في تعیین قبرأمير المؤمنين علي علیه السلام
المؤلف : السيد ابن طاووس
المجموعة : مصادر الحديث الشيعية - القسم العام
تحقيق : السيد تحسين آل شبيب الموسوي
سنة الطبع : 1419 - 1998 م
مركز الغدير للدراسات الاسلامية
ص: 1
بسم اللّه الرحمن الرحيم
جميع حقوق الطبع محفوظة للناشر
مؤسسة دائرة معارف الفقه الاسلامي
ص. ب 3796 / 37185 - 739999
اسم الكتاب: فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي (عليه السلام)
المؤلف: السيد عبد الكريم بن طاووس الحسني
تحقيق: السيد تحسين آل شبيب الموسوي
الناشر: مركز الغدير للدراسات الاسلامية
الطبعة الأولى: 1419 ه - 1998 م
المطبعة: محمد الكمية: 3000 نسخة
ص: 2
ص: 3
ويا من..
حبه أعظم وسائلي إلى ربي في حشري.
ويا من..
ذكره أطيب ما يخطر بقلبي ويمر بفكري..
ويا من..
ولاه رأس إيماني واعتقادي..
ويا من..
مدحه راحة روحي وأقصى مرادي..
ويا من..
حبه جنتي وجنتي في دنياي وآخرتي..
وولاؤه
معاذي وملاذي يوم حشري وفاقتي..
السيد تحسين الموسوي
ص: 4
يتوفر التاريخ على وصايا صريحة تشير إلى رغبة الإمام علي (عليه السلام) في مواراته الثرى في تلك الظروف البالغة السرية ومن المؤكد ان الامام كان يستشرف المستقبل ويلم بالنفسية الحاقدة التي ينطوي عليها الأمويون، تلك النفسية الهابطة التي جسدتها هند زوج أبي سفيان ساعة أصرت على نبش قبر آمنة والدة النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، ثم اقدامها فيما بعد على التمثيل بجسد سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب (رضي اللّه عنه)..
ولقد سجل التاريخ كلمات علي (عليه السلام) وهو يشير إلى ما تحمله الأيام القادمة من ويل وثبور في قوله (عليه السلام): (سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شي أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على اللّه ورسوله... ولا في البلاد شي أنكر من المعروف، ولا أعرف من المنكر).
ثم يصف طبيعة الرجل الذي سيبدأ العهد الجديد: (اما انه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق البطن، يأكل ما يجد، ويطلب مالا يجد فاقتلوه ولن تقتلوه! ألا وانه سيأمركم بسبي والبراءة مني، فاما السب فسبوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة، واما البراءة فلا تتبرأوا مني، فاني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الايمان والهجرة).
ص: 5
ثم يصف فجيعة المجتمع الاسلامي في الظل الأموي الثقيل: (واللّه لا يزالون حتى لا يدعوا لله محرما إلا استحلوه، ولا عقدا إلا حلوه)، وستعم المأساة المدن والبوادي:
(حتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله ظلمهم. ويبدأ زمن البكاء:
(وحتى يقوم الباكيان يبكيان: باك يبكي لدينه، وباك يبكي لدنياه).
والامام وهو يستشرف المستقبل بهذا الوضوح ويصوره بهذه البلاغة المؤثرة، قد احتاط لجثمانه الطاهر ولا شك بوصية شخصية مؤكدة على دفنه ليلا وفي ظروف بالغة السرية حتى أنه لم يشهد المراسم إلا أقرب المقربين من أنصاره والسائرين على خطه.
ومنذ سنة 40 للهجرة ظل القبر وهو في الكوفة أو ضواحيها سرا لا يعرفه إلا أهل البيت (عليهم السلام)، وممن حملوا الأمانة واستمر الوضع حتى اشتعال الثورة التي حملت شعار الرضا من آل محمد (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، وذلك سنة 132 حيث بدأ الحديث علنا عن مكان القبر في منطقة النجف الأشرف.
وقد أصبح مزارا لمدة محدودة جدا حيث عاد إلى الاختفاء مرة أخرى وأمحت معالمه بسبب انفجار الصراع بين العلويين والعباسيين وخشية الناس انتقام السلطة العباسية، وقد ساعد على ذلك أيضا وقوع القبر في واد منخفض فكان عرضة للسيول وهبوب الرياح.
وقد ظل القبر كربوة من ربى الوادي وأكماته في تلك الأرض الموحشة الخالية من أي اثر للزراعة والحضارة.
حتى إذا أطل عام 179 ه شاء اللّه أن يظهر كرامة عبده الصالح على يد الخليفة العباسي هارون الرشيد وذلك في رحلة صيد وردت قصتها في كتب التأريخ.
ص: 6
وقد أمر هارون ببناء قبة تعد في الواقع أول عمارة للضريح المقدس ثم استمرت العمارة حتى بلغت الذروة في العهد البويهي، وقد وصف ابن بطوطة الذي زار الضريح سنة 725 ه وأشار إلى بعض مراسم الزيارة فيه، كما أشار إلى قبري آدم ونوح (عليه السلام).
وما يزال ضريح علي (عليه السلام) بقبته الذهبية الشماء، يرمز إلى مجده وكرامته وعلو منزلته، وما تزال الملايين من المؤمنين تقصده كل عام تتبرك به، وتلهج بالثناء عليه، وإذا كان الإمام علي (عليه السلام) قد عبر في واحدة من مناسبات صراعه المرير مع الباطل بقوله: أنزلني الدهر حتى قيل معاوية وعلي. فان عليا (عليه السلام) يذكر اليوم مع معاوية ولكن ليس كند له بل كنقيض له في النبل والخلق والانسانية.
والكتاب الذي بين يديك - عزيزي القارئ - والموسوم ب (فرحة الغري) من نتاج القرن السابع الهجري فقد ولد مؤلفه سنة 647 ه وتوفي سنة 693 ه.
ويبدو أن هذا الجهد العلمي جاء استجابة من مؤلفه السيد عبد الكريم بن طاووس لاحد الأفاضل في عصره. وطاووس لقب مشهور في البيوتات العلوية لقب به محمد بن إسحاق الذي يرقى نسبه إلى الحسن بن علي سبط رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم).
ومن المؤكد ان مؤلفه ومن خلال التأمل في أبواب الكتاب - كان على اطلاع واسع بكتب الحديث ومصادر التاريخ.
وهو يصور بشاعة السياسة الأموية واحتياطات الامام لدفنه سرا خشية وقوع حرب أهلية فيما لو أقدم بعض الخوارج المتعصبين أو الأمويين الحاقدين على العبث بقبر الإمام (عليه السلام).
ص: 7
ولذا فهو يعد من مصادر التاريخ في تلك الحقبة من الزمن ووثيقة أساسية تؤكد بما لا يقبل الشك حقيقة أراد لها اللّه سبحانه أن تظهر بجلاء.
اما الجهد التحقيقي فقد جاء في إطار مراجعة مخطوطتين موجودتين في مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي ومقابلتها مع نسخة مطبوعة بتاريخ 1368 ه.
ويبدو أن المخطوطة الأولى تعود في تاريخها إلى القرن الثالث عشر، ومن المحتمل ان استنساخها قد تم في مدينة النجف الأشرف.
اما المخطوطة الثانية فيعود تاريخها إلى سنة 947 ه.
وتمتاز الطبعة المحققة باستدراك وتصحيح أخطأ التصحيف التي وقعت خلال عملية الاستنساخ، واستكمال ما سقط من أسانيد الحديث ومتونه، إضافة إلى ترجمة بعض الاعلام الذين ورد لهم ذكر في الكتاب.
ومن اللّه التوفيق مركز الغدير
ص: 8
اللّهم نحمدك ونستعين بك، ونصلي على نبيك وعلى أهل بيته المنتجبين، أفضل وأكمل وأشرف ما صليت على أنبيائك، وأصفيائك.
النجف أو الغري: مهبط الأولياء ودار هجرة الأنبياء، عليها استوت سفينة نوح (عليه السلام) ومنها تفرق أولاده، وبها كان منزل إبراهيم الخليل (عليه السلام)، كما كان لها نصيب وافر في الحضارة أيام التنوخيين واللخميين والمناذرة لقربها من الحيرة، وأخيرا أصبح لها شأن عظيم عندما تشرفت وضمت بين جنباتها الجسد الطاهر لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). لذلك ارتأيت لاتمام الفائدة ان أذكر نبذة مختصرة عما قاله اللغويون عن النجف والغري، والاصلاحات التي تعاقبت على القبر الشريف.
النجف: بالتحريك، قال السهيلي: بالفرع عينان يقال لأحدهما الربض وللأخرى النجف، تسقيان عشرين الف نخلة، وهو بظهر الكوفة، كالمسناة تمنع سيل الماء ان يعلو الكوفة ومقابرها (1).
وقال الطريحي: النجف بفتحتين كالمسناة بظاهر الكوفة يمنع ماء السيل ان يبلغ منازلها ومقابرها (2).
ص: 9
وقال المطرزي: النجف والنجفة بالتحريك: مكان لا يعلوه الماء مستطيل.
وقال الزمخشري: وفي بطن الوادي نجفة ونجف، وهي مكان مستطيل كالجذر لا يعلوه الماء (1).
وفي لسان العرب: النجف أرض مستديرة مشرفة، والجمع نجف ونجاف (2) وقال الفيروزآبادي: النجف محركة، وبهاء: (النجفة) مكان لا يعلوه الماء مستطيل منقاد، ويكون في بطن الوادي، وقد يكون البطن في الأرض جمعه نجاف، أو هي أرض مستديرة مشرفة على ما حولها، والنجف محركة: التل والمسناة ومسناة بظاهر الكوفة تمنع ماء السيل ان يعلو مقابرها ومنازلها (3) ومهما يكن من الامر فالمراد من النجف: هي أرض عالية تشبه المسناة لصد الماء عما جاورها، وينجفها الماء من جوانبها أيام السيول ولكنه لا يعلوها فهي كالنجد والسد، ويغلب على شكلها الاستطالة دون الاستدارة التي أشار إليها بعض اللغويين.
اما الشيخ الصدوق فإنه روى عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:
ان النجف كان جبلاً عظيماً، وهو الذي قال ابن نوح (عليه السلام): سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، ولم يكن على وجه الأرض جبل أعظم منه، فأوحى اللّه إليه:
يا جبل أيعتصم بك مني؟ اقتطع قطعا إلى بلاد الشام وصار رملا دقيقا، وصار بعد ذلك بحرا عظيما، وكان يسمى ذلك البحر (ني) ثم جف البحر بعد ذلك فقيل:
(ني جف) فسمي ب (نيجف) ثم صار بعد ذلك يسمونه (نجف) لأنه كان أخف
ص: 10
على ألسنتهم (1).
اما موقع النجف، فإنها تقع على حافة الهضبة الغربية في العراق، وتبعد عن فرات الكوفة ما يقرب من عشرة كيلومترات من غربي الكوفة، في مرتفع يطل من الشمال والشرق على منبسط فسيح، ويطل من الغرب على واد رحب ربما كان فيما غبر من أزمان التاريخ بحيرة جفت ونضبت (2).
ولارتفاع النجف وإطلالها على الرحاب والسهول، كانت أيام الساسانيين والمناذرة والعباسيين، منتزها يقصدونه في الربيع، ويشير إلى ذلك المسعودي وهو يتحدث عن الحيرة قال: وكانت قصور العباسيين مشرفة على النجف يتنزه بها أيام الربيع (3).
والنجف في أقليم حسن التربة، معتدل الحرارة والبرودة، لم يلحق الحجاز في حره، ولا الجهات الشمالية في بردها وهو العراق، وقد ذكره الحموي فقال:
(هو أعدل أرض العراق هوأ وأصحها مزاجا وماء، فلذلك كان أهل العراق هم أهل العقول الصحيحة، والآراء الراجحة والشهوات المحمودة، والشمائل الظريفة، والبراعة في كل فن وصناعة مع اعتدال الأعضاء، واستواء الاخلاط، وسمرة الألوان، وهم الذين أنضجتهم الأرحام) (4).
ص: 11
قال ياقوت الحموي: ثنية الغري، وهو المطلى بالغراء محمود: وهو الغري الذي يطلى به، والغري فعيل بمعنى مفعول.
والغري: الحسن من كل شي، يقال: رجل غري الوجه إذا كان حسنا مليحا، فيجوز أن يكون الغري مأخوذا من كل واحد من هذين (1).
وفي تاج العروس: والغراء الحسن ومنه الغري، كغني الحسن الوجه منا والحسن من غيرنا، والغري البناء الجديد، ومنه الغريان: وهما بناءان مشهوران بالكوفة عند الثوية، حيث قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي اللّه عنه) زعموا أنهما بناهما بعض ملوك الحيرة (2).
فالغري نصب كان يذبح عليه العتائر (3)، والغريان طربالان وهما بناءان كالصومعتين بظاهر الكوفة.
قال ابن دريد: الطربال قطعة من جبل أو قطعة من حائط تستطيل في السماء وتميل (4). وقد بنى الغريين اللذين في الكوفة المنذر بن ماء السماء على مثل غريين بناهما صاحب مصر، وكان السبب في بنائهما انه كان له نديمان من بني أسد يقال لأحدهما خالد بن فضلة، والاخر عمرو بن مسعود، فثملا فراجعا الملك ليلة في بعض كلامه، فأمر وهو سكران فحفر لهما حفيرتين في ظهر الكوفة ودفنهما حيين، فلما أصبح استدعاهما فأخبر بالذي أمضاه فيهما، فغمه ذلك وقصد حفرتهما وأمر ببناء طربالين عليهما وهما صومعتان.
ص: 12
فقال المنذر: ما أنا بملك ان خالف الناس أمري، لا يمر أحد من وفود العرب إلا بينهما، وجعل لهما في السنة يوم بؤس ويوم نعيم، يذبح في يوم بؤسه كل من يلقاه ويغري بدمه الطربالين، فأن رفعت له الوحش طلبتها الخيل، وان رفع طائر أرسل عليه الجوارح حتى يذبح ويطليان بدمه، ولبث بذلك برهة من دهره، وسمي أحد اليومين يوم البؤس وهو اليوم الذي يقتل فيه ما ظهر له من انسان وغيره، وسمي الاخر يوم النعيم يحسن فيه إلى كل من يلقى من الناس ويحملهم ويخلع عليهم. فخرج يوما من أيام بؤسه إذ طلع عليه عبيد بن الأبرص الأسدي الشاعر وقد جاءه ممتدحا، فلما نظر إليه قال: هلا كان الذبح لغيرك يا عبيد! فقال عبيد: أتتك بحائن رجلاه، فأرسلها مثلا، فقال له المنذر: أو أجل قد بلغ إناه، فقال رجل ممن كان معه: أبيت اللعن أتركه فأني أظن أن عنده من حسن القريض أفضل مما تريد من قتله فأسمع فإن سمعت حسنا فأستزده وإن كان غيره قتلته وأنت قادر عليه، فأنزل فطعم وشرب ثم دعا به المنذر فقال له: زدنيه ما ترى، قال: أرى المنايا على الحوايا، ثم قال له المنذر: أنشدني فقد كان يعجبني شعرك، فقال عبيد: حال الجريض دون القريض وبلغ الحزام الطبيين، فأرسلهما مثلين، فقال له بعض الحاضرين: أنشد الملك هبلتك أمك! فقال عبيد:
وما قول قائل مقتول؟ فأرسلها مثلا أي لا تدخل في همك من لا يهتم بك، قال المنذر: قد أمللتني فأرحني قبل أن آمر بك، قال عبيد: من عز بز، فأرسلها مثلا، فقال المنذر: أنشدني قولك: أتفر من أهله ملحوب فقال عبيد:
أتفر من أهله عبيد *** فاليوم لا يبدي ولا يعيد
عنت له منية تكود *** وحان منها له ورود
ثم إن المنذر قال له: يا عبيد لا بد من الموت وقد علمت أن النعمان ابني لو
ص: 13
عرض لي يوم بؤسي لم أجد بدا من أن أذبحه، فأما ان كانت لك وكنت لها فاختر إحدى ثلاث خصال: إن شئت فصدتك من الأكحل وان شئت من الأبجل وان شئت من الوريد، فقال عبيد: أبيت اللعن! ثلاث خلال كساحيات واردها شر وارد وحاديها شر حاد ومعاديها شر معاد فلا خير فيها لمرتد، ان كنت لا محالة قاتلي فأسقني الخمر حتى إذا ماتت لها مفاصلي وذهلت منها ذواهلي فشأنك وما تريد من مقاتلي، فاستدعى له المنذر الخمر فشرب فلما أخذت منه وطابت نفسه أمر به المنذر ففصد حتى نزف دمه فلما مات غري بدمه الغريان، فلم يزل على ذلك حتى مر به في بعض أيام البؤس رجل من طي يقال له حنظلة فقرب ليقتل فقال: أبيت اللعن! إني أتيتك زائرا ولأهلي في بحرك مائرا فلا تجعل ميرتهم ما تورده عليهم من قتلي، قال له المنذر: لا بد من قتلك فسل حاجتك تقض لك قبل موتك، فقال: تؤجلني سنة أرجع فيها إلى أهلي فأحكم فيهم بما أريد ثم أسير إليك فينفذ في امرك، فقال له المنذر: ومن يكفلك أنك تعود؟ فنظر حنظلة في وجوه جلسائه فعرف شريك بن عمرو بن شراحيل الشيباني فقال:
يا شريك يا ابن عمرو *** هل من الموت محاله؟
يا شريك يا ابن عمرو *** يا أخا من لا أخا له
يا أخا المنذر فك *** اليوم رهنا قد أنى له
يا أخا كل مضاف *** وأخا من لا أخا له
إن لشيبان قبيلا *** أكرم الناس رجاله
وأبو الخيرات عمرو *** وشراحيل الحماله
رقباك اليوم في المجد *** وفي حسن المقالة
فوثب شريك وقال: أبيت اللعن! يدي بيده ودمي بدمه إن لم يعد إلى أجله، فأطلقه المنذر، فلما كان من القابل قعد المنذر في مجلسه في يوم بؤس
ص: 14
ينتظر حنظلة فأبطأ عليهم فقدم شريك ليقتل فلم يشعر إلا وراكب قد طلع فإذا هو حنظلة وقد تحنط وتكفن ومعه نادبته تندبه، فلما رأى المنذر ذلك عجب من وفائه وقال: ما حملك على قتل نفسك؟ فقال: أيها الملك إن لي دينا يمنعني من الغدر، قال: وما دينك؟ قال: النصرانية، فاستحسن ذلك منه وأطلقهما معا وأبطل تلك السنة وكان سبب تنصره وتنصر أهل الحيرة فيما زعموا (1).
بعد أن ذكرت نبذة مختصرة عن تسمية النجف والغري، آثرت ذكر نبذة مختصرة أيضا عن مراحل بناء القبر الشريف بعد ما أظهره الرشيد العباسي في عام 170 ه.
عمل صندوق على قبره:
بعد أن ظل القبر مخفيا منذ وفاته (عليه السلام) سنة 40 ه وحتى انقضاء دولة بني أمية عام 132 ه، وفي تلك الفترة ظل القبر الشريف سرا مكتوما، وكنزا مصونا لم يطلع عليه غير أولاده: والخواص من شيعتهم، وبقي هذا الحال حتى انقضت الدولة الأموية، وانطوت صحائف أعمالها بما فيها من فضائح ومخاز مما ارتكبوه في حق أهل البيت وشيعتهم، وبعد ظهور دولة بني العباس، ظهر السر المكتوم وعرف موضع الكنز المصون، وذهب ما كان يحذره العلويون من أعدائهم وشانئيهم، فدلوا عليه بعض شيعتهم وجعلوا يترددون عليه لزيارته، ويتعاهدونه ليلا ونهارا، ولم يكن إذ ذاك إلا اكمة أو ربوة قائمة، فصار ظاهرا للعيان، وازداد إقبال الناس عليه. وفي هذا الحال كثرت الاخبار في تعيينه وتحديد موضعه، فمنهم من يثبته ومنهم من ينفيه، حتى أراد أبو جعفر المنصور ان يتأكد من صحة دفنه (عليه السلام) في موضعه المعروف، أمر أحد مواليه بالذهاب معه
ص: 15
إلى الغري، وأمره ان يحفر القبر، فلما بلغ اللحد قال له: طم هذا قبر علي بن أبي طالب، إنما أردت ان اعلم هذا (1).
وبقيت الحالة هذه من تهافت الناس على زيارته والتبرك بقبره الشريف، فزاره عدد من العلويين والعباسيين، حتى أظهره داود بن علي العباسي على أثر كرامة ظهرت له، فأمر بوضع صندوق على القبر الشريف، وبقي هذا الصندوق امام النظار فترة من الزمن.
ولما تبدلت نيات العباسيين وأظهروا للعلويين العداء، هجر القبر الشريف، واندرس الصندوق الذي وضعه داود العباسي، ولم يعرج أحد على القبر إلا خلسة، ومكث على هذا الحال عشرات من السنين، والذي ساعد على ضياع الصندوق هجران القبر بالنظر للخوف المستحوذ على النفوس من السلطة العباسية القاسية.
وكذلك ساعد على ضياعه أيضا هو موضع القبر الشريف، فإنه في منخفض واد معرض لجري السيول ومهاب الريح (2). وقد ظهر القبر الشريف للمرة الثالثة على يد هارون الرشيد على اثر كرامة ظهرت له، وبعد ذلك طرأ على القبر عدة إصلاحات وعمارات نوجزها هما يلي:
العمارة الأولى:
أمر الرشيد ببناء قبة على القبر الشريف سنة 170 ه، وجعل لها أربعة أبواب (3)، وهي من طين أحمر، وطرح على رأسها جرة خضراء (4)، وأما الضريح
ص: 16
المقدس فإنه بناه بحجارة بيضاء ووضع عليه قنديلا من الفيروز المرصع بالجواهر اليتيمة. وأخذ الناس في زيارته والدفن لموتاهم حوله. وفي سنة 180 ه جاوره الناس.
وكانت في الحضرة المقدسة مما يلي الرأس الشريف تحت الطاق صورة رجل وبيده قوس وأمامه غزال قد وجه نحو قوسه، وهي من أبدع الصور اليدوية. وهذه الصورة رمز إلى حادثة الرشيد وقد قلعت مع الأخشاب المزوقة سنة 1364 ه وأعيدت إلى غير مكانها.
عمارة محمد بن زيد الحسني الملقب (بالداعي الصغير) صاحب بلاد الديلم وطبرستان. فإنه أمر بعمارته وعمارة الحائر الحسيني والبنأ عليهما بعد سنة 279 ه وبنى على المشهد العلوي حصنا فيه سبعون طاقا، وقد أخبر الإمام الصادق (عليه السلام) بهذا البنأ قبل وقوعه حيث قال: لا تذهب الليالي والأيام حتى يبعث اللّه رجلا ممتحنا في نفسه في القتل يبني عليه حصنا فيه سبعون طاقا.
وقيل إن المتوكل العباسي خرب عمارة النجف كما خرب عمارة الحسين (عليه السلام) وأعادها محمد بن زيد الداعي، وأعاد جميع القبور الدارسة للطالبيين.
لكن ربما تنسب هذه العمارة إلى أخيه الحسن حيث كانت له في كل سنة ثلاثون ألف درهم أحمر يصرفها في العتبات المقدسة (1).
بعد دخول البويهيين إلى العراق، أمر عضد الدولة بن بويه بتجديد البنأ
ص: 17
سنة 338 ه فبذل أموالا طائلة في سبيل ذلك وجلب إلى النجف النجارين وأهل صناعات البنأ من سائر الأقطار، وأقام هو في ذلك المكان قريبا من سنة، فخرب العمارة القديمة وأمر ببناء عمارة جليلة حسنة وهي العمارة التي كانت قبل اليوم ويذكر أنها كانت باقية حتى سنة 750 ه.
وقد شاهد هذه العمارة الرحالة (ابن بطوطة) حين ورد إلى النجف سنة 725 ه، فإنه وصف الروضة المقدسة فقال:
والخوانق معمورة أحسن عمارة وحيطانها بالقاشاني وهو شبه الزليج عندنا لكن لونه أشرق ونقشه أحسن، ثم ذكر المرقد المطهر وما فيه من فرش ومعلقات، وما يصنعه السدنة وقوام المشهد مع الزائرين فقال: ثم يأمرونه بتقبيل العتبة وهي من الفضة وكذلك العضادات، ثم يدخل القبة وهي مفروشة بأنواع البسط من الحرير وسواه، وبها قناديل الذهب والفضة منها الكبار والصغار وفي وسط القبة مصطبة مربعة مكسوة بالخشب عليه صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل مسمرة بمسامير الفضة قد غلبت على الخشب لا يظهر منه شئ وارتفاعها دون القامة وفوقها ثلاثة من القبور يزعمون أن إحداها قبر آدم (عليه السلام) والثاني قبر نوح، والثالث قبر علي (رضي اللّه عنه)، وبين القبور طشوت ذهب وفضة وفيها ماء الورد والمسك وأنواع الطيب، يغمس الزائر يده في ذلك ويدهن بها وجهه تبركا. وللقبة باب آخر عتبته أيضا من الفضة وعليه ستور الحرير الملون يفضي إلى مسجد مفروش بالبسط الحسان مستورة حيطانه وسقفه بستور الحرير وله أربع أبواب عتبها فضة وعليه ستور الحرير (1).
وهذه العمارة وإن كان يرجع تأسيسها بهذا الشكل لعضد الدولة لكنها
ص: 18
طرأت عليه اصلاحات وتحسينات كثيرة من البويهيين والحمدانيين وبعض العباسيين المتشيعين فأن المستنصر عمر الضريح المقدس وبالغ فيه وزاره مرارا، وكذلك جنكيزخان وغيرهم حتى وصلت العمارة إلى هذا الشكل من العظمة والأثاث التي شاهدها ابن بطوطة. إلا أن هذه العمارة احترقت سنة 753 ه ولم يبق من عمارة عضد الدولة إلا القليل، وقبور آل بويه هناك ظاهره مشهورة لم تحترق، وكانت معروفة بقبور سبع سلاطين (1).
بعد ما احترقت عمارة عضد الدولة جدد البنأ بانشاء عمارة جديدة سنة 760 ه. ويقول السيد محسن الأمين: (التي حصلت بعد عمارة عضد الدولة التي احترقت كما مر فجددت سنة 760 ه ولا يعلم مجددها، وربما تكون من جماعة لا من شخص واحد ولذلك لم يذكر مجددها، والعادة قاضية بأنها لو كانت من شخص واحد لذكر اسمه خصوصا إذا كان معروفا وخصوصا ممن شاهدها) (2).
وفي تلك الفترة حدثت اصلاحات من البويهيين والحمدانيين وغيرهم.
بعد أن تعاقبت الدهور ومرت عشرات من السنين على العمارة المتقدمة، تضعضعت القبة، وكانت ساحة الصحن ضيقة، فأمر الشاه صفي حفيد الشاه عباس الأول بهدم بعض جوانب القبر الشريف وتوسيعه، وتوسيع ساحة الحرم العلوي المطهر، في سنة 1047 ه، واشتغلوا بها إلى أن توفي الشاه صفي سنة 1052 ه، فأتمها ابنه الشاه عباس الثاني. وقيل إن العمارة للشاه عباس الصفوي
ص: 19
وان المباشر والمهندس لها الشيخ البهائي، فجعل القبة خضراء بعد ما كانت بيضاء.
ثم جدد العمارة الصفوية السلطان نادر الافشاري وزاد عليها وزخرف القبة الشريفة ومنارتي المشهد وإيوانه بالذهب الأبريز بعد فتحه الهند كما هي عليه اليوم، ويقال ان على كل لبنة تومانا نادريا من الذهب. وأهدى إلى المشهد الشريف من الجواهر والتحف شيئا كثيرا وذلك في سنة 1154 أو 1156 ه وكتب اسمه داخل الباب الشرقي هكذا (المتوكل على الملك القادر سلطان نادر).
وعمر فيه بعد ذلك الشاه أحمد ناصر الدين القاجاري، ثم تنافست الملوك والامراء في عمارته والاهداء إليه، فأهدى إليه السلطان عبد العزيز العثماني شمعدانيين عظيمين من الفضة المؤزرة بالذهب على أبدع شكل، وكذلك إلى مشهد الحسين (عليه السلام) ومشهدي الكاظمية وسامراء، ومشهد الشيخ عبد القادر الكيلاني (1).
ص: 20
اسمه ونسبه:
هو عبد الكريم بن أحمد بن موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن طاووس الحسني العلوي (1).
مولده:
ولد السيد عبد الكريم بن السيد أحمد بن طاووس (رحمة اللّه) في شعبان سنة 647 ه، في الحائر الحسيني ونشأ وترعرع في الحلة مزيدية ثم واصل دراسته في مدينة بغداد.
أسرته:
ينتمي السيد عبد الكريم بن طاووس إلى عائلة اشتهرت بالعلم والعلماء، وبنو طاووس بيت كبير في الحلة، ولقبوا بهذا الاسم نسبة إلى جدهم الاعلى أبي عبد اللّه محمد بن إسحاق، فان محمدا كان جميل الصورة، بهي المنظر، الا ان قدميه لم يتناسبا مع جمال هيئته فلقب بالطاووس.
ويرجع نسب هذه العائلة إلى الإمام الحسن بن علي (عليه السلام)، فجدهم الاعلى
ص: 21
الملقب بالطاووس محمد بن إسحاق بن الحسن بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط ابن علي بن أبي طالب:
وجدهم داود كان أخا للإمام جعفر الصادق (عليه السلام) من الرضاعة، من أمه أم خالد البربرية التي ينسب إليها دعأ أم داود كما صرح به السيد علي بن طاووس في الاقبال.
كانوا في بداية الامر في سورى (1)، ثم انتقلوا إلى بغداد والحلة وكان للسيد المصنف ولدان أحدهما: علي الملقب برضي الدين، كما يظهر من إجازة السيد عبد الحميد بن فخار له ولابنه على هذا، وكان حيا سنة 741 ه، وقد ذكره صاحب أمل الآمل (2).
وثانيهما أبو الفضل محمد المولود ببغداد سنة 670 ه، وقد ذكرهما صاحب (روضات الجنات). وذكر الثاني صاحب (رياض العلماء) (3) فإنه قال:
رأيت فوائد بخط السيد عبد الكريم على ظهر كتاب (الفتن والملاحم) لعمه رضي الدين بخطه يظهر منها ان له ولدا اسمه أبو الفضل محمد بن عبد الكريم، وان ولادته كانت في طلوع الشمس يوم الاثنين سلخ محرم سنة 670 ه ببغداد وان جده سماه بذلك الاسم.
أقوال العلماء فيه:
كان المصنف، (رحمة اللّه) شاعرا منشئا أديبا، حافظا للسير والأحاديث والاخبار
ص: 22
والحكايات والاشعار، حيث جمع وصنف وألف، وكان يشارك الناس في علومهم، وكانت داره مجمع الأئمة والاشراف. ولا غرو فإنه قد تربى ونشأ في بيت أشتهر بالعلم والأدب، وقد تعاهده والده منذ نعومة أظفاره حتى خرجه عالما فقيها محققا حيث وصفه داود الحلي فقال عنه: (سيدنا الامام المعظم غياث الدين النسابة النحوي، العروضي، الزاهد، العابد أبو المظفر (قدس سره) انتهت رياسة السادات وذوي النواميس إليه، وكان أوحد زمانه، حائري المولد حلي المنشأ بغدادي التحصيل كاظمي الخاتمة).
وقال أيضا: (كنت قرينه طفلين إلى أن توفي (قدس سره) ما رأيت قبله ولا بعده كخلقه وجميل قاعدته وحلو معاشرته ثانيا، ولا لذكائه وقوة حافظته مماثلا، ما دخل في ذهنه شي فكاد ينساه، حفظ القرآن في مدة يسيرة وله أحدى عشرة سنة، استقل بالكتابة واستغنى عن المعلم في أربعين يوما وعمره إذ ذاك أربع سنين ، ولا تحصى مناقبه وفضائله).
اما العلامة الطبرسي فقد وصفه (بنادرة الزمان، وأعجوبة الدهر الخوان، صاحب المقامات والكرامات).
اما صاحب أعيان الشيعة فقد وصفه بقوله: (وكان الأكابر والولاة والكتاب يستضيئون بآرائه وأنواره).
مشايخه:
تخرج، (رحمة اللّه) على يد جماعة من أفاضل العلماء، فقد كانت بداياته الأولى مع والده النقيب، ثم أخذ علومه عن عمه النقيب رضي الدين، والمحقق الحلي، وابن عم المحقق الحلي الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد، والخواجة نصير الدين الطوسي، ومن العامة الشيخ حسين بن اياز والقاضي عميد الدين زكريا بن
ص: 23
محمد القزويني صاحب عجائب المخلوقات والحكيم المحقق الشيخ ميثم شارح نهج البلاغة.
فمنهم الشيخ حسن بن داود (صاحب الرجال)، والشيخ عبد الصمد بن أحمد بن أبي الجيش الحنبلي الراوي عنه أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي، والشيخ علي بن الحسين بن حماد الليثي.
على الرغم من غزارة المترجم في العلم والأدب، وحسن الانشاء وجودة القريض، لم يترجم له من المؤلفات غير ما ذكر له من كتاب (الشمل المنظوم في مصنفي العلوم)، وكتاب (فرحة الغري) في تعيين قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالغري، وأقام فيه البراهين الكثيرة الجليلة عن أهل البيت: على تعيين قبره في النجف الأشرف، ويتضمن الكتاب وقائع تاريخية لا يستغني الباحث عنها. طبع للمرة الثانية بالمطبعة الحيدرية سنة 1368 ه بعد أن طبع أول مرة في إيران سنة 1311 ه ملحقا بكتاب مكارم الأخلاق للطبرسي. ولاقبال العلماء عليه وما تضمنه من القضايا التاريخية لخصه بعض العلماء وسماه (الدلائل البرهانية في تصحيح الحضرة الغروية).
توفي السيد عبد الكريم بن طاووس، (رحمة اللّه) في شوال سنة 693 ه، وكان عمره خمسا وأربعين سنة وشهرين وأياما.
وقبره مشهور عند أهالي الحلة قرب القبر المنسوب لعمه السيد علي بن طاووس في الجهة الجنوبية، لكن أقوال المؤرخين وأصحاب تراجم الرجال: انه
ص: 24
توفي في مشهد الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، وحمل إلى جده الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) ودفن عند أهله، ومن المستبعد حمله من مشهد الإمام الكاظم (عليه السلام) ودفنه في الحلة.
كما هو معروف إن السيد عبد الكريم بن طاووس قدم جهد ا كبيرا في البحث والبحث والتحليل عن موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، جامعا لروايات الأئمة الأطهار، والحوادث التي رافقت القبر منذ الفترة السرية وحتى فترة ظهوره.
وقد سمى هذا الكتاب (فرحة الغري) في تعيين قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في النجف. وقد قال، (رحمة اللّه) عن السبب الذي دفعه إلى تأليف هذا الكتاب بأنه كان ذلك نزولا عند طلب بعض الأماجد والأعيان الأفاضل في ذكر الآثار الدالة على موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام). فقدم هذا الجهد المشكور مع ضيق الوقت وتعب الخاطر كما قال (رضي اللّه عنه)، باحثا ومطابقا للنصوص والروايات المسندة عن العترة المطهرة:، وقال (رحمة اللّه)، في هذا المجال: (ولكني اجتهدت غاية الاجتهاد، ولم آل جهدا بحيث أصل إلى مطابقة المراد، ومن اللّه أسأل عناية عاصمة من الزلل، حاسمة مواد الخطأ والخطل بمنه).
ثم رتب الكتاب على مقدمتين وخمسة عشر بابا.
لقد كان الكتاب من التحف الثمينة والفريدة لما أبدع فيه المؤلف من جمع للأدلة والبراهين الكثيرة الدالة على قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) في النجف الأشرف.
لقد تمت مراجعة النسخ الخطية الموجودة في مكتبة آية اللّه العظمى السيد المرعشي النجفي (قدس سره) ومقابلتهما مع النسخة المطبوعة، وكانت النسخ الخطية
ص: 25
التالية:
(1) النسخة الأولى وتحمل الرقم (6162) وهي من نوع الحجم الكبير، لكنها مخرومة الاخر، لم يذكر الشخص الذي قام باستنساخها، ويظهر أن استنساخها كان في القرن الثالث عشر وقد رمزنا لها بالحرف (ح).
(2) النسخة الثانية وتحمل الرقم (4710) وهي من القطع الصغير وقد كتب ناسخها في نهاية الكتاب (نجز الكتاب بعون الملك الوهاب يوم الرابع عشر من شهر صفر ختم بالخير والظفر سنة سبع وأربعين وتسعمائة هجرية، وذلك في المشهد الشريف المقدس الغري، على مشرفه أفضل الصلوات، وأكمل التحيات.
آمين والحمد لله رب العالمين).
ورمزنا لهذه النسخة بالحرف (ق).
(3) النسخة المطبوعة في النجف الأشرف سنة 1368 ورمزنا لها بالحرف ط.
منهج التحقيق:
لقد قمنا بمراجعة هذه النسخ بعد اعتماد النسخة (ح) هي الأصل، ومطابقتها مع النسخة (ق) والمطبوعة (ط). حيث وجدنا كثيرا من الأخطاء في النسختين (ح) و (ق) ومرد ذلك هم القائمين بالنسخ ليس إلا. كما سقط بعض من سند الحديث وكذلك من المتن، فرجعنا بذلك إلى المصادر المعتبرة التي دونها أشياخنا وأساتذتنا في كتبهم القيمة التي أشرنا إليها في حالة تصحيح ما التبس أو ما سقط من سند أو رواية أو حديث.
وقد أجهدت نفسي غاية الاجهاد في البحث والتنقيب عن الروايات والاخبار التي ذكرها المصنف، كما قمت بترجمة لبعض الاعلام والأماكن الوارد ذكرها في الكتاب، آملا ان يخرج هذا الكتاب في حلته الجديدة ليكون سفرا
ص: 26
خالدا من أسفار أئمة أهل البيت: (عليهم السلام)
كما إني ألتمس القراء عذرا إن كانت هناك هفوة، أو التباس أو سهو أو غيره، حيث الكمال لله وحده (جل شأنه).
وانا الفقير إلى رحمة ربي أسأله المغفرة والرضوان، وأن يكون هذا الجهد المتواضع أعظم وسيلة لي في يوم حشري وفاقتي، يوم لا ينفع مال ولا بنون.
السيد تحسين آل شبيب الموسوي
ص: 27
صورة
صورة الصفحة الأولى من النسخة (ح)
ص: 28
صورة
صورة الصفحة الثانية من النسخة (ح)
ص: 29
صورة
صورة الصفحة الأولى من النسخة (ق)
ص: 30
صورة
صورة الصفحة الثانية من النسخة (ق)
ص: 31
صورة
صورة الصفحة ما قبل الأخيرة من النسخة (ق)
ص: 32
صورة
صورة الصفحة الأخيرة من النسخة (ق)
ص: 33
ص: 34
الحمد لله مظهر الحق ومبديه، ومدحض الباطل ومدجيه، ومسدد الصواب ومسديه، ومشيد بنائه ومعليه، أحمده مجتهدا ولا أصل إلى الواجب فيه، وأثني وما قدر ثنائي حسب ما يفيضه (1) علي ويوليه، والصلاة على رسوله محمد (2) النبي، وعلى آله المقتدين بهديه فيما يذره ويهديه (3).
وبعد: فإن بعض من يجب حقه علي من الصدور الأماجد، والأعيان الأفاضل، طلب مني ذكر ما ورد من الآثار الدالة على موضع مضجع أمير المؤمنين (عليه السلام)، وان أذكر ذلك مستوفي الحدود تام الأقسام، فكتبت ما وصل إليه الجهد وصدق بسطره الوعد، مظهرا ذلك من دائرة غضون (4) الدفاتر، مع ضيق الوقت وتعب الخاطر، مع أن الوارد من ذلك في الكتب شتيت (5) الشمل مجهول المحل.
ولكني اجتهدت غاية الاجتهاد، ولم آل جهدا (6) بحيث أصل إلى طابقة المراد، ومن اللّه تعالى اسأل عناية عاصمة من الزلل، حاسمة مواد الخطأ والخطل
ص: 35
بمنه، ورتبت الكتاب على مقدمتين وخمسة عشر بابا.
المقدمة الأولى: في الدليل على أنه (عليه السلام) في الغري حسب ما يوجبه النظر.
المقدمة الثانية: في السبب الموجب لاخفاء ضريحه (عليه السلام).
وأما الأبواب فهي بهذه:
الباب الأول: في ما ورد عن رسول اللّه (عليه السلام).
الباب الثاني: فيما ورد في ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
الباب الثالث: فيما ورد عن الحسن والحسين (عليهما السلام).
الباب الرابع: فيما ورد عن زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام).
الباب الخامس: فيما ورد عن محمد بن علي الباقر (عليه السلام).
الباب السادس: فيما ورد عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام).
الباب السابع: فيما ورد عن موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام).
الباب الثامن: فيما ورد عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام).
الباب التاسع: فيما ورد عن محمد بن علي الجواد (عليه السلام).
الباب العاشر: فيما ورد عن علي بن محمد الهادي (عليه السلام).
الباب الحادي عشر: فيما ورد عن الحسن بن علي العسكري (عليه السلام).
الباب الثاني عشر: فيما ورد عن زيد بن علي الشهيد.
الباب الثالث عشر: فيما ورد عن الخليفة المنصور والرشيد بن المهدي.
في ذلك، ومن زاره من الخلفاء من بعده حسب ما وقع إلينا.
الباب الرابع عشر: فيما ورد عن جماعة من بني هاشم وغيرهم من العلماء والفضلاء.
الباب الخامس عشر: فيما ظهر عند هذا الضريح المقدس مما هو كالبرهان على المنكر من الكرامات.
ص: 36
في الدليل على أنه (عليه السلام) في الغري حسب ما يوجبه النظر
الذي يدل على ذلك اطباق المنتمين إلى ولا أهل البيت:، ويرون ذلك خلفا عن سلف، وهم ممن يستحيل حصرهم أو التطرق عليهم المواطأة والافتعال، وهذه قضية التواتر التي يحكم عندها بالعلم، وان ذلك ثبت عندهم حسب ما دلهم عليه الأئمة الطاهرون الذين هم عمدتنا في الأحكام الشرعية، والأمور (1) الدينية. ولا فرق بين ذلك وبين قضية شرعية قد تلقيناها بالقبول من جهتهم: بمثل هذا الطريق.
ومهما قال مخالفونا في هذه المقالة من ثبوت معجزات النبي (عليه السلام) (2) وانها معلومة له، فهو جوابنا في هذا الموضع (حذو النعل بالنعل) (3)، (والقذة بالقذة) (4)، ولا يقال لو كان الامر كما تقولون لحصل العلم عندنا مثل (5) ما هو عندكم، لأنا نقول: لا خلاف بيننا وبينكم انه (عليه السلام) دفن سرا، وحينئذ أهل بيته (اعلم
ص: 37
بسره) (1) من غيرهم، والتواتر الذي حصل لنا منهم مما دلوا عليه وأشاروا ببنان البيان إليه، ولو كان الامر كما يزعم مخالفونا لتطرق إليهم اللوم من وجه آخر وذلك إذا كان عندهم انه (2) مدفون في قصر الامارة، أو في رحبة مسجد الكوفة، أو بالبقيع، أو في (كوخ زادوه) (3).
كان يتعين ان يزوره فيها أو في واحد منها، ومن المعلوم ان هذه الأقاويل ليست لواحد، فكان كل قائل بواحد منها على انفراده يزور أمير المؤمنين (عليه السلام) من (4) ذلك الموضع كما يزور معروف الكرخي (5)، والجنيد (6)، والسري
ص: 38
السقطي (1)، وأبا بكر الشبلي (2)، وغيرهم، ولو أنه ممن يهجر زيارة الموتى، أولا يعتقد فضل أمير المؤمنين وعلو محله لما لزمه هذا الالزام.
وكيف يكون حاصلا عندكم (3) التواتر على (4) ما يقولونه، والكتب مملؤة من الاختلاف على ما قدمناه.
ولو فرضنا ان الذي صدر عنه التواتر، والاكما (5) تزعمون يقول خلاف ما
ص: 39
نقوله لم نقبله لان البحث في القبول وعدمه للمتواترات إنما هو قيل من صدر عنه المتواتر، والا لزم التناقض وخاصة إذا كان التواتر لا يلزم منه وفاق الخصم عليه، وأقول أيضا: ان كل ميت أهله اعلم بحاله في الغالب، وهم أولى بذلك من الأباعد الأجانب، فكيف إذا كان أهل البيت: المعنون (1) لهذه المعلومية، وهم الذين (قدرهم راسخ)، وعزهم شامخ، وقدسهم راسخ، لا يفارقهم الكتاب مرافقة أحد الثقلين للاخر اتحادا وموافقة.
وقد حكى أبو عمر الزاهد (2) في كتاب (اليواقيت) عن ثعلب معنى الثقلين، قال: سمي بذلك لان الاخذ بهم ثقيل، ولا شك ان عترته وشيعته متفقون على أن موضع (3) قبره لا يرتابون به أصلا، ويرون عنده آثارا تدل على صدق قولهم وهي كالحجة على المنكر المحاول للتعطيل، واعجب الأشياء انه لو وقف الناس على قبر مجهول وقال: هذا قبر اي؟ رجع فيه إلى قوله، وكان مقبولا لارتياب فيه عند سامعه، ويقول أهل بيته المعظمون (4) الأئمة ان هذا قبر والدنا ولا يقبل منه،
ص: 40
ويكون الأجانب الأباعد المناوؤن اعلم به. ان هذا من غريب القول فهو غير ملوم إنما ستر منه وكتم عنه ولما (1) يحط به علما، ولو ادعى العلم الحال هذه كان غير صادق، ولكنه لما جهل الحال كل منه استخرج قولا وأجراه مجرى الاجتهاد في الاحكام لما رأى عنده من المرجح له وان لم يكن له علم بالحقيقة به كما ذكرنا.
ونقل الناقل عن هذا الجهال بالامر على ما عنده من جهالته، واستمرت القاعدة الجهلية من تلك الطبقة إلى الطبقة الثانية تلقيا لذلك الجهل الأول، فأهله وأعيان خواصه أولى بالمعرفة وأدرى، وهذا واضح لا اشكال فيه ولا مرأ.
وقد ذكرنا مأتي السبب الذي أوجب اخفاء قبره (عليه السلام)، ولا شك ان ذلك سبب الاختلاف فيه والأئمة الطاهرون: لو أشاروا إلى خبر أجنبي لقلدوا فيه، فكيف وهم الأئمة والأولاد! فله (2) أرجحية من جهتين ظاهرتين، وهذا القدر كاف ولو أردنا تشعب المقال لأطلنا، ولكن ما دل وقل أولى مما كثر فمل.
ص: 41
ص: 42
في السبب الموجب لاخفاء قبره (عليه السلام)
قد تحقق وعلم ما كان قد جرى لأمير المؤمنين (عليه السلام) من الوقائع العظيمة الموجبة للشحناء، والعداوة والبغضاء (1)، والحق مرد ذلك من حيث قتل عثمان
ص: 43
يوم (الدار) (1) سنة 35 ه أولها الجمل وثانيها صفين، وثالثها النهروان، وادى ذلك إلى خروج أهل النهروان عليه وتدينهم بمحاربته وبغضه وسبه وقتل من ينتمي إليه، كما جرى لعبد اللّه بن الخباب بن الأرت وزوجته، وهؤلاء يعملونه تدينا غير متوصلين بذلك إلى رضى أحد، حتى سبوا عثمان (2) من جهة تغيره في السنين الست من ولايته حيث لم يشكروا قاعدته فيها وذلك مذكور في كتب السير، فقد مضى ذلك عندهم سبه وسب علي بن أبي طالب (3) لتحكيمه، وعذره في ذلك عذر النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) يوم قريضة وليس هذا موضع البحث فقتله عبد الرحمن (4) بن عمرو بن ملجم بن قيس بن مكشوح بن نضر بن كلدة بن حميرة والقصة مشهورة.
ولما أحضر ليقتل قال الثقفي في كتاب (مقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) ونقلته من نسخة عتيقة تاريخها سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وذلك على أحد القولين:
ان عبد اللّه بن جعفر قال: دعوني اشفي بعض ما في نفسي عليه، فرفع إليه فأمر بمسمار تحمى (5)، فأحمي بالنار ثم كحله، فجعل ابن ملجم يقول: تبارك الخالق الانسان من علق، يا ابن أخ! انك لتكحل بملول ممض! ثم أمر بقطع يده ورجله فقطع ولم يتكلم، ثم أمر بقطع لسانه فجزع، فقال له بعض الناس: يا عدو اللّه!
ص: 44
كحلت عيناك (1) بالنار وقطعت يداك ورجلاك فلم تجزع! فجزعت من قطع لسانك!.
فقال لهم: يا جهال! اما واللّه ما جزعت لقطع (2) لساني ولكني أكره ان أعيش في الدنيا فواقا لا أذكر اللّه فيه (3)! فلما قطع لسانه أحرق بالنار (4).
فمن هذه حالة وحال أمثاله في التدين، فكيف لا يخفى قبره حذار اذى يصدر منهم إليه حتى أنه على ما أخبرني به عبد الصمد بن أحمد عن أبي الفرج ابن الجوزي قال:
ص: 45
قرأت بخط أبي الوفاء بن عقيل قال: جئ (1) بابن ملجم إلى الحسن (2) قال له (3): اني أريد ان أسارك بكلمة، فأبى الحسن (4) وقال: انه يريد ان يعض اذني، فقال ابن ملجم: واللّه لو مكنني منها لاخذتها من صماخه!.
فإذا كان هذا فعاله في الحال التي هو عليها مترقبا للقتل وحقده كذي (5) فكيف يكون من هو محل الرابطة؟!.
فهذه حال الخوارج الذين يقضون بذلك حق أنفسهم، فكيف يكون حال أصحاب معاوية بن أبي سفيان وبني أمية والملك لهم (6) والدولة إليهم، ملاك زمامها، وعلى رؤوسهم منشور اعلامها، يجبى إليهم ثمرات التقربات ويرون المبالغة في اعفاء الآثار من أعظم القربات، ويدل على الأول ما ذكره عبد الحميد ابن أبي الحديد في (شرح النهج البلاغة) (7) فقال: قال أبو جعفر الإسكافي: ان
ص: 46
معاوية بذل لسمرة بن جندب (1) مائة ألف درهم حتى يروي ان هذه الآية نزلت في علي (عليه السلام) (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيُشهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرضِ ليُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ الحَرثَ والنَّسلَ وَاللّهُ لا يُحبُّ الفَسَادَ) (2).
وان الآية الثانية نزلت في ابن ملجم (3) وهو قوله تعالى (وَمِن النَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ابتِغَاءَ مَرضَاتِ اللّهِ) (4). فلم يقبل، فبذل له مائتي الف فلم يقبل فبذل له ثلاثمائة الف فلم يقبل، فبذل له أربعمائة الف فقبل.
ويدل الثاني ما ذكره الثقفي في الكتاب المذكور، قال: حدثنا إسماعيل بن أبان الأزدي، قال: حدثنا عتاب (5) بن كريم التميمي، قال: حدثنا الحارث بن خضرة، قال: حفر صاحب شرطة الحجاج حفيرا (6) فاستخرج شيخا ابيض الرأس واللحية، فكتب إلى الحجاج: اني حفرت فاستخرجت شيخا ابيض
ص: 47
الرأس واللحية، وهو علي بن أبي طالب، فكتب إليه الحجاج: كذبت أعد الرجل من حيث استخرجته، فأن الحسن بن علي حمل أباه من حيث خرج إلى المدينة (1).
أقول: وهذا غير صحيح لان نبش الميت لا يجوز بعد دفنه، فكيف يفعل ما لا يجوز، بهذا كاف في البطلان. وهذا الخبر أوردناه شاهدا على تتبعهم له إلى هذه الغاية، ولو ترجح في خاطره انه لأظهر المخبات (2) فيه ولا اعتراض به، ولأنها (3) ورد في أمثاله في النقل في قول أبي اليقظان: انه في قصر الامارة، ولا انه مدفون بالرحبة مما يلي أبواب كندة (4)، ولا إلى ما قاله الفضل بن دكين (5): انه بالبقيع، ولا إلى ما قاله صاحب ترعة الشراب انه: بالحيف، ولا إلى ما قال إنه (6):
بمشهد (كوخ زادوه) (7) قريبا من النعمانية، ولا إلى ما قاله الخطيب عن بعضهم:
أن طيا نبشوه فتوهموه مالا (8)، لأنها أقوال مبنية على الرجم بالغيب، ان يظنون الا ظنا ومالهم به من علم. وسيأتي تحقيق ذلك وصحة النقل به.
قال المولى المعظم فريد عصره، ووحيد دهره، عزة آل أبي طالب غياث الدنيا والدين أبو المظفر عبد الكريم بن أحمد بن طاووس (أدام اللّه اقباله) (9):
ص: 48
والذي بنى مشهد الكرخ الحاجب شباشي (1) مولى شرف الدولة أبي الفوراس بن عضد الدولة، وبنى قنطرة الياسرية ووقف دباها (2) على المارستان، وسد بثق (3) الخالص، وحفر ذنابة دجيل، وساق الماء إلى مشهد موسى بن جعفر (عليه السلام)، ولا يقال إن الحجاج إنما تركه لكونه عنده معلوما انه بالبقيع، لأنني أقول: لو كان ذلك كما قال لكان ظاهرا مشارا إليه، أو كان الأئمة: قد دلوا بعد مدة عليه، وإنما كلامه على الظن ولا ريب ان الستر أوجب ذلك وحصل بحمد اللّه، وحال الحجاج وما فعله مع (4) شيعة علي وتتبعه لهم أظهر من أن يدل عليه.
1 - ورأيت حكاية يليق ذكر ها، وذكرها والدي (رضي اللّه عنه) في كتابه (نور الاقاحي النجدية) فقال: هشام بن السائب الكلبي (5) عن أبيه قال: أدركت بني أود وهم يعلمون أبناءهم وحرمهم (6) سب علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وفيهم رجل من رهط عبد اللّه بن إدريس بن هاني، فدخل على الحجاج بن يوسف يوما فكلمه بكلام،
ص: 49
فأغلظ له الحجاج في الجواب، فقال له: لا تقل هذا أيها الأمير، فلا لقريش ولا لثقيف منقبة يعتدون بها الا ونحن نعتد بمثلها، قال له: وما مناقبكم؟ قال: ما ينقص عثمان ولا ذكر (1) بسؤ في نادينا قط، قال: هذه منقبة، (قال: وما رؤي منا خارجي قط، قال: ومنقبة) (2) قال: وما شهد منا مع أبي تراب مشاهده الا رجل واحد فأسقطه ذلك عندنا وأخمله، فماله فينا (3) قدر ولا قيمة.
قال: وما أراد منا رجل قط ان يتزوج امرأة الا سئل عنها هل تحب أبا تراب أو تذكره بخير، فإن قيل إنها تفعل ذلك اجتنبها فلم يتزوجها، قال:
ومنقبة.
قال: وما ولد فينا ذكر فسمي عليا ولا حسنا ولا حسينا، ولا ولدت فينا جارية فسميت فاطمة! قال: ومنقبة.
قال: ونذرت منا امرأة حين أقبل الحسين إلى العراق إن قتله اللّه أن تنحر عشر جزر (4)، فلما قتل وفت بنذرها!! قال: ومنقبة.
قال: ودعي رجل منا إلى البراءة من علي ولعنه فقال: نعم وأزيد (5) حسنا وحسينا! قال: ومنقبة.
قال: قال لنا أمير المؤمنين عبد الملك: أنتم الشعار دون الدثار، وأنتم الأنصار بعد الأنصار، قال: ومنقبة، قال: وما بالكوفة ملاحة إلا ملاحة بني أود،
ص: 50
فضحك الحجاج (1).
قال هشام بن (2) الكلبي: قال لي أبي: فسلبهم اللّه ملاحتهم!! أقول: وقد كان معاوية ابن أبي سفيان يسب علي بن أبي طالب (صلوات اللّه عليه) (3) ويتبع أصحابه مثل:
ميثم التمار (4).
وعمرو بن الحمق (5).
ص: 51
وجويرية بن مزهر (1).
ورشيد الهجري (2). ويقنت بسبه في الصلاة.
2 - أخبرني بذلك العدل محمد بن محمد بن علي الزيات (3) الواعظ، عن الحسن بن إسحاق بن موهوب بن الجواليقي، عن القاضي ابن عبد اللّه محمد، عن القاضي عبد اللّه بن محمد بن البيضاوي، عن المبارك بن عبد الجبار الصيرفي، عن أحمد بن عبد الواحد الوكيل، عن أبي الحسن علي بن محمد (بن عقبة بن همام) (4)
ص: 52
بن هشام الشيباني، عن سليمان بن الربيع بن هشام النهدي، عن نصر بن مزاحم التيمي (1) في كتاب (صفين).
قال: وكان معاوية إذا قنت لعن عليا (2) وابن عباس وقيس بن سعد والحسن والحسين ولم ينكر ذلك عليه، اما خوفا من مؤمن أو اعتقادا من جاهل (3). 3 - وكان (خالد بن) (4) بن عبد اللّه بن يزيد بن أسد بن كريز (5) بن عامر بن عبد اللّه بن عبد شمس بن غمغمة بن جرير بن شق بن صعب (6) ابن رهم بن أفرك بن بدر بن قسر القسري يقول على المنبر:
إلعنوا علي بن أبي طالب فإنه لص بن لص! (بضم اللام)، فقام إليه أعرابي فقال: واللّه ما أعلم من شي أعجب من سبك علي بن أبي طالب (7)، أم معرفتك بالعربية؟! (8).
ص: 53
وقال الكراجكي في كتاب (التعجب) (1) ما مناه، مسجد الذكر بمصر وهو معروف في موضع يعرف بسوق وردان، وإنما سمي مسجد الذكر لان الخطيب سها يوم الجمعة عن سب علي بن أبي طالب (2) على المنبر، فلما وصل إلى موضع المسجد المذكور، وذكر انه لم يسبه فوقف وسبه هناك قضاء لما نسيه، فبني الموضع وسمي بذلك. وقال: مررت به في بعض السنين فرأيت فيه سرجا كثيرة وآثار بخور، وذكر لي أنه يؤخذ من ترابه ويتشافى (3) به، ثم جدد بنيانه بعد ذلك وعظم أمره، ويسمون إلى الان يوم الجمعة يوم السب بالشام.
فاقتضى ذلك أن أوصى بدفنه (عليه السلام) سرا خوفا من بني أمية وأعوانهم، والخوارج، وأمثالهم، فربما لو نبشوه مع علمهم بمكانه، حمل ذلك بني هاشم على المحاربة، والمشاققة التي أغضى عنها (عليه السلام) في حال حياته، فكيف لا يوصي (4) بترك ما فيه مادة (5) النزاع بعد وفاته، وقد كان في طي قبره فوائد لا تحصى غير معلومة لنا بالتفصيل، وقد كان عرفت قصة الحسن (6) في دفنه بالبقيع، حيث أوصى بذلك بعد أن جرى نزاع في دفنه عند جده طلبا لقطع مواد الشر، فلما علم أهل بيته (عليهم السلام): انه متى ظهر وعرف لم يتوجه إليه الا التعظيم والتبجيل، لا جرم انهم أظهروه ودلوا عليه من حيث اعتمدوا ذلك وزال الخوف
ص: 54
والحذر، بدليل وجود التعظيم والزيارة له والميل بالقلوب من حيث ظهروا إلى الان، وكلما جاء الامن زاد التعظيم وكبر (1)، وهذا كاف إن شاء اللّه تعالى، وستأتي أحاديث تدل على هذا ذكر ت في مواضعها (2).
ص: 55
4 - قد ذكرت في الاخر، ورأيت في كتاب عن الحسن بن الحسين بن طحال المقدادي، قال: روى الخلف عن السلف عن ابن عباس، ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال لعلي (1):
يا علي، ان اللّه (2) عرض مودتنا أهل البيت على السماوات والأرض، فأول من أجاب منها السماء السابعة فزينها بالعرش والكرسي، ثم السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور، ثم السماء الدنيا فزينها بالنجوم، ثم أرض الحجاز فشرفها ببيت المقدس، ثم أرض طيبة فشرفها بقبري، ثم بأرض كوفان فشرفها بقبرك يا علي.
فقال له: يا رسول اللّه أقبر بكوفان العراق؟ فقال له: نعم يا علي. تقبر بظاهرها قتلا بين الغريين والذكوات البيض (3)،
ص: 56
يقتلك شقي هذه الأمة عبد الرحمن بن ملجم (1)، فوالذي بعثني بالحق نبيا ما عاقر ناقة صالح بأعظم عقابا منه، يا علي ينصرك من العراق مائة الف سيف (2) وهذا خبر حسن كاف في هذا المكان ناطق بالحجة والبرهان.
ص: 57
5 - روى أبو عبد اللّه محمد بن علي بن الحسن (1) بن عبد الرحمن العلوي الحسني (2) في كتاب (فضل الكوفة)، بإسناد رفعه إلى عقبة بن علقمة (3)، قال:
اشترى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ما بين الخورنق (4) إلى الحيرة إلى الكوفة، وفي حديث آخر بين النجف إلى الحيرة إلى الكوفة، من الدهاقين بأربعين ألف درهم وأشهد على شرائه، قال: فقيل له: يا أمير المؤمنين تشتري بهذا المال وليس ينبت قط؟ فقال: سمعت من رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) يقول:
كوفان (5) يرد أولها على أخرها، يحشر من ظهرها سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، فاشتهيت ان يحشروا في ملكي.
ص: 58
هذا الحديث فيه إناس بما نحن (1) بصدده، وذلك ذكره ظهر الكوفة إشارة (2) إلى ما خرج عن العمارة إلى حيث ذكر.
والكوفة مصرت سنة سبع عشرة من الهجرة، ونزلها سعد في محرمها، وأمير المؤمنين دخلها سنة ست وثلاثين، فدل على أنه اشترى ما خرج عن الكوفة الممصرة، فدفنه بملكه أولى وهو إشارة إلى دفن الناس عنده. وكيف يدفن بالجامع ولا يجوز، أو بالقصر وهو عمارة الملوك، ولم يكن داخلا في الشراء لأنه معمور من قبل.
6 - وذكر محمد بن أحمد بن داود القمي في كتابه ما صورته قال (3): أخبرني محمد بن علي بن الفضل قال: أخبرنا علي بن الحسين بن يعقوب من بني (4) خزيمة قراءة عليه، قال: حدثنا جعفر بن أحمد بن يوسف الأودي، قال: حدثنا علي بن (بزرج الخياط) (5) قال: حدثنا عمرو بن اليسع، قال: جاءني سعد الإسكافي فقال: يا بني تحمل الحديث؟ قلت: نعم، فقال: حدثني أبو عبد اللّه (عليه السلام) قال:
لما أصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) قال للحسن والحسين (عليهما السلام): غسلاني وكفناني
ص: 59
وحنطاني واحملاني على سريري، واحملا مؤخره تكفيان مقدمه (1).
7 - وفي رواية الكليني (2)، عن علي بن محمد، رفعه قال:
قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): لما غسل أمير المؤمنين (3) ثم نودوا من جانب البيت، إن أخذتم مقدم السرير كفيتم مؤخره، وأن أخذتم مؤخره كفيتم مقدمه (رجعنا إلى تمام الحديث) فإنكما تنتهيان إلى قبر محفور، ولحد ملحود، ولبن موضوع، فألحداني وأشرجا علي اللبن، وأرفعا لبنة مما عند رأسي فانظرا ما تسمعان، فأخذا اللبنة من عند الرأس بعدما أشرجا عليه اللبن فإذا ليس في القبر شي، وإذا هاتف يهتف (4): (أمير المؤمنين كان عبدا صالحا فألحقه اللّه (عزو جل) بنبيه (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، وكذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء (5)، حتى لو أن نبيا مات في الشرق ومات وصيه في الغرب لألحق اللّه الوصي بالنبي) (6).
8 - وقال أيضا: حدثنا سلامة، قال: حدثنا محمد بن جعفر المؤدب عن
ص: 60
محمد بن أحمد بن يحيى بن يعقوب بن زيد بن علي بن أسباط، عن أحمد بن خباب قال: نظر أمير المؤمنين إلى ظهر الكوفة فقال: (ما أحسن ظهرك وأطيب قعرك، اللّهم اجعل قبري فيها) (1).
9 - وذكر الفقيه محمد بن معد الموسوي (رضي اللّه عنه) قال: رأيت في بعض الكتب الحديثية القديمة ما صورته: حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد العزيز بن عامر الدهان (2)، قال: حدثنا علي بن عبد اللّه الأنباري، قال: حدثني محمد بن أحمد بن عيسى ابن أخ الحسن بن يحيى، قال:
حدثني محمد بن الحسن الجعفري قال: وجدت في كتاب أبي، وحدثتني أمي عن أمها، أن جعفرا بن محمد حدثها: ان أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر ابنه الحسن بن علي ان يحفر له أربع قبور في أربع مواضع، في المسجد، وفي الرحبة، وفي الغري، وفي دار جعدة بن هبيرة، وإنما أراد بهذا الا يعلم أحد من أعدائه موضع قبره (3).
أقول: وهذا الكلام كان سرا وإلا لو ظهر ذلك أولا (4) لطلبوه منها، ولكن الوجه فيه ما ذكرته.
10 - وذكر جعفر بن مبشر في كتابه في نسخة عتيقة عندي ما صورته:
قال: قال المدائني: عن أبي زكريا، عن أبي بكر الهمداني، عن الحسين بن علوان، عن سعيد بن طريف، عن الأصبغ بن نباته وعبد اللّه بن محمد، عن علي ابن اليمان، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي والقاسم بن
ص: 61
محمد المقري، عن عبد اللّه بن يزيد (1)، عن المعافا بن (2) عبد السلام، عن أبي عبد اللّه الجدلي، قال (3):
استنفر علي بن أبي طالب (عليه السلام) الناس في قتال معاوية في الصيف وذكر الحديث مطولا، وقال في آخره أبو عبد اللّه الجدلي وقد حضره (عليه السلام) وهو يوصي الحسن فقال:
يا بني اني ميت من ليلتي هذه، فإذا انا مت فغسلني وحنطني بحنوط جدك (4) وكفني وضعني على سريري ولا يقربن أحد منكم مقدم السرير فإنكم تكفونه، فإذا (حمل المقدم) (5) فاحملوا المؤخر، ويتبع المؤخر المقدم حيث ذهب. فإذا وضع المقدم فضعوا المؤخر ثم تقدم اي بني فصل علي وكبر سبعا فإنها لا (6) تحل لاحد من بعدي إلا لرجل من ولدي يخرج في آخر الزمان يقيم اعوجاج الحق، فإذا صليت فخط حول سريري ثم أحفر لي قبرا في موضعه إلى منتهى كذا وكذا، ثم شق لحدا فإنك تقع على ساجة منقورة ادخرها لي أبي نوح وضعني في الساجة، ثم ضع علي (سبع لبنات) (7) كبار، ثم أرقب هنيئة ثم انظر فإنك لن تراني في لحدي (8).
ص: 62
11 - ووجدت مرويا عن (ابن بابويه) (1) ما هو أظهر من هذا في معناه:
حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي بالكوفة، قال: حدثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، قال: حدثني علي بن حامد الوراق، قال: حدثنا أبو السري إسماعيل بن علي بن قدامة المروزي، قال: حدثنا أحمد بن علي بن ناصح، قال: حدثني جعفر بن محمد الأرمني، عن موسى بن سنان الجرجاني، عن أحمد بن علي المقري، عن أم كلثوم (2) بنت علي قالت:
آخر عهد أبي إلى أخوي (عليهما السلام) ان يا بني إذا (3) انا مت فغسلاني ثم نشفاني بالبردة التي نشفتم (4) بها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وفاطمة (5)، ثم حنطاني وسجياني على سريري، ثم انظرا حتى إذا ارتفع لكما مقدم السرير فاحملا مؤخره، قالت: فخرجت أشيع جنازة أبي، حتى إذا كنا بظهر الغري، ركن المقدم (6) فوضعنا المؤخر، ثم برز الحسن بالبردة التي نشف بها رسول اللّه
ص: 63
وفاطمة، فنشف بها أمير المؤمنين (1)، ثم اخذ المعول فضرب ضربة فانشق القبر عن ضريح فإذا هو بساجة مكتوب عليها (سطران بالسريانية): (2) (بسم اللّه الرحمن الرحيم - هذا قبر (3) ادخره نوح النبي (صلى اللّه عليه) لعلي وصي محمد قبل الطوفان بسبعمائة عام).
قالت أم كلثوم: فانشق القبر فلا أدري أغار سيدي في الأرض، أم أسري به إلى السماء، إذ سمعت ناطقا لنا بالتعزية يقول (4): أحسن اللّه لكم العزاء في سيدكم وحجة اللّه (5) على خلقه.
ص: 64
12 - أخبرني العم السعيد رضي الدين علي بن طاووس في صفر سنة ثلاث وستين وستمائة، عن السيد محمد بن عبد اللّه بن زهرة الحسيني، عن محمد بن الحسن أبي الحارث العلوي، عن القطب الراوندي، عن ذي الفقار بن معبد، عن المفيد محمد بن النعمان (1)، قال: ما رواه عباد بن يعقوب الراوجني، قال: حدثنا (حيان ابن علي العنزي) (2)، قال: حدثنا مولى لعلي بن أبي طالب،
ص: 65
قال:
لما حضرت أمير المؤمنين الوفاة، قال للحسن والحسين: إذا انا مت فاحملاني على سرير، ثم أخرجاني واحملا مؤخر السرير، فإنكما تكفيان مقدمه، ثم آتيا بي الغريين (1) فإنكما ستريان صخرة بيضاء فاحتفروا فيها فإنكما ستجدان فيها ساجة فادفناني فيها، قال: فلما مات أخرجناه وجعلنا نحمل مؤخر السرير ونكفى مقدمه، وجعلنا نسمع دويا وحفيفا حتى أتينا الغريين، فإذا صخرة بيضاء تلمع نورا، فاحتفرنا، فإذا ساجة مكتوب عليها: (ما (2) ادخره نوح لعلي بن أبي طالب (3)). فدفناه فيها وانصرفنا ونحن مسرورون بإكرام اللّه تعالى لأمير المؤمنين، فلحقنا قوم من الشيعة لم يشهدوا الصلاة عليه، فأخبرنا لهم بما جرى وبإكرام اللّه تعالى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقالوا: نحب ان نعاين من امره ما عاينتم، فقلنا لهم: إن الموضع قد عفى أثره بوصية منه (عليه السلام)، فمضوا وعادوا إلينا فقالوا: انهم احتفروا فلم يروا شيئا (4).
13 - وبالاسناد عن جعفر بن محمد بن قولويه (5)، قال: حدثني محمد (6)
ص: 66
بن الحسن، عن محمد بن الحسين (1) الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن الحسين الخلال، عن جده، قال:
قلنا للحسن بن علي (صلوات اللّه عليه) (2)، أين دفنتم أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه)؟ فقال: خرجنا به ليلا حتى مررنا على مسجد الأشعث، حتى خرجنا إلى ظهر ناحية الغري (3).
14 - وأخبرني الوزير السعيد خاتم العلماء نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي (طيب اللّه مضجعه)، عن والده، عن الامام فضل اللّه الحسني الراوندي، عن ذي الفقار بن معبد، عن الطوسي (ومن خطه نقلت) عن محمد بن النعمان، عن (محمد بن أحمد بن داود) (4)، عن محمد بن نكار النقاشي، قال:
حدثنا الحسن ابن محمد الفزاري، قال: حدثني الحسن بن علي النحاس، قال:
حدثنا جعفر بن الرماني، قال: حدثني يحيى (5) الحمامي، قال: حدثني محمد بن عبيد الطيالسي، عن مختار التمار، عن أبي مطر قال:
لما ضرب ابن ملجم الفاسق أمير المؤمنين، قال له الحسن: أقتله؟ قال:
لا، ولكن احبسه، فإذا مت فأقتلوه (6)، فإذا مت فادفنوني في هذا الظهر في قبر
ص: 67
أخوي هود وصالح (1).
15 - بالاسناد عن محمد بن أحمد بن داود، عن محمد بن بكران، عن علي بن يعقوب، عن علي بن الحسن، عن أخيه، عن أحمد بن محمد، عن عمر الجرجاني عن الحسن بن علي بن أبي طالب (2)، قال:
سألت الحسن بن علي: أين دفنتم أمير المؤمنين؟ قال: على شفير الجرف، ومررنا به ليلا على مسجد الأشعث، وقال: ادفنوني في قبر أخي هود (3).
16 - ونقلته أيضا من خط الطوسي (4)، أخبرني عبد الرحمن (بن (5) احمد
ص: 68
بن أبي البركات الحنبلي، (عن عبد العزيز بن الأخضر الحنبلي، عن محمد بن ناصر السلامي الحنبلي) (1)، قال: أخبرنا أبو الغنايم محمد بن ميمون البرسي، قال: أخبرنا الشريف أبو عبد اللّه محمد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن الشجري، أخبرنا أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الجعفي، وأبو الحسن محمد بن الحسن بن غزال الوراق الحارثي (2)، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني الحافظ، قال: أخبرنا يحيى بن الحسن العلوي، قال:
حدثني يعقوب بن يزيد، قال، حدثني ابن عمير يعني الثقفي، عن حسين الخلال، عن جده، قال:
قلت للحسين بن علي: أين دفنتم أمير المؤمنين؟ قال: (خرجنا به (3) إلى الظهر بجنب الغري) (4).
ص: 69
17 - أخبرني الوزير السعيد العلامة (نصير الملة والدين) محمد بن أبي بكر محمد بن الحسن الطوسي (قدس اللّه روحه) (1)، عن والده، عن السيد فضل اللّه الحسني، عن ذي الفقار بن معبد، عن الطوسي (2)، عن المفيد، عن محمد بن أحمد بن داود القمي، قال: أخبرنا محمد بن علي بن الفضل الكوفي، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن روح القزويني (من لفظه بالكوفة)، قال: حدثنا أبو القاسم النقاش بقزوين قال: حدثني الحسين بن سيف بن عميره، عن أبيه سيف، عن جابر بن يزيد الجعفي قال:
قال أبو جعفر (عليه السلام): مضى أبي علي بن الحسين (3) إلى قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) بالمجاز وهو من ناحية الكوفة، فوقف عليه ثم بكى وقال:
السلامُ عليكَ يا أمير المؤمنينَ، (ورحمةُ اللّهِ وبركاتُهُ) (4)، السلامُ عليكَ يا أمين اللّه في أرضهِ وحجتهُ على عبادِه، يا أمير المؤمنين! جاهدتَ في اللّهِ حقَّ جهادهِ، وعملتَ بِكتابه، واتَّبعتَ سُنَنَ (5) نبيِّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، حتَّى دَعاكَ اللّه إلى جِواره،
ص: 70
فَقَبَضَكَ (اللّه إليه جل ذكره) (1) باختياره، وَأَلْزَمَ أَعْداءَكَ الْحُجَّةَ مَعَ مَا لَكَ مِنَ الْحُجَجِ الْبالِغَةِ عَلَىٰ جَمِيعِ خَلْقِهِ،اللّٰهُمَّ فَاجْعَلْ نَفْسِي مُطْمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ، راضِيَةً بِقَضائِكَ، مُولَعَةً بِذِكْرِكَ وَدُعائِكَ، مُحِبَّةً لِصَفْوَةِ أَوْلِيائِكَ، مَحْبُوبَةً فِي أَرْضِكَ وَسَمائِكَ، صابِرَةً عَلَىٰ نُزُولِ بَلائِكَ، شاكِرَةً لِفَواضِلِ نَعْمائِكَ، ذاكِرَةً لِسَوابِغِ(2) آلائِكَ ، مُشْتاقَةً إِلىٰ فَرْحَةِ لِقائِكَ، مُتَزَوِّدَةً التَّقْوىٰ لِيَوْمِ جَزائِكَ، مُسْتَنَّةً بِسُنَنِ أَوْلِيائِكَ، مُفارِقَةً لِأَخْلاقِ أَعْدائِكَ، مَشْغُولَةً عَنِ الدُّنْيا بِحَمْدِكَ وَثَنائِكَ.
ثمّ وَضع خدّه علی القبر وَقال: اَللّهُمَّ اِنَّ قُلُوبَ الْمُخْبِتينَ اِلَيْكَ والِهَةٌ، وَسُبُلَ الرّاغِبينَ اِلَيْكَ شارِعَةٌ، وَاَعْلامَ الْقاصِدينَ اِلَيْكَ واضِحَةٌ، وَاَفْئِدَةَ الْعارِفينَ مِنْكَ فازِعَةٌ، وَاَصْواتَ الدّاعينَ اِلَيْكَ صاعِدَةٌ، وَاَبْوابَ الاِجابَةِ لَهُمْ مُفَتَّحَةٌ، وَدَعْوَةَ مَنْ ناجاكَ مُسْتَجابَةٌ، وَتَوْبَةَ مَنْ اَنابَ اِلَيْكَ (3) مقبولة، وعبرة من بكى من خوفك مرحومة، والإغاثة لمن استغاث بك موجودة (4)، (وَالْإِعانَةَ لِمَنِ اسْتَعانَ بِكَ مَبْذُولَةٌ) (5)، وَعِداتِكَ لِعِبادِكَ مُنْجَزَةٌ، وَزَلَلَ مَنِ اسْتَقالَكَ مُقالَةٌ، وَأَعْمالَ الْعامِلِينَ لَدَيْكَ مَحْفُوظَةٌ، (وَأَرْزاقَكَ إِلَى الْخَلائِقِ) (6) مِنْ لَدُنْكَ نازِلَةٌ، وَعَوائِدَ الْمَزِيدِ إِلَيْهِمْ واصِلَةٌ، وَذُنُوبَ الْمُسْتَغْفِرِينَ مَغْفُورَةٌ، وَحَوائِجَ خَلْقِكَ عِنْدَكَ مَقْضِيَّةٌ، وَجَوائِزَ السَّائِلِينَ عِنْدَكَ مُوَفَّرَةٌ، وَعَوائِدَ الْمَزِيدِ مُتَواتِرَةٌ، وَمَوائِدَ الْمُسْتَطْعِمِينَ مُعَدَّةٌ، وَمَناهِلَ الظِّماءِ مُتْرَعَةٌ ،اللّٰهُمَّ فَاسْتَجِبْ دُعائِي،وَاقْبَلْ ثَنائِي، وَاجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ
ص: 71
أَوْلِيائِي، بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَفاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ إِنَّكَ وَلِيُّ (1)نَعْمائِي، (وَمُنْتَهَىٰ مُنايَ، وَغايَةُ رَجائِي) (2) فِي مُنْقَلَبِي وَمَثْوَايَ (3).
قال جابر: قال (4) الباقر (عليه السلام): ما قاله أحد من شيعتنا عند قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، أو عند قبر أحد من الأئمة:، إلا رفع في درج من نور، وطبع عليه بطابع محمد (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، حتى يسلم إلى القائم (عليه السلام)، فيلتقي صاحبه بالبشرى والتحية والكرامة، ان تعالى (5).
- وأخبرنا علي بن بلال المهلبي، قال: حدثنا أحمد بن علي بن مهدي الرقي بمصر، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، قال:
حدثني أبي عن أبيه (6) أبي جعفر (عليه السلام)، قال: زار أبي علي بن الحسين (عليه السلام) وذكر زيارته هذه لأمير المؤمنين (7).
18 - (قال) (8) ابن أبي قرة (رحمه اللّه)، (9) في مزاره ما صورته:
قال: أخبرنا محمد بن عبد اللّه، قال: أخبرنا إسحاق بن محمد بن مروان الكوفي الغزال، قال: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا الحسن بن سيف بن عميرة، عن أبيه، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) (10)، قال:
ص: 72
كان أبي علي بن الحسين (عليه السلام) (1) قد أتخذ منزله من بعد قتل أبيه الحسين بن علي (عليه السلام) بيتا من الشعر، وأقام بالبادية، فلبث بها عدة سنين كراهية الناس وملابستهم (2)، وكان يصير من البادية بمقامه بها إلى العراق زائرا لأبيه وجده (عليهما السلام) ولا يشعر بذلك من فعله. قال محمد بن علي: فخرج (عليه السلام) متوجها إلى العراق لزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنا معه وليس معنا ذو روح إلا الناقتين، فلما انتهى إلى النجف من بلاد الكوفة وصار إلى مكان منه فبكى حتى أخضلت لحيته من (3) دموعه، ثم قال:
السَّلامُ علیكَ یا أمیرَ المُؤمنینَ ورحمة اللّه وبركاته، اَلسَّلامُ عَلَیْكَ یا اَمینَ اللّهِ فی اَرْضِهِ، وَحُجَّتَهُ (عَلی عِبادِهِ) (4)، أَشْهَدُ أَنَّكَ جَاهَدْتَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فِی اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ، وَ عَمِلْتَ بِكِتَابِهِ، وَ اتَّبَعْتَ سُنَنَ نَبِیِّهِ (صلی اللّٰه علیه و آله وسلم) حَتَّی دَعَاكَ اللَّهُ إِلَی جِوَارِهِ، فَقَبَضَكَ إِلَیْهِ بِاخْتِیَارِهِ، لَكَ كَرِیمَ ثَوَابِهِ، وَ أَلْزَمَ أَعْدَاءَكَ الْحُجَّةَ مَعَ مَا لَكَ مِنَ الْحُجَجِ الْبَالِغَةِ عَلى جَميعِ خَلْقِهِ (5)، اللّهُمَّ صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وآلِهِ،وَاجعَل نَفسی مُطمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ،راضِیَةً بِقَضائِكَ، مولَعَةً بِذِكرِكَ ودُعائِكَ،مُحِبَّةً لِصَفوَةِ أولِیائِكَ،مَحبوبَةً فی أرضِكَ وسَمائِكَ،صابِرَةً عَلی نُزولِ بَلائِكَ،شاكِرَةً لِفَواضِلِ نَعمائِكَ،ذاكِرَةً (لِسَوابِغِ آلائِكَ) (6)، مشتاقة إلى فرحة لقائك، مُشتاقَةً إلی فَرحَةِ لِقائِكَ،مُتَزَوِّدَةً التَّقوی لِیَومِ جَزائِكَ،مُستَنَّةً بِسُنَنِ أولِیائِكَ،مَشغولَةً عَنِ الدُّنیا بِحَمدِكَ وثَنائِكَ.
ص: 73
ثم وضع خده على قبره وقال:
اللّٰهُمَّ، (1) قُلُوبَ الْمُخْبِتِينَ إِلَيْكَ والِهَةٌ، وَسُبُلَ الرَّاغِبِينَ (2) إِلَيْكَ شارِعَةٌ، وَأَفْئِدَةَ (الوافدين إليك) (3) فارغة، وأصوات الداعين إليك صاعدة، وأبواب الإجابة لهم مفتحة.
وَدَعْوَةَ مَنْ ناجاكَ مُسْتَجابَةٌ، وَتَوْبَةَ مَنْ أَنابَ إِلَيْكَ مَقْبُولَةٌ، وَعَبْرَةَ مَنْ بَكَىٰ مِنْ خَوْفِكَ مَرْحُومَةٌ، وَالْإِغاثَةَ لِمَنِ اسْتَغاثَ بِكَ مَوْجُودَةٌ ، وَالْإِعانَةَ لِمَنِ اسْتَعانَ بِكَ مَبْذُولَةٌ ، وَعِداتِكَ لِعِبادِكَ مُنْجَزَةٌ، وَزَلَلَ مَنِ اسْتَقالَكَ مُقالَةٌ، وَأَعْمالَ الْعامِلِينَ لَدَيْكَ مَحْفُوظَةٌ، وَأَرْزاقَكَ إِلَى الْخَلائِقِ مِنْ لَدُنْكَ نازِلَةٌ، وَعَوائِدَ الْمَزِيدِ إِلَيْهِمْ واصِلَةٌ، وَذُنُوبَ الْمُسْتَغْفِرِينَ مَغْفُورَةٌ، وَحَوائِجَ خَلْقِكَ عِنْدَكَ مَقْضِيَّةٌ، وَجَوائِزَ السَّائِلِينَ عِنْدَكَ مُوَفَّرَةٌ، وَعَوائِدَ الْمَزِيدِ مُتَواتِرَةٌ (4)، وجوائز (5)الْمُسْتَطْعِمِينَ مُعَدَّةٌ، وَمَناهِلَ الظِّماءِ (6) مُتْرَعَةٌ ،اللّٰهُمَّ فَاسْتَجِبْ دُعائِي، وَاقْبَلْ ثَنائِي، وَاجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَوْلِيائِي، بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَفاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ آبائي، إِنَّكَ وَلِيُّ نَعْمائِي، وَمُنْتَهَىٰ مُنايَ، وَغايَةُ رَجائِي فِي مُنْقَلَبِي وَمَثْوَايَ (7).
قال جابر: قال لي الباقر (عليه السلام): ما قال هذا الكلام ولا دعا به أحد من شيعتنا عند قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، أو عند قبر أحد من الأئمة: الا رفع دعاه (8) في درج من نور، وطبع عليه بخاتم محمد (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، وكان محفوظاً (9) كذلك حتى يسلم إلى
ص: 74
قائم آل محمد:، فيلتقي صاحبه بالبشرى والتحية والكرامة إن شاء اللّه (1). قال جابر: حدثت أبا عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السلام) وقال لي: زد فيه إذا ودعت أحدا منهم (2)، فقل:
اَلسَّلامُ عَلَیْكَ أَیُّهَا الإِمَامُ وَرَحْمَهُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ، أَسْتَوْدِعُكَ اللّهَ وَعَلَیْكَ السَّلاَمُ وَرَحْمَهُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ، آمَنَّاً بالرَّسُولِ وَبِمَا جِئْتُمْ بِهِ، وَدَعْوُتْم إِلَیْهَ، اَللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِیَارَتِی وَلِیَّكَ، اَللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنِي ثَوَابَ مَزَارِهِ الَّذِي أَوْجَبْتَ لَهُ، وَیَسِّرْ لَنَا الْعَوْدَ إِلَیْهِ إِنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالی.
أقول: كررت هذه الزيارة لما فيها من الفوائد من زيارة الباقر (عليه السلام)، ولم يكن ذلك في الرواية الأولى، وفيها زيادة (3) زيارة الوداع، وإذا كان الانسان علويا فاطميا جاز ان يقول كما فيها من قوله، وان لم يكن كذلك فليقل ساداتي، ولم يرو شيخنا الطوسي (رضي اللّه عنه) (4) هذه اللفظة في مصباحه (5).
19 - وذكر الحسن بن الحسين بن طحال المقدادي (رضي اللّه عنه) (6): ان زين العابدين (عليه السلام)، ورد إلى الكوفة ودخل مسجدها وبه أبو حمزة الثمالي، وكان من زهاد الكوفة ومشايخها، فصلى ركعتين، قال أبو حمزة: فما سمعت أطيب من لهجته، فدنوت منه لاسمع ما يقول، فسمعته يقول:
(إِلَهِی إِنْ كَانَ قَدْ عَصَیْتُكَ، فَإِنِّی قَدْ أَطَعْتُكَ فِي أَحَبِّ اَلْأَشْیَاءِ إِلَیْكَ، اَلْإِقْرَارِ
ص: 75
بِوَحْدَانِیَّتِكَ مَنّاً مِنْكَ عَلَيَّ، اَ مَنّاً مِنِّي عَلَیْكَ) والدعاء معروف ثم نهض، قال أبو حمزة: فتبعته إلى مناخ الكوفة، فوجدت عبدا اسود معه نحيف وناقة، فقلت: يا أسود من الرجل؟ فقال: أو تخفى عليك شمائله، هو علي بن الحسين.
قال أبو حمزة: فأكببت على قدميه أقبلهما (1)، فرفع رأسي بيده وقال: لا يا أبا حمزة! إنما يكون السجود لله عز وجل.
فقل: يا ابن رسول اللّه، ما أقدمك إلينا؟ قال: ما رأيت ولو علم الناس ما فيه من الفضل لاتوه ولو حبوا، هل لك ان تزور معي قبر جدي علي بن أبي طالب؟ قلت: اجل، فسرت في ظل ناقته يحدثني حتى اتينا الغريين، وهي بقعة بيضاء تلمع نورا، فنزل عن ناقته، ومرغ خديه عليها، وقال يا أبا حمزة: هذا قبر جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) (2)، ثم زاره بزيارة أولها:
السلام على اسم اللّه الرضي، ونور وجهه المضي، ثم ودعه ومضى إلى المدينة، ورجعت (3) انا إلى الكوفة (4).
ص: 76
قد تقدم في الباب الذي قبله زيارة مولانا الباقر، مولانا أمير المؤمنين (1) مع والده (عليهما السلام أجمعين)، فلذلك لم نعده هاهنا.
20 - وأخبرني والدي (قدس اللّه روحه)، عن الفقيه محمد بن نما، عن الفقيه محمد بن إدريس، عن عربي بن مسافر، عن الياس بن هشام الحائري، عن أبي علي، عن الطوسي، عن المفيد، عن محمد بن أحمد بن داود.
قال: أخبرنا محمد بن الحسن، عن سعد (2) بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمد (3)، عن الحسن بن علي بن (4) أبي حمزة، عن أبي بصير، قال:
سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) فإن الناس قد اختلفوا فيه، قال: ان أمير المؤمنين (عليه السلام) دفن مع أبيه نوح في قبره.
قلت: جلعت فداك من تولى دفنه. فقال: رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) مع أكرم (5) الكاتبين بالروح والريحان (6).
ص: 77
21 - وعنه، عن سعد، عن أحمد بن الحسين بن سعيد، عن أبيه، عن عبد الرحيم (1) القصير، قال:
سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قبر أمير المؤمنين، فقال:
أمير المؤمنين مدفون في قبر نوح، قلت:
ومن نوح؟ قال: نوح النبي (عليه السلام).
قلت: كيف صار هذا؟ فقال: ان أمير المؤمنين صديق هيأ اللّه مضجعه في مضجع صديق.
يا عبد الرحيم: إن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) أخبرنا بموته، وبالموضع الذي يدفن فيه، وأنزل اللّه (عز وجل) حنوطا من عنده مع حنوط أخيه رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، وأخبره ان الملائكة تنشر (2) له قبره، فلما قبض (عليه السلام) كان فيما أوصى به بنيه الحسن والحسين (عليهما السلام) إذ قال لهما: إذا مت فغسلاني وحنطاني، واحملاني بالليل سرا واحملا يا بني بمؤخر السرير وأتبعاه مقدمه (3)، فإذا وضع فضعا، وادفناني في القبر الذي يوضع السرير عليه، وادفناني مع من يعينكما على دفني في الليل وسوياه (4).
22 - وبهذا الاسناد (عن أحمد بن ميثم، عن محمد بن علي) (5)، عن محمد بن هشام بن سليمان بن داود بن النعمان، عن عبد الرحيم القصير، قال:
سألت أبا جعفر يعني الباقر عن قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) فإن الناس قد
ص: 78
اختلفوا فيه. فقال: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) دفن مع نوح (عليه السلام) (1).
23 - وبهذا الاسناد، أخبرنا (2) الفقيه نجيب الدين يحيى بن سعيد (أحسن اللّه إليه)، محمد بن عبد اللّه بن زهرة الحسيني، عن محمد بن الحسن الحسيني، عن سعيد بن هبة اللّه القطب الراوندي، عن ذي الفقار بن معبد، عن المفيد بن النعمان، عن محمد بن أحمد، قال: أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن زكريا المعروف (بابن أبي دنس) (3) قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الحسن بن علي بن فضال، قال: حدثنا عمرو بن إبراهيم، عن خلف بن حماد، عن عبد اللّه بن حسان، عن الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث حدث به انه كان في وصية أمير المؤمنين (عليه السلام):
أن أخرجوني إلى الظهر، فإذا تصوبت أقدامكم فاستقبلتكم ريح فادفنوني وهو أول طور سيناء، ففعلوا ذلك (4).
24 - أخبرنا (5) نجم الدين الفقيه أبو القاسم جعفر بن سعيد (رحمه اللّه)، عن الحسن بن الدربي، عن شاذان بن جبرئيل، عن جعفر الدوريستي، عن جده، عن المفيد (رحمه اللّه)، قال: وروي محمد بن عمار، قال: حدثني أبي عن جابر بن يزيد، قال:
سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام)، أين دفن أمير المؤمنين (عليه السلام) (6)؟
ص: 79
فقال: دفن بناحية الغريين، ودفن قبل طلوع الفجر، ودخل قبره الحسن والحسين ومحمد بنو علي: وعبد اللّه بن جعفر (رضي اللّه عنه) (1).
وذكر العم السعيد (2) في كتاب (لباب المسرة) من كتاب ابن أبي قرة القناني، ان الباقر (عليه السلام) زار مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكذا (3) زين العابدين.
25 - قال المولى المعظم غياث الدين (4) عبد الكريم بن طاووس (شرف اللّه قدره وقدس ذكره)، ووقفت في كتاب صورته:
قال إسحاق بن عبد اللّه بن أبي مروان:
سألت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) (5)، كم كان سن علي (عليه السلام) يوم قتل؟ قال: ثلاث وستين سنة، قلت: ما كانت صفته؟ قال: كان رجلا آدم شديد الأدمة، ثقيل العينين عظيمهما، ذا بطن أصلع، قلت: طويلا أم قصيرا؟ قال: هو إلى القصر أقرب. قلت: ما كانت كنيته؟ قال: أبو الحسن. قلت: أين دفن؟ قال: في الكوفة ليلا وقد عمي قبره (6).
أقول: هذا الكلام منه (عليه السلام) إن كان الراوي ممن نتهمه، فقد كان قصده (عليه السلام) التعمية عليه، كما كانت عليه أصل قاعدة دفنه (عليه السلام) عن مراعاة الاستتار
ص: 80
واستمراره، وإن كان من أصحابه الخصيصين، فربما كان في المجلس من لا يؤثر ذكره بحذائه، وقال (عليه السلام) في ذلك صورة الحال فإنه بالموضع الذي دفن (1) من الكوفة وعمي قبره فأعلمه.
26 - وأخبرني والدي (قدس اللّه روحه)، عن الفقيه محمد بن أبي غالب (2)، عن الفقيه (3) السيد الصفي محمد بن معد الموسوي، وأخبرني عمي (رضي الدين) علي بن طاووس، عن (السيد صفي الدين) (4) بلا واسطة، عن أحمد بن أبي المظفر محمد بن عبد اللّه بن جعفر بن محمد قراءة عليه بداره التي يسكنها بنهر معلى، (بدرب الدواب) (5) بشرقي بغداد، في آخر الخميس ثامن صفر سنة ست عشرة وستمائة، وأخبرني عبد الصمد بن أحمد بن أبي الحبش (6) الحنبلي، عن أبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي، وعبد الكريم بن علي السدي (7)، وأخبرني شيخنا عبد الحميد بن فخار، عن البرهان أحمد بن علي الغزنوي، كلهم عن عبد اللّه بن أحمد بن الخشاب النحوي الحنبلي، قال: قرأت على أبي منصور محمد بن عبد الملك بن حيزون المقري يوم السبت الخامس والعشرين من المحرم سنة أحدى وثلاثين وخمسمائة من أصله بخط عمه (أبي الفضل أحمد بن الحسن وسماعه منه) (8) في يوم الجمعة سادس عشر شهر شعبان سنة
ص: 81
أربع وثمانين وأربعمائة، أخبركم أبو الفضل أحمد بن الحسن (بن العباس بن الفضل بن دوما وما قرأه عليه وأنا استمع في رجب سنة ثمان وعشرين وأربعمائة) (1) فأقر به، قال: أخبرني أبو بكر أحمد بن نصر بن عبد اللّه بن الفتح الذراع النهرواني بها قراءة عليه وانا اسمع في سنة خمس وستين (2) وثلاثمائة، قال: حدثنا حرب بن محمد المؤدب، قال حدثنا الحسن بن جهور العمي البصري (3)، قال: حدثنا أبي، قال: محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن محمد بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)، وأخبرنا الذراع (4) قال: حدثنا صدقة بن موسى أبو العباس، قال: حدثنا أبي عن الحسن (5) بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن حبيب السجستاني، عن أبي جعفر الباقر (6) محمد بن علي، قالا:
مضى أمير المؤمنين وهو ابن خمس وستين سنة (7)، سنة أربعين من الهجرة، ونزل الوحي على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ولأمير المؤمنين اثنتا عشرة سنة، فكان عمره بمكة مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) اثنتي عشرة سنة، وأقام مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ثلاث عشرة سنة، ثم هاجر إلى المدينة فأقام بها مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) عشر سنين، ثم أقام بعد ما توفي رسول اللّه ثلاثين سنة، فكان عمره خمسا وستين
ص: 82
سنة (1)، قبض في ليلة الجمعة وقبره بالغري، فهو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة، الغرض من الحديث (2).
ص: 83
من طريق العامة والخاصة قد تقدم آنفا أن هذه الرواية مروية عن الصادق أيضا.
27 - وأخبرني الشيخ عبد الرحمن بن أحمد الحربي، عن عبد العزيز بن الأخضر سنة أربع وستمائة، عن الحافظ أبي الفضل بن ناصر (1)، قال: أخبرنا محمد بن علي بن ميمون الترسي (2)، وهو المعروف بأبي العباس، قال: أخبرنا الشريف أبو عبد اللّه محمد بن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن عبد الرحمن الشجري بن القاسم بن محمد البطحاوي بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
قال: أخبرنا أبي أملا، قال: أخبرنا جعفر بن مالك، قال: حدثنا محمد بن الحسين، قال: أخبرنا عبد اللّه بن عبيد بن زيد، قال: رأيت جعفر بن محمد وعبد اللّه بن الحسن بالغري عند قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأذن عبد اللّه وأقام للصلاة، وصلى مع جعفر بن محمد، وسمعت جعفر يقول: هذا قبر أمير المؤمنين (3).
ص: 84
28 - وذكر الثقفي في فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) ما صورته:
حدثنا محمد، قال: حدثني الحسن وقد تقدم ذكرهما، قال: حدثني إبراهيم يعني المصنف، قال: حدثنا إبراهيم بن يحيى الثوري، قال: حدثنا صفوان بن مهران الجمال (1)، قال:
حملت جعفر بن محمد بن علي فلما انتهيت إلى النجف، قال: تياسر حتى تجوز الحيرة فتأتي القائم، قال: فبلغت الموضع الذي وصف لي، فنزل فتوضأ ثم تقدم هو وعبد اللّه بن الحسن، ثم صلينا عند قبر، فلما قضيا صلاتهما، قلت:
جعلت فداك اي موضع هذا القبر؟ قال: هذا قبر علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو القبر الذي يأتيه الناس هناك (2).
29 - وبالاسناد عن الشريف أبي عبد اللّه، قال: حدثنا ميمون بن علي بن حميد، قال: أخبرنا إسحاق بن محمد المقري، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن
ص: 85
مالك عن يعقوب بن الياس، عن أبي الفرج السندي، قال:
كنت مع أبي عبد اللّه جعفر بن محمد حين قدم إلى الحيرة، فقال ليلة:
أسرجوا لي البغل، فركب وانا معه حتى انتهينا إلى الظهر، فنزل فصلى ركعتين ثم تنحى، فصلى ركعتين ثم تنحى، فصلى ركعتين.
فقلت: جعلت فداك اني رأيتك صليت في ثلاث مواضع!.
فقال: اما الأول فموضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، والثاني موضع رأس الحسين (1)، والثالث موضع منبر القائم (2).
30 - أقول: وقد روي ذلك في أخبارنا بعبارة أخرى، رويته عن العم السعيد رضي الدين، عن الحسن بن الدربي، عن محمد بن علي بن شهرآشوب، عن جده، عن الطوسي، عن المفيد، عن جعفر بن قولويه، عن محمد بن يعقوب الكليني، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إبراهيم بن عقبة، عن الحسن الخراز، عن الوشا أبي الفرج، عن آبان بن تغلب، قال:
كنت مع أبي عبد اللّه (عليه السلام) فمر بظهر الكوفة، فنزل فصلى ركعتين، ثم سار (3) قليلا فصلى ركعتين، ثم سار قليلا فنزل (4) فصلى ركعتين، ثم قال: هذا موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام).
قلت: جعلت فداك والموضعان صليت بهما!.
ص: 86
قال: موضع رأس الحسين، وموضع (منبر القائم) (1).
31 - وأخبرني الوزير المعظم نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي، عن والده، عن فضل اللّه، عن ذي الفقار، عن الطوسي، عن المفيد، عن محمد بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن تمام، قال: أخبرنا محمد بن رياح، قال:
حدثنا عمي أبو القاسم علي بن محمد، قال: حدثنا عبد اللّه بن محمد بن خالد التميمي، قال: حدثني الحسن بن علي الخراز، عن خاله يعقوب بن الياس، عن مبارك الخباز، قال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام):
أسرج البغل والحمار في وقت ما قدم وهو في الحيرة، قال:
فركب وركبت معه حتى دخل الجرف، ثم نزل فصلى ركعتين، ثم تقدم فصلى ركعتين، ثم تقدم قليلا آخر (2) فصلى ركعتين، ثم ركب ورجع، قال:
فقلت له: جعلت فداك ما الأوليان والثانيتان والثالثتان؟ فقال: (3) الركعتان الأوليان موضع قبر أمير المؤمنين (4)، والثانيتان موضع رأس الحسين (5)، والركعتان الثالثتان موضع منبر القائم (6).
32 - (في مزار ابن قولويه في النسخة التي عليها خطه وتاريخه سنة ست وستين وثلاثمائة ما رويته عن العم السعيد رضي الدين بن الدزي بأسناده إلى ابن
ص: 87
قولويه قال: حدثني أبي (رحمه اللّه)، عن معد بن عبد اللّه عن الحسن بن موسى الحساب، عن علي بن أسباط رفعه قال:
قال أبو عبد اللّه (عليه السلام):
إنك إذا أتيت الغري رأيت قبرين، قبرا كبيرا وقبرا صغيرا، فأما الكبير فقبر أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) وأما الصغير فرأس الحسين بن علي (رحمه اللّه) (1).
33 - وأخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، عن عبد اللّه بن محمد بن خالد بأسناده مثله، وبالاسناد الأول المقدم عن الشريف أبي عبد اللّه قال: حدثنا أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن الحسين الجعفي، ومحمد بن حسين بن غزال، قالا:
أملى علينا علي بن الحسين بن القاسم بن هارون بن سالم اليشكري من حفظه في بني (2) هلال في حائط شمر بن ذي الجوشن، وأخبرنا ان تلك الدار داره، قال: سمعت محمد بن معروف الهلالي. وكان منزله في بني عبد القيس، قال:
مضيت إلى الحيرة إلى جعفر بن محمد (عليه السلام)، فما كان لي فيه حيلة من كثرة الناس، فلما كان اليوم الرابع، رآني فأدناني وتفرق الناس عنه، ومضى يريد قبر أمير المؤمنين فتبعته وكنت اسمع كلامه وأنا معه أمشي، فحيث صار في بعض الطريق غمزه البول فتنحى عن الطريق وبال، ثم نبش الرمل فحفر فخرج له ماء فتطهر لصلاته، وقام فصلى ركعتين، وكان فيما كنت أسمعه يدعو يقول:
اللّهم لا تجعلني ممن تقدم فمرق، ولا ممن تخلف فمحق، واجعلني من النمط الأوسط، ثم قال: يا غلام لاتحدث بما رأيت (3)، وقال جعفر (رضي اللّه عنه): (ليس
ص: 88
للبحر جار، ولا للملك صديق، ولا للعافية ثمن، وكم من (1) ناعم وهو لا يعلم ما يلقى (2)، وقال: تمسكوا بالخمس، وقدموا الاستخارة، وتزكوا بالسهولة، وتزينوا بالحلم، واجتنبوا الكذب وأوفوا المكيال والميزان). ذكر هذا الخبر وان لم يكن فيه تعين موضع قبره، ولكنه توجه من الحيرة إليه، وظهرت له آية في الطريق حسنة مؤكدة لما هو عليه من صفات الإمامة.
34 - وذكر معنى ذلك السيد صفي الدين محمد معد الموسوي (رضي اللّه عنه)، وبالاسناد عن الشريف أبي عبد اللّه (3)، قال: حدثنا (أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الجعفي) (4)، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا عبيد بن بهرام الضرير الرازي، قال: حدثني حسين بن أبي العوجاء (5) الطائي، قال: سمعت أبي ذكر:
ان جعفر بن محمد (عليه السلام) مضى إلى الحيرة ومعه غلام له على راحلتين وذاع الخبر بالكوفة، فلما كان اليوم الثاني قلت لغلام لي: أذهب فأقعد (6) في موضع كذا من الطريق فإذا رأيت غلامين على راحلتين فتعال إلي، فلما أصبحنا جاءني فقال: قد أقبلا، فقمت إلى بارية فطرحتها على قارعة الطريق، والى وسادة وصفرية جديدة وقلتين علقتهما في النخلة، وعندها طبق من الرطب، وكانت النخلة صرفانه، فلما أقبل تلقيته وإذا الغلام معه، فسلمت عليه ورحب بي، ثم
ص: 89
قلت: يا سيدي يا ابن رسول اللّه رجل من مواليك تنزل عندي ساعة وتشرب شربة ماء بارد، فثنى رجله فنزل، واتكى (1) على الوسادة ثم رفع رأسه إلى النخلة فنظر إليها، وقال: يا شيخ ما تسمون هذه النخلة عندكم؟ قلت: يا ابن رسول اللّه صرفانه، فقال: ويحك! هذه واللّه العجوة نخلة مريم، القط لنا منها، فلقطت فوضعته في الطبق الذي فيه الرطب، فأكل منها فأكثر فقلت له: جعلت فداك بأبي أنت (2) وأمي هذا القبر الذي أقبلت منه قبر الحسين؟ قال: اي واللّه يا شيخ حقا، ولو أنه عندنا لحججنا إليه.
قلت: فهذا الذي عندنا في الظهر أهو قبر أمير المؤمنين (3)؟ قال: اي واللّه يا شيخ حقا ولو أنه عندنا لحججنا إليه، ثم ركب راحلته ومضى (4).
35 - وبالاسناد عن محمد بن جعفر التميمي النحوي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ، قال أخبرنا علي بن الحسين (5) البقلي، قال أبو داود عن أحمد (6) بن النظر الخزاعي (7)، عن المعلى بن خنيس، قال (8):
كنت مع أبي عبد اللّه بالحيرة فقال لهم: أفرشوا لي في الصحراء وافرشوا لمعلى عند رأسي، فجأ فرمي برأسه عند صدر فراشه، وجئت إلى رأسه فرأيت
ص: 90
انه قد نام، فقال: يا معلى، قلت: لبيك.
قال: أما ترى النجوم ما أحسنها!. قلت: ما أحسنها! فقال: اما إنها أمان لأهل السماء فإذا ذهبت جاء أهل السماء ما يوعدون، ونحن أمان لأهل الأرض فإذا ذهبنا جاء أهل الأرض ما يوعدون، قل لهم يسرجوا على البغل والحمار، وقال: اركب البغل!، قلت: أركب البغل!، قال:
أقول لك البغل وتقول لي اركب البغل!، قال: فركبت البغل وركب الحمار.
فقال لي: امامك فجئنا حتى صرنا إلى الغريين. فقال لي: هما (1)، قلت:
نعم. قال: خذ يسرة. قال فمضينا حتى انتهينا إلى موضع، فقال لي: إنزل ونزل، وقال لي: هذا قبر أمير المؤمنين (2)، فصلى وصليت (3).
36 - أخبرني العم السعيد رضي الدين بن طاووس، والفقيه نجم الدين أبو القاسم بن سعيد كلاهما عن الحسن بن الدربي، عن محمد بن علي بن شهرآشوب ، عن جده، عن الطوسي، عن المفيد، عن جعفر بن قولويه، عن محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن صفوان الجمال، قال: كنت أنا وعامر بن عبد اللّه بن خزاعة الأزدي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: فقال له عامر:
جعلت فداك ان الناس يزعمون أن أمير المؤمنين (عليه السلام) دفن بالرحبة، قال:
لا. قال: فأين دفن؟ قال: انه لما مات احتمله الحسن فأتى به ظهر الكوفة قريبا
ص: 91
من النجف، يسرة عن الغري، يمنة عن الحيرة، فدفنه بين ذكوات بيض (1)، فلما كان بعد أيام ذهبت إلى الموضع فتوهمت موضعا منه، ثم أتيته فأخبرته، فقال لي: أصبت (2) رحمك اللّه ثلاث مرات (3).
37 - وبالاسناد عن أحمد بن محمد بن أبي عمير، عن القاسم بن محمد عن عبد اللّه بن سنان، اتاني عمر بن يزيد فقال لي: أركب فركبت معه فمضينا حتى أتينا (4) منزل حفص الكناس فاستخرجته فركب معنا ثم مضينا حتى أتينا (5) الغري، فانتهينا إلى قبر، فقال: أنزلوا هذا قبر أمير المؤمنين (6)، فقلنا: من أين علمت؟ فقال: أتيته مع أبي عبد اللّه (عليه السلام) حيث كان بالحيرة غير مرة وأخبرني أنه قبره (7).
38 - وبالاسناد عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيى بن زكريا، عن يزيد (8) بن طلحة، قال:
قال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام) وهو بالحيرة: أما تريد ما وعدتك؟ قال، قلت: بلى، يعني الذهاب إلى قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: فركب وركب إسماعيل معه
ص: 92
وركبت معهم، حتى إذا جاز الثوية، وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض، ونزل إسماعيل ونزلت معهم فصلى ركعتين (1)، وصلى إسماعيل وصليت. فقال لإسماعيل: قم فسلم على جدك الحسين.
فقلت: جعلت فداك، أليس الحسين بكربلا؟ فقال: نعم ولكن لما حمل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا ودفنه بجنب أمير المؤمنين (عليه السلام) (2).
39 - وأخبرني الوزير السعيد المعظم الخواجة نصير الدين محمد بن محمد ابن الحسن الطوسي، عن والده، عن فضل اللّه الراوندي، عن ذي الفقار بن معبد، عن الطوسي، عن المفيد، عن محمد بن أحمد، عن ابن داود، عن محمد بن تمام، قال: أخبرنا محمد بن محمد، عن علي بن محمد، قال: حدثني أحمد بن ميثم الطلحي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي نصير، قال:
قلت: لأبي عبد اللّه (عليه السلام) أين دفن أمير المؤمنين؟ قال: دفن في قبر أبيه نوح. قلت: وأين قبر نوح؟ الناس يقولون إنه في المسجد. قال: لا (3)، ذاك (4) في ظهر الكوفة (5).
40 - وبالاسناد عن محمد بن أحمد بن داود، عن محمد بن علي، عن عمه، قال: حدثني أحمد بن حمادة بن زهير (6) القرشي، عن يزيد بن إسحاق بن سعر (7)، عن أبي السحيق الأرحبي، قال: حدثنا عمر بن عبد اللّه بن طلحة
ص: 93
النهدي، عن أبيه، قال:
(دخلت على) (1) أبي عبد اللّه (عليه السلام) فذكر حديثا فحدثنا قال: فمضينا معه يعني (أبا عبد اللّه)، حتى انتهينا إلى الغري فأتى موضعا فصلى، ثم قال لإسماعيل: قم فصل عند رأس أبيك حسين (2).
قلت: أليس قد ذهب برأسه إلى الشام؟ قال: بلى، ولكن (فلان) هو مولى لنا سرقه فجأ به فدفنه هاهنا (3).
41 - وبالاسناد عنه، عن محمد، عن عمه، قال: حدثني أحمد بن محمد، عن أحمد بن الفضل الخزاعي، عن عثمان بن سعيد، عن (رجل)، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: قال لي:
إن إلى جانب كوفان قبرا ما أتاه مكروب قط فصلى عنده ركعتين أو أربع ركعات إلا نفس اللّه عنه كربته وقضى حاجته.
قلت: قبر الحسين بن علي (4)؟ فقال برأسه: لا. فقلت: فقبر أمير المؤمنين؟ قال برأسه: نعم (5).
42 - وبالاسناد عنه، عن علي بن محمد بن الفضل، قال: أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرنا علي بن محمد بن رباح (6)، قال: حدثني عبد اللّه بن (أحمد بن) (7) نهيد الشجري، عن عبيس بن هاشم الناشري، عن صالح بن سعيد القماط،
ص: 94
عن يونس بن ظبيان، قال: أتيت أبا عبد اللّه حين قدم الحيرة وذكر حديثا حدثنا إلا أنه سار معه حتى انتهينا (1) إلى المكان الذي أراد فقال: يا يونس اقرن دابتك فقرنت بينهما، ثم رفع يده فدعا دعأ خفيا لا أفهمه، ثم استفتح الصلاة فقرأ فيها سورتين خفيفتين يجهر فيهما وفعلت كما فعل، ثم دعا ففهمته وعلمنيه. وقال: يا يونس أتدري أي مكان هذا؟ قلت: جعلت فداك لا واللّه، ولكني أعلم أني في الصحراء، قال: هذا قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) يلتقي هو ورسول اللّه يوم القيامة (2).
الدعاء:
اَللّهُمَّ لا بُدَّ مِنْ اَمْرِكَ، وَلا بُدَّ مِنْ قَدْرِكَ، وَلا بُدَّ مِنْ قَضائِكَ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّهَ إلاّ بِكَ، اَللّهُمَّ فَما (3) قَضَیْتَ عَلَیْنا مِنْ قَضاء، اَوْ قَدَّرْتَ عَلَیْنا مِنْ قَدَر، فَاعْطِنا مَعَهُ صَبْراً یَقْهَرُهُ وَیَدْمَغُهُ، وَاجْعَلْهُ لَنا صاعِداً في رِضْوانِكَ یُنْمي في حَسَناتِنا وَتَفْضیلِنا وَسُؤْدَدِنا وَشَرَفِنا وَمَجْدِنا (وَنَعْمائِنا وَكَرامَتِنا) (4) فِي الدُّنْیا وَالاْخِرَةِ، وَلا تَنْقُصْ مِنْ حَسَناتِنا.
اَللّهُمَّ وَما اَعْطَیْتَنا مِنْ عَطاء، اَوْ فَضَّلْتَنا بِهِ مِنْ فَضیلَه، اَوْ اَكْرَمْتَنا بِهِ مِنْ كَرامَه، فَأعْطِنا مَعَهُ شُكْراً یَقْهَرُهُ وَیَدْمَغُهُ، وَاجْعَلْهُ لَنا صاعِداً فی رِضْوانِكَ وَفی حَسَناتِنا وَسُؤْدَدِنا وَشَرَفِنا وَنَعْمائِكَ وَكَرامَتِكَ فِي الدُّنْیا وَالاْخِرَهِ، ولا تَجْعَلهُ لَنا شراً ولا بَطَراً ولا فِتنةً ولا مَقْتاً (5) وَلا عَذاباً وَلا خِزْیاً في الدُّنیا وَلا فی الآخِرَةِ.
ص: 95
اللّهُمَّ، اِنّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَثْرَةِ اللِّسانِ، وَسُوءِ الْمَقامِ، وَخِفَّةِ الْمیزانِ، اَللّهُمَّ، لَقِّنا حَسَناتِنا في الْمَماتِ، وَلا تُرِنا اَعْمالَنا عَلَیْنا حَسَراتٍ، وَلا تُخْزِنا عِنْدَ قَضائِكَ، وَلا تَفْضَحْنا بِسَیِّئاتِنا یَوْمَ نَلْقاكَ، وَاجْعَلْ قُلُوبَنا تَذْكُرُكَ وَلا تَنْساكَ، وَتَخْشاكَ كَاَنَّها تَراكَ حين (حَتّی) تَلْقاكَ، وَبَدِّلْ سَیِّئاتِنا حَسَناتٍ، وَاجْعَلْ (1) حَسَناتِنَا دَرَجَاتٍ، وَاجْعَلْ دَرَجاتِنا غُرُفاتٍ، وَاجْعَلْ غُرُفاتِنا عَالِیاتٍ.
اَللّهُمَّ اَوْسِعْ لِفَقیرَنا مِنْ سعتك ( (2) ما قَضَیتَ عَلی نَفسِكَ ، وَالهُدی ما أبقَیتَنا (وَالكَرامَهَ ما أحیَیتَنا) (3) والكرامة إذا توفيتنا، والحفظ فيما بقي من أعمارنا، والبركة فيما رزقتنا، والعون على ما حملتنا، والثبات على ما طوقتنا، ولا تؤاخذنا بظلمنا، ولا (4) تُعاقِبْنا بِجَهْلِنا، وَلا تَسْتَدْرِجْنا بِخَطِیئَتِنا، وَاجْعَلْ أَحْسَنَ ما نَقُولُ ثابِتاً في قُلُوبِنا، وَاجْعَلْنا عُظَماءَ عِنْدَكَ، أَذِلَّهً في أَنْفُسِنا، وَانْفَعْنا بِما عَلَّمْتَنا، وَزِدْنا عِلْماً نافِعاً، وأعذنا مِنْ قَلْبٍ لاَ یَخْشَعُ، ومِن عَینٍ لا تَدمَعُ، وصَلاهٍ لا تُقبَلُ، أجِرنا مِن سوءِ الفِتَنِ ، یا وَلِیَّ الدُّنیا وَالآخِرَةِ.
نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ اَلطُّوسِیِّ مِنَ اَلتَّهْذِیبِ (5)، قال: محمد بن أحمد بن داود، أخبرنا الحسن بن محمد بن علان، عن حميد بن زياد، قال: حدثنا القاسم بن إسماعيل، قال: حدثني عبيس بن هشام، عن صالح القماط، عن يونس بن ظبيان مثله كذا في كتابه.
43 - وبالاسناد، أخبرنا أبو الحسن علي بن سميع بن بيان، قال: حدثنا أبو
ص: 96
القاسم الحسن بن أبي راشد، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار (1)، عن علي بن الحسن بن هارون النيشابوري، يقول: سمعت أبا حفص محمد بن الحسن (بن الحسين) (2)، قال: سمعت أبي، قال صفوان الجمال:
قال جعفر بن محمد عندما سأله عن قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو بمكة، وذكر الحديث بطوله إلى أن قال حتى انتهينا إلى قبر أمير المؤمنين انا وجعفر بن محمد، فنزل جعفر فحفر (3) حفيرة فأخرج سكة حديد علامة له ثم أخذ سطيحة له وتهيأ للصلاة وصلى أربع ركعات ثم قال:
يا صفوان فأفعل ما فعلت وأعلم أن هذا قبر أمير المؤمنين (4) وذكر الحديث (5).
44 - وبالاسناد عنه، عن محمد، عن عمه، قال: حدثنا محمد بن زيد الخزاعي، عن عبيد بن الحسن البزاز قال: أخبرني الحسن بن مغيرة عن داود بن فرقد، قال لي أبو عبد اللّه: ان بجانب كوفان لقبرا ما أتاه مكروب فصلى عنده ركعتين أو أربع ركعات إلا قضى اللّه حاجته ونفس كربته، قال: قلت:
قبر الحسين، قال برأسه: لا، فقلت (له) (6): قبر (علي بن أبي طالب) (7) أمير المؤمنين؟ فقال برأسه: نعم (8).
ص: 97
45 - وبالاسناد حدثنا سلامة، قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن محمد بن أحمد، عن أبي عبد اللّه الرازي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن صفوان، عن أبي أسامة، عن أبي عبد اللّه (1)، قال: سمعته يقول:
الكوفة روضة من رياض الجنة فيها قبر نوح وإبراهيم (رحمه اللّه)، وقبور ثلاثمائة نبي وسبعين نبيا، وستمائة وصي، وقبر سيد الأوصياء أمير المؤمنين (عليه السلام) (2).
46 - وبالاسناد، أخبرنا محمد بن تمام، أخبرنا محمد بن محمد بن علي بن محمد، قال: حدثني أحمد بن ميثم الطلحي عن الحسن بن علي عن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه (3):
أين دفن أمير المؤمنين (4)؟ قال: دفن في قبر أبيه نوح.
قلت: وأين نوح؟ الناس يقولون إنه في المسجد! قال: لا ذاك في ظهر الكوفة (5).
47 - وبالاسناد، حدثنا محمد بن تمام، قال: أخبرنا محمد بن محمد بن رباح (6)، عن عمه علي بن محمد، قال: (حدثنا علي بن الصباح عن الحسن بن محمد) (7)، عن الضحاك بن المختار بن فلفل مولى عمرو بن حديد، قال: حدثني حماد بن عيسى، قال: حدثنا رجل عن أبي عبد اللّه، قال:
ص: 98
قبر علي هو (1) في الغري ما بين صدر نوح ومفرق رأسه مما يلي القبلة (2).
48 - وبالاسناد عن محمد بن أحمد بن داود، عن سلامة، قال: حدثنا (محمد بن جعفر) (3) عن محمد بن أحمد، عن علي بن إبراهيم الجعفري، (عن محمد) (4) بن محمد بن الفضل ابن بنت داود الرقي، قال: قال الصادق (عليه السلام):
أربع بقع ضجت إلى اللّه تعالى أيام الطوفان: البيت المعمور فرفعه اللّه، والغري وكربلا، وطوس (5).
وذكر أبو جعفر الحسن بن محمد بن جعفر التميمي المعروف (بابن النجار) في كتابه (تاريخ الكوفة) وهو الكتاب الموسوم بالمصنف.
49 - قال: أخبرنا أبو بكر الدارمي، قال: حدثنا إسحاق بن يحيى بن محمد بن بشير (6) الدهان، قال: حدثني أحمد بن صبيح، قال: أخبرنا صفوان، قال:
خرجت انا وصاحب لي من الكوفة ودخلنا على جعفر بن محمد (7)، فسألناه عن قبر أمير المؤمنين.
فقال لنا: هو عندكم بظهر الكوفة في موضع كذا، فوصف لنا قال: فجئت أنا وصاحبي فطلبناه ووجدناه، قال: ثم لقيناه في موضع كذا قال: نعم هو ذاك عند
ص: 99
الذكوات البيض (1).
50 - وروى محمد بن جعفر الرزاز، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الزيات، عن الحسن بن محبوب بن إسحاق بن جرير (2)، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال:
اني لما كنت بالحيرة عند أبي العباس، كنت آتي قبر أمير المؤمنين ليلا وهو بناحية نجف الحيرة إلى جانب غري النعمان، فأصلي عنده صلاة الليل (3) وانصرف قبل الفجر (4).
51 - قال محمد بن معد الموسوي: رأيت في بعض الكتب الحديثية:
حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد العزيز بن عامر الدهان، قال: (حدثنا علي بن عبد اللّه الأنباري) (5)، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن عيسى ابن أخي الحسين بن يحيى، قال: حدثني محمد بن الحسن الجعفري، قال: وجدت في كتاب أبي:
حدثتني أمي عن أمها، ان جعفر بن محمد (عليه السلام) حدثها:
ان أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر ابنه الحسن أن يحفر له أربعة قبور في أربع مواضع: في المسجد، وفي الغري، وفي دار جعدة بن هبيرة، وفي الرحبة. وإنما أراد بهذا أن لا يعلم أحد من أعدائه موضع قبره، وهذا قد قدمته واعدته لكونه مرويا عن الصادق (عليه السلام) (6).
ص: 100
52 - اخبرني والدي وعمي رضي الدين علي بن طاووس (رحمهما اللّه)، عن الفقيه محمد بن نما، عن محمد بن إدريس، عن عربي بن مسافر، عن الياس بن هشام الحائري، عن أبي علي، عن والده، أبي جعفر، عن محمد بن النعمان، عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر الجعفي، قال:
دخلت علي أبي عبد اللّه (عليه السلام)، فقلت له: اني مشتاق إلى الغري، فقال: ما شوقك إليه؟ فقلت له: اني أحب أن أزور أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: هل تعرف فضل زيارته؟ فقلت: لا يا ابن رسول اللّه إلا أن تعرفني ذلك.
قال: فإذا أردت أن تزور قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) فأعلم أنك زائر عظام آدم، وبدن نوح، وجسم (1) علي بن أبي طالب (عليه السلام) (2).
فقلت: ان آدم هبط بسرانديب في مطلع الشمس وزعموا أن عظامه في بيت اللّه الحرام، فكيف صارت عظامه بالكوفة؟! قال: ان اللّه (عز وجل) أوحى إلى نوح وهو في السفينة ان يطوف بالبيت أسبوعا، فطاف بالبيت كما أوحى إليه، ثم نزل في الماء إلى ركبتيه فاستخرج تابوتا فيه عظام آدم (عليه السلام) (3) فحمله في جوف السفينة، ثم طاف ما شاء اللّه ان يطوف، ثم ورد على باب الكوفة في وسط مسجدها، ففيها قال اللّه تعالى للأرض: ابلعي ماءك. فبلعت ماءها من مسجد الكوفة، كما بدأ الماء فيه وغرق الجمع الذين كانوا مع نوح في السفينة، فأخذ نوح (عليه السلام) التابوت فدفنه في الغري،
ص: 101
وهو قطعة من الجبل الذي كلم اللّه عليه موسى تكليما، وقدس اللّه (1) عليه عيسى تقديسا، واتخذ عليه إبراهيم خليلا، واتخذ محمدا عليه حبيبا، وجعله للنبيين مسكنا، واللّه ما سكن فيه بعد أبويه الطيبين آدم ونوح أكرم من أمير المؤمنين علي (عليه السلام).
وإذا زرت جانب الكوفة، فزر عظام آدم، وبدن نوح، وجسم علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإنك زائر الأنبياء الأولين، ومحمدا خاتم النبيين، وعليا سيد الوصيين ، وان زائره تفتح له أبواب السماء عند دعوته، فلا تكن عند الخير نواما (2).
53 - وبالاسناد إلى محمد بن يحيى العطار، عن حمدان بن سليمان النيشابوري، عن عبد اللّه بن محمد اليماني، عن منيع بن الحجاج، عن يونس بن أبي وهب القصري، قال:
دخلت المدينة فأتيت أبا عبد اللّه (عليه السلام) (فقلت: جعلت فداك اتيتك ولم أزر أمير المؤمنين (عليه السلام)) (3)، قال: بئس ما صنعت، لولا أنك من شيعتنا ما نظرت إليك، ألا تزور من يزوره اللّه مع الملائكة، ويزوره الأنبياء، ويزوره المؤمنون!.
قلت: جعلت فداك ما علمت ذلك.
قال: فأعلم أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أفضل من الأئمة كلهم وله ثواب أعمالهم، وعلى قدر أعمالهم فضلوا (4).
54 - وبالاسناد إلى محمد بن أحمد بن داود، قال: حدثنا محمد بن
ص: 102
الحسن الرازي، عن الحسين بن إسماعيل الصيمري (1)، عن قال:
من زار قبر (2) أمير المؤمنين (عليه السلام) ماشيا كتب اللّه له بكل خطوة حجة وعمرة فإن رجع ماشيا كتب اللّه له بكل خطوة (حجتين (3) وعمرتين) (4).
55 - وأخبرني الفقيه المقتدي نجيب الدين يحيى بن سعيد، عن محمد بن أبي البركات بن إبراهيم الصنعاني، عن الحسين بن رطبة، عن أبي علي الطوسي، عن المفيد، عن محمد بن أحمد بن داود، عن أبي الحسين أحمد بن محمد الرازي المجاور، قال: حدثنا أبو محمد بن المغيرة الكوفي، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن مالك، عن أخيه جعفر، عن رجاله يرفعه، قال:
كنت عند الصادق (عليه السلام) وقد ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) (5) فقال: يا بن مارد من زار جدي عارفا بحقه، كتب اللّه له بكل خطوة حجة مقبولة وعمرة مبرورة، واللّه يا بن مارد ما يطعم اللّه النار قدما تغبرت في زيارة أمير المؤمنين ماشيا كان أو راكبا، يا بن مارد اكتب هذا الحديث بمأ الذهب (6).
قال المصنف (أدام اللّه أيامه وأطال مقامه) (7): هذا الخبر (8) وان لم يذكر فيه
ص: 103
موضع القبر وكونه وأمثاله (1) يحتمل أن يكون زاره وان لم يعلم موضعه.
فالجواب عنه قد تغبرت قدماه في زيارته فدل ذلك على علمهم بحاله، وأيضا فيؤيده الأخبار المتقدمة الدالة على تعين القبر عند أصحابه، وكذا الجواب عما يذكر من أمثاله مما ليس فيه تعين لأنهم لو لم يكن عندهم معينا لكانوا قد سألوا في أي المواضع، ولكن لظهوره عندهم لم يسألوا عنه.
56 - وبالاسناد عن محمد بن داود، عن محمد بن علي بن الفضل، قال:
أخبرنا الحسين بن محمد الفرزدق، قال: حدثنا (2) علي بن موسى الأحول، قال:
حدثنا محمد بن أبي السري إملاء، قال: حدثنا عبد اللّه بن محمد البلوي، قال:
حدثنا عمارة بن زيد (3)، عن أبي عامر البناني (4) (واعظ أهل الحجاز) قال: أتيت أبا عبد اللّه جعفر بن محمد وقلت له: يا بن رسول اللّه ما لمن زار قبره - يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) - وعمر تربته؟ قال: يا عامر حدثني أبي، عن أبيه، عن جده الحسين بن علي، عن علي (عليه السلام)، أن النبي (5) (صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال له: واللّه لتقتلن بأرض العراق، وتدفن بها.
قلت: يا رسول اللّه ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها؟ فقال لي: يا أبا الحسن إن اللّهَ تعالى جعلَ قبرك وقبرَ ولدك بقاعاً من بِقاعُ الجنةِ، وعرصةً من عرصاتها، وان اللّه جعل قلوب نُجباء من خلقه وصفوة عباده تحنُّ إليكم وتحتملُ المذلّة والأذى فيكم، فيعمّرون قبوركم، ويكثرون زيارتها
ص: 104
تقرباً منهم إلى اللّه ومودة منهم لرسوله، أولئك يا علي: المخصوصون بشفاعتي، الواردون حوضي، وهم زواري غدا في الجنة.
يا علي: من عمّر قبورَكُم وتعاهدها فكأنّما أعانَ سُليمان بن داود (عليه السلام) على بناء بيت المقدس. ومن زار قبوركم عدل ذلك ثواب سبعين حجة بعد حجة الاسلام، وخرج من ذنوبه حتى يرجعَ من زيارتِكُم كيوم ولَدتهُ أمهُ، ابشر وبشرّ أولياءك ومحبيك من النعيم وقرة العين بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولكن حثالةٌ من الناسِ يعيرون زوار قبوركم بزيارتكم كما تعير الزانية بزناها، أولئك أشرار أُمتي لا نالتهم شفاعتي ولا يردون حوضي (1).
محمد بن أحمد بن داود القمي وقد تقدم الاسناد إليه، قال: حدثنا إسحاق بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن زكريا بن طهمان، قال: حدثنا الحسن بن عبد اللّه بن المغيرة.
قال: حدثنا علي بن حسان، عن عمه عبد الرحمن بن كثير، قال: دخلت على أبي عبد اللّه (عليه السلام) وذكر نحو المتن.
وقال أيضا: أخبرنا محمد بن علي بن الفضل، قال: حدثنا أبو أحمد بن إسحاق محمد المقري مولى المنصور (قراءة عليه)، قال: حدثني أحمد بن زكريا ابن طهمان، قال: حدثني (الحسن بن علي بن عبيد اللّه بن المغيرة) (2)، قال:
حدثنا: (علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير) (3)، قال:
دخلت على أبي عبد اللّه (عليه السلام) فقلت: فداك أبي وأمي فذكر مثله.
ص: 105
57 - وعنه قال: حدثنا بن تمام، قال: حدثنا محمد بن محمد بن رباح (1)، قال: حدثنا أبو القاسم علي بن محمد بن رباح، قال: حدثني أحمد بن حماد بن زهير (2) القرشي، عن يزيد بن إسحاق، عن أبي (السحيف الأرحبي) (3)، قال:
(حدثني عمر بن عبد اللّه بن طلحة النهدي) (4)، عن أبيه، قال:
دخلت على أبي عبد اللّه، فقال: يا عبد اللّه بن طلحة، أما تأتون قبر أبي الحسين؟ قلت: بلى جعلت فداك إنا لنأتيه.
قال: تأتونه كل جمعة؟ قلت: لا. قال: فتأتونه في كل شهر؟ قلت: لا.
قال: ما أجفاكم! ان زيارته تعدل حجة وعمرة، وزيارة أبي علي (عليه السلام) تعدل حجتين وعمرتين (5).
58 - ورواه شيخنا في التهذيب بسنده إليه، وعنه قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا حماد بن يعلى، قال: أخبرني حسان بن مهران الجمال، قال:
قال لي (6) جعفر بن محمد:
يا حسان أتزور قبور الشُهداءِ قِبلكُم؟ قلتُ: أيُّ الشُهداء؟
قال: علي وحسين. قلت: إنا نزورهما فنكثر. قال: أولئك الشهداء
ص: 106
المرزوقين، فزوروهم وافزعوا عندهم بحوائجكم، فلو يكونون منا كموضعهم منكم لاتخذناهم هجرة (1).
59 - أخبرني والدي (رضي اللّه عنه)، عن محمد بن نما، عن محمد بن إدريس، عن عربي بن مسافر، عن الياس بن هشام، عن أبي علي، عن الطوسيِّ، عن المفيد، عن محمد بن أحمد بن دَاود، عن أحمد بن محمد بن سعيد، قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن عبد الملك الأودي البزاز.
قال: حدثنا (ذُبيان بن حكِيم) (2)، قال: حدثني يُونس بن ظبيان، عن أبي عبد اللّه، قال:
إذا أردتَ زيارة قبرَ أمير المؤمنين (عليه السلام) فتوضأ واغتسل وامشِي على هنك، وقل: الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكرَمَني بِمَعرِفَةِ وَمَعرِفَةِ رَسُولِهِ (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، وَمَن فَرَضَ طَاعَتَهُ رَحمَةً مِنهُ وَتَطَوّلاً عَلَيَّ بالإيمان، الحَمدُ للهِ الَّذي سَيَّرَني في بلادِهِ، وَحَمَلَني عَلَى دَوابِّهِ، وَطَوى ليَ البَعيد، وَدَفَعَ عَنِّيَ المَكرُوه، حَتّى أَدخَلَنَي حَرَمَ أَخَي رَسُولِ اللّهِ فَأرانيهِ فِي عافَيةٍ، (الحَمدُ لِلّهِ الَّذي جَعَلَنِي مِن زُوّارِ قَبرِ وَصِيِّ رَسُولِهِ) (3)، الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي هَدَانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهتَدي لَولا أَن هَدانا اللّه، أشهَدُ أن لا إلهَ إلّا اللّه، وأشهَدُ أنّ مُحمَّداً عَبدُهُ وَرَسولُهُ جَاءَ بِالحَق مِن عِندِهِ، وَأَشهَدُ أَنّ عَليّاً عَبدُ اللّهِ وَأخُو رَسُولِه (عليهما السلام)، ثُمَّ تَدنُو مِنَ القَبرِ وَتَقُول:
السَّلامُ مِنَ اللّهِ، وَالسَّلامُ عَلى مُحمَّد أَمِين اللّه وَعَلَى رِسالَتِهِ (4) وَعَزائِم أَمرِهِ، وَمَعدَنِ الوَحي وَالتَّنزيل، الخاتَم لِما سَبَق والفاتِح لِما أستَقبَل، وَالمُهَيمِن
ص: 107
عَلی ذلِكَ كُلِّهِ، وَالشَّاهِدِ عَلی الْخَلْقِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِیرِ، وَالسَّلاَمُ عَلَیْكَ وَرَحْمَهُ اللّهُ وَبَرَكَاُتُه (1).
اللّهُمَّ، صَلِّ عَلى مُحَمّدٍ وَعَلَى أَهلِ بَيتِهِ المَظلُومين أَفضَلَ وَأَكمَلَ وَأَرفَعَ وَأَنفَعَ وَأَشرَفَ ما صَلَّيتَ عَلى أنبيائكَ وَأصفِيائك.
اللَّهُمَّ، صَلِّ عَلَى أَمير المُؤمِنين عَبدِكَ وَخَير خَلقِكَ بَعدَ نَبيِّك وأَخِي رَسُولِك الَّذي بَعَثتَه بعلمِك وَجَعَلتَهُ هَادياً لِمَن شِئتَ مِن خَلقك، وَالدَّلِيل عَلَى مَن بَعَثتَهُ بِرِسَالَتِك، وَدَيَّان الدِّين بِعِلمِك، وَفَصل قَضائك مِن عِلمِك، وَالسَّلامُ عَلَيهِ وَرَحمَةُ اللّهِ وَبَرَكاته.
اللَّهُمَّ، صَلِّ عَلَى الأَئِمَّةِ مِن ولدهِ وَالقَوَّامِينَ بِأمرِكَ مِن بَعدِهِ المُطهرينَ الَّذي ارتَضَيتَهُم أَنصاراً لِدِينك، (وَحَفَظَةً عَلَى سِرِّك، وَشُهَداءً عَلَى خَلقِك، وَاَعلاماً لِعِبَادِك) (2)، وَتُصَلِّي عَلَيهم جَميعاً مَا استَطَعتَ.
وَتَقول: السَّلامُ عَلَى الأَئِمةِ المُستَودِعين، السَّلامُ عَلَى خَالصَةِ اللَّهِ مِن خَلقِهِ،، السَّلامُ عَلَى المُؤمِنين الَّذِينَ أَقامُوا أَمرَك وَآزَرُوا أَولِياءَ اللّهِ وَخافُوا لِخَوفِهِم، السَّلامُ عَلَى مَلائِكة اللَّهِ، ثمَّ تَقول: السَّلامُ عَلَيكَ يَا أَميرَ المُؤمِنِين، السَّلامُ عَلَيكَ يَا حَبيبَ (حبيب) (3) اللَّه، (يَا أَميرَ المُؤمِنين علَيكَ السَّلامُ) (4)، السَّلامُ عَلَيكَ يَا وَليَّ اللَّه، السَّلامُ عَلَيكَ يَا صَفوَة اللَّه، السَّلامُ عَلَيكَ يَا حُجَّةَ اللّه، السَّلام عَلَيكَ يَا عَمُودَ الدِّين وَوَارِثَ عِلمِ الأوَّليين والآخِريين، وَصَاحِب المَيسَم وَالصِّراطِ المُستَقيم، اشهَدُ أَنَّكَ قَد أَقَمتَ الصَّلاة، وآتَيتَ الزَّكاة، وَأَمَرتَ
ص: 108
بِالمَعرُوف وَنَهَيتَ عَنِ المُنكَر، وَاتَّبَعتَ الرَّسُول، وَتَلَوتَ الكتَاب حَقَّ تِلاوَتِهِ، وَوَفيتَ بِعَهدِ اللَّه، وَجَاهَدتَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ، وَنَصَحتَ للَّهِ وَلِرَسُولِهِ (عليه السلام)، وَجُدتَ بِنَفسِكَ صَابَراً مُجاهدَاً عَن دِينِ اللَّهِ، مُوقِياً لِرَسُولِ اللَّه، طَالباً مَا عِندَ اللَّه، راغَباً فيمَا وَعَدَ اللّه (جَلَّ ذِكرُهُ) مِن رضَوانِهِ، وَمَضيتَ الَّذي كُنتَ عَلَيهِ شَاهِداً وَشهيداً وَمَشهوداً، وَلَعَنَ اللَّه مَن قَتَلَكَ، وَلَعَنَ اللّه مَن تَابَعَ عَلَى قَتلِكَ، وَلَعَنَ اللّه مَن خَالَفَكَ، وَلَعَنَ اللّه مَن افتَرَى عَلَيكَ وَظَلَمَكَ، وَلَقي اللّهَ مَن غَصَبَكَ وَمَن بَلَغَهُ ذَلكَ فَرَضي بِهِ، أَنَا إلى اللّه مِنهُم أَبرَأُ، وَلَعَنَ اللّه أُمَّةً خَالَفَتكَ وَأُمَّةً جَحَدَت وِلَايَتِك، وَأُمَّةً تَظَاهَرَت عَلَيكَ، وَأُمَّةً قَتَلَتكَ وَخَذَلَتكَ وَخَذَّلَت عَنكَ.
الحَمدُ للهِ الَّذي جَعَلَ النَّارَ مَثواهُم، (وبِئسَ وِرد الوَارِدِين) (1)، اللَّهُمَّ، ألعَن قَتَلَة أَنبيَائكَ وَأوصِيا أَنبيَائكَ بِجَميع لَعناتِك وَأَصلِهِم حَرَّ ناركَ، اللَّهُمَّ ألعَن الجَوابيت والطَّواغِيت و الفَراعِنة، واللَّاتَ وَالعُزّى والجِبتَ وَالطَّاغُوتَ، وَكُلَّ مَن يُدعَى مِن دُونِ اللَّهِ وَكُلّ مُحدّثٍ مُفتر، اللَّهُمَّ ألعَنهُم وأشياعَهُم وَأتباعَهُم ومُحِبِّيهم وأولياءهم وأعوانَهُمُ لَعناً كَثِيراً.
اللَّهُمَّ، ألعَن قَتَلَة أميرِ المُؤمِنينَ ثَلاثاً، اللَّهُمَّ: ألعَن قَتَلَة الحُسين ثلاثاً. اللَّهُمَّ، عَذِّبهُم عَذَاباً لا تُعذِّبُهُ أَحَد مِن العَالَمِينَ وَضاعِف عَلَيهِم عَذَابَكَ بِما شاقُّوا ولاةَ أَمرِكَ وأعدَّ لهُم عَذاباً لَم تحِلِّهُ بِأحدٍ مِن خَلقِكَ، اللَّهُمَّ، وَأَدخِل عَلَى قَتَلةِ أنصارِ رَسولِكَ، وَأنصارِ أَميرِ المُؤمنينَ وَعلى قاتلِهِ، (وعلى) (2) قَتَلة الحُسَين (وأنصار الحُسَين) (3)، وَقَتَل مَن قُتِلَ فِي وِلايةِ آلِ مُحمّد أجمعين عَذاباً مُضاعَفاً
ص: 109
في أسفلِ دَرَكٍ مِن الجَحِيمِ، لا يُخَفَّفُ عَنهُم مِن عَذَابِها وهُم فِيها مُبلسُون مَلعُونُونَ نَاكِسو رُؤُوسِهِم عِندَ رَبِّهم قَد عَايَنوا النَّدامَةَ وَالخِزيَ الطَّوِيلَ بِقَتلِهِم عِترةِ أنبيائكَ ورُسُلِك وَأتباعَهُم مِن عبادِكَ الصَّالحين.
اللَّهُمَّ، العَنهُم في مُستَسرِّ السِّرِّ وظاهِرِ العَلانيةِ في سَمَاءِك وأرضِك. اللَّهُمَّ، أجعل لي لِسانَ صِدق في أوليائك وحبّب إليّ مشهدهم (1) ومشاهدهم حتى تُلحِقَني بِهم وَتَجعَلَني لَهُم تبعاً فِي الدُّنيا والآخِرَةِ يا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ.
وأجلس عِندَ رَأسهِ وَقُل: سَلام اللّهِ وَسَلام مَلائكته المُقَرَّبِينَ وَالمُسلِمينَ بِقُلُوبِهم وَالنَّاطِقينَ بِفَضلِك والشَّاهِدينَ عَلىَ أَنَّك صادق صِديق.
عَلَيكَ يَا مَولاي صلى اللَّهُ عَلَيكَ وَعَلَى رُوحِكَ وَبَدَنِكَ، أَشهدُ أَنَّكَ طُهر طاهر مُطهر (مِن طُهرٍ طَاهِرٍ مُطهرٍ) (2)، أَشهدُ لَكَ يَا وليَّ اللَّهَ وَوَلي رَسُولِهِ بِالبلاغِ والأداءِ. وَأَشهدُ أَنَّكَ حَبِيبُ حَبِيب اللّه، وَأَنَّكَ بَابُ اللَّه وَإنَّكَ وجهُ اللَّه الذي منهُ يُؤتَى، وَإِنَّكَ سبيلُ اللَّه وَإِنَّكَ عَبدُ اللَّه وَأخو رَسولَه، أَتيتُكَ وَافِداً لِعَظيمِ حالِكَ وَكَريمِ مَنزِلتكَ عِندَ اللّه وَعِندَ رَسُولِه، متقرِباً إِلَى اللّهِ بِزيارتِكَ طالباً خَلاصَ نَفسِي مُتعوّذاً بكَ مِن نارٍ (استحقيتها) (3) بِمَا جَنَيتُ عَلَى نَفسِي، وأتيتُكَ انقطاعاً إليكَ والى ولَدِكَ الخَلفِ مِن بَعدِكَ عَلَى بَركةِ الحقّ، فَقلبي لَكُم مُسلِمٌ وأَمري (4) لَكُم مُتبِعٌ وَنُصرَتي لَكُم مُعدَّة، وَأنا عبدُ اللّه وَمَولاكَ وفي طاعتِكَ الوافد عَليكَ (5) ألتَمسُ بذلِكَ كمال المَنزلةِ عندَ اللّه، وأنتَ مَن أَمَرَني اللّه بِصِلَتِه وحثّني عَلَى بِرّهِ ودَلّني
ص: 110
عَلَى فَضلِهِ وَهَدانِي لحُبِّهِ وَرَغِّبَني في الوفادَةِ إِليهِ وألهَمَني طَلَبَ الحَوَائِج مِن عِندِهِ.
أَنتُم أَهلُ بَيت سَعُدَ (واللّه) (1) مَن تَوَلاكُم ولا يَخِيب مَن أتَاكُم ولا يَسعدُ مَن عاداكُم، لا أجِدُ أحداً أفزُعُ إليهِ خَيراً لِي مِنكُم، وَأَنتُم أَهلُ بَيتِ الرَّحمَةِ وَدعائِم الدِّين وأركان الأرضِ والشَّجَرَة الطَّيبة.
اللَّهُمَّ، لَا تخيّب تَوجِهي إِلَيكَ بِرَسُولِكَ وَآلِ رَسُولِكَ، ولا تَرُدَّ استشفاعي بِهِم إِليكَ.
اللَّهُمَّ، إِنَّكَ مَنَنتَ بِزيارةِ مَولايَ وَولايَتِه وَمعرفته، فاجعَلني مِمَن يَنصرهُ وممن تنتصر به، ومنّ عليّ بنصري لدينك في الدنيا والآخرة.
اللَّهُمَّ، إِنّي أحيا على ما حيي عليهِ (2) علي بن أبي طالب، وأموتُ عَلَى ما ماتَ عليهِ علي بن أبي طالب (عليه السلام).
فإذا أردتَ الوداع فقل: السَّلامُ عَلَيكَ وَرحمةُ اللَّهِ وَبَركاتُهُ، أَستودِعُكَ اللّه وأَستَرعِيكَ، وَأقرأ عَليكَ السَّلام، أمنّا باللّهِ (وبالرّسلِ وِبِما جاءَت بهِ وَدَعت إِليهِ وَدَلَّت إليهِ) (3) فَاكتُبنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ.
اللَّهُمَّ، لا تَجعَلهُ آخِرَ العَهدِ مِنِّي لزيارتي إِيّاهُ فَإِن تَوفيتَني قَبلَ ذَلكَ فَأنّي أَشهدُ معَ الشَّاهِدينَ في مَمَاتِي عَلَى ما شَهدتُ عَلَيهِ فِي حياتي.
ثم قل بعد الصلاة والتسليم على الأئمة: (اشهدُ انّهم الأئمة كذا وكذا) (4)، وأشهد أن من (قاتلَهُم وحارَبهُم) (5) مُشرِكون وإن مِن رَدَّ عَلَيهِم فِي أسفلِ دَرَكٍ مِنَ
ص: 111
الجَحِيمَ، وَأشهدُ إنَّ مَن (حاربَهُم) (1) لَنا أعداءٌ وَنَحنُ مِنهُم بُرَاءٌ وأنَّهُم حِزبُ الشَّيطانِ وَعَلَى مَن (قَتَلهُم) (2) لَعنةُ اللّهِ وَلَعنةُ المَلائِكةِ وَالنَّاسِ أَجمَعينَ، وَمَن شَرِكَ (فيهِم وَمَن سَرَّهُ قَتلُهم) (3).
اللَّهُمَّ، أَسألُكَ أَن تُصلِّي عَلَى مُحمّد وآلِ مُحمّد (وتُسمّيهم) ولا تجعَلهُ آخِرَ العَهدِ مِن زيارتِهم، فإن جَعلتُه فاحشُرني مَعَ هؤُلاءِ الأئِمَّةِ المُسَمّينَ.
اللَّهُمَّ، وذَلَّل قُلُوبَنا لَهُم بالطاعةِ والمُناصحَةِ وَالمَحَبَّةِ وَحُسنِ المؤَازرةِ والتَّسلِيمِ.
أقول: إني قد كتبت هذه الزيارة من كتاب محمد بن أحمد بن داود من النسخة التي قوبلت بالنسخة التي عليها خط المصنف، وكتب السند (4) من التهذيب من خط السيد الطووي وبينهما اختلاف ما ذكرناه في الحاشية.
60 - أخبرني الشيخ الفقيه المقتدي (نجيب الدين) (5) يحيى بن سعيد، عن محمد بن أبي البركات بن إبراهيم الصنعاني (6)، عن الحسين بن رطبة، عن الحسن بن محمد، عن محمد بن الحسن، (عن محمد بن النعمان) (7)، عن محمد ابن أحمد، عن محمد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك، قال:
حدثني محمد بن شهاب، عن عبد اللّه بن يونس السبيعي، عن المفضل بن عمر،
ص: 112
عن أبي عبد اللّه، قال: أحب لكل مؤمن ان يتختم بخمسة خواتيم:
بالياقوت وهو أفخرها، وبالعقيق وهو أخلصها لله ولنا، وبالفيروزج وهو نزهة الناظر، وبالحديد الصيني وما أحب التختم به ولا أكره لبسه عند لقأ أهل الشر ليطفي شرهم، وأحب اتخاذه فإنه يرد المردة من الجن وما يظهره اللّه عز وجل بالذكوات البيض بالغريين.
قلت: يا مولاي وما فيه من الفضل؟ قال: من تختم به ونظر إليه كتب اللّه له بكل نظرة زورة أجرها أجر النبيين والصالحين، ولولا رحمة اللّه لشيعتنا لبلغ الفص منه مالا يوجد به الثمن، ولكن اللّه (جل ذكره) (1) رخصه عليهم ليتختم به غنيهم وفقيرهم (2).
وأخبرني والدي (قدس اللّه روحه) (3)، عن الفقيه محمد بن نما، عن شيخه محمد بن إدريس (ومن خط الفقيه ابن نما)، نقلت من كتاب (شرف التربة) لابن المطلب الشيباني ما صورته: حدثني محمد بن جعفر بن محمد بن فرج بن أبي نوح الزجحي (4) الكاتب قال:
دخلت على أبي طاهر (محمد بن علي بن بلال) (5) وفي إصبعي خاتم فيروزج فاستحسنه أبو طاهر وأخرج إلي دفترا كان فيه هذا الحديث فأملى منه علي.
61 - حدثني محمد بن شهاب بن صالح البارقي شيخ أهل الكوفة لقيته
ص: 113
بمشهد مولانا الحسين (عليه السلام) قال: حدثني عبد اللّه بن موسى الهمداني. عن مفضل بن عمر، قال: دخلت على أبي عبد اللّه وأنا متختم بالفيروزج فقال لي (1) أبو عبد اللّه (عليه السلام):
يا مفضل الفيروزج نزهة أبصار المؤمنين والمؤمنات وأنا أحب لكل مؤمن أن يتختم بخمسة خواتيم: بالياقوت وهو أفخرها، وبالعقيق وهو أخلصها لله عز وجل ولنا، وبالفيروزج وهو يقوي البصر ويوسع الصدر ويزيد في قوة القلب، ومن تختم به عاد بنجح في حاجته، وبالحديد الصيني ولا أحب التختم به ولا أكره لبسه عند لقأ من يتقيه من أهل الشر ليطفي به (2) شره، وهو يشرد مردة الشياطين فأحب لذلك اتخاذه، والخامس ما يظهره اللّه (عز وجل) بالذكوات البيض بالغريين. فإنه من تختم به فنظر إليه كتب اللّه له بكل نظرة ثواب زورة، ولولا رحمة اللّه لشيعتنا لبلغ الفص منه مالا عظيما ولكن اللّه أرخصه عليهم (3) ليتختم به غنيهم وفقيرهم.
قال أبو طاهر (4): ذكرت هذا الحديث لسيدي أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن الرضا: فقال: هذا من حديث جدي أبي عبد اللّه.
قلت: جعلت فداك ما أراك تختار على العقيق الأحمر شيئا؟ قال: نعم لما جاء فيه. قلت: وما جاء فيه؟ قال: حدثني أبي أن أول من تختم به آدم (عليه السلام)، وكان من حديث آدم (عليه السلام) في
ص: 114
ذلك أنه رأى على العرش بالنور مكتوبا (أنا اللّه الذي لا إله الا أنا وحدي، محمد صفوتي من خلقي أيدته بأخيه علي ونصرته به في تمام الخمسة الاسمأ).
فلما أصاب آدم (عليه السلام) الخطيئة وهبط إلى الأرض توسل إلى اللّه تعالى ذكره بتلك الاسمأ فتاب عليه، فاتخذ آدم (عليه السلام) خاتما من فضة فصه من العقيق الأحمر، ونقش الاسمأ عليه، ثم تختم به في يده اليمنى فصار ذلك سنة أخذ بها الأتقياء من بعده من ولده.
أقول: وفي هذين الحديثين رد على حمزة بن الحسن الأصفهاني (1) حيث ذكر في كتاب (التنبيه على حدوث التصحيف) ان كثيرا من رواة الحديث يرون:
ان النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال: تختموا بالعقيق، وإنما قال تختموا بالعقيق وهو اسم واد بظاهر المدينة، وهذا الحديث يدل على أن المراد بذلك الحجر، وإنما نسبوا إليه الاخلاص لوجهين التسبيح والسجود، كما قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) (2) معناه لو كان لها عقل كامل لسبحت لله.
وكذا نقول: (في الاخلاص) (3). وقيل في قوله (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ) (4). والمراد بذلك المكلف منها فإنه يخضع عند ذلك لخالقها وتخشع، والسجود والخضوع كما قال الشاعر:
ص: 115
ترى آلاكم فيها *** سجدا للحوافر
أو أنها خاضعة لربها لا يمتنع عليه ان يتصرف ما فيها بفنون (1) النظر.
قال ويمكن أن يكون في العقيق خصيصي، وكذا في الصيني والغروي، كما في حجر المغناطيس، وهذا لا مانع منه ولا ينكره النظر.
وقال جالينوس (2) في كتاب (الأحجار): العقيق جبل (مبارك ميمون) (3).
واللّه الموفق.
62 - أخبرني عمي رضي الدين، عن الحسن بن الدربي، عن محمد بن علي بن شهرآشوب، عن جده، عن الطوسي، المفيد، عن جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن فضال، عن عبد اللّه بن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) انه سمعه يقول:
لما قبض أمير المؤمنين (عليه السلام) أخرجه الحسن والحسين ورجلان آخران،
ص: 116
حتى إذا خرجوا من الكوفة وتركوها (1) عن ايمانهم ثم اخذوا في الجبانة حتى مروا به إلى الغري ودفنوه وسووا قبره وانصرفوا (2).
63 - أخبرني الشيخ (3) نجيب الدين يحيى بن سعيد، عن محمد بن أبي البركات الصنعاني، عن الحسين بن رطبة، عن أبي علي الطوسي نقلا من خطه من التهذيب، عن المفيد، عن محمد بن أحمد، عن أبيه، قال:
حدثنا الحسن بن علي بن فضال، قال: حدثنا عمرو بن إبراهيم، عن خلف بن حماد، عن إسماعيل، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال:
(نحن نقول بظهر الكوفة قبر لا يلوذ به ذو عاهة إلا شفاه اللّه) (4).
والشيخ المفيد ذكره في مزاره ولم يسنده، وقال: يعني (قبر أمير المؤمنين) (5)، وذكر أحمد بن محمد بن داود القمي (6) في مزاره ما صورته:
أخبرنا محمد بن علي الكوفي، قال: أخذت هذه الزيارة من كتب عمومتي، وتمم الكلام على حسب ما كتبته على الحواشي والباقي مثله سوأ.
وهذا محمد بن علي (7) قد أبان عنه انه محمد بن الفضل بن تمام بن سكين
ص: 117
ابن (بنداد مهر بن نرح زاد بن مادر ماه بن شهريار الأصغر) (1) ولقب جده بالمسكين إعظاما له، وكان محمد هذا ثقة، عين صحيح الاعتقاد، مشكور التصنيف، قال (رحمه اللّه)،: أخذت هذه الزيارة من كتب عمومتي (رحمهم اللّه) (وكان بخط عمي الحسين بن فضل بن تمام (رحمه اللّه)) (2) نسختها (3).
64 - حدثني الحسين بن محمد (4) بن مصعب الزارع (5)، وأخبرني أبو الحسين زيد بن علي بن محمد بن يعقوب بن زكريا بن حرب الشيباني الخلال (قراءة عليه) في رحا بن أيوب بالكوفة، قال: أخبرني الحسين بن محمد، عن مصعب إجازة عنه، قال: الحسين بن مصعب الزارع، حدثني محمد بن بن الحسين بن أبي الخطاب.
قال: حدثني صفوان بن يحيى (6) البزاز، قال: حدثني صفوان الجمال أنه قال:
خرجت مع الصادق (عليه السلام) من المدينة أريد الكوفة، فلما جزنا (7) الحيرة قال:
يا صفوان! قلت: لبيك يا ابن رسول اللّه.
ص: 118
قال: تخرج المطايا إلى القائم، وجد الطريق إلى الغري، قال صفوان:
فلما صرنا إلى قائم الغري أخرج رشاء معه دقيقاً قد عمل من الكنبار، ثم تبعد من القائم خطا كثيراً ثم مدّ ذلك الرشأ حتى انتهى إلى آخره، ثم ضرب بيده إلى الأرض فأخذ (1) منها كفاً من التراب فشمه ملياً (ثم رماه) (2)، ثم أقبل يمشي حتى وقف على موضع القبر الان.
ثم ضرب بيده المباركة إلى التربة فقبض منها قبضة (ثم شمها) (3) ثم شهق شهقة حتى ظننت أنه فارق الدنيا، فلما أفاق قال: ههنا واللّه مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم خط تخطيطا فقلت: يا ابن رسول اللّه ما منع الأبرار من أهل (البيت) (4) من إظهار مشهده؟ قال: حذرا من بني مروان والخوارج أن تحتال في أذاه.
قال صفوان: فسألت الصادق أبا عبد اللّه (عليه السلام): كيف تزور أمير المؤمنين؟ فقال: يا صفوان! إذا أردت ذلك فاغتسل والبس ثوبين طاهرين غسيلين أو جديدين، ونل شيئا من الطيب فإن لم تنل أجزاك، فإذا خرجت من منزلك فقل:
اللَّهُمَّ إِنِّي خَرجتُ مِن مَنزلي وَتَمِّم الزيارة، وتركتُها لطولها (5).
ص: 119
قال وذكر صاحب (الأنوار) (1) ويرويها يوسف الكناسي (2)، ومعاوية بن عمار جميعا عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا أردت الزيارة لقبر أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه)، فأغتسل حيث تيسر لك وقل حين (تقف بقبره) (3): اللَّهُمَّ، أجعل سعيي مشكورا (وذكر الزيارة) تكون كراسين قطع الثمن أو أكثر من ذلك. وآخرها اللَّهُمَّ: اختم لي بالسّعادةِ والمغفرةِ والخيرةِ (4). وذكر محمد المشهدي (5) في مزاره: أن الصادق (عليه السلام) علم محمد بن مسلم الثقفي (6) هذه الزيارة (7) وقال:
ص: 120
إذا أتيت مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) فاغتسل غسل الزيارة، والبس أنظف ثيابك، وأشم شيئا من الطيب، وامش وعليك السكينة والوقار، فإذا وصلت إلى الباب فاستقبل القبلة وكبر اللّه تعالى ثلاثين مرة، وقل:
السلام على رسول اللّه، السلام على خيرة خلق اللّه. وذكر الزيارة بطولها (1).
وذكر العم السعيد في مزاره أن الصادق (عليه السلام) زار بها علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم السابع عشر ربيع الأول وهي التي رواها محمد بن مسلم، ولكني رأيت في الروايتين اختلافا كثيرا (2).
65 - وقال ابن المشهدي أيضا ما صورته: حدثنا الحسن بن محمد، عن بعضهم، عن سعد بن عبد اللّه الأشعري، قال: حدثني احمد (بن محمد) (3) بن عيسى، عن الحسن بن عيسى، عن هشام بن سالم، قال:
حدثني صفوان الجمال، (قال: لما وافيت مع جعفر الصادق (عليه السلام) الكوفة يريد أبا جعفر المنصور) (4)، قال لي:
يا صفوان! أنخ الراحلة فهذا قبر جدي أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأنختها ثم نزل فاغتسل وغير ثوبه وتخطى وقال لي: إفعل مثل ما أفعله ثم أخذ نحو الذكوات وقال لي:
قصر خطاك وألق ذقنك إلى الأرض فإنه يكتب لك بكل خطوة مئة ألف حسنة، ويمحى عنك مئة الف سيئة، ويرفع لك مئة الف درجة، ويقضى لك مئة
ص: 121
ألف حاجة، ويكتب لك ثواب كل صديق وشهيد مات أو قتل، ثم مشى (ومشيت معه) (1) وعلينا السكينة والوقار ونُسبّح ونُقدّس ونُهلّل إلى أن بلغنا الذكوات، فوقف (عليه السلام) ونظر يمنة ويسرة وخط بعكازته، وقال لي:
أطلبه، فطلبت فإذا أثر القبر (2)، ثم أرسل دموعه على خديه وقال:
انا لله وانا إليه راجعون، ثم قال:
السَّلامُ علَيكَ أَيُّها الوصَيّ البرّ التَقي، السَّلامُ عَلَيكَ أَيُّها النَبأ العَظيم، السَّلامُ عَلَيكَ أَيُّها الصّدّيق الرشيد، السَّلَامُ عَلَيكَ أَيُّها البرّ الزكي، السّلامُ عَلَيكَ يا وَصيّ رَسُول ربِّ العَالمينَ، السَّلامُ عَلَيكَ يَا خيرةَ اللّه عَلَى الخلقِ أَجمَعين، أشهدُ أَنَّكَ حَبيبُ (حَبيب) (3) اللّه وخاصة اللّه وخالصته، السَّلامُ عَليكَ يا وَليّ اللّه وَمَوضِع سِرِّهِ وَعيبةَ عِلمهِ وَخازِنَ وصيّهِ، ثُم انكبَ على قبرِهِ وقال: بأبي أنتَ وأمي يا أمير المؤمنين يا حُجة الخِصام، بأبي أنتَ وأمي يا بابَ المَقام، بأبي أنتَ وأمي يا نورَ اللّه التام (4)، أشهَدُ أنّك قد بلّغتَ عن اللّه وعن رَسولِه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ما حَملت، وَوَعَيتَ ما استحفظتَ، وحفَظَت ما استودعتَ، وحلَّلتَ حَلالَ اللّه، وحرمت حرامَ اللّه، وأقمتَ أحكام اللّه ولم تَتَعد حُدود اللّه، وَعَبدتَ اللّه مُخلصاً حتَّى أَتاكَ اليَقين صلى اللّه عَليكَ وَعلى الأئمَّةِ مِن بَعدِكَ، ثم قام فصلَّى عند الرأسِ ركعات، وقال:
يا صفوان! من زار أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذه الزيارة وصلى بهذه الصلاة رجع إلى أهله مغفورا ذنبه، مشكورا سعيه، ويكتب له ثواب كل من زاره من الملائكة.
ص: 122
قلت: ثواب كل من يزوره من الملائكة! قال: يزوره في كل ليلة سبعون قبيلة (1)، قلت: كم القبيلة؟ قال: مائة الف.
ثم رجع من عنده القهقرى وهو يقول: يا جداه، يا سيداه، يا طيباه، يا طُهراه، لاجَعَل اللّهُ آخر العَهدِ منك (2) ورَزقَني العودةَ إليكَ، والمَقام في حَرمِكَ، والكَونَ مَعكَ، وَمعَ الأبرارِ مِن ولدِكَ (صَلَّى اللّهُ عَلَيكَ وَعَلَى الملائكةِ المُحدقين بِكَ).
قلت: يا سيدي! تأذن لي أن أخبر أصحابنا من أهل الكوفة به؟ قال: نعم وأعطاني دراهم وأصلحت القبر (3).
66 - وذكر محمد بن المشهدي في مزاره ما صورته: روى محمد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميره، قال: خرجت مع صفوان بن مهران الجمال، وجماعة من أصحابنا إلى الغري بعد ما ورد أبو عبد اللّه (عليه السلام)، فزرنا أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما فرغنا من الزيارة، صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد اللّه (عليه السلام)، وقال:
نزور الحسين بن علي من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين، وقال صفوان:
وزرت مع سيدي أبي عبد اللّه الصادق (4) (عليه السلام)، وفعل مثل هذا (5)، ودعا بهذا
ص: 123
الدعاء، بعد أن صلى وودع، ثم قال لي (1):
يا صفوان تعاهد هذه الزيارة، وادع بهذا الدعاء وزرهما بهذه الزيارة فإني ضامن على اللّه لكل من زارهما بهذه الزيارة ودعا بهذا الدعاء من قرب أو بعد أن زيارته مقبولة، وأن سعيه مشكور، وسلامه واصل غير محجوب، وحاجته مقضية من اللّه بالغة ما بلغت، وأن اللّه يجيبه يا صفوان، وجدت هذه مضمونة بهذا الضمان، عن أبي، وأبي عن أبيه علي بن الحسين، عن الحسين، عن أخيه (2)، عن أمير المؤمنين، عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، عن جبرائيل (عليه السلام) مضمونة بهذا الضمان إلى اللّه (عز وجل)، اي أقسم اللّه (عز وجل) (3) أن من زار الحسين بن علي بهذه الزيارة من قرب أو بعد في يوم عاشورأ ودعا بهذا الدعاء قبلت زيارته، وشفعت مسألته، بالغا ما بلغت، وأعطيته سؤله، لا ينقلب عني خائبا (وينقلب عني) (4) مسرورا قريرا عينه بقضاء حوائجه والفوز بالجنة والعتق من النار وشفعته في كل من تشفع له ما خلا - وذكر قوما - آلى اللّه بذلك على نفسه واشهد ملائكته على ذلك.
وقال جبرائيل: يا محمد ان اللّه أرسلني إليك مبشرا لك ولعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولدك إلى يوم القيامة، فدام سرورك يا محمد وسرور علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة وشيعتكم يوم البعث.
قال صفوان: وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام):
يا صفوان إذا حدث لك إلى اللّه تعالى حاجة فزره بهذه الزيارة من حيث
ص: 124
كان، وادع بهذا الدعاء وسل ربك حاجتك فإنك موعود من اللّه واللّه غير مخلف وعده. ورسوله (صلى اللّه عليه وآله وسلم) بمنه والحمد لله وحده (1).
وهذه الزيارة: السلام عليك يا رسول اللّه، السلام عليك يا صفوة اللّه، السلام عليك يا أمين اللّه على من اصطفاه، وآخر الوداع ولا فرق اللّه بيني وبينكم، ثم ينصرف، وانا لم أذكر لفظ الزيارة لأنه ليس موضع لك ولكن استلزم مضمونه، ذكر الحديث أجمع فذكرته لما فيه من الفضل الجزيل.
قال المولى المصنف غياث الدنيا والدين عبد الكريم بن طاووس (أدام اللّه إقباله وبلغه أماله): ولا يقال إن رواية صفوان قد اختلفت لأني أقول: إنه كان جمال الصادق (عليه السلام) والمواضع التي شاهدته فيها تختلف فلا جرم أن لكل موضع حالا تحكيها حسب ما تجري لكثرة تردده إلى هناك.
67 - وقد روى ابن بابويه في كتاب (من لا يحضره الفقيه) ما أخبرني الفقيه أبو القاسم بن سعيد، عن السعيد شمس الدين فخار الموسوي، عن شاذان بن جبرائيل، عن محمد بن القاسم الطبري، عن الحسن، عن أبيه محمد بن الحسن، عن محمد بن محمد المفيد، عن محمد بن علي بن بابويه، عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه (2) محمد بن أبي القائم، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن صفوان، عن الصادق (عليه السلام) قال:
سار (عليه السلام) وانا معه في القادسية حتى أشرف على النجف، فقال: هو الجبل الذي اعتصم به ابن جدي نوح (عليه السلام) وقال: (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء)، فأوحى اللّه عز وجل إليه: (أيعتصم بك مني أحد) فغار (3) في الأرض وتقطع إلى
ص: 125
الشام، ثم قال (عليه السلام): اعدل بنا، فعدلت به، فلم يزل سائرا حتى أتى الغري فوقف على القبر فساق السلام من آدم على نبي نبي: وانا أسوق السلام معه، حتى وصل السلام إلى النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم).
ثم خر إلى القبر فسلم عليه (على نحيبه)، ثم قام فصلى أربع ركعات، وفي خبر آخر ست ركعات، وصليت معه وقلت:
يا بن رسول اللّه ما هذا القبر؟ قال: هذا قبر جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) (1).
نقلت هذا من نسخة صحيحة مقروءة على جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي (2) سنة (ست وأربعين وأربعمائة).
قرأت بخط أبي يعلى الجعفري (رضي اللّه عنه) صهر الشيخ المفيد، والجالس موضعه، في سنة (ثلاث وستين وأربعمائة).
68 - وحدث أبو نعيم الحسن أبو أحمد بن ميثم بن أبي نعيم، عن الفضل بن دكين، عن السكوني (3)، عن محمد بن حازم، عن سليمان بن خالد، عن محمد بن مسلم، قال: مضينا إلى الحيرة فاستأذنا ودخلنا إلى أبي عبد اللّه (عليه السلام) فجلسنا إليه وسألناه عن قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال:
إذا خرجتم فجزتم الثوية والقائم وصرتم إلى النجف على غلوة أو غلوتين رأيتم ذكوات بيضا بينها قبر قد خرقه السيل فذاك قبر أمير المؤمنين (عليه السلام).
قال: فغدونا من غد فجزنا الثوية والقائم وإذا ذكوات بيض فجئناها فإذا هو القبر كما وصف قد خرقه السيل فنزلنا وصلينا عنده ثم انصرفنا. لما كان من الغد غدونا إلى أبي عبد اللّه (عليه السلام) فوصفنا له فقال: أصبتم أصاب اللّه بكم الرشاد (4).
ص: 126
69 - ورأيت في المناقب لابن شهرآشوب (رحمه اللّه) مما أجاز لي روايته والدي (قدسه اللّه روحه)، عن السيد السعيد شمس الدين فخار عنه قال:
وسئل ابن مسكان الصادق (عليه السلام) عن القائم الماثل في طريق الغريين (1).
فقال: إنهم (2) لما جاءوا بسرير أمير المؤمنين (عليه السلام) انحنى أسفا وحزنا على أمير المؤمنين (عليه السلام) (3).
70 - وروى الحسن بن محبوب السراد (4) في كتاب (المشيخة) عن إسحاق بن جرير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال:
إني لما كنت بالحيرة عند أبي العباس كنت آتي قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلا (وهو بناحية الحيرة) (5) إلى جانب غري النعمان فأصلي عنده (صلاة الصبح) (6) وأنصرف قبل الفجر (7).
ص: 127
71 - روى جعفر بن محمد بن قولويه (رحمه اللّه)، قال: حدثني محمد بن أحمد بن علي بن يعقوب، عن (علي بن) (1) الحسن بن فضال، عن أبيه، عن الحسن بن الجهم بن بكير، قال:
ذكرت لأبي الحسن (عليه السلام) عيسى بن موسى وتعرضه لمن يأتي قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنه كان ينزل موضعا يقال له (الثوية) يتنزه إليه، وكان قبر أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) فوق ذلك قليلا وهو الموضع الذي روى صفوان الجمال أن أبا عبد اللّه (عليه السلام) وصف له، قال له في ما ذكر:
إذا انتهيت إلى الغري ظهر الكوفة فأجعله خلف ظهرك وتوجه نحو النجف وتيامن قليلا، فإذا انتهيت إلى الذكوات البيض والثنية أمامه فذلك قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) وانا آتيه كثيرا، ومن أصحابنا من لا يرى ذلك، يقول هو في المسجد، وبعضهم يقول هو في القصر، فأرد عليهم أن اللّه لم يكن يجعل قبر أمير المؤمنين في القصر في منازل الظالمين، ولم يكن يدفن في المسجد وهم يريدون ستره، فأينا أصوب؟ قال: أنت أصوب منهم أخذت بقول جعفر بن محمد، قال:
ثم قال لي:
ص: 128
يا أبا محمد ما أرى (1) من أصحابنا من يقول بقولك، ولا يذهب مذهبك!.
فقلت له: جعلت فداك اما ذلك شي من اللّه؟ قال: أجل، إن اللّه موفق من يشأ ويؤمن عليه، فعل ذلك بتوفيق اللّه فأحمده عليه (2).
72 - وذكر أبو علي بن همام في (الأنوار) (3): ان موسى بن جعفر (عليه السلام) أحد الأئمة الذين دلوا على مشهده وأشار به إلى هذا الموضع الذي هو الان، قرأت بخط السيد الشريف أبي يعلى الجعفري (صهر الشيخ المفيد) في كتابه ما صورته:
ورى أصحابنا عن أيوب بن نوح، قال: كتبت إلى أبي الحسن موسى (بن جعفر) (4) (عليه السلام):
إن أصحابنا قد اختلفوا في زيارة قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال بعضهم:
بالرحبة، وقال بعضهم: بالغري (5). فكتب زره بالغري.
وقد ذكر شيخنا أبو عبد اللّه، عن أبي الحسن بن داود، وقد ذكر هذا الحديث في كتابه الذي صنفه (6) وقد سماه (المزار) (انتهى كلام) (7).
ص: 129
73 - أخبرني الوزير السعيد نصير الدين (قدس اللّه روح)، عن والده، عن السيد فضل اللّه، عن ذي الفقار، عن الطوسي، عن المفيد، عن محمد بن أحمد، قال: أخبرنا محمد بن بكران النقاش، قال: حدثنا الحسين بن محمد المالكي، قال: حدثنا أحمد بن هلال، قال: حدثنا أبو شعيب الخراساني، قال:
قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أيما أفضل زيارة قبر أمير المؤمنين، أو زيارة الحسين (رحمه اللّه)؟ قال:
(ان الحسين قتل مكروباً فحقاً على اللّه (جل ذكره) أن لا يأتيه مكروب الا فرج اللّه كربه، وفضل زيارة أمير المؤمنين على زيارة قبر الحسين كفضل أمير المؤمنين (عليه السلام) على الحسين).
قال: ثم قال: أين تسكن؟ قلت: الكوفة. قال:
إن مسجد الكوفة بيت نوح (عليه السلام)، لو دخله رجل مئة مرة لكتب اللّه له مئة مغفرة، لان فيه دعوة نوح (عليه السلام) حيث قال: (ربي اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا). قال: لمن عنى بوالديه؟ قال: آدم وحواء (1).
قال المولى المصنف (أدام اللّه أيامه واقباله): وإنما لم يزر الرضا (عليه السلام) مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، لأنه لما طلبه المأمون من خراسان توجه من المدينة إلى
ص: 130
البصرة ولم يصل الكوفة، ومنها توجه على طريق الكوفة إلى بغداد ثم إلى قم فدخلها وتلقاه أهلها وتخاصموا فيمن يكون ضيفه منهم، فذكر ان الناقة مأمورة، فما زالت حتى بركت على باب، وصاحب ذلك الباب رأى في منامه أن الرضا (عليه السلام) يكون ضيفه في غد، فما مضى إلا يسير حتى صار ذلك الموضع مقاما شامخا وهو اليوم (مدرسة معروفة) (1) ثم منها إلى مزيومد، وقال في حالهم الخبر المشهور، ثم وصل إلى مرو وعاد إلى سناباد وتوفي بها (2). (واتفق لي زيارته في جماد الأولى سنة ثمانين وستمائة).
ولم ير الكوفة أصلا فلذلك لم يزره (عليه السلام).
وذكر ابن هشام في (الأنوار) (3) انه أمر شيعته بزيارته ودل على أنه بالغريين بظاهر الكوفة.
74 - وفي مزار ابن قولويه فيما رويته عن العم السيد رضي الدين عن الحسن بن الدربي بإسناده إليه قال: حدثني أبي (رحمه اللّه)، عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال:
سألت الرضا (عليه السلام) فقلت: أين موضع قبر أمير المؤمنين؟ فقال: الغري. فقلت له: جعلت فداك ان بعض الناس يقول دفن بالرحبة.
قال: لا ولكن بعض يقول دفن في المسجد (4).
75 - وأخبرني الشيخ المهتدي نجيب الدين يحيى بن سعيد، عن محمد بن أبي البركات بن إبراهيم الصنعاني، عن الحسين بن رطبة، عن الحسن بن محمد،
ص: 131
محمّد بن الحسن، عن محمد بن النعمان، عن محمد بن أحمد، عن أبي علي أحمد بن محمد بن عمار (1) الكوفي قال: حدثني أبي، قال: حدثنا (علي بن الحسن بن فضال) (2)، عن محمد بن عبد اللّه بن زرارة، عن أحمد بن محمد بن أبي النصر، قال: كنا عند الرضا (عليه السلام) والمجلس غاص بأهله فتذاكروا يوم الغدير، فأنكره بعض الناس، فقال الرضا:
حدثني أبي عن أبيه قال: ان يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض، ان لله في الفردوس الاعلى قصرا لبنة من فضة ولبنة من ذهب، فيه مائة الف قبة من ياقوتة حمراء، ومائة الف خيمة من ياقوت أخضر، ترابه المسك والعنبر، فيه أربعة أنهار، نهر من خمر، (ونهر من ماء) (3)، ونهر من لبن، ونهر من عسل، حواليه أشجار جميع الفواكه عليها طيور أبدانها من لؤلؤ وأجنحتها من ياقوت تصوت بألوان الأصوات، إذا كان يوم الغدير ورد إلى ذلك القصر أهل السماوات يسبحون لله ويقدسونه ويهللونه، فتطاير تلك الطيور فتقع في الماء وتمرغ على ذلك المسك والعنبر، فإذا اجتمعت الملائكة طارت فتفض ذلك عليهم، وانهم في ذلك اليوم ليتهادون نثار فاطمة (عليه السلام)، فإذا كان آخر اليوم نودوا:
انصرفوا إلى مراتبكم فقد أمنتم الخطأ والزلل إلى قابل مثل هذا اليوم تكرمة لمحمد (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) (4).
ص: 132
ثم قال: يا بن أبي نصر أينما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين فإن اللّه يغفر لكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ذنوب ستين سنة ويعتق من النار ضعف ما أعتق في شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر، والدرهم فيه بألف درهم لا خوانك العارفين، وأفضل على إخوانك في هذا اليوم، وسر فيه كل مؤمن ومؤمنة، ثم قال: يا أهل الكوفة لقد أعطيتم خيرا كثيرا، وأنتم ممن أمتحن اللّه قلبه بالايمان مستذلون مقهورون ممتحنون، ليصب اللّه (البلا عليهم) (1) صبا ثم يكشفه كاشف الكروب العظيم، واللّه لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كل يوم عشر مرات، ولولا أني أكره التطويل لذكرت من فضل هذا اليوم، وما أعطاه اللّه من عرفه ما لا يحصى بعدد.
قال (علي بن الحسن بن فضال) (2): قال لي محمد بن عبد اللّه: لقد ترددت إلى أحمد بن محمد انا وأبوك والحسن بن جهم أكثر من خمسين مرة وسمعنا منه الحديث.
قال المصنف (أدام اللّه أيامه (وبلغه مرامه) (3) وإنما ذكر أهل الكوفة تأكيداً للحجة عليهم وترغيباً لهم في الزيارة، ولو لم يكن ظاهراً مشهوراً لما أمرهم (عليه السلام) بالزيارة ولم يظهر ولم يعرف إلا في هذا الموضع وكلهم أحال (عليه السلام) على ما دل عليه من تقدمه من الأئمة.
ص: 133
ذكر أبو علي بن همام في كتاب (الأنوار): ان مولانا محمد بن علي (عليه السلام) أحد الأئمة الذين دلوا على مشهده، وأشار إلى هذا الموضع الذي يزار الان وكان هذا أبو علي محمد بن أبي بكر بن سهيل الكاتب الإسكافي شيخ أصحابنا ومتقدمهم له منزلة عظيمة كثير الحديث، وذكره النجاشي (1) وأثنى عليه ثم قال: له من الكتب كتاب (الأنوار) في تاريخ الأئمة.
76 - وأخبرني الفقيه المفيد محمد بن علي بن الجهم الحلي الربعي، عن السيد الفقيه فخار بن معد الموسوي، عن عبد الحميد الثقفي النسابة الجليل، عن السيد أبي الرضا فضل اللّه بن علي بن عبيد اللّه الحسني الجعفري، عن ذي الفقار بن معبد أبي الصمصام المروزي، عن أحمد بن علي بن أحمد النجاشي، قال:
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الجراح الجندي (2)، قال: حدثنا أبو علي بن همام في كتاب (الأنوار) المذكور ومات يوم الخميس لاحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وكان مولده يوم الاثنين لست خلون من ذي الحجة سنة ثمان خمسين ومائتين.
ص: 134
77 - أخبرني العم السعيد رضي الدين، عن الحسين بن الدربي، عن محمد بن علي بن شهرآشوب (سما عن جده شهرآشوب) (1)، عن الطوسي، عن محمد بن النعمان بن جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن أرومة، (عن جدته) (2) عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) قال:
تقول السلام عليك يا ولي اللّه أنت أول مظلوم وأول من غصب حقه، صبرت واحتسبت حتى أتاك اليقين، فأشهد أنك لقيت اللّه وأنت شهيد، عذب اللّه قاتليك بأنواع العذاب، وجدد عليهم (3) العذاب، جئتك عارفا بحقك، مستبصراً بشأنك، معادياً لأعدائك ومن ظلمك، وألقى على ذلك ربي إن شاء اللّه، يا ولي اللّه إن لي ذنوباً كثيرة فاشفع لي إلى ربك فإن لك عند اللّه مقاماً محموداً وإنّ لك عند اللّه جاهاً وشفاعةً، وقال: (ولا يشفعون إلا من أرتضى) (4).
وروي محمد بن جعفر الرازي، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن بعض
ص: 135
أصحابنا عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) مثله.
78 - وأخبرني والدي وعمي (رضي اللّه عنه)، عن محمد بن نما، عن محمد بن جعفر، عن شاذان بن جبرئيل القمي (رضي اللّه عنه)، عن الفقيه العماد بن (1) محمد بن (2) القاسم الطبري، عن أبي علي، عن والده محمد بن الحسن الطوسي، عن الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، عن أبي القاسم جعفر بن قولويه، عن محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي القاسم بن دوخ، وعثمان بن سعيد العمري، عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري، عن أبيه (صلوات اللّه عليه)، وذكر انه (عليه السلام) زار بها في يوم الغدير في السنة التي أشخصه فيها المعتصم، يقف عليه (صلوات اللّه عليه) ويقول: السلام على رسول اللّه خاتم النبيين. (وهي تقرب من كراسة ونصف قطع الثمن) وآخرها لاخوف عليهم ولا هم يحزنون، إنك حميد مجيد. ولم نذكرها لئلا يخرج الكتاب من الغرض إلى ذكر الزيارات.
ص: 136
ذكر أبو علي بن همام في كتاب (الأنوار) (1): ان مولانا الحسن بن علي (عليه السلام) أحد الأئمة الذين دلوا على مشهده، وأشار إلى هذا الموضع الذي يزار الان كما قدمناه آنفا.
وقد قدمنا (2) عن مولانا الجواد (عليه السلام) في وصف حال أبي علي بن همام ما أغنى عن إعادته.
ص: 137
79 - وبالاسناد المتقدم إلى محمد بن أحمد بن داود قال: أخبرنا محمد بن بكران، قال: حدثنا الحسن بن محمد الفرزدق (1)، قال: حدثني حميد الحجال، قال: حدثنا محمد بن حشيش (2)، قال: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، قال:
حدثنا أحمد بن عبد اللّه العامري، قال: حدثنا أبو معمر الهلالي، قال: حدثني أبو قرة (رجل من أصحاب زيد بن علي وكان من الموالي، وكنا نعده من الأخيار) قال: انطلقت أنا وزيد بن علي نحو الجبانة، فصلى ليلاً (3) طويلا ثم قال: يا أبا قرة أتدري أي موضع هذا؟ (4). فقلت: لا أدري، قال:
نحن قرب قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). يا أبا قرة نحن في روضة من رياض الجنة (5).
وذكره الشيخ المفيد في مزاره غير مسند، وفيه (نحن بقرب) بزيادة الباء.
80 - وقال صفي الدين محمد بن معد الموسوي (رحمه اللّه): رأيت في بعض الكتب القديمة الحديثية، حدثنا أبو العباس بن محمد بن سعيد قال: حدثنا حسن بن
ص: 138
عبد الرحمن بن محمد الأزدي، قال: حدثنا (حسين بن محمد بن علي الأزدي) (1) قال: أخبرني أبي، عن الوليد بن عبد الرحمن، قال: أخبرني أبو حمزة الثمالي، قال: كنت أزور علي بن الحسين (عليه السلام) في كل سنة مرة في وقت الحج، فأتيته سنة من ذاك وإذا على فخذه صبي، فقعدت إليه وجاء الصبي فوقع على عتبة الباب فانشج، فوثب إليه علي بن الحسين ويقول له: يا بني أعيذك باللّه أن تكون المصلوب في الكناسة.
قلت: بأبي أنت وأمي وأي كناسة؟. قال: كناسة الكوفة.
قلت: جعلت فداك أو يكون ذلك؟.
قال: أي والذي بعث محمدا بالحق ان عشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة مقتولا مدفونا منبوشا مسلوبا مسحوبا مصلوبا في الكناسة، ثم ينزل ويحرق ويدق ويذرى في البر.
قلت: جعلت فداك وما اسم هذا الغلام؟.
قال: هذا ابني زيد. ثم دمعت عيناه، ثم قال:
ألا أحدثك بحديث ابني هذا:
بينا أنا ليلة ساجد وراكع إذ ذهب بي النوم في بعض حالاتي فرأيت كأني في الجنة، وكأن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وفاطمة والحسن والحسين قد زوجوني جارية من حور العين، فواقعتها فاغتسلت عند سدرة المنتهى ووليت، وهاتف بي يهتف ليهنك زيد، ليهنك زيد، ليهنك زيد، فاستيقظت فأصبت جنابة، فقمت وتطهرت للصلاة وصليت صلاة الفجر، ودق الباب وقيل لي: رجل على الباب يطلبك.
فخرجت فإذا أنا برجل معه جارية ملفوف كمها على يده مخمرة بخمار، فقلت: حاجتك؟ فقال: أردت علي بن الحسين، قلت: أنا علي بن الحسين.
ص: 139
فقال: أنا رسول المختار بن أبي عبيد الثقفي يقرئك السلام ويقول: وقعت هذه الجارية في ناحيتنا فاشتريتها بستمائة دينار، وهذه ستمائة دينار فاستعن بها على وقتك (1). ودفع إليَّ كتاباً، فأدخلت الرجل والجارية، وكتبت له جواب كتابه وأتيت به إلى الرجل، ثم قلت للجارية: ما اسمك؟ قالت: حوراء.
فهيؤوها لي وبت بها عروسا فعلقت بهذا الغلام فسميته زيدا وهو هذا وستري ما قلت لك.
قال أبو حمزة: فواللّه ما لبثت إلا برهة حتى رأيت زيداً بالكوفة في دار معاوية بن إسحاق، فأتيته فسلمت عليه ثم قلت: جعلت فداك ما أقدمك هذا البلد؟ قال: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فكنت أختلف إليه (2)، وكان يتنقل في دور بارق وبني هلال، فلما جلست عنده قال:
يا أبا حمزة نقوم حتى نزور (3) أمير المؤمنين علي (عليه السلام).
قلت: نعم جعلت فداك.
ثم ساق أبو حمزة الحديث حتى قال: أتينا الذكوات البيض فقال:
هذا قبر علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم رجعنا فكان من أمره ما كان، فواللّه لقد رأيته مقتولا مدفونا مسلوبا مسحوبا مصلوبا، ثم قد أحرق ودق في الهواوين وذري في العريض من أسفل العاقول (4).
ص: 140
بن المهدي بن المنصور أو من زاره من الخلفاء من بعده
81 - حسب ما وقع إلينا، رأيت بخط السيد الشريف الفاضل أبي يعلى الجعفري ما صورته: حدث أحمد بن محمد بن سهل، قال: كنت عند الحسين بن يحيى فجأه أحمد بن عيسى بن أخيه فسأله وأنا أسمع، فقال: تعرف حديث قبر علي (عليه السلام) عن حديث صفوان الجمال؟ فقال: نعم أخبرني مولى لنا عن مولى لبني العباس، قال:
قال لي أبو جعفر المنصور: خذ معك معولا وزنبيلا وأمض معي، قال:
فأخذت ما قال، وذهبت معه ليلا حتى ورد الغري، فإذا بقبر، فقال: أحفر.
فحفرت حتى بلغت اللحد (1)، فقلت: هذا اللحد قد ظهر! فقال: (طم ويلك) (2) هذا قبر علي (3) (عليه السلام)، إنما أردت ان أعلم هذا (4). لان المنصور سمع بذلك عن أهل البيت:، فأراد ان يستبرئ الحال فاتضحت له.
82 - أخبرني الشيخ المقتدي نجيب الدين يحيى بن سعيد (أبقاه اللّه)، عن
ص: 141
محمد بن عبد اللّه بن زهرة، عن محمد بن علي بن شهرآشوب، عن جده، عن الطوسي، عن محمد بن محمد بن النعمان المفيد، قال: وروى محمد بن زكريا، قال: حدثنا عبد اللّه بن عائشة، قال: حدثني عبد اللّه بن حازم، قال: خرجنا يوما مع الرشيد من الكوفة نتصيد فصرنا إلى ناحية الغريين والثوية، فرأينا ظباء فأرسلنا عليها الصقور والكلاب، فحاولتها ساعة، ثم لجأت الظباء إلى أكمة فسقطت عليها، فسقطت الصقور ناحية ورجعت الكلاب! فتعجب الرشيد من ذلك، ثم إن الظباء هبطت من الأكمة فسقطت الصقور والكلاب، فرجعت الظباء إلى الأكمة فتراجعت عنها الكلاب والصقور، ففعلت ذلك ثلاثا، فقال هارون:
أركضوا فمن لقيتموه فأتوني به، فأتيناه بشيخ من بني أسد، فقال هارون:
ما هذه الأكمة؟ قال: إن جعلت لي الأمان أخبرتك.
قال: لك عهد اللّه وميثاقه لا أهيجك ولا أوذيك، قال: حدثني أبي عن أبيه، أنهم كانوا يقولون هذه الأكمة قبر علي بن أبي طالب (عليه السلام)، جعله اللّه حرما لا يأوي إليه أحدا (1) إلا أمن. فنزل هارون ودعا بمأ فتوضأ فصلى عند الأكمة، وتمرغ عليها وجعل يبكي ثم انصرفنا.
قال محمد بن عائشة: فكان قلبي لا يقبل ذلك، فلما كان بعد ذلك حججت إلى مكة فرأيت بها ياسرا رحال (2) الرشيد، وكان يجلس معنا إذا طفنا، فجرى الحديث إلى أن قال: قال لي الرشيد ليلة من الليالي وقد قدمنا من مكة فنزلنا الكوفة: يا ياسر قل لعيسى بن جعفر فليركب، فركبا جميعا وركبت معهما، حتى إذا صرنا إلى الغريين، فأما عيسى فطرح نفسه فنام، واما الرشيد فجأ إلى أكمة
ص: 142
فصلى عندها، فلما صلى ركعتين دعا وبكى وتمرغ على الأكمة، ثم جعل يقول:
يا بن عم أنا واللّه أعرف فضلك وسابقتك، وبك واللّه جلست مجلسي الذي أنا فيه، وأنت أنت، و لكن ولدك يؤذونني ويخرجون علي، ثم يقوم فيصلي، ويعيد هذا الكلام ويدعوا ويبكي، حتى إذا كان وقت السحر قال: يا ياسر أقم عيسى، فأقمته.
فقال: يا عيسى قم صل عند قبر ابن عمك، قال: أي عمومتي هذا؟ قال:
هذا قبر علي بن أبي طالب (عليه السلام).
فتوضأ (1) وقام يصلي، فلم يزالا كذلك حتى الفجر فقلت: يا أمير المؤمنين قد أدركك الصبح، فركبا ورجعا إلى الكوفة (2).
83 - أقول: وذكر صفي الدين محمد بن معد (رحمه اللّه) نحو هذا المتن، في رواية رواها في بعض الكتب الحديثية القديمة، وأسنده ما صورته قال: حدثنا محمد بن سهل، قال: (حدثنا عبد العزيز بن يحيى، قال: حدثني محمد بن دينار العتبي) (3)، قال: حدثنا عبيد اللّه بن محمد بن عائشة، قال: حدثني عبد اللّه بن حازم بن خزيمة، قال: خرجنا مع الرشيد من الكوفة نتصيد، فصرنا إلى ناحية الغريين والثوية، وذكر نحو المتن، فلما وصل إلى آخره زاد فيه بعد قوله (ورجعنا إلى الكوفة)، ثم إن أمير المؤمنين خرج إلى الرقة وأنا معه، (فقال ذات ليلة ونحن بالرقة وذلك بعد سنة) (4): يا ياسر تذكر ليلة الغريين؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين،
ص: 143
قال: أتدري قبر من ذاك؟ قلت: لا، قال: قبر (أمير المؤمنين) (1) علي بن أبي طالب.
فقلت: يا أمير المؤمنين تفعل هذا بقبره وتحبس أولاده! فقال: ويلك! إنهم يؤذونني ويحوجونني إلى ما أفعل بهم! انظر من في الحبس منهم. فأحصينا من في الحبس منهم ببغداد والرقة فكانوا مقدار خمسين رجلا، فقال: إدفع إلى كل رجل منهم ألف درهم، وثلاثة أثواب، وأطلق جميع من في الحبس منهم (2).
وقال ياسر: ففعلت ذلك فمالي عند اللّه حسنة أكبر منها.
فقال ابن عائشة: فصدق عندي حديث ياسر ما حدثني به عبد اللّه بن حازم.
وفي سنة خمس وخمسمائة توجه الخليفة المقتفي (3) مشيعا للحاج إلى النجف، ودخل جامع الكوفة كذا ذكره ابن الجوزي، وذكر في سنة سبع وأربعين وخمسمائة أنه توجه إلى واسط، ثم إلى الحلة والكوفة.
ومن العجيب أنه لم يذكر زيارته لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد ذكر ذلك جماعة كثيرة، والظاهر أنه زاره مرارا فيها.
وكذلك الخليفة الناصر لدين اللّه زاره مرارا، وكذلك الخليفة المستنصر (4) وعمل الضريح الشريف وبالغ فيه وزاره. وكذلك الخليفة المستعصم وفرق
ص: 144
الأموال الجليلة عنده (1) والحال في ذلك أظهر من أن تخفى.
وفيما يذكر ابن طحال (2): ان الرشيد بنى عليه بنيانا بآجر ابيض (3) أصغر من هذا الضريح اليوم من كل جانب بذراع، ولما كشفنا الضريح الشريف وجدنا مبنيا عليه تربة وجصا، وأمر الرشيد أن يبنى عليه قبة فبنيت من طين أحمر وطرح على رأسها جرة (4) خضراء وهي في الخزانة اليوم.
ص: 145
إعلم أنه لما كان القصد بدفنه (صلوات اللّه عليه) سرا ستر الحال عن غير أهله، قل (1) العارفون به من الأجانب كما قدمناه وإن عرف بعضهم فربما يكون استناد معرفته إليهم، وقد أورد كثير من العلماء في كتبهم أنه لا يدري موضع قبره تحقيقا لجهالتهم، ومن لا يدري لا ينازع من يقول إني عالم فليس خصما حينئذ لمدعي العلم وقد قدمنا جوابه.
ولما كانت المناقب مشهورة معلنة رواها أولو النقض والابرام من الخاص والعام، ولما كان هذا الامر خفيا لا جرم كثر اختصاص الخاص به ومن هداه اللّه إلى معرفته.
84 - وأخبرني المقري عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر الحنبلي، عن أبي الفرج الجوزي الحنبلي، عن إسماعيل بن أحمد السمرقندي، عن أبي منصور بن عبد العزيز العكبري، عن الحسين بن بشران، عن أبي الحسين بن الأشناني، عن أبي بكر بن أبي الدنيا (ونقلته عن نسخة عتيقة عليها طبقات كثيرة وهي عندي).
قال: أخبرنا عمر، قال: أخبرنا عبد اللّه، قال: حدثني (2) أبي، عن هشام بن
ص: 146
محمد، قال: قال لي أبو بكر بن عياش (1): سألت أبا حصين (وعاصم بن بهدله) (2) والأعمش وغيرهم، فقلت: أخبركم أحد أنه صلى على علي (3) (عليه السلام)؟ قالوا: لا، فسألت ابنك محمد بن السائب (4)، فقال: أخرج به ليلا، وخرج به الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية: (5)، وعبد اللّه بن جعفر، وعدة من أهل بيته، ودفن في ظهر الكوفة. فقلت لأبيك: لم فعل به ذلك؟ قال: مخافة ان ينبشه الخوارج وغيرهم (6).
85 - وبالاسناد المتقدم إلى الشريف أبي عبد اللّه، قال: حدثنا محمد بن جعفر التميمي النحوي، قال: أخبرنا محمد بن علي بن شاذان، أخبرنا حسن بن محمد بن عبد الواحد، أخبرنا محمد بن أبي السري، عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي، قال: قال أبو بكر بن عياش: سألت أبا الحصين وعاصم بن بهدلة والأعمش وغيرهم، فقلت: أخبركم أحد أنه صلى على علي وشهد دفنه؟ فقالوا لي: قد سألنا أباك محمد بن السائب الكلبي، قال: أخرج به ليلا خرج به الحسن والحسين وابن الحنفية وعبد اللّه بن جعفر، في عدة من أهل بيته، ودفن ليلا في ظهر الكوفة.
86 - وأخبرني عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر، عن محمد بن أحمد بن أبي الحارث بن عبد الصمد البرسي (سماعا) عن أبي الفتح محمد بن عبد الباقي
ص: 147
بن أحمد بن سليمان المعروف بنسيب ابن البطحي (سماعا) بإجازته عن محمد بن فتوح الأندلسي الحميدي، عن أبي عمر يوسف بن عبد البر في كتاب (الاستيعاب) قال: وقيل دفن بنجف الحيرة (موضع بطريق الحيرة) (1).
قال: وروى عن أبي جعفر أن قبر علي جهل موضعه.
87 - وذكر عبد الحميد بن أبي الحديد في كتاب (شرح نهج البلاغة) (2) حكاية حسنة، قال: حدثني يحيى بن سعيد بن علي الحنبلي المعروف بابن غالية (من ساكني قطفتا (3) بالجانب الغربي من بغداد وأحد الشهود المعدلين بها)، قال:
كنت حاضرا عند الفخر إسماعيل هذا مقدم الحنابلة ببغداد، في الفقه والخلاف ويشتغل بشي من علم المنطق، وكان حلو العبارة، وقد رأيته انا وحضرت عنده وسمعت كلامه، وتوفي سنة عشر وستمائة. قال ابن غالية:
ونحن عنده نتحدث، إذ دخل شخص من الحنابلة، كان له دين على بعض أهل الكوفة، فانحدر إليه يطالبه به، واتفق أن حضرت زيارة يوم الغدير والحنبلي المذكور بالكوفة، وهذه الزيارة هي يوم الثامن عشر من ذي الحجة، ويجتمع بمشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) (من الخلائق) (4) جموع عظيمة (5) تتجاوز حد الاحصاء والعد.
وقال ابن غالية: فجعل الشيخ الفخر يسأل ذلك الشخص، ما فعلت؟ ما
ص: 148
رأيت؟ هل وصل مالك إليك؟ هل بقي لك بقية عند غريمك؟.
وذلك الشخص يجاوبه، ثم قال له: يا سيدي لو شاهدت يوم الزيارة! ويوم الغدير!، وما يجري عند قبر علي بن أبي طالب من الفضائح والأقوال الشنيعة (1)، وسب الصحابة جهارا بأصوات مرتفعة من غير مراقبة ولا خيفة! فقال إسماعيل:
أي ذنب لهم؟! واللّه ما جرأهم على ذلك وما فتح لهم هذا الباب إلا صاحب ذلك القبر! فقال له الشخص: ومن صاحب ذلك (2) القبر يا سيدي؟ قال: علي بن أبي طالب.
قال: يا سيدي هذا سن لهم وعلمهم إياه وطرقه إليهم.
قال: نعم واللّه! قال: يا سيدي فإن كان محقا فمالنا نتولى فلانا وفلانا! وإن كان مبطلا فمالنا نتولاه! ينبغي ان نتبرأ منه أو منهما.
قال ابن غالية: وقام إسماعيل فلبس نعليه وقال: لعن اللّه إسماعيل الفاعل ابن الفاعلة، إن كان يعرف جواب هذه المسألة، ودخل حرمه، وقمنا نحن فانصرفنا.
قال المولى المعظم غياث الدين والدنيا مصنف هذا الكتاب (أطال اللّه بقأه) (3): الغرض من إيراد هذه الحكاية، أن هذا شيخ الحنابلة ذكر صاحب هذا القبر الذي نحن بصدد تقريره، ولم يقل إنه في غيره، ولم ينكر عليه قوله، بل ظهر الوفاق فلهذا ذكرناها.
88 - وذكر أحمد بن أعثم الكوفي في (الفتوح) (4) أنه دفن في جوف الليل
ص: 149
الغابر بموضع يقال له الغري.
89 - وأخبرني عبد الصمد بن أحمد بن أبي الفرج الجوزي في (المنتظم) (1) قال: أنبأنا شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي، قال: سمعت أبا الغنائم بن النرسي (2) يقول: (مالنا بالكوفة أحد من أهل السنة والحديث إلا أنا، وكان يقول توفي بالكوفة ثلاثمائة وثلاثة عشر من الصحابة لا يدرى قبر أحد منهم إلا قبر علي (عليه السلام)، وقال جاء جعفر بن محمد، ومحمد بن علي بن الحسين فزار هذا الموضع من قبر أمير المؤمنين علي، ولم يكن إذ ذاك القبر، (ولم يكن) إلا الأرض حتى جاء محمد بن زيد الداعي (3)، فأظهر القبر) (4).
ص: 150
وقال شيخنا أبو ناصر: ما رأيت مثل أبي الغنائم في ثقته وحفظه، وكان يعرف بحديثه بحيث لا يمكن أحد أن يدخل في حديثه ما ليس منه، وكان من قوام الليل، ومرض ببغداد فانحدر، فأدركه أجله بحلة ابن مزيد يوم السبت سادس عشر من شعبان، فحمل إلى الكوفة وذلك سنة عشر وخمسمائة.
أقول: وهذا محمد هو ابن زيد بن الحسن بن محمد تقدم بطبرستان ابن إسماعيل جالب الحجارة ابن الحسن دفين الحاجز (1)، ابن زيد (2) الجواد بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ملك بعد أخيه الحسن الذي قدمنا ذكره، وامتدحه أبو المقاتل الضرير بالابيات المشهورة النونية التي آخرها:
حسنات ليس فيها سيئات *** مدحة الداعي اكتبا يا كاتبان
وهو بنى المشهد الشريف الغروي أيام المعتضد، وقتل في وقعة أصحاب السلطان، وقبره بجرجان كذا ذكره في (الشجرة).
وقال الزيدي: إنه ملك طبرستان عشرين سنة، وقال: زرت قبره سنة 422. وقال ابن طحال: إن عضد الدولة (3) تولى عمارته، وأرسل الأموال وتاريخ
ص: 151
فراغها مكتوب على حائط القبة مما يلي الرأس الكريم قدر قامة عن الأرض فليتحقق منها.
90 - أقول: وقد ذكر إبراهيم بن علي بن محمد بن بكروس الدينوري في كتاب (نهاية الطلب وغاية السؤول في مناقب آل الرسول): وقد اختلفت الروايات في قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، والصحيح أنه مدفون في الموضع الشريف الذي على النجف الان، ويقصد ويزار، وما ظهر لذلك من الآيات والآثار والكرامات، فأكثر من أن تحصى، وقد أجمع الناس عليه على اختلاف مذاهبهم وتباين أقوالهم، ولقد كنت في النجف ليلة الأربعاء (ثلاث عشرة) (1) ذي الحجة سنة سبع وتسعين وخمسمائة، ونحن متوجهون نحو الكوفة بعد أن فارقنا (2) الحاج بأرض النجف، وكانت ليلة مضحية كالنهار، وكان مضى من الوقت ثلث الليل، فظهر نور ودخل القمر في ضمنه ولم يبق له أثر، وكان يسير إلى جانبي بعض الاجناد، وشاهد ذلك أيضا، فتأملت سبب ذلك وإذا على قبر (أمير المؤمنين) (3) علي بن أبي طالب (صلوات اللّه عليه) عمود من نور يكون عرضه في رأي العين نحو الذراع، وطوله حدود عشرين ذراعا، وقد نزل من السماء وبقي على ذلك حدود ساعتين، ثم
ص: 152
ما زال يتلاشى على القبة حتى اختفى عني، وعاد نور القمر (كما كان) (1) عليه، وكلمت الجندي الذي إلى جانبي فوجدته قد ثقل لسانه فارتعش، فلم أزل به حتى عاد لما كان عليه، وأخبرني أنه شاهد مثل ذلك.
قال (جامع الكتاب (رحمه اللّه)): وهذا باب متسع لو ذهبنا إلى جميع ما قيل فيه لضاق عنه الوقت، ولظهر العجز عن الحصر، فليس ذلك بموثوق على أحد دون الاخر، فإن هذه الأشياء الخارقة لم تزل تظهر هناك مع طول الزمان، ومن تدبر ذلك وحده معاينة (2) وأخباراً، ومن أحق بذلك منه (عليه السلام) وأولى؟ وهو الذي اشترى الآخرة بطلاق الدنيا، وفيما أظهرنا اللّه من خصائصه كفاية لمن كان له نظر ودراية، واللّه الموفق لمن كان له قلب وأراد الهداية، آخر كلامه حرفا فحرفاً.
91 - قال صاحب (الوصية) محمد بن علي الشلمغاني (3): إنه دفن بظهر الكوفة وقد كان فيما أوصى إلى الحسن ان يحفر حيث تقف الجنازة، فإنك تجد خشبة محفورة، كان نوح (عليه السلام) حفرها ليدفن فيها (4).
92 - وذكر ياقوت بن عبد اللّه الحموي، وكان من أعيان الجمهور في كتابه (معجم البلدان) في ترجمة الغريين: (والغريان طربالان، وهما بناءان كالصومعتين كانا بظهر الكوفة قرب قبر علي بن أبي طالب (عليه السلام). وذكر ياقوت
ص: 153
الحموي أيضا في الكتاب المذكور في ترجمة النجف، بالقرب منه قبر علي بن أبي طالب (عليه السلام) (1).
93 - وذكر عبد الحميد بن أبي الحديد المدائني في (شرح نهج البلاغة):
(إن قبره بالغري، وما يدعيه أصحاب الحديث من الاختلاف في قبره، وانه حمل إلى المدينة، وإنه دفن في رحبة الجامع، أو عند باب الامارة، أو ند البعير الذي حمل عليه فأخذته الاعراب، باطل كله لا حقيقة له، وأولاده أعرف بقبره، وأولاد كل أحد أعرف بقبور آبائهم من الأجانب، وهذا القبر الذي زاره بنوه لما قدموا العراق، منهم جعفر بن محمد حدثهم وغيره من أكابرهم وأعيانهم (2).
94 - وذكر علي بن الأثير المؤرخ في (تاريخه الكبير) وهو العلامة الفاضل الشهير: (أن الأصح من الأقوال أنه مدفون بالغري، وهذا من الواضح الجلي) (3).
95 - ونقلت من خط السيد علي بن عزام الحسيني (رحمه اللّه) - وسألته انا عن مولده فقال: سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وتوفي (رضي اللّه عنه) سنة سبعين أو أحدى وسبعين وستمائة وقال لي: رأيت (رياضة النوبية) جارية أبي نصر محمد بن أبي علي بن الطوسي. أقول: وكانت أم ولده واسمه الحسن باسم جده أبي علي - ما صورته:
حدثنا يحيى بن عليان (الخازن بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)) أنه وجد بخط الشيخ أبي عبد اللّه بن محمد بن السري المعروف بابن البرسي (رحمه اللّه)، بمشهد الغري (سلام اللّه على صاحبه)، على ظهر كتاب بخطه، قال:
كانت زيارة عضد الدولة للمشهدين الشريفين الطاهرين الغروي
ص: 154
والحائري (1)، في شهر جمادى الأولى في سنة أحدى وسبعين وثلاثمائة، وورد مشهد الحائر، (مشهد مولانا) (2) (الحسين صلوات اللّه عليه) لبضع بقين من جماد، فزاره (صلوات اللّه عليه)، وتصدق وأعطى الناس على اختلاف طبقاتهم، وجعل في الصندوق دراهم، ففرقت على العلويين فأصاب كل واحد منهم اثنان وثلاثون درهما، وكان عددهم الفين ومائتي اسم.
ووهب العوام (3) والمجاورين عشرة آلاف درهم، وفرق على المشهد من الدقيق والتمر مائة ألف رطل، ومن الثياب خمسمائة قطعة، وأعطى الناظر عليهم ألف درهم، وخرج وتوجه إلى الكوفة لخمس بقين من جمادى المؤرخ، ودخلها وتوجه إلى المشهد الغروي يوم الاثنين، ثاني يوم وروده وزار الحرم الشريف، وطرح في الصندوق دراهم، فأصاب كل منهم أحدا وعشرين درهما، وكان عدد العلويين ألفا وسبعمائة اسم، وفرق على المجاورين وغيرهم (خمسة آلاف درهم) (4)، وعلى القراء والفقهاء ثلاثة آلاف درهم، وعلى المرتبين والخازن والنواب على يد أبي الحسن العلوي، وعلى يد أبي القاسم بن أبي العابد، وأبي
ص: 155
بكر بن سيار (1) (رحمه اللّه) والحمد لله وصلى على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.
وتوفي عضد الدولة فناخسرو (رحمه اللّه) سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، بعد الفراغ من البيمارستان في تلك السنة، وتاريخ ذلك على حائطه مكتوب (رضي اللّه عنه وأرضاه) (2).
96 - وأخبرني والدي (قدس اللّه روحه)، عن شيخه السعيد شمس الدين فخار بن معد الموسوي، عن محمد بن شهرآشوب (رضي اللّه عنه) في كتاب المناقب، قال:
قال الغزالي: ذهب الناس أن عليا دفن في النجف، وأنهم حملوه على الناقة فسارت حتى انتهت إلى موضع قبره، فبركت وجهدوا ان تنهض فلم تنهض، فدفنوه فيه (3).
97 - وأخبرني والدي (رضي اللّه عنه)، عن السيد أبي علي فخار (4) الموسوي، عن شاذان بن جبرائيل القمي، عن الفقيه محمد بن سراهنك، عن علي بن عبد الصمد التميمي، عن والده، عن السيد أبي البركات الجوري (بالراء غير المعجمة)، (عن علي بن محمد) (5) بن علي القمي الخراز، قال:
أخبرنا محمد بن (عبد اللّه) (6) بن عبد المطلب الشيباني، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن جعفر الخثعمي الاشنائي، قال: حدثنا أبو هاشم محمد بن زيد القاضي، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا جعفر بن زياد الأحمر، (عن أبي
ص: 156
الصيرفي) (1)، عن صفوان بن قبيصة، عن طارق بن شهاب قال:
قال أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه)، وذكر متنا ثم قال:
وتوفي أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلة إحدى وعشرين في شهر رمضان لأربعين سنة مضت من الهجرة، ودفن بالغري، ذكر ذلك في كتاب (الكفاية في النصوص) للخراز (رحمه اللّه) (2).
قال المصنف (شرف اللّه قدره): ولو أخذنا في ذكر من زاره وعمره وتقرب إلى اللّه تعالى بذلك، من الملوك والعظماء والوزراء والأدباء والقضاة والفقهاء والعلماء والمحدثين النبلا لأطلنا فيه.
ولقد أحسن الصاحب عطا ملك بن محمد الجويني (3)، صاحب ديوان الدولة الاليخانية (رضي اللّه عنه) حيث عمل الرياط (4) به، وكان وضع أساسه من سنة ست وسبعين وستمائة، وابتدأ تحقق الحفر للقناة إليه سنة اثنتين وستين وستمائة،
ص: 157
وأجرى الماء في النجف في شهر رجب سنة ست وسبعين وستمائة، وقد كان سنجر بن ملكشاه (1) أجهد في ذلك من قبل فلم يتفق، ذكره ابن الأثير الجزري في تاريخه، وآثار القناة باقية.
وفي ذي القعدة، وأوائل ذي الحجة سنة سبع وستين وستمائة، ابتدئ بعمل البركة في جامع الكوفة، وفرغ على ما أقوله سنة ثمان وستين.
ص: 158
98 - أخبرني عمي السعيد رضي الدين علي بن موسى بن طاووس، والفقيه نجم الدين أبو القاسم بن سعيد، والفقيه المقتدي بقية المشيخة نجيب الدين يحيى بن سعيد (أدام اللّه بركتهم)، كلهم عن الفقيه محمد بن عبد اللّه بن زهرة الحسيني، عن محمد بن الحسن العلوي الحسيني الساكن بمشهد الكاظم (عليه السلام)، عن القطب الراوندي، عن محمد بن علي بن الحسن الحلي، عن الطوسي، ونقلته حرفا حرفا عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان، عن محمد بن أحمد بن داود، عن أبي الحسين محمد بن تمام الكوفي، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن الحجاج من حفظه، قال: كنا جلوسا في مجلس (ابن عمي) (1) أبي عبد اللّه محمد بن عمران بن الحجاج، وفيه جماعة من أهل الكوفة من المشايخ، وفيمن حضر العباسي بن أحمد العباسي، وكانوا قد حضروا عند ابن عمي يهنئونه بالسلامة، لأنه حضر وقت سقوط سقيفة سيدي أبي عبد اللّه الحسين بن علي (عليه السلام) (2) في ذي الحجة من سنة ثلاث وسبعين ومائتين، فبينا هم قعود يتحدثون إذ حضر المجلس إسماعيل بن عيسى العباسي، فلما نظرت الجماعة
ص: 159
إليه، أحجمت عما كانت فيه، وأطال إسماعيل الجلوس، فلما نظر إليهم قال: يا أصحابنا أعزكم اللّه لعلي قطعت عنكم (1) حديثكم بمجيئي! قال أبو الحسن علي بن يحيى (2) (وكان شيخ الجماعة ومقدما فيهم): لا واللّه يا أبا عبد اللّه (أعزك اللّه) أمسكنا بحال من الأحوال.
فقال لهم: يا أصحابنا إعلموا ان اللّه (عز وجل) سائلي عما أقول لكم وما أعتقده من المذهب، حتى حلف بعتق جواريه ومماليكه وحبس دوابه انه ما (3) يعتقد إلا ولاية (أمير المؤمنين) (4) علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والسادة (5) الأئمة (عليهم السلام)، وعدهم واحدا واحدا، وساق الحديث، فانبسط إليه أصحابنا، وسألهم وسألوه، ثم قال لهم:
رجعنا يوم الجمعة من الصلاة من المسجد الجامع مع عمي داود، فلما كان قبل منزلنا وقبل منزله وقد خلا الطريق قال لنا: أينما كنتم قبل ان تغرب الشمس فصيروا إلي، ولا يكون أحد منكم على حال فيتخلف (وكان مطاعا) لأنه كان جمرة بني هاشم، فصرنا إليه آخر النهار وهو جالس ينتظرنا، فقال:
صيحوا بفلان وفلان من الفعلة، فجأه رجلان معهما آلتهما، والتفت إلينا فقال: اجتمعوا كلكم واركبوا في وقتكم هذا وخذوا معكم الجمل (يعني غلاما كان له أسود يعرف بالجمل، وكان لو حمل هذا الغلام على سكر دجلة لكسرها من شدته وبأسه)، وامضوا إلى هذا القبر الذي قد أفتتن به الناس، ويقولون إنه قبر
ص: 160
علي، حتى تنبشوه وتجيئوني بأقصى ما فيه!، فمضينا إلى الموضع فقلنا دونكم وما أمر به، فحفر الحفارون وهم يقولون لا حول ولا قوة إلا باللّه في أنفسهم، ونحن في ناحية، حتى نزلوا خمسة أذرع فلما بلغوا إلى الصلابة قال الحفارون:
قد بلغنا إلى موضع صلب وليس نقوى بنقره، فأنزلوا الحبشي، فأخذ المنقار فضرب ضربة فسمعنا لها (1) طنينا شديدا في البرية (2)، ثم ضرب ثانية، فسمعنا طنينا أشد من ذلك، ثم ضرب الثالثة فسمعنا طنينا أشد مما تقدم، ثم صاح الغلام صيحة، فقمنا وأشرفنا عليه وقلنا للذين كانوا معه سلوه ماله (3)، فلم يجبهم وهو يستغيث، فشدوه وأخرجوه بالحبل، فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى مرفقه دم! لا يكلمنا ولا يخبر جوابا، فحملناه على البغل ورجعنا طائرين، ولم يزل لحم الغلام ينثر من عضده وجسمه (4) وسائر شقه الأيمن، حتى انتهينا إلى عمي فقال: أيش وراءكم؟ فقلنا: ما ترى! وحدثناه بالصورة، فالتفت إلى القبلة وتاب عما هو عليه ورجع عن مذهبه (5)، وتولى وتبرأ، وركب بعد ذلك في الليل إلى علي بن مصعب بن جابر فسأله ان على القبر صندوقا، ولم يخبره بشي مما جرى، ووجد من طم الموضع وعمر الصندوق عليه، ومات الغلام الأسود من وقته (6).
ص: 161
قال أبو الحسن بن الحجّاج: رأينا هذا الصندوق الذي هذا حديثه لطيفا وذلك قبل أن يبنى عليه الحائط الذي بناه الحسن بن زيد، وهذا آخر ما نقلته من خط الطوسي (رضي اللّه عنه).
أقول: وقد ذكر هنا الشريف أبو عبد اللّه محمد بن علي بن الحسن (بن علي) (1) بن الحسين بن عبد الرحمن الشجري، بالاسناد المتقدم إليه:
حدثني أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبد اللّه الجواليقي (لفظا)، قال:
أخبرنا أبو جعفر محمد بن محمد بن الحسين بن هارون إجازة وكتبته من خط يده، قال: أخبرنا علي بن الحسين بن الحجاج املا من حفظه، قال: كنا في مجلس عمي أبي عبد اللّه بن عمران بن الحجاج، وتمم الحديث على نحو ما ذكرناه، ولم يقل ابن عمي وفيه تغير لا يضر (2) طائلا، وقال في آخره الحسن بن زيد (بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد) (3) بن الحسن بن علي (عليه السلام) المعروف بالداعي الخارج بطبرستان (4).
أقول: هذا (5) الحسن بن زيد صح أحب الدعوة بالري (قتله مرداويج) ملك بلادا كثيرة.
وقال الفقيه صفي الدين محمد بن معد (رحمه اللّه):
وقد رأيت هذا الحديث بخط أبي يعلى محمد بن حمزة الجعفري، صهر الشيخ المفيد، والجالس بعد وفاته مجلسه.
ص: 162
أقول: وقد رأيته بخط أبي يعلى الجعفري أيضا في كتابه كما ذكره صفي الدين أيضا. ورأيت (1) هذا في مزار ابن داود القمي (وهو عندي) (2) في نسخة عتيقة مقابلة بنسخة عليها مكتوب ما صورته:
قد أجزت هذا الكتاب وهو أول كتاب الزيارات من تصنيفي، وجميع مصنفاتي ورواياتي ما لم يقع فيها سهو (3) ولا تدليس لمحمد بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن سميع (أعزه اللّه) فليرو ذلك عني إذا أحب لا حرج عليه فيه أن يقول: أخبرنا وحدثنا (4).
وكتب محمد بن داود القمي، في شهر ربيع الاخر سنة ستين وثلاثمائة حامدا لله شاكرا، وعلى نبيه مصليا ومسلما، وهذه الرواية مطابقة لما أورده الطوسي بخطه.
99 - وأخبرني عبد الرحمن الحربي الحنبلي، عن عبد العزيز بن الأخضر، عن محمد بن ناصر السلامي، عن أبي الغنائم محمد بن علي بن ميمون البرسي، قال:
أخبرني الشريف أبو عبد اللّه الحسني المتقدم ذكره، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد (5) بن عبد اللّه الجواليقي بقرأته علي لفظا وكتبه لي بخطه، قال:
أخبرني، قال: أخبرنا جدي أبو أمي محمد بن علي بن رحيم الشيباني، قال:
مضيت انا ووالدي علي بن رحيم وعمي حسين بن رحيم، وأنا صبي صغير سنة
ص: 163
نيف وستين ومائتين بالليل، ومعنا جماعة متخفين إلى الغري، لزيارة قبر مولانا (أمير المؤمنين) (عليه السلام)، فلما جئنا إلى القبر وكان يومئذ قبرا حوله حجارة سندة ولا بناء عنده، وليس في طريقه غير قائم الغري، فبينا نحن عنده، بعضنا يقرأ، وبعضنا يصلي، وبعضنا يزور، وإذا نحن بأسد مقبل نحونا، فلما قرب منا مقدار رمح، (قال بعضنا لبعض: إبعدوا عن القبر حتى ننظر ما يريد فأبعدنا) (1)، فجاء الأسد إلى القبر وجعل يمرغ ذراعه على القبر، فمضى رجل منا فشاهده وعاد فأعلمنا، فزال الرعب عنا، وجئنا بأجمعنا حتى شاهدناه يمرغ ذراعه على القبر (وفيه جراح فلم يزل يمرغه ساعة حتى انزاح عن القبر) (2) ومضى، وعدنا إلى ما كنا عليه من القراءة والصلاة والزيارة وقرأة القرآن (3).
100 - ومن محاسن القصص ما قرأته بخط والدي (قدس اللّه روحه)، على ظهر كتاب بالمشهد الكاظمي (على مشرفه السلام) ما صورته:
قال: سمعت من شهاب الدين بندار بن (ملك دار) (4) القمي، يقول:
حدثنا (5) كمال الدين شرف المعالي بن غياث المعالي القمي، قال: دخلت إلى حضرة مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات اللّه عليه وسلامه)، فزرته وتحولت إلى موضع المسألة، ودعوت وتوسلت بمولانا أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) (6)، فتعلق مسمار من الضريح المقدس (صلوات اللّه على
ص: 164
مشرفه) في قبائي فمزقه، فقلت مخاطبا لأمير المؤمنين (عليه السلام): ما أعرف عوض هذا إلا منك.
وكان إلى جانبي رجل رأيه غير رأيي، فقال لي مستهزئا: ما يعطيك عوضا إلا قباء ورديا، فانفصلنا من الزيارة وجئنا إلى الحلة، وكان جمال الدين قشتمر الناصري (رحمه اللّه) قد هيأ لشخص يريد ان ينفذه إلى بغداد يقال له ابن (مايست) (1) قباء (2) وقلنسوة، فخرج الخادم على لسان قشتمر وقال: هاتوا كمال الدين القمي المذكور، فأخذ بيدي ودخل إلى الخزانة وخلع علي قباء ملكيا ورديا، فخرجت ودخلت حتى أسلم على قشتمر وأقبل كفه، فنظر إلي نظرا عرفت (الكراهية) (3) في وجهه، والتفت إلى الخادم كالمغضب وقال:
طلبت فلانا يعني ابن مايست. فقال الخادم: إنما قلت كمال الدين القمي، وشهد الجماعة الذين كانوا جلساء الأمير أنه أمر بإحضار (4) كمال الدين القمي المذكور (5)، فقلت: أيها الأمير ما خلعت علي أنت هذه الخلعة! بل أمير المؤمنين خلعها علي، فالتمس مني الحكاية، فحكيت له فخر ساجدا وقال: الحمد لله، كيف كانت الخلعة على يدي؟ ثم شكره وقال: تستحق هذا (6). هذا آخر ما حدث به شهاب الدين وكتب أحمد بن طاووس: هذا آخر ما وجدته بخطه فنقلته.
وروى ذلك السيد محمد بن شرفشاه الحسيني عن شهاب الدين بندار
ص: 165
أيضا.
101 - ووجدت ما صورته: عن العم السعيد رضي الدين علي بن طاووس، عن حسين بن عبد الكريم الغروي (وإن كان اللفظ يزيد وينقص عما وجدته مسطورا)، قال: كان قد وفد إلى المشهد الشريف الغروي (على ساكنه (التحية) (1) والسلام)، رجل أعمى من أهل تكريت، وكان قد عمي على كبر، وكانت عيناه ناتئتين على خده، وكان كثيرا ما يقعد عند المسألة ويخاطب الجناب (الأشرف المقدس) (2) بخطاب خشن، وكنت تارة أهم بالانكار عليه، وتارة يراجعني الفكر في الصفح عنه، فمضى على ذلك مدة، فإذا أنا في بعض الأيام قد فتحت الخزانة إذ سمعت ضجة (3) عظيمة، فظننت أنه قد جاء للعلويين بر من بغداد، أو قتل في المشهد قتيل، فخرجت التمس الخبر فقيل لي هاهنا أعمى قد رد بصره، فرجوت أن يكون ذلك الأعمى، فما وصلت إلى الحضرة الشريفة وجدته ذلك الأعمى بعينه، وعيناه كأحسن ما تكون، فشكرت اللّه سبحانه وتعالى على ذلك (4).
وزاد والدي على هذه الرواية، إنه كان يقول له من جملة كلامه كخطاب الاحياء: وكيف يليق أن أجئ وأمشي فيشتفي بي من لا يحب، (ومن هذا الحبش) كذا سمعت والدي (قدس اللّه روحه) غير مرة يحكي.
102 - وسمعت أيضا والدي (قدس اللّه روحه) (5) غير مرة يحكي عن
ص: 166
الشيخ الحسين بن عبد الكريم الغروي (رحمه اللّه) (1)، هذه الحكاية الآتي ذكرها وإن لم أحقق لفظه ولكن المعنى منها أرويه عنه واللفظ وجدته مرويا عن العم السعيد عنه: إنه كان إيلغازي أميرا بالحلة، وكان قد اتفق أنه أنفذ سرية إلى العرب، فلما رجعت السرية نزلوا حول سور المشهد الأشرف المقدس الغروي على الحال به أفضل الصلاة والسلام.
قال الشيخ حسين: فخرجت بعد رحيلهم إلى ذلك الموضع الذي كانوا فيه نزولا لأمر عرض فوجدت (كلابي سربوش) (2) ملقاة في الرحل، فمددت يدي فأخذتهما، وعلقت ذمتي بما ليس فيه راحة، فلما كان بعد مدة زمانية اتفق أنه ماتت عندنا في المشهد المقدس امرأة علوية، فصلينا عليها وخرجت معهم إلى المقبرة، وإذا برجل تركي قائم يفتش موضعا لقيت الكلابين فيه، فقلت لأصحابي: اعلموا إن (ذاك التركي) (3) يفتش على كلابي سربوش وهما معي في جيبي، وكنت لما أردت الخروج إلى الصلاة على الميتة لاحت لي الكلابان في داري فأخذتهما.
ثم جئت انا وأصحابي فسلمت على التركي، فقلت له: ما تفتش؟ قال: أفتش على كلابي سربوش ضاعت مني منذ سنة.
قلت: سبحان اللّه! تضيع منك منذ سنة تطلبه اليوم!. (قال: نعم) (4)، إعلم إني لما دخلت السرية وكنت معهم، فلما وصلنا إلى خندق الكوفة ذكرت
ص: 167
الكلابين فقلت: يا علي هما (1) في ضمانك، لأنهما في حرمك، وأنا أعلم أنهما لا يصيبهما شي. فقلت له: الان ما حفظ اللّه عليك شيئا غيرهما، ثم ناولته إياهما واعتقدنا (2) أن المدة كانت سنة (3).
103 - ووقفت في كتاب قد نقل عن الشيخ حسن بن الحسين بن طحال المقدادي، قال: أخبرني أبي (عن أبيه) (4)، عن جده، أنه أتاه رجل مليح الوجه، نقي الأثواب، دفع إليه دينارين وقال له: إغلق علي القبة وذرني؟ فأخذهما منه وأغلق الباب، فنام فرأى أمير المؤمنين (عليه السلام) في منامه وهو يقول له: أقعد أخرجه عني فإنه نصراني، فنهض علي بن طحال وأخذ حبلا فوضعه في عنق الرجل، وقال له: أخرج تخدعني بدينارين وأنت نصراني.
فقال له: لست بنصراني، قال: بلى، إن أمير المؤمنين أتاني في المنام وأخبرني أنك نصراني وقال أخرجه عني.
فقال: أمدد يدك فأنا أشهد ان لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه، وأن عليا أمير المؤمنين، واللّه ما علم أحد بخروجي من الشام، ولا عرفني أحد من أهل العراق. ثم حسن إسلامه (5).
104 - وحكي أيضا أن عمران بن شاهين من أمراء أهل (6) العراق، عصى على عضد الدولة، فطلبه طلبا حثيثا فهرب منه إلى المشهد متخفيا، فرأى أمير
ص: 168
المؤمنين (عليه السلام) في منامه وهو يقول (له: يا عمران) (1) إن في غد يأتي فناخسرو إلى هاهنا، فيخرجون (ممن بهذا المكان) (2)، فتقف أنت هاهنا وأشار إلى زاوية من زوايا (3) القبة فإنهم لا يرونك، فسيدخل ويزور ويصلي ويبتهل بالدعاء والقسم بمحمد وآله أن يظفره بك، فادن منه وقل له أيها الملك: من هذا الذي (قد) (4) ألححت بالقسم بمحمد وآله ان يظفرك اللّه به؟ فسيقول: رجل شق عصاي ونازعني في ملكي وسلطاني. فقل له: ما لمن يظفرك به؟ سيقول: إن حتم علي بالعفو عنه عفوت عنه، فأعلمه بنفسك فإنك تجد منه ما تريد، فكان كما قال له، فقال له: انا عمران بن شاهين.
قال: من أوقفك ها هنا؟ قال له: هذا مولانا قال لي (5) في منامي غدا يحضر فناخسرو إلى هاهنا وأعاد عليه القول.
فقال له: بحقه قال لك فناخسرو! قلت: أي وحقه.
فقال عضد الدولة: ما عرف أحد ان اسمي فناخسرو إلا أمي والقابلة وأنا، ثم خلع عليه خلع الوزارة، وطلع من بين يديه إلى الكوفة.
وكان عمران بن شاهين قد نذر عليه أنه متى عفا عنه عضد الدولة أتى إلى زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) حافيا حاسرا، فلما جنه الليل خرج من الكوفة وحده (6) فرأى جدي علي بن طحال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في منامه وهو يقول له (7):
ص: 169
اقعد افتح لوليي عمران بن شاهين الباب، فقعد وفتح الباب وإذا بالشيخ قد أقبل، فلما وصل قال: بسم اللّه (يا) (1) مولانا! فقال: ومن أنا؟ فقال: عمران بن شاهين.
قال: لست بعمران بن شاهين.
فقال: بلى، إن أمير المؤمنين أتاني في منامي وقال لي: (اقعد) (2) افتح لوليي عمران بن شاهين. قال له: بحقه هو قال لك! قال: أي وحقه هو قال لي. فوقع على القبة يقبلها وأحاله على ضامن السمك بستين دينارا، وكانت له زوارق تعمل في الماء في صيد السمك (3).
أقول: وبنى الرواق المعروف برواق عمران في المشهدين الشريفين الغروي والحائري على مشرفهما السلام.
القصة الأولى:
قصة أبي البقاء قيم مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) وفي سنة إحدى وخمسمائة بيع الخبز بالمشهد الشريف الغروي كل رطل بقيراط، بقي أربعين يوما، فمضى القوم من الضر على وجوههم إلى القرى، وكان من القوم رجل يقال له أبو البقاء بن سويقة، وكان له من العمر مائة وعشر سنين فلم يبق من القوم سواه، فأضر به الحال، فقالت له زوجته وبناته (4) هلكنا امض كما مضى القوم فلعل اللّه تعالى يفتح بشي نعيش به، فعزم على المضي فدخل إلى القبة الشريفة (صلوات اللّه على صاحبها) وزار وصلى، وجلس عند رأسه
ص: 170
(الشريف) (1) وقال: يا أمير المؤمنين، لي في خدمتك مائة سنة ما فارقتك، وما رأيت الخلة، ولا (رأيت) (2) السكون، وقد أضر بي وبأطفالي الجوع، وها انا مفارقك، ويعز علي فراقك، استودعك، هذا فراق بيني وبينك. ثم خرج ومضى مع المكارية حتى يعبر إلى الوقف وسوراء وفي صحبته وهبان السلمي، وأبو كردي (3)، وجماعة من المكارية طلعوا من المشهد (بليل) (4)، فلما (وصلوا) (5) إلى أبي هبيش قال بعضهم لبعض هذا وقت كثير، فنزلوا ونزل أبو البقاء معهم، فنام فرأى في منامه أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يقول له:
يا أبا البقاء، فارقتني بعد طول هذه المدة، عد إلى حيث كنت، فانتبه باكيا، فقيل له ما يبكيك، فقص عليهم المنام، ورجع فحيث رأينه بناته صرخن (في وجهه) (6)، فقص عليهن القصة، وطلع وأخذ مفتاح القبة من الخازن أبي عبد اللّه بن شهريار القمي، وقعد على عادته بقي ثلاثة أيام، ففي اليوم الثالث اقبل رجل وبين كتفيه مخلاة كهيئة المشاة إلى طريق مكة، فحلها وأخرج منها ثيابا لبسها ودخل إلى القبة الشريفة، وزار وصلى، قال (7): ودفع إلي خفيفا، وقال: ائت بطعام نتغدى. فمضى القيم أبو البقاء وأتى بخبز ولبن وتمر، فقال: ما يؤكل لي هذا، ولكن امض به إلى أولادك يأكلونه، وخذ هذا الدينار الاخر واشتر لنا (به) (8)
ص: 171
دجاجاً وخبزاً.
فأخذت له بذلك، فلما كان وقت صلاة الظهر، صلى الظهرين وأتى إلى داره والرجل معه، فأحضر الطعام وأكلا وغسل الرجل يديه، وقال لي: ائتني بأوزان الذهب! فطلع القيم أبو البقاء إلى زيد بن واقصة وهو صائغ على باب دار التقي بن أسامة العلوي النسابة، فأخذ منه الصينية وفيها أوزان الذهب وأوزان الفضة. فجمع الرجل جميع الأوزان فوضعها في الكفة حتى الشعيرة والأرزة وحبة الشبه، وأخرج كيسا مملوء ذهبا (وترك) (1) منه بحذاء الأوزان وصبه في حجر القيم، ونهض وشد ما تخلف عنه، (ومد مداسه) (2) فقال له القيم: يا سيدي ما اصنع بهذا؟! فقال له: هولك. قال: ممن؟! قال: من الذي قال لك ارجع حيث كنت، قال لي أعطه (حذاء) (3) الأوزان، ولو جئت بأكثر من هذه الأوزان لأعطيتك!. فوقع القيم مغشيا عليه ومضى الرجل، فزوج القيم بناته وعمر داره وحسنت حاله (4).
القصة الثانية:
قصة البدوي مع شحنة الكوفة وفي سنة خمس وسبعين وخمسمائة كان الأمير مجاهد الدين سنقر الاس مقطع الكوفة، وقد وقع بينه وبين بني خفاجة شي فما كان أحد منهم يأتي إلى المشهد ولا غيره إلا وله طليعة، (فأتى فارسان فدخل أحدهما وبقي الاخر
ص: 172
طليعة) (1)، فخرج سنقر من مطلع رهيمي وأتى مع السور فلما بصر به الفارس نادى بصاحبه: (جأت العجم) (2)، وتحته سابق من الخيل، فأفلت ومنعوا الاخر أن يخرج من الباب، واقتحموا وراءه فدخل راكبا، ثم نزل عن فرسه قدام باب السلام الكبير البراني، فمضت الفرس فدخلت في باب ابن عبد الحميد النقيب ابن أسامة، ودخل البدوي ووقف على الضريح الشريف فقال سنقر: ائتوني به فجأت المماليك يجذبونه من على الضريح (الشريف، وقد لزم البدوي برمانة الضريح (3)، وقال: يا أبا الحسن (انا عربي وأنت عربي)، وعادة العرب الدخول، وقد دخلت عليك، لا يا أبا الحسن دخيلك، دخيلك، وهم يكفون أصابعه من على الرمانة وهو ينادي ويقول: لا تخفر ذمامك يا أبا الحسن، فأخذوه ومضوا فأراد ان يقتله، فقطع على نفسه مائتي دينار وحصانا من الخيل المذكورة فكفله ابن بطن الحق على ذلك، ومضى ابن بطن الحق يأتي بالفرس والمال، وقال ابن طحال: فلما كان الليل وانا نائم مع والدي محمد بن طحال بالحضرة الشريفة، فإذا بالباب تطرق، فنهض والدي وفتح الباب، وإذا أبو البقاء بن الشيرجي السوراوي والبدوي معه، وعليه جبة حمراء وعمامة زرقا ومملوك، على رأسه منشفة مكورة يحملها، فدخلوا القبة الشريفة حين فتحت ووقفوا قدام الشباك، وقال: يا أمير المؤمنين عبدك سنقر يسلم عليك ويقول لك إلى اللّه وإليك يا أمير المؤمنين المعذرة والتوبة وهذا دخيلك، وهذا كفارة ما صنعت.
فقال له والدي: ما سبب هذا؟ قال: إنه رأى أمير المؤمنين (4) في منامه
ص: 173
وبيده حربة وهو يقول: واللّه لئن لم تخل سبيل دخيلي لأنتزعن نفسك على هذه الحربة، وقد خلع عليه وأرسله ومعه خمسة عشر رطلا فضة بعيني رأيتها وهي:
سروج وكيزان ورؤوس اعلام، وصفائح فضة، فعملت ثلاث طاسات على الضريح الشريف (صلوات اللّه على مشرفه) ولا زالت إلى أن سبكت في هذه الحلية التي عليه الان، (واما ابن بطن الحق، فرأى أمير المؤمنين (عليه السلام) في منامه، وهو يقول له: ارجع إلى سنقر فقد خلى سبيل البدوي الذي كان قد أخذه، فرجع إلى المشهد (الشريف) (1) وأجتمع بالأسير المطلق) (2).
هذا رأيته سنة خمس وسبعين وخمسمائة (3).
القصة الثالثة:
قصة سيف سرق من الحضرة الشريفة وظهر فيما بعد قال وفي سنة أربع وثمانين وخمسمائة في شهر رمضان، كانوا يأتون مشايخ الزيدية من الكوفة (في شهر رمضان) (4) كان ليلة يزورون الإمام (عليه السلام)، وكان فيهم رجل يقال له عباس الأمعص، قال ابن طحال: وكانت (تلك الليلة) (5) نوبة الخدمة علي، فجاءوا على العادة وطرقوا الباب ففتحته لهم، وفتحت باب القبة الشريفة، وبيد عباس سيف، فقال لي: أين أطرح هذا السيف؟ فقلت:
ص: 174
أطرحه في هذه الزاوية، وكان شريكي في الخدمة شيخ كبير يقال له بقاء بن عنقود، فوضعه ودخلت وأشعلت لهم شمعة، وحركت القناديل فصلوا وطلعوا، وطلب عباس السيف فلم يجده، وسألني عنه، فقلت له: مكانه، فقال: ما هو هاهنا.
وطلبته فما وجدته! وعادتنا ان لا نخلي أحدا ينام بالحضرة سوى أصحاب النوبة فلما يئس منه دخل وقعد عند الرأس، وقال:
يا أمير المؤمنين أنا وليك عباس واليوم لي خمسون سنة أزورك في كل ليلة في رجب وشعبان ورمضان والسيف معي عارية، وحقك ان لم ترده علي إن رجعت زرتك أبدا، وهذا فراق بيني وبينك ومضى، فأصبحت فأخبرت السيد النقيب شمس الدين علي بن المختار، فضجر علي وقال: ألم أنهكم أن ينام أحد بالمشهد سواكم، فأحضرت الختمة الشريفة وأقسمت بها انني فتشت المواضع وقلبت الحصر وما تركت أحدا عندنا، فوجد من ذلك أمرا عظيما وصعب عليه، فلما كان بعد ثلاثة أيام وإذا أصواتهم بالتكبير والتهليل فقمت وفتحت لهم على جاري عادتي، وإذا العباس الأمعص والسيف معه! فقال: يا حسن هذا السيف فالزمه.
فقلت: أخبرني خبره! قال: رأيت مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في منامي، وقد أتى لي وقال: يا عباس لا تغضب امض إلى دار فلان ابن فلان اصعد الغرفة التي فيها التبن (وخذ السيف) (1)، وبحياتي عليك لا تفضحه ولا تعلم به أحدا، فمضيت إلى النقيب شمس الدين فأعلمته بذلك، فطلع في السحر إلى الحضرة وأخذ السيف منه وحكى له ذلك، فقال: لا أعطيك السيف حتى تعلمني من كان
ص: 175
أخذه. فقال له عباس: (يا سيدي) (1) يقول لي جدك بحياتي عليك لا تفضحه ولا تعلم به أحدا وأخبرك، ولم يعلمه ومات ولم يعلم أحدا من أخذ السيف (2).
وهذه الحكاية، أخبرنا بمعناها المذكور القاضي العالم الفاضل المدرس عفيف الدين ربيع بن محمد الكوفي، عن القاضي الزاهد علي بن بدر الهمداني، عن عباس المذكور يوم الثلاثأ خامس عشر ربيع الاخر سنة ثمان وثمانين وستمائة.
القصة الرابعة:
قصة لطيفة قال وفي سنة سبع وثمانين وخمسمائة، كانت نوبتي (انا) (3) وشيخ يقال صباح بن حوبا، فمضى إلى داره وبقيت وحدي وعند رجل يقال له أبو الغنائم بن كدونا، وقد أغلقت الحضرة الشريفة (صلوات اللّه على صاحبها)، فبينما أنا كذلك إذ وقع في مسامعي صوت أحد أبواب القبة فارتعدت لذلك، وقمت ففتحت الباب الأول، ودخلت إلى باب الوداع، فلمست الاقفال فوجدتها على ما هي (عليه من) (4) الاغلاق، (كذلك) (5) ومشيت على الأبواب أجمع فوجدتها بحالها، وقد أقول: واللّه لو وجدت أحدا للزمته، فلما رجعت طالعا وصلت إلى الشباك الشريف، وإذا برجل على ظهر الضريح أحققه في ضؤ القناديل، فحين رأيته
ص: 176
أخذتني القعقعة والرعدة العظيمة وربا لساني في فمي، إلى أن صعد إلى سقف حلقي، فلزمت بكلتا يدي عمود الشباك، وألصقت منكبي الأيمن في ركنه، وخاب (رشدي) (1) عني، وإذا همهمة الرجل ومشيته على فرش الصحن بالقبة، وتحريك الختمة الشريفة بالزاوية في القبة، وبعد ساعة رد روعي وسكن ما عندي، فنظرت فلم أر أحدا فرجعت حتى أطلع فوجدت الباب المقابل باب حضرة النساء قد فتح منه مقدار شبر، فرجعت إلى باب الوداع، وفتحت الاقفال والاغلاق ودخلت وأغلقته من داخله، وهذا ما رأيته وشاهدته (2).
القصة الخامسة:
قصة أخرى
وقال أيضاً إن رجلاً يقال له أبو جعفر (الكتاتيبي) (3)، سأله رجل أن يدفع إليه بضاعة، فلما ألح عليه أخرج ستين دينارا، وقال له: أشهد لي أمير المؤمنين بذلك، فأشهده عليه بالقبض والتسليم، ففعل ذلك (4)، فلما قبض المبلغ بقي ثلاث سنين ما أعطاه شيئا، وكان بالمشهد رجل ذو صلاح يقال له (مفرج) (5)، فرأى في المنام كأن الرجل الذي قبض المال قد مات، وقد جاءوا به على (جاري) (6) العادة (ليدخلوه إلى) (7) الحضرة الشريفة (صلوات اللّه على صاحبها)، فلما وصلوا إلى
ص: 177
الباب، طلع أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى العتبة، وقال: لا يدخل هذا إلينا، ولا يصلي أحد عليه، فتقدم ولد له يقال له يحيى، فقال:
يا أمير المؤمنين وليك! قال: صدقت، ولكن اشهدني عليه لأبي جعفر الكتاتيبي بمال ما أوصله إليه، فأصبح ابن مفرج وأخبرنا بذلك، (فدعونا) (1) أبا جعفر وقلنا له: اي شي لك عند فلان قال: مالي عنده شي وقلنا له: ويلك، شاهدك إمام.
قال: ومن شاهدي؟ قلنا له: أمير المؤمنين (عليه السلام).
فوقع على وجهه يبكي، فأرسلنا إلى الرجل الذي قبض المال (2).
فقلنا له: أنت هالك! فأخبرناهم بالمنام، فبكى ومضى فأحضر أربعين دينارا، فسلمها إلى أبي جعفر وأعطاه الباقي.
القصة السادسة:
قصة أخرى حكى ابن مظفر النجار، قال: كان لي حصة في ضيعة، فقبضت غصبا، فدخلت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) شاكيا، وقلت: يا أمير المؤمنين إن ردت هذه الحصة علي عملت هذا المجلس من مالي.
فردت الحصة عليه، فغفل مدة فرى أمير المؤمنين (عليه السلام) (في منامه) (3) وهو قائم في زاوية القبة، وقد قبض على يده وطلع حتى وقف على باب الوداع البراني، وأشار إلى المجلس وقال: يا علي (يوفون بالنذر)، قال: فقلت: حباً
ص: 178
وكرامة يا أمير المؤمنين. (فأصبح) (1) فأشتغل في عمله (2).
القصة السابعة:
قصة أخرى سمعت بعض من أثق به يحكي لبعض الفقهاء عن القاضي بن بدر الهمداني، وكان زيديا صالحا (سعيدا) (3)، توفي في رجب سنة ثلاث وستين وستمائة، ودفن بالسهلة، قال: كنت بالجامع في الكوفة وكانت ليلة (مظلمة) (4)، فدق باب مسلم جماعة، فذكر بعضهم ان معهم جنازة، فأدخلوها وجعلوها على الصفة التي تجاه باب مسلم بن عقيل (رضي اللّه عنه)، ثم إن أحدهم نعس (فنام) (5)، فرأى في منامه كأن قائلا يقول لاخر: ما نبصره حتى نبصر هل لنا معه حساب أم لا؟ فكشفوا عن وجهه فقال: بلى، لنا معه حساب، وينبغي أن نأخذه منه معجلا قبل ان يتعدى الرصافة، فما يبقى لنا معه طريق. فانتبهت وحكيت لهم المنام، وقلت لهم: خذوه عجلا. فأخذوه ومضوا في الحال (6).
قال (المولى) (7) المعظم (الكامل بقية الخلف، وشرف السلف، عزة آل أبي طالب) (8) غياث (الدنيا) (9) والدين، أبو المظفر (عبد الكريم بن
ص: 179
طاووس) (1) الحسيني (شرف اللّه قدره) وهذا باب واسع متى فتح لم تسعه بطون الأوراق لكونه ممتد الاطناب، فسيح الرواق، ولكن ذكرنا قطرة من تيار، وجذوة من نار، ونحمد اللّه على حسن (التوفيق بالاقرار) (2) وتسهيل الطريق (بالتصديق للاخبار) (3)، ونسأله أن يجازينا بالصفح عن الحوب (للمراد) (4) الصحيح والمطلوب، ويجعل ما لنا خير مآل، ويصرف عن كل إغفال وإهمال، حتى نظفر (بالسعادتين الباقية) (5) والزائلة، و (تنمو) (6) لدينا عوام الاعمار بالنعم الواصلة بمنه وكرمه.
ص: 180
1 - القرآن الكريم.
2 - ارشاد القلوب: لأبي محمد الحسن بن محمد الديلمي، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان.
3 - الارشاد في معرفة حجج اللّه على العباد: لأبي عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ه) - تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.
4 - أساس البلاغة: لأبي القاسم محمود بن عمر المعروف بالزمخشري، دار صادر ودار بيروت للطباعة و النشر - بيروت، طبع سنة (1385 ه - 1965 م).
5 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب: لأبي عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمد بن عبد البر (ت 463 ه) حققه علي محمد البجاوي، منشورات دار نهضة مصر - القاهرة.
6 - إعلام الورى لاعلام الهدى: لأبي علي الفضل بن الحسن المعروف بالطبرسي، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.
7 - الاعلام: لخير الدين الزركلري (1310 - 1396 ه) - دار العلم للملايين - بيروت. الطبعة السابعة سنة 1986 م.
8 - أعيان الشيعة: للسيد محسن الأمين حققه وأخرجه حسن الأمين، منشورات دار التعارف للمطبوعات - بيروت - طبع سنة 1983 م.
9 - الأمالي: للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) تحقيق قسم الدراسات الاسلامية - مؤسسة بعثة - منشورات دار الثقافة للنشر والتوزيع.
ص: 181
10 - أمل الآمل: للشيخ محمد بن الحسن المعروف بالحر العاملي (ت 1104 ه) تحقيق السيد أحمد الحسيني - منشورات مكتبة الأندلس بغداد. طبع مطبعة الآداب - النجف الأشرف.
11 - أنساب الأشراف: لأحمد بن يحيى بن جابر المعروف بالبلاذري (ت 279 ه) تحقيق الدكتور سهيل زكار والدكتور رياض زركلي - منشورات دار الفكر بيروت.
12 - الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية: للشيخ عباس القمي (طبعة حجرية).
13 - بحار الأنوار: للشيخ محمد باقر المجلسي (ت 1111 ه) منشورات دار الكتب الاسلامية.
14 - البداية والنهاية: لأبي الفدأ المعروف بابن كثير (ت 747 ه) منشورات دار الفكر - بيروت.
15 - تاج العروس من جواهر القاموس: لمحمد مرتضى الزبيدي (ت 1250 ه) منشورات دار مكتبة الحياة - بيروت.
16 - تاريخ بغداد: لأبي بكر أحمد بن علي المعروف بالخطيب البغدادي (ت 463 ه) منشورات دار الباز - مكة المكرمة.
17 - تاريخ دمشق: لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة اللّه بن عبد اللّه الشافعي المعروف بابن عساكر (ت 571 ه) تحقيق علي شيري، منشورات دار الفكر - بيروت.
18 - تاريخ الطبري: لأبي جعفر محمد بن جرير المعروف بالطبري (ت 310) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم منشورات، دار السويدان - بيروت.
19 - تاريخ العراق بين الاحتلالين: للمحامي عباس العزاوي، منشورات الشريف الرضي قم - إيران، طبع سنة 1410 ه في مطبعة أمير - قم.
20 - تذكرة الحفاظ: لأبي عبد اللّه شمس الدين محمد الذهبي (ت 748 ه)، منشورات دار احياء التراث العربي - بيروت.
21 - تذكرة الخواص: ليوسف بن قرغلي بن عبد اللّه البغدادي - سبط الحافظ أبي الفرج
ص: 182
عبد الرحمن بن الجوزي الحنفي (ت 645 ه) إصدار مكتبة نينوى الحديثة طهران - ناصر خسرو.
22 - تسلية المجالس وزينة المجالس: للسيد محمد بن أبي طالب الحسيني الموسوي الحائري الكركي (من اعلام القرن العاشر) تحقيق فارس حسون كريم منشورات مؤسسة المعارف الاسلامية - قم.
23 - تقريب التهذيب: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 ه) تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف منشورات دار المعرفة - بيروت.
24 - تهذيب الأحكام: لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن المعروف بالطوسي (ت 460) تحقيق السيد حسن الموسوي منشورات دار الكتب الاسلامية - طهران.
25 - تهذيب التهذيب: لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 825) تحقيق مصطفى عبد القادر عطا منشورات دار الكتب العلمية - بيروت.
26 - تنقيح المقال في علم الرجال: للعلامة المامقاني مطبوع طبعة حجرية.
27 - جامع الرواة وإزاحة الاشتبهات عن الطرق والاسناد: لمحمد بن علي الأردبيلي الغروي الحائري (ت 1111 ه) منشورات دار الأضواء - بيروت طبع سنة 1403 ه - 1983 م.
28 - جمهرة اللغة: لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد حققه وقدم له الدكتور رمزي منير بعلبكي منشورات دار العلم للملايين - بيروت.
29 - حلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار: للسيد هاشم البحراني منشورات مؤسسة المعارف الاسلامية.
30 - الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة: للمؤرخ كمال الدين أبي الفضل عبد الرزاق بن الفوطي البغدادي (ت 723 ه) طبع كتابه سنة 1987 م من دار الفكر الحديث - بيروت.
31 - خصائص الأئمة: لأبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى الموسوي البغدادي (ت 406 ه)، تحقيق وتعليق الدكتور محمد هادي الأميني - منشورات مجمع البحوث
ص: 183
الاسلامية - الآستانة الروضوية المقدسة - مشهد.
32 - دائرة معارف القرن العشرين: لمحمد فريد وجدي (الطبعة الثالثة سنة 1971) من منشورات دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت.
33 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة: للشيخ إنما بزرك الطهراني الطبقة الثالثة عام 1983 - منشورات دار الأضواء - بيروت.
34 - ذوب النضار في شرح الثار: لأبي جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة اللّه المعروف بابن نما الحلي من أعلام القرن السابع، تحقيق فارس حسون كريم - منشورات مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم المقدسة.
35 - رجال النجاشي: لأبي العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس المعروف بالنجاشي (ت 450 ه)، منشورات مؤسسة النشر الاسلامي لجامعة المدرسين بقم.
36 - رجال الحلي: للحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي المعروف بالعلامة (ت 726 ه) منشورات المطبعة الحيدرية - طبع طبعة ثانية سنة 1961 م.
37 - رجال الكشي: لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بالكشي، قدم له وعلق عليه السيد احمد الحسيني، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - كربلاء.
38 - روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات: للميرزا محمد باقر الموسوي الخوانساري الأصبهاني - تحقيق أسد اللّه اسماعيليان - منشورات مكتبة اسماعيليان.
39 - روضة الواعظين: للشيخ العلامة محمد بن الفتال النيسابوري الشهيد في سنة 508 ه من اعلام القرنين الخامس والسادس الهجريين، وضع مقدمته العلامة السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان - منشورات الرضي - قم.
40 - رياض العلماء وحياض الفضلاء: للميرزا عبد اللّه أفندي الأصبهاني من اعلام القرن الثاني عشر تحقيق السيد احمد الحسيني من مخطوطات مكتبة آية اللّه المرعشي العامة - طبع بمطبعة الخيام - قم سنة 1401 ه.
41 - سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار: للمحقق الحاج الشيخ عباس القمي (ت 1359 ه)
ص: 184
الكتاب مطبوع طبعة حجرية.
42 - سير أعلام النبلاء: للامام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 ه) حققه شعيب الارنووط وحسين الأسد - منشورات مؤسسة الرسالة - بيروت.
43 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لأبي الفلاح عبد الحي ابن العماد الحنبلي (ت 1089 ه) منشورات دار احياء التراث العربي - بيروت.
44 - شرح نهج البلاغة: لابن أبي الحديد تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم منشورات دار احياء الكتب العربية.
45 - الطبقات الكبرى: لابن سعد (ت 230 ه) منشورات دار الراصد - ودار بيروت في سنة 1960 م.
46 - طبقات النحويين واللغويين: لأبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي الأندلسي تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، منشورات دار المعارف بمصر.
47 - العبر في خبر من غبر: للمؤرخ الحافظ الذهبي (ت 748 ه) تحقيق أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول منشورات دار الكتب العلمية - بيروت.
48 - علل الشرائع: لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (ت 381 ه) قدم له العلامة الكبير السيد محمد صادق بحر العلوم من منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف 1385 ه - 1966 م.
49 - عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب: للنسابة الشهير جمال الدين أحمد بن علي بن الحسين بن علي بن مهنا بن عنبة الأصغر الدواني الحسيني (ت 828 ه)، عني بتصحيحه محمد حسن آل الطالقاني، الطبعة الثانية عام 1961 م - من منشورات المطبعة الحيدرية في النجف.
50 - عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والاخبار والأقوال: في أحوال امام المشارق والمغارب مولانا علي بن أبي طالب (عليه السلام): للشيخ عبد اللّه بن نور اللّه البحراني الأصفهاني تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام) - قم. طبع بتاريخ 1413 ه بمطبعة أمير - قم
ص: 185
المقدسة.
51 - الفتوح: لأبي محمد أحمد بن اعثم الكوفي (ت 314 ه) منشورات دار الكتب العلمية - بيروت.
52 - الفهرست في اخبار العلماء المصنفين من القدمأ والمحدثين: أسماء كتبهم: لمحمد بن إسحاق النديم المعروف بأبي يعقوب الوراق (ت 380 ه) حققه رضا تجدد بن علي بن زين العابدين الحائري المازندراني سنة 1391 ه.
53 - فوات الوفيات: محمد بن شاكر الكتبي تحقيق الدكتور احسان عباس منشورات دار صادر - بيروت.
54 - الفوائد الرضوية في أحوال علمأ المذاهب الجعفرية: للعلامة الشيخ عباس القمي (ت 1359 ه) طبعة الكتاب قديم ولم يذكر علية سنة الطبع ولا الجهة التي قامت بنشره.
55 - القاموس الوسيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة: للأستاذ الطاهر احمد الزاوي منشورات دار الكتب العلمية - بيروت سنة 1399 ه - 1979 م.
56 - الكافي: لأبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكلبي الرازي (ت 328 / 329 ه) - صححه وقابله وعلق عليه علي أكبر الغفاري، منشورات مؤسسة دار الكتب الاسلامية - طهران، وطبع بمطبعة حيدري - طهران.
57 - كامل الزيارات: لأبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي (ت 368 ه) تحقيق ونشر مؤسسة الفقاهة طبع في سنة 1417 ه يوم الغدير بمطبعة مؤسسة النشر الاسلامي.
58 - الكامل في التاريخ: للعلامة عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير. منشورات دار صادر ودار بيروت للطباعة والنشر - بيروت.
59 - كتاب الرجال: لتقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلي (ت 707 ه) تحقيق السيد محمد صادق آل بحر العلوم منشورات المطبعة الحيدرية - النجف.
60 - كتاب المزار: لأبي عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان الحارث الملقب بالشيخ المفيد (ت
ص: 186
413 ه) - تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام) - قم المقدسة.
61 - كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام): لأبي عبد اللّه محمد بن يوسف بن محمد القرشي الكنبي الشافعي (المقتول 658 ه) - تحقيق محمد هادي الأميني الناشر - دار احياء تراث أهل البيت.
62 - كمال الدين في اتمام النعمة: لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت 381 ه) صححه وعلق عليه علي أكبر الغفاري - منشورات مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم - تاريخ الطبع 1405.
63 - الكنى والألقاب: للعلامة الشيخ عباس القمي (ت 1359 ه) طبع بمطبعة العرفان صيدا سنة 1358 ه، منشورات بيدار قم - إيران.
64 - لؤلؤة البحرين: للشيخ يوسف بن أحمد البحراني (ت 1186 ه) حققه وعلق عليه محمد صادق بحر العلوم - طبع ونشر في مؤسسة آل البيت للطباعة والنشر.
65 - مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة: من ولده (عليهم السلام) من طريق العامة.:
لأبي الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن القمي المعروف بابن شاذان من مفاخر أعلام القرنين الرابع والخامس - تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي (عج) بالحوزة العلمية - قم.
67 - ماضي النجف وحاضرها: للعلامة الشيخ جعفر آل محبوبة (ت 1377 ه) - منشورات دار الأضواء - بيروت.
68 - مدينة الأئمة الاثني عشر ودلائل الحجج على البشر: للسيد هاشم البحراني منشورات مؤسسة المعارف الاسلامية 69 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان: لأبي محمد عبد اللّه بن أسعد بن علي بن سليمان اليافعي اليمني المكي (ت 768 ه) - منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت.
70 - مروج الذهب ومعادن الجوهر: لأبي الحسن علي بن الحسين بن علي المعروف
ص: 187
بالمسعودي (ت 346 ه) منشورات دار الأندلس - بيروت.
71 - مزار الشهيد: للشهيد السعيد محمد بن مكي العاملي الشهير بالشهيد الأول (قتل 786 ه) حققه محمود البدري من منشورات مؤسسة المعارف الاسلامية - قم.
72 - المزار الكبير: لمحمد بن جعفر بن علي بن جعفر المشهدي، الكتاب مطبوع طبعة حجرية ولم يحقق بعد.
74 - مستدركات علم الرجال: العلامة المحقق الشيخ علي النمازي الشاهرودي - الناشر ابن المؤلف على نفقة حسينية عماد زاده - أصفهان.
75 - مشهد الامام أو مدينة النجف: لمحمد علي جعفر التميمي طبع الطبعة الأولى في مطبعة دار النشر والتأليف في النجف سنة 1372 ه - 1953 م.
76 - مصباح الزائر: لرضي الدين السيد علي بن موسى بن طاووس (ت 664 ه) تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث - قم مطبعة ستارة - قم.
77 - مصباح المتهجد: لأبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي المعروف بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي (ت 460 ه) منشورات مؤسسة فقه الشيعة، بيروت - لبنان. الطبعة الأولى سنة 1411 ه - 1953 م.
78 - مقاتل الطالبيين: لأبي فرج الأصفهاني (ت 356 ه) شرح وتحقيق السيد احمد صقر - منشورات الشريف الرضي - قم.
79 - مفاتيح الجنان: للشيخ الجليل والمحدث عباس بن محمد رضا القمي (ت 1359 ه) تعريب السيد محمد رضا النوري النجفي، نشر مؤسسة المعارف الاسلامية الطبعة الأولى 1416 ه، مطبعة پاسدار اسلام.
80 - معجم الأدباء: لياقوت الحموي (ت 626 ه) منشورات دار الفكر للطباعة والنشر - بيروت.
81 - معجم البلدان: للشيخ الامام شهاب الدين أبي عبد اللّه ياقوت بن عبد لله الحموي الرومي البغدادي (ت 626 ه) مشورات دار احياء التراث العربي - بيروت.
ص: 188
82 - معجم رجال الحديث: لمرجع المسلمين زعيم الحوزة العلمية السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي - منشورات مدينة العلم - آية اللّه العظمى الخوئي - قم.
83 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: وضعه محمد فؤاد عبد الباقي منشورات مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة.
84 - المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية، اخرج هذه الطبعة الدكتور إبراهيم أنيس، الدكتور عبد الحليم منتصر، عطية الصوالحي، محمد خلف اللّه الأحمد.
85 - المناقب: لأبي جعفر رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب (ت 588 ه) منشورات مؤسسة انتشارات علامه - طبع في المطبعة العلمية بقم.
86 - مناقب الخوارزمي: لابن أحمد بن محمد المكي المعروف بالخوارزمي (ت 568 ه) حققه الشيخ مالك المحمودي منشورات مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين - قم.
87 - المنتظم في تاريخ الأمم والملوك: لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي (ت 597 ه) تحقيق محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، منشورات دار الكتب العلمية - بيروت.
88 - من لا يحضره الفقيه: لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق (ت 381 ه) صححه وعلق عليه أكبر الغفاري، منشورات جامعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم.
89 - موسوعة العتبات المقدسة قسم النجف: لجعفر الخليلي (الطبعة الثانية) عام 1407 ه - 1987 م -، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت.
90 - نقد الرجال: للسيد مير مصطفى الحسيني التفريشي من اعلام القرن العاشر الهجري طبعة حجرية من منشورات الرسول المصطفى - قم المقدسة.
91 - النهاية في غريب الحديث والأثر: لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير (ت 606 ه) حققه علي بن محمد البجاوي منشورات دار نهضة مصر للطبع
ص: 189
والنشر - القاهرة.
92 - الوافي بالوفيات: لصلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي طبع الطبعة الثانية غير المنقحة باعتناء هلموث ريتر - منشورات فرانز شتاينر.
93 - وفيات الأعيان وانبأ الزمان: لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر المعروف باب خلگان (ت 681 ه) تحقيق الدكتور احسان عباس - منشورات دار صادر - بيروت.
94 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104 ه) تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث - قم المقدسة.
95 - وقعة صفين: لنصر بن مزاحم (ت 212 ه) تحقيق عبد السلام محمد هارون - منشورات مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي - قم.
ص: 190
صورة
ص: 191
صورة
ص: 192