 1 / 225.

أتمنّى أن تشرحوا لي لماذا غيرة المرأة كفر؟ وغيرة الرجل إيمان؟ وهل في جميع الحالات تصبح غيرة المرأة كفر؟ حتّى لو تصرّف زوجها مع النساء الأجانب؟ ولكم شكري وامتناني.

ج : قال الإمام علي عليه السلام : « غيرة المرأة كفر ، وغيرة الرجل إيمان » (1) ، والمقصود من كلامه عليه السلام : بأنّ غيرة المرأة على الرجل قد تؤدّي إلى الكفر ، وليست هي كفراً قطعاً ، فإنّها إذا اعترضت على زوجها إذا أحتاج إلى زواج آخر مثلاً ، قد تؤدّي غيرتها عليه إلى إنكار معلوم من الدين بالضرورة ، وهو جواز التعدّد للرجل ، فتنكر النصّ ، أو تعترض على اللّه تعالى ، أو على الإسلام ، وقد تكيد بزوجها ، أو تعصي ربّها ، أو تقصّر معه ، أو تلجأ إلى وسائل شيطانية ، أو غير ذلك ، وكُلّ ذلك من الظلم الذي قد يؤدّي إلى الكفر.

أمّا مسألة غيرتها العادية ، وتدلّلها عليه ، أو محاولة بيان اهتمامها وحبّها واعتزازها به ، فليس ذلك مقصوداً من الحديث ، وخصوصاً ما ذكرت من بعض التصرّفات مع النساء الأجنبيات ، مع امرأة أجنبية دون وجود نية حقيقية للزواج ، فغيرة زوجته في هذه الحالة عليه من الإيمان قطعاً ، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والخلاصة : فغيرة المرأة إذا كانت مانعة للزوج من الارتباط بأُخرى ، فهو من الاعتراض على الحقّ الجائز فعله للرجل.

أمّا غيرة الرجل على زوجته فهو حرص وإيمان لعدم جواز ارتباطها بغيره مع ارتباطها به ، بأيّ حال من الأحوال.

( أحمد - الإمارات - 19 سنة - طالب حوزة )

النظر إلى المبتذلات منهنّ :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع : يقول فضل اللّه في كتابه النكاح 1 / 66 : « فلو أنّ النساء قد اعتادت

ص: 391


1- شرح نهج البلاغة 18 / 312.

الخروج بلباس البحر ، جاز النظر إليهن بهذا اللحاظ ... وفي ضوء ذلك قد يشمل الموضوع النظر إلى العورة عندما تكشفها صاحبتها ، كما في نوادي العراة ، أو السابحات في البحر في بعض البلدان ، أو نحو ذلك ».

قلت : أيّ دين وأي منطق هذا؟

أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : إنّ هناك مسألة فقهية يذكرها الفقهاء وهي : جواز النظر إلى النساء المبتذلات ، والمراد بهنّ النساء اللاتي لا ينتهين إذا نُهين عن التكشّف ، حيث لا يمنع معهن أمر بمعروف ونهي عن منكر ، وقد ذكر السيّد فضل اللّه جملة من مصاديق هذه المسألة ، كالنساء اللاتي يرتدين لباس البحر مثلاً ، أو ما يتواجد منهنّ في نوادي العراة وغيرها.

وبالطبع إنّ أمثال هذه الموارد مشروطة بعدم التلذّذ ، وإلاّ حرمت حسب القاعدة ، ولا يعني ذلك أنّ هذا السيّد يدعو الناس للوقوف على شواطئ البحار لينظروا ما شاء لهم النظر إلى أجساد النساء العاريات ، أو ليدخلوا نوادي العراة كي يشاهدوا عورات النساء ، فهذا ممّا لا يقول به عاقل ، فضلاً عن عالم.

وبيان الجواز هنا يشير بوضوح إلى مسألة فيما لو ابتلي إنسان ما بالتواجد في مكان تكون فيه أمثال هذه الحالات ، فالحكم الشرعي له حسب الأدلّة الشرعية هو الجواز المشروط بعدم التلذّذ ، وإلاّ حرم النظر عليه.

ونسأل هنا : ألا يبتلى المسلمون في الدول الغربية بمثل هذه المواقف فيما لو اضطرتهم الظروف للتواجد في هذه الدول ، فما هو الحكم الشرعي الذي يراه المتحذلقون لهؤلاء المبتلين بمثل هذه الحالات؟ وفي أماكن يكون توقّع العمل في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا فائدة منه ، بل قد يؤدّي إلى الضرر حسب أحكام وقوانين تلك الدول ، فهل تراهم يأمرون المسلمين المتواجدين في تلك الأماكن بوضع الأغطية على عيونهم يسيرون في تلك البلدان؟ أم ماذا يقولون للمبتلين بمثل هذه المواقف؟ فليجيبونا مشكورين؟

ص: 392

النصّ على الأئمّة :

اشارة

( أحمد - ... - ..... )

نقوضات على النصّ في الإمامة وردّها :

س : لقد وجدت هذا في أحد المنتديات ، فما ردّكم عليه : إذا فرضنا أنّ الإمامة نصّ عليها اللّه تعالى ورسوله صلى اللّه عليه وآله فنجد الآتي :

1 - إنّ علياً رضي اللّه عنه رفض أن يصبح خليفة بعد استشهاد عثمان بن عفّان.

2 - إنّ علياً رضي اللّه عنه أصبح وزيراً في عهد أبي بكر ، فهذا يخالف النصّ.

3 - أصبح علياً والياً عند فتح المقدس والشام في عصر عمر ، فماذا يعني لك النصّ في الولاية؟ هل تعتقد بمن استطاع أن يخترق بصره عرش الرحمن والثرى في الأرض أن يعجز أن يأخذ الولاية؟

فماذا تعني لك النصّ بالولاية؟ هل تعتقد بمن فتح خيبر بضربة سيفه حتّى عجز جبرائيل عليه السلام أن يمسك يده ، لكي لا يصل سيفه إلى سابع أرض ، بعاجز أن يأخذ الخلافة؟ ودمتم سالمين.

ج : الموضوع الذي ذكرتموه فيه عدّة تساؤلات :

أوّلها : لماذا رفض علي عليه السلام الخلافة بعد مقتل عثمان؟ وهذا ما سنأتي إلى تفصيله.

ثانيها : إنّ علياً عليه السلام أصبح وزيراً في عهد أبي بكر؟ هذا كذب محض ، لا يسنده أيّ شاهد تاريخي ضعيف ، فضلاً عن أن يكون صحيحاً ، فعلي عليه السلام لم يصبح وزيراً في يومٍ من الأيّام لأبي بكر أو عمر أو عثمان ، وهذه افتراءات وتقوّلات جاءت من أتباع ابن تيمية.

ص: 393

ثالثها : أصبح علي عليه السلام والياً للمقدس عند فتحها في عهد عمر؟ هذا من المضحكات ، فهو مثل سابقه دعوى لا دليل عليها ، وزوبعة كلام يتشدّق بها أتباع ابن تيمية ، بلا سند أو عمد ، كشيخهم الذي كثرت ادعاءاته بدون سند ولا دليل.

الرابعة : هو الربط بين فضائل علي عليه السلام - وخصوصاً الشجاعة منها - وبين عدم أخذه للسلطة ومغالبته عليها.

وبتعبير آخر : الاتكاء على نظرية الاستبعاد ، فإنّ من كان في الشجاعة ما يذكر له عليه السلام في الفتوحات والحروب كيف يغلب؟ وكيف يؤخذ حقّه في السلطة؟

وهذا الاعتراض متوقّف على فهم الإمامة في القرآن الكريم والسنّة المطهرة ، والتي بني عليها المذهب الشيعي أُسسه ، والأخ صاحب هذا المقال باعتبار كونه يعيش ذهنياً في نظرية مدرسة الخلفاء التي صوّرت الإمامة مساوية للحكومة والسلطة ، فلأجل ذلك يحتاج تفهيمه إلى شرح ما ، وبيان للموضوع.

أمّا التساؤل الأوّل فيجاب : إذا رجعنا إلى الوراء قليلاً وسرنا مع الأحداث نعرف السبب الذي دعا علياً عليه السلام أن يرفض ، وإليك بيان موجز من ذلك :

الإمامة التي يطرحها القرآن الكريم والسنّة النبوية - والتي سار عليها المذهب الاثنا عشري - تعني رئاسة عامّة على أُمور الدين والدنيا ، أي القيمومة الكاملة من قبل شخصٍ ، وهو الذي يسمّى إمام على سائر المخلوقات ، وهو المتصرّف لأُمورهم الدينية والدنيوية ، أي هو العارف بالأحكام والمبيّن لها ، والذي يسوس الرعية ، وهو الذي يحملها على ما يراه.

قال اللّه تعالى مخاطباً إبراهيم عليه السلام : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1) ، وقال تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ

ص: 394


1- البقرة : 124.

الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (1) ، وقال تعالى : ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) (2) ، وقال تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (3) ، إلى غيرها من الآيات الكثيرة الناطقة بالولاية والإمامة والخلافة الإلهية.

ومن الواضح أنّ هذه الخلافة لا تساوي الحكومة بالمفهوم الذي فسّرته مدرسة الخلفاء للإمامة ، وذلك واضح في القرآن الكريم ، حيث أنّه جعل إبراهيم إماماً مع كونه لم يكن حاكماً ، ولم يستلم الحكومة بعد ، فالإمامة لو كانت بمعنى الحكومة التي نفهمها الآن لما كان إبراهيم إماماً ، مع أنّه إمام ولم يكن حاكماً.

فمن ذلك نفهم أنّ الإمامة القرآنية تعني السلطة الواقعية على الكائنات ، والتصرّف في شؤونها الدينية والدنيوية ، وأنّ الحكومة السياسية هي وظيفة من وظائف الإمامة وشعبة من شعبها ، فالإمام فيه اقتضاء وقابلية الحكومة ، وأنّ المفروض على الرعية تسلّم الأمر إليه ، ولهذا يظهر الفرق واضحاً بين الإمامة العامّة التي هي جعل من اللّه ، ولا دخل للإنسان فيها ، بل هي من مختصّات الذات الإلهية المقدّسة ، فاللّه هو المعيّن للإمام لا غير.

وأمّا السلطة والحكومة فبما أنّها تعني التصرّف بشؤون الناس السياسية فتحتاج إلى بيعة ومناصر وتحتاج إلى مؤازر ، ولأجل ذلك أخذ الرسول الأكرم محمّد صلى اللّه عليه وآله البيعة لعلي عليه السلام يوم غدير خم ، فإنّ سرّ أخذ البيعة هو ذلك.

هذا مفهوم الإمامة الكُلّية ، وبه يتّضح الفرق بين مذهب الشيعة ومذهب مدرسة الخلفاء ، فإنّهم فسّروا الإمامة بما يساوي الحكومة التي نعرفها بمعناها اليوم.

ص: 395


1- فاطر : 32.
2- الزخرف : 28.
3- المائدة : 55.

وأمّا مصداق الإمامة ، وأنّ مَن هو الإمام؟ فهذا تحدّده السنّة النبوية المطهرة ، والسنّة النبوية بيّنت أنّ الإمام بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله هو علي بن أبي طالب عليه السلام ، كما في حديث الغدير المتواتر ، والذي يقول فيه النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « من كنت مولاه فعلي مولاه » (1).

وكذلك في أحاديث أُخرى كثيرة ، تشير إلى ما لا ريب فيه ولا مناقشة تعتريه ، وهو ما أخرجه الحاكم في المستدرك ، وصرّح بصحّته ، والحديث هو : قال ابن عباس : وقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أنت ولي كُلّ مؤمن من بعدي ومؤمنة » (2) ، وصرّح الشيخ الألباني بصحّته وبطرق عديدة للحديث (3).

إنّ هذا الحديث يقصم ظهور القوم ، إذ لا يمكنهم تأويله بالمحبّة أو النصرة ، لأنّ معنى ذلك أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام يحبّ المؤمنين وينصرهم بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولو على نحو السالبة الجزئية ، أي بعض المؤمنين يحبّهم وينصرهم بعد الرسول لا في حياته ، وهذا يشهد القرآن والسنّة والتاريخ بكذبه ، لأنّ علياً كان وما زال منذ بعث النبيّ إلى يوم استشهاده ناصراً ومحبّاً للمؤمنين.

هذا عرض موجز لمفهوم الإمامة الكُلّي وشخصها الجزئي يمهّد لنا الدخول في الموضوع ، فبعد اتضاح معنى الإمامة ، وأنّها تنصيب من اللّه سبحانه ، وأنّ الإمام إمام ، تسلّم السلطة أو لا ، كما في حديث النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حقّ الحسن والحسين حيث قال : « الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا » (4).

فعلى ذلك ، لماذا رفض الإمام علي عليه السلام بيعة القوم بعد وفاة عثمان؟ مع أنّه منصّب من اللّه ، وأنّ الظرف تهيّأ للحكم والسيادة؟

الجواب : إذا رجعنا إلى الفترة التي أعقبت وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله نعرف ذلك ، فبعد أن ظهر قوله تعالى للعيان وأتضح : ( أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ

ص: 396


1- الدرّ المنثور 2 / 293.
2- المستدرك 3 / 134.
3- سلسلة الأحاديث الصحيحة 5 / 261.
4- علل الشرائع 1 / 211.

وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) (1) ، وانقلب الأمر على آل بيت النبيّ ، وصدق قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله كما يرويه علي عليه السلام حينما قال : « قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : إنّ الأُمّة ستغدر بك بعدي » (2).

فأخذها أبو بكر وابن الخطّاب من علي بن أبي طالب مدّعين الشورى ، وأنّ النبيّ لم يوصّ ، في حين عدم حضور الشورى كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار - كعلي والعباس ، وطلحة والزبير ، وعمّار وأبي ذر ، وسلمان وسعد ابن عبادة وغيرهم - فأخذ الأمر وزحزح عن علي إلى أبي بكر ، فصار الإمام بين أمرين : إمّا أن يقاتلهم على الخلافة التي هو أحقّ بها أم يصبر؟

ومن المعلوم أنّ الدخول معهم في معركة لم يكن صالحاً للإسلام ، بل يقضى عليه ، وتذهب أتعاب النبيّ وعلي خلال السنين السالفة هباءً منثوراً ، وذلك لكثرة المنافقين في المدينة وحولها.

قال اللّه تعالى : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ ... ) (3) ، وقال تعالى : ( إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ ... ) (4) ، وقال تعالى : ( وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (5).

فإذاً المبرّر لسكوت الإمام علي عليه السلام هو وجود المنافقين في المجتمع الإسلامي ، وكانوا بكثرة ، ويشكّلون قوّة لا يستهان بها ، وهم يتربّصون بالمسلمين الفلتات والزلاّت.

فلو نازع أمير المؤمنين عليه السلام القوم لكان في ذلك فرصة لهم في ضرب المجتمع الإسلامي والإسلام ، وإرجاع الناس إلى الجاهلية الأُولى ، فحفاظاً على ذلك لم

ص: 397


1- آل عمران : 144.
2- المستدرك 3 / 142 ، شرح نهج البلاغة 4 / 107 ، كنز العمّال 11 / 297 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 448 ، البداية والنهاية 6 / 244 و 7 / 360.
3- التوبة : 101.
4- المنافقون : 1.
5- التوبة : 98.

يدخل أمير المؤمنين عليه السلام مع القوم في نزاع ، وصبر على خلافة الأوّل ، وعلى خلافة الثاني ، ولم يدخل معهم في وزارة أو إمرة ، بل كان معتزلاً عنها ، ومن يدّعي أنّه تولّى أمراً ، أو استوزر من قبل الخليفة ، فهو كاذب لا مستند تاريخي له.

إلى أن وصل الأمر إلى الثالث ، وبوصولها إليه ابتعد المسلمون كثيراً عن الخطّ الذي رسمه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ووضح الشرخ المنحرف داخل المجتمع ، بخلافه على زمن الأوّل والثاني ، فإنّ الانحراف لم يكن بالمستوى الذي وصل إليه في خلافة عثمان ، لأنّ عثمان بن عفّان ولّى بني عمّه على الأمصار ، وعزل الصحابة الأخيار ، وولّى الطلقاء الذين هم من المنافقين والذين لم يسلموا ، بل استسلموا ، خوفاً على دمائهم ، لا رغبة في الإيمان.

فهؤلاء عندما ولاّهم عثمان عاثوا في الأرض الفساد ، واستعبدوا العباد ، وغيّروا السنّة ، وبدّلوا الشريعة ، فلذلك رفض أمير المؤمنين البيعة ، لأنّه لو كانت الخلافة جاءته بعد عمر لكان هناك مجال واسع لإصلاح الانحراف الذي خلّفه أبو بكر وعمر ، فلذلك دخل عليه السلام في الشورى ، الذين عيّنهم عمر.

وأمّا بعد تولّي عثمان الخلافة فإنّ الانحراف وصل إلى أوجه ، بحيث لا ينفع معه إصلاح ولا تعديل ، فلذلك رفض البيعة ، وقال لهم : افعلوا بها كما شئتم ، فكما قدّمتم الأوّل والثاني والثالث عليّ فالآن لا حاجة لي بها ، قدّموها إلى غيري ، واطلبوا لها غيري يسايرها مع هذا الانحراف ، لأنّه إذا أخذها علي عليه السلام لا تستطيعون أن تسيروا حسب ما يريد ، ولا تطيقوا تعاليمه التي هي تعاليم القرآن ، لأنّه غرس بنو أُمية في نفوسهم تعاليم الجاهلية ، وأبعدوهم عن تعاليم الإسلام ، فلذلك لا يستطيعون مسايرة الإمام وإتباعه ، وهذا ما عرفه عليه السلام من الأوّل ، فلذلك قال لهم : « دعوني والتمسوا غيري ».

وإليك هذان النصّان التاريخيان يوضّحان ما قلناه ، ويشهدان عليه :

1 - روي عن ابن عباس أنّه قال : دخلت على عمر يوماً ، فقال لي : يا ابن عباس لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتّى نحلت رياءً.

قلت : من هو؟

ص: 398

فقال : هذا ابن عمّك - يعني علياً -.

قلت : وما يقصد بالرياء أمير المؤمنين؟

قال : يرشح نفسه بين الناس للخلافة.

قلت : وما يصنع بالترشيح ، قد رشّحه لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فصرفت عنه.

قال : إنّه كان شابّاً حدثاً فاستصغرت العرب سنّه وقد كمل الآن ، ألم تعلم أنّ اللّه تعالى لم يبعث نبيّاً إلاّ بعد الأربعين.

قلت : يا أمير المؤمنين ، أمّا أهل الحجى والنهى فإنّهم مازالوا يعدّونه كاملاً منذ رفع اللّه منار الإسلام ، ولكنّهم يعدّونه محروماً محدوداً.

فقال : أمّا إنّه سيليها بعد هياط ومياط ، ثمّ تزل قدمه فيها ، ولا يقضى فيها إربة ، ولتكونن شاهداً عليه يا عبد اللّه ، ثمّ يتبيّن الصبح لذي عينين ، وتعلم العرب صحّة رأي المهاجرين الذين صرفوها عنه بادئ بدء (1).

فأنظر إلى قوله : سيليها بعد هياط ومياط ، أي : تصله مضطربة قد نخر فيها الفساد نخراً ، وانحرفت أشدّ الانحراف ، فلا يستطيع أن يصنع فيها شيء ، فلذلك ستلفظه لعدم طاقتها له.

2 - لمّا ضرب عمر بن الخطّاب ، قال الإمام لقوم من بني هاشم : « إن أطيع فيكم قومكم من قريش لم تؤمروا أبداً » ، وقال للعباس : « عدل بالأمر عنّي يا عم » - يقصد عمر بن الخطّاب - قال : وما علمك؟

قال : « قرن بي عثمان ، وقال عمر : كونوا مع الأكثر ، فإن رضي رجلان رجلاً ورجلان رجلاً ، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، فسعد - أي سعد بن أبي وقّاص - لا يخالف ابن عمّه - يعني عبد الرحمن - وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفان ، فيوليهما أحدهما الآخر ، فلو كان الآخران معي لم يغنيا شيئاً ».

ص: 399


1- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 456.

فقال العباس : لم أرفعك إلى شيء إلاّ رجعت إليّ مستأخراً بما أكره ، أشرت عليك عند مرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن تسأله عن هذا الأمر فيمن هو ، فأبيت ، وأشرت عليك عند وفاته أن تعاجل البيعة فأبيت ، وقد أشرت عليك حين سمّاك عمر في الشورى اليوم أن ترفع نفسك عنها ، ولا تدخل معهم فيها ، فأبيت ، فاحفظ عنّي واحدة ، كُلّما عرض عليك القوم الأمر فقل : لا ، إلاّ أن يولّوك ، وأعلم أنّ هؤلاء لا يبرحون يدفعونك عن هذا الأمر حتّى يقوم لك به غيرك ، وأيم اللّه لا تناله إلاّ بشر لا ينفع معه خير.

فقال علي : « أما إنّي أعلم أنّهم سيولّون عثمان ، وليحدثن البدع والأحداث ، ولئن بقى لأذكّرنّك ، وإن قتل أو مات ليتداولنها بنو أُمية بينهم ، وإن كنت حيّاً لتجدني حيث تكرهون » ، ثمّ تمثّل :

حلفت بربّ الراقصات عشية غدون خفافاً يتبدرن المحصبا ليجتلبن رهط ابن يعمر غدوة نجيعاً بنو الشداخ ورداً مصلبا (1).

فكلمة : وأيم اللّه لا تناله إلاّ بشرٍ لا ينفع معه خير ، وتداول بني أُمية لها ، هو الذي يوضّح سرّ رفض أمير المؤمنين عليه السلام للبيعة.

وأمّا التساؤل الرابع فجوابه : أتّضح جلياً أمره ، وأنّ المسألة لم تكن مسألة شجاعة وإظهار القوّة ، وإنّما مسألة بقاء الشريعة وذهابها ، فهناك كما أسلفنا المنافقون من الصحابة ، وهناك المحيطين بالمدينة من الأعراب المنافقين ، والذين يتربّصون الدوائر بالمسلمين ، ويتحينون الفرصة التي يرون ضعف المسلمين بها حتّى يقضوا عليهم ، ويرجعوهم إلى الجاهلية.

فهنا ليست الحرب مع المشركين كي يبرز لها علي عليه السلام كما برز في الحروب والغزوات ، بل هنا انحراف في داخل المجتمع ، وهنا أنفس مريضة في داخل المسلمين والمجتمع المدني ، فيحتاج التعامل معها إلى حنكة وخبرة أكثر ممّا يحتاجه من

ص: 400


1- شرح نهج البلاغة 1 / 191 و 12 / 262 ، تاريخ الأُمم والملوك 3 / 294 ، الكامل في التاريخ 3 / 68 ، تاريخ المدينة المنوّرة 3 / 925.

إبراز العضلات والضرب بالصمصام ، فلذلك لم يكن بدّاً لأمير المؤمنين عليه السلام إلاّ الصبر أمام هذا الانحراف والتنازل عن الحقّ ، مادام في ذلك حفظ بيضة الإسلام ، وبقاء كلمة لا إله إلاّ اللّه على رؤوس الأشهاد ، ولمدى الأجيال.

والإمام علي عليه السلام هو ربيب البيت النبوي ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله ربيب ربّه ، إذ اللّه الذي قام بتربيته وتأديبه ، فعلي ينتهي أدبه وتعليمه إلى اللّه تعالى ، وحاشاه أن يجبن أو يضعف ، لكن الظروف حكمته ، والمجتمع المنحرف خان به ، فلذلك لم يكن له طريق غير الصبر ، كما أشار إليه في خطبته الشقشقية : « فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا » (1).

فالمسألة تحتاج قبل الحكم عليها إلى تأمّل ودراسة ، ولا يكفي الجلوس خلف المنضدة وقراءة كتاب أو كرّاس ، ثمّ الحكم على وقائع تاريخية مرّ عليها أربعة عشر قرناً ، فإنّ العاقل الباحث لا يفعل ذلك ، بل التأمّل ودراسة الأحداث بموضوعية هو الحلّ الوحيد.

فهناك مجتمع فتي في أوّل نشأته وأوّل ظهوره بعد جاهلية عمياء طالت قروناً من الزمن ، وهذا المجتمع الناشئ فيه الكثير من المنافقين ، والذين في قلوبهم مرض ، ومن حوله من الأعداء الذين يتربّصون به السوء ، وعلي عليه السلام لا ترتضيه قريش والقبائل الحليفة بها ، لأنّه ضرب خراطيمهم حتّى اسلموا ، وهو الذي أذلّهم بعد عزّتهم ، وهو الذي قتل فرسانهم ورجالاتهم ، ففي أنفسهم عليه الأحقاد ، كما أشار عمر بن الخطّاب إلى ذلك ، فعلى ذلك لا مفرّ من ركوب أمرين لا ثالث لهما.

إمّا أن يقاتل عليه السلام على حقّه الشرعي ، وفي ذلك تحطيم للمجتمع الذي جهد النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله لبنائه طيلة (2) ( 23 ) سنة ، لأنّ المنافقين وممّن حول المدينة سيجدون في اضطراب أهل المدينة الفرصة لتحقيق أهدافهم ، التي يصبون إليها

ص: 401


1- شرح نهج البلاغة 1 / 151.
2- نفس المصدر السابق.

منذ سنين ، وبالتالي سيؤدّي ذلك إلى ذهاب الإسلام ، وذهاب الحقّ الشرعي العلوي معه.

وإمّا أن يصبر على الظلم ، ويكون بذلك حقّق شيئاً وخسر شيئاً ، حقّق بقاء الإسلام ، وأغلق الباب أمام المنافقين للانقلاب على المجتمع الإسلامي ، وخسر خلافته ومنصبه الإلهي الذي كان به يحمل الناس على طاعة اللّه تعالى.

فالطريق الثاني - وهو الصبر - أولى ، لأنّ فيه بقاء الإسلام الذي نافح وكافح علي عليه السلام طيلة حياته في تشييد دعائمه وإقامة أركانه ، خلافاً للطريق الأوّل - وهو القيام والمطالبة بالحقّ - فإنّ في ذلك هدم الإسلام ، وفتح الباب للمنافقين وغيرهم لضرب المجتمع الإسلامي ، وهذا ما يكون فيه الوبال على الإسلام والمسلمين ، الذين منهم علي عليه السلام ، فلذلك قال : « فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى » (1) ، أي الصبر على غصب الخلافة ، وتحمّل الظلم أرجح عقلياً ، وأشدّ صواباً.

( سامي عبد اللّه ، اليمن - زيدي - 20 سنة - طالب دراسات عليا )

بحديث صحيح السند :

س : إذا كان هناك نصّاً من النبيّ على الاثني عشر بأسمائهم فأعطونيه ، ولو من كتبكم ، ولو نصّاً واحداً ، بشرط أن يكون من الكتب والمصادر التي كتبت قبل عصر الغيبة ، وشكراً.

ج : قد صنّف غير واحد من أصحاب الأئمّة عليهم السلام كتاباً في الأئمّة ، وفي خصوص الثاني عشر المهدي وغيبته - على أساس الروايات والأخبار الواردة - وقد وصلنا بعض تلك الكتب ، ومنها كتاب الفضل بن شاذان النيسابوري من أصحاب الإمامين الرضا والجواد عليهما السلام ، واسمه كتاب الغيبة ، وإليك نصّ روايةٍ واحدةٍ من رواياته الصحيحة :

الفضل بن شاذان ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة الثمالي.

ص: 402


1- كمال الدين وتمام النعمة : 409.

وعن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنّه قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لما عرج بي إلى السماء بلغت سدرة المنتهى ناداني ربّي جلّ جلاله فقال : يا محمّد ، فقلت : لبيك لبيك يا ربّ.

قال : ما أرسلت رسولاً فانقضت أيّامه إلاّ أقام بالأمر بعده وصيّه ، فأنا جعلت علي بن أبي طالب خليفتك وإمام أُمّتك ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ علي بن موسى الرضا ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ علي بن محمّد ، ثمّ الحسن بن علي ، ثمّ الحجّة بن الحسن.

يا محمّد ، ارفع رأسك ، فرفعت رأسي ، فإذا بأنوار علي والحسن والحسين ، وتسعة أولاد الحسين ، والحجّة في وسطهم يتلألأ كأنّه كوكب درّي.

فقال اللّه تعالى : يا محمّد ، هؤلاء خلفائي وحججي في الأرض ، وخلفاؤك وأوصياؤك من بعدك ، فطوبى لمن أحبّهم ، والويل لمن أبغضهم ».

( عبد اللّه أحمد حمادي - اليمن - .... )

إشكالات حوله وردّها :

س : هناك بعض الإشكالات آملاً منكم الردّ عليها ، وهي كالتالي :

1 - مع وجود نصّ مشهور ينصّ على أسماء الأئمّة ، لماذا وكيف كان أصحاب الإمام من الخواص يسألونه من بعدك؟ فيجيبهم باسم الذي بعده؟

2 - كيف جهلت الشيعة وأبو الأديان خادم الحسن العسكري ، والنفر الذين قدموا من قم ، أنّ جعفر ليس هو الإمام ، إذ أنّهم عزّوه وهنّأوه بالإمامة ، ثمّ عرفوا عدم استحقاقه فيها بعد ، مع وجود نصوص تنصّ على أسماء الأئمّة ، وعلى اسم الإمام الذي بعد الحسن العسكري؟

3 - لماذا يدعو الإمام شهوداً ليعرفوا إلى من أوصى؟ مع وجود نصوص تنصّ على أسماء الأئمّة؟ ومع أنّ الإمام الذي بعده يستطيع أن يقيم معجزته أو يظهر علم الغيب ، إذا ما أحد أنكر إمامته ، أو يثبت له تواتر الحديث الذي ينصّ على أسماء الأئمّة؟

ص: 403

ج : إنّ الأئمّة عليهم السلام لا يكتفون في الاستدلال على إمامتهم بطريق واحد ، بل يلجأون إلى كُلّ طريقة تنفع لإثبات حقّهم ، من اشهاد الشهود ، أو الاستدلال بالأحاديث التي وردت عن آبائهم المعصومين ، أو إظهار المعجزة إن اضطرّه الموقف لذلك ، وهذا يختلف باختلاف الناس ومراتبهم وعلمهم ، فهم يكلّمون الناس على قدر عقولهم.

أمّا النصوص الوارد بأسماء الأئمّة جميعاً ، فهي نصوص كانت تتداول عند مجموعة من الرواة ، ولا يخفى ما يتعرّض له الراوي عن الأئمّة من الخوف والمطاردة والمحاسبة من قبل حكّام تلك العصور ، وحتّى لو كان هؤلاء الرواة يسعون إلى نشرها ، فإنّها لا يمكن أن تصل إلى أكثر من مجموعة قليلة من الناس ، بحسب الظروف في ذلك الزمان ، وتبقى الفئة الكبيرة من الناس تطلب معرفة الإمام من الإمام الذي قبله.

كما إنّ كثيراً من رواة الحديث كانوا يعرضون ما عندهم من الروايات عن إمام سابق على الإمام اللاحق ، ويسألونه عن روايات هي موجودة عندهم ، وذلك ليتأكّدوا من صحّتها أو عدم حصول البداء فيها.

أمّا ما يتعلّق بالشهود ، فهو بالإضافة إلى ما ذكر من أنّه طريق لزيادة بصيرة ومعرفة الناس بالإمام ، هو لإتمام الحجّة على الناس ، لأنّ الإمام يعلم أنّ بعضهم سوف ينحرف عن الحقّ.

فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن الحسن بن علي عليهما السلام يقول : « كأنّي بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف منّي ... ، أما إنّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلاّ من عصمه اللّه عزّ وجلّ » (1) ، وليس هذا بالغريب ، فالنبيّ صلى اللّه عليه وآله مع كثرة النصوص التي قالها في حقّ الإمام علي عليه السلام تراه يُشهد الأُمّة كاملة في يوم الغدير بالنصّ على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام.

ص: 404


1- ثواب الأعمال وعقابها : 90.

النصب والنواصب :

اشارة

( ... - ... - ..... )

معنى الناصبي :

س : من أنكر حقّ من حقوق أمير المؤمنين عليه السلام ، هل يعتبر ناصبياً؟ حتّى وإن لم يكن من المعلنين لعداوة أهل البيت عليهم السلام؟

ج : إنّ الناصبي هو من ثبت عداؤه لأهل البيت عليهم السلام بالقول أو الفعل ، بشكل مباشر أو غير مباشر ، أمّا من ودّهم ولم يتّبع طريقتهم الفقهية والعقائدية ، ولكن لا يظهر لهم العداء ، لا يعتبر ناصبيّاً بالاصطلاح.

ولكن ربّ إنسان يدّعي المودّة لأهل البيت عليهم السلام ، ولكن يحارب منهجهم وطريقتهم وأتباعهم ، فهذا ناصبي وإن ادّعى المودّة لهم.

( محمّد علي الشحي - الإمارات - سنّي - 18 سنة - طالب جامعة )

معنى العامّة ومعنى النواصب :

س : هناك فئة من الناس تسمّونهم العامّة أو النواصب ، فمن هؤلاء؟

ج : إنّ العامّة الذين يطلق عليهم هذا المصطلح هم من يتعاملون مع الأُمور دون عمق ، وبشكل سطحي ساذج ، أي غير عميقين في تفكيرهم ، وغير دقيقين في معرفتهم للواقع ، ويتعاملون مع كثيرٍ من المعطيات بشكل بسيط غير واقعي ولا حصيف ، مع أنّ الواقع أمامهم غير خفي ، والشواهد كثيرة غير قليلة ، ومع

ص: 405

ذلك فهم يتعاملون مع هذه الأُمور بشكل بسيط لا يوصلهم إلى حقائق الأُمور ووقائعها ، ويأخذون كُلّ ما قيل ويقال دون تحكّم العقل والبرهان.

أمّا النواصب : فهم الذين ينصبون العداء لآل محمّد عليهم السلام ، أي يبغضون علي ابن أبي طالب وأولاده ، ويحاولون أن يتربّصوا بهم وبشيعتهم كُلّ سوء ، وهذا لا ينطبق على مسلم يقرّ لله بالوحدانية وللنبي بالشهادة ، وهو مع ذلك يبغض آل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

أعاذنا اللّه وإيّاكم من هؤلاء الذين نصبوا العداء لله ولرسوله ، ولآل بيت النبيّ الأطهار عليهم السلام ، ووفّقنا وإيّاكم لحبّهم والالتزام بنهجهم.

( نجيب العجمي - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

النواصب كفّار وإن صلّوا وصاموا :

س : عندي استفسار عن مدى صحّة الروايات التالية :

1 - عن علي بن أسباط يرفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « إنّ اللّه تبارك وتعالى يبدأ بالنظر إلى زوّار قبر الحسين بن علي عليهما السلام عشية عرفة » ، قال : قلت : قبل نظره إلى أهل الموقف؟ قال : « نعم » , قلت : وكيف ذاك؟ قال : « لأنّ في أُولئك أولاد زنى ، وليس في هؤلاء أولاد الزنا » (1) ، سبحان اللّه كُلّ الناس أولاد زنا؟

2 - عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت : إنّ بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم؟ فقال لي : « الكفّ عنهم أجمل » ، ثمّ قال : « واللّه يا أبا حمزة ، إنّ الناس كُلّهم أولاد بغايا ما خلا شعيتنا » (2).

3 - جاء في الأنوار النعمانية : روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « أنّ علامة النواصب تقديم غير علي عليه » ... ويؤيّد هذا المعنى : أنّ الأئمّة عليهم السلام وخواصّهم أطلقوا لفظ

ص: 406


1- الكافي 8 / 285.
2- الأنوار النعمانية 2 / 307.

الناصبي على أبي حنيفة وأمثاله ، مع أنّ أبا حنيفة لم يكن ممّن نصب العدواة لأهل البيت عليهم السلام ، بل كان له انقطاع إليهم ، وكان يظهر لهم التودّد ....

الثاني : في جواز قتلهم واستباحة أموالهم - يعني بالنواصب أهل السنّة - (1).

4 - جاء في نور البراهين : وأمّا طوائف أهل الخلاف على هذه الفرقة الإمامية ، فالنصوص متضافرة في الدلالة على أنّهم مخلّدون في النار ....

وروى المحقّق الحلّي في آخر السرائر مسنداً إلى محمّد بن عيسى قال : « كتبت إليه أسأله عن الناصب ، هل أحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت ، واعتقاد إمامتهما؟ - والمقصود بالجبت والطاغوت هما أبا بكر وعمر - فرجع ج : من كان على هذا فهو ناصب » (2).

الجواب : فقد ذكرت أربعة كتب رأيت فيها ما استفزّك حين أشكل عليك أمر ما رأيت ، ولعلّك ظننت أنّ كُلّ كتاب ما ضمّ بين دفتيه هو حقّ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وليس الأمر كذلك ، فكُلّ كتاب تراه لشيعي أو سنّي أو غيرهما ، يُؤخذ منه ويُقبل ما فيه إذا لم يعارض كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى اللّه عليه وآله.

ولمّا كان كتاب اللّه تعالى ثابتاً بالتواتر عند جميع المسلمين ، فلسنا بحاجة إلى بحث ثبوته ، ولكن سنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم ترد كذلك ، بل نقلت أحاديثها عن طريق الإسناد ، وفي رجاله ربما كان من لا تُقبل روايته ، لجهة من جهات الرفض المذكورة في كتب الدراية وغيرها ، لذلك يلزمنا النظر في رجال السند أوّلاً ، فإن سلّم نظرنا إلى المتن لئلا يكون معارضاً لما صحّ وثبت من كتاب اللّه تعالى ، أو لضروري من ضروريات العقيدة الإسلامية ، ممّا أجمع عليه المسلمون ، لأنّ الحديث النبوي الشريف تعرّض لدخيل فيه أباطيل ، وكذلك ما ورد عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

لذلك كان الشيعة أقوم قيلاً حين أخضعوا جميع الأحاديث والأخبار للنظر سنداً ومتناً ، بخلاف أهل السنّة الذين أطّروا بعض الكتب الحديثية - كصحيح

ص: 407


1- نور البراهين 1 / 57.
2- مقدّمة فتح الباري : 9.

البخاري ومسلم وغيرهما - بما جاوز الحدّ ، حتّى غلوا في صحيح البخاري ، فقالوا : أنّه أصحّ كتاب بعد كتاب اللّه ، وأنّ من روى عنه البخاري فقد جاز القنطرة ، ونحو ذلك في غيره من كتب الصحاح عندهم ، وهذا ما جعلهم في حيرة حين وجدوا في البخاري ومسلم - فضلاً عن غيرهما - رجالاً ليسوا بأهل للرواية عنهم.

وعليك أن تراجع مقدّمة فتح الباري لابن حجر لتجد أنّ المتكلّم فيه بالضعف من رجال البخاري ثمانون رجلاً ، والمتكلّم فيه بالضعف من رجال مسلم مئة وستّون رجلاً (1).

أمّا الشيعة فقد قالوا : سائر الكتب - ما عدا القرآن الكريم - تخضع للفحص ، فما وافق كتاب اللّه تعالى فهو حقّ ، وما خالف فهو زخرف يضرب به عرض الجدار ، فإذا عرفت فلنذكر لك ما اشتبه عليك علمه ، وغلب عليك وهمه.

1 - ما ذكرته عن علي بن أسباط ، ففي سنده انقطاع ، وهو ما يسمّى بالمعضَل ، وجهالة الرواة فيما بين علي بن أسباط وبين أبي عبد اللّه عليه السلام ، وهذا كاف في ردّه وعدم حجّيته ، ومع الإغماض عمّا في سنده ، فالمراد أُولئك الذين لم يأتوا بواجبات الحجّ كاملاً ، لأنّ من واجباته طواف النساء ، ومن لم يأت به حرمت عليه النساء ، وبعض المذاهب لا يرون للحجّاج الإتيان به ، لذلك كانت مباشرتهم لنسائهم حرام ، ومن ولد من نكاح حرام فهو ولد زنا ، فهذا معنى قوله عليه السلام على تقدير صحّة الرواية سنداً.

وممّا ينبغي التنبيه عليه في المقام ، أنّ لعلي بن أسباط كتاب نوادر ، وكتبالنوادر أقلّ مرتبة في القبول من غيرها ، لأنّ ما يذكر في أبواب النوادر لا يعتمد عليه كما سيأتي مزيد بيان عن ذلك في آخر الأجوبة ، وأخيراً لاحظ كتاب الخلاف للطوسي قدس سره حول طواف النساء ووجوبه عندنا.

ص: 408


1- مجمع الزوائد 9 / 172.

2 - ما ذكرته عن أبي حمزة ففي سنده مجهولان ، وهما : علي بن العباس والحسن بن عبد الرحمن ، وهذا يكفي في سقوط الاستدلال بالخبر ، ولو أغمضنا عن ذلك ورجعنا إلى المتن لوجدنا بقية الخبر ولم تذكره ، فيه بيان وتفسير لما استنكرت ، والخبر بنصّه كما في المصدر.

عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت : إنّ بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم؟ فقال لي : « الكفّ عنهم أجمل » ، ثمّ قال : « واللّه يا أبا حمزة ، إنّ الناس كُلّهم أولاد بغايا ما خلا شعيتنا » ، قلت : كيف لي بالمخرج من هذا؟

فقال لي : « يا أبا حمزة كتاب اللّه المنزل يدلّ عليه ، أنّ اللّه تبارك وتعالى جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء ، ثمّ قال عزّ وجلّ : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) ، فنحن أصحاب الخمس والفيء ، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا.

واللّه يا أبا حمزة ، ما من أرض تفتح ولا خمس يخمّس فيضرب على شيء منه إلاّ كان حراماً على من يصيبه فرجاً كان أو مالاً ، ولو قد ظهر الحقّ لقد بيع الرجل الكريمة عليه نفسه فيمن لا يزيد ، حتّى أنّ الرجل منهم ليفتدي بجميع ماله ويطلب النجاة لنفسه ، فلا يصل إلى شيء من ذلك ، وقد أخرجونا وشيعتنا من حقّنا ذلك بلا عذر ولا حقّ ولا حجّة ».

3 - وما ذكرته عن الأنوار النعمانية ، فأوّل ما فيه أنّ النبوي المذكور مرسل ، فلا ندري من رواه ، وعمّن رواه ، لنعرف الحال في أُولئك الرجال ، والذي ذكره بعده فهو من اجتهاد المؤلّف ، فلا يعبّر إلاّ عن رأيه الشخصي ، ولا يلزمنا ذلك بشيء ، إذ لسنا مقلّدين له ، ورأيه كآراء غيره من الناس فمن ارتضاه قبله ، ومن لم يقبله رفضه.

4 - وما ذكرته عن نور البراهين ، فإنّ مؤلّفه هو مؤلّف الأنوار النعمانية ، وللرجل اجتهادات شخصية لسنا ملزمين بها ، وما نقله عن المحقّق الحلّي في آخر

ص: 409

السرائر ، فإنّ آخر السرائر هو باب النوادر ، ممّا استطرفه من كتب الآخرين ، فهو لا يعني التزامه بصحّة ما فيه كما صرّح بذلك في كتاب السرائر ، وإنّ ما يوجد في باب النوادر لا يعمل به.

هذا باختصار جواب ما ذكرته عن تلك الكتب ، والآن لزيادة الإيضاح والإفصاح كيلا تستوحش من وصف النواصب بالكفر ، أذكر لك جملة أحاديث نبوية مذكورة في مصادرها السنّية :

1 - أخرج الهيثمي عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال : خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فسمعته وهو يقول : « أيّها الناس من أبغضنا أهل البيت حشره اللّه يوم القيامة يهودياً » ، فقلت : يا رسول اللّه وإن صام وصلّى؟

قال : « وإن صلّى وصام ، وزعم أنّه مسلم ، احتجر بذلك من سفك دمه ، وأن يؤدّي الجزية عن يد وهم صاغرون ، مثل لي أمّتي في الطين ، فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي وشيعته » رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه : من لم أعرفهم (1).

أقول : لماذا لم يذكرهم؟ لئلا يوجد من يعرفهم.

2 - أخرج الحاكم بإسناده عن ابن عباس : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « يا بني عبد المطلب ، إنّي سألت اللّه لكم ثلاثاً ، أن يثبّت قائمكم ، وأن يهدي ضالّكم ، وأن يعلّم جاهلكم ، وسألت اللّه أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء ، فلو أنّ رجلاً صفن بين الركن والمقام فصلّى وصام ، ثمّ لقى اللّه وهو مبغض لأهل بيت محمّد دخل النار » ، هذا حديث حسن صحيح على شرط مسلم (2).

ورواه الطبري في ذخائر العقبى ، وابن أبي عاصم في كتاب السنّة ، والطبراني في المعجم الكبير ، والمتّقي الهندي في كنز العمّال وغيرهم.

ص: 410


1- المستدرك 3 / 148.
2- الكشف والبيان 8 / 214 ، الجامع لأحكام القرآن 16 / 23 ، تفسير الثعالبي 5 / 157 ، التفسير الكبير 9 / 595 ، أحكام القرآن لابن العربي 2 / 219.

3 - قال صلى اللّه عليه وآله : « من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ، ثمّ منكراً ونكيراً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل اللّه زوّار قبره ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان إلى الجنّة ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة اللّه ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد مات كافراً ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنّة » (1).

قال الفخر الرازي : « آل محمّد صلى اللّه عليه وآله هم الذين يؤول أمرهم إليه ، فكُلّ من كان أمرهم إليه أشدّ وأكمل كانوا هم الآل ، ولاشكّ أنّ فاطمة وعلياً والحسن والحسين كان التعلّق بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أشدّ التعلّقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل » (2).

فبعد هذا عليك أن تميّز بين المحبّ لهم والمبغض لهم ، فالمحبّ مؤمن والمبغض كافر كما مرّ في الحديث ، فعلى هذا كان عدّ النواصب كفّاراً ، وإن صلّوا وصاموا كما مرّ في الحديث الأوّل ، ولو راجعت معاجم اللغة تجد تعريفهم بأنّهم قوم يبغضون الإمام علي عليه السلام.

قال الفيروز آبادي الشافعي : « والنواصب والناصبية وأهل النصب : المتدينون ببغضة علي ، لأنّهم نصبوا له ، أي عادوه ».

إذاً ، فالميزان هو بغض الإمام في علامة النصب ، فأينما مبغض فهو ناصبي ، وهو كافر بنصّ ما سبق في الحديث : « ألا ومن مات على بغض آل محمّد مات

ص: 411


1- التفسير الكبير 9 / 595.
2- القاموس المحيط 1 / 123.

كافراً » ، مضافاً إلى ما ورد من أحاديث نبوية في علي خاصّة ، نحو قوله صلى اللّه عليه وآله : « من أحبّ علياً فقد أحبّني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني » (1).

ونحو قوله صلى اللّه عليه وآله : « لا يحبّ علياً إلاّ مؤمن ، ولا يبغضه إلاّ منافق » (2) ، إلى غير ذلك ممّا يطول بيانه.

ص: 412


1- ذخائر العقبى : 65 ، المستدرك 3 / 130 ، مجمع الزوائد 9 / 132 ، المعجم الكبير 23 / 380 ، الجامع الصغير 2 / 554 ، كنز العمّال 11 / 601 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 270 ، الصواعق المحرقة 2 / 360 ، الجوهرة : 66 ، الوافي بالوفيات 21 / 179 ، جواهر المطالب 1 / 63 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 293.
2- المعجم الكبير 23 / 375 ، كنز العمّال 11 / 622 ، تهذيب الكمال 15 / 233 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 295 ، ينابيع المودّة 2 / 85 و 274.

النكاح :

اشارة

( عقيل أحمد جاسم - البحرين - 32 سنة - بكالوريوس )

جواز التمتّع بالزوجة الرضيعة :

س : أسألكم عن فتوى الإمام الخميني حول جواز التمتّع بالرضيعة؟

ج : لابأس أن نذكر بعض النقاط لها صلة بالجواب :

1 - لا مجال للعقل باستقلاله عن الشرع أن يكون ميزاناً لمعرفة الأحكام الشرعية ، فكم من حكم شرعي لا يتطابق - ظاهراً وفي بدو النظر - مع الحكم العقلي ، فهل ينتفي الحكم الشرعي بمجرّد هذا التباين الظاهري؟!

2 - إنّ كلام القائل في المقام هو بصدد نفي المواقعة مع الزوجة الصغيرة ، ولو أنّه أجاز سائر الاستمتاعات ؛ وعليه فتنويع الاستمتاعات لا يدلّ على تجويزها في كافّة الموارد ، بل إنّ الأمر يدور مدار المورد ونوع الاستمتاع ، فمثلاً : اللّمس والضمّ قد يكون جائزاً بالنسبة حتّى للرضيعة ، وأمّا التفخيذ فيكون مثالاً للاستمتاع بالصغيرة التي تكون قريبة عن البلوغ ، وقابلةً لهذه الكيفية من الاستمتاع.

3 - الأحكام الفرعية تكون دائماً قابلة للأخذ والردّ ولا حرج فيه ، وهذا لا يعني المساس بالعقيدة وأصل المذهب - إلاّ عند أهل العقد والأهواء - خصوصاً إذا كان حكماً يختصّ بشخصٍ دون آخر ، فهذا لا يعني إجماع الطائفة عليه حتّى يكون مورداً للإشكال والنقض كما هو الحال في المقام ، إذ أنّ للعلماء آراء أُخر تطلب من رسائلهم العملية.

ص: 413

4 - لابأس في هذا المجال أن يراجع إلى فتاوى أهل السنّة ، فإنّ لبعضهم في هذه المسألة أحكاماً تفوق رأي ذلك القائل ؛ وفي سبيل المثال نذكر في هذه العجالة بعض ما ذكروه : فإن كانت صغيرة جاز للأب تزويجها بغير إذنها بغير خلاف (1) ، وذكر موضوع مسألة اعتداد الصغيرة (2) ، فما سبب عدّة الصغيرة غير الدخول؟!

ويصرّح في مقام آخر بموضوع : وقت زفاف الصغيرة المزوّجة والدخول بها ... قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة : حدّ ذلك أن تطيق الجماع ، ويختلف ذلك باختلافهنّ ، ولا يضبط بسنّ ، وهذا هو الصحيح (3).

فنرى أنّ الشافعي ومالك وأبا حنيفة يعلّقون الاستمتاع في المسألة - وهو الجماع - على حالة طاقتها ، ثمّ ما المانع عقلاً من اطّراد هذه الكيفية من الاستدلال في سائر الاستمتاعات في مطلق الصغيرة حتّى الرضيعة؟!

( علي الهندي - ... - ..... )

تعقيب على الجواب السابق :

مسألة جواز الزواج من الصغيرة من المسائل المتّفق عليها بين الشيعة والسنّة ، إلاّ بعض السنّة وهم : ابن شبرمة وأبو بكر الأصم ، وعثمان البتّي ، وهذا ما نبيّنه لك ضمن نقطتين هما :

الأُولى : في تعريف الزواج شرعاً : هو عقد يتضمّن إباحة الاستمتاع بالمرأة بالوطء والمباشرة والتقبيل والضمّ وغير ذلك ، إذا كانت المرأة غير محرم بنسب أو رضاع أو صهر.

ملاحظة : لم يؤخذ في التعريف قيد البلوغ.

ص: 414


1- المجموع شرح المهذّب 16 / 168.
2- المصدر السابق 19 / 330.
3- شرح مسلم 9 / 206.

أو هو عقد وضعه الشارع ليفيد ملك استمتاع الرجل بالمرأة ، وحلّ استمتاع المرأة بالرجل.

وعرّفه الحنفية بقولهم : عقد يفيد ملك المتعة قصداً ، أي حلّ استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع في نكاحها مانع شرعي بالقصد المباشر ، فخرج بكلمة المرأة الذكر والخنثى المشكل لجواز ذكوريته ، وخرج بقوله : لم يمنع من نكاحها مانع شرعي ، المرأة الوثنية والمحارم والجنّية وإنسان الماء لاختلاف الجنس.

ملاحظة : هنا أيضاً لم يلاحظ من المستثنيات الصغيرة.

قال الدكتور وهبة الزحيلي : « والنكاح عند الفقهاء ومنهم مشايخ المذاهب الأربعة : حقيقة في العقد مجاز في الوطء ، لأنّه المشهور في القرآن والأخبار ، وقد قال الزمخشري - وهو من علماء الحنفية - : ليس في الكتاب لفظ النكاح بمعنى الوطء إلاّ قوله تعالى : ( حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ) (1) لخبر الصحيحين حتّى تذوقي عسيلته ، فالمراد به العقد ، والوطء مستفاد من هذا الخبر » (2).

من هذه المقدّمة نفهم : أنّ العقد يبيح للرجل جميع الاستمتاعات خرج منها : الدخول بالمرأة لدليل خاصّ به ، فتبقى جميع الاستمتاعات تحت عموم جواز الاستمتاع ، وهذا الأمر لا يختلف فيه الفقهاء من الشيعة والسنّة كما قلت.

يبقى السؤال التالي : هل يجوز زواج الصغيرة؟ أو العقد على غير البالغة؟ هذا ما نبحثه في النقطة الثانية.

لقد عقد الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه « الفقه الإسلامي » تحت عنوان : الأهلية والولاية والوكالة في الزواج ، وفيه مباحث ثلاثة :

المبحث الأوّل : أهلية الزوجين : يرى ابن شبرمة وأبو بكر وعثمان البتّي أنّه لا يزوّج الصغير والصغيرة حتّى يبلغا لقوله تعالى : ( حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ ) (3) ، فلو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا فائدة ، ولأنّه لا حاجة بهما إلى

ص: 415


1- البقرة : 230.
2- أُنظر : الفقه الإسلامي وأدلّته 7 / 30.
3- النساء : 6.

النكاح ، ورأى ابن حزم أنّه يجوز تزويج الصغيرة عملاً بالآثار المروية في ذلك (1).

ولم يشترط جمهور الفقهاء لانعقاد الزواج : البلوغ والعقل ، وقالوا بصحّة الزواج الصغير والمجنون.

الصغر : أمّا الصغر ، فقال الجمهور - منهم أئمّة المذاهب الأربعة - : بل ادعى ابن المنذر الإجماع على جواز تزويج الصغيرة من كفء ، واستدلّوا عليه بما يأتي (2) :

1 - بيان عدّة الصغيرة : وهي ثلاثة أشهر في قوله تعالى : ( وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ ) (3) ، فإنّه تعالى حدّد عدّة الصغيرة التي لم تحض بثلاثة أشهر كاليائسة ، ولا تكون العدّة إلاّ بعد زواج وفراق ، فدلّ النصّ على أنّها تزوّج وتطلّق ولا إذن لها.

2 - الأمر بنكاح الإناث في قوله تعالى : ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ ) (4) ، والأيم : الأنثى التي لا زوج لها ، صغيرة كانت أو كبيرة.

3 - زواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعائشة وهي صغيرة ، فإنّها قالت : تزوّجني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأنا ابنة ست ... ودخل بي وأنا ابنة تسع (5) ، وفي رواية : تزوّجها وهي بنت سبع سنين ، وزفّت إليه وهي بنت تسع سنين (6).

4 - آثار عن الصحابة : فقد زوّج علي ابنته أُمّ كلثوم وهي صغيرة من عروق بن الزبير ، وزوّج عروة بن الزبير بنت أخيه من ابن أخيه وهما صغيران ، ووهب رجل ابنته الصغيرة لعبد اللّه بن الحسن بن علي ، فأجاز ذلك علي ، وزوّجت امرأة ابن

ص: 416


1- المحلّى 9 / 458.
2- أُنظر : المبسوط للسرخسي 4 / 212 ، بدائع الصنائع 2 / 240 ، مغني المحتاج 3 / 168.
3- الطلاق : 4.
4- النور : 32.
5- صحيح البخاري 6 / 139 ، مسند أحمد 6 / 118. السنن الكبرى للبيهقي 7 / 148.
6- أُنظر : مسند أحمد 6 / 280 ، سنن أبي داود 1 / 471 و 2 / 463 ، مسند أبي يعلى 8 / 74 ، المعجم الكبير 23 / 21.

مسعود بنتاً لها صغيرة لابن المسيّب بن نخبة ، فأجاز ذلك زوّجها عبد اللّه بن مسعود.

5 - قد تكون هناك مصلحة بتزويج الصغار ، ويجد الأب الكف ء فلا يفوت إلى وقت البلوغ.

من الذي يزوّج الصغار؟ وأُختلف الجمهور القائلون بجواز تزويج الصغار فيمن يزوّجهم؟

فقال المالكية والحنابلة (1) : ليس لغير الأب أو وصيّه أو الحاكم تزويج الصغار ، لتوافر شفقة الأب وصدق رغبته في تحقيق مصلحة ولده ، والحاكم ووصي الأب كالأب ، لأنّه لا نظر لغير هؤلاء في مال الصغار ومصالحهم المتعلّقة بهم ، ولقوله صلى اللّه عليه وآله : « تستأمر اليتيمة في نفسها ، وإن سكتت فهو إذنها ، وإن أبت فلا جواز عليها » (2).

وروي عن ابن عمر أن قدامة بن مظعون زوّج ابن عمر ابنة أخيه عثمان ، فرفع ذلك إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله فقال : « هي يتيمة ولا تنكح إلاّ بإذنها » (3).

واليتيمة : هي الصغيرة التي مات أبوها لحديث : « لا يتم بعد احتلام » (4) ، فدلّ الحديث على أنّ الأب وحده هو الذي يملك تزويج الصغار.

وقالت الحنفية (5) : يجوز للأب والجدّ ولغيرهما من العصبات تزويج الصغير والصغيرة لقوله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى ) (6) أي في نكاح اليتامى ، أي إذا كان خوف من ظلم اليتامى ، فالآية تأمر الأولياء بتزويج اليتامى.

وأجاز أبو حنيفة في رواية عنه خلافاً للصاحبين لغير العصبات من قرابة الرحم كالأُم والأُخت والخالة تزويج الصغار أن لم يكن ثمّة عصبة ، ودليله عموم

ص: 417


1- أُنظر : المغني لابن قدامة 7 / 382.
2- مسند أحمد 2 / 259 و 475 ، سنن أبي داود 1 / 465 ، الجامع الكبير 2 / 288.
3- أُنظر : السنن الكبرى للبيهقي 7 / 113 ، مجمع الزوائد 4 / 280.
4- سنن أبي داود 1 / 657 ، السنن الكبرى للبيهقي 6 / 57.
5- المغني لابن قدامة 7 / 382 ، سبل السلام 3 / 120.
6- النساء : 3.

قوله تعالى : ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ ) من غير تفرقة بين العصبات وغيرهم.

وقالت الشافعية (1) : ليس لغير الأب والجدّ تزويج الصغير والصغيرة في حقّ الأب للآثار المروية فيه ، فبقي ما سواه على أصل القياس ، والحنابلة رأوا أنّ الأحاديث مقصورة على الأب ، والشافعية استدلوا بالأحاديث ، لكنّهم قاسوا الجدّ على الأب ، والحنفية أخذوا بعموم الآيات القرآنية التي تأمر الأولياء بتزويج اليتامى ، أو بتزويجهن من غيرهم.

وقد أشترط أبو يوسف ومحمّد في تزويج الصغار الكفاءة ومهر المثل ، لأنّ الولاية للمصلحة ، ولا مصلحة في التزويج من غير كف ء ولا مهر مثل ، وكذلك اشترط الشافعية في تزويج الأب الصغيرة أو الكبيرة بغير إذنها شروطاً سبعة ، وهي :

الأوّل : ألا يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة.

الثاني : أن يزوّجها من كف ء.

الثالث : أن يزوّجها بمهر مثلها.

الرابع : أن يكون من نقد البلد.

الخامس : ألا يكون الزوج معسراً بالمهر.

السادس : ألا يزوّجها بمن تتضرّر بمعاشرته كأعمى وشيخ هرم.

السابع : ألا يكون قد وجب عليها الحجّ ، فإنّ الزوج قد يمنعها لكون الحجّ على التراخي ، ولها عوض في تعجيل براءتها ، ويجوز أن يزوّج الصغير أكثر من واحدة.

وأجاز المالكية للأب تزويج البكر الصغيرة ، ولو بدون صداق المثل ، ولو لأقلّ حال منها ، أو لقبيح منظر ، وتزوّج البالغ بإذنها ، إلاّ اليتيمة الصغيرة التي بلغت عشر سنين ، فتزوّج بعد استشارة القاضي على أن يكون الزواج بكف ء وبمهر المثل.

ص: 418


1- مغني المحتاج 3 / 149.

ورأى الحنابلة : أن يزوّج الأب ابنه الصغير أو المجنون بمهر المثل وغيره ولو كرهاً ، لأنّ للأب تزويج ابنته البكر بدون صداق مثلها ، وهذا مثله ، فإنّه قد يرى المصلحة في تزويجه ، فجاز له بذل المال فيه كمداواته فهذا أولى ، وإذا زوّج الأب ابنه الصغير ، فيزوجه بامرأة واحدة لحصول الغرض بها ، وله تزويجه بأكثر من واحدة إن رأى فيه مصلحة.

وضعّف بعض الحنابلة هذا ، إذ ليس فيه مصلحة بل مفسدة ، وصوّب أنّه لا يزوّجه أكثر من واحدة ، أمّا الوصي لا يزوّجه أكثر بلا خلاف لأنّه تزويج لحاجة ، والكفاية تحصل به ، إلاّ أن تكون غائبة أو صغيرة أو طفلة وبه حاجة ، فيجوز أن يزوّجه ثانية.

وهذه بعض المستندات الروائية وغيرها عندنا نحن الإمامية : ففي الحديث قال عبد اللّه بن الصلت : سألت أبا الحسن عن الجارية الصغيرة يزوّجها أبوها ألها أمر إذا بلغت؟ قال : « لا ليس لها من أبيها أمر » (1).

وسأل محمّد بن إسماعيل بن بزيع الرضا عليه السلام عن الصبية يزوّجها أبوها ثمّ يموت وهي صغيرة ، ثمّ تكبر قبل أن يدخل بها زوجها ، أيجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال : « يجوز عليها تزويج أبيها » (2).

وجواز النكاح مشروطاً بإذن أبيها متّفق بين الفقهاء ، إلاّ أنّهم اختلفوا في جوازه بإذن الجدّ للأب ، وفي جواز ردّها وفسخها بعد البلوغ ، فيقول الشيخ الطوسي قدس سره : « يجوز للرجل أن يعقد على بنته إذا كانت صغيرة لم تبلغ مبلغ النساء من غير استيذان لها ، ومتى عقد عليها لم يكن لها خيار وإن بلغت » (3).

ويقول ابن زهرة قدس سره : « والولاية التي يجوز معها تزويج غير البالغ - سواء كانت بكراً أو قد ذهبت بكارتها بزوج أو غيره ... - مختصة بأبيها وجدّها له في حياته » (4).

ص: 419


1- الكافي 5 / 394.
2- من لا يحضره الفقيه 3 / 395.
3- النهاية للشيخ الطوسي : 464.
4- غنية النزوع : 342.

وقال ابن حمزة قدس سره : « الذي بيده عقدة النكاح أربعة : ... والأب والجدّ مع وجود الأب إذا كانت طفلة ، أو بالغة غير رشيدة ... ومن يعقد عليها : حرّة وأمة ، والحرّة بالغة ، وطفل ، والبالغة رشيدة ... » (1).

وقال المحقّق الحلّي قدس سره : « وتثبت ولاية الأب والجدّ للأب على الصغيرة ، وإن ذهبت بكارتها بوطء أو غيره » (2).

فهل بعد هذا البيان يبقى مجال للاستغراب والتساؤل عن مسألة الزواج من الصغيرة؟!

وفي الختام نقول : على فرض أنّ أهل السنّة لم يقولوا بجواز ذلك ، فهذا لا يعني أنّنا أيضاً نمنع ذلك ، وذلك لأنّنا نتّبع الدليل ، فإذا ثبت عندنا الدليل الشرعي على جواز الزواج من الصغيرة نأخذ به ، حتّى لو خالفنا جميع الناس ، لأنّ الحقّ أحقّ أن يتّبع.

( غانم النصّار - الكويت - .... )

كيفية الاستمتاع بالزوجة الرضيعة :

السؤال : لقد قرأت فتوى للسيّد الخميني قدس سره أنّه يجيز التمتّع بالرضيعة ، أو بمعنى أصح التفخيذ ، فما هو المقصود من هذا الكلام؟ هل هو ما نحن نفهمه أن يتمتّع الرجل البالغ برضيعة ويفخذها؟ أم أنّ القصد شيء آخر؟ إفيدونا جزاكم اللّه خيراً.

ج : نشير إلى رؤوس مواضيع تفيدكم في إجابتها :

1 - إنّ الأحكام الشرعية والفقهية لها موازينها في الإثبات ؛ فالعقل بالاستقلال لا دخل له في إثبات أو نفي الحكم الشرعي ، إلاّ إذا عيّنه الشرع في إطار محدّدٍ.

2 - إنّ هذا الكلام المنقول هو بصدد نفي المواقعة مع الزوجة الصغيرة - أي قبل إكمال تسع سنين - (3).

ص: 420


1- الوسيلة : 299.
2- شرائع الإسلام 2 / 502.
3- تحرير الوسيلة 2 / 241.

وأمّا بالنسبة إلى سائر الاستمتاعات معها ، فيعطي الجواز لعدم دليل رادعٍ عنها بنظر القائل.

3 - تنويع الاستمتاعات المذكورة في المسألة لا يدلّ على تجويزها في كُلّ مورد ، فإنّ الرضيعة غير قابلة للتفخيذ مثلاً ، حتّى يبحث عن حكمه بالنسبة إليها.

فذكر أنواعٍ من الاستمتاعات هو لبيان أمثلةٍ للاستمتاع بالصغيرة غير البالغة في مستوياتٍ مختلفة من العمر ، فعلى سبيل المثال : اللّمس والضمّ المذكوران في المسألة ، لابأس بهما في مورد الرضيعة ؛ وأمّا التفخيذ ، فهو يمكن أن يكون مثالاً للاستمتاع بالصغيرة التي هي على وشك البلوغ.

4 - إنّ هذا الرأي فتوى خاصّ بالقائل وليس إجماعياً ، فللعلماء فتاوى أُخر في هذا المجال يحصل عليها من رسائلهم العملية ؛ وعلى كُلّ ليس هذا الحكم المذكور ممّا يتبنّاه كُلّ الطائفة الشيعية حتّى يكون مورداً للتهريج وإثارة الضغائن ، عصمنا اللّه وإيّاكم منها.

( عقيل أحمد جاسم - البحرين - 32 سنة - بكالوريوس )

نكاح الجواري بملك اليمين :

س : هل نكاح الجاريات جائز؟ وما المقصود بها؟ روي عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : الرجل يحلّ لأخيه فرج جاريته؟ قال : « نعم ، لابأس به له ما أحلّ له منها » (1).

وروي عن محمّد بن مضارب قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : « يا محمّد خذ هذه الجارية تخدمك وتصيب منها ، فإذا خرجت فارددها إلينا » (2).

هذه الروايات تتّهم الشيعة بأنّهم عند سفرهم يضعون زوجاتهم وجواريهم عند الآخرين للتمتّع بهن.

ص: 421


1- الاستبصار 3 / 136.
2- نفس المصدر السابق.

ج : لا خلاف بين المسلمين بأنّ نكاح الجواري يكون بملك اليمين ، ولا يحتاج إلى صيغة العقد ، وعليه لو أراد مالك الأمة - قبل أن يدخل بها أو بعد الدخول والاستبراء - أن يزوّجها من أحد ، فليس عليه إلاّ أن يعطيه إجازة بذلك ، أي يمنحه حصّة ملكيته منه ، وبطبيعة الحال هذا الزواج الجديد لا يحتاج إلى صيغة النكاح ، بل يسوّغ بملك اليمين الذي منح من قبل مالكها.

ولرفع الاستغراب نذكر فقرات من كتب أهل السنّة في أمثال هذا المورد ، فمثلاً : « وإن كانت المنكوحة أمة فوليّها مولاها لأنّه عقد على منفعتها ، فكان إلى المولى كالإجارة » (1) ، وهكذا : « إذا ملك مئة دينار وأمة قيمتها مئة دينار ، وزوّجها من عبد بمئة ... » (2) ، ترى مشروعية تزويج الإنسان الحرّ أمته من غيره حتّى العبد.

أو مثلاً : « رجل له جارية ... وإن كانت في غير ملكه ، فقال : قد وطئتها ... » (3) ، فترى فرض الوطء في غير الملك ، وأيضاً : « والأمة إذا غاب مولاها ليس للأقارب التزويج » (4) ، والمفهوم من العبارة أنّ المولى إذا كان حاضراً فله أن يزوّج أمته ممّن يشاء ، وعشرات الأمثلة الأُخرى تظهر للمتتبّع في كتبهم ، وفيما ذكرناه كفاية.

( ... - ... - ..... )

ليس فيه ظلم للزوجة :

س : إنّ اللّه تعالى عادل لاشكّ في ذلك.

السؤال : كيف تتحقّق العدالة في حقوق الزوجين؟ حيث أنّ للزوجة حقّ على زوجها بتوفير المأكل والملبس والمسكن دون إشباع حاجاتها الجنسية والعاطفية

ص: 422


1- المجموع 16 / 147.
2- المصدر السابق 16 / 293.
3- البحر الرائق 3 / 167.
4- الفتاوى الهندية 1 / 285.

والنفسية ، وبما أنّ الإسلام لا يحلّ لها غير زوجها ، فكيف يتحقّق الإشباع لديها إن كانت تلك الأُمور ليست من واجبات الزوج؟ في حين أنّها واجبات للمرأة تجاه زوجها الذي يمتلك بدائل عدّة ، منها الزواج من أربع ، بالإضافة إلى المتعة ، أليس اللّه خلقها عاطفية بطبيعتها؟ أليس لها حاجات غير المأكل والملبس والمسكن؟ فكيف تشبع تلك الحاجات؟ ألا يؤدّي ذلك لبحثها عن بدائل والعياذ باللّه؟ أليس في ذلك فساد للمجتمع؟

ج : لتوضيح الجواب لابأس بذكر مقدّمات :

الأُولى : ليس العدل بمعنى المساواة دائماً ، بل معناه لغة واصطلاحاً : وضع الشيء في موضعه ، فلو كان عندنا رجل وطفل صغير جائعان ، وعندنا قرصان من الخبز ، فليس العدل بينهما أن يُعطى لكُلّ واحد منهما قرصاً بنحو التساوي والمساواة ، بل يُعطى للطفل بمقدار بطنه وسدّ جوعه ، كما يُعطى للرجل كذلك ، فوضع الأشياء في مواضعها هو حقيقة العدل ، كما هو من العقل أيضاً ، وربما في بعض الموارد يستلزم المساواة.

الثانية : إنّ اللّه سبحانه خلق الرجل والمرأة من نفس واحدة ، وجعلهما بمنزلة واحدة في أصل الخلقة والتربية والتعليم وكسب المكارم والأخلاق ، والتكاليف الشرعية والوظائف الدينية والاجتماعية ، إلاّ إنّه جعل أيضاً لكُلّ واحد منهما خصائص ومميّزات في الغرائز والأحاسيس والجسم من أجل التكامل ، فإنّ كُلّ واحد منهما مكمّل للآخر ، وهذا يعني أنّ الإنسان بطبيعته ناقص ، فإنّ الكمال المطلق ومطلق الكمال هو اللّه سبحانه ، وما سواه ناقص ومحدود.

فالرجل ينقصه العاطفة الكاملة التي تحملها المرأة ، كما إنّ المرأة بحاجة إلى عقل كامل يعينها في مسيرة الحياة الزوجية ، فتكمل بالرجل ، وكُلّ واحد يكمّل الآخر في مجالات خاصّة.

ولا ينكر اختلافهما في خلقة أبدانهما ، فإنّ الرجل من الجنس الخشن ، والمرأة من الجنس اللطيف الناعم ، وبطبيعة الحال يلزم الاختلاف بينهما في الخلقة الجسدية ، وإن كانا في أصل الخلقة من نفس واحدة.

ص: 423

الثالثة : لحكمة ربّانية جعل اللّه شهوة المرأة تزيد عن شهوة الرجل بدرجات ، كما ورد في الروايات الشريفة ، إلاّ إنّه جعل معها الحياء أيضاً ، فإنّها تزيد على الرجل بدرجات (1) ، فمن العدل الإلهي حينئذٍ إن يجعل أحكام النكاح والزواج والمقاربة الجنسية بحسب ما أودعه في الرجل والمرأة ، فلو كان حياء المرأة بمقدار حياء الرجل لكان العدل يقتضي بينهما المساواة في النكاح ومطالبة المقاربة ، ولكن جعل سبحانه حياء المرأة حاجزاً أمام شهوتها ، فهي لا تطالب بالمقاربة إلاّ نادراً.

كما إنّ الرجل هو صاحب النطفة ، فمطالبته للنكاح مقدّمة لتوليد المثل وبقاء النوع الإنساني ، كما إنّ تعدّد الرجال للمرأة الواحدة يوجب اختلاط المياه وضياع النسل والنسب ، وهذا يتنافى مع العدالة الاجتماعية.

كما إنّ الحروب تقتل الرجال غالباً ، فتبقى النساء الكثيرات من دون أزواج ، ممّا يوجب الفساد في المجتمع ، فمن العدل أن يكون تعدّد الزوجات للرجل دون المرأة ، وأنّ تكون مطالبة المقاربة بيده ، وعلى المرأة أن تستجيب في كُلّ الأحوال إلاّ ما نهى الشارع المقدّس عنه.

الرابعة : إنّ اللّه سبحانه في تشريعاته السمحاء قد شوّق الرجال على المقاربة ، وإن كثرة الطروق من سنن الأنبياء ، وما أكثر الروايات في هذا الباب ، وأنّ من يغتسل من نكاح حلال ، فإنّ كُلّ قطرة تكون بمنزلة ملك يستغفر له (2) ، وبمثل هذه المشوّقات الدينية من الأجر والثواب.

إضافة إلى قوّة الشهوة في الرجال ، ممّا يوجب إقدامهم على المقاربة ليل نهار ، ممّا يوجب إشباع المرأة في غريزتها الجنسية ، بل الكثير من النساء يعجزن أمام شهوة أزواجهن ، حتّى منهن من تريد الطلاق لكثرة الطروق من قبل زوجها ، فهل بعد هذا مجال للإشكال؟

ثمّ يستحبّ للرجل أن يستجيب دعوة زوجته ، ولهذا يستحبّ قبل المقاربة أن يداعبها ويلاعبها حتّى تصل إلى أوج شهوتها وتفرغ ما عندها.

ص: 424


1- أُنظر : الكافي 5 / 338.
2- الأمالي للشيخ الصدوق : 258.

الخامسة : لقد جعل اللّه تعالى مفاتن الزوجة فتنة الزوج ، فيكفيها أن تتزيّن وتتعطّر وتكشف عن محاسنها ومفاتنها ، عند ذلك لا يتمالك الزوج عن نفسه ولو كان كهلاً عجوزاً ، فتنال بغيتها بكُلّ سهولة ، وهل تريد المرأة من الرجل غير هذا؟!

إلاّ إذا كانت عاهرة تحبّ التنوّع والتبديل واختلاف الرجال ، وهذا أمر آخر يتنافى مع حيائها وروح الإسلام والشريعة المقدّسة ، ولا يكون إلاّ نادراً ، والنادر كالمعدوم لا قيمة له في وضع القوانين والأحكام ، فإنّها توضع على الأعم الأغلب.

( سوسن - ... - ..... )

جائز بين سنّي وشيعية وبالعكس :

س : تساؤلي عن مدى صحّة الزواج بين السنّة والشيعة - سواء الزواج الدائم أو المؤقت ، أي زواج المتعة - هل هو جائز؟ حلال أم حرام؟

ج : إنّ الفقهاء قد أجازوا الزواج بين المسلمين جميعاً : بأن يتزوّج السنّي من شيعية ، أو الشيعي من سنّية ، الزواج الدائم والمؤقت - إلاّ إذا خيف عليه أو عليها الضلال فيحرم - وهذا الحكم يستثنى منه النواصب.

ولكن ينصح العلماء أن لا تتزوّج الشيعية من سنّي ، لأنّه سيؤثّر على عقائدها - ولذا حكموا فيه بالكراهة - إلاّ إذا كانت مطمئنّة من قدرتها على المسائل العقائدية ، وأنّها هي التي ستؤثّر على الزوج.

( سيّد سلمان سيّد علوي - البحرين )

ولد الزنا كغيره مرهون بعمله :

س : كثير من الكتّاب والباحثين يؤكّدون على أنّ الإنسان المتولّد من حرام. أي من الزنا والعياذ باللّه. لابدّ أن يدخل النار ، هنا أكثر من استفسار يجب أن يوضّح :

ص: 425

1 - لماذا يتحمّل ذلك الإنسان ذنب قد ارتكبه غيره من البشر؟ والجليل يقول في كتابه الحكيم : ( لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ) (1).

2 - ما هو البعد الإلهي لهذه القضية؟

3 - ما هي الأدلّة العقلية والنقلية في هذه القضية؟

4 - الرجاء ذكر اسم أيّ كتاب قد أُلّف خصّيصاً لمناقشة هذا الموضوع؟ غفر اللّه لنا ولكم ، ودمتم مشكورين على هذا الموقع المفيد لجميع المسلمين في العالم.

ج : إنّ الرأي المتّبع عند الفقهاء والمحققّين هو : أنّ ولد الزنا كغيره مرهون بعمله ، فلا وجود لحكم مسبق عليه ، فإن أطاع اللّه في واجباته واحترز عن معاصيه فهو جدير أن يدخل الجنّة.

والأدلّة العقلية قائمة بحدّ ذاتها على هذا الموضوع ؛ وأمّا الأدلّة النقلية فما كان منها يوهم خلاف هذا المطلب ، فهو إمّا ساقط سنداً أو دلالةً - باعتبار تعارضها بأخبار وأحاديث أُخرى تفيد ما قلناه - وإمّا مؤوّل يرجع بالنتيجة إلى ما ذكرناه من رأي الفقهاء.

( ... - ... - ..... )

النظر إلى عورة كُلّ من الزوجين جائز :

س : هل يجوز نظر الرجل لعورة امرأته وبالعكس؟ خاصّة أنّي وجدت أنّ الحديث الذي يستدلّ به الذين يقولون بكراهة النظر إلى عورة المرأة يورث العمى ، قد ضعّفه الألباني من أهل السنّة ، في حين جوّز النظر اعتماداً على الحديث « احفظ عورتك إلاّ من امرأتك ، أو ما ملكت يمينك » المروي عند أهل السنن إلاّ النسائي ، وهذا قول كثير من علماء أهل السنّة ، كابن مفلح الحنبلي ، الذي قال كذلك أنّ الشريعة إذا أحلّت شيئاً أحلت الأسباب الموصلة إليه ، وإذا كان هذا الأمر سيزيد في الاستمتاع ألا يعد أمراً مشروعاً؟

ص: 426


1- البقرة : 233.

وإذا كان المسلم محرّماً عليه النظر إلى عورات الناس رجالاً ونساءً ، فمن الذي يحلّ له ذلك ، أن لم يكن الزوج والزوجة؟

ج : من قال لك بحرمة نظر الرجل إلى عورة زوجته وبالعكس؟! أقصى ما يمكن أن يقال : بأنّه مكروه ، والحديث محمول على الكراهية لا على الحرمة (1).

هذا ، وقد خصّ بعضهم كراهية النظر إذا كان يريد الولد لا مطلق الجماع.

( أحمد - الإمارات - 19 سنة - طالب حوزة )

حدّ العورة :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع : أقبح ما عند الرافضة حدّ العورة عند الشيعة.

قال الكركي : « إذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة » الكافي 6 / 501 ، تهذيب الأحكام 1 / 374.

والدبر : نفس المخرج ، وليست الأليتان ، ولا الفخذ منها ، لقول الصادق عليه السلام : « الفخذ ليس من العورة ».

وروى الصدوق أنّ الباقر عليه السلام كان يطلي عورته ، ويلف الإزار على الإحليل ، فيطلي غيره سائر بدنه « جامع المقاصد للمحقّق الكركي 2 / 94 ، المعتبر للحلّي 1 / 122 ، منتهى المطلب 1 / 39 للحلّي ، تحرير الأحكام 1 / 202 للحلّي ، مدارك الأحكام 3 / 191 للسيّد محمّد العاملي ، ذخيرة المعاد للمحقّق السبزواري ، الحدائق الناضرة 2 / 5 ».

عن أبي الحسن الماضي قال : « العورة عورتان : القُبل والدبر ، الدبر مستور بالأليتين ، فإذا سترت القضيب والأليتين فقد سترت العورة » ، ولأنّ ما عداهما ليس محلّ الحدث ، فلا يكون عورة كالساق « الكافي 6 / 501 ، تهذيب الأحكام 1 / 374 ، وسائل الشيعة 1 / 365 ، منتهى المطلب 4 / 269 ، الخلاف للطوسي 1 / 396 ، المعتبر للحلّي 1 / 122 ».

ص: 427


1- الخلاف 4 / 249.

وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « الفخذ ليس من العورة » تهذيب الأحكام 1 / 374 ، وسائل الشيعة 1 / 365.

والدبر نفس المخرج وليست الأليتان ولا الفخذ منها « جامع المقاصد للمحقّق الكركي 2 / 94 ».

ولهذا كان الباقر يطلي عانته ، ثمّ يلفّ إزاره على أطراف إحليله ، ويدعو قيّم الحمّام فيطلي سائر بدنه « الفقيه 1 / 117 ، وسائل الشيعة 1 / 378 ، كتاب الطهارة للخوئي 3 / 356 ، كتاب الطهارة 1 / 422 للأنصاري ».

أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : ليس قبيحاً الامتثال لشرع اللّه بما دلّت عليه الأدلّة الشرعية موضع الاستنباط عند الفقهاء من الكتاب والسنّة الشريفة - التي تشمل أقوال وأفعال المعصومين عليهم السلام جميعاً - وإنّما القبيح أن يقحم المرء نفسه فيما لا يُحسن ، ويتجنّى على غير أهل الصناعة ، ويحسب نفسه على شيء وهو لا شيء بعينه.

وبالنسبة للحكم الفقهي لحدّ العورة ، فقد أختلف فقهاء الإمامية تبعاً لاستفاداتهم الاجتهادية من الروايات الواردة في الموضوع.

قال المحقّق البحراني قدس سره : « في العورة التي يجب سترها في الصلاة ، وعن الناظر المحترم ، وأنّها عبارة عن ماذا؟ والأشهر الأظهر أنّها عبارة عن القُبل والدبر ، والمراد بالقُبل الذكر والبيضتان ، وبالدبر حلقة الدبر التي هي نفس المخرج.

ونقل عن ابن البرّاج أنّها ما بين السرة والركبة ، وجعله المرتضى رواية كما نقله في المنتهى.

وعن ابن الصلاح أنّه جعلها من السرّة إلى نصف الساق ، مع أنّ المحقّق في المعتبر نقل الإجماع على أنّ الركبة ليست من العورة » (1).

وعليه ، فلا يحقّ لشخص خارج عن صناعة الفقه ، أن يدلي بدلوه فيما لا يُحسن ، ويأتي بروايات لا يعلم محلّها من الصحّة أو الإرسال ، أو المعارضة أو

ص: 428


1- الحدائق الناضرة 7 / 6.

التقييد والإطلاق ، ليقول : أنّ هذه الرواية هي الحكم الفقهي للموضوع الكذائي عند الطائفة ، فالأحكام الفقهية محلّها الكتب الاستدلالية لا الكتب الروائية ، وحسب ما أورده هذا البعض في نقله لهذه الرواية مثلاً : أنّ الباقر عليه السلام كان يطلي عانته وما يليها ، ثمّ يلف إزاره على أطراف إحليله ، ويدعو قيّم الحمّام فيطلي سائر بدنه (1).

نقول : ماذا يفعل هذا البعض بالرواية التالية الواردة عن بشير النبّال حيث يقول : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الحمّام ، فقال : « تريد الحمّام »؟ فقلت : نعم ، قال : فأمر بإسخان الحمّام ، ثمّ دخل فاتزر بإزار ، وغطّى ركبتيه وسرّته ، ثمّ أمر صاحب الحمّام فطلى ما كان خارجاً عن الإزار ، ثمّ قال : « أُخرج عنّي » ، ثمّ طلى هو ما تحته بيده ، ثمّ قال : « هكذا فافعل » (2).

ولو سلّمنا لهذا البعض استفاداته الخاصّة من الروايات ، وقلنا أنّها وافقت فتوى المشهور عند علماء الإمامية في حدّ العورة ، فهاهم فقهاؤهم يفتون كما يفتي الإمامية في الموضوع ، فإنّنا نجد » أنّ أبا عبد اللّه الحنّاطي حكى عن الاصطخري أنّ عورة الرجل هي القُبل والدبر فقط » (3).

وفي رواية عن أحمد أنّ العورة الفرجان : « قال مهنا : سألت أحمد ما العورة؟ قال : الفرج والدبر. وهذا قول ابن أبي ذئب وداود لما روى أنس أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتّى أنّي لأنظر إلى بياض فخذ النبيّ صلى اللّه عليه وآله رواه البخاري » (4).

وقال ابن رشد : « وأمّا المسألة الثانية : وهو حدّ العورة من الرجل ، فذهب مالك والشافعي إلى أنّ حدّ العورة منه ما بين السرّة إلى الركبة ، وكذلك قال

ص: 429


1- أُنظر : وسائل الشيعة 2 / 53.
2- الكافي 6 / 501.
3- فتح العزيز 4 / 85.
4- المغني لابن قدامة 1 / 616.

أبو حنيفة ، وقال قوم : العورة هما السوأتان فقط من الرجل ، وسبب الخلاف في ذلك : أثران متعارضان ، كلاهما ثابت :

أحدهما : حديث جرهد : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « الفخذ عورة » ، والثاني : حديث أنس : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله حسر عن فخذه ، وهو جالس مع أصحابه ، قال البخاري : وحديث أنس أسند ، وحديث جرهد أحوط » (1).

وفي نيل الأوطار : « قال النووي : ذهب أكثر العلماء إلى أنّ الفخذ عورة ، وعن أحمد ومالك في رواية : العورة القُبل والدبر فقط ، وبه قال أهل الظاهر وابن جرير والاصطخري » (2).

وفي المصدر نفسه : « باب من لم ير الفخذ من العورة ، وقال : هي السوأتان فقط.

عن عائشة : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان جالساً كاشفاً عن فخذه ، فاستأذن أبو بكر فإذن له وهو على حاله ، ثمّ استأذن عمر فأذن له وهو على حاله ، ثمّ استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه ، فلمّا قاموا قلت : يا رسول اللّه استأذن أبو بكر وعمر فأذنت لهما وأنت على حالك ، فلمّا استأذن عثمان أرخيت عليك ثيابك؟ فقال : « يا عائشة ألا استحي من رجل ، واللّه إنّ الملائكة لتستحي منه » رواه أحمد.

وروى أحمد هذه القصّة من حديث حفصة بنحو ذلك ولفظه : دخل عليّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ذات يوم ، فوضع ثوبه بين فخذيه ، وفيه فلمّا استأذن عثمان تجلّل بثوبه.

الحديث أخرج نحوه البخاري تعليقاً فقال في صحيحه في بعض ما يذكر في الفخذ : ... وعن أنس : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتّى إنّي

ص: 430


1- بداية المجتهد 1 / 95.
2- نيل الأوطار 2 / 49.

لأنظر إلى بياض فخذه ، رواه أحمد والبخاري وقال : حديث أنس أسند ، وحديث جرهد أحوط » (1).

فالمسألة كما ترى خاضعة للأدلّة الشرعية عند الفقهاء ، ومن هنا نرى اختلاف الفقهاء عند الفريقين - على حدّ سواء - تبعاً لاختلاف استفاداتهم من الأدلّة الشرعية ، فليست هذه المسألة محلاً للتهريج أو التشنيع بقدر ما هي محلاً للتحقيق والبحث العلميين في بيان حقيقة استفادة مثل هذا الحكم من الأدلّة الشرعية المتوفّرة لدى علماء المسلمين.

( ... - ... - ..... )

اختيار زوجة علوية حسن :

س : البعض من الشباب المقدمين على الزواج ، من ضمن الشروط التي يفضّلونها كون الفتاة سيّدة ، أي : ينتهي نسبها إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فما رأيكم بذلك؟

ج : هذا شيء حسن ولا حزازة فيه ، فقد ورد عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « كُلّ نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلاّ حسبي ونسبي » (2) ، فالمصاهرة بالسادة لها آثارها الطيّبة ، إلاّ أنّ ذلك لا يمنع عن الإقدام بزواج المؤمنات العفيفات من غير السادة اللواتي يتّصفن بصفات الإيمان ، فضلاً عن مواصفاتٍ أُخرى يرغبها الجميع.

( رزان - الإمارات .... )

أحاديث تحث على الإنجاب :

س : أُريد حديثاً عن الرسول يحثّ على الإنجاب؟

ص: 431


1- المصدر السابق 2 / 50.
2- الخصال : 559.

ج : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « تزوّجوا ، فإنّي مكاثر بكم الأُمم غداً في القيامة ، حتّى أنّ السقط يجيء محبنطئاً على باب الجنّة ، فيقال له : أُدخل الجنّة ، فيقول : لا ، حتّى يدخل أبواي الجنّة » (1).

وقال صلى اللّه عليه وآله : « ما يمنع المؤمن أن يتّخذ أهلاً؟! لعلّ اللّه يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلاّ اللّه » (2).

وقال صلى اللّه عليه وآله : « من كان يحبّ أن يستن بسنّتي فليتزوّج ، فإنّ من سنّتي التزويج ، اطلبوا الولد فإنّي مكاثر بكم الأُمم غداً » (3).

( علي نزار - الكويت - 23 سنة - طالب كُلّية الدراسات التجارية )

من جوّز نكاح الرجل لابنته وأخته من الزنا :

س : نيابة عن جميع الموالين لأهل البيت عليهم السلام أحبّ أن أشكركم على جهودكم في تبيان عقائد المذهب الحقّ ، ودحض ادعاءات أهل البدع والضلال ، وسؤالي هو :

هل فعلاً بأنّ المذهب الشافعي يبيح أن ينكح الرجل ابنته من الزنا؟ وإن كان كذلك ، فما هو المصدر الفقهي المعتبر الذي يمكنني الاستشهاد به في خصوص هذه المسألة؟ ودمتم سالمين.

ج : تذهب المالكية بالإضافة إلى الشافعية إلى جواز أن يتزوّج الرجل ابنته وأخته ، وبنت ابنته وبنت أخيه من الزنا ، ومن المصادر السنّية التي ذكرت ذلك :

1 - الشرح الكبير لابن قدامه : « فصل : ويحرم على الرجل نكاح ابنته من الزنا ، وأخته ، وبنت ابنه ، وبنت بنته ، وبنت أخيه ، وأخته من الزنا في قول عامّة الفقهاء.

ص: 432


1- من لا يحضره الفقيه 3 / 383.
2- وسائل الشيعة 20 / 14.
3- تحف العقول : 105.

وقال مالك والشافعي في المشهور من مذهبه يجوز له لأنّها أجنبية منه ، ولا تنسب إليه شرعاً ، ولا يجري التوارث بينهما ، ولا تعتق عليه إذا ملكها ، ولا يلزمه نفقتها ، فلم تحرم عليه كسائر الأجانب » (1).

2 - روضة الطالبين للنووي : « فرع : زنا بامرأة فولدت بنتاً ، يجوز للزاني نكاح البنت لكن يكره ، وقيل : إن تيقّن أنّها من مائه ، إن تصوّر تيقّنه حرمت عليه ، وقيل : تحرم مطلقاً ، والصحيح : الحلّ مطلقاً » (2).

3 - كشّاف القناع للبهوتي : « أو نكح بنته من الزنا » فعليه الحدّ « نصّاً ، وحمله جماعة على إن لم يبلغه الخلاف » وهو كون الشافعي أباحه ، « فيحمل إذن على معتقد تحريمه » أي تحريم نكاح البنت ونحوها ، وعبارة الفروع : وحمله جماعة على أنّه لم يبلغه الخلاف ، ويحتمل حمله على معتقد تحريمه (3).

4 - الفائق في غريب الحديث للزمخشري : « ومن شعره - أي الزمخشري - أيضاً :

إذا سألوا عن مذهبي لم أبُحْ به *** وأكتمُهُ كتمانُهُ لي أسلَمُ

فإن حنفيّاً قلتُ قالوا بأنّني *** أبيح الطلا وهو الشرابُ المحرَّم

وإن مالكيّاً قلتُ قالوا بأنّني *** أبيحُ لهم أكلَ الكلابِ وهمْ هم

وإن شافعيّاً قلتُ قالوا بأنّني *** أبيحُ نكاحَ البنتِ والبنتُ تحرم

وإن حنبليّاً قلتُ قالوا بأنّني *** ثقيلٌ حلولي بغيضٌ مجسِّم

وإن قلتُ من أهلِ الحديثِ وحزبِه *** يقولون تَيْسٌ ليس يدري ويفهمُ

تعجبت من هذا الزمان وأهله *** فما أحد من ألسن الناس يسلم

ص: 433


1- الشرح الكبير 7 / 483.
2- روضة الطالبين 5 / 448.
3- كشّاف القناع 6 / 125.

وأخّرني دهري وقدّم معشراً *** على أنّهم لا يعلمون وأعلم » (1)

5 - شرح صحيح مسلم للنووي : « وقال مالك والشافعي وأبو ثور وغيرهم : لا أثر لوطء الزنا ، بل للزاني أن يتزوّج أُمّ المزني بها وبنتها ، بل زاد الشافعي فجوّز نكاح البنت المتولّدة من مائه بالزنا » (2).

( نايل معايعة - الأردن - سنّي - 30 سنة - معلّم )

لا تزاوج بين الإنس والجنّ :

س : هل يوجد تزاوج بين الإنس والجنّ؟ وإذا كان يحصل مثل هذا الأمر كيف؟

ج : الجنّ نوع من الخلق مستورون عن حواسنا ، يخبر القرآن الكريم بوجودهم ، ويذكر أنّهم بنوعهم مخلوقون قبل نوع الإنسان ، وأنّهم مخلوقون من النار ، كما في قوله تعالى : ( وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ ) (3) ، والإنسان مخلوق من تراب ، وأنّهم يعيشون ويموتون ويبعثون كالإنسان ، ومكلّفون ، ويتوالدون ويتناسلون.

ولكن لا يتصوّر ممّا تقدّم أنّه يمكن أن يحصل تزاوج لاختلاف في مادّة الخلق ، فضلاً عن النوع الواحد ، فهل يتصوّر زواج إنسان من كلب ، أو حصان ببقرة ، فكيف بالجنّ؟

هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى أن مر عليك في بعض الأخبار التي قد تصحّ أنّ جنّياً تزوّج من إنس ، فهذا لا يعني بقاءه على صورته ، بل حوّله اللّه تعالى إلى مخلوق أنسي ، حتّى يصحّ التزاوج.

ص: 434


1- الفائق في غريب الحديث 1 / 7.
2- شرح صحيح مسلم 10 / 40.
3- الحجر : 27.

( ليلى - ... - ..... )

زواج الشيعية من السنّي :

س : لو تزوّجت شيعية من سنّي بشرط ثباتها على مذهبها وقدرتها على التأثير عليه ، ولكن في حالة أن لم تستطع هدايته ، وأرادت من أبنائها أن يكونوا على مذهبها ، ما الحكم لو أرادوا مذهب أبيهم؟ ولم تتمكّن الأُم من هدايتهم ، خصوصاً وأنّ دائماً يتّبع الأولاد ملّة أبيهم ، أتعتبر المرأة ظالمة لأولادها؟ أو البعض منهم ، وهل تعاقب مثل التي تتزوّج كتابي؟ أم الأفضل أن لا تتزوّج السنّي ، أو أن تحاول هدايته.

وهل يجوز أن تشترط عليه قبل الزواج أن يكون الأولاد من مذهبها في حالة رفضها أن يكونوا على مذهب أبيهم؟ حيث أنّ من الصعب أن تربّي الأُمّ أولاده على مذهب تيقّن الأُمّ على عدم صحّته ، وأنّ مذهب أهل البيت بدون شكّ هو الطريق الصحيح؟

ج : إنّ العقيدة والمذهب ليست وراثية ولا تحكّمية ، فلا تأتي بالوراثة للأب أو الأُمّ ، ولا باشتراط أحدهما على الآخر ، فلا إكراه في الدين ، والمهمّ أن تبذلي يا أُختي جهدك على الاستزادة من العلم والمعرفة بأهل البيت عليهم السلام ، والاهتمام بأمرهم وإبراز فضائلهم ، وفضلهم على غيرهم ، وتنشأت أولادك على موالاة أهل البيت عليهم السلام ، وبيان حال مخالفيهم بهدوء ، وطرح علمي دون تهجّم ودون إساءة ، لكي لا يكون الردّ عكسياً - سواء من الزوج أو الأبناء - حتّى يفتح اللّه بينك وبينهم بالحقّ وهو خير الفاتحين.

وننصح بالدعاء والاستعانة باللّه تعالى على ذلك ، مع بذل المزيد من الجهد والثبات ، قال تعالى : ( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) (1).

ص: 435


1- العصر : 1 - 3.

وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) (1).

( محمّد - أمريكا - 19 سنة - طالب جامعة )

زواج الذكور بالذكور فيه تجاوز على الإنسانية :

س : انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الحرّية بالمفهوم الغربي ، والذي يؤمن بالحضارة المادّية غافلاً عن الأُمور المعبّر عنها ما وراء الطبيعة ، إلاّ أنّ حقوق الشواذ أصبحت مسألة نقاشية في الولايات المتحدة ، لدرجة أنّ إحدى الولايات أجازت جواز الشواذ.

كيف نثبت خطأ هذا المفهوم؟ وهذا الحقّ المدّعى للعامّة من المجتمع الغربي أو للمسلمين ، ممّن أخذتهم رياح الحضارة المادّية حيث تسير؟

ج : إنّ من لا يؤمن بعالم ما وراء الطبيعة - بما في ذلك المنادي بالحرّية بمفهومها الغربي - لا يمكنه أيضاً الإيمان بالحرّية بمفهومها الوسيع وعرضها العريض ، فهل يقبل أحد المنادين بالحرّية سرقة أمواله ، واغتصاب زوجته وأطفاله ، أن لا يرى أنّ الحرّية تسمح له بذلك.

وإذا فرضنا أنّه أجاب بالإيجاب وقال : أقبل باقتضاء الحرّية سرقة مالي وما شاكل ذلك ، فنسأله : هل تقبل ضربك وقتلك من دون مبرّر؟ إنّك حتماً تجيب بالنفي ، وهذا يعني أنّ الحرّية ينبغي أن تكون لها حدود ، ولا يمكن لأحد أن يقبلها بعرضها العريض.

وآنذاك نسأل : ما هي حدود الحرّية؟ لابدّ وأن يكون الجواب : أنّ حدَّها عدم التجاوز على الإنسانية والبشرية ، وهو جواب جيّد ومقبول ، ولكن أليس زواج الذكور بالذكور فيه تجاوز على الإنسانية ، كيف لا يكون كذلك

ص: 436


1- العنكبوت : 69.

ونحن بتشريع الزواج المذكور نكون قد حكمنا على البشرية بالفناء والدمار بشكل تدريجي وبطيء ، إنّه ليس من المقبول تحت شعار الحرّية القضاء على البشرية والإنسانية.

( أحمد - الإمارات - 19 سنة - طالب حوزة )

جواز نكاح دون العاشرة :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع : يجوز التمتّع وممارسة الجنس مع الصبية البكر إذا بلغت تسع سنوات - أو سبعاً على رواية - بشرط عدم الإدخال في الفرج كراهة العيب على أهلها!! لا تحريماً ولا مراعاة لذوق أو خلق ولك - بعد - أن تطلق لخيالك العنان طويلاً لتتصوّر مستقبل أخلاق طفلة بهذا العمر تتفرّج على أعضاء الرجال التناسلية ، وتلحظ حركاتهم الجنسية ، وهم يفعلون معها كُلّ شيء إلاّ الجماع!! والجماع المكروه من الفرج فقط ، أي تجوز المجامعة من الدبر!

هل يرضى إنسان غيور كريم مثل ذلك لابنته الصغيرة أو أخته أو قريبته أو لأيّ من أطفال العالمين؟! وما هو شعورك وأنت تتخيّل وقوع ذلك مع ابنتك البريئة مجرّد تخيّل؟!

إنّ تحليل هذه الحيوانية الهابطة لا يصدر من شيطان أو وحش عدو لبني الإنسان ، فكيف ينسب إلى أئمّتنا ويلصق بشرعتنا؟ كيف؟! أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : هل يدري هذا المستشكل المتحذلق أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد عقد على السيّدة عائشة وهي ابنة ستّ سنوات ، ودخل بها وهي ابنة تسع , فقد ورد : وزفّت إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله وهي بنت تسع ، ولعبتها معها (1).

ص: 437


1- أُنظر : فتح الباري 7 / 176 ، مسند أحمد 6 / 280 ، سنن أبي داود 1 / 471 و 2 / 463 ، مسند أبي يعلى 8 / 74 ، المعجم الكبير 23 / 21.

فإذا كانت علّة المنع عندهم هي صغر عمر المعقود عليها ، فلا يختلف الكلام هنا بالنسبة للزواج الدائم أو المنقطع ، بل حتّى زواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله من غيره ، وقد تبيّن جواز ذلك من فعل النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، الذي هو حجّة بلا خلاف ، فلا قيمة بعد هذا لكلام من يخالف فعل النبيّ صلى اللّه عليه وآله وقوله ، فلا نطيل الكلام هنا في هذه المسألة.

ص: 438

نهج البلاغة :

اشارة

( أبو الزين - الأردن - .... )

المراد من والزموا السواد الأعظم :

س : مع قيام المنهج القرآني بأنّ الأحقّية غالباً في الأقلّية ، كيف يوجّه كلام أمير المؤمنين في نهج البلاغة : ومن كلام له عليه السلام ، وفيه يبيّن بعض أحكام الدين ، ويكشف للخوارج الشبهة ، وينقض حكم الحكمين :

« فإن أبيتم إلاّ أن تزعموا أنّي أخطأتُ وضللتُ ، فلم تضلّلون عامّة أُمّة محمّد صلى اللّه عليه وآله بضلالتي ، وتأخذونهم بخطئي ، وتكفّرونهم بذنوبي ... والزموا السواد الأعظم ، فإنّ يد اللّه مع الجماعة ، وإيّاكم والفرقة ، فإنّ الشاذّ من الناس للشيطان ، كما أنّ الشاذّ من الغنم للذئب » (1).

هذا النصّ ، وقد استغله الإخوة الأشاعرة عندنا للإشارة إلى أنّ أحقّية أهل السنّة تنبع من كونهم السواد الأعظم وبنصّ أمير المؤمنين ، فما قولكم يا مولانا؟

ج : نلفت انتباهكم إلى النكات التالية :

1 - إنّ هذه الخطبة ليس لها سند معتبر ، ولم يقل أحد بصحّة كُلّ ما جاء في نهج البلاغة ، فلابدّ من استخراج أسانيد كُلّ خطبة فيه.

2 - إنّ الخطبة قد وردت في ردّ الخوارج المارقين ، فلابدّ من ملاحظة المخاطبين في فهم كلامه عليه السلام ، وذلك ليلزمهم بما ألزموا به أنفسهم.

ص: 439


1- شرح نهج البلاغة 8 / 112.

ويمكن أن يكون المراد من السواد الأعظم المذكور في الخطبة هو : أتباعه ومن بايعه ، وبعبارة واضحة : أنّ الإمام عليه السلام يريد أن ينبّه الخوارج بالرجوع إلى الخطّ العام الذي كانوا عليه قبل انحرافهم ، ويدلّ على هذا المعنى أن نعرف أنّ المسلمين في تلك الفترة قد انقسموا إلى ثلاث طوائف :

الأُولى : هم أصحاب الإمام عليه السلام ومن بايعه من عامّة الناس.

الثانية : أصحاب معاوية.

الثالثة : هم الذين انشقّوا من معسكر الإمام عليه السلام ، واتبعوا أهواءهم ، فضلّوا وأضلّوا.

فحينئذٍ هل يعقل أنّ الإمام عليه السلام ينصح هذه الفئة الثالثة بالرجوع إلى أصحاب معاوية؟ فلا يبقى إلاّ القول بأنّه عليه السلام كان يوبّخهم لخذلانهم الحقّ ، وهم الطائفة الأُولى ، الذين سمّاهم بالسواد الأعظم ، ويريد منهم أن لا يفترقوا عنها.

3 - إنّ هذا المعنى يتبيّن بوضوح من السياق الموحد في الخطبة ، إذ يذكر الإمام في الفقرة السابقة : « وخير الناس فيّ حالاً النمط الأوسط فالزموه ».

ثمّ يقول مباشرةً بعدها : « والزموا السواد الأعظم ، فإنّ يد اللّه مع الجماعة ، وإيّاكم والفرقة ، فإنّ الشاذّ من الناس للشيطان ... » ، فمن مجموع هذه الفقرات المتتالية يمكننا معرفة مقصود الإمام من عبارة : « السواد الأعظم ، والجماعة ، والفرقة ، والشذوذ » ، فنعرف أنّ المشار إليه في تلك المقاطع مجموعات معيّنة ، أي : أن « أل » المذكور في كُلّها للعهد لا للجنس.

ويدلّ على هذا الاستعمال بعض الروايات التي وردت في توضيح تلك الكلمات ، فمنها : أنّ رجلاً سأل علياً عليه السلام عن السنّة والبدعة والفرقة والجماعة؟

فقال : « أمّا السنّة فسنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأمّا البدعة فما خالفها ، وأمّا الفرقة فأهل الباطل وإن كثروا ، وأمّا الجماعة فأهل الحقّ وإن قلّوا » (1).

ص: 440


1- تحف العقول : 211.

ومنه يظهر أنّ تعريفه عليه السلام لتلك الفقرات هو تعريف خاصّ ، يجب ملاحظته في فهم كلامه عليه السلام في المقام.

4 - وأخيراً : توجد في نفس نهج البلاغة كلمات وخطب أُخرى تصرّح باحتمال تواجد الحقّ مع القلّة ، مثل : « لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله » (1) ، أو « إنّ هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلّة » (2).

وعليه ، فيجب أن نفهم كلام الإمام عليه السلام في المقام بشكل يتّفق مع كلماته وخطبه في سائر الموارد.

( محمّد - أمريكا - .... )

لم يذكر فيه كسر ضلع الزهراء :

س : إذا ثبتت مسألة كسر ضلع الزهراء عليها السلام عند علمائنا الأجلاّء ، فلماذا لم يرد ذكرها في نهج البلاغة؟ علماً أنّ الإمام علي عليه السلام ذكر معظم ما جرى له في حياته في خطبه المجموعة في نهج البلاغة؟

ج : أوّلاً : إنّ الشريف الرضي قدس سره جمع خطب أمير المؤمنين عليه السلام ورسائله وكلماته القصار ، وكان نظره إلى الجانب الأدبي والبلاغي في كلامه عليه السلام ، ولم يجمع كُلّ كلام الإمام عليه السلام ، حتّى أنّه لم يورد في بعض الأحيان الخطبة بأكملها ، بل أورد قسماً منها.

وعليه ، فلا يرد الإشكال إذا لم ترد مسألة كسر الضلع في نهج البلاغة صريحاً ، مع أنّه أشار عليه السلام إلى مظلومية الزهراء عليها السلام بإشارات يفهمها اللبيب ، وبعبارات بليغة ، وجمل ظريفة ، حيث قال عليه السلام - عند دفن فاطمة عليها السلام ، كالمناجي به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عند قبره - :

ص: 441


1- شرح نهج البلاغة 10 / 261.
2- المصدر السابق 9 / 95.

« السَلامُ عَلَيكَ يا رَسولَ اللّهِ عَنّي وَعَن ابنَتِكَ النازِلَة في جِوارِكَ ، وَالسَريعَةِ اللِحاقِ بِكَ! قَلَّ يا رَسولَ اللّه عَن صَفِيّتِكَ صَبري ، وَرَقّ عَنها تَجَلُدي ، إلاّ أنَّ فِي التَأسّي لي بِعَظيمِ فُرقَتِكَ ، وَفَادِحِ مُصيبَتِكَ مَوضِعَ تَعَزّ ، فلقد وَسّدتُكَ في مَلحودةِ قَبرك ، وفاضَت بينَ نَحري وصَدري نفسُكَ ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فَلَقَد استُرجِعت الوَديعة ، وأخذتِ الرَهينة!

أمّا حُزني فَسَرمَدٌ ، وأمّا لَيلي فَمُسَهّدٌ ، إلى أن يَختارَ اللّهُ لي دارك التي أنتَ بِها مُقيم ، وسَتُنَبئكَ ابنتُكَ بِتَضافُرِ أُمّتك عَلَى هَضمِها ، فَأحفِها السُؤالَ ، واستَخبِرها الحالَ ، هذا وَلَم يَطُلِ العَهدُ ، ولَم يَخلُ مِنكَ الذكر ، والسلام عليكما سَلامَ مُودّعٍ ، لا قالٍ ولا سَئمٍ ، فإن أنصَرِف فَلا عَن مَلالةٍ ، وَإن أُقِم فلا عَن سُوء ظَنّ بما وَعَدَ اللّهُ الصابِرينَ » (1).

وفي الختام ننبّهك إلى عدّة نقاط :

1 - ليست كُلّ الخطب قد وصلت إلينا ، لأنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم - وعلى مرّ العصور - كانوا مظلومين مقهورين ، وفي حالة تقية ، وكذلك الأيادي الأثيمة دمّرت الكثير من تراث أهل البيت عليهم السلام.

وبناء عليه إذا لم ترد مسألة كسر الضلع في خطب أمير المؤمنين عليه السلام الواصلة إلينا ، فإنّ هذا لا يعني أنّهم عليهم السلام لم يذكروا هذه المسألة في خطبهم ، بالأخصّ مع تصريحهم عليهم السلام إلى هذا المطلب في أحاديثهم ورواياتهم الواصلة إلينا.

2 - إنّ مقام الخطبة غير مقام الكلام والحديث ، ففي الخطبة تراعى المسائل البلاغية والإشارات إلى المطالب التي لم يمكن التصريح بها ، لأنّ الخطبة تكون في الملأ العام ، وهذا بخلاف الأحاديث الخاصّة ، والتي تقال لخواص الأصحاب.

3 - إنّ من أكثر المسائل التي حاول النواصب طمسها وامحاءها هي مسألة مظلومية الزهراء عليها السلام ، لأنّها المصداق البارز للتبرّي الذي بُني عليه التشيّع بعد

ص: 442


1- شرح نهج البلاغة 10 / 265.

التولّي ، وكذلك هو الدليل القاطع على فضائح القوم ، فحاول الخصم بكُلّ جهده أن لا تصل هذه الحقائق.

فبعد هذا ، كُلّ ما وصل إلينا من مصاديق مظلومية الزهراء عليها السلام فهو من المعجزات ، وبسبب تضحيات العلماء ، الذين ضحّوا بكُلّ شيء لأجل إيصال هذه الحقائق.

( علي - ... - ..... )

الخطبة الشقشقية في مصادر سنّية :

س : ناقشي صديق سنّي حول الخطبة الشقشقية لأمير المؤمنين عليه السلام ، وأنّها لا صحّة لها لعدم وجود خلاف بين الإمام والخلفاء ، ولم تذكرها كتب علماء أهل السنّة القدماء ، فهل بإمكانكم تزويدي بمصادر الخطبة في كتب السنّة.

ج : إنّ الخطبة الشقشقية من خطب أمير المؤمنين عليه السلام المشهورات ، وقد روتها العامّة والخاصّة ، وشرحوها ، وضبطوا ألفاظها من دون غمز في متنها ، ولا طعن في أسانيدها.

وتكاد أن تكون هذه الخطبة هي الباعث الأوّل ، والسبب الأكبر لمحاولة تزييف نهج البلاغة بإثارة الشبهات الواهية حوله ، وتوجيه الاتهامات الباطلة لجامعه الشريف الرضي بوضعها ، وما علموا أنّ هذه الخطبة بالخصوص مثبّتة في مصنّفات العلماء المشهورة ، وخطوطهم المعروفة قبل أن تلد الرضي أُمُّه ، وإليك طائفة من علماء السنّة الذين رووها ، أو استشهدوا ببعض مقاطعها.

1 - الإنصاف في الإمامة لابن قبة الرازي ، كان من المعتزلة ، ومن تلامذة أبي القاسم البلخي شيخ المعتزلة ، ثمّ انتقل إلى مذهب الإمامية.

ص: 443

2 - أبو القاسم البلخي الكعبي ، المتوفّى سنة 317 ه- ، إمام البغداديين من المعتزلة ، له تصانيف تضمّن بعضها كثيراً من الخطبة الشقشقية ، كما شهد لنا بذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (1).

3 - العقد الفريد لابن عبد ربّه المالكي ، المتوفّى سنة 328 ه- ، كما نقل ذلك العلامة المجلسي في البحار (2).

ويؤيّد ما نقله المجلسي : أنّ القطيفي - في كتاب الفرقة الناجية - نصّ على أنّها في الجزء الرابع من العقد الفريد ، ثمّ جاءت الأيدي الأمينة على ودائع العلم! فحذفتها عند النسخ أو عند الطبع ، وكم لهم من أمثالها.

4 - المغني للقاضي عبد الجبار المعتزلي ، المتوفّى 415 ه.

5 - نثر الدرر ، وكتاب نزهة الأديب للوزير أبي سعيد الآبي ، المتوفّى 422 ه.

6 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (3).

7 - تذكرة الخواص لابن الجوزي : 133.

هذا ، وأنّ كتب الأدب ومعاجم اللغة ، لا تخلو من ذكر الخطبة الشقشقية :

أ - مجمع الأمثال للميداني 1 / 369.

ب - النهاية لابن الأثير (4).

ج - لسان العرب لابن منظور في مادّة شقشق (5).

د - تاج العروس للزبيدي (6).

ص: 444


1- شرح نهج البلاغة 1 / 205.
2- بحار الأنوار 29 / 506.
3- شرح نهج البلاغة 1 / 151.
4- النهاية لابن الأثير 2 / 490.
5- لسان العرب 10 / 185.
6- تاج العروس 6 / 398.

( يوسف العاملي. المغرب .... )

حول عبارة خطرك يسير :

س : جاء في نهج البلاغة في باب حكم أمير المؤمنين عليه السلام عبارة هي : وخطرك يسير - أي الدنيا - ووجدت في كتاب آخر : وخطرك كبير ، فما هو الأصل؟

ج : بحسب المصادر الموجودة عندنا العبارة المذكورة هكذا : « وخطرك يسير » (1) ، ووردت عبارة : « وخطرك حقير » (2) ، كنسخة أُخرى من عبارة : خطرك يسير.

نعم ، ووردت عبارة : « وخطرك كبير » في بعض المصادر (3).

ص: 445


1- شرح نهج البلاغة 18 / 224 ، خصائص الأئمّة : 71 ، روضة الواعظين : 441 ، شرح الأخبار 2 / 392 ، مناقب آل أبي طالب 1 / 371 ، عدة الداعي : 195 ، تاريخ مدينة دمشق 24 / 401 ، ينابيع المودّة 1 / 438.
2- شرح نهج البلاغة 18 / 226.
3- كشف الغمّة 1 / 76 ، بحار الأنوار 75 / 23.

ص: 446

الوحدة الإسلامية :

اشارة

( عبد الحميد صالح المعراج - السعودية - .... )

تتحقّق بالتمسّك بوصية الرسول :

س : كيف يتمّ التقريب بين المذهب السنّي والمذهب الشيعي؟ بحيث نتوصّل إلى وحدة باطنية ووحدة ظاهرية ، حيث يتمّ الإقناع لكُلّ من السنّي والشيعي ، بحيث لا يبقى مجال لينكر أحدهما على الآخر ، وبالتالي يعيش كُلّ منهما في سعادة واطمئنان وسلام.

ج : إنّ التمسّك بوصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هو الحلّ الوحيد لإيجاد التقريب ، والتوصّل إلى الوحدة الباطنية ، وذلك يتمّ ببحث أُمور :

1 - ما هي وصية الرسول صلى اللّه عليه وآله لأُمّته؟ الجواب : حديث الثقلين.

2 - هل جاء في حديث الثقلين « الكتاب والعترة » أو « الكتاب والسنّة »؟ الجواب : ورد في حديث الثقلين « الكتاب والعترة » ، كما ورد به الكثير من الأخبار الصحيحة في الصحاح والمسانيد المعتبرة (1) ، وأمّا ما ورد من الوصية

ص: 447


1- أُنظر : فضائل الصحابة : 15 ، الجامع الكبير 5 / 328 ، تحفة الأحوذي 10 / 196 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 418 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 45 و 130 ، خصائص أمير المؤمنين : 93 ، المعجم الصغير 1 / 135 ، المعجم الأوسط 4 / 33 و 5 / 89 ، المعجم الكبير 3 / 66 و 5 / 154 و 166 و 170 و 182 ، شرح نهج البلاغة 9 / 133 ، نظم درر السمطين : 232 ، كنز العمّال 1 / 172 و 186 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 122 ، المحصول 4 / 170 ، الإحكام للآمدي 1 / 246 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطني 6 / 236 ، أنساب الأشراف : 111 و 439 ، البداية والنهاية 5 / 228 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 416، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 95 و 99 و 105 و 112 و 119 و 123 و 132 و 345 و 349 و 2 / 432 و 438 و 3 / 65 و 141 و 294 ، النهاية لابن الأثير 1 / 211 و 3 / 177 ، لسان العرب 4 / 538 و 11 / 88 ، تاج العروس 7 / 245.

بالكتاب والسنّة ، فهو حديث ضعيف صرّح بضعفه كبار محدّثي علماء القوم (1).

3 - من هم أهل البيت؟ الجواب : ورد في تفسير آية التطهير أنّهم : النبيّ وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

4 - هل النساء من أهل البيت؟ حيث يستدلّ بسياق الآية على دخولهن في مصداق أهل البيت؟ الجواب : السياق حجّة إذا لم يرد دليل آخر يخالفه ويخرجه عن السياق ، ولكن الروايات المعتبرة خصّصت أهل البيت بهؤلاء ، وأخرجت غيرهم ، حيث أنّ أُمّ سلمة سألت النبيّ : وأنا منهم؟ فأجاب : « إنّك على خير » (2).

وبعد كُلّ هذا ، فإنّ التمسّك بوصية النبيّ لأُمّته خير طريق لإيجاد الوحدة.

( عمر بن محمّد - السعودية - سنّي )

مطلوبة بين المسلمين :

س : الحقيقة أنّكم إخواننا في الإسلام ، ونحن الآن في عصر العولمة والتقدّم ، ولعلّنا نستفيد من هذا التقدّم بدفع عجلة الانصهار الطائفي إلى الأمام ، أعني لابدّ للشيعة والسنّة أن يكونوا على قلب واحد لمواجهة الآفة الكبرى أمريكا وإسرائيل ، نحن يا أخواني نعبد اللّه ، ونحجّ ونصوم ، وقبلتنا

ص: 448


1- كنز العمّال 1 / 187 ، العلل 1 / 9 ، الضعفاء الكبير 2 / 251 ، الكامل في ضعفاء الرجال 4 / 69.
2- مسند أبي يعلى 12 / 456 ، المعجم الكبير 3 / 53 ، شواهد التنزيل 2 / 115 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 142 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 13.

واحدة ، وأنا في الحقيقة يا إخواني لا أفرّق بين المذهبين ، لماذا هذا التراشق والتشكيك بالدين بينكم وبين السنّة؟

أتمنّى أن يأتي اليوم الذي نكون به في خندق واحد ضدّ أمريكا واليهود ، دعونا نعمل للأجيال القادمة ، نزرع لهم الحبّ والوآم قبل أن نزرع الحقد.

في عام 1948 م دفعت السفارة البريطانية للكتّاب من الشيعة والسنّة لتأليف كتب معادية للطرفين ، والهدف هو إشعال الفتنة بين المسلمين ، نتمنّى من اللّه العزيز الحكيم أن يصفّي القلوب ، وتذوب الشوائب ، ويرتفع علم الإسلام خفّاقاً رغماً عن أمريكا ، مع تحياتي للجميع.

ج : نحن نعتقد بالوحدة الإسلامية ، وأنّ المسلمين بأمسّ الحاجة إلى التقارب والاتحاد ، بالأخصّ في وقتنا الحاضر ، ولكن هذا لا يعني ترك الحوار الهادئ الهادف للوصول إلى الحقيقة في المسائل العلمية ، فإنّ الأُمم والحضارات والمدارس الفكرية لا يمكن أن تصل إلى مرحلة الترقّي إلاّ بالتقارب الفكري والحوار الهادف.

فالوحدة مطلوبة ، والحوار الهادف مطلوب أيضاً ، بشرط أن لا يخرج الحوار عن أُسسه العلمية.

( رضا - البحرين - .... )

تتحقّق بالحوار الهادف :

س : ما هو رأيكم في التقريب بين المذاهب الإسلامية؟ وما هو المطلوب ، تقريب المذاهب أم توحيدها؟ وما الذي يترتّب على ذلك؟

ج : الآية القرآنية الواردة في الوحدة : ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) (1) ، ورد في تفسيرها عند الشعية والسنّة : أنّ المراد بحبل اللّه هو الكتاب والعترة ، وذلك يفهم بوضوح عند مراجعة حديث الثقلين المتواتر : « إنّي

ص: 449


1- آل عمران : 103.

تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً ».

فالوحدة الحقيقية : التمحور حول الكتاب والعترة ، والتمسّك بهما ، وأخذ معالم الدين منهما ، ولا يمكن أن نفرّق بينهما « لن يفترقا » ، ولن تفيد التأبيد ، يعني إلى يوم قيام الساعة.

هذا ، وإنّ العقل يحتّم على جميع المسلمين : أن يتركوا المنابزات بالألقاب ، والسباب والشتائم ، وكُلّ شيء يكون سبباً للنفرة ، ويتّحد المسلمون في قبال العدو المشترك ، الذي لا يفتأ عن العمل للإحاطة بالمسلمين.

ومع كُلّ هذا ، فإنّ الاختلاف في الرأي حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها ، ولكن كيف نتعامل مع هذا الاختلاف؟

الوحدة الإسلامية والتقارب يحتّمان على الجميع ، أن يجلسوا على طاولة الحوار الهادف الهادئ لبحث الاختلافات قربة إلى اللّه تعالى ، متجنّبين عن كُلّ ما يسبّب النفرة ، فإن توصّلوا إلى حلّ فهو المطلوب ، وإلاّ فالاختلاف لا يفسد للودّ قضية.

فالوحدة والتقارب يعني ترك النزاع والالتجاء إلى البحث العلمي الموضوعي المبتني على أُسس علمية.

( أُسامة - الأردن - سنّي )

لتحقيقها نظرتان :

س : الأحبة في اللّه ، أعرّفكم بنفسي ، فأنا شافعي من مدرسة فقهية مجدّدة في الأردن ، معجب بجهودكم المباركة ، مبغض لكُلّ نصب وتجسيم وتفريق بين المسلمين ، تخلّصت بفضل اللّه من التعصّب ، غير أنّي أتمنّى منكم بيان جهودكم في التقريب.

أرجو أن تواصلوني بنصائحكم من أجل توصيل الفائدة للسنّة المعتدلين.

ص: 450

ج : إنّ للتقريب نظرتان : نظرة تقول : بأن يتّحد المسلمون فيما اتفقوا عليه ، ويتركوا فيما اختلفوا فيه لا يبحثونه بالمرّة ، ونظرة تقول : بأن يتّحد المسلمون فيما اتفقوا عليه ويكون سبباً لتقاربهم ، وأمّا فيما اختلفوا فيه فيجلسون على طاولة الحوار الهادف الهادئ متقرّبين بذلك إلى اللّه تعالى فيتحاوروا ، فإذا توصّلوا إلى نتيجة فيما اختلفوا فيه فهو المطلوب ، وإذا لم يتوصّلوا إلى حلّ فيما اختلفوا فيه ، فتبقى إخوتهم ومحبّتهم ويواصلوا الحوار.

وهذه النظرية الثانية هي التي يركّز عليها المركز ، وبنى منهجه على وفقها ، وكلّنا أمل في أن يدوم الاتصال فيما بيننا.

ص: 451

ص: 452

الوضوء :

اشارة

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

ما ورد في كيفيته من كتاب الغارات لا يعتمد عليه :

س : طالعت كتاب الغارات للثقفي ، فوجدت فيه طريقة الوضوء ، فكان الحديث عن الإمام علي عليه السلام يشرح فيه طريقة الوضوء ، وفي الحديث طريقة الوضوء جاءت مطابقة لطريقة وضوء أهل السنّة ، فما هي الحقيقة حول هذا الحديث؟

ج : إنّ الرواية المذكورة في كتاب الغارات لا يمكن الاعتماد عليها (1) ، وذلك لمعارضتها لروايات متواترةٍ صحيحة تصف الوضوء على طريقة الإمامية المتعارفة المتبعة ، لذا فهي ساقطة عن الاعتبار ، وقد روى هذه الرواية الشيخ المفيد قدس سره في أماليه بنفس السند (2) ، إلاّ أنّ نصّها يؤكّد طريقة وضوء الإمامية خلاف النصّ الوارد في كتاب الغارات ، ممّا جعل المحقّق النوري قدس سره - صاحب المستدرك على الوسائل - أن يعتبر ما ورد في نصّ كتاب الغارات هو من تصحيف العامّة ، أي من تحريفهم (3).

لذا فلا طعن في سندها ، إلاّ أنّ نصّها مخالف لروايات متواترة تعارضها ، وبذلك فلا يعتنى بهذه الرواية ولا الأخذ بها ، فإنّ وضوء الإمامية قد وردت فيه روايات صحيحة صريحة متواترة فضلاً عن إجماع الطائفة دون معارض.

ص: 453


1- الغارات 1 / 244.
2- الأمالي للشيخ المفيد : 260.
3- مستدرك الوسائل 1 / 306.

( الكويت - ... - ..... )

كيفيته :

س : كيف يتم الوضوء؟

ج : إنّ الوضوء يتمّ بعدّة أُمور :

أوّلاً : غسل الوجه ، ما بين قصاص الشعر إلى طرف الذقن طولاً ، وما اشتملت عليه الإصبع الوسطى والإبهام عرضاً ، والابتداء بأعلى الوجه إلى الأسفل ، ولا يجوز العكس.

ثانياً : غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع ، ولا يصحّ العكس.

ثالثاً : مسح مقدّم الرأس بما بقي من بلل اليد ، بمقدار ثلاثة أصابع مضمومة عرضاً ، وقدر إصبع طولاً ، وأن يكون المسح من الأعلى إلى الأسفل بباطن الكفّ اليمنى.

رابعاً : مسح القدمين من أطراف الأصابع إلى الكعبين.

( سامي مراد - الكويت - .... )

غسل اليد من المرفق :

س : قال اللّه تعالى في آية الوضوء : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ) (1).

فأرجو أن توضّحوا لي : لماذا يكون وضوؤنا إلى الأصابع؟ وليس إلى المرافق؟ كما في الآية ، أي إنّنا عندما نريد أن نتوضّأ نغسل أيدينا من المرافق إلى الأصابع؟

ج : قال تعالى : ( فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) ، والأيدي جمع يد ، وهي العضو الخاصّ الذي به القبض والبسط والبطش وغير ذلك ، وهو : ما

ص: 454


1- المائدة : 6.

بين المنكب وأطراف الأصابع ، وبما أنّ المعظم من مقاصد اليد تحصل بما دون المرفق إلى أطراف الأصابع ، سُمّي هذا المقطع باليد أيضاً ، فصار اللفظ بذلك مشتركاً ، كالمشترك بين الكلّ والأبعاض ، وهذا الاشتراك هو الموجب لذكر القرينة المعيّنة إذا أُريد به أحد المعاني ، ولذلك قيّد تعالى قوله : ( وَأَيْدِيَكُمْ ) بقوله : ( إِلَى الْمَرَافِقِ ) ، ليتعيّن أنّ المراد غسل اليد التي تنتهي إلى المرافق.

فتبيّن : أنّ قوله تعالى : ( إِلَى الْمَرَافِقِ ) قيد لقوله : ( أَيْدِيَكُمْ ) ، فيكون الغسل المتعلّق بها مطلقاً غير مقيّد بالغاية ، يمكن أن يبدأ فيه من المرفق إلى أطراف الأصابع ، وهو الذي يأتي به الإنسان طبعاً إذا غسل يده في غير حال الوضوء من سائر الأحوال ، أو يبدأ من أطراف الأصابع ويختم بالمرفق ، لكن الأخبار الواردة من طريق أئمّة أهل البيت عليهم السلام تفتي بالنحو الأوّل دون الثاني ، وبعبارة أسهل نقول :

1 - إنّ لفظ الأيدي في الآية الشريفة مشترك بين كونه ما بين المنكب وأطراف الأصابع ، أو ما بين المرفق وأطراف الأصابع.

2 - هذا الاشتراك يحتاج إلى قرينة تعيّنه.

3 - قوله تعالى : ( إِلَى الْمَرَافِقِ ) قرينة على تعيين المراد من اليد ، فقوله تعالى : ( إِلَى الْمَرَافِقِ ) قيد لقوله تعالى : ( وَأَيْدِيَكُمْ ) ، لا قيداً لقوله تعالى : ( فاغْسِلُواْ ) ، ولا معنى لكونه قيداً لهما جميعاً.

4 - وبعد هذا ، فإنّ الآية غير ناظرة إلى أنّ الغسل من أين يبدأ فيه ، فحينئذ يرجع فيه إلى السنّة.

5 - إنّ الأُمّة أجمعت على صحّة وضوء من بدأ في الغسل بالمرافق وانتهى إلى أطراف الأصابع ، وهذا يؤيّد مدّعانا من الاستفادة من الآية القرآنية.

ص: 455

( جنيد عباس - غانا - .... )

كيفية وضوء رسول اللّه :

س : من فضلكم كيف كان الرسول صلى اللّه عليه وآله يتوضّأ؟ لأنّي أرى بعض المسلمين يفعلون شيئاً ، وآخرون يفعلون شيئاً آخر ، لذلك أُريد البيان الكامل منكم.

ج : روى الشيخ الكليني قدس سره عن زرارة وبكير أنّهما سألا أبا جعفر عليه السلام عن وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فدعا بطشت ، أو تور فيه ماء ، فغمس يده اليمنى ، فغرف بها غرفة ، فصبّها على وجهه ، فغسل بها وجهه ، ثمّ غمس كفّه اليسرى ، فغرف بها غرفة ، فأفرغ على ذراعه اليمنى ، فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكفّ ، لا يردّها إلى المرفق ، ثمّ غمس كفّه اليمنى ، فأفرغ بها على ذراعه اليسرى من المرفق ، وصنع بها مثل ما صنع باليمنى ، ثمّ مسح رأسه وقدميه ببلل كفّه ، لم يحدث لهما ماء جديداً ... (1).

ص: 456


1- الكافي 3 / 25.

وطئ الزوجة من الدبر :

اشارة

( عبد اللّه - الكويت - سنّي - 25 سنة - دبلوم تجارة )

محلّ نقاش عند أهل السنّة :

س : في البداية أودّ أن أقول : بأنّني لم أجد موقعاً في الإنترنت مثل موقعكم هذا ، حيث أنّني من محبّي معرفة الإسلام الحقّ ، وهذا الموقع وضّح لي الكثير من الأشياء ، التي كانت تخفى عليّ أنا ، المهمّ أحبّ أن أقول : بأنّني سنّي المذهب حتّى الآن ، ولكن أحبّ أن أوضّح لكم بعض الأُمور ، أنا اقتنعت من مذهب الشيعة ، حيث أنّني فهمت الكثير من هذا الموقع ، وجزاكم اللّه خيراً ، حيث أنّني لم أكن أعرف معنى السجود على التربة ، وجمع الصلوات ، والخمس ، وزواج المتعة.

المهمّ أنّ موضوعي ليس زواج المتعة ، بل هو بعض الفتاوى التي تصدر من مراجع الشيعة ، مثل ما يلي : علماء الشيعة يجوّزون في الزواج أن يدخل الرجل بزوجته من الدبر ، وهذا متّفق عليه عند المراجع كُلّهم ، أنا أعلم بأنّه مكروه كراهية شديدة ، والمرأة إن رفضت لا تعتبر ناشزة ، ولكن هل هذا جائز فعلاً؟ أعني بذلك أنّه هل توجد أدلّة تبيّن لنا - نحن الباحثون عن الحقّ - لماذا هذا جائز عند الشيعة ، وليس جائز عند السنّة؟

وهل يوجد من علماء السنّة من الأوّلين إلى الآن ، من جوّز الدخول على المرأة من الدبر؟ وإن كان يوجد فأرجو ذكر أسمائهم ، حيث أنّه هناك آية قرآنية تبيّن فيها أن تأتي المرأة من ما أمرنا اللّه ، أو ليس هذا اجتهاد مقابل النصّ

ص: 457

القرآني؟ أرجو التوضيح ، لأنّ الشيعة هم ينادون بأنّهم يندّدون ويبغضون من يجتهد مقابل النصّ ، مثل عمر بن الخطّاب.

آسف على الإطالة ، ولكنّي أبحث عن الحقّ ، وقد أُعجبت بمذهب أهل البيت ، ولكن رأيت من يمثّل أهل البيت لهم فتاوى غريبة ، كالتي ذكرتها ، وأنا أُريد أن أسير في طريق أهل البيت ، ولكن يوجد فتاوى كالتي ذكرتها ، والمزيد ما لم أذكره أجد فيه غرابة واجتهاد مقابل النصّ القرآني.

على العموم أنا إنسان في طريق الاستبصار ، فقد فهمت كُلّ عقائد أهل البيت ، ولكنّي أعجب من فتاوى العلماء الذين سوف يكون واحد منهم مرجعي ، فأرجو منكم التوضيح التام للأمر الذي ذكرته ، وسوف يكون بيننا تواصل إن شاء اللّه تعالى.

ج : إنّ موضوع إتيان النساء في أدبارهنّ مختلف فيه عند الشيعة ، فمنهم من يفتي بكراهته ، ومنهم من يحرّمه ، ولكُلّ من الفريقين أدلّة ونصوص قرآنية وروائية لا مجال لنا أن نتعرّض لسردها وتأييدها أو ردّها ، ولكن نشير إلى الآية التي ذكرتموها ، وهي : ( ... فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ ) (1) ، فلا يظهر المراد منها على وجه تختصّ بالقُبل ، كما هو ظاهر للمتأمّل ، بل كما يجوز هذا الوجه ، يحتمل أيضاً أن يكون المراد هو حلّية مطلق الإتيان ، ورفع الحظر الذي كان في حالة الحيض.

ثمّ إنّ المتتبّع المنصف يرى أنّ الموضوع هو محلّ النقاش عند السنّة أيضاً ، فعلى سبيل المثال نذكر هنا هذه الرواية التي تجوّز هذا الأمر عندهم : عن أبي سعيد : أنّ رجلاً أصاب امرأته في دبرها ، فأنكر الناس ذلك عليه ، وقالوا : نعيّرها ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) (2).

ص: 458


1- البقرة : 222.
2- البقرة : 223.

قال أبو جعفر : فذهب قوم إلى أنّ وطئ المرأة في دبرها جائز ، واحتجّوا في ذلك بهذا الحديث ، وتأوّلوا هذه الآية على إباحة ذلك (1).

وأخيراً : لابأس أن نشير إلى نقطة هامّة في المقام ، وهو أنّه في طريق البحث عن العقيدة والمذهب الصحيح لا ينبغي أن نتحقّق في المواضيع الهامشية ، بل يجب علينا أن نبحث في الأُسس والأركان ، ثمّ إنّ رضينا وقنعنا بها نقبل بالتفاصيل بصورة عامّة.

ولا يعقل أن نتساءل في كُلّ مورد عن الأدلّة والتفاصيل ، بل نرجع فيها إلى ذوي الخبرة والاختصاص ، فالمسائل والفروع الفقهية هي محلّ بحث ونقاش حتّى الآن ، وهذا لا يخدش في أصل العقيدة والمذهب بعد ما أثبتنا صحّته بالدلائل العقلية والنقلية.

( عبد اللّه - الكويت - سنّي - 25 سنة - دبلوم تجارة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : السلام عليكم يا أتباع الحقّ ، في الحقيقة أنّني استلمت ردّكم على سؤالي ، وأنا أشكركم جدّاً على جهدكم المتواصل ، لتوصيل مذهب أهل البيت للناس ، ولكن للأسف قليل من الناس من يعرف قدر أهل بيت رسول اللّه ، المهمّ أنّني قرأت الإجابات ، وإنّني أصارحكم بأنّني لم اقتنع بشكل كامل ، ولكن أصبحت الصورة أوضح والحمد لله.

ولكن مشكلتي هي أنّني لا أملك الوقت الكامل لأطّلع على الكتب التي وضعتم عناوينها ورقم صفحاتها ، وذلك بسبب عملي الطويل وبقائي خارج البيت ، وهذا الموضوع بالنسبة لي مهمّ جدّاً ، فلو تكرّمتم أن تكتبوا لي النصوص الموجودة في الكتب السنّية التي ذكرتموها عن إتيان المرأة في الدبر.

ص: 459


1- شرح معاني الآثار 3 / 40 ، جامع البيان 2 / 537 ، فتح الباري 8 / 141 ، فيض القدير 1 / 88 ، نيل الأوطار 6 / 355 ، الدرّ المنثور 1 / 265 ، فتح القدير 1 / 229.

ج : نذكر لكم بعض النصوص المشار إليها في جوابنا لكم ؛ ففي مجال إتيان النساء في أدبارهنّ ، أخرج البخاري عن ابن عمر في آية ( فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) (1) ، أنّه قال : يأتيها في الدبر (2).

ونقل الطبري عن نافع قال : « كان ابن عمر إذا قرئ القرآن لم يتكلّم ، قال : فقرأت ذات يوم هذه الآية ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) فقال : أتدري فيمن نزلت هذه الآية؟ قلت : لا ، قال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهنّ » (3).

وعن أبي سعيد الخدري : « أنّ رجلاً أصاب امرأته في دبرها ، فأنكر الناس ذلك عليه ، وقالوا : نعيّرها ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ هذه الآية ، وعلّقه النسائي عن هشام بن سعيد عن زيد : وهذا السبب في نزول هذه الآية مشهور » (4).

وعن أبي سعيد الخدري قال : أبعر رجل امرأته على عهد رسول اللّه ، فقالوا : أبعر فلان امرأته ، فأنزل اللّه ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ... ) (5).

وعن مالك قال : « ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشكّ في أنّه حلال ، يعني وطء المرأة في دبرها ، ثمّ قرأ ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ... ) ، قال : فأيّ شيء أبين من هذا وما أشكّ فيه » (6).

وأخرج ابن جرير في كتاب النكاح من طريق ابن وهب عن مالك : أنّه مباح (7).

ص: 460


1- البقرة : 223.
2- صحيح البخاري 6 / 160 ، فتح الباري 8 / 141 ، عمدة القاري 18 / 154.
3- جامع البيان 2 / 535 ، صحيح البخاري 5 / 160 ، عمدة القاري 18 / 153 ، أحكام القرآن لابن العربي 1 / 238 ، الجامع لأحكام القرآن 3 / 91 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 269.
4- فتح الباري 8 / 142.
5- مسند أبي يعلى 2 / 355.
6- أحكام القرآن للجصّاص 1 / 426 ، المجموع 16 / 420 ، المغني لابن قدامة 8 / 131 ، عمدة القاري 18 / 155 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 272.
7- الدرّ المنثور 1 / 266.

( عبد اللّه - الكويت - 27 سنة - طالب ثانوية )

تعليق على الجواب السابق :

اشارة

تحية طيّبة ، وبعد : أشكر القائم على هذا الموقع ، والمجيب على سؤال السائل ، والإخوة الذين شاركوا بهذا الموضوع.

والكثير كان يسأل عن مصادر أهل السنّة القائلين بإتيان الزوجة من الدبر ، أو كما ذكر الغير : من الخلف ، فلا حياء بالدين ، وأبدأ بتفسير الإمامين الجليلين العلاّمة جلال الدين محمّد بن أحمد المحلّي ، والعلاّمة جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المطبوع في دار المعرفة بيروت لبنان ، الطبعة الأُولى 1403 هجري 1983 ميلادي :

ذكروا في تفسيرهم عن أسباب نزول قوله تعالى : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) : روى الشيخان وأبو داود والترمذي عن جابر قال : كانت اليهود تقول : إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول ، فنزلت ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) .

وأخرج أحمد والترمذي عن ابن عباس قال : جاء عمر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال : يا رسول اللّه ، هلكت ، قال : « وما أهلكك »؟ قال : حوّلت رحلي الليلة ، فلم يرد عليه شيئاً ، فأنزل اللّه هذه الآية ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) أقبل وأدبر ....

وأخرج أبن جرير وأبو يعلى وابن مردويه من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري : أنّ رجلاً أصاب امرأته في دبرها ، فأنكر الناس عليه ذلك ، فأنزلت ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) الآية.

وأخرج البخاري عن ابن عمر قال : أنزلت هذه الآية في إتيان النساء في أدبارهن.

وأخرج الطبري في الأوسط بسند جيّد عنه قال : إنّما أنزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) رخصة في إتيان الدبر.

وأخرج أيضاً عنه : أنّ رجلاً أصاب امرأة في دبرها في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فأنكر ذلك ، فأنزل اللّه ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) .

ص: 461

وتوجد رواية أُخرى لمن يحبّ يراجع المصدر ، ومن هذه الأحاديث نستدلّ بأنّ بعض مصادر أهل السنّة تجوّز إتيان النساء من الدبر.

وأقول بالختام : إن كان المذهب فيه شوائب كما يدّعي الغير ، فالأفضل يطّلع على مذهبه ، وسوف يرى العجب من العجائب التي ذكرت في كتبهم ، وأقول : من أراد الحقّ لا يبحث عن الفرع بل عن الأصل.

( مشري المشري - السعودية - إسماعيلي - 35 سنة - طالب جامعة )

حكمه وأدلّته :

س : ما هو حكم إتيان الزوجة من الدبر في المذهبين الشيعي الإمامي والإسماعيلي؟

ج : أختلف الحكم عند الإمامية في جواز الوطء بالدبر ، فالأكثر على جواز الوطء على كراهة شديدة ، والبعض اختار التحريم ، وسبب ذلك لاختلاف الأدلّة ، فمنها من أجازت ذلك ، ومنها من شدّدت على التحريم.

أمّا أدلّة المجوّزين ، فهي رواية عبد اللّه بن أبي يعفور : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ، قال عليه السلام : « لابأس إذا رضيت » ، قلت : فأين قول اللّه تعالى : ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ ) ؟ قال عليه السلام : « هذا في طلب الولد ، فاطلبوا الولد من حيث أمركم اللّه ، إنّ اللّه تعالى يقول : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) » (1).

واحتجّوا أنّ كلمة ( أنَّى ) في الآية مكانية ، يعني فأتوا نساؤكم في أيّ مكانٍ شئتم ، إضافة إلى إطلاقات جواز التمتّع في المرأة ، فإنّها غير مقيّدة.

أمّا القائلون بالتحريم ، فاستدلّوا برواية معمّر بن خلاّد قال : قال لي أبو الحسن عليه السلام : « أيّ شيء يقولون في إتيان النساء في أعجازهن »؟ قلت : إنّه بلغني أنّ أهل المدينة لا يرون به بأساً.

ص: 462


1- الاستبصار 3 / 243.

فقال : « إنّ اليهود كانت تقول : إذا أتى الرجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول ، فأنزل اللّه تعالى : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) من خلف أو قدّام مخالفاً لقول اليهود ، ولم يعن في أدبارهن » (1).

على أنّهم حملوا كلمة ( أنَّى ) بأنّها زمانية ، أي فأتوا حرثكم في أيّ وقت شئتم ، ولذا من أختار الجواز ذهب إلى كراهة الفعل جمعاً لروايات الحلّية وروايات التحريم.

أمّا على المذهب الإسماعيلي فلم تتوفّر لدينا مصادر فقهية يمكن الرجوع إليها والجزم بها ، إلاّ أنّ ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام من الجواز يمكن ركونهم إليه ، وحمل الفعل على الكراهة جمعاً بين روايات وردت عن الصادق عليه السلام وأهل البيت في حلّية الفعل وفي تحريمه ، والرجوع إلى علماء الإسماعيلية للقطع بفتواهم هو الأفضل.

( ... - ... - ..... )

معنى قوله : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) :

س : جاء في سورة البقرة : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) ، قرأت في التفسير الكاشف لمحمّد جواد مغنية أن ( فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) ، أنّ جماعة من فقهاء الشيعة الإمامية قد أباحوا وطء الزوجة دبراً ، وأنّ الرازي نقل في تفسير هذه الآية أن ابن عمر كان يقول : المراد من الآية تجويز إتيان النساء في أدبارهن ، فما صحّة هذا القول؟ وما هو الحكم الشرعي في هذه المسألة؟

ج : اعلم أنّ كلمة ( أنَّى ) من أسماء الشرط ، وهو إمّا أن يكون للزمان أو للمكان ، فقد وقع الاختلاف فيه ، فمن قال للزمان فيكون تفسير الآية

ص: 463


1- المصدر السابق 3 / 245.

الشريفة ( فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ ) في أيّ زمان شئتم إلاّ ما خرج بالدليل ، وهو أيّام الأذى ، أي أيّام الحيض.

وإذا كان للمكان فمعنى الآية ( فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ ) في أيّ مكان شئتم ، فيعمّ الدبر حينئذٍ ، إلاّ أنّه قيل قد خرج بالدليل أيضاً بقوله تعالى : ( وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ) (1) ، وكذلك ورد عن النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله : « محاش النساء على أُمّتي حرام » (2) ، ولكن في روايات أُخرى نُفي البأس عن ذلك ، فالفقهاء جمعاً بين الروايات حكموا بالكراهة ، ومنهم من قال بالكراهة الشديدة ، ومنهم بالحرمة من باب الاحتياط الوجوبي ، كما عند السيّد الخوئي قدس سره.

فالمسألة خلافية باعتبار اختلاف لسان الروايات ، وهذا يعني أنّه في مقام التقليد لابدّ أن ترجع إلى من تقلّده ، وتعمل على طبق فتواه.

( أبو علي - ... - 20 سنة )

في صحيح البخاري وفتح الباري :

س : السؤال هو عن وطي الزوجة من الدبر ، أتمنّى أن تذكروا نصّ البخاري مع المصدر؟ لأنّ كتاب البخاري يوجد له نسخ كثيرة ، فالأفضل ذكر نصّ الحديث والباب ، وكذلك في المصادر الأُخرى ، ودمتم موفقين.

ج : ننقل لك نصّ ما ورد في البخاري في نكاح الدبر : « عن نافع قال : كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلّم حتّى يفرغ منه ، فأخذت عليه يوماً ، فقرأ سورة البقرة حتّى انتهى إلى مكان قال : تدري فيما أُنزلت؟ قلت : لا ، قال : أُنزلت في كذا وكذا ، ثمّ مضى.

وعن عبد الصمد حدّثني أبي حدّثني أيوب عن نافع عن ابن عمر ( فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) قال : يأتيها في ....

ص: 464


1- البقرة : 189.
2- الاستبصار 3 / 244.

رواه محمّد بن يحيى بن سعيد عن أبيه عن عبيد اللّه عن نافع عن ابن عمر » (1).

قال ابن حجر العسقلاني في شرح هذا الحديث : « أُختلِف في معنى أنّى ، فقيل : كيف ، وقيل : حيث ، وقيل : متى ، وبحسب هذا الاختلاف جاء الاختلاف في تأويل الآية » (2).

ثمّ علّق ابن حجر على الحديث « أُنزلت في كذا وكذا » : هكذا أورد مبهماً لمكان الآية والتفسير (3).

ثمّ قال ابن حجر : « قوله يأتيها في ... ، هكذا وقع في جميع النسخ ، لم يذكر ما بعد الظرف وهو المجرور ، ووقع في الجمع بين الصحيحين للحميدي يأتيها في الفرج ، وهو من عنده بحسب ما فهمه ، ثمّ وقفت على سلفه فيه ، وهو البرقاني فرأيت في نسخة الصنعاني زاد البرقاني يعني الفرج ، وليس مطابقاً لما في نفس الرواية عن ابن عمر لما سأذكره.

وقد قال أبو بكر بن العربي في سراج المريدين : أورد البخاري هذا الحديث في التفسير ، فقال : يأتيها في وترك بياضاً ، والمسألة مشهورة ، صنّف فيها محمّد بن سحنون جزءً ، وصنّف فيها محمّد بن شعبان كتاباً ، وبيّن أنّ حديث ابن عمر في إتيان المرأة في دبرها » (4).

ثمّ قال ابن حجر : « فأمّا الرواية الأُولى - وهي رواية بن عون - فقد أخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده ، وفي تفسيره بالإسناد المذكور ، وقال بدل قوله حتّى انتهى إلى مكان ، حتّى انتهى إلى قوله : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) ، فقال : أتدرون فيما أُنزلت هذه الآية؟ قلت : لا ، قال :

ص: 465


1- صحيح البخاري 5 / 160.
2- فتح الباري 8 / 140.
3- نفس المصدر السابق.
4- فتح الباري 8 / 141.

نزلت في إتيان النساء في أدبارهن ، وهكذا أورده بن جرير من طريق إسماعيل ابن علية عن بن عون ، ومن طريق إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي عن بن عون نحوه ، وأخرجه أبو عبيدة في فضائل القرآن عن معاذ بن عون فأبهمه ، فقال في كذا وكذا.

وأمّا رواية عبد الصمد فأخرجها ابن جرير في التفسير عن أبي قلابة الرقاشي ، عن عبد الصمد بن عبد الوارث ، حدّثني أبي فذكره بلفظ يأتيها في الدبر ، وهو يؤيّد قول ابن العربي ، ويرد قول الحميدي ، وهذا الذي استعمله البخاري نوع من أنواع البديع يسمّى الاكتفاء ، ولابدّ له من نكته يحسن بسببها استعماله.

وأمّا رواية محمّد بن يحيى بن سعيد القطان فوصلها الطبراني في الأوسط من طريق أبي بكر الأعين ، عن محمّد بن يحيى المذكور بالسند المذكور إلى ابن عمر قال : إنّما نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نساؤكم حرث لكم رخصة في إتيان الدبر » (1).

ثمّ قال ابن حجر : « وقد عاب الإسماعيلي صنيع البخاري فقال : جميع ما أخرج عن بن عمر مبهم لا فائدة فيه » (2).

نرجو الإطلاع على جميع البحث هناك ، ففيه المزيد من الروايات والطرق وتصحيحها.

ونقول : هذه ليست المرّة الأُولى التي يقوم البخاري بتقطيع الأحاديث وإبهامها بكذا وكذا ، بل هذا ديدنه ومنهجه في نقل أحاديث تدعم مذهب أهل البيت عموماً - سواء في الفقه أو العقائد - والحمد لله الذي أظهر هذا الموضع على أيدي علماء ثقات عندهم لا من غيرهم.

ص: 466


1- نفس المصدر السابق.
2- نفس المصدر السابق.

وقال ابن حجر عن التحريم : « وذهب جماعة من أئمّة الحديث - كالبخاري والذهبي والبزّار والنسائي وأبي علي النيسابوري - إلى أنّه لا يثبت فيه شيء » (1).

فهؤلاء كُلّهم وآخرون معهم حتّى يصل الدور إلى مالك والشافعي يقولون بالجواز ، وهم ليسوا من الشيعة ، فثبت قولنا بأنّ المسألة فرعية فقهية خلافية عندنا وعندهم ، ولكن ماذا نفعل لمن عماه نصبه عن الحقيقة.

( أحمد - الإمارات - 19 سنة - طالب حوزة )

معنى اللعن الوارد فيه :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع : الخميني يبيح وطء الزوجة في الدبر : يقول الخميني في تحرير الوسيلة : المشهور الأقوى جواز وطء الزوجة دبراً على كراهية شديدة!

ولا نملك إلاّ ذكر قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « ملعون من أتى امرأة في دبرها » ، أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : وطي الزوجة من دبر مسألة فقهية ، ولابأس أن ننقل هنا كلام السيّد المرتضى قدس سره في كتابه « الانتصار » حول الموضوع إذ يقول : « وممّا شنّع به على الإمامية ونسبت إلى التفرّد به ، وقد وافق فيه غيرها القول بإباحة وطء النساء في غير فروجهن المعتادة للوطء ، وأكثر الفقهاء يحظرون ذلك.

وحكى الطحاوي في كتاب الاختلاف عن مالك أنّه قال : ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشكّ في أنّ وطء المرأة في دبرها حلال ، ثمّ قرأ : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) الآية ، وقال الطحاوي في كتابه هذا : حكى لنا محمّد بن عبد اللّه بن الحكم أنّه سمع الشافعي يقول : ما صحّ عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله في تحريمه ولا تحليله شيء ، والقياس أنّه حلال.

ص: 467


1- فتح الباري 8 / 142.

والحجّة في إباحة ذلك إجماع الطائفة ، وأيضاً قوله تعالى : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) ، ومعنى أنّى شئتم كيف شئتم ، وفي أيّ موضع شئتم وآثرتم ، ولا يجوز حمل لفظة ( أَنَّى ) هاهنا على الوقت ، لأنّ لفظة ( أَنَّى ) تختصّ بالأماكن ، وقلّما تستعمل في الأوقات ، واللفظة المختصّة بالوقت أيّان شئتم ، ولا فرق بين قولهم : ألق زيداً أنّى كان ، وأين كان في عموم الأماكن ، على أنّا لو سلّمنا أنّ الوقت مراد بهذه اللفظة حملناها على الأمرين معاً من الأوقات والأماكن.

فأمّا من أدّعى أنّ المراد بذلك إباحة وطء المرأة من جهة دبرها في قُبلها بخلاف ما تكرهه اليهود من ذلك ، فهو تخصيص لظاهر القرآن بغير دليل ، والظاهر متناول لما قالوه ولما قلناه » (1).

أمّا حديث : « ملعون من أتى امرأته في دبرها » (2) ، لو سلّمنا بصحّة الحديث ، فاللعن لا يعني الحرمة ، وإنّما يدور أمره بين الحرمة والكراهة ، كما هو المعلوم عند المحقّقين من الأُصوليين ، فلا وجه للاستشهاد به ، فإذا استفاد الفقيه من اللعن الكراهة ، فهي تعني الجواز كما لا يخفى ، ومن هنا تجد بعض الفقهاء يفتون في المسألة - ومنهم السيّد الخميني في تحرير الوسيلة - بجواز وطء الزوجة في دبرها على كراهية شديدة.

فلاحظ ذلك وتأمّله فهل تجده مخالفاً لأدلّة الشرع؟ وقد جاء يستدلّ بها من لا يعرف هذه الصناعة ، بل من لا يدرك أي طرفيه أطول ليصول به ، وتلك محنة أهل العلم مع أهل الجهل في كُلّ زمان ومكان.

ص: 468


1- الانتصار : 294.
2- مسند أحمد 2 / 444 و 479 ، سنن أبي داود 1 / 479.

وقت الإفطار :

( علي - المغرب - 22 سنة - ليسانس )

زوال الحمرة المشرقية :

س : ما معنى قوله تعالى : ( ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ) (1)؟

ج : إنّ ظهور الآية تدلّ بالصراحة على وجهة نظر الشيعة في تعيين المغرب ، بأنّه يصدق عند ذهاب وزوال الحمرة المشرقية عن قمّة رأس الإنسان نحو الأُفق.

وتوضيحه : أنّ كلمة ( الَّليْلِ ) لا تعطي معنى مجرّد سقوط قرص الشمس في الأُفق الغربي - كما عليه أهل السنّة - وهذا واضح لمن راجع كتب اللغة في هذا المجال ، فإنّ كلمة ( الَّليْلِ ) تحتوي في مفادها على الظلمة والسواد ، وهذا لا يجتمع مع فتوى أهل السنّة.

وأمّا رأي الشيعة فيتّفق مع معنى ومفهوم الكلمة تماماً ، فبعد ذهاب الحمرة في السماء عن فوق رأس الإنسان نحو المغرب ، يبدأ الظلام والسواد في السماء.

نعم ، قد يتكلّف فقهاء أهل السنّة في إثبات رأيهم بالتمسّك بروايات تحدّد تعريف المغرب كما يرونه ، ولكن لنا أيضاً روايات تخالفهم ، فالقاعدة المحكمة في المقام أن نأخذ بالموافق للقرآن ، وهو كما ذكرناه لكم ؛ ولابأس أن نشير هنا بأنّ الفخر الرازي قد ذكر في تفسير الآية وجود رأي أو آراء من أهل السنّة كانت ترى مصداق ( الَّليْلِ ) موافقاً لما تتبنّاه الشيعة في المقام (2).

ص: 469


1- البقرة : 187.
2- التفسير الكبير 2 / 275.

ثمّ إنّ تطبيق رأي الشيعة في المقام واضح ، فعندما يرى الإنسان أنّ الحمرة المتبقّية من ضوء الشمس ، قد أتاه من جانب المشرق وزال وتجاوز عن فوق رأسه في السماء ، يقطع حينئذٍ بدخول وقت المغرب المجوّز لصلاته والإفطار.

ص: 470

الولاية التكوينية والتشريعية :

اشارة

( أبو أحمد الموسوي - ... - )

معنى التكوينية وثبوتها لأهل البيت :

س : اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد ، وعجّل فرج آل محمّد.

ما هو المراد بالولاية التكوينية؟ وهل هي ثابتة لأهل البيت عليهم السلام؟ نرجو بيان الدليل ، وما هو حكم منكرها على فرض ثبوتها؟ وهل يجب الاعتقاد بها؟ أفيدونا غفر اللّه لكم ، وأدامكم ذخراً.

ج : لقد تعدّدت أسئلتك وسوف نجيب عليها بالنقاط التالية :

1 - الولاية التكوينية : هنالك عدّة معانٍ لها يذكرها العلماء في كتبهم ، بعضها شرك محرّم ، وهي القائلة بأنّ معنى الولاية التكوينية لغير اللّه ، أنّهم يتصرّفون بالكون والخلق بانفصال عن إرادة اللّه تعالى ، أو أنّ اللّه تعالى قد فوّض إليهم شؤون العالم ، وهذه المعاني كما قلنا قد اتفق العلماء على استلزامها للشرك المحرّم.

أمّا إن كان معنى الولاية التكوينية غير هذا ، بل هو التصرّف في الكون بإشارة اللّه وإرادته ، فلا مانع من ذلك ولا محذور ، وقد وقع في حقّ غير أهل البيت عليهم السلام ، كما يذكر القرآن الكريم قصّة آصف وزير سليمان ( قَالَ الَّذِي

ص: 471

عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي ... ) (1).

وهنالك معان أُخرى لا تصل إلى الأوّل ، وإن كانت أعمق من الثاني ، أعرضنا عنها للاختصار.

2 - أمّا ثبوتها لأهل البيت عليهم السلام ، فلا ريب في ذلك ولا شبهة - بما عدا المعنى الأوّل الذي يستلزم الشرك والتفويض المحرّم - ويكفينا دلالة على ذلك الآية التي ذكرناها حكاية عن آصف ، فمن كان عنده علم من الكتاب - ومن تبعيضية - يستطيع أن يتصرّف في شؤون الكون ، ويأتي بعرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس.

فكيف لا يستطيع ذلك - وأكثر منه - من عنده علم الكتاب - أي جميع الكتاب - وقد وردت الروايات الكثيرة أنّ أهل البيت عليهم السلام عندهم علم جميع الكتاب ، بل القرآن صريح في ذلك ، حيث يقول إشارة إلى الكتاب الكريم ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (2).

3 - أمّا سؤالك عن حكم منكرها أو وجوب الاعتقاد بها : إنّ مقامات أهل البيت عليهم السلام كثيرة جدّاً ، قد لا يصل إلى إدراكها إلاّ الأوحدي من الناس ، وهذا ما نجد بعض الأحاديث المستفيضة تشير إليه ، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : ( فمن عرف فاطمة حقَّ معرفتها ، فقد أدرك ليلة القدر ، وإنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها ) (3).

ومن هنا نقول : إنّه ليس ذنباً أن تقصر إفهام البعض عن إدراك هذه الذوات القدسية والأنوار الإلهية ، ولكن الذنب في إنكارها وجحدها بدون دليل وعلم ، بل لمجرّد قصور الذهن وعدم التفاعل.

اللّهم عرّفنا حجّتك ، فإنّك إن لم تعرفنا حجّتك ضللنا عن ديننا.

ص: 472


1- النمل : 40.
2- آل عمران : 7.
3- تفسير فرات : 581.

( أبو مصطفى - البحرين - )

ثبوت التكوينية للمعصوم :

س : ما رأيكم في من يقول بثبوت الولاية التكوينية للمعصوم؟ ولكنّه يجعلها مؤقّتة ، أي يقول : أنّ المعصوم يفعل ما يفعل من معجز بموجب ولاية تكوينية بالعرض ، تكون في طول الولاية التكوينية الذاتية لله تعالى ، ولكن غاية ما هنالك هو أنّ هذه الولاية ليست دائمية ، بل هي مؤقّتة تعطى للمعصوم حين يطلبها هو من اللّه تعالى ، وليس المقصود أنّه يطلب من اللّه المعجز ، فيجريها اللّه على يديه دون أن يكون له في ذلك أي دخل ، بل المراد أنّه يطلب هذه الولاية فيعطيها اللّه له ، وهو يقوم بالمعجز بها.

ج : في صدد الجواب عن سؤالكم نجيب باختصار :

1 - لابدّ أن نفرّق بين الولاية التكوينية والعلم بالغيب ، إذ في العلم بالغيب بإذن اللّه عدّة نظريات ، بعضها تثبت العلم الفعلي وبعضها الإنشائي ، وبعبارة أُخرى : بعض النظريات تقول المعصوم إذا شاء علم ، وبعضها تقول أنّ علمه حضوري دائماً.

2 - أمّا بالنسبة إلى الولاية التكوينية فعموم الأدلّة النقلية لا تفصّل في مَن أُعطي هذه الولاية بين كونها فعلية أو إنشائية.

فقوله تعالى : ( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي ... ) (1) ، فالإذن هنا مطلق ، غير مخصّص بزمان معيّن ، فمن أُعطي هكذا إذن يستطيع أن يستعمل هذه القدرة متى شاء.

وكذلك قوله تعالى : ( وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ ... ) (2).

ص: 473


1- المائدة : 110.
2- آل عمران : 49.

وقوله تعالى : ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ ... ) (1).

وجريان الريح قطعاً بإذن اللّه تعالى ، وهو يثبت الولاية التكوينية الفعلية من دون تخصيص بوقت معيّن.

وقوله تعالى : ( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ... ) (2) ، وهذا أيضاً يثبت الولاية التكوينية من دون أن تخصّص بوقت معيّن.

وأمثال هذه الآيات كثير ، وكذلك توجد روايات كثيرة في هذا الصدد ، بالأخصّ تلك الواردة في معاجز الأنبياء ، بالأخص نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله وآل بيته المعصومين ، وكُلّها مطلقة لا تخصّص هذه الولاية بوقت معيّن ، ولا تقسّمها إلى أقسام.

نعم ، توجد هناك بعض الآراء الشاذّة تقسّم الولاية التكوينية إلى إنشائية وفعلية ، وبعض الآراء التي ترى ارتباطاً مباشراً بين العلم بالغيب والولاية التكوينية ، وبعض آراء أُخرى لا يمكننا المساعدة عليها لضعف الأدلّة التي تعتمد عليها.

( ... - ... - ..... )

التكوينية ثابتة للأئمّة بروايات كثيرة :

س : هل للأئمّة ولاية تكوينية؟

ج : إنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام بما لهم من المكانة الرفيعة والسامية عند اللّه تعالى ، فلا يأبى العقل والنقل بأن تكون لهم قدرة التصرّف في الكون التي تسمّى في الاصطلاح ب- « الولاية التكوينية » ، وهذا ممّا ورد فيه الروايات الكثيرة.

ص: 474


1- ص : 36.
2- النمل : 40.

ولكن الأمر المهمّ أن نعرف مدى هذه الولاية والسلطة ، فتؤكّد نفس المصادر بأنّها في طول ولاية اللّه تعالى ، أي : أنّ هذه القدرات كُلّها تكون بإذن صريح من الباري تعالى ولم تكن بالاستقلال ، وهذا هو الفارق بين عقيدة الشيعة ورأي الغلاة والمفوّضة ، فإنّهم يرون الاستقلالية في هذا المجال.

والدليل الواضح لنا في هذا الموضوع هو القرآن الكريم ، فيقول : ( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي ) (1).

فالأنبياء والأئمّة عليهم السلام وسائط في هذا التصرّف التكويني ، والروايات الواردة في هذا المجال كُلّها تصرّح أو تلوّح بهذا الموضوع ، ولمعرفتها لابأس بمراجعة كتاب بحار الأنوار أبواب معجزات الأئمّة عليهم السلام.

( أبو علي - البحرين - .... )

معناهما وتعريفهما :

س : ما الفرق بين الولاية التكوينية والولاية التشريعية؟

ج : يتمّ الجواب على سؤالكم في نقاط خمس :

الأُولى : أنّ مصطلح الولاية التكوينية من المصطلحات المستحدثة في كلمات المتأخّرين ، وغير موجود في كلمات القدماء ، وعليه فهذا المصطلح لم يرد لا في آية قرآنية ولا في سنّة شريفة ، ولكنّه يشير إلى مفهوم قد تداولته العديد من الآيات القرآنية ، والنصوص الشريفة.

الثانية : معنى الولاية التكوينية لغة :

الولاية : التمكّن من الشيء والتسلّط عليه.

التكوينية : مأخوذة من الكون.

ص: 475


1- المائدة : 110.

فالولاية التكوينية لغة هي : التمكّن من الإحداث في الكون والتسلّط عليه.

الثالثة : معنى الولاية التكوينية اصطلاحاً :

قد اختلفت كلمات العلماء في معنى هذا الاصطلاح الجديد ، والظاهر : بأنّها القدرة على فعل المعجزات - أي : خرق نواميس الطبيعة - والتسلّط على الظواهر الكونية ، وما يتعلّق بعالم الوجود ، كالإحياء والإماتة ، والقبض والبسط ، والإيجاد والخلق والمنع ونحو ذلك.

الرابعة : معنى الولاية التشريعية هي : القدرة والتصرّف في أُمور تتعلّق بعالم التشريع والقانون ، كالحلال والحرام ، والواجب والمباح ، والأحكام في الصحّة والبطلان ونحو ذلك.

إذاً ، إذا كان متعلّق التصرّف والولاية هو التشريع فالولاية تشريعية ، وإذا كان متعلّقها أُموراً وجودية فهي ولاية تكوينية.

الخامسة : من له الولاية؟ اتفقت كلمة علمائنا بأنّ للأنبياء والأئمّة المعصومين عليهم السلام ولاية تكوينية وتشريعية ، بموهبة وإذن من اللّه تعالى ، واختلفت كلمتهم في معنى وحدود تلك الولاية وسعة قدرتها.

( أحمد - إيران - 23 سنة - طالب جامعة )

مصطلح الولاية التكوينية :

س : من هو أوّل من استعمل مصطلح الولاية التكوينية؟ ومن هم أهمّ العلماء المعتقدين بالولاية التكوينية؟ وما أهمّ الأدلّة القرآنية لهذه الولاية؟

ج : بالنسبة إلى سؤالك الأوّل نقول :

إنّ مصطلح الولاية التكوينية من المصطلحات المستحدثة في كلمات المتأخّرين ، وغير موجودة في كلمات القدماء ، وعليه فهذا المصطلح لم يرد لا في آية قرآنية ولا في سنّة شريفة ، ولكنّه يشير إلى مفهوم قد تداولته العديد من الآيات القرآنية والنصوص الشريفة ، وبقدر عدم أهمّية الاهتمام بمن وضع هذه

ص: 476

التسمية من علماء الكلام من علمائنا ( قدس سرهم ) ، إلاّ أنّنا نجد أنّ من الحقّ الإشارة إلى أنّ من وضع التسمية قد وفّق أيّما توفيق في الوصف الدقيق للمفهوم.

وبالنسبة إلى سؤالك الثاني نقول :

اتفقت كلمة علمائنا : بأنّ للأنبياء والأئمّة المعصومين عليهم السلام ولاية تكوينية وتشريعية ، بموهبة وإذن من اللّه تعالى ، واختلفت كلمتهم في معنى وحدود تلك الولاية وسعة قدرتها.

وبالنسبة إلى سؤالك الثالث نجيب : من الآيات القرآنية الدالّة على الولاية التكوينية :

1 - قوله تعالى : ( قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ) (1).

2 - قوله تعالى : ( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ... ) (2).

3 - قوله تعالى : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) (3).

4 - قوله تعالى : ( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ ... ) (4).

5 - قوله تعالى : ( وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ) (5).

6 - قوله تعالى : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ... ) (6).

ص: 477


1- النمل : 39.
2- النمل : 40.
3- الجن : 6.
4- آل عمران : 49.
5- الأنبياء : 79.
6- النمل : 16.

7 - قوله تعالى : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ) (1).

8 - قوله تعالى : ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ... ) (2).

9 - قوله تعالى : ( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ) (3).

10 - قوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ... ) (4).

11 - قوله تعالى : ( وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لاَّ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تَخْشَى ) (5).

12 - قوله تعالى : ( فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) (6).

13 - قوله تعالى : ( وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً ... ) (7).

14 - قوله تعالى : ( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي ... ) (8).

ص: 478


1- سبأ : 10.
2- الأنبياء : 81.
3- النمل : 18.
4- البقرة : 260.
5- طه : 77.
6- الشعراء : 63.
7- البقرة : 60.
8- المائدة : 110.

( أبو علي - الكويت - .... )

لا يلزم الغلوّ من ثبوتها لأهل البيت :

س : هذا يعني أنّ اللّه أعطى الإمام علي عليه السلام ولاية تكوينية ، كما تقولون بإذنه ، هل اللّه أعطى سيّدنا محمّد صلى اللّه عليه وآله هذه الولاية ، هذا ما لم يثبت عندنا نحن الشيعة الإمامية؟ أين الأدلّة التي تنصّ على إعطاء اللّه الولاية التكوينية الخاصّ به فقط لأحد من البشر؟

إنّ إمامنا علي عليه السلام وليّنا ووليّ كُلّ مسلم ، لكن المغالات في حبّ أهل البيت عليهم السلام من قبلنا ، ونصاب الفرق الأُخرى لهم أدّى إلى هذا الفراق بين المسلمين على أهل البيت عليهم السلام.

تذكّروا أنّ المستهدف الآن هي كلمة لا اله إلاّ اللّه ، رحم اللّه مولاي علي عليه السلام كيف كان يدافع عن هذه الكلمة.

ج : الولاية التكوينية ثابتة في القرآن الكريم للأنبياء ولغير الأنبياء ، فثبوتها بنصّ صريح لبعض الأنبياء بحديث القرآن عن عيسى عليه السلام بقوله : ( وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ ) (1) ، فالآية تثبت الإحياء لعيسى عليه السلام والإحياء تصرّف تكويني لا تشريعي.

كما أنّ الولاية التكوينية تثبت لغير الأنبياء من الناس بقوله تعالى : ( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (2) هذا التصرّف الذي قام به وصي سليمان بجلب عرش ملكة سبأ من اليمن إلى فلسطين ، هو أجلى تعبير للولاية التكوينية بمعنى التصرّف بنظام التكوين.

أمّا إثبات الولاية التكوينية لنبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله وللأئمّة عليهم السلام فيكون بأنّ نبيّنا أفضل من جميع الأنبياء السابقين ، فما ثبت لهم ثبت لنبيّنا ، وأوصياء نبيّنا أفضل من أوصياء جميع الأنبياء ، فما ثبت لأوصياء الأنبياء ثبت لأوصياء نبيّنا صلى اللّه عليه وآله.

ص: 479


1- آل عمران : 49.
2- النمل : 40.

والقول بالولاية التكوينية ليس من المغالات فيهم عليهم السلام ، إنّما يكون مغالات إذا قلنا : أنّ الولاية التكوينية ثابتة لهم من دون إذن من اللّه تعالى ، ولا نقول نحن بذلك.

نحن مع كلمة لا إله إلاّ اللّه دائماً وأبداً ، ولكن معرفة الإمام عليه السلام حقّ معرفته لا تخرجنا عن تلك الكلمة ، بل تزيدنا تمسّكاً بها.

( علي - أمريكا - 27 سنة - طالب )

ثابتان لمعصوم بإذن اللّه :

س : هل لأهل البيت عليهم السلام الولايتين التكوينية والتشريعية؟

ج : الولاية التكوينية إذا كانت بمعنى التصرّف الخارق للعادة الصادر من الإمام عليه السلام بإذن وإرادة من قبل اللّه سبحانه فهي ثابتة لهم ، كيف وقد كانت ثابتة لمثل عيسى عليه السلام ، حيث كان يبرئ الأكمة والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن اللّه سبحانه ، وكانت ثابتة لآصف بن برخيا : ( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (1).

إنّ الولاية التكوينية إذا كانت ثابتة لأمثال هؤلاء ، فلماذا لا يمكن أن تكون ثابتة لمثل الإمام عليه السلام؟ ولكن كُلّ ذلك بإذن اللّه سبحانه وإرادته.

نعم ، إذا كان يقصد من الولاية التكوينية أنّ أمر التصرّف في العالم قد أُوكل إلى الإمام عليه السلام من دون إشراف وإذن من اللّه سبحانه ، فذلك هو التفويض الباطل والموجب للكفر.

إذاً ، لابدّ من التفصيل في مسألة الولاية التكوينية ، فالثابت منها هو ما كان بإذن اللّه سبحانه وإرادته ، والمنفي منها ما كان من دون ذلك.

وأمّا الولاية التشريعية فهي ثابتة للنبي صلى اللّه عليه وآله جزماً على ما يظهر من روايات متعدّدة ، كما هو الحال في ركعات الصلاة ، حيث أنّ الأوّليين هما من تشريع

ص: 480


1- النمل : 40.

اللّه سبحانه ، بينما الأخيرتان هما من تشريع الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وكما في النوافل الرواتب ، فإنّها من تشريع الرسول صلى اللّه عليه وآله ، إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة.

وإذا أمكن ذلك في حقّ الرسول صلى اللّه عليه وآله أمكن في حقّ الإمام عليه السلام أيضاً.

فأصل الإمكان ينبغي أن لا يكون محلاً للكلام ، وإنّما الكلام ينبغي أن ينصبَّ على مرحلة الوقوع ، وهناك بعض الروايات في كتاب الكافي ربما توحي بالوقوع.

ص: 481

ص: 482

الوهّابية ومحمّد بن عبد الوهّاب :

اشارة

( السعودية - سنّي - .... )

اعتقاداتهم :

س : لقد قرأت معظم كتب ابن تيمية ومحمّد بن عبد الوهّاب ، فلم أجد فيها كفراً ولا ضلالاً ، بل وجدت دعوتهما هي دعوة الحقّ الذي أرسل به النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والسؤال : لماذا هذا الافتراء على هذين الشيخين؟

ج : نذكر لك بعض أقوالهما الدالّة على ضلالهما ، وانحرافهما ومخالفتهما لجميع المسلمين ، وإن أردت المزيد وافيناك به :

1 - اعتقاد ابن تيمية قدم نوع الحوادث من الأفعال والمفاعيل ، واعتقاده بحوادث لا أوّل لها ، ممّا يستلزم قدم شيء غير اللّه ، وهو كفر (1).

2 - قول ابن تيمية بفناء النار ، وهو مخالف لإجماع المسلمين (2).

3 - قول ابن تيمية ومحمّد بن عبد الوهّاب بالتجسيم ، وهذا الرأي مشهور عنهما ، وقد ذكراه في أكثر كتبهما وصرّحا به (3).

4 - تكفير ابن تيمية ومحمّد بن عبد الوهّاب المسلمين (4).

ص: 483


1- منهاج السنّة 1 / 215.
2- حادي الأرواح 1 / 256.
3- منهاج السنّة 2 / 648.
4- فصل الخطاب لسليمان بن عبد الوهّاب : 28.

5 - نسب محمّد بن عبد الوهّاب القول بنفي ذرّية الإمام الحسن إلى الشيعة ، وقال : وهذا القول شائع فيهم ، وهم مجمعون عليه (1).

ولا يوجد ولا شيعي واحد ينفي ذرّية الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ، بل كُلّهم يثبتونها.

6 - إنكار ابن تيمية وابن عبد الوهّاب الزيارة والتبرّك ، وخالفا في قولهما هذا رأي الأكثرية للمذاهب الإسلامية.

وأهمّ شيء يجب أن تعرفه وتطّلع عليه هو : أنّ كبار علماء المذاهب الإسلامية منذ أن أعلن ابن تيمية وابن عبد الوهّاب عن آرائهما المنحرفة وقفوا أمام انحرافهما ، وكتبوا مئات الكتب في الردّ عليهما ، وعلى آرائهما المخالفة لإجماع المسلمين ، والمخالفة للكتاب والسنّة الصريحة وكذبهما.

فمن أكاذيب ابن تيمية :

1 - إنكاره أن يكون ابن عباس تتلمذ على الإمام علي عليه السلام (2) ، وقد أثبت المنّاوي تتلمذ ابن عباس على الإمام عليه السلام (3) ، كما أثبت ذلك القاضي الإيجي (4).

2 - تكذيبه لحديث « علي مع الحقّ والحقّ مع علي » ، وادعاؤه أنّ أحداً لم يروه (5) ، مع أنّ هذا الحديث رواه جمهرة من علماء أهل السنّة (6).

3 - إنكاره قضية المؤاخاة بين النبيّ والإمام علي ، وبين المهاجرين بعضهم من بعض (7) ، والحال أنّك تجد حديث المؤاخاة في مجموعة من مصادر أهل السنّة (8).

ص: 484


1- رسالة في الردّ على الرافضة : 29.
2- منهاج السنّة 7 / 536.
3- أُنظر : فيض القدير 4 / 470.
4- أُنظر : المواقف : 411.
5- منهاج السنّة 4 / 238.
6- أُنظر : تاريخ بغداد 14 / 322 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 449 ، الإمامة والسياسة 1 / 98 ، جواهر المطالب 1 / 343 ، شرح نهج البلاغة 2 / 297 و 18 / 72 ، ينابيع المودّة 1 / 173.
7- منهاج السنّة 4 / 32 و 5 / 71 و 7 / 117 و 279 و 361.
8- أُنظر : الجامع الكبير 5 / 300 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 61 ، المستدرك 3 / 14 ، نظم درر السمطين : 95 ، كنز العمّال 13 / 140 ، ينابيع المودّة 1 / 177 ، ذخائر العقبى : 66 ، تحفة الأحوذي 10 / 152.

حتّى ردّ ابن حجر على ابن تيمية في إنكاره مسألة المؤاخاة في كتابه فتح الباري ، وقال : « هذا ردّ للنصّ بالقياس ، وإغفال عن حكمة المؤاخاة » (1) ، كما وردّ عليه أيضاً الزرقاني في شرح المواهب اللدنية (2).

4 - قول ابن تيمية حول حديث « اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه » : « كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث » (3) ، مع أنّ هذا الحديث أخرجه أحمد بأسانيد صحيحة ، كما أخرجه غيره (4).

5 - قول ابن تيمية حول حديث « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح » : « هذا لا يعرف له إسناد لا صحيح ، ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها » (5) ، والحال أنّ الحديث يرويه جماعة من علماء أهل السنّة (6).

ص: 485


1- فتح الباري 7 / 211.
2- شرح المواهب اللدنية 1 / 373.
3- منهاج السنّة 7 / 55.
4- أُنظر : مسند أحمد 1 / 118 و 4 / 281 و 370 و 5 / 370 ، المستدرك 3 / 109 و 116 و 371 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 499 و 503 ، ذخائر العقبى : 67 ، كتاب السنّة : 552 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 45 و 130 و 135 و 155 ، خصائص أمير المؤمنين : 93 و 100 و 132 ، مسند أبي يعلى 1 / 429 و 11 / 307 ، صحيح ابن حبّان 15 / 376 ، المعجم الصغير : 65 ، المعجم الأوسط 2 / 24 و 275 و 369 و 6 / 218 ، المعجم الكبير 2 / 357 و 3 / 180 و 4 / 17 و 174 و 5 / 166 و 175 و 192 و 203 و 212 و 12 / 95 ، مسند الشاميين 3 / 223 ، شرح نهج البلاغة 2 / 289 و 3 / 208 و 4 / 68 و 8 / 17 و 13 / 193 و 18 / 72 و 19 / 217 و 20 / 221 ، نظم درر السمطين : 95 و 109 ، موارد الظمآن : 544 ، كنز العمّال 1 / 187 و 5 / 290 و 11 / 609 و 13 / 104 و 131 و 139 و 157 و 169 ، فيض القدير 6 / 282 ، كشف الخفاء 2 / 274 ، شواهد التنزيل 1 / 210 و 223 و 251 و 2 / 390 ، الدرّ المنثور 2 / 293 ، تاريخ بغداد 7 / 389 و 14 / 240 ، تاريخ مدينة دمشق 25 / 108 و 42 / 205 و 210 و 215 و 220 و 227 و 235 ، أُسد الغابة 1 / 308 و 367 و 2 / 233 و 3 / 92 و 307 و 321 و 4 / 28 و 5 / 6 و 205 و 276 ، تهذيب الكمال 11 / 100 و 33 / 284 و 368 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 112 ، البداية والنهاية 5 / 228 و 7 / 370 و 383.
5- منهاج السنّة 7 / 395.
6- 2 - أُنظر : المستدرك 2 / 343 و 3 / 151 ، المعجم الأوسط 5 / 355 و 6 / 85 ، المعجم الكبير 3 / 45 و 12 / 27 ، مسند الشهاب 2 / 273 ، نظم درر السمطين : 235 ، الجامع الصغير 1 / 373 و 2 / 532، كنز العمّال 12 / 94 ، فيض القدير 2 / 658 و 5 / 660 ، الدرّ المنثور 3 / 334 ، تهذيب الكمال 28 / 411 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 490 ، ينابيع المودّة 1 / 93 و 2 / 90 و 472 ، أحكام القرآن لابن العربي 1 / 322 ، المعارف : 146.

6 - قول ابن تيمية عن حديث الطير : « من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل » (1) ، والحال أنّ هذا الحديث يرويه جماعة من علماء أهل السنّة (2).

وإن شئت المزيد من ذكر انحرافات ابن تيمية وابن عبد الوهّاب ومخالفتهما في العقائد والأحكام لما أجمعت عليه الأُمّة الإسلامية ، فسنوافيك بمئات الموارد منها ، كُلّها مأخوذة من كتبهما.

( الباحث عن الحقّ - السعودية - سنّي )

بعض المآخذ والانتقادات عليهم :

س : أرجو من المختصّين والمتمكّنين هنا أن يسردوا لي جميع المآخذ والانتقادات التي يأخذها الشيعة على الشيخ محمّد بن عبد الوهّاب ودعوته ، مشفوعة بالحجج والبراهين التي تدعم كلامهم؟

ج : أودّ أوّلاً أن أشير إلى ملاحظة وجدتها في سؤالك ، ألا ترى نفسك متفائل جدّاً ، أو غير واقعي بقولك : أرجو من المختصّين والمتمكّنين هنا أن يسردوا لي جميع المآخذ.

أخي : أتعرف أنّ لفظ جميع يطلق ويراد به كُلّ ما موجود من المآخذ ، فهل

ص: 486


1- منهاج السنّة 7 / 371.
2- أُنظر : الجامع الكبير 5 / 300 ، ذخائر العقبى : 61 ، طبقات المحدّثين بأصبهان 3 / 454 ، البداية والنهاية 7 / 390 ، المناقب : 108 ، سبل الهدى والرشاد 7 / 191 ، ينابيع المودّة 2 / 150 ، المستدرك 3 / 130 ، أُسد الغابة 4 / 30 ، المعجم الأوسط 2 / 207 و 6 / 90 و 7 / 267 و 9 / 146 ، تاريخ بغداد 9 / 379 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 250 و 257 ، المواقف 3 / 624 و 632 ، الجوهرة : 63 ، البداية والنهاية 7 / 390 ، مطالب السؤول : 76.

تعتقد أنّه من السهل على أحد من الناس ، أو من الباحثين أن يسرد لك كُلّ المآخذ في وقت قصير من الزمن ، أو تعتقد أنّ هذه المآخذ تعد على الأصابع مثلاً.

إنّ مذهباً كتب فيه وفي الردّ عليه من قبل جميع المذاهب الإسلامية مئات الكتب منذ أن ظهر إلى الآن ، واللّه أعلم إلى متى سيستمر هذا ، كيف تريد أن نجمع لك مآخذه في صفحة أو صفحتين أو حتّى عشر صفحات؟

إنّ مذهباً مثل المذهب الذي أسسه محمّد عبد الوهّاب ، ويدّعي أنّه يقدّم نظرة مستقلّة على الأقل في كُلّ مسألة من المسائل الإسلامية ، مع الادعاء العريض بالانتساب إلى السلف والصحابة ، والأخذ من القرآن والسنّة ، والأخذ بالظاهر وردّ التأويل ، وأنّ العربية كُلّها موضوعة على الحقيقة ، ولا مجاز فيها ، و ... الخ.

كيف تريد منّا أن نذكر لك كُلّ مآخذنا عليه ، وعلى ادعاءاته في هذه الصفحة العقائدية ، إنّ هذا لا يحاط به إلاّ بالإطلاع على عدد كبير من الكتب ، مشفوعة بالبحث والتدقيق والتأكّد من المصادر ، ونسبة الأقوال إلى قائليها ، وهذا ليس بالهيّن كما ترى.

ولذا يا أخي ، وحتّى لا نردّك بدون جواب سوف نقتصر على بعض المآخذ ، وأدلّتها والبراهين عليها ، وليس جميعها ، لأنّ سرد المآخذ وحدها يطول ، فكيف بسرد حججها معها ، مع إرشادك إلى بعض المصادر لزيادة الإطلاع.

فنقول : إنّ المآخذ على محمّد عبد الوهّاب تنقسم قسمين : الأوّل في شخص محمّد عبد الوهّاب ، والثاني في عقائده.

الأوّل : من هو محمّد عبد الوهّاب؟ وما هو مستواه العلمي؟ وإلى أيّ حدّ وصل في دراسته الدينية؟ وما علاقته بمستر همفر الجاسوس البريطاني؟ وبالتالي ما هي علاقة بريطانيا بذلك كُلّه؟

ص: 487

ويتفرّع عليه علاقته بمحمّد بن سعود مؤسّس المملكة السعودية ، ودور بريطانيا في ذلك ، وهذا الجزء الأخير يتعلّق بالأُمور السياسية ، ولا نحبّ الخوض فيه ، ولا صفحة المركز مخصّصة لذلك.

أمّا من هو محمّد عبد الوهّاب ، وما هو مستواه ، فقد ذكر من أرّخ له دراسته على يد أبيه ، وعلى يد عدّة شيوخ في مدن مختلفة ، رحل إليها في مدّة قصيرة ، لا مجال لذكر تفاصيلها هنا.

ولكن باختصار ذكروا : أنّ بداية دراسته كانت على يد والده ، وبعد ذلك سافر إلى الحجّ والمدينة المنوّرة ، وهو في عمر صغير ، ثمّ بعدها إلى عدّة مدن أُخرى إلى أن استقرّ في البصرة ، ومن المعلوم أنّ التحصيل العلمي يحتاج إلى وقت طويل ، واستقرار في أيّ مدينة يذهب إليها لطلب العلم ، وهذا لم يفعله محمّد ابن عبد الوهّاب ، ولا فائدة في ردّ ذلك بالقول : بأنّه كان يمتلك من النبوغ والذكاء ما يجعله يستغني عن ذلك ، فإنّ أذكى الأذكياء في العالم احتاج إلى مدّة من الزمن للدرس والتحصيل.

ثمّ في البصرة ذكروا أنّه درس على يد عدد من الشيوخ منهم المجموعي ، وعدد آخر لا يعرف أحد أسمائهم ، وكذا لم يبيّنوا كيف كان يعيش في البصرة ، ورجّحوا أنّه كان يعمل بالتجارة ، ولا أعلم كيف كان يجمع بين التجارة والدراسة؟ وكذا قالوا أنّه كان يعيش من ريع عائلته ، وهذا كُلّه نقلناه من المؤرّخين المؤيّدين له.

وأمّا المخالفين فحدّث ولا حرج ، فمذكّرات مستر همفر مثلاً تذكر أشياء عن محمّد بن عبد الوهّاب في البصرة ، وعلاقة مستر همفر - الجاسوس البريطاني - به ما لا يذكره كتّاب ومؤرّخي الوهّابية بحرف ، ولا تقل : أنّ هذا كلام نقله فاسق مغرض عميل لبريطانيا وما إلى ذلك ، فإنّ هذا الاعتراض قد يكون صحيحاً لو لم تكن هناك أدلّة على عدم وجود مصلحة لبريطانيا بنشر ذلك ، ووجود قرائن على العكس تؤيّد ضلوع بريطانيا في هذا الأمر من أوّل

ص: 488

تأسيس الإمارة السعودية إلى أن سلّمتها إلى يد أمريكا ، وما في تاريخ نجد لعبد اللّه في ليبي يكفي الباحث عن الحقّ.

ثمّ يذكر المؤرّخون عودته من البصرة ، وأنّه عاد للدرس على يد والده مرّة أُخرى حتّى وفاته ، وفي الأثناء يذكرون خلافه مع والده ، أُنظر كتاب « الشيخ محمّد عبد الوهّاب حياته وفكره » للدكتور عبد اللّه الصالح القيسي ، حيث قال : ويقول ابن بشر : « أنّه وقع بينه وبين أبيه كلام » ، وأُنظر كتاب « فصل الخطاب في بيان عقيدة الشيخ محمّد بن عبد الوهّاب » لأحمد نجيب ، حيث قال : « حتّى وقع بينه وبين أبيه كلام ».

فالمؤرّخون المؤيّدون يعلّلون هذا الاختلاف بحيث يصبّ في صالح محمّد بن عبد الوهّاب على أيّ حال ، وأمّا المخالفون فإنّهم يقولون : أنّ أباه أنكر عليه عقيدته ، كما أنكرها عليه غيره من العلماء ، ومنهم أخوه سليمان ، وكتابه « الصواعق الإلهية في الردّ على الوهّابية » ، أشهر من أن يذكر ، هذا موجز مختصر جدّاً لنظرتنا لشخص محمّد بن عبد الوهّاب.

الثاني : عقائده.

وقبل الشروع بذكر عقائده نودّ أن نقول : أنّ محمّد بن عبد الوهّاب كان تلميذاً على كتب ابن تيمية وعيالاً عليه ، وياليته كان تلميذاً جيّداً وذكياً يفهم كُلّ ما يقوله ابن تيمية! لكنّه كان ينقل من ابن تيمية ما يقوله بسطحية ساذجة ، فتراه في ما كتبه ينقل عنه العبارات البسيطة غير العميقة والمعقدّة علمياً ، ولو تصفّحت مؤلّفات ابن عبد الوهّاب لرأيتها في حدّ ذاتها أقوالاً يستطيع أن يتلفّظ بها كُلّ شخص قرأ عدّة كتب في الفقه والحديث ، ولا يغرّنّك ما أضاف إليها أتباعه من الشرح والاستدلال ، فمثلاً أُنظر ما كتبه في تفسير بعض الآيات ، فإنّه لا يرتفع فوق فهم أيّ شخص عادي من الآية ، وإن كان ذلك يعتبر عند سكّان نجد في ذلك الوقت علماً ليس فوقه علم.

ص: 489

ولذا لا ترى أيّ من الكتّاب والعلماء ينقل له تحقيق علمي ، أو قول فقهي ، أو رأي تفسيري يستدلّ به في كتابه ، اللّهم ما عدا أتباعه ، وسببه واضح للباحث عن الحقّ ، مع أنّهم أيضاً كذلك لا يأتون بكلامه كدليل علمي إذ لا يتحمّل مثل ذلك ، وإنّما يأتون بها كاستشهادات ومؤيّدات.

ولك مثال على ذلك ، بأن تنظر في أوّل أجزاء المجموعة الكاملة لابن عبد الوهّاب في العقيدة ، فخذ كتاب التوحيد وما بعده ، ترى فقر المستوى العلمي لفهم الآيات من خلال ما يطرحه بعدها من مسائل! يستطيع أيّ مثقّف بسيط أن يستخرجها كعناوين لما موجود في الآية ، وهو شبيه بالتفسير الموضوعي ، ولكنّه يفتقر إلى العمل الأساسي فيه ، ألا وهو الربط بين معاني ومواضيع الآيات المختلفة المنتشرة في كُلّ القرآن الكريم.

فإنّك تراه يأخذ عدّة آيات فقط ، ويفسّر العقيدة عليها بكلمات بسيطة لا تغني طالب العلم ، نعم هي كبيرة عند سكّان نجد في ذلك الوقت ، إذ أكثرهم أُمّيّون ، فخذ مثلاً مسألة من مسائل باب التوحيد التي أخذها ، من أوّل آية ذكرها ، ألا وهي قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (1) قال : « المسألة الأُولى : الحكمة في خلق الجنّ والأنس » (2) ، هكذا فقط! وفقط!!

وكأنّ العربي عندما تقرأ عليه هذه الآية لا يفهم هذه الجملة منها ، وكأنّ قوله هذا أصبح تفسيراً! أين كلامه من كلام فطاحلة الإسلام في التفسير ، إنّ هذه الآية فيها من الكلام والبحث العلمي والغور في أعماقها ممّا ينقل القارئ لتفسيرها إلى عالم العبادة والتوحيد والعشق والإخلاص الإلهي ، ممّا لا يسع المقام لذكره هنا ، فراجع تفاسير المفسّرين إن أردت ذلك.

وهكذا في بقية المسائل في هذا الكتاب وبقية الكتب ، إلى آخر ما كتبه في الحديث والفقه والسيرة ، فإنّه لا يعدو إلاّ أن يكون كلمات إنشائية فقيرة

ص: 490


1- الذاريات : 56.
2- كتاب التوحيد : 12.

علمياً ، أو مقتطفة من كلمات آخرين بدون تحقيق أو تعليق ، وما أكثرها عن ابن تيمية ، وياليته نقل وعلّق على كلمات ابن تيمية في الكلام والفلسفة والمنطق والمجاز ، وسند الحديث والدراية والفقه ، التي تدلّ على أنّ من كتبها قد أتعب فكره وصرم وقته بالدرس ، على ما فيها من الباطل والمغالطات ، ولكن حتّى هذا لم يستطع ابن عبد الوهّاب أن يفعله.

وأمّا عقائده : فإنّ له الكثير من العقائد التي يأخذها عليه الشيعة الإمامية فضلاً عن بقية المسلمين ، هذا بغض النظر عمّا تبع فيه ابن تيمية في معتقده وآرائه ، والتي ردّها معاصروه من علماء المسلمين شيعة وسنّة ، فضلاً عن اللاحقين لهم وإلى الآن ، فما يردّه الشيعة على ابن تيمية يعتبر بحدّ ذاته ردّاً على ابن عبد الوهّاب لأنّه يعتبره إمامه.

وأمّا اعتقاداته التي ضمّنها في كتبه ، فإنّا نرشدك إلى مراجعة كتاب « البراهين الجلية في رفع تشكيكات الوهّابية ».

يقول في كتابه « كشف الشبهات » : تبيّن لك أنّ الشفاعة كُلّها لله ، وأطلبها منه وأقول : اللّهم لا تحرمني شفاعته ، اللّهم شفّعه فيّ ، وأمثال هذا.

فإن قال : النبيّ صلى اللّه عليه وآله أُعطي الشفاعة وأنا أطلبه ممّا أعطاه اللّه ، فالجواب : أنّ اللّه أعطاه الشفاعة ، ونهاك عن هذا فقال : ( فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَدًا ) (1).

بينما الشيعة الإمامية تقول : أنّ الشفاعة ثابتة للنبي صلى اللّه عليه وآله وصالح المؤمنين ، والملائكة المقرّبين ، فيجوز الاستشفاع بهم إلى اللّه تعالى ، لنهوض الكتاب والسنّة عليه.

ويقول : « فاستغاثتهم بالأنبياء يوم القيامة يريدون منهم أن يدعوا اللّه ، أن يحاسب الناس حتّى يستريح أهل الجنّة من كرب الموقف ، وهذا جائز في الدنيا والآخرة ، وذلك أن تأتي عند رجل صالح حتّى يجالسك ويسمع كلامك ، تقول له : ادع اللّه لي ، كما كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يسألونه ذلك في حياته ،

ص: 491


1- الجنّ : 18 ، كشف الشبهات : 17.

وأمّا بعد موته ، فحاشا وكلاّ أنّهم سألوا ذلك عند قبره ، بل أنكر السلف على من قصد دعاء اللّه عند قبره ، فكيف بدعائه نفسه » (1)؟!

ويرد عليه : أنّ السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم ينكروا التوسّل بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله لا حال حياته ولا بعد وفاته ، بل كانوا يتوسّلون به قبل وجوده ، وعليه مذهب المسلمين كافّة ، ما عدا الطائفة الوهّابية الذين عبّروا عنه بالشرك الأكبر ، وأباحوا لأجله دماء المسلمين وأموالهم على خلاف الكتاب والسنّة وما عليه الصحابة.

واحتجّ ابن عبد الوهّاب على تحريم مطلق ما عليه الإمامية من تعظيم قبور الأنبياء والأولياء وإكرامها ، والالتزام بها وبآدابها - من الزيارة والدعاء والتوسّل وطلب الشفاعة - بقوله : ومن الدليل على ذلك أيضاً : ما حكى اللّه تعالى عن بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم أنّهم قالوا لموسى : ( اجْعَل لَّنَا إِلَهًا ) (2).

ونقول له : أنّ الإمامية على جواز زيارة قبور المؤمنين ، وأنّها مستحبّة شرعاً فضلاً عن زيارة قبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لتواتر الأحاديث الصحيحة الصريحة في استحبابها ، مضافاً إلى عمل المسلمين قاطبة من زمان النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلى زماننا هذا ، فضلاً عن عمل النبيّ في زيارته شهداء أُحد ، وحضوره صلى اللّه عليه وآله لزيارة البقيع.

( صالح - السعودية - سنّي .... )

علاقتهم بمستر همفر :

س : أنا لا أصدّق أنّ الشيخ محمّد بن عبد الوهّاب كان يتعامل مع مستر همفر البريطاني ، أعتقد هذه قصّة مصطنعة؟

ص: 492


1- كشف الشبهات : 27.
2- الأعراف : 138 ، كشف الشبهات : 23.

ج : إنّ الشيعة وغيرهم من المذاهب الإسلامية لا يعتمدون في ردّهم على محمّد ابن عبد الوهّاب والوهّابية على كتاب مذكّرات مستر همفر ، بل يعتمدون في ردّهم على ما ورد في كتب محمّد بن عبد الوهّاب ، وكتاب مذكّرات مستر همفر ليس إلاّ مذكّرات كتبها الجاسوس البريطاني مستر همفر ، محفوظة في بريطانيا ، ومترجمة إلى اللغة العربية ، وشأن هذه المذكّرات شأن سائر المذكّرات الأُخرى ، التي يمكن أن يستفاد منها كقرائن لإثبات بعض الحقائق التاريخية ، وأكثر ما ورد في مذكّرات مستر همفر لم يتفرّد به ، بل له قرائن كثيرة في كتب التاريخ.

( هدى - السعودية - .... )

زرعوا الفتنة والبغضاء بين المسلمين :

س : لماذا لا يحبّونا نحن الشيعة؟

ج : الشيعة والسنّة هم إخوان يحبّ بعضهم بعضاً ، ولهم عِشرة حسنة في أكثر دول العالم ، باستثناء الوهّابية الموجود أكثرهم في السعودية ، حيث زرعوا الفتنة بين المسلمين ، ونشروا البغضاء بما طرحوه من أفكارهم المسمومة ، حتّى وصل بهم الأمر إلى تكفير الكثير من الفرق الإسلامية.

فالمشكلة هي في الأماكن التي يتواجد فيها أتباع محمّد بن عبد الوهّاب ، وفي كُلّ مكان يخلو منهم ، فإنّ المسلمين في أمان ومحبّة ومودّة.

( ... - ... - ..... )

الردّ عليهم واجب :

س : لكم منّي جزيل الشكر والامتنان على إرسالكم لي هدية مسابقة عاشوراء ، الصغيرة في حجمها الكبيرة في معناها ، وأثابكم اللّه على

ص: 493

جهودكم الجبّارة ، واهتمامكم الواسع في نشر العقيدة الصحيحة ، والردّ على الشبهات التي يثيرونها.

وهنا أُريد أن أشير لكم عن موقف حدث لي وأنا كنت في موقع من مواقع الوهّابية : عندما كنت أستمع لهم وهو يقومون بشتمنا ويسمّونا بالرافضة ، وبمجرّد الدخول معهم في المناقشة للردّ عليهم نبدأ بالصلاة والسلام على محمّد وآل محمّد يقوموا بطردنا من الموقع ، هنا سؤال : كيف يمكننا الردّ عليهم؟ واللّه ولي التوفيق.

ج : الردّ على أباطيل خصوم مذهب أهل البيت عليهم السلام واجب شرعي على كُلّ من له قدرة على الردّ ، وذلك باستعمال شتّى الأساليب في الردّ عليهم ، وتبيين أكاذيبهم وافتراءاتهم.

هذا ، وإنّ ما يقوم به الوهّابية من طرد للشيعة بمجرّد محاولتهم التكلّم ، لهو دليل على ضعف حجّتهم ، إذ من له دليل يناقش ويعتمد على المباني ، ومن لا دليل له يعتمد على السبّ والشتم والطرد.

وعليه ، فعلى الشيعة أن لا ييأسوا بمحاولات الوهّابية هذه ، بل عليهم أن يكرّروا دخولهم في هذه المواقع ، ويحاولوا أن يوجدوا جوّاً يفرضون به على الخصم قبول المناظرة ، وسماع كلام الشيعة.

( حمد حسن - قطر - 21 سنة - طالب جامعة )

كيف نتعامل معهم :

س : نلاحظ - خاصّة في مواقع الإنترنت - تكفير الوهّابية للشيعة ومحاربتهم واتهامهم بالتكذيب وبالبدع والضلالة إلى حدّ التكفير وغيرها!!

فكيف نتعامل معهم؟ هل نردّ عليهم كما يهاجموننا؟ أو نحاول التقريب - رغم أنّ بعضهم يرفض ذلك بحجّة أنّهم هم الحقّ -؟

ص: 494

ج : نتعامل معهم كما كان أئمّتنا عليهم السلام يتعاملون مع مخالفيهم ، بالحكمة والموعظة الحسنة ، لأنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا الأوصياء لجدّهم النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله ، الذي بُعث رحمة للعالمين ، ليخرجهم من الظلمات إلى النور.

فكان صلى اللّه عليه وآله يتحمّل أنواع الأذى بسعة صدر ، وهو في ذلك يدعو لهم بالهداية ، وكذلك كان أهل البيت عليهم السلام ، والمتوقّع منّا نحن شيعة أهل البيت عليهم السلام أن نكون كذلك ، نتحمّل أذاهم وتجريحهم ، رأفة بهم ورحمة ، لنخرجهم ممّا هم عليه ، من الظلمات إلى النور ، وذلك بتبيين الدليل لهم ، وعرضه عليهم بأسلوب ممزوج بالمحبّة والإشفاق عليهم ، ومهما حاولوا أن يستفزّونا بكلماتهم وأساليبهم الوحشية ، فالواجب علينا أن نتحمّلهم بسعة صدر.

وهذه هي الطريقة التي يتعامل بها المركز مع الوهّابيين في موقعه ، وفي حضور أعضائه في معارض الكتاب في العالم ، وقد أعطت نتاجاً حسناً ، وها هو المركز يقطف ثمار هذا التعامل - الذي اقتبسه من سيرة أهل البيت عليهم السلام - : بركوب الكثيرين - وحتّى من الوهّابيين - في سفينة النجاة واستبصارهم.

( عماد الدين - أمريكا - 36 سنة - بكالوريوس هندسة )

فيهم العالم المنحرف والجاهل المتعصّب :

س : هناك أدلّة كثيرة على إمامة علي عليه السلام بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في كتب أهل السنّة فضلاً عن الشيعة ، ولكن لماذا بعد كُلّ هذه الدلائل نجد الوهّابيين النواصب لا يزالون يرفضون ويجحدون ولاية علي عليه السلام ، ويطعنون بفاطمة الزهراء عليها السلام كما فعل ابن تيمية؟ فلماذا كُلّ هذا الاجحاد بعد كُلّ هذه الأدلّة؟

ج : لقد قام المذهب المناوئ لأهل البيت عليهم السلام بتزوير الإسلام ، وأسّسوا سبلاً غير سبيل اللّه تعالى ، وغير صراطه المستقيم ، فقاموا بإخفاء الأحاديث التي تثبت الحقّ والفضل لأهل البيت عليهم السلام بوسائل مختلفة ، منها :

ص: 495

منع الصحابة من التحديث ، ومن تدوين الأحاديث ، والإقامة الجبرية لبعضهم الموالين وغير ذلك ، وكذلك بثّوا ووضعوا أحاديث في قبال أحاديث أهل البيت عليهم السلام ، مثل قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة » ، فقد وضعوا في قباله : « أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة » ، مع خلو الجنّة من الكهول بالاتفاق.

وكذلك قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « سدّوا كُلّ الأبواب إلاّ باب علي » ، فوضعوا في قباله : « سدّوا عنّي كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر » ، وقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « تركت فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي » ، فوضعوا في قباله « كتاب اللّه وسنّتي » ، مع العلم أنّ أكثر الأحاديث التي وضعوها لم تصحّ على شروطهم أيضاً ، ولله الحمد والمنّة ، ولله الحجّة البالغة.

فالمتأخّرون كما هو الحال في المتقدّمين ، منهم من يعلم الحقّ وينحرف عنه ويحاربه ، ومنهم من انطلى عليه الباطل وأخذ به ، فإذا هو في وادٍ سحيق من دون أن يلتزم البحث العلمي الرصين النزيه دون تعصّب ، فبقي يدافع عن مذهبه الذي وضعه أعداء الحقّ بمكرهم وكيدهم ، دون الالتفات إلى الحجج الباهرة البالغة الواضحة الصريحة ، فهم بين من ألبست عليه الشبهة وغاب عنه الحقّ ، وبين عالم بالحقّ معاند ، يدفعه إلى ذلك ما دفع كُلّ الجاحدين من زمن أبينا آدم عليه السلام إلى الآن.

( حسين حسن السهيل - لبنان )

تكفيرهم لأهل القبلة :

س : إنّي شيعي من جنوب لبنان ، لقد تعرّفت على هذا الموقع عن طريق أخي ، وأنا قد واجهت بعض المشاكل في الحديث عن أهل البيت مع الإخوة السنّة ، وإنّي حاولت أن أحدّد إجاباتي في كُلّ وقت يطرح عليّ سؤال ما ،

ص: 496

ولكن وفي وقت من الأوقات تحدّثت مع أخي ، وقال لي تراسل مع هذا المركز الذي سوف يساعدك قي مواجهة هذه المشكلة.

والمشكلة على وجه التحديد هي : تكفير المذهب الوهّابي للمذهب الشيعي ، واعتقادهم بأنّهم هم المذهب المسلم المسالم المسلمين ، فأتمنّى منكم أن ترسلوا لي بعض الأحاديث والدلائل على مناقشة هذا الموضوع بطريقة الكتاب ، وعبر طريق المستندات السنّية ، التي تثبت القول ، وذلك لفقر مناطقنا الشيعية بهذه الكتب ، وشكراً.

ج : إنّ تكفير أهل القبلة أمر مردود على صاحبه ، ومرفوض كتاباً وسنّة ، قال تعالى في كتابه الكريم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ... ) (1).

وعن ابن عباس قال : لحق المسلمون رجلاً في غنيمة له ، فقال : السلام عليكم ، فقتلوه ، وأخذوا غنيمته ، فنزلت هذه الآية : ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) تلك الغنيمة (2).

وأيضاً عن ابن عباس قال : مر رجل من سليم على نفر من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ومعه غنم فسلّم عليهم ، فقالوا : ما سلّم عليكم إلاّ ليتعوّذ منكم ، فقاموا إليه فقتلوه ، وأخذوا غنمه وأتوا بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فأنزل اللّه تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ ... ) (3).

فقد دلّت الآية الكريمة على أنّ من أظهر أدنى علامات الإسلام - كالتحية - تجري عليه أحكامه ، من عصمة ماله ودمه.

ص: 497


1- النساء : 94.
2- صحيح البخاري 5 / 182 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 174 و 6 / 326 ، جامع البيان 5 / 305 ، أسباب نزول الآيات : 115 ، الجامع لأحكام القرآن 5 / 336 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 551 ، الدرّ المنثور 2 / 199 ، فتح القدير 1 / 502.
3- أسباب نزول الآيات : 115.

عن ابن عباس في قوله : ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ) ، قال : حرّم اللّه على المؤمنين أن يقولوا لمن يشهد أن لا إله إلاّ اللّه لست مؤمناً ، كما حرّم عليهم الميتة ، فهو آمن على ماله ودمه ، فلا تردّوا عليه قوله (1).

وقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « إيّاكم والظنّ فإنّه أكذب الحديث » (2) ، وقال تعالى : ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (3) ، وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ) (4) ، ومعلوم أنّه لم يرد حقيقة العلم بضمائرهنّ واعتقادهنّ ، وإنّما أراد ما ظهر من إيمانهنّ من القول.

وقال تعالى : ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ) ، وذلك عموم في جميع الكفّار ، وقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأُسامة بن زيد ، حيث قتل الرجل الذي قال : لا إله إلاّ اللّه ، فقال : إنّما قالها متعوّذاً ، قال : « هلاّ شققت عن قلبه » (5).

وقال سيّد سابق في فقه السنّة : وفي ميدان الحرب والقتال ، إذا أجرى المقاتل كلمة السلام على لسانه ، وجب الكفّ عن قتاله ، يقول اللّه تعالى : ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ) (6).

نقول : فما بالك بالذي يشهد الشهادتين ، ويؤمن بالمعاد ، ويأتي بما أوجب اللّه تعالى عليه ، من صلاة وصيام وزكاة وحجّ وغيرها من فروع الدين ، هل يحقّ لأحد - ممّن يدّعي الإسلام - أن يكفّره؟ أو يقاتله؟ أو يعتدي على ماله؟ ويسبي ذراريه؟ وهو ما يفتي به علماء الوهّابية بحقّ من خالفهم من المسلمين ،

ص: 498


1- جامع البيان 5 / 305 ، الدرّ المنثور 2 / 201.
2- مسند أحمد 2 / 539 ، مسند الشهاب 2 / 97 أحكام القرآن للجصّاص 2 / 350 و 360 و 3 / 397 ، تفسير الثعالبي 5 / 273.
3- الإسراء : 36.
4- الممتحنة : 10.
5- مسند أحمد 5 / 207 ، صحيح مسلم 1 / 67.
6- فقه السنّة 2 / 596.

ويخصّون بالذكر أتباع أهل البيت عليهم السلام ، يبتغون بذلك عرض الحياة الدنيا ، كما هو الواقع الذي تحكي عنه الآية السابقة ، فبئس ما يصنعون.

وقد ورد في السنّة الشريفة من الأحاديث والمواقف الدالّة على النهي الشديد عن تكفير أهل القبلة ، وأهل الشهادتين وقتالهم ، نذكر جملة منها :

1 - قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « لا تكفّروا أهل ملّتكم ، وإن عملوا الكبائر » (1).

2 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « لا تكفّروا أحداً من أهل قبلتي بذنب ، وإن عملوا الكبائر » (2) ، نقول : نعم إنّ الكبائر توجب العقاب لا الكفر.

3 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « بني الإسلام على خصال : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه ، والإقرار بما جاء من عند اللّه , والجهاد ماض منذ بعث رسله إلى آخر عصابة تكون من المسلمين ... فلا تكفّروهم بذنب ، ولا تشهدوا عليهم بشرك » (3).

4 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « بني الإسلام على ثلاث ، أهل لا إله إلاّ اللّه لا تكفّروهم بذنب ، ولا تشهدوا عليهم بشرك » (4).

5 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « إذا أحدكم قال لأخيه : يا كافر ، فقد باء بها أحدهما » (5).

6 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « لا يرمي رجل رجلاً بالفسق ، ولا يرميه بالكفر إلاّ ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك » (6).

7 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « من كفّر أخاه فقد باء بها أحدهما » (7).

ص: 499


1- نصب الراية 2 / 35 ، كنز العمّال 1 / 215.
2- الجامع الكبير 2 / 43 ، كنز العمّال 1 / 215.
3- كنز العمّال 1 / 29.
4- المصدر السابق 1 / 277.
5- مسند أحمد 2 / 18 و 60 و 112 ، صحيح البخاري 7 / 97 ، صحيح مسلم 1 / 57 ، الجامع الكبير 4 / 132.
6- مسند أحمد 5 / 181 ، صحيح البخاري 7 / 84 ، الجامع الصغير 2 / 464.
7- مسند أحمد 2 / 142 ، تاريخ بغداد 9 / 64.

8 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « أيّما رجل مسلم كفّر رجلاً مسلماً ، فإن كان كافراً وإلاّ كان هو الكافر » (1).

9 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فهو كقتله » (2).

10 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « كفّوا عن أهل لا إله إلاّ اللّه ، لا تكفّروهم بذنب ، فمن أكفر أهل لا إله إلاّ اللّه فهو إلى الكفر أقرب » (3).

وعن الزهري : أخبرني محمود بن الربيع قال : سمعت عتبان بن مالك يقول : غدا عليّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقال رجل : أين مالك بن الدخشن؟ فقال رجل منّا : ذلك منافق لا يحبّ اللّه ورسوله ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « ألا تقولوه يقول لا إله إلاّ اللّه يبتغي بذلك وجه اللّه » قال : بلى ، قال : « فإنّه لا يوافي عبد يوم القيامة به ، إلاّ حرّم اللّه عليه النار » (4).

وعن ابن ظبيان : « سمعت أُسامة بن زيد بن حارثة يحدّث قال : بعثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى الحرقة من جهينة ، قال : فصحبنا القوم فهزمناهم ، قال : ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجل منهم ، قال : فلمّا غشّيناه قال : لا إله إلاّ اللّه ، فكفّ عنه الأنصاري ، فطعنته برمحي حتّى قتلته.

قال : فلمّا قدمنا بلغ ذلك النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : فقال لي : « يا أُسامة ، أقتلته بعدما قال لا إله إلاّ اللّه »؟ قال : قلت : يا رسول اللّه إنّما كان متعوّذاً ، قال : « أقتلته بعد أن قال لا إله إلاّ اللّه »؟ قال : فما زال يكرّرها عليّ حتّى تمنّيت أنّي لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم » (5).

وعن الزهري قال : حدّثنا عطاء بن يزيد : أنّ عبيد اللّه بن عدي حدّثه : أنّ المقداد بن عمرو الكندي - حليف بني زهرة - حدّثه ، وكان شهد بدراً مع

ص: 500


1- كنز العمّال 3 / 635.
2- المعجم الكبير 18 / 194 ، مجمع الزوائد 8 / 73.
3- المعجم الكبير 12 / 211 ، الجامع الصغير 2 / 275 ، مجمع الزوائد 1 / 106.
4- صحيح البخاري 8 / 54.
5- المصدر السابق 8 / 36.

النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أنّه قال : يا رسول اللّه إن لقيت كافراً فاقتتلنا ، فضرب يدي بالسيف فقطعها ، ثمّ لاذ بشجرة وقال : أسلمت لله ، أأقتله بعد أن قالها؟

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لا تقتله » ، قال : يا رسول اللّه ، فإنّه طرح إحدى يدي ، ثمّ قال ذلك بعدما قطعها أأقتله؟ قال : « لا تقتله ، فإن قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله ، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال » (1).

لمّا خاطب ذو الخويصرة الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله بقوله : اتق اللّه ... قال خالد بن الوليد : يا رسول اللّه! ألا أضرب عنقه؟ قال صلى اللّه عليه وآله : « لا ، لعلّه أن يكون يصلّي » ، فقال خالد : كم مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إنّي لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ، ولا أشقّ بطونهم » (2).

وفي هذه الأحاديث نجد الدلالة واضحة في النهي عن تكفير أهل القبلة ، وأهل الشهادتين كذلك ، والنهي عن رمي الناس بالكفر أو الشرك لأدنى ذنب أو خلاف.

ومن أقوال العلماء في النهي عن تكفير أهل القبلة والناطقين بالشهادتين ، قال ابن حزم عندما تكلّم فيمن يكفّر ولا يكفّر : « وذهبت طائفة إلى أنّه لا يكفّر ولا يفسّق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا ، وإنّ كُلّ من اجتهد في شيء من ذلك فدان بما رأى أنّه الحقّ ، فإنّه مأجور على كُلّ حال ، إن أصاب فأجران ، وإن أخطأ فأجر واحد.

وهذا قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود بن علي ، وهو قول كُلّ من عرفنا له قولاً في هذه المسألة من الصحابة ، لا نعلم منهم في ذلك خلافاً أصلاً » (3).

وعن أحمد بن زاهر السرخسي - أجلّ أصحاب الشيخ أبي الحسن الأشعري - قال : « لمّا حضرت الشيخ أبا الحسن الأشعري الوفاة في داري ببغداد قال لي :

ص: 501


1- المصدر السابق 8 / 35.
2- المصدر السابق 5 / 111.
3- الفصل بين الملل والأهواء والنحل 3 / 247.

أجمع أصحابي ، فجمعتهم ، فقال لنا : أشهدوا على أنّي لا أقول بتكفير أحد من عوام أهل القبلة ، لأنّي رأيتهم كُلّهم يشيرون إلى معبود واحد ، والإسلام يشملهم ويعمّهم » (1).

وقال القاضي الإيجي : « جمهور المتكلّمين والفقهاء على أنّه لا يكفّر أحد من أهل القبلة » (2).

وقال المنّاوي : « فمخالف الحقّ من أهل القبلة ليس بكافر ، ما لم يخالف ما هو من ضروريات الدين ، كحدوث العالم وحشر الأجساد » (3).

بل إنّنا نجد أنّه قد جاء عن ابن تيمية ما هذا لفظه : « جميع أُمّة محمّد صلى اللّه عليه وآله موحّدون ، ولا يخلّد في النار من أهل التوحيد أحد » (4).

ولا تظنّ أنّ ابن تيمية يريد بأهل التوحيد أمراً غامضاً معقّداً أكثر ممّا هو وارد في الروايات الواردة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله السالفة الذكر ، من النطق بالشهادتين والإتيان بالفرائض وعدم جحدها.

وقال الإمام الشافعي : « فأعلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن فرض اللّه أن يقاتلهم حتّى يظهروا أن لا إله إلاّ اللّه ، فإذا فعلوا منعوا دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها » (5).

وقال القاضي عياض : « اختصاص عصم النفس والمال بمن قال : لا إله إلاّ اللّه ، تعبير عن الإجابة إلى الإيمان ، أو أنّ المراد بهذا مشركو العرب وأهل الأوثان ومن لا يوحّد ، وهم كانوا أوّل من دعي إلى الإسلام وقوتل عليه ، فأمّا غيرهم ممّن يقرّ بالتوحيد ، فلا يكتفي في عصمته بقوله لا إله إلاّ اللّه ، إذا كان يقولها في كفره وهي من اعتقاده ، ولذلك جاء في الحديث الآخر : وأنّي رسول اللّه ، ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة » (6).

ص: 502


1- اليواقيت والجواهر : 50.
2- المواقف في علم الكلام 3 / 560.
3- فيض القدير 5 / 12.
4- مجموع الفتاوى 11 / 487.
5- الأُم 7 / 311.
6- بحار الأنوار 65 / 243.

وبعد هذا لم نجد عند الوهّابيين ما ينهضون به لتكفير المسلمين ، ومنهم أتباع أهل البيت عليهم السلام من دليل راجح ، سوى شبهات احتطبوها هنا وهناك من قشور فهم سقيم للشريعة المقدّسة ، فانكبّوا على المسلمين يكفّرونهم لمجرّد التوسّل بالأولياء ، أو لمجرّد زيارة قبورهم ، أو الدعاء عند أضرحتهم الشريفة ، وأمثال هذه الأُمور التي بيّن موارد جوازها علماء المسلمين من جميع المذاهب الإسلامية - عدا المخالفين في ذلك لأدلّة الجواز الواردة في القرآن والسنّة كالوهّابيين مثلاً - بما لا مزيد عليه.

ص: 503

ص: 504

يزيد بن معاوية :

اشارة

( أُم زهراء - السعودية - .... )

مخلّد في النار لقتله أهل البيت :

س : ما حكم من يعتقد بأنّ يزيد قد يستحقّ العفو والرحمة يوم القيامة؟

ج : نعتقد أنّ صاحب هذا القول مبتدع ، لأنّه خلاف النصوص الواردة ، فقد ورد بالتخليد في جهنّم لمن يرتكب قتل إنسان مؤمن عادي ، فكيف بمن يرتكب قتل سيّد الشهداء عليه السلام.

بالإضافة إلى النصوص الخاصّة لمن يقتل أهل البيت عليهم السلام ، وأن قتلتهم مخلّدون في النار ، ولا تشملهم الشفاعة ، ولا تدركهم الرحمة ، وأنّ من مات مبغضاً لآل محمّد جاء يوم القيامة آيس من رحمة اللّه ، إلى آخره من النصوص العديدة ، والقول باحتمال شمول العفو والرحمة لمثل هؤلاء ابتداع في الدين.

( ... - ... - ..... )

مصادر سنّية تكفّره وتجوّز لعنه :

س : أرجو التكرّم بتزويدي بمصادر من أهل السنّة عن سيرة يزيد ، والمصادر التي تجيز لعنه لديهم.

ج : قد أفتى كُلّ من سبط بن الجوزي ، والقاضي أبو يعلى ، والتفتازاني ، والسيوطي ، وغيرهم من أعلام السنّة القدامى ، بكفر يزيد وجواز لعنه.

ص: 505

قال اليافعي : « وأمّا حكم من قتل الحسين أو أمر بقتله ممّن استحلّ ذلك ، فهو كافر » (1).

وقال التفتازاني في شرح العقائد النسفية : « والحقّ إنّ رضا يزيد بقتل الحسين ، واستبشاره بذلك ، وإهانته أهل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ممّا تواتر معناه ... لعنة اللّه عليه وعلى أنصاره وأعوانه » (2).

وقال الذهبي : « كان ناصبياً فظّاً غليظاً ، يتناول المسكر ويفعل المنكر ، افتتح دولته بقتل الحسين ، وختمها بوقعة الحرّة ، فمقته الناس » (3).

وقالوا : « إنّه كان مع ذلك إماماً فاسقاً » (4).

وقال المسعودي : « ولمّا شمل الناس جور يزيد وعمّاله ، وعمّهم ظلمه وما ظهر من فسقه : من قتله ابن بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأنصاره ، وما أظهر من شرب الخمور ، وسيره سيرة فرعون ، بل كان فرعون أعدل منه في رعيّته ، وأنصف منه لخاصّته وعامّته : أخرج أهل المدينة عامله عليهم ، وهو عثمان بن محمّد بن أبي سفيان » (5).

وقال عبد اللّه بن حنظلة الغسيل : « فو اللّه ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ، إنّ رجلاً ينكح الأُمّهات والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ويدع الصلاة » (6).

وقال الذهبي : « ولما فعل يزيد بأهل ما فعل ، وقتل الحسين واخوته وآله ، وشرب يزيد الخمر ، وارتكب أشياء منكرة ، بغضه الناس ، وخرج عليه غير واحد ، ولم يبارك اللّه في عمره » (7).

ص: 506


1- شذرات الذهب 1 / 124.
2- المصدر السابق 1 / 123.
3- نفس المصدر السابق.
4- البداية والنهاية 8 / 245.
5- مروج الذهب 3 / 68.
6- الطبقات الكبرى 5 / 66 ، تاريخ مدينة دمشق 27 / 429 ، تاريخ الإسلام 5 / 27 ، تاريخ الخلفاء : 209.
7- تاريخ الإسلام 5 / 30.

هذا ، وقد صنّف أبو الفرج ابن الجوزي - الفقيه الحنبلي الشهير - كتاباً في الردّ على من منع لعن يزيد واسماه : « الردّ على المتعصّب العنيد ».

( موالي - الكويت - 19 سنة - طالب )

ما ذكر من مناقبه غير صحيح :

س : أمّا بعد ، هناك بعض الروايات التي يدّعي بعض العامّة بأنّها مناقب ليزيد بن معاوية ، منها :

1 - أخرج البخاري عن خالد بن معدان : أنّ عمير بن الأسود العنسي حدّثه : أنّه أتى عبادة بن الصامت - وهو نازل في ساحل حمص وهو في بناء له - ومعه أُمّ حرام ، قال عمير : فحدّثتنا أُمّ حرام أنّها سمعت النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقول : « أوّل جيش من أُمّتي يغزون البحر قد أوجبوا ».

قالت أُمّ حرام : قلت : يا رسول اللّه أنا فيهم؟ قال : « أنت فيهم » ، ثمّ قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « أوّل جيش من أُمّتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم » ، فقلت : أنا فيهم يا رسول اللّه؟ قال : « لا » (1).

2 - وأخرج البخاري أيضاً ، عن محمود بن الربيع في قصّة عتبان بن مالك ، قال محمود : فحدّثتها قوماً فيهم أبو أيوب صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في غزوته التي توفّي فيها ، ويزيد بن معاوية عليهم - أي أميرهم - بأرض الروم (2).

3 - قدم ابن عباس وافداً على معاوية ، أمر معاوية ابنه يزيد أن يأتيه - أي أن يأتي ابن عباس - فأتاه في منزله ، فرحّب به ابن عباس وحدّثه ، فلمّا نهض يزيد من عنده قال ابن عبا السؤال : إذا ذهب بنو حرب ذهب علماء الناس (3).

فما رأي سماحتكم في هذه الأحاديث؟

ج : في مقام الجواب ننبّهك إلى عدّة نقاط :

ص: 507


1- صحيح البخاري 3 / 232.
2- المصدر السابق 2 / 56.
3- البداية والنهاية 8 / 251.

1 - إنّ استشهاد الشيعة بمصادر أهل السنّة ليس من باب القول بحجّيتها ، وإنّما من باب الإلزام : « الزموهم بما الزموا به أنفسهم » ، والشيعة وعلى مرّ العصور لم تعتبر صحاح ومسانيد أهل السنّة حجّة عليهم ، لأنّها قد ورد القدح في طرقها وفي مؤلّفيها ، فهي غير سليمة من ناحية الأسانيد ، لذلك لا تكون حجّة ، وإنّما يبحث فيها الشيعة من باب الإلزام.

فإذا استدلّ أهل السنّة بحديث أو أحاديث من صحاحهم أو مسانيدهم ، حاول علماء الشيعة في نقضه الاعتماد على نفس مصادرهم في الجرح والتعديل ، ليكون الزم في الحجّة ، فلو فرضنا أنّ حديثاً ما عندهم لم نتمكّن من إبطاله على مصادرهم ، فهو لا يكون حجّة علينا.

2 - إنّ الأيادي الأثيمة التي حرّفت التاريخ وكانت مستأجرة من قبل السلطان ، أدّت إلى أن لا يصل التاريخ والحوادث المهمّة فيه بصورة نقية ، فأكثر التاريخ الذي رواه أهل السنّة متّهم ، لا يمكن الاعتماد عليه ، يحتاج إلى بحث عميق ، وملاحظة سائر القرائن للتثبّت من الأحداث.

3 - بالنسبة إلى الحديث الأوّل والثاني ، نشاهد بوضوح بأنّه ليس من المتسالم عليه في كتب القوم أنّ يزيد قاد أوّل جيش غزا مدينة قيصر ، حيث ذكر ابن خلدون في تاريخه : « بعث معاوية سنة خمسين جيشاً كثيفاً إلى بلاد الروم مع سفيان بن عوف ، وندب يزيد ابنه ، فتثاقل فتركه ، ثمّ بلغ الناس أنّ الغزاة أصابهم جوع ومرض ، وبلغ معاوية أن يزيد أنشد في ذلك ... » (1).

وكذلك نُقل عن ابن التين وابن المنير نفيهما حضور يزيد في تلك الغزوة ، وذهب إلى النفي غيرهم من المؤرّخين.

4 - ذهب ابن التين وابن المنير - كما عنهما في فتح الباري - أنّ يزيد على فرض وجوده في الجيش ، فإنّ المراد بالمغفرة لمن وجد شرط المغفرة ، قالا : أنّه لا يلزم من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاصّ ، إذ لا يختلف أهل العلم أنّ

ص: 508


1- تاريخ ابن خلدون 3 / 9.

قوله صلى اللّه عليه وآله : « مغفور لهم » ، مشروط بأن يكونوا من أهل المغفرة حتّى لو ارتدّ واحد ، ممّن غزاها بعد ذلك لم يدخل في ذلك العموم اتفاقاً ، فدلّ على أنّ المراد : مغفور لمن وجد شرط المغفرة فيه منهم (1).

5 - الرواية الثالثة ضعيفة غير متصلة السند ، فهي مرفوعة ، وأغلب الظنّ كونها أيضاً من وضع أُولئك الذين تلاعبوا في التاريخ ليغيّروا الحقائق.

6 - وأخيراً : فإنّ كُلّ هذا معارض بما روي في ذمّ يزيد ، وكونه خارج عن الجادّة المستقيمة ، ومجموع ما روي في ذمّ يزيد يعطينا اطمئناناً بصدور هذا الذمّ في حقّه ، وهنا نشير إلى بعض ما روي من ذلك ، موكلين التفصيل فيه إلى مراجعة الكتب المؤلّفة في ذلك الموضوع :

عن عبد اللّه بن جعفر : وكان فيه أيضاً إقبال على الشهوات ، وترك بعض الصلوات في بعض الأوقات ، وإماتتها في غالب الأوقات.

وقد قال الإمام أحمد : حدّثنا أبو عبد الرحمن ، ثنا حيوة ، حدّثني بشير بن أبي عمرو الخولاني : أنّ الوليد بن قيس حدّثه أنّه سمع أبا سعيد الخدري يقول : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « يكون خلف من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة ، واتبعوا الشهوات ، فسوف يلقون غياً ، ثمّ يكون خلف يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، ويقرأ القرآن ثلاثة : مؤمن ومنافق وفاجر » ....

وقال الحافظ أبو يعلى : حدّثنا زهير بن حرب ، ثنا الفضل بن دكين ، ثنا كامل أبو العلاء : سمعت أبا صالح ، سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « تعوّذوا باللّه من سنة سبعين ، ومن إمارة الصبيان ».

وروى الزبير بن بكار ، عن عبد الرحمن بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أنّه قال في يزيد بن معاوية :

لست منّا وليس خالك منّا *** يا مضيع الصلوات للشهوات

ص: 509


1- فتح الباري 6 / 74.

وقال الحافظ أبو يعلى : حدّثنا الحكم بن موسى ، ثنا يحيى بن حمزة ، عن هشام بن الغاز ، عن مكحول ، عن أبي عبيدة : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « لا يزال أمر أُمّتي قائماً بالقسط ، حتّى يثلمه رجل من بني أُمية يقال له يزيد » ....

وقد رواه ابن عساكر من طريق صدقة بن عبد اللّه الدمشقي ، عن هشام بن الغاز ، عن مكحول ، عن أبي ثعلبة الخشني ، عن أبي عبيدة ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « لا يزال أمر هذه الأُمّة قائماً بالقسط ، حتّى يكون أوّل من يثلمه رجل من بني أُمية يقال له يزيد » ....

وقال أبو يعلى : حدّثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن عوف ، عن خالد بن أبي المهاجر ، عن أبي العالية قال : كنّا مع أبي ذر بالشام ، فقال أبو ذر : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « أوّل من يغيّر سنّتي رجل من بني أُمية ».

ورواه ابن خزيمة عن بندار ، عن عبد الوهّاب بن عبد المجيد ، عن عوف : حدّثنا مهاجر بن أبي مخلّد ، حدّثني أبو العالية ، حدّثني أبو مسلم ، عن أبي ذر فذكر نحوه ....

وكذا رواه البخاري في التاريخ ، وأبو يعلى عن محمّد بن المثنّى ، عن عبد الوهّاب ... ، وقد أورد ابن عساكر أحاديث في ذمّ يزيد بن معاوية ... (1).

وكذا أورد غيره ، وهي بمجموعها تبعث الاطمئنان على صدور الذمّ من الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله في حقّ يزيد ، وأنّه على غير الصراط المستقيم.

وذكر ابن كثير عن عرقدة بن المستظل قال : « سمعت عمر بن الخطّاب يقول : قد علمت وربّ الكعبة متى تهلك العرب ، إذا ساسهم من لم يدرك الجاهلية ، ولم يكن له قدم في الإسلام.

قلت : يزيد بن معاوية أكثر ما نقم عليه في عمله شرب الخمر ، وإتيان بعض الفواحش ، فأمّا قتل الحسين فإنّه كما قال جدّه أبو سفيان يوم أُحد لم يأمر بذلك ولم يسؤه ....

ص: 510


1- البداية والنهاية 8 / 252.

وقيل : إنّ يزيد فرح بقتل الحسين أوّل ما بلغه ، ثمّ ندم على ذلك ، فقال أبو عبيدة معمر بن المثنّى : إنّ يونس بن حبيب الجرمي حدّثه قال : لمّا قتل ابن زياد الحسين ومن معه بعث برؤوسهم إلى يزيد ، فسرّ بقتله أوّلاً ، وحسنت بذلك منزلة ابن زياد عنده ، ثمّ لم يلبث إلاّ قليلاً حتّى ندم » (1)!

وهذا من ابن كثير ليس ببعيد ، فإنّه معروف عنه من دفاعه عن النواصب ومحاولاته لخلق التبريرات لقبائحهم ، وليس العجيب من ابن كثير محاولاته لإيجاد التبريرات ليزيد ، وإنّما العجيب قبوله شرب الخمر ليزيد ، وأنّه فرح بقتل الحسين في البداية.

هذا ، وإنّ من أشدّ قبائح يزيد بعد قتله للحسين عليه السلام ما فعله من إباحة المدينة ثلاثة أيّام ، وما جرى في تلك الواقعة ، حتّى اضطر ابن كثير إلى الاعتراف ببعض هذه القبائح فقال : ولكن تجاوز الحدّ بإباحة المدينة ثلاثة أيّام ، فوقع بسبب ذلك شر عظيم كما قدّمنا (2).

ص: 511


1- المصدر السابق 8 / 254.
2- المصدر السابق 8 / 255.

ص: 512

الأسئلة المتفرّقة :

اشارة

( هاني - الكويت - .... )

عيد النيروز والغسل فيه :

س : لماذا تعظّمون عيد النيروز؟ وما هي الأدلّة على أنّ الغُسل في ذلك اليوم سنّة مؤكّدة؟

ج : إنّ عيد النيروز هو بإجماع المسلمين ليس من الأعياد التأسيسية التي جاء بها الإسلام ، وكُلّ من قال به فقد قال أنّه عيد تقريري ، أي أنّه قد كان شرّع في الأُمم والشرائع الأُخرى ، والإسلام لم يخالف ذلك بل قرّره ، لما فيه من ميّزات تعبّدية ، فشرّع فيه الغسل والدعاء والصلاة ، وبعض الأذكار الربّانية ، على أنّه لا يخفى عليك أنّ خلفاء أهل السنّة العباسيين كانوا يحتفلون فيه ويعدّونه عيداً ، يوزّعون فيه الهدايا والأموال.

وعليه ، فهذا العيد لم يختصّ بطائفة أو مذهب ، وبما أنّ الشريعة الإسلامية لم تخالف ذلك فنحن نقبله ، لا على أنّه شريعة ودين أتى به الإسلام ، بل على أنّه عيد فيه العبادة والخضوع ، والتوجّه إلى اللّه تعالى ، والتواصل بين المؤمنين ، وزيارة الأحبّة والأقرباء ، وخصوصاً كبار العائلة - من جدّ وأب وأُمّ و ... - وفيه صارت بعض البشارات للأنبياء والرسل والصالحين.

ص: 513

( العرادي - البحرين - .... )

الفتوحات الإسلامية :

س : أمّا بعد ، يذهب المسلمون عموماً إلى أنّ الإسلام لم ينتشر بالسيف ، وأنّه ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّين ) (1) ، فمن شاء أن يسلم فله إسلامه ، ومن أبى فعليه ذنبه.

ولكن ما هو تفسير الفتوحات الإسلامية في عهد الرسول صلى اللّه عليه وآله؟ ومن بعده الخلفاء؟ فمنها ما كان بالسيف ، وأنّه من يؤمن ويدخل بالإسلام فقد نجى ، ومن يأبى فقد كفر ، أُريد جواب واضح عن ذلك ، وجزاكم اللّه خيراً.

ج : فلم يثبت أنّ الجيش الإسلامي بأمر الرسول صلى اللّه عليه وآله قد هاجم مدينةً آمنةً ، أو مجتمعاً آمناً مسالماً بدون مبرّر ، بل التحديد يثبت أنّ كُلّ حرب من الحروب ، أو فتح من تلك الفتوحات كان لسبب مبرّر للقتال ، من قبيل قتل دعاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، حيث كانوا يذهبون لنشر الدعوة الإسلامية في بعض البلدان فيتعرّضون للقتل ، أو من قبيل اضطهاد طغاة تلك البلدان المسلمين في تلك البلدان ، هذا بالنسبة إلى المجتمعات الكافرة.

وأمّا المجتمعات غير الكافرة المسالمة ، التي لم تعلن الحرب على المسلمين ، ولا على الدولة الإسلامية ، ولا على دعاة الإسلام ، ولم تشكّل خطراً على الإسلام والمسلمين ( لاَ يَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ ) (2) فمثل هذا الصنف الكافر المسالم لم يثبت أنّه صلى اللّه عليه وآله شنّ عليهم الحرب.

كلامنا في تلك الفتوحات التي جرت على زمن الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وهي في الواقع بعنوان فتوحات قليلة ، مثلاً من بينها فتح مكّة ، والبقية كانت على شكل حروب دفاعية يتصدّى فيها الجيش الإسلامي للكفّار المعتدين ، كما اعتدى

ص: 514


1- البقرة : 256.
2- الممتحنة : 8.

الكافرون في أُحد ، وجمّعوا قواهم وأحزابهم في واقعة الخندق ، وهكذا بقية الحروب ، فالفتح لم يكن في زمن الرسول صلى اللّه عليه وآله إلاّ قليلاً كفتح مكّة.

أمّا الفتوحات في زمن الخلفاء ، إن ثبت خروج بعض تلك الحروب عن الضوابط ، فذلك ممّا يتحمّل حاكم الوقت آنذاك مسؤوليته ، إذا كان غير المعصوم.

أمّا الإمام المعصوم عليه السلام فنقطع أنّه كان يسير بحسب الضوابط العسكرية الفقهية في هذا المجال ، كما في عهد الإمام علي عليه السلام ، وأشهر قليلة في عهد الإمام الحسن عليه السلام.

وأمّا ما عدا ذلك من الحكومات التي لم يكن الحاكم بها المعصوم عليه السلام ، فإن كانت منطبقة على الضوابط فهي تمثّل الإسلام وإلاّ فلا.

ثمّ بالنسبة إلى الفتوحات فيها كلام ، في أنّ بعض الفتوحات لم تكن على الضوابط ، وإنّما كانت حركة توسّعية لا مبرّر لها ، وبهذا لا يمكننا أن نحمل كُلّ تصرّفات الأمويين أو العباسيين - بل وحتّى الخلفاء الثلاثة - على الإسلام ، وندّعي أنّها تمثّل خطّ الإسلام الأصيل.

وبالنسبة إلى ما حدث للإمام علي عليه السلام ، وأن كان قليلاً لكنّا نجزم أنّه كان مطابقاً للضوابط الإسلامية ، كما وأن أكثر الفتوحات كذلك.

( أُمّ يحيى - السعودية - .... )

من البرامج الروحية التزكية والتحلية :

س : ما هي أهمّ البرامج الروحية التي يجب على السالك إلى اللّه انتهاجها؟

ج : من أهمّ الأُمور التي ينبغي على المؤمن أن يأتي بها هي التزكية والتحلية.

فالتزكية تحصل بالامتناع عن مجموعة من الأُمور التي تجرّ الإنسان إلى الأُمور المادّية الدنيوية ، وتبعده عن التقرّب إلى اللّه تعالى.

ص: 515

والتحلية تحصل بإتيان مجموعة من الأُمور العبادية التي تقرّب الإنسان إلى اللّه تعالى ، من قبيل الصلاة ، فإنّها قربان كُلّ تقي ، وقربان كُلّ مؤمن - كما ورد في الروايات - وخصوصاً إتيانها في أوّل وقتها ، بالإضافة إلى صلاة الليل ، فإنّ لها آثار كبيرة وعظيمة على الإنسان.

ومن قبيل الصوم ، فإنّه زكاة لكم - كما ورد في الحديث - ففيه أيضاً آثار جليلة للإنسان ، وغير هذه الأُمور التي نصّ الشارع المقدّس عليها ، ويجب إتباع الشارع فيها ، وعدم تجاوزها إلى أعمال من قبيل الصوفية وأمثالها.

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

جاء الإسلام بالعدالة لا بالمساواة :

س : الإسلام جاء بالمساواة بين الناس ، ولكن نرى في حكم القصاص إذا قتل الحرُّ عبداً ، فإنّ الحرّ لا يُقتل ، بينما إذا قتل العبدُ الحرَّ فإنّه يُقتل ، نرجو التوضيح.

ج : إنّ الإسلام لم يأت بالمساواة بين الناس ، وإنّما جاء الإسلام بالعدالة بين الناس ، وفرق بين العدالة والمساواة ، فتارة تتحقّق العدالة ولا مساواة ، وبعبارة أُخرى : يكون تحقّق العدالة بعدم المساواة ، ومورد سؤالكم من هذا القبيل.

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

أعمال الكفّار لا تُقبل :

س : هل أعمال الكفّار تُقبل؟

ج : قد قرّر علماؤنا : أنّ أعمال الكفّار لا تُقبل ، لأنّ قبولها مشروط بالإيمان ، إذاً ما لم يؤمن الإنسان فلا قيمة لأعماله عند اللّه تعالى.

ص: 516

( حفيظ بلخيرية - تونس - 40 سنة )

تشكّل الجنّ بشكل الإنسان :

س : جاء في حديثكم : وأنّ الجنّ يتشكّل بشكل الإنسان ، فكيف يمكن أن نأمن على أموالنا وأنفسنا ونسائنا و ... مع العلم أنّ الآية الكريمة تقول : ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ ) (1).

لي سؤال آخر في موضوع الجنّ وهو : جاء في قوله تعالى : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرض ) (2) مع العلم أنّ الجنّ يسبح كما يريد في الفضاء ، إلاّ أماكن استراق السمع ، فلماذا جمعتهم الآية مع الإنس؟

ج : إنّ ما ذكر : من أنّ الجنّ يتشكّل بشكل الإنسان ليس على عمومه ، بل في موارد خاصّة ، فلا يكون خارجاً عن الإرادة والتخطيط الإلهي ، وعليه فلا يشكّل خطراً على حياة الإنسان بدون نزول أوامر السماء ، حيث يقول جل وعلا : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ) (3).

وأمّا آية ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُه ... ) فلا تنفي إمكانية تشكّل الجنّ بأنواع الصور ، بل تبيّن سعة نظره التي هي من مقوّمات وجوده ، إذ هو يرى الإنسان ، ولا يراه الإنسان في الحالات العادية.

وأمّا آية ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ ... ) فتبيّن لنا أهمّية تحصيل العلم في سبيل الإشراف ، وسعة الإطلاع على الآيات التكوينية المخلوقة في عالم الوجود ، هذا من جانب.

ومن جانب آخر ، تنفي عدم انخرام السماوات في وجه الإنس والجنّ - كما كان يعتقده أصحاب الفلسفة اليونانية - بل تصرّح بإمكانية التوغّل والنفوذ إلى أبعد حدٍ في عالم المادّة ، بشرط الاستعانة بالعقل والعلم.

ص: 517


1- الأعراف : 27.
2- الرحمن : 33.
3- الانفطار : 10.

ثمّ من المعلوم ، أنّ الجنّ - وبحسب كيفية خلقهم - يمكن لهم التردّد في الفضاء في حدودٍ معيّنة ، وهذا لا يزيد في شأنهم ، إذ لا دور لهم في تحديد هذه الإمكانية ، ولا في أصل وجودها ، بل أنّهم خلقوا هكذا.

وممّا ذكرنا يظهر أنّهم أيضاً - كالإنس - مخاطبون بهذه الآية إلى توسيع دائرة علومهم في معرفة الكون ، بمعونة تحصيل الأسباب والمقدّمات العلمية.

( حسن البحراني - البحرين - 20 سنة - طالب )

معنى آية اللّه :

س : هناك أُناس جهّال ، عندما يسمعون كلمة « آية اللّه » يسخرون منها ، ويقولون : بأن لا يصحّ هذا القول إلاّ للقرآن فقط ، وإنّما أناس مثلنا لا نقول لهم هذه الكلمة.

ج : إنّ معنى الآية في اللغة : العلامة ، وآية الرجل بمعنى شخصه ، لذا تسمّى آيات القرآن آية ، لأنّها علامة لانقطاع الكلام ، وتأتي أيضاً بمعنى العبرة ، قال تعالى : ( لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ ) (1) ، أي أُمور وعبر مختلفة.

وإذا استقصيت آيات القرآن الكريم لوجدت أنّ معنى الآية هي العلامة والعبرة ، والحجّة والدليل والبرهان إلى غير ذلك من المترادفات.

قال تعالى : ( سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ) (2) ، وقال تعالى : ( أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ) (3) ، وقال تعالى : ( وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا ) (4) ، وقال تعالى : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ) (5) ، إلى آخر الآيات الكريمة التي تعطي مجتمعة بمعنى الحجّية ، أي لو ضممنا

ص: 518


1- يوسف : 7.
2- البقرة : 211.
3- آل عمران : 49.
4- الأنعام : 25.
5- هود : 103.

جميع المعاني إلى بعضها ، لكان المعنى المستحصل من الآية بمعنى الحجّة والحجّية التي يحتجّ بها اللّه تعالى على عباده ، سواء كان مصداق الحجّية نبيّاً من الأنبياء ، أو كان كافراً من الكافرين.

فعلى الأوّل كما في قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ) (1) ، وعلى الثاني كما في قوله تعالى واصفاً مآل فرعون ومصيره : ( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ) (2) ، فكلا المصداقين يكونان في مقام الحجّية التي يحتجّ اللّه بها على عباده ، إلاّ أنّ مقام المصداقين متغايران ، فأحدهما مصداق الطاعة - كما في مريم وابنها - والآخر مصداق المعصية - كما في فرعون وقومه - وكذلك إذاً تتعدد أغراض الآية ، فكُلّ بحسبه.

وهكذا دأبت الإمامية في أدبياتها المرجعية أن تطلق على كُلّ من يكون حجّة بينها وبين اللّه تعالى في أخذ الأحكام بكونه آية - أي دليلاً ومرجعاً للناس في أخذ الأحكام الإلهية - ونسبة الآية إلى اللّه تعالى ، بمعنى حجّة اللّه على عباده ، كي يحتجّ بها عليهم في التبليغ والإرشاد.

فهل من مانع لغوي أو اصطلاحي يدفع بهؤلاء أن يستغربوا من المصطلح؟ أو يؤدّي بهم إلى الاستهزاء كما عبّرتم؟ وهذا لعلّه جهلاً منهم بمنشأ الاصطلاح وسببه ، والناس أعداء ما جهلوا.

( خليفة - ... - ..... )

مفهوم نحوسة الأيّام :

س : ما هو تعريف النحوسة؟ وما هي مسبّباتها؟ وهل توجد روايات صحيحة السند مروية عن الرسول وأهل بيته عليهم السلام؟ شاكرين لكم جهودكم رعاكم اللّه.

ص: 519


1- المؤمنون : 50.
2- يونس : 92.

ج : إنّ النحوسة قد وردت في النصوص الدينية ، ففي الكتاب قوله تعالى : ( فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ ) (1) ، وقوله تعالى : ( فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ ) (2) ، وأما في الروايات فكثير ، يمكنك لمشاهدتها مراجعة كتاب بحار الأنوار ، الجزء التاسع والخمسين ، أبواب التعويذات من الأدعية ، وعليه ، فلا مجال لإنكارها ، إلاّ ما دلّ عليه دليل عقلي أو نقلي صحيح.

وأمّا مفهوم نحوسة الأيّام ، فهو ليس بمعنى شؤم اليوم نفسه ، بل هو إشارة إلى الظرف الزماني الذي لا يناسب العمل الكذائي ، وهذا لا بُعد فيه ، بل قد يؤيّده العقل والنقل.

وتوضيحه : أنّ ظروف الحياة البشرية وجميع مستلزماتها وملابساتها لم تكن معلومةً في جميع أبعادها ، فكُلّ جزءٍ منها يرتبط بملايين العوامل المؤثّرة والمنفعلة في الكون ، والتشريعات والأديان السماوية بما أنّها تمتدّ جذورها إلى مبدأ الخلق والتكوين ، فإنّها تنظر بعين الحقيقة إلى كافّة الظروف والشرائط الزمانية والمكانية في حياة الإنسان ، لتحسين وضعه ، وتجنّبه المساوئ والسلبيّات ، فترى مثلاً : أنّ العمل الفلاني في مقطع خاصّ من الزمان ، قد يؤدّي إلى إرهاقه وعرقلة سيره في حياته نحو الأفضل ، وهذه هي عبارة أُخرى عن نحوسة ذلك المقطع الخاصّ من الزمان ، وهكذا.

وبالجملة : فالنحوسة - وما يقابلها أي السعادة - ليست صفة للأيّام في الواقع ، بل إنّها إشعار وإشارة إلى عدم ملائمة الوقت لفعلٍ ما ، ويؤيّد ما ذكرناه أنّه قد ورد في بعض النصوص أنّ اليوم الفلاني نحس بالنسبة لفعلٍ ما ، أو شخصٍ معيّنٍ ما ، وفي نفس الوقت لم يكن نحساً لأعمال أُخرى ، أو أشخاص آخرين.

ص: 520


1- القمر : 19.
2- فصّلت : 16.

( أمريكا - ... - ..... )

كيفية التدريس ومنح الألقاب في الحوزة :

س : أنا شاب من اليمن أدرس في الولايات المتحدة ، عندي سؤال أتمنّى من اللّه أن تجيبوني عليه : كيف تتمّ طريقة التدريس في الحوزات العلمية؟ وكيف يتمّ اعتماد المراتب والألقاب مثل : حجّة الإسلام ، وآية اللّه العظمى ، وما هي معاني تلك الصفات؟

ج : لاشكّ بأنّ الدراسة الحوزوية تجتمع مع الدراسة الأكاديمية في بعض النقاط ، وتختلف عنها في نقاط أُخرى ، ونذكر هنا بعض النقاط التي تتميّز بها الدراسة الحوزوية :

1 - للطالب الحرّية الكاملة في انتخاب الأُستاذ الذي يريده ، والمادّة الدراسية ، حسب مقرّرات خاصّة ومواد معيّنة.

2 - لا يقيّم الطالب بالامتحان فحسب ، وإنّما يقيّم من خلال دراسته ومباحثته ، ومناقشته وتدريسه.

3 - تقوم الدراسة في الحوزة على شكل حلقات غالباً.

4 - مناقشة الأُستاذ في كُلّ جزئية وبكُلّ حرّية.

5 - تعتمد الدراسة في الحوزة على أسلوب طرح الموضوع والفكرة من قبل الأُستاذ ، ثمّ مناقشته من قبل الطلبة ، ثمّ مباحثة الطلبة فيما بينهم لهضم المادّة ، ثمّ مراجعة الأُستاذ بعد ذلك.

6 - تعتمد الدراسة في الحوزة على مطالعة مسبقة على الدرس ، ثمّ الحضور في الدرس ، ثمّ مطالعة ملحقة بعد الدرس وتقييد النقاط الغامضة ، ثمّ السؤال من الطالب الآخر ، أو الرجوع إلى الأُستاذ.

7 - إنّ التدريس في الحوزة مبنيّ على اللياقات الموجودة عند الأُستاذ ، وليس على منح درجات أو رتب ، وأمثال ذلك.

ص: 521

وأمّا بالنسبة إلى مسألة الألقاب والمنح في الحوزة ، فهي مسألة اعتبارية تمنح نتيجة لدراسات معيّنة من أهل الخبرة ، فلا تقبلوها من كُلّ أحد ، لأنّها قد تمنح بلا حقّ.

ولا يخفى عليكم أنّ هذه الألقاب ليس لها مداليل واقعية ، يعني عندما نلقّب هذا بآية اللّه ، ليس معناه أنّ الآخر أو الآخرين ليسوا بآية من آيات اللّه ، ولكن لقّب هذا بآية اللّه باعتبار تبنّى بعض المسائل الفقهية والأُصولية ، ودرس ودرّس وباحث لمدّة مطوّلة.

( حيدر النور - كندا - 31 سنة - طالب إعدادية )

مقوّمات شخصية الإنسان :

س : من أين تتكوّن شخصية الإنسان؟ هل من الوالدين أو من الثقافة؟

ج : إنّ تكوّن شخصية الإنسان تتقوّم على أُسس وخطوط عريضة هي : عالم النطفة والخلق ، وأجواء البيت والأُسرة ، والثقافة العامّة المتداولة في الوسط الاجتماعي المحيط به ، التي تشمل حتّى مجالات التعليم والتعلّم ، ومستوى ثقافة المعلّم ، وحقّ الاختيار الدائم والمستمر في جميع هذه المراحل.

وباختصار : هذه كُلّها ممّا تكوّن شخصية كُلّ إنسان في التقدير الإلهي لخلقه.

نعم ، مع فرض وجود النقص في كُلّ من الجوانب المذكورة ، يمكن للإنسان أن يعوّضه في مجال آخر منها ، وحينئذٍ لا تفرض حالة شخصية غير قابلة للتغيير ، وعليه يجب أن يسعى الإنسان لتحسين شخصيّته وتصحيحها دائماً نحو الأفضل والأكمل.

( علي العلي - الكويت - .... )

أسباب ثورة الزنج :

س : ما هي أسباب ثورة الزنج؟ ومن قام بها؟ وفي أيّ زمن حصلت؟

ص: 522

ج : نقلت كتب التاريخ : أنّ ثورة الزنج دامت نحواً من أربع عشرة سنة « 255 - 270 ه- = 869 - 883 م » ، والذي قاد هذه الثورة على الأشهر هو علي بن محمّد ابن أحمد بن علي بن عيسى بن زيد بن الإمام علي زين العابدين عليه السلام.

والسبب الرئيسي لهذه الثورة هو ما كان يعانيه الزنج من الفقر والحرمان والبؤس ، وللمزيد من الإطلاع راجع :

1 - شرح نهج البلاغة 8 / 126.

2 - تاريخ الأُمم والملوك 7 / 547.

3 - الكامل في التاريخ 7 / 205.

4 - ثورة الزنج للدكتور فيصل السامر.

( علي عدنان العلي - الكويت - .... )

الفرق بين العلم الحصولي والحضوري :

س : هناك من يقول أنّ العلم الحصولي لا ينفكّ عن العلم الحضوري ، بل هما متلازمان ، مثلاً : الجهاز الذي أمامي هو علم حصولي ، وصورته علم حضوري ، والعلم الحضوري مقتصر على الأحاسيس والشعور وما شابه ، ما مدى صحّة هذه المقولة؟

ج : هناك فرق بين العلمين في المنشأ ، ينبغي التنبّه له : فما كان صورته المنتزعة بأدوات الإحساس هي الحاضرة عند العالم - دون وجوده الخارجي - فهو علم حصولي والصورة المذكورة هي المعلومة بالذات ، وفي نفس الوقت واسطة لمعرفة ذلك الوجود الخارجي.

وما كان وجوده حاضراً ومعلوماً عند العالم من دون توسيط شيءٍ أو صورة ، فهو علم حضوري ، كعلم الإنسان بنفسه.

فإن قال قائل : إنّ العلم في هذا المثال أيضاً حصولي.

قلنا : بأنّ هذا التوهّم باطل ، إذ العلم الحصولي يحتاج إدراكه إلى توسيط صورة تدلّ على الوجود الخارجي ، فلو قلنا بهذا في المثال المذكور يلزمنا تعيين صورة دالّة

ص: 523

على الإنسان عند نفسه ، ثمّ نبحث عن نوعية العلم لهذه الصورة ، فلو كان العلم لها حضوري ثبت المطلوب ، وإن قلنا بأنّه حصولي يحتاج هذا الآخر لمعرفته إلى صورة ذهنية أُخرى ، وهلّم جرّاً يتسلسل الأمر ، والتسلسل واضح البطلان.

فالحلّ : أن نقطع السبيل ونجزم بوجود نوع من العلم لا يحتاج في إدراكه إلى صورة توسيطية ، بل إنّه مجرّد حضور المعلوم والمدرَك عند العالم والمدرِك ، وهو الذي يسمّى بالعلم الحضوري ، ويختلف جذريّاً مع العلم الحصولي.

( السيّد الموسوي الساري - البحرين - .... )

الدليل العقلي على التمسّك بالإسلام :

س : ما هو الدليل العقلي على لزوم التمسّك بالدين الإسلامي ورفض بقية الديانات؟

ج : إنّ الدليل العقلي على لزوم التمسّك بالدين الإسلامي دون بقية الأديان هو بالكمال ، بمعنى أنّ العقل يقدّم الشيء الكامل والفاضل على الشيء الناقص والمفضول ، باعتبار تقديم الكامل عدل ، والعدل حسن عقلاً ، كما أنّه يقبح عقلاً تقديم الناقص على الكامل مع وجود الكامل ، باعتبار تقديم الناقص حينئذ ظلم ، والظلم قبيح عقلاً ، فتقديم الكامل من الحُسن العقلي.

ومن المعلوم : أنّ الدين الإسلامي هو خاتم الأديان وآخرها ، فلابدّ وأن يكون أكملها وأجمعها لجميع جوانب حياة الإنسان وأبعاده ، وممّا يدلّ على كماله الروايات الشريفة والآيات المباركة ، منها : قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) (1).

إذاً ، العقل يلزمنا أن نختار الدين الإسلامي باعتباره الدين الكامل ، كما يحكم أنّ المتأخّر ينسخ المتقدّم ، وأنّ في الثاني ما في الأوّل ولا عكس ، فإنّ الاثنين يضمّ الواحد ولا عكس ، كما هو واضح.

ص: 524


1- المائدة : 3.

وبمثل هذه الملاكات العقلية يقدّم الدين الإسلامي على غيره عقلاً ، كما يقدّم نقلاً ، فإنّ الشرائع السماوية الأُخرى ، أخبرت بظهور الدين الإسلامي ، وأنّه خاتم الشرائع السماوية ، كما أنّ نبيّه صلى اللّه عليه وآله خاتم الأنبياء عليهم السلام.

( علي العلي - الكويت - .... )

الطريق إلى معرفة الثقافة الإسلامية :

س : ما هي الطريقة لتكوين ثقافة إسلامية؟ وما هي الكتب المهمّة في هذا المجال؟

ج : إنّ سؤالكم مركب من كلمتين : ثقافة وإسلامية ، فالثقافة لوحدها لا تكون كاملة ما لم تضاف إلى الكلمة الثانية « إسلامية » ، فيمكننا أن نعرّف الثقافة بالعلم بالشيء والعمل به ، العلم بالتعاليم الإسلامية ، والعمل بهذه التعاليم ، هو الذي يخلق عند الإنسان ثقافة إسلامية ، فإذا عرفنا الإسلام بمفاهيمه الصحيحة وعملنا بها - إذ أنّ للإسلام تعاليم وقوانين في جميع المجالات - حصلت لنا ثقافة إسلامية.

وبما أنّ الإسلام لم يصلنا بالصورة المتكاملة إلاّ عن طريق أهل البيت عليهم السلام ، وأهل البيت أدرى بما في البيت ، وقد نقلوا الصورة الصحيحة للإسلام ومفاهيمه - كما نزل به جبرائيل الأمين على النبيّ صلى اللّه عليه وآله - فالرجوع إلى كلامهم للوصول إلى ثقافة إسلامية يكون ضرورياً لكُلّ طالب حقّ وحقيقة.

ومن الكتب التي ننصحكم بقراءتها كتاب : « التكامل في الإسلام » لأحمد أمين ، وكتب الشيخ محمّد جواد مغنية ، والسيّد شرف الدين ، والشيخ المظفر ، والشيخ كاشف الغطاء.

ص: 525

( أمير أحمد - أمريكا - 16 سنة - طالب )

الكافر يكافأ في الدنيا على أعماله الإيجابية :

س : هل يثاب أديسون - مخترع الكهرباء - على خدمته الفاضلة للبشرية من قبل اللّه تعالى؟ بالرغم من أنّه - كما تعرفون - لم تكن نيّته قربة إلى اللّه تعالى ، وحفظكم اللّه تعالى.

ج : تدلّ العمومات التي وردت في بعض الروايات : بأنّ الكافر يكافأ في هذه الدنيا على أعماله الإيجابية ، التي خدمت النوع البشري ، حتّى لا يبقى له حقّ في الآخرة ، ويؤيّده حكم العقل بعدم ضياع عمله ، وإن كان كافراً ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) (1).

نعم ، هناك بعض الروايات تفيد : بأنّ الكفّار القاصرين الذين لم تصل إليهم الأدلّة ، ولم يكونوا معاندين ، موكلون في الحكم عليهم في الآخرة إلى اللّه تعالى ، وعبّرت عنهم - هذه الروايات - بالمستضعفين والمرجوّين لشمول رحمة الباري لهم.

( محمّد حسام - سوريا - 32 سنة - طبيب أسنان )

تشخيص الحقّ من الباطل بالعقل :

س : ألا تعتقدون بأنّ كُلّ واحد في هذه الأرض يعتبر نفسه أنّه الأقرب إلى الأصحّ؟ فما هي الآليات العملية التي يمكن أن نطبّقها للوصول إلى إقناع الطرف الآخر؟ بأنّه يمكن أن يكون بعيداً عن الحقّ ، طبعاً أتكلّم من وجهة الفهم النبوي لشريعة اللّه على الأرض ، وشكراً لكم.

ج : إنّ الآلية الوحيدة - في نقطة الصفر - للبحث عن الحقّ والحقيقة هو العقل ، والاعتماد على الدليل مهما كانت نتائجه ، ويؤيّده ما ورد في أحاديث الشيعة :

ص: 526


1- فصلت : 46.

أنّ أوّل ما خلق اللّه هو العقل (1) ؛ ولا يخفى أنّ في كُلّ موضوع حقّ وباطل ، فالدليل القوي والمتين يكون مع الحقّ ويردّ الباطل ، فلا مجال لتوهّم وجود دليلين أساسيين لصالح الحقّ والباطل على حدّ سواء ، بل كُلّ ما في الأمر أنّ للباطل شبهات يخيّل أنّها دلائل ، ولكن عندما تعرض وتقاس بأدلّة الحقّ ، تنكشف زيفها ، فللباطل جولة ، ولكن للحقّ دولة.

فالمهمّ في هذا المجال : أن يدرس أدلّة كُلّ مدّع للحقّانية في قبال أدلّة الآخرين - ولا يكفي مجرّد ادّعائه هذا المقال - حتّى يحصحص الحقّ من خلاله ، ثمّ ( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ ) (2).

( أحمد - فلسطين - سنّي )

لابدّ من معرفة من نحبّ :

س : أنا أحبّ الشيعة لأنّهم أكثر المسلمين ثورة على الظلم.

ج : الحبّ له مراحل ، لابدّ من تخطّي هذه المراحل لأجل الوصول إلى الحبّ الحقيقي ، ومن أهمّ مراحل الرقي في الحبّ معرفة من نحبّ.

وبعد هذه المقدّمة ندعوك لمعرفة الشيعة الذين تحبّهم ، والتشيّع الذي يعتقدون به ، لا ندعوك لأن تتشيّع!! بل ندعوك لأن تعرف الشيعة والتشيّع ، وتعرف أدلّتهم من كتبهم ، لا من كتب خصومهم.

( بنت العفاف - البحرين - .... )

معنى تجرّد الروح :

س : هناك اختلاف بين المحقّقين وعلماء الكلام في قضية تجرّد الروح ، أرجو من حضرتكم التوضيح مع التفصيل ، وهل المجرّدات تتعرّض للفناء؟

ص: 527


1- شرح نهج البلاغة 18 / 185 ، من لا يحضره الفقيه 4 / 369.
2- يونس : 32.

ج : هذه المسألة طرحت من زمن أفلاطون وأرسطو.

فأفلاطون كان يقول : إنّ الروح جاءت من عالم المجرّدات والمثل ، وما وراء الطبيعة ، وحلّت في الإنسان ، وهي كالطائر في القفس تريد الخلاص منه ، وسبب حلولها في البدن معصيتها ، فحبسها اللّه في البدن ....

أمّا أرسطو يخالف أفلاطون ويقول : إنّها مع كونها مجرّدة ، ولكنّها تخلق مع البدن.

هذا خلاصة ما قيل حولها ، ولمّا وصلت إلى يد العرفاء قالوا : إنّ الإنسان له جسد ونفس وروح ، أمّا الروح فهي إلهية ، كما في قوله تعالى : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) (1) ، وأمّا النفس فهي صاحبة الأهواء والغرائز ، لكنّها تتكامل شيئاً فشيئاً ، إلى أن تصل إلى مرحلة النفس المطمئنة ، وتتّحد مع الروح.

وأمّا الحكماء والفلاسفة فلا يفرّقون بين الروح والنفس ، وجعلوهما شيئاً واحداً ، وهي مع كونها مجرّدة لكنّها ناقصة ، وتتكامل شيئاً فشيئاً.

والمجرّدات لا تفنى ، لأنّ الفناء خاصّ بالمادّيات ، وما ليس بمادّي لا فناء له.

طبعاً هذه المسألة طرحت في الغرب من زمن ديكارت ، وأختلف الفلاسفة فيها ، فقسم منهم - وهم الإلهيون - يعتقدون بالفصل التامّ بين الروح والجسد ، ويقولون : إنّ بينهما تنافراً ولا يلتقيان ، وقسم منهم - وهم المادّيون - لا يعتقدون بهذا ، بل يقولون بمادّية الروح أو النفس ، وانعدامها بعد الموت.

( عبد المنعم - البحرين - .... )

محاسبة النفس :

س : كيف يحقّق المسلم رضا نفسي عمّا يفعله من أفعال ركنية أو واجبة أو مستحبّة بحيث تحقّق رضا اللّه عنه؟

ص: 528


1- الحجر : 29.

ج : قال تعالى : ( يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) (1).

هذه الآيات وإن كانت حاكية عن الوضع في يوم القيامة ، إلاّ أنّنا يمكن أن نستفيد منها في عالمنا هذا - عالم الحياة الدنيا - إذ أنّ الإنسان يوم القيامة ينبأ ، وفي عالم الدنيا يستطيع أن يستخبر من نفسه حقائق الأُمور ، من دون لفّ ودوران ، ليعلم أنّ أعماله هل هي خالصة لله تعالى أم يشوبها الشرك؟ وكذلك هل استتبع أعماله أو يستتبعها منّةً وحسابات أُخرى أم لا؟

ولهذا العمل في الحياة الدنيا ، واستخبار الإنسان لنفسه ، يسمّى بمحاسبة النفس ، التي ورد في الحثّ عليها الروايات الكثيرة.

فيعيّن الإنسان وقتاً بين الحين والآخر ، يخلو فيه مع نفسه ، ويحاسبها على جميع أعماله ، فما شاهد منها الخير والإخلاص حمد اللّه وسأله أن يزيده منها ، وما رأى غير ذلك استغفر اللّه وصمّم على أن لا يعود.

( نورة إبراهيم - البحرين - .... )

معنى كلمة الحلوليون :

س : ما معنى كلمة الحلوليون؟

ج : تطلق كلمة الحلوليون على القائلين بأنّ اللّه تعالى حلّ في الأجسام ، أو حلّ في جسم معيّن ، ولهذا سمّوا بهذا الاسم ، وفي تعريف هذا المصطلح من المعاني الفلسفية ما يصعب فهمه على الجميع.

( إبراهيم - فلسطين - .... )

حول الوطنية والقومية والديمقراطية :

س : ما هو تعريفكم للوطنية والقومية والديمقراطية؟

ص: 529


1- القيامة : 13 - 15.

ج : نحن لا ننفي الوطنية والقومية والديمقراطية بالكُلّية ، ولا نؤيّدها مطلق التأييد ، بل نحن مع القومية والوطنية والديمقراطية - بمعناها اللغوي - الشرعية ، بمعنى أن نكون معها مادامت لا تخالف النصوص الدينية ، ونكون ضدّها إذا خالفت النصوص الدينية.

( عبد الحليم نواصر - الجزائر )

المرجعية أولت اهتماماً لقضية فلسطين :

س : اقتراحي يتمثّل في التكثيف من المسائل التي توحّد المسلمين حول القضية الفلسطينية.

ج : المرجعية الشيعية أولت اهتماماً كبيراً لقضية فلسطين ، وأصدر مراجع الدين بياناتهم وابدوا فيها عن استنكارهم ، وأوصوا الأُمّة الإسلامية بالتماسك والوحدة لأجل الدفاع عن الفلسطينيين ، ولا زالت الشيعة في أنحاء العالم وعلى رأسهم حزب اللّه الذي دعمته المرجعية الشيعية ، بل أحد المصاديق الخارجية لتلامذة المرجعية الشيعية ، لازالوا هم السبّاقين في التضحية والفداء.

( ... - ... - ..... )

توضيح عن الديمقراطية والوطنية والقومية :

س : أُريد توضيحاً عن الديمقراطية والوطنية والقومية إذا أمكن ، وشكراً.

ج : الديمقراطية تعني الحرّية ، والحرّية تارة تكون للفرد وأُخرى للمجتمع ، والديمقراطية المطلقة والتي لا تتقيّد بأيّ قيد غير مقبولة عند الشارع المقدّس ، بل الديمقراطية المقيّدة - التي تحفظ كرامة الإنسان والمجتمع ، ولا تتعدّى الحدود التي رسمها الشارع - هي المقبولة عند الشارع.

وأمّا الوطنية والقومية ، فهما اصطلاحان منتزعان من الوطن والقوم ، والمراد منهما : أن يتعصّب كُلّ إنسان لقومه ووطنه ، وهذا أيضاً بإطلاقه غير صحيح

ص: 530

عند الشارع ، لأنّ التعصّب للقوم والوطن يسبّب ضياع حقوق الآخرين ، ويزيغ الإنسان عن العدل والحقّ ، ولكن القومية والوطنية إذا حدّدتا وقيّدتا بضوابط عقلية وشرعية فإنّهما سيكونان مقبولان شرعاً وعقلاً.

( عبد السلام - المغرب - .... )

التشبّه بالكفّار حرام :

س : الإخوة الأفاضل القائمين على هذا الموقع : هل النهي عن التشبّه بالكفّار وارد في الفقه الإمامي؟ هل بالإمكان إيراد بعض الأمثلة المنهي عنها؟ وجزاكم اللّه خيراً.

ج : نعم ، التشبّه بالكفّار وارد في الفقه الإمامي وهو حرام ، وتشخيصه يرجع إلى العرف الذي يحكم بأنّه تشبّه بالكفّار.

( ريما الجزيري - البحرين - .... )

حقوق الناس وإبراء ذمّتهم :

س : أُريد أن أشكركم على جهودكم البنّاءة لخدمة وبناء هذا المجتمع.

طالما رددت في أحد الأدعية : « وقد خفقت أجنحة الموت عند رأسي ... وقد نزلت منزلة الآيسين من خيري فمن يكون أسوأ حالاً منّي » ، وتفكّرت فيها كثيراً جدّاً.

ولكن السؤال هو : أنّ اللّه سبحانه رحيم ، ورحمته وسعت كُلّ شيء ، أي أنّ اللّه ممكن أن يغفر لنا ذنوبنا التي تتّصل به - كالأحكام الفقهية من صلاة وصوم و ... - ولكن ماذا عن حقوق الناس؟ فما هي حقوقهم؟ وكيف التكفير عنها عند ظلم أي إنسان؟ وإذا كان هناك تعذّر من الوصول إليه - لسبب من الأسباب - فما العمل؟ وهل من اللازم عند براءة الذمّة ذكر الظلم الذي وقع على هذا الإنسان؟ أعينوني أعانكم اللّه.

ص: 531

ج : الإنسان عليه أن يبقى دائماً يعيش حالة الخوف والرجاء ، الخوف من جهنّم ، ورجاء رحمة اللّه تعالى ، لمّا يقرأ آيات الرحمة والغفران يحصل له الرجاء ، ولمّا يقرأ آيات العذاب وجهنّم يحصل له الخوف.

وأمّا حقوق الناس ، فهي على قسمين : مادّية ، ومعنوية.

أمّا المادّية ، فيجب على كُلّ إنسان غصب حقّاً من مال أو عين أو تصرّف بأموال غيره ، أو تسلّط عليها ، فيجب أن يرجع كُلّ شيء ليس له إلى أهله.

وأمّا المعنوية ، كالغيبة والافتراء على الآخرين و ... ، فإنّه يجب أن يستميحه في هذه الحياة الدنيا ويبرأ ذمّته ، وإن كان هناك تعذّر من الوصول إليه فيستغفر له ، ويتصدّق عنه عسى أن ينفع يوم لا ينفع مال ولا بنون.

( أبو الزين - الأردن - .... )

الحسن والقبح العقليين :

س : في موضوع الحُسن والقبح يعقّب صديقي قائلاً : وأمّا وصف الأفعال بالقبح والحسن ، فإننا لا ننكر أنّ العقل يقبّح ويحسّن بعض الأُمور ، لكن لا مدخلية له في تقبيح أفعال يترتّب عليها حساب ، وتحسينها التي هي محلّ التكليف الشرعي ، بل الشرع هو الذي يحسّن ويقبّح الأفعال ابتداءً دون مدخلية للعقل فيها ، وإلاّ فكيف تفرّون من إباحة شرب الخمر ثمّ تحريمها؟

وأين العقل من هذا؟ أو كذلك إباحة زواج الأخت في الشرائع السابقة؟ هل حقّاً أنّ الأشاعرة لا ينكرون أنّ العقل يقبّح ويحسّن بعض الأُمور؟ وهل يطرد ذلك مع قواعدهم؟

ج : الذي ينبغي أن يقال : هو أنّ العقل بعدما يحكم في كُلّ مورد ، يرى الملازمة أيضاً بين هذا الحكم وحكم الشارع ، نعم لو لم يدرك العقل الملازمة المذكورة تماماً في موضوعٍ ما لم يحكم بوجود الحكم الشرعي في ذلك المجال.

ص: 532

وبعبارة أُخرى : لو أدرك العقل العلّية التامّة بين الأفعال ومواصفاتها من الحُسن والقبح ، فحينئذٍ يحكم بتحسين أو تقبيح الشرع لها ، وإلاّ فلا.

وممّا ذكرنا يظهر عدم ورود النقوض المذكورة - إباحة شرب الخمر وزواج الأُخت - فإنّ العقل لم يحكم بالبداهة على حرمة الموردين بدون معونة الشرع ، أي أنّ العقل لا يستقلّ في حصول الضرر الذي يبلغ حدّ الضرر المحرّم ، وأن كان يعلم بالضرورة بوجود الضرر بنحو الموجبة الجزئية ، وهذا المقدار لا يكفي في حكم العقل بالتحسين والتقبيح ، ومن ثمّ الحكم بالملازمة على حكم الشرع في المجالين.

وأمّا الأشاعرة ، فلا يرون للعقل دوراً في الحكم بالحسن والقبح ، وإنّما دوره ينحصر في دركه لهما ، فلا مجال لتوغّل العقل في حوزة معرفة حكمة الأحكام وغيرها ، فمثلاً لا يرى الأشعري قبحاً في ايلام الأطفال ، أو عذاب المؤمنين وإدخالهم النار ، أو إدخال الكافرين الجنّة (1).

وهي كما ترى أحكام مناقضة للعقل بالبداهة ، فلا تتصوّر في ساحة الباري تعالى.

( أحمد - ... - ..... )

تسمية المولود بيد الزوج :

س : هل للزوجة أن تسمّي المولود بخلاف رضا الزوج؟ في حال اختلاف الآراء ، هل للزوجة الحقّ في التصرّف بالتسمية على اعتبار المشقّة والأذى الحاصل من الحمل والولادة؟ وفي حال عدم الاتفاق على التسمية ، فما هو المترتّب على الزوجة والزوج عمله؟

ج : إنّ الأمر في هذه المسألة سهل ، ويمكن الوصول إلى حلّ ، بالأخصّ إذا كانت العلاقة الزوجية مبتنية على المحبّة والتفاهم ، فلا مجال لأمثال

ص: 533


1- اللمع في أُصول الفقه : 116.

هكذا اختلافات بسيطة لتكدّر العيش السعيد الذي يسعى إليه كُلّ زوجين صالحين.

ولكن ، إن كان ولابدّ ، فإنّ الشارع المقدّس ، وحسماً للنزاع ، فإنّه يكون قول الزوج هو المقدّم ، وذلك من باب : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء ) (1).

( محمّد علي حسن - البحرين - .... )

التوبة وشروطها :

س : هل الإنسان إذا فعل أشياء غير أخلاقية هل يقبل اللّه توبته؟ وشكراً.

ج : علّمنا أئمّتنا عليهم السلام أن نكون دوماً بين الخوف والرجاء ، رجاء رحمة اللّه تعالى ، والخوف من عقاب اللّه تعالى ، والآيات القرآنية والأحاديث الشريفة تؤكّد على ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ) (2) ، ولكن بشرط أن تكون توبة حقيقية لا يعود بعدها إلى الذنب وفعل القبيح ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ) (3).

وإذا كان للناس عليه حقّ أن يتخلّص منه ، ويرجع إلى كُلّ ذي حقّ حقّه ، حتّى أنّه ورد عن الأئمّة عليهم السلام : ( إنّ من أكبر الكبائر عند اللّه اليأس من روح اللّه ) (4).

( هادي - البحرين - .... )

الفرق بين الاحتمال والمُحتمل :

س : ما الفرق بين الاحتمال والمُحتمل؟

ص: 534


1- النساء : 34.
2- النساء : 48.
3- التحريم : 8.
4- الكافي 2 / 545.

ج : الاحتمال : هو إبداء الفرض ، والمُحتمل : هو ما يكون متعلّقاً لهذا الفرض والاحتمال ، فالاحتمال هو : المصدر ، والمُحتمل : اسم مفعول ومتعلّق هذا المصدر.

نعم ، قد يذكر البعض هاتين الكلمتين في الاستدلالات الفلسفية والكلامية ، أو حتّى الأُصولية ، بصورة الفرق بين قوّة الاحتمال وقوّة المُحتمل ، والمقصود منها :

أنّه قد يكون في مورد خاصّ نفس الاحتمال والفرض ذا أهمّية عند العقل والعقلاء ، وإن لم يبدوا اهتماماً لما يحتملونه أو يفرضوه ، أي : أنّ عملية الاحتمال هو بنفسه له موضوعية في ذلك البحث مع غضّ النظر عن متعلّق الاحتمال.

وقد يكون - على العكس - المُحتمل معتبراً عند العقل والعقلاء وملحوظاً عندهم ، وإن كان الاحتمال ليس بذلك الشأن ، أي : أنّ العقلاء يرون المورد خطيراً فيكون مورد اهتمامهم فيحتملونه ، وإن كان عملية الاحتمال ليس فيها تلك الأهمّية.

( علياء - البحرين - 21 سنة )

الذنوب الكبيرة والصغيرة :

س : على أيّ أساس تقسّم الذنوب إلى الكبيرة والصغيرة؟ وما هي الذنوب التي تستلزم الخلود في النار؟ أُريد الجواب في أسرع وقت ممكن ، ولكم جزيل الشكر.

ج : قال المحقّق النراقي : « وقد اختلفوا أوّلاً في تقسيم الذنوب إلى الكبائر والصغائر ، فحكي عن جماعة - منهم : المفيد والطبرسي والشيخ في العدّة والقاضي والحلبي - إلى عدم التقسيم ، بل الذنوب كُلّها كبائر ، ونسبه الثاني - أي الطبرسي - في تفسيره إلى أصحابنا ، مؤذناً بدعوى الاتفاق ، وكذلك الحلّي ،

ص: 535

حيث قال - بعد نقل القول بالتقسيم إلى الكبائر والصغائر ، وعدم قدح الثاني نادراً في قبول الشهادة عن المبسوط - : ولا ذهب إليه أحد من أصحابنا ، لأنّه لا صغائر عندنا في المعاصي إلاّ بالإضافة إلى غيرها.

والحاصل : أن الوصف بالكبر والصغر إضافي (1).

وذهب طائفة منهم : الشيخ في النهاية والمبسوط ، وابن حمزة والفاضلان والشهيدان ، بل أكثر المتأخّرين كما في المسالك ، بل عامّتهم كما قيل ، ونسب إلى الإسكافي والديلمي أيضاً إلى انقسام المعاصي إلى الكبائر والصغائر ، بل يستفاد من كلام الصيمري ، وشيخنا البهائي في الحبل المتين - على ما حكي عنهما - الإجماع عليه.

وهو الحقّ ، لظاهر قوله سبحانه : ( إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) (2) ، وقوله : ( وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثمِ وَالْفَوَاحِشَ ) (3).

ولقول علي عليه السلام : « من كبير أوعد عليه نيرانه ، أو صغير أرصد له غفرانه ».

ورواية ابن سنان : « لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار ».

ومرسلة الفقيه : « من اجتنب الكبائر كفّر اللّه عنه جميع ذنوبه ».

وفي خبر آخر : « إنّ الأعمال الصالحة تكفّر الصغائر ».

وفي آخر : هل تدخل الكبائر في مشيئة اللّه؟ قال : « نعم ».

وتشهد له الأخبار الواردة في ثواب بعض الأعمال : « أنّه يكفّر الذنوب إلاّ الكبائر » ....

ثمّ أختلف القائلون بالتقسيم في تفسير الكبائر وتحديدها ، فمنهم من قال : إنّ كُلّ ما وجب فيه حدّ فهو كبيرة ، وما لم يقرّر فيه حدّ فهو الصغيرة.

ص: 536


1- مستند الشيعة 18 / 122.
2- النساء : 31.
3- الشورى : 37.

ومنهم من قال : ما ثبت تحريمه بقاطع فهو كبيرة ، ومنهم من قال : كُلّ ما آذن بقلّة الاكتراث في الدين فهو كبيرة ، ومنهم من قال : ما يلحق صاحبه العقاب الشديد من كتاب أو سنّة.

وقيل : إنّها ما نهى اللّه عنه في سورة النساء من أوّلها إلى قوله سبحانه : ( إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ ) ، وقيل : إنّها سبع ، وقيل : إنّها تسع ، وقيل : عشرون ، وقيل : أزيد.

وعن ابن عباس : أنّها إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبعة ، وبه صرّح في الروضة ، وفي الدروس : أنّها إلى السبعين أقرب منها إلى السبعة.

والمشهور بين أصحابنا : أنّها ما توعّد عليها إيعاداً خاصّاً ، ولكن اختلفت كلماتهم في بيان الإيعاد الخاصّ » (1).

وحاصل ما نستفيده من كلام المحقّق النراقي هو : في مسألة الذنوب قولان : قول يرى أنّ الذنوب كُلّها كبيرة ، ولا توجد ذنوباً صغيرة ، وقول يرى أنّ الذنوب كبيرة وصغيرة ، وعلى القول الثاني فأساس التقسيم يختلف باختلاف تعريفهم للكبيرة.

ثمّ إنّ عدد الذنوب الكبيرة مختلف فيه ، وعليه لا يمكن إعطاء عدداً معيّناً للذنوب التي يستلزم منها الخلود في النار ، ولكن ورد في بعض الروايات ذكر بعضها ، منها :

الكفر باللّه تعالى ، والشرك به ، والزنا ، فعن علي بن أبي طالب عليه السلام عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال في وصية له : « يا علي في الزنا ستّ خصال ، ثلاث منها في الدنيا ، وثلاث في الآخرة : فأمّا في الدنيا فيذهب بالبهاء ، ويعجّل الفناء ، ويقطع الرزق ، وأمّا التي في الآخرة فسوء الحساب ، وسخط الرحمن ، والخلود في النار » (2).

ص: 537


1- مستند الشيعة 18 / 124.
2- الخصال : 321.

( ياسمين - النرويج - .... )

علّة تحريم لحم الخنزير :

س : لماذا حرّم الخنزير في القرآن الكريم؟

ج : لقد حرّم اللّه تعالى لحم الخنزير بقوله : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ ... ) (1).

ولا يُباح بحال من الأحوال لمسلم أن يتناول منه شيئاً ، إلاّ في حالة الضرورة التي تتوقّف فيها صيانة حياته على تناوله ، كما لو كان في مفازة ، ولا يجد طعاماً سواه ؛ وفقاً لقاعدة : أنّ الضرورات تبيح المحظورات ، المقرّرة في القرآن العظيم بقوله تعالى في الآية السابقة التي جاءت بتحريم الميتة ولحم الخنزير : ( مَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ... ) .

وقال اللّه تعالى في موطن آخر بعد ذكر تلك المحرّمات : ( إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) (2).

وقد نقل الشيخ الصدوق قدس سره عدّة أحاديث حول علّة تحريم لحم الخنزير ، منها :

1 - عن محمّد بن عذافر عن بعض رجاله ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : لم حرّم اللّه عزّ وجلّ الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير؟

فقال : « إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يحرّم ذلك على عباده ، وأحلّ لهم ما سوى ذلك من رغبة فيما أحلّ لهم ، ولا زهد فيما حرّمه عليهم ، ولكنّه تعالى خلق الخلق فعلم ما يقوم به أبدانهم وما يصلحهم ، فأحلّه لهم وأباحه ، وعلم ما يضرّهم ، فنهاهم عنه وحرّمه عليهم ، ثمّ أحلّه للمضطّر في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلاّ به ، فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك » ، ثمّ قال : « وأمّا

ص: 538


1- البقرة : 173.
2- الأنعام : 119.

لحم الخنزير ، فإنّ اللّه تعالى مسخ قوماً في صور شتّى ، مثل الخنزير والقرد والدب ، ثمّ نهى عن أكل المثلة لكيما ينتفع بها ، ولا يستخف بعقوبته ، وأمّا الخمر ... » (1).

2 - عن محمّد بن سنان أنّ الرضا كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله : « حرّم الخنزير لأنّه مشوّه ، جعله اللّه تعالى عظة للخلق ، وعبرة وتخويفاً ، ودليلاً على ما مسخ على خلقته ، ولأنّ غذاؤه أقذر الأقذار ... » (2).

وقد أثبتت الاكتشافات الطبّية في عصرنا الحديث ، الذي اكتُشفت فيه عوامل الأمراض ، وخفايا الجراثيم الضارّة : أنّ الخنزير يتولّد من لحمه في جسم الإنسان الذي يأكله دودة خطرة ، توجد بذرتها في لحم الخنزير ، وتنشب في أمعاء الإنسان بصورة غير قابلة للعلاج بالأدوية الطاردة لديدان الأمعاء.

وقد جاء في موسوعة لاروس الفرنسية : « إنّ هذه الدودة الخبيثة « التريشين » تنتقل إلى الإنسان ، وتتّجه إلى القلب ، ثمّ تتوطّن في العضلات ، وخاصّة في الصدر والجنب والحنجرة والعين ، والحجاب الحاجز ، وتبقى أجنّتها محتفظة بحيويتها في الجسم سنين عديدة.

ولا يمكن الوقوف عند هذا الاكتشاف في التعليل ، بل يمكن للعلم الذي اكتشف في الخنزير هذه الآفة ، أن يكتشف فيه في المستقبل آفات أُخرى ، لم تعرف بعد.

إذاً ، لم يحرّم اللّه تعالى شيئاً على الإنسان ، إلاّ بعد علمه تعالى بأنّه مضرّ ومهلك ، وما أراد سبحانه لعباده سوى الراحة والسعادة ، ولذلك حرّم أكل لحم الخنزير في كافّة الكتب السماوية ، لهذه العلل التي نقلناها ، ولعلل لم نعلمها بعد.

ص: 539


1- علل الشرائع 2 / 483.
2- المصدر السابق 2 / 484.

( منصور - البحرين - 33 سنة - خرّيج جامعة )

تعقيب على الجواب السابق :

تعليق على موضوع أكل لحم الخنزير : فقد وجدنا أنّ كُلّ أكلة يتناولها الإنسان تؤثّر مباشرة على نفسيته بالسلب أو الإيجاب ، وتناول لحم الخنزير ممّا يساعد على ذهاب الغيرة والشرف في الإنسان ، كما ترون في حال الشعوب التي تربّت على أكل النجاسات والمحرّمات ، وتولّد أيضاً في النفس خبثاً لا يقاس بأيّ خبث.

ولعلّي استشهد بمقطع للحوراء زينب عند كلامها مع الطاغية يزيد بن معاوية ، حيث تقول : « وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت ... وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء » (1) إشارة إلى واقعة أُحد ، ومحاولة هند هضم كبد الشهيد حمزة بن عبد المطلب عليه السلام.

( خالد عبد القادر - مصر - .... )

الذكاء الوجداني :

س : أُريد معرفة بعض المعلومات عن الذكاء الوجداني.

ج : تؤكّد نظريات الذكاء الحديثة على تعدّد الذكاء ، وأهمّها نظرية الذكاء المتعدّدة ، أي أنّ الذكاء ليس أحاديّاً ، والفرق بين الأفراد ليس في درجة أو مقدار ما يملكون من ذكاء ، وإنّما في نوعية الذكاء.

ومن أنواع الذكاء ، الذكاء الوجداني الذي عرّف بقدرة الفرد على فهم مشاعره الشخصية ، واستخدام هذه المعرفة لاتخاذ القرارات الصائبة ، والتكيّف مع ضغوط الحياة ، والتحكّم في الانفعالات ، والتعاطف مع الآخرين ، والقدرة على إثارة الحماس في النفس.

ص: 540


1- اللّهوف في قتلى الطفوف : 106.

فزيادة هذا النوع من الذكاء لدى أفراد المجتمع ، يؤثّر في ضبط النفس والانفعالات بينهم ، ويساعد في تحويل هذه الانفعالات السيّئة ، من كره وبغض واحتقار ، وتدبير مؤامرات ، وغيبة ونميمة ، وإثارة الفتن وعدوانية و ... إلى انفعالات إيجابية ، من حبّ واحترام ، وصدق وأمانة و ... ، ممّا تساعد في تقدّم وازدهار المجتمع ، وبالتالي إبداعه.

ومن مكوّنات هذا الذكاء الوجداني ، الوعي بالذات ، أو الوعي بالانفعالات ، والمشاعر والأحاسيس والأفكار.

ومن مكوّناته أيضاً ، القدرة على السيطرة على انفعالاته بطريقة تنمّي قدراته العقلية والوجدانية ، كما في الحديث : « ليس الشديد بالصرعة ، إنّما الشديد يملك عند الغضب » (1).

ويرى بعض علماء النفس : أنّ الوجدان يعطي الإنسان معلومات ذات أهمّية ، هذه المعلومات تجعله يفسّرها ويستفيد منها ، ويستجيب لها من أجل أن يتوافق مع المشكلة ، أو الموقف المتوتّر بشكل أكثر ذكاء ، فالوجدان يجعل تفكيرنا أكثر ذكاء.

فالذكاء الوجداني يشمل القدرة على أدراك الانفعالات ، وتقييمها والتعبير عنها ، ويشمل القدرة على فهم الانفعالات ، ويشمل أيضاً القدرة على تنظيم الانفعالات بما يعزز النمو الوجداني والعقلي.

فالفرد الذكي انفعالياً أو وجدانياً ، يعتبر فرد أفضل من غيره في التعرّف على انفعالاته وانفعالات الآخرين ، ولديه قدرة كبيرة على التعبير عن انفعالاته بصورة دقيقة ، تمنع سوء فهم الآخرين له ، فعندما يغضب فإنّ لديه القدرة على عكس انفعال الغضب على ملامح وجهه وصوته ، كما أنّ لديه القدرة على إظهار التعاطف مع الآخرين ، وفهم وتحليل انفعالاته ، كالتمييز بين الشعور

ص: 541


1- روضة الواعظين : 380.

بالذنب ، والحياء والحزن والغضب ، والشعور بالحسد والغيرة ، كما أنّ لديه القدرة على السيطرة على انفعالاته بطريقة تنمّي قدراته العقلية والوجدانية ، كتأجيل إشباع حاجاته ، وكبح جماح غضبه.

( عبد الرحيم يوسف - الإمارات - سنّي - 30 سنة - خرّيج متوسطة )

حقوق الزوجين :

س : ما هي حقوق الزوج على زوجته؟ وما هي حقوق الزوجة على زوجها؟

ج : يجب على الزوج أن يوفّر المسكن والملبس والمأكل المناسب مع شأن الزوجة ، والمبيت معها وتأمين حاجتها الجنسية ، وأن لا يظلمها ، ويتعامل معها بالمعروف ، وأن لا يتخذ من الحياة الزوجية مبرّراً ليفرض بذلك سطوته وتكوين سلطة استبدادية على عائلته.

ويجب على الزوجة أن تمكّن نفسها للزوج من الناحية الجنسية ، وكذلك يجب عليها تهيئة سائر المقدّمات والمستلزمات العرفية للتمكين ، وأن تسعى لإيجاد بيت يسوده الحبّ والأُلفة ، وأن تطيع زوجها ، ولا تتصرّف في أمواله ، ولا تخرج من البيت إلاّ بإذنه.

وعلى كُلّ حال ، فإنّ الواجب على الزوجين السعي لكُلّ ما يكون سبباً لتشكيل الأُسرة الصالحة ، والبيت الذي يهيمن عليه الحبّ والأُلفة.

( محمّد بغدادي - سوريا - 23 سنة - طالب جامعة الطبّ البشري )

الإسلام ومسألة الرقّ والعبودية :

س : إنّ الإسلام نزل كديانة سماوية من أجل إنقاذ البشرية ، لكن لماذا لم يحارب الإسلام نظام الرقّ والعبودية ، فقد بقي الرقّ والعبيد حتّى بعد الإسلام ، وقد تجد بعض الأحكام الإسلامية فيما يخصّ العبيد والجواري ، فهل من جواب شافي لهذه النقطة؟! ولكم جزيل الشكر وخالص الدعاء.

ص: 542

ج : ينبغي ملاحظة نقاط متعدّدة في مقام الجواب :

أوّلاً : نظام الرقّ والعبودية قد نشأ في أحضان الجاهلية ، وترسّخت مبانيه في أذهانهم ، فكان يتحتّم على النظام الإسلامي أن يقابل هذه الحالة السلبية بطريقة مرنة من خلال تثقيف المسلمين ، وحثّهم على إطلاق سراح العبيد والإماء وتحريرهم ، حتّى تتمّ عملية فكّ رقابهم في المجتمع بصورة غير قسرية وبحالة تدريجية ، لكي لا تؤثّر في الموازنات الاجتماعية والاقتصادية بصورة دفعية ، فتنتج انقلابات وفوضى يمكن الاستغناء عنها.

ثانياً : الإسلام ومن منطلق حرصه على حرّية الفرد كان يحرّض المسلمين دائماً على عملية تحرير الرقاب ، فمن جانب يذكر الأجر والثواب على تحرير العبيد ، ومن جانب آخر يعتبر هذا العمل كفّارة لبعض الذنوب والمعاصي ، وبهذين الطريقين يحاول الإسلام أن يحرّر الكثير من العبيد والإماء ، وقد تخلّص عدد كبير منهم من وطأة الرقّ والعبودية فعلاً.

ثالثاً : إنّ مسألة الرّق في الواقع تشمل المحاربين من الكفّار الذين تمّت عليهم الحجّة ، ولم يقبلوا الإسلام ، فبعد الحرب معهم ، تكون مسألة الرّق والعبودية لنسائهم وأطفالهم بمثابة مدرسة تعليمية يختلطون بواسطتها مع المجتمع الإسلامي ، ويتعايشون معهم ، ويتزوّج بعضهم من بعض ، مع تحديد شروط للمجتمع الإسلامي في معاملته معهم ، كما أنّ الحلول التي وضعها الإسلام لعتقهم هي في غاية الدقّة ، تجعلهم يتحرّرون في أسرع وقت ، وقد اندمجوا في المجتمع الإسلامي ، وتعلّموا المباني الإسلامية ، وهذا ما نشاهده بوضوح من معاملة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام مع العبيد من تعليمهم وعتقهم ، وكانت علاقة هؤلاء العبيد مع أهل البيت عليهم السلام بمكانة ، ممّا كانت تجعل العبيد يفضّلون البقاء مع أهل البيت عليهم السلام عبيداً لهم ، على حرّيتهم وعتقهم.

رابعاً : إنّ عدداً من أُمّهات الأئمّة عليهم السلام كنّ من الجواري والإماء ، ممّا يدلّ على عدم الفرق من حيث المبدأ بين الحرّ والعبيد في سلوك طريق السعادة

ص: 543

والكمال ، وهذه إشارة واضحة لنا بأن لا نميّز الآخرين على أساس الفروق الاجتماعية.

( أبو أحمد - السعودية - 37 سنة - ماجستير هندسة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : في الواقع السؤال كان حول نظام الرّق في الإسلام من أساسه :

فكما هو معروف ، يستطيع المسلم أن يهدي رقّيقته التي اشتراها بماله ، أو اكتسبها من حرب إلى ولده أو صديق أو أخ وكأنّها سلعة ، فأين كرامة أو قيمة الإنسان في ذلك؟ ثمّ صحيح أنّ الرّق يكاد لا يذكر ، أو لا يوجد في هذا الزمان ، ولكن وجوده في أشكال مختلفة ، وأحكامه ما زالت سارية ، وهو ليس بمحرّم.

ج : الإسلام كدين إلهي يحاول أن يعالج السلبيات الموجودة في المجتمع بطريقة مرنة حدّ الإمكان ، حتّى لا يوقع الناس في أضرار جرّاء التغييرات والتقلّبات.

نعم ، إن كان الموضوع من قضايا العقيدة وأركان الإسلام فلا يتهاون في حقّه ، بل يتخذ الإجراءات الحاسمة والفورية ، ولكن لمّا لم يصل إلى هذا الحدّ من الضرورة فلا حاجة إلى الإسراع والتعجيل ، بل ولربما يكون فيهما - الإسراع والتعجيل - ما يخلّ النظام الاجتماعي ، ففي هذه الصورة يتصرّف المشرّع بشكل آخر ، وهو التطبيق التدريجي للأحكام نحو الهدف الغائي والمطلوب ، لكي لا يصطدم المجتمع بصدمة عنيفة في بُنيته الأساسية إزاء التطبيق الدفعي والقسري.

فمثلاً : عندما يرى أنّ المشركين يحجّون إلى بيت اللّه الحرام ، ويؤدّون مناسك خاصّة - وأن كان العمل بمجموعه من تراث الدين التوحيدي ، دين إبراهيم الخليل عليه السلام ، ولكن حرّفوه في طول التاريخ - فهو يقع بين أمرين : إمّا أن يمنعهم عن هذا العمل مطلقاً ، فينبغي أن يتحمّل تبعات هذا المنع من اعتراضات

ص: 544

وتهم تردّ للنيل من سمعة الإسلام متّهماً إيّاه بعدوله عن خطّ الأديان التوحيدية ؛ أو يتصرّف في شكلية النسك ، فيطهّرها من آثار الكفر والشرك مع عدم المساس بأصل العمل ، وهذا النوع من التصرّف مع سهولته لا يثير حفيظة ذلك المجتمع قريب العهد من الجاهلية ، وبالتالي ينال هؤلاء المخضرمون شيئاً فشيئاً مزايا الحجّ التوحيدي والصحيح ، وهذا ما قد حصل فعلاً.

ومثال آخر : ترى أنّ الخمر قد حُرّم في ثلاث مراحل - كما هو معروف - فعندما رأى الإسلام تفشّي هذه الحالة السيّئة - شرب الخمر - في الجاهلية عالجها بأسلوب تدريجي ، فمرّة بيّن للناس مضارّه ، ثمّ في مرحلة ثانية منعهم عن الصلاة في حالة السكر ، وفي المرحلة الثالثة صرّح بتحريمه مطلقاً.

وهكذا كان يواجه الإسلام المشاكل والمصاعب التي ورثها من الجاهلية ، فلا يؤيّدها ولا يصطدم معها بشكل سافر ، بل ويتّخذ الإجراءات الكفيلة لحذف النقاط السلبية من المجتمع بغية الوصول إلى الهدف الأسمى مع أقلّ الضرر.

وفي مسألة العبيد والرقيق واجه الإسلام حالة مُرّة في المجتمع البشري آنذاك - وهذه لم تكن مختصّة بالعرب ، بل وحتّى الفرس والروم كانوا يمارسونها - فوقع بين أمرين :

فإمّا أن يلغي الصورة الاجتماعية من الأساس ، فعندئذٍ كان عليه أن ينشغل فقط بهذا الأمر ، ويترك باقي القضايا والمشاكل دون حلّ ، لأنّ نظام الرقّية كان سائداً في كُلّ أرجاء المعمورة - فضلاً عن شبه الجزيرة العربية - فكان الأمر ينتهي - في أحسن الحالات - إلى صراع طبقي قد لا ينتج منه إلاّ الدمار.

ولكنّه اختار أسلوباً آخر للتعامل مع هذه المعضلة ، فتدرّج في الموضوع بحيث لم يثر مشاعر الناس ، فاستطاع أن يقلب الموازين ويأتي بعلاقات أخوية بين الموالي والعبيد لم تكن تخطر ببال أحد من قبل.

ص: 545

هذا وفي نفس الوقت ، استغلّ الفرصة ليجعل بيوت الموالي مدارس تربوية لمن كان دونهم من العبيد والإماء الذين دخلوا في المجتمع الإسلامي عن طريق الحروب وغيرها.

فترى ظهور وبزوغ ثلّة مؤمنة من هؤلاء ارتقوا أعلى مراتب العزّ والشرف ، ممّا يدلّ على صحّة موقف الإسلام من المسألة.

وبعد معرفة هذا والتأمّل فيه ، يمكن معرفة سائر الجزئيات المتعلّقة بأحكام الرّق ، والتي أشرتم إلى بعضها.

( بدر - ... - ..... )

من لم يخف اللّه خاف من الناس :

س : تحية طيّبة ، وبعد : يوجد حديث بما معناه : إنّ من لم يخف اللّه ، خاف من الناس ، ما مدى صحّة هذا الحديث؟ وما معناه؟ نرجو من سماحتكم الإجابة الوافية ، ولكم جزيل الشكر.

ج : ورد في شرح أُصول الكافي للمولى محمّد صالح المازندراني :

« عن الهيثم بن واقد قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « من خاف اللّه أخاف اللّه منه كُلّ شيء ، ومن لم يخف اللّه أخافه اللّه من كُلّ شيء ».

الشرح : قوله « من خاف اللّه أخاف اللّه منه كُلّ شيء » ظاهره أنّ اللّه تعالى يلقي الخوف منه على الأشياء ، مع احتمال أن يكون سرّ ذلك أنّ الخائف من اللّه نفسه قوّية قدسية مقرّبة للحضرة الإلهية ، قادرة على التأثير في الممكنات ، فلذلك يخاف منه كُلّ شيء حتّى الوحوش والسباع والحيّات ، كما نقل ذلك عن كثير من المقرّبين.

ومن لم يخف اللّه ، نفسه ضعيفة متّصفة بالنقصان ، بعيدة عن التأثّر في عالم الإمكان ، فلذلك يخاف من كُلّ شيء ، ويتأثّر منه ، ولمّا كانت القوّة والضعف والتأثير والتأثّر بسبب القرب من اللّه وعدمه ، نسبت الإخافة إليه » (1).

ص: 546


1- شرح أُصول الكافي 8 / 218.

وورد في التحفة السنية للسيّد عبد اللّه الجزائري :

وعن أبي عبد اللّه عليه السلام : « من خاف اللّه أخاف اللّه منه كُلّ شيء ، ومن لم يخف اللّه أخافه اللّه من كُلّ شيء » ، وهو ممّا لابدّ منه أيضاً ، فهو الذي يزجر النفس عن المعصية فعلاً وتركاً ، وهو ممّا ينفي العجب عن الطاعة ، فإنّ الخائف غير مستعظم نفسه وخصالها ، وضدّه الأمن كما تقدّم وهو خسر ، وفي التنزيل : ( فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) (1).

هذا وأنّ الرواية صحيحة ، حيث كُلّ رواتها ثقات.

( طالب خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي )

حقيقة الزلازل وكونها من الابتلاءات الإلهية :

س : ما هي حقيقة الزلازل؟ وكونها من الابتلاءات الإلهية.

ج : يسبّب انفجار الغازات المنضغطة المتصاعدة من البراكين - في بعض الأحيان - هزّات تُعرف بالزلازل البركانية.

وأحدث مفهوم لحدوث الزلازل هو قوى التشويه التي تُحدِث في الأرض صدوعاً ، فصخور الأرض تتعرّض باستمرار لضغوط وقوى مختلفة ، مثل ضغوط الغازات وأبخرة المياه ، وتنتهي مقاومة الصخور لهذه الضغوط بتصدّعها ، ثمّ تنزلق الكتل الصخرية والأتربة التي حولها.

إذا وصلت هذه الصدوع إلى سطح الأرض تسبّب شقوقاً طولية تمتد لمسافات ، وعندئذ تسري الذبذبات في موجات اهتزازية خلال القشرة الأرضية وفي باطنها ، وتصل إلى جهات بعيدة عن مركز الزلزال.

ولاشكّ أنّ الزلازل نوع من الابتلاءات والامتحانات الإلهية للإنسان ، حاله حال بقية الظواهر الطبيعية ، وقد يكون ناتجاً عن غضب المولى عزّ وجلّ على

ص: 547


1- الأعراف : 99 ، التحفة السنية : 70.

عصيان الناس لأوامره تعالى ، فقد ورد في رواياتنا : أنّ من أسباب الزلزال هو انتشار الفاحشة.

فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إذا فشت أربعة ظهرت أربعة : إذا فشا الزنا ظهرت الزلازل ، وإذا أمسكت الزكاة هلكت الماشية ، وإذا جار الحكّام في القضاء أمسك القطر من السماء ، وإذا خفرت الذمّة نصر المشركون على المسلمين » (1).

وهكذا نجد القرآن الكريم يعد الإنسان مسؤولاً عن كثير من الحوادث المؤلمة ، والوقائع الموجعة في عالم الكون ، ومنها الزلازل ، قال تعالى : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ) (2).

( إبراهيم - السعودية - 25 سنة - طالب جامعة )

معنى الصدفة :

س : نودّ من سماحتكم أن تعطونا رأيكم في الصدفة؟ مكانتها في الدين؟ وهل هي موجودة أو لا؟

ج : لا واقع للصدفة عقلاً ونقلاً ، وينبغي أن لا تعتبر اعتباراً شرعياً ، وأمّا ما يجري على ألسنة الناس فهو من باب التسامح في التعبير والغفلة عن العلل.

ويدلّ على ما ذكرنا : أنّ القانون العام في كُلّ حدث وحادث أن يصدر عن علّة ، وهذه قاعدة كُلّية عقلية اتفقت عليها جميع أرباب الملل والنحل ، فلا يشذّ منه أيّ مورد حتّى نعتبره من باب الصدفة.

نعم ، قد تخفى علينا العلّة أو العلل في واقعة ، فنتصوّرها حدثت بغير حساب وكتاب ، وهذا لا يعني عدم وجود علّة لها ، إذ عدم الوجدان لا يدلّ على عدم

ص: 548


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 524 ، الخصال : 242.
2- الروم : 41.

الوجود ، فربما توجد هناك علّة بعيدة أو قريبة أثّرت في الموضوع لا علم لنا بوجودها ، إذ لا نحيط بجميع العلل في الكون.

( فايد - كندا - .... )

تعريف المكان فلسفياً :

س : الإخوة في مركز الأبحاث العقائدية ، يدور في خلدي سؤال حبّذا لو تفضّلتم بالإجابة عليه : ما هو تعريف المكان فلسفياً؟ وكيف يكون موجود ما محتاجاً في وجوده إلى المكان فيصبح بذلك حادثاً ، ولكم الأجر والثواب.

ج : قال العلاّمة الطباطبائي قدس سره : « والمكان بما له من الصفات المعروفة عندنا بديهي الثبوت ، فهو الذي يصحّ أن ينتقل الجسم عنه وإليه ، وأن يسكن فيه ، وأن يكون ذا وضع ، أي مشاراً إليه بأنّه هنا أو هناك ، وأن يكون مقدّراً له نصف وثلث وربع ، وأن يكون بحيث يمتنع حصول جسمين في واحد منه ، قال صدر المتألّهين قدس سره : « هذه أربع أمارات تصالح عليها المتنازعون لئلا يكون النزاع لفظياً » ، وقد اختلفوا على حقيقته على أقوال خمسة » (1).

والموجودات إذا كانت أجسام تحتاج إلى حيّز ومكان ، والمحتاج إلى غيره ممكن ، والممكن حادث.

( علياء - البحرين - 21 سنة )

أسباب الخوف من سوء الخاتمة :

س : ما هي أسباب الخوف من سوء الخاتمة؟ أُريد الجواب في أسرع وقت ممكن ، ولكم جزيل الشكر.

ص: 549


1- نهاية الحكمة : 129.

ج : على الإنسان أن يكون دائماً بين الخوف والرجاء ، الخوف من عقاب اللّه ورجاء رحمته ، وبذلك يكون في توازن واعتدال ، فلا يكون له يأس من رحمة اللّه ، ولا أمان من عقاب اللّه ، هذا أوّلاً.

وثانياً : على الإنسان أن يكون دائماً في حذر تامّ من الوقوع في أُمور لها آثارها الوضعية ، وما ربما سبّبت سوء العاقبة والعياذ باللّه ، كأكل مال اليتيم ، والظلم بالأخصّ لمن لا حول له ولا قوّة ، وغصب حقوق الناس ، فإنّ كُلّ هذه لها آثارها الوضعية الخارجية.

وثالثاً : كثرة الدعاء والتوسّل بأهل البيت عليهم السلام في حسن العاقبة ، ممّا له الأثر في النيل بحسن العاقبة إن شاء اللّه.

ورابعاً : محاسبة النفس التي ورد الحثّ عليها في روايات متواترة ، حيث يراقب المرء نفسه ويحاسبها ، فإذا رأى صدور طاعة منها وعبادة ، شكر اللّه وسأله المزيد من التوفيق ، وإذا شاهد معصية استغفر ربّه ، واتخذ قراراً في عدم العودة ، وسأل اللّه أن يعينه على تركه.

( حفيظ بلخيرية - تونس - .... )

نظرية التطوّر فاسدة عقلاً وشرعاً :

س : جاء في ردّكم : إنّ نظرية التطوّر هي فاسدة عقلاً وشرعاً ، وكان استنادكم على أنّه يلزم منها انسلاخ الذات عن حقيقتها ، وهذا يتنافى مع القرآن ، إذ أنّه يطرح مسألة المسخ ، وهي مادّية وليست مجازية ، كما سأُبيّن ذلك :

إنّ كُلّ مخلوق - نباتاً كان أم حيواناً - له شريط جينات يحدّد هويّته وشكله ، ولا يستعمل منه إلاّ عشرة بالمئة 10% ، والبقية إمّا معطّلة أو قامت بدورها وانتهت مهمّتها.

1 - لاحظ العلماء مرض تناذر الغول الذئبي ، وهذا المرض يتمثّل في كون الإنسان ينمو وجسمه مكسو بالوبر ، فبحثوا عن الجين المسؤول عن هذا السبب -

ص: 550

وهو جين الوبر - فوجدوا وأنّه من المفروض أن يكون نائماً أو معطّلاً ، لكنّه تفاعل لسبب من الأسباب.

2 - أخذ مجموعة من العلماء قطّاً ، وهو ينمو في بطن أُمّه ، وبحثوا عن الجين المسؤول عن الأجنحة ، وأيقظوه فولد هذا القطّ بجناحين ، وهذا يقرّب إلى أذهاننا عملية المسخ في القرآن ، أمّا التطوّر فكما يلي :

1 - لاحظ العلماء أن الديناسورات الأوّلية كانت كبيرة الحجم ، ثمّ أصبحت صغيرة ، فبحثوا عن السبب ، فوجدوا أنّ الجينات المسؤولة عن النموّ كانت تعمل بحرّية ، ثمّ بعد ذلك أخذت الجينات المعدلة تقوم بدورها ، أي تعدل نشاط الأُولى.

2 - تتكوّن الرِجل من ثلاثة أجزاء : الفخذ ثمّ ربلة الساق ، فالساق ، وتقوم الجينات المكوّنة للرِجل بعملها كما يلي ، تتحرّك الجينات المسؤولة عن الفخذ ، وتصنع هذا الأخير ، وعندما تنتهي تتحرّك المسؤولة عن ربلة الساق ، وهكذا بالنسبة للساق ، فأخذ العلماء فأرة وأخذوا الجينات المسؤولة عن الأصابع لأنّها الأقلّ عدداً ، وركّبوا عليها الجينات المعدلة فنمت بدون أصابع.

ج : نودّ أن نوضّح عدّة نقاط حتّى ندخل في الموضوع ، فهناك مصطلح « التطوّر » ، ومصطلح « المسخ » ، ومصطلح « الحركة » ، وأضيف مصطلح أو نظرية « الجبر الجيني ».

وإذا حدّدنا المصطلحات نستطيع أن نفهم الكلام ، وأنّه سليم أو سقيم ، أو أنّ الكلام يناسب هذا المصطلح أم له معنىً آخر ، وإليكم هذا البيان.

التطوّر : تغيّر الشيء من حالة إلى حالة أفضل وأكمل.

المسخ : تحويل صورة إلى ما هو أقبح منها.

فهنا نسأل : ما هي نظرية التطوّر الداروينية؟

والجواب : أنّها تعني أنّ جميع الكائنات الحية - من حيوانات ونباتات ، وفطريات وطحالب ، وغيرها من الأحياء - ترجع إلى أصل واحد ، يرجع إلى زمن

ص: 551

بعيد ، وأنّ هذا الأصل هو أبسط الكائنات كافّة ، ومنه بدأ انحدار الكائنات ، وهذه الانقسامات التكاثرية المتشعّبة ، والتي أظهرت تغايرات متباينة في الأجيال.

وقد تكيّفت هذه الأجيال ببيئات مختلفة ، فأنتجت أنواعاً مستحدثة ، تعيش مواكبة لبيئتها الجديدة ، وهي تبتني على عدّة أُسس :

1 - التنازع حول البقاء.

2 - الانتخاب الطبيعي.

3 - ناموس التحوّل.

4 - ناموس الوراثة.

هذه هي الأُسس الرئيسية التي بنى دارون عليها نظريته التطوّرية.

ويعتبر لامارك - العالم الفرنسي - أوّل من صدع بالقول بوجود علاقة وثيقة بين الكائنات الحية ، وفرضية التطوّر والارتقاء (1).

وعلى أيّ حال ، فالكتب مفصّلة فيها النظرية من أحبّ فليراجع.

ثمّ نأتي إلى مسألة التطوّر من حيث إمكانها عقلاً وشرعاً.

وإذا رجعنا إلى النصوص الدينية المقدّسة نجدها تنفي تطوّر الإنسان من نوع سابقاً له على النوع الإنساني ، والآيات القرآنية تكاد أن تكون صريحة في أنّ الإنسان نوع مستقلّ يرجع إلى أبيه آدم وأُمّه حوّاء ، وهما مخلوقان من تراب أو طين ، أو صلصال حسب اختلاف التعبير القرآني ، قال تعالى : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (2).

حينما ردّ اللّه فيها على مزاعم النصارى ، من أنّ عيسى عليه السلام ولد من غير أب بشري ، ولا ولد إلاّ بوالد ، فعليه يكون أبوه اللّه تعالى - تقدّس ذات الحقّ عن ذلك - فردّ اللّه عليهم ، بأنّ خلقه كخلق آدم ، فكيف أنّ آدم خلق من طين ،

ص: 552


1- الداروينية عرض وتحليل : 36.
2- آل عمران : 59.

فأيضاً لا أب له ، وعليه بطلان الدليل الذي استندوا إليه لإثبات بنوّة عيسى عليه السلام لله تعالى.

وقال تعالى : ( إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ ) (1) ، وقال تعالى : ( وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ ) (2) ، وقال تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ) (3) ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة المبيّنة لكون المخلوق الأوّل هو آدم ، وأنّ هذا النسل البشري يرجع إليه ، وأنّ آدم خلق من طين أو تراب أو غير ذلك ، فلم يتطوّر من مخلوق آخر سابق عليه ، كأن يكون فرداً أو جينة أو غير ذلك.

وأمّا العقل : فالبحث العقلي طويل وعميق جدّاً لا نستطيع سرده هنا إجمالاً فضلاً عن التفصيل ، لكن على أيّ حال نقول : الإنسان مركّب من مادّة وصورة ، وهذه المادّة هي القوّة الكامنة في الإنسان ، والتي بها يقبل أن يتكامل أو يتسافل ، وأمّا الصورة فهي الهوية النوعية أو الشخصية المميّزة للإنسان عن غيره ، فهي تميّزه عن البقر وعن الغنم وعن القرد و ... ، وهي التي تتحقّق بها إنسانية الإنسان ، بحيث عندما نقول إنسان إشارة إلى هذه الهوية المتشخّصة بهذه الصورة ، وهي لا تقبل تكاملاً أو تنازلاً من حيثيّتها ، بل تقبل ذلك من حيث المادّة.

وعليه ، فإذا فرضنا أنّ الهوية القردية أو الصورة القردية - كما تفرضها نظرية التطوّر - أرادت أن تحلّ محلّها الصورة الإنسانية ، فأمّا أن نفرض بقاء الهوية والصورة القردية على حالها ، وأمّا أن نفرض انسلاخها عنها ، فإن فرضنا بقاء الصورة القردية أو البقرية ، ومع ذلك وردت عليها أيضاً الصورة الإنسانية ، فحينئذ يلزم اجتماع هويّتين في موجود واحد ، وهذا يلزم منه وحدة الكثير وكثرة الواحد ، وهو بديهي الفساد.

ص: 553


1- ص : 71.
2- السجدة : 7.
3- النساء : 71.

وإن فرضنا ذهاب الصورة القردية وانتفائها ، ثمّ مجيء الصورة الإنسانية ، فأيضاً لم تصل النظرية إلى مرادها ، لأنّ معنى انتفاء الصورة القدرية ، هو بطلان هوية القرد ولم يبق قرد حقيقة حتّى نقول بأنّه تحوّل إلى إنسان ، إذ ذكرنا أوّلاً أنّ الهوية الحقيقية للموجود هي في صورته ، فعند بطلان صورته تبطل هويّته الحقيقية ، فلا معنى لأن نقول تطوّر ، بل نقول : بطلت الصورة القردية ، وحلّت مكانها الصورة الإنسانية ، فإذاً التطوّر باطل عقلاً.

أضف إلى ذلك أنّ سير الصورة الحيوانية في قناة الصورة القردية لا يمكن أن يجتمع مع تحوّل الصورة القردية تطوّراً إلى الصورة الإنسانية ، لأنّ الاستعداد الذي تحمله المادّة امتلأ بالصورة القردية ، فلم يبقِ هناك استعداد لأن تقبل المادّة الصورة الإنسانية.

هذا موجز ما يمكن ذكره الآن ، وعليه فالنظرية الدارونية أو اللاماركية مجانبة لما نطقت به الشرائع السماوية ، ولما بنيت عليه الفطرة العقلية.

وبعد أن عرضنا ذلك نتعرّض إلى مسألة المسخ التي نطقت بها الشريعة ، وصرّحت بوقوعها الروايات المتواترة من ناحية انطباقها وعدم انطباقها على نظرية التطوّرية الداروينية أوّلاً ، ومن حيث تفسيرها على ضوء الفلسفة الإسلامية؟

أمّا كون المسخ غير التطوّر فيكاد يكون ذلك أوضح من الشمس في رابعة النهار ، لأنّ التطوّر يبتني على أُسس قدّمنا ذكرها ، منها إرجاع الهيكل الوجودي العام ذو الشعب التي لا تحصى كثرة إلى أصل وجودي واحد ، وخلية أو مادّة فردية ، ومنها يتشبّع الوجود العام ، ويبتني على الانتخاب الطبيعي ، والتنازع حول البقاء وأثر البيئة والوراثة ، وأين هذه من المسخ الذي يقصد قلب الصورة الوجودية إلى ما هو أدون منها ، إذ لا تنازع ولا انتخاب ولا محاولة إيجاد محورية فاردة لهيكلية الوجود المشتعّبة ، فضلاً عن كون الارتقاء والتطوّر يعني

ص: 554

التكامل نحو الجمال والكمال التام ، بينما المسخ هو التسافل نحو النقص والفقدان ، فهما على طرفي نقيض.

نعم يطرح التساؤل التالي : وهو أنّه مهما حاولنا إبراز المفارقات بينهما ، لكنّهما على كُلّ حال يتشابهان في شيء واحد ، وهو نزع صورة المشخّصة لهذا الكائن ، وإيجاد صورة أُخرى محلّها ، وهي في الاثنين موجودة؟

نقول : صحيح هذا التشابه موجود ، لكنّه صوري لا غير ، لأنّ النظرية الداروينية اللاماركية بالمعنى المطروح قدّمنا بطلانها ، وأوضحنا ذلك موجزاً ، لكن المسخ - كما سيأتي - سنثبت إمكانه عقلاً ، وهو واقع شرعاً.

وأمّا المسخ الذي نطقت به الشريعة ونصّت عليه فهو ممكن ، ولا ينافي الفلسفة الإسلامية باطروحاتها ، لأنّ الموجود الإنساني وغيره مركب من مادّة وصورة ، ادخل فيه حيثية الفعل وحيثية القبول ، ففعليته بهذه الصورة الإنسانية ، وحيثية قبوله هو الاستعداد الذي يحمله في داخله ، لأن يكون أيّ شيء آخر.

وعليه ، فهنا هؤلاء الذين مسخهم ربِّ العزّة والجلال ، كان فيهم استعداد قبول الصورة القردية أو الخنزيرية ، لأنّ أنفسهم وصلت إلى مرحلة قبول إفاضة هذه الصور من اللّه تعالى لتكامل الاستعداد فيها ، فلمّا دنا أجلها أفاض اللّه عليها ما استعدّت له ، ولهذا كان المسخ إلى القرد في البعض ، وإلى الخنزير في البعض الآخر ليس عبثاً ، وإنّما لأنّ من مسخ قرداً قد حقّق شرائط الصورة القردية ، ومن مسخ خنزيراً قد حقّق شرائطها ، وعلى هذا فلا ربط بين المسألتين في البين أصلاً.

نعم يبقى مشكل آخر مرتبط ببحث الحركة والتكامل داخل الأطر الصورية المشخّصة للكائنات ، إذ إنّها تكامل وتنامي من القوّة إلى الفعل ، وعليه لابدّ أن يكون الفيض اللاحق أكمل من الفيض السابق ، والحال أنّا نجد عكس ذلك تماماً في المسخ ، لأنّ الصورة الإنسانية أكمل من الصورة القردية أو الخنزيرية ، فكيف مسخ الإنسان قرداً؟

ص: 555

وجواب هذا الإشكال فيه بحث وتفصيل يخرجنا عن المقام ، نتركه لمطالعاتكم الشريفة.

وأمّا ربط مسألة المسخ بالبحث الجيني ، وأنّ هناك جينات تحدّد مسار الهوية الإنسانية أو غيرها ، ومن خلال الوصول إليها ، وادخل بعض التغييرات فيها ، نستطيع أن نحصل على نتاج آخر أو تطوّر ، فهذا قبل كُلّ شيء بحث طبّي مبنيٌّ على التجربة ، وهو يقرّب مسألة المسخ إلى الذهن ويجعلها ممكنة ، لكن لا يمكن الجزم بأنّ عملية المسخ بالتحليل الجيني المطروح هي الواقعة والمحقّقة ، لأنّ التجربة مهما يكن ظنّية لا يمكن أن نحصل على يقيني جزمي منها ، لكن بالتالي تكون مدخل لفهم مسألة المسخ وإمكانيته من الناحية العملية ، على أنّه يمكن التوفيق بين ما ذكرتم وما طرح سابقاً ، إذ تكون هذه الجينات هي المادّة المعدّة لقبول الهوية اللاحقة لهذا الكائن ، أو إحدى المعدّات لذلك ، لكن لا يمكن تطبيق البحث الجيني على نظرية التطوّر ، لأنّ نظرية التطوّر تبتني على العفوية والانتخاب الطبيعي ، والمفروض أنّ المذكور في التجربة الجينية يبتني على أُسس عملية ذات نظام محدّد ، يقوم به موجود له إحساس وشعور.

اللّهم إلاّ أن نفسّر الانتخاب الطبيعي بمعنى الخلاّقية الطبيعية المغروسة في كيان الكائن الحي ، والمحرّك من قبل قوّة أُخرى خارجة منظّمة ، هي التي فعلت فيه عند الاحتياج.

لكن مع ذلك نبقى بين مفرقات عديدة ، قد يصعب تجاوزها للتوفيق بين البحث التجريبي الحديث وبين نظرية التطوّر ، وقد تحتاج فيه إلى شطب بعض الفرضيات في نظرية التطوّر ، لكن مع ذلك كُلّه تبقى في مشكلة إرجاع الهيكلية العامّة للوجود إلى محور واحد ومنطلق فرد ، فإنّه لا يمكن إثباته على ضوء نظرية التطوّر إلاّ بالشطب عليه ، وعند ذلك لا يبقى لنا من نظرية التطوّر

ص: 556

بعد شطب هذه الأُمور إلاّ الصورة الشكلية للنظرية ، التي لا توافق بمعظمها لما طرحه دارون أو لامارك.

وأمّا ما ذكرتم حول التطوّر فقد أسلفنا الكلام عليه ، وقلنا بأنّه يحتاج إلى التوفيق بين أُسس نظرية التطوّر وبين البحث التجريبي الحديث ، وهو بحاجة إلى وقت ودراسة ، وما ذكر لا يشكل إلاّ تشبيهاً يعيد المحتوى عمّا طرحه دارون ولامارك.

( عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

التفكير ليس أثراً مادّياً :

س : يقول الفيلسوف ماركس مضموناً : إنّ المادّة هي أسبق بالوجود من العقل ، وإنّما العقل هو انعكاس لوجود المادّة ، فكيف يمكنكم الردّ على هذه النظرية؟

ج : أوّلاً : ليست هذه مقالة لماركس بل لجميع المادّيين ، وذلك أنّهم يرون أنّ عملية التفكير هي أثر ومعنى مادّي لا مجرّد ، إذ المادّة عندهم تساوي الوجود ، فكُلّ غير مادّي هو ليس بموجود ، إذاً فكون العقل أثر للمادّة مبتن على أنّ الموجود مساوي للمادّة ، ولكنّا لا نسلّم ذلك ، بل عندنا أنّ الموجود أعم من المادّي والمجرّد ، وإثباته في محلّه.

ثانياً : أنّ هناك أدلّة كثيرة أُقيمت على أنّ التفكير ليس أثراً مادّياً :

منها : استحالة انطباع الكبير في الصغير ، فإنّ صورة الموجودات بما لها من حجم موجودة في أذهاننا ، مع أنّ دماغنا المادّي صغير ، فلابدّ من وجود مجرّد وارد دماغنا هو الذي يشكّل حقيقة العلم.

ومنها : امتناع انطباع المتّصل في المنفصل.

ومنها : الروابط التصديقية لا تقبل الانقسام.

ومنها : الوجدانيات لا تنقسم.

ص: 557

ومنها : إدراك الكُلّي غير مادّي.

ومنها : ثبات الفكر وعدم تغيّره.

وللبسط في هذه الأدلّة راجع كتاب « نظرية المعرفة » للشيخ جعفر السبحاني.

( علي - البحرين - 30 سنة - طالب )

معنى قاعدة حكم الأمثال :

س : قرأت في بعض الكتب أنّ قاعدة : حكم الأمثال في ما يجوز ولا يجوز واحد ، مستنبطة من مبدأ العلّية ، فهل لكم أن تشرحوا لنا كيف يكون ذلك؟ وما هو وجه استنباطها منه ، ولكم الشكر الجزيل.

ج : إنّ قانون العلّية أو مبدأ العلّية هو قانون عقلي عام ، يعني : إذا ثبت أنَّ هذه العلّة تؤثّر هذا المعلول ، فكُلّما وجدت العلّة وجد المعلول وبالعكس ، فهذا القانون لا يتخلّف ، فإذا ثبت الحكم لأحد أفراد المعلول ، فيجب أن يسري ذلك الحكم ، ويحمل على أفراده الأُخرى من دون فرق بين فرد وآخر.

وكذلك إذا انتفى حكم عن فرد من أفراد نوع أو معلول ، فيجب أن ينتفي ولا يثبت لفرد آخر من نفس النوع وهكذا.

فإذا ثبت الضحك أو المشي للإنسان ، فيجب إثباته لجميع الأفراد على حدٍّ سواء ، وإذا نفينا العلّية مثلاً عن أحد أفراد الإنسان ، فيجب نفيه وعدم إمكان إثباته لأي فرد آخر من نوع الإنسان.

فالأمثال عبارة أُخرى عن المثلين في المنطق - وهما المشتركان في حقيقة واحدة بما هما مشتركان - فما يصدق على أحد المثلين يصدق على الآخر دون فرق ، وما لا يصدق على أحدهما لا يصدق على الآخر.

ص: 558

( .... - سنّي - .... )

اختلاف العبادات بين الشيعة والسنّة :

س : أتمنّى أن تعينوني على فهم بعض الأُمور التي مرّت عليّ ، وأُريد التأكّد منها ، هل هناك اختلاف في العبادات بين السنّة والشيعة؟

ج : نعم يوجد بعض الاختلاف في الفروع بين الفريقين ، بسبب أخذنا تفسير الكتاب والسنّة من أهل البيت عليهم السلام حصراً ، وأخذهم من جميع الصحابة لهما رواية ودراية.

فالصحابة كثيرون جدّاً ، ويروون الأحاديث المختلفة والمتعارضة ، وكذلك فهمهم مختلف ، وكُلّ يدلو بدلوه ، وهم ليسوا سواء في العلم ، أو كثرة المصاحبة للنبي صلى اللّه عليه وآله ، أو السابقة أو عدم الانشغال عنه بالأُمور الحياتية من زراعة وتجارة وغيرها.

وكذلك نرى أنّ العدالة تختلف درجاتها بينهم ، وتغيير الأحكام والدين بدأ ينمو بشكل كبير في أزمان قريبة من وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وبدأ الاجتهاد يطفو على سطح المجتمع الإسلامي ، ويقدّم قول فلان وفلان على النصوص الواضحة الصريحة ، وبدأ النهي عن رواية الحديث الشريف أيضاً ، وحبس الصحابة في المدينة وعدم خروجهم للتبليغ ، وكذلك ضرب عمر بعض الصحابة بالدُّرة لتحديثهم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وغير ذلك من ملابسات عديدة قد نبَّه وحذّر النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله منها ، كقوله صلى اللّه عليه وآله : « لينتقضن عرى الإسلام عروة عروة ... وأولهن نقضاً الحكم ، وآخرهن الصلاة » (1).

وقال الهيثمي : « رواه أحمد والطبراني ورجالهما رجال الصحيح » (2).

وكذلك أثبت الصحابة ذلك التغيير والانحراف بعد وفاة النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، فقد روى البخاري بإسناده عن الزهري قال : « دخلت على أنس بن مالك بدمشق

ص: 559


1- مسند أحمد 5 / 251 ، المستدرك 4 / 92.
2- مجمع الزوائد 7 / 281.

وهو يبكي ، فقلت له : ما يبكيك؟ فقال : لا أعرف شيئاً ممّا أدركت إلاّ هذه الصلاة ، وهذه الصلاة قد ضُيّعت » (1).

وفي البخاري وعن أنس أيضاً قال : « ما أعرف شيئاً ممّا كان على عهد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، قيل الصلاة ، قال : أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها؟ » (2).

وروى البخاري أيضاً عن أُمّ الدرداء قالت : « دخل عليَّ أبو الدرداء وهو مغضب ، فقلت : ما أغضبك؟ فقال : واللّه ما أعرف من أُمّة محمّد صلى اللّه عليه وآله شيئاً إلاّ أنّهم يصلّون جميعاً » (3).

فهذا أبو الدرداء يثبت شيئاً واحداً بقي في المسلمين على حاله ، وهو صلاة الجماعة ، وذاك أنس بن مالك يثبت تغيّر كُلّ شيء عمّا كان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وهؤلاء الصحابة كانوا في زمن قريب من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فكيف الحال الآن؟

وهذه النصوص صريحة في التغيير والانحراف حتّى في العبادات ، ولكن مع كُلّ ذلك فإنّ المستقي للفروق الفقهية بين مذهب أهل البيت والمذاهب الأُخرى يجد : أنّ الاتفاق أكثر من الاختلاف ، وهذا ما ذكره جمع من المحقّقين ، واللّه العالم.

( وسام صباح عبد الرضا - العراق - 28 سنة - بكالوريوس طبّ وجراحة عامّة )

علاقة الأجزاء بالمركّب :

س : هل العبارة التالية أوّلية بديهية : المركّب يحتاج إلى وجود أجزائه قبل وجوده ، ثمّ يحتاج إلى التأليف بين هذه الأجزاء؟ إن نعم كيف ذلك؟ أرجوكم أن تكون الإجابة بشيء من التفصيل ، مع جزيل الشكر والتقدير.

ص: 560


1- صحيح البخاري 1 / 134.
2- نفس المصدر السابق.
3- المصدر السابق 1 / 159.

ج : قد أشار الأعلام في المصادر المعقولية إلى وجه امتياز الأجزاء عن المركّب ، وأنّ الأجزاء من دون شرط التمام تعتبر أجزاء ، وبشرط الاجتماع تسمّى مركّباً.

وقول : أنّ المركّب مفتقر إلى الأجزاء إنّما يصحّ بنحو من الاعتبار ، وإلاّ فهما من حيث الوجود الحقيقي الذي له منشئية الآثار متّحدان ، فالأجزاء بالأسر هو عين المركّب ، وبما أنّ الشرط هو الهيئة الاجتماعية ، لا يمكن أن يحدث من دون التئام واجتماع للأجزاء كُلّها على النسق المعيّن المعتبر.

وقول : أنّ المركّب محتاج إلى الأجزاء ، في الحقيقة أنّه إذا لوحظ الأجزاء بالأسر ، فحاجة المركّب إليها احتياج الشيء إلى نفسه ، وإذا لوحظ المركّب بالمعنى المتقدّم بالقياس إلى كُلّ واحد من الأجزاء ، مع قطع النظر عن شرط التمام ، فالاحتياج وإن كان ثابتاً ، إلاّ أنّ كُلّ واحد من تلك الأُمور التي ينشأ منها المركّب ، لا يوصف بأنّه جزء قبل الاجتماع إلاّ بعلاقة الأوّل.

لأنّ وصف الجزئية والكُلّية متضايفان ، يمتنع أن يتحقّق أيّ منهما قبل الآخر ، فاحتياج المركّب إلى الجزء بالدقّة العقلية ، وأن كان لابدّ من تحقّق الأجزاء لأنّها عين المركّب ، ولا دليل على لزوم تقدّمها عليه ، بل ممكن تحقّق المركّب مع جميع أجزائه دفعة واحدة ، بل في المركّب من جنس وفصل ، ومن الوجود والماهية يستحيل تقدّم الأجزاء على المركّب في الوجود ، الذي له منشئية الآثار ، وتوقّفه على حصوله ليس في الحقيقة احتياج المركّب إلى الجزء بالدقّة العقلية ، وإن كان لابدّ من تحقّق الأجزاء ليلتئم منها المركّب ، وهذا ما يسع له المجال في المقام.

فالقضية المذكورة في صورة إمكان فرض الاحتياج بديهية ، يكفي فيها تصوّر الأطراف.

ص: 561

( علي - البحرين - 26 سنة - تعليم عالي )

معنى التقليد والأدلّة عليه :

س : ما هو التقليد؟ ومتى بدأ؟ وما الدليل عليه؟

ج : التقليد لغةً بمعنى : جعل الشخص أو غيره ذا قلادة ، فيقال : تقلّد السيف ، أي ألقى حمالته في عنقه ، وفي حديث الخلافة : « قلّدها رسول اللّه علياً » (1) ، أي جعلها قلادة له ، ومعنى أنّ العامي قلّد المجتهد ، أنّه جعل أعماله على رقبة المجتهد وعاتقه ، وأتى بها استناداً إلى فتواه.

وقد أشارت جملة من الروايات إلى هذا المعنى ، نذكر منها معتبرة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : « كان أبو عبد اللّه عليه السلام قاعداً في حلقة ربيعة الرأي ، فجاء إعرابي ، فسأل ربيعة الرأي عن مسألة ، فأجابه ، فلمّا سكت ، قال له إعرابي : أهو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة ولم يردّ عليه شيئاً ، فأعاد المسألة عليه ، فأجابه بمثل ذلك ، فقال له الإعرابي : أهو في عنقك؟ فسكت ربيعة ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « هو في عنقه » ، قال : أو لم يقل : وكُلّ مفتٍ ضامن » (2).

وهناك أخبار مستفيضة يمكنك الرجوع إليها في كتاب وسائل الشيعة (3).

وعلى هذا نرى بأنّ اللغة والاصطلاح والعرف متطابقة على أنّ التقليد هو الاستناد إلى قول الغير في مقام العمل ، فالتقليد أمّا أن يكون بمعنى الأخذ والالتزام ، أو يكون معناه العمل استناداً إلى رأي الغير ، وهو العالم الجامع للشرائط.

والضرورة تقتضي التقليد ، وذلك لأنّ كُلّ مكلّف يعلم علماً إجمالياً بثبوت أحكام إلزامية فرضها الشارع المقدّس عليه - من وجوب أو حرمة - والإتيان

ص: 562


1- الاجتهاد والتقليد : 78.
2- الكافي 7 / 409.
3- وسائل الشيعة 27 / 220.

بالواجب وترك المحرّم له طريقان : أمّا أنّه يعرف الواجب فيأتي به ، والمحرّم فيتركه ، وأمّا أنّه غير عالم بهما ، فيجب الرجوع إلى العالم بهما ، وهو المتخصّص في عمله لإبراء ذمّته أمام مولاه ، وهذا هو معنى التقليد الذي هو الاعتماد على المتخصّصين والرجوع إليهم.

ومن هنا يظهر : أنّ التقليد من الأُمور الارتكازية ، حيث رجوع كُلّ ذي صنعة إلى أصحاب الصنائع ، وكُلّ من لا يعرف أحكام الدين يعتمد في معرفته على المجتهد المتخصّص ، فيضع عمله كالقلادة في رقبة المجتهد الذي يقلّده ، وهذا غير محدّد بزمان ، بل هو جار في كُلّ الأزمنة.

والتقليد من فطريات العقول والشارع ، قد أمضاه بعدم الردع عنه ، فرجوع الجاهل إلى العالم في زمان الأئمّة عليهم السلام ، كان رجوعاً إلى من علم الأحكام بالعلم الوجداني ، الحاصل من مشافهة الأئمّة عليهم السلام ، وأمّا في زماننا ، فهو رجوع إلى من عرف الأحكام بالظنّ الاجتهادي والإمارات.

ويكون عمله تنزيلياً تعبّدياً لا وجدانياً ، فهو الطريق الأكثر عملية لُجلّ الناس ، لاعتيادهم في كُلّ مجال على الرجوع إلى ذوي الاختصاص والخبرة ، وهو واجب كُلّ مكلّف لا يتمكّن من الاجتهاد أو الاحتياط.

( أحمد - الكويت - 20 سنة - طالب )

العقل في حالة قطعيته مقدّم على النصّ :

س : تقبّل اللّه أعمالكم ، ووفّقكم اللّه لمرضاته ، في الحقيقة عندي استفسار بخصوص العقل ، ما هو دوره في الأُصول العقائدية؟ هل القرآن والسنّة مقدّمتان على العقل أم هو العكس؟

ج : لا نتمكّن أن نجيب بضرس قاطع بتقديم النصّ على العقل ، أو بتقديم العقل على النصّ ، بل لابدّ من التفصيل ، فتارة يكون حكم العقل قطعياً وبدرجة كاملة من الوضوح ، وفي مثله يقدَّم العقل ، ويكون كقرينة على

ص: 563

التصرّف في ظهور النصّ ، فإنّ القرائن ذات ألوان مختلفة ، وأحد تلك الألوان هي القرائن العقلية.

فإذا حكم العقل بنحو القطع بأنّ اللّه سبحانه لا يمكن أن يكون جسماً ، أو في مكان معيّن مثلاً ، فإذا جاء نصّ يقول : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (1) فلابدّ من حمله على الكناية عن السيطرة الكاملة.

هذا إذا كان حكم العقل قطعياً ، وأمّا إذا لم يكن قطعياً ، فيؤخذ بظاهر النصّ ، ولا يجوز تأويله ، ورفع اليد عنه بحكم العقل.

إذاً ، العقل في حالة قطعيته هو المقدّم على النصّ ، وفي حالة عدم قطعيته يكون النصّ هو المقدّم.

( أبو بكر أحمد صدّيق - مصر - شافعي - 32 سنة - دكتوراه فلسفة في التربية )

قول لا إله إلاّ اللّه مشروط بالإخلاص :

س : أُريد معرفة مدى صحّة الحديث التالي؟ وما هي الكتب التي ورد بها؟ وما هو تعليقكم عليه : « من قال لا اله إلاّ اللّه ومدّها ، هدمت له أربعة آلاف ذنب من الكبائر » (2) ، مع إرسال النصوص الأصلية الاستدلالية إن أمكن ، أو إرشادي إلى مواقعها تحديداً ، وجزاكم اللّه خيراً ، ونفعنا بعلمكم.

ج : لا يوجد هذا الحديث في مصادرنا ، ولم يُروَ عن أهل البيت عليهم السلام.

وأمّا المصادر السنّية ، فقد ورد في كتب غير معتبرة الصحّة ، فقد رواه المتّقي الهندي في كنز العمّال عن ابن النجار ، وذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان - وهو كتاب تراجم الضعفاء في ترجمة نعيم بن تمام - قال : « عن أنس : وعنه الحسن بن إسماعيل اليمامي ، له حديث أخرجه ابن النجار في الذيل في ترجمة أبي القاسم عبد اللّه بن عمر الكلوذاني المعروف بابن

ص: 564


1- طه : 5.
2- كنز العمّال 1 / 60.

داية ، من روايته عن يونس ... عن الحسن ولفظ المتن : « من قال لا إله إلاّ اللّه ومدّها ، هدمت له ذنوب أربعة آلاف كبيرة » ، هذا حديث باطل » (1).

وقال الفتني في تذكرة الموضوعات : « فيه نعيم كذّاب » (2).

وأمّا تعليقنا عليه : فبعد أن قلنا بعدم صدوره عن أئمّتنا عليهم السلام ، فإنّه لا يثبت لدينا مشروعية التعبّد به ، وكذلك هناك أحاديث لدينا تخالف مضمونه ، وتبيّن أن قول لا إله إلاّ اللّه مشروط بالإخلاص أو الصدق ، وهذه الشروط تعني الالتزام العقائدي والأخلاقي والعملي بمعنى لا إله إلاّ اللّه.

قال اللّه تعالى : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ) (3).

وقال الإمام علي عليه السلام : « من قال : لا إله إلاّ اللّه بإخلاص فهو بريء من الشرك ، ومن خرج من الدنيا لا يشرك باللّه شيئاً دخل الجنّة ... » (4).

وقال الإمام الصادق عليه السلام : « من قال : لا إله إلاّ اللّه مخلصاً دخل الجنّة » (5).

وقال زيد بن أرقم : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من قال : لا إله إلاّ اللّه مخلصاً دخل الجنّة » ، قيل : وما إخلاصها؟ قال : « أن تحجزه عن محارم اللّه عزّ وجلّ » (6).

فهذه الروايات تبيّن وتوضّح مراد الرسول صلى اللّه عليه وآله أو الإمام عليه السلام من قول لا إله إلاّ اللّه ، وشروط نفعها لقائلها ، وهو الإخلاص والصدق والمعرفة ، وعدم ارتكاب المعصية بإصرار وعناد ، وليس مجرّد التلفّظ بها من دون ذلك كُلّه.

ص: 565


1- لسان الميزان 6 / 169.
2- تذكرة الموضوعات : 55.
3- محمّد : 19.
4- من لا يحضره الفقيه 4 / 411.
5- ثواب الأعمال وعقابها : 5.
6- المعجم الأوسط 2 / 56 ، المعجم الكبير 5 / 197 ، الدرّ المنثور 2 / 237 ، تفسير الثعالبي 2 / 22.

( رضا - بريطانيا - 18 سنة - طالب )

معرفة الحقّ من خلال قواعد عقلية :

س : هناك كثير من يقول أنّه لا يمكن معرفة الحقّ مطلقاً ، أي ليس هناك مثلاً قانون صحيح مطلقاً ، ولكن صحيح إلى درجة ، كيف يمكن الردّ على هذا؟ أرجو الإجابة ، وأشكركم جزيل الشكر.

ج : ينبغي ملاحظة أُمور :

أوّلاً : إنّ الدليل العقلي غير قابل للتخصيص من دون دليل آخر ، فالدليل العقلي هو بنفسه يتولّى تعيين حوزة شموله.

وبعبارة واضحة : كُلّ ما يثبته أو ينفيه العقل ، يأتي بكُلّ قيوده وسعة دلالته.

وثانياً : الحكم على صحّة أو فساد أمر هو قانون عقلي ، يجب فيه اتباع حكم العقل ؛ فالعقل هو الذي يتكفّل إعطاء نسبة الصحّة أو الفساد لكُلّ قضية وموضوع.

ثالثاً : المقصود من الحقّ المطلق هو الأمر الذي يعتبره العقل من البديهيات والأوّليات ، بحيث يكون العلم به ضرورياً ، فلا يرى احتمال الخلاف فيه جائزاً.

نعم ، إنّ لم تصل معرفة العقل لقانون أو قاعدةٍ إلى هذا المستوى ، فقد يرى اشتمال العلم به مع احتمالات أُخرى قد تتناقض مع ذلك العلم.

وعلى سبيل المثال : يجزم العقل باستحالة اجتماع النقيضين ، ولا يرى مجالاً لأي احتمال مخالف لهذا الحكم القطعي ، وحتّى أنّه يرى هذا الحكم مستقلاً عن أيّ قيد وشرط ، فلا يختصّ بزمان أو مكان ، أو أيّة خصوصية أُخرى.

ثمّ في فرض هذا الحكم ، كيف يعقل أن يحتمل تخصيص هذا القانون والحكم المقطوع به ، أو تقليل نسبة الصحّة فيه.

ص: 566

وباختصار : فإمّا نقطع بقانون أو قاعدة - بالدقّة العقلية لا العرفية - فهذا لا يجتمع مع احتمال الخلاف فيه ، إذ أنّ الاحتمالات المناقضة هي قضايا لابدّ أن تكون صادرة من العقل ، والعقل يأبى أن يقطع بشيء ويحتمل خلافه.

نعم حدود هذه الأحكام والقوانين العقلية البحتة قد تكون مضيّقة ، ولكن لا ينكر وجود هكذا قواعد مسلّمة عند العقل غير قابلة للنقاش لضرورتها وبداهتها.

( علي نزار - الكويت - 23 سنة - طالب كُلّية الدراسات التجارية )

تسمية علم الكلام :

س : لماذا سمّي العلم الذي يُعنى بدراسة أُصول الدين الإسلامي والاستدلال عليها بأدلّة وبراهين تفيد العلم واليقين بعلم الكلام؟ ودمتم سالمين بجاه محمّد وآله الطاهرين.

ج : إنّ تسمية مباحث العقيدة الإسلامية بعلم الكلام لها وجوه :

1 - إنّه سمّي بذلك لأنّ القدماء من العرب سمّوا علم الجدل اليوناني بالمنطق ، والمنطق الذي يدلّ على النفس الناطقة التي تدرك الكُلّيات ، والنطق هو الكلام ، فعلم الكلام وعلم المنطق واحد.

2 - إنّه سمّي بذلك لأنّ أصحابه تكلّموا بمسائل لم يذكرها السلف.

3 - إنّه سمّي بذلك لأنّ المتقدّمين كانوا يعنونون فصول مباحثهم الكلامية بقولهم : كلام في التوحيد ، كلام في القدرة ، وهكذا ....

4 - إنّه سمّي بذلك لأنّ الماهر الخبير بقوانينه يمتلك قوّة الكلام على إنزال الخصم ومحاكمته والغلبة عليه.

5 - إنّه سمّي بذلك لأنّه كثر فيه الكلام مع المخالفين ما لم يكثر في غيره.

6 - إنّه سمّي بذلك لأنّه يورث القدرة على الكلام في الشرعيات ، كالمنطق في الفلسفيات.

ص: 567

7 - إنّه سمّي بذلك - كما هو المشهور والمودّى إليه النظر - لأنّ أوّل مسألة طرحت بين المسلمين في صدر الإسلام بين الأشاعرة والمعتزلة هي : خلق القرآن الكريم أو قدمه ، على أنّ كلام اللّه قديم كذاته ، أو أنّه من الصفات الفعلية كالرازقية والخالقية ، وليست من الصفات الذاتية التي هي عين ذات اللّه تعالى ، كالعلم والقدرة والحياة.

وعلى هذا الضوء سمّي العلم المتكفّل لهذه المباحث بعلم الكلام على نحو المجاز في باب التسمية ، بعلاقة الكُلّ والجزء الأوّل أو الأهم أو المعظم.

( فاطمة - أمريكا - 19 سنة - طالبة ثانوية )

الرؤية الكونية :

س : ما معنى الرؤية الكونية؟ وما المقصود بالكونية؟ وشكراً.

ج : إنّ النظام الفكري ينقسم إلى قسمين : نظام نظري ، ونظام عملي.

فالنظام الفكري النظري : هو أسلوب من التفكّر عمّا هو موجود.

والنظام الفكري العملي : هو أسلوب من التفكّر عمّا ينبغي أن يُفعل أو لا يُفعل.

فالأوّل يسمّى الرؤية الكونية ، والثاني يسمّى الأيديولوجية ، وقد عُرِّفا بالتعريف التالي :

الرؤية الكونية : مجموعة من المعتقدات والنظريات الكونية المتناسقة حول الكون والإنسان ، بل حول الوجود بصورة عامّة.

الأيديولوجية : مجموعة من الآراء الكُلّية المتناسقة حول سلوك الإنسان وأفعاله.

وهناك تعبير آخر في عرف الحكماء ، حيث يعبّرون عن الرؤية الكونية بالحكمة النظرية ، وعن الأيديولوجية بالحكمة العملية.

ويمكن تقسيم الرؤية الكونية إلى الأقسام التالية :

ص: 568

1 - الرؤية الكونية العلمية : بأن يتوصّل الإنسان من طريق معطيات العلوم التجريبية إلى رؤى كُلّية حول الوجود.

2 - الرؤية الكونية الفلسفية : وتحصل من خلال الاستدلال والبحوث العقلية.

3 - الرؤية الكونية التعبّدية : ويتوصّل الإنسان إليها عن طريق الاعتقاد بقادة الأديان ، والإيمان بأحاديثهم.

4 - الرؤية الكونية العرفانية : التي تحصل عن طريق الكشف والشهود والإشراق ، ومعرفة أبعد الحقائق بالتأمّل الذاتي ، والتوجّه الروحي ، والسلوك المهذّب نحو اللّه تعالى.

( أحمد - السعودية - سنّي - 20 سنة - طالب جامعة )

برهان النظم لا يجري في عالم التشريع :

س : الشيعة تقول بدليل النظم في إثبات الصانع ووحدته ، ولكن لا تطبّق دليل النظم في حياتها الفقهية ، فنجد الفقهاء لا يأخذون بدليل النظم في منازل القمر ، وإثبات دخول الشهر أو خروجه؟

ج : لا يخفى عليكم أوّلاً : أنّ برهان النظم لا يختصّ بالشيعة كما ذكرت ، بل هو برهان اعتمد عليه المسلمون كُلّهم ، بل وغيرهم من الأديان الأُخرى ، على إثبات وجود اللّه تعالى.

وثانياً : أنّ برهان النظم يجري في عالم التكوين ، فهو يُثبت أنّ للكون نظام ، ولا يجري في عالم التشريع والتكليف ، فهو لا يثبت لنا حكماً شرعياً ، بل الأحكام تثبت من خلال القرآن والسنّة.

وعليه ، فالفقهاء يتعبّدون بما ورد من الروايات عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام ، ولا يعتمدون على برهان النظم في أُمورهم الفقهية ، ففي قضية الصوم مثلاً ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : « صم لرؤية الهلال ، وأفطر لرؤيته » (1).

ص: 569


1- الاستبصار : 63.

وعليه ، فلابدّ من إثبات دخول الشهر أو خروجه من خلال رؤية الهلال ، لا من خلال الاعتماد على الحسابات ، أو الاعتماد على برهان النظم.

( أحمد محمّد - ... - ..... )

البكاء من خشية اللّه :

س : حُرمت البكاء من خشية اللّه تعالى ، فماذا أفعل؟ جزاكم اللّه خيراً.

ج : من وصايا النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأبي ذر : « يا أبا ذر : من استطاع أن يبكي قلبه فليبك ، ومن لم يستطع فليشعر قلبه الحزن وليتباك ، يا أبا ذر ، إنّ القلب القاسي بعيد من اللّه تعالى ، ولكن لا تشعرون » (1).

إذا لم تساعدك العينان على البكاء ، فاحمل نفسك على البكاء وتشبّه بالباكين ، متذكّراً الذنوب العظام ، ومنازل مشهد اليوم العظيم ، يوم تبلى السرائر ، وتظهر فيه الضمائر ، وتنكشف فيه العورات ، عندها يحصل لك باعث الخشية ، وداعية البكاء الحقيقي ، والرقّة وإخلاص القلب.

وقد ورد في الحديث ما يدلّ على استحباب التباكي ، ولو بتذكّر من مات من الأولاد والأقارب والأحبّة ، فعن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أكون أدعو فأشتهي البكاء ولا يجيئني ، وربما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرق وأبكي ، فهل يجوز ذلك؟

فقال عليه السلام : « نعم ، فتذكّرهم ، فإذا رققت فأبك ، وأدع ربّك تبارك وتعالى » (2).

ثمّ لا يخفى عليك أن ترك الذنوب والمعاصي ، وأن تذكر اللّه كثيراً ، وأن تدعو وتتوسّل بأهل البيت عليهم السلام ، وتأكل الحلال وتجتنب الحرام ، وتأكل العدس المطبوخ ، وغير ذلك ، لأنّ هذه الأُمور تساعد على البكاء من خشية اللّه تعالى.

ص: 570


1- الأمالي للشيخ الطوسي : 529.
2- الكافي 2 / 483.

( وسام صباح عبد الرضا - العراق - 28 سنة - طبيب )

احتياج المركّب إلى الجزء :

س : في الكتب العقائدية أجد العبارة التالية : « المركّب يحتاج إلى الجزء » ونحن نعلم : بأنّ المركّب يتألّف من جزئين فأكثر ، ويستحيل وجود مركّب من جزء واحد فقط ، فهل المقصود بالجزء في العبارة هو جنس الجزء ، الذي يصدق على أفراده؟ أم المقصود به المقابل للمركّب من باب التضايف؟

والسؤال الثاني : يقول ابن ميثم البحرانى : « الواجب بالذات لا يتركّب عن غيره ، وإلاّ لافتقر إلى ذلك الغير ، فكان ممكناً بذاته هذا خلف » (1).

هل يقصد القائل أنّ المركّب محتاج إلى الغير في تركّبه ، كي يكون مركّباً ، وبذلك فإن ارتفع الغير ارتفع التركيب فيرتفع المركّب ، أي أنّ التركيب يكون عن طريق الغير ، وما يأتي من الغير يزول بزواله ، فيكون المركّب من الغير ممكناً بذاته ، لحاجته للغير في كونه مركّباً ، أم لكم رأي آخر في ذلك؟ الرجاء عدم إهمال الرسالة والإجابة بالسرعة الممكنة.

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل نقول : المقصود جنس الجزء ، فهم يريدون أن يقولوا : أنّ المركّب يحتاج إلى كُلّ جزء من أجزائه ، إذ بفقدان أي جزء من الأجزاء ينعدم ذلك المركّب ويزول ، فهو بحاجة في تحقّقه إلى كُلّ واحد من أجزائه.

وهم من باب الاختصار في التعبير قالوا : المركّب مفتقر إلى الجزء ، يعني إلى كُلّ جزء من أجزائه ، أنّ هذا هو المقصود ، وليس المقصود أنّه يحتاج إلى واحد من أجزائه دون بقية الأجزاء.

وبالنسبة إلى السؤال الثاني نقول : هناك قضية ينبغي أن تكون واضحة ، وهي : أنّ الحاجة والافتقار هما من لوازم الإمكان ، والغنى وعدم الاحتياج هما من لوازم الوجوب ، فكُلّما فرضنا الشيء محتاجاً ومفتقراً إلى غيره فذلك يعني أنّه ممكن ، وكُلّما افترضناه واجباً فذلك يعني أنّه غني وليس محتاجاً.

ص: 571


1- قواعد المرام في علم الكلام : 45.

وإذا تمّت هذه القضية ، وكانت مورد قبولنا ، فسوف نخرج بقضية أُخرى ، وهي : أنّ الشيء متى ما كان مركّباً ، فيلزم أن يكون ممكناً ، لأنّ المركّب يحتاج في تحقّقه إلى كُلّ واحد من أجزائه ، إذ مع انخرام أيّ واحد من الأجزاء يزول ذلك المركّب ، فالخلُّ مثلاً الذي هو مركّب من سكّر وحموضة ، يحتاج في تحقّقه إلى كُلّ واحد من هذين الجزئين ، إذ بعدم تحقّق أي واحد منهما يزول المركّب ، أعني الخلَّ ، ويحصل مركّب آخر.

ونحن ما دمنا قد سلّمنا مسبقاً أنّ الحاجة هي من لوازم الإمكان ، فيلزم أن نحكم بالإمكان على كُلّ موجود مركّب.

( علي العريان - أيرلندا - 19 سنة - طالب الثانوية )

عملية التنصيص الإلهي على المرجع مفقودة :

س : أوّلاً : نعلم أنّ الهدف من الإمامة هو الأمان من الفرقة وتوحيد الأُمّة ، ولذلك كانت الإمامة بالنصّ.

ثانياً : نلاحظ أنّ فتاوى مراجعنا في القيادة السياسية في زمان الغيبة متضاربة ، بين قائل بولاية الفقيه المطلقة ، وآخر بولاية الفقيه في الأُمور الحسبية ، وآخر بشورى الفقهاء ، ورابع بأنّ القيادة بالانتخاب الشعبي لمجموعة من الفقهاء ، وخامس يرى أن لا يلزم أن يكون القائد السياسي فقيهاً ، وغيرها من أقوال فقهائنا.

ثالثاً : أنّ المرجعية الدينية امتداد للإمامة ، ولها نفس هدفها ، وهو وحدة المسلمين.

السؤال : ألا يقع الإشكال نفسه على المرجعية الدينية حيث يقال : بأنّ المرجعية التي بها وحدة الأُمّة هي نفسها مختلفة في السبيل الذي يحقّق وحدة الأُمّة ، وبالتالي نحن مختلفون أساساً في مؤهّلات الحاكم السياسي ، الذي فائدته الأُولى توحيد الأُمّة؟

ص: 572

ج : مسألة توحيد الكلمة على شخص واحد ورأي واحد وموقف واحد ، تحتاج إلى تنصيص من قبل اللّه سبحانه على شخص واحد للمرجعية الدينية ، كما حصل ذلك في حقّ أئمّتنا عليهم السلام.

أمّا بعد أن كانت عملية التنصيص الإلهي على المرجع مفقودة ، فتعدّد المرجعية الدينية يكون أمراً طبيعياً ، واختلافهم أيضاً يكون أمراً طبيعياً.

ولا يمكن أن يوجّه نداء لهم بترك اجتهادهم ، وطرحه على الجدار ، وإلزامهم برأي موحّد ، إنّ هذا أشبه بما إذا قلنا لمجموعة أطباء : على كُلّ واحد منكم ترك اجتهاده الشخصي في تشخيص علاج هذا المرض ، وبالتالي عليكم الاجتماع على رأي واحد ، إنّه طلب مرفوض ، ورأي غير مقبول.

تبقى قضية ينبغي لفت الأنظار إليها وهي : أنّ الفقيه الذي لا يرى الولاية السياسية ، يرى في نفس الوقت أن أيّ فقيه إذا تصدّى للعمل السياسي ، وكان مرضياً في طريقته وعمله ، فلا يحقُّ لأيّ شخص إرباك الوضع ، وشقُّ العصا عليه ، فإنّ الحفاظ على النظام ، ووحدة الكلمة ، وتوحيد الصف قضية لازمة ، فإنّ الإسلام دين النظام ، ويريد النظام في أيّ مجال من مجالات الحياة ، ولا ينبغي أن نتصوّر أنّ الذي لا يرى الولاية السياسية يسوّغ لاتباعه إرباك النظام والإخلال به.

( علي عمران - السعودية - 26 سنة - طالب جامعة )

إطلاق لقب العلاّمة :

س : تحية معطّرة برياحين ولاية محمّد وآل محمّد.

أساتذتي القائمين على موقع العقائد حفظكم اللّه ، طالعت مقالاً بأحد المنتديات بعنوان الألقاب العلمية , وهذا نصّه :

« لقب آية اللّه : يُطلق على من وصل إلى رتبة الاجتهاد ؛ وآية اللّه العظمى : يُطلق على من يتصدّى للتقليد والإفتاء ؛ والمرجع : يطلق على من يتبوّأ مقام

ص: 573

المرجعية والإفتاء ، ويرجع إليه الناس في تقليدهم ؛ والمرجع الأعلى : يطلق على يُقلّده أكثرية الشيعة.

وهي مصطلحات ظهرت في هذا العصر الأخير ، ولم تكن متداولة في العصور الماضية عند الشيعة ، فما كان يُطلق شيء من هذا القبيل على الشيخ المفيد ، ولا الشيخ الطوسي ، ولا الشريف الرضي والمرتضى ، ولا العلاّمة الحلّي ، ولا المحقّق الحلّي ، والشهيدين الأوّل والثاني ، والمجلسي وبقية العلماء في الأزمنة الماضية ، رحمهم اللّه جميعاً ، وأسكنهم فسيح جنانه مع محمّد وآله ».

سؤالي الأوّل : على من يطلق لقب العلاّمة؟

سؤالي الثاني : هل تدرّج الألقاب من حيث المراتب بنفس الترتيب الذي ذكرت؟ أي أقصد هل أقل مرتبة هي آية اللّه ، ثمّ آية اللّه العظمى ، ثمّ المرجع ، ثمّ المرجع الأعلى؟ وجزاكم اللّه خير جزاء.

ج : الظاهر أنّ لقب العلاّمة يطلق على الذي وصل إلى درجة علمية أعلى من حجّة الإسلام والمسلمين ، وأقلّ من آية اللّه.

نعم ، بعض الأحيان تختصّ بشخص معيّن ، مثل العلاّمة الحلّي ، والعلاّمة الطباطبائي ، فهي تدلّ على مرتبة أعلى من ذلك قطعاً ، وما ذكرت من الترتيب والتدرّج ، فهو من ناحية الواقع العلمي صحيح.

أمّا قولهم : « إنّ هذه مصطلحات ظهرت ... » فلا نرى صحّة ذلك ، بل هي ألقاب كما هو في لفظة دكتور وما شاكلها.

( عيسى الشيباني - الإمارات - 25 سنة - طالب ثانوية )

الحكم في المسائل المستحدثة :

س : من المعلوم بأنّ الشيعة الإمامية تتّخذ من القرآن الكريم والسنّة النبوية - والمتمثّلة بأهل البيت عليهم السلام - منهجاً لها في استخراج الأحكام والمسائل الشرعية ، والمقصد من ذلك أنّها لا تستخدم القياس والاستنباط في استخراج المسائل ، كما يستخدمه أهل السنّة.

ص: 574

ولكن بالنسبة للأُمور المستحدثة والتي لم تكن موجودة في عهد الرسول والأئمّة عليهم السلام ، وإنّما ظهرت في العصور المتأخّرة والحديثة ، فما هي أو ما هو الأسلوب المتبع للاستخراج الحلول والمنافذ عند سماحة العلماء إن لم تكن موجودة في القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهّرة؟ ولكم فائق الاحترام والتقدير.

ج : في القرآن الكريم والسنّة الشاملة لأقوال المعصومين عليهم السلام ، هناك قواعد كُلّية قد استخرجها العلماء ، وهذه القواعد تنطبق على كثير من المسائل الفرعية ، فإذا جاءت مسألة فرعية فالفقيه يرجعها إلى تلك القواعد الكُلّية ، فإن دخلت تلك المسألة تحت حكم إحدى تلك القواعد أفتى الفقيه بذلك.

مثلاً : إذا اكتشفت مادّة جديدة مسكرة ، والقرآن والسنّة لم يشيرا إلى حرمة تلك المادّة ، لكن الفقيه عنده قاعدة كُلّية : بأنّ كُلّ مسكر حرام ، فيستطيع أن يفتي بحرمة هذه المادّة طبقاً إلى تلك القاعدة ، وكذلك هناك قواعد عقلية كُلّية عامّة يستطيع أن يستخدمها ويفتي على طبقها ، وإذا لم توجد هناك أي قاعدة عامّة ، يمكن إدخال المسائل المستحدثة تحتها ، تصل النوبة إلى الأُصول العملية التي هي أيضاً قواعد مستنبطة من أقوال المعصومين عليهم السلام ، وهذه الأُصول يدخل تحتها جميع المسائل الفرعية ، التي لم يمكن إدخالها تحت القواعد العامّة المستنبطة من القرآن والسنّة ، أو التي لا يمكن إدخالها تحت القواعد العامّة المكتشفة بحكم العقل ، وهذه القواعد المشار إليها بقسميها - التي يحرز منها الدليل - أو التي يؤخذ منها الموقف العملي - تدرس في علم أُصول الفقه.

فالفقيه يبحث أوّلاً عن الحكم الشرعي الذي يسند إلى دليل استخرج من القرآن أو السنّة ، أو العقل أو الإجماع ، ويسمّى الحكم المستخرج من تلك القاعدة الحكم الشرعي الظاهري ، أمّا إذا فقدت تلك القواعد ، فإنّ الفقيه يبحث عن الوظيفة العملية للمكلّف عند فقد تلك الأدلّة المستخرجة من القرآن والسنّة والعقل والإجماع ، ويستطيع الفقيه الوصول إلى تلك الوظيفة بأعمال تلك القواعد المسمّاة بالأُصول العملية.

ص: 575

وعليه ففي كُلّ مسألة مستحدثة يرجع الفقيه إلى القواعد التي لديه لاستخراج حكمها الشرعي الظاهري ، أو الوظيفة العملية اتجاهها.

( محمّد - كندا - 33 سنة )

حلّية التدخين :

س : بعد الاستبصار - ولله الحمد - بدأت أقرأ وابحث كثيراً ، وما أذهلني ظهور بعض المعمّمين المشايخ في التلفاز ، وهم يدخّنون ، وقرأت أنّ شرب الدخّان ليس بحرام عندنا ، لكن بدأ أهل السنّة يعيبون علينا ذلك ، وأُصدّقكم القول أنّ بحكم ماضي مع العامّة ، كنت دائماً مع تحريم الدخّان ، خصوصاً لكراهة رائحته ، وكذلك ضرره البيّن بالنفس ، التي أمر الشارع بحفظها ، وكذلك ضرره بالمال ، الذي أُمرنا بعدم تبذيره.

أفيدونا ، فقد علّمتمونا وعوّدتمونا اشفاء الغليل في أجوبة سماحتكم ، فكثيراً من العامّة والخاصّة يدمنون على شربه ، ولا يمكن القول أنّ شربه لا يمكن تركه ، إذا تبيّن الضرر ، سامحوني فقد أحسست بعدم اطمئنان لحلّيته إلاّ يدخل في الخبائث ، كما يقول العامّة ، وأنا أميل إليهم ، واستغفر اللّه في قولهم ، حين يجعلونه مشمولاً بحكم الآية الكريمة في حلّية الطيّبات ، وحرمة الخبائث ، أفلا يكون خبثاً شرب الدخّان؟ سامحوني على وقاحتي بحضرتكم ، وجزاكم اللّه خيراً.

ج : يعتبر التدخين من مستحدثات المسائل ، فهو من المسائل غير المنصوصة الحكم ، إذ لم يكن له وجود زمن النصّ.

فإذا أراد الفقيه أنّ يعرف حكمه ، فيقول : إنّ التدخين نحتمل حرمته شرعاً ، ولا نحتمل وجوبه ، فنتّجه أوّلاً إلى محاولة الحصول على دليل يعيّن حكمه الشرعي ، فلا نجد دليلاً من هذا القبيل ، فيبقى حكم التدخين مجهولاً ، وحرمته مشكوكة لدينا ، لا ندري أهو حرام أو مباح؟

ص: 576

وحينئذ نتساءل ما هو الموقف العملي ، الذي يتحتّم علينا أن نسلكه تجاه ذلك الحكم المجهول؟ هل يجب الاحتياط ، فلا ندخّن أو نحن في سعةٍ من ذلك ، مادمنا لا نعلم الحرمة؟ ولبيان الموقف العملي نذكر نقاط :

1 - إنّ الأصل الأوّلي وهو حلّية أكل شيء أو شربه ما لم يصلنا النهي عنه من الشارع ، إذ لو علمنا عدم النهي عنه أصلاً ، فلأنّ العقل يحكم بذلك سيّما وأنّ طريقة الشارع هي بيان وذكر المحرّمات لا المباحات ، قال تعالى فيما علّم نبيّه الردّ على الكفّار : ( قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (1) ، وهناك روايات في ذلك.

أمّا لو لم نعلم النهي ، أو لم يصل إلينا ، أو وصل إلينا مجملاً فشككنا في حكمه ، فالأصل في ذلك هو البراءة لما حقّق في الأُصول مستدلّين بالآيات والروايات ، كقوله تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (2) ، وقوله تعالى : ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا ) (3) ، إذاً فكُلّ ما لم يثبت حرمته فهو حلال.

2 - ربما يقال : أنّ هذا مفاد الأصل الأوّلي ، ولكن هناك أصل ثانوي في المأكولات والمشروبات ، وهو حرمة ما يتنفّر منه الطبع ، واستدلّ عليه بالآية : ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ ) (4) ، وذلك بأنّ الطيّب ما يستطيب الناس ، والخبائث ما يستخبثه الناس على حسب عادتهم ، فيدخلون التدخين في الخبائث.

ص: 577


1- الأنعام : 145.
2- الإسراء : 15.
3- الطلاق : 7.
4- الأعراف : 157.

ولكن يبقى أنّ الطيّب له عدّة معاني مأخوذة من آيات الذكر الحكيم ، كالحلال والجيّد والطاهر ، وما لا أذى فيه ، وما فيه الخير والبركة ، وما تستطيبه النفس ولا تنفر منه ، وغير ذلك ، والاستدلال بهذه الآية مبنيّ على المعنى الأخير ، وهو ما تستطيبه النفس ولا تنفر منه ، حتّى يكون الخبيث عكسه ، وهو ما يتجنّبه الناس ، وهو غير ظاهر من الآية ، إذ تبقى المعاني الأُخرى محتملة.

ولو سلّم إرادة هذا المعنى ، ولكن يبقى تحديد المعنى المراد من الخبائث غير منضبط عرفاً ، فهل يراد عرف الناس ، أو عرف المكلّف ، أو عرف قوم معينين؟

ومن الواضح سعة اختلاف العرف بينهم ، فربَّ شيء يتجنّبه أهل بلد ما ، ترى آخرين يأكلونه ، بل يختلف الأمر من شخص إلى شخص ، والتجربة أمامك ، بل يتوجّه النقض عليه بكثير من الأدوية ، التي يتنفّر عن أكلها أو شربها الأغلب ، ومع ذلك لا يحكم أحد بخبثها ، وعلى كُلّ فلا ضابط في تعيّن ذلك ، حتّى يستفاد منه الأصل الثانوي.

3 - وربما يستدلّ على الحرمة من جهة توجّه الضرر على البدن من التدخين ، ولكن المتيقّن هو حرمة الأضرار بالبدن ، إذا كان يؤدّي إلى التهلكة ، أو إلى الأضرار الكبير بالبدن - كتلف أحد الأعضاء مثلاً - أمّا ما دون ذلك ، فلم يثبت حرمته لا عقلاً ولا شرعاً.

فإنّ العقل لا يأبى من تحمّل الضرر القليل من أجل هدف معيّن ، وأنّ أدلّة الشرع لو سلّم أنّها تنفي الضرر لا تشمل مثل الضرر الجزئي لغرض عقلائي ، لأنّه مخالف للامتنان الذي هو مصبّ أدلّة النهي عن الضرر ، على أنّ مثل هذا الضرر لا يعدّ ضرراً عند العرف ، والعرف أمامك.

وما يظهر من بعض الأخبار من أنّ علّة تحريم أكل بعض الأشياء هو الضرر ، لا يعدو أن يكون حكمة ، وإلاّ لزم تحليل تلك الأشياء إذا قطع بارتفاع الضرر ، كالذبح من دون استقبال القبلة مثلاً ، وبعض الأخبار الأُخرى ضعيفة السند.

ص: 578

إضافة إلى الإجماع على جواز بعض الأشياء ، مع أنّ فيها مضرّة - كدخول الحمّام مع الجوع ، وكثرة الجماع ، والعمل تحت الشمس الحارّة وغيرها -.

( سالم أبو المصطفى اللامي - العراق - 41 سنة - دبلوم تحليلات مرضيه )

المراد من مسيرة عام :

س : كيف تكون المسافة بين الأرض والسماء الدنيا هي مسيرة 500 عام ، والسماء الدنيا فيها أقرب نجم لدينا هو لا يقلّ عن سنة ضوئية ، وإنّ الفرق بينهما كبير جدّاً ، بارك اللّه بكم.

ج : إنّ مثل هذه الروايات على فرض صحّتها ، وردت على لسان الملائكة في تحديد بُعد السماء الدنيا عن الدنيا - كما في الحديث - بمسيرة 500 عام ، ولم يحدّد الملائكة مسيرة ماذا؟ هل مسيرة رجل؟ أو مسيرة فرس؟ أو مسيرة جمل؟ أو مسيرة الملائكة؟ أو مسيرة الضوء؟

وهكذا يحتمل كلامهم أكثر من احتمال ، فتبقى المسافة مجملة ، كما أنّه ليس هناك ما يثبت أنّ تكون في كُلّ سماء نجوم أو نجوم مرئية إلينا ، فهذه العين البشرية - وإن تقدّم العلم - تبقى قاصرة عن إدراك ومشاهدة الكثير ممّا خلق اللّه تعالى.

( أُمّ جعفر - البحرين - 21 سنة - طالبة جامعية )

العلم نور من اللّه :

س : العلم نور يقذفه اللّه في قلب من يشاء ، كيف يكون ذلك؟ وشكراً ، نسألكم الدعاء.

ج : هذا المقطع هو جملة من حديث للإمام الصادق عليه السلام يقول فيه : « ليس العلم بكثرة التعلّم ، إنّما هو نور يقع في قلب من يريد اللّه أن يهديه ... » (1) ،

ص: 579


1- منية المريد : 149.

والذي يفهم من الحديث أنّ العلم ليس هو مجرّد استحضار المعلومات الخاصّة ، وإن كانت هي العلم في العرف العامّي ، وإنّما هو النور الناشئ من ذلك العلم الموجب للبصيرة ، والخشية من اللّه تعالى.

وهذا النور الذي يمنّ اللّه به على عباده ، بعد أن يجد فيهم أهلية الخشية والطاعة ، إذ يتنوّر القلب به بالإفاضة ، وهي تحصل إمّا بالمكاشفة أو بالكسب والتعلّم تحت عناية اللّه سبحانه ، بما يسبّب للقلب حالات أُخر من الشوق والعزم على العمل الموجب للقرب من الحقّ جلّ وعلا.

( أُمّ جعفر - البحرين - 21 سنة - طالبة جامعية )

الفرق بين الوجود والموجود :

س : ما هو الفرق بين الوجود والموجود؟ وشكراً ، نسألكم الدعاء.

ج : كلمة الوجود - وهي مبدأ الاشتقاق لكلمة الموجود - مصدر يتضمّن معنى الحدث ، ويُنسب إمّا إلى الفاعل أو إلى المفعول ، كما أنّ كلمة الموجود اسم مفعول ، ويتضمّن معنى وقوع الفعل على الذات.

وأحياناً يُؤخذ من كلمة الموجود مصدر جعلي هو الموجودية ، ويستعمل بمعنى الوجود ، هذا من حيث الاصطلاح اللغوي.

أمّا من الجانب الفلسفي ، فإنّ المفهوم الفلسفي للوجود يساوي مطلق الواقع ، وهو المقابل للعدم ، وحسب الاصطلاح فإنّه نقيضه ، ولهذا فهو يشمل الذات الإلهية المقدّسة ، والواقعيات المجرّدة ، والمادّية الجواهر منها والأعراض ، والذوات والحالات.

وهذه الواقعيات العينية عندما تنعكس في الذهن بصورة قضية فإنّه يؤخذ منها على الأقلّ مفهومان اسميّان ، يحتلّ أحدهما طرف الموضوع ، ويحتلّ الآخر الذي هو مفهوم موجود طرف المحمول ، وهو من المفاهيم الفلسفية ، وكونه محمولاً يقتضي أن يصبح مشتقّاً.

ص: 580

( هدى السيّد حسن - البحرين - 14 سنة )

العقيدة لغة واصطلاحاً :

س : ما هو تعريف العقيدة لغةً وشرعاً؟

ج : العقيدة لغة مأخوذة من العقد ، وهو نقيض الحلّ ، ويقال : عقدت الحبل فهو معقود ، ومنه عُقدة النكاح ، والعقد : العهد ، والجمع عقود ، وهي أوكد العهود ، ويقال : عهدت إلى فلان في كذا وكذا ، وتأويله ألزمته بذلك.

فإذا قلت : عاقدته أو عقدت عليه ، فتأويله أنّك ألزمته ذلك باستيثاق ، والمعاقدة : المعاهدة ، قال اللّه تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ) (1) ، قيل : هي العهود ، وقيل : هي الفرائض التي ألزموها ، قال الزجّا الجواب : أوفوا بالعُقود ، خاطب اللّه المؤمنين بالوفاء بالعُقود التي عقدها اللّه تعالى عليهم ، والعُقود التي يعقدها بعضهم على بعض على ما يوجبه الدين (2).

أمّا العقيدة في الاصطلاح الشرعي ، فهي تطلق على الإيمان بأُصول الدين ، من التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد.

وقد قرّر العلماء من الفريقين على أنّ العقائد يجب أن يتوصّل إليها الإنسان بالقطع واليقين ، ولا يكفي في العقيدة الظنّ والتقليد ، وقال اللّه تعالى : ( إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ) (3) ، فالظنّ لا يغني من الواقعيات شيئاً ، إذ المطلوب في الواقعيات القطع واليقين.

والقرآن الكريم يشير ويرشد إلى هذه القاعدة العقلية القطعية ، قال تعالى : ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ

ص: 581


1- المائدة : 1.
2- لسان العرب 3 / 297.
3- يونس : 36.

تَحْكُمُونَ ) (1) ، فالعقلاء إذا أرادوا الوصول إلى أمر واقع ، وحقيقة من الحقائق يهتدون بمن يعلم تلك الحقائق ، ويهدي ويوصل إلى تلك الحقيقة ، أمّا الذي ليس بهادٍ وليس بعارف بالحقيقة لا يهتدي إلى الواقع ، فلا يمكن أن يكون هادياً للآخرين ، وغاية ما يستفاد من قوله الظنّ ، وهو لا يغني من الحقّ شيئاً كما تقدّم ، فلابدّ من اتباع الأدلّة والبحث عن صحّتها للوصول إلى حالة الاطمئنان والعلم ، بأنّ الإنسان على عقيدة صحيحة سليمة.

( علي - أمريكا - 27 سنة - طالب )

لا يجب على المعصوم فعل كُلّ مستحبّ :

س : الإخوة المسؤولين عن الموقع المحترمين.

لدي سؤالاً ، أرجو مساعدتي في الإجابة عليه ، جزاكم اللّه خير الجزاء.

جاء في الحديث الشريف : إنّ للمؤمن أجر كبير إذا ما قام بتنظيف المسجد ، فهل قام الرسول صلى اللّه عليه وآله أو الخلفاء من بعده بهذا العمل؟

ج : سواء ثبت عن النبيّ وآله عليهم السلام أنّهم نظّفوا المسجد بأنفسهم أم لا ، فهو أمر مستحبّ وليس بواجب ، وخصوصاً مع وجود من تقوم به الكفاية ، بل هناك واجبات كفائية مثل الأعمال العامّة ، والخدمات للمجتمع الإسلامي ، مثل صنع الخبز أو بيع الغذاء ، أو نقل الناس أو المتاع ، ولم يفعلوه عليهم السلام قطعاً.

ولم يفعل ذلك كُلّ فرد فرد ، وإنّما يجب كفاية ، أو يستحبّ فعلاً ترغيباً للمسلمين بتلك الأعمال ، وكذلك لتوزيع المهام بين الأفراد لتكامل المجتمع ، فليس كُلّ مستحبّ أو واجب كفائي يجب على النبيّ وآله عليهم السلام فعله ، فإنّ ترك ذلك لا يوجب الإثم ، أمّا فعله ففيه ذلك الأجر والثواب ، ولكنّهم قد يعوّضون ذلك بفعل واجبات أُخر ، أو مستحبّات أعظم ، والأمر سهل.

ص: 582


1- يونس : 35.

( أحمد - الإمارات - 19 سنة - طالب حوزة )

فتاوى غريبة لأئمّة المذاهب :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع :

« الخوئي يبيح لعب الرجل بعورة الرجل ، والمرأة بعورة المرأة من باب المزاح!

سؤال 784 : هل يجوز لمس العورة من وراء الثياب من الرجل لعورة رجل آخر ، ومن المرأة لعورة أُخرى ، لمجرّد اللعب والمزاح ، مع فرض عدم إثارة الشهوة؟

الخوئي : لا يحرم في الفرض ، واللّه العالم.

المصدر : صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات ج3 مسائل في الستر والنظر والعلاقات.

وأنا أقول لك نصيحة أخوية صغيرة : إحذر من مجالسة مقلّد للخوئي يكثر المزاح! ».

أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : ما أفتاه السيّد الخوئي بجوازه لمس العورة من وراء الثياب لغرض المزاح بشرط عدم إثارة الشهوة ، فالمستفاد من الأدلّة الشرعية أنّ حس العورة محرّم في حال الحياة لغير الزوجين ، والمراد به المباشرة من غير ساتر ، وأمّا مع الساتر فالمحرّم هو اللمس بشهوة ، ويبقى اللمس من دون شهوة مع الساتر مسكوت عنه ، ولم يدلّ الدليل على حرمته ، وعليه لا يمكن للفقيه أن يفتي بحرمة شيء لم يدلّ الدليل على حرمته ، لذا قال قدس سره : « لا يحرم ... » ، ولم يقل : أنّه راجح الفعل وما شابه ، وكان جوابه جواب فقيه خاضع للأدلّة الشرعية.

ولكن ومن أجل الاطلاع على عبقرية هؤلاء المتحذلقين نقول : هل يستطيعون أن يبيّنوا لنا الوجوه الشرعية في الفتاوى التالية لأئمّتهم وساداتهم :

ص: 583

1 - أفتى أبو حنيفة بما يلي : « ولو تزوّج رجل امرأة في مجلس ، ثمّ طلّقها فيه قبل غيبته عنهم ، ثمّ أتت امرأته بولد لستة أشهر من حين العقد ، أو تزوّج مشرقي بمغربية ، ثمّ مضت ستة أشهر ، وأتت بولد ، فإنّه يلحق به ، لأنّ الولد يلحقه بالعقد ومضي مدّة الحمل ، وإن علم أنّه لم يحصل منه الوطء » (1).

2 - وعن أبي حنيفة أيضاً بأنّه لو تزوّج رجلان امرأتين ، فغلط بهما عند الدخول ، فزفّت كُلّ واحدة إلى زوج الأُخرى ، فوطأها وحملت منه ، لحق الولد بالزوج لا بالواطئ ، لأنّ الولد للفراش!! (2).

3 - وأفتى مالك والشافعي بحلّية الزواج من بنته من الزنا ، ومن أخته وبنت ابنه ، وبنت بنته ، وبنت أخيه وأخته من الزنا (3) ، وإليه أشار الزمخشري بقوله :

وإن شافعيّاً قلتُ قالوا بأنّني *** أبيحُ نكاحَ البنتِ والبنتُ تحرم

4 - ذهب مالك إلى أن أقصى مدّة الحمل سبع سنين ، فلو طلّق الرجل امرأته أو مات عنها ، فلم تنكح زوجاً غيره ، ثمّ جاءت بولد بعد سبع سنين من الوفاة أو الطلاق ، لحقه الولد ، وانقضت العدّة به (4).

وأمّا أحمد بن حنبل فقد ذهب إلى أن أقصى مدّة الحمل أربع سنين (5).

نقول : ألا يجد هؤلاء المتحذلقين في فتاوى أئمّتهم وساداتهم من التسهيلات لأغراض الزنا وعمل الفاحشة تحت غطاء يحسبونه شرعياً ، وهو لم ينزل اللّه به من سلطان؟! نترك الإجابة للمتنطعين ليبيّنوا الأدلّة الشرعية لهذه الأحكام إن استطاعوا ، وأيضاً بيان الحكمة منها!!

ص: 584


1- أُنظر : المغني لابن قدامة 9 / 54.
2- المصدر السابق 9 / 58.
3- المصدر السابق 7 / 485.
4- أُنظر : المحلّى 10 / 317.
5- أُنظر : المغني لابن قدامة 9 / 116.

( أحمد - الإمارات - 19 سنة - طالب حوزة )

النظر بالمرآة إلى عورة الخنثى لأجل الميراث :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع :

« يجوز النظر إلى المحرم من خلال المرآة.

أجازوا النظر إلى فرج الخنثى للتأكّد أيّهما أسبق من أجل الميراث ، فقالوا : ينظر إلى المرآة فيرى شبحا ، يعني يرون شبح الفرج وليس الفرج نفسه - الكافي 7 / 158 ، وسائل الشيعة 26 / 290 ، بحار الأنوار 60 / 388 - ».

أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : أفتى علماء أهل السنّة في أصل مسألة توريث الخنثى كما عن ابن قدامة : قال ابن المنذر : أجمع كُلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ الخنثى يورث من حيث يبول ، إن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل ، وإن بال من حيث تبول المرأة فهو امرأة ، وممّن روي عنه ذلك علي ومعاوية وسعيد بن المسيّب وجابر بن زيد وأهل الكوفة وسائر أهل العلم.

وقال ابن اللبّان : روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله سئل عن مولود له قُبل وذكر من أين يورث؟ قال : « من حيث يبول » ، وروي أنّه صلى اللّه عليه وآله أتي بخنثى من الأنصار فقال : « ورثوه من أوّل ما يبول منه » (1).

وهنا نوجّه السؤال إلى زمرة المتخذلقين هؤلاء ونقول لهم : كيف يتمّ لكم تطبيق هذا الحكم الشرعي الذي سمعتموه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من مصادركم؟ هل توكلون بالشهادة إلى نفس الخنثى؟ والجار إلى نفسه لا تقبل شهادته كما هو معلوم ، وهنا توجد مسألة مالية ، الحكم الشرعي فيها أنّ للذكر مثل حظ الأنثيين فما العمل إذاً؟

ص: 585


1- المغني لابن قدامة 7 / 114.

ومن هنا جاء الجواب عن الإمام الهادي عليه السلام كما في الكافي : « عن موسى ابن محمّد بن أخي أبي الحسن الثالث عليه السلام أنّ يحيى بن أكثم سأله في المسائل التي سأله عنها قال : وأخبرني عن الخنثى وقول أمير المؤمنين عليه السلام فيه يورث الخنثى من المبال من ينظر إليه إذا بال ، وشهادة الجار إلى نفسه لا تقبل؟

مع أنّه عسى أن تكون امرأة ، وقد نظر إليها الرجال ، أو عسى أن يكون رجلاً ، وقد نظر إليه النساء ، وهذا ممّا لا يحل؟ فأجابه أبو الحسن الثالث عليه السلام عنها : « أمّا قول علي عليه السلام في الخنثى أنّه يورث من المبال ، فهو كما قال ، وينظر قوم عدول يأخذ كُلّ واحد منهم مرآة ، ويقوم الخنثى خلفهم عريانة ، فينظرون في المرآة ، فيرون شبحاً فيحكمون عليه » (1).

نقول : فهل رأيت مثل هذا التطبيق الحكيم لهذا الحكم الشرعي؟ الذي احتوى على جملة من القيود التي تبعد الإنسان عن الفتنة ، وتوصل إلى الغاية المرجوة ، وذلك حين اشترط أن يكون المحتكم إليهم من القوم العدول - أي من أهل الدين والصلاح - وإن يكونوا جماعة لا فرادى - ليكون التركيز على غاية الموضوع هدفاً أساسياً عند كُلّ واحد منهم ، ولدحض عامل الفتنة فيما لو توقّع سريانه إلى النفوس - وأيضاً أن تكون النظرة بالواسطة لا بالمباشرة.

فهل ترى بعد هذا التطبيق الحكيم لهذا الحكم الشرعي أيّة موضوعية لكلام المتحذلقين ، بأنّ الشيعة يجوّزون النظر إلى المحرم من خلال المرآة ، مع أنّهم قد غضّوا الطرف عن أصل الحكم الشرعي وآلية تطبيقه وشروطه وظرفه.

وقد ذكر علماء أهل السنّة أصل الحكم ولم يذكروا آلية لتطبيقه ، مع أنّ الحكم الشرعي لا تكون فاعلية له ما لم تشرّع له آلية للتطبيق في أرض الواقع ، كما هو المعلوم من علّة تشريع الأحكام!!

ص: 586


1- الكافي 7 / 158.

فهرس المصادر

1 - آثار الباقية عن القرون الخالية :

أبو الريحان محمّد بن أحمد البيروني ، المتوفّى 440 ه- ، تحقيق خليل عمران المنصور ، الطبعة الأُولى 1420 ه- ، بيروت ، منشورات دار الكتب العلمية.

2 - الآحاد والمثاني :

عمرو بن أبي عاصم الضحّاك ، المتوفّى 287 ه- ، الطبعة الأُولى 1411 ه- ، دار الدراية.

3 - الأئمّة الإثنا عشر :

محمّد بن طولون ، المتوفّى 953 ه- ، تحقيق صلاح الدين المنجد ، قم ، منشورات الرضي.

4 - الأباضية مذهب إسلامي معتدل :

علي يحيى معمّر ، المتوفّى 1400 ه- ، تعليق أحمد بن سعود السيابي ، الطبعة الثانية ، عمان.

5 - أبو هريرة :

عبد الحسين شرف الدين الموسوي ، المتوفّى 1377 ه- ، قم ، منشورات أنصاريان.

6 - إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب :

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي ، المتوفّى 346 ه- ، طبعة 1417 ه- ، قم ، مؤسّسة أنصاريان.

7 - الاحتجاج :

أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي ، المتوفّى 560 ه- ، تحقيق السيّد محمّد باقر الخرسان ، منشورات دار النعمان.

8 - إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل :

نور اللّه الحسيني التستري ، المتوفّى 1019 ه- ، شرح السيّد المرعشي ، قم ،

ص: 587

منشورات مكتبة السيّد المرعشي.

10 - الإحكام في أصول الأحكام :

أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي ، المتوفّى 456 ه- ، تحقيق أحمد شاكر ، الناشر زكريا علي يوسف.

11 - الإحكام في أُصول الأحكام :

علي بن محمّد الآمدي ، المتوفّى 631 ه- ، الطبعة الثالثة 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتاب العربي.

12 - أحكام القرآن :

أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصّاص ، المتوفّى 370 ه- ، تصحيح عبد السلام محمّد علي شاهين ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

13 - أحكام القرآن ( تفسير ابن العربي ) :

أبو بكر محمّد بن عبد اللّه المعروف بابن العربي ، المتوفّى 543 ه- ، تحقيق عبد الوارث محمّد علي ، الطبعة الأُولى 1422 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

14 - أحكام القرآن :

أبو عبد اللّه محمّد بن إدريس الشافعي ، المتوفّى 204 ه- ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

15 - إحياء علوم الدين :

أبو حامد محمّد بن محمّد الغزالي ، المتوفّى 505 ه- ، الطبعة الأُولى 1412ه- ، بيروت ، دار الهادي.

16 - إحياء الميت بفضائل أهل البيت :

عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، المتوفّى 911 ه- ، تحقيق الشيخ كاظم الفتلاوي ، الشيخ محمّد سعيد الطريحي ، الطبعة الأُولى 1421 ه- ، طهران ، المجمع العالمي لأهل البيت.

17 - الأخبار الطوال :

أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري ، المتوفّى 282ه- ، تحقيق عبد المنعم عامر ،

ص: 588

الطبعة الأُولى 1960 م ، دار إحياء الكتب العربية.

18 - الاختصاص :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

19 - اختيار معرفة الرجال ( المعروف برجال الكشّي ) :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق مير داماد ، محمّد باقر الحسيني ، السيّد مهدي الرجائي ، طبعة 1404 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

20 - الأذكار النووية :

أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي ، المتوفّى 676 ه- ، طبعة 1414ه- ، بيروت ، دار الفكر.

21 - الأربعين حديثاً في إثبات إمامة أمير المؤمنين :

سليمان بن عبد اللّه الماحوزي البحراني ، المتوفّى 1121 ه- ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، قم.

22 - أرجح المطالب :

نقلنا عنه بالواسطة.

23 - إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري :

أبو العباس أحمد القسطلاني ، المتوفّى 923 ه- ، طبعة 1421 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

24 - الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، دار المفيد.

25 - الأرض والتربة الحسينية :

محمّد حسين كاشف الغطاء ، طبعة 1416 ه- ، قم ، المجمع العالمي لأهل البيت.

26 - إرغام المبتدع الغبيّ بجواز التوسّل بالنبيّ :

ابن الصدّيق المغربيّ ، تحقيق حسن بن علي السقّاف ، طبعة 1412ه- ، عمان ،

ص: 589

دار الإمام النووي.

27 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل :

محمّد ناصر الدين الألباني ، الطبعة الثانية 1405 ه- ، بيروت ، المكتب الإسلامي.

28 - إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء :

شاه ولي اللّه الدهلوي ، طبعة كراجي.

29 - أسباب نزول الآيات :

أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري ، المتوفّى 468 ه- ، طبعة 1388 ه- ، القاهرة ، مؤسّسة الحلبي وشركاه.

30 - الاستذكار :

أبو عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمّد بن عبد البرّ القرطبي ، المتوفّى 463ه- ، تحقيق سالم محمّد عطا ، الطبعة الأُولى ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

31 - الاستبصار فيما أُختلف من الأخبار :

أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق السيّد حسن الخرسان ، الطبعة الرابعة ، قم ، دار الكتب الإسلامية.

32 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب :

أبو عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمّد بن عبد البرّ القرطبي ، المتوفّى 463ه- ، تحقيق الشيخ علي محمّد معوض ، الشيخ عادل أحمد عبد الموجود ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

33 - أُسد الغابة في معرفة الصحابة :

أبو الحسن علي بن محمّد بن محمّد الشيباني ، المعروف بابن الأثير ، المتوفّى 630 ه- ، طهران ، منشورات إسماعيليان.

* أسرار الشهادات = إكسير العبادات في أسرار الشهادات :

آغا بن عابد الشيرواني الحائري ، المعروف بالفاضل الدربندي ، المتوّفى 1285 ه- ، تحقيق الشيخ محمّد جمعة بادي ، عباس ملاّ عطية الجمري ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، المنامة ، شركة المصطفى.

ص: 590

34 - إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين :

محمّد بن علي الصبّان ، مصر ، مطبعة الشرق.

35 - الإشفاق على أحكام الطلاق :

محمّد زاهد الكوثري ، طبعة ابن زيدون.

36 - الإصابة في تمييز الصحابة :

أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي ، المتوفّى 852 ه- ، تحقيق الشيخ عادل أحمد ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

37 - أصدق المناهج في تمييز الأباضية من الخوارج :

سالم بن حمّود بن شامس السيابي السمائلي ، تحقيق سيّدة إسماعيل كاشف ، طبعة 1979 م ، القاهرة.

38 - الأصفى في تفسير القرآن :

محمّد محسن الفيض الكاشاني ، المتوفّى 1091 ه- ، تحقيق محمّد حسين الدرايتي ، محمّد رضا النعمتي ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، قم ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي.

39 - أضواء على السنّة المحمّدية :

محمود أبو ريّه ، دار الكتاب الإسلامي.

40 - أطلس تاريخ العالم :

حسين مؤنس ، ( نقلنا عنه بالواسطة ).

41 - إعانة الطالبين :

أبو بكر بن السيّد محمّد شطا البكري الدمياطي ، المتوفّى 1310 ه- ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

42 - الاعتصام بحبل اللّه المتين :

القاسم بن محمّد بن علي ، المتوفّى 1029 ه- ، طبعة 1408 ه- ، صنعاء ، مكتبة اليمن الكبرى.

43 - الاعتقادات :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ

ص: 591

الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تحقيق عصام عبد السيّد ، الطبعة الثانية 1414ه- ، دار المفيد.

44 - الأعلاق الخطيرة في ذكر أُمراء الشام والجزيرة :

أبو عبد اللّه محمّد بن علي بن إبراهيم الحلبي ، المتوفّى 684 ه.

45 - الأعلام ( قاموس تراجم ) :

خير الدين الزركلي ، الطبعة الرابعة عشرة 1999 ه- ، بيروت ، دار العلم للملايين.

46 - أعلام النساء المؤمنات :

محمّد الحسّون وأُمّ علي مشكور ، قم ، دار الأسوة.

47 - إعلام الورى بأعلام الهدى :

أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، المتوفّى 548 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

48 - أعيان الشيعة :

محسن عبد الكريم الأمين العاملي ، المتوفّى 1371ه- ، تحقيق حسن الأمين ، طبعة 1403 ه- ، بيروت ، دار التعارف للمطبوعات.

49 - إغاثة اللّهفان من مصائد الشيطان :

أبو عبد اللّه محمّد بن أبي بكر الدمشقي ، المعروف بابن القيّم الجوزية ، المتوفّى 751 ه- ، تحقيق محمّد حامد الفقي ، الطبعة الثانية 1395 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

50 - الأغاني :

أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني ، المتوفّى 356 ه- ، الطبعة الثانية ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

51 - الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية ، الطبعة الأُولى 1412 ه- ، قم ، مؤسّسة البعثة.

ص: 592

52 - إقبال الأعمال :

أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس ، المتوفّى 664 ه- ، تحقيق جواد القيومي الأصفهاني ، الطبعة الأُولى 1414 ه- ، مكتب الإعلام الإسلامي.

53 - الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد :

أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق الشيخ حسن سعيد ، طهران ، منشورات مكتبة جهلستون.

54 - الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع :

محمّد بن أحمد الشربيني الخطيب ، المتوفّى 960 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

55 - إكسير العبادات في أسرار الشهادات :

آغا بن عابد الشيرواني الحائري ، المعروف بالفاضل الدربندي ، المتوفّى 1285 ه- ، تحقيق الشيخ محمّد جمعة بادي ، عباس ملاّ عطية الجمري ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، المنامة ، شركة المصطفى.

56 - إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب :

علي اليزدي الحائري ، المتوفّى 1333 ه- ، تحقيق علي عاشور.

57 - الأُم :

أبو عبد اللّه محمّد بن إدريس الشافعي ، المتوفّى 204 ه- ، الطبعة الثانية 1403 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

58 - الأمالي ( أمالي السيّد المرتضى ) :

علي بن الحسين الموسوي الشريف المرتضى ، المتوفّى 436 ه- ، تحقيق السيّد محمّد بدر الدين النعساني الحلبي ، طبعة 1403 ه- ، قم ، مكتبة السيّد المرعشي النجفي.

59 - الأمالي ( أمالي الشيخ الطوسي ) :

أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق مؤسّسة البعثة ، الطبعة الأُولى 1414 ه- ، قم ، دار الثقافة.

60 - الأمالي ( أمالي الشيخ الصدوق ) :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ

ص: 593

الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تحقيق مؤسّسة البعثة ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، قم ، مؤسّسة البعثة.

61 - الأمالي ( أمالي الشيخ المفيد ) :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق الحسين أستاذ ولي وعلي أكبر الغفّاري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

62 - الأمالي ( أمالي الخميسية ) :

أبو الحسين يحيى بن الحسين الشجري ، الطبعة الثالثة 1403 ه- ، بيروت ، عالم الكتب.

63 - أمالي المحاملي :

الحسين بن إسماعيل الضبّي المحاملي ، المتوفّى 330 ه- ، تحقيق إبراهيم القيسي ، الطبعة الأُولى 1412 ه- ، الأردن ، المكتبة الإسلامية ، دار ابن القيّم.

64 - الإمامة والتبصرة من الحيرة :

ابن بابويه القمّي ، المتوفّى 329 ه- ، تحقيق مدرسة الإمام المهدي ، قم ، مدرسة الإمام المهدي.

65 - الإمامة والسياسة ( تاريخ الخلفاء ) :

أبو محمّد عبد اللّه بن مسلم ابن قتيبة الدينوري ، المتوفّى 276 ه- ، تحقيق علي الشيري ، الطبعة الأُولى 1413 ه- ، قم ، منشورات الشريف الرضي.

66 - الأنساب :

أبو سعد عبد الكريم بن محمّد التميمي السمعاني ، المتوفّى 562 ه- ، تعليق عبد اللّه عمر البارودي ، الطبعة الأُولى 1408 ه- ، بيروت ، دار الجنان.

67 - أنساب الأشراف ( تاريخ البلاذري ) :

أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري ، المتوفّى 279 ه- ، تحقيق محمّد باقر المحمودي ، الطبعة الأُولى 1394 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي.

ص: 594

68 - الإنصاف في معرفة الراحج من الخلاف :

أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد المرداوي السعدي الحنبلي ، المتوفّى 885ه- ، تحقيق أبو عبد اللّه محمّد حسن الشافعي ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

69 - أنوار التنزيل وأسرار التأويل ( تفسير البيضاوي ) :

أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمّد الشيرازي البيضاوي ، المتوفّى 791 ه- ، الطبعة الأُولى 1420 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

70 - الأنوار العلوية والأسرار المرتضوية :

جعفر النقدي ، المتوفّى 1370 ه- ، الطبعة الثانية 1381 ه- ، النجف ، المطبعة الحيدرية.

71 - الأنوار القدسية :

محمّد حسين الأصفهاني ، المتوفّى 1320 ه- ، تحقيق علي النهاوندي ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية.

72 - الأنوار النعمانية :

نعمة اللّه الموسوي الجزائري ، المتوفّى 1112 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي.

73 - أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم :

جعفر السبحاني ، الطبعة الأُولى 1420 ه- ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق.

74 - الأوائل :

أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني ، المتوفّى 360 ه- ، تحقيق محمّد شكور بن محمود الحاجي ، الطبعة الأُولى 1403 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة.

75 - أوائل المقالات في المذاهب والمختارات :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق إبراهيم الأنصاري الزنجاني ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، بيروت ، دار المفيد.

76 - إيضاح الفوائد :

فخر المحقّقين ابن العلاّمة ، المتوفّى 770 ه- ، تحقيق الكرماني والاشتهاردي

ص: 595

والبروجردي ، الطبعة الأُولى 1389 ه.

77 - أين سنّة الرسول وماذا فعلوا بها :

أحمد حسين يعقوب ، الطبعة الأُولى 1421 ه- ، بيروت ، الدار الإسلامية.

78 - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث :

أحمد محمّد شاكر ، الطبعة الثانية 1419 ه- ، الكويت ، جمعية إحياء التراث الإسلامي.

79 - بحار الأنوار :

محمّد باقر المجلسي ، المتوفّى 1111 ه- ، الطبعة الثانية 1403 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الوفاء.

80 - البحر الرائق ( شرح كنز الدقائق ) :

ابن نجيم المصري الحنفي ، المتوفّى 970 ه- ، تحقيق الشيخ زكريا عميرات الطبعة الأُولى 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

81 - البحر الزخّار الجامع لمذاهب علماء الأمصار :

أحمد بن يحيى بن المرتضى ، المتوفّى 840 ه- ، الطبعة الثانية 1394 ه- ، صنعاء ، دار الحكمة اليمانية.

82 - بحوث في الملل والنحل :

جعفر السبحاني ، الطبعة الرابعة 1416 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

83 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع :

أبو بكر بن مسعود الكاشاني الحنفي ، المتوفّى 587 ه- ، الطبعة الأُولى 1409 ه- ، باكستان ، المكتبة الحبيبية.

84 - بدائع الفوائد :

أبو عبد اللّه محمّد بن أبي بكر الدمشقي ، المعروف بابن القيّم الجوزية ، المتوفّى 751 ه- ، هشام عبد العزيز عطا ، عادل عبد الحميد العدوي ، أشرف أحمد الج ، الطبعة الأُولى 1416 ه- ، مكّة المكرّمة ، مكتبة نزار مصطفى الباز.

85 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد :

أبو الوليد محمّد بن أحمد القرطبي ، المعروف بابن رشد الحفيد ، المتوفّى 595 ه- ، تصحيح خالد العطّار ، طبعة 1415 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

ص: 596

86 - البداية والنهاية :

أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ، المتوفّى 774 ه- ، تحقيق علي الشيري ، الطبعة الأُولى 1408 ه- ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

87 - البرهان في تفسير القرآن :

هاشم بن سليمان بن إسماعيل الحسيني البحراني التوبلي ، المتوفّى 1109 ه- ، الطبعة الثالثة 1393 ه- ، قم ، المطبعة العليمة.

88 - البرهان في علوم القرآن :

أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الزركشي الشافعي ، المتوفّى 794 ه- ، تحقيق أبو الفضل إبراهيم ، الطبعة الأُولى 1376 ه- ، القاهرة ، دار إحياء الكتب العربية.

89 - بشارة المصطفى لشيعة المرتضى :

أبو جعفر محمّد بن أبي قاسم الطبري ، المتوفّى 525 ه- ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الأُولى 1420 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

90 - بصائر الدرجات الكبرى :

محمّد بن الحسن الصفّار ، المتوفّى 290 ه- ، تحقيق ميرزا محسن كوجه باغي ، طبعة 1404 ه- ، طهران ، مؤسّسة الأعلمي.

91 - بلاغات النساء :

أبو الفضل بن أبي طاهر ، المعروف بابن طيفور ، المتوفّى 380 ه- ، قم ، منشورات مكتبة بصيرتي.

92 - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة :

محمّد تقي التستري ، تحقيق مؤسّسة البلاغ ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، طهران ، دار أمير كبير.

93 - البيان في أخبار صاحب الزمان :

أبو عبد اللّه محمّد بن يوسف بن محمّد القرشي الكنجي الشافعي ، المتوفّى 658 ه- ، تحقيق الشيخ مهدي حمد الفتلاوي ، الطبعة الأُولى 1421 ه- ، بيروت ، دار المحجّة البيضاء.

ص: 597

94 - البيان في تفسير القرآن :

أبو القاسم الموسوي الخوئي ، المتوفّى 1413 ه- ، الطبعة الرابعة 1395 ه- ، بيروت ، دار الزهراء.

95 - بيت الأحزان في ذكر أحوالات سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء :

عباس القمّي ، المتوفّى 1359 ه- ، الطبعة الأُولى 1412 ه- ، قم ، دار الحكمة.

96 - بين الشيعة وأهل السنّة :

إحسان إلهي ظهير ، الطبعة الأُولى 1405 ه- ، لاهور ، إدارة ترجمان السنّة.

97 - تاج العروس من جواهر القاموالسؤال :

محمّد مرتضى الزبيدي ، المتوفّى 1205 ه- ، بيروت ، مكتبة الحياة.

98 - تاريخ ابن خلدون :

عبد الرحمن بن محمّد بن خلدون الحضري ، المتوفّى 808 ه- ، الطبعة الرابعة ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

99 - تاريخ ابن الوردي :

عمر بن مظفّر الوردي ، المتوفّى 749 ه- ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

100 - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام :

أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، المتوفّى 748 ه- ، تحقيق عمر عبد السلام تدمري ، الطبعة الثانية 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتاب العربي.

101 - تاريخ الأُمم والملوك ( تاريخ الطبري ) :

أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ، المتوفّى 310ه- ، تحقيق نخبة من العلماء ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي.

102 - تاريخ بغداد أو مدينة السلام :

أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ، المتوفّى 463 ه- ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

ص: 598

103 - تاريخ جرجان :

حمزة بن يوسف السهمي ، المتوفّى 427 ه- ، الطبعة الرابعة 1407 ه- ، بيروت ، عالم الكتب.

104 - تاريخ جهانكشاي :

عطا ملك بن محمّد بن محمّد الجويني ، طبعة 1355 ه- ، هلند ، مطبعة بريل.

105 - تاريخ الخلفاء :

عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، المتوفّى 911 ه- ، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد ، الطبعة الثالثة 1383 ه- ، القاهرة ، مطبعة المدني.

106 - تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس :

حسين بن محمّد بن الحسن الديار بكري ، بيروت ، مؤسّسة شعبان.

107 - التاريخ الصغير :

أبو عبد اللّه محمّد بن إسماعيل البخاري ، المتوفّى 256 ه- ، تحقيق محمود إبراهيم زايد ، الطبعة الأُولى 1406 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

108 - التاريخ الكبير :

أبو عبد اللّه محمّد بن إسماعيل البخاري ، المتوفّى 256 ه- ، ديار بكر ، المكتبة الإسلامية.

109 - تاريخ مدينة دمشق :

أبو القاسم علي بن الحسن المعروف بابن عساكر ، المتوفّى 571 ه- ، تحقيق علي الشيري ، طبعة 1415 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

110 - تاريخ المدينة المنوّرة :

عمر بن شبه النميري ، المتوفّى 262 ه- ، تحقيق فهيم محمّد شلتوت ، قم ، دار الفكر.

111 - تاريخ اليعقوبي :

أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر ، المتوفّى 284 ه- ، قم ، مؤسّسة ونشر فرهنك أهل بيت.

ص: 599

112 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة :

علي الحسيني الاسترآبادي النجفي ، المتوفّى نحو 965 ه- ، تحقيق مدرسة الإمام المهدي ، الطبعة الأُولى 1407 ه- ، قم ، مدرسة الإمام المهدي.

113 - تأويل مختلف الحديث :

أبو محمّد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة ، المتوفّى 276 ه- ، تحقيق الشيخ إسماعيل الاسعردي ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

114 - التبيان في تفسير القرآن :

أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق أحمد حبيب قصير العاملي ، الطبعة الأُولى 1409 ه- ، مكتب الإعلام الإسلامي.

115 - التبيين لأسماء المدلّسين :

أبو الوفا إبراهيم سبط ابن العجمي الحلبي الطرابلسي ، المتوفّى 841 ه- ، تحقيق يحيى شفيق ، الطبعة الأُولى 1406 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

116 - تتمّة المختصر في أخبار البشر :

عمر بن الوردي ، الطبعة الأُولى 1389 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

117 - تحرير الأحكام :

الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة ، المتوفّى 726ه- ، الطبعة الحجرية ، منشورات مؤسّسة آل البيت.

118 - التحرير الطاووسي ( المستخرج من كتاب حلّ الإشكال في معرفة الرجال ) :

أبو منصور حسن بن زين الدين العاملي الجبعي صاحب المعالم ، المتوفّى 1011 ه- ، تحقيق فاضل الجواهري ، الطبعة الأُولى 1411 ه- ، قم ، مكتبة السيّد المرعشي النجفي.

119 - تحف العقول عن آل الرسول :

أبو محمّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني ، المتوفّى في القرن الرابع ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية 1404 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

ص: 600

120 - تحفة الأحوذي في شرح الترمذي :

أبو العلاء محمّد بن عبد الرحمن المباركفوري ، المتوفّى 1353 ه- ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

121 - تجريد الاعتقاد :

أبو جعفر محمّد بن محمّد بن الحسن نصير الدين الطوسي ، المتوفّى 672 ، تحقيق محمّد جواد الحسيني الجلالي ، الطبعة الأُولى 1407 ه- ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي.

122 - تركة النبي والسبل التي وجهها فيها :

حماد بن إسحاق بن إسماعيل بن زيد البغدادي ، المتوفّى 267 ه- ، تحقيق أكرم ضياء العمري ، الطبعة الأُولى 1404 ه.

123 - تذكرة الحفّاظ :

أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، المتوفّى 748 ه- ، مكتبة الحرم المكّي.

124 - تذكرة الفقهاء :

الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة ، المتوفّى 726ه- ، مكتبة الرضوية لإحياء الآثار الجعفرية.

125 - تصحيح اعتقادات الإمامية :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق حسين دركاهي ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، بيروت ، دار المفيد.

126 - تطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوّه بثلب سيّدنا معاوية بن أبي سفيان.

أبو العباس أحمد بن محمّد بن علي بن حجر الهيتمي ، المتوفّى 973 ه- ، تحقيق عبد الوهّاب عبد اللطيف ، مكتبة القاهرة.

127 - تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد :

محمّد بخيت المطيعي الحنفي ، المتوفّى 1350 ه- ، طبعة 1396 ه- ، اسلامبول ، مكتبة اشيق.

ص: 601

128 - التعديل والتجريح لمن خرّج عنه البخاري في الجامع الصحيح :

أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد الباجي المالكي ، المتوفّى 474 ه- ، تحقيق أحمد لبزار.

129 - تفسير ابن جزي :

محمّد بن أحمد بن جزي الكلبي ، طبعة 1403 ه- ، بيروت ، دار الكتاب العربي.

130 - تفسير البحر المحيط :

أبو حيّان محمّد بن يوسف الأندلسي ، المتوفّى 745 ه- ، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود ، الطبعة الأُولى 1422 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

131 - تفسير الثعالبي المسمّى بالجواهر الحسان في تفسير القرآن :

عبد الرحمن بن محمّد الثعالبي المالكي ، المتوفّى 875 ه- ، تحقيق عبد الفتّاح أبو سنة ، علي محمّد معوض ، عادل أحمد عبد الموجود ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

132 - تفسير الصافي :

محمّد محسن الفيض الكاشاني ، المتوفّى 1091 ، تصحيح الشيخ حسين الأعلمي ، الطبعة الثانية 1416 ه- ، طهران ، مكتبة الصدر.

133 - تفسير العياشي :

النضر محمّد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي ، المتوفّى 320 ه- ، تحقيق هاشم الرسولي المحلاّتي ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية.

134 - تفسير فرات الكوفي :

أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي ، المتوفّى 352 ه- ، تحقيق محمّد الكاظم ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، طهران ، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.

135 - تفسير القرآن :

أبو بكر عبد الرزّاق بن همام الصنعاني ، المتوفّى 211 ه- ، تحقيق مصطفى مسلم محمّد ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، الرياض ، مكتبة الرشد.

ص: 602

136 - تفسير القرآن العظيم :

أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ، المتوفّى 774 ه- ، طبعة 1412 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

137 - تفسير القرآن الكريم :

أبو حمزة ثابت بن دينار الثمالي ، المتوفّى 148 ه- ، تجميع عبد الرزّاق محمّد حسين حرز الدين ، الطبعة الأُولى 1420 ه- ، قم ، دفتر نشر الهادي.

138 - تفسير القمّي :

أبو الحسن علي بن إبراهيم القمّي ، المتوفّى 329 ه- ، تصحيح السيّد طيّب الجزائري ، الطبعة الثالثة 1404 ه- ، قم ، مؤسّسة دار الكتاب.

139 - التفسير الكبير ( تفسير الفخر الرازي ) :

محمّد بن عمر بن الحسين الرازي ، المتوفّى 606 ه- ، الطبعة الثانية 1417ه- ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

140 - التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري :

أبو محمّد الحسن بن علي ، تحقيق مدرسة الإمام المهدي ، الطبعة الأُولى 1409 ه- ، قم ، مدرسة الإمام المهدي.

141 - تفسير نور الثقلين :

عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي ، المتوفّى 1112 ه- ، تحقيق هاشم الرسولي المحلاّتي ، الطبعة الرابعة 1412 ه- ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان.

142 - تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة :

محمّد بن الحسن الحرّ العاملي ، المتوفّى 1104 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

143 - تقريب التهذيب :

أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي ، المتوفّى 852 ه- ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا ، الطبعة الثانية 1415 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

ص: 603

144 - التلخيص الحبير في تخريج الرافعي الكبير :

أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي ، المتوفّى 852 ه- ، دار الفكر.

145 - تلخيص الشافي :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق السيّد حسين بحر العلوم ، الطبعة الأُولى ، قم ، مؤسّسة انتشارات المحبّين.

146 - تمام المنّة في التعليق على فقه السنّة :

محمّد ناصر الدين الألباني ، الطبعة الثالثة 1409 ه- ، الرياض ، المكتبة الإسلامية دار الراية.

147 - التمهيد لما في المؤطّأ من المعاني والمسانيد :

أبو عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمّد بن عبد البرّ القرطبي ، المتوفّى 463ه- ، تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي ، طبعة 1387 ه- ، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية.

148 - التنبيه والإشراف :

المسعودي ، المتوفّى 345 ه.

149 - تنزيه الأنبياء :

أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي ، المعروف بالشريف المرتضى ، المتوفّى 436 ه- ، الطبعة الثانية 1409 ه- ، بيروت ، دار الأضواء.

150 - التنقيح في شرح العروة الوثقى :

الميرزا علي الغروي التبريزي ، الطبعة الثانية ، مؤسّسة آل البيت.

151 - تنقيح المقال في علم الرجال :

عبد اللّه المامقاني ، المتوفّى 1351 ه- ، طبعة 1350 ه- ، النجف الأشرف ، مكتبة المرتضوية.

152 - تنوير الحوالك ( شرح على موطّأ مالك ) :

عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، المتوفّى 911 ه- ، تصحيح محمّد بن عبد العزيز الخالدي ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

ص: 604

153 - تهذيب الأحكام في شرح المقنعة :

أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق السيّد حسن الخرسان ، الطبعة الرابعة ، قم ، دار الكتب الإسلامية.

154 - تهذيب التهذيب :

أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي ، المتوفّى 852 ه- ، الطبعة الأُولى 1404 ه- ، دار الفكر.

155 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال :

أبو الحجّاج يوسف المزّي ، المتوفّى 742 ه- ، تحقيق بشّار عوّاد معروف ، الطبعة الرابعة 1406 ه- ، مؤسّسة الرسالة.

156 - التوحيد :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني ، طبعة 1387 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

157 - التوسّل بالنبيّ وجهلة الوهّابيون :

أبو حامد بن مرزوق ، طبعة 1396 ه- ، اسلامبول ، دار الشفقة.

158 - الثاقب في المناقب :

أبو جعفر محمّد بن علي بن حمزة الطوسي ، المتوفّى 560 ه- ، تحقيق نبيل رضا علوان ، الطبعة الثانية 1412 ه- ، قم ، مؤسّسة انصاريان.

159 - الثقات :

أبو حاتم محمّد بن حبّان التميمي البستي ، المتوفّى 354 ه- ، الطبعة الأُولى 1393 ه- ، مؤسّسة الكتب الإسلامية.

160 - ثمّ اهتديت :

محمّد التيجاني السماوي ، لندن ، مؤسّسة الفجر.

161 - ثواب الأعمال وعقابها :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات الرضي.

ص: 605

162 - جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة :

إسماعيل المعزّي الملايري ، قم.

163 - جامع البيان ( تفسير الطبري ) :

أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ، المتوفّى 310 ه- ، طبعة 1415 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

164 - جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والإسناد :

محمّد بن علي الأردبيلي الغروي الحائري ، المتوفّى 1101 ه- ، قم ، مكتبة المحمّدي.

165 - الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير :

عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، المتوفّى 911 ه- ، الطبعة الأُولى 1401ه- ، بيروت ، دار الفكر.

166 - الجامع الكبير ( سنن الترمذي ) :

أبو عيسى محمّد بن عيسى الترمذي ، المتوفّى 279 ه- ، تحقيق عبد الوهّاب عبد اللطيف ، الطبعة الثانية 1403 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

167 - الجامع لأحكام القرآن ( تفسير القرطبي ) :

أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي ، المتوفّى 671 ه- ، طبعة 1405 ه- ، بيروت ، مؤسسّة التاريخ العربي.

168 - جامع المسانيد :

أبو المؤيّد محمّد بن محمود الخوارزمي ، المتوفّى 665 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

169 - جامع المقاصد في شرح القواعد :

علي بن الحسين الكركي ، المتوفّى 940 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الأُولى 1408 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

170 - الجرح والتعديل :

أبو محمّد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، المتوفّى 327 ه- ، الطبعة الأولى 1371 ه- ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

ص: 606

171 - جمهرة أنساب العرب :

أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي ، المتوفّى 456 ه- ، طبعة 1421 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

172 - جنّة المأوى :

محمّد حسين كاشف الغطاء ، المتوفّى 1373 ه- ، طبعة 1397 ه- ، تبريز ، مطبعة شفق.

173 - الجواهر السنية في الأحاديث القدسية :

محمّد بن الحسن بن علي الحرّ العاملي ، المتوفّى 1104 ه- ، قم ، مكتبة المفيد.

174 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام :

محمّد حسن النجفي ، المتوفّى 1266 ه- ، تحقيق الشيخ عبّاس القوجاني ، الطبعة الثالثة ، طهران ، دار الكتب الإسلامية.

175 - جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب :

أبو البركات محمّد بن أحمد الدمشقي الباعوني الشافعي ، المتوفّى 871 ه- ، تحقيق الشيخ محمّد باقر المحمودي ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، قم ، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.

176 - الجوهرة في نسب الإمام علي وآله :

محمّد بن أبي بكر الأنصاري التاهساني ، المعروف بالبرّي ، تحقيق محمّد التونجي ، الطبعة الأُولى 1402 ه- ، دمشق ، مكتبة النوري.

177 - حاشية السندي على النسائي :

نور الدين بن عبد الهادي ، المتوفّى 1138 ه- ، تحقيق عبد الفتّاح ، الطبعة الثانية 1406 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

178 - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح :

أبو عبد اللّه محمّد بن أبي بكر الدمشقي ، المعروف بابن القيّم الجوزية ، المتوفّى 751 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

179 - حاوي الأقوال في معرفة الرجال :

عبد النبيّ بن سعد الدين الجزائري ، المتوفّى 1021 ه- ، تحقيق مؤسّسة

ص: 607

الهداية ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، قم ، مؤسّسة الهداية لإحياء التراث.

180 - الحاوي للفتلاوي :

عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، المتوفّى 911 ه- ، طبعة 1408 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

181 - الحبل المتين :

محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي ، المتوفّى 1031 ه- ، طبعة 1398 ه- ، قم ، مكتبة بصيرتي.

182 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة :

يوسف البحراني ، المتوفّى 1186 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

183 - حقّ اليقين في معرفة أُصول الدين :

عبد اللّه شبّر ، المتوفّى 1242 ه- ، الطبعة الأُولى ، 1418 ه- ، بيروت ، منشورات مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات.

184 - حقائق التأويل في متشابه التأويل :

أبو الحسن محمّد بن الحسين المشهور بالسيّد الشريف الرضي ، المتوفّى 406ه- ، بيروت ، دار المهاجر.

185 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء :

أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الأصفهاني الشافعي ، المتوفّى 430 ه- ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

186 - الخرائج والجرائح :

قطب الدين الراوندي ، المتوفّى 573 ه- ، تحقيق مؤسّسة الإمام المهدي ، قم ، مؤسّسة الإمام المهدي.

187 - خصائص الأئمّة :

أبو الحسن محمّد بن الحسين ، المعروف بالشريف الرضي ، المتوفّى 406 ه- ، تحقيق محمّد هادي الأميني ، طبعة 1406 ه- ، مشهد ، مجمع البحوث الإسلامية ، الآستانة الرضوية المقدّسة.

ص: 608

188 - خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب :

أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي الشافعي ، المتوفّى 303 ه- ، تحقيق محمّد هادي الأميني ، مكتبة نينوى الحديثة.

189 - خصائص الوحي المبين :

يحيى بن الحسن بن الحسين الأسدي ، المعروف بابن البطريق ، المتوفّى 600ه- ، تحقيق مالك المحمودي ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، قم ، دار القرآن الكريم.

190 - الخصال :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تصحيح علي أكبر غفّاري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

191 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال :

أبو منصور الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة الحلّي ، المتوفّى 726 ه- ، تحقيق الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الأُولى 1417ه- ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة.

192 - خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمّة الأطهار :

علي الميلاني ، طبعة 1406 ه- ، قم ، مؤسّسة البعثة.

193 - الخلاف :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق السيّد علي الخراسان ، السيّد جواد الشهرستاني ، الشيخ محمّد مهدي نجف ، الطبعة الأُولى 1407 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

194 - دائرة المعارف :

بطرس البستاني ، بيروت ، دار المعرفة.

195 - دائرة المعارف الإسلامية :

أحمد الشنتناوي ، إبراهيم زكي خورشيد ، عبد الحميد يونس ، بيروت ، دار المعرفة.

ص: 609

196 - دائرة معارف القرن الرابع عشر :

محمّد فريد وجدي ، الطبعة الرابعة 1386 ه.

197 - الدرّ المنثور في التفسير المأثور :

عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، المتوفّى 911ه- ، الطبعة الأُولى 1365ه- ، دار المعرفة.

198 - درء تعارض العقل والنقل :

أبو عباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الدمشقي الحنبلي ، المتوفّى 728ه- ، تحقيق محمّد رشاد سالم ، طبعة 1391 ه- ، الرياض ، دار الكنوز الأدبية.

199 - الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة :

علي خان المدني الشيرازي الحسيني ، المتوفّى 1120 ه- ، الطبعة الثانية 1397ه- ، قم ، منشورات مكتبة بصيرتي.

200 - دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام عن أهل بيت رسول اللّه عليه وعليهم أفضل السلام :

أبو حنيفة النعمان بن محمّد بن منصور التميمي المغربي ، المتوفّى 363 ه- ، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، طبعة 1383 ه- ، القاهرة ، دار المعارف.

201 - الدعوات :

أبو الحسين سعيد بن هبة اللّه ، المعروف بقطب الدين الراوندي ، المتوفّى 573 ه- ، تحقيق مدرسة الإمام المهدي ، الطبعة الأُولى 1407 ه- ، قم ، مدرسة الإمام المهدي.

202 - دفاع عن الكافي :

ثامر هاشم العميدي ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، قم ، مركز الغدير للدراسات الإسلامية.

203 - دفع شبه التشبيه بأكفّ التنزيه :

أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي القرشي ، المتوفّى 597 ه- ، تحقيق حسن السقّاف ، الطبعة الثالثة 1413 ه- ، عمان ، دار الإمام النووي.

204 - دفع الشبه عن الرسول والرسالة :

أبو بكر بن محمّد بن عبد المؤمن الحصني الدمشقي ، المتوفّى 829 ه- ،

ص: 610

الطبعة الثانية 1418 ه- ، القاهرة ، دار إحياء الكتاب العربي.

205 - دلائل الإمامة :

أبو جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبري الشيعي ، المتوفّى في أوائل القرن الرابع ، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية ، الطبعة الأُولى 1413 ه- ، قم ، مؤسّسة البعثة.

206 - دلائل الصدق :

محمّد الحسن المظفّر ، المتوفّى 1375 ه- ، الطبعة الثانية 1396 ه- ، القاهرة ، دار المعلّم.

207 - دلائل النبوّة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة :

أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ، المتوفّى 458 ه- ، تعليق عبد المعطي قلعجي ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

208 - دول الإسلام :

أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، المتوفّى 748 ه- ، تحقيق حسن إسماعيل مروة ، الطبعة الأُولى 1999 م ، بيروت ، دار صادر.

209 - ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى :

أبو جعفر أحمد بن عبد اللّه الطبري ، المتوفّى 694 ه- ، طبعة 1356 ه- ، القاهرة ، مكتبة القدسي.

210 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة :

آقا بزرك الطهراني ، المتوفّى 1389 ه- ، الطبعة الثالثة 1403 ه- ، بيروت ، دار الأضواء.

211 - الذرّية الطاهرة النبوية :

أبو بشر محمّد بن أحمد بن حماد الدولابي ، المتوفّى 310 ه- ، تحقيق سعد المبارك الحسن ، الطبعة الأُولى 1407 ه- ، الكويت ، الدار السلفية.

212 - ذكر أخبار إصبهان :

أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الإصبهاني ، المتوفّى 430 ه- ، طبعة 1934 م ، مطبعة بريل.

ص: 611

213 - الذكرى :

محمّد بن مكّي ، المعروف بالشهيد الأوّل ، المتوفّى 786 ه- ، طبعة حجرية 1272 ه.

214 - ذوب النضار في شرح الثار :

جعفر بن محمّد ، المعروف بابن نما الحلّي ، المتوفّى 645 ه- ، تحقيق فارس حسّون كريم ، الطبعة الأُولى 1416 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

215 - ربيع الأبرار ونصوص الأخبار :

أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، قم ، منشورات الشريف الرضي.

216 - رجال ابن داود :

الحسن بن علي بن داود الحلّي ، المتوفّى 707 ه- ، طبعة 1392 ه- ، النجف ، المطبعة الحيدرية.

217 - الرجال لابن الغضائري :

أحمد بن الحسين بن عبيد اللّه الواسطي البغدادي , المتوفّى في القرن الخامس ، تحقيق السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي ، الطبعة الأُولى 1422ه- ، قم ، دار الحديث.

218 - رجال الطوسي :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، طبعة 1415 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

219 - رحلة ابن بطّوطة ( تحفة النظّار في غرائب الأمصار ) :

أبو عبد اللّه محمّد بن إبراهيم اللواتي ، المعروف بابن بطّوطة ، المتوفّى 779 ه- ، تحقيق طلال حرب ، الطبعة الثالثة 1423 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

220 - رحمة الأمّة في اختلاف الأئمّة :

محمّد بن عبد الرحمن الدمشقي العثماني الشافعي ، الطبعة الأُولى 1354ه- ، القاهرة ، مطبعة حجازي ، ضمن كتاب الميزان.

ص: 612

221 - الرسائل العشر :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق واعظ زادة الخراساني ، طبعة 1404 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

222 - رسائل المرتضى :

علي بن الحسين الموسوي الشريف المرتضى ، المتوفّى 436 ه- ، إعداد السيّد مهدي الرجائي ، طبعة 1405 ه- ، قم ، دار القرآن.

223 - الرسالة السعدية :

الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة ، المتوفّى 726ه- ، تحقيق عبد الحسين محمّد علي بقّال ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، قم ، مكتبة المرعشي النجفي.

224 - رسالة في الردّ على الرافضة :

محمّد بن عبد الوهّاب ، المتوفّى 1206 ه- ، تحقيق ناصر بن سعد الرشيد ، الطبعة الثانية 1400 ه- ، مكّة المكرّمة ، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي.

225 - رسالة في العدالة :

زين الدين الجبعي العاملي ، المعروف بالشهيد الثاني ، المتوفّى 966 ه.

226 - رسالة القبور والاستنجاد بالمقبور :

أبو عباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الدمشقي الحنبلي ، المتوفّى 728ه- ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، الرياض ، الإدارة العامّة للطبع والترجمة.

227 - روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني :

أبو الفضل محمود الآلوسي البغدادي ، المتوفّى 1270 ه- ، تصحيح علي عبد الباري عطية ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

228 - روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان :

زين الدين الجبعي العاملي ، المعروف بالشهيد الثاني ، المتوفّى 966 ه- ، طبعة 1404 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

229 - الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير :

الحسين بن أحمد السياغي ، المتوفّى 1221 ه- ، الطبعة الثانية 1388 ه- ،

ص: 613

الطائف ، مكتبة المؤيّد.

230 - روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات :

محمّد باقر الموسوي الخونساري ، المتوفّى 1313 ه- ، طبعة 1390 ه- ، قم ، مكتبة إسماعيليان.

231 - روضة الواعظين :

محمّد بن فتّال النيسابوري ، المتوفّى 508 ه- ، تحقيق محمّد مهدي حسن الخرسان ، قم ، منشورات الشريف الرضي.

232 - رياض الصالحين من حديث سيّد المرسلين :

أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي ، المتوفّى 676 ه- ، الطبعة الثانية 1411 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

233 - الرياض النضرة في مناقب العشرة :

أبو جعفر أحمد بن عبد اللّه الطبري ، المتوفّى 694 ه- ، الطبعة الأُولى 1418ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

234 - زاد المسير في علم التفسير :

أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي القرشي ، المتوفّى 597 ه- ، تحقيق محمّد بن عبد الرحمن ، الطبعة الأُولى 1407 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

235 - زاد المعاد في هدي خير العباد :

أبو عبد اللّه محمّد بن أبي بكر الدمشقي ، المعروف بابن القيّم الجوزية ، المتوفّى 751 ه- ، تحقيق شعيب الأرناؤوط ، الطبعة الرابعة عشر 1407 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة.

236 - زبدة البيان في أحكام القرآن :

المحقّق الأردبيلي ، المتوفّى 993 ه- ، مكتبة المرتضوية.

237 - سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلّة الأحكام :

محمّد بن إسماعيل الصنعاني ، المتوفّى 1182 ه- ، تعليق محمّد عبد العزيز الخولي ، الطبعة الرابعة 1379 ه- ، مصر ، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده.

ص: 614

238 - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد :

محمّد بن يوسف الصالحي الشامي ، المتوفّى 942 ه- ، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود ، علي محمّد معوض ، الطبعة الأُولى 1414 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

239 - سرّ السلسلة العلوية :

أبو نصر سهل بن عبد اللّه البخاري ، كان حيّاً 341 ه- ، تعليق السيّد محمّد صادق بحر العلوم ، الطبعة الأُولى 1413 ه- ، قم ، منشورات الشريف الرضي.

240 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي :

أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي ، المتوفّى 598 ه- ، الطبعة الثانية 1410 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

241 - السقيفة :

أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، المتوفّى 323 ه- ، تحقيق محمّد هادي الأميني ، الطبعة الثانية 1413 ه- ، بيروت ، شركة الكتبي.

242 - سلسلة الأحاديث الصحيحة :

محمّد ناصر الدين الألباني ، طبعة 1415 ه- ، الرياض ، مكتبة المعارف.

243 - سنن ابن ماجة :

أبو عبد اللّه محمّد بن يزيد القزويني ، المعروف بابن ماجة ، المتوفّى 275 ه- ، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي ، بيروت ، دار الفكر.

244 - سنن أبي داود :

أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، المتوفّى 275 ه- ، تحقيق سعيد محمّد اللحّام ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

245 - سنن الدارقطني :

أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي ، المتوفّى 385 ه- ، تحقيق مجدي بن منصور ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

246 - سنن الدارمي :

أبو محمّد عبد اللّه الدارمي ، المتوفّى 255 ه- ، دمشق ، مطبعة الاعتدال.

ص: 615

247 - السنن الكبرى :

أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي الشافعي ، المتوفّى 303 ه- ، تحقيق عبد الغفّار سليمان البنداري وسيّد كسروي حسن ، الطبعة الأُولى 1411ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

248 - السنن الكبرى :

أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ، المتوفّى 458 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

249 - سنن النسائي :

أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ، المتوفّى 303 ه- ، الطبعة الأُولى 1348 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

250 - سير أعلام النبلاء :

أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، المتوفّى 748 ه- ، الطبعة التاسعة 1413 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة.

251 - سيرة الإمام علي بن أبي طالب :

أبو الحسن ، أحمد بن عبد اللّه البكري ، المتوفّى 891 ه- ، تونس ، مطبعة المنار.

252 - السيرة الحلبية ( إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون ) :

أبو الفرج علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي الشافعي ، المتوفّى 1044 ه- ، تصحيح عبد اللّه محمّد الخليلي ، الطبعة الأُولى 1422 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

253 - السيرة النبوية :

محمّد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني ، المتوفّى 151 ه- ، تحقيق أحمد فريد المزيدي ، الطبعة الأُولى 1424 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

254 - السيرة النبوية :

أبو محمّد عبد الملك بن هشام المعافري الحميري ، المتوفّى 218 ه- ، تحقيق محمّد محي الدين عبد الحميد ، طبعة 1383 ه- ، مصر ، مكتبة محمّد علي صبيح وأولاده.

ص: 616

255 - السيرة النبوية :

أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ، المتوفّى 774 ه- ، تحقيق مصطفى عبد الواحد ، الطبعة الأُولى 1396 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

256 - سيف الجبّار المسلول على الأعداء الأبرار :

شاه فضل رسول قادري ، المتوفّى 1289 ه- ، طبعة 1321 ه.

257 - السيف الصقيل في الردّ على ابن زفيل :

أبو الحسن علي بن عبدالكافي السبكي ، المتوفّى 756 ه- ، مكتبة زهران.

258 - الشافي :

أبو محمّد عبد اللّه بن حمزة بن سليمان ، المتوفّى 614 ه- ، الطبعة الأُولى 1406 ه- ، صنعاء ، منشورات اليمن الكبرى.

259 - الشافي في الإمامة :

علي بن الحسين الموسوي ، المعروف بالشريف المرتضى ، المتوفّى 436 ه- ، تحقيق السيّد عبد الزهراء الحسيني الخطيب ، الطبعة الثانية 1410 ه- ، طهران ، مؤسّسة الصادق.

260 - شجرة طوبى :

محمّد مهدي الحائري ، الطبعة الخامسة 1385 ه- ، النجف ، منشورات المكتبة الحيدرية.

261 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب :

أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمّد بن العماد الحنبلي ، المتوفّى 1089 ه- ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا ، الطبعة الأُولى 1419 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

262 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام :

أبو القاسم جعفر بن الحسن ، المعروف بالمحقّق الحلّي ، المتوفّى 676 ه- ، الطبعة الثانية 1409 ه- ، تعليق السيّد صادق الشيرازي ، طهران ، منشورات الاستقلال.

ص: 617

263 - شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار :

أبو حنيفة النعمان بن محمّد التميمي المغربي ، المتوفّى 363 ه- ، تحقيق السيّد محمّد الحسيني الجلالي ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

264 - شرح الأسماء الحسنى :

ملاّ هادي السبزواري ، المتوفّى 1300 ه- ، قم ، مكتبة بصيرتي.

265 - شرح أُصول الكافي :

محمّد صالح المازندراني ، المتوفّى 1081 ه- ، تعليق أبو الحسن الشعراني.

266 - شرح تجريد العقائد :

علي بن محمّد القوشجي ، المتوفّى 879 ه- ، الطبعة الحجرية ، قم ، منشورات الرضي.

267 - شرح الزرقاني على موطّأ الإمام مالك :

محمّد بن عبد الباقي الزرقاني ، المتوفّى 1122 ه- ، الطبعة الأُولى 1411 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

268 - شرح صحيح مسلم ( المنهاج شرح مسلم بن الحجّاج ) :

أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ، المتوفّى 676 ه- ، الطبعة الثانية 1407ه- ، بيروت ، دار الكتاب العربي.

269 - شرح العلاّمة الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمّدية :

محمّد بن عبد الباقي الزرقاني ، المتوفّى 1122 ه- ، تصحيح محمّد عبد العزيز الخالدي ، الطبعة الأولى 1417 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

270 - الشرح الكبير على متن المقنعة :

أبو الفرج عبد الرحمن بن محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي ، المتوفّى 682ه- ، بيروت ، دار الكتاب العربي.

271 - شرح معاني الآثار :

أبو جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الطحاوي ، المتوفّى 321 ه- ، تحقيق محمّد زهري النجّار ، الطبعة الثالثة 1416 ه- ، دار الكتب العلمية.

ص: 618

272 - شرح المقاصد :

مسعود بن عمر بن عبد اللّه الشهير بسعد الدين التفتازاني ، المتوفّى 793 ه- ، تحقيق عبد الرحمن عميرة ، الطبعة الأُولى 1409 ه- ، قم ، منشورات الشريف الرضي.

273 - شرح المنام :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق الشيخ مهدي نجف ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، بيروت ، دار المفيد.

274 - شرح المواقف :

علي بن محمّد الجرجاني ، المتوفّى 812 ه- ، الطبعة الثانية 1415 ه- ، قم ، منشورات الشريف الرضي ، أوفسيت على طبعة مطبعة السعادة بمصر.

275 - شرح المواهب اللدنية :

محمّد بن عبد الباقي الزرقاني ، المتوفّى 1122 ه- ، طبعة 1414 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

276 - شرح نهج البلاغة :

أبو حامد بن هبة اللّه بن محمّد بن الحسين ابن أبي الحديد المدائني ، المتوفّى 656 ه- ، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم ، الطبعة الأُولى 1378 ه- ، دار إحياء الكتب العربية.

277 - الشفا بتعريف حقوق المصطفى :

أبو الفضل عياض اليحصبي ، المتوفّى 544 ه- ، طبعة 1409 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

278 - شفاء السقام في زيارة خير الأنام :

أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي ، المتوفّى 756 ه- ، تحقيق السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي ، الطبعة الرابعة 1419 ه.

279 - شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل :

أبو عبد اللّه محمّد بن أبي بكر الدمشقي ، المعروف بابن القيّم الجوزية ،

ص: 619

المتوفّى 751 ه- ، تحقيق أبو فراس النعساني الحلبي ، طبعة 1398 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

280 - شوارق النصوص :

حامد حسين الموسوي ، المتوفّى 1306 ه- ، تحقيق طاهر السلامي ، الطبعة الأُولى 1423 ه- ، قم ، منشورات دليل ما.

281 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في آيات النازلة في أهل البيت :

عبيد اللّه بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني ، المتوفّى 544 ه- ، تحقيق الشيخ محمّد باقر المحمودي ، الطبعة الأُولى 1411 ه- ، طهران ، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.

282 - شواهد الحقّ في الاستغاثة بسيّد الخلق :

يوسف بن إسماعيل النبهاني ، المتوفّى 1350 ه- ، طبعة جديدة بالأوفست.

283 - شيخ المضيرة أبو هريرة :

محمود أبو ريّه ، المتوفّى 1970 ه- ، الطبعة الثالثة ، مصر ، دار المعارف.

284 - الشيعة في أحاديث الفريقين :

علي بن مرتضى الموحّد الأبطحي ، الطبعة الأُولى 1416 ه.

285 - الشيعة والقرآن :

إحسان إلهي ظهير ، الطبعة العاشرة 1416 ه- ، لاهور ، إدارة ترجمان السنّة.

286 - الشيعة وفنون الإسلام :

حسن الصدر ، المتوفّى 1354 ه- ، الطبعة الرابعة 1396 ه- ، القاهرة ، مطبوعات النجاح.

287 - الصبح السافر :

أبو الفضل عبد اللّه الغماري ، ( نقلنا عنه بالواسطة ).

288 - الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية :

إسماعيل بن حمّاد الجوهري ، المتوفّى 393 ه- ، تحقيق أحمد بن عبد الغفور عطّار ، الطبعة الرابعة 1407 ه- ، بيروت ، دار العلم للملايين.

289 - صحيح ابن حبّان بترتيب ابن بلبان :

أبو حاتم محمّد بن حبّان التميمي البستي ، المتوفّى 354 ه- ، تحقيق شعيب

ص: 620

الارنؤوط ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة.

290 - صحيح ابن خزيمة :

أبو بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري ، المتوفّى 311 ه- ، تحقيق محمّد مصطفى الأعظمي ، الطبعة الثانية 1412 ه.

291 - صحيح البخاري :

أبو عبد اللّه محمّد بن إسماعيل البخاري ، المتوفّى 256 ه- ، طبعة بالأوفست 1401 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

292 - صحيح مسلم :

أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري ، المتوفّى 261 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

293 - الصحيح من سيرة النبي الأعظم :

جعفر مرتضى العاملي ، الطبعة الرابعة 1415 ه- ، بيروت ، دار الهادي.

294 - صحيفة السجادية الجامعة لأدعية الإمام علي بن الحسين :

علي بن الحسين بن أبي طالب ، المتوفّى 94 ه- ، تحقيق مؤسّسة الإمام المهدي ، الطبعة الأُولى 1411 ه- ، قم ، مؤسّسة الإمام المهدي.

295 - صراط الحقّ في المعارف الإسلامية والأُصول الاعتقادية :

محمّد آصف المحسني ، الطبعة الثانية 1413 ه.

296 - الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم :

أبو محمّد علي بن محمّد بن يونس العاملي النباطي البياضي ، المتوفّى 877 ه- ، تحقيق محمّد باقر البهبودي ، الطبعة الأُولى 1384 ه- ، طهران ، المكتبة المرتضوية.

297 - صفة الصفوة :

أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي القرشي ، المتوفّى 597 ه- ، تحقيق عبد الرحمن اللادقي وحياة شيحا اللادقي ، الطبعة الرابعة 1412 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

298 - صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصلبيين :

نقلنا عنه بالواسطة.

ص: 621

299 - الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة :

نور اللّه الحسيني التستري ، المتوفّى 1019 ه- ، تحقيق السيّد جلال الدين المحدّث ، طبعة 1367 شمسي ، طهران ، مطبعة نهضت.

300 - الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة :

أبو العباس أحمد بن محمّد بن علي بن حجر الهيتمي ، المتوفّى 973 ه- ، تحقيق عبد الرحمن بن عبد اللّه التركي ، كامل محمّد الخرّاط ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، بيروت ، مؤسسّة الرسالة.

301 - الضعفاء الكبير :

أبو جعفر محمّد بن عمرو العقيلي ، المتوفّى 322 ه- ، تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي ، الطبعة الثانية 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

302 - طبّ الأئمّة :

أبو عتاب عبد اللّه بن سابور الزيات والحسين بن بسطام النيسابوريين ، المتوفّى 262 ه- ، الطبعة الثانية ، قم ، انتشارات الشريف الرضي.

303 - طبقات الشافعية الكبرى :

أبو نصر عبد الوهّاب بن علي السبكي ، المتوفّى 771 ه- ، تحقيق مصطفى عبد القادر أحمد عطا ، الطبعة الأُولى 1420 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

304 - الطبقات الكبرى :

محمّد بن سعد بن منيع ، المتوفّى 230 ه- ، بيروت ، دار صادر.

305 - طبقات المحدّثين بأصفهان والواردين عليها :

أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد بن جعفر بن حبّان ، المتوفّى 369 ه- ، تحقيق عبد الغفور عبد الحقّ حسين البلوشي ، الطبعة الثانية 1412 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة.

306 - طبقات المدلّسين :

أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، المتوفّى 852 ه- ، تحقيق عاصم بن عبد اللّه القريوني ، الطبعة الأُولى ، عمان ، مكتبة المنار.

ص: 622

307 - طبقات المفسّرين :

عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، المتوفّى 911 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

308 - الطرائف في معرفة الطوائف :

أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس ، المتوفّى 664 ه- ، الطبعة الأُولى 1371 ه- ، قم.

309 - طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال :

علي أصغر محمّد البروجردي ، المتوفّى 1313 ه- ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، قم ، مكتبة السيّد المرعشي النجفي.

310 - العبر في خبر من غبر :

أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، المتوفّى 748 ه- ، الطبعة الأولى 1405 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

311 - العثمانية :

أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، المتوفّى 255 ه- ، طبعة 1374 ، تحقيق عبد السلام محمّد هارون ، مصر ، مكتبة الجاحظ.

312 - العدد القوية لدفع المخاوف اليومية :

علي بن يوسف المطهّر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة ، المتوفّى 726 ه- ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الأُولى 1408 ه- ، قم ، مكتبة السيّد المرعشي النجفي.

313 - عدّة الداعي ونجاح الساعي :

أحمد بن فهد الحلّي ، المتوفّى 841 ه- ، تصحيح أحمد الموحّدي القمّي ، قم ، مكتبة الوجداني.

314 - العدّة شرح العمدة :

عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي ، المتوفّى 620 ه- ، تحقيق أبو عبد الرحمن صلاح بن محمّد ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

315 - عدم سهو النبيّ :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى

ص: 623

413 ه- ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، بيروت ، دار المفيد.

316 - العروة الوثقى :

محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي ، الطبعة الثانية 1409 ه- ، بيروت ، منشورات مؤسّسة الأعلمي.

317 - عصمة الأنبياء :

محمّد بن عمر بن الحسين الرازي ، المتوفّى 606 ه- ، طبعة 1406 ه- ، قم ، منشورات الكتبي.

318 - عقد الدرر في أخبار المنتظر :

يوسف بن يحيى بن علي المقدسي الشافعي السلمي ، من علماء القرن السابع ، تحقيق عبد الفتّاح محمّد الحلو ، الطبعة الأُولى 1416 ه- ، قم ، منشورات نصايح.

319 - العقد الفريد :

أحمد بن محمّد بن عبد ربّه الأندلسي ، المتوفّى 328 ه- ، تحقيق عبد المجيد الترحيني ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

320 - العقيدة الواسطية :

أبو عباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الدمشقي الحنبلي ، المتوفّى 728ه- ، تحقيق محمّد بن عبد العزيز بن مانع ، الطبعة الثانية 1412 ه- ، الرياض ، الرئاسة العامّة لإدارات البحوث والإفتاء.

321 - علل الشرائع :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، طبعة 1385 ه- ، النجف ، المكتبة الحيدرية.

322 - العلل الواردة في الأحاديث النبوية ( علل الدارقطني ) :

أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني ، المتوفّى 385 ه- ، تحقيق محفوظ الرحمن زين اللّه السلفي ، الطبعة الأُولى 1405 ه- ، الرياض ، دار طيبة.

323 - العلل ومعرفة الرجال :

أبو عبد اللّه أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني ، المتوفّى 241 ه- ، تحقيق وصيّ اللّه بن محمّد عباس ، الطبعة الأُولى 1408 ه- ، الرياض ، دار الخاني.

ص: 624

324 - علم اليقين في أصول الدين :

محمّد بن المرتضى ، المعروف بالمولى محسن الفيض الكاشاني ، المتوفّى 1091 ه- ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، بيروت ، دار البلاغة.

325 - العلويون أو النصيرية :

عبد الحسين مهدي العسكري.

326 - عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار :

يحيى بن الحسن بن الحسين الأسدي الحلّي ، المعروف بابن البطريق ، المتوفّى 600 ه- ، الطبعة الأُولى 1407 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

327 - عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب :

أحمد بن علي الحسيني ، المعروف بابن عنبة ، المتوفّى 828 ه- ، تصحيح محمّد حسن آل الطالقاني ، الطبعة الثانية 1380 ه- ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية.

328 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري :

أبو محمّد محمود بن أحمد العيني ، المتوفّى 855 ه- ، تصحيح عبد اللّه محمود محمّد عمر ، الطبعة الأُولى 1421 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

329 - العهود المحمّدية :

عبد الوهّاب الشعراني ، المتوفّى 973 ه- ، الطبعة الثانية 1393 ه- ، مصر ، شركة مصطفى البابي الحلبي وأولاده.

330 - عون المعبود شرح سنن أبي داود :

أبو الطيّب محمّد شمس الحق العظيم الآبادي ، المتوفّى 1329 ه- ، الطبعة الثانية 1415 ه- ، بيروت ، دار الكتب الإسلامية.

331 - عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير :

محمّد بن عبد اللّه بن يحيى ابن سيّد الناس ، المتوفّى 734 ه- ، طبعة 1406ه- ، بيروت ، مؤسّسة عز الدين.

332 - عيون الأخبار :

أبو محمّد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، المتوفّى 276 ه- ، شرح يوسف علي طويل ، طبعة 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

ص: 625

333 - عيون أخبار الرضا :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تصحيح الشيخ حسين الأعلمي ، الطبعة الأُولى 1404 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي.

334 - الغارات :

أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفي الكوفي ، المتوفّى 283 ه- ، تحقيق السيّد جلال المحدّث.

335 - الغدير في الكتاب والسنّة والأدب :

عبد الحسين أحمد الأميني ، المتوفّى 1392 ه- ، الطبعة الرابعة 1397 ه- ، بيروت ، دار الكتاب العربي.

336 - غريب الحديث :

أبو محمّد عبد اللّه بن مسلم ابن قتيبة الدينوري ، المتوفّى 276 ه- ، تحقيق عبد اللّه الجبوري ، الطبعة الأُولى 1408 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

337 - الغيبة :

محمّد بن إبراهيم النعماني ، المتوفّى 380 ه- ، تحقيق علي أكبر الغفّاري طهران ، مكتبة الصدوق.

338 - الغيبة :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، الشيخ عباد اللّه الطهراني ، الشيخ علي أحمد ناصح ، الطبعة الأُولى 1411 ه- ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية.

339 - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف :

أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس ، المتوفّى 664 ه- ، الطبعة الأُولى 1399 ه- ، قم.

340 - الفائق في رواة وأصحاب الإمام الصادق :

عبد الحسين الشبستري ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

ص: 626

341 - الفتاوى الكبرى :

أبو عباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الدمشقي الحنبلي ، المتوفّى 728ه- ، تحقيق حسنين محمّد مخلوف ، الطبعة الأُولى 1386 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

342 - فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء :

الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الدويش ، الطبعة الثالثة 1421 ه- ، الرياض ، دار المؤيّد.

343 - الفتاوى الهندية :

حسن بن منصور الأوز جندي الفرغاني الحنفي ، المتوفّى 295 ه- ، الطبعة الرابعة ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

344 - فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب في الاستخارات :

أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس ، المتوفّى 664 ه- ، تحقيق حامد الخفّاف ، الطبعة الأُولى 1409 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

345 - فتح الباري شرح صحيح البخاري :

أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، المتوفّى 852 ه- ، الطبعة الثانية ، بيروت ، دار المعرفة.

346 - فتح العزيز في شرح الوجيز :

أبو القاسم عبد الكريم بن محمّد الرافعي ، المتوفّى 623 ه- ، دار الفكر.

347 - فتح القدير الجامع بين فنّي الرواية والدراية من علم التفسير :

محمّد بن علي الشوكاني ، المتوفّى 1250 ه- ، عالم الكتب.

348 - فتوح البلدان :

أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري ، المتوفّى 279 ه- ، طبعة 1379 ، القاهرة ، مكتبة النهضة المصرية.

349 - فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين :

إبراهيم بن محمّد الجويني الخراساني ، المتوفّى 730 ه- ، الطبعة الأُولى 1400 ه- ، بيروت ، مؤسّسة المحمودي.

350 - فرائد فوائد الفكر في الإمام المهدي المنتظر :

مرعي بن يوسف بن أبي بكر المقدسي الحنبلي ، من علماء القرن الحادي

ص: 627

عشر ، تحقيق الشيخ سامي الغريري ، الطبعة الأولى 1421 ه- ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية.

351 - فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي :

عبد الكريم بن طاووس الحسيني ، المتوفّى 693 ه- ، تحقيق السيّد تحسين آل شبيب الموسوي ، الطبعة الأُولى 1419 ه- ، قم ، مركز الغدير للدراسات الإسلامية.

352 - فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم :

أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس ، المتوفّى 664 ه- ، الطبعة الأُولى ، دار الذخائر للمطبوعات.

353 - فردوس الأخبار :

شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي ، المتوفّى 509 ه- ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

354 - فرق الشيعة :

أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختي ، تصحيح السيّد محمّد صادق بحر العلوم ، النجف الأشرف ، المكتبة المرتضوية.

355 - فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب :

حسين بن محمّد تقي النوري الطبرسي ، المتوفّى 1320 ه.

356 - فصل الخطاب في مذهب ابن عبد الوهّاب :

سليمان بن عبد الوهّاب النجدي الحنبلي ، المتوفّى 1210 ه- ، تحقيق لجنة من العلماء ، الطبعة الرابعة.

357 - الفصول المختارة :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق السيّد علي مير شريفي ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، بيروت ، دار المفيد.

358 - الفصول المهمّة في أُصول الأئمّة :

محمّد بن الحسن الحرّ العاملي ، المتوفّى 1104 ه- ، تحقيق محمّد بن محمّد

ص: 628

حسين القائيني ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، قم ، مؤسّسة معارف إسلامي إمام رضا.

359 - الفضائل :

أبو الفضل شاذان بن جبرائيل القمّي ، المتوفّى نحو 660 ه- ، طبعة 1381ه- ، النجف ، منشورات المطبعة الحيدرية.

361 - فضائل الصحابة :

أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ، المتوفّى 303 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

362 - فضل الذاكرين والردّ على المنكرين :

عبد الغني حمادة ، ( نقلنا عنه بالواسطة ).

363 - فقه الرضا :

علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المتوفّى 329 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الأُولى 1406 ه- ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا.

364 - فهرست كتب الشيعة وأُصولهم وأسماء المصنّفين وأصحاب الأصول :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة.

365 - فهرست أسماء مصنّفي الشيعة المشتهر برجال النجاشي :

أبو العباس أحمد بن علي النجاشي ، المتوفّى 450 ه- ، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الخامسة 1416 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

366 - فوائد العراقيين :

أبو سعيد محمّد بن علي بن عمرو النقّاش ، المتوفّى 414 ه- ، تحقيق مجدي السيّد إبراهيم ، القاهرة ، مكتبة القرآن.

367 - فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير :

محمّد عبد الرؤوف المنّاوي ، المتوفّى 1331 ه- ، تصحيح أحمد عبد السلام ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

368 - قاموس الرجال :

محمّد تقي بن كاظم التستري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

ص: 629

369 - القاموس المحيط :

محمّد بن يعقوب الفيروز آبادي الشيرازي ، المتوفّى 817 ه- ، الطبعة الأولى 1420 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

370 - قبسات من فضائل أمير المؤمنين :

عبد العزيز الطباطبائي ، المتوفّى 1416 ه- ، الطبعة الثانية 1421 ه- ، قم ، منشورات دليل.

371 - قرب الإسناد :

أبو العباس عبد اللّه بن جعفر الحميري البغدادي ، المتوفّى 300 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الأولى 1413 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

372 - قصص الأنبياء :

أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ، المتوفّى 774 ه- ، تحقيق مصطفى عبد الواحد ، الطبعة الأُولى 1388 ه- ، دار الكتب الحديثة.

373 - الكافئة في إبطال توبة الخاطئة :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق علي أكبر زماني نجاد ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، بيروت ، دار المفيد.

374 - الكافي ( الأُصول والفروع ) :

أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني ، المتوفّى 329 ه- ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثالثة 1388 ه- ، طهران ، دار الكتب الإسلامي.

375 - كامل الزيارات :

جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي ، المتوفّى 368 ه- ، تحقيق الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة.

376 - الكامل في التاريخ :

أبو الحسن علي بن محمّد بن محمّد الشيباني ، المعروف بابن الأثير ، المتوفّى 630 ه- ، طبعة 1399 ه- ، بيروت ، دار صادر.

377 - الكامل في ضعفاء الرجال :

أبو أحمد عبد اللّه بن عدي الجرجاني ، المتوفّى 365 ه- ، تحقيق سهيل

ص: 630

زكار ، الطبعة الثالثة 1409 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

378 - كتائب أعلام الأخيار :

مخطوط ، ( نقلنا عنه بالواسطة ).

379 - كتاب التوحيد :

محمّد بن عبد الوهّاب ، المتوفّى 1206 ه- ، طبعة 1413 ه- ، دار الدعوة السلفية.

380 - كتاب السنّة :

أبو بكر عمرو بن أبي عاصم الضحّاك ، المتوفّى 287 ه- ، الطبعة الثالثة 1413 ه- ، بيروت ، المكتب الإسلامي.

381 - كتاب سليم بن قيس :

أبو صادق سليم بن قيس الهلالي ، المتوفّى 76 ه- ، تحقيق محمّد باقر الأنصاري الزنجاني.

382 - كتاب الصمت وآداب اللسان :

أبو بكر عبد اللّه بن محمّد بن عبيد بن أبي الدنيا ، المتوفّى 281 ه- ، تحقيق أبو إسحاق الحويني ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، بيروت ، دار الكتاب العربي.

383 - كتاب الطهارة :

السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي ، المتوفّى 1413 ه- ، الطبعة الثانية 1413ه- ، قم ، لطفي.

384 - كتاب العين :

أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي ، المتوفّى 175 ه- ، تحقيق مهدي المخزومي ، إبراهيم السامرئي ، الطبعة الثانية 1409 ه- ، مؤسّسة دار الهجرة.

385 - كتاب المجروحين من المحدّثين والضعفاء والمتروكين :

أبو حاتم محمّد بن حبّان التميمي البستي ، المتوفّى 354 ه- ، تحقيق محمود إبراهيم زايد.

ص: 631

386 - كشف الأسرار :

الإمام الخميني ، الطبعة الثانية 1421 ه- ، بيروت ، دار المحجّة البيضاء.

387 - كشف الخفاء ومزيل الإلباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة النا السؤال :

إسماعيل بن محمّد الجرّاحي العجلوني ، المتوّفى 1162 ه- ، الطبعة الثالثة 1408 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

388 - كشف الشبهات :

محمّد بن عبد الوهّاب ، المتوفّى 1206 ه- ، تحقيق عصام الدين الصبابطي ، القاهرة ، دار الحديث.

389 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة :

أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي ، المتوفّى 693 ، الطبعة الثانية 1405 ه- ، بيروت ، دار الأضواء.

390 - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد :

أبو منصور الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة الحلّي ، المتوفّى 726 ه- ، تحقيق حسن حسن زاده الآملي ، الطبعة التاسعة 1422 ه- ، قم مؤسّسة النشر الإسلامي.

391 - الكشف والبيان ( تفسير الثعلبي ) :

أبو إسحاق أحمد الثعلبي ، المتوفّى 427 ه- ، تحقيق أبو محمّد بن عاشور ، الطبعة الأُولى 1422 ه- ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

392 - كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين :

الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة ، المتوفّى 726ه- ، تحقيق حسين الدركاهي ، الطبعة الأُولى 1411 ه- ، طهران.

393 - كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الإثني عشر :

أبو القاسم علي بن محمّد بن علي الخزاز القمّي الرازي ، المتوفّى 400 ه- ، تحقيق السيّد عبد اللطيف الحسيني ، طبعة 1401 ه- ، قم ، منشورات بيدار.

ص: 632

394 - كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب :

أبو عبد اللّه محمّد بن يوسف بن محمّد القرشي الكنجي الشافعي ، المتوفّى 658 ه.

395 - كمال الدين وتمام النعمة :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، طبعة 1405 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

396 - الكنى والألقاب :

عباس القمّي ، المتوفّى 1359 ه.

397 - كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال :

علي المتّقي بن حسام الدين الهندي ، المتوفّى 975 ه- ، تصحيح الشيخ بكري حياني ، طبعة 1409 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة.

398 - كنز الفوائد :

أبو الفتح محمّد بن علي الكراجكي ، المتوفّى 449 ه- ، الطبعة الثانية 1410 ه- ، قم ، مكتبة المصطفوي.

399 - لسان العرب :

أبو الفضل محمّد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري ، المتوفّى 711 ه- ، الطبعة الأُولى 1405 ه- ، قم ، نشر أدب الحوزة.

400 - لسان الميزان :

أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي ، المتوفّى 852 ه- ، الطبعة الثانية 1390 ه- ، بيروت ، منشورات مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات.

401 - اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء :

محمّد علي بن أحمد القراجة داغي التبريزي الأنصاري ، المتوفّى 1310 ه- ، تحقيق السيّد هاشم الميلاني ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، قم ، دفتر نشر الهادي.

402 - اللّهوف على قتلى الطفوف :

أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس ، المتوفّى 664 ه- ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، قم ، الأنوار الهدى.

ص: 633

403 - لواعج الأشجان في مقتل الحسين :

محسن عبد الكريم الأمين العاملي ، المتوفّى 1371 ه- ، قم ، مكتبة بصيرتي.

404 - ليالي بيشاور :

محمّد الموسوي الشيرازي ، الطبعة الثانية 1420 ه- ، تحقيق السيّد حسين الموسوي ، بيروت ، مؤسّسة الثقلين.

405 - ما روي في الحوض والكوثر :

بقي بن مخلّد القرطبي ، المتوفّى 276 ه- ، تحقيق عبد القادر محمّد عطا ، الطبعة الأُولى 1413 ه- ، المدينة المنوّرة ، مكتبة العلوم والحكم.

406 - مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب :

أبو الحسن محمّد بن أحمد بن الحسن بن شاذان القمّي ، من أعلام القرن الخامس ، تحقيق مدرسة الإمام المهدي ، الطبعة الأُولى 1407 ه- ، قم ، مدرسة الإمام المهدي.

407 - المبسوط :

أبو بكر محمّد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي الحنفي ، المتوفّى 483 ه- ، تحقيق جمع من الأفاضل ، طبعة 1406 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

408 - المبسوط في فقه الإمامية :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تصحيح السيّد محمّد تقي الكشفي ، طبعة 1387 ه- ، المكتبة المرتضوية.

409 - مثير الأحزان :

محمّد بن جعفر بن هبة اللّه بن نما الحلّي ، المتوفّى 645 ه- ، الطبعة 1369ه- ، النجف ، المطبعة الحيدرية.

410 - مجالس المؤمنين :

نور اللّه الحسيني التستري ، المتوفّى 1019 ه- ، طهران ، منشورات إسلامية.

411 - مجلّة الثقافة :

نقلنا عنها بالواسطة.

ص: 634

412 - مجمع البحرين :

فخر الدين الطريحي ، المتوفّى 1085 ه- ، تحقيق السيّد أحمد الحسيني ، الطبعة الثانية 1408 ه- ، مكتب نشر الثقافة الإسلامية.

413 - مجمع البيان في تفسير القرآن :

أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، المتوفّى 560 ه- ، تحقيق لجنة من العلماء ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، بيروت ، منشورات مؤسّسة الأعلمي.

414 - مجمع الزوائد :

علي بن أبي بكر الهيثمي ، المتوفّى 807 ه- ، الطبعة 1408 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

415 - مجمع النورين وملتقى البحرين :

أبو الحسن المرندي.

416 - المجموع ( شرح المهذّب ) :

أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ، المتوفّى 676 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

417 - مجموع الفتاوى :

أبو عباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الدمشقي الحنبلي ، المتوفّى 728ه.

418 - مجموع فتاوى ابن باز :

عبد اللّه بن محمّد الطيّار ، الطبعة الأُولى 1416 ه- ، الرياض ، دار الوطن.

419 - مجموعة الرسائل :

لطف اللّه الصافي.

420 - المحاسن :

أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، المتوفّى 274 ه- ، تصحيح السيّد جلال الدين الحسيني ، قم ، دار الكتب الإسلامية.

421 - محاضرات في الإلهيات :

جعفر السبحاني ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق.

422 - المحبر :

محمّد بن حبيب البغدادي ، المتوفّى 245 ه.

ص: 635

423 - المحجّة البيضاء في تهذيب الإحياء :

محمّد بن مرتضى ، المدعو بالمولى محسن الكاشاني ، المتوفّى 1091 ه- ، الطبعة الثانية 1403 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات.

424 - المحصول في علم أُصول الفقه :

محمّد بن عمر بن الحسين الرازي ، المتوفّى 606 ه- ، تحقيق طه جابر فيّاض العلواني ، الطبعة الثانية 1412 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة.

425 - المحلّى شرح المجلّى :

أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي ، المتوفّى 456 ه- ، تحقيق أحمد محمّد شاكر ، بيروت ، دار الفكر.

426 - محمّد وعلي وحديث الثقلين :

نجم الدين الشريف العسكري ، المتوفّى 1390 ه- ، الطبعة الرابعة ، النجف الأشرف ، مطبعة الآداب.

427 - مختصر بصائر الدرجات :

حسن بن سليمان الحلّي ، المتوفّى في القرن التاسع ، الطبعة الأُولى 1370ه- ، النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية.

428 - مختصر المزني :

أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني ، المتوفّى 264 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

429 - المختصر في أخبار البشر ( تاريخ أبي الفداء ) :

أبو الفداء إسماعيل بن علي بن محمود ، المتوفّى 732 ه- ، تحقيق محمود ديّوب ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

430 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة :

أبو المنصور الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة ، المتوفّى 726 ه- ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الأُولى 1412ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامية.

431 - المدونة الكبرى :

أبو عبد اللّه ، مالك بن أنس الأصبحي ، المتوفّى 179 ه- ، مصر ، مطبعة السعادة.

ص: 636

432 - مدينة العلوم :

نقلنا عنه بالواسطة.

433 - مدينة معاجز الأئمّة الأثني عشر ودلائل الحجج على البشر :

هاشم بن سليمان البحراني ، المتوفّى 1107 ه- ، تحقيق الشيخ عزّة اللّه المولائي الهمداني ، الطبعة الأُولى 1413 ه- ، مؤسّسة المعارف الإسلامية.

434 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان :

أبو محمّد عبد اللّه بن اسعد اليافعي ، المتوفّى 768 ه- ، الطبعة الأُولى 1417ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

435 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول :

محمّد باقر المجلسي ، المتوفّى 1111 ه- ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي ، الطبعة الثانية ، طهران ، دار الكتب الإسلامية.

436 - المزار :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق السيّد محمّد باقر الأبطحي ، الطبعة الأُولى ، قم ، مدرسة الإمام المهدي.

437 - المزار :

محمّد بن مكّي العاملي ، المعروف بالشهيد الأوّل ، المتوفّى 786 ه- ، تحقيق مدرسة الإمام المهدي ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، قم ، مدرسة الإمام المهدي.

438 - المزار الكبير :

أبو عبد اللّه محمّد بن جعفر المشهدي ، المتوفّى 610 ه- ، تحقيق جواد القيومي الأصفهاني ، الطبعة الأُولى 1419 ه- ، قم ، نشر القيّوم.

439 - المسائل السروية :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد.

440 - المسائل العكبرية :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، بيروت ، دار المفيد.

ص: 637

441 - مسار الشيعة في مختصر تواريخ الشريعة :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق الشيخ مهدي نجف ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، بيروت ، دار المفيد.

442 - مستدرك سفينة البحار :

علي النمازي الشاهرودي ، المتوفّى 1405 ه- ، تحقيق حسن بن علي النمازي ، طبعة 1419 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

443 - المستدرك على الصحيحين :

أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه النيسابوري ، المعروف بالحاكم ، المتوفّى 405 ه- ، تحقيق يوسف المرعشلي ، طبعة 1406 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

444 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل :

حسين بن محمّد تقي النوري الطبرسي ، المتوفّى 1320 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الأُولى 1408 ه- ، بيروت ، مؤسّسة آل البيت.

445 - المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب :

محمّد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي ، المتوفّى أوائل القرن الرابع ، تحقيق الشيخ أحمد المحمودي ، الطبعة الأُولى ، قم ، مؤسّسة الثقافة الإسلامية.

446 - المستصفى في علم الأُصول :

أبو حامد محمّد بن محمّد الغزالي ، المتوفّى 505 ه- ، تصحيح محمّد عبد السلام ، الطبعة 1417 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

447 - مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد :

علي بن أحمد الجبعي العاملي ، المعروف بالشهيد الثاني ، المتوفّى 965 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الأُولى 1407 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

448 - مسند ابن الجعد لمسند بغداد :

أبو الحسن علي بن الجعد بن عبيد الجوهري ، المتوفّى 230 ه- ، تحقيق الشيخ عامر أحمد حيدر ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

ص: 638

449 - مسند ابن راهويه :

إسحاق بن إبراهيم بن مخلّد الحنطلي المروزي ، المتوفّى 238 ه- ، تحقيق عبد الغفّور البلوسي ، الطبعة الأُولى 1412 ه- ، المدينة المنوّرة ، مكتبة الإيمان.

450 - مسند أبي داود الطيالسي :

أبو داود سليمان الطيالسي ، المتوفّى 204 ه- ، بيروت ، دار الحديث.

451 - مسند أبي يعلى الموصلي :

أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي التميمي ، المتوفّى 307 ه- ، تحقيق حسين سليم أسد ، دمشق ، دار المأمون للتراث.

452 - مسند أحمد بن حنبل :

أبو عبد اللّه أحمد بن حنبل الشيباني ، المتوفّى 241 ه- ، بيروت ، دار صادر.

453 - مسند الحميدي :

أبو بكر عبد اللّه بن الزبير الحميدي ، المتوفّى 219 ه- ، تحقيق حبيب الرحمن العظمي ، الطبعة الأُولى 1409 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

454 - مسند زيد بن علي :

زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، المتوفّى 122 ه- ، تحقيق أحد العلماء الزيديين ، بيروت ، منشورات دار مكتبة الحياة.

455 - مسند سعد بن أبي وقّاص :

أحمد بن إبراهيم بن كثير الدورقي ، المتوفّى 246 ه- ، الطبعة الأُولى 1407ه- ، بيروت ، دار البشائر الإسلامية.

456 - مسند الشاميين :

أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني ، المتوفّى 360 ه- ، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي ، الطبعة الثانية 1417 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة.

457 - مسند الشهاب :

أبو عبد اللّه محمّد بن سلامة القضاعي ، المتوفّى 454 ه- ، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي ، الطبعة الأُولى 1405 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة.

458 - مشارق الأنوار في فوز أهل الاعتبار :

حسن العدوي الحمزاوي ، مصر ، مطبعة الشرق.

ص: 639

459 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار :

أبو الفضل علي الطبرسي ، المتوفّى في القرن السابع ، تحقيق مهدي هوشمند ، الطبعة الأُولى 1385 ه- ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية.

460 - مشكل الآثار :

أبو جعفر أحمد بن محمّد الطحّاوي ، المتوفّى 321 ه- ، الطبعة الأُولى 1333 ه- ، الهند ، حيدر آباد.

461 - المصابيح في إثبات الإمامة :

أحمد حميد الدين الكرماني ، المتوفّى 411 ه- ، تحقيق مصطفى غالب ، الطبعة الأُولى 1416 ه- ، بيروت ، دار المنتظر.

462 - مصباح الفقيه :

رضا الهمداني ، المتوفّى 1322 ه- ، مكتبة الصدر.

463 - مصباح المتهجّد :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، الطبعة الأولى 1411 ه- ، بيروت ، مؤسّسة فقه الشيعة.

464 - المصباح المنير :

أحمد بن محمّد المقري الفيّومي ، المتوفّى 770 ه- ، طبعة 1405 ه- ، قم ، منشورات دار الهجرة.

465 - المصنّف :

أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني ، المتوفّى 211 ه- ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ، المجلس العلمي.

466 - المصنّف :

أبو بكر عبد اللّه بن محمّد بن أبي شيبة الكوفي ، المتوفّى 235 ه- ، تعليق سعيد اللحام ، الطبعة الأُولى 1409 ه- ، دار الفكر.

467 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول :

محمّد بن طلحة الشافعي ، المتوفّى 652 ه- ، تحقيق ماجد بن أحمد العطية ، الطبعة الأُولى 1420 ه- ، بيروت ، مؤسّسة أُمّ القرى.

ص: 640

468 - مع الخطيب في خطوطه العريضة :

لطف اللّه الصافي ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، قم ، مؤسّسة السيّدة معصومة.

469 - المعارف :

أبو محمّد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، المتوفّى 276 ه- ، الطبعة الأولى 1407 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

470 - معالم التنزيل ( تفسير البغوي ) :

أبو محمّد الحسين بن مسعود البغوي ، المتوفّى 516 ه- ، تحقيق خالد عبد الرحمن العك ، الطبعة الخامسة 1423 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

471 - معالم العلماء :

أبو عبد اللّه محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ، المتوفّى 588 ه- ، قم.

472 - معالم الفتن نظرات في حركة الإسلام وتاريخ المسلمين :

سعيد أيوب ، الطبعة الأُولى 1414 ه- ، قم ، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.

473 - معاني الأخبار :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

474 - معاني القرآن :

أبو جعفر النحّاس ، المتوفّى 338 ه- ، تحقيق محمّد علي الصابوني ، الطبعة الأُولى 1409 ه- ، مكّة المكرّمة ، جامعة أُمّ القرى.

475 - المعتبر في شرح المختصر :

أبو القاسم جعفر بن الحسن ، المعروف بالمحقّق الحلّي ، المتوفّى 676 ه- ، تحقيق لجنة التحقيق بإشراف الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ، قم ، مؤسّسة سيّد الشهداء.

476 - المعجم الأوسط :

أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني ، المتوفّى 360 ه- ، تحقيق أبو معاذ طارق بن عوض ، طبعة 1415 ه- ، دار الحرمين.

ص: 641

477 - معجم البلدان :

أبو عبد اللّه ياقوت بن عبد اللّه الحموي ، المتوفّى 626 ه- ، طبعة 1399 ه- ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

478 - معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة :

السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي ، المتوفّى 1413 ه- ، الطبعة الخامسة 1413 ه.

479 - المعجم الصغير :

أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني ، المتوفّى 360 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

480 - المعجم الكبير :

أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني ، المتوفّى 360 ه- ، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي ، الطبعة الثانية ، القاهرة ، مكتبة ابن تيمية.

481 - معرفة الثقات :

أبو الحسن أحمد بن عبد اللّه العجلي ، المتوفّى 261 ه- ، الطبعة الأُولى 1405ه- ، المدينة المنوّرة ، مكتبة الدار.

482 - معرفة السنن والآثار :

أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ، المتوفّى 458 ه- ، تحقيق سيّد كسروي حسن ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

483 - معرفة علوم الحديث :

أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه النيسابوري ، المعروف بالحاكم ، المتوفّى 405 ه- ، تصحيح السيّد معظم حسين ، الطبعة الرابعة 1400 ه- ، بيروت ، دار الآفاق الجديدة.

484 - المغني :

القاضي أبو الحسن عبد الجبّار أسد آبادي ، المتوفّى 415 ه- ، تحقيق محمّد مصطفى حلمي ، أبو الوفا الغنيمي ، الدار المصرية.

485 - المغني :

أبو محمّد عبد اللّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة ، 620 ه- ، تحقيق جماعة

ص: 642

من العلماء ، بيروت ، دار الكتاب العربي.

486 - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج :

محمّد الشربيني الخطيب ، المتوفّى 977 ه- ، طبعة 1377 ه- ، مصر ، شركة مكتبة ومطبعة البابي الحلبي وأولاده.

487 - مفاهيم القرآن :

جعفر الهادي ، الطبعة الثانية 1404 ه- ، قم ، منشورات توحيد.

488 - المفردات في غريب القرآن :

أبو القاسم الحسين بن محمّد ، المعروف بالراغب الأصفهاني ، المتوفّى 502 ه- ، الطبعة الأُولى 1404 ه- ، دفتر نشر الكتاب.

489 - مقتل الحسين ( مقتل أبي مخنف ) :

لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف الأزدي ، المتوفّى 157 ه- ، تحقيق الشيخ حسن الغفّاري ، طبعة 1398 ه- ، قم ، مكتبة السيّد المرعشي النجفي.

490 - مقتل الحسين أو واقعة الطفّ :

محمّد تقي آل بحر العلوم ، المتوفّى 1393 ه- ، تعليق الحسين بن التقي آل بحر العلوم ، الطبعة الثالثة 1412 ه- ، بيروت ، دار الزهراء.

491 - مقتل الحسين ( مقتل الخوارزمي ) :

أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد المكّي أخطب خوارزم ، المتوفّى 568 ه- ، تحقيق الشيخ محمّد السماوي ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، قم ، دار أنوار الهدى.

492 - مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين :

أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ، المتوفّى 324 ه- ، تصحيح هلموت ريتر ، الطبعة الثالثة 1400 ه.

493 - المقنع :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تحقيق مؤسّسة الإمام الهادي ، طبعة 1415 ه- ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي.

494 - المقنعة :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى

ص: 643

413 ه- ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية 1410 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

495 - مكارم الأخلاق :

أبو نصر الحسن بن الفضل الطبرسي ، المتوفّى 548 ه- ، الطبعة السادسة 1392 ه- ، قم ، منشورات الشريف الرضي.

496 - الملل والنحل :

أبو الفتح محمّد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني ، المتوفّى 548 ه- ، تحقيق محمّد سيّد كيلاني ، بيروت ، دار المعرفة.

497 - من لا يحضره الفقيه :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية 1404 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

498 - المنار المنيف في الصحيح والضعيف :

أبو عبد اللّه محمّد بن أبي بكر الدمشقي ، المعروف بابن القيّم الجوزية ، المتوفّى 751 ه- ، تحقيق عبد الفتّاح أبو غدة ، الطبعة الثانية 1403 ه- ، حلب ، مكتب المطبوعات الإسلامية.

499 - المناقب ( مناقب الخوارزمي ) :

أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد المكّي أخطب خوارزم ، المتوفّى 568 ه- ، تحقيق الشيخ مالك المحمودي ، الطبعة الثانية 1411ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

500 - مناقب آل أبي طالب :

أبو عبد اللّه محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ، المتوفّى 588 ه- ، تحقيق لجنة من أساتذة النجف ، طبعة 1376 ه- ، النجف ، المكتبة الحيدرية.

501 - مناقب الإمام علي بن أبي طالب :

أبو الحسن علي بن محمّد الشافعي ، الشهير بابن المغازلي ، المتوفّى 483 ه- ، الطبعة الثالثة 1424 ه- ، بيروت ، دار الأضواء.

ص: 644

502 - مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب :

محمّد بن سليمان الكوفي القاضي ، كان حيّاً سنة 300 ه- ، تحقيق الشيخ محمّد باقر االمحمودي ، الطبعة الأُولى 1412 ه- ، قم ، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.

503 - مناقب علي بن أبي طالب وما نزل من القرآن في علي :

أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصفهاني ، المتوفّى 410 ه- ، تحقيق عبد الرزّاق محمّد حسين حرز الدين ، الطبعة الأُولى 1422 ه- ، قم ، دار الحديث.

504 - مناقب المرتضوية :

الكشفي ، ( نقلنا عنه بالواسطة ).

505 - المنتخب من مسند عبد بن حميد :

أبو محمّد عبد بن حميد ، المتوفّى 249 ه- ، تحقيق صبحي البدري السامرّائي ، محمود محمّد الصعيدي ، الطبعة الأُولى 1408 ه- ، بيروت ، مكتبة النهضة العربية.

506 - منتهى المطلب :

أبو منصور الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة ، المتوفّى 726 ه- ، تبريز ، حاج أحمد.

507 - المنجد في اللغة :

الطبعة الخامسة والثلاثون 1996 م ، بيروت ، منشورات دار المشرق.

508 - منهاج السنّة النبوية :

أبو عباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الدمشقي الحنبلي ، المتوفّى 728 ه- ، تحقيق محمّد رشاد سالم ، الطبعة الأُولى 1406 ه- ، مؤسّسة قرطبة.

510 - منهاج الصالحين :

السيّد أبو القاسم الخوئي ، المتوفّى 1413 ه- ، الطبعة الثامنة والعشرون 1410 ه- ، قم ، مدينة العلم.

511 - منهاج النجاة في بيان العلم الواجب على كلّ مسلم ومسلمة :

محمّد محسن الفيض الكاشاني ، المتوفّى 1091 ه- ، تحقيق غالب حسن ،

ص: 645

طبعة 1411 ه- ، قم ، المركز العالمي للدراسات الإسلامية.

512 - منهج الرشاد لمن أراد السداد :

جعفر كاشف الغطاء المتوفّى 1228 ه- ، تحقيق جودت القزويني ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، ضمن كتاب ( العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية ) للشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء.

513 - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبّان :

علي بن أبي بكر الهيثمي ، المتوفّى 807 ه- ، تحقيق محمّد بن عبد الرزاق حمزة ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

514 - المواقف في علم الكلام :

القاضي عبد الرحمن بن أحمد الإيجي ، المتوفّى 756 ه- ، القاهرة ، مكتبة المتنبّي.

515 - الموافقات في أصول الشريعة :

أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللّخمي الغرناطي ، المعروف بالشاطبي ، المتوفّى 790 ه- ، تحقيق خالد عبد الفتّاح شبل ، طبعة 1420 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الكتب الثقافية.

516 - مواهب الجليل لشرح مختصر خليل :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد المغربي ، المعروف بالحطّاب الرعيني ، المتوفّى 954 ه- ، تصحيح الشيخ زكريا عميرات ، الطبعة الأُولى 1416 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

517 - المواهب اللدنية بالمنح المحمّدية ( مع شرح الزرقاني ) :

أبو العباس أحمد السقطلاني ، المتوفّى 923 ه- ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

518 - الموحّدون الدروز في الإسلام :

مرسل نصر ، الطبعة الثانية 1417 ه- ، بيروت ، الدار الإسلامية.

519 - الموسوعة اليهودية :

نقلنا عنها بالواسطة.

ص: 646

520 - الموضوعات :

أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي القرشي ، المتوفّى 597 ه- ، تحقيق عبد الرحمن محمّد عثمان ، الطبعة الأُولى 1386 ه- ، المدينة المنوّرة ، المكتبة السلفية.

521 - الموطأ :

مالك بن أنس ، المتوفّى 179 ه- ، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي ، الطبعة الأولى 1406 ه- ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

522 - ميزان الحكمة :

محمّد الري شهري ، تحقيق دار الحديث ، الطبعة الأُولى 1416 ه- ، قم ، دار الحديث.

523 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال :

أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، المتوفّى 748 ه- ، تحقيق علي محمّد البجاوي ، الطبعة الأُولى 1382 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

524 - الميزان في تفسير القرآن :

محمّد حسين الطباطبائي ، المتوفّى 1402 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

525 - الناصريات :

علي بن الحسين الموسوي الشريف المرتضى ، المتوفّى 436 ه- ، تحقيق مركز البحوث والدراسات العلمية ، طبعة 1417 ه- ، طهران ، رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية.

526 - النزاع والتخاصم بين بني أُمية وبني هاشم :

أحمد بن علي المقريزي ، المتوفّى 845 ه- ، تحقيق السيّد علي عاشور.

527 - نزل الأبرار بما صحّ في مناقب أهل البيت الأطهار :

محمّد بن معتمد خان البدخشي ، دار المعرفة والهدى.

528 - نسيم الرياض في شرح الشفا القاضي عياض :

أحمد شهاب الدين الخفاجي ، دار الفكر.

ص: 647

529 - النصّ والاجتهاد :

عبد الحسين شرف الدين الموسوي ، المتوفّى 1377 ه- ، تحقيق أبو مجتبى ، الطبعة الأُولى 1404 ه- ، قم ، أبو مجتبى.

530 - نصب الراية تخريج أحاديث الهداية :

جمال الدين الزيعلي ، المتوفّى 762 ه- ، تحقيق أيمن صالح شعباني ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، القاهرة ، دار الحديث.

531 - نقد الرجال :

مصطفى بن الحسين الحسيني التفريشي ، كان حيّاً سنة 1044 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

532 - نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين :

محمّد بن يوسف الزرندي الحنفي ، المتوفّى 750 ه- ، الطبعة الأُولى 1377ه- ، من مخطوطات مكتبة الإمام أمير المؤمنين العامّة.

533 - نفحات محمّدية :

محمّد جواد مغنية ، الطبعة الأُولى 1400 ه- ، بيروت ، دار الجواد.

534 - نفس المهموم في مصيبة سيّدنا الحسين المظلوم :

عباس القمّي ، المتوفّى 1359 ه- ، طبعة 1405 ه- ، قم ، مكتبة بصيرتي.

535 - نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار :

مؤمن بن حسن الشبلنجي ، تخريج الشيخ عبد الوارث محمّد علي ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

536 - نور البراهين في أخبار السادة الطاهرين :

نعمة اللّه الموسوي الجزائري ، المتوفّى 1112 ه- ، تحقيق السيّد الجزائري ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

537 - النهاية في غريب الحديث والأثر :

أبو السعادات المبارك بن محمّد ابن الأثير الجزري ، المتوفّى 606 ه- ، تخريج صلاح بن محمّد بن عويضة ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

ص: 648

538 - النهاية في مجرد الفقه والفتاوى :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، طبعة أوفست ، قم ، منشورات قدس.

539 - نهج الإيمان :

علي بن يوسف بن جبر ، المتوفّى في القرن السابع ، تحقيق السيّد أحمد الحسيني ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، مشهد ، مجتمع الإمام الهادي.

540 - نواسخ القرآن :

أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي القرشي ، المتوفّى 597 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

541 - نيل الأوطار من أحاديث سيّد الأخيار ( شرح منتقي الأخبار ) :

محمّد بن علي بن محمّد الشوكاني ، المتوفّى 1255 ه- ، طبعة 1973 م ، بيروت ، دار الجيل.

542 - الهدى إلى دين المصطفى :

محمّد جواد البلاغي ، قم ، دار الكتب الإسلامية.

543 - الهداية في الأُصول والفروع :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تحقيق مؤسّسة الإمام الهادي ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي.

544 - الهداية الكبرى :

أبو عبد اللّه الحسين بن حمدان الخصيبي ، المتوفّى 334 ه- ، الطبعة الرابعة 1411 ه- ، بيروت ، مؤسّسة البلاغ.

545 - الوافي :

محمّد محسن الفيض الكاشاني ، المتوفّى 1091 ، طبعة 1404 ه- ، إيران ، منشورات مكتبة السيّد المرعشي النجفي.

546 - الوافي بالوفيات :

خليل بن ايبك الصفدي ، المتوفّى 764 ه- ، تحقيق أحمد الأرنأووط ، تركي مصطفى ، الطبعة الأُولى 1420 ه- ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

ص: 649

* وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة = تفصيل وسائل الشيعة :

محمّد بن الحسن الحرّ العاملي ، المتوفّى 1104 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

547 - الوافي :

محمّد محسن الفيض الكاشاني ، المتوفّى 1091 ، طبعة 1404 ه- ، إيران ، منشورات مكتبة السيّد المرعشي.

548 - الوفا بأحوال المصطفى :

أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي القرشي ، المتوفّى 597 ه- ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا ، الطبعة الأُولى 1408 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

549 - وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى :

علي بن أحمد السمهودي ، المتوفّى 911 ه- ، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد ، طبعة 1417 ه- ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

550 - وفيات الأئمّة :

مجموعة من العلماء ، الطبعة الأُولى 1412 ه- ، بيروت ، دار البلاغة.

551 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان :

أبو العباس أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلّكان ، المتوفّى 681ه- ، تحقيق يوسف علي طويل ، مريم قاسم طويل ، الطبعة الأُولى 1419ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

552 - وقعة الجمل :

ضامر بن شدقم بن علي الحسيني المدني ، المتوفّى 1082 ه- ، تحقيق السيّد تحسين آل شبيب الموسوي ، الطبعة الأُولى 1420 ه.

553 - وقعة صفّين :

نصر بن مزاحم المنقري ، المتوفّى 212 ه- ، تحقيق عبد السلام محمّد هارون ، الطبعة الثانية 1382 ه- ، المؤسّسة العربية الحديثة.

554 - وقفة مع الجزائري في نصيحته لكُلّ شيعي :

حسن عبد اللّه.

ص: 650

555 - اليقين باختصاص مولانا علي بإمرة المؤمنين :

أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس ، المتوفّى 664 ه- ، تحقيق الأنصاري ، الطبعة الأُولى 1413 ه- ، قم ، مؤسّسة دار الكتاب.

556 - ينابيع المودّة لذوي القربى :

سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي ، المتوفّى 1294 ه- ، تحقيق علي جمال اشرف الحسيني ، الطبعة الأُولى 1416 ه- ، دار الأسوة.

ص: 651

ص: 652

الفهرس

القرآن الكريم

وجه تسمية السور... 7

ترتيب الآيات... 8

قضية خلقه قضية مفتعلة... 9

قول الأئمّة حول خلقه... 9

ترتيب الآيات والسور... 11

معاني الحروف المقطّعة... 11

آخر ما نزل منه... 13

نزوله باللغة العربية... 15

الفرق بين التدبّر والتفسير والتأويل... 16

تفسير ( وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى ) ... 17

تفسير آية 62 من البقرة... 17

معنى الكفر في ( فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) ... 19

هو مخلوق... 20

قولنا : صدق اللّه العلي العظيم... 21

جواز قراءته بالقراءات المشهورة... 21

نزل على حرف واحد... 22

جواز قراءته في أيّام الدورة الشهرية غيباً... 23

تفسير ( لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) ... 24

فائدة الآية المنسوخة... 25

ص: 653

تفصيل حول خلقه... 27

كيفية تصحيح الآراء المختلفة في تفسيره... 33

مراحل نزوله... 34

معجزته غير البلاغية... 39

أُمّ الكتاب... 40

بحث في القراءات... 44

معنى نزوله على سبعة أحرف... 46

حصل جمعه في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله... 48

منهج التفسير عند السيّد الطباطبائي... 49

الآراء المطروحة في نزوله... 50

المخاطب في قوله ( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً ) الزوجان لا آدم وحوّاء... 52

معنى ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) ... 53

ترتيب آيتي البلاغ والإكمال... 54

المقصود بالفؤاد... 55

ثواب سورة الواقعة... 58

معنى الحجّة البالغة... 59

القسم بغير اللّه

جائز ولكن لا يصحّ... 61

يترتّب عليه أثر دنيوي وأُخروي... 62

حكمه في المذاهب الأربعة... 63

قول آمين في الصلاة

لا يصحّ لتوقيفية العبادات... 67

ص: 654

مبطل للصلاة... 68

من البدع التي أُحدثت بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله... 69

الروايات الدالّة على مشروعيتها ضعيفة السند... 70

القياس

في نظر الشيعة... 73

تعريفه... 73

أدلّته... 74

أركانه وحجّيته... 85

أقسامه... 86

كتاب لله ثمّ للتاريخ

تأليف بعض الوهّابية... 91

في النقد العلمي... 94

ما نشرته صحف الكويت حوله... 114

كربلاء وواقعة الطف

مسائل تتعلّق بها... 119

أسئلة تتعلّق بها... 123

لطم الخدود وشق الجيوب... 124

زواج القاسم... 124

علي بن الحسين هو علي الأكبر... 125

شبهات وردود حولها... 125

منع جيش الحسين من الماء... 180

تقدّم كربلاء بالخلق بمعنى التقدير... 182

ص: 655

فضل كربلاء... 183

اللعن

جواز لعن بعض الصحابة... 187

من لعنهم اللّه ورسوله... 188

دعاء صنمي قريش... 191

المقصود من لعن بني أُمية قاطبة... 191

لا ينافي التقريب... 192

السبّ مرفوض في ديننا دون اللعن... 193

البحث فيه يستلزم التجرّد عن كُلّ موروث... 195

معناه ودليل جوازه من الكتاب والسنّة... 195

حقيقته... 197

آيات وروايات تنهى عن السبّ... 198

متعة الحجّ

ماهيّتها وتحريم عمر لها... 201

أدلّتها ومن نهى عنها... 202

موقف المسلمين من نهي عمر... 206

متعة النساء

في الكتاب والسنّة... 209

أنواع الزواج وشروطه... 211

جوازها... 212

كيفية صيغتها... 213

الأدلّة على جوازها... 214

ص: 656

الفرق بينها وبين زواج المسيار... 216

فرقها مع الزنا ، ولم تحرّم يوم خيبر... 217

جائزة مع الزانية... 220

تعليق على الجواب السابق... 222

التطبيق العملي لها... 222

الشيعة تحلّلها... 225

التمتّع بالصغيرة ليست من مختصّات الشيعة... 226

حلّ من الحلول للزانية... 227

تعتبر من الحلول الأساسية للمجتمع... 227

تساؤلات حول المتعة... 228

صحيحة عقلاً وشرعاً... 230

النهي عنها محمول على التقية... 232

التمتّع بملك اليمين... 232

تكره مع المشهورة بالزنا... 233

ليست مسألة سائبة لا ضوابط فيها... 234

المسح على الرجلين

في قوله ( وَأَرْجُلَكُمْ ) ثلاث قراءات... 235

القرآن صريح في وجوبه... 236

معنى الكعب في قوله ( إِلَى الْكَعْبَينِ ) ... 237

مصحف فاطمة عليها السلام

عند الإمام المهدي... 239

ليس هو قرآن الشيعة... 240

ص: 657

ليس فيه أحكاماً شرعية... 242

المعاد

رأي الشيعة في التناسخ والحلول والتشبيه... 245

من هم الولدان المخلّدون... 246

معنى ( لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ) ... 247

ماهية الولدان المخلّدون... 248

من يرعى الأطفال بعد موتهم... 248

ما للنساء من أزواج في الجنّة... 249

نصوص في المعاد الجسماني... 250

شبهة الآكل والمأكول... 251

الحساب أوّلاً ثمّ المرور على الصراط... 253

مسألة خلق الجنّة والنار... 254

نصوص حول عالم البرزخ... 254

غير المسلم قد يدخل الجنّة... 255

الجنّ يحشرون مع الإنس في الجنّة والنار... 256

الحياة في البرزخ... 258

التناسخ عقيدة باطلة... 259

الحساب في البرزخ يختلف عمّا هو في الدنيا... 259

وقت موت إبليس... 260

نوع الأكل يوم الحشر... 262

حساب عرب الجاهلية... 263

حشر الوحوش فيه... 264

ص: 658

معاوية بن أبي سفيان

بعض مثالبه... 267

كان يسبّ علياً... 268

من الطائفة الباغية... 268

مسلم في الظاهر... 272

لم يبك على علي عند شهادته... 275

وصيته ليزيد إن ظفر بالحسين... 277

المعجزة

شروطها... 279

التمييز بين معجزة النبيّ وغيره... 280

لازمة لكُلّ نبي... 281

الملائكة

علمها بأنّ الإنسان يسفك الدماء... 283

اللّه تعالى غير محتاج لهم... 285

حول نورهم وسجودهم... 286

تعقيب على الجواب السابق... 286

وظائفها... 287

حكمة خلقهم... 287

أيضاً يموتون... 291

النبوّة والأنبياء

من صفات النبوّة السلامة من العاهات... 293

ص: 659

إدريس ومعجزته... 295

المقصود بالأسباط... 295

عيسى ونفخ الروح... 296

التفاضل بين الأنبياء موجود... 297

دانيال وجرجيس نبيّان... 299

عدم اشتراط النبوّة بعمر خاصّ... 300

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 300

رواية ضرب موسى لملك الموت ضعيفة... 301

حكمة ذكر النبيّ موسى أكثر من غيره... 301

نوح الأب الثاني للبشرية... 302

حكمة منع آدم الأكل من الشجرة... 302

أجساد المعصومين لا تبلى... 303

الحجّة ما بين عيسى ومحمّد... 304

الفرق بين النبيّ والرسول... 305

يأجوج ومأجوج... 305

علّة تكليم موسى... 306

اصطفاء الأنبياء... 307

تمنّي مريم لا ينافي التسليم... 308

النبي محمّد صلى اللّه عليه وآله

وآية عبس وتولّى... 311

استشهاده مسموماً... 313

لا يتأثّر بالسحر... 314

من اختصاصاته الزواج بأكثر من أربع نساء... 315

ص: 660

ليس له أُخوة... 316

لا يحتاج إلى اجتهاد... 316

ابنته الوحيدة فاطمة... 317

تعقيب على الجواب السابق... 317

على الأكثر مات مسموماً... 317

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 319

أزواجه وسبب زواجه منهنّ... 319

أسباب ونتائج هجرته... 321

لم يكن جبرائيل أعلم منه... 322

موقفه من أسرى بدر... 323

كونه أُمّياً لا يعدّ منقصة... 326

هو والأئمّة سواء في رتبة الإمامة... 327

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 327

كان يرقص بأكمامه في روايات أهل السنّة... 329

لم يكن خائفاً عند نزول الوحي عليه... 329

هو الصادر الأوّل... 331

علماء السنّة القائلين بعدم نزول ( عَبَسَ ) فيه... 333

بحث مفصّل في شأن نزول ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) ... 334

تأخير نزول الوحي عليه لا يدلّ على عدم عصمته... 342

لماذا ختمت به الرسالات مع أنّ العلم يتطوّر... 343

الجمع بين كون آباءه موحّدون وتسمية عبد المطلب ابنه بعبد العزى... 343

قضية زوجة زيد... 346

سهوه في الصلاة غير صحيح... 350

ص: 661

لم يحرّم على نفسه ما هو حرام... 356

ما ينطق عن الهوى فيما يتعلّق بالوحي... 359

العفو عن تركه الأولى... 359

له قرين... 362

الحقيقة النبوية... 363

( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) ... 369

كان يعلم قبل نبوّته أنّه سيكون نبيّاً... 370

يجوز له أن يقتل من يشاء في مكّة... 371

زينب ورقية ربيبتاه... 372

حقيقته... 374

سمّى المنافقين... 375

حاشاه أن يتبوّل قائماً... 377

عوتب عتاب تشريف لا ذنب... 378

النساء

معالجة الروايات التي تذمّ المرأة... 381

ورود ذم لركوبها الخيل... 384

مسائل مختلفة تتعلّق بها... 384

معنى ناقصة عقل ودين... 388

( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) ... 389

معنى غيرة المرأة كفر... 390

النظر إلى المبتذلات منهنّ... 391

ص: 662

النصّ على الأئمّة

نقوضات على النصّ في الإمامة وردّها... 393

بحديث صحيح السند... 402

إشكالات حوله وردّها... 403

النصب والنواصب

معنى الناصبي... 405

معنى العامّة ومعنى النواصب... 405

النواصب كفّار وإن صلّوا وصاموا... 406

النكاح

جواز التمتّع بالزوجة الرضيعة... 413

تعقيب على الجواب السابق... 414

كيفية الاستمتاع بالزوجة الرضيعة... 420

نكاح الجواري بملك اليمين... 421

ليس فيه ظلم للزوجة... 422

جائز بين سنّي وشيعية وبالعكس... 425

ولد الزنا كغيره مرهون بعمله... 425

النظر إلى عورة كُلّ من الزوجين جائز... 426

حدّ العورة... 427

اختيار زوجة علوية حسن... 431

أحاديث تحث على الإنجاب... 431

من جوّز نكاح الرجل لابنته وأخته من الزنا... 432

لا تزاوج بين الإنس والجنّ... 434

ص: 663

زواج الشيعية من السنّي... 435

زواج الذكور بالذكور فيه تجاوز على الإنسانية... 436

جواز نكاح دون العاشرة... 437

نهج البلاغة

المراد من والزموا السواد الأعظم... 439

لم يذكر فيه كسر ضلع الزهراء... 441

الخطبة الشقشقية في مصادر سنّية... 443

حول عبارة خطرك يسير... 445

الوحدة الإسلامية

تتحقّق بالتمسّك بوصية الرسول... 447

مطلوبة بين المسلمين... 448

تتحقّق بالحوار الهادف... 449

لتحقيقها نظرتان... 450

الوضوء

ما ورد في كيفيته من كتاب الغارات لا يعتمد عليه... 453

كيفيته... 454

غسل اليد من المرفق... 454

كيفية وضوء رسول اللّه... 456

وطئ الزوجة من الدبر

محلّ نقاش عند أهل السنّة... 457

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 459

ص: 664

تعليق على الجواب السابق... 461

حكمه وأدلّته... 462

معنى قوله : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) ... 463

في صحيح البخاري وفتح الباري... 464

معنى اللعن الوارد فيه... 467

وقت الإفطار

زوال الحمرة المشرقية... 469

الولاية التكوينية والتشريعية

معنى التكوينية وثبوتها لأهل البيت... 471

ثبوت التكوينية للمعصوم... 473

التكوينية ثابتة للأئمّة بروايات كثيرة... 474

معناهما وتعريفهما... 475

مصطلح الولاية التكوينية... 476

لا يلزم الغلوّ من ثبوتها لأهل البيت... 479

ثابتان لمعصوم بإذن اللّه... 480

الوهّابية ومحمّد بن عبد الوهّاب

اعتقاداتهم... 483

بعض المآخذ والانتقادات عليهم... 486

علاقتهم بمستر همفر... 492

زرعوا الفتنة والبغضاء بين المسلمين... 493

الردّ عليهم واجب... 493

كيف نتعامل معهم... 494

ص: 665

فيهم العالم المنحرف والجاهل المتعصّب... 495

تكفيرهم لأهل القبلة... 496

يزيد بن معاوية

مخلّد في النار لقتله أهل البيت... 505

مصادر سنّية تكفّره وتجوّز لعنه... 505

ما ذكر من مناقبه غير صحيح... 507

الأسئلة المتفرّقة

عيد النيروز والغسل فيه... 513

الفتوحات الإسلامية... 514

من البرامج الروحية التزكية والتحلية... 515

جاء الإسلام بالعدالة لا بالمساواة... 516

أعمال الكفّار لا تُقبل... 516

تشكّل الجنّ بشكل الإنسان... 517

معنى آية اللّه... 518

مفهوم نحوسة الأيّام... 519

كيفية التدريس ومنح الألقاب في الحوزة... 521

مقوّمات شخصية الإنسان... 522

أسباب ثورة الزنج... 522

الفرق بين العلم الحصولي والحضوري... 523

الدليل العقلي على التمسّك بالإسلام... 524

الطريق إلى معرفة الثقافة الإسلامية... 525

الكافر يكافأ في الدنيا على أعماله الإيجابية... 526

ص: 666

تشخيص الحقّ من الباطل بالعقل... 526

لابدّ من معرفة من نحبّ... 527

معنى تجرّد الروح... 527

محاسبة النفس... 528

معنى كلمة الحلوليون... 529

حول الوطنية والقومية والديمقراطية... 529

المرجعية أولت اهتماماً لقضية فلسطين... 530

توضيح عن الديمقراطية والوطنية والقومية... 530

التشبّه بالكفّار حرام... 531

حقوق الناس وإبراء ذمّتهم... 531

الحسن والقبح العقليين... 532

تسمية المولود بيد الزوج... 533

التوبة وشروطها... 534

الفرق بين الاحتمال والمُحتمل... 534

الذنوب الكبيرة والصغيرة... 535

علّة تحريم لحم الخنزير... 538

تعقيب على الجواب السابق... 540

الذكاء الوجداني... 540

حقوق الزوجين... 542

الإسلام ومسألة الرقّ والعبودية... 542

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 544

من لم يخف اللّه خاف من الناس... 546

حقيقة الزلازل وكونها من الابتلاءات الإلهية... 547

ص: 667

معنى الصدفة... 548

تعريف المكان فلسفياً... 549

أسباب الخوف من سوء الخاتمة... 549

نظرية التطوّر فاسدة عقلاً وشرعاً... 550

التفكير ليس أثراً مادّياً... 557

معنى قاعدة حكم الأمثال... 558

اختلاف العبادات بين الشيعة والسنّة... 559

علاقة الأجزاء بالمركّب... 560

معنى التقليد والأدلّة عليه... 562

العقل في حالة قطعيته مقدّم على النصّ... 563

قول لا إله إلاّ اللّه مشروط بالإخلاص... 564

معرفة الحقّ من خلال قواعد عقلية... 566

تسمية علم الكلام... 567

الرؤية الكونية... 568

برهان النظم لا يجري في عالم التشريع... 569

البكاء من خشية اللّه... 570

احتياج المركّب إلى الجزء... 571

عملية التنصيص الإلهي على المرجع مفقودة... 572

إطلاق لقب العلاّمة... 573

الحكم في المسائل المستحدثة... 574

حلّية التدخين... 576

المراد من مسيرة عام... 579

العلم نور من اللّه... 579

ص: 668

الفرق بين الوجود والموجود... 580

العقيدة لغة واصطلاحاً... 581

لا يجب على المعصوم فعل كُلّ مستحبّ... 582

فتاوى غريبة لأئمّة المذاهب... 583

النظر بالمرآة إلى عورة الخنثى لأجل الميراث... 585

فهرس المصادر... 587

الفهرس الإجمالى... 653

ص: 669

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.