تبصرة الفقهاء

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري

الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية

المطبعة: مطبعة الكوثر

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1427 ه.ق

ISBN (ردمك): 978-964-988-000-6

المكتبة الإسلامية

تبصرة الفقهاء

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

تبصرة الفقهاء

تأليف: الفقيه المحقق و الأصولي المدقق الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الإصفهاني قدس سره

المتوفی سنة 1248 ه.ق

الجزء الأول

تحقيق: السيد صادق الحسيني الأشكوري

ص: 3

رازی نجفی اصفهانی، محمد تقی، ... - 1248 ق.

تبصرة الفقهاء / تألیف شیخ محمد تقی رازی نجفی اصفهانی؛ تحقیق سید صادق حسینی اشكوری.- قم: مجمع ذخائر اسلامی، 1385.

ISBN: 978-988-003-7(دوره)

كتابنامه به صورت زیرنویس.1. فقه شیعه - قرن 13 ق. الف. حسینی اشكوری، سید صادق، 1351 - ، مصحح. ب . عنوان.

1385 2ت 2ر / 3/ 183 BP

297/3

تبصرة الفقهاء (ج1)

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تحقيق: السيد صادق الحسيني الإشكوري

نشر: مجمع الذخائر الإسلامية - قم ، ايران

سنة الطبع: 1427 ه ق، 2007 م

طبعة الكوثر، الطبعة الأولی

ليتوغراف: صبا

كميّة: 1000 نسخة

ردمك: 6-000-988-964-978

(الدورة): 7-003-988-964-978

قمشارع آذرزقاق23-رقم 1 // 09122524335

www.ismajma.com

www.zakhair.net

ص: 4

تقديم

اشارة

بقلم العلّامة الفقيه الشيخ هادي النجفي

من آل العلّامة التقي مؤلّف الكتاب

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي فضّل مداد العلماء على دماء الشهداء ، والصلاة والسلام على مبلّغ رسالات اللّه محمّد المصطفى ، وعلى آله الأمجاد الأطهار.

أما بعد ، فإنّ سماحة العلّامة الثاني ، والمحقّق الكبير ، والأصولي المدقّق ، والفقيه النبيه ، آية اللّه العظمى الشيخ محمّد تقي الرازي النجفي الأصفهاني قدس سره المتوفى عام 1248 صاحب كتاب « هداية المسترشدين في شرح أصول معالم الدين » معروف في أندية العلم وعند أهله وهو غنيّ عن التعريف والتبجيل (1).

أذكر لك بعنوان النموذج كلام العلّامة السيّد عبد الحسين شرف الدين قدس سره المتوفى عام 1377 في كتابه « بغية الراغبين » في شأنه قال : الشيخ محمّد تقي ، فقد كان آية من آيات اللّه المحكمة ، وحجّة من حججه البالغة ، يمثل أئمة أهل البيت عليهم السلام في هديهم ، ويصدع بأمرهم ونهيهم ، بحر علم من بحار علومهم المحيطة ، وعلما راسخا جعله اللّه من أوتاد البسيطة ، وله في خدمة الدين والمؤمنين سيرة شكرها اللّه له ورسوله ... وحين رجع إلى اصفهان شمر

ص: 5


1- كتبت ترجمته في كتابي « قبيله عالمان دين » ( 39 - 11 ) وفي المقدمة التي كتبتها على كتابه « رساله صلاتيه » ( 43 - 24 ) وكلاهما باللغة الفارسية فراجعهما إن شئت.

لنشر العلم عن ساقه وحسر لتربية طالبي العلم عن ساعده ، فكانت حوزته منهم تقارب ثلاث مائة من الفضلاء والأجلّاء وله في تخريج المجتهدين غاية تتراجع عنها سوابق الهمم ، وله في التأليف عزيمة قلّ نظيرها ... وحسبك من آثاره الخالدة « هداية المسترشدين في شرح معالم الدين » وغيرها من الكتب الممتعة في الفقه والأصول ... » (1).

وله كتاب في الفقه الاستدلالي المسمى ب- « تبصرة الفقهاء » لم يطبع حتّى الآن وهو هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ الكريم ويرى النور لأول مرّة.

ونسرد هنا بعض ما قاله الأعلام حول الكتاب :

الأقوال حول الكتاب

1 - قال في الروضات : « وله أيضا كتاب في الفقه الاستدلالي كبير جدّا كان يشتغل به ايام تشرّفنا بخدمته المقدسة الّا انّه بقى في المسودات ولم يدوّن منه مجلد بعد » (2).

2 - قال صاحب الروضات في كتابه الآخر الموسوم ب- « علماء الأسرة » في ذكر أساتيده وترجمة شيخنا المؤلّف : « له أيضا في الفقه كثير لم يدوّن ... » (3).

3 - وقد نقل تلميذه آية اللّه المجدّد الشيرازي في تقريرات بحثه الشريف عن فقه أستاذه شيخنا المؤلّف وقال : « وقد ذهب بعض من المحققين من متأخري المتأخّرين في فقهه - على ما حكي عنه - إلى كون الاجازة كاشفة ، والتزم باللازم الأوّل ، وهو جواز تصرّف الأصيل ، وظهر ما فيه ممّا بيّنّا » (4).

ثم جاء في هامش الأصل : « وهو الشيخ محمّد تقي - قدس سره - على ما حكي عنه » (5).

ص: 6


1- بغية الراغبين في سلسلة آل شرف الدين 1 / 155.
2- روضات الجنات 2 / 124.
3- علماء الأسرة : 180.
4- تقريرات آية اللّه المجدد الشيرازي 2 / 282.
5- تقريرات آية اللّه المجدد الشيرازي 2 / 282.

4 - ونقل حفيد المؤلّف ، العلّامة آية اللّه الشيخ محمّد تقي آقا النجفي الأصفهاني المتوفى عام 1332 في كتاب الطهارة من فقه الإمامية أربع مرّات عن جده قال : « قال جدي العلّامة رحمه اللّه وكأنّه مبنيّ على نجاسة البئر أو على استكراه منه ، فيوجب الضرر على الناس أو كان في وقوعه إفسادا للماء بوجه آخر كإفساده بالتغيير مع كون الماء ملكا للغير أو كونه في تصرّفهم أو وقفا يوجب ذلك الإضرار بالموقوف عليهم فلو خلي عن جميع ما ذكر فالظاهر وجوب النزول أخذا بإطلاق الوجدان » (1).

ثم اختاره وقال : « هذا هو الأقوى » (2).

5 - وقال حفيده أيضا في كتاب الطهارة : « قد وقع الخلاف بين الأصحاب في أنّ الانتقال إلى التيمّم في هذا الباب هل يختصّ بمن لم يتعمّد في الجنابة على الحال المذكور أو يعمّ من تعمّده على أقوال : أحدها : عدم الفرق بينهما ، والظاهر أنّه المعروف بين الأصحاب كما نصّ عليه بعضهم ، وإليه ذهب جدّي العلّامة رحمه اللّه ... » (3).

6 - وهكذا نقل : « نفي الخلاف من أصحابنا » عن جدّه العلّامة في مسألة أنّ خوف العطش من أسباب العجز عن استعمال الماء في الطهارة فينتقل إلى التيمم (4).

7 - وقال : « إنّه ذكر جدّي العلّامة طاب ثراه بأنّ الجاهل بالحكم كالعامد إلّا مع الجهل الذي يكون عذرا كالجاهل المطلق الغافل عن المسألة أو المعتقد للإباحة بحيث لا يحتمل الخلاف ليجب عليه السؤال » (5).

8 - واستدرك ابن حفيده الآخر العلّامة آية اللّه أبي المجد الشيخ محمّد الرضا النجفي الأصفهاني طاب ثراه على كلام صاحب الروضات بأن « له كتاب في الفقه الاستدلالي » قال : « خرج منه كتاب الطهارة ، وهو في الفقه كالهداية في الأصول ، وله شرح كتاب الوافي

ص: 7


1- فقه الإمامية ، كتاب الطهارة ، المطبوع عام 1299 ه. ق على الحجر : 416.
2- فقه الإمامية ، كتاب الطهارة ، المطبوع عام 1299 ه. ق على الحجر : 416.
3- فقه الإمامية ، كتاب الطهارة : 426.
4- فقه الإمامية ، كتاب الطهارة : 429.
5- فقه الإمامية ، كتاب الطهارة : 448.

على ما نقل لي والدي طاب ثراه ... » (1).

9 - وقال ابن حفيده العلّامة الشيخ محمّد باقر ألفت ابن آية اللّه آقا النجفي الأصفهاني المذكور ما ترجمته بالعربية : « وأيضا صنف كتابا في علم الفقه ولكن ما رأيته » (2).

10 - وذكر هذا الكتاب صاحب الذريعة (3). وقال في الكرام البررة في ترجمة المؤلّف : « كتاب الطهارة ، قال في التكملة : رأيته وهو في غاية التحقيق يبلغ قدر طهارة المعالم ، وله شرح طهارة الوافي للفيض من تقرير أستاذه السيّد مهدي [ بحر العلوم ] ... » (4).

11 - وقال العلّامة الشيخ محمّد على المعلّم ما ترجمته بالعربية : « ... وله كتاب كبير في الفقه الاستدلالي لم يخرج من المسودّة » (5).

12 - وذكر الكتاب العلّامة المؤرّخ السيّد مصلح الدّين المهدوي رحمه اللّه في كتابه في ترجمة المؤلف وآله الأمجاد المسمى ب- « بيان سبل الهداية في ذكر أعقاب صاحب الهداية » (6).

13 - وقال والدنا العلّامة آية اللّه الشيخ مهدي مجد الإسلام النّجفي قدس سره في مقدمته على هداية المسترشدين : « وجدنا نسخة كتاب فقه صاحب الهداية في قريب من خمسمائة صفحة (7) سمّي ب- « تبصرة الفقهاء » وفيه جلّ مسائل الطهارة وبحث مواقيت الصلاة وبعض الزكاة وقسم من البيع. وهذا الكتاب « تبصرة الفقهاء » في الفقه ، كالهداية في الأصول ... » (8).

14 - وقال العلّامة المحقّق السيّد أحمد الحسيني الإشكوري مدّ ظلّه في ترجمة المؤلّف المطبوعة في أوّل الهداية : « اشتغل الشيخ في أيام الدراسة والطلب بالفقه والأصول

ص: 8


1- أغلاط الروضات : 10 ، طبع عام 1368 ق في طهران.
2- خاندان من : 8 من المخطوطة.
3- الذريعة 16 / 283 الرقم 1228.
4- الكرام البررة 1 / 217.
5- مكارم الآثار 4 / 1331.
6- بيان سبل الهداية في ذكر أعقاب صاحب الهداية أو تاريخ علمي واجتماعي اصفهان در دو قرن اخير 1 / 168.
7- أي من المخطوطة.
8- مقدمة هداية المسترشدين 1 / 30.

معا ، ثم درّس فيهما طيلة حياته ممارسا لهما معا وفاحصا عن أدلّتهما سوية ، ولذا نراه في كتابه تبصرة الفقهاء مستوعبا لجوانب المسائل الفقهية كما هو الحال في كتابه الهداية المسترشدين. لم يوفّق الشيخ إلى إكمال الشوط لكلّ أبواب الفقه في كتابه تبصرة الفقهاء ، بل كتب منه نبذا من كتاب الطهارة والصلاة والزكاة والبيع ، وبهذه النبذ دلّنا على قوّة عارضته في الاجتهاد الفقهي ، وتسلّطه على الأقوال والآراء ، وقدرته الفائقة على نقدها وتمحيصها ، ثم لباقته الممتازة في عرض الأدلة من الكتاب الكريم والسنّة المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام واستخراج الحكم الأوفق بها.

نرى شيخنا الفقيه عند ما يتعرّض لموضوع ما ، يبدأ بما ذكره اللغويون مع الجرح والتعديل لما ذكروه وتطبيقه بالذوق العرفي ، ثم يستعرض أهم الآراء لكبار الفقهاء ويتناولها بالفحص والنقد العلمي ، ثم يأتي بالأدلة الفقهيّة من الآيات والأحاديث ، ويسندها بما يؤدّي إليه نظره ، ويستخرج بالتالي فتواه غير مشوبة بالضعف على الأغلب ، وبهذه الطريقة المتأنية يدلّنا على تمكّنه من الاجتهاد ويعرّفنا الطريقة الصحيحة للاستنباط » (1).

15 - وقد ذكرت الكتاب في ترجمة المؤلف في كتابي المطبوع « قبيله عالمان دين » (2) فراجعه إن شئت.

والآن أقول : قد كتب مؤلفنا الفقيه الكبير كتاب الطهارة من الكتب الفقهية ثلاث مرات :

أحدها : في ضمن كتابه هذا تبصرة الفقهاء ، وسيأتي منّا ذكر نسخه.

ثانيها : كتاب الطهارة ، ألّفها مستقلا ، وقد طبعت الصفحة الأولى منها بخطّه الشريف في كتابي « قبيله عالمان دين » (3).

ثالثها : شرح كتاب الطهارة من الوافي الشريف من تقرير بحث أستاذه آية اللّه السيّد مهدي بحر العلوم النجفي قدس سره وقد عرّفه العلّامة الطهراني قدس سره في ثلاثة مواضع من الذريعة في

ص: 9


1- ترجمة المؤلف في هداية المسترشدين 1 / 44.
2- قبيله عالمان دين : 22.
3- قبيله عالمان دين : 28.

4 / 374 بعنوان التقريرات و 13 / 366 بعنوان شرح طهارة الوافي و 14 / 165 بعنوان شرح الوافي.

تنبيه

وقد كتب العلّامة الفقيه المتتبّع السيّد جواد العاملي المتوفى عام 1226 صاحب مفتاح الكرامة نفس هذه التقريرات من السيّد بحر العلوم قدس سرهما ، وقد عرّفها العلّامة السيّد حسن الصدر في التكملة وقال : « له كتاب شرح طهارة الوافي تقرير درس السيّد بحر العلوم لم يتم » (1).

وقد عرّفها صاحب الذريعة في ثلاثة مواضع من الذريعة 4 / 374 و 13 / 366 و 14 / 165.

وأما تبصرة الفقهاء

هذا المؤلّف الجليل يشمل على أكثر أبحاث كتاب الطهارة وبحث أوقات الصلاة وقسم من الزكاة وبعض أبحاث كتاب البيع. وبحث طهارته يستوعب قريبا من نصف الكتاب يمكن أن يستظهر من صاحب الروضات انّ المؤلّف دوّنه حين تدريسه حيث يقول : « كان يشتغل به أيام تشرّفنا بخدمته المقدسة » (2).

ولكنه مع الأسف لم يدوّن ولمّا يطبع إلى الحين.

وأحسن مقال في حق الكتاب كلام جدنا العلّامة أبي المجد الشيخ محمّد الرضا النجفي الأصفهاني حيث قال : « وهو في الفقه كالهداية في الأصول » (3).

ص: 10


1- تكملة أمل الآمل : 127.
2- روضات الجنات 2 / 124.
3- أغلاط الروضات : 10.

وبعبارة اخرى : يدلّ الكتاب بأحسن وجه على قوة استنباط مؤلّفه وقدرة اجتهاده وكيفية وروده وخروجه في المسائل الفقهية وآرائه المتكاملة وتسلّطه على الأقوال وقدرته على نقدها وتمكّنه من الجمع بين الروايات المتعارضة بالذوق الفقهي السليم ، وبالجملة استخراج الأحكام الالهية من مداركها.

نسخ الكتاب

بالرغم من عدم تدوين الكتاب على يد مؤلّفه الفقيه ، بعد الفحص التام وجدنا عدة نسخ من هذا الكتاب الشريف ، وأكثرها بأيدينا في عمليّة التحقيق والطبع.

منها : نسخة مكتبة ابن عمّتنا العلّامة المحقّق ، سادن تراث الإماميّة ، آية اللّه السيّد محمّد على الروضاتي مدّ ظلّه العالي - وهو من أعلام بيت المؤلّف - باصفهان أرسل إلينا نسخة كتاب تبصرة الفقهاء ، وكانت بأيدينا أكثر من عامين ، أشكره وأدعوا له بالصحة والعافية وطول العمر ، فإنّه من ذخائر العصر.

ومنها : نسخة مكتبة آية اللّه السيّد عبد الحسين سيّد العراقين ( 1350 - 1294 ) باصفهان في أكثر من مأئة صفحة وهي قطعة من الكتاب في ضمن مجموعة ، دلّنا على وجودها العلّامة الروضاتي ، وتمكنت من أخذ صورتها بإجازة حجة الإسلام والمسلمين السيّد ابراهيم مير عمادي سيد العراقين دامت بركاته نجل مؤسس المكتبة ، أشكره وأدعوا للابن بطول العمر والعافية وللأب بالمغفرة والرحمة.

ومنها : نسخة مكتبة آية اللّه المرعشي بقم المقدسة بالرقم 4883 والمفهرس في فهرسها 13 / 64 باسم العناوين. ولكن الصحيح أنّه نفس هذا الكتاب ولذا جاء في عطفه عنوان « التبصرة » وهي بخط ملا مصطفى التفرشي وعليها تملّك السيّد ريحان اللّه الموسوي. أشكر نجل آية اللّه المرعشي سماحة حجة الإسلام والمسلمين الدكتور السيّد محمود المرعشي - دامت بركاته - حيث أرسل إلينا صورة من هذه النسخة الشريفة لوجه اللّه تعالى ، سلام اللّه على الوالد وما ولد.

ص: 11

ومنها : نسخة مكتبة كلية الالهيات ( الشهيد المطهري ) في جامعة الفردوسى بمدينة المشهد الرضوي المقدس على ساكنها آلاف التحية والثناء ، وقد عرّفت في فهرس مخطوطها 2 / 222 في ضمن مجموعة بالرقم 1062 [22355] ويجب عليّ أن أشكر إدارة هذه المكتبة العامرة سيّما من مديرها الأستاذ الدكتور محمّد على الرضائي - دامت بركاته - حيث أرسل إليّ صورة هذه النسخة الشريفة خالصا مخلصا لله تعالى وأكرمني بوجه الطلق وخلقه الحسن (1).

ومنها : نسخة مكتبة آية اللّه الشيخ زين العابدين الگلپايگاني ( 1289 - 1218 ) بمدينة گلپايگان بخطه ، وهو من تلاميذ المؤلّف في مجموعة أوّلها : قطعة من تبصرة الفقهاء ، وثانيها : المجلد الثاني من كتاب هداية المسترشدين إلى آخر الكتاب وقد عرّفت في فهرس مخطوطات مكتبته (2).

ومع الأسف بالرغم من كثرة تتبّعي لهذه النسخة وإرسال بعض الأفاضل على إثرها لم أجدها ، واللّه هو العالم بمحلّها وعاقبتها.

ومنها : نسخة مكتبة آية اللّه الشيخ رضا الأستادي - دامت بركاته - وقد عرفت في فهرسها (3) بعنوان كتاب الطهارة ، ولكنه في الحقيقة قطعة من تبصرة الفقهاء وأبحاث طهارتها بحسب ما نقل من اوّلها ، لا كتاب الطهارة التي صنفها المؤلف مستقلا. وقد انتقل هذه النسخة إلى مكتبة آية اللّه المرعشي العامة. ولكنها لم تفهرس إلى الآن ولذا لم نتمكن من تصويرها والاستفادة منها.

ص: 12


1- من الجدير بالذكر أنّه دلّنا على نسختي مكتبة آية اللّه المرعشي ومكتبة كلية الالهيات بجامعة فردوسي المشهد ، المحقّق الخبير الأستاذ رحيم قاسمي حيّاه اللّه وبيّاه.
2- فهرست نسخه هاى خطي كتابخانه هاي گلپايگان : 94 الرقم 116 بقلم السيّد جعفر الحسيني الاشكوري.
3- يكصد وشصت نسخه از يك كتابخانه شخصى : 27 بقلم الشيخ رضا الأستادي.

شكر وتقدير

وفي الختام لا بدّ لي أن أشكر المحقّق الجليل الأستاذ السيّد صادق الحسيني الإشكوري - دامت بركاته - حيث حقّق هذا السفر الذي يرى النور لأوّل مرّة بتحقيقه وتصحيحه ، وأدعو له بالتوفيق والتسديد.

صحّح متن الكتاب على أربعة من النسخ التي ذكرتها ، وأنت ترى بداية هذه النسخ ونهايتها قبل شروع الكتاب. وجاء بمتن مصحّح وتحقيق دقيق مع تخريج الآيات والروايات وكثير من الأقوال الواردة فيه.

وأثبت حفظه اللّه تعالى مع هذا التحقيق المنيف أنّ له باعا طويلا في إحياء التراث الفقهي في مكتبة أهل البيت عليهم السلام (1).

* * *

إلى هنا تمت هذه المقدمة بقلم العبد هادي ابن الشيخ مهدي ابن الشيخ مجد الدين ابن الشيخ محمّد الرضا ابن الشيخ محمّد حسين ابن الشيخ محمّد باقر ابن الشيخ محمّد تقي الرازي النجفي الاصفهاني مؤلّف الكتاب - قدّس اللّه أسرارهم - في مساء يوم الثلاثاء غرّة ذي القعدة الحرام عام 1425 يوم ولادة سيدتنا ومولاتنا فاطمة المعصومة عليها السلام بنت الإمام

ص: 13


1- ساعدني في تصحيح ومقابلة هذا السفر المبارك سماحة الأفاضل : السيد علي المعلم والسيد محمود نريماني والشيخ عباس ملايي ، دامت نشاطاتهم العالية. على أن للسيد نريماني جهدا متواصلا في تخريج أقوال الفقهاء ، فجزاه اللّه خير جزاء المحسنين. وبما أن بدء عملنا كانت مع نسخة ( ألف ) ، وهي نسخة كثيرة الأغلاط وفيها سقط كثير ، وآخر ما وصل إلى أيدينا كانت نسخة ( د ) ، وهي أحسن النسخ وأمتنها ، فتعبنا كثيرا لتطبيق النصوص والهوامش ، وإضافة ما ميّز بها نسخة ( د ) ، إلا أن الوقت قليل ، والوعد لازم الوفاء .. فصار كما بين يدي القارئ الكريم ، ولله الحمد على كل حال. ( المحقق ).

موسى بن جعفر عليهما السلام بمدينة أصبهان ، صانها اللّه تعالى عن الحدثان.

والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا ، وصلّى اللّه على سيدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين.

ص: 14

ترجمة المؤلف

اشارة

مستل من موسوعة

« المفصل في تراجم الأعلام »

للعلامة المحقق

السيد أحمد الحسيني

الشيخ محمد تقي بن محمد رحيم بيك ( استاجلو ) ابن محمد قاسم الرازي الأيوان كيفي النجفي الأصبهاني (1)

كان والده يعرف ب- « محمد رحيم بيك استاجلو » ، وقد سماه بعض أرباب التراجم « عبد الرحيم » ، ولكن الموجود بخط صاحب الترجمة « محمد رحيم » ، وهو الأشهر الأصح.

عشيرته وأسرته :

ينتهي نسب الأسرة إلى عشيرة تعرف ب- « استاجلو » التي كان لها صلة وثيقة بالسلاطين الصفوية منذ بداية حكومتها في ايران ، وتصدى بعض رجالها وظائف حكومية هامة في أيام الصفويين والقاجاريين كما جاء في تواريخ تلك العصور.

ص: 15


1- الأيوان كيفي نسبة إلى قرية « إيوان كي » أو « إيوان كيف » من قرى ورامين في شرقي طهران ، تبعد عن طهران 71 كم ، اشتهرت بذلك لبناية فيها أثرية قديمة يقال إنها من أبنية سلاطين ايران الكيانية. و « استاجلو » عشيرة كبيرة اتصلت بالأعمال الحكومية منذ سلطنة الشاه اسماعيل الصفوي. ونسبة النجفي لاعتزاز الأسرة بمنشإ صاحب الترجمة العلمي النجف الأشرف ، ولم تزل تعرف بهذه النسبة. وهي تعرف ب- « المسجد شاهي » أيضا نسبة إلى مسجد شاه بأصبهان ، حيث كان علماؤها يقيمون صلاة الجماعة فيه.

أشغل والد الشيخ صاحب الترجمة الحاج محمد رحيم بيك بعض الوظائف الحكومية في « إيوان كيف » ، إلا أنه في سنواته الأخيرة ترك الوظيفة وهاجر إلى العتبات المقدسة بالعراق وأقام بالنجف الأشرف منصرفا إلى العبادة حتى وافاه الأجل في سنة 1217.

جده الأمي الأعلى ميرزا مهدي قلي خان بيكدلي ، كان من سكنة كرمانشاه وأرسله السلطان نادر شاه أفشار إلى النجف لتولي شئون تعمير الصحن العلوي الشريف وتذهيب القبة والأيوان والمنارتين ، فتصدى ذلك وسجل اسمه على القاشي لبعض الكتائب قرب باب الطوسي ، وكان إنجاز هذه المهمة على يده في سنوات 1156 - 1160.

بزغ نجم هذه الأسرة العلمي في أصبهان منذ نحو سنة 1225 ، حيث هاجر الشيخ فيما يقرب من هذا التاريخ من يزد إليها ، واشتهر بالمقام العلمي الرفيع والزهد والتقوى والتف حوله الخاصة والعامة وانتهت إليه الزعامة العلمية والإمامة.

اشتهر من الأسرة علماء مشاهير وفضلاء ذوو الأقدار والمكانة ، كانوا ولم يزالوا موضع احترام العلماء وحفاوة سائر الطبقات المؤمنة في أصبهان وغيرها ، نذكر أسماء بعضهم كنماذج بارزة لا للحصر :

- أخو صاحب الترجمة ، الشيخ محمد حسين الأصبهاني ( ت 1261 ) ، العالم الكبير مؤلف الكتاب السائر في الأوساط العلمية « الفصول الغروية ».

- ابنه الشيخ محمد باقر المسجد شاهي الأصبهاني ( ت 1301 ) ، من أعاظم علماء أصبهان الفقهاء صاحب شرح هداية المسترشدين.

- الشيخ محمد حسين النجفي الأصبهاني ( ت 1308 ) ، من وجوه تلامذة الامام المجدد ميرزا محمد حسن الشيرازي ومؤلف التفسير القيم « مجد البيان ».

- الشيخ أبو المجد الحاج آقا رضا المسجد شاهي الأصبهاني ( ت 1362 ) ، العالم الكبير والأديب الشاعر المشهور ، مفخرة القرن الرابع عشر في العلم والفضل والأدب. -

ص: 16

الشيخ محمد تقي آقا نجفي الأصبهاني ( ت 1332 ) ، حفيد الشيخ وصاحب المؤلفات الكثيرة المطبوعة الذائعة والمتقدم على علماء عصره بأصبهان.

- الحاج آقا نور اللّه النجفي الأصبهاني ( ت 1346 ) ، من تلامذة المجدد الشيرازي والمشارك في النهضة المعروفة بايران.

- الأستاذ محمد باقر النجفي الأصبهاني المعروف بألفت ( ت 1384 ) ، العلامة الأديب الفاضل المشهور.

- الشيخ محمد علي النجفي الأصبهاني ( ت 1318 ).

- الشيخ مهدي بن محمد علي النجفي الأصبهاني ( ت 1393 ) ، صاحب المؤلفات الكثيرة المتجاوزة على العشرين.

- الشيخ جمال الدين النجفي الأصبهاني ( ت 1354 ) ، من أعلام علماء أصبهان وذي المكانة المحترمة في مختلف الأوساط.

- الشيخ محمد اسماعيل النجفي الأصبهاني ( ت 1370 ) ، صاحب المؤلفات الكثيرة التي لا زالت مخطوطة.

- الشيخ مجد الدين الملقب بمجد العلماء النجفي الأصبهاني ( ت 1403 ) ، العالم الجليل الوجيه عند العامة.

يتصل بيت النجفي مصاهرة ببيوتات علمية كبيرة معروفة في الأوساط العراقية والايرانية ، بواسطة : بنت الشيخ جعفر الكبير النجفي صاحب كشف الغطاء المسماة « نسمة خاتون » أو « حبابة » ، وهي زوجة الشيخ صاحب الترجمة ، لعله تزوجها عند سفر الشيخ جعفر إلى أصبهان ، وتوفيت سنة 1295 ودفنت بجوار قبر زوجها في مقبرة « تخت فولاد » (1).

ص: 17


1- ينقل بعض أفاضل الأسرة : أن الشيخ جعفر كاشف الغطاء سأل الشيخ صاحب الترجمة في مجلس الدرس : هل له زوجة؟ فأجاب خجلا بالنفي. فأمر التلامذة بالانتظار وذهب مع تلميذه إلى البيت وقال له : عندي بنتان إحداهما بارعة في الكمال والأخرى في الجمال فاختر أيتهما شئت. فاختار المتسمة بالكمال ، وعاد الأستاذ إلى مجلس الدرس وانتهى المجلس بعقد الزواج بين التلميذ وبنت الأستاذ. يبدو من هذه القصة أن الزواج كان في النجف الأشرف وليس في أصبهان.

والعلوية بنت السيد صدر الدين العاملي ، زوجة الشيخ محمد باقر النجفي.

والعلوية « ربابة سلطان بيكم » بنت السيد محمد علي المعروف بآقا مجتهد حفيد السيد محمد باقر حجة الإسلام الشفتي ، زوجة الشيخ محمد حسين الأصبهاني وأم أبي المجد.

قال الشيخ آقا بزرك الطهراني :

( آل صاحب الحاشية ) بيت علم جليل في أصفهان ، يعدّ من أشرفها وأعرقها في الفضل ، فقد نبغ فيه جمع من فطاحل العلماء ورجال الدين الأفاضل ، كما قضوا دورا مهما في خدمة الشريعة ، ونالوا الرئاسة العامة لا في أصبهان فحسب بل في ايران مطلقا .. ففيهم علماء وفضلاء وأجلاء .. ».

مولده وشي ء عن نشأته :

لم يتعرض أصحاب التراجم لتأريخ ولادة الشيخ ومحلها على التحديد ، إلا أن السيد المهدوي يحتمل أن تكون الولادة نحو سنة 1185 - 1187 في قرية « إيوان كيف » ، حيث كانت مسكن والده قبل هجرته إلى العتبات المقدسة. والسيد الخوانساري صاحب الروضات يصرح أنه انتقل في عنفوان الشباب إلى عتبات الأئمة الأطياب ، وهذا يؤيد كونه ولد في القرية المذكورة.

كان الشيخ أول من انصرف من أسرته عن الوظائف الحكومية على دأبهم واتجه إلى طلب العلم متمحضا فيه تاركا العناوين الدنيوية.

كانت دراسته في الحوزات العلمية بالنجف الأشرف وكربلاء والكاظمية ، فبقي أكثر من اثنتي عشرة سنة في كربلاء قبل وفاة المولى محمد باقر الوحيد البهبهاني ( ت 1205 ) ، ويذكر المترجمون له من أساتذته الذين درس لديهم في المراحل العالية

ص: 18

واستفاد من علمهم جماعة لم نعرف تفصيل ما تتلمذ لديهم (1) ، وهم :

1 - السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي النجفي ، استفاد منه علما وعملا.

2 - الشيخ جعفر صاحب « كشف الغطاء » النجفي ، وله منه إجازة الحديث والاجتهاد ، وصاهره على بنته كما سبق ذكره.

3 - المولى محمد باقر الوحيد البهبهاني ، وهو أول أساتذته.

4 - السيد علي الطباطبائي الحائري ، صاحب « رياض المسائل ».

5 - السيد محسن الأعرجي الكاظمي ، صاحب « المحصول في علم الأصول ».

6 - الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي (2).

يبدو من بعض القرائن في أحوال الشيخ أنه كان ذا جدّ وسعي كبير في تحصيل العلم واكتساب الفضائل أيام الدراسة والتحصيل ، فانه - كما يظهر من قائمة أسماء أساتذته وشيوخه - كان يختار أحسن رجال العلم وأشهر المدرسين المتقدمين في التدريس ، ولو أدى ذلك إلى التنقل في الحوزات العلمية وعدم الاخلاد إلى الاستقرار والطمأنينة في حوزة ما. بهذا وبما نرى من مؤلفاته العلمية المتناهية في الدقة والاحاطة والموقع الدراسي والعلمي الذي حصله زمن الإفادة ، نستشف مدى جهده أيام الطلب وذكائه في تلقي العلوم وتقدمه على كثير من أترابه ومعاصريه.

اضطر إلى الهجرة من العتبات المقدسة إلى إيران على أثر صدمة الوهابيين وابتلائه بمرض القلب ، ولو كان باقيا بها لكان له شأن عظيم أكثر مما حصل له في أصبهان ، ولكن اللّه تعالى يقدر الأمور وليس مما قدر من مفر.

ص: 19


1- نقل المرحوم الحبيب آبادي في مكارم الآثار عن شخص مجهول أن الشيخ صاحب الترجمة أخذ في العرفان وتهذيب النفس من درويش حسن المعروف ب- « درويش كافي » النجف آبادي الأصبهاني.
2- علق السيد المهدوي هنا ما ملخصه : يظهر أن حضور الشيخ لدى الأحسائي لم يكن للاستفادة العلمية بل للوقوف على آرائه وأقواله التي كانت سببا لإقبال جمع عليه وتكفير آخرين له.

الهجرة الى ايران :

هاجر الشيخ من العراق إلى إيران بعد سنة 1216 التي كان فيها واقعة حملة الوهابيين على كربلاء والمجزرة الدامية التي أجروا فيها وهتكوا الحرم الحسيني وظهرت منهم فضائع وجرائم لا يسع المقام شرحها ، ويقال في سبب هجرته كثرة ديونه وابتلائه بمرض القلب واضطراب الوضع في كربلاء والنجف بسبب الحملة الوهابية عليهما.

ربما كانت الهجرة بعيد وفاة والد الشيخ في سنة 1217 ، حيث التقى في هذا التأريخ بالميرزا أبى القاسم الجيلاني القمي صاحب « قوانين الأصول » في قم.

قصد أول دخوله إيران زيارة الامام الرضا عليه السلام ، بعد أن بقي في قم أياما ، فنزل بالمشهد في بيت الحاج ميرزا داود الخراساني الأصبهاني الذي كان من أجلاء فضلاء المدينة ( ت 1220 ) ، وأقام في ضيافته لمدة أربعة عشر شهرا بكل تجلة واحترام ، وكان الميرزا يدرس لديه في هذه المدة علم الفقه والأصول ، ويذكرون أنه أدى كل ديون شيخه البالغة في ذلك الوقت ألف تومان.

ثم انتقل من المشهد الرضوي إلى يزد ، واشتغل فيها بتدريس الفقه والأصول العاليين ، واجتمع عليه طلاب العلوم الدينية للاستفادة من علمه وفضله.

بعد بقاء مدة في يزد - لا نعلم مقدارها بالتحديد ويقال إنها كانت نحو سنة واحدة - انتقل الشيخ إلى أصبهان مهد العلم يومذاك ومجمع كبار العلماء والفحول ، وكان ذلك نحو سنة 1225 احتمالا ، فاحتفى به العلماء والطلاب وبقية الطبقات المؤمنة ، وبقي بها إلى حين وفاته معززا مكرما.

كان الشيخ - كما علمنا مما سبق - موضع حفاوة العلماء والطلاب أينما حلّ وحيثما ارتحل ، يهتم بالتدريس وإفادة الطلاب مما رزقه اللّه تعالى من العلم والدراية ، حريصا على وقته أن يضيع فيما لا طائل تحته ، وعلى علمه أن لا يؤدي زكاته بتعليم الآخرين ، وبهذا كان منبعا فياضا أينما أقام ومأسوفا عليه حيث انتقل.

ص: 20

الاقامة بأصبهان :

أول ما ورد الشيخ المترجم له مدينة « أصبهان » ، سكن في محلة « أحمدآباد » ، وهي من المحلات القديمة بهذه المدينة.

كوّن بعد استقراره حوزة تدريسية في مسجد المحلة « مسجد ايلچي » ، وشاع ذكره وعرف مقامه العلمي في أوساط الأفاضل والطلاب ، فاجتمعوا عليه للاستفادة من درسه وتحقيقاته العلمية المعمقة ، وخاصة في أصول الفقه الذي اشتهر بأنه صاحب آراء خاصة فيه.

كان يقيم صلاة الجماعة أيضا بهذا المسجد ، وأمّ بصلاته كثير من المؤمنين عند ما عرفوا مكانته الرفيعة في الزهد والتقوى والإعراض عن زخارف الدنيا والتوجه التام إلى اللّه تعالى ، فكانت الصفوف مزدحمة بالمؤمنين المؤتمين بصلاته جماعة.

كثرة الطلاب في مجالس التدريس وازدياد عدد المصلين في الجماعة بعد مرور مدة على ورود الشيخ ، سببا الشعور بالضيق وضرورة الانتقال إلى مكان أوسع ، فانتقل إلى محلة مسجد شاه والصلاة والتدريس في « مسجد شاه » ، وهو من أبنية الشاه عباس الصفوي الكبير.

المؤهلات العلمية في الشيخ وشدة ممارسته لعلمي الفقه والأصول وحسن الالقاء في محاضراته ، كانت أسبابا لنجاحه في التدريس لأعلى المراحل العلمية المسمى ب- « الخارج » ، حتى نقلوا أن مجلس درسه كان يحضره ثلاثمائة إلى أربعمائة طالب ، ولازدحامهم طلب الميرزا محمد حسن المجدد الشيرازي وبعض رفاقه من متقدمي شباب الطلبة الذين كانوا يحضرون في مجالس الدرس آنذاك ، طلبوا وقتا خاصا بهم يستفيدون به أكثر لحل مشاكلهم العلمية ، فأجابهم الأستاذ على ذلك وعيّن لهم ساعة يحضرون لديه ويطرحون ما أشكل عليهم ثم يجدون الحل على أحسن ما يكون ، وكان السيد المجدد يتباهى بذلك ويأسف على قصر مدته ومفاجأتهم بوفاة الأستاذ.

ص: 21

الأصولي الفقيه :

لقد ذكرنا أن شيخنا صاحب الترجمة كان بأصبهان من المدرسين البارعين في الفقه وأصوله ، توافد على مجلس درسه الأفاضل من الطلاب والمشتغلين بالعلوم والمعارف الدينية. امتدت شهرته في هذين الفنين في الحوزات العلمية بعد وفاته إلى هذا اليوم بما خلّف من الكتب والرسائل ، وأهمها كتاب « هداية المسترشدين » في الأصول وكتاب « تبصرة الفقهاء » في الفقه.

الأصول - كما يعرفه المشتغلون في الحوزات العلمية - من المقدمات التي لا بدّ للفقهاء من النظر فيها توطئة للاجتهاد وقدرة استنباط الأحكام الشرعية والتصدي للفتوى ، وليس هذا الفن مقصودا بالذات كما يعلمه المشتغلون بالدراسات العالية ، إلا أن توفر آلات الاجتهاد يمهّد للشخص طريق الاستنباط ، فكلما كانت هذه الآلات أوفر يكون سبيل الوصول إلى الهدف الغائي أيسر وأسهل. ومن هنا نجد كثيرا من أعلامنا المجتهدين يتوغلون في البحث حول القواعد الأصولية ، وبه يكون استنباطهم للمسائل الفقهية أوفق وأركز دعامة.

اشتغل الشيخ في أيام الدراسة والطلب بالفقه والأصول معا ، ثم درّس فيهما طيلة حياته ممارسا لهما معا وفاحصا عن أدلتهما سوية :

أما كتابه الهداية فهو شرح موسّع على كتاب « معالم الأصول » للشيخ حسن بن زين الدين العاملي ( ت 1011 ) ، يشتمل على تحقيقات أصولية ممتازة مع التعرض لمختلف الآراء والأدلة مع المناقشات الطويلة لما ينقل عن أعلام العلماء والأصوليين ، وخاصة في مباحث الألفاظ التي لقيت منه عناية أكثر من المباحث العقلية ، ويهتم فيه بشكل ملحوظ بآراء العالم الأصولي الشهير ميرزا أبو القاسم الجيلاني القمي المدرجة في كتابه القيم « قوانين الأصول » ويتصدى لها بمناقشات فيها الشي ء الكثير من الدقة والتحقيق.

نظرة خاطفة على كل تعليقة من هذه الحاشية ، تبين مدى إحاطة المؤلف على جمع

ص: 22

مختلف الآراء وتمحيصها تمحيصا دقيقا ودراستها من مختلف جوانبها ، فهو لا يقنع بنقل قول ما كيفما كان ، ولكنه يقلبه ظهرا لبطن ويحسب له حساب الخبير المتمرس المحقق. ويكفي لمعرفة مدى فحص الشيخ في الآراء اللغوية والأصولية والاستنتاج الصحيح من مجموعها ، النظر بدقة في التعليقة الأولى على قول صاحب المعالم « الفقه في اللغة الفهم ».

وأما كتابه الفقهي التبصرة فنرى شيخنا الفقيه عند ما يتعرض لموضوع ما فيه ، يبدأ بما ذكره اللغويون مع الجرح والتعديل لما ذكروه وتطبيقه بالذوق العرفي المهم جدا في استخراج الحق الواقع من الأدلة اللفظية ، ثم يستعرض أهم الآراء لكبار الفقهاء ويتناولها بالفحص والنقد العلمي ، ثم يأتي بالأدلة الفقهية من الآيات والأحاديث ويسندها بما يؤدي إليه نظره ، ويستخرج بالتالي فتواه غير مشوبة بالضعف على الأغلب. وبهذه الطريقة المتأنية المستوعبة يدلنا على تمكنه من الاجتهاد ويعرّفنا الطريقة الصحيحة اللاحبة للاستنباط.

بعض تلامذته البارزين :

لقد ذكرنا سابقا شيئا عن رفيع مقام الشيخ التدريسي وازدحام الطلاب على محاضراته العلمية ، حتى ذكر بعض مترجميه أن محضر درسه كان يحتوي على ثلاثمائة أو أربعمائة طالب ، وكان في عصره المدرس الأول في حوزة أصبهان للدروس العالية ، والعدد المذكور لا يعني الحصر به بل كان التلامذة يتجددون حيثما تنتهي دورتهم الدراسية ، فيكون العدد عاليا جدا والعطاء العلمي وفيرا لا يمكن حصره في هذه الفئة خاصة.

وفيما يلي نسرد أسماء جملة من المشاهير من تلامذة الشيخ من دون تعرض لتراجمهم ، وذلك تبعا لطريقتنا في الأخذ بجانب الاختصار وعدم التطويل في الكلام :

- ملا أحمد بن عبد اللّه الخوانساري ، صاحب « مصابيح الأصول ».

- ميرزا محمد باقر الخوانساري الأصبهاني ، صاحب « روضات الجنات ».

ص: 23

- الشيخ محمد تقي الكلبايكاني ، له إجازة الحديث من أستاذه.

- الشيخ محمد تقي الهروي الأصبهاني ، المعروف ب- « مستجاب الدعوة ».

- السيد محمد حسن الخواجوئي الأصبهاني.

- مير سيد حسن المدرس الأصبهاني.

- ميرزا محمد حسن المجدد الشيرازي.

- السيد ميرزا حسن الرضوي المشهدي.

- الشيخ محمد حسين الأصبهاني ، أخوه صاحب « الفصول الغروية ».

- الحاج ملا حسين علي التويسركاني الأصبهاني.

- ميرزا داود الشهيد الأصبهاني الخراساني.

- المولى زين العابدين مخفي الكلبايكاني ، صاحب « مصباح الطالبين ». له إجازة من أستاذه.

- السيد محمد صادق الموسوي الخوانساري.

- ملا عبد الجواد التوني الأصبهاني.

- ملا علي قاربوزآبادي الزنجاني ، صاحب « جوامع الأصول ».

- الشيخ فتح اللّه الشاردي القزويني ، صاحب « مناهج الطريقة » وغيره.

- مير محمد بن محمد حسين الشهرستاني الحائري ، وله منه إجازة.

- الحاج آقا مهدي المهدوي الكرمانشاهي ، صاحب « شرح الشرائع ».

- الشيخ مهدي الكجوري الشيرازي ، صاحب المؤلفات العديدة.

- المولى هادي الأسرار السبزواري مؤلف شرح المنظومة المعروف في الفلسفة.

- السيد محمد الشهشهاني الأصبهاني ، صاحب « أنوار الرياض » وغيره.

- ميرزا هداية اللّه ابر سجي الشاهرودي.

- الشيخ محمد الطهراني النجفي (1).

ص: 24


1- الشيخ محمد بن محمد علي الخراساني الطهراني ، ابن أخت صاحب الترجمة ومن المدرسين المجيدين ، رتب الجزء الثالث من كتاب « هداية المسترشدين » وأخرجه من المسودة إلى المبيضة ، صاهر خاله على ابنته الصغرى ولكن لم تدم حياتهما الزوجية طويلا فافترقا.

قالوا فيه :

لقد طفحت كتب التراجم بعبارات تنم عن عظيم مكانة الشيخ بين معاصريه وجليل منزلته عند من ترجمه بعد عصره ، فقد بجلوا بمقامه العلمي ومجدوا زهده وتقواه بشتى التعابير ومختلف الألفاظ ، وفيما يلي نورد بعض ما قالوه اكتفاء باليسير عن الكثير :

قال السيد الخوانساري في « روضات الجنات » :

« فأصبح أفضل أهل عصره في الفقه والأصول ، بل أبصر أهل وقته في المعقول والمنقول ، وصار كأنه المجسّم في الأفكار الدقيقة ، والمنظم من الأنظار العميقة ، أستادا للكل في الكل ، وفي أصول الفقه على الخصوص ، وجنّات الفضل الدائمة الأكل في مراتب المعقول والمنصوص ، فجعل أفئدة طلاب العصر تصرف إليه ، وأخبية أصحاب الفضل تضرب لديه ، بحيث لم ير في الدنيا مدرس أغص بأهله من مدرسه الشريف ، ولا مجلس أفيد لنهله من مجلسه المنيف .. ».

وقال الشيخ القمي في « الفوائد الرضوية » ما تعريبه مختصراً :

« الشيخ العالم الفاضل المحقق المدقق ، قدوة المحققين وترجمان الأصوليين ، صاحب تعليقة كبيرة على المعالم .. اختص بالشيخ جعفر الكبير صاحب كشف الغطاء حتى زوجه بابنته .. ».

وقال المدرس الخياباني في « ريحانة الأدب » ما تعريبه :

« من أكابر فحول علماء الامامية أواسط القرن الثالث عشر الهجري ، فقيه أصولي محقق مدقق عابد زاهد ، عميق الفكر دقيق النظر .. جلالته العلمية والعملية مشهورة ، بل تقدم على معاصريه في المعقول والمنقول بشهادة بعض المترجمين له ، خصوصا في أصول الفقه الذي كان فيه بغاية التبحر .. انتهت إليه المرجعية بأصبهان ، وكان يحضر في حلقة درسه قريبا من ثلاثمائة طالب .. ».

ص: 25

وقال الشيخ آقا بزرك الطهراني في « الكرام البررة » ص 215 :

« أحد رؤساء الطائفة ومحققي الامامية المؤسسين في هذا القرن ( القرن الثالث عشر ) .. فاز بدرجة عالية من العلم والعمل ، معقولا ومنقولا فقها وأصولا .. وقد حظي هذا الكتاب ( حاشية المعالم ) بالقبول ، ولاقى استحسان الأكابر والفحول من المحققين والأعلام .. والحق أنه يكفي للاستدلال على مدى إحاطة المترجم وتبحره وتحقيقه في علم الأصول ، ففيه تحقيقات عالية خلت منها جملة من الأسفار الجليلة ، ولم تزل آراؤه ونظرياته محط أنظار الأفاضل ومحور أبحاثهم إلى الآن .. ».

آثاره العلمية :

بالرغم من اشتغال الشيخ بالتدريس وتربية الطلاب والقيام بالشئون الاجتماعية وقضاء حوائج الناس ، دبّجت يراعته آثارا علمية اشتهر بعضها في الحوزات وعند العلماء وبقي بعضها الآخر غير معروف لدى الجهابذة ، وفيما يلي نذكر هاتيك الآثار مع الإجمال في وصفها :

- أجوبة المسائل. جوابات على استفتاءات بعضها مختصر وفي بعضها تفصيل.

- تبصرة الفقهاء. استدلالي نجز منه كتاب الطهارة وأوقات الصلاة وكتاب الزكاة وبعض البيع.

- تقرير أبحاث بحر العلوم. كتاب الطهارة شرحا على كتاب « الوافي » ، كتبه حين دراسته على السيد محمد مهدي بحر العلوم النجفي.

- حجية المظنة. طبع مع حاشية معالم الأصول.

- دوران الأمر بين الأقل والأكثر ، رسالة في ردّ أستاذه السيد محسن الأعرجي.

- عدم مفطرية التتن. فارسي رد على بعض معاصري الشيخ.

- الرسالة العملية ، فارسية في أحكام الصلاة. طبعت في أصبهان سنة 1383 ش بعنوان « رساله صلاتيه » بتحقيق الشيخ مهدي الباقري السياني.

- فساد الشرط ضمن العقد. في شرط الضمان ، لو ظهر المبيع مستحقا للغير.

ص: 26

- شرح الأسماء الحسنى.

- كتاب الطهارة. وهو غير شرحه على الوافي المذكور سابقا ، توجد نسخته في مكتبة السيد المرعشي العامة بقم.

- الفقه الاستدلالي. الظاهر أنه نفس كتابه الاستدلالي في الطهارة وليس كتابا غيره ، وقد صرح بعض أنه لم يخرج من المسودة وذكر أنه كتاب كبير جدا.

- فوائد الأمة في رد شياطين الكفرة. هو للشيخ محمد تقي المعروف بآقا نجفي الأصبهاني ، ونسبوه إلى صاحب الترجمة اشتباها.

- مسألة الظنون. ذكرها كذلك تلميذه السيد الخوانساري وقال إنه مستخرج من كتاب الهداية ، ولعلها هي رسالته « حجية المظنة ».

- هداية المسترشدين في شرح معالم الدين. وهو شرح أو حاشية موسعة على قسم أصول الفقه من كتاب « معالم الدين » للشيخ حسن بن زين الدين العاملي ، وقد اشتهر في الحوزات العلمية الشيعية وتلقاه العلماء بعين الإكبار. طبع مكررا ، وأحسن طبعاته الطبعة الأخيرة في ثلاثة أجزاء في قم سنة 1420 - 1421 بتحقيق مؤسسة النشر الاسلامي لجماعة المدرسين.

وفاته :

توفي شيخنا صاحب الترجمة وقت الزوال من يوم الجمعة منتصف شهر شوال سنة 1248 بأصبهان ، وصلى عليه الشيخ محمد إبراهيم الكرباسي أو السيد محمد باقر حجة الإسلام الشفتي ، واقتدى في الصلاة عليه جماعة كبيرة من العلماء وبقية الناس.

دفن في المقبرة المعروفة ب- « تخت فولاد » وأقبر في « بقعة مادر شاهزاده » التي عرفت بعد ذلك عند بعض المؤرخين « بقعة الشيخ محمد تقي ».

أبّنه جماعة من الأدباء ورثاه جملة من الشعراء وأرخوا وفاته بالعربية والفارسية ، منها قصيدة تلميذه ميرزا محمد باقر الخوانساري التي يقول فيها :

يا للذي أضحى تقيا نهتدي *** بهداه كالبدر المنير الأوقد

ص: 27

أسفا لفقد إمامنا الحبر الذي *** حتى الزمان لمثله لم نفقد

لهفي عليه وليس يعقوب الأسى *** في مثل يوسف هجره بمفنّد

لهفي على من لا يفي لثنائه *** رقش الآجام على مجال الفدفد

العلم أمسى بعده مترحلا *** والشرع لم ير بعده بمؤيّد

مهما أخال زحام حلقة درسه *** ينشق قلبي من شديد تجلدي

وا حسرتا أهل المدارس إذ جنت *** أيدي الحوادث في إمام المسجد

وا كربتاه لمسلمي هذي الحمى *** من ثلمة الإسلام في المتجدد

من ثلمة لا يسددن وبددت *** شمل الفضائل والعلى والسؤدد

نقصت طلاع الأرض من أطرافها *** في موت مولانا التقي محمد

لا يوم للشيطان كاليوم الذي *** ينعى بمثلك من فقيه أوحدي

لما مضيت مضت صبابة من هوى *** مجدا وأنت من السليل الأمجد

علامة العلماء من في جنبه *** أركانهم بمكان طفل الأبجد

مولاي أي قطب الأنام وطودهم *** ومشيّد الشرع المنير الأحمدي

لا سقي ربع ملت عنه وحبذا *** رمس أحلك طاهرا من مشهد

جسد لك العفر المعطّر ضمه *** أو لحّدوا جدثا لكنز العسجد

من ذا يحلّ المعضلات بفكرة *** تفري ومن لأولي الحوائج من غد

ومن الذي يحيى الليالي بعدكا *** بتفقه وتضرع وتهجد

أين الذي ما زال سلسل خلقه *** لذوي عطاش الخلق أروى مورد

طابت ثراه كما أتى تاريخه *** طارت كراك إلى النعيم السرمدي

ص: 28

مصادر الترجمة :

روضات الجنات 2 / 123 ، مستدرك وسائل الشيعة 3 / 400 ، أعيان الشيعة 9 / 198 ، الفوائد الرضوية ص 434 ، قصص العلماء ص 117 ، مرآة الأحوال 1 / 138 ، مكارم الآثار ص 1327 ، ريحانة الأدب 3 / 403 ، الكرام البررة 1 / 215 ، نجوم السماء 1 / 477 ، تذكرة القبور ص 72 ، الروضة البهية ص 262 ، لباب الألقاب ص 50 ، هدية الرازي ص 38 ، الذريعة في مختلف الأجزاء ، الأعلام للزركلي 6 / 62 ، معجم المؤلفين 9 / 131 ، هدية العارفين 2 / 362 ، تاريخ علمي واجتماعي اصفهان 1 / 125 ، قبيله عالمان دين ص 11 ( ومنهما أكثر هذه الترجمة ).

ص: 29

الصورة

ص: 30

الصورة

ص: 31

الصورة

ص: 32

الصورة

ص: 33

الصورة

ص: 34

الصورة

ص: 35

الصورة

ص: 36

الصورة

ص: 37

ص: 38

تبصرة الفقهاء

ص: 39

ص: 40

كتاب الطّهارة

اشارة

ص: 41

ص: 42

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وبه نستعين

كتاب الطهارة

[ تبصرة ]: [ في معنى الطهارة اللغوي والمصطلح ]

وهي في اللغة : النزاهة والنظافة (1) ، وعند المتشرّعة يطلق على معان عديدة (2) :

منها : الصفة المقابلة لصفة النجاسة ، ومنه قولهم : الأصل في الأشياء الطهارة.

ومنها : الحالة الحادثة المقابلة لحالة الحدث أو المبيحة (3) للدخول في الصلاة ، وإن اجتمع

ص: 43


1- انظر : العين 4 / 18 - 19 ( طهر ) ، لسان العرب 4 / 504 ، القاموس المحيط 2 / 79 ، مجمع البحرين 3 / 381 ، ومن الكتب الفقهية : المعتبر : 7 والسرائر 1 / 56 وغيرهما ، وكثير من المصادر العامية صرّح بالمعنى اللغوي هذا ، مثل الروض المربع للبهوتي 1 / 7 ، والمغني المحتاج للشربيني 1 / 16. وقد أعرب عن هذا المعنى اللغوي حتى المحدثين من الفقهاء مثل صاحب وسائل الشيعة فيه 3 / 291 باب 1 ذيل ح 3678 في معنى « وإن تطهّرت أجزأك » فقال : يحتمل أن يراد الطهارة اللغوية بمعنى النظافة والنزاهة. وأشار في البحار 77 / 5 باب 1 ( طهورية الماء ) من كتاب الطهارة إلى أن المعنى اللغوي العرفي للطهارة هو النزاهة والنظافة.
2- قال في مفتاح الكرامة 1 / 3 : صرح جماهير الأصحاب بأنها - أي الطهارة - حقيقة شرعية ، وفي غاية المراد والمدارك : أن الأصحاب اختلفوا في المعنى المنقول فيه هل أخذ إليه إزالة الخبث أم لا .. ثم ذكر المعاني المختلفة التي ذكرها الفقهاء وناقش في أكثرها ، فراجع.
3- في ( ج ) : « المنجيّة ».

معه ، ومنه قولهم : يندب الكون على الطهارة ، ويشترط الصلاة بالطهارة.

ومنها : المعنى الجامع بين المعنيين كما في قولهم : يشترط الصلاة بالطهارة ، إذا أريد به الأعم من الطهارتين ، وربما يعبّر عنه بالحالة التي يصح معها الدخول في الصلاة من غير عفو.

ومنها : إزالة الخبث ، ومنه قوله تعالى ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (1) في وجه (2) ، ويدور على ألسنتهم أنها إحدى مستعملات الطهارة (3) ، بل حكوا عن البعض كونها حقيقة فيه.

وفيه : أن لفظة الطهارة من الألفاظ اللازمة سواء كان (4) مصدرا للمجرد أو المزيد ، ومن البيّن [ أنّ ] (5) إزالة الخبث من المعاني المصدرية المتعدّية فكيف يمكن جعلها أحد معانيها ولم نجدهم يوما استعملوها متعدّيا. واستعمال التطهير فيها لا يدل على استعمال الطهارة إلّا أن يراد استعمال تلك المادّة (6) فيها في الجملة.

نعم ، يمكن أن يقال بكونها مستعملة في الفعل المزيل للخبث على نحو ما يقولونه في المزيل للحدث ، ولعله مراد القائل به.

ومنها : استعمال طهور مشروط بالنيّة مطلقا أو على وجه له تأثير في استباحة الصلاة.

ومنها : المعنى الأعم من ذلك ومن إزالة الخبث ، ولعل المراد به الفعل (7) المزيل للحدث والخبث. ذكره بعض الأجلّة ، ويمكن إرادته من قولهم : كتاب الطهارة.

ص: 44


1- سورة المدثر (74) : 4.
2- والوجه المشهور أنه كانت ثيابه طاهرة وإنّما أمره بالتشمير كما في الكافي 6 / 456 باب تشمير الثياب ح 4 وغيره.
3- صرّح بهذا الوجه - أي إزالة الثياب من الخبث والنجاسات - المجلسي في البحار 16 / 212 باب 9 في مكارم أخلاقه ، ونقل في 64 / 277 باب 14 ذلك عن الطبرسي والزجاج. وانظر الوجهين في مجمع البحرين 3 / 378.
4- في ( د ) : « كانت ».
5- الزيادة منّا.
6- في ( د ) : « الحالة » ، بدلا من : « المادّة ».
7- لم ترد في ( د ) : « الفعل ».

والدائر (1) على ألسنتهم أنّها حقيقة في المعنى الخامس في الجملة لكن اختلفوا فيه فمنهم من جعله مشتركا لفظيا كما هو ظاهر الشرائع (2) ، والأكثر على كونه مشتركا معنويّا ، لكن منهم : من عمّمها لجميع أقسام الوضوء وأخويه حتى المجامعة للحدث كوضوء الحائض والجنب ، وهو ظاهر اللمعة (3).

ومنهم : من خصّصها (4) بما يكون له مدخل في استباحة الصلاة. ولا يخلو عن قرب وإن كان القول بدخول الأغسال الغير الرافعة والوضوء التجديدي لا يخلو عن وجه ، بل هو أقرب (5).

وكيف كان ، فالتأمّل في الاستعمالات والنظر في موارد الإطلاقات يعطي كونها حقيقة في الأول والثاني والخامس من المذكورات ، وإن كان خلاف ما هو المذكور في أكثر المصنّفات (6).

والظاهر أن الخلاف المذكور (7) في لفظ الطهارة ، وأما مشتقّاته كالطاهر والمطهّر فالظاهر عدم الخلاف في كونها حقيقة في المعنى الأول بل الثاني أيضا.

فيستدل بذلك على كون المبدأ حقيقة فيه أيضا ؛ إذ الظاهر أن المعنى الثابت للمشتقات ثابت لمبدإ الاشتقاق ؛ لكونه الغالب ولأنه الطريق في معرفة معاني المصادر غالبا عند نقلة (8)

ص: 45


1- في ( د ) : « المدار ».
2- الشرائع 1 / 4 قال : الطهارة اسم للوضوء أو الغسل أو التيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة.
3- انظر : شرح اللمعة الدمشقية ( الروضة البهية ) 1 / 10 - 11 كتاب الطهارة ، وعبارة اللمعة هكذا : والطهور هو الماء والتراب .. فالماء مطهّر من الحدث والخبث.
4- في ( د ) : « خصّها ».
5- انظر تفصيل ذلك وبعض المناقشات في مفتاح الكرامة 1 / 4.
6- وقال في البحار 77 / 4 كتاب الطهارة باب 1 ( طهورية الماء ) : والمراد بقوله ( لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) الطهارة من النجاسات الحكمية أعني الجنابة والحدث الأصغر أو منها ومن العينية أيضا كالمني .. إلى أن قال في ص 5 : فإن الطهارة إن كان لها شرعا حقيقة فهي رافع الحدث أو المبيح للصلاة.
7- لم ترد في ( ب ) : « المذكور ... عدم الخلاف ».
8- في ( الف ) : « نقله » بالهاء ، وهو غلط.

اللغة (1) على الظاهر كما يعطيه (2) النظر في كلامهم ، ولأنّ أوضاع المشتقّات باعتبار هيآتها نوعيّة ، وهي تابعة لوضع المادّة المعروضة (3) لتلك الهيأة الموضعة (4) بالوضع الشخصي فإذا ثبت معنى للمادّة في ضمنها يثبت (5) وضعها شخصا لذلك ، فيكون حقيقة فيه مطلقا. إلّا أن يعلم اختصاص المادّة المعروضة (6) لتلك الهيأة بذلك كما في المشتقّات الّتي لم يستعمل مبادئ اشتقاقها ، فتأمل.

وتفصيل الكلام في ذلك يستدعي بسطا في المقام مع أنه لا يترتّب عليه ثمرة مهمّة في الأحكام ، فتركه والتعرّض لما هو أهم أنسب بالمرام.

هذا ، وينتظم مباحث الكتاب في أبواب :

ص: 46


1- لم ترد في ( ج ) و ( د ) : « عند نقلة اللغة ».
2- في ( د ) : « يقتضيه ».
3- في ( د ) : « المفروضة ».
4- في ( د ) : « الموضوعة ».
5- في ( د ) : « ثبت ».
6- في ( د ) : « اختصاص المعروضة ».

الباب الأول: في المياه

اشارة

والكلام فيها ، وفي أقسامها ، وما يعرضها من الطواري التي يخرجها عن الطهارة أو الطهوريّة أو غيرهما (1) ، وما يعود بها إلى حالتها الأولى.

ولنفصّل ذلك في مباحث :

البحث الأول
اشارة

في بيان أنّه بجميع أقسامه على الطهارة (2) والطهوريّة

وبيان ما يخرجه عن الطهارة على كل حال

مقدّمة: [ في الماء المطلق والمضاف ]

الماء إما مطلق أو مضاف ، والأوّل حقيقة (3) معروفة بين الحقائق غنيّة عن التعريف ، غير أنّ الظاهر أنّ مدار التسمية ليس على حصول تلك الحقيقة لا وجودا ولا عدما ؛ إذ قد لا يصدق مع حصول تلك الحقيقة كما في الجمد والثلج (4) على ما هو المعروف من المذهب ، وإن

ص: 47


1- في ( د ) : « غيرها ».
2- في ( د ) : « أو » ، بدلا من : « و ».
3- في ( د ) : « حقيقته ».
4- في ( الف ) : « كما في المجمل والتاج ». أي كتاب المجمل وكتاب التاج. وما أدرجناه من بقية النسخ الثلاثة ، وهو الظاهر بقرينة العبارات التالية ، وإن كان لذكر كتب اللغة أيضا وجه. لاحظ : تاج العروس 12 / 447 ( طهر ) من الطبعة المحققة.

ذهب العلّامة في المنتهى (1) إلى صدق الماء عليه حقيقة ؛ نظرا إلى أن الجمود لا يخرجه عن حقيقته ، بل تأكّدها (2) لما فيه من غلبة البرودة التي هي من آثار طبيعة المائيّة ، فقوّة آثار الطبيعة إن لم يوجب تقويتها فلا (3) يصير سببا لضعفها أو رفعها ، ولذا قال بعدم انفعاله بمجرّد الملاقاة إذا كان كثيرا ، لكنه لم يقل بنجاسة جميعه مع القلّة ؛ إذ سراية النجاسة فرع الميعان دون القلّة.

والظاهر أنه لا يقول بجواز التطهير به عن الحدث أو الخبث لكونه فرع الجريان ، ولا يحصل به.

وكيف كان ، فالنظر في الإطلاقات العرفية يدفع ما ذكره ، وغاية (4) ما ذكره (5) في التقريب بقاء الحقيقة العقلية (6) ، وهو لا يقتضي بقاء الحقيقة الاسمية التي هي المناط في الأحكام المذكورة للماء ؛ مضافا إلى إخراجه عن الميعان الذي هو أحد آثار الطبيعة أيضا.

وقد يصدق مع ضمّ غير تلك الحقيقة إليها فيصدق على المركّب منها ومن غيرها كما في المخلوط بغير السالب للاسم ، مع أن قضية الأصل حينئذ عدم صحة الإطلاق إلّا على نحو المجاز والتسامح العرفي الذي ليس مناطا للحكم (7).

وحينئذ إما أن يقال بكون الاستعمالات المذكورة من قبيل التسامحات العرفية إلّا أنه قام الإجماع على اعتبارها على خلاف الأصل في خصوص المقام أو يقال بكون وضعه على النحو الأعم وضعا أوّليا أو ثانويا من جهة الغلبة.

والنظر في الاستعمالات يدفع الأول ؛ إذ الظاهر عدم التأمل في كون إطلاقه على المختلط

ص: 48


1- منتهى المطلب 1 / 4 من الطبعة الحجرية.
2- في ( د ) : « يأكّدها ».
3- في ( د ) : « لا » ، بدلا من : « فلا ».
4- في ( د ) : « بيانه » ، بدلا من : « غاية ».
5- في ( د ) : « ذكر ».
6- في ( د ) : « الفعليّة » ، بدلا من : « العقليّة ».
7- في ( د ) : « للحكم الشرعي ».

بغيره من الحقيقة لعدم خلوّه غالبا عن الخليط. والقول بكون الاستعمال الغالب من المجاز ظاهر الفساد.

والفرق بين الخليط الغالب وغيره كما يظهر من جماعة من العامّة حيث ذهبوا إليه على تفصيل مذكور في كلامهم بيّن الوهم ؛ إذ صريح حكم العرف قاض بعدم الفرق ؛ وتسمية الجميع باسم الماء إلى أن يصل إلى حدّ الإضافة ، وحينئذ فالمدار فيه على التسمية العرفيّة.

ولذا عرّف على (1) المشهور (2) بأنه : ما يستحق إطلاق الماء عليه من غير قيد وإن استحق إطلاق المقيّد عليه أيضا كماء النهر أو البحر أو ماء السدر أو الكافور ونحوها.

وقولنا « من غير قيد » لإخراج المضاف ، وهو بناء على كون المضاف حقيقة فيه كما يأتي ظاهره (3). وبناء على التجوّز فقد يتخيّل الاستغناء عن القيد ؛ لعدم استحقاقه إذن (4) للمقيد أيضا إلّا أن يقال بصدق استحقاق المعنى المجازي للمجاز مع القرينة.

وفيه : أن إطلاق لفظ الماء في الحد يغني عن ذلك ، فالتزام التوضيح في القيد إذن أوضح.

واعتبر العلامة رحمه اللّه في جملة من كتبه (5) مع ذلك عدم صحة سلب الماء عنه. والظاهر أنه للتوضيح.

وجعله في كشف اللثام (6) لإخراج إطلاق الماء على المضاف حملا فيقال لماء الورد أو اللحم مثلا (7) : إنه ماء.

وفيه : أن الاستحقاق منتف فيه أيضا ، ولذا يصح السلب عنه وإلّا لاستحق الحمل

ص: 49


1- في ( ج ) : « في ».
2- في ( د ) : « عرّف المشهور ».
3- في ( د ) : « حقيقة فيه ظاهر ».
4- في ( د ) : « أولا » ، بدلا من : « إذن ».
5- كالنهاية والقواعد والتحرير كما في مفتاح الكرامة. وقال عند توضيح عبارته ( ويمتنع سلبه عنه ) : لإخراج الدمع والعرق. انظر : مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة 1 / 59 المقصد الثاني في المياه.
6- كشف اللثام 1 / 30 من الطبعة الحجرية.
7- لم ترد في ( د ) : « مثلا : ».

وسلبه معا ، وهما متناقضان. ومجرد استحقاق المعنى المجازي للفظ المجاز مع القرينة - لو قيل به - لا يقتضي استحقاق الحمل بها (1) هنا مع إطلاق المحمول. مضافا إلى أن حمل الشي ء على الشي ء ليس إطلاق للفظه عليه.

وعن بعض الأفاضل : إن ذلك لخروج المضاف لعدم خروجه مما مر ؛ إذا استحقاقه لاسم الماء مقيدا قاض باستحقاقه له مطلقا ؛ إذ صدق المقيّد عليه قاض بصدق المطلق ، لكن لا يمتنع سلبه عنه عرفا فخرج به.

ولا يخفى ما فيه ؛ إذ لو صح ما ذكره لقضي بعدم صحة سلب المطلق عنه أيضا ، والحال أن صدق اللفظ على المعنى ليس كصدق الكلّي على الفرد لوضوح المباينة ، وإنما المراد صحة إطلاقه عليه مطلقا ، وهو تبع (2) الوضع ، فقد يوضع المقيّد لشي ء لم يوضع له المطلق ، فلا يستحق إطلاق المطلق عليه ، وهو واضح.

وقد يورد على الحد باشتماله على الدور من جهة أخذ الماء فيه.

ويدفعه : أن المأخوذ في الحد اسم الماء ، وهو غير المحدود ؛ على أن المعرّف خصوص الماء المطلق ، والمأخوذ في التعريف مطلق الماء.

ثم إنه بعد البناء في صدق الماء على الرجوع إلى العرف وإجراء أحكامه على مسمّاه يجري (3) في الخليط الممازج (4) معه مع عدم سلبه (5) الإطلاق أحكام الماء من الطهارة والطهوريّة وإن كان من الأعيان النجسة كالبول والدم والخمر إذا لم يغيّر (6) أحد أوصافه الثلاثة.

وحينئذ فيثبت لها أيضا حكم الحليّة ، وهذا من خصائص الماء لاختصاص حكم

ص: 50


1- لم ترد في ( ب ) و ( ج ) و ( د ) : « بها ».
2- في ( د ) : « يتبع ».
3- في ( د ) : « ويجري ».
4- في ( د ) : « المخارج ».
5- في ( د ) : « سلب ».
6- في ( د ) : « لم تغيّر ».

الاستهلاك به ، بل الظاهر جريان أحكام المتنجّس عليه مع تغييره (1) النجاسة وبقاء اسمه ، فلا يجري على المخالطة معه مع (2) الخمر (3) إذا (4) حكم الخمر في وجه قوي (5).

وقد عرف بما (6) ذكر حدّ المضاف فهو ماء لا يستحق إطلاق الماء عليه من غير قيد ، أو ما يستحق إطلاق الماء عليه (7) مقيّدا لا مطلقا كماء الورد وماء الرمّان ونحوهما.

وإطلاق الماء عليه مع القيد (8) إما مجاز والقيد قرينة عليه ، فاستحقاقه لإطلاق الماء عليه حينئذ مبني على ما مرّ ، أو أنه حقيقة فيه حال التقييد والقيد خارج عن (9) الموضوع ، فيكون للفظ الماء وضعان : وضع في حال الإفراد وآخر مع التقييد ، أو أن المجموع المركب موضوع لذلك.

ويضعّف الأول بأن (10) النظر في استعمالاته العرفية يأبى عن التجوز ؛ إذ (11) لا يلاحظ في شي ء منها المناسبة مع المطلق ، بل يطلق عليه ابتداء من دون تبعيّة (12) ، وهو من شواهد الوضع.

مضافا إلى شيوع استعماله فيه بحيث يستبعد معه البقاء على التجوز.

واشتهار الاستعمال مع ضمّ القرينة اللفظيّة وإن لم يستلزم الوضع إلّا أنه مع هذه الشهرة

ص: 51


1- في ( ج ) : « مع تغيّره بالنجاسة ».
2- في ( ب ) : « من ».
3- في ( ج ) : « في المخالط معه من الخمر » ، وفي ( د ) : « في المخالط منه من الخمر ».
4- في ( د ) : « إذن ».
5- في ( د ) : « وجودي ».
6- في ( د ) : « عرفت ».
7- لم ترد في ( د ) : « من غير قيد أو ما يستحق اطلاق الماء عليه ».
8- في ( د ) : « والتقييد ».
9- في ( د ) : « من ».
10- في ( د ) : « أن ».
11- في ( د ) : « أو ».
12- في ( د ) : « قيد » ، بدلا من : « تبعيّة ».

مما يتبعّد (1) خلوّه عنه.

والوجه الثالث أيضا في غاية البعد ، بل مقطوع الفساد ؛ لوضوح استعمال المضاف إليه فيما وضع له.

بقي الوجه الثاني ، ولا يخلو عن قرب وإن عزّ (2) مثله في الأوضاع ، وقد ذكر نحوه في لفظ (3) الإيمان ، ويحتمله لفظ الصلاة بالنسبة إلى صلاة الميّت.

وبناء عليه فالتزام الوضع الخاص فيه بالنسبة إلى كلّ إضافة بعيد أيضا.

فالظاهر إذا كون الوضع فيه عاما والموضوع له (4) والموضوع أيضا خاصا بملاحظة كلّ قيد (5) على نحو الأوضاع الكليّة.

وهل الوضع فيه إذا لغوي أو عرفي؟ وجهان.

ص: 52


1- في ( ج ) و ( د ) : « يستبعد ».
2- في ( د ) : « عبّر ».
3- في ( الف ) : « اللفظ ».
4- في ( د ) : « الموضوع » ، بدلا من : « الموضوع له ».
5- في ( د ) : « كلّ قيد قيد » ، بتكرار لفظة « قيد ».
تبصرة: [ في أن الماء طاهر مطهّر ]
اشارة

الماء كلّه مع عدم طروّ النجاسة عليه طاهر في نفسه مطهّر لغيره من الأحداث والأخباث ، سواء كان قليلا أو كثيرا ، جاريا أو واقفا ، نابعا من الأرض أو نازلا من السماء أو ذائبا من الثلج أو منقلبا من الهواء أو غير ذلك ، بالإجماع من المسلمين بل هو في الجملة من ضروريات (1) الدين.

وعن سعيد (2) بن المسيّب في ماء البحر أنه قال : إذا لجئت (3) إليه فتوضأ (4).

وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص (5) وابن عمر (6) أنهما قالا : التيمّم أحبّ إلينا منه (7).

والخلاف المذكور مع عدم (8) كونه في أصل الطهوريّة قد انعقد الإجماع من العامة والخاصة على خلافه.

ويدل على الحكم المذكور بعد الإجماع - محصّلا ومنقولا حدّ الاستفاضة - الكتاب والنصوص المستفيضة بل المتواترة.

ص: 53


1- في ( الف ) : الضروريات.
2- في ( الف ) : سعد ، وما أدرجناه من مفتاح الكرامة 1 / 59 ، والتذكرة 1 / 11 وغيرهما.
3- في ( د ) : « ألجئت ».
4- المصنف لابن أبي شيبة 1 / 131.
5- في ( الف ) و ( د ) : « عبد اللّه بن عمرو بن عمر بن العاص » ، وما في المتن من المفتاح والتذكرة وغيرهما.
6- لم ترد في ( ج ) و ( د ) : « وابن عمر ».
7- لاحظ : المصنف لابن أبي شيبة 1 / 131 ، سنن الترمذي 1 / 102 ، المجموع 1 / 91 ، تفسير القرطبي 13 / 53 ، مفتاح الكرامة 1 / 59.
8- لم ترد في ( ب ) : « مع عدم ... الحكم المذكور ».

أما الأول : فيدل منه على الحكم المذكور في الجملة عدة آيات :

منها : قوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) (1) وقد وقع البحث في دلالة الآية (2) الشريفة على مطهريّة الماء لما وقع من الكلام في معنى الطهور ، وجمهور الأمّة على دلالتها عليها ، وقد خالف فيه شرذمة من الجمهور يعني (3) أبا حنيفة وبعض أتباعه. ومحصّل القول في ذلك أن جملة ما ذكر في معاني الطهور أمور خمسة :

أحدها : أن يكون مصدرا. حكاه جماعة من الأجلاء (4) من أهل اللغة وغيرهم ، كالمطرزي في المغرب (5) والراغب في المفردات والزمخشري في كشّافه وأساسه (6) (7) والفيروزآبادي (8) والطبرسي والطريحي (9) وصاحب الطراز ، وحكاه الطبرسي ونجم الأئمة والزمخشري وغيرهم عن سيبويه (10).

وحكى الأولين عنه أنه جاءت خمس مصادر على « فعول » بالفتح : قبول ووضوء وطهور وولوع ووقود ، وحكي مجيئه مصدرا عن الخليل والأصمعي والأزهري وغيرهم. وهو حينئذ مصدر ل- « تطهّر » فيكون بمعنى « التطهير » (11) كما نصّ عليه في المغرب والنهاية (12) ، وهو ظاهر المفردات والكشاف ومجمع البيان والطراز.

ص: 54


1- سورة الفرقان (35) : 48.
2- في ( الف ) : « آية ».
3- في ( د ) : « أعني ».
4- في ( د ) : « أجلاء ».
5- نقله عنه في مختار الصحاح مادة ( طهر ).
6- في ( د ) : « أسبابه ».
7- أساس البلاغة 2 / 86.
8- القاموس المحيط 2 / 79.
9- في مجمع البحرين 378 / 3.
10- وحكاه أيضا في تاج العروس 12 / 447 ( طهر ) عن سيبويه.
11- في ( د ) : « التطهّر ».
12- النهاية 3 / 147.

[ و ] في الأساس (1) : وقد طهرت طهورا وطهوراً.

فظاهره (2) جعله مصدرا للمجرد ، ويستفاد ذلك من موضع من الكشاف والطراز حيث فسّراه بالطهارة في قوله عليه السلام : « لا صلاة إلّا بطهور » (3).

وقال السيوري (4) : لا ريب في وروده بمعنى الطهارة.

وقد يرجع (5) ذلك إلى الأول بأن الطهارة يجي ء أيضا مصدرا للمزيد كما يظهر من الطراز حيث قال : وتطهّر هو طهورا بالضم والفتح ، وطهارة. انتهى.

فلم يبق هناك إلّا عبارة الأساس ، وهي أيضا غير صريحة في ذلك ، فإتيانه بمجرّدها مع كونها خلاف المعروف بينهم لا يخلو عن إشكال ، ولم يذكر وروده مصدرا (6) في المحيط والمجمل والغريبين وشمس العلوم ومختصره ضياء الحلوم (7) والصحاح والمصباح المنير ، فظاهرهم عدم إثباتهم له.

وعن أبي عمرو أنه : لا نظير لقبول (8) بالفتح في المصادر ، والباب كلّه مضموم الفاء. وحكى الجوهري عن غير الأخفش « القبول » و « الولوع » مصدران شاذّان ، وما سواهما من المصادر فمبني على الضم ، فظاهر ذلك إنكار مجيئه مصدرا.

وحكي في الطراز عن الأخفش وابن البراج (9) أنهما زعما أن فعولا في المصادر صفة

ص: 55


1- أساس البلاغة 2 / 86.
2- في ( ألف ) : « فظاهر ».
3- الرواية مروية عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في دعائم الإسلام 1 / 100 ، عوالي اللئالي 2 / 209 باب الطهارة ح 131 ، و 3 / 8 ح 1 ، وقد روي ذلك عن الإمام الباقر عليه السلام في أكثر من طريق. لاحظ : الفقيه 1 / 33 باب وقت وجوب الطهور ح 3. التهذيب 1 / 49 باب 3 ح 83 ، و 1 / 209 باب 9 ح 8 ، المحاسن 1 / 78 باب 1 ح 1.
4- في كنز العرفان 1 / 37 كتاب الطهارة ، المعنى الثالث من معاني الطهور.
5- في ( د ) : « رجع ».
6- في ( الف ) : « مصدر ».
7- في النسخ غير ( د ) : « العلوم » ، وهو غلط. انظر : هدية العارفين 2 / 109.
8- في ( ألف ) : « لقبوله ».
9- في ( د ) : « ابن السراج ».

للمصدر المقيس حذفت وأقيمت الصّفة مقامه ، وهو إنكار لمجي ء فعول مطلقا مصدرا.

وكيف كان ، فالأظهر ثبوت هذا المعنى ، لنقل أولئك الأجلاء مع ما علم من تقديم قول المثبت وإن المنكر له صريحا ليس إلّا قليل منهم.

ثانيها : أن يكون اسما (1) بمعنى ما يتطهّر به (2). ومجي ء فعول بهذا المعنى مما لا شبهة فيه ؛ لوضوح ثبوته في جملة من الألفاظ كالسحور والفطور والوضوء والوقود وغيرها.

وقد نص عليه في خصوص المقام أكثر أئمة اللغة والتفسير كالجوهري (3) والهروي وابن الأثير (4) والزمخشري في كشّافه (5) وأساسه (6) والمطرزي والراغب والطبرسي والنيسابوري (7) والفخري (8) والبيضاوي وصاحب الطراز وغيرهم (9).

وقد حكي (10) أيضا عن الخليل والأصمعي وسيبويه وابن دريد والسجستاني والأزهري.

وعزا بعضهم مجيئه كذلك (11) إلى جمهور أهل اللغة.

ثالثها : أن يكون صفة بمعنى المطهّر أو الطاهر المطهّر. وقد ذكر وروده بهذا المعنى أكثر أئمة اللغة وجماعة من علماء التفسير ، ونص عليه الفقهاء ؛ فعن ثعلب (12) - فيما حكاه عنه

ص: 56


1- أي اسم آلة. صرّح بذلك في البحار 77 / 7 وغيره.
2- في ( الف ) : ما يطهر به.
3- في الصحاح 2 / 727 مادة ( طهر ).
4- في النهاية 3 / 147 باب الطاء مع الهاء.
5- نقله عنه في البحار 77 / 7 حيث قال : قال في الكشاف : طهورا بليغا في طهارته.
6- أساس البلاغة 2 / 86.
7- في ( د ) : « النيشابوري ».
8- في ( ألف ) : « الفحري ».
9- كصاحب لسان العرب 4 / 504 ( طهر ) ، وانظر : البحار 77 / 7 فإنه نقل قولا عن أحمد بن يحيى أيضا.
10- في ( ج ) و ( د ) زيادة : « ذلك ».
11- في ( الف ) : « لذلك ».
12- في ( د ) : « تغلب ».

جماعة (1) - : أنه الطاهر (2) في نفسه المطهّر بغيره (3) (4).

وعن الأزهري (5) : أنه في اللغة هو الطاهر المطهّر (6).

وفي ضياء الحلوم : أنه الماء الخالص الطاهر في نفسه المطهّر لغيره (7).

وعن الترمذي : أنه من الأسماء المتعدّية ، وهو المطهّر غيره. حكاه في المعتبر (8). ونحوه (9) عن اليزيدي (10) فيما حكاه السيوري. وقد فسّر جماعة من المفسرين (11) قوله : ( ماء طهورا ) (12) في الآية بالطاهر في نفسه والمطهّر لغيره المزيل للأحداث والنجاسات. وعن ابن هبر (13) أنه قال أهل اللغة : الطهور هو الفاعل للطهارة في غيره.

ثم قال : وهذا مما لم يخالف فيه إلّا بعض أصحاب أبي حنيفة فقالوا : الطهور هو الطاهر (14) على سبيل (15) المبالغة. وفي الخلاف عندنا أنّ الطهور هو الطاهر المطهّر المزيل للحدث والنجاسة.

ص: 57


1- منهم الطريحي في مجمع البحرين 3 / 380.
2- في ( د ) زيادة : « المطهّر ، وفي ضياء الحلوم أنه الماء الخاص الطاهر ».
3- في ( د ) : « لغيره ».
4- في ( ب ) : « لغير ».
5- حكاه عنه في مجمع البحرين 3 / 380.
6- لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « وعن الأزهري ... المطهّر ».
7- لم ترد في ( د ) : « وفي ضياء الحلوم ... لغيره ».
8- المعتبر في شرح المختصر : 7 من الطبعة الحجرية.
9- في ( د ) : « وغيره ».
10- في ( د ) : « اليرندي ».
11- انظر : جمهرة اللغة 2 / 376 ، القاموس المحيط 2 / 82 ، تاج العروس 12 / 446 ونسب ذلك إلى التهذيب للنووي ، مجمع البحرين 3 / 380.
12- في ( الف ) : طاهرا.
13- في ( د ) : « ابن هبيرة ».
14- في ( د ) : « للطاهر ».
15- في ( الف ) : « سبل ».

وفيه أيضا : الطهور هو المطهّر ، وعليه إجماع الفرقة.

وفي السرائر (1) : معنى طهور أنه مع طهارته يزيل الأحداث ويرفع حكمها بغير خلاف.

وفي كنز العرفان (2) : قالت الشافعيّة وأصحابنا : إنه بمعنى المطهّر.

وفي مشرق الشمسين (3) والحبل المتين - بعد حكاية إنكار أبي حنيفة استعماله بمعنى الطاهر المطهّر - : ويردّه نصّ المحقّقين من اللغويين على خلافه.

وعن المعالم (4) والذخيرة : إنّ كثيرا من العلماء فسّروه بالطاهر في نفسه المطهّر لغيره.

وعزاه في الذخيرة أيضا إلى أهل اللغة.

ونسبه في البحار (5) إلى كثير من أهل اللغة.

وقال الفاضل الجزائري : اتفق جميع علماء الإسلام على أنّ المراد من الطهور في الآية المطهّر ، وعلى وقوعه في الكتاب والسنة ، ولم يخالف في الموضعين سوى أبي حنيفة.

ص: 58


1- السرائر 1 / 59.
2- كنز العرفان في فقه القرآن للسيوري 1 / 37 كتاب الطهارة.
3- مشرق الشمسين : 347 المسلك الثالث في المياه.
4- معالم الدين وملاذ المجتهدين ( قسم الفقه ) 1 / 122 قال : فكثير من العلماء فسروه - أي الطهور - بالطاهر في نفسه المطهر لغيره ، حتى أن الشيخ في التهذيب أسنده إلى لغة العرب.
5- بحار الأنوار 77 / 6 باب 1 من كتاب الطهارة. قال العلامة المجلسي ذيل الآية الشريفة ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) في البحار 77 /5- 6 الباب الأول من كتاب الطهارة : إنه استدل بها على طهارة مطلق الماء ومطهريته ، وأورد عليه بأنه ليس في الكلام ما يدل على العموم ، وإنما يدل على أن الماء من السماء مطهر وبأن الطهور مبالغة في الطاهر ولا يدل على كونه مطهرا بوجه. وأجيب عن الأول بأن ذكره تعالى ماء مبهما غير معين ووصفه بالطهورية والامتنان على العباد به لا يناسب حكمته تعالى ولا فائدة في هذا الاخبار ولا امتنان فيه ، فالمراد كل ماء يكون من السماء .. وعن الثاني بأن كثيرا من أهل اللغة فسّر الطهور بالطاهر في نفسه المطهر لغيره. والشيخ في التهذيب أسنده إلى لغة العرب ويؤيده شيوع استعماله في هذا المعنى في كثير من الأخبار الخاصية والعامية كقول النبي صلى اللّه عليه وآله : « جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا ». ولو أراد الطاهر لم يثبت المزية. وقوله صلى اللّه عليه وآله - وقد سئل عن الوضوء بماء البحر - : « هو الطهور ماؤه ، الحلّ ميتته ». ولو لم يرد كونه مطهرا لم يستتم الجواب. وقوله صلى اللّه عليه وآله : « طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعا ».

وقال أيضا : إنّ أعاظم أهل اللغة نصّوا عليه.

وبملاحظة جميع ما ذكر لا يبقى ريب في ثبوت المعنى المذكور (1) ، وهل هو من معانيه الأصلية أو أنّه مأخوذ من غيره؟ وجهان.

وقد يرجّح الأول بملاحظة الإطلاقات المذكورة إلّا أنّ ظاهر جماعة منهم أخذه من غيره.

قال في التذكرة (2) : الطهور هو المطهّر لغيره ، وهو فعول بمعنى ما يفعل به أي يتطهّر به.

انتهى.

وقد يستظهر (3) منه أن تفسيره بالمطهّر (4) في كلامه ليس من جهة استعماله فيه ، بل لاستفادته (5) من جهة الآليّة ، فلا يكون ذلك معنى آخر سواه ، وهو خلاف ظاهر الجماعة.

ويمكن حمله على إرادة إثباته (6) المطهّرية مع قطع النظر عن ثبوت ذلك المعنى له أو أنه أراد بذلك بيان أخذه من معنى الآلة كما هو ظاهر كنز العرفان (7) حيث قال - بعد ما حكينا عنه أوّلا من كونه بمعنى المطهّر - : فيكون مأخوذا من وضعه لما يتطهّر به.

وقد يستفاد من ظواهر كلمات جماعة منهم أخذه من معنى المبالغة ، فانتقل منها إلى إرادة المطهريّة بناء على عدم إمكان المبالغة الحقيقيّة بالنسبة إلى الطهارة الشرعيّة ، فنزّل المطهّرية منزلة المبالغة في الطهارة (8).

ص: 59


1- قال في البحار 77 / 7 بعد نقل عدة أقوال : والحق أن المناقشة في كون الطهور بمعنى المطهر وإن صحت نظرا إلى قياس اللغة لكن تتبع الروايات واستعمالات البلغاء يورث ظنا قويا بأن الطهور في إطلاقاتهم المراد المطهر إما لكونه صفة بهذا المعنى أو اسما لما يتطهر به وعلى التقديرين يثبت المرام.
2- تذكرة الفقهاء 1 / 7.
3- في ( د ) : « يظهر ».
4- زيادة في ( ج ) : « زائد بمعنى ما يفعل به يتطهّر به انتهى وقد ».
5- لم ترد في ( ج ) : « استعماله فيه بل لاستفادته ».
6- في ( د ) : « إتيانه ».
7- كنز العرفان 1 / 37.
8- يفهم ذلك من الشيخ فيما حكاه عنه المجلسي رحمه اللّه في البحار 77 / 6 - 7 ، وسننقل كلامه في الهامش.

قال ابن الأثير (1) : الماء الطهور في الفقه هو الذي يرفع الحدث ويزيل الخبث (2) ؛ لأنّ فعولا من أبنية المبالغة ، فكأنّه تناهى في الطهارة.

وعلّل في الخلاف والمعتبر (3) والمنتهى (4) والتذكرة (5) وكنز العرفان (6) (7) وغيرها كونها بمعنى المطهّر بأن فعولا من أبنية المبالغة ، ولا يتحقّق في المقام إلّا مع إفادة التطهير.

وفي الروضة (8) : أنه مبالغة في الطاهر. والمراد منه الطاهر في نفسه المطهّر لغيره ، جعل بحسب الاستعمال متعديا وإن كان بحسب الوضع لازما كأكول (9). انتهى.

وقد يتوهّم من هذه العبارات أن إفادته المطهّرية إنما هي من جهة دلالته على المبالغة ، فلا يكون إذن من مستعملات اللفظ ، وإنما يستفاد منه من جهة (10) الملازمة.

ويندفع ذلك بأنه يخالف (11) تصريح (12) المذكورين حيث نصّوا على استعماله في معنى المطهّر.

قال في المعتبر (13) وكنز العرفان (14) :

ص: 60


1- النهاية 3 / 147.
2- في ( ج ) و ( د ) : « النجس ».
3- المعتبر : 7.
4- منتهى المطلب 1 / 4 من الطبعة الحجرية.
5- تذكرة الفقهاء 1 / 7.
6- كنز العرفان 1 / 37.
7- زيادة في ( ج ) : « ومشرق الشمسين ».
8- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 1 / 10 - 11.
9- في ( د ) : « كالأكول ».
10- لم ترد في ( ب ) : « دلالته ... من جهة ».
11- في ( د ) : « مخالف ».
12- في ( د ) : « لتصريح ».
13- المعتبر : 7.
14- كنز العرفان 1 / 38.

منع (1) الحنفي كون اللغة (2) والشرع (3) استعمله في التعدية (4) وإن لم يكن قياسا فهو غير صحيح ، ونص فيهما أيضا على عدم استعماله في الطاهر غير المطهّر.

وقد سمعت عبارة الخلاف ؛ مضافا إلى ما عرفت من نص أولئك الأجلاء.

فلا بدّ من حمل ذلك على قصد إبداء المناسبة بين المعنيين ، وتقريب المعنى (5) المذكور من معنى المبالغة التي هي أصل في وضع « فعول » أو أنهم أرادوا بذلك الرد على أبي حنيفة على فرض تسليمهم ما ادعاه من كون الصيغة للمبالغة ، فبيّنوا إفادتها المطهريّة مع ذلك أيضا ، فتأمل.

رابعها : أن يكون صفة بمعنى الطاهر وهو ظاهر الراغب في مفرداته ، قال : ويكون صفة كالرسول ونحو ذلك من الصفات. وعلى هذا ( وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً ) (6) تنبيها على أنه بخلاف ما ذكر في قوله : ( وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ ) (7). انتهى.

وذكر نحوه الطبرسي في المجمع (8) قال : وأمّا كونه صفة فهو في قوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) (9) فهذا كالرسول والعجوز ونحو ذلك من الصفات التي جاءت على « فعول » ، ولا دلالة فيه على التكرار لما لم يكن متعديا نحو ضروب. انتهى.

وقد يستظهر ذلك من المحيط حيث قال : وكل ماء نظيف طهور.

ص: 61


1- في ( د ) : « أن منع ».
2- في ( د ) : « في اللغة ».
3- في ( د ) : « في الشيوع » ، بدلا من : « والشرع ».
4- في ( د ) : « في العتذر ».
5- في ( د ) : « النوع ».
6- سورة الإنسان (76) : 21.
7- سورة إبراهيم (14) : 16.
8- قال في مجمع البيان 6 / 151 ذيل الآية 21 من سورة الإنسان : شرابا طهورا أي طاهرا من الأقذار ، إلّا أنه قال في موضع آخر من المجمع 5 / 113 ذيل الآية 48 سورة الفرقان : ماء طهورا أي طاهرا في نفسه مطهرا لغيره مزيلا للأحداث والنجاسات.
9- سورة الفرقان (25) : 48.

وكأنّ الأولى حمله على المعنى السابق.

وفي مجمع البحرين أنه محكيّ عن سيبويه. ولم نجد أحدا حكاه عنه. وقد يوهمه عبارة الراغب في المقام فكأنه أخذه منه (1).

وهو وهم فاسد كما لا يخفى على من راجعه.

وعزاه جماعة إلى أبي حنيفة (2).

وزاد في شمس العلوم أصحابه ، ونسبه البغوي (3) إلى (4) أصحاب الرأي.

وحكي في كنز العرفان (5) (6) عن بعض الحنفية و (7) العامة (8) إنكار دلالته على غير الطهارة محتجّا بأنّ فعولا للمبالغة ، ولم ينسبا إلى أبي حنيفة أو غيره شيئا آخر ، وكأنّه الأصحّ في نقل مذهبهم.

وكيف كان ، فثبوت هذا المعنى للطهور غير بيّن الظهور عند الجمهور من نقلة اللغة ، ولا يساعد (9) شي ء من الإطلاقات العرفيّة بل الظاهر من العرف خلافه ، وثبوته بمجرّد ما ذكر غير ظاهر ؛ إذ لا حجّة في قول أبي حنيفة وأصحابه بعد ثبوته (10) ، والعبارتان المنقولتان ليستا بتلك المكانة من الظهور ليعارض بهما كلام غيرهما من الأجلاء ، فالأظهر حملهما على إرادة

ص: 62


1- وفي تاج العروس 12 / 447 ( طهر ) : قال سيبويه : والطهور بالفتح يقع على الماء والمصدر معا.
2- كما في مجمع البحرين 3 / 380.
3- تقرأ في ( الف ) : البضوي ، وفي ( د ) : « المغري ».
4- كذا ، والظاهر : إلى.
5- كنز العرفان 1 / 37.
6- زيادة في ( ج ) و ( د ) : « والمعالم ».
7- في ( ج ) : « أو ».
8- ونسب في تذكرة الفقهاء 1 / 807 هذا القول إلى أبي بكر بن داود وبعض الحنفية مستدلين بأن العرب لم تفرق بين الفاعل والفعول في التعدي واللزوم كقاعد وقعود وضارب وضروب. ونقل ذلك عن : أحكام القرآن للجصاص 3 / 8. تفسير القرطبي 13 / 39 ، نيل الأوطار 1 / 19 وغيرها.
9- كذا ، والظاهر : لا يساعده.
10- زيادة في ( ج ) و ( د ) : « عنهم ».

التشبيه بالرسول (1) في مطلق الوصفيّة دون الخصوصيّة.

خامسها : أن يكون صفة بمعنى المبالغة في الطهارة. ذكره الزمخشري (2) والمطرزي في المغرب ، وقد تقدم عبارة النهاية والمجمع والمفردات وجملة من الكتب الاستدلاليّة الّتي يظهر منها ذلك (3).

وهذا المعنى أيضا غير مذكور في كلام أكثر أساطين أهل اللغة كالصاحب وابن نشوان وولده والجوهري والفيروزآبادي وابن فارس وغيرهم ، فالظاهر منهم عدم إثباته لهم (4) ، بل لا يعرف مصرّح به سوى الزمخشري والمطرزي وعبارة النهاية وغيرها مما أشرنا (5) إليه غير صريحة في ذلك ، بل الأولى حملها على ما مرّت الاشارة إليه.

وكيف كان فالظاهر أنّهما أيضا تبعا إمامهما الحنفي ، وأرادا بذلك انتصار مذهبه ، ومع ذلك فلم يستندا في ذلك إلى شاهد ظاهر من السماع (6) ، وإنّما استندا فيه إلى القياس.

وبعد ما تبيّن من لزوم الاقتصار في صيغ المبالغة على المسموع يسقط (7) هذا الكلام وما يحتجّ به بعد ذلك من قوله تعالى : ( وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً ) (8) وقول الشاعر :

ص: 63


1- لم ترد في ( د ) : « بالرسول ».
2- زيادة في ( ج ) و ( د ) : « في الكشاف والأساس ».
3- ويفهم هذا المعنى من الشيخ رحمه اللّه على ما حكاه عنه في البحار 77 / 6 - 7 باب 1 بأنه لا خلاف بين أهل النحو في أن اسم « فعول » موضوع للمبالغة وتكرر الصّفة. ألا ترى أنهم يقولون : فلان ضارب ، ثم يقولون ضروب إذا تكرر ذلك منه وكثر. قال : وإذا كان كون الماء طاهرا ليس مما يتكرر ويتزايد ، فينبغي في إطلاق الطهور عليه غير ذلك. وليس بعد ذلك إلّا أنه مطهّر. قال صاحب البحار بعد ذلك : وفيه ما لا يخفى.
4- في ( د ) : « له ».
5- في ( ج ) : « بلا إشارة » ، بدلا من : « مما أشرنا ».
6- زيادة في ( ج ) : « يدلّ عليه ».
7- في ( د ) : « لسقط ».
8- الإنسان (76) : 21.
وريقهنّ طهوراً

وريقهنّ (1) طهوراً (2)

إذا المراد بهما (3) مطلق الطاهر أو المبالغة فيه ؛ إذ لا نجاسة في الآخرة حتى يزيلها ولا معنى لدعوى المطهريّة في ريقها.

وقول بعضهم في ما حكاه في الأساس : اطلب لي ماء طهورا بليغا في الطهارة ؛ لا شبهة فيه.

مدفوع بأنّ إرادة المطهريّة ممكن في الآية ؛ لاحتمال أن يراد به التطهير عن (4) حسب ما سوى اللّه كما حكي عن جماعة من المفسرين وروي عن الصادق عليه السلام.

أو (5) المراد : تطهيرهم عن بقايا الأخلاق الخسيسة من البخل (6) والحسد وغيرهما.

.. إلى غير ذلك ممّا قيل في تفسيرها.

ولا ريب أنّ ما ذكر هو المناسب للمقام ؛ إذ ليست الطهارة أو المبالغة فيها وصفا تميّز سببها (7) في المقام ؛ لوضوح أن طعام الجنّة وشرابها في أعلى مراتب الطهارة والنظافة ، ولا خصوصية في ذلك للشراب.

ولو سلّم ذلك فلا ريب أن الامتنان (8) بما ذكر أولى وإن لم يرجّح عليه فلا أقل من الاحتمال الذي يبطل به الاستدلال.

ويمكن أن يكون المقصود من البيت بيان كون (9) ريقهنّ مزيلا للهموم والغموم.

ص: 64


1- قد ثبت في المتن هنا وفي بعض ما يأتي : ربقهنّ بالباء الموحدة.
2- في ( د ) : « ريقهن طهور » ، بدلا من : « وريقهنّ طهورا » ، وفي المعتبر 1 / 36 نقل الشطر هكذا : « عذاب الثنايا ريقهنّ طهور ». وانظر : جواهر الكلام 1 / 63.
3- في ( د ) : « بها ».
4- لم ترد في ( ب » : « عن حسب ... تطهير ».
5- في ( د ) : « إذ ».
6- في ( د ) : « الغل ».
7- في ( د ) : « يمتنّ بها » ، بدلا من : « تميّز سببها ».
8- في ( د ) : « الإتيان » ، بدلا من : « الامتنان ».
9- لم ترد في ( د ) : « بيان كون ».

وقد يحمل (1) أيضا على ادعاء (2) كون ريقهنّ مطهرا (3) على سبيل المبالغة ، والشاهد المذكور بعد تسليم (4) كونه ممن يعتدّ بقوله لا إشارة (5) فيه على استعمال الطهور في المبالغة ؛ إذ كون قوله بليغا في الطهارة تفسيرا للطهور غير معلوم لجواز كونه صفة أخرى (6) للماء.

ولو سلّم إطلاق الطهور في الشواهد المذكورة على (7) المبالغة في الطهارة ، فعدم اطّراده (8) من أعظم الشواهد على التجوّز ؛ إذ من الظاهر عدم إطلاق الطهور عرفا على غير المطهّر.

وقد نصّ جماعة من الأفاضل على عدم إطلاق الطهور (9) على الثوب والخشب (10) ونحوهما في لسان العرب ، ولو صحّ وضعه (11) للمبالغة لما كان فرق بينها وبين الماء في ذلك.

وممّا يؤيّد ما قلناه أن صيغ المبالغة إنّما وضعت لإفادة تكرّر الصفة على ما نصّ عليه جماعة منهم (12).

وعن الشيخ (13) و (14) الراوندي (15) : أنّه لا خلاف بين أهل النحو في أن « فعولا » للمبالغة

ص: 65


1- في ( د ) : « يحتمل » ، بدلا من : « يحمل ».
2- لم ترد في ( د ) : « على ادعاء ».
3- في ( د ) : « متطهرا ».
4- لم ترد في ( د ) : « تسليم ».
5- في ( د ) : « شهادة ».
6- في ( ألف ) : للأخرى.
7- في ( ج ) : « و » ، بدلا من : « على ».
8- كذا.
9- زيادة في ( ج ) : « عرفا على غير المطهّر ، وقد نصّ جماعة من الأفاضل على عدم إطلاق الطهور ».
10- في ( ج ) : « الخبث ».
11- في ( د ) : « وصفه ».
12- زيادة في ( د ) : « كالشيخ الجواد في المسالك والأسفرايني وغيره على ما حكاه في الكتاب المذكور ».
13- تهذيب الأحكام 1 / 214.
14- لم ترد في ( د ) : « و » ، والصحيح ثبوتها.
15- فقه القرآن 1 / 59.

وتكرّر الصفة ؛ لأنّه (1) لا يطلق « ضروب » إلّا على من تكرّر منه الضرب وكثر.

ويؤيّده ظهور ذلك من الاستعمالات العرفيّة فإن ضروبا وأكولا وضحوكا ونحوها إنّما يصدق (2) على من تكرّرت منه تلك المبادي لا على من حصلت منه مرّة ولو كانت في أعلى مراتب الشدّة.

وحينئذ نقول : لا يتصور حصول المبالغة بهذا المعنى في الطهارة لا بمعناها اللغوي ولا الشرعي.

أما الأوّل : فلعدم تعقّل (3) التكرار في النظافة الحاصلة ، نعم يتصور حصوله بتكرّر ورود النجاسة وزوالها ، وهو لا يجدي هنا ؛ لظهور عدم إرادة ذلك من الطهور (4) في المقام مع أنّه ممّا (5) يجري في جميع الأشياء فلا وجه لاختصاص الماء وشبهه به.

وكذا الحال بالنسبة إلى معناه (6) الشرعي إن أريد به المبالغة في حصول الصفة كما هو الظاهر.

وإن أريد به المبالغة في إعطائها أمكن فيه ذلك ويعقل فيه التكرار أيضا (7) ؛ إذ لا مانع فيه (8) إلّا أن يكون المبالغة (9) حينئذ في التطهير.

وهو خلاف المفهوم (10) منه عرفا ، ومخالف لما ذكره (11) في قاعدة المبالغة.

ص: 66


1- في ( د ) : « وأنه ».
2- في ( د ) : « تصدق ».
3- في ( ج ) : « تفعل ».
4- في ( ألف ) : « الظهور ».
5- لم ترد في ( د ) : « ممّا ».
6- في ( د ) : « معناها ».
7- لم ترد في ( ج ) و ( د ) : « ويعقل فيه التكرار أيضا ».
8- زيادة في ( د ) : « من التكرر ».
9- لم ترد في ( د ) : « المبالغة ».
10- في ( د ) : « المعهود ».
11- في ( د ) : « ذكروه » ، بدلا من : « ذكره ».

ومع ذلك يرجع إلى ما ذكرناه من إفادة المطهريّة (1).

وكأنّ ما ذكر هو السرّ في عدم وضع المبالغة لخصوص (2) تلك المادّة.

وبذلك يظهر ضعف ما ذكره بعض المتأخّرين من جعله مبالغة في الطاهر ؛ استنادا إلى قبول الطهارة لغة وعرفا للزيادة والنقيصة ، فتأمّل.

فقد تحصّل من جميع ما ذكرناه معان ثلاثة للطهور ، ولوقوعه صفة في ظاهر الآية الشريفة يتعيّن الثالث منها ؛ إذ لا يقع المصدر صفة إلّا (3) بالتّأويل ، وكذا اسم الآلة ، ولا مقتضى له فما ذكره جماعة من حمله على المعنى الثاني (4) ليتمّ (5) به الاستدلال على المطهريّة تكلّف.

وقد يصحّح بجعله بدلا عن الماء ، وهو أيضا خروج عن ظاهر الآية.

ثمّ بناء على ثبوت الحقائق الشرعيّة كما هو الأقوى يرجّح (6) حمل الطهور على معناه الشرعي الذي هو أعمّ من إزالة الخبث ورفع الحدث على الأظهر ، فتدلّ (7) بإطلاقه على حصول الأمرين.

ويعضده وقوعه موقع الامتنان.

وبناء على عدم ثبوتها يتقوّى أيضا حمله على المعنى الشرعي أو ما يعمّه بمقتضى المقام بل لا يبعد القول بكون رفع الحدث والخبث تطهيرا لغويا أيضا. غاية الأمر أن يكون خباثة المرتفع ثابتا بالشرع ؛ إذ بعد فرض دناسته يكون ارتفاعه تطهيرا في اللغة.

ص: 67


1- في ( د ) : « التطهير به » ، بدلا من : « المطهريّة ».
2- لم ترد في ( ب ) : « لخصوص ... جعله مبالغة ».
3- لم ترد في ( ب ) : « إلّا ».
4- لم يرد في ( د ) : « الثاني ».
5- في ( د ) : « فيتمّ ».
6- في ( د ) : « يترجح ».
7- في ( د ) : « فيدل ».

ولأجل ما عرفت نصّ جماعة من المحقّقين باستفادة (1) تعميم المتطهّريّة من الآية الشريفة وفسّره في السرائر بتطهير الحدث ولم يذكر غيره ، فظاهره الاقتصار عليه.

وكأنّه مبنيّ على خروج ما يرفع الخبث (2) عن الطهارة في الشرع على ما ذكره جماعة واشتهر القول به.

وهذا (3) خلاف التحقيق كما عرفت.

ثمّ إنّ قضيّة ظاهر الآية طهوريّة المياه النازلة من السماء ، وأما غيرها من مياه الآبار والبحار والنابعة من الأرض فالظاهر خروجها عن مدلول الآية فيتمّ الحكم فيها بعدم القول بالفصل.

نعم ، قد يدّعى كون جميع المياه نازلة من السماء لظواهر بعض الأخبار ، لكنّ الأظهر حملها على ما لا يخالف الظاهر بل المعلوم من الخارج على أنّها لا تجري في مياه البحار الّا أن يقال بنزولها أيضا من السماء.

فإن ثبت ذلك أيضا بدلالة الأخبار - إذ دلّ (4) ما دلّ على الأوّل بذلك - كان تعميم الآية لهما (5) خروجا عن الظاهر ؛ إذ المتبادر عرفا هو النزول على النحو المعروف (6) ، ولا تشمل (7) نحو نزول البحر في أوّل الدهر.

وقد يستنبط العموم من توصيف الماء بالطهور بناء على ظهور الآية في تعلّق الأخبار بالإنزال بالماء الموصوف بالطّهوريّة ، فتكون الطهوريّة صفة للجنس تثبت حيث ما ثبت.

وهو أيضا محلّ منع.

ص: 68


1- في ( د ) : « باستبعاده ».
2- في ( ج ) و ( د ) : « الحدث ».
3- في ( د ) : « وهو ».
4- في ( د ) : « أو أوّل » ، بدلا من : « إذا دلّ ».
5- في ( د ) : « لها » ، بدلا من : « لهما ».
6- في ( د ) : « المتعارف » ، بدلا من : « المعروف ».
7- في ( د ) : « لا يشمل » ، بدلا من : « لا تشمل ».

مع أن إفادة التوصيف قبل الإنزال كونه من صفات أصل الطبيعة غير معلومة. غاية الأمر أن يكون صفة للصنف (1) حاصلة له مع قطع النظر عن النزول ، فتدبّر.

ومنها : قوله تعالى : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ) (2)

والمشهور على ما حكي أنّها نزلت في بدر لمّا استبق الكفّار إلى الماء ، فاضطرّ (3) المسلمون ونزلوا على تلّ من رمل وباتوا (4) ليلتهم تلك من غير ماء ، فاحتلم أكثرهم فتمثّل لهم إبليس وقال : تزعمون أنكم على الحق وتصلّون بالجنابة ومن غير وضوء! وقد اشتدّ عطشكم ، وإذا أضعفكم (5) العطش قتلوكم كيف شاءوا. فأنزل اللّه عليهم المطر وزالت تلك العلل وقويت قلوبهم ونزّل اللّه الآية (6).

فيظهر بملاحظة ذلك دلالتها على الطهارة والطهوريّة من الحدث والخبث. ويجي ء تعميم الحكم أيضا بعدم القول بالفصل على ما ذكرنا (7).

ومنها : قوله تعالى في سورتي النساء والمائدة بعد ذكر الوضوء واغتسال الجنب فإن ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (8) ، فقد دلّ صدر الآيتين على طهوريّة الماء من الحدث الأصغر والأكبر ، ودلّ عجزها على شمول الحكم لجميع المياه حيث علّق جواز العدول إلى التيمّم على فقدان الماء مطلقا.

ص: 69


1- في ( ألف ) : « المصنّف ».
2- الأنفال (8) : 11.
3- في ( د ) : « المصطبر ».
4- في ( د ) : « فيأتوا ».
5- في ( د ) : « أضعتكم ».
6- في ( د ) : « ونزلت الآية ».
7- في ( د ) : « ما ذكر ».
8- النساء (4) : 43 والمائدة (5) : 6.

ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (1) ، فقد ورد في المستفيضة المشتملة على الصحيح أنّها نزلت في الاستنجاء بالماء.

ولعلّ في الدعاء الوارد لمحلّ (2) الاستنجاء من قوله : « اللّهمّ اجعلني من التّوّابين ، واجعلنى من المتطهّرين » (3) إشارة إليه.

وقد ورد مثل ذلك في الوضوء والغسل فكأنّ فيه إيماء إلى عموم الآية لحكم الحدث أيضا.

وبهذه الآية والآيتين السابقتين يثبت طهورية الماء من الحدث والخبث.

وأمّا السنّة (4) والروايات الواردة في ذلك فهي مستفيضة بل متواترة ، وقد وردت فيه أخبار لا تحصى في مقامات شتّى ؛ إذ جميع الأوامر الواردة في الوضوء والغسل والغسل من النجاسة أدلّة على الطهورية.

وفي الصحيح : « كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة من (5) بول قرضوا لحومهم بالمقاريض ، وقد وسّع اللّه عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون » (6).

وفي الحديث القدسي المرويّ في إرشاد الديلمي : « كانت الأمم السالفة إذا أصابهم نجس قرضوه من أجسادهم ، وقد جعلت الماء طهورا لأمّتك من جميع أنجاس والصعيد » (7).

ويستفاد من آخره تعميم الأنجاس للأخباث والأحداث.

ص: 70


1- البقرة (2) : 222.
2- في ( د ) : « في حال ».
3- مصباح المتهجد : 130.
4- في ( ج ) : « الحسنة ».
5- لم ترد في ( د ) : « من ».
6- من لا يحضره الفقيه 1 / 9 ح 13 ، وعنه في وسائل الشيعة 1 / 134 ح 325.
7- إرشاد القلوب 2 / 222 وعنه في بحار الأنوار 77 / 150 ح 12.

وفي مصباح الشريعة (1) عن الصادق عليه السلام : « فكما أن رحمته تطهّر ذنوب العباد كذلك النجاسات الظاهرة تطهّر بالماء لا غير » (2).

ص: 71


1- مصباح الشريعة : 128.
2- في المصدر : « وكما أن رحمة اللّه تطهّر ذنوب العباد كذلك النجاسات الظاهرة يطهرها الماء لا غير ».
تبصرة: [ في كيفيّة تنجّس الماء ]
اشارة

ينجس الماء بجميع أقسامه بتغييره (1) بالنجاسة في اللون أو الطعم أو الرائحة باجماع الاماميّة بل وإجماع الأمّة وحكاية الإجماع عليه مطلق أو إجماعنا خاصّة مستفيضة في كلامهم مطلق (2) ، وفي خصوص بعض أفراده كالجاري والبئر والغسالة وغيرها.

ويدلّ عليه بعد ذلك الروايات المستفيضة ؛ منها النبوي المشهور : « خلق اللّه الماء طهورا لا ينجّسه شي ء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه » (3).

ورواه في الذكرى (4) بدون ذكر اللون ، قال : وفي بعضها : « أو لونه » (5).

وادّعى الحلي الاتّفاق على رواية الأوّل.

وعدّه العلّامة في المدنيّات من الصحاح ، وخصّه بالكثير وما في حكمه.

وادّعى بعض أفاضل المتأخرين استفاضته وأنّه مرويّ من الطرفين بطرق عدة ، ولم يرمها بالضعف في المعتبر والمنتهى والذكرى عند الاستدلال (6) لابن أبي عقيل وإنّما راموا (7) الجمع بينها وبين غيرها مع رمي غيرها من الأخبار الّتي استدلّ له بالضّعف في الأوّلين ، لكن الدائر على ألسنة جماعة من المتأخّرين ضعفها وأنها من الأخبار العاميّة.

ص: 72


1- في ( ألف ) : « بتغيير ».
2- لم ترد في ( د ) : « مطلق ».
3- وسائل الشيعة 1 / 135 ح 330 ، والمعتبر : 9 ، وعنه في بحار الأنوار 77 / 9 ح 4.
4- الذكرى : 8.
5- في ( د ) : « أولوية » ، بدلا من « أو لونه ».
6- زيادة في ( د ) : « بها ».
7- في ( د ) : « رموا » ، بدلا من « راموا ».

قال المحقّق في المسائل المصريّة (1) في الردّ على العماني حيث أصحّ (2) له بالرواية : إنّ الرواية ممنوعة وإنّها مرويّة من طرق العامّة وأكثرهم طعن في سندها ، وهو ادّعى تواترها عن الأئمّة. ونحن ما رأينا لها سندا في كتب الأصحاب آحادا فكيف تواترا.

وبذلك يظهر ضعف ما ذكره الفاضل المذكور.

وكيف كان ، فانجبارها بعمل الأصحاب كاف في حجّيتها في المقام ، مضافا إلى اشتهارها ومطابقة مضمونها للأخبار الخاصّة ، فما يظهر من بعض المتأخّرين من التأمل في تنجّسه بالتغيير (3) اللوني بضعف (4) الرواية المذكورة وخلوّ الأخبار الخاصّة عنه ليس في محلّه ؛ لما عرف (5) من الإجماع المعلوم والمنقول عن جماعة واعتضادها (6) بالخبر المذكور بعمل الجمهور.

مضافا إلى الأخبار المستفيضة الخاصّة الدالّة عليه بالإطلاق من الروايات الدالّة على تنجّسه بغلبة النجاسة عليه أو تغيّره بها ونحو ذلك ، أو بالخصوص كصحيحة شهاب بن عبد ربّه ، ورواية فضيل (7) ، والمحكيّة عن قرب الإسناد وفقه الرضا.

هذا ولنتم (8) الكلام في هذا المرام برسم أمور :

[ المدار في صفات النجاسة ]

الأول : المدار في صفات النجاسة على الصفات الحاصلة لها بنفسها فالصفة الحاصلة فيها

ص: 73


1- لاحظ : الرسائل التسع : 219.
2- في ( د ) : « احتج ».
3- في ( د ) : « بالتغيّر ».
4- في ( ج ) و ( د ) : « لضعف ».
5- كذا ، والظاهر و ( د ) : « عرفت ».
6- في ( ج ) و ( د ) : « اعتضاد الخبر ».
7- لم ترد في ( د ) : « و ».
8- في ( د ) : « لنتمم ».

بممازجة ذي (1) صفة أو مجاورتها سواء كانت منعه (2) لطاهر أو نجس لا عبرة بها لعدم إثبات (3) الصفة عرفا إلى تلك النجاسة والظاهر من الأدلّة اعتبار التغيير بصفاتها لا صفات غيرها.

نعم ، لو وقعت النجاسة في بعض النجاسات المائعة وغيّرتها فغيّرت الماء بتلك الصفة المكتسبة احتمل التنجيس ، ويجي ء (4) الإشارة إليها.

ولو (5) كان العارض سببا لحصول صفة في (6) النجاسة في نفسها كالنتن العارض للميتة بسبب الحرّ أو في البول بسبب الشمس أو طول المكث ألحقت بالصّفات الأصليّة ، وهو ظاهر.

[ الكلام في الصفات الطبيعية ]

الثاني : هل المدار في صفات الماء على الصفات الطبيعيّة سواء قلنا بأنّها وجودية أو عدمية أو الخلقيّة أو الموجودية (7) فيه ، ولو كانت عارضيّة ، وجوه : أقواها الأوّل ، وهو المصرّح به في كلام جماعة من المتأخّرين ؛ إذ هي المتبادر من صفات الماء عند الإطلاق ؛ إذ ليست العارضة (8) معدودة عرفا من صفات الماء ولو كانت خلقيّة أو لم يجئها بممازجة الغير أو (9) مجاورته كما إذا تغيّر لطول المكث كما لا يخفى على من تأمّل في العرف.

وممّا يشهد بذلك أنّه لو أزيلت الصفة العارضة - خلقية كانت أو غيرها - بنجاسة مسلوبة الصفة موافقة للماء في صفاته الأصليّة حتّى عاد بها إلى صفتها الطبيعيّة لزم على (10)

ص: 74


1- في ( د ) : « أيّ ».
2- لم ترد في ( د ) : « منعه ».
3- في ( د ) : « انتساب ».
4- في ( د ) : « سيجي ء ».
5- في ( د ) : « نعم لو » ، بدلا من : « ولو ».
6- لم ترد في ( د ) : « في ».
7- في ( د ) : « الموجودة ».
8- في ( د ) : « العارضية ».
9- في ( د ) : « و » ، بدلا من « أو ».
10- في ( د ) : « من ».

ذلك القول بتنجّسها.

وحينئذ لا بدّ من التزام عدم قبوله الطهارة المتوقّفة على زوال التغيّر إلّا بالاستهلاك (1) في الماء الطاهر إن سلّم استهلاك الشي ء في مثله أو بملاقاته للماء المتغيّر.

ومن الواضح فساد الالتزام به.

[ القول في الملوحة ]

ثمّ إنّه لا يبعد القول بكون الملوحة (2) الحاصلة في بعض المياه (3) كماء البحر من الصفات الطبيعيّة لظاهر العرف ، والقول بأنّ الأصل فيه العذوبة ، والملوحة إنّما طرأت عليه بالعارض (4) غير معلوم ، والنظر إلى العرف يعطي أنّهما نوعان مستقلّان ، قال اللّه تعالى : ( هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ ) (5) وظاهر إطلاق صفات الماء يشملهما ، فلو فرض انقلاب المالح عذبا بالنجاسة توقف على الاستهلاك أو زوال تلك الصفة كما في عكسه على وجه قوي.

وفي الملوحة الحاصلة في الماء الخارجة من الأرض السبخة (6) وجهان ، ولا يبعد إلحاقها بالأصليّة عملا بظاهر (7) الأصل.

نعم ، لو علم كونها عارضيّة امتنع (8) حكمها.

ص: 75


1- في ( ب ) : « الاستهلاك ».
2- في ( د ) : « الملاحة ».
3- في ( د ) : « نفس الماء » ، بدلا من : « بعض المياه ».
4- في ( د ) : « لعارض ».
5- فاطر (35) : 12.
6- في ( د ) : « الأراضي النجسة ».
7- في ( د ) : « فظاهر » ، بدلا من : « عملا بظاهر ».
8- في ( د ) : « اقبع » ، بدلا من : « امتنع ».

وقد ظهر بما قلنا أنّه لو زالت الصفات الأصليّة عنه بطاهر أو بطول (1) المكث قدر بقائها على الصفة واعتبر تغييرها بتلك النجاسة ، وذلك وإن كان في الحقيقة نحوا من التقدير لعدم تغيير النجاسة لصفاته (2) الأصليّة بالفعل إلّا أنّه لا يعدّ تقديرا في العرف بحكمهم (3) إذن بحصول التغيير واقعا ، وجعلهم ذلك ساترا له على الحس مع عدم ظهوره ، ولذا تراهم لا يحكمون بزوال التغيير قطعا إذا تغيّر بالنجاسة ، ثمّ ورد عليه طاهر فصبغه بلونه وإن كان ذلك في ملاحظة العقل زوالا للصفة السابقة.

والمناط في المسائل المذكورة على متفاهم العرف دون الحقائق العقليّة. كيف ، ويؤتى الحكم على مقتضى حكم الأصل (4) للعقل (5) لزم عدم تنجّس الماء في الظلمة الشديدة بما يغيّر لونه من النجاسة بناء (6) على القول بتبعيّة الألوان للأضواء كما عليه جماعة من المحقّقين ، وهو ضروريّ الفساد.

فليس الحكم بالنجاسة إذن إلّا لحكم (7) العرف بالتّغيير.

وبذلك يظهر قوّة القول بالنجاسة في الفرع المشهور ، وهو ما إذا وافق الماء صفة النجاسة فامتزجت به بحيث لو لا الموافقة لظهر التغيير كما قطع به جماعة من المتأخّرين.

وكأنّ ذلك مراد من استدلّ له بحصول التغيير في الواقع وإن كان مستورا على الحس ؛ إذ حمله على ظاهره ظاهر الفساد ؛ لعدم انفعال الشي ء عن مماثله قطعا وإن كان أضعاف ضعفه (8).

ص: 76


1- في ( د ) : « طول » ، بدلا من : « بطول ».
2- في ( د ) : « بصفاته ».
3- في ( د ) : « لحكمهم ».
4- لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « الأصل ».
5- في ( ج ) و ( د ) : « ولو بنى الحكم على مقتضى حكم العقل » ، بدل : « ويؤتى الحكم على مقتضى حكم الأصل للعقل ».
6- لم ترد في ( ب ) : « بناء ... بالنجاسة ».
7- في ( د ) : « بحكم ».
8- في ( د ) : « أضعفه ».

ولذلك اعترف في البيان بكونه من التقديري ، وجعله بعض المتأخّرين بحكم التقديري الآتي.

ويضعّف بأنّ هذا التقدير جار مجرى التحقيق بحكم العرف بخلاف ما هناك.

ويتفرّع على ما قلناه الحكم بطهارة الماء إذا كان متغيّرا بطاهر ومازجه بول مسلوب الصفة حتى أعاده إلى حالته الأصليّة لعدّه زوالا للتغيير.

[ التغيير في غير الأوصاف الثلاثة ]

الثالث : لا عبرة بالتغيير في غير الأوصاف الثلاثة كالثقل والخفّة والحرارة والبرودة بلا خلاف يعرف فيه.

وفي الغنية (1) والدلائل وغيرهما الإجماع عليه.

وفي كشف اللثام (2) : كأنّه لا خلاف فيه للأصل والعمومات.

فظاهر النبوي المذكور وغيره من الأخبار الكثيرة وما ورد في بعض الروايات من إطلاق التغيير أو الغلبة ونحوهما محمول على الغالب من حصول الغلبة في أحدها.

ومع الغضّ عنه ، فالأخبار المذكورة من جهة اختصاصها واعتضادها بالعمل حاكمة عليها.

وعن الجعفي وابن بابويه (3) اعتبار غلبة (4) النجاسة ، فقد يوهم إطلاقهم الغلبة على غير الأوصاف الثلاثة إلّا أنّه كالروايات المذكورة محمول على الغالب. قال في الذكرى (5) بعد حكاية ذلك : وهو موافقة في المعنى.

ص: 77


1- الغنية : 479.
2- كشف اللثام 1 / 255.
3- كشف اللثام 1 / 255 ؛ الذكرى : 8.
4- في ( د ) : « أغلبية ».
5- الذكرى : 8.
[ مجاورة النجاسة ]

الرابع : لا ينجس الماء بالتغيير الحاصل بمجاورة النجاسة بلا خلاف فيه ، ويدلّ عليه بعد الإجماع محصّلا ومنقولا على لسان جماعة ، الأصل مع اختصاص معظم ما دلّ على نجاسة المتغيّر بالملاقي للنجاسة ، وعدم انصراف إطلاق البعض في العرف إلى ذلك (1) ، وأنّه مع عدم الملاقاة لا موجب للتنجيس.

ومجرد الصفة أو الريح الحاصل (2) لها ليس نجسا حتّى ينجّس الماء.

وفي إطلاق ما دلّ على جواز استعمال الأجن تأييد لذلك أيضا ، ولا بدّ من العلم باستناده إلى الملاقاة فلو وجد الماء متغيّرا بالجيفة ، و (3) احتمل وقوعها فيه بعد تغييره بالمجاورة من دون أن يستند التغيير إلى الملاقاة لم يحكم بالنجاسة ، فلا عبرة بالظّهور (4) ، وإن استفيد من إطلاق بعض الأخبار الاكتفاء به إلّا أنّ الظاهر حمله على الغالب من حصول العلم ، ولا بدّ من استقلال الملاقاة في حصول التغيير ، فلو حصل من مجموع المجاورة والملاقية لم يؤثّر.

وكذا لو كان التغيير حاصلا عن بعضها الملاقية وبعضها الخارجة كما إذا وقعت جيفة في الماء المنبسط على الأرض وكان أكثر أجزائها خارجا فاستند التغيير إلى مجموع الأجزاء الداخلة والخارجة.

ومع الشك يبنى على الأصل في وجه قويّ إلّا أنّ قضيّة جملة من الإطلاقات هنا البناء على النجاسة ويتقوّى حملها على الغالب.

ولو وقعت جيفة في المضاف المتّصل بالماء فسرى التغيير منه إليه من دون امتزاج المضاف به ، ففي نجاسة الماء وجهان مبنيّان على أصالة الطهارة وكونه من قبيل التغيير

ص: 78


1- في ( د ) : « إلى غير ذلك ».
2- في ( د ) : « الحامل ».
3- لم ترد في ( د ) : « و ».
4- في ( ب ) : « بالطهور ».

بالمجاورة ، وعلى صدق التغيير (1) بالنجاسة في العرف فيشمله الإطلاقات.

وكونه من قبيل التغيير بالمجاورة الذي قطعوا بعدم اعتبارها (2) غير معلوم ، فيلزم البناء على حكم الإطلاق.

ويجري الوجهان في غير المضاف من سائر المائعات إلّا أنّ البناء على الطهارة هنا أقوى.

[ اعتبار التغيير حال الملاقاة ]

الخامس : يعتبر في نجاسة الماء حصول التغيير حال ملاقاة النجاسات (3) ، فلو لم يتغيّر بها حال الملاقاة لحصول مانع في الماء من قبوله ثمّ ارتفع المانع بعد ارتفاع الملاقاة فيحصل التغيير ، لم (4) يحكم بالنجاسة إن كانت النجاسة غير ممازجة.

وأمّا إن كانت ممازجة واستهلكت فيه من دون حصول التغيير ثمّ حصل بعده بعد ارتفاع المانع ففيه وجهان.

ويتقوّى فيه الحكم بالطّهارة أيضا لتطهّر (5) الممازج حينئذ ، ولا منجّس (6) بعده.

هذا إذا كان المانع موجبا لعدم التأثير من النجاسة ، وأمّا إذا منع الظهور على الحسّ كالحرارة والبرودة الشديدتين المانعتين من إدراك الطعم الخفيّ فلا شبهة في حصول النجاسة من أوّل الأمر مع اليقين بحصوله.

ثمّ إنّ المدار في التغيير على تبدّل صفة الماء بالنجاسة سواء كان بتحويله إلى صفة النجاسة أو صفة ثالثة مغايرة لهما ، ولا فرق بين كون الصفة سارية من النجاسة إليه أو حاصلة بسببها وإن لم تكن من صفتها ، كما قد يجي ء اختلاف اللون أو الطعم في الماء بسبب الجيف

ص: 79


1- في ( د ) : « التغيّر » ، بدلا من : « التغيير ».
2- في ( د ) : « اعتباره ».
3- في ( د ) : « النجاسة ».
4- لم ترد في ( ب ) : « لم يحكم ... حصول التغيير ».
5- في ( ج ) و ( د ) : « لطهر ».
6- في ( د ) : « يتنجّس ».

الواقعة فيه من جهة فساد طبيعة الماء بها من دون أن يكون طعم الجيفة أو لونها حاصلا فيه ، ولا بد من كون الصفة الحاصلة مستندة إلى النجاسة ، فلا يكتفى بمجرّد ظهورها بسبب النجاسة إن كان الظاهر مجموع صفة النجاسة وغيرها ، فلو وضع طاهر أحمر في الماء بحيث لم يتغيّر به ثمّ أكمل بشي ء من الدم فغيّره لم ينجس به إذا لم يستقل بالتغيير ، ولو فرض إعداد الأمر الخارج بسرعة (1) الانفعال من النجاسة قوي تنجّس الماء بها وإن لم تغيّره مع عدمه.

ثمّ إنّ المعتبر من التغيير ما يحسّ (2) به غالب الناس ، فلا عبرة بما يحسّ به الأوحدي منهم ممّن له إحساس خارج عن العادة (3) ، فهو إذن طاهر (4) عند من أحسّ به أيضا إذا علم عدم إحساس الغالب به أو شكّ فيه في وجه قوي.

ويحتمل القول بنجاسته بالنسبة إلى من أحسّ به لصدق التغيير عنده على سبيل الحقيقة.

[ مدار التنجّس : التغيّر بالنجاسة ]

السادس : قد عرفت أنّ المدار في تنجيس (5) الماء على التغيير بالنجاسة ، فلا عبرة بتغييره (6) بالمتنجّس في ظاهر المذهب ؛ للأصل ، وظواهر جملة من الأخبار ، وإطلاق بعضها وإن عمّ ذلك أيضا إلّا أنّه بظاهره ينصرف (7) إلى غيره.

مضافا إلى فهم الأصحاب.

ص: 80


1- في ( د ) : « لسرعة ».
2- في ( ألف ) : « يحسن » ، وكذا فيما بعده.
3- في ( د ) : « المعتاد ».
4- في ( ألف ) : « ظاهر ».
5- في ( د ) : « تنجّس » ، وكلاهما صحيح.
6- في ( د ) : « بتغيره » ، وكلاهما متّجه.
7- في ( د ) : « منصرف ».

وذهب الشيخ رحمه اللّه في المبسوط (1) إلى تنجّس الماء به ؛ لحكمه بتنجيس (2) المطلق بالمضاف المتنجّس الممتزج (3) به إذا غيّر أحد أوصافه.

وهو شاذّ لم نقف له على مستند سوى بعض الإطلاقات ، وقد عرفت ضعفه.

وقد يرجع كلامه إلى المشهور ، وسيجي ء القول فيه عند بيان تطهير المضاف إن شاء اللّه.

هذا إن غيّر (4) بصفته ، وأمّا إن غيّره بصفة النجاسة فإن كان المتنجّس ماء.

فلا شبهة في تنجّس الماء به مع تنجّس الأوّل به ، سواء كان تغيّره بامتزاج النجاسة أو بغيره (5).

وإطلاق كلامهم هنا وإن أوهم القول بالطهارة إلّا أنّ ظاهر كلامهم في اعتبار زوال التغير في طهر المتغير القطع بتنجّس (6) ما يمازجه من الماء مع تغيّره به ، بل عباراتهم هنا (7) صريحة في ذلك.

وممّا ينادي به اعتبارهم إلقاء كرّ ثانية وثالثة مع تغيّر السابق.

ويدلّ عليه أنّه لا يتحقّق التغيير في الأجزاء البعيدة عن النجاسة إلا بذلك ، فيندرج في مدلول الأخبار والإجماعات.

والتفصيل بين وجود عين النجاسة وعدمه ممّا يقطع بفساده ، بل لإبقاء العين في النجاسة الممازجة لاستهلاكه فيما يلاقيه أولا ثمّ يسري التغيير من المتغير بها إلى بقية الماء.

مضافا إلى الإجماع على عدم طهره من دون زوال التغير ، فبدونه ينجس ما يمازجه من

ص: 81


1- المبسوط 1 / 5.
2- في ( د ) : « بتنجس ».
3- لم ترد في ( د ) : « به ».
4- في ( د ) : « غيّره ».
5- في ( د ) : « غيّره ».
6- في ( د ) : « بتغير » ، بدلا من : « بتنجس ».
7- زيادة في ( د ) : « لك ».

الماء الطاهر ؛ لاتحاد حكم الماء الواحد (1) في السطح الواحد (2) مع الامتزاج وعدم المائز.

وقد يستدلّ عليه فيما إذا كان متغيّرا بالامتزاج بصدق التغيّر بعين النجاسة ، فوجودها (3) فيه وإن لم يتميّز في الحس لكن الاستناد إلى ذلك في الماء مشكل ؛ لما عرفت من إجراء حكم الماء عليه بعد الاستهلاك.

نعم ، يتّجه (4) ذلك في غير الماء ، فلو مزج الدم بطاهر أحمر (5) فامتزج بالماء تنجّس به إذا كان الدم في نفسه صالحا لمسمّى التغيير ، وبذلك يتقوّى القول بالتنجيس في المضاف المتغير كذلك إذا غيّر الماء بصفة النجاسة.

وأمّا إذا تغيّر بوقوع النجاسة فيه من دون مزج ، ففي تنجّس الماء به إذن إشكال ، من لزوم انقلابه مطلقا في قبوله الطهارة فيجري فيه حكمه بعد الانقلاب ، ومن عدم تأثير التغيير في نجاسته ولا أقل من الشكّ فيه.

والقول بالأولويّة في تنجسه به منقوض بالجوامد ، فهو كالمضاف المتنجّس المتغيّر بمجاورة النجاسة ، ولا ريب في عدم اعتبار زوال التغيير في طهره.

وأيضا غاية ما يثبت (6) من الأدلّة اعتبار زوال التغيير في الماء المتغير والمفروض في المقام صيرورة المتغير ماء ، وفرق بين الأمرين.

غاية الأمر أن يقال إذن باستصحاب النجاسة ، فيعارضه (7) استصحاب طهارة الآخر والأصل الطهارة.

ويجري الاشكال فيما سوى المضاف من المائعات إلّا أنّ احتمال الطهارة فيها أقرب.

ص: 82


1- في ( د ) : « الوارد » ، بدلا من : « الواحد ».
2- في ( د ) : « الوارد » أيضا.
3- في ( د ) : « لوجودها ».
4- في ( ج ) : « ينجر ».
5- في ( د ) : « آخر » ، بدلا من : « أحمر ».
6- في ( د ) : « ثبت ».
7- في ( د ) : « فيعاضد » ، بدلا من : « فيعارضه ».

وأمّا الجوامد فلا شكّ في عدم انفعال الماء بها مع التغيير (1) ، بل هي تطهّر بمجرّد ملاقاة الماء.

[ مدار التنجّس فعليّته ]

السابع : ظاهر الأخبار وفتاوى قدماء الأصحاب دوران الحكم على حصول التغيّر وفعليّته ، فلو كانت النجاسة مسلوبة الصفة لم تقدّر فيها ذلك.

وهو في غير النجاسة المغيّرة بالامتزاج موضع وفاق ، وأمّا فيها فعند معظم المتأخّرين أنّها كذلك أيضا.

وفي الذكرى (2) أنّه ظاهر المذهب.

وذهب العلّامة رحمه اللّه (3) في جملة من كتبه وجماعة ممّن تأخّر عنه كولده قدس سرّه والمحقّق الكركي (4) والشهيد الثاني (5) إلى تقدير الأوصاف والحكم بالنجاسة مع حصول التغيير على تقدير المخالفة.

والأقوى الأوّل ؛ للأصل والعمومات ، وظاهر إطلاق الروايات والإجماعات المنقولة المعلّقة للحكم بالنجاسة على حصول التغيير والغلبة لصفة النجاسة الظاهرة في التحقيق دون التقدير ، وأن المدار في التنجيس إن كان على حصول التغيير فالمفروض عدمه ، وإن كان على غلبة ذات النجاسة والأوصاف كاشفة عنها لزم القول بالطهارة مع حصول التغيير فيما إذا كانت الصفة في النجاسة شديدة خارجة عن المعتاد ؛ لعدم كشفها إذن عن غلبة الذات.

والقول بأنّ المدار فيها على أحد الأمرين خروج عن مقتضى الأخبار وكلام الأصحاب

ص: 83


1- في ( د ) : « التغيّر ».
2- الذكرى : 8.
3- قواعد الأحكام 1 / 184.
4- جامع المقاصد 1 / 113 - 114 ؛ رسائل الكركي 1 / 85 - 86.
5- روض الجنان : 134 ، إلا أنه قال في شرح اللمعة 1 / 251 ومسالك الإفهام 1 / 14 : المعتبر من التغيّر الحسي لا التقديري.

لإناطة الحكم فيها بأمر واحد.

على أنّ الأخبار واردة في النجاسة المغيّرة بالامتزاج وغيره على نهج واحد ، فالتفصيل بينهما خروج عن مقتضاها ؛ مضافا إلى أنّ قضيّة ما ذكر تقدير الصفة المتوسطة في حقيقة الأوصاف ، وهو خلاف ظاهر القائل بالتقدير.

وفيه أيضا مخالفة ظاهرة لظواهر الأخبار.

و (1) احتجّ العلّامة رحمه اللّه (2) بأنّ التغيير الذي هو مناط النجاسة دائر مع الأوصاف ، فإذا فقدت وجب تقديرها.

وفي المدارك (3) والمعالم وغيرهما : أنّه إعادة للمدّعى.

قلت : بل ظاهره (4) متدافع ؛ إذ مع تسليم دوران التغيير (5) الذي هو المناط في النجاسة مع الأوصاف يلزم انتفاؤه مع عدمها الموجب لانتفاء النجاسة ، فلا وجه لتقدير الأوصاف ، فمقتضى الدليل المذكور ردّ القول بالتقدير (6) لا ثبوته.

وقد يوجّه بأنّ مقصوده من التغيير هو مغلوبيّة (7) ذات الماء بالنجاسة (8) ، وتغيّره في ذاته بسبب امتزاجه بها ، فربّما يكون ذلك التغيير (9) مخرجا له عن الحقيقة الاسميّة ، وقد يكون سببا لزوال الأوصاف ، وقد لا يوجب شيئا منهما.

ص: 84


1- لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « و ».
2- نقله عنه المحقق الكركي في جامع المقاصد 1 / 114 ، والعاملي في المدارك 1 / 29 ، ولم نجدها في أكثر كتبه المطبوعة التي راجعناها.
3- مدارك الأحكام 1 / 29.
4- في ( د ) : « طاهره ».
5- في ( د ) : « التغيّر ».
6- في ( ج ) : « في التقدير ».
7- في ( د ) : « مغلوبيّته ».
8- في ( د ) : « للنجاسة ».
9- في ( د ) : « التغيّر ».

والأخير (1) معتبر في الشرع والأوّل خارج عن محلّ البحث ، والثاني إنّما يتعيّن بملاحظة الأوصاف ، فإن وجدت وإلّا وجب تقديرها ، فيرجع محصّل الدليل إلى بيان مقدّمتين يتفرّع عليهما وجوب التقدير :

أحدهما : كون التغيير بالمعنى المذكور مناطا في الحكم.

ويدلّ عليه أنّ المتنجّس في الحقيقة هو عين النجاسة ، فالمؤثّر ذات النجاسة الغالبة لا صفتها.

وثانيهما : دوران ذلك مع الأوصاف ، وهو واضح ، وترتّب (2) وجوب التقدير عليهما ظاهر.

وجوابه : أنّا نقول : إنّ المنجّس هو ذات النجاسة لكن بشرط غلبة صفتها على صفة الماء لإناطة الحكم بالوصف في الأخبار.

والقول بعدم اعتبار غلبة الوصف في التنجيس ، وأن إناطة الحكم بها في الأخبار (3) لمجرّد الكشف أوّل الدعوى.

واحتجّ عليه في الإيضاح (4) بأنّ المقتضي للانفعال نهي النجاسة ، وهو حاصل في المقام إذ كلّما لم يصيّر (5) الماء مقهورا لم يتغيّر بها على تقدير المخالفة ، وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا : كلّما تغير على تقدير المخالفة كان مقهورا. وهو يرجع إلى الوجه السابق.

ويضعّف بما مر.

وبتقرير آخر : إن اريد بقهر النجاسة غلبتها على الماء بإزالة وصفه (6) أعني الطهارة فكلّية

ص: 85


1- في ( ج ) و ( د ) : « غير ».
2- في ( د ) : « يترتب ».
3- في ( د ) : « وأنّ الحكم بها منوطة في الأخبار » ، بدلا من : « وأن إناطة الحكم بها في الأخبار ».
4- إيضاح الفوائد : 1 / 16.
5- قد تقرأ في ( د ) : « لم يصر ».
6- في ( ألف ) و ( ج ) : « وضعه ».

الأصل ممنوعة ؛ إذ (1) حصول القهر مع تقدير الصفة في النجاسة أوّل الدعوى.

وإن أراد به مجرد الغلبة فكليّة العكس غير نافعة ؛ إذ كون مجرّد المقهوريّة المعروضة موجبا للنجاسة ممنوع.

وربّما يحتجّ لذلك بجملة من الأخبار كالصحيح المشتمل على اشتراط قهر الماء للنجاسة في اعتصامه ، والصحيحة الاخرى الدالّة على اعتبار غلبة كثرة الماء على النجاسة والصحيحتين المعلّلتين لطهارة ماء الاستنجاء والمطر المخالط للنجاسة المفروضة بأكثريّته من القذر ، ونحو ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع ؛ فإنّ المستفاد (2) من إطلاقها دوران الأمر على مجرّد القهر والاستيلاء والتقدير المفروض كاشف عنه.

مضافا إلى استصحاب بقاء نجاسة الممازج ؛ إذ غاية ما يثبت (3) ارتفاع حكمها بالاستهلاك مع عدم التغيير ولو بالتقدير.

ودعوى تبدّل الموضوع ممنوع يكشف عنه عدم البناء عليه في غير الماء ، ولا أقلّ من الشكّ ، فالأصل بقاؤه أيضا.

ويدفعه أن حصول القهر والاستيلاء إما بحسب الوصف أو الذات ، والأوّل يتفرّع على اختلافهما في الصفات والثاني يعتبر لغلبة اسم الماء على النجاسة باستهلاكها فيه وعدّها ماء في العرف وعدمه ، فهو دائر مدار التسمية العرفية.

ونحن نقول باعتبار الوجهين كما يتبيّن (4).

فاعتبار التغيير (5) بعد التقدير لا يوجب القهر للذّات ولا للصّفات ، ولو سلّم فهو خارج عن ظاهر الإطلاقات بل مجرّد الشكّ كاف فيه ؛ لما تقرّر من أصالة الطهارة.

ص: 86


1- في ( ج ) : « أو ».
2- في ( د ) : « فالمستفاد » ، بدلا من « فإنّ المستفاد ».
3- في ( ج ) و ( د ) : « ثبت ».
4- في ( د ) : « ستبيّن ».
5- في ( ألف ) : « التعبير ».

والرجوع إلى الاستصحاب في ذلك بيّن الوهن لمعارضته باستصحاب طهارة الماء ، والأصل الطهارة ؛ مضافا إلى تبدّل الموضوع ، لدورانه مدار الأسماء على ما قيل.

واحتجّ المحقّق الكركي (1) بعد تضعيف الوجهين المذكورين بأنّ المضاف المسلوب الأوصاف لو (2) امتزج بالماء وجب اعتباره إمّا بقلّة الأجزاء وكثرتها أو بتقديره مخالفا في الأوصاف على اختلاف الرأيين ، وإذا وجب الاعتبار في الجملة للمضاف فللنجاسة أولى ، وحيث لا قائل بالأوّل هنا يتعيّن الثاني.

وبأنّه لو لم يعتبر التقدير لزم الحكم بالطّهارة ، وإن كانت النجاسة أضعافه ، وهو بيّن الفساد.

ويضعف الأوّل بعدم ثبوت الحكم في الأصل ، وإنّما يدور الحكم هناك مدار التسمية ، ونقول بمثله هنا أيضا.

وبذلك يظهر ضعف الثاني لاعتباره إذن ببقاء (3) التسمية وعدمه ، ومن الظاهر انتفاء التسمية مع كون النجاسة مثله ، فكيف بضعفه وأضعافه.

[ الاستهلاك في النجاسة والممازجة ]

الثامن : لو استهلك الماء في النجاسة نجس قطعا وكذا لو خرج بممازجتها عن اسمه وإن لم يتغيّر أحد أوصافه على ظاهر المذهب بل الظاهر عدم الخلاف فيه ، وكذا الحال لو مازج المائعات المتنجّسة مع خروجها (4) عن الاسم.

وما قد يقال من تعارض الاستصحابين حينئذ ، وقضية الأصل الطهارة ؛ مدفوع بأنّ

ص: 87


1- جامع المقاصد 1 / 114 - 115.
2- في ( د ) : « إذا ».
3- في ( د ) : « بقاء ».
4- في ( د ) : « خروجهما » ، والظاهر : « خروجه » ، والضمير راجع إلى الماء.

النجاسة والمتنجّس المفروض (1) لم يعرض لهما بسبب الممازجة ما يزيل حكمهما لبقاء حقيقتهما من غير استحالة كما لو امتزجا بغير الماء من سائر الأعيان وإن زال الاسم عن المجموع مع قطعهم بانتفاء الاستحالة هناك.

وهذا بخلاف الماء لعدم دوران الحكم فيه على حقيقة المائية بل على التسمية العرفيّة كما عرفت فبعد خروجه عن اسمه ينجس (2) بالملاقاة.

ويدلّ عليه إطلاق القهر والغلبة وما شابههما في الأخبار المذكورة ؛ إذ ذاك أعظم أفراد الغلبة.

ويشهد له نصّ جمهور الأصحاب بعدم طهر المضاف وسائر المائعات المتنجّسة (3) إلّا بصيرورتها مطلقا ، مع أنّ الحال فيها أخفّ من نجس العين ، بل ظاهر كلامهم هناك يعطي اتّفاقهم على (4) الحكم في النجس كما أشرنا إليه.

ص: 88


1- في ( د ) : « المفروضين ».
2- في ( د ) : « يتنجس ».
3- في ( د ) : « النجسة » بدلا من : « المتنجسة ».
4- في ( د ) : « في » بدلا من : « على ».
البحث الثاني: في بيان أقسام المياه وأحكام كلّ منها وكيفيّة تطهيرها بعد تنجّسها
اشارة

البحث (1) الثاني

في بيان أقسام المياه وأحكام كلّ منها

وكيفيّة تطهيرها بعد تنجّسها (2).

تبصرة: [ في أقسام المياه ]

تبصرة (3)

[ في أقسام المياه ]

لمّا اختلفت أحكام المياه بحسب أنواعها من جهة قبولها وعدمها بل وغير ذلك أيضا وقع البحث عندهم عن عدّة من أقسام المياه فقسّموا الماء إلى [ أقسام ] (4) ، فينقسم (5) الماء باعتبار ورود النجاسة عليه (6) إلى الجاري وماء الغيث وماء الحمام والمحقون وماء البئر.

ويعتبر في صدق الجاري خروجه عن المادّة سواء جرى على وجه الأرض أو تحتها مع عدم بروزه على الأرض كما في بعض القنوات أو بروزه كما في أكثرها.

ولا عبرة بالجريان عن غير المادّة ، ولذا اعتبر جماعة فيه المنع (7) قاطعين به من غير ظهور خلاف فيه.

ص: 89


1- في ( ج ) : « المبحث ».
2- في ( د ) : « تنجيسها » ، بدلا من : « تنجّسها ».
3- الزيادة من نسخة ( ج ).
4- لم ترد في ( د ) : « لمّا اختلف أحكام .. فقسّموا الماء إلى ».
5- في ( د ) : « ينقسم ».
6- لم ترد في ( ج ) : « فينقسم .. عليه ».
7- في ( د ) : « معه النبع » ، بدلا من : « فيه المنع ».

قال في جامع المقاصد (1) : إنّ الجاري لا عن عين من أقسام الراكد يعتبر فيه الكرّيّة اتفاقا ممّن عدا ابن أبي عقيل.

وظاهر ذلك خروج الجاري عن الموادّ الظاهرة كبعض البحيرات أو الغدران الواسعة التي يجتمع فيها السيول.

وكأنّه الأظهر ؛ إذ لا يزيد حكمه على حكم أصله ، وإطلاق الجاري عليه مع عدم المعرفة بأصله لا يدلّ على صدقه عليه ، ولذا يصحّ سلبه عنه بعد المعرفة بحالة ، لكنّ الظاهر عدم فائدة يعتدّ (2) بها في ذلك ؛ لما سنبيّن من اتحاد الماء المفروض والجاري في الحكم.

ومثل ذلك ما (3) يجري من الثلوج ولا تأمّل هنا في اعتبار الكرّية فيه ، فيجري عليه أحكام الواقف.

وذهب شذوذ من المتأخّرين إلى صدق الجاري على غير الجاري من العيون ، وظاهره صدقه بمطلق الجريان إلّا أنّه اعتبر في حكمه وجود المادّة ، واكتفى فيها بوقوع جزء من الماء فوق موضع الملاقاة.

وهو بمكان من الضعف.

ولا يعتبر فيه كون مادّته تحت الأرض ، بل لو نبع من فوق كما في بعض العيون النابعة من صفحات الجبال كان جاريا قطعا ، فاعتبار بعض الأصحاب (4) نبعها من تحت الأرض محمول على ما يشمل ذلك أو على الغالب.

وهل (5) يعتبر فيه حصول الجريان أو يكتفى في صدقه بمطلق النبع أو مع كونه غير البئر؟ وجوه ؛ أقواها الأوّل لظاهر العرف ، وهو الظاهر من جماعة من الأصحاب وصريح البعض.

ص: 90


1- جامع المقاصد 1 / 110.
2- لم ترد في ( د ) : « يعتدّ ».
3- لم ترد في ( د ) : « ما ».
4- في ( ج ) : « المتأخرين » ، بدل : « الأصحاب ».
5- في ( ب ) : « هو ».

والثاني مختار بعض المتأخرين (1).

والثالث مختار الشهيد الثاني وجماعة من المحققين.

ويؤيّده أنّهم لم يذكروا عنوانا مستقلّا للنابع الواقف ، فهو داخل عندهم في الجاري ؛ لعدم دخوله في الراكد ، ولا (2) البئر وإن حكي عن المقنعة والتهذيب إلحاقه بالبئر ، وربّما استحسنه (3) بعض المتأخّرين (4) ؛ إذ هو في غاية البعد ، لوضوح عدم شمول اسم البئر له مع ما لها من الأحكام المخالفة للأصل ، خصوصا على القول بالانفعال.

وفيه : أنّهم لم يقصدوا حصر الأقسام ، وبعد فرضه فغاية الأمر إطلاقهم الجاري عليه ، وهو لا يقتضي كونه حقيقة في عرفهم فضلا عن اللغة أو العرف العام.

فإن أريد بتعميم (5) الجاري للنابع غير البئر أو مطلقا حمل ما ورد في الأخبار على الأعم فهو في غاية الضعف ، وإن أريد بيان مصطلح الفقهاء فيه حتّى يحمل عليه إطلاقاتهم فهو غير معلوم.

نعم ، حمل كلام من رام حصر أقسام المياه مع عدم ذكره له تخصيصه (6) على النابع غير البئر ممكن ، بل حمل عبائر كثير منهم عند بيان أقسام الماء عليه ليس بذلك البعد.

وأمّا تعميمه للنابع مطلقا فلا يطابق اللغة (7) والإطلاقات العرفيّة قطعا.

ولا ثمرة مهمّة يترتّب (8) على ذلك.

ص: 91


1- في ( ألف ) : « ومختار الثاني أو بعض المتأخرين ».
2- في ( د ) : « وأمّا » ، بدلا من : « ولا ».
3- في ( ج ) زيادة : « صاحب كشف ».
4- زيادة في ( د ) : « صاحب كشف اللثام ».
5- لم ترد في ( ب ) : « بتعميم .. وإن اريد ».
6- في ( د ) : « بخصوصه ».
7- زيادة في ( د ) : « لا ».
8- في ( د ) : « يرتب ».
تبصرة: [ في كيفيّة تنجّس الجاري ]

لا ينجس الجاري بمجرّد ملاقاة النجاسة قليلا كان أو كثيرا على المشهور بين الأصحاب ، فأطلق (1) في الخلاف والغنية والمعتبر والمنتهى حكاية الإجماع عليه.

وحكى القاضي في شرح الجمل الإجماع على عدم تنجّس قليله وكثيره.

وذهب العلّامة رحمه اللّه في جملة من كتبه إلى اعتبار الكريّة في اعتصامه.

وتبعه الشهيد الثاني في المسالك والروضة وغيره.

وعزاه في الروض إلى جماعة ، وظاهر ذلك اعتبار الكريّة في خصوص الخارج منه ، لا مع انضمامه إلى المادّة.

والأقوى الأوّل ؛ للأصل والعمومات الدالّة على طهارة الماء ، وظاهر الإجماعات المحكيّة المطلقة ، وصريح الخاص منها ، وقول علي عليه السلام فيما رواه الراوندي : « الماء الجاري لا ينجّسه شي ء » (2).

وروى في الدعائم عنه عليه السلام في الماء الجاري يمرّ بالجيف والعذرة والدم : « يتوضّأ منه ويشرب وليس ينجّسه شي ء (3) ما لم يتغيّر أوصافه وطعمه ولونه وريحه » (4) مع اعتضادها بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع ، بل لا يعرف خلاف فيه ممّن سبق العلّامة كما في

ص: 92


1- في ( ب ) و ( د ) : « وأطلق ».
2- كتاب النوادر : 188.
3- في ( ب ) زيادة : « وروى ».
4- دعائم الإسلام 1 / 111 ، وعنه في مستند الشيعة 1 / 20.

الذكرى (1).

ويدلّ عليه أيضا ما ورد في ماء الحمام في الصحيح وغيره من أنّه : « كماء النهر يطهّر بعضه بعضا » (2) وأنّه بمنزلة الجاري (3).

بل المستفاد منها ظهور حكم الجاري حيث شبّه به ماء الحمّام ونزّل منزلته مع وضوح عدم اعتبار الكريّة فيه كما سيجي ء إن شاء اللّه تعالى.

وما دلّ على اعتصام الماء بالمادّة كصحيحة (4) ابن بزيع الواردة في البئر ، ولأنه لو تغير ما يقارب المنبع منه بالنجاسة وقطع التغيير (5) عمود الماء بحيث يكون الباقي عند المنبع (6) أقلّ من الكر لزم تنجّسه على هذا القول.

ويتوقّف طهره حينئذ على ورود المطهّر عليه من خارج وإن جرى عليه من المنبع (7) (8) ما جرى ؛ لنقصان الخارج عن الكر وانفعاله.

وهو مع وضوح فساده يدفعه نصّ (9) قوله عليه السلام : « يطهّر بعضه بعضا » (10).

ويؤيّد ذلك إطلاق ما دلّ على نفي البأس عن البول في الماء الجاري (11) ، ووقوع السؤال

ص: 93


1- الذكرى : 8.
2- كماي الكافي 3 / 13 باب ماء الحمام والماء الذي تسخنه الشمس ح 1.
3- الكافي 3 / 13 ح 3.
4- الكافي 3 / 5 ح 2 ؛ المعتبر 1 / 76 ؛ وسائل الشيعة 1 / 141 ، ح 12 ، والصحيحة هكذا : « ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلّا أن يتغيّر ».
5- في ( د ) : « التغير ».
6- في ( ب ) : « المنع ».
7- في ( ب ) : « المنع ».
8- في ( د ) : « النبع ».
9- في ( د ) : « بنصّ ».
10- كما نقلناه من الكافي ، وانظر : وسائل الشيعة 1 / 150 ، ح 7.
11- انظر العبارة في : جواهر الكلام 1 / 86.

في جميع تلك الأخبار عن (1) حال الفعل إن سلّم لا ينافي ذلك - كما قيل - على (2) ما ذكره الشيخ محمّد والفاضل الجزائري دام ظلّه العالي (3) ؛ إذ ذلك أيضا من الآثار المترتّبة عليه.

احتجّوا بإطلاق الصحاح الدالّة على اشتراط الكرّية في عدم الانفعال من غير تفصيل.

وفيه : بعد المناقشة في عمومها بحيث يشمل الجاري ؛ إذ المفهوم منها بملاحظة مواردها - مع ندرة الجاري في محلّ الصدور - خصوص الراكد ، مضافا إلى فهم الأصحاب منها ذلك ؛ أنها معارضة بروايات الجاري المعتضدة بالعمل والإجماعات المحكيّة المطلقة.

ولا ريب إذن في ترجيح جانب الطهارة لوجوه شتّى (4).

مضافا إلى ما عرفت من سائر الأدلّة الدالّة عليه.

وممّا يضعّف القول المذكور أنّ القائل به هنا لا يقول به في البئر بل لا يعرف هناك قائل بالتّفصيل إلّا شاذ من الأصحاب ، فالقول بطهارة ما دون الكر منها دون سائر المياه النابعة في غاية الركاكة.

وقد يقرّب هذا القول من المشهور بحمله على اعتبار الكريّة في مجموع الخارج والباقي في المادّة ؛ إذ في كثير من المياه الجارية يحصل القطع ببقاء الكرّ فيها ، وهو حينئذ وإن كان أقرب إلى ظاهر الدليل إلّا أنّه مخالف لظاهر كلامهم ، مردود بإطلاق الأدلّة المذكورة ، مع أنّ العلم به غير حاصل أيضا في كثير من المواضع خصوصا إذا كان نبعه ضعيفا وتعرضه الانقطاع في بعض الأحيان.

وهل يعتبر فيه عدم العلم بالقلّة؟ وجهان ؛ من الأصل ، وإطلاق الأدلّة والشك في شمولها لمثله.

ص: 94


1- في ( د ) : « بل ».
2- الزيادة من ( ج ).
3- لم ترد في ( د ) : « على ما ذكره الشيخ .. العالي ».
4- منها موافقتها الأصل والعمومات والشهرة بين الأصحاب ؛ كما يفهم من حاشية للمؤلف قدس سره ، وهي موجودة في ( ج ) إلّا أن الكاتب أدخلها في المتن.

ولا بدّ من بقاء النبع حين ملاقاة النجاسة أو (1) اتّصال الماء بالمنبع بحيث لو أخرج منه نبع مكانه ؛ لخروجه عن اسمه بعد انقطاعه ، ولأنّه السبب في الاعتصام كما دلّ عليه العلّة المنصوصة.

وكأنّه مقصود الشهيد رحمه اللّه (2) وغيره من اعتبار دوام النبع فيه كما اختاره جماعة في توجيه كلامه.

ويرشد إليه أنّ ظاهره في الذكرى (3) الإجماع على عدم اعتبار ما عدا الكرية فيه ، ولو فسّر بمعنى عدم (4) انقطاعه في بعض الأوقات كما يوهمه ظاهر العبارة ، فلا دليل عليه بل يدفعه ظاهر الإطلاقات.

ولو كان خروجه عن المادة على نحو التقاطر من دون اتّصال بعض الأجزاء ببعض كان في حكم الواقف.

وكذا لو قطع التغيير عمود الماء بالنّسبة إلى ما دون المتغير لانقطاعه عن المادة العاصمة.

وما تخيّله بعض أفاضل المتأخّرين - من شمول الإطلاق لمثله وجواز اعتصامه بالمادّة وإن توسّطه النجس - بيّن الضعف.

ولذا أطبقوا على إجراء حكم العليّة (5) على (6) دون المتغيّر مع قلّته وإن كان كثيرا فقد أطلقوا الحكم باعتصامه.

وينبغي التفصيل فيه على القول باعتبار تساوي السطوح في الكر.

ويحتمل إلحاقه في ذلك بالجاري.

والأقوى عدم الفرق في المادّة بين ما يكون خروج الماء منها بطريق النبع والفوران أو

ص: 95


1- في ( ب ) : « و ».
2- شرح اللمعة 1 / 252 - 253 ؛ روض الجنان : 134 - 137.
3- الذكرى : 8.
4- في ( د ) : « بعدم » ، بدلا من : « بمعنى عدم ».
5- في ( د ) : « القليل ».
6- زيادة في ( د ) : « ما ».

بنحو النز والرشح كما في بعض العيون والقنوات ؛ لظاهر العرف.

وفي جريان الحكم في السماد (1) - وهو الماء المجتمع في الرمال بحيث إن كشف (2) عنه ظهر من دون نبع - وجهان ؛ أوجههما العدم ، فيلحقه أحكام الواقف ، إلّا أنّ الظاهر (3) عدم (4) اعتصام الظاهر (5) بما خفي منه (6) مع كثرة المجموع والاتّصال.

ولو ذاب الثلج ففار من موضع وخرج من آخر مع عدم مداخلته لمادّة العين ولا حصول اجتماع له هناك يصح (7) صدق المادّة عليه كما يتّفق كثيرا في الجبال عند ذوبان الثلوج ونزول الأمطار ، ففي اندراجه في النابع إشكال ؛ إذ اعتصامه بمجرد الفار تحت الأرض غير ظاهر من الأدلّة (8).

ولا يعتبر في المادّة كونها تحت الأرض ، بل لو جرى من فوق كما في بعض العيون السائلة من صفحات الجبال كان جاريا.

فاعتبار بعض الأصحاب نبعه من تحت الأرض محمول على الغالب أو على ما يشمل المذكور (9).

ولو شكّ في كون الماء جاريا عن المادّة و (10) الثلج أو غيره بني (11) على عدم الاعتصام في وجه قويّ.

ص: 96


1- في ( د ) : « الثمال ».
2- في ( د ) : « لا يكشف » ، بدلا من : « إن كشف ».
3- في ( ب ) : « ظاهر اعتصام ».
4- لم ترد في ( ج ) و « د » : « عدم ».
5- في ( د ) : « الطاهر ».
6- لم ترد في ( د ) : « بما خفي منه ».
7- في ( د ) : « يصحح ».
8- الزيادة أثبتناه من نسخة ( ج ).
9- لم ترد في ( د ) : « ولا يعتبر في المادة كونها .. أو على ما يشمل المذكور ».
10- في ( د ) : « أو ».
11- في ( ج ) : « مبني ».

ولو شكّ في انفصاله فيها بعد الاتصال بني على أصالة البقاء على الأقوى.

وكذا لو شكّ في انقطاع المادة من أصلها.

ولو (1) توارد عليه الحالان بني على أصالة الطهارة.

وفي جواز التطهير (2) على نحو المعتصمة (3) إشكال ، و (4) الأظهر المنع.

ولا يشترط فيه تساوي السطوح بلا خلاف فيه يعرف حتّى ممّن اعتبره في الواقف للأصل وعموم الأدلّة.

ولا إشكال فيه على ما هو المختار لاعتصامه بالمادّة ، وأمّا عند القائل باشتراط الكريّة فلعلّه باستظهار حصول الوحدة العرفيّة هنا بمجرد الاتصال أو لما ذكره بعض (5) الأفاضل (6) من أنّه يرى في الجاري (7) خصوصيّة لا يراها في غيره ؛ إذ الغالب عدم الاستواء (8) ، فلو اعتبر فيه ذلك لزم تنجّس الأنهار العظيمة بمجرّد الملاقاة.

هذا إذا كان الجريان على نحو المعتاد ، وأمّا لو أجري الماء ببعض الأعمال إلى فوق مع جريانه إذن بنفسه أو بجذب أو وقوفه كذلك ففي اعتصام العالي بالسافل إشكال يتقوّى في بعض صوره.

ويجري الإشكال في الأمواج المرتفعة من (9) سطح الماء بهبوب الرياح.

والأقوى في جميع ذلك الاعتصام لما سيجي ء إن شاء اللّه.

ص: 97


1- في ( د ) : « الا » ، بدلا من : « ولو ».
2- زيادة في ( د ) : « به ».
3- في ( د ) : « المعصيّة » ، بدلا من : « المعتصمة ».
4- لم ترد في ( د ) : « و ».
5- الزيادة أثبتناه من ( ج ).
6- منتهى المطلب 1 / 28 ؛ جامع المقاصد 1 / 112 ؛ المبسوط 1 / 6 ؛ مسائل الإفهام 1 / 13.
7- في ( ج ) : « الجاري و ».
8- في ( ج ) و « د » : « الاستقرار ».
9- في ( د ) : « عن ».

وقد قطع جماعة من الأصحاب منهم (1) الشهيد في الدروس (2) بعدم اعتصام الواقف المتّصل بالجاري إذا كان أعلى.

قال في الدروس (3) : ويكفي في علوّ الجاري فورانه من تحت الواقف ، فتأمّل.

ص: 98


1- في ( ب ) : « فهم ».
2- الدروس : 1 / 119.
3- الدروس 1 / 119.
تبصرة: [ في اعتبار كرّية المادة وعدمه ]
اشارة

لا خلاف بين الأصحاب (1) في عدم انفعال ماء الحمّام في الجملة بمجرّد ملاقاة النجاسة مع اتّصاله بالمادّة ، بل الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه بين المسلمين قاطبة.

والمراد به على ما نصّ عليه جماعة منهم - من غير خلاف يعرف - ما في حياضة الصغار المعروفة. وألحق بعضهم بها ما يشابهها ، والأصل في الحكم بعد الأصل والإجماع : النصوص المستفيضة كصحيحة داود بن سرحان : ما تقول في ماء الحمّام؟ قال : « هو بمنزلة الجاري » (2).

ورواية إسماعيل بن جابر : « ماء الحمّام لا ينجّسه شي ء » (3).

ومرفوعة ابن أبي يعفور الماضية (4).

وإطلاق الحكم فيها مقيّد بالاتّصال بالمادّة للإطباق عليه ظاهرا. بل في الصحيحة والمرفوعة إشارة إليه أيضا.

مضافا إلى خصوص الرواية : « ماء الحمّام لا بأس به إذا كانت له مادّة » (5).

وقريب منه ما في الفقه الرضوي (6).

والمراد به بحكم العرف الاتصال بالمادّة لا وجودها من دونه ، وهو ظاهر.

ص: 99


1- لم ترد في ( د ) : « بين الأصحاب ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 378 ، ح 28 ؛ وسائل الشيعة 1 / 148 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار 73 / 79.
3- وسائل الشيعة 1 / 150 ، ح 8.
4- وسائل الشيعة 1 / 150 ، ح 7.
5- تهذيب الأحكام 1 / 378 ، ح 26 ؛ وسائل الشيعة 1 / 149 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار 73 / 79.
6- فقه الرضا : 86 ، ونصّه : « وماء الحمّام سبيله سبيل الماء الجاري ، إذا كانت له مادة ».

وقد (1) وقع الكلام في المقام في اعتبار الكريّة في المادّة ، وفي طريق تطهيره ، وفي إلحاق غيره به. وكأنّه (2) عليه يحمل ما في الصحيح عن النصراني : يغتسل مع المسلم في الحمّام؟ قال : « إذا علم أنّه نصرانيّ اغتسل بغير ماء الحمّام إلّا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثمّ يغتسل » (3). بحمل النهي أوّلا (4) على ما إذا اشتدّت (5) المادّة حال الغسل ، وتجويزه الغسل بعد غسله (6) وإجراء المادّة وتطهيره للحوض.

وقد (7) وقع الكلام في المقام في اعتبار الكريّة في المادّة ، و (8) في طريق تطهيره ، وفي إلحاق غيره به ، فالبحث هنا في أمور :

أحدها : في اعتبار الكرية في المادّة أو في المجموع ، ولهم فيه أقوال :

الأوّل : اعتبار الكريّة في خصوص المادّة. ذهب إليه العلامة رحمه اللّه في جملة (9) من كتبه.

وفي الروض (10) : أنّه أشهر القولين.

وعزاه في المدارك (11) إلى أكثر المتأخرين.

وفي الحدائق (12) أنّه ظاهر أكثر المتأخرين.

ص: 100


1- الزيادة أثبتناها من ( ج ).
2- لم ترد من قوله : « وقد وقع الكلام .. » إلى هنا في ( د ).
3- تهذيب الأحكام 1 / 223 ، ح 23 ؛ وسائل الشيعة 3 / 421 ، ح 9 ؛ وقريب منه في بحار الأنوار 77 / 51.
4- لم ترد في ( د ) : « اوّلا ».
5- في ( د ) : « استندت ».
6- في ( د ) : « الغسل ».
7- لم ترد في ( ج ) : « وقد وقع .. غيره به ».
8- لم ترد في ( ب ) : « و ».
9- منتهى المطلب 1 / 32 ؛ تذكرة الفقهاء 1 / 18 ؛ تحرير الأحكام 1 / 46.
10- روض الجنان : 137.
11- مدارك الأحكام 1 / 34.
12- الحدائق الناضرة 1 / 207.

وفي الذخيرة (1) والحدائق (2) أيضا أنّه المشهور ، وكأنّ المراد به اعتبار الكريّة في الجملة (3) لا في خصوص المادّة.

وإليه يرجع ما في التحرير من اعتبار (4) الزيادة على الكر فيها بحمله على اعتبارها لأجل (5) حصول النقص عنه لولاها لما يجري منها إلى الحوض ، فليس اعتبارها لنفسها بل لإحراز الكريّة المعتبرة فيها.

وقد نبّه في جامع المقاصد (6) على اعتبار الزيادة معلّلا بذلك.

وفي المعالم : لا نعلم للأصحاب (7) مخالفا في عدم انفعاله بالملاقاة مع بلوغ المادة كرّا.

الثاني : اعتبار الكريّة في خصوص المادّة مع علوّها ومع تساويها ، فالمعتبر كريّة المجموع.

وبه نصّ المحقّق الكركي (8) وغيره ، وقد يرجع القول الأوّل إليه حملا لإطلاق كلامهم على الغالب.

وقد نبّه عليه في الذخيرة (9) قال : وهو المتّجه كما حكموا به في مسألة الغديرين (10) ، وهو

ص: 101


1- ذخيرة المعاد 1 / 118. كذا نسبه المؤلف إلى ذخيرة المعاد ، ولكن عبارة المصنف هكذا : « وأما الجاري فلا ريب في عدم اشتراط استواء السطوح في عدم الانفعال بالملاقاة على القول بعدم اشتراط الكرية كما هو المشهور ».
2- الحدائق الناضرة 1 / 204.
3- في ( ألف ) : « إلى » زائدة ولا معنى لها.
4- في ( د ) : « اعتباره ».
5- لم ترد في ( د ) : « لأجل ».
6- جامع المقاصد 1 / 113.
7- في ( د ) : « من الأصحاب ».
8- جامع المقاصد 1 / 112.
9- ذخيرة المعاد 1 / 120.
10- في ( ألف ) : « القدرين ».

الظاهر في حقّ من صرّح به في مسألة الغديرين كالعلّامة رحمه اللّه (1) لوضوح أنّ الحكم في الحمّام إن لم يكن أضعف (2) فليس بأشدّ من غيره.

الثالث : اعتبار الكريّة في المجموع من المادّة وما في المجرى والحوض. وإليه ذهب في الدروس والروض (3) وجماعة من متأخري المتأخرين. وهو الأقوى.

وقد يرجع القولان الأوّلان إلى ذلك بحملها (4) على اعتبار الكريّة فيها قبل إجرائها في الحوض ، وأمّا بعده فالمعتبر كريّة المجموع ، وهو بعيد.

فعلى المختار يكتفى في اعتصام ما في الحياض بكريّة المجموع ، ولا يكتفى به في اعتصام ما في المجرى ، فينجس ما فيه وما في الحوض إذا لاقاه النجاسة مع تسميته (5) على الحوض كما هو الشائع ، وكذا الحال في المادّة ، فينجس الجميع لما سيجي ء بيانه من عدم تقوّي الأعلى بالأسفل كذلك.

الرابع : عدم الاعتبار بالكريّة مطلقا وقد يعزى ذلك إلى ظاهر جماعة من الأصحاب كالصدوقين (6) - رحمهما اللّه - والطوسي (7) والحلّي (8) والعلّامة (9) - رحمه اللّه - في بعض رسائله (10) وابن فهد في المحرّر حيث أطلقوا القول ولم يشترطوا الكريّة في المادّة إلّا (11) في

ص: 102


1- تحرير الأحكام 1 / 46 ؛ نهاية الإحكام 1 / 232 ؛ منتهى المطلب 1 / 53 ؛ تذكرة الفقهاء 1 / 23.
2- في ( د ) : « أخفّ ».
3- روض الجنان : 137.
4- في ( د ) : « بحملهما ».
5- في ( د ) مشوش ، قد تقرأ : « تسنمه ».
6- زيادة في ( د ) : « والشيخ ».
7- أنظر : مفتاح الكرامة 1 / 277.
8- أنظر : مفتاح الكرامة 1 / 277.
9- أنظر : مفتاح الكرامة 1 / 277.
10- في ( د ) : « مسائله ».
11- في ( ج ) : « ولا ».

المجمع (1).

ونصّ المحقّق (2) بعدم اعتبار الكريّة في المادّة مع عدم ذكره لاعتباره الكرّيّة في المجمع (3).

وقد يرجع كلامه إلى السابق بحمله على عدم اعتبار الكريّة في خصوص المادّة ؛ إذ لو بني على ظاهره لزمه القول بتطهير ما في الحياض بمجرّد اتّصاله بالقليل الّذي في المادّة ، وهو خلاف ما اتّفقوا عليه من عدم تطهير الماء النجس إلّا بالكرّ أو الجاري.

كذا قيل ، وفيه نظر.

ونصّ بعض متأخري المتأخرين على اختيار هذا القول ، وحكي الميل إليه من جماعة من المتأخرين ومتأخريهم.

لنا : ما عرفت من أصالة الطهارة ، وعدم اعتبار استواء السطوح في الكر على ما سيجي ء ، فلا أقلّ من إجراء حكم الكرّ فيه.

مضافا إلى إطلاق الروايات ، وعدم شاهد على التقييد في المقام.

وقد ظهر بذلك ضعف ما يحتجّ به للقول باعتبار الكريّة في نفس المادّة من أنّها مع عدم كرّيتها لا يكون (4) عاصمة لنفسها فكيف تعصم غيرها؟

لما عرفت من أنّ الاعتصام إذن لا تكون بها وحدها بل لمجموع (5) ما فيها وما في الحوض والمجرى.

ويظهر من ذلك أيضا وجه القول بالتّفصيل وضعفه ؛ لابتنائه على مراعاة استواء السطوح.

حجّة المحقّق (6) : إطلاق الروايات الدالّة على عدم انفعال ماء الحمّام لشمولها ما إذا كانت

ص: 103


1- مجمع الفائدة 1 / 254. ، وفي ( د ) : « المجتمع ».
2- جامع المقاصد 1 / 113.
3- في ( د ) : « المجتمع ».
4- في ( د ) : « تكون ».
5- في ( د ) : « بمجموع ».
6- ذخيرة المعاد 1 / 117.

بمقدار الكرّ أو دونها.

وما يقال : من معارضتها بما دلّ على انفعال القليل مطلقا ؛ مدفوع بأنّ التعارض بينهما من قبيل العموم من وجه ، فيرجع إلى أصالة الطهارة ؛ مضافا إلى أنّ أخبار المسألة من المنطوق وما دلّ بعمومه على نجاسة القليل من المفهوم.

والجواب أنّ إطلاقات ماء الحمّام منصرف إلى الغالب الشائع ، ولا ريب أنّ المتعارف فيها كثرة المادّة وكونها أضعاف الكرّ.

واحتمال عدم كون المادّة في الصدر الأوّل على هذا النحو مع كونه خلاف الظاهر من وضع الحمّامات لعامّة الناس المنافي لقلّة الماء لا ينفع في المقام ؛ إذ مجرّد الاحتمال لا (1) يكفي في صحّة الاستدلال ، فالظاهر أنّ أخبار الحمّام في المقام لا يفيد حكما خاصّا للحمّام ولا يوجد ذلك في غيره.

بل واستفادة الاعتصام من مجرّد تلك الأخبار فيما إذا كانت المادّة بمقدار الكرّ أو ما يقاربه (2) مع قطع النظر عمّا دلّ على اعتصام الكرّ لا يخلو من (3) إشكال (4) ؛ لما عرفت من انصرافها حينئذ إلى الغالب من كون (5) زيادتها على الكرّ.

هذا ، وعن بعض المتأخرين تفريع الحكم في المقام على مسألة الفرق بين الورودين ، وجعله السرّ في عدم تنجّسه بمجرّد الملاقاة وكذا في ماء الاستنجاء.

وما يتخيّل من صدق ورود النجاسة إذن بالنسبة إلى ماء الحوض ؛ مدفوع بأنّ المفروض ورود الماء من المادّة على ما في الحوض وتسلّطه عليه وعلى ما يصيبه من القذر ، فلم تكن (6) النجاسة واردة على ما هو ضابط لطهارة ماء الحوض.

ص: 104


1- لم ترد في ( ج ) : « لا ».
2- في ( د ) : « يقاربها ».
3- في ( د ) : « عن ».
4- في ( د ) : « الإشكال ».
5- لم ترد في ( د ) : « كون ».
6- في ( د ) : « يكن ».

قلت : قضيّة الفرق بين الورودين عدم تنجّس (1) خصوص الماء الوارد ، وذلك لا يقتضي اعتصام ما وردت النجاسة عليه به ، فمقتضى ذلك إذن تنجّس الحوض بورود النجاسة عليه ، وإن كان الماء الوارد عليه طاهرا.

على أنّه بعد الامتزاج بالماء النجس يكون موردا (2) عليه فينجّس أيضا.

إلّا أن يقال : بأنّ وروده من أوّل الأمر عاصم له إلى الآخر. وهو بيّن الضعف.

وقد يقال : بكونه حين الورود مطهّرا لما يلاقيه من الماء ، فيكون الماء الوارد باقيا على طهارته ومطهّرا لما (3) في الحوض.

وهو أيضا في غاية من (4) البعد ، بل ظاهر الفساد ؛ للزوم تطهير الكرّ من الماء إذن بعد زوال التغيير عنه بكفّ من الماء (5) مثلا إذا يلقى فيه ؛ إذ لم تعتبر (6) الاستيلاء فيه ، ومعه فلا أقلّ من تطهيره لمثله ، فيلزم تطهير ما دون الكرّ بما لا يبلغ معه حدّ الكرّ من الواقف.

والظاهر عدم الخلاف في فساده ، كيف ولو بني على ذلك للزم إجراؤه في غير الحمام فيلزم عدم تنجّس الماء القليل في الآنية عند صبّ الماء فيها من مثلها (7).

وهو باطل باتفاق القائلين بنجاسة القليل ؛ مضافا إلى أن ظاهر الفتاوى والأخبار في المقام عدم الفرق بين (8) الورودين في ذلك ، فكيف يمضي الحكم بورود النجاسة ، بل قد يدّعى إطلاقها بالنسبة إلى المادّة المتّصلة على نحو الاستعلاء وغيرها كما إذا كان اتصال الحوض بها من تحت على نحو الفوران مع عدم وروده على النجاسة حينئذ.

ص: 105


1- في ( ب ) : زيادة : « الحوض ».
2- في ( ج ) و ( د ) : « مورودا ».
3- في ( د ) : « يتطهر الماء » ، بدلا من : « مطهرا لما ».
4- لم ترد في ( د ) : « من ».
5- زيادة في ( د ) : « عليه ».
6- في ( د ) : « إن لم نعتبر ».
7- في ( ج ) : « أمثلها ».
8- في ( د ) : « في » ، بدلا من : « بين ».

ثم على ما اخترناه (1) من اعتبار الكرّية في المجموع لو شكّ فيها بني على أصالة عدمها كما هو الحال في سائر المياه المحقونة.

واختار بعض المتأخرين (2) إعمال أصالة الطهارة. وهو ضعيف سيأتي الكلام فيه.

[ تطهير ماء الحمام ]

ثانيها : في تطهير ماء الحمّام ، والأقوى الاكتفاء فيه بعد زوال التغيير بمجرّد الاتصال بالمادّة الكثيرة في نفسها أو بضميمة ما في المجرى أو (3) الحوض من الماء الطاهر المتّصل بالمادّة من غير فرق بين ما إذا كان اتصال المادّة به على نحو العلوّ أو المساواة أو غيرهما كالفوران ونحوه.

وسيأتي الكلام فيه عند بيان تطهير المياه ، ويأتي على قول الشهيد الثاني (4) من اعتباره العلوّ في المطهّر عدم حصول التطهير بأحد الوجهين الأخيرين إلّا بعد الامتزاج ليحصل (5) العلوّ المعتبر عنده.

وعلى قول معتبري الامتزاج يجب اعتباره هنا أيضا.

والعلّامة رحمه اللّه مع اكتفائه في جملة من كتبه كالنهاية (6) والمنتهى (7) في مسألة الغديرين بطهارة أحدهما عند تنجّسه بمجرّد اتّصاله بالبالغ منهما حد الكرّ صرّح هنا في المنتهى (8)

ص: 106


1- في ( د ) : « اخترنا ».
2- منتهى المطلب 1 / 34 و 128 ؛ روض الجنان : 134.
3- في ( د ) : « و ».
4- شرح اللمعة 1 / 254 ؛ روض الجنان 136 و 138.
5- في ( د ) : « لتحصل ».
6- نهاية الإحكام 1 / 230 - 232.
7- منتهى المطلب 1 / 53.
8- منتهى المطلب 1 / 53.

والنهاية (1) باعتبار الامتزاج.

وربّما يتراءى التدافع بين حكميه أو تغليظ حكم الحمّام بالنسبة إلى غيره ، وقد يجمع بينهما باكتفائه بالاتصال مع تساوي السطوح واعتباره الامتزاج مع العلوّ المطهّر ، فيجري التفصيل عنده إذن في ماء الحمّام أيضا.

وقد قطع بالتفصيل المذكور في الموجز.

ثمّ على قول معتبري الكرّية في نفس المادّة يأتي هنا اعتبار زيادته على الكرّ بمقدار ما يحصل به الامتزاج إن قيل باعتباره أو بمقدار ما يحصل به الاتصال عند المكتفي به ؛ لبقاء المادّة على الكرّية حال التطهير.

وممّن نصّ على اعتبارها المحقّق الكركي (2) والشهيد الثاني (3). ويأتي على ظاهر قول المحقّق من عدم اعتبار الكرّية في المادّة حصول التطهير بها مع قلّتها.

وهو ظاهر ما استند إليه من إطلاق الأخبار ، وما (4) يشهد بذلك أنّه يحكم بطهوريته لما يلاقيه من المتنجّسات ، فيلزمه الحكم بتطهيره لما يمازجه من الماء النجس أيضا.

ويسري الحكم إذن إلى تطهيره لما يتنجّس منه بالتغيير بعد زواله.

كيف ، ولو لا ذلك لزمه القول إمّا بتنجّس ماء الحمّام أو باختلاف حكم الماء الواحد في السطح الواحد ولا يقولون به.

وحكى عنه في الحدائق (5) عدم تطهيره ما في الحياض بمجرّد جريان المادّة إليه.

وعبارته في المعتبر (6) غير دالّة عليه.

ص: 107


1- نهاية الإحكام 1 / 230 - 232.
2- جامع المقاصد 1 / 113.
3- مسالك الإفهام 1 / 13 ؛ روض الجنان : 137.
4- في ( د ) : « مما » ، بدلا من : « ما ».
5- الحدائق الناضرة 1 / 204.
6- المعتبر 1 / 42.

وكأنّه أخذه من قوله : « ولا اعتبار بكثرة المادّة وقلّتها لكن لو (1) تحقّق (2) نجاستها لم يطهر بالجريان ».

وهو كما ترى يدلّ على عدم طهارة المادّة بعد تنجّسها إلّا (3) ما في الحياض بعد (4) طهارتها.

وقد نصّ من المتأخرين المحدّث الأسترآبادى على الاكتفاء بجريان المادّة بقوّة بحيث يستهلك الماء فيه من دون اعتبار الكرّية في المادّة ؛ لعموم الأدلّة.

وقد عرفت الحال في ذلك ممّا مضى.

[ تسرية حكم الحمام إلى غيره ]

ثالثها : في تسرية حكم الحمّام إلى غيره ، والحكم فيه على ما قويناه ظاهر ؛ لما عرفت من بناء الحكم فيه على مقتضى الأصل من غير التزام شي ء يوجب الخروج عن القواعد ، فيجري الأحكام المذكورة فيما ضاهاه من سائر المياه.

وعلى قول المحقّق رحمه اللّه ومن يقول بمقالته ، فالذي يقتضيه الأصل الاقتصار عليه ؛ لاختصاص الدليل به.

مضافا إلى تميّزه (5) من سائر المياه بعموم البلوى به وعسر الاحتراز عنه.

وفي اختصاص الحكم إذن ببلية الجاري (6) وجهان ؛ أقواهما ذلك لانصراف الاطلاق إليه ، ولأنّه محلّ الحاجة في استعمال الماء من جهة التطهير من الحدث والخبث ، على أنّه يكفي الشكّ في شمول الاطلاق.

ص: 108


1- ليس في ( ب ) : « لو ».
2- في ( د ) : « لكن تحقق » ، بدلا من : « لكن لو تحقق » ، وفي ( ب ) : « يحقّق ».
3- في ( ج ) و ( د ) : « لا » ، بدل : « إلّا ».
4- في ( د ) : « مع » ، بدلا من : « بعد ».
5- في ( د ) : « تمييزه ».
6- في ( د ) : « ببيته الحار ».

ثمّ في تسرية الحكم إلى غير الحياض كالآنية الموضوعة تحت المجرى وجهان.

ويأتي على قول من يعتبر الدفعة في تطهير القليل عدم تسرية الحكم إلى غير الحمّام في تطهير ما في الحياض ؛ لعدم حصول الدفعة هنالك غالبا بمعناها المعروف.

نعم (1) ، لو كانت المادّة زائدة على الكرّ بحيث يبقى فيها بمقدار الكرّ بعد نزول ما يعتبر التطهير إلى ما في الحوض فالظاهر الاكتفاء به في غير الحمّام أيضا بناء على ما هو الأظهر من اختصاص الحكم للدفعة على القول بما إذا كان الماء بمقدار الكرّ لا زائد عليه كذلك نظرا إلى الاتّفاق في اعتصام الماء المتصل بالكرّ كذلك في تطهير ما يلاقيه أو امتزج به.

ص: 109


1- الزيادة أثبتناها من ( ج ).
تبصرة: [ في ماء المطر ]
اشارة

لا خلاف بين الأصحاب في عدم انفعال ماء الغيث في الجملة بمجرّد ملاقاة النجاسة.

والظاهر انعقاد إجماع الامّة عليه كذلك.

ويدلّ عليه بعد ذلك الأصل ، والنصوص المستفيضة المتكثّرة.

وكذا لا خلاف في ثبوت حكم الراكد فيه بعد وقوف التقاطر وانقطاعه.

ويقع الكلام في المقام في بيان (1) [ ماء المطر ، وفي دوران الحكم مدار التسمية من دون اعتبار شي ء زائد معها أو اعتباره ] فههنا مقامان :

[ المقام ] الأوّل : في بيان مسمّى المطر.

والظاهر من العرف اعتبار قوّة (2) في مفهومه ، فالقطرات اليسيرة لا يعدّ (3) منه ، وكذا الطل وما ينزل من السماء على سبيل الرشح في وجه قويّ. ولو كان بحيث يشكّ في تسميته مطرا ، ففي إجراء حكم القليل عليه نظرا إلى عموم المفهوم في قوله عليه السلام : « إذا بلغ الماء .. » (4) انتهى ، أو إجراء حكم الغيث لأصالة طهارته والشكّ في دخوله في حكم القليل وجهان ؛ أحوطهما في الغالب الأوّل ، وإن كان الثاني لا يخلو عن قوّة.

وفي حصول التطهير به على نحو الغيث إشكال.

ص: 110


1- في نسخة ( ج ) : « الموضوع أعني مسمّى المطر وفي بيان الحكم من دوران المعصية مدار التسمية لا غيرها أو اعتبار أمر آخر ».
2- زيادة في ( د ) : « ما ».
3- في ( د ) : « لا تعد ».
4- وسائل الشيعة 1 / 158 ، ح 1 و 2 وعبارة الحديث هكذا : « إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه شي ء » ، وفي مستدرك الوسائل 1 / 198 ، ح 6 عن عوالي اللئالي 1 / 76 ، ح 156 ، « إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا ».

وحكى في الروض (1) عن بعض الأفاضل من معاصريه الاكتفاء في تطهير الماء النجس بوقوع قطرة واحدة عليه ، قال : وليس ببعيد وإن كان العمل على خلافه.

وغلط بعض الأفاضل نظرا إلى أن ثبوت الحكم المذكور :

إمّا من جهة عموم الآية (2) الشريفة الدالّة على طهوريّة الماء ، ولا وجه له ؛ إذ لا عموم فيها.

وإمّا من جهة تنزيلها منزلة الجاري ، وهو أيضا فاسد ؛ إذ ليس الجاري مطهّرا إلّا لمّا يلاقيه لكن الجزء الغير الملاقي لما كان متّصلا بالملاقي مع طهارته واعتصامه بالجاري كان طاهرا أيضا ، وهو لا يجري في المقام. غاية الأمر التزام تطهيره لما يلاقيه فيعود بعد ذلك نجسا لانقطاعه وعدم تقوّيه بشي ء.

وفيه : أنّه بعد تسليم طهوريّة القطرة يلزم طهارة جميع الماء في آن واحد بالتّقريب المذكور ، فكيف يتنجّس بعد ذلك! فإن حمل الكلام المنقول على ظاهره من الاكتفاء بوقوع قطرة من السماء عليه ولو لم يكن هناك قوّة في القطرات النازلة ، فهو في غاية البعد ؛ لخروجه من (3) اسم المطر كما عرفت.

ولو أراد به وقوع قطرة من قطرات المطر عليه فليس بذلك البعيد ، بل هو قويّ في بعض الوجوه.

هذا ؛ ويعتبر في صدقه عدم انقطاع نزوله من السماء قبل ذلك ، فلو وقع على أوراق الشجر ثمّ تقاطر منه على الأرض لم يثبت فيه الحكم ، وكذا لو نزل على السطح فوكف على الأرض.

وما يقع منه على ظاهر الأرض أو غيره ثمّ يسري في أعماقه فهو في حكم المطر مع اتّصاله بالنّازل كالسائل منه على الأرض أو غيره من المياه المتّصلة به.

ص: 111


1- روض الجنان : 139.
2- الفرقان (25) : 47.
3- في ( د ) : « عن ».
المقام الثاني: في بيان ( الحكم )

والظاهر دوران الحكم المذكور مدار المطر ؛ لصدق ) (1) الاكتفاء في ثبوت الحكم المذكور بحصول مسمّى المطر من غير حاجة إلى ضمّ قيد إليه.

وهو المعروف من مذهب الأصحاب ، وحكاية الشهرة عليه مستفيضة في كلام جماعة من المتأخرين كالمشارق (2) والذخيرة (3) والحدائق (4) وغيرها (5).

وعزاه في الروض (6) بعد ذكر خلاف الشيخ رحمه اللّه إلى باقي الأصحاب.

وعن ظاهر الشيخ الطوسي رحمه اللّه (7) وابن سعيد (8) اعتبار جريانه من الميزاب والمنقول من كلامهم محتوى (9) لأمور :

أحدها : أن يكون المدار عندهم على خصوص الجاري من الميزاب دون فراغ (10) غيره.

ثانيها : أن يكون المدار في عدم الانفعال على الجريان من الميزاب ، فيحكم معه بذلك ولو في غير الجاري منه.

ثالثها : أن يكون المقصود من ذلك قوّة المطر بحيث يكون قابلا للجريان من الميزاب ، وكأنّ هذا هو الأظهر في مذهبهم.

ص: 112


1- ما بين الهلالين من ( ج ).
2- مشارق الشموس 1 / 212.
3- ذخيرة المعاد 1 / 121.
4- الحدائق الناضرة 1 / 220.
5- كشف اللثام 1 / 259.
6- روض الجنان : 138.
7- المبسوط 1 / 6.
8- الجامع للشرائع : 20.
9- في ( د ) : « محتمل » ، بدلا من : « محتوى » ، والظاهر : محتو.
10- لم ترد في ( د ) : « فراغ ».

رابعها : أن يراد حصول مسمّى الجريان ولو نحو جريان الماء على أعضاء الوضوء ، فيكون ذكره للجريان من الميزاب على سبيل المثال. واحتمله بعض المتأخرين في حمل كلامهم.

واختاره أيضا بناء على فهمه من بعض الروايات ومعناه ما في الكفاية حيث نفى البعد عن اعتبار الجريان في الجملة وإن لم يصل إلى حدّ الجريان من الميزاب. ولا يبعد أن يكون ذلك مختار المحقّق الأردبيلي (1) حيث استجود قول الشيخ رحمه اللّه ، إن حمل الميزاب فيه على التمثيل واريد به الجريان مطلقا حقيقة (2) كان أو حكما ، وادّعى أيضا استفادته من الأخبار.

وذهب صاحب الحدائق (3) إلى أنّه كالجاري بشرط الجريان أو الكثرة.

ثمّ إنّه على اعتبار الكثرة أو الجريان على هذين القولين ، فهل يعرف (4) أنّ المعتبر حصول الجريان فيما يرد عليه المطر أو يعتبر كون ذلك المطر كذلك في الخارج وإن يجر عليه ولم يكثر نزوله (5) عليه ، وكأنّ الأظهر بناءهم على الأوّل.

وكيف كان ، فالأقوى ما هو المشهور ؛ للأصل ، وعدم ظهور شمول أدلّة القليل لمثله ، وخصوص الرواية : « كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر » (6) ، ورواية أبي بصير ، عن الكنيف يكون خارجا فتمطر السماء فتقطر على القطرة ، قال : « ليس به بأس » (7).

ومرسلة محمد بن اسماعيل في طين المطر أنّه « لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيّام إلّا أن يعلم أنّه نجّسه شي ء بعد المطر » (8) ، فظاهرها يعمّ ما إذا كان المطر بحيث يجري من الميزاب

ص: 113


1- مجمع الفائدة 1 / 256.
2- في ( د ) : « حقيقة » ، بدلا من : « حقيقة ».
3- الحدائق الناضرة 1 / 220.
4- في ( د ) : « لا يعرف » ، بدلا من : « يعرف ».
5- في ( د ) : « نزوله به ».
6- وسائل الشيعة 1 / 146 ، ح 5.
7- وسائل الشيعة 1 / 147 ، ح 8.
8- وسائل الشيعة 1 / 147 ، ح 6 و 3 / 522 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار 77 / 12 ، ح 3.

أولا.

وقريب منها مرسلة الصدوق ، عن طين المطر يصيب الثوب فيه البول والعذرة والدم ، فقال : « طين المطر لا ينجس » (1).

وهي محمولة على حال نزول المطر مع عدم وجود عين النجاسة في محلّ الإصابة أو على ما إذا زالت النجاسة بإصابة المطر.

وكيف كان ، ففي إطلاقها شهادة على ما قلناه.

وصحيحة علي بن جعفر عن الرجل يمرّ في ماء المطر وقد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه ، هل يصلّي فيه قبل أن يغسله؟ فقال : « لا يغسل ثوبه ولا رجله ويصلّي فيه ولا بأس » (2).

وإطلاق العبارة محمول على ما إذا كان حال نزول المطر ، فيعمّ ما إذا بقي المطر على قوّته بحيث يصلح للجريان أو لا ، فبناء على تخصيص الشيخ لتطهيره بحال صلوحه لذلك - كما قد يستظهر من كلامه - تكون الرواية حجّة عليه.

وربما يؤيّد المشهور بأنّه لو اعتبر الجريان في اعتصام المطر لزم انفعاله قبل حصول الجريان ، فيكون مجرّد الجريان اللّاحق أو القطرات اليسيرة الّتي بها يحصل الجريان مطهرا للسابقة وللمحلّ ، وهو بعيد.

وفيه : أنّ اعتصامه بالجريان من السحاب لكن يشترط (3) الجريان على الأرض ، فليس مجرّد الجريان ولا نفس القطرات الموجبة لها (4) عاصما للماء (5).

وقد يقال : إنّ بلوغ المنازل (6) تدريجا إلى الحدّ المعتبر كاشف عن اعتصامه من أوّل الأمر ،

ص: 114


1- الكافي 3 / 13 ، ح 4.
2- بحار الأنوار 77 / 96 ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة 1 / 143 ، ح 2.
3- في ( د ) : « بشرط ».
4- لم ترد في ( د ) : « لها ».
5- زيادة في ( د ) : « فتأمل ».
6- في ( د ) : « النازل ».

وإنّما يلزم المحذور لو قيل بنجاسته بالملاقاة ، وطهارته (1) بلوغ الحدّ المذكور ، ولم يقل بذلك أحد. وفيه تأمّل ، فتأمّل.

حجّة الشيخ رحمه اللّه ومن تبعه صحيحة هشام بن الحكم (2) ، ورواية محمّد بن مروان الواردتان في ميزابين سالا أحدهما ببول والآخر بماء فامتزجا : « أنّه لا بأس به » (3).

وصحيحة عليّ بن جعفر في البيت يبال على ظهره ويغتسل فيه عن الجنابة ثمّ يصيبه المطر أيؤخذ (4) من مائه فيتوضّأ به للصلاة؟

قال : « إذا جرى فلا بأس به » (5) بحمله (6) على الجريان من الميزاب بناء على حمل كلامهم على تخصيص الحكم به.

وفيه : أن من الظاهر عدم دلالة الخبرين الأوّلين على التخصيص ، وإنّما المستفاد منهما ثبوت الحكم على التقدير المفروض.

والثالث : يدلّ على الأعمّ من المطلوب ، ولا شاهد لحمله على المعنى المذكور وبإطلاقه يستدلّ على اعتبار مطلق الجريان كما هو مختار جماعة من المتأخرين.

مضافا إلى روايته الأخرى عن الكنيف يكون فوق البيت ، فيصيبه المطر فيكفّ فيصيب الثياب ، أيصلّي فيها قبل أن تغسل؟

قال : « إذا جرى من ماء المطر فلا بأس » (7).

ص: 115


1- زيادة في ( د ) : « عند ».
2- وسائل الشيعة 1 / 145 - 146 ، باب 6 ، ح 4 ، ونص الحديث : في ميزابين سالا ، أحدها بول والآخر ماء المطر فاختلطا فأصاب ثوب رجل لم يضرّه ذلك.
3- وسائل الشيعة 1 / 144 ، باب 5 ، ح 6 ؛ ونص الحديث : قال : « لو أنّ ميزابين سالا ، أحدهما ميزاب بول والآخر ميزاب ماء فاختلطا ثم أصابك ، ما كان به بأس ».
4- في ( ألف ) : « أيوجد » ، وما أدرجناه من باقي النسخ ، وهو موافق للحديث المنقول.
5- وسائل الشيعة 1 / 145 ، باب 6 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار 77 / 11 ، باب ماء المطر وطينه ، ح 1.
6- في ( د ) : « نحمله ».
7- وسائل الشيعة 1 / 145 ، باب 6 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار 77 / 11 ، باب ماء المطر وطينه ح 1.

وفي رواية أخرى له (1) : عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب أيصلّي فيه قبل أن تغسل (2) قال : « إذا جرى من ماء المطر (3) فلا بأس » (4).

ويضعّف دلالتها - بعد اشتراك الجميع في الدلالة على ثبوت البأس على تقدير عدم الجريان الذي هو أعمّ من ثبوت النجاسة - بأنّ المقصود من الجريان فيه غير معلوم ، فكأنّ المراد من الجريان جريان المطر الوارد على المحلّ النجس ليزال (5) به ما فيه من القذر ، فيبقى الباقي سليما عن مخالطة النجس.

وكأنّ ما يفهم منه من المنع عن استعماله قبل ذلك من أجل حصول التغيير بالنجاسة أو أنّه محمول على الكراهة لارتضاء الخصم به ؛ إذ لا فرق عنده بين أوّل الجاري وآخر.

أو (6) المراد به أخذه الماء حين جريان المطر من السماء فيكون متصلا بمادّته السماوية ، ويكون اشتراطه حينئذ بمكان

اتّصاله بعين النجاسة كما قد يستفاد من السؤال ، فينجّس لقلّته بعد الانقطاع.

وقد يقال : إنّ بلوغ النازل تدريجا إلى الحدّ المعتبر كاشف عن اقتضائه (7) من أوّل الأمر ، وإنّما يلزم المحذور لو قيل بنجاسته بالملاقاة وطهارته عند بلوغ الحدّ المذكور ، ولم يقل بذلك أحد. وفيه تأمّل.

وقد احتمل (8) الجريان على ذلك في المنتهى (9) أيضا.

ص: 116


1- لم ترد في ( د ) : « له ».
2- في ( د ) : « يغسل ».
3- في ( د ) : « به المطر ».
4- بحار الأنوار 77 / 13 ، باب ماء المطر وطينه ح 4 ؛ وسائل الشيعة 1 / 148 ، باب 6 ، ح 9.
5- في ( د ) : « ليزول ».
6- في ( د ) : « إذ ».
7- في ( د ) : « اعتصامه ».
8- زيادة في ( د ) : « حمل ».
9- منتهى المطلب 1 / 29 - 30.

والخبر الثاني بعد الغضّ عن سنده يحتمل أن يراد به كون الماء النازل من المطر لا من النجس.

ويمكن حمله على المعنى السابق أيضا ، بل الحمل المذكور إليه أقرب من السابق ؛ لفرض اشتراط عين النجاسة في السؤال ظاهرا ، ويجري ذلك في الخبر الثالث ، ويحتمل أن يراد بقوله : « إذا جرى [ فلا بأس ] به » إزالة المطر لعين النجاسة (1) وتذكر (2) الضمير لا مانع منه مع إمكان التأويل بالذكر.

واحتجّ في الحدائق (3) على اعتبار أحد الأمرين المذكورين بالأخبار المذكورة ، وما دلّ على اعتبار الأكثرية ، فروى هشام في الصحيح (4) ، عن الصادق عليه السلام ، عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء ، فكيف فيصيب الثوب؟ فقال : « لا بأس ما أصابه من الماء أكثر » قال (5) : لجعله الجريان في تلك الأخبار والكثرة في الخبر المذكور علّة لحصول الطهارة ، وخصوص مورد السؤال لا يصلح لتخصيص الجواب إلّا إذا كان لخصوصه مدخل (6) في العلّيّة. وشاهد الحال في المقام دالّ على عدمها ، فيجب التعدية إلى كلّ ما يقصد (7) فيه العلّة (8).

قلت : أمّا ما دلّ على اعتبار الجريان فقد عرفت الحال فيه.

وأمّا الصحيحة المذكورة فقد تحمل (9) على أكثرية الماء بالنّسبة إلى ما في السطح من عين البول ، فإن كان مقصوده من اعتبار الأكثريّة (10) ذلك أيضا فلا مانع منه لحصول الاستيلاء على

ص: 117


1- كما في ( د ) ، وفي ( ج ) و ( ب ) : « المطر تعين النجاسة » ، بدلا من : « إزالة المطر لعين النجاسة ».
2- في ( د ) : « تذكير ».
3- الحدائق الناضرة 1 / 214 - 217.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 7 ح 4 ؛ وسائل الشيعة 1 / 144 - 145 باب 6 ح 1.
5- الحدائق الناضرة 1 / 218 - 219.
6- في ( د ) : « لخصوصية مدخلية ».
7- في ( ج ) و ( د ) : « يوجد ».
8- في ( ج ) : « العليّة ».
9- في ( د ) : « يحتمل ».
10- لم ترد في ( ب ) : « ذلك ... به كثرة ».

النجاسة ، وإن أراد به كثرة المطر وشموله للأرض فلا دلالة في الخبر عليه ؛ إذ ليس فيه إلّا حكاية الأكثريّة.

نعم ، لو اريد به الأكثريّة بالنّظر إلى ما لاقاه من عين البول ولو مع جفافه وذهاب عينه ، دلّ على حصول الكثرة المطلوبة إلّا أنّ ذلك ممّا لا وجه له ولا يلتزمه أحد.

[ تنبيهات ]:

( وهاهنا أمور ينبغي التنبيه عليه :

أحدها : إنّ الظاهر أن الماء القليل المتصل بالمطر حكمه حكم ماء المطر ما دام المطر متقاطرا عليه أو محل ماء متصل به ، فلا ينفعل إذن بمجرد الملاقاة بلا خلاف أعرفه فيه.

ويدلّ عليه بعد الأصل ، اتصاله بالمادة العاصمة ، ولذا لا ينجس الماء الجاري من المطر ما دامت متصلة بالمادة السماوية وإن ما يقع عليه المطر معتصم غير منفعل بالملاقاة ؛ لما عرفت من اعتصامه ما دام المطر نازلا ، فإن انفعل الباقي كان بعض الماء الواحد في السطح الواحد طاهرا والبعض الآخر نجسا من غير ما مرّ ، وهو مع امتزاج المائين باطل بالإجماع مضافا إلى طهر الماء المفروض باتصاله بالمطر لو كان نجسا ، فاعتصامه به أولى لكون الدفع أهون من الرفع.

ثانيها : إنّ ظاهر إطلاق الآية الشريفة وخصوص نقله عليه السلام في مرسلة الكاهلي : « كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر » طهر جميع المتنجسات القابلة للتطهير بمجرد إصابة المطر مع زوال العين من غير حاجة إلى التعدد ولا إلى العصر ، بل ولا التعفير فيما يجب فيه ذلك. ويأتي تفصيل الكلام فيه إن شاء اللّه في محله.

ثالثها : أنّه كما يطهر المطر ساير المتنجسات كذا يطهر ماء المتنجس على نحو غيره من المياه المعتصمة.

ويدل عليه إطلاق الآية والرواية المعتضدتين بظاهر الفتوى حيث نزّلوا الغيث حال تقاطره منزلة الجاري ، فيجري فيه أحكامه.

ص: 118

وفي الصحيحة أيضا : لا يمكن الحكم بتنجس ماء المطر مع عدم تغيره بالنجاسة قبل انقطاع التقاطر ؛ إذ قد عرفت اعتصامه حينئذ بالمادة ، وحينئذ فإمّا أن يبقى الماء النجس الممازج به على نجاسته أو أنه يطهر به.

لا سبيل إلى الأقل إذ ليس للماء الواحد في السطح الواحد مع عدم المائز حكمان مختلفان في الطهارة والنجاسة ، فيعيّن الثاني.

وفي عدة من الروايات دلالة عليه أيضا منها رواية الكاهلي المتقدمة ، فانّها تعمّ الماء وغيره ، والمناقشة فيها سندا بالإرسال ودلالته بأنّه ربما يكون في السؤال قرينة على أنّ المراد ب- « كلّ شي ء » : كل شي ء سأل سائل عنه وشبهه فلا يعم الماء وانّها إنما اشتملت على الحكم بطهارة ما يراه ماء المطر دون غيره ، وهو إنّما يلاقي بعض أجزاء الماء ، ولو بعد الامتزاج ، فغاية الأمر طهره به دون باقي الاجزاء.

ثم إنه لا شبهة في أنّه يعارضه لملاقاة الأجزاء النجسة فيعود نجسا لأنّه قليل لاقى نجاسة.

موهونة ؛ أمّا الأوّل فلاعتضاد الخبر بما ذكرناه.

وأمّا الثاني فبأنّ العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المورد ، ومجرد الاحتمال المذكور لا يقضي بالتخصيص سيما مع كون العموم لغويا مع أنّ السؤال مذكور في الخبر وليس فيه ما يفيد ذلك ، بل انما يفيد العكس ، وأمّا الثالث فبأنّ طهر الأجزاء الملاقية كاف في تطهير الباقي ؛ لكونه ماء طاهرا ملاقيا لملاقيه وهكذا ، فيسري الطهارة إلى الجميع في آن واحد ، ولو بعد الامتزاج بناء على اعتباره في التطهير.

ولا وجه حينئذ لعود النجاسة إليه من تلك الأجزاء ، ومع الغضّ عن ذلك فلا وجه لعود النجاسة إلى الأجزاء الملاقية مع بقاء ملاقاتها للماء المعتصم ، فلا بد إذن من الحكم بطهر الجميع ؛ لما عرفت من اتحاد حكم الماء الواحد في السطح الواحد.

ومنها : صحيحة هشام ورواية محمد بن مروان المقدّمتين الواردتين في الميزابين السائلين ، فإنّ بقاء طهارته مع الامتزاج بالبول وتطهيره له بالاستهلاك قاض ببقاء طهارته مع الامتزاج بالماء النجس وتطهير له بالأولى.

ص: 119

والمناقشة فيه بأنّ أقصى ما يفيده الخبران تطهيره لكل ماء متنجس إذا جرى وحصل الامتزاج ، وأمّا تطهيره لكرّ من الماء أو أزيد مثلا بمجرد جريان المطر وإن قلّ فلا ؛ لاحتمال أن يكون التطهير في ذلك لكون ماء المطر أزيد من البول كما هو المعهود عادة أو مساويا له ؛ مدفوعة بأن تسليم تطهيره الماء النجس بالامتزاج على ما يستفاد من الخبرين قاض بتطهيره له كذلك مع القلّة والكثرة من غير فرق ؛ إذ لا فرق بين قليل المطر وكثرته نظرا إلى اعتصامه بالمادة المساوية. غاية الأمر أنه مع اعتبار الامتزاج في التطهير لا بدّ من امتزاج القطرات النازلة المجموع عليه وهكذا.

قال بعض الأفاضل بعد ذكر المناقشات المذكورة : إلّا أن الظاهر إجماع الأصحاب - خصوصا المتأخرين - فهم على تطهيره إذا تحقق الجريان قولا وفعلا ، فان تحقق فهو الحجة ، ويبقى التردّد بعد أنّ النازل من السماء من القطرات هل يطهر أو ليس المطهر إلّا ما يجري من الميزاب ونحوه.

والظاهر هو الثاني نظرا إلى الانفصال في الأول.

وضعفه ظاهر بعد ما عرفت ، فإنّ انفصال القطرات بعضها عن بعض في معنى الاتصال ؛ إذ لا يكون الاتصال بالمادة السماوية إلا على النحو المذكور.

وقد نبّه عليه الفاضل المذكور حيث نصّ بأنّ اعتصام الماء الجاري من الميزاب إنّما هو بالقطرات النازلة عليه من السماء ، وقد نصّ بعد ذلك أيضا بأنّ تطهير الغيث للبئر مشكل.

إذا العمدة في الحكم بتطهيره بالماء هو الإجماع كما عرفت ، ولا إجماع هنا ، وهو أيضا كما ترى.

والحاصل أن المسألة في غاية الظهور والتشكيكات المذكورة في غاية الوهن كما لا يخفى ) (1).

ص: 120


1- من أول التنبيهات « وهاهنا أمور ينبغي .. » إلى هنا ساقطة من نسخة ( ألف ) و ( ب ) و ( د ) ، وأدرجناها من ( ج ) ، فاغتنمها.
تبصرة: [ في تنجس ما دون الكر من الماء الراكد ]

ما دون الكرّ من الماء الراكد ينجّس بمجرّد ملاقاة النجاسة على المشهور بين علمائنا ، بل اتّفقت عليه كلمة الأصحاب من زمن المفيد إلى زمان صاحب المفاتيح ، فاختار (1) القول بعدم انفعال القليل تبعا لابن أبي عقيل.

وتبعه على ذلك جماعة من متأخري المتأخرين وفصّل السيد المرتضى (2) بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه ، فحكم بالانفعال بالثاني (3).

واستوجهه في المدارك (4).

ونفى عنه البعد في التبصرة (5) لما ستعلم.

وهذه المسألة وإن طال الكلام فيها بين المتأخّرين من علمائنا الأعلام ووسّعوا المقال فيها إلّا أنّها بعد الرجوع إلى أقوال العلماء الأجلّة والنظر في الطريقة المعلومة والسيرة المألوفة بين الشيعة من قديم الدهر إلى يومنا هذا ، مضافا إلى الإجماعات المنقولة المعتضدة بعدم ظهور خلاف - إلّا ممّن ندر - فيها مع عموم البلوى فيها (6) وشدّة الحاجة إليها ، ممّا لا ينبغي الشكّ فيها

ص: 121


1- روض الجنان : 129 ، ذخيرة المعاد 1 / 121.
2- المسائل الناصريات : 72 - 73.
3- في ( د ) : « في الثاني ».
4- مدارك الأحكام 1 / 40.
5- تبصرة المتعلمين : 15 ، لكن في ( د ) : « في الذخيرة » ، بدلا من : « في التبصرة ».
6- في ( د ) : « بها ».

و [ لا ] إطالة (1) الكلام في طرقها (2) وتكثير الأدلّة عليها ؛ لوضوح الحال فيها ممّا (3) بيّنّا.

مضافا إلى ما دلّ عليها من النصوص المستفيضة المتكثرة الّتي كادت أن تكون متواترة بالمعنى ، لكن لمّا (4) جرت الطريقة على كتبهم عن أدلّتها وبيان الأخبار الواردة فيها ، فلا بأس لو اقتفينا أثرهم في ذلك بالإشارة إلى بعض ما هنالك ، فنقول :

[ انفعال القليل بملاقاة النجاسة ]

قد ادّعى الإجماع على انفعال القليل بالملاقاة في الناصريات (5) والخلاف (6) والتهذيب والاستبصار (7) وشرح الجمل والجواهر (8) والغنية (9) والمختلف وحكى في المختلف (10) أيضا اتّفاق علمائنا عدا ابن أبي عقيل عليه.

وفي التنقيح والمهذّب البارع (11) حكاية الإجماع عليه إلّا من ابن أبي عقيل.

وقد حكى الإجماع على انفعاله في خصوص سؤر اليهود والنصارى وكلّ كافر في الانتصار (12).

وفيه وفي الذكرى الإجماع على نجاسة ماء الولوغ.

ص: 122


1- في ( د ) : « لإطالة ».
2- في ( د ) : « ولا إطالة الكلام في طريقها » ، بدلا من : « لإطالة الكلام في طرقها ».
3- في ( د ) : « عمّا » ، بدلا من : « ممّا ».
4- لم ترد في ( د ) : « لما ».
5- المسائل الناصريات : 67.
6- الخلاف 1 / 194.
7- نسبه إليه في الجواهر 1 / 105.
8- الجواهر 1 / 105 ، لم ترد في ( ج ) : « والجواهر ».
9- غنية النزوع : 46.
10- مختلف الشيعة 1 / 176.
11- المهذب البارع 1 / 78.
12- الانتصار : 88.

وفي السرائر (1) نفي الخلاف عن المنع من استعمال أحد الإنائين إذا وقع فيه نجاسة ولم يعلمه بعينه.

وفي المنتهى (2) حكاية الإجماع على نجاسة المستعمل للجنب والحائض وشبههما (3) إذا كان على جسده نجاسة عينيّة وكان أقلّ من كرّ ، وعلى نجاسة سؤر الخنزير وعلى نجاسة سؤر الكلب عدا بعض من (4) العامّة.

قلت : وبملاحظة هذه الإجماعات المحكيّة مضافا إلى السيرة المستمرّة بين الفرقة الناجية قديما وحديثا يمكن القطع بالإجماع في المسألة.

وأمّا الأخبار الدالّة على ذلك - مطلقا أو في موارد مخصوصة ، فيستدلّ بها لذلك بانضمام عدم القول بالفصل (5) - كثيرة جدّا بل لا يبعد بلوغها حدّ التواتر المعنوي كما ادّعي ، منها الأخبار الواردة في الكرّ ، وهي أيضا قريبة من التواتر.

وفي المعالم : إنّها كادت أن تبلغ في الكثرة حدّ التواتر المعنوي ، فمن ذلك الصحاح المستفيضة : « إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شي ء » (6) فإنّ قضيّة مفهومها نجاسة الماء الّذي دونه ببعض النجاسات الغير المغيّرة وإلّا تساوى (7) الكرّ فتسقط فائدة الاشتراط.

وبانعقاد الإجماع على عدم الفرق بين النجاسات في ذلك ، يتمّ دلالتها على عموم الانفعال بالنّسبة إليها ، ودلالتها على العموم بالنّسبة إلى المياه وأحوالها من جهة عموم إرادة (8)

ص: 123


1- السرائر 1 / 85.
2- منتهى المطلب 1 / 137 و 154.
3- في ( د ) : « شبهما » ، بدلا من : « شبههما ».
4- لم ترد في ( د ) : « من ».
5- زيادة في ( د ) : « فيما لا قائل به ».
6- كما مرّ.
7- في ( ألف ) : « لتساوي ».
8- في ( د ) : « أداة ».

الشرط و (1) الموضوع في المنطوق.

أمّا الأوّل : فلأنّه المنساق منه في العرف ، ولو سلّم فالحكمة قاضية به في المقام وإلّا لخرج الكلام عن الإفادة.

أمّا الثاني : فلدلالة تعليق الحكم على الطبيعة (2) عليه كما قيل ، أو بمعونة الحكمة أيضا. ولا يبعد جريان الحكمة في المفهوم أيضا مع قطع النظر عن عموم المنطوق.

فظهر بما قلنا استفادة عموم الحكم منها بالنسبة إلى أنحاء الملاقاة من الورود على النجاسة وورودها عليه واستعماله في التطهير وغيرها. ويدلّ على هذا التعميم أيضا إطلاق التنجيس الظاهر فيه.

وادّعى بعض الأفاضل دلالتها على انفعال القليل بكلّ واحد من النجاسات نظرا إلى دلالة المنطوق على عدم تنجّس الكرّ بشي ء من النجاسات بالعموم الاستغراقي ، فيكون المفهوم تنجّس القليل بكلّ واحد من النجاسات أيضا.

قال : وإلّا لم يكن الكرّ شرطا لكلّ واحد بل للمجموع من حيث المجموع ، فلا يدلّ المنطوق حينئذ على عدم انفعاله بملاقاة بعض النجاسات ، وهو خلاف الفرض والإجماع.

والحاصل أنّ النكرة في سياق النفي يدلّ على العموم الأفرادي لا المجموعيّ ، وبملاحظته يتمّ ما ذكرناه.

ومن الاشتباه بين العمومين يحصل الاشتباه في المقام (3) قال : فتأمّل جدّا فإنّ المطلب دقيق في الغاية.

أقول : من الواضح أنّ الحكم في المنطوق هو عدم تنجّس الكرّ بشي ء من النجاسات ، فيكون قضيّة مفهومه ينجس ما دون الكرّ بشي ء منها ، فاشتراط الكرّية إنّما هو في

ص: 124


1- لم ترد في ( د ) : « و ».
2- في ( د ) : « عليها » ، بدلا من : « عليه ».
3- في ( د ) : « بين المفاهيم » ، بدلا من : « في المقام ».

عدم الانفعال بشي ء منها المقهور (1) عند عدم الشرط.

ومن الظاهر أنّ رفع عدم الانفعال بشي ء إنّما يكون بانفعاله بشي ء ، فلا وجه لحمل العبارة على حصول التعليق بالنسبة إلى كلّ واحد من النجاسات زعما منه رحمه اللّه أنّه لولاه لكان المعلّق عدم التنجّس بمجموع النجاسات ، فلا يدلّ على عدم تنجّسه بالبعض.

وهو فاسد لما عرفت من حصول احتمال آخر غير المعنيين المذكورين ، بل ويعيّن الحمل عليه ، فيكون المعلّق على الشرط هو عدم تنجّس الماء بشي ء من النجاسات.

و (2) من الواضح أنّ ذلك لا يستلزم حصول التعليق بالنسبة إلى كلّ واحد واحد ليدلّ على حصول التنجّس بكلّ واحد مع انتفاء الشرط ، كيف ولو كان قضيّة المفهوم ما ذكره رحمه اللّه لكان (3) قولك : « إذا جئتني لم اعطك شيئا » دالّا على إعطائك جميع الأشياء مع عدم المجي ء ، وهو ظاهر البطلان ، لا إشعار في العبارة به بضرورة الوجدان.

ومن ذلك صحيحة علي بن جعفر ، عن الدجاجة والحمامة وأشباههما (4) تطأ العذرة ثمّ تدخل الماء يتوضّأ منه للصلاة؟ قال : « لا إلّا أن يكون الماء قدر كرّ من ماء » (5).

والمنع من الوضوء ليس إلّا لأجل النجاسة ؛ إذ لا يشترط بما سوى الطهارة إجماعا ، و (6) هو المفهوم من الكلام بمعونة المقام.

وصحيحة إسماعيل بن جابر [ في ] الماء الذي لا ينجّسه شي ء ، قال : « ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته » (7).

ص: 125


1- في ( ج ) و ( د ) : « المفقود ».
2- في ( د ) : « إذ » ، بدلا من : « و ».
3- في ( ألف ) : « لمكان ».
4- في ( و ) : « أشباهها ».
5- الإستبصار 1 / 21 ، ح 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 419 ، ح 45 ؛ وسائل الشيعة 1 / 155 ، ح 13 و 159 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار 77 / 14.
6- في ( د ) : « بل » ، بدلا من : « و ».
7- الإستبصار 1 / 10 ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 41 ، ح 53 ؛ وسائل الشيعة 1 / 165 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار 77 / 18.

وظاهر التعريف مساواته للمعرّف ، فيدلّ على تنجّس ما دونه بالملاقاة في الجملة ، وبعدم القول بالفصل يعمّم الحكم بالنسبة إلى النجاسات ، وبظاهر الإطلاقات بالنسبة إلى أنحاء الملاقاة كما مرّ.

.. إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في الكرّ.

وفيها دلالة أيضا على شهرة اعتبار الكرّية في الماء عند الشيعة في زمن الأئمّة عليهم السلام حتى كرّروا السؤال عنه ، وهم عليهم السلام أجابوا تارة بتعيّن المساحة واخرى بضبط الوزن. ومن الظاهر أنّه بناء على القول بعدم الانفعال يكون ذلك لغوا محضا.

وحمله على عدم حصول التغيير معه عادة ممّا يقضي الضرورة بفساده ، ويتأدّى (1) سياق تلك الأخبار ببطلانه ، وكذلك حمل التقدير به على مجرّد المحافظة على المندوب (2) وطلب الراجح كما لا يخفى.

ومنها : ما دلّ على إراقة الإنائين اللذين وقع في أحدهما نجاسة واشتبه بالآخر ووجوب التيمّم كموثقتي سماعة (3) وعمّار الساباطي (4). ومن الظاهر دلالة الأمر بالإراقة في المقام على عدم جواز الانتفاع به فيما هو الغالب في الانتفاع بالماء من الشرب والاستعمال في التطهير من الأحدات والأخباث ونحوها ، وكذا العدول من (5) الطهارة الاختياريّة إلى الاضطراريّة.

ومنها : الأخبار الدالّة على نجاسة سؤر نجس العين ، وهي أخبار كثيرة مشتملة على الصحاح المستفيضة كصحيحة البقباق (6) وصحيحة معاوية (7) بن شريح الصريحتين في

ص: 126


1- في ( د ) : « ينادي ».
2- في ( د ) : « محافظة المندوب به » ، بدلا من : « المحافظة على المندوب ».
3- الإستبصار 1 / 21 ، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 229 ، ح 45 ؛ وسائل الشيعة 1 / 151 ، ح 2.
4- تهذيب الأحكام 1 / 248 ، ح 43 ؛ وسائل الشيعة 1 / 155 ، ح 14.
5- في ( د ) : « عن ».
6- الإستبصار 1 / 37 ، ح 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 237 ، ح 16 ؛ وسائل الشيعة 1 / 184 ، ح 6.
7- الإستبصار 1 / 19 ، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 225 ، ح 30 ؛ وسائل الشيعة 1 / 226 ، ح 6.

نجاسة سؤر الكلب وموثقة (1) أبي بصير : « لا يشرب سؤر الكلب إلّا أن يكون حوضا كبيرا يستقى منه » (2).

وصحيحة سعيد الأعرج عن سؤر اليهودي والنصراني فقال : « لا » (3).

والصحيح إلى معلّى بن خنيس عن الصادق عليه السلام في الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء ، فأمرّ عليه حافيا؟ فقال : « أليس وراءه شي ء جاف؟ » قلت : بلى ، قال : « لا بأس ، إن الأرض يطهّر بعضه بعضا » (4).

.. إلى غير ذلك من الأخبار.

ومنها : الأخبار الدالّة على نجاسة آنية ولوغ الكلب (5) والخنزير. ومن الظاهر عدم استلزام الولوغ بملاقاة (6) الآنية. وسراية النجاسة إليها من دون تنجّس ما فيها واضح الفساد.

والظاهر من تلك الأخبار كون ما في الآنية خصوص الماء كالصحيح عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟ قال : « يغسل سبع مرّات » (7).

وفي الصحيح أيضا عن الكلب يشرب من الإناء قال : « اغسل الإناء » (8).

ومنها : الأخبار الدالّة على المنع من غسالة الحمّام ؛ ففي الموثّق : « وإيّاك أن تغسل من غسالة الحمّام ففيها يجتمع (9) غسالة اليهودي والنصرانيّ والمجوسيّ والناصب لنا أهل البيت فهو شرّهم ، انّ اللّه تبارك وتعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وإنّ الناصب لنا أهل البيت

ص: 127


1- في المخطوطة : « مؤلفة ».
2- الإستبصار 1 / 20 ، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 226 ، ح 33 ؛ وسائل الشيعة 1 / 158 ، ح 3.
3- الإستبصار 1 / 23 ، ح 11 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 223 ، ح 21 ؛ وسائل الشيع 1 / 229 ، ح 1.
4- الكافي 3 / 39 ، ح 5 ؛ وسائل الشيعة 3 / 458 ، ح 3.
5- في ( د ) : « آنية الولوغ للكلب » ، بدلا من : « آنية ولوغ الكلب ».
6- في ( د ) : « لملاقاة » ، بدلا من : « بملاقاة ».
7- تهذيب الأحكام 1 / 261 ، ح 47 ؛ وسائل الشيعة 1 / 225 ، ح 2.
8- الإستبصار 1 / 19 ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 225 ، ح 27 ؛ وسائل الشيعة 1 / 226 ، ح 3 و 228 ح 3.
9- في ( د ) : « تجتمع ».

لأنجس منه » (1).

ومنها : ما دلّ على اعتبار المادّة في اعتصام ماء الحمّام الدالّ بمفهومه على عدمه مع عدمها وكان في تشبيه ماء الحمّام بالجاري إشارة أيضا إلى انفعال غيره بالملاقاة.

ومنها : الأخبار الكثيرة المتظافرة الدالّة منطوقا أو (2) مفهوما على تنجّس القليل بملاقاة جملة من النجاسات المفروضة فيها كصحيحة عليّ بن جعفر عن رجل رعف وهو يتوضّأ فتقطر قطرة في إنائه ، هل يصلح (3) الوضوء منه؟ قال : « لا » (4).

وصحيحة البزنطي عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة؟ قال : « يكفي الإناء » (5).

وموثقة سماعة : « إذا أدخلت يدك في الاناء قبل أن تغسلها فلا بأس إلّا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة فإن أدخلت يدك في الإناء وفيه شي ء من ذلك فأهرق ذلك الماء » (6).

وهناك أخبار مستفيضة غير ما ذكرنا واردة في هذا المعنى.

ورواية أبي بصير : « ما يبل الميل - يعني من النبيذ - ينجس حبا من ماء » يقوله ثلاثا (7).

وفي الحسن : « لا واللّه ولا قطرة - يعني من المسكر - قطرت في حبّ إلّا اهريق ذلك الحبّ » (8).

وعن العيص بن القاسم قال : سألته عن رجل أصابته قطرة من طست (9) فيه وضوء؟

ص: 128


1- وسائل الشيعة 1 / 220 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار 73 / 72 ، ح 5 و 77 / 37 ، ح 6 و 78 / 47 ، ح 14.
2- في ( د ) : « و ».
3- في ( د ) : « يصح ».
4- الكافي 3 / 74 ، ح 16 ؛ من لا يحضره الفقيه 1 / 13 ؛ وسائل الشيعة 1 / 151 ، ح 1.
5- تهذيب الأحكام 1 / 39 ، ح 44 ؛ وسائل الشيعة 1 / 152 ، ح 7.
6- الكافي 3 / 11 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة 1 / 152 ، ح 4.
7- الكافي 6 / 413 ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام 9 / 113 ، ح 222 ؛ وسائل الشيعة 3 / 470 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار 59 / 89 ، ح 16 ، ولا توجد لفظة « يعني » في الرواية.
8- الكافي 6 / 410 ، ح 15 ؛ تهذيب الأحكام 9 / 116 ، ح 220 ؛ وسائل الشيعة 25 / 341 ، ح 1.
9- في ( د ) : « من طشت ».

قال : « إن كان من بول أو قذر فليغسل ما أصابه » (1).

وظاهر إطلاقه يدلّ على عدم الفرق بين الورودين وعلى نجاسة الغسالة.

.. إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة المذكورة في الأبواب المتفرقة ، من أرادها وقف عليها في مواضعها.

حجة القول بعدم الانفعال ، الأصل والعمومات الدالّة على طهارة الماء وطهوريّته ، وما دلّ على حصر تنجّسه بالتغيير كالحديث المشهور : « خلق اللّه الماء طهورا .. » (2) ، الخبر.

وما رواه العماني وادّعى تواتره عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام : « إنّ الماء طاهر لا ينجّسه (3) شي ء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه » (4).

والاطلاقات الحاكمة بطهارة الماء الملاقي للنّجاسة إذا خلا عن التغيير من غير تفصيل بين القليل والكثير كالصّحيح في الماء يمرّ به الرجل وهو يقع فيه الميتة والجيفة؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « إذا (5) كان الماء قد تغيّر ريحه أو طعمه فلا تشرب ولا تتوضّأ منه ، وإن لم يتغيّر ريحه وطعمه فاشرب وتوضّأ » (6).

والصحيح عن غدير أتوه وفيه جيفة؟ فقال : « إذا كان الماء قاهرا ولا يوجد فيه الريح فتوضّأ » (7).

.. إلى غير ذلك من الأخبار الّتي يضاهى ذلك ، وهي كثيرة.

والأخبار الحاكمة بعدم تنجّس الماء مع ظهورها في القليل كموثقة عمّار : سألته عن الرجل هل يتوضّأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب على أنّه يهودي؟ فقال : « نعم » ، قلت : فمن

ص: 129


1- وسائل الشيعة 1 / 215 ، ح 14 ؛ بحار الأنوار 77 / 137 ، ح 7.
2- وسائل الشيعة 1 / 135 ، ح 9 ؛ بحار الأنوار 77 / 9 ، ح 4.
3- في ( د ) : « لم ينجسه ».
4- مستدرك الوسائل 1 / 186 ، ح 5.
5- في ( د ) : « إن ».
6- الإستبصار 1 / 9 ، ح 10 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 41 ، ح 51 ؛ وسائل الشيعة 1 / 139 ، ح 4.
7- الكافي 3 / 4 ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة 1 / 141 ، ح 11 و 13 ؛ بحار الأنوار 77 / 21.

ذلك الماء الّذي شرب منه؟ قال : « نعم » (1).

وحسنة ابن الميسر عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان؟ قال : « يضع يده ويتوضّأ ، ثمّ يغتسل هذا ممّا قال اللّه تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (2) » (3).

وصحيحة عمران (4) بن يزيد : اغتسل في مغتسل يبال فيه ويغتسل من الجنابة فيقع في الإناء ما ينزو من الأرض فقال : « لا بأس » (5).

وصحيحة علي بن جعفر : عن رجل رعف فامتخط (6) فصار (7) ذلك الدم قطعا صغارا فأصاب إناءه ، هل يصلح الوضوء منه؟ قال : « إذا لم يكن شي ء يستبين في الماء فلا بأس ، وإن (8) كان شيئا بيّنا فلا يتوضّأ (9) منه » ؛ بحملها في صورة الإبانة (10) على حصول التغيير.

ورواية زرارة عن الصادق عليه السلام في جلد الخنزير يجعل دلوا فتسقى به الماء؟ قال : « لا بأس » (11).

وروايته الأخرى عن الباقر عليه السلام قلت له : رواية من ماء سقطت فيها فارة أو جرذ (12) أو

ص: 130


1- الإستبصار 1 / 18 ح 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 224 ح 24 ؛ وسائل الشيعة 1 / 230 ح 3.
2- الحجّ (22) : 78.
3- الكافي 3 / 4 ، ح 2 ؛ الإستبصار 1 / 128 ، ح 2 ؛ وسائل الشيعة 1 / 152 ، ح 5.
4- في المصدر : « عمر ».
5- الكافي 3 / 14 ، ح 8 ؛ وسائل الشيعة 1 / 213 ، ح 7.
6- في ( د ) : « فامقظ ».
7- في ( ج ) : « وصار ».
8- في ( د ) : « وإلّا ».
9- الكافي 3 / 74 ، ح 16 ؛ الإستبصار 1 / 23 ، ح 12 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 413 ، ح 18 ؛ وسائل الشيعة 1 / 151 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار 10 / 256 و 77 / 20 ، ح 11.
10- استظهرناها كذلك ، وهي في ( د ) غير منقوطة ، وفي ب : « الامامة ».
11- تهذيب الأحكام 1 / 413 ، ح 20 ؛ وسائل الشيعة 1 / 175 ، ح 16.
12- الجرذ والجراذ ، ضرب من الفار سمّي بذلك لأنه يسبّب الجرذ أي العيب والورم والتعقد ، كما في المعجم الزوولوجي الحديث 2 / 349 - 355 بتفصيل أكثر ، فراجع.

صعوة ميتة؟ قال : « إذا تفسّخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضّأ منها وصبّها ، وإن كان غير متفسّخ فاشرب منه وتوضّأ واطرح (1) الميتة إذا أخرجتها طرية ، وكذلك الجرّة وحبّ الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء ».

قال : وقال أبو جعفر عليه السلام : « إذا كان الماء أكثر من رواية لم ينجّسه شي ء تفسّخ أو لم يتفسّخ إلّا أن يجي ء له (2) ريح يغلب على ريح الماء » (3).

ورواية أبي مريم الأنصاري : كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام في حائط له ، فحضرت الصلاة فنزح دلوا من ركي له فخرج عليه قطعة عذرة يابسة ، فأكفا رأسه وتوضّأ بالباقي (4).

وما رواه في المنتهى مرسلا ، عن الباقر عليه السلام قال : سئل عن الجرّة والقربة يسقط فيهما فارة أو جرو (5) أو غيره فيموت فيها؟

قال (6) : « إذا غلب رائحته على طعم الماء فأرقه وإن لم يغلب عليه فتوضّأ منه واشرب » (7).

ورواية بكار بن أبي بكر في الرجل يضع الكوز الذي يغرف به من الحبّ في مكان قذر ثمّ يدخله الحبّ؟ قال : « يصيب من الماء ثلاث أكف ثمّ يدلك الكوز » (8).

ورواية محمّد بن مروان : لو أنّ ميزابين سالا ميزاب ببول (9) .. الخبر (10).

ص: 131


1- في ( د ) : « وأخرج ».
2- في ( د ) : « منه ».
3- الإستبصار 1 / 8 ، ح 7 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 412 ، ح 17 ؛ وسائل الشيعة 1 / 140 ، ح 8.
4- الإستبصار 1 / 42 ، ح 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 416 ، ح 32 ؛ وسائل الشيعة 1 / 155 ، ح 12.
5- في ( د ) : « جرد » ، والصحيح إمّا ما في المتن لأن الجرو بالواو هو الصغير من أولاد الكلب والسباع ، أو الجرذ بالذال المعجمة قسم من الفار. انظر : معجم الزوولوجي الحديث 2 / 349 و 355.
6- لم ترد في ( د ) : « قال : ».
7- المعتبر 1 / 49 ، وعنه في وسائل الشيعة ( الاسلامية ) 1 / 104 ، ح 8.
8- الكافي 3 / 12 ، ح 6 ؛ وسائل الشيعة 1 / 164 ، ح 17.
9- في ( د ) : « يبول » ، بدلا من : « ببول ».
10- الكافي 3 / 13 ، ح 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 411 ، ح 15 ؛ وسائل الشيعة 1 / 144 ، ح 6.

وقد مضى.

ورواية الحسين بن زرارة ، فقلت : شعر (1) الخنزير يعمل به حبلا يستقى (2) من البئر الّذي يشرب منها ويتوضّأ منها؟ فقال « لا بأس به » (3).

ويؤيّد ذلك أيضا ما دلّ (4) على طهارة ماء الاستنجاء ؛ إذ هو من جملة القليل الملاقي للنجاسة.

وفي بعض تلك الأخبار : « أو تدري لم صار لا بأس به؟ » فقلت : لا واللّه جعلت فداك! فقال : « إنّ الماء أكثر من القذر » (5).

والتعليل يقضي جريان الحكم في غيره أيضا.

وإطلاق ما دلّ على طهارة ماء الحمّام وأنّه لولاه لما أمكن التطهير بالقليل إذ كلّما لاقى المحلّ النجس ينجس به ولا يطهره.

والتزام القول بطهوريّة النجس أو القول بتنجّسه بعد الانفصال لا حال الملاقاة الّتي هي السبب أو الفرق بين الورودين مع إطلاق الأخبار تعسّف بحت.

والجواب : أمّا عن الأصل والعمومات فبالخروج عنهما بمقتضى الأدلّة الدالّة على النجاسة ، فيخصّص بها ما دلّ على حصر تنجّسه بالتغيير (6) بعد الغضّ عن أسانيدها ؛ إذ قد عرفت الحال في الخبر المشهور.

وما ادّعي تواتره عن الصادق عليه السلام لم نعثر له في كتب الأصحاب على سند واحد فضلا

ص: 132


1- في ( د ) : « فشعر ».
2- في ( د ) : « نستقي » ، بدلا من : « يستقي ».
3- الكافي 3 / 7 ، ح 10 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 409 ، ح 8 ؛ وسائل الشيعة 1 / 170 ، ح 2 ، لكن في هذه الكتب الروائية هكذا : قال : سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر ، هل يتوضأ من ذلك الماء؟ قال : « لا بأس ».
4- وسائل الشيعة 1 / 221 و 222 ، ح 1.
5- الكافي 3 / 13 ، ح 5 ؛ وسائل الشيعة 1 / 222 ، ح 2.
6- في ( د ) : « بالتغير ».

عن تواتره. وكأنّه أخذه من مضمون الأخبار الكثيرة الواردة في الغدران ونحوها من المياه الواقفة (1) في الطرقات والصحاري ونحوهما (2) ممّا أشرنا إليها ، فلا يكون دليلا مستقلّا.

والإطلاقات المذكورة كثير منها ظاهر في الكثير لفرض الحكم في بعضها في الغدير أو في حياض أهل البوادي ممّا يردّها السباع والكلاب والبهائم ، وفرض وقوع الجيفة والميتة فيه مع احتمال عروض التغيير وعدمه ، أو فرض وقوع الجيف والقذر وولوغ الكلب وشرب الدوابّ وبولها فيه ، أو وقوع الجيفة مع أمره عليه السلام بالوضوء من الجانب الآخر ، أو فرضه في الحياض مع تكرّر البول فيها مع جواب الإمام بالتفصيل .. وغير ذلك ممّا يشهد بفرض الكثرة في الماء بل في (3) كونها أضعاف الكرّ في كثير منها.

ولو فرض إطلاقها (4) في بعضها فهو محمول على الكثير تحكيما للأخبار المقيّدة كما هو مقتضى القاعدة والأخبار الظاهرة في إرادة القليل مع أنّ كثيرا منها لا يخلو عن ضعف في الأسناد ، أكثرها لا يخلو من (5) ضعف في الدلالة ، بل بعضها غير دالّ عليه ؛ لإمكان حمل موثقة عمّار على علوّ الباقي من الماء ، فلا يسري النجاسة إليه ؛ مع معارضتها لأخبار اخر دالّة على نجاسة خصوص سؤر اليهود ، فيحتمل قويّا حملها على التقيّة.

ولفظ « القليل » في حسنة ابن الميسر يعمّ الكرّ (6) لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيه ، فيقيّد (7) بالأخبار الخاصّة.

والقذارة أيضا لم يثبت كونها حقيقة في النجاسة الشرعيّة.

وصحيحة عمر بن زيد ليست دالّة على كون ما يقع في الإناء خصوص ما ينزو من

ص: 133


1- في ( د ) : « الواقعة ».
2- في ( د ) : « نحوها ».
3- في ( د ) : « و ».
4- في ( د ) : « إطلاق ».
5- في ( د ) : « عن ».
6- في ( د ) : « ذلك » ، بدلا من : « الكرّ ».
7- في ( ج ) : « فيقدّر ».

المكان النجس مع العلم به.

وصحيحة علي بن جعفر لا دلالة فيها على إصابة الدم الماء ، وإنّما تدلّ على إصابة الإناء ، فقد يكون السؤال من جهة حصول الظنّ بملاقاة النجاسة ، فأجاب عليه السلام أنّه إن تبيّن شي ء في الماء - يعني حصل بذلك العلم بإصابة الماء - فلا تتوضّأ منه وإلّا فلا بأس.

والرواية في جلد الخنزير ليست معمولا بها عند الأصحاب ؛ لدلالتها على جواز الانتفاع بالميتة ، على أنّها لا تدلّ على طهارة الماء ؛ لظهورها في نفي البأس عن الاستعمال.

ورواية زرارة لا يمكن العمل بها ؛ إذ الفرق بين التفسّخ وعدمه ممّا لا يقول به أحد.

وكذا الفرق في ذلك بين ما كان أكثر من رواية ودونها (1) ، فهي بظاهرها مطروحة عند كافّة الأصحاب ، فلا تصلح للتعويل.

والعذرة في رواية أبي مريم قد تحمل على الطهارة (2) كما حملت عليها في بعض الروايات مع أنّها لا صراحة فيها بكونها في الماء فلعلّها كانت على الدلو فإكفاء رأسه لإزالتها.

ولفظ « القذر » في رواية بكّار غير صريح في النجس كما مرّ على أنّه يمكن حمل الحبّ على ما يسع الكرّ على ما حكي من حباب ذلك الزمان ، ودلّ عليه بعض الروايات.

وقد يحمل أيضا قوله : « ثمّ يدخله الحبّ » على إرادة إدخاله الحبّ ، فيكون قوله : « يصب من الماء ثلاث أكف » بيانا على تطهير الكوز.

ورواية الحسين بن زرارة لا دلالة فيها على ملاقاة الحبل لما في الدلو. وما ورد في ماء الاستنجاء مقصور على محلّه ؛ إذ لا مقتضى للتسرية من الإجماع وغيره ، والرواية المعلّلة ضعيفة الاسناد.

وكيف كان ، فلا مقاومة للروايات المذكورة بالنسبة إلى ما دلّ على الانفعال ، مضافا إلى اعتضادها بالشّهرة العظيمة عند الأصحاب وجريان السيرة عليه بين الشيعة الأطياب.

وأمّا حكاية عدم إمكان التطهير بالقليل ، فضعيفة جدّا ؛ إذ استبعاد حصول التطهير

ص: 134


1- في المخطوطة و ( د ) : « رواية ودونه ».
2- في ( د ) : « الطاهرة ».

بالنجس ممّا لا يقوم حجّة في الشرع ، مع أنّه قد ذهب جماعة كثيرون إلى تطهير الأرض النجس بغير التطهير ، فكيف بالماء مع تنجّسه حال التطهير.

حجّة السيد (1) قدس سره على التفصيل أنّه لولاه لزم عدم إمكان التطهير بالقليل. وزاد من تبعه من المتأخرين عليه عدم شمول أدلّة انفعال القليل لمثله ، والإجماع (2) على التسرية ، ومقتضى العمومات طهارته.

وقد عرفت ضعف الوجه الأوّل.

وأمّا الثاني ففيه : أنّه وإن كان أكثر ما دلّ على نجاسة القليل واردا في خصوص ورود النجاسة على الماء إلّا أن جملة من تلك الأخبار متناولة للنوعين كمفهوم (3) أحاديث الكر والروايات الواردة في المنع من غسالة الحمام معللا بأن فيها غسالة الناصب ومن يحكمه ، وإطلاق مضمرة العيص ابن قاسم المتقدمة ، وإطلاق رواية أبي بصير المذكورة من النبيذ ، ومفهوم رواية علي بن جعفر ، عن أخيه ، قال : سألته عن الشرب في إناء يشرب من الخمر قدحان عند ان أو باطنه؟ قال : « إذا غسله فلا بأس » ، ونحوها موثقة عمار ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، عن الإبريق وغيره بكون فيه خمر يصلح أن يكون فيه ماء؟ قال : « اذا غسل فلا بأس ».

ولو كان الماء مع الورود على النجاسة غير منفعل عنها لما احتج الأواني المذكورة إلى الغسل في موضع الماء فيها ؛ مضافا إلى الشهرة المقارنة للإجماع وظاهر الإجماعات الممكنة.

ولا يذهب عليك أنّ قضية ما استند إليه يخصّص طهارة الوارد بما أزيل به الخبث اقتصارا فيه على قدر الضرورة.

وقد يقال : إنه إذا أورد على ما لا يطهر به صار بتسليط النجس عليه موردا عليه

ص: 135


1- الناصريات : 73.
2- في ( ب ) و ( ج ) و ( د ) : « لا إجماع ».
3- من هنا إلى قوله « الدالة على طهارة جلد الميتة » لم نجده في مصورة نسخة ( ألف ) وأدرجناها من نسخة ( ب ) وأطبقناها مع ( د ).

متنجس به وإن لم ينجس أو الورود فيرتفع الثمرة الظاهرة بخلاف ما لو حصلت بها الطهارة ؛ لعدم انفعاله ، فتأمل.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : المعروف المتّفق عليه بين أصحابنا عدم الفرق في الحكم المذكور بين المياه والنجاسات ، وحالتي الاختيار والاضطرار بل يعدل حينئذ إلى التيمم إلا ما استثنى في المقام مما يجي ء الإشارة إليه.

وقد يتراءى من بعض المتأخرين الفرق بين الحالتين ، ولا يدري أنّه مبنيّ على طهارة ذلك الماء في حال الضرورة أو على جواز استعمال ذلك النجس في تلك الحال. وعلى الثاني فهو خارج عن محل البحث.

وكيف كان ، فالوجه فيه ظواهر الأخبار كحسنة ابن الميسّر المذكورة.

وصحيحة علي بن جعفر في اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه للصلاة؟ قال : « لا إلّا أن يضطر إليه ».

وصحيحة محمد بن اسماعيل : كتبت أن من يسأله عن القذر يجتمع فيه ماء السماء ويستقى فيه من البئر ، فيستجي ء فيه الانسان من بول أو يغتسل فيه الجنب ، ما حده الذي لا يجوز؟ فكتب : « لا تتوضأ من مثل هذا الماء إلا من ضرورة إليه ».

وقوّيه علي بن جعفر عن جنب أصابت يده من جنايته فمسحه بخرقة ثم أدخل يده في غسله قبل أن يغسلها هل يجزيه أن يغتسل من ذلك الماء؟ قال : « إن وجد ماء غيره فلا يجزيه أن يغتسل به وإن لم يجد غيره أجزأ ».

وظواهر عدة الأخبار كما ترى مطرحة عند الأصحاب مخالفة لما مرّ من الروايات ، فإن أمكن تأويلها بما يرجع إلى المشهور وإلّا فلتطرح أو تحمل كالأخبار الدالّة على طهارة القليل على التقية ؛ إذ القول بعدم انفعاله مذهب جماعة من العامة.

ص: 136

واعلم أنه اضطر ظاهر فتاوى الصدوق في هذا الباب نظرا إلى اختلاف الروايات عن السادة الأطياب فإنه رحمه اللّه مع اعتباره الكرية في الماء وحكمه في مقامات (1) شي ء بنجاسة القليل الملاقي للنجاسة في موارد مخصوصة ونجاسة الغسالة وعدم فرقه بين الورودين ، ذكر مضمون حسنة ابن الميسر مفتيا به مع ظهوره في جواز استعمال القليل الملاقي للنجاسة مع عدم غيره.

وذكر أيضا مضمون رواية زرارة في الرواية التي وقعت فيها فارة ، والمفصلة بين حالتي التفسخ وعدمه ؛ وذلك يعطي حكمه بعدم (2) انفعال ما في الرواية (3) والقرية وحب الماء والجرة (4) وما أشبهها (5) من أوعية الماء بملاقاة ميتة الفارة قبل تفسخها والذي يتخيل بالبال (6) أن بناءه رحمه اللّه إما على حكاية مضامين الأخبار وإن لم يعمل بظاهرها ليكون ذلك رجوعا عما ذكره أولا من اقتصاره على نقل الأخبار التي يفتي بمضمونها ، وهي حجة بينة وبين اللّه. ويؤيده أنّه ذكر في الباب الرواية الدالّة على طهارة جلد الميتة وجواز استعماله ، وهو ممّا أطبق الأصحاب على خلافه ؛ أو أنّه عمل بمضمون الأخبار المذكورة (7) مقتصرا على مورد الخبر من دون تسرية ، وهو ممّا يأبى عنه جلالة هذا الشيخ قدس سره.

وبعد البناء على ظاهر عبارته يكفي في ضعفه إطباق الشيعة الأبرار على خلافه مضافا إلى ما عرفت من الأخبار.

الثاني : ما علا من الماء على الملاقي منه للنجاسة جاريا عليه لم ينجس بملاقاة الأسفل للنجاسة بلا خلاف.

ويدلّ عليه - مضافا إلى الإجماع محصّلا ومنقولا حدّ الاستفاضة السيرة الجارية الّتي

ص: 137


1- في ( ب ) : « المقامات » ، والصحيح ما أدرجناه من ( د ).
2- في ( ب ) : « بعد ».
3- في ( د ) : « الرواية ».
4- في ( د ) : « الجرعة ».
5- في ( د ) : « وشبهها » ، بدلا من : « وما أشبهها ».
6- في ( ب ) : « والذي محل بالاي ».
7- في ( د ) : « المزبورة » ، بدلا من : ( المذكورة ».

يقطع منها قول (1) المعصوم ، بل الظاهر أنّه في الجملة من الضروريات الّتي يشترك فيها الفقهاء والعوام (2).

وأيضا هو خارج عمّا دلّ على تنجّس القليل لعدم شمولها مثل (3) ذلك.

ولأجل ذلك والإجماع المحكيّ في الروض (4) يسري الحكم إلى المضاف ونحوه. وسيجي ء الكلام فيه إن شاء اللّه.

ثمّ إنّ الظاهر عدم الفرق بين ما إذا كان علوّه على سبيل التسنيم أو الانحدار الظاهر ، فظاهر (5) السيرة والإجماعات المحكيّة - مضافا إلى ما عرفت من الأصل والشكّ في شمول الإطلاقات لمثل ذلك وفي انسحاب (6) الحكم فيما لو تدافع الماء مع عدم العلوّ الظاهر أو مساواة المكان أو جريانه من الأسفل كما في الفوارة - وجهان من صدق ملاقاته للنجاسة فيشمله ظواهر الإطلاقات الحاكمة بالنجاسة ، ومن أنّ قضية تلك الإطلاقات نجاسة محل الملاقاة كما تقتضيه (7) العبارة إذا سيقت (8) بالنسبة إلى سائر الأعيان ، وإنّما يجي ء تنجّس غير الملاقي من جهة الميعان المقتضي لسريان النجاسة بالإجماع ، وهو منتف في المقام.

والأوّل لا يخلو عن قرب ؛ لظهور ما دلّ على النجاسة على تنجيس مجموع الماء في مثل ذلك.

مضافا إلى الاحتياط في غالب المقامات.

ص: 138


1- في ( د ) : « بقول ».
2- في ( د ) : « الأعوام ».
3- في ( د ) : « لمثل ».
4- روض الجنان : 139.
5- في ( د ) : « لظاهر ».
6- في ( ج ) : « السحاب ».
7- في ( د ) : « يقتضيه ».
8- في ( ب ) : « سقيت » ولعله : « قيست ».

وقطع في البيان (1) بعدم تنجّس ما فوق موضع الملاقاة في الجاري لا عن المادّة ، وإطلاقه يشمل بعض الصور المفروضة.

الثالث : المعروف بين الأصحاب عدم الفرق في تنجيس (2) الماء بالملاقاة بين قليل النجاسات وكثيرها ، وهو قضيّة جملة من الإطلاقات المذكورة.

وذهب الشيخ (3) رحمه اللّه إلى عدم تنجّس الماء لملاقاة أجزاء (4) الصغار من الدم القليل الذي لا تدركه (5) الطرف كرءوس الإبر لصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام.

وقد مرّت الإشارة إليها.

وعدّى الحكم في المبسوط (6) إلى كلّ النجاسات ؛ لعدم إمكان التحرّز (7) عنها. وظاهر التعليل قد يومي إلى التسرية إلى غير الماء أيضا.

وقد يستدلّ أيضا بدلالة الرواية عليه بالفحوى. وقد عرفت عدم دلالة الرواية على ذلك.

ومع التسليم فالتسرية إلى غير الدم ممّا لا وجه له. وحكاية غير التحرير غير مسموعة (8).

الرابع : الظاهر من المذهب عدم الفرق في انفعال القليل الراكد بين ما بعد عن موضع الملاقاة إذا لم يكن متقاربا بعضه إلى بعض وما قرب إليه.

وظاهر المعالم عدم تنجّس ما بعد عن موضع الملاقاة. واستند في ذلك إلى عدم قيام دليل

ص: 139


1- البيان : 44.
2- في ( د ) : « تنجّس ».
3- المبسوط 1 / 7.
4- في ( د ) : « بملاقاة الأجزاء ».
5- في ( د ) : « لا يدركه ».
6- المبسوط 1 / 7.
7- في ( ج ) : « التحرير ».
8- لم ترد في ( د ) : « وحكاية غير التحرير غير مسموعة ».

على النجاسة لاختصاص ما دلّ على انفعال القليل بالمجتمع والمتقارب. وليس مجرّد الاتصال بالنّجس موجبا لانفعاله وإلّا فيسري (1) النجاسة إلى الأعلى لحصوله ، ومع عدم الاكتفاء بمجرّده فلا بدّ من (2) نجاسة البعيد من دلالة.

نعم ، إن جرى إليه الماء النجس قضي بالتنجيس.

وفيه : أنّ إطلاق ما دلّ على تنجّس القليل يشمل الصورة المذكورة أيضا.

مضافا إلى (3) السريان اللّازم لميعان الماء وعدم سرايتها (4) إلى العالي مع قيام الإجماع عليه لا يقضي بانتفائه في غيره مع وجود الفارق بين الأمرين من جهة قوّته على التنجيس (5) وتدافعه عليه بخلاف صورة المساواة وغيرها.

الخامس : الظاهر إطباق القائلين بنجاسة القليل على عدم الفرق بين جريان الماء ووقوفه.

وذهب بعض المتأخّرين من الأخباريين إلى عدم انفعاله بالملاقاة في الأوّل مع عدم ملاقاة النجاسة لأوّل جزء منه زعما منه تقوّي الأسفل منه بالأعلى ؛ نظرا إلى عدم شمول أدلّة انفعال القليل لمثله.

مضافا إلى ما دلّ بإطلاقه على طهارة (6) الجاري كقوله عليه السلام : « ماء الحمّام بمنزلة الجاري » (7) و « أنّه كماء النهر يطهّر بعضه بعضا » (8) حيث لم يقيّد الجاري أو ماء النهر بكونه عن

ص: 140


1- في ( د ) : « لسرى » ، بدلا من : « فيسري ».
2- في ( د ) : « في » ، بدل من : « من ».
3- زيادة في ( د ) : « أن ».
4- في ( د ) : « سريانها » ، بدل من : « سرياتها ».
5- في ( د ) : « التنجس » ، بدل من : « التنجيس ».
6- في ( د ) : « طهورية ».
7- تهذيب الأحكام 1 / 378 ح 28 ؛ وسائل الشيعة 1 / 148 ح 1.
8- الكافي 3 / 14 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة 1 / 150 ، ح 8.

نبع (1).

وفي عدم تقيّد (2) ( كرية ) (3) ماء الحمّام بكريّة مادّته أو المجموع شهادة عليه أيضا مع إطلاق المادّة الواردة فيه وفي ماء البئر.

وضعف (4) جمع (5) ماءين (6) أوضح من أن يبيّن لما عرفت من إطلاق جملة من أدلّة انفعال القليل ، مع تأيده بالشّهرة العظيمة بين الطائفة القريبة من الإجماع بل الإجماع على الحقيقة.

وما ذكر من المؤيّدات لا يفيد شيئا كما عرفت الحال فيها.

هذا ، ومن العجب أيضا ما (7) يظهر عن (8) بعض المتأخّرين (9) من عدم سراية النجاسة إلى الأسفل ( يظهر ) (10) من الجاري لا عن المادّة وإن كان أقلّ من كرّ ؛ استنادا إلى أنّه هارب عن النجاسة ، فيبقى على أصالة الطهارة.

ووهنه واضح.

ص: 141


1- في ( د ) : « منبع ».
2- في ( د ) : « تقييد ».
3- الزيادة من ( د ).
4- في ( ب ) : « ضعفه ».
5- في ( ج ) : « جميع ».
6- في ( د ) : « ما بين » ، بدلا من : « ماءين ».
7- أضفنا لفظة ( ما ) من نسخة ( د ).
8- في ( د ) : « من ».
9- الحدائق الناضرة 1 / 239 - 240 ؛ المدارك 1 / 114.
10- لا توجد ( يظهر ) في ( د ).
تبصرة: [ في حكم الكثير الراكد ]
اشارة

الكثير من الراكد وهو ما كان كرّا فصاعدا لا ينجس إلّا باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه الثلاثة على نحو ما مرّ في سائر المياه المعتصمة بإجماعنا المعلوم والمنقول في كلام جماعة من الفحول.

مضافا إلى الأصل والنصوص المستفيضة المتكثّرة بل المتواترة عن العترة الطاهرة ، فأصل المسألة ممّا لا كلام فيه وإنّما الكلام هنا في مواضع :

أحدها : أنّه لا يعتبر فيه تقارب أجزاء الماء ليتقوّى بعضها (1) ببعض ، فيضعف تأثير (2) النجاسة فيها ؛ للأصل وصدق اتّحاد الماء ولو تباعد أجزاؤه ، فيشمله إطلاق المستفيضة الدالّة على اعتصام الكرّ ، وما دلّ على تحديده بالوزن بل والمساحة على وجه نشير إليه.

وذهب الراوندي إلى اعتبار ذلك فيه ، ولذا (3) ذكر حكاية الجمع بين الأبعاد. وكأنّهم من ذلك توهّموا ذهابه إلى النظافة (4) بالجمع بين الأبعاد في تحديد الكرّ من غير (5) اعتبار الضرب فألزموه باعتصام المياه القليلة إذا كان المجتمع من أبعاده بذلك المقدار.

وعبارته في شرح الجمل صريحة في خلافه ، وعدم خلافه للمشهور في بيان المقدار ، وإنّما خالفهم فيما ذكرناه.

ص: 142


1- في ( د ) : « بعضه ».
2- في ( ج ) : « بأمر ».
3- في ( د ) : « لذلك ».
4- في ( د ) : « انتفائه ».
5- لم ترد في ( د ) : « غير ».

وربّما يستفاد من المعالم أيضا ميله إلى اعتبار الإجماع.

واستشكل فيه في الحدائق (1) على ظاهر كلامهم. وكأنّ الوجه في اعتبار ذلك لإطلاق (2) الروايات الدالّة على تحديد (3) مساحة الكرّ.

وحملها على إرادة بيان المكسّر لا داعي إليه على أنّه مع الاجتماع يتقوّى الماء على النجاسة من جهة انتشارها فيه ، بخلاف ما لو انتشر الماء وتباعدت أجزاؤه.

وأنت خبير بأنّ ظواهر تلك الأخبار (4) ممّا لم يعرج (5) عليها أحد من الأصحاب ، فلا بدّ من حملها على إرادة التكثير كما فهموا - مضافا إلى ما عرفت من الإطلاقات وظاهر التحديد بالوزن - وأنّ المعتبر في الاعتصام هو بلوغ الماء قدر الكرّ ، وهو أعمّ من كونه على ذلك النحو المخصوص الملحوظ في الأبعاد على فرض تسليم ظهور الروايات فيه ، أو كونها بحيث لو جعل (6) في محلّ قليل (7) لذلك كان كذلك (8) ، فإطلاقها يعمّ جميع الوجوه.

هذا ، ثانيها : أنّه (9) هل يعتبر فيه استواء سطح الماء أو يعمّ صورة الاختلاف فيقوى الأسفل بالأعلى والأعلى بالأسفل بمجرّد اتّصال الماء؟

اختلفت فيه عبارات الأصحاب ، واضطربت فيه أقوالهم ؛ لخفاء مدرك الحكم وخلوّه عن النصّ. فظاهر ما ذهب إليه كثير من الأصحاب من اعتبار الدفعة في التطهير بالكرّ - كما سيجي ء - عدم تقوّي الأعلى بالأسفل وبالعكس إلّا مع اجتماع الماء عرفا واعتضاد بعضه

ص: 143


1- الحدائق الناضرة 1 / 276 - 275.
2- في ( د ) : « اطلاق ».
3- في ( ج ) : « تحديده الكرّ ».
4- تهذيب الأحكام 1 / 415 ، ح 28 ؛ وسائل الشيعة 1 / 165 ، ح 1 و 2 و 4 و 5 و 6.
5- في ( د ) : « يصرّح ».
6- زيادة في ( د ) : « لا ».
7- في ( د ) : « قابل ».
8- لم ترد في ( ب ) : « كان كذلك ».
9- في ( د ) : « هذا وهل » بدل « ثانيها انه ».

ببعض ؛ إذ ذاك هو الوجه في اعتباره ، وهو التعليل المعروف له في كلامهم.

وقال في المعالم : إنّ اعتبار المساواة في الجملة ليس ببعيد ، ثمّ قال في مسألة التطهير بالكرّ : وحيث تقدّم منّا الميل إلى اعتبار المساواة فاعتبار الدفعة متعيّن.

وهو أيضا ظاهر من أطلق اعتبار الكثرة في مادّة الحمّام مع تسريته إلى غيره.

ومنهم المحقّق الكركي (1). وقد نصّ على اعتبار ذلك في غير صورة التساوي.

ومنهم من أطلق الحكم بالاعتصام مع اتّصال الماء فيقوى (2) كلّ من الأعلى والأسفل بالآخر مطلقا. وإليه ذهب في الروض (3). وجعله قضيّة إطلاق أكثر الأصحاب حيث لم يقيّدوا الكرّ (4) المجتمع بكون سطوحه مستوية أولا.

وظاهر إطلاقه عدم الفرق بين صورة التسنيم والانحدار كما حكى عنه صريحا في فوائد القواعد.

وتبعه في ذلك جماعة من المتأخّرين.

وهو قضيّة ما مرّ من تصريح جماعة بطهارة ما دون المتغيّر في الجاري مع (5) كريّته إذا قطع التغيير عمود الماء ؛ إذ هو بعد قطع العمود ينفصل عن حكم الجاري ، فيجري عليه أحكام الواقف.

ويعم ذلك أيضا صورتي الانحدار والتسنيم.

ويقتضيه أيضا إطلاق الدروس (6) والبيان (7) والموجز وغيرها بعدم (8) انفعال الجاري لا

ص: 144


1- جامع المقاصد 1 / 113.
2- في ( د ) : « فيتقوّى ».
3- روض الجنان : 135.
4- في ( د ) : « بالكرّ ».
5- لم ترد في ( ب ) : « مع كرّيته .. حكم الجاري ».
6- الدروس 1 / 119.
7- البيان : 44.
8- في ( د ) : « لعدم ».

عن مادّة بالملاقاة إذا كان بمقدار الكرّ ، ونجاسة الأسفل خاصّة إذا نقص عنه.

وقد يومي إليه إطلاق المعتبر (1) بالاكتفاء بكرية المجموع في الغديرين الموصول بينهما بساقية.

ومنهم من ذهب إلى تقوّي الأسفل بالأعلى أو (2) العكس. وهو ظاهر التذكرة (3).

وعليه أو على اعتبار المساواة مطلقا يبنى ما في الدروس (4) والبيان (5) والموجز من الحكم باتحاد القليل المتصل بالجاري معه (6) مع علوّ الجاري أو مساواته.

وذكر نحوه في الذكرى (7) وغيره في القليل المتصل بالكثير.

ولا يذهب عليك مدافعة ذلك لما حكيناه آنفا عن الدروس والبيان والموجز في الجاري لا عن المادّة.

ومنهم من فصّل بين صورتي التسنيم والانحدار ، فقال بحصول التقوّي من الطرفين في الثاني ، وعدم تقوي الأعلى بالأسفل في الأوّل.

واحتمله بعض المتأخرين. ويحتمله الجمع بين الحكمين المذكورين في الكتب المتقدّمة.

واحتمل بعضهم في الجمع بين عبائر من أطلق القول باعتبار الكرّية في مادّة الحمّام مع إطلاقه القول باتحاد الغديرين الموصول بينهما بساقية حمل الأوّل على صورة التسنيم وتخصيص الثاني بصورة الانحدار ، فيرجع إلى التفصيل المذكور لكن مع عدم تقوّي الأسفل بالأعلى أيضا في الصورة الأولى.

وتوضيح المرام أنّ الّذي يقتضيه الأصل في المقام عدم انفعال الماء بمجرّد بلوغ المتّصل

ص: 145


1- المعتبر 1 / 42.
2- في ( ج ) و ( د ) : « دون ».
3- التذكرة 1 / 4.
4- الدروس 1 / 119.
5- البيان : 44.
6- لم ترد في ( ب ) : « معه مع علوّ الجاري ».
7- الذكرى : 8 - 9.

منه حدّ الكرّ على جميع صوره ؛ لإطلاق ما دلّ على طهارة الماء وخصوص قوله عليه السلام : « الماء كلّه طاهر حتّى تعلم أنّه قذر » (1).

مضافا إلى استصحاب الطهارة السابقة.

وما دلّ على انفعال القليل لا يعمّ شيئا من هذه الصور ، ولا أقلّ من الشكّ في شموله ذلك. ولا يعارضه استصحاب حكم القلّة في القليل المتّصل كذلك بما يكمّله كرّا ؛ لمعارضته باستصحاب حكم الكرّ إذا طرا عليه ذلك. ولا قائل بالفصل ، فعلى كلّ من القولين لا بدّ من نقض أحد الاستصحابين.

وما يتخيّل - من دلالة أخبار الكرّ على اشتراط عدم انفعال الماء بشرط وجودي ، وهو غير معلوم الحصول في المقام ، فينفى بالأصل ويتفرّعه القول بالانفعال كما هو الوجه عند الشكّ في بلوغ الماء حدّ الكرّ - مدفوع بأنّ ذلك إنّما يتمّ عند تحقيق الشرط المفروض ، ثمّ الشكّ في حصوله كما في الفرض المذكور.

وأمّا مع الشكّ في أصل الشرط فلا ، بل العمومات تقضي بنفي الشرط (2) الزائد.

فمع الشكّ في صدق الكرّ مع الاختلاف في سطوح الماء كما في بعض صوره يبنى على الطهارة ؛ لرجوع ذلك إلى الشكّ في اعتبار ما يزيد على بلوغ الماء المتّصل حدا معلوما ، فيدفع بالأصل ، ويقتصر على اشتراط خصوص ما ثبت اعتباره.

مضافا إلى صدق اسم الكرّ مع صورة (3) اختلاف السطوح مع التسنيم والانحدار ، فتكون ذلك (4) الاطلاقات دليلا آخر عليه.

وما قد يقال - من أن عدم سريان النجاسة إلى الأعلى قاض بعدم سراية (5) (6) الطهارة إليه

ص: 146


1- الكافي 3 / 1 ، ح 2 و 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 216 ، ح 2 ؛ وسائل الشيعة 1 / 134 ، ح 5.
2- في ( د ) : « اشتراط ».
3- في ( د ) : « صور » ، وفي ( ألف ) : « صوره ».
4- في ( د ) : « تلك ».
5- لم ترد في ( ب ) : « سراية الطهارة ... الحكم بعدم ».
6- في ( د ) : « اشتراط ».

أيضا لعدم الفرق بينهما وقد صرّح به في الروض (1) مع مبالغته في الحكم بعدم اعتبار الاستواء. وظاهر أنّ عدم سراية الطهارة إلى الأعلى ليس إلّا لعدم اعتصامه بما دونه ، وهو مقتض لانفعاله بالملاقاة ؛ إذ ليس عدم الانفعال إلّا لأجل الاعتصام - مدفوع بأنّه اعتبار محض لا دليل عليه.

بل ظاهر إطلاق الأخبار خلافه ؛ لصدق اسم الكرّ قطعا في بعض صورها كما إذا كان مقدار الكرّ من الماء المجتمع نازلا أو منحدرا.

ومع القول به في صورة اجتماع الماء وانضمام بعضه إلى بعض يثبت (2) في غيره أيضا ؛ لكشفه عن فساد الوجه المذكور ؛ إذ لا مقتضى سواه للتفرقة.

كيف ولو لا ذلك لزم الحكم بنجاسة الأنهار العظيمة المنحدرة بمجرّد قطعها عن المادّة بمجرّد ملاقاة النجاسة لأعلاها ، وهو ضروري الفساد.

وهذا من أقوى الشواهد على ما قلناه ، فلا ضير إذن في القول بحصول الاعتصام عن (3) الانفعال بمطلق الاتصال ، وإن لم يحصل به التطهير في بعض الوجوه من جهة قيام الإجماع (4) بالخصوص أو الشكّ في شمول أدلته أو لفهمه من عدم سراية (5) النجاسة بالفحوى كما سيجي ء الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى.

والقول بالفرق بين حكمي الدفع والرفع ليس بمستطرف عندهم ؛ إذ قد اعتبر كثير منهم في تطهير المياه امتزاج المطهّر بها مع أنّه لا يعقل اعتباره في الاعتصام.

نعم ، قد يقال بعدم صدق اتحاد الماء مع اختلاف السطوح ، فلا يصدق معه البلوغ حدّ الكرّ المتفرّع على وحدة الماء. وكأنّ ذلك هو الوجه في القول الأوّل على ما يومي إليه بعض

ص: 147


1- روض الجنان : 136.
2- في ( د ) : « ثبت ».
3- في ( د ) : « من ».
4- في ( د ) زيادة : « عليه ».
5- في ( د ) : « سريان ».

كلماتهم.

ويضعّفه أنّ الظاهر اتّحاد المائين بمجرّد الاتّصال بل في كثير من صوره يقطع بالاتّحاد.

ولو شكّ فيه في بعض الصور فلا شكّ في عدم شمول أدلّة القليل لمثله (1). ولو فرض الشكّ فيه أيضا كفى في المقام ؛ لما عرفت من قضاء الأصل والعمومات فيه بالطهارة.

ولا يذهب عليك أنّه لا يصحّ للمفصّل الاستناد إلى الوجه المذكور كما قد يوهمه بعض العبائر ؛ إذ من الظاهر أنّه مع عدم صدق اتّحاد المائين يكون كلّ منهما في حكم المنفصل عن الآخر ، فلا يعقل الحكم بالاتّحاد من جانب دون (2) آخر.

نعم ، بعد القول بكون اللّاحق بمنزلة المنفصل عن السابق كما نصّ عليه بعضهم يمكن الاستناد في اعتصام السافل بالعالي بكون العالي مادّة له ؛ عملا بإطلاق ما دلّ على كونها عاصمة من التعليل الوارد في البئر ، وتعليق الحكم عليها في الحمّام المشعر بالعلّيّة.

ولذلك زعم بعض المحدّثين (3) تعميم الحكم ، فذهب إلى عدم انفعال القليل مع جريانه وملاقاة النجاسة لما عدا الأعلى منه ، وحكم بنجاسة الأعلى خاصّة إذا لاقاه النجاسة وإن كان أضعاف الكرّ ؛ لكونه بحكم المنفصل عمّا دونه ، فلا يتقوى به ولا يسري النجاسة منه إليه.

وأنت خبير بأنّ الوجه المذكور إنّما يتمّ مع كريّة السابق خاصّة ؛ لما مرّ في الحمّام من أنّه مع عدم اعتصام المادّة في نفسها لا يعقل اعتصام غيرها بها ، ولأنه المنساق منها في المواد البارزة.

والظاهر إطباقهم على اعتصام السافل به حينئذ ؛ إذ لم نجد مخالفا فيه مع تصريح جماعة قاطعين به.

وظاهر المعالم حكاية اتّفاقهم عليه ، فالوجه المذكور - إن تمّ - طريق آخر لاعتصام الماء لا دخل له بما هو محلّ الكلام من اعتصام السافل بالعالي في خصوص الكرّ.

على أن في اتفاقهم على ما ذكر تاييدا لما قلناه ؛ إذ مع الغضّ عن اتّحاد الماء وإجراء حكم

ص: 148


1- في ( ج ) : « بمثله ».
2- في ( ب ) : « أو ».
3- روض الجنان : 135 ؛ الحدائق الناضرة 1 / 243.

الكرّ على المجموع لا يظهر وجه للحكم سوى (1) رواية الحمّام وتعليل البئر.

ولا يخلو عن ضعف لعدم العموم في الأوّل. ولذا بنى جماعة هناك على تسرية حكمه بتطبيقه على القاعدة وظهور الثاني في الموارد الأرضية ، فتأمّل.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه لأمور :

الأوّل : الظاهر أنّ موضع البحث في اعتبار استواء السطوح وعدمه فيها (2) إذا كان الاختلاف بتدافع الماء وجريانه ، و (3) أمّا مع سكونه واستقراره فلا يبعد خروجه عن محلّ الكلام ؛ لخروجه عن ظاهر كلماتهم في المقام وتصريحهم بطهارة الباقي من المتغيّر الكثير إذا كان كرّا من غير تفصيل بين كون غير المتغيّر منه بتساوي السطوح أو لا مع أنّ التغيّر في الغالب لا يسري على حدّ سواء.

مضافا إلى ما هو ظاهر المذهب من عدم اشتراط الاجتماع في الماء وضمّ بعضه إلى بعض كما عرفت.

وحينئذ فلا تأمّل في تقوّي الأعلى بالأسفل والأسفل بالأعلى ، وإن كان الماء ان متميّزين في الحسن (4) (5).

وفي بعض كلمات المتأخّرين ما يفيد تسرية الكلام إلى (6) ذلك أيضا ، وهو ضعيف.

نعم ، هناك كلام في تطهير الماء العالي كذلك بالسّافل. وسيأتي القول فيه إن شاء اللّه تعالى.

ص: 149


1- لفظة « سوى » من نسخة ( د ).
2- في ( د ) : « فيما ».
3- في ( د ) لم ترد : « و ».
4- في ( ب ) : « الحرّ ».
5- في ( د ) : « الحسّ ».
6- في ( د ) : « على ».

الثاني : قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ حكم القليل المتّصل بالمعتصم من الكرّ أو الجاري أو الغيث حكمه في عدم الانفعال سواء تساوى سطحاهما أو اختلفا ، ويأتي على قول من لا يقول بتقوّي الأعلى بالأسفل عدمه هنا أيضا. ولو كان القليل أسفل ، فالظاهر عدم الخلاف في اعتصامه به كما عرفت من حكمهم.

الثالث (1) : المعروف من المذهب أنّ بلوغ الماء حدّ الكرّ باعث على العصمة من الانفعال بملاقاة النجاسة من غير فرق بين كون الماء في الغدران والقلبان (2) أو الأواني والحياض وغيرها.

وقد اشتهر حكاية الخلاف فيه عن المفيد رحمه اللّه في المقنعة (3) والديلمي في المراسم (4) ويستفاد ذلك أيضا من الشيخ رحمه اللّه في النهاية (5) في خصوص مياه الأواني حيث أطلق القول بانفعالها وفصّل في مياه الغدران بين الكرّ ودونه. والظاهر حملها على صورة القلّة ؛ إذ هو الغالب فيها بخلاف الغدران.

ولا يبعد أن يحمل عليه عبارة المقنعة والمراسم وإن صرّحا بنجاسته (6) مع الكثرة حملا للكثرة على العرفيّة دون الكرّية ؛ إذ اشتمال الآنية (7) على الكرّ في غاية الندرة.

وكذا الحياض المصفوفة (8) الّتي تسقى منها الدوابّ ونحوها. والحياض المعمولة في هذا الزمان غير معلوم الاشتهار في تلك الأعصار.

ص: 150


1- في ( د ) : « ثالثها ».
2- في ( ب ) : « القليبان ».
3- المقنعة : 64 - 66.
4- المراسم العلوية : 36.
5- النهاية : 3 - 4.
6- في ( ألف ) : « بنجاسية ».
7- في ( د ) : « الآية ».
8- في ( د ) : « المصنوعة ».

ويؤيّده أنّ الشيخ رحمه اللّه (1) في التهذيب عند شرحه للكلام المذكور حمله على القليل خاصّة ، ولذا استدلّ عليه بما دلّ على انفعال القليل ، وهو أعرف بمقصود شيخه.

وكيف كان ، فيدلّ على المشهور إطلاق روايات الكرّ.

ووقوع خصوص مياه الغدران في السؤال الوارد في بعضها لا يوجب انصراف الجواب إليه بالخصوص مع إطلاقه في نفسه.

ولو سلّم فغاية الأمر عدم دلالة تلك الرواية على العموم ، وهو لا ينافي دلالة غيرها عليه ؛ إذ ليس ذلك واردا في الجميع.

وفي رواية أبي بصير : « لا تشرب (2) سؤر الكلب إلّا أن يكون حوضا كبيرا يستقى منه » (3) مضافا إلى الأصل والاستصحاب والعمومات ، مع عدم قيام دليل على خلافها.

واحتجّ المفيد (4) ومن تبعه بإطلاق ما دلّ على انفعال مياه الأواني من غير تفصيل بين القولين (5).

ويضعّفه (6) أنّه مع أخصّيته عن المدّعى معارض (7) بالإطلاق المتقدّم.

فغاية الأمر أن يكون التعارض بينهما من قبيل العموم من وجه ، فيرجع فيه إلى الأصل ، ومقتضاه الطهارة كما أنّها (8) مقتضى العمومات.

مضافا إلى أنّ الغالب في مياه الأواني القلّة ، فينصرف إليه الإطلاقات ؛ إذ هي مبنيّة على الغالب مع اعتضاده بالشهرة العظيمة بين الطائفة بل اتفاق الكلمة عليه بعد أولئك الأجلّة إن

ص: 151


1- تهذيب الأحكام 1 / 217.
2- زيادة في ( د ) : « من ».
3- التهذيب 1 / 226 ح 33 ؛ الإستبصار 1 / 20 ح 644 عن أبي بصير.
4- المقنعة : 64. وفي ( د ) : « للمفيد ».
5- في ( د ) : « القسمين ».
6- ليس في ( د ) : « أنه ».
7- في ( د ) : « أنه معارض ».
8- في ( د ) : « أنّ ».

ثبت خلافهم في المسألة.

الرابع (1) : لو شكّ في بلوغ الماء حدّ الكرّ بني على عدم بلوغه سواء علمت قلّته أو لا ، أو جهل الحال فيه لأصالة عدمه.

وتوضيح المقام أنّ الشكّ في كرّية الماء إمّا أن يكون ابتداء من أوّل الأمر أو بعد العلم بالكرّية بأن يشكّ في حصول النقيصة (2) أو مع العلم بحصولها في الجملة ، غير أنّه يشكّ في كونه مخرجا له عن الكريّة إمّا للشكّ (3) في مقدار أصل الماء أو الشكّ في مقدار النقيصة أو الشكّ فيهما أو بعد العلم بنقصانه عن الكرّ بأن يشكّ في تكميله ؛ أو يعلم به في الجملة ويشكّ في إيصاله إلى حدّ الكرّ إمّا للشكّ في مقدار أصل الماء أو في قدر (4) المكمل أو فيهما ، فهذه وجوه المسألة :

أحدها : أن يكون الشكّ في الكرّية من أوّل الأمر.

والظاهر كما أشرنا إليه البناء على قلّته (5) وانفعاله بالملاقاة ؛ أخذا بأصالة عدم البلوغ إلى حدّ الكرّية (6) (7).

وذهب جماعة من المتأخّرين إلى البناء على أصالة الطهارة ؛ إذ أصالة عدم البلوغ إلى حدّ الكرّ معارضة بأصالة بقاء الطهارة ، فيبقى العمومات سليمة من (8) المعارض.

ويضعّفه أن أصالة الطهارة مغيّاة بقيام الدليل الشرعي على النجاسة ، وقد قام ثبوت (9) القلّة بالاستصحاب وقيام أدلّة القليل على انفعاله ، فليس هناك معارضة بين الأصلين.

ص: 152


1- في ( د ) : « رابعها ».
2- زيادة في ( د ) : « من أصلها ».
3- في ( ألف ) : « الشك ».
4- في ( د ) : « القدر ».
5- في ( د ) : « أقلّيته ».
6- لم يرد في : ( ب ) : « الكريّة وذهب .. البلوغ إلى حدّ ».
7- في ( د ) : « الكر ».
8- في ( د ) : « عن ».
9- في ( د ) : « لثبوت ».

وكذا الحال في عموم « كل ماء طاهر » (1) إن جعلناه (2) مغايرا للاستصحاب لكون الحكم فيه مغيّى بالعلم ، وهو حاصل من جهة قيام الدليل الشرعيّ.

وما يقال من أنّ العلم ظاهر في اليقين وهو غير حاصل بالاستصحاب ونحوه منقوض بحكمهم بالنجاسة قطعا من جهة قيام الدليل الشرعيّ على الحكم كالأدلّة القائمة على انفعال القليل أو نجاسة عرق الجنب من الحرام ونحوهما. والحال أنّ الأدلّة المذكورة لا يفيد اليقين في نفسها.

وأمّا انتهاؤها إلى اليقين للدليل القاطع على حجيّتها فهي قاضية بالعلم القطعي بالحكم ، فيجب البناء على مقتضاها في المقامين.

ولتفصيل الكلام في هذا المرام مقام آخر.

ثانيها : أن يكون الشكّ في طروّ نقص على الماء بعد العلم بكرّيته.

ولا شكّ إذن في البناء على أصالة البقاء على الكرّية مع اعتضادها بأصالة الطهارة والعمومات المذكورة. وهو مما لا كلام فيه.

ثالثها : أن يكون الشكّ في القدر الناقص إذا علم بنقصان شي ء منه ودار الأمر بين بلوغه إلى حدّ يوجب نقصه عن الكرّ وعدمه. والحكم فيه كسابقه ؛ لأصالة القلّة في القدر الناقص وأصالة الطهارة في الماء.

رابعها : أن يكون القدر الناقص معلوما ويكون الشكّ من جهة الشكّ في مقدار أصل الماء ، فيحتمل فيه البناء على أصالة القلة فيؤخذ بالقدر المتيقّن. ومعه يلزم الخروج عن الكرّية بالنقص المفروض.

ويشكل بأنّ الماء قد كان محكوما بكرّيّته قبل طروّ النقص ، فالأصل البقاء عليها إلى أن يعلم المخرج.

ص: 153


1- في ( ب ) زيادة : « .. إلى آخره ».
2- في ( ب ) : « جعلنا مغاير الاستصحاب ».

وفيه : أنّ المحكوم بكرّيته هو مجموع الماء بطروّ (1) النقص تغيّر (2) الموضوع إذ لم يحكم أولا بكريّة الباقي حتى يستصحب الحال.

ويدفعه أن ذلك ليس من استصحاب الحكم حتّى يتنازع فيه بتغيّر الموضوع بل هو من قبيل استصحاب نفس الموضوع فانّ الكرّ قد كان موجودا قبل النقيصة فالأصل بقاؤه بعدها حتّى يعلم الخلاف.

ومع الغضّ عن ذلك فتأخذ الحكم في المقام العصمة عن الانفعال ، فإنّ القدر الباقي قد كان معصوما من الانفعال قبل النقص ، فالأصل بقاؤه عليه بعده.

ويتوجّه عليه أنّ الأصل عدم الزيادة في مقدار الماء ، فلا يحكم بها إلّا على مقدار اليقين ، وحينئذ بعد العلم بحصول النقص المفروض يثبت القلّة أخذا بالأصل المذكور ، وهو حاكم عى أصالة بقاء الكر وأصالة بقاء العصمة ؛ إذ الحكم بهما مغيّى بحصول العلم بالقلة ، والمفروض أنّ الأصل المذكور دليل شرعي عليها من دون معارض يدفعه سيّما لو كان الماء قليلا في الأوّل فحصلت الزيادة شيئا فشيئا فشكّ في مقدار الماء الزائد ، خصوصا لو كان ذلك لاحتمال حصول الزيادة بعد الزيادة ، بل لا يبقى الشك (3) في مثله في الحكم بالقلّة.

مضافا إلى أنّه قد يناقش في كونه من استصحاب الأمر فيه إلى الشكّ في بقاء الكرّية مع اختلاف ما لو تعلّق به اليقين الأوّل قطعا ، كيف ولو قيل بكون استصحاب بقاء الكرّ من استصحاب الموضوع لكونه متعلّقا بجملة من الأحكام جرى مثله في كثير من موارد الاستصحاب.

وهو كما ترى.

خامسها : أن يعلم نقصانه من الكر أوّلا وقد زيد عليه ما يشكّ معها في البلوغ إلى حدّ الكرّ إمّا للشكّ في مقدار الزائد أو في مقدار الماء أوّلا أو فيهما.

ص: 154


1- في ( د ) : « فيطّرد ».
2- في ( د ) : « بغير ».
3- في ( ج ) : « لا ينبغي التأمّل ».

وفيه الوجهان السابقان.

والأظهر ما قدّمناه من البناء على أصالة القلّة ، وجعله حاكما على أصالة الطهارة.

سادسها : أن يكون الشك في طروّ الكرّية ابتداء بعد العلم بالقلّة.

والظاهر حينئذ هو الحكم باستصحاب القلّة.

والحكم فيه أوضح من الوجوه المتقدّمة (1).

وقد يقال بمعارضته باستصحاب الطهارة فيرجع إلى أصالة الطهارة ، وهو ضعيف.

ص: 155


1- في ( د ) : « السابقة ».
تبصرة: [ في تقدير الكرّ بالوزن ]

للأصحاب في تقدير الكرّ (1) طريقان : أحدهما بالوزن ، والآخر بالمساحة.

والمعروف في الأوّل تحديده بألف ومأتي رطل بلا خلاف يظهر فيه.

وقد حكي الإجماع عليه في الانتصار (2) والناصريات (3) والغنية (4).

وعزاه في المعتبر (5) إلى الأصحاب مؤذنا بالإجماع عليه.

ونحوه ما في المهذّب البارع (6) حيث أسنده فيه إلى عمل الأصحاب.

وجعله الصدوق رحمه اللّه (7) من دين الإمامية (8).

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك مرسلة ابن أبي عمير (9) الّتي هي عندهم بمنزلة الصحيح سيّما بعد اعتضادها بالعمل ، بل هي إذن أقوى من كثير من الصحاح. وعدّها في كشف (10) الرموز من أصحّ الروايات والأشهر منها في الباب.

ص: 156


1- مفتاح الكرامة 1 / 293 مقدار الماء الكرّ ، وانظر : كشف الرموز 1 / 47 ؛ الحدائق الناضرة 1 / 254 ؛ ذخيرة المعاد : 122.
2- الانتصار : 85.
3- الناصريات : 68.
4- الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 489.
5- المعتبر : كتاب الطهارة 1 / 47.
6- المهذّب البارع 1 / 81.
7- الأمالي : 514.
8- في المخطوطة : « الامامة ».
9- وسائل الشيعة 1 / 167 ، ح 1.
10- كشف الرموز : 1 / 47.

فالحكم المذكور ممّا لا ريب فيه.

واختلفوا في المقصود بالأرطال في المقام ، فالمشهور كما حكاه جماعة من الأصحاب (1) منهم الشهيد الثاني في الروض والروضة (2) وصاحب الذخيرة (3) والحدائق (4) وغيرهم - أنه الأرطال العراقية.

وحكى في كشف الرموز (5) عن الشيخ رحمه اللّه حكاية الإجماع عليه. قيل : ولم نعثر عليه في كتبه. وبه قال الشيخان والقاضي (6) والطوسي (7) والفاضلان (8) والشهيدان (9) وجمهور المتأخرين (10).

وعن الصدوقين (11) والسيد (12) أنّها مدنية (13).

وجعله في الغنية (14) أحوط.

ص: 157


1- مفتاح الكرامة 1 / 299 ؛ روض الجنان : كتاب الطهارة في المياه : 140 س 14 ؛ الروضة البهية : كتاب الطهارة مقدار الكر 1 / 255.
2- لم ترد في ( ب ) : « الروضة ».
3- ذخيرة المعاد : كتاب الطهارة : 122 س 15.
4- الحدائق الناضرة 1 / 254.
5- كشف الرموز 1 / 48.
6- مفتاح الكرامة 1 / 294 ، النهاية : كتاب الطهارة في المياه : 3 ، المقنعة : 64 ، وفي التهذيب للقاضي كتاب الطهارة : 1 / 21.
7- المبسوط 1 / 6.
8- شرائع الإسلام : 1 / 10 ؛ والمختصر النافع : 2 ؛ مختلف الشيعة : 1 / 185 ؛ نهاية الاحكام 1 / 233.
9- الروضة البهية : كتاب الطهارة 1 / 255 ؛ روض الجنان : 139 ؛ البيان : 44.
10- كشف اللثام 1 / 265 ؛ رياض المسائل 1 / 146 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 / 259.
11- مفتاح الكرامة 1 / 295 ؛ من لا يحضره الفقيه : باب المياه 1 / 6 ، ونقل عن أبيه في المختلف الشيعة : كتاب الطهارة في حد الكر 1 / 185.
12- الانتصار : كتاب الطهارة : 85.
13- في ( د ) : « مذهبه ».
14- الغنية : غنية النزوع ( الجوامع الفقهية ) : 489.

وحكى السيد (1) عليه الإجماع وقال : إنّه الذي دلّت عليه الآثار المعروفة المرويّة.

وعدّه الصدوق (2) من دين الإمامية (3).

والأقوى الأول. ويدلّ عليه أمور :

الأول : الأصل ، وعموم قوله عليه السلام : « الماء كلّه طاهر حتّى يعلم أنه قذر » (4) ؛ إذ غاية الأمر حصول الشكّ في المراد بالأرطال لإجمالها واشتراكها بين الرطلين ، فيشكّ في نجاسة القدر الأقلّ بالملاقاة ، وقضية الأصل والعموم المذكور بقاؤه على الطهارة حتّى يتبيّن المخرج.

وقد يناقش فيهما بأنّ مقتضاهما الحكم بالطهارة مع الشكّ في ملاقاة النجاسة لا مع العلم بها ، والشكّ في الانفعال بالملاقاة أو في حكم الشرع نجاسة الملاقي كعرق الجنب من الحرام ، بل الواجب حينئذ هو الرجوع إلى الأدلّة الشرعيّة. وبعد العجز عن الترجيح مراعاة جانب الاحتياط.

والحاصل أنّ العمل بالعموم والأصل إنّما هو مع الشكّ في عروض القادح (5) لا في قدح العارض ، بل لا بدّ في النافي (6) من ملاحظة الدليل والبناء على ما يقتضيه.

ويشهد له أنّ مقتضى الأصل والعموم المذكورين هو البناء على الطهارة إلى أن يتبيّن الخلاف ، ويتّفق له القطع بطروّ النجاسة ، فلا يجب التجسّس والفحص عن حصولها. وهذا إنّما يتمّ في الأوّل دون الثاني ، للزوم التجسّس عن الدليل قطعا.

ويدفعه أنّ قضية إطلاق أدلّة الاستصحاب وظاهر العموم المذكور عدم الفرق بين الصورتين في صحّة الرجوع إلى الأمرين ، وتخصيصه بالأوّل خروج عن الظاهر من غير قيام حجة عليه كما فصّل ذلك في محلّه.

ص: 158


1- الانتصار : 85.
2- الامالي : 514.
3- في ألف : « الامامة ».
4- الكافي 3 / 1 ح 3.
5- في ( ج ) : « القادع ».
6- في ( د ) : « الثاني ».

وما ذكر من الفرق بين الصورتين في صحّة (1) الرجوع إلى الأمرين نظرا إلى عدم جواز البناء عليهما من دون الفحص في اثبات أصل الحكم ، لا يقضي بخروجه عنها ؛ إذ غاية الأمر تقييده لما دلّ على وجوب بذل الوسع على المجتهد بما يعدّ بذل الوسع لا بخروجه عن كلا التقديرين.

ولتحقيق الكلام فيه مقام آخر.

وما يقال : من أنّ قضية أخبار الكرّ كون الكرّية شرطا للاعتصام وعدم الانفعال بالملاقاة ، ومن المعلوم أنّها صفة وجوديّة ، فمع الشكّ في حصولها لا بدّ من نفيها بالأصل ويتبعه القول بالانفعال ، فقضية الأصل فيه على العكس ؛ فاسد إذ ذاك إنّما يتمّ مع العلم بمقدار الكرّ والشكّ في حصوله ؛ إذ الأصل فيه حينئذ عدم وصوله إلى ذلك المقدار.

وأمّا إذا تعلّق الشكّ بأصل مقداره فلا معنى لأصالة عدم كونه كرّا ؛ إذ من الواضح للأصل المذكور لموضوعات الألفاظ ومستعملاتها وتعيين المراد من المجملات (2). فغاية الأمر هو التوقّف ، ومعه يقدّم (3) للأصل المتقدّم حجّة على الطهارة.

وما يجاب عن الإيراد المذكور من أنّه كما يقال (4) بكون الكرّية شرطا للاعتصام بمقتضى منطوق روايات الكرّ كذا نقول بكون القلّة شرطا لانفعاله بمقتضى المفهوم فكما أنّ الشكّ في الشرط يوجب (5) الشكّ في المشروط في الأوّل فكذا في الثاني.

وحينئذ فالمرجع بعد تعارض الأصلين المذكورين إلى أصالة الطهارة في الماء المستفادة من العمومات وأصالة براءة الذمّة عن وجوب الاجتناب.

ويضعّفه أنّ ذلك إنّما يتمّ لو كان كلّ من الشرطين المذكورين وجوديّا ، وأمّا (6) مع كون

ص: 159


1- لم ترد في ( د ) : « في صحّة الرجوع إلى الأمرين ».
2- في ( د ) : « المحتملات ».
3- في ( د ) : « يقوم الأصل » ، بدل : « يقدّم للأصل ».
4- في ( ج ) : « يوهم ».
5- لم ترد في ( ج ) : « يوجب الشكّ في المشروط ».
6- لم يرد في ( ب ) : « وأمّا .. وجوديّا ».

أحدهما وجوديا والآخر عدميّا فلا يتّجه ذلك أصلا ؛ إذ قضية الأصل إذن (1) ثبوت ما يوافقه ، فيتعين العمل بمقتضاه كما هو الشأن في نظائر المقام ، فالصواب في الجواب هو ما قدّمناه.

بقي الإشكال في المقام في أمرين :

أحدهما : أنّ ما ذكر من الأصل وكذا العموم إنّما يتمّ إذا كان الماء المفروض منفصلا من الكثير وما بحكمه ، وأمّا إذا كان محكوما بقلّته أوّلا ثمّ زيد عليه ما جعله ألفا ومأتين بالعراقية ، فلا يجري فيه ذلك ، بل الأمر فيها بالعكس ؛ إذ (2) كان الماء قبل البلوغ إلى ذلك محكوما بانفعاله فمع الشكّ في زواله يبنى على أصالة بقائه ، ويكون ذلك حاكما على الأصل والعموم المذكور لكونه دليلا شرعيّا على الانفعال.

ثانيهما : أنّ ذلك إنّما يتمّ بالنسبة إلى اعتصام الماء ، وأمّا تطهيره لما يلاقيه على نحو الكرّ بناء على الفرق بين الكرّ وغيره في ذلك فلا ؛ لأصالة بقاء الملاقي الوارد عليه على نجاسته ، فقضية الأصل البناء على كلّ من الأصلين في محلّه.

والحاصل : أنّ تطهير الماء لورود النجاسة عليه مشروط بالكرّية على القول المذكور ، ولا دليل على حصول الكرّية في المقام عليها شرعا ، والشكّ في (3) الشرط يوجب الشكّ في المشروط فلا يحكم به إلّا بعد قيام الدليل.

ويمكن الجواب عن الأوّل بأنّه لا مقتضى (4) لاستصحاب الانفعال في المقام مع عدم جريان استصحاب القلّة كما عرفت ، فإنّه إذا لم يقم دليل شرعيّ على القلّة ولو من جهة الأصل لم يتّجه الحكم بالانفعال ؛ إذ هو مخالف للأصل والعموم ، فيقتصر فيه على مورد اليقين وغاية ما يثبت الحكم بانفعاله قبل الإكمال المفروض.

وأمّا بعده فاستصحاب عدم الانفعال قائم فيه ؛ إذ قضية الأصل والعموم عدمه إلّا فيما

ص: 160


1- في ( ألف ود ) : « أنّ ».
2- في ( د ) : « أو ».
3- في ( ب ) : « و ».
4- في ( د ) : « معنى ».

يثبت خلافه والمفروض ثبوته قبل طروّ تلك الحالة لو لاقته نجاسة.

وأمّا مع عدم طروّ النجاسة عليه حينئذ و (1) وصوله إلى المقدار المذكور فقضية ما قلناه بقاء تلك الحالة.

واستصحاب قبول الانفعال غير متّجه بل الأمر بالعكس ؛ لقضاء الأصل والعموم بعدمه إلّا فيما دلّ الدليل عليه. وغاية ما دلّ عليه هو ما قبل الإكمال. وأمّا بعده فقضيّة الاستصحاب والعموم المذكور (2) البقاء على الطهارة.

والحاصل : أن الحكم بأصالة الانفعال بالملاقاة هو عكس ما اقتضاه الدليل من الأصل والعموم من البناء على عدمه.

نعم ، لو تفرّع الانفعال على صفة ثابتة في الأول وأمكن استصحابها تفرّع عليها الحكم بالانفعال ، وهو غير جار في محلّ الكلام ؛ لما عرفت من عدم جريان استصحاب القلّة في المقام ، فتأمّل.

وعن الثاني بأنّ الماء المفروض بعد ورود النجاسة عليه محكوما بطهارته شرعا ، فيكون مطهّرا ؛ إذا المانع من طهوريّة القليل على القول باعتبار الورود فيه انفعاله لملاقاة النجاسة ، فلا يطهر ما يلاقيه ؛ إذ غاية ما يثبت من الأدلّة طهوريّة الوارد دون المورود ، فحينئذ نقول : إنّ عمومات طهوريّة الماء كافية فيه.

وأمّا على القول بعدم الفرق بين الورودين في ذلك فالأمر واضح.

وفيه : أنّ بقاء الطهارة نظرا إلى الأصل لا يقضي بتطهيره لما يلاقيه على أي وجه كان.

نعم ، قضيّة بقاء الطهارة بالأصل تطهيره لما يلاقيه في الجملة لما (3) هو معلوم من أن تطهير النجس مع وروده على الماء مشروطا ببلوغه حدّ الكرّ ، فكيف يمكن الحكم بحصول الطهارة في المقام مع الشكّ في حصول الشرط ، فغاية الأمر حينئذ هو الحكم ببقاء الطهارة.

ص: 161


1- زيادة الواو من ( د ).
2- لم يرد في ( ب ) : « المذكور البقاء .. الأصل والعموم ».
3- لم ترد في ( ج ) : « لما ».

وأمّا طهوريّته على النحو المذكور بعد البناء على الاشتراط المفروض مع الشكّ في حصوله فممّا لا وجه له أصلا.

نعم ، إنّ ورود الماء المفروض بعد ملاقاة النجاسة عليها قضت أصالة البقاء على الطهارة بطهوريّتها حسب ما ذكر ، ولا يعارضه استصحاب النجاسة في الآخر ؛ لما هو معلوم من أن الحكم باستمراره مغيّى بالعلم بالمزيل بحسب الشرع ، وقد علم ذلك من تطهيره بما علمت طهارته بحكم الشرع.

كيف ولو صحّ تعارض الاستصحابين في المقام لما جاز التطهير بشي ء من المياه الّتي يثبت فيها الطهارة بالاستصحاب ، وهو خلاف إجماع المسلمين بل الضرورة من الدين.

فظهر بذلك أنّ قضية الأصل في المقام جريان حكم (1) الكرّ في الماء المفروض بالنسبة إلى الاعتصام عن الانفعال وجريان حكم القليل فيه بالنسبة إلى كيفية التطهير ، لكن لا يبعد أن يقال : إنّه بعد الحكم بطهوريّة الماء المفروض لا بدّ من الحكم بتطهيره لما يلاقيه ، ولو على الوجه المفروض ؛ لصدق اسم الغسل بالماء الطاهر ، وإنّما لا (2) يطهر بالورود عليه بناء على القول المذكور من جهة انفعال القليل بالملاقاة فيتنجّس به الماء من دون أن يقتضي بالتطهير ، ومع عدم انفعاله في ظاهر الشرع لا وجه لعدم الحكم مع القلّة بطهوريته على الوجه المذكور ، فالأظهر قضاء الأصل في المقامين بالطهارة والطهوريّة ، وهو مفاد الكرّية.

الثاني : إن « الأرطال » في الرواية المتقدمة (3) الّتي هي الأصل في المسألة محمولة على الأرطال العراقية تقديما لعرف الراوي على المرويّ عنه. والرواية وإن كانت مرسلة إلّا أنّ الظاهر كون الراوي عراقيا ؛ إذ غالب الرواة من أهل العراق ، والمرسل هو ابن أبي عمير ، وعمدة مشايخه من العراقيين.

مضافا إلى أنّ المستفاد من غير واحد من الأخبار اشتهار الأرطال العراقيّة في ذلك

ص: 162


1- لم يرد في ( ب ) : « حكم الكرّ .. وجريان ».
2- لم ترد في ( ب ) : « لا ».
3- وسائل الشيعة 1 / 167 ، ح 1.

العصر ، فربّما ينصرف الإطلاق إليها ، فقد ورد في بعض الأخبار تفسير الأرطال المطلقة بأرطال مكيال العراق وفسّر الصاع في بعض الروايات بتسعة أرطال ، ويراد (1) به العراقي قطعا.

ويؤيّده أيضا فهم معظم الأصحاب منه ذلك واشتهار الحكم به بينهم ، فإنّ القول بإرادة المدني فيها لم يظهر إلّا من المذكورين. والمعروف بين من تأخّر (2) عنهم هو العراقيّة بلا خلاف يعرف بينهم سوى بعض متأخري المتأخرين كما أشرنا إليه لوجه ضعيف سنشير إليه إن شاء اللّه تعالى.

الثالث : ما في صحيحة محمّد بن مسلم من أنّ الكرّ ستمائة رطل (3) بحمل الرطل فيها على المكّي الّذي هو ضعف العراقي لكون الراوي لها من حوالي مكّة ولعدم ظهور القائل به من الأصحاب لو لا حملها عليه وإلا لزم طرحها ، وللجمع بينها وبين الرواية المتقدّمة فيكشف كلّ منهما عمّا هو المراد بالآخر.

وربّما يشهد له أنه قد روى ابن أبي عمير أيضا بطريق فيه إرسال عن الصادق عليه السلام إنّ الكرّ ستمائة رطل (4). فتعيّن الوجه المذكور للجمع بين روايته (5).

بل احتمل بعضهم اتحاد الروايتين بل يحتمل اتحاد الروايات الثلاث على أن يكون روايته الثانية هو رواية محمّد بن مسلم ويكون ما في روايته الأولى نقلا لذلك بالمعنى على حسب ما هو المتعارف بينهم في الأرطال.

* * *

ص: 163


1- في ( ب ) : « ومراد ».
2- في ( ألف ) : « متأخّر » ، بدل : « من تأخّر ».
3- وسائل الشيعة 1 / 168 ، ح 3.
4- وسائل الشيعة 1 / 168 ، ح 2.
5- في ( د ) : « روايتيه ».

حجة القول الآخر أمران :

أحدهما : حمل الرطل في الحديث المتقدّم على الرطل المدني ؛ ترجيحا لعرف المروي عنه.

ثانيهما : الاحتياط.

ويظهر من السيد في الانتصار ورود روايات به وقيام إجماع الفرقة عليه حيث قال بعد ذكر تحديده بألف ومأتي رطل : أمّا المدني (1) في مقابلة تحديد (2) ابن حيّ بثلاثة آلاف رطل ، إن تحديدنا بالأرطال التي ذكرناها أولى من تحديد ابن حيّ (3) ؛ لأنّا عوّلنا في ذلك على آثار معروفة مرويّة ، وإجماع الفرقة قد دلّ الدليل على أنّ فيهم الحجّة وابن (4) حي لا يدرى كيف حدّده بثلاثة آلاف رطل وعلى ما ذا اعتمد (5)؟!

ودفع الأوّل ظاهر ممّا (6) قرّرنا ، فلا حاجة إلى إعادته. والاحتياط لا يقوم حجّة شرعيّة.

وذكر صاحب الحدائق (7) : إنّ التحقيق في المقام أن يقال : إنّ الأخبار الواردة في الكرّ القائلة بأنّه « إذا بلغ الماء كرّا لم ينجّسه شي ء » دالّة بمنطوقها (8) على أنّه مع العلم ببلوغ الكرّية لا ينجسه شي ء ، وبمفهومها - الّذي هو حجّة صريحة صحيحة - على أنّه مع العلم بعدم بلوغه كرا ينجس بالملاقاة تعلّق الحكم بنجاسة ذلك الماء على العلم ببلوغه كرا. ومقتضى هذين التعليقين. ومقتضى الاخبار الدالّة على وجوب التوقّف ، التوقّف عن الحكمين والوقوف على جادة الاحتياط في العمل.

ص: 164


1- في ( د ) : « بالمدنيّ » ، بدل : « أمّا المدنيّ ».
2- في ( ج ) : « تحديده الجاجي » ، بدل : « تحديد ابن حيّ ».
3- في ( ج ) : « الحاحى » ، بدل : « ابن حيّ ».
4- في ( ج ) : « فهم الحجة والحاحي ».
5- الانتصار : 85.
6- في غير ( د ) : « ما ».
7- الحدائق الناضرة : 1 / 260.
8- في ( د ) : « أيضا » ، بدل : « بمنطوقها ».

قولهم : الاحتياط ليس بدليل شرعيّ ، على إطلاقه ممنوع ؛ لما عرفت في المقدمة الرابعة من أن الاحتياط في مثل هذه الصورة من الأدلّة الشرعيّة. انتهى.

ويرد عليه ، أمّا أوّلا : فبأنّ ما ذكره من وجوب الاحتياط في المقام فاسد ، بل مقتضى الأصل والعموم هو المتّبع حتى يقوم دليل على تنجسه بملاقاة النجاسة حسبما مرّ الكلام فيه.

وتفصيل الكلام في ذلك في الأصول.

وأمّا ثانياً : فبأنّ أخذ العلم في المنطوق والمفهوم غير متّجه في المقام لإناطة الحكم في الرواية بالواقع دون العلم. وقد ذكر في الحاشية في وجه التّقييد به أنّ مناط الحكم بالطهارة والنجاسة هو علم المكلّف به لا مجرّد كونه كذلك في الواقع. وأحال ذلك إلى ما قرّرنا في مقدّمات الكتاب من بيان ذلك.

ويدفعه أنّ ما أنيط به الحكم المذكور هو العلم الشرعيّ سيّما بالنسبة إلى ما نحن فيه حيث إنّ الكلام في ثبوت الحكم الشرعي دون موضوعه. ومن البيّن أنّ العلم القطعي غير معتبر في المقام وإلّا لما اكتفى في الحكم بتنجّس الماء بملاقاة ما دلّ الدليل الشرعي على نجاسة من النجاسات العينيّة أو المتنجسات إذا لم يفد العلم القطعي بنجاسة الواقعي. وهو فاسد عنده قطعا بل الظاهر أنّه لا خلاف فيه أصلا فكذا الحال في المقام.

وقد عرفت قضاء الأصل والعمومات بطهارة الماء المفروض بعد ملاقاة النجاسة ، فيكون كرّا ؛ إذ ليس المراد به إلّا ما يقتضي عصمة الماء من الانفعال بالملاقاة.

وأمّا ثالثاً : فبان قضيّة ما ذكره أخذ العلم في مفهوم النجاسة دون الطهارة ، فلا وجه لاعتبار التقييد المذكور في جانب الطهارة أيضا ؛ فإنّ النجس - بناء على ما قرّره - هو ما علم نجاسته ، والطاهر ما لم (1) يعلم نجاسته. وقضية ذلك الحكم بالطهارة في المقام.

ثمّ إنّ ما يستفاد من كلام السيّد (2) من دلالة الروايات عليه فممّا لا نقف (3) عليه في الروايات

ص: 165


1- في ( ب ) : « والظاهر ما لم » ، ولا توجد « لم » في ( ألف ).
2- الانتصار : 85.
3- في ( د ) : « لم يقف » ، بدل : « لا نقف ».

الواصلة إلينا ، ولا أشار إليه أحد من علمائنا. وكأنّه مبني على حمل اللفظ على عرف المتكلّم فيرجع إلى الوجه الأوّل.

وما ادّعاه من الإجماع (1) على فرض صرفه إلى الخصوصيّة المذكورة أيضا دون أصل المقدار في مقابلة ما ذكره ابن حي ، موهون بمصير المعظم على خلافه كما عرفت.

هذا ، واعلم أنّ المشهور في مقدار الرطل أنّه مائة وثلاثون درهما فيكون بالمثاقيل الشرعيّة أحدا وتسعين مثقالا. وذهب العلامة رحمه اللّه في بحث نصاب الغلات من التحرير والمنتهى أنّه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، فيكون تسعين مثقالا شرعيا. وهو محكيّ عن أحمد بن علي - وهو من العامة - في كتاب الحاوي.

والأظهر هو الأوّل.

ويدلّ عليه الشهرة العظيمة المعلومة من مذهب الأصحاب ، والمنقولة في كلام جماعة بل لا يعرف مخالف فيه سوى العلامة رحمه اللّه في خصوص ما ذكر من كتابيه. وهو موافق للمشهور في غيرهما.

وفي (2) مثل هذه المسألة يكتفى فيه بمطلق المظنّة (3) فإنّها من قبيل الموضوعات اللفظيّة.

ويمكن الاحتجاج عليه أيضا بما رواه الشيخان رحمهما اللّه في الكافي والتهذيب عن جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام على يدي أبي : جعلت فداك! إنّ أصحابنا اختلفوا في الصّاع ، بعضهم يقولون الفطرة (4) بصاع المدني وبعضهم يقولون بصاع العراقي ، فكتب إليّ : « إنّ الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة أرطال بالعراقي » ، قال : وأخبرني أنّه يكون بالوزن ألفا ومائة وسبعين وزنة ، فيكون كلّ رطل بالعراقي مائة وثلاثين وزنة (5).

ص: 166


1- في ( ألف ) : « الإجمال ».
2- لم ترد في ( د ) : « في ».
3- في ( ج ) و ( د ) : « الظنّ ».
4- لم يرد في ( ب ) : « الفطرة بصاع المدني وبعضهم يقولون ».
5- الكافي 4 / 172 ، ح 9 ؛ تهذيب الأحكام 4 / 84 ، ح 17 ؛ وسائل الشيعة 9 / 340 ، ح 1.

والظاهر أنّه يريد بالوزنة مقدار الدرهم. ونشير إليه أنّه روى الصدوق رحمه اللّه هذا الخبر بعينه في العيون (1) وذكر الدرهم بدل الوزنة.

وهذه التتمة يحتمل أن يكون من المكاتبة (2) بحمل الإخبار على (3) الإخبار في الكتابة.

ويحتمل أن يكون من كلام الإمام عليه السلام بإخباره إيّاه بلا واسطة أو بإخبار أبيه عنه حيث إنّه الواسطة.

ويحتمل أن يكون من كلام جعفر ، فيكون الإخبار منه لمن روى عنه ، وعلى الأخير (4) الآخر لا تكون رواية لكنّه في مقام (5) لا يبعد التعويل عليه.

وفي رواية إبراهيم بن محمد الهمداني أنه قال : اختلفت (6) الرواية في الفطرة ، فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام صاحب العسكر أسأله عن ذلك ، فكتب : (7) « الفطرة صاع من قوت بلدك .. » إلى أن قال : « تدفعه وزنا ستة أرطال رطل المدينة ، والرطل مائة وخمسة وتسعون درهما » (8) فيكون الرطل العراقي مائة وثلاثين لما دلّ من المستفيضة على (9) كون العراقي ثلثي المدني.

وما في الخبرين المذكورين (10) من ضعف في الإسناد مجبور بالشهرة العظيمة ، فالقول المذكور من العلامة رحمه اللّه ضعيف جدا.

ثم إنّ كلّ درهم نصف مثقال وخمساه فكلّ عشرة دراهم سبع مثاقيل شرعية ، وكلّ

ص: 167


1- عيون أخبار الرضا 2 / 276 ، ح 73.
2- في ( ألف ) : « الكانية ».
3- لم يرد في ( ب ) و ( ج ) : « على الأخبار ».
4- في ( ب ) : « من الآخر ».
5- في ( د ) : « مثل المقام » ، بدل : « مقام » ، وهو أظهر.
6- في غير ( د ) : « اختلف ».
7- زيادة في ( د ) : « أنّ ».
8- تهذيب الأحكام 4 / 79 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة 9 / 244 ، ح 2.
9- في ( د ) : « في » ، بدل « على ».
10- في ( د ) : « المزبورين ».

مثقال منها زنة (1) دينار ، والدينار ممّا لم يختلف وزنه عمّا كانت عليه في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من غير خلاف فيه يعرف.

وقد حكي اتفاق (2) الخاصة والعامة عليه ، وهو ثلاثة أرباع المثقال الصير في حسب ما نصّوا عليه.

وأمّا الدرهم فقد اختلف الحال (3) فيه. و (4) ذكر جماعة أنّ الدرهم في صدر الإسلام كان نوعين : أحدهما كان وزنه ثمانية دوانيق ، وهي البقليّة (5) ، والآخر نصفه أربع دوانيق ، وهي الطبرية ، فجمعا (6) في الإسلام واخذ (7) نصف المجموع ، فاستقر أمر الدرهم على ستّة دوانيق ، وهو المقصود في المقام.

ص: 168


1- في ( د ) : « مائة » ، بدل « زنة ».
2- في ( ب ) : « عن اتفاق ».
3- مفتاح الكرامة 2 / 106 - 108.
4- زيادة في ( د ) : « قد ».
5- في ( د ) : « البغلية ».
6- في ( د ) : « مجمعا ».
7- في ( د ) : « واحدا لنصف » ، بدل « اخذ نصف ».
تبصرة: [ في تقدير الكر بالمساحة ]
اشارة

الطريق الثاني : تقديره بالمساحة.

وقد اختلف فيه كلام الأصحاب على أقوال :

أحدها : ما ذهب إليه الأكثر من تحديده بما يبلغ بمكسّره (1) اثنين وأربعين شبرا وسبعة أثمان شبر. ذهب إليه جماعة من القدماء والمتأخرين منهم الصدوق (2) في الهداية - وجعله في الأمالي رواية كما سيجي ء الإشارة إلى كلامه رحمه اللّه - والشيخ في النهاية (3) والمبسوط (4) والطوسي والحلي (5) وابن زهرة (6) والفاضلين والشهيد (7) - في متونه الأربعة - والسيوري والمحقق الكركي (8) - في عدّة من كتبه - وصاحب المعالم.

وحكي القول به عن السيد (9) والقاضي (10).

ص: 169


1- في ( ج ) : « بكسره ».
2- الهداية : 68 ونصه : والكر ثلاثة أشبار طول ، في عرض ثلاثة أشبار ، في عمق ثلاثة أشبار ، لكن في بعض نسخ : ثلاثة أشبار ونصف طول ...
3- النهاية : 5 ، ونصه : حد الكر ثلاثة أشبار ونصف طولا في ثلاثة أشبار ونصف عرضا في ثلاثة أشبار ونصف عمقا.
4- المبسوط 1 / 6.
5- المحقق الحلي في شرايع الإسلام 1 / 10 ، والعلامة الحلي في مختلف الشيعة 1 / 184.
6- غنية النزوع : 45.
7- الدروس 1 / 117 ، والذكرى : 8 ، والشهيد الثاني في مسالك الإفهام 1 / 15.
8- جامع المقاصد 1 / 116.
9- مدارك الأحكام 1 / 49.
10- المهذب لابن البراج 1 / 21.

وفي الغنية (1) حكاية الإجماع عليه.

وقال في المعتبر (2) : لا تصغ إلى من يدعي الإجماع هنا ؛ فإنّه يدّعي (3) الإجماع في محلّ الخلاف.

وحكاية الشهرة عليه مستفيضة في كلامهم جدّا حكاها الفاضل (4) والشهيدان (5) وأصحاب المدارك (6) والمعالم والذخيرة (7) والمشارق (8) والبحار (9) والحدائق (10) وغيرهم.

وعزاه الطريحي (11) في مجمع البحرين إلى جمهور متأخري الأصحاب.

والمحقق الأردبيلي (12) أنكر الشهرة في المقام (13) ، ولا تقلّد فإنّ الشهرة لا أصل لها.

ثانيها : ما يبلغ مكسّره سبعة وعشرين شبرا.

اختاره الصدوق في الفقيه (14) والمقنع (15) والمحقق في المعتبر (16) ميلا إليه والعلّامة رحمه اللّه في

ص: 170


1- غنية النزوع : 46.
2- المعتبر 1 / 46.
3- في ( د ) : « مدّعى ».
4- كشف اللثام 1 / 266.
5- الذكرى : 8 ؛ شرح اللمعة 1 / 255 - 257.
6- مدارك الأحكام 1 / 49.
7- ذخيرة المعاد 1 / 122.
8- مشارق الشموس 1 / 197.
9- بحار الأنوار 77 / 19.
10- الحدائق الناضرة 1 / 261.
11- مجمع البحرين 4 / 31.
12- مجمع الفائدة 1 / 260.
13- زيادة في ( د ) : « قال ».
14- من لا يحضره الفقيه 1 / 6.
15- المقنع : 31.
16- المعتبر 1 / 46.

المختلف (1) إليه (2) والشهيد الثاني (3) في الروض والروضة.

واختار (4) جماعة من المتأخرين (5) منهم المحقق الأردبيلي وشيخنا البهائي والفاضلان المجلسيّان وشارح الدروس.

وعزاه في كشف الرموز (6) إلى والد الصدوق ، وفي السرائر (7) إلى القمّيين.

ثالثها : ما بلغ مكسّره ستّا وثلاثين شبرا. مال إليه في المعتبر ، واختاره صاحب المدارك (8).

وجزم الفاضل المجلسي (9) في شرح الفقيه ببلوغه حدّ الكرّ.

رابعها : ما يبلغ أبعاده الثلاثة عشرة أشبار ونصفا (10) جمعا. حكاه العلّامة (11) رحمه اللّه عن القطب الراوندي ، وقد اشتهرت نسبة ذلك إليه بعده. وكأنّها مأخوذ (12) منه.

وفي كشف اللثام (13) أنه اكتفى القطب الراوندي في حلّ (14) المعقود (15) من الجمل والعقود بجميع المقادير الثلاثة.

ص: 171


1- مختلف الشيعة 1 / 184.
2- لم ترد في ( د ) : « إليه ».
3- شرح اللمعة 1 / 257 ؛ روض الجنان : 140 - 141.
4- في ( د ) : « اختاره ».
5- مجمع الفائدة 1 / 260 ؛ وشيخنا البهائي في مشرق الشمسين : 375.
6- كشف الرموز 1 / 47.
7- السرائر 1 / 60.
8- مدارك الأحكام 1 / 49.
9- من لا يحضره الفقيه 1 / 6.
10- في ( د ) : « أيضا » ، بدل « ونصفا ».
11- مختلف الشيعة 1 / 184.
12- في ( د ) : « مأخوذة ».
13- كشف اللثام 1 / 267.
14- في ( د ) : « جمل ».
15- في ( د ) : « العقود ».

وعليه فقد يكون الكرّ ما هو المشهور بين الأصحاب إذا كان كلّ من أبعاده الثلاثة ثلاثة أشبار ونصفا ، وقد يكون مقدار كأس من ماء إذا وضع في أنبوبة يكون طوله عشرة أشبار ونصفا إلا عرض إصبع ، ويكون كلّ من عرضه وعمقه نصف إصبع.

وقد أورد عليه بأنّ صدور مثل هذا التحديد العظيم الاختلاف لا يخلو من غرابة.

قلت : وأغرب من ذلك التزام اختلاف حال الماء على الوجه المسطور بحسب اختلاف أشكاله وظروفه.

قال شيخنا البهائي (1) : انّ الّذي يظهر أنّ مراد القطب رحمه اللّه أنّ الكرّ هو الّذي لو تساوت أبعاده الثلاثة لكان مجموعها عشرة أشبار ونصفا. وحينئذ ينطبق كلامه على (2) المذهب المشهور.

وهذا التوجيه ممّا لا شاهد عليه في كلامه سوى الاستبعاد المذكور ، فحمل كلامه عليه رجم بالغيب.

والصواب أنّ ذلك كلّه مبنيّ على الغفلة في النقل ؛ فإنّه وإن قال في المقام بالجمع بين الأبعاد إلّا أنّه نصّ أيضا على اعتباره (3) تقارب أجزاء الكر حسب ما مرّت الإشارة إليه ليرجع (4) ما ذكره إلى المشهور بعد إرادة كون كلّ من أبعاده ثلاثة أشبار ونصفا على ما هو ببالي من كلامه.

خامسها : ما يبلغ مكسّره نحوا من مائة شبر. حكاه (5) العلّامة وغيره عن الإسكافي.

سادسها : ما حكي عن السيّد علي بن طاوس (6) رحمه اللّه من الاكتفاء بكلّ ما روي ، واستقر به

ص: 172


1- الحبل المتين : 108.
2- لم يرد في ( ب ) : « على المذهب .. ، فحمل كلامه ».
3- في ( ب ) و ( ج ) : « اعتبار ».
4- في ( د ) : « فمرجع ».
5- نسبه الى ابن الجنيد في مختلف الشيعة 1 / 183 ؛ جامع المقاصد 1 / 117 ؛ مفتاح الكرامة 1 / 301.
6- مدارك الأحكام 1 / 52.

شيخنا الحر في الوسائل (1).

وفي المدارك (2) أنّه لا بأس به إذا صحّ السند.

وربّما يظهر من جماعة التوقف في المقام حيث لم يرجّحوا شيئا بعد ذكر المسألة كابن فهد في المهذب البارع والصيمري في غاية المرام وصاحب الذخيرة.

ويحكى عن الشلمغاني تقديره بما لا يتحرك جنباه لو ألقي حجر في وسطه. قال الشهيد رحمه اللّه : وهو خلاف الإجماع (3).

قلت : قد ذكر في كتاب الفقه الرضوي (4) ما يوافقه ، ففيه : « وكلّ غدير فيه من الماء أكثر من كر لا ينجسه ما يقع فيه من النجاسات ».

والعلّامة رحمه اللّه في ذلك أن يؤخذ بحجر فيرمى به في وسطه ، فإن بلغت أمواجه من الحجر جنبي الغدير فهو دون الكر وإن لم يبلغ فهو كرّ لا ينجسه شي ء إلّا أن يكون فيه الجيف فيتغيّر لونه وطعمه ورائحته. انتهى.

والفتاوى والنصوص منطبقة (5) على خلافه ، فلا معوّل عليه مع ما فيه من الضعف ، وقد يكون ذلك من دين الملاحدة لو ثبت صحة ذلك الكتاب في الجملة ، فإنّ الشلمغاني منهم.

والمعوّل عليه من هذه الأقوال هو القولان الأوّلان.

وأمّا باقي الأقوال فموهونة كما سنبيّن الحال فيها ، فلنفصّل القول في أدلّتهما :

أمّا القول الأول فاستدلّ عليه :

بالأصل نظرا إلى أنّ الكريّة شرط في اعتصام الماء ، فمع الشكّ في حصوله يبنى على عدمه حتّى يقوم دليل شرعي على ثبوته.

ص: 173


1- وسائل الشيعة 1 / 167.
2- مدارك الأحكام 1 / 52.
3- الذكرى : 9.
4- فقه الرضا عليه السلام : 91.
5- في ( د ) : « مطبقة ».

وبالإجماع المحكيّ عن الغنية المؤيّد بالشهرة المستفيض النقل في كلام جماعة من الأجلة كما عرفت.

وعدّة من الروايات :

منها : موثقة أبي بصير قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكرّ من الماء كم يكون قدره؟

قال : « إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض فذلك الكر من الماء » (1).

وهذه الرواية أوضح أخبار هذا القول سندا.

وعن صاحب العوالي (2) أن رواية أبي بصير هذا من المشاهير.

ومنها : ما رواه في المهذب البارع (3) مرسلا عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا في طوله ومثله ثلاثة أشبار ونصفا في عرضه ومثله ثلاثة أشبار ونصفا في عمقه في الأرض فذلك الكرّ ».

ويحتمل أن يكون ذلك عين الخبر الأوّل ويكون الاختلاف الحاصل فيه من اختلاف النسخ ، و (4) دلالته على المدّعى حينئذ (5) ظاهرة.

ومنها : ما رواه في التهذيب بإسناده عن الحسن بن صالح الثوري ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « إذا كان الماء في الركى كرّا لم ينجسه شي ء ». قلت : وكم الكرّ؟ قال : « ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها » (6).

ورواه الشيخ في الاستبصار في حكم الآبار مصرّحا بذكر الأبعاد الثلاثة ، وفيها : قلت : وكم الكر؟ قال : « ثلاثة أشبار ونصف طولها في ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار

ص: 174


1- الكافي 2 / 3 ، ح 5 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 42 ، ح 55 ؛ وسائل الشيعة 1 / 166 ، ح 6.
2- في هامش عوالى اللئالي 3 / 11.
3- المهذب البارع 1 / 82 ، وليس فيه من قوله : « طوله » إلى « ونصفا في عرضه و ».
4- في ( ب ) زيادة : « لا ».
5- في ( ألف ) : « في حينئذ ».
6- تهذيب الأحكام 1 / 408 ، باب المياه واحكامها ح 1.

ونصف عرضها » (1).

ومنها : مرسلة الأمالي (2) حيث قال : روي أن الكرّ هو ما يكون ثلاثة أشبار ونصف في طول وفي عرض وفي عمق. ويمكن أن يكون إشارة إلى أحد الخبرين المذكورين. وينجبر ما فيها من الضعف في الدلالة أو الإسناد بانضمام بعضها إلى البعض ، وباعتضادها بالشّهرة بين الأصحاب والإجماع المنقول بل الأصل في وجه.

ويرد على الأوّل أن قضيّة الأصل طهارة الماء إلى أن يعلم نجاسته ، ولا علم بالنجاسة مع نقصانه عن القدر المذكور بما لا ينقص عن كرّ القميين.

وقد مرّ تفصيل القول في ذلك في التقدير الأوّل.

وعلى الثاني أن الإجماع المذكور موهون بمصير كثير من الأصحاب إلى خلافه سيّما القمّيين المتقاربين (3) لأعصارهم بل المعاصرين لهم عليهم السلام الآخذين بمضامين الروايات الواردة منهم عليهم السلام.

وقد أنكر المحقّق رحمه اللّه (4) دعوى الإجماع في المقام كما مرّت الإشارة إليه ، وقد عرفت مناقشة المحقّق الأردبيلي (5) في قيام الشهرة عليه فكيف بالإجماع.

وعلى الثالث أمّا على الموثقة فتارة بالمناقشة في إسنادها من جهة اشتمالها على عثمان بن عيسى ، وهو غير مصرّح عليه بالتوثيق ؛ مضافا إلى وقفه وسخط الإمام عليه السلام عليه. وحكاية توبته غير ثابتة (6).

وعلى أبي بصير المشترك بين جماعة ، وفيهم بعض المجاهيل ، وقد طعن على بعضهم

ص: 175


1- الإستبصار 1 / 33 ، ح 9.
2- عبارة المرسلة هكذا : روي أن الكرّ هو ما يكون ثلاثة أشبار طولا في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا ؛ الأمالي : 744.
3- في ( د ) : « المقاربين لأعصار الشيخ » بدل « المتقاربين لأعصارهم ».
4- المعتبر 1 / 46 و 47.
5- مجمع الفائدة 1 / 261.
6- انظر عن عثمان بن عيسى ومدى توثيقه وحكاية توبته : رجال النجاشي : 300.

بالوقف.

وأخرى بالمناقشة في دلالتها لعدم اشتمالها على تحديد الأبعاد الثلاثة.

فقد يقال حينئذ بترك ذكر العرض بكون قوله « ثلاثة أشبار ونصف » بدلا عن مثله ، وقوله « في عمقه » متعلّقا بعامل مقدّر يقدّر حالا عن « ثلاثة أشبار ونصف » فلا يكون العرض مذكورا من أصله.

وقد يقال بترك بيان مقدار العمق بأن يكون قوله « إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا في مثله ثلاثة أشبار ونصف » بيانا لمقداري الطول والعرض ، ويكون قوله « في عمقه » إشارة إلى ضرب ذلك في عمق الماء من دون بيان لمقداره.

ويمكن دفع الأول إما من جهة عثمان بن عيسى فيما تقرّر في محلّه من توثيقه بوجوه شتّى ، فغاية الأمر أن تكون الرواية (1) موثقة بل يحتمل عدّه من الصحاح إن قيل بثبوت توبته كما يومي إليه بعض الشواهد.

وكيف كان فلا ريب في مقبولية أخباره وربّما يعدّ خبره موثقا كالصحيح.

وإمّا من جهة أبي بصير فيما تقرّر في الرجال من اشتراك أبي بصير بين رجلين ثقتين لا ريب في شأنهما (2) سيما إذا كان راويا عن الصادق عليه السلام ، فالمناقشة فيها من جهة السند في غاية الوهن.

ودفع الثاني بوجهين :

أحدهما : أن ترك البعد الثالث لا يمنع من صحة الاحتجاج إمّا لظهوره بالمقايسة ؛ إذ لو كان أقل أو أكثر لأشار إليه في مقام البيان أو لأنّ المتعارف في مثله التعبير بالبعدين ، ويراد به الأبعاد الثلاث كما إذا قيل إنّ هذا الحوض كم في كم؟ فيقال : ثلاث في ثلاث ، ويراد به أنّ كلّا من أبعاده ثلاث أو لأنّه بعد ثبوت كون كلّ من بعديه ثلاثا ونصفا يتعيّن ذلك في بعده الآخر

ص: 176


1- زيادة في ( د ) : « عنهم عليهم السلام ».
2- لا حظ عن أبي بصير المشترك كتب الرجال منها : اختيار معرفة الرجال 1 / 397 ، سماء المقال في علم الرجال 1 / 318.

لعدم القول بالفصل.

ثانيهما : تفسير الرواية على وجه يشتمل على بيان الأبعاد الثلاث ، ويقرّر ذلك بوجوه :

منها : ما أشار إليه شيخنا البهائي (1) رحمه اللّه من الحكم بعود الضمير في قوله « في مثله » إلى ما دلّ عليه قوله « ثلاثة أشبار ونصفا » أي في مثل ذلك المقدار ، فيدلّ على بيان مقدار كلّ من الطول والعرض ، ويكون الضمير في قوله « في عمقه » عائدا إلى ذلك المقدار أيضا بقرينة عود ضمير « مثله » إليه. ورجوعه إلى الماء ممّا لا محصّل له مع ما فيه من التفكيك.

ومنها : ما أشار اليه رحمه اللّه (2) أيضا من جعل قوله « ثلاثة أشبار ونصف في عمقه » منصوبا على أنه خبر ثان ل- « كان » ، لا مجرورا بالبدليّة والحال في بقية الخبر كما في الوجه المتقدّم.

ويرد على الأوّل أن إرجاع ضمير « في عمقه » إلى المقدار المذكور تكلّف ؛ إذ لا يتم ذلك إلّا مع جعل الإضافة بيانية ، وهو في المقام بعيد جدّا إن قلنا بجوازه في الإضافة إلى الضمير ، وقوله « ان عود الضمير إلى الماء ممّا لا محصّل له » إنّما يتمّ إذا جعل قوله « في عمقه » مضروبا فيه من دون بيان مقداره ، وأمّا إن كان متعلّقا ب- « مقدّر » يكون حالا من ثلاثة أشبار ونصف ، فأي مانع من رجوع الضمير إلى الماء؟

وعلى الثاني بأنّه لا يوافق كتابة الحديث ؛ فإن قوله « ونصفا » يكون معطوفا على ثلاثة أشبار ، فمع نصبها يكون منصوبا لا بد من كتابته بالألف.

وقد يذبّ عنه بلزوم الإيراد المذكور في الفقرة الأولى من الرواية لكتابة النصف هناك كما هنا على ما في بعض النسخ فما يلتزم في الجواب عنه هناك يلتزم به هنا أيضا.

وقد يقال حينئذ بكون الثلاثة مرفوعة بالابتدائية ، ويكون « في عمقه » خبرا عنه ويجعل الجمع خبر البيان.

وهذا الوجه مع بعده لا يصحّح (3) الوجه المذكور بل هو توجيه آخر للرواية.

ص: 177


1- مشرق الشمسين : 376.
2- مشرق الشمسين : 376.
3- في ( ألف ) : « لا يصح ».

وكيف كان فالوجهان المذكوران لا يصحّحان الاستناد إلى الرواية إلّا مع ظهور الخبر في أحدهما ولا شاهد عليه ، غاية الأمر صحّة حمل الرواية على كلّ منهما (1) ، ومجرّد الاحتمال لا يقضي بصحة الاستدلال.

ومنها : أن يكون المراد بقوله عليه السلام « إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا » ما يشمل طول الماء وعرضه.

فالمقصود أن يكون سعة الماء الشاملة لطوله وعرضه بالغة إلى المقدار المذكور ، ويكون ما في الرواية بيانا لمقدار عمقه.

ومنها : أن يكون اسم « كان » ضمير شأن مستتر فيه ، ويكون قوله « الماء ثلاثة أشبار ونصف » مبتدأ وخبرا ، والجملة خبرا ل- ( كان ).

والمراد به أحد (2) طرفي الطول والعرض ، وبقوله « في مثله » الطرف الآخر ، والمراد به ضرب أحد الطرفين في الآخر.

ويكون قوله « ثلاثة أشبار ونصف في عمقه » مع تقدير المبتدأ خبرا ثانيا ل- ( كان ) ، وقوله « في عقمه » متعلّقا بعامل مقدر يكون حالا عنه يعني كائنا في عمقه.

ولا يخفى بعد التوجيه المذكور ، وعدم مساعدته لنصف النصف كما في النسخة المشهورة ، فما قيل من أنه مع ما فيه من البعد أحسن التوجيهات في هذا الخبر لفظا ومعنى كما ترى.

وأنت خبير بأنّ ما ذكر من الوجوه إنّما يتمّ في مقام التوجيه لا في معرض الاحتجاج ؛ إذ بمجرّد الاحتمال لا يصح الاستدلال.

نعم ، لو انحصر الأمر من حمل الرواية على أحد الوجوه المذكورة فربّما أمكن الاحتجاج بها بل لا حاجة في تصحيح الاستدلال إلى ملاحظة شي ء منها ؛ إذ بعد حمل الرواية على المكعّب يتعيّن البعد الثالث بالمقايسة قطعا وإلّا سقط الكلام عن الإفادة ، والأمر في الزيادة

ص: 178


1- في ( ج ) : « منها ».
2- في ( ألف ) : « أصل ».

سهل (1) لكنّه ليس كذلك لاحتمال حملها على المستدير كما يومي إليه رواية (2) الثوري حيث فرضه في الركى ظاهر في المستدير.

وحينئذ فلا يفيد المدّعى بل يكون أقرب إلى تحديد القميين (3) حيث يزيد عليه ستة أشبار ونصف تقريبا ، وينقص من المشهور تسعة ونصف تقريبا والأمر في الزيادة سهل لإمكان مراعاتها لأمور أخر بخلاف النقيصة.

وقد يقال بانجبار ضعفها في الدلالة بالشهرة بين الأصحاب لكن بلوغ الشهرة إلى تلك الدرجة غير ظاهر سيّما مع معارضتها بما هو أصحّ منها سندا وأوضح دلالة كما يأتي.

وأمّا على رواية المهذّب (4) فبإرسالها. ويحتمل أن يكون نقلا بالمعنى للموثقة المذكورة بناء على فهمه تقدير الأبعاد الثلاثة.

وأمّا على رواية (5) الثوري فبضعف إسنادها ودلالتها أيضا على ما في غيرها لعدم اشتمالها على تقدير الأفعال الثلاثة وظهورها في المستدير حسبما أشرنا إليه.

ويمكن حمل ما في الاستبصار (6) أيضا على المستدير بأنّ بعد أحد الامتدادين في المستدير طولا والآخر عرضا نظرا إلى ظهور صدر الرواية في (7) فرض الكرّ في المستدير على أنّ الظاهر في متن الرواية ما في التهذيب ؛ إذ الأصل في الرواية على حسب ما في الكتابين كتاب أحمد بن محمّد بن عيسى والظاهر أنّ ما فيه مطابق لما في التهذيب لموافقته لرواية الكافي عنه الّذي هو أضبط الكتب الأربعة.

ص: 179


1- لم ترد في ( د ) : « والأمر في الزيادة سهل ».
2- في المخطوطة : « ورواية ».
3- في ( د ) : « التعيين ».
4- المهذب البارع 1 / 82.
5- تهذيب الأحكام 1 / 408 ، ح 1.
6- الإستبصار 1 / 33 ، ح 9.
7- الزيادة أثبتناها من نسخة ( ج ).

وأمّا على رواية الأمالي (1) فبضعفها بالإرسال ، مضافا إلى قوة احتمال كونها نقلا بالمعنى لإحدى الروايتين المذكورتين ، فلا تكون حجة أخرى.

وأمّا على القول الثاني : فيحتجّ عليه تارة بالأصل - وقد عرفت أن الأظهر قضاء الأصل بالقول بالأقل حسبما مرّ تفصيل القول فيه في المسألة المتقدمة - وأخرى بما رواه الشيخان في الصحيح على الأصحّ عن اسماعيل بن جابر ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الماء الذي لا ينجسه شي ء؟ فقال : « كرّ » ، قلت : وما الكر؟ قال : « ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار » (2).

وأورد عليه تارة بالمناقشة في إسناده من جهة اشتماله على محمّد بن خالد البرقي.

وقد ضعّفه النجاشي (3) ولم يوثّق أيضا اسماعيل بن جابر ، بل لم يوثقه غيره أيضا عدا الشيخ رحمه اللّه في الأمالي (4).

ومحمّد بن سنان حاله معروف في الضعف ، وقد نصّ على تضعيفه جماعة من علماء الرجال (5).

وقد زعم جماعة صحة الرواية لتوهم كون ابن سنان الوارد في إسنادها عبد اللّه بن سنان حسبما وقع التصريح به في موضع من التهذيب.

وانتصر لهم شيخنا البهائي بما لا مزيد عليه.

ولكن الخبير الماهر في الرجال مع ملاحظة جميع ما ذكره يكاد يقطع بخلافه ، وأنّه محمّد بن سنان لا غير كما وقع التصريح به في موضع آخر من التهذيب.

وتارة بالمناقشة في دلالته لعدم اشتماله على البعد الثالث.

ويدفع الأوّل ما تقرّر في محلّه من توثيق البرقي واسماعيل بن جابر. وتوهينه بكون

ص: 180


1- الأمالي للصدوق : 744.
2- تهذيب الأحكام 1 / 38 ، ح 40 ؛ الإستبصار 1 / 10 ، ح 2.
3- رجال النجاشي : 32 و 235.
4- الأمالي ، الشيخ المفيد : 191.
5- لاحظ عن محمد بن سنان : رجال النجاشي : 328 ، رجال ابن داود : 174.

الموثق له واحدا أوهن شي ء حسبما قرّر في محله.

وأمّا محمّد بن سنان فضعفه وإن كان مشهورا بين الأصحاب إلّا أنّه عند التحقيق من أجلّاء الثقات كما هو المختار عند جماعة من المحقّقين لأحوال الرجال ، وقد فصّل القول فيه في الرجال.

والثاني : ما مرّت الإشارة إليه من ظهور البعد الثالث بالمقايسة. ويؤيّده ما يداول في الاستعمالات من ترك البعد الثالث في مثل التعبير المذكور.

نعم ، لو صحّ حملها على المستدير أمكن المناقشة في دلالتها كما مرّت الإشارة إليه فيما مرّ من الأخبار إلّا أنّه لا يمكن إرادته في المقام ؛ إذ لا قائل بمضمونه.

مضافا إلى أنه روى الصدوق (1) رحمه اللّه مرسلا إنّ الكرّ هو ما يكون ثلاثة أشبار طولا في مثله ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا.

على ما قد روى اسماعيل بن (2) جابر أيضا في الصحيح قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الماء الذي لا ينجسه شي ء؟ قال : « ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته » وهو أصحّ روايات الباب حسبما نصّ عليه جماعة من الأصحاب.

وما ذكره صاحب العوالي (3) من أن هذه الرواية والرواية المتقدمة غير معلوم الإسناد ضعيف جدا.

وعن بعض الأصحاب أنّ هذا الخبر ممّا اتفق الكلّ على صحته ، وظاهر لفظ السعة والاقتصار على ذكر البعدين يومي إلى إرادة المدور ، فيقارب مكسّره ما أفاده روايته الأولى ، فحملها على المدور هو الذي يقتضيه الجمع بين روايتيه ، بل لا يبعد أن يكون الكر مكيالا مدوّرا فينصرف الاطلاق في مثل الخبر المذكور إلى المستدير.

وبعد ملاحظة جميع ما ذكر لا يبعد أن يكون هذه الصحيحة حجّة مستقلّة على القول

ص: 181


1- الأمالي للصدوق : 744.
2- الإستبصار 1 / 10 ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 41 ، ح 53.
3- عوالي اللئالي 3 / 11.

المذكور.

ودعوى تطبيقها على القول المشهور لكون الذراع زائدا على الشبرين غير ظاهر بل الظاهر خلافها حسبما يساعده الاختيار ، ويعاضده الاشتهار عند أهل الاعتبار.

وقد ظهر بما قرّرنا ضعف حملها على المكعّب ليكون الكر ستة وثلاثين شبرا ، ويكون المراد بالستة (1) مجموع الطول والعرض أو أحدهما ، ويبين الحال في الآخر بالمقايسة مضافا إلى أنّه لا يظهر قائل صريح به من الأصحاب ، ولو فرض ذهاب البعض إليه فلا ريب في شذوذه فلا داعى لحمل الخبر عليه.

هذا ، ويؤيّد القول المذكور مقاربته للتحديد بالوزن بناء على تفسير الرطل بالعراقي كما هو المشهور المنصور ، فإنه لا يوافق جدّا زيادة الانصاف في المساحة.

نعم ، لو فسّر الرطل بالمدني قارب القول به إلّا أنه خلاف المشهور ، فاختيار المعظم هنا الأرطال العراقية لا يوافق اختيارهم زيادة الانصاف.

وربّما يؤيده أيضا ما ورد في بعض الأخبار من تفسير الكر بنحو من هذا وأنّ الماء إذا كان أكثر من راوية لا ينجسه شي ء ونحو ذلك.

مضافا إلى أنه الذي يجمع به بين الأخبار لما عرفت من إمكان تنزيل أخبار المشهور وغيره على ذلك ، ولا أقلّ من إمكان حمل الزائد إذن على الاستحباب بخلاف ما لو أخذ بالأكثر للزوم طرح الأقل حينئذ.

فظهر من جميع ما ذكرنا أن الأظهر في المقام هو مختار القميين.

وممّا قررنا ظهر وجه القول الثالث وضعفه.

ووجه القول الرابع حمل الأخبار على إرادة الجمع دون الضرب.

وضعفه ظاهر لخروجه عن ظواهر الروايات ومخالفته لفهم جمهور الأصحاب من دون قيام شاهد عليه.

ص: 182


1- في ( ألف ) : « بالسعة ».

لكنّك قد عرفت أن مرجع القول المذكور إلى المشهور ؛ إذ لا فرق بعد ما بنى عليه القائل المذكور بين الضرب والجمع.

وأما القول الخامس فلم نقف له على مستند.

نعم ، روى الصدوق رحمه اللّه في المقنع (1) مرسلا أنّ الكر ذراعين وشبر في ذراعين وشبر.

ويمكن استناده إليه بعد حمله على المستدير ؛ إذ يصير مضروبه ثمانية وتسعين وسبعا ونصف ، وهو نحو مائة شبر ؛ لكنّ الرواية ضعيفة جدّا متروكة بين الأصحاب ، فلا معوّل عليها.

ومع ذلك لا يطابق ما ادّعاه ، فإن ظاهرها اعتبار خصوص القدر المذكور.

وأما القول السادس فوجهه الجمع بين الأخبار بحملها على التخيير. ومرجعه عند التحقيق إلى الأخذ بالأقل وحمل الزائد على الاستحباب ، فيرجع القول بحسب المساحة إلى مذهب القميين إذ لم يقل أحد بما دونه.

[ تنبيهات ]

وهاهنا أمور ينبغي التنبيه عليها :

أحدها : إن العبرة في الأشبار بأشبار مستوى الخلقة حملا للإطلاق على الشائع ، فلا عبرة بالقصيرة جدا ولا الطويلة فيرجعان إلى المستوي.

ثانيها : ان من الظاهر اختلاف أشبار مستوى الخلقة جدا ، فقد يستشكل معه في تحديد الكر به لعدم انضباطه.

ويجاب عنه بأنّ التفاوت على الوجه المذكور لا ينافي الانضباط العرفي ؛ إذ ليس الضبط (2) في العرف على وجه لا يقع فيه الاختلاف أصلا ، كيف والتحديد بالوزن أضبط مع أنه لا يخلو

ص: 183


1- المقنع : 31.
2- في ( د ) : « المنضبط ».

أيضا عن التفاوت.

فالضبط العرفي أوسع دائرة من الضبط العقلي (1).

والأظهر أن يقال : إن العبرة حينئذ بأقل المستوية ، فلا يقضي باختلاف التحديد ، وكذا الحال في الوزن.

ويحتمل القول باعتبار كلّ واحد من المستوية شبر نفسه لوقوع التقدير على حسبه في العرف ، فيحمل عليه الاطلاق أو أنّ العبرة بشبر المعتبر ، ولا يخلو عن بعد وإن وافق الجواب الأول.

ويحتمل الرجوع إلى أوسط أشبار المستوية ، وهو أيضا بعيد.

ثالثها : الظاهر أن التحديد المذكور للكر تحقيقي لا تقريبي ، فلو نقص عن الحدّ المذكور بأقلّ قليل كان في حكم القليل على ظاهر المعروف بين الأصحاب.

وفي الحواشي الكركية أنّ هذا هو المعروف من المذهب.

وربما يومي عبارة المنتهى (2) إلى اتفاقنا على الحكم حيث أسند القول بالتقريب إلى الشافعي من العامة.

والوجه فيه ظاهر ؛ فإن ظاهر التحديد قاض بإناطة الحكم بالحدّ المعيّن حقيقة ، والتسامح العرفي من قبيل التجوّز لا يحمل عليها الاطلاق من دون قيام دليل عليه.

وربّما يستفاد من عبارة الإسكافي حيث ذكر أنّ الكر ما بلغ بكسره (3) نحوا من مائة شبر اختيار التقريب. وهو على فرض دلالة العبارة المذكورة عليه ضعيف جدا.

وربّما يقال بأن اختلاف التحديدات الواردة في الكر والاختلاف الحاصل في الأشبار والأوزان شاهد على كون التحديد مبنيّا على التقريب ، وإلّا لما أنيط بمثله.

ص: 184


1- في غير ( د ) : « الفعلي ».
2- منتهى المطلب 1 / 41.
3- في ( د ) : « تكسيره ».

وضعفه ظاهر ؛ إذ غاية الأمر حينئذ أن يكون القدر (1) المعتبر حصول أقل تلك التقديرات ، وذلك لا يقضي بالاكتفاء بما ينقص عن الكلّ ممّا يقاربه كما هو قضية البناء على التقريب.

ص: 185


1- في ( د ) : « المقدار ».
تبصرة: [ في موضوع البئر وبعض أحكامها ]

ماء البئر أحد أقسام المياه المعنونة في الأخبار وكلام الأصحاب ، وقد أنيط بها عدّة من الأحكام فالأولى أوّلا شرح موضوعها ثمّ اتباعه ببيان (1) أحكامها.

فنقول : قد عرّفه جماعة (2) منهم الشهيدان بأنها مجمع ماء نابع من الأرض لا يتعداها غالبا ، ولا يخرج عن مسماها عرفا. والإحالة (3) في تعيين مسماها إلى العرف من جهة عدم إمكان تحديد الأمور العرفيّة على وجه جامع مانع بدون الإرجاع إلى العرف.

وليس التحديد حينئذ لغو لبيان جملة من الأمور الشارحة لمعناها. غاية الأمر أن ضمّ إليها الرجوع إلى العرف لتتميم الحد.

ولا إحالة إلى المجهول ؛ لوضوح الحال بعد الرجوع إلى العرف.

ولا استعمالا للمشترك في الحد من دون قرينة ؛ لوضوح انصراف العرف مع الإطلاق إلى العرف العام. والمراد به العرف العام الحاصل في زمن النبي صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام ، الظاهر من ملاحظة العرف العام في هذه الأزمنة كما هو الغالب في استعمال (4) المعاني العرفية الحاصلة في أزمنتهم عليهم السلام.

فلا يلزم من ذلك إبهام الحدّ من جهة جهالة العرف المحال عليه لاستكشافه بالرجوع إلى العرف العام في أزمنتنا.

ص: 186


1- في غير ( د ) : « بيان ».
2- لم ترد في ( ج ) : « جماعة منهم ».
3- في ( ج ) : « الأصالة ».
4- في ( ألف ) : « استعلام ».

ولا من الرجوع إلى العرف العام تغيير الحكم بتغيير العرف ؛ إذ لا معوّل على شي ء من المعاني العرفيّة في معرفة الألفاظ الواردة في كلام الشارع بعد العلم بتغيير العرف أو الظن به ، بل الشك أيضا. وإنّما يؤخذ بالمعاني العرفية من جهة الظن بالاتحاد والاستكشاف بما عندنا عمّا هناك كما هو الحال في المقام.

فالإيراد المذكور في غاية السقوط.

واعتبار النبع في مفهومها ظاهر من ملاحظة العرف العام المحكم في أمثال المقام ، ولذا لا يعدّ الماء النازل إلى الحفر الهابطة بئرا في العرف ، وإن أطلق عليها اسم البئر في بعض البلاد كما يحكى عن بلاد الشام ، فلا يجري عليه أحكام البئر ؛ لما عرفت من عدم الاعتداد فيه بالعرف الخاص.

والمراد بالنبع ما يعمّ الترشيح لصدق البئر معه قطعا ولو (1) (2) فرق بين أن يكون الترشيح من أعماق الأرض أو من النهر (3) الواقع في جنب الأرض في وجه قوي.

ولو كان ظهور الماء تحت الأرض على نحو الثماد (4) ففي إلحاقه بالنبع وجه.

ولو كان هناك ماء مجتمع واقف تحت الأرض فحفر الأرض إليها كما يوجد في بعض البلاد ففي إجراء حكم البئر فيه إشكال ، ويعتبر فيه إبقاء النبع بمعنى اتصالها بالنبع ، فلو حبسه (5) نبعا جرى عليها حكم الواقف في وجه قوي.

ولو اتصل بالماء المعصوم كالجاري خرج عن حكم البئر ، فلو ألقى فيه الكر وإن كان مأخوذا منه قوي اعتصامها به ما دام باقيا فيها ويحتمل فيه تغليب حكم البئر بعد استقراره فيها.

ص: 187


1- لم ترد في ( ب ) : « لو ».
2- في ( د ) : « لا ».
3- في ( ألف ) : « الشهر ».
4- في ( ألف ) : « التماد ».
5- في ( ج ) : « جفّ ».

ولو أجري الماء إلى (1) البئر فسرى في أعماق الأرض ثمّ خرج بعد ذلك على سبيل النبع أو الرشح اندرج في حكم البئر في وجه قوي ، ويعتبر فيها البعد عن وجه الأرض ، فلو أشير إليه في الحد كان أولى ويرجع في مقدار البعد إلى العرف.

وظاهر الشيخ في التهذيب تنزيل العيون (2) الراكدة منزلة البئر. وإليه ذهب ابن القطان في المعالم وبعض المتأخرين. فإن أريد بذلك دخولها في اسم البئر فهو بيّن الضعف بعد الرجوع إلى العرف ، وإن أريد مجرّد إلحاقها بها في الحكم فكذلك أيضا ؛ لعدم وضوح دليل على الإلحاق مع ما للبئر من الأحكام المخالفة للأصل. فالأقوى إذن إلحاقها على القول بعدم عاصميّة (3) المادة إلى المياه المحقونة ، وإلّا فالأقوى اعتصامها وجريانها مجرى الجاري كما مرّ.

ويظهر من المفيد رحمه اللّه مخالفته في الحكم للجاري والراكد والبئر ، وهو غريب.

ويعتبر أيضا في صدق البئر أن يكون على النحو المعتاد وما يقاربه فلو حفر سرداب ونحوه إلى أن ظهر الماء لم يكن بئرا.

وفي جريان حكمها فيه وجهان ، ومقتضى الأصل عدمه.

وما اعتبر في الحد من عدم جريان الماء وتعدّيه عن النبع (4) هو الظاهر من إطلاق البئر في العرف ، فالقنوات الجارية تحت الأرض بحكم سائر المياه الجارية سواء ظهرت على وجهها أولا.

وعن بعض أفاضل المتأخرين صدق البئر مع الجريان أيضا كما في أكثر آبار المشهد المقدس الغروي - على مشرفه آلاف السلام - ، وحينئذ فيندرج آبار القنوات الجارية في محلّ البحث ، وهو بعيد جدا.

ص: 188


1- في ( د ) : « في ».
2- في ( ب ) : « العنوان ».
3- في ( ألف ) : « عاصمة ».
4- في ( د ) : « المنبع ».

وحمل الإطلاقات الواردة في المقام (1) ما يعمّها في غاية البعد عن الفهم ، فالظاهر خروجها عن محلّ الكلام في المقام وعدم جريان أحكام البئر فيها (2).

نعم لو وقف مياه القنوات وانقطع جريانها فالأظهر اندراجها في محلّ البحث وإن كانت جارية في الأغلب واتصل مياه تلك الآبار بعضها بالبعض.

ولو فاض ماء البئر في بعض الفصول قوى خروجه عن البئر. واندراجه إذن في اسم العين وإن كان حين غور مائها مندرجا في البئر ، ومغلوبية الحالة الأولى لا يقضي بشمول اسم البئر لها في تلك الحال.

ومع البناء على (3) الشمول فالظاهر عدم شمول الإطلاق لمثله.

وظاهر الحد يومي إلى اندراجه إذن في البئر بخلاف ما لو كان الغالب فيه الجريان واتفق غوره في بعض الأحيان أو تساوى فيه الحالان.

ولو توصّل إلى جريان الماء في الظاهر ببعض الآلات ففي جريان حكم البئر على مائها (4) وجهان.

وأمّا الماء الخارج المتّصل بالمنبع ففي إلحاقه بالجاري أو الراكد أو البئر وجوه ؛ كان أوجهها الأوّل.

ثمّ إن الظاهر من الحد المذكور اتحاد المنبع والمجمع ، ولا يخلو عن قرب إلّا أن يتقاربا فلا ، يبعد معه صدق البئر.

هذا ، ومقتضى الأصل في موارد الشكّ في صدق البئر هو الإلحاق بغيرها لما لها من الأحكام المخالفة للأصل سيّما على القول بنجاستها بالملاقاة ، ولو كان الشكّ بعد اليقين بصدق البئر احتمل استصحاب الحكم السابق ، فتأمّل.

ص: 189


1- زيادة في ( د ) : « على ».
2- في ( د ) : « لها ».
3- لم ترد في ( د ) : « الشمول .. واتفق غوره ».
4- في ( د ) : « ما فيها » ، بدل « مائها ».
تبصرة: [ في كيفية اعتصام البئر بالملاقاة ]

اختلف الأصحاب في اعتصام البئر عن الانفعال بالملاقاة وعدمه على أقوال :

أحدها : القول بانفعالها بمجرّد الملاقاة مطلقا.

وإليه ذهب معظم المتقدمين من فقهائنا. وقد نصّ عليه ابن بابويه في رسالته إلى ابنه والمفيد في المقنعة والسيد المرتضى في الانتصار والشيخ رحمه اللّه في عدّة من كتبه والديلمي ، والقاضي ، والحلبي ، وصاحب الإشارة والطوسي وابن زهرة ، والحلّي والمحقق ، وابن عمّه يحيى بن سعيد ، و (1) العلّامة في تلخيص المرام والشهيدان في عدّة من كتبهما والشيخ عبد العال.

وحكاية الإجماع عليه ودعوى اشتهاره بين الأصحاب مستفيضة سيجي ء الإشارة إلى جملة منها.

ثانيها : القول بالطهارة وعدم الانفعال بمجرّد ملاقاة النجاسة.

وإليه ذهب معظم المتأخرين من أصحابنا ، بل الظاهر استقرار المذهب عليه واتّفاقهم أخيرا على القول به ؛ ذهب إليه العلّامة رحمه اللّه في معظم كتبه وولده المحقّق في الايضاح والسيورى في ظاهر التنقيح وابن فهد في عدة من كتبه ، والمحقق الكركي ، وتلميذه الشيخ أبي طالب ، والفاضل القطيفي ، والشهيد الثاني ، فيما اعتمد عليه أخيرا حسبما نصّ عليه ولده المحقّق في المعالم وصرّح به في رسالته المعمولة في المسألة ، والمحقق الأردبيلي ، وتلميذاه المحقّقان ، وشيخنا البهائي في اثني عشريته ، والفاضل الخراساني ، والعلّامة الخوانساري ، وولده ، والعلّامتين المجلسيّين وغيرهم.

ص: 190


1- لم ترد في ( ج ) : « والعلّامة في تلخيص المرام ».

وقد حكي القول به أيضا عن جماعة من قدماء أصحابنا منهم العماني ، والصدوق في الهداية ، والحسين بن عبد اللّه الغضائري شيخ الشيخ قد حكى في غاية المراد عن الشيخ أبي يعلى الجعفري خليفة المفيد عنه القول به ، والشيخ الفقيه مفيد بن جهم شيخ العلّامة رحمه اللّه حكاه الشهيد أيضا عن شيخه السيد العميدي عنه.

ويظهر القول به عن الشيخ رحمه اللّه في كتابي الحديث. وكلامه فيهما مضطرب إلّا أنّ حمل كلامه على الحكم بالطهارة والقول بوجوب النزح تعبّد هو مقتضى الجمع بين كلماته.

وقد حكاه المحقّق عن قوم من الفقهاء القدماء ، وتلميذه الآبي عن جماعة من معاصريه.

وربّما ينسب ذلك إلى جماعة من أساطين المحدثين وفقهاء الرواة كزرارة ومحمّد بن مسلم وأبي بصير ومعاوية بن عمار وعلي بن جعفر وأبان بن عثمان وابن رئاب ومحمّد بن اسماعيل بن بزيع والبزنطي والحسين بن سعيد وأحمد بن محمّد بن عيسى والصفار والزيات وغيرهم ممّن روى عدم انفعالها بالملاقاة ؛ بناء على ما اشتهر من انّهم إنّما يفتون بمضمون ما يروون.

وقد اختلف القائلون بهذا القول في وجوب النزح تعبّدا وعدمه على قولين :

فعن جماعة منهم الشيخ في كتابي الحديث على ما مرّ هو الأول ، وإليه ذهب العلّامة رحمه اللّه في المنتهى ، وابن فهد في عدة من كتبه.

وربّما يستظهر من الصدوق في الهداية ، ويظهر من السيوري الميل إليه.

والمعروف بين المتأخرين بل المتّفق عليه في الظاهر بين متأخريهم هو استحباب النزح.

وهو مختار العلّامة رحمه اللّه في جملة من كتبه ، والمحقّق الكركي ، والشهيد الثاني ، وهو المنقول عن جماعة من القدماء منهم العماني على ما حكاه جماعة.

وتفرّد ابن فهد في حكاية الأوّل عنه.

ثمّ على القول الأوّل يتوقف جواز استعمال الماء على النزح على ما نصّوا عليه. وكأنّه المراد بالوجوب وإلّا فلا وجه للقول بوجوبه الشرعي فيأثم بتعمّد استعماله من دونه.

وأمّا مع الجهل به فلا حرج ، كما نصّ عليه الشيخ. ومع التعمّد والإثم فهل يصحّ التطهير به؟ قولان.

ص: 191

وظاهر التهذيب صحة الاستعمال وإن أثم كما هو المصرّح به في المحرر ، وظاهر الاستبصار بطلان الاستعمال ولزوم إعادة الوضوء والصلاة.

والظاهر أنّه إنّما يقول به فيما يتوقف على نية القربة كالوضوء دون غيره كتطهير الثياب ، فينحلّ القول المذكور إذن إلى أقوال ثلاثة.

ثالثها : التفصيل بين الكثير والقليل ، فلا يعتصم (1) ما دون الكر منه وان (2) الكر على ما حكي القول به عن محمّد بن محمّد البصري من تلامذة السيد المرتضى رحمه اللّه وربّما يعزى ذلك إلى السيد في الجمل (3) حيث قال : « إن كلّ ماء على أصل الطهارة إلّا أن يخالطه - وهو قليل - نجاسة فينجس أو يتغير - وهو كثير - أحد أوصافه من لون أو طعم أو رائحة ».

فإنّه يعم ماء البئر والجاري وغيرهما ، لكن القاضي في شرحه حمل ذلك على القليل من الراكد ، وذكر أن أصحابنا يذهبون إلى نجاسة مياه الآبار ممّا يلاقيها من النجاسة ولا يعتبرون فيه قلة ولا كثرة.

واختار هذا التفصيل شيخنا البهائي في بعض مصنّفاته ، وألزم العلّامة رحمه اللّه القول به ، فإنه إذا قال به في الجاري كان التزامه به في البئر أولى وليس كذلك ؛ إذ الطهارة والنجاسة من الأحكام التوقيفية ، وظاهر الإطلاقات في المقام انتفاء (4) التفصيل في البئر بين القليل والكثير.

والأولوية المذكورة لا تنهض حجة شرعية مع عدم إشعاره قدس سره بالتفصيل ، ولو كان قائلا به لأشار إليه في شي ء من كتبه.

وعن الجعفي أنه اعتبر في اعتصام البئر أن يكون كل من أبعاده الثلاثة ذراعين ، ثمّ إنه حكم بالنزح.

وكلامه هذا يحتمل التفصيل المذكور عن البصروي ؛ بناء على تحديده الكر بالقدر

ص: 192


1- في ( د ) : « فلا يعصم ».
2- في ( د ) : « دون » بدل : « وإن ».
3- رسائل المرتضى 3 / 23.
4- في ( ب ) : « عدم انتفاء ».

المذكور لكنه غير معروف في حدّ الكر.

ويحتمل أن يكون تفصيلا آخر في البئر.

ثمّ حكمه بالنزح إن كان بالنسبة إلى ما بلغ القدر المذكور أيضا ، وكان قولا منه بوجوبه كما يومي إليه العبارة المذكورة كان ذلك أيضا فارقا بين قوله وقول البصروي ؛ إذ لم ينقل عنه الحكم بوجوب النزح بالنسبة إلى ما ذهب اعتصامه ، وظاهر مذهبه يعطي عدم الوجوب.

وكيف كان ، فالظاهر أن هذا القول أيضا ينحلّ إلى قولين.

والمختار في المسألة هو القول بعدم (1) انفعالها بالملاقاة وعدم وجوب النزح.

ويدلّ عليه بعد قضاء الأصل به من وجوه عديدة ودلالة العمومات عليه من الكتاب والسنة المعتبرة المستفيضة المشتملة على الصحاح وغيرها منها صحيحة محمّد بن اسماعيل ابن بزيع المروية مشافهة تارة ومكاتبة أخرى عن مولانا الرضا عليه السلام : « ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه فينزح حتّى يذهب الريح ويطيب طعمه لأنّ له مادة » (2) ، وهي مع وضوح إسنادها واضحة الدلالة على المقصود بل فيها دلالة على المدعى من وجوه شتّى.

ومنها : صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام : « لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة ممّا وقع في البئر إلا بنتن (3) فإن نتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر » (4).

وفي صحيحة أخرى له عنه في الفأرة تقع في البئر فيتوضأ الرجل منها ويصلي وهو لا يعلم أيعيد الصلاة ويغسل ثوبه؟ قال : « لا يعيد الصلاة ولا يغسل ثوبه » (5).

ونحوها في موثقة أبان (6) عنه عليه السلام ، وقد وقع السؤال فيها عن إعادة الوضوء.

ص: 193


1- في ( ألف ) : « بعد ».
2- الإستبصار 1 / 33 ، ح 8 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 234 ، ح 7 ؛ وسائل الشيعة 1 / 172 ، ح 6 و 7.
3- في ( ب ) : « أن ينتن ».
4- تهذيب الأحكام 1 / 232 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة 1 / 173 ، ح 10 ، لكن عبارة « إلّا بنتن فإن نتن » في الرواية هكذا : « إلّا أن ينتن فإن أنتن ... ».
5- تهذيب الأحكام 1 / 233 ، ح 2 ؛ وسائل الشيعة 1 / 173 ، ح 9.
6- تهذيب الأحكام 1 / 233 ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة 1 / 173 ، ح 11.

ومنها : صحيحة الشحام وابن عثيم عنه (1) عليه السلام : « إذا وقع في البئر الطير والدجاجة والفأرة فانزح منها سبع دلاء. قلنا : فما تقول في صلاتنا ووضوئنا وما أصاب ثيابنا؟ فقال : « لا بأس » (2).

ومنها : ما رواه المشايخ الثلاثة رحمهم اللّه تعالى في الكتب الأربعة عن أبي بصير قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : بئر يسقى منه ويتوضأ به ويغتسل منه الثياب ويعجن به ثمّ يعلم أنّه كان فيها ميت؟ قال : فقال : « لا بأس ولا يغسل منه الثوب ولا يعاد منه الصلاة » (3).

ومنها : صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام قال : سألته عن بئر ماء وقع فيه زنبيل من عذرة (4) رطبة أو يابسة أو زنبيل من سرقين ، أيصلح الوضوء منها؟ قال : « لا بأس » (5).

ومنها : مرسلة علي بن حديد ، قال : كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام في طريق مكة فصرنا إلى بئر فاستقى غلام أبي عبد اللّه عليه السلام دلوا فخرج فيه فأرتان ، فقال أبو عبد اللّه : « عليه السلام : « أرقه » فاستقى آخر فخرجت فيه فأرة فاستقى الثالث ، فلم يخرج فيه شي ء ، فقال : « صبه في الإناء » (6).

واستعماله عليه السلام للماء المفروض من دون نزح المقدّر مع ما تقرّر من عدم إقدامهم اختيارا على المكروهات ومخالفة السنن إما لمكان الضرورة من جهة السفر أو لبيان الجواز أو من جهة التوسعة والأخذ بالرخصة ، وهي قد يكون جهة مرجّحة كما ورد « أنه تعالى يحبّ أن يؤخذ

ص: 194


1- في ( ج ) : « منه ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 233 ، ح 5 ؛ وسائل الشيعة 1 / 173 ، ح 12 ، في الرواية : « لا بأس به ».
3- تهذيب الأحكام 1 / 234 ، ح 8 ؛ الكافي 3 / 7 ، ح 12 ؛ الإستبصار 1 / 32 ، ح 6 ؛ وسائل الشيعة 1 / 171 ، ح 5.
4- لم ترد في ( ج ) : « عذرة رطبة أو يابسة أو زنبيل من ».
5- الإستبصار 1 / 42 ، ح 3.
6- الإستبصار 1 / 40 ، ح 7 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 239 ، ح 24 ؛ وسائل الشيعة 1 / 174 ، ح 14 ، لكن في الرواية : « فقال : صبه في الإناء ، فصبّه في الإناء ».

برخصته (1) كما يحبّ (2) أن يؤخذ بعزائمه » (3).

ونحوه ما رواه الصدوق مرسلا عن الصادق عليه السلام قال : « كان في المدينة بئر في وسط مزبلة ، فكانت الريح تهب فتلقى فيه (4) القذر وكان النبي صلى اللّه عليه وآله يتوضأ منها » (5).

وقد روي عن النبي صلى اللّه عليه وآله أنّه كان يتطهّر من بئر بضاعة ، وفيها العذرة والنجاسات (6).

والظاهر إن الرواية من طرق العامة ، وما أورده المحقق رحمه اللّه (7) من (8) أن عادته عليه السلام (9) التنزه عن النجاسات والتباعد عن المكروهات فلا يظن به (10) المسامحة (11) باستعمال المياه المتنجّسة مع وجود غيرها مدفوع بما قرّرنا.

ومنها : صحيحة زرارة عن الصادق [ عليه السلام ] ، قال : سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضأ به من ذلك الماء؟ قال : « لا بأس به ».

وروى ولده الحسين بن زرارة في الموثق عنه عليه السلام نحو ذلك (12).

واحتمال أن يكون الوجه فيه عدم العلم بوصول الشعر إلى الماء مدفوع بقضاء العادة بخلافه ، مضافا إلى ترك الاستفصال.

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة عليه ممّا لا مجال لذكرها في المقام.

ص: 195


1- في ( ألف ) : « ترخصه ».
2- في ( ج ) : « يجب ».
3- وسائل الشيعة 1 / 107 ح 63 ، نقلا من رسالة المحكم والمتشابه : 36 - 37 ، وفيه : « برخصه ».
4- خ. ل : « فيها » ، كما في ( ألف ).
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 21 ، ح 33.
6- مسند احمد 3 / 15 و 31.
7- الوسائل التسع : 226.
8- لم ترد في ( ب ) : « من ».
9- في ( ألف ) : « إعانة » ، وفي ( ب ) : « اعانة عليه السلام ».
10- في ( د ) : به عليه السلام.
11- في ( ج ) : « عدم المسامحة ».
12- وسائل الشيعة 1 / 169 ، ح 2.

ويؤيده الأخبار المستفيضة الدالّة على الاكتفاء في البئر المتغير بعده من النجاسات نزحها إلى أن يزول التغيير فيفيد الاكتفاء ولو مع عدم استيفاء المقدّر ، وهو لا يوافق القول بالانفعال.

وفي الأخبار الواردة في المنزوحات أقوى شاهد عليه من وجوه شتّى ؛ نظرا إلى شدّة اختلافها في التقديرات المشيرة إلى بناء الأمر فيها على الندب ؛ إذ لا يناسب التفاوت الفاحش مقام الوجوب.

وقد أطلق في عدّة منها نزح الدلاء من غير تعيين لمقدار المنزوح ، ولا يناسب مثله من التسامح مقام الوجوب ، والتزام الاجمال (1) في تلك الأخبار بعيد جدّا.

وقد ورد في عدّة منها نزح الماء لورود غير النجاسات ، ولا وجه لتنجيسه الماء ولا لوجوب النزح حينئذ من دون ورود نجاسة عليها.

ويعضد ذلك أيضا الروايات المستفيضة الدالّة على اعتصام الماء الكثير منه ، فيثبت الحكم في غيره أيضا لضعف القول بالتفصيل.

ومع الغضّ عنه فهي كافية في دفع القول بانفعالها مطلقا.

[ و ] منها : قوية الثوري المتقدم في بحث الكر (2).

ومنها : موثقة الفطحيّة عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة؟ فقال : « لا بأس إذا كان فيها ماء كثير » (3). وكأنّ اشتراط الكثرة حينئذ من جهة عدم تغيّره بالنجاسة المفروضة.

ومنها : ما في الفقه الرضوي : « وكلّ بئر عمق مائها ثلاثة أشبار ونصف في مثلها فسبيلها سبيل الماء الجاري إلّا أن يتغيّر لونها وطعمها ورائحتها ، فإن تغيّرت نزحت حتى تطيب » (4).

ص: 196


1- في ( ب ) : « الاحتمال ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 408 ، ح 1.
3- الإستبصار 1 / 42 ، ح (117) 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 416 ، ح 31 ؛ وسائل الشيعة 1 / 175 ، ح 15.
4- فقه الرضا عليه السلام : 91.

ويؤكد ذلك أيضا أنّه لو انقطع قدر كرّ من ماء البئر عن مادّته أو جفت مادة البئر وكان ما فيها من الماء مقدار الكر لم ينجّس بملاقاة النجاسة لاندراجه في الكثير الراكد وخروجه عن اسم البئر ، فلو كان مع الاتصال بالمادة متنجسا بالملاقاة لكان (1) وجود المادة قاضيا بضعفه وقبوله للانفعال.

وهو بعيد جدا بل لا وجه له إذ لو لم يكن وجود المادّة قاضيا بقوّة الماء لم يكن باعثا على ضعفه.

مضافا إلى أنّه صلى اللّه عليه وآله كان يرد آبار المشركين ولم ينقل عنه الأمر بالرجوع (2) من جهة ورودهم عليها ، بل كان صلى اللّه عليه وآله في مكّة المشرفة يستعمل مياه آبارها مع شرك أهلها. وكذا يستعمل ماء زمزم مع مزاولة المشركين لها.

وكون نجاسة المشركين واردة في المدينة لا ينافيه ؛ إذ لا ينحصر نجاسة المشركين في كفرهم لمزاولتهم لسائر النجاسات إلّا أن يقال : إنّ شيئا من النجاسات لم يكن نجسة حينئذ ، وهو بعيد ، والظاهر فساده.

على أنّه لم ينقل عنه صلى اللّه عليه وآله الأمر بتطهير آبار المشركين بعد ذلك ، ولا أمر بتطهير بئر زمزم بعد الفتح مع ورود نجاسة المشركين قبله على أنّ في القول بانفعال البئر بالملاقاة من الحرج والمشقة الشديدة ما لا يخفى إذا غلب المياه دورانا مياه الآبار سيّما في الحرمين الشريفين وما والغالب والاها عدم تحفّظها من ملاقاة النجاسات أو المتنجّسات.

وإلزام النزح منها دائما حرج عظيم لا يناسب الشريعة السمحة السهلة.

مضافا إلى أنها لو تنجّست بمجرد الملاقاة لورد في الشريعة بيان لكيفيّة تطهيرها ، ولم نجد ذلك في شي ء من الأخبار سوى ما ورد في أخبار المنزوحات بالنسبة إلى أمور مخصوصة عديدة وقع السؤال عنها ، وقد خلت معظم النجاسات والمتنجسات عن النص.

ولا وجه لإهمال الشارع بيان الحكم في مثل هذه المسألة العامّة البلوى الّتي يحتاج إليها

ص: 197


1- في ( ج ) : « لمكان ».
2- في ( د ) : « النزح ».

عامة الورى ولا (1) تقدّم نقل النقلة ذلك إلينا.

وأيضا لو تنجّس البئر بالملاقاة لم يمكن تطهيرها بالنزح إلّا مع التزام أمور مستبعدة لا وجه للالتزام بها إلّا مع قيام دليل واضح عليها ، وهو مفقود في المقام.

وذلك لتنجس الدلو بورود البئر ، فيكون وروده ثانيا على البئر بمنزلة إصابة نجاسة جديدة ، وكذا الرشاء والماء المتساقط منه في البئر ، فكيف يصحّ القول بتطهيره بذلك مع ملاقاته النجاسة من جهته.

وأيضا كيف يحكم بطهارة الماء عند انفصال الدلو النجس عنه ، وكذا بطهارة الدلو عند تفريغ ما فيه من الماء النجس المنزوح من البئر من دون ملاقاة المطهر.

وكذا الحال في طهارة الرشاء وأطراف البئر بما (2) تقاطر عليه الماء النجس ، وما هبط عنه الماء من أطراف البئر من جهة بعض الماء بالنزح.

وكذا الحال في ثياب النازح وسائر ادوات النزح ، فإنّه و (3) إن أمكن القول بطهارة الجميع على الوجه المذكور إلّا أنّه بعيد يتوقّف القول به على قيام دليل واضح عليه.

والقول (4) بعدم انفعال البئر بالملاقاة أقرب منه ، ولا شي ء يلزم من ذلك على القول به فيما إذا تغيّر ماء البئر بالنجاسة فإنّا لا نقول بطهارة الرشاء وجوانب البئر وسائر ما يلاقيه الماء المتغيّر إلّا بملاقاة المطهّر على النحو المعمول.

حجّة القول بالانفعال مطلقا أمور :

أحدها : الإجماعات المحكيّة على ذلك المعتضدة بالشهرة القديمة بين الطائفة ، الظاهرة من ملاحظة الفتاوى وكلمات الأصحاب ، والمنقولة في لسان جماعة من علمائنا الأطياب ، وممّن

ص: 198


1- في ( د ) : « وامّا لعدم » بدل « ولا تقدّم ».
2- في ( د ) : « ممّا ».
3- لم ترد في ( ب ) : « و ».
4- في ( د ) : « العمل » بدل « القول ».

حكى الإجماع عليه السيد في الانتصار (1) حيث عدّ ذلك ممّا انفردت الامامية به ، وذكر أنّ حجة الإمامية فيما ذهب إليه في البئر ما تقدّم من الحجة ، وأشار به إلى الإجماع.

وفي كلام الشيخ في التهذيب (2) نفي الخلاف عن نجاسة ماء البئر إذا وقع فيه البعير والخمر.

وفي شرح الجمل للقاضي : إنّ أصحابنا يذهبون إلى نجاسة مياه الآبار بما يلاقيها من النجاسة ، ولا يعتبرون فيه قلّة ولا كثرة. وظاهره (3) الإجماع عليه.

وفي الغنية (4) التصريح بالإجماع عليه قليلا كان ماؤها أو كثيرا.

وفي السرائر (5) نفى الخلاف عن الحكم بالنجاسة قليلا كان الماء أو كثيرا.

وقد نفى الخلاف عنه في خصوص بعض النجاسات بل نصّ فيها (6) بالإجماع.

وعن المحقّق في المسائل المصريّة (7) وفي غاية المراد : الأكثر من الأصحاب وكاد أن يكون إجماعا منهم على النجاسة ، ولعلّه الحجّة.

ويظهر من جماعة منهم إجماع السلف على نزح البئر لوقوع النجاسة في الجملة وأنّه يطهّرها ففي الانتصار (8) أنّه لا خلاف بين الصحابة والتابعين في أنّ اخراج بعض ماء البئر يطهّرها ، وإنّما اختلفوا في مقدار ما ينزح.

وهذا يدل على حكمهم بنجاستها على كل حال من غير اعتبار لمقدار مائها.

ونحوه ما في الغنية (9).

ص: 199


1- الانتصار : 89 - 90.
2- تهذيب الأحكام 1 / 240.
3- في ( ب ) : « ظاهر ».
4- غنية النزوع : 46 و 47.
5- السرائر 1 / 69.
6- في ( د ) : « في بعضها » بدل « فيها ».
7- زيادة في ( د ) : « نفي الخلاف عنه ».
8- الانتصار : 90.
9- غنية النزوع : 48.

وفي غاية المراد أنّ النزح للبئر مرويّ عن علي عليه السلام ، وابن عباس ، وأبي سعيد الخدري ، والحسن البصري. وعليه عمل الاماميّة في سائر الأعصار والأمصار.

وحكاية الشهرة عليه مستفيضة في كلماتهم ، حكاه القطيفي في شرح الإرشاد والفاضل الاصبهاني في كشف اللثام (1).

ثانيها : أخبار النزح ؛ وهي في غاية الكثرة والاستفاضة بل متواترة في الجملة.

فإنّ ظواهرها كون النزح لأجل التطهير من جهة ملاقاة النجاسة كما هو الحال في سائر الأوامر المتعلّقة بغسل الثياب والأواني ونحوها بعد ملاقاة النجاسة ؛ فإنّ مفادها تنجّس تلك الأشياء بملاقاة النجاسة وطهرها بذلك حسبما هو المعلوم منها في العرف.

وقد جرى عليهم فهم الفقهاء في تلك المقامات ، فكذا في المقام بل جرى عليه فهم معظم القدماء هنا أيضا كما عرفت.

وذلك من أقوى الشواهد على المقصود ؛ فإنّ فهم الأصحاب وفتواهم من أعظم المؤيّدات بل يجري مجرى الدليل في بعض المقامات.

وحمل تلك الأوامر على الوجوب التعبدي بعيد جدّا بل يمكن القطع بفساده وحملها على الندب خروج عن ظواهرها من غير دليل عليه يكافئها ، بل في ورود النزح في صورة التغيير بالنجاسة وغيرها على نحو واحد أقوى شاهد على كونه في المقامين من قبيل واحد ، والمقصود به مع التغيير هو التطهير فيكون ذلك هو المراد مع عدمه.

ثالثها : الأخبار المستفيضة المشتملة على الصحاح الدالّة عليه بالخصوص :

منها : صحيحة محمّد بن اسماعيل بن بزيع ، قال : كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا عليه السلام عن البئر يكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول أو دم أو يسقط فيه شي ء من عذرة كالبعرة أو نحوها ، ما الذي يطهّرها حتّى يحلّ الوضوء منها للصلاة؟

فوقّع عليه السلام في كتابي بخطّه « ينزح منها دلاء » (2).

ص: 200


1- كشف اللثام 1 / 278 و 279.
2- الإستبصار 1 / 44 ، ح (124) 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 244 ، ح 36.

ومفاد الرواية بعد وقوع السؤال عمّا يطهّرها بعد وقوع المذكورات أنّ نزح الدلاء مطهّر لها وأنّه لا يحل استعماله قبله ، فيدلّ على نجاستها بملاقاتها.

وكون الرواية بالمكاتبة مع جهالة الواسطة لا يقضي بضعفها بعد قطع الثقة (1) بتوقيع الإمام وخطّه عليه السلام حسبما أخبر به.

ومنها : صحيحة علي بن يقطين عن الكاظم عليه السلام عن البئر يقع فيها الحمامة أو الدجاجة أو الفارة أو الكلب أو الهرة؟ فقال : « يجزيك أن تنزح منها دلاء فإنّ ذلك يطهّرها إن شاء اللّه تعالى » (2).

فإن حكمه بتطهيرها بنزح الدلاء حكم منه عليه السلام بنجاستها بملاقاة أيّ واحد من تلك النجاسات ؛ مضافا إلى ما في لفظ « الإجزاء » من الإشارة إلى عدم الاجتزاء بما سوى ذلك ، وأنّه المجزي دون ما دونه.

ومنها : صحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام قال : « إذا أتيت البئر وأنت جنب ولم تجد دلوا ولا شيئا تغرف به ، فتيمّم بالصعيد فإنّ ربّ الماء وربّ الصعيد واحد ولا تقع على البئر ولا تفسد على القوم ماءهم » (3).

فإنّ قضيّة قوله « لا تفسد على القوم ماءهم » أنه لو وقع في الماء أفسد. والظاهر من الإفساد التنجيس أو زوال الطهوريّة.

وأيضا أمره بالتيمّم مع وجود الماء وتمكّنه من الوصول إليه ليس الّا من جهة عدم تمكّنه من استعماله لتنجّس الماء بنزوله أو خروجه عن الطهوريّة باستعماله : إذ لو لا ذلك تعيّن عليه الغسل.

والجواب أمّا عن الاجماعات المنقولة بوجود الخلاف فيه من جماعة من المتقدمين

ص: 201


1- في ( د ) : « البعد » بدل « الثقة ».
2- الإستبصار 1 / 37 ، ح (101) 5 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 231 ، ح 17.
3- الكافي 3 / 65 ، ح 9 ؛ الإستبصار 1 / 127 ، ح (435) 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 149 ، ح 117 ؛ وسائل الشيعة 1 / 177 ، ح 22.

واشتهار خلافه بين المتأخرين حتى أنّه استقر المذهب عليه.

مضافا إلى معارضتها بالأخبار الصحيحة الدالّة على خلافها الراجحة عليها من وجوه شتّى.

وأمّا عن أخبار النزح فبعدم وضوح دلالتها على النجاسة بل عدم ظهورها بل وظهورها في خلافها كما لا يخفى على المتأمّل فيها حسب ما مرّت الإشارة إليه. كيف وقد حكم في بعضها بعدم لزوم غسل ما لاقاه قبل العلم بوقوع النجاسة فيها ، وورود جملة منها في ورود جملة من غير النجاسات عليها كوقوع العقرب والوزغ ونحوهما مع الاختلاف الفاحش في مقدار النزح مع اعتبار أسانيد عدّة منها.

إلى غير ذلك ممّا يظهر للمتأمّل فيها.

وفهم الجماعة منها ذلك إنّما يتمّ به قصورها في الدلالة لو لا ما يعارضه من شواهد خلافه.

مضافا إلى معارضته فهم المتقدمين بما فهمه المتأخّرون ، والشهرة من القدماء بالشهرة المتأخرة ، فيتساقطان بل لا يبعد ترجيح الثاني في المقام لدقّة أنظارهم وملاحظتهم لمعظم الوجوه المرجّحة واجتماع الآثار المرويّة عندهم.

والظاهر أنّ مستند القدماء في الفهم المذكور هو ما أشرنا إليه دون أن يكون هناك أمر آخر دعاهم إلى الحمل عليه ، وإلّا لأشير إليه ولو في كلام البعض ، ولما تنبّه المتأخرون لضعف الحمل المذكور نظرا إلى الوجوه الموهونة له عدلوا عن ذلك حتى استقرّ المذهب على خلافه.

وأمّا عن الأخبار الخاصّة (1) فبأنّها لا تكافئ الصحاح الدالّة على الطهارة المعتضدة بغيرها من الأخبار المعتبرة ؛ إذ هي أوضح استنادا وأصرح دلالة وأكثر عددا منها مع (2) اعتضادها بالأصول المتعدّدة وسائر الوجوه المؤيّدة لها جدّا حتّى كاد (3) أن يبلغ بها إلى درجة القطع ، وقد عرفت الحال في الشهرة المعاضدة لها.

ص: 202


1- في ( ب ) لم ترد : « الخاصّة فبأنّها .. من الأخبار ».
2- الزيادة من ( د ).
3- في ( ج ) : « كان ».

على أنّ شيئا (1) من الروايات المذكورة ليست بتلك المكانة من الظهور.

وأمّا صحيحة ابن بزيع فلاحتمال أن يراد بالطهارة النظافة الحاصلة بارتفاع الكراهة ، فالمراد بقوله « حتى يحل » الحل الذي لا كراهة فيه.

على أنّ الرواية غير معمول بها عند الجماعة ؛ إذ لا يقولون بالاكتفاء بنزح الدلاء الصادقة على الثلاث أو الأربع في شي ء من النجاسات المذكورة في السؤال.

ويجري نحو ما ذكرناه في صحيحة علي بن يقطين أيضا.

وأمّا صحيحة ابن أبي يعفور فالظاهر أنّه لا ظهور لها فيما ادّعوه ؛ إذ (2) إفساد الماء على القوم أعمّ من تنجيسه لاحتمال أن يراد به اختباط الماء بالطين وتغيّر ريحه وطعمه.

وقد يومي إلى ذلك تعبيره عليه السلام بقوله « لا تقع على البئر » الظاهر في إلقاء نفسه في الماء دون دخوله فيه بالتدريج.

كيف ولو قضى ذلك بنجاسة الماء من جهة نجاسة بدنه لم يطهر به ، ولم يرتفع حدثه ، وكان ذلك حينئذ أولى بالذكر في المقام من إفساد الماء على غيره لفساده إذن بالنسبة إليه أيضا ، وعدم ترتّب الغاية المطلوب عليه.

وظاهر التعليل المذكور يومي إلى إفساد (3) الماء على القوم دون نفسه بالنظر إلى ما هو بصدده حتّى لا يترتّب عليه ما يريده.

والظاهر أن البئر المذكور لإضراره (4) من (5) موارد القوم الموقوفة لأجل الشرب ونحوه أو الجارية مجرى الأوقاف فينافيه التصرف المذكور لإضراره بهم ، ولذا لزمه الانتقال إلى التيمّم ، وبمعرفة صحّة ما في الأقوال من التأمل فيما قررنا فلا حاجة إلى إبطاله (6).

ص: 203


1- في ( د ) : « سائر » بدل « شيئا من ».
2- في ( ج ) : « أو ».
3- في ( د ) : « إفساده ».
4- لم ترد في ( د ) : « لإضراره ».
5- في ( ب ) لم ترد : « من ».
6- في ( د ) : « إطالة القول فيها » بدل : « إبطاله ».
تبصرة: [ في تطهير المياه النجسة ]
اشارة

تطهر المياه كلّها بملاقاتها للماء المعصوم من الجاري بل مطلق النابع أو الواقف ، الكر أو الغيث ، فيكفي مجرّد اتصالها به إذا كانت قابلة للتطهير ، فلو كانت متغيّرة لم (1) يطهر قبل زواله فيطهر الجاري بمجرّد زوال التغيير ؛ لاتصاله (2) بالمادّة المعتصمة ولا يحتاج إذن إلى تكاثر الماء من المادة وتدافعه إليه عليه (3).

وما يوجد في كلام الفاضلين وغيرهما من اعتبار التكاثر أو التدافع في تطهير الجاري لا ينافي ما ذكرناه ؛ إذ المفروض هناك تغيّر الماء ، وهو ممّا لا يرتفع في مثله غالبا إلا به ، فالمطهر إذن بعد رفعه بالتكاثر هو الاتصال لتنجّس الممازج (4) أيضا بسبب التغير ، فتأمل.

ويطهر الراكد المتنجس بالملاقاة أو التغيير بعد زواله قليلا كان أو كثيرا بالاتصال بالنابع أو الغيث أو الكر من غير حاجة إلى الامتزاج واستيلاء المطهر عليه.

ويدلّ على ما قلناه عموم ما دلّ على (5) طهوريّة المياه لاقتضائه تطهير كلّ ما يلاقيه إلّا أن يدل دليل على اعتبار أمر زائد عليه كالتثنية (6) في البول والتعفير في آنية الولوغ.

والتشكيك الواقع من غير واحد من المتأخرين في عموم الأدلّة الدالّة عليه إن كان في العموم المصطلح ففي محلّه ، ولا يمنع من الحجيّة ، وإلّا فلا وجه له ؛ لوضوح الإطلاق.

ص: 204


1- في ( ب ) لم ترد : « لم ».
2- في ( ب ) : « لاتصالها ».
3- في ( ب ) : « إليه ولا » ، بدل « عليه وما » في ( ج ) : « إليه وما ».
4- في ( د ) : « الخارج ».
5- ليس في ( د ) : « على ».
6- في ( د ) : « كاعتبار التثنية » بدل : « كالتثنية ».

وقوله عليه السلام « الماء يطهّر ولا يطهر » بعد الغضّ عن سنده إنما يراد به عدم تطهيره بغيره لقيام الإجماع على خلافه.

مضافا إلى ما فيه من التدافع بين ظاهر الصدر والعجز ، فلا بدّ من التقييد في أحد الطرفين فلا يصلح سندا للنفي.

والإجماع المذكور يرجّح الأخير مع أنه قد يقال بترجيح التجوّز في العجز عليه في الصدر.

وحينئذ يكون بإطلاقه من الشواهد على المطلوب أيضا.

فإن قلت : المفهوم من الاطلاقات اعتبار الملاقاة في التطهير ، ولانعقاد الإجماع عليه فلا يثبت منها إلّا تطهيرها لخصوص ما يلاقيها من أجزاء الماء دون غيرها من الأجزاء ، فلا يتّجه الحكم بالسراية إلى الجميع.

نعم ، ذلك إنّما يصحّ مع الامتزاج لحصول الملاقاة بالنسبة إلى الجميع.

قلت : مجرّد اتصال المائين قاض بطهر الجزء الملاقي ، فيطهر الجزء الذي يلاقيه ممّا بدا به (1) لكونه طاهرا مطلقا. وهكذا الحال في الذي يليه بالنسبة إلى ما يلاقيه إلى تمام أجزاء الماء ، فيطهر الجميع.

وبذلك يظهر الفرق بين المطلق والمضاف ؛ لعدم ثبوت الطهورية له ، فلا يسري الطهارة من الجزء الملاقي إلى ما بعده ، فلا يمكن تطهيره بمجرّد الاتصال ، ولا بالامتزاج مع عدم استهلاكه في الماء ؛ لعدم إمكان إيصال المطهّر إلى جميع أجزائه حينئذ.

ولذا ذهب الجمهور إلى عدم قبوله للطهارة ما دام على الإضافة ، فلا مدخليّة لاعتبار الامتزاج في تطهير شي ء من المياه لما عرفت من عدم حصول ملاقاة المطهّر لجميع الاجزاء إن قصد (2) ذلك ، وعدم الحاجة إليه من جهة صدق ملاقاة الماء الطهور بالنسبة إلى جميع الأجزاء ؛ لحصوله بمجرّد الاتصال حسبما قرّرنا.

ص: 205


1- في ( د ) : « يليه » بدل : « بدا به ».
2- لم ترد في ( ب ) : « إن قصد .. إلى جميع الأجزاء ».

كيف ولو غضّ عمّا قلناه لزم اعتبار استهلاك الماء النجس في المعصوم على نحو المياه المضافة ليحصل التطهير ، وهو على الظاهر خلاف الإجماع ؛ إذ لا خلاف بينهم في تطهير الكرّ من الماء إذا ألقي في مثله أو ضعفه من الماء النجس مع زوال التغيير ، ولا استهلاك فيه قطعا.

ويدلّ على ما قلناه أيضا أنّه لا خلاف ظاهر في كون إلقاء الكر دفعة على الماء النجس متطهّرا (1) له ، ولو كان النجس أضعاف أضعاف الكر كما هو مقتضى إطلاقاتهم.

وقد نصّ على عدم الخلاف بينهم في ذلك في كشف اللثام.

ومن الظاهر إذن عدم حصول الممازجة بالنسبة إلى الجميع ، فيطهر بعضه بالامتزاج والباقي بالاتصال وأمّا إذا كان الاتصال مطهرا في البعض فلا مفرّ من القول به في الكلّ.

وممّا يدلّ على ذلك أيضا في خصوص الجاري وماء الحمّام إطلاق قوله عليه السلام في مرسلة ابن أبي يعفور : « ماء الحمّام كماء النهر ، يطهّر بعضه بعضا » من غير إشارة إلى اعتبار الامتزاج.

وبتنقيح المناط يمكن تسرية الحكم إلى سائر المياه المتّصلة بالمعصوم.

مضافا إلى أنّ الماء المتّصل بالمعصوم من الجاري والكر وغيرهما (2) يدفع عن نفسه النجاسة لاعتصامه بها ، فيكون أيضا رافعا لاتّحاد السبب فيهما.

فاعتبار الامتزاج (3) مطلقا كما يظهر من التذكره أو اعتباره في الكر دون الجاري كما يظهر من بعض أجلّة المتأخّرين أو مع علوّ المطهّر دون ما إذا تساوى الماء ان كما يظهر من الموجز ويقتضيه (4) الجمع بين عبارات المنتهى والنهاية كما عرفت في بحث ماء الحمّام ؛ ضعيف لا مستند له.

إذ اعتباره إمّا لأجل ملاقاة المطهّر للنجس فقد عرفت أنّه (5) حاصل بالنسبة إلى جميع

ص: 206


1- في ( د ) : « مطهّرا ».
2- زيادة في ( د ) : « ممّا ».
3- زيادة في ( د ) : « فيهما ».
4- في ( د ) : « بعضه ».
5- زيادة في ( د ) : « غير ».

الأجزاء - لا حقيقة ولا عرفا - لعدم إمكان الأوّل ، وعدم اعتبارهم للثاني ظاهر.

وإمّا لرفع الاثنينيّة بين المائين واتحادهما ففيه أنّه لا يتوقّف على الامتزاج.

وإمّا لرفع الامتياز بينهما والمغايرة في الإشارة الحسيّة ففيه أنّه لا دليل عليه ولا شاهد من نظائره يرشد إليه.

وقد يستدلّ عليه بأصالة بقاء النجاسة إلى أن يعلم المزيل ، ولا يتحقق إلّا مع الامتزاج لقيام الإجماع عليه حينئذ.

وفيه أنّ الإطلاق أيضا حجّة وهو كاف في نقض الأصل.

مضافا إلى ما عرفت. ويعزى إلى بعض الأصحاب أنّه على القول بالاكتفاء بالاتّصال في الواقف لا مفرّ أيضا من اعتبار الامتزاج في الجاري مستدلّا بحصول علوّ المطهّر أو امتزاجه هناك بخلاف الجاري ؛ لكون المنبع فيه تحت الأرض.

ولا يخفى ضعف الدليل في نفسه وأخصيّته عن الدعوى إن تمّ ؛ إذ قد يكون المنبع من مكان مرتفع أو مساو للماء ، وقد يكون التغيير في المنحدر عن المنبع بكثير وكان ذلك شاهد على تخصيص الدعوى بصورة علوّ النجس على المادّة كما حكي عن بعض المتأخرين.

وقد يظهر من الروض أيضا ؛ لاعتباره علوّ المطهّر ففيه كما سيأتي من عدم الدليل على اعتبار ذلك.

وهل يعتبر فيه علوّ المطهّر أو مساواته مطلقا أو في غير النابع أو لا يعتبر ذلك مطلقا؟

وجوه ؛ أقواها عدم الاشتراط لما عرفت من عموم (1) الدليل بالنسبة إلى جميع الأقسام.

واعتبار الورود في المطهّر على ما اعتبر في تطهير غير الماء فانّما هو في غير المعتصم وإلّا فلا فرق بين الورودين في غيره قطعا.

وظاهر الروض اعتبار علوّ المطهّر خاصّة فلا طهر مع المساواة أو علو النجس ، وظاهر ما ذهب إليه مخالف لما اتفقوا عليه.

ص: 207


1- في ( د ) : « عدم ».

وقد اعترف باتفاقهم في صورة مساواة السطوح قال (1) : « ويمكن حمله بأنّ جماعة (2) من الأصحاب منهم المصنّف في التذكرة والشهيد في الذكرى (3) اشترطوا في طهر النجس إذن امتزاج الطاهر به ».

قال (4) : « وهذا الشرط راجع إلى علو الجاري إذ لا يتحقق الامتزاج بدونه ».

ولا يخفى عليك أنّ الامتزاج لا يستلزم علو المطهر على جميع أجزاء النجس (5) ، ولو سلّم فاشتراطهم له ليس من تلك الجهة فاعتباره له مخالف لظاهر ما اتفقوا عليه.

مضافا إلى ما عرفت من عدم قيام دليل عليه ، مع مخالفته لظاهر الأدلّة.

وقطع في القواعد بعدم الاكتفاء بنبع الماء من تحت الراكد المتنجس.

وفي المعتبر (6) أنّه أشبه بالمذهب.

وهذا بظاهره قد يوهم اشتراط علوّ المطهّر أو مساواته لكن حمله على بناء النبع على اعتبار الدفعة ممكن.

ويؤيّده أنه نصّ في المعتبر بعد ذلك بطهارة الماء إذا وصل المطهّر إليه من تحت.

وقريب منه ما في نهاية الإحكام.

ولا يذهب عليك أنّ المقصود بالنبع في المقام غير النبع من الأرض ؛ إذ لا تأمّل في الاكتفاء به في الجملة.

هذا ، وأمّا (7) عدم علوّ النجس على المطهّر متدافعا عليه من الأعلى إلى الأسفل فلا شكّ في اعتباره لعدم سراية النجاسة كذلك كما عرفت ، فلا تسري الطهارة أيضا.

ص: 208


1- روض الجنان : 136.
2- في ( د ) : « جملة ».
3- في ( ب ) زيادة : « و ».
4- روض الجنان : 136.
5- في ( د ) : « المتنجّس ».
6- المعتبر 1 / 51.
7- زيادة في ( د ) : « مع ».

مضافا إلى استصحاب النجاسة مع الشك في شمول إطلاقات التطهير لمثله. والظاهر اتفاقهم على ذلك وعليه يحمل ما حكي عن ظاهرهم من الاتّفاق على اعتبار علوّ المطهّر هنا أو مساواته ، ولو أريد به ما يشمل المعنى الأوّل فقد عرفت ضعفه ، وتصريح غير واحد من الأصحاب بخلافه.

والظاهر عدم الفرق فيما ذكر بين علوّ النجس عليه على سبيل التسنيم أو الانحدار الظاهر ، وكذا الحال مع حصول مسمّى الانحدار.

وأمّا مع تساوي المكان عرفا إذا تدافع النجس على المطهّر ففي حصول التطهير به إشكال ونحوه ما إذا جرى عليه (1) النجس من الأسفل كالفوّارة.

وقضيّة الأصل بقاء النجاسة وإن كان حصول التطهير به لا يخلو عن قوّة.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه لأمور :

الأوّل : ذهب الشيخ في الخلاف إلى (2) اعتبار الدفعة في إلقاء الكر على الماء النجس. وتبعه في ذلك جماعة ممّن تأخر عنه.

وعزاه المحقّق الكركي (3) إلى صريح الأصحاب مؤذنا (4) باتفاقهم عليه.

وفي المسالك (5) أنه المشهور.

والظاهر أنّه لا خلاف في عدم اعتبارها في التطهير بما عدا الكر من المياه المعتصمة كالجاري والغيث. ولا يبعد اختصاصه أيضا بما إذا كان التطهير بمقدار الكرّ (6).

ص: 209


1- في ( ب ) : « إليه ».
2- زيادة اللفظه من ( د ).
3- جامع المقاصد 1 / 133.
4- في ( ب ) : « مؤذن ».
5- مسالك الإفهام 1 / 14.
6- الزيادة من نسخة ( ب ).

أمّا لو زاد عليه بمقدار ما يحصل به الاتصال بالماء النجس - بناء على الاكتفاء به - أو الامتزاج أيضا - بناء على اعتباره - فلا وجه لاعتبار الدفعة فيه ؛ لما عرفت من اعتصام المنحدر إذن بما فوقه من الكر على ظاهر مذهبهم.

وقد صرّح جمع من معتبري الدفعة بتسرية حكم الحمّام به (1) إلى غيره وقد عزا في المعالم إلى الذاهبين إلى اعتبار المساواة في سطح الكر أنّهم مصرّحون بعدم انفعال القليل المتصل بالكثير ، ولذا اعتبرت الدفعة في عباراتهم في خصوص الكر. وظاهر الشرائع اعتبارها في الزائد على الكر أيضا ، وقد يرجع إلى الأوّل.

وكيف كان ، فاعتبار الدفعة مبني على اعتبار تساوي السطوح في الكر وعدم تقوّي الأسفل منه بالأعلى ؛ إذ مع القول بعدمه لا يخرج المنحدر بسبب اتصال الماء عن حكم الكرّ ، فلا فائدة في اعتبار الدفعة.

وحيث إنّ الأقوى عدم اعتبار استواء السطوح (2) كذلك فالوجه عدم اعتبارها في المقام ؛ وفاقا لجماعة من الأعلام بعدم ظهور الفرق بين الدفعة وغيرها حينئذ في إفادة التطهير لاقتضاء الإطلاقات بخصوص التطهير على الوجهين.

والقول بعدم ورود كيفيّة تطهير (3) المياه في الروايات - فينبغي الأخذ بمقتضى استصحاب النجاسة في غير مورد الإجماع - فيبتني على بقاء النجاسة مع عدم إلقاء الكر دفعة لشهرة الخلاف فيه حينئذ ، مدفوع بما مرّت الإشارة إليه من الاكتفاء في الحكم بالتطهير بالاطلاقات الواردة ؛ إذ هي مع عدم ظهور التقييد حجة وافية (4) في إفادة الحكم.

وما ذكر من الاستصحاب مدفوع باستصحاب بقاء الكرّ الوارد على غير وجه الدفعة على الطهارة ؛ إذ مع القول بعدم إفادته التطهير يحكم بنجاسته حسبما نصّ عليه ، فكيف يصحّ

ص: 210


1- لم ترد في ( ب ) و ( ج ) : « به ».
2- في ( ب ) : « السطح ».
3- لفظه - « تطهير » لم ترد في ( د ).
4- في ( ج ) : « وأثبته ».

القول ببقائه على الطهارة وبقاء الآخر بالنجاسة مع امتزاج المائين وانتفاء المائز بينهما.

ويظهر من المحقق الكركي (1) ورود النصّ به باعتبار الدفعة.

ولم نعثر عليه.

وما حكاه من تصريح الأصحاب به لا حجّة فيه مع تصريح جماعة بخلافه.

مضافا إلى عدم وضوح ما ذكره في دعوى الإجماع.

وقد ظهر ممّا قلنا عدم الحاجة إلى اعتبارها مع تساوي سطحي المائين لحصول (2) الاعتصام معه قطعا.

ولذا اعتبروها في إلقاء الكرّ نظرا إلى علوّه على النجس ، فتفطن.

وقد يحمل اعتبار الدفعة في كلام جماعة منهم على إرادة المواصلة بين أجزاء (3) الكر بأن لا يلقى فيه دفعات متفرقة ، وهو بهذا المعنى ممّا لا شك فيه.

الثاني : أنّه لو كان الماء متغيرا بالنجاسة فألقي عليه كرّ فإن تغيّر به الكرّ الوارد نجس وليس ذلك من التغيير بالمتنجّس كما مرّ بيانه.

ولا بدّ حينئذ من إلقاء كرّ آخر إلى أن يزول التغيير.

وكذا الحال لو تغيّر به بعض الكرّ الوارد لتنجسه بذلك ، ونقصان الباقي عن الكر فينجس الجميع.

ومن ذلك ما لو تغير بعضه في أول آنات اللقاء ثمّ زال التغيير عن الجميع باستيلاء الماء الوارد.

وما يتراءى من اقتضاء إطلاق الأصحاب بحصول التطهير في الصورة المفروضة لصدق (4) زوال التغيير بالقاء الكر عليه ، بيّن الفساد ؛ لظهور خروج الصورة المفروضة عمّا

ص: 211


1- جامع المقاصد 1 / 133.
2- في ( ج ) : « بحصول ».
3- في ( ج ) : « اجراء ».
4- لم ترد في ( ج ) : « لصدق .. المفروضة ».

ذكروه.

كيف ومن الواضح تنجّس القدر المتغير في تلك الحال وخروج الباقي عن الكرية ، فلا يبقى هناك كر طاهر حتّى يصحّ التطهير به ، ويندرج في إطلاق ما ذكروه.

ولو شكّ في تغيير بعضه في أوّل الملاقاة بنى على أصالة عدمه وبقائه على طهارته ، فيحكم بطهارة الجميع بعد زوال التغيير ( عن الماء بعد حصول الاستيلاء.

ولو شكّ في زوال التغيير ) (1) بعد امتزاج المائين ظاهر القاعدة الحكم بالطهارة بعد تعارض الأصلين ، ولو أمكن استعلام حاله فهل يجب عليه ذلك عند إرادة استعماله؟ وجهان.

ولو كان الماء نجسا متغيرا وشكّ في كون تغيّره بالنجاسة ففي طهره مع بقاء التغيير وجهان ؛ من استصحاب النجاسة وأصالة عدم كون التغيير بالنجاسة.

الثالث : أنّه لو كان مقدار الكر في روايات عديدة مثلا فأهريق الجميع دفعة على الماء النجس بعد اتصال بعضها بالبعض في محلّ الانصباب ، فالظاهر الاكتفاء به في المقام بناء على ما اخترناه من عدم اعتبار استواء السطوح في الكر وتقوّي الأسفل بالأعلى.

والظاهر أن ذلك هو مقصود الجماعة من فضلاء البحرين حيث حكموا بالتطهير مع تفرّق ماء الكر في أواني عديدة حسبما حكاه عنهم في الحدائق.

والوجه فيه ما قرّرناه ، فما (2) ذكره من أنّه لا يعلم بالوجه فيه عندهم كما ترى.

الرابع : أنّه كما يطهر الماء النجس بإلقاء الكرّ عليه كذا يطهر بإلقائه في الكر ، ولا مجال حينئذ لاعتبار الدفعة.

[ مسائل ]

وهاهنا مسائل :

ص: 212


1- ما بين الهلالين من نسخة ( د ).
2- في ( ب ) : « لما ».

أحدها : أن المشهور (1) بين المتأخرين عدم طهر القليل باتمامه كرّا سواء تمّم بطاهر أو نجس ، وهو (2) محكيّ (3) عن الإسكافي والشيخ رحمه اللّه في الخلاف. واختاره الفاضلان والشهيدان وغيرهم.

وعزاه في شرح اللمعة (4) إلى معظم الأصحاب. وفي شرح القواعد إلى المتأخرين.

وعزاه جماعة إلى الأكثر.

ويظهر من المعتبر ندور القول بخلافه.

وذهب جماعة من القدماء منهم السيد ، والديلمي ، والقاضي (5) ، وابن أبي المجد الحلبي ، والحلّي ، وابن سعيد إلى طهره بذلك.

وإليه ذهب من المتأخرين المحقّق الكركي (6) ، وعزاه إلى أكثر المحققين.

وظاهر (7) إطلاق بعضهم وصريح آخرين عدم الفرق بين إتمامه بالطاهر أو النجس ، بل ربّما يظهر من بعض أدلّتهم عدم الفرق بين كون الإتمام بالماء أو غيره حتّى من نجس العين إلّا أنّ الشيخ رحمه اللّه في المبسوط (8) - مع احتمال ذهابه إليه حيث قوىّ القول بالطهارة مع إتمامه بالطاهر أو النجس - نفى الشك عن عدم حصول الطهر بإتمامه بالنجاسة.

والمقصود مع استهلاكه فيه وإلّا كان خارجا عن محلّ الكلام.

وفصّل الطوسي بين إتمامه بالماء الطاهر والنجس ، وحكاه الشيخ رحمه اللّه عن البعض.

ص: 213


1- مفتاح الكرامة 1 / 409 - 410.
2- لم ترد في ( ج ) : « وهو محكيّ .. القول بخلافه ».
3- في ( ب ) : « العقربة ».
4- في ( د ) : « الجعفريّة ».
5- جواهر الفقه : 5.
6- جامع المقاصد 1 / 133.
7- زيادة في ( ج ) : « هو محكيّ عن الاسكافي والشيخ في الخلاف. واختاره الفاضلان والشهيدان وغيرهم.
8- المبسوط 1 / 7.

حجة المشهور أصالة بقاء النجاسة حتّى يعلم المزيل ولم يعلم حصوله بذلك ؛ لعدم نهوض دليل عليه.

وما احتجّ به للطهارة موهون كما سنبيّن ، وإنّ قضية ما دلّ على انفعال القليل ثبوت النجاسة حتّى يعلم المزيل ولا دليل هنا.

مضافا إلى إطلاق المنع من غسالة الحمّام ؛ معلّلا بأنّ فيه غسالة اليهودي وولد الزنا والناصب ، فيعم ما لو بلغ المجموع حدّ الكر أو كان دونه.

وفيها أنّ استصحاب النجاسة إنّما يتمّ إذا لم يكن تتميمه بالماء الطاهر ، وأمّا معه فيتعارض (1) الاستصحابان. وقضية الأصل طهارة الماء حتّى يعلم انفعاله.

والقول باقتضاء أدلّة القليل بقاء الانفعال إلى أن يتحقق المزيل - لو سلّم - كان مفادها مفاد الاستصحاب ، فيتعارض (2) حينئذ ما دلّ على طهارة الطاهر حتّى يعلم زواله مع خصوصيته في ذلك. وما دل على المنع من غسالة الحمّام محمول على المتعارف في تلك الأزمنة.

وبلوغ المجموع حد الكر غير معلوم ، فلا دلالة فيها على المطلوب.

حجة القائلين بطهره بذلك بعد العمومات الدالّة على طهارة الماء من الآيات والروايات الإجماع عليه. حكاه في السرائر (3) ، وقوله عليه السلام : « إذا بلغ الماء كرا « لم يحمل خبثا » ، وجعله في السرائر من قول الرسول صلى اللّه عليه وآله المجمع عليه عند المخالف والمؤالف.

وفي المهذب (4) من قولهم صلوات اللّه عليهم.

و (5) ظاهر ذلك روايته عن الأئمّة عليهم السلام ، والمراد بقوله « لم يحمل خبثا » : لم يظهره ، من قولهم : فلان يحمل غضبه أي يظهره.

ص: 214


1- في ( د ) : « فيعارض ».
2- في ( د ) : « فيعارض ».
3- السرائر 1 / 63.
4- المهذب 1 / 23.
5- في ( ب ) لم ترد : « وظاهر ذلك .. لم يطهّره ».

ومجي ء « حمل » بهذا المعنى مذكور في جملة من كتب اللغة ، فيعمّ صورتي دفع النجاسة عن نفسه ورفعها. كذا ذكره جماعة في وجه الدلالة.

ولا يخفى أنّه لا حاجة إلى حمله على ذلك مع بعده عن ظاهر الاستعمالات بل يمكن الاستناد إليه مع حمله على ظاهر العرف ؛ فإنّ عدم حمل الخبث يعمّ الصورتين ، فلو كان الخبث حاصلا قبل الكرّيّة كان عدم حمله رفعه عن نفسه ، وإلّا اقتضى دفعه عنها ، والإجماع على طهارة الماء الكثير إذا وجدت فيه نجاسة عينيّة ولم يعلم هل كان وقوعها قبل بلوغ الكر أو بعده ، فلولا تساوي الحالين لما حكم فيه بالطهارة مطلقا ، وإن بلوغ الماء حدّ الكر يوجب استهلاكه للنجاسة ، فلا فرق بين وقوعها قبل بلوغه وبعده.

ويرد عليه أنّ العمومات مخصوصة بما دلّ على تنجّس الماء ، وأمّا الإجماع فموهون بمصير الأكثر إلى خلافه.

قال المحقق (1) : « إنّا لم نقف على شي ء في شي ء من كتب الأصحاب ، ولو وجد كان نادرا ، بل ذكره المرتضى في مسائل منفردة وبعده اثنان أو ثلاثة ممّن تابعه. ودعوى مثل هذا إجماعا غلط ». انتهى.

والرواية على فرض كونها من روايات أصحابنا مرسلة لا تعويل عليها. ونقله الإجماع على الرواية إن عني به الإجماع على الحكم المستفاد منها فقد عرفت ما فيه وإن عني مجرد الاتّفاق على الرواية - إذ لا معنى لدعوى الإجماع المصطلح عليه - فهو أيضا ضعيف ؛ لعدم ذكرها في شي ء من كتب الحديث ، وإنّما وجدت مرسلة في بعض كتب الفقه قال المحقق (2) : ونحن قد طالعنا كتب الأخبار المنسوبة إليهم فلم نر هذا اللفظ وإنّما رأينا ما ذكرناه ، وهو قول الصادق عليه السلام : « إذا كان الماء .. الخبر. ولعلّه غلط من غلط في هذه المسألة لتوهمه أنّ معنى اللفظين واحد. انتهى.

على أنّها على فرض صحّتها قد يناقش في دلالتها ؛ نظرا إلى ظهور قوله عليه السلام « لم يحمل »

ص: 215


1- المعتبر 1 / 53.
2- المعتبر 1 / 53.

في عدم حمل النجاسة الطارئة ، فلا يشمل غير صورة الدفع كالصحاح الخاصة. والإجماع على طهارة الماء الكثير المفروض ليس مبنيّا على ذلك بل على أصالة الطهارة.

والوجه الأخير قياس فيه.

حجة المفصّل في الحكم بالطهارة الرواية المذكورة. وفي اشتراط طهر المتمّم اعتبار سبب الطهارة ؛ إذ لا يعقل حصول الطهارة من غير مطهّر.

ويضعّفه ما عرفت مضافا إلى أنّ قضية إطلاقها حصول الطهر بمجرّد البلوغ إلى حد الكرّ ، فنفس الكرّية رافعة للنجاسة من غير حاجة إلى طهارة البعض.

قلت : وقد عرفت من حكاية تعارض الأصلين وجها وجيها للتفصيل. وما قد يتراءى لدفعه من إطلاقات المفهوم في روايات الكر مدفوع بأنّ المناط في الكرية وعدمها هو حال الملاقاة ، والمفروض إذن بلوغه حدّ الكر.

فان قلت : المتبادر من روايات الكر اشتراط عدم الانفعال ببلوغ الماء الطاهر حدّ الكر ، وقضية ذلك تنجّسه إذا لم يكن الطاهر منه كرّا كما هو المفروض في المقام.

قلت : القائل بطهره في الإكمال يقول بطهر الجميع ، فليس الطاهر عنده خصوص ما فرض طهارته بما دون الكر ، فيقتضي (1) الإطلاق تنجّسه ، فلا مقتضى لاختصاص الطهر به سوى استصحاب النجاسة في الآخر.

وقد عرفت أنه معارض باستصحاب الطهارة ، فقضيّة العمومات طهارة الجميع للإجماع على تغليب أحد الحكمين مع الملاقاة. هذا غاية ما يقال في توجيه القول المذكور.

ولا يذهب عليك أنّ البناء على توارد الأصلين إنّما يتم إذا ورد الطاهر على النجس أو تواردهما ، أمّا مع ورود النجس عليه فينفي الحكم بالنجاسة ؛ إذ لا مطهّر لما علا من النجس على ما يلاقيه.

ثمّ إنّ قضيّة روايات الكر تنجّس ما دون الكر من الماء الطاهر بملاقاة النجاسة والملاقاة

ص: 216


1- في ( د ) : « ليقتضي ».

حاصلة في المقام ، فيقتضي ذلك تنجّسه ، ولو فرض ثبوت طهره كان ذلك في الحقيقة تقييدا للإطلاق.

وممّا يؤيد ذلك إطباق الأصحاب - ظاهرا - على البناء على خروج الحكم بالطهارة بذلك عن القاعدة ، فلذا لم يتمسّك أحد فيها بالأصل ، وإنّما استندوا إلى الأدلّة الخاصّة.

قال المحقق (1) بعد ردّ ما استدلّ به الحلي من الأخبار : وإن لم يثبت طهارته فالاجماع على المنع منه.

مضافا إلى أنّ السبب في اعتصام الكر تقوّي بعض أجزائه بالبعض ، ومع تنجّس بعضه لا يحصل التقوية العاصمة.

وأيضا بعد تعارض الأصلين يبقى استصحاب انفعال القليل بالملاقاة الثابت قبل الوصول إلى النجس سليما من المعارض.

فظهر بجميع ما ذكرنا ضعف القول المذكور.

ثانيها : أنّ المعروف بين الأصحاب عدم طهارة الكثير المتنجّس بالتغيير بمجرّد زواله.

وفي المنتهى (2) حكاية الشهرة عليه.

بل لا نعرف مخالفا فيه سوى ما حكي عن ابن سعيد من حكمه بالتطهير.

واحتمله العلّامة (3) في النهاية فيما إذا زال التغيير بنفسه.

ولا يخفى ضعفه لاستصحاب النجاسة الثابتة من دون حصول ما يوجب العلم بنقضه ، ولظاهر الإطلاقات الدالّة على وجوب الاجتناب عنه في الاستعمال بعد حصول التغيير.

والوجه في الطهارة عموم قوله عليه السلام : « إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا » خرج عنه حال التغيير بالإجماع ، فبقي الباقي ، وإنّ التغيير هو السبب في النجاسة فتزول بزواله ؛ ضرورة انتفاء المسبّب عند انتفاء السبب.

ص: 217


1- المعتبر 1 / 53.
2- منتهى المطلب 1 / 65.
3- نهاية الإحكام 1 / 257.

ولا يخفى وهن التعليلين ؛ لاقتضاء الرواية عدم حمله شيئا من الأخباث مطلقا ، فمع ثبوته يستصحب بعدم دلالتها على رفعه بعد الثبوت.

ومن هنا ظهر أنّه لا يلزم القائل بالطهارة بالإتمام قوله بها هنا ، وإن استدلّ هناك بالخبر المذكور فما (1) في المعتبر والدروس من إلزامه إذن بذلك ليس بوجه (2).

ولذا نصّ جماعة منهم بعدمها في المقام. ولو سلّم العموم فيها بالنسبة إلى الأوقات فقد عرفت ما فيها من الضعف في السند والدلالة. والمسبب عن التغيير إنّما هو حصول النجاسة لا بقاؤها ليرتفع بارتفاعه كالملاقاة بالنسبة إلى القليل ، فلا ترتفع النجاسة عنه بمجرّد ارتفاعها.

ثمّ إنّه لا فرق بين زوال التغيير من قبل نفسه أو بتصفيق الرياح أو بمخالطة بعض الأجسام غير الماء أو الماء مع عدم بلوغه حدّ الكر ، ويأتي على القول بطهر القليل بإتمامه كرا احتمال طهره في الصورة الأخيرة ، بل حكي القول به عن ظاهر إطلاق المبسوط ، والمراسم ، والوسيلة ، والجامع.

وقد يستدل عليه بتوارد الاستصحابين ، والأصل الطهارة.

وقد عرفت ضعفه لإطلاق (3) الرواية المذكورة بناء على أنّ المراد بالكر ما فوق القليل سواء كان بمقدار الكر أو زاد عليه.

ولا يخفى ضعفه لظهور الرواية إن حملت على ذلك في القلة السابقة.

ولذا نصّ في السرائر (4) هنا بعدم الالحاق.

هذا ، ولو تغيّر بعض الكثير وكان الباقي كرّا طهر بمجرد زوال التغيير على ما ذهبنا إليه ، وعلى اعتبار الامتزاج فلا بدّ من تمويج الباقي ليحصل الامتزاج.

ص: 218


1- في ( ج ) : « مما ».
2- في ( د ) : « بالوجيه ».
3- في ( د ) : « وبإطلاق ».
4- السرائر 1 / 62 - 63.

ثالثها : إذا جمد الماء كان حكمه حكم نحوه من الجوامد فإن تنجّس حينئذ اختص النجاسة بمحل الملاقاة سواء كان بقدر الكر أو دونه. وحكم العلّامة رحمه اللّه بعدم انفعاله مع بلوغه قدر الكر.

وهو ضعيف كما مرّت الإشارة إليه. وطريق تطهيره كتطهير نحوه من الجوامد. ولو تنجّس مائعا ثم جمد لم يمكن تطهيره إلّا بالميعان ؛ لعدم إمكان إيصال الماء (1) إلى جميع أجزائه إلّا بذلك.

ويحتمل على مذهب العلّامة تطهيره بالاتصال بالماء المعصوم بناء على الاكتفاء في التطهير بمجرّد الاتّصال ، فتأمّل.

ص: 219


1- لم ترد في ( ب ) : « الماء إلى جميع .. تطهيره الاتصال ».
تبصرة: [ في كيفية تطهير البئر ، والكلام في النزح ]

يطهر البئر بناء على ما قوّينا من اعتصامها بالمادة كغيرها من المياه النابعة بزوال التغيير ، سواء زال من نفسه أو بمخالطة الماء أو غيره مع طهارة الممازج أو نجاسته وفاقا لجماعة.

وفي الحدائق (1) : أنّه على القول بعدم انفعال البئر لا إشكال في طهارتها بذلك لمكان المادة.

وربّما يستفاد ذلك من كلام (2) غيره أيضا.

والوجه فيه ظاهر ممّا قرّرناه ؛ إذ لا فرق حينئذ بينها وبين غيرها من المياه النابعة.

وحيث اخترنا هناك طهرها بمجرّد زوال التغيير كيفما كان جرى ذلك في المقام ، واعتبار النزح بخصوصه في صحيحة ابن بزيع من أجل استناد الزوال غالبا إليه خلافا لجماعة منهم العلّامة رحمه اللّه (3) في عدّة من كتبه ، وولده في الايضاح (4).

واختاره بعض أفاضل المتأخرين.

وفي كلام بعض المحقّقين حكاية الشهرة عليه. والوجه فيه استصحاب النجاسة وإناطة الطهارة في المعتبرة المستفيضة بالنزح (5).

والأوّل مدفوع بقيام الدليل على الطهارة حسبما أشرنا إليه ، والثاني محمول على الغالب كما عرفت.

ص: 220


1- الحدائق الناضرة 1 / 371.
2- زيادة في ( د ) : « صاحب المعالم والذخيرة ».
3- منتهى المطلب 1 / 68.
4- إيضاح الفوائد 1 / 20.
5- في ( د ) : « في ».

ومع البناء على الثاني فهل يتوقف طهرها على نزح جميع الماء أو يكتفى بنزح ما يزيل التغيير على بقائه؟ قولان.

والأوّل مختار العلّامة رحمه اللّه (1) في التذكرة ، وولده في الايضاح (2).

وقوّاه في القواعد (3) على إشكال.

والثاني مختار جماعة. واستقر به بعض أفاضل المتأخرين.

والوجه في الأول استصحاب النجاسة ، فلا يحكم بزوالها بعد انتفاء علامة الطهارة إلّا بنزح الجميع ؛ إذ هو القدر المتيقّن.

وفي الثاني طريق الأولويّة ، فإنّه إذا كان ذلك كافيا مع بقاء التغيير فمع زواله أولى.

وهذا هو الأظهر تفريعا على الوجه المذكور.

نعم ، لو لم يحصل العلم به إلّا مع نزح الجميع فلا كلام في لزومه على كلّ من القولين المذكورين (4) للعلّامة في القواعد والنهاية (5) ، فقال ببقاء النجاسة مع زوال التغيير من نفسه من دون النزح أو ملاقاة المطهّر.

ولذلك أوجب حينئذ نزح الجميع.

ولو قلنا بتنجّسها بالملاقاة طهرت بالنزح المقدّر إجماعا ، وبمطهر غيرها من الاتصال بالجاري أو الغيث أو الكر أو ممازجتها بناء على اعتبارها.

وبه نصّ في البيان والروضة وجماعة من متأخري المتأخرين ، ويعطيه كلام العلّامة رحمه اللّه في جملة من كتبه ؛ لإطلاق ما دلّ على طهوريّة (6) الماء ، ولأنّه بعد الامتزاج لا بدّ من القول بطهارة الجميع أو نجاسته ، والثانية باطل لما مرّ ، فتعين الأوّل.

ص: 221


1- منتهى المطلب 1 / 70 ؛ تذكرة الفقهاء 1 / 30.
2- إيضاح الفوائد 1 / 21.
3- قواعد الأحكام 1 / 189.
4- زيادة في ( د ) : « خلافا ».
5- نهاية الإحكام 1 /. 261
6- في ( ج ) : « طهور ».

ويسري الحكم إذن إلى مجرد الاتصال لعدم القول بالفصل بعد الاكتفاء به في التطهير.

ولا ينافيه ظاهر إطلاق الروايات وكلام الأصحاب من ذكر النزح بالخصوص ؛ لابتنائه على ما هو الغالب من عدم التمكّن من غيره أو صعوبته ، فلا دلالة فيها على عدم الاكتفاء به بعد حصوله.

مضافا إلى عدم وضوح دلالتها على الحصر.

ويضعف بما (1) ذكرنا ما في المعتبر من عدم الاكتفاء بجريان الماء المتصل بالجاري إليها معلّلا بتعلّق الحكم بالنزح ولم يحصل.

وفصّل الشهيد في الذكرى والدروس (2) بين وصول الجاري أو الكثير إليها بالتسنيم وغيره ، فحكم في الثاني بالتطهير دون الأوّل لعدم الاتحاد في المسمّى.

ونصّ المحقّق الكركي على طهرها باتصالها بالجاري على وجه لا تسنّمها من علوّ ، وعلّله باتحادها به قال (3) : أمّا إذا تسنمها من علوّ فيشكل (4) لأنّ الحكم بالطهارة دائر مع النزح ، وكذا القول في ماء المطر والكثير إذا ألقى فيها دفعة.

ويظهر منه أنّه يريد بتعليله بالاتحاد خروج البئر عن اسمه في الأوّل فيسقط النزح بخلاف الثاني.

ويحتمل عبارة الشهيد رحمه اللّه. وفيه - بعد عدم اتضاح الفرق بين الوجهين في ذلك - أنّه يرجع إلى ما ذكره المحقّق رحمه اللّه ؛ إذ الظاهر اكتفاؤه بذلك بعد خروجها عن اسم البئر.

وإن اريد بذلك بقاء الممايزة بين المائين وعدم حصول الوحدة المعتبرة في التطهير ففيه ما عرفت سابقا. ومع الغض عنه فلا شبهة في اتحاد الممازج معه وهو معتصم بما فوقه اعتصام الواقف بالجاري أو الكر إذا كان ما فوقه كرا ، وهو كاف في المقام ومع زوال التغيير من نفسه أو

ص: 222


1- في ( ب ) : « ممّا ».
2- الذكرى : 10 ؛ الدروس 1 / 120 و 121.
3- جامع المقاصد 1 / 148.
4- زيادة في ( د ) : « ذلك ».

بتصفيق الرياح ونحوه فلا مجال للقول بطهرها ، وإن قيل باكتفاء زوال التغيير في طهر الكر.

وحينئذ فهل يعتبر في تطهيره نزح (1) الكل أو يكتفى بنزح ما يزيل التغيير على فرض بقائه؟ فيه الخلاف (2) المتقدم والأظهر فيه الوجه الثاني حسبما مرّ.

ولو جرى البئر بعد تنجّسه فإن كان من نفسه وعلى سبيل الندرة احتمل طهر الجميع حينئذ (3) بخروجه عن اسم البئر في وجه قويّ ، وإن كان بإجرائه على الأرض فالظاهر خروجه عن اسمه فيطهر به لما دلّ على طهوريّة الجاري.

ويحتمل فيه كالأوّل بقاء النجاسة إلى حصول النزح أو طهارة ما بقي بعد جريان قدر المنزوح.

ولا يخفى ضعفه في غير الأوّل.

واحتمل الوجوه الثلاثة في الذكرى من غير ترجيح ، وقطع في الدروس ببقاء النجاسة.

ولا يخفى ضعفه.

ولو أجريت باستعانة بعض الآلات ففي بقاء حكمها بعد الجريان وجهان. وينبغي القطع بطهارة الباقي بعد خروج المقدار الّذي يجب نزحه.

ص: 223


1- في ( ب ) : « بنزح ».
2- في ( ب ) : « بخلاف ».
3- في ( د ) : « بعد خروجه » بدل « بخروجه ».
تبصرة: [ في مقدار نزح ماء البئر ]

يطهر البئر بناء على انفعاله بالملاقاة بنزح مائه أجمع لوقوع الخمر وغيرها من المسكرات المائعة بالأصل والفقاع والمني وكلّ من الدماء الثلاثة وموت البعير على المعروف بين الأصحاب.

وقد حكى الإجماع على الجميع في السرائر والغنية ، وأسند في نهاية الإحكام وجوب نزح (1) الجميع لما ذكر على القائلين بقبوله الانفعال مؤذنا باتفاقهم عليه (2).

ويدلّ على ثبوت الحكم في الخمر بعد الأصل والإجماع المنقول الصحاح المستفيضة كصحيحة الحلبي : « إن مات فيها بعير أو صب فيها خمر فلينزح (3) الماء كله (4) ».

وصحيحة ابن سنان : « إن مات فيها ثور أو صبّ فيها خمر نزح الماء كلّه (5) ».

وصحيحة ابن عمّار : في البئر يبول فيها الصبيّ أو يصب فيها بول أو خمر؟ « ينزح الماء كله » (6).

ص: 224


1- في ( ب ) : « نزح وجوب ».
2- زيادة في ( د ) : « وعدا العمامة المذكورة في السرائر النجاسات المنصوص عنده فربّما يظهر منه ورود النصّ في الجميع لكن النصّ عليه غير موجود عندنا في كثير منها ».
3- زيادة في ( د ) : « وفي الاستبصار فلينزح ».
4- الكافي 3 / 6 ، ح 7 ؛ الإستبصار 1 / 34 ، ح (92) 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 240 ، ح 25 ؛ وسائل الشيعة 1 / 180 ، ح 6.
5- الإستبصار 1 / 35 ، ح (93) 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 241 ، ح 26 ؛ وسائل الشيعة 1 / 179 ، ح 1.
6- الإستبصار 1 / 35 ، ح (94) 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 241 ، ح 27 ؛ وسائل الشيعة 1 / 180 ، ح 4.

واشتمال هذه على نزح الجميع في البول مع اطراحها في ذلك عند موجبي النزح لا (1) يخرجها من (2) الحجيّة بالنسبة إلى غيره.

ثمّ إنّ ظاهر هذه الأخبار يشمل القليل من الخمر وكثيرها إلّا ما سقط فيها على سبيل التقاطر.

والظاهر أنّ الحكم في غيره ممّا لا خلاف فيه.

وأمّا في القطرة فهو المشهور أيضا.

وفي المقنع (3) : أنّه ينزح لوقوعها عشرون دلوا.

وظاهر المعتبر (4) الميل إليه ، وكأنّه لرواية زرارة : بئر قطر فيها قطرة دم أو خمر؟ قال : « الدم والخمر والميت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد ينزح منه عشرون دلوا » (5).

مع عدم دلالة الأخبار الأول على حال القطرة لورودها بلفظ « الصبّ » الظاهر في خلافها.

ويضعفه ضعف الرواية ، فلا تقاوم الأصل مع اعتضاده بالشهرة والإجماع بل قد يدّعى شمول الصبّ له أيضا خصوصا إذا لم يكن وقوعها على نحو التقاطر ؛ مضافا إلى أنّ ظاهر الرواية عدم الفرق بين القطرة من الخمر وما فوقها ما لم يغيّر الماء ، ولا يقول به.

وفي خبر كردويه عن البئر : يقع فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر؟ قال : « ينزح منها ثلاثون دلوا » (6).

وهو مطرح بين القائلين بوجوب النزح. وقد يستأنس به لمذهب الصدوق رحمه اللّه من جهة

ص: 225


1- في ( ب ) : « إذ ».
2- في ( ب ) : « عن ».
3- المقنع : 34.
4- المعتبر 1 / 58.
5- الإستبصار 1 / 35 ، ح (96) 6 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 241 ، ح 28.
6- الإستبصار 1 / 35 ، ح (95) 5 ، و 1 / 45 ، ح (125) 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 242 ، ح 29 ؛ وسائل الشيعة 1 / 179 ، ح 2 ، و 1 / 194 ، ح 5.

اشتماله على عدم وجوب (1) نزح الجميع (2) للقطرة.

ويظهر من (3) شرح الجعفريّة وجود القول بنزح العشرين للخمر مطلقا ، وكذا القول بنزح الثلاثين لها أيضا. ولم نجد شيئا من القولين في كلام غيره بل لم نجد القول بنزح الثلاثين لها أصلا ولو في القطرة ، وإنّما وردت به الرواية المذكورة.

ثمّ إنّ المذكور في الروايات المذكورة خصوص الخمر ، فإن قلنا بشمولها لغير المتّخذ من العنب كما يعطيه كلام بعض أهل اللغة ويستفاد من جملة من الأخبار دلّت على حكم سائر المسكرات ، وإلّا فالوجه فيها - مضافا الى الأصل والإجماع المعتضدين بالشهرة - ما يستفاد من جملة من الأخبار أنها بمنزلة الخمر كقوله عليه السلام : « ما فعل فعل الخمر فهو حمر » (4) ، وقوله عليه السلام : « ما أسكر كثيره فالجرعة منه حرام » (5) (6).

إلى غير ذلك ، ويجري نحو ذلك في الفقاع أيضا.

مضافا إلى الإجماعات المستفيضة الدالة على أنها بمنزلة الخمر في الأحكام.

وأما المني فلم نقف فيه على نصّ فالمستند فيه الأصل ، والاجماعان المذكوران ، مع تأيّده بالشهرة المعلومة والمنقولة في كلام جماعة كالشهيدين والمحقق الكركي وجماعة من القدماء والمتأخرين كأبي علي والفاضلين والآبي وصاحبي المدارك والذخيرة وغيرهم ، صرّحوا بعدم عثورهم فيه على النص ، ولذا ألحقه في ظاهر المعتبر بما (7) لا نصّ فيه ، وتبعه في ذلك جماعة ممّن تأخر عنه ، وهو ظاهر اللمعة حيث ترك ذكره في المقام.

ثمّ إن ظاهر الإجماع المحكي وكلمات الأصحاب عموم الحكم لمني الإنسان وغيره من

ص: 226


1- لم ترد في ( د ) : « وجوب ».
2- لم ترد في ( ب ) : « الجميع للقطرة .. القول بنزح ».
3- لم ترد في ( ج ) : « ويظهر من .. المذكورة ».
4- الكافي 6 / 412 ؛ وسائل الشيعة 25 / 343 ، ح 2.
5- في ( د ) : « خمر ».
6- وسائل الشيعة 25 / 340 ، ح 10 ؛ من لا يحضره الفقيه 4 / 354 ؛ بحار الأنوار 74 / 47 ، ح 3.
7- في ( ب ) : « ممّا ».

ذوات الأنفس السائلة ، فما نسب (1) إلى بعض الأصحاب من التفصيل في ذلك وإلحاق الثاني ممّا لا نصّ فيه لا وجه له بعد اشتراكها في عدم النصّ وشمول الإجماع لها إن ثبت.

وأما الدماء الثلاثة فقد نصّ على نزح الجميع لها الشيخ رحمه اللّه والديلمي والحلبي والقاضي وابن زهرة والطوسي والحلي والعجلي والعلّامة رحمه اللّه في جملة من كتبه والشهيد وابن فهد والمحقق الكركي.

وأسنده في جامع المقاصد إلى الأصحاب ، ولم نقف فيها أيضا على نصّ.

واعترف جماعة من الأصحاب بعدم العثور فيها على النصّ.

وفي الروض : ذكره الشيخ رحمه اللّه وتبعه الأصحاب معترفين بعدم النصّ.

فالدليل عليه الأصل (2) والإجماع المنقول المعتضد بفتوى الجماعة والشهرة المنقولة عليه في الشرائع والروضة.

وربّما (3) يعلّل بغلظ (4) حكمها بالنسبة إلى غيرها من الدماء.

وهو كما ترى.

واقتصر الشيخ في النهاية على ذكر الحيض. ولم يفرّق الصدوقان والمفيد والسيد رحمهم اللّه بين هذه الدماء وغيرها ، بل أطلقوا القول في بيان ما ينزح للدم إلا أنّ بينهم اختلافا في التقدير كما يأتي.

وظاهر ذلك إلحاقها بسائر الدماء كما هو نصّ المحقق (5).

والتحقيق أنه لا إطلاق فيما ورد في الدم بحيث يشملها سوى ما ورد في القطرات ، وهو لا يفيد حكم غيرها فلم (6) ، يشملها إطلاق رواية زرارة المتقدمة ، لكنّها ضعيفة.

ص: 227


1- في ( د ) : « نسبه في الروض » بدل « نسب ».
2- لم ترد في ( ج ) : « الأصل و ».
3- لم ترد في ( ج ) : « وربّما .. كما ترى ».
4- في ( ألف ) و ( ب ) : « بغلط ».
5- خ. ل : المعتبر. كما في نسخة ( ألف ) و ( ب ) ، وفي ( ج ) وفي ( د ) : « المعتبر » بدل « المحقق ».
6- في ( ب ) : « نعم » ، بدلا من : « فلم ».

فإلحاق (1) غيرها بما لا نصّ فيه بعد الغضّ عن الإجماع أولى.

وأما نزحها لموت البعير فيدلّ عليه بعد الأصل (2) والإجماعين المنقولين والمحكي عن كشف الأساس (3) صحيحة الحلبي المتقدمة.

ولا يقاومها رواية عمرو بن سعيد بن هلال الحاكمة بنزح الكر للجمل ؛ لضعفها - مع تأيّد الصحيحة (4) بالشهرة المقطوعة واعتضادها بالأصل والحائطة.

والذي نصّ عليه جماعة منهم في المقام وفي الوصايا تعميمه للذكر والأنثى من الإبل (5).

ونصّ عليه جماعة من أهل اللغة بل حكي اتفاق أئمة اللغة عليه إلّا أنّه قد يقال باشتهاره عرفا في الذكر ، ولذا صرّح الغزالي بعدم دخول الناقة فيه.

وقال الأزهري (6) : إنّ شموله للنوعين في كلام العرب ولا يعرفه إلّا خواص أهل العلم باللغة.

وقال أيضا في توجيه قول الشافعي حيث حكم بانصراف البعير في الوصيّة إلى الجمل : إنّ شموله للناقة من محتملات اللغة الّتي لا يعرفها إلّا الخواص ، والوصيّة مبنية على عرف الناس.

وكأنّه لذا فسّره في القاموس (7) بالجمل ، ثمّ قال : وقد يطلق على الناقة.

ومن ذلك ينقدح الاشكال في المسألة إلّا أنّ الأظهر وفاقا لجماعة من علمائنا من غير

ص: 228


1- في ( ب ) : « فالخلاف ».
2- لم ترد في ( ج ) : « الأصل و ».
3- في ( د ) : « الالتباس » ، وهو الظاهر.
4- هكذا استظهرنا وقد يقرأ في ( ج ) ، وفي ( ألف ) و ( ب ) : « مع تأييده بصحيحة » ، وفي ( د ) : « مع تأيده بالصحيحة ».
5- زيادة في ( د ) : « وقد يستفاد من السرائر دعوى الاتّفاق عليه في المقام ».
6- كشف اللثام 1 / 321 ، نقلا عن المصباح المنير 1 / 74 ( مادة يعى ).
7- القاموس المحيط 1 / 374 ( بعر ).

خلاف يعرف منهم (1) هو التعميم ؛ لعدم وضوح غلبة توجب صرف اللفظ عن أصله.

ولذا حكى الغزالي عن طوائف من أصحابه القول بشموله في الوصيّة للناقة ، ولو سلّم الغلبة فحصولها في زمن صدور الرواية غير معلوم ، فيبنى على المعنى الأصلي حتّى يتبيّن المخرج.

وحكى الغزالي أيضا عن أئمّة اللسان أن البعير (2) كالإنسان من الآدمي ، وظاهر ذلك شموله للكبير والصغير.

وقد يظهر ذلك من فقه اللغة للثعالبي كما حكي ، ولذا حكم جماعة من أصحابنا كالطوسي والفاضلين والشهيدين رحمهم اللّه بالتعميم إلّا أنّ (3) المصرّح به في كلام (4) جماعة (5) من أئمّة اللغة اختصاصه (6).

وفي القاموس (7) : إنّه يقال للجمل البازل والجذع (8).

وعن العين (9) : أنه البازل.

فبملاحظة ذلك مع عدم وضوح تعميمه للصغير في العرف يتقوى اختصاصه بالكبير. ولعله بالجد (10) وما فوقه لنقل اولئك الأجلّة ، فيكون ما دونه داخلا في غير المنصوص.

هذا ، وقد ذكر وجوب نزح الجميع لأمور أخر غير ما ذكرنا :

ص: 229


1- في ( د ) : « بينهم ».
2- في ( ب ) و ( ج ) و ( د ) زيادة : « من الابل ».
3- في ( ب ) : « أنّه ».
4- في ( ج ) زيادة : « ذكره في الصحاح والمحيط ومهذّب اللغة منه ».
5- زيادة في ( د ) : « ذكره في الصحاح والمحيط ومهذّب اللغة ( منه ).
6- زيادة في ( د ) : « بما .. ».
7- القاموس المحيط 1 / 374 ( بعر ).
8- في النسخ : « الحمل » ، وما أدرجناه من القاموس ، وانظر الصحاح 2 / 593 ( بعر ).
9- كتاب العين 2 / 132 ( بعر ).
10- هذا هو الذي استظهرناه ، والنسخ مختلفة متشتتة! ففي ( د ) : « الحدء » ، وفي ( ب ) : « بالجدء » ، وفي ج : « بالحد » ، وفي ( ألف ) : « بالجدع ».

منها : الثور ، وبه قال الصدوق رحمه اللّه والفاضلان والشهيدان (1) وأكثر المتأخرين.

وعزاه جماعة إلى الأكثر ، وهو الأقوى ؛ لصحيحة ابن سنان الماضية.

وظاهر جملة من كتب الأصحاب كالمقنعة والمبسوط والمراسم والمهذّب والكافي والغنية والوسيلة والاصباح والسرائر نزح الكر له. وفي ظاهر الغنية (2) الإجماع عليه.

وعزاه في كشف اللثام إلى ظاهر الباقين بعد نقل قول الصدوق رحمه اللّه. وكأنه لما يعطيه ظاهر رواية عمرو بن سعيد الآتية من ثبوت الحكم لما يشبه الحمار في المقدار.

وفيه - بعد ضعف الرواية سندا ودلالة وعدم انجبارها بالشهرة في المقام - أنّها لا تقاوم الصحيحة المذكورة مع اعتضادها بالأصل والاحتياط.

ومنها : البقرة ، و (3) قد ألحقها بالثور في المدارك وغيره لزيادة نحو الثور في الصحيحة المتقدمة في التهذيب ، وهو يشمل البقرة قطعا ، والمشهور فيه نزح الكر.

واستوجه (4) المحقق إلحاقها بما لا نصّ فيه.

ومنها : ما كان مثل البعير في الجسم أو كان أكبر منه كالفيل. ذهب إليه في المهذّب ، وكأنه لتنقيح المناط.

ويضعّفه أنّه لا منقح له في المقام.

ومنها : العصير العنبي إذا غلا واشتدّ ، فقد ذكر في الذكرى (5) : أنّ الأولى دخوله بعد الاشتداد في حكم الخمر لشبهه به إن قلنا بنجاسته.

وقد قطع جماعة من المتأخرين بعدم إلحاقه بها ؛ قال في المعالم : إنه قياس لا نقول به.

وفي المدارك : أنه لا يلحق به العصير العنبي قطعا.

ص: 230


1- لم يرد في ( د ) : « والشهيدان ».
2- زيادة في ( د ) : « حيث حكى الإجماع على وجوب نزح الكرّ للخيل وما أشبهها في الجسم ( منه ) ».
3- لم ترد في ( ب ) : « وقد ألحقها .. يشمل البقرة ».
4- في ( ب ) : « استوجبه ».
5- الذكرى : 11.

قلت : وليس المنع من إلحاقه بها تلك المثابة من الظهور لما يظهر من الأخبار من كونه بمنزلة الخمر ، فيكون عموم المنزلة قاضيا بثبوت أحكام الخمر له ، ومن جملتها الحكم المذكور إلا أن اندراج ذلك الحكم فيما ذكر محلّ (1) تأمّل ؛ إذ لا يستفاد من ذلك إلّا المشاركة في الأحكام الظاهرة واندراج ذلك فيها غير ظاهر ، فالظاهر عدم فهم المشاركة في الحكم المذكور وإن احتمله على بعد.

ومنها : عرق الإبل الجلّالة والجنب من الحرام. وقد حكم بإلحاق الأوّل في المهذب وحكى إلحاق الثاني عن البعض.

ولم نعرف المستند في الأمرين إلّا أنّه ذكر في الوسيلة : أنّه روى بعض الأصحاب فيها (2) ذلك.

ومنها : بول وروث ما لا يؤكل لحمه. فقد أوجب الحلبي فيها (3) نزح الجميع عدا بول الرجل والصبي.

وكأنّ مستنده في البول إطلاق صحيحة ابن عمّار الماضية بعد تخصيصها بغير بول الرجل وترك العمل بها في بول الصبيّ من جهة النصّ والعمل.

وفيه اختصاص الرواية بصورة الصب فلا يشمل وقوعه على نحو التقاطر ، مضافا إلى احتمال انصراف البول فيها إلى بول الإنسان. وأمّا الروث فلا يعرف مستنده فيه إلّا أن يدّعى اشتراكه للبول في الحكم أو يقول به من جهة عدم النص ، فلا يتّجه إذن ذكره بالخصوص.

ومنها : خروج الكلب والخنزير حيّين. وحكي القول به عن البصروي ، وكأنه يقول به أيضا مع الموت للأولويّة.

فالوجه فيه إذن إطلاق موثقة عمّار عن بئر يقع فيها كلب أو فارة أو خنزير قال : « ينزح

ص: 231


1- في ( ألف ) : « فعل » ، بدلا من : « محل ».
2- في ( د ) : « فيهما ».
3- في ( د ) : « فيهما ».

كلها » (1).

واشتمالها على الفأرة مع ترك العمل بها في خصوصها لا يوجب ترك الرواية.

ويضعّفه ما حكاه في المنتهى من الإجماع على عدم وجوب نزح الجميع بذلك (2) قال (3) : « إنّ أحدا من أصحابنا لم يوجب نزح الجميع بموت الكلب والفأرة والخنزير ».

على انّ الرواية معارضة بما هو أصحّ منها خصوصا في الكلب لورود أخبار كثيرة فيه بخلاف ذلك.

وكأنّه لذلك ذهب بعضهم فيما حكاه البعض (4) إلى وجوب نزح الجميع لموت الخنزير عملا بالموثقة في خصوصه مع حملها على صورة الموت ، ويحتمل أن يكون حكمه به من جهة إدخاله في نحو الثور المذكور في الصحيحة المتقدّمة.

ص: 232


1- الإستبصار 1 / 38 ، ح (104) 8 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 242 ، ح 30 ؛ وسائل الشيعة 1 / 185 ، ح 8.
2- في ( ألف ) و ( ج ) : « فبذلك ».
3- منتهى المطلب 1 / 73.
4- زيادة في ( د ) : « في الذخيرة ( منه ) ».
تبصرة: [ في تراوح الرجال ونزح ماء البئر ]

إذا تعذر نزح الجميع تراوح عليها أربعة رجال يوما إلى الليل بلا خلاف فيه يعرف.

وفي الغنية الإجماع عليه.

وفي المنتهى (1) : لا أعرف فيه مخالفا من القائلين بالتّنجيس.

لموثقة عمّار : « فإن غلب عليه الماء فلينزف يوما إلى الليل ثمّ يقام عليه قوم يتراوحون اثنين اثنين فينزحون (2) يوما إلى الليل وقد طهرت ».

والطعن في الرواية - بوقوع جماعة من الفطحيّة في إسنادها واشتمالها على ما هو متروك بين الأصحاب ، بل ورد التراوح في خصوصها ، فلا يعمّ بل لا يفيد شيئا من المدّعى فلا يثبت منها الحكم فيما بنوا فيها على وجوب التراوح وباقتضائها وجوب النزح في يومين ولا يقولون به - مدفوع بما حقّق في محلّه من حجّية الموثّقات ، ولو سلّم فهي منجبرة بالشهرة العظيمة القريبة عن (3) الإجماع ، بل الإجماع في الحقيقة.

وفي كشف اللثام (4) بعد نقل الخبر ورواية الفقيه (5) : والخبران وإن ضعّفا لكن لا نعرف من الأصحاب خلافا في العمل بها.

وبأنّ متروكيّتها في البعض لا يفيد تركها في الباقي كما حقّق في محلّه وأنّ المستفاد منها

ص: 233


1- منتهى المطلب 1 / 73.
2- في ( د ) : « فينزفون ».
3- في ( د ) : « من ».
4- كشف اللثام 1 / 324.
5- في ( د ) : « الفقه ».

تفريع وجوب التراوح على وجوب نزح الجميع ، فيثبت فيما يثبت ذلك فيه (1).

وقد يستشكل فيه بأنّه مع طرح الرواية في موردها لا يتجه العمل بها في غيرها وإن لفظة ( ثمّ ) في المقام للترتيب الذكري ، وهو وإن كان خلاف الظاهر إلّا أنّه بعد فهم الأصحاب منها الحكم المذكور لا مندوحة في حملها عليه.

وقد حكي اتفاقهم على فهمه منها بعض الأجلّاء (2) أو أنّها من زيادة النسّاخ أو من كلام الراوي يعني ( ثمّ قال عليه السلام ).

ويؤيّد ذلك سقوطها في بعض نسخ الحديث ، ونقلها المحقّق في المعتبر خاليا عنها.

ويؤيّد الحكم المذكور أيضا ما في رواية الفقيه (3) وإن كان كثيرا وصعب نزحه فالواجب عليه أن يكترى عليه أربعة رجال يستقون منها على التراوح من الغداة إلى الليل ومع بناء الحكم على الاستحباب كما هو الأقوى فلا شبهة في الاقتفاء بما عرفت من الوجوه.

ثمّ إنّه يلحق بالتعذر إمكانه مع المشقّة الشديدة ، ولذا وقع في كلام جماعة (4) كالمقنعة والتهذيب منه (5) فهم اعتبار الصعوبة بل لا يبعد شمول التعذّر لمثله ، فتتوافق العبارات فلو أمكن نزح جميعه يوما وليلة أو يومين ونحوهما وجب على الأقوى ولو لم يظهر من الأمارات ما يدلّ على نشفه بما يزيد على التراوح قوي الاكتفاء به ، ويحتمل لزوم استعلام الحال.

ولو كان الماء (6) غالبا في بعض الأحيان جرى فيه الحكم في ذلك الوقت ولا يجب مراعاة وقت النقص ليمكن النزف على إشكال فيه مع قرب ذلك الوقت وعدم حصوله سعة (7) في

ص: 234


1- زيادة في ( د ) : « ذلك ».
2- في هامش ( د ) : « السيد نعمة اللّه في شرح التهذيب - منه ».
3- في ( د ) : « الفقه ».
4- زيادة في ( د ) : « منهم ».
5- لم يرد في ( د ) : « منه ».
6- لم ترد في ( ج ) : « ولو كان الماء ... التأخير اليه ».
7- في ( د ) : « حصول مشقّة » بدل « حصوله سعة ».

التأخير إليه. ولو أمكن نزح الجميع بسدّ (1) المنبع (2) لم يجب ، فالمقصود إمكان نزحه مع بقائه على حاله.

ولو أمكن نزح الجميع لا على النحو المعتاد ففيه وجهان.

ولو أمكن نشفه بغير (3) نزحه كما إذا أمكن إجراؤه ببعض الآلات حتى ينشف أو إجراؤه إلى موضع آخر أسفل منها حتّى ينفذ ماؤها فالظاهر عدم لزومه.

و (4) لا يعتبر فيه وقوع التراوح بنيّة التطهير كما هو الشأن في غيره من المطهّرات ، فلو اتّفق حصول التراوح لأمر آخر ثمّ ثبتت (5) الحاجة إليه لأجل التطهير كفى ، ولا حاجة إلى إعادته.

ثمّ إن الظاهر من التراوح المذكور في الرواية وكلام الأصحاب أن يمتح اثنان ويستريح الآخران إلى أن يتعبا فيقومان مقامهما وهكذا.

وفي الروض (6) والروضة : وليكن أحدهما فوق البئر يمتح بالدلو والآخر فيها يملأها.

وهو خلاف ظاهر الرواية وما يعطيه ظواهر إطلاقاتهم وصريح بعضهم (7) مع أنّه لا فائدة في إملاء الآخر مع كثرة الماء.

نعم ، قد يحتاج إليه من جهة قلّة الماء ، والغالب في المقام خلافه.

وفي كشف اللثام (8) : لا دلالة للنصّ على شي ء منها والأحوط اختيار ما ينزح به أكثر من الطريقين. انتهى.

ص: 235


1- لم ترد في ( ب ) : « بسدّ المنبع .. ولو أمكن نزح الجميع ».
2- في ( د ) : « النبع ».
3- في ( د ) : « بعد ».
4- لم ترد في ( ج ) : « ولا يعتبر .. إلى إعادته ».
5- في ( ألف ) و ( ب ) و ( د ) : « تبيت ».
6- روض الجنان : 148 ؛ مسالك الإفهام 1 / 15.
7- في ( ج ) و ( د ) زيادة : « السرائر ».
8- كشف اللثام 1 / 324 - 325.

وهو يومي إلى تجويز كلّ من الوجهين ، وقد عرفت ما فيه.

ولو توقّف النزح على الإملاء قوي اعتبار ثالث معهما ، فتأمل.

ولو تناوبا على التعاقب من غير إعياء ولا فصل يعتدّ به ففيه وجوه ؛ ثانيها (1) المنع مع حصول التعويق ، ولا بدّ من اجتماع اثنين منها في العمل فلا يجزي نزحهم منفردين.

ولو اجتمع ثلاثة منهم عليه ففيه وجهان من الأولويّة والخروج عن مدلول النصّ مع تعب المشترك ، فقد يوجب قصوره في العمل عند نوبته.

وكأنّ هذا أقوى ، ويجب اشتغال كلّ منهما بعد الأخيرين من غير تراخ.

وهل يعتبر اشتراكهما (2) في الرشا (3) والدلو ، فلا يجزي بانفراد كلّ عن الآخر وإن اجتمعا في النزح وجهان أوجههما الأوّل وقوفا إلى التعارف (4).

وبه قال في السرائر.

ولا يجزي ما دون الأربعة في ظاهر كلام الأصحاب. وبه نصّ الشهيدان والمحقّق الكركي وغيرهم.

وفي المدارك أنّه المشهور.

وقرّب في المنتهى إجزاء الأقل إذا سدّ مسدّ الأربعة.

واستقر به في المدارك.

وقوّى في التذكرة الاكتفاء بالقويّين إذا نهضا بعمل الأربعة.

والأظهر الأوّل وقوفا مع ظاهر النصّ (5). وأمّا الزيادة على الأربعة فالظاهر جوازه عملا بإطلاق الرواية. ولا يخالفه ظاهر كلام الأصحاب إن لم يدل بالفحوى على جوازه.

ص: 236


1- في ( ج ) و ( د ) : « ثالثها ».
2- في ( ج وب ) : « اشتراكها ».
3- في ( ب ) : « الرشاء ».
4- في ( د ) : « مع المتعارف » بدل : « إلى التعارف » ، وفي ( ب ) : « ولو ما مع التعارف ».
5- لم ترد في ( ب ) : « النصّ وأمّا ... ولا يخالفه ».

وكأنّ كلامهم مبنيّ على بيان أقل الواجب ولو اجتمع حينئذ على النزح ما يزيد على الاثنين ففي جوازه وجهان.

ولا يبعد الجواز مع عدم لزوم التعويق. وظاهر الجمهور اعتبار كونهم رجالا فلا يجزي الصبيان ولا النساء والخناثى.

وفي المدارك وغيره حكاية الشهرة عليه. وبه نصّ الشهيدان والمحقّق الكركي والسيوري وغيرهم. وهو الوجه وقوفا مع النصّ لظهور « القوم » في الرجال كما يعطيه ظاهر الاستعمالات.

ويستفاد من ظاهر الآية وقول زهير ، ونصّ عليه بعض أهل اللغة ولا أقل من الشك في التعميم فيقتصر على محلّ اليقين مضافا إلى التصريح به في رواية الفقيه وجوّز في التذكرة نزح من عدا الرجال لصدق القوم عليهم.

وفي المدارك بعد حكاية ذلك عن بعض الأصحاب أنّه حسن مع عدم قصور نزحهم (1) عن نزح الرجال.

وظاهر تقييده يعطي استناده في ذلك إلى تنقيح المناط.

ومع (2) البناء على قضاء الفحوى بجوازه ففي جواز الاستقاء بالحيوانات كالبقر مع قيامه بعمل الرجلين وزيادة ؛ وجهان أظهر هما ذلك بعد البناء المذكور سيّما إذا كان البئر مما يستقى منها على الوجه المذكور.

ولو انضمّ الصبيّ أو المرأة إلى الرجلين ففي الاجتزاء وجهان.

ولا يبعد الجواز مع استقلالهما بالنزح ليكون الانضمام تقوية.

ولا فرق في الرجال بين الأقوياء والضعفاء والشباب والشياب والأصحاء والمرضى إلّا إذا منع الضعف عن الاشتغال بالنحو المعتاد ، ولا بين الفحل والخصي والمجبوب ، و (3) لا بين

ص: 237


1- كذا ، والظاهر : « نزحهنّ ».
2- لم ترد في ( ج ) : « ومع البناء .. الوجه المذكور ».
3- لم ترد في ( ج ) : « ولا بين .. من وجه ».

العاقل والمجنون والمسلم والكافر إذا لم يقض نزحه بنجاسته من وجه.

ولا بدّ من وقوع التراوح في يوم كامل فلا يجوز النقص عنه ولو بشي ء يسير ، ولا التلفيق منه مرتين (1) من الليل أو من يوم آخر ، ولا الليل (2) وإن كان أطول من النهار ، ولا نصف النهار مع اجتماع النجاسة على دلو من يتراوح كلّ أربعة على دلو.

ولا فرق بين قصيره وطويله ومتوسّطه ، فيتخير بين الجميع.

وهل هو يوم الصائم أو من طلوع الشمس إلى غروب القرص أو يوم الأجير فينصرف إلى المتعارف في الإجارة؟ وجوه أوجهها الأوّل كما ( ذكره جماعة منهم الفاضلان والشهيدان والسيوري وابن فهد والصيمري والمحقّق الكركي غيرهم.

وفي المفاتيح : اليوم هنا هو الشرعي من طلوع الفجر الثاني إلى ذهاب الحمرة المشرقية.

وفي المنتهى (3) : لا نعلم خلافا في أنّ المراد باليوم من طلوع الفجر إلى المغرب.

وفي المعتبر بعد كحايد جملة من عباراتهم : ومعاني هذه الألفاظ متقاربة فيكون النزح من طلوع الفجر إلى غروب الشمس أحوط.

وفي الذكرى بعد نقل جملة من العبائر : والظاهر أنّهم أرادوا به يوم القوم ، فليكن من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ؛ لأنّه المفهوم من اليوم مع تحديده باللّيل.

وقال المحقّق الكركي : اليوم الشرعي هو الظاهر من عبارات الأصحاب كما ) (4) نصّ عليه الشهيد وابن فهد والمحقق الكركي رحمه اللّه وغيرهم (5).

وفي المنتهى (6) : لا نعلم خلافا في أن المراد باليوم من طلوع الفجر إلى الغروب.

ص: 238


1- لم ترد في ( ج ) : « مرّتين ».
2- لم ترد في ( ج ) : « ولا الليل : .. على دلو ».
3- منتهى المطلب 1 / 73 كما في مفتاح الكرامة 1 / 448.
4- ما بين الهلالين زيادة وردت في ( د ).
5- لا حظ : جامع المقاصد 1 / 139 في تطهير المياه النجسة ، التنقيح الرائع 1 / 49 في منزوحات البئر ، مسالك الإفهام 1 / 15 وغيرها.
6- منتهى المطلب 1 / 73 ، وعبارة المنتتهى هكذا : « لو تعذر نزح الجميع لكثرته تراوح عليها أربعة رجال مثنى مثنى في طلوع الفجر الى الغروب ، ولم أعرف فيه مخالفا من القائلين بالتنجيس » ، والذي في المتن نقله عن المنتهى في مفتاح الكرامة 1 / 448.

وبه نصّ المحقّق والصيمري والسيوري والشهيد رحمه اللّه في الذكرى إلّا أنّه صرّح الشهيد (1) بكون آخره مغيب الحمرة.

وقد نصّ المفيد والديلمي والحلبي وابن زهرة والحلي رحمه اللّه بالتراوح من أول النهار إلى آخره.

وحكى عليه في الغنية الإجماع.

والمراد به ما قلناه. وإليه يرجع باقي تعبيراتهم عنه ككونه من الغدوة إلى الليل كما عبّر عنه الصدوق والسيد ، أو من الغدوة إلى العشاء كما عبّر عنه الشيخ والطوسي رحمه اللّه ، أو من الغدوة إلى الرواح كما في الاصباح ، أو يوما إلى الليل كما في بعض كتب العلّامة والشهيد وقد عرفت تنزيل جماعة منهم عباراتهم على ذلك.

وقال المحقّق الأردبيلي (2) : إنّه لا يبعد الاكتفاء باليوم العرفي في العمل.

وتبعه تلميذه في المعالم حيث تنظّر فيما حكيناه عن الشهيد من الحمل على يوم القوم ما يقتضي عدم الاجتزاء باليوم الّذي يفوت من أوّله جزء وإن قلّ.

وعباراتهم لا تدلّ عليه بل ظاهرها ما هو أوسع من ذلك.

ولفظ الرواية محتمل أيضا لصدق اسم اليوم وإن فات منه بعض الأجزاء إذا كان قليلا.

واستجود ذلك بعض المتأخّرين كشارح الدروس.

واحتمل في المدارك الاكتفاء فيه من أوّله بما ينصرف إليه الإطلاق في الإجارة والنذر ونحوهما.

وقد ينزل عليه بعض عبارات القدماء أيضا حيث إنّ الغدوة ينتهي آخرها إلى طلوع الشمس ، فيكون النزح من الغدوة صادقا مع الشروع من عند طلوع الشمس.

ص: 239


1- نقله عن الذكرى في مفتاح الكرامة 1 / 448.
2- مجمع الفائدة 1 / 270.

وبملاحظة جميع ذلك تبيّن أن التدقيق المذكور لا يخلو من إشكال إلّا أنّه بعد ملاحظة كلام الأكثر المؤيّد بفهم الجماعة يتقوّى الوجه الأوّل.

ويؤيّده أن تعيين آخره في الرواية بالبلوغ إلى الليل يشير إلى اعتبار التدقيق المذكور أيضا ، فيكون مبدؤه من أوّل النهار على وجه الحقيقة حسبما ذكروه ؛ إذ لو لا ما ذكروه من التدقيق في أوّله لما اعتبر ذلك في آخره ؛ مضافا إلى قضاء الاستصحاب ببقاء النجاسة في الماء إلى أن يعلم المزيل (1).

ولا بدّ من تمهيد مقدماته قبل الفجر لئلا يتأخّر الشروع عنه (2) على ما نصّ عليه جماعة.

وجعله في الذكرى أولى.

وظاهر جماعة من المتأخّرين عدم لزوم التدقيق على النحو المذكور.

وذكر المحقق الأردبيلي (3) إنه لا يبعد دخول زمان أو ليتأهب (4) إذا كان قليلا ، ومع البناء على الأول فالظاهر (5) الاكتفاء بالشروع بإدخال الرشاء أوّل الوقت ، فلا يجب تقديمه على الفجر.

نعم ، يعتبر إدخال جزء من أوّل النهار وآخره بحصول اليقين بالاستيعاب عند جماعة من الأصحاب كالشهيدين والمحقق الكركي.

ويحتمل الاكتفاء بصدق الاستيعاب في العرف ، فلا يحتاج إلى التدقيق المذكور وإن افتقر إليه عند الجمود على الحقيقة اللغوية ، فلا يجوز إخلاء بعض الوقت عن الفعل.

فلو حصل بعض العوائق المتعلّقة بالتراوح كوصل الحبل بعد قطعه ونحوه من الأفعال اليسيرة لم يمنع من التتابع.

ص: 240


1- ما بين الهلالين ساقط من ( ج ) ، ومؤخر في ( ب ) و ( ألف ).
2- لم ترد في ( ج ) : « أعلى ما نصّ .. على الأوّل ».
3- مجمع الفائدة 1 / 270.
4- في ( د ) : « التأهّب » بدل : « أو ليتأهّب ».
5- في ( د ) : « والظاهر ».

ولو توقّف على فعل كثير كتبديل الحبل وشرائه من السوق أو رفع (1) الدلو إذا طالت به المدّة قوي لزوم الاستيناف.

ويستثنى من ذلك عند جماعة منهم الشهيد وابن فهد والمحقق الكركي الصلاة جماعة والاجتماع في الأكل (2).

واقتصر الشهيد الثاني على الأول (3).

وكأنّ الوجه في الأول ما دلّ بعمومه على رجحان الجماعة والصلاة في أوّل الوقت ، فلا يترك لذلك.

وفي الثاني جريان العادة به.

ويضعفان بأنّه لو بنى على ذلك لجرى في غير الجماعة من سائر المستحبّات كأداء الرواتب وقراءة القرآن وقضاء حوائج الإخوان ونحوها ، وأن المتعارف إنّما يثبت في الأجير ، فلا دخل له في الأحكام الشرعيّة إلّا أن يقال بحصول عرف في مثله يوجب انصراف اللفظ إليه ، وهو محلّ تأمل (4).

ص: 241


1- في ( د ) : « رقع ».
2- زيادة في ( د ) : « وحكى بعضهم عليه الشهرة ».
3- زيادة في ( د ) : « مصرّحا بالمنع من الثاني ومن الاجتماع في الصلاة من دون جماعة ».
4- من هنا إلى قول المصنف أعلى اللّه مقامه « تبصرة في المضاف والأسئار » لم توجد في ( د ).
تبصرة: [ في نزح الماء للدوابّ ]

تبصرة (1)

[ في نزح الماء للدوابّ ]

المعروف كما عن جماعة (2) نزح الكرّ للدوابّ الثلاث أعني الفرس والبغل والحمار.

وعزاه في النهاية إلى القائلين بانفعال القليل.

ونصّ في الغنية على ثبوت الحكم في الخيل وشبهها في الجسم ، ونقل الإجماع عليه.

وحكى في المهذّب البارع والروض الشهرة في الحمار والبغل ، وعزا إلى الاخير حكاية عمل الأصحاب عليه.

وحكى الشهرة في جامع المقاصد والمدارك بالنسبة إلى الفرس.

والمستند في الحكم رواية عمرو بن سعيد بن هلال قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عمّا يقع في البئر [ ما بين ] الفارة إلى السنّور إلى الشاة ففي ذلك كلّه يقول : « سبع » حتّى بلغت الحمار والجمل فقال : « كر من ماء » (3).

وهي وإن ضعف إسنادها بعمرو لجهالته إلّا أنّ في بعض الأخبار ما يفيد نحو ركون إليه مع تقدّم عبد اللّه بن المغيرة الذي هو من أصحاب الإجماع عليه. مضافا إلى تأيّده بالشهرة العظيمة بالنسبة إلى الحمار.

قال المحقق (4) : إن الرواية (5) وإن ضعف منه فالشهرة يؤيدها ، فإنّي لا أعرف من

ص: 242


1- ليس في ( د ) : « تبصرة ، المعروف كما ... تبصرة ، في المضاف والأسئار ».
2- لم ترد في ( ج ) : « كما عن جماعة ».
3- الإستبصار 1 / 34 ، ح (91) 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 235 ، ح 10 ؛ وسائل الشيعة 1 / 180 ، ح 5.
4- المعتبر 1 / 47 ، لكن عبارته هكذا : « ولو كان ذلك ضعيفا لانجبر بالعمل ، فإني لا أعرف من الأصحاب رادّا لها » ، وقال المحقق السبزواري ، في ذخيرة المعاد 15 / 130 : « وإن ضعف مسندها ، فالشهرة يؤيدها وإني لا أعرف من الأصحاب رادّا لها ».
5- لم ترد في ( ج ) : « انّ الرواية .. فإنّي ».

الأصحاب رادّا لها.

وفي المنتهى (1) (2) : إن أصحابنا عملوا بها في الجمل.

وفي شرح الدروس : إن الإجماع الظاهري (3) يجزيها (4) وفي المقام لا نعلم فيه خلافا لأحد من الأصحاب.

وفي البحار : إنّه لم يظهر فيه مخالف. واشتمالها على المحلّ مع إعراض الأصحاب عن العمل بها فيه ومعارضتها بالصحيحة المتقدّمة لا يوجب طرحها بالنسبة إلى غيره كما قرّر في محله.

واحتمل الشيخ رحمه اللّه أن يكون الجواب مختصّا بالحمار.

وفيه بعد وإلغاز في العبارة لا يناسب منصب الإمامية.

ثمّ إن هذه الرواية إنّما يفيد ثبوت الحكم في الحمار ، فلا ينبغي التأمل في الحكم بالنسبة إليه فاحتمال إلحاقه بالثور لاندراجها في نحوه كما في المدارك ليس على ما ينبغي وإن اتجه البناء عليه على طريقته.

وإما البغل فيمكن أن يحتجّ عليه بالخبر المذكور بناء على ما في المعتبر حيث ذكر فيها البغل أيضا سيّما بعد ما ذكره من أنه لا يعرف رادّا لها ، فإنّ في حكاية الثقة كفاية لتقدم الزيادة على النقيصة ، وكأنّه أخذها من بعض الأصول القديمة.

وقد عزا إلى المهذب البارع (5) والروض (6) والروضة وغيرها وجود البغل في الرواية. وهو موجود أيضا في بعض نسخ التهذيب على ما حكاه بعض الأجلّة.

ص: 243


1- لم ترد في ( ج ) : « وفي المنتهى .. من الأصحاب ».
2- منتهى المطلب 1 / 74 ، لكن العبارة هكذا : « إلا إن اصحابنا عملوا فيها بالحمار ».
3- لم ترد في ( ب ) : « و ».
4- كذا استظهرناها من ( ب ).
5- المهذب البارع 1 / 91.
6- روض الجنان : 148.

وعن كشف اللثام (1) : إن البغل موجود في موضع من التهذيب.

فبملاحظة ذلك كلّه مع اشتهار القول به والإجماع المتقدم لا يبعد القول بثبوت الحكم فيه.

وقد اقتصر (2) جماعة منهم الشهيد في الذكرى (3) والمسالك (4) في الحكم المذكور على الحمار والبغل.

وأما الفرس فلم نقف على مستند فيه ، وقد يحتج عليه بأنّ المنساق من الرواية المذكورة ثبوت الحكم لما بلغ في الجثة إلى الحمار والبغل ، فذكر (5) الحمار والجمل ليس لإرادتهما بالخصوص بل المقصود سؤاله عمّا بلغ في الجثّة إلى ذلك ، فيحتمل إذن عدم ذكره مخصوص الجمل في السؤال فتقيّد إذن بما دل على وجوب نزح الجميع له حملا للمطلق على المقيّد.

وقد يجعل ذلك حملا للرواية من جهة اشتمالها على ذكر الجمل ، وهو كما ترى بعيد عن مقتضى العبارة.

نعم ، لا يخلو الرواية عن إيماء إليه إلّا أنّ الاحتجاج بها بمجرّد ذلك لا يخلو عن إشكال.

واحتج عليها في المنتهى (6) بصحيحة الفضلاء عن الصادقين عليهما السلام في البئر يقع فيها الدابّة والفأرة والكلب والطير فيموت ، قال عليه السلام : « يخرج ثمّ (7) ينزح منها دلاء ثم اشرب وتوضأ ».

وقد تكلف للاحتجاج بما لا يخفى وهنه ؛ إذ ليس في تلك الصحيحة إيماء إلى ذلك حتّى يتمّ فيه التقريب ببعض الوجوه.

ص: 244


1- كشف اللثام : 1 / 326.
2- لم ترد في ( ج ) : « وقد اقتصر .. والبغل ».
3- الذكرى : 10.
4- مسالك الإفهام 1 / 16.
5- لم ترد في ( ب ) : « فذكر الحمار والجمل ».
6- منتهى المطلب 1 / 75.
7- لم ترد في ( ب ) : « ثمّ ».

واحتمل في المدارك (1) العمل بتلك الصحيحة والاكتفاء بنزح الدلاء للدواب الثلاث ، واحتمل أيضا إلحاقها بنحو الثور.

وأنت خبير بأنّ إضراب القائلين بالنجاسة عن العمل بها يقضي بعدم التعويل عليها بناء على النجاسة.

وقد يحمل الدابة فيها على الدوابّ الصغار كما يشير إليه عطف الفأرة عليها.

وعن المعتبر (2) تقريب إلحاق الفرس بما لا نصّ فيه.

وقد يقال : إن الموثق الدالّ على أن أكثر ما ينزح لما يموت في البئر السبعون فلا يجب الزيادة عليه بشي ء من الحيوانات الّا ما خرج بالدليل.

ثمّ إن المذكور في كلام جماعة من الأصحاب ثبوت الحكم المذكور في البقرة. وقد نصّ عليه في المقنعة والمراسم والاصباح والوسيلة والسرائر بزيادة ما أشبهها في الجسم ، وقد حكى الشهرة عليه جماعة منهم المحقق الكركي والشهيد الثاني وصاحب المدارك.

وقد زاد عليها الشهيد الثاني : ما أشبهها.

ولم نقف على مستنده في شي ء من الأخبار إلّا أن يستفاد ذلك من الرواية المتقدمة بالتقريب المذكور.

وقد عرفت ما فيه.

ولا يبعد إلحاق البقرة بالثور ؛ إذ هي أبين من غيرها في الاندراج في نحوه الواردة في الصحيحة المتقدمة.

وقد (3) ورد في صحيحة (4) محمّد بن مسلم نزح العشرين للميتة إذا كانت لها رائحة. وفيها دلالة على الاكتفاء به للخالي من الرائحة بالأولى فقد يجعل ذلك أصلا في جميع الميتات

ص: 245


1- مدارك الأحكام 1 / 74 - 75.
2- المعتبر 1 / 62.
3- لم ترد في ( ب ) : « قد ».
4- تهذيب الأحكام 1 / 244 ، ح 34 ؛ وسائل الشيعة 1 / 195 ، ح 1.

إلّا ما خرج بالدليل.

وفي الروضة (1) أن إلحاق الفرس والبقرة بما لا نصّ فيه أولى.

ص: 246


1- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية : 1 / 261.
تبصرة: [ في النزح لموت الإنسان ]

المعروف بين الأصحاب - بلا خلاف يعرف - نزح السبعين لموت الانسان. وعن الغنية حكاية الإجماع عليه.

وعن المنتهى (1) : أنّ عليه إجماع القائلين بالتنجيس.

وعن المعتبر والمدارك (2) : إسناده إلى مذهب الأصحاب مؤذنا بالاتفاق عليه. ونحوه ما في المختار (3).

وعن الدلائل : أنّه ممّا أطبق عليه الأصحاب.

وعن المعتبر (4) والذكرى والروض اتفاق الأصحاب على العمل بمدلول الرواية الدالّة عليه ، وهي موثقة الفطحية : « وفيها ما سوى ذلك ممّا يقع في بئر الماء فيموت فيه فأكبره (5) الإنسان ينزح منها سبعون دلوا » (6).

والرواية مع كونها معتبرة في نفسها منجبرة بعمل الأصحاب والإجماعات المنقولة ، فالحكم المذكور ممّا لا ينبغي التأمل فيه.

واستشكال صاحب المدارك (7) فيه قائلا : إنه إن تم اتفاق الأصحاب فهو الحجة وإلّا

ص: 247


1- منتهى المطلب 1 / 76.
2- مدارك الأحكام 1 / 75.
3- في ( ج ) : « المختلف » ، بدل : « المختار ».
4- المعتبر 1 / 62.
5- في بعض النقول : « فأكثره ».
6- تهذيب الأحكام 1 / 234 ، ح 9 ؛ وسائل الشيعة 1 / 194 ، ح 2.
7- مدارك الأحكام 1 / 75.

فللتوقّف في هذا الحكم مجال ؛ ممّا لا وجه له بحيث (1) يصدق موته في البئر.

ثمّ إن الوارد في الرواية وكلمات الأصحاب هو لفظ « الانسان » الشامل للذكر والأنثى والصغير والكبير ، والظاهر شموله للسقط إذا ولج (2) فيه الروح.

ولو كان قبل ولوجه ففيه وجهان.

وظاهر إطلاقه يعمّ المسلم والكافر لكن في شمول الحكم لهما (3) قولان ، فظاهر الأكثر عدم الفرق. وبه نصّ جماعة منهم الفاضلان والشهيد الثانى رحمه اللّه. وفي المدارك (4) : أنه المشهور بين الأصحاب. وعن الروض إسناده الى الأصحاب.

وذهب الحلي رحمه اللّه إلى اختصاص الحكم بالمسلم ، وألحق الكافر بما لا نصّ فيه.

واختاره بعض محققي (5) المتأخرين. وهو الأظهر ؛ إذ المفهوم من الرواية هو نزح السبعين باعتبار موت الإنسان.

والحاصل في الكافر جهة أخرى غير الموت ، وهي ممّا لا نص فيه. ألا ترى أنّ ظاهر لفظ « الانسان » يعمّ الطاهر والنجس مع أن ظاهرهم الإطلاق على اختصاصه بالأوّل ، فلو كان متنجّسا بالمني أو البول أو الدم أو غيرها جرى عندهم في الجميع ما ينزح لتلك النجاسات إلّا (6) أن يقال بالتداخل ، فإذا قيل بذلك بالنظر إلى النجاسة العارضة فالقول به في النجاسة الأصليّة أولى ؛ حملا (7) له على الشائع في محلّ صدور الرواية.

مضافا إلى أنّه لا يبعد انصراف الإنسان في المقام إلى المسلم ، ولا أقل من الشكّ في شموله لغيره ، فاستناد الأكثر إلى إطلاق الرواية ليس على ما ينبغي.

ص: 248


1- لم ترد في ( ج ) : « بحيث يصدق موته في البئر ».
2- في ( ألف ) : « دلج ».
3- في ( ألف ) : « لها ».
4- مدارك الأحكام 1 / 75.
5- في ( ألف ) : « محقق ».
6- لم ترد في ( ج ) : « إلّا أن يقال بالتداخل ».
7- لم ترد في ( ج ) : « حملا .. الرواية ».

وأضعف منه الاستناد إلى زوال الكفر بالموت لزوال الاعتقاد الفاسد ؛ نظرا إلى ظهور عدم زوال أحكام الكفر بمجرّد الموت ، فمجرّد زوال الاعتقاد لخروج الروح لا يقضي بجريان أحكام المسلم على البدن ، بل من الظاهر خلافه.

ولهذا لا يغسل ولا يكفن ولا يدفن مقابر المسلمين ولا يحكم بطهارة ما لا يحلّ فيه الحياة.

وحكى صاحب المدارك (1) عن المحقق الكركي رحمه اللّه والشهيد الثاني في الروض التفصيل (2) بين وقوع الكافر - ميتا أو حيّا - وموته فيها بغير ذلك ، فحكما في الأول بالاكتفاء بالسبعين أخذا بإطلاق الخبر المتقدم ، وأوجبا نزح الجميع في الثاني لثبوت ذلك قبل الموت فلا يرتفع به.

ولا يخفى وهنه ؛ إذ لو سلّم اندراج الكافر في الرواية فإنّما يندرج في الصورة الثانية دون الأوّل (3) ؛ إذ المفروض فيها وقوع الإنسان في البئر وموته فيها ، فلا يندرج فيها ما إذا مات في الخارج ثمّ وقع فيها ولو كان مسلما.

وحينئذ ففي تسرية الحكم إليه ولو في المسلم إشكال لخروجه عن مدلول الرواية إلّا أن يقال بدلالتها عليه بالفحوى ؛ إذ المناط ملاقاة الميّت حال نجاسته فلا يفرق الحال بين موته في البئر أو خارجه.

وقد نصّ بعض المتأخرين (4) بجريان الحكم في الصورتين ولا يخلو عن تأمّل وإن كان الأظهر ذلك.

وحينئذ بعد تسليم الإطلاق يندرج فيه الكافر أيضا ، فلا يتّجه التفصيل المذكور.

ص: 249


1- مدارك الأحكام 1 / 77.
2- في ( ألف ) : « التغسيل » ، ولا معنى له.
3- كذا في ( ألف ) ، والظاهر : « الأولى ».
4- زيادة في ( ج ) : « الفاضل الهندي ».
تبصرة: [ في ثبوت نزح الخمسين ]

يثبت نزح الخمسين في المشهور لأمرين :

أحدهما : العذرة الذائبة ذهب إليه الشيخان والديلمي والحلبي والقاضي والطوسي والحلي رحمهم اللّه وغيرهم وهما عليه في الغنية (1) إجماع الفرقة [ واكتفى الفاضل المجلسي في الحديقة في العذرة اليابسة بثلاث دلاء وعن ابن بابويه أنّه ينزح لها من أربعين إلى خمسين وذهب جماعة من المتأخرين إلى التخيير بين الأربعين والخمسين ونفى عنه الخلاف في ظاهر السرائر (2) ، وهذه عبارته : « وينزح لعذرة بني آدم الرطبة أو اليابسة المذابة المتقطّعة خمسون دلوا فإن كانت يابسة غير مذابة ولا متقطّعة فعشر دلاء بغير خلاف ».

وحكى الشهرة عليه جماعة منهم الشهيد في الذكرى والمحقق الكركي والعلّامة المجلسي رحمه اللّه ] (3).

والأصل في المسألة روايتا أبي بصير وعلي بن أبي حمزة عن العذرة تقع في البئر ، قال : « ينزح منها عشر دلاء فإن ذابت فأربعون أو خمسون دلوا » (4).

ص: 250


1- في ( ب ) : « النهاية ».
2- السرائر 1 / 79.
3- في ( ج ) : « ونفى عنه الخلاف في ظاهر السرائر وهذه عبارته : وينزح لعذرة بني آدم الرطبة أو اليابسة المذابه المتقطّعة خمسون دلوا فإن كانت يابسة غير مذابة ولا متقطعة فعشر دلاء بغير خلاف. وحكى الشهرة عليه جماعة منهم الشهيد في الذكرى والمحقّق الكركي والعلّامة. وعن ابني بابويه أنه ينزح لها من أربعين إلى خمسين. وذهب جماعة من المتأخرين إلى التخيير بين الأربعين والخمسين » ، بدل : « واكتفى .. المجلسي ».
4- الإستبصار 1 / 41 ، ح (116) 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 244 ، ح 33 ؛ وسائل الشيعة 1 / 191 ، ح 1 و 2.

وقد احتجّ بها على كلّ من المذاهب المذكورة وهي كما ترى واضحة الدلالة على الأخير.

وقد قرّر الاحتجاج بها على الأوّل بوجوه :

منها : - وهو أقواها - أنّ الترديد فيها بين الوجهين من الراوي ، ولا أقلّ من احتماله. ومعه فلا بدّ من العمل على الأكثر استصحابا بالنجاسة إلى حصول اليقين بالطهارة.

ويضعّفه بعد الاحتمال المذكور عن العبارة ولا موجب للصرف عن الظاهر.

ومنها : أنّ لفظة ( أو ) يجي ء كثيرا في الكلام الفصيح للإضراب فيحتمل إرادته في المقام ، ومعه لا بدّ من العمل بالثاني لتحصيل اليقين.

وضعفه أظهر من الأول لبعد الاحتمال المذكور. ولو صحّ مجيئه للإضراب في الكلام الفصيح فهو في غاية الندرة ، فكيف يحصل الشكّ من جهته في الإطلاق؟!

مضافا إلى أنّ الإضراب ممّا يومي إلى حصول السهو في الأوّل حيث أعرض عنه بعد ذكره وهو لا يناسب كلام الأئمّة عليهم السلام.

ومنها : ما ذكره العلّامة رحمه اللّه في المختلف (1) ، وأشار إليه الشيخ في التهذيب في الرواية الواردة في الكلب كما سيجي ء ، وهي أنه مع العمل بالأكثر يحصل اليقين بالبراءة بخلاف البناء على الأقل.

وهو أيضا ضعيف ، بل لا وجه له أصلا.

وقد يوجّه ذلك بأنّ ( أو ) في المقام كما يحتمل التخيير كذا يحتمل الترديد ؛ إذ هو أيضا (2) من معانيه فلا يقضي بعض المصالح كإرادة (3) الإبهام وحينئذ فلا بدّ من الأخذ بأكثر الأمرين ، وهو أيضا بمكان من البعد.

وقد يقال بأن الرواية قد دلّت على حصول الطهر بكلّ من الوجهين المذكورين إلّا أنّها ضعيفة لا يتم الاحتجاج بها إلّا مع حصول الجابر ، وهو حاصل بالنسبة إلى الأخير دون

ص: 251


1- مختلف الشيعة 1 / 216.
2- لم ترد في ( ب ) : « من معانيه .. وهو أيضا ».
3- في ( ج ) : « لإرادة ».

الأول فيتعيّن البناء عليه.

وبه يوجّه المشهور مضافا إلى الأصل والشهرة والإجماع المنقول ، وقيام أحد الاحتمالات المذكورة وإن لم يخل الجميع عن البعد.

وما يقال من أن الرواية صحيحة على ما في الإستبصار ؛ إذ الموجود فيه عبد اللّه بن يحيى مكان عبد اللّه بن بحر المجهول المذكور (1) في التهذيب.

فلا مانع من التعويل على ظاهرها .. مدفوع بأنّه لا معوّل على الاستبصار بعد مخالفته للتهذيب ؛ إذ لا أقل من الشك لبعد وقوع الرواية على الوجهين مع اتحاد الراوي أو المروي عنه فيهما ، بل قد يرجّح عبد اللّه بن بحر بأنه هو الراوي عن أبي بصير كما نص عليه في ترجمته ، والرواية هنا عن أبي بصير وإن كانت بتوسط ابن مسكان مضافا إلى اشتراك عبد اللّه بن يحيى بين الكاهلي الممدوح وابن يحيى بن زكريا بن سنان الذي يروي عنه أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي ، وهو مجهول.

وكأنه الأنسب برواية الحسين عن ... (2).

ثم إن العذرة يختص بفضلة الإنسان كما حكي عن عدة من كتب اللغة منها تهذيب اللغة والغريين. وبه نص جماعة من الأصحاب منهم الحلي قاطعا به والشهيد متظهّرا له.

ويشهد له الاعتبار ؛ إذ العذرة في الأصل اسم لأفنية الدور ، ولما كان يضعفونها في الأفنية سمّوها باسم المحل.

وعن المحقق في المعتبر (3) انها والخبر مترادفان ويعمّان فضلة كل حيوان.

وقد أطلقها الشيخ في التهذيب على فضلة غير الإنسان فيقوم الاحتمال في المقام.

ص: 252


1- من هنا إلى قوله قدّس سره « فالظاهر عدم جريان الحكم المذكور. هذا ، ثم إن قوله عليه السلام » لا توجد إلّا في ( ج ) ، وهي نسخة كثيرة الأغلاط ، فصحّحنا العبارات على قدر وسعنا ، وبهذه الأوراق ختام نسخة ( ج ) ؛ إذ هي ناقصة تبدأ من بداية الكتاب وتختم بهذه العبائر.
2- سقط في النسخة.
3- المعتبر 1 / 411.

والأظهر الأول لما عرفت ، ويشهد له ظاهر إطلاقات العرف. مضافا إلى الأصل إن أوجبنا الزيادة عليها لما لا نص فيه ، فهل يعم الحكم عذرة الانسان مطلقا أو يختص بالمسلم؟ وجهان ؛ من إطلاق النص ومن أن المفهوم عنه خصوص نجاسة العذرة ، والمفروض حصول النجاسة هناك من جهة أخرى فلا يكفي فيه ذلك.

كيف ، ولا ينقص النجاسة العينية عن النجاسة العارضية في المحل ، ولو كان المحل متنجسا بالعارض فلا ينبغي التأمل في عدم الاكتفاء بذلك ، فكيف مع ملاقاته لنجس العين مع الرطوبة ، وهو الأظهر.

وحكم في الذكرى (1) بعدم الفرق بين فضلة المسلم والكافر ، قال : مع احتماله لزيادة النجاسة.

هذا ، والموجود في النص خصوص الذوبان وظاهره تفرّق أجزائها وشيوعها في الماء سواء استهلكت فيه أولا ، فاعتبار والاستهلاك كما في كلام البعض لا يخلو عن بعد.

والحق جماعة منهم المفيد بالذائبة الرطبة وعزي الى الأكثر ، وهو خروج عن مدلول النصّ. وربما علّل بحصول الذوبان مع الرطوبة. وهو ضعيف.

ولو سلّم فلا فائدة إذن في الالحاق.

والموجود في نهاية الإحكام والبيان اعتبار الرطوبة خاصة من دون ذكر للذوبان.

وربما يستفاد ذلك من الشيخ في الإستبصار وعزاه في النهاية إلى القائلين بالانفعال مؤذنا باتفاقهم عليه.

وقد يحمل ذلك على تفسير الذائبة بها أو دعوى حصول الذوبان معها. وكلتا الدعويين في محل المنع.

الثاني : الدم الكثير على المعروف بين الأصحاب.

وحكى في الغنية عليه الاجماع.

ص: 253


1- الذكرى : 100.

وعن السرائر (1) أنه لا خلاف فيه الا من المفيد وعن جماعة منهم الشهيدان (2) حكاية الشهرة عليه.

وعزاه جماعة منهم المحقق الكركي إلى الشيخ والأتباع.

وعن جماعة منهم الصدوق في الفقيه والشيخ في الاستبصار والفاضلان في غير واحد من كتبهما والآبي أن المنزوح له من ثلاثين إلى أربعين.

واستحسنه الشهيد في الذكرى وقوّاه ابن فهد.

وعن المفيد في المقنعة (3) أنّ فيه عشر دلاء.

وعن السيد أن في الدم نزح ما بين الواحد إلى العشرين من غير تفصيل بين الكثير والقليل.

وقد يحمل كلامه على اختلاف ذلك باختلافه في القلة والكثرة والمروي صحيحا في المقام في شاة ذبحت فوقعت في البئر وأوداجها تشخب دما : « إنّه ينزح منها ما بين ثلاثين إلى أربعين ».

وقد عمل بها الجماعة المذكور من القدماء والمتأخرين ، فالاقوى البناء عليها.

ومجرد مخالفتها للأكثر أو المشهور إن سلّم لا يوجب طرحها مع عدم وضوح معارض لها سوى مجرد الشهرة الخالية عن المستند.

ثم إن المعزى إلى الأكثرين إطلاق الدم الكثير ، وقد يستظهر منه الرجوع إلى العرف وجعله بعضهم ظاهر كلام الأصحاب ، وهو قضية ما حكيناه من إجماع الغنية.

ونفى الخلاف المذكور في السرائر ، وقد نص عليه الشهيد الثاني في الروض.

وعن القطب (4) الراوندي أنه يعتبر بينه ملاحظة حال البئر في الغزارة والنزارة فيختلف

ص: 254


1- السرائر 1 / 79.
2- روض الجنان : 149.
3- المقنعة : 67.
4- نقل عنه في روض الجنان : 150.

فيه الحال باختلاف الأحوال فيعتبر حال الدم والبئر معا.

وحكاه القطب الراوندي عن العلامة ، وربما يرجع الاول إلى ذلك لاختلاف العرف باختلاف ذلك.

ولا ينافيه ظاهر كلام الأكثر ؛ إذ الموجود في كلامهم وقوع الدم الكثير في البئر فيحتمل عبائرهم ملاحظة حال البئر أيضا. ولا يذهب عليك أن ذلك إنما يتم في كلمات الأصحاب ، وليس في الروايات ما يفيد إناطة الحكم به ، وإنما المستند في المقام صحيحة علي بن جعفر ، والمذكور فيه دم الشاة ، وجعلوا ذلك مناطا للكثرة وليس في تلك الرواية استنصال عن حال البئر ، فيفيد إذن إناطة الحكم بنفس الدم ، وهو المستفاد من كلام جماعة حيث فسّروه بدم الشاة ونحوها ، فالبناء عليه هو الأظهر في المقام.

وهل يختص الحكم بدم ظاهر العين أو يعم الجميع ما عدا الدعاء الثلاثة؟ وجهان ، واستوجه الثاني في الروضة ، ونفى عنه البعد في الروض ؛ أخذا بالإطلاق وقوّى المحقق الكركي الأول ، وبه جزم بعض المتأخرين ، وهو الأظهر ؛ لما عرفت من اختلاف الجهة وأنه لا إطلاق في المقام ليمكن الاستناد إليه في ذلك ، والصحيحة المتقدمة إنما وردت في دم الشاة ، فإلحاق نجس العين بها يحتاج إلى الدليل ، والإجماع على عدم الفرق غير ثابت في المقام.

وربما يحتج للمفيد بصحيحة ابن بزيع (1) الواردة في قطرات البول والدم ، وقد ذكر الشيخ لها تقريبا في الاحتجاج ، وهو في غاية البعد مع أن إرادة الكثير من القطران لا يتّجه أصلا ، ولم نقف على حجة المشهور ولا على مختار السيد.

ص: 255


1- وسائل الشيعة 1 / 194 ، باب ما ينزح من البئر لموت الانسان وللدم القليل والكثير ، ح 3.
تبصرة: في نزح الأربعين دلوا

ينزح في المشهور أربعون دلوا لأمور :

أحدها : الكلب ، وبه قال الشيخان (1) والديلمي والقاضي والجعفي والحلي (2) وغيرهم.

وعن الغنية (3) حكاية الإجماع عليه.

وعن الصدوقين (4) أنه ينزح له من ثلاثين إلى أربعين. واستقرب بعض الأفاضل (5) فيه ينزح الدلاء الصادقة عنده على الثلاث.

والأخبار فيه مختلفة أيضا ، ففي صحيحة أبي مريم (6) وموثقة حمّاد نزح الجميع له.

وفي صحيحة أبي بصير : « فقدرت أن تنوح ماءها فافعل (7) ».

ولا عامل بها.

وفي رواية ابن أبي حمزة المروية في المعتبر (8) عن كتاب الحسين بن سعيد نزح الأربعين له.

وهي حجة المشهور بعد انجبار ضعفها بالعمل.

ص: 256


1- المقنعة : 66 ، النهاية : 6.
2- مختلف الشيعة 1 / 200.
3- غنية النزوع : 49.
4- فقه الرضا : 93 ، المقنع 29 ، الهداية : 70.
5- في الهامش : « السيد نعمة اللّه - منه ». وقد خلطه الكاتب بالمتن.
6- وسائل الشيعة 1 / 182 ، باب ما ينزح من البئر للسنور والكلب والخنزير وما أشبهها ح 1.
7- وسائل الشيعة 1 / 185 ، باب ما ينزح من البئر للسنور والكلب والخنزير وما أشبهها ح 11.
8- المعتبر 1 / 69.

وفي موثقة سماعة (1) نزح الثلاثين أو الأربعين للسنور وما هو أكبر منه ، فيندرج فيه الكلب.

وكأنها حجة الصدوقين إلا أنها لا تنطبق على ما ذكرناه آنفا.

وفي رواية أخرى لابن أبي حمزة « ينزح العشرين أو الثلاثين أو الأربعين » (2).

واحتج الشيخ (3) بهذين الخبرين على المشهور أخذا بالزائد للإجماع على الاكتفاء به دون ما نقص عنه ، وهذا كما ترى. وغاية ما يوجه به ما عرفته في المسألة السابقة من الوجود المذكورة.

وكيف كان فقد يعتضد بهما المشهور بعد دلالة الرواية المذكورة عليه.

وفي صحيحة الشحام نزح « الخمس مع عدم التفسخ وتغير طعم الماء » (4).

وحملها الشيخ على خروجه حيا ، وهي كما ترى صريحة في خلافه.

وفي صحيحة علي بن يقطين (5) وصحيحة الفضلاء ورواية البقباق (6) إطلاق نزح الدلاء ، وهي حجة من ذهب إلى الاكتفاء بالثلاثة أخذا بأقل الجمع بناء على استظهار عدم الفرق بين جموع القلة والكثرة في المخاطبات العرفية كما هو الظاهر.

فظهر بما ذكرنا قوّة القول المشهور بناء على القول بالانفعال ، والأمر فيها كنظائرها - على ما قوّينا - ظاهر.

ص: 257


1- تهذيب الأحكام 1 / 236 ، باب تطهير المياه من النجاسات ، ح 12.
2- قريب منه ما رواه حسين بن سعيد ، عن قاسم عن علي في تهذيب الأحكام 1 / 235 ، باب تطهير المياه من النجاسات ح 11.
3- تهذيب الأحكام 1 / 236.
4- الإستبصار 1 / 37 ، باب البئر يقع فيها الكلب والخنزير وما أشبههما ح 6 ، وفيه : « فإذا لم ينفسخ أو لم يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء ».
5- الإستبصار 1 / 37 ، باب البئر يقع فيها الكلب والخنزير وما أشبههما ح 5.
6- الإستبصار 1 / 37 ، باب البئر يقع فيها الكلب والخنزير وما أشبههما ح 4.

ثانيها : السنور ، وبه قال الشيخان (1) والديلمي والقاضي والحلبي (2) والطوسي (3) والحلي (4) وغيرهم.

وفي الغنية (5) حكاية الاجماع عليه.

وعن والد الصدوق (6) نحو ما ذهب إليه في الكلب. وإليه ذهب الصدوق في المقنع (7) والهداية (8) وقال في الفقيه (9) بالاكتفاء فيه بالسبع. واكتفى بعض المتأخرين فيه بالدلاء الثلاثة ، ويدل على المشهور رواية ابن أبي حمزة المروية في المعتبر (10) عن السنّور ، فقال : أربعون وللكلب وشبهه. وضعفها منجبرة بالشهرة والأصل ؛ إذ لا قائل ظاهرا بالزيادة.

وفي موثقة سماعة ورواية علي بن أبي حمزة ما مرّ في الكلب. واستدل بهما على المشهور بالتقريب المتقدم.

وفيه أيضا ما مرّ.

ويظهر الوجه في ما ذهب إليه (11) الصدوقان مما مر. ويدل على مذهب الصدوق رواية عمرو بن سعيد بن هلال ، وفيها أنه ينزح لها سبع دلالة (12).

ص: 258


1- المقنعة : 66.
2- الكافي للحلبي : 130.
3- المبسوط 1 / 11 ، النهاية : 6.
4- إرشاد الأذهان 1 / 237 ، نهاية الأحكام 1 / 259.
5- غنية النزوع : 49.
6- فقه الرضا : 94.
7- المقنع : 30.
8- الهداية : 70.
9- من لا يحضره الفقيه 1 / 17.
10- المعتبر 1 / 69.
11- هنا في نسخة ( ج ) - الوحيدة في هذه الأوراق - عبارة لم نفهم ربطها بالمقام ، وهي : « الأصل بقاء النجاسة ».
12- وسائل الشيعة 1 / 185 باب ما ينزح من البئر للسنور والكلب والخنزير وما أشبهها ح 10 وفيه : أنه ينزح للسنور سبع دلاء.

وهي ضعيفة لا يقاوم ما مرّ.

ومن الغريب حكمه في المختلف بجودة سند هذه الرواية قائلا بأن عمرا إن قيل إنه كان فطحيا فهو ثقة ، وهذا بناء منه على كونه عمرو بن سعيد المدائنى ، وهو فاسد قطعا لوضوح المغايرة بينهما إذ المدائني من أصحاب الرضا عليه السلام فكيف يروي عن الباقر عليه السلام ، ويروي عنه عمر بن يزيد الذي هو من أصحاب الصادق عليه السلام ، مضافا إلى التصريح بكونه ابن هلال ، وهو غير موثق في الرجال إلّا أنه يظهر من بعض الروايات مدحه.

وقال بعض الأفاضل بدلالة حديث (1) على توثيقه.

وفي صحيحة الشحّام نحو ما في الكلب وهي أصح ما في الباب. وقد يميل ظاهر المختلف إلى العمل بها.

ويضعّفه إعراض جمهور الأصحاب عنها على القول بالانفعال.

وفي صحيحة علي بن يقطين إطلاق نزح الدلاء ، وهي حجة من اكتفى فيه بذلك.

وفيها ما عرفت.

نعم ، بناء على القول بالطهارة هو أدنى مراتب الاستحباب.

ثالثها : الشاة وما أشبهها ، ففي المقنعة (2) الحكم بنزح الأربعين لموت الشاة والكلب والخنزير والسنور والغزال والثعلب وشبهه في قدر جسمه.

وحكى نحوه عن الشيخ في النهاية والمبسوط والديلمي والقاضي والطوسي والحلي.

وفي الغنية (3) : وما يوجب نزح أربعين هو موت الشاة أو الكلب أو الخنزير أو السنور أو ما كان مثل ذلك في مقدار الجسم ، ثم ادّعى الإجماع عليه بعد ذلك ، فيندرج فيه نحو السؤر أيضا.

وقد يندرج ذلك في العبارة المتقدمة المنقولة عن الجماعة بناء على تعلق ضمير الشبه

ص: 259


1- كذا ، والظاهر : الحديث.
2- المقنعة : 66.
3- غنية النزوع : 49.

بكل من المذكورات.

وعن ابن سعيد (1) الاقتصار على الشاة ونحوها.

وعن المحقق والآبي الاقتصار على الكلب وشبهه.

وحكى في الروضة أيضا الشهرة. والأصل في الحكم رواية ابن أبي حمزة المتقدمة المروية في المعتبر حملا لشبه الكلب على ما يشبهه في المقدار كما فسّره به الشيخ ، واستفادة شبه السنور منها غير ظاهرة.

وقد يستدل أيضا برواية ابن أبي حمزة المتقدمة بالتقريب المتقدم.

وفيه ما عرفت.

وكأنّ الأظهر الوقوف على ما أفاده النصّ من جريان الحكم في السنور والكلب وشبهه فيندرج فيه الثعلب والارنب والغزال والشاة ونحوها أخذا بظاهر الخبر المذكور المعتضد بعمل الجماعة بل الشهرة كما هو الظاهر والمحكي في الذكرى (2) وغيره والاجماع المتقدم.

وعن الصدوق في الفقيه (3) أنه ينزح للشاة وما أشبهها سبعة (4) إلى عشرة. وجعله في كشف الرموز أولى. وعن الصدوق في المقنع (5) نزح العشرين للخنزير ، ولم أقف على مستنده في المقامين.

وقد نص جماعة على اندراج الخنزير في شبهه. وهو على إطلاقه محل إشكال.

واستظهر في المدار لإلحاقه بنحو الثور ، فينزح له الجميع.

رابعها : بول الرجل ، على المعروف بين الأصحاب. والمراد به الذكر البالغ كما هو المفهوم منه بحسب العرب ، ويستفاد من أهل اللغة وإن احتمل في القاموس صدق الرجل عليه من

ص: 260


1- انظر : كشف اللثام 1 / 331.
2- الذكرى 1 / 95.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 21.
4- في المصدر : « تسعة ».
5- المقنع : 34.

حين ميلاده ؛ إذ هو وجه ضعيف لا عبرة به مع عدم مساعدة العرف وظاهر كلام غيره عليه.

وقد نص على الحكم المذكور (1) كثير من الأصحاب.

وعن الغنية حكاية الإجماع عليه.

وعن ظاهر السرائر (2) انه مما لا خلاف فيه.

وعن المعتبر (3) ان روايته مجبورة بعمل الأصحاب. وعن المنتهى (4) ان الأصحاب قبولها.

وحكاية الشهرة عليه مستفيضة حكاه المحقق والشهيدان (5) وابن فهد (6) وصاحب الذخيرة (7) وغيرهم.

والأصل في الحكم رواية ابن أبي حمزة ، عن الصادق عليه السلام قلت : بول الرجل؟ قال : « ينزح منها أربعون دلوا » (8).

وضعفها منجبر بعمل الأصحاب والإجماع المحكي كما عرفت.

وهل يعم بول المسلم والكافر؟ وجهان ؛ من ظاهر الإطلاق وأن المتيقّن منها هو الأول. والظاهر ثبوت الحكم من جهة كونه بول الرجل دون جهة أخرى ، ويزيد بول الكافر ولذا لو لاقى البول نجاسة خارجية لم يكتف فيه مجرد ذلك أخذا بإطلاق المذكور فنجاسة المخرج بالمعارض ليس بأقوى من نجاسة بالأصل مضافا إلى ملاقاته لسائر أعضاء الكافر ، فظاهر إطلاق كثير من الأصحاب هو الأول. وحكي عن صريح جماعة منهم كالحلي (9) والسرائر (10)

ص: 261


1- في المخطوطة : « الذكر ». ولا تستقيم العبارة. ويمكن أن تكون « في الذكر » أو « للذكر ».
2- السرائر 1 / 78.
3- المعتبر 1 / 67.
4- منتهى المطلب 1 / 86.
5- روض الجنان : 150.
6- مهذب البارع 1 / 102.
7- ذخيرة المعاد 1 / 133.
8- الاستبصار 1 / 34 ، باب بول الصبي يقع في البئر ح 2.
9- المعتبر 1 / 68.
10- السرائر 1 / 78.

والعلامة (1) والشهيد الثاني (2) في عدة من كتبهما وابن فهد في المهذب.

وفي الذخيرة (3) أن ظاهر الأصحاب عدم الفرق.

وعن بعض المتأخرين احتمال الفرق أو النجاسة الكفر تأثير (4).

وعن صاحب المعالم (5) أن التحقيق اعتبار الحيثيّة بعدم تداخل الأسباب. وهو الأظهر على نحو ما استظهرناه وفي نظائره.

وفي جريان الحكم في بول المرأة قولان فعن جماعة من الأصحاب منهم الفاضلان والشهيدان عدم الإلحاق لاختصاص النص الأول. وعن القاضي وابن أبي المجد الحلبي والحلي والعلامة في التحرير ونهاية الإحكام أنه كبول الرجل. وفي الغنية حكاية الاجماع عليه.

وأسند في السرائر إلى تواتر الأخبار في اثبات الحكم للإنسان ، وهو غريب ؛ إذ لا أثر له في الأخبار ، وقد نص عليه المحقق وغيره.

وعن الشهيدين والمحقق الكركي وغيرهما إلحاق بول المرأة بما لا نصّ فيه.

وعن المحقق في المعتبر (6) : ينزح الثلاثين لبول المرأة والصبيّة ؛ أخذا برواية كريه (7) واحتمله. واحتمل الإلحاق بما لا نص فيه في كشف اللثام (8).

ولا يبعد الإلحاق بما لا نص فيه.

نعم ، قد ورد في صحيحة ابن عمار (9) إطلاق نزح الجميع لبول الرجل.

ص: 262


1- مختلف الشيعة 1 / 206.
2- روض الجنان : 150.
3- ذخيرة المعاد 1 / 133.
4- كذا ، ولعلّها : « إذ لنجاسة الكفر تأثير ».
5- انظر مفتاح الكرامة 1 / 471.
6- انظر مفتاح الكرامة 1 / 471.
7- لعلّه « كردويه » كما سيأتي.
8- كشف اللثام : 1 / 333.
9- الاستبصار 1 / 35 ، باب البئر يقع فيها البعير أو الحمار وما أشبههما أو يصيب فيها الخمر ، ح 4.

وفي صحيحة ابن بزيع (1) المتقدم أنه (2) : « ينزح دلاء لقطرات البول ».

وهاتان الروايتان شاملتان لبول المرأة والصبية.

وفي رواية كردويه : « ينزح الثلثين لوقوع القطرة من البول » (3).

وهي أيضا شاملة للجميع إلا أن الأخيرة لضعفها لا يمكن التعويل عليها.

وأما الأولان فيمكن حمل المطلق فيها على المقيد فيقال بالاكتفاء في القطرات بالدلاء وفي غيرها يحكم لوجوب نزح الجميع بعد إخراج بول الرجل عنه للنص المتلقّى بالقبول.

ويمكن المناقشة فيه بأن الأخبار المذكورة غير معمول بها في ظاهر كلام الأصحاب ، فالبناء عليها مع اعراضهم عنها مشكل جدا.

حينئذ لا يبعد إرجاعهما إلى ما لا نص فيه. ومن يقول بوجوب نزح الجميع فيما لا نص فيه إنما يقول بوجوبه في انصباب بول المرأة من تلك الجهة لا لورود الخصوصية في الصحيحة ، فهي مطرحة على القول المذكور أيضا.

ثم بناء على إلحاق بول المرأة والصبية بما لا نص فيه يجي ء الاشكال في بول الخنثى ، وقد نص في الروض (4) بأنه ينزح له أكثر الأمرين من القدر لبول الرجل وما لا نص فيه ، وهو الوجه لدورانه بين الأمرين ، فيجب الأخذ بالأكثر استصحابا للنجاسة.

واستوجهه في جامع المقاصد ، واحتمل في الروضة (5) الاكتفاء بالأقل من جهة الأصل ، وهو ضعيف على القول بالنجاسة. نعم ، إنما يتجه على القول بالتعبّد في وجه.

ثم إنه جعل فيه وجوب أكثر الأمرين معلّقا على القول بنزح الثلاثين أو الأربعين لما لا نص فيه ، وهم كما ترى.

ص: 263


1- الاستبصار 1 / 45 ، باب البئر يقع فيها الدم القليل أو الكثير ، ح 2.
2- قد تقرأ عبارة « المتقدم أنه » في ( ب ) : « النقد ترأنه » ، صحّحناها بالقرائن ، وليس من عبارة الحديث لأنه نقل بالمعنى ، فراجع.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 22.
4- روض الجنان : 150.
5- روضة البهية 1 / 264.
تبصرة: في نزح الثلاثين دلوا

ينزح ثلاثون دلوا لماء (1) المطر المخالط للبول والعذرة وخرء الكلاب عند كثير من الأصحاب كما في الذخيرة (2).

وقد نص عليه في الشرائع (3) والقواعد (4) وغيرهما.

ويدل عليه رواية كردويه والموجود فيها مضافا إلى المذكورات أبوال الدوابّ وأرواثها ، فعلى القول بطهارتها يكون وجودها كعدمها.

وأمّا على القول بنجاستها فينبغي ضمهما إليها في المقام وكأنهم اقتصروا على الثلاثة المذكورة لذهابهم إلى طهارتهم.

وربما يقال بشمولهما لأبوال وأرواث سائر الدوابّ التي لا يؤكل لحمها فيعمّ الأبوال والأرواث النجسة.

ولا يخلو عن بعد.

والرواية المذكورة بإسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن أبي عمير عن كردويه قد رواه الشيخ في الكتابين (5) والصدوق في الفقيه (6) باختلاف يسير عنه أيضا قال : سألت أبا

ص: 264


1- في المخطوط : الماء.
2- ذخيرة المعاد 1 / 134.
3- شرايع الإسلام 1 / 11.
4- قواعد الأحكام 1 / 187.
5- الإستبصار 1 / 43 ، باب البئر تقع فيها العذرة اليابسة أو الرطبة ، ح 5 ، تهذيب الأحكام 1 / 413 ، باب المياه وأحكامها ، ح 19.
6- من لا يحضره الفقيه 1 / 22 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ح 35.

الحسن عليه السلام عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول والعذرة وأبوال الدواب وأرواثها وخرء الكلاب؟ قال : « ينزح منها ثلاثون دلوا » وإن كانت منجرة (1).

وهي ضعيفة بكردويه فإنه مهمل في الرجال ، ولذا استجود في الذخيرة الرجوع إلى ما دل عليه الأخبار والصحيحة للنجاسات المفروضة.

وقد حكى ذلك عن الحلي حيث قال بأن النجاسة المخالطة على حكمها من نزح الجميع أو المقدر.

ويمكن أن يقال بانجبارها لعمل الجماعة بل ذكر بعض الأفاضل أن الخبر تلقّوه الأصحاب بالقبول عاملين بمضمونه.

مضافا إلى أن للصدوق (2) طريقا إلى كردويه ، وهو يومي إلى جلالته ، ورواية ابن أبي عمير عنه يومي إلى الاعتماد عليه أيضا بل الظاهر (3) من جهة تقدّمه بل صحيحة على ما اختاره جماعة من الأصحاب.

ويومي إلى ذلك تكريرها في الاصول المعتبرة.

وكيف كان ، فالتعويل عليها بعد ما ذكرنا بناء على القول بتنجس البئر غير بعيد.

ثم إن البول فيها يعم بول الرجل والمرأة والطفل ، ولا يفيد ذلك النص على حكم بول المرأة ليخرج بذلك عما لا نص فيه ؛ إذا الاكتفاء بذلك مع دخوله في ماء المطر لا يفيد الاكتفاء به مع انفراده على أن البول يستهلك في الماء فلا يبقى له عين ، بل قد لا ينجس الماء في المقام لاعتصام ماء المطر عن الانفعال إلا أن إطلاق الرواية يعم ما اذا كان امتزاج البول به قبل الانقطاع أو بعده.

وبذلك يظهر ضعف ما قد يستشكل في الرواية من أن بعضا من المذكورات له قدر

ص: 265


1- في ( ج ) : « منجبرة » ، وهو غلط ، وما أدرجناه من المصدر. قال في هامشه : البئرة المبخرة التي يشم منها الرائحة الكريهة كالجيفة ونحوها.
2- في المخطوطة : « الصدوق ».
3- هنا فراغ بمقدار لفظة في المخطوط.

مخصوص يريد وحده ذلك ، فالمنزوح لبول الرجل أربعون دلوا وللعذرة مع الذوبان خمسون ، فكيف يكتفي مع اجتماعها بالثلاثين ؛ إذ لا مانع من أن يكون اختلاطها بماء المطر موجبا لوهن حكمها مضافا إلى أن حكم البئر مبنيّ على التعبد فأيّ مانع من ثبوت الحكم المذكور في الصورة المفروضة؟

وقد يدفع ذلك أيضا بأن الحكم هنا مبنيّ على استهلاك تلك النجاسات في الماء ، فلا بقاء لعينها حتى يرد لانتقال المذكور.

ويدفعه أن الاستهلاك في المقام إنما يتصور في البول وحصوله في غيره بعيد جدا. وعلى فرض حصوله نادرا لا وجه لحمل الإطلاق على الفرض النادر.

مضافا إلى ما فيه من ترك الاستفصال المنزل منزلة العموم في المقال.

وعن بعض الأصحاب حمل الرواية على ما إذا حصل هناك ظنّ بحصول تلك النجاسات في الماء دون ما إذا علم بها فيكون الأمر بالنزح لزوال النفرة الحاصلة من أجل المظنة المذكورة. وهو محمل بعيد.

ولو خالط الماء أحد المذكورات الثلاث اكتفى بالثلثين عند الشهيد أخذا بمفهوم الموافقة.

وحكى في الروض عن بعض الأصحاب اختصاص الحكم بصورة الإجماع ، فلا يعمّ غيره.

ولا يخلو عن ضعف.

واختار في الروض (1) التفصيل بين ما إذا لم يكن له مقدارا وكان ، وكان أكثر. أما لو كان أقل كبول الرضيع الداخل في إطلاق البول المذكور في الرواية أو عمومه فالظاهر الاكتفاء به لأن مصاحبته لماء المطر إن لم يضعف حكمه - كما هو الظاهر - فلا يزيده.

ويشكل بأن جريان حكم النجاسة في المتنجس بها محل تأمل ، فضعف حكم البول من حيث امتزاجه بالماء لا يقضي ضعف حكم الماء المتنجس به.

نعم ، إن قلنا بجريان حكمه في المتنجس به صح ما ذكر.

ص: 266


1- روض الجنان : 151.

وسيجي ء الكلام فيه إن شاء اللّه.

ولو وقعت المذكورات في البئر من دون الامتزاج بالماء لم يجر فيه الحكم المذكور.

وكذا لو وقع واحد منها حسبما أشرنا إليه.

ولو تنجس ماء المطر بالنجاسات المفروضة من دون امتزاجه بها لو تنجس بواحد منها كذلك فالظاهر الاكتفاء بالثلاثين لدلالة الفحوى.

ولو امتزجت بغير ماء المطر ففي جريان الحكم فيه تأمل من خروجه عن مورد النص أنه بمعناه ؛ إذ لا يظهر فرق بين المياه في ذلك.

ويؤيد الثاني ذكر « ماء الطريق » بدل ماء المطر في الرواية المذكورة على ما في الفقيه (1).

ولو خالطت الماء المضاف أو غيره من المائعات فالظاهر عدم جريان الحكم المذكور.

هذا ، ثم إن قوله عليه السلام ... (2)

ص: 267


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 22 باب المياه وطهرها ونجاستها ح 35.
2- إلى هنا في نسخة ( ج ) ، وهذه الصفحات ساقطة من بقية النسخ ، فاغتنمها.
تبصرة: [ في المضاف والأسئار ]

تبصرة (1)

[ في المضاف والأسئار ]

وعرّف بأنّه ما لا يصدق عليه اسم الماء بإطلاقه.

وقد يرد عليه سائر المائعات لاشتراكها معه في عدم صدق الماء كذلك. ولذا زاد بعضهم التقييد بقوله « مع (2) صدقه عليه مع القيد ».

ويمكن الجواب عنه بأن تقييد النفي بالإطلاق (3) بنفيه مع انتفائه فيصدق عليه « مع القيد » إرجاعا للنفي إلى القيد.

وقد يقال : إنّه إن أريد صدق الماء عليه مع الإضافة على سبيل الحقيقة ، فهو لا يوافق ما ادّعوه من مجازيّة الماء فيه ، وجعل التقييد قرينة عليه.

وإن أريد صدقه عليه على سبيل المجاز فنقول بصحة إطلاق الماء على كثير من سائر المائعات على سبيل المجاز كماء العين وماء الأنف ونحوهما.

ويمكن الجواب بأنّ لفظ الماء مقيّدا بالمضاف أو المجموع المركّب من اللفظين حقيقة فيه بخلاف سائر المائعات ، فإنّ صدق الماء عليها ولو مع الإضافة على سبيل المجاز.

والحاصل أن الماء المضاف يصدق حقيقة على كلّ من المياه المضافة قطعا بخلاف غيرها من الماء المطلق وسائر المائعات المذكورة.

وما ذكروه من مجازيّة الماء في المضاف إنّما أرادوا به لفظ الماء مع إطلاقه كما هو قضية

ص: 268


1- في ( د ) : « الفصل ».
2- لم ترد في ( د ) « مع صدقه عليه ».
3- في ( د ) : « بالإطلاقات قاض بدل : « بالإطلاق ».

التبادر وغيره من علائم الحقيقة ، والمجازية (1) (2) ( فيه كذلك لا يستلزم مجازية مع التقييد مع وجود علائم الحقيقة فيه واستحقاق ) المطلق للفظ الماء مع أن الاطلاق لا يستدعي استحقاقه مع التقييد بالمضاف ؛ نظرا إلى وجود المطلق فيه لوضوح أن المراد بالمطلق هنا ما كان من دون القيد المذكور ، فاستحقاقه له بشرط لا (3) يقضي باستحقاقه مع الشرط إذ هو فرع وضع اللفظ ، وهو ما يختلف باختلاف القيود والاعتبارات المأخوذة فيه.

وقد يقال : بأن المراد من استحقاقه للماء مع القيد هو استحقاقه للفظ الماء المضاف إلى خصوصيّة ما انضمّ إلى الماء كماء الورد وماء الزعفران وماء اللحم ونحوها حسبما مرّ ، فالمقصود في الحد هو ذلك.

وهذا إنّما يتمّ مع دعوى كون ذلك حقيقة فيه ، وإلّا جاء الإشكال المذكور ، ولا بعد فيه أيضا كما مرّت الإشارة إليه.

إلّا أنّ الحمل على الأعم بحيث يشمل لفظ الماء المضاف هو الأولى كما هو واضح ؛ نظرا إلى الإطلاق والاعتبار.

ثمّ إنّه ينقسم [ الماء ] إلى الممتزج والمعتصر والمجمّد (4).

وخصّه في الشرائع بالأولين. ولا يخلو من وجه ؛ إذ في الصعيد نحو من المزج أو الاعتصار ، إذ لو جمد في الاعتصار حقيقة لزم خروج ما يخرج من الأجسام من دون عصره كالماء الخارج من اللحم أو البقول بسبب النار ونحوها من الأقسام.

ثم إنّ انحصاره في الأقسام المذكورة غير معلوم ، ولو قلنا بجواز خروج الماء من الإطلاق لطول المكث كان رابعا للأقسام.

ص: 269


1- لم ترد في ( ب ) : « مع التقييد بالمضاف نظرا إلى وجود » ، بدل ما بين الهلالين.
2- في ( د ) : « مجازيته » بدل : « المجازيّة ».
3- زيادة في ( د ) : « لا ».
4- في ( د ) : « المصعّد ».
تبصرة: [ في امتزاج المضاف بالمطلق ]

لو امتزج المضاف بالمطلق لوحظ صدق الاسم سواء اختلفا في الأوصاف أو (1) اتفقا مع انسلاب صفة المضاف أو زيادة صفة مما ثلة لصفة المضاف في الماء. وهو واضح ؛ إذ لا تقييد في الشرع ، فيدور الحكم مدار الاسم كما هو الشأن في غيرها.

والحكم في الأوّل موضع وفاق قد حكي الإجماع عليه من جماعة على ما ذكره صاحب المدارك (2) وأخوه (3).

وأمّا الثاني فقد نصّ جماعة بما قلناه منهم العلّامة والشهيد وصاحب المدارك والذخيرة وغيرهم. وهو قضيّة إطلاق جماعة.

وقد خالف فيه الشيخ والقاضي حيث حكم الأوّل في مسلوب الصفة من المضاف إذا خالط الماء أنّ العبرة في الخروج من الإطلاق بأكثرية المضاف للأصل والاحتياط إلا أنه احتياط ما يجمع بين الوضوء والتيمّم.

ونصّ الثاني بأنّ العبرة بأكثرية الماء للأصل والاحتياط ، [ و ] في شرح النافع للسيد نور الدين حكاية الشهرة على اعتبار الأكثر منهما.

ثمّ ذكر قول الشيخ مع المساواة ، وعن العلامة تقدير المخالفة في الصفة كالحكومة في الحر.

وهل يعتبر حينئذ أوسط الأوصاف أو أضعفها؟ وجهان ؛ والأوّل محكيّ عن الشهيدين والمحقق الكركي ، والثاني عن صاحب المعالم.

ص: 270


1- في ( ب ) : « و ».
2- مدارك الأحكام 1 / 114.
3- في ( ب ) : « آخره ».

ويعلّل الأوّل بالأغلبيّة والثاني بأنّه لو بقي شي ء من الأشدّ لم يقدر الزائد قطعا فلا يقيد أيضا مع زوال الجميع.

وكأنّ إطلاق (1) المذكور مبني على التحقيق في صدق الاسم أو في بيان الحكم في صورة الشك ، وإلّا فالرجوع في مثله إلى صدق الاسم بعد تحققه مما لا ينبغي الريب فيه.

والقول بدوران صدق ( الاسم ) (2) على أكثرية الماء أو المضاف ضعيف جدّا ، وكذا اعتبار التقدير في الاستكشاف ؛ لتفاوت الحال في الخروج عن الاسم بين وجود الصفة وعدمها ، أو اشتدادها وعدمها فلا يمكن استكشاف الحال بالتقدير.

فالأظهر أن يقال له (3) : إن تبيّن الحال بعد مراجعة العرف فلا إشكال ، ومع الشك يتقوى البناء على بقاء طهارته واعتصامه عن الانفعال إن كان معتصما بالكثرة أو غيرها ؛ استصحابا لطهارته ، والحكم عدم طهوريّته لتعارض الأصل من الجانبين ، وقضية الأصل بقاء الحدث أو الخبث الحاصلين.

ودعوى أصالة بقاء كلّ على حاله - فكلّما مرّ على المضاف مرّ عليه المطلق أيضا وهو كاف في الإزالة والرفع كما ذكره البعض - بيّنة الوهن ؛ لوضوح أنّ الماءين بعد امتزاجهما لا يبقى كلّ منهما على الحالة (4) السابقة ثمّ (5) إنّه لو وجد من المطلق ما لا يكفيه للطهارة وتمّمه (6) من المضاف بما لا يسلبه الإطلاق جاز الوضوء به حسبما عرفت ، وقد نصّ عليه جماعة منهم الشيخ والفاضلان ، وعن غير واحد من الأفاضل حكاية الاتفاق عليه.

وهل يجب عليه ذلك مع انحصار الأمر فيه ولا يسوغ له التيمّم مع المكنة منه؟ قولان ؛ والأشهر فيه الوجوب.

ص: 271


1- في ( د ) : « الخلاف ».
2- الزيادة في ( د ).
3- في ( د ) : « إنّه ».
4- في ( ألف ) : « حالة ».
5- لفظة « ثمّ » أدرجناها من ( د ).
6- في ( ألف ) : « عمه ».

وقد نصّ عليه العلامة والشهيدان وصاحب المدارك والذخيرة وغيرهم. وذهب الشيخ في المبسوط إلى انتفاء الوجوب ، وتبعه صاحب الدلائل ، وربّما يميل إليه في الإيضاح.

وعن المعتبر التردّد فيه ، والظاهر الأوّل لتمكنه من الطهارة الاختياريّة ، فلا ينتقل إلى الاضطرارية.

والظاهر أن المراد من وجدان الماء المذكور في الآية هو التمكن منه لا وجوده عنده كما قد يتوهّم ؛ إذ ذاك ممّا لا يشترط فيه قطعا ، ولذا يجب الطلب والتحصيل مع الإمكان.

ويدلّ عليه أيضا أن الظاهر أنّه لا تأمّل في وجوب إذابة الثلج ونحوه مع انحصار الأمر فيه مع أنّه من قبيل إيجاد الماء لخروجه بالجمود عن المائية.

وقد يستدلّ للشيخ بأنّ المزج لا يقتضي بإيجاد حقيقة الماء وإنّما يوجب الاشتباه على الحسّ ، فمع عدم العلم بعدم استيفاء الماء للأعضاء لا يصحّ العمل.

وكأنّه الوجه في حكم الشيخ عند العلّامة والشهيد الثاني في الروض حيث حكما بالتناقض بين حكميه - أعني الحكم بعدم وجوب المزج مع الانحصار والقول بصحة الوضوء مع المزج - ، وأجاب عنه في الإيضاح بأنّ حكم الشيخ في المقام مبنيّ على توقّف وجوب الوضوء على وجود الماء والتمكّن منه ، فلا يجب إيجاده (1) أو لا يجب تحصيل مقدمة الواجب المشروط ، فلا منافاة بين عدم وجوب المزج ووجوب الوضوء مع حصوله.

وعن الدلائل أنّ المتأخرين أطبقوا على فساد التعليل المذكور.

قلت : والوجه فيه واضح ؛ إذ لو جعل المكنة من الماء شرطا في وجوب الوضوء كما ذكرناه ممنوع ولا يترتب عليه عدم وجوب الإكمال ؛ إذا المفروض حصول المكنة في المقام ، إذ التمكّن من إيجاده تمكن منه وإن جعل وجود الماء شرطا فيه فهو ممنوع ، ولو استند فيه إلى ظاهر الآية فقد عرفت ما فيه. كيف وظاهرها اعتبار الوجدان ولا يقول أحد باعتباره فيه.

ص: 272


1- في ( ألف ) : « اتّحاده ».

على أنّه لو قيل باشتراط مجرد الوجود فيه مع وضوح فساده فهو حاصل في المقام لوجود الماء في نفسه.

فظهر بذلك (1) ما في كلام بعض الأفاضل (2) من أنّ وجوب الطهارة (3) المائية مشروط بالنسبة إلى إيجاد الماء وإن لم يكن مشروطا بالنسبة إلى تحصيله والوصول إليه ؛ لما عرفت من انتفاء الدليل عليه وعدم ظهور الآية ، بل الظاهر من الأخبار خلافه كما سبق في مباحث التيمّم.

هذا ، ونظير المسألة ما لو تمكّن من استخلاص المطلق من المضاف كتميّز الماء من الطين عند امتزاجه وخروجه عن اسم الماء ، فلا يجب ذلك بناء على التعليل الأخير.

ثم إنّه لا فرق بين كون الممزوج من المضاف أو غيره من المائعات بل الجوامد إذا توقف عليه الاستعمال كما إذا نقص الماء من الكرّ بحسب الوزن فتوقف تمكّنه من استعماله على خلطه بشي ء من التراب ، فيتمكّن من استعماله بعد الاعتصام.

ص: 273


1- زيادة في ( د ) : « ضعف ».
2- زيادة في ( د ) : « الفاضل الهندي ».
3- في ( ب ) : « طهارة ».
تبصرة: [ في تنجس المضاف ]

لا خلاف بين الأصحاب في طهارة المضاف في نفسه وانفعاله بالملاقاة ولو كان كثيرا أضعاف الكرّ. وقد حكى الإجماع على انفعاله بالملاقاة جماعة من الأصحاب منهم الفاضلان والشهيدان.

ويدلّ عليه بعد ذلك القاعدة المسلّمة من تنجيس النجس ملاقيه (1) مع الرطوبة.

وقد دلّ عليه في المقام غير واحد من الأخبار كخبر السكوني عن الصادق عليه السلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن قدر طبخت فإذا في القدر فأرة؟ قال : « يهراق مرقها ويغسل اللحم ويؤكل » (2).

ورواية زكريا بن آدم ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن قطرة نبيذ أو خمر مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير؟ قال : « يهراق المرق أو يطعم أهل الذمة أو الكلب ، واللحم اغسله وكله » (3).

والمناقشة في إسناد الخبرين أو دلالتهما بعد وضوح الحال وموضوعيّة الحكم واعتضادهما بالاتفاق المعلوم والمنقول ليس في محلّها.

ثمّ إنّ الحكم في الساكن المتساوي السطوح ظاهر ، وكذا في مختلفها مع الوقوف وإن حكم بتعدّدهما في بادي الرأي كالحوضين الموصول بينهما بساقية ولو كانت دقيقة.

ص: 274


1- في ( د ) : « لما يلاقيه » بدل « ملاقيه » ، وكلاهما صحيح.
2- الكافي 6 / 261 ، ح 2 ؛ الإستبصار 1 / 25 ، ح (62) 5 ؛ تهذيب الأحكام 9 / 87 ، ح 100 ؛ وسائل الشيعة 1 / 206 ، ح 3.
3- الإستبصار 4 / 94 ، ح (363) 9 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 279 ، ح 107 ؛ وسائل الشيعة 3 / 470 ، ح 8.

ويأتي على قول من زعم من شذوذ من المتأخرين من عدم سراية النجاسة في الماء القليل المتفرّق مع اتصال بعضه بالبعض إلى ما تباعد عن محل الملاقاة جريانه في المقام لا طراد العلّة فيه.

وقد أشرنا إلى ضعفه فيما مرّ.

ولو كان جاريا متدافعا - سواء تساوى سطوحه أو اختلف ، اتحد الماء في بادي الرأي أو تعدد - تنجّس محل الملاقاة وما دونه قولا واحدا.

وأمّا ما فوقه فإن كان علوّه على سبيل التسنيم لم ينجس قطعا ، وقد حكى بعض الأجلّة الاتّفاق عليه.

ويدلّ عليه بعد ذلك الأصل ؛ إذ قضية الانفعال بالنجاسة تنجّس ما لاقى النجاسة في محل الملاقاة ؛ إذ لا معنى لتأثير النجاسة في غير ما يلاقيه ، ونجاسة الجميع في (1) المائعات إنّما يأتي من جهة السراية ، ولما كانت النجاسة من جهتها على خلاف الأصل فلا بدّ فيه من الاقتصار على محلّ الإجماع ، وهو الميعان مع استواء السطوح أو كونه ما دون محلّ الملاقاة فيبقى ذلك مندرجا تحت الأصل.

وكذا ما إذا كانت الرطوبة من دون الميعان ، فإنّه يختص النجاسة بمحل الملاقاة ولا تسري منه إلى غيره مطلقا.

فإن قلت : إنّ قضية الأصل سراية النجاسة مع الرطوبة ، فإنّه إذا تنجّس (2) محل الملاقاة تنجّس ما يلاقيه به لكونه ملاقيا للنجس بالرطوبة و .. هكذا ، فما دلّ على تنجيس النجس بالملاقاة دالّ عليه ، فلا حاجة إلى ملاحظة نصّ أو إجماع في خصوص السراية.

قلت : فرق ، (3) بين سبق حصول النجاسة على الملاقاة ولحوقه ، والذي قام الدليل على كونه سببا للتنجيس إنّما هو الأوّل ؛ إذ هو مورد الإجماع ، وأما الملاقاة السابقة فلا يوجب

ص: 275


1- لم ترد في ( ب ) : « في ».
2- لم ترد في ( ب ) : « تنجّس محلّ الملاقاة ».
3- زيادة في ( د ) : « بيّن ».

تنجيس الغير لخروجه عن مورد الإجماع.

ويشهد له أنّه لا يصدق عرفا ملاقاة سائر الأجزاء للنجاسة وإن صحّ كونه ملاقيا بالتدقيق المفروض فلا عبرة به بعد خروجه عنه في ظاهر العرف.

لا يقال : إنّه ليس هناك لفظ يدلّ على اعتبار الملاقاة في التنجيس ليقال فيه بالرجوع فيه إلى العرف ، فلا يندرج فيه الصورة المفروضة ؛ إذ من الواضح أنّ العقل لا مسرح له في باب النجاسات ، والذي قام عليه الإجماع في تأثير النجاسة مع الملاقاة هو الصورة الأولى وهو الّذي ينصرف إليه إطلاقات (1) الملاقاة دون الصورة الأخيرة ، وصدق الملاقاة هناك بملاحظة تدقيق العقل لا يقضي بالنجاسة كما (2) عرفت ، فيلزم البناء على مقتضى الأصل لخروجه عن موارد (3) الإجماع.

نعم ، قد دلّ الإجماع وغيره على سراية النجاسة في الصورة المفروضة مع الميعان فيقتصر عليه.

وليس في الأدلة ما يفيد إطلاق تنجيس النجاسة بالملاقاة على نحو يشمل المفروض من نصّ أو إجماع ؛ أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني فلعدم استفادته من كلمات الأصحاب بل ملاحظة إطباقهم على بطلان السراية في غير المائع - وكذا ما حكم جماعة به في المقام - يشهد بخلافه.

وربّما علّله كثير منهم بالأصل. وفيه أقوى شاهد على عدم الاكتفاء بالملاقاة السابقة.

فقد ظهر بما قرّرنا أن سراية النجاسة عن محلّ الملاقاة على خلاف الأصل ، فلا بدّ من الاقتصار فيه على مورد الدليل ويحكم في غيره على مقتضى الأصل ومنه ما (4) على محلّ الملاقاة كما هو المفروض في المقام.

ص: 276


1- في ( د ) : « اطلاق ».
2- لم ترد في ( ب ) : « كما عرفت .. سراية النجاسة ».
3- في ( د ) : « مورد ».
4- زيادة في ( د ) : « علا ».

فإن قيل : إنّ ما دلّ على انفعال المضاف بالملاقاة يدلّ على انفعال جميعه مع ملاقاة النجاسة لبعضه ، فإذا فرض اتحاده في العرف ففي ذلك بانفعال جميعه ؛ أخذا بإطلاق الدليل.

قلنا : لم نجد الإطلاق المذكور في شي ء من الأخبار ليقوم (1) حجة على المطلوب ، وما ورد في كلمات الأصحاب محمول على غير تلك الصورة لتصريح جماعة منهم بعدم التسرية ، فلو لا انعقاد الإجماع على انتفاء النجاسة في المقام فلا أقلّ من عدم قيام الإجماع على خلافه ، فلا يتمّ الاحتجاج بالإجماع أيضا.

وما قد يقال : من أن قضيّة ما دلّ على تنجّس القليل بالملاقاة إنّما يدلّ على نجاسة الكلّ به من دون حاجة إلى ملاحظة قاعدة السراية ، فيثبت ذلك في المضاف بالأولى ؛ إذ لا يزيد حكمه على الماء.

مدفوع - بعد المناقشة في الأولوية - بأنّ السراية إلى العالي منتفية في الماء إجماعا بل ضرورة ، فكيف يمكن الاحتجاج بالأولويّة : مع عدم ثبوت الحكم في الأصل على أنّه ليس في أدلّة انفعال القليل إطلاق بيّن يدل عليه بل معظم ما دل عليه أخبار حاكمة بنجاسته في موارد مخصوصة (2) كذلك مشكل جدا.

فظهر بما ذكرنا صحّة احتجاج صاحب المدارك (3) في المقام للأصل السالم عن المعارضة (4). واتّضح فساد ما قد يتسارع إلى بعض الأفهام من الحكم بسراية النجاسة في المقام.

هذا ، ولو كان العلو على غير نحو التسنيم ففي طهارة العالي وجهان (5) لا يبعد القول (6) به

ص: 277


1- في ( ب ) : « يقوم ».
2- زيادة في ( د ) : « لا يندرج فيها نحو ذلك. نعم ، في أخبار الكرّ إن ثبت إطلاقها بالنسبة إلى ذلك إشارة إلى ذلك إلّا أنّ الحكم بإطلاقها ».
3- مدارك الأحكام 1 / 114.
4- في مخطوطة ( ألف ) : خ. ل وفي ( د ) : المعارض.
5- زيادة في ( د ) : « و ».
6- في ( د ) : « بها ».

مع الانحدار التام (1) على ما مرّ نظيره في الماء (2) لو كان الدفع من السافل إلى العالي كالفوارة ، ففي ثبوت السراية وجهان.

ص: 278


1- في غير ( د ) : « انحدار المقام ».
2- في ( د ) زيادة : « و ».
تبصرة: [ في الاختلاف في طهورية المضاف أحيانا ]

المعروف من المذهب ان المضاف كسائر المائعات لا طهورية فيها عن الحدث ولا الخبث في حال الاختيار ولا الاضطرار ، وقد وقع هناك خلاف ضعيف.

أما الأول فقد خالف فيه الصدوق في ظاهر الهداية (1) والفقيه بالنسبة إلى خصوص ماء الورد (2) إلى قوم من أصحاب الحديث ، والظاهر اختصاص الخلاف بماء الورد دون غيره من أنواع المضاف.

ويشهد له ما في المعتبر (3) حيث قال : اتّفق الناس جميعا على أنّه لا يجوز الوضوء بغير ماء الورد من المائعات ، ولم نجد من وافقه ممّن سبقه أو تأخر عنه سوى صاحب المفاتيح. وهو ضعيف جدا للأصل والإجماع على الظاهر المصرّح به في التهذيب (4) والإستبصار (5) والغنية (6) والشرائع (7) والنافع (8) والمنتهى (9) والتذكرة والسرائر (10) والطالبيّة.

ص: 279


1- انظر : الهداية 64.
2- في ( ب ) و ( د ) زيادة : « حيث جوّز الوضوء والاغتسال به وحكي ذلك عن أماليه أيضا. وعزا في الخلاف جواز التوضؤ بماء الورد » ، انظر : أمالي الصدوق : 2. ح 1006.
3- المعتبر 1 / 82 ، الفقيه : 1 / 345.
4- التهذيب 1 / 219 ، ذيل ح 627.
5- الإستبصار 1 / 14 ، ذيل ح 227.
6- الغنية : 50.
7- الشرائع 1 / 12.
8- المختصر النافع : 3.
9- المنتهى 1 / 118.
10- السرائر 1 / 59.

ونفى عنه الخلاف بين الطائفة في المبسوط وبين المحصّلين في السرائر.

و ( في ) (1) الذكرى (2) أن الصدوق مسبوق بالإجماع.

وفي الروض (3) وغيره : مسبوق بالإجماع ملحوق به.

وفي شرح القطيفي : إن الفتوى على عدم دفعه والقول به شاذّ لا يعوّل عليه.

وعن غاية المرام وكشف الالتباس الإجماع عليه ممّن عدا الصدوق.

وفي شرح التهذيب للفاضل الجزائري : أطبق أصحابنا إلّا الصدوق على عدم جواز الطهارة بالماء المضاف ، وظاهر (4) الآية الشريفة الحاكمة بانتقال الحكم إلى التيمّم مع عدم وجدان الماء الصادق مع وجدانه ، وقوله عليه السلام في خبر أبي بصير وقد سأله عن الماء باللبن (5) : « لا إنّما هو الماء والصعيد » ، مضافا إلى اعتضاده بالشهرة العظيمة بل الإجماع محققة كما عرفت.

ويؤيّده الحكم بطهورية الماء المطلق في معرض الامتنان ، ولو تمّ (6) الحكم لغير المطلق لأشير (7) إليه بحسب المقام ليكون الامتنان أكمل (8) ، وإن ظاهر إطلاق الغسل في الآية والأخبار قد ينصرف إلى ما يكون بالماء إما لأخذه في مفهوم الغسل أو لأنّه الفرد الغالب ، فتعيّن للاستعمال ، وكان مستند الصدوق في ذلك رواية يونس ، عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ للصلاة ، قال : « لا بأس » (9).

ص: 280


1- الزيادة من ( د ).
2- الذكرى : 7.
3- الروض : 132.
4- في ( د ) : « لظاهر ».
5- الإستبصار : 1 / 14 ، ح (26) 2 و 155 ، ح (534) 1 ؛ التهذيب 1 / 188 ، ح (540) 14 ؛ الوسائل 1 / 201 ، ح 518 ، 3 / 351 ، ح (3843) 6.
6- في ( د ) : « عمّ ».
7- في ( ب ) : « لا يشير ».
8- في ( ب ) : « الحمل ».
9- الإستبصار 1 / 14 ، ح (27) 2 ؛ التهذيب 1 / 218 ، ح 627 ؛ الوسائل 1 / 204 ، ح 523.

مضافا إلى إطلاقات الغسل الواردة في الآية والروايات.

وربّما قيل أيضا باندراج ماء الورد في المطلق والإضافة فيه لأدنى الملابسة كماء الحوض وماء النهر ونحوهما.

ويدفع الرواية تارة بضعفها في الإسناد ؛ لاشتماله على سهل ، والمشهور بين أصحاب الرجال ضعفه (1) ، وقد نصّ عليه جماعة من الأصحاب ، ونصّ أنّه فاسد المذهب.

ولا يظهر ذلك من رواياته (2) ، وكأنّهم عنوا به الغلوّ والارتفاع في القول على ما هو دأبهم من رمي كثير من الأجلاء به.

وما في المدارك (3) من الحكم بكونه عامي المذهب غريب ؛ إذ لم نجد له أثرا في شي ء من كتب الأخبار بل ظاهرهم عدم التأمل (4) في كونه من الأصحاب كما يظهر من رواياته ، وإكثار ثقة الإسلام عنه حتّى أنّه عقد له عدة على نحو عدة البرقي وابن عيسى.

وفي ذلك وغيره ممّا ذكر في محلّه وغيره إشارة إلى الاعتماد عليه إلّا أن ذلك كلّه لا يخرجه عن حدّ الضعف فلا يجوز التعويل عليه.

وربّما يناقش فيه أيضا من جهة الاشتمال على العبدي عن يونس ؛ نظرا إلى استثنائهم ذلك من رجال نوادر الحكمة ، وهو إن لم يثبت عندنا إلّا أنّه يوجب وهنا في الخبر سيّما في المقام ، وأخرى بشذوذها ومتروكيّتها بين الأصحاب وإعراضهم عنها.

قال الشيخ في كتابي الحديث : إنّه خبر شاذّ شديد الشذوذ ، وقد أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهره ، مضافا إلى معارضته لظاهر الآية وغيرها.

وقد قيل (5) بأنّ المراد بها ماء ألقي فيه الورد دون المصعّد ؛ اكتفاء بأدنى الملابسة أو يقرء

ص: 281


1- لا حظ : رجال النجاشي 185 / 490 « فهرست الطوسي 142 / 339 ؛ معالم العلماء 92 / 383.
2- في ( ب ) : « روايته ».
3- المدارك 1 / 111.
4- في ( ب ) : « المشهور ».
5- في ( د ) : « تؤوّل ».

« الورد » بكسر الواو ، والمقصود السؤال عن المياه التي تكون مورودة للدوابّ وسائر الحيوانات.

والاستناد إلى الإطلاقات قد عرفت ما فيه ، فهي إن لم تكن شاهدة للمشهور فلا تشهد على خلافه سيّما مع الإطباق على عدم جواز استعمال غير ماء الورد إلى العرف (1) من المياه المضافة حسب ما عرفت.

والاستناد إلى اندراجه في المطلق أوهن الوجوه المذكورة ؛ لوضوح فساده بعد الرجوع إلى العرف.

وأمّا الثاني فقد خالف فيه السيد ، وعزاه في السرائر إليه وإلى جماعة.

واختلف النقل عن المفيد ، فحكى عنه في المختلف ذهابه إلى المشهور ، والمحكي عنه في كلام جماعة من المتأخرين كصاحب المدارك وأخيه القول بجواز الإزالة به.

وفي الروض وغيره حكاية الإجماع ممّن تقدّم على السيد وتأخّر عنه على المنع.

وفيه أيضا إشارة إلى موافقته للمشهور.

والمحكي عن السيّد في عدّة من الكتب - منها الخلاف والمعتبر - هو القول بجواز إزالة الخبث لمطلق المائع.

وكيف كان ، فالقول به ضعيف منقرض قد أطبق المتأخرون على خلافه.

وفي شرح القطيفي : إنّ الفتوى على عدم إزالة الخبث به والقول به شاذّ لا يعوّل عليه. وفي شرح التهذيب للفاضل الجزائري : إنّ الأكثر بل الإجماع على جواز إزالة النجاسة به.

ويدلّ على المشهور الأصل وورود الأمر بالغسل بالماء في عدّة من الأخبار الظاهرة في تعيينه في الغسل.

وقوله عليه السلام : « لا يجزي من البول إلا الماء » (2) مع عدم القول بالفصل ، وقوله عليه السلام : « كيف

ص: 282


1- لم يرد في ( د ) : « إلى العرف ».
2- الإستبصار 1 / 57 ، باب وجوب الاستنجاء من الغائط والبول ، ح (166) 21 ؛ وسائل الشيعة 1 / 317 ، باب وجوب الاستنجاء وإزالة النجاسات للصلاة ، ح 6.

يطهر من غير ماء » (1) ، وفي الصحيح أو الموثق : رجل أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره؟ قال : « يصلّي فيه وإذا وجد الماء (2) غسّله » (3).

مضافا إلى اعتضاده بالاحتياط غالبا ، والشهرة العظيمة القريبة من الإجماع (4) ، وإطلاق الأمر بالتطهير والغسل الشامل لذلك ، وأن الغرض إزالة الخبث ، وهو حاصل به من غير خصوصيّة فيه للماء.

ويشهد له حسنة الحكم بن الحكيم الصيرفي قال : « قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أبول فلا أصيب الماء وقد أصاب يدي شي ء من البول فأمسحه بالحائط والتراب ، ثمّ تعرق يدي فأمسح وجهي أو بعض جسدي أو تصيب ثوبي؟ قال : « لا بأس به » (5).

وخصوص رواية غياث بن ابراهيم ، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه ، عن على عليه السلام قال : « لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق » (6).

ووهن الجميع ظاهر : أما الإجماع فلاشتهار خلافه ، فلو لم يكن منعقدا على عدمه فليس منعقدا على ثبوته. وقد ذكر المحقق في المسائل المصريّة الوجه في دعواه الإجماع في المقام حيث سئل : إنّه كيف أضاف علم الهدى إزالة النجاسة بالمائعات إلى مذهبنا ولا نصّ فيه؟!

فأجاب أنّه ذكر في الخلاف أنّه إنّما أضاف ذلك إلى مذهبنا لأن من أصلنا العمل بدليل الأصل العقل ما لم يثبت إلينا.

قال : وليس في الشرع ما يمنع استعمال المائعات في الإزالة ولا ما يوجبها ، ونحن (7)

ص: 283


1- وسائل الشيعة 3 / 453 ، باب أن الشمس إذا جفت الأرض واسطح .. ، ح 7.
2- في ( د ) : « ماء ».
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 68 ، باب ما ينجس الثوب والجسد ، ح 155.
4- زيادة في ( د ) : « بل الإجماع في الحقيقة حسبما نقل احتجّوا للسيّد ومن وافقه بالاستناد إلى الإجماع ».
5- الكافي 3 / 56 ، باب البول يصيب الثوب أو الجسد ، ح 4.
6- تهذيب الأحكام 1 / 425 ، باب تطهير البدن والثياب من النجاسات ، ح 23 ؛ وسائل الشيعة 1 / 149 ، باب حكم الريق ، ح 2.
7- في ( ب ) : « نحوه ».

لا نفرّق بين الماء والخلّ في الإزالة بل ربّما كان غير الماء أبلغ حكما (1) بدليل العقل.

وهو كما ترى صريح في كون الإجماع المدّعى تخريجيّا (2) مبنيّا على الوجه المذكور ، فظهر فساده بفساد أصله.

وأنت خبير بأنّه لو صحّ ما ذكره لم يصحّ (3) الاستناد إلى الإجماع كما لا يخفى.

ومنه يعلم الوجه في ضعف الإسناد إلى أكثر إجماعاته المنقولة في المسائل الخلافية ، والإطلاقات لا حجة فيها بعد انصرافها إلى المتعارف إن سلّم حصول العقل (4) على الحقيقة من غير الماء.

وما أورده السيد من أنّه لو قيل باختصاص الغسل بما يغسل به في المعتاد لما جاز الغسل بما لم تجر العادة بالغسل به من المياه كماء النفط وماء الكبريت ونحوهما ، وهو خلاف الإجماع ؛ مدفوع بأنّه لو سلّم ذلك فالإجماع على جوازه كاف في ذلك ، وهو الحجة فيه دون الإطلاق ، مع حصول الفرق البيّن بين المقامين ؛ إذ ندرة الوجوه (5) غير الفرد حسب ما قرر في محلّه على ان غاية الأمر فيه الاستناد إلى الإطلاق.

ولا بدّ من حملها على الأخبار المقيدة حسبما عرفت. ومجرد إزالة العين غير كاف في حصول الطهارة وإلّا لجازت التطهير بغير المائعات ، بل وحصل ذلك بمجرد تخفيف النجاسة المائعة كالبول إذا زال به العين ، ولا قائل به.

والاستناد فيه إلى الحسنة المذكورة بيّن الوهن ؛ إذ لو حملت دلالتها على حصول الطهر بذلك فهي متروكة بين الأصحاب ، مع أنّها لم تشتمل على كون الازالة بالمائع من المضاف وغيره.

ص: 284


1- في ( ب ) : « محكما ».
2- في ( ب ) : « تخرفيّا ».
3- زيادة في ( د ) : « له ».
4- في ( د ) : « الفصل ».
5- في ( ألف ) : « الوجود ».

وما دلّ عليه من ازالة البول من الجسد بالحائط أو التراب لم يقل به أحد منّا كما نصّ عليه في المعتبر.

ورواية غياث ضعيفة جدّا ، متروكة بين الأصحاب ، معارضة بما عرفت ؛ فهي لا تنهض حجة في نفسها فضلا عن الاعتماد عليها مع متروكيتها ومعارضتها بما مر.

وكأن الخبرين المذكورين منظور المفيد حيث ذكر في مسائل خلافه أن جواز (1) الإزالة به مروي عن الأئمّة عليهم السلام فيما حكاه المحقّق في المسائل المصريّة ؛ إذ لم ينقل أحد من الأصحاب فيه رواية غير ذلك.

وأما الثالث فقد خالف فيه العماني وفصّل بين الحالين ، فمنع من استعماله مع الاختيار وجوّزه في حال الاضطرار في المقامين.

وحكى في المقنع عن الصدوق تجويزه رفع الحدث بماء الورد في السفر وفيه عدم المطلق إلّا أنّه غير مطابق للموجود في كتبه المذكورة.

وكيف كان فلم نجد مستند التفصيل ، وقد يستند فيه بالجمع بين الأخبار وحمل الخبر المذكور (2) على صورة الاضطرار.

ووهنه ظاهر ؛ إذ هي مع عدم مكافأته لغيره وخلوّ الجمع المذكور عن الشاهد غير واف لمقصوده.

ص: 285


1- في ( ب ) : « جوز ».
2- لم ترد في ( ب ) : « على صورة .. وخلوّ الجمع المذكور ».
تبصرة: [ في كيفية تطهير المضاف المتنجّس ]

إذا تنجّس المضاف اعتبر في طهره خروجه عن الإضافة إلى الإطلاق ، وملاقاته للمطهّر على نحو ما مرّ في تطهير المياه.

فهو ما دام مضافا غير قابل للتطهير لسراية النجاسة إلى جميع أعماقه (1). وملاقاة المطهّر لجميع أجزائه من المستحيل مع بقاء الإضافة وبقاء الماء على المائية ؛ إذ مع عدم حصول المزج التام لا يمكن وصول الماء إلى جميع أجزاء المضاف ، ومع حصول الامتزاج التام لو سلّم حصول ملاقاته لجميع الأجزاء إمّا أن ينقلب المضاف مطلقا أو يخرج الماء من الإطلاق ، والأوّل خروج عن محلّ البحث ، والثاني لا يقضي بالتطهير لخروج الماء حينئذ من الإطلاق القاضي بخروجه عن الطهورية ، فلا يكون طهورا حال إفادته التطهير ، وحينئذ ينجس (2) الجميع.

والفرق بينه وبين المطلق أنّ المطلق متّصف بعد الطهارة بالطهوريّة فيطهر ما يلاقيه وهكذا ، بخلاف المضاف. ولذا اكتفينا هناك بمجرد الاتصال بخلاف المقام.

فلا فائدة حينئذ لمراعاة الامتزاج.

وأما إذا خرج عن الإضافة وصار مطلقا كان بحكمه ، فيطهر بما يطهر به المطلق.

وبقاء حقيقته السابقة وتأثيره في المطلق لا يمنع من قبول الطهارة ، ولا يقضى بتنجيس الماء ؛ لما عرفت من ضعف القول بتنجس الماء بتغيّره بالمتنجّس ، وإنّما يختصّ ذلك بعين النجاسة كما مرّ.

وعلى ما ذكرنا لا فرق بين خروجه عن الإضافة بنفسه أو بتصفيق الرياح أو العلاج أو

ص: 286


1- لم ترد في ( ب ) : « أعماقه وملاقاة المطهّر لجميع ».
2- في ( د ) : « فينجس ».

امتزاجه بالماء النجس أو الطاهر القليل أو المعتصم المطهّر ، غير أنّه في الأخير يطهر بمجرّد خروجه عن الإضافة ، وفي الأقسام المتقدّمة يفتقر إلى ملاقاة المطهّر.

ثمّ إن طهره بما ذكرناه قد ذهب إليه العلّامة في التذكرة والنهاية ، وهو المشهور بين المتأخرين.

ولهم في المسألة أقوال أخر :

أحدها : اعتبار خروج المضاف عن إضافته وبقاء إطلاق الماء وعدم خروجه عن صفته من جهة اختلاطه بالمضاف وامتزاجه به. ذهب إليه الشيخ في المبسوط. وحكي عن ظاهر المحقق في المعتبر والعلامة في التحرير إلّا أن الشيخ اعتبر الزيادة على الكر ، ولم يعتبره العلّامة.

وكأنّه أخذ ذلك من جهة الاحتياط في بقاء مقدار الكر على الإطلاق مع بقاء الأوصاف ؛ إذ لا أقلّ من اتّصاف بعض الماء بأوصاف المضاف عند ممازجته وإن زال عنه بعد ذلك ؛ إذ من الواضح انتفاء المزية فيما زاد على الكر بالنسبة إليه ، فجعل ذلك قولا آخر في المسألة من جهة اعتبار الزيادة ليس على ما ينبغي.

ثانيها : القول بالاكتفاء بمجرّد الاتصال وإن بقي الاسم والصفة. حكاه في الروضة وعزاه إلى العلامة في التذكرة.

ثالثها : تطهيره بممازجة الكر وإن تغيّر الماء وخرج عن الإطلاق. ذهب إليه [ العلامة ] في المنتهى والقواعد ، وابن فهد في الموجز. وربّما يفصّل فيه بين ما إذا وضع المضاف في الماء (1) أو وضع الماء فيه.

فلو قيل بطهره بذلك فانّما يقال به في الثاني دون الأول ؛ إذ لا مجال للقول بطهر المحلّ من دون ملاقاة المطهر أصلا أو ملاقاته لبعضه. وعن المحقق الكركي أنه أوجب أن يكون تصوير المسألة في إلقاء المضاف النجس فيه.

قلت : إطلاق كلام العلّامة قاض بخلافه ، بل عبارة الموجز الحاوي صريحة في خلافه

ص: 287


1- في ( ب ) زيادة : « وخرج عن الإطلاق ».

حيث قال : وطهره بإلقاء كر عليه ، وإن بقي التغيير بالإضافة ، فمع ما علّل به التفصيل أن خروج الماء عن الاطلاق إما أن يكون بعد حصول امتزاجه بالجميع أو البعض دون الباقي أو لا يعلم شي ء من الحالين.

فعلى الأوّل يتعيّن عند البناء على الطهارة ، وعلى الثاني لا ينبغي التأمل في النجاسة ؛ إذ لا مطهر لبقيّة أجزاء المضاف ؛ إذ المفروض عدم وصول الماء إلى الجميع.

فبعد خروج الماء عن حقيقته تنجّس الجميع من جهة الاتصال به.

والاكتفاء في طهره (1) بمزجه بذلك على خروجه عن اسم الماء ممّا لا وجه له أصلا ، وكأنّ ذلك من كلام القائل به.

وفي الأخير إن قيل بطهر المضاف أخذا بأصالة البقاء على المائية فلا مانع أيضا من القول بطهر المحلّ به ؛ إذ لا فاصل بينهما.

فظهر بذلك أنه لو خصّص الحكم بما ذكره المحقق المذكور لم يصحّ الإطلاق ، وإن حمل على الوجه المذكور فلا حاجة إلى ما ذكر من التفصيل. وكأنّه أطلق في المقام لظهور المرام.

هذا ، والوجه في قول الشيخ ظاهر ممّا قلناه ، وإنّما اعتبر عدم تغيّر الماء بأوصاف المضاف بناء على ما ذهب إليه من تنجيس الماء بتغيّره بالمتنجس.

وضعفه ظاهر ممّا مرّ.

وكأنّ الوجه في الثاني - إن حمل على ظاهره - أن ملاقاة المطهّر كاف (2) في التطهير والمفروض حصوله.

وضعفه ظاهر ، وقد يرجع إلى الأخير.

والوجه في الثالث أن بلوغ الكر سبب لعدم الانفعال إلّا مع التغيير بالنجاسة ، فلا يؤثّر المضاف بالتنجيس وإن غلب عليه فيطهر (3) المضاف بملاقاته ؛ أخذا بعموم ما قضى بطهوريته

ص: 288


1- في ( ب ) : « بطهره » ، بدل « في طهره ».
2- في ( ألف ) : « كان ».
3- في ( ألف ) : « يظهر ».

لما يلاقيه ، ومن جهة الاتّفاق على اتحاد حكمهما بعد الامتزاج.

وضعفه ظاهر أيضا ؛ إذ (1) الحكم المذكور إنّما ثبت للماء المطلق ، فبعد خروجه عنه واندراجها في المضاف لا بقاء للحكم المذكور ، فلا وجه للحكم بتطهيره لما يلاقيه ؛ إذ هو فرع طهارته في نفسه.

وقد عرفت خلافه ممّا بيّنّاه.

ص: 289


1- لم ترد في ( ب ) : « إذ الحكم .. للحكم بتطهيره ».
تبصرة: [ في تحديد السؤر ]

اختلف الأصحاب في تعبير السؤر فقيل : إنّه ما باشره جسم حيوان. ذكره الشهيد في الذكرى ، والمحقق الكركي في الجعفريّة.

وفي الروض : أنه لغة ما يبقى بعد الشرب ، وشرعا ماء قليل باشره جسم حيوان وإن لم يشرب منه. واختار الحدّ المذكور في تعليق الشرائع والروضة.

وفي المعتبر (1) : أنه بقيّة المشروب.

وفي كشف الالتباس : أنّه بقيّة ما يشرب منه الحيوان.

وفي المهذب البارع (2) : أنّه ماء قليل فضل من شرب حيوان.

وهذا الحدّ أخصّ حدوده بناء على أصل الشرب على ما يستلزم الملاقاة والورود كما هو الغالب بل الظاهر خروجه عن اسم السؤر من دونه كما إذا صبّ الماء من الآنية في فيه ، فالظاهر حمل الحدّ عليه كما أن الحدّ الأول أعم تفاسيره بناء على ما هو الظاهر من كون « ما » موصولة يشمل الماء وغيره.

وفسّره القطيفي في شرح النافع بأنه بقية المشروب من المائعات في أصحّ الأقوال.

وفسره في السرائر (3) وغيره بأنّه ما شرب منه (4) الحيوان أو باشره بجسمه من (5)

ص: 290


1- المعتبر 1 / 93.
2- المهذب البارع 1 / 122.
3- السرائر 1 / 85.
4- في ( ألف ) : « من ».
5- في ( ب ) زيادة : « المياه وسائر ».

المائعات.

وفي المدارك وغيره أنّ الأظهر في تعريفه أنه ماء قليل باشره فم حيوان. واختاره في غرر الجامع ، ونصّ أنه معنى السؤر بحسب اللغة والاصطلاح.

وقال الشيخ (1) في شرح الإرشاد : إن الظاهر أن المراد هنا ماء قليل لاقاه جزء حيوان خال عن نجاسة طارئة.

وهناك اختلاف أيضا في تفسيره بحسب اللغة : فعن الصحاح (2) والمغرب والنهاية (3) ومجمع البحرين (4) أنّه ما يبقى بعد الشرب.

ونحوه ما في جامع المقاصد والمسالك والروضة وغيره في بيان معناه بحسب اللغة.

وفي كشف اللثام (5) : إنّه في اللغة البقيّة من كلّ شي ء أو ما يبقيه المتناول من الطعام والشراب أو من الماء خاصة ، والقلّة معتبرة فيه.

ثم إن ظاهر جماعة من الأصحاب منهم الشهيد الثاني في الروض المغايرة بين معناه اللغوي والعرفي.

قال المحقق الكركي (6) بعد بيان معناه اللغوي بما مر : إن المراد به هنا ما باشره جسم حيوان مع قلّته ، فإنّ البحث فيه من جهة طهارته ونجاسته وكراهته (7). وذلك لا اختصاص له بالشرب.

وأنت خبير بأن ذلك لا يوجب تعميم معنى السؤر ولا اعتبار القلّة الشرعية مع عدم أخذه في معناه اللغوي ؛ لإمكان إثبات بعض أحكام السؤر للكثير أيضا بعد صدق اسمه عليه

ص: 291


1- في ( د ) : « شيخه ».
2- الصحاح 2 / 675 ( سأر ).
3- النهاية 2 / 327 ( سأر ).
4- مجمع البحرين 2 / 314 ( س أ ر ).
5- كشف اللثام 1 / 30.
6- جامع المقاصد 1 / 123.
7- في ( د ) : « كراهة ذلك بدل : « كراهته وذلك ».

بحسب اللغة ، وجواز اختصاصه ببعض الأحكام من جهة ملاقاة الفم - إن ثبت أخذه فيه في اللغة - على أن اشتراك غيره له في الحكم لا يقضي بالتعميم في الاسم.

فالأظهر اتّحاد معناه في اللغة والعرف كما هو ظاهر الاستعمالات ، ويومي إليه ملاحظة إطلاقه في الروايات.

مضافا إلى أصالة عدم النقل.

وقد صرح به في غرر الجامع ، ويحتمل قويا كون معناه اللغوي الأصلي مطلق التبقية (1) كما يومي إليه ملاحظة لفظ السؤر.

هذا ، والاختلاف الواقع في تفسيره إنّما هو في أمور ثلاثة :

أحدها : في اختصاصه بالماء أو تعميمه لسائر المائعات أو الجوامد المشتملة على الرطوبة المسرية أو غيرها أيضا. والظاهر أنه لا ينبغي التأمل في شموله لغير الماء من المائعات. وكأنّ (2) من خصّصه بالماء راعى خصوصيّة المقام لا اختصاص مفهومه عنده بالماء. وكأنّ الأظهر صدقه بالنسبة إلى غير المائعات مع حصول الرطوبة المسرية في أحد الملاقيين.

وفي صدقه مع اليبوسة وجهان أظهرهما العدم.

ثانيها : في اشتراط القلّة في الماء ونحوه أو عدمه. والظاهر اعتباره فيه كما يظهر من ملاحظة العرف لكن (3) لا يعتبر فيه خصوص القلّة الشرعيّة ، فقد يصدق مع الكثرة الشرعيّة (4) في المقام فكأنّه بنى على دوران الأحكام على القلّة في المقام.

وفيه ما عرفت.

ثالثها : في اشتراط الشرب والأكل أو الاكتفاء بمجرّد ملاقاة الفم أو أيّ جزء كان من أجزاء البدن. ولعلّ الأظهر الأوّل مع مراعاة ملاقاة الفم أو ما بمنزلة أو غيره من أجزاء البدن.

ص: 292


1- في ( ألف ) : « مطلقا التقيّة ».
2- لم ترد في ( ب ) : « وكأنّ من .. غير المائعات ».
3- في ( ألف ) : « لكي ».
4- زيادة في ( د ) : « إذا كان قليلا بالنسبة إلى الحيوان الوارد عليه ومن اعتبر القلّة الشرعيّة ».

وفي الاكتفاء بمجرد ملاقاة الفم وإن لم يشرب أو يأكل منه وجه قويّ إلّا أنّ الأظهر عدم الاكتفاء في صدق الاسم بمجرّده.

نعم ، لو أدخله في فضاء الفم ولم يبقه احتمل قويّا صدق اسم السؤر على الباقي ، وأمّا مجرد ملاقاة سائر الأجزاء فالظاهر عدم الاكتفاء في تحقق السؤر به (1) كما لا يخفى على من راجع العرف وإن شاركه في الطهارة والنجاسة ؛ لما عرفت من أن الاشتراك في الحكم لا يقضي بالتعميم في الاسم ، وإلا يجري في ملاقاة سائر الأشياء.

ص: 293


1- في ( د ) : « السؤريّة » بدل : « السؤر به ».
تبصرة: [ في تبعية السؤر للحيوان في الطهارة والنجاسة ]

الظاهر أن السؤر تابع للحيوان في الطهارة والنجاسة :

أما في النجاسة فظاهر بعد الحكم بانفعال القليل. وأمّا في الطهارة فلظهور عدم قابلية الطاهر للتنجيس ؛ إذ هو فرع نجاسة المنجّس كما هو واضح من ملاحظة الشرع.

وظاهر عبارة الحلي - القول بنجاسة بعض الأشياء على ما سيأتي مع حكمه بطهارة الحيوان كما يظهر من غيره أيضا في بعض الأسئار - ضعيف جدّا ، ويمكن حمله على إرادة مجرّد المنع من الاستعمال وإن كان طاهرا.

ثمّ إنّه [ كما ] يحكم بطهارته يحكم بجواز استعماله في رفع الحدث والخبث وسائر الاستعمالات على المعروف بين الأصحاب ؛ للأصل ، والاستصحاب ، والعمومات ، وخصوص صحيحة البقباق : عن فضل الهرة والشاة والبقر والابل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع ، فلم أترك شيئا إلا سألته عنه ، فقال : « لا بأس » حتى انتهيت إلى الكلب ، فقال : « رجس نجس لا تتوضّأ بفضله وأصيب ذلك الماء (1) » (2).

ومناقشة بعض الأفاضل ودلالتها بأن معناها « أنّي لم أترك شيئا منها الذي خطر ببالي وقت السؤال » ، وحينئذ كيف يحصل لنا العلم بتذكّره للمختلف وقت السؤال ليندرج في العموم المذكور حتّى يتمّ الاحتجاج؟!

مدفوعة ؛ بأنّ ما ذكره خروج عن ظاهر الكلام وإنّما حملها عليه لعدم إمكان وقوع السؤال عن الجميع بحسب العادة.

ص: 294


1- لم ترد في ( د ) : « بفضله واصيب ذلك الماء » .. إلى : « عدّة من الأخبار الدالّة .. ».
2- الإستبصار 1 / 19 ، باب حكم الماء إذا ولغ فيه الكلب ح 140.

وأنت خبير بأنّه لا مانع من وقوع السؤال عن الجميع الحيوان (1) شاملا لكثير من الأنواع ، فيمكن استيفاء جميع الأنواع بذكر عناوين مخصوصة شاملة لها ، فلا مانع من حمل العبارة عليه.

ومعه لا وجه لصرفها عن العموم ، فيقيّد حينئذ طهارة جميع الاشياء ما عدا الكلب. ولا بدّ حينئذ من استثناء الخنزير والكافر وإن قلنا بشموله للإنسان لما دلّ على نجاستهما من الأخبار والإجماع.

وهناك أخبار أخر يعرف منها طهارة جملة من الأسئار كالصحيح عن السؤر قال : « لا بأس أن تتوضأ من فضلها إنّما هي من السباع » (2).

ويستفاد من التعليل جريان الحكم في سائر السباع.

ونحوه خبر آخر : « لا تدع فضل السؤر إن تتوضأ منه إنّما هي سبع » (3). وقد وصفه العلّامة بالصحّة.

وفي موثقة عمّار ، عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عمّا يشرب منه باز أو صقر أو عقاب؟ فقال : « كلّ شي ء من الطير يتوضأ ممّا يشرب منه إلّا أن ترى في منقاره دما .. » (4) الخبر.

وفي رواية أبي بصير : « فضل الحمامة والدجاج لا بأس به .. » (5) إلى غير ذلك.

مضافا إلى الشهرة بين الأصحاب ، وعدم قيام دليل واضح على المنع كما سيبيّن من ملاحظة ما احتجّوا به على المنع.

هذا ، وقد وقع الكلام في المقام في أمور :

ص: 295


1- كذا ، والمراد جميع أنواع الحيوان ، ولعل العبارة : جميع الحيوان.
2- الإستبصار 1 / 18 ، باب حكم الماء إذا ولغ فيه الكلب ح (39) 1 ، تهذيب الأحكام 1 / 225 ، باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهير به وما لا يجوز ح 27.
3- تهذيب الأحكام 1 / 227 ، باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهير به وما لا يجوز ح 36.
4- الكافي 3 / 10 ، باب الوضوء من سؤر الدواب والسباع والطير ح 5.
5- الكافي 3 / 9 ، باب الوضوء من سؤر الدواب والسباع والطير ح 2 ، تهذيب الأحكام 1 / 228 ، باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهير به وما لا يجوز ح 42.

أحدها : سؤر [ ما ] لا يؤكل لحمه من الحيوان عدا الكلب والخنزير. والمعروف فيه جواز الاستعمال. وفي الغنية الإجماع على طهارة سؤر الحيوان الطاهر. الظاهر إطلاقه في عدم تحقق المنع منه.

وفي التذكرة والذخيرة أنه المشهور.

وعن كشف الالتباس أن عليه عامّة المتأخرين وكثير من المتقدمين.

وفي المدارك أن عليه عامة المتأخرين.

وعن الشيخ في التهذيب المنع من سؤر ما لا (1) يؤكل لحمه ما عدا الطيور والسؤر.

ونحوه ما في الإستبصار أنّه ذكر الفأرة في مكان السؤر.

وقد يستظهر منه اباحة كل ما لا يتيسّر الاحتراز عنه.

وعن المبسوط والمهذب المنع من سؤر ما لا يؤكل لحمه من حيوان الحضر غير الآدمي والطيور. أما ما لا يمكن التحرّز (2) عنه كالهرّة والفأرة واتّجه (3).

وعن الحلي التصريح بنجاسة سؤر ما لا يؤكل لحمه من حيوان الحضر عدا الطيور مطلقا - جلّالة كانت أو برّية أو حضرية - وما لا يمكن التحرّز عنه. ونصّ على طهارة سؤر جميع حيوانات البرّ حتّى السباع والمسوخ. وكأنه أراد بالنجاسة المنع من الاستعمال ؛ إذ لا يتصوّر نجاسة الماء من دون ملاقاة للنجاسة كما مرّت الإشارة إليه.

وقد يحتجّ على تفصيل الشيخ في المبسوط ، أمّا بالنسبة إلى المنع من سؤر ما لا يؤكل لحمه من حيوان الحضر ، فإطلاق موثقة الفطحيّة ، عن الصادق عليه السلام قال : يسئل من ماء يشرب منه الحمام؟ فقال : « كلّما يؤكل لحمه يتوضّأ من سؤره ويشرب ».

لدلالتها بالمفهوم على عدم جواز الوضوء والشرب لسؤر ما لا يؤكل لحمه.

وأورد عليه : تارة بالمناقشة في عموم الرواية لسائر ما لا يؤكل لحمه ؛ لاحتمال عود

ص: 296


1- لم ترد في ( ب ) : « ما لا يؤكل لحمه .. في مكان السؤر ».
2- في ( ب ) : « التجوّز ».
3- كذا في المخطوطات.

الضمير في قوله « يؤكل لحمه » إلى الحمام المذكور في السؤال.

وتارة بأنّ الدلالة عليه من قبيل مفهوم الوصف ولا حجّة فيه عند المحققين.

وأخرى بأنه لا يفيد انتفاء الحكم عن كلّ أفراد المخالف للمنطوق ؛ إذ رفع الإيجاب الكلي يكفي في تحقّقه السلب الجزئي الصادق مع الحكم بنجاسة سؤر الكلب والخنزير.

وقد يدفع الأوّل بأنّه لا وجه لعود الضمير إلى الحمام ، وإلّا بقي الموصول من دون العائد ، وظاهر الموصول تعميم الحكم لكلّ ما لا يؤكل ، فكيف مع إضافة الكلّ إليه إلّا أن يقال بأن تقدّم الحمام قرينة على كون الموصول للعهد ، فيفيد عموم الحكم لأفراد المعهود.

وفيه تأمّل لظهور سياقه في العموم.

والثاني : بأنّ ظاهر العبارة تعليق الحكم عليه ، وهو يؤمي بأنّ المناط فيه مأكولية اللحم فينتفي الحكم في غيره.

على أنّ روايته الأخرى ظاهرة في الاشتراط ، رواها الشيخ والصدوق عنه ، عن الصادق [ عليه السلام ] قال : « كلّما يؤكل لحمه فليتوضّأ من سؤره ويشرب » (1).

وفي خبر آخر : « كلّ شي ء يجتر فسؤر حلال ولعابه حلال » (2).

وهاتان الروايتان أظهر دلالة من الخبر المذكور.

والثالث : بأنّ ظاهر المفهوم في مثل هذا المقام التبعيّة للمنطوق في العموم كما هو ظاهر من ملاحظة العرف. وقد حقّق الكلام فيه في محله.

مضافا إلى تأيّده بمرسلة الوشّاء : « أنه كان يكره سؤر كلّ شي ء لا يؤكل لحمه » (3).

مع ما دلّ على عدم كراهة الإمام عليه السلام للحلال.

وأنت خبير بأنّ هذه الروايات ليس فيها دلالة واضحة على المنع حتّى يمكن الاستناد

ص: 297


1- تهذيب الأحكام 1 / 224 ، باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهر به وما لا يجوز ، ح 25.
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 8 ، ح 9 ، تهذيب الأحكام 1 / 228 ، باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهير به وما لا يجوز ح 41.
3- الكافي 3 / 10 ، باب الوضوء من سؤر الدواب والسباع والطير ح 7.

إليها في المنع مع ما في الحكم به من العمد والمخالفة للقواعد ، سيّما مع قيام الشهرة على خلافه.

مضافا إلى معارضته بما مرّ ، واعتضاد المعارض بالأمثل والعمل.

نعم ، بعد ملاحظة الأخبار المذكورة كما اختاره غير واحد من الأجلّة ، مضافا إلى الخروج عن خلاف من خالف فيه ، وأنكره جماعة من المتأخرين في ظاهر كلامهم ؛ نظرا إلى ضعف الأخبار المذكورة سندا ودلالة.

ولا يخفى وهنه بعد التسامح في أدلّة السنن. وأما بالنسبة إلى استثناء حيوان الوحش فلما دلّ على عدم البأس بالمياه المورودة لها كظاهر الصحيحة المتقدمة وغيرها.

وأمّا بالنسبة إلى ما لا يمكن الاحتراز عنه فالحرج المنفي في الشريعة في الآية والرواية.

ويدلّ على استثناء الطيور كما في كتابي الحديث ما دلّ على عدم البأس بسؤر الطيور كالموثّق : « كلّ شي من الطير يتوضّأ مما يشرب منه » (1) ، ورواية أبي بصير المتقدمة ، وعلى استثناء السؤر كما في التهذيب عدّة من الأخبار الدالّة على عدم البأس به. وقد جرت (2) الإشارة إلى عدّة منها.

ولا يخفى عليك أن الأخبار المذكورة ليست ببيّنة الدلالة على انتفاء الكراهة ، فلا يبعد البناء على الكراهة في سؤر ما لا يؤكل لحمه من الحيوان على سبيل الإطلاق.

وتحمل هذه الأخبار على بيان الجواز أو يقال بتخفيف الكراهة بالنسبة إليها سيّما السنّور ؛ لاستفاضة الأخبار فيها ، وفي التعليل الوارد فيها إشارة إلى الأوّل.

ثانيها : ذهب الشيخ في المبسوط (3) والنهاية إلى المنع من سؤر أكل الجيف من الطيور. وعن المبسوط المنع من سؤر أكل الجيف مطلقا.

وحكي ذلك أيضا عن المهذب.

وهو ضعيف لا مستند له إلّا أن يستند فيه إلى ما دلّ على المنع من سؤر ما لا يؤكل لحمه ،

ص: 298


1- تهذيب الأحكام 1 / 228 ، باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهير به وما لا يجوز ح 43.
2- في ( د ) : « مرّت ».
3- في ( د ) : « ظاهر » بدل : « المبسوط و ».

فلا فائدة في خصوصية العنوان مع ما عرفت من وهنه.

وقد أطلق جماعة من الأصحاب فيه القول بالكراهة كما عن المقنعة والمراسم والمعتبر والشرائع (1) والقواعد والدروس واللمعة وغيرها.

وفي المدارك والكفاية حكاية الشهرة عليه.

وقد ناقش غير واحد (2) من المتأخرين ؛ لعدم العثور على دليل الكراهة.

وهو في محلّه إن كان الملحوظ ثبوت الكراهة لخصوصية العنوان ، والّا فما دلّ على كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه دالّ عليه. مضافا إلى أنّ أفواهها في معرض النجاسة دائما. ويؤيّدها حكم الجماعة فيها بالكراهة.

ثالثها : سؤر الجلال ، فعن الإسكافي والسيد والقاضي المنع من سؤره. ونحوه عن الشيخ في المبسوط إلّا أنّه قيّده بجلال الطيور.

وقد نصّ جماعة من الأصحاب فيه الكراهة منهم الديلمي والفاضلان في غير واحد من كتبهما ، والشهيد في الدروس واللمعة ، وغيرهم.

وفي المدارك والكفاية حكاية الشهرة عليه. ولم نجد مستندا للمنع بل ناقش غير واحد من المتأخرين في ثبوت الكراهة.

وهو في محلّه مع ملاحظة خصوصية العنوان كما مرّ.

وإن أريد مطلق الكراهة فيمكن الاستناد فيه إلى ما دلّ على كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه ممّا مرّ الّا أنّه يمكن المناقشة فيه بانصرافه إلى ما لا يؤكل لحمه بالأصل أو مطلقا مع استمرار المنع ، دون ما لا يؤكل لحمه لعارض يمكن زواله. وربّما يحتج له بالصحيح : « لا تأكلوا لحوم الجلالة وإن أصابك عرقها فاغسله ».

وحيث كان ذلك محمولا على الكراهة أفاد كراهة سائر الرطوبات.

وهو كما ترى.

ص: 299


1- في ( ب ) زيادة : « والسرائر ».
2- زيادة في هامش ( د ) : « صاحب المدارك والفاضل الهندي ».

وقد يكتفى في ثبوت الكراهة بفتوى الجماعة المعتضدة بالشهرة المنقولة ، وإطلاق ما عرفت من الأدلّة وهنه مجبور بحكم الجماعة.

رابعها : سؤر المسوخ. والقول بنجاسته لازم كلّ من قال بنجاستها ، فلا خصوصية بالمقام إلّا أنّ الشيخ - وهو ممّن يقول بنجاسة المسوخ - صرّح في الاقتصاد بأنّها مباحة السؤر نجسة الحكم ، فإن صحّ ذهاب سائر المنجسين إليه ارتفع الخلاف في المقام.

خامسها : سؤر ولد الزنا فقد نصّ جماعة بالمنع عنه ، وآخرون بكراهته منهم الفاضلان والشهيد. والحكم بالمنع مبنيّ على القول بنجاسته. وهو ضعيف يأتي الكلام فيه في محله.

وأمّا الكراهة فهي قضية بعض الأخبار الدالّة على المنع بحملها على الكراهة لما دلّ على طهارته كما سيجي ء القول فيه ، وخروجا عن خلاف من خالف فيه ، فيقيّد به إطلاق ما دلّ على انتفاء الكراهة في سؤر المؤمن كما سنشير إليه.

ثمّ إنّ هنا خلافا في عدّة من الأسئار كسؤر المجسّمة والمشبّهة والمجبّرة وسائر أهل الخلاف بل الفرق المخالفة لأهل الحق.

والقول بالمنع مبنيّ على نجاستها.

والبناء على الكراهة في جميع من خالف الحق غير بعيد خروجا عن الخلاف ، وأخذا بفحوى ما دلّ على كفر من أنكر الولاية وإن لم يحكم بكفرهم في ظاهر الشريعة.

ص: 300

تبصرة: [ في سؤر الحائض ]

سؤر الحائض الغير المأمونة كما نصّ عليه جماعة منهم المفيد والديلمي والقاضي وابنا سعيد والشهيد وغيرهم حيث حكي عنهم التعبير بما ذكرناه.

وعن النهاية والوسيلة والسرائر والمعتبر وكثير من كتب العلّامة واللمعة وغيرها التعبير بالتهمة.

وعن السيد في المصباح والشيخ في المبسوط إطلاق الكراهة.

وربّما يوهم عبارة السيد في الجمل (1) انتفاء الكراهة حيث قال : لا بأس بسؤر الجنب والحائض (2).

ويمكن حمله على إرادة نفي الحرمة كما هو ظاهر لفظ « البأس » أو يقال : إنه أراد نفي البأس عنه من حيث كونه سؤر الحائض وإن لحقه حكم الكراهة من جهة الاتهام.

وكيف كان ، فثبوت الكراهة في سؤر الحائض في الجملة هو المعروف من المذهب بل الظاهر الإطباق عليه. والأخبار به متظافرة ، فثبوت الحكم فيه. كذلك ممّا لا تأمّل فيه. وربّما يستظهر من المقنع المنع.

ص: 301


1- جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ) 3 / 23 ، كتاب الطهارة في المياه.
2- لم ترد في ( ب ) : « ويمكن حمله .. سؤر الحائض ».
تبصرة: [ في كراهية سؤر الحائض المتّهمة ]

المعروف كراهة سؤر الحائض المتّهمة وامّا غيرها ففيه قولان من ورود المستفيضة المشتملة على المعتبرة الحاكمة بكراهة سؤرها (1) من غير تفصيل.

ومن التقييد (2) في المأمونة في موثقة علي بن يقطين : والرجل يتوضأ بفضل الحائض؟

قال : « إذا كانت مأمونة فلا بأس » (3).

وموثقة العيص من (4) سؤر الحائض؟ قال : « توضّأ منه وتوضّأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة تغسل يدها قبل أن تدخلها الإناء » (5).

فلا بدّ من حمل المطلقات على المقيّد.

وقد يرجّح العمل على تلك الاطلاقات لكثرتها وظهور دلالتها على الإطلاق فتحمل هاتان على شدّة الكراهة مع عدم الأمن.

وقد يؤيّد ذلك بأنّ في بعض تلك الأخبار ظهورا تامّا في العموم كما في رواية ابن أبي يعفور : أيتوضّأ الرجل من فضل المرأة؟ قال : « إذا كانت تعرف الوضوء ولا يتوضّأ من سؤر الحائض » (6).

وصحيحة العيص ، عن سؤر الحائض فقال : « لا توضّأ منه ، وتوضّأ من سؤر الجنب إذا

ص: 302


1- في النسخ المخطوطة : « سؤره ».
2- في ( د ) : « التعبّد ».
3- الإستبصار 1 / 16 ، باب استعمال فضل وضوء الحائض والجنب وسؤرهما ح 130.
4- في ( د ) : « عن ».
5- الكافي 3 / 10 ، باب الوضوء من سؤر الحائض ولجنب واليهودي والنصراني والناصب ح 2.
6- الكافي 3 / 11 ، باب الوضوء من سؤر الحائض والجنب واليهودي والنصراني والناصب ح 4.

كانت مأمونة » (1) .. الخبر.

إذ إطلاق المنع فيه مع تقيّد (2) الجواز في الآخر شاهد على إطلاق الحكم فيه.

ثمّ الظاهر اتّحاد صحيحة العيص لموثّقته السابقة فالظاهر ترجيحها عليها لصحّة إسنادها وروايتها في الكافي الذي هو أضبط كتب الحديث ، فينحصر الشاهد على التقييد في خصوص الموثقة ، فالبناء على تعميم الكراهة أولى.

والظاهر أنّ هناك كراهتين إحداهما من جهة الجنابة (3) الحاصلة لحدث الحيض ، والأخرى بسبب الاطمئنان على عدم طهارتها ، والقائلون بالتفصيل إنّما يقولون بالكراهة من الجهة الأخرى خاصّة.

ثمّ إنّ المذكور في الأخبار هو خصوص كراهة الوضوء بل نصّ في جملة منها على عدم البأس بالشرب ، فالقول بكراهة سؤرها مطلقا على الخلاف كما هو قضيّة إطلاقهم لا يخلو من إشكال ، بل الظاهر من الأخبار خلافه.

نعم ، قد يتّجه التسرية إلى الغسل. وفي تسريته إلى غسل النجاسة وجهان.

ولا يبعد القول بعموم الكراهة في المتّهمة من جهة إطلاق فتوى الأكثر ، وعدم ظهور انتفاء الكراهة من تلك الجهة من الأخبار.

وذلك كاف في أدلّة السنن مع تأيّده ببعض الاعتبارات المقربة.

ثمّ إنّ جماعة من المفصّلين إنّما فصّلوا بين المتّهمة وغيرها ، والروايتان المذكورتان إنّما يفيدان التفصيل بين المأمونة وغيرها ، وهي أخصّ من غير المتّهمة ، فبعد البناء على التفصيل فلا بدّ من البناء عليه كما نصّ عليه آخرون منهم.

هذا ، وفي ثبوت الكراهة مطلقا أو مع الاتّهام في النفساء وجهان ؛ من إطلاقهم اشتراك النفاس والحيض في الأحكام عدا ما استثني ، ومن خروجها عن مدلول النص.

ص: 303


1- الكافي 3 / 10 ، باب الوضوء من سؤر الحائض والجنب واليهودي والنصراني والناصب ح 2.
2- في ( د ) : « تعبّد ».
3- في ( د ) : « الخباثة ».

وكذا الحال في المستحاضة.

وألحق الشهيدان وجماعة بالحائض المتّهمة كلّ متّهم بالنجاسة ممّن لا يتوقّى منها.

وأورد عليه بأنّه تصرّف في النصّ.

قلت : في رواية ابن أبي يعفور الماضية إشارة إليه ، فالقول به غير بعيد ، لكن في تسرية الحكم إلى الشرب وسائر الاستعمالات النافية « لا بأس عن شرب سؤر الحائض » إشارة إلى عدمها إلّا أن يقال : إنّ مفاد تلك الاطلاقات انتفاء الكراهة من جهة الحيض ، والاتّهام سبب آخر.

وقد يستشكل في استنباط ذلك من المقام ؛ لما عرفت من دلالة الرواية هنا على اعتبار الأمن. وهو لا يعتبر في سائر المقامات بلا تأمّل إلّا أن يقال : إنّه لمّا كانت الحائض عرضة للنجاسة اعتبر كونها مأمونة ؛ لعدم اطمينان النفس بطهارتها من دونه.

وقد يؤيّد ذلك بما دلّ على رجحان الاجتناب في بعض موارد الظن بالنجاسة كطين المطر بعد الثلاثة (1). وقد يستفاد من ذلك تسرية الحكم إلى كلّ من يلازم النجاسة مع كونه مأمونا كالمسلوس ونحوه.

ثمّ هل يختصّ الكراهة فيما ذكر بخصوص ما يلاقيه من دون تسرية إلى غيره ممّا يلاقي ما يلاقيه وهكذا ، أو يعمّ الجميع؟ وجهان ؛ أقواهما الأوّل لاختصاص الدليل به ، وظهور عدم بناء الشرع عليه. مضافا إلى غير التحرز منه.

ص: 304


1- زيادة في ( د ) : « وغيره ».
فصل: في الماء المستعمل في إزالة الأخباث أو رفع الأحداث

والظاهر أنّ المستعمل في رفع الخبث ما يكون مزيلا للنجاسة أو جزء من المزيل ، فما لا يكون كذلك كالغسلة المندوبة الحاصلة بعد طهر المحلّ كالغسلة (1) الثالثة في الاستنجاء لمن يبول ، فلا يندرج في العنوان.

وربّما توهّم بعضهم نجاسة الغسالة ولو بعد طهر المحلّ كما سيجي ء الإشارة إليه. وهو إن لم يؤل بما يرجع إلى ما قلناه فهو مقطوع الفساد.

وفي جريان ذلك في المستعمل في رفع الحدث كالغسلة الثالثة في الغسل وجه إلّا أنّ ظاهر الإطلاق هناك يعمّ الكلّ.

نعم ، في الغسلة من العضو الأخير لا يبعد القول بخروجه عن محلّ البحث ؛ لارتفاع الحدث قبله.

ص: 305


1- لم ترد في ( ب ) : « كالغسلة الثالثة .. بعد طهر المحلّ ».
تبصرة: [ في نجاسة الغسالة ]

لا خلاف بين الأصحاب في نجاسة الغسالة مع تغيرها في أحد الأوصاف الثلاثة. وهو مع غاية وضوحه قد استفاض حكاية الإجماع عليه.

وممّن حكاه الفاضلان في المعتبر والمختلف وصاحبا الذخيرة والدلائل وغيرهم.

وقد شاع الخلاف بين الأصحاب في حكمها مع عدم تغيّرها ، ولهم فيه أقوال ربّما ينتهي إلى اثني عشر قولا :

أحدها : القول بالنجاسة مطلقا وعزي (1) إلى ظاهر المقنع. وحكي عن الشيخ في المبسوط وموضع من الخلاف ، وصاحب الاصباح ، والمحقق في الشرائع والنافع والمعتبر ، والآبي في كشف الرموز ، والعلّامة في عدّة من كتبه كالمنتهى والتذكرة والتحرير والمختلف ، والشهيدين (2) في اللمعة والروضة ، وابن فهد في المقتصر ، والسيوري في التنقيح.

واختاره جماعة من المتأخرين.

وربّما حكى في التحرير (3) عليه الإجماع حيث قال : إذا كان على بدن الجنب والحائض نجاسة كان المستعمل نجسا إجماعا.

وعن الروض أنّه أشهر الأقوال.

وعن الفاضل الميسي وغيره حكاية الشهرة عليه.

وربّما يستفاد من المنتهى نفي الخلاف بالنسبة إلى الغسلة الأولى حيث قصر النزاع على

ص: 306


1- لم ترد في ( ب ) : « عزي إلى ظاهر .. والمعتبر و ».
2- في النسخ المخطوطة : « والشهيدان ».
3- تحرير الأحكام 1 / 6.

الغسلة الأخيرة.

وقد نصّ في التحرير والتذكرة بعدم الفرق بين الغسلة الأولى وغيرها فيما يعتبر فيه التعدد.

وعبّر في اللمعة بأنّها كالمحلّ قبلها. وظاهر إطلاقه اعتبار التعدّد فيما يلاقيه لو اعتبر ذلك في المحلّ قبلها ، فيفرق إذن بين غسالة الغسلة الأولى والثانية.

وقيّده في الروضة بما يغسل مرّتين لا بخصوص النجاسة ، فلو كان التعدّد لخصوصيّة النجاسة كالولوغ فلا تعدد ؛ إذ لا تسمّى ملاقاة الغسالة ولوغا. وظاهر كلامه يومي (1) أنّه إذا اعتبر التعدد في مطلق النجاسة هناك يظهر الفرق بين المسألتين ، وأمّا إذا كان التعدد من جهة نجاسة خاصّة فلا ؛ لعدم اندراج الغسالة فيها.

وأنت خبير بأنّ القول باعتبار التعدد في مطلق النجاسة ضعيف ، فلا ثمرة إذن في ذلك.

وقد يحمل كلامه حينئذ على عدم الفرق بين الغسلتين ، والاجتزاء بالواحدة في كلّ من الأمرين.

ويمكن حمله على بيان الفرق بين ما إذا اعتبر التعدد في تلك النجاسة مطلقا وما إذا كان بكيفية (2) ملاقاة تلك النجاسة مدخليّة في التعدّد ، فأراد إخراج الأخير ، ولذا مثّل بالولوغ ؛ إذ مطلق النجاسة الكلّية (3) لا يعتبر فيه التعدد بخلاف البول.

وحكى في غرر الجامع القول بكونه كالمحلّ قبل أن يغسل رأسا ، سواء كان من الغسلة الأولى أو الثانية وأنه يعتبر في تطهيره ما يعتبر في تلك النجاسة المغسولة من تعدّد الغسل وعدمه إلى أكثر المتأخرين. وبه فسّر (4) عبارة النافع أيضا.

فقد ظهر بما بيّنا أنّ في القول المذكور وجوها عديدة ، فإن ثبت لكلّ منها قائل انحلّ القول

ص: 307


1- زيادة في ( د ) : « إلى ».
2- في ( د ) : « الكيفيّة ».
3- في ( د ) : « الكلبيّة ».
4- في ( ب ) : « فسّرها رحمه اللّه » ، بدل : « فسّر عبارة ».

المذكور إلى أقوال متعددة.

ثانيها : القول بالطهارة مطلقا. وحكي عن المقنع أيضا ، وكذا عن الشيخ في المبسوط والخلاف ، وعزي إلى الطوسي في الوسيلة ، والشهيد في ظاهر الذكرى ونكت الإرشاد.

وعزاه في حاشية الدروس إلى البصروي.

وفي غرر الجامع أنّه القول الثاني من المشهور.

وحكاه المحقّق الكركي عن أكثر المتقدّمين.

وذكر الصيمري في كشف الالتباس أنّ عليه فتوى شيوخ المذهب كالسيد والشيخ وابني إدريس وحمزة وأبي عقيل.

وأسنده المحقّق الكركي أيضا إلى السيد والشيخ وابن إدريس.

وهذا يعطي أنّهما خلطا بين القول المذكور والقول الآتي المفصّل بين الورودين.

وله وجه.

وقد حكى في المدارك (1) عن جماعة انّهم قالوا : إن كلّ من قال بطهارة الغسالة اعتبر فيها ورود الماء على النجاسة ما عدا الشهيد في الذكرى حيث لم يفرّق بين الورودين.

ولا يذهب عليك أنّ الجماعة إنّما اعتبروا ذلك في كيفية التطهير لا في طهارة الغسالة (2) حتّى يعدّوا المورد أيضا غسالة شرعيّة ، لكن يحكمون بنجاستها.

بل الظاهر أنّ المورد (3) عندهم ليس من الماء المستعمل شرعا في التطهير. فهذا القول في الحقيقة قول بالإطلاق في طهارة الغسالة وإنّما جعلناه قولا آخر ؛ أخذا بالظاهر ، ولاختلافه مع غيره في حكم الماء المستعمل وإن لم يكن غسالة عند هذا القائل.

ثمّ إنّ هذا القول على طرف النقض من القول الأوّل كما ذكره الشهيد الثاني.

ثالثها : الفصل بين الوارد والمورود ، وعزي إلى السيد والشيخ والحلي.

ص: 308


1- مدارك الأحكام 1 / 122.
2- زيادة في ( ب ) : « اعتبر فيها ورود الماء على النجاسة ما عدا الشهيد في الذكرى ».
3- في ( ب ) : « المورود ».

وإسناده إلى الجماعة لا يخلو من التأمل ؛ لعدم تنصيصهم بالتفصيل المذكور في الغسالة.

نعم ، قوّى السيد في بادي نظره التفصيل بين الورودين في انفعال القليل كما مرّت الإشارة إليه معلّلا بأنّه لو لاه لأدّى إلى عدم إمكان تطهير الثوب بالقليل.

وهو كما ترى لا يدلّ على طهارة الغسالة حينئذ ، بل هو بالدلالة على خلافه أولى ؛ إذ لو كان للغسالة خصوصيّة عنده لما صحّ تعليله المذكور ، ولوجب عليه الاقتصار مع (1) مورد الضرورة ، فهو في الحقيقة قائل بعدم انفعال الماء مع الورود على النجاسة غسالة كان أو لا.

وفي تعليله المذكور دلالة على قطعه بعدم الفرق بين الغسالة وغيرها ، وإلّا لم يصحّ له الإسناد إلى ذلك في عدم انفعال الماء مع الورود مطلقا كما أشرنا إليه.

على أنه قد يقول بنجاسة الغسالة مع عدم طهر المحلّ لورود الماء عليه كما إذا توقّف الطهر على التعدد أو لم يحصل زوال العين بالمرّة ؛ لصيرورته موردا حينئذ عند انفصال الغسالة.

ويجري نحو ذلك في كلام الحلي حيث استحسن كلام السيد على أنّه قد نصّ بنجاسة الغسالة الأولى في الولوغ.

ثمّ إنّه قد حكم بطهارة الغسالة مع ورود الماء على النجاسة في الكفاية. وتردد في عكسه.

وهو كما ترى ليس قولا صريحا في التفصيل المذكور.

رابعها : أنّهما كالمحلّ بعدها ، فإن كان ممّا يكتفى فيه بالمرّة كانت طاهرة وإلّا حكم بطهارة الّتي يتعقّبها كما في المحل.

حكوه قولا في المقام وعزي إلى الاستاد الشريف رفع مقامه.

خامسها : التفصيل بين الغسلة الأولى والثانية ، فيحكم بالطهارة في الثانية دون الأولى.

وعزي إلى الشيخ في الخلاف (2) إلّا أنّه نصّ بطهارة غسالة الولوغ وإن كانت الأولى. وقد يرجع هذا إلى ما تقدّمه إن خصّ نجاسة الأولى بما فيه التعدّد ، فيحكم بطهارتها مع الوحدة.

وقد عزي ذلك إلى الشيخ في الخلاف ، وإن قال بثبوت النجاسة في الغسلة الواحدة كان

ص: 309


1- في ( د ) : « على ».
2- في ( ب ) : « النهاية ».

قولا آخر.

سادسها : أنّها نجسة وأنّها كالمحلّ قبلها. وهو أحد الوجوه المتقدمة في القول الأول.

سابعها : أنها نجسة لكنّها معفوّ عنها. حكاه غير واحد من الأصحاب.

ثامنها : أنّها طاهرة وقد سلبت عنها الطهوريّة. وربّما يومي إلى ظاهر الصدوق حيث ساوى بينها وبين المستعمل في رفع الأكبر.

تاسعها : أنّها طاهرة قبل الانفصال نجسة بعده. حكاه غير واحد منهم.

عاشرها : أنّها طاهرة إذا لم يزد وزنها على ما قبل استعمالها. حكاه بعض الأصحاب ، ولا نعرف من يقول به.

نعم ، عن العلامة في النهاية إلحاق الزيادة في الوزن بالتغيير إلّا أنّه لم يحكم بالطهارة مع عدمه.

حادي عشرها : أنّها طاهرة إذا كانت غسالة الإناء من ولوغ الكلب. حكاه أيضا بعض الأصحاب.

وهو كما ترى غير مشتمل على بيان الحكم في غير الولوغ. وعدّة قولا برأسه كأنّه من جهة استثناء الولوغ. ولعلّه أشار بذلك إلى ما حكيناه عن الخلاف.

ثاني عشرها : أنّها نجسة وإن زاد على الواجب وترتيب الغسلات إلى ما لا نهاية لها. وعن ابن فهد والمحقق الكركي في غير واحد من كتبهما ، والشهيد الثاني في الروض أنّهم حكوه قولا في المسألة ، بل عزاه ابن فهد إلى الفاضلين وفخر المحققين.

وغلطه الصيمري في تلك النسبة ؛ إذ لا دلالة عليه في كلام الفاضلين أصلا ، والفخر في الايضاح لم يتعرض للمسألة ظاهرا.

مضافا إلى ما هو ظاهر جدّا من بعد ذهاب هؤلاء الأجلاء إلى ما هو بيّن الفساد ؛ إذ من الواضح أنّ المحل بعد الطهارة (1) لا يوجب تنجيس الماء.

ص: 310


1- في ( د ) : « طهارته ».

وقد خصّ (1) المحقق الكركي (2) بأنّ الظاهر أنّ موضع النزاع ماء الغسل المعتبر في التطهير دون ما سواه.

فهذا القول على فرض ثبوته ضعيف جدا يقطع عادة بعدم ركون مثل هؤلاء الأفاضل إليه.

وقيّده بعض الأصحاب عند حكايته بما إذا كان مبتلى بماء الغسالة الّتي كان من قبلها نجسا. وكأنّه من جهة نجاسة المتخلّف في الجملة ، وسيجي ء الإشارة إليه.

هذا ، ولنوضّح (3) الكلام برسم أمور :

أحدها : الأظهر من الأقوال المذكورة نجاسة الغسالة مطلقا سواء كانت عن الغسلة الأولى أو الثانية ، وسواء ورد الماء على النجاسة أو وردت عليه إن اكتفينا بالثانية في التطهير.

ويدلّ عليه وجوه :

الأول : إطلاق مفهومات الأخبار الدالّة على اشتراط اعتصام الماء بالكرّية حسب ما مرّ من دلالتها على انفعال ما دون الكر بالملاقاة إن تمّ ما ذكر في بيان إطلاقها.

ويؤيّده أنّ ورودها في مقام البيان ينافي البناء فيها على الإجمال ، وكأنّ المنساق فيها بحسب الفهم العرفي هو ما ذكرناه من الإطلاق ، ولذا لم يرد بيانها في شي ء من الأخبار مع تظافر تلك الروايات الدالّة عليه ، ولم يسأل عنه أحد من أجلّاء الرواة مع عموم الحاجة إليه وقيام الدواعي على الاستفصال عنه.

الثاني : إن القاعدة المستفادة من الروايات الواردة في القليل هو انفعاله بالنجاسة كيف كان حتّى يقوم دليل على عدم تنجّسه في بعض المقامات ، وهو الذي جرى عليه الأصحاب في فهم تلك الروايات ؛ إذ لم يتوهّم أحد منهم اختصاص الحكم بموارد تلك الأخبار بل فهموا إطلاق الحكم بانفعاله مع القلّة كسائر الأعيان ، ففهموا أنّ القلّة هو المناط في الانفعال كما أنّ

ص: 311


1- في ( د ) : « نصّ ».
2- جامع المقاصد 1 / 128.
3- في ( ب ) : « ولتوضيح » ، ولو كان كذلك يجب أن تكون بعده « ترسم ».

الكثرة هو المناط في الاعتصام ، ولذا يستندون فيما قالوا بطهارته مع القلّة إلى الأدلّة الخاصّة ، ولم يتكلّموا فيها على مجرّد الأصل.

الثالث : ما دلّ عليه .... (1).

ص: 312


1- في مخطوطتي ( ألف ) و ( د ) : « بياض في الأصل » ، والعبارة متصلة في نسخة ( ب ).
تبصرة: [ في إزالة ماء الاستنجاء من البدن والثوب ]

لا خلاف بين علمائنا في عدم وجوب إزالة ماء الاستنجاء من الثوب والبدن ؛ لأجل ما هو مشروط بالطهارة ، وقد حكى اتفاقهم عليه غير واحد منهم.

نعم ، حكي عن الشيخ في الخلاف الفرق بين الغسلة الأولى والثانية. وهو شاذ ملحوق بالإجماع ، بل ومسبوق به.

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك النصوص المستفيضة المشتملة على الصحاح وغيرها منها صحيحة الأحول : أخرج عن الخلاء فاستنجى بالماء فيقع ثوبى في ذلك الماء الّذي استنجيت؟ فقال : « لا بأس به » (1).

وصحيحة الهاشمي : عن رجل يقع ثوبه على الماء الّذي استنجى به ، أينجس ذلك ثوبه؟ قال : « لا » (2).

صحيحة أخرى للأحول : قلت له : أستنجي ثمّ وقع ثوبي فيه وأنا جنب؟ فقال : « لا بأس به » (3).

وفي رواية أخرى بعد بيان الحكم : « أو تدري لم صار لا بأس به؟ » قلت : لا واللّه جعلت فداك ، فقال : « لأنّ الماء أكثر من القذر » (4).

ص: 313


1- الكافي 3 / 13 ، باب اختلاط ما ، المطر بالبول وما يرجع في الإناء من غسالة الجنب ح 5.
2- تهذيب الأحكام 1 / 86 ، باب صفة الوضوء ح 77.
3- تهذيب الأحكام 1 / 87 ، باب صفة الوضوء ح 76.
4- علل الشرائع 1 / 287 ، باب 207 ، العلة التي من أجلها لا يجب غسل الثوب الذي يقع في الماء الذي يستنجي به ح 1.

وقد وقع الكلام في طهارته والعفو عنه مع نجاسته ، فظاهر الأكثر هو الأوّل. وحكي الشهرة عليه في كلام جماعة ، ونسب خلافه إلى الشذوذ في المجار (1). واستقرب الشهيد في الذكرى القول بالعفو ، وحكي عن ظاهر المنتهى.

وكلام المحقّق في المعتبر مضطرب في المقام. ومن الأصحاب من توهّم التدافع بين النجاسة والعفو فنزّل كلام القائل بالعفو على إرادة سلب الطهوريّة ، وحكى ذلك عن ظاهر الذكرى ، ولا دلالة في عبارته عليه.

ومن الغريب أن صاحب الحدائق مع جعله ثمرة البحث في جواز التناول والاستعمال ورفع الخبث أو الحدث أيضا نصّ على أنّ مقصود القائل بالعفو هو سلب الطهورية.

ومن الواضح عدم تفريع تحريم التناول عليه.

والذي يقوى في النظر عدم المنافاة بين النجاسة والعفو المذكور ؛ إذ من الظاهر أنّ الطهارة والنجاسة من الأحكام الوضعية (2) الثابتة للأشياء مع قطع النظر من الأحكام الشرعيّة التابعة لها ، غاية الأمر أنّه مع عدم تفريع (3) شي ء من الأحكام الشرعيّة عليها يكون تشريعها لغوا. وهاهنا ليس كذلك ؛ إذ غاية ما يقولون فيه بالعفو هو عدم وجوب إزالته ، أما سائر أحكام النجاسة من حرمة التناول والاستعمال فباقية بحالها ، فارتفاع تابع من توابع النجاسة لا يوجب ارتفاع أصل الحكم.

ثمّ إنّ المراد بالعفو إمّا سقوط وجوب الإزالة لما يشترط بها بالنسبة إليه وإلى ما يلاقيه ، وحينئذ فيسري النجاسة الثابتة له إلى غيره على نحو ما ثبت له أو أنّ المراد سقوط حكم التنجيس عنه فهو لا يجب إزالته ، ولا ينجس ما يلاقيه فلا يثبت (4) في ملاقيه شي ء من أحكام النجاسة ، وكأنّ هذا هو الأظهر في مذهبهم.

ص: 314


1- كذا في المخطوطات الثلاثة.
2- في ( ألف ) : « الوصف ».
3- لم ترد في ( ب ) : « تفريع شي ء .. هو عدم ».
4- ما بين الهلالين مأخوذة من ( د ).

وحينئذ فدفعه بصحيحة الأحوال المتقدمة ظاهر الاندفاع.

وبعد ملاحظة الأصل والأخبار لا يخفى قوّة هذا القول ؛ إذ ليس المستفاد منها سوى عدم وجوب إزالته وطهارة ملاقيه ، وهو أعم من الطهارة ، فالثابت قطعا من هذه الأخبار مفاد القول بالعفو دون الحكم بالطهارة.

وهذا هو مراد الشهيد وغيره من دعوى صراحة الأخبار في العفو دون الطهارة ، فلا يرد عليه أنّ غاية الأمر إجمال الرواية بالنسبة إلى إفادة الطهارة فكيف يدعى صراحتها في خلافها ، لكن بعد ملاحظة الشهرة و (1) فهم كثير من الأصحاب منها الطهارة بناء على دلالة نفي بعض لوازم الطهارة أو النجاسة على انتفاء ملزومه كما فهموا ذلك من حرمة الوضوء والشرب والمنع عنهما في أبواب المياه ، يكون القول بالطهارة أقوى.

مضافا إلى تأيّده بالأصل والعمومات الحاكمة بطهارة الماء. والتعليل المذكور في رواية العلل الظاهر في عدم انفعال الماء عن النجاسة بسبب الكثرة والإجماع المحكي عليه في ظاهر المنتهى ، وحينئذ فنثبت (2) له سائر أحكام الطهارة من جواز الشرب مع عدم الخباثة والاستعمال في رفع الأحداث والأخباث إلّا أن الإجماع محكي على عدم جواز ارتفاع الحدث بالمستعمل في رفع الخبث كما عرفت.

فإن ثبت كان ذلك خارجا بالدليل.

هذا ، ( وقد ذكر ) (3) للحكم بطهارة الماء المذكور شروطا (4) كعدم تغيّره بالنجاسة وعدم تعدّيها به عن المحلّ المعتاد وعدم مصاحبة نجاسة أخرى مع الحدث الخارج ، بل وغيرها ممّا تنجّس (5) بها .. إلى غير ذلك.

ص: 315


1- زيادة واو العطف من ( د ).
2- في ( ب ) : « تثبت ».
3- ما بين الهلالين مأخوذة من ( د ).
4- في ( ألف ) : « مشروطا ».
5- في ( د ) : « يتنجّس ».

ولا تصريح في شي ء من روايات الباب لشي ء من ذلك إلّا أن اعتبار بعض الشرائط مستفاد من الأصل أو غيره.

ولتوضيح (1) القول في ذلك ترسم أمور :

أحدها : لو تغيّر بالنجاسة فلا شبهة في نجاسته لاطباقهم ظاهرا على نجاسة المتغيّر بالنجاسة كائنا ما كان ، ولأنّه لا يزيد على المياه المعتصمه.

وإطلاق الروايات منصرف إلى الغالب من عدم التغير (2) فلا يشمل التغير ، وعلى فرض شموله فهي معارضة بإطلاق ما دلّ على نجاسة المتغيّر كالنبوي المشهور وغيره مع ترجيحه بعمل الأصحاب ، ووضوحه في العموم.

ثانيها : لا ريب في نجاسته مع تعدّي النجاسة عن المحلّ المعتاد لخروجه من اسم الاستنجاء ، فلا يشمله الروايات المذكورة.

ومن ذلك يظهر أنّه لو تعدّى من المخرج بحيث لم يمنع من صدقه كما إذا لم يكن خارجا عن النحو المعتاد كان طاهرا.

وعليه يحمل ما في الدروس من نفيه الفرق بين المتعدّي وغيره ؛ لوضوح الأمر مع الخروج عن اسم الاستنجاء.

ثمّ مع التعدية لو غسل المقدار المتعدي جرى في الباقي حكمه ، وكذا لو غسل ما في المخرج وأبقى الباقي على إشكال في المقامين مع اتّصال المتعدّي لنجاسة الماء الملاقي للنجاسة في الأوّل وملاقاة الماء للنجاسة المتعدّية في الثاني.

ثالثها : لو لاقى الماء نجاسة خارجية تنجّس قطعا لخروج ذلك عن مدلول الأخبار ، ومن ذلك ما لو كانت اليد نجسة قبل الاستنجاء سواء كانت بنجاسة خارجية أو من المخرج.

ومنه أيضا ما لو كان المخرج متنجّسا قبل ذلك ، وكذا لو صاحب الحدث الخارج نجاسة أخرى كالدم ، خلافا لبعضهم في ذلك حيث حكم بالطهارة لإطلاق الأخبار.

ص: 316


1- في ( د ) : « ولنوضّح ».
2- في ( ب ) : « تغيره ».

وأنت خبير بأنّ الإطلاقات إنّما تنصرف إلى الغالب ، وأنّ غاية ما يستفاد منها طهارة ماء الاستنجاء ، وعدم تنجّسها من ملاقاة النجاسة المعروفة ، فبقي غيرها تحت الأصل.

ويؤيّده أنّه لو خرجت تلك النجاسة وحدها لم يجر فيه حكم الاستنجاء في ظاهر المذهب ، بل الظاهر أنّه ممّا [ لا ] يتأمّل فيه أحد ، فمع المصاحبة كذلك ؛ إذ لا يوجب النجاسة الأخرى تخفيفا في حكمها.

ومن الظاهر ترجيح الأشد مع اجتماع السببين.

ولو صاحبها شي ء آخر كالبلغم أو الودي أو المذي ففيه وجهان ؛ من الشك في شمول الاطلاق لمثله ، ومن أنّه لا يزيد على حكم النجاسة المتنجسة به.

وبعض الأصحاب حكم بالطهارة لدعوى شمول الاطلاق.

وهو محلّ نظر سيّما إذا كان أدخل من خارج فخرج كالدّواء.

هذا إذا لم يكن متنجّسا من خارج ، وإلّا كان بحكم النجاسة المصاحبة.

وفي إلحاق المني بالحدثين وجه قوي. وكأنّ في الصحيحة الأخيرة دلالة عليه ، فتأمّل.

ثمّ إنّ تنجّس اليد حال الاستنجاء لا ينجس الماء إلّا إذا رفعها بعد تنجّسها فأراد العود إليه من دون تطهيرها ففيه وجهان.

وإلحاقها بالنجاسة الخارجة قويّ مع الخروج عن النحو المعتاد ، ولو أزال النجاسة بغير اليد ففي إجراء الحكم إليه وجهان.

ويجريان فيما إذا استنجى له غيره ، والظاهر خروجه من مدلول الأخبار فإن صحّ تنقيح المناط كما هو الأظهر ، والأقوى (1) النجاسة.

هذا بالنسبة إلى مخرج الغائط ، وأما بالنسبة إلى مخرج البول فالظاهر التنجيس لعدم الحاجة فيه إلى معونة الآلة ، فيخرج عن مفاد الروايات.

ومع الحاجة إليه لعارض ففيه وجهان أوجههما الطهارة.

ص: 317


1- كذا ، والظاهر : فالأقوى.

ولا فرق بين سبق الماء اليد في الوصول إلى النجاسة وعكسه ؛ لظاهر الاطلاق.

نعم ، لو سبقه اليد لا بقصد الاستنجاء كان كالنجاسة الخارجة ، ولو طهره حينئذ بحيث لم يتراح عند وصول الماء عن النحو المعتاد ففيه وجهان.

رابعها : لو استنجى على النجاسة الخارجة ينجس الماء بالوصول إليها ؛ إذ تلك كغيرها من النجاسات الخارجة. وإطلاق الروايات غير واضح الشمول لذلك ، وإنما المستفاد منها عدم التنجّس بسبب ملاقاة النجاسة عند المخرج.

ودعوى غلبة حصول الاستنجاء على النجاسة غير معلوم في تلك الأوقات.

على أنّ المفروض في الصحيحة الأولى مغايرة محل الاستنجاء ومكان الخلوة ، وفيه إيماء إلى أنّه المعروف في تلك الأزمنة.

وهل يعتبر اضمحلال النجاسة المزالة في الماء أو يجري الحكم مع بقاء أجزاء منه في الماء؟ وجهان.

وقد يفصّل بين ما إذا كانت الأجزاء ظاهرة متميّزة في الحسّ وما إذا كانت صغارا لا يتميّز إلّا بعد الفحص التامّ فيحكم بالطهارة لعدم خلوّ الماء عنه ؛ إذ استهلاك أجزاء الغائط في الماء بحيث لا يبقى أجزاء الصغار أيضا نادر جدّا فكيف يحمل عليه الإطلاقات المذكورة.

ثمّ إنّه لو شكّ في وجود أجزاء متميّزة في الماء فظاهر إطلاق الروايات البناء على الطهارة للحكم فيها بعدم البأس من تكليف بالفحص. وقد يفصّل بين ما إذا شكّ في وجود أجزاء متميّزة من أوّل الأمر وبين العلم بوجوده والشكّ في الاضمحلال كذلك ؛ لأصالة البقاء في الثاني.

وكأنّ الأولى أقوى.

ومنه يظهر الوجه في الإطلاقات مع البناء على النجاسة بمجرّد وجود الأجزاء الصغار.

خامسها : هل يختصّ الحكم بما إذا كان الاستنجاء عن طلب منه وقصد أو يعمّ صورة

ص: 318

انتفاء القصد؟ وأيضا كما إذا صبّ (1) الماء عليه من دون قصد أو وقع عليه الماء فطهره؟ وجهان.

وظاهر اللفظ بحسب اللغة يعطي الأوّل إلّا أنّ التعميم لا يخلو من قرب. وعلى الثاني فهل يعتبر فيه قصد التطهير؟ وجهان.

سادسها : هل يختص الحكم بالمخرج الخلقي المعتاد أو يجري في العارضي أيضا أو يفصل بين اعتياده وعدمه أو بين سدّ الخلقي وعدمه أو بين اجتماع الصفتين وعدمه؟ وجوه.

وهي جارية في الخلقي إذا لم يكن في الموضع المعتاد. وقضية الأصل فيها أجمع الحكم بالنجاسة.

وفي جريان الحكم في الخلقي إذا كان معدّا له وجه قويّ سيّما مع الانحصار فيه.

ومنه يتبيّن جريان الحكم في كلّ من فرج الخنثى المشكل ، بل وغيره أيضا إذا كان كلّ منهما معدّا لذلك وجه (2) لو اختصّ أحدهما به واتفق خروجه من الآخر ففيه أيضا وجهان.

ويقوى فيه النجاسة إلّا مع الاعتياد ، ففيه إشكال.

ولو لم يخرج من شي ء من فرجيه الخلقيين في المشكل واتّفق خروجه من أحدهما ففي إجراء حكم المذكور له وجهان ؛ من أصالة الانفعال في القليل مع اشتباه الحال ، ومن أصالة الطهارة كأنّه (3) أقوى.

فإن خرج منهما كان غسالة كا منهما بمنزلة المشتبه.

ويجري الوجوه المذكورة في البول الخارج من الدبر أو الخارج من مخرج الحيض في المرأة مع الإفضاء بها أو عدمه ، والحكم بطهارة غسالة المجبوب وجه قويّ.

سابعها : الظاهر ثبوت الحكم المذكور للماء سواء كان بعد الانفصال او قبله ، بعد طهر المحل أو قبله ، لكن لو قصر الماء عن إزالة العين فأزال به بعضه ففي الحكم بطهره مع نجاسة المحل إشكال سيّما إذا استنجى كذلك عالما بالحال ، ولو أكمله كذلك من دون تراخ يعتدّ به قوي

ص: 319


1- في ( ألف ) : « أصيب ».
2- زيادة في ( ب ) : « قويّ ».
3- في ( ب ) : « وكما أنّه ».

الطهارة.

ثامنها : اعتبر بعض الأصحاب في طهارته عدم زيادة وزن النجاسة على وزن الماء ، وكأنّه للعلّة المذكورة في الرواية المتقدمة.

وأنت خبير بأن الغالب حصول التغيير بل الإضافة (1) مع المساواة ، ولو فرض انتفاؤهما قوي الطهارة ، لضعف الرواية وخروجها مخرج الغالب.

تاسعها : يثبت الحكم المذكور بالنسبة إلى كلّ من مخرج البول والغائط على ظاهر المذهب ، وإن كان الظاهر من جماعة من أهل اللغة تخصيص الاستنجاء بالثاني (2).

قال في القاموس (3) : النجو ما يخرج من البطن من ريح أو غائط.

لكن ورد في الأخبار في كلام الإمام عليه السلام والشامل إطلاق الاستنجاء على تطهير مخرج البول فلا يبعد شمول الاخبار للأمرين.

وقد يدّعى الشمول بحسب اللغة على أنّ الغالب الاستنجاء من الأمرين في محلّ واحد فعدم التفصيل في الأخبار شاهد على التعميم.

ص: 320


1- لم ترد في ( ب ) : « الإضافة ».
2- في ( ب ) : « بالماء » ، بدل : « بالثاني ».
3- القاموس الفقهي : 249 ( نجا ).
تبصرة: [ في طهورية الماء المستعمل ]

الماء المستعمل في رفع الحدث الأصغر طاهر مطهّر من الخبث والحدث بإجماعنا المعلوم المقبول (1).

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك : الأصل ، والعمومات ، وخصوص رواية عبد اللّه بن سنان (2).

وحكي عن شيخنا المفيد استحباب التنزّه عنه. ولا مستند له.

وكأنّه لأجل زيادة النظافة المطلوبة في ماء الطهارة ، لكن روى الصدوق مرسلا عن علي عليه السلام (3) أفضليّة الوضوء من فضل جماعة المسلمين عن الوضوء من ركو ، أو مجرد إطلاقه قد يفيد عكس ما ذكره رحمه اللّه.

ومثله المستعمل في الأغسال الغير الرافعة كغسل الجمعة والعيد والزيارة ونحوها.

وهو أيضا ممّا لا خلاف فيه.

ونصّ المفيد بأنّ الأفضل تجري المياه الطاهرة الّتي لم يستعمل في أداء فريضة ولا سنّة.

وظاهره يدلّ على ما حكينا عنه أولا ، بل ويعمّ غسل اليد قبل الطعام ونحوه من الغسلات المندوبة.

وقد يستدلّ على كراهة الأغسال بغسالة الأغسال المندوبة لخبر : « من اغتسل من الماء

ص: 321


1- في ( د ) : « المنقول ».
2- زيادة في ( د ) : « وغيرها ».
3- أصل الرواية هكذا : قال : سئل علي عليه السلام : « أيتوضأ من فضل وضوء جماعة المسلمين أحب إليك أو يتوضأ من ركو أبيض مخمر؟ فقال : « لا بل من فضل وضوء جماعة المسلمين ، فإن أحب دينكم إلى اللّه الحنيفية السمحة السهلة ». أنظر : وسائل الشيعة : 1 / 210 ، باب أن الماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهر ح 3.

الذي اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومنّ إلّا نفسه » (1) بناء على ظاهر إطلاقه.

وقد يقال : بدلالة آخر الرواية ورودها في ماء الحمام ؛ إذ فيه : فقلت : إن أهل المدينة يقولون : فيه شفاء من العمى (2) فقال : « كذبوا! يغتسل فيه الجنب من الحرام والزاني والناصب الذي هو شرّهما وكلّ ما خلق اللّه ثمّ يكون شفاء من العين » (3)؟!

فلا تدلّ على المستعمل في خصوص الأغسال الغير الرافعة.

قلت : في تخصيص ما ذكر لأوّل الرواية تأمّل ، غاية الأمر أن يكون ردّ ما ذكروه مخصوصا بالقسم المذكور لوضوح الحال فيه أو لاختصاص (4) قولهم عليهم السلام.

ولا يذهب عليك أنّ مورد الرواية هو الماء الذي اغتسل فيه لا به ، فالتعميم مشكل إلّا أن ينقح المناط أو يقال فيه بالأولوية.

ص: 322


1- الكافي : 6 / 503 ، باب الحمام ح 38.
2- في المصدر : « العين ».
3- الكافي : 6 / 503 ، باب الحمام ح 38.
4- في ( ب ) : « ظاهر اختصاص » ، بدل « فيه أو لاختصاص ».
تبصرة: [ في المستعمل في رفع حدث الجنابة ]
اشارة

المستعمل في رفع حدث الجنابة طاهر بلا خلاف عندنا إذ لا منجّس له لطهارة بدن الجنب ، وعدم تعقل سراية حكم الحدث إلى الماء مع عدم تأثره ذلك في محلّه.

مضافا إلى الأصل والعمومات وإجماع الأصحاب.

وكذا لا خلاف يعرف في طهوريّته للخبث.

وحكى جماعة عليه الإجماع. وحكى الشهيد قولا بعدمه نظرا إلى استيفاء قوّته ، فالتحق بالمضاف.

وهذا القول على فرض كونه من الأصحاب شاذّ ضعيف لا يقتضي وصمة في الإجماع المذكور كما توهمه بعضهم. وما استند (1) في إثباته أضعف منه ، فبعد ملاحظة الأصل والعمومات السليمة عن المعارض والإجماع المنقول بل المعلوم لا ريب في الحكم.

وفي طهوريّته للحدث خلاف معروف. والأشهر فيه - كما حكاه بعض الأجلّة - ذلك ، وحكي عليه الشهرة بين المتأخرين.

وفي شرح التهذيب للفاضل الجزائري : إن المشهور بقاء ما استعمل في رفع الأكبر على الطهورية. وذهب جماعة من القدماء على عدمها.

وفي الخلاف : إنّه مذهب أكثر أصحابنا.

وقد يستظهر من الشيخ في الإستبصار التفصيل بين حالتي الاختيار والاضطرار. وكأنّه مبنيّ على مجرّد إرادة الجمع بين الأخبار كما هو ظاهر من طريقته في كتابيه.

ص: 323


1- زيادة في ( د ) : « إليه ».

والأقوى الأوّل ؛ للأصل والعمومات مع عدم وضوح المخصّص كما ستعرف.

مضافا إلى الرواية المذكورة ؛ لظهورها في الكراهة والصحيح على الأظهر : عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق فيريد أن يغتسل وليس معه إناء والماء في وهدة ، فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع؟ قال : « ينضح بكفّ بين يديه وكفّا من خلفه وكفّا عن يمينه وكفّا عن شماله ، ثمّ يغتسل » (1).

وفي صحيحة علي بن جعفر : « إن كان يعني الماء في مكان واحد ، وهو قليل لا يكفيه لغسله ، فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه ؛ فإن ذلك يجزيه » (2).

وما يستظهر من الرواية الأولى وظاهر السؤال في الثانية من كون ذلك حال الاضطرار لا يوجب قصورا في الدلالة ؛ إذ لا قائل ظاهرا بالفصل.

وصحيحة محمّد بن مسلم : قلت له : الحمّام يغتسل فيه الجنب وغيره أغتسل من مائه؟ قال : « نعم لا بأس أن تغتسل منه » (3).

ويؤيّده أيضا (4) في الأخبار من المنع عن الاغتسال بغسالة الحمّام ؛ معلّلا بأنّ فيه غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب ، أو غسالة الزاني وولد الزنا والناصب ونحو ذلك ؛ إذ لو كان غسالة غسل الجنابة موجبا لذلك لكان التعليل به أوضح.

حجّة المنع بعد الاحتياط لتحصيل البراءة اليقينية بعد اليقين بالشغل ، ورواية عبد اللّه ابن سنان : « الماء الذي يغسل به الثوب ويغسل (5) من الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ به وأشباهه » (6).

ص: 324


1- الإستبصار 1 / 28 ، باب الماء المستعمل ، ح 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 417 ، باب المياه وأحكامها 37.
2- الإستبصار 1 / 29 ، باب الماء المستعمل ، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 417 ، باب المياه وأحكامها ، ح 34.
3- تهذيب الأحكام 1 / 378 ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ، ح 30 ؛ وسائل الشيعة 1 / 148 ، باب عدم نجاسة ماء الحمام إذا كان له مادة بمجرد ملاقات النجاسة ، ح 2.
4- زيادة في ( د ) : « ما ورد ».
5- زيادة في ( ب ) و ( د ) : « به الرجل ».
6- الإستبصار 1 / 27 ، باب الماء المستعمل ، ح 1.

ورواية حمزة (1) بن محمّد الناهية عن الغسل من البئر الّتي يجتمع فيها ماء الحمّام ؛ معلّلا بأنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب.

وصحيحة محمّد بن مسلم : سألته عن ماء الحمّام : « أدخله بإزار ولا تغتسل من ماء آخر إلّا أن يكون فيه جنب أو أكثر الناس فلا تدري فيه جنب أم لا » (2)؟

وصحيحة الأحرز : عن الماء الذي تبول فيه الدوابّ وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب؟ قال : « إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه شي ء » (3).

والجواب أمّا عن الاحتياط فبعد وجوبه في المقام بعد نهوض العمومات حجة (4) والروايتان المذكورتان لضعف إسنادهما وعدم وضوح جابر لهما لا يقومان حجّة لإثبات حكم مخالف للأصل.

على أنّ دلالة الثانية على المدّعى غير ظاهرة إذ تعليل الحكم بالوجوه المذكورة لا يدلّ على استقلال كلّ منهما في ذلك.

والصحيحتان المذكورتان غير ظاهر في الدلالة ؛ لظهور الأوّل في الكراهة من جهة الاكتفاء فيه بمجرّد احتمال وجود الجنب ، وهو غير موجب لذلك بلا خلاف.

ودعوى استعمال النهي إذن في الحرمة والكراهة معا لو سلّم جوازه فلا شكّ في كونه خلاف الظاهر ، بل الظاهر عدم التأمل في ترجيح المجاز على استعمال اللفظ في المعنيين ، فليحمل النهي على إرادة مطلق المرجوحيّة. ومعه لا يخفى فيه دلالة على المقصود.

ويرشد إلى إرادة الكراهة في المقام أنّ النهي الأوّل ليس للإلزام قطعا فيهون (5) الخطب في الثاني.

ص: 325


1- تهذيب الأحكام 1 / 373 ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ، ح 1.
2- تهذيب الأحكام 1 / 379 ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ، ح 33.
3- الكافي 3 / 2 ، باب الماء الذي لا ينجسه شي ء ، ح 2.
4- زيادة في ( د ) : « على الجواز ».
5- في ( ألف ) و ( ب ) : « يتهون ».

وأيضا غاية ما تقتضيه الرواية هو النهي عن الاغتسال مع اغتسال الجنب هناك واستعماله للماء.

ولا دلالة فيه على اغتساله في الماء ؛ ليكون الباقي غسالة ، فيكون النهي من جهة ملاقاته الماء ، وهو غير محلّ البحث.

وبمجرّد تنزيله على محلّ النزاع لا يتمّ الاستدلال.

وعدم دلالة الثانية على استقلال غسالة الجنب في الحكم ، بل وتأثيره فيه لوقوعه في السؤال خاصّة ، وعلى فرضه فهو يدلّ إذن على التنجيس ، ولا قائل به.

مضافاً إلى معارضتها بما عرفت من الأخبار الظاهرة في خلافه.

وحمل ما دلّ على المنع على صورة وجود النجاسة في بدن الجنب كما هو الغالب فيه غير بعيد ، ولذا ذكر إزالة النجاسة عند بيان كيفية غسل الجنابة في جملة من الأخبار وكلام الأصحاب ، فإذن يكون المنع من جهة استعماله في رفع الخبث.

[ تنبيهات ]

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : الظاهر ثبوت الحكم المذكور منعا وجواز (1) [ ه ] في المجتمع بعد تمام الغسل ، وفي أثنائه ، بل وفي القطرات المنتضحة منه ، إلّا أنها إذا انتضحت في الإناء لم يمنع من الاغتسال بمائه لاستهلاكه فيه ؛ إذ لا يزيد على حكم المضاف ، فما في كلام بعض الأعلام خروج ذلك عن محلّ البحث ، وردّه على المنتهى حيث استظهر منه دخوله فيه استنادا إلى الأخبار النافية للبأس عنه إذا وقعت في الإناء ، وتجويز الصدوق بل الشيخ أيضا في ظاهر كلامه الاغتسال بماء الإناء إذا انتضح فيه مع أنّهما من المانعين ممّا لا وجه له ؛ لوضوح أن ثبوت الحكم المذكور لنفس القطرة لا يوجب ثبوته لما استهلك فيه.

ص: 326


1- في ( د ) : « جوازا ».

والذي دلّت عليه الأخبار المذكورة ، وكلام الشيخين المذكورين هو الثاني خاصّة ، ولو أفسد غسله ففي ثبوت الحكم لما اجتمع قبله وجهان.

ولو ظهر فساد غسله لم يجر فيه حكمه ، ولو اعتقد صحته فغسالة من خالف أهل الحق لا يجري فيه الحكم المذكور ، بل حكمها حكم السؤر ، فذكر غسالة الناصب وغيره الوارد في بعض الروايات إنّما هو من جهة السؤرية لا غيرها.

ثانيها : يثبت الحكم المذكور للغسل الترتيبي والارتماسي مع قلّة الماء من غير خلاف يعرف كما في الحدائق (1) : هل يصحّ غسله بالارتماس؟ وجهان.

والظاهر ابتناؤه على كون الغسل حاصلا دفعة حقيقة في الكون تحت الماء أو أنّه يحصل حقيقة بالتدريج وإن صدق معه الدفعة العرفيّة ، فعلى الأوّل يحكم بالصحّة قطعا ، وعلى الثاني يجي ء وجه الفساد.

وقد تبيّن من ذلك أنّه لو نوى الغسل حال الكون تحت الماء صحّ غسله ، والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه.

وحكى (2) الحدائق الإجماع عليه.

والأقوى صحّة الغسل مطلقا لإطلاق الأخبار الواردة في الارتماس.

وقد يستدلّ عليه أيضا بأنّه كما لا يخرج الماء الوارد على البدن بمجرّد وروده عن حكمه - ولذا لا يجب تجديد الماء لكلّ جزء جزء - كذلك الحكم (3) في الورود عليه لذلك.

وفيه : أنّه قد قام الإجماع هناك شاهدا على الجواز بخلاف المقام. ودعوى عدم الفرق ممنوع للزوم الحرج هناك.

وأمّا هنا فيمكن حصوله بالدفعة الحقيقية. نعم ، فيما ذكر تقريب للمقام وإن لم ينهض حجّة على المرام.

ص: 327


1- زيادة في ( د ) : « و ».
2- زيادة في ( د ) : « في ».
3- في ( د ) : « الحال ».

ولو نوى الغسل ترتيبا بارتماس العضو في الماء فإن نواه وهو في الماء دفعة صحّ غسل العضو المقدم خاصّة ، ولو نوى غسل العضو تدريجا ففي صحّة غسل ما عدا الجزء الأوّل إشكال من إلحاقه بالماء الوارد ، ومن الشك في تنقيح المناط.

وكأنّ الأوّل أقوى.

هذا كلّه إن قلنا بصيرورة الماء مستعملا قبل خروجه عن الماء وانتقاله من محلّ الغسل كما هو الأقوى.

وبه نصّ في المنتهى والنهاية إلّا أن ظاهر (1) التأمل في النهاية في كونه مستعملا إذن بالنسبة إلى غيره حيث ذكر فيه وجهين ، والأقوى كونه مستعملا بالنسبة إليه أيضا بل ثبوته بالنسبة إليه أولى كما اختاره في المنتهى.

ويعزى إلى ظاهر الشهيد في الذكرى القول بكونه حينئذ مستعملا في حقّ الغير ، أمّا بالنسبة إليه فلا حتّى يخرج.

وفي دلالة عبارته هناك على ذلك تأمّل.

ثالثها : المعروف بينهم أنّ محلّ الخلاف هو المستعمل في رفع الحدث الأكبر سواء استعمل في رفع الجنابة أو غيرها. وعنون البحث في المنتهى في خصوص غسل الجنابة ولم يذكره غيره.

وحمله صاحب المعالم على إرادة المثال ، واستشكل في ذلك في الحدائق ؛ نظرا إلى ورود الأخبار في خصوص الجنابة ، وكلام بعض المانعين كعبارة الصدوق في الفقيه خصوص بها.

نعم ، قد يستفاد التعميم من رواية عبد اللّه بن سنان على وجه إلّا أنّه لا يتعيّن حملها على ذلك ؛ لجواز عطف قوله « وأشباهه » على فاعل « يجوز » ، فيكون المعنى أنّه لا يجوز الوضوء وأشباهه به ، فلا يفيد حكم غير الجنابة.

قلت : بعد بناء الأصحاب على تعميم الحكم يتقوّى في الرواية إرادة المعنى الأول ، مضافا

ص: 328


1- في ( د ) : « ظاهره ».

إلى أظهرية (1) من اللفظ ، وممّا يقربه ذكر « الأشباه » بصيغة الجمع ، وهي لا تناسب الحمل الثاني ؛ إذ ليس هناك شي ء غير الغسل للاتفاق على إزالة الخبث به كما مرّ.

ثمّ إنه على ما رجّحناه من البناء على الكراهة فالأمر واضح ؛ للاكتفاء فيه بمجرّد فتاويهم ، مضافا إلى ما عرفت من إطلاق بعض الأخبار الدالّة عليه.

رابعها : هل يختص الحكم المذكور بما إذا تيقّن حصول الحدث ليكون الغسل رافعا لحدث يقيني أو يعمّ صورة الشك في الحدث أيضا إذا وجب به الغسل كالبلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء أو تيقّن بالحدث والطهارة معا وشكّ في المتأخّر منهما أو يعم صورة عدم الإيجاب أيضا فيجري الحكم أيضا فيما إذا استحب له الغسل من جهة الاحتياط كما إذا ظنّ الجنابة وقلنا برجحان الاحتياط فيه كما هو الأقوى أو الخروج عن خلاف كما في وطي دبر المرأة أو البهيمة بناء على عدم وجوب الغسل له ، ونحو ذلك؟ وجوه أضعفها الأخير ؛ لأصالة بقاء طهوريّة الماء مع عدم ظهور (2) مخرج له ، و (3) مجرّد احتمال رفع الحدث به واقعا لا يكفي فيه مع حكم الشرع بنفيه ظاهرا.

والثاني مختار بعض الأفاضل ؛ للحكم معه شرعا بكونه محدثا. والأحكام الشرعية تابعة للظاهر لا الواقع.

وكأنّ الأظهر أن يقال : أن كان الحكم بوجوب الغسل من جهة الحكم بحصول الحدث شرعا كما إذا تيقّن الحدث وشكّ في الغسل ، فالظاهر ثبوت حكم الغسالة فيه ، وإن كان لتغليب جانب الاحتياط فليس الثابت له إلّا مجرّد أحكام الحدث (4) ، فلا يتعدى الحكم إلى الماء ؛ عملا بالاستصحاب لعدم (5) ثبوت (6) رفعه الحدث ، ومجرّد ارتفاع أحكام المحدث عنه في

ص: 329


1- في ( د ) : « أظهريّته ».
2- في ( ألف ) : « طهور ».
3- في ( ألف ) : « أو » بدلا من « له و ».
4- في ( د ) : « المحدث » ، وهو الظاهر.
5- في ( ب ) : « كعدم ».
6- في ( د ) : « ثبوته ».

الظاهر لا يوجب الحكم برفع الحدث ؛ لعدم قيام الدليل عليه كذلك كما في الثوبين المشتبهين ، فإنّه لا يصحّ الصلاة في شي ء منهما مع عدم تنجيس أحدهما لما يلاقيه.

خامسها : هل يجري الحكم المذكور في المستعمل في الغسلات المندوبة كالغسلة الثانية والثالثة في كلّ من الأعضاء أو يختصّ بالواجب منها أو يفصل بين ما كان قبل ارتفاع الحدث أو بعده؟ وجوه ؛ ظاهر الإطلاقات هو الأوّل ، وبناء على ما قوّينا من الكراهة لا يبعد القول به.

سادسها : هل يجري الخلاف في استعمال الماء المفروض في رفع الحدث أو يجري في مطلق استعماله في الوضوء والغسل وإن لم يكونا رافعين؟ فظاهر إطلاق جماعة حيث عنونوا البحث في طهورية الماء المفروض ورفع الحدث به هو الأوّل ، وظاهر إطلاق الأخبار الّتي استدلّوا بها هو الأوّل ، وعلى ما قوّينا ( فتعميم ) (1) الحكم هو الأقوى.

سابعها : الظاهر أنّ محلّ النزاع إنّما هو في القليل ، فلو اغتسل بالكثير لم يخرج من الطهوريّة.

وفي الحدائق (2) أنّه الظاهر من كلمات جمع من الأصحاب ، تصريحا تارة وتلويحا أخرى.

وقد يعزى إلى ظاهر العلامة في المختلف تعميم الخلاف للقسمين حيث استدلّ بصحيحتي صفوان وابن بزيع في المسألة.

وفيه تأمّل لا يخفى على من راجع المختلف ، بل ظاهره خلاف ذلك.

[ و ] عن بعض المتأخرين إسناد المنع في (3) الكثير أيضا إلى شيخنا المفيد حيث حكم في الحقيقة بكراهة الارتماس في الكثير الراكد.

قال : والظاهر أنه لا وجه له سوى صيرورته مستعملا ممنوعا من الطهارة به ثانيا.

قلت : كأن ما ذكره وقع عن غفلة من ملاحظة عبارته المعروفة في ذلك ؛ إذ ذاك ظاهر في

ص: 330


1- ما بين الهلالين من ( د ).
2- الحدائق الناضرة 1 / 457.
3- زيادة في من ( د ).

خلاف ذلك بل كالصريح فيه حيث قال (1) : « ولا ينبغي له أن يرتمس في الماء الراكد ؛ فانّه إن كان قليلا أفسده وإن كان كثيرا خالف السنّة بالاغتسال فيه ».

فإن حكمه بإفساد الماء مع القلّة خاصّة كالصريح في عدم حصوله مع الكثرة.

على أن ما ذكره من انحصار الوجه في الكراهة بيّن الفساد.

ونصّ الشيخ في التهذيب عند شرح العبارة المذكورة على عدم زوال الطهورية عنه مع الكثرة.

وفيه إيماء إلى خروجه عن محلّ الخلاف.

وظنّي أن الحكم في ذلك أوضح من أن يخفى ؛ إذ ليس استعمال الماء في رفع القذارة الحكمية بأشدّ من استعماله في رفع النجاسات العينية ، وإذا كان الثاني ممّا لا خلاف في عدم رفعه الطهوريّة عن الماء فالماء (2) أولى.

ثامنها : الظاهر انّ عود (3) المستعمل إلى الطهوريّة كعود النجس إلى الطهارة ؛ إذ لا يزيد حكمه عليه ، فعلى ما هو الأقوى (4) الاكتفاء في التطهير بمجرّد الاتصال بالمعتصم يكتفي به هنا أيضا ، والظاهر الاكتفاء هنا بالاستهلاك في الماء الطهور كيفما كان ؛ إذ لا يزيد على المضاف.

وهل يزول عنه بإتمامه كرا قولان :

أحدهما ذلك. وذهب إليه الشيخ في المبسوط والعلامة في المنتهى.

والآخر المنع عنه. واختاره المحقق وجماعة. وتوقف الشيخ في الخلاف.

والأقوى بناء المسألة على كون الإتمام مطهّرا للقليل النجس وعدمه ، فعلى القول به هناك لا ينبغي التأمل فيه في المقام وإلّا فلا دليل على زوال الحكم الثابت ، فالقول بعدم عود الطهارة هناك وعود الطهوريّة هنا ممّا لا وجه له.

ص: 331


1- المقنعة : 54.
2- في ( د ) : « فالأوّل ».
3- في ( ب ) : « فرد ».
4- زيادة في ( د ) : « من ».

والاستدلال عليه بأنّ بلوغ الكريّة مانع عن الانفعال بالنجاسة فمنعه عن الانفعال بارتفاع الحدث أولى على ما في المنتهى (1) كما ترى ؛ إذ ذلك إنّما يقتضي أن يكون عاصما لنفسه بعد حصول الكريّة كالنجاسة لا رافعا لما ثبت فيه لعدم ثبوته في اعتصامه عن النجاسة أيضا. على أن رفعه لذلك أولى من رفعه النجاسة ، فتوجّه المنع عليه كما لا يخفى.

ص: 332


1- نقل هذه العبارة من المنتهى في الحدائق الناضرة 1 / 45 ، ولم نعثر عليه في المنتهى.
تبصرة: [ في غسالة الحمام ]
اشارة

اختلف الأصحاب في غسالة الحمّام ، والمراد بها مجمع غسالات الحمّام. وعبّر عنها في الرواية : « بالبئر الّتي مجتمع (1) فيها غسالة الحمّام » (2).

وفي السرائر (3) : إنّه المستنقع الّذي يسمّى الحبة (4) ، فذهب جماعة من قدماء الأصحاب إلى وجوب الاجتناب عنها في الغسل بل والوضوء أيضا ، بل مطلق التطهير ، ويعزى إلى الصدوقين ؛ معلّلين بأنّه « يجتمع فيه غسالة اليهودي والنصراني والمبغض لآل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهو شرّهم » (5).

ومنه الشيخ في النهاية (6) وابن ادريس في السرائر (7).

وفي الشرائع (8) : لا تغتسل بغسالة الحمّام إلّا أن يعلم خلوها عن النجاسة. ونحوه ما عن القواعد والبيان. وليس في هذه العبارات تصريح بالنجاسة وإنّما دلّت على المنع من الاستعمال لكنّ التعليل الوارد في كلام الصدوقين تبعا لما في الرواية ظاهر في النجاسة.

واستظهر بعض المتأخرين من تعليلهما أنّهما لا يقولان بالمنع.

ص: 333


1- في ( د ) : « يجتمع ».
2- الكافي 3 / 14 ، باب ماء الحمام والماء الذي تسخنه الشمس ، ح 1.
3- السرائر 1 / 90.
4- في المصدر : « الجئة ».
5- من لا يحضره الفقيه ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 16.
6- نهاية الإحكام 1 / 245.
7- السرائر 1 / 90.
8- لم نعثر عليه في الشرائع ، ونقله في المعتبر 1 / 92.

وهو كما ترى.

نعم ، ظاهر الصدوق نفي البأس عنه إذا أصاب الثوب حيث روى الرواية الدالّة عليه بعد ما ذكر الحكم الأوّل ، فيكون قائلا بطهارته مع المنع من استعماله.

ونصّ في الإرشاد بنجاستهما ما لم يعلم خلوه عن النجاسة. وربّما يعزى ذلك إلى بعض من تأخر عنه.

ويحتمل أن يحمل عليه كلام المانعين من استعماله ، فيتّحد القولان إلّا أن تنزيل كلام الصدوق عليه لا يخلو عن بعد.

والمختار عند العلامة في المنتهى هو الطهارة ، وظاهر عدم المنع من استعماله.

وفي الروض (1) : إنّه الظاهر إن لم يثبت الإجماع على خلافه. وهو مختار المحقق الكركي وغيره من المتأخرين.

حجة القول بمنعه من استعماله أمران :

أحدهما : عدّة روايات منها رواية حمزة بن أحمد ، عن الكاظم عليه السلام : « لا يغتسل من البئر الّتي يجتمع فيها ماء الحمّام ؛ لأنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت ، وهو شرهم » (2).

ورواية ابن أبي يعفور ، عن الصادق عليه السلام : « لا تغتسل في البئر الّتي يجتمع فيها غسالة الحمّام ؛ فإنّ فيها غسالة ولد الزنا ، وهو لا يطهر إلى سبعة آباء ، وفيها غسالة الناصب ، وهو شرّهما » (3).

وروى في العلل ، في الموثق ، عن ابن أبي يعفور ، عن الصادق [ عليه السلام ] في حديث قال : « وإيّاك أن تغسل من غسالة الحمّام ففيها يجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت ، وهو شرّهم ؛ فإنّ اللّه تبارك وتعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب ،

ص: 334


1- روض الجنان : 161.
2- تهذيب الأحكام 1 / 373 ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ح 1.
3- الكافي 3 / 14 ، باب ماء الحمام والماء الذي تسخنه الشمس ح 1.

وإنّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه » (1).

لا يبعد اتحاد الروايتين إلّا أنّ ظاهر لفظ الروايتين يأباه. ويعضدهما عمل جماعة من القدماء بمضمونها بل لا يبعد أن يكون ذلك هو الأشهر مع اعتضاد بعض تلك الأخبار بالبعض.

ثانيهما : الإجماع (2). وقد وردت به عن الأئمّة عليهم السلام آثار معتمدة قد أجمع الأصحاب عليها لا أجد مخالفا فيها.

وفيه دلالة على وجود أخبار معتمدة في ذلك ؛ ليكون متواترة أو مقرونة بقرينة القطع حيث إنّه لا يقول بحجيّة أخبار الآحاد. ويمكن أن يجتمع بما ذكر للقول بالنجاسة بناء على ظهور المنع من الاستعمال في ذلك سيّما بملاحظة التعليل حسب ما مرّ.

ويرد عليه أن الأخبار المذكورة لا دلالة فيها على المنع في صورة الشك فإن ظاهرها الحكم بوجود النجس فيها. وظاهره حصول العلم بذلك.

وحينئذ فلا كلام في النجاسة لو حمل على كونه مظنّة لذلك ، ففي التعليل شهادة على عدم إرادة التحريم بملاحظة ما تقرّر في الشريعة من أنّ المناط في الحكم بالنجاسة هو العلم دون الظن ، وأن قضية الأصل عدم المنع من الاستعمال من دون حصول العلم بالمنع. وكأنّ ذلك هو ملحوظ من استظهر من التعليل عدم المنع كما مر.

وكيف كان ، فلا دلالة ظاهرة في تلك الأخبار على المنع من الاستعمال في صورة الجهل ووجوه (3) الأخبار المعتمدة (4) في ذلك غير ظاهر ؛ إذ لم نجد من الأخبار في ذلك سوى ما ذكرنا.

والأوّلان ضعيفان ، والثالث أيضا ليس من الصحيح إلّا أنّ إسناده معتبر.

ص: 335


1- علل الشرائع 1 / 293 ، باب 220 آداب الحمام ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة 1 / 230 ، باب كراهة الاغتسال بغسالة الحمام .. ح 5.
2- زيادة في ( د ) : « حكاه في السرائر ، قال بعد الحكم بعدم جواز استعماله على حال : وهذا إجماع ».
3- في ( ألف ) : « وجوه ».
4- في ( ب ) : « المفيدة ».

وأمّا الإجماع فغير ظاهر ، وحكاية ابن إدريس (1) لا يخلو عن وهن ، مع تفرّده بنقله ، وذهاب كثير من الأصحاب إلى خلافه.

قال المحقق في المعتبر (2) بعد ذكر كلامه : ولم نقف على رواية بهذا الحكم سوى تلك الرواية ورواية مرسلة ذكرها الكليني عن بعض أصحابنا ، عن ابن جمهور.

وهذه مرسلة وابن جمهور ضعيف جدا ذكر ذلك النجاشي في كتاب الرجال ، فأين الإجماع وأين الاخبار المعتمدة؟! ونحن نطالبه بما ادّعاه ، وأفرط في دعواه.

وفي مرسلة أبي يحيى الواسطي تصريح بطهارته ، وظاهر الفقيه العمل بها ، فيكون حاكما بصحّتها.

وقد ظهر بما قرّرنا حجة القول بالطهارة وعدم المنع من الاستعمال مع عدم العلم بالنجاسة ، فإنّ القاعدة الشرعيّة المحكمة المأخوذة من الاستصحاب وأصالة عدم وجوب الاجتناب والعمومات توقّف الحكم بالنجاسة على العلم بها ، وهو قضية مرسلة أبي يحيى الواسطي المشار إليها ، وهي وإن كانت ضعيفة إلّا أنّها مؤيّدة بذكرها في الفقيه وحكم الصدوق بصحتها بالأصل المذكور.

ويدلّ عليه أيضا ظاهر الإطلاق في الصحيحة الآتية ، ولا يحسب ماء الحمّام.

وهذا هو الأظهر في النظر ، فتكون المذكور من الروايات محمولا على الكراهة إن قلنا بكون المقصود من التعليل كونه مظنّة لورود تلك النجاسات ، وإن حمل على صورة العلم بذلك فهي محمولة على ظواهرها حسب ما عرفت.

وحينئذ فيكتفي في ثبوت الكراهة بالخروج عن خلاف الجماعة وما حكي من الإجماع عليه ودلالة الروايات المعتبرة عليه ، والظاهر أنّه لا شكّ في المرجوحيّة بل لا بد من مراعاة الاحتياط في المسألة.

ص: 336


1- زيادة في ( د ) : « له ».
2- المعتبر 1 / 92.

وفي الرياض (1) : إنّه ينبغي القطع بعدم جواز التطهير مطلقا مع عدم العلم بطهارته (2). وأمّا سائر الاستعمالات فالجواز قوي.

وأنت خبير بأنّ القطع المذكور ليس في محلّه ، والأخبار المذكورة غير واضحة الدلالة عليه حسب ما عرفت ، ولا دليل ظاهر في ذلك غيرها مع ما في الحكم بالطهارة من المنع عن الاستعمال في التطهير من البعد ، فلا وجه للالتزام به من دون قيام دليل ظاهر عليه.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه على أمور :

أحدها : أنّه لو علم بورود الماء النجس عليه مع قلّته فلا إشكال في نجاسته كما أنّه لا إشكال في طهارته مع علمه بعدم ملاقاة النجاسة له ، ولو ظنّ عدمه فالظاهر طهارته ، ولا يبعد خروجه عن محلّ البحث.

ولو شكّ فيه من دون ترجيح لملاقاته النجاسة ففي اندراجه في محلّ البحث وجهان ؛ من إطلاق كلامهم ، وظهور المفروض في كلامهم في صورة الظن.

ولذا عدّوه من مسألة تعارض الأصل والظاهر.

و (3) يشهد له ملاحظة تعليل الروايات المذكورة حسب ما عرفت.

ثمّ إنّ الظاهر فرض المسألة في صورة قلة الماء أو بلوغه حدّ الكثرة مع كون الحال فيه على ما ذكر قبل البلوغ إليه ، بناء على عدم كون البلوغ حدّ الكرّ مطهّرا للقليل.

أمّا لو كان الماء المظنون الطهارة به الحاصل فيه كرّا أو ورود كرّ من الماء الطاهر كذلك فالظاهر خروجه عن محلّ البحث.

ثانيها : ظاهر المفروض في كلامهم الحمّامات المعروفة الموضوعة للعامّة ، وأمّا الحمّام

ص: 337


1- رياض المسائل 1 / 12.
2- في ( ب ) : « بالطهارة ».
3- لفظة الواو لم تذكر في ( ألف ).

الموضوع لخصوص أصحاب الدار ممّا لا يكون موردا للنجاسات على نحو المفروض في الأخبار وكلام الأصحاب فلا يبعد خروجه عن محلّ الكلام ، فلا بدّ من البناء فيه على مقتضى الأصل.

ويحتمل اندراجه فيه للإطلاق ، وهو بعيد لانصرافه إلى الشائع.

والفرق ظاهر بين الصورتين ، وقضية الأصل البناء على الطهارة ، وعدم الخروج (1) في الاستعمال حتّى يتبيّن المخرج عنه.

وفي جريان ذلك في الحمّامات العامّة ممّا لا يدخلها النّصاب إلّا اليهود والنصارى مع كونها مظنة لورود سائر النجاسات وجهان ، أوجههما ذلك إن بني الأمر فيه على الكراهة ، وأمّا مع البناء على المنع من الاستعمال ففيه إشكال من خروجها عن ظاهر الأخبار المذكورة ، ومن مشاركتها لها في المعنى.

ثالثها : الظاهر أنّه لا إشكال في أرض الحمّام وإن كان مجرى لتلك المياه المجتمعة لخروجها عن مورد النصّ وكلام الأصحاب ، فلا بدّ من البناء فيهما على مقتضى الأصل ، بل في المعتبرة المستفيضة المشتملة على الصحاح عدم البأس بها ، وعدم لزوم غسل الرجل منها بعد الخروج من الحمّام ، يستفاد منها طهارة الأرض وطهارة الماء المختلف (2) فيها.

ولا دلالة فيها على جواز استعمال ذلك الماء في التطهير ، فيرجع فيه إلى الأصل.

ففي الصحيحين بعد السؤال عن الحمّام يغتسل فيه الجنب وغيره ، أغتسل من مائه؟ قال : « لا بأس أن يغتسل فيه الجنب ولقد اغتسلت به ثمّ جئت فغسلت رجلي وما غسلتهما إلّا لما لزق بهما من التراب » (3) يعني لا لأجل النجاسة بل للتنظيف من الكثافة.

وفي صحيحة أخرى : أرأيت أبا جعفر عليه السلام جائيا من الحمّام وبينه وبين داره قذر؟ فقال :

ص: 338


1- في ( د ) : « الحرج » ، بدل : « الخروج ».
2- في ( د ) : « المتخلّف ».
3- تهذيب الأحكام 1 / 378 ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ، ح 30.

« لو لا ما بينى وما بين داري ما غسلت رجلي ولا يجنب ماء الحمّام » (1).

وفي إطلاق الفقرة الأخيرة دلالة على طهارة الغسالة ، بل وعدم وجوب التحرّز عنه في التطهير كما أشرنا إليه. ولا ينافي استحباب التنزّه عنها فإنّ النهي هنا في مقام توهّم الوجوب.

وفي الموثق : رأيت أبا جعفر عليه السلام يخرج عن الحمّام فيمضي كما هو لا يغسل رجله حتّى يصلّي (2).

وظاهر قوله « حتّى يصلّي » : حتّى يوقع الصلاة ، فيفيد عدم غسل رجله لأجل الصلاة أيضا.

وقد يحمل على إرادة إيقاع الصلاة ، فيدلّ على غسل رجله لأجل الصلاة. وحينئذ قد لا يفيد المدّعى ، بل ربّما يومي إلى خلافه إلّا أنّه خلاف الظاهر منه.

ثمّ إنّ حصول العلم بتنجس الأرض أحيانا لا يقضي وجوب الاجتناب عنها في غير حال العلم ، وذلك لورود النجاسة عليها تارة والمطهّر أخرى ، وما توارد عليه الحالان من دون علم بالمتأخر لا يحكم بطهارة ملاقيه ، بل الظاهر الحكم بطهارته أيضا لا لعموم « كلّ شي ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر » (3). أمّا لو علم بنجاسة الأرض ولم يعلم بورود المطهّر عليه فالظاهر أنّه لا إشكال في الحكم بنجاسته بل (4) ونجاسة ملاقيه أيضا ؛ بناء على ما هو المختار من حصول التنجيس بما حكم بنجاسته بالاستصحاب.

وعلى القول بعدمه يحكم بطهارة الملاقي بمجرد احتمال طريان المطهّر عليه. وهو أنسب بإطلاق تلك الأخبار. إلّا أنّ حملها على ما قلناه غير بعيد. وهو المتّجه بعد تنزيل المعلوم بالاستصحاب منزلة اليقين ، فكما أنّ صورة العلم بالنجاسة خارجة فكذا ما بمنزلته لنصّ الشارع على كونه حجّة متّبعة.

ص: 339


1- تهذيب الأحكام 1 / 379 ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ، ح 31 وفيه : ولا نحيت ماء الحمام.
2- تهذيب الأحكام 1 / 379 ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ، ح 32 وفيه : لا يغسل رجليه.
3- وسائل الشيعة 3 / 467 ، باب أن كل شي ء طاهر حتى يعلم ورود النجاسة عليه ، ح 4.
4- لم ترد في ( ب ) : « بل ونجاسة ».
تبصرة: [ في اشتباه الماء النجس بالطاهر ]

إذا اشتبه الماء النجس بالطاهر مع عدم الانحصار لم يجب الاجتناب ، وجاز استعمال كلّ منهما فيما يشترط بالطهارة بلا خلاف بين الطائفة.

ويدلّ عليه بعد الإجماع السيرة المعلومة ، ولزوم العسر والحرج الشديد لو لاه.

ويستفاد ذلك أيضا من الأخبار.

وأمّا مع الانحصار فالظاهر أنّه لا خلاف بين قدماء الأصحاب إلى ما بعد الشهيد الثاني في وجوب اجتناب الجميع وعدم جواز استعمال شي ء منها فيما يشترط بالطهارة. وقد استفاض في كلماتهم حكاية الإجماع على وجوب اجتناب الإنائين المشتبهين. حكاه في الخلاف والغنية والمعتبر والتذكرة والنهاية والمختلف وغيرها.

والأصل فيه بعد الإجماع - محصّلا ومنقولا - موثقة سماعة : عن رجل معه إناء ان وقع في أحدهما قذر لا يدري في أيّهما هو ، وليس يقدر على ماء غيره؟ قال : « يهريقهما ويتيمّم » (1).

ونحوه موثقة عمّار أيضا (2).

وحكمه عليه السلام بالتيمّم مع تمكّنه من الماء صريح في المنع من استعمالهما وعدم صحّة الوضوء بشي ء منهما ، وعدم (3) البناء على أصالة الطهارة بالنسبة إلى كلّ منهما.

ص: 340


1- الإستبصار 1 / 21 ، باب الماء التعليل يحصل فيه شي ء من النجاسة ح (48) 3.
2- الظاهر أنه ما رواه سعد بن عبد اللّه ، عن أحد بن الحسن بن علي بن فضال ، عن عمرو بن سعيد المدائني ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسى الساباطي ، عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن الرجل هل يتوضأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب فيه على أنه يهودي؟ فقال : « نعم ». فقلت : « من ذلك الماء الذين يشرب منه؟ قال : « نعم ». لاحظ : الاستبصار 1 / 18 ح 2. 3.
3- في ( د ) : « هدم ».

ويفصح عنه حكمه عليه السلام بإهراقهما الظاهر في عدم جواز الانتفاع بهما في الشرب وسائر الاستعمالات الغالبة المشروطة بالطهارة.

وما يقال من أنّ الأمر بالإهراق إنّما هو من جهة إعدام الماء ليصحّ التيمّم المنوط بعدم (1) وجدانه بيّن الفساد ؛ إذ مع عدم جواز استعمال شي ء من الماءين لا يتوقّف صحّة التيمّم على الإهراق ؛ لصدق عدم الوجدان الشرعيّ مع وجودهما أيضا.

ولو فرض جوازه تعيّن عليه الطهارة الاختيارية ، فلا يجوز له إهراقهما والعدول إلى الاضطراريّة ، والقول بكراهة استعماله حينئذ ، فيكون الأمر بالإهراق للندب ؛ لينتقل الحكم بعده إلى التيمّم كما يستفاد من كلام بعض الأعلام أوضح فسادا منه إلّا أن يحمل ذلك على صورة عدم وجوب طهارة الاختيارية ، وإطلاق السؤال وترك الاستفصال في كلام الإمام عليه السلام ينادي بخلافه.

وقد يقال : إنّ ذلك لأجل الاقتصار على التيمّم إذ ؛ قضيّة القاعدة في مثله المنع من استعمال الماءين ؛ للزوم تنجّس البدن باستعمالهما على ما سيجي ء بيانه إن شاء اللّه.

فالمحكي (2) في شأنه هو الوضوء بأحدهما ، وحيث كان أحدهما مجهول الطهارة فيدور أمره بين أن يكون طاهرا ونجسا يتعيّن عليه الجمع بين الوضوء والتيمّم ؛ إذ المقصود في المقام هو العلم بإصابة الطاهر لا نفس إصابته ، فهو كمن وجد أحد المشتبهين بالمضاف ، فإنّه يتعيّن عليه الجمع بين الوضوء والتيمّم كما قالوه حسبما يأتي الإشارة إليه إن شاء اللّه ؛ لاحتمال وجدانه الماء فيتعيّن عليه الوضوء ، وعدمه فيتعيّن التيمّم (3).

ويدفعه أيضا ما عرفت ؛ إذ لو صحّ ذلك وجب عليه الاحتياط حينئذ فكيف يجوز الإهراق (4)؟! فالرواية واضحة الدلالة على سقوط التكليف بالوضوء بعد حصول الاشتباه.

ص: 341


1- في ( ب ) : « بعد ».
2- في ( د ) : « فالممكن ».
3- زيادة في ( د ) : « فيكون الأمر به إرشاديّا أو للاستحباب من جهة تسهيل الأمر بالاقتصار على التيمّم ».
4- زيادة في ( د ) : « له ».

والطعن في إسناد الروايتين من جهة اشتمال كلّ منهما على غير واحد ممّن لا يقول بالحق ؛ مدفوع بما قرّر في محلّه من حجيّة الموثق خصوصا مثل روايات عثمان بن عيسى وسماعة وعمّار لإطباق الأصحاب على العمل بأخبارهم.

ولو سلّم ذلك فلا تأمّل في حجيّة الضعيف بعد الانجبار بعمل الأصحاب ، وهنا قد أطبقوا على العمل بهما.

على أنّ المستفاد من الأخبار الواردة في مقامات شتّى بناء الشارع على وجوب الاجتناب في المحصور إذا دار الأمر بين الحلال والحرام كيف ما كان ، مثل ما دلّ على وجوب غسل جميع الثوب إذا لم يعرف موضع النجاسة منه ، وما دلّ على وجوب الاجتناب من اللحم مع اختلاط المذكّى منه بالميتة ، وما دلّ على وجوب تكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين .. إلى غير ذلك.

وقد جرى الأصحاب على ذلك في تلك المقامات.

ويمكن الاحتجاج على ذلك أيضا بالأصل ؛ « لوجوب الاجتناب عن المحرم ولا يتم إلّا باجتناب الجميع.

فإن قلت : إن الوضوء بالماء النجس ليس من المحرّمات الأصليّة وإنّما يثبت المنع منه من جهة البدعة ويرتفع ذلك بقصد الاحتياط ؛ إذ لا يصدق الإبداع بمراعاة الاحتياط ، مضافا إلى الأوامر الدالّة على رجحان الاحتياط لإفادتها تشريع الفعل من تلك الجهة وإن لم يكن مشروعا في نفسه.

وحينئذ فلا تكليف بالاجتناب في المقام ، بل الأمر فيه بالعكس ؛ لثبوت التكليف بالطهارة ، فيجب استعمال الماءين لتحصيل اليقين بالفراغ.

فما يوجد في كلام بعض المتأخرين (1) من تعليل المنع من استعماله في الطهارة الحدثية والخبثية بأنّ استعمال الماء النجس فيما يعد في الشرع طهارة أو إزالة نجاسة مع اعتقاد

ص: 342


1- في حاشية ( د ) : « هو السيّد نور الدين أخو صاحب ».

المشروعية إدخال في الدين ما ليس منه ، بل لو لم يعتقد مشروعيته إذا فعله بصورة المشروع لا يبعد تحريمه ؛ مدفوع بما عرفت من انتفاء البدعة مع قصد الحائطة ؛ إذ ليس ذلك إدخالا في الدين ما ليس منه بل إنّما يؤتى به من جهة احتماله لمصادفة ما ثبت في الدين. كيف ، وما ورد في الأخبار من الأمر بالاحتياط قاض بتعلّق الطلب به ، ومع تعلّق الأمر به لا يعقل توهّم البدعة.

قلت : ليس المقصود في الاحتجاج المذكور الاستناد إلى المنع من استعماله في الوضوء ونحوه ، بل المراد المنع منه في الشرب ونحوه ؛ إذ من الواضح حرمة شرب النجس في نفسه ولا يعلم الاجتناب عنه إلّا مع الاجتناب عن الأمرين.

ومن ناقش فيه من المتأخرين ناقش في المقامين.

وأمّا المنع من استعمال كلّ منهما في الطهارات فله وجه آخر يأتي إن شاء اللّه القول فيه.

وما يقال من أنّه إنّما دلّ الدليل على وجوب الاجتناب عنه مع العلم بالنجاسة ، وأمّا مع الجهل بها فلا دليل على وجوبه (1) مدفوع بأنّ الأحكام ثابتة للواقع من دون مدخليّة في ثبوتها للعلم والجهل كما هو ظاهر الإطلاقات. غاية الأمر قيام الدليل من العقل والنقل على عدم وجوب البناء (2) عليه من دون العلم رأسا ؛ إذ مع الاشتباه بغير المحصور فيبقى محلّ البحث مندرجا تحت القاعدة.

نعم ، قد يتوهّم بناء الشرع في ثبوت النجاسة مع العلم دون الواقع. وهو ضعيف لما عرفت.

وقد فصّلنا القول فيه في محلّ آخر.

وما يتخيّل من دلالة العمومات على البناء على الحلّ حتّى تعرف الحرام بعينه ، والبناء على الطهارة في الأشياء وفي خصوص الماء حتّى يعلم النجاسة غير متّجه ؛ إذ المستفاد من تلك الأخبار غير صورة الاشتباه بالمحصور كما يعرف من إرجاع تلك العبارات إلى العرف.

ص: 343


1- في ( ألف ) : « وجوب ».
2- في بعض النسخ : « الدليل ».

ومع الفضّ (1) عنه فعدم فهم الأصحاب منها العموم كاف (2) في ذلك ، فلا أقلّ من الشك ، وهو كاف في هدم الاستدلال.

وفي بعض تلك الأخبار دلالة واضحة على ما قلناه ، مضافا إلى أنّ المفروض حصول الماء في مقام تنجيس أحدهما وحرمة التابعة لنجاسته ، وظاهر العمومات المذكورة هو الحكم بالحلّ والطهارة إلى أن يعلم الحرمة والنجاسة الحاصل (3) في المقام في الجملة.

غاية الأمر اشتباه الحلال بالحرام والطاهر بالنجس ، فلا بدّ إذن من الحكم بحرمة أحدهما ونجاسته نظرا إلى العلم المفروض.

فإذا قضيت (4) القاعدة المذكورة بحليّة الأشياء وطهارتها إلى أن يعلم خلافها لم يمكن إجراؤها بعد حصول العلم بخلافها ودوران ذلك بين فردين ؛ إذ المستفاد منها تغليب جانب الحليّة والطهارة مع الجهل دون العلم (5) ونسبة العمومات المذكورة إلى الماءين على نحو واحد ، وقد فرض خروج أحدهما عن الحلية والطهارة يقتضي العلم المفروض ، فيكون المتحصّل في المقام مع ملاحظة العمومات المفروضة هو طهارة أحد الماءين وحلّيته ، ونجاسة الآخر وحرمته (6) قد يكون مع القطع به والشك في تعلّقه بالعين المخصوصة.

فهناك يقين بالطهارة ويقين بارتفاعها ، وشك في ارتفاع الطهارة المتعلّقة بخصوص العين المعيّنة لعدم العلم بخصوص الزائل ، فليس الشك في المقام من جهة الشك في ارتفاع الأمر الحاصل ؛ إذ المفروض حصول القطع به ، بل من جهة الشك في التعيين بعد علم المكلّف حينئذ ببقاء إحدى الطهارتين وزوال الآخر ، فبقاء إحدى (7) الطهارتين معلومة كارتفاع الآخر

ص: 344


1- في ( ألف ) : « النصّ ».
2- في ( ب ) : « كان ».
3- كذا.
4- في ( د ) : « قضت ».
5- لم ترد في ( ب ) : « ونسبة العمومات ... يقتضي العلم ».
6- زيادة في ( ب ) : « ولا دلالة في تلك العمومات .. » إلى .. ويدفعه أن الشك في بقاء الطهارة ».
7- في ( ألف ) : « أحد ».

وليس الحكم ببقائها من جهة الاستصحاب ؛ إذ المفروض حصول القطع به.

نعم ، لمّا كانت الطهارة بالنسبة إلى كلّ من الماءين معلومة وكانت النجاسة الواردة دائرة بينهما فقد طرى الشك في ارتفاع خصوص كلّ من الطهارتين بعد العلم بحصولها فيندرج بملاحظة ذلك في قاعدة الاستصحاب.

وأنت خبير بعدم ظهور اندراج هذه الصورة في الأخبار الدالّة على حجيّة الاستصحاب ؛ إذ الظاهر منها استصحاب حكم اليقين الحاصل وعدم نقضه بالشك في حصول الرافع ، لا مع اليقين بحصوله والشك في المتعيّن.

ومع الغضّ عن ذلك وتسليم إطلاق الأدلّة الدالّة عليه فلا ريب في ارتفاع أحد الاستصحابين ، وبعد القطع إجمالا بانتقاض أحد الاستصحابين لا يصحّ الاستدلال بأحدهما بخصوصه.

وهل ذلك إلّا كالاستدلال بأحد العمومين بعد العلم بتخصيص أحدهما إجمالا أو بأحد الآيتين مع العلم بنسخ أحدهما كذلك؟ ولا يظن أن أحدا يجوّزه ويصحّح الاستدلال به.

كيف وقد أجمعوا على عدم جواز الاحتجاج بالعام المخصّص بالمجمل مع أنّ قضية الأصل في كلّ واحد من الأفراد عدم إخراجه عن العموم سيّما إذا كان المخصّص مفصّلا. وكأنّ ما ذكرنا هو مقصود المحقق (1) حيث ذكر أنّ يقين الطهارة في كلّ منهما معارض بيقين النجاسة ، ولا رجحان فيتحقق المنع.

فما أورد عليه بعض المحققين من أن يقين الطهارة في كلّ واحد يعارضه الشك في النجاسة لا اليقين بها بيّن الاندفاع بما ذكرناه.

وما ذكره بعض المتأخرين - في الايراد على ما ذكره المحقق وما أورده المحقق المذكور من أنّ الاشتباه بين الإناءين قد يكون بعد العلم بالحال ، وقد يكون من أوّل الأمر ، فلا يتمّ الحجة في الثاني ولا الإيراد المذكور في الأوّل - غريب ؛ إذ مع الغضّ عن فساده بما عرفت لا وجه

ص: 345


1- المعتبر 1 / 103.

للتفصيل المذكور ؛ لوضوح عدم الفرق في ذلك بين الصورتين فكما يصحّح الاستناد إليه في الصورة الأولى ينبغي أن يقول به في الثانية أيضا ؛ إذ مجرّد احتمال كون أحد المعنيين هو ما علم نجاسته لا يوجب ارتفاع حكم اليقين بالطهارة الثانية له قبل ذلك على نحو ما يقال به في الصورة الأخرى.

وقد يقال أوّلا : إنّ العلم بخصوص النجس في الصورة الأولى يقتضي عدم صحة الاستناد إلى الاستصحاب بالنسبة إليه لحصول اليقين بنجاسته بالخصوص الذي هو الغاية في الحكم بالطهارة فيه بخلاف الثانية لعدم حصول العلم بنجاسة شي ء منهما بالخصوص فيصحّ الاستناد إلى الاستصحاب بالنسبة إلى كلّ منهما فكلّ من الماءين هنا يندرج في موضوع الاستصحاب.

وأمّا في الصورة فقد خرج أحدهما عن الموضوع قطعا ، والشكّ الطاري لا يوجب الاندراج تحت قاعدة الاستصحاب وإن كان أحد الماءين بالخصوص خارجا ؛ إذ كلّ منهما حينئذ من مصاديق الموضوع المقرّر للاستصحاب.

والحاصل أنّ العلم الإجمالي بأحد الإناءين حاصل في الصورتين ، فإن جعل ذلك مانعا عن البناء من الأصل المذكور جرى فيهما ، وإلّا فلا يمنع من البناء عليه فيهما أيضا.

ومجرّد تعيين النجس إناء ما لا يقضي بالفرق إلّا أن يقال : إنّ ما يقتضيه ظاهر أخبار الاستصحاب هو البناء على الطهارة مع الشك في عروض النجاسة لا مع اليقين به والشكّ في اليقين كما أشرنا إليه ، أمكن الفرق لكنه بيّن الفساد حسب ما مرّ الكلام فيه.

لا (1) يذهب عليك أنّ ما ذكره المحقق المذكور من الإيراد لو تمّ فإنّما يتمّ معه عدم العلم أولا بنجاسة الماءين ؛ إذ لو علم بها أوّلا ثم علم بطهر أحدهما من دون تعيين كان مقتضى الأصل على دعواه هو الحكم بالنجاسة ، والتفصيل المذكور في الإيراد الأخير فاسد أيضا لاقتضاء الأصل حينئذ ، ومع الاشتباه الأصل : الحكم بالنجاسة ، وفي الطارئ يجي ء المنع من جهة

ص: 346


1- في ( د ) زيادة : « ثم ».

الشبهة حسبما ذكره. والبناء على التفصيل بين هذه الصورة والصورة المتقدمة بعيد جدا. فتأمّل.

إذا تقرّر ذلك تبيّن أنّه لا وجه للاكتفاء في الطهارة أو الإزالة باستعمال أحد الماءين كما زعمه الجماعة لما عرفت من انتفاء الحكم بالطهارة فيه في ظاهر الشريعة وإن لم يحكم بنجاسته أيضا أو مجرّد الجهل بالطهارة في الظاهر ولو من جهة الأصل والعمومات كاف في عدم الحكم بالصحّة ؛ نظرا إلى أنّ الأصل عدم ارتفاع الخبث أو الحدث الحاصلين ؛ لاشتراط الطهارة في المزيل والشك في الشرط قاض بالشك في المشروط فتستصحب تلك الحالة السابقة من الحدث أو الخبث المتحقّقين ، ولا باستعمالهما معا على سبيل التعاقب وإن قطع معه باستعمال الطاهر.

أمّا بالنسبة إلى الرّفع فلأنّ (1) استعمال الأوّل غير كاف في الحكم بالرفع كما عرفت ، واستعمال الثاني بعده قاض بنجاسة المحلّ في حكم الشرع ، فلا يصحّ الطهارة معه لاشتراطهما بطهارة العضو في حكم الشرع المرتفع قطعا بتعاقبهما على المحلّ.

وأمّا في الإزالة فلأنّه وإن حكم معه بزوال الخبث الحاصل إلّا أنّه يقطع أيضا بتنجّس المحلّ من دون قطع بزوالها فتستصحب ولا يترتب فائدة يعتدّ بها على العلم بزوال النجاسة المتقدمة.

نعم ، لو كانت إزالة النجاسة الحاصلة في المحلّ متوقفة على غسلتين بخلاف الحاصلة في الماء اكتفى حينئذ في إزالتها بغسلة واحدة سواء غسل لكلّ منهما مرّة أو مرّتين.

فإن قلت : إن الأظهر كما يأتي (2) عدم تنجّس المحلّ باستعمال أحد الماءين ، وحينئذ فإذا طهر أعضاء الطهارة بالماء الثاني بعد الفراغ من الطهارة بالأوّل ثمّ استعمله في الطهارة الثانية حصل اليقين بصحة إحدى الطهارتين وارتفاع الحدث الحاصل ؛ إذ لو كان الطاهر هو الأوّل فقد ارتفع به الحدث ، وإن كان الثاني فقد أزيل به النجاسة الحاصلة في المحلّ ، وصحّت الطهارة

ص: 347


1- في ( ألف ) : « ولأن ».
2- في ( ألف ) هنا زيادة لفظة : « في ».

الواقعة به.

ومن الواضح عدم خلوّ الواقع عن إحدى الصورتين ، فيحصل اليقين بارتفاع الحدث. وحيث صارت ملاقاته للأوّل كالعدم بعد غسله للأخير ، فلا ينجس به المحل بعد ملاقاته للأخير ؛ إذ ليست إصابته له حينئذ إلّا كإصابته لأحدهما.

وحينئذ (1) لا تقضي بتنجس المحل كما عرفت ، فلا مانع من جهة نجاسة الماء للعلم بطهارة أحدهما ، ولا من جهة تنجّس المحلّ فيصحّ أحد الاستعمالين قطعا.

ومنه يظهر الوجه في ارتفاع الخبث بتعاقبهما والحكم بطهارة المحلّ بعد استعمالهما ؛ لما عرفت من ارتفاع حكم الأوّل بورود الثاني.

قلت : قضية الأصل في المقام هو الحكم بتنجس المحلّ بعد إصابة الماءين ؛ للقطع بطروّ النجاسة عليه مع عدم العلم بزوالها ، فيستصحب ما علم ثبوته حتى يعلم زواله. ولا علم به في المقام ؛ لتوقفه على العلم بطهارة الأخير ، والمفروض عدم العلم بما (2) يحكم شرعا بنجاسته ما تواردا عليه إلى أن يعلم زوالها ، ومعه لا يمكن الإتيان بالطهارة الثانية لاشتراطها بطهارة المحلّ ، والمفروض أنّه معلوم النجاسة في حكم الشرع.

وفيه نظر.

وتحقيق القول فيه أن يقال : إنّه لا وجه لاستصحاب النجاسة في المقام ؛ إذ هو من قبيل استصحاب أحد الحالين مع العلم بحصول كلّ منهما كاستصحاب بقاء الحدث والطهارة مع العلم بحدوث طهارة وحدث عنه (3) ، فكما أنّه لا يمكن استصحاب الحدث أو الطهارة في ذلك المقام فكذا هاهنا ؛ للعلم بطهارة المحل في إحدى الحالين ونجاسته في الأخرى.

وكما علم اتّصافه بالنجاسة في حال كذا يعلم اتّصافه بالطهارة أيضا كما لا يمكن الحكم باستصحاب الطهارة كذا لا يمكن استصحاب النجاسة أيضا. والتفصيل بين الحالين بإجراء

ص: 348


1- في ( د ) : « هي » ، بدل : « حينئذ ».
2- في ( د ) : « بها فيحكم » ، بدل : « بما يحكم ».
3- في ( د ) : « منه ».

الاستصحاب في إحداهما دون الأخرى غير مقبول ، فغاية الأمر أن يكون مجهول الحال ، وحينئذ فلا يمكن الحكم بشي ء منهما.

وقد يقال : إنّ قضية القاعدة حينئذ هو الحكم بالطهارة ؛ إذ بعد تكافؤ الاستصحابين يرجع إلى أصالة الطهارة.

وأنت خبير بأنّ الأصل المذكور ممّا لا دليل عليه بحيث يشمل المقام ؛ إذ لا مصرّح فيه للعقل ولا شاهد عليه من النقل ، غاية ما في الباب الرجوع إلى ما دلّ على أصالة الطهارة في الماء أو سائر الأشياء حتّى يعلم القذارة ، وقد عرفت عدم صحة الاستناد إليه في المقام.

كيف والمفروض العلم بالقذارة في المقام ولا دلالة فيها على عدم الالتفات إلى العلم المفروض ، والحكم بطهارة الجميع بل قضية إطلاقها هو الحكم بالنجاسة على نحو ما تعلّق العلم بها ، ومع الحكم بها كذلك لا يمكن الحكم بطهارة كلّ منهما حسب ما مرّ الكلام فيه.

ونظير المقام ما لو كان عنده ماءان أحدهما معلوم الطهارة بعينه والآخر معلوم القذارة ، فغسل ثوبه بكل من ذينك الماءين وشكّ في تاريخ الاستعمال ، فإنّه مع الجهل بتقديم الطاهر أو النجس لا مجال لاستصحاب الطهارة ولا النجاسة ولا إجراء (1) القاعدة المذكورة.

نعم ، قد يقال فيه بالأخذ بضدّ الحالة السابقة على نحو ما قيل في صورة العلم بحدوث الحدث والطهارة مع جهالة التاريخ لاستصحاب بقاء الحالة السابقة في الآنات اللاحقة إلى أن يعلم ارتفاعها ، وقضيّة ذلك الحكم بتقدّم ما لا تقضي (2) برفع الحالة السابقة (3) وتأخر ما يقضي بارتفاعه فيحكم بطهارته مع نجاسته أوّلا وبنجاسته مع طهارته.

مضافا إلى أن تقدّم ما يخالف الحالة الموجودة يقضي بارتفاع تلك الحالة لحدوث ضدّها ، ثمّ ارتفاع ذلك الضدّ بطروّ الآخر ، بخلاف الوجه الآخر ؛ إذ ليس هناك من الحوادث إلا

ص: 349


1- في ( د ) : « لإجراء ».
2- في ( د ) : « يقضي ».
3- في ( د ) : « الثابتة ».

ارتفاع (1) الحالة الموجودة فيه ، فيزيد الآخر عليه بوجود حادثين والأصل عدمهما.

ويجري ذلك بعينه فيما نحن فيه إلّا أنّك خبير بأنّ الاستناد إلى الأصول المذكورة أخذ بالأصول المثبتة (2) ، وهي لا تنهض حجّة إذ لا يمكن إثبات ملاقاة الطاهر له في الأول والنجس في الثاني بمجرّد الأصل المذكور ؛ إذ غاية الأمر حجيّة الأصل المذكور في محلّه ، ولذا يحكم ببقاء نجاسته بعد استعمال الأوّل ، وأمّا في إثباته حكما عاديا آخر فلا وجه له أصلا كما قرّر في محلّه.

إذا عرفت ذلك فنقول : بعد الجهالة بالطهارة والنجاسة وانتفاء طريق في الظاهر إلى الحكم بكلّ منهما لا يمكن الحكم بصحّة الأمر المتوقّف على الطهارة ؛ لعدم قيام دليل شرعيّ على حصول الشرط ، وكذا لا يترتّب عليه الحكم المتوقّف على النجاسة.

فلو اعتبرنا في حرمة الأكل والشرب نجاسة المأكول والمشروب قوي الحلّ (3) في المقام لعدم العلم بحصول الحرمة ، فيبنى على انتفاء الحكم.

لا يقال : إنّه يترتّب على نجاسة الماء المنع من استعماله فيما يشترط بالطهارة من الطهارات وإزالة الأخباث ، فيجري فيه ما ذكر من البناء على عدم ثبوت ذلك الحكم حتّى يقوم دليل عليه ، فالمنع من استعماله فيها مدفوع بالأصل ؛ لعدم قيام دليل عليه حسب ما ذكر أو نقول : إنّه لا منع في المقام من استعماله في الأمور المذكورة إلّا من جهة البدعة ، وارتفاعها إنّما يكون بقيام الدليل لا بمجرد الأصل ، وكذا الحال بالنسبة إلى آثار ذلك الاستعمال ؛ إذ قضية الأصل عدم ثبوت شي ء منها من دون قيام دليل عليه ، فلا وجه لإثباتها بمجرد الأصل بل قضية الأصل عدم ثبوتها وعدم تفريغ الذمة عمّا يشترط بحصولها.

فثبت بما ذكرنا عدم جواز الصلاة في الثوب بعد تعاقب الماءين المذكورين عليه ، وكذا الحال بالنسبة إلى البدن ، فلا يحكم في الظاهر بصحة الوضوء من جهة احتمال نجاسة العضو من غير قيام دليل شرعي على طهارته ، ولو من جهة الأصل لا أنّه محكوم بفساده ، فاحتمال نجاسة

ص: 350


1- في ( ألف ) : « الارتفاع » بدل : « إلّا الارتفاع ».
2- في ( ألف ) : « المشتبهة ».
3- في ( ب ) : « الحال ».

العضو نظير احتمال نجاسة الماء في الصورة المفروضة من غير فرق.

فقضية الأصل الحكم بصحة أحد الوضوءين وارتفاع الحدث باستعمالها كذلك.

إلّا أنه يشكل الحال نظرا إلى ارتفاع الحكم بطهارة الأعضاء ، وهو مانع من الحكم بصحة الصلاة من جهة الخبث ، وحينئذ فقضية القاعدة الانتقال إلى التيمّم أيضا ؛ لوجوب تقديم الطهارة الخبثية على الطهارة الاختيارية فينطبق الحكم المذكور حينئذ على القاعدة.

وقد يقال حينئذ بلزوم تكرار الصلاة بأدائها تارة بين الطهارتين وأخرى بعد الطهارة الثانية ليعلم معه بأداء العبادة مستجمعا للطهارة الحدثية والخبيثة ؛ إذ لو كان الطاهر هو الأوّل فقد أدّى العبادة على وجهها ، وكذا لو كان الثاني.

وفيه : أنّه وإن حصل العلم حينئذ بأداء الصلاة مستجمعة للطهارتين بحسب الواقع إلّا أنّه لا يجوز الإتيان بها كذلك على ما تقتضيه القواعد الشرعيّة للحكم شرعا بفساد الصلاة الأولى من جهة الحكم عليه ببقاء الحدث ؛ نظرا إلى الشك في ارتفاعه باستعمال الأوّل ، وعدم جواز استعمال الثاني من جهة ارتفاع الحكم بطهارة البدن معه ، مع اشتراطها في صحّة العبادة وتقدّمها على الطهارة الحدثية الاختيارية ، فتحصيل إحراز (1) الواقع في العبادة مع المخالفة لما تقتضيه القواعد الشرعيّة ليس أخذا بالاحتياط ؛ ليتحقّق رجحان كلّ من (2) الفعلين من تلك الجهة حتى (3) يصحّ التقرّب بكل منهما.

وبما قرّرنا يظهر ضعف ما قد يفصل في المقام بين ما إذا وفي الماء لذلك فيكرّر العبادة على الوجه المذكور ، وما إذا لم يف به فينتقل إلى التيمّم معه.

لكن ما أورد عليه من أنّ هذين الماءين قد حكم بنجاستهما شرعا واستعمال النجس في الطهارة ممّا لا يمكن التقرب به لكونه بدعة فاسد ؛ لوضوح أنّه لم يحكم بنجاسة الماءين المذكورين معا وإنّما حكم بنجاسة أحدهما وطهارة الآخر على الإجمال ، وحصول الطهارة

ص: 351


1- في ( ب ) : « إجراء ».
2- لم ترد في ( ب ) : « من الفعلين ».
3- في ( ب ) : « متى ».

والنجاسة بالنسبة إلى خصوص كلّ منهما غير معلوم واستعمال النجس المجهول من جهة الاحتياط وإحراز استعمال الطاهر لا يكون بدعة كما عرفت.

ثمّ إنّ ما ذكرناه إنّما يتمّ مع وجوب الطهارة من الخبث ، فلا يتمّ ذلك إذا كان قبل دخول وقت الصلاة الواجبة ؛ إذ لا يجب عليه إذن مراعاة طهارة البدن ، وكذا إذا كان فاقدا للطهورين سوى الماءين المفروضين لتقدم الطهارة الحدثية على الخبثية قطعا ، ولذا يسقط وجوب الصلاة بانتفاء الأوّل دون الثاني.

وحينئذ فالحكم بإطلاق المنع من استعمالهما والانتقال إلى التيمّم لا ينطبق على القواعد ، والاقتصار على ما تقتضيه القاعدة غير موافق لظاهر كلمات الأصحاب وإطلاق الموثقتين المذكورتين.

فالظاهر عدم صحّة الوضوء بهما في الصورة الأولى ؛ أخذا بظاهر الخبرين المتقدمين المعتضدين بإطباق الأصحاب على أنّه لا يظهر قائل صريح بوجوب التعاقب بين الأصحاب سيّما على التفصيل المذكور (1) ، فانّ من لم يعمل بالحديثين المذكورين من المتأخرين يكتفي باستعمال أحدهما.

وأمّا الصورة الثانية فالظاهر خروجها عن مدلول الخبرين وظاهر كلمات الأصحاب أو الحكم بالانتقال إلى التيمّم شاهد على فرض المسألة في صورة التمكّن من الطهارة الاضطراريّة ، ومع خروجه عن مدلول النصّ والفتوى لا يبعد الرجوع فيه إلى مقتضى الأصل ؛ إذ لا وجه للقول بسقوط الصلاة حينئذ من غير قيام دليل ظاهر عليه إلّا أن يدّعى الإجماع على المنع من استعمالها في الطهارة مطلقا ، وهو محلّ تأمّل ، والأظهر في النظر الرجوع فيه إلى القاعدة المذكورة ، فتأمّل.

هذا ، وقد ظهر ممّا فصّلنا ضعف ما ذهب إليه جماعة من المتأخرين من البناء على جواز استعمال أحد الإناءين إسنادا (2) إلى الأصل والعمومات ، واستضعافا للموثقين المذكورين ،

ص: 352


1- لم ترد في ( ب ) : « المذكور فإنّ .. بالحديثين ».
2- في ( د ) : « استنادا ».

ومنعا لما ادّعي عليه من الإجماع.

وقد ذكروا في المقام شواهد على ما راموه من البناء على الطهارة وجواز الاستعمال : منها نصّ الأصحاب بعدم وجوب الاجتناب في الشبهة المتعلّقة بغير المحصور مع أنّ قضية الأصل فيهما على نهج سواء.

وكذا ما ذكر من توقّف ترك الحرام على المجموع.

وفيه : أنّ الفارق بين الأمرين خروج غير المحصور بالإجماع والسيرة المقطوعة ، وما يستفاد من الاخبار و (1) لزوم العسر والحرج الظاهرين بخلاف غير المحصور ؛ لعدم قيام شي ء من هذه الأدلّة عليه.

مضافا إلى أن احتمال (2) الماء (3) المذكور في غير المحصور لضعفه لا يعدّ في العرف علما ولا يعتنى به أيضا في الأمور العادية (4) بخلاف الاشتباه في المحصور ، ولذا لم يعد الآتي به متجرّيا على الحرام ، على أنّ العلم الحاصل في غير المحصور يتساوى غالبا بالنسبة إليه الحكم بحرمة الفرد المخصوص وعدمه.

ألا ترى أنّا إذا علمنا وجود ماء نجس في العالم لم يكن حكمنا بنجاسة الماء المخصوص حكما بطهارة غيره من المياه بل العلم بوجود النجس إجمالا حاصل .. (5).

ص: 353


1- زيادة واو العطف من ( د ).
2- في ( ب ) : « الاحتمال » ، بدل : « احتمال الماء ».
3- لم ترد في ( د ) : « الماء ».
4- في ( ب ) : « العارية ».
5- هنا بياض في نسخة ( ألف ) بمقدار سطر واحد بل أقل.
الفصل الثاني: في الوضوء
اشارة

الفصل (1) الثاني

في الوضوء

وهو غسلات ومسحات معروفة مشترطة بنية القربة.

والكلام في أسبابه وغاياته وكيفيته ولواحقه :

القول في الأسباب

والمراد بها الأمور القاضية بإيجاب الوضوء لغاية واجبة وندبه للمندوبة.

والأولى تتميمه لما تقتضي ندبه لغاية واجبة أو مندوبة كالمذي ، ولا فرق بين ما يكون اقتضاؤه فعليّا أو شأنيا كالحدث المبتدأ الواقع عقيب آخر ، والواقع من المكلّف أو غيره ؛ ولا بين ما يكون مقتضيا له بالنسبة إلى الغاية الواقعة عقيبه أو لأخرى كالبول الخارج من المسلوس عقيب الطهارة أو في أثنائها.

ويطلق عليها الموجبات والنواقض والأحداث أيضا إلا أنّ الموجبات أخصّ منها مطلقا إن اعتبر فيها الإيجاب فعلا ، وإلّا فهما متساويان.

والنواقض أعمّ منها من وجه كالأحداث سواء اعتبر النقض فعلا أو لا بناء على التعميم في الأسباب ، وإلّا فالنواقض أعمّ مطلقا على الأخير.

ص: 354


1- في ( د ) : « المقصد ».
تبصرة: [ في خروج البول أو الغائط والريح ]

من أسباب الوضوء خروج البول أو الغائط والريح من الموضع المعتاد بالإجماع والروايات المستفيضة المتكثرة منها الصحيح : « لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك الأسفلين والنوم » (1).

وصحيحة أخرى : « لا يوجب الوضوء إلّا غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها » (2).

وفي أخرى : ما ينقض الوضوء؟ فقال : « ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الدبر والذكر غائط أو بول أو مني أو ريح » (3) ، الخبر.

ولا فرق بين حصول الاعتياد وعدمه في الخروج عن الموضع المعتاد (4) المعروف كما إذا اعتاد الخروج من غيره ، فاتفق الخروج منه بلا خلاف فيه يعرف ؛ للإطلاقات.

وفي حكمه (5) الموضع المعتاد ما لو وقع الموضع الخلقي في غير المعتاد في ظاهر كلام الأصحاب. وفي (6) المنتهى (7) والسرائر (8) حكاية الإجماع عليه.

ص: 355


1- الإستبصار 1 / 86 ، باب الضحك والقهقهة ، ح 2.
2- تهذيب الأحكام 1 / 346 ، باب الاحداث الموجبة للطهارة ح 8.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 61 ، باب ما ينقض الوضوء ، ح 1.
4- لم ترد في ( د ) : « المعتاد ».
5- في ( ألف ) : « حكم ».
6- زيادة في ( د ) : « ظاهر ».
7- منتهى المطلب 1 / 31.
8- السرائر 1 / 106 ، وفي ( د ) : « التحرير ».

وفي الحدائق (1) : إنّ ظاهرهم فيه عدم اعتبار الاعتياد ، واستشكل فيه حتّى مع الاعتياد.

وهو غريب.

ولو تعدّد المخرج الخلقي كما في الخنثى المشكل أو غيره فإن اعتيد المخرجان فلا تأمّل في النقض ، وإلّا نقض الخارج عن الواقع في المحلّ المعتاد ، ولو مع (2) عدم الاعتياد ، وفي غيره مع عدم اعتياده وجهان.

ولو انفتح مخرج سوى الطبيعي ، فإن كان مع انسداده فعن المنتهى حكاية الإجماع على أنّه كالطبيعي إذن ، فظاهره عدم اعتبار الاعتياد فيه أيضا.

وفي الحدائق : إن ظاهرهم عدم اعتبار الاعتياد.

وبه قال (3) في السرائر والمنتهى والتحرير والروض والمسالك وغيرها.

وظاهر إطلاق الشرائع والمدارك عدم النقض مع عدم الاعتياد. ولو كان مع عدم انسداد الطبيعي ففي النقض الخارج منه أقوال :

النقض مطلقا ، وإليه ذهب في السرائر والتذكرة.

وعدمه كذلك ، واختاره غير واحد من المتأخرين وتردّد فيه في الذخيرة واستشكله في الحدائق فيرجع إلى القول بعدم النقض. وقد نصّ عليه في الأخير.

وهو غريب مع مبالغة في عدم حجية الاستصحاب في صورة الشك في قدح العارض كما في المقام ، والتفصيل بين حصول الاعتياد وعدمه.

وفي الحدائق (4) وغيره : إنّه المشهور والتفصيل بين الخروج عما دون المعتاد وما فوقها ، وعزي إلى الشيخ في المبسوط والخلاف.

ص: 356


1- الحدائق الناضرة 2 / 86.
2- زيادة : « مع » من ( د ).
3- لم ترد في ( ب ) : « وبه قال .. عدم الاعتياد ».
4- الحدائق الناضرة 2 / 86.

والوجه في الأقوال المذكورة إطلاق ما دلّ على نقض البول والغائط ، فإن (1) الإطلاقات إنما تنصرف إلى الأفراد الشائعة (2) ، وهو الخارج من الموضع المعتاد ، وفيها ما يدل على حصر النواقض أيضا ، وأنه مع الاعتياد يكون مشمولا للإطلاقات ؛ لانصرافها إلى المعتاد بخلاف ما إذا لم يحصل الاعتياد وأنّ الخارج عما دون المعدة مشمول للغاية ، فيتناول (3) الاسم بخلاف الخارج عمّا فوقها.

وقد يقال : إن الإطلاقات إنّما تنصرف إلى المعتاد الشائع لا معتاد الشخص على سبيل الندرة ، فلا فائدة في اعتبار الاعتياد بالنسبة إليه إلّا أن يقال : إن المنساق من العبارة هو خصوص الخارج من الموضع المعدّ لخروجه خلقة أو المعتاد المعدّ له عارضا وإن ندر (4) حصول الثاني فإنّ ندرة حصوله لا يقتضي خروجه عن الإطلاق مع ظهور شموله له بعد حصوله على ما هو الأظهر من انصراف الإطلاقات إلى الأفراد النادرة إذا شملها المعنى المنساق من اللفظ ، بخلاف ما إذا كان شك في الشمول أو ظهور في خلافه.

فظهر بذلك الفرق بين ندرة حصول الاعتياد في الخروج من غير الموضع المعتاد وندرة الخروج عن غير المعتاد.

ويتبيّن منه قوة التفصيل المشهور إلّا أن يكون الخروج عن حوالي الموضع المعروف ، فيحتمل فيه إطلاق البناء على النقض كما إذا خرج البول في المرأة من مخرج الحيض إذا أفضى ، وكذا إذا حصل ثقب في الآلة فخرج منه البول أو قطع الذكر. وينبغي القطع فيه بحصول النقض بأوّل مرة.

ثمّ إن المرجع في صدق الاعتياد إلى العرف ، فلا عبرة بتكرره مرّتين كما اعتبر في عادة الحيض. واكتفى به هنا في الروض والمسالك أو ثلاثا كما حكي عن بعض الأفاضل. وقيّده

ص: 357


1- في ( د ) : « وإنّ ».
2- في ( ب ) : « السابقة ».
3- في ( د ) : « فيتناوله ».
4- في ( ألف ) : « قدر ».

بعضهم بعدم تطاول الزمان.

هذا كلّه في البول أو الغائط.

ويحتمل إجراء الجميع في الريح إلّا أنّه نصّ في المهذب والسرائر (1) والمنتهى (2) والبيان والمشارق (3) وكشف اللثام على عدم نقض الريح الخارج عن القبل الشامل للذكر والفرج ، وظاهر ذلك عدم الفرق بين حصول الاعتياد وعدمه ، فقضيته حينئذ عدم الاعتبار بالريح الخارج من الدبر أو المخرج المعدّة للغائط.

وفي بعض الصحاح تخصيص النقض بالضرطة (4) والفسوة ، وصدقهما مع الخروج عن معد آخر غير ظاهر ، فالأظهر عدم إلحاق الريح بهما فيما ذكرنا للشك في الشمول وقضاء الأصل والنصوص بعدم انتقاض الطهارة بالشّك.

وهل يعتبر كون الخروج من (5) النحو المعتاد أو يكفي مسماه كيفما كان؟ وجهان ، فلو خرجت المقعدة متلطخا بالعذرة فعادت لم ينقض على الأوّل بخلاف الثاني.

واستقرب في كشف اللثام عدم النقض فيه ، وحكاه عن الذكرى ، واحتمله في المدارك إلّا أنّه مال إلى النقض.

وكأنّه الأظهر لصدق الخروج معه لغة وعرفا. وانصراف الإطلاقات عما ليس معتادا مطلقا ممنوع.

وينبه عليه أنّه لو انفصل ثمة شي ء بعد الخروج معها نقض قطعا فكذا مع عدمه (6) لو خرج من الأغلف بول فصار في غلفته ، ففي انتقاض طهارته وجهان مبنيّان على أنّ ما تحت الغلفة من الظواهر أو البواطن ، وقد ذكر في وجوب غسل ما تحت الغلفة في الاستنجاء وجهان

ص: 358


1- السرائر 1 / 107.
2- منتهى المطلب 1 / 188.
3- مشارق الشموس 1 / 57.
4- في ( ألف ) : « بالضرط ».
5- في ( د ) : « على ».
6- زيادة في ( د ) : « و ».

بل حكي فيه قولان ، وكأن الأقوى صدق (1) الخروج معه إلّا أن يكون (2) ..

ولو قطع بعض الذكر وأبقى منه الجلدة فجرى البول إليها ففيه قولان.

وكأن الأقوى هنا عدم الانتقاض مع عدم الخروج إلى الظاهر.

ثمّ إنّه مناط (3) الحكم بالنقض على تسمية الخارج باسم البول أو الغائط في العرف ، فلو لم يسمّ باسميهما (4) لم يثبت فيه الحكم.

ولو خرج عن التسمية لأجل الامتزاج بالغير كالبول الممتزج بالدم ففيه وجهان ؛ أقواهما الانتقاض.

ولو استهلك فيه لصدق خروج البول وإن لم يكن متميزا في الحسّ ولو لم يتميز البول من الدم في المثانة كما قد يتفق في بعض أمراضها ، احتمل عدم الانتقاض ؛ لعدم صدق اسمه قبل الامتياز.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من اعتبار الاعتياد وعدمه إنما هو في نقض الخارج.

وأمّا في نجاسته فلا شكّ فيها مع صدق الاسم لتبعيّة الحكم. والفارق إناطة الحكم هنا بالخروج وهناك بالتسمية.

والظاهر أن ذلك ممّا لا خلاف فيه كما يستفاد من إطلاقاتهم. وربّما يستفاد من بعض الأفاضل تأمّل فيه ، وليس في محلّه.

ثمّ اعلم أنّه قد وقع في المعتبرة المستفيضة تقييد الريح الناقض بكونه ذا صوت أو رائحة ، وقضيّة ذلك عدم نقض الخالي عنهما ولو مع اليقين بالخروج.

وقضية حمل المطلق على المقيد تقييد المطلقات بها لكن لم نر أحدا من الأصحاب عمل على ظاهرها.

ص: 359


1- لم ترد في ( ب ) : « صدق الخروج .. وكان الأقوى ».
2- العبارة هكذا ، وفيها نقص بيّن.
3- في ( د ) : « يناط ».
4- في ( ألف ) : « باسميها ».

ويمكن أن يحمل ذلك على إرادة عدم انتقاض الطهارة بمجرّد الشك أو الظنّ ، وقد يومي إليه غير واحد من تلك الأخبار.

ولمّا كان كلّ من الوصفين من أوضح الأدلّة على اعتبار خصوصهما في تلك الروايات ، وقد روى علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (1) : رجل يكون في الصلاة فيعلم أن ريحا قد خرجت ، فلا يجد ريحها ولا يسمع صوتها؟ قال : « يعيد الوضوء والصلاة » (2).

وربّما يخيّل (3) تخصيص الريح الناقض بالمعدي فلو اجتمعت الرياح في أطراف المقعدة لم ينقض ، فجعل الإمام عليه السلام أحد الوصفين كاشفا عن الناقض وعدمه عن عدمه إلّا أن يعلم بالحال في بعض الأخبار (4) مع الخلو عن الوصفين أيضا فيحكم أيضا بالنقض قطعا.

وعليه يحمل الرواية الأخيرة.

فهناك صور ثلاثة يتبين الحكم فيها من الجمع من أخبار الباب.

وفيه : أنّه جمع لا شاهد عليه ، بل ظاهر إطلاقات الأصحاب خلافه ، وكذا ظواهر الأخبار ، فتأمّل.

ص: 360


1- زيادة في ( د ) : « في ».
2- وسائل الشيعة 1 / 248 ، باب أنه لا ينقض الوضوء الا اليقين بحصول الحدث ، ح 9.
3- في ( د ) : « يتخيّل ».
4- في ( د ) : « أحيان ».
تبصرة: [ في النوم الغالب ]

من أسباب الوضوء النوم الغالب على حاسّتي السمع والبصر ، وهو الذي يسمّى نوما في العرف ، إذ ما دونه يسمّى نعاسا ونحوه.

ولذا أطلق تارة في الصحاح (1) الحكم بنقضه من غير تقييد ، وقيّد اخرى بغلبته على العقل والسمع ، أو على الأخير وعلى البصر ، أو عليهما وعلى القلب. والمقصود من الجميع واحد.

ونقضه الوضوء مطلقا هو المعروف من المذهب. والظاهر انعقاد الإجماع عليه. والخلاف فيه إن ثبت منقوض (2) والأصل فيه بعد الإجماع - محصّلا أو منقولا في لسان جماعة من الأجلّة كما في الانتصار والناصريات والتهذيب والخلاف وغيرها - النصوص المستفيضة المتكثّرة المشتملة على الصحاح وغيرها.

وفي آية الوضوء دلالة ظاهرة عليه بمعونة تفسيرها في الموثق بالقيام من النوم. وفيه : قلت : ينقض النوم الوضوء؟ قال : « نعم إذا كان يغلب على السمع » (3).

وفي مرسلة بكير أيضا تفسيرها بذلك ، بل حكى الشيخ والعلّامة إجماع المفسرين عليه.

وفي الصحيح : « من وجد طعم النوم فإنّما وجب عليه الوضوء » (4).

ص: 361


1- الصحاح 5 / 2047 ( نوم ) ، وانظر : لسان العرب 12 / 598 ( نوم ).
2- في ( ألف ) : « منقرض ».
3- الإستبصار 1 / 80 ، ابواب ما ينقض الوضوء باب النوم ، ح 9.
4- الإستبصار 1 / 81 ، ابواب ما ينقض الوضوء باب النوم ، ح 10 وفيه : فإنما أوجب عليه.

وفي أخرى : « من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش على أيّ الحالات فعليه الوضوء » (1).

وما يعارضها ممّا دلّ على « عدم نقض النوم جالسا مع عدم تعمّده » كما في رواية عمير بن حمران أو النوم جالسا مجتمعا » كما في رواية أبي بكر الحضرمي أو (2) « عدم نقضه قاعدا ما لم ينفرج » (3) كما في مرسلة الفقيه أو « أنّ الخفقة في الصلاة قائما أو راكعا » (4) لا ينقضه كما في موثقة سماعة لا يقاوم ما ذكر من الأدلّة مع كثرتها ، ووضوح إسنادها ، وصراحة دلالتها ، وبعدها عن مذهب العامة ، وموافقتها للكتاب ، واعتضادها بعمل الأصحاب.

ويمكن حملها على التقيّة على أنّها ضعيفة الإسناد سوى الموثقة ، وهي غير ظاهرة الدلالة ، أو على ما إذا لم يغلب على الحاسّتين جمعا بين الأخبار.

وعن (5) الصدوق في المقنع ووالده : أنّها لم يذكر [ ا ] النوم في النواقض مع حصرهما للنواقض في غيره.

وروى في الفقيه موثقة سماعة ، والمرسلة المذكورة تنسب إليه جماعة من الأصحاب منهم المحقّق والعلامة القول بعدم نقضه قاعدا ما لم ينفرج بناء على ما ذكره في أوّل كتابه من ذكره الروايات التي يفتى بمضمونها.

وأنت خبير بأنّه لا يثبت بمجرد ذلك الخلاف في المسألة ؛ إذ عدم الذكر أعمّ منه ، ومجرّد ذكر الحصر مع وروده في الخبر وما علم من طريقتهم من الاقتصار على ذكر متون الأخبار ليس واضح الدلالة عليه مع ما استفيض في الأخبار من الحكم بنقضه ، وما هو معلوم من مذهبهم في الاعتماد على الأخبار.

ومجرد رواية الحديث في الفقيه لا يدلّ على حمله على إطلاقه ؛ لاحتمال البناء مع تقييدها

ص: 362


1- الإستبصار 1 / 79 ، ابواب ما ينقص الوضوء ، باب النوم ، ح 5.
2- في ( د ) : « إذ ».
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 38.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 63 نقلا بالمعنى.
5- في ( ألف ) : « من ».

بما إذا لم يغلب على العقل كما هو الوجه في حمله.

وقد ذكر في (1) صحيحة زرارة الدالّة على نقضه إذا ذهب العقل ، والتعارض بينهما من العموم من وجه ، فكيف يستفاد بناؤه على ذلك الإطلاق.

هذا ، ثمّ إنّ الظاهر من أخبار الباب كون النوم بنفسه من الأحداث ، وقد صرّح به في بعضها كالصحيح : « لا ينقض الوضوء الّا حدث والنوم حدث » (2).

وهو ظاهر الأصحاب ، ويعزى إلى بعضهم البناء على ناقضيّته من جهة احتمال طروّ الحدث. وقد يحمل عليه ترك الصدوقين بعدها في الأحداث.

ويستدل عليه بالقوي في بيان العلّة لنقضه أنّ النائم إذا غلب عليه النوم يفتح عليه كل شي ء واسترخى ، فكان أغلب الاشياء ممّا يخرج منه الريح موجب عليه الوضوء لهذه العلّة.

وروايتي (3) الكناني في الخفقة في الصلاة أنّه « إن لم يحفظ حدثا فعليه الوضوء (4) وإن استيقن عدمه فلا وضوء عليه ».

وفيه : أنّ الرواية الأولى إنّما اشتملت على بيان الحكمة في ذلك وليس بيانا للعلّة المطردة كما يظهر من ملاحظة باقى العلل المذكورة فيها ، والأخيرة ضعيفة متروكة بين الأصحاب.

ويمكن حملها على الاستحباب بعد حمل الخفقة على غير النوم الغالب كما يشعر به الرواية.

وبالجملة ، لا يقاوم ظاهر هذين الخبرين ما مرّ من الأخبار الظاهرة فيما ذكرناه مع تأيّدها بظاهر المذهب.

ص: 363


1- في ( د ) : « فيه ».
2- الإستبصار 1 / 79 ، باب النوم ، ح 4.
3- في ( د ) : « رواية ».
4- الإستبصار 1 / 80 ، باب النوم ، ح 8.
تبصرة: [ في إلحاق ما يزيل العقل بالنوم ]

المعروف من المذهب إلحاق الإغماء والسكر والجنون وغيرها ممّا يزيل العقل بالنوم مع إبطاله الإحساس كما في الأوّل أو عدمه كما في الأخيرين.

وفي المنتهى (1) : لا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم.

وفي المدارك (2) : أنّه مجمع عليه بين الأصحاب.

واستدلّ عليه في المشارق بالإجماع.

وفي البحار (3) : أنّ اكثر الأصحاب نقلوا الإجماع على كون الإغماء وما في حكمه ناقضا.

وحكى الشيخ في التهذيب (4) إجماع المسلمين على نقض المرض المانع من الذكر.

والظاهر أنّه أراد به الإغماء ونحوه الحاصل بسبب المرض.

ويدلّ عليه مضافا إلى الإجماعات المنقولة ما رواه في الدعائم مرسلا عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام « أنّ المرء إذا توضّأ صلّى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلاة ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يغم عليه » (5).

وضعفها منجبر بعمل الأصحاب لكن لا يثبت بها سوى حكم الإغماء الذي هو أخو النوم في إبطال الإحساس.

ص: 364


1- منتهى المطلب 1 / 31.
2- مدارك الأحكام 1 / 149.
3- بحار الأنوار 77 / 215.
4- تهذيب الأحكام 1 / 5.
5- دعائم الإسلام 1 / 101.

وربّما يفهم حكمه من أخبار النوم أيضا ؛ إذ هو بحكمه.

وفي القيود المذكورة فيه من الغلبة على العقل أو السمع أو البصر إشارة إليه.

وقد يستدل عليه بصحيحة معمر بن خلاد الوارد (1) (2) في العليل الذي « لا يقدر على الاضطجاع والوضوء يشدّ (3) عليه فربّما اعتفى (4) وهو قاعد أنّه إذا أخفى عليه (5) الصوت فقد وجب عليه الوضوء » (6) بحمل الاعتفاء (7) على الاغماء.

وقد وجّه ذلك بعض الأفاضل بوجوه ضعيفة لا يمرّ بنا في (8) صرف اللفظ إليه ، فهي كما ترى صريحة في إرادة النوم.

نعم ، يمكن أن يستدل بتعليق الحكم فيه على خفاء الصوت دوران الحكم معه لإشعاره بالعلّية ، فيجرى إذن في الإغماء ونحوه.

ويستفاد ذلك أيضا من التعليل المذكور في نقض النوم في القوي المتقدم ، فبملاحظة جميع ما ذكرنا لا تأمل في حكم الإغماء وما في حكمه ممّا يبطل به الشعور بالمرة.

وأمّا السكر والجنون ونحوهما ممّا يخفى معه الشعور فلا مستند له من الأخبار ، والدليل عليه منحصر في الإجماع المنقول والمحصّل إن ثبت.

وقد يظهر من المقنعة والتهذيب وغيرهما اختصاص الحكم بما يزيل الشعور.

وما ادّعاه من الإجماع في التهذيب مخصوص به ، ولذا تأمّل فيه بعض المتأخرين.

ص: 365


1- كذا ، والأظهر : « الواردة ».
2- في ( د ) : « الواردة ».
3- في ( د ) : « يشتدّ ».
4- في ( د ) : « أغفى ».
5- في ( د ) : « خفى عنه » بدل « أخفى عليه ».
6- تهذيب الأحكام 1 / 9 ، باب الاحداث الموجبة للطهارة ، ح 14 ، نقلا بالمعنى.
7- في ( د ) : « الإغفاء ».
8- في ( د ) : « ينافي » ، بدل « بنافي ».
تبصرة: [ في الاستحاضة القليلة ]

من أسباب الوضوء الاستحاضة (1) القليلة ، وهي التي لا يثقب الكرسف على المشهور من (2) الأصحاب.

وعن الناصريات والخلاف حكاية الإجماع عليه.

وفي التذكرة : ذهب إليه علماؤنا سوى ابن (3) عقيل.

وحكاية الشهرة عليه مستفيضة في كلماتهم ، ذكره في المنتهى والذخيرة والحدائق وغيرها.

وأسنده في كشف اللثام إلى المعظم.

وعن العماني القول بعدم كونه سببا ولا ناقضا.

وعن الإسكافي القول بسببيته للغسل في اليوم والليلة مرّة.

وقضية ذلك نقضه الوضوء في الجملة وعدم سببيّته له مطلقا بناء على مذهبه في الغسل من سقوط الوضوء معه.

لنا (4) بعد الإجماع : الصحاح المستفيضة المؤيّدة بعمل الأصحاب :

منها : « تصلّى كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم » (5).

ص: 366


1- في ( ألف ) : « استحاضة ».
2- في ( د ) : « بين ».
3- زيادة في ( د ) : « أبي ».
4- في ( ألف ) : « لما ».
5- تهذيب الأحكام 1 / 169 ، باب حكم الحيض والاستحاضة ، ح 55.

ومنها : « إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت ودخلت المسجد وصلّت كلّ صلاة بوضوء » (1).

وفي رواية عليّ جعفر ، عن أخيه عليه السلام : « فإن رأت صفرة بعد غسلها فلا غسل عليها ، يجزيها الوضوء عند كلّ صلاة » (2).

واحتجّ للعماني في المختلف بصحيحة عبد اللّه بن سنان الحاكمة بوجوب الثلاثة للمستحاضة من دون ذكر للوضوء ، فدلّت على عدم وجوبه.

وهي كما ترى إن دلّت (3) على ذلك ، فإنّما تدلّ على عدم وجوبه مع الأغسال ، وهي مسألة أخرى فلا ربط لها بالمدّعى.

ويمكن أن يستدل له بالأصل والعمومات الحاصرة لأسباب الوضوء في أمور ليست منها ، ورواية اسماعيل الجعفي الواردة في الحائض التي استمر بها الدم بعد أيام الاستظهار أنها : « تغتسل وتحتشي فلا تزال تصلي بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف ، فإذا ظهر أعادت الغسل .. » (4) الخبر.

فترك ذكر الوضوء في شأنها في مقام بيان حكمها شاهد على عدم وجوبه عليها.

ويدفعه أنّ الأصل والعمومات لا تعارض ( الأدلّة الخاصّة. والرواية المذكورة إن سلّم ظهورها فيما ادّعي فلا تعارض ) (5) النصوص الدالّة عليه.

وحجة الإسكافي فيما حكي (6) إطلاق موثقة سماعة : « إن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كلّ يوم مرّة » (7).

ص: 367


1- الكافي 31 / 89 ، باب جامع في الحائض والمستحاضة ، ح 2.
2- وسائل الشيعة 2 / 280 ، باب ان الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ، ح 7.
3- كرّرت لفظة « دلّت » في النسخ.
4- تهذيب الأحكام 1 / 171 ، باب حكم الحيض والاستحاضة ، ح 60 ، مع إختلاف يسير.
5- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
6- في ( ألف ) و ( د ) : « حكي من ».
7- تهذيب الأحكام 1 / 170 ، باب حكم الحيض والاستحاضة ، ح 57.

وفيه : أن إطلاقه مقيّد بما مرّ من الصحاح. مضافا إلى اشتماله على وجوب الوضوء معه لكلّ صلاة ، ولا يقول به بل في آخرها ما يدلّ على إرادة المثقبة حيث قال : « هذا إذا كان (1) عبيطا وإن كان صفرة فعليها الوضوء » فالاحتجاج (2) بها على المشهور أولى.

قلت : الأولى أن يحتج له بصحيحة زرارة : « إن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد » (3).

وقد يستدل أيضا بصحيحة عبد الرحمن ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « واستدخلت (4) كرسفا فإن ظهر عن الكرسف فلتغتسل » (5).

ورواية إسماعيل الجعفي الماضية.

وفيه : أنّها مقيّدة بما عرفت. على أن ظاهر الخبرين الأخيرين الظهور من الجانب الآخر ، فلا يوافق المدّعى.

ثمّ إنّه يجري حكم القليلة في المتوسطة والكثيرة بالنسبة إلى غير الصلاة الّتي يغتسل لها ، أمّا الأولى فلم نقف على مخالف فيه ، ويدلّ عليه موثقة سماعة الماضية وهي كالصريحة في ذلك.

وأمّا الثانية فكذلك أيضا عند جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في الجمل والحلي والعلّامة والشهيدان وأكثر المتأخرين.

وفي المختلف : أنه المشهور.

وعزاه في المدارك إلى عامة المتأخرين.

وفي التذكرة (6) : لا يجمع المستحاضة بين صلاتين بوضوء واحد عند علمائنا.

وعن جماعة من القدماء منهم ابنا بابويه والمفيد والشيخ عدم ثبوت الوضوء كذلك.

ص: 368


1- زيادة في ( د ) : « دما ».
2- في ( ألف ) : « بالاحتجاج ».
3- الكافي 3 / 99 ، باب النفساء ، ح 4.
4- في ( د ) : « ولتستدخل ».
5- تهذيب الأحكام 5 / 400 ، باب من الزيادت في فقه الحج ، ح 36.
6- تذكرة الفقهاء 1 / 285.

وقد بالغ المحقق في المعتبر وتلميذه الآبي في نفي هذا القول حتّى أنّهما ذكرا أنّه لم يذهب إليه أحد من طائفتنا ، واستثنى منه الآبي ظاهر عبارة الجمل.

ويدلّ على الأوّل ما رواه في الدعائم (1) عنهم عليهم السلام من أنّها « تحشّى (2) بخرقة أو قطن ، وتتوضأ لكلّ صلاة ، ويحل لزوجها ، وعليها أن تغتسل لكلّ صلاتين ».

وضعفه منجبر بالشهرة بين المتأخرين مع الاعتضاد بالاحتياط ، وتحصيل اليقين بالفراغ.

وعدم ذكر الوضوء في أكثر أخبار الباب ليس بتلك المكانة من الظهور في عدم الوجوب لينهض حجة في مقابلة ما ذكرناه.

كيف ، وقد ترك فيها ذكر الوضوء من رأس مع أنّه لا ينبغي التأمّل في ثبوت الوضوء مع الغسل كما سيجي ء إن شاء اللّه.

ص: 369


1- دعائم الإسلام 1 / 128 مع اختلاف.
2- في ( د ) : « تحتشى ».
تبصرة: [ في حصر النواقض بما ذكر ]

المعروف بين الأصحاب عدم وجوب الوضوء لشي ء غير المذكورات.

وفي التذكرة والنهاية : أنه مذهب علمائنا أجمع.

ويدلّ عليه عدّة من الأخبار المصرّحة بحصر النواقض.

وهناك أمور وقع الخلاف فيها سنشير إليها.

ثمّ إنّه لا يحكم ( بنقض شي ء من الأمور المذكورة إلّا مع اليقين بحصوله فلو شك في النوم أو خروجه أحد المذكورات أو ظنّ به لم يحكم ) (1) بالنقض بلا خلاف بين الأصحاب.

ويدل عليه النصوص المستفيضة.

وفي الموثق التحذير عن إعادة الوضوء مع عدم اليقين بالحدث ، ولو شك في تسمية الخارج بأحد الاسمين لم ينقض ما لم يعلم (2) أنّه بول أو غائط ، ولو خرج المأكول بحاله لم ينقض ما لم يسمّ غائطا أو يستصحب معه.

وكذا لو خرج منه الدود أو الحصاة أو حب القرع أو نحو ذلك. ولو شك في استصحاب الغائط فيها بنى على الأصل.

وعن الإسكافي أنّ الخارج من السبيلين لذلك (3) في خلوّه من النجاسة أوجب الطهارة. وهو ضعيف.

وكأنّه لعموم « إلّا ما خرج من طرفيك ».

ص: 370


1- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
2- لم ترد في ( ب ) : « يعلم أنّه .. لم ينقض ما لم ».
3- كذا ، والظاهر : « كذلك ».

ولو تخايل له شي ء ولم يعلم أنّه ينام أو حديث (1) لم يحكم بالنقض. وكذا لو تحقق أنّه رؤيا على الأقوى.

وحكم في التذكرة إذن بالنقض. وكأنّه لدعوى الملازمة بين الرؤيا والنوم الغالب.

وفيه منع ظاهر كما يحكم به الوجدان.

وقد استثني من القاعدة المذكورة البلل المشتبه الخارج من الرجل بعد البول قبل الاستبراء على المعروف من المذهب. ونفى عنه الخلاف في السرائر.

وفي كشف اللثام (2) : أنّه اتفاقي.

وفي الذخيرة (3) : الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب.

ويدلّ عليه بعد ذلك المعتبرة المستفيضة منطوقا والمستفيضة الأخرى مفهوما منها الصحيح : « إن كان بال ثمّ اغتسل ثمّ وجد بللا فليس ينقض غسله ، ولكن عليه الوضوء » (4).

ونحوه صحيحة أخرى.

وفي الموثق : « وإن كان بال بعد جماعه قبل الغسل فليتوضّأ » (5).

وفي الصحيح بعد ذكر الاستبراء : « فإن خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول ، ولكنه من الحبائل » (6).

وفي صحيحة أخرى : « ينتره ثلاثا ثمّ إن سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي » (7).

وأمّا ما في الصحيح عن رجل بال ثمّ توضّأ وقام إلى الصلاة فوجد بللا ، قال : « فلا

ص: 371


1- زيادة في ( د ) : « للنفس ».
2- كشف اللثام 1 / 220.
3- ذخيرة المعاد 1 / 20.
4- الإستبصار 1 / 119 ، باب وجوب الاستبراء من الجنابة بالبول قبل الغسل ، ح (402) 4.
5- تهذيب الأحكام 1 / 144 ، باب حكم الجماعة وصفه الطهارة منها ح 99.
6- تهذيب الأحكام 1 / 28 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارت ، ح 10 ولفظه « الحبائل » من المصدر ، والموجود في النسخ : « التأمل ».
7- تهذيب الأحكام 1 / 27 ، باب آداب الاحداث الموجبة للطهارت ، ح 9.

يتوضأ إنّما ذلك من الحبائل » (1).

وفي الأخرى : « كلّ شي ء خرج منك بعد الوضوء فإنّه من الحبائل » (2) فمحمولتان على ما إذا كان بعد الاستبراء ؛ جمعا بين الأخبار المفصّلة كما عرفت. مضافا إلى اعتضاد ذلك بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع.

وذهب بعض المحقّقين من فضلاء البحرين إلى عدم انتقاض (3) الطهارة به ، وهو ظاهر المشارق.

وفي البحار : (4) : لا يبعد القول بالاستحباب من حيث الجمع بين الأخبار. وأنت خبير بأنّ حمل تلك الأخبار على المذي حمل بلا جامع ، وما ذكرناه هو الأولى من حيث الجمع أيضا.

هذا والحكم بالانتفاض بما ذكر ظاهري من جهة الحكم بكونه بولا ، فليس المشتبه ناقضا مستقلا ليعارضه ما دلّ على حصر النواقض كما ظنّ.

فلو تيقّن عدم كونه بولا بعد سبكه فيه لم يقض بالنقض على ظاهر ما نسب إلى الأصحاب كما ستعرف ، وإن جرى عليه حكم الحدث قبله.

ولا فرق بين الشكّ في كون الخارج بولا أو الظنّ بخلافه ، فما لم يتبيّن عدم كونه بولا لا (5) يحكم بالنقض ، ولا فرق بين (6) ما إذا كان الاشتباه بعد الاستعلام أو قبله مع امتناعه أو امكانه على تأمّل في الأخير. ويحمل القول بوجوبه حينئذ إذا انتقل حكمه إلى التيمّم.

ثمّ إن الأخبار الواردة في نقض الخارج قبل الاستبراء مطلقة تعمّ صورة الاشتباه والعلم بالحال ، وحكي عن الأصحاب تقييده بما إذا لم يعلم عدم بوليّته ، فقد نفى الخلاف عنه إذن في المشارق وحكى الإجماع عليه أيضا.

ص: 372


1- الكافي 3 / 19 ، باب الاستبراء من البول وغسله ، ح 2.
2- علل الشرائع 1 / 296.
3- في ( ألف ) : « انتقاض ».
4- بحار الأنوار 78 / 70.
5- لم ترد في ( د ) : « لا ».
6- لم ترد في ( ب ) زيادة : « الشكّ في كون ... ولا فرق بين ».

وقد نصّ في المدارك والذخيرة والبحار بالإجماع على عدم وجوب الغسل إذا علم كون الخارج بعده بولا. ومن الظاهر اتحاد المسألتين وورود الأخبار فيهما على نحو سواء.

وكأنّ الوجه فيه ما هو ظاهر من أن الحكم بنقضه إنّما هو من جهة بوليّته أو منويّته ، فلا يتعقل الحكم في صورة العلم بخلافه ، فلا بدّ من تقييد الأخبار به.

قلت : ويحتمل أن يكون المبنى في إطلاق الأخبار على احتمال ممازجة شي ء منهما للخارج قبل الاستبراء ، وهو ممّا لا يمكن العلم بخلافه في العادات ، فلذا أطلق الحكم بالنقض فيها.

وحينئذ فلا وجه لتقييد الإطلاقات إلّا أن يحمل كلامهم على فرض حصول العلم.

وهو كما ترى فرض محض لا يليق بالذكر ، فالظاهر أنّهم لم يعتنوا بالاحتمال المذكور أو بنوا على عدم ترتّب حكمه عليه من جهة استهلاكه لغيره.

وكلا الوجهين محلّ بحث إلّا أن يقال : إنّ المنساق من البلل في المقام هو المشتبه أو المعلوم مضافا إلى الإجماعات المنقولة الكاشفة عن فهمهم ذلك ، وتقييده بالمشتبه في جملة من العبارات ، فيكون الثابت خروجه من الأصل المذكور ما كان نفس البلل مشتبها لا ما احتمل من وجود جزء مستهلك فيه ، فيكون ذلك مندرجا تحت القاعدة الحاكمة بعدم نقض اليقين بالشك. والمقام لا يخلو من إبهام ، والعمل فيه بالاحتياط أولى وإن كان الحكم بعدم النقض (1) فيه أقوى.

وهل يحكم إذن بنجاسة المشتبه الخارج أو يبنى فيه على اصالة الطهارة وجهان ؛ ظاهرهم البناء على الأوّل.

وفي الحدائق (2) : الظاهر من كلامهم أنّه لا خلاف في وجوب غسله ، وهذا هو الأقوى لموثقة سماعة : « إن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله ، ولكن يتوضّى ويستنجى » (3).

ص: 373


1- في ( ب ) : « نقض اليقين » ، بدل « النقض ».
2- الحدائق الناضرة 2 / 62.
3- الكافي 3 / 49 ، باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة ، ح 4.

ومن الغريب ما أورد في الحدائق (1) على ذلك من أن مقتضى ما قرّروه في مسألة الإناءين عدم التنجس هنا أيضا مع اندراج هذا البلل في كلّية « كلّ شي ء طاهر حتى تعلم أنّه قذر » مع عدم المخصّص ، وعدم ملازمة الحكم بالنقض للنجاسة ، فحكمهم بوجوب غسل الملاقى هنا مناف لما ذكروه هناك.

وبنى وجوب الاجتناب هنا على ما قرّره هناك من إعطاء الشارع للمشتبه (2) بالحرام أو النجس مع الانحصار حكمها.

وأنت خبير بما بين المقامين من البون البعيد ، وليس حكمهم بالنجاسة هنا من جهة الاشتباه بل لفهمهم ذلك من الروايات ؛ إذ قد عرفت دلالة النصّ عليه ، فاستناده إلى حكاية الاشتباه المحصور في المقام مع فساده من أصله لا وجه له ؛ لدوران الأمر في المقام بين كون الخارج من فرد النجس أو الطاهر من غير دوران الأمر بين الفردين الخارجين.

وحينئذ فلا خلاف لأحد في البناء على الطهارة لو لا قيام الدليل على خلافها.

ثمّ إنّ الحكم المذكور يختص بالرجال ؛ لاختصاص الأدلّة فيهم ، فالبلل المشتبه الخارج منهنّ لا حكم له ؛ إذ لا دليل على اشتراكهم للرجال في ذلك.

وفي جريان الحكم في الخنثى المشكل أو المحكوم بأنوثيّته خصوصا مع اعتياد خروج البول من ذكره وجهان.

وقضية الأصل البناء على عدم الانتقاض إلّا أنّ الحال في المشكل لا يخلو عن إشكال.

ولو خرج البول من منفذ آخر لم يجر فيه الحكم المذكور قطعا سواء كان مع اعتياده أو لا ، ولو قطع بعض ذكره جرى في الباقي حكم الاستبراء.

ولو قطع من أصله فإن قلنا بالبدء في الاستبراء من المقعدة جرى الحكم المذكور ، وإلّا ففيه وجهان.

ص: 374


1- الحدائق الناضرة 2 / 62.
2- في ( ب ) زيادة : « الخارج ».
تبصرة: [ في النواقض المحتملة ]

قد وقع خلاف من شاذّ من الأصحاب في نقض أمور لا بدّ من التنبيه عليها :

منها : المذي ، وهو ما يخرج من الذكر عند الملاعبة أو التقبيل. كذا حكي عن جماعة من أهل اللغة ، ويساعده العرف أيضا.

وفي رواية أنّه « ما يخرج من ملاعبة المرأة » ، والظاهر أنّ ذكر الملاعبة والتقبيل من قبيل المثال ، والمقصود أنّه الخارج بسبب الشهوة سواء كانت من أحدهما أو من النظر أو التخيّل أو غيرهما.

وفي مرسلة ابن رباط : « أنّه يخرج من الشهوة » (1).

والمعروف من المذهب عدم انتقاض الوضوء بل الظاهر انعقاد الإجماع عليه سوى ما يعزى إلى الإسكافي من القول بنقضه إذا كان عقيب الشهوة ، فتوضّأ (2) للصحيح : « إن كان من شهوة نقض » (3).

وفي القوي : « ما كانت لشهوة فتوضأ منه ».

وفي الخبر : « أحد لك حدّا فقال : إن خرج منك على شهوة فتوضأ وإن خرج منك على غير ذلك فليس عليك فيه وضوء » (4).

ص: 375


1- الإستبصار 1 / 93 ، باب حكم المذي والوذي ، ح 11.
2- لم ترد في ( د ) : « فتوضّأ ».
3- الإستبصار 1 / 93 ، باب حكم المذى والوذي ، ح 8.
4- الإستبصار 1 / 93 ، باب حكم المذي والوذي ، ح 7.

وربّما يعزى إلى الشيخ في التهذيب القول بنقضه إذا خرج عن الشهوة (1) كان كثيرا خارجا عن المعتاد ، لكن كلامه هناك ليس صريحا في قوله به ، وفيما ذكره احتمالا في الجمع بين الأخبار.

ويدفعه الأخبار الحاصرة للنواقض في غيره ، والمعتبرة المستفيضة المشتملة على الصحاح وغيرها الصريحة في عدم ثبوت الوضوء في مذي (2) المعتضدة بعمل الأصحاب ، والشهرة العظيمة القريبة من الإجماع.

مضافا إلى مخالفتها للجمهور ؛ لاطباقهم - على ما حكي - على النقض ، فحمل تلك الأخبار كما دلّ على ثبوت الوضوء فيه مطلقا ولو من غير شهوة على التقية أو الاستحباب معيّن (3).

ويدلّ على الأخير صحيحة ابن بزيع : سألته عن المذي ، فأمرني بالوضوء ثمّ أعدت عليه سنة أخرى فأمرني بالوضوء ، ثمّ (4) أعدته منه .. إلى أن قال : قلت : فإن لم أتوضّأ » ، قال : « لا بأس » (5) لظهوره في إرادة الاستحباب.

والقول بأنّ الأخبار الأوّلة مطلقة وهذه مقيّدة فليحمل عليها كما في كلام بعض الأجلاء ، ولذا جعل المسألة محلّا للتردّد ليس على ما ينبغي ؛ لما عرفت.

وإخراجه تلك الأخبار في الإطلاق مضافا إلى أن الغالب في المذي ما يكون الشهوة بل هو المعين (6) فيه كما عرفت من تحديده ، فكيف حمل (7) الإطلاقات على الفرد النادر إن ثبت التعميم ، مضافا إلى القوي الناصّ على عدم وجوب الوضوء للمذي من الشهوة.

ص: 376


1- زيادة في ( د ) : « و ».
2- كذا ، والظاهر : « المذى ».
3- في ( د ) : « متعيّن ».
4- لم يرد في ( د ) : « ثمّ أعدته ».
5- الإستبصار 1 / 92 ، باب حكم المذي والوذي ، ح 5.
6- في ( د ) : « المتعيّن ».
7- في ( د ) : « يحمل ».

وفي مرسلة ابن رباط بعد تفسيره بما مرّ أنّه « لا شي ء فيه ».

واستشكل بعض الأفاضل في التفصيل الوارد في تلك الأخبار حيث إنّها صريحة في أنّ المذي نوعان ، مع أنّ الذي يعطيه كلام أهل اللغة وغيرهم وظاهر المرسلة الماضية خلافه.

قلت : الظاهر أن مقصود أهل اللغة أنّ الشهوة هي المحرّكة لخروج المذي سواء كان خروجه عقيبها أو بعد مدة ، فيمكن أن يحمل التفصيل على خروجه عقيب الشهوة بلا فاصلة طويلة أو معها ، ولذا عبّر عنه الإسكافي بالخروج عقيب الشهوة أو أنّ كلامهم مبنيّ على الغالب ، وهذه الروايات مسوقة لبيان حكم الغالب وغيره.

والأوّل أظهر ؛ إذ خروج المذي مع عدم تحريك الشهوة إن كان ففي غاية الندرة ، ويبعد معها ورود حكمه في الأخبار خصوصا مع عدم سبق السؤال عن خصوصه.

ومن الغريب ما أورده في البحار (1) على الإسكافي من أنّ تفصيله لا معنى له ، ولا يطابق كلام اللغويين ولا صريح الخبر ، وكأنّه غفل عن الأخبار المذكورة ، فكلّما يوجّه به تلك الأخبار يتوجّه به في كلامه أيضا.

ومنها : التقبيل عن الشهوة إذا كان محرّما ؛ فعن الإسكافي : من قبّل بشهوة الجماع ولده في المحرّم نقض الطهارة ؛ والاحتياط إذا كان في محلّ إعادة الوضوء لرواية أبي بصير : « إذا قبّل الرجل المرأة من شهوة أو لمس فرجها أعاد الوضوء » (2).

وهي محمولة على الاستحباب والتقيّة للصحاح المستفيضة الدالّة على عدم نقض القبلة.

ومنها : مسّ باطن الفرجين ففي الفقيه : إن مسّ الرجل باطن دبره أو باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء. وقال الإسكافي : في المسّ باطن الفرجين من الغير ناقض للطهارة من المحلّل والمحرّم.

وعنه أيضا : من مسّ ما انضمّ عليه الثقبتان نقض وضوءه (3).

ص: 377


1- بحار الأنوار 77 / 218.
2- تهذيب الأحكام 1 / 22 ؛ الإستبصار 1 / 88.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 65.

حجة الصدوق موثقة عمّار : عن الرجل يتوضّأ ثمّ يمسّ باطن دبره ، قال : « ينقض وضوءه وإن مسّ باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء ، وإن كان في الصلاة قطع الصلاة ويتوضأ ويعيد الصلاة » (1).

وهي لا تقاوم ما مرّ من الأدلّة ، فلتحمل على التقيّة أو على الاستحباب فيما عدا الفقرة الأخيرة. وحجة الإسكافي إطلاق الرواية (2) المقدمة ، وهي مردودة من وجوه شتّى.

وفي المعتبرة المستفيضة دلالة على بطلان ما ذكراه.

ومنها : مسّ ظهر الفرج من المحرّم إذا كان عن شهوة ؛ فعن الإسكافي أيضا نقض الطهارة (3).

ولم نعرف مستنده سوى إطلاق مسّ الفرج في الرواية السابقة.

ومنها : فتح الإحليل ، فعن الصدوق (4) : إن فتح احليله أعاد الوضوء والصلاة ؛ لما في آخر الموثقة المذكورة : « إن فتح احليله أعاد الوضوء والصلاة ».

ومنها : القهقهة في الصلاة متعمّدا ؛ فعن الإسكافي : من قهقه في الصلاة متعمّدا لنظر أو سماع ما أضحكه قطع صلاته وأعاد وضوءه لتعمد الضحك في الصلاة.

وفي موثقة سماعة : من نواقض الوضوء.

ويدفعه مضافا إلى ما مرّ الصحيح : « القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة » (5).

ومنها : الحقنة ؛ وذهب الاسكافي أيضا إلى نقضها ، ولم نعرف مستنده.

وفي الصحيح ، عن الرجل : هل يصلح له أن يستدخل الدواء ثمّ يصلّي وهو معه ، أينقض الوضوء؟ قال : « لا ينقض الوضوء ولا يصلّي حتّى يطرحه » (6).

ص: 378


1- تهذيب الأحكام 1 / 45 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة ، ح 66.
2- في نسخة ( ب ) : « الروايات ».
3- زيادة في ( د ) : « به ».
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 65.
5- الكافي 3 / 364 ، باب ما يقطع الصلاة من الضحك والحدث ، ح 6.
6- قرب الإسناد : 189.
تبصرة: [ في الأسباب النادبة للوضوء ]

الأسباب النادبة للوضوء أمور :

منها : المذي لما عرفت.

ولا يبعد القول بالبناء على الاستحباب في جميع الأمور المذكورة خروجا عن الخلاف ، ولورود النصّ في كثير منها.

ومنها : الودي بالمهملة ؛ للصحيح : « والودي فيه الوضوء لأنّه يخرج من بعد البول » (1).

ومنها : القرقرة في البطن إلا شي ء تصبر عليه (2) ؛ لرواية سماعة.

ومنها : الرعاف والقي ء والتخليل يسيل ( به الدم مع حصول الاستكراه فيها ؛

لموثقة الحذّاء : « الرعاف والقي ء والتخليل يسيل ) (3) الدم إن استكرهت شيئا ينقض الوضوء وإن لم تستكرهه لم ينقض » (4).

وفي الحسن : « رأيت أبي صلوات اللّه وسلامه عليه وقد رعف بعد ما توضّأ دما سائلا فتوضّأ (5).

وربّما يحمل على حصول الاستكراه.

ومنها : الظلم والكذب وإكثار الشعر الباطل ؛ لموثقة سماعة ، وقد سأله عن نشيد الشعر

ص: 379


1- الإستبصار 1 / 94 ، باب حكم الوذي والمذي ، ح 12 وفيه : يخرج من دريرة البول.
2- الإستبصار 1 / 83 ، باب القي ء ، ح 4.
3- ما بين الهلالين لم ترد إلا في ( د ).
4- الإستبصار 1 / 83 باب القي ء ح 5.
5- الإستبصار 1 / 85 باب الرعاف ح 5.

الباطل ، هل ينقض الوضوء أو ظلم الرجل صاحبه أو الكذب؟ فقال : « نعم لا أن يكون شعرا يصدق فيه أو يكون يسيرا من الشعر الأبيات الثلاثة أو الأربعة ، فأمّا أن يكثر الشعر الباطل فهو ينقض الوضوء » (1).

ويستفاد من استثناء الصدق من الشعر عدم جريان الحكم في الأشعار المشتملة على التواريخ والحكايات ونحوها إذا لم يكن كذبا. وقد يستفاد من مقابلة الباطل لما يصدق فيه تخصيصه بما فيه الكذب إلّا أنّ الأظهر تعميمه لسائر الأباطيل كهجو المؤمن والتشبيب بالمؤمنة المعروفة ونحوهما.

ومنها : البلل المشتبه الخارج بعد الاستبراء ؛ للمكاتبة : هل يجب الوضوء ممّا خرج من الذكر بعد الاستبراء؟ فكتب : « نعم » (2).

ومنها : الغضب ؛ لقول النبي صلى اللّه عليه وآله « إذا غضب أحدكم فليتوضّأ » (3).

وفي تعميم الحكم لما كان منه لله تعالى وجهان.

ومنها : مصافحة المجوسي ؛ للخبر : أيتوضأ إذا صافحه؟ قال : « نعم إن مصافحتهم تنقض الوضوء » (4).

وحمله على إرادة غسل اليد بعيد.

ومنها : نسيان الاستنجاء من البول قبل الوضوء ؛ للمعتبرة المستفيضة. وفي بعضها إعادة الصلاة أيضا.

وقد ورد في المعتبرة المستفيضة أيضا المنع عن إعادة الوضوء حينئذ. فربّما يظهر منها انتفاء الاستحباب أيضا إلّا أنّ الأظهر خلافه ؛ لورودها في مقام توهّم الوجوب فلا يفيد سوى رفعه.

ص: 380


1- الإستبصار 1 / 87 ، باب انشاد الشعر ، ح 2 ، وفيه : « عن نشد الشعر ».
2- الإستبصار 1 / 49 ، باب وجوب الاستبراء قبل الاستنجاء من البول ح 138.
3- الدعوات : 52.
4- تهذيب الأحكام 1 / 347 ، باب الأحداث الموجبة للطهارة ، ح 12 ، وفيه : « إذا صافحهم قال ».

وعن الصدوق وجوب الإعادة إذن ، وهو إن حمل على ظاهره ضعيف محجوج بالمعتبرة المستفيضة المعتضدة بعمل الأصحاب والإجماع.

ومنها : نسيان الاستنجاء من الغائط على ما يستفاد من موثقة سماعة.

ثمّ إنّ قضية إطلاق هذه الموثقة وغير واحد من الأخبار الدالّة على الحكم في نسيان استنجاء البول تعميم الحكم بصورة العمد أيضا ، فلا يبعد القول به.

ومنها : نسيان الاستنجاء بالماء ، وقد استنجى بالاحجار ؛ لموثقة عمّار : في الرجل ينسى أن يغسل دبره بالماء حتّى صلّى إلّا أنّه قد تمسح بثلاثة (1)؟ قال : « إن كان في وقت تلك الصلاة فليعد الصلاة وليعد الوضوء ، وإن كان قد خرجت وقت تلك الصلاة التي صلّى فقد جازت صلاته وليتوضأ لما يستقبل من الصلاة » (2).

وهي كما ترى لا يخلو من إجمال ، وقد تحمل على عدم كون التمسح مزيلا لعين النجاسة ، فيدلّ على الحكم السابق بعد حملها على الندب.

ولو بنى على إطلاقها ، فالبناء على رجحان إعادة الصلاة لا يخلو من إشكال.

ومن ذلك تبيّن الإشكال في ثبوت الحكم المذكور.

ومنها : مسّ الكلب ؛ للموثق : « من مسّ كلبا فليتوضّأ » (3).

وقد يحمل على غسل اليد.

هذا ، ولا يذهب عليك أنّ جملة من الأمور المذكورة مما قال فيها بعض العامّة بالنقض ، فحمل ما ورد على ثبوت الوضوء فيها على التقيّة خصوصا ما دلّ منها على وجوب الوضوء قريب جدا ، فيشكل الحال في إثبات الاستحباب إلّا أن يقال بثبوت الندب بمجرّد ورود الرواية ؛ تقديما للحمل المذكور على غيره ، وتسامحا في أدلة السنن مع ما فيه من المبالغة لظاهر أقوالهم عليهم السلام ، مع عدم وضوح البناء على التقية فيها.

ص: 381


1- زيادة في ( د ) : « أحجار ».
2- وسائل الشيعة 1 / 317 ، باب حكم من نسي الاستنجاء حتى توضأ وصلى ، ح 1.
3- الإستبصار 1 / 89 ، باب مصافحة الكفار ومس الكلب ، ح 2.
فصل: في أحكام الخلوة

ذكرناها في المقام لمناسبتها للوضوء ؛ لتقدّمها عليه في الغالب ولمناسبة ذلك الأحداث ، وكذا الأصحاب لذكرها في الباب.

ص: 382

تبصرة: [ في ستر العورة ]

يجب على المتخلّي ستر العورة بلا خلاف بين الأصحاب.

ويدلّ عليه بعد الإجماع محصّلا ومنقولا ففي كلام جماعة : قوله تعالى ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) (1).

فعن علي عليه السلام « معناه : لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن أو يمكّنه من النظر إلى فرجه » (2).

وعن الصادق عليه السلام : « كلّ ما كان في كتاب اللّه من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا إلّا في هذا الموضع ؛ فإنّه للحفظ من أن ينظر إليه » (3).

مضافا إلى النصوص المستفيضة :

منها : الأخبار المانعة من دخول الحمّام إلّا بمئزر ، وفي بعضها بعد المنع عنه : « ملعون ملعون الناظر والمنظور إليه » (4).

وفي القوي بعد ذكر ما يفيد مطلوبيّة الاتّزار في الحمّام التعليل بأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « عورة المؤمن على المؤمن حرام » (5).

وروى الجمهور عنه عليه السلام أنّه قال : « احفظ عورتك إلّا من زوجك أو ما ملكت يمينك » (6).

ص: 383


1- النور : 30.
2- وسائل الشيعة 1 / 300 ، باب وجوب ستر العورة ، ح 5.
3- من لا يحضره الفقيه ، باب غسل يوم الجمعة ودخول الحمام ، ح 235.
4- تحف العقول ص 11 ، وعنه في وسائل الشيعة 2 / 33 ح 1399.
5- كتاب المؤمن : 70 ، الكافي 2 / 359 ، باب الرواية على المؤمن ، ح 2.
6- سنن البيهقي 1 / 199.

رواها في نهاية الإحكام (1) مستدلّا به.

وكما يجب سترها يحرم النظر إليها بلا خلاف فيه.

ويدلّ عليه أيضا بعد الإجماع محصّلا ومنقولا والآية بمعونة الرواية المذكورة : الأخبار الكثيرة ، وقد مرّت الإشارة إلى بعضها.

وفي حديث المناهي : « نهى أن ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم ، وقال : من تأمل عورة أخيه المسلم لعنه سبعون ألف ملك ، ونهى المرأة تنظر عورة المرأة » (2).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض فليجاوز على عورته » (3).

وفي صحيحة حريز ، عن الصادق عليه السلام : « لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه » (4).

ورواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه وآله وزادوا : « ولا المرأة إلى عورة المرأة » (5).

ويشهد له أيضا الأخبار المستفيضة الدالّة على وجوب ستر عورة الميّت المشتملة على الصحيح وغيره.

وفي [ رواية ] أن « حرمة عورة المؤمن وحرمة بدنه وهو ميّت كحرمته وهو حيّ ، فوار عورته » (6).

ولا ينافيه الحكم بكراهته في بعض الأخبار ؛ إذ هي أعمّ من الحرمة في لسانهم عليه السلام ، فيحمل عليها بقرينة تلك الأخبار ، بل قد يقال بظهورها في نفسها في الحرمة كما يستفاد من بعض الأخبار.

وممّا يقضي العجب منه ما في كلام بعض المتأخرين (7) من ترجيح الجواز لو لا مخالفة

ص: 384


1- نهاية الإحكام 1 / 79.
2- من لا يحضره الفقيه 4 / 9.
3- من لا يحضره الفقيه 4 / 4 وفيه : فليحاذر على عورته.
4- تهذيب الأحكام 1 / 374 ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ، ح 7.
5- سنن البيهقي 1 / 199.
6- قرب الإسناد : 312.
7- هنا في هامش ( د ) : « شارح الدروس ».

الإجماع استضعافا للرواية واستظهارا بورود الكراهة في تلك الرواية.

والاستدلال بتحريم النظر على وجوب الستر لما في الكشف من الإعانة على الإثم كما ذكره بعض الأفاضل ساقط لوضوح عدم الملازمة بين الأمرين. كيف ويحرم على النساء النظر إلى الرجال ولا يجب عليهم التستر منهنّ بوجه.

وهل يختص المنع في النظر على عورة المسلم أو يعمّ الكافر أيضا؟ قولان.

وفي الحدائق : إن المفهوم من كلام أكثر الأصحاب إطلاق المنع.

ويدلّ عليه جملة من الإطلاقات منها ما مرّ.

ومنها : الموثق : أيتجرّد الرجل عند صبّ الماء ترى عورته أو يصبّ عليه الماء أو يرى هو عورة الناس؟ فقال : « كان أبي يكره ذلك من كلّ أحد » (1).

ومنها : الخبر عن الحمّام ، فقال : « أدخله بمئزر وغضّ بصرك » (2).

وعن جماعة القول بالجواز ، وهو ظاهر الصدوق. وإليه ذهب صاحب الوسائل والحدائق وغيرهما. ومال إليه صاحب المعالم ؛ لصحيحة ابن أبي عمير ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار » (3).

وروى (4) الصدوق مرسلا عنه عليه السلام : « إنّما أكره النظر إلى عورة المسلم ، فأمّا النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار » (5).

مع اعتضاده بالأصل ؛ مضافا إلى اختصاص كثير من أخبار المنع إلى عورة المؤمن.

هذا إذا لم يكن النظر عن شهوة ، ومعها فلا شبهة في المنع ولا خلاف لأحد فيه.

ص: 385


1- الكافي 6 / 502 ، باب الحمام ، ح 28.
2- تهذيب الأحكام 1 / 373 ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ، ح 1.
3- الكافي 6 / 501 ، باب الحمام ، ح 27.
4- لم ترد في ( ب ) : « وروى .. عورة الحمال ».
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 114.

ولا فرق بين كون الناظر مسلما أو كافرا ، عاقلا أو مجنونا ، بالغا أو غير بالغ إذا كان مميّزا ، أمّا غير المميّز بحيث لا يميّز العورة عن غيرها فلا يجب التستّر عنه ظاهرا ، بل ولا يحرم النظر إلى عورته أيضا وإن ستر العورة ؛ لعدم وضوح شمول الأدلة الثلاثة.

وفي المرفوعة : « لا يدخل الرجل مع ابنه الحمّام فينظر إلى عورته » (1).

وهي مع ضعفها لا دلالة فيها على المدّعى ؛ ولقيام السيرة المعلومة على عدم التحرّز عن النظر إلى عورة الأطفال الصغار ، ولحاجتهم إلى مباشرة الأمّهات والمربّيات لاستنجائهم وإزالة النجاسات والقذارات عنهم ، ويتعسّر ذلك كثيرا من دون النظر.

والأحوط الاجتناب إذا زاد سنّهم عن الثلاث والأربع.

وفي جواز النظر إلى عورة المميّز أيضا وجه ؛ لاختصاص كثير من الأخبار بالمؤمن.

والأقوى خلافه لما عرفت من الإطلاقات.

ويقوى عدم وجوب الستر عن المجنون أيضا إذا لم يميّز العورة عن غيرها لعدم ظهور شمول الأدلة لمثله ، أمّا النظر إلى عورته فالظاهر المنع فيه ؛ لما عرفت.

ثمّ إنّ الواجب هو ستر جسم العورة بحيث يمنع من مشاهدة لونها وإن ظهر الحجم. ولا فرق بين سترها بالنبات أو الطين أو النورة أو اليد أو غيرها.

وعن أبي جعفر عليه السلام : أنّه دخل الحمّام فتنوّر فالقي عنه المئزر. فقيل له في ذلك؟ فقال عليه السلام : « أما علمت أنّ النورة قد يستر العورة؟! » (2).

ونحوها الظلمة المانعة من الرؤية ، وكذا البعد.

ولو منعا عن رؤية اللون دون الحجم قوي المنع ؛ لصدق رؤية الجسم معه ، وظاهر الأدلّة المنع عنه.

نعم ، إذا لم ير منه سوى الشبح من دون تشخيصها بوجه قوي (3) الجواز.

ص: 386


1- الكافي 6 / 501 ، باب الحمام ، ح 23.
2- الكافي 6 / 502 ، باب الحمام ، ح 35 باختلاف.
3- في ( ألف ) : « نفي ».

ثم إن الذّكر والبيضتين والدّبر عورة في الرجل بلا خلاف فيه.

وفي المدارك : حكاية الإجماع عليه مستفيض في كلامهم.

والظاهر أنّ ما عدا ذلك ليس من العورة ، وهو المشهور.

وفي السرائر الاجماع عليه.

وفي المنتهى : إنّ عليه أكثر علمائنا.

وفي البحار وغيره : إنّه المشهور ؛ للمرسل : « العورة عورتان : القبل والدبر ، والدبر مستور بالألتين ، فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة » (1).

قال الكليني : وفي رواية أخرى : « فأمّا الدّبر فقد سترته الأليتان ، وأمّا القبل فاستره (2) بيدك » (3).

وفي مرسلة الفقيه : « الفخذ ليست من العورة » (4).

وضعفها منجبر في الأصل بعمل الأصحاب.

وعن القاضي : أنّها ما بين السرّة والركبة.

وجعلها السيّد رواية. وكأنّه أشار إلى رواية بشر ، عن أبي جعفر عليه السلام : « أنّه دخل الحمّام فاتّزر بإزار فغطّى ركبتيه وسرّته ، ثمّ أمر صاحب الحمّام قطع جسده .. » إلى أن قال : ثمّ قال : « هكذا فافعل » (5).

وفيه بعد الغضّ عن منع ظهورها أنّها ضعيفة ، ولا جابر لها.

مضافا إلى عدم صراحتها في الوجوب ، فليحمل على الندب جمعا.

وعن الحلبي (6) : أنّها ما بين السرّة إلى نصف الساق. ولم نقف على مستنده ، بل حكى في

ص: 387


1- الكافي 6 / 501 ، باب الحمام ، ح 26.
2- في ( ب ) : « ما سترت » بدل « فاستره ».
3- الكافي 6 / 501 ، باب الحمام ، ح 26.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 119 ، وفيه : الفخذ ليس.
5- الكافي 6 / 501 ، باب الحمام ، ح 22 باختلاف.
6- الكافي للحلبي : 139.

المعتبر (1) والمنتهى (2) إجماع علمائنا على عدم كون الركبة من العورة.

وعورة المرأة بالنسبة إلى الأجانب تمام بدنها إلّا ما استثني ، وبالنسبة إلى المحارم ما عدا من يحلّ له وطئه ومن بحكمه كالرجل.

ويأتي الكلام فيها إن شاء اللّه.

والخنثى يلحق بالمرأة عندهم.

ثمّ إنّ الظاهر خروج ما بين العورتين منها ، وكذا الشعر النابت حولها.

وفي النابت عليها وجهان.

وفي ذكر الخنثى المحكوم بالانوثية أو فرجه مع الحكم برجوليته وجهان ؛ أقربهما الخروج.

أمّا الممسوح فلا يبعد جريان حكم العورة بالنسبة إلى المنفذ المعدّ فيه ؛ لدفع الفضلتين على تأمل فيه إن لم يكن فيما يقارب الموضع المعتاد.

ولا فرق في العورة بين اتّصالها بالبدن وانفصالها عنه ، وكذا بين كلّها وبعضها ؛ للأصل والإطلاقات.

وكأنّه لا خلاف فيه.

ص: 388


1- المعتبر 2 / 101.
2- منتهى المطلب 1 / 236.
تبصرة: [ في تحريم استقبال القبلة واستدبارها ] [ حال البول والتغوّط ]

المعروف بين الأصحاب تحريم استقبال القبلة واستدبارها حال البول والتغوّط مطلقا.

وفي الخلاف (1) والغنية (2) الإجماع عليه.

وفي جملة من كتب المتأخرين كالذخيرة (3) والبحار (4) وكشف اللثام أنّه المشهور.

وظاهر ما حكي عن الإسكافي عدم التحريم مطلقا ؛ لحكمه باستحباب ترك الاستقبال في الصحراء ، ولم يذكر الاستدبار ولا الحكم في البنيان (5).

وحكي القول به عن المفيد أيضا. وإليه ذهب جماعة من المتأخرين كصاحبي المدارك والذخيرة وغيرهما.

وعن الديلمي التفصيل بين الصحاري والبنيان ، فتحرم في الأول ويكره في الثاني. وحكي القول به عن الديلمي. وعزاه في المعتبر (6) إلى المفيد.

وعبارته في المقنعة (7) لا يخلو من إجمال.

ص: 389


1- الخلاف 1 / 101.
2- غنية النزوع : 487.
3- ذخيرة المعاد 1 / 16.
4- بحار الأنوار 77 / 169 ، باب آداب الخلاء.
5- في ( ب ) : « البيان ».
6- المعتبر 1 / 122.
7- المقنعة : 41.

وفي المختلف (1) بعد نقل عبارته أنّه يعطي الكراهة في الصحاري والإباحة في البنيان ، وقد تحمل على ما يوافق المشهور.

ويؤيّده أنّ في عبارة الشيخ ما يقارب كلامه ، ولم ينسب إليه الخلاف في كلام أحد من الأصحاب.

واحتمل في نهاية الإحكام (2) اختصاص النهي عن الاستدبار بالمدينة المشرفة ونحوها ممّا يساويها في الجهة ؛ لاستلزامه استقبال بيت المقدس ، وهو اعتبار محض لا شاهد عليه.

والأظهر المنع مطلقا.

ويدلّ عليه مضافا إلى الشهرة المعلومة والمنقولة والإجماع المنقول : الروايات المستفيضة ، منها الخبر : « إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولكن (3) شرّقوا وغرّبوا » (4).

والقوي : ما حد الغائط؟ قال : « لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها ».

وفي حديث المناهي : « إذا دخلتم الغائط فتجنّبوا القبلة » (5).

وفي نوادر الراوندي : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نهى أن يبول الرجل وفرجه باد للقبلة (6).

وفي الدعائم عنهم صلوات اللّه وسلامه عليهم في جملة من مناهي الرسول صلى اللّه عليه وآله : النهي عن استقبال القبلة واستدبارها في حال الحدث والبول (7).

وضعف هذه الأخبار منجبر باعتضاد بعضها ببعض ، وذكرها في الكتب المعتمدة ، وتلقّي

ص: 390


1- مختلف الشيعة 1 / 265.
2- نهاية الإحكام 1 / 79.
3- لم ترد في ( ب ) : « ولكن تشرّقوا .. ولا تستدبرها ».
4- الإستبصار 1 / 47 ، باب استقبال القبلة ، ح (130) 1.
5- من لا يحضره الفقيه 4 / 4 ، باب ذكر جمل من المناهي ، ح 4968.
6- كتاب النوادر : 230.
7- دعائم الإسلام 1 / 104.

الأصحاب لها ، واشتهار العمل بمضمونها. وضمّ بعض المكروهات ببعضها لا يفيد إرادة الكراهة (1) فيه فكيف في غيره.

حجة الجواز : الأصل ، وعدم دليل صالح للخروج عنه ؛ لضعف الأخبار المانعة سندا ودلالة ، وإنّما يستفاد ذلك أيضا من الحسنة : « من بال حذاء القبلة ثمّ ذكر فانحرف عنها إجلالا للقبلة وتعظيما لها لم يقم من مقعده ذلك حتّى يغفر له » (2).

لظهورها في ترتّب الثواب على إجلال القبلة وتعظيمها.

ويضعفه ما عرفت من الانجبار بالعمل والظهور كاف في المقام ؛ خصوصا مع الاعتضاد بفهم الجمهور ، وترتّب الثواب العظيم على الفعل المذكور من جهة التعظيم بعد استحبابه حينئذ ؛ إذ الواجب أحرى بترتب الثواب ؛ خصوصا إذا اختار منه أفضل الفردين.

حجة التفصيل : الجمع بين الأخبار المذكورة ، وحسنة محمّد بن إسماعيل : دخلت على الرضا عليه السلام وفي منزلة كنيف مستقبل القبلة (3). فتخصيص الروايات بالصحاري.

وفيه : أنّه في الرواية شاهد على الجواز لعدم دلالتها على كون بنائه بإذن الامام عليه السلام ، ولا على جلوسه كذلك. وتقريره عليه السلام للبناء لا يدلّ عليه ؛ لعدم ظهور وجوب الهدم.

على أن كون المكان ملكه غير معلوم بل الذي حكي أنّ المأمون - لعنه اللّه - لمّا استجلب الرضا عليه السلام إلى خراسان أنزله في بعض بيوت أهل الخلاف ، فاحتمال التقية هنا ممّا لا يخفى.

وقد يستدل عليه بما في الدعائم حيث قال بعد ما حكينا عنه وذكر جملة من الأحكام : « ورخّصوا في البول والغائط في الأبنية » (4).

ولا يخفى ضعفه.

وربّما يفيد وجود خبر دالّ عليه ، وهو أيضا لا يفيد شيئا.

ص: 391


1- لفظة « الكراهة » من ( د ).
2- المحاسن 1 / 54.
3- الإستبصار 1 / 47 ، باب استقبال القبلة واستدبارها عند البول والغائط ح (132) 1.
4- دعائم الإسلام 1 / 104 ، وفيه : « في الآنية ».

ثمّ إنّ المدار في حرمة الاستقبال والاستدبار على مقدّم البدن ومؤخّره لا خصوص العورة على ظاهر كلامهم ، وصريح جماعة منهم ، وحكي الشهرة عليه.

وعن السيوري : إنّ المحرّم هو المقابلة بالوجه والبدن ، فلو ميل فرجه وبال لم يكن محرّما.

وعزاه في المدارك إلى بعض المعاصرين ، قال : وليس بشي ء.

قلت : قال محمّد بن ابراهيم بن هاشم من قدماء أصحابنا في علله : « أحد عشر لا بدّ لكلّ الناس من معرفتها ، وذلك آداب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فاذا أراد البول والغائط فلا يجوز له أن يستقبل القبلة بالقبل والدبر ، والعلّة في ذلك أنّ الكعبة عظّمها اللّه وأجلّ حرمته ، ولا تستقبل بالعورتين القبل والدبر لتعظيم اللّه وحرم اللّه وبيت اللّه » (1). انتهى.

وظاهر ذلك كما ترى اختصاص الحرمة باستقبال خصوص العورتين ، وإسناده ذلك إلى الرسول صلى اللّه عليه وآله.

قلت : وفي بعض الأخبار دلالة عليه مرّت الإشارة إلى بعضها.

ومنها : قوله عليه السلام : « لا تستقبل القبلة بغائط ولا بول » (2) وجعل الباء بمعنى الملابسة كأنّه بعيد عن الظاهر ، فلا داعي إليه.

والإطلاقات الاخر واردة على الغالب من حصول الاستقبال بالعورة عند استقبال البدن إلّا أن ظاهر فهم الأكثر يضعف البناء عليه.

وكيف كان ، فلا شبهة في كون الاحتياط في الاجتناب عنه ، والمراد بالقبلة ما يراد في باب الصلاة ، فهي للقريب عين الكعبة وللبعيد جهتها ؛ للإطلاقات وظاهر الحسنة الماضية ؛ لصدق الانحراف بالميل اليسير عن محاذاة القبلة ، فيجوز استقبال ما بين المشرق والمغرب ؛ استنادا إلى ظاهر الأمر في الخبر المذكور ، وأن ما بين المشرق والمغرب قبلة كما في الرواية وأنّ قبلة البعيد الجهة وفيها سعة.

ولا يخفى ضعف الجميع.

ص: 392


1- بحار الأنوار 77 / 194 ، باب آداب الخلاء ، ح 53.
2- الكافي 3 / 16 ، باب الذي يكره أن يتغوط فيه أو يبال ، ح 5.

وكأنّ المراد من الرواية الميل إلى جهة المشرق والمغرب. ويحتمل حمله على الندب ؛ لخلوّ غيره من الأخبار عنه.

والقول بأنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة المنجبر ؛ مدفوع بأنّ مجرّد ذلك لا يقضي بالمنع ؛ إذ الظاهر (1) إرادة قبلة المختار.

نعم ، يحتمل القول بالمنع حال التحيّر من كونه إذن قبلة الصلاة.

وهو قويّ ؛ نظرا إلى حصول الشبهة في تلك الجهة دون غيره ، فلو دارت بين جهتين أو ثلاثة قوي اجتناب الجميع.

ولو لم يتعين مطلقا فإن أمكن استعلامها بالعلامات أو السؤال قوي وجوبه مع انتفاء الضرورة في تأخير قضاء الحاجة بمقداره ، وإلّا فإن أمكنه التأخير إلى ظهور الحال والانتقال إلى محلّ يعرف القبلة فيه فوجهان ، وإلّا جاز من غير لزوم التأخير إلى حال الضرورة في وجه قوي.

وربّما احتجّ له بقوله عليه السلام : « كلّ شي ء فيه حلال وحرام .. » (2) الخبر ونظائره.

وفيه ضعف.

ولو كان في أرض مقاطر للكعبة مثلا سقط الحكم.

ولو لم يمكنه الانحراف ودار بين الاستقبال والاستدبار ففي تقديم الاستدبار في البول والاستقبال في الغائط وجه قوىّ ؛ بناء على مناسبة التعظيم المستفاد من الحسنة المذكورة.

ولا فرق في ذلك بين القادر والعاجز كما قطع به في المدارك (3). وحكى عن بعض المحققين أنّه لا بأس في الإحالة إلى قبلة الصلاة بالنسبة إلى العاجز. وتردّد بالنسبة إلى القادر ، قال : ولعلّ الأقرب عدم جريانه بالنسبة إليه.

ص: 393


1- لم يرد هنا في ( د ) : « بالمنع إذ الظاهر .. » إلى قوله : « في المعتبر والقواعد » ، ثم وجدنا العبارات في موضع آخر من ( د ) ، مشوش الموضع في ( ألف ) و ( ب ) أيضا ، وأدرجناها في مواضعها ، والحمد لله.
2- الكافي 5 / 313 ، باب النوادر ، ح 39 ، وفيه : « كل شي ء يكون فيه ».
3- مدارك الأحكام 1 / 159.

وهو ضعيف.

ثمّ إنّ الاستقبال في القائم والقاعد وما بينهما واضح.

وأمّا في المضطجع فهل يعتبر استقبال الصلاة أو لا؟ في المعتبر (1) وجهان ، والمناسب للتعظيم التجنّب على الوجهين.

ولا ريب أنه أحوط ، والظاهر أنّ المدار في الحكم إلى حال خروج الحدث دون مقدماته ، وإطلاق بعض الأخبار محمول عليه ، فالأولى البحث حال الجلوس على الخلاء.

والأولى مراعاته حال الاستنجاء أيضا للخبر : الرجل يريد أن يستنجي كيف يقعد : قال : « كما يقعد للغائط » (2).

والظاهر وإن أوهم الوجوب لكن لضعفه وعدم وضوح دلالته على الوجوب لا يثبت به ما يزيد على الاستحباب.

ثمّ إنّ مناط الحكم بالخروج على النحو المعتاد من الموضع المعتاد له ، ولو كان بالعارض في وجه قويّ ، ولو أحسّ بخروج البلل قبل الاستبراء احتمل جريان المنع.

وفي وجوب منع الأطفال من ذلك وجهان ؛ من انتفاء التكليف في شأنهم ومراعاة الاحترام.

ولا يخلو عن وجه.

ولو باشر ذلك لهم قوي المنع.

ص: 394


1- المعتبر 2 / 160.
2- الكافي 3 / 18 ، باب القول عند دخول الخلاء ، ح 11.
تبصرة: [ في الاستنجاء للبول والغائط ]
اشارة

يجب الاستنجاء للبول والغائط بإجماع علمائنا كافّة ، والنصوص المستفيضة بل المتواترة.

وقد خالف فيه أبو حنيفة (1) واتباعه إذا لم يكن التلويث أزيد من درهم.

ويتعيّن الماء في مخرج البول على ظاهر المذهب.

وقد خالف فيه الجمهور ، وقد حكي إجماعنا على لزوم غسله بالماء خاصّة في التذكرة (2) ونهاية الإحكام (3) والروض (4) والمدارك (5) والمشارق (6) وكشف اللثام (7).

وفي الحدائق (8) : أنه إجماعي فتوى ورواية.

وفي المعتبر (9) : إنّ عليه اتفاق علمائنا.

وفي المنتهى (10) : إنّه مذهب علمائنا.

ص: 395


1- نقل عنه في تذكرة الفقهاء 1 / 123.
2- تذكرة الفقهاء 1 / 124.
3- نهاية الإحكام 1 / 86.
4- روض الجنان : 23.
5- مدارك الأحكام 1 / 161.
6- مشارق الشموس 1 / 73.
7- كشف اللثام 1 / 202.
8- الحدائق الناضرة 2 / 7.
9- المعتبر 1 / 126.
10- منتهى المطلب 1 / 256.

وحكي عن المفيد (1) والسيد في بحث المضاف تجويز إزالة الخبث مطلقا. وظاهر ذلك جوازه هنا أيضا إلّا أنّ قضية الإجماعات المنقولة عدم قولهما بما في المقام ؛ لما في بعض الأخبار إلّا أن يقال : إنّ المراد بالماء في المقام ما يعمّ المضاف ؛ لوقوعه في مقابلة الأحجار.

وهو بعيد.

ويدلّ على الحكم مضافا إلى الإجماعات المحكيّة صحيحة جميل : « إذا انقطعت البول وجب الماء » (2) ، وقوية يزيد بن معاوية : « لا يجزى من البول إلّا الماء » (3).

مضافا إلى أمر الإطلاقات الحاكمة بغسله الظاهر في ذلك.

ورواية سماعة الظاهرة في جواز استعمال غير الماء مؤوّلة أو محمولة على التقيّة ؛ لإطباق الفقهاء الأربعة عليه.

ولا فرق بين حالتي الاختيار والاضطرار كما هو ظاهر إطلاق الأخبار.

وربّما يستفاد من الشيخ في الكتابين ( في توجيه رواية سماعة بناء على الجواز حال الاضطرار إلّا أن الأظهر عدم استفادة مذهب الشيخ في الكتابين ) عند توجيه الأخبار كما يعرف من الشيخ فيهما.

وقد يحمل على ما سننقله عن الفاضلين وغيرهما من لزوم التخفيف حال تعذّر الماء من غير حكم بالطهارة.

واختلفوا في أقلّ ما يجزي من الماء ، فعن الصدوقين (4) والشيخين (5) والفاضلين في المعتبر (6) والقواعد اعتبار مثلي ما على الحشفة فلا يجزي ما دونه.

ص: 396


1- المقنعة : 40.
2- الكافي 3 / 17 ، باب القول عند دخول الخلاء وعند الخروج والاستنجاء ح 8 وفيه : « إذا انقطعت درة البول فصبّ الماء ».
3- الإستبصار 1 / 57 ، باب غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء عد واحد من الاحداث ، ح 166 (21).
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 31 ، الهداية : 48.
5- المقنعة : 42 ، المبسوط 1 / 17.
6- المعتبر 1 / 127.

وحكى بعض الأفاضل الشهرة عليه.

وعزاه بعضهم إلى الأكثر.

وعن ظاهر الشيخ في الخلاف (1) والحلبي (2) وابن زهرة (3) والطوسي (4) والحلي (5) والفاضل في المنتهى (6) والمختلف (7) [ و ] الإرشاد (8) ، والشهيدين في اللّمعة ، وظاهر الروض (9) ، وابن فهد في الموجز ، وصاحبي المدارك (10) والمشارق (11) والذخيرة (12) ، وغيرهم من المتأخرين الاجتزاء بكلّ ما يزيل العين.

ولا يبعد أن يكون الخلاف في ذلك لفظيّا من جهة التأمّل في كون ما نقص عن المثلين مزيلا للعين.

وقد أشار إليه الشهيد في البيان (13).

وكيف كان فالحق الأخير ؛ للإطلاقات وخصوص مرسلة نشيط : « يجزي من البول أن يغسله بمثله » (14) ، ومرسلة الكليني : « يجزي أن يغسل بمثله من الماء إذا كان على رأس

ص: 397


1- الخلاف 1 / 103.
2- الكافي الحلبي : 127.
3- غنية النزوع : 36.
4- الوسيلة : 47.
5- السرائر 1 / 96.
6- منتهى المطلب 1 / 264.
7- مختلف الشيعة 1 / 273.
8- إرشاد الأذهان 1 / 221.
9- روض الجنان : 25.
10- مدارك الأحكام 1 / 163.
11- مشارق الشموس 1 / 73.
12- ذخيرة المعاد 1 / 16.
13- البيان : 7.
14- تهذيب الأحكام 1 / 35 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 33.

الحشفة » (1).

( وغيره احتجّوا برواية نشيط : كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ قال : بمثلي ما على الحشفة ) (2).

وفيه بعد الغضّ عن سندها لما ادّعي من الشهرة الجابرة لها أنّها محمولة على المبالغة والإشارة إلى كمال التوسع وغاية السهولة كما هو الشأن في هذه الشريعة السهلة ؛ للاكتفاء بأقل القليل ولو بمثل القطرتين ، وليس المقصود بعينهما في الإزالة.

وقد يجعل ذلك إشارة إلى اعتبار عليّة المطهّر في إزالة النجاسة ؛ لعدم حصولها بدونها في الغالب.

وفي اعتبار التعدّد في الغسل هنا قولان ، فعن الصدوق في الفقيه (3) والهداية (4) اعتبار التعدد. وتبعه الشهيدان في الذكرى (5) والروضة (6) والمحقق الكركي (7) وغيرهم.

وذهب آخرون إلى الاكتفاء بالمرّة ، وعليه الأكثر ، بل لم ينقل من أحد (8) القدماء التصريح بخلاف سوى الصدوق.

وهو الأقوى ؛ لإطلاق طهوريّة الماء والإطلاقات الآمرة بغسله أو صب الماء عليه.

وفي الحسن : قلت له : للاستنجاء حد؟ قال : « لا حتّى ينقى مأثمة » (9).

وخصوص مرسلة نشيط ومرسلة الكليني المتقدمتان لا إشعار فيها (10) باعتبار التعدد في

ص: 398


1- الكافي 3 / 20 ، باب الاستبراء من البول وغسله ، ح 7.
2- تهذيب الأحكام 1 / 35 باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة ، ح 32. وما بين الهلالين زيدت من ( د ).
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 31.
4- الهداية : 76.
5- الذكرى 1 / 168.
6- الروضة البهية 1 / 341.
7- جامع المقاصد 1 / 93.
8- زيادة في ( د ) : « من ».
9- تهذيب الأحكام 1 / 29 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 14.
10- كذا.

الغسل بوجه ، بل المستفاد منها - إن سلّم - غلبة المطهّر أو خصوص اعتبار المثلين كما مرّ.

وأجاب عنه بعض الأفاضل أيضا بأنّ حمل الرواية على إرادة التعدد يوجب الاكتفاء بالمثل في الغسلة الأولى. ولا وجه له ؛ لعدم حصول الغلبة المعتبرة في المطهّر.

وحمله على اعتبار الثلاثة بالنظر إلى القطرة الباقية بعد خروج البول وإن كان إجراء الماء بعد سقوطها ، فهي غالبة على الرطوبة (1) في المخرج لا وجه له ؛ لإطلاق الرواية أوّلا ، وعدم اعتبار سقوطها عنها ثانيا.

وفيه : أن اعتبار الغلبة المذكورة محلّ مناقشة ، بل الذي يفهم من الإطلاقات اعتبار الإزالة خاصّة إلّا أن يقال بعدم حصولها بدونها.

وهو محلّ تأمّل ، والأخبار الدالّة على اعتبار التعدّد في إزالة البول إنّما دلّت عليه عند إصابة الجسد أو الثوب ، وذلك لا يشمل (2) صورة الاستنجاء كما لا يخفى.

ولو سلّم إطلاقها فهي معارضة بالإطلاقات الواردة في المقام ، والتعارض نحو (3) العموم من وجه والعمومات القاضية بطهورية الماء حاكمة بالطهارة بالمرّة.

والاجماع المنقول أيضا مخصوص بغير هذه الصورة.

ويشهد له استشهاد الناقل في المقام بالأخبار ، وعدم نقله الإجماع هنا ، بل ونصّه على الخلاف فيه ، وجعله اعتبار المثلين أولى.

ثمّ على القول باعتبار التعدّد فهل يعتبر فيه التعدّد الحقيقي المتوقّف على حصول الفصل بين الغسلتين أو يكتفي بالتقديري؟ قولان ، اختار أوّلهما الشهيد في الذكرى (4) مع ذهابه إلى عدم اعتباره في غير الاستنجاء.

ص: 399


1- زيادة في ( د ) : « الباقية ».
2- في ( ألف ) : « ذلك لا يستعمل » بدون الواو.
3- في ( ألف ) : « عن ».
4- الذكرى : 1 / 168.

اعتذر منه المحقق الكركي (1) بين ما إذا كانت الإزالة بالمثلين أو ما زاد عليهما ، فعلى الأول لا بدّ من الانفصال لصدق الوحدة مع عدمه ، بخلاف ما لو كان الماء كثيرا ، وبه وجّه كلام الشهيد.

والأقوى إذن اعتبار الفصل مطلقا لعدم صدق التعدد عرفا بدونه ، مضافا إلى استصحاب النجاسة الباقية.

فروع

الأول (2) : هل يجب على الأغلف غسل ما تحت الغلفة؟ وجهان مبنيّان على كونه من الظاهر أو الباطن.

قطع المحقق الكركي بالأوّل ، واختاره المحقق والعلّامة في المنتهى (3) وغيره ، والشهيد في الذكرى (4) إلّا أن يكون ... (5)

فيسقط عنه ، وحكي الثاني عن المنتهى والذكرى ، والموجود فيهما ما عرفت.

الثاني : إن لم يخالط البول أجزاء لزجة من المذي والودي أو نحوهما كفى فيه مجرّد الصبّ ؛ لإطلاق (6) الأمر بالصبّ ، وفي بعضها بعد الأمر به « فإنّما هو ماء » (7).

ولو شكّ في ممازجة شي ء له فهل يكتفي بالصبّ أو لا بدّ من الدلك وجهان ؛ أحوطهما ذلك ليحصل اليقين بالطهارة بعد تيقّن النجاسة.

الثالث : لو تعذر عليه استعمال الماء لفقده أو بسبب آخر ، فهل يجب عليه التمسّح بالحجر

ص: 400


1- جامع المقاصد 1 / 94.
2- لفظة « الأول » مما أضيفت من ( د ).
3- منتهى المطلب 1 / 43.
4- الذكرى 1 / 173.
5- هنا سقط في عبارات المخطوطات الثلاثة.
6- لم ترد في ( ب ) : « الإطلاق .. بالصب ».
7- الكافي 3 / 55 ، باب البول يصب الثوب أو الجسد ح 1.

ونحوه ؛ نظرا إلى أنّ الواجب إزالة العين والأثر ، فإذا تعذر أحدهما وجب الآخر ، ويسقط ذلك بتعذّر المطهّر؟ قولان اختار أوّلهما الفاضلان والشهيد في الذكرى.

وظاهر التعليل المذكور وجوب ذلك بالنسبة إلى سائر النجاسات أيضا.

وعن بعض المتأخرين أنّه فهم ذلك حصول الطهارة الاضطرارية بذلك من الأصحاب كالتيمّم بالنسبة إلى الأحداث ، ووافقهم عليه.

وقد فهم الفاضل الجزائري أيضا ذلك من كلام الفاضلين ، وذكر أنّه لم يذهب إليه سواهما.

واستفادة ذلك من كلامهم كما ترى ، بل التعليل المذكور صريح في بقاء الأثر أعني النجاسة ، فالقول بالطهارة إن ثبت ضعيف جدا ؛ لما عرفت من الإجماعات والأخبار الدالّة على تعيين (1) تطهيره بالماء ، من غير ظهور دليل على حصول الطهارة الاضطرارية بذلك.

وقد يستدلّ عليه بموثّقة ابن بكير ، ولا دلالة فيها على ذلك.

نعم ، يجري عليه حكم الطاهر بالنسبة إلى الصلاة لسقوط حكم النجاسة إذن حال الضرورة ، وأمّا وجوب التجفيف في النجاسة كما ذكروه فهو لا يساعده الاعتبار المذكور إلّا أنّه لا ينهض حجّة على ثبوت الحكم ، فالبناء على أصالة البراءة أقوى.

ص: 401


1- في ( د ) : « تعيّن ».
تبصرة: [ في الاستنجاء من الغائط ]

يتعيّن الماء أيضا في الاستنجاء من الغائط مع التعدية بلا خلاف بين الطائفة ، وحكاية الاجماع عليه مستفيضة في كلامهم.

ففي المعتبر (1) أنّه مذهب أهل العلم. وفي التذكرة (2) أنّه متعيّن إجماعا.

وفي الروض (3) أنه إجماعيّ من الكلّ.

وفي كشف اللثام (4) : يجب الغسل به خاصّة إجماعا.

إلى غير ذلك من الإجماعات المحكيّة عليه.

ويدلّ عليه - مضافا إلى ذلك - الأصل والنبويّ : « يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محلّ العادة » (5).

قلت : كلام الأصحاب فيما ذكر لا يخلو عن إجمال. ويظهر حقيقة الحال ببيان أمرين :

أحدهما : أن المدار في التعدي على تجاوز بين المحلّ المعتاد بحيث لا يعدّ إزالته عن ذلك استنجاء في العادة كما اختاره في المدارك (6) ونحوهما فالوجه (7).

ص: 402


1- المعتبر 1 / 128.
2- انظر تذكرة الفقهاء ، 2 / 494.
3- روض الجنان : 23.
4- كشف اللثام 1 / 19.
5- عوالي اللئالي 2 / 181 ، وفيه : روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : « يجزي من الغائط المسح بالأحجار إذا لم يتجاوز محل العادة ».
6- مدارك الاحكام 1 / 166.
7- الظاهر أن في العبارة نقصا ، والنسخ كلها كما أدرجنا.

وفي مجمع الفائدة (1) بعد ما فسّر المتعدّي بالمتفاحش بحيث يخرج عن العادة ويصل إلى الألية كما اعتبروا ذلك في عدم عفو ماء الاستنجاء قال : ولو لا دعوى المصنّف الاجماع في التذكرة (2) على أنّ المتعدّي هو ما يتعدّى عن المخرج في الجملة لقلت : مراد الأصحاب بالتعدّي هو ما قلناه ؛ لعموم الأدلّة وعدم المخصّص ، ثمّ قال (3) : والذي يقتضيه النظر في الدليل عدم الالتفات إلى هذه الأمور وحصول التطهير مطلقا إلّا على وجه ؛ لعدم تنجّس غير الموضع المتعارف والمعدى (4) العرفي.

وظاهر كلامهم (5) هو اختيار ما قلناه وأمّا اعتبار الوصول إلى الألية كما يظهر من أوّل كلامه فبعيد جدّا ؛ لوضوح صدق التعدي من دونه ، ولذا نصّ جماعة بحصول التعدّي وإن لم يبلغ الأليتين.

وربّما يظهر من بعض العبارات اتفاقهم عليه.

وعلى ما اخترنا فالوجه في عدم الإجزاء - مضافا إلى ما عرفت ممّا لا خفاء فيه من الخبر - الأصل.

وعن جماعة من الأصحاب أنّ المدار على التجاوز من المخرج وإن لم يتفاحش.

وهو بعيد ؛ إذ لا دليل على تعيّن الماء حينئذ ، وإطلاق المستفيضة الدالّة على جواز الاستجمار (6) أوضح شاهد على فساده لغلبة التجاوز عن عين المخرج.

ولو لاها فلا أقلّ من عدم الخروج عن النحو المعتاد الذي يصرف إليه الإطلاق.

نعم ، هناك إجماعات محكيّة متكثّرة دالّة على أنّ الغائط إذا تعدّى المخرج يتعيّن غسله بالماء ، فقد يستظهر منه مجرّد التعدي وإن لم يتفاحش ، وقد يجعل ذلك دليلا على التفسير

ص: 403


1- مجمع الفائدة 1 / 90.
2- التذكرة الفقهاء 1 / 14.
3- مجمع الفائدة 1 / 90.
4- في ( د ) : « التعدّي ».
5- في ( د ) : « كلامه ».
6- في ( ألف ) : « الاستحجار و ».

المذكور. ولا يخلو ذلك من خفاء. وحملها على ما ذكرنا غير بعيد.

ثانيهما : لزوم الاقتصار على الماء في محلّ التعدية واضح لا خفاء فيه كما عرفت ، وأمّا في المخرج فمقتضى الإطلاقات جواز الاستجمار أيضا.

نعم ، ربّما دلّت الرواية المذكورة على المنع إلّا أنّها عاميّة ، مع أنّها غير صريحة فيه ؛ إذ غاية ما يقتضيه عدم الاكتفاء بالأحجار.

وقد يحمل عليه إطلاق الأصحاب ، فمقصودهم إذن عدم جواز الاقتصار على الاستجمار ، لا عدم الاكتفاء به في محل النجو (1) وإن استعمل الماء في الباقي.

ويمكن حمل الإجماعات المحكيّة على تعيّن الماء حينئذ عليه ، وإن كان الظاهر منها ومن كلام الأصحاب خلافه.

قال بعض الأفاضل : لم يحصل الاطلاع على نصّ من الأصحاب بشي ء ، وإثبات وجوب غسل الجميع لا يخلو من إشكال إن لم يكن إجماع.

وفي الحدائق (2) : لم أقف على صريح كلامهم في ذلك إلّا أن ظاهر عباراتهم الأوّل.

قلت : وحمل تلك الظواهر على ما قلناه غير بعيد. ويقرب ذلك قطعهم بالمسألة من غير نقل خلاف فيه مع عدم قيام شي ء من الأدلّة على الإطلاق ، وما هو معلوم من طريقة المتأخرين في الأحكام الاتفاقيّة عند إعواز النصوص الشرعيّة. قال في المدارك (3) بعد تفسير التعدي بما اخترناه : وعليه فالأمر واضح.

ونحو منه ما في الذخيرة ، ويرشد عليه أيضا أنّه مع انفصال محلّ التعدية عن المخرج لا ينبغي الريب في الاجتزاء به فيه ؛ إذ لا دخل لتنجس محلّ آخر في ارتفاع حكم المحلّ مع أنّه لو بنى على ظاهر إطلاقهم قضي بالمنع ، وهم لا يقولون به قطعا ، فالأقوى الاكتفاء إذن بالأحجار في محلّ النجو مطلقا. وهو الظاهر من شيخنا البهائي رحمه اللّه.

ص: 404


1- في ( ب ) : « التجوّز ».
2- الحدائق الناضرة 2 / 28.
3- مدارك الأحكام 1 / 168.
تبصرة: [ في الاستنجاء بالماء والأحجار وما قام مقامها ]

يتخيّر في محلّ النجو بين الاستنجاء بالماء والأحجار وما قام مقامها بلا خلاف بين الطائفة بل الامّة إلّا ما حكي عن شذاذ من أهل الباطل حيث ذهبوا إلى تعيّن الماء مع وجدانه. وآخرين منهم حيث نفوا الاستنجاء بالماء.

وكلاهما مدفوعان بالنصّ من صاحب الشرع وإجماع أهل الحق.

والمشهور الاجتزاء بكلّ جسم قالع للعين إلّا ما استثني.

وعن الديلمي اعتبار كونه ممّا أصله الأرض.

وعن السيد (1) : أنه يجوز الاستنجاء بالأحجار أو ما قام مقامها من المدر والخزف (2).

وعن الإسكافي (3) : إن لم يحضر الأحجار تمسح بالكرسف أو ما قام مقامه. وذلك يعطي الترتيب بين الأمرين.

والأقوى الأوّل ؛ للصحيح : هل للاستنجاء حد؟ قال : « لا حتّى ينقي مأثمة » (4) (5).

والموثّق : « يغسل ذكره (6) ويذهب الغائط » (7) ؛ لتعليق الحكم فيهما على مطلق النقاء

ص: 405


1- نقل عنه الحدائق الناضرة 2 / 29.
2- في ( د ) : « الخرق ».
3- نقل عنه مصباح المنهاج 2 / 82.
4- في النسخ المخطوطة : « ينفى ما عنه » ، وما أورجناه من الصدر.
5- تهذيب الأحكام 1 / 29 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ح 14.
6- الكافي 3 / 18 ، باب القول عند دخول الخلاء ، ح 15 و 16.
7- تهذيب الأحكام 1 / 47 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ح 73.

والإذهاب المصانعين (1) مع كلّ ما يقلع العين.

مضافا إلى الشهرة المعلومة والمنقولة.

وليس (2) في الأدلّة ما يقتضي اعتبار خصوصيّة بعض الأعيان. نعم ، ورد ما يفيد الاكتفاء بجملة أمور :

منها : الأحجار والكرسف والمدر (3) والخزف على بعض النسخ ، ولا إشارة فيها إلى عدم الاجتزاء بغيرها ، بل وربّما استفيد منها ارادة المثل (4).

والمقصود إزالة العين كيف ما كان ، مضافا إلى النهي عن خصوص الزفت والرمة.

وتعليله في بعض الأخبار بأنّه طعام الجنّ ، فيومي ذلك إلى جواز غيرهما ، فتأمّل بعض الأفاضل في خصوص غير المنصوص للمناقشة في شمول الخبرين ليس في محلّه ، ولم نعثر للديلمي على حجّة بل يدفعه إطلاق ما دلّ على الاجتزاء بالخرق ؛ لصدقها على المنسوجة عن الصوف وليس ممّا أصله الأرض ، وتعميمه لذلك يوجب انطباقه على المشهور.

وقد يستدل لابن الجنيد بالمرسل : « جرت السنّة في الاستنجاء بثلاثة أحجار : » (5) الخبر بحمل (6) ما دلّ على اجزاء غيره على صورة تعذّره. ولا يخفى ضعفه.

هذا وقد اعتبر فيما استنجي به أمور :

منها : الطهارة من غير خلاف يعرف.

وفي المنتهى (7) : أنّه قول علمائنا أجمع.

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك انصراف الإطلاقات في مقام التطهير إلى الطاهر ، وهو

ص: 406


1- في ( د ) : « الصانعين ».
2- زيادة « ليس » من ( د ).
3- زيادة في ( د ) : « والخرق ».
4- في ( د ) : « المثال ».
5- تهذيب الأحكام 1 / 46 ، باب آداب الاحداث الموجبة للطهارات ، ح 69.
6- في ( ألف ) : « يحمل ».
7- منتهى المطلب 1 / 44.

المعهود في إزالة النجاسة ، ولا أقل من الشك في شمولها للنجس ، وهو كاف في المقام لقضاء الأصل بالنجاسة ، مضافا إلى أنّه مع نجاسته ينجس به المحلّ مع ملاقاته رطبا كما هو الغالب ، ويتعين إذن تطهيره بالماء (1) فكيف يصحّ إزالتها.

وقد يحتجّ عليه أيضا بالمرسل : « جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار ابكار ويتبع بالماء » (2).

ومجرّد ذكر الإتباع بالماء لا يقضي بحمل الأول على الاستحباب ، والقول بأنّ البكارة ليست معتبرة اتفاقا لجواز الاستنجاء بها بعد غسلها بلا خلاف ، فيتعيّن حمله على الندب ؛ مدفوع بأنّه لا كراهة أيضا في استعماله بعد الغسل ، فالظاهر اندراج المستعمل بعد تطهيره في البكر.

نعم ، قد يستشكل فيه بأنّ ظاهره المنع من استعمال المستعمل مع عدم (3) تنجيسه بالاستعمال أو إذا استعمل غيره (4) وضع النجاسة منه ، ولا مانع فيه عند القائلين بعدم المنع من استعمال المستعمل إلّا أن تقيّد الإطلاق به عند هذا القائل.

وفيه : أنّه ليس بأولى من الحمل على الاستحباب إلّا أن يجعل الشهرة مرجّحة للحمل على الأوّل أو يقال بحجيّة الرواية في مورد الشهرة خاصّة ، فلا تنهض حجّة فيما عداه ، فتأمّل.

ومنها : الجفاف ، وقد ذهب إلى اعتباره جماعة من الأصحاب منهم الفاضل في المنتهى (5) والشهيد الثاني في الروض (6) والروضة (7).

ص: 407


1- لم ترد في ( ب ) : « فكيف .. بالماء ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 46 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ح 69.
3- لم ترد في ( ب ) : « مع عدم .. المستعمل ».
4- في ( د ) : « غير ».
5- منتهى المطلب 1 / 46.
6- روض الجنان 24.
7- الروضة البهية 1 / 337.

وعزاه في الحدائق (1) إلى صريح الأكثر.

وظاهر آخرين منهم عدم اشتراطه حيث لم يذكروا ذلك في شرائطه.

ويوجّه اشتراطه بذلك تارة بأنّه مع الرطوبة لا تنشف به المحلّ ، وتارة بأنّ البلل الذي فيه ينجس بالملاقاة ، فيسري منه النجاسة إلى الحجر ، ومع تنجّسه لا يصلح للتطهير.

وأخرى بأنّ الرطب لا يزيل النجاسة بل يزيد التلويث.

ودفع الجميع بأنّ المعتبر هو قلع النجاسة دون تنشيف المحلّ ، ولو من غير رطوبة النجس ، وإلّا لم يمكن التطهير بالماء.

ولو سلّم فهو إنّما يتمّ بالنسبة إلى المسحة الثالثة ، وإنّ تنجّس الحجر بذلك إنّما هو بواسطة نجاسة المحلّ لأجل الاستعمال ، وهو لا يضرّ بالحال ، وإلّا لم يمكن التطهير بالماء عند القائل بالانفعال وإنّ المفروض إزالة النجاسة بها ؛ إذ مع عدمها لا مجال للمقال.

قلت : غاية ما ثبت من الأدلّة انتفاء المانع من جهة تنجس الأحجار عن المحلّ ، وأمّا الرطوبة الحاصلة فيها فلا دليل على خروجها عن القاعدة ، فهي نجسة منجّسة للأحجار ، فلا يجوز استعمالها ؛ لما عرفت من اشتراطها بالطهارة لأنّها مع رطوبتها تسري النجاسة منها إلى المحلّ فينجس بها ، ولا دليل على العفو من الرطوبة النجسة الحاصلة منها ، ولا على الاكتفاء منها (2) بالاستجمار.

وقياس ذلك على الرطوبة الباقية و (3) الاستنجاء بالماء فاسد ؛ إذ لا شاهد على التسرية ، فيتعيّن في إزالتها الماء ، فلا فائدة إذن في التجفيف الحاصل بالحجر اللاحق ، فبملاحظة ذلك يتقوّى القول باعتبار الجفاف ، مضافا إلى اعتضاده بالاستصحاب.

نعم ، لو كانت الرطوبة الحاصلة فيه غير مسرية فالظاهر أنّه لا مانع عنها ، وكأنّها خارجة عن محلّ الخلاف.

ص: 408


1- الحدائق الناضرة 2 / 31.
2- في ( د ) : « فيها ».
3- في ( د ) : « في ».

ومنها : أن لا يكون مستعملا ، وإليه ذهب جماعة منهم الشيخ في النهاية (1) والقاضي (2) والطوسي (3) وابنا سعيد. وظاهر ذلك يعمّ ما تنجّس بالاستعمال أو لا سواء استعمل موضع النجاسة أو غيره.

ويدلّ عليه المرسلة المتقدمة الدالّة على اعتبار البكارة في الأحجار ، وهي ضعيفة الإسناد غير قابلة لتقييد الإطلاقات.

ويمكن حملها على إرادة الطهارة كما مرّت الإشارة إليه ، وربّما يحمل عليه كلام الجماعة ، ولذا ذهب آخرون إلى عدم اعتباره حيث لم يذكروا ذلك في الشرائط ، وهو الأقوى.

بل ربّما يظهر من المختلف (4) أنّ استعمال المحلّ الطاهر منه ثانيا في استنجاء آخر من المسلّمات ، ولو غسله فالظاهر عدم الخلاف في جواز استعماله ، ولو كسر موضع النجاسة ففي جواز استعمال الباقي وجهان.

ومنها : أن يكون قالعا لعين النجاسة فلا يجزي الرخو (5) ولا الصيقل ونحوهما. واعتبار هذا الشرط واضح بل لا حاجة إلى اشتراطه ؛ إذ المفروض [ ... ] (6).

ص: 409


1- النهاية : 10.
2- المهذب 1 / 40.
3- الوسيلة : 47.
4- مختلف الشيعة 1 / 267.
5- في ( د ) : « الرخو » بدل : « الوضوء ».
6- هنا سقط في النسخ المخطوطة ، ولعلّه مما لم يؤلّف.
تبصرة: [ في مستحبات المتخلّي ]

يستحب للمتخلّي أمور :

منها : ستر البدن كلّا (1) عن الناظر مطلقا ، تأسّيا بالنبي صلى اللّه عليه وآله ، فإنّه لم ير في بول ولا غائط قطّ.

وعن الصادق عليه السلام في وصف لقمان عليه السلام : « أنّه لم ير واحد من الناس على بول ولا غائط ولا اغتسال لشدّة تستّرته وتحفّظه في أمره » (2).

وقوله : « من أتى الغائط فليتستّر » (3).

ورواية حمّاد ، عن الصادق عليه السلام ، عن لقمان : « إذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض » (4).

والأظهر اعتبار التمييز فيه ، فلا يستحب التستّر عن غير المميّز مطلقا.

والمدار على ستر الشخص لا جسم البدن ، ويحصل بكلّ ما يحصل به خفاء الشخص من الدخول في البيت والولوج في الحفيرة والدخول تحت البناء (5) وإبعاد المذهب (6) في الأرض.

وذكر الأخير خاصّة في رواية حمّاد لفرضه ظاهرا في السفر ، والغالب فيه عدم حصول مواراة الشخص بدونه ، وهو الوجه فيما رواه جنيد بن عبد اللّه من فعل امير المؤمنين عليه السلام.

ص: 410


1- في ( د ) : « كملا ».
2- وسائل الشيعة 1 / 305 ، باب استحباب التباعد عن الناس عند التخلي ، ح 2.
3- وسائل الشيعة 1 / 306 ، باب استحباب التباعد عن الناس عند التخلي ، ح 4.
4- من لا يحضره الفقيه 2 / 297 ، باب آداب المسافر ، ح 2505.
5- في ( د ) : « الخباء ».
6- زيادة : « في » من ( د ).

وهل يكتفي بالظلمة الشديدة أو عن الناظر؟ وجهان ؛ أقواهما ذلك.

ولو علم صاحبه إذن بالحال ففي ثبوت الكراهة مع قرب محله منه احتمال يعضده مراعاة بعض العمومات.

ويعمّ الحكم حال كلّ من البول والغائط ؛ لإطلاق ما عرفت.

نعم ، النبويّة المذكورة خاصّة بالغائط ، وقد يعمّم أيضا للبول.

وقد يستفاد من غير واحد من الأخبار عدم استحباب الاستتار ( حال التبوّل. ويمكن الحمل على عدم تأكّده بالنسبة إليه كما هو ظاهر الاعتبار أو على عدم التمكّن من الاستتار ) (1) أو حصول مشقة فيه. وذهب بعض المتأخرين إلى عدم الكراهة فيه استنادا إلى جملة من النصوص. وقد عرفت الحال فيها.

وفي ثبوت الحكم لحال الاستنجاء أيضا وجه ، وقد يستفاد ذلك من رواية جنيد وقوله عليه السلام : « كما يقعد للغائط » (2).

ولا يخلو عن خفاء. وكأن في رواية عبد الرحمن بن كثير الحاكية للضوء البياني إشارة إلى عدمه.

ومنها : تغطية الرأس على ما نصّ عليه جماعة من الأصحاب ؛ لكونها من سنن النبيّ صلى اللّه عليه وآله كما نصّ عليه المفيد في المقنعة (3).

وفيه أيضا أنّه يأمن به من خبث الشيطان ، ومن وصول الرائحة الخبيثة إلى دماغه.

وفي الروضة (4) والمدارك (5) أيضا أنها من سنن النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

والظاهر أنّهما أخذاه من المفيد رحمه اللّه ؛ إذ (6) لم نجده فيه نقلا عن غيره.

ص: 411


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
2- الكافي 3 / 18. باب القول عند دخول الخلاء ، ح 11.
3- المقنعة : 38.
4- الروضة البهية 1 / 340.
5- مدارك الأحكام 1 / 174.
6- زيادة : « إذ » من ( د ).

وفي المعتبر (1) والذكرى (2) أنّ عليه اتفاق الأصحاب.

ومنها : التقنّع لقوله صلى اللّه عليه وآله في وصيته لأبي ذر : « استحي من اللّه ، فإنّي والذي نفسي بيده لأظلّ حين أذهب إلى الغائط مقنّعا بثوبي استحياء من الملكين اللّذين معي » (3). وعن الصادق عليه السلام : أنه كان « إذا دخل الكنيف تقنّع رأسه » (4).

ويحصل به تغطية الرأس أو كان مكشوفا ، بل الظاهر من جماعة الأصحاب حيث استدلّوا على الأوّل بحديث التقنيع أنّ مقصودهم من التغطية هو التقنّع كما في المعتبر (5) وغيره إلّا أنّه ذكر في الروضة (6) أنّه روى التقنّع مع التغطية.

وكأنّه أشار به إلى ما حكاه في المقنعة ، ولا يبعد أن يكون إشارة إلى التقنّع ؛ إذ هو الوارد في الرواية ، فاستحباب التغطية من دون التقنّع لا يخلو عن تأمّل وإن كان قضيّة إطلاق جماعة منهم ذلك ، بل عدم استحباب التقنّع فوقها حيث لم يذكروه.

قال العلّامة المجلسي (7) : المشهور بين الأصحاب استحباب تغطية الرأس في الخلاء ، والذي يظهر من الأخبار والتعليلات الواردة فيها وفي كلام بعض الأصحاب أنّه يستحب التقنّع بأن يسدل على رأسه ثوبا يقع على منافذ الرأس ويمنع وصول الرائحة الخبيثة إلى الدماغ وأن كان متعمّما.

قال : وهذا أظهر وأحوط.

أقول : ما ذكره رحمه اللّه غير بعيد ؛ إذ ليس على استحباب التغطية مستقلّا دليل في الأخبار ولا شاهد من الاعتبار غير دعوى منع وصول الرائحة الخبيثة إلى الدماغ ، وبعد تسليمه لا

ص: 412


1- المعتبر 1 / 133.
2- الذكرى : 20.
3- بحار الأنوار 74 / 83 ، وفيه : « متقنعا ».
4- تهذيب الأحكام 1 / 24 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 1.
5- المعتبر 1 / 133.
6- الروضة البهية 1 / 340.
7- بحار الأنوار 77 / 183.

يفيد الاستحباب إلّا أنّ الوقوف على ظاهر كلام الجماعة أظهر خصوصا بعد ما عرفت من استنادها (1) إلى الرواية للتسامح في أدلّة السنن.

ومنها : ارتياد موضع مناسب للبول بحيث لا يرشّش عليه كالجلوس على مرتفع لقوله عليه السلام : « من فقه الرجل أن يرتاد موضعا لبوله » (2).

وعن الصادق عليه السلام أنّه صلى اللّه عليه وآله « كان أشدّ الناس توقّيا للبول » (3) ( حتّى أنه كان إذا أراد البول عهد إلى مكان مرتفع من الأرض أو مكان تكون فيه التراب كراهية أن ينتضح عليه.

والأظهر تخصيص الحكم بما إذا ترتب فائدة على الاحتراز ، وأما إذا كان نجسا وأراد الدخول في الماء فلا ، إلا أن يقال باستحباب التحرّز عن ترشّش البول مطلقا.

وهو بعيد.

ومنها : تقديم الرجل اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج عكس المسجد. ذكره الصدوق (4) والشيخ (5) وجماعة (6).

وعزاه في منتهى المطلب (7) إلى الأصحاب ، ولم نعرف مستنده الا ان في الاعتماد على الجماعة في ذلك كفاية.

مضافا إلى ما هو الظاهر من طريقة الصدوق من عدم التعدية عن مضامين النصوص.

وهل يختص الحكم بالأبنية أو يعمّ غيرها؟ وجهان ، نص العلّامة على الثاني.

وعن ظاهر بعضهم اختيار الأول ؛ لعدم صدق الدخول هناك.

وعلى الأول فالمعتبر موضع جلوسه كما نصّ عليه.

ص: 413


1- في ( د ) : « إسنادها ».
2- الكافي 3 / 15 ، باب الموضع الذي يكره أن يتغوط فيه ، ح 1.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 22 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 36.
4- الهداية : 73.
5- الرسائل العشر : 157.
6- المهذب 1 / 39 ؛ الوسيلة : 47.
7- منتهى المطلب 1 / 254.

وهل المعتبر في الدخول في الأمكنة المتّسعة كأفنية الدور ونحوها على الدخول فيها أو موضع الجلوس فيها؟ وجهان.

ويحتمل أيضا إلحاقها بالصحاري ، فيجري فيها الوجهان المذكوران. والمدار في المواضع المبنيّة على الدخول في الفضاء الذي يقعد فيه لا الدخول في موضع المبني في وجه قوي ، وإن كان مراعاة الأمرين في بعض الصور أولى.

ومنها : الوقوف عند باب المتوضأ والالتفات إلى الملكين والقول بالمأثور ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان اذا أراد الحاجة وقف عند باب المتوضأ ثم التفت عن يمينه ويساره إلى ملكيه فيقول : « أميطا عني فلكما اللّه على أن لا أحدث بلساني حتى أخرج إليكما » (1).

ومنها : التسمية عند الدخول للخبر : « إذا دخل الخلا قال : بسم اللّه » (2).

ويقوى الاعتبار في الصحاري بمحل الخلاء ، وفي الأماكن المتّسعة الوجهان الماضيان (3).

ويجزي ذلك في ساير الأحكام المتعلّقة بالدخول ونحوه.

ومنها : الدعاء بالمأثور عند الدخول ، ففي الصحيح : « إذا دخلت المخرج فقل : بسم اللّه اللّهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم » (4).

وعن الصادق عليه السلام : « من كثر عليه السهو في الصلاة فليقل إذا دخل الخلاء : بسم اللّه وباللّه من الرجس النجس الشيطان الرجيم إن اللّه هو السميع العليم » (5).

وظاهر هذه الرواية اختصاص الدعاء المذكور بصورة قصد الغائط وإطلاق الأخبار ظاهره الأول ، وغيرها يعمّ قصد البول أيضا.

وعن النبي صلى اللّه عليه وآله أنه كان إذا أراد دخول المتوضّى قال : « اللّهم إني أعوذ بك من الرجس

ص: 414


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 23 ، باب استحباب التقنع عند دخول الخلاء ، ح 39.
2- الإيضاح للفضل بن شاذان الأزدي : 206.
3- الكلمة في المخطوطة مشوّشة قد تقرأ « المعاضيان » أو « المعارضيان ».
4- الكافي 3 / 16 ، باب القول عند دخول الخلاء وعند الخروج ... ، ح 1.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 25 باب ارتياد المكان للحدث ، ح 42 ، ولم نجد الفقرة الأخيرة « إنّ اللّه هو السميع العليم » في المصادر المطبوعة المراجع إليها.

النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم اللّهم أمط (1) عنّي الأذى وأعذني من الشيطان الرجيم » (2).

وهذه الرواية صريحة في كون الدعاء قبل الدخول في الخلاء أو حاله.

ولعله المراد من الأخبار الأخر أيضا وإن كان ظاهر الشرط قاضيا بكونه بعده.

ويمكن أن يجعل كل منهما مستحبّا برأسه ، اللّهم إنّهم لم يبنوا عليه ، مضافا إلى أن تلك العبارة ممّا يقال عرفا عند إرادة الدخول مع اقترانه بالتسمية المؤمية إليه.

ومنها : التسمية عند الكشف البول أو غيره ؛ للصحيح : قال النبي صلى اللّه عليه وآله : « إذا تكشف أحدكم لبول أو غير ذلك فليقل : بسم اللّه ، فإنّ الشيطان يغضّ بصره » (3).

وفي القوي عن أمير المؤمنين (4) نحوه.

وفيه : بغضّ بصره عنه حتى يفرغ. ويحتمل أن يراد بغضّ البصر معناه الحقيقي أو أنه كناية عن عدم التعرض لوسوسته.

ومنها : الدعاء حال الفعل ، فروى الصدوق ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله : إذا انزجر قال : اللّهم كما أطعمتنيه طيبا في عافية فأخرجه مني خبيثا في عافية » (5).

وروى ابن طاوس ، عن الباقر عليه السلام أنه قال : « فإذا جلس يقضي حاجته قال : اللّهم أذهب عني الأذى وهنّئني طعامي » (6).

ص: 415


1- في من لا يحضره الفقيه المطبوع : « أمت ».
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 23 ، باب ارتياد المكان للحدث والسنة في دخوله والآداب ، ح 37 ، وسائل الشيعة 1 / 307 ، باب استحباب التسمية والاستعاذة والدعاء بالمأثور عند دخول المخرج ج 5.
3- تهذيب الأحكام 1 / 353 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة ح 10.
4- ثواب الأعمال : 15.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 23 ، باب الدعاء عند دخول المتوضأ ح 37 وفيه : وإذا تزحر قال : « اللّهم كما أطعمتنيه طيبا في عافية فأخرجه مني خبيثا في عافية » تزجر بالزاي والحاء المهملة المشددة : التنفس بأنين وشدة.
6- فلاح السائل : 49.

وهذه الرواية تعم قبل الفعل أيضا على وجه ، فظاهره ما ذكرناه.

ومنها : الدعاء عند النظر إلى الحدث ، فعن الصادق عليه السلام : « ما من عبد إلّا وبه ملك موكّل يلوي حتى ينظر إلى حدثه ثم يقول له الملك : يا بن آدم هذا رزقك فانظر ) (1) من أين أخذته وإلى ما صار ، فعند ذلك ينبغي للعبد أن يقول : اللّهم ارزقني الحلال وجنّبني الحرام » (2).

ومنها : الدعاء بعد الفراغ من الحاجة ، ففي رواية أبي خديجة : « فإذا قضى حاجته قال : الحمد لله الذي أماط عنّي الأذى وهنّأني طعامي » (3).

وفي رواية أبي أسامة : « فإذا فرغت قلت : الحمد لله على ما أخرج منّي من الأذى في يسر منه وعافية » (4).

وفي رواية أبي بصير : « فإذا فرغت فقل : الحمد لله الذي عافاني من البلاء وأماط عنّي الأذى » (5).

وليس في هذه الروايات تصريح بكون هذه الدعوات بعد الفراغ من الغائط ، فيحتمل ثبوت الحكم للبول أيضا.

وكأن الظاهر من سياقها إرادة الأوّل.

وفي رواية أخرى لأبي بصير : « فإذا فرغت - أي من الغائط - فقل : الحمد لله الذي أماط عنّي الأذى وأذهب عنّي الغائط وهنّأني وعافاني ، والحمد لله الذي يسّر وسهّل المخرج وأمضى ( وأماط خ ل ) الأذى » (6).

ومنها : غسل اليد اليمنى ، والدعاء بقوله : « بسم اللّه وباللّه الحمد لله الذي جعل الماء

ص: 416


1- ما بين الهلالين من قوله : « حتى أنه كان إذا أراد » إلى هنا لم يرد إلّا في ( د ).
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 23 ، باب الدعاء عند دخول المتوضأ ح 38 ؛ بحار الأنوار 77 / 164 ، باب علة الغائط ، ح 2.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 29 ، باب المياه وطهرها ، ونجاستها ، ح 58.
4- المحاسن 1 / 278.
5- الكافي 3 / 16 ، باب القول عند دخول الخلاء ، ح 1.
6- بحار الأنوار 77 / 179 ، باب آداب الخلاء ، ح 27.

طهورا ولم يجعله نجسا » (1) ؛ لرواية عبد الرحمن بن كثير.

ويحتمل أن يكون التسمية هنا أيضا مستحبا برأسه ، ولا يبعد أن يكون استحباب غسل اليد عند كون الآنية مفتوح الرأس ليحتاج إلى إدخال اليد في الإناء.

ومنها : الدعاء حال الاستنجاء ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه استنجى فقال : « اللّهم حصّن فرجي واعفه واستر عورتي وحرّمني على النار » (2).

وعن النبي صلى اللّه عليه وآله أنّه إذا استوى جالسا للوضوء قال : « اللّهم أذهب عنّي القذى والأذى واجعلني من المتطهّرين » (3).

وظاهره يعمّ حال الاستنجاء وقبله.

ومنها : الدعاء بعد الاستنجاء ، ففي الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السلام : « فإذا فرغت - يعني من الاستنجاء على ما هو الظاهر من العبارة - فقل : اللّهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين والحمد لله رب العالمين » (4).

وفي المشارق (5) : انّ الحكم باستحباب الدعاء بعد الفراغ من الاستنجاء أشهر بين الأصحاب.

ومنها : الدعاء عند القيام من الحاجة ، فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « كان نوح كبير الأنبياء إذا قام من الحاجة قال : الحمد لله الذي أذاقني طعمه وأبقى في جسدي منفعته وأخرج عنّي أذاه ومشقّته » (6).

ومنها : الدعاء بعد الخروج ومسح البطن ؛ لما حكاه في الغنية عن علي عليه السلام : « أنّه إذا

ص: 417


1- المحاسن 1 / 45.
2- المحاسن 1 / 45.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 23 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 37.
4- فقه الرضا عليه السلام : 78.
5- مشارق الشموس 1 / 80.
6- بحار الأنوار 77 / 190 ، باب آداب الخلاء ، ح 45.

خرج مسح بطنه وقال : الحمد لله الذي أخرج منّي أذاه وأبقى (1) قوّته ، فيا لها من نعمة لا يعذر القادرون قدرها » (2).

والمستفاد من الرواية كون استحباب المسح منضمّا إلى الدعاء ، فما ذكره بعض الأصحاب من استحباب مسح البطن حينئذ مستقلّا لا وجه له.

وفي الصحيح عنه عليه السلام : « أنّه كان إذا خرج من الخلاء قال : الحمد لله الذي رزقني لذّته وأبقى قوّته في جسدي وأخرج عنّي أذاه ، يا لها من نعمة - ثلاثا - » (3).

وفي صحيحة أخرى : « إذا خرجت فقل : بسم اللّه والحمد لله الذي عافاني من الخبيث المخبث وأماط عنّي الأذى » (4).

ويحتمل كما مرّ أن يراد به حال الخروج. وحينئذ فيمكن عدّ التسمية للخروج مستحبّا برأسه.

ومنها : الاعتماد على اليسرى حال الجلوس ؛ لأنّه عليه السلام علّم أصحابه الاتّكاء على اليسرى كما في النهاية (5) ، وأسنده في الذكرى (6) إلى الرواية ، وزاد في الروضة (7) استحباب فتح اليمنى معه.

ولم نجد مأخذة وكأنّه جعله لازما للأوّل.

ومنها : البدأة بالمقعدة ثمّ بالإحليل ؛ للموثق. وربّما يعلّل بعدم تنجّس اليد عند الاستبراء.

ص: 418


1- زيادة في ( د ) : « فيّ ».
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 24 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 40.
3- تهذيب الأحكام 1 / 29 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 16.
4- الكافي 3 / 16 ، باب القول عند دخول الخلاء ، ح 1.
5- نهاية الاحكام 1 / 81.
6- الذكرى 1 / 167.
7- الروضة البهية 1 / 341.

ومنها : تعجيل الاستنجاء من البول ؛ للصحيح : « إذا انقطعت درة (1) البول فصبّ الماء » (2).

وفي رواية أخرى : رأيت أبا الحسن عليه السلام يبول غير مرّة ويتعاول كوزا صغيرا ويصبّ عليه الماء من ساعته » (3).

وربّما يعم الحكم للاستنجاء من الغائط أيضا.

ومنها : إيثار الماء في مخرج الغائط مع عدم التعدّي عن المعتاد ؛ للمستفيضة (4) الواردة في قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (5).

ومنها الصحيح والمعتبرة (6) وغيرها.

والمراد باستحبابه أفضليّته من الآخر ، فلا ينافي وجوبه تخييرا.

أو يقال : يتعلق الندب عينا بالخصوصيّة ، فلا ينافي وجوب تعيين الازالة من حيث هي.

أو يقال بعدم المنافاة بين وجوب الطبيعية وندبية الفرد.

والأول أظهر على ما هو الظاهر من امتناع اجتماع الأمر والنهي. وأكمل منه الجمع بين المطهّرين في المتعدّي وغيره ، وخصّه الشهيد بالأوّل مقدّما للأحجار ؛ لقوله عليه السلام : « جرت السنّة في الاستنجاء بثلاث أحجار أبكار ويتبع بالماء » (7) ؛ لما فيه من تنزيه اليد عن مباشرة النجاسة.

ص: 419


1- في النسخ المخطوطة : « مرة » ، وما أدرجناه من المصدر.
2- الكافي 3 / 17 ، باب القول عند دخول الخلاء وعدم الخروج والاستنجاء ومن نسيه والتسمية عند الدخول وعند الوضوء ح 8.
3- تهذيب الأحكام 1 / 35 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 34.
4- الخصال : 192 ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « جرت في البراء بن محرور الأنصاري ثلاث من السنن أما أولهن فإن الناس كانوا يستنجون بالأحجار فأكل البراء من محرور الدباء فلان بطنه فاستنجى بالماء فأنزل اللّه عزوجل فيه : ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) فجرت السنة في الاستنجاء بالماء ».
5- البقرة : 222.
6- لم ترد في ( ب ) : « المعتبرة ».
7- تهذيب الأحكام 1 / 46 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 69.

وفي حصول السنّة بإزالة عين النجاسة بما لا يوجب طهر المحل كاستعمال النجس أو الاكتفاء بما دون الثلاث إذا نقي المحل به وجه يقضي به التعليل الأخير.

ولذا احتمله (1) في الروضة إلّا أنّ ثبوت الحكم الشرعي بمجرّده لا يخلو من خفاء.

ومنها : الإتيان (2) في الاستنجاء إذا حصل النقاء بما دونه ؛ لقوله عليه السلام : « إذا استنجى أحدكم فليوتر بها وترا إذا لم يكن الماء » (3).

ومنها : إعداد الأحجار. ذكره بعض الأصحاب لقوله عليه السلام : « إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليندب معه بثلاثة أحجار ، فإنّها تجزي » (4).

ومنها : الصبر هنيئة قبل الاستبراء (5). ذكره العلّامة والشهيد. ولم نعرف مستند.

وقد يستدل على خلافه بظاهر الخبرين الماضيين.

ولا يخفى ضعفه.

ومنها : الاستبراء على المعروف من المذهب ، بل الظاهر انعقاد الإجماع عليه ؛ إذ لا يعرف خلاف فيه إلّا من الشيخ في الاستبصار (6) حيث عنون الباب لوجوب الاستبراء.

وحمله على إرادة مطلق الثبوت ليس بالبعيد ، ولذا ناقش بعض المتأخّرين في إسناد الوجوب إليه.

وكيف كان فاحتجّ له بظاهر الطلب الوارد في صحيحتي حفص وابن مسلم ، ودلالتهما على ذلك في غاية الضعف ، بل الظاهر بملاحظة المقام عدمه.

مضافا إلى فهم الأصحاب بل وإطباقهم على خلافه مع تأيّده بالأصل وخلوّ سائر الأخبار عنه ، بل قد يستظهر من جملة من الأخبار وعدمه كالخبرين المتقدمين ، وفي رواية

ص: 420


1- في ( ألف ) : « احتمل ».
2- في ( د ) : « الايتار ».
3- الإستبصار 1 / 52 ، باب وجوب الاستنجاء من الغائط والبول ، ح (148) 3.
4- السنن الكبرى 1 / 103 وليس من طريق الخاصة.
5- لم ترد في ( ب ) : « ذكره ... الاستبراء ».
6- الإستبصار 1 / 48.

أخرى : بال أبو عبد اللّه عليه السلام وأنا قائم على رأسه (1) ، فلمّا انقطع خشب (2) البول قال بيده إليّ هكذا فناولته [ بالماء ] فتوضّأ مكانه » (3).

ثم إنّ كلام الأصحاب وظواهر الأخبار اختلاف في كيفيّة الاستبراء ، فذهب المفيد (4) إلى الاكتفاء فيه بأربع مسحات حيث اعتبر المسح باصبعه الوسطى تحت أنثييه إلى أصل القضيب مرّتين أو ثلاثا ووضع مسحته تحت القضيب وإبهامه فوقه وإمرارها عليه باعتماد قوي من أصله إلى رأس الحشفة مرّتين أو ثلاثا.

وعن السيد (5) أنّه نتر الذكر من أصله إلى طرفه ثلاث مرّات. وحكى ذلك عن الاسكافي أيضا.

وعن الصدوق في الهداية (6) والغنية (7) أنّه المسح باصبعه من عند مقعده إلى الأنثيين ونتر ذكره ثلاثا.

ونحوه ما في الوسيلة (8) إلّا أنّه اعتبر النتر بكونه بين الإبهام والسبابة.

وعن الشيخ في المبسوط (9) والنهاية (10) أنه مسح ما بين المقعدة والأنثيين ثلاثا ، ومسح القضيب ونتره ثلاثا.

وهو يرجع إلى كلام الصدوق إن جعل قوله « ونتره ثلاثا » بيانا للمسح وإلّا رجع إلى

ص: 421


1- في الكافي هنا زيادة : « ومعي إداوة أو قال كوز ».
2- في النسخ المخطوطة : « سحت » ، وما أدرجناه من الكافي المطبوع.
3- الكافي 3 / 21 ، باب الاستبراء من البول وغسله ، ح 8.
4- المقنعة : 40.
5- نقله عنه في منتهى المطلب 1 / 255.
6- الهداية : 76.
7- غنية النزوع : 37.
8- الوسيلة 47.
9- المبسوط 1 / 17.
10- النهاية 1 / 10.

اعتبار التسع كما في الشرائع (1) والمنتهى (2) والقواعد (3) والروض (4) وغيرها حيث اعتبر فيها المسح من المقعدة إلى أصل القضيب ، ثمّ مسح القضيب ثلاثا ثمّ نتره ثلاثا.

وقال في السرائر (5) انّه المسح باصبعه من عند مخرج النجو إلى أصل القضيب ثلاثا ثمّ يمرّ إصبعه على القضيب ويخرطه ثلاثا.

ويجزي فيه الوجهان المذكوران ، والأظهر فيه الأوّل وجرى (6) إليه القول بكونه نتر القضيب من أصله إلى رأسه من غير اعتبار عدد ولا شي ء زائد.

وفي الدروس (7) : أنه المسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثمّ إلى رأسه ثمّ عصر الحشفة ثلاثا.

وفي البيان (8) والروضة (9) : أنّه مسح ما بين المقعدة وأصل القضيب ثلاثا ثمّ عصر الحشفة ثلاثا.

فهذه أقوال ستّة أو سبعة.

وأمّا الأخبار الواردة في بيانه :

فمنها : صحيحة حفص بن البختري : « ينتره ثلاثا ثمّ إن سال حتّى يبلغ الساق فلا يبالي » (10).

ص: 422


1- شرائع الإسلام 1 / 23.
2- منتهى المطلب 1 / 42.
3- قواعد الأحكام 1 / 180.
4- روض الجنان : 25.
5- السرائر 1 / 96.
6- في ( د ) : « عزى ».
7- الدروس 1 / 89.
8- البيان : 6.
9- الروضة البهية 1 / 341.
10- الإستبصار 1 / 49 ، باب وجوب الاستبراء قبل الاستنجاء من البول ، ح (136) 1.

ومنها : صحيحة ابن مسلم : « يعصر أصل ذكره إلى طرفه » (1) كما في الكافي (2).

و « إلى ذكره » كما في التهذيب (3) وإلى رأس ذكره كما في الاستبصار (4) : « ثلاث عصرات ونتر طرفه فإن خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول ». ورواه الحلي في مستطرفات السرائر (5) عن كتاب حريز ، عن الصادق عليه السلام.

ومنها : حسنة عبد الملك بن عمرو : « إذا بال فخرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاث مرّات وغمز ما بينهما ثمّ استنجى ، فإن سال حتّى يبلغ الساق فلا يبال » (6).

ومنها : ما رواه الراوندي بإسناده عن موسى بن إسماعيل بن موسى عليه السلام ، عن أبيه ، عن جده عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من بال فليضع إصبعه الوسطى في أصل العجان ثمّ يسلّها ثلاثا » (7).

ومنها : ما رواه أيضا بإسناده المذكور (8) عنه عليه السلام قال : « كان النبي صلى اللّه عليه وآله إذا بال نتر ذكره ثلاث مرّات » (9).

فهذه الأخبار كما ترى مختلفة ، ولا يوافق ظاهر شي ء منها شيئا من الأحوال المذكورة سوى الصحيحة الأولى والرواية الأخيرة ، فإنّهما منطبقان على مذهب السيد. وبهما يتقوّى القول المذكور كما قوّاه جماعة من المتأخرين مع اعتضاده بما دفعه للأصل.

وقد يستدلّ على اعتبار (10) التسع بالجمع بين الأخبار المذكورة.

ص: 423


1- الكافي 3 / 19 ، باب الاستبراء من البول وغسله ، ح 1.
2- في ( ب ) : « المدارك ».
3- تهذيب الأحكام 1 / 28 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 10.
4- الإستبصار 1 / 49 ، باب وجوب الاستبراء ، قبل الاستنجاء من البول ، ح (137) 2.
5- السرائر 3 / 587.
6- الإستبصار 1 / 94 ، باب حكم المذي والوذي ، ح 13 مع اختلاف.
7- كتاب النوادر : 189.
8- لم ترد في ( ب ) : « عنه عليه السلام .. المذكورة ».
9- كتاب النوادر : 230.
10- في ( ألف ) : « اعتباره ».

ولا يخفى ضعفه.

نعم ، لا ريب في كونه أحوط وأبلغ في الاستظهار ، ولا يبعد القول بجواز كلّ من الوجوه المذكورة في الأخبار المعتبرة ، بل يمكن أن يقال : إنّ المستفاد من اختلاف الأخبار هو أنّ المناط حصول الاطمئنان بعدم بقاء شي ء (1) في الممرّ ، فبأيّ نحو حصل من الوجوه المذكورة كفى.

وعلى هذا فيحتمل الاكتفاء بغير ذلك ممّا يوجب الطمأنينة بذلك ككثرة المشي ونحوها ، فيجري عليها حكم الاستبراء.

ثمّ إنّ الظاهر على القول باعتبار المسحات فيه استيعاب المسح بالنسبة إلى مجرى البول ، فلا يعتبر فيه مسح جميع ظاهر الجلد في وجه قويّ.

هذا ، والمعروف ثبوت حكم الاستبراء في خصوص الرجل.

وعن العلامة : أنّها تستبرئ عرضا ، وهو خروج عن مدلول النصّ ، فإن سلّم استحبابه لما فيه من مراعاة الاحتياط ، فلا تأمّل في عدم جريان حكمها من بعض الطهارة بالبلل المشتبه الخارج به أو قبله.

وهل يجري ذلك في الخنثى؟ وجهان يجريان في غير المشكل أيضا. والأقوى فيه العدم.

ص: 424


1- زيادة في ( د ) : « من البول ».
تبصرة: [ في مكروهات التخلّي ]

يكره للمتخلّي أمور :

منها : استقبال جرمي الشمس والقمر بالقبل والدبر حال البول والغائط ؛ لقوله عليه السلام في الحسن : « لا يبولنّ أحدكم وفرجه باد للقمر يستقبل به » (1).

وقوله عليه السلام في الخبر : « نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول » (2).

وفي حديث المناهي : « نهى أن يبول الرجل وفرجه باد للشمس أو للقمر » (3).

وهذه الأخبار الثلاثة دالّة على حكم خصوص الاستقبال في البول ، وكأنّه لذا اقتصر الشيخ في جملة من كتبه وغيره على ذلك. وفي مرسلة الفقيه في حدّ الغائط : « لا يستقبل الهلال ولا يستدبره » (4).

وفي مرسلة الكافي المذكورة في حدّ الغائط أيضا : « لا يستقبل الشمس ولا القمر » (5).

وهاتان تدلّان على حكم الغائط إلّا أنّهما لا تدلّان على حكم الاستدبار سوى استدبار الهلال. وقد يراد بالاستقبال فيها الاستدبار ، فيكون المتروك حكم الاستقبال في الغائط.

وكيف كان ، فالأظهر شمول الحكم للصورتين كما يجي ء بيانه.

ص: 425


1- تهذيب الأحكام 1 / 35 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 31.
2- تهذيب الأحكام 1 / 34 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 30.
3- من لا يحضره الفقيه 4 / 4 ، باب ذكر جهل من مناهي النبي صلى اللّه عليه وآله ، ح 4968.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 26 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 48.
5- الكافي 3 / 15 ، باب الموضع الذي يكره أن يتغوط فيه أو يبال ، ح 3.

ثمّ إنّ قضيّة الأخبار المذكورة هو التحريم ؛ لظاهر النهي إلّا أنّه محمول على الكراهة ؛ لفهم جمهور الأصحاب منها ذلك (1) ، ولخلوّ الأخبار المذكورة في حدّ الغائط عنه الظاهرة في عدم حرمته ، ولضعف كثير منها ، فلا تنهض حجّة على الحرمة.

فظهر بذلك ضعف ما عزي إلى المفيد من تحريم استقبال النيّرين بالفرج حال البول والغائط ، وما حكي عن الديلمي من النهي عن استقبال النيّرين في البول إن حمل على الحرمة ، وما ذكره محمّد بن ابراهيم بن هاشم من قدماء الأصحاب من عدم جواز استقبالها (2) « بقبل ولا دبر » (3) معلّلا بأنّهما آيتان من آيات اللّه تعالى.

وما عزي إلى الصدوق من تحريم الجلوس للبول والغائط مستقبل الهلال أو مستدبره (4) يحتمل ذلك تحريم كلّ من الأمرين على كلّ من الحالين وتحريم الاستقبال حال البول والاستدبار عند الغائط.

وينبغي أمور :

أحدها : المدار في الاستقبال على نفس الفرج دون البدن ؛ لظاهر جملة من الأخبار المذكورة.

وهو ظاهر الشرائع (5) والمنتهى (6) والقواعد (7) وغيرها ممّا قيّد فيه الاستقبال بكونه بالفرج.

ص: 426


1- زيادة في ( ب ) : « ضعف ما عزا إلى المفيد من تحريم استقبال المفسرين بالفرج » ، والعبارة مرتبطة لما بعدها كما يستجي ء.
2- في ( د ) : « استقبالهما ».
3- بحار الأنوار 77 / 194 ، باب آداب الخلاء ح 53.
4- في ( ألف ) : « واستدبره ».
5- شرائع الإسلام 1 / 15.
6- منتهى المطلب 1 / 242.
7- قواعد الأحكام 1 / 180.

وفي كشف اللثام (1) : اقتصر الأكثر على ذكر الاستقبال بالفرج.

وأطلق الاستقبال في الإرشاد (2) والدروس (3) والبيان (4) واللمعة (5).

وظاهره يعطي أنّه كالقبلة يراعى فيه البدن ، ويمكن حمله على الأوّل.

وفي كلام بعض المتأخرين نفي البعد عن كراهته (6) أيضا.

وكأنه لإطلاق الروايتين الأخيرتين مع ادّعاء عدم دلالة الأخبار الاخر على نفي الكراهة عن الاستقبال بغير الفرج.

وفيه ما لا يخفى.

والّذي يتقوّى في النظر اختصاص الحكم في البول بالاستقبال بخصوص الفرج ؛ لنصّ الأخبار المذكورة ، وأمّا في الغائط فظاهر الخبرين اعتبار استقبال الشخص ، مضافا إلى أنّ الغالب عدم حصول استقبال الفرج هناك فيقيّد الإطلاق به في غاية البعد.

ثانيها : ظاهر جماعة من الأصحاب منهم المحقّق في الشرائع (7) والعلّامة (8) في غير واحد من كتبه والشهيد في الدروس (9) واللمعة (10) اختصاص الكراهة بالاستقبال حال البول والاستدبار حال الغائط ، فلا يمكن (11) عكسه.

ص: 427


1- كشف اللثام 1 / 23.
2- إرشاد الأذهان 1 / 221.
3- الدروس 1 / 88.
4- البيان : 6.
5- اللمعة الدمشقية : 17.
6- في ( ألف ) : « كراهة ».
7- شرائع الإسلام 10 / 14.
8- تحرير الأحكام 1 / 62 ، وتذكرة الفقهاء 1 / 119.
9- الدروس : 89.
10- اللمعة الدمشقية : 17.
11- في ( د ) : « يكره ».

وبه نصّ في نهاية الإحكام (1) والمدارك (2). ولا يبعد القول بعموم الكراهة للحالين حال [ البول و ] الغائط ؛ لعدم التفاوت في النسبة ظاهر [ ا ].

ولظاهر مرسلة الصدوق المتقدمة ، وثبوتها بالنسبة إلى الهلال قاض بثبوتها في القمر.

ويستفاد منه الحكم في الشمس أيضا.

وأمّا في البول فالظاهر اختصاص الكراهة فيه بالاستعمال ؛ لظاهر النصوص المذكورة وعدم قيام شاهد بالتعميم.

وربّما يستدلّ عليه بمساواته الاستقبال في الاحترام. وفيه منع ظاهر.

ثالثها : المراد بالاستقبال هنا ظهوره مقابل أحد النيّرين ؛ لظاهر الأخبار المذكورة ، فلا عبرة هنا بالجهة ، فلو حصل بينهما حاجب من غيم أو جدار أو يد أو ثوب أو غير ذلك ارتفعت الكراهية.

وبه نصّ في المنتهى (3) والروض (4) والمدارك (5) وغيرها. وكأنّه الظاهر من الباقين ؛ لظهور الاستقبال فيه في المقام.

رابعها : لا فرق في الحكم بين ظهور تمام القرص وبعضه كما عند طلوعه أو غروبه وكمال وضوحه وعدمه كما عند الغيم الخفيف أو الحاجب الغير الساتر بعينه وإضاءته وعدمها كما في القمر نهارا.

والأظهر اعتبار رؤيته ، فلو استقبل الشمس والقمر في المحاق لم يلزم منه استقباله.

وكذا لا فرق بين أمارته وكسوفه كلّا أو بعضا إلّا أنّه عند كسوف الشمس يكون الاستقبال للقمر ، كذا في الروض.

ص: 428


1- نهاية الإحكام 1 / 82.
2- مدارك الأحكام 1 / 178.
3- منتهى المطلب 1 / 242.
4- روض الجنان : 26.
5- مدارك الأحكام 1 / 178.

وفيه تأمّل لا يخفى.

وعليه فيكون الاستقبال لهما مع كون الكسوف جزئيا. ويظهر الثمرة في ذلك أيضا في النذر ونحوه.

خامسها : في أكثر الأخبار والفتاوى إناطة الحكم باستقبال الفرج ، ففي انسحاب الحكم إلى كلّ مخرج للبول والغائط ولو كان عارضيا وجه.

ولا يبعد اعتبار الاعتياد في الحاصل بالعارض ، أمّا المجبوب فالظاهر أنّ حكمه حكم غيره.

سادسها : لا فرق في الحكم المذكور بين الرجل والمرأة. وهو ظاهر الأصحاب وإن كان مورد الأخبار خصوص الرجل.

وفي جريان الحكم في الصبيّ والصبيّة وجه قويّ ، فيكره لغيرهما استقباله بهما كذلك حال أحد الأمرين ، واللّه العالم.

ومنها : استقبال الريح واستدبارها حال البول والغائط ؛ لقوله عليه السلام في رواية الخصال (1) : « ولا يستقبل ببوله الريح ».

وقول الحسن عليه السلام في مرفوعة عبد الحميد بعد السؤال عن حدّ الغائط : « لا تستقبل الريح ولا تستدبرها » (2).

ونحوه مرفوعة محمّد بن يحيى العطّار ، عن أبي الحسن عليه السلام (3).

ورواه في المقنع (4) مرسلا عن الرضا عليه السلام.

وكأنّ المراد بالغائط هنا ما يعمّ البول على نحو ما ذكروا في الآية ، فالمقصود بيان حال التخلّي أو خصّ بالذكر من جهة ملازمته للبول ، والأكثر اقتصروا على ذكر استقبال الريح ، فلم

ص: 429


1- الخصال : 614.
2- الإستبصار 1 / 47 ، باب استقبال القبلة واستدبارها عند البول والغائط ، ح (131) 2.
3- الكافي 3 / 15 ، باب الموضع الذي يكره أيتغوط فيه أو يبال ، ح 3.
4- المقنع : 20.

يذكروا الاستدبار.

وإما لجمود الحكم بالغائط. وكأنّهم نظروا إلى رواية الخصال أو إلى ما علّلوه به من خوف الترشّش مع ما ورد من الحثّ على التوقّي من البول.

وأطلق الشهيد في الدروس واللمعة كراهة استقبالها حال التخلّي ، فيعمّ كلا الحالتين.

ونصّ في الأخير على كراهة الاستدبار أيضا.

ونصّ في الروض على عدم الفرق بينهما. وصرّح في الروضة بكلا التعميمين.

وهو الأقوى ؛ لما عرفت.

ورواية الخصال والعلّة المذكوران لا تدلّان على انتفاء الكراهة في غير الصورة المفروضة ، مع أنّه يحتمل أن يكون العلّة احترام الريح من جهة الملك المصاحب لها كما ذكره بعض القدماء (1) ؛ تعليلا للحكم المذكور.

ومن العجب غفلة صاحب الحدائق عن الرواية المذكورة ، فتعجب من الجماعة حيث خصّوا الكراهة بالبول معلّلين بخوف الردّ والاستقبال مع اختصاص الرواية بالغائط من دون التعليل واشتمالها على الاستدبار.

ومنها : الجلوس في الشوارع ، وهي الطرق النافذة والمشارع ، وهي موارد المياه كشطوط الأنهار ، ونحوها رءوس الآبار وظل النزّال.

والمراد به الظلّ المعدّ لنزول القوافل كظلالة الجدران والأشجار المعدّة لذلك ومواضع اللعن. وفسّرت في الصحيح بأبواب الدور (2). ولعلّه محمول على المثال ، فيعم المذكورات وغيرها ممّا يوجب إيذاء الناس كالمواضع المتّسعة أمام المساجد.

وأطلق لفظ « الأفنية » في القواعد (3) والدروس (4) ، وصرّح بالتعميم لأفنية المساجد ؛

ص: 430


1- في ( د ) : « قدماء الأصحاب » بدل : « القدماء ».
2- الكافي 3 / 15 ، باب مواضع الذي يكره أن يتغوط فيه أو يبال ح 2.
3- قواعد الأحكام 1 / 181.
4- الدروس 1 / 89.

( والدور والبساتين. وفي كشف اللثام (1) : وكأنّه للدخول في مواضع اللعن وإلّا فالموجود في الرواية هو أفنية المساجد ) (2) كلّ ذلك للروايات.

ولا يبعد اختصاص الكراهة بما إذا كانت الأماكن المذكورة على الإباحة ، وأمّا إذا كانت وقفا فلا تأمّل في الحرمة إذا استضرّ به الموقوف عليهم كما في الأغلب. ولو كانت ملكا حرم التصرف فيه من دون إذن المالك.

وهل يكره ذلك للمالك؟ وجهان ؛ أقواهما ذلك مع جعلها موردا للوارد ، فلو كان النّهر في ملكه المحصور قوي انتفاء الكراهة.

وعن النهاية (3) : أنّه لا يجوز التغوّط على شطوط الأنهار والطرق النافذة وأبواب الدور وفي ء النزّال.

وعن المقنعة (4) : عدم جوازه على المشارع والشوارع والأفنية ومنازل النزّال.

فإن حملت على ظاهرها من المنع فمستندها بعض النواهي الدالّة على المنع ، وهي محمولة على الكراهة كما يرشد به سياقها ، مضافا إلى فهم الأصحاب.

ولو اختصّ نزول القوافل فيها بوقت مخصوص ففي ثبوت الكراهة في غيره وجهان ؛ من عدم إضرارهم ، ومن الإطلاق وتضرّرهم بتنجّس المحلّ إن علموا بالحال أو لم يعلموا به في وجه.

ثمّ في ثبوت الكراهة في ذلك كلّه في المواضع الّتي لا يتردّد فيها المسلمون وجهان.

ومنها : التخلّي على القبور - وبينها ؛ للصحيح : « من تخلّى على قبر .. » إلى أن قال : « فأصابه شي ء من الشيطان لم يدعه إلّا أن يشاء اللّه وأسرع ما يكون الشيطان إلى الانسان

ص: 431


1- كشف اللثام 1 / 232.
2- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( ب ).
3- النهاية : 10.
4- المقنعة : 41.

وهو على بعض هذه الحالات » (1).

والخبرين : « ثلاثة يتخوف منها الجنون .. » وعدّ منها التغوّط بين القبور.

وفي استفادة كراهة البول من ذلك إشكال.

هذا إذا كان في محلّ مباح ، وأمّا إذا كان في المملوك فلا تأمّل في المنع.

والظاهر ثبوت الكراهة إذن للمالك أو لمن أذن له.

ولو كان في التخلّي فيها هتك للمذهب حرم قطعا ، بل ربّما أوجب كفر الفاعل كقبور من يجب احترام قبورهم من الشهداء والعلماء والزهّاد وأهل الفضل والصلاح ممّن له مزيد اعتناء عند أهل الإسلام.

والظاهر ثبوت الكراهة بالنسبة إلى قبور الكفّار أيضا ، لإطلاق الروايات وإنّ الحكمة فيه عدم عود الضرر إلى الفاعل كما هو ظاهر الأخبار لا مراعاة حال الميّت.

ولو تخلّى على القبر في أبنية ، ففي ثبوت الكراهة وجهان : أقواهما العدم لخروجه عن مدلول الأخبار.

وهل يسقط الكراهة مع اندراس الميّت وجهان ؛ أقواهما بقاء الكراهة إلّا إذا خرج عن اسم القبر.

ولا فرق بين قبور البالغين والأطفال إلّا في نحو السقط ؛ للشك في شمول الإطلاق سيّما إذا لم تلجه الروح ، وإذا كان مدفنا لبعض الإنسان أو عظامه تبع لصدق اسم القبر.

ومنها : التخلّي تحت النخيل والأشجار المثمرة ؛ للأخبار المستفيضة ، وهي محمولة على الكراهة كما يظهر من سياقها ، ولخلوّ الأخبار الواردة في حدّ الغائط عنه.

وعن الصدوق (2) والمفيد (3) الحكم بعدم الجواز.

وهو ضعيف.

ص: 432


1- الكافي 6 / 533 ، باب كراية أن يبيت الإنسان وحدة والخصال المنهي ح 2.
2- المقنع : 8.
3- المقنعة : 41.

والمدار في الأثمار مسمّاه.

وفي جريان الحكم لكلّ ذوات الأحمال ممّا يؤكل حملها ممّا لم يعد ثمرة كالسمّاق وجهان.

ثمّ إنّ الموجود في عدة أخبار إطلاق الشجرة المثمرة ، وذكر في بعضها مساقط الثمار ، وعن جماعة من الأصحاب حمله على ما شأنه الإثمار وإن لم تكن مثمرة بالفعل ؛ معلّلا بعدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتقّ.

وفيه : أنّ ذلك لو سلّم فهو أخصّ من المطلوب ؛ إذ بناء المسألة على ذلك يقتضي اعتبار حصول لفظ الثمرة الإثمار منه ولو مرّة ، واعتبار الثانية أعمّ منه ، فلا يتمّ التعليل إلّا أن يختصّ المدّعى بذلك أيضا.

وقد يعلّل بأنّ المتبادر من لفظ الثمرة عرفا هو ذلك ، فلا يبتني المسألة على صدق المشتقّ مع زوال المبدأ إلّا أنّ ما ذكر محلّ منع.

مضافا إلى دلالة غير واحد من الأخبار على اعتبار وجود الثمرة فيها كرواية الخصال : « وكره أن يحدث الرجل تحت شجرة قد أينعت أو نخلة قد أينعت أي أثمرت » (1).

ورواية العلل : « إنّما نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يضرب أحد من المسلمين خلاءه تحت شجرة أو نخلة قد اثمرت لمكان الملائكة الموكّلين بها ، قال : ولذلك يكون الشجر والنخل انسا إذا كان فيها حمله لأنّ الملائكة تحضره » (2).

وفيه أيضا في وصيّة النبي صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « وكره أن يحدث الإنسان تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت » (3).

ففي هذه الأخبار شهادة على أنّ ذلك هو المقصود من الإطلاقات ، ولذا اختاره جماعة من المتأخرين ، ومال إليه في المدارك (4) والذخيرة (5).

ص: 433


1- الخصال : 521 ، وليس فيه : « قد أينعت أو نخلة ».
2- علل الشرائع 1 / 278.
3- من لا يحضره الفقيه 4 / 357 ، باب النوادر ح 5762.
4- مدارك الأحكام 1 / 177.
5- ذخيرة المعاد 1 / 21.

ثمّ بناء على ما اخترناه لا يتوقّف الحكم على اتباع الثمرة كما قد يومي الرواية المتقدمة لإطلاق غيرها ، مضافا إلى تفسير الإتباع فيها بالإثمار ؛ إذ لا أقلّ من كون التفسير من الراوي وهو كاف فيه.

وهل يتوقّف على صدق اسم الثمرة عليه أو يكفي فيه مجرّد البروز وجهان.

ولا يبعد صدق اسم الإثمار بمجرّد ذلك وإن لم يصدق اسم الثمرة على الحمل ، أمّا مجرّد ظهور الطلع فليست إثمارا قطعا ، ولو يبست الثمرة عليها بحيث خرجت عن اسمها كأن صار الرطب تمرا والعنب زبيبا ففي بقاء الكراهة وجهان ، كان أظهرهما ذلك.

ولو تخلّى تحت الشجرة في أفنية ونحوها مما يخرجها عمّا تحتها من دون تنجيس المحلّ ففي ثبوت الكراهة وجهان ؛ أقواهما ذلك نظرا إلى العلّة المذكورة ، ولظاهر سائر الإطلاقات.

نعم ، لو علّل الحكم بعدم تنجيس الأثمار الواقعة تحت الشي ء أمكن القول بارتفاع الكراهة حينئذ ، لكن لا شاهد عليه.

ولو كان حاجب بين الشجرة وبينه لخباء ونحوه قوي ارتفاع الكراهة.

ومنها : البول في الماء جاريا كان أو واقفا. وفي كلام بعض الأصحاب أنّ الأوّل تورث السلس ، والثاني الحصر. وعلّل الأخير في رواية بأنّه « يورث النسيان » (1).

وفي أخرى بأنّه « منه يكون ذهاب العقل » (2).

والثاني أشدّ كراهة ، وهو الوجه في الجمع بين الأخبار ممّا يدلّ على إطلاق الكراهة وما يدلّ على الكراهة في خصوص الراكد ، وعلى ثبوته في خصوص الجاري وعلى عدمها فيه ، وعلى التفصيل بين القسمين كالصحيح : « لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري وكره أن يبول في الراكد » (3).

ص: 434


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 22 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 35.
2- من لا يحضره الفقيه 4 / 4 ، باب ذكر من جمل من مناهي النبي صلى اللّه عليه وآله ، ح 4968.
3- تهذيب الأحكام 1 / 31 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ح 20.

وقد ذهب الصدوقان (1) - في ظاهر كلامهما - إلى التفصيل إلّا أنّ ظاهرهما المنع في الراكد ، وهو ظاهر المفيد في المقنعة (2) إلّا أنّه وافق الأكثر في كراهته في الجارى.

وقد يرجع قولهم بالمنع في الراكد إلى المشهور.

وظاهر البحار (3) توقّفه في الكراهة بالنسبة إلى الجاري ، بل ربّما يظهر منه الميل إلى نفيها ، قال : وظاهر كثير من الأخبار عدم الكراهة.

ويضعفه دلالة غير واحد من النصوص على كراهيته بالخصوص كرواية الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام : « ولا يبولنّ في ماء جار ، فإن فعل ذلك فأصابه شي ء فلا يلومنّ إلّا نفسه فإنّ للماء أهلا » (4).

ومرسلة مسمع : « نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يبول الرجل في الماء الجاري إلّا من ضرورة » (5).

مضافا إلى تأيّدها بالإطلاقات وإطلاق كثير من الأصحاب ، فيحمل ما عارضهما على إرادة خفّة الكراهة ، بل كثير ممّا عارضهما ليس بصريح في انتفاء الكراهة.

والمراد بالجاري هنا هو الجاري من المادّة أو مطلق النابع على الخلاف أو المقصود مطلق الجريان ، أقواهما الأخير.

فالنابع الواقف ملحق بالراكد ؛ لظواهر الأخبار في المقام.

ولو بال خارجا عن الماء فجرى إليه ففي ثبوت الكراهة وجهان ؛ أقواهما ذلك لظاهر التعليل.

ومنه يجي ء احتمال ثبوت الكراهة في صبّ البول في الماء.

ص: 435


1- الهداية : 74.
2- المقنعة : 41.
3- بحار الأنوار 77 / 169.
4- الخصال : 613.
5- الإستبصار 1 / 13 ، باب البول في الماء الجاري ، ح 525.

وقضية التعليل إن بني عليه كراهة صبّه على البول أيضا.

ومنه ينقدح احتمال كراهة في اجراء المياه إلى الميضات ؛ لإخراج ما فيها من القذارات كما هو المعتاد في بعض البلاد إلّا أنّ الحكم بالكراهة في ذلك كلّه لا يخلو عن إشكال.

وكيف كان ، فلا تأمّل في عدم الكراهة في الاستنجاء في الميضات بل وصبّ الماء فيها للتطهير ، وأمّا البول فيها مع اجتماع الغسالات فيها فالظاهر أنّه لا مانع منه أيضا ؛ لجريان السيرة عليه ، ولأن الغرض (1) عدم تلويث الماء بتلك القذارة ، وهي حاصلة فيه.

ومنه ينقدح احتمال زوال الكراهة بالنسبة إلى المياه والقذرة المصاحبة للنجاسات إلّا أنّ البناء على الإطلاق فيها أولى.

ولو امتزج البول بالدم بحيث خرج عن اسم البول ففي ثبوت الكراهة فيه أيضا وجهان : أقواهما ذلك نظرا إلى العلّة المذكورة.

ثمّ إنّه ذكر في نهاية الإحكام (2) أنّ البول في الماء في الليل أشدّ ؛ لما قيل من أنّ الماء في الليل للجنّ فلا يبال فيه ولا يغتسل ؛ حذرا من أصابتهم ، فإن عني به شدّة الكراهة فلم نعثر عليه في الأخبار وكراهة الاغتسال فيه إن بني على إطلاقه فهو مخالف لسائر إطلاقاتهم ، بل لم نعثر على قائل به.

هذا ، وفي جريان الحكم إلى الغائط وجهان ؛ من اختصاص النصوص بالبول ، ومن استفادته من التعليل أو من طريق الاولويّة كما قيل.

وهو الأظهر ، وعزي إلى الشيخين والأكثر.

ويدلّ عليه - بعد ما ذكر - مرسلة الدعائم عنهم عليهم السلام : « إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : البول في الماء القائم من الجفاء ونهى عنه وعن الغائط فيه وفي النهر » (3).

ص: 436


1- قد تقرأ في ( ألف ) : « الفرض ».
2- نهاية الإحكام 1 / 83.
3- دعائم الإسلام 1 / 104.

وعن المفيد (1) المنع منه في الجاري والراكد.

وعن الديلمي نهيه عن ذلك فيها. ويشهد لهما المرسلة المذكورة.

ومنها : البول قائماً ، وفي البحار (2) أنّه لا خلاف في كراهته.

ويدلّ عليه عدّة أخبار كالقوي : « البول قائما من غير علّة من الجفاء » (3).

والصحيح العادلة من الأحوال الّتي إذا « أصاب صاحبه شي ء من الشيطان لم يدعه إلّا أن يشاء اللّه ، قال عليه السلام : وأسرع ما يكون الشيطان إلى الإنسان وهو على بعض هذه الأحوال » (4).

وكذا الحال في التغوّط ؛ لرواية الخصال في وصية النبي صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « وكره أن يحدث الرجل وهو قائم » (5).

ولا فرق بين ما إذا خاف من ترشّش البول عليه وعدمه وما إذا كان على حالة يفضي إلى الاحتراز عنه أو لا.

وفي نهاية الإحكام (6) : إنّ الأقرب أنّ العلّة هي التوقّي من البول ، فلو كان في (7) حال لم يقتصر إلى الاحتراز عنه كالحمّام زالت الكراهة.

وهو بعيد ؛ إذ ما ذكره استنباط محض لا شاهد عليه ، بل نصّ الرواية المذكورة دافعة له.

وفي مرسلة ابن أبي عمير (8) نفي البأس فيه حال النورة ، فقد يؤذن بتخصيص الحكم به.

ونحوه حسنة أخرى.

ص: 437


1- المقنعة : 41 ، قال في ماء الجاري : واجتنابه أفضل.
2- بحار الأنوار 77 / 174.
3- الخصال : 54.
4- الكافي 6 / 533 ، باب كراهية أن يبيت الإنسان وحده والخصال المنهي ، ح 2 مع اختلاف.
5- لم نجده في الخصال ، انظر : من لا يحضره الفقيه 4 / 357 ، باب النوادر ، ح 5762 ، والذي في الخصال : 521 أنه : « كره البول على شط نهر جاري ، وكره أن يحدث الرجل تحت شجرة قد أينعت يعني أثمرت ، وكره أن يتنعّل الرجل وهو قائم .. ».
6- نهاية الإحكام 1 / 83.
7- زيادة « في » من ( د ).
8- زيادة في ( د ) : « الصحيحة ».

وكأنّه لتضرّره حينئذ بالجلوس كما في مرسلة الفقيه من أن « من جلس وهو متنوّر خيف عليه من الفتق » (1) ، فلا يبعد تقييد الإطلاقات بهما.

وقد يحملان على الرخصة وتخفيف الكراهة حينئذ ، وكأنّه لذا (2) اطلقت الكراهة في كلام أكثر الأصحاب.

ومنها : تطميح البول في الهواء إمّا بالكون على مرتفع أو غيره ؛ للأخبار المستفيضة.

وفي بعضها التعليل بأنّ للهواء أهلا.

ولا ينافيه ما مرّ من استحباب (3) أو [ ... ] (4) المكان للبول كالكون على مرتفع ؛ إذ المقصود هناك التحرّز من ترشّش البول ، وهو حاصل بما دون ذلك.

وظاهر جملة من النصوص كراهة التطميح بمعنى رميه من المكان المرتفع ، والمستفاد من كلام جماعة من أهل اللغة أنّه عبارة عن رميه في الهواء.

وقد نصّ عليه في الصحاح (5) والقاموس (6) ، وهو أعمّ من الأوّل.

وهو المراد بناء على الأظهر ؛ لإطلاق بعض ما دلّ على كراهة التطميح ، ولا دلالة في تلك الأخبار على التخصيص. وهو الظاهر من جماعة من الأصحاب ، بل عزي إلى الأكثر.

وبه نصّ في كشف اللثام (7).

ونصّ في البحار (8) على إرادة الأوّل.

ص: 438


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 119.
2- في ( ألف ) : « إذا ».
3- كذا في ( ب ) ، ولعلّها في ألف : « انسحاب » ، قد تقرأ في ( د ) : « استنحاب » غير منقوطة إلّا في الحرف الأخير.
4- هنا بياض بمقدار كلمة في النسخ المخطوطة.
5- الصحاح 1 / 388 ( طمح ) وفيه : « وطمح ببوله ، إذا رماه في الهواء ».
6- القاموس المحيط 1 / 238 ( طمح ).
7- كشف اللثام 1 / 229.
8- بحار الأنوار 77 / 189.

وقد عرفت ما فيه.

وفي جريان الحكم في البول في البلاليع العتيقة ونحوها وجهان ؛ أقواهما العدم للشكّ في دخوله في التطميح.

وفي البحار (1) أنه محلّ إشكال.

وعدم الكراهة لا يخلو من قوّة.

وفي تسرية الحكم إلى الغائط وجه ؛ نظرا إلى ظاهر العلّة المذكورة. وكأنّ الأقوى خلافه.

ومنها : البول في الصلبة كما نصّ عليه جماعة. وعزاه في البحار (2) إلى الأصحاب.

ويدلّ عليه ما مرّ من استحباب (3) أو [ ... ] (4) المكان ما دلّ على التأكيد في التوقّي من البول.

ولا يذهب عليك أنّ ذلك إنّما يقتضي الكراهة مع خوف الترشّش خاصّة ، بل إذا كان على حالة يرجّح له التوقّي من النجاسة كما مرّ ؛ فإن حمل إطلاقهم عليه وإلّا فلا وجه له.

ثمّ إنّه لا مدخل في الحكم لخصوص الصلبة ، لعدم وروده في الاخبار ، وإنّما المناط ما ذكرناه من استحباب الماء والمحافظة عن البول (5).

ومنها : البول في الحمّام ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام « أنّه يورث الفقر » (6).

ومنها : البول في جحر الحيوانات. وعلّل بعدم الأمن من جراح حيوان (7) يلسعه ، حكي

ص: 439


1- بحار الأنوار 77 / 189.
2- بحار الأنوار 77 / 168.
3- كذا في ( ألف ) و ( ب ) ، وفي ( د ) : « استنحاب » غير منقوطة إلّا في الحرف الأخير. وهنا سقط بعد هذه اللفظة إلى قوله : « الماء والمحافظة عن البول » في ( ب ).
4- هنا في النسخ المخطوطة بياض بمقدار كلمة.
5- في ( ب ) : « والمحافظة على عن البول »!
6- الخصال : 504.
7- في مخطوطات الأصل : « حسران ».

أنّ سعد بن قتادة (1) بال في جحر فاستلقى ميّتا فسمعت الجنّ تنوح عليه بالمدينة وتقول :

نحن قتلنا سيّد الخزرج سعد بن قتادة (2)

ورميناه بسهمين فلم تخط فؤاده (3)

ومنها : طول الجلوس على الخلاء ، فعن عليّ والباقر عليهما السلام : « انّه يورث الباسور » (4).

وعن لقمان : « أن مولاه أطال الجلوس على الخلاء فناداه أنّ طول الجلوس على الحاجة تفجع الكبد ويورث منه الباسور ويصعد الحرارة إلى الرأس ، فاجلس هونا وقم هونا ، فكتب حكمته على باب الحش » (5).

وكأن الكراهة مخصوصة بالجلوس على النحو المعروف كما هو ظاهر التعليل المذكور ، فلو لم يكن التقيّة من محلّ الجلوس لم يبعد ارتفاع الكراهة.

ومنها : مسّ الذكر باليمين بعد البول ؛ لمرسلة الصدوق : « إذا بال الرجل فلا يمسّ ذكره بيمينه » (6).

ومنها : الاستنجاء باليمين ؛ للقوي نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله « أن يستنجى الرجل بيمينه » (7).

وفي قويّة أخرى : « إنّ الاستنجاء باليمين (8) من الجفاء » (9).

وللفرق بين ما إذا أوجبت تلوّث اليد بالنجاسة أو لا.

ولا بين الاستنجاء بالماء أو غيره.

ص: 440


1- في المصادر : « عبادة ».
2- في المصادر : « عبادة ».
3- نقل البيتين في الاستيعاب 2 / 599 ، تاريخ مدينة دمشق 20 / 269.
4- الخصال : 18 ، في القاموس المحيط 1 / 272 ( بسر ) ؛ والباسور : علة معروف ، جمع : البواسير.
5- وسائل الشيعة 1 / 337 ، باب كراهة طول الجلوس على الخلاء ح 5 ، وفي المخطوطات : « الحشر » ، وما أدرجناه من الوسائل.
6- من لا يحضره الفقيه 1 / 28 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 55.
7- الكافي 3 / 17 ، باب القول عند دخول الخلاء وعند الخروج وعند الاستنجاء ، ح 5.
8- لم ترد في ( ب ) : « باليمين .. ولا بين ».
9- الكافي 3 / 17 ، باب القول عند دخول الخلاء وعند الخروج والاستنجاء ، ح 7.

ولا يكره صبّ الماء باليمين.

وفي تعميم الحكم للاستنجاء من البول إذا افتقر إلى المباشرة وجه ؛ لصدق الاستنجاء باليد (1) بالنسبة أيضا.

وفي بعض الأخبار كراهة مسّ الذكر باليمنى بعد البول كما سيجي ء إلّا أنّه اعتبار آخر غير الاستنجاء.

ومنها : الاستنجاء باليد الّتي فيها خاتم عليه اسم اللّه ؛ للمستفيضة الدالّة عليه.

وظاهرها يعطي التحريم كما هو الظاهر من بعض أفاضل المتأخرين إلّا أنّ جمهور الأصحاب حملوها على الكراهة.

وفي رواية وهب بن وهب دلالة عليه : « كان نقش خاتمه : العزّة لله جميعا ، وكان في يساره يستنجي بها ، وكان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه السلام : الملك لله ، وكان في يده اليسرى يستنجي بها » (2).

وسياق هذه الرواية ظاهرة في التقيّة ، وإلّا فظاهرها عدم الكراهة أيضا.

فالاستناد إلى فهم الأصحاب في حمل تلك الأخبار على الكراهة أولى.

وعن جماعة من الأصحاب إلحاق أسماء الأنبياء والأئمّة عليهم السلام للاشتراك في الاحترام.

قلت : وينبغي إلحاق آي القرآن به أيضا.

وقد يستشكل في الإلحاق بناء على القول بالمنع ؛ لخروجه عن مدلول النصّ.

هذا إذا لم يوجب تنجّس الكتابة ، ومعها فلا تأمّل في الحرمة في الجميع.

ومنها : استصحاب خاتم فيه اسم اللّه سبحانه أو شي ء من القرآن لجملة من الأخبار :

منها : الموثق : « لا يدخل المخرج » (3).

وفي رواية علي بن جعفر ، عن أخيه المرويّة في قرب الإسناد : « عن الرجل يجامع

ص: 441


1- لم ترد في ( ب ) : « باليد .. غير الاستنجاء ».
2- الإستبصار 1 / 48 ، باب من أراد الاستنجاء وفي يده اليسرى خاتم ، ح (134) 2.
3- الإستبصار 1 / 48 ، باب من أراد الاستنجاء وفي يده اليسرى خاتم ، ح (133) 1.

ويدخل الكنيف وعليه الخاتم فيه ذكر اللّه أو شي ء من القرآن أيصلح ذلك قال : لا » (1).

وفي القوي : « الرجل يريد الخلا وعليه خاتم فيه اسم اللّه تعالى قال : ما أحب ذلك ، قال : فيكون اسم محمّد صلى اللّه عليه وآله ، قال : لا بأس » (2).

وهذا شاهد على حمل غيره على الكراهة.

وفي جواز كونه في غير اليد الّتي يستنجي بها كما هو صريح غير واحد من الروايات صراحة في عدم التحريم ، بل ربّما قضى ظاهرها بعدم الكراهة أيضا.

وفي تسرية الحكم إلى اسم النبي صلى اللّه عليه وآله وسائر الأنبياء صلوات اللّه عليهم وجهان.

وظاهر الرواية الأخيرة انتفاء الكراهة ، وكذا الكلام في آي القرآن.

وثبوت الكراهة لا يخلو عن قوّة. وفي تسرية الحكم إلى غير الخاتم ممّا يصحبه وجهان. وبه حكم بعض الأصحاب.

ومنها : غسل الحرّة فرج زوجها من غير علّة ، ففي الصحيح : المرأة تغسل فرج زوجها؟ فقال : « ولم من سقم » (3) قال : « ما احبّ للحرّة أن تفعل ، فأمّا الأمة فلا تضر » (4).

وهل الكراهة للزوجة أو للزوج أو لهما؟ وجوه ، وظاهر الفقرة الأولى من الجواب هو الأول ، والفقرة ظاهرة في الثاني.

ومنها : الأكل والشرب على ما نصّ عليه جماعة الأصحاب ؛ لمنافاتهما للحياء (5) المطلوب حال الخلاء.

ويدلّ على الأوّل مرسلة الفقيه المرويّة عن الباقر عليه السلام : « أنّه وجد لقمة في القذر فأخذها وغسلها ، ورفعها إلى مملوك معه فقال عليه السلام : تكون معك لآكلها إذا خرجت ، فلمّا خرج عليه السلام قال

ص: 442


1- قرب الاسناد : 293.
2- الاستبصار 1 / 48 ، باب من أراد الاستنجاء وفي يده اليسرى خاتم ، ح (135) 3.
3- زيادة في ( د ) : « قلت لا ».
4- تهذيب الأحكام 3 / 356 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات ، ح 31.
5- في ( د ) : « للخباء ».

للملوك : أين اللقمة؟ قال : أكلتها يا بن رسول اللّه ، فقال عليه السلام : إنّها ما استقرّت في جوف أحد إلّا وجبت له الجنّة » (1) الخبر.

وروي نحو من ذلك عن مولانا الحسين عليه السلام (2).

وفيه دلالة ظاهر [ ة ] على كراهة الأكل ، ويمكن أن يستفاد منه الحكم في الشرب أيضا.

ومنها : التكلّم بغير ما استثني على المعروف بين الأصحاب ؛ للروايات المستفيضة كالصحيح بعد ما سأله « عن التسبيح في المخرج وقراءة القرآن لم يرخّص في الكنيف أكثر من آية الكرسي والحمد لله أو آية الحمد لله ربّ العالمين » (3).

ورواية أبي بصير : « لا تتكلّم على الخلاء فانّ من تكلّم على الخلاء لم يقض له حاجة » (4).

ورواية صفوان : « نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يجيب الرجل آخر وهو على الغائط أو يكلّمه حتّى يفرغ » (5).

مضافا إلى منافاته الاستحياء المطلق ، وظاهر الصدوق القول بالمنع ؛ لظاهر النهي.

وهو ضعيف.

ولا فرق بين تكلّمه لنفسه أو مع الغير. وفي تكلّمه بغير الموضوع وجهان.

ثمّ إنّه استثنى من ذلك أمور :

أحدها : أن يكون الكلام واجبا فوريّا كردّ السلام أو الدلالة على الوديعة مع طلب صاحبها أو جواب من يجب طاعته إذا تعلّق غرضه بالجواب في الحال.

ولو كان الوجوب تخييريّا ففي ارتفاع الكراهة وجهان أقواهما ذلك.

ص: 443


1- عوالى اللئالي 2 / 188 ، وفيه : « لقمة خبز في القذر ».
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 / 48.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 28 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 57.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 28 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 61 وفيه : « لم يقض له حاجته ».
5- علل الشرائع 1 / 284.

وفي ارتفاعها بكون السائل مؤمنا سيّما إذا تعلّق بحاجة ضروريّة أو كان موجبا لكسر قلبه وجه قويّ ، وإن كان قضيّة إطلاق الرواية الأخيرة عدمه.

ثانيها : أن يكون له حاجة بتأخيره. ذكره جماعة من الأصحاب وتركه آخرون.

واستدلّ عليه بأنّ في الامتناع منه ضررا ، وهو منفي بالآية والرواية.

وهو الأظهر.

ولا بدّ أن يكون بحيث لا يمكن أداؤه (1) بغير الكلام كالتصفيق والتسبيح (2) كما نصّ عليه جماعة منهم.

ونحوه ما إذا لحقه بتأخيره ضرر كفسخ معاملة بنقض خياره بالتاخير.

وكذلك لو كانت الحاجة لمؤمن أو لحقه بتأخيره ضرر في وجه قوي.

ومع إمكان الاستعجال في قضاء الحاجة وأدائها بعد وجهان.

ثالثها : ذكر اللّه تعالى ؛ لقول الصادق عليه السلام في رواية الحلبي : « لا بأس بذكر اللّه وأنت تقول إنّ ذكر اللّه حسن على كلّ حال ، ولا تسأم من ذكر اللّه » (3).

وقوله في رواية أبي بصير : « لا تدع ذكر اللّه على تلك الحال ، فإنّ ذكر اللّه حسن على كلّ حال » (4).

وفي الصحيح في بيان بعض ما أوحى اللّه إلى موسى : « لا تدع ذكري على كلّ حال .. » (5) إلى غير ذلك ، وظاهر هذه الأخبار شمول الذكر باللسان. وربّما يومى بعض الأخبار إلى كونه بالقلب كقوله عليه السلام في قويّة مسعدة بن صدقة : « كان أبي يقول : إذا عطس أحدكم وهو على الخلاء فليحمد اللّه في نفسه » (6).

ص: 444


1- في ( ب ) : « إذائه ».
2- في ( د ) : « التنحنح ».
3- عدة الداعي : 239.
4- علل الشرائع 1 / 284.
5- الكافي 2 / 497 ، باب ما يجب من ذكر اللّه عزوجل في كل مجلس ح 7.
6- قرب الاسناد : 74.

وفي الفقيه « كان الصادق عليه السلام إذا دخل الخلاء تقنع برأسه ويقول في نفسه : بسم اللّه وباللّه » (1) .. الخبر.

ولعلّه لذا قال الشيخ (2) في جملة من كتبه : إنّه يذكر فيما بينه وبين نفسه.

ويمكن حمل ذلك كلّه على الإخفات في الذكر.

ويؤيّده استفاضة الدعوات المأثورة حال الخلاء ، وحملها على ذلك في غاية البعد.

نعم ، في الصحيحة المتقدّمة دلالة على كراهة ما عدا التحميد من الذكر إلّا أنّها لا تقاوم الأخبار المذكورة.

رابعها : قراءة آية الكرسي ، للصحيحة المذكورة. وبها يخصّص ما في القوي : « سبعة لا يقرءون القرآن .. » (3) وعدّ منها الشخص يكون في الكنيف.

وقد يستثنى منه آية ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) للصحيحة المتقدمة إلّا أنّ احتمال الترديد من الراوي يسقط الاستدلال بها.

نعم ، الظاهر دخولها في الذكر ، وبذلك يتّجه القول بنفي الكراهة في سائر الآيات الداخلة في الذكر. ولا يبعد القول باختلاف الحكم لاختلاف القصد ، فيكره بقصد التلاوة دون الذكر.

وحينئذ فاستثناء الآية المزبورة محلّ خفاء.

وفي التهذيب (4) ذكر الآية مطلقا ، ومعه يبعد الاحتمال المذكور ، فيتمّ الاستدلال بها في مطلق الآية إلّا أنّه يضعّفه وجود التقييد في الفقيه (5).

خامسها : حكاية الأذان لقول الباقر عليه السلام في صحيحة محمّد بن مسلم « لو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر اللّه عزوجل وقل كما يقول » (6).

ص: 445


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 24 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 41.
2- المبسوط 1 / 18 والنهاية : 11.
3- الخصال : 357.
4- تهذيب الأحكام 1 / 352 ، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة ح 5.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 28.
6- علل الشرائع 1 / 284 ، ح 2.

وقول الصادق عليه السلام في رواية أبي بصير : « إن سمعت الأذان وأنت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذن ولا تدع ذكر اللّه عزوجل في تلك الحال لأنّ ذكر اللّه حسن على كلّ حال » (1).

وفي رواية العلل : لأيّ علّة يستحب للإنسان إذا سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذن وإن كان على البول والغائط؟

فقال : « لأنّ ذلك يزيد في الرزق » (2).

وفي الروضة (3) : يجوز حكاية الأذان إذا سمعه على المشهور.

ويومي ذلك إلى تأمّل منه في الحكم ، وكذا الشهيد في الذكرى (4) والدروس (5) حيث أسنده فيهما إلى قول.

وفي الروض (6) أنّه حسن في فصوله الّتي فيها ذكر دون الحيعلات ؛ لعدم نصّ عليه بالخصوص إلّا أن يبدل بالحوقلة كما ذكر في حكايته في الصلاة.

ولا وجه لذلك بعد ما عرفت من النصوص الواردة فيه.

وكأنّهما رحمه اللّه غفلا عن الأخبار المذكورة ، بل المستفاد من الروايتين الأوليين كون الأذان كلّه ذكرا.

سادسها : الصلاة على النبيّ وآله عند سماع اسمه الشريف ؛ للخبر الأكيد عليه حتّى قيل بوجوبه كما ذهب إليه المفيد وجماعة وعليه ، فهو داخل في القسم الأوّل.

وإدخالها في الذكر كما في كشف اللثام لا يخلو عن تأمّل.

سابعها : التحميد عند العطاس ، وقد سمعت الرواية الواردة فيه ، وهو داخل في الذكر فلا فائدة في إفراده بالذكر.

ص: 446


1- علل الشرائع 1 / 284 ، ح 1.
2- علل الشرائع 1 / 285 ، ح 4.
3- الروضة البهية 1 / 344.
4- الذكرى : 170.
5- الدروس 1 / 89.
6- روض الجنان : 27.

ثامنها : التسميت للعاطس. ذكره في المنتهى (1) ونهاية (2) الإحكام ؛ لكونه من الذكر.

وفيه منع ظاهر.

وفي المدارك (3) : إنّ تركه أولى.

قلت : لا يذهب عليك أنّ ما دلّ على كراهة الكلام إنّما يدلّ على مرجوحيّة التكلّم على النحو المعتاد ، فشموله لمثل الدعاء والذكر وقراءة القرآن غير معلوم ، بل الظاهر خلافه فيبقى العمومات الدالّة على رجحانها بحالها.

نعم ، الصحيحة الأولى ربّما تدلّ على (4) كراهة الجميع سوى ما استثني.

ويضعّفه أن السؤال فيها مخصّص بالتسبيح وقراءة القرآن ، والممنوع منه في الجواب غير مذكور صريحا.

فيحمل على إرادة العموم وإرادة خصوص المذكور في السؤال ، ومع حصول الاحتمال يسقط الاستدلال.

فإن قلت : استثناء التحميد في الجواب قاض بإرادة العموم ؛ لعدم ذكره في السؤال.

قلت : إنّما يتمّ ذلك إذا لم يقم احتمال الترديد من الراوي فيه ، ومعه يحتمل أن يكون المذكور في كلام الإمام عليه السلام خصوص آية الكرسي وآية الحمد لله ربّ العالمين ، فلا يبعد إذن أن يكون المقصود خصوص المنع من قراءة القرآن سوى المذكورين.

وممّا يقرّبه عدم المنع من الذكر الشامل للتسبيح مطلقا كما هو قضية النصوص المستفيضة ، فلا يتمّ إطلاق المنع.

فبعد البناء على ما ذكر بكون جملة من المستثنيات المذكورة على حكم الأصل ، وبكون الدعاء أيضا كالذكر.

ص: 447


1- منتهى المطلب 1 / 41.
2- في ( ب ) : « النهاية ».
3- مدارك الأحكام 1 / 183.
4- لم ترد في ( ب ) : « على كراهة .. مذكور ».

ويختصّ الكراهة بالتكلّم وقراءة القرآن عدا ما استثني منهما.

وحينئذ يتّجه عدم كراهة التسميت ؛ لدخوله في الدعاء مع احتمال اندراجه في الكلام من جهة توجيهه إلى المخاطب ، فتأمل.

ص: 448

البحث [ الأول ]: في أفعال الوضوء

تبصرة: [ في نية القربة ]

لا بدّ في الوضوء من نية القربة بلا خلاف بين الفرقة ، وكذا غيرها من الطهارات الثلاث.

وقد حكى إجماع الفرقة عليه جماعة من الأجلّة ، وبذلك اندرجت في تلك العبادات وإزالة النجاسات.

ويدلّ بعد ذلك عليه قوله تعالى : ( مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللّهَ ) (1) ، فإن ظاهره اعتبار الإخلاص في النيّة في جميع التكاليف الدينيّة.

ويومي إليه ما دلّ على وجوب طاعته صلى اللّه عليه وآله ، إذ حقيقة الإطاعة هو موافقة إرادته في أمره ونهيه من حيث إنّه أمر به أو نهى عنه ، وهو معنى القربة.

فلو (2) خلا عنه لم يحصل الامتثال إلّا أنّ ذلك إنّما يفيد اعتبار قصد الطاعة في الجملة لا عدم جواز الضّميمة.

وكيف كان ، ففيه تأييد لما قلنا.

وفي كلام بعض الأفاضل إشكال في الفرق بين الطهارة من الحدث والخبث ؛ لورود الأخبار فيهما على حدّ سواء ، قال : وما قيل من أنّ النية (3) إنّما يجب في الأفعال دون التروك

ص: 449


1- البينة : 5 والآية هكذا : ( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) .
2- لم ترد في ( ب ) : « فلو خلا عنه ».
3- في ( ألف ) : « إزالته » بدل « أن النية ».

منقوض بالصوم والإحرام ، والجواب أنّ الترك فيهما كالفعل تحكّم. ولعلّ ذلك من أقوى الأدلّة على سهولة الخطب في النيّة ، فإنّ المعتبر فيها تخيل المنوي بأدنى توجّه ، وهذا القدر أمر لا ينفكّ عنه (1) أحد من العقلاء كما يشهد به الوجدان.

ومن هنا قال بعض الفضلاء : لو كلّفنا .. إلى آخره ، قال : وهو كلام متين لمن تدبّر.

وفيه نظر ، أمّا أوّلا : فبأنه يكفي في الفرق بين المقامين قيام الإجماع بل الضرورة على عدم اعتبار النيّة في رفع الخبث ، وقد دلّ عليه الأخبار كقوله : ما أصابه البصر فقد طهر وغيره مع عدم قيام دليل هنا على عدم اعتبار النيّة ، فتبقى تحت الأصل ، وخلو الأخبار.

ومن ذكرها فيه بالخصوص لا يفيد عدم اعتبارها كما هو الشأن في كثير من العبادات.

وأمّا ثانيا : فبأنّ إزالة النجاسة المطلوبة حاصلة بمجرّد الغسل ، فليس للنيّة مدخليّة فيها بخلاف الطهارة من الأحداث ؛ إذ لا يصدق شي ء من أساميها من دون قصدها ؛ لصحة وقوع تلك الأفعال على وجوه متعددة ، فالنيّة مقوّمة فيها دون غيرها.

وهذا هو المناط فيما يعتبر فيه النيّة وما لا يعتبر فيها ، وكأنّ ذلك هو مقصود المجيب ؛ إذ الغالب في التروك أنّها من قبيل الأول.

ثمّ إنّ هذا الوجه إنّما يفيد الفرق بين الأمرين في اعتبار النيّة بالمعنى الأعمّ دون نيّة القربة.

وأمّا ثالثا : فبأنّ ما ذكره من الاكتفاء في النيّة يتخيّل (2) المنوىّ الّذي لا ينفكّ عنه أحد من العقلاء عند شي ء من الأفعال ممّا لا وجه له ، إذ النيّة المعتبرة في الوضوء وسائر العبادات ليست مجرّد ذلك بالضرورة ، كيف و (3) لا ينبغي إذن فرق بين العبادات وغيرها.

وما حكاه من بعض الفضلاء إن حمل على ظاهره فهو بيّن الفساد.

وحكى بعض المحققين عن بعض المحدّثين تحقيقا في المقام واستحسنه ، وهو أنّ المطلوب من العبد إمّا إيجاد أمر في الخارج كالركوع والسجود أو في الذهن كمعرفة أن لا يتعمّد شيئا من

ص: 450


1- في ( ألف ) : « من » بدل « عنه ».
2- في ( د ) : « تخيّل ».
3- لم ترد في ( ب ) : « و ».

المفطرات أو وجود حاله كطهارة الثوب في الصورة الأولى بين العبادة وغيرها كاللعب بالنية ، وفي الثانية ( العبادة المطلوبة هي نفس العزم المقيّد بقيد فلا حاجة إلى إرادة اخرى وفي الثالثة ليس المقصود إلّا وجود ذلك الشي ء سواء ) (1) حصل بإيجاده أو بغيره قارن النية أو لا.

أقول : فيه أوّلا : إنّ ما ذكره في الفرق بين الصورتين الأوليين ممّا لا وجه له بل الظاهر أنّه لا فرق بينهما في شي ء ؛ إذ الحاصل في الذهن لا ينحصر في النيّة وعلى فرضه فالفرق فيها بين العبادة وغيرها إنّما هو بقصد القربة وغيره ، وهو المناط في الصورة الأولى أيضا.

وثانيا : إنّ ما ذكره لا يفيد شيئا في المقام ؛ إذ الكلام في الفرق بين الطهارة الحدثيّة والخبثيّة ، وهما مشتركان في كون المراد وجود الحالة ، مع أنّ حصولها في الأوّل موقوف على قصد القربة. ومنه يعرف أنّ ما ذكره من عدم الحاجة إلى النيّة فيما يكون المقصود فيه وجود الحالة ممّا لا وجه له نعم ذلك إنّما يصحّ في الامور العادية.

وأمّا المقاصد الشرعيّة فيتوقّف حصولها على النحو الذي قرّره الشرع فإن أخذ فيه قصد القربة توقف عليه ، وإلّا فلا.

وحيث إنّ البحث عن النيّة من المطالب المهمّة ؛ إذ هي من الامور المقوّمة لجميع العبادات الشرعيّة ، وقد تعلّق بها مسائل عديدة فالأولى أن نفصّل الكلام أوّلا في مطلق النية ، ثمّ نتبعه بالبحث عن خصوص نيّة الوضوء ، فنقول :

لا تأمّل في أنّ الفعل الصادر عن الفاعل المختار يتوقّف على تصوّر ذلك الفعل ( بوجه من الوجوه وإلّا لكان طالبا للمجهول المطلق.

وهو محال ، وعلى تصوّر غاية لذلك الفعل ) (2) ليكون داعيا إلى الفعل وإلّا لكان توجه النفس إليه عبثا.

وهو أيضا محال كما تقرّر في محلّه.

وهذا المقدار من النيّة مشترك بين جميع الأفعال الاختياريّة ويستحيل خلوها عنه ، فلو

ص: 451


1- ما بين الهلالين أثبتناه من ( ب ).
2- ما بين الهلالين من ( د ).

كلّفنا اللّه تعالى بإيقاع الفعل من غير نيّة لكان تكليفا بالمحال ، لكن مجرّد ذلك ليس كافيا في العبادات بالضرورة ، بل المعتبر في كلّ من الأمرين شي ء مخصوص ، وفي كلّ من المقامين خلاف معروف كما ستعرف إن شاء اللّه.

ص: 452

تبصرة: [ في اعتبار التعيين في النية ]

يعتبر في المقام الأوّل تعيين نوع الفعل ؛ إذ مع عدمه لا يتعيّن الفعل لذلك النوع ؛ لصلاحية الفعل له ولغيره ، وانصرافه إلى المكلّف (1) به فرع قصد الفاعل له فلا ينصرف إليه مع انتفاء قصده ، فلا امتثال.

فلو اندرج الفعل تحت أنواع من التّكليف تعيّن بتعيين أحدها ؛ لما عرفت من عدم انصراف الفعل إليه بدونه.

ولو دار بين تكاليف من نوع واحد فهل يكتفي بمجرّد قصد الامتثال أو لا بدّ أيضا من التعيين؟ وجهان أوجههما الأخير ؛ لتوقّف امتثال كلّ من تلك الأوامر على قصده ، فمع عدم قصده التعيّن لا يكون امتثالا لشي ء منها ، إذ (2) إرجاعها إلى ( أحدها دون الآخر ترجيح من غير مرجّح ، ولا يمكن إرجاعه إلى الجميع فيقع لغوا.

نعم ، لو أمكن إرجاعها إلى الجميع ) (3) على نحو الإشاعة كما لو تعلّق بذمّته زكاة الأموال ، فدفع مقدار الزكاة من دون قصد شي ء منها بالخصوص ، فإنّه ينصرف إلى الجميع على نحو (4) الإشاعة في وجه قويّ.

ثمّ إنّ تعيين الفعل إمّا أن يكون بنفسه أو بلازم من لوازمه كقصد الأداء أو القضاء أو الوجوب أو الندب أو القصر أو التمام أو المركّب منها ، ولو عيّنه بالامور الطارية عليه فالظاهر

ص: 453


1- لم ترد في ( ب ) : « به فرع .. من التكليف ».
2- لم ترد في ( ب ) : « إذا إرجاعها .. منها ».
3- ما بين الهلالين ليس إلّا في ( د ).
4- لم ترد في ( ب ) : « نحو ».

الجواز كما لو فاته إحدى الرباعيّات من اليوميّة فينوي الفائت كما هو المشهور فيه.

وعن الحلبي وجوب التعدّد ، وهو مبنيّ على وجوب نيّة التعيّن.

ويضعفه أنّه لا دليل عليه ، ويكفي في صدق الامتثال قصده على نحو الإجمال.

وقضيّة ما ذكرناه جواز التعيين بفعل الغير كما إذا نوى الصلاة الّتي نواها الإمام أو عيّنه بما يقتضيه فعله السابق مع الجهل به.

ولا يخلو عن قوّة إلّا أنّ الأحوط تركه. أمّا لو عيّنه بما يعيّنه أو غيره بعد ذلك فالأظهر المنع ؛ لعدم الاطمينان باليقين اللّاحق (1) لا لعدم حصول (2) كما قد يتوهّم.

ثمّ مع تعيين الفعل بما يعيّنه واقعا لا حاجة إلى تعيين نوع الفعل عند الفاعل ولا صفاته الحاصلة فيه كالوجوب والندب والأداء والقضاء والقصر والتمام ، ولا تعيينه حال (3) الفعل ، فلو دار الصلاة بين كونه (4) واجبة في نفسها أو بالنذر أو استيجار لم يجب تعيين الخصوصيّة بعد تعيينه في الواقع.

وكذا لو دار الصوم الّذي في ذمّته بين كونه قضاء أو منذورا إلى غير ذلك.

ولو احتمل اشتغال ذمته بالواجب مع اشتغالها بذلك الفعل ندبا أيضا فنوى بالصوم الواجب فنوى ما في ذمّته فيها بين الواجب والمندوب صحّ ، لعدم الابهام في الواقع.

وإن اشتملت النيّة على الترديد ظاهر كما إذا احتمل اشتغال ذمته بالصوم الواجب فنوى ما في ذمّته مرتّبا بين الأمرين.

وقد نصّ جماعة من الأصحاب في الصلاة إلى اعتبار تعيين نفس الفعل كالظّهر والعصر مثلا وصفاته من الوجوب والندب والأداء والقضاء ، وقضيّة كلامهم اعتبار المعرفة بنوع الفعل وتعيين صفاته المميّزة.

ص: 454


1- في ( ب ) : « اللاحق حق ».
2- كذا في النسخ المخطوطة.
3- لم ترد في ( ب ) : « حال .. بعد تعيينه ».
4- في ( د ) : « كونها ».

وقد يوجّه ذلك بعدم تمييز الفعل من دون تعيين نوعه وكذا صفاته إذا وقع ذلك الفعل على وجوه متعددة كصلاة الظهر مثلا ؛ لجواز وقوعه أداء وقضاء واجبة ومندوبة ، فإنّما يتميّز بالقصد ، وليست العلّة في اختلاف الأوامر إيقاع المكلّف لها على ذلك الوجه ، بل المقصود بيان الحكم. وهو واضح.

وأيضا قد وردت الأوامر على سبيل التنويع تارة بالتهديد والوعيد ، وأخرى بالترغيب وجواز الترك ، وتارة دلّت على الوجوب وأخرى على السنّة والتطوّع ، وما ذاك إلّا ليعلم المكلّف إذا أوقع بذلك التكاليف كيف يوقعها.

وأيضا الواجب إيقاع الفعل على وجهه أي وجهه المأمور به شرعا وإيقاع الفعل كيف ما اتفق ولم يكلّف به ، وقضية التعليلات المذكورة اعتبار ذكر الصفات مع وقوعه على الجهات المختلفة ، وبدونه فلا وجه لوجوبه.

ويضعّفها بأنّ المفروض تعيين الفعل واقعا بما عيّنه وهو كاف في تميز الفعل ، وإن لم يتعيّن هذا العامل ؛ إذ لا دليل على اعتبار التعيين ، وليست العلّة في اختلاف الأوامر إيقاع المكلّف لهما على ذلك الوجه بل المقصود بيان الحكم ، وهو واضح.

والقول بأنّ الواجب إيقاع الفعل على وجهه أوّل الكلام إن أريد به الجهات المذكورة وإلّا فلا ربط له بالمقام.

وما قد يتوهّم من أنّه مع (1) عدم تعيين الفعل ( لا يكون قاصدا لامتثال الأمر المتعلّق به ، فلا يعدّ ممتثلا.

وكذا الحال في الجهات الّتي يختلف الفعل ) (2). بحسبها. ألا ترى أنّه لو أتى بالواجب على وجه المندوب (3) أو بالعكس لم يعد ممتثلا بل كان مشرّعا مدفوع بأنّ مجرّد قصد الاشتغال (4)

ص: 455


1- زيادة : « مع » من ( د ).
2- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
3- في ( د ) : « الندب ».
4- في ( د ) : « الامتثال ».

بالفعل كاف في حصول الامتثال عرفا (1) إن لم يتعيّن خصوص الفعل الممتثل به عنده ، وأنّه فرق بين قصد خلاف الجهة المعتبرة وعدم قصد شي ء من الجهات وعدم قصد الجهة المعيّنة على نحو الاجمال.

ولو سلّم عدم حصول الامتثال فإنّما يسلّم في الأول دون الأخرى ، سيّما الأخير بل الحكم لعدم حصول الامتثال في صورة مخالفة الجهة مع عدم (2) كونها بنوعه محلّ إشكال كما إذا نوى الندب في صلاة الظهر أو الصبح ، فإنّ احتمال الصحة فيه قوي ، فيكون القصد المذكور لغوا.

وقد يفرّق بين (3) صورة التوصيف المحض وما اذا نوى وقوع الفعل على الجهة المخالفة فانّ ما نوى ايقاعه غير ممكن الوقوع وما يصحّ ( وقوعه غير المنويّ ولو كانت الجهة منوعة تعيّن بتعيين الجهة ، فلا ينصرف إلى الآخر ولو لم يصح ) (4) وقوعه على الجهة المنويّة كما نوى صوم المنذور في شهر رمضان في وجه قويّ.

والاجتزاء بصوم يوم الشكّ بنيّة شعبان إذا تبيّن أنّه من شهر رمضان خارج بالدليل.

ويحتمل القول بأنّ المطلوب هناك وقوع الصوم في شهر رمضان ، فلو صامه وقع من شهر رمضان ، ولو نوى غيره.

وفيه بعد.

ثمّ الظاهر أنّه يكفي في نيّة الفعل مجرّد المعرفة به إجمالا وتعيينه ببعض خواصّه بحيث يتميّز من بين سائر الأفعال ، ولا يلزمه المعرفة بكنهه وتفاصيل أجزائه وشرائطه ؛ إذ ذاك ممّا لا دليل عليه ، وتعيّن الفعل وقصده ممّا (5) يتوقف عليه وكذا العلم بالبراءة ؛ لجواز الاتيان بجميع ما شكّ (6) اعتباره في الصحّة من الأجزاء والشرائط المحتملة.

ص: 456


1- زيادة في ( د ) : « و ».
2- لم ترد في ( ب ) : « عدم ».
3- زيادة : « بين » من ( د ).
4- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
5- في ( ب ) : « لا ».
6- في ( د ) : « يشكّ ».

هذا إذا لم يحتمل المانعيّة في شي ء منها ، وإلّا لم يحصل البراءة إلّا بعد المعرفة بالحال ، ولا يجب حينئذ أيضا المعرفة بالتفاصيل قبل الشروع في الفعل ، بل لو كان هناك معلّم يعلّمه حال الفعل جاز الاقتصار عليه في وجه قويّ.

وما دلّ على توقّف العمل على العلم لا ينافي ما ذكرناه ؛ إذ المفروض العلم بحصول الواجب في ضمنها.

نعم ، لو دار الواجب بين الفعلين وجب العلم بالتعيين ؛ لعدم إمكان قصد القربة بكلتيهما (1) لاحتمال البدعة.

نعم ، لو لم يمكن العلم ارتفعت البدعة لأجل تحصيل اليقين بالفراغ.

والقول بجواز الاكتفاء به في رفعها مع إمكان الاستعلام لم يعلم عليه شاهد قويّ ، مع معارضته بما دلّ على وجوب استعلام الأحكام.

ولو كان الترديد في أجزاء الفعل لم يجب الاستعلام مع الإتيان بالجميع ، والفرق عدم وجوب نيّة الأجزاء بخصوصها.

نعم ، لو كان الترديد في أوّل أجزاء الفعل جرى فيه الكلام المذكور. والأظهر فيه أيضا لزوم الاستعلام.

ص: 457


1- في ( د ) : « بكلّ منهما ».
تبصرة: [ في داعي النية ]
اشارة

يعتبر في المقام الثاني كون الداعي إلى الفعل هو امتثال أمره تعالى لا غيره من مراءات (1) الناس ؛ لدفع ذمّهم أو جلب نفعهم أو غير ذلك من الأمور المطلوبة منهم أو من سائر الغايات المترتّبة على الفعل وإن خلا عن الرياء كقصد البرد في الغسل والوضوء أو قصد تحصيل المال في الجهاد ونحو ذلك.

وتفصيل الكلام في المقام أنّ كلّا من الداعي الإلهي والريائي وغيرهما من الغايات المطلوبة من الفعل إمّا أن يكون مفردا أو لا ، وعلى الثاني فإمّا أن يكون كلّ منهما مستقلا (2) في البعث على الفعل لو لو حظ منفردا أو لا.

وعلى الثاني فإمّا إن يكون أحدهما مستقلا والآخر ضميمة بحيث لو خلا عنه لكفى الأوّل في البعث أو أنّهما معا بعثا على الفعل ، فلو انتفى أحدهما لم يستقل الآخر.

[ مسائل ]:

فهاهنا مسائل :

أحدها : أن يكون الداعي الإلهيّ (3) منفردا ، ولا إشكال في صحّة الفعل حينئذ كما أنّه لا إشكال في فساده مع انفراد الرياء أو غيره من الأغراض إلّا أنّه عزي إلى السيد عدم وجوب الصلاة الواقعة على جهة الرياء وإن لم يستحقّ بها الأجر ، فيكون مجزية مسقطة للواجب عن

ص: 458


1- في ( ألف ) : « مرات ».
2- لم ترد في ( ب ) : « مستقلا ... أحدهما ».
3- في ( ألف ) : « إلهي ».

الذمّة ، وإن لم يكن مقبولة موجبة لاستحقاق الأجر والثواب ، فلا ملازمة عنده بين الإجزاء والقبول.

وكأنّ الوجه فيما ذكره حصول الإتيان بالمأمور به مع عدم رجوع دليل على الفساد ؛ إذ غاية ما تقتضيه الأدلّة حرمة الاشتراك في العبادة وعدم ترتّب ثواب على العبادة المفروضة.

ولا يقتضي شي ء منهما فساد العمل ؛ لتعلّق الحرمة بأمر خارج وإن ترتّب الثّواب ليس من مقوّمات العبادة ، ويكفي في رجحانها المعتبر فيها إسقاطها العقاب.

كيف ، وقد دلّ الآثار الصحيحة على عدم قبول صلاة شارب الخمر إذا أسكر أربعين يوما ، وفيها ما يدلّ على عدم قبول سائر الأعمال إذا لم تقبل الصلاة .. إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع.

مع أنّه لا تأمّل لأحد في صحة العبادة مع ذلك ، فظهر بذلك الفرق بين الأجزاء الموجب لسقوط التكليف والقبول الباعث على استحقاق الأجر.

وأيضا ظاهر الأخبار الدالّة على عدم ترتّب الأجر عدم ترتّب العقاب المعدّ لتارك ذلك الواجب ، وإلّا لاقتضى المقام ذكره ، فالمستفاد منها أنّ أقصى ما يلزم المرائي في فعله حرمانه من الثواب المعدّ للعمل.

ويدفعه أوّلا : أنّه إنّما يصدق الامتثال إذا أتى بالفعل من جهة أمر الآمر كما يدلّ عليه العرف ، فلو كان الحامل له على الفعل مجرّد الرياء لم يكن ممتثلا لأمره تعالى ولا مطيعا له ، فكيف يكون مجزية.

وهذا الوجه لا يجرى فيما إذا جعل الرّياء ضميمة للقربة مع استقلالها.

وثانيا : إنّ ظاهر النواهي حرمة العمل الواقع على جهة الرياء ، بل الظاهر أنّه من الأمور الواضحة الّتي لا يختلف فيها أحد من الأمّة ، وذلك قاض بالفساد.

وثالثا : إنّ في الأدلّة ما هو دالّ على كون المطلوب هو خصوص الواقع على جهة الاخلاص كالآية الشريفة.

ص: 459

وفي النهج عن أمير المؤمنين عليه السلام : « اعملوا في غير رياء ولا سمعة » (1) .. إلى غير ذلك ، فلا وجه للقول بإتيانه بالمأمور به الموجب لحصول الامتثال.

ثمّ إنّه لا إشعار في الأخبار الدالّة على عدم ترتّب الأجر على فعل الرياء بصحّة الفعل وعدم ترتّب الإثم.

كيف ، ولو أفاد ذلك لدلّ على عدم حرمة الرياء ، مع أنّ تحريمه من ضروريّات العقل والدين ، فالظاهر أنّ ذلك لمّا كان من المفاسد الشنيعة المترتبة عليه ورد بيانه في تلك الأخبار.

مضافا إلى ما اشتملت عليه من القريب إلى القبول.

على أنّ عدم ترتّب الأجر عليه من أدلّة فساده ؛ إذ لو صحّ وحصل به امتثال الأمر لزمه ترتّب الأجر ؛ إذ الظاهر عدم الفرق بين الإجزاء والقبول في العبادات الصرفة ، وما يوهم بظاهره الفرق محمول على إرادة القبول الكامل.

ويرشد إليه ما ورد من توقّف القبول على بعض المستحبّات كالإقبال في الصلاة ، مع أنّه لا خلاف في قبولها مع عدمه.

نعم ، يتمّ الفرق المذكور في غير العبادات كإنقاذ الغريق وتكفين الأموات ودفنهم ، فإنّ ذلك لو فعل على قصد الرياء أو غيره من الوجوه المحرّمة أجزأ لكن لا يترتّب عليه الثواب لانتفاء الامتثال.

ثانيها : أن يكون جهة الرياء أو غيره مستقلا ، وينضم إليها قصد الامتثال. وهو كسابقه في الفساد.

ثالثها : أن يكون جهة الامتثال منضما إلى جهة الرياء بحيث يكون الفعل ناشئا منهما معا. ولا تأمّل أيضا في الفساد ، وكثير من الأخبار الواردة في الرياء ظاهر فيه.

رابعها : الصورة بحالها إلّا أنّ المفروض فيها أن تكون الضميمة غير الرياء من المقاصد الأخر ، ولا تأمّل أيضا في فساد العبادة ؛ لمنافاته للإخلاص المطلوب في العمل ، ولعدم إسناد

ص: 460


1- نهج البلاغة 1 / 61 ، الخطبة : 23.

الفعل إلى أمر الآمر المعتبر في صدق الامتثال إليه

خامسها : أن يكون كلّ من قصد القربة والرياء مستقلّاً بمعنى أنّه لو انفرد كلّ منهما كفى في البعث على الفعل ولا تأمّل أيضا ؛ إذ هو أيضا من الإشراك في العبارة ، وربّما نفصّل فيه بما يأتي الإشارة إليه ) (1).

سادسها : الصورة بحالها إلّا أنّ الباعث إلى صرفها غير الرياء من سائر المقاصد.

وفي صحّة العمل حينئذ وجهان ؛ من استقلال القربة وعدم حصول الاشراك المنهيّ عنه في العبادة ، ومن منافاته للإخلاص المعتبر في العمل.

وكأنّه الأظهر ؛ نظرا إلى أنّ الظاهر استناد الفعل إلى الجهتين ، فاستقلال القربة إنّما هو بالفرض ، وإلّا لزم توارد العلّتين على معلول واحد.

نعم ، لو كانت القربة سببا مستقلا بالفعل على البعث وكانت سببيّة الآخر فرضا محضا بمعنى أنّه لو خلا القصد عن الأوّل لأثر الآخر قوي الصحة ؛ لكونه إذن من المقارنات الصرفة ؛ إذ المفروض عدم استناد ذلك الفعل إليه بوجه ، فلا منافاة فيه للفرض.

ويجرى الوجه المذكور في الصورة السابقة أيضا ، وفيها أيضا يتقوّى البناء على الصحة.

سابعها : (2) أن يكون قصد الامتثال مستقلّا ويضمّ إليه قصد الرّياء من غير استقلاله في البعث.

وفيه وجهان.

واستقرب العلّامة الحلي فيه صحّة العمل ، وحكى القول به عن بعض المحقّقين ؛ حملا لما دلّ على حرمة الترك في العبادة وأنّه تعالى خير شريك يدع كلّ العمل لشريكه على غير هذه الصورة ممّا لا يستقلّ فيه القربة إنّما هو على فرض خلوّ القصد عن الأخير.

نعم ، لو استند الفعل إلى محض القربة وكان الآخر مجرّد خطور بالبال عن غير تعيينه منه على الفعل فعلا قوي فيه الصحّة كما قدّمنا ؛ لحصول الخلوص معه.

ص: 461


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
2- في النسخ : « سادسها ».

ثامنها : (1) الصورة بحالها مع تبديل قصد الرياء بسائر القصود ممّا عدا القربة.

واحتمال الصحّة هنا أقوى من السابق ؛ لعدم اندراجه فيما دلّ على حرمة الرّياء ، وكذا ما دلّ على المنع من الاشتراك في العمل ؛ إذ الظاهر منه ارادة خصوص الرياء أيضا.

والأظهر فيه الفساد أيضا ؛ لعدم الخلوص معه إلّا مع عدم كونه دخيلا في البحث على الفعل بوجه كما أشرنا إليه.

فظهر بما ذكرنا عدم البأس بالضميمة في الصور المذكورة مع خلوّها عن تأثير في البعث سواء كانت ريائيّة أو غيرها ومنعها عن الصحة معه من غير فرق بينهما أيضا ، فلا يمنع صحة العمل صيرورة على اطلاع الغير على عمله حال الفعل ولا بعده ، وكذا مجرد حبّه لاختيار الناس به إلّا أنّ ذلك قلّما يخلو من داعية الرياء ومداخل الشيطان فيه في غاية الخفاء ، وقد جعل الرياء في العمل أخفى من دبيب النمل على الصفا.

ولذا عدّ ذلك من علامات المرائين وليس الاتّصاف به من صفات المتّقين.

هذا ، ولو كانت الضميمة راجحة في الشرع وكان الباعث على ملاحظتها رجحانها لم يمنع من الصحة ، بل كانت مؤكدة للقربة لحصول الامتثال إذن من وجهين كما لو تجاهر بالعبادة لرغبة الناس في العمل واقتدائهم به في ذلك أو كانت الضميمة إجابة المؤمن.

وكذا لو لاحظ في اجتهاده في العبادة تعظيمه في قلوب المكلّفين يستعين (2) بهم على قضاء حوائج المؤمنين على إشكال فيه.

وكذا الحال في التقيّة ، فإن كان الداعي عليه إلى فعلها مجرّد القربة حيث إن مطلوب الشرع هو إيقاع الفعل على ذلك الوجه ، فالأمر واضح وإن دعاه إلى الفعل مجرّد الخوف بحيث لو لا خوفه لم يتلبس بالفعل مطلقا ، فالظاهر فساد العمل لانتفاء القربة.

ولو كان الخوف ضميمة مع استقلال القربة سواء كان مستقلا أيضا أو (3) لا احتمل (4) قويّا

ص: 462


1- في النسخ المخطوطة : « سابعها ».
2- في ( د ) : « ليستعين ».
3- في ( ألف ) : « و ».
4- في ( ب ) : « احتمال ».

البناء على الصحة ، وإن قلنا بالتعيين بالنسبة إلى سائر الضمائم ؛ لإطلاق ما دلّ على صحة العمل مع التقيّة ، وعدم انفكاكها في كثير من الأحوال بالنسبة إلى كثير من الناس عن ذلك ، فلو كان العمل فاسدا معها لأشير إليه في الأخبار.

ولو كان الداعي إلى نفس الفعل مجرّد القربة وإلى أدائه من غير ملاحظة القربة فيه بطريق التقيّة مجرّد الخوف ففيه وجهان.

وقضيّة ما ذكرناه من الإطلاق البناء على الصحّة أيضا إلّا أنّه لا يخلو عن إشكال.

ثمّ إنّه لا فرق في الحكم بين تعلّق الرّياء بالواجب أو الندب أو (1) الجزء الواجب بين الواجب أو الندب أو الكيفيّة الواجبة أو المندوبة.

وقد يقال بالرياء في الجزء أنّما يقضي بفساده خاصّة ، فلا وجه للقول بتسرية الفساد إلى الكل.

نعم ، إن تعلّق الرياء بالكلّ بواسطة ذلك أو كان من الأذكار الموجبة حرمتها لإلحاقها بالكلام المفسد للصلاة أو اقتصر على ذلك الجزء مع وجوبه قضي بالفساد من تلك الجهات.

قلت : الظاهر تسرية الرياء غالبا إلى أصل الفعل في كلّ موضع يكون الأجزاء منه مرتبطا بعضها بالبعض نظرا إلى وحدة الفعل إذن في العرف.

نعم ، لو فرض عدم تسرية الرياء منه إلى أصل الفعل كما إذا قصد الرياء لجزء من دون ملاحظة ذلك في خصوص ما أتاه من الكلّ قوي الصحّة مع إعادة الجزء إذا كان واجبا ولو تعلّق الرياء ببعض الأمور المكمّلة للفعل كما ترك بعض الأمور.

ص: 463


1- لم ترد في ( ب ) : « أو الجزء ... الندم ».
تبصرة: في بيان كيفيّة النيّة في الوضوء

في (1) بيان كيفيّة النيّة في الوضوء

وقد اختلفوا فيها على أقوال :

أحدها : الاكتفاء بمطلق القربة ، وعزي إلى الشيخين والبصروي وابن طاوس في البشرى. وإليه يرجع ما حكي عن الجعفي والديلمي من الاكتفاء بمطلق النيّة.

ثانيها : اعتبار قصد رفع الحدث واستباحة الصلاة ، وإن حكاه في الذكرى قولا آخر أو غيرهما ممّا يشترط به. وظاهر هذا القول اعتبار القربة أيضا ؛ إذ قد عرفت أنّه لا خلاف فيه. وقد نصّ عليه بعض من يقول به ، وحكي القول به عن المحقق.

ثالثها : اعتبار قصد الاستباحة فقط. حكي عن السيد ، والظاهر اعتباره قصد القربة معه أيضا وإن ترك ذلك في النسبة إليه.

رابعها : اعتبار الجمع بين القربة والوجه والرفع والاستباحة. وعزي إلى الحلبي والقاضي والراوندي. واختاره من المتأخرين المحقّق الجزائري مع دعوى اتّحاد رفع الحدث واستباحة الصلاة. وحكي عن الحلبي.

والأقوى الأوّل ؛ أخذا بالإطلاقات مع عدم قيام شاهد على اعتبار شي ء من المذكورات ؛ إذ لا دليل في المقام سوى ما دلّ على اعتبار النيّة في مطلق العبادة ، وغاية ما يقتضيه ذلك كما عرفت هو تعيين نوع الفعل وكون الداعي إليه امتثال الأمر والمفروض في المقام حصول الثاني ، والأوّل حاصل بقصد مطلق الوضوء ؛ إذ الظاهر من الشرع أنّه عمل واحد وفعل متميّز من سائر الأفعال لا إجمال فيه بحيث يندرج تحته أنواع متعدّدة كالصلاة

ص: 464


1- زيادة في ( د ) : « المقام الثاني في .. ».

والصوم وإعطاء الفقير الشامل للزكاة والصدقة وغيرهما. وهذا ممّا لا يكاد يخفى على من تأمّل في الأخبار ، وكلام العلماء الأبرار ، وينادي به المعلوم من حال المتشرّعة والتامّل في موارد التسمية.

نعم ، إنّما يختلف بحسب اختلاف الصفات والغايات الملحوظة فيه ، وهي أمور خارجة عن حقيقة غير مقوّمة لماهيّة. وفي كلام بعض الأعلام أنّ غسل تلك الأعضاء يمكن أن يقع على وجوه شتّى منها التنظيف ومنها غيره من أنواع الوضوء ، فالوضوء لغة النظافة ، فإذا قصد به القربة كان مثابا عليه كما ذكروه في إزالة النجاسات من أنّه يثاب عليها بذلك القصد ، فإذا قال « أتوضّأ قربة إلى اللّه » فمعناه أنّي أنظّف هذه الأعضاء لتحصيل القرب ، وهذا ليس من وضوء الصلاة في شي ء إجماعا.

ثمّ قرّر أنّه لا فرق بين معنى الوضوء لغة وشرعا إلّا النيّة ، وذلك أن الوضوء للصلاة تنظيف خاص لبعض الأعضاء وليس مجرّد القرب إلى اللّه تعالى فارقا ؛ لأنّه حاصل غالبا ، وغير غالب في الوضوء اللغويّ كما عرفت.

فلا يكون بينهما فارق سوى أنّ الوضوء تنظيف بهذه الأعضاء الخاصّة لفعل خاصّ كالصلاة مثلا ممّن لا يخطر بباله حال الوضوء لم يكن قد أتى بالواجب الشرعيّ على وجهه.

أقول : ما ذكره بيّن الاندفاع ؛ إذ لا تأمّل لأحد في لزوم قصد الوضوء أعني الأفعال المخصوصة الموضوعة في الشرع ، فلا يكفي في حصوله مجرد قصد غسل الأعضاء المعلومة وإن ضمّ إليه قصد القربة ، بلا خلاف فيه (1) في عدم تسميته بالوضوء.

والكلام إنّما هو في الاكتفاء بذلك مع عدم ضمّ قصد الرفع أو الاستباحة ، والقول بانحصار جهة التعيين في قصد الغاية المخصوصة بيّن الفساد ؛ إذ الوضوء الشرعي أمر متميّز لا اشتراك فيه فمجرّد قصده كاف في تعيينه وإن لم ينو شيئا من غاياته.

وقد يتوهّم أنّه مع جواز وقوع الوضوء على كلّ من جهتي الوجوب والندب فيما إذا كان

ص: 465


1- زيادة في ( د ) : « و ».

هناك جهة موجبة وأخرى مرجّحة لا يقع الفعل واجبا ولا مندوبا من دون تعيين أحد الوجهين ؛ إذ انصرافه إلى أحدهما ترجيح من غير مرجّح ، وأيضا مع قصد مطلق القربة من دون تعيين (1) الجهتين لا يكون امتثالا لشي ء من الطلبين ، وليس القدر المشترك بين الحكمين تكليفا واردا من الشرع ، فيكون ذلك امتثالا له.

ويدفع الأوّل أنّه مع حصول جهة الوجوب يقع واجبا في الواقع وإن لم يكن بملاحظة الغاية المتداولة واجبا ، وعدم ملاحظة الغاية الواجبة لا يخرجه عن الوجوب. ألا ترى أنّ سائر الواجبات النفسيّة من غير العبادات لو أتى بها المكلّف لا من جهة امتثال الأمر قد أتى بالواجب واتّصف به (2) فعله بالوجوب وإن لم يكن ممتثلا لإطلاق متعلّق الأمر بالنسبة إليها ، إذ ليس المأمور به فيها إلّا الإتيان بالفعل لا خصوص الاتيان به مقيّدا بقصد الامتثال كما في العبادات ؛ إذ لا دليل على ذلك التقييد.

والقول بانصراف الأمر عرفا إلى ذلك في حيّز المنع ، بل واضح الفساد ، وإلّا لما كان فرق بين العبادة وغيرها أو كان الأصل في جميع التكاليف الشرعيّة وغيرها أن تكون عبادات مشروطة بقصد الامتثال إلّا ما خرج بالدليل ومن الظاهر خلافه.

وما قد يتخيّل من أنّها المقدّمة لو كانت واجبة مع خلوّها عن قصد التوصّل بها إلى ذيها يصحّ إذن قصد التقرّب بها كما هو الشأن في سائر الواجبات بل الرجحان (3) وفساده كاشف عن بعد وجوبها الغيري بما إذا لوحظ الوصلة بها إلى الواجب ، مدفوع بأنّه لا شبهة في تقييد إيجاب المقدّمة بملاحظة ذيها ، فوجوبها أيضا إنّما يكون بتلك الملاحظة ، لكن ملاحظة الأمر ذلك في إيجابها لا يقتضي تقييد فعل الفاعل بذلك ليكون الواجب عليه إيقاعها على ذلك الوجه ؛ إذ لا

ص: 466


1- الزيادة من ( ب ) : « أحد الوجهين إذ انصرافه إلى » ، وفي ( د ) زيادة على ذلك : « أحدهما ترجيح من غير مرجّح وأيضا مع قصد مطلق القربة من دون تعيين إحدى ».
2- لم ترد في ( د ) : « به ».
3- في ( د ) : « الراجحات ».

ملازمة بين الأمرين قصد (1) التقرّب بها يتوقّف على تلك الملازمة (2) وإن لم يتوقّف عليه الحكم بوجوب أصل الفعل.

ويجري نحوه في الواجبات النفسيّة كما إذا أمر المولى (3) بإكرام صالح فأكرم صالحا لا من جهة صلاحه لم يكن ممتثلا ، ولا صحّ منه التقرب به إليه وإن اتّصف أصل فعله بالوجوب.

والحاصل فرق بيّن بين امتثال الأمر والاتيان بالواجب ؛ لاختصاص الأوّل بما قصد به الامتثال دون الآخر ، وإنّما يصحّ التقرّب مع حصول الامتثال لا غير. ثمّ إنّ الّذي يظهر من إمعان النظر في الأدلّة أنّ المعتبر في العبادة ليس إلّا القربة وملاحظة جهة الامتثال لا غير ، سواء لوحظ الأمر الخاص بتلك العبادة أو غيرها مع اتّحاد نوع الفعل كما إذا أعاد الحاضرة المؤدّاة فرادى جماعة على وجه الندب ، فانكشف بعدها فساد الأوّل ، فإنّ الأظهر صحّة الصلاة وإجزائها عن الفرض وإن لم يقصد بها الوجوب لعدم اعتبار قصد الوجه ، وقوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ ) (4) لا يدلّ على أزيد من اعتبار قصد القربة الامتثال.

نعم ، ما دلّ على وجوب الاطاعة وربّما يفيد ذلك إلّا أنّه مع ايقاعه متعلّق الأمر (5) بقاء للأمر ، فلا مصداق إذن للإطاعة والامتثال ، واحتمال تقييد إطلاق الأمر بما دلّ على وجوب الاطاعة ليكون المأمور به خصوص الفعل بقصد الامتثال ( ممّا لا دليل عليه غاية ما يسلّم أن يكون هناك تكليفان فيسقط الثاني بعد الإتيان بالفعل لا بقصد الامتثال ) (6).

وهذا هو الوجه في عدم وجوب اعادة غير العبادات إذا أدّاها بغير قصد الامتثال ، فاندفع بذلك الايراد الأخير أيضا ؛ للاجتزاء بالوضوء المفروض عن التكليفين وإن لم يكن امتثالا لخصوص كلّ من الأمرين ؛ إذ مجرّد قصد الامتثال الحاصل مع العلم بكونه راجحا عند

ص: 467


1- في ( د ) : « فقصد ».
2- في ( ب ) و ( د ) : « الملاحظه ».
3- زيادة في ( د ) : « عبده ».
4- البينة : 5.
5- زيادة في ( د ) : « لا ».
6- ما بين الهلالين وردت في ( ب ) و ( د ).

الأمر كاف في الصحّة كما عرفت.

وقد يقال إنّ محصّل الاستدلال على الصحّة هو التمسّك بالإطلاقات ، وهي لا تنهض مع الشكّ في الصحّة مع الخلوّ عن قصد الوجه والغاية بناء على كون أسامي العبادات بإزاء الصحّة (1) المستجمعة لشرائط الصحّة كما هو الأظهر ، فالواجب إذن بعد اليأس عن دليل الصحّة هو الاتيان بالشرط المشكوك.

ويدفعه ورود بيان الوضوء في عدّة أخبار مع خلوّه عن الاعتبار المذكور ، فلا إجمال فيه بعد ذلك ليجب الاحتياط على أنّ ذلك لا يجري فيما إذا قصد أحد الغايات الّتي يستحبّ الوضوء لها ، فاعتبار خصوص الرّفع أو استباحة الصلاة لا دليل عليها (2) بوجه ، والوجه في اعتبار قصد الوجه قد مرّ بيانه.

وما يدلّ على وهنه.

وقد يستدلّ على اعتبار قصد الاستباحة بأمور :

منها : ظاهر الآية الشريفة ، فإنّ المستفاد منها ملاحظة الغاية المخصوصة في أداء الصلاة كما هو الظاهر من نظائره كقولك « إذا أردت لقاء الأمير فالبس ثيابك ، وإذا أردت لقاء العدوّ فخذ سلاحك » إلى غير ذلك ، فإذا أوقعه لا بقصده لم يكن ممتثلا للأمر المذكور ، وفيه فالواجب ايقاع الوضوء لأجل الصلاة.

وفيه أنّ المستفاد من التعليق المذكور هو كون العلّة في الطلب هو الغير أي أنّ مطلوبيّته لأجل الغير والتوصل إليه ، وأين ذلك من تقييد نفس المطلوب بأن يكون المقصود خصوص إيجاده بقصد الغير وبينهما من البون ما لا يخفى.

ومنها : أنّ قضية امتثال الأمر الإتيان به على النحو المطلوب وإلّا لم يكن إطاعة ، فلو أتى بالواجب الغيري من حيث كونه نفسيا ومطلوبا بالأصالة لم يكن ممتثلا للأمر المتعلّق به ولا مطيعا ، وكذا العكس ، والوضوء كما مرّ من الواجبات الغيريّة ، فلا بدّ فيه من ملاحظة الغير

ص: 468


1- في ( د ) : « الصحيحة ».
2- في ( د ) : « عليه ».

مضافا إلى كونه واجبا بالأصالة أيضا على بعض الفروض ، فكيف يصحّ إطلاق النيّة من دون تعيين أحد الوجهين بل وتعيين الغاية المخصوصة ؛ إذ العبادة المشتركة إنّما تقع مجزئة عن أحد أفرادها بالقصد والنيّة.

ويدفعه أنّ عدم صدق الامتثال لا يعطي بقاء التكليف إلّا أن يقال بتعدّد أنواع الوضوء أو (1) اعتبار الجهة التقييديّة في المطلوب.

وقد عرفت فساد الأمرين ، فغاية ما يقتضيه عدم الامتثال عدم ترتّب الثواب المعدّ للوضوء المخصوص عليه ، وذلك لا يقضي بعدم الإتيان بالواجب ؛ لما عرفت من الفرق الظاهر بين الأمرين.

مضافا إلى أنّ امتثال الأمر حاصل (2) مع قصد المأمور به إجمالا وإن لم ينو خصوص الجهة المأخوذة فيه إذا لم ينو خلافه كما إذا نوى ما في ذمته كائنا ما كان ، فلا يفيد ذلك اعتبار خصوص قصد الاستباحة.

ومنها : أنّ قوله عليه السلام في الحديث المتواتر : « إنّما الأعمال بالنيّات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى » (3) يعطي أنّ صحة الأعمال وكمالها إنّما يناط بنيّاتها ، فكلّ عمل لا يقع على النيّة المطلوبة لا يكون صحيحا والمطلوب من وضوء الصلاة أن يكون ذلك الوضوء لأجلها ، ولا يكون كذلك إلا إذا وقع تقييدها.

وفيه : أنّ الروايتين مسوقتان ظاهر [ ا ] لبيان دوران الأعمال على حسب تلك النيّات ، ولو سلّم شمولها لغير ذلك أيضا ، فغاية (4) ما يستفاد منها انحصار الواقع في المنويّ ، وهو لا يقتضي بقاء التكليف بغيره إلّا بأحد الوجهين المتقدمين. وقد مرّ فسادهما.

ومنها : ما ورد في الأحاديث المتكثّرة من الأمر بالوضوء للصلاة ، والمستفاد منها إيقاع

ص: 469


1- في ( د ) : « إذ ».
2- في ( ألف ) : « الحاصل ».
3- دعائم الإسلام 1 / 4.
4- في ( ب ) : « وغاية ».

الوضوء لأجل الصلاة ، فمتى أوقعه من غير قصد الصلاة لم يتحقّق ذلك.

وفيه : أنّا لم نظفر بالأخبار المتكثّرة المنقولة.

نعم ، في بعض الأخبار أنّ اللّه فرض الطهور للصلاة ، وحمله على ما ذكره غير ظاهر ، بل الظاهر خلافه ؛ إذ المنساق منها خصوص كون الصلاة عليه ؛ لوجوب الطهور كما ورد في غير واحد من أخبار علل الوضوء ، وهو لا يعطي ملاحظة الجهة التقييديّة في الفعل بوجه من الوجوه ، ولو كان هناك في الأخبار نحو ما ذكره فحملها على ما ذكره غير بعيد أيضا.

إذا عرفت ذلك يتبيّن لك الاكتفاء بالوضوء الواقع على جهة القربة المطلقة سواء قارنه قصد الرفع أو استباحة الصلاة فريضة أو نافلة أو غيرها من الغايات المطلوبة فيها ارتفاع الحدث وجوبا أو استحبابا أو غيرها أو كانت خالية عنها ، فارتفاع الحدث واستباحة الصلاة مانعان لفعله ، ولا فرق بين إطلاقه رفع الحدث أو قصد خصوص حدث معلوم مع وجود غيره أو عدمه.

ولو عيّنه والواقع غيره فالظاهر الإجزاء مع كونه خطأ. واستقرب الفساد في البيان.

ولو كان عمدا ففيه وجهان كما لو نوى عدم ارتفاع الحدث به ، وكذا (1) لو اعتقد عدم ارتفاع الحدث به كما لو توهّم أنّه جنب فتوضّأ للأكل ، ثمّ تبيّن خلافه.

وقضية الإطلاقات فيه الاجتزاء ، فيقوى بها البناء على الصحة في الجميع.

وقد يتخيّل اختلاف وضوء الجنب ونحوه لسائر الوضوءات الرافعة في النوع حيث إنّه وضوء صوريّ لا غير بخلاف غيرها.

وفيه بعد.

وأمّا الواقع على جهة التجديد إذا تبيّن فساد الأوّل فقد يقال فيه أيضا بنحو ذلك إلّا أنّ البناء فيه على الاجتزاء هو الأقوى ؛ لما عرفت. وكأن العلّة المشرعة لتجديد احتمال وقوع الحدث عنه ليجوز الطهارة الواقعيّة.

ص: 470


1- لم ترد في ( ب ) : « وكذا ... الحدث به ».

وذهب بعضهم إلى عدم الاكتفاء به ، ويضعّفه ما مرّ. ولو قصد استباحة فريضة بعينها فلا إشكال في استباحة غيرها من الفرائض وكذا الحال لو نرى استباحة النافلة ، ونفى عنه الخلاف في كلام بعض المتأخرين. ولو نرى عدم استباحة تلك الصلاة ففي صحة الوضوء وجهان.

وقطع في البيان بالفساد.

ويحتمل قويّا إلقاء النفي أو ما يستباح به صلاة معيّنة هو بعينه ما يستباح به غيرها ، ولو نوى استباحة ما يشترط بالطهارة ما عدا الصلاة كالطواف الواجب فالمشهور استباحة الصلاة به أيضا.

وعن الشيخ وظاهر الحلي عدم الاجتزاء به. وهو ضعيف.

ولو نوى سائر الغايات ممّا لا يشترط بالوضوء فهناك أقوال :

ثالثها : الاكتفاء مع تعيين الغاية دون ما لو أطلق ولم يقصد غاية مخصوصة.

رابعها : التفصيل بين ما يستحب له الطهارة لأجل الحدث كقراءة القرآن وما ليس كذلك كالتجديد.

خامسها : التفصيل بين ما يستحب له الطهارة لأجل الحدث قصدا لكمال الغاية المنويّة وما لا يستحب له الطهارة أو يستحب لا مع قصد الكمال.

وعن بعضهم زيادة قصد الكون على الطهارة ، فيجزي فيه أيضا.

وكلّ هذه الأقوال مبتنية على أمور اعتباريّة لا تنهض حجّة في المطالب الشرعيّة.

وممّا يدلّ على ما قلناه من الاجتزاء بذلك في الفريضة إطلاق الطهارة والتطهير ونحوهما على كثير من الوضوءات المذكورة ، وهو قاض بحصول ارتفاع الحدث بها ، فلا مانع إذن من الدخول بها في الصلاة.

وقد يقال باختلاف الأحداث بالنسبة إلى الأفعال ، فلا يفيد ارتفاعه بالنسبة إلى الفعل المنويّ ارتفاعه بالنظر إلى غيره سيّما مع كون عناية الشرع بغيره أقوى ، وهو بمكان من البعد كما لا يخفى على من لاحظ الطريقة المألوفة وتأمل في سياق الأخبار المأثورة.

ص: 471

وقد يحتجّ بعدم الاكتفاء بها في الصلاة بالآية الشريفة ؛ لقضائها بوجوب الوضوء عند القيام إلى كلّ صلاة خرج عنه ما قام الدليل عليه وبقي غيره ، وبقوله عليه السلام : « إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة » (1) ؛ لاقتضائه بوجوب الوضوء ، ولو كان متوضأ لغير الصلاة.

وفيه : أنّ الآية مخصوصة بالمحدثين سيّما مع ستر القيام فيها بالقيام من النوم كما في الموثّق وغيره ، ويجري نحو ذلك في الرواية مضافا إلى عدم دلالتها سيّما الأخير على اعتبار الجهة التقييدية في فعل الوضوء ، فيعمّ ما لو أوقعه لأحد الغايات المذكورة أيضا ، فتأمل.

ص: 472


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 33 ، باب وقت وجوب الطهور ، ح 67.
تبصرة: [ في غسل الوجه واليدين ]

من أفعال الوضوء غسل الوجه بالنصّ والإجماع بل الضرورة من الدين.

وحدّ الوجه طولا من قصاص الشعر إلى طول الذّقن بلا خلاف فيه ظاهر.

وفي التذكرة الإجماع عليه.

وفي القوي : كتبت إلى الرضا عليه السلام أسأله عن حد الوجه؟ فكتب : « من أوّل الشعر إلى آخر الوجه وكذلك الجبينين » (1).

ويعتبر القصاص ممّا يحاذى الجبهة والجنبين ، فلا عبرة بالقصاص من عند الزغبتين ؛ إذ لا قائل ظاهرا بوجوب غسلهما.

وظاهر بعض المتأخرين حكاية الإجماع عليه.

وعرضا ما حواه الإبهام والوسطى ممّا يمرّان عليه من ظاهر الوجه من القصاص إلى آخر الذقن على المعروف بين الأصحاب ؛ للصحيح المروي عن الباقر عليه السلام : « الوجه الذي قال اللّه عزوجل وأمر اللّه تعالى بغسله الّذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه إن زاد عليه لم يؤجر وإن نقص منه أثم ما دارت عليه الإبهام والوسطى من قصاص الشعر إلى الذقن وما جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه » (2).

وظاهر الرواية دوران الإصبعين معا من عند القصاص إلى منتهى الذقن كما فهمه الأصحاب ، فيدخل في الوجه ما دخل تحتهما.

وقوله : « وما جرت عليه الإصبعان » تأكيد وإيضاح لقوله « ما دارت .. » إلى آخره.

ص: 473


1- الكافي 3 / 27 ، باب حد الوجه الذي يغسل ، ح 4.
2- الكافي 3 / 27 ، باب حد الوجه الذي يغسل ، ح 1.

وقوله « مستديرا » حال من الضمير في « عليه » ، وكأنّ التقييد به إشارة إلى عدم دخول ما خرج عن مستدارة الوجه ممّا يحويه الإصبعان في حوالي الذقن.

ويحتمل أن يكون صفة للمصدر المحذوف أي جريانا مستديرا.

وحملهما بعض محقّقي المتأخرين على إرادة (1) الخطّ الواصل بين القصاص ومنتهى الذقن الّذي هو مقدار ما بين الإصبعين غالبا على نفسه بعد فرض جانب وسطه. ويكون ذلك تحديد الكلّ من طول الوجه وعرضه.

وأيّد هذا الوجه بأنّهم يقولون بخروج النزغتين والصدغين من الوجه ، وإنّما يخرجان عنه بناء على المعنى المذكور دون ما ذكروه ، وعليه فيخرج مواضع التحذيف والعذاران وبعض من العارضين أيضا.

وأنت خبير بأنّ حمل الرواية على المعنى المذكور بعيد عن العبارة ؛ إذ ظاهرها إدارة الإصبعين معا من القصاص ، ولو حمل على الدائرة لم يمكن ذلك مضافا إلى بعد المعنى المذكور عن متفاهم العرف ، ومخالفته لفهم الأصحاب.

على أنه لو حمل على ذلك لزم خروج ما يزيد على النزغتين ممّا يليهما الواقع في أعلى طرفي الجبهة كما هو مقتضي الاستدارة ، والظاهر عدم الخلاف في وجوب غسله.

وكذا يخرج عنه ما يزيد على العذارين ممّا يقابلهما وكثير من أجزاء العارضين ، والبناء على خروجهما عن الوجه في غاية البعد.

والاعتماد فيه على مجرّد الاحتمال المذكور أبعد ، بل ظاهرهم اتفاق على دخول بعض المذكورات ، ولو سلّم تكافؤ الاحتمالين فلا أقلّ من كون الأوّل موافقا للاحتياط محصّلا للقطع بالفراغ بعد اليقين بالشغل ، مع كونه أقرب إلى الوجه العرفي ، فتعيّن ترجيحه.

ثمّ إنّ هذه الرواية هي الأصل في تحديد الوجه ، فما حواه التحديد المذكور داخل في الوجه وما خرج منه خارج عنه ، وهاهنا حدود يذكر للوجه قد وقع الخلاف في كثير منها لا بدّ

ص: 474


1- زيادة في ( د ) : « إدارة ».

من الاشارة إليها :

منها : النزغتان ، وهما البياضان اللّذان عن جانبي الناصية ، ولا خلاف ظاهر في عدم وجوب غسلهما ، وقد مرّت الاشارة إليه.

وقد يتوهم شمول التحديد المذكور لهما.

ويدفعه أنّ المتبادر من ظاهره بمعونة فهم الأصحاب هو قصاص الناصية وما يحاذيها لمحاذاة النزغتين للناصية الخارجة عن الوجه قطعا ، وخروجهما عن التسطح الّذي يتميّز (1) به الوجه عن الرأس.

نعم ، لو قصرت النزغتان بحيث كانتا قريبتين من محاذاة الجبهة احتمل قويا وجوب غسلهما ؛ لدخولهما في ظاهر العبارة.

ومنها : مواضع التحذيف ، وهي أسفل منهما يتّصل أعلاها في النزعة وأسفلها بالصدغ عليها شعر خفيف تحذفها النساء ، ولذا سمّيت بها.

وفسّرها بعضهم بما بين منتهى العذار والنزغة ، وهو تسامح في التعبير.

وفي وجوب غسله قولان نصّ العلّامة في غير واحد من كتبه وجماعة بعدمه.

وعلّل كونها من الرأس نبات الشعر عليها.

وعن جملة من الأصحاب القول بدخولها احتياطا. وبه قطع في الروضة.

والأظهر أنّ الشعر النابت عليها إن كان نحو شعر الرأس وإن كان خفيفا لم يجب غسله ؛ لكونه فوق القصاص وإن نبت عليه الشعر الضعيف قوي وجوب غسله سيّما مع البناء على وجوب الاحتياط في صورة الشكّ.

ومنها : الصدغ. وفسّره جماعة من أهل اللغة تارة بما بين العين والأذن (2) وأخرى بالشعر المتدلّي عليه (3). وقد قطع جماعة من الأصحاب بعدم وجوب غسله ، بل هو المعروف من

ص: 475


1- زيادة « يتميز » من ( ب ).
2- الصحاح 4 / 1323 ( صدغ ).
3- لسان العرب 8 / 439 ( صدغ ).

المذهب.

وفي النصّ الصحيح (1) التصريح به.

وأنت خبير بأنّ الّذي ينبغي القطع به دخول بعضه ؛ نظرا إلى التفسير المذكور ، لدخوله في التحديد المذكور والتزام تخصيصه كما قد يومي إليه كلام بعضهم بيّن الفساد.

وقد يراد به ما حاذى العذار فوقه المحاذي لرأس الأذن.

وبه فسّره العلّامة في غير واحد من كتبه. ويساعده العرف.

وكأنّه المقصود في الرواية وكلام الأصحاب.

وحينئذ فلا تأمل في خروجه عن الوجه ؛ لخروجه عن التحديد المذكور ، مضافا إلى خصوص الصحيح ، مع تأيّده بحكم الأصحاب.

وعن الراوندي القول بدخوله في الوجه ، وقد يحمل كلامه على الأوّل بإرادة الوجه.

ومنها : العذار ، وفسّره تارة بالشعر المحاذي للأذن ويتّصل اعلاه بالصدغ وأسفله بالعارض ، وأخرى بالقدر المحاذي للأذن ، وكذلك بينه وبين الأذن بياض يسير.

والمعروف خروجه ؛ لعدم شمول الإصبعين له في الغالب ، ومن ظاهر الشيخ في المبسوط (2) والخلاف (3) والإسكافي دخوله فيه. وبه نصّ المحقق الكركي (4) والشهيد الثاني (5). وفصّل بعضهم بين ما يشمله الإصبعان وغيره ، وبه جمع بين القولين المذكورين ، وهو الأقوى.

ومنها : العارض ، وفسّره غير واحد منهم بالشعر المنحطّ عن محاذاة الأذن المتصل أعلاه بالعذار وأسفله بما يقرب من الذّقن.

وفي القاموس (6) : أنّه جانبا اللحية. وقد يفسّر بمنبت الشعر المذكور كما يعرف من

ص: 476


1- الكافي 3 / 27 ، باب حد الوجه الذي يغسل والذراعين وكيف يغسل ح 1.
2- المبسوط 1 / 20.
3- الخلاف 1 / 76.
4- جامع المقاصد 1 / 213.
5- الروضة البهية 1 / 323.
6- انظر القاموس المحيط 2 / 86 و 334.

ملاحظة العرف.

وكيف كان فقد قطع الفاضلان بخروجه عن الوجه والشهيدان (1) بدخوله.

وفصّل العلّامة في النهاية (2) بين ما ناله الإصبعان وغيره.

وهو الأقوى ، وقد يحمل عليه القولان الأخيران.

ومن الغريب ما أورده بعض الأفاضل على اعتباره بالاصبعين من أنّ التحديد بهما إنّما هو بالنسبة إلى وسط الوجه خاصّة وإلّا لزم غسل ما تجاوز عن العارض أيضا ، وهو باطل إجماعا ؛ إذ التحديد المذكور إنّما هو بالنظر إلى ما يشمله استدارة الوجه كما لا يخفى على من تأمّل في الرواية ، ولو سلّم الإطلاق فخروج ذلك بالإجماع لا يقضي بخروج غيره.

ولو سلّم اختصاص التحديد بما ذكر فلا بدّ من القول بدخول جميع ما تحته بحكم الغصب (3) به ، فقضية الإطلاق احالة الباقي إلى ذلك.

ثمّ إنّ المدار في الأصابع طولا وقصرا على مستوى الخلقة بحسب العادة ، فطويلها وقصيرها عن المعتاد يرجعان والإصبع (4) الخارج عن العادة يرجع إليها أيضا كالأغمّ كذلك ، فيجب عليه غسل موضع الغمة.

ولو كان عريض الوجه زائدا على المعتاد أو بعكسه قوي الرجوع في نفسه إلى يد تناسب ذلك الوجه في المعتاد ، وإن لم يكن من مستوى الخلقة.

هذا ، ولا يذهب عليك أن أشبار مستوى الخلقة ( متفاوته جدّا ، والبناء على خروج ما ذكرناه من حدّ الوجه في العرض إنّما هو على الأغلب.

ولو فرض في أشبار مستوى الخلقة ) (5). ما يشمل الأجزاء من الحدود المذكورة بالفرض

ص: 477


1- الدروس 1 / 91 ، والروضة البهية : 1 / 323.
2- نهاية الإحكام 1 / 36.
3- كذا.
4- في ( د ) : « الأصلع ».
5- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

فالأقرب لزوم مثله ، وربّما يحمل عليه كلمات الأصحاب ؛ إذ لا موجب للتقييد إلّا في الصدغ ، والمعارضة بينه وبين التحديد بالأصابع من قبيل العموم من وجه ، وقضيّة الاحتياط إذن غسله.

ص: 478

تبصرة: [ في كفاية مسمّى الغسل ]

الواجب من الغسل أقلّ مسمّاه ، ويحصل بجري الماء من جزء إلى آخر ولو بمعونة اليد على المشهور بين الأصحاب (1).

وعن جماعة البناء فيه على الرجوع إلى العرف.

وعن بعضهم الاكتفاء بمثل الدهن.

ولا خلاف ظاهر بين الأقوال المذكورة ؛ لإمكان الانطباق بينها ، وكأنّ الاختلاف في التعبير من جهة احتمال المغايرة ، فعبّر كلّ بما هو المناط عنده.

نعم ، فصّل بعضهم في الاكتفاء بمثل الدهن بين حالتي الاختيار والاضطرار. حكاه الشهيد (2) عن الشيخين (3). وحينئذ فلا تأمّل في المغايرة إلّا أن القول به ضعيف.

ويدلّ على اعتبار الجريان في الجملة أنّه المتبادر من لفظ الغسل عرفا ، فيثبت كونه كذلك لغة. وعدم ذكره بخصوصه في كلام أهل اللغة - كما قيل - لا يقضي بعدمه ؛ لاكتفائهم عن ذكره لوضوحه ، ومع الغض عنه فالمتّبع في مثله هو المعنى العرفي عند الدوران بينه وبين اللغوي.

وقد يقال بالاكتفاء فيه أيضا بإفاضة الماء على المحلّ أو وقوعه فيه.

وفيه تأمّل.

ويدلّ عليه أيضا اعتبار الجريان في بعض الصحاح ، وفيه (4) : « كلّ ما أحاط به الشعر

ص: 479


1- لم ترد في ( ب ) : « الأصحاب ... ظاهر بين ».
2- الذكرى 1 / 77.
3- المقنعة : 8 ، النهاية : 47.
4- في ( د ) : « ففيه ».

ليس للعباد أن يغسلوه ولا يبحثوا عنه ولكن يجري عليه الماء » (1).

وورد أيضا في الغسل : « الجنب ما جرى عليه الماء من جسده فقد أجزأه » (2).

ولا قائل بالفرق مضافا إلى ما في الأخبار الواردة في الوضوء البياني من ذكر الصبّ والإفاضة والغرفة لكلّ عضو.

وفي الأخبار المستفيضة الاكتفاء فيه بمثل الدّهن كالصحيح : « إنّ المؤمن لا ينجّسه شي ء إنّما يكفيه مثل الدهن » (3).

وفي صحيحة أخرى : « إذا مسّ جلدك الماء فحسبك » (4).

ونحوه خبر آخر في الغسل ، وهي محمولة على بيان أقل مراتب الجريان المعتبر في الغسل ، فظاهر إطلاقها مقيّد بما ذكرنا ، والمعارضة بين إطلاقها وما مرّ من قبيل العموم المطلق ، فلا بدّ من حمله عليه.

وفي كلام بعض الأعلام الميل إلى عدم معارضته بين المقامين ؛ إذ ليس في شي ء منهما دلالة على عدم اجزاء غيره.

وهو كما ترى ؛ إذ ما دلّ على اعتبار الغسل والجريان ظاهر في (5) تعيينه بخلاف الأخبار الأخيرة.

ثمّ إنّ الواجب حصول مسمّى الغسل ، فيعمّ سائر وجوهه من الصبّ عليه أو إدخاله في الماء أو تحريكه تحت الماء أو إخراجه عنه أو الوقوف تحت المطر بحيث يجري الماء على العضو.

وكذا جعل العضو تحت غير المطر من المياه النازلة إن لم يكن بصبّ الغير ، وإلّا كان الآخر

ص: 480


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 45 ، باب حد الوضوء وترتيبه وثوابه ، ح 88.
2- الكافي 3 / 21 ، باب مقدار الماء الذي يجزئ للوضوء والغسل ح 4 ، وفيه : « قليله وكثيره فقد أجزأه ».
3- الكافي 3 / 21 ، باب مقدار الماء الذي يجزئ للوضوء .. ح 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 3. باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ، ح 78.
4- الكافي 3 / 22 ، باب مقدار الماء الذي يجزئ للوضوء .. ح 7 ؛ تهذيب الأحكام 1 / 4. باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ، ح 72.
5- في ( ألف ) : « وفي ».

هو الغاسل ، ولا أقلّ من الشك فلا يتمّ البراءة.

ولو لم يتعمد الآخر صبّ الماء عليه ففي الاجتزاء به وجه.

ولو نواه بمجرّد الكون في الماء احتمل الجواز.

والأقوى عدم الاجتزاء ؛ لمكان الشكّ في صدق اسم الغسل بمجرّده.

وقد يتخيّل عدم الاجتزاء في الوجوه المتأخرة ، فلا ينصرف الإطلاق إليها.

ويضعّفه أنّ مجرّد جريان الطريقة على نحو مخصوص لا يوجب صرف الإطلاق مع وضوح كون المذكورات من أنواع الغسل ، بل وشيوعها في غسل النجاسات ، سيّما بالنسبة إلى أوّل الخطابات.

وقد ورد في الصحيح الاكتفاء فيه بإصابة المطر مع غسله العضو.

والظاهر الاجتزاء بإمرار الخرقة النديّة على العضو بحيث يحصل به إجراء الرطوبة من جزء إلى آخر.

وكذا لو أمرّ الثلج أو مسح يده النديّة على العضو.

وفي القوي : « اغسله من أعلا وجهك إلى أسفله بالماء مسحا ، وكذلك فامسح الماء على ذراعيك ورأسك وقدميك » (1).

وهي محمولة على خصوص الجريان في المسح في غير الرأس والقدمين ، فيقيّد ما قلناه.

وفيه إشارة إلى عدم المباينة بين كلّ من المسح والغسل ، وسيجي ء الإشارة إليه.

ص: 481


1- قرب الإسناد : 312.
تبصرة: [ في غسل ظاهر الوجه ]

يجب غسل ظاهر الوجه من البشرة والشعر المختصّ به ، فلا يجب الاستبطان فيما ستره الشعر كالحاجبين.

وفي الصحيح : « كلّ ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يغسلوه ولا يبحثوا عنه ، ولكن يجري عليه الماء » (1).

فاللحية الكثيفة لا يجب تخليلها ، وهو محلّ وفاق.

وحكي في اللحية الخفيفة قولان ، والأقوى عدم وجوب غسل ما أحاط به الشعر بحيث يستر البشرة دون ما ترى منه ؛ إذ الظاهر من الصحيحة المتقدمة ذلك ، وهو الظاهر أيضا من الصحيحة الأخرى عن (2) « الرجل يتوضّأ أيبطن لحيته؟ قال : لا » (3) ؛ إذ ظاهر (4) الإبطان ايصال الماء تحت الشعر الحاجب للبشرة.

والخلاف المحكي عن السيد (5) والإسكافي في ذلك غير ظاهر ؛ إذ لا إشعار في العبارة المحكيّة عنها في ذلك ، بل الظاهر منها هو ما ذكرناه.

فالظاهر أن وجوب غسل المواضع الغير المستورة بالشعر ممّا لا خلاف فيه.

وعن المقاصد العليّة حكاية الإجماع عليه.

ص: 482


1- تهذيب الأحكام 1 / 364 ، باب صفة الوضوء والفرض منه ، ح 36.
2- في ( ألف ) : « من ».
3- الكافي 3 / 28 ، باب حد الوجه الذي يغسل والذراعين وكيف يغسل ، ح 2.
4- زيادة في ( ب ) : « العلّامة في المختلف والشهيد في الألفيّة ».
5- الناصريات : 114.

وعن الأنوار القمريّة نفي الخلاف عنه.

وهو الظاهر من جامع المقاصد (1) والروض (2).

وذكر المحقّق الكركي أنّه ممّا لا كلام فيه ، فيكون محلّ الخلاف إذن بمقتضى ما ذكره الجماعة في غسل البشرة المستورة بالشعر المفروض.

وحينئذ فلا تأمّل في وجوب غسل المستورة لما عرفت من الأدلّة بل لا يبعد نفي الخلاف عنه أيضا.

وعن بعض الأصحاب دعوى الاتّفاق على عدم وجوب غسله ، وقد جعل النزاع في البشرة الظاهرة على عكس الجماعة المتقدّمة ، فإذا بني على الجمع بين الإجماعين المذكورين - كما هو الأظهر - يعود النزاع لفظيّا. وبذلك يظهر بعد جعل النزاع في كلّ من الجانبين.

وقد حكى بعض الأفاضل عن البعض تخصيص الخلاف (3) بالبشرة المستورة تحت الخفيفة بناء على عدم الخلاف في وجوب غسل الظاهر كما حكي عن آخرين عكسه مدّعيا (4) للاتّفاق على عدم وجوب غسل المستورة.

وبعضهم خصّ الخلاف بالخفيفة الّذي يكون غالبه مستورا ، ويصدق عليه عرفا أنّه المناط به الشعر وإن لم يصدق لغة.

وهو أيضا كما ترى.

وكأنّ الخلاف في الخفيف الذي يستر البشرة في بعض الأحيان دون بعض ، فهل يغلب (5) جانب الستر ، فلا يجب غسله حال الظهور أيضا أو بالعكس؟

ص: 483


1- جامع المقاصد 1 / 214.
2- روض الجنان : 32.
3- زيادة في ( د ) : « إلى المستورة. وقد عرفت ما فيه ، فلا يتّضح إذن في المقام ما يصلح أيكون محلّا للكلام وبعضهم خصّ .. إلى آخره فكما أنّه لا خلاف ظاهرا في عدم وجوب غسل المستور فلا يتّضح في المقام ما يصلح أن يكون محلّا للكلام وبذلك يظهر بعد ما حكي عن البعض من تخصيص الخلاف ».
4- في ( ألف ) : « عدميّا ».
5- في ( د ) : « يتغلّب ».

والأقوى فيه إذن أنّ وجوب الغسل أمّا حال الظهور فظاهر ، وأمّا مع عدمه للشك (1) في قيام الشعر مقام البشرة وانتفاء اليقين بالبراءة مع عدمه.

ويحتمل التفصيل بين الحالين ، فيجب حال الظهور دون غيره.

ويتقوّى القول به في المتدلّي على البشرة ، فلو (2) كشف عن الكثيف (3) فظهرت البشرة احتمل وجوب غسله ، والصحيحة تدلّ على عدم وجوبه [ .. ] (4) الكشف.

ولو لم يستر الحاجب لون البشرة وجب غسل ما تحته ، وإنّما يجب غسل ما يتراءى من البشرة تحته دون ما احتجب بالشعر.

ويحتمل إجراء الخلاف في اللحية الخفيفة هنا أيضا ، والأعمّ الخارج عن المعتاد إنّما يغسل ظاهر غمته ، ولا يجب عليه الاستبطان عملا بالاطلاق المذكور.

وكذا الكلام في سائر الشعور النابتة في الوجه سواء كانت في المحلّ المعدّ له أو غيره.

ثمّ إنّ الظاهر سقوط الغسل عن البشرة المستورة بتكاثر الشعر ، فالمستورة بتدلّي الشعر الواحد ونحوه لا يسقط غسله ، ولو تدلّى الشعر من غير محلّ الغسل عليه لم يجب غسله بل تعيّن غسل ما تحته ، أمّا المتدلّي من بعض مواضع الغسل على آخر فإن خرج عن حدود الوجه لم يجب غسله قطعا وإن لم يخرج فالظاهر وجوب غسله مطلقا.

وهل يكتفى به عن غسله ما تحته كذلك أو يقتضي بغسل الشعر عن غسل البشرة بالنسبة إلى منابتها وما يفارقها ؛ أخذا بظاهر ما يتراءى من الصحيحة المتقدّمة؟ وجهان ؛ أوجههما الأوّل مع صدق كونه مخاطبا للشعر ، وإلّا لزم غسله في وجه قويّ.

ثمّ إنّ الزيادات الحاصلة في المحلّ المغسول كالبثور واللحم الزائد تابعة للمحلّ في وجوب الغسل ؛ لدخولها في اسم الوجه ، وإن كانت في الذقن.

ص: 484


1- في ( د ) : « فللشكّ ».
2- في ( د ) : « ولو ».
3- في ( ألف ) : « الكشف ».
4- هنا فراغ في النسخ المخطوطة.

ويحتمل (1) عدم وجوب غسلها إذا خرجت عن منتهى الذقن ، والظاهر وجوبه مع دخولها في اسم الذقن ، ولذا يجب غسل الشعر النابت عليه المختصّ.

ولو خرجت من حدّه بحيث لا يشمله اسم الوجه ففيه إشكال مع ارتفاع بشرة الوجه معها ، والأظهر فيه أيضا عدم الوجوب.

ص: 485


1- في ( ألف ) : « يحمل ».
تبصرة: [ في غسل اليدين ]

الثاني والثالث من أفعال الوضوء : غسل كلّ من اليدين إلى المرفقين ، بلا خلاف بين الامّة بل هو من ضروريّات الدين.

ويجب غسل المرفقين بلا خلاف فيه.

وهل ذلك لدخوله في اليد أو لكونه مقدّمة للعلم؟ وجهان ، بل قولان مبنيّان على دخول الغاية في المغيّى وخروجها.

ويتفرّع عليه وجوب إدخال جزء من العضد في المغسول وعدمه.

وقضيّة الاحتياط في تحصيل البراءة اليقينيّة ترجّح الأوّل سيّما على القول بكون ألفاظ العبادات بإزاء الصحيحة مضافا إلى الصحيحة.

تبصرة (1) : الثاني والثالث من أفعال الوضوء غسل اليدين إلى المرفقين بلا خلاف فيه بين الأمة ، بل هو من ضروريّات الملّة. وظاهر الأصحاب وجوب غسل المرفقين.

وفي جوامع الجامع (2) : إنّه مذهب أهل البيت عليهم السلام.

والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه.

وفي المدارك (3) : إنّه قد قطع الأصحاب بوجوب غسل المرفقين.

وعلّله بأنّ « إلى » في الآية بمعنى « مع » أو أنّ الغاية مع عدم التميّز داخلة في المغيّى ،

ص: 486


1- العبارات الأولى من هذه التبصرة تكرار لما قبلها ، إلّا أنها تختلف طريقة البحث عن الموضوع ، ولعلّ إحداهما مسودّة المؤلف قدّس سره ، فتأمّل.
2- تفسير جوامع الجامع 1 / 478.
3- مدارك الأحكام 1 / 203.

فالظاهر من كلامه كون المذهب على وجوب غسلهما بالأصالة.

وعن مشرق الشمسين (1) بعد ما استند في إدخال المرفق في الغسل إلى فعل المغيّى أنّه قد أطبق جماهير الأمّة أيضا على دخوله ، ولم يخالف في ذلك إلّا شرذمة من العامّة لا يعتدّ بهم ولا بخلافهم.

وفي الأنوار القمريّة : الظاهر من كلام الأصحاب أنّه لا خلاف في وجوب غسلهما ، وإنّما الخلاف في سبب وجوبه أنّه النصّ أو من باب المقدّمة.

قلت : ويتفرّع عليهما وجوب إدخاله (2) جزء من العضد في المغسول وعدمه.

وقد حكي القول بالأخير عن العلّامة في المنتهى (3) وجمع من المتأخرين ، ونفي عنه البأس في المدارك (4).

ويضعّفه أنّ غسله من باب المقدمة العلميّة لا يتوقّف على غسل جميع المرفق بل يكتفي فيه ببعض أجزائه المتّصلة بالذراع.

وكيف كان ، فبملاحظة الاحتياط الواجب في المقام بعد تسليم انتفاء الدلالة على دخول الغاية في المغيّى يرجّح المصير إلى الأوّل ، مضافا إلى الصحيحة الحاكية لفعله عليه السلام حيث ذكر فيه وضعه الماء على المرفق بناء على ظهور الفعل في الوجوب النفسي كالقول ، وفي عدة أخبار (5) كون غسل كلّ من اليدين من المرفق بناء على استظهار دخول مدخول « من » في المقصود ، مضافا إلى اعتضاده بظاهر الإجماع المنقول ، وما عزاه في الجوامع إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام.

والوجه في الأخير الأصل ؛ إذ لا دليل يعتدّ به على دخول المرفق (6) بالأصالة ، وجعل

ص: 487


1- مشرق الشمسين : 281.
2- في ( د ) : « إدخال ».
3- منتهى المطلب 2 / 34.
4- مدارك الأحكام 1 / 204.
5- أنظر من لا يحضره الفقيه 1 / 45 ، باب حد الوضوء وترتيبه وثوابه ، ح 88.
6- في ( د ) : « المرافق ».

« إلى » بمعنى « مع » في الآية مجاز لا يصار إليه إلّا بالقرينة ، وحمله على الغاية كما هو الظاهر يقضي بخروجها بناء على استظهار خروج الغاية عن المغيّى مضافا إلى ما في جملة من الوضوءات البيانيّة من غسل الساعدين.

وفيه : أنّه لا معوّل على الأصل في المقام ، واستظهار خروج الغاية غير واضح سيّما في المقام.

وذكر الساعدين في تلك الأخبار لا يدلّ على خروج المرافق كما لا يخفى.

ثمّ إنّه لا بدّ من استيعاب الغسل ظاهر اليدين كما مرّ في غسل الوجه ، ولا بدّ من غسل البشرة والشعر النابت في موضع الغسل إلّا أن يتكاثف الشعر بحيث يحجب البشرة ، فيتقوّى حينئذ الاقتصار على غسل ظاهره ؛ للصحيحة المتقدمة.

ويحتمل هنا وجوب الاستبطان (1) إلّا أنّ البناء على ظاهر عمومها هو الأظهر سيّما مع صدق غسل اليد عرفا بغسل الظاهر.

منها : ولو كان في محلّ الغسل لحم زائد أو إصبع زائد ونحوها وجب غسله.

وفي الحدائق (2) : الظاهر أنّه لا خلاف فيه إلّا انّه ناقش في مستنده ، ثمّ حكم به من جهة الاحتياط.

ويدلّ عليه بعد ذلك دخوله في اسم اليد ، ومجرّد ندرة وجوده لا يقضي بخروجه عن الإطلاق بعد شمول اللفظ له عند وجوده.

نعم ، لو كان بحيث لا يندرج في إطلاق اليد فالظاهر عدم وجوب غسله ولو كان الزائد أخرى أشكل اندراجها في اليد الأصلي إلّا أنّ الأظهر وجوب غسلها ؛ أخذا بيقين الفراغ ، مضافا إلى قطع جماعة من الأصحاب بالوجوب من دون تأمّل فيه.

وفي المدارك (3) نفي الريب عنه.

ص: 488


1- الزيادة من ( ب ) و ( د ) : « حملا للرواية على الغالب ».
2- الحدائق الناضرة 2 / 447.
3- مدارك الأحكام 1 / 206.

ولو كانت الزيادة من عند المرفق بني على دخول المرفق في المغسول اصالة وعدمه ولو كانت فوق المرفق لم يجب غسلها مع العلم بالزيادة سواء كان لها مرفق آخر أو لا.

وعن بعض الأصحاب لزوم غسل الزائد ؛ أخذا بعموم الآية.

وهو ضعيف ؛ لعدم شمولها لمثل ذلك ، ومع الغض عنه فالآية من قبيل خطاب المشافهة لا عموم فيها.

نعم ، لو لم يتميز الأصلي من الزائد أو كانا أصليّين قوي وجوب غسل الجميع.

ويحتمل في الأخير التخيير.

ويدفعه توقّف اليقين بالفراغ على الجمع ، ولو انكشط الجلد عن محلّ الغسل ، جرى في محلّه حكم الغسل ، وإن بقي الجلد (1) متدلّية وجب غسلها إذا كان بحيث يعدّ من أجزاء اليد كاللّحم الزائد إن تدلّى عن محلّ الغسل سواء انكشط عن محلّ الغسل أو لا ، وإلّا (2) لم يجب غسلها.

ص: 489


1- في ( د ) : « الجلدة ».
2- زيادة : « وإلّا » من ( د ).
تبصرة: [ في مسح الرأس ]
اشارة

الرابع من أفعال الوضوء : مسح الرأس ، وهو في الجملة ممّا لا خلاف فيه بين المسلمين بل هو من ضروريات الدين.

والكلام فيه في أمور :

أحدها : الواجب من المسح هو مسمّاه على المشهور بين المتأخرين ، فلا يتقدّر بقدر مخصوص.

وظاهر الشيخين (1) أنّ أقلّ ما يجزي مقدار إصبع واحدة.

وعزي القول به إلى الراوندي. واختاره العلّامة في المختلف (2) والشهيد في الدروس (3).

وفي المختلف (4) : أنه المشهور. ولم يذكر فيه القول بالمسمّى.

وقد يؤوّل كلام بعض هؤلاء بأنّ المراد المسح بالإصبع إلا اعتبار كون الممسوح ذلك لا داعي إليه ، وقد يحمل ذكر الإصبع على المثال ، والمقصود حصول المسمّى (5) به ، وحمل كلام الشيخ والمنقول عن الراوندي عليه بعيد.

ويقرب ذلك في عبارة المختلف ، بل يتعيّن حملها عليه بقرينة ما ذكره في الاحتجاج على ما اختاره ، وما نصّ عليه في غيره من كتبه كالتذكرة وإرشاد الأذهان وغيرهما.

ص: 490


1- النهاية : 14 ، المقنعة : 48.
2- مختلف الشيعة 1 / 289.
3- الدروس 1 / 92.
4- مختلف الشيعة 1 / 289.
5- في ( ب ) : « الشي ء ».

وعن الصدوق في الفقيه (1) والسيد في المصباح والشيخ في الخلاف (2) اعتبار المسح بثلاث أصابع.

وربّما يعزى القول به إلى بعض أصحاب الأئمّة عليهم السلام مع تعيينه الأصابع بالسبابة والوسطى والّتي يليها.

وقد يحمل عليه إطلاق غيره.

وللشيخ مذهب ثالث ، وهو التفصيل بين حالتي الاختيار والاضطرار فاعتبرنا الأولى أن يكون بمقدار الأصابع الثلاث المضمومة. واكتفى في الثانية بالاصبع الواحدة. وعزي القول به إلى السيّد في مسائل خلافه.

وربّما يعزى إلى بعض المتأخرين أيضا ، والأظهر الأوّل : لظاهر إطلاق الكتاب مضافا إلى ما ورد في تفسيره في صحيحة زرارة ، وفيها : « فعرفنا حين قال برؤوسكم أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء » (3).

وتلك الصحيحة بنفسها حجّة كافية فيه (4).

ويدلّ عليه أيضا صحيحته الأخرى : « فإذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك » (5).

ويؤيّده إطلاق الروايات الحاكية للوضوءات البيانية ؛ إذ لم يذكر في شي ء منها تعيين الممسوح ، وهو ظاهر في فهمه عدم ملاحظة الخصوصيّة ، وإلّا لأشير إليها.

ويحتجّ للثاني بالخبرين :

أحدهما : « في الرجل يتوضّأ وعليه عمامة (6) قال : يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه

ص: 491


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 45.
2- الخلاف 1 / 82.
3- الكافي 3 / 30 ، باب مسح الرأس والقدمين ، ح 4 ، تهذيب الأحكام 1 / 61 ، باب صفة الوضوء ح 17.
4- لم ترد في ( ب ) : « فيه ».
5- الإستبصار 1 / 61 ، باب مقدار ما يمسح من الرأس والرجلين ، ح (182) 1.
6- في ( د ) : « العمامة ».

فيمسح على مقدّم رأسه » (1).

والآخر : « عن الرجل يمسح رأسه من خلفه وعليه عمامة باصبعه أيجزيه ذلك؟ فقال : نعم » (2).

وفيهما مع ضعف الإسناد ومخالفة ظاهر الأخير لإجماع الأصحاب أنّ الأوّل لا إشارة فيه بمقدار الممسوح ، بل ظاهر إطلاقه يقتضي الاكتفاء بمسمّى المسح ، فهو في الحقيقة من الشواهد على المختار.

والثاني : لا إشعار فيه بعدم إجزاء الأقل ، والثالث بخبر مضمر (3) : « يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع » (4).

وصحيحة زرارة « المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع ولا تلقي عنها خمارها » (5) ؛ لظهور لفظ الإجزاء في أقل الواجب ، وثبوت الحكم في المرأة قاض بثبوته في الرجل ؛ لعدم القائل بالفصل وظهور الاشتراك في الحكم.

وما رواه الكشي في الصحيح أنّه سأل حريزا - وهو من أجلاء الأصحاب (6) - وكان يونس يذكر عنه فقها كثيرا (7) أنّه : كم يجزيك أن تمسح من شعر رأسك في وضوئك للصلاة؟ قال : « بقدر ثلاث أصابع » وأومأ بالسبابة والوسطى والثالثة (8).

فإن ظاهره عدم الاجتزاء بالأقل.

ويدفعه ضعف الرواية الأولى سندا ودلالة ، والثانية دلالة لعدم وضوح دلالة الأجزاء

ص: 492


1- الإستبصار 1 / 60 ، باب كيفية المسح على الرأس والرجلين ، ح (178) 3.
2- الإستبصار 1 / 60 ، باب كيفية المسح على الرأس والرجلين ، ح (179) 4.
3- في ( د ) : « معمّر ».
4- الكافي 3 / 29 ، باب مسح الرأس والقدمين ، ح 1.
5- الكافي 3 / 30 ، باب مسح الرأس والقدمين ، ح 5.
6- في ( د ) : « أصحابنا ».
7- في ( ألف ) : « فقهاء كثير ».
8- بحار الأنوار 77 / 287 ، ح 41 ، نقل الرواية في هامشه من رجال الكشي : 285.

على كونه أقل الواجب ، على أنّه قد يكون التعبير به من جهة عدم القاء الخمار.

مضافا إلى أنّ انتفاء القول بالفصل غير معلوم.

كيف ، وقد عزا الشهيد (1) إلى الإسكافي التفصيل بين الرجل والمرأة ، فاكتفى في الأوّل بالاصبع واعتبر في الثانية الأصابع الثلاثة ، وهو قول خامس في المسألة.

وكأنّه استند في المرأة إلى الصحيحة المذكورة وفي الرجل إلى ما دلّ فيه على الاجتزاء بالإصبع.

وضعفه ظاهر ممّا مرّ ، مضافا إلى شذوذ القول به ، وإطباقهم بعده على عدم الفرق.

وما روي عن حريز لا حجة فيه ، غاية الأمر أن يكون ذلك مذهبا له ، على (2) أنّ التعبير عن المندوب بمثل ذلك ليس بذلك البعيد سيّما في عبائر القدماء كما يظهر من ملاحظة فتاوى الشيخ (3) والصدوق وغيرهم.

ويحتمل قويا حمل عبارة الغنية (4) والنهاية (5) عليه أيضا ، مضافا إلى أنّ تعيين الأصابع بما ذكر غير مذكور في رواية ولا فتوى ففيه كما أشرنا إليه وللرابع الجمع بين ما دلّ على اعتبار الإصبع ، وما دلّ على الثلاث بحمل الأوّل على صورة الاضطرار للخبر : « قلت للصادق عليه السلام : رجل توضّأ وهو سقيم ، فيثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد؟ فقال : ليدخل إصبعه » (6).

وفيه بعد الحمل المذكور وعدم ظهور الرواية في الاضطرار وضعف إسنادها فلا ينهض حجة على ذلك ، مضافا إلى ما عرفت.

ص: 493


1- الذكرى : 2 / 137.
2- زيادة : « على » من ( د ).
3- في ( ب ) و ( د ) : « الشيخين ».
4- غنية النزوع : 55.
5- النهاية : 14.
6- الكافي 3 / 30 ، باب مسح الرأس والقدمين ح 3 ، وفيه : « توضأ وهو معتمّ فثقل عليه » ، وانظر : تهذيب الأحكام 1 / 90 ، باب صفة الوضوء ح 88 ، وفيه : « توضأ وهو معتمّ وثقل عليه ».
[ تنبيهات ]

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : أن الظاهر من روايات الباب أنّ المقصود من تعيين الأصابع الثلاث هو بيان مقدار الممسوح من الرأس لا تعيين الماسح. ويحتمله أيضا ما دلّ على اعتبار الإصبع ، وظاهر عبارة الفقيه اعتبار المسح بالثلاث ، فإن حملت على ظاهرها فلا شاهد عليه ، ولا يبعد تطبيقها على النصوص.

ثانيها : أنّه لا دلالة في الأخبار المحدودة (1) للمسح كونه في عرض الرأس أو طوله ، فقضيّة إطلاقها جواز كلّ من الوجهين وتأدية الواجب أو المندوب بكلّ من الصورتين.

وقد نصّ المحقّق الكركي (2) بأنّ المراد من تعيين الثلاث هو ما كان في عرض الرأس ، وأمّا الطول فيكفي فيه بالمسمّى ، ولو بجزء من إصبع.

وعن الشهيد الثاني نحو ذلك إلّا أنّه ذكر الإصبع بدل المسمّى.

قلت : ولا يبعد أن يستظهر ممّا دلّ على اعتبار الثلاث أن يكون المسح بمجموع الثلاث طولا وعرضا كما هو ظاهر لفظ الأصابع ، فإنّه اسم لمجموع العضو ، وكأنّه الظاهر من الأصحاب المفتين بمضمونه ، فحينئذ يتحدد بذلك طول الممسوح وعرضه غير أنّه يشمل صورة وضع عرض الأصابع على طول الرأس وبالعكس ، فما ذكره المحقق المذكور من ملاحظة التحديد في العرض ثمّ الاكتفاء بالمسمّى في الطول ..

ص: 494


1- في ( د ) : « المحدّدة ».
2- جامع المقاصد 1 / 218.
تبصرة: [ في مسح الرجلين ]

الخامس والسادس من الأفعال مسح كلّ من الرجلين بلا خلاف فيه بين أصحابنا ، بل الظاهر أنّه من ضروريّات مذهبنا ، ومحلّ المسح هنا من رءوس الأصابع إلى الكعبين بالكتاب والسنة والإجماع ، والمشهور وجوب استيعاب الطول.

وقد حكى السيد وغيره عليه الإجماع.

وذهب شذوذ من المتأخرين إلى الاكتفاء به بالمسمّى. واحتمله في الذكرى مع القطع في غيره بوجوب الاستيعاب.

وأشكل فيه في الحدائق مع الميل إلى الأخير.

والأقوى هو الأوّل ؛ لظاهر الآية ، وعدّ من الأخبار المعتبرة نحو الآية الشريفة ، بل بعضها أظهر من الآية ؛ لعدم ذكر الغاية في المرافق.

واحتمال كون الغاية للممسوح لا ينافيه ؛ لظهور (1) العبارة أيضا في مسح الجميع ، مضافا إلى بعده عن ظاهر العبارة.

نعم بناء على قراءة الجر لا يخلو ذلك عن مناقشة ، ولا يجري ذلك فيما لم يذكر فيه الغاية « من ».

ومجرّد كون الغاية في الأوّل للمغسول لا يدلّ عليه الأخبار الواردة فيه ، وممّا يدلّ عليه موثقة الآخرين (2) الحاكية للوضوء الفعلي ، وفيها « ثمّ مسح رأسه وقدميه إلى الكعبين » ، مضافا إلى الإجماع المحكيّ عليه المعتضد بإطباق الأصحاب قديما وحديثا عليه من غير نقل خلاف

ص: 495


1- في ( ألف ) : « ظهور ».
2- في ( د ) : « الاخوين ».

فيه ، سوى من ظهر منه الخلاف من المتأخرين ، مع تأيّده بعمل الطائفة عليه من قديم الدهر إلى الآن ، وقيام السيرة به حجة الاكتفاء فيه بالمسمّى إطلاق الكتاب بعد حمل الغاية فيه على (1) تحديد الممسوح كما يستفاد من الصحيح.

ويومي إليه حملها عليه في المرافق وجملة من أخبار الباب ممّا ليس فيها ذكر الغاية أو ذكرت لحملها على تحديد الممسوح ، وخصوص صحيحة الآخرين (2) بعد ذكر الآية الشريفة : « فإذا مسح بشي ء من رأسه أو بشي ء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه » (3).

وصحيحة زرارة المعروفة الدالّة على كون الباء في الآية تبعيضيّة ، وفيها : « فعرفنا حين وصلها بالرأس أنّ المسح على بعضها ، ثمّ فسّر ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله للناس فضيّعوه » (4).

والمستفيضة المشتملة على غير واحد من الصحاح الدالّة على عدم وجوب استبطان الشراكين ، والرواية الدالّة على جواز المسح على الرجل ، « وهي في الخف إذا كان مخرقا (5) ، فظاهرها الاكتفاء (6) بمسمّى المسح.

ويدفع الجميع أنّ الآية ظاهرة في استيعاب الطول ولو مع كون التحديد للممسوح.

ومع الغضّ عنه فلا أقل من احتمال الوجهين ، ودلالة الصحيحة على كون الغاية للمسوح محلّ خفاء ، وكذا الكلام في الأخبار المذكورة.

على أنّ جملة من الأخبار ظاهرة فيما ذكرنا ، ومع الغضّ عن جميع ذلك فلا يزيد ما ذكر عن الإطلاق ، فيقيّد بما دلّ على اعتبار الاستيعاب.

ص: 496


1- لم ترد في ( ب ) : « فيه على ... الغاية ».
2- في ( د ) : « الاخوين ».
3- الكافي 3 / 26 ، باب صفة الوضوء ، ح 5.
4- الكافي 3 / 30 ، باب مسح الرأس والقدمين ح 4.
5- الكافي 3 / 31 ، باب مسح الرأس والقدمين ح 10.
6- في ( ألف ) : « اكتفاء ».

وصحيحة الآخرين (1) غير واضحة الدلالة على ذلك ؛ لاحتمال أن يكون قوله « ما بين كفّيك » بدلا عن قوله « بشي ء » ، والظاهر كون « ما » موصولة ، فيفيد لزوم استيعاب الطول.

وحمله على الموصوفة غير ظاهر ، ومجرّد احتماله كما ذكره بعضهم لا ينفع في الاستدلال.

نعم ، قد يستظهر كونه بدلا عن « القدمين » ، وحينئذ فيدلّ على ما ادّعوه إلّا أنّه بعد تسليمه ليس بتلك المثابة من الظهور.

وصحيحة زرارة لا يزيد على الإطلاق ، والأخبار الدالّة على عدم استبطان الشراكين لا يفيد عدم لزوم استيعاب الطول ؛ لوقوع الشراك على الكعب الخارج عن الممسوح على (2) ما هو الأظهر في معنى الكعب ، على أنّ جماعة من الأصحاب قالوا باستثناء ذلك من وجوب مباشرة الماسح للمسوح ؛ للأخبار المذكورة.

وقد يستفاد ذلك من بعض رواياته ، فلا دلالة فيها على ذلك أيضا إلّا أنّ الأظهر حملها على الأوّل ، والرواية الدالّة على الاكتفاء بمسح الرجل في الخف المخرق مع ضعف إسنادها لا دلالة فيها على عدم لزوم الاستيعاب كما لا يخفى.

وهل يدخل الكعبان في الممسوح؟ وجهان ، بل قولان مبنيان على مسألة دخول الغاية في المغيّى وخروجها ، وقد يكتفى فيه باحتمال الدخول بناء على لزوم الاحتياط في مثله إلّا أنّ الأظهر عدمه ؛ لظاهر صحيحة الآخرين (3) والأخبار الدالّة على عدم لزوم استبطان الشراك.

وفي البحار : إنّ المشهور بين علمائنا عدم دخوله في المسح.

هذا كلّه في طول الرجلين وأمّا في العرض فالمشهور الاكتفاء فيه بمسمّى المسح ، فيجزي ما دون الإصبع ؛ لإطلاق جملة من الأخبار وخصوص صحيحتي زرارة والآخرين (4) مضافا

ص: 497


1- في ( د ) : « الأخوين ».
2- لم ترد في ب : « على ... للممسوح ».
3- في ( د ) : « الأخوين ».
4- في ( د ) : « الأخوين ».

إلى الإجماع المحكي عليه في كلام الفاضلين (1) ، مع اعتضاده بالشهرة العظيمة بين الطائفة (2).

وعن الشيخ (3) والراوندي اعتبار الإصبع ، وعن ابن زهرة (4) اعتبار الإصبعين.

ولا نعرف مستندهما ، وقد يحملان على التمثيل.

وعن بعضهم اعتبار الثلاث ؛ للخبر : « يجزى (5) المسح على الرؤوس ثلاث أصابع وكذا الرجل » ، لظهور الإجزاء في أقل الواجب.

وفيه : مع ضعف الإسناد عدم ظهور في الدلالة. نعم ، يمكن القول باستحباب الثلاث حملا لها على الندب كما مرّ في مسح الرأس.

وقد نصّ به العلّامة وغيره ، والأفضل المسح بكلّ الكف ؛ لصحيحة البزنطي المتقدّمة ، للزوم حملها على الندب ؛ إذ لا قائل بظاهرها.

قال في المدارك (6) : لو لا الإجماع المنقول على الاكتفاء فيه بالمسمّى لأمكن القول بوجوب المسح بكلّ الكفّ انتهى.

وهو كما ترى ؛ إذ إعراض الأصحاب عن ظاهرها مع معارضتها بالصحيحتين المقدّمتين اللّتين هما كالنصّ في خلافها كاف في ذلك ، وإن لم يثبت الإجماع المذكور.

ومن الغريب ذهاب بعض المتأخرين إلى العمل بظاهرها زعما منه إطلاق غيرها من الأخبار ، فيحمل على المقيّد.

وضعفه ظاهر.

وقد يؤيّد ذلك بالقوي : « قلت للصادق عليه السلام : عثرت فانقطع ظفري ، فجعلت على إصبعي مرارا كيف أصنع بالوضوء؟ قال : يعرف هذا وأمثاله من كتاب اللّه ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ

ص: 498


1- المعتبر 1 / 150 ، تحرير الأحكام 1 / 80.
2- بحار الأنوار 77 / 244 وفيه : عدم دخولهما في المسح.
3- الخلاف 2 / 217.
4- غنية النزوع : 56.
5- في ( د ) زيادة : « من ».
6- مدارك الأحكام 1 / 221.

فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (1) امسح عليه » (2).

ويضعّفه أنه لا شاهد في الرواية على إرادة الإصبع من الرجل.

ص: 499


1- الحج : 78.
2- الكافي 3 / 33 ، باب الجبائر والقروح والجراحات ، ح 4 ؛ تهذيب الأحكام ، باب صفة الوضوء والفرض منه ، ح 27.
تبصرة: [ في تحديد الكعبين ]

المعروف من المذهب أن الكعبين هما العظمان النابتان في ظهر القدم عند معقد الشراك ، وهما قبّتا القدم.

وبه أفتى العماني والشيخان (1) والسيدان (2) والحلبي (3) والحلّي (4) والمحقق (5) والشهيدان (6) والمحقّق الكركي (7) وغيرهم ، بل لا يظهر فيه خلاف بين الفرقة إلى زمن العلّامة ، ولا أشاروا إلى وقوع اختلاف فيه بين الخاصة في الكتب المعدّة لذكر المسائل الخلافيّة ، وإنّما خصّوا الخلاف فيه بالعامة.

نعم ، المحكي (8) عن الإسكافى أنّ الكعب ظهر القدم دون عظم الساق ، وهو المفصل الّذي قدّام العرقوب.

فقد يستفاد منه ما يأتي نقله عن ظاهر (9) العلّامة بل ادّعى شيخنا البهائي رحمه اللّه صراحته فيه. وهو كما ترى ؛ إذ ظاهر قوله « في ظهر القدم » يومي إلى عدم كونه المفصل بين الساق

ص: 500


1- الخلاف 5 / 437 ، والمقنعة : 44.
2- الانتصار : 115.
3- الكافي للحلبي : 132.
4- السرائر 1 / 100.
5- المعتبر 1 / 151.
6- الذكرى 2 / 149 ، ورسائل الشهيد الثاني : 91.
7- جامع المقاصد 1 / 220.
8- مختلف الشيعة 1 / 293.
9- لم ترد في ( د ) : « ظاهر ».

والقدم ؛ إذ هو واقع على الحدّ المشترك ، وظاهر الظرفية خلافه.

وكذا قوله « دون عظم الساق » وقوله « وهو المفصل الّذي قدّام العرقوب » لا يدلّ على كون المراد به المفصل المذكور ؛ لإمكان حمله على المفصل الذي في وسط القدم.

وقد أطلق عليه المفصل في كلامهم كما سيجي ء الإشارة إليه.

وقد حكي عن صدر الشريعة من أفاضل العامّة أنّ الكعب في رواية هشام عن محمّد هو المفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك لكنّ الأصحّ أنّها العظم الناتئ الذي ينتهي إليه عظم الساق (1). انتهى.

وقد عرفت أنّ في أوّل كلامه قرينة عليه ، وقد يجعل الضمير راجعا إلى عظم الساق بقرينة جعله في ظهر القدم ، فيكون الردّ على العامّة حيث جعلوه من عظم الساق عند ملتقاه مع القدم أعني العظمين الناشزين عن الجانبين ، على أن في كون ذلك من تتمّة عبارة الإسكافي تأمّلا ؛ لاحتمال كونه من كلام العلّامة.

وقد يومي إليه عدم نقله الشهيد عنه عند نقل كلامه.

وقد يؤيّده أنّهم لم يشيروا إلى وقوع خلاف فيه بين الخاصّة ، فلو كان الإسكافي مخالفا فيه لأشاروا إليه كما هو شأنهم في معظم المسائل. كيف وقد ادّعوا اتّفاق الخاصّة عليه الدالّ على موافقته لهم.

وحكاية الإجماع عليه مستفيضة ، نقله جماعة منهم السيدان في الانتصار والغنية والشيخ في عدّة من كتبه ، ففي التهذيب (2) بعد تفسيره المقيّد له بما حكي (3) هو صريح في ذلك.

ويدلّ عليه إجماع الأمّة ، وهو أنّ الأمّة بين قائلين : قائل يقول وجوب المسح دون غيره ولا يجوز التخيير ويقطع على أنّ المراد بالكعبين ما ذكرناه .. إلى أن قال : ولا قول ثالث ، فإذا ثبت بالدليل الذي قدّمنا ذكره وجوب مسح الرجلين وأنّه لا يجوز غيره ثبت ما قلنا من ماهية

ص: 501


1- نقله في ذخيرة المعاد 1 / 32.
2- تهذيب الأحكام 1 / 75.
3- لم ترد في ( د ) : « حكى ».

الكعبين.

وفي الخلاف (1) بعد تفسيره الكعب بالعظمين النابتين في وسط القدم أنّ كلّ من قال بوجوب مسح الرجلين قال : إنّ الكعب ما قلناه ، قال : فالتفرقة (2) بين المسألتين خروج عن الإجماع.

وفي مجمع البيان (3) أنّهما عند الإماميّة هما العظمان النابتان في وسط القدم ، وهما معقد الشراك. وهذا مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السلام ، ثمّ نصّ على الإجماع في طيّ ذكر الأدلّة.

وفي المنتهى (4) : ذهب علماؤنا إلى أنّ الكعبين هما العظمان النابتان في وسط القدم ، وهما معقد الشراك.

ثمّ ذكر في طي الأدلّة عليه أنّ القول بوجوب المسح مع كون الكعب غير ما ذكرناه منفيّ بالإجماع أمّا عندنا فلثبوت الأمرين ، وأمّا عند العامّة فلانتفائهما معا (5).

ثمّ إنّه قد ذكر في بعض فروعه اللاحقة ما ربّما يخالف ذلك إلّا أنّه إن حمل على ظاهره فهو اجتهاد منه في فهم العبارة لا ينافي ما نقله من الإجماع المذكور.

وفي الذكرى (6) : الكعبان عندنا معقد الشراك وقبّتا القدم ، وعليه إجماعنا. وأكثر الأصحاب عبّر عنهما بالنابتان في وسط القدم أو في ظهر القدم.

ثمّ نسب العلّامة إلى المتفرّد (7) فيما اختاره من المذهب الآتي.

ثمّ إنّ حكاية الشهرة على القول المذكور مستفيضة في كتب الأصحاب ، ففي المقاصد

ص: 502


1- الخلاف 1 / 93.
2- في ( ألف ) : « فالفرقة ».
3- تفسير مجمع البيان 3 / 289.
4- منتهى المطلب 2 / 71.
5- منتهى المطلب 2 / 73.
6- الذكرى : 88.
7- في ( د ) : « التفرّد ».

العليّة : إنّ (1) المشهور بين الأصحاب.

وفي شرح الجعفريّة أنّه مذهب معظم الأصحاب.

وفي المدارك : أنّه المعروف من مذهب الأصحاب إلى غير ذلك ، وذهب العلّامة في عدّة من كتبه إلى أنّه المفصل بين الساق والقدم.

ويعبّر (2) عنه أيضا بمجمع القدم وأصل الساق.

وعزي اختياره إلى الشهيد في ظاهر الألفيّة والسيوري والمحقق الأردبيلي والعلّامة التستري والفاضل الكاظمي وصاحب المفاتيح وغيرهم من متأخري المتأخرين.

وذهب شيخنا البهائى رحمه اللّه (3) إلى أنّه العظم المستدير الواقع تحت عظم الساق وحمل عليه كلام العلّامة ، بل عبائر كثير من الأصحاب بل وقال : إنّها لا تأتي عن الحمل عليه.

وقد تبعه على ذلك جماعة من المتأخرين ، وقد عزاه الرازي (4) في التفسير الكبير والنيسابوري في تفسيره إلى الإماميّة مؤذنا بإطباقهم عليه.

وقد ذكر الرازي في الاحتجاج عليه تارة بأنّ المفصل يسمّى كعبا ، وأخرى بأنّ ذلك العظم المستدير يسمّى به ، وهو قاض باتّحاد الوجهين حسبما ذكره شيخنا المذكور.

وأنت خبير بأنّ حمل كلام العلّامة على ذلك غير الخروج عن ظاهر عبارته ، وعدم ظهور وجه للحكم بانطباق الوجهين ؛ إذ بعض أجزاء العظم المذكور خارج عن حدّ المفصل كما نصّ عليه بعض الأفاضل من هؤلاء.

فمع البناء على كون الكعب هو العظم المفروض ينبغي القول بالاجتزاء بإنهاء المسح إليه من غير حاجة إلى إيصاله إلى نفس المفصل بناء على خروج الغاية عن المغيّى في المقام الأوّل الظاهر من هؤلاء عدم اجتزائهم به ، فالظاهر منهم البناء على اتّحاد الوجهين ، وإن كان

ص: 503


1- في ( د ) : « انّه ».
2- في ( ألف ) : « يعتبر ».
3- مشرق الشمسين : 285.
4- تفسير الرازي 11 / 162.

للمناقشة مجال فيه حسب ما عرفت.

وكيف كان ، فقد نزّل عليه في المختلف (1) عبائر الأصحاب ، وجعل حملها على غير ما ذكر من اشتباه غير المحصل.

ويومي إليه كلامه في المنتهى (2) حيث قال بعد ما حكينا عنه من الإجماع في جملة فروع ذكرها أنّه : قد يشتبه عبارة علمائنا على بعض من لا مزيد تحصيل له في الكعب ، والضابط فيه ما رواه زرارة في الصحيح عن الباقر عليه السلام ، قلنا : أصلحك اللّه! فأين الكعبان؟ قال : « هاهنا » يعني المفصل دون عظم الساق (3).

وأنت خبير بأنّ حمل عبائر الأصحاب على المعنى المذكور بعيد غاية البعد.

وحيث إنّه حاول جماعة من متأخري المتأخرين الانتصار له في الحمل المذكور فلا بأس بذكر جملة من عبائرهم في المقام حتّى يتبيّن ضعف ما حاولوه عن المرام ، وقد تقدّم جملة من عبائرهم المشتملة على حكاية الاتفاق من علمائنا.

وعن العماني (4) : إنّ الكعبين ظهر القدم.

وعن المفيد (5) : إنّهما قبّتا القدمين ما بين المفصل والمشط .. إلى أن قال : والكعب في كلّ قدم واحد ، وهو ما علا منه في وسطه على ما ذكرناه.

وعن السيد (6) إنّهما العظمان النابتان في وسط القدم عند الشراك.

وفي المبسوط (7) : هما النابتان في وسط القدم عند الشراك.

وعن الحلبي : إنّهما معقد الشراك.

ص: 504


1- مختلف الشيعة 1 / 293.
2- منتهى المطلب 1 / 64.
3- الكافي 3 / 24 ، باب صفة الوضوء ، ح 5.
4- نقله عنه في ذخيرة المعاد 1 / 32.
5- المقنعة : 44.
6- الانتصار : 115.
7- المبسوط 1 / 22.

وفي السرائر (1) : إنّهما العظمان اللّذان في ظهر القدمين عند معقد الشراك.

وفي الشرائع (2) : إنّهما قبّتا القدمين.

وهذه العبائر والعبارات المتقدّمة وغيرها بعضها صريحة وبعضها كالصريح في خلاف ما حاولوه لاعتبار النتو فيهما أو كونهما في وسط القدم أو عند معقد الشراك أو كونهما قبّة للقدم أو كونهما بين المفصل والمشط سيّما ما أخذ فيه عدّة من المذكورات كما في كثير من تلك العبارات.

وحمل الناتئ (3) في وسط القدم على الوسط في العرض كما ذكره جماعة بيّن الوهن ؛ لفقدان النتو أوّلا وعدم انصراف إطلاق الوسط عليه ثانيا.

على أنّ المفصل يعمّ القدر العالي منه المحاذي لقبّة القدم وغيره ممّا هو دونه.

ولا يظهر وجه اختصاصه بالأوّل ، فلا وجه لتطبيق ذلك على المفصل أصلا ، فتخصيص المفصل بما يحاذي القدر الناتئ من العظم المذكور كما ترى.

قلت : وقد يحمل كلامهم على إرادة النتوء الحاصل له في نفسه ، فإن له فتوا في أحد الجانبين ، فيكون المراد أنّهما عظمان نابتان (4) كائنان في وسط القدم لا أنّهما نابتان (5) في وسطه.

وفيه من البعد لا يخفى.

كيف ، ولو كان المقصود من تلك العبارة بيان ذلك لما احتيج إلى ذلك التطويل مع عدم وضوحه في المقصود ووضوح لفظ « المفصل » في الدلالة عليه ، فعدم التعبير به مع غاية وضوحه وبيانه (6) ، والتعبير بتلك العبارات مع طولها وعدم وضوح دلالتها أوضح شاهد على عدم إرادة المفصل سيّما مع إطباق العبارات المذكورة على ما ذكرناه.

ص: 505


1- السرائر 1 / 100.
2- شرايع الإسلام 1 / 17.
3- في ( ألف ) : « الثاني ».
4- في ( د ) : « ناتئان ».
5- في ( د ) : « ناتئان ».
6- لم ترد في ( ب ) : « به مع غاية وضوحه وبيانه ».

فلو تسامح بعضهم في التعبير لم يطّرد في تعبيرات (1) الباقين ، فمع إطباق هؤلاء على التعبير المذكور كان من المستبعد جدّا حملها على المعنى المذكور.

وقد أذعن شيخنا البهائي رحمه اللّه بصراحة عبارة المفيد فيما ذكرناه ، وعدم قبوله للتأويل.

وحينئذ فما حاوله من التأويل في سائر العبارات مع موافقته لهما (2) في أصل التعبير وإن لم تكن بتلك الصراحة كما ترى.

مضافا إلى أنّ ظاهرهم عدم حصول خلاف بينهم ؛ إذ لم يشيروا إلى اختلاف فيه بين الخاصّة بل حكوا اتفاقهم عليه.

ولو حملت العبارات المذكورة على ما ذكره لزم مخالفتهم للمفيد في ذلك.

وحينئذ يبعد غاية البعد أن لا يعتدّوا بخلافه ، ولا يشيروا إلى مخالفته.

وممّا يفصح عمّا ذكرنا تسليم الشيخ في التهذيب لما ذكره وحكاية الإجماع عليه كما عرفت.

ومن الغريب ما حاوله غير واحد منهم من تطبيق عبارة المقنعة على مذهب العلّامة مع أنّه صرّح بكون الكعب فيه القدم بين المفصل والمشط ؛ نظرا إلى حمله كلام العلّامة على إرادة العظم الواقع عند المفصل ، وحينئذ يكون بعضه واقعا بين المفصل والمشط.

وهو كما ترى ؛ إذ مجرّد وقوع جزء منه هنالك لا يقضي بصحّة الحكم بكون الكعب ما بين المفصل والمشط ، مع أنّ معظم أجزائه خارج عن ذلك ، ولذا يقولون إنّ العظم المذكور واقع تحت عظم الساق ، ولا يقال بوقوعه بين الساق والمشط ؛ مضافا إلى تعبيره عنه بقبّة القدم الصريح في خلافه.

هذا ، وقد قيل أيضا في توجيه كونه في وسط القدم بأنّ المراد بهما مجموع الرجل ، فيندرج فيه العقب كما يدلّ عليه ملاحظة الأقدام المذكورة في تقدير الظلّ لمعرفة الأوقات والعظم

ص: 506


1- في ( ألف ) : « تغييرات ».
2- في ( د ) : « لها ».

المذكور واقع قدّام العقب ، فيكون في وسط القدم وإن لم يكن حقيقيا ، فإنّ الغرض التحاشي (1) عمّا ذكره العامّة.

وفيه : أنّ ظاهر كلامهم كونه في وسط ظاهر القدم ؛ لتعلّق المسح بالظاهر ، والغرض تحديد محلّ المسح ، فاندراج العقب في القدم لا يقضي بكونه المفصل في الوسط ، ولمّا كان التقدير بالأقدام بملاحظة باطن القدم اندرج العقب فيها على عكس المقام ، مع ما في الحمل المذكور من البعد ؛ إذ المفصل من حدود القدم فكيف يعرف أو يعرف ما حصل فيه بكونه في وسط القدم؟!

وأبعد من ذلك دعوى كون المراد بمعقد الشراك هو المفصل إمّا لكونه هو المعقد أو لمجاورته له.

وفيه : أنّ الأوّل معلوم الخلاف ، والثاني غير لائق بمقام التحديد.

مضافا إلى عدم موافقته لسائر القيودات.

هذا كلّه مع مخالفة ما ذكر من التوجيهات لفهم معظم الأصحاب من العبائر المذكورة حيث عدّوا ما ذكره العلّامة مخالفا للمشهور واستفاض منهم نقل الشهرة على القول الأوّل كما قدّمنا ، فبعد فهم الجماعة وصراحة بعض تلك العبائر وظهور الباقي فيه كمال الظهور لا يبقى مجال للتوجيه.

نعم ، قد يوجّه كلام العلّامة بما يرجع إلى المشهور كما حاوله بعض الأصحاب واستجود صاحب الحدائق (2) ، ولا ريب أنّه أولى من التوجيه في كلمات الأصحاب كما احتمله أولئك ، بل أولى من الحكم ببناء العلامة على توجيه كلماتهم والخروج عن مقتضاها مع كمال ظهورها كما عرفت هذا (3) ، وقد يعطي ما ذكره السيوري في كنز العرفان اختياره لما ذهب إليه العامّة حيث

ص: 507


1- في ( ألف ) : بدل : « القرص النحاسي ».
2- الحدائق الناضرة 2 / 294.
3- في ( ألف ) : « وهذا ».

قال - بعد ما حكم بأنّ الكعبين ملتقى الساق والقدم - : وإنّ النابتين (1) لا شاهد لهما لغة وعرفا وشرعا. قيل : لو أريد ملتقى الساق والقدم لقال إلى الكعاب ؛ إذ كل رجل له الكعبان من كل رجل.

وبأنّ أبا عبيدة قال (2) : الكعب هو الّذي في أصل القدم ينتهي إلى الساق بمنزلة كعب القناة. انتهى ما حكاه عن أبي عبيدة.

يحتمل أن يكون المراد به خصوص العظم الواقع تحت الساق حسب ما مرّ ، وأن يراد به ما يقع تحت الساق وينتهي إليه مطلقا.

وكأنّه الأظهر من إطلاقه.

وكيف كان ، فالجواب الثاني يخالف الأوّل إلّا أن يقال : إنّ الكعب في الأصل موضوع لذلك ثمّ أطلق على الملتقى حسب ما بيّنه ، فتأمل.

وإذ قد عرفت ملخّص أقوالهم في المقام فنقول : الأظهر هو القول الأوّل ، وتفصيل الكلام في بيانه أن يقال : إنّ جملة ما ذكر من معاني الكعب بما يناسب المقام أمور :

أحدها : العظمان الناشزان عن طرفي الساق عند المفصل بينه وبين القدم. وقد نصّ عليه كثير من أهل اللغة : ففي مقاييس اللغة (3) : كعب الرجل هو عظم طرفى الساق عند ملتقى القدم والساق (4).

وفي المغرب : هما العظمان الناشزان من جانبي القدم (5).

وفي النهاية (6) : الكعبان العظمان النابتان (7) عند مفصل الساق والقدم عن الجنبين.

ص: 508


1- في ( د ) : « الناتئين ».
2- نقله عنه في المعتبر 1 / 151.
3- معجم مقاييس اللغة 5 / 186 ( كعب ).
4- انظر مفردات غريب القرآن : 432 ( كعب ).
5- انظر لسان العرب 1 / 718 ( كعب ).
6- النهاية في غريب الحديث 4 / 178 ، باب الكاف مع العين ( كعب ).
7- في ( د ) : « الناتئان ».

وفي الصحاح (1) : الكعب العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم.

وعدّ في القاموس (2) في جملة معانيه العظمين الناشزين من جانبي القدم.

وفي المصباح المنير (3) نقلا عن أبي عمرو بن العلاء والأصمعي وجماعة أنّه العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم ، فيكون لكلّ قدم كعبان عن يمنتها ويسرتها وحكى في فائت (4) الجمهرة - كما في الذكرى (5) - عن أبي بصير عن الأصمعي أنّه الناتئ في أسفل الساق وعن يمين وشمال.

وفي الطراز في عداد معانيها : والعظم الناتئ عند ملتقى الساق والقدم فيكون لكلّ قدم كعبان عن يمنتها ويسرتها.

وفي مفردات الراغب (6) : كعب الرجل العظم الّذي عند ملتقى القدم والساق.

وهذه العبارة يحتمل الحمل على المعنى المذكور كما يكشف عنه كلام غيره ، ويمكن حمله على المعنى الذي ذكره شيخنا البهائي قدس سره.

والأوّل هو الألصق بطريقتهم والأوفق بكلماتهم.

وكيف كان ، فمجي ء الكعب بهذا المعنى هو المعروف بين أهل اللغة ، وقد نصّ عليه جماعة من علماء التفسير إلّا أنّه غير مراد في المقام باتفاق علمائنا سوى ما قد يوهمه عبارة كنز العرفان ، وهو على فرض حمله على ذلك مدفوع بإجماعنا والنصّ الوارد عن أئمّتنا عليهم السلام.

ثانيها : العظم الناشز في وسط القدم حسب ما مرّ. وقد ذكره جماعة من أهل اللغة ، ففي القاموس (7) في عداد معانيه : العظم الناشز فوق القدم.

ص: 509


1- الصحاح 1 / 213 ( كعب ).
2- القاموس المحيط 1 / 124 ( كعب ).
3- المصباح المنير 2 / 195 ( كعب ).
4- في ( ألف ) : « غاية ».
5- الذكرى 2 / 151.
6- مفردات غريب القرآن : 432 ( كعب ).
7- القاموس المحيط 1 / 124 ( كعب ).

وهو ظاهر الانطباق على ذلك ؛ إذ لا نشوز ظاهر لغيره لينصرف الإطلاق إليه.

وقال أبو عمرو الزاهد في كتاب فائت الجمهرة - فيما حكاه الشهيد في الذكرى (1) - : أخبرني سلمة عن الفرّاء قال : هو في مشط الرجل قال : هكذا برجله ، قال أبو العباس : فهذا الّذي يسمّيه الأصمعي الكعب هو عند العرب المنجم.

وهو ظاهر الدلالة في المعنى المذكور ؛ إذ هو متّصل بالمشط بخلاف غيره.

وفي الطراز في عداد معانيه : الكعب من رجل الإنسان العظم الناشز فوق قدمه ، وهو قبّة القدم أمام الساق.

وهو صريح فيما ذكرناه ، وفيه شرح لعبارة القاموس.

وفي النهاية (2) عن قوم : إنّهما العظمان اللّذان في ظهر القدم ، قال : وهو مذهب الشيعة.

وعن مجمع البحرين (3) : قيل : هما العظمان اللّذان في ظهر القدم. وهو مذهب الشيعة.

والظاهر من هاتين العبارتين هو المعنى المذكور ؛ إذ ليس في العظام الّتي في ظهر القدم ما يسمّى كعبا سواه ، والعظم المستدير الآتي موضوع تحت الساق ، ولا يعدّ من عظام الظهر.

وكون جزء منه قدّام القدم على فرض ظهوره لا يصدق مع كونه في ظهر القدم مع وقوع معظمه في غيره.

على أنّه لا يبعد أن يراد بظهر القدم ما علا وارتفع منها ، فيكون المراد خصوص القبّة.

وعن الشهيد في الذكرى (4) : إنّ لغوية الخاصّة متّفقون على أنّ الكعب ما ذكرنا وحكى عن العلّامة اللغوي عميد الرؤساء أنّه صنّف كتابا في تحقيق الكعب وأكثر من الشواهد على أنّ الكعب هو الناشز في ظهر القدم أمام الساق حيث يقع معقد الشراك من النعل.

ويؤيّد ذلك أنّ جماعة من أهل اللغة نصّوا على أنّ لفظ الكعب يدلّ على النتو والارتفاع ،

ص: 510


1- الذكرى 2 / 151.
2- النهاية في غريب الحديث 4 / 178 ( كعب ).
3- مجمع البحرين 4 / 47.
4- الذكرى 2 / 151.

فعن ابن فارس في المقاييس (1) : الكاف والعين والباء أصل صحيح يدلّ على نتو وارتفاع في الشي ء ، من ذلك الكعب : كعب الرجل.

وعن الغريبين والنهاية (2) : كلّ شي ء علا وارتفع فهو من كعب ، وبه سمّيت الكعبة.

وفي مجمع البحرين (3) : وكلّ شي ء علا وارتفع فهو كعب ، قيل : وبه سمّيت الكعبة كعبة وقد نصّوا أيضا (4) أنّه يقال : كعبت الجارية وتكعّب ثديها إذا ظهر ونتا ثديها.

فعلى هذا يكون كعب القدم ما نتأ وظهر منها ، وهو القبّة.

فظهر من جميع ما ذكرناه كون إطلاق الكعب على الناتئ في وسط القدم حقيقيّا ، وإنكار الأصمعي كون الكعب في ظهر القدم كما حكاه عنه جماعة منهم لا حجّة فيه بعد قيام الدليل عليه ، وذكر غيره له ؛ إذ من المقرّر تقديم القول المثبت (5) سيّما مع اعتضاده بما يؤيّده.

ثالثها : المفصل بين الساق والقدم ، ففي المصباح المنير (6) نقلا عن ابن الأعرابي وغيره أنّه المفصل بين الساق والقدم. وعدّه في الطراز في معاني الكعب ، ثمّ قال في تفسير الكعبين : ومن قال بالمسح قال هو المفصل بين الساق والقدم ، وهو قول ابن الاعرابى وجماعة في تفسير الكعب.

وعدّ في القاموس (7) والطراز في معاني الكعب أنّه كلّ مفصل للعظام.

ونحوه عن التّبيان (8) نقلا عن الزجاج.

فيندرج فيه المفصل المذكور.

ص: 511


1- معجم مقاييس اللغة 5 / 186 ( كعب ).
2- النهاية في غريب الحديث 4 / 179 ( كعب ).
3- مجمع البحرين 4 / 48.
4- زيادة في ( د ) : « على ».
5- في ( ألف ) : « المنبت ».
6- المصباح المنير 2 / 195 ( كعب ).
7- القاموس المحيط 1 / 124 ( كعب ).
8- التبيان 3 / 456.

وأنت خبير بأنّ العبارة المنقولة عن ابن الأعرابي غير صريحة فيما يخالف المعنى الأوّل ؛ لإمكان حملها (1) على ما هو المعروف بين العامّة ، فإنّ العظمين الناتئين (2) واقعان في المفصل ، وإن كان قضيّة مقابلته في المصباح للأوّل خلافه.

وما في الطراز كأنّه مأخوذ من ذلك ؛ إذ لم نجد ذلك في كلام غيره من أهل اللغة ، فثبوت كونه حقيقة فيه بمجرّد ذلك مع عدم ذكره في معظم كتب اللغة لا يخلو عن إشكال ، فلا يبعد حمله على ما يرجع إلى الأوّل ، سيّما بملاحظة ما هو الشائع بينهم من التسامح في التعبير.

ثمّ إنّ ما ذكر من إطلاقه على كلّ مفصل للعظام لو ثبت كونه من الإطلاقات الحقيقيّة فالظاهر أنّه من المعاني المهجورة المتروكة في الاستعمال المتداولة ، فلا يحمل عليه الإطلاق من غير قرينة.

ثمّ لا يذهب عليك أنّه مع ثبوت كونه حقيقة في المعنى المذكور فالظاهر أنّ المراد به مجموع المفصل المذكور لا خصوص الواقع منه في ظهر القدم أو في أعلى ظهر ، فهو مناسب لما هو المعروف من مذهب الغاسلين ، ولا ينطبق على ما هو ظاهر المذهب كما سيجي ء الإشارة إليه.

رابعها : العظم المستدير الكائن عند ملتقى الساق والقدم الواقع تحت عظم الساق.

وهذا المعنى ممّا لم ينصّ عليه أحد من أهل اللغة سوى صاحب الطراز ، وإنّما ذكره علماء التشريح ولا حجة في قولهم مع مخالفته لكلام أهل اللغة.

وعدّ في القاموس (3) في معانيه الّذي يلعب به.

وهو يحتمل الحمل على كعب النرد ، والّذي يلعب به الجهال ممّا يستخرج من أرجل الحيوانات وشموله للعظم المذكور من الإنسان غير ظاهر. على أنّ الّذي يستخرج من أرجل الحيوانات إنّما يكون موضوعا في المفصل الذي بين عظم فخذها وساقها ، فينبغي أن يكون في الإنسان أيضا موضوعا هناك ، فلا ربط له إذن بالعظم المذكور.

ص: 512


1- في ( ألف ) : « حملهما ».
2- في ( ألف ) : « النابتين ».
3- القاموس المحيط 1 / 124 ( الكعب ).

ومجرّد ذكره في الطراز لا حجة فيه مع احتمال استناده فيه إلى ما ذكره شيخنا البهائي رحمه اللّه وغيره ممّا لا ينهض حجّة.

هذا ، وقد عزا في كشف اللثام (1) مجيئه لهذا المعنى إلى ظاهر العين (2) والصحاح (3) والمجمل (4) والمفردات (5).

وفيه : أنّ شيئا من عبائر هؤلاء ليس ظاهر [ ا ] فيما ادّعاه ، وقد مرّ عبارة الصحاح ، وهي ظاهرة الدلالة على المعنى المشهور عند العامّة ؛ إذ العظم عند ملتقى الساق والقدم ظاهر في الناشز عن الجانبين ؛ لظهور نشوزه بخلاف غيره.

وملاحظة سائر العبائر الواردة هناك كاشفة عمّا قلناه كما يظهر من ملاحظة ما نقلناه.

ومع الغضّ عن ذلك فلا ظهور لهما فيما ادعاه أيضا ، غاية الأمر دورانه بين الوجهين ، وقد مرّ الكلام في عبارة المفردات (6).

وعن العين (7) : كعب الانسان ما أشرف فوق رسغه عند قدمه والعظم الناتئ من الساق من خلف. انتهى.

وهذه العبارة كما ترى لا يخلو من إجمال ؛ فإنّ الرسغ إن حمل على المفصل بين الساق والقدم كما ذكر في غير واحد من كتب اللغة فلا يبعد أن يراد به العظمان الناشزان عند المفصل ؛ إذ هو الظاهر من الناشز عند القدم فوق المفصل ، وإن أريد به العظام المتّصلة بالمشط ما بينها وبين المفصل - كما حكي عن أهل التشريح - فلا يبعد انطباقه على المعنى الثاني ، فيراد به قبّة القدم ؛ إذ هو المشرف على الرسغ ، ويكون قوله « والعظم الناتئ من الساق من خلف » إشارة

ص: 513


1- كشف اللثام 1 / 546.
2- العين 1 / 207 ( كعب ).
3- الصحاح 1 / 213 ( كعب ).
4- مجمل اللغة 3 / 787 ( كعب ).
5- المفردات : 433.
6- في ( ألف ) : « عبارات » بدل « عبارة المفردات ».
7- العين 1 / 207.

إلى المعنى الأوّل.

ويحتمل على الوجهين حملها على المعنى المذكور - أعني العظم الواقع في المفصل - وإن كان حمله على ذلك بناء على الوجه الأوّل بعيدا جدّا.

وفيه : أنّ العظم المذكور واقع تحت الساق ، ولا يظهر له نتوّ ظاهر في ظهر القدم. على أنّ ما يدّعي نتوّه فيه إنّما هو جزء منه ، فيكون الكعب هو خصوص الناشز منه ، فلا ينطبق على المعنى المذكور.

وأيضا لو كان كذلك لزم القول بلزوم المسح إليه ولا يظهر قائل به لجواز المسح إلى سائر أجزاء المفصل ممّا يحاذى قبة القدم.

وكأنّ شيخنا البهائي لعدم استظهاره المعنى المذكور من كلام أهل اللغة لم يستند إلى كلماتهم مع كمال مبالغته في انتصار المذهب المذكور.

وكيف كان ، فما استظهره هذا الفاضل من الكتب المذكورة ليس على ما ينبغي.

نعم ، قد حكى الامام في التفسير الكبير (1) والنيشابوري في تفسيره عن الإماميّة وكلّ من قال بالمسح حمل الكعب في الآية الشريفة عليه مؤذنا باتفاقهم عليه. وحكاه الأوّل عن الأصمعي ، قال : وكأن الأصمعي يختار هذا القول ، ويقول : الطرفان النابتان (2) يسميان المنجمين. وهكذا رواه القفال في تفسيره. انتهى.

ولا يذهب عليك أنّ ما حكيناه عن الشيعة مخالف لما حكاه عنه أجلّة علمائهم ، ولا ريب أنّهم أعلم بمذاهب أصحابهم. مضافا إلى ما عرفت من عبائرهم المحكيّة. وهو أيضا مخالف لما حكاه جماعة منهم عن الشيعة كما تقدّم نقله عن النهاية.

وقال الفيومي (3) بعد ما حكى عن أبي عمرو بن العلاء والأصمعي وجماعة أنّه العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم ، وعن ابن الأعرابي وغيره أنّه المفصل : وذهب الشيعة إلى أن

ص: 514


1- تفسير الرازي 11 / 162.
2- في ( د ) : « الناتئان ».
3- المصباح المنير 2 / 195.

الكعب في ظهر القدم. وأنكره أهل اللغة كالأصمعي وغيره.

وهو كالصريح في إسناد المعنى الثاني إلى الشيعة كما ينادي به مقابلته بالمعنيين المذكورين.

وقد حكى أيضا في المغرب والصحاح (1) إنكار الأصمعي كونه في ظهر القدم.

وهو بضميمة ما حكي عنه في التفسير الكبير دالّ على أنّ العظم الواقع تحت الساق ليس في ظهر القدم ، فيكون غرضه الردّ على الشيعة حيث يقولون به إلّا أنّ ما حكاه في المصباح وفائت الجمهرة عنه مخالف لما حكاه الإمام. وبه تهون النسبة المتقدّمة من وجه آخر.

فقد ظهر بما عرفت ضعف ما نقلاه عن الشيعة ، فلا حجّة في نقلها ، ولا تأييد فيه لثبوت المعنى المذكور ، ولا لمعروفيته بين الشيعة. فإسناد جماعة من الأجلّة إليه في كونه مذهبنا معروفا بين الشيعة ليس على ما ينبغي.

ثمّ إنه ذكر الرازي (2) في بيان احتجاج الإماميّة : إنّ الكعب واقع على العظم المخصوص الموجود ، ومنه الكعب لكلّ ما له ارتفاع في جميع أرجل الحيوانات ، فوجب أن يكون في حقّ الإنسان كذلك.

قلت : ويوهنه ما عرفت من أنّ تسميته كعبا في سائر الحيوانات لا يقتضي أن يدعى كعبا في الإنسان ، مع أنّ الكعب في سائر الحيوانات في المفصل الّذي بين عظم الفخذ والساق ، فينبغي أن يكون في الانسان كذلك ، فالحكم بكون العظم المذكور كعبا تشبيها له بسائر الحيوانات كما ترى.

إذا تقرّر ما ذكرناه فنقول : قد عرفت الاتفاق منّا على عدم إرادة المعنى الأوّل في المقام ، وكذا ضعف كونه حقيقة في أحد المعنيين الأخيرين ، مضافا إلى عدم موافقته للمقام ؛ إذ مع البناء على كلّ منهما يلزم جواز المسح إلى المفصل ممّا يحاذى القبة وغيره.

والظاهر أنّهم لا يقولون به ، بل يخصّصونه بالأوّل.

ص: 515


1- الصحاح 1 / 213.
2- تفسير الرازي 11 / 162.

فإن قيل بالتخصيص (1) في التسمية فلا شاهد عليه وإن قيل بالتعميم فيها والتخصيص في الحكم ، ففيه من التعسّف ما لا يخفى.

ويرد على الأخير أيضا عدم وجوب إنهاء المسح إلى المفصل بناء على وصول جزء من العظم المفروض إلى ما يحاذي ظهره كما ذكره البعض مع أنّهم لا يقولون به ، فتعيّن من ذلك قوّة حمل الآية على المعنى الثاني.

ويدلّ عليه بعد ذلك أمور :

منها : شهرة تفسيره بذلك بين الأصحاب حتّى أنّه لا يعرف فيه مخالف من القدماء ، والمسألة متعلّقة بالألفاظ ، فيكفي (2) فيها الظن (3) ، ولا ريب أنّ الظنّ الحاصل من ذلك أقوى من الظن الحاصل من كلام آحاد أهل اللغة.

ومنها : الإجماعات المحكيّة عليه كما عرفت ، ولا ريب في الاعتماد عليها في المقام حتّى ممّن تأمّل في جواز الاستناد إليها في الأحكام.

ومنها : الأخبار ممّا يدلّ عليه أو يشير إليه ، ففي الذكرى (4) عن كتاب فائت الجمهرة (5) لأبي عمرو الزاهد ، قال : أخبرني سلمة ، عن الفرّاء ، عن الكسائي (6) قال : قعد محمّد بن علي بن الحسين عليهم السلام في مسجد كان له وقال : « هاهنا الكعبان » ، قال : فقالوا : هكذا؟ فقال : « ليس هو هكذا ، ولكنّه هكذا .. » وأشار إلى مشط رجله ، فقالوا : إنّ الناس يقولون هكذا ، قال : « لا » (7).

وهذه الرواية ظاهرة الدلالة على ذلك معتضدة بفتوى الأصحاب ، وإشارته عليه السلام إلى

ص: 516


1- في ( ألف ) : « بالتحقيق ».
2- في ( د ) : « فيكتفى ».
3- في ( د ) : « بالظن ».
4- الذكرى 2 / 151.
5- في المصدر المطبوع : « الجمرة ».
6- في ( ب ) : « الإسكافي ».
7- بحار الأنوار 77 / 299 ، ح 57.

المشط لاتصال الكعب به.

وفي حسنة ميسّر : ثمّ وضع يده على ظهر القدم ، ثمّ قال : « هذا هو الكعب » ، قال : وأومئ بيده إلى أسفل العرقوب ، ثمّ قال : « إنّ هذا هو الظنبوب » (1).

فإن ظاهر قوله : « وضع يده على ظهر القدم » وضعها على غير المفصل ؛ إذ المفصل حدّ مشترك بينه وبين الساق ، فيبعد التعبير عنه بذلك.

وفي حسنته الأخرى : ووصف الكعب في ظهر القدم (2).

وفي صحيحة البزنطي فوضع كفه على الأصابع ، فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم (3).

فإن قوله « إلى ظاهر القدم » بدل من قوله « إلى الكعبين » ، فيكون تفسيرا للكعب.

والمراد به ما ارتفع منها ؛ أخذا من ظواهر الأرض بمعنى.

واحتمل بعضهم أن يكون المراد ان مسحه عليه السلام كان إلى ظاهر القدم لا من جهة باطنها ، قال بعض الأفاضل : وهذا الاحتمال إن لم يكن أظهر لا يكون أخفى.

وهو كما ترى لما فيه من الخروج عن مقتضى الأصل من غير باعث عليه.

ويدلّ عليه أيضا المعتبرة المستفيضة الدالّة على الاكتفاء بالمسح على النعل ، وعدم لزوم استبطان الشراكين كالصحيح : « تمسح على النعلين ( ولا تدخل يدك تحت الشراك » (4).

وفي صحيح آخر : إن عليّا عليه السلام « مسح على النعلين ) (5) ولم يستبطن الشراكين » (6).

وفي القوي : « توضّأ على عليه السلام فغسل وجهه وذراعيه ثمّ مسح على رأسه وعلى نعليه ، ولم يدخل يده تحت الشراك » (7).

ص: 517


1- تهذيب الأحكام 1 / 75 ، باب صفة الوضوء ، ح 39.
2- بحار الأنوار 77 / 283 ، ح 33.
3- الكافي 3 / 30 ، باب مسح الرأس والقدمين ، ح 6.
4- تهذيب الأحكام 1 / 90 ، باب صفة الوضوء والفرض منه والسنة والفضيلة فيه ح 86.
5- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
6- تهذيب الأحكام 1 / 60 ، باب صفة الوضوء والفرض منه والسنة والفضيلة فيه ح 31.
7- الكافي 3 / 31 ، باب مسح الرأس والقدمين ، ح 11.

إلى غير ذلك ممّا دلّ عليه ، وحملها على خصوص النعل العربي الّذي يقع شراكه على طول القدم لا عرضها تقييد للإطلاق من غير دليل ، مع أنّ الظاهر من تحديدهم للكعبين ما بهما معقد الشراك يعطي أنّ الغالب في النعل هو ما يكون شراكه واقعا على الكعب.

نعم ، قد يناقش في بعض تلك الروايات بأنّها حكاية فعل فلا تعمّ.

وفيه : أنّ حكاية الإمام لفعله في مقام البيان والاستدلال شاهد على الإطلاق ، فتأمّل.

وممّا يؤيّد ذلك أيضا ما ورد في حدّ السارق ، فإنّه قد دلّت الأخبار على قطع رجله من الكعب ، وقد نصّ كثير من الأصحاب بل حكي الإجماع عليه من جماعة بقطعها من العظم الناتئ ، وفي الأخبار إشارة إليه أيضا :

ففي صحيحة زرارة أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان : إذا قطع الرجل قطعها من الكعب (1).

وفي الخبر : « إنّما يقطع الرجل من الكعب ويترك له من قدمه ما يقوم عليه فيصلّي ويعبد ربّه » (2).

وفي مرسلة الدعائم : عن علي عليه السلام وأبي عبد اللّه عليه السلام أنّهما قالا : « يقطع الرجل من الكعب ويدع له العقب يمشي عليها ، فيكون القطع من نصف القدم » (3).

وفي الموثق : « إذا أخذ السارق قطع الكف ، فإن عاد قطع (4) رجله من وسط القدم » (5).

قال بعض الأفاضل : المراد بالوسط ، الوسط العرفي لا الحقيقي لئلّا ينافي قطعه من مفصل السارق.

وأنت خبير بأنّه خروج عن ظاهر الخبر إن حملت على ما يعمّ ذلك ؛ إذ إطلاق الوسط في العرف لا ينصرف إلى مثل ذلك ؛ إذ مقدار الباقي بالنسبة إلى المقطوع بمنزلة النصف أو دونه.

ص: 518


1- من لا يحضره الفقيه 4 / 64 ، ح 5115.
2- الكافي 7 / 225 ، باب حد القطع وكيف هو ح 17.
3- مستدرك الوسائل 18 / 123 ، باب حد السرقة وكيفيته ، ح 1.
4- في ( د ) : « قطعت ».
5- الكافي 7 / 223 ، باب حد القطع وكيف هو ح 8.

وقال الشيخ في المبسوط (1) : إنّ القطع عندنا في الرجل من عند معقد الشراك من عند الناتي على ظهر القدم ، ويترك بالمشي عليه. وعندهم من المفصل بين الساق والقدم.

وهذه العبارة كما ترى ظاهرة الدلالة على ما بيّناه ، وفيها دلالة على الإجماع كعبائر جماعة آخرين ، فبملاحظة ما يستظهر من الروايات المذكورة - بعد ضمّ بعضها إلى البعض المعتضدة بالإجماعات المحكيّة وفتوى الجماعة - يتقوّى القطع من قبة القدم ، فيحمل بعض الأخبار الدالّة على قطعها من المفصل على المفصل الواقع عند معقد الشراك.

وقد يحمل عليه أيضا فتاوى جماعة ممّن عبّر كذلك ، ويمكن أن يحمل عليه أيضا ما في بعض الأخبار من تفسير الكعب بالمفصل ، وكذا ما في كلام الاصحاب كما مرّت الإشارة إليه.

حجّة القول بأن الكعب هو المفصل أو العظم المستدير الموضوع عنده - على اختلاف القولين أو بإرجاع أحدهما إلى الآخر كما مرّ - ما عرفت من بعض كلمات أهل اللغة والتشريح ، وما تقدّم نقله عن التفسير الكبير وصحيحة الآخرين (2) ، وفيها : فقلنا : أين الكعبان؟ قال : « هاهنا » ، يعني المفصل دون عظم الساق ، فقلنا : هذا ما هو؟ فقال : « هذا من عظم الساق والكعب أسفل من ذلك » (3).

وما دلّ على أنّ السارق إذا قطع رجله يقطع من الكعب ، مع ما دلّ على أنّه يقطع من المفصل كرواية معاوية بن عمّار المرويّة في نوادر ابن عيسى ، عن الصادق عليه السلام في حديث أنّه « يقطع الرجل من المفصل ويترك العقب أيضا (4) يطأ عليه » (5).

ونحوه ما في الرضوي.

مضافا إلى ما ورد من عدّة من الأخبار في الماء الّذي يؤخذ من السبل (6) أنه يأخذ العالي

ص: 519


1- المبسوط 8 / 35.
2- في ( د ) : « الأخوين ».
3- الكافي 3 / 26 ، باب صفة الوضوء ، ح 5.
4- لم ترد في ( ب ) : « أيضا ».
5- وسائل الشيعة 28 / 254 ، باب حد القطع وكيفيته ، ح 7 ، ليس في الرواية : « أيضا ».
6- في ( د ) : « السيل ».

للمنخل (1) إلى الكعبين وللزّرع إلى الشراكين ؛ إذ فيها إشارة إلى أنّ الكعب غير محلّ الشراك ، فتعيّن (2) أن يكون المفصل.

وأنت خبير بأنّ جميع ذلك لا يقاوم بعض ما مرّ من الأدلّة ، فكيف مع انضمام بعضها إلى البعض.

وقد عرفت الحال فيما ذكره أهل اللغة وما ذكره في التفسير الكبير.

ويمكن حمل المفصل في الصحيحة على مفصل المشط الواقع بينه وبين العظم الزورقي كما أشرنا إليه ، وقد يومي إليه قوله : « دون عظم الساق » ، فإن القرب يقتضي بحصول الفصل بينهما في الجملة. والعظم المذكور متّصل بعظم الساق ، والمفصل حد مشترك بينه وبين القدم ، فلا يحسن التعبير منها (3) بذلك ، فالمناسب له هو ما ذكرناه.

وقد يومي إليه أيضا قوله : « والكعب أسفل من ذلك » ، ومن هنا جعلها بعض الأصحاب من شواهد القول المشهور.

وليس بالبعيد ، فما ذكره شيخنا البهائي وجماعة ممّن تأخّر عنه من صراحة تلك الصحيحة فيما اختاروه ليس على ما ينبغي.

وأمّا ما ذكر من الاستناد (4) على محلّ القطع في السارق فقد عرفت أنّ الأظهر قطعه عن القبّة كما هو المشهور ، فهو من الشواهد على المختار كما مرّ.

وأمّا الاستناد إلى الأخبار الواردة في ماء السبل (5) ففيه أوّلا : إنّ الكعب معقد الشراك ، ولا شكّ أنّه أعلى من مبدئه الّذي هو غاية ما يوجد للشروع.

وثانيا : إنّ الظاهر من تلك الأخبار إرادة العظمين النابتين (6) من الجانبين كما يومي إليه

ص: 520


1- في ( د ) : « للنخل ».
2- في ( د ) : « فيتعيّن ».
3- في ( د ) : « عنهما ».
4- في ( ب ) : « الاستثناء ».
5- في ( د ) : « السيل ».
6- في ( د ) : « الناتئين ».

تثنية الكعب في معظمها أو جميعها ؛ إذ لو أخذ الكعب بمعنى آخر لم يكن في رجل إلّا كعب واحد ، وملاحظة الرجلين معا كما في آية المسح لا يناسب ذلك المقام. وحينئذ فلا شهادة فيها على المذهب المذكور أصلا.

ص: 521

ص: 522

فهرس المواضيع الجزء الأول

تقديم بقلم العلامة الفقيه الشيخ هادي النجفي... 5

الأقوال حول الكتاب... 6

تنبيه... 10

كلمات حول تبصرة الفقهاء... 10

نسخ الكتاب... 11

شكر وتقدير... 13

ترجمة المؤلف بقلم العلامة المحقق السيد أحمد الحسيني... 15

عشيرته وأسرته... 15

مولده وشي ء عن نشأته... 18

الهجرة الى ايران... 20

الاقامة بأصبهان... 21

الأصولي الفقيه... 22

بعض تلامذته البارزين... 23

قالوا فيه... 25

آثاره العلمية... 26

وفاته... 27

مصادر الترجمة... 29

ص: 523

نماذج المخطوطات... 29

تبصرة الفقهاء

كتاب الطّهارة

كتاب الطهارة... 43

تبصرة - في معنى الطهارة اللغوي والمصطلح... 43

الباب الأول : في المياه... 47

البحث الأول... 47

مقدّمة : في الماء المطلق والمضاف... 47

تبصرة - في أن الماء طاهر مطهّر... 53

تبصرة - في كيفيّة تنجّس الماء... 72

المدار في صفات النجاسة... 73

الكلام في الصفات الطبيعية... 74

القول في الملوحة... 75

التغيير في غير الأوصاف الثلاثة... 77

مجاورة النجاسة... 78

اعتبار التغيير حال الملاقاة... 79

مدار التنجّس : التغيّر بالنجاسة... 80

مدار التنجّس فعليّته... 83

الاستهلاك في النجاسة والممازجة... 87

البحث الثاني... 89

تبصرة - في أقسام المياه... 89

ص: 524

تبصرة - في كيفيّة تنجّس الجاري... 92

تبصرة - في اعتبار كرّية المادة وعدمه... 99

تطهير ماء الحمام... 106

تسرية حكم الحمام إلى غيره... 108

تبصرة - في ماء المطر... 110

المقام الأوّل : في بيان مسمّى المطر... 110

المقام الثاني : في بيان الحكم... 112

تنبيهات... 118

تبصرة - في تنجس ما دون الكر من الماء الراكد... 121

انفعال القليل بملاقاة النجاسة... 122

تنبيهات... 136

تبصرة - في حكم الكثير الراكد... 142

تنبيهات... 149

تبصرة - في تقدير الكرّ بالوزن... 156

تبصرة - في تقدير الكر بالمساحة... 169

تنبيهات... 183

تبصرة - في موضوع البئر وبعض أحكامها... 186

تبصرة - في كيفية اعتصام البئر بالملاقاة... 190

تبصرة - في تطهير المياه النجسة... 204

تنبيهات... 209

مسائل... 212

تبصرة - في كيفية تطهير البئر ، والكلام في النزح... 220

تبصرة - في مقدار نزح ماء البئر... 224

تبصرة - في تراوح الرجال ونزح ماء البئر... 233

ص: 525

تبصرة - في نزح الماء للدوابّ... 242

تبصرة - في النزح لموت الإنسان... 247

تبصرة - في ثبوت نزح الخمسين... 250

تبصرة - في نزح الأربعين دلوا... 256

تبصرة - في نزح الثلاثين دلوا... 264

تبصرة - في المضاف والأسئار... 268

تبصرة - في امتزاج المضاف بالمطلق... 270

تبصرة - في تنجس المضاف... 274

تبصرة - في الاختلاف في طهورية المضاف أحيانا... 279

تبصرة - في كيفية تطهير المضاف المتنجّس... 286

تبصرة - في تحديد السؤر... 290

تبصرة - في تبعية السؤر للحيوان في الطهارة والنجاسة... 294

تبصرة - في سؤر الحائض... 301

تبصرة - في كراهية سؤر الحائض المتّهمة... 302

فصل : في الماء المستعمل في إزالة الأخباث أو رفع الأحداث... 305

تبصرة - في نجاسة الغسالة... 306

تبصرة - في إزالة ماء الاستنجاء من البدن والثوب... 313

تبصرة - في طهورية الماء المستعمل... 321

تبصرة - في المستعمل في رفع حدث الجنابة... 323

تنبيهات... 326

تبصرة - في غسالة الحمام... 333

تنبيهات... 337

تبصرة - في اشتباه الماء النجس بالطاهر... 340

ص: 526

الفصل الثاني : في الوضوء... 354

القول في الأسباب... 354

تبصرة - في خروج البول أو الغائط والريح... 355

تبصرة - في النوم الغالب... 361

تبصرة - في إلحاق ما يزيل العقل بالنوم... 364

تبصرة - في الاستحاضة القليلة... 366

تبصرة - في حصر النواقض بما ذكر... 370

تبصرة - في النواقض المحتملة... 375

تبصرة - في الأسباب النادبة للوضوء... 379

فصل في أحكام الخلوة... 382

تبصرة - في ستر العورة... 383

تبصرة - في تحريم استقبال القبلة واستدبارها حال البول والتغوّط... 389

تبصرة - في الاستنجاء للبول والغائط... 395

فروع... 400

تبصرة - في الاستنجاء من الغائط... 402

تبصرة - في الاستنجاء بالماء والأحجار وما قام مقامها... 405

تبصرة - في مستحبات المتخلّي... 410

تبصرة - في مكروهات التخلّي... 425

البحث الأول في أفعال الوضوء... 449

تبصرة - في نية القربة... 449

تبصرة - في اعتبار التعيين في النية... 453

تبصرة - في داعي النية... 458

مسائل... 458

ص: 527

تبصرة - في بيان كيفيّة النيّة في الوضوء... 464

تبصرة - في غسل الوجه واليدين... 473

تبصرة - في كفاية مسمّى الغسل... 479

تبصرة - في غسل ظاهر الوجه... 482

تبصرة - في غسل اليدين... 486

تبصرة - في مسح الرأس... 490

تنبيهات... 494

تبصرة - في مسح الرجلين... 495

تبصرة - في تحديد الكعبين... 500

فهرس المواضيع... 523

ص: 528

المجلد 2

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري

الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية

المطبعة: مطبعة الكوثر

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1427 ه.ق

ISBN (ردمك): 978-964-988-001-3

المكتبة الإسلامية

تبصرة الفقهاء

ص: 1

اشارة

ص: 2

تبصرة الفقهاء

تأليف: الفقيه المحقق و الأصولي المدقق الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الإصفهاني قدس سره

المتوفی سنة 1248 ه.ق

الجزء الثاني

تحقيق: السيد صادق الحسيني الإشكوري

ص: 3

رازی نجفی اصفهانی، محمد تقی، ... - 1248 ق.

تبصرة الفقهاء / تألیف شیخ محمد تقی رازی نجفی اصفهانی؛ تحقیق سید صادق حسینی اشكوری.- قم: مجمع ذخائر اسلامی، 1385.

ISBN: 978-988-003-7(دوره)

كتابنامه به صورت زیرنویس.1. فقه شیعه - قرن 13 ق. الف. حسینی اشكوری، سید صادق، 1351 - ، مصحح. ب . عنوان.

1385 2ت 2ر / 3/ 183 BP

297/3

تبصرة الفقهاء (ج2)

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تحقيق: السيد صادق الحسيني الإشكوري

نشر: مجمع الذخائر الإسلامية - قم ، ايران

سنة الطبع: 1427 ه ق، 2007 م

طبعة الكوثر، الطبعة الأولی

ليتوغراف: صبا

كميّة: 1000 نسخة

ردمك: 6-000-988-964-978

(الدورة): 7-003-988-964-978

قمشارع آذرزقاق23-رقم 1 // 09122524335

www.ismajma.com

www.zakhair.net

ص: 4

البحث الثالث: في شرائط الوضوء

تبصرة: [ في اعتبار البدء من الأعلى في الغسلات الثلاث ]

يعتبر البدأة من الأعلى في الغسلات الثّلاث على المعروف من المذهب ، فلا يجزي النكس ولا الغسل دفعة ولا عرضا.

والمعروف جواز الوجهين في المسحات.

وعن السيّد (1) والحلّي (2) الخلاف في الموضعين ، فجوّز الوجهين في الغسل وأوجبا الإقبال في المسح.

وفصّل ابن سعيد بين غسل الوجه واليدين ( فجوّز الأمرين في الوجه دون اليدين.

وعن جماعة من المتأخّرين القول به في الوجه والميل إليه في اليدين ) (3).

وظاهر الصدوق (4) عدم الجواز في شي ء من الغسلات والمسحات. وكذا يعطي عدم جواز النكس مطلقا.

وفصّل الحلي (5) بين مسح الرأس والرجلين ، فجوّز الوجهين في الأوّل دون الأخير.

ص: 5


1- الانتصار : 105.
2- السرائر 1 / 99.
3- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
4- الهداية : 79.
5- السرائر 1 / 100.

ويلوح ذلك من الشيخ في التهذيب (1).

وقوّاه في المختلف (2) في مسح الرجلين ، ثمّ استوجه البناء على الندب.

وظاهر إطلاق الشيخ في الاستبصار التفصيل بعكس المذكور حيث خصّ الرواية الدالّة على جواز الوجهين بمسح الرجلين. والأقوى هو المشهور في الموضعين.

ويدلّ على اعتبار البدأة بالأعلى في الوجه قويّة أبي جرير الرقاشي : « اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحا ، وكذلك فامسح الماء على ذراعيك ورأسك وقدميك » (3).

وجهالة أبي جرير و (4) اشتراكه لا يمنع العمل به بعد كون الراوي عنه الحسن بن محبوب الّذي هو من أصحاب الإجماع ، مع اعتضاده بالشهرة العظيمة.

وعدم وجوب الخصوصيّة المذكورة فيه بالخصوص لا يقتضي عدم تعين البدأة بالأعلى أيضا لقيام الدليل عليه دون ذلك ، وكأنّه بيان لأقل الواجب.

واتّحاد الصيغة الدالّة عليهما لا يمنع منه بناء على ما تقرّر من ظهور الطلب في الوجوب مع قطع النظر عن خصوصيّة الصيغة كما يشهد به ملاحظة الخطابات العرفيّة.

واشتمالها على مساواة اليدين والرجلين في الاكتفاء فيها بمجرد المسح محمول على المبالغة في تقليل صرف الماء كما ورد من الاكتفاء به في الغسل بنحو الدّهن ؛ فإنّه محمول على إرادة أقلّ مسمّى الغسل.

وحينئذ فلا منافاة فيها بمجرّد نصّ الكتاب ، وما أجمعت عليه الأصحاب.

وممّا يدلّ على ذلك أيضا عدّة من المعتبرة المستفيضة الحاكية للوضوء البياني كصحيحة زرارة : « ثمّ غرف ملأها ماء فوضعها على جبينه ثمّ قال : بسم اللّه وسدله على أطراف

ص: 6


1- انظر تهذيب الأحكام 1 / 58 و 61.
2- مختلف الشيعة 1 / 293.
3- بحار الأنوار 77 / 258 ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة 1 / 28 ، باب كيفية الوضوء وجملة من أحكامه ح 22.
4- في ( د ) : « أو ».

لحيته » (1).

وفي صحيحته الأخرى : « فأخذ كفّا من ماء فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه » (2) .. الخبر.

ولا يبعد اتحاد المحكي في الخبرين.

وفي روايته الأخرى فيما رواها العياشي مرسلا : « فغرف منها غرفة فصبّها على جبهته فغسل وجهه بها » (3).

مضافا إلى انّه المنساق من عدّة أخرى من الأخبار الواردة في بيان الوضوء كالمشتمل على لفظ الصبّ على الوجه ونحوه.

والقول بأنّ من الجائز أن يكون ابتداءه عليه السلام بالأعلى من جهة كونه إحدى جزئيات الغسل مدفوع بأنّ الظاهر من أدلّة وجوب التأسّي معين ما فعله سيّما في مقام البيان ، والقول بانتفاء الإجمال في الآية وسائر الإطلاقات ليحتاج إلى البيان يضعّفه أنّ قضيّة وجوب التأسّي تعيين الوجه المذكور ، فيقيّد به الإطلاقات ، ويكون ذلك شاهدا على انّه المقصود منها.

ويدلّ على اعتباره في اليدين القويّة ومرسلة علي بن ابراهيم في حديث ذكر فيه ابتداء النبوّة وفيها : « فعلّمه جبرئيل عليه السلام الوضوء على الوجه واليدين من المرافق ومسح الرأس والرجلين إلى الكعبين » (4).

ورواية الهيثم ، عن الصادق عليه السلام بعد ما سأله عن قوله تعالى ( فَاغْسِلُوا .. ) (5) ، انتهى : وتوهّم دلالتها على كون الغسل من قبل الأصابع إلى المرافق ، فقال عليه السلام : « ليس هكذا تنزيلها

ص: 7


1- الكافي 3 / 25 ، باب صفة الوضوء ، ح 4.
2- الإستبصار 1 / 58 ، باب النهى عن استعمال الماء الجديد لمسح الرأس والرجلين ، ح (171) 1 وفيه : فأسدلها.
3- الكافي 3 / 26 ، باب صفة الوضوء ، ح 5.
4- وسائل الشيعة 1 / 399 ، باب كيفية الوضوء وجملة من أحكامه ، ح 24 ؛ مستدرك الوسائل 1 / 287 ، باب أبواب الوضوء ، ح 1.
5- المائدة : 6.

إنّما هي ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) من ( الْمَرافِقِ ) » (1) ثمّ أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه.

ومرسلة العياشي ، وفيها بعد الحكم بالاكتفاء بآية المائدة ، وقول السائل بعد ذكر الآية فكيف الغسل؟ قال : « هكذا يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبّه في اليسرى ، ثمّ يصبّه إلى المرفق ثمّ يمسح إلى الكف » (2).

مضافا إلى جملة من الأخبار البيانيّة :

منها : الصحيح : « ثمّ غمس يده اليسرى فغرف بها ملاءها ثمّ وضعه على مرفقه وأمّر بكفّه على ساعده حتّى جرى الماء على أطراف أصابعه » (3).

وذكر نحوه في اليسرى أيضا.

وفي صحيحة الآخرين (4) : فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكفّ لا يردّها (5) ، ثمّ قال : « واصنع باليسرى مثل ما تصنع باليمنى ».

ونحوه ما في موثقة الآخرين (6) إلى غير ذلك.

وقد عرفت بما ذكرنا ضعف ما يستند إليه المجوز من إطلاق الآية وجملة من الأخبار من المناقشة في دلالة جملة من الروايات المذكورة على وجوب البدأة بالأعلى ، وضعف إسناد بعضها.

ومنه أيضا يتّضح الوجه في التفصيل ؛ إذ دلالة الأخبار على لزوم البدأة بالمرافق أوضح منها في الوجه.

ويدلّ على كلّ من الوجهين في مسح الرأس والرجلين بعد الإطلاقات خصوص

ص: 8


1- الكافي 3 / 28 ، باب حد الوجه الذي يغسل والذراعين وكيف يغسل ح 5.
2- بحار الأنوار 77 / 283 ، ح 32 وفيه : ثم يفيضه على المرفق.
3- الكافي 3 / 25 ، باب صفة الوضوء ، ح 4.
4- في ( د ) : « الأخوين ».
5- الكافي 3 / 26 ، باب صفة الوضوء ، ح 5.
6- في ( د ) : « الأخوين ».

صحيحة حمّاد : « لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا » (1).

وفي خصوص الرجلين صحيحته الأخرى : « لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا » (2).

والصحيح : عن يونس ، أخبرني من رأى أبا الحسن عليه السلام بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب ، ومن الكعب إلى أعلى القدم ، ويقول : « الأمر في مسح الرجلين موسّع من شاء مسح مقبلا ومن شاء مدبرا ، فإنّه من الأمر الموسّع إن شاء اللّه » (3).

والاحتجاج للمنع مطلقا بأنّه مع الإقبال مجز إجماعا بخلاف الإدبار ، فلا بدّ من العمل بالمتيقّن.

وللمنع في الرأس خاصّة برواية يونس المتقدّمة حيث خصّ التوسّع بمسح الرجلين.

وفي الرجلين خاصّة بظاهر الآية وجملة من الأخبار البيانيّة بيّن الضعف ، مضافا إلى عدم مقاومتها للنصّ الصحيح المعتضد بالشهرة بين الأصحاب.

وينبغي التنبيه لأمور :

أحدها : كما يجوز النكس في تمام العضو في المسح يجوز النكس في البعض دون البعض كما هو قضية الإطلاقات.

ثانيها : الظاهر على ما اخترناه من لزوم الغسل من الأعلى إلى الأسفل عدم جواز الغسل (4) عرضا ، وإلّا كان ذلك أقرب إلى مراعاة غسل الأعلى فالأعلى في بعض الفروض ؛ إذ هو خلاف ظواهر الأخبار الواردة في الوضوءات البيانيّة خلافه ، وقد يتأمّل فيه من جهة قضاء الإطلاقات بالجواز و (5) حصول الترتيب في العضو مع عدم صراحة الأخبار في المنع منه (6).

ص: 9


1- تهذيب الأحكام 1 / 58 ، باب صفة الوضوء ، ح 10.
2- تهذيب الأحكام 1 / 83 ، باب صفة الوضوء ، ح 66.
3- الكافي 3 / 31 ، باب مسح الرأس والقدمين ، ح 7.
4- لم ترد في ( ب ) : « الغسل عرضا ... على الخفّين والنصوص ». في الصفحات الآتية.
5- في ( ألف ) : « الجواز » ولم توجد فيها واو العطف.
6- في ( د ) : « عنه ».

والظاهر في المسح جوازه ؛ أخذا بالإطلاقات ، والحكم بالتوسعة فيه في القويّ.

ولا ينافيه ورود جواز الوجهين خاصّة ؛ إذ لا دلالة فيه على المنع من غيرهما إلّا أنّ الوقوف عليه هو الأحوط.

ثالثها : إنّ الغسل من الأعلى يتصور على وجوه :

منها : أن يكون غسل كلّ جزء من الأعلى قبل الأسفل ممّا يجاوز أو غيره حقيقة أو عرفا.

منها : أن يكون غسل كلّ جزء من الأعلى قبل ما يحاذيه من الأسفل.

منها : أن يكون البدأة بالأعلى من دون ملاحظة ذلك في سائر الأجزاء.

منها : أن يكون البدأة بالأعلى مع صدق الغسل من الأعلى إلى الأسفل عرفا من دون اعتبار تقدّم غسل كلّ جزء على لا حقه.

وهذا هو الظاهر من الأخبار ، وفيما دلّ على المنع عن ردّ الماء دلالة صريحة على عدم جواز النكس في البعض ، فالواجب إنّما هو الغسل من الأعلى إلى الأسفل وإن اتّفق غسل شي ء من الأسفل قبل أعلاه.

ويدلّ عليه رواية سهل بن اليسع ، وقد سأل الرضا عليه السلام عن الرجل يبقى من وجهه إذا توضّأ موضع لم يصبه الماء : « إنّه يجزيه أن يبلّه من بعض جسده » (1).

ونحوه مرسلة الصدوق عن الكاظم عليه السلام.

وعن الشهيد الثاني (2) : إنّ المعتبر في الغسل الأعلى فالأعلى ، لكن لا حقيقة لتعسّره أو تعذّره ، بل عرفا فلا يضرّ المخالفة اليسيرة.

وقال أيضا : وفي الاكتفاء بكون كلّ جزء من العضو لا يغسل قبل ما فوقه على خطه وإن غسل قبل ما فوقه على غير جهته وجه وجيه.

ص: 10


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 59 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ح 133.
2- نقل هذا الكلام في الحدائق الناضرة 2 / 237 عن السيد السند في شرح الرسالة ، ولم أجده منقولا عن الشهيد الثاني ، فافحص.

ولا يذهب عليك أنّ شيئا من أخبار الباب لا يساعد على (1) شي ء من الوجهين المذكورين ، وكأنّ الوجه فيه مراعاة الاحتياط بتحصيل اليقين بالفراغ بعد تيقّن الغسل (2).

ولا يخفى ضعفه.

وفي المدارك (3) : إنّ اقصى ما يستفاد من الأخبار وكلام الأصحاب وجوب البدأة بالأعلى بمعنى صبّ الماء على الوجه واتباعه بغسل الباقي.

ولا يخلو ذلك عن إجمال ، فإن عني به الاكتفاء بمجرّد البداءة بالأعلى وإن غسل الباقي أو بعضه على العكس فهو بيّن الضعف.

وفيه أيضا ما تخيّله بعض القاصرين من عدم جواز غسل الوجه من الأسفل قبل غسل الأعلى وإن لم يكن في سمته (4) ، فهو من الخرافات الباردة والأوهام الفاسدة.

قلت : وهو كما ذكره إلّا أنّ من الغريب ذهاب جدّه إليه كما مرّ.

ويظهر من العلّامة القول به أيضا حيث فصّل في المختلف (5) فيما إذا نسي غسل موضع من الأعضاء فأوجب غسل ذلك الموضع وما بعده من ذلك العضو على القول بعدم جواز النكس ، والاكتفاء بغسله خاصّة من ذلك العضو على القول بجوازه ؛ إذ لو لا بيانه على وجوب مراعاة الأعلى فالأعلى مطلق لما صحّ إطلاقه المذكور ، بل ظاهر فهمه ذلك من كلام جميع القائلين بعدم جواز النكس.

وظاهر بعض متأخري المتأخرين البناء عليه ؛ استظهارا لها من الأخبار المشتملة على الوضوءات البيانية ، فادّعى بعد ذكر عدّة منها صراحتها في الترتيب في نفس العضو على الوجه المذكور في كلام الشهيد الثاني ، قال : ولزوم الحرج في ذلك كما أورده الشهيد على

ص: 11


1- زيادة : « على » من ( د ).
2- في ( د ) : « الشغل ».
3- مدارك الأحكام 1 / 201 وفيه : « صب الماء على أعلى الوجه ثم اتباعه ».
4- في ( ألف ) : « سمه ».
5- مختلف الشيعة 1 / 308.

العلّامة غير واضح ، وليس في الأخبار ما يفيد جواز غسل بعض الأجزاء السافلة قبل العالية سواء كانت في سمتها أو لا ، غاية بعضها الإطلاق ، فيقيّد بما يفيد الترتيب كما هو مقتضى القاعدة.

ولا يذهب عليك - بعد ما عرفت - وهن ذلك كلّه ، بل دعوى دلالة الأخبار عليه وانتفاء الحرج فيه من الغرائب كما لا يخفى.

ص: 12

تبصرة: [ في اعتبار المباشرة في الأفعال ]

اتفقت كلمة الأصحاب على اعتبار المباشرة في أفعال الوضوء. ويعزى إلى الإسكافي في عبارة يوهم عدم اعتباره ذلك حيث عدّ من المندوب أن لا يشرك الإنسان في وضوئه غيره بأن (1) يوضّيه أو يعينه.

فإن ثبت خلافه في ذلك فهو شاذّ ضعيف.

ويدلّ على اعتبار المباشرة بعد الإجماع - محصلا ومنقولا في الانتصار وغيره - أنّه ظاهر الأوامر الواردة المتوجّه إلى المكلّف ، وقيام فعل الغير مقام فعله خلاف الأصل ، بل مخالف لقضيّة كونه عبادة ؛ إذ حصول العبوديّة بشي ء إنّما يكون بمباشرة العبد إيّاه ، مضافا إلى ظواهر جملة من الأخبار كقول الرضا عليه السلام وقد دخل على المأمون وهو يتوضّأ للصلاة والغلام يصبّ على يده الماء : « لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربّك أحدا » ، فصرف المأمون الغلام وتولّى تمام الوضوء بنفسه.

وقد ورد في عدّة أخبار مرجوحيّة أن يشرك أحدا في وضوئه.

وفي بعضها الاستدلال بالآية الشريفة إلّا أنّ الاحتجاج بها كذلك (2) لذلك لا يخلو من خفاء كما سيأتي القول فيه في المكروهات.

ثمّ إنّ الواجب هو مباشرة نفس الأفعال ، وأمّا مقدّماتها كإحضار الماء والصبّ على العضو إذا اعتبر الغسل بإمرار اليد عليه فلا مانع منه.

نعم ، يكره ذلك في المقدمات القريبة كما يأتي القول فيه إن شاء اللّه.

ص: 13


1- في ( ألف ) : « أن ».
2- لم ترد في ( د ) : « كذلك ».

هذا كلّه مع الاختيار ، أمّا مع عدم التمكّن من المباشرة فلا بدّ من تولية الغير كما سيأتي القول فيه عند بيان الوضوء الاضطراري.

هذا ، ولا يعتبر المباشرة باليد في شي ء من الغسلات ، بل المقصود حصول مسمّى الغسل كيف ما اتّفق. وربما خالف فيه شذوذ من الأصحاب ، وقد مرّت الاشارة إليه.

وأمّا في المسحات فيعتبر مباشرة الماسح للممسوح ، فلا يجزي المسح بالحائل ، ولا عليه بلا خلاف فيه.

ومنه المسح على الخفّين ، والنصوص (1) بالمنع عنه بالخصوص مستفيضة ، بل الظاهر أنّه من ضروريات المذهب.

نعم ، لو لم يتمكّن من نزعه جاز المسح عليه ، وربّما تأمّل فيه بعض الأصحاب. وهو ضعيف كما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

ثمّ إنّ المذكور في كلام جماعة من الأصحاب لزوم المسح على بشرة الرجلين ، وقد يفيد ذلك عدم الاكتفاء بالمسح على الشعر المختصّ بها لو نبت عليها شعر حاجب وإن جاز ذلك بالنسبة إلى مسح الرأس.

وقد نصّ الشهيد الثاني بذلك مبدأ للفرق بينهما ، وذكر أنّ قضية المسح بالرأس والرجلين هو المسح على بشرتهما ؛ إذ لا يعد الشعر منهما.

وقد دلّ الرواية في الرأس على جواز المسح على الشعر ، مضافا إلى قيام الضرورة عليه بخلاف الرجلين.

قلت : والقول بعدم الاكتفاء أيضا لا يخلو من إشكال ، ولا (2) بعد في صدق المسح على اسم الرجل بالمسح على الشعر المختصّ بها ، كيف وقد أطبقوا على وجوب غسل الشعر في اليدين معلّلين باندراجه في المتعارف.

مضافا إلى استصحاب بقاء الشغل ، وقد يجعل ذلك وجها في تخصيصهم المسح فيهما

ص: 14


1- إلى هنا سقط في ( ب ).
2- في ( د ) : « إذ لا » بدل « ولا ».

بالبشرة ، فلا يستفاد من كلماتهم المنع من المسح على الشعر.

وكيف كان ، فمع البناء على عدم الاكتفاء بمسح ظاهر الشعر لا يكتفي أيضا بتخليله بحيث تصل الرطوبة إلى البشرة ؛ لعدم حصول المباشرة المعتبرة.

ص: 15

تبصرة: [ في مراعاة الترتيب ]

لا خلاف بين علمائنا في وجوب مراعاة الترتيب في أفعال الوضوء سوى بين القدمين واشتراطه في صحّته.

ويدلّ عليه بعد الإجماع محصّلا ومنقولا عدّة من الأخبار المعتبرة القوليّة والفعليّة ، فلو خالف الترتيب عمدا أو سهوا أو جهلا وجب عليه الرجوع بما يحصل معه الترتيب إلّا أن يجي ء هناك مفسد كفوات الموالاة أو عزوب النيّة كما إذا قدّم اليمين على غسل الوجه ، فعزبت عنه النيّة حين غسله ، فإنّه لا يكتفي إذن بغسله بناء على اعتبار الإخطار ، فيكفي إذن تغسيله ما حقّه التأخير خاصّة كما نصّ عليه الفاضلان وجماعة.

وربّما يقال بلزوم اعادة الأمرين لوقوعه كذلك في غير محلّه ، ولظاهر غير واحد من الأخبار كالموثق : « إن نسيت فغسلت ذراعك قبل وجهك (1) ثمّ اغسل ذراعك » (2).

وهو ضعيف جدّا ؛ إذ لا مقتضي لإعادة ما حقّه التقديم.

وفي البحار (3) بعد ذكر هذا الاحتمال : ولا يخفى وهنه. والرواية المذكورة وما بمعناها ليست صريحة في ذلك ، مضافا إلى الموثق : « إذا بدأت بيسارك قبل يمينك ومسحت رأسك ورجليك ثمّ استيقنت أنّك بدأت بها غسلت يسارك ثمّ مسحت رأسك ورجليك » (4).

وهي أصرح دلالة ممّا يخالفها.

ص: 16


1- زيادة في ( د ) : « فأعد غسل وجهك ».
2- الكافي 3 / 35 ، باب الشك في الوضوء ومن نسيه أو قدم أو أخر ، ح 6.
3- بحار الأنوار 77 / 263.
4- وسائل الشيعة 1 / 454 ، باب وجوب الإعادة على ما يحصل معه الترتيب ، ح 14.

وعن ظاهر التحرير (1) لزوم إعادة الوضوء من رأس وإن لم يخف (2).

وهو إن حمل على ظاهره غريب.

وقد يعلّل بفوات الموالاة بمعنى المتابعة. ويردّ أنّها ليست شرطا في الصحة عندهم كما سيجي ء.

وربّما يحمل على صورة قصده الوضوء كذلك ؛ إذ لا يبعد البناء فيه على الفساد مطلقا ؛ لعدم مشروعيّة المقصود.

وقد يقال بلزوم إعادة كلّ من المقدم والمؤخر مع تعمّد المخالفة ؛ لعدم استدامة النيّة. وهو قوي.

ومن الغريب تفصيله في التذكرة (3) بين العمد والسهو ، فحكم بالصحّة في الأوّل مع عدم الجفاف ، فيعود إلى ما يحصل به الترتيب ، وحكم بالفساد في الأخير مع أنّ حكمه بعكس ذلك أولى ، وإن كان إطلاق الفساد فاسدا فيه أيضا كما عرفت.

ولو غسل الأعضاء فقد صحّ غسل وجهه إن لم يجعل في نواه خصوص تلك الأفعال المتقاربة ، وإلّا فسد مع العمد.

وكذا مع السهو وجه قويّ.

وأطلق في التذكرة صحّة غسل الوجه. ولا يبعد حمله على ما قلناها.

هذا ، وأمّا القدمان ففي اعتبار الترتيب بينهما خلاف بين الأصحاب ، فالأكثر على عدم اعتباره مطلقا. وحكاية الشهرة عليه مستفيضة في كلماتهم ، و (4) لا يخلو من وجه قوّة.

وذهب بعضهم إلى اعتبار الترتيب بينهما ، وعزي إلى الصدوقين والإسكافي والديلمي وجماعة من المتأخرين. وفصّل بعضهم : فمنع من تقدّم اليسار على اليمين خاصّة وجوّز

ص: 17


1- كما في ( د ) ، وفي ( ألف ) و ( ب ) : « المبسوط » ، بدلا من « ظاهر التحرير ».
2- تحرير الأحكام 1 / 74.
3- تذكرة الفقهاء 1 / 188.
4- زيادة الواو من ( د ).

الوجهين الآخرين.

حجّة الأوّل : إطلاق الكتاب ومعظم الأخبار المبيّنة للوضوء سيّما الحاكية للبناء الفعليّة مع التصريح فيها بمراعاة الترتيب بين سائر الأعضاء سوى القدمين ، فإن ذلك كالصريح في عدم اعتبار الترتيب بينهما. كيف لو وجب ذلك لاعتبره الإمام في البيان ، ولزم حكاية الراوي لها كذلك ، فإطباق الروايات الحاكية إليها كذلك على عدمه صريح في عدمه.

مضافا إلى اعتضاده بالأصل والشهرة.

ويدلّ على الثاني خصوص الصحيح : « امسح على القدمين وابدء بالشقّ الأيمن » (1).

وإطلاق الخبر : « إذا توضأ أحدكم للصلاة فليبدأ باليمين قبل الشمال جسده ». (2)

وفي رواية أخرى أنّه عليه السلام كان إذا توضّأ بدأ بميامنه (3) ، أيضا.

مضافا إلى اعتضادها بالاحتياط في تحصيل اليقين بالفراغ سيّما مع القول بكون العبادات اسامي للصحيحة.

وفيه : أنّ شيئا من الأخبار المذكورة ليس صريحا في الوجوب ، فليحمل على الندب (4) ، مضافا إلى ما في الأخيرين من الإطلاق والضعف في الإسناد ، ولا معوّل على الاحتياط بعد قضاء الأدلّة بالجواز.

وقد يقال : إنّ ما استدلّ به على عدم الترتيب مطلقة والصحيحة المذكورة مقيّدة ، فلا بدّ من حملها عليها.

قلت : مساق تلك الأخبار يأبى عن الحمل المذكور ، بل هي بمنزلة النصوص على عدم اعتبار الترتيب سيّما مع اعتضادها بفهم الأكثر ، وإعراضهم عن العمل بظاهر الصحيحة ، فالبناء على وجوب الترتيب بينهما بمجرّد ذلك مشكل جدا إلّا أنّ الاحتياط في أمثال هذه

ص: 18


1- الكافي 3 / 29 ، باب مسح الرأس والقدمين ح 2.
2- وسائل الشيعة 1 / 450 ، باب وجوب الترتيب في الوضوء وجواز مسح الرجلين معا ح 4.
3- الأمالي للطوسي : 387.
4- زيادة في ( د ) : « لظاهر تلك الأخبار ».

المقامات ممّا لا ينبغي تركه.

حجّة الثالث : مكاتبة الحميري المرويّة في الاحتجاج عن القائم عليه السلام ، وقد سأله عن البدأة باليمنى في المسح على الرجلين أو أنّه يمسحهما جميعا؟ : « فإن بدأ بأحدهما قبل الاخرى فلا يبدأ إلّا باليمين » (1).

وفيه ضعف الإسناد مع انتفاء الجائز ، فلا ينهض حجّة على أنّه يمكن حملها على الاستحباب جمعا.

وأنت خبير بأنّ ما دلّ عليه من جواز المعيّة في المسح مجبور بفتوى الأصحاب ، فينهض دليلا عليه.

وحينئذ يتعارض الصحيحة المتقدّمة الآمرة بتقديم الأيمن ، فيتعيّن حملها على الندب ، وما دلّ عليه من عدم جواز تقديم اليسار غير منجبر ، فلا يقوم حجّة على المنع فيه. وحينئذ فلا دليل على عدم جوازه بعد حمل الصحيحة على الندب (2).

ص: 19


1- بحار الأنوار 77 / 263 ، باب وجوب الوضوء وكيفيته وأحكام ، ح 11.
2- زيادة في ( د ) : « فتأمّل ».

تبصرة: [ في اشتراط الموالاة ]

اشارة

لا خلاف بين الأصحاب في اشتراط الوضوء بالموالاة ، واختلفوا في تفسيرها مع إطباقهم على اعتبار عدم تأخير الفعل اللاحق بحيث يجفّ ما أتى به من السابق ، فقيل : إنّ ذلك هو الموالاة المعتبرة بمعنى أن يكون تلبّسه باللاحق مع بقاء الرطوبة في السابق عليه ، وحكي الشهرة في كلام جماعة.

وذهب الشيخ (1) وجماعة منهم العلّامة في جملة من كتبه أنّها المتابعة بين الأفعال بحيث يشتغل بكلّ فعل منها عقيب فراغه من الآخر مع اعتبار عدم جفاف العضو السابق أيضا.

والمعتبر في الصحّة إنّما هو الثاني دون الأوّل فلا يترتّب على مخالفته سوى العصيان على ما حكى بعض الأجلاء الشهرة عليه بين هؤلاء.

وممّن نصّ عليه العلّامة في النهاية (2) وغيرها.

وعن ظاهر المبسوط (3) فساد العمل بفوته مع الاختيار كما هو قضية الاعتبار.

وفي البيان (4) مع (5) تفسيره الموالاة لمراعاة الجفاف : نعم ، لو أفرط في التأخير عن المعتاد فالأقرب التحريم ، أمّا البطلان فلا إلّا مع الجفاف ، قال : ومع العذر لا تحريم.

وذكر نحوه أيضا في الدروس (6).

ص: 20


1- الخلاف 1 / 96.
2- نهاية الإحكام 1 / 46.
3- المبسوط 1 / 22.
4- البيان : 10.
5- في ( د ) : « بعد ».
6- الدروس 1 / 93.

وظاهر ذلك موافقة أولئك في اعتبار الموالاة بالمعنى الثاني أيضا لكن لا على نحو ما ذكروه. وظاهر الصدوقين الاكتفاء بأحد الأمرين من مراعاة الجفاف والمتابعة العرفية. واختاره بعض محقّقي المتأخرين ، وعزي إلى جملة من متأخري المتأخرين الميل إليه.

وعن بعض الأفاضل اعتبار الموالاة بالمعنيين. وهو كما نصّ عليه بعض المحقّقين راجع إلى القول الثاني.

والأظهر هو الأول للصحيح : ربّما توضّأت فنفذ الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ فيجف وضوئي ، فقال : « اعد » (1).

والموثق : « إذا توضّأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتّى ينشف وضوؤك فأعد وضوءك فإنّ الوضوء لا يبعّض » (2) ؛ إذ ظاهر إطلاقهما إناطة الإعادة على الجفاف لعدم ظهور الفرض المذكور فيهما في حصول التفريق عرفا ؛ إذ مجرّد الإبطاء وطروّ الحاجة أعمّ منه ، وفرض الجفاف لا يقتضيه ؛ لاختلافه باختلاف الأحوال وكثرة استعمال الماء وقلّته ، وسرعة إيصال الماء إلى أجزاء العضو وبطوئه.

ويعضده فهم الجمهور ، مضافا إلى التعليل المذكور في الأخير ؛ إذ ظاهره عدم الاكتفاء بالأفعال الباقية بعد جفاف السابقة.

وكأنّ الوجه في عدّه تبعيضا تنزيل الجفاف منزلة انعدام الغسل.

وحمله عن النهي عن التفريق بإرادته من لفظ التبعيض مع بعده في المقام موهون بأنّ ما يدلّ عليه الرواية إذن استناد الفساد إلى انتفاء التتابع دون طروّ الجفاف ، وهم لا يقولون به كما عرفت.

ويؤيّد ما قلناه أنّه قضية الأصل ، فإنّ ظواهر الإطلاقات جواز الإتيان بالغسلات كيفما اتفقت خرج عنه صورة الجفاف بالنصّ والإجماع ، فيبقى الباقي مندرجا في الإطلاق.

وهذا كما ترى إنّما يقوم حجّة على من يقول باعتبار التتابع بالخصوص دون من تخيّر بينه

ص: 21


1- الكافي 3 / 35 ، باب الشك في الوضوء ومن نسيه أو قدم أو أخر ، ح 8.
2- الكافي 3 / 35 ، باب الشك في الوضوء ومن نسيه أو قدم أو أخر ، ح 7.

وبين الجفاف ، بل قضيّة الأصل فيه بالعكس إلّا أنّ ظاهر النص مع اعتضاده بفهم الأكثر كما عرفت يعطي خلافه.

وما قد يقال من أن حصول التتابع والوضوءات البيانيّة قاض بوجوبه من جهة التأسي مدفوع بأنّ قضية ذلك فساد العمل بدونه ؛ لكونه إذن من الكيفيّات المعتبرة فيه ، وهو خلاف المعروف بين القائلين به كما مرّ إلّا أن يقال بثبوت الوجوب بذلك خاصّة ؛ نظرا إلى قيام الدليل على صحّة الوضوء مع بقاء الرطوبة كما في الصحيحة المذكورة.

وفيه أيضا تأمّل.

وثانيا بأنّ التفريق بين الغسلات من الأمور الحاصلة بسبب طروّ العوارض ، فليست المتابعة في مثله عند البيان إلّا من مقتضيات العادات كأخذ الماء بالكفّ وايصاله إلى تمام العضو بإمرار اليد ، فإن اختياره غالبا من جهة السهولة أو (1) قلّة صرف الماء.

وبذلك يظهر ضعف الاستناد إلى تلك الأخبار في وجوب شي ء من تلك الخصوصيّات كما توهّمه البعض.

وبما ذكرنا عرف ضعف ما قد يستند إليه القائل (2) بالاكتفاء بأحد الأمرين لاستناده إلى الإطلاقات بعد ادعائه أنّ غاية ما يدلّ عليه الخبران هو الفساد مع انتفاء الأمرين.

وقد عرفت ما يكشف عن فساده.

واستدلّ أيضا لاعتبار التتابع بالمستفيضة الدالّة على وجوب المتابعة بين أفعال الوضوء كالصحيح : « تابع بين الوضوء كما قال اللّه .. » (3) الخبر.

وصحيحة أخرى : « اتبع وضوئك بعضه بعضا » (4).

ويدفعه أنّ المتابعة فيها مجملة ، ويحتمل أن يراد بها الترتيب دون المعاقبة العرفيّة في

ص: 22


1- في ( د ) : « و ».
2- زيادة في ( ب ) : « باعتبار التتابع من الاحتياط والرجوع إلى الأخبار البائنة وكذا ما استند إليه القائل ».
3- الكافي 3 / 34 ، باب الشك في الوضوء ومن نسيه أو قدم أو أخر ، ح 5.
4- الكافي 3 / 34 ، باب الشك في الوضوء ومن نسيه أو قدم أو أخر ، ح 4.

الصحيحين المذكورين ما يشير إلى إرادته ، فمع الغضّ عن ظهورها فيه في المقام لا أقلّ من حصول الاحتمال الّذي يبطل به الاستدلال.

[ تنبيهات ]

ولا بدّ من التنبيه على أمور :

أحدها : هل المدار على بقاء الرطوبة في جميع أعضاء السابقة أو تمام عضو منها أو يكتفى ببقائها في شي ء منها؟ وجوه بل أقوال ؛ أقواها الأخير.

وهو ظاهر المشهور لظاهر الأخبار ، والأوّل يحكى عن الإسكافي ، والثاني عن السيّد والحلي.

ومستندهما غير واضح. وكأنّه لاستظهارهما من الأخبار أو مراعاة الاحتياط مع الشكّ في مدلولها.

وفيه ما لا يخفى.

ثانيها : المدار في الموالاة على عدم جفاف جميع الوضوء قبل كماله كما هو ظاهر الروايتين المذكورتين ، فلو جفّ تمام العضو السابق قبل إكمال اللّاحق لم يضرّ مع بقاء الرطوبة في شي ء من القدر المغسول من ذلك العضو.

ثالثها (1) : المحكي عن كثير من الأصحاب تقييد الجفاف بكونه في الهواء المعتدل ، وظاهر ذلك يوهم انتفاء الفساد بالجفاف أنّ المستند إلى الجزء الخارج عن المعتاد وإن أمكنه بقاء الرطوبة وحصوله مع بقاء الرطوبة في الهواء البارد الرطب.

وهو خروج عن مقتضى الأدلّة في الصورتين ؛ إذ الظاهر منها إناطة الفساد بطروّ الجفاف فيدور (2) مداره وجودا وعدما ، فلا وجه للصحّة مع حصوله ولا للفساد مع عدمه.

وتقدير بقاء الرطوبة وزوالها في الصورتين لا دليل على اعتباره ، مضافا على اختلاف

ص: 23


1- زيادة « ثالثها » من ( د ).
2- في ( ألف ) : « يدور ».

الأحوال والفصول والأمصار في ذلك.

وليس هناك غالب لينصرف إليه الإطلاق ، والرجوع إلى المعتدل لا دليل عليه.

وظاهر الشهيد في الذكرى (1) التفصيل بين الصورتين ، فحكم بفساد التقدير مع بقاء الرطوبة دون ما إذا حصل الجفاف في الحرّ الشديد ، فحكم فيه بالصحّة أيضا.

وكأنّ الوجه فيه انصراف ما دلّ على الفساد مع الجفاف إلى الغالب المعتاد ، ولا يقضي ذلك الفساد مع حصوله بالعارض ، ولا مع انتفائه كذلك. وقضية الأصل فيهما الصحّة.

وفيه ما عرفت.

ثمّ إنّه يستثنى من الأول صورة الاضطرار كما سيجي ء القول فيه ، ومن الثاني ما إذا حصل الفصل الطويل بين أبعاضه بحيث لا يصدق معه اسم الوضوء في عرف المتشرّعة ؛ إذ لا أقلّ من الشكّ في شمول الأدلّة لمثله. ولا يبعد حمل كلام الأصحاب عليه ، فيكون مقصودهم من البعد (2) اخراج مثل ذلك لو جفّ الرطوبة في العضو السابق ؛ لفرط الحرارة أو قلّة الماء مع عدم المندوحة به ، فالأظهر الصحّة ؛ أخذا بالإطلاقات مع عدم قيام دليل على عموم الاشتراط بحيث يشمل ذلك.

ولا فرق بين كون الجفاف لفرط الحرّ في الهواء أو (3) في العضو غير ذلك ، ولو كان من جهة اضطرار إلى التأخير كبطء نبع الماء فيه وجهان ؛ كان أوجههما المنع ، والأحوط الجمع بينه وبين التيمّم.

ولو كان المانع من خارج كظالم يمنعه من التتابع ، فالأظهر الفساد ، [ و ] هل يجب التأخير إلى آخر الوقت لو أمكن مراعاة الشرط؟ فيه وجهان.

ولو تمكّن من إبقاء الرطوبة بصبّ الماء الجديد على العضو السابق احتمل قويّا وجوبه.

ص: 24


1- الذكرى : 91.
2- في ( د ) : « العبد ».
3- زيادة « أو » من ( د ).

تبصرة: [ في اشتراط طهورية ماء الوضوء ]

يشترط أن يكون ماء الوضوء طهورا ، بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، فلا يصحّ الوضوء بالماء النجس إجماعا.

ويدلّ عليه بعد ذلك النصوص المستفيضة الناهية عن الوضوء بجملة من المياه النجسة ، وفي بعضها تعقيب الحكم بالمنع من الوضوء للحكم بالنجاسة.

وفي الخبر : « فإن اللّه تعالى فرض الوضوء على عباده بالماء الطاهر وكذلك الغسل من الجنابة » (1).

وهل الطهارة والنجاسة صفتان واقعيتان للأشياء أو أنّهما منوطان بعلم المكلّف بالنجاسة وجهله؟ - فيكون الطاهر الواقعي ما حكم الشرع بطهارته والنجس كذلك ما حكم بنجاسته - وجهان ، ظاهر جمهور الأصحاب وصريح جماعة منهم هو الأوّل.

والثاني مختار جماعة من المتأخرين.

ويتفرع على الأوّل لزوم إعادة الصلاة وقضائها لو تبيّن نجاسة الماء كما هو المشهور بين الأصحاب ، وعلى الثاني فلا قضاء ولا إعادة على القاعدة.

ولذا ذهب غير واحد من المتأخرين إلى سقوطهما.

وعن ظاهر الإسكافي والشيخ وصريح القاضي سقوط القضاء دون الاعادة. وكأنّه من جهة بعض الروايات.

والأقوى هو الأوّل ؛ إذ الظاهر بعد الرجوع إلى عرف المتشرعة المأخوذ من بيان الشرع

ص: 25


1- وسائل الشيعة 1 / 483 ، باب اشتراط طهارة الماء في الوضوء والغسل .. ح 1.

أنّ الطهارة والنجاسة صفتان واقعيتان للأشياء لا يناط حصولهما بالعلم والجهل بحيث يكون مجهول النجاسة (1) طاهرا واقعيا ، ولذا يصحّ تعلّق كلّ من العلم والجهل بكلّ منهما ، وقد ورد ذلك أيضا في الأخبار.

ويدلّ على ما قلناه من الأخبار كالمستفيضة القريبة من التواتر الواردة في الكر وصحيحة ابن بزيع (2) في البئر وصحيحة معاوية بن عمّار (3) فيها ، وفيها : « فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة » (4) ، وعدة من الأخبار الواردة الدالّة على نجاسة القليل كالمستفيضة الدالّة على نجاسة الماء بإدخال الجنب يده القذرة في الماء (5).

وصحيحة علي بن جعفر الدالّة على عدم صلاحية الوضوء من إناء قطر فيه قطرة من دم الرعاف.

إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع.

كيف ، ولو كان قبل العلم بنجاسته طاهرا واقعيا لزم عدم الحكم بنجاسة ملاقيه حينئذ ، وإن تيقّن نجاسته بعد ذلك لملاقاته الطاهر حال الجهل فلا تنجس به ، وبعد لا ملاقاة يوجب التنجيس.

وقد يستدلّ له أيضا بجملة من الأخبار الناهية عن الوضوء بجملة من المياه النجسة كقوله عليه السلام : « إذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا توضّأ ولا تشرب » (6).

وقوله عليه السلام في الكلب أنّه « رجس نجس لا يتوضأ بفضله » (7).

وأورد عليه أنّ ذلك لا يتمّ في الجاهل ؛ لامتناع توجّه الخطاب إليه ، فلا يفيد ما هو

ص: 26


1- في ( د ) : « المجهول نجاسته » بدل « مجهول النجاسة ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 232 ، باب تطهير المياه من النجاسات ح 7.
3- الإستبصار 1 / 31 ، باب البئر يقع فيها ما يغير أحد أوصاف الماء .. ح 2.
4- تهذيب الأحكام 1 / 232 ، باب تطهير المياه من النجاسات ، ح 1.
5- انظر وسائل الشيعة 2 / 266 باب جواز ادخال الجنب يده في الماء قبل الغسل المستحبة.
6- الكافي 3 / 4 ، باب ماء الذي تكون فيه قلة والماء الذي في الجيف ، ح 3.
7- الإستبصار 1 / 19 ، باب حكم الماء إذا ولغ فيه الكلب ح (40) 2.

المقصود من ثبوت الفساد بالنسبة إليه.

ويدفعه أولاً : أنّه ليس المقصود من تلك النواهي مجرّد الحرمة ، بل المقصود منها بمقتضى المقام فساد الوضوء فلا تختلف فيه الحال بالنسبة إلى العالم والجاهل.

وثانياً : أنّه إذا كان الحكم الواقعي فيه المنع من الوضوء فلا يقع فيه البراءة الواقعيّة ، فيكون فاسدا ، فيجب قضاؤه بعد كشف الحال.

ودعوى معذورية الجاهل - كما حقّق في محلّه - ممّا لا دخل له في ذلك ؛ إذ قضية ذلك رفع الإثم والعقاب ، لا صحّة الفعل وسقوط القضاء.

نعم ، إذا كان الفساد من جهة منع الشارع وتحريمه كما في المغصوب صحّ الفعل مع الجهل ؛ لارتفاع جهة المنع. وهو الفارق بين المقامين.

كيف ولو كان الجهل مصحّحا للفعل لزم بقوله (1) بصحة الوضوء إذا كان جاهلا بحكم النجاسة.

والظاهر أنّه لا تأمّل لأحد في فساده ولزوم الإعادة.

وتوهّم العموم في معذورية الجاهل فاسد كما حقّق في محلّه.

وما قد يقال من أنّ ظاهر ما ورد من أنّ « كلّ شي ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر فإذا علمت فقد قذر » (2) ، « فإنّ الماء كلّه طاهر حتّى تعلم أنّه قذر » (3) قاض بحصول الطهارة الواقعيّة وإن حصل هناك ملاقاة للنجاسة بحسب الواقع واضح الفساد ؛ إذ من البيّن أنّ الروايتين مسوقتان لإثبات الأحكام الظاهريّة ، وبيان الطريق الشرعي إلى الواقع.

فالمقصود منهما بيان أصالة الطهارة حتّى يتبيّن المخرج ، لا بيان ما هو ظاهر في الواقع ، ومساق الروايتين صريحة في ذلك ، مضافا إلى فهم الأصحاب.

ويومي إليه تعلّق العلم بالقذارة ، ولو كان العلم مأخوذا في معناها لما صحّ تعلّق العلم بها

ص: 27


1- في ( د ) : « القول ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 285 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ح 119.
3- الكافي 3 / 1 ، باب طهور الماء ح 2 و 3.

إلّا على نحو من المجاز ، فحينئذ لا يزيد ذلك على جعل اليقين طريقا في معرفة سائر الأشياء ، فكما أنّه بعد كشف الخلاف في اليقينيّات لا يكون المأتيّ به عين الواقع فكذا في المقام ، وهو ظاهر.

ص: 28

تبصرة: [ في اشتراط جواز التصرف في الماء ]

من الشرائط جواز تصرّفه في الماء بكونه مملوكا له أو مأذونا فيه من مالكه أو مباحا بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، فلا يصحّ الوضوء بالمغصوب ؛ لعدم إمكان التقرّب بالمحرّم ويأتي على قول من يجوّز اجتماع الأمر والنهي من جهتين صحّة الوضوء به ، لاختلاف الجهة إلّا أنّ ظاهرهم الإطباق على المنع في المقام.

وكأنّه لقيام الإجماع عليه.

ولو انحصر في المغصوب فعلى قولهم أيضا يجب الحكم بالفساد ؛ لسقوط التكليف معه بالوضوء ، فيتعيّن عليه التيمّم.

ثمّ إنّ فساد الوضوء بالمغصوب مع العلم بالغصب والحكم ظاهر ، وكذا مع الجهل بالفساد مطلقا أو بالحرمة مع استشعاره للمسألة وتردّده في الحكم.

وأمّا مع الجهل والغفلة المطلقة من الحكم فالظاهر عدم التأمّل في الصحة لجواز التصرّف إذن ؛ نظرا إلى قبح تكليف الغافل. ولتحقيق الكلام فيه مقام آخر.

ولو كان جاهلا بموضوع الغصب فلا تأمّل في الصحّة لانتفاء الحرمة معه ، فلا مانع.

كما أنّه لا تأمّل في الفساد مع عدم كونه مغصوبا في الواقع إذا اعتقد مغصوبيّته ، وكذا مع جهله بجواز تصرفه فيه ، وإن كان ممّا يجوز له.

وقد يستشكل في الصحّة مع الجهل بالغصب ؛ إذ قضيّة حرمة الغصب (1) واقعا إيجاب الوضوء بغيره في الواقع ، فإذا تبيّن كونه مغصوبا ظهر كون المأتي به غير (2) المأمور به ، فيكشف

ص: 29


1- لم ترد في ( ب ) : « إذ قضيّة حرمة الغصب ».
2- في ( ألف ) : « بغير ».

عن عدم حصول البراءة كما هو الشأن في انكشاف النجاسة.

ويدفعه أنّ انكشاف المغصوبيّة وإن دلّ على منع التصرّف فيه واقعا وعدم موافقة الظاهر فيه للواقع ، أمّا بالنسبة إلى الوضوء فالظاهر الصحّة الواقعيّة ؛ إذ قضية الإطلاقات صحّة الوضوء بأيّ ماء كان خروج عنه ما كلّفنا بعدم التصرّف فيه في الظاهر ، سواء كان هناك منع واقعي أو لا ؛ لما عرفت من كون المانع منه التكليف بعدم التصرف المانع من إمكان التقرّب.

والفرق بينه وبين النجس ظاهر ؛ إذ ليس الفساد فيه من جهة الحرمة ، بل بسبب اشتراط الطهارة في الصحّة ، فالكشف عن انتفاء الشرط كاشف عن عدم المشروط.

وقد مرّ الإشارة إليه.

ولو كان جهله لموضوع (1) الغصب ناشئا عن الجهل بحكمه كما إذا توهّم سلطان الوالد على مال الولد جرى فيه حكم الجهل بالحكم.

ولو نسي كونه مغصوبا فالأقوى الصحة ؛ لارتفاع المنع وفاقا لجماعة من المحققين منهم الشهيدان والمحقّق الكركي. واختار الفاضل فساد الوضوء معه. وكأنّه لتسبّب النسيان عن التسامح في أمر الشرع.

وهو كما ترى.

نعم ، لو بنى على استعمال المغصوب من غير تحرّز فاتّفق النسيان حال الفعل احتمل القول بالفساد إجراء عليه حكم العمد ؛ نظرا إلى إجراء حكم العمد عليه في العرف كما في إجراء حكم العبادة مع الاستدامة الحكميّة وإن غفل العامل من عمله.

وقد يحمل عليه كلام الفاضل ، ولو نسي الحكم فهو بمنزلة الجاهل به ، فيجري التفصيل المذكور.

وظاهرهم فيه البناء على الفساد.

ويمكن حمله على ما قلناه بمنزلة إذن المالك شهادة الحال برضاه.

ص: 30


1- في ( ألف ) : « الموضوع » بدل : « جهله لموضوع ».

ويعتبر حصول العلم العادي برضاء المالك ، فلا عبرة بمجرّد الظن إلّا أن يكون من أحد الظنون المعتبرة ، والظاهر جواز الوضوء بالمياه الجارية والقنوات الطاهرة والعيون الواقفة والأراضي المتّسعة لا لما توهّم من شهادة الحال من المالك بالإذن ؛ لعدم حصول القطع به أولا ؛ وباحتمال كونه للصغير أو المجنون أو كونه وقفا على الجهة المخصوصة والمنافية لذلك ثانيا ؛ بل من جهة إذن الشارع الذي هو مالك الأصل لقيام السيرة القاطعة بين المسلمين من قديم الدهر إلى الآن عليه.

وحيث إنّ الأصل فيه المنع فيجب فيه إذن الشرع يبنى على المنع كما إذا صرّح المالك بالمنع أو كان التصرّف فيه بحيث يوجب إضرار المالك أو كان المتصرّف غاصبا لذلك الماء.

وأمّا إذا كان عدوّا فالأظهر عدم المنع إلّا مع العلم بالكراهة ، وفي إلحاق الشي ء بالعين إشكال ، وقضية الأصل فيه المنع.

ص: 31

تبصرة: [ في اشتراط إباحة المكان ]

من شرائطه اباحة المكان بمعنى الفضاء الّذي يقع فيه الغسلات والمسحات ؛ إذ مع عدم جواز التصرّف فيه لا يصحّ التقرّب بشي ء من الأعمال الواقعة فيه على نحو ما مرّ.

وهو أيضا مبنيّ على ما هو التحقيق من عدم جواز اجتماع الأمر والنهي كما أطبق عليه الأصحاب.

ويأتي على القول الآخر صحّة الوضوء لكن مع عدم انحصار المكان الذي يتمكّن فيه من الوضوء في المغصوب ، وإلّا لم يصحّ أيضا لانتقال الحكم معه إلى التيمّم.

وممّا ذكرنا يظهر ضعف ما ذهب إليه المحقّق من قطعه بعدم اشتراط اباحته (1) مع قطعه بعدم جواز اجتماعهما ، ويجري في صورة الجهل بالحكم والموضوع أو نسيانهما ما مرّ.

وحكم الأراضي المتّسعة ما ذكرناه.

وأمّا إباحة الموقف وغيره ممّا لا يقع فيه أفعال الوضوء فالظاهر عدم اعتبارها إن لم يستلزم أفعال الوضوء تصرّفا فيه ، وإلّا فيقوى فيه الفساد كما إذا كان في يده خاتم مغصوب ونحو ذلك.

وكذا الكلام في مصبّ الماء ، فإنّ سبب الوضوء سقوط الغسالة عنه كان بحكم غصب المكان إلّا أن يكون بانيا حال الفعل على منعه عن الإعذار إليه ، فعدل عنه بعد حصول الغسل ؛ لانتفاء العصيان حين الفعل.

وأمّا الآنية ففي أقسام إباحتها وجوه ثالثها التفصيل بين الانحصار فيه وعدمه ؛ إذ في

ص: 32


1- لم ترد في ( ب ) : « اشتراطه مع قطعه بعدم إباحة » ، في ( ألف ) : « اشتراطه إباحة ».

الأوّل يتعيّن عليه التيمّم ؛ لعدم جواز التصرف معه (1) بالوضوء بخلاف الثاني ، فليس الحرام إلّا في مقدمته ، وهو لا يمنع من التقرّب بأصل الفعل (2) إذا جمع مع ركوب الدابّة المغصوبة في الذهاب إلى المشاعر من غير مدخليّة للعقب في نفس الأفعال.

وهذا متّجه مع عدم البناء من أوّل الأمر على أخذ الماء من المغصوب في أفعاله ، ومعه فقد يتأمّل في الصحّة من جهة عدم صحّة التقرب بما يتوقّف على المحرم حيث إنّ ما نواه خصوص ما بنى على إتيانه.

ثمّ إنّ مناط الحكم بالفساد في المسائل المذكورة هو لزوم اجتماع الأمر والنهي ، فلا فرق بين النهي المسبّب عن الغصب أو غيره من جهات المنع كالنذر ونحوه ، ومنه الوضوء من آنية الذهب والفضّة ، والوجه فيه ما ذكرناه.

ص: 33


1- زيادة في ( د ) : « فلا يكلّف معه ».
2- زيادة في ( د ) : « كما ».

تبصرة: [ في طهارة أعضاء الوضوء ]

ومن الشرائط طهارة أعضاء الوضوء قبل إجراء الماء ، فلا يكتفي بغسل واحد للأمرين على المشهور بين الأصحاب كما حكاه بعض المتأخرين.

وذهب الشيخ في المبسوط (1) إلى عدم اشتراط طهارة المحلّ في الغسل ، بل ولا زواله به ، فاكتفى بغسل واحد لهما لو زالت النجاسة به.

وحكم بصحّة الغسل ونجاسة المحلّ مع عدم الإزالة.

وقضيّة ذلك حكمه بجواز الوضوء بالأول ؛ لورود ما قد يستفاد منه الاشتراط هناك بخلاف المقام.

وقد يعلّل الاشتراط بأنّه يجب الغسل لكلّ من الحدث والخبث ، فلا يتداخلان ، وأنّه يشترط في ارتفاع الحدث طهارة الماء مع نجاسة المحلّ ينجس الماء ، فلا يصلح للرفع.

وضعف الأوّل واضح ، وليس إزالة النجاسة ممّا يقصد تعبد فيها بل يسقط التكليف بها بأيّ وجه (2) حصلت. على أنّ ذلك لا يدلّ على اشتراط الترتيب بوجه كما هو المطلوب.

ويضعف الثاني بأنّ غاية ما يسلّم من اشتراط طهارة (3) الماء هو طهارته قبل الاستعمال كما هو الحال في رفع الأخباث ، فلا مانع من النجاسة الحاصلة بالاستعمال.

نعم ، قضية ذلك عدم الاكتفاء بإجراء ذلك الماء فيما بعد ذلك المحلّ ؛ لتنجّسه قبل الوصول إليه.

ص: 34


1- المبسوط 1 / 22.
2- في ( ألف ) : « بأوجه » بدلا من « بأي وجه ».
3- في ( ب ) : « الطهارة » بدل « طهارة الماء هو طهارته ».

وأمّا بالنسبة إلى محلّ النجاسة فلا دليل على عدم الاكتفاء به ، ولو لم يزل به تلك النجاسة إذا لم تكن مانعة من وصول الماء إلى ما تحتها ، فلو رمس العضو في غير المنفعل لم يدلّ ذلك على فساد غسله بوجه ، وإن بقي في المحلّ شي ء من عين النجاسة بل الحكم بالصحّة هنا أولى ؛ نظرا إلى عدم انفعال الماء.

قلت : أمّا مع بقاء عين النجاسة فلا ينبغي التأمل في الفساد ؛ لخروجه عن ظواهر الإطلاقات ، ولا أقلّ من الشكّ في شمولها لمثله. ومن الظاهر توقّف الشغل اليقيني على اليقين بالفراغ. وأمّا مع زواله به ففيه إشكال ؛ لما عرفت من الإطلاقات.

ومن التأمل في اندراج ذلك فيها (1) عن قضية الوضوءات البيانيّة ؛ إذ المفروض فيها طهارة المحلّ هذا ، فتأمّل.

والظاهر أنّ محلّ الكلام هو اعتبار طهارة المحل قبل إجراء الماء عليه لا قبل الشروع في الوضوء أو في غسل العضو ، فلا يمنع نجاسة المحلّ المتأخّر عن صحّة غسل المقدم عليه ، فالواجب إذن تطهير المحلّ النجس قبل الشروع في غسله. وكذا لا مانع من نجاسة العضو بعد غسله وإن كان قبل إتمام الوضوء أو إكمال ذلك العضو.

ص: 35


1- زيادة في ( ب ) و ( د ) : « مضافا إلى خروج ذلك ».

تبصرة: [ في اشتراط الإسلام والإيمان ]

ومن شرائط الوضوء كغيره من العبادات الإسلام والايمان.

والوجه في الأوّل واضح ؛ ويدلّ على الثاني - بعد الإجماع وظواهر بعض الآيات - النصوص المستفيضة بل المتواترة.

ولو استبصر فهل يجب عليه إعادة وضوئه لو كان متطهّرا حال ضلالته؟ وجهان مبنيّان على انّه هل يحكم بصحّة عباداته الواقعة حال الضلالة عدا ما استثني بناء على كشف الإستبصار عنها أو أنّه حكم من الشرع بسقوط قضائها ، ونفصّل فيه في ترتّب الثواب عليها مع فسادها أقواهما الأخير ؛ إذ ليس المستفاد من الأخبار سوى ترتّب الثواب على أعماله المتقدّمة وهو أعمّ من الصحّة.

كيف وأكثر أعمالهم فاسدة من جهات أخر مع قطع النظر عن فوات شرط الموالاة.

وحينئذ يتعيّن وجوب الإعادة في المقام ، مضافا إلى أنّ غاية الأمر مع القول بالكشف هو (1) الاجتزاء بالنسبة إلى الأفعال الماضية ، وأمّا بالنسبة إلى غيرها فلا إلّا أن يقال بارتفاع حدثه بذلك ، فلا موجب لعوده.

واستفادة ذلك من الأخبار مشكل جدا.

ويجري الوجهان فيما لو استبصر في أثناء الوضوء بالنسبة إلى ما أتى به من الأفعال ، والبناء على الفساد هنا أظهر بما مرّ.

وقد يؤيّد البناء على الصحّة عدم ذكر إعادة غسل الجنابة في شي ء من الأخبار ، مع أنّه

ص: 36


1- في ( ألف ) : « من » بدل « هو ».

قلّ ما يخلو أحد منها ، فلو لا الاكتفاء (1) في فعله لوجب الإشارة إلى لزوم إعادته.

ويوهنه عدم ورود ذلك في الكافر أيضا ، فكأنّ ترك ذكره مبني على ما هو المعلوم من القواعد الشرعيّة.

ومن الشرائط في الوضوء على حذو غيره المعرفة بأفعاله وشروطه على وجه يمكن له أداء المشروع ؛ إذ لا يمكن قصده بدونه.

وهل يجب عليه تعيين أفعاله بالخصوص؟ وجهان.

امّا وجوب معرفة الواجب منها من المندوب فلا ، ولو كان هناك من يعلّمه الأفعال شيئا بعد شي ء فالأظهر الاكتفاء به إذا قصد الوضوء الشرعي إجمالا من الأوّل.

وأمّا معرفة فروعاته والأحكام الطارئة من مسائل الشكوك وغيره فالظاهر عدم توقّف الصحّة عليها وإنّما يجب استعلامها بعد (2) وقوعها. وهل يشترط إذن في صحّة الفعل؟ وجهان أقواهما العدم.

وقد يعدّ أيضا من شرائطه كغيره عدم مزاحمته لواجب مضيّق مقدم عليه ، وهو مبنيّ على اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه.

ويفرع الغسل على ذلك النهي ، والوجه خلافه كما حرّر مستقصى في مقامه.

نعم ، لو كان هناك واجب لوجب المنع عن استعمال الماء كوجوب دفعه إلى المضطر أو حفظه من جهة الخوف من التلف فسد الوضوء لتعيّن التيمّم حينئذ ، وكذا لو منع شرعا من استعمال الماء لسائر الجهات كالمرض والخوف ونحوهما.

ص: 37


1- في ( ب ) : « الاستثناء ».
2- في ( ألف ) : « قبل ».

البحث الرابع: في مندوبات الوضوء ومكروهاته

تبصرة: [ في بعض مندوباته ]

يستحب في الوضوء أمور :

منها : وضع الإناء عن اليمين على ما نصّ عليه كثير من الأصحاب.

وأسنده في الحدائق (1) إلى الأصحاب ، وعزي إلى جماعة منهم تقييده بما إذا كانت الآنية واسعة الرأس ، ولو كانت ضيقة ووضعه على اليمين ليكون أمكن في صبّه في اليمين ، ولم نقف في شي ء من الأخبار على ما يدلّ عليه.

واحتجّ على الأوّل في نهاية الإحكام (2) بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يجب التيامن في تنقّله وترجّله وطهوره وشأنه كله.

ودلالته على ذلك كلّه لا يخلو عن خفاء ؛ إذ غاية ما يدلّ عليه رجحان البدأة باليمين لا الوضع في جانبه ، وربّما يحتجّ عليه بالأمكنيّة (3) من الاستعمال كما احتجّوا به في الصورة الأخرى.

وهو كما ترى لا يصلح شاهد لإثبات الحكم.

وكيف كان ، فمع البناء على التسامح في أدلّة السنن يكتفى فيه بذكر الأصحاب.

ص: 38


1- الحدائق الناضرة 2 / 147.
2- نهاية الإحكام 1 / 53.
3- في ( ألف ) : « بالأمكنة ».

نعم ، في بعض الصحاح (1) وضع الإناء بين يدي الامام عليه السلام ، فقد يتوهّم منه المنافاة لذلك إلّا أنّ الأظهر عدمه ؛ لصدقه مع وضعه ممّا يحاذي يمينه عليه السلام.

والظاهر أنّ مقصودهم من وضعها على اليمين ما يعمّ ذلك ، ولو كان الماء في غير الآنية كالحوض ففي استحباب الجلوس بحيث يقع شي ء من الماء في جهة يمينه (2) وجهان ، وقضيّة التعليل المذكور ذلك.

ومنها : التسمية عند البدأة في الوضوء ؛ لما دلّ بعمومه على استحبابه عند الشروع في كلّ فعل ، وللمستفيضة الواردة في الوضوء ، ففي القوي : « إذا توضّأ أحدكم ولم يسمّ كان للشيطان فيه شرك » (3).

ثمّ إنّ الوارد في غير واحد من الأخبار استحبابه عند وضع اليد في الماء ، وفي بعضها قبل مس الماء ، وفي بعضها بعد غسل اليد قبل الاستنجاء ، وفي بعضها : « من توضّأ وذكر اسم اللّه طهر جميع جسده ، ومن لم يسمّ لم يطهر إلّا ما أصابه الماء » (4).

وفي القويّ : « إذا سمّيت في الوضوء طهر جسدك كلّه » (5).

والظاهر استحبابه قبل الشروع (6) في أفعاله الواجبة ، فيجوز إيقاعه عند كلّ من المذكورات ، وإطلاق الخبرين الأخيرين ربّما يعطي استحبابه في الأثناء أيضا إلّا أنّ قضية غيره اختصاصه بغيره ، فليحمل على المقيّد أو يقال بحصول جهتين للاستحباب ، فإن بدأ بها كفى منها ، وإلّا بقي استحبابه في الأثناء.

ومنه يتقوّى القول باستحبابها في الأثناء مع تعمّد تركها في الأوّل.

ص: 39


1- انظر : تهذيب الأحكام 1 / 365 ، باب الأغسال وكيفية الغسل من الجنابة ح 37.
2- في ( د ) : « وجهه بيمينه » بدل « جهة يمينه ».
3- المحاسن 2 / 430.
4- علل الشرائع 1 / 289 ، باب العلّة التي من أجلها يجب أن يسمّى اللّه تعالى عند الوضوء ، ح 1.
5- الكافي 3 / 16 ، باب القول عند دخول الخلاء وعند الخروج والاستنجاء ومن نسيه والتسمية عند الوضوء ، ح 2.
6- في ( ألف ) : « الشروع و » بزيادة واو العطف.

وجعله في النهاية احتمالا مع قطعه بالاستحباب مع النسيان كما في الأكل ، فإن كان المستند فيه الإطلاق المذكور عمّ الحكم وإلّا ففي ثبوته مع النسيان أيضا إشكال.

ولو قدّمها على الاستنجاء فالظاهر الاكتفاء بها للوضوء كما هو ظاهر رواية عبد الرحمن إلّا أنّ الظاهر من الإطلاقات في الوضوء جواز الإتيان بها ثانيا أيضا.

هذا مع عدم الفصل بين الفعلين كما هو قضيّة الرواية المذكورة وإلّا فلا شبهة في استحبابه ثانيا أيضا.

ص: 40

البحث الخامس: في الوضوء الاضطراري

تبصرة: [ في وضوء مقطوع اليد ]

من قطعت يده ممّا دون المرفق وجب عليه غسل الباقي بلا خلاف ؛ لعدم سقوط الميسور بالمعسور ، ولعدم سقوط (1) الوضوء قطعا ولا يعلم البراءة إلّا مع غسل الباقي ، وللإجماع عليه كما هو معلوم من فتاواهم ، ومنقول في شرح التهذيب وغيره.

وقد يستدلّ عليه أيضا باستصحاب وجوب غسله قبل القطع.

وقد يناقش فيه بأنّ وجوب غسله أوّلا في ضمن الكلّ ، فمع سقوطه لا وجه لاستصحاب حكم البعض.

وفيه تأمّل لا يخفى.

وفي الحدائق (2) : الظاهر أنّه لا خلاف في وجوب غسل الباقي ، ولعله الحجّة. ثمّ تأمّل في استفادة الحكم من غير الإجماع ، فعلى أصله ينبغي تأمّله في ثبوت الحكم.

وهو كما ترى.

ولو قطعت من فوق المرفق سقط غسله إجماعا كما في النهاية (3) وغيرها ؛ لفوات متعلّقه.

ص: 41


1- لم ترد في ( ب ) : « ولعدم » وهنا سقطت لفظة « سقوط » من ( ألف ).
2- الحدائق الناضرة 2 / 244.
3- نهاية الإحكام 1 / 38.

وعن جماعة منهم الفاضل في المنتهى (1) (2) والشهيد في الذكرى (3) استحباب غسل الباقي من عضوه ؛ للصحيح الآتي (4).

ويضعّف بإجمال الرواية كما ستعرف.

وربّما يؤيّد ذلك بعض (5) الإطلاقات ، وهو أيضا ضعيف.

وعن الشيخ (6) استحباب مسحه.

وفي التذكرة (7) أنّه يستحب مسح موضع القطع بالماء. ولم نعرف مستندهما.

ولو قطعت من المرفق فلا ينتقل الحكم إلى العضد بلا خلاف فيه سوى ما حكي من الإسكافي من وجوب غسل العضد. والمحكي من عبارته ليس صريحا في ذلك.

واستظهر في المختلف (8) حمله على الندب ، واستصوبه.

وقد يحتجّ للوجوب ببعض الإطلاقات ، وهي مستفيضة جدّا. وحملها على الندب مستند الأصحاب.

ولا يخلو أيضا من تأمّل ؛ لعدم تعيّن حملها عليه كما ستعرف.

وقد يكتفى فيه بمجرّد الفتوى ، والخروج عن ظاهر الخلاف.

وهل يجب غسل محلّ القطع من المرفق؟ وجهان ، بل قولان.

وربّما يبنى ذلك على أنّ وجوب غسل المرفق أصليّ أو تبعيّ من باب المقدّمة ، فعلى الأوّل يتعيّن الوجوب لبقاء محلّه بخلاف الثاني ؛ لسقوط وجوب المقدمة بعد فوات ذيها.

ص: 42


1- منتهى المطلب 1 / 59.
2- زيادة في ( د ) : « والنهاية ».
3- الذكرى : 85.
4- زيادة « ويضعف » من ( د ).
5- في ( د ) : « ببعض ».
6- المبسوط 1 / 21.
7- تذكرة الفقهاء 1 / 17.
8- مختلف الشيعة 1 / 287.

والأقوى وجوب غسل ذيها (1) لظاهر الصحيح : عن رجل قطعت يده من المرفق قال :

« يغسل ما بقي من عضده » (2).

بحمله على غسل ما بقي من محلّ الفرض بين عضده ؛ ليكون الموصول عهديّا ، وقوله « من عضده » بيانا له.

وكأنّ حمله عليه أوفق بالقواعد مضافا إلى توقّف اليقين بالفراغ عليه.

ص: 43


1- في ( د ) : « غسله » بدل « غسل ذيها ».
2- الكافي 3 / 29 ، باب حد الوجه الذي يغسل والذراعين وكيف يغسل ، ح 9.

تبصرة: [ في وضوء التقيّة ]

اشارة

من الوضوء الاضطراري وضوء التقيّة ، وهو في الجملة ممّا لا خلاف فيه. والكلام فيه من (1) مقامين :

[ المقام ] الأوّل: في جواز إتيان الفعل على غير النحو المشروع من جهة التقيّة

والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه ، بل وفي وجوبه إذا كان هناك خوف على نفسه أو عرضه أو نفس مؤمنة أو عرضها وكذا لو خيف من إيذائهم له أو لهم كقلع العين أو قطع اليد أو الضرب الشديد أو الحبس ونحوها.

وفي وجوبه للضرب الخفيف أو الحبس اليسير وجهان بالنسبة إليه.

وربّما يستفاد من بعض الأخبار المنع بالنسبة إلى ذلك وما أشبهه كقوله عليه السلام : « التقية في كلّ شي ء يضطر إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه » (2). ولا صراحة فيها على خلاف ما قلناه.

ولو خاف على ماله أو مال مؤمن غيره فالظاهر وجوب التقيّة. وفي الحقير منه أيضا وجهان أقواهما ذلك بالنسبة إلى الغير.

وقد يتخيّل جواز الترك إذا خاف على ماله ففيه مطلقا ؛ لجواز صرفه مجانا إلّا أنّ الأظهر من أدلّة التقيّة ذلك.

نعم ، ربّما يتقوّى الاحتمال المذكور فيما إذا لم يكن ذلك مضرّا بحاله.

ص: 44


1- في ( د ) : « في ».
2- الكافي 2 / 219 ، باب التقية ، ح 18.

وفي البناء عليه إشكال ، وإن جاز له صرف ذلك في رفع التقيّة عنه قطعا.

ويثبت الحكم مع اليقين بالضرر وظنّه ، بل بمجرّد (1) الخوف من حصوله من غير فرق بين حصوله حالا أو غيره ولو بعد زمان طويل ، ولا بين كون المتّقى منه من الخاصة أو العامّة أو من سائر الفرق ، وإن كان هناك فرق في مسألة الصحّة كما سيجي ء.

ولا بين الخوف (2) بنفسه أو بالإبلاغ إلى غيره ، ولا بين القطع باطلاعه عليه أو الظن به أو مجرّد الخوف من اطلاعه.

ولا يجوز التقيّة لجلب المنفعة مع الأمن من المضرّة ، ولو قيل بجوازه من جهة تحصيل الوجاهة عندهم بذلك يستعين بها على استخلاص المؤمنين وقضاء حوائجهم كان حسنا ، بل لا يبعد القول بوجوبه في بعض فروضه.

وقد يستفاد ذلك من بعض الإطلاقات.

ولو كان في تركه الحضور في جماعة غير العدول منّا مطلقا لوجاهته بين الناس وتعريض نفسه لهم احتمل إجراء التقيّة ، ويجري نحوه في المواظبة.

ثالثها : الفصل بين ما نصّ على جواز التقيّة فيه بالخصوص وما جاز فيه من جهة العموم على الطاعات والاشتغال بنوافل العبادات إلّا أنّه أشير الإشارة إليه.

وهل يشترط فيه عدم المندوحة أو لا؟ قولان ، اختار الأوّل منهما في المدارك (3) لانتفاء الضرورة الباعثة عليها ، فيرتفع الحكم. مضافا إلى مخالفته للأصل ، فيقتصر فيه على موضع اليقين ؛ أخذا بالبراءة اليقينيّة.

وذهب جماعة من المحقّقين منهم الشهيدان (4) والمحقّق الكركي (5) إلى الأوّل ؛ أخذا بظواهر

ص: 45


1- في ( د ) : « ومجرّد » بدل « بمجرّد ».
2- زيادة في ( د ) : « فيه ».
3- مدارك الأحكام 1 / 223.
4- البيان : 10 ، روض الجنان : 37.
5- جامع المقاصد 1 / 222.

الأخبار بل صريحها المشتملة على الحثّ الأكيد في الحضور معهم في جماعاتهم والاجتماع إليهم في صلواتهم مع استلزام ذلك لترك بعض الواجبات قطعا.

كيف ولو وجب مراعاة التخليص لأشير إليه في الروايات ، وورد الأمر بها بحسب الأوقات ، مع أنّ الأخبار على عكس ذلك ، فالظاهر جواز التقيّة مع وجود المندوحة أيضا وإن لم يستدع التراخي في الوقت.

نعم ، لو أمكنه الستر وهو في مكانه بحيث يأتي بالواجب من دون شعورهم كأن يمسح رجله حين غسله بحيث لا يشعر به قوي القول بوجوبه. ويحتمل ضعيفا إجراء عمل التقيّة فيه مجرى الصحيح. وهو بعيد جدا.

هذا بالنسبة إلى التقيّة من العامّة ، وأمّا غيره من الفرق فيشترط عدم المندوحة في جواز الفعل قطعا إلّا مع إمكان الإتيان بالصورة المختصّة إن جوزناها مع اختيار أمكن التخلّص بوجهين لزم مراعاة الأخفّ ، فلو دار [ .. ] (1).

المقام الثاني: في أجزاء الفعل المعمول على جهة التقيّة وعدمه

وقضية الأصل فيه فساد العمل ، لوقوعه على غير النحو المشروع.

ومجرّد الأمر به من جهة الخوف لا يقضي بصحّة الفعل ؛ إذ الأمر إنّما يقتضي الإجزاء بالنسبة إلى ذلك الأمر ، وقيام أمر التقيّة مقام الأمر الأوّل غير معلوم ، فيقتصر في الصحّة على مورد الدليل.

وهو بالنسبة إلى التقيّة من أهل الخلاف ممّا لا شبهة فيه من غير فرق بين فرقهم.

والظاهر عدم الفرق بين الناصب منهم وغيره وإن حكم بكفر الأوّل.

وأمّا سائر الملل المخالفة للإسلام فالظاهر عدم صحّة التقيّة منهم وإن وجبت ، وكذا في

ص: 46


1- الكلام مبتور هنا في النسخ المخطوطة.

التقيّة من سائر (1) فرق الشيعة كالإسماعيليّة والفطحيّة وأضرابهم.

وفي التقيّة عن الزيديّة مع متابعتهم في الفقه للعامّة وجهان أقواهما ذلك ، بل هو المعيّن.

ولو اتّقى من غير العامّة من جهة خوف الوصول إليهم فالظاهر الصحّة ، ولو كان من (2) الاثني عشريّة.

ثمّ إنّ الظاهر صحّة الفعل في جميع الأفعال (3) البدنيّة من الوضوء والصلاة والحج وغيرها ، فلا يجب قضاؤها بعد ارتفاع التقيّة. وفي المتعلّقة بالمال وجهان أظهرهما العدم.

نعم ، مع عدم حصول التفريط فيه ينبغي الضمان من جهة أخرى مع وجوب التقيّة.

ولو كانت للتقيّة (4) لا في التقيّة من جهة نفس الفعل ، بل في ملاحظة بعض الشرائط كطهارة الماء ففي الصحّة إشكال كما إذا توضّأ بسؤر اليهودي.

وقضية الأصل كما عرفت الفساد.

ولو تعلّقت التقيّة بإزالة الأخباث ففي الحاجة بإزالة الأحداث وجه كان أوجههما العدم جريا على الأصل.

ولو ارتفعت التقيّة بعد الفعل قبل خروج الوقت ففي وجوب الإعادة وجوه ثالثها التفصيل المذكور في المسألة السابقة ؛ إجراء لما نصّ عليه بالخصوص حكم الواقع.

وإليه ذهب المحقّق الكركي ، قال : ولا أعلم خلافا بين الأصحاب في عدم وجوب الإعادة في الصورة الأولى.

والأقوى عدم وجوب الإعادة مطلقا ؛ أخذا بظاهر الروايات.

وحكم المحقّق الكركي بثبوت القضاء أيضا في الصورة الثانية بناء على ثبوت دليل على القضاء لكونه بأمر جديد. وقضية ذلك فساد العمل ، بل ذلك صريح كلامه.

ص: 47


1- لم ترد في ( ب ) : « من سائر ... في التقيّة ».
2- لفظة : « من » وردت في ( د ) فقط.
3- في ( ب ) و ( د ) : « الأعمال » بدل : « الأفعال ».
4- في ( ب ) و ( د ) : « التقيّة ».

وهو كما ترى.

ولو زالت في أثناء الفعل ففي لزوم العفو إلى ما أدّاه على وجه التقيّة وعدمه وجهان أظهرهما الأخير.

ص: 48

تبصرة: [ في عدم التمكن من إيصال الماء إلى تمام العضو ]

اشارة

إذا لم يتمكّن من إيصال الماء ( إلى تمام العضو فإمّا أن يكون ذلك لقصور في الماء أو لوجود مانع من إيصال الماء إلى الجميع لا يمكن دفعه سواء كان خارجيّا أو في العضو كخاتم لا يمكن إخراجه ولا تحريكه أو جرح أو قرح أو كسر في العضو يتضرّر بإيصال الماء إليه مجبّرة بالجبائر ونحوها ، فهاهنا مسائل :

أحدها : أن يكون ذلك لقصور الماء ) (1). ولا شبهة إذن في الانتقال إلى التيمّم أو الوضوء اسم لمجموع الأفعال ، وعدم التمكّن من بعضه بمنزلة عدم التمكّن من الجميع ؛ لارتباط بعضها بالبعض.

والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه.

وجريان قاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور في مثله مع عدم ثبوته كليّا غير ظاهر ؛ لعدم التمكّن من شي ء منه ، لعدم اعتبار الهيئة الاجتماعيّة في الصحّة.

ثانيها : أن يكون لمنع المانع الخارجي ، والظاهر انتقال الحكم حينئذ إلى التيمّم لما عرفت.

ولو منعه عن التيمّم أيضا كلّا أو بعضا فالظاهر أنّه كفاقد الطهورين.

ثالثها : أن يكون لوجود حاجب في العضو لا يمكن إزالته من غير أن يكون هناك قرح أو جرح ونحوهما.

والظاهر (2) سقوط غسل ما تحته.

وهل يكفي إذن بغسل ما عداه أو لا بدّ من المسح عليه إلحاقا له بالجبيرة أو يجب غسل

ص: 49


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
2- زيادة في ( د ) : « فيه ».

ظاهره تنزيلا له منزلة العضو؟ وجوه.

ولو كان عدم التمكّن من رفعه لمنع الظالم احتمل جريان الحكم المذكور وإلحاقه بالصورة الثانية أيضا.

ولو كان ذلك في معظم العضو أو جميعه ففي جريان الحكم المذكور إشكال.

والأحوط المسح على ظاهره وغسله أيضا ، والإتيان بالتيمّم.

ولو كان ذلك في موضع المسح كما إذا لم يتمكّن من نزع الخفّين ( مسح عليه ، وعزا ذلك إلى ظاهر الأصحاب.

ويدلّ عليه قويّة أبي الورد ، وقد ذكر المسح على الخفّين ) (1). فقلت : فهل فيهما رخصة؟ فقال : « لا إلّا من عدوّ تتّقيه أو ثلج تخاف على رجليك » (2).

مضافا إلى إطلاق غير واحد من أخبار الجبائر الشاملة لموضع المسح كما سنشير إليها ، فالتأمّل في ذلك من جماعة من المتأخرين - استضعافا للرواية السابقة ، فينتقل الحكم إلى التيمّم لتعذر الوضوء بتعذر بعضه كما مرّ - ليس على ما ينبغي.

رابعها : أن يكون على العضو المغسول جبيرة يمنع من جرى الماء تحته ، فإن أمكن نزعه وجرى الماء على العضو مع إمكان تضرّره بالتطهير إن كان ( نجسا وجب نزعه وإلّا مسح عليه إن كان طاهرا أو لا يكتفي بغسل ما حوله على المعروف بين الأصحاب ) (3). بل كاد أن يكون إجماعا ، بل الظاهر انعقاد الإجماع عليه كما حكاه غير واحد منهم إلّا ما يوهمه عبارة الفقيه من جواز الأمرين.

ولا حاجة فيه ؛ لحكمه صريحا بالأوّل وإسناده الثاني إلى الرواية.

ص: 50


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
2- الإستبصار 1 / 76 ، باب جواز التقية في المسح على الخفّين ح 1.
3- ما بين الهلالين ممّا لم نجده إلّا في ( د ) ، ويا ليتها كانت هذه النسخة في أيدينا بدو الأمر ، لا بعد ما أكملنا العمل فوجدناها ، وهي أصح النسخ وأتقنها.

نعم ، مال إليه جماعة من المتأخرين منهم صاحب المدارك (1) قال : لو لا الإجماع على وجوب مسح الجبيرة لأمكن القول بالاستحباب ، والاكتفاء بغسل ما حولها.

والوجه فيه إطلاق الصحيح حيث قال عليه السلام بعد حكمه بغسل ما ليس عليه الجبائر : « وتدع ما سوى ذلك ممّا لا تستطيع غسله ولا نزع الجبائر ولا يعيب بجراحته » (2).

وروى في الفقيه مرسلا.

وكذا في الفقيه عن الصادق عليه السلام : « في الجبائر إنّه يغسل ما حولها » (3).

ويحتمل ذلك أن يكون اشارة إلى هذه الصحيحة.

وأنت خبير بأنّ ذلك لا يقاوم النصوص المستفيضة الحاكية بمسح الجبائر ونحوها ؛ إذ غاية ما نقضه الصحيحة سقوط غسلها ، ولا دلالة فيها على انتفاء المسح إلّا من جهة عدم الذكر ، فلا يقاوم ما دلّ بصريحه عليه.

مضافا إلى اعتضاده بعمل الأصحاب ، بل وإجماعهم ، فاحتمال الاكتفاء بغسل ما حولها مع قطع النظر عن الإجماع ضعيف أيضا كاحتمال حمل مسح الجبائر على الغسل الخفيف كما ذكره في النهاية ؛ إذ لا داعي إليه سوى (4) إعطاء الجبيرة حكم محلها ، وهو ممّا لا يقوم حجّة ليصحّ الخروج به عن ظواهر النصوص مع مخالفته لفهم الأصحاب.

ثمّ إنّه لا فرق في الحكم بين الجبيرة وغيرها كالخرقة الّتي يتعصّب بها الجرح أو الخيوط ، وكذا الدواء الموضوع عليه ، وقد ورد غير واحد منها في النصوص.

وهل يجب تحفيفها متى أمكن ليقلّ الفصل بين اليد والممسوح؟ وجهان أحوطهما ذلك.

وظاهر الإطلاقات حيث لم يصرّح فيها به عدمه.

ويجب استيعابها لقيامها مقام غسل محلّها الّذي يجب استيعابه ، وتوقّف اليقين بالفراغ

ص: 51


1- مدارك الأحكام 1 / 238.
2- الكافي 3 / 32 ، باب الجبائر والقروح والجراحات ، ح 1 وفيه : « ولا ينزع الجبائر ولا يعبث بجراحته ».
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 47 ، باب حد الوضوء وترتيبه وثوابه ، ح 94.
4- زيادة : « سوى » من ( ب ).

عليه.

وظاهر الرواية « فليمسح على جبائره » ونحوه ظاهر الصحيح وغيره ، وبذلك يظهر ضعف ما استشكله الشهيد في وجوب الاستيعاب من صدق المسح عليها بالمسح على جزء منها.

ولا يخفى أنّه خروج عن ظاهر الخبر ، مضافا إلى مخالفته لظاهر فهم المعظم على ما نصّ عليه جماعة من الأصحاب.

ولا فرق في الجبيرة بين الوضوء والغسل على ما نصّ عليه جماعة من الأصحاب.

وقد دلّ على ثبوتها فيه أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج. وعزاه في المنهى (1) إلى عامّة العلماء موميا إلى الإجماع عليه.

نعم ، ورد في روايات (2) عدّة أمر المجدور أو صاحب القروح بالتيمّم بدل غسل الجنابة.

وعن المبسوط (3) : من كان في بعض جسده أو بعض أعضاء طهارته ما لا ضرر عليه الباقي عليه جراح أو عليه ضرر في إيصال الماء إليه جاز له التيمّم ، ولا يجب عليه غسل الأعضاء الصحيحة ، وإن غسلها وتيمّم كان أحوط سواء كان أكثرها صحيحا أو عليلا. وإذا حصل على بعض أعضاء طهارته نجاسة ولم يقدر على غسلها لألم فيه (4) صلّى ، ولا إعادة عليه.

مع حكمه في باب الوضوء بوجوب المسح على الجبائر مع عدم إمكان نزعها ، وكذا حكم هناك بغسل ما عليه الغسل من أعضائه والمسح على حائل فيما يتعذّر عليه ، وظاهر كلماته لا يخلو عن التدافع.

ويمكن الجمع بينهما بذهابه إلى التخيير بين الأمرين (5) كما يومى إليه قوله : « جاز له

ص: 52


1- منتهى المطلب 1 / 153.
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 107 ، باب التيمم ح 217 ، الكافي 3 / 68 ، باب الكسير والمجدور ومن به الجراحات وتصيبهم الجنابة ح 2.
3- المبسوط 1 / 35.
4- زيادة في ( د ) : « و ».
5- في ( ألف ) : « الأمر ».

التيمّم » ، وكأنّه أخذه من الجمع بين ما دلّ على لزوم التيمّم عليه وما دلّ على مسح الجبيرة للصحيح : في الرجل يكون به القراح والجراح يجنب؟ قال : « لا بأس بأن لا يغتسل ويتيمّم » (1).

بجعله شاهدا على الجمع ؛ لظهوره في عدم التعيين.

وقد يخصّ كلامه الأوّل بصورة ظهور العضو و (2) حصول المانع من إيصال الماء ، فيكون حكمه بالتخيير في تلك الصورة خاصّة.

وكيف كان ، فهو مخالف لظاهر الأصحاب ، مع عدم ظهور تامّ في الصحيح المذكور فيه ، فالأظهر حمل أخبار التيمّم على ما إذا تضرّر باستعمال الماء.

ويؤيّده ورودها أجمع في الغسل أو على صورة تكاثر القروح والجروح بحيث يشمل كثيرا من العضو إن قلنا بتعيّن التيمّم فيه أو التخيير.

وقد يؤيّده ذكر القروح والجروح في بعضها بلفظ الجمع المعروف (3). ويحتمل حمل عبارة الشيخ عليه.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه لأمور :

منها : أنّه لو كانت الخرق ونحوها على غير الجرح والقرح والكسر لسائر أوجاع العضو ففي ثبوت الحكم فيه إشكال ، أظهرها ذلك مع عدم التمكّن من رفعها. والأقوى الانتقال إلى التيمّم وثبوت حكم الجبيرة على خلاف ، فيقتصر فيه على مورد الدليل. والأحوط الجمع.

ومنها : أنّه لو استوعبت الجبيرة أحد الأعضاء المغسولة أو جميعها أو معظم العضو ففي ثبوت حكم الجبيرة أو الانتقال إلى التيمّم أو التخيير وجوه ، والأحوط فيه الجمع.

ص: 53


1- تهذيب الأحكام 1 / 185 ، باب التيمم وأحكامه ، ح 5.
2- زيادة « و » من ( د ).
3- في ( د ) : « المعرف ».

ولو استغرقت الأعضاء الممسوحة فالظاهر أنّه لا إشكال في انتقال الحكم على ما فوق الجبيرة كما يؤذن به ما دلّ على الاجتزاء بالمسح على الخفّين من جهة برد ونحوه.

ومنها : أنّه لو استوعبت الجبيرة محلّ الحاجة وغيرها ممّا لا يمكن بقاؤها على العضو بدونه فإن أمكن إجراء الماء إلى ما تحته من دون إضرار لزم ، وإلّا كفى المسح عليها. كذا أطلق العلّامة ، وهو كذلك ؛ نظرا إلى الإطلاقات إلّا أنّه مع خروجه معا حسا عن محلّ الحاجة لا يخلو عن إشكال.

ومنها : أنّه لو تضرّر بإيصال الماء إلى ما تجاوز الجرح أو الكسر ونحوها قوي جريان حكمها إليه ، فيمسح عليه مع شمول الجبيرة وما قام مقامه إيّاه وإلّا جرى فيه حكم المكشوفة في وجه قويّ إلّا أنّه مع بعد السراية يحتمل الانتقال إلى التيمّم ، فالأحوط فيه الجمع.

ومنها : أنّه لو أمكن تخفيف الخرق الموضوعة عليه فهل يجب ذلك أو لا؟ وجهان ، ظاهر الإطلاقات هو الأوّل ، والأحوط الثاني بل هو المتعيّن إذا كان زائدا على القدر المحتاج بحيث يعدّ لغوا.

ومنها : أنّه لو كان ظاهر الجبيرة نجسا وجب وضع خرقة طاهرة عليها ثمّ المسح عليها. كذا قالوه.

واستشكل فيه بعضهم نظرا إلى خروجه عن مدلول الأخبار ومخالفته لظاهر الاعتبار ؛ إذ الجبيرة لشدة انهباطها بالعضو نزلت منزلة الجزء منه كالشعر والظفر ، بخلاف الخرقة الجديدة الموضوعة عليه.

ويدفعه أنّه لا يمكن المسح على النجس قطعا ، فبعد البناء على عدم الاكتفاء بغسل ما حولها لابديّة من باب المقدّمة.

إلّا أن يقال بخروجه عمّا دلّ على لزوم المسح على الحائل ؛ لعدم إمكانه في المقام ، فيكتفى بغسل ما حوله ؛ نظرا إلى إطلاق صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج.

إلّا أنّ قضية اليقين بالفراغ الحكم بما قالوه.

ولو أمكن تطهير ظاهرها قدّم ذلك عليه ، وكذا لو أمكن رفع الخرقة الطاهرة مع طهارة

ص: 54

ما تحته ، ولو أمكن الإبدال ففي لزومه كذلك وجهان.

ومنها : أنّه لو أمكن إجراء الماء إلى ما تحت الجبيرة من دون عسر أو أمكن نزعه كذلك لزمه أحد الأمرين.

وربّما يوهم بعض العبائر القول بوجوب النزع ، ولو أمكن أحدهما خاصّة تعيّن. وفي الموثق فيمن انكسر ساعده أو موضع من مواضع وضوئه فلا يقدر أن يحله لحال الجبيرة إذا جبر فكيف يصنع؟ قال : « إذ أراد أن يتوضّأ فليضع إناء فيه ماء ويضع موضع الجبيرة في الماء حتّى يصل الماء إلى جلده وقد أجزأه ذلك من غير أن يحلّه » (1).

وحمله الشيخ على الندب ، فيوهم ذلك ذهابه إلى عدم إجراء الماء تحت الجبيرة مع الإمكان ، وقد يحمل على مجرّد وصول الماء إلى البشرة من دون حصول الجريان بحمل الرواية عليه إلّا أنّه خلاف المنساق منها ، فإنّ ظاهرها حصول الغسل المطلوب بذلك.

خامسها : أن يكون العضو المئوف طاهرا غير مستعصب بخرقة ونحوها ، فذهب جماعة فيه أيضا إلى لزوم المسح مع الإمكان ، وإلّا وضع عليه خرقة طاهرة ومسح عليها.

وعزاه في الحدائق (2) إلى الأصحاب ، وعلّل باشتمال الغسل على المسح وزيادة فيقتصر في السقوط على مؤدي الضرورة ، وحيث يتعذر المباشرة في المسح يقام الحائل مقام البشرة.

وضعف التعليل واضح ، ولذا ذهب جماعة من المتأخرين إلى الاكتفاء بغسل ما حولها.

وهو الأقوى للصحيح : من الجرح كيف يصنع به صاحبه؟ قال : « يغسل ما حوله » (3).

وفي صحيحة أخرى : عن الجرح كيف أصنع به في غسله؟ قال : « اغسل ما حوله » (4).

وفيها قبل ذلك التصريح بالمسح على الخرقة في القرح المعصّب ، ففيها إذن دلالة واضحة على فرض الجرح غير معصّب ، ولا شمول لما دلّ على اعتبار المسح لذلك لفرضه فيها وفي

ص: 55


1- الإستبصار 1 / 78 ، باب المسح على الجبائر ، ح 5.
2- الحدائق الناضرة 2 / 377.
3- الكافي 3 / 32 ، باب الجبائر والقروح والجراحات ، ح 2.
4- الكافي 3 / 33 ، باب الجبائر والقروح والجراحات ، ح 3.

غيرها المعصّب ونحوها.

وقيامه عليه ممّا لا وجه له سيّما بعد ورود النصّ.

نعم ، قضية الاحتياط مراعاة ذلك.

ثمّ إنّ مورد الصحيحين وإن كان خصوص الجرح إلّا أنّ الظاهر عدم الفرق بينه وبين القرح والكسير وما شابههما.

وفي ثبوته لكلّ علّة مانعة من إيصال الماء وجهان أقواهما العدم عملا بالأصل. والأحوط الجمع بين الوضوء والتيمّم. وأمّا في الرمد ونحوه فالظاهر عدم التأمل في الانتقال إلى التيمّم ، ولو حصلت قرحة في العين بحيث سرت إلى خارجها ففي إلحاقها بالقروح وعدمه إشكال. والأحوط الجمع.

ولو كان في بعض أعضائه نجاسة لا يتمكّن من غسلها إمّا لإعواز الماء أو لمانع من الخارج انتقل الحكم إلى التيمّم.

سادسها : لو كانت الجبيرة في محلّ المسح جرى على ظاهره حكم المسح مع عدم إمكان رفعها وتطهير محلّها.

وفي البحار (1) الإجماع عليه ، فإن أمكن رفعها وتطهير محلّها لو كان نجسا وجب المسح عليه ، وإن تمكن من رفعها من دون تطهير محلّها فالظاهر إجراء المسح على الجبيرة. وكذا لو لم يتمكّن من المسح ولو لم يتمكّن من تطهيره إذن من جهة إعواز الماء قوي الانتقال إلى التيمّم إلى (2) أن لا يتمكن من نزعه.

ويدلّ على الحكم إطلاق حسنة كليب الأسدي عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال : « إن كان يتخوّف على نفسه فليمسح على جبائره وليصل » (3).

ص: 56


1- انظر بحار الأنوار 77 / 368.
2- في ( د ) : « إلّا ».
3- تهذيب الأحكام 1 / 364 ، باب صفة الوضوء والفرض منه ، ح 30.

ونحوه إطلاق رواية عبد الأعلى (1).

وهل يجب إيصال الماء إلى البشرة لو أمكن؟ وجهان.

وعن بعض الأصحاب وجوبه ، وقد مرّ الكلام في نظيره.

سابعها : لا كلام ظاهرا في عدم وجوب إعادة الصلاة بعد ارتفاع العذر.

وفي البحار (2) الإجماع عليه.

وفي إعادة الوضوء قول بالوجوب. ذهب إليه الشيخ (3) والفاضلان (4) ؛ اقتصارا في الاضطراري على حال الضرورة. والأقوى خلافه ؛ نظرا إلى ظاهر الإطلاقات ، وأنّ قضية ظاهر الأمر في المقام الإجزاء المطلق. ولا يجب عليه تأخير الصلاة إلى آخر الوقت مع اليأس عن زوال الاضطرار قطعا كما هو قضيّة الأخبار ، ومع رجائه ففيه وجهان أوجههما العدم.

ص: 57


1- تهذيب الأحكام 1 / 363 ، باب صفة الوضوء والفرض منه ح 27.
2- بحار الأنوار 77 / 375.
3- النهاية : 17.
4- شرائع الإسلام 1 / 18 ، تحرير الأحكام 1 / 82.

تبصرة: [ في وضوء المسلوس والمبطون ]

لا خلاف في استباحة المسلوس للصلاة بوضوئه ، وهل يكتفى به لما شاء من الصلاة أقوال ثالثها التفصيل ، فيجوز الجمع في الظهرين والعصرين خاصّة ذهب إليه في المنتهى (1).

واختاره جماعة من المتأخرين كصاحبي المدارك (2) والحدائق (3).

والأشهر بين الأصحاب عدم الاكتفاء به إلّا لصلاة واحدة ، وهو أحد قولي الشيخ (4) والعلّامة (5).

وهو الأظهر ؛ أخذا بظاهر إطلاق الآية وإطلاق ما دلّ على ناقضيّة البول خرج عنه ما أجمع على عدم جريان حكم الحدث بالنسبة إليه ، وهو المتيقّن من الأخبار الواردة فيه ولذا يحكم بوجوب المبادرة إلى الصلاة عقيب الوضوء ، مضافا إلى الاحتياط في البراءة لقضاء الشغل اليقيني (6) بالفراغ مع عدم قيام حجّة ظاهرة من الأخبار على الاكتفاء به لما يزيد على الصلاة الواحدة.

ويؤيّده ما مرّ في الاستحاضة القليلة المشاركة في دم الحدث من لزوم الوضوء لكلّ صلاة.

ص: 58


1- منتهى المطلب 2 / 138.
2- مدارك الأحكام 1 / 242.
3- الحدائق الناضرة 2 / 387.
4- المبسوط 1 / 68.
5- تذكرة الفقهاء 1 / 206.
6- زيادة في ( د ) : « اليقين ».

وممّا ذكرنا يظهر ضعف ما احتجّ به للاكتفاء من أنّه لا دليل في (1) لزوم التجديد.

وحمله على المستحاضة قياس حيث عرفت أنّ قضية الأصل بالعكس ، فلا بدّ من نهوض دليل على الاكتفاء به.

وربّما يستدلّ له أيضا بموثقة سماعة : عن رجل أخذ يقطر من فرجه إمّا دم أو غيره؟ قال : « فتضع خريطه فليتوضأ وليصلّ » (2).

فإنّما ذلك بلاء ابتلى به فلا يعيد إلّا من (3) الحدث الّذي يتوضّأ عنه ؛ نظرا إلى ظهوره في كون الحدث نوعين ، فلا يكون البول حدثا بالنسبة إليه في صورة التقطير أو مطلقا كما احتمل ذلك في كلام القائل به.

إلّا أنّ الظاهر منه هو الأوّل ؛ لبعد الثاني عن الأدلّة جدّا.

وفيه : أنّ الرواية لا ظهور فيها فيما ذكر ، بل يحتمل أن يكون إشارة إلى عدم مانعية الدم لصحة الصلاة ، بل ربّما يستدلّ بظاهر إطلاقها على المختار.

حجّة التفصيل صحيحة حريز : عن الصادق عليه السلام أنّه قال : « إذا كان الرجل يقطر منه البول أو الدم إذا كان حين الصلاة اتّخذ كيسا وجعل فيه قطنا ثمّ علّقه عليه وأدخل ذكره فيها ثمّ صلّى ويجمع بين الصلاتين الظهر والعصر يؤخّر الظهر ويعجّل العصر بأذان وإقامتين ، ويؤخّر المغرب ويؤجّل العشاء بأذان وإقامتين » (4).

وأنت خبير بأنّه لا دلالة ظاهرة في هذه الرواية على ذلك ؛ إذ ظاهر سياقها ورودها لبيان علاج سريان النجاسة والحكم بالعفو عنها في الصلاة ، وليس فيها ذكر الوضوء.

والعفو منها من جهة النجاسة لا يقضي بالعفو من جهة أخرى.

ص: 59


1- في ( د ) : « على ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 349 ، باب الأحداث الموجبة للطهارة ، ح 19 مع اختلاف.
3- في ( ألف ) : « يعيدان الأمر من ».
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 64 ، باب ما ينقض الوضوء ، ح 146.

ثمّ إنّهم نصّوا في المبطون بوجوب الوضوء لكلّ صلاة ، قال العلّامة قدس سره (1) - مع بنائه في المسلوس على التفصيل - : والوجه في الحكم ظاهر فيما بيّنّا ويأتي على القول بعدم وجوب التجديد هناك عدمه هنا أيضا. وضعفه ظاهر ممّا مرّ.

وينبغي التنبيه لأمور :

أحدها : الظاهر جريان الحكم المذكور فيمن يتواتر منه خروج الريح مع عدم التمكّن من حفظه ؛ إذ هو بمنزلة البول والغائط فلا يزيد حكمه عليها ، ولا وجه لسقوط الصلاة ولا تكليفه بالإعادة.

وأمّا من يتواتر منه النوم ففي جريان الحكم فيه إشكال. ويحتمل فيه سقوط الصلاة مع استيعاب الوقت.

ثانيها : الظاهر وجوب أخذ الحفظة في المبطون لاشتراكه للمسلوس في العلّة ، وإن لم يرد فيه نصّ مخصوص.

وهل يجب فيها إبدال الحفظة أو تطهيرها لكلّ صلاة؟ الظاهر العدم ؛ لظاهر إطلاق الروايات.

وربّما يشكل فيما تتم الصلاة فإن شمول الإطلاقات لها محلّ إشكال إلّا أن يقال بخروجها عن اسم اللباس.

ثالثها : لو كان لهؤلاء فترة تسع الطهارة والصلاة ، فالظاهر إذن مراعاتها للتمكن معها من الفعل الاختياري ، فلا يعدل إلى الاضطراري. ويحتمل القول بعدمه إذا كانت في وسط الوقت أو آخره ؛ لعدم التمكن منه في الأول ، فينتقل إلى بدله لاستظهار عدمه (2) عموم البدليّة من الإطلاقات.

وهو ضعيف مع رجاء زوال العذر مخالف لما يقتضيه اليقين بالشغل.

نعم ، لو اتّفق حصول فترة في الأثناء ، فالظاهر عدم وجوب الإعادة.

ص: 60


1- نهاية الإحكام 1 / 67.
2- لم ترد في ( د ) : « عدمه ».

وفي وجوب مراعاة الأخفّ من أحواله مع اختلافها وجه.

والأولى بل الأحوط مراعاته.

رابعها : لو فاجأ المبطون الحدث في أثناء الصلاة فعن الأكثر أنّه يتطهّر. ويبنى على صلاته ، وفصّل في المختلف (1) بين ما إذا كان له فترة تسع الطهارة والصلاة وعدمه ، فعلى الأوّل يفسد صلاته ؛ إذ لا ضرورة معها فيشملها إطلاق ما دلّ على فسادها بالحدث ، وعلى الثاني تصح من غير حاجة إلى التطهير للعفو.

وعن جماعة من المتأخرين التفصيل بين ما إذا استمرّ حدثه بحيث لا يمكنه الدخول في الصلاة من دونه ، وما إذا أمكنه الدخول بغير الإتمام ، وما إذا كان له فترة يتمكّن معها من الإتمام أيضا.

فعلى الأوّل يتمّ الصلاة من دون إعادة الطهارة.

وعلى الثاني فالمشهور وجوب التطهير متى (2) فاجأه في الأثناء ويبني على صلاته.

وعلى الثالث يجب عليه الانتظار. وهذا هو الأقرب ؛ إذ ذاك هو المستفاد من الأخبار الواردة فيه كالصحيح : « صاحب البطن الغالب يتوضأ ويبني على صلاته » (3).

وفي الموثق (4) : عن المبطون؟ فقال : « يبني على صلاته » (5).

وفي أخرى : « صاحب البطن يتوضّأ ثمّ يرجع في صلاته فيتمّ ما بقي » (6).

وظاهر (7) هذه أصرح ما في الباب ؛ لعدم اشتمال الأوّلين صريحا على كون الطهارة المأمور بها في الأثناء ، فالظاهر من هذه الأخبار فرض الحكم فيمن دخل متطهّرا أو عرض له الحدث

ص: 61


1- مختلف الشيعة 1 / 311.
2- في ( ألف ) : « حتّى ».
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 363 ، باب صلاة المريض والمغمى عليه والضعيف والمبطون ، ح 1043.
4- لم ترد في ( ب ) : « وفي الموثّق ... صلاته ».
5- تهذيب الأحكام 3 / 306 ، باب صلاة المضطر ، ح 19.
6- تهذيب الأحكام 1 / 351 ، باب الأحداث الموجبة للطهارة ، ح 28.
7- لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « ظاهر ».

في الأثناء. وكأنّه الفرد الشائع فيه (1) منه بخلاف المسلوس ، ولذا لم يرد الحكم بالبناء فيه مع اشتراكه له في العلّة.

وأمّا مع مشروعيّة الدخول في الصلاة مع الحدث فالظاهر مشروعيّة الاستمرار ؛ إذ لا ثمرة ظاهرا للتطهير ثانيا مع خروجه عن ظاهر الأخبار ، بل ودلالة بعض تعليلات المسلوس على مضيّه عليه.

نعم ، لو تكرّر منه الحدث في الأثناء فالظاهر وجوب تكرار الطهارة إلّا أن يوجب العسر أو الخروج عن وضع الصلاة.

وحينئذ فهل يستمرّ على الفعل أو يتطهّر أو لا يبنى عليه من غير التفات إلى الأحداث إلّا دفعة؟ وجهان أحوطهما الأخير.

هذا ، وفي جريان الحكم على التفصيل المذكور بالنسبة إلى المسلوس وجه قويّ ، وإن لم يذكر في الأخبار وخلا عنه كلام كثير من الأصحاب.

ص: 62


1- لم ترد في ( د ) : « فيه ».

البحث السادس: في اللواحق

تبصرة: [ في الشك في أفعال الوضوء ]

اشارة

لو شكّ في شي ء من أفعال الوضوء فإن كان في حال الوضوء وجب العود إليه سواء انتقل من ذلك الفعل إلى غير من أفعاله أو لا ، وإن لم يكن في حال الوضوء فلا يلتفت على المعروف بين الأصحاب في المقامين.

بل الظاهر إطباقهم على الحكمين في الجملة.

ويدلّ على الأوّل بعد اتفاقهم عليه ظاهرا وقضاء الأصل به حيث إنّ الشك في العمل يوجب الشك في الامتثال الموجب لبقاء الشغل ، خصوص الصحيح : « إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليها ، وعلى جميع ما شككت فيه أنّك لم تغسله ممّا سمّى اللّه ما دمت في حال الوضوء » (1).

يخصّص بذلك ما دلّ من العمومات على عدم العبرة بالشك مع فوات المحلّ كالصحيح : « اذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره فشكك ليس بشي ء » (2) كما هو الشأن في العموم والخصوص المطلق.

نعم ، في الموثّق : « إذا شككت في شي ء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك

ص: 63


1- تهذيب الأحكام 1 / 100 ، باب صفة الوضوء ، ح 110 ، خلاصه حديث.
2- تهذيب الأحكام 2 / 352 ، باب أحكام السهو ، ح 47.

بشي ء إنّما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه » (1).

فيدل على عدم العبرة بالشك مع فوات المحلّ في خصوص الوضوء ؛ لظهور رجوع الضمير في « غيره » إلى « الشي ء » كما يفصح عنه قوله « إنّما الشك في شي ء لم تجزه » فيتدافع الخبران.

ولا شك في ترجيح الأوّل ؛ لصحته مضافا إلى اعتضاده بالاحتياط وعمل الأصحاب وإن كان ذاك أيضا مؤيّدا بالعمومات إلّا أنّه لا يقاوم ما ذكروه ، مضافا إلى عدم صراحته في المطلق ؛ لإمكان رجوع الضمير إلى الوضوء.

وقوله « إنّما الشك .. » إلى آخره ، ليس صريحا في خلافه ولا دالّا بنفسه كذلك على الحكم ؛ لإمكان رجوع الضمير إلى الوضوء كلّه ؛ نظرا إلى قلّة أفعاله شيئا واحدا.

وقد يقال بأنّ الخبر الأخير أخصّ من الأوّل لدلالته على وجوب العود مع بقائه على حال الوضوء ، وقد قيّده الأخير بصورة عدم الفوت من محلّ الفعل ، فقضيّة القواعد إذن تخصيصه به.

ويدفعه أوّلا : أنّه كالصريح في عدم الفرق بين القسمين ، مضافا إلى فهم الأصحاب وإطباقهم عليه ، فهو مقدّم على الآخر قطعا ؛ إذ لا عبرة بالصحاح في مقابلة الإجماع فكيف بالموثقة المذكورة.

ثمّ إنّ المدار في وجوب الرجوع إلى المشكوك هل هو حال الاشتغال بالأفعال أو يثبت مع بقائه في المحلّ وإن فرغ من الوضوء إذا لم يشتغل بغيره من الأفعال؟ قولان.

ويعتبر على الثاني عدم حصول الفصل الطويل. والظاهر إلحاق الجفاف به بناء على ذلك القول في وجه قوي.

والأظهر الأوّل ، وهو المشهور كما في الحدائق (2) ؛ أخذا بعموم ما دلّ على عدم العبرة

ص: 64


1- تهذيب الأحكام 1 / 101 ، باب صفة الوضوء ، ح 112.
2- الحدائق الناضرة 2 / 391.

بالشك بعد الفراغ كقوله عليه السلام في الموثق : « كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو » (1) ، وخصوص ما دلّ على عدم العبرة بالشك في الوضوء بعد الإتمام ، ففي موثقة بكير : قلت له : الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ؟ قال : « هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشك » (2).

بل ذلك هو الظاهر من الصحيحة المذكورة ، ولا ينافيه ما بعده من قوله عليه السلام : « إذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّى اللّه ممّا أوجب اللّه عليك فيه وضوء لا شي ء عليك » (3) ؛ إذ الظاهر أنّ ذكر خصوص المقام مبنيّ على الغالب كما يومي إليه تعيينه بالفراغ وصيرورته في حال أخرى.

نعم ، لو تلبّس بفعل من الأفعال أوّلا والتمثيل بالصلاة لا يخصّه بذلك ، ولو فرض ظهوره في اعتبار ذلك لمفهوم معارض بمفهوم التعسّر السابقة ، وبملاحظته يحصل الاحتمال المانع من الاستدلال ؛ مضافا إلى أنّ ظاهره اعتبار القيام ، فلو انتقل عن المحلّ من دونه لزم بقاء حكم الشكّ.

ولو قام من دون انتقال جرى حكمه. وظاهر القائل به خلافه.

وأيضا ظاهره اعتبار الأمرين من الانتقال والدخول في فعل آخر ، وظاهر المنقول عنهم الاكتفاء بأحد الأمرين.

وممّا ذكرنا ظهر الوجه في الاشتراط وضعفه.

وهاهنا إشكال فيما إذا عرض الشك بالنسبة إلى آخر الأجزاء ؛ لعدم تحقّق الفراغ المقتضي للإجزاء ، والوجه فيه الرجوع فيه إلى نفسه فإن وجد ماء على حال الفراغ وإكمال الأفعال فالظاهر صدق كون الشك بعد الفراغ.

ولو حصل الفصل الطويل أو الجفاف فالحكم أظهر وأولى منهما لو اشتغل بعبادة مشروطة بها.

ص: 65


1- تهذيب الأحكام 2 / 344 ، باب أحكام السهو ، ح 14.
2- تهذيب الأحكام 1 / 101 ، باب صفة الوضوء ، ح 114.
3- تهذيب الأحكام 1 / 100 ، باب صفة الوضوء ، ح 110.

وفي الصحيح - على الأصحّ - : فيمن شكّ في مسح رأسه ورجليه حال تلبّسه بالصلاة أنّه « يتناول من لحيته لو كانت مبتلّة ويمسح به رأسه وكان أمامه ماء تناول ماء جديدا ومسح به » (1). وهو صريح في صحّة الوضوء ، وإلّا لوجب عليه استيناف الصلاة ، فالرجوع إلى المسح كأنّه محمول على الندب إن عمل به.

[ تنبيهات ]

وينبغي هنا بيان أمور :

أحدها : لو جفّ جميع ما تقدّم على العضو المشكوك لزمه فساد الوضوء ؛ للحكم طاهر [ ا ] بعدم غسل المشكوك ، ومعه بفوت الموالاة المعتبرة.

وهو ظاهر كلام الأصحاب ، بل عزاه في الحدائق (2) إليهم مشعرا باتفاقهم عليه.

وتأمّل فيه صاحب الحدائق ، بل ظاهره عدم الفساد ؛ أخذا بإطلاق ما دلّ في المقام على الرجوع إلى العضو المشكوك من غير تفصيل بين الوجهين ، مع عدم شمول ما دلّ على اشتراط عدم الجفاف لمثله ؛ لاختصاصه بصورة الجفاف الحاصل من جهة نفاد الماء وطروّ الحاجة.

ويضعّفه أنّ ما دلّ على (3) اعتبار الموالاة بالمعنى المذكور وإن ورد في خصوص المقام المفروض لا يقضي بتخصيص الحكم ، بل الظاهر عدم الفرق كما مرّ.

فإنّ الظاهر منه بمعونة فهم الأصحاب دوران الحكم مدار الجفاف ، والأحكام الوضعيّة لا يفرق فيها بين المتعمّد وغيره ، والاقتصار على خصوص مورد الخبرين الواردين في الموالاة من دون تقديمه عنه أصلا لا يعرف قائل به من الأصحاب ، بل الظاهر انّه خلاف ما أفتى به هناك ، وإن صرّح في المقام بالاقتصار على مدلولهما ؛ لنصّه هناك على حصول الفساد بالجفاف من التفريق. وهو حاصل في المقام بناء على الظاهر من الحكم ؛ لعدم الإتيان بالمشكوك إذا أتى

ص: 66


1- تهذيب الأحكام 2 / 201 ، باب أحكام السهو في الصلاة وما يجب منه إعادة الصلاة ح 88.
2- الحدائق الناضرة 2 / 391.
3- زيادة في ( ب ) : « اشتراط عدم الجفاف ».

بما بعده ، والإطلاق الوارد في المقام بالرجوع إلى المشكوك منزّل على الغالب من بقاء الرطوبة ، فيظهر بذلك قوة القول المشهور. مضافا إلى تأيّده بالشهرة والاحتياط.

ثانيها : حكم كثير الشكّ في الوضوء كالصلاة في عدم الالتفات وإن ورد الأخبار (1) في خصوص الصلاة ؛ لدلالة فحواها على عموم الحكم لكلّ العبادات ، ففي الصحيح : « لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطيعوه ، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد فليمض أحدكم في الوهم ، ولا يكثرنّ نقض الصلاة ، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشك » ثمّ قال عليه السلام : « إنّما يريد الخبيث أن يطاع ، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم » (2).

فهو كالصريح في التعميم وشمول الحكم لسائر المقامات ، مضافا إلى لزوم العسر والحرج مع البناء على وجوب الرجوع.

ويومي إليه في خصوص الوضوء ظاهر قول الصادق عليه السلام في صحيحة عبد اللّه بن سنان حيث ذكر له ابتلاء رجل بالوضوء والصلاة ووصف عقله : وأي عقل له وهو مطيع الشيطان؟! فقال له : « وكيف يطيع الشيطان؟ فقال : سله هذا الّذي يأتيه من أي شي ء هو؟ فإنّه يقول لك : من عمل الشيطان » (3).

فإنّه وإن كان الظاهر وروده في الوسواس إلّا أنّ ظاهر إطلاقه يعمّ ذلك ، بل لا يبعد اندراج كثير منها في الوسواس.

ثمّ إنّ قضية عدم الالتفات إلى الشكّ هو البناء على الإتيان بالفعل المشكوك هل هو رخصة من الشرع أو عزيمة فيحرم الرجوع؟ وجهان أوجههما الأخير ؛ لظاهر الأخبار.

وعموم أدلّة الاحتياط معارض بما يستفاد من النهي في المقام سيّما إذا وصل إلى حدّ الوسواس.

وحكم بعض المتأخرين بكونه من قبيل الرخصة ، ولا مانع من الفعل أخذا بعمومات

ص: 67


1- في ( د ) : « الأخيار » ، وفي ( ألف ) : « الاضمار ».
2- الإستبصار 1 / 375 ، باب من شك فلم يدر صلى ركعة أو ثنتين ، ح 5.
3- الكافي 1 / 12 ، كتاب العقل والجهل ، ح 10.

الاحتياط الموجب للمشي على الصراط.

ولا يخفى ضعفه.

ثالثها : المدار في كثرة الشكّ وقلّته على العرف. وربّما يجده في الصلاة بتوالي الشك في ثلاث ، وربّما يدلّ عليه بعض المعتبرة إلّا أنّ الأظهر حمله على بيان مصداق من مصاديقه كما هو الظاهر من الرواية ، ثمّ بعد ثبوت الكثرة يستصحب حكمها إلى أن يعلم الزوال ، ويرجع فيه أيضا إلى العرف.

وهل يسقط اعتبار الشك في خصوص ما تكثر فيه وقوعه فيه أو يعمّ غيره من سائر الأفراد الّتي يقع فيها الشكّ وإن لم يكثر فيها بالخصوص أو يعمّ الشكوك الواقعة في سائر الأفعال؟ وجوه أظهرها الثاني إلّا أن تحصل (1) الكثرة لحصول الشك بالنسبة إلى كثير من الأفعال ، فالظاهر إذن تعميمه بالنسبة إلى الجميع.

ويحتمل البناء على الثالث لما يستفاد من النهي عن تقوية الخبيث ويمكّنه من نفسه. وهو يحصل بالاعتناء بالشك مع الكثرة وإن كان بالنسبة إلى الأفعال المتعدّدة.

رابعها : الظاهر أنّ حكم الظن في المقام كالشكّ ؛ لعدم قيام دليل على حجّية الظن فيه ، وبعض العمومات الدالّة على حجيّته لم ينقل بطريق صحيح.

وفي مرسلة أبي يحيى الواسطي : « فيمن شكّ في غسل ذراعيه ويده انّه إذا وجد برد الماء على ذراعه فلا يعيد » (2).

وفيه إشارة إلى اعتبار الظن فيه إلّا أنّها لضعفها وعدم وضوح دلالتها لا ينهض حجّة.

وهل يجري فيه حكم الشكّ بعد فوات المحلّ؟ وجهان ؛ من أنّه بمنزلته بعد عدم حجيّته ، وأنّ الرجوع بعد فوات المحلّ خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النصّ ، وهو صورة الشكّ.

والأظهر الأوّل لما عرفت من أنّ الأصل الأصيل وجوب الرجوع ؛ نظرا إلى أنّ عدم

ص: 68


1- في ( د ) : « تحصيل ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 364 ، باب صفة الوضوء والفرض منه ، ح 33 مع اختلاف.

العلم بإتيان الجزء كعدم العلم بإتيان الكلّ ، فلا يحصل اليقين بالبراءة ، غاية الأمر إخراج حكم الشكّ مع فوات المحلّ في غير الوضوء ، فيتبعه الظنّ الأولى. وأمّا في الوضوء فلمّا وجب الرجوع في صورة الشكّ بقي الظنّ فيه على مقتضى الأصل.

والقول بأنّ قضيّة تلك الإطلاقات عدم الرجوع بعد فوات المحلّ مطلقا ، فبعد خروج صورة الشكّ المتعلّق بأبعاض الوضوء يبقى غيره على مقتضاها موهون بأنّ دلالتها على الظنّ إنّما هي من باب الأولويّة ، فبعد ثبوت التخصيص في المنطوق لا يبقى فيها دلالة على المفهوم بالنسبة إلى ما خصّص به المنطوق كما لا يخفى.

مضافاً إلى احتمال شمول الشكّ في المقام للظنّ أيضا.

ثمّ إنّه يجري فيه حكم كثير الشكّ مع تحقّق الكثرة فيه ، ولو كثر منه الشكّ خاصّة ففي عدم اعتنائه بالاحتمال الحاصل في الظن أيضا وجه قويّ.

وفي عكسه وجهان ، وكذا إذا كثر منه الشكّ فطرء له الظن بالترك ، والأحوط فيهما الرجوع.

خامسها : لو تعلّق الشك بشرط الوضوء جرى فيه حكم الشك في الأفعال مع بقاء المحلّ ، ومع فواته ففيه وجهان ؛ من رجوع الشكّ في الشرط إلى الشك في نفس الفعل ، ومن أنّ ظاهر الرواية الشك في إيقاع أصل الفعل ، فيبقى غيره تحت الإطلاقات.

والأحوط الرجوع.

ولو شكّ في فوات الموالاة فإن شكّ في حصول الجفاف قوي البناء على البقاء ، ولو تيقّن بالجفاف وشكّ في تأخره عن الشروع في اللاحق وتقدّمه عليه فإن علم وقت الشروع أو الجفاف قوي البناء على أصالة تأخّر الآخر ، وإلّا ففيه الوجهان السابقان.

سادسها : (1) لو شكّ في الحدث بعد تيقّن الطهارة فلا عبرة به كما أنّه لا عبرة بالطهارة المشكوكة بعد اليقين بالحدث بلا خلاف في المقامين.

ص: 69


1- في ( ب ) و ( د ) : « تبصرة » بدل « سادسها ».

نعم ، يستثنى منه خروج بالشكّ في بوليته بعد البول قبل الاستبراء ، فإنّه يحكم بنقضه الوضوء على المعروف بين الأصحاب ، على ما مرّ تفصيل القول فيه.

ويمكن أن يقال : إنّه محكوم شرعا ببوليته ، وكذا (1) يحكم بنجاسة عينه كما مرّ ، فلا استثناء.

ثمّ إنّ الروايات بما ذكرنا مستفيضة منها : الصحيح بعد حكمه بعدم انتقاض الوضوء إلّا باليقين بالعدم « وإلّا فانّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ولكن ينقضه بيقين آخر » (2).

وفي الموثق « إيّاك أن تحدث وضوء أبدا حتّى تستيقن أنّك قد أحدثت » (3).

والأخبار الدالّة على عدم نقض اليقين بالشكّ قريبة من التواتر بل متواترة.

وربّما يستشكل فيه بأنّ الشك ضدّ اليقين ، فلا بقاء له مع الشك ، فكيف يصحّ القول بعدم نقض اليقين بالشك مع أنّها منتفضة بطروّه قطعا.

واندفاعه ظاهر ؛ فإنّ المراد باليقين حكمه ، والمقصود أنّه يجب البقاء على حكمه حتّى يتيقّن بانتقاضه.

وبتقرير آخر لا اتّحاد بين زماني العلم والشك ، بل المقصود عدم نقض اليقين الحاصل في السابق إلّا باليقين الحاصل برفعه ، فالمقصود الحكم ببقاء حكمه إلى أن يعلم المزيل.

وفي الذكرى (4) بعد دفعه الإشكال بما ذكرنا ، وتعليله الحكم بأصالة بقاء ما كان قال : فيؤول إلى اجتماع الظن والشك في الزمان الواحد فيرجح (5) الظنّ عليه كما هو مطّرد في العبادات ويتراءى أي من ظاهر كلامه بخبرين اجتماع الظنّ والشك في الزمان الواحد مع أنّه

ص: 70


1- في ( د ) : « لذا ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 8 ، باب الأحداث الموجبة للطهارة ، ح 11.
3- الكافي 3 / 33 ، باب الشك في الوضوء ومن نسيه أو قدم أو أخر ، ح 1.
4- الذكرى 2 / 207.
5- لم ترد في ( ب ) : « فيرجح ... في الزمان الواحد ».

بديهيّ الفساد كالأوّل ، لكن الظاهر أنّه وجود الظن والشك الفعليين كما يتوهّم ، وإنّما عني حصول الشكّ مع عدم النظر عن الاستصحاب ليس على ما ينبغي ؛ إذ الظاهر عدم دوران الحكم فيه مدار الظن كما فصّل في محلّه مستقصى.

وقد يجاب أيضا بأنّ المقصود من الحدث نفس السبب لا الأمر الحاصل منه ، واليقين بحصوله بهذا المعنى لا ينافي الشكّ في وقوع الطهارة بعده وإن اتّحد وقتهما.

وهذا الجواب يرجع إلى بيان اختلاف متعلّقي اليقين والشكّ ، فلا مانع من ثبوتهما في زمان واحد.

ثمّ إنّ حمل العبارة على المعنى الأخير لم يصحّ الاستناد إليها في الحكم بالطهارة عند طروّ الشكّ في مطابقة اليقين للواقع ؛ لعدم بقاء اليقين ، فلا يقين إذن بالطهارة لئلا يرتفع إلّا باليقين كما قد يتوهّم بناء على أنّ (1) حملها على المعنى الأوّل ؛ نظرا إلى أنّ قضية إطلاقه عدم انتفاض حكم اليقين السابق إلّا بيقين آخر سواء عرض الشك في عروض الناقض أو نقض العارض أو مطابقة اليقين للواقع.

وقضيّة عدم تعيّن (2) حمل العبارة على المعنى المذكور لإمكان حملها على المعنى الآخر ، ومع حملها عليه فالمنساق منها بمقتضى المقام عدم نقضه بالشكّ في الانتقاض كما لا يخفى.

ثمّ إنّه كما لا عبرة بالشكّ بعد اليقين لا عبرة بالظنّ أيضا ؛ لعدم قيام دليل على حجيّته ؛ ولأن الظاهر من مقابلة الشك باليقين أنّ المقصود به المعنى الأعم ، بل الظاهر أنّه معنى الشك في اللغة كما نصّوا عليه ، وقد اختصّ في الاصطلاح ببعض أقسامه ، والأخبار ناطقة بإرادته في المقام كما دلّ عليه المعتبرين المذكورين وغيرهما.

وربّما يظهر من بعض المتأخرين التأمّل في الحكم ، بل الحكم بخلافه ، وكلامه مبنيّ على ظنّ دوران حجيّة الاستصحاب مدار الظن ؛ نظرا إلى عدّة من الأدلّة الظنيّة ، فمع انتفاء الظنّ لا يبقى له حجية ، فعلى ما ذكرناه يرجع الحكم على قضية الأصل ، فيبقى بناؤه في المقامين على

ص: 71


1- لم ترد في ( د ) : « انّ ».
2- لم ترد في ( ب ) : « تعيّن ... المقام عدم ».

لزوم الطهارة عملا بما يقتضيه اليقين بالشغل.

وضعفه بناء على عموم حجيّة الاستصحاب كما هو المحقّق في محلّه واضح.

كيف وقد صرّح في الأخبار بعدم الحكم بانتقاض الوضوء إلّا مع اليقين بطروّ الحدث ، بل وفي بعضها المنع من إحداث الوضوء بدون اليقين كما عرفت.

وفصّل بعضهم فحكم في صورة اليقين بالطهارة والظنّ بالحدث بعدم الانتقاض ، واستشكل في عكسه لصراحة (1) الأخبار في الأوّل لعموم الحكم كما مرّ ، وأمّا الثاني فلا يظهر دليل عليه.

وقوله في صحيحة زرارة « ولكن تنقضه بيقين آخر » كما يمكن أن يستدلّ بمفهومه على عدم اعتبار الظنّ كذلك يمكن أن يستدلّ بها على اعتباره بمفهوم « لا تنقض اليقين بالشكّ » مع أنّ الأصل براءة الذمّة.

قلت : ضعف ما ذكره أوضح من أن يخفى.

ومن الغريب ميله إلى عدم وجوب الوضوء كما يومي إليه استناده إلى أصالة البراءة مع أنّه (2) من الواضح أنّه (3) بعد تسليم عدم قيام الدليل على حجيّة الاستصحاب في المقام ، فلا دليل أيضا على حجيّة الظن المذكور وجواز العمل به ، مع أنّ قضية اليقين بالشغل اليقين بالفراغ ، فالمعيّن (4) على ما ذكره لزوم الطهارة ، فلا ثمرة إذن للتفصيل المذكور.

ص: 72


1- في ( ب ) : « إخراجه » بدل « لصراحة ».
2- في ( د ) : « انّ ».
3- زيادة : « أنّه » من ( د ).
4- في ( د ) : « فالمتعيّن ».

تبصرة: [ في الشك في تأخّر الطهارة أو الحدث ]

لو تيقّن الحدث والطهارة معا وشكّ في المتأخر منهما فلهم فيه أقوال :

أحدها : وجوب الطهارة ، وهو المعروف من مذهب القدماء. وبه نصّ جماعة من المتأخرين. وعزاه في المختلف (1) إلى الأصحاب مؤميا إلى اتّفاقهم عليه.

ثانيها : الأخذ بضدّ الحالة السابقة على الشك إن علمها (2) وإلّا يطهر. وعزي القول به إلى المحقّقين الحلّي (3) والكركي (4).

ثالثها : الأخذ بمثل السابقة. اختاره الفاضل في جملة من كتبه.

رابعها : التفصيل بين ما علم فيه وقت الحدث وغيره ، فيحكم بطهارته على الأول ؛ أخذا بأصالة تأخر الطهارة ، ويجب عليه الطهارة في الثاني. ويندرج فيه صورة جهالة تاريخهما أو تاريخ الحدث. ذهب إليه بعض المحققين من متأخري المتأخرين.

والأظهر الأوّل ؛ تحصيلا للبراءة اليقينيّة بعد اليقين بالشغل ، وأيضا المفروض تكافؤ احتمالي الطهارة والحدث فيتساقطان ، ويكون الطهارة مجهولة ، ويبقى عموم ما دلّ على وجوب الوضوء عند فعل الصلاة خاليا عن المعارض.

وما يتخيّل للأخذ بضدّ الحالة السابقة من انتقاض تلك الحالة قطعا وعدم العلم برفع الناقض لاحتمال تعاقب الحدثين أو الطهارتين مدفوع بحصول اليقين لوجود المماثل له أيضا مع

ص: 73


1- مختلف الشيعة 1 / 308.
2- في ( د ) : « علمهما ».
3- في المعتبر 1 / 170.
4- في جامع المقاصد 1 / 235.

عدم اليقين بارتفاعه ، فيتعارض الاستصحابان فيتساقطان ، ويبقى أصالة الاشتغال بحاله.

فإن قلت : لو كان الحدث أو الطهارة واقعا عقيب مثله لم يفد حكما جديدا بخلاف الصورة الأخرى ؛ لاستلزامه رفع الحالة السابقة ثمّ ارتفاعه بطروّ الآخر ، ومن الظاهر أنّ كلّا من الأمرين خلاف الأصل ، فقضية الأصل البناء على الأوّل ، فيتعيّن الأخذ بضدّ الحالة السابقة.

قلت : لا وجه لكون أصل العدم مثبتا (1) لشي ء ، وما يتراءى من تفريع الأحكام المثبتة عليه مدفوع بعدم استنادها إليه في تلك المقامات ، بل إنّما يستند الحكم هناك إلى الأدلّة الشرعيّة كما إذا حكمنا بوجوب الوضوء بماء شكّ في ملاقاته للنجاسة ، فإنّه بعد رفع الملاقاة بالأصل يكون الماء غير ملاق للنجاسة ، فيثبت وجوب الوضوء بمقتضى الأدلّة الدالّة على وجوب الوضوء لمثله.

وليس المقام من ذلك القبيل ؛ إذ المفروض تساوي احتمالي وقوع الطهارة والحدث عقيب الطهارة والحدث ، غاية الأمر أن يتفرع على أحدهما ممّا يخالف الأصل أكثر من الآخر ، فلا وجه إذن لترجيح أحدهما بالنظر إلى قلّة فروعه.

ألا ترى أنّه لا يمكن الحكم بترجيح نجاسة إحدى الإنائين المشتبهين لكون الملاقي له أكثر من الآخر نظرا إلى أصالة الطهارة فيها.

وإن (2) قلت : قضية أصالة تأخّر الحادث يعطي تأخير ما يوجب رفع السابقة لأصالة بقائها وتأخّر ارتفاعها ، فيجب الأخذ بضدّه (3).

قلت : قد ظهر الجواب عنه بما مرّ للزوم كون الأصل مثبتا ، وليس شأنه إلّا الحكم ببقاء الحالة السابقة لو علم طروّ ضدّه مثلا.

نعم ، إن تفرّع عليه حكم من الخارج اتّبع ، وهنا ليس كذلك ؛ إذ الحكم ببقاء الحالة

ص: 74


1- في ( ألف ) : « شيئا ».
2- في ( د ) : « فإن ».
3- في ( ب ) : « يفيده » وفي ( ألف ) : « بعيده ».

السابقة لا يقضي بتأخّر ما يرفعه ، وإنّما يتوقف عليه البقاء.

والحاصل أنّه لا يمكن إثبات تأخير الطهارة بمجرّد ذلك مع مساواتها لوقوع الحدث ، وما ذكر ليس إلّا من قبيل ما قدّمنا من ترجيح وقوع أحد الحادثين لقلّة مخالفة فروعه للأصل.

نعم ، يصحّ إجراء الأصل بالنسبة إلى نفس الحالة السابقة لإثبات ما يتفرع عليها كما لو علم أنّ أوّل الزوال كان متطهّرا ثمّ تيقّن (1) وقت العصر بوقوع حدث وطهارة مع الجهل بتاريخهما حكم على نفسه بالطهارة إلى وقت لا يحتمل تأخّر الحدث عنه ، فيثبت له حكم الطهارة إلى الوقت المذكور ، وذلك لا يقضي بالحكم بتأخّر الحدث ليثبت على نفسه حكم الحدث بعد ذلك ، بل ذاك باق على الاجمال.

وهذا هو الشأن في الأحكام الظاهريّة كما في سائر المقامات.

ويبقى الكلام في المقام فيما إذا تعيّن عنده وقت الحدث ، فإنّ قضية الأصل فيه تأخر الطهارة ، ويتبعه الحكم بطهارته عند الشك.

لكن يضعّفه أن (2) البناء على الأصل المذكور هنا مطروح بين الأصحاب ؛ لاطباقهم ظاهرا على خلافه ؛ إذ لا يظهر قائل من متقدّميهم ومتأخّريهم (3) سوى ما ذهب إليه بعض المتأخرين.

بل الظاهر عدم ابتنائهم به في نظائره كما إذا لاقى يده القذرة آنية من الأواني المرتبة من المرور عليها وشكّ في خصوص الملاقي لها ، فإنّه لا يحكم قطعا بتعين الأخيرة لذلك ، مع أنّه قضية الأصل المذكور واشتبه شي ء في غسله ما إذا تيقّن بنجاسة يده مثلا في زمان معيّن كالزوال وتيقّن بإدخالها في الكرّ في ذلك النهار مطلقا ، فإنّ قضية الأصل المذكور فيه الطهارة ، والحكم بها مشكل جدّا.

ولا يظنّ فتوى الأصحاب به مع أنّه بعينه كالمسألة المفروضة ، بل الأمر فيه أسهل من

ص: 75


1- في ( ب ) : « يتقين ».
2- في ( ألف ) : « عند ».
3- زيادة في ( د ) : « بذلك ».

المقام.

والحاصل فإعراضهم عن الأصل المذكور ممّا (1) يوهن الاعتماد عليه سيّما فيما تيقّن فيه بالشغل اليقيني المقتضي للفراغ.

وقد يقال بأنّ عدم اعتبار الأصل في هذه المقامات من جهة كونه متعلّقا بالأمور العادية (2) أعني إيقاع الطهارة بعد الحدث المفروض أو إيصال المطهّر إلى النجس ونحوهما ، فإنّ مجرّد الأصل قد (3) لا يكفي في إثبات ذلك.

ويؤيّده ملاحظة ما يشبه ذلك من موارد الشكّ ، بل هذا وما يذكر وجها للأخذ بمثل الحالة السابقة من أنّ الطهارة رافعة لحكم الحدث ، والحدث رافع لحكمها ، فإذا تيقّن الأمرين فلا بدّ من وقوع الطهارة بعد الحدث المقطوع لو كان متطهّرا في الحالة السابقة.

ووقوعه بعدها لو كان محدثا موهون بأنّه خروج للعلم بالترتيب في الصورة المفروضة بأدنى التفات للنفس.

والمفروض في المقام بيان الحكم هنا مع فرض استمرار الجهل ، والمراد بالطهارة والحدث نفس الوضوء والأحداث الواقعة سواء كان كلّ منهما (4) رافعا لحكم الآخر أو واردا على مثله. وهو ظاهر.

ثمّ إنّه لا فرق في الحكم بين اتّحاد كلّ من الطهارة والحدث أو تعدّدهما أو اختلافهما ولا بين العلم بكون كلّ من الطهارة والحدث أو أحدهما رافعا لحكم الآخر بالفعل أو لا إلّا أن يؤول ذلك إلى ارتفاع الشكّ ؛ لخروجه عن المتنازع كما عرفت.

ولو علم في الصورة المفروضة بخروج الحدث الناقض مع الشكّ في تعدده جرى عليه حكم الطهارة أيضا ؛ لرجوعه إلى الشك في الحدث بعد اليقين بالطهارة كما يحكم في عكسه

ص: 76


1- في ( ألف ) « ما ».
2- في ( ب ) : « النادبة ».
3- زيادة : « قد » من ( د ).
4- في ( ألف ) : « منها ».

بحدثه لرجوعه إلى الشكّ في الطهارة بعد اليقين بالحدث.

ص: 77

تبصرة: [ في الشك في كون الناقض أصغر أو اكبر ]

لو تيقّن بانتقاض طهارته وشكّ في كون الناقض أصغر أو أكبر ففيه وجهان.

أحدهما : الاكتفاء بالطهارة الصغرى ؛ إذ هي القدر المتيقّن بالانتقاض ، والطهارة الكبرى مستصحبة ، ومع الحكم ببقائها شرعا يتعيّن عليه ما قلناه.

ثانيهما : لزوم الإتيان بالطهارتين معا ؛ إذ هو من موارد الاحتياط الواجب ؛ للعلم بورود تكليف من الشرع ودورانه بين معنيين ، فيجب الاتيان بهما لتحصيل اليقين بالفراغ.

أو يقال : قد حصل العلم بطروّ حالة مانعة من الدخول في الصلاة فيستصحب إلى أن يعلم الرافع ولا يحصل إلّا بالجمع.

وفيه : أنّه إنّما يتمّ إذا لم يقم دليل من الشرع على انتفاء أحد الأمرين ، وليس كذلك لدلالة الاستصحاب على بقاء الطهارة الكبرى وعدم انتقاضها ، فيتعيّن بعض الصغرى ، وهو إنّما يرتفع بالصغرى بعد الحكم شرعا بخلوّه من الأكثر.

ألا ترى أنّه لو شكّ في خروج الأكبر وتيقّن بوقوع الأصغر اكتفى بما يرفع لحكمه شرعا من جهة الاستصحاب لخلوّه عن الأكثر. ومنه يظهر ضعف الوجه الأوّل أيضا ؛ لتعيّن التكليف بمقتضى الأدلّة الشرعيّة ، ولا اشتباه.

واعلم أنّ ما ذكرناه من الوجهين إنّما هو فيما إذا تيقّن أوّلا بخصوص الخارج ثمّ نسي بعد ذلك وشكّ في التعيين ، وأمّا إذا شكّ في الخارج أنّه بول أو مني فإن كان قبل البول حكم عليه بوجوب الغسل كما سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه ، وإن كان بعده اكتفى بالوضوء من غير حاجة إلى الغسل بلا خلاف فيه ، والروايات ناصّة به.

ومنه يظهر قوّة ما قلناه وضعف الوجه الآخر كما لا يخفى.

ص: 78

تبصرة: [ في الخلل ]

لو توضّأ وضوءين ثمّ ذكر حدوث خلل في أحدهما فلا تأمّل عندنا في كونه متطهّرا (1) ؛ لصحة إحدى طهارتيه قطعا. ولو صلّى بينهما فالأظهر صحّتهما لحصول الشكّ فيها بعد الفراغ ، فلا يعتدّ به.

وعن الشيخ في المبسوط (2) القول بفساده ؛ لعدم اليقين بوقوعها بطهارة صحيحة لاحتمال أن يكون الأولى هي الفاسدة.

وهو قضيّة فتوى الحلي والفاضل.

وأمّا على القول باعتبار قصد الرفع أو الاستباحة في الوضوء الرافع فيجي ء احتمال وجوب إعادة الطهارة إذا لم ينو أحد الأمرين في باقي الوضوءين كما إذا قصد التجديد ؛ لاحتمال كون الخلل في السابقة فيفسد الأخيرة أيضا.

وبه أفتى الحلي والفاضل ، وحكما بوجوب إعادة الصلاتين لو صلّى بعد الثانية أيضا.

والأظهر على القول المذكور أيضا عدم وجوب إعادة شي ء من الصلاتين إذا كان الشك بعدهما ؛ لعدم العبرة إذن بالشك.

وفي الحكم بوجوب إعادة الطهارة أيضا وجهان ممّا دلّ على عدم العبرة بالشكّ بعد الفراغ من الوضوء ، ومن أنّ المتيقّن منه ما إذا حصل الشك المجرد لا (3) مع اليقين بحصول الخلل والشكّ في تعيين المحلّ.

ص: 79


1- في ( ألف ) : « مظهرا ».
2- المبسوط 1 / 25.
3- في ( ألف ) : « ولا ».

والمحكيّ عن السيد جمال الدين والفاضل والشهيد البناء على الأوّل ، وظاهر بعض المتأخرين البناء على الأخير مع الحكم بعدم وجوب إعادة شي ء من الصلاتين أيضا ؛ لما عرفت.

ولو تيقّن بإخلاله بأمرين وشكّ في اجتماعهما في أحد الوضوءين أو تفريقهما في الفعلين وجهان (1) أجودهما البناء على الأوّل ؛ لرجوعه إلى الشكّ بعد العمل ؛ إذ ليس المقطوع بفساده سوى أحد الفعلين.

ولو ذكر حدوث حدث بين الطهارتين فعلى المختار لا إشكال في طهارته ، وعلى القول الآخر لا تأمّل في كونه محدثا مع عدم قصده أحد الأمرين ، فلو صلّى بين الطهارتين وشكّ في كونه بعد الحدث وقبله بنى على الصحّة قطعا.

ولو تيقّن إذن بحصول خلل في إحدى الطهارتين فالّذي قطع به (2) الأفاضل وجوب التطهير لرجوع الحال إلى اليقين بالحدث والشكّ في الطهارة ؛ نظرا إلى شكّه في صحّة الطهارة الأخيرة.

ويحتمل - بناء على ما قدّمناه من احتمال شمول الشكّ بعد الفراغ لمثل ذلك كما اختاره أولئك الأفاضل - عدم وجوبها أيضا إلّا أنّ الأظهر خلافه.

ولو صلّى بعد الأخيرة قبل اليقين بحصول الخلل فلا تأمّل في صحّتها.

ولو صلّى بين الطهارتين فإن علم كونه بعد الحدث فظاهر ، وإلّا بنى على الصحّة.

ولو صلّى بعد كلّ من الطهارتين فرضا مع القطع بحصول الخلل في أحدهما وجب عليه إعادة أحد الفرضين ، وكذا لو تيقّن بحصول الحدث بعد أحدهما مع العلم بوقوع الصلاة بعده ، وإلّا بنى على أصالة الصحّة.

ص: 80


1- في ( ألف ) : « وجهين ».
2- زيادة في ( د ) : « بعض ».

الباب الثالث: في الغسل

اشارة

وهو غسل متعلّق بجميع البشرة أو ما نزل منزلته مشروط بالقربة ، وهو واجب ومندوب ، ويندرج في المندوب أقسام كثيرة يأتي الكلام فيها.

والواجب منه ستّة : غسل الجنابة ، والحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، ومسّ الأموات ، وغسلهم.

ووجوب ما عدا الخامس ممّا قام عليه إجماع الفرقة بل الضرورة ، والظاهر أنّه ممّا اتّفقت عليه الأمّة.

وأمّا الخامس فالقول بوجوبه هو المعروف من المذهب.

وعن السيد القول باستحبابه ، وهو مذهب العامة ، بل ذهب إليه جماعة من المتأخرين.

والأول هو الصحيح للأخبار المستفيضة القريبة من التواتر الآمرة بالغسل لأجله ، ولا معارض لها في الأخبار سوى بعض الإشعارات ، وهي بعد الكلام عن (1) سندها ساقطة الدلالة ، فكيف يعامل بتلك الأخبار المصرّحة المعتضدة بعمل الطائفة ومخالفة العامّة.

ومن الغريب تشكيك بعض المتأخرين في الحكم المذكور مع غاية وضوحه بما لا ينبغي الإصغاء إليه ، والكلام في تفاصيل الأغسال المذكورة يورد في فصول :

ص: 81


1- في ( د ) : « على ».

الفصل الأوّل: في غسل الجنابة

اشارة

والكلام في سببه وغايته وكيفيّته وشرائطه ولواحقه ، فهاهنا مباحث :

البحث الأوّل: في بيان ما يتحقّق به الجنابة
اشارة

وهو أمران : الإنزال ، وإدخال الحشفة.

تبصرة: [ في تحقق الجنابة بالإنزال ]
اشارة

يتحقّق الجنابة في الرجل بخروج المني على جميع الأحوال من النوم واليقظة مع العمد (1) في إخراجه بالملاعبة ونحوها أو غيره بلا خلاف فيه بين الطائفة.

ويدلّ عليه الروايات المستفيضة.

وكذا الحال في المرأة على المعروف من المذهب.

و (2) في الحدائق (3) أنّه لم ينقل فيه خلاف سوى ما يظهر من كلام الصدوق في المقنع (4) حيث

ص: 82


1- في ( د ) : « التعمد ».
2- زيادة الواو من ( د ).
3- الحدائق الناضرة 3 / 14.
4- المقنع : 42 ، وفي ( ب ) : « العلل » بدلا منه.

يظهر منه (1) القول بعدم وجوب الغسل عليها بالاحتلام.

وقد حكى الإجماع على المسألة جماعة من الأجلّة.

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك الصحاح المستفيضة وغيرها كصحيح الحلبي عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل؟ قال : « إذا نزل فعليها الغسل » (2).

وفي الخبر : « إذا أمنت المرأة والأمة من شهوة جامعها الرجل أو لم يجامعها في نوم كان أو يقظة فإنّ عليها الغسل » (3).

وهناك عدّة روايات مشتملة على الصحاح صراح في عدم وجوب الغسل عليها بالإنزال قد اشتمل بعضها على عدم وجوب الغسل عليها بالإنزال في اليقظة وبعضها على عدمه بالاحتلام إلّا أنّها مطرحة بين الأصحاب ، وتلك معتضدة بالعمل والاحتياط والإجماعات المحكيّة ، مضافا إلى ظهور اشتراكها للرجل في الأحكام.

وفي بعض الأخبار الحكم بوجوب الغسل عليهنّ بذلك مع النهي عن إعلامهنّ بالحكم ، فقد يستفاد منه وجه جمع بين الأخبار المذكورة بأن يكون المقصود من هذه عدم الوجوب عليهن ؛ نظرا إلى جهلهنّ بالمسألة وعدم وجوب إعلامهنّ به ولو متعلّق عنه بناء على سقوط التكليف به من جهة المفسدة المترتبة عليه كما قد يسقط وجوب الإعلام في غيرها من جهة ترتّب الفساد.

والمراد بتلك الأخبار بيان ما هو الواقع من وجوب ذلك عليهنّ بأصل الشرع ، فيجب عليهنّ القيام به لو علمن به بالحال.

[ تنبيهات ]

هذا ، وفي المقام أمور ينبغي الإشارة إليها :

ص: 83


1- في ( ألف ) : « من ».
2- الكافي 3 / 48 ، باب احتلام الرجل والمرأة ، ح 5 وفيه : إذا أنزلت.
3- الإستبصار 1 / 106 ، باب أن المرأة إذا أنزلت وجب عليها الغسل ، ح (347) 5.

أحدها : المدار في الجنابة على خروج المني فلا جنابة قبل خروجها عن المحل وإن نزل من الصلب كما إذا أمسك على حشفته بعد الإنزال وقبل الخروج ؛ إذ المستفاد من الأخبار وكلام الأصحاب إناطة الحكم به ، فعلى هذا يجب عليه الإمساك مع أمنه من الضرر إذا حرم الحدث عليه كما إذا كان في الصلاة أو في القيام أو في المسجدين فلا حرمة إذن في تحريك الشهوة وإنزال الماء من الصلب لعدم حصول الجنابة المحرّمة بمجرده إذا قصد الإمساك.

وفيه تأمّل.

وهل يعتبر الخروج من الموضع المعتاد أو يعمّ غيره أيضا؟ قولان ذهب إلى الأوّل منهما الشهيد في الذكرى.

وفي البيان (1) أنّه كالحدث الأصغر في اعتبار العادة وعدمها ، وهو بمعناه.

وإلى الثاني العلّامة في جملة من كتبه. والوجه فيها إطلاق الروايات وانصراف الإطلاق إلى المتعارف. وقد مرّ نظيره في خروج الحدث الأصغر. والمسألتان من باب واحد ، فالأظهر هنا ما مرّ هناك ، فتأمّل.

ثانيها : لو تيقّن كون الخارج منيّا حكم بالجنابة سواء اعتبر أوصافه أو لا ، وحدث (2) فيه الأوصاف أو لا. وما ورد في عدّة أخبار من اعتبار الشهوة أو غيرها فإنّما هي وارد مورد الغالب أو روعي فيها التقيّة حيث إنّ الاعتبار ببعض الأوصاف من مذهب العامّة.

ثالثها : إنّما يحكم بالجنابة مع العلم بكون الخارج منيّا ، فلو ظنّه أو شكّ فيه لم يحكم به.

وعن ظاهر جماعة من الأصحاب الرجوع فيه مع الاشتباه إلى الصفات ، وهي الشهوة والدفع وفتور الجسد في الصحيح ، والأول والأخير خاصّة في المريض.

ويدلّ على الأوّل الصحيح : « إذا جاءت الشهوة والدفع وفتر لخروجه فعليه الغسل ».

وعلى الثاني في جملة من الأخبار الدالّة على عدم اعتبار الدفع (3) فيقيّد بها إطلاق الأوّل.

ص: 84


1- البيان : 14.
2- في ( د ) : « لا وجدت ».
3- زياده في ( د ) : « في المريض ».

وقد يستشكل فيه مع بقاء الشكّ معها بما دلّ عليه المستفيضة بعدم (1) انتقاض اليقين بالشكّ ، واحتمال ورود الصحيحة المذكورة مورد الغالب من حصول العلم أو التقيّة من جهة محض خروج المني في السؤال أو وقوع التفصيل المذكور في الجواب مع أن إطلاق حصول الانتقاض إذن من المعلوم بالإجماع ، فهو إنّما ملائم ما ذهب إليه بعض المخالفين من اعتبار الوصف منه.

وقد يقال بإفادتها اعتبار العلم وعدم الاعتناء بالشكّ والظن ، لوضوح حصول القطع الخالي عن شوائب الشك مع وجود الأوصاف الثلاثة ، فالقول بإناطة الحكم بالعلم في الصحيح هو الأصحّ.

وأمّا في المريض فالأظهر الاكتفاء فيه بالخروج عن الشهوة كما صرّح به جماعة من الأصحاب منهم المحقّق والشهيد.

ويدلّ عليه غير واحد من الصحاح ففي صحيحة زرارة : « إذا كنت مريضا فأصابتك شهوة فإنّه ربّما كان هو الدافق لكنّه يجي ء مجيئا ضعيفا ليس له قوّة لمكان مرضك ساعة بعد ساعة قليلا قليلا فاغتسل به » (2).

فيقيّد به ما دلّ على عدم نقض اليقين بغيره ، مضافا إلى اعتضاد هذه بالعمل حتّى ذكر بعض المحققين أنّ الظاهر من الأصحاب الاتفاق على العمل بما دلّت عليه هذه الأخبار وعدم الرادّ فيها.

وفي الدروس (3) : إنّه يعتبر المني مع الاشتباه برائحة الطلع والعجين رطبا وبياض البيض جافّا ، ويقارنه الشهوة وفتور الجسد والدفق غالبا إلّا في المريض ، فيكفي الشهوة.

وذكر في البيان (4) في أوصافه بعد الثلاثة الغلظ في مني الرجل أكثريا والرقة في مني الرجل

ص: 85


1- في ( د ) : « من عدم » بدل « بعدم ».
2- الكافي 3 / 48 ، باب احتلام الرجل والمرأة ح 3.
3- الدروس 1 / 95.
4- البيان : 13.

ورائحة الطلع ، وما ذكر من الاعتبار لم نجده في شي ء من النصوص وكأنّه أراد بذلك بيان استكشاف الحال ليحصل اليقين بالحال.

هذا في الرجل ، وأمّا المرأة فيعتبر فيها بمجرّد الشهوة كما يدلّ عليه عدّة من الأخبار. وهل تحكم بها بمجرّدها وإن خلت عن اليقين؟ وجهان أحوطهما ذلك.

رابعها : اعتبار اليقين بالجنابة أو الرجوع إلى الصفات عند الشك إنّما هو في الإنزال المبتدأ ، وأمّا إذا أنزل واغتسل وخرج منه البلل حكم عليه بالجنابة وإن شكّ في كونه منيّا.

وهو خروج عن قاعدة البقاء على اليقين بالدليل أو حكم من الشرع بمنويّة الخارج ، فلا تخصيص في القاعدة المذكورة كما مرّ نظيره.

وتفصيل القول في ذلك أنّه إمّا أن يكون قد بال بعد الإنزال و (1) استبرأ بالاجتهاد أو لم يفعل شيئا منهما أو اقتصر على أحدهما ، وعلى الأخير فإمّا أن يكون قادرا على البول أو لا ، فهاهنا مسائل :

الأولى : أن يكون قد بال بعد إنزاله واستبرأ بالاجتهاد.

ولا خلاف إذن في عدم انتقاض طهره ، فليس عليه غسل ولا وضوء. ويدلّ عليه بعد الأصل والإجماع الأخبار المستفيضة الواردة في المسألة ، وفيما مرّ في الوضوء.

ثانيها : أن ينتفي الأمران. والمعروف من المذهب فيه وجوب الغسل. وعن المبسوط (2) والصدوق الاكتفاء فيه بالوضوء.

وعن جماعة من المتأخرين عدم انتقاض الغسل به ، وإنّما يستحب له الإعادة. ويظهر من الشيخ التفصيل بين نسيان البول وتعمّد تركه ، فأوجب الغسل في الأخير خاصّة.

والأقوى الأوّل.

ويدلّ عليه بعد الإجماع المحكي عليه في السرائر (3) وغيره المعتبرة المستفيضة المشتملة

ص: 86


1- في ( ألف ) : « أو ».
2- المبسوط 1 / 29.
3- السرائر 1 / 118.

على الصحاح الصراح كصحيحة الأقطع عن رجل اجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي ء؟ قال : « يعيد الغسل » (1).

وصحيحة محمّد بن مسلم : « من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثمّ وجد بللا فقد انتقض غسله » (2).

وموثقة سماعة عن الرجل يجنب ثمّ يغتسل قبل أن يبول فيجد بللا بعد ما يغتسل ، قال : « يعيد الغسل » (3).

إلى غير ذلك ، وهناك أخبار مستفيضة تدلّ على عدم انتقاض الغسل بذلك إلّا أنّها لا يقاوم الأخبار المذكورة لعدم سلامة إسنادها ، فالاستناد إليها مع قطع النظر عن المعارض لا يخلو عن الإشكال ، فكيف مع معارضتها بتلك الصحاح المعتضدة بالاحتياط وعمل الاصحاب.

وفي حسنة جميل : عن الرجل يصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتّى يغتسل ثمّ يرى بعد الغسل شيئا أيغتسل أيضا؟ قال : « لا قد تعصرت ونزل من الحبائل » (4).

ورواية أحمد بن هلال : سألته عن رجل اغتسل قبل أن يبول ، فكتب : « إنّ الغسل بعد البول إلّا أن يكون ناسيا فلا يعيد » (5).

وهاتان الروايتان حجة التفصيل ، مضافا إلى كونه وجه جمع بين الأخبار.

وفيه بعد ضعف الإسناد للتأمل على أنّ السندي الواقع في إسناد الأوّل ، وإن كان الأظهر الاعتماد عليه ، وضعف أحمد بن هلال الواقع في إسناد الأخير مع عدم خلوه عن الاضطراب ؛ لوقوع السؤال فيه بالقول ظاهرا والجواب بالكتابة وإعراض جمهور الأصحاب عن العمل

ص: 87


1- الكافي 3 / 49 ، باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة ثم يخرج منهما شي ء بعد الغسل ، ح 1.
2- وسائل الشيعة 1 / 283 ، باب حكم البلل المشتبه الخارج بعد البول والمني ، ح 5 مع اختلاف.
3- الكافي 3 / 49 ، باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة ثم يخرج منهما شي ء بعد الغسل ، ح 4.
4- وسائل الشيعة 2 / 252 ، باب حكم البلل المشتبه بعد الغسل ، ح 11.
5- تهذيب الأحكام 1 / 145 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ، ح 101.

بهما ، مع كون الحكم المذكور من الأحكام الوضعيّة الّتي قد تختلف الحال فيها بالنسبة إلى الناسي وغيره.

الثالثة : أن يكون ذلك بعد البول قبل الاستبراء. ولا يجب عليه إذن إعادة الغسل أيضا بلا خلاف يظهر كما مرّ. ويدلّ عليه الأخبار المستفيضة المتقدمة لكن يجب عليه الوضوء لما مرّ في بابه.

الرابعة : أن يكون بعد الاستبراء بالاجتهاد من دون البول مع إمكانه. والمعروف فيه أيضا وجوب الغسل ؛ لإطلاق الأخبار المذكورة.

وربّما يظهر من إطلاق المحقق عدم الوجوب.

وهو ضعيف ؛ إذ لا شاهد على تقييد الأخبار ، ومجرد الاعتبار لا يصلح حجّة في الشرع.

الخامسة : أن يكون ذلك مع عدم إمكان البول. وفيه قولان ، فذهب الشيخ (1) وجماعة إلى عدم وجوب الغسل ، وعزي إلى الأكثر وظاهر جماعة من المتأخرين القول بوجوب الاعادة.

وكأنّه الأظهر ؛ لخلوّ أخبار الاستبراء عن ذلك ، بل لم نجد في شي ء من الأخبار ذكر الاجتهاد في الاستبراء عن المني ، وإنّما ورد ذلك في البول ، وقياس المني عليه ممّا لا وجه له.

فربّما يتأمّل في مشروعيّة فعله بقصد الوظيفة فضلا عن ترتّب حكم الاستبراء عليه.

ولو سلّم ذلك فانّما يسلّم في المقام الأوّل للتسامح في أدلّة السنن ، وأمّا الثاني فلا وجه للقول به مع دلالة الإطلاقات السابقة على لزوم الغسل.

نعم ، لو قيل بأنّ المناط في الاستبراء على حصول الظن بعدم تخلف شي ء من المني في مجراه ، وهو كما يحصل (2) بالبول يحصل بالاجتهاد اتّجه ما قالوه إلّا أنّه لا وجه إذن للترتيب المذكور ، فلا بدّ من القول بترتّب الحكم عليه مع إمكان البول أيضا. ولا يتوقّف حصوله على الاجتهاد المعروف ، بل يحصل بكثرة المني وطول المدة.

ص: 88


1- في ( ب ) : « الشيخان ».
2- في ( ب ) : « ترى ».

والقول به كذلك مع أنّه مخالف لظاهر المذهب لا يوافق ظاهر أخبار الباب ، وإن وافق قاعدة عدم انتقاض اليقين بالشكّ.

واحتجّوا على عدم وجوب الغسل بخروج البلل مع عدم البول ؛ حملا لها على تلك الصورة جمعا بين الأخبار.

ويضعّفه أنّ حمل تلك الإطلاقات على الفرد النادر لو كان هناك خبر مقيّد في غاية البعد ، فكيف مع عدمه. ومجرد كونه وجه جمع بين الأخبار لا يوجب الحمل عليه سيّما بعد ما عرفت.

وهل يثبت الحكم المذكور بالنسبة إلى المرأة أيضا ، قولان : فظاهر ما ذكره جماعة من الأصحاب من عدم استحباب الاستبراء في شأنها انتفاء الحكم بالنسبة اليها ، ونصّ بعض المتأخرين على استحباب الاستبراء لها ، وعلى جريان الحكم المذكور بالنسبة إليها (1) هو ظاهر الشيخ في النهاية حيث سوّى بين الرجل والمرأة في الاستبراء.

والأظهر الأوّل لاختصاص ما دلّ على استحباب الاستبراء ، والحكم بانتقاض الغسل بالخارج قبله بالرجل وقد فرض الحكم بالانتقاض فيه فيما رأيناه من الأخبار المتعلّقة به.

وعدم ذكر الرجل بخصوصه في الجواب لا يقضي بالإطلاق بعد فرضه في الرجل في السؤال ورجوع الضمير عليه في الجواب.

قيل (2) : وفي بعض الأخبار وقع السؤال والجواب عامّا.

قلت : لم أجد ذلك في شي ء من الأخبار ، بل الموجود فيها مشتمل على خصوص السؤال عن خصوص الرجل مع رجوع الضمير في إليه ، فلا يمكن أن يعم الجواب.

نعم ، في صحيحة محمّد بن مسلم : « من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثمّ وجد بللا فقد انتقض غسله » (3) الخبر.

ص: 89


1- زيادة في ( د ) : « و ».
2- زيادة : « قيل » من ( د ).
3- وسائل الشيعة 1 / 283 ، باب حكم البلل المشتبه الخارج بعد البول والمني ، ح 5.

ولا يبعد استظهار حملها على الرجل سيّما بمعونة سائر الأخبار بل خيرة (1) الآخر المرويّ قبله.

ويؤيّده التعليل الوارد في آخر الرواية حيث علّل عدم نقض الغسل بعد البول بأن البول لم يدع شيئا ؛ إذ من الظاهر أنّه لا دخل للبول بالنسبة إليها في إخراج المتخلّف من منيّها لاختلاف مخرجها.

وذلك أيضا إشارة تامّة إلى اختصاص الحكم بالرجل ، فلو سرينا الاستبراء إليها تعيّن الاجتهاد. واحتمال أن يكون لخروج البول من مخرجه تأثيرا في تنظف الآخر كما قيل بعيد جدّا. وحينئذ فقاعدة عدم انتقاض اليقين بالشك محكمة في شأنها ، فلا يحكم عليها بالنقض إلّا مع العلم بكون الخارج منيّا ، وأنّه من منيّها. فلو تيقنت بخروج المني وكان في فرجها من مني الرجل بنت على أصالة الطهارة.

ويدلّ عليه موثقة الأقطع : عن رجل اجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي ء؟ قال : « يعيد الغسل » ، قلت : فالمرأة يخرج منها شي ء بعد الغسل؟ قال : « لا تعيد » ، قلت : فما الفرق (2) بينهما؟! قال : « لأنّ ما يخرج (3) من المرأة من مني الرجل » (4).

ونحوها صحيحة منصور ، وفيهما أيضا إشارة إلى ما قلناه.

هذا ، واعلم أنّ الحكم بنقض البلل المشتبه مع اشتباه ذاته ظاهر ، وأمّا مع العلم بعدم صدق المني عليه واحتمل استهلاك جزء من منيّه فيه كما إذا بال واحتمل حصول جزء من المني مستهلك فيه ، ففيه وجهان من حصول الاشتباه ، ومن خروجه عن ظاهر الأخبار ؛ لعدم صدق البلل المشتبه عليه في العرف وإن كان الثاني أظهر ؛ أخذا بأصالة بقاء الطهارة ، والأحوط الاعادة.

ص: 90


1- في ( ألف ) : « حتّى ».
2- زيادة في ( د ) : « ما ».
3- في ( ب ) زيادة : « إنّما هو ماء ».
4- الكافي 3 / 49 ، باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة ثم يخرج منهما شي ء بعد الغسل ، ح 1.

خامسها : لو احتلم فلمّا انتبه لم يجد في ثوبه وبدنه شيئا أو وجد وشك في كونه منيّا لم يحكم بالجنابة ، للأصل والأخبار.

ولو وجد في بدنه وثوبه المختصّ به منيّا رطبا أو يابسا حكم بجنابته مع العلم بخروجه منه بلا خلاف فيه.

وفي موثقة سماعة : عن الرجل ينام ولم ير في نومه أنّه احتلم ، فيجد في ثوبه وعلى فخذه الماء هل عليه غسل؟ قال : « نعم » (1).

ونحوها موثقته الأخرى.

ولو لم يعلم بخروجه منه لم يحكم بجنابته ؛ للأصل وظاهر حسنة أبي بصير : عن الرجل يصيب بثوبه منيّا ولم يعلم أنّه احتلم؟ قال : « يغسل ما وجد بثوبه وليتوضأ » (2).

وفي أمره بالوضوء إشارة إلى الاكتفاء فيه برفع الأصغر ، ولا فرق في الحكم بين ما إذا قضى أصالة التاخّر بوقوعه منه كما إذا لم يحتمل مع تأخّر وقوعه من غيره أو لا ، وكذا لا فرق في صورة العلم بين ما إذا تيقّن بخروجه بعد غسله أو احتمل وقوعه قبله لرجوعه في الأخير إلى اليقين بالطهارة والحدث والشك في التاريخ.

ثمّ إنّه مع الحكم بجنابته إنّما يجب عليه اعادة ما أتى به من الصلاة بعد النوم الأخير ؛ لعدم العبرة بالشكّ بعد الفراغ ، مضافا إلى أصالة التأخر.

وعن الشيخ في المبسوط (3) القول بوجوب قضاء كلّ ما أتى به من الصلوات بعد الغسل الأخير الواقع (4). وكأنّه نظر إلى مراعاة الاحتياط.

وهو كما ترى ؛ لعدم دليل على وجوب الاحتياط في مثله سيّما بعد قيام الدليل على عدم العبرة بالشك بعد الفعل أو خروج الوقت ، ولانتفاء الاحتياط في الصلاة المتوسط بين الغسل

ص: 91


1- الكافي 3 / 49 ، باب احتلام الرجل والمرأة ، ح 7.
2- الإستبصار 1 / 111 ، باب الرجل يرى في ثوبه المني ولم يذكر الاحتلام ، ح 3369.
3- المبسوط 1 / 28.
4- في ( د ) : « الرافع ».

الأخير والنوم الأوّل.

وكأنّه لا يقول به أيضا ، وإن قضى به إطلاق عبارته ، ولعدم حصول الاحتياط به إذا احتمل تقدّمه على الغسل الأخير ؛ لعدم الاتيان إذن بجميع المحتملات ، وإنّما يتأتى ذلك باعادة كلّ صلاة يحتمل تعقيبه للجنابة المذكورة.

سادسها : لو وجد المني في ثوبه المشترك بينه وبين غيره لم يحكم كل منهما بانتقاض طهارته سواء كانا مجتمعين فيه كالفراش أو اللحاف أو كلّ (1) منهما على سبيل التناوب.

والحكم في الصورة الأولى ممّا لا خلاف فيه ظاهرا ؛ أخذا في كل منهما بأصالة الطهارة.

ومجرد انتقاض إحدى الطهارتين لا يوجب الاحتياط عليهما ؛ لعدم اليقين بحصول التكليف بالنسبة إلى شي ء منهما ليجب الخروج عنه كما في مسألة الإنائين.

والقول بأنّ كلا من الاستصحابين حجّة شرعيّة فبعد القطع بحصول النقض لأحدهما يكون بمنزلة التخصيص بالمجمل (2) مدفوع بقيام كل منهما حجة بالنسبة إلى موضوعه ، فلا تعارض.

ويدلّ عليه أيضا إطلاق حسنة أبي بصير المتقدمة ، وفي الصورة الثانية هو المعروف ، وقد حكم فيه بعضهم بوجوب الغسل على صاحب النوبة.

واختاره المحقق الكركي والشهيد الثاني ؛ أخذا بأصالة تأخر الحادث.

ويدفعه ما عرفت من كون المسألة (3) في مثله مثبتا (4) لما لا يتفرع عليه ، فلا يكون حجّة فيه ؛ إذ ليس من مقتضيات تأخّر وقوعه في نفسه وقوعه من الآخر ، وإن استلزمه بملاحظة الخارج. كيف ولو صحّ التمسّك بالأصل في مثله لزمه الحكم بنجاسة بدنه إذا رأى في ثوبه دما ، واحتمل خروجه منه ومن غيره إلّا أنّه لا يحتمل وقوعه من غيره إلّا مع سبقه لقطعه بعدم

ص: 92


1- في ( د ) : « كان ».
2- في ( ألف ) : « بالجهل ».
3- في ( د ) : « الأصل ».
4- في ( ألف ) : « مبتنيا ».

ملاقاته لغيره في ذلك الوقت وما يقاربه مثلا.

والظاهر أنّ أحدا لا يقول به ، فكذا فيما نحن فيه ؛ إذ هما من قبيل واحد.

مضافا إلى شمول الحسنة المتقدمة له أيضا.

ثمّ إنّه إنّما يحكم بسقوط أحكام الجنب عن كلّ منهما بانفراده بالنسبة إلى نفسه ، وأما بالنسبة إلى غيره وما إذا تعلّق الحكم بالمجموع فهناك تأمّل في جريان الحكم المذكور.

فمن الأوّل ما لو أراد أحد استيجار أحدهما للصلاة عن الميّت أو أراد القدوة به فإنّ فيه وجهين من الحكم شرعا بطهارته ، ويتبعه الحكم بصحّة صلاته ، ومن القطع بفساد صلاة المحدث منهما وعدم جواز استيجاره ، ولا القدوة به.

فمع دورانه بين المحصور يجب التجنب عنهما ؛ لوجوب التحرّز عن المشتبه المحصور كما مرّ (1).

هذا هو الأظهر ، ويحتمل القول بجواز الجمع بينهما أيضا بناء على دعوى إسقاط الشرع لحكم الجنابة المذكورة ، وهو في حيّز المنع.

ومن الثاني جواز قوة (2) أحدهما بالآخر أو استيجار أحدهما للآخر (3) لتعيّن ما عليه من الصلاة المستأجر عليها اذا أتى ببعضه الآخر. والأظهر فيه المنع لفساد صلاته على كلّ من التقديرين في الأوّل وعدم فراغ ذمّته من تمام الحق قطعا في (4) الأخير.

وقيل فيه أيضا بالصحّة للحكم شرعا بطهارة كلّ منهما وسقوط حكم الجنابة المفروضة.

ولا يخفى وهنه بعد عدم نهوض دليل عليه كذلك ، غاية ما يقتضيه الدليل سقوطه بالنسبة إلى كلّ منهما (5).

ص: 93


1- زيادة في ( د ) : « و ».
2- في ( د ) : « قدوة ».
3- في ( د ) : « الآخر ».
4- لم ترد في ( ب ) : « في الأخير وقيل فيه أيضا ».
5- زيادة في ( د ) : « فتأمّل ».
تبصرة [ في تحقق الجنابة بإدخال الحشفة ]

الثاني من موجبي الجنابة الإدخال ، وحصولها بالإدخال في فرج المرأة ممّا أجمعت عليه الفرقة بل هو ممّا أطبقت عليه الأمّة سوى شذوذ منهم.

وقد رجع جماعة من المنكرين إلى القول به كما حكي عنهم.

ويدلّ عليه بعد الإجماع المعلوم والمنقول ظاهر الكتاب والنصوص المستفيضة ، ويعتبر فيه إدخال الحشفة على ما هو المصرّح به في كلام الأصحاب ، وعبّر عنه في كثير من الأخبار بالتقاء الختانين.

وفي القاموس (1) : إنّ الحشفة ما فوق الختان.

وفي الصحيح : متى يجب الغسل؟ فقال : « إن التقى الختانان فقد وجب الغسل ». فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال : « نعم » (2).

ولا ينافي ذلك ما في القاموس من تفسير الحشفة بما فوق الختان ، بل ينطبق عليه ؛ إذ حصول الالتقاء بغيبوبة الحشفة إنّما يكون بكون (3) الحشفة ما فوق الختان.

ثمّ إنّ المعروف من المذهب وجوب الغسل بإدخال دبر المرأة ، وقال السيد (4) : لا أعلم خلافا بين المسلمين في أنّ الوطي في الموضع المكروه من ذكر أو أنثى يجري مجرى الوطي في القبل ، ولا وجدت في الكتب المصنفة لأصحابنا الإماميّة إلّا ذلك ، ولا سمعت ممّن عاصرني

ص: 94


1- القاموس المحيط 3 / 128 ( حشف ).
2- الكافي 3 / 46 باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة ، ح 2.
3- زيادة : « بكون » من ( د ).
4- نقل عنه مختلف الشيعة 1 / 328.

منهم من شيوخهم نحوا من ستّين سنة إلا يفتي بذلك. فهذا إجماع من الكلّ.

وفي موضع من المبسوط (1) : انّه الظاهر من المذهب.

وذهب الشيخ (2) في غير واحد من كتبه إلى عدم حصول الجنابة به. وحكاه في المبسوط عن بعض الأصحاب.

وقد يستظهر ذلك من الكليني رحمه اللّه حيث روى في الكافي (3) مرفوعة البرقي والصدوق حيث روى في الفقيه صحيحة الحلبي الآتية.

وفيه : أنّه لا دلالة في الصحيحة (4) على الحكم كما ستعرف ، فإسناد القول إليه ممّا لا وجه له. والأقوى هو الأوّل. ويدلّ عليه بعد الإجماع والشهرة العظيمة الاحتياط لوجوه :

منها : إطلاق ما دلّ من المستفيضة على وجوب الغسل بالإدخال كالصحيح : متى يجب الغسل على الرجل والمرأة؟ فقال : « إذا أدخل (5) فقد وجب الغسل والمهر والرجم » (6).

ونحوه صحيحة أخرى ، وفي أخرى : « ولو كان أدخله في اليقظة وجب عليها الغسل أمنت أو لم تمن » (7).

ويؤيّده ذكر المهر والرجم معه ؛ إذ الظاهر عدم تأمّل منهم في ثبوتها بالإدخال في الدبر.

ومنها : ما دلّ على عدم انفكاك وجوب الغسل عن وجوب المهر والرجم كقول عليّ عليه السلام في الصحيح حين وقع النزاع بين المهاجرين والأنصار في كون الإدخال سببا للغسل : « أتوجبون عليه الرجم والحدّ ، ولا توجبون عليه صاعا من ماء؟! » (8).

ص: 95


1- المبسوط 1 / 27.
2- الخلاف 1 / 116.
3- الكافي 3 / 47 ، باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة ح 8.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 85 ، باب صفة غسل الجنابة ح 186.
5- في ( د ) : « أدخله ».
6- الكافي 3 / 46 ، باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة ، ح 1.
7- الإستبصار 1 / 112 ، باب الرجل يجامع المرأة في ما دون الفرج ، ح (372) 3.
8- وسائل الشيعة 2 / 184 ، باب وجوب الغسل على الرجل والمرأة بالجماع في الفرج حتى تغيب الحشفة ، ح 5.

وفي صحيحة أخرى : « كيف لا توجب (1) الغسل والحد يجب عليه؟! » (2).

فإن ظاهرها أنّ وجوب الغسل والحدّ والرجم من قبيل واحد ، و (3) إنّ ثبوت الأوّل أولى من الأخيرين ، فإذا ثبتا لزم القول (4) بثبوته بالأولى ، و (5) الإدخال من الدبر يوجب الجلد أو الرجم عندهم ، فيلزمه وجوب الغسل.

والقول بأنّ ذلك قياس لا يجوز الاحتجاج به في ثبوت الأحكام مدفوع بأنّ كلام الإمام عليه السلام هو الحجّة في ذلك ، وإن كان ذلك تقريبا إلى إفهامهم ، ولم يجز الاحتجاج به بمجرّده ، فإنّ المستند عندنا هو حكم الإمام عليه السلام به ، مضافا إلى أنّه لا مانع من الاحتجاج به بعد قيام الأولويّة أو العلم بالمناط. وكأنّه كان المناط في ذلك منقّحا عندهم ، وعدم تنقّحه عندنا لا يستلزم عدمه عندهم.

ومنها : الصحيح عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن سوقة عمّن أخبره قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي أهله من خلفها؟ قال : « هو أحد المائين فيه الغسل » (6).

وضعف الرواية منجبر بالعمل مع صحّتها إلى ابن أبي عمير الّذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

ولا مجال للمناقشة في دلالتها ؛ لصراحتها في المطلوب.

ويؤيّد ذلك أيضا ظاهر الآية الشريفة الدالّة على وجوب الغسل بالملامسة الصادقة به ، وخروج الملامسة بغير الإدخال من أجل الإجماع.

وظاهر الفتوى لا يقضي بخروجه ؛ لصدقه عليه أيضا ، وتفسيرها في الصحيحة بالمواقعة

ص: 96


1- في ( د ) : « نوجب ».
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 84 ، باب صفة غسل الجنابة ، ح 185.
3- في ( د ) : « أو ».
4- في ( ألف ) : « ثبت النوم فالقول » ، بدلا من « ثبتا لزم القول ».
5- زيادة الواو من ( د ).
6- الإستبصار 1 / 112 ، باب الرجل يجامع المرأة في ما دون الفرج ، ح (373) 4.

في الفرج لا يوجب التخصيص ؛ لصدق الفرج على القبل والدبر كما نصّ عليه أهل اللغة ، وقضى به جملة من الاستعمالات.

وعلى هذا فيما (1) دلّ على وجوب الغسل بالإدخال في الفرج دلالة عليه إلّا أنّ الظاهر منه عرفا هو خصوص القبل ، ففي الاحتجاج بها إشكال.

حجة القول بالثاني بعد الأصل وما دلّ على عدم نقض اليقين إلّا باليقين إلى نوعه في « الرجل يأتي المرأة إلى دبرها وهي صائمة؟ قال : « لا ينقض صومها وليس عليها غسل » (2).

والمرسلة : « إذا أتى الرجل المرأة في دبرها وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليها غسل » (3).

وإطلاق الصحيح : عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج ، أعليها غسل هو إن أنزل أو لم تنزل هي؟ قال : « ليس عليها غسل وإن لم ينزل هو فليس عليه غسل » (4) ؛ لشمول إطلاقها محلّ الكلام.

ويضعف بأنّ الأصل ما دلّ على عدم نقض اليقين لا حجة فيهما بعد قيام الدليل ، والروايتان الأوليان ضعيفتان ، فلا معوّل عليها سيّما في مقابلة الأدلّة المذكورة.

مضافا إلى اطراحها بين الأصحاب وإعراضهم عن العمل بها من الصدر الأول كما حكاه السيّد.

مضافا إلى اختصاصهما بالمرأة ، والصحيحة لا دلالة فيها بناء على شمول الفرج للدبر ، ولو سلّم الاختصاص فانصراف إطلاقها إلى صورة الدخول محلّ تأمّل ، فلا معوّل عليها.

ثمّ إنّه لا فرق في الحكم بالجنابة بذلك بين الرجل والمرأة كما هو الظاهر من الملازمة بين

ص: 97


1- في ( د ) : « ففيما ».
2- تهذيب الأحكام 4 / 319 ، باب الزيادات ، ح 43.
3- تهذيب الأحكام 7 / 460 ، باب من الزيادات في فقه النكاح ، ح 51.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 84 باب صفة غسل الجنابة ، ح 186.

الأمرين في ذلك ؛ لقضاء جملة من الأدلّة المذكورة (1) ، وتردّد فيه العلّامة.

وليس في محلّه. قال بعض المتأخرين : لم نجد على وجوبه عليها حديثا إلّا قول أمير المؤمنين عليه السلام : « أتوجبون .. » إلى آخره.

قلت : هو كاف في ذلك ، مضافا إلى غير واحد من الأخبار المذكورة هناك كإطلاقات (2) الدالّة على وجوب الغسل بالإدخال سيّما الصحيحة الأخيرة لورودها في خصوص المرأة.

ثمّ إنّ الخلاف في دبر الغلام كالخلاف في دبر المرأة ، وحكى السيّد الإجماع فيها على نحو سواء كما عرفت (3) أو على القول بالفصل بينه وبين دبر المرأة كما في المختلف (4). مضافا إلى الشهرة العظيمة والاحتياط والاعتبار.

وفي حسنة الحضرمي ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله : « من جامع غلاما صار جنبا يوم القيامة لا ينقّيه ماء الدنيا » (5).

وفي إطلاقها تأييد تامّ لما ذكرنا ، بل الأدلّة عليه.

وقد يستشكل في جنابة الطفل بذلك لارتفاع الحد منه ، ولا يشمل الرواية المذكورة.

ويضعّفه أنّ ذلك من الأحكام الوضعيّة الّتي لا يختلف فيه المكلّف وغيره ، مع أنّ الظاهر عدم فرق أحد بين كونه مكلّفا وغيره. مضافا إلى تنقيح المناط فيه.

ولو أولج في فرج الخنثى لم يجب الغسل عليها لاحتمال الزيادة ، وقد يحتمل الوجوب لصدق الفرج عليه.

وهو ضعيف.

وكذا لو أولج الخنثى في الرجل والمرأة أو في مثلها.

ص: 98


1- زيادة في ( د ) : « به ».
2- كذا ، والظاهر : « كالإطلاقات ».
3- زيادة في ( ب ) : « إلّا أنّه خارج عن مدلول النصوص سوى قول أمير المؤمنين عليه السلام وكفى به حجّة بعد الإجماع عليه مطلقا كما عرفت ».
4- مختلف الشيعة 1 / 329.
5- الكافي 5 / 544 ، باب اللواط ، ح 2 وفيه وفي روايات اخر : جاء جنبا.

ولو أولج كلّ في فرج الآخر وجب عليهما بخلاف ما لو أولج كلّ في دبر الآخر فلا يجب على شي ء منهما. وأمّا الايلاج في فرج البهيمة ففيه قولان : فذهب الشيخ (1) في غير واحد من كتبه إلى عدم حصولها به ، واستحسنه المحقق (2) وجماعة.

وفي الحدائق (3) : الظاهر أنّه المشهور.

وذهب العلّامة في المختلف (4) إلى حصول الجنابة به. وربّما يعزى إلى السيد (5) حكاية الإجماع عليه أيضا.

والظاهر عدم شمول ما دلّ على حصول الجنابة بالإدخال لذلك.

والقول بتنقيح المناط فيه بحيث يشمل ذلك غير ظاهر ، فالبناء فيه على حصول الجنابة مشكل جدّا ، وطريق الاحتياط فيه ممّا لا يخفى.

ويجري الوجهان في دبر البهيمة أيضا ، وملازمة الاحتياط فيه أولى.

ص: 99


1- الخلاف 1 / 117.
2- المعتبر 1 / 181.
3- الحدائق الناضرة 3 / 12.
4- مختلف الشيعة 1 / 330.
5- نقل عنه مختلف الشيعة 1 / 330.
البحث الثاني: في غايات غسل الجنابة
اشارة

وهي أمور يرجع كلّها إلى رفع المنع الحاصل بالجنابة ، ولذا يذكر المعالم منها أحكام الجنابة ، ونحن نجري على ذلك في المقام جريا على طريقة أولئك الأعلام.

تبصرة: [ فيما حرّم على الجنب ]

يحرم على الجنب فعل الصلاة والطواف الواجبين والمندوبين وإن لم نقل باشتراط الطهارة في الطواف المندوب ، فإنّه يجي ء المنع هنا من جهة الدخول في المسجد الحرام ، واشتراط الصلاة مطلقا والطواف الواجب به ظاهر ممّا مرّ في الوضوء بالأوّل.

ويشمله بعض الإطلاقات المذكورة هناك كقوله عليه السلام : « لا صلاة إلّا بطهور » (1) ، والحكم ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب وكذا يحرم الصوم الواجب.

ص: 100


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 33 ، باب وقت وجوب الطهور ، ح 67.
تبصرة: [ في تحريم قراءة العزائم ]

لا يجوز للجنب قراءة العزائم الأربع على المعروف من المذهب ، وقد حكى إجماعهم عليه جماعة من الأصحاب منهم الفاضل في التذكرة (1) حيث ذكر أنّه إجماع أهل البيت عليهم السلام ، وقد حكى (2) عن السيد (3) اختصاص التحريم بآية السجدة.

واختاره جملة من متأخري المتأخرين منهم صاحب الحدائق (4).

والأقوى الأوّل.

ويدلّ عليه بعد الإجماع ما رواه في المعتبر (5) عن جامع البزنطي ، عن المثنّى ، عن الحسن الصيقل ، عن الصادق عليه السلام من أنّه يجوز للجنب والحائض أن يقرء ما شاء من القرآن إلّا سور العزائم الأربع » (6).

وفي صحيحة الفاضلين ، وفي الصحيح : الحائض والجنب يقرءان شيئا؟ قال : « نعم ما شاء إلّا السجدة » (7).

وروى الشيخ في الموثّق نحوه.

ص: 101


1- تذكرة الفقهاء 1 / 235.
2- كشف اللثام 2 / 33.
3- الانتصار : 121.
4- الحدائق الناضرة 3 / 55.
5- المعتبر 1 / 186.
6- وسائل الشيعة 2 / 217 ، باب جواز قراءة الجنب والحائض والنفساء القرآن ما عدا العزائم ح 7 ، وفيه : « ويقرأن من القرآن ما شاء إلا السجدة ».
7- الإستبصار 1 / 115 ، باب الجنب والحائض يقرآن القرآن ، ح 6384.

وفي صحيحة أخرى : « وقرأ من القرآن ما شاء إلّا السجدة » (1).

وهاتان الروايتان مشتملتان على ذكر خصوص السجدة ، وهي بمعونة فهم الأصحاب وما تقدّم من رواية البزنطي محمولة على تمام السورة لا لوجوبها بسبب تلاوة جزء منها ، وإن كان حملها على خصوص آية السجدة أقرب بالنظر إلى نفس العبارة لكن ما ذكرناه كاف في حملها على ما قلناه مع عدم بعده عن العبارة أيضا.

وقد ظهر من ذلك أيضا مستند القول بالتخصيص وضعفه.

وفي الحدائق (2) حكى رواية البزنطي على نحو المعتبرة المذكورة ، ولذا زعم انحصار دليل التعميم بالإجماع المنقول ، وليس الحال كذلك ، وإنّما الموجود عندنا في المعتبر ما ذكرناه. وهو الموافق لما حكاه في البحار من عبارته.

وبه يضعّف ما اختاره على طريقته أيضا.

ثمّ إنّه لا فرق بين قراءة تمام السورة وأبعاضها حتّى البسملة إذا نوى بها إحدى السور المذكورة ، وكذا غيرها من المشتركات إنّما يحكم بالمنع منها مع قصدها ، وإلّا بنى أصل الجواز.

ولو نوى بالبسملة ونحوها من المشتركات واحدا من السور الأربع من غير تعيين قوي لحوق المنع ؛ لاحتسابها عرفا من إحداها.

ويحتمل العدم ؛ لعدم تعيّنه في الواقع ، فلا يقع عن شي ء منها وإلّا لزم الترجيح من غير مرجّح.

ثمّ إنّ الحكم يدور مدار اسم القراءة فلا منع من النظر في الآية ولا من إمرار الكلمات على الخاطر على نحو حديث النفس.

وهل يعتبر في صدقها بحيث يمكنه السماع أو يكتفى فيه بمجرّد خروج الحرف من مخرجه وإن كان ممّا لا يسمع في الغالب؟ وجهان أوجههما الأوّل.

ص: 102


1- وسائل الشيعة 2 / 218 ، باب جواز قراءة الجنب والحائض والنفساء القرآن ما عدا العزائم ح 11 ، وفيه : « يقرءا ما شاءا ».
2- الحدائق الناضرة 3 / 144.

وحينئذ ففي الاكتفاء بمجرّد القابليّة العادية أو اعتبار أحد الأمرين من القابلية للسماع أو فعليّته بالنسبة إليه وإن كان على خلاف العادة وجهان أحوطهما - بل أظهرهما - الأخير.

ويعتبر القراءة في الأخرس بمثل ما اعتبر في الصلاة في وجه قوي.

ولو شكّ في آية انّها من العزائم أو غيرها فهل يبني على أصالة الجواز أو يغلب جانب الاحتياط ؛ نظرا إلى دوران الاشتباه بين المحصور؟ وجهان أحوطهما المنع.

ولا منع في قراءة تفسيرها ولا ترجمتها من سائر اللغات كما لا يحرم مسّها على المحدث والعزائم الأربع معروفة لا خلاف ظاهرا في تبيّنها.

نعم ، وقع في عبائر جماعة من الأصحاب كالصدوق والعلّامة في ذكر « سجدة لقمان » مكان « الم السجدة » مع أنّ سورة لقمان لا سجدة فيها.

وحملها بعض الأصحاب على السهو ، وليس كذلك ، بل الظاهر أنّهم عنوا به سورة السجدة المتّصلة بلقمان ، فإنّ الإضافة يكتفي فيها بأدنى الملابسة.

ص: 103

تبصرة: [ في حرمة اللبث في المساجد على الجنب ]

يحرم على الجنب اللبث في المساجد كلّها بلا خلاف فيه يعرف سوى ما حكي عن الديلمي من حكمه بالكراهة.

وما يظهر من الصدوق (1) من القول بجواز نومه في المسجد.

وهما إن ثبت القول بهما شاذّان ضعيفان ، بل إجماع الفرقة منعقد على خلافهما.

ويدلّ عليه بعد الإجماع الآية الشريفة بمعونة تفسيرهم (2) عليه السلام كما يظهر من صحيحة الفاضلين وغيرهما.

وبذلك يسقط المناقشات الّتي أوردت على دلالتها كاحتمال إرادة المنع من الدخول في الصلاة مع الجنابة واستثناء عابري السبيل إشارة إلى جوازه مع الجنابة في الأسفار ؛ نظرا إلى قلّة الماء وعدم حصول الكفاف.

ولا يذهب عليك ضعفه مع قطع النظر عمّا ذكرناه ؛ لبعده عن ظاهر الآية سيّما بملاحظة ذكر السفر بعد ذلك ، مضافا إلى المستفيضة المشتملة على الصحاح الدالّة على المنع كالصحيح عن الجنب : يجلس في المساجد؟ قال : « لا » (3).

وفي صحيحة أخرى : « لا يجلس في شي ء من المساجد » (4).

وفي أخرى : « لا يدخلان أي الجنب والحائض المسجد إلّا مجتازين ، إنّ اللّه تبارك وتعالى

ص: 104


1- المقنع : 45.
2- في ( ألف ) : « تغيرهم ».
3- الكافي 3 / 50 ، باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ويدخل المسجد ، ح 4.
4- تهذيب الأحكام 1 / 407 ، باب التيمم واحكامه ، ح 18.

يقول : ( وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (1) » (2).

نعم ، في صحيحة محمّد بن القاسم (3) : عن الجنب ينام في المسجد؟ فقال : « يتوضّأ ولا بأس أن ينام في المسجد ويمرّ فيه » (4).

وكأنّها حجة الصدوق ، بل والقول بمطلق الكراهة يجعلها شاهدة على حمل غيرها على الكراهة.

وأنت خبير بأنّ اطراحها بين الأصحاب مانع من العمل بها في نفسها ، فكيف مع معارضة تلك الصحاح.

والظاهر تعيّن حملها على التقيّة ؛ إذ ذلك مذهب ابن حنبل من العامّة ، ولا بأس باجتياز الجنب في المساجد كلّها ؛ لما دلّ عليه عدّة من الصحاح المذكورة ، ولظاهر الآية.

وفيها يقيّد إطلاق ما دلّ من الآية والأخبار على المنع من دخوله في المساجد سوى المسجدين الأعظمين مسجد الحرام ومسجد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وبها يقيّد إطلاق ما دلّ من الآية والأخبار على جواز اجتيازه في المساجد.

وعن الصدوقين (5) والمفيد أنّهم أطلقوا القول بجواز اجتيازه في المساجد من غير استثناء. وكأنّه للإطلاق المذكور.

ولا يخفى ضعفه ، لوجوب حمل (6) المقيد في مثله قطعا.

ص: 105


1- النساء : 43.
2- علل الشرائع 1 / 288.
3- في مخطوطات الأصل : محمد بن مسلم. إلّا أنها مروية عن محمد بن القاسم.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 87 ؛ وسائل الشيعة 2 / 210 ، باب جواز مرور الجنب والحائض في المساجد ، ح 18.
5- الهداية : 97 ، فقه الرضا : 85.
6- في ( د ) : « الحمل على ».
[ تنبيهات ]

وينبغي في المقام بيان أمور :

أحدها : الموجود في أكثر أخبار المسألة المنع عن خصوص جلوسه في المسجد ، وهو لا يدلّ على غيره من أنواع الاستقرار إلّا أنّ في الأخبار ما يدلّ على العموم كالصحيح المذكور : « لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين ».

وهو كاف في عموم الحكم ، مضافا إلى عدم ظهور عامل بالفرق ، فلا شبهة في التعميم.

نعم ، هنا إشكال في اختصاص الجواز بصورة الدخول من باب والخروج من آخر ( والظاهر أنّ جلوسه في محمل ونحوه مجتازا بمنزلة الاجتياز ، وإن كان مستقرّا في محلّه ) (1) فيحرم غيرها مطلقا أو يعم الجواز صورة الدخول والخروج من باب واحد من دون اللبث والتردد أو يعم صورة التردد أيضا.

والأحوط الاقتصار على الأوّل ، والثاني كأنّه أظهر بملاحظة الصحيحة المذكورة.

وأمّا الثالث فهو بعيد عن لفظ الاجتياز (2) وعبور السبيل.

وفي القويّ : « للجنب أن يمشي في المساجد كلّها ولا يجلس فيها إلّا مسجد الحرام ومسجد الرسول صلى اللّه عليه وآله » (3).

وظاهر إطلاقه يعطي البناء على الأخير إلّا أنّ الأظهر حمله على ما يستفاد من غيره ؛ لعدم وضوح إطلاقه ، ومخالفته للاحتياط مع ما فيه من الكلام في الإسناد.

والظاهر أن جلوسه في محلّ (4) ونحوه مجتازا بمنزلة الاجتياز وإن كان مستقرا في محلّه.

ثانيها : قد دلّ جملة من النصوص على (5) تخصيص النبي صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام من حرمة

ص: 106


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
2- في ( د ) : « الأخبار ».
3- الكافي 3 / 50 باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ويدخل المسجد .. ح 3.
4- في ( د ) : « محمل ».
5- في ( ب ) : « في ».

الجواز واللبث في مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله.

ففي تفسير العسكري عليه السلام في حديث سدّ الأبواب عن النبي صلى اللّه عليه وآله : « لا ينبغي لأحد يؤمن باللّه واليوم الآخر يبيت في هذا المسجد جنبا إلّا محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام والمنتجبون من آلهم الطيّبون من أولادهم » (1).

وفي خبر آخر عنه عليه السلام : « لا يحلّ لأحد أن يجنب في هذا المسجد إلّا أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ومن كان من أهلي فانّه منّي » (2).

وفي آخر عنه عليه السلام أيضا : « إلّا أنّ هذا المسجد لا يحلّ لجنب إلّا لمحمّد وآله » (3).

إلى غير ذلك ، وادّعى في البحار (4) تواتر الأخبار باستثناء المعصومين عليهم السلام عن حكم دخول المسجدين جنبا إلّا أنّ الموجود في الأخبار الكثيرة هو خصوص مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله ، وأفتى في الحدائق (5) فيه بالخصوص إلّا أنّه يمكن تسرية الحكم فيه إلى سائر المساجد ( بالأولى. وأمّا إلى المسجد الحرام فلا يخلو عن خفاء ؛ لانتفاء الأولويّة.

نعم ، في لفظ بعض الأخبار : « لا يحل لأحد أن يجنب في المسجد إلّا أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين : .. » (6) الخبر ، فإنّ إطلاق المسجد قد يعمّ سائر المساجد ) (7) ، فيدخل فيه مسجد الحرام إلّا أنّه قد يحمل على سائر الأخبار الّتي ذكر فيها خصوص مسجده به.

وكيف كان ، فدعوى التواتر بالنسبة إلى المسجدين ليس في محلّه.

وهناك غير واحد من الأخبار يدلّ على مرجوحية الدخول لهم كقوله عليه السلام : « إنّ اللّه كرّه لي ستّ خصال وكرّهتهنّ للأوصياء من بعدي ... » وعدّ منها إتيان المساجد جنبا.

ص: 107


1- وسائل الشيعة 2 / 210 ، باب جواز مرور الجنب ولحائض في المساجد ، ح 21.
2- من لا يحضره الفقيه 3 / 557 ، ح 4915.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 / 210.
4- بحار الأنوار 78 / 49.
5- الحدائق الناضرة 3 / 49.
6- الأمالي للشيخ الصدوق : 413.
7- ما بين الهلالين من زيادات نسخة ( د ) أيضا.

وفي خبر سليمان الديلمي ، عن الصادق عليه السلام عنه : « ستة كرّهها اللّه لي فكرّهتها للأئمّة من ذرّيتي ولتكرهها الأئمّة لأتباعهم .. » (1) وعدّ منها إتيان المساجد جنبا. وفيه إشارة إلى كون الكراهة بمعنى الحرمة.

ثالثها : ألحق جماعة بالمساجد المشاهد المشرفة ، وأنكره آخرون ؛ لانتفاء سند ما يصلح للمنع.

وكأنّ الأظهر الأوّل بل يحتمل القول بالمنع من الدخول مطلقا ؛ للمستفيضة الواردة في إنظاره به على أبي بصير حين دخل عليه جنبا الظاهر في كونه محرّما.

وفي بعضها : « أما تعلم أنّه لا ينبغي للجنب أن يدخل بيوت الأنبياء » (2) وعن جابر ، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام : « إنّ اعرابيا دخل على الحسين عليه السلام فقال : أما تستحيي يا اعرابي تدخل على إمامك وأنت جنب؟! » (3).

وهذه الأخبار وإن دلّ (4) على حرمة الدخول عليهم وهم أحياء إلّا أنّ ما دلّ على أنّ حرمتهم أمواتا كحرمتهم أحياء أو أنّهم أحياء يشهدون زوّارهم ويردّون السلام عليهم ونحو ذلك يدلّ على عموم الحكم لما بعد وفاتهم.

ولا مانع من ضعف الروايات المذكورة لاعتضاد بعضها ببعض مضافا إلى تأيّد الحكم بما دلّ على لزوم تعظيم الشعائر إلّا أن الحكم بظواهر تلك الأخبار لا يخلو من إشكال.

ثمّ إنّه يستفاد منها المنع من دخول مشاهد سائر الأنبياء ، وقد يعم الحكم لسائر الأوصياء أيضا. وأمّا مشاهد أولاد الأئمّة من الأتقياء الأجلاء كحضرة العباس عليه السلام وغيرهم من أفاضل العلماء والصلحاء فلا يلحق بها.

ويحتمل الكراهة لفهمه من الفحوى.

ص: 108


1- وسائل الشيعة 2 / 209 ، باب جواز مرور الجنب والحائض في المساجد ، ح 16.
2- بحار الأنوار 27 / 255 ، باب آخر في آداب العشرة مع الامام ، ح 3.
3- وسائل الشيعة 2 / 212 ، باب كراهة دخول الجنب بيوت النبي صلى اللّه عليه وآله والأئمة عليهم السلام ، ح 4.
4- كذا ، والظاهر : « دلّت ».

نعم ، في بعض الأخبار المذكورة ذكر أولاد الأنبياء إلّا أنّه من جهة اختلاف لفظ الرواية لا ينهض حجّة في خصوصه سيّما مع ضعفه. واحتمل حمله على خصوصهم عليهم السلام كما هو قضيّة المقام.

رابعها : الظاهر (1) شمول الحكم في المساجد لسطحها وسردابها وسائر المواضع المحفورة فيها كالآبار ونحوها إلّا أن يكون ذلك خارجا عن وقف (2) المسجد بأن يكون ملكا للغير قبل وقف المسجد ونحو ذلك.

وأمّا المشاهد فالظاهر اختصاص الحكم فيها ببيت الدفن ، فلا منع من الكون على سطحها ، وكذا الرواق المتصل به ونحوه. وأمّا جدار المسجد فإن بنى فيه جرى حكمه ، وإلّا ففي ثبوت حكمه فيه إشكال ، والأحوط الاجتناب.

خامسها : الظاهر دوران الحكم مدار صدق الدخول والمكث ، فلو أدخل يده ونحوها فالظاهر عدم المنع بخلاف ما لو أدخل معظم البدن ، فإنّ الظاهر صدقه.

وكما يحرم عليه الدخول يحرم عليه إدخال الغير في وجه قويّ ، فلو أدخله إليه وهو نائم أو مغمى عليه فعل محرّما. وكذا الحال في الصبيّ والمجنون. ولو دعاه إلى الدخول وهو غافل قوي المنع. وفي إدخال الميّت الجنب إليه وجهان.

ص: 109


1- زيادة : « الظاهر » من ( د ).
2- في ( د ) « وقفيّة ».
تبصرة: [ في تحريم وضع شي ء في المساجد ]

يحرم عليه وضع شي ء في المساجد بلا خلاف فيه يعرف ، سوى ما يحكى عن الديلمي من القول بالكراهة.

وهو ضعيف محجوج بالروايات المستفيضة المشتملة على غير واحد من الصحاح الدالّة على المنع كالصحيح الحاكم بجواز الأخذ التابع عن وضع شي ء فيها فيه.

وفي صحيحة الفاضلين : « يأخذان من المساجد (1) ألّا يضعان فيه شيئا » قال زرارة : قلت له : فما بالها يأخذان منه ولا يضعان فيه؟ قال : « لأنّهما لا يقدران (2) على أخذ ما فيه إلّا منه ، ويقدران على وضع ما بأيديهما في غيره » (3).

ومن الغريب تخصيص بعض المتأخرين - فيما حكي عنه - حرمة الوضع بما كان مستلزما للبث في سائر المساجد والدخول في المسجدين نظرا إلى تعارض إطلاقي تحريم الوضع وتجويز المشي والمرور ، فيتساقطان ويرجع إلى حكم الأصل ، سيّما مع أغلبيّة اقتران الوضع باللبث ؛ إذ مع عدم جريان ذلك في المسجدين بل في الوضع الغير المستلزم للدخول مطلقا.

فيه : أنّه لا معنى لدعوى المعارضة بين ما دلّ على جواز المشي وتحريم الوضع ؛ إذ كلّ منهما عنوان مستقل لا مندرج شي ء من أفراد أحدهما في الآخر ، غاية الأمر جواز مقارنته له ، وهو لا يقضي بالمنافاة بين الحكمين.

مضافا إلى [ أنّ ] النصّ [ من ] التعليل المذكور في خلاف ما ذكره.

ص: 110


1- في ( د ) : « المسجد ».
2- في مخطوطات الأصل : « يقدران » إثباتا.
3- وسائل الشيعة 2 / 213 ، باب عدم جواز وضع الجنب ، ح 2.

وفي بعض الأخبار تجويز الوضع والمنع من الأخذ ؛ معلّلا بالقدرة على الوضع من غير دخول بخلاف الأخذ ؛ إذ لا تقدير عليه من دونه.

وفي الوسائل (1) : إنّ بعض الأصحاب قد عمل بمضمونه ، وهو ضعيف لضعف الرواية في نفسها مع عدم مقاومتها لغيرها. مضافا إلى اعتضاد تلك بالعمل واطراح هذه بين الأصحاب.

والظاهر دوران الحكم مدار صدق اسم الوضع ، فلو كان مشدودا على السقف فحلّه ووقع في المسجد لم يكن محرّما. وكذا لو حرّكه من محلّ إلى آخر من غير أن يتناوله من مكانه ، وإلّا حرم (2).

وهل يجوز طرحه في المسجد؟ وجهان ؛ من عدم صدق اسم الوضع وأنّه بمعناه.

ولو اشترك مع غيره في الوضع احتمل عدم المنع فيه ؛ لعدم استناد الوضع إليه ، ويحتمل المنع سيّما إذا كان الآخر أيضا جنبا.

ولو علّقه على جداره أو سقفه فالظاهر الجواز. والظاهر جريان الحكم في الوضع في غير ما يصلّي فيه من زاوية (3) والدرج الموضوعة فيه ، وكذا الوضع على الأمور الموضوعة فيه في وجه قويّ.

ولو وضعه على إنسان جالس فيه فالظاهر الجواز.

ص: 111


1- وسائل الشيعة 2 / 214.
2- زيادة في ( ب ) : « المنع » وفي ( د ) : « الوضع ».
3- في ( د ) : « روزانه ».
تبصرة: [ في مسّ كتابة القرآن واسم اللّه تعالى ]

ويحرم عليه مسّ كتابة القرآن بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، بل لا يبعد عدم الخلاف فيه بين علماء الإسلام (1) كما حكى الفاضلان اتّفاقهم عليه.

وربّما يعزى إلى الإسكافي القول بالكراهة إلّا أنّه لا يبعد حملها على الحرمة ؛ لشيوع استعمالها فيها في كلام القدماء.

وقد نصّ الشهيد أنّه كثيرا ما يطلق الكراهة ويريد الحرمة.

وعزاه في المدارك (2) إلى المبسوط ، ونصّ جماعة على سهوه في النقل ، وإنّما قال بها في الحدث (3) الأصغر ، ونصّ بالحرمة في الأكبر.

ومن الغريب ميله في المدارك (4) إلى الكراهة ؛ استضعافا لأدلّة المنع (5).

وقد عرفت ضعفه ممّا مرّ في الأصغر ؛ لدلالته على المنع هنا بالأولى ، ولاحتمال غير واحد من الأخبار ( على المنع عنه بالخصوص كخبر إبراهيم بن عبد الحميد : « لا تمسّه على غير طهر ولا جنبا .. » (6) الخبر » (7).

ويزيد عليه هنا انعقاد الإجماع عليه في المقام كما هو المعلوم من ملاحظة الفتاوى ،

ص: 112


1- في ( ألف ) : « الأعلام ».
2- مدارك الأحكام 1 / 242.
3- في مخطوطات الأصل : « حديث ».
4- مدارك الأحكام 1 / 241.
5- زيادة في ( ب ) : « لا دلالة المنع ».
6- الإستبصار 1 / 113 ، باب أن الجنب لا يمس المصحف ح 3.
7- ما بين الهلالين من زيادات ( د ).

والمنقول على لسان جماعة من الفحول. قال في النهاية (1) : إنّه لا (2) خلاف هنا في تحريم المس ، وإن وقع الخلاف فيه في الحدث الأصغر.

وقد مرّ تمام الكلام في فروع المسألة في مباحث الوضوء.

وكذا يحرم عليه مسّ اسم اللّه تعالى على المعروف بين الأصحاب. وبه نصّ الشيخان (3) والفاضلان (4) وغيرهم.

ويدلّ عليه الموثق : « لا يمسّ (5) الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم اللّه تعالى » (6) إلّا أنّه يعارضها المستفيضة الدالّة على الجواز ، منها الموثق عن الجنب والطامث يمسّان بأيديهما الدراهم البيض؟ قال : « لا بأس » (7).

وحمله الشيخ (8) على ما لم يكن عليه اسم اللّه تعالى. وقد يؤيّده التقييد في الموثقة الأولى.

ومنها : رواية محمّد بن مسلم : هل يمسّ الرجل الدراهم الأبيض وهو جنب؟ فقال : « اي واللّه إنّي لأرى الدرهم فآخذه وأنا جنب » (9). ويجرى فيه تأويل الشيخ أيضا.

ومنها : رواية أبي الربيع في الجنب : يمسّ الدراهم وفيها اسم اللّه واسم رسوله صلى اللّه عليه وآله؟ قال : « لا بأس وربّما فعلت [ ذلك ] » (10) (11).

ويمكن حمل الجميع على بيان جواز مس الدرهم في الجملة ، فيكون المراد مس غير اسمه

ص: 113


1- نقل عنها محقق البحراني في الحدائق الناضرة 3 / 46.
2- زيادة : « لا » من ( د ).
3- المبسوط 1 / 29 ، المقنعة : 51.
4- المعتبر 1 / 187 ، تحرير الأحكام 1 / 92 ، تذكرة الفقهاء 1 / 238.
5- لم ترد في ( ب ) : « لا يمسّ ... منها الموثّق ».
6- الإستبصار 1 / 113 ، باب الجنب لا يمس الدراهم عليها اسم اللّه تعالى ، ح (374) 1.
7- تهذيب الأحكام 1 / 126 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 32.
8- تهذيب الأحكام 1 / 126 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 32.
9- بحار الأنوار 78 / 63.
10- وسائل الشيعة 2 / 215 ، باب حكم لمس الجنب شيئا عليه اسم اللّه ، ح 4.
11- الزيادة من المصدر.

تعالى جمعا بين الأدلّة ، وهو وإن لم يخل من بعد إلّا أنّه لا بأس به في مقام الجمع ، وثبوت المرجوحية قطعا ينافي فعله عليه السلام ، فبملاحظة ذلك لا يخلو الأخبار المذكورة عن الوهن.

ولو بني على المعارضة فيرجّح الأوّل بموافقة الاحتياط والشهرة القطعيّة بين الأصحاب وقضية التعظيم.

وذهب جماعة من المتأخرين إلى الكراهة ؛ جمعا بين الأخبار وأخذا بالأصل. وقد عرفت ما فيه.

وهل المراد باسم اللّه تعالى خصوص لفظ الجلالة أو يعمّ الأسماء المختصّة أو سائر أسمائه تعالى؟ وجوه.

ولا يبعد القول بانصراف الإطلاق إلى الثاني إلّا أنّ القول بالثالث قويّ بعد العلم بقصده تعالى بالكتابة لاندراجه إذن في الإطلاق مع المشاركة في الاحترام أو مع البناء عليه ، فالظاهر خروج الموصول عنه وإن اتّصل بصلة خاصّة به تعالى.

وفي الضمائر الراجعة إليه وجهان ، و (1) البناء على قضية الأصل فيها أظهر إلّا في « هو » ؛ إذ لا يبعد القول بكونه من أسمائه تعالى كما يظهر من غير واحد من الأدعية. ولو قيل بخروج كلّ اسم يطلق عليه تعالى من جهة كونه مصداقا لمعناه من غير وضعه له تعالى ولا اختصاصه به كالموجود ونحوه لم يكن بعيدا.

ص: 114


1- زيادة : « و » من ( د ).
تبصرة: [ في تغسيل الجنب ليلا لأجل الصوم ]

قد عرفت أنّ حرمة الأمور المذكورة على الجنب - من الصلاة والصيام والمسّ والمكث في المساجد وغيرها - تكون قاضية بكون استباحة كلّ منها غاية للغسل ، فيجب لكلّ من الأفعال المذكورة عند وجوبه ويندب له عند استحبابه.

وهناك اشكال معروف في وجوبه في الليل لأجل الصوم مع عدم تحقق وجوب الصوم فيه.

ودفعه بعضهم بأنّ التغسيل (1) ممّا يتوقف عليه الواجب وقضيّة ما دلّ على وجوب المقدمة لا يختصّ بما إذا وجب فيها ، بل يعمّ ما إذا علم أو ظنّ وجوبه في وقته ، سيّما مع تضيقه ، فإنّه لا مانع إذن من وجوب المقدمة وإن لم يجب المغيّى بعد.

قلت : وفيه نظر ظاهر ؛ إذ القول بوجوب المقدمة مع عدم وجوب ذيها ممّا يقطع بفساده لتبعيّة وجوب المقدمة لوجوب ذيها ومطلوبيّتها لمطلوبيّته ، فكيف يتصوّر وجوبها مع عدم وجوبه ، مع انتفاء النصّ عليه بالخصوص.

فإن قلت : إنّ وجوب الشي ء في محلّه قاض بوجوب توطين النفس على امتثاله ، وهو إنّما يكون بالاتيان بمقدماته.

وأيضا طلب الشي ء في وقت معيّن مع عدم إمكان حصوله فيه إلّا بتقديم مقدمته دليل عرفا بل عقلا على إيجاب مقدمته قبله ؛ لتحصيل مطلوب الأمر. ويجري نحوه في الموسع أيضا ؛ لتعلّق التكليف به في أوّل الوقت وإن لم يتعيّن عليه.

ص: 115


1- في ( د ) : « الغسل » ، وفي ( ألف ) : « التفصيل ».

قلت : لو سلّم ما ذكر فإنّما يفيد وجوب توطين النفس على أداء الواجب بعد حصول وجوبه ، ولا يستلزم ذلك وجوب التلبّس بشي ء من مقدماته قبل فعليّة الوجوب ، بل إنّما يراعى فيه حال تعلق الوجوب ، فإن كان باقيا فيه على صفات التكليف تعلّق الوجوب ، وإلّا فلا تكليف.

وما ذكر من قضاء العرف والعقل بوجوب المقدمة في مثله قبل وجوب الفعل مدفوع ، بأن وجوب الفعل في وقته مشروط قطعا بالتمكّن منه ، فإن كان وقت الوجوب متمكّنا من الفعل يشمله الخطاب ، وإلّا لم يتعلّق به.

وحينئذ فلا دليل على وجوب جعل الانسان نفسه من المشمولين للخطاب ، فعلى هذا من علم أنّه لا يتمكّن في الوقت من الطهارة المائية أو غيرها أيضا لا يجب عليه تقديم الوضوء ، بل ويجوز له إهراق الماء المملوك له أيضا.

ومن الغريب ما ذكره صاحب الحدائق (1) من وجوب الوضوء قبل الوقت ؛ نظرا إلى توقف الفعل عليه في أوّله. وقد اشتمل النصّ الصحيح على تعليق وجوبه بدخول الوقت. وفيه أيضا دلالة على ما قلناه.

والتحقيق في المقام أن يقال بالفرق بين ما توجّه الخطاب إلى المكلّف فعلا وإن كان المطلوب إيقاعه في زمان معيّن ، وما لم يتوجّه به خطاب أصلا قبل مجي ء زمان الفعل ، فالأوّل يجب تقديم مقدمته لوجوب الفعل عليه وإن لم يحضر زمان فعله كالحج ، والثاني إنّما يجب مقدمته بعد مجي ء زمان الفعل وتوجّه الخطاب.

فالصوم من القبيل الأوّل بخلاف الصلاة ؛ لظاهر النصّ المذكور وغيره ، فليس وجوب المقدمة فيما ذكرنا مسقطا عن وجوب ذي المقدمة ، غاية الأمر أن يكون وجوبها في زمان لا يصحّ فيها إيقاع ذيها ، ولا مانع منه بوجه ؛ إذ ما دلّ على وجوب المقدمة يدلّ عليه في الصورتين.

ص: 116


1- الحدائق الناضرة 2 / 128.

هذا ، والمعروف بين الأصحاب عدم وجوب الغسل لغير ما ذكر ولا لنفسه ، وذهب جماعة (1) من الأصحاب منهم الفاضل ووالده إلى كونه واجبا لنفسه أيضا. وحكي القول به عن القطب الراوندي ، ومال إليه جماعة من المتأخرين كصاحبي المدارك (2) والذخيرة (3) وغيرهما.

والأقوى هو الأوّل.

ويدلّ عليه بعد الأصل والشهرة : الآية الشريفة بناء على عطف قوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً ) (4) على الجزاء لا على الشرط كما هو ظاهر السياق وقضية تأخر التيمّم عنه ، فيكون وجوبه حينئذ معلّقا على القيام إلى الصلاة ، وحينئذ يفيد الوجوب للغير في المنطوق.

ويدلّ على عدم وجوبه لنفسه لمفهوم الشرط ، ومع الغضّ عنه فذكر وجوبه للغير في المقام يدلّ بالفحوى على عدم وجوبه لنفسه وإلّا لكان أولى بالذكر في بيان أصل المشروعيّة ، فيفيد ذلك أن مطلوبيته في الشرع لأجل الغير ، وهو المقصود.

وبما ذكرنا يندفع ما أورد من أنّ الآية إنّما تدلّ على ثبوت الوجوب للغير ، وهو لا ينافي وجوبه لنفسه أيضا.

ويستفاد ذلك أيضا من عدّة من الروايات كقوله عليه السلام في الصحيح : « إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة » (5).

وفي الخبر : « إنّ اللّه فرض على اليدين أن لا يبطش بهما إلى ما حرّم اللّه .. » إلى أن قال : « والطهور للصلاة » (6).

وفي الحسن : عن المرأة يجامعها الرجل فتحيض وهي في المغتسل ليغتسل أم لا؟ قال :

ص: 117


1- لم ترد في ( ب ) : « جماعة ... مال إليه ».
2- مدارك الأحكام 1 / 16.
3- ذخيرة المعاد 1 / 54.
4- المائدة : 6.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 33 ، باب وقت وجوب الطهور ، ح 67.
6- الكافي 2 / 36 ، باب في أن الإيمان مبثوث لجوارح البدن كلها ، ح 1.

« قد جاءها ما يفسد الصلاة ، فلا يغتسل » (1).

والتقريب أنّه لو لا وجوب الغسل لأجل الصلاة وسقوطه من جهة سقوطها لما صحّ التعليل المذكور أو سقوط الوجوب الغيري ، ولا يوجب تأخير الواجب النفسي.

وحمله على كون الحدث الطاري مانعا من رفع الحدث السابق لا يوافق ظاهر العبارة ؛ لوقوع التعليل فيه بفساد الصلاة دون الغسل.

على أنّ الحكم بفساده غير ظاهر ؛ لقضاء الإطلاقات بالصحّة ، وبقاء حدث الحيض لا يوجب عدم ارتفاع الجنابة بعد كونهما حدثين مختلفين كما هو الظاهر وإن اشتركا في كثير من الأحكام.

ولذا يمكن رفع أحدهما بدون الآخر كما إذا اغتسل عن الحيض بعد انقضاء العادة ؛ لعدم الاكتفاء به عن الجنابة.

وكذا العكس على القول به.

وفي المعتبر الآتي تصريح بما قلناه ، فدعوى تكافؤ (2) الاحتمالين كما وقع من العلّامة المجلسي (3) ليس على ما ينبغي.

وقريب من الحيثيّة المذكورة عدّة من المعتبرة (4) الدالّة على تأخير غسل الجنابة بعد مجي ء الحيض إلى زمان طهرها فتغسل غسلا واحدا للحيض والجنابة.

وفي موثقة منها تخييرها حينئذ بين الغسل والتأخير إلى وقت الطهر ، فيغسل غسلا واحدا منهما ؛ لإشعار الحكم بتأخير غسلها بكون مطلوبيّة الغسل لأجل الصلاة ، فيسقط وجوبه بسقوط وجوبه وإن بقي مشروعيّته كما دلّت عليه الموثقة الأخيرة وقضى به الأصل المذكور.

ص: 118


1- الكافي 3 / 83 ، باب المرأة تر الدم وهي جنب ، ح 1 ومع اختلاف يسير.
2- في ( ألف ) : « تكاثر ».
3- بحار الأنوار 78 / 60.
4- الإستبصار 1 / 147 ، باب المرأة الجنب تحيض عليها غسل واحد. أم غسلان ح 4. 5.

ومن الغريب ما ذكره بعض المتأخرين وحقّقه صاحب الحدائق (1) في الجواب عن الاحتجاج بالأخبار المذكورة أنّها غير دالّة على شي ء من المذهبين ، وإنّما وردت لبيان سقوط الغسل من جهة عدم حصول غايته (2) الّتي هي رفع الحدث أو استباحة الصلاة ، فلا يصحّ الغسل الواقع على تلك الحال سواء قلنا بوجوبه لنفسه أو غيره ، فهي منافية لقضيّة كلّ من القولين ليتفرّع صحّة الغسل على كلّ منهما.

قلت : ولا دلالة ظاهرة في هذه الأخبار على ما ذكره ؛ لعدم وجوب تداخل الغسلين ، فالظاهر ورودها لبيان جواز التأخير نظرا إلى عدم وجوب غايته في تلك الحال.

وما ادّعاه من عدم إمكان ارتفاع الحدث أو استباحة الصلاة معه قد عرفت ما فيه.

حجة القول بالوجوب النفسي (3) الآية بناء على عطف قوله ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً ) على الجملة الشرطية ، والأخبار الكثيرة الحاكمة بوجوب الغسل بعد عروض الجنابة كالمستفيضة الدالّة على كونه فريضة ، وأخرى دالّة على كونه واجبا ، وما دلّ على أنّ « من ترك شعرة من الجنابة متعمّدا فهو في النار » (4) مضافا إلى الأوامر الواردة به الظاهرة في الوجوب النفسي.

ويدفعها (5) ما عرفت من ظهور الآية في خلاف ذلك ، ومطلق الوجوب ممّا لا كلام فيه ، إنّما الكلام في وجوب النفسي ، والمطلق لا يدلّ على الخاص.

نعم ، إطلاق الوجوب ينصرف إليه إلّا أنّ الدليل قائم في المقام على إرادة الغيري مع وهن الظهور بفهم جمهور الأصحاب خلافه في المقام.

مضافا إلى ورود الأوامر في إزالة الأخباث مع الاتفاق هناك على كون المقصود خصوص الغيري ، فيؤيّد ذلك إرادته في المقام.

ص: 119


1- الحدائق الناضرة 3 / 62.
2- في ( د ) : « غاية ».
3- زيادة في ( د ) : « ظاهر ».
4- الأمالي للشيخ الصدوق : 572.
5- لم ترد في ( ب ) : « ويدفعها ... إنّما الكلام في ».

ولو سلّم التفاوت بين رفع الحدث والخبث فغاية الأمر أن يكون ارتفاع الحدث مطلوبا لذاته دون الآخر ، فيكون الغسل مطلوبا لأجله ، فلا يكون أيضا واجبا لنفسه ، بل لما يتفرّع عليه من ارتفاع الحدث والخبث فالقول بوجوب الغسلات المذكورة لنفسها بعيد جدّا بل لا يبعد القول بعدم استحبابها ، إنّما المندوب رفع الحدث كما مرّ القول فيه.

ص: 120

تبصرة: [ في المكروهات على الجنب ]

وحيث ذكرنا المحرّمات على الجنب فلنعقّبه بذكر مكروهاته ، وهي أمور :

منها : الأكل والشرب بلا خلاف فيه ظاهر. وعدّ في التذكرة (1) من مكروهاته الأكل والشرب ما لم يتمضمض ويستنشق. وعزاه إلى علمائنا مؤذنا بالاتفاق عليه. وربّما يستظهر من الصدوق (2) القول بالمنع لحكمه بعدم جوازهما إلّا أن يغسل يديه ويتمضمض ويستنشق.

والظاهر حمله على الكراهة ؛ لتعليله المنع بخوف البرص ، ثمّ ذكر رواية إيراثه الفقر.

ويدلّ عليه بعد الاتفاق عدّة من النصوص كالصحيح : « إن كان الرجل جنبا لم يأكل ولم يشرب حتّى يتوضأ » (3).

وفي خبر السكوني : « لا يذوق الجنب شيئا حتّى يغسل يديه ويتمضمض ، فإنّه يخاف منه الوضح » (4).

وفي حديث المناهي : نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن الأكل على الجنابة وقال : « إنّه يورث الفقر » (5).

وسياق هذه الأخبار صريح في إرادة الكراهة مضافا إلى الموثق المصرّح بجواز أكله وشربه ، فيكون شاهدا على ذلك.

ص: 121


1- تذكرة الفقهاء 1 / 242.
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 83.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 83.
4- وسائل الشيعة 2 / 219 ، باب كراهة الأكل والشرب للجنب الا بعد الوضوء ، ح 2.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 83 ، باب صفة غسل الجنابة ، ح 178.

ثمّ إنّ المشهور كما حكاه بعض الأفاضل تقييد الكراهة بعدم المضمضة والاستنشاق ، والأخبار مختلفة في ذلك ففي الصحيح المذكور التقييد بالوضوء ، وفي آخر : « غسل يديه ويتمضمض » (1) ، و « غسل وجهه وأكل وشرب » (2).

وفي خبر السكوني المتقدّم ذكر غسل اليدين والمضمضة.

وفي صحيحة أخرى أنّه « يغسل يده والوضوء أفضل » (3).

ثمّ إنّ الأظهر الاكتفاء بأحد الأمور المذكورة وإن كان بعضها أولى من البعض ، والجمع بين الأمور الغير المصادقة منها أكمل. وذكر خصوص المضمضة والاستنشاق لم يوجد في شي ء من الأخبار سوى رواية الفقيه (4) إلّا أنّ فيها زيادة غسل اليدين كما في كلام الصدوق.

وهل يرتفع الكراهة بذلك أو تخف به؟ وجهان ، ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب هو الأوّل وإن كان ظاهر خبر المناهي إطلاق الكراهة إلّا أنّ قضية الجمع حملها على المقيّدات.

وهل يعتبر في ارتفاع الكراهة اتصافها بالأكل والشرب أو يكتفى بمجرد وقوعها في ارتفاعها؟ وجهان ، وقضية الإطلاقات هو الثاني.

ولا فرق من إيقاعها لأحد الأمرين أو لا لهما ؛ أخذا بالإطلاق (5).

ولو تخلّل بينهما حدث غير الجنابة ففي الاكتفاء بذلك الوضوء إشكال.

ولا يبعد القول بانتقاض حكمه ؛ لما دلّ بإطلاقه على انتقاضه بطروّ النواقض.

وهل يعمّ الحكم المأكول والمشروب العاديين وغيرهما أو يخصّ بالأوّل؟ وجهان ، وقضية الأصل والإطلاق الحمل على الثاني إلّا أنّ ظاهر رواية السكوني تعميم الحكم لكلّ ما يذاق (6) ، فالبناء عليه هو الأظهر.

ص: 122


1- الكافي 3 / 51 ، باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ح 12.
2- الكافي 3 / 50 ، باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ح 1.
3- تهذيب الأحكام 1 / 372 ، باب الأغسال وكيفية الغسل من الجنابة ح 30.
4- في ( ب ) : « الفقه ».
5- في ( ب ) : « الإطلاقات ».
6- في ( د ) : « يدان ».

ولو تعذر عليه استعمال الماء ففي ارتفاع الكراهة بالتيمّم بدل الغسل أو الوضوء وجه قويّ بناء على عموم بدليّة التراب عن الماء.

هذا إذا قلنا بعدم كون التيمّم رافعا مطلقا وإلّا فلا إشكال.

ويتفرع على ما قلنا عدم مشروعية الوضوء لو تمكّن منه خاصّة إذا تيمّم بدلا من الغسل.

ومنها : النوم بلا خلاف فيه يعرف ؛ للصحيح : عن الرجل ينبغي له أن ينام وهو جنب؟ فقال : « يكره ذلك حتّى يتوضأ » (1).

والخبر : « لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام إلّا على طهور فإن لم يجد الماء فليتيمّم » (2).

ولو أراد النوم استحبّ له الوضوء كما دلّت عليه الصحيحة المذكورة ، ونصّ عليه الأصحاب.

وهل يرتفع به الكراهة؟ ظاهر الصحيحة ذلك ، وعدّ في التذكرة (3) من المكروهات النوم إلّا أن يتوضأ. وعزاه إلى علمائنا مؤذنا بالاتفاق عليه.

وقضية إطلاق الخبر الأخير بقاءها لبقاء الجنابة.

وقد يقال : إنّ قوله « ولا ينام إلّا على طهور » يدلّ على ارتفاع الكراهة بارتفاع (4) إحدى الطهارات الثلاث.

وفيه : أنّه لا يبعد حمله على بيان حكم آخر ، وهو استحباب النوم متطهّرا كما دلّت عليه المستفيضة ، ومرّت الإشارة إليه ، فيكون الضمير في « ينام » راجعا إلى المسلم مطلقا بل ربّما يقال بدلالته على كراهة النوم من غير طهارة ؛ أخذا بظاهر النهي.

وكأن الظهور فيه إذن بمعنى الطهارة.

ص: 123


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 83 ، باب صفة غسل الجنابة ، ح 179.
2- وسائل الشيعة 2 / 227 باب كراهة النوم للجنب الا بعد الوضوء ، ح 3.
3- تذكرة الفقهاء ، 1 / 242.
4- لم ترد في ( ب ) : « الكراهة بارتفاع ».

ويحتمل أيضا إرجاع الضمير إلى المسلم الجنب ، ويكون المقصود بيان كراهة نومه إلا بعد الاغتسال ؛ إذ هو طهور الجنب ، فالتيمّم المذكور بدله هو التيمّم عوض الغسل.

وعلى التقديرين فلا يقيّد ارتفاع الكراهة بمجرّد الوضوء كما توهّم.

ويؤيّده بعد إطلاق الطهور على وضوء الجنب لانتفاء الرفع فيه.

وكيف كان ، فلا شبهة في رجحان الغسل قبل النوم للموثّق : « إن (1) أحبّ أن يتوضّأ فليفعل والغسل أفضل من ذلك » (2).

وقد يستفاد ذلك أيضا من صحيحة عبد الرحمن ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أينام على ذلك؟ قال : « إنّ اللّه تعالى يتوفّى الأنفس (3) في منامها ، فلا يدري ما يطرقه من البليّة إذا فرغ فليغتسل » (4).

وربّما يستفاد منه تعليل التعجيل باحتمال طروّ الموت على الجنابة ، فلا يكره لولاه كما بالنسبة إلى المعصومين حيث كانوا عالمين بوقت وفاتهم ، فلا يعارض الكراهة ، بل مرسلة الصدوق « أنا أنام على ذلك حتّى أصبح وذلك أني أريد أن أعود » (5).

بحمله على العود في الانتباه. كذا ذكره في الحدائق (6).

وأنت خبير بأنّه لا دلالة في الصحيحة على ارتفاع الكراهة مع انتفاء احتمال الموت ، وقد دلّ غيره (7) على ثبوت الكراهة مطلقا ، وحمل العود على العود في الانتباه بعيد جدا سيّما مع تعلّق الإرادة به.

ثمّ إنّ ظاهر المرسل استثناء النوم على الجنابة مع إرادة العود إلى الجماع ، ولدلالة

ص: 124


1- زيادة : « إن » من ( د ).
2- الكافي 3 / 51 ، باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ، ح 10.
3- في ( ألف ) : « بهم في الأنس » بدلا من « يتوفى الأنفس ».
4- تهذيب الأحكام 1 / 372.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 83 ، باب صفة غسل الجنابة ، ح 180.
6- الحدائق الناضرة 3 / 140.
7- لم ترد في ( ب ) : « غيره ».

فعله عليه السلام على انتفاء الكراهة ، وهو غير معروف بين الأصحاب.

نعم ، قد يقال : إنّه لا دلالة فيها على عدم تقديمه الوضوء إلّا أن يستفاد ذلك من عدم ذكره مع تعليل الحكم بإرادة العود.

وكيف كان ، ففيها دلالة على مدخليّة إرادة العود في النوم على الجنابة إلّا أنّ الرواية يشكل في تقييدها بسائر الإطلاقات ، وما دلّ على التسامح في أدلّة السّنن لا يشمل مثل ذلك كما لا يخفى.

هذا ، ولا يذهب عليك أنّ في الصحيحة المذكورة إشارة إلى وجوب الغسل لنفسه إلّا أنّها ليست بتلك المكانة من الظهور ليمكن الاستناد إليها في مقابلة ما قدّمنا ، فتأمل.

ثمّ في اعتبار اتصال الوضوء بالنوم وعدم تخلّل الحدث بينهما ما مرّ.

ومنها : قراءة القرآن سوى العزائم الأربع ما زاد على سبع آيات على المشهور بين الأصحاب كما حكاه غير واحد منهم. وعن القاضي (1) المنع منها كذلك. وعن الديلمي المنع منه مطلقا.

وحكى في السرائر (2) (3) عن بعض علمائنا القول بتحريم ما زاد على السبعين ، واستضعفه.

والحق جواز القراءة (4) مطلقا ؛ للمعتبرة المستفيضة الدالّة عليه كصحيحة الفاضلين : الجنب والحائض هل يقرءان من القرآن شيئا؟ قال : « نعم ما شاء إلّا السجدة » (5).

وفي آخر : أتقرأ النفساء والجنب والحائض والرجل يتغوّط القرآن؟ قال : « يقرءون ما شاءوا » (6).

ص: 125


1- المهذب 1 / 34.
2- في ( ب ) و ( د ) : « التحرير ».
3- السرائر 1 / 117.
4- في ( د ) زيادة : « له ».
5- الإستبصار 1 / 115.
6- الإستبصار 1 / 114.

وأمّا ما في خبر السكوني (1) : « سبعة لا يقرءون القرآن .. » وعدّ منها الجنب ، وخبر أبي سعيد الخدري - وكأنّه من روايات العامّة - في وصيّة النبي صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام أنّه قال : « يا علي! من كان جنبا في الفراش مع امرءته فلا يقرء القرآن ، فإني [ أخشى ] (2) أن تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما » (3).

وكأنّهما مستند الديلمي ، فمع عدم حجيّتهما في نفسهما لا تقاومان تلك المعتبرة المعتضدة بالأصل والعمل ومخالفة العامة.

ويمكن حملها على الكراهة ، وكذا الحال في الموثق : عن الجنب هل يقرء القرآن؟ قال : « ما بينه وبين سبع آيات » (4).

قال الشيخ : وفي رواية زرعة ، عن سماعة : سبعين آية (5).

وكأنّ الأول مستند القاضي ، ولا يخفى ضعفه.

والظاهر أنّه مستند الأكثر في الحكم بكراهة ما زاد على السبع ، ولا بأس به لعدم صراحة الخبر في الحرمة.

فبقرينة الأخبار الأخر يتعيّن حملها على الكراهة إلّا أنّه يحتمل حملها على الثلاثة ؛ إذ القول بالمنع مطلقا أو على تفصيل معروف بين العامة.

وعن جماعة منهم الحكم بالكراهة مضافا إلى عدم إشعار المعتبرة المذكورة بالكراهة ، بل قد يستظهر من سياق جملة منها ، فبملاحظة ذلك يمكن المناقشة في ثبوت الكراهة إلّا أن البناء عليها أظهر بعد ظهور الموثقة المذكورة فيها المعتضدة بعمل الأصحاب وعدم صراحة غيرها بخلافها.

ص: 126


1- بحار الأنوار 89 / 212 ، باب آداب القراءة وأوقاتها ، ح 8.
2- الزيادة من المصدر.
3- من لا يحضره الفقيه 3 / 552.
4- الإستبصار 1 / 115.
5- تهذيب الأحكام 1 / 129.

نعم ، المستفاد من ظاهر الموثقة الحكم بكراهة السبع أيضا ، وهناك تأمّل آخر من جهة اختلاف لفظ الرواية ؛ إذ في رواية عثمان بن عيسى عن سماعة حكاية السبعة ، وفي رواية زرعة عنه ذكر السبعين ، وكونهما روايتين خلاف الظاهر ؛ إذ الأظهر اتحادهما ، فالاختلاف إنّما يكون من جهة الرواة وكأنّه لذلك ورد الترديد في الحكم بالكراهة بين السبعة والسبعين في كلام بعض الأصحاب إشارة إلى اختلاف لفظ الحديث.

وحكم الفاضلان بكراهة ما زاد على السبعة وتأكدها فيما بعد السبعين. وكأنّه مبنيّ على تعدد الرواية.

ويمكن الاحتجاج للكراهة بما ورد من النهي عن قراءته حتّى يتطهّر كقول على عليه السلام : « لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهور حتّى يتطهّر » (1).

وحينئذ لا يبعد القول بإطلاق الكراهة ، وحمل ما دلّ على جواز ما دون السبع على الرخصة وتخفيف الكراهة.

ويؤيّده أنّ ظاهر الرواية المذكورة وغيرها جريان الحكم في المحدث بالأصغر ولم يظهر هناك قول بالتفصيل يعدّ مذهبا أولى إلّا أن يستشكل هناك في ثبوت الكراهة ويدفع ممّا ذكرناه ، ولا بعد فيه بعد ورود الدليل ومناسبته للتعظيم.

وفي بعض الأخبار : « إنّ لقاري القرآن متطهّرا في غير صلاة خمس وعشرون حسنة وغير متطهّر عشر حسنات » (2).

ثمّ إنّه لا فرق بين قراءته عن المصحف أو عن الحفظ ولا بين الآيات القصار والطوال.

وفي جريان الحكم في الآية المتكررة سبعا فما زاد إشكال ، وكذا الحال لو زاد على السبع بتكرار بعضها ، ولو لم يتمّ الآيات ففي ثبوت الكراهة أيضا إشكال.

ويحتمل فيه مراعاة التلفيق. والأظهر مراعاة العدد في مجموع زمان الجنابة ، فلا يشترط توالي السبع.

ص: 127


1- الخصال : 627.
2- وسائل الشيعة 6 / 197 ، باب استحباب الطهارة لقراءة القرآن ، ح 3.

وهل يعتبر كون القراءة صحيحة ، فلو ظنّ في إعرابها لم يثبت الكراهة احتمال. وكأنّ الأظهر خلافه بعد صدق اسم القرآن.

ومنها : مسّ المصحف فيما عدا الكتابة من الأوراق والجلد ، على ما نصّ عليه الشيخان (1) وجماعة. وعن السيد القول بالمنع.

وربّما يستفاد من عبارة الفقيه (2) عدم كراهة مس الورق. والأصل في الحكم عبد الحميد : « المصحف لا تمسّه على غير طهر ولا جنبا ولا تمسّ خطّه ولا تعلّقه ، إنّ اللّه يقول : ( لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (3) » (4).

وهي وإن كانت ظاهرة في المنع إلّا أنّها لضعفها وإطباق الأصحاب سوى الشاذ على خلافه لا ينهض حجّة على المنع ، فيثبت بها الكراهة.

نعم ، هناك تأمّل في دلالتها ؛ نظرا إلى احتمال حمل مسّ المصحف على مسّ الكتابة إلّا أنّ الأظهر صدقه على الأوراق المتضامّة بالدفتين كما لا يخفى.

ويؤيّده إرجاع الضمير في « ولا تعلقه » إليه ، فيعمّ الكراهة مسّ الجميع إلّا أنّ الكراهة منوطة بالاتصال بالكتابة ، فلو انفصل عند الجلد لم يكره في وجه قوي.

مضافا إلى أنّ النهي عن مسّ خطّه وتعليقه يدلّ عليه بالأولى.

وبناء على كون خطّه مصحفا عن خطّه كما في بعض النسخ ، ففيه شهادة بكون خطّ المصحف أعمّ منه وإلّا لكان تكرارا.

نعم ، في هذه الرواية دلالة على كراهة مسّ المحدث بالأصغر وتعليقه ، وهو غير معروف بين الأصحاب.

وممّا يدلّ على الكراهة في المقام ما في الصحيح من أنّ الجنب والحائض يفتحان المصحف

ص: 128


1- المبسوط 1 / 29 ، المقنعة : 51.
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 87.
3- الواقعة : 79.
4- تهذيب الأحكام 1 / 127 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 35.

من وراء الثوب. مضافا إلى اعتضاده بما دلّ على تعظيم الشعائر وتأيّده بفتوى الجماعة.

ومنها : مسّ الكتب السماويّة المنسوخة. وذكره الشهيد ولم نجد مستنده.

وكأنّه لقضية التعظيم.

وحينئذ يمكن التسرية إلى الأدعية المأثورة كالصحيفة السجاديّة بل كتب الأحاديث.

ومنها : كتابة القرآن ؛ لصحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة في الوضوء بعد حملها على الكراهة لعدم قائل بمضمونها ، وعدم صراحتها إلى (1) الحرمة. ويمكن إلحاق كتابة الأدعية المأثورة به ، وكذا الاخبار المأثورة.

ومنها : الخضاب عنده ، كما في التذكرة (2). وحكي عليه الشهرة في كلام بعض الأصحاب. وبه نصّ الشيخان (3) والسيد والفاضلان (4) وغيرهم (5).

وكذا يكره الجنابة وهو مختضب للنصوص المستفيضة الدالّة عليها. وفي الخبر بعد النهي عن الأمرين إجراء الحكم في الطامث ، التعليل بأنّ الشيطان يحضرهما عند ذلك.

وفي خبر آخر : « من اختضب وهو جنب أو أجنب في خضابه لم يؤمن عليه أن يصيبه الشيطان بسوء » (6).

وفي غير واحد من الأخبار نفي البأس عنه محمول على انتفاء الحرمة ، فلا يدلّ على انتفاء الكراهة.

نعم ، قد يستثنى من الأخير ما إذا تمّ لون الخضاب وأخذ مأخذه ؛ لرواية أبي سعيد النهي عن الأمرين : « أفلا أدلك على شي ء تفعله؟ » قلت : بلى ، قال : « إذا اختضبت بالحناء وأخذ

ص: 129


1- في ( د ) : « في ».
2- تذكرة الفقهاء 1 / 243.
3- المبسوط 1 / 29 ، مصباح المتهجد : 10 ، المقنعة : 58.
4- المعتبر 1 / 192 ، شرائع الإسلام 1 / 22 ، تحرير الأحكام 1 / 92.
5- الذكرى 1 / 274.
6- وسائل الشيعة 2 / 223 ، باب جواز خضاب الجنب والحائض والنفساء وجنابة المختضب ح 10.

الحناء مأخذه وبلغ فحينئذ فجامع » (1) مع تسرية الحكم إلى غير الحنّاء ؛ أخذا بالفحوى.

وعن المفيد تعليل الحكم بمنع الخضاب من وصول الماء إلى ظاهر الجوارح. وكأنّ مقصوده منعه من استيلاء الماء تامّا على العضو لبقاء أجزاء منه في المحلّ كما هو معلوم بالتجربة وإن قلنا بجواز حصول اللون من دون الانتقال (2) أو قلنا بجواز الانتقال (3) في الإعراض إلّا أنّه يرد عليه لزوم القول ببقاء الكراهة بعد غسل الخضاب أيضا ؛ لبقاء تلك الأجزاء ، ولا يقول به أحد.

ثمّ إنّ ظاهر الإطلاقات عدم الفرق بين كون الخضاب على الشعر أو الجسد وكونه بحناء أو غيره.

ومنها : الادهان ، للنهي عنه في خبر السكوني ، وفي خبر حريز : « الجنب يدهن ثمّ يغتسل؟ قال : « لا » (4).

ومنها : جماع الحامل ؛ لما دلّ على كراهة وطيها من غير وضوء الشامل لحال الجنابة وإن حمل الوضوء فيها على ما يعمّ غير الرافع ارتفعت الكراهة بالوضوء ، وإلّا استمرّ الحكم.

ومنها : جماع المحتلم دون غيره. ذكره الشهيد (5) ، ولم نجد مستنده.

ومنها : دخول المساجد غير المسجدين من غير لبث. ذكره الشهيد وغيره لمّا وصّاه النبي صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « إنّ اللّه كرّه لأمّتي العبث في الصلاة .. » إلى أن قال : « وإتيان (6) المساجد جنبا » (7).

ص: 130


1- وسائل الشيعة 2 / 221 ، باب جواز خضاب الجنب ، ح 4.
2- في ( ألف ) : « الانتفاء ».
3- في ( ألف ) : « الانتفاء ».
4- الكافي 3 / 51 ، باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ويدخل المسجد ويختضب ويدهن ، ح 6.
5- الذكرى 1 / 193.
6- قد تقرأ في مخطوطات الأصل : « إتيان » بتقديم الياء ، وما أدرجناه من المصدر.
7- من لا يحضره الفقيه 4 / 356.

وفي خبر آخر (1) عدّه من الخصال الّتي كرهها اللّه للنبيّ صلى اللّه عليه وآله وكرهها النبيّ للأوصياء من ولده وأتباعهم من بعده ، وقد يحمل الكراهة على الحرمة لحرمة اللبث وكون الإتيان مستلزما له في الغالب ، فيقيّد بما دلّ على اختصاصه باللبث بالنسبة إلى سائر المساجد.

ومنها : دخول المشاهد المشرّفة لغير الأنبياء والأئمّة عليهم السلام كحضرة العباس [ عليه السلام ] واللبث على ما مرّت الإشارة.

ص: 131


1- من لا يحضره الفقيه 2 / 71.
البحث الثالث: في بيان كيفية غسل الجنابة من واجباتها ومندوبها وما يتعلّق بها
تبصرة: [ في كيفية الغسل ]

للغسل في الشرع كيفيّتان :

أحدهما : الترتيب ، وغسل كلّ من الرأس والجانبين مستوعبا للجميع بلا خلاف فيه ، مراعيا للترتيب من تقديم الرأس على اليمين وتقديمها على اليسار.

أمّا الأوّل فموضع وفاق بين الطائفة ، وقد حكي الإجماع عليه في كلام جماعة من الأجلّة ، واستفاض به الأخبار المأثورة عن العترة الطاهرة كصحيحة زرارة : « ثمّ صبّ على رأسه ثلاث أكف ثمّ صبّ على منكبه الأيمن » (1) الخبر.

وصحيحة محمّد بن مسلم : « ثمّ تصبّ على رأسك ثلاث أكف ثمّ تصب على سائر جسدك » (2).

وصحيحة حريز الموقوفة : « أبدأ بالرأس ثمّ افض على سائر جسدك ».

وقد أسنده الصدوق إلى الصادق عليه السلام في كتاب مدينة العلم كما ذكره في الذكرى (3).

وربّما يعزى هنا إلى الصدوقين والإسكافي القول بعدم وجوب الترتيب ، وليس ثبت بل

ص: 132


1- الكافي 3 / 43 ، باب صفة الغسل والوضوء قبله ، ح 4.
2- الإستبصار 1 / 123 ، باب وجوب الترتيب في غسل الجنابة ح 2.
3- الذكرى 2 / 165.

صريح ما نقله الصدوق في الهداية (1) عن والده وجوب (2) الترتيب بينهما حيث قال : فإن بدأت بغسل جسدك قبل الرأس فأعد الغسل على جسدك بعد غسل رأسك.

وظاهر ذلك عدم مخالفة ولده له كما هو دأبه عند نقل كلامه ، وهناك روايات مستفيضة يستفاد من إطلاقها عدم وجوب الترتيب المذكور. وهي محمولة على الأخبار المقيّدة كما هو قضية القاعدة ، مضافا إلى ما عرفت من الإجماع.

ويدخل الرقبة هنا في الرأس بلا خلاف فيه يعرف. وقد حكى إجماعهم عليه غير واحد. وهو المعلوم من ملاحظة فتاواهم.

وفي الأخبار إشارة إليه كصحيحة زرارة المتقدّمة ؛ فإنّ ذكر غسل المنكبين بعد ذكر الرأس دليل على دخول الرقبة فيه ؛ لعدم اندراجه في المنكبين الحدم (3) قطعا ، وعدم سقوط غسله أو احتسابه عضوا واحدا إجماعا.

وفي موثقة سماعة : « ثمّ ليصبّ على رأسه ثلاث مرات ملأ كفّيه ، ثمّ ليضرب بكفّ من ماء على صدره وكفّ بين كتفيه ، ثمّ يفيض الماء على جسده كلّه » (4).

واستشكل فيه جماعة من المتأخرين منهم صاحب الذخيرة (5) بل مال بعضهم إلى خروجها عنه ؛ لفقد النصّ الدالّ على الدخول وخروجها عن اسم الرأس لغة وعرفا.

وربّما يستدلّ عليه بالصحيح : « ثمّ يصبّ الماء على رأسه وعلى وجهه وعلى جسده كلّه » ؛ لقضاء العطف بخروج الوجه عن الرأس ، فخروج الرقبة أولى.

وضعفه ظاهر ؛ إذ دخول الوجه (6) ممّا لا كلام فيه ، فكيف يستدلّ بمفهومه مع عدم البناء على المنطوق لو سلّمت دلالته عليه.

ص: 133


1- وانظر : من لا يحضره الفقيه 1 / 88.
2- في ( ألف ) : « وجب ».
3- كذا ، ولم ترد في ( د ) : « الحدم ».
4- تهذيب الأحكام 1 / 132 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 55.
5- ذخيرة المعاد 1 / 56.
6- زيادة في ( د ) : « فيه ».

وفي كلام غير واحد من الأفاضل أنّه لا ثمرة لهذا الخلاف بعد تصريح الأصحاب بل اتفاقهم على غسلها مع الرأس.

وأمّا وجوب الترتيب بين اليمين والشمال فهو المعروف بين الطائفة ، بل اتّفقت عليه الكلمة سوى ما حكي عن الصدوقين والإسكافي من خلوّ كلماتهم عن اعتبار الشرط المذكور (1).

وقد حكي عليه اجماع الطائفة.

واستشكل فيه (2) جماعة من المتأخرين ؛ لخلوّ الأخبار عن اعتبار الشرط المذكور.

وأوّل من استشكل فيه المحقق في المعتبر (3) حيث ذكر أنّ تقديم الرأس على الجسد ممّا دلّت عليه الأخبار بخلاف تقديم اليمين على الشمال ؛ فإنّها غير صريحة فيه (4) قال : لكن فقهاءنا اليوم بأجمعهم يفتون بتقديم اليمين على الشمال ويجعلونه شرطا في صحّة الغسل. وقد أفتى بذلك الثلاثة وأتباعهم. انتهى.

ويدلّ عليه بعد الإجماع والاحتياط من جهة ضعف الإطلاقات - بإعراض الأصحاب عن العمل بها قضيّة اليقين بالشغل اليقين بالفراغ - ظاهر صحيحة زرارة : « ثمّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين وعلى منكبه الأيسر مرّتين » (5) الخبر ، لو قيل بدلالة الواو على الترتيب كما نصّ عليه بعض أعاظم أهل العربيّة أو استفادته من الترتيب في الذكر أو يقال بأن قضية الأمر وجوب الغسل كذلك.

ولا يعتبر ذلك إجماعا إلّا مع اعتبار الترتيب ، والأخبار الكثيرة الدالّة على اعتبار الترتيب بين اليمين والشمال في غسل الميّت ، مع ما دلّ على أن غسل الميّت هو غسل الجنابة لخروج النطفة منه كما يدلّ عليه المستفيضة أو أنّه كغسل الجنابة كما في رواية محمّد بن مسلم :

ص: 134


1- في ( ب ) و ( د ) زيادة : « وعن العماني أيضا عطف الأيمن على الأيسر بالواو ، وعلى نحو الإخبار ، وليس شي ء من ذلك صريحا في عدم اعتبار الترتيب ».
2- لم ترد في ( ب ) : « فيه ... استشكل ».
3- المعتبر 1 / 183.
4- زيادة في ( د ) : « ثمّ ».
5- الكافي 3 / 43 ، باب صفة الغسل والوضوء قبله ، ح 4.

« غسل الميّت كغسل الجنابة » (1).

وكأنّ الوجه في خلو الأخبار عن التصريح وضوح الحال فيه من جريان السيرة وبناء العمل عليه كما هو المعلوم في هذا الزمان ، بل وسائر الأزمنة.

بل الظاهر الاكتفاء في إثبات ذلك بالسيرة المعلومة المستمرة الكاشفة عن قول الأئمّة عليهم السلام أو تقريرهم عليه.

مضافا إلى أنّه من أشدّ ما أعلم (2) به البليّة ، ولا يمكن أن يخفى الحكم في مثله على آحاد الطائفة ، فكيف بالعلماء الأجلّة من لدن أعصار الأئمّة عليهم السلام إلى هذه الأزمنة.

ثمّ إنّ العورة لمّا كانت عضوا مستقلا واقعا على الحدّ المشترك بين العضوين وقع التأمل في الاكتفاء بغسله مرّة واحدة مع أحد الجانبين أو لزوم (3) تكرير غسله مع الجنبين ، فعن جماعة استظهار الأوّل ، وعن بعضهم البناء على الأخير.

ويقوى في النظر الاكتفاء بغسله مرّة في اليمين مبتدأ من جانب اليمين منتهيا إلى اليسار.

ويحتمل قويا في البيضتين إلحاق ما في طرف اليمين [ باليمين ] وما في جانب اليسار باليسار. والأحوط فيهما ما ذكرنا.

والظاهر ذلك أولى من غسلها مع الجنبين ، بل تكرار غسلها لا يخلو عن الإشكال ؛ إذ من الظاهر عدم وجوبه في أصل الشرع والإتيان به من باب المقدمة مع انتفاء طريق آخر لا إشكال [ فيه ] ، وأمّا معه فلا يخلو عن تأمّل.

هذا ، ويجب إدخال حدود كلّ من الثلاثة في الآخر من باب المقدّمة على نحو ما مرّ في الوضوء ، فلا بدّ من تكرار الفصول الثلاثة.

وقد يكتفى في الفصل بين الرأس واليمين وبينها وبين اليسار بإيصال آخر الأول بأوّل

ص: 135


1- وسائل الشيعة 2 / 486 ، وفيه ، نص الرواية « غسل الميت مثل غسل الجنب » ، ح 1.
2- في ( د ) : « يعلم ».
3- في ( ب ) : « لو لزم » بدل « أو لزوم ».

الآخر (1) إن أمكن حصول العلم به كذلك ، ويكتفى في حصول الغسل بأقلّ مسمّاه.

وقد ورد الاكتفاء بالمسح في غسل الجانبين عند قلّة الماء ، وهو متروك أو محمول على الغسل الخفيف.

ولا فرق بين كون الغسل بالصبّ أو به أو (2) بإمرار اليد أو غيرها أو بالدخول في الماء أو بالخروج عنه أو بالكون تحت الماء .. إلى غير ذلك من وجوه الغسل كما مرّ القول فيه في الوضوء.

ص: 136


1- في ( د ) : « الأوّل ».
2- في ( د ) : « و ».
تبصرة: [ في الغسل الارتماسي ]

النحو الثاني من كيفيّتي الغسل الارتماسيّ ، والاجتزاء به في الغسل ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب.

ويدلّ عليه مع ذلك النصوص المستفيضة المشتملة على غير واحد من الصحاح كالصحيح : « لو أنّ رجلا أن ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك » (1).

ونحوه صحيحة أخرى (2).

وظاهر الأخبار اعتبار الوحدة فيه ، وهو حجّة الأصحاب في اعتبار الدفعة العرفيّة حملا للوحدة على الدفعة المتعارفة ، فلا ينافيها الاحتياج إلى التخليل في الشعر الكثيف ونحوه أو إزالة المانع من وصول الماء مع عدم طول المدّة.

وقضية ذلك عدم صحّة الغسل مع عدم صدق الوحدة المذكورة كأن دخل شيئا فشيئا في الماء بحيث لم يصدق معه الدفعة العرفيّة.

وقد يستشكل فيه بإمكان حمل الواحد في المقام على ما يقابل المتعدّد ، فالمقصود أنّ الغسل الواحد الحاصل الارتماس كان فيه.

ويؤيّده أنّه في مقابلة الترتيب المعتبر فيه تعدّد الغسلات ، فلا دلالة فيها على اعتبار حصوله بالدفعة العرفيّة.

والأظهر أن يقال : إنّه بعد الغسل في الارتماس حاصلا باستيلاء الماء على البدن تحت الماء ( لم يتّجه اعتبار الواحدة في الارتماس ؛ إذ ليس الارتماس فيه إذا إلّا مقدّمة للغسل ، ووحدة

ص: 137


1- الكافي 3 / 43 ، باب صفة الغسل والوضوء قبله وبعده والرجل يغتسل في مكان غير طيب ح 5.
2- تهذيب الأحكام 1 / 148 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 112 و 113.

ومع (1) تسليم خروجه عن الجسد فهو داخل في الرأس لعين ما ذكروه في اليد ، واندراجه في الجانب الأيمن والأيسر المعبّر به في غير واحد من الأخبار.

مضافا إلى أنّه قضية الأمر بالإرواء الوارد في حسنة الكاهلي عن الصادق عليه السلام : في المرأة الّتي في رأسها [ مشطة ] حيث قال : « مرها تروي رأسها في الماء وتعصره حتّى يروي ، فإذا روى فلا بأس عليها » (2).

وخصوص قوله عليه السلام في الخبر : « من ترك شعرة من الجنابة [ متعمدا ] (3) فهو في النار » (4).

وقوله عليه السلام في المرسل : « تحت كلّ شعرة جنابة فبلّوا الشعر وأنقوا البشرة » (5).

ويشير إليه ما ورد من الأمر بمبالغة النساء في الغسل من جهة شعر رءوسهنّ.

قلت : الإشكال بالنسبة إلى الشعر المختصّ في محلّه ، وإن كان بعض الوجوه المذكورة موهوما ؛ لما مرّ الكلام فيه في مباحث الوضوء.

ومع ذلك فالأظهر فيه أيضا عدم الوجوب ؛ نظرا إلى ظاهر الإجماعين المحكيّين المعتضدين بقطع جماعة من الأصحاب ، بل لا يعرف فيه مخالف منهم.

والقول به في الوضوء إنّما كان بمعونة فهم الأصحاب ، وهو هنا بالعكس.

وأمّا بالنسبة إلى المسترسل ، فلا إشكال أصلا ؛ لعدم دخوله في اسم الجسد ولا الرأس ولا اليمين واليسار مطلقا على نحو ما مرّ في الوضوء.

والروايات المذكورة لا يشهد بذلك ؛ لاحتمال أن يكون الأمر بالإرواء من جهة استظهار وصول الماء إلى نفس البشرة.

وكأنّه السرّ في الأمر بما لغتهنّ في الغسل.

ص: 138


1- في ( ألف ) : « من ».
2- الكافي 3 / 81 ، باب غسل الحائض ويجزئها من الماء ، ح 1.
3- الزيادة من المصدر.
4- تهذيب الأحكام 1 / 135 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 64.
5- كنز العمال للمتقى الهندي 5 / 135 ، على ما حكى عنه.

وقوله عليه السلام : « من ترك شعرة » كان المقصود به مقدار الشعرة كما هو الشائع في العرف ، وهو وإن كان مجازا إلّا أن شيوعه في الاستعمالات وقرينة قوله « من الجنابة » شاهد عليه ؛ لعدم تحقّق الجنابة في الشعر كما أشعر به المرسلة المذكورة.

ص: 139

تبصرة: [ في غسل البشرة والتخليل ]

الواجب في الغسل هو غسل البشرة خاصّة على المعروف بين الأصحاب ، فلا يجب غسل الشعر سواء كان مسترسلا أو محتقنا (1) بالمحلّ.

ويجب تخليل الشعر المانع وغيره من سائر الموانع كالخاتم والسوار والدواء المطلّي على العضو ونحوها ، فيجري الماء تحتها.

والوجه في الأخير واضح.

أمّا الأوّل فيحتج عليه بدلالة الأخبار على وجوب غسل الجسد ، وهو خارج عنه.

وفي ظاهر المعتبر (2) والذكرى (3) حكاية الإجماع عليه. وعن ظاهر المفيد (4) وجوب غسل الشعر حيث قال عند بيان غسل المرأة : وإذا كان الشعر مشدودا حلّته.

واستشكل (5) غير واحد من متأخر المتأخرين ، بل حكى صاحب الحدائق (6) عن بعض محقّقي مشايخه تقوية القول بالوجوب ، وجعله موافقا للفتوى (7) والاحتياط.

والوجه في الإشكال احتمال دخوله الجسد ولو تبعا كما حكموا به في الوضوء ، لدخوله في محلّ الفرض أو لكونه من توابع اليد.

ص: 140


1- في ( ب ) و ( د ) : « مختصا ».
2- المعتبر 1 / 194.
3- الذكرى 2 / 236.
4- المقنعة : 54.
5- زيادة في ( د ) : « فيه ».
6- الحدائق الناضرة 3 / 90.
7- هذا كما في ( د ) ، وفي ( ألف ) : « للتقوى » كما قد يقرأ كذلك في ( ب ) ، وفي المصدر المطبوع : « للتقوى ».

الغسل حينئذ حاصلة بحسب الماء ) (1).

وربّما يعتبر فيه حينئذ الوحدة الحقيقيّة لإمكانها فيه لا شاهد عليه.

وإن جعل مجرّد الارتماس غسلا لم يبعد اعتبار الدفعة العرفية ؛ إذ هي المفروض [ من ] ظاهر العبارة عرفا ( مضافا إلى فهم الجماعة وتأيّده بالاحتياط.

ثمّ إنّ ظاهر الأخبار المذكورة سقوط الترتيب مع الارتماس كما هو ) (2) ظاهر الأصحاب من الشيخ اعتبار الترتيب حكما.

وحكاه في المبسوط (3) عن بعض الأصحاب أيضا.

وفسّر بوجهين :

أحدهما : وجوب قصد الفاعل في الترتيب بأن ينوي أوّلا غسل رأسه ثمّ جانبه الأيمن ثمّ الأيسر.

ويظهر من الفاضلين حمل كلامه ظاهرا عليه.

ثانيهما : أن يكون المقصود وقوفه مرتبا في الواقع وإن لم ينوه. وهو الّذي صرّح به في الاستبصار (4) حيث قال : لأنّ المرتمس يترتّب حكما وإن لم يترتّب فعلا ؛ لأنّه إذا خرج من الماء حكم له أوّلا بطهارة رأسه ثمّ جانبه الأيمن ثمّ جانبه الأيسر احتمل سقوط اعتبار الترتيب فيه.

ولا يذهب عليك أنّه لا يحكم في المرتب إلّا بتطهير الأعضاء دفعة ، فقوله « بطهارة الأعضاء مرتبا » لا يلائم ذلك إلّا أن يقال : إنّه أراد بالطهارة سببها ، فكأنّه قال : حكم عليه بغسل رأسه أوّلا أو يقال : إنّه أراد تنزيل ذلك منزلة الترتيب في الفعل المعتبر في المرتب ، فيشتركان في الترتّب في الحمام.

ص: 141


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
2- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
3- المبسوط 1 / 29.
4- الإستبصار 1 / 125.

وكيف كان ، فالوجه في اعتبار الترتيب المذكور هو الجمع بين ما دلّ على اعتبار الترتيب في الغسل وما أفاد الاكتفاء بمجرّد الارتماس ، فأراد الجمع بينهما بالنحو المذكور.

وأنت خبير بأنّه لا معارضة بين الأخبار المذكورة بوجه ليحتاج إلى الجمع ، بل الظاهر أنّ كلّا من الطريقين كيفية مستقلّة للغسل ، فلا داعي إلى إرجاع أحدهما إلى الآخر.

ثمّ إنّه فرع على القول باعتبار الترتيب المذكور أمران :

أحدهما : عدم الحاجة إلى إعادة الغسل لو وجد لمعة منفصلة من أعضائه ، فإنّه يكفي بغسله وغسل العضو الّذي بعده على القول به ، ولا بدّ من إعادة الغسل بعدمه ؛ لانتفاء الوحدة المعتبرة بفعله.

ثانيهما : برّ النذر بفعله إذا نذر الغسل ترتيبا بخلاف ما إذا لم يعتبر فيه الترتيب.

هذا ، ولا يخفى عليك أنّ كلا من التفريعين المذكورين محلّ كلام ، بل الأظهر عدم تفريعهما على القول المذكور كما يظهر بأدنى تأمّل.

ص: 142

تبصرة: [ تنبيهات حول الارتماس ]

وهاهنا أمور ينبغي الاشارة إليها :

أحدها : هل يعتبر في صحة الارتماس الخروج من الماء ليلقي نفسه فيه دفعة أو صحّ (1) وإن كان في الماء؟ ظاهر الأصحاب الثاني حيث لم يذكروا ذلك في شرائطه ، وهو ظاهر الأخبار.

والأوّل مختار جماعة من المتأخرين منهم صاحب الذخيرة (2) (3) ، كأنّه لتوهّم عدم صدق الارتماس من دونه.

وهو بمكان من الضعف ؛ إذ من البيّن صدقه حال الكون فيه.

نعم ، الظاهر عدم صدقه مع كون جميع البدن تحت الماء كما هو ظاهر من ملاحظة العرف وإن أسفل الماء إلى مكان أسفل. ودعوى صدقه إذن كما احتمله (4) بعضهم بعيد جدا بل الظاهر اعتبار خروج الرأس كلّه أو أكثره من الماء ، فالقول باعتبار الخروج فيه خاصّة غير بعيد إلّا أن الأظهر عدم اعتباره أيضا لحصول المعنى المقصود مع دخوله في الماء أيضا ؛ إذ الغرض استيلاء الماء على جميع البدن ، وهو حاصل به سيّما إذا قلنا بحصول الغسل و (5) الارتماس عند استيلاء الماء على الأعضاء ، فإنّ كون الاستيلاء عن رمس ممّا لا دخل له في تحقّقه. ولذا يكتفى بحصوله من دونه كما في الوقوف تحت المطر الغزير كما سيجي ء.

ص: 143


1- في ( د ) : « يصحّ ».
2- زيادة في ( د ) : « و ».
3- ذخيرة المعاد 1 / 56.
4- في ( ب ) : « احتمل ».
5- في ( د ) : « في ».

هذا ، وقد نصّ على الاكتفاء بما قلناه جماعة من متأخري المتأخرين ، وهو ظاهر جماعة آخرين أيضا منهم العلامة والشهيد (1) حيث ذكروا في مسألة غسالة الجنب حتّى الغسل اذا نواه بعد الارتماس في الماء ، بل ذكر في الحدائق (2) : أنّه لو نواه بعد تمام الارتماس في الماء ، فإنّه يصح غسله إجماعا. ففي ذلك تأييد لما رجّحناه.

ثانيها : هل يحصل الغسل في الارتماس بدخول الأعضاء في الماء أو يتوقف حصوله على استيلائه على جميع البدن؟ وجهان.

ويتفرّع عليهما مسألة النيّة ، وأنّه لو عرض مانع من طين ونحوه بعد الدخول في الماء يبقى القول بصحّة الغسل على الأول بخلاف الأخير.

لا دلالة في الأخبار على تعيين شي ء من الوجهين ، وكلام كثير من الأصحاب مطلق في ذلك. والّذي يتعقّل في النظر - نظرا إلى إطلاق الأخبار - (3) جواز الأمرين ، وهو (4) الظاهر من جماعة من الأصحاب عند ذكر غسالة الجنب كما قدّمنا الإشارة إليه ، والأحوط نيّة الغسل عند كلّ من الأمرين ، ولو نوى الغسل بمجرّد الرمس من دون تعيين قوي الاكتفاء به ؛ أخذا بإطلاق الأخبار.

ولا يخلو عن تأمّل.

ثالثها : في إجراء حكم الارتماس بالوقوف تحت المطر الغزير بحيث يستوعب جميع البدن وجهان ؛ من خروجه عن اسم الارتماس ، ومن كونه بمنزلته.

وإطلاق عدّة من الأخبار كصحيحة علي بن جعفر : عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتّى يغسل رأسه وجسده ، وهو يقدر على ما سوى ذلك؟

ص: 144


1- في الذكرى 1 / 104.
2- الحدائق الناضرة 1 / 454.
3- في ( ألف ) : « الأخبار على ».
4- في ( ألف ) : « هو ».

فقال : « إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك » (1).

وروى علي بن جعفر في كتابه ، عن أخيه قال : سألته عن الرجل تصيبه الجنابة لا يقدر على الماء فيصيبه المطر أيجزيه ذلك أو عليه التيمّم؟ فقال : « إن غسله أجزأه ، وإلّا تيمّم » (2).

وفي المرسل ، عن الصادق عليه السلام : في رجل أصابته (3) جنابة فقام (4) في المطر حتّى سال على جسده أيجزيه ذلك عن الغسل؟ قال : « نعم » (5).

وقد يستشكل فيه من جهة كون الإلحاق قياسا والإطلاقات المذكورة منزّلة على غسل الترتيب ؛ لما دلّ على اعتبار الترتيب من الأخبار والإجماع إلّا أنّ الأخذ بظاهرها مع التأيّد بالاعتبار المذكور أظهر ؛ إذ ما ذكر كيفيّة أخرى للغسل ، فلا معارضة توجب الحمل.

وفيه تأمّل.

رابعها : نصّ غير واحد من الأصحاب بأفضلية الترتيب على الارتماس. ولم نجد في الأخبار ما يدلّ عليه صريحا.

وقد تستدل له بأنّه المعروف من فعل المعصومين عليهم السلام وأنّ المستفاد من الأخبار أنّ (6) الترتيب هو الأصل في وضع الغسل حيث فسّر الغسل في عدّة أخبار بالمرتّب ، والمذكور في أخبار الارتماس أنّه يجزيه عن غسله ، وهو ظاهر في كون ذلك على خلاف أصل وضعه (7).

وظاهر المفيد (8) كراهة الارتماس في الماء الراكد ، قال : إنّه (9) إن كان قليلا أفسده وإن كان

ص: 145


1- الإستبصار 1 / 125 ، باب سقوط فرض الوضوء عند الغسل من الجنابة ح 7.
2- وسائل الشيعة 2 / 232 ، باب كيفية غسل الجنابة وارتماسا ، ح 11.
3- في مخطوطات الأصل : أصابه. وما أدرجناه من المصدر.
4- في مخطوطات الأصل : فقال. وما أدرجناه من المصدر.
5- الكافي 3 / 44 باب صفة الغسل والوضوء قبله ، ح 7.
6- زيادة : « أنّ » من ( د ).
7- في ( ألف ) : « الأصل ومنعه » بدلا من « أصل وضعه ».
8- المقنعة : 54.
9- لم ترد في ( ب ) : « قال إنّه ... المذكورة ».

كثيرا خالف السنّة. وهو ظاهر الشيخ في التهذيب (1) عند شرح العبارة المذكورة.

واحتجّ له على الأوّل بأنّ الجنب حكمه حكم النجس ، فإذا لاقى القليل فسد. وكأنّه أراد بذلك خروجه عن الطهوريّة بالاغتسال فيه ؛ إذ لا قائل في الطائفة بظاهر ما ذكره.

وعلى الثاني بصحيحة ابن بزيع : كتبت إلى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء أو يستقى فيه من بئر فيستنجي فيه الإنسان من بول أو يغتسل فيه الجنب ، ما حده الّذي لا يجوز؟ فكتب (2) : « لا توضّأ من مثل هذا إلّا من ضرورة إليه » (3) قال : قوله « لا توضّأ .. » إلى آخره ، يدلّ على كراهة النزول (4) بينه ، وإلّا لما قيّد الوضوء والغسل منه بحال الضرورة.

ولا يذهب عليك ما يرد على كلّ من الوجهين ؛ إذ لا يصلح شي ء منهما لإفادة كراهة الاغتسال فيه ( أوّلا. نعم ، يمكن الاستدلال بالأخير على كراهة الاغتسال فيه بعد الاغتسال فيه ) (5) سواء كان الغسلان مرتبين أو ارتماسيين ، وهو غير المدّعي. وكذا البدأة من الأعلى فيجوز الوجهان بلا خلاف فيه يظهر ؛ أخذا بالإطلاقات ، وظاهر خصوص بعض الروايات.

وربّما يظهر من بعض الأخبار اعتبار البدأة بالأعلى ، وهي محمولة على بيان المغسول أو على الندب.

ص: 146


1- تهذيب الأحكام 1 / 149.
2- لم ترد في ( ب ) : « فكتب ... غير المدّعي ».
3- تهذيب الأحكام 1 / 150.
4- هذا هو الصحيح ، وفي الأصل : « الرول ».
5- ما بين الهلالين أدرجت في المتن من ( د ).
تبصرة: [ في سائر شرائط الغسل ]

يشترط في الماء والمكان والآتية ما مرّ في الوضوء ، وكذا الحال في سائر الشرائط الماضية هناك إلّا ما نشير إليه.

ولا يشترط فيه الموالاة بشي ء من المعنيين بالإجماع وعدّة من الأخبار.

وهل يشترط تقديم إزالة النجاسة على الغسل أو على غسل العضو أو لا يشترط مطلقا؟ وجوه بل أقوال :

فالأوّل : محكي عن العلّامة في ظاهر القواعد وجماعة من الأصحاب.

والثاني مذهب جماعة منهم الشهيد (1) والمحقق الكركي (2).

والثالث محكي عن الشيخ في المبسوط (3) حتّى أنّه صرّح بصحّة الغسل مع بقاء نجاسة المحلّ.

واختاره بعض المتأخرين.

ويمكن أن يحتجّ للأوّل بظواهر الأخبار الآمرة بإزالة النجاسة أوّلا ، ثمّ الشروع في غسل الأعضاء العاطفة معهما ب- « ثمّ » الدالّة على الترتيب. وقد يورد عليه باندراج ذلك في سلك جملة من المستحبّات كغسل اليدين أو المضمضة والاستنشاق ونحوهما ، فلا يفيد الوجوب.

ويضعّفه أنّ قيام الدليل على حمل غيره على الندب لا يدلّ على حمله عليه مع مخالفته للأصل.

ص: 147


1- البيان : 15.
2- جامع المقاصد 1 / 279.
3- المبسوط 1 / 29.

مضافا إلى أنّه ليس المنضمّ إليه من المندوبات في غير واحد منها سوى غسل اليدين.

ويحتجّ للثاني بأنّ كلّا من الخبث والحدث سبب في وجوب الغسل ، فلا يتداخلان وأنّ الماء القليل إذا ورد على المحلّ النجس ينجس به ، فلا يقوي على رفع الحدث ؛ لما دلّ على اعتبار طهارته.

ويضعّف الأوّل أنّ دعوى أصالة عدم التداخل مطلقا غير مسلّم ، وإنّما يسلّم ذلك في خصوص العبادات ، وليس إزالة النجاسة من جملتها ، ولذا يحصل من دون قصدها ، وهو واضح.

والثاني أنّه إنّما يجري في الماء المنفعل بالملاقاة دون المعتصم ، وأن غاية ما يسلم من اعتبار الطهارة فيه إنما هو كونه طاهرا قبل الاستعمال لا بعده كما هو الشأن في إزالة الخبث ، فلا ينافيه التنجس به كما هو المفروض.

نعم ، يمكن القول بعدم الاكتفاء بإجرائه (1) إلى ما بعده مع تأمّل فيه بالنسبة إلى ما يعدّ معه استعمالا واحدا في العرف.

والحجّة للثالث : الإطلاقات مع عدم قيام دليل على اعتبار شي ء من الأمرين ، بناء على تضعيف الحجّتين.

قلت : الروايات الواردة في المقام قد ورد في جملة منها الأمر بتطهير الفرج قبل الغسل ، وفي بعضها الأمر بغسل ما أصابه منه ، فيعمّ الفرج وغيره.

وفي الصحيح : « ثمّ اغسل ما أصاب جسدك من أذى ثمّ اغسل فرجك » (2).

وهذا يعمّ نجاسة المني وغيره ، فالقول باختصاص الأخبار بنجاسة المني وبعد غيرها عن سياقها ليس على ما ينبغي ، بل الظاهر شمول جميعها لنجاسة البول الحاصل في المحلّ ، غاية الأمر أن يكون أكثرها شاملا لغيرهما من النجاسات.

ويتمّ الكلام فيها معا الفارق بين النجاسات ، والقول بأنّ المني لثخانته سيّما بعد ... يحتاج

ص: 148


1- زيادة في ( ب ) و ( د ) : « بعد تنجّسه ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 139.

إلى مزيد كلفة ، بخلاف غيرها لا يصلح علّة للفرق ؛ لعدم وجوب الموالاة في الغسل.

وكيف كان ، فبعد حمل هذه الأخبار على ظواهرها من لزوم (1) تقديم الغسل على الغسل فينبغي الاقتصار على مواردها من كون الماء غير معتصم ، وحينئذ فيبقى غيرها على حكم الأصل ، والغسل في الارتماس وإن كان خارجا عن مورد تلك الأخبار إلّا أنّ ورود (2) النجس عليه يوجب نجاسة الماء ، فلا يصلح لإزالة النجاسة.

وهاهنا تأمّل بالنسبة إلى مورد الأخبار المذكورة أيضا ؛ لعدم استبعاد حملها على الاستحباب.

نعم ، القول بعدم الاجتزاء بغسل واحد للأمرين مع عدم اعتصام الماء غير بعيد ؛ لما دلّ على اعتبار الطهارة في ماء الغسل ، ولا ضرورة تدعو إلى استعمال النجس بالاستعمال كما مرّ في مسألة إزالة الأخباث.

ص: 149


1- لم ترد في ( ب ) : « من لزوم ... فيبقى غيرها ».
2- لم ترد في ( ب ) : « إلّا أنّ ورود ... الأخبار ».
تبصرة: [ في الاستبراء قبل الغسل ]

يستحب له الاستبراء قبل الغسل على الأظهر الأشهر بين الأصحاب. وعن جماعة من المتقدمين منهم الشيخ (1) والقاضي (2) والحلبي (3) (4) والطوسي (5) وابن زهرة (6) والكيدري القول بالوجوب.

وقد يستظهر ذلك أيضا عن جماعة أخرى كالصدوقين والمفيد (7) والجعفي حيث ذكروا الاستبراء بصيغة الأمر الظاهر في الوجوب. وعزاه في الذكرى (8) إلى معظم الأصحاب. ونفى عنه البأس.

لنا : الأصل وخلوّ أكثر الأخبار الواردة في بيان غسل الجنابة عنه ، ولو كان واجبا لما أهمل ذكره في تلك الأخبار. مضافا إلى خلوّ الآية الشريفة عنه ، وأنّه ممّا يعم به البليّة ، فلو كان واجبا لاستفاضت الأوامر الواردة به.

واشتهر الدليل عليه ، وأنّه المنساق من الأخبار الواردة في حكم البلل المشتبه الخارج

ص: 150


1- الظاهر أن المراد من الشيخ ، هو الشيخ الطوسي ، وقد كرّره المصنّف قدس سره فيما يلي ، ونقل ذلك عنه في المبسوط كما بيّنا في الهامش.
2- المهذب 1 / 45.
3- في ( ب ) : « الحلّي » ، وما أدرجناه هو الصحيح.
4- الكافي للحلبي : 133.
5- المبسوط 1 / 29.
6- غنية النزوع : 61.
7- المقنعة : 52.
8- الذكرى 2 / 230.

بعد الغسل حيث بين الحكم فيها في كلّ من صورتي البول وعدمه ، الظاهر في جواز الأمرين.

حجة القول بالوجوب الصحيح : « تغسل يدك اليمنى من المرفقين إلى أصابعك وتبول إن قدرت على البول » (1) ؛ نظرا إلى ظهور الطلب في الوجوب ، ومضمرة أحمد بن هلال : « إنّ الغسل بعد البول إلّا أن يكون ناسيا » (2).

وفي رواية الفقيه (3) : « فإذا أردت الغسل من الجنابة فاجتهد أن تبول حتّى يخرج فضلة المني الّتي في إحليلك وإن جهدت ولم تقدر على البول فلا شي ء عليك » (4).

وأنت خبير بأنّه لا ظهور تامّ لما ذكر في الوجوب ، فحملها على الندب بقرينة ما مرّ هو الوجه.

وربّما يحتجّ عليه بالروايات الدالّة على وجوب الغسل مع خروج البلل المشتبه بعد الغسل.

ووهنه ظاهر ، إذ ذاك إنّما يدلّ على حصول الجنابة المستأنفة لخروج ذلك ، لا على عدم صحّة الغسل ، بل في تلك الروايات إشارة إلى عدم الوجوب كما أشير إليه.

واحتجّ عليه في الذكرى (5) بالمحافظة على الغسل من طريان المزيل والمطر إلى قوله :

المعظم ، والأخذ بالاحتياط.

وهو كما ترى.

ثمّ (6) إنّ المراد بوجوب الاستبراء إمّا الوجوب الشرعي ، فيكون الشارع قد أوجب ذلك عند إرادة الغسل وإن صحّ الغسل لو أخلّ به ، أو الشرطي ليناط به صحّة الغسل.

لم أر التصريح في كلامهم بشي ء من الأمرين وإن كان إرادة الثاني أشبه بالمقام.

ص: 151


1- تهذيب الأحكام 1 / 132 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 54.
2- تهذيب الأحكام 1 / 145 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 101.
3- في ( د ) : « الفقه ».
4- فقه الرضا عليه السلام : 81.
5- الذكرى 2 / 234.
6- زيادة « ثم » من ( د ).

هذا ، واعلم أن استحباب الاستبراء إنّما هو في حق المنزل ، أمّا المولج خاصّة فلا استبراء في حقّه.

وقد نصّ عليه جماعة منهم الفاضل والشهيدان (1) والمحقّق الكركي. وإطلاق الأخبار منزّل عليه ؛ لما هو المعلوم من كون العلّة فيه تنقية المخرج. ولا يفعل ذلك في مجرّد الإيلاج.

ومن التعليل المذكور في بعضها من (2) أنّ البول لم يدع شيئا ، مضافا إلى أنّه الغالب في الجنابات ، فينصرف إليه الإطلاقات.

فتوهّم شمول الحكم للمولج أيضا كما يظهر من بعض المتأخرين حيث أورد على الجماعة بعموم الروايات والمنع من انتفاء الفائدة أو عسى أن ينزل ولا يطلع عليه فتحتبس في المجاري لكون الجماع مظنّة لنزول الماء موهون جدّا بأنّ الاحتمال المذكور ممّا يقطع بخلافه في الغالب.

على أنّه لا وجه لدوران أحكام الشرع مدار الاحتمالات البعيدة الخارجة من مجاري العادات.

واحتمل في الذكرى (3) استحباب الاستبراء مع احتمال نزول الماء ؛ أخذا بالاحتياط ، قال : أمّا وجوب الغسل بالبلل فلا ؛ لعدم ارتفاع اليقين بالشك. وهو وجيه.

ولو شك في كون الجنابة من إنزال أو إدخال ففي جريان حكم الاستبراء وجهان ، والمتّجه عدم جريان حكم البلل الخارج قبل الاستبراء ؛ أخذا بالأصل إلّا أن يقال بأنّ قضية الإطلاقات وجوب الغسل بخروجه مطلقا ، غاية الأمر خروج ما تحقّق كون جنابته عن غير الإنزال ، فيبقى غيره مندرجا في الإطلاق.

وهو كما ترى.

وفي انسحاب استحباب الاستبراء بالنسبة إلى المرأة قولان ، اختار أوّلهما الشيخان في

ص: 152


1- الذكرى : 103.
2- زيادة : « من » وردت في ( د ) فقط.
3- الذكرى 2 / 234.

المقنعة (1) والنهاية (2).

وعن الشيخ في الجمل اختيار (3) الثاني. وإليه ذهب جماعة من المتأخرين. وهو الأقوى ؛ لورود الأخبار في الرجل إلّا صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة أوّل الباب ، وظاهر سياقها ورودها أيضا في الرجل ؛ للتعليل الوارد فيها بأنّ البول لم يدع شيئا.

[ و ] من البعيد ما احتمله بعض المتأخرين من كون خروج البول بالنسبة إليها أيضا مفتيا للمني مع البول بين المخرجين.

ومن الغريب ما ذكره من اختلاف المخرج في الرجل أيضا ؛ نظرا إلى اشتراك المخرجين في سافل (4) الممرّ الّذي هو مظنّة بقاء الاجزاء بخلاف المرأة ؛ إذ لا اشتراك فيها بوجه.

ص: 153


1- المقنعة : 52.
2- النهاية : 21.
3- في ( ألف ) : « اختار ».
4- في ( د ) : « أسافل ».
تبصرة: [ في التسمية على الغسل ]

يستحب التسمية على الغسل ؛ للمستفيضة الدالّة عليه كرواية جابر الجعفي ، عن الباقر عليه السلام : « إذا توضّأ أحدكم أو أكل أو شرب أو لبس ثوبا أو كلّ شي ء يصنع ينبغي أن يسمّي عليه ، فإن هو لم يفعل كان الشيطان فيه شريكا » (1).

وبمعناها قويّة الفضيل (2) ، عن الصادق عليه السلام.

ونحوها قوية العلّامة عن (3) الفضيل عنه (4) عليه السلام.

وروى نحوها مرسلا في مكارم الأخلاق عنه عليه السلام.

وقد نصّ على استحباب التسمية في المقام شيخنا المفيد والقاضي ، وحكي عن الجعفي.

وفي رواية الفقه : « وتسمّي بذكر اللّه قبل إدخال يدك إلى الإناء » (5).

وظاهر [ ها ] استحباب تقديم التسمية على إدخال اليد في الماء. ولا يبعد حصول الوظيفة بتأخيره أيضا إذا قارن بها أوّل أفعاله الواجبة.

وعدم ذكر كثير من الأصحاب لاستحبابه (6) في المقام لا يفيد تأمّلهم فيه. وكأنّهم لم ينبّهوا عليه ؛ لخلو الأخبار المعروفة منه بالخصوص أو لاتّكالهم على ذكره في الوضوء ؛ تنبيها بالأدنى

ص: 154


1- بحار الأنوار 77 / 328 ، باب التسمية والادعية المستحبة ، ح 16.
2- المحاسن 2 / 430.
3- في المصدر : عن العلاء بن الفضيل أو عن العلاء ، عن الفضيل ، بدلا من « العلّامة عن الفضيل ».
4- وسائل الشيعة 1 / 426 ، باب تأكد استحباب التسمية والدعاء ، ح 12.
5- فقه الرضا عليه السلام : 81.
6- زيادة : « لاستحبابه » من ( د ).

وربّما يقال بحمل (1) ما دلّ على الاكتفاء بأقل من ذلك عليه ترجيحا لجانب المنطوق. وهو بعيد جدّا من سياق تلك الأخبار ، سيّما ما دلّ على الاكتفاء بنصف الذراع.

وفي صحيحة قرب الإسناد : « تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك » (2).

وهي تعطي الاكتفاء بغسل اليمنى خاصّة من المرفق ، فيجوز في غسلها أيضا وجهان.

ثمّ إنّ قضيّة كثير من الإطلاقات الاكتفاء بالمرّة في حصول الوظيفة إلّا أنّ الوارد في المستفيضة تعيّن الثلاث ، ففي الصحيح : كم يفرغ الرجل على يده قبل أن يدخلها الاناء؟ قال : « واحدة من حدث البول وثنتان من الغائط وثلاث من الجنابة » (3).

فربّما يقال إذن بحمل (4) الإطلاق (5) على المقيّد لكنّ البناء على جواز الوجهين وأرجحيّة الأخير هو الأظهر.

وهل يختص استحباب الغسل بالأواني المتّسعة الرؤوس كالطشوت ونحوها ممّا يدخل اليد فيها أو يعمّ غيرها من الأواني الّتي يصبّ (6) الماء منها؟ وجهان.

وكذا الحال في جريانه بالنسبة إلى سائر المياه المعتصمة كالكر والجاري ونحوهما من ورود بعض الأخبار في الأوّل ، فيحمل إطلاق غيرها عليه حملا للمطلق على المقيّد ، ومن أن إطلاق تلك الأخبار يعطي إطلاق الحكم ، وأنّه من وظائف الغسل ، وليس في غيرها دلالة على انتفاء الحكم من غير مواردها ، غاية الأمر أن لا يدلّ على استحباب غيرها ، فليس هناك تقييد في الحكم ليحمل الإطلاقات عليه.

فالأوجه إبقاء الإطلاقات على ظواهرها ، والحكم بإطلاق التوظيف في الصور المفروضة. واختاره الفاضل واستحسنه في الذخيرة.

ص: 155


1- في ( د ) : « يحمل » ، وفي ( ألف ) : « مجمل ».
2- قرب الاسناد : 368.
3- الكافي 3 / 12 ، باب الرجل يدخل يده في الاناء قبل أن يغسلها ، ح 5.
4- في ( ألف ) : « يحمل ».
5- في ( د ) : « المطلق ».
6- في ( ألف ) : « يصيب ».
تبصرة: [ في غسل اليد قبل إدخالها في الإناء ]

يستحب غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء مع طهارتهما بلا خلاف فيه. والروايات به مستفيضة إلّا أنّ في بعضها ذكر اليد مفردة ، وفي بعضها ثنتاه. وهو شاهد على حمل الأوّل على الجنس.

نعم ، في بعضها ذكر غسل اليمنى بالخصوص ، وهو لا يمنع من استحباب غسل الأخرى إلّا أنّ المستفاد منها جواز الاقتصار عليه أيضا.

وليس ببعيد ، فيكون غسلهما معا أفضل.

ثمّ إن المغسول منهما هو مقدار الكفّ إلى الزند للحكم بغسل الكفّ أو الكفين في كثير من تلك الأخبار ، وهو لا يشمل ما زاد عليه.

وفي قويّة يونس - بل صحيحته - عنهم عليهم السلام الواردة في كيفيّة غسل الميّت أنّه « يغسل يديه ثلاث مرّات كما يغسل الانسان من الجنابة إلى نصف الذراع » (1) بناء على تعلّق المجرور إلى الغسل من الجنابة. وإن قلنا بتعلّقه بالأوّل ففي دلالته على ذلك إشكال ؛ لاحتمال كون التثنية إذن في مطلق التثليث إلّا أن يقال بدلالة عموم التثنية عليه ، فالظاهر إذن حمل ذلك على الأفضليّة.

وفي الصحيح : « يبدأ بغسل يديه إلى المرفقين » (2).

وهو أيضا محمول على زيادة الفضل ، فهناك مراتب ثلاث في تعيين المقدار المغسول.

ص: 156


1- الكافي 3 / 142 ، باب غسل الميت ، ح 5.
2- تهذيب الأحكام 1 / 142 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 93 ، وفيه : « الجنب يغتسل يبدأ فيغسل يديه الى المرفقين قبل أن يغمسهما في الماء .. ».

الأعلى كما أشار إليه في الذكرى (1).

ويستحب أيضا ذكره سبحانه في حال الغسل.

وفي رواية الفقه : « من ذكر اللّه على غسله وعند وضوئه طهر جسده كلّه ، ومن لم يذكر اللّه طهر من جسده ما أصاب الماء » (2).

ولا يبعد شموله للدعاء ، وقد روي دعوات عديدة للغسل ، فعن الصادق عليه السلام : « يقول في غسل الجنابة : اللّهمّ (3) طهّر قلبى واشرح لي صدري وأجر لساني مدحتك والثناء عليك ، اللّهم اجعله لي طهورا وشفاء ونورا إنّك على كلّ شي ء قدير » (4).

ويستحب الدعاء بعد الفراغ من الغسل بما ذكره الشهيد في النفلية : « اللّهم طهّر قلبي وزكّ عملي وتقبّل سعيي واجعل ما عندك خيرا لي اللّهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين » (5).

وقد ذكره المفيد رحمه اللّه في المقنعة (6) أيضا لكن بإسقاط قوله « وتقبّل سعيي ».

وفي موثقة عمّار ، عن الصادق عليه السلام : « إذا اغتسلت من جنابة فقل .. » (7) وذكر الدعاء بإسقاط قوله « وزكّ عملي » ، وهي واردة في خصوص غسل الجنابة لكنّها غير صريحة في كون الدعاء بعد الغسل وإن كان ظاهر لفظها ذلك.

ويستحب المضمضة والاستنشاق وتجزيه المرّة في كلّ منهما ، والأفضل تثليثهما.

ص: 157


1- الذكرى : 104.
2- فقه الرضا عليه السلام : 81.
3- زيادة في ( د ) : « طهّر قلبي وزكّ عملي واجعل ما عندك خيرا لي ». وذكر الشيخ قدس سره أنّه يستحبّ أن يقول عند الغسل : « اللّهمّ طهّرني و .. ».
4- قريب منه في باب غسل الزيارة ، أما غسل الجنابة فورد في تهذيب الأحكام 1 / 146 هذا الدعاء : « اللّهم تطهر قلبى وذكّ عملي وتقبل سعيى واجعل ما عندك خيرا لي ».
5- الألفية والنفليّة : 96.
6- المقنعة : 54.
7- وسائل الشيعة 2 / 254 ، باب استحباب الدعاء بالمأثور عند الغسل ، ح 3.

وفي الفقه الرضوي (1) : وقد روي أن يتمضمض ويستنشق ثلاثا ، ويروى مرّة مرّة تجزيه ، وقال : « الأفضل الثلاثة ».

وما في عدّة أخبار من نفي المضمضة والاستنشاق في الغسل محمول على نفي وجوبهما ؛ لما توهّمه بعض العامّة أو المراد أنّهما ليسا من أفعال الغسل وإن استحبّا لأجله.

ويشير إليه ما في الفقه (2) : « وإن لم يفعل فغسله تام » ، ولا فرق في استحبابهما بين الغسل الترتيبي والارتماسي.

ويستحب الاستظهار والمبالغة في غسل الأعضاء لحصول مزيد الاطمئنان بأداء الواجب ، وقد دلّ عبارة الفقه على رجحان الاستظهار فيه إذا أمكن. وقد ورد في النساء الأمر بمبالغتهنّ في الغسل. وكأن تخصيصهن بالذكر من جهة شعور رءوسهنّ أو لوقوع المسامحة منهنّ أكثر من الرجال.

وقد نصّ جماعة من الأصحاب باستحباب تخليل ما لا يمنع من وصول الماء ، وربّما يستفاد ذلك من ظاهر بعض الأخبار.

وفي الذكرى (3) : ولو كان الشعر خفيفا و (4) لا يمنع استحب تخليله استظهارا.

ويستحب أيضا إمرار اليد على الجسد لما فيه من زيادة الاطمئنان لوصول الماء إلى الأعضاء ، وللإجماع المحكيّ عليه في الخلاف والتذكرة (5).

وفي المعتبر (6) : إنّه اختيار علماء (7) أهل البيت عليهم السلام.

ص: 158


1- فقه الرضا عليه السلام : 81.
2- فقه الرضا عليه السلام : 82.
3- الذكرى : 100.
4- لم ترد في ( د ) : « و ».
5- التذكرة الفقهاء 1 / 233.
6- المعتبر 1 / 185.
7- في المصدر فقهاء ، بدلا من علما.

وفي المنتهى (1) : إنّه مذهب أهل البيت عليهم السلام.

ويدلّ عليه أيضا الزيادة المذكورة في كتاب المسائل في رواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام المرويّة صحيحا في التهذيب (2) وغيره الواردة في اغتسال الجنب بالوقوف تحت المطر من قوله : « إنّه ينبغي له أن يتمضمض ويستنشق ، ويمرّ يده على ماء ثالث من جسده » (3).

ويومي إليه فحوى قوله عليه السلام : « ولو أنّ رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأ [ ه ] (4) ذلك وإن لم يدلك جسده » (5).

وفي ظاهر الفقه الرضوي دلالة عليه أيضا.

ويستحبّ أن يكون الغسل بصاع للمستفيضة الدالّة عليه والإجماع المنقول ، ولا يجب ذلك بإجماع علمائنا ، وحكي عن أبي حنيفة القول بوجوبه ، والروايات من طرقنا ناصّة على خلافه.

ويستفاد من عدّة (6) أخبار الاكتفاء بصاع ومدّ لغسل الرجل وزوجته إذا اغتسلا معا من إناء واحد. وفصّل ذلك في صحيحة الفضلاء ، عن الصادقين عليهما السلام قالا : « توضّأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بمدّ واغتسل بصاع ، ثمّ قال : اغتسل هو وزوجته بخمسة أمداد من إناء واحد. قال زرارة : فقلت : كيف [ صنع ] (7) هو؟ قال : بدأ هو فضرب يده في الماء (8) قبلها وأنقى فرجه ، ثمّ ضربت هي فأنقت فرجها ، ثمّ أفاض هو وأفاضت هي (9) على نفسها حتّى فرغا فكان الّذي اغتسل به

ص: 159


1- منتهى المطلب 2 / 207.
2- تهذيب الأحكام 1 / 149 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح 115.
3- وسائل الشيعة 2 / 232 ، باب كيفية غسل الجنابة ، ح 11.
4- في المخطوطات الأصل : أجزأ. وما أدرجناه من المصدر.
5- تهذيب الأحكام 1 / 148.
6- في ( ألف ) : « هذه » ، وعليه فيجب أن يكون بعده « الأخبار » بالألف واللام ، مع أنه لا يلائم المقام.
7- في مخطوطات الأصل : « منع » ، وما أدرجناه من المصدر.
8- في المصدر : « بيده بالماء » بدلا من « يده في الماء ».
9- ليس في المصدر « هي ».

رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ثلاثة أمداد والّذي اغتسلت به مدّين ، وإنّما أجزأ فيهما (1) لأنّهما اشتركا جميعا ، ومن انفرد بالغسل وحده فلا بدّ له من صاع » (2).

والخبر الأخير محمول على تأكّد الاستحباب.

وهل المستحب هو البلوغ إلى هذا المقدار لستة الأسباع وإن زاد على المقدار المفروض أو أنّ المعتبر هو ذلك المقدار من دون زيادة عليه ولا نقيصة؟ وجهان ، فظاهر جماعة من الأصحاب هو الثاني كما يستظهر ذلك من التحديد المذكور.

ونصّ الفاضلان على الأوّل ، وظاهر كلامهما دعوى الإجماع عليه ، قال في المعتبر (3) : والغسل بصاع فما زاد. ولا خلاف بين فقهائنا في استحبابه.

في المنتهى (4) : الغسل بصاع فما زاد مستحب عند علمائنا أجمع.

وأسند ذلك في الذكرى (5) إلى الشيخ وجماعة ، قال : والظاهر أنّه مقيّد بعدم أدائه إلى السرف المنهي عنه.

وأنت خبير بأنّ الظاهر من الاغتسال بصاع وقوع الغسل بالمقدار المفروض ، فلا يندرج فيه بحسب ظاهر اللفظ ما يزيد عليه ، وإطلاق لفظ الصاع على الصاع فما زاد مجاز لا داعي إلى الحمل عليه.

نعم ، قد يستفاد ذلك من الفحوى حيث إنّ المقصود به الصاع وهو كما يحصل بذلك يحصل بما فوقه بالأولى.

وفيه تأمّل.

وروى في الفقيه مرسلا عن النبي صلى اللّه عليه وآله : « إن الوضوء مدّ والغسل صاع ، وسيأتي أقوام

ص: 160


1- في المصدر : « عنهما ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 370.
3- المعتبر 1 / 186.
4- منتهى المطلب 2 / 210.
5- الذكرى : 105.

بعدي يستقلّون ذلك فأولئك على خلاف سنّتي ، والثابت على سنّتى معي في حظيرة القدس » (1).

ويستفاد منه كراهة الزيادة إلّا أنّ مفادها ما إذا استعمل ذلك لا ما إذا حصلت على سبيل الاتفاق. وكيف كان ، فحصول الحسنة مع الزيادة لا يخلو عن إشكال.

وهل يندرج فيه ماء الاستنجاء وغيره من الأداة؟ ظاهر صحيحة المعتضدة المتقدمة وغيرها ذلك ، ويحتمل التفصيل بين ما يقارن الفعل ويدرج في أفعال الغسل وما يفارقها كما إذا استنجى (2) أولا ثمّ اغتسل بعد مدّة طويلة.

وأمّا إزالة سائر النجاسات من البدن فالظاهر خروجها من ذلك. ولا يبعد بناء الأمر في ذلك على التخمين دون التحقيق ، سيّما مع البناء على نفي الاستحباب مع الزيادة ؛ إذ لا يصحّ العلم به إذن إلّا بالوزن أو الكيل. والالتزام باعتبارهما في أداء السنّة بعيد جدا.

ولا فرق في ذلك بين غسل الجنابة وغيرها من الأغسال.

ويظهر من بعض الأخبار اعتبار الزيادة عليه في غسل الحيض ، ففي ( صا ) (3) عن محمّد بن الفضيل قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الحائض كم يكفيها من الماء؟ قال : « فرق » (4).

والفرق مكيال معروف بالمدينة تسع ستة عشر رجلا يكون ثلاثة أصواع ، وعلى هذا فالبون بعيد بين هذا الغسل وغيرها من الأغسال.

و (5) يكره الاستعانة في الغسل على نحو ما مرّ في الوضوء.

وكذا يكره الوضوء بالماء المسخن في الشمس بالتفصيل الّذي مرّ بيانه ، وكذا يكره عمله.

ص: 161


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 34.
2- في ( ألف ) : « سيجي ء » ، بدلا من « إذا استنجى ».
3- أي الإستبصار.
4- الاستبصار 1 / 148.
5- في ( ألف ) : « أو ».
البحث: في بيان الأغسال المسنونة
اشارة

وهي إمّا زمانيّة أو غيرها.

والأخير إمّا غائيّة أو سببيّة.

والأقوال إمّا أن يكون غايتها دخول المكان - وتسمّى مكانيّة - أو غيرها - وقد تسمّى فعليّة - ، فهذه أقسام أربعة.

ص: 162

تبصرة: [ في غسل الجمعة ]

من الأغسال الزمانيّة غسل الجمعة ، ورجحانه في الجملة ممّا قام عليه إجماع الأمّة.

ولا فرق فيه بين آتي الجمعة وغيره عند أصحابنا ، ولبعض العامّة قول باختصاصه بالأوّل. وهو باطل بإجماعنا.

والمعروف بين الأصحاب هو استحبابها ، بل لا يظهر فيه مخالف ( منهم من زمن المفيد إلى ما بعد زمن الشهيد الثاني ، بل ولا يعلم فيه مخالف ) (1). ممّن تقدّم على المفيد أيضا.

نعم ، قد يعزى إلى الكليني (2) والصدوقين (3) القول بالوجوب لعقده الباب في الكافي بعنوان الوجوب.

وذكر الصدوق (4) في [ ... ] (5) أنّه من السنّة الواجبة.

وأنت خبير بأنّ ذلك بمجرده لا يفيد ذهابهم إلى الوجوب ؛ لعدم ثبوت اصطلاحهم فيه على المعنى الجديد ، فلا يبعد حمله على إرادة مطلق الثبوت كما هو الوجه في جملة من الأخبار الواردة في المقام.

وكأنّهم عبّروا به محافظة على لفظ الأخبار الواردة فيه ، وفي كلمات الصدوق إشارات على ما قلناه.

ص: 163


1- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
2- الكافي 3 / 41.
3- علل الشرائع 1 / 285.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 111 ، الهداية : 102.
5- هنا فراغ في النسخ المخطوطة الثلاثة.

وبالجملة فخلاف الجماعة فيه غير معلوم. وقد ذهب بعض متأخري المتأخرين إلى القول بالوجوب زعما دلالة الأخبار عليه مع ذهاب الجماعة المذكورين إليه. ومال إليه جماعة من المتأخرين كشيخنا البهائي (1) ومولانا التقي المجلسي وصاحب الذخيرة (2) وغيرهم.

والحق هو الأوّل.

ويدلّ عليه بعد الإجماع عليه محصلا ومنقولا في كلام جماعة كالخلاف (3) في غير موضع منه والغنية (4) وظاهر التهذيب وشرح الجمل (5) ، ونفي الخلاف عنه في ظاهر الوسيلة (6) والسرائر (7) ، الأصل مع عدم نهوض دليل على الوجوب كما ستعرف.

والقول بعدم صحة الإسناد إلى الأصل لإثبات الاستحباب كما يظهر من بعض ، الأفاضل - نظرا إلى أنّ الثابت بالإجماع هو القدر المشترك بين الحكمين ، ومع نفي الوجوب بالأصل ينتفي الرجحان الحاصل في ضمنه على فرضه ؛ إذ لا بقاء للجنس مع انتفاء الفصل وأصل البراءة لا يقضي بكون الرجحان الثابت هو الحاصل في ضمن الاستحباب ؛ إذ ليس شأنه إلّا نفي الحكم خاصّة - مدفوع بأنّ أصالة البراءة ليس من شأنها إفادة الواقع ، وإنّما قضيّتها إثبات الحكم في الظاهر.

ومن الظاهر ثبوت الاستحباب الظاهري بهما في المقام ؛ إذ من (8) الحكم ببراءة الذمّة من الوجوب والقطع بحصول الرجحان فعلا كما هو معلوم بالإجماع - بل الضرورة - يثبت الاستحباب الظاهري ، وإن احتمل كونه ظاهر [ ا ] واجبا في الواقع.

ص: 164


1- مشرق الشمسين : 335.
2- ذخيرة المعاد 1 / 6.
3- الخلاف 1 / 220.
4- غنية النزوع : 62.
5- الرسائل العشر : 167.
6- الوسيلة : 54.
7- السرائر 1 / 124.
8- في ( د ) : « مع ».

ونظير ذلك كثير منها ما إذا قطع بإتلافه أحد شيئين لغيره مع اختلافهما في القيمة ، فإنّه يحكم بضمانه لأقلّ القيمتين من جهة الأصل ، مع أن الكلام المذكور بعينه جار فيه.

ويدلّ عليه أيضا عدّة من الروايات منها صحيحة علي بن يقطين : عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر؟ قال : « سنّة وليس بفريضة » (1).

والقول بأنّ السنّة أعم من الندب مدفوع بأنّ ظاهر السؤال وقوعه عن نفس الحكم لا عن خصوصيّة كونه ثابتا بالكتاب أو السنّة ؛ إذ لا يتعلّق به غرض يعتدّ به.

مضافا إلى أن ذلك لم يكن يخفى على مثل علي بن يقطين مع جلالته ليحتاج إلى السؤال ؛ لوضوح عدم وروده في الكتاب ، وعدم توهّم أحد كونه فرضا بالمعنى المذكور.

مضافا إلى استحباب الغسلين الآخرين المنضمّين إليه إجماعا ، فيشهد ذلك بكون الثالث أيضا كذلك ، وأنه المراد بالسنّة ؛ لاتّحاد الجواب عنها.

بل قد يدّعى أظهريّة السنّة في المندوب ، فتحمل عليه إلا أن تقوم قرينة على خلافه.

وقريب من هذه الصحيحة صحيحة زرارة : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غسل الجمعة؟ فقال : « سنّة في السفر والحضر إلّا أن يخاف [ المسافر ] (2) على نفسه القر » (3) (4).

ويقاربهما مرسلة المفيد عن الصادق عليه السلام : « غسل الجمعة والفطر سنّة في السفر والحضر » (5).

ومنها : رواية علي بن حمزة ، عن غسل العيدين أواجب هو؟ فقال : « هو سنّة ». قلت : فالجمعة؟ قال : « هو سنّة » (6).

ودلالتها على المطلوب أوضح من الأخبار السابقة ، كما لا يخفى.

ص: 165


1- تهذيب الأحكام 1 / 112.
2- ما أدرجناه من المصدر.
3- في مخطوطات الأصل : « القود » ، ولا معنى له. وما أدرجناه من المصدر.
4- تهذيب الأحكام 3 / 9.
5- المقنعة : 158.
6- الكافي 3 / 41 ، باب وجوب غسل يوم الجمعة ، ح 1.

ومنها : قوية الفضل ، عن الرضا عليه السلام فيما كتب للمأمون من شرائع الدين غسل يوم الجمعة سنّة وعدّ عدّة من الأغسال وقال : « هذه الأغسال سنّة ، وغسل الجنابة فريضة ، وغسل الحيض مثله » (1).

ويدلّ على كون السنّة فيها بمعنى النّدب مضافا إلى بعض الوجوه السابقة الحكم بكون غسل الحيض فريضة مع عدم ثبوته بالكتاب ، فيدلّ على كون الفرض فيه بمعنى الواجب ، فيكون السنّة فيه بمعنى النّدب.

ونحوها صحيحة يونس ، عن بعض رجاله ، عن الصادق عليه السلام قال : « الغسل في سبعة عشر موطنا ، منها : الفرض ثلاثة ». فقلت : جعلت فداك ما الفرض منها؟ قال : « غسل الجنابة وغسل من مسّ ميتا وغسل الإحرام » (2).

والظاهر اندراج غسل الجمعة في الباقي ؛ إذ هو من الأغسال المعروفة المتداولة أقسامه على الرجال والنساء بعد تركه في المقام.

وعدّ منها غسل الجمعة ، ثم قال : « والفرض من ذلك غسل الجنابة والواجب غسل الميّت والإحرام والباقي سنّة » (3).

وهو صريح في الاستحباب ، وفيه شهادة على كون السنّة في سائر الأخبار بمعنى الندب لكشف الأخبار بعضها عن بعض وفيها أيضا.

وقد روي : « أن الغسل أربعة عشر وجها : ثلاث منها غسل واجب مفروض .. » إلى أن قال : « وأحد عشر غسلا سنّة » وعدّ منها غسل الجمعة (4).

ومنها : ما دلّ على أن غسل الجمعة جعل تتميما للوضوء كما جعلت النوافل تتميما

ص: 166


1- وسائل الشيعة 3 / 305 ، باب حصر انواع الغسل واقسامه ، ح 6.
2- الإستبصار 1 / 98.
3- بحار الأنوار 78 / 13 ، باب علل الأغسال وثوابها ، ح 16.
4- فقه الرضا عليه السلام : 83.

للفرائض وصيام النافلة متمما (1) لصيام الفريضة كالقوي المتكرّر في عدّة من الأصول المعتبرة : كيف صار غسل الجمعة واجبا؟ فقال : « إنّ اللّه تعالى أتمّ صلاة الفريضة بصلاة النافلة وأتمّ صيام الفريضة بصيام النافلة وأتمّ وضوء الفريضة بغسل يوم الجمعة » (2).

وسياق الرواية كالصريح في الاستحباب.

ومنها : رواية جابر عن الباقر عليه السلام : « ليس [ عليها ] (3) غسل الجمعة في السفر ويجوز لها تركه في الحضر » (4) لدلالتها على عدم وجوب الغسل عليهنّ ، مطلقا. فيفيد عدم وجوبه على الرجال أيضا لعدم القائل بالفصل.

ومنها : خبر أبي البختري ، عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن النّبيّ صلى اللّه عليه وآله أنه قال لعلي عليه السلام : « يا علي! على الناس في كلّ سبعة أيام الغسل ، فاغتسل في كلّ جمعة ولو أنّك تشترى الماء بقوت يومك وتطويه ، فإنّه ليس شي ء من التطوع أعظم منه » (5).

وفي غير ما ذكرناه من الأخبار أيضا أخبار عدة تشهد للاستحباب كما لا يخفى على المتتبّع.

وما في بعض هذه (6) من الضعف في الإسناد مجبور بالأصل ، وحمل الأصحاب بل الإجماع واعتضاد بعضها بالبعض ، مضافا إلى أنه لو كان الغسل المذكور واجبا لما كان يخفى على آحاد الورى ؛ لعموم البلوى به وتكرّره في كلّ أسبوع ، بل كان حاله في الوجوب أوضح من غسل الجنابة مع أنّ الأمر فيه بالعكس ؛ إذ لو تنزّلنا عن دعوى الاتفاق على الندب فلا أقلّ من الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع.

وقد استفاض نقل الشهرة عليه في كلامهم ، وقد نصّ عليها في المختلف وكشف الالتباس

ص: 167


1- في ( ألف ) : « متمماة ».
2- الكافي 3 / 42 ، باب وجوب الغسل يوم الجمعة ، ح 4.
3- في مخطوطات الأصل : « على النساء ». وما أدرجناه من المصدر.
4- الخصال : 586.
5- بحار الأنوار 78 / 129 ، باب فضل غسل الجمعة ، ح 18.
6- زيادة في ( د ) : « الأخبار ».

وكشف اللثام والذخيرة والبحار وغيرها.

فبملاحظة ذلك كلّه لا ينبغي مجال لاحتمال الوجوب كما لا يخفى.

حجة القول بالوجوب : الروايات المستفيضة المشتملة على المعتبرة :

منها : الروايات الحاكمة بوجوبه كالصحيح : « الغسل يوم الجمعة على الرجال والنساء في الحضر وعلى الرجال في السفر ».

والموثّق عن غسل الجمعة؟ فقال : « واجب في السفر والحضر إلّا أنه [ رخص ] (1) للنساء في السفر لقلّة الماء » (2).

والخبر أو الصحيح : عن الغسل يوم الجمعة؟ فقال : « واجب على كلّ ذكر وأنثى عبد أو حرّ » (3).

ومنها : الصحيح : عن النساء أعليهنّ غسل يوم الجمعة؟ فقال : « نعم » (4).

وفي آخر : « اغتسل يوم الجمعة إلا أن تكون مريضا أو تخاف على نفسك » (5).

وفي المرسل : « لا يترك غسل الجمعة إلا فاسق » (6).

إلى غير ذلك من الأخبار ، وهي كما ترى غير واضحة الدلالة على الوجوب ؛ لعدم صراحة لفظ الوجوب في الوجوب المصطلح ، بل ولا ظهوره فيه ، فهي بأجمعها محمولة على الندب بقرينة تلك الأخبار ، وفهم الأصحاب منها ذلك وهو كاف في المقام.

مضافا إلى اعتضادها بما عرفت من الأصل والإجماع وعمل الطائفة وغيرها ممّا مرّ.

ص: 168


1- في مخطوطات الأصل : « أرخص ». وما أدرجناه من المصدر.
2- الكافي 3 / 40 ، باب انواع الغسل ، ح 2.
3- الكافي 3 / 41 ، باب وجوب الغسل يوم الجمعة ، ح 1.
4- تهذيب الأحكام 1 / 112.
5- تهذيب الأحكام 3 / 238.
6- بحار الأنوار 78 / 129 ، باب فضل غسل الجمعة ، ح 17.
تبصرة: [ في وقت غسل الجمعة ]

الأظهر أنّ وقت غسل الجمعة من طلوع الفجر الثاني إلى الزوال.

أما الأول (1) فلا خلاف فيه بين الأصحاب ، ويدل عليه الإجماع محصّلا ومنقولا في الخلاف (2) وغيره ، والإطلاقات وخصوص المستفيضة ، منها : الصحيح : « إذا اغتسل بعد الفجر للجمعة؟ قال : « نعم » (3).

وأما الثاني (4) فهو المعروف بين الأصحاب. وبه أفتى الشيخ (5) والقاضى والحلّى (6) والفاضلان وابن سعيد والشهيدان (7) وابن فهد (8) والصيمرى والمحقّق الكركى وغيرهم.

ويتراءى من ملاحظة عبائرهم في المقام أقوال أخر في المسألة.

منها : تحديد آخره بما قبل الزوال. وربّما يستفاد ذلك من عبارة الشيخ في طهارة الخلاف (9) حيث قال : يجوز غسل الجمعة من عند طلوع الفجر يوم الجمعة إلى قرب الزوال و ( د ) ( واحتجّ عليه بإجماع الفرقة. ونحوه عبارة الصدوق في الفقيه حيث ذكر فيه من وقت

ص: 169


1- أي أن بداية وقت غسل الجمعة طلوع الفجر الثاني ( الفجر الصادق ).
2- الخلاف 1 / 220.
3- الكافي 3 / 418 ، باب تزين يوم الجمعة ، ح 8.
4- أي أن نهاية وقت غسل الجمعة هي الزوال.
5- النهاية : 104.
6- السرائر 1 / 124.
7- مسالك الإفهام 1 / 105.
8- المهذب البارع 1 / 189.
9- الخلاف 1 / 220.

طلوع الفجر يوم الجمعة إلى قرب الزوال ) (1).

ولا يبعد حملها على ما هو الغالب من إيقاع ذلك قبل الزوال بشى ء يسير ؛ إذ اتصاله بالزوال بعيد جدّا ؛ إذ ربّما يكون في تأخره كذلك وقوع بعض أجزائه بعد الزوال.

ومنها : تحديده بصلاة الجمعة. وهو الظاهر من الشيخ في صلاة الخلاف (2) حيث قال : وقت غسل [ يوم ] (3) الجمعة ما بين طلوع الفجر الثاني إلى أن يصلّى الجمعة.

ثمّ احتج على ذلك أيضا بإجماع الفرقة. والأظهر ارجاعه إلى المشهور بحمله على أوّل وقتها المحدود بالزوال. ويشهد له في عبارته الاولى مع حكايته الإجماع في المقامين والبناء فيه على العدول لا يخلو عن بعد ، بل في حكايته المذكورة إشارة إلى كون المقصود من كلامه ما هو المشهور.

ومنها : امتداد الوقت بامتداد النهار. وربّما يستفاد ذلك من إطلاق جماعة من القدماء كما في المقنعة وجمل الشيخ والاقتصاد والمراسم والكافي والوسيلة والغنية وبعض كتب العلامة والشهيد.

وفي المدارك : لو لا الإجماع المنقول أو عدم وجود القائل لكان القول به متعيّنا.

وفي الذخيرة والبحار وغيرهما الميل إليه.

وعن العلامة في التحرير (4) أن الأقرب بعد ظهر الجمعة نية القضاء.

وفيه إشارة إلى حصول احتمال بل قول آخر.

ولا يبعد حمل الإطلاقات المذكورة على ما هو المشهور ، فكأنهم اتّكلوا في ترك التقييد على ما هو المتعارف الشائع.

بقي الكلام في ميل الجماعة المذكورة ، وهو لا يقدح في الإجماع ؛ إذ من عادة هؤلاء

ص: 170


1- لم ترد ما بين الهلالين في ( ألف ).
2- الخلاف 1 / 612.
3- ما أدرجناه زيادة من المصدر.
4- تحرير الأحكام 1 / 87.

الجماعة التأمل فيما ذكره الأصحاب مع عدم وضوح المستند في (1) أنظارهم كما زعموه في المقام ، مع أنّ في جملة من الأخبار إشارة إليه :

منها : موثّقة سماعة : في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة أوّل النهار؟ قال : « يقضيه في آخر النهار ، فإن لم يجد فليقضيه يوم السبت » (2).

بناء على ظهور القضاء فيما قابل الأداء سيّما مع مقارنته بالقضاء يوم السبت مع القطع بخروجه عن الوقت الموظف.

ومنها : موثقة عبد اللّه بن بكير : عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة؟ قال : « يغتسل ما بينه وبين الليل فإن فاته اغتسل يوم السبت » (3) بناء على حمل السؤال على فواته في الوقت المعهود لإتمام النهار كما دلّ عليه الجواب.

وحمله على الأخير يوجبه الجواب بإرادة ما بينه وبين آخر الليل بعيد من العبارة ، والمعنى الأول أقرب إليها جدّا.

ومع حملها على ما ذكرنا - كما هو الظاهر منها - دلّ على خروج الوقت بانقضاء الزمان المعهود آخذا بظاهر لفظ « الفوات » مع تقرير الإمام عليه ، بل هو أظهر من مطلق التقرير لمكان عود الضمير إلى الجواب إلى الرجل الذي فاته الغسل يوم الجمعة ، فيكون بمنزلة كونه من كلام الإمام.

وقريب من هذه الرواية مرسلة الصدوق ، عن الصادق عليه السلام : « إن نسيت الغسل أو فاتك لعلّة فاغتسل بعد العصر أو يوم السبت » (4) ، بل هي أظهر من جهة أخرى.

ومنها : ما دلّ على بيان الحكمة في (5) غسل الجمعة ، فإنها يشبه في كون وضعه قبل الصلاة

ص: 171


1- في ( ألف ) : « و » بدل « في ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 113.
3- تهذيب الأحكام 1 / 113.
4- الهداية : 103.
5- زيادة في ( د ) : « وضع ».

أو الزوال.

ومنها : رواية أبي بصير ، عن الرجل يدع غسل الجمعة ناسيا أو متعمّدا؟ فقال عليه السلام : « إذا كان ناسيا فقد تمّت صلاته وإن كان متعمّدا فليستغفر اللّه ولا يعد » (1).

فإنها ظاهرة بل صريحة في تقديمه على الصلاة.

وخبر مرسل عن أبي الحسن عليه السلام ، وقد مرّت الإشارة إليها.

فبملاحظة هذه الروايات مع اعتضادها بعمل الأصحاب والإجماع المحكي - بل المعلوم كما يظهر من فتاواهم حتى أنه حكي عليه في المعنى إجماع الناس مؤذنا باتفاق العامة والخاصة عليه - يظهر قوة ما ذكرناه ، مضافا إلى تأيّده بالاحتياط ، فيقيّد بها سائر الإطلاقات ، و (2) لا تعارضها ما في الصحيح : « كان أبي يغتسل للجمعة عند الرواح ».

بناء على كون الرواح عديل الصباح ؛ إذ الظاهر - بل المتعيّن - كونه بمعنى الرواح إلى الجمعة ؛ إذ هو المنساق من العبارة ، وأنّ ظاهرها مداومة على ذلك ، ولا سيّما في التأخير فيداوم عليه.

فيظهر من جميع ذلك ضعف القول بامتداده طول النهار. ويضعّف الوجهان الأخيران (3) مع عدم ظهور قائل بهما ، عدم انضباط الأول ، فلا يليق بالتحديدات الشرعية ، ومخالفته للأصل والإطلاقات مع عدم ظهور دليل عليه سوى ما قد نصّ دلالته عليه من قوله عليه السلام في صحيحة زرارة : « وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال » (4).

وفيه : أنها محمولة على إرادة التقديم اليسير من جهة الاطمئنان بوقوع جميعه قبل الزوال.

ويؤيده ما دلّ في الصلاة واختلاف الناس في اجتماع الشرائط وعدمه مع عدم اشتراط

ص: 172


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 116.
2- زيادة « و » من ( د ).
3- كذا ، والصحيح : « الوجهين الأخيرين ».
4- الكافي 3 / 417 ، باب التزين يوم الجمعة ، ح 4.

الغسل بشي ء منها.

وما يستفاد من عدة من الأخبار من ارتباط الصلاة بالغسل المذكور لا يفيد بقاء وقته بعد الزوال أيضا ، مع أن الأغلب إيقاع الصلاة في أول الزوال.

هذا ، واعلم أنه قد نصّ جماعة من الأصحاب منهم الشيخان (1) والقاضي (2) والحلي (3) والفاضلان (4) والشهيدان أنه كلّما قرب الغسل من الزوال كان أفضل. وعن ظاهر الخلاف وتذكرة الفقهاء (5) الإجماع عليه.

وليس في الأخبار ما يفيد ذلك بصريحه (6) سوى ما في الفقه الرضوي (7) ؛ لوقوع العبارة المذكورة فيه بعينه ، وهو كاف في إثباته مع فتوى الجماعة به ، والتسامح في أدلة السنن.

وقد أفتى والد الصدوق بذلك في الرسالة فيما حكاه عنه ولده في الفقيه.

وقد ذكر الشهيد رجوع الأصحاب على فتاويه عند إعواز النصوص به (8) ، مضافا إلى إشارة التعليل المذكور إليه.

ويومى إليه قوله في الصحيحة المتقدمة « وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال » لظهور القبليّة فيما يقاربه ، وللصحيحة الأخرى : « كان أبي يغتسل .. » (9) إلى آخره ، بناء على أن الغالب فيه الرواح قريب الزوال.

نعم ، لو أراد البكور إلى المسجد لم يبعد القول باستحباب تقديمه عليه ليكون في المسجد

ص: 173


1- النهاية : 104.
2- المهذب البارع 1 / 101.
3- السرائر 1 / 124.
4- كشف اللثام 1 / 137.
5- تذكرة الفقهاء 2 / 141.
6- زياده : « بصريحه » من ( د ).
7- فقه الرضا عليه السلام : 129.
8- لم ترد في ( ب ) : « به ».
9- وسائل الشيعة 3 / 317 ، باب استحباب غسل الجمعة في السفر والحضر ، ح 22.

على أتم الطهور ، ولئلا يحتاج إلى الخروج لأجل الغسل مع ما فيه من الزحمة في الجوامع العظام.

وفي غير واحد من الأخبار دلالة عليه كقوله صلى اللّه عليه وآله : « من اغتسل يوم الجمعة ثم بكّر [ وابتكر ، ومشى ولم يركب ] (1) ودنى من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكلّ خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها » (2).

ولو كان له حاجة إلى الخروج قبل الزوال لم يبعد إذن استحباب التأخير ؛ للإطلاق المتقدم. ولو اتّفق له ذلك مع تقديم الغسل على البكور ، لم يستحب له الإعادة.

ص: 174


1- ما أدرجناه زيادة من المصدر.
2- بحار الأنوار 78 / 127 ، باب فضل غسل الجمعة ، ح 13.
تبصرة: [ في قضاء الغسل ]

لو فاته الغسل في الوقت المقدر استحب قضاؤه في [ ... ] (1) بلا خلاف فيه بين الطائفة. وقد دلّ عليه النصوص المستفيضة.

نعم ، يوقع الكلام فيه في أمور :

أحدها : في وقته ، فقيل : إنه من الزوال إلى ليلة السبت ، ثم من أوّل يوم السبت إلى آخر النهار. ذهب إليه جماعة منهم الشيخ والحلي والفاضلان وابن سعيد والشهيد.

وقيل بانضمام ليلة السبت إلى ذلك أيضا. واختاره الفاضل في القواعد والشهيد في غير واحد من كتبه ، وابن فهد والمحقّق الكركي والشهيد الثاني وغيرهم.

وقيل باختصاصه يوم السبت. حكي القول به عن القاضي. و (2) هو ظاهر الفاضلين والشهيد في الشرائع والتلخيص والنفلية. ووجّه الشهيد الثاني في شرح النفلية ذلك بأنه الموجود في النصوص ، ولذا اقتصر عليه.

وهو غريب.

وقيل بانضمام بعد العصر من يوم الجمعة إلى يوم السبت. وحكي القول به (3) عن ظاهر الصدوقين.

والأقوى هو الأول ؛ للموثقتين المتقدمتين. وظاهرهما سيّما الثانية ثبوت القضاء بعد النهار مطلقا ، فالقول باختصاص القضاء بيوم السبت ساقط جدا ، والأمر بقضائه يوم السبت

ص: 175


1- هنا نقص أو سقط في النسخ المخطوطة.
2- زيادة الواو من ( د ).
3- في ( ألف ) : « القولين » بدل « القول به ».

لا يقضي بعدم ثبوته يوم الجمعة.

والبناء باختصاصه القضاء بما بعد العصرية أيضا مدفوع بالإطلاق. والمرسلة المنقولة في الهداية (1) من الأمر بالاغتسال بعد العصر أو يوم السبت لا يفيد عدم المشروعية قبله.

ويمكن حملها كعبارة الصدوقين على ما هو الغالب من وجود الموانع من الاغتسال بعد الزوال من الاشتغال بالصلاة والتعقيب ونحوهما.

وثبوته ليلة السبت لم يقم عليه دليل ؛ لاختصاص الروايات بالسبت والجمعة. والأولوية المدعاة في محل المنع سيّما مع المخالفة للوقت المضروب.

ودعوى استصحاب جواز الفعل فاسد لثبوت الحكم فيما قبله مقيّدا ، فلا يصح استصحابه.

وشمول يوم السبت له بناء على إرادة مجموع اليوم والليلة منه لا وجه له مع عدم قيام قرينة عليه. وقد عرفت بما ذكرنا الوجه في الأقوال الأخر وضعفها.

ثانيها : مناط تشريع القضاء هل هو مطلق الفوات سواء كان عمدا أو سهوا أو نسيانا أو نحوها أو يختص بالتارك لعذر؟ وجهان ، بل قولان :

فظاهر الأكثر كالشيخ والقاضي والحلي والفاضلان وابن سعيد والشهيدان هو الأول. وفي غير واحد من كتبهم نسبته إلى المشهور.

واعتبر ابن فهد فيه قيام ضرورة على الترك. وعن ظاهر الصدوقين اعتبار العذر. والأظهر الأوّل ؛ لظاهر عدة من الأخبار :

منها : موثقة سماعة المتقدمة.

ومنها : الموثقة الأخرى حيث لم يؤخذ فيه العذر في ترك أصله ، واعتباره في ترك الغسل في قضائه في النهار محمول على بيان أفضلية قضائه في الجمعة على السبت أو أن السائل لمّا كان بصدد تدارك الغسل الفائت ، أمره فقضاؤه آخر النهار ثمّ استدرك على صورة عدم تمكنه منه

ص: 176


1- الهداية : 103.

فأمره إذن بالقضاء يوم السبت.

وربما حمل الرواية على ظاهرها ، وبجعل القضاء يوم السبت منوطا بعدم التمكن منه بعد الزوال من الجمعة بخلاف قضائه في الجمعة ، فكأنه لقربه من وقت الأداء صار بمنزلته.

وربما يظهر القول به من الشيخ في النهاية (1) حيث أطلق القول به في قضائه بعد الزوال.

وقيّد (2) قضاؤه في السبت بعد التمكن منه بعد الزوال.

واستشكل العلامة في التحرير (3) في قضائه في السبت مع تركه تهاونا.

وأنت خبير بأن إطلاق موثقة ابن بكير الّتي هي أوضح إسنادا من سائر أخبار الباب دالّ على ثبوت القضاء مطلقا ، وليس في غيره ممّا يعادله في السند والدلالة ما يفيد التقييد ، فلا وجه للتأمّل في الحكم. مضافا إلى انجبار الإطلاق بالشهرة ، والظاهر الاعتبار ؛ إذ مع ثبوت القضاء لا يظهر وجه للفرق بين المتعمد وغيره.

ولا يبعد حمل عبارة النهاية على نحو الرواية ولذا عزا إليه المحقق وغيره القول المشهور.

وتعليق الحكم بالناسي في بعض الأخبار كأنه مبنيّ على الحثّ على الفعل حتى أنه لا ينبغي تركه من الناسي ، فذكر حكمه.

ويؤيده ما في تلك الرواية من الحثّ وأنه لا بد من الإتيان في السفر والحضر.

هذا ، ولو أدرك بعضا من وقت الأداء فهل يكون قضاء مطلقا أو أداء وقضاء؟ وجهان : أوجهها الأول ؛ لسقوط الأمر بالأداء ظاهر [ ا ] ، ويحتمل سقوط القضاء أيضا بناء على خروجه عن ظواهر الأخبار الدالة على ثبوت القضاء إلا أن الأظهر إذن دلالتها عليه بالفحوى ، فتأمّل.

وأما لو أدرك بعضا من وقت القضاء فالظاهر سقوط الفعل كما إذا تمكّن منه قريب غروب الشمس يوم الجمعة أو السبت مما لا يسع الغسل.

ص: 177


1- النهاية : 104.
2- في ( ألف ) : « قبل ».
3- تحرير الأحكام 1 / 87.

نعم ، يتقوّى الأول جواز إكماله في الوقت الآخر على احتمال يأتي بيانه في المسائل الآتية إن شاء اللّه.

ولو أخّر بعضا من أفعال الغسل عن وقت الأداء عمدا أو سهوا فالأشبه جواز الإكمال في وقت القضاء ، وهل يختص القضائية بذلك الجزء أو يعمّ الجميع؟ وجهان.

ولو أخّره عن وقت القضاء فالظاهر فساد الغسل إلا أن يؤخره عن وقته الأول ، فيحتمل جواز الإكمال في وقته الآخر كما مرّ.

ثم الظاهر عدم ثبوت القضاء بعد يوم السبت أو بعده من أيام الجمعة ، ولا عامل بظاهره من الأصحاب.

وعن بعضهم احتمال البناء عليه للتسامح في أدلة السنن.

وضعّفه بعض الأفاضل بدلالة ظاهر الأدلة على نفيه.

وإنما يتسامح في أدلتها مع عدم قيام دليل على النفي.

قلت : ولم نجد في الأخبار ما يدلّ على نفي المشروعية منطوقا ولا مفهوما لا بمفهوم اللقب ، ولا حجة فيه.

نعم ، إطباق الأصحاب ظاهر على خلافه ممّا يوهن البناء عليه ، فتأمّل.

ثالثها : أفضل وقت (1) القضاء أوّلها (2). وهو الظاهر من جماعة من الأصحاب منهم الشيخ والفاضلان والشهيد ؛ للموثقتين المذكورتين ، ولما فيه من المبادرة إلى الامتثال المطلوب في الشرع. مضافا إلى احتمال كونه من وقت الأداء واندراجه في جملة من الإطلاقات ، ولا يعارضه ما يظهر من جماعة من البناء فيه على المنع ؛ لضعف الاحتمال المذكور جدّا ؛ نظرا إلى أقسام الأدلّة الواضحة على فساده ، بخلاف الاحتمال المذكور.

وهل الأفضل من أوقاته ما قرب إلى الزوال أو ما بعد العصر؟ وجهان ؛ لما في الأول من المبادرة إلى الامتثال ، وفي الثاني من الاحتياط ؛ لما يظهر من الصدوقين من المنع من التقديم

ص: 178


1- في ( د ) : « وقتي ».
2- في ( د ) : « أولهما ».

كما مرّ.

وقد يومي إليه المرسلة المتقدمة ، والأولى ترجيح التأخير.

وأما يوم السبت فظاهر الإطلاقات عدم الفرق بين أجزائه.

نعم ، لا يبعد القول بدلالة أخبار التقديم مهما أمكن من المبادرة إلى الخبر.

وعن جماعة منهم الشهيدان أن كلما قرب إلى الزوال من وقت القضاء فهو أفضل.

ولم نجد مستنده ، وكأنّه مبنيّ على استنباطه من الأداء.

ولا يخفى وهنه.

ص: 179

تبصرة: [ في تقديم غسل الجمعة ]

يستحب تقديم الغسل يوم الخميس لخائف إعواز الماء يوم الجمعة ، بلا خلاف فيه يعرف.

وقد نصّ عليه الصدوقان والشيخ والقاضي والحلبي (1) والفاضلان والشهيدان وغيرهم.

والأصل فيه ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح ، عن الحسين بن موسى بن جعفر عليه السلام ، عن أمه ، وأم أحمد بنت موسى بن جعفر عليه السلام ، قال : كنّا مع أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام في البادية ونحن نريد بغداد ، فقال لنا يوم الخميس : « اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة فإن الماء فيها غدا قليل » ، قالتا : فاغتسلنا يوم الخميس للجمعة (2).

ومرسلة محمد بن الحسين ، عن الصادق عليه السلام أنه قال لأصحابه : « إنكم تأتون غدا منزلا ليس فيه ماء فاغتسلوا اليوم لغد. فاغتسلنا يوم الخميس للجمعة » (3).

وفي رواية الفقه : « وإن كنت مسافرا وتخوّفت عدم الماء يوم الجمعة اغتسل يوم الخميس » (4).

وضعف الأخبار المذكورة مجبور بالعمل بل الإجماع كما يظهر من كشف اللثام حيث عزاه إلى فتوى الأصحاب مؤذنا باتفاقهم عليه.

ص: 180


1- في ( ب ) : « الحلّي ».
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 111.
3- تهذيب الأحكام 1 / 365 ، باب الاغتسال وكيفية الغسل من الجنابة ، ح 2.
4- فقه الرضا عليه السلام : 129.

وفي الحدائق (1) : إنه لا خلاف فيه بين الأصحاب ، مضافا إلى التسامح في أدلة السنن ، فالحكم المذكور مما لا تأمل فيه. وإنما يقع التأمّل في أمور :

منها : أن ظاهر الأخبار المذكورة ثبوت الحكم للمسافر ، فهل يعمّ الحكم من خاف عوز الماء في الحضر؟ وجهان ؛ ظاهر الأكثر ذلك ، بل ظاهر الحدائق عدم الخلاف فيه.

وعن الصدوق والشيخ في النهاية اعتبار السفر وقوفا مع الأخبار ، لكن الظاهر القطع لتنقيح المناط بملاحظة الخبرين الأولين سيّما الأول منهما خصوصا مع ملاحظة فهم الأصحاب.

وإنما وردت الأخبار في خصوص السفر لكون الغالب حصول العذر فيه دون الحضر.

ومنها : أنه هل يعتبر في جواز التقديم خصوص الإعواز كما هو مورد الأخبار أو يكتفى بمجرّد (2) الفوات ولو من جهات أخرى؟ قولان :

والأوّل محكّي عن الصدوق والقاضي وابن سعيد والفاضلين والشهيد وابن فهد (3) ؛ وقوفا فيما خالف الأصل على مورد النصّ.

والثاني محكي عن الشيخ في غير واحد من كتبه والحلي (4) والفاضل (5) في (6) التذكرة (7) والشهيد الثاني (8) وولده.

وهو الأظهر لتنقيح مناط الحكم.

وربما يحمل عليه الأخبار وسائر فتاوى الأصحاب.

نعم ، ظاهر جماعة من المتأخرين الميل إلى الأوّل ؛ وقوفا مع ظواهر الأخبار. وربّما

ص: 181


1- الحدائق الناضرة 7 / 392.
2- في ( ألف ) : « مجرّد ».
3- المهذب البارع 1 / 190.
4- السرائر 1 / 124.
5- كشف اللثام 1 / 137.
6- كذا ، والظاهر : « و » ، بدلا من « في ».
7- تذكرة الفقهاء 2 / 141.
8- مسالك الإفهام 1 / 105.

يستفاد من الرواية الأولى أن قلة الماء يوم الجمعة ، ويعتبر الفصل فيه من تلك الجهة كافية في التقديم ، ولم يكن هناك خوف من تعذر الماء لكنّه خلاف ظاهر الفتوى ، فالقول به لا يخلو عن إشكال.

ومنها : أن الحكم هل يناط بخوف الإعواز أو التعذر أو أنه يعتبر فيه اليأس والتعذر أو المدار فيه على الظن؟ وجوه. فالأول هو المشهور بل كاد أن يكون إجماعا كما ذكره بعض الأجلة.

والثاني محكي من الشيخ والفاضل. وعن الفاضل أيضا في بعض كتبه اعتبار الظن تارة والخوف أخرى ، و (1) كان الأظهر الأول ؛ إذ هو الأظهر من سياق الأخبار ، بل عليه المدار في ما شأنه ذلك من سائر الموارد.

ومنها : أنه هل يعتبر في جواز التقديم حصول العذر في خصوص وقت الأداء أو لا بدّ من شموله لوقت القضاء إما مطلقا أو لخصوص ما بعد الزوال من الجمعة؟ وجوه : نصّ الشهيدان على الأول.

وقد يستفاد ذلك أيضا من إطلاق جماعة منهم حيث علّقوا الحكم بخوف الفوات أو الإعواز.

وقد يستفاد من إطلاق جماعة اختيار الأخير حيث اشترطوا وجود العذر في يوم الجمعة الظاهر في تمام النهار. ويعلّل الوجهان بأن قضية الأدلة اعتبار العذر في يوم الجمعة ، فيعمّ جميعه مع احتمال انصرافه إلى المتعارف الشائع أعني وقت الأداء أو الوجهان متقاربان ، وقضية الأصل المنع من التقديم إلا في مورد اليقين بشمول الدليل ، وهو ما لو عمّم العذر تمام النهار.

ومنها : أنه لا يجري الحكم المذكور في ليلة الخميس لخروجه عن النصوص.

وهل يجري في ليلة الجمعة؟ قولان. وعن الشيخ والفاضل وظاهر المحقق والشهيد أنه

ص: 182


1- في ( ألف ) : « أو ».

كذلك ، وعن ظاهر المعظم خلافه.

وهو الأظهر لخروجه عن مدلول النص مع الأولوية. وقد مرّ نظيره في قضائه ليلة السبت.

والتفصيل بين المقامين باختيار القول بالعدم هناك والقول بالإلحاق هنا ؛ نظرا إلى ظاهر الأولوية.

والإجماع المنقول عن الخلاف والتذكرة والاستصحاب هنا ليس على ما ينبغي ؛ لعدم وضوح ما ذكره من الاجماع والاستصحاب لو تمّ في المقام جرى في المقامين ، وكذا الأولوية وعدم ظهور المخالف الناص في المقام لا يفيد شيئا مع ظهور خلافه من المعظم كما ذكر.

ومنها : أنه لو قدم الغسل في الخميس ثم تمكّن منه قبل زوال الجمعة ففي استحباب إعادته وجهان. وقد أفتى الصدوق والعلامة (1) في جملة من كتبه والشهيد وابن القطان وابن فهد وجماعة من المتأخرين بالأول. ولا يظهر منهم قائل بالوجه الأخير.

والوجه فيه الرجوع إلى الإطلاقات.

ص: 183


1- نهاية الإحكام 1 / 175.
تبصرة: [ في غسل عيد الفطر وعيد الأضحى ]

من الأغسال الزمانية غسل يومي العيدين الفطر والأضحى بلا خلاف فيه. [ و ] قد حكى الاجماع عليه جماعة منهم ابن زهرة (1) والفاضلان والشهيد وسبطه.

ويدل عليه مضافا إلى ذلك ، المعتبرة المستفيضة المشتملة على الصحاح الكثيرة. وفي الموثق : « غسل يوم الفطر ويوم الأضحى سنّة لا أحب تركها » (2).

وفي الصحيح : عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر؟ قال : « سنّة وليس بفريضة » (3).

وفي آخر : « الغسل في سبعة عشر موطنا وعدّ منها العيدين » (4).

إلى غير ذلك ، وربّما يشعر كلام الصدوق في الهداية (5) اختيار الوجوب في غسل الأضحى إلا في منى حيث ذكر رواية القاسم بن الوليد المشتملة على ذلك. قال : « وروى أن غسل العيدين سنّة » (6) إلا أنه كما ترى ليس فيها دلالة ظاهرة على ذلك ، مع إمكان حمله الرواية على الاستحباب المذكور كما هو المتعيّن بقرينة الأخبار المذكورة وغيرها.

مضافا إلى الإجماع المعلوم والمنقول.

ثم إن ظاهر كثير من الأصحاب على أن وقته تمام النهار من طلوع الفجر إلى الغروب.

ص: 184


1- غنية النزوع : 62.
2- الاستبصار 1 / 451.
3- الكافي 3 / 41 ، باب وجوب الغسل يوم الجمعة ، ح 1.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 77.
5- كذا ، ولعلّه : « الفقيه ».
6- من لا يحضره الفقيه 1 / 507.

واستظهره في المدارك (1) ، وهو الظاهر ؛ لظاهر الإطلاقات المذكورة وغيرها المعتضدة بإطلاق الإجماعات المحكيّة.

ويومي إلى الأول أيضا إطلاق رواية قرب الإسناد ، بإسناده عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام : « إن اغتسل يوم الفطر والأضحى قبل الفجر لم يجزه وأن اغتسل بعد طلوع الفجر أجزأه » (2).

وفي موثقة عمار ، عن الصادق عليه السلام : « فإن (3) مضى الوقت فقد جازت صلاته » (4).

وربما يستشعر منه انقضاء وقت الغسل بانقضاء وقت الصلاة حيث لم يأمره عليه السلام بالغسل بعد انقضاء وقت الصلاة. و (5) يوهنه احتمال كون السؤال مسبوقا لاستعلام حال الصلاة. وحينئذ فترك ذكر الغسل في الجواب لا يفيد انقضاء وقته.

نعم ، في رواية الفقه دلالة عليه حيث قال : « إذا طلع الفجر من يوم العيد فاغتسل » (6) ، وهو أول أوقات الغسل.

ثم إلى وقت الزوال إلا أنها لضعفها لا تنهض مقيدة لتلك الإطلاقات المعتبرة.

وعن الحلي والفاضل في المنتهى (7) أن وقته إلى الصلاة. وعزاه في ذكرى الشيعة إلى ظاهر الأصحاب مع استظهار امتداده بامتداد النهار ؛ أخذا بإطلاق اليوم كلام الأكثر كما ترى خال عن التقييد ، فنسبة المذكورة لا يخلو عن تأمّل.

قال : ويتخرج من تعليل الجمعة أنها إلى الصلاة أو إلى الزوال الذي هو وقت صلاة

ص: 185


1- مدارك الأحكام 2 / 165.
2- قرب الاسناد : 181.
3- زيادة في ( د ) : « عن الرجل ينسى أن يغتسل يوم العيد حتّى يصلّي قال : إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة ».
4- الإستبصار 1 / 103.
5- زيادة : « و » من ( د ).
6- فقه الرضا عليه السلام : 131.
7- منتهى المطلب 1 / 241.

العيد.

وكأنّه أشار به إلى رواية العلل التي رواها محمد بن سنان. ودلالتها على المطلوب غير ظاهر ؛ إذ لا إشارة فيها إلى حصر العلة واطرادها مع ذكر علة أخرى فيها أيضا.

فظهر بذلك أيضا ضعف القول بالتعبّد ، مضافا إلى أن الصلاة ممّا يترك في كثير من الأحوال ، فلا معنى لإناطة التوقيت به ، واعتبار العذر (1) فيه خلاف الظاهر ، والبناء على اعتبار الزوال لا يظهر قائل به وإن احتمله الشهيد كما عرفت.

ثم إنّه لا شكّ في أفضل إيقاعه عند الصلاة كما يستفاد من رواية العلل ، ونصّ عليه جماعة ، مضافا إلى ما فيه من الخروج عن الخلاف.

ولا يبعد القول بأفضلية ما قبل الزوال مطلقا ؛ أخذا برواية الفقه المذكورة.

هذا ، وفي الموثقة المذكورة أوّلا دلالة على مطلوبية الغسل لأجل الصلاة.

وربّما زعم بعضهم دلالتها على كون الغسل المذكور من الأغسال الغائية دون الزمانية ، وأنت خبير بأنه لا دلالة فيها على نفي كونه زمانيا ، غاية الأمر أن يجمع بين الأمرين ويقال فيه لحصول الجهتين كما هو الأظهر إلا أنهم لم يذكروا في غير الأغسال الفعلية ، لكن هذه الرواية ظاهرة الدلالة عليه ، فلا بأس في القول به.

ومنها : غسل يوم عرفة كما نصّ عليه كثير من الأصحاب كالصدوقين والمفيد والحلبي والقاضي وابن زهرة والحلي والفاضلان والشهيدان وغيرهم.

وعن الغنية والمدارك الإجماع على استحبابه. وعدّه جماعة من الأغسال المشهورة.

ويدلّ عليه الصحاح المستفيضة وغيرها كصحيحة عبد اللّه بن سنان : « الغسل في أربعة عشر موطنا ... » وعدّ منها يوم عرفة (2).

وصحيحة محمد بن مسلم : « الغسل في سبعة عشر موطنا .. » وعدّ منها يوم عرفة (3).

ص: 186


1- في ( ألف ) : « العدو ».
2- الخصال : 498.
3- الخصال : 508.

ولا فرق فيه بين من كان في الموقف وغيره للإطلاقات وخصوص رواية عبد الرحمن بن سيّابة عن الصادق عليه السلام : عن غسل يوم عرفة في الأمصار؟ فقال : « اغتسل أينما كنت » (1).

ثم إن ظاهر الإطلاقات كون تمام اليوم وقتا للفعل.

وفي رواية الفقه (2) توقيته بما قبل الزوال.

ومنها : غسل يوم التروية ، للصحيحين العادّين له من مواطن الغسل. وقد نصّ عليه جماعة من الأصحاب كالصدوق والفاضل والشهيدين وغيرهم.

ومنها : غسل يوم الغدير ، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة على المعروف المحكي عليه الإجماع ، وهو يوم الذي عقد فيه البيعة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام.

قيل : وكان (3) حساب المنجمين يوم التاسع عشر من الشهر المذكور إلا أنه لم ير الهلال ليلة الثقلين بمكة.

واستحباب الغسل فيه مذكور في كلام جماعة من الأصحاب ، بل الإجماع محكي عليه في التهذيب والغنية والروض.

ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في الضعيف عن الصادق عليه السلام : « من صلّى قدر (4) ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن يزول مقدار نصف ساعة » (5) إلى أن قال : « ما سأل اللّه حاجة من حوائج الدنيا والآخرة (6) إلا قضيت له (7) كائنة ما كانت ».

والرواية طويلة معروفة بين الأصحاب.

وردّه الصدوق وشيخه محمد بن الحسن بن الوليد لكنّه من طريق محمد بن موسى

ص: 187


1- وسائل الشيعة 3 / 309 ، باب استحباب غسل يوم عرفة ح 1.
2- فقه الرضا عليه السلام : 175.
3- في ( د ) زيادة : « على ».
4- في المصدر : « فيه ».
5- تهذيب الأحكام 3 / 143 ، باب صلاة الغدير ، ح 1.
6- في المصدر : « حوائج الآخرة ».
7- ليس في المصدر : « له ».

الهمداني.

وقد أثبتناه من كتاب نوادر الحكمة إلّا أن ضعفها منجبر بالشهرة عندنا ، بل قال بعض الأجلاء : إنه لا رادّ لها سوى الشيخين المذكورين ، مضافا إلى أنه من السنن التي تتسامح في أدلتها.

وهذه الرواية كما ترى تقيّد بوقت استحبابه بخصوص الوقت المعلوم.

وروى ابن طاوس في الإقبال عن أبي الحسن الليثي ، عن الصادق عليه السلام في حديث ذكر فيه فضل يوم الغدير ، قال : « فإذا كان صبيحة ذلك اليوم وجب الغسل في صدر نهاره » (1).

وهذه يعطي التوقيت بأول النهار ، وظاهر الإجماعات المحكية وإطلاق كثير من الطائفة يعطي إطلاق توقيته بالنهار.

ويمكن الاحتجاج له برواية الفقه حيث ذكر فيه « أن الغسل ثلاثة وعشرون وعدّ منها غسل يوم غدير خم » (2) فإن ظاهر نسبة الغسل إلى اليوم يعطي جواز إيقاعه في أيّ جزء منه. وهو الأظهر ؛ للتسامح في أدلة السنن سيّما مع اعتضاده بما ذكر إلا أن الأفضل منه الوقتان المذكوران.

وعن الإسكافي توقيته (3) بطلوع الفجر إلى قبل صلاة العيد.

ونفى عنه البعد بعض الأجلّة.

وربّما يستفاد من الرواية المشهورة مطلوبيّته لأجل الصلاة فيكون من الأغسال الفائتة أيضا.

ومنها : غسل يوم المباهلة على ما ذكره كثير من الأصحاب ، منهم الشيخ (4) في جملة من

ص: 188


1- إقبال الأعمال 2 / 280.
2- فقه الرضا عليه السلام : 82.
3- في ( ب ) : « توفيقة ».
4- المقنعة : 51.

كتبه ، والديلمي والطوسي (1) والحلي (2) وابن سعيد والفاضلان والشهيدان (3) (4) وابن فهد (5) وغيرهم.

وفي المعتبر (6) أن العمل به مشهور.

وفي الغنية (7) الإجماع على استحباب غسل المباهلة. وهو يحتمل فعل المباهلة ويومها.

وكأنّ الأظهر الأخير بقرينة حكاية الإجماع عليه ؛ لعدم معروفيّة الأوّل بين الأصحاب.

وقد ورد وجوب غسل المباهلة في موثقة سماعة ، وهو يحتمل الوجهان المذكوران.

والأظهر بحسب العبارة هو الأول إلا أن يجعل شهرة الأخير بين الأصحاب قرينة على إرادته.

وكيف كان ، ففي رواية الإقبال المعروفة في خبر المباهلة : « إذا أردت ذلك فابدأ بصوم ذلك اليوم شكرا لله واغتسل والبس أنظف ثيابك » (8) الخبر.

وفي (9) رواية الشيخ في المصباح عن الكاظم عليه السلام : « يوم المباهلة اليوم الرابع والعشرون من ذي الحجة تصلى في ذلك اليوم ما أردت » .. إلى أن قال : « وتقول وأنت على غسل الحمد لله ربّ العالمين » الدعاء دلالة على ذلك.

مضافا إلى انجبارهما بعمل الجماعة.

ثم ما تضمّنه الرواية المذكورة من كونه اليوم الرابع والعشرين هو المشهور بين

ص: 189


1- المبسوط 1 / 40.
2- السرائر 1 / 125.
3- مسالك الإفهام 1 / 106.
4- البيان : 4.
5- المهذب البارع 1 / 190.
6- المعتبر 1 / 357.
7- غنية النزوع : 62.
8- إقبال الأعمال 2 / 354.
9- لم ترد في ( د ) : « في ».

الأصحاب على ما ذكره الشهيدان في الذكرى (1) والروض (2) وصاحبا الذخيرة (3) وكشف اللثام (4) وغيرهم.

وفي جامع المقاصد (5) أنه الأشهر.

وحكى في الإقبال قولا بأنه الواحد والعشرون وآخر بأنه السابع والعشرون ، وذكر أن أصح الروايات أنّه يوم الرابع والعشرين ، وبملاحظة ما ذكرنا يتبيّن قوة القول المذكور.

ولا مستند ظاهر للقولين الآخرين.

ومنها : يوم المولود ، وهو السابع عشر من ربيع الأول على المعروف بين الأصحاب ، وعن الكليني (6) أنه الثاني عشر منه ، وبه (7) رواية وهو المعروف بين العامة ، فالأظهر البناء على الأول.

واستحباب الغسل فيه مذكور في كلام جماعة (8) من أجلاء الأصحاب.

وقد نصّ عليه الطوسي وابن طاوس والشهيد وابن فهد وجماعة.

وعدّه في الوسيلة من المندوب بلا خلاف.

وأسنده في كشف الالتباس إلى الرواية ، وذلك كاف في ثبوت حكم الاستحباب.

مضافا إلى أنه من جملة الأعياد ، وقد حكى الشيخ الإجماع على استحباب الغسل في الأعياد.

ومنها : غسل يوم المبعث كما نصّ عليه جمع كثير من الأصحاب كالشيخ في عدّة من كتبه

ص: 190


1- الذكرى : 24.
2- روض الجنان : 18.
3- ذخيرة المعاد 1 / 7.
4- كشف اللثام 1 / 142.
5- جامع المقاصد 1 / 75.
6- الكافي 1 / 439 ، باب مولد النبي صلى اللّه عليه وآله ووفاته.
7- زيادة : « به » من ( د ).
8- في ( د ) : « جملة » بدل « جماعة ».

والحلبي (1) والطوسي والحلي وابن طاوس والفاضلان والشهيدان (2) (3) وابن فهد (4) والصيمري وغيرهم.

وفي الغنية الإجماع (5) عليه.

وعدّه في الوسيلة من المندوب بلا خلاف.

وعن العلامة والصيمري إسناده إلى الرواية.

وفي الشرائع (6) والنافع عدّة من الأغسال المشهورة.

فبملاحظة ذلك كله يتعيّن القول بثبوته وإن ترك ذكره في كتب الصدوق والمفيد والقاضي وغيرهم.

ومنها : غسل يوم دحو الأرض ، أعني الخامس والعشرين من ذي القعدة (7). ذكره الشهيد في جملة من كتبه ، وفي الذكرى : ذكره الأصحاب. وذكره أيضا بعض من تأخر عنه ، وليس له ذكر في سائر كتب الأصحاب ، ولا له أثر في الروايات.

نعم ، أثبت الإسكافي الغسل لكل زمان شريف كما سيجي ء ، ولا ريب أنه من الأزمنة الشريفة إلا أنه أيضا لا مستند له في الظاهر.

ومنها : الغسل للتاسع من ربيع المولود ، وقد حكي ذلك من فعل أحمد بن إسحاق القمي معلّلا بأنه يوم عيد ، بل هو من الأيام الشريفة العظيمة لما وقع فيه من الواقعة التي فيها قطع أصل الضلالة إلا أن ذلك خلاف المعروف بين علماء التاريخ ، بل خلاف ما ذكره أكثر الأصحاب ، مضافا إلى أن مجرد ذلك لا يثبت استحباب الغسل كما لا يخفى.

ص: 191


1- الكافي للحلبي : 135.
2- البيان : 4.
3- شرح اللمعة 1 / 685.
4- المهذب البارع 1 / 189.
5- غنية النزوع : 62.
6- شرائع الإسلام 1 / 37.
7- في ( ب ) : « ذي الحجّة ».

ومنها : غسل ليلة النصف من رجب كما نصّ عليه جمع كثير من الأصحاب كالشيخ والطوسي والحلي والفاضلين وابن سعيد والشهيد وابن فهد وغيرهم.

وعدّه في الوسيلة من المندوب بلا خلاف.

وفي الذكرى وغير واحد من كتب الشهيد الثاني أنه مشهور.

وذكر المحقق وابن فهد والصيمري أنه من الأغسال المشهورة :

ولم نجد عليه نصّا في الأخبار إلا الرواية الآتية ، وهي غير دالة عليه بالخصوص.

نعم ، أسنده وغيره في نهاية الإحكام وغيرها إلى الروايات.

ومنها : غسل أول رجب ووسطه وآخره ؛ لما ذكره في الإقبال أنه وجد في كتب العبادات عن النبي صلى اللّه عليه وآله أنه قال : « من أدرك شهر رجب فاغتسل في أوله ووسطه وآخره خرج من ذنوبه كيوم ولادته » (1). وإرساله لا يمنع عن العمل به في المندوبات ولا يبعد حصول الغسل في الوسط بالفعل السابق فلا حاجة إلى النسبة.

ومنها : غسل الليلة النصف من شعبان كما ذكره جماعة من الأصحاب.

وعن الوسيلة والغنية الإجماع عليه.

ويدل عليه رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام أنه قال : « صوموا شهر شعبان واغتسلوا ليلة النصف منه ، ذلك تخفيف من ربّكم ورحمة » (2). وهو مذكور في رواية الفقيه أيضا.

ومنها : غسل الليلة الأولى من شهر رمضان لعدة من الأخبار ، فعن الصادق عليه السلام : « من أحبّ أن لا يكون به الحكمة فليغتسل أول ليلة من شهر رمضان » (3).

وعنه عليه السلام : « من اغتسل أول ليلة من شهر رمضان في نهر جار ويصبّ على رأسه ثلاثين كفّا من الماء طهر إلى شهر رمضان من قابل » (4).

ص: 192


1- إقبال الأعمال 3 / 173.
2- وسائل الشيعة 3 / 335 ، باب استحباب غسل ليلة النصف من شعبان ، ح 1.
3- وسائل الشيعة 3 / 325 ، باب ما يستحب من الاغسال في شهر رمضان ، ح 5.
4- وسائل الشيعة 3 / 325 ، باب ما يستحب من الاغسال في شهر رمضان ، ح 4.

ومنها : غسل الليلة الخامسة عشر منه ، فعن الصادق عليه السلام : « يستحب الغسل في أول ليلة من شهر رمضان وليلة النصف » (1).

وعليه الإجماع وللمستفيضة المتكثرة ، منها الصحيح : « الغسل في ستة عشر موطنا .. » ، وعدّ منها الليلة المذكورة.

ومنها : غسل الليلة السابعة عشر ، وعن الرضا عليه السلام فيما كتب للمأمون من شرائع الدين : « وأول ليلة من شهر رمضان وليلة سبعة عشرة » (2). وعليه الإجماع في الوسيلة والغنية.

ومنها : غسل ليالي القدر الثالث المعروفة بالإجماع ، حكاه بعض الأجلة. ويدلّ عليه الصحاح المستفيضة وغيرها.

ويستحب هناك غسل ثان في الليلة الثالثة بأن يغتسل مرّة في أول الليل وأخرى في آخره ؛ لما رواه في الإقبال بأسانيده إلى التلعكبري بإسناده إلى يزيد بن معاوية ، عن الصادق عليه السلام قال : « رأيته اغتسل في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان مرّة في أول الليل ومرّة في آخره » (3).

ورواه الشيخ مضمرا باختلاف يسير في لفظه ، والظاهر أنّ كلّا منهما مستحب برأسه ، فيجوز الاقتصار على أحدهما ، ويؤدي وظيفة الغسل المطلق بأحدهما ، ويجوز الاقتصار على الغسل الواحد في الأثناء ، فيؤدي به وظيفة المطلق خاصة. أما لو أتى بالغسل الأول فالظاهر عدم جواز الإتيان بالمطلق ثانيا لأوانه.

ومنها : غسل الليلة الرابعة والعشرين منه لغير واحد من الأخبار ، منها ما رواه في الإقبال ، عن كتاب الحسين بن سعيد ، بإسناده عن الصادق عليه السلام أنه قال : « اغتسل في ليلة أربع وعشرين » (4).

ص: 193


1- إقبال الاعمال 1 / 55.
2- وسائل الشيعة 3 / 305 ، باب حصر أنواعها ( الأغسال المسنونة ) وأقسامها ، ح 6.
3- إقبال الأعمال 1 / 375.
4- إقبال الأعمال 1 / 388.

ومنها : الغسل في ليلة الخامس والعشرين وليلة السابع والعشرين وليلة التاسع والعشرين ، لما حكاه في فلاح السائل عن الشيخ ابن أبي قرّة (1) أنه قال « بعد ذكر غسل ليلة أربع وعشرين منه وليلة خمس وعشرين منه وليلة سبع وعشرين منه وليلة تسع وعشرين منه » ، وروي في ذلك روايات.

ومنها : الغسل في كلّ ليلة من العشر الأخير ؛ لما حكاه في الإقبال عن كتاب علي بن واحد ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليه السلام قال : « كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يغتسل في شهر رمضان في العشر الاواخر في كل ليلة » (2).

وعن كتاب الأعمال لأحمد بن عياش عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : « لمّا كان أول ليلة من شهر رمضان قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فحمد اللّه وأثنى عليه حتّى إذا كان أول ليلة من العشر قام وشمّر وشد المئزر وبرز من بيته واعتكف وأحيا الليل كله وكان يغتسل كلّ ليلة منه بين العشاءين » (3).

وفي مرجع الضمير وجهان ؛ من ظهور التذكير في رجوعه إلى « الشهر » سيّما برواية الوسائل حيث ذكر أن النبي صلى اللّه عليه وآله « كان إذا دخل العشر من شهر رمضان شمر .. » الخبر (4) ؛ نظرا إلى قرينة المرجع.

ويؤيده أيضا تغيير الأسلوب من الماضي إلى المضارع وإقحام « كان » في البين. وكأنه لذا استظهره في حاشية الوسائل إرجاع الضمير على « الشهر » ، ومن ظهور السياق في رجوعه إلى « العشر » حيث إنه في بيان أحوالها.

ويؤيده حكاية تأنيث الضمير عن بعض النسخ ، وعلى فرض تذكيره فالأمر فيه سهل مضافا إلى موافقته للرواية السابقة.

ص: 194


1- بحار الأنوار 78 / 22.
2- إقبال الأعمال 1 / 358.
3- بحار الأنوار 78 / 18.
4- وسائل الشيعة 3 / 326 ، باب ما يستحب من الأغسال في شهر رمضان ، ح 6.

وكيف كان ، يدل على استحباب الغسل في العشر ، والظاهر اندراج الأغسال الخاصة بالليالي المخصوصة فيه ، فلا يستحب هناك غسل آخر من الجهة المذكورة.

نعم ، يتأكّد الاستحباب فيما اجتمعت فيه الوجهان.

ومنها : الغسل في كل ليلة من ليالي الإفراد منه كما نصّ عليه جملة من أجلة الأصحاب كالشيخ وابن طاوس والشهيدين وابن فهد والصيمري والمحقق الكركي وغيرهم.

قال الشيخ في المصباح (1) : وإن اغتسل في (2) ليالي الإفراد كلها وخاصة ليلة النصف كان له فيه فضل كثير.

ويدل عليه ما ذكره في الإقبال من وجود الرواية المتضمنة لاستحباب الغسل في كل ليلة مفردة من الشهر.

وفي نقله رحمه اللّه مع اعتضاده بفتوى الجماعة. وذكر الشيخ كثرة فضله كفاية في ثبوت الاستحباب.

ومنها : الغسل في كل ليلة منه ولم نجد به مفت من الأصحاب.

نعم ، يدل عليه الرواية المتقدمة على الوجه الأول إلا أنه لعدم تعيّنه لا يثبت به الحكم المذكور.

ومنها : غسل ليلة الفطر ؛ للرواية المتكررة في عدّة من الكتب المعتمدة.

قلت : لا (3) ينبغي لنا أن نعمل فيها؟ فقال : « إذا غربت الشمس فاغتسل » (4) الخبر.

وقد يومي هذه الرواية الغسل عقيب المغرب ، ولا أقل من عدم إفادتها الاستحباب في مطلق الليل إلا أن المذكور في كلام جملة من الأجلة إطلاق الاستحباب. ولا بأس به.

وذكر ابن طاوس ورود رواية بكونه قبل الغروب إذا علم أنها ليلة العيد. ولا ريب أنّ

ص: 195


1- مصباح المتهجّد : 636.
2- ليس في المصدر : « في ».
3- في المصدر : « جعلت فداك فما ».
4- الكافي 4 / 167 ، باب التكبير ليلة الفطر ويوميه ، ح 3.

العمل على الأولى أولى.

ومنها : غسل ليلة الجمعة.ذكر [ ه ] بعض الحليين ، ولم نجد مستنده.

ومنها : غسل ليلة الأضحى على ما ذكره في الوسائل حيث عنون الباب باستحباب الغسل ليلة العيدين ويومهما إلا أنه لم يذكر في الباب ما يدل عليه. ولم نجد في الأخبار ما يومي إليه.

نعم ، ذكر هناك مرسلة ابن طاوس الماضية لا ريب أنها في خصوص الفطر.

ومنها : الغسل لكل زمان شريف من يوم وليلة على ما حكي عن الإسكافي القول به.

وربما يظهر من الفاضلين حيث علّلا استحباب غير واحد من الأغسال بشرف الزمان.

وهل المراد به مطلق الشرافة كمجموع شهر رمضان أو الأشهر الثلاثة ونحوها ، أو المراد به الشرافة الثابتة لخصوص ذلك الزمان كليلة الجمعة ويوم القدر ونحوهما؟ وجهان. وكيف كان ، فالأظهر عدم ثبوته لانتفاء الدليل عليه.

ومنها : غسل يوم النيروز. وقد نصّ عليه كثير من الأصحاب منهم الشيخ وابن سعيد والفاضل في عدة من كتبه والشهيد وابن فهد (1) والصيمري والمحقق الكركي وشيخنا البهائي وغيرهم.

ويدل عليه رواية المعلّى عن الصادق عليه السلام : « إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك .. » (2) الخبر.

وفي تعيين يوم النيروز اختلاف بين الأصحاب ، ولهم فيه أقوال ليس هذا محل إيرادها.

ومنها (3) : أول يوم من السنة ؛ لرواية السكوني ، عن الصادق عليه السلام ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : « من اغتسل أول يوم من السنة في ماء جار وصبّ على رأسه ثلاثين

ص: 196


1- المهذب البارع 1 / 191.
2- وسائل الشيعة 3 / 335 ، باب استحباب غسل يوم النيروز ، ح 1.
3- زيادة في ( د ) : « غسل ».

غرفة كان دواء السنة » (1). رواها السيد في الإقبال ، وقد روى فيه أخبارا عدّة أن رأس السنة شهر رمضان ، وفيه بعد ذكر الرواية ( المتقدّمة وأنّ اوّل كلّ سنة أوّل يوم من شهر رمضان ، وهو يحتمل أن يكون من تتمّة الرواية ) (2) وأن يكون من كلام السيد.

وذكر أيضا في الإقبال (3) اختلاف الروايات في بيان أول السنة أنه محرّم أو شهر رمضان. قال : لكنّي رأيت [ من ] (4) عمل من أدركته من علماء أصحابنا المعتبرين وكثيرا من تصانيف علمائهم الماضين أن أول السنة شهر رمضان على التعيين ، واحتمال الجمع بينهما باختيار (5) الثاني في (6) أول العام في عبادات الإسلام والثاني في التواريخ والمهام.

وعن الصدوق (7) : أن أول الشهور عند أهل الحق شهر رمضان.

وبجميع ما ذكرنا يتقوى القول بكون المراد من أول السنة في الرواية المذكورة هو اليوم المذكور ، مضافا إلى ما عرفت من رواية نظيره في غسل أول ليلة منه.

ص: 197


1- وسائل الشيعة 3 / 326 ، باب ما يستحب من الاغسال في شهر رمضان ، ح 7.
2- ما بين الهلالين مما لم ترد إلا في ( د ).
3- إقبال الأعمال 1 / 32.
4- ما أدرجناه من المصدر.
5- في ( د ) : « باجتناب ».
6- لم ترد في ( د ) : « في ».
7- من لا يحضره الفقيه 1 / 522.
تبصرة: [ في الأغسال المكانية ]

وأما الأغسال المكانية :

فمنها : غسل دخول حرم مكّة ؛ للمعتبرة المستفيضة ، منها : الموثق العادّ للأغسال : « وغسل دخول الحرم يستحب أن لا تدخله إلا بغسل » (1).

ومنها : الصحيح : « الغسل في أربعة عشر موطنا .. » وعدّ منها دخول الحرم (2) إلى غير ذلك.

والظاهر من الحرم فيها حرم مكة لانصراف الإطلاق إليه ، وبه نصّ كثير من الأصحاب ، وعليه الإجماع في الغنية. وفي الوسيلة أنه من المندوب بلا خلاف.

ومنها : غسل دخول حرم المدينة. نصّ عليه جماعة من الأصحاب منهم الصدوق في غير واحد من كتبه والشهيد وشيخنا البهائي ، ولم يذكره الأكثر.

والأظهر ثبوته للصحيحة المروية في عدة من الكتب المعتبرة : « الغسل في سبعة عشر موطنا .. » وعدّ منها : « وإذا دخلت الحرمين » ؛ وحمله على البلدين كما احتمله بعضهم بيّن الوهن.

ومنها : غسل دخول مكّة ؛ للمعتبرة المستفيضة والإجماع عليه محصّلا كما هو الظاهر ومحكيّا كما في الخلاف ، وفي الوسيلة أنه من المندوب بلا خلاف.

ومنها : غسل دخول المدينة ؛ للمعتبرة المستفيضة أيضا ، والإجماع الظاهر والمحكي في الغنية.

ص: 198


1- وسائل الشيعة 3 / 304 ، باب حصر انواعها ( الاغسال ) واقسامها ، ح 3.
2- الخصال : 498.

وفي الوسيلة أيضا أنه من المندوب بلا خلاف.

وقيّد المفيد استحباب الغسل لدخول البلدين من دخلهما لأداء فرض أو نفل. ولا نعرف مستنده.

ويدفعه إطلاق النصّ والفتوى ، والظاهر الرجوع في البلدين إلى العرف ، ويحتمل الرجوع إلى الموجود حال صدور الأخبار.

ومنها : الغسل لدخول مسجد الرسول ( صلى اللّه عليه وآله كما نصّ عليه الأصحاب للصحيحة المرويّة في عدّة من الكتب المعتمدة وفيها : « وإذا أردت دخول مسجد الرسول صلى اللّه عليه وآله ... ». وفي الغنية الإجماع عليه ، وفي الوسيلة أنه من المندوب بلا خلاف.

ومنها : الغسل لدخول المسجد ) (1) الحرام. ولم نجد به نصّا إلا أنه منصوص في كلام الأصحاب. وقد حكي عليه الإجماع في الخلاف والغنية.

وفي الوسيلة أنه من المندوب بلا خلاف.

وقد يستدلّ له بفحوى الصحيحة المتقدمة المبيّنة للغسل لدخول مسجد الرسول صلى اللّه عليه وآله حيث إنه أفضل منه.

وفيه تأمل.

وفي تلك الصحيحة : « الغسل لدخول البيت الحرام متصلا به حول مسجد الرسول صلى اللّه عليه وآله » ، فقد تكون في تقارنهما إشارة إلى إرادة المسجد منه.

وفيه أيضا تأمل ، ومع ذلك فالأظهر ثبوته تسامحا في أدلة السنن ، بل عن الجعفي القول بوجوبه.

وهو ضعيف جدا.

ومنها : الغسل لدخول الكعبة. ويدل عليه - بعد الإجماعين المحكيين وعده في الوسيلة من المندوب بلا خلاف - المعتبرة المستفيضة.

ص: 199


1- الزيادة ما بين الهلالين من ( د ).
تبصرة: [ في الأغسال الفعلية ]
اشارة

وأما الأغسال الفعلية :

فمنها : الغسل للإحرام. ومشروعيته في الجملة مما لا خلاف فيه بين الطائفة بل الامة. وأما استحبابه فهو المعروف من مذهب الأصحاب.

[ و ] قد حكى الإجماع عليه جماعة منهم الشيخ في الخلاف وابن زهرة في الغنية والعلامة في التذكرة.

وفي التحرير : أنه ليس بواجب إجماعا.

وفي المقنعة : أنه سنّة بلا اختلاف. قال : وكذلك غسل الإحرام للعمرة. وعدّه في الوسيلة من المندوب بلا خلاف.

وعن ظاهر المجالس : أنّ القول باستحبابه من دين الإمامية.

وفي التهذيب : أنه ليس بفرض عندنا.

وحكاية الشهرة عليه مستفيضة حكاها في المختلف والذخيرة وكشف اللثام وغيرها.

ونسب القول بالوجوب في المعتبر إلى شاذّ منّا.

وعن العماني القول بوجوبه. وهو الظاهر مما حكي عن الإسكافي في كيفية الإحرام.

وحكى الشهيد عن الصدوق أنه أطلق وجوب عدّة من الأغسال ، وعدّ منها غسل الإحرام.

وهو كما ترى غير صريح في الوجوب بالمعنى المصطلح ، بل ولا (1) ظاهر فيه بملاحظة

ص: 200


1- زيادة : « لا » من ( د ).

المقام حيث عدّ منها لا وجه للقول فيه بالوجوب. ومال إليه صاحب الحدائق حيث ذكر أن القول بالوجوب لا يخلو عن قوة.

ومال السيد في الناصريات بعد حكمه باستحباب الغسل المذكور وتأكّد استحبابه غاية التأكيد ، فلهذا اشتبه الأمر على أكثر أصحابنا واعتقدوا أن غسل الإحرام واجب ؛ لقوة ما ورد في تأكيده. وهذا يعطي شيوع القول به في الأوائل إلا أن تفرّده في كفاية (1) ذلك مع حكم غيره بخلافه بشذوذ القائل به ظاهر في توهّمه ذلك من إطلاق كلماتهم الظاهر في البناء على الوجوب ، مع أن المراد به الندب كما فهمه غيره أو دلّ عليه فتاواهم في موضع آخر.

وكيف كان ، فالوجه فيه القول بالندب.

ويدلّ عليه بعد الإجماعات المحكية والشهرة المستفيضة القريبة من الإجماع الأصل. وعدم وضوح مستند ظاهر للوجوب ولو كان واجبا لقام عليه الشواهد الظاهرة والأدلة القاطعة ؛ لما فيه من عموم البلية ، ولما خفي أمره على آحاد الطائفة ، مع أن الأمر فيه بالعكس ، مضافا إلى ظواهر عدّة من الأخبار ، منها قويّة الفضل بن شاذان ، عن الرضا عليه السلام : فيما كتب للمأمون من شرائع الدين حيث حكم فيها بكون عدّة من الأغسال منها غسل الإحرام سنّة قال : « وغسل الجنابة فريضة وغسل الحيض مثله » (2).

ومنها : صحيحة معاوية بن عمار في بيان كيفية الإحرام ، وفيها : « إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق إلى الوقت من هذه المواقيت ، وأنت تريد الإحرام إن شاء اللّه فانتف إبطيك وقلّم أظفارك واطل عانتك وخذ من شاربك ، ولا يضرّك بأي ذلك بدأت ثم استك واغتسل والبس ثوبيك وليكن فراغك من ذلك إن شاء اللّه عند زوال الشمس » (3) الخبر.

فإنّ ذكره في سياق المندوبات يعطي استحبابه.

ومنها : صحيحة معاوية بن وهب ، فيها أيضا الأمر بها في سياق عدّة من المندوبات.

ص: 201


1- في ( د ) : « حكاية » بدل « كفاية ».
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 / 130.
3- الكافي 4 / 326 ، باب ما يجب لعقد الاحرام ، ح 1.

وفي ظاهر رواية الفقه أيضا ما يدلّ على استحبابه.

حجة القول بالوجوب ظواهر عدّة من الأخبار ، وفيها ما يشتمل على الأمر بالغسل أو ما عادته إذا لبس بعد الغسل ما لا ينبغي له لبسه أو أكل ما لا ينبغي له أكله أو أن عليه إعادة الغسل إذا نام بعده ، ونحو ذلك من الأخبار.

وأصرح ما يدلّ منها على الوجوب مرسلة يونس ، عن بعض رجاله ، عن الصادق عليه السلام : « الغسل في سبعة عشر موطنا ، منها الفرض ثلاث ، فقلت : جعلت فداك! ما الفرض منها؟

قال : غسل الجنابة وغسل من مسّ ميّتا وغسل للإحرام » (1).

أو في رواية الفقه : « الفرض من ذلك غسل الجنابة والواجب غسل الميّت وغسل الإحرام ، والباقي سنّة » (2).

وأنت خبير بأنّه [ لا ] يصلح شي ء من ذلك أن يكون سندا للوجوب ؛ لضعف دلالة الإطلاقات المذكورة ، بل هي محمولة على الندب بقرينة ما ذكرنا (3) من فهم الأصحاب وظاهر غيرها من الأخبار بل وصريح بعضها الدالة على عدم لزوم الإعادة بسبب النوم أو لبس القميص ونحوهما.

والأخيران لا ينهضان بانفرادهما حجة ، فهما أيضا محمولان على تأكّد الاستحباب.

ومنها : الغسل للطواف كما نصّ عليه كثير من الأصحاب ، وحكى في الخلاف الإجماع عليه.

وذكر جماعة منهم استحبابه لزيارة البيت ، [ و ] في الغنية الإجماع عليه.

وكأنه المفتى بها. والمراد مطلق الزيارة أو خصوص طواف الزيارة. والموجود في عدّة من الأخبار المشتملة على المعتبرة هو غسل الزيارة أو الغسل لزيارة البيت أو يوم الزيارة ، وأما خصوص الطواف فلم نجد له ذكرا في الأخبار إلا ما في رواية أبي حمزة ، عن الكاظم عليه السلام

ص: 202


1- الإستبصار 1 / 98.
2- فقه الرضا عليه السلام : 82.
3- في ( د ) : « ذكرناه ».

قال : « إن اغتسلت بمكة ثم نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك » (1).

فربّما يومي إلى مطلوبية الغسل لأجل الطواف ، ولا بأس به بعد فتوى جماعة من الأصحاب وتأيّده بالروايات.

وهل يعمّ الحكم جميع أنواع الطواف من الواجب والمندوب وطواف الحج والعمرة وطواف الزيارة وطواف النساء وطواف الوداع والطواف المتبرع بها؟ وجهان.

وربّما يستفاد من إطلاق جماعة منهم شمول الحكم للجميع ، ونصّ الشهيد الثاني بتعميمه للواجب والمندوب ، واستفادة الحكم كذلك من الأخبار لا يخلو من إشكال ، والبناء على استحباب غسل زيارة البيت مطلقا - عملا بظاهر الأخبار - لا يخلو من قرب.

ومنها : الغسل للوقوف بعرفات ، على ما حكي ذكره عن كثير من الأصحاب كالصدوقين (2) والشيخين والديلمي والقاضي وابن أبي المجد الحلبي والطوسي وابن زهرة والحلي وابن سعيد والفاضل والشهيد.

وعن الخلاف والغنية الإجماع على استحبابه.

وربّما يحتجّ له بالصحيح : « فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباءك (3) بغيره (4) فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل » (5). والخبر « إذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية واغتسل » (6) باستظهار حملهما على إرادة غسل الوقوف. وهو محلّ تأمل لاحتمال إرادة غسل اليوم ، فتأمل.

ومنها : الغسل لوقوف المشعر ، وعزي إلى الصدوق والشيخ والشهيد.

وفي الخلاف حكاية الإجماع عليه.

ص: 203


1- الكافي 4 / 400 ، باب دخول مكة ، ح 7.
2- في ( ب ) : « كالصدوق ».
3- في المصدر : « خباك ».
4- في المصدر : « بنمرة ؛ ونمرة هي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة ».
5- الكافي 4 / 462 ، باب الغدو إلى عرفات وحدودها ، ح 3.
6- من لا يحضره الفقيه 2 / 540 ، باب الغدو الى عرفات.

والأخبار وكلام أكثر الأصحاب خالية عنه. نعم ، في صحيحة معاوية بن عمار : « أصبح على طهر بعد ما تصلى الفجر فتقف (1) إن شئت قريبا من الجبل وإن شئت حيث تبيت » (2) (3).

وهو صريح في إرادة الغسل ، بل وفي ظهوره فيه أيضا تأمل.

وربما يحتج (4) بأولوية ثبوته عرفة من ثبوته للوقوف بعرفة حيث إنه الركن الأعظم ، فيكون أولى.

وفيه أيضا تأمل لا يخفى ، فإن اكتفى في ثبوت الغسلين المذكورين ( بمجرّد الإجماع المنقول وفتوى الجماعة وإلّا ففي ثبوتهما إشكال.

ثمّ بناء على ثبوت الغسلين المذكورين ) (5) فهما مغايران لغسل اليومين.

ومنها : غسل للنحر والحلق والذبح ؛ لصحيحة زرارة : « إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة وجمعة وعرفة والنحر والحلق والذبح والزيارة » (6) الخبر.

ومنها : الغسل لزيارة النبي صلى اللّه عليه وآله وكلّ من الأئمة عليهم السلام كما نصّ عليه كثير من الأصحاب منهم الشيخان والقاضي وابن أبي المجد الحلبي والطوسي وابن زهرة والحلي وابن سعيد والفاضلان والشهيدان وابن فهد.

وعن الغنية حكاية الإجماع عليه.

وفي الوسيلة : أنه من المندوب بلا خلاف. وأسنده في نهاية الإحكام والروض إلى الرواية.

ويدل عليه وروده في الزيارة الجامعة المشهورة التي يراد بها كلّ واحد من الأئمة عليهم السلام.

وعن الصادق عليه السلام : « من أراد أن يزور قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقبر أمير المؤمنين عليه السلام

ص: 204


1- في المصدر : « فقف ».
2- في المصدر : « شئت ».
3- الكافي 4 / 469 ، باب ليلة المزدلفة والوقوف بالمشعر ، ح 4.
4- زيادة في ( د ) : « له ».
5- ما بين الهلالين من ( د ).
6- الكافي 3 / 41 ، باب ما يجزئ الغسل منه إذا اجتمع ، ح 1.

وفاطمة والحسن والحسين وقبور الحجج عليهم السلام فليغتسل في يوم الجمعة وليلبس ثوبين نظيفين » (1) ، الخبر.

وعن سليمان بن عيسى ، عن أبيه قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : كيف أزورك إذا لم أقدر على ذلك؟ قال : قال لي : « يا عيسى! إذا لم تقدر على المجي ء فإذا كان في يوم جمعة فاغتسل أو توضأ واصعد إلى سطحك وصلّ ركعتين وتوجّه نحوي ، فإنه من زارني في حياتي فقد زارني في مماتي ومن زارني في مماتي فقد زارني في حياتي » (2).

واستحباب الغسل لزيارتهم من البعيد كما هو مفاد هذين الخبرين يفيد استحبابه من القريب بطريق أولى.

وعن العلاء بن سيّابة ، عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (3) قال : « الغسل عند لقاء كل إمام » (4).

ولا يبعد تعميمه لزيارتهم أحياء وأمواتا ، ولو خصّ بالأول كما يومى إليه لفظ « اللقاء » لا يبعد تعميم الحكم من جهة ما دلّ أن حرمتهم أحياء كحرمتهم أمواتا.

وفي رواية الفقه عدّ غسل الزيارات في عداد الأغسال ، وهو بإطلاقه يعمّ الجميع.

وقد تواردت الأخبار به في خصوص زيارة النبي صلى اللّه عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام ومولانا الحسين عليه السلام والرضا عليه السلام. وقد روي أيضا في خصوص زيارة الجوادين عليهما السلام والعسكريين عليهما السلام. وفيها أيضا دلالة بالفحوى على تعميم الحكم ، ولا يبعد تعميم الحكم لزيارتهم من القريب والبعيد كما يومي إليه ظاهر إطلاقاتهم ، ويستفاد من الخبرين المتقدمين.

ومنها : الغسل عند السفر إلى زيارة الحسين عليه السلام ، بل يستحب فيه غسلان كما سيجي ء.

ص: 205


1- وسائل الشيعة 14 / 579 ، باب استحباب زيارة النبي صلى اللّه عليه وآله والأئمة وفاطمة عليهم السلام ، ح 1.
2- وسائل الشيعة 14 / 578 ، باب استحباب زيارة قبور النبي صلى اللّه عليه وآله والأئمة عليهم السلام ، ح 5.
3- الأعراف : 31.
4- تهذيب الأحكام 6 / 110 ، باب من الزيارات ، ح 13.

ذكر ابن طاوس أنه روى « الانسان يستحب له إذا أراد السفر أن يغسل ويقول عند الغسل : بسم اللّه وباللّه ، لا حول ولا قوة إلا باللّه .. » (1) الخبر.

وعن أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام : « إذا أردت الخروج إلى أبي عبد اللّه عليه السلام فصم قبل أن تخرج ثلاثة أيام يوم الأربعاء ويوم الخميس والجمعة. فإذا أمسيت ليلة الجمعة فصلّ صلاة الليل ثمّ قم فانظر في نواحي السماء فاغتسل تلك الليلة قبل المغرب ثمّ تنام على طهر ، فإذا أردت المشي إليه فاغتسل ولا تطيب ولا تدّهن ولا تكتحل حتى تأتي القبر » (2).

ومنها : الغسل إذا كان له حاجة وأراد لرؤية أحد الأئمة عليهم السلام في المنام ، فعن أبي جعفر عليه السلام : « من كانت له إلى اللّه حاجة وأراد أن يراها وأن يعرف موضعه فليغتسل ثلاث ليال يناجي بنا ، فإنه يرانا ويغفر له بنا » (3).

ومنها : الغسل لأخذ التربة الحسينية. عن جابر الجعفي ، عن الباقر عليه السلام : « إذا أردت أن تأخذ من التربة فتعمّد لها آخر النهار (4) واغتسل (5) بماء القراح (6) وتطيب بسعد وادخل فقف عند الرأس وصلّ أربع ركعات » (7). وروى ابن طاوس أيضا قريبا من ذلك مرسلا.

ومنها : الغسل للتنشيط بصلاة الليل ، فعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : أنه كان يغتسل في الليالي الباردة طلبا للنشاط في صلاة الليل (8).

ويحتمل تخصيصه بالليالي الباردة كما هو مورد الرواية ، وقد يعمّم الحكم ؛ أخذا بإطلاق

ص: 206


1- الأمان من أخطار الأسفار : 33.
2- وسائل الشيعة 14 / 539 ، باب انه يستحب لمن أراد زيارت الحسين عليه السلام أن يصوم .. ح 1.
3- بحار الأنوار 26 / 256.
4- في المصدر : « الليل ».
5- في المصدر زيادة : « لها ».
6- في المصدر زيادة : « وأ ليس اطهر أطمارك ».
7- المزار لمحمد بن المشهدي : 365.
8- بحار الأنوار 78 / 23.

اليد (1).

ومنها : الغسل لعمل الاستفتاح ؛ لما روى عن الصادق عليه السلام بطرق عدّة أنه قال في حديث طويل : « صم في رجب يوم ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر ، فإذا كان يوم الخامس عشر فاغتسل عند الزوال » (2) ، وفي اخرى « قريبا من الزوال ».

ومنها : الغسل لصلاة الحاجة ، فقد ذكر استحباب الغسل له جمع كثير من الأصحاب منهم الشيخان والديلمي والقاضي والحلبي وابن زهرة والطوسي والحلي والفاضلان وابن سعيد والشهيدان وابن فهد. وحكى عليه الإجماع في الغنية. وعدّه في الوسيلة من المندوب بلا خلاف.

وفي المعتبر : أنه مذهب الأصحاب. وعزاه في تذكرة الفقهاء إلى علمائنا. وفي الروض : أن عليه عمل الأصحاب.

ويدلّ عليه عدّة من الأخبار الواردة في صلاة الحاجة ، وهي مشتملة على الغسل قبل الصلاة.

وفي الاحتجاج باستحباب الغسل للصلاة للحاجة إشكال ؛ لاشتمال الوارد هناك على كيفيات مخصوصة إلا أن يقال بأن المفهوم من مجموع تلك الأخبار كون الغسل والصلاة والصوم والدعاء من الأعمال المطلوبة حال طلب الحوائج ، فتتفاوت قلّة وكثرة بتفاوت الحوائج والمحتاجين ، فلا خصوصية للكيفية المفروضة في كلّ رواية منها لاستحباب الغسل. وقد نصّ بعض المتأخرين على فهم ذلك من تلك الأخبار.

وحينئذ فيكون الغسل مندوبا لمطلق طلب الحاجة سواء أراد الصلاة أو لا ، وفهم ذلك من الأخبار لا يخلو عن إشكال.

نعم ، عدّ في رواية الفقه (3) من جملة الأغسال غسل طلب الحوائج من اللّه تبارك وتعالى ،

ص: 207


1- في ( د ) : « العلّة » بدل « اليد ».
2- جواهر الكلام 5 / 59.
3- فقه الرضا عليه السلام : 82.

وهو يفيد استحبابه مطلقا سواء صلّى معه أولا (1) ، فالبناء على استحبابه كذلك لا يخلو من قرب وإن كان الأولى الاقتصار على وجه الوجوه المأثورة.

ومنها : الغسل لصلاة الاستخارة ، على ما نصّ عليه الجماعة المذكورون. والإجماعات المذكورة معوّلة عليه أيضا نصّا وظاهرا كما مرّ.

ويحتجّ عليه بصحيحة زرارة ، عن الصادق عليه السلام في الأمر يطلبه الطالب من ربّه ، قال : « يتصدّق [ في ] (2) يومه على ستّين مسكينا ، على كلّ مسكين صاع بصاع النبي صلى اللّه عليه وآله ، فإذا كان الليل اغتسل في ثلث الليل الباقي » إلى أن قال : « فإذا رفع رأسه في السجدة الثانية استخار اللّه مائة مرّة ويقول .. » (3) وذكر الدعاء.

وأنت خبير بأن الرواية مسوقة لطلب الحاجة ، وقد ذكر فيه صلاة الحاجة. وذكر الاستخارة لا يدلّ على كونه للاستخارة ؛ لإمكان طلب الخير من اللّه فيما طلبه من الحاجة وأن يسهّله اللّه تعالى له على النحو المرغوب ، فالاحتجاج بها على مطلق الاستخارة ليس على ما ينبغي.

ومع تسليمه فالاستدلال بها على استحباب الغسل لمطلق صلاة الاستخارة مشكل ؛ لاختصاصها بالصورة المفروضة.

فالأولى الاحتجاج عليه بموثقة سماعة : « وغسل الاستخارة مستحب ».

وفي رواية الفقه بعد غسل الاستخارة « من الأغسال المسنونة ».

وحينئذ لا يختصّ الاستحباب بمريد الصلاة ، ولا هو من وظائفها بل ظاهرها كونه من مقدمات الاستخارة سواء صلّى لها أم لا وذكر الدعاء ، والظاهر أنه من أقسام صلاة الحاجة.

ومنها : الغسل لصلاة الخوف من الظالم ؛ لما ذكره في المكارم في بيان الصلاة المذكورة أنه

ص: 208


1- زيادة : « أو لا » من ( د ).
2- في مخطوطات الأصل : « على ». وما أدرجناه من المصدر.
3- وسائل الشيعة 3 / 334 ، باب استحباب غسل الاستخارة ، ح 1.

قال : « اغتسل وصلّ ركعتين واكشف عن ركبتيك .. » (1) إلى آخره ، والظاهر أيضا أنه من أقسام صلاة الحاجة ، ويشهد له (2) الدعاء المذكور (3) بعده.

ومنها : الغسل لصلاة الاستسقاء كما عن الصدوقين والمفيد (4) والسيد والديلمي والقاضي (5) والحلبي (6) وابن أبي المجد وابن زهرة والفاضلان والشهيد (7) وابن فهد وغيرهم.

وفي الغنية (8) حكاية الإجماع عليه.

واستدل له بما في موثقة سماعة : « وغسل الاستسقاء واجب » (9) بحمله على زيادة التأكيد للإجماع على عدم وجوبه.

وقد حكى اتفاق الأصحاب على عدم وجوبه في المعتبر (10).

وأنت خبير بأنه لا دلالة فيها أيضا على كون الغسل لأجل الصلاة ، وقضية إطلاقه تعميم الحكم لمطلقه ، ولو بالدعاء. ويشير إليه ما مرّ من استحبابه لمطلق طلب الحاجة وهو من جملتها.

ومنها : الغسل للمباهلة على ما نصّ عليه المفيد والقاضي وابن سعيد بل قيل : إن ذلك كان مشهورا بين القدماء ، ونصّ عليه جماعة من المتأخرين.

ويدلّ عليه رواية أبي مسروق المذكورة في باب المباهلة من الكافي ، وفيها : فقال لي :

ص: 209


1- مكارم الأخلاق : 339.
2- في ( ألف ) : « و » بدلا من « له ».
3- في ( ألف ) : « مذكور ».
4- المقنعة : 51.
5- المهذب 1 / 33.
6- الكافي للحلبي : 135.
7- الألفية والنفلية : 96.
8- غنية النزوع : 62.
9- الكافي 3 / 40 ، باب انواع الغسل ، ح 2.
10- المعتبر 1 / 360.

« إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة ». قلت : وكيف (1) أصنع؟ قال : « أصلح نفسك - ثلاثا ». وأظنه قال : « وصم واغتسل وابرز أنت وهو إلى الجبان .. » (2) الخبر. ولو سلّم عطف قوله « واغتسل » بقوله « وصم » ليدخل عليه فعل الظن فلا يمنع من الاحتجاج به في المقام.

ومنها : الغسل لصلاة الشكر. ذكره جماعة من الأصحاب منهم القاضي والحلبي وابن زهرة وابن أبي المجد ، وحكى عليه الإجماع في الغنية. ولم نجد ما يدلّ عليه في شي ء من الأخبار.

ومنها : الغسل لكلّ فعل يتقرّب به إلى اللّه تعالى ويلجأ إليه. حكي القول به عن الإسكافي ، وقضية إطلاقه استحباب الغسل لفعل كلّ القربات من الصلاة والصيام وأداء الزكاة والصدقة وغيرها. وهو كذلك بعيد جدا ، ولا دليل عليه أصلا.

وقد يحمل على القربات التي يؤتى بها عند الالتجاء إلى اللّه تعالى. وطلب الحوائج منه تعالى. وهو غير بعيد عن العبارة المنقولة عنه.

ومنها : الغسل لقضاء صلاة الكسوفين مع احتراق القرص وتعمد الترك. ومشروعية الغسل المذكور مما لا يعرف فيه مخالف من الأصحاب.

نعم ، ربّما يظهر تأمل من جماعة من المتأخرين في الدليل عليه بالنسبة إلى كسوف الشمس ؛ لاختصاص ظواهر الأخبار بالخوف.

وفيه - مع عدم القول بالفصل كما ادعاه بعضهم - أنه لا يبعد شمول غير واحد من الأخبار للأمرين بحمل الكسوف فيها على الأعم ، وإن كان ذكر الإسقاط في بعضها شاهدا على إرادة كسف القمر إلا أنه ليس صريحا فيه ليفضي بالتخصيص ، مضافا إلى خصوص رواية الفقه : « وإذا (3) انكسفت الشمس أو القمر ولم تعلم به فعليك أن تصلّيهما (4) إذا علمت ،

ص: 210


1- في مخطوطات الأصل : « فكيف ». وما أدرجناه من المصدر.
2- الكافي 2 / 514 ، باب المباهلة ، ح 1.
3- في المصدر : « إن ».
4- في المصدر : « تصليها ».

فإن تركتها متعمّدا حتى تصبح فاغتسل وصلّ ، وإن لم يحترق القرص فاقضها ولا تغتسل » (1).

وعدم ذكر الكليني رواية تدلّ عليه لا يفيد نفيه له ؛ لعدم الحكاية في كتب الاستدلاليّة عن الإسكافي والعماني فيه شيئا ، بل ذكر في المختلف أن العماني لم يتعرض لهذا الغسل بوجوب ولا ندب ، فإنّ ذلك لا يفيد عدم قولهم بالمشروعيّة ، مع وروده في الأخبار وعدم معارض ظاهر ينفيه.

وهل الغسل المذكور على الوجوب أو الاستحباب؟ قولان. والمعروف بين الأصحاب هو الثاني بل حكى عليه في الغنية الإجماع.

وفي كشف الالتباس وغيره أنه المشهور.

وعزاه في غاية المرام إلى الحلي والمتأخرين.

وفي منتهى المطلب أنه مذهب أكثر الأصحاب.

وبه نصّ الشيخ في غير واحد من كتبه ، وابن زهرة والحلي وابن سعيد والفاضلان والآبي والشهيدان وابن فهد والمحقق الكركي وغيرهم.

وعن الصدوقين والمفيد والسيد والشيخ في غير واحد من كتبه والديلمي والقاضي والحلبي والطوسي القول بالوجوب.

وعن العلامة في منتهى المطلب بعد اختياره القول بالندب. ولو قيل بالوجوب لصحة الرواية كان حسنا.

وظاهر القاضي في شرح الجمل حكاية الإجماع عليه.

ويظهر من عبارة الصدوق في المجالس أنه من دين الإمامية ، وعبارته هناك ليست صريحة في الوجوب.

ثمّ إن جماعة من هؤلاء قد نصّ في محلّ آخر بالندب.

ويظهر من السيد في المصباح والجمل التردد فيه حيث أسند الوجوب فيهما إلى الرواية ،

ص: 211


1- فقه الرضا عليه السلام : 135.

وكأنه لذلك يعزى إليه القول بالندب.

وعدّه في طهارة الوسيلة من الأغسال المختلف فيها لو (1) لم يحكم شي ء.

وعبارة الصدوقين ليست صريحة في الوجوب ، والمصرّح بالوجوب من القدماء من غير ظهور عدول الحلبي وحده.

فبذلك كلّه (2) يظهر ضعف الإجماع المدّعى في المقام ، فالأظهر هو القول بالندب.

ويدلّ عليه بعد الإجماع المحكي والشهرة المعلومة الأصل وعدم وضوح مستند الوجوب ، مضافا إلى ما ظاهره انحصار الواجب في غيره كمرسلة يونس : « الغسل في سبعة عشر موطنا ، منها الفرض ثلاث » (3).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « غسل الجنابة نسخ محل غسل » ، وأنه « لا يجب ذلك في الأداء فلا يجب في القضاء ».

حجة القول بالوجوب بعد الإجماعين المحكيين وطريقة الاحتياط : النصوص المستفيضة كصحيحة محمد بن مسلم المروية في الخصال ، عن الباقر عليه السلام : « الغسل (4) سبعة عشر موطنا .. » وعدّ منها غسل الكسوف إذا انكسف القرص واستيقظت (5) ولم تصلّ فاغتسل واقض ، وفيها : « فعليك أن تغتسل وتقضى الصلاة » (6).

وروى نحوا منه في الفقيه مرسلا عنه عليه السلام.

ورواه الشيخ أيضا عن محمد بن مسلم ، عنه عليه السلام في الصحيح أيضا إلا أنه اقتصر على قوله « وغسل الكسوف إذا احترق القرص كلّه فاغتسل ».

ومرسلة حريز المروية عن الصادق عليه السلام : « إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل ولم يصلّ

ص: 212


1- في ( د ) : « و » بدل « لو ».
2- لم ترد في ( ب ) : « كلّه ».
3- الإستبصار 1 / 98.
4- زيادة في ( د ) : « في ».
5- في ( ألف ) : « فاستيقنت ».
6- الخصال : 508.

فليغتسل من غد (1) ليقض الصلاة ، وإن لم (2) يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا القضاء بغير غسل » (3).

وأنت خبير بأن هذه الأخبار كلّها ظواهر يمكن حملها على الاستحباب بمعونة فهم الأصحاب ، مضافا إلى ما عرفت من العمومات وما حكي من الإجماع ، فهو موهون بذهاب الأكثر إلى خلافه ومخالفة ناقله فيه. ومجرّد الاحتياط لا يقوم حجة في مقابلة الأصل.

ثمّ إنه على القول بالوجوب لا بدّ من تقديم الغسل على الصلاة كما هو قضية الفائتة ، واستفادة ذلك من الأخبار لا يخلو عن تأمل ؛ لانتفاء ما يدلّ منها على الترتيب إلا أن يقال بدلالة الواو عليه أو يكتفى بالترتيب في الذكر.

وهل يتوقّف عليه صحة الصلاة أو أنه واجب مستقل؟ وجهان. وكأنّ ظاهرهم البناء على التوقف. والحديث (4) يضعف بأن الظاهر عدم توقف الطهارة على ذلك ، وحينئذ فتوقف (5) الصلاة على غير الطهور بعيد جدا مخالف لغير واحد من الإطلاقات.

وعلى القول بالاستحباب فالظاهر أيضا تقدّمه على الصلاة ؛ أخذا بما عرفت. مضافا إلى اعتضاده بالفتوى وسهولة الخطب في أمر المندوبات.

ثم إنّ وجوب الغسل المذكور أو استحبابه منوط باحتراق القرص وتعمّد الترك ، فلا غسل مع انتفائهما أو أحدهما في ظاهر كلام المعظم.

وعن الحلي نفي الخلاف عن سقوط الغسل مع انتفاء أحد الامرين.

وعن ظاهر السيد ومنتهى المطلب وتذكرة الفقهاء والمختلف وكشف الرموز وكشف الالتباس وغاية المرام نفي الخلاف في اشتراط الغسل بهما.

ص: 213


1- زيادة في ( د ) : « و ».
2- لم ترد في ( ب ) : « لم يستيقظ ».
3- تهذيب الأحكام 1 / 117.
4- لم ترد في ( ب ) : « الحديث ... وحينئذ » ، وفي ( د ) : « وحينئذ » بدل « الحديث ».
5- في ( ألف ) : « فيتوقف ».

ويدلّ على اعتبار الاستيعاب أنّه المصرّح به في أخبار الباب سوى مرسلة حريز المتقدمة.

وفي مصباح السيد : وروي أن من تعمد ترك هذه الصلاة فوجب عليه من (1) القضاء الغسل.

وكأنه إشارة إلى الرواية المذكورة ، وقد روى في الجمل أيضا مرسلا تقييده بصورة عموم الكسوف.

وكيف كان ، فالأخبار المقيّدة حاكمة على الإطلاق لو فرضنا تكافؤهما. كيف وهي أصحّ وأكثر ، مضافا إلى اعتضاده بالعمل والأصل.

وما دلّ على الإطلاق (2) مع ضعفه لا جابر له وليس في كلام المفيد في المقنعة والسيد في لمسائل الموصلية ذكر لبيان الشرط المذكور ، بل أطلقا ثبوت الغسل ، فظاهرها عدم اعتباره.

ومال إليه صاحب الذخيرة. وهو بمكان من الضعف.

ولا يبعد حمل إطلاقهما على ما هو المعروف ؛ حملا للكسوف على المستوعب ، وعلى اعتبار تعمد الترك أنه المصرح به في رواية الفقه ، وفي مرسلتي الجمل والمصباح. وهو الظاهر من سائر أخبار الباب ، بل صريحها حيث فرض فيها الاستيقاظ والترك.

واحتمال كون الاستيقاظ المفروض فيها بعد الانجلاء كما ذكره بعض الاجلّاء في غاية الوهن ، بل مقطوع الفساد كما لا يخفى على من راجع إليها.

نعم ، في صحيحة محمد بن مسلم برواية التهذيب كما مرّ إسقاط ذلك.

والأظهر كما استظهره غير واحد من الأفاضل سقوط ذلك من قلم الشيخ لوجوده في رواية الفقيه والخصال.

ومع الغضّ عنه فلا شبهة في تقديم المقيّد على المطلق سيّما مع الاعتضاد بالأصل والكثرة وعمل الطائفة.

ص: 214


1- في ( د ) : « مع » بدل « من ».
2- ليس في ( ب ) : « لو فرضنا تكافؤهما ... على الاطلاق ».

وهذا الشرط غير مذكور في ذكرى الشيعة ، فظاهره عدم اعتباره.

وحكي عدم ذكره في المقنع إلا أن الموجود في بعض نسخه اعتباره ، وهو الذي حكاه عنه في ذكرى الشيعة.

وكيف كان ، فلا شبهة في ضعف القول بالإطلاق.

وعن ظاهر المفيد والمحقق عدم اعتبار الشرطين حيث أطلقا استحباب غسل القاضي للكسوف. وكأنّ الأظهر حملهما على ما هو المعروف ، وإلا فلا يخفى ما فيهما.

[ تنبيهات ]

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : المعروف عدم ثبوت هذا الغسل بالنسبة إلى الأداء عملا بالأصل وظواهر الأخبار ؛ إذ لو ثبت على الإطلاق لما خصّص فيها بالقضاء.

وأثبته العلامة في المختلف ونفى عنه الريب في المدارك. واختاره غير واحد من المتأخّرين. ومال إليه جماعة منهم ، وهو الظاهر من الشهيد في غير واحد من كتبه حيث لم يقيّده باقتضاء.

والوجه فيه إطلاق رواية الشيخ ؛ للصحيحة المتقدمة ، بل وظهورها في الأداء. وقد عرفت ما فيه ، فإثبات الحكم بمجرّده بعيد جدّا ، مضافا إلى مخالفته لسائر الروايات.

وقضية حمل المطلق على المقيّد تقييده بأن الغالب الشروع في الصلاة بعد الشروع في الانكساف ، ولا يعلم حينئذ حصول الاحتراق ؛ ليتحقق التكليف بالغسل.

والقول باستحباب الاغتسال بعد حصوله وإن تقدم عليه الصلاة مخالف لظاهر فتوى الأصحاب.

ومنه ينقدح وجه نظر لضعف ظاهر رواية الشيخ ؛ إذ (1) ظاهرها استقلال الاحتراق في

ص: 215


1- في ( د ) : « أو ».

سببية الغسل المذكور من غير مدخليّة للصلاة.

وهو كما عرفت خلاف ظاهر الأصحاب ، بل بعضهم حكى الإجماع على خلافه ، ففيه شهادة على حصول التيقّظ فيه ، فتأمل.

وربما يحتج عليه بما في صدر رواية الفقه من ذكر نحو الإطلاق المذكور إلا أنه ذكر بعده نحو ما في سائر الأخبار ، فالظاهر حمل الصدر على ما يستفاد من العجز ، ومع الغضّ عنه فلا حجة فيه مع انتفاء الجابر ، فالقول بثبوت الحكم في الأداء ضعيف جدّا.

ثانيها : لو علم بالاحتراق وجهل وجوب الصلاة فهل هو بحكم العامد؟ فظاهر كلماتهم شمول الاستحباب ؛ إذ هو عائد للترك. وبه نصّ الشهيد الثاني في الروضة البهية (1).

واستقربه العلامة في نهاية الإحكام (2).

ويحتمل التفصيل بين الجاهل المحض والمتردّد ، فلا يثبت في الأول حيث إنه غافل محض.

وظاهر إطلاق الأخبار هو الأول ، فهو الوجه.

ولو علم الكسوف وجهل الاستيعاب ، فالظاهر ثبوت الغسل ؛ أخذا بإطلاق الأخبار ؛ إذ المأخوذ فيها حصول الاستيعاب لا العلم به.

ثالثها : لو صلّى وظهر فساد صلاته بعد الانجلاء ففي ثبوت الغسل وجهان ، أظهرهما العدم إلا أن يكون ذلك ناشيا عن جهله بالحكم مع تقصيره في الاستعلام. ومع عدمه ففيه وجهان.

ص: 216


1- شرح اللمعة 1 / 684.
2- نهاية الإحكام 1 / 178.
تبصرة: [ في الأغسال السببيّة ]

وأما الأغسال السببيّة :

فمنها : غسل التوبة. واستحبابه في التوبة عن الكفر والكبائر ممّا لا خلاف فيه بين الطائفة.

وفي منتهى المطلب (1) الإجماع على الأول.

وفي الغنية (2) على الثاني. وهو يعمّ الأول ؛ إذ هو من أكبر الكبائر.

ويدلّ على الأول (3) مضافا إلى الإجماع (4) ما سيأتي في الحديث القدسي : « يا محمد! ومن كان كافرا وأراد التوبة والايمان فليتطهر لي ثوبه وبدنه » (5) (6) بحمل تطهر البدن على الغسل (7).

وعلى الثاني بعد الإجماع صحيحة مسعدة بن زياد قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فقال له رجل : بأبي أنت وأمي! إني أدخل كنيفا لي ولى جيران ، وعندهم جواري يتغنّين ويضربن بالعود ، فربما أطلت الجلوس استماعا مني لهنّ. فقال : « لا تفعل ». فقال الرجل : واللّه! ما آتيهن برجلي وإنما هو سماع أسمعه بأذني ، فقال : « لله أنت أما سمعت اللّه عزوجل يقول : ( إِنَّ السَّمْعَ

ص: 217


1- منتهى المطلب 1 / 131.
2- غنية النزوع : 62.
3- في ( د ) : « الأولى ».
4- زيادة في ( د ) : « و ».
5- في المصدر : « فليطهر لي بدنه وثيابه ».
6- بحار الأنوار 92 / 308.
7- في ( د ) : كما في المصدر.

وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ) (1). فقال : بلى واللّه! وكأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب اللّه من عربي ولا عجميّ لا جرم إني لا أعود إن شاء اللّه وإني لأستغفر اللّه. فقال له : « قم فاغتسل ، وصلّ ما بدا لك ، فإنك كنت مقيما على أمر عظيم ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك. احمد اللّه واسأله التوبة من كلّ ما يكره ، فإنه لا يكره إلا كل قبيح ، والقبيح دعه لأهله فإن لكلّ أهلا » (2).

وقد يحتجّ عليه بالحديث الوارد في أدعية السر ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله قال : « قال سبحانه وتعالى : يا محمد! قل لمن عمل كبيرة من امتك فأراد محوها والتطهر منها فليطهر لي بدنه وثيابه وليخرج إلى برية أرضي فيستقبل وجهي ثم ليرفع يديه » (3).

وهو مبنيّ على حمل تطهير البدن على الغسل ، وكون الغسل عقيب التوبة. وليس بعيدا عن سياق الرواية وإن كانت خالية عن ذكرها.

وأما الصغائر ففي ثبوت الغسل للتوبة عنها قولان ، أشهرهما الثبوت ؛ إذ هو إطلاق الشيخ في عدّة من كتبه والديلمي والقاضي والطوسي والحلي وابن سعيد والفاضلين والشهيد وغيرهم حيث ذكروا استحباب الغسل للتوبة من غير تفصيل بين الصغيرة والكبيرة.

وصريح الفاضل في المنتهى والنهاية والشهيد في ذكرى الشيعة وغيره وابن فهد والمحقق الكركي والشهيد الثاني.

وعن المفيد في غير واحد من كتبه والحلبي وابن زهرة وابن أبي المجد التقييد بالكبائر ، وظاهره نفي الاستحباب عن غيرها.

وفي الشرائع والجامع وعدّة من كتب الفاضل والبيان والموجز وغيرها الحكم باستحبابه للتوبة مطلقا من كفر أو فسق.

وظاهره يومي إلى عدم استحبابه للتوبة عن مطلق الصغائر ما لم يصل إلى حدّ الفسق.

ص: 218


1- الاسراء : 36.
2- الكافي 6 / 432 ، باب الغناء ، بحار الأنوار 6 / 34 ، باختلاف في كلا المصدرين.
3- بحار الأنوار 92 / 307.

وربما يحمل الفسق على مطلق العصيان ، فيعمّ الجميع بقرينة مقابلته بالكفر ، ولبناء جماعة منهم على تعميم الأمرين ، ففي منتهى المطلب (1) : والغسل من توبة الفسق مستحبّ سواء كان الفسق مشتملا على كبيرة أو صغيرة. ونحوه ما في نهاية الإحكام (2).

وقال المحقق الكركي (3) : لا فرق في الفسق بين كونه صغيرة أو كبيرة.

وأنت خبير بأن مطلق المقابلة لا يقضي بالتعميم ، و (4) العبارات المذكورة أيضا لا يفيده ؛ إذ المستفاد منها تعميم الفسق للحاصل من النوعين إنّما يحصل من الصغيرة على فرض الاحتراز عليها ، فلا يدلّ على ثبوته لمطلقها ، فتأمل.

وكيف كان ، فإن اكتفى في ثبوت الحكم المذكور بفتوى الجماعة المذكورين ، وإلّا فلم نجد في الأخبار ما يفيد العموم.

وما يتخيّل من دلالة الصحيحة المذكورة عليه غير واضح ؛ إذ الظاهر منها حصول الإصرار ، وكون الذنب المفروض فيها من الكبائر ، وجهل القائل به لا يوجب سقوط العصيان مع تقصيره في السؤال.

وفي ذيل الرواية شهادة عليه ، وليس فيها دلالة على ثبوت الحكم المذكور في التوبة عن سائر الذنوب.

نعم ، يمكن تسرية الحكم إلى الكبائر وما بحكمها من فحواها ، ولا يجري ذلك بالنسبة إلى الصغائر مع عدم الإصرار عليها كما لا يخفى. وقد يؤيد ثبوت الغسل فيها بقوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (5) وأنه قضية الأمر بالغسل (6) للكسوف ، فإنه عقوبة على ترك الفريضة ، وكذا الغسل لرؤية المصلوب وقتل الوزغ مع ما ذكر في تعليله من أنه يخرج من

ص: 219


1- منتهى المطلب 1 / 131.
2- نهاية الإحكام 1 / 178.
3- جامع المقاصد 1 / 76.
4- في ( ألف ) : « في » بدل « و ».
5- البقرة : 222.
6- زيادة في ( د ) : « لقاضي ».

ذنوبه فيغتسل منها.

ولا يخفى ضعف الجميع.

وقد يستدلّ بعدم ثبوت الحكم في الصغائر بحديث أدعية السر حيث ذكر فيها بعد ما ذكرنا : « يا محمد! ومن كثرت ذنوبه من امتك فيما دون الكبائر حتى يشهر كثرتها ويمقت على اتّباعها فليعمد لي عند طلوع الفجر أو قبل افول الشفق ولينصب وجهه إليّ وليقل .. » (1) وساق الدعاء من غير ذكر للتطهير (2).

فذكره هناك وتركه هنا ربّما يشهد بالفرق بين المقامين.

وأنت خبير بأنه لا يدلّ على انتفاء الاستحباب فيها سيّما مع فرض الإصرار فيها ، وثبوته معه ممّا لا كلام فيه ظاهرا ، على أنه يدلّ في المقام على حصول التوبة من العامل ، فهي خارجة عن محلّ البحث.

ص: 220


1- الجواهر السنية : 174 مع اختلاف.
2- في ( د ) : « للتطهّر ».
تبصرة: [ في الاغتسال لقتل الوزع ]

ومنها قتل الوزغ على ما ذكره جماعة من الأصحاب منهم المفيد والصدوق في ظاهر كلامه والفاضل وابن سعيد والشهيد في عدّة من كتبه وابن فهد (1) والصيمري.

ولم يذكره كثير من الأصحاب كالشيخ والديلمي والحلبي والقاضي وابن زهرة وابن ادريس.

وظاهر الجماعة (2) والجامع ونهاية الإحكام وذكرى الشيعة التوقّف في الحكم.

وظاهر المعتبر إنكاره.

والأظهر ثبوته لما رواه الصفار والكليني والراوندي بإسنادهم عن عبد اللّه بن طلحة ، عن الصادق عليه السلام أنه سأله عن الوزغ؟ فقال : « رجس ، وهو مسخ كلّه فإذا قتلته فاغتسل » (3).

وفي رواية الصفار : « هو رجس ، هو مسخ » (4) باسقاط « كلّه ».

وفي الهداية : روي « أن من قتل وزغا فعليه الغسل ، والعلة في ذلك أنه يخرج من الذنوب فيغتسل منها » (5). والظاهر أن التعليل ليس من الرواية كما يظهر من الفقيه حيث ذكر المرسلة وحكى التعليل عن بعض مشايخه.

نعم ، يحتمل أن يكون ذلك مأخوذا من كلام الأئمة.

ص: 221


1- المهذب البارع 1 / 191.
2- لم ترد في ( د ) : « الجماعة و ».
3- الكافي 8 / 232.
4- بصائر الدرجات : 373.
5- الهداية : 91.

وظاهر الذكرى جعله التعليل المذكور من تتمة الرواية ، وهو بعيد.

وضعف الرواية مجبور بتكرّرها في عدّة من الكتب المعتمدة وعمل جماعة من الطائفة.

وفي البحار (1) أنها مؤيدة بعمل الأصحاب.

وكأنّه أراد به الجنس.

وكيف كان ، فذلك كاف في ثبوت الاستحباب. ويؤيده ما ورد في الأخبار العامة من رجحان قتله ، وعن الباقر عليه السلام : « أليس يموت من بني أمية ميت إلا مسخ وزغا » (2).

ثمّ إن الظاهر أن الوزغ جنس واحده الوزغة.

ص: 222


1- بحار الأنوار 78 / 10 ، باب علل الاغسال وثوابها وأقسامها ، ح 11.
2- الكافي 8 / 232.
[ تبصرة ]: [ في الاغتسال لرؤية المصلوب ]
اشارة

ومنها : غسل من سعى إلى رؤية مصلوب من المسلمين (1) إن كان الصلب بغير حقّ وإلا اختصّ بما بعد الثلاثة.

والمعروف بين الأصحاب من غير خلاف (2) يعرف هو ثبوت الغسل المذكور.

نعم ، لم يذكره الشيخان والديلمي والحلي والفاضلان في بعض كتبهما.

وفي المعتبر (3) بعد ذكر رواية الوجوب عن الصدوق : ولم يثبت عندي ما ذكره. وليس بشى ء من ذلك. والأولى (4) نفي الاستحباب.

ثم إن ظاهر الصدوق (5) وصريح الحلبي (6) وجوب الغسل المذكور.

وعلّله في الكافي بكونه شرطا في تكفير الذنب وصحّة التوبة ، فيلزم العزم عليها لهذا الفرض.

وظاهر (7) بل صريح (8) العلامة (9) (10) الفعل (11) المذكور إلا أنه قيّده بما بعد الثلاثة من غير

ص: 223


1- زيادة في ( د ) : « مطلقا ».
2- زيادة في ( د ) : « به ».
3- المعتبر 1 / 360.
4- في ( د ) : « بالأعلى » بدل « والأولى ».
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 78.
6- الكافي للحلبي : 135.
7- في ( ب ) : « فظاهر » ، وفي ( د ) : « ظاهره ».
8- في ( ب ) و ( د ) : « صريحة ».
9- قواعد الأحكام 1 / 178.
10- في ( د ) : « حرمة » بدل : « العلامة ».
11- في د : « الفصل ».

تفصيل.

وظاهر الصدوق الإطلاق من غير تفصيل بين المصلوب بحق وغيره.

وكيف كان ، فالظاهر هو الاستحباب لما مرّ.

وأما الصدوق في الفقيه قال : روي أن « من قصد إلى رؤية مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل عقوبة » (1).

وروى نحوه أيضا في الهداية. وهو محمول على الندب بقرينة فهم الأصحاب مضافا إلى ضعف الرواية ، فلا يقوم حجة على الوجوب مع انتفاء الجابر وإضراب الأصحاب عن ظاهرها.

فالقول بالوجوب ساقط جدّا ، مضافا إلى الإجماع المنقول على الاستحباب المعتضد بفتوى الأصحاب إلا من شذّ.

[ تنبيهات ]

وهاهنا امور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : اشترط جماعة من الأصحاب منهم الحلبيون أن يكون المصلوب مسلما ، فلا غسل في السعي إلى رؤية المصلوب الكافر ، وعلّل بأنه لا احترام للكافر ، فيحمل إطلاق النص على المسلم.

وربما يفرّق بين الحربي وغيره. وظاهر إطلاق جماعة إطلاق الاستحباب ، وهو الأوفق بظاهر النصّ.

ثانيها : يعتبر في ثبوت الغسل تحقق النظر. وبه نصّ جماعة من الأصحاب منهم الشهيد الثاني (2) في عدّة من كتبه.

ص: 224


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 78.
2- مسالك الإفهام 1 / 107.

وهو الظاهر للنصّ عليه في الرواية ، وهو الظاهر من فتوى الصدوق.

ويتراءى من إطلاق جماعة عدم اعتباره ولا يبعد حمله على ذلك.

والمعتبر فيه مطلق الرؤية وإن تعلّق ببعض منه.

ولو رآه في لباسه فوجهان.

ثالثها : يعتبر كون النظر عن سعي إلى رؤيته ، فلا غسل للجاني (1) عنه كما هو ظاهر كلام الأكثر. وربما يستفاد من بعض الإطلاقات عدم اعتباره.

وهو مدفوع بظاهر الرواية.

ولو سعى إلى رؤيته فعدل عنها بعد الوصول إليه فاتّفق له النظر إليه من غير قصد ، قوي عدم ثبوت الحكم ؛ إذ الظاهر من الفعل خصوص الواقع عن العمد.

ولو وقع النظر لغرض صحيح ففي ثبوت الغسل وجهان. وظاهر بعض الأفاضل عدمه ؛ لاعتباره انتفاء الغرض الصحيح للرؤية (2).

وهو كذلك بناء على كون الغسل عقوبة.

ولا فرق بين رؤيته حيّا وميّتا كما هو قضية إطلاق الرواية ، وكلمات الأصحاب.

رابعها : المعروف بينهم اشتراط مضيّ الثلاثة على المصلوب. وظاهر إطلاقهم يعمّ المصلوب بحكم الشرع وغيره.

وظاهر إطلاق النصّ يعمّ الحكم في الثلاثة وغيرها.

والمذكور في وجه التقييد أن المصلوب إنما وضع لعبرة الناس بالنظر إليه وملاحظة أحواله ؛ ليوجب زجر الباقين عن المعصية الموجبة له ، فلا غسل في النظر إليه.

ويومي إليه ما ذكر في وجهه عن كونه عقوبة على الفعل المذكور ، ولا معنى للعوقبة على الفعل المباح.

وفيه : [ أنه ] إنما يتمّ بالنظر إلى المصلوب بأمر الشرع دون غيره ، فلا يتّجه التقييد

ص: 225


1- في ( د ) : « في الجاني » بدل « للجاني ».
2- في ( د ) : « في الرؤية » بدل « للرؤية ».

بالنسبة إليه ، ولذا أطلق فيه الحكم بعضهم ، وخصّوا التقييد بالأول كما ذكرناه.

وقد يستشكل في الوجه المذكور بأنه لو سلّم فإنه يفيد عدم كون مرجوحيّة النظر إليه في الجملة ، وهو يتمّ لعدم مرجوحيّة النظر مع انتفاء السعي ، فلا ينافي ثبوت الغسل مع النظر المسبّب عن السعي كما هو مورد المسألة إلّا أن يستظهر من إبقاء المصلوب شرعا عدم مرجوحية السعي إليه للنظر.

وكيف كان ، فلا بعد (1) في التقييد بالنسبة.

ويؤيّده أن الغالب بل المتعيّن (2) في مورد الإطلاق له وإن كان من الأفراد الغير الحاصلة زمن الخطاب ، وهو الظاهر المؤيّد بفتوى الأصحاب.

ثم بناء على اعتبار الثلاثة فالمعتبر منه من حين الصلب ، وهو ظاهر إطلاق الأصحاب ، والمصرّح به في كلام جماعة منهم ابن فهد والمحقّق الكركي والشهيدان.

وعن بعضهم اعتباره من حين الموت.

وفي الروض أنه لا شاهد له.

ثم إنه لو وقع السعي والرؤية في الثلاثة لم يثبت الغسل كما أنه يثبت لو وقع الأمران بعيدها ، ولو وقع السعي في الثلاثة ولا رؤية بعدها فإن كان مقصوده بالسعي ذلك ثبت الغسل في الأظهر ؛ لظاهر الإطلاق. ويحتمله عبارة الأصحاب ، وهو المصرّح به في كلام الفاضلين.

ولو سعى في الثلاثة فاتفق الرؤية من دون أن يكون بخصوصه مقصودا بالسعى فكذلك أيضا في وجه قويّ.

خامسها : يعتبر أن يكون النظر إليه حال كونه مصلوبا ، فلو نظر إليه بعد إنزاله عن الخشبة لم يثبت الغسل ؛ إذ هو المفهوم من العبارة في العرف ، ولا أقلّ من الشك بعده. ويجدى تعميم الحكم بناء على عدم اشتراط المبدأ في صدق المشتقّ.

ص: 226


1- في ( ألف ) : « يعد ».
2- في ( ألف ) : « التعيين ».
تبصرة: [ في غسل مسّ الميت ]

ومنها غسل من مسّ ميّتا بعد تغسيله كما نصّ عليه الشيخ وجماعة من المتأخرين للموثق : « وكل من مسّ ميتا فعليه الغسل وإن كان الميّت قد غسل » (1) ؛ بحمله على الندب بالنسبة إلى ما بعد الغسل ؛ لدلالة المستفيضة المتكثرة على عدم وجوب الغسل حينئذ.

واحتمل بعض الأفاضل أن يكون ( غسل ) بالتخفيف لدفع توهم الغسل سقوط الغسل بالغسل.

ولا يخلو من بعد.

وحمله آخر على صورة عدم تكامل الغسل. وهو بعيد جدا.

ويؤيده ما في صحيحة محمد بن مسلم من ثبوت الغسل بتكفين الميّت ؛ إذ الظاهر ابتناؤه على استلزامه المسّ ، وحمله على الوجوب ؛ حملا للتكفين على الواقع قبل الغسل كما إذا تعذّره محمل (2) بعيد لا داعي إليه.

وفي المستفيضة المشتملة على غيره الحكم بعدم ثبوت غسل على من أوصل الميّت القبر معلّلا بأنه (3) « لمس الثياب (4) » ، فيفيد بالفحوى ثبوت الغسل مع مسّ الجسد.

فبملاحظة جميع ما ذكرنا لا ينبغي الشك (5) في ثبوت الغسل المذكور ، وأن خلافه (6) كلام

ص: 227


1- الإستبصار 1 / 101 ، باب وجوب غسل الميت وغسل من مس ميتا.
2- في ( ألف ) : « قعده بحمل » بدل « تعذّره محمل ».
3- زيادة في ( د ) : « إنّما ».
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 161.
5- في ( د ) : « التأمّل ».
6- زيادة : « خلافه » من ( د ).

أكثر الأصحاب.

ولو مسّ بعضا من الميّت ففيه وجهان ، وقضية الأصل عدمه.

وظاهر الصدوق القول بوجوب الغسل بالتكفين. قال المحقق (1) بعد نقل الوجوب عنه :

إن إيجاب الغسل بتكفينه نادر ، والقائل (2) به قليل.

ولا يبعد حمل كلامه كالرواية على الاستحباب وإن كان عبارته في الماسّ أظهر من الرواية ، فالقول باستحباب الغسل بالتكفين المحض بعيد جدّا ، فتأمل.

ومنها : غسل المولود على المعروف بين الأصحاب. ذكره الشيخان (3) (4) والحلبي (5) والقاضي (6) وابن زهرة (7) والحلي والفاضلان والشهيدان (8) (9) والمحقق الكركي (10) وغيرهم.

ويدلّ عليه موثقة سماعة (11) ، وقد حكم فيها بوجوبه مع عدّة مع الأغسال المندوبة بالإجماع ، ففيه شهادة على كون الوجوب بمعنى مطلق الثبوت ، وهو معنى شائع في الأخبار ، مضافا إلى فهم الأصحاب.

وعن الطوسي النصّ على وجوبه. وهو ظاهر الصدوق (12).

وهو ضعيف جدا والرواية لا تدلّ عليه ؛ إذ لفظ الوجوب في الأخبار أعمّ من الوجوب

ص: 228


1- المعتبر 1 / 360.
2- في المصدر : « والعامل ».
3- المقنعة : 51.
4- المبسوط 1 / 40.
5- الكافي للحلبي : 135.
6- المهذب 1 / 33.
7- غنية النزوع : 62.
8- البيان : 4.
9- روض الجنان : 18.
10- جامع المقاصد 1 / 75.
11- وسائل الشيعة 3 / 303 ، باب حصر أنواعها ( اغسال ) وأقسامها ، ح 3.
12- من لا يحضره الفقيه 1 / 79.

المصطلح.

ولا يبعد حمل كلامه على نحو الرواية.

وربما يحتج له بقوله عليه السلام : « اغسلوا صبيانكم من الغمر فإن الشيطان يشمّ الغمر ، فيفزع الصبي في رقاده ويتأذّى به الكاتبان » (1).

وهو كما ترى.

وهل يعتبر فيه النية على نحو سائر الأغسال؟ الظاهر ذلك كما هو ظاهر الموثقة العادّة له في ضمن سائر الأغسال ، مضافا إلى ظهور لفظ الغسل فيه وأنّ اعتبار النية هو قضية الأصل في كلّ التكاليف إلا ما خرج بالدليل.

وعلى هذا فيعتبر فيه ما يعتبر في سائر الأغسال من تقديم إزالة النجاسة على نحو ما مرّ والترتيب.

وفي كفاية الارتماس فيه وجهان أشبههما ذلك ؛ إذ هو أحد وجهي الغسل.

وهل يعتبر أن يكون عقيب الولادة من غير فصل ظاهر؟ ظاهر كثير من عبائرهم ذلك (2) ؛ إذ هو أحد وجهي الغسل.

وهل يعتبر أن يكون عقيب الولادة؟ ففي عدّة من كتب الأصحاب أنه عند الولادة ، وفي عدة أخرى أنه حين الولادة ، وفي اخرى : « إذا ولد استحب الغسل ». وكأنّ الأظهر بقاء الحكم ما سمّي مولودا ؛ أخذا بظاهر الموثقة.

وقال الشهيد الثاني في شرح النفلية : الظاهر أنه لا يسقط بالتراخي لإطلاق النصّ.

قال التقي العلامة المجلسي رحمه اللّه : الظاهر جواز تأخيره لغسل الولادة.

والأظهر تقييد العبارتين المذكورتين بما ذكرناه.

ومنها : الغسل بعد إفاقة المجنون. ذكره العلامة في نهاية الإحكام (3) معلّلا بما قيل من أن

ص: 229


1- الخصال : 632.
2- لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « إذ هو ... الولادة ».
3- نهاية الإحكام 1 / 174.

زوال (1) عقله أنزل ، وبأنه مظنة للحدث كالنوم فيسرع له الطهارة كالنوم.

ولم نجد من وافقه من الأصحاب سوى شيخنا البهائي ، ولم نجد في الأخبار ما يدلّ عليه.

والتعليلان المذكوران بمكان من الضعف ، ولذا أنكره في منتهى المطلب (2) بعد حكايته عن الحنابلة (3) معلّلا بأنه حكم شرعي يتوقف ثبوته على الدليل الشرعي.

وفي النفلية (4) أنه غير ثابت عندنا فالظاهر عدم ثبوته.

ص: 230


1- في ( د ) : « من زال » بدل « زوال ».
2- منتهى المطلب 1 / 132.
3- في ( د ) : « الحاملة ».
4- الألفية والنفلية : 96.
تبصرة: [ في تأخّر الأغسال السببية ]

الأغسال السببية كلها متأخرة عن أسبابها ؛ إذ رجحانها فرع حصول أسبابها ، فلا بدّ من تأخير الفعل عنها.

وهل هي متّسعة بعد حصول الأسباب ما دام العمر أو مطلوبة على سبيل الفوريّة العرفية؟ وجهان أقواهما الأول ؛ أخذا بظاهر الإطلاق ، وأن ظاهر السببية قاض ببقاء التكليف ما لم يحصل الفعل وإن كان الأرجح التعجيل ؛ لما دلّ على رجحان المسارعة إلى الخير والمبادرة إلى امتثال الأمر. وما قد يدعى من ظهور الإطلاقات في الفور مطلق أو في خصوص المقام محلّ تأمل.

ص: 231

تبصرة: [ في تجديد الغسل ]

لا يستحب الغسل للتجديد على ظاهر الندب. وقد نصّ عليه جماعة من الأجلّة منهم العلامة والشهيد ؛ للأصل وعدم ظهور دليل على شرعيّته ؛ إذ أدلّة تجديد الطهارة مختصة بالوضوء.

نعم ، في المرسل : « الطهر على الطهر عشر حسنات » (1). وهو أيضا محمول على الوضوء بقرينة غيرها من الأخبار.

وإليه يشير ما في العلوي : « الوضوء بعد الطهور عشر حسنات » (2).

مضافا إلى ظاهر فهم الأصحاب ، وعدم ظهور قائل بظاهر إطلاقها وإلّا لجاز تجديد كل من الوضوء والغسل بالآخر.

نعم ، يجوز الإتيان به مع الظن بحصول الحدث على وجه قوي ؛ نظرا إلى مراعاة الاحتياط على ما مرّ في الوضوء.

بل لا يبعد القول بجوازه مع الشك أيضا ، وما ورد من المنع من نقض اليقين بالشك لا يفيد المنع منه ؛ لعدم البناء معه على الانتقاض.

وكذا الحال لو احتمل حصول خلل منه في بعض الأحوال أو الشرائط ، وكذا لو أتى بطهارة المضطرّ فارتفع الاضطرار على ما نصّ عليه جماعة من الأصحاب منهم الشهيدان.

وكأنه للخروج عن خلاف القائل بالوجوب ، وإلّا فالحكم لا يخلو عن إشكال.

ويحتمل أيضا عدم جواز الإتيان بالغسل مع احتمال حصول سبب الاستحباب كاحتمال

ص: 232


1- الكافي 3 / 72 ، باب النوادر ، ح 10.
2- المحاسن 1 / 47.

كونه يوم الجمعة أو العيد ونحو ذلك.

وكيف كان ، فليس شي ء من ذلك من باب التجديد كما لا يخفى.

ولذا نصّ الشهيد (1) في الغسل عند زوال الرخص والشك في الحدث أنه ينوي فيهما رفع الحدث.

والأولى ضمّ قصد الاحتياط ، فإن كان هناك حدث وارتفع به وإلّا وقع لغوا بالنظر إلى الواقع لكن لا يسقط به الاستحباب من جهة الاحتياط ، فالرجحان حاصل على أيّ حال.

وربما يقال بالتخيير بين قصد (2) رفع الحدث وقصد الغسل لأجل السبب المفروض أعني الشك في حصول الحدث أو احتمال الخلل.

ويظهر من منتهى المطلب (3) جواز التجديد حيث حكم بجواز اغتسال المستحاضة لكل صلاة مستندا إلى قوله عليه السلام : « الطهر على الطهر عشر حسنات ». فيدل على ذلك بناؤه على شمول الرواية للغسل.

وهو كما ترى.

ص: 233


1- الذكرى : 99.
2- زيادة : « قصد » من ( د ).
3- منتهى المطلب 1 / 73.
تبصرة: [ في مشروعية الغسل بأحد أسبابها ]

إنما يشرع الغسل مع حصول أحد الأسباب المذكورة من الزمان والمعابد ونحوهما ، فلا يستحب من غير حصول شي ء منهما ؛ لانتفاء ما يدل على مشروعيته كذلك. وقد يستظهر من الفاضلين كون الغسل في نفسه من العبادات الراجحة وإن لم يحصل شي ء من الأسباب الباعثة على مطلوبيته بالخصوص حيث علّلا استحبابه في بعض المواضع برجحانه في نفسه. وقد يستدل عليه بقوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (1) وقوله عليه السلام : « وأىّ وضوء أطهر من الغسل » (2).

وما ورد من استحباب الاغتسال بماء الفرات كما روى حنان في القوي أن الباقر عليه السلام قال لرجل من أهل الكوفة : « أتغتسل من فراتكم في كل يوم مرّة؟ » قال : لا. قال : « ففي كل جمعة؟ » قال : لا. قال : « ففي كل شهر؟ » قال : لا. قال : « ففي كل سنة؟ » قال : لا. قال له أبو جعفر عليه السلام : « إنك لمحروم من الخير » (3).

وذكر نحوه في زيارة الحسين عليه السلام إلا أنه أسقط عنه الزيارة في كل يوم.

وربما يستأنس له بالأخبار الواردة بالاغتسال عند جملة من الأفعال كالروايات الدالّة على رجحان الاغتسال عند طلب الحوائج مع انضمامه إلى عدّة من المستحبات كالصلاة والصوم والصدقة ، فيومي ذلك إلى كون الاغتسال أيضا من قبيل تلك الأفعال.

وأنت خبير بعدم صلوح الاحتجاج بشي ء من المذكورات ، فالأظهر الاقتصار على

ص: 234


1- البقرة : 222.
2- الكافي 3 / 45 ، باب صفة الغسل والوضوء قبله وبعده ، ح 13.
3- مستدرك الوسائل 2 / 523.

الموارد الخاصة. وكأن ما قد يعزى إلى البعض من جواز الاتيان بالغسل مكان الوضوء مبنيّ على (1) ذلك بناء على الاكتفاء بالغسل عن الوضوء.

ويوهن القول به ظواهر الأخبار الدالة على تعيين الإتيان بالوضوء عند حصول أسبابه دون التخيير بينه وبين الغسل ليكون موجبات الوضوء من موجبات الغسل أيضا.

ثم لا يذهب عليك أنه بناء على القول المذكور لا يلزم أن يكون الوضوء من العبادات العينية (2) بل الظاهر أن المقصود به هي الحالة الحادثة منه ، فتلك الحالة هي المطلوبة في الشرع دون نفس تلك الأفعال كما في إزالة الأخباث ، فتأمل.

ص: 235


1- لم ترد في ( ب ) : « على ذلك بناء ».
2- في ( د ) : « النفسيّة ».
تبصرة: [ في امتداد وقت الأغسال ]

قد مرّ أن الغسل الزماني وقته هو الزمان المضاف إليه ، وأما الأغسال المكانية والفعلية والسببية فلا توقيت فيها إلا أن الظاهر تقديم الغسل في الأولين وتأخيره في الأخير. والوجه فيه واضح للزوم تقديم السبب على المسبب ، وكذا الحال في الأولين.

والمقصود حصول الغاية مغتسلا ، وقد ورد التصريح به في عدّة من المقامات المذكورة.

نعم ، ورد في الحسن في دخول المدينة الأمر بالاغتسال قبل دخولها أو حين يدخلها. ومع حمل الترديد على كونه من الامام يمكن حمله على التفصيل المبيّن بما لا يتم الغسل متصلا بالدخول.

وقد ورد التعبير بالأخير في الصحيح في غسل الإحرام ودخول المدينة والكعبة وفي خصوص الإحرام في صحيحة اخرى ، وفي حول الحرم في الخبر.

ويمكن حمله على ما قلناه بل يتعيّن الحمل عليه بالنسبة إلى الإحرام.

وفيه شهادة على حمل غيره عليه أيضا.

وقد يقال باستحباب الغسل فيها بالنسبة إلى الكون المتأخر عن الغسل ، وإن حصل مسمّى الدخول.

وربما يعزى إلى الأكثر تنزيله على صورة الاضطرار. وهو أيضا لا ينافي الوجه الأخير ، بل إنما يتمّ بملاحظته ، فلا تغفل.

ثم إنه هل يمتدّ غسل السببي بامتداد العمر أو هو مبني على الفور؟ وجهان.

والأظهر جواز الإتيان به بحيث يصحّ ارتباط الغسل بالسبب المفروض تنزيلا للمطلق على متفاهم العرف.

ص: 236

وأما الأغسال الغائية فالظاهر اعتبار المقارنة العرفية بين الغسل والغاية من الفعل ، والكون في المكان كما هو الظاهر المنساق من الأخبار وكلام الأصحاب.

وكأنّ التعبير بالحين في الأخبار المتقدمة للإشارة إلى ذلك.

وقد ورد في عدة من الروايات إجزاء غسل اليوم لليوم وغسل الليل لليل ، ففي الصحيح : « غسل يومك ليومك وغسل ليلتك لليلتك » (1). وفي [ خبر ] أبي بصير : سأله رجل وأنا عنده ، قال : اغتسل بعض أصحابنا فعرضت له حاجة حتى أمسى. قال : « يعيد الغسل فيغتسل نهارا ليومه ذلك وليلا لليلته » (2).

وفي آخر : « من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل ، ومن اغتسل ليلا كفاه غسله إلى طلوع الفجر » (3).

فلا مانع من الفصل بين الغسل ، وغايته إنما يقرب من مقدار النهار (4) لو اغتسل عنده الفجر.

وكذا بما يقرب من مقدار الليل لو اغتسل عقيب الغروب.

ولا يجوز الفصل زيادة عليه كما دلّ عليه تلك الأخبار.

ويومى إليه عدة من الروايات الواردة في بعض تلك الغايات المبيّنة للغسل في اليوم الذي يأتي فيه بالغاية كيوم الإحرام ويوم الزيارة ونحوهما.

وقد صرّح جماعة من الأصحاب بمضمون الأخبار المذكورة منهم الشيخ (5) والقاضي والحلي (6) والفاضلان وابن سعيد والشهيد وغيرهم.

وظاهر الصدوق في المقنع وكذا في الفقيه إجزاء غسل النهار لليلته وبالعكس ؛ لما رواه في

ص: 237


1- الكافي 4 / 327 ، باب ما يجزئ من غسل الإحرام وما لا يجزئ ، ح 1.
2- الكافي 4 / 327 ، باب ما يجزئ من غسل الإحرام وما لا يجزئ ، ح 2.
3- تهذيب الأحكام 5 / 64 ، باب صفة الاحرام ، ح 12.
4- في ( ب ) زيادة : « و ».
5- الخلاف 1 / 612.
6- السرائر 3 / 632.

الفقيه في الصحيح : « غسل يومك يجزيك لليلتك وغسل ليلتك يجزيك ليومك » (1).

ورواه السيد في فلاح السائل عن كتاب مدينة العلم مرسلا. ويلوح من البحار القول بمضمونه. ويمكن حمل الإمام فيها كعبارة المقنع على التوقيت ؛ ليكون بيانا إلى آخر وقت الإجزاء أو على معنى « إلى » فينطبق مع الأخبار الماضية.

وكيف كان ، فلا صراحة فيها بإجزاء غسل النهار لليل وعكسه ، مضافا إلى معارضته للنصوص المستفيضة المؤيّدة بعمل الجماعة ، ومخالفته لما يظهر من الأخبار من اعتبار المقاربة بين الغسل والغاية لو أوقع الغسل في أثناء النهار أو الليل ، ففي كون الحدّ فيه أيضا كذلك أو يكتفى به إلى أن يمضي من الآخر مقدار الفائت منه نفسه أو بالنسبة إلى مجموع وجوه. ويقوّي في النظر الاجتزاء به.

ص: 238


1- من لا يحضره الفقيه 2 / 310.

الباب: في التيمّم

اشارة

وهو عبارة عن مسحات معروفة مشروطة بنية القربة.

والكلام فيه أيضا في أسبابه وغاياته وشرائطه وأفعاله ولواحقه.

ص: 239

تبصرة: [ في أسباب التيمّم وغاياته ]

اشارة

أسباب التيمّم هي بعينه أسباب الوضوء والغسل من الأحداث الصغرى والكبرى.

وفي ثبوته ببعض الأسباب الموجبة لاستحبابهما كإكثار الشعر الباطل أو خروج المذي والتوبة وقتل الوزغ وجهان ، أظهرهما العدم ؛ لعدم ظهور ما يدلّ على مشروعيته كذلك.

نعم ، لو كان ذلك من جهة احتمال الحدث كما إذا شكّ في وقوع الحدث فقد تعيّن الطهارة أو احتمل حصول خلل في وضوئه أو غسله فالظاهر استحباب التيمّم بدلا عنهما تحصيلا ليقين الفراغ.

وغاياته هي الغايات المذكورة لهما إلا أن الظاهر اختصاصه بالغايات التي تطلب عنده ارتفاع الحدث لأجلها ، فلا يشرع لغيرها كالغسل للزيارة والوضوء للتجديد.

فهاهنا أمران :

أحدهما : مشروعيته لكل ما يطلب فيه ارتفاع الحدث ؛ ليكون التيمّم بدلا عن الوضوء أو الغسل الرافعين كالصلاة والصيام والطواف ودخول المسجدين واللبث في سائر المساجد ومسّ كتابة القرآن وتلاوته ونحوها.

ونفى عنه الإشكال في التحرير (1) واستشكل في المقام الثاني.

وبنى صاحب المدارك على النفي في المقامين إلا ما دلّ الدليل على ثبوت البدلية فيه.

وتبعه بعض من تأخر عنه في ظاهر كلامه.

ويدلّ على ما قلناه النصوص المستفيضة الحاكمة بعموم بدلية التراب عن الماء

ص: 240


1- في ( د ) : « الروض ».

كالصحيح : « إن اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (1) و « إن التيمّم أحد الطهورين » (2) ، وأنه بمنزلة الماء ، و « ان ربّ الماء هو ربّ الصعيد فقد فعل أحد الطهورين » (3) ونحو ذلك.

ويومى إليه أيضا قوله لأبي ذر : « يا أبا ذر! يكفيك الصعيد عشر سنين » (4). فإن ظاهره يفيد قيام الصعيد مقام الماء في الاستباحة.

ثانيهما : عدم مشروعيته بدلا عن غير الرافع. ويدل عليه الأصل مع الشك في شمول الإطلاقات لمثله وبعده عن طريقة المتشرعة ، وظاهر السيرة الجارية.

نعم ، حكى الشهيد الثاني ورود النصّ به في خصوص التيمّم بدلا عن غسل الإحرام. ولم نظفر به.

هذا ، وقد ورد النصّ به لأمور :

منها : استحبابه للنوم ؛ لمرسلة الشيخ والصدوق ، عن الصادق عليه السلام : « من تطهر ثم آوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده ، فإن ذكر [ ه ] (5) أنه على غير وضوء فليتيمم من دثاره كائنا ما كان ، فإن فعل ذلك لم يزل في الصلاة ما ذكر اللّه تعالى » (6).

وفي رواية اخرى : « لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام إلا على طهور ، فإن لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد » (7).

ثم إن التيمّم في هذه الرواية مطلق يعمّ البدل عن الغسل والوضوء ، فالظاهر شمول الحكم للأمرين ، ويمكن القول بشمول الرواية الاولى لهما أيضا بناء على أن يكون الوضوء فيه أعمّ من

ص: 241


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 109.
2- الكافي 3 / 64 ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ، ح 4.
3- تهذيب الأحكام 1 / 197.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 108.
5- ما أدرجناه من المصدر.
6- مكارم الأخلاق : 288.
7- الخصال : 613.

وضوء الجنب وغيره.

ولا يخلو عن بعد وظاهر سياقها.

وقد يستفاد منها بناء على ما ذكرنا جواز التيمّم عن الوضوء لنوم الجنب ، فيكون ذلك مستثنى مما ذكرنا من عدم مشروعية التيمّم من الوضوء والغسل الغير الرافعين.

ويمكن المناقشة في الاولى بظهوره في غير المحدث بالأكبر وفي الثانية بالتأمّل في صدق الطهور على وضوئه ، فلا يكون التيمّم المذكور فيه بدلا عنه.

هذا ، وظاهر الرواية الاولى جواز التيمّم للنوم مع التمكن من الماء أيضا ، وقد نفى الخلاف عنه في الحدائق (1) : ينجبر ضعف الرواية إلا أن الأظهر الاقتصار على ظاهر مدلولها من نسيان الوضوء لا مع التعمد من تركه وبه يقيد إطلاق مفهوم الرواية الثانية.

وحاصل الكلام أن الرواية الثانية قد دلّت على رجحان التيمّم بدلا من الوضوء ، ولو مع التمكن عن الماء ، ففيها مخالفة للأصل من تلك الجهة ، ومن الاكتفاء فيه بغبار الدثار ، ولو مع التمكن من التراب [ و ] في دلالتها على جوازه بدلا عن الغسل مع التمكن منه إشكال ، فثبوت مشروعيته كذلك لا يخلو عن تأمل كجوازه للجنب بدلا عن الوضوء مع التمكن من الماء أو عدمه ؛ لما عرفت من خفاء مدركه.

ولا يبعد القول فيها بالصحة نظرا إلى ما ذكرناه من الإطلاق ، فتأمّل.

ومنها : صلاة الجنازة ولو مع التمكن من الماء ، على المعروف بين الأصحاب المحكي عليه إجماع الفرقة في الخلاف لموثقة سماعة : سألته عن رجل مرّت به جنازة وهو على غير طهر؟ قال : « يضرب يديه (2) على حائط اللبن فليتيمم به » (3).

وعن الإسكافي تقييده بخوف فوات الصلاة. واستحسنه المحقق (4) وأنكر جوازه مع

ص: 242


1- زيادة في ( د ) : « فيه ».
2- في المصدر : « بيديه ».
3- تهذيب الأحكام 3 / 203.
4- المعتبر 1 / 405.

التمكن من الماء بمنع الإجماع ؛ لعدم العلم به من فتاوى الأصحاب بخوف فوات الصلاة وضعف الخبر لإضماره ووقف رجلين من رواية ، فلا ينهض حجة على الخروج من الأصل الثابت.

وضعفه ظاهر بعد حجّية الموثق ، وعدم مانع في الإضمار سيّما من سماعة مع اعتضاده بعمل الطائفة.

ويدلّ على جوازه مع خوف فوات الصلاة - مضافا إلى ذلك - الأصل الثابت بالعمومات كما عرفت خصوص الصحيح ، عن الرجل يدركه الجنازة وهو على غير وضوء ، فإن ذهب يتوضّأ فاتته الصلاة. قال : « يتيمّم ويصلّي » (1).

وربما يستدلّ به على مذهب الإسكافي. وأنت خبير بعدم دلالته على المنع مع عدم فوت الصلاة كما هو مذهبه لاختصاص السؤال بغيره.

ثم إن ظاهر الرواية الاولى والثانية يعمّ ما لو كان محدثا بالأصغر أو الأكبر ، فيجوز التيمّم كذلك بدلا عن كلّ من الأمرين مع التمكن منه في وجه قويّ.

ومنها : للخروج من أحد المسجدين للمحتلم فيهما ، بلا خلاف بين الأصحاب في المشروعيّة.

والمعروف بينهم - بل المتّفق عليه - أيضا هو الوجوب.

والأصل فيه خبر أبي حمزة عن الباقر عليه السلام المرويّ صحيحا في تهذيب الأحكام (2) ، ومرفوعا في الكافي (3) : « إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ، ولا يمرّ في المسجد إلا متيمما ».

وزاد في الذخيرة (4) : « وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك ».

وقد نصّ فيهما بعدم البأس بالمرور في سائر المساجد.

ص: 243


1- الكافي 3 / 178 ، باب من يصلي على الجنازة وهو على غير وضوء ، ح 2.
2- تهذيب الأحكام 1 / 407.
3- الكافي 3 / 73 ، باب النوادر ، ح 14.
4- ذخيرة المعاد 1 / 52.

وعن الطوسي القول بالاستحباب حملا للرواية عليه ، وهو ضعيف.

[ تنبيهات ]

وهاهنا امور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : لو تمكّن من الاغتسال في المسجد بحيث لا يوجب تسرية النجاسة إليه وكانت مدّة الاغتسال مساوية لمدّة التيمّم أو أقلّ منها فهل يتعيّن عليه الغسل أو التيمّم؟ قولان.

واحتمل الشهيد تعيّن الغسل عليه ، ولو مع زيادة المدة إلا أنه ذكر عدم عثوره على قائل به. ومال إليه في المسالك.

والأقوى هو الأول ؛ أخذا بالأصل من عدم إجزاء التيمّم بدلا عن الغسل مع التمكن منه ، وحملا للرواية المذكورة على الغالب المعتاد من عدم التمكن من الغسل كذلك كما هو الشأن في الإطلاقات ، فلا يفيد جواز التيمّم في الصورة المفروضة.

وقد دلّ النصّ المذكور على عدم جواز المرور في المسجد جنبا ، وجواز المكث لأجل التيمّم من جهته.

فجواز المكث بمقداره لأجل الغسل أولى.

والحاصل جواز المكث لأجل الطهارة الاضطرارية يدلّ بالفحوى على جوازه لأجل الاختيارية بلا ريبة ، فتعيّن (1) عليه الغسل لما دلّ على عدم جواز التيمّم مع التمكن من الماء.

نعم ، لو كانت مدة الغسل ومقدماته أطول من التيمّم لم يدلّ الرواية على جواز المكث بقدره ، وحينئذ فلا بدّ من الرجوع إلى إطلاق الرواية.

وعن صاحب المدارك القول بالثاني ؛ وقوفا مع ظاهر النصّ ومنعا لاشتراط التيمّم مطلقا بفقدان الماء لعدم دليل عليه. قال : وكما جاز أن يكون الأمر بالتيمم مبنيا على الغالب من تعذر الغسل في المسجد فيجوز أن يكون وجهه اقتضاء الغسل فيهما إزالة النجاسة ، فإن

ص: 244


1- في ( د ) : « فيتعيّن ».

مورد الخبر المحتلم. وقد أطلق جماعة من الأصحاب تحريم إزالتها في المساجد ، وصرّح بعضهم بعموم المنع ولو كانت في الكثير انتهى.

وهو كما ترى.

ثانيها : لو كان زمان مروره بالمسجد أقلّ من مكثه للتيمم أو مساويا له ففي لزوم التيمّم أيضا ؛ أخذا بظاهر الرواية أو سقوطه ؛ نظرا إلى أن المرور أخفّ من المكث سيّما مع كونه أقلّ منه فيقدم عليه أو يتخيّر بين الأمرين لدلالة جواز المكث للتيمم على جواز المرور بالفحوى؟ وجوه.

ثالثها : في لحوق الحائض بالجنب إن فاجأها الحيض في أحد المسجدين وجهان ، بل قولان.

والبناء على الإلحاق مختار جماعة من الأصحاب منهم صاحب الحدائق الناضرة (1) المرفوعة (2) المتقدمة. ومنعه المحقق ؛ لضعف الرواية ومخالفة الحكم للأصل سيّما بالنسبة إلى الحائض ؛ إذ لا سبيل إليها إلى الاستباحة.

وهو قوىّ. نعم ، لو كان ذلك بعد طهرها عن الحيض - على ما سيأتي في الفروع الآتية - احتمل الإلحاق نظرا إلى موافقه الحائض للجنب في كثير من الأحكام إلا أن الأظهر أيضا خلافه.

رابعها : مورد النصّ هو الجنابة الحاصلة في المسجد بالاحتلام ، والظاهر إلحاق غير الاحتلام به ممّا حصل بغير اختياره.

ص: 245


1- في مخطوطات الأصل : « الناظرة ».
2- في ( د ) : « للمرفوعة ».

الفصل الثاني: فيما يسوغ التيمّم معه ويوجب انتقال الحكم من الوضوء والغسل إليه

اشارة

وهي أمور أنهاها في المنتهى إلى ثمانية. والضابط فيها العجز عن استعمال الماء.

تبصرة: [ في عدم وجود الماء ]
اشارة

من أسباب العجز عدم وجود الماء. ويدلّ على انتقال الحكم معه إلى التيمّم بعد الآية الشريفة (1) النصوص المستفيضة وإجماع الطائفة المعلوم والمنقول في لسان جماعة.

نعم ، ذهب بعض العامة إلى اختصاص الحكم بالسفر ، فيسقط التيمّم أيضا لو كان ذلك في الحضر ؛ أخذا بما يتراءى من الآية.

وهو ضعيف محجوج بما ذكرناه ، والآية واردة مورد الغالب.

ثم إنّ عدم وجدان الماء إنما يكون سببا لانتقال الحكم مع الطلب إن أمكن ، ففي منتهى المطلب (2) : « ويجب الطلب عند إعواز الماء ، فلو أخلّ به مع التمكن لم يعتد به ، وهو مذهب علمائنا أجمع ».

ويدلّ عليه بعد الإجماع عدم صدق عدم الوجدان إلا معه ، ولاحتمال قربه منه مضافا إلى غير واحد من النصوص ، وما يستفاد من بعض الأخبار من عدم وجوب الطلب محمول على صورة الخوف كما يدلّ عليه غيره من الأخبار. مضافا إلى ضعفه وإضراب الأصحاب عنه.

ص: 246


1- نساء : 43.
2- منتهى المطلب ( ط. ق ) 1 / 138.

ومن الغريب بناء بعض الفضلاء المتأخرين عليه. وهو بمكان من الوهن.

والمعتبر من الطلب هو غلوة سهم في الحزنة وغلوتين في السهلة من الجوانب الأربع على المعروف بين الأصحاب (1). وقد حكى إجماعنا عليه في الغنية (2). وعن الحلي (3) أن التحديد بالغلوة في السهلة والغلوتين في الحزنة مما وردت (4) الروايات وتواتر به النقل.

وعن (5) الشيخ في النهاية (6) والمبسوط (7) التخيير بين رمية سهم وسهمين من غير تفصيل بين القسمين.

وربما يحمل على الأول ، والصحيح في البيان.

وعن السيد : وعدم تقدير الطلب بشى ء.

وعن بعض المحققين اعتبار الطلب من كلّ جهة يرجون وجود الماء إلى أن يتحقق عرفا صدق عدم الوجدان.

ويمكن إرجاع كلام السيد والخلاف إليه. واستحسن المحقق (8) الطلب دائما ما دام الوقت حتى يخشى الفوات. قال : والتقدير بالغلوة والغلوتين رواية السكوني. وهو ضعيف غير أن الجماعة عملوا بها ، فالوجه أن يطلب من كلّ جهة يرجو فيها الإصابة ولا يكلّف التباعد. ورواية زرارة تدلّ على أنه يطلب دائما ما دام في الوقت حتى يخشى الفوات. وهو حسن ، والرواية واضحة السند والمعنى. انتهى.

وتبعه في ذلك بعض من تأخر عنه.

ص: 247


1- قواعد الأحكام 1 / 235.
2- غنية النزوع : 64.
3- قواعد الأحكام 1 / 235.
4- زيادة في ( د ) : « به ».
5- لفظتا : « وعن » من ( د ).
6- نهاية الإحكام 1 / 183.
7- المبسوط 1 / 31.
8- المعتبر 1 / 393.

والأقوى هو الأول ، ويدلّ عليه - مضافا إلى الإجماع المحكي والشهرة المعلومة والمنقولة - رواية السكوني « بطلب الماء في السفر وإن كانت الحزونة فغلوة وإن كانت سهولة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك ».

وما في صحيحة زرارة من الأمر « بطلب المسافر الماء ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل » إما أن يحمل على صورة رجاء حصول الماء والظن به كما سيجي ء ، أو على الاستحباب ، أو يقال بأن الأمر بالطلب فيها مطلق ، وقوله « ما دام في الوقت » ظرف لوقوع الطلب ، فلا يفيد الاستحباب ، فالمقصود أن الطلب إنما يكون مع السعة دون ضيق الوقت. وحينئذ فيحمل على رواية السكوني حملا للمطلق على المقيّد.

وقد عرف بذلك ضعف الأقوال المذكورة.

[ تنبيهات ]

وهاهنا امور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : الظاهر اعتبار الطلب بالمقدار المذكور من سائر الجوانب ؛ لظاهر الإطلاق المؤيّد بفهم الجماعة والاحتياط أو بعد اشتراط صحة التيمّم بالطلب إنما يعلم فراغ الذمة بذلك.

ويحتمل أن يراد بالغلوة والغلوتين في ظاهر الرواية مجموع ما يطلب فيه الماء ، فيكون المطلوب من كل جانب نصف غلوة أو غلوة إلا أن أحدا من الأصحاب لم يفهم منها ذلك. وبه يسقط الاحتمال المذكور.

وربما يتراءى في المقام خلاف بين القائلين بالغلوة والغلوتين من اعتبار بعضهم للطلب من جميع الجوانب كما في المبسوط وغيره ، أو من أمامه واليمين والشمال كما في المقنعة ، أو عن اليمين والشمال كما في النهاية.

والظاهر اتحاد المقصود من الجميع. وكأنّ عدم ذكر الحلف في المقنعة من جهة الاطلاع عليه حال المجي ء ، والمراد باليمين والشمال في الأخيرين حتى الطريق على قدر الغلوة أو

ص: 248

الغلوتين ، فيغني عن ذكر الجهتين الأخيرتين.

ثانيها : لو علم عدم الماء هناك سقط وجوب الطلب قولا واحدا. وفي الحدائق : إنه لا خلاف فيه حتى من القائلين بوجوب التأخير.

وكذا لو علم بعدمه في بعض الجوانب ، فيسقط الطلب من جهته. وعند بعض العامة : يجب الطلب مع ذلك أيضا.

وفساده واضح ؛ لوقوعه لغوا محضا. ولو ظنّ بعدمه ففي قيامه مقام العلم قولان ، حكي الأول من الإسكافي وبعض المتأخرين ؛ لقيام الظنّ مقام العلم في الشرعيات وعدم تناول ما دلّ على وجوب الطلب عليه.

والثاني مختار الفاضل وغيره. وهو الأظهر ؛ لعدم قيام دليل على حجيته إلا مع اطمئنان النفس بعدمه ، فلا يبعد إلحاقه بالعلم ، بل الظاهر أنه يعدّ علما في العادة.

ثم في الاكتفاء بالعلم بخلوّ خصوص مقدار الغلوات وجهان مبنيّان على أن الواجب هو طلب الماء في خصوص الغلوات أو أن الغلوات هو ظرف الطلب دون المطلوب ، فيجب ملاحظة الخارج عن الغلوات عند الطلب أيضا.

الأحوط بل الأظهر الأخير ، وحينئذ فلا بدّ في سقوط الطلب من العلم في جميع المسافة التي تبيّن عدم الماء فيها بالطلب في الغلوات.

ثالثها : لو علم وجود الماء خارج الغلوات لزمه السفر إليه (1) مع بقاء الوقت وانتفاء الحرج ، قريبا كان أو بعيدا كما نصّ عليه كثير من الأصحاب.

وما دلّ على الطلب في الغلوات محمول على صورة الجهل.

وفي صحيحة زرارة المتقدمة دلالة عليه ، والظاهر أنه قضية الأصل ؛ لتقدم الطهارة المائية على الترابية ، والمفروض تمكنه من الاولى ، فلا يصحّ منه الأخير.

وقد يقال بأن الشرط في الانتقال هو عدم وجدان الماء كما هو مدلول الآية والروايات

ص: 249


1- في ( ألف ) : « وفيه » بدل « إليه ».

المستفيضة. وهو صادق بدون ذلك ؛ إذ مع بعد الماء عنه لا يصدق عليه عرفا أنه واجد للماء.

نعم ، لو كان الماء في الأماكن القريبة منه لم يبعد صدق الوجدان عليه في العرف وإن كان خارجا عن الغلوات ، لكن الأظهر بناء الحكم على التمكن ، وربما يفسر الوجدان [ به ] في الآية الشريفة.

وفي البحار (1) : أنه المستفاد من كلام محقّقي المفسرين من الخاصة والعامة كالطبرسي والزمخشري ، فتأمل إلا أنه يعتبر فيه عدم الحرج لما دلّ على نفيه ، فالحطاب والحشاش إذا حضرتهما الصلاة ولم يتمكنا من الماء إلا بالرجوع إلى البلد لم يجب في وجه قويّ مع بعدهما جدّا من البلد واستلزام فوات مقصودهما. وكذا لو كان الماء عكس طريق المسافر ، فتوقف على الرجوع من بعض المنازل .. إلى آخره.

وظاهر الآية الشريفة يدفعه.

رابعها : لو كان خاف على نفسه من الطلب من لصّ أو سبع في الطريق أو على ماله المتخلّف في رحله سقط عنه الطلب. ولو ارتفع الخوف باستصحاب معيّن وجب من باب المقدمة ولو بالاجرة ، وإن كانت زائدة على المعتاد ما لم يضرّ بحاله ، وإن حصل الإجحاف في وجه قويّ وكان زائدا على القدر الّذي يخاف فوته باللصّ.

وفي جواز الطلب وتفويته باللصّ وجهان ، وكذا الحال لو لم يتمكن من الطلب لموانع الاخر ، فتسقط المباشرة.

ولو اختصّ المانع في بعض الجهات أو ببعض المقدار سقط ذلك ووجب الميسور ؛ لعدم سقوط الميسور بالمعسور ولحصول بعض الفائدة فيه.

وقد يقال بالسقوط ؛ نظرا إلى عدم التمكن من تمام الواجب ووجوب البعض في ضمن الكلّ بالتبع ، فيسقط بسقوطه.

وفيه ما لا يخفى.

ص: 250


1- بحار الأنوار 78 / 134.

خامسها : لو عجز عن الطلب وتمكّن من الاستنابة وجب لحصول الغرض به وعدم مدخليّته فيه للمباشرة.

ومنه يعلم جواز الاستنابة مع الاختيار أيضا ؛ إذ هو كما عرفت مما اجتمع فيه شرائط متعلّق الوكالة ، فلا فرق بين صورتي الاختيار والاضطرار.

واستشكل فيه في الحدائق (1) على الثاني بأن ظاهر الأخبار توجّه الخطاب على فاقد الماء نفسه ، فقيام غيره مقامه يتوقف على الدليل.

وفيه ما عرفت ، مضافا على جريان ذلك في صورة الاضطرار ، وقضية الأصل فيه سقوط الطلب ظاهرا.

وهل يشترط فيه عدالة النائب؟ وجهان. واعتبره في الروض (2) ليصحّ الوقوف به شرعا في سقوط الواجب.

وهل يعتبر تعددهما لقيام خبر العدلين مقام اليمين؟ احتمالان. ولا يبعد القول بالاكتفاء بقول الواحد مطلقا ؛ لسماع قول الوكيل في ادّعاء الإتيان بما وكّل فيه كإخباره عن تطهير الثوب ، ومع المال ونحو ذلك.

نعم ، لو أوقع الطلب من غير توكيل ويضر به فالظاهر اعتبار العدالة والعدد ؛ لعدم دليل بيّن على الاكتفاء بخبر العدل في مثله إلا أن يقال بعموم ما دلّ على حجيّة خبر العدل في الحكم والموضوع ، وفيه تأمل.

وفي الحدائق بعد استشكاله في جواز الإشاعة مع الاختيار وحكمه بالجواز بل الوجوب مع العجز اشترط مراعاة العدالة (3) مع الإمكان.

وفيه أيضا ما عرفت ؛ إذ لو كان الواجب استنابة العدل لزم القول بالسقوط مع تعذّره ، وإلّا فالواجب الحكم بالجواز مع إمكان الطلب بنفسه أو استنابة العدل كما لا يخفى.

ص: 251


1- الحدائق الناضرة 4 / 253.
2- كما صرّح به في الحدائق الناضرة 4 / 253.
3- لم ترد في ( ب ) : « مراعاة العدالة ».

سادسها : لو أخلّ بالطلب الواجب حتى ضاق الوقت فإن تمكن من الطلب في البعض سقط التعذر ووجب بمقدار التمكن على ما مرّ ، وإن لم يتمكن منه أصلا سقط وصحّ تيممه وصلاته من غير لزوم إعادة عليه على الأقوى ، وإن أثم بالتأخير.

والوجه فيه واضح ؛ لسقوط الاشتراط مع الضيق.

غاية الأمر أن يكون آثما بإخراج نفسه عن عنوان المتمكن إلى العاجز ، وأطلق الشيخ والشهيد في الدروس عدم الإعادة لو أخلّ بالطلب الواجب ، فإن اريد بذلك عدم صحة تيممه ؛ نظرا إلى الإخلال بالشرط الذي هو الطلب ففيه منع ظاهر ؛ إذ المسلّم من الشرط إنما هو حال السعة.

وأيضا لا وجه حينئذ بسقوط الأداء ، ولا لفعله من دون الطهورين وبعد تعيّن فعله مع التيمّم الذي هو أحد الطهورين لا وجه لوجوب القضاء أيضا من دون نصّ عليه.

وقد يحمل كلامهما على حال السعة ، فيرتفع الخلاف.

وكذا يسقط الطلب لو ارتفع التمكن لموانع اخر من خوف العدوّ وحصول المرض إلا أنه لا إثم هنا لو لم يكن متوقع الحصول ، ومعه يجري ظاهر الخلاف المذكور مع التسامح التأخير.

وكذا يجري الكلام بالنسبة إلى من كان واجدا للماء فأراقه مع الانحصار أو أخرجه عن ملكه اختيارا في الوقت.

وقد أطلق الشهيد في غير واحد من كتبه وجوب الإعادة أيضا. ولا يبعد حمله على ما مرّ وعن غير واحد من الأصحاب فسادا. وكأنه لوجوب استعماله عليه ، وهو لا يقضي بالفساد لعدم اقتضاء النهي فساد المعاملة إن لم يكن تعلّقه من جهتها ، ولو فعل ذلك بطل الاكتفاء بغيره فلا إثم.

وينبغي القطع بصحة الصلاة إذن مع التيمّم.

ولو أهرقه قبل دخول الوقت مع علمه بعدم تمكنه منه في الوقت فلا مانع ؛ لعدم وجوب الطهارة عليه بعد. والقول بوجوب إبقاء الماء مع عدم وجوب الطهارة لا معنى له.

ولو قيل بوجوب الطهارة إذن قبل الوقت فهو مع مخالفته لظاهر الأصحاب - حيث

ص: 252

يخصّون الوجوب بما بعد الوقت - أنّ الطهارة إنما تطلب لأجل الصلاة ، والمفروض عدم وجوب الصلاة بعد ، فكيف يعقل وجوب مقدمته مع عدم وجوبه؟!

نعم ، لو قيل بوجوب الصلاة مطلقا من غير أن يكون الوقت من شرائط وجوبه لتمّ ذلك إلا أنه مخالف للأخبار وكلام الأصحاب ، بل الإجماع.

مضافا إلى ما دلّ من جواز الجنابة عمدا مع عدم وجدان الماء كالحسن : عن الرجل يكون مع أهله في السفر فلا يجد الماء يأتي أهله؟ فقال : « ما احبّ أن يفعل ذلك إلا أن يكون شبقا أو يخاف على نفسه » (1).

ورواه في مستطرفات السرائر (2) بزيادة قوله : قلت : يطلب بذلك اللذة؟ قال : « هو حلال .. » الخبر.

وفي رواية السكوني ، عن الصادق عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام عن أبي ذر رضى اللّه عنه أنه أتى النبي صلى اللّه عليه وآله فقال : يا رسول اللّه! هلكت جامعت على غير ماء. قال : فأمر النبي صلى اللّه عليه وآله بمحمل فاستترنا به وبماء فاغتسلت أنا وهي. ثم قال : « يا أبا ذر! يكفيك الصعيد عشر سنين » (3).

فإنّ فحوى الرواية ظاهرة الدلالة على جواز ذلك ، مضافا إلى ما ورد من أنه « أحد الطهورين » وأنه « جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » .. إلى غير ذلك.

وحينئذ يتيمّم بعد دخول الوقت ويصلي ، ولا إعادة عليه إجماعا كما عن منتهى المطلب (4).

وذهب بعضهم إلى حرمة إهراقه حينئذ أيضا بناء (5) لكون البقاء من مقدمة الواجب ، ولسببيّة ترك الواجب المحرم والمفضي إلى المحرّم محرّم ، ولما يظهر من عدة من الأخبار

ص: 253


1- تهذيب الأحكام 1 / 405.
2- السرائر 3 / 612.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 108.
4- منتهى المطلب 1 / 138.
5- لم ترد في ( د ) : « بناء ».

كالصحيح : عن الرجل يتيمم بالبلاد الأشهر ، ليس [ فيها ] (1) ماء من أجل المراعي وصلاح الإبل ، قال : لا » (2).

وفي صحيحة اخرى : فيمن أجنب في سفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا فقال : « هو بمنزلة الضرورة يتيمم ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه » (3).

وفي مرسلة المقنع : « إن أجنبت في أرض ولم تجد إلا ماء جامدا ولم يخلص إلى الصعيد فصلّ بالمسح ، ثم لا تعد إلى الأرض التي توبق فيها دينك » (4).

ومورد هاتين الروايتين وإن كان فيمن لم يتيسّر له الماء والصعيد إلّا أن فحواهما بل التعليل المذكور فيهما يعمّ المقام.

وأنت خبير بأن الأخيرة لضعفها مضافا إلى عدم وضوح دلالتها لا ينهض حجة ، والنهي فيها ليست صريحة في المطلوب ، بل ظاهرها يومي إلى الكراهة.

والصحيحة الاولى ليست صريحة في الحرمة ، فلتحمل على الكراهة ؛ جمعا بين الأدلة.

والاستناد إلى إفضائه إلى الحرام أو كونه من مقدمات الواجب أضعف شي ء كما لا يخفى.

ثم إنه يجري ما ذكر بالنسبة إلى نقض الوضوء قبل الوقت مع عدم وجدان الماء أو كان عنده ماء ولم يأخذ للاستعمال ، وكذا السفر قبل الوقت إلى موضع لا ماء فيه مع عدم تمكّنه من العود بعد دخول الوقت وما يشبه ذلك ، والكلام في الجميع واحد.

سابعها : لو تيمّم وصلّى ثم تبيّن وجود الماء في رحله أو أصحابه الباذلين أو قريبا منه ولو في الغلوات (5) أو خارجا عنها بحيث لو سعى إليه في الوقت تمكّن منه من دون حرج فإما أن يكون قد اجتهد وطلب الماء في الغلوات (6) أو لا ، وعلى التقادير فإما أن يكون عالما قبل ذلك

ص: 254


1- الزيادة من المصدر.
2- تهذيب الأحكام 1 / 405.
3- الكافي 3 / 76 ، باب الرجل يصيبه الجنابة فلا يجد الا الثلج أو الماء الجامد ، ح 1.
4- المقنع : 43.
5- في ( ألف ) : « الفلوات ».
6- في ( ألف ) : « الفلوات ».

بوجود الماء فنسيه أو كان جاهلا من الأصل.

ثم إنه إما أن يأتي بالتيمم في سعة الوقت أو ضيقه ، وعلى الأول فإما أن يكون عليه (1) بالماء قبل خروج الوقت أو بعده ، فإن صلّى مع الطلب ثم تبين بعد خروج الوقت وجود الماء خارج الغلوات فلا تأمل في صحة صلاته سواء كان ناسيا له أو جاهلا قد صلى في سعة الوقت أو ضيقه.

وكذا لو علم في ضيق الوقت بحيث لم يتمكن أداء الطهارة المائية بنفسه أو مع أخذ الماء من الموضع الذي فيه لو علم به ، فلا تأمل في الصحة من غير فرق بين الناسي وغيره.

وكذا لو فعله في السعة. وهو ظاهر كلام الأصحاب ؛ لحصول الامتثال وظاهر الإطلاقات وصدق الوجدان في بعض فروضه كما إذا كان في رحله ممنوع ؛ إذ الظاهر منه اعتبار العلم بالماء والتمكن من الاستعلام بحسب المعتاد. والمفروض (2) عدم العلم بعده.

وبنى في الحدائق على لزوم الإعادة في صورة النسيان ؛ أخذا بموثقة أبي بصير الآتية مع دعوى انجبارها بالشهرة. والظاهر أنه أعنى به شهرة العمل بها في الجملة ، وأما في هذه المسألة فلا نعرف قائلا به.

وفيه : أنه لا يقاوم تلك الإطلاقات المنجبرة بظاهر كلام الأصحاب ، فقد يحمل على الاستحباب أو على صورة ترك الطلب رأسا أو المسامحة فيه.

ومع الغضّ عنه فالمعارضة بينها وبين تلك الإطلاقات من قبيل العموم من وجه.

والشهرة وصدق الامتثال مرجّحة لها ، فالاحتياط فيه مما لا ينبغي تركه.

ولو ترك الطلب عمدا ، فإن تيمم في السعة فالظاهر فساده ؛ لعدم إتيانه به على النحو المشروع سواء كان الماء موجودا في الغلوات أو خارجا عنها.

ولو كان مما لا يمكنه الوصول إليه ؛ لظهور توقف التيمّم على الطلب.

ولو كان ساهيا في تركه أو ناسيا ففي صحة تيممه وجهان من سقوط التكليف بالطلب ،

ص: 255


1- في ( د ) : « علمه ».
2- في ( ألف ) : « والمفروض من ».

ومن أن ذلك عذر يسقط به العقاب والمؤاخذة فلا يترتب عليه الصحة.

والأوجه الثاني ؛ إذ الظاهر من الرواية وكلام الطائفة ثبوت الشرطية ، فبسقوطها بسبب العذر المذكور يحتاج إلى الدليل ، وإلحاقه بعدم المكنة من جهة الخوف من اللصّ وغيره قياس.

مضافا إلى موثقة أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام : عن رجل كان في سفر وكان معه ماء ، فنسيه وتيمم وصلّى ، ثم ذكر أن معه ماء قبل أن يخرج الوقت؟ قال : « عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة » (1).

وعن السيد والمحقق البناء على الصحة في صورة نسيان الماء ، واستدل له بعموم قوله عليه السلام : « رفع عن امتي الخطأ » (2).

وهو كما ترى.

وقد يفصّل في المقام بين كون الماء بحيث يمكنه تحصيله بالطلب ، ومن لا يكون كذلك ، فعلى الثاني يبنى على الصحة لتحقق عدم الوجدان قطعا.

ولا يخلو من (3) وجه.

ولو ضاق الوقت عن الطلب رأسا فالظاهر صحة الفعل وعدم لزوم الإعادة ؛ لسقوط الطلب حينئذ. وإن كان الماء بحيث لو علم به تمكن من استعماله لتحقق عدم الوجدان في تلك الحال من غير فرق بين تركه متعمدا أو ساهيا ، ولا كونه ناسيا للماء أو جاهلا.

وأطلق الشيخ الحكم بلزوم الإعادة فيمن ترك الطلب ، وقد كان ناسيا للماء في رحله ، فعلى ظاهر كلامه يجب الحكم بالإعادة في المقام. وهو المشهور بين الأصحاب.

والمستند فيه موثقة أبي بصير المتقدمة.

وهي كما ترى لا تدلّ عليه بوجه ، فالأظهر ما قلناه وفاقا لجماعة من المتأخرين منهم صاحب المدارك ؛ لما عرفت.

ص: 256


1- الكافي 3 / 65 ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ومن تيمم ثم وجد الماء ، ح 10.
2- الخصال : 417 ؛ التوحيد : 353.
3- في ( د ) : « عن ».

مضافا إلى أنه مجال للقول بسقوط التكليف بالأداء إلحاقا له بفاقد الطهورين المتعمد لفقدهما بعده عن مفاد الأدلة ، [ و ] القول بوجوب القضاء مع الأداء بعيد أيضا ، بل لا نظير له ظاهرا.

ثامنها : لو كان الماء موجودا عنده فأخلّ باستعماله حتى ضاق الوقت عن الطهارة المائية ففي الانتقال إلى التيمّم وإدراك الأداء أو التطهير بالماء والبناء على القضاء قولان ، أوّلهما مختار العلّامة وجماعة ، والثاني مختار المحقق.

والأقوى الأول. ولا فرق بين أن يكون ذلك من جهة عدم اتّساع الوقت للطهارة المائية نفسها أو من جهة مقدماتها كإزالة النجاسة.

ولو كان من جهة إزالة المانع عن وصول الماء ، فالظاهر حينئذ سقوط غسل محلّ المانع كما مرّ إلا أن يستوعب العضو ، ففيه الإشكال المتقدم.

ويدلّ على ما قلناه الإطلاقات الدالّة على تعيين التيمّم عند عدم التمكن من الماء ، والمفروض عدم حصول التمكن لفوت الصلاة بفعل المائية.

كيف ولو لا ذلك لوجب القول بسقوط الصلاة إذن أو تكليفه بها من دون طهارة أو معها.

والأخيران واضح الفساد ، والأول مخالف للأخبار ، ولما هو معلوم من أن مشروعية التيمّم إنما هو لأجل عدم فوت الأداء ، وإلا لجاز ترك الصلاة ، وانتظار حصول الماء للتمكن منه غالبا بعد خروج الوقت.

وكون نفسه سببا لفوت المائيّة اختيارا لا يوجب الفرق ؛ إذ غاية الأمر حصول الإثم. وقد مرّ نظيره.

والقول بعدم جواز التيمّم في مثله ولو كان من غير اختياره - كما لو استيقظ في آخر الوقت بحيث لم يمكنه إدراك الصلاة إلا متيمما - ضعيف جدّا سيّما إذا كان من جهة بعض مقدمات تحصيل الماء كاستقائه من البئر ونحوه.

ولا يبعد انتفاء الخلاف في هذه الصورة ؛ إذ لو أوجب السعي إلى الماء خروج الوقت تعيّن التيمّم بالاتفاق.

ص: 257

والفرق بين القريب والبعيد في ذلك مما لا يعقل فارقا في المقام.

وقد عرفت بما ذكر ضعف ما حكي عن المحقق الكركي (1) من التفصيل بين ما إذا كان الماء حاضرا عنده ولم يتمكن من المائية من جهة ضيق الوقت وما إذا لم يكن الماء عنده بحيث لو سعى إليه فات الوقت.

وأنت خبير بأنه إذا كان المناط في الوجدان هو التمكن من الاستعمال وإدراك الوقت فهو غير حاصل في المقامين ، وإن كان عدم صدق القدرة على الماء وجدانه فلا فرق أيضا إلّا أن يكون بعيدا عنه جدّا بحيث لا يعدّ في العرف واجدا. وهو لا يلتزم به.

ثم انه يجري الكلام المذكور في سائر شرائط الصلاة المذكور الساقطة حال الاضطرار كطهارة الثوب أو البدن والساتر وتعلّم القراءة والعلة ، والظاهر في الجميع ما ذكرناه. ويأتى على القول الآخر فسادها على تلك الحال.

تاسعها : لو وجد من الماء ما لا يكفيه إلا لبعض أعضائه انتقل الحكم إلى التيمّم بلا خلاف فيه ظاهرا ، ومحكيا في ظاهر منتهى المطلب (2) وذكرى الشيعة حيث نسباه إلى علمائنا بل ظاهرهما حكاية الإجماع على سقوط غسل البعض أيضا حيث جعلاه بحكم العدم. وهو كذلك.

وقد يحكى عن الشيخ في بعض أقواله التبعيض. وحكي القول به من العامة.

وهو ضعيف جدّا سواء أريد به البعض في الغسل خاصة وإن أتى بالتيمم تامّا أو الاكتفاء به عن الكلّ أو التبعيض بين المائية والترابية.

وقد دلّت المعتبرة المستفيضة على سقوط الغسل مع انتفاء ما يكفيه من الماء لغسله وإن كفى للوضوء.

نعم ، لو أخلّ (3) في خصوص الغسل ؛ نظرا إلى عدم اشتراطها بالموالاة حصول الماء

ص: 258


1- جامع المقاصد 1 / 467.
2- منتهى المطلب 1 / 133.
3- في ( د ) : « ظنّ ».

بالتدريج بحيث يدرك آخر الوقت متطهرا تعيّن غسل البعض والانتظار ، وإن كان بحيث يلحقه الباقي بعد خروج الوقت لم يجب عليه ذلك ، وإن أدرك به الصلاة اللاحقة إذ لا يجب (1) الطهارة لها قبل دخول وقتها كما مرّ.

ولو شكّ في اللحوق في الوقت ففي وجوب استعماله مع عدم إمكان حفظه وانتظار آخر الوقت وجهان ؛ احتمله العلّامة وغيره.

ويجري الوجهان في وجوب حفظ ذلك الماء لو أمكن مع احتمال حصول ما يكمله خاصة للوضوء والغسل.

ولو وجب عليه كلّ من الوضوء والغسل وكفى الماء لإحدى الطهارتين فلا تأمل في وجوب الإتيان به والتيمّم للأخرى ، ولو اكتفى به لكلّ من الغسل والوضوء منفردا فالظاهر تقديم الغسل والتيمّم عن الوضوء.

والأحوط إذن تقديم الغسل على التيمّم ، واحتمل بعضهم التخيير بين الأمرين لكون كل منهما فرضا مستقلا ، وهو بعيد.

عاشرها : لو توقّف الاكتفاء بما يجده من الماء على فرجه بالمضاف على وجه لا يسلبه الإطلاق ففي وجوب ذلك قولان. والعدم مختار الشيخ ؛ لصدق عدم وجدان الماء المعتبر في مشروعية التيمّم ، والتمكن من إيجاد الماء ليس وجدانا له.

وإليه يميل كلام فخر المحققين واختاره بعض المتأخرين ، وقطع العلّامة في المختلف بالوجوب.

ويدلّ عليه صدق التمكن من الماء وأنّ الطهارة بالماء واجبة ، فيجب مقدمته.

وأورد عليه بأن شرط التيمّم في الآية ليس مطلق عدم التمكن ، بل عدم الوجدان المتحقق في المقام وأن وجدان الماء من شرائط وجوب المائية ، فلا يجب إيجاده لأجلها ؛ لعدم وجوب مقدار الواجب المشروط.

ص: 259


1- لم ترد في ( ب ) : « إذ لا يجب ... إمكان حفظه ».

وفيه أن الظاهر من الوجدان في المقام هو التمكن من الماء كيف كان كما يومي (1) إطلاق الأمر بالوضوء والغسل مقدّما عليه القاضي بوجوب تحصيل مقدمته حسب الإمكان.

كما هو أيضا معلوم في المقام من فتاوى الأصحاب ، وكأنّ ذلك هو الوجه في حمل الآية على ذلك كما حكي من أساطين المفسّرين كالطبرسي والزمخشري. وحينئذ فيدفع الإيرادان المذكوران.

كيف ، ولو لا ذلك لما وجب إذابة الثلج ونحوه ؛ لعدم وجود الماء عنده قبلها ، ولما وجب الوصول إليه من الأماكن البعيدة أو حفر البئر لإخراجه مع عدم صدق الوجدان قبله.

وما يرد (2) على ذلك من بيان الفارق من الوصول إلى الماء الموجود بحفر ونحوه ، وبين إيجاده بعد عدمه بيّن الوهم ؛ لعدم تعليق التيمّم في الآية لوجود الماء ليتمّ الفرق المذكور ، وإنما المعلّق عليه الوجدان (3) ، وهو غير متحقق قبل الوصول إليه بالأسباب المذكورة.

نعم ، لو كان الماء قريبا منه أمكن القول بصدقه ، وهو غير مورد النقض. على أنه لا يتمّ فيما ذكرناه من إذابة الثلج لعدم وجود مسمّى الماء قطعا.

حادي عشرها : لو طلب الماء قبل الوقت فإن علم بعد الوقت عدم تجدّد شي ء اكتفى به ، ولو احتمل تجدّده لزمه تجديد الطلب في وجه قويّ ؛ إذ الأمر بالطلب إنما هو بعد دخول الوقت والاكتفاء بما قبله (4) غير معلوم ، فينبغي على عدمه لو طلب لصلاة واحدة ، فالظاهر الاكتفاء به لما يأتي من الصلاة حضر وقتها أولا.

وحكم الفاضل في عدة من كتبه بلزوم إعادة الطلب لما دخل وقتها ما لم يعلم عدم تجدّد شي ء. وكأنّ الوجه فيه لزوم الطلب له أيضا ، فلا يسقط بالطلب لغيره إلا مع العلم بعدم التجدد.

ص: 260


1- زيادة في ( د ) : « إليه ».
2- في ( د ) : « يورد ».
3- في ( ألف ) : « والوجدان ».
4- في ( د ) زيادة : « حينئذ ».

ويدفعه أن لزوم الطلب إنما هو لأجل التيمّم من غير مدخليّة فيه للصلاة ، فإذا صحّ تيمّمه أتى به ما شاء من الصلوات ما لم يجد ماء كما هو قضية الإطلاقات. ويحتمل الاكتفاء به أيضا لو تيمّم قبل الوقت لغير الصلاة فدخل وقتها.

ثاني عشرها : لو كان في بدنه نجاسة وكان محدثا ولم يكن له من الماء ما يكفيه للأمرين ، فإن كانت النجاسة في محلّ الطهارة فلا تأمّل في تقديم الإزالة ، وإن كانت في غيره فالمعروف بين الأصحاب تقديم إزالة الخبث.

وفي التذكرة (1) كالمحكيّ عن المعتبر والمنتهى (2) الإجماع عليه ؛ نظرا إلى وجود بدله بخلاف الإزالة إلا أن المفروض فيها خصوص التيمّم عن الوضوء. وقضية التعليل عدم الفرق. وليس له غيره.

وظاهر التذكرة إجماع الطائفة عليه حيث حكى الخلاف فيه عن بعض العامة.

ويمكن المناقشة في الوجه المذكور بأن الانتقال إلى تبدّل الماهية مشروط بعدم وجدان الماء ، والمفروض حصوله في المقام.

ووجوب صرفه في الإزالة إنما يكون مانعا بعد ثبوته ، وليس ذلك أولى من القول بسقوط وجوب الإزالة المشروطة بالوجدان من جهة وجوب رفع الحدث به.

والحاصل أن كلّا من رفع الحدث وإزالة الجنب مشروط بالتمكن من الماء ، والمفروض حصوله لأحدهما ، فالترجيح متوقف على الدليل ، [ و ] وجود مجرّد البدل المترتب على عدم وجدان الماء لا يكفي مرجّحا ، فقضية الأصل التخيير بين الأمرين.

ومن هنا تأمّل بعض المتأخرين في الحكم المذكور.

نعم ، قد يقال بأن وجود البدل من المائية قد يعطي مزيد عناية الشرع إذن بالإزالة (3) الخالية عنه ، فيقدّم عليه ، مضافا إلى الإجماعات المحكية عليه وموافقة للاحتياط ، والأحوط

ص: 261


1- تذكرة الفقهاء 1 / 5.
2- منتهى المطلب 1 / 23.
3- في ( ألف ) : « العناية » بدل « الإزالة ».

إذن الإتيان بالإزالة أوّلا ثم التيمّم.

هذا ، ولا يذهب عليك أن ذلك إنما هو مع التمكن من التيمّم ، ولو من آخر مراتبه في وجه قوي ، وأما مع العجز عنه مطلق (1) فلا شبهة في تقديم الرفع.

ص: 262


1- كذا ، والظاهر : « مطلقا ».
تبصرة: [ في عدم الوصول إلى الماء ]

من أسباب العجز عن الماء عدم الوصلة إليه وإن وجد ، ككونه في بئر لا آلة له في الوصول إليه أو عند شخص لا يبذله له لا ببيع ولا غيره أو لا يكون واجدا لثمنه أو يكون بينه وبين الماء مسافة يكون عليه حرج في قطعه وإن كان قريبا كما إذا كان مريضا لا يمكنه المشي ، ونحو ذلك مع عدم التمكن من إرسال الغير إلى غير ذلك.

وتنقيح المبحث يتمّ برسم أمور :

أحدها : لو كان الماء في بئر ولا آلة يتمكن من الاغتراف ولم يتمكن من الوصول إلى الماء إلّا (1) بمشقة وهو (2) بنفسه تيمم بلا خلاف فيه من الأصحاب.

وفي منتهى المطلب أنه قول علمائنا أجمع.

والوجه فيه - بعد الإجماع ظاهرا ومحكيا ، وما دلّ على نفي الحرج - المعتبرة المستفيضة كالصحيح : عن الرجل يمرّ بالركية وليس معه دلو؟ قال : « ليس عليه أن يدخل الركية لأنّ رب الماء هو رب الأرض فليتيمم » (3).

ونحو منه ما في الصحيحة الأخرى ، وحسنة الحسين بن أبي العلاء (4).

وإطلاق هذه الأخبار محمول على ما هو الغالب من تفسير النزول إلى البئر أو منّة (5)

ص: 263


1- في ( ألف ) : « لا ».
2- في ( د ) : كلمة غير واضحة لم نفهمها.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 105.
4- الكافي 3 / 64 ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ومن تيمم ثم وجد الماء ، ح 7.
5- كذا تقرأ الكلمة في ( د ).

بالنفس ، فلو صلّى عن ذلك فالظاهر وجوبه لتوقف الواجب عليه.

نعم ، لو كان جنبا ولم يكن عنده آنية يكتفي بما يغرف بها ، فظاهر الصحيحة الثانية المنع عن النزول في الماء ؛ لقوله عليه السلام : « ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم » (1).

وكأنّه مبني على نجاسة البئر ، وعلى استكراه منه ، فيوجب الضرر على الناس أو كان في وقوعه إفساد للماء بوجه آخر كانخباطه بالطين وإفساده بالتغيّر مع كون الماء ملكا للغير أو كونه في تصرفهم أو وقفا يوجب ذلك ، ولا ضرار بالموقوف عليهم.

فلو خلي من جميع ما ذكر فالظاهر وجوب النزول ؛ أخذا باطلاق الوجدان.

ولو كان البئر ملكا له وأوجب النزول فيه نقصا فيه من جهة المالية دار مدار الإضرار بحاله وعدمه.

ولو أمكنه تكليف الغير بالنزول من دون تحمل منّة (2) منه وجب. وكذا لو طلب منه الأجرة إن لم يكن مضرة بحاله وإن أجحف فيه.

وكذا الحال في الآلة الموصلة إلى الماء استعارة أو استيجارا أو شراء ، نفيا وإثباتا.

ولو تمكن من أمر مملوكه فالظاهر أنه يدور مدار المشقة والحرج بالنسبة إليه ، فإن ثبت سقط عنه التكليف ؛ إذ لا يجب تكليفه بما يوجب الحرج عليه.

ولو تمكن من حفر طريق إلى الماء بنفسه أو معاونة غيره بما لا ضرر عليه وجب إن كان الأرض ملكه أو مباحا أو تمكن من استيذان المالك ، ولو توقف ذلك على اجتماع الجماعة الفاقدين على الحفر من دون تمكن كل منهم بذلك ، فإن أقدم بذلك من يكتفي بمعونتهم وجب عليه قطعا.

وهل يجب عليهم الاجتماع من أوّل الأمر؟ وجهان من عدم حصول المكنة بالنسبة إلى كلّ واحد ، وحصولها مع الاجتماع ، فيجب من باب المقدمة.

وهو الأظهر ، فعلى هذا يجب عليه إجبار الباقين مع التخلف إن تمكن منه.

ص: 264


1- الكافي 3 / 65 ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ومن تيمم ثم وجد الماء ، ح 9.
2- زيادة لفظة : « منّة » من ( د ).

ويجري الكلام المذكور بالنسبة إلى سائر أسباب الوصلة كشراء الماء أو الآلة ونحو ذلك.

ومنه ما لو كان عند كلّ منهم قطعة حبل ونحوه يتمكن بوصل الجميع من الوصول إلى الماء.

ولو تمكن من الوصول إلى الماء بشدّ الثياب بعضها إلى بعض وجب.

ولو توقف على شقّ بعضها وجب مع انتفاء النقص المتفاحش وإلّا فإن أضرّ بحاله وسقط أو مع عدمه ففيه وجهان ؛ من توقف الواجب عليه ، ومن كونه تضييعا للمال.

ويجري ما ذكر فيما إذا توقف سعيه إلى الماء على إتلاف بعض أمواله.

ثانيها : لو كان الماء موجودا وعدم الثمن الذي يرضي صاحبه بنقله به فهو كفاقد الماء ، وهو مما لا خلاف فيه ولا إشكال.

نعم ، لو تمكّن من اكتساب الثمن وجب عليه من باب المقدمة إن وفي الوقت به ، وإلا فلا وجوب كما مرّ.

ولو تمكن من الاقتراض أو الشراء نسيئة فإن كان له بعد ذلك ما يفي به من دون إضراره بحاله وجب ، والقول بكون نفس القرض ضررا فاسدا وإن لم يكن له ذلك ، وكان له مظنة بحصوله ولو من الزكاة ونحوها فالظاهر أنه كذلك ، وإلا فالظاهر عدم لزومه. وقيل بدوران الأمر مدار الإعسار (1) وعدمه. ولو تمكن من الثمن وكان دفعه مضرا بحاله فالمعروف بينهم سقوط المائية.

وعزاه في المعتبر إلى الأصحاب مؤذنا (2) باتفاقهم عليه ، فإن كان الضرر المفروض بدنيّا أو عرضيا في الحال أو في المال فلا تأمل في السقوط.

وكذا لو كان خوفا من تلف ماله الآخر بما لا يعدّ ضررا في العرف في (3) وجه قوي.

وإن كان المضرّ بحاله مجرّد الثمن المدفوع ، فالظاهر أنه كذلك ، وهو المعروف من مذهبهم

ص: 265


1- في ( ب ) : « الاعتبار ».
2- في ( ألف ) و ( ب ) : « موذونا ».
3- زيادة : « في » من ( د ).

كما عرفت ؛ لما دلّ على نفي الضرر والحرج حيث إن ذلك من أعظم المضار.

كيف ، ويظهر من ملاحظة الأخبار الانتقال إلى التيمّم بأدنى ضرر ، بل والخوف منه.

وعن السيد وابن سعيد دورانه مدار التمكن. وظاهره عدم ملاحظة الإضرار إلا أنه لا (1) يأبى الحمل على ما ذكرناه ، وقد أفتى بظاهره بعض المتأخرين مصرّحا بوجوب الشراء وإن كان مضرا بحاله ؛ لتمكنه من الشراء ، فيجب من باب المقدمة.

واحتجّ عليه بظاهر الإطلاقات الآتية (2) وإطلاقات (3) الآية الشريفة وغيرها ، وهي منزلة على صورة عدم الإضرار بالحال ؛ لما عرفت.

نعم ، لو انحصر طهوره بذلك بأن كان فاقدا للتراب فقد يقال بتعيّن الشراء عليه ؛ لفقدان البدل وشدّة اهتمام الشرع بأمر الصلاة إلا أنه لا يبعد إلحاقه بفاقد الطهورين ، فلو دار أمره إذن بين شراء الماء أو التراب وكان دفع قيمة الماء مضرّا بحاله تعيّن شراء التراب وإن لم يكن الضرر منوطا بالتفاوت بين القيمتين.

ولو كان الماء ملكه فباعه بأضعاف قيمته ، فهل يجب عليه الفسخ لو رضي الآخر به أو كان له خيار في الفسخ إذا كان الفسخ مضرّا بحاله وجهان.

ثم إن قضية ما ذكرناه عدم الفرق بين كونه زائدا على قيمة مثله في ذلك المكان أو لا.

وحينئذ يفرق بين كونه مالكا لنفس الماء وقيمته ، فيجب على الأول صرفه في الطهارة ، ولا يجب شراؤه بالقيمة فتأمل فيه.

ولو لم يكن مضرا بحاله وبلغ حدّ الاجحاف فذهب جماعة من الأصحاب منهم الفاضلان والشهيد إلى سقوطه أيضا. وهو أيضا (4) من الضرر المنفي. و (5) في المعتبر (6) بعد ما

ص: 266


1- لم ترد في ( ب ) : « لا ».
2- لم ترد في ( ب ) : « الآتية وإطلاقات ».
3- في ( د ) : « وإطلاق » بدل « وإطلاقات ».
4- لم ترد في ( ب ) : « وهو أيضا ».
5- زيادة : « و » من ( د ).
6- لم ترد في ( ب ) : « في المعتبر ».

جعل السقوط دائرا مدار الإجحاف وعدمه.

[ و ] احتج عليه بأن من خشي من لصّ أخذ ما يجحف به لم يجب السعي وتعريض المال للتلف ، وإذا تيمم هناك دفعا للضرر جاز هنا.

ثم ذكر رواية يعقوب بن سالم الدالة على عدم وجوب السعي إلى الماء وعلى غلوتين من يمين الطريق ويساره أو نحوهما لئلا يغرر بنفسه ، فيعرض له لص أو سبع (1).

وأنت خبير بأن حمل الشراء على ذلك قياس ؛ مضافا إلى وجود الفارق بينهما ؛ إذ لا يناط خوف اللص بالاجحاف أخذا بظاهر النصّ ، ومع عدمه فهو غير قائل به أيضا.

وذهب غير واحد من الأصحاب إلى عدم العبرة بالاجحاف ولزوم الشراء. وهو الأظهر ؛ أخذا بظاهر الإطلاقات وعدم حصول الإضرار بالنسبة إلى حاله.

ودعوى مجرد كون الإجحاف ضررا غير معلوم ، مضافا إلى الصحيح : سألت أبا الحسن عليه السلام : « عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء ، فوجد قدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو ألف درهم وهو واجد لها ، يشتري ويتوضأ أو يتيمم؟ قال : « لا ، بل يشتري ، قد أصابني مثل ذلك فاشتريت وتوضّأت وما يسرّني بذلك مال كثير » (2).

وهو صريح في الشراء في صورة الإجحاف.

ومن الغريب احتجاج الفاضل (3) بها لوجوب الشراء مع عدم الإجحاف.

ولو لم يصل إلى حدّ الاجحاف فإن كان بقدر ثمن المثل فلا خلاف في وجوب الشراء ، وإن زاد عليه فالمعروف منهم الوجوب أيضا.

وفي التذكرة (4) أنه المشهور.

وعن الإسكافي القول بسقوط الوجوب لأنه يجوز له التيمّم لحفظ المال ، فلا يناسب

ص: 267


1- تهذيب الأحكام 1 / 184 ، نقله المصنف بالمعنى.
2- الكافي 3 / 74 ، باب النوادر ، ح 17.
3- كشف اللثام 2 / 444.
4- تذكرة الفقهاء 1 / 61.

وجوب الشراء بأكثر من ثمن المثل.

وهو كما ترى ، مضافا إلى ما عرفت من النصّ.

ثالثها : نصّ جماعة من الأصحاب بأنه لو بذل له الماء هبة وجب عليه القبول بخلاف ما لو بذل (1) ثمنه أو الآلة الموصلة إليه.

نعم ، إن أعاره الآلة وجب القبول. قالوا : والفارق في الجميع حصول المنّة وعدمه. قلت : فالأظهر إذن دوران الحكم مدارها وجودا وعدما ، فربما يحصل المنّة في بذل الماء وربما لا تحصل في بذل الثمن ، وكذا الحال في غيرهما ، بل لا يبعد أن يقال بأن تحمّل مطلق المنّة لا يعدّ ضررا فيدور الحكم مداره ، وهو مما يختلف فيه الأشخاص من الطرفين ، فربّ شخص لا يعدّ تحمل المنّة العظيمة حرجا بالنسبة إليه ، وآخر لا يتحمل أدنى منّة من الغير.

ويجري ذلك في الاستيهاب والاستعارة ونحوهما. وحكم في التذكرة (2) بوجوب استيهاب الماء.

وفي إطلاقه ما عرفت ، مضافا إلى ما فيه من التزام المهانة في بعض الأحيان.

رابعها : لو عارض بذل (3) الثمن عن الماء واجب مضيق كأداء الدين مع انحصار المال فيه قدّم الأهم عند الشرع ، ففي نحو المعارضة بينه وبين حقّ الناس يقدّم حق الناس ، وفي غيره أيضا يلاحظ خصوصية الواجب.

وعند انحصار الطهور في الماء المفروض ودوران الأمر بين الشراء وترك الصلاة يتقوّى الاهتمام به ، فيقدّم على كثير من الواجبات.

ولو تعيّن صرفه في غير الماء فخالف صرفه فيه أثم وصحّت المعاملة.

وقد يأتي على القول بفساد البيع في المسألة المتقدّمة فساد الشراء هنا ، وهو ضعيف.

ولو التزم بالضرر في المسائل المتقدمة وحصل الماء وجب عليه الوضوء وإن لم يجب عليه

ص: 268


1- زيادة في ( د ) : « له ».
2- تذكرة الفقهاء 1 / 61.
3- في ( ألف ) : « بذلك ».

التحصيل ، فثبت التخيير بين الوضوء والتيمّم في كثير من الفروض المتقدمة.

وربما يقال بوجوب التيمّم عينا قبل تحصيل الماء في وجوب الوضوء كذلك بعده ، فلا تخيير.

خامسها : من منعه الزحام يوم الجمعة وعرفة من الخروج من المسجد تيمّم وصلّى بلا خلاف فيه فيما أعلم كما في الحدائق (1).

والأصل في الحكم المزبور موثّقة سماعة : عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام أنه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من كثرة الزحام ، قال : « يتيمم ويصلي معهم ويعيد إذا انصرف ».

وقوية السكوني : عنه عليه السلام ، عن أبيه عليه السلام ، عن علي عليه السلام ، أنه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة (2) لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس ، قال : « يتيمم ويصلي معهم ويعيد إذا انصرف » (3).

وروى الراوندي بإسناده ، عن موسى بن جعفر عليه السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، قال : « سئل علي عليه السلام عن رجل يكون في زحام في صلاة جمعة أحدث ولا يقدر على الخروج؟ قال : يتيمم ويصلي معهم ويعيد » (4).

والكلام هنا في أمرين :

أحدهما : أن الزحام إذا كان في يوم الجمعة وخاف فوت الصلاة بالتأخير نظرا إلى ضيق وقتها فالتيمّم جار على القاعدة (5) بعد حمل الصلاة على صلاة الجمعة كما هو الظاهر.

وأما يوم عرفة فلا يجرى الكلام المذكور ؛ إذ غاية الأمر عدم التمكن من الماء في تلك

ص: 269


1- الحدائق الناضرة 4 / 247.
2- في المصدر زيادة : « فأحدث أو ذكر أنه على غير وضوء و ».
3- تهذيب الأحكام 3 / 248.
4- مستدرك الوسائل 2 / 525.
5- لم ترد في ( ب ) : « القاعدة ».

الحال ، وهو لا يقضي بانتقال الحكم إلى التيمّم.

واحتمل العلامة المجلسي (1) جواز التيمّم فيه لإدراك فضل الجماعة لا سيّما الجماعة المشتملة على تلك الكثرة العظيمة الواقعة في مثل هذا اليوم الشريف. قال : لكن لم أجد قائلا به.

والمشهور الحكم بالصحة في صلاء الجمعة الواقعة كذلك ، وحمل الأمر بالإعادة على الاستحباب.

وثانيهما : أن الحكم باعادة الصلاة بعد ذلك مما اشتمل عليه بالنصوص المذكورة ، وقد أفتى به الشيخ وجماعة إلّا أنه غير جار على القواعد ؛ إذ لو حكم بصحة الفعل المتقدم فقد أجزأ. ولا وجه إذن لوجوب الاعادة ، وإلّا فلا يتّجه الأمر بالتيمم والتلبس بالعبادة.

واحتمل العلامة المجلسي (2) حمل الأخبار المذكورة على ما إذا كانت الصلاة مع المخالفين كما هو المتداول عن إقامتهم للجمعة والجماعات ، فإذا لم يمكنه الخروج ولا ترك الصلاة خوفا منهم يتيمم ويصلّي ، ثم يعيد.

واختاره بعض المتأخرين في حمل الخبرين مصرّحا بأن المأتيّ به إنما هو صورة الصلاة ، وردّ ما ذكر في انطباق الحكم في التيمّم على القاعدة ( في صلاة الجمعة بأنّ الجمعة إنّما يصلّي معهم ظهرا. وحينئذ فيجري فيه حكم الظهر ، ووجّه الأمر بالتيمّم مع ذلك بأنّ رواية مسعدة بن صدقة ) (3) تدلّ على المنع من الإتيان بصورة الصلاة محدثا ، فقد يكون الوجه فيهما أيضا ذلك. فعلى هذا تنطبق الروايتان على القواعد.

قلت : ويشكل ذلك بأن الصلاة الواقعة على جهة التقية الصحيحة مجزية كما هو قضية الأخبار وفتاوى الأصحاب ، فلا يتّجه الأمر بالاعادة أيضا.

ويمكن أن يقال : إن عمل التقية إنما يحكم بصحته مع وقوعه موافقا لمذهب من يتّقى منه ،

ص: 270


1- بحار الأنوار 78 / 164.
2- بحار الأنوار 78 / 163.
3- لم ترد ما بين الهلالين في ( ألف ) واضفناها من ( د ) و ( ب ).

فلا يتّجه الحكم بالصحة في المقام. ولو تمّ فإنما يتمّم بالنسبة إلى زحام الجمعة.

وفيه أيضا ما عرفت من أنه إنما يؤتى بها ظهرا ، فالبناء على الصحة فيه أيضا مشكل ؛ إذ جواز التيمّم عندهم - لو قالوا به - فإنما هو في الجمعة ، والمفروض عدم الإتيان بها ، فإذن يشكل الحكم في المقامين إلا أن يقال : إنه مع تعيين الفعل للتقية يتعيّن الواجب ، ومعه يجب الطهارة (1) لأجلها ، فإذا تعذر المائية تعيّن بدلها.

وكيف كان ، فالمتّبع في المقام هو البناء على القواعد ، فحينئذ إن بني على صحة الصلاة الأولى كان الأمر بالإعادة على جهة الندب ، وإلا كان على ظاهره من الوجوب.

ص: 271


1- في ( ب ) : « الصلاة » بدل « الطهارة ».
تبصرة: [ في خوف الضرر من استعمال الماء ]

من أسباب العجز عن الماء أن يكون في استعماله أو في السعي إليه خوف الضرر من مرض أو زيادته أو بطوء برئه أو عطش شديد لا يتحمّل في العادة أو خوف الهلكة ونحو ذلك.

وكون ذلك في الجملة سببا للانتقال إلى التيمّم مما لا خلاف فيه إلا أن توضيح خصوصياته وبيان ما لعلّه وقع الاشكال فيه من جزئياته يستدعي رسم أمور :

الأول : لو كان في سعيه خوف الهلاك من سبع أو عدوّ ويخاف منه على نفسه ، فلا شكّ في سقوطه والرجوع إلى التيمّم ، وكذا لو خاف على عرضه أو من أذاه بما لا يتحمّل في العادة كالأسر والضرب ونحوهما.

وإن أمن القتل أو خاف على ماله كلصّ يصادفه أو عدوّ معرضه لا يخاف منه على غير المال ( سواء كان في ذهاب ماله ضرر عليه من جهات اخر أولا في ظاهر كلام الأصحاب ، بل صريحهم.

وفي التذكرة : لو كان بقربه ماء و ) (1) خاف أن سعى إليه على نفسه من سبع أو عدوّ أو على ماله من غاصب أو سارق جاز له التيمّم إجماعا.

وفي منتهى المطلب (2) بعد ذكر الخوف على النفس أو المال من اللصّ والسبع والعدوّ ونحوهما أنه كالعادم لا نعرف فيه خلافا.

واستشكل في الحدائق في خصوص الخوف على المال مع اعترافه بكونه مما اتفق عليه الأصحاب ؛ نظرا إلى عدم وروده بالخصوص في شي ء من الأخبار ، وأن قضية الإطلاقات فيه

ص: 272


1- الزيادة بين الهلالين من ( د ).
2- منتهى المطلب 1 / 134.

وجوب السعي لتوقف الواجب المطلق عليه.

وذكر أن الاستناد على ما دلّ على وجوب حفظ المال وصيانته معارض بما دلّ على وجوب الوضوء والغسل من الآية والرواية مع صراحتها ووضوحها ، فيجب تقديم العمل بها وإرجاع ما خالفها على غير (1) تلك الصورة ثمّ (2) منع من وجوب حفظ المال في تلك الحال.

وأنت خبير بوهن ذلك ؛ إذ الظاهر الاكتفاء فيه بما دلّ على نفي الضرر والحرج ؛ إذ التعرض لذلك من أعظم الحرج سيّما إذا كان المأخوذ منه مضرّا بحاله ، وما دلّ على وجوب حفظ المال المعتضد بفتوى الطائفة والاجماعات المنقولة المؤيّدة بعدم ظهور الخلاف فيه بعد القضاء به.

والقول بمعارضتها بما دلّ على وجوب الوضوء والغسل مدفوع بأن أقصى مراتب المعارضة الرجوع إلى المرجّحات ، ولا شكّ في ترجيحها لجانب المشهور ؛ لاعتضادها بالشهرة من الإجماع.

والقول بصراحة تلك العمومات غير واضح ؛ إذ لا وضوح في إطلاقها بالنسبة إلى الصورة المذكورة ، مضافا إلى ما رواه في الدعائم عنهم صلوات اللّه عليهم : في المسافر إذا لم يجد الماء إلا بموضع يخاف فيه على نفسه إن مضى في طلبه من لصوص أو سباع أو ما يخاف منه التلف والهلاك « يتيمم ويصلي ».

فإنّ ذكر الخوف من اللصوص يشهد بأن المراد من الخوف فيه أعمّ من الخوف على المال ، وإطلاق الخوف على النفس على ما يعمّه شائع في العرف ؛ لرجوع الضرر على نفسه.

وفي رواية يعقوب بن سالم : عن رجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك؟ قال : « لا أمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع » (3).

ص: 273


1- لم ترد في ( ب ) : « غير ».
2- زيادة : « ثمّ » من ( د ).
3- الكافي 3 / 65 ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ، ح 8.

وقد احتجّ بها الأصحاب على نحو (1) ذلك.

وفي دلالتها على ذلك إشكال ؛ إذ التغرير بالنفس تعريضها للهلاك إلا أن يقال بأن المفهوم منها عرفا في المقام ما يعم ذلك ، سيّما بملاحظة (2) فهمهم منها.

قلت : ما ذكر من الوجوه ظاهرة (3) الدلالة على المقصود فيما إذا كان المأخوذ منه مضرّا بحاله أو كان عليه في التعرض لذلك إهانة أو حرج لا يتحمل في المعتاد كما هو الغالب في التعرض للسرّاق وقطّاع الطريق ، بل (4) الظاهر أنه المتيقّن من الإجماع المنقول في المقام.

فلو خلّي من ذلك كلّه فقضية الأصل فيه وجوب تحصيل الماء كما إذا منع الجائر الخروج إلى الماء إلا لمن بذل مبلغا من المال ، وكان غير مضر بحاله. ونحوه ما إذا غصب ماءه المملوك وتوقف استنقاذه على شرائه منه أو منعه من أخذ الماء المباح ، ولم يمكن الاستيذان منه إلّا ببذل المال ، فلا يبعد في ذلك كله القول بالوجوب.

ولو توقف سعيه إلى الماء على تضييع بعض أمواله فالظاهر جريان التفصيل المذكور على تأمل.

الثاني : لو خاف الوقوع في الهلكة من استعمال الماء أو خاف من ازدياد المرض أو خوف (5) بطء برئه جاز له التيمّم بالإجماع.

وقد استفاضت الأخبار في انتقال (6) حكم المجدور (7) والذي به القروح والجروح وغيرهما إلى التيمّم ، مضافا إلى ما دلّ على انتفاء الحرج والضرر والمنع من إلقاء النفس على التهلكة.

ص: 274


1- لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « نحو ».
2- في ( ألف ) : « ملاحظة ».
3- في ( ب ) : « ظاهراه ».
4- في ( ب ) : « و » بدل : « بل ».
5- لم ترد في ( د ) : « خوف ».
6- في ( ألف ) : « انتقاء ».
7- في ( ب ) : « المحدود ».

ولا فرق بين تعمّده الجنابة على الحال المذكور وغيره على المعروف بين الأصحاب.

وعن الشيخين في المقنعة (1) والخلاف (2) أن من أجنب مختارا وجب عليه الغسل وإن خاف به على نفسه.

وعن الشيخ في النهاية والمبسوط : إن خاف التلف على نفسه يتيمم ويصلي ويعيد الصلاة إذا وجد الماء واغتسل.

وفصّل صاحب الوسائل ، فأوجب الغسل ولو مع حمل (3) الضرر الشديد إلا إذا خاف التلف ، فيتيمّم.

والأقوى الأول ؛ لما دلّ على انتقال الحكم إلى التيمّم عند الخوف من الضرر ، والمعتبرة المستفيضة المشتملة على الصحاح وغيرها الآمرة بالتيمم لمن أصابه جنابة وهو مجدور أو به القروح أو الجروح أو يخاف البرد على اختلاف مورد تلك الأخبار.

نعم ، ورد في بعضها الأمر بإعادة الصلاة عند الأمن من البرد ، وهي حجة الشيخ على لزوم الإعادة ، وهي محمولة على الاستحباب ؛ لخلوّ غيرها منه ، وإن قضية الأمر الإجزاء.

مضافا إلى ما دلّ على المنع من إلقاء النفس إلى التهلكة ، وعدم تعلق التكليف بما يوجب الحرج والضرر ، مع تأيّدها بالشهرة العظيمة بين الطائفة ، وموافقة الكتاب والسنّة والعقل من الأمر بحفظ النفس ، بل ينبغي القطع بالمنع في صورة الخوف من تلف النفس كما هو مذهب (4) الشيخين ، فلا وجه لترك الأحكام المعلومة من العقل وضرورة الشرع بمجرد ظواهر الإطلاقات مطرحة عند (5) الأصحاب.

مضافا إلى أن تعمد الجنابة في الصورة المذكورة ليست مجزية إلا بعد دخول الوقت كما

ص: 275


1- المقنعة : 60.
2- الخلاف 1 / 165.
3- في ( د ) : « تحمّل ».
4- في ( د ) : « فتوى ».
5- في ( ب ) : « بين » بدل : « عند ».

عرفت ، فلا فرق إذن بينه وبين حصوله من دون تعمد في عدم تحقق العصيان ، فلا وجه إذن لتكليفه بهذا الحرج الشديد مع إذن الشارع في فعله كما دلّ عليه غير واحد من الأخبار.

وربّما ينبغي القول به على المنع من دون تعمد الجنابة كما قد يومي إليه عبارة الإسكافي.

وقد عرفت ضعفه.

حجة الشيخين (1) أربع (2) روايات :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن رجل يصيبه الجنابة في أرض باردة ولا يجد الماء وعسى أن يكون الماء جامدا؟ فقال : « يغتسل على ما كان حدثه أجل إنه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد ، فقال : اغتسل على ما كان ، فإنه لا بدّ من الغسل.

وذكر الصادق عليه السلام أنه اضطر إليه هو فأتوه به مسخنا ، وقال : « لا بدّ من الغسل » (3).

ونحو منه صحيحة الأقطع ، ومرفوعة علي بن أحمد ، عن الصادق عليه السلام عن مجدور أصابته جنابة ، قال : « إن أجنب نفسه فليغتسل ، وإن كان احتلم فليتمم » (4).

[ و ] مرفوعة علي بن ابراهيم المضمر قال : « إن أجنب نفسه فعليه أن يغتسل على ما كان منه ، وإن احتلم فليتيمم » (5).

وأنت خبير بعدم مقاومة هذه الأخبار لما ذكرناه لو كانت صريحة في المقصود.

كيف ، والصحيحتان لا دلالة فيهما على حكم المتعمد (6) ، فهما متعارضان بما أشرنا إليه من الإطلاقات مع تكثّرها واعتضادها بالعقل والنقل والعمل ، فلا مناصّ من طرحهما وإرجاعهما إلى قائلهما مع احتمال حملهما على التقية ؛ إذ لا صراحة فيهما على جواز التيمّم مع خوف التلف.

ومذهب جماعة من العامّة كالشافعي وابن حنبل والحسن البصري وغيرهم اقتصار

ص: 276


1- انظر : الخلاف 1 / 157.
2- في ( ب ) : « مع » بدل : « أربع ».
3- الإستبصار 1 / 163 ، باب الجنب إذا تيمم وصلى هل تجب عليه الإعادة أم لاح (564) 9.
4- الكافي 3 / 68 ، باب الكسير والمجدور.
5- تهذيب الأحكام 1 / 198.
6- في ( ب ) : « التعمد ».

الحكم بمشروعية التيمّم من جهة الخوف بالخوف على النفس دون غيرها من المرض بطئه أو شدته ، والمرفوعتان لا حجة فيهما سيّما مع معارضتهما بما عرفت. وعدم التصريح فيهما بالجواز مع خوف التلف.

وقد يحملان على كون تعمد الجنابة شاهدا على قوة بدنه بحيث لا يضرّه الماء ، فلذا أمره بالغسل بخلاف ما إذا احتلم ، فيبنى فيه على (1) ظاهر الحال.

هذا ، والمنساق من المحكي عن الشيخين هو وجوب الغسل مع الخوف على التلف في استعمال الماء ، فهل يسري الحكم عندهما فيما لو كان الخوف من التلف في تحصيله لو (2) كان الخوف منه من جهة شدة العطش بالنسبة إليه أو على نفس محترمة؟ وجهان.

ولذا كانت المسألة جارية على القاعدة ، فلا يبعد قصرهما من (3) الحكم على ظاهر النصّ.

وفيه أيضا شهادة على ضعف القول به.

وفي تسرية الحكم عندهما إلى سائر الوجوه المرجوحة للتيمم الخالية عن خوف التلف وجهان ؛ من ملاحظة ما عرفت ، وأولوية الحكم بالنسبة إلى النصوص ، فتأمل.

الثالث : اختلف الأخبار في حكم من به القروح والجروح ، فالمستفاد من جملة منها وجوب الطهارة المائية غير أنه يبنى على عمل الجبيرة ، وفي عدّة (4) الحكم بالانتقال إلى التيمّم.

وربما يرى التدافع في ذلك بين كلام الأصحاب حيث أوجبوا عمل الجبيرة في تحت الجبائر ، وجعلوا القروح والجروح من الأسباب الباعثة للتيمم.

وهو بيّن الاندفاع ؛ إذ من الظاهر أنّ عدّهم ذلك من الأمور الباعثة للانتقال إلى التيمّم إنما هو بعد تعذر المائية ، لا مع التمكن من الطهارة المائية ، فاحتمال إرادة التخيير بين الأمرين في

ص: 277


1- لفظة ( على ) من ( د ).
2- في ( د ) : « أو ».
3- في ( ألف ) : « عده من » ، وفي ( ب ) : « عدة من ».
4- في ( د ) : « منها ».

الجميع من كلامه - كما زعمه بعض الأفاضل - ليس في محله.

وهذا هو الوجه في الجمع بين الأخبار ، فالمفروض في أخبار الجبيرة عدم التضرر بمجرد استعمال الماء ، ولو في غير محل الجبيرة ، وفي أخبار العدول إلى التيمّم ما لو كان مجرد استعمال الماء مضرا له ، وفي بعض الأخبار شهادة عليه كرواية العياشي.

ص: 278

[ تتمة في القروح والجروح ]:
اشارة

يبقى الكلام في ذلك في أمور :

منها : ما لو تضرر باستعمال الماء في غير محل القروح من الأعضاء المتّصلة بها مع التمكن من استعماله في الأعضاء المتباعدة.

ومنها : ما لو عمّت الجبيرة كل العضو أو غالب الأعضاء.

ومنها : ما لو لم يكن التضرر بالماء من القروح والجروح والكسر كالرمد ووجع المفاصل ونحوها ، فهل يجري في ذلك كله حكم الجبيرة أو ينتقل الحكم إلى التيمّم؟ إشكال ، والظاهر الرجوع إلى الأصل في كل ما يقع الشكّ في اندراجه في الأخبار ، فنقول :

الذي يقتضيه الأصل في ذلك هو الرجوع إلى التيمّم عند تعذّر استعمال الماء في تمام الأعضاء ، فالعجز عن استعماله في البعض كالعجز عن استعماله في الكلّ بلا تفاوت ؛ إذ الأجزاء إنما تكون مطلوبة تبعا للكل ، ومع سقوط الطلب المتعلق بالكل لا يبقى طلب بالأبعاض.

ألا ترى أنه لو قصر (1) الماء عن شي ء لم يجب عليه الإتيان بالباقي وإن كان ذلك يسيرا جدا قولا واحدا ، فكذا الحال إذا كان في بعض الأعضاء مرض يمنعه عن الاستعمال فيه إلا أنه قد دلّ أخبار الجبائر في المواضع الثلاثة لقيام عمل الجبيرة مقام غسل الكل ظاهرا (2) ، فحينئذ لا تأمّل في تقديم ذلك على التيمّم لكونه طهارة مائية محرّمة بالإجماع.

ومن البيّن تقديمها على الترابية ، فيبقى غيرها مندرجة تحت الأصل إلا أن يدّعى ظهور تسرية الحكم إلى الجميع من تلك الأخبار ، وهو محل منع ، ففي نحو الرمد لا تأمّل في الانتقال إلى التيمّم.

ص: 279


1- في ( ب ) : « قطر ».
2- لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « ظاهرا ».

وهو ظاهر الأصحاب ، واحتمل الشيخ فيه الجمع ، واستقرب في الحدائق (1) فيه التفصيل بين تضرّره باستعمال الماء بغسل الوجه وما إذا لم يتضرر بغسل ما عدا العين ، فيحكم في الأول بالانتقال إلى التيمّم وفي الثاني بالإتيان بعمل الجبيرة من الاكتفاء بغسل ما حوله مع الانكشاف ، وبالمسح على الدواء الموضوع إن كان عليه دواء.

قال : وذكر القروح والجروح في بعض الأخبار إنما وقع في كلام بعض السائلين والعبرة (2) بعموم الجواب ، وفي بعض يجري على التمثيل.

ثم أكّد ذلك أن الواجب شرعا هو الوضوء ، ولا يجوز الانتقال عنه إلا بدليل واضح ، ومجرد تضرر العين خاصة لا يثبت كونه ناقلا شرعا سيّما مع وجود النصوص في نظائره من القروح والجروح.

وأنت خبير بضعف ما ذكره ؛ إذ دعوى شمول الروايات لمثله غريب ، والقول بشمول الجواب لغير محل السؤال مع تعلقه بخصوص مورد السؤال وعدم اشتماله على ما يعمّ غيره أصلا عجيب.

وأعجب منه ادّعاؤه جريان الدليل فيما ادّعاه. وحمله على نظائره من القروح والجروح قياس محض.

هذا ، ومثله الحال فيما لو تضرّر باستعمال الماء في غير محل الجبيرة مما يخرج عن حدودها في العرف ؛ لعدم ظهور اندراجه في تلك الأخبار ، بل ظهور خلافه.

وفيما لو عمّ الجبيرة كلّ العضو أو غالب الأعضاء وجهان من إطلاق بعض أخبار الجبائر وعدم وضوح اندراج الفرض المذكور فيها.

وقد حكم الفاضل في غير واحد من كتبه بشمول حكم الجبيرة حتى فيما لو عمّ جميع الأعضاء المغسولة في الوضوء ، فاكتفى فيها بالمسح عليها ، ثم على الرأس والرجلين ببقية البلل. وقد يؤيده إطلاق حسنة كليب الأسدي ، عن الرجل : إذا كان كسيرا كيف يصنع في

ص: 280


1- الحدائق الناضرة 4 / 285.
2- في ( ب ) : « بالعبرة » بدل : « والعبرة ».

الصلاة؟ قال : « إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره وليصلّ » (1).

ولا شكّ أن انصرافها إلى من عمّ الجبيرة أعضاءه غير معلوم ، وقضية الأصل المذكور في مثله الجمع بين الأمرين.

ص: 281


1- وسائل الشيعة 1 / 465 ، باب إجزاء المسح على الجبائر في الوضوء ، ح 8.
تبصرة: [ في المرض المسوغ للتيمّم ]

المرض المسوغ للتيمم أعمّ من الموجود حال التيمّم أو المتوقع باستعمال الماء بحيث يخاف من استعماله حدوثه ، إما بالنظر إلى ما يعهد من حاله أو أحوال أمثاله أو بأخبار من يعتمد عليه في ذلك كالطبيب وإن كان كافرا أو فاسقا (1).

وعن ظاهر المنتهى (2) قصر الحكم على أخبار المسلم العارف والعارف الفاسق أو المراهق لحصول الظن بالضرر.

وهو ضعيف للقطع بحصول الظن من أخبار العارف الكافر ، بل قد يحصل منه ظن أقوى من الحاصل بقول المسلم إذا كان أكثر تجربة منه ، ولذا يقدّم عند التعارض.

والحاصل أن الأمر دائر مدار الخوف المتعارف ، ولو حصل الخوف من دون اعتبار احتمالات بعيدة غير قابلة للخوف المعتاد فالظاهر عدم جواز البناء عليه كما إذا لم يحصل له الخوف مع حصول أسبابه ، فلا عبرة فيه أيضا بالأمن المفروض.

ويختلف الحال أيضا في حصول الخوف باختلاف المخوف منه ، فإن كان أمرا عظيما يحصل الخوف منه بأدنى أمارة بخلاف ما إذا كان سهلا. وما ذكرناه ضابطة كلية في سائر موارد الخوف.

ثم المرض الموجود إما أن يكون مانعا من تمكن استعمال أو يكون استعماله باعثا لزيادة المرض أو بطء برئه على النحو المذكور إلا أنه على الأول يجب عليه التولية إن أمكنه ، ويقدم على التيمّم ولو أمكنه المباشرة فيه لصحة التولية في المائية أو لنا بالإجماع فيقدم على الترابية.

ص: 282


1- في ( ب ) : « فاسقا أو كافرا ».
2- منتهى المطلب 1 / 136.

ولو شقّ عليه استعمال الماء بحيث لا يتحمل عادة كان بمنزلة عدم التمكن لارتفاع الحرج ، ولو تحملها وباشره بنفسه فإن كان مضرا بحاله بحيث يمنع شرعا من إضراره نفسه كذلك فإن لم يتمكن من التولية فسد قطعا ، وإن تمكن منه ففي الصحة وجهان من بقاء التكليف بالمائية.

وحصول العمل بالمباشرة المحرّمة لا يقضي بالفساد لكونها من مقدمته ، ومن اتحادها بالعمل كما هو الظاهر في صورة إيصاله الماء إلى الأعضاء بآلة محرمة.

وهذا هو الأقوى.

وإن لم يكن مضرّا بحاله كذلك ففي الصحة وجهان. والظاهر الصحة في صورة إمكان التولية لعدم حرمة المباشرة.

ثمّ إنّ المرض الذي يخاف من حصوله أو زيادته أو بطء برئه إمّا أن يخاف معه من التلف أو المضرة العظيمة التي تمنع من تحمله في الشريعة أو المشقة التي لا تتحمّل في العادة مع خلوّه عن حرمة التحمل. وعلى التقادير الثلاثة لا خلاف في الانتقال إلى التيمّم ، ولو استعمل الماء حينئذ فسدت الطهارة لسقوط الأمر بالمائية.

وقد يتخيل في الأخير الصحة بناء على أن ( الانتقال إلى التيمّم رخصة من الشرع وتوسعة منه عليه. ويدفعه أنّ قضيّة الأدلّة سقوط المائيّة و ) (1) انتقال الحكم إلى (2) الترابية ، فالحكم بالجواز يحتاج إلى الدليل لسقوطه الوجوب كما هو الأقوى.

نعم ، لو كانت المائية مستحبة ففي جوازها وجهان ؛ من كون المندوب أقلّ اهتماما من الواجب فهو أولى بالسقوط ، ومن انتفاء الخروج في إثبات التكاليف المندوبة وإن كانت شاقّة.

فغاية ما يدلّ عليه الدليل إذن صحة التيمّم ، وأما عدم صحة المائية فغير معلوم ، وقضية الإطلاقات صحته.

ولا يخلو عن وجه سيّما ما لا نقول فيه ببدلية التيمّم كغسل الجمعة.

ولو كان بحيث يمكن تحمله في المعتاد ففي إباحة التيمّم وجهان بل قولان ، وظاهر الأكثر

ص: 283


1- ما بين الهلالين وردت في ( د ) لا غيرها من النسخ.
2- في ( ألف ) : « في » بدل « إلى ».

عدم إباحته بالمرض اليسير ، ومثّلوه بالصداع ووجع الضرس.

واستظهر جماعة من المتأخرين إباحته منهم شيخنا البهائي والعلامة المجلسي ، وحكي ذلك عن ظاهر العلّامة في النهاية والإرشاد والشهيد في الذكرى.

وعن المحقق الكركي تقوية ذلك. واحتجّ لهم بظاهر الآية الشريفة.

وهو إنما يدلّ على صورة وجود المرض ، وأنه أعظم من الشين مع إطباقهم على إباحته.

مضافا إلى أنه لا وثوق في المرض بوقوفه على حدّ اليسر.

قلت : إطلاق الآية يقتضي حصول الإباحة بمجرد حصول المرض وإن لم يكن هناك مانع من الاستعمال ، وهو خلاف الإجماع ، فالأظهر تنزيله على صورة أخرى بالضرر (1) كما هو الحال في غيره ، فالأظهر دوران الحكم مدار صدق الضرر كما هو الشأن في إفطار المريض وغيره. وأما إباحة الشين له فهو مبني على كونه ضررا ، وهو كذلك في الغالب قد يحمل على إطلاقاتهم. وعليه يحمل ما في منتهى المطلب من حكاية الإجماع عليه.

فما في نهاية الإحكام والروض من التصريح بعدم الفرق بين شديده وضعفه (2) ليس على ما ينبغي سيّما مع ما في الأخير من التعليل بالإطلاق مع خلوّ الأخبار فيه (3) رأسا ، وعدم ظهور مستند للحكم سوى الضرر.

اللّهم إلا أن يستند إلى إطلاق الإجماع المنقول وإطلاقات الأصحاب.

وفيه : أن تحقق الإجماع كذلك غير معلوم ، بل المحقق منه ما يدور مدار الضرر لا غير ، ولو خاف من انجرار اليسير إلى الكثير فلا تأمل في إباحته. وهو خارج عن محلّ الخلاف.

ثم على كلامهم لو تحمل ذلك ففي الصحة وجهان ، ولو أمكنه دفع المرض بالدواء بحيث يحصل الاطمئنان منه فالأظهر وجوبه مع التمكن منه ، وحينئذ ففي وجوب استعلام الأمر وجه قويّ إن احتمل وجود دواء يمنع منه.

ص: 284


1- في ( د ) : « الضرر » بدل « اخرى بالضرر ».
2- كذا ، والظاهر : « صغيفه ».
3- في ( د ) : « عنه ».
تبصرة: [ في خوف العطش لو استعمل الماء الطهارة ]
اشارة

لو خاف العطش باستعمال الماء في الطهارة بأن لم يكن عنده ما يضطر إليه لشربه انتقل الحكم إلى التيمّم بلا خلاف بين الأصحاب.

[ و ] في المعتبر أنه مذهب أهل العلم كافّة. ويدلّ عليه بعد ذلك المعتبرة المستفيضة المشتملة على غير واحد من الصحاح :

منها : الصحيح : قلت للصادق عليه السلام : الجنب يكون معه الماء القليل ، فإن هو اغتسل خاف العطش ، أيغتسل به أو يتيمّم؟ قال : « بل يتيمّم ، وكذلك إذا أراد الوضوء » (1).

وفي الموثق : سألت الصادق عليه السلام عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلّته ، قال : « يتيمم بالصعيد ويستقي الماء فإن اللّه عزوجل جعلهما طهورا الماء والصعيد » (2).

ولا بدّ أن يكون العطش المخوف منه شديدا بحيث لا يتحمّل عادة لا مجرد عطش في الجملة.

والظاهر تنزيل إطلاق الأخبار عليه ؛ إذ هو المتيقن من وقوعه في المقام المذكور. ولا فرق بين كون العطش معلوما أو مظنونا. والظاهر دورانه مدار الخوف كما هو المنصوص في عدة من النصوص ، ويحصل كما مرّ بشهادة الحال وأخبار العارف الواحد ، ولو كان طبيبا (3) فاسقا أو كافرا ، بل الظاهر الاكتفاء فيه بعد العلم بوجود ماء غيره في الطريق.

ص: 285


1- تهذيب الأحكام 1 / 406 ، باب التيمّم وأحكامه ، ح 13.
2- تهذيب الأحكام 1 / 405 ، باب التيمّم وأحكامه ، ح 12 وفيه : « ويستبقي الماء ».
3- في ( د ) : « صبيّا ».

غاية الأمر لزوم التحبيس (1) حينئذ حسب المقدور ، فيستبيح به التيمّم إذا قضت العادة بحصول العطش مع عدم الماء في الجهل (2) بوجوده فيه ، ولو أمكنه دفع العطش بشي ء تعيّن للطهارة ، وإن كان ذلك بقلّة الأكل الغير الواصل إلى حدّ المشقة المجوّزة أو بالسير إلى الماء أو بعدم السير إلى الشمس إن لم يتضرر بالتخلف عن الرفقة على وجه.

وظاهر إطلاق النصّ خلافه إلا أن ينزّل على صورة التضرّر كما هو الشأن في الأعذار ؛ أخذا باليقين.

ولو كان عنده ماء نجس وتمكّن من دفع العطش به واستعمال الطاهر في الطهارة لحرمة شرب النجس وإن كانت الضرورة مسوّغة له بعد حصولها إلا أن إلجاء النفس إلى المحرّم محرّم وإن صرّح عنوان المحرّم بعد حصوله.

مضافا إلى أن جواز شرب النجس إنما هو في صورة الخوف على النفس ونحوها أو المشقة التي لا يمكن تحملها في العادة ، فيقتصر إذن على قدر الضرورة.

وفي إباحة التيمّم إنما يرى (3) المشقة الّتي لا تتحمل في المعتاد وإن أمكن الصبر على أشدّ منه. وقد يومي عبارة المدارك إلى نحو تأمل فيه حيث استجود الحكم المذكور إن ثبت تحريم شرب النجس مطلقا.

وأنت خبير بوضوح حرمة شرب النجس ، وجواز الشرب حال الضرورة لا يقضي بجواز إلجاء النفس إليه.

ولا يذهب عليك. أن ما ذكرناه من استبقاء الماء إنما هو في صورة التمكن من التيمّم ، ومع عدمه إنما يعتبر خوف العطش الشديد الباعث على الموت ونحوه أو ما لا يمكن تحمّله في المعتاد لخروجه عن مورد النصوص ، فيرجع فيه إلى الأصل مع ما علم من اهتمام الشرع في خصوص الصلاة.

ص: 286


1- في ( د ) : « التنجيس ».
2- زيادة في ( د ) : « بعدم ».
3- في ( د ) : « يراعى » بدل « يرى ».

فهناك فرق في المسائل ( المفروضة في هذا الباب بين إمكان التيمّم مع ترك المائيّة وعدمه ، فلا تغفل. ولو احتاج إلى ) (1) الماء بعد الشرب ونحوه كالطبخ ونحوه دار صحة التيمّم مدار الضرر.

وفي الموثقة المذكورة دلالة عليه.

ولو احتاج إليه لإزالة النجاسة فإن كان مع حصولها ودخول الوقت قدّمها على ما مرّ ، ولو كان قبل الوقت جاز الإتيان بكل منهما ، وإن كان بعده قبل حصول النجاسة صحت الطهارة ، وإن علم بطرو النجاسة قبل فعل الصلاة على إشكال.

[ تنبيهات ]

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : لا فرق في الحكم المذكور بين عطش نفسه أو عياله أو نفس مؤمنة ؛ لما دلّ على وجوب حفظها وإن حرمة أخيه المؤمن أعظم من حرمة الصلاة. وهو واضح إن بلغ حدّ الخوف على النفس وما هو بمنزلتها ، وأما مع عدمها فغاية ما دلّ عليه رفع الحرج وعدم التزامه بالمشقة الشديدة. وأما دفع الحرج عن غيره فلا شاهد عليه ، ولذا لا يجب عليه الدفع مع عدم اقتضائه إلى ما ذكر.

نعم ، لو كان الغير من جملة عياله جرى فيه الحكم المذكور بل الظاهر ثبوت ذلك مع انتفاء المشقة الشديدة أيضا ؛ لوجوب الإنفاق عليه على النحو المعروف إلا أن يسقطه عنه.

ومن الظاهر تقديم حقوق الناس على حقه تعالى ، بل لا يبعد جريان ذلك بالنسبة إلى من يجب عليه الإنفاق من غير تعلّق بذمته كالأبوين ؛ إذ لو قلنا باندراجه في حقوق الناس فظاهر ، وإلّا فهناك واجبان تعارضا ، ويقدّم الثاني لانتفاء ما يقوم مقامه كما مرّ نظيره في الدوران بينه وبين إزالة النجاسة.

ص: 287


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).

نعم ، يشكل الحال فيما إذا كان فاقدا للطهورين مع بذل الماء المفروض. وقد يقال في صورة عدم وجوب الإنفاق بأن في تكليفه بإبقاء أخيه المؤمن في الشدة من الحرج ، مضافا إلى ما دلّ على شدة احترام المؤمن وأن حرمته أعظم من الكعبة إلى غير ذلك ، مع تأيده بظاهر إطلاق الأصحاب وأنه يستحب له مود (1) على نفسه التي يقدم مراعاتها على الطهارة المائية فتقديمه على المسوغ دليل على تسويغه ، فبملاحظة ذلك كله ربما يتقوى القول بذلك.

وفي جريان الحكم المذكور بالنسبة إلى الذمي والمعاهد والمخالف للحق وجهان.

وقد أفتى به العلامة في التذكرة. والأقوى خلافه ؛ إذ لا دليل على وجوب محافظتهم وإنقاذهم من الهلكة ونحوها. غاية الأمر عدم جواز إتلافهم لاعتصامهم ببعض الأسباب الباعثة عليه.

ثانيها : نصّ جماعة من الأصحاب منهم العلامة والشهيد بجريان الحكم في صورة الخوف على دابّته وكلّ حيوان محترم. وظاهر ذلك عدم الفرق بين كونه مملوكا له أو لغيره ، وكونه في يده أو يد غيره. وهو على إطلاقه لم يقم عليه دليل ظاهر.

وكأنه مبني على الملازمة بين وجوب الحفظ وحرمة الاتلاف بناء على تقييد خوف العطش بالمهلك ، مضافا إلى ما ورد من أن « لكل كبد حرّاء أجر ».

وقد يفيد الأخير جريان الحكم في العطش الشديد البالغ حدّ الإفراط.

وفيه : مع ما يرد عليه من المنع أنه قد يجوز إتلافه بالذبح فيما يكون محلّل اللحم أو قصد تذكيته من جهة الانتفاع بجلده ونحوه أو نقله بالبيع ونحوه مع تمكّن المشتري من سقيه.

نعم ، يمكن له القول به في مملوكه إذا خاف تلفه من جهة لزوم حفظ المال وعدم وجوب تحمل الضرر. وهذا إنما يتمّ فيما إذا كان تلفه مضرّا بحاله كما مرّ.

وأما مع عدمه ففي عدم وجوبه إشكال مرّت الإشارة إليه.

وبنى في الحدائق على وجوب المائية في الصورتين بناء على زعمه من وجوب صرف

ص: 288


1- كذا في ( ب ) ، وفي ( ألف ) : « مور » ، وفي ( د ) تقرأ إحداهما إلّا أن عليها إشارة تحكي وجود كلمة محذوفة في النسخة.

المال في مثله وإن بلغ حدّ الاضرار.

وقد عرفت ما فيه.

وهناك وجه آخر لثبوت الحكم المذكور في خصوص المملوك ، وهو وجوب الإنفاق عليه على نحو ما مرّ فيمن يجب عليه الانفاق من الإنسان ، فحينئذ يتعارض فيه الوجهان مع حصول البدل لأحدهما دون الآخر.

وقد يستشكل فيه مع إمكان ذبحه أو بيعه من القادر على سقيه ونحو ذلك ؛ لعدم تعيّن الإنفاق عليه حينئذ (1).

وفيه : أنه حينئذ مع إبقائه كذلك يجب عليه الانفاق ، وإن كان عاصيا فيه لو قلنا به.

هذا كله إن لم يكن عطش الدابة موجبا للخوف على نفس الراكب أو نفس أخرى محترمة أو ما هو بمنزلتها وإلّا تعين التيمّم بلا خلاف فيه ، وكذا إذا كان موجبا لمضرّة شديدة لا يتحمّل في العادة أو باعثا على تعريض أمواله (2) وأحماله للتلف مع كونه مضرا بحاله على الأقوى.

ومع عدمه أيضا إذا كان مقيدا به في وجه قوي.

ولو سبّب ذلك تخلفه عن الرفقة مع عدم إضرار به فوجهان.

ومن الغريب ما وقع في الحدائق (3) من استدراكه ذلك مع حكمه بوجوب التيمّم مع تلف الدابّة وعدم العبرة بتلف المال ، قال : نعم ، ينبغي أن يستثنى منه ما لو كان محتاجا إلى الدابة بحيث يضره فوتها كما إذا كان في سفر لا يمكن قطعه إلا بها أو يحتاج إليها لنقل أثقاله وأحماله ، فإنه يجوز أن تصرف الماء إليها.

ثالثها : إنما يسوغ التيمّم بما ذكرنا إذا لم يكن ترك الشرب مطلوبا بالنسبة إليه كما إذا كان شرب الماء مضرّا به لحصول حرج في بدنه ونحوه ، وكذا لو منعه عنه صوم الواجب إذا لم يخف

ص: 289


1- لم ترد في ( د ) : « حينئذ ».
2- لم ترد في ( ب ) : « أمواله ... تخلّفه عن ».
3- الحدائق الناضرة 40 / 290.

من وصوله إلى حدّ يجب عليه الإفطار ؛ (1) إذ الظاهر الفرق بين الضرورتين كما مرّت الإشارة إليه. ونحوه ما لو كان بانيا على الصوم ومع استحبابه في وجه قوي.

وكذا الحال بالنسبة إلى غيره.

ويعتبر أيضا احتماله قبول الآخر وتمكنه من بذله ، ولو علم بانتفاء ذلك تعيّن الطهارة ومع الشك وجهان.

ولا فرق بين كون سفره محرّما أو مباحا في وجه قوي ، ولو أمكن رفع العطش بالرجوع تعيّن في المحرّم دون المحلّل إن وجب أو كان تركه مضرا بحاله ، ومع عدمه فوجهان.

ص: 290


1- في ( ألف ) و ( ب ) زيادة « انه » هنا ، ولا وجه لها.

الفصل الثالث: في بيان الأمور التي يصحّ معها التيمّم مع الاختيار أو الاضطرار

تبصرة: [ في التيمّم على الأرض ]
اشارة

ذهب أكثر الأصحاب إلى جواز التيمّم اختيارا لكلّ ما صدق عليه اسم الأرض من تراب وحجر ورمل وما أشبهها.

وإليه ذهب الاسكافي فيما حكي عنه ، والشيخ في عدة من كتبه والسيد في أحد قوليه ، والفاضلان والشهيدان والمحقق الكركي وكثير من المتأخرين.

وعن الخلاف حكاية الإجماع عليه.

[ و ] في مجمع البيان أن التيمّم بالحجر مذهب أصحابنا.

وفي التذكرة (1) أن الحجر الصلب كالرخام إذا لم يكن عليه غبار يجوز التيمّم به عندنا. وفيه أيضا إسناد جواز التيمّم بكلّ ما يقع عليه اسم الأرض إلى أكثر (2) علمائنا.

وفي الحدائق : أنه المشهور بين المتأخرين.

وذهب المفيد في ظاهر كلامه ، والسيد في قوله الآخر ، والحلبي والحلي إلى التخصيص بالتراب.

ص: 291


1- تذكرة الفقهاء 1 / 62 وفيه : الحجر الصلد.
2- لم ترد في ( ب ) : « أكثر ».

ومنشأ الخلاف الواقع بينهم اختلاف أهل اللغة في معنى الصعيد ؛ (1) لتعلق التيمّم به في نصّ الكتاب ، فعن تغلب والزجاج (2) أنه وجه الأرض ترابا كان أو غيره.

وحكاه الخليل عن ابن الأعرابي. وبه فسّره الزمخشري في الأساس والمطرزي في المغرب والأزهري في المصباح المنير والراغب (3) في المفردات.

وفي الأخير بعد التفسير المذكور : ويقال : الصعيد في كلّ كلام العرب يطلق على وجوه على التراب الذي على وجه الأرض ، وعلى الطريق.

وفيه شهادة على أن أصل المعنى هو الأول ، والثاني مما يطلق عليه اللفظ ، ولا دلالة فيه على كونه خصوص المستعمل فيه ، فقد يكون إطلاقه عليه من جهة أنه من مصاديق وجه الأرض (4).

قال : وهذا يوافق مذهب أصحابنا في أن التيمّم يجوز بالحجر سواء كان تراب أو لم يكن.

وحكي عن الزجاج أيضا في علة تسمية ذلك صعيدا أنه نهاية ما يصعد من باطن الأرض. فيكون فعيلا بمعنى الفاعل كما نصّ عليه غير واحد من المفسرين.

وعن الجوهري (5) وابن الفارسي (6) في المجمل أنه التراب (7) الخالص الذي لا يخالطه سبخ ولا رمل.

وأنت خبير بأن هذه الأقوال لا يعادل الأقوال السابقة مع اعتضادها بما عرفت ، مضافا إلى الشهرة بين الأصحاب وموافقته في الجملة عن المنقول عن الأكثر ، فيما رواه في معاني

ص: 292


1- في ( ألف ) : « الصعيد و ».
2- نقل عنهما في مجمع البيان 3 / 94.
3- مفردات غريب القرآن : 280 ( صعد ).
4- زيادة في ( د ) : « وحكى الطبرسيّ عن الزجّاج أنّه قال : لا أعلم خلافا بين أهل اللّغة في أنّ الصعيد وجه الأرض ».
5- الصحاح 2 / 497 ( صعد ).
6- في ( د ) : « فارس » بدل « الفارسي ».
7- زيادة في ( د ) : « وعن ابن دريد في الجمهرة عن أبي عبيدة أنّه التراب ».

الأخبار عن الصادق عليه السلام من أنه « الموضع المرتفع » (1).

وفي رواية الفقه أنه « الموضع المرتفع من الأرض » (2). وكأنه لذلك فسّره الصدوق في الهداية.

وكيف كان ، فيمكن الاستدلال على المقصود بوجهين :

أحدهما : ظاهر إطلاق الآية بعد تفسيرها بما ذكرنا لقول هؤلاء الأجلاء المعتضد بما عرفت ، وانتفاء ما يقاومه فيما يقابله.

ثانيهما : إطلاق عدّة من النصوص المستفيضة المشتملة على الصحاح وغيره المعتضد دلالتها بفتوى معظم الطائفة والإجماعات المحكيّة كما مرّ الإشارة إليها :

منها : الحديث النبوي المشهور : « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ». وهو مروي في عدة من الكتب المعتبرة كالمحاسن (3) وبصائر الدرجات والكافي (4) والفقيه (5) والخصال (6).

ومنها : ما في عدة من الأخبار الواردة في بيان كيفية التيمّم الآمرة بضرب اليدين على الأرض كالصحيح على الأصح : « تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين ، وتضرب بكفّيك على الأرض ثم تنفضهما » (7) الخبر.

ومنها : صحيحة الحلبي : « إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصلّ ، فإذا وجد ماء فليغتسل » (8).

ونحوه صحيحة عبد اللّه بن سنان.

ص: 293


1- معاني الأخبار : 283.
2- فقه الرضا عليه السلام : 90.
3- المحاسن 1 / 287.
4- الكافي 2 / 17 ، باب الشرائع ، ح 1.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 241 ، باب الموضع التي تجوز الصلاة فيها ، ح 724.
6- الخصال : 201.
7- الإستبصار 1 / 171 ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح (595) - 3 و (596) - 4 ، باختلاف.
8- الكافي 3 / 63 ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ، ح 3.

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم : « فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض » (1).

ونحوه صحيحة زرارة.

وفي الموثق : « فإن فاته الماء لم تفته الأرض » (2).

مضافا إلى ما يومي إليه الصحيح : « إنّ رب الماء هو رب الأرض فليتيمم » (3).

وما في عدة من الوضوءات البيانية المشتملة على الضرب على الأرض ، وهي وإن لم تكن دالّة على المقصود - لكونها من حكايات الأفعال - إلّا أنّ في التعبير فيها بلفظ الأرض إشارة إلى ذلك سيّما ما اشتمل من ذلك على حكاية الإمام عليه السلام فعل النبي.

ومما يدلّ على ذلك رواية النوادر ، عن موسى بن جعفر عليه السلام ، عن آبائه ، عن علي عليه السلام ، وفيها : « فقيل له : أتيمم بالصفا الثابتة على وجه الأرض؟ قال : نعم » (4).

وما في الدعائم عنهم عليهم السلام : « أنه يجزي بالصفا الثابت على الأرض إذا كان عليه غبار ولم يكن مبلولا » (5).

وضعفهما مجبور بما ذكرنا.

مضافا إلى أنه لو رخّص التيمّم حال الاختيار بالتراب لذكر ذلك في الأخبار ، وذكر انتقال التكاليف مع العجز عنه إلى التيمّم بالحجر ونحوه ، ولوقع ذلك في أسئلة الأصحاب.

مع أنه كثيرا يقع إلحاقه إليه لكثرة الأراضي الرملية ونحوها.

وقد تكرّر في الأخبار ذكر التيمّم بالطين والغبار بعد العجز عن الصعيد مع عدم إشارة إلى ذلك.

حجة القول بالاقتصار على التراب بعد الإجماع المحكي عليه عن الغنية الآية الشريفة

ص: 294


1- الكافي 3 / 63 ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ، ح 1.
2- قرب الاسناد : 170.
3- الكافي 3 / 64 ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ، ح 7.
4- كتاب النوادر 218 وفيه : « أيتيمم بالصفا البالية ».
5- دعائم الإسلام 1 / 121 وفيه : « بالصفا النابت في الأرض ».

بدعوى كون الصعيد هو التراب كما نصّ عليه جماعة من أهل اللغة. ومع الغضّ عنه والقول بتعارض كلماتهم فلا أقل من الشك.

وحينئذ قضية الأصل لزوم الاقتصار على التراب لحصول اليقين بالفراغ ، مضافا إلى ظواهر عدة من الأخبار كصحيحة رفاعة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده ، فتيمم فيه فإن ذلك توسيع من اللّه عزوجل ». قال : « فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه ، فليتيمم من غباره أو شي ء مغبّر ، وإن كان في حال لا تجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه » (1).

وفي هذه الرواية إشارة إلى المطلوب من وجوه عديدة لمقابلة (2) التراب بالماء ، والأمر بالتيمم على أجفّ المواضع الشامل بإطلاقه الحجر بعد انتفاء التراب ، ثم بيان أن ذلك توسيع من أنه لإنباته بأن ذلك من التوسّع الخارج عن حدّ التكليف الأول الأمر بالتيمم على الصعيد.

وقريب من ذلك صحيحة عبد اللّه بن المغيرة الموقوفة : « إن كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتيمم من غباره أو شي ء مغبّر ، وإن كان في حال لا تجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم به ».

ومما يدلّ على ذلك أيضا قوله عليه السلام : « جعلت لي الأرض مسجد وترابها طهورا » (3) ، فإن إقحام لفظ « التراب » مع كون المقام مقام الامتنان يقضي بذكر الأعم دليل على اختصاصه به ، وإلا لكان ذلك لغوا بل مخلّا بالمقصود في المقام.

وما في الصحيح من قوله عليه السلام : « إن اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (4) ، وقوله عليه السلام في رواية ابن ميسرة : « فإن ربّ الماء ربّ التراب » (5) ، ومرسلة علي بن مطر ، عن

ص: 295


1- تهذيب الأحكام 1 / 189 ، باب التيمّم وأحكامه ، ح 20.
2- في ( د ) : « كمقابلة ».
3- المعتبر 1 / 452.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 109 ، باب التيمّم ، ح 224.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 107 ، باب التيمّم ، ح 221.

الرضا عليه السلام : عن الرجل لا يصيب الماء والتراب أيتيمّم بالطين؟ قال : « نعم » (1).

مضافا إلى ظاهر آية المائدة من زيادة قول « منه » الدالّ على كون ذلك الصعيد مما له قابلية للتعلق بالكفّ فلا يراد منه الحجر ونحوه ، سيّما بملاحظة صحيحة زرارة الواردة في بيان الآية الشريفة.

والجواب أن الإجماع موهون بمخالفة الأكثر ، والآية قد عرفت الحال فيها ، وأصالة الشغل مدفوع بقيام الدليل على الجواز. والروايات لا دلالة ظاهرة فيها على المقصود.

أما صحيحة رفاعة ، ففيه : أوّلا : كلام في الإسناد - وإن وصفها العلامة بالصحة - من جهة الاشتمال على محمد بن عيسى الأشعري ، ولم يصرّح بتوثيقه أصحاب الرجال. وإن أمكن الذبّ عنه بما يظهر من اعتماد ابنه وغيره من المشايخ عليه وجلالته بين الأصحاب ، مضافا إلى قرائن أخر يفيد الاعتماد عليه.

وثانيا : أن المنساق من الرواية أنه مع عدم وجدان المحل الجافّ للتيمم يراعى أجفّ تلك المواضع ، ولا دلالة فيها على تعيّن التراب أوّلا ، ثم الانتقال إلى غيره من الأحجار ، بل الظاهر منها مراعاة الجافّ أوّلا ، ثم المبتلّ مراعيا للأجفّ ، فالحيثية المسوق لها الكلام هو (2) فقدان الماء (3) الجاف دون غيره.

وكأنه السبب في ذكر التوسعة في المقام ؛ نظرا إلى تركّب ما يتيمم به من التراب والماء ، فلا دلالة فيها على خروج الحجر من الصعيد كذكر خصوص التراب فيها وفي الأخبار المتأخرة.

نعم ، ربما يقيّده النبوي المذكور إلا أنه لضعف إسناده بل كونه من طرق العامة كما هو الظاهر وخلوّ المحكي من طرق الخاصة عنه لا ينهض حجة ، بل الظاهر من المحكي عن طرق الخاصة خلافه كما بيّنّا.

ص: 296


1- تهذيب الأحكام 1 / 190 ، باب التيمّم وأحكامه ، ح 23.
2- في ( ألف ) : « وهو ».
3- في ( ب ) و ( د ) : « فقدان الجفاف ».

ومع الغضّ عن ذلك فلا تقاوم (1) ما ذكرناه من الأدلة على الاكتفاء بوجه الأرض.

قال العلامة المجلسي (2) بعد الحكم بمتانة الاحتجاج بهذا الخبر : لكن لا بدّ من التأويل مع وجود المعارض القوي.

فقد عرفت بذلك الحال في دلالة الأخبار المذكورة ، فتأمل.

[ تتميم ]

لنتمّم (3) الكلام في المرام بذكر أمور :

منها : أن قضية ما عرفت جواز التيمّم بوجه الأرض كون الحجر في مرتبة التراب ، وكذا غيره من سائر ما يصدق عليه اسم الأرض. وعلى القول باختصاصه بالتراب فينبغي القول بعدم جواز التيمّم به مطلقا سواء كان في حال الاختيار أو الاضطرار ؛ لعدم ذكر التيمّم بالأحجار في شي ء من الأخبار. وهو ظاهر المحكي عن الإسكافي (4) من قوله : لا يجوز من السبخ ولا ممن (5) أحلّ عن معنى الأرض المخلوقة بالطبخ والتحجير خاصة (6). وظاهره القول بخروجه عن اسم الأرض.

قيل : وهو (7) لازم كلام السيد ومن قال بمقالته لما عرفت.

وظاهر المفيد في المقنعة التفصيل بين حالتي الاختيار والاضطرار ، فيقدم على الغبار بعد فقد التراب.

وهو المحكي عن النهاية والسرائر. وبه أفتى في المراسم إلا أنه جعله بعد الغبار في مرتبة

ص: 297


1- في ( د ) : « يقاوم ».
2- بحار الأنوار 78 / 148.
3- في ( ألف ) : « لنتمّ ».
4- نقل هذا الكلام في مختلف الشيعة 1 / 420 عن ابن جنيد.
5- في ( د ) : « ممّا ».
6- هنا في ( ألف ) زيادة : « وبه ».
7- لم ترد في ( د ) : « هو ».

الوحل والثلج.

وحكي في الحدائق (1) الشهرة على الأول.

وعنون البحث بالحجر الخالي عن الغبار ، فربّما يومي ذلك إلى انتفاء الخلاف في غير الخالي عنه (2). وقد وقع ذلك في التذكرة أيضا. وفيها أيضا إسناد الجواز إلى علمائنا مؤذنا بالإجماع. وهو محل تأمل ؛ إذ مجرد وجود الغبار عليه لا يوجب صدق اسم التراب عليه.

فالظاهر عدم الفرق بين الصورتين إلا بناء على اعتبار العلوق. وهو مقام آخر.

نعم ، يمكن القول بدخول المغبّر منه في التيمّم بالغبار ، وهو أيضا لا يثمر في المقام إلا على قول الإسكافي إن قال بشمول الحكم لمثله.

وكيف كان ، فالأظهر الأول لصدق اسم الأرض عليه قطعا. وقد عرفت جواز التيمّم به.

وقد ظهر مما ذكر (3) الوجه في المنع المطلق.

وأما القائلين بالتفصيل فليس لهم مستند ظاهر ، وقد يحتجّ لهم تارة بالإجماع على صحّة التيمّم به مع العجز من التراب ، ويكفي (4) به حجة في المقام.

وأخرى بأنه لما وقع الخلاف في لفظ الصعيد كان قضية أصالة شغل الذمة الاقتصار على خصوص التراب مع الاختيار ، وأما مع الاضطرار فلما دار الأمر بين كونه فاقدا للطهورين فيسقط عنه وجوب الصلاة أو واجدا له فيجب قضاء (5) الشغل اليقيني بالصلاة وجوب الإتيان بها مع التيمّم بالحجر ؛ لعدم الحكم بسقوطه بمجرد الاحتمال.

وثالثا : أنه قضية الجمع بين الآية وإطلاق الأخبار المشتملة على لفظ « الأرض » بحمل الآية على صورة الاختيار وجوازه بمطلق وجه الأرض من (6) غيره كما يستفاد منها على صورة

ص: 298


1- الحدائق الناضرة 4 / 297.
2- في ( د ) : « منه ».
3- في ( د ) : « ذكرنا ».
4- في ( د ) : « كفى ».
5- في مخطوطات الأصل : « قضى ».
6- لفظة : « من » وردت في ( د ).

الاضطرار.

قال في الحدائق (1) : وهو وجه وجيه.

فإن قلت : إن الجمع المذكور مما لا شاهد عليه ، وقضية حمل المطلق على المقيّد تقييد الروايات بالآية الشريفة مطلقا إذا لم يفصل فيها بين الحالتين فيعود المحذور.

قلت : قضية الأمر باستعمال التراب في الآية شاهد على حصول التمكن منه. وحينئذ فلا يعوّل بتقييد تلك الإطلاقات إلا بمقدار ما قضت الآية بالتقييد فيه.

ويدفع الأول بمنع الإجماع.

كيف ، ولا تحقق فيه الخلاف من الاسكافي.

وظاهر الكافي مضافا إلى أن قول الأكثر منه (2) بالجواز إنما هو لجعل التيمّم من مطلق وجه الأرض على أنه إن ثبت الإجماع ففي ترتّبه أيضا كلام ، فتقديمه على الغبار لا وجه له ، بل قضية إطلاق ما دلّ على التيمّم بالغبار تأخيره عنه ، فلا يتمّ الاحتجاج بالإجماع.

والثاني : بأن قضية اشتراط الصلاة بالطهور سقوطها عند عدم تحقق شرطها ، وهو غير متحقق الحصول في الصورة المفروضة ، فلا يجب.

غاية الأمر استحباب الاحتياط المذكور إن لم نقل بحرمة الصلاة بالذات من دون الطهارة كما هو قضية بعض الأخبار.

والثالث : ( بأن قضية الأخبار جوازه بمطلق الأرض في حال الاختيار حيث ذكر ذلك في بيان أصل الكيفية. وقد يحتج على ذلك بإطلاق صحيحة رفاعة الماضية ، وهو إطلاق ضعيف.

ثانيها : نصّ جماعة من الأصحاب بجواز التيمّم بأرض الجص والنورة.

وفي الحدائق (3) : إنه المشهور.

ص: 299


1- حدائق الناضرة 4 / 299.
2- في ( د ) : « فيه ».
3- الحدائق الناضرة 4 / 299.

وفي شرح الإستبصار : إنه لا خلاف في جوازه بأرض الجص والنورة قبل الإحراق.

وخلاف ابن إدريس (1) فيه لا يلتفت إليه ؛ لأنه مخالف للنص والإجماع.

وكأنه عني به الإجماع على جوازه في الجملة ؛ إذ لا أقل من منع القائل باختصاص التيمّم بالتراب حال الاختيار.

ولذا فصّل فيه الشيخ (2) في الحالين إلا أن يقال بصدق التراب عليه ، أو يقال بخروجه بالدليل. وهو أيضا بيّن الضعف.

وظاهر المحكي عن الحلي هو المنع منه مطلقا ؛ استنادا إلى كونه معدنا.

وظاهره دعوى الخروج عن اسم الأرض. وهو في محل المنع ، بل من الظاهر شموله لهما.

نعم ، هما خارجان عن اسم التراب ، فمنع الشيخ عنه مع الاختيار في محله إلا أن تجويزه مع الاضطرار محلّ مناقشة كما مرّ نظيره في الحجر.

وأما بعد طبخهما فقد نص جماعة منهم الشيخان (3) والفاضلان فيه بالمنع لخروجهما عن اسم الأرض.

وعن السيد في المصباح (4) والديلمي القول بالجواز.

ومال إليه الشهيد في الذكرى (5). واستظهره غير واحد من المتأخرين.

وبنى المنع والجواز في المدارك (6) على خروجه عن اسم الأرض وعدمه.

وظاهره التردد في ذلك. وهو في محله ، والاحتياط فيه مما لا ينبغي تركه.

احتجوا بصدق اسم الأرض عليه ولا يخرج بسبب اللون والخاصية عن اسمها كما في بعض أقسام التراب. ولو سلّم حصول الشك في التسمية فمقتضى الاستصحاب بقاء الموضوع.

ص: 300


1- السرائر 1 / 137.
2- المبسوط 1 / 32.
3- انظر المقنعة : 59 الخلاف 1 / 136 ، المبسوط 1 / 32.
4- حكاه المحقق في المعتبر 1 / 372.
5- الذكرى 1 / 178.
6- مدارك الأحكام 2 / 202.

مضافا إلى رواية السكوني عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام : أنه سئل عن التيمّم بالجص؟ فقال : « نعم » ، فقيل بالنورة؟ فقال : « نعم ». فقيل بالرماد؟ فقال : « لا إنه لا يخرج من الأرض ، إنما يخرج من الشجر » (1).

ورواية الراوندي عن الكاظم عليه السلام ، عن آبائه ، عن [ ... ] (2) عليه السلام.

وأورد عليه بالمنع من اندراجه في اسم الأرض بل الظاهر من العرف خلافه.

وبه يظهر ضعف الاستناد إلى الاستصحاب ، والروايتان ضعيفتان مطرحتان عند أكثر الأصحاب ، فلا يمكن التعويل عليها ، مع ما فيها من الإشارة إلى خروجهما عن اسم الأرض.

وتعليل الجواز بخروجهما منها ، وهو كما ترى لا يناسب مذهب الأصحاب.

مضافا إلى لزوم مراعاة الاحتياط والحكم بعدم حصول إباحة الصلاة إلا بما دل الدليل على حصول الإباحة به.

وانتصر بعضهم للجواز بصحيحة الحسن بن محبوب الواردة في جواز السجود على الجصّ المحروق.

وهي أنه سئل أبا الحسن عليه السلام عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب إليه بخطه : « إنّ الماء والنار قد طهّراه » (3).

وفيه : أن دلالتها على جواز سجود الصلاة بالجبهة غير واضحة ، على أنه عليه السلام سكت عن جواز السجود وإنما حكم بالطهارة.

مضافا إلى عدم موافقته لظاهر الأصحاب ، مع أنه لا ملازمة بين جواز السجود عليه وصحة التيمّم لجواز السجود على ما يصح التيمّم به بالإجماع.

ثالثها : ذهب جماعة من الأصحاب منهم الإسكافي (4) والمحقق (5) إلى عدم جواز التيمّم

ص: 301


1- تهذيب الأحكام 1 / 187 ، باب التيمّم وأحكامه ح 13.
2- هنا فراغ في ( د ) ، وهي النسخة الوحيدة التي نقلنا عنه هذه المواضع.
3- الكافي 3 / 330 ، باب ما يسجد عليه وما يكره ح 3.
4- حكاه العلامة في التذكرة 2 / 177.
5- المعتبر 1 / 375.

بالخزف لخروجه عن اسم الأرض بالطبخ.

وذهب آخرون إلى جوازه إما للحكم ببقاء الأرضية وإن اختلفت الجهة أو من جهة الشك في بقاء اسم الأرض فيستصحب الموضوع.

وعن جماعة من الأصحاب القطع بجواز السجود عليه. قيل : وهو مؤذن بالاتفاق عليه وكونه من المسلّمات.

ومن المعلوم اتفاق الجهة بين الأمرين ، فيكون الحكم بجواز التيمّم به أيضا مشهورا بينهم.

قلت : القول بجواز التيمّم به مما يتأمل في شهرته أيضا ، ومجرد قطع الجماعة لا يفيدها. والمسألة محل إشكال ؛ إذ الحكم بصدق اسم الأرض عليه مشكل. ومع الشك في البقاء ففي إجراء الاستصحاب أيضا تأمل من جهة أن الحكم بالأرضية فيه إنما كان من جهة كونه ترابا ، وسلب اسمه عنه مما لا ينبغي الريب فيه.

وحينئذ فالقول باستصحاب اسم الأرض فيه يشبه استصحاب الجنس مع القطع بزوال النوع ، وقضية أصالة الشغل في مثله البناء على المنع. والاحتياط في المقام مما لا بد منه.

رابعها : لا خلاف ظاهرا في المنع من التيمّم بالرماد. وقد حكى الإجماع عليه جماعة من الأصحاب.

والوجه فيه ظاهر ؛ لخروجه عن اسم الأرض مضافا إلى ورود المنع فيه في الخبرين المذكورين.

وقد علّل في أحدهما بأنه لم يخرج من الأرض بل من الشجر. نعم ، وقع الكلام في رماد التراب فاستقرب في نهاية الإحكام (1) جواز التيمّم به.

وقوّاه العلامة المجلسي في البحار (2) قال : والأكثر فيه على عدم الجواز مع الخروج عن

ص: 302


1- نهاية الإحكام 1 / 199.
2- بحار الأنوار 78 / 164.

اسم الأرض.

وعلّق المنع في التذكرة (1) على الخروج عن اسم الأرض. ويلوح منه التأمل فيه.

وهو الظاهر من المدارك (2).

قلت : أما مع القول بخروجه عن اسم الأرض فلا ينبغي الريب في المنع لانحصار وجه الجواز في اندراجه فيها ، فما يلوح من البحار من البناء على الجواز مع فرضه غريب ، والاستناد فيه إلى التعليل المذكور عليل.

ثم الظاهر أنه مع حصول الحقيقة الرمادية لا ينبغي الريب في الخروج عن اسم الأرض ؛ إذ لا عبرة في ذلك أيضا بالأصل ، والاستناد إلى الاستصحاب فيه لا وجه له. فالاحتمال المذكور ضعيف إلا أن يكون الشك في حصول الرماد باحتراق الأرض ، وهو كلام آخر.

ويجري الاحتمال المذكور في رماد الحجر ونحوه من ساير أقسام الأرض بناء على جواز التيمّم بمطلقها.

خامسها : لا فرق بين أقسام التراب في جواز التيمّم به ، فيستوي ساير أنواعه من الأسود والأصفر والأحمر كالأرمني والذي ينبت والذي لا ينبت كالسبخ. حكى ذلك في التذكرة (3) إجماع العلماء.

والوجه فيه واضح.

وحكى فيه عن الإسكافي (4) القول بالمنع من السبخ لوصف الصعيد في الآية بالطيب.

وهو ضعيف ؛ إذ المراد به الطاهر.

وكذا الحال في سائر أنواع الأرض من الرمل والحجر وأرض الجصّ والنورة على القول بكون الصعيد وجه الأرض.

ص: 303


1- تذكرة الفقهاء 1 / 177.
2- مدارك الأحكام 2 / 200.
3- تذكرة الفقهاء 2 / 175.
4- تذكرة الفقهاء 2 / 175.

وفي التذكرة (1) : إنه يجوز التيمّم بالرمل عندنا.

وهو يؤذن بالاتفاق عليه. نعم ، ذكروا كراهة التيمّم بالسبخ والرمل والمهابط والطرق واستحباب كونه من العوالي.

وعزا في التذكرة (2) استحباب الأخير وكراهة الثالث إلى علمائنا أجمع.

وفيه أيضا : يكره التيمّم بالرمل عندنا.

وهو يؤذن بالاتفاق عليه.

قلت : أما استحباب التيمّم بالعوالي فقد يستفاد من تفسير الصعيد بالموضع المرتفع كما مرّ في روايتي العلل والفقه ؛ إذ ليس اعتبار الارتفاع واجبا فيه ، فيكون مندوبا.

ودلالتها على الندب وإن لم يخل عن خفاء إلا أنها بضميمة نص الأصحاب والإجماع المنقول كافية في إثبات الندب.

وأما كراهته من المهابط فقد نصّ عليه في كلام جماعة ، ولم نجد في الأخبار ما يدلّ عليه. واستصحاب كونه من العوالي لا يقضي بالكراهة فيها إلا أن يكتفى فيها بمجرد حكم الجماعة.

والإجماع المنقول عليه في التذكرة لا بأس به.

وأما كراهة كفه من تراب الطريق فيدلّ عليه رواية غياث بن إبراهيم ، عن الصادق عليه السلام قال : « نهى أمير المؤمنين عليه السلام أن يتيمم الرجل بتراب من أثر الطريق (3) ».

وفي روايته الأخرى عنه عليه السلام ، عن أمير المؤمنين عليه السلام : « لا وضوء من موطئ » (4). قال النوفلي : يعني ما تطأ عليه برجلك.

وظاهر إطلاق الأخير أعم من الأول فالقول به لا يخلو عن بعد ؛ تسامحا في أدلة السنن.

ولا يبعد حمل قوله « من موطئ » على ما كان معدّا لذلك ، لا ما وطئه برجله ولو مرّة كما

ص: 304


1- تذكرة الفقهاء 2 / 176.
2- تذكرة الفقهاء 2 / 179.
3- الكافي 3 / 62 ، باب صفة التيمّم ، ح 6.
4- الكافي 3 / 62 ، باب صفة التيمّم ، ح 5.

هو ظاهر تفسير النوفلي.

وقد يستفاد من ذلك كراهة التيمّم مما يكون معرضا للنجاسة أو يظن بنجاسته.

وأما كراهة السبخة والرمل فلم نجد عليها مستندا سوى حكم الجماعة. وعزاه في الحدائق (1) إلى صريح الأصحاب. وهو يؤذن بالاتفاق.

وقد يعلّل كراهة الأول تارة بالخروج عن الخلاف ، وهو ضعيف وإلّا لجرى في الحجر ونحوه بخلاف من اعتبر الاختصاص بالتراب ، بل ويجري ذلك أيضا في الرمل لو قيل بخلافهم فيه ، أيضا ، وأخرى باختلاط ترابها بالأجزاء الملحيّة ، وهو ) (2) أيضا موهون بأن المدار أيضا عن الخروج عن اسم الأرض ، فإن كانت بحيث يوجب الخروج عن الاسم فلا شكّ في المنع ، وإلا لم يقتض (3) بالكراهة إلا أن يجعل ذلك مؤيّدا لكلام الجماعة ، فيكتفى به تسامحا في السنن.

وكراهة الأخير بما في بعض الأخبار بعد النهي عن الصلاة على الزجاج : « وإن حدّثتك نفسك أنه مما أنبت الأرض و (4) لكنّه من الملح والرمل ، وهما ممسوخان » (5).

قال : بعض المحدثين : أراد بالممسوخيّة تحوّل صورتهما وعدم بقائهما على حقيقة الأرضية ، فقد يكون ذلك مستندا للكراهة.

وفيه : أنه لو تمّ لدلّ على المنع إلا أن يقال ببقاء الحقيقة العرفية قطعا ، والحكم إنما يتبع الاسم والكراهة من جهة الخروج عن الحقيقة الفعلية ، أو يقال : إن الرواية لا تنهض حجة على المنع فلينهض على الكراهة.

ولا يخفى عليك ما فيه إلا أن يكون المقصود التأييد لحكم الجماعة.

ص: 305


1- الحدائق الناضرة 4 / 315.
2- ما بين الهلالين من قوله « بأن قضية الأخبار » إلى هنا مما أضفناها من نسخة ( د ) ، ولم توجد إلّا فيها ، فاغتنمها.
3- في ( د ) : « يقض ».
4- لم ترد في ( د ) : « و ».
5- الكافي 3 / 332 ، باب ما يسجد عليه وما يكره ، ح 13.
تبصرة: [ التيمّم بغبار الثوب ونحوه ]

إذا لم يجد شيئا من أقسام الأرض يتيمم (1) من غبار ثوبه أو لبد سرجه أو عرف دابته ونحو ذلك مما يشتمل على الغبار.

وأسنده في المعتبر وتذكرة الفقهاء إلى علمائنا.

وهو في الجملة ممّا أطبقت عليه النصوص والفتاوى.

وربما يتوهم من عبارة المراسم (2) عدم جواز التيمّم بالمغبّر (3) وإنما يصحّ بالغبار المستخرج منه حيث قال : إذا وجد الثلج والوحل والحجر نفض ثوبه ورحله ، فإن خرج منه تراب تيمم منه إذا لم يمكنه التوضّي من الثلج ، فإذا لم يكن من ثيابه ورحله تراب ضرب بيده على الوحل والثلج والحجر وتيمم به.

وربما يومي إليه صحيحة أبي بصير : « إذا كنت في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم به ، فإن اللّه أولى بالعذر إذا لم يكن معك جاف (4) أو لبد تقدر أن تنفضه وتيمم به » (5).

وهذه الرواية كعبارة الديلمي محمولة على ما إذا كان الثوب مغبرّا فيعلم بالنفض وجود الغبار فيه ، أو (6) إن المقصود بالنفض صعود الغبار على ظاهر ذلك الشي ء فيتيمم به ؛ إذ اجتماع التراب من الغبار المستخرج من الثياب ونحوها بحيث يمكن التيمّم به فرض بعيد لا ينصرف

ص: 306


1- في ( د ) : « تيمّم ».
2- المراسم : 53.
3- في ( ألف ) : « بالمعتبر ».
4- زيادة في ( د ) : « ثوب ».
5- الكافي 3 / 67 ، باب التيمّم بالطين ، ح 1.
6- في ( ألف ) : « و ».

إليه الإطلاق.

ومع فرضه فلا ريب في لزومه ؛ لكونه واجدا للتراب.

ثم إن فقد ذلك أو وجد الوحل تيمم به ، وهو أيضا مما اتفقت عليه كلمة الأصحاب وأخبار الباب. وحكى في المعتبر إطباق فقهائنا عليه.

وعزاه في تذكرة الفقهاء إلى علمائنا ، فجواز التيمّم بكل من الأمرين المذكورين في الجملة مما لا تأمل فيه.

إنما الكلام في المقام في أمور :

أحدها : المعروف جواز التيمّم إذن لكل مغبرّ من الثياب واللبد وعرف الدابّة ونحوها. وعن الشيخ في ظاهر النهاية (1) تقديم غبار عرف الدابة ولبد السرج على غبار الثوب. ومع عدم التمكن منهما تيمّم بغبار الثوب.

وعن السرائر الحكم بعكسه. والأول هو الأقوى لظواهر عدة من [ الأخبار ، منها ] المعتبرة كالصحيح : « فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شي ء مغبرّ » (2).

والموثق : « إن أصابك الثلج فلينظر لبد سرجه ، فتيمم من غباره أو من شي ء معه » (3).

وموقوفة عبد اللّه بن المغيرة الصحيحة : « إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتيمم من غباره أو شي ء مغبر » (4).

ولم نقف على مستند للقولين الآخرين. والأولى إرجاعه إلى المشهور بحملهما على بيان مواضع الغبار.

وكأنّ ذكر الترتيب من جهة اختلافها في الاشتمال على الغبار ، فقدّم المقدم ليكون المظنة باشتماله على الغبار أكثر.

ص: 307


1- النهاية ونكتها 1 / 262.
2- تهذيب الأحكام 1 / 190 ، باب التيمّم وأحكامه ، ح 20.
3- وسائل الشيعة 3 / 353 ، باب جواز التيمّم عند الضرورة بغبار الثوب ، ح 2.
4- الكافي 3 / 66 ، باب الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ، ح 4.

ثم قضية إطلاق النصوص المذكورة عدم الفرق بين كون المغبّر من الثياب أو الفراش (1) وغيرها كالجلود المغبّرة ، ولا بين كونها مما يدخل الغبار في أعماقه كالأشياء الرخوة ، وما يبقى على ظاهره كالأخشاب ونحوها ، و (2) ربما كان ذلك أولى.

ثانيها : ظاهر جماعة من الأصحاب منهم المفيد والديلمي في عبارته المتقدمة اعتبار نفض الثوب ليظهر الغبار على وجهه. وهو ظاهر صحيحة أبي بصير المتقدمة. وسائر الروايات مطلقة كفتاوى كثير من الأصحاب.

وقد يقال بأن إطلاق الشي ء على المغبّر في الصحيحتين المتقدمتين ظاهر فيما إذا كان الغبار ظاهر [ ا ] عليه لا ما اشتمل على الغبار كيف كان.

وفيه تأمل.

والأحوط مراعاة ذلك وإن كان القول بوجوبه لا يخلو من تأمّل ؛ لمكان الإطلاق وعدم وضوح ما يدلّ على التقييد.

ثالثها : ظاهر النصوص والفتاوى عدم صحة التيمّم بالغبار مع التمكن من الصعيد. وربما يظهر من عبارة السيد في الجمل جوازه مع وجود التراب. وهو ضعيف ، وإليه كثير من أئمة الجماعة.

رابعها : على القول بتفسير الصعيد بالتراب ، فهل يقدّم التيمّم بالحجر على الغبار؟ وجهان.

وقد نصّ الشيخ وغيره بتقدّم الحجر عليه ، وصريح الديلمي في العبارة المذكورة تأخيره عنه وقد جعله (3) بمنزلة الوحل والثلج. واستفادة الحكم المذكور من الأخبار محل خفاء إلا أن يتمسك بحمل مطلقات الأخبار على المقيّد في صورة إمكان التراب ، فيبقى مطلقه مع تعذّره كما أشرنا إليه.

ص: 308


1- في ( د ) : « فرش ».
2- لفظة الواو وزيدت من ( د ).
3- في ( ألف ) : « حصل ».

وفيه ما عرفت.

ويستدلّ له بإطلاق صحيحة رفاعة. وهو أيضا مشكل.

وكيف كان ، فإن قام دليل على جواز التيمّم به فإنما يفيد تقديمه على الغبار.

وأما جوازه في خصوص صورة العجز عنه فلا يظهر مستنده إلا أن يتمسك بالإجماع على جواز التيمّم به في الجملة ، فيقال : إن المتيقن من الإجماع هو كونه طهورا بعد الغبار لخروجه عن مورد النصوص ، فيجعل بمنزلة الوحل.

خامسها : المعروف بين الأصحاب تقديم الغبار على الوحل ، بل لا نعرف مخالفا فيه.

وفي المدارك : إن الأصحاب قاطعون به ، وظاهرهم الاتفاق عليه.

وفي الحدائق : إن ظاهر عباراتهم الاتفاق عليه.

ويدلّ عليه المعتبرة المستفيضة ، منها : الصحيح : « فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شي ء مغبر وإن كان في حال لا يجد إلا الطين ، فلا بأس أن يتيمم به » (1).

وربما يقال بعدم دلالة ذلك على المطلوب ؛ إذ المفروض فيه كونه من الثلج فلا يقدر معه على الطين ليدلّ على تقديمه عليه.

وأنت خبير بأن مفهوم قوله « وإن كان » في حال الخبر كاف في الدلالة على المقصود إلا على أن إفادة مجرد كونه في الثلج عدم تمكنه من الطين محل تأمل.

ومما يدلّ عليه موثقة زرارة : « إن كنت في حال لا تجد إلا الطين فلا بأس أن تتيمم به » (2) ؛ فلما أضيف ذلك إلى ما دلّ على صحة التيمّم بالغبار اتّضحت دلالته على المطلوب.

وموقوفة عبد اللّه بن المغيرة الصحيحة ، وهي واضحة الدلالة عليه ، فمناقشة غير واحد من المتأخرين كصاحب المدارك في تقديمه على الطين للتأمّل في دلالة (3) الأخبار وإسناد بعض لا يخفى وهنها.

ص: 309


1- تقدم ذكره ، فراجع.
2- الإستبصار 1 / 156 ، باب التيمّم في الارض الوحلة والطين والماء ، ح (538) 2.
3- زيادة في ( د ) : « بعض ».

نعم ، في (1) رواية زرارة ، عن أحدهما عليهما السلام قال : قلت له : رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين ، ما يصنع؟ قال : « يتيمم فإنه الصعيد ». قلت : فإنه راكب ولا يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء. قال : « إن خاف على نفسه من سبع أو غيره أو خاف فوت الوقت فليتيمم يضرب بيده على اللبد والبرد (2) ويتيمم ويصلّي » (3).

وفي مرسلة علي بن مطر ، عن الرجل : لا يصيب الماء ولا التراب ، أيتيمم بالطين؟ قال : « نعم ، صعيد طيّب وماء طهور » (4).

وهما ضعيفان ، فلا ينهضان حجة ، مضافا إلى معارضتهما لتلك المعتبرة المؤيّدة بالعمل ، والظاهر جعل الأخيرة على صورة فقدان الغبار.

وقد يحمل الأول على كون الطين بحيث يصدق عليه اسم الأرض بأن لا يكون يلتصق باليدين.

وقد يومي إليه إطلاقه الأمر بالتيمم منه ، وحكمه بأنّه الصعيد إشارة إلى ظاهر الآية ، فيقيّد جوازه مع الاختيار أيضا ؛ إذ لا يتم ذلك إلا مع عدم خروجه عن اسم الأرض.

سادسها : إنما يصحّ التيمّم بالثوب ونحوها مع حصول الغبار فيها كما هو قضية أخبار الباب وفتاوى الأصحاب ، فلا يصحّ التيمّم بها مع خلوّها عن ذلك.

وظاهر الشيخ في الاستبصار جواز التيمّم بها إلّا أنه جعله بعد تعذّر الطين ، فحكم بتقديم ذي الغبار عليه وتأخير ذلك عنه ، وجعل وجه الجمع بين الأخبار المذكورة الدالّة بعضها على تقديم الغبار على الطين وبعضها على تأخيره.

وفيه : أنه لا شاهد على الجمع المذكور مع مخالفة الظواهر النصوص.

سابعها : إذا تمكّن من تجفيف الطين وجب عليه لتمكنه من الصعيد. وقد منعه بعض

ص: 310


1- في ( ألف ) : « و » بدل « في ».
2- في ( د ) : « البردعة ».
3- الإستبصار 1 / 156 ، باب التيمّم في الأرض الوحلة والطين والماء ، ح (540) - 4.
4- تهذيب الأحكام 1 / 190 ، باب التيمّم وأحكامه ، ح 23.

المتأخرين ؛ نظرا إلى إطلاق الروايات وخلوّها عن ذكره. قال : التقييد بالتجفيف كما ذكره لا أثر له في شي ء منها ، ولو كان الحكم فيه ذلك لوقع (1) عليه ولو في بعضها ؛ لأن المقام مقام بيان.

وأنت خبير بضعف ذلك ؛ إذ إطلاق الأخبار منزّل على صورة الضرورة كما هو المنساق منها ، فوضوح الحال في صورة التمكن من الصعيد قد أغنى عن الإشارة إليه. وكذلك الحال بالنسبة إلى التيمّم بالغبار ، فلو أمكن نفض الغبار بحيث يجتمع منها ما يصدق عليه اسم التراب وكان المجتمع وافيا بالواجب تعيّن ذلك.

وبالجملة ، الظاهر مراعاة المكنة في الانتقال عن كل مرتبة إلى ما دونها ، فمع التمكن من الأعلى بالأسفل إلى ما دونه ولو في آخر الوقت على نحو ما ذكر في الماء ، ويجب التجسس عنه مع فقده والجهل به إلى أن يصدق معه عدم الوجدان ، ولا يجب عليه الطلب في الفلوات على نحو ما مرّ في الماء ؛ لاختصاص النصّ به.

ثامنها : يعتبر في الغبار الذي يتيمم به أن يكون من جنس ما يتيمم به كما نصّ عليه جماعة.

وهو كذلك ؛ إذ هو الظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب ، فلا عبرة بغبار الأشنان والدقيق ونحوهما ، وكذا غبار الجص والنورة على القول بالمنع من التيمّم بهما.

تاسعها : في ظاهر كلماتهم اختلاف في كيفية التيمّم بالوحل ، فعن المفيد (2) أنه يضع يديه على الوحل ثم ( يرفعهما فيمسح إحداهما بالأخرى حتّى لا يبقى فيهما نداوة ، ويمسح بهما وجهه وظاهر كفّيه. وعن الشيخ أنّه يضع يديه على الوحل ثمّ ) (3) يفركهما ويتيمم.

واستوجهه المحقق في المعتبر (4) وحكى فيه قولا آخر ، وهو أنه يضع يده على الوحل ويتربّص ، فإذا يبس يتيمم به.

ص: 311


1- زيادة في ( د ) : « التطينيّة ».
2- المقنعة : 59.
3- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
4- المعتبر 1 / 377.

وفي التذكرة (1) : إنه مرويّ عن ابن عباس ، قال : وهو جيد عندي إن لم يخف فوت الوقت ، فإن خاف عمل بقول الشيخ.

وفي السرائر (2) : إن التيمّم به كالتيمم بالتراب. وحكاه في الوسيلة عن شيوخ أصحابنا.

ويمكن الجمع بين الأقوال المذكورة ليرتفع الخلاف.

والوجه في المقام أن يضرب يديه على الوحل ، ثم يرفعهما فإن لم يكن فيهما ما يمنع من وصول الماسح إلى الممسوح مسح بهما وجهه وكفيه ، وإلا أزال المانع ومسح به.

واستوجهه في التذكرة ، ولا بأس به ؛ لحصول المسمى للتراب ، وإن لم يقع الضرب عليه لكن لا بدّ من عدم مانعيته للمسح وعدم حصول الفصل الطويل بين أفعال التيمّم.

عاشرها : لو كان في التراب رطوبة لا يوجب لصوقه باليدين لم يمنع من التيمّم به حال الاختيار ؛ لصدق الأرض عليه وعدم اشتراطه باليبوسة في الأخبار.

وعزاه في التذكرة إلى علمائنا مؤذنا بالإجماع عليه. واحتج عليه من أخبار الخاصة بصحيحة رفاعة المتقدمة ، وحكى المنع عن الشافعي.

نعم ، إذا وصل إلى حدّ يوجب تلويث اليد به ، فلا يظهر اندراجه في الإطلاقات ؛ إذ لا يعد الطين من الأرض وإنما هو مركب منه ومن الماء ، فيجري فيه (3). إذن ما ذكرناه. وكأنه المراد بالوحل في كلام الأصحاب ، وإن فسّر بالطين الرقيق ؛ لإطلاقه في الأخبار.

ص: 312


1- تذكرة الفقهاء 1 / 62.
2- السرائر 1 / 138.
3- زيادة : « فيه » من ( د ).
تبصرة: [ في واجد الثلج دون غيره ]

من لم يجد شيئا إلا الثلج فإن أمكنه اذابته ولو على الأعضاء بحيث يحصل به مسمى الغسل بأن يجري الماء ولو بمعونة اليد من محل إلى آخر وجب عليه طهارة المختار ؛ لأنه في الحقيقة واجد للماء.

والظاهر أنه لا تأمل لأحد فيه.

ولو لم يمكن حصول مسمّى الغسل به فللأصحاب فيه أقوال :

أحدها - وهو مذهب أكثر الأصحاب كما في المدارك - سقوط الغرض ، وإلحاقه بفاقد الطهورين.

وعن الإسكافي والسيد والديلمي والعلامة في القواعد : وجوب التيمّم به.

وعن الشيخين والعلامة في غير واحد من كتبه : وجوب الغسل والوضوء به.

والأقوى الأول ؛ ويدلّ عليه الأصل وعدم وضوح دليل على جواز إيقاع أحد الأمرين ؛ لخروجه عن اسم الماء وعدم حصول مسمى الغسل به ؛ ليصدق معه الوضوء والغسل.

وكونه من حقيقة الماء لا يفيد شيئا بعد الخروج عن اسمه ، وليس أيضا من الصعيد ليصحّ التيمّم به فمقتضى (1) ظاهر الكتاب والأخبار لا يصح به شي ء من الأمرين. مضافا إلى أنه المستفاد من ظواهر أخبار الباب كصحيحة رفاعة وموثقة زرارة المتروك فيهما ذكر الاغتسال أو التيمّم به في مقام البيان.

وما ورد في عدّة من الأخبار من الاغتسال به فإنها تشير إلى حصول مسمى الغسل ،

ص: 313


1- في ( د ) : « فبمقتضى ».

والجريان بإمراره على العضو إنه هو مما يمكن حصوله في كثير من الأحوال :

منها : صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام ، عن الرجل الجنب أو على غير وضوء : لا يكون معه ماء وهو يصيب ثلجا وصعيدا ، أيهما أفضل؟ أيتيمم أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال : « الثلج إذا بل رأسه وجسده أفضل وإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمم » (1).

وروى في قرب الإسناد (2) عنه عليه السلام ما يفيد ذلك باختلاف في لفظه.

ورواه في مستطرفات السرائر (3) عن كتاب محمد بن علي بن محبوب.

وهذه الصحيحة عند التأمل مما يدل على ما ذكرناه ؛ إذ اعتبار بلّ الرأس والجسد ليس إلا لحصول مسمى الغسل ولو كالدهن كما ورد في الأخبار من أن « المؤمن لا ينجسه شي ء وإنما يكفيه مثل الدهن » (4) حتى أنه ورد ذكر المسح في موضع الغسل في غير واحد من الأخبار كما تقدم ذكره في محله ؛ إشارة إلى المبالغة في عدم لزوم إكثار الماء.

ومما يشير إليه تقديمه على التيمّم وترتبه عليه.

ومنها : قويّة محمد بن مسلم : سألت الصادق عليه السلام عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلا الثلج؟ قال : « يغتسل بالثلج أو ماء النهر » (5).

وهذه الرواية كما ترى ظاهرة فيما قلناه سيّما بملاحظة التخيير بينه وبين ماء النهر.

ومنها : قوية معاوية بن شريح قال : سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام وأنا عنده ، فقال : يصيبنا الدمق والثلج ونريد أن نتوضأ لا نجد إلا جامدا ، فكيف أتوضأ أدلك به جلدي؟ قال : « نعم » (6).

وبعض المتأخرين كالفاضل الجزائري بنى على العمل بإطلاق هذه الأخبار بعد تقييد

ص: 314


1- الإستبصار 1 / 159 ، باب الرجل يحصل في أرض غطاها الثلج ، ح (547) 6.
2- قرب الإسناد : 181.
3- مستطرفات السرائر : 613.
4- الكافي 3 / 21 ، باب مقدار الماء الذي يجزئ للوضوء والغسل ح 2.
5- الإستبصار 1 / 157 ، باب الرجل يحصل في أرض عطاها الثلج ، ح (542) 1.
6- الإستبصار 1 / 157 ، باب الرجل يحصل في أرض عطاها الثلج ، ح (543) 2.

مطلقها بمقيّدها ، وحكم بوجوب الوضوء والغسل بالثلج إن أثر نداوة على العضو وإن لم يحصل به مسمى الجريان ، فيقدّم على التراب وإلّا سقط اعتباره مطلقا. واختاره في الحدائق وأيّده بالأخبار الدالّة على الاكتفاء بالدهن ومجرد إمساس الماء ونحو ذلك.

وقد عرفت فيما مضى أن ذلك كله محمول على حصول أدنى مسمى الغسل كي لا يخالف صريح الكتاب وسائر الروايات المعتضدة بالأصل وفتاوى الأصحاب على أن المستفاد منها جواز ذلك في حال الاختيار ، بل كالصريحة فيه.

وهو ممن لا يقول به.

والحاصل أن أخبار الباب كالأخبار المذكورة محمولة على حصول مسمى الغسل بإمراره على الجسد. وحينئذ فلا شك في وجوبه بل وجوازه مع وجود الماء أيضا. ومع عدم إمكانه وإمكان الصعيد وما يقوم مقامه يندرج في فاقد الطهورين.

حجة القول بلزوم الوضوء والاغتسال به الروايات المتقدمة.

وهي كما عرفت مما لا يفيد ذلك.

وأجاب في المختلف كما ذكرناه من ظهور الاغتسال في حصول مسمى الجريان بمنع أخذ الجريان ومسمى الاغتسال. ومع تسليمه فإنما يقضى جريان ما علّق به الاغتسال لا حصول (1) الماء. وهو حاصل بإجرائه (2) في المقام ، فإن الثلج يجب إجراؤه على الأعضاء. انتهى.

وهو كما ترى.

واحتج عليه بأنّه يجب في الغسل والوضوء مماسّته أعضاء الطهارة بالماء ، وإجراؤه عليها ، فإذا تعذر الثاني وجب الأول.

وهو أيضا من الضعف بمكان.

حجة القول بالتيمم بالثلج صحيحة محمد بن مسلم ، عن الصادق عليه السلام عن رجل أجنب

ص: 315


1- في ( ب ) و ( د ) : « خصوص ».
2- لم ترد في ( د ) : « بإجرائه ».

في سفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا؟ قال : « وهو بمنزلة الضرورة يتيمم ، ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه » (1).

وفيه : أنه لا دلالة فيها على كون تيممه بالثلج.

وقوله « لا يجد إلا الثلج » لا يدلّ على عدم وجدانه ما يصحّ التيمّم به ، بل يمكن أن يكون المقصود به عدم وجدانه الماء. وكأنّ سياق المقام شاهد عليه ، وإلا لصرّح بالحال ، ولا أقلّ من الاحتمال الذي يسقط به الاستدلال.

واعلم أنه على القول بالتيمم بالثلج لا تأمل في تأخيره عن الغبار كما هو صريح صحيحة رفاعة وغيرها.

وفي الحدائق (2) : ظاهر كلام أكثر الأصحاب عدم جواز استعمال الثلج مع وجود الغبار ، بل ظاهرهم الاتفاق عليه.

وهو يعطي تأخير الوضوء والغسل على القول بهما عن ذلك.

وأما بالنسبة إلى الوحل فقد يقال : إن ظاهر المختلف أنه كذلك حيث فرض المسألة في صورة عدم وجدان ما عدا الثلج. وظاهر الديلمي التخيير بينه وبين الحجر والوحل.

ويمكن أن يقال : إنه قضية الجمع بين الصحيحة المتقدمة ، وما دلّ على التيمّم بالوحل ؛ لورود كل منهما فيمن لا يجد سواه ، فإذا دار الأمر بينهما تخيّر.

وفيه تأمل.

ص: 316


1- الكافي 3 / 67 ، باب الرجل يصيبه الجنابة فلا يجد إلا الثلج أو الماء الجامد ، ح 1.
2- الحدائق الناضرة 4 / 303.
تبصرة: [ في اشتراط طهارة التراب ]

يشترط في التراب الذي يتيمم به أن يكون طاهرا بلا خلاف فيه يعرف. وفي التذكرة : إنه مذهب علمائنا أجمع.

وفي منتهى المطلب (1) : لا نعرف فيه خلافا.

واحتج عليه بعد ذلك بظاهر قوله تعالى ( صَعِيداً طَيِّباً ) (2) فإن الطيب هو الطاهر.

وعزا تفسيره بذلك في مشرق الشمسين (3). وفي البحار (4) إلى مفسري أصحابنا مؤذنا باتفاقهم عليه.

وعن بعض العامة تفسيره بالأول ، وعن آخر تفسيره بالذي ينبت دون ما لا ينبت كالسبخة.

أما الوجه الأخير فقد عرفت (5) ضعفه.

ويضعّف الثاني بأنّه إن لم يكن المقصود بالطيب هو الأول ، فلا أقل من تعميمه للوجهين ؛ لعدم صدق الطيب على النجس ، فإن ثبت تفسير الأول - كما هو الظاهر - دلّ (6) على المطلوب بالخصوص وإلا اندرج فيه ، فالاحتجاج بالآية لا غبار عليه.

فمناقشة صاحب المدارك في ثبوت كون الطيب بمعنى الطاهر الشرعي ليس في محله ؛ إذ

ص: 317


1- منتهى المطلب 1 / 144.
2- النساء : 43 ، المائدة : 6.
3- مشرق الشمسين : 339.
4- بحار الأنوار 78 / 141.
5- في ( ب ) و ( د ) : « علمت » بدل « عرفت ».
6- زيادة : « دلّ » من ( د ).

من الظاهر أنه بعد ثبوت القذارة في الشرع يخرج عن كونه طيبا عند المشهور (1) ، فالصفة وإن كانت شرعية إلا أن الاتصاف عرفيّ ، فأهل العرف إنما يصفونه مع ذلك بالطيبة من جهة عدم إثباتهم للصفة.

على أن الإجماع على عدم اشتراط الطيبة العرفية قرينة على إرادة الشرعية.

وقد يقرّر الاستدلال عليه بالأصل من جهة الشك من جهة البناء على شرطيّة ما شكّ في شرطيته ، فبعد (2) الشك في مدلول الآية لا بدّ من القول بالاشتراط.

واحتج عليه في الحدائق (3) بالنبوى المشهور : « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ».

وذكر في القريب : بأن الطهور لغة هو الطاهر المطهر كما حقّق في باب المياه.

قال (4) : ومن ذلك يعلم أن كل موضع دلّ النص على التطهير بالأرض من حدث أو خبث يجب أن تكون طاهرة حسبما يقال في الماء.

قلت : فيه : أوّلا : أنه قد ذكر للطهور في باب المياه معنى آخر أيضا. وهو أن يكون بمعنى ما يتطهر به ، والمقام محتمل (5) لإرادته ، فلا يفيد اعتباره الطهارة.

وثانيا : أن غاية ما تقتضيه الرواية أن تكون الأرض في أصلها طاهرة مطهرة ، وهو لا يقضي باشتراط الثاني من الصفتين بالأول حتى يزول الثاني بزوال الأول إلا أن يقال : إن الحكم بطهوريته (6) حكم واحد ، فإذا زال بعضه - أعني الطهارة - زال الجميع ؛ للخروج عن مدلول الآية وعدم حجية الاستصحاب عنده.

وهو كما ترى.

نعم ، قد يمكن الاعتضاد به في المقام بملاحظة أن الظاهر المنساق من المطهّر هو ما كان

ص: 318


1- في ( د ) : « الشارع ».
2- في ( ألف ) : « بعد ».
3- الحدائق الناضرة 4 / 311.
4- الحدائق الناضرة 4 / 312.
5- في ( ألف ) : « تحمل ».
6- في ( ألف ) : « بطهورية ».

طاهرا في نفسه بعد حصول التطهير بالنجس.

وكيف كان ، فالمسألة بملاحظة ما ذكرناه - مع اعتضاده بعدم ظهور الخلاف فيه بين الأصحاب بل ظهور اتفاقهم عليه - مما لا ينبغي الريب فيه.

ويجري الحكم في غير التراب من سائر ما يتيمم به.

وربما يتأمل في المقام في الطهارة المعتبرة في الشي ء المغبّر بأنها هل تعتبر في خصوص الغبار أو محله أو فيهما معا؟ وجوه ؛ أضعفها الثاني وأحوطها الأخير.

وظاهر غير واحد من الأخبار هو الأول حيث دلّ على أن المتيمّم (1) به هو الغبار. ولا يخلو عن قوة.

ولو امتزج الطاهر النجس كان بحكم النجس. وربما يقال في الغبار الممتزج بالنجس بالجواز إذا حصل مسمّاه من الطاهر ، والمشتبه بالنجس حكمه حكم النجس مع الانحصار كما عرفت.

ولو دار الاشتباه بين الماء والتراب ، و (2) كان عنده تراب آخر معلوم الطهارة فهناك وجوه ؛ من تعيّن الطهارة بالماء على احتمال تقدم في باب المياه ، وتعين التيمّم لكون المشتبه حكمه حكم النجس ، وتعيّن الأمرين لاحتمال مصادفة الطهارة الاختيارية.

ص: 319


1- في ( ألف ) : « التيمّم ».
2- أضفنا الواو من ( د ).
تبصرة: [ في التيمّم بالمغصوب ]

لا يجوز التيمّم بالمغصوب بلا خلاف فيه يظهر.

وعزاه في التذكرة إلى علمائنا أجمع.

ووجهه ما تقدم في الوضوء من عدم إمكان التقرب بالمحرّم ، ولعدم انصراف الأوامر إلى الفرد المنهيّ عنه ، فلا مقتضى فيه للصحة.

وكذا الحال لو كان مكان التراب مغصوبا.

هذا كله بناء على كون الضرب على الأرض جزء من التيمّم واضح ، وإلّا كان بمنزلة الاغتراف من الآنية المغصوبة مع إباحة التراب أو حرمته إن لم نشترط العلوق ، ولم يعلّق منه شي ء باليد إلا أن يستند في منعه إلى الإجماع أو بعض الوجوه المذكورة.

ولو كان الفضاء الذي يقع فيه المسحات مغصوبا فالظاهر عدم الصحة ؛ لسريان المنع إلى فعل العبادة القاضي بفسادها.

وقد يقال بأن الحركات الواقعة في المكان المغصوب مقدمات لحصوله ، فلا يضر اجتماعها مع الحرام كما قيل بمثله في الوضوء.

ولا يخفى وهنه كما تقدمت الإشارة إليه.

وأما إذا كان مكانه سوى ما يقع فيه أفعال التيمّم مغصوبا لم يمنع من الصحة إلا إذا كانت حركات التيمّم مستلزمة للصرف فيه.

والمراد بالمكان المغصوب ما لم يكن مملوكا له عينا ولا منفعة ولا مباحا ولا مأذونا فيه من المالك ومن بحكمه أو من الشرع ، ومن الآخر التيمّم في الأراضي المتسعة ؛ لجريان الطريقة من لدن صاحب الشريعة على إيقاع تلك الأنحاء من التصرفات من غير ورود منع كما مرّت

ص: 320

الإشارة إليه في الوضوء ، فلا حاجة فيه إلى استيذان المالك ولو أمكن.

نعم ، لو صرّح المالك بالمنع لم يجز.

ومجرّد العداوة بينهما لا يقضي بالمنع ؛ لعدم استناد الجواز إلى إذن المالك ليرتفع بالشك فيه.

نعم (1) ، علم منها عدم رضاه لم يجوّز. [ و ] مع الظن به فوجهان ، أحوطهما الاجتناب.

ولا فرق بين أن يكون ذلك المكان باقيا في يد صاحبه أو مغصوبا إلا أن يكون هو الغاصب (2) لجريان العادة فيه بالمنع ، وللشك في جريان السيرة فيه.

ولو حبس في المكان المغصوب فإن لم يستلزمه (3) التيمّم فيه تصرفا زائدا على نفس الكون قوي البناء على الصحة ؛ لارتفاع المنع من الكون بالإجبار.

ويحتمل أن يقال : إن إيقاع الأفعال المخصوصة نوع خاص من التصرف لا يقضي مجرد الحبس بجوازه.

وفيه : أنه بعد جبره على الحبس لا يجب عليه السكون فيه بحيث لا يقع منه حركة ولا فعل أصلا حتى يقتصر من التنفس والأكل والشرب على أقل الضرورة ؛ لحرمة كل من الحركة والسكون فيه ، فيتخير بينهما بعد الإجبار.

نعم ، لو كان في الحركة تصرف زائدا عرفا على مطلق الكون لم يجز. ومنه ما إذا تضرّر المالك بإيقاع الوضوء فيه ، فينتقل إلى التيمّم مع عدم إمكان الاستيذان أو في التيمّم ، فيصير فاقدا للطهورين.

ولو نهاه المالك عن نحو مخصوص من الكون ففي حرمته وجهان ؛ من أصالة حرمة التصرف في ملك الغير ، ومن سقوط الرجوع إلى المالك بعد الجبر ، فلا عبرة بنهيه كما لا يجب تحصيل رضاه مع المكنة ، ولا يتعلق بذمته أجرة المكان.

ص: 321


1- الظاهر سقوط كلمة « إن ».
2- في ( ألف ) : « الغالب ».
3- في ( ب ) و ( د ) : « يستلزم تيمّمه ».

وعليهما يبتني صحة التيمّم وعدمه مع تعلق المنع به ، وكذا الحال في الصلاة.

ولو أذن له المالك إذن في الكون ونهى عن نحو خاصّ كان احتمال الحرمة فيه أقوى من الأول.

ولو كان الحابس هو المالك ونهاه عن كون خاصّ جرى الوجهان إلا أن احتمال الحرمة هنا بعيد ، سيّما مع حصول مشقة عليه إلا أن يستلزم تصرفا زائدا على نفس الكون.

ولا يبعد هنا القول بجواز ما هو من ضرورياته ، من أداء التكاليف والأمور المتعلقة بنفسه عن الأكل فيه والشرب والتخلي والاستنجاء والطهارة من الوضوء والغسل والتيمّم ونحوها ، وإن أوجب اضرار المالك.

نعم ، لو تمكن منه على غير الوجه المضرّ تعيّن مع انتفاء المشقة في اختياره ، ولا يجوز له صرف شي ء من أمواله في ذلك كاستعمال مائه ولبس ثيابه للصلاة وغيره ، وهو واضح.

ولو كان جاهلا بالغصبيّة أو ناسيا لها ، فالظاهر الصحة.

ويحتمل القول بالفساد في الناسي كما مرّ في الوضوء.

والأقوى خلافه.

وكذا الحال في الغافل إلا أن يكون ناسيا على الكون فيه ، فاتفق غفلته عنه حال الفعل في وجه قوي ، بل الظاهر استمراره على الغصب إذن ولو مع الغفلة ، أو يكون غصبه حينئذ نظير سائر الأفعال الاختيارية الصادرة عنه ، ولو غفل عن الفعل في أثنائه وقد اكتفى به في العبادات بناء على الاستدامة الحكمية للنية كما مرّ.

ولو كان بانيا على الخروج (1) حال الطهارة عن الغصبية حال إيقاعها فوجهان ، أحوطهما الإعادة.

ولو غفل في إيقاع الفعل بطلت قطعا. والجاهل بالحكم كالعامد إلا مع الجهل الذي يكون عذرا كالجاهل المطلق كالغافل عن المسألة أو المعتقد للإباحة بحيث لا يحتمل الخلاف ليجب

ص: 322


1- في ( ب ) : « للخروج » بدل « على الخروج ».

عليه السؤال.

ثم إن المشتبه بالمغصوب مع الانحصار ، ولا فرق بين مدور الاشتباه بين أرضين أو بينه ، وبين الماء أو غيره من سائر الأنواع.

ص: 323

تبصرة: [ في التيمّم بالممتزج ]

من شرائط ما يتيمم به أن لا يكون ممتزجا بغير ما يصح التيمّم به بحيث يسلبه إطلاق الاسم أو يكون الخلط متميزا في الحسّ.

وقد أطلق بعضهم عدم صحة التيمّم بالممتزج.

ويمكن حمله على ذلك ؛ إذ مع بقاء الاسم وعدم امتياز الخلط فكأنّه لم يختلط بغيره.

والوجه في الجواز مع بقاء الاسم ظاهر.

وكذا المنع مع عدمه.

وأما مع الامتياز في الحسّ فلعدم صدق اسمه على المجموع إلا بطريق التسامح. ولا عبرة به في الشرع ، فنحو ألبسة الواقعة على التراب اجزاء والحشيش الممتزج به أو الشعيرة يمنع من صحة التيمّم به.

ولو كان ذلك على ظاهره فاندفن في التراب بحيث يصل اليد إليه أو وصل يده إليه بالتحريك لم يقض بالصحة ؛ إذ لم يقع الضرب على الأرض والتسامح في التسمية لا عبرة به كما مرّ.

نعم ، يصحّ التيمّم به بعد عدم إمكان الأرض الخالص إذا بقيت الأجزاء الأرضية على اسمها ؛ إذ ليس ذلك بأقلّ من الغبار.

ويحتمل تقديمه عليه ؛ لصدق اسم التراب عليه في الجملة وإن لم يصدق ضرب اليد بتمامها على التراب.

ص: 324

ويتقوى الاحتمال المذكور مع قلة الخليط فيه جدّا. ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون (1) الممسوح من المائعات أو الجواهر إلا أنه يخرج مع الامتزاج بالماء إلا أن تصل إلى حدّ الطين.

وكذا غيره من المياه المضافة.

ص: 325


1- في ( د ) : « كون » بدل « أن يكون ».
تبصرة: [ في فاقد الطهورين ]

من فقد الطهورين معا فالمعروف بين الأصحاب سقوط الأداء عنه.

وحكي في شرح الاستبصار إطباق علمائنا عليه. وهو كذلك ؛ إذ لا يعرف فيه مخالف من الأصحاب.

نعم ، ذهب إلى وجوبه عليه جماعة من العامة كالشافعي في أحد قوليه ، وابن حنبل في إحدى الروايتين عنه ، وأبو يوسف وغيرهم.

نعم ، حكى المحقق قولا مرسلا بالوجوب حكي في ظاهر التذكرة (1) حيث أسند إليه أنه يصلّي ويعيد.

وظاهره وجوب الأمرين عليه ، وعبارته في المبسوط غير دالّة عليه ، بل ظاهره التخيير بين التأخير والصلاة ، ثم الإعادة.

وظاهر ذلك جواز فعله محدثا لا وجوبه. ولا يعرف ذهاب أحد من الأصحاب إليه سواه.

وهو ضعيف إذ لا شاهد عليه. ويدلّ على سقوط الأداء مضافا إلى ما عرفت إطلاق قوله عليه السلام في الحديث المروي في الصحيح وغيره : « لا صلاة إلا بطهور » (2) الدالّ على عدم صحة الصلاة بدونه ، سواء حمل العبارة على النهي أو النفي.

وهو كما ترى شامل لحال الاختيار والاضطرار ؛ مضافا إلى ما دلّ من حرمة الصلاة شرعا من دون طهور ، كقوله في رواية مسعدة بن صدقة : « سبحان اللّه! فما يخاف من يصلي من

ص: 326


1- تذكرة الفقهاء 1 / 63.
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 58 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح 129.

غير وضوء أن يأخذه الأرض خسفا » (1).

وفي الصحيح الوارد في جلد الملائكة رجلا من الأنصار (2) في حيرة المعلل سبب جلده بأنه صلّى يوما من غير وضوء ، ومرّ على ضعيف فلم ينصره » (3).

مضافا إلى غير ذلك مما دلّ على اشتراط الصلاة بالطهور كالصحيح : عن الفرض في الصلاة؟ فقال : « الوقت والطهور » (4) ، الحديث (5).

وفي النبوي : « افتتاح الصلاة الوضوء » (6).

ونحوه في العلوي.

وعن الصادق عليه السلام : « الصلاة ثلاثة اثلاث ثلث طهور » (7) الخبر.

مع تأيدها بما دلّ من إطلاقات الأصحاب باشتراط الصلاة بالطهور ، وظاهر إجماعاتهم المحكية القاضية بإطلاق الشرطية سيّما على القول بكون أسامي العبادات بإزاء الصحيحة كما هو الأظهر.

ومن الغريب ما اتفق لبعض أفاضل المتأخرين من القطع بثبوت الأداء عليه ؛ استنادا إلى أن الصلاة من الواجبات النفسية المطلقة حيث تعلّق الأوامر المطلقة في الكتاب والسنة بها ، والطهارة إنما كانت واجبة للغير (8) ، فعند عدمها لو سقط الواجب لزم كونها مقيدة كالحج

ص: 327


1- وسائل الشيعة 1 / 368 ، باب تحريم دخول في الصلاة بغير طهارة ، ح 1.
2- في ( د ) : « الأحبار في قبره » بدل « الأنصار في حيرة » ، وفي المصدر : « الأخيار ».
3- ثواب الأعمال : 224 ، وفيه : صفوان بن مهران الجمال ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « اقعد رجل من الأخيار في قبره. قيل له : يا أبا خالد! إنا جادلوك مائة جلدة من عذاب اللّه. فقال : لا أطيقها. فلم يزالوا به حتى انتهوا إلى جلدة واحدة ، فقالوا : ليس منها بدّ. فقال : فيما تجلدوني فيها؟ قالوا : إنك صلّيت يوما بغير وضوء ومررت على ضعيف فلم تنصره ».
4- الكافي 3 / 272 ، باب فرض الصلاة ، ح 5.
5- في ( د ) : « .. إلى آخره » بدل « الحديث ».
6- الكافي 3 / 69 ، باب النوادر ، ح 2.
7- الكافي 3 / 373 ، باب فرض الصلاة ، ح 8.
8- في ( ألف ) : « المعتبر ».

بالنسبة إلى الاستطاعة ، واللازم باطل فالملزوم مثله ، وأن القاعدة المستفادة من قوله عليه السلام : « إذا أمرتكم بشى ء فأتوا منه ما استطعتم » (1) قاض بعدم سقوط الصلاة مع تعذر الطهارة إذا أمرنا بالطهارة والصلاة معا ، فإذا تعذر الأول لم يسقط الثاني.

وضعف الوجهين المذكورين مما لا يحتاج إلى البيان ؛ إذ بعد دلالة الأخبار المذكورة المؤيّدة بسائر الأخبار وإطباق الأصحاب على التقييد لا تبقى تلك الإطلاقات حجة ، بل لا بدّ من حملها على المقيّد كما هو القاعدة المجمعة عليها بين الأصحاب.

والرواية المذكورة عامّية لا ذكر لها روايات الأصحاب حتى يصح الاستناد إليها.

ويؤيده عدم بنائهم عليها في جلّ الأمور ، وليس ذلك قاعدة مطردة بينهم بل إنما يلاحظون الأدلة في خصوص كل مقام ، مضافا إلى عدم وضوح دلالتها في المقام ؛ إذ لو اريد بقوله « ما استطعتم » الفرد الذي يستطاع منه دلّ على الاكتفاء بأيّ فرد يستطاع من أفراد المأمور به ، وإن اريد به التبعيض في العمل فمع عدم بناء الأصحاب عليه - كما عرفت - إنما يدلّ على جواز الاكتفاء تعلق به القدرة بعض الاجزاء لا بمجرد الفعل من دون الشرط ؛ إذ الفاقد للشرط ليس بعضا من المأمور به كما هو قضية الاشتراط.

ومن الغريب أيضا إيراده على دلالة الصحيحة المتقدمة بما لا ينبغي صدوره من مثله حيث ذكر أولاً : أن هذا النفي ليس إلا مثل النفي الوارد على سائر شروطها وأجزائها مثل « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب » (2) وإلا فسائر إلى غير ذلك. وقد جعلتموه على حالة الاختيار وحكمتم بوجوب الصلاة مع تعذر تلك الشرائط والأجزاء مع أن التلازم بين الجزء والكل أقوى.

وثانياً : أن الطهور في هذه الرواية وردت في مقام ذكر الاستنجاء (3) فيكون ذلك شاهداً

ص: 328


1- عوالي اللئالي 4 / 58 في هامشه.
2- عوالي اللئالي 1 / 196.
3- في ( ب ) : « الاستحباب ».

على (1) إرادة الطهارة على الخبث وإن كان في نفسه مقولا بالاشتراك على الأمرين ، وأنتم لا تقولون فيها ذلك ؛ لظهور فساد الأول.

واندفاعه بأن الخروج عن قضية الأصل في تلك المقام لقيام الدليل عليه لا يقضي بالتزامه في المقام ، وإلا لانسدّ طريق العمل بظواهر الأخبار لخروج كثير منها عن الظاهر ، وإن أراد مقابلته (2) الشرط المذكور بتلك الشرائط والأجزاء ففساده أظهر من أن يخفى. وكذا إن ادّعي الأولوية.

ومن الغريب أيضا تعجّبه من المحقق حيث أبدى (3) الفرق بين هذا الشرط وسائر الشرائط ببيان مزيد خصوصية فيه ، وذكر بعد حكاية ذلك منه أن الكلام فيه لا يحتاج إلى بيان مع أن الأمر بالعكس ، وليس مقصود المحقق إلا ذكر بعض الوجوه الفارقة لئلا يسري الحكم منها إليه ، ويكفي في ذلك مجرد احتمال الفارق ، فكيف مع تحقّقه في الجملة.

وقرّر الكلام المذكور في بعض رسائله مستدلّا به على مطلوبه بأن الطهارة شرط في صحة الصلاة لا في (4) وجوبها ، فهي كغيرها من الساتر والقبلة وباقي شروط الصحة إنما يجب مع إمكانها ، وإلا لكانت الصلاة من قبيل الواجب المقيد كالحج والأصوليون على خلافه.

وضعفه ظاهر ، فإن الأصل في كل شرط من شرائط الصحة أن يكون التمكن منه من شرائط الوجوب إلا أن يدلّ دليل على خلافه أو على سقوط الشرط مع انتفاء القدرة عليه ، ووجود الدليل في سائر الشرائط لا يقضي بثبوت الحكم في محل النزاع مع عدم قيام شي ء من الأدلة عليه ، فليس حمله عليها إلا قياسا محضا.

ويندفع الثاني بأن العبرة بعموم اللفظ ، مضافا إلى أن الاستنجاء من مقدمات الوضوء

ص: 329


1- في ( د ) : « عن ».
2- في ( د ) : « مقايسة ».
3- في ( ألف ) : « أيّد ».
4- في ( ألف ) : « لأنّ » بدل « لا في ».

والغسل كما يظهر من الأخبار ، فلا يوجب وروده عند ذكر الاستنجاء تخصيصه (1) ، على أن ما يدلّ على اشتراط الصلاة بالطهور غير منحصر في تلك الرواية كما عرفت.

فالحال في سقوط الأداء بيّن لا خفاء فيه.

وعن المفيد (2) في رسالة إلى ابنه أنه « يذكر اللّه في أوقات الصلاة » ، ولم نقف على مستنده.

وكأنّ الوجه فيه إلحاقه بالحائض حيث إن الموجب لسقوط الصلاة فيها وجود الحدث ، وهو كما ترى.

وأما سقوط القضاء عنه فاختلف فيه الأصحاب ، فعن المفيد في أحد قوليه والفاضلين وغيرهم سقوطه عنه.

وعن المفيد في المقنعة والسيد والحلي وجماعة من المتأخرين القول بوجوبه.

وفي الحدائق : أنه المشهور بين المتأخرين.

وبالغ الفاضل المتقدم في نفي القضاء عنه على القول بسقوط الأداء. ولعلّه الأظهر ؛ إذ ثبوت القضاء إنما هو بأمر جديد ليس على وجوبه دليل ظاهر ، والاستناد فيه إلى بعض إطلاقات (3) القضاء الشاملة في بادي الرأي لا يخلو عن إشكال ؛ لانصرافها إلى تلك الصورة مضافا إلى ندرة وقوعها.

ومما يدلّ على ما ذكرنا ما استفاض نقله في المعتبرة الحاكمة بعدم وجوب قضاء ما فات بالإغماء من أن « كلّما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر » (4).

وفي القوي : « ألا أخبرك بما يجمع لك هذه الأشياء؟ كلّما غلب اللّه عليه من أمر فاللّه أعذر لعبده » (5). قال الراوي : وزاد فيه غيره أن أبا عبد اللّه عليه السلام قال : « هذا من الأبواب الذي يفتح

ص: 330


1- زيادة في ( د ) : « به ».
2- الذي بين يدي الآن من المصادر : مصباح الفقيه 2 / 504 ، فراجعه.
3- في ( ب ) : « الإطلاقات ».
4- الكافي 3 / 451 ، باب تقديم النوافل وتأخيرها وقضائها ح 4 ، وفيه : « بالعذر فيه ».
5- وسائل الشيعة 8 / 260 ، باب وجوب قضاء ما فات بسبب الاغماء المستوعب للوقت ، ح 8.

كلّ باب منها ألف باب » (1).

حجة القول بوجوب القضاء إطلاق ما دلّ على وجوب قضاء الفائتة كالصحيح : « أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة صلاة فاتتك ، فمتى ذكرتها أدّيتها » (2).

وفي الصحيح : « يقضي ما فاته كما فاته » (3).

وفيه ما عرفت من الضعف في الإطلاق ، مضافا إلى معارضته بالقاعدة المتقدمة.

ص: 331


1- وسائل الشيعة 8 / 260 ، باب وجوب قضاء ما فات بسبب الاغماء المستوعب للوقت ، ح 9.
2- الكافي 3 / 288 ، باب الصلاة التي تصلي في كل وقت ، ح 3.
3- الكافي 3 / 435 ، باب من يريد السفر أو يقدم من سفر متى يجب عليه التقصير أو التمام ، ح 7.

الفصل الرابع: في بيان كيفية التيمّم

تبصرة: [ في النيّة ]
اشارة

من الأمور المعتبرة في التيمّم النيّة ، وقد تقدم الكلام فيها ، وأنّها ليست من أجزاء العمل ، وإنما هي من شرائط صحتها.

والكلام هنا في أمرين :

أحدهما : المعروف بين الأصحاب أن التيمّم غير رافع للحدث وإنما يبيح العبادة المشروطة به ، فلا يجوز أن ينوي به الرفع.

وفي المعتبر (1) : إن عدم رفعه الحدث مذهب العلماء كافّة.

والمعزى إلى الشهيد في قواعده والشهيد الثاني في شرح الألفية كونه رافعا للحدث كالمائية غير أن الرفع فيها مطلق ، وفيه مقيد بعدم وجدان الماء.

واختاره جماعة من المتأخرين منهم الفاضل الجزائري محتجّين بأن الحدث يطلق على معنيين :

أحدهما : الأمر الخارج أو (2) الحاصل الناقض للطهارة.

وثانيهما : الحالة الحاصلة به المانعة من الدخول في الصلاة وغيرها.

والثاني هو المقصود هنا ؛ إذ لا يعقل ارتفاع الأول بعد وقوعه ، والمعقول من رفع الحدث

ص: 332


1- المعتبر 1 / 294.
2- في ( ألف ) : « و ».

بالمعنى الأول واستباحة الصلاة واحد ؛ إذ ليس استباحة الصلاة سوى رفع تلك الحالة المانعة التي هي معنى الحدث.

غاية الأمر أن يكون الفرق بينهما كون الرفع في الطهارة المائيّة مطلقا (1) وفيه مقيدا بوجدان الماء ، وهو لا يصلح فارقا بحيث يخرج النافي عن كونه رفعا.

وربما يجمع بين كلمات الأصحاب بذلك الحمل كلام المانعين على إرادة رفع الحدث على نحو المائية ، والتأمل في كلماتهم يأباه.

فإن قلت : إن هناك أمرين : أحدهما الحالة الحادثة والصفة القائمة بالشخص ، والآخر ما يتبعه من الأحكام كالمنع من الصلاة ، وارتفاع التابع لا يدلّ على ارتفاع المتبوع ؛ لجواز الانفكاك بينهما ، فلا اتحاد بين المعنيين ولا ملازمة بينهما ؛ إذ غاية ما يقتضيه الدليل ارتفاع الأخير بسبب التيمّم دون الصفة الحاصلة ، وقضية الاستصحاب بقاؤها.

قلت : من الظاهر تسبيب التيمّم لحالة يصح بها الدخول في الصلاة ، فيرتفع الحالة المانعة قطعا. غاية الأمر أن يقع الشك في أن حالة الحدث هل تلك الحالة المانعة المرتفعة بالتيمم أو أنها صفة وجودية اخرى من شأنها المنع؟ فيمكن أن يجامعها حالة وجودية اخرى بها يستباح الصلاة ، ولا يكون المنع إذن من لوازمها ، بل من توابعها المتفرعة عليها لو لا عروض العارض.

وفيه : أن المتيقّن حصوله بأحد الأسباب الباعثة على الحدث هو الأول ، فيدفع الزائد عليه بالأصل ، فلا ثبوت له ليحتاج إلى الرفع ، فليس الحدث إلا تلك الحالة المانعة بالفعل. وكذا الطهارة هي الحالة المبيحة الرافعة لذلك المنع.

وأيضا لا شك في كون المتيمم متطهرا ؛ إذ التيمّم أحد الطهارات الثلاث ، والطهارة ضدّ للحدث ، فلا بدّ من ارتفاعه به.

مضافا إلى عموم التشبيه في قوله : « إن اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (2).

ص: 333


1- في ( ألف ) : « مطلق ».
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 109 ، باب التيمّم ، ح 224.

وما أفاد مفاده كعموم المنزلة في قوله : « إنما هو بمنزلة الماء » (1) فيكون إذن طهورية التراب على حسب طهورية الماء.

أقول : ويمكن دفع (2) الأول بأن من الظاهر دلالة انتقاض التيمّم بمجرد التمكن من الماء على بقاء الحالة الحدثية المقتضية للمنع من الصلاة. كيف ، ولا يتوهم أحد كون حصول الماء بنفسه حدثا للمكلف وباعثا على حصول تلك النقيصة فيه ، فلا يعقل فيه إذن إلا أن يكون رافعا للإباحة الحاصلة بالتيمم ، فيعمل تلك الحالة ( الحدثيّة الباقية عمله من المنع وإلّا فلا مقتضى لعود تلك الحالة ) (3).

فدلّ ذلك على وجود ذلك الحدث بالمعنى المذكور ، فلا معنى لنفيه بالأصل.

وعدّ المتيمم متطهرا ليس بالنسبة إلى المحدث بالمعنى المذكور ، بل بملاحظة من حصل له المنع حيث إن التيمّم رافع لذلك المنع.

فظهر أن هناك إطلاقين للمتطهر ، وكذا للمحدث على وجه [ و ] الكلام إنما هو في كونه رافعا للحدث مطلقا كما هو المتبادر من رفع الحدث لا في رفعه بالمعنى المعبّر عنه بالحالة المانعة عن الصلاة فعلا ؛ لوقوع الاتفاق عليه.

وإطلاق الحدث عليه بعيد أيضا وإن كان إطلاق المتطهّر على رفعه مطابقا للمصطلح ؛ لعدم الملازمة بينهما.

ومما ذكر يعرف أن ما دلّ على كون التراب بمنزلة الماء منزّل على إرادة رفع تلك الأثر ، أي المنع من الصلاة ونحوها.

فبملاحظة جميع ذلك يظهر قوة القول المشهور ، وضعف ما اختاره الجماعة.

ويشير إليه إطلاق الجنب في بعض الأخبار على المتيمم ، فيتفرّع إذن على ذلك عدم جواز قصد الرفع بالتيمم إن عنى به المعنى المذكور دون المعنى الآخر.

ص: 334


1- تهذيب الأحكام 1 / 200 باب التيمّم وأحكامه ح 55.
2- في ( ألف ) : « رفع ».
3- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

فإنه عبارة اخرى عن الاستباحة.

ثم لو قصد به ففي (1) صحة تيمّمه وجهان من أنه لا يشترط فيه شي ء من الأمرين كما هو الأظهر كما عرفت في باب الوضوء ، فلا مانع من تركه قصد الاستباحة ، مضافا إلى أن الاستباحة من لوازم قصد الرفع فكأنه قد قصدها.

ومن أنه بقصده الرافع يصير منتزعا ، فيكون ذلك سببا لحرمة فعله الباعثة على الفساد ، مضافا إلى أن الاستباحة الحاصلة بالتيمم غير منويّة.

فعلى القول بوجوب قصدها لا يتمّ البناء على الصحة.

ويدفعه أن التشريع في النية لا يوجب حرمة الفعل مع تعلق الأمر به في الشرع ، فلا يسري التحريم إلى الفعل ليقضي بالفساد ، وأن الاستباحة من اللوازم البيّنة للرفع ، فيمكن أن يقوم قصده مقامه.

واحتمل كلّا من الوجهين في التذكرة ولم يحكم بشي ء.

ومما يتفرع على القول بعدم كونه رافعا لزوم التيمّم بدلا عن الغسل لو تيمم بدلا عنه ، ثم وقع حدث أصغر. وفي تفرعه على ذلك تأمل يأتي الإشارة إليه.

[ في قصد البدلية ]

ثانيهما : أنه هل يعتبر في نية التيمّم قصد البدلية عن الوضوء والغسل أو يكفي بقصد الاستباحة بل مطلق القربة؟ أقوال ، ثالثها وجوب ذلك مع القول باختلاف الكيفيتين خاصة.

والأول يحكى (2) عن الصدوق (3).

والثاني عن جماعة من المتأخرين.

ص: 335


1- في ( د ) : « نفي ».
2- في ( د ) : « محكيّ ».
3- في ( ب ) و ( د ) : « الخلاف » بدل « الصدوق ».

والثالث عن الشهيد في الذكرى.

وكشف الحال أن الكلام هنا يقع في امور :

أحدها : في اعتبار قصد البدلية عن المائية مطلقا من غير ملاحظة خصوصية الوضوء والغسل.

ثانيها : في اعتبار تعيين كل من الخصوصيتين.

ثالثها : في اعتبار ذلك مع وجوب كلا الأمرين.

أما الأول ، فالظاهر أنه لا دليل عليه أصلا ، ومجرد كون التيمّم بدلا عن التيمّم ورافعا بعد فرض عدم المكنة منها لا يقضي باعتبار قصد ذلك في تحققه وصحته ، ولا لحصول ماهيّته كما في سائر التكاليف المترتبة.

وأما الثاني ، فقد يستدل عليه بأن الواقع بدلا عن الوضوء مخالف في الحقيقة للواقع بدلا عن الغسل كالبدلين ، فلا بدّ من التعيين بالنية ليتميّز الفعل الواقع ؛ إذ لا يمكن ذلك دون قصده ولو بعنوان الإجمال كأن ينوي وقوعه بدلا عمّا في ذمّته مع نفيه في الواقع بناء على الاكتفاء به في التعيين كما هو الأقوى.

مضافا إلى أنه قضية اليقين بالشغل لتوقف اليقين بالفراغ عليه.

وفيه منع ؛ إذ اختلاف الفعلين في الحقيقة مما لا دليل عليه ، بل قضية إطلاق الآية [ و ] عدة من الأخبار كونه حقيقة واحدة وإن تعذرت أسبابه.

وبالجملة ، التيمّم فعل وضع لإباحة الصلاة وغيرها من الغايات سواء كان الحدث المانع أكبر أو أصغر ، من دون أن يكون هناك اختلاف في حقيقته ليفتقر إلى التميّز بالنية ، فإذا قصد ذلك الفعل صحّ وإن لم يعيّن الفعل المبدل منه.

نعم ، قد يستشكل فيما إذا نوى إباحة الأصغر وهو غافل عن كونه محدثا بالأكبر أو بالعكس من حيث تعيين الإباحة ، نظير ما إذا نوى رفع حدث الواقع غيره.

والأظهر هنا الصحة أيضا ؛ لعدم اشتراط قصد الإباحة في صحة التيمّم أخذا بظاهر

ص: 336

الأدلة كما مرّ القول فيه في الوضوء ، فيكون فعله (1) جامعا لشرائط الصحة ، فيتفرع عليه إباحة العبادة.

هذا على ما اخترناه من اتحاد نوع الفعل في الصورتين. وأما إذا قلنا باختلافهما في النوع لزم منه فساد العمل ؛ إذ المفروض كون المأتيّ به غير الواجب ، فلا يجزي عنه ، فيكون احتمال الصحة من فروع المسألة.

ثم لو (2) قلنا باختلاف الحقيقتين فالظاهر الاكتفاء بما يعين الفعل المبدل منه واقعا من دون لزوم خصوص نية البدليّة عن الوضوء أو الغسل كما إذا عيّنه بالاستباحة عن الحدث الأصغر أو الأكبر أو نوى ما في ذمته.

هذا إذا قلنا باتحاد الصورة في الصورتين ، وأمّا لو قلنا باختلافهما فالأظهر لزوم تعيين الفعل ؛ إذ اختلاف الكيفية ناظر إلى اختلاف الحقيقة.

ومع الغضّ عنه فلا أقل من الشك ، وهو يقضي بلزوم التعيين من جهة تحصيل اليقين بالفراغ.

فظهر قوة القول بالتفصيل إلا أن الاحتياط في مراعاة تعيين البدلية ، بل تعيين خصوص الغسل في الواقع بدلا عنه عن كونه غسل جنابة أو مسّ ميّت أو غيرهما.

وقد يقال : إن إطلاق الجماعة من المتأخرين عدم اعتبار قصد التعيين مبنيّ (3) على عدم اختلاف الكيفيتين ، فلا ينافي إطلاقهم القول بما اخترناه. وقد ظهر مما قرّرنا الوجه في القولين الأخيرين.

وأما الثالث ، فلا تأمّل في لزوم تعيين كل من الجهتين ليتميّز الواقع بدلا عن أحد الأمرين عن الآخر ؛ إذ لو لا التعيين لم ينصرف الإطلاق إلى شي ء من القسمين ؛ لبطلان الترجيح بلا مرجّح ، وعدم اقتضاء الشي ء من النصوص انصرافه إلى أحدهما ، فيبقى

ص: 337


1- في ( ألف ) : « فعل ».
2- زيادة : « لو » من ( د ).
3- زيادة : « مبنيّ » من ( د ).

التكليفين المعلومين بهما على حالهما ، وذلك قاض بفساد الواقع.

ثم إنّ (1) تعيين الفعل هنا على حسبما ذكرنا من غير حاجة إلى قصد خصوص البدلية.

ص: 338


1- زيادة : « إنّ » من ( د ).
تبصرة: [ في ضرب اليدين على التراب ]

لا خلاف في وجوب ضرب اليدين في التيمّم ، فلو وضع التراب على يديه لم يكتف به إجماعا ، وكذا لو استقبل الواجب (1) حتى لصق صعيدها بيديه ، وهل هو من أجزائه أو مشروطه؟ ظاهر المشهور بين الأصحاب هو الأول ، وبه نصّ جماعة منهم.

وعن العلامة في النهاية اختيار الثاني ، فيكون بمنزلة الاغتراف في الوضوء إلا أن الاغتراف ليس بواجب بخصوصه ، وهو واجب خارج عن الفعل تتوقف عليه الصحة ؛ إذ الواجب هو خصوص المسحات الواقعة عقيب الضرب ، فلا يرد عليه ما قد يقال : إنه يلزم عليه القول بصحة التيمّم لو حصل الغبار على يديه من دون الضرب مع الإطباق (2).

والأقوى الأول ، ويدلّ عليه ظواهر الأخبار الواردة في بيان كيفية التيمّم ؛ لاشتمالها على ضرب اليدين وما بمعناه ، وظاهر ذلك أنه من جملة الأفعال ، ففي الموثق الحاكي لفعل عمّار بعد نقل قوله عليه السلام : « هكذا يصنع الحمار ، إنما قال اللّه عزوجل : ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (3) ، فضرب بيديه على الأرض ثم ضرب إحداهما على الأخرى ثم مسح بجبينه » (4) ، الخبر.

وفي الصحيح بعد حكاية فعل عمار : فقلت له : كيف التيمّم؟ فوضع يده على المسح ثم رفعها فمسح وجهه (5) الخبر.

ص: 339


1- ظاهرا « التراب ».
2- زيادة في ( د ) : « على فساده ».
3- المائدة : 6.
4- وسائل الشيعة 3 / 361 ، باب كيفية التيمّم وجملة من أحكامه ، ح 9.
5- الكافي 3 / 62 ، باب صفة التيمّم ، ح 4.

وفي رواية اخرى ، عن الصادق عليه السلام أنه وصف التيمّم ، فضرب بيديه على الأرض ثم ( رفعهما فنفضهما ثمّ مسح .. » (1) الخبر.

وفي خبر زرارة ، عن الباقر عليه السلام في التيمّم قال : « تضرب بكفّيك الأرض ثمّ ) (2) تنفضهما وتمسح » (3). انتهى.

فإنّ سياق هذه الأخبار وما بمعناها ظاهر في كونه من جملة الأفعال حيث إنها وردت في مقام بيان الكيفية.

ومن الأخبار الدالّة على ذلك ما ورد في بيان عدد الضربات كالصحيح : قلت له : كيف التيمّم؟ قال : « هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة ، تضرب بيديك مرتين ، ثم تنفضهما نفضة للوجه ومرة لليدين » (4).

وفي [ آخر : ] « التيمّم ضربة للوجه وضربة للكفين » (5).

فإن ظاهر الحمل كونه من الأفعال ، بل الظاهر أن اسم التيمّم مأخوذ منه ، فإن المراد بقصد الأرض هو الضرب عليها كما هو ظاهر هذين الخبرين ، مضافا إلى أنه مع الغضّ عن ظواهر هذه الأخبار لا دليل على كونه خارجا عن حقيقة التيمّم ، فيدور الأمر بين كونه جزء أو (6) شرطا ، ولا يميّز ذلك إلا في لزوم تقديم النية وعدم جواز تخلل الحدث ، وقضية الأصل اعتبار الأمرين.

وأيضا لا شكّ في وجوب الضرب على الأرض ، والأصل اعتبار النية في كل الواجبات ، ويشير إليه هنا بالخصوص إجماعهم على عدم جواز التيمّم بالمغصوب كما عرفت. واعتبار النية فيه منفردا ممّا لا قائل به ، فلا بدّ من تقديم نية التيمّم عليه.

ص: 340


1- الإستبصار 1 / 170 ، باب كيفية التيمّم ، ح (590) - 3.
2- ما بين الهلالين لم ترد في ( ألف ).
3- تهذيب الأحكام 1 / 210 ، باب صفة التيمّم وأحكام المحدثين منه ح 11.
4- الإستبصار 1 / 172 ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح 599 - 7.
5- الإستبصار 1 / 171 ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح 597 - 5.
6- في ( د ) : « و ».

واحتجّ العلامة بظاهر الآية الشريفة ؛ لدلالتها على أن أول أفعال التيمّم هو مسح الوجه ؛ لعطفها بالفاء التعقيبيّة على قصد الصعيد من دون توسط الضرب على الأرض ، فيكون خارجا عن ماهيّته.

وفيه : أنّ قوله تعالى ( فَتَيَمَّمُوا ) (1) دالّ عليه ، فلا حاجة إلى ذكره ثانيا ؛ إذ ليس المراد بالتيمم - واللّه أعلم - مطلق الصعيد ، بل القصد بالنحو الخاص أعني الضرب عليه ؛ إذ قد يكون التوجيه (2) إليه حاصلا قبل قصد التيمّم.

ويشير إليه ظاهر الخبرين المتقدمين بل إنهما مبيّنان لمعنى التيمّم في الآية بأنه الضرب دون مطلق التوجيه (3). وهو الوجه في حمله على التيمّم ، وإلا فلا يتّجه حمل الجزء على الكلّ ، فيكون الآية أيضا من جملة الأدلة على ما ذكرناه.

ويورد (4) على العلامة جواز تخلل الحدث بين الضرب والمسحات كما يجوز ذلك في الوضوء بين الاغتراف وغسل الوجه ، مع أنّه مما لا يجوز في المقام.

وهو كما ترى ؛ إذ هو قائل بجواز ذلك ، وهو من فروع قوله بالخروج.

نعم ، يمكن دفعه بأصالة الاحتياط ؛ إذ لا دليل على جوازه (5) سوى الأصل. وقد يلزم (6) على القول بخروجه اشتراط عدم تخلل الحدث بينهما أيضا إلا أنه لا يظهر قائل به.

ص: 341


1- النساء : 43 والمائدة : 6.
2- في ( د ) : « التوجّه ».
3- في ( د ) : « التوجّه ».
4- في ( ألف ) : « يرد ».
5- في ( ألف ) : « جواز ».
6- في ( د ) : « يلتزم ».
تبصرة: [ في الضرب على الأرض ]

يعتبر في الضرب امور :

أحدها : أن يكون وضعه اليدين على الأرض باعتماد بحيث يصدق معه مسمّى الضرب ؛ لورود الأمر به في عدّة من الأخبار.

وقد ورد فعله (1) في جملة من الأخبار البيانية.

وهو ظاهر معظم الفرقة ؛ للتعبير بلفظ الضرب.

وعن الشهيد والمحقق الكركي القول بكفاية الوضع ؛ استنادا إلى أن الغرض قصد الصعيد ، وهو حاصل بالوضع.

مضافا إلى ما عرفت من تفسير التيمّم (2) ذكر الوضع في عدة من الأخبار الفعلية.

ويضعّف الأول أن إطلاق الآية يدلّ على ذلك ؛ لما عرفت من الدليل على التقييد.

مضافا إلى ما عرفت من تفسير التيمّم في الخبرين الناصّين بالضرب ، فكأنّه إشارة إلى بيان معنى الآية كما أشرنا إليه.

على أن البناء على إطلاق الآية مشكل للعلم بعدم إرادة قصد المطلق ، فهو أشبه بالمجمل من المطلق.

والثاني أن حكاية الأفعال لا عموم فيها والوضع (3) إن لم يكن أعمّ مطلقا من الضرب فلا أقل من العموم من وجه ، وهو كاف في عدم الاستدلال.

ص: 342


1- في ( ألف ) : « فعل ».
2- لم ترد في ( د ) : « عرفت من تفسير التيمّم ».
3- زيادة في ( د ) « و ».

ثانيها : أن يكون الضرب بباطن الكفين ، والظاهر الإجماع عليه ؛ إذ هو المعهود من صاحب الشريعة ، والذي جرت عليه الطريقة المستمرة المأخوذة من (1) أرباب العصمة عليهم السلام. وإليه ينصرف إطلاقات الأخبار المذكورة المأثورة.

ثالثها : أن يكون ضربهما على الأرض دفعة عرفية ، فلا يجوز ضرب أحدهما مرة والأخرى أخرى (2) ؛ إذ هو الظاهر من عدة أخبار الباب كالصحيح « على الصحيح تضرب بكفيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك » (3) ، الخبر.

وفي صحيحة اخرى : « تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما » (4).

وفي رواية زرارة : « تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما » (5).

إلى غير ذلك مما ورد على (6) حكاية الأفعال.

وهل يعتبر أن يكون (7) اليدان متقاربتين أو يكتفي بضربهما في آن واحد وإن كانتا متباعدتين؟ فقضية الإطلاقات جواز ذلك إلا أنه خلاف المعهود من الطريقة ، بل خلاف الظاهر من الأفعال البيانية. وقضية اليقين بالفراغ مراعاة ذلك. وقد عبّر جماعة منهم بوضع اليدين معا ، وهو ظاهر في وجوب ذلك.

رابعها : أن لا يكون هناك حائل بين باطن اليد والأرض ؛ إذ قضية الأخبار حصول الملاصقة بين اليد والأرض. وهو ظاهر الأصحاب. وفي شرح المفاتيح حكاية الإجماع عليه.

ويؤيده عموم المنزلة المستفادة من عدة من الأخبار ، ولا فرق بين أن يكون المانع في تمام العضو أو في بعضه ، ولا بين أن يكون المانع ( قبل الضرب أو يكتفى بالكشف عنه بعده أو

ص: 343


1- في ( د ) : « عن ».
2- زيادة : « اخرى » من ( د ).
3- الإستبصار 1 / 171 ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح 596 - 4.
4- الإستبصار 1 / 172 ، باب عدد المرات في التيمّم ح 599 - 7.
5- الإستبصار 1 / 171 ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح 595 - 3.
6- في ( د ) : « في ».
7- كذا ، والأظهر : « تكون ».

بتحليله تحت الأرض أو لا بدّ من رفع المانع ) (1) مما يصحّ التيمّم به كالتراب أو من غيره لعدم صدق الضرب عليه.

وهو في محلّه.

وهل يعتبر رفع المانع قبله؟ وجهان ، أظهرهما الأخير إلا أن يكون كشفه عن المحل غير متراخ عن الضرب بحيث يصدق معه ، الضرب بتمام (2) باطن الكف دفعة عرفية.

ولا يجب ايصال جميع أجزاء باطن الكف إلى الأرض بحيث يستوعب الأجزاء المنخفضة منها كالتخاطيف الحاصلة في الكف في وجه قويّ ؛ أخذا بظاهر الإطلاقات وإن استيعاب ذلك معتبر في غير التراب الناعم ، وتعيّن (3) استعماله في التيمّم مخالف لظاهر إطلاقات الروايات وكلمات الأصحاب ، بل ظاهر تجويزهم التيمّم بالحجر ونحوه قد يفيد عدم وجوب إيصال المنخفض من الراحة ؛ لعدم وصوله إليه في الغالب.

والأحوط مراعاة ذلك ، ولو كان في المواضع الغير الواصلة إلى الأرض فيها حاجب عن الوصول ، فإن كان التراب بحيث يصل إلى المحل لو لا ذلك لنعومة ونحوها قوي المنع ، وإلّا ففيه وجهان.

ص: 344


1- ما بين الهلالين وردت في ( د ).
2- في ( ألف ) : « والضرب تمام ».
3- في ( ألف ) : « معيّن » بدل « وتعيّن ».
تبصرة: [ في علوق المسح ]

في اشتراط بقاء العلوق للمسح قولان : فظاهر المعظم عدمه حيث أطلقوا بيانه من دون ذكر لاشتراطه سيّما من ذهب منهم إلى كون الصعيد مطلقا وجه الأرض كما هو المشهور ، خصوصا مع التصريح بجوازه على الحجر الخالي عن الغبار ، بل هو صريح في عدم اشتراطه.

وقد نصّ عليه جماعة منهم العلامة (1) والشهيد (2) والمحقق الكركي (3) من غير إشارة إلى خلاف فيه إلا عن الإسكافي (4) حيث ذهب إلى وجوب المسح بالغبار.

وظاهره اعتبار وجود الغبار في جميع الأجزاء الماسحة بالنسبة إلى جميع المسحات.

وذهب جماعة من المتأخرين إلى اعتبار العلوق في الجملة ، ومال إليه (5) آخرون كشيخنا البهائي (6) والعلامة المجلسي (7) وغيرهم.

والوجه في عدم الاشتراط الأصل وإطلاق الأخبار المبيّنة لحقيقة التيمّم (8) القولية والفعلية ، واستحباب النفض المعلوم بالنصّ والإجماع ، وما دلّ على أن الصعيد وجه الأرض الشامل لنحو الحجر الصلب ، وما دلّ على الاكتفاء بالضربة الواحدة للوجه واليدين ؛ إذ لا

ص: 345


1- تذكرة الفقهاء 2 / 181.
2- الألفية والنفلية : 47 ، الدروس 1 / 132.
3- جامع المقاصد 1 / 493.
4- نقل عنه الشهيد في الدروس 1 / 132.
5- زيادة : « إليه » من ( د ).
6- مشرق الشمسين : 340.
7- بحار الأنوار 78 / 144.
8- زيادة : « التيمّم » من ( د ).

يبقى شي ء من العلوق لأجل اليدين.

ويمكن المناقشة في الأول بأن الأصل في العبادات على العكس ؛ لوجوب الأخذ بيقين البراءة بعد تيقّن الشغل ، والإطلاقات منزلة على الغالب من حصول العلوق بأنها (1) إنما تنهض حجة مع عدم (2) المقيد ، وهو موجود كما في صحيحة زرارة الآتية.

واستحباب النفض لا يستلزم عدم بقاء شي ء من العلوق ، بل ظاهره يعطي حصول العلوق.

ففيه إشارة إلى انصراف الإطلاقات إلى صورة حصوله لإطلاق الأمر بالنفض.

ومن المعلوم أن مجرد النفض لا يوجب زواله بالمرة كما هو المشاهد بالتجربة ، فهو في الحقيقة من الشواهد على الاشتراط كما أشار إليه غير واحد من الأجلة.

وكأنّ الأمر به من جهة إزالة العلوق الزائد مما لعلّه يوجب التسوية (3) ، والاكتفاء بمطلق وجه الأرض لا يأبى (4) عن اعتبار العلوق.

غاية الأمر تقييده بصورة حصوله كما هو المتعين على القول باختصاصه بالتراب أيضا ، وما دلّ على الاكتفاء به (5) بالضربة لا إشارة فيه إلى ما ذكر ، ومجرّد مسح الوجه لا يوجب زوال الغبار بالكلية كما هو معلوم بالامتحان ، ولو كان ذلك بعد النفض.

على أنه قد يقال بعدم اشتراط العلوق بمسح اليدين إذا زال بسبب مسح الوجه ، أو يقال بوجوب الضربة الثانية مع عدم الغبار (6).

حجة القائل بالاشتراط أصالة الاحتياط بعد اليقين بالشغل. وظاهر الآية الشريفة على

ص: 346


1- في ( د ) : « وأنّها ».
2- زيادة في ( د ) : « وجود ».
3- زيادة في ( د ) : « التشويه ».
4- في ( ب ) : « لا يأتي ».
5- لم ترد في ( د ) : « به ».
6- في ( د ) : « البقاء ».

ما في سورة [؟ ] (1) فإن الظاهر منها كون « من » تبعيضية ؛ إذ لا يفهم من قولك : « مسحت رأسي من الدهن » إلا ذلك.

وقد اعترف به الزمخشري (2) مع مخالفته (3) لمذهب إمامه ، قال بعد حكمه بذلك : والإذعان للحق أحقّ من المراء.

مضافا إلى الصحيحة الآتية الواردة في تفسيرها ، وصحيحة زرارة ، وفيها : « فلمّا وضع الوضوء ممن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا ؛ لأنه قال « بوجوهكم » ثم وصل بها « وايديكم منه » ، أي ذلك التيمّم لأنه علم أن ذلك أجمع لم تجر على الوجه لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها » (4).

مضافا إلى ظاهر صحيحة الحلبي : « إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصلّ » (5).

ونحوه صحيحة ابن سنان ، عن الصادق عليه السلام : وفيها « فليمسح من الأرض » (6).

وما ورد في عدة من الأخبار الوارد في التيمّم بالمغبّر أنه يتيمم من غبار لبد سرجه أو غير ذلك مما هو بمعناه.

ويرد عليها : أنه لا معوّل (7) على الأصل بعد قضاء الإطلاقات بالجواز ، وأن احتمال ارادة الابتدائية قائمة في لفظة « من » في الآية ، وربما يشير إليه تركه في الآية الأخرى. ولو اريد به البعضية لوجب إرادة استيعاب التراب لجميع محل المسح كما هو الظاهر من المثال المفروض ، ولا قائل به ظاهرا سوى ظاهر ما حكي عن الإسكافي.

ص: 347


1- كذا في المخطوطات.
2- نقل عنه بحار الأنوار 78 / 143.
3- في ( ب ) : « مخالفة » ، وفي ( ألف ) : « مخالف ».
4- الكافي 3 / 30 ، باب مسح الرأس والقدمين ح 3.
5- الكافي 3 / 63 ، باب الوقت الذي يوجب التيمّم ، ح 3.
6- الإستبصار 1 / 159 ، باب إن المتيمم إذا وجد الماء لا يجب عليه إعادة الصلاة ، ح 549 - 2.
7- في ( ألف ) : « حول ».

وظاهر الصحيحة المذكورة كون الضمير راجعا إلى التيمّم أعني الضرب على الأرض كما مرّ في تفسيره ، فيكون شاهدة على كون « من » ابتدائية ، وحمل التيمّم فيه على المتيمم به بعيد ؛ إذ ظاهره إرجاع الضمير إلى التيمّم المستفاد من قوله « تيمموا » ، ولو اريد ما ذكر لأرجع إلى « الصعيد » المتصل به ، مع كونه أقرب إليه ، فعدم إرجاعه إليه مع قربه وعدم احتياجه إلى التأويل شاهد على ضعف الحمل المذكور.

بقي الكلام في التعليل المذكور ولا دلالة واضحة فيه على وجوب (1) علوق الصعيد ببعض الكفّ ؛ فكأن الحكم فيها جار مجرى الغالب كما هو المتعيّن في الحكم بعدم علوقه بالبعض الآخر ، فيكون العلة فيما ذكر هو غلبة حصول ذلك لا وجوب اعتباره.

ومثله غير عزيز في التعليلات الواردة للأحكام كما لا يخفى.

على أن لفظ الرواية لا يخلو من (2) الإبهام. ويجرى احتمال الابتدائية في الصحيحتين الأخيرتين وغيرها.

والمراد بالتمسح من الأرض هو الضرب عليه كناية عن التيمّم كما في رواية الراوندي عن النبي صلى اللّه عليه وآله من قوله : « تمسحوا بالأرض فإنها أتكم » (3) وهي بكم برة » (4) (5) على أحد الوجوه فيها.

قلت : وكيف كان ، فالظاهر أن الوجوه المذكورة مع ما فيها لا تعادل إطلاق الروايات ، وما دلّ على استحباب النفض المفروض لزوال ما علّق منها باليد سيّما مع عدم نعومة التراب من دون إشارة إلى لزوم مراعاة بقاء شي ء منه في اليد ، المعتضد بظاهر فتوى الأصحاب ، بل عدم ظهور قائل به ممن عدا الجماعة من المتأخرين سوى الإسكافي ، وهو أيضا غير قائل (6)

ص: 348


1- في ( ب ) : « وجهه ».
2- في ( د ) : « عن ».
3- كما في المصدر ، وفي النسخ المخطوطة : « أبكم ».
4- كما في المصدر ، وفي النسخ المخطوطة : « مره ».
5- النوادر : 104 وبحار الأنوار 78 / 162 ، باب في عدد الضربات في التيمّم ح 24.
6- في ( ألف ) : « قابل ».

لمقالتهم ؛ إذ ظاهره اعتبار استيعاب الغبار للمسحات ، وهو ضعيف عندهم.

مضافا إلى أن القول بعدم لزوم استيعاب العلوق قاض بعدم وجوبه مطلقا ؛ إذ لو اعتبر ذلك فإنما هو من جهة استعمال الطهور الذي هو الأرض ، و (1) ذلك يقضي بالاستيعاب ، ومع عدم اعتباره فلا فائدة في اعتباره في البعض دون البعض.

وبذلك يظهر ضعف ما قد يقال من أن الطهور هو التراب دون اليد ، فلا بدّ من إيصاله ولو في الجملة إلى العضو.

فظهر بما قلنا قوة القول بعدم اعتبار العلوق إلا أن الاحتياط في مثله مما لا ينبغي تركه.

ثمّ على قول الجماعة لو لم يتمكّن من العلوق فهل يسقط اعتباره أو يكون بمنزلة فاقد الطهورين؟ قضيّة الأصل البناء على الأخير إلّا أن يقوم إجماع على عدمه ، وسيأتي تتمّة الكلام.

ص: 349


1- زيادة : الواو من ( د ).
تبصرة: [ في عدد الضربات ]

اختلفوا في عدد الضربات في التيمّم على أقوال :

أحدها : الاجتزاء بالمرة مطلقا ، وحكى القول به عن الإسكافي (1) والعماني والمفيد في المسائل العزيّة (2) والسيد في شرح الرسالة. وهو الذي اختاره جماعة من المتأخرين كصاحب المدارك (3) والعلامة المجلسي (4) وصاحب الحدائق (5) وغيرهم.

ثانيها : اعتبار الضربتين مطلقا ، وحكي القول به عن المفيد في الأركان. وقد حكاه الفاضلان عن علي بن بابويه.

ولا ينافيه ما حكاه عنه في الذكرى من عبارته في الرسالة.

نعم ، فيها زيادة اعتبار التفريق في ضرب كل من اليدين بمسح الأخرى ، وبما بعد ذلك قولا باعتبار الضربات الثلاث.

وكيف كان ، فقد اختار القول المذكور من المتأخرين المحقق الشيخ حسن وغيره. وحكاه في المنتقى عن جماعة من القدماء.

ثالثها : التفصيل بين ما كان بدلا من (6) الوضوء والغسل ، يكتفى (7) بالأول ضرب واحد

ص: 350


1- نقله عنه في مدارك الأحكام 2 / 229.
2- في ( ألف ) : « الغرّيّة ».
3- مدارك الأحكام 2 / 229.
4- بحار الأنوار 78 / 150.
5- الحدائق الناضرة 4 / 337.
6- في ( د ) : « عن ».
7- في ( د ) : « فيكتفى ».

و (1) الثاني ضربتان. وقد ذهب إليه الصدوق والشيخان والديلمي والحلبي (2) وكثير من المتأخرين ، بل حكي الشهرة عليه.

وهناك قول رابع حكاه في المعتبر (3) عن قوم من الأصحاب ، وهو اعتبار الضربات الثلاث بعد حكايته القول بالضربتين عن علي بن بابويه.

وهو بظاهره ضعيف جدّا إلا أن يحمل على تفريق الضرب كما ذكره علي بن بابويه.

وحينئذ فيرجع في الحقيقة إلى اعتبار الضربتين.

وفي حكاية المحقق له مخالفا لقول ابن بابويه دلالة على خلافه إلا أن يكون المنسوب إليه هو اعتبار المرتين على النحو المعروف ، فلا ينطبق على (4) المنقول من عبارته.

ثم إن اختلاف الأصحاب في المسألة مبني على اختلاف أخبار الباب ، والأقوى هو الأول.

ويدلّ عليه بعد ظاهر الآية الشريفة الروايات المعتبرة المستفيضة المشتملة على الصحاح وغيرها ، كصحيحة الخزاز ، وفيها بعد ذكر حكاية عمار : وقلت (5) له : كيف التيمّم؟ فوضع يده على المسح ثم رفعها فمسح وجهه ، ثم مسح فوق الكف قليلا (6).

وفي صحيحة داود بن النعمان نحو من ذلك.

وفي صحيحة زرارة بعد ذكر حكاية عمار : أفلا صنعت كذا؟ ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعها على الصعيد ثم مسح جبينه بأصابعه وكفّيه إحداهما بالأخرى (7).

وقريب من ذلك ما حكاه في مستطرفات السرائر عن كتاب البزنطي ، في الموثق ، عن

ص: 351


1- زيادة في ( د ) : « في ».
2- زيادة في ( د ) : « والحلّي ».
3- المعتبر 1 / 388.
4- زيادة في ( ب ) : « المعروف ».
5- في ( د ) : « فقلت ».
6- الكافي 3 / 62 ، باب صفة التيمّم ، ح 4.
7- عوالي اللئالي 3 / 44.

زرارة ، عن الباقر عليه السلام.

وفي موثقة اخرى ، عنه : سألت الباقر عليه السلام عن التيمّم ، فضرب بيديه (1) الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح (2) جبهته وكفّيه مرة واحدة (3).

وفي حسنة الكاهلي : سألته عن التيمّم ، قال : فضرب بيديه على البساط فمسح بها وجهه ثم (4) كفيه إحداهما بالأخرى (5) ثم لم يعد ذلك.

وروى في الفقه (6) الحكم باتحاد الضرب في بيان التيمّم من غير تفصيل .. إلى غير ذلك مما ورد. وهناك أخبار اخر معارضة لهذه الأخبار :

منها : صحيحة اسماعيل بن همام ، عن الرضا عليه السلام قال : « التيمّم ضربة للوجه وضربة للكفين » (7).

وصحيحة محمد بن مسلم : سألته عن التيمّم ، فقال : « مرتين ضربتين للوجه واليدين » (8).

وصحيحة ليث المرادي ، عن الرضا عليه السلام (9) في التيمّم ، قال : « تضرب كفّيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك » (10).

وصحيحة زرارة ، عن الباقر عليه السلام قال : قلت : كيف التيمّم؟ قال : « هو ضرب واحد

ص: 352


1- لم ترد في ( ب ) : « الأرض .. قال ».
2- زيادة في ( د ) : « بهما ».
3- الإستبصار 1 / 171 ، باب عدد المرآت في التيمّم ، ح 594 - 2.
4- زيادة في ( د ) : « مسح ».
5- الكافي 3 / 62 ، باب صفة التيمّم ، ح 3.
6- في ( د ) : « الفقيه » ، لاحظ : فقه الرضا عليه السلام : 88.
7- الإستبصار 1 / 171 ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح 597 - 5.
8- تهذيب الأحكام 1 / 210 ، باب صفة التيمّم وأحكام المحدثين منه ، ح 13 وفيه : مرتين مرتين للوجه واليدين.
9- في ( ب ) : « الصادق عليه السلام ».
10- الإستبصار 1 / 171 ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح 596 - 4.

للوضوء والغسل من الجنابة ، تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه ومرّة لليدين » (1) ، بناء على ظاهر الرواية. وقد تحمل على التفصيل كما سيجي ء.

وفي الفقيه (2) أيضا الحكم بتعدّد الضرب فيه.

وهذه الأخبار كما ترى دالّة على تعدد الضرب فيهما من غير إشارة إلى التفصيل. وهي حجة القول باعتبار الضربتين بعد احتمال حمل بعض الأخبار المتقدّمة على النسخ وبعضها أو كلّها على بيان كيفيّة مسحات التيمّم وتعيين الممسوح دون بيان الضربات ، فهي مجملة من تلك الجهة. ولذا (3) ذكر في بعضها الضرب على المسح وفي بعضها على البساط ، وذكر في بعضها الوضع مكان الضرب مع تعيين (4) الضرب على الأرض.

وأنت خبير بضعف ذلك ؛ إذ احتمال النسخ في المقام من أوهن الاحتمالات ، والاحتمال الآخر ضعيف أيضا جدّا للخروج (5) عن صريح تلك الأخبار ؛ إذ هي مسوقة لبيان أصل كيفيّة التيمّم لا خصوص بعض أفعاله دون بعض ، فترك بعضها دليل على عدم اعتباره.

وهذا واضح سيّما على قول (6) المعظم من عدّ الضرب من جملة أفعال التيمّم ، والضرب على غير ما يصحّ التيمّم به غير شاهد على ما ذكر ؛ لوضوح الحال فيه ونصّ الكتاب باعتبار الضرب على الصعيد ، مضافا إلى خروج ذلك عن أصل الكيفية ، والأخبار المذكورة مسوقة لبيانها ، فإذا لم يكن للأخبار المذكورة محمل ظاهر تعيّن الرجوع إلى المرجّحات في العمل بأحد الجانبين.

ولا ريب في قيامها على ترجيح الأخبار المتقدمة من وجوه ؛ لأوفقيّتها بظاهر إطلاق الكتاب ومخالفتها لمعظم العامة ، وانطباق الثانية على قول معظمهم ، فيتقوى حملها على التقية

ص: 353


1- الإستبصار 1 / 172 ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح 599 - 7.
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 104.
3- في ( ألف ) : « وإذا ».
4- في ( د ) : « تعيّن ».
5- وردت في ( ألف ) هنا لفظة الواو.
6- في ( ب ) : « القول ».

التي هي عمدة السبب في اختلاف الأخبار. مضافا إلى شهرتها رواية وفتوى بالنسبة إلى الأخيرة.

ودعوى موافقة الأخيرة للاحتياط لو سلّم لا تكافئ ذلك مع فساده في نفسه ؛ إذ لا احتياط في شي ء من الطرفين ؛ لاحتمال فساد التيمّم الواقع بالضربتين على القول باعتبار الضربة الواحدة ، بل كأنه الأظهر لاحتمال اعتبار وقوع المسحات بتلك الضربة كما هو الموجود في أخبار المرة ، فالتعدي عنها يحتاج إلى الدليل ، ولذا لم يذكر أحد في وجوه الاحتياط حصوله بالعمل بالضربتين وإنما بنوا على تكرار التيمّم أو ما هو بمنزلته كما سيجي ء الإشارة إليه.

وقد يقال : إنّ الأخبار الدالّة على الاكتفاء بالمرة مطلقة ، بل مجملة بالنسبة إلى عدم وجوب المرة الثانية ؛ لعدم التصريح فيها بعدم وجوبها ، وإنما يستفاد ذلك من السكوت عنها ، فليحمل ذلك على ما دلّ على اعتبارها ، [ و ] لا أقل من كون دلالة هذه الأخبار على وجوب المرّتين أقوى من دلالة تلك على عدمه ؛ للتصريح فيها بالتعدد بخلافها.

ويدفعه أن تلك الأخبار في نفسها كالصريحة في عدم وجوب الزائد ، وبملاحظة ورودها في مقام البيان صريحة في ذلك ، سيّما مع اعتضادها بالكثرة والعمل في الجملة ، والقول باحتمال الترك من جهة التقيّة لو صحّ (1) لم يوجب الضعف في الدلالة ، مضافا إلى عدم وضوح دلالة كثير من تلك الأخبار ، بل لا ينطبق ظواهر تلك الأخبار على القول بالمرتين إلا الصحيحة (2) الأولى ؛ إذ غيرها إنما يفيد اعتبار التوالي في الضربتين ، وبعضها يومي إلى اعتبار الضربتين بالنسبة إلى كل من الوجه واليدين.

وقد يقيّد بعضها اعتبار الضربتين أولا (3) ثم ضربة ثالثة لليدين ؛ إذ تكرار النفض لهما من دون الضرب ولا قائل بشي ء منهما في الأصحاب.

ص: 354


1- في ( ألف ) : « أوضح لو » بدل « لو صحّ ».
2- في ( ب ) : « صحيحة ».
3- في ( د ) : « ولاء أولا » بدل : « أوّلا ».

فظهر من جميع ما ذكرنا ضعف القول الثاني ، فتعيّن البناء على الأخبار والأدلة.

وقد يقال : إنه بعد التعارض بين الأخبار (1) المذكورة لا بدّ من الجمع بينها مهما أمكن ، وأقرب محاملها حمل الأخبار الأوّلة على التيمّم الواقع بدلا من الوضوء ، والأخيرة على بدل الغسل. وهذه هي حجة القول بالتفصيل.

وقد يذكر شاهدا على القول المذكور امور :

منها : شهرة القول به بين الأصحاب قديما وحديثا ، بل قد حكي الإجماع عليه حيث عدّه الصدوق في أماليه (2) من دين الإمامية.

وصرّح الشيخان الجليلان في التبيان (3) ومجمع البيان (4) بكونه مذهبنا.

وربما يظهر ذلك من الشيخ في التهذيب (5) على ما قيل ، والإجماعات المذكورة كافية في الجمع بين الأخبار. ومع الغض عنها فالشهرة قد رجّحت العمل بكلّ منهما في موردها ، فيتقوى على الآخر في خصوص ذلك ، فيقيّد (6) بملاحظة ذلك كل من الخبرين بالآخر.

وتوضيحه أن ما دلّ على المرة يعمل به في الوضوء ؛ لاعتضاده بالشهرة في خصوصه وكذا ما دلّ على المرتين بالنسبة إلى الغسل ، ودلالة الأول على الاكتفاء بها في الغسل أضعف من دلالة الأخيرة على عدمه ، وكذا العكس ، فيقيّد كل من الإطلاقين بالآخر ، وهو المدّعى.

ومنها : أن غاية ما يتخيل في أخبار المرتين أن تحمل على التقية بالنسبة إلى الوضوء ؛ لموافقته لمذهب العامّة ، وعدم شهرة القول به عندنا ، بل مخالفته (7) لأخبارنا في الجملة ، ولا يلزم من ذلك حملها على التقيّة بالنسبة إلى البدل عن الغسل ، فهي بالنسبة إلى ذلك حجة ،

ص: 355


1- في ( ألف ) هنا زيادة : « والأدلة وقد يقال إنّه بعد التعارض بين الأخبار ».
2- الأمالي للشيخ الصدوق : 744.
3- التبيان 3 / 208.
4- مجمع البيان 3 / 94.
5- انظر تهذيب الأحكام 1 / 211.
6- في ( د ) : « فيتقيّد ».
7- في ( ب ) : « مخالفة ».

فبملاحظة ذلك يكون مفاد تلك الأخبار خاصّا بالنسبة إلى ما دلّ على اعتبار المرة ، ولا بدّ إذن من حمله عليها كما هو القاعدة المطّردة.

ومنها : وجود أخبار حاكمة بالتفصيل حيث ذكر الحلي بعد حكمه به أنه الموافق للروايات والعمل ، وذكر الصيمري أن للمفصّلين على قولهم به روايات ، وربما يستند في (1) ذلك إلى صحيحة زرارة المتقدمة ، وصحيحة محمد بن مسلم الآتية.

وما رواه في المنتهى (2) عن الشيخ بإسناده ، عن محمد بن مسلم ، عن أن التيمّم من الوضوء مرة واحدة ومن الجنابة مضافا إلى تأيّد المشهور بعد الشهرة بكونه مخالفا لقول العامة كافة ؛ إذ لا ذاهب منهم إلى التفصيل المذكور ، فيتطرق احتمال التقية في كل من الإطلاقين.

وقد ورد أن الرشد في خلافهم وبموافقته للاعتبار ؛ إذ المناسب لاستيعاب جميع البدل المأخوذ في مبدله كثرة الضرب في البدل ، وإن الحدث الأصغر والأكبر مختلفان فيناسبه اختلاف الفعل المبيح عنهما ، وكذا المبدلان مختلفان فيناسبه اختلاف البدلين ، وبأن البناء عليه يوجب العمل بجميع أخبار الباب بخلاف الأخذ بأحد الإطلاقين ؛ لوجوب طرح أحد الجانبين.

أقول : يمكن دفع ذلك بأن مجرد حصول الجمع بين الأخبار على النحو المذكور لا يجعلها دليلا على التفصيل إلا أن يكون هناك شاهد على الجمع المذكور ، فما ذكر من الشواهد عليه ساقطة : أما الأول فبأن الشهرة في هذه المسألة ليست بحيث يوجب سقوط ما دلّ على خلافها إذا كان في نفسه حجّة شرعية على نحو الصحيح المتروك ؛ لذهاب جماعة من فحول القدماء والمتأخرين إلى الاكتفاء بالمرة.

غاية الأمر أن يكون البناء على التفصيل أشهر ، ومجرد ذلك لا يرفع الاعتماد عن ظواهر الإطلاقات. وحينئذ فلا تصلح جامعة بين أخبار الباب ؛ لاقتضاء الجمع سقوط كل من الإطلاقين عن الحجية بالنسبة إلى بعض الأفراد ، وما ذكر من اعتضاد دلالة كل من الروايتين

ص: 356


1- في ( ألف ) : « يستدعي » بدل : « يستند في ».
2- منتهى المطلب 1 / 149.

بالنسبة إلى مورد الشهرة ، فيرجّح في ذلك على الأخرى مدفوع على بلوغ الشهرة على ذلك الحدّ.

ومع الغض عنه فالحكم بحصول الترجيح بها في بعض مدلول اللفظ محل نظر ، وهو خارج عن ظاهر ما دلّ من الأخبار على الترجيح بالشهرة إن قلنا بشموله لشهرة الفتوى أيضا.

بل الظاهر مخالفة الشهرة في المقامين لأخبار الجانبين ، فتأمل.

مضافا إلى أن عمدة الأخبار الدالّة على الاكتفاء بالمرة كالنصّ في التيمّم الواقع بدلا عن الغسل ؛ لورودها في حكاية عمار ، فهي صريحة بالنسبة إلى المورد وإن كان ظاهر اللفظ فيها مطلقا (1) فليس المعارضة بينها من قبيل العموم من وجه ؛ ليستند في الجمع إلى الوجوه المذكورة.

ومع الغض عنه والاستناد إلى الإجماع المنقول موهون بشيوع الخلاف من فحول القدماء والمتأخرين ، مضافا إلى ظهور المناقشة في دلالة ما ذكر على الإجماع.

وأما الثاني فبأنّ قضية الأخبار الدالّة على الأخذ بالمخالف للعامة عند تعارض الخبرين إنما دلّ على طرح الخبر الآخر ، و (2) لا يخصّصه ببعض مدلوله من دون ظهور مخصص بمجرد خروج التفصيل عن مذهب (3) العامة ، وهو الظاهر من بناء الأصحاب في سائر المقامات.

ولو سلّم اختصاص الحمل على التقية بالنسبة إلى البعض فغاية الأمر نهوضه حجة على الباقي ، ولا يجعله ذلك خاصا بالنسبة إلى إطلاق الآخر ؛ إذ من الظاهر أن دلالة اللفظ عليه لا يخرج عن العموم ، ولا يجعله حمل بعضه على التقية نصّا في الباقي ، ليكون تعارضه مع الإطلاق من قبيل معارضة المقيّد للمطلق ؛ ليجب حمله عليه كما هو قضية فهم العرف في سائر المقامات.

وأما الثالث فبأن ما ذكر إجمالا من ورود الروايات بالتفصيل موهون بعدم وجود أثر لها

ص: 357


1- في ( ألف ) و ( ب ) : « مطلق ».
2- زيادة : الواو من ( د ).
3- في ( د ) : « مذاهب ».

في الأخبار سوى ما يتوهّم دلالتها عليه من الأخبار المذكورة. وقد استند الشيخ في الكتابين إلى الصحيحتين ، وكأنها الملحوظة في النقل المذكور.

والاستناد إليها موهون بأن صحيحة زرارة ظاهرة (1) الدلالة على عكس ذلك ؛ لظهورها (2) في الحكم باتحاد الكيفيّتين. وقد ورد ذلك أيضا في موثقة عمار ، عن الصادق عليه السلام قال : سألته عن التيمّم عن الوضوء وعن الجنابة وعن الحيض للنساء سواء. قال : « نعم » (3).

وحينئذ فهي كالموثقة المذكورة من الأدلة على فساد التفصيل المذكور.

ثم مع الغضّ عن ظهور تلك الصحيحة في ذلك فلا ظهور فيها في خلافه ، فيسقط الاحتجاج بها. وصحيحة محمد بن مسلم مع اطراح ظاهرها بين الأصحاب لا دلالة فيها على ذلك بوجه كما سيجي ء.

ورواية المنتهى لا أثر لها في كتب الأخبار والاستدلال ، والظاهر أنها لا أصل لها وإنما توهّمه الفاضل رواية من كلام الشيخ عند ذكره في كلام ورود التفصيل في الصحيحتين المذكورتين.

وقد أشار إليه غير واحد من الأفاضل ، وقد أوضح ذلك في المنتهى (4).

وسائر الوجوه المذكورة لتأييد القول المذكور بيّنة الوهن ، فلا حاجة إلى تفصيل الكلام فيها.

حجة القول بتثليث الضربات - إن فسّر بغير ما حكاه في الذكرى من عبارة الرسالة - غير معلومة ، وإن فسّر به - كما هو الظاهر - فيدلّ عليه صحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التيمّم ، فضرب بكفيه الأرض ثم مسح بهما وجهه ثم ضرب بشماله الأرض ، فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها ، ثم

ص: 358


1- في ( ألف ) : « ظاهر ».
2- في ( ألف ) : « لظهور ما » بدل « لظهورها ».
3- تهذيب الأحكام 1 / 212 ، باب صفة التيمّم وأحكام المحدثين منه ، ح 20.
4- في ( د ) : « المنتقى ».

ضرب بيمينه الأرض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه. ثم قال : « هذا التيمّم على ما كان فيه الغسل في الوضوء الوجه واليدين إلى المرفقين ، وألقى ما كان عليه مسح الرأس والقدمين فلا يؤتم (1) بالصعيد » (2).

وفيه أن هذه الرواية وإن صحّ إسنادها إلا أنّها مطرحة بين الأصحاب معارضة بالمعتبرة المستفيضة موافقة لمذهب العامة ، فيعيّن حملها على التقية.

ص: 359


1- في ( ألف ) : « يؤثم » بدل « يؤتم ».
2- الإستبصار 1 / 172 ، باب عدد المرات في الوضوء ، ح 600 - 8 وفيه : « فلا يؤمم بالصعيد ».
تبصرة: [ في مسح الوجه ]

الثاني من أفعال التيمّم مسح الوجه ، وقد اختلف الأصحاب في تعيين القدر الممسوح منه على أقوال :

أحدها : الاقتصار على خصوص الجبهة من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى.

وفي الحدائق (1) : إنه المشهور.

وعن كشف الرموز (2) : إنّ عليه عمل الأصحاب.

ثانيها : إضافة الجبينين إليها. وإليه ذهب جماعة من المتأخرين منهم الشهيد الثاني في المسالك (3) ، بل في كشف اللثام (4) أنه يمكن إدخال ذلك في مقصود الأكثر.

ومنهم السيد (5) ، فإنهم أوجبوا مسح الوجه من القصاص إلى طرف الأنف.

ولا يخلو عن قرب.

ثالثها : زيادة الحاجبين أيضا. وهو الظاهر من الصدوق في الفقيه (6) حيث اعتبر المسح على الجبينين والحاجبين. وكأنه أدرج الجبهة في الجبينين ؛ إذ لا قائل ظاهر بعدم وجوب مسحها.

وقد حكى غير واحد منهم الإجماع على وجوب مسحها. وقد حكى القول به عن المحقق

ص: 360


1- الحدائق الناضرة 4 / 336.
2- كشف الرموز 1 / 99.
3- مسالك الإفهام 1 / 114.
4- كشف اللثام 2 / 470.
5- الناصريات : 151.
6- من لا يحضره الفقيه 1 / 104.

الكركي في عدة من كتبه ، وتلميذه في المسائل (1) الجعفرية.

رابعها : القول بوجوب المسح على تمام الوجه. وحكي القول به عن والد الصدوق. وذكر الشهيد (2) أنّ (3) في كلام الجعفي إشعارا به.

وفي مجمع البرهان (4) : إنه أحوط.

خامسها : التخيير بين مسح الجميع والبعض إلا أنه لا يقتصر على أقل من الجبهة.

واختاره في المعتبر (5) ، وحكى (6) عن العماني الميل إليه.

وقرّبه في كشف الرموز (7) ، واستحسنه في المدارك (8).

وقد يرجع إلى القول المشهور في تعيين القدر الواجب ، فيكون الخلاف بينهما في استحباب الزائد.

وفيه تأمل.

ثم إن السبب في الخلاف اختلاف روايات الباب ، ففي معظم الأخبار ذكر مسح الوجه الظاهر في مسح جميعه ، وفي جملة منها ذكر المسح على الجبين (9) مفردا في بعضها ومثنى في البعض.

وفي موثقة زرارة المسح على الجبهة على (10) ما رواها الشيخ (11) في موضع.

ص: 361


1- في ( ب ) و ( د ) : « شرح » بدل « المسائل ».
2- الذكرى 2 / 264.
3- في ( ألف ) : « الشهيدان » بدل : « الشهيد أنّ ».
4- مجمع الفائدة والبرهان 1 / 100.
5- المعتبر 1 / 384.
6- زيادة في ( د ) : « فيه ».
7- كشف الرموز 1 / 99.
8- مدارك الأحكام 2 / 234.
9- الإستبصار 1 / 171 ، باب عدد المرات في التيمّم ح 2.
10- زيادة : « على » من ( د ).
11- الإستبصار 1 / 170 ، باب كيفية التيمّم ح 3.

ورواه (1) الكليني في موضع آخر بإسناده عن الكليني (2) بلفظ الجبين (3) مكان الجبهة.

فالدليل على المشهور هو الرواية الأخيرة على إحدى روايتيها ، وهي كما ترى لا تنهض حجة عليه.

وقد يحتج عليه بالجمع بين الأخبار بحمل الجبينين والوجه على الجبهة ؛ إذ ليس المراد بالجبين خصوص معناه للإجماع على عدم الاكتفاء به ، وحمل الرواية على بيان بعض الممسوح في مقام البيان بعيد جدّا ، فلا بدّ من إخراجه عن ظاهره.

وحينئذ فليحمل على الجبهة بعلاقة المجاورة ؛ لانطباقه على الرواية المتقدمة ، وانجباره بفهم الأصحاب ، مضافا إلى ذكر الجبين مفردا في غير واحد منها.

ويؤيّده إطلاق (4) الجبين على الجبهة في غير واحد من الأخبار الواردة في السجود ، و (5) عليه يحمل (6) إطلاق الوجه في الأخبار ، سيّما ما دلّ على الاكتفاء فيه بالبعض ، بل قضية ذلك الاكتفاء بمطلق البعض ، فيحمل على خصوص الجبهة في غيره ؛ للإجماع على وجوب مسحها.

مضافا إلى إطلاق الوجه على خصوص الجبهة في بعض أخبار السجود ، وعليه (7) يحمل إطلاق الوجه في الأخبار سيّما مما دلّ على الاكتفاء فيه.

وأنت خبير بأن ذلك كله لا ينهض حجة على ذلك ؛ إذ حمل الجبين على مجموع الجبهة والجبين أقرب ، مضافا إلى إطلاق (8) وروده بلفظ التثنية في بعضها ، بل هو كالصريح في خلاف ذلك ، مضافا إلى ورود مسح الوجه باليدين في عدّة من الأخبار ، والجبهة وحدها لا تزيد على

ص: 362


1- في ( د ) : « رواها ».
2- كذا كرّر لفظ « الكليني » في المقام.
3- في ( د ) : « الجبينين ».
4- في ( ألف ) : « الخلاف ».
5- زيادة : « و » من ( د ).
6- في ( ب ) : « بحمل ».
7- لم ترد في ( د ) : « وعليه .. الاكتفاء فيه ».
8- لم ترد في ( د ) : « إطلاق ».

ثلاث أصابع أو أربع ، فيكون مسح الزائد لغوا.

والبناء على استحباب الزائد خلاف ظاهر تلك الروايات. ويؤيّد ذلك مراعاة الاحتياط لقضاء اليقين (1) بالفراغ ، فعلم بذلك قوة القول بلزوم انضمام الجبين إلى الجبهة.

وأما انضمام الحاجبين فلا دليل عليه سوى ما رواه مرسلا في الفقه ، وهي لا تنهض حجة في مثله إلا أن الأحوط مراعاته.

وأما القول باستيعاب الوجه فالوجه فيه ما عرفت من الروايات. وضعفه ظاهر بعد إعراض الأصحاب عن البناء على ظاهر إطلاقها ، وتنصيص الصحيح على خلافه ، ودلالة المستفيضة على تقييده ، مضافا إلى الإجماع المحكي على عدم وجوب استيعابه.

ومما قلنا يظهر الوجه في القول بالتخيير ، والوجه في ضعفه.

ص: 363


1- زيادة في ( د ) : « بالشغل اليقين ».
تبصرة: [ في التيمّم قبل الوقت ]
اشارة

لا خلاف بيننا في عدم صحة التيمّم للصلاة قبل وقتها ، واختلفوا في صحته (1) لها بعد دخول (2) وقتها (3) قبل تضيّق (4) العمل بالأصل أو بالعارض على أقوال :

أحدها : المنع مطلقا. وهو المعروف بين الأصحاب ، وقد حكي الشهرة عليه في كلام جماعة.

وعن السيد (5) والشيخ (6) حكاية الإجماع عليه. وقد حكي القول به عن المفيد والسيد والشيخ في أكثر كتبه ، والديلمي والحلبي والحلي (7).

ثانيها : القول بالجواز كذلك. وحكي القول به عن الصدوق ، وظاهر الجعفي. وقوّاه العلامة (8) في غير واحد من كتبه. واستقر به في البيان (9). واختاره غير واحد من المتأخرين.

ثالثها : التفصيل بين العذر المرجوّ الزوال وغيره. وحكي القول به عن الإسكافي واستجوده المحقق (10) ، واختاره العلامة (11) في عدة من كتبه. وإليه ذهب جماعة من المتأخرين.

ص: 364


1- في ( ب ) : « صحّتها ».
2- في ( ب ) : « دخوله ».
3- في ( ب ) : « الوقت ».
4- في ( ألف ) : « تفسير ».
5- الناصريات : 157.
6- الخلاف 1 / 146.
7- السرائر 1 / 135.
8- تحرير الأحكام 1 / 147.
9- انظر البيان : 34.
10- انظر المعتبر 1 / 382.
11- تذكرة الفقهاء 1 / 137.

حجة القول الأول بعد الإجماع والاحتياط : الروايات المشتملة على المعتبرة المستفيضة كالصحيح : « إذا لم تجد الماء وأردت التيمّم فأخّر التيمّم إلى آخر الوقت ، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض » (1). وبمعناه موثقة ابن بكير.

وفي موثقته (2) الأخرى المروية في قرب الإسناد : سألت الصادق عليه السلام عن رجل أجنب فلم يصيب الماء ، أيتيمم؟ قال : « لا حتى آخر الوقت ، فإن فاته الماء لم تفته الأرض » (3).

وفي الصحيح : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإن خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصلّ في آخر الوقت ولا قضاء عليه ، وليتوضأ لما يستقبل » (4).

مضافا إلى اعتضادها بالشهرة بين الأصحاب ، ومخالفتها لما هو المعروف بين الجمهور.

وحجة القول الثاني بعد الأصل والإطلاقات الكثيرة الآمرة بالتيمم عند فقد الماء أو عدم الوصلة إليه أو خوف العطش أو حصول المرض وغير ذلك ، ظاهر الآية الشريفة والأخبار المستفيضة الدالّة على أن من تيمّم وصلّى ثم وجد الماء في الوقت لم يلزمه إعادة الصلاة.

وفيها ما يدلّ على التفصيل بين وجدانه في الوقت وخارجه ، ففي الصحيح : قلت للباقر عليه السلام : وإن أصاب الماء وقد صلّى بتيمم وهو في وقت؟ قال : « تمت (5) صلاته ولا إعادة عليه » (6).

وفي الموثق : سألت الصادق عليه السلام عن رجل تيمم وصلّى ثم بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت؟ فقال : « ليس عليه إعادة الصلاة » (7).

ص: 365


1- الكافي 3 / 63 ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ، ح 1.
2- في ( ب ) : « موثقة ».
3- قرب الإسناد : 170.
4- الإستبصار 1 / 159 ، باب إن المتيمم إذا وجد الماء لا يجب عليه اعادة الصلاة ، ح 548 - 1.
5- في ( ألف ) : « وقت » بدل : « تمّت ».
6- الإستبصار 1 / 160 ، باب إن المتيمم إذا وجد الماء لا يجب عليه اعادة الصلاة ، ح (552) 5.
7- الإستبصار 1 / 160 ، باب إن المتيمم إذا وجد الماء لا يجب عليه إعادة الصلاة ، ح 555 - 8.

وفي [ آخر ] : سألت الصادق عليه السلام عن الرجل في السفر لا يجد الماء تيمم وصلّى ثم أتى الماء وعليه شي ء من الوقت ، يمضي على صلاته أم يتوضأ ويعيد الصلاة؟ قال : « يمضي على صلاته ، فإنّ رب الماء هو رب التراب » (1).

وبمعناه موثقة عليّ بن أسباط ، عن عمّه ، عن الصادق عليه السلام (2).

وفي صحيحة يعقوب بن يقطين : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل تيمم وصلّى فأصاب بعد صلاته ماء ليتوضأ (3) ويعيد الصلاة ، أم يجزيه صلاته؟ قال : « إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضّأ وأعاد ، فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه » (4).

فهذه الأخبار وما بمعناها صريحة الدلالة على صحة التيمّم في السعة ، وحملها على وقوع التيمّم في السعة على ظنّ الضيق أو وقوعه لغير الصلاة الواجبة مما تضيق وقته بعيد جدّا لا داعي إليه سوى ظواهر الأخبار المتقدمة.

وحملها على الندب أظهر جدّا من الحمل المذكور ؛ لسهولة الخطب في حمل الأمر والنهي على الندب أو الكراهة.

وفي تلك الأخبار ما يومي إلى الكراهة ، ففي قوية محمد بن حمران ، عن الصادق عليه السلام : قلت له : رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ، ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة؟ قال : « يمضى في الصلاة » (5).

واعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت ، فإنه مع إيماء لفظة « لا ينبغي » إلى الكراهة لا يخلو عن ظهور فيها بمقتضى المقام ، حيث أطلق الحكم بصحة الصلاة الواقعة بالتيمم المفروض ، ولو لا البناء على الصحة لوجب الاستفصال سيّما مع استظهار وقوعه في

ص: 366


1- وسائل الشيعة 3 / 369 ، باب عدم وجوب إعادة الصلاة الواقعة بالتيمم ، ح 13.
2- تهذيب الأحكام 1 / 195 ، باب التيمّم واحكامه ح 37.
3- في ( د ) : « أيتوضّأ » بدل : « ليتوضّأ ».
4- الإستبصار 1 / 160 ، باب إن المتيمم إذا وجد الماء لا يجب عليه اعادة الصلاة ، ح 551 - 4 باختلاف يسير.
5- الإستبصار 1 / 166 ، باب من دخل في الصلاة يتيمم ثم وجد الماء ، ح 575 - 1.

السعة.

ومما يؤيد القول المذكور عدّة من الإطلاقات المشتملة على الصحاح الدالّة على صحة الصلاة الواقعة بالتيمم من غير حاجة إلى الإعادة بعد وجدان الماء الشاملة لما إذا وقع التيمّم في السعة من غير استفصال في الجواب ، مع إطلاق السؤال ، بل ظهوره في غير الضيق :

منها : صحيحة العيص ، عن رجل يأتي الماء وهو جنب وقد صلّى؟ قال : « يغتسل ولا يعيد الصلاة » (1).

وصحيحة محمد بن مسلم ، عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد وصلّى ثم وجد الماء؟ فقال : « لا يعيد إن ربّ الماء ربّ الصعيد ، وقد فعل أحد الطهورين » (2).

وفي التعليل إيماء إلى اتحاد حكم الترابية والمائية ، ففيها تأييد للحكم المذكور من تلك الجهة أيضا كغيرها من الأخبار الدالّة عليها كعموم التشبيه في قوله : « إن اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (3) ، أو عموم المنزلة في قوله : « إنما هو بمنزلة الماء » (4).

ونحو ذلك ، مضافا إلى إطلاق ظاهر رواية السكوني الدالّة على الاكتفاء بالطلب في الغلوة أو الغلوتين عدّة من الروايات الحاكمة بصحة الصلاة الواقعة بالتيمم إذا وجد الماء في أثنائها ، وفي غير واحد منها التفصيل بين الدخول في الركوع وعدمه.

وحملها على صورة وقوع التيمّم في الضيق بعيد عن ظواهرها. فبملاحظة جميع ذلك يظهر ضعف القول الأول.

و (5) مجرد اعتضاد تلك الأخبار بمخالفة العامة والشهرة المدعاة لا يقضي بترجيحها ، والاستناد إلى الإجماع موهون بشهرة الخلاف فيه.

ص: 367


1- الإستبصار 1 / 161 ، باب الجنب إذا تيمم وصلى هل تجب عليه الإعادة أم لا ، ح 556 - 1.
2- تهذيب الأحكام 1 / 197 ، باب التيمّم وأحكامه ح 45.
3- الكافي 3 / 66 ، باب الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ويخاف العطش ح 3.
4- تهذيب الأحكام 1 / 200 ، باب التيمّم وأحكامه ح 55.
5- في ( ب ) : « بمجرّد » بدل « ومجرّد ».

حجة القول الثالث الجمع بين الأخبار المذكورة مع إشعار معظم ما دلّ على المنع في السعة برجاء حصول الماء بعد ذلك ، فيقيّد سائر الإطلاقات بخصوص ذلك ، بل لا دلالة واضحة فيها على الجواز في غير تلك الصورة ؛ إذ ليست مسوقة لبيان ذلك.

وفيه أن مفاد تلك الروايات لزوم تأخير التيمّم مع احتمال تحصيل الماء بعد ذلك ، ولو كان بعيدا ، وهو غير رجاء الحصول ، فلا ينطبق على مقصودهم.

قلت : قوة الأخبار الدالّة على التوسعة في الجملة مع اعتضادها بما عرفت مما لا ينبغي الريب فيها ، مضافا إلى انتفاء الفائدة في التأخير مع القطع بعدم وجود الماء ، مع تفويت فضيلة أول الوقت ، وعدم وجود دليل واضح على اعتبار الضيق كذلك ، وبعد البناء على ضعف القول المذكور لا وجه لحمل الأخبار المذكورة إلا على صورة رجاء الحصول ؛ إذ القول بالتفصيل ظاهر سوى ذلك ، وإن استوجه الشهيد الثاني في الروض (1) التفصيل بين العلم وعدمه إلا أنه لم يفت به ، فيدور الأمر إذن بين القول بالتفصيل أو التوسعة المطلقة ؛ حملا لتلك الأخبار على الاستحباب.

وحينئذ فيبنى على ثبوته بمجرد الاحتمال كما هو ظاهر إطلاقها. والأول أحوط بل أقوى.

[ تنبيهات ]

وهاهنا امور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : ظاهر الأصحاب عدم الفرق بين كون العذر المسوغ للتيمم فقدان الماء أو سائر الأعضاء المسوغة من المرض ، ونحوه غيره ، فلا فرق بينهما على القولين.

وفي الروض (2) : الإجماع منعقد على عدم التفصيل بالتأخير للفاقد دون المريض خائف الضرر ، بل الجواز مطلقا أو وجوب التأخير مطلقا مع الرجاء أو بدونه ، فالقول بالتفصيل

ص: 368


1- انظر روض الجنان : 122.
2- روض الجنان : 122.

على هذا الوجه احداث قول مبطل لما حصل لنا الإجماع عليه. انتهى.

ويظهر من الحدائق (1) اختيار التفصيل المذكور ؛ استضعافا للإجماع المذكور ، وأخذا بظاهر الأخبار الدالّة على التضيق ؛ لاختصاص معظمها بفاقد الماء ، فيحمل مطلقها عليه ، ويبنى فيما عداه على التوسعة المطلقة ؛ أخذا بالإطلاقات وبما دلّ على فضيلة أول الوقت.

وهو كما ترى ؛ إذ مع الغضّ عن الإجماع المذكور لا داعي إلى حمل المطلق هنا على المقيّد لانتفاء المعارضة ، مضافا إلى ظهور تنقيح المناط ، فالوجه البناء على الإطلاق.

ومنه يظهر أيضا ضعف القول بإطلاق المضايقة.

ثانيهما : لو دخل وقت الصلاة وهو على تيممه ففي جواز .. (2).

ص: 369


1- الحدائق الناضرة 4 / 361.
2- العبارة مبتورة في النسخ المخطوطة.

الباب الخامس: في أحكام الأموات

اشارة

وفيه مقدمة ومباحث وخاتمة :

المقدمة: في بيان أحكام المرض والاحتضار

تبصرة: [ في الصبر على المرض ]

يستحب الصبر على المرض وترك الجزع ، فإن المرض من مواهب اللّه سبحانه ومحنة على المؤمن.

روى الجابر الجعفي ، عن الباقر عليه السلام أنه قال : « إذا أحبّ اللّه عبدا نظر إليه ، فإذا نظر إليه أتحفه من ثلاثة بواحدة : إما صداع وإما حمى وإما رمد » (1).

وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « حمى ليلة كفارة سنة » (2).

ونحوه عن الصادق عليه السلام قال : « وذلك أن (3) ألمها يبقى في الجسد إلى سنة » (4).

ص: 370


1- الخصال : 13.
2- وسائل الشيعة 2 / 403 ، باب استحباب احتساب المريض والصبر عليه ، ح 22.
3- في المصدر : « لأن ».
4- علل الشرائع 1 / 297.

وعنه عليه السلام : « صداع ليلة تحطّ كلّ الخطيئة (1) إلا الكبائر » (2).

وعنه عليه السلام : « حمى ليلة كفارة لما قبلها وما بعدها » (3).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « إن المرض ينقى (4) الجسد من الذنوب كما يذهب الكير خبث الحديد ، وإذا مرض الصبيّ كان مرضه كفّارة لوالديه » (5).

وعن الصادق عليه السلام : « من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها وأدّى إلى اللّه كانت له كفّارة ستّين سنة ». قال : قلت : وما قبلها بقبولها؟ قال : « صبر على ما كان فيها » (6).

وعنه عليه السلام : « أيّما رجل اشتكى فصبر واحتسب كتب اللّه له من الأجر أجر ألف شهيد » (7).

وعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « للمريض أربع خصال يرفع (8) اللّه عنه القلم ويأمر اللّه الملك يكتب له كلّ فضل كان يعمله في صحته ويتبع مرضه كل عضو في جسده فيستخرج ذنوبه منه ، فإن مات مات مغفورا له » (9).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « إذا مرض المسلم كتب اللّه له كأحسن ما كان يعمله في صحته وتساقطت ذنوبه كما يتساقط ورق الشجر » (10).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « أربعة يستأنفون العمل : المريض إذا برء والمشرك إذا أسلم » (11) الخبر.

ص: 371


1- في ( د ) : « خطيئة ».
2- ثواب الاعمال : 193.
3- الكافي 3 / 114 ، باب ثواب المرض ، ح 10.
4- في ( د ) : « ينغّي ».
5- بحار الأنوار 78 / 197.
6- ثواب الاعمال : 193.
7- وسائل الشيعة 2 / 403 ، باب استحباب المرض والصبر عليه ح 23.
8- في ( د ) : « يوقع ».
9- ثواب الأعمال : 193.
10- ثواب الأعمال : 194.
11- دعائم الإسلام 1 / 179.

وعن الباقر عليه السلام : « إن النبي صلى اللّه عليه وآله قال لأصحابه يوما : ملعون كلّ مال لا يزكّى ، ملعون كل جسد لا يزكى ، ولو في كل أربعين يوما مرة. فقيل : يا رسول اللّه! أما زكاة المال فقد عرفناها ، فما زكاة الأجساد؟ قال : لهم أن يصاب بآفة. قال : فتغيّرت وجوه القوم الذين سمعوا ذلك منه ، فلمّا رآهم قد تغيّرت ألوانهم قال لهم : هل تدرون ما عنيت بقولي؟ قالوا : لا يا رسول اللّه! قال : الرجل يخدش الخدش وينكب النكبة ويعثر العثرة ويمرض المرضة ويشاك الشوكة وما أشبه ذلك » حتى ذكر في آخر حديثه « اختلاج العين » (1).

وعن الرضا صلى اللّه عليه وآله : « ما سلب أحد كريمته إلا عوضه اللّه منه الجنّة » (2).

وفي الأخبار المستفيضة (3) أنّ المرض يطهّر المؤمن من الذنوب وأنه لا أجر فيه.

فعن أمير المؤمنين (4) عليه السلام : « المرض لا أجر فيه ولكن لا يدع على العبد ذنبا إلا حطّه وإنما الأجر في القول باللسان والعمل بالجوارح » (5).

والظاهر أنه عليه السلام أراد بذلك الأجر إن ما (6) يترتب على إظهاره الشكر والصبر ونحوهما من الأعمال القولية أو الفعلية دون نفس المرض.

وقد روي عنه عليه السلام أنه عاد سلمان فقال له : « يا سلمان! ما من أحد من شيعتنا يصيبه وجع إلا بذنب قد سبق منه ، وذلك الوجع (7) تطهير له ». قال سلمان : فليس لنا في شي ء من ذلك أجر خلا التطهير؟

قال علي عليه السلام : « يا سلمان! لكم الأجر بالصبر عليه والتضرّع إلى اللّه والدعاء (8) له بهما

ص: 372


1- قرب الإسناد : 68.
2- قرب الإسناد : 389.
3- ثواب الأعمال : 192 ، قال : « إن المؤمن إذا حم حمى واحدة تناثرت الذنوب منه كورق الشجر ... ».
4- في ( د ) : « مولانا أمير المؤمنين ».
5- الأمالي للشيخ طوسي : 602.
6- في ( ب ) : « إنما ».
7- في ( ألف ) : « الوجف ».
8- في ( د ) : « الدعاة ».

تكتب لكم الحسنات وترفع لكم الدرجات ، وأما (1) الوجع خاصّة فهو تطهير وكفّارة » (2).

وروى السيد في النهج أنه عليه السلام قال لبعض أصحابه في علة اعتلها : « جعل اللّه ما كان من شكواك حطا لسيّئاتك ، فإن المرض لا أجر فيه ولكنه يحطّ السيئات ويحتّها حتّ الأوراق ، إنما الأجر في القول باللسان والعمل بالأيدي والأقدام » (3).

وبنى السيد قدّس سره كلامه عليه السلام على الفرق بين الأجر والعوض ، فإن الأجر إنما يكون في مقابلة الأفعال الاختيارية الصادرة من العبد ، والعوض أعم منه ، فقد يكون بإزاء فعل اللّه بالعبد من الآلام والأسقام.

وهذا التوجيه بعيد عن ظاهر الأخبار المذكورة إلا أنه يناسب الجمع بين الأخبار ؛ لدلالة الأخبار المستفيضة أيضا على حصول الأجر به ، فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « يا على! أنين المريض تسبيح وصياحه تهليل ونومه على فراشه (4) عبادة وتقلّبه جنبا إلى جنب فكأنما جاهد (5) عدوّ اللّه ويمشي في الناس وما عليه ذنب » (6).

وعن عبد اللّه بن أبي يعفور ، قال : شكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام ما التي من الأوجاع وكان سقاما (7). فقال لي : « يا عبد اللّه! لو يعلم المؤمن ما له من الأجر في المصائب لتمنّى أن يقرض بالمقاريض » (8).

وعنه عليه السلام أيضا : « سهر ليلة في العلة التي يصيب المؤمن عبادة سنة » (9).

ص: 373


1- في ( د ) : « فأما ».
2- وسائل الشيعة 2 / 403 ، باب استحباب احتساب المرض والصبر عليه ، ح 20.
3- نهج البلاغة 4 / 12.
4- في ( د ) : « فراش ».
5- في ( د ) : « يجاهد ».
6- بحار الأنوار 78 / 189.
7- في ( د ) : « مسقاما ».
8- الكافي 2 / 255 ، باب شدة ابتلاء المؤمن ، ح 15.
9- وسائل الشيعة 2 / 403 ، باب استحباب احتساب المرض والصبر عليه ، ح 21.

وعنه عليه السلام : « إن اللّه تبارك وتعالى ليتعاهد المؤمن بالبلاء إما بمرض في جسده أو بمصيبة في أهل ومال أو مصيبة من مصائب الدنيا ليأجر عليها » (1).

وقال عليه السلام : « ما من مؤمن إلا وهو يذكر في كل أربعين يوما ببلاء إما في ماله أو ولده أو في نفسه فيؤجر عليه ، وهو (2) لا يدرى أين هو » (3).

وعن أبي جعفر عليه السلام : « حمى ليلة تعدل عبادة سنة ، وحمى ليلتين تعدل عبادة سنتين ، وحمى ثلاث تعدل عبادة سبعين سنة » (4).

فعلى ما ذكرنا يكون المراد بالأجر في رواية ابن أبي يعفور مطلق العوض.

ويمكن الجمع بينها بإرادة ترتب الأجر في هذه الأخبار على الصبر وإظهار الشكر ونحوها دون نفس المرض حسب ما أشار إليه عليه السلام في الرواية المتقدمة ، وكأنّ هذا أوفق بظاهر الأخبار في مقام المنع.

ويستحب له أيضا ترك الشكوى ، فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « من مرض يوما وليلة فلم يشك إلى عوّاده (5) بعثه اللّه يوم القيامة مع إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام حتى يجوز الصراط كالبرق اللامع » (6).

ويظهر من غير واحد من الأخبار أن المراد بالشكوى تعظيم ما ابتلي به من المرض وتشديد أمره دون مجرّد بيان ما فيه.

فعن الصادق عليه السلام : « إن الشكوى أن تقول قد ابتليت بما لم يبتل به أحد أو تقول لقد أصابني ما لم يصب أحدا وليس الشكوى أن تقول : سهرت البارحة وحممت اليوم ونحو

ص: 374


1- كتاب المؤمن : 22.
2- في ( د ) : « هم ».
3- بحار الأنوار 64 / 236.
4- الكافي 3 / 114 ، باب ثواب المرض ، ح 9.
5- في ( د ) : « اعواده ».
6- من لا يحضره الفقيه 4 / 16.

هذا » (1).

وعنه عليه السلام : « ليست الشكاية أن يقول الرجل : مرضت البارحة (2) ولكن الشكاية أن يقول ابتليت بما لم يبتل به أحد » (3).

وقد ينزّل الخبران على أن مجرد الإخبار بالواقع ليس بشكاية ، وإنما الشكوى هو المشتكى (4) عن حال المرض ، ولو كان ذلك بيان الواقع سواء كان بيان الواقع مقصودا له أيضا أو لم يتعلق قصده إلا بالشكاية ، بخلاف ما إذا لم يقصد إلا بيان الواقع.

ويستفاد من بعض الأخبار رجحان عدم الإظهار مطلقا ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام : « من كتم مرضا (5) أصابه ثلاثة أيام من الناس ، وشكى إلى اللّه عزوجل كان حقّا على اللّه أن يعافيه منه » (6).

وعن الباقر عليه السلام : « ألا اخبركم بخمس خصال هي (7) من البر ، والبر يدعو إلى الجنة؟ » ، قلت : بلى. قال : « إخفاء المصيبة وكتمانها .. » (8) الخبر.

وعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « أربعة من كنوز الجنة (9) : كتمان الحاجة وكتمان الصدقة وكتمان المرض وكتمان المصيبة » (10).

وفي لفظ آخر عنه صلى اللّه عليه وآله : « أربع من كنوز الجنة ... » وعدّ منها كتمان الوجع (11).

ص: 375


1- الكافي 3 / 116 ، باب حد الشكاية ، ح 1.
2- في المصدر زيادة : « أو وعكت البارحة ».
3- معاني الأخبار : 253.
4- في ( د ) : « التشكي ».
5- في المصدر : « وجعا ».
6- الخصال : 630.
7- ليس في ( ب ) : « هي ».
8- المحاسن 1 / 9.
9- في المصدر : « البر ».
10- الأمالي ، للمفيد : 8.
11- بحار الأنوار 78 / 208.

وربّما يظهر من بعض الأخبار رجحان الصبر على المرض والرضا به بحيث لا يريد من اللّه سبحانه رفع ذلك عنه ، فلا يدعو لنفسه برفع ذلك البلاء ، بل يكون راضيا بما رضي اللّه له. فعن الباقر عليه السلام قال : « قال علي بن الحسين عليه السلام : مرضت مرضا شديدا فقال أبي : ما تشتهي؟ فقلت : أشتهى أن أكون ممن لا أقترح على اللّه ربي ما يدبّره لي. فقال لي : أحسنت! ضاهيت إبراهيم الخليل عليه السلام حيث قال جبرئيل : هل من حاجة؟ فقال : لا أقترح على ربي بل حسبي اللّه ونعم الوكيل » (1).

ولا ينافي ذلك استحباب الدعاء بالشفاء وكشف البلاء ، فإن ذلك مقام وذاك مقام آخر لكل منهما جهة أمرية.

ويستفاد من بعض الأخبار الرخصة في الشكاية إلى إخوانه المؤمنين ويخصّص المنع من الشكاية بغيرهم. فعن الصادق عليه السلام : « إذا نزلت بك نازلة فلا ... » (2).

وينبغي (3) أن يتذكر الموت ليعزم على الطاعات وترك الأسواء ، فتغير حاله مما هو عليه إذا عافاه اللّه تعالى من مرضه. قال الصادق عليه السلام : « إذا اشتكى العبد ثم عوفي فلم يحدث خيرا ولم يكف عن سوء لقيت الملائكة بعضها بعضا يعني حفظته. فقالت : إن فلانا داويناه فلم ينفعه الدواء » (4).

وأن لا يراجع الأطباء في مرضه إلا عند الحاجة ، فقد روي عنه عليه السلام : « تجنب الدواء ما احتمل بدنك الدواء (5) فإذا لم يحتمل الدواء فالدواء » (6).

ص: 376


1- بحار الأنوار 46 / 67.
2- تحف العقول : 379 ، والرواية هي : « إذا نزلت بك نازلة فلا تشكها إلى أحد من أهل الخلاف ولكن اذكرها لبعض اخوانك ».
3- في ( د ) : « وينبغي له ».
4- الأمالي للشيخ الطوسي : 517.
5- في ( د ) : « الداء ».
6- وسائل الشيعة 2 / 409 ، باب استحباب ترك المداواة مع إمكان الصبر ، ح 5.

وعن الكاظم عليه السلام : « اتقوا (1) معالجة الأطباء ما اندفع الداء عنكم ، فإنه بمنزلة البناء قليله يجرّ إلى كثيره » (2).

وأن لا يطرح نفسه على الأرض ويخلد إلى النوم على الفراش ما استطاع القيام ؛ لما في النهج عنه عليه السلام أنه قال : « امش بدائك ما أمشى (3) بك » (4) قال : « لا تضطجع ما استطعت القيام مع العلة » (5).

ويدعو بالدعوات المأثورة للمريض ولخصوص بعض الأمراض ، وأن يستشفي (6) بالتربة الحسينية - على مشرّفها السلام - على الوجه المقرّر في محله ، وأن يستعمل الدواء عند الحاجة إليه.

فعن الصادق عليه السلام : « إن نبيا من الأنبياء مرض ، فقال : لا أتداوى حتى يكون الذي أمرضني هو يشفيني. فأوحى اللّه عزوجل إليه : لا أشفيك حتّى تتداوى فإن الشفاء مني » (7).

وأن يدعو لنفسه بالشفاء ، فعن العالم عليه السلام أنه قال : « لكل داء دواء » فسئل عن ذلك ، فقال : « لكل داء دعاء » (8).

وأن يتصدق بما تيسّر له ، فإن الصدقة من أعظم ما تدفع به البليّة.

« وأن يعطي السائل بيده ، ويأمر السائل أن يدعو له » (9) كما روى الصادق عليه السلام.

ويستحب السعي في قضاء حاجة المريض سيّما إذا كان من أهل بيته. فعن النبي صلى اللّه عليه وآله :

ص: 377


1- في المصدر : « ادفعوا ».
2- علل الشرائع 2 / 465.
3- في المصدر : « مشى ».
4- نهج البلاغة 4 / 7.
5- بحار الأنوار 78 / 204.
6- في ( د ) : « يستسقي ».
7- بحار الأنوار 78 / 212 ومكارم الاخلاق : 417.
8- فقه الرضا عليه السلام : 20 ، وفيه : « وسألته عن ذلك ».
9- الكافي 4 / 3 ، باب فضل الصدقة ح 9.

« من سعى لمريض في حاجة قضاها أو لم يقضها خرج من ذنوبه كيوم ولدته امّه » فقال رجل من الأنصار : بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه! فإن كان المريض من أهل بيته أو ليس ذلك (1) أجرا إذا سعى في حاجة أهل بيته؟ قال : « نعم » (2).

وأن يطعمه ما يشتهيه إذا لم يكن مضرّا بحاله ، فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « من أطعم مريضا شهواته أطعمه اللّه من ثمار الجنة » (3).

ويكره أن يتمرض من غير علة.

قيل للصادق عليه السلام : أيؤجر الخلق كلهم من الناس؟ قال : « ألق منهم التارك للسؤاك » .. إلى أن قال : « والمتمرّض من غير علة والمتشمّت (4) من غير مصيبة » .. إلى أن قال : « وهو كما قال اللّه عزوجل : ( إِنْ هُمْ إِلّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ) (5) (6).

ص: 378


1- زيادة في ( د ) : « أعظم ».
2- وسائل الشيعة 2 / 428 ، باب استحباب السعي في قضاء حاجة الضرير والمريض ، ح 1.
3- بحار الأنوار 78 / 224 وفيه : « شهوته ».
4- في ( د ) : « متشعث ».
5- الفرقان : 44.
6- الخصال : 409 وفيه : « أترى هذا الخلق كله من الناس ».
تبصرة: [ في عيادة المريض ]

يستحب عيادة المريض ، فعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من عاد مريضا نادى مناد من السماء باسمه : يا فلان! طبت (1) وطاب ممشاك تبوّأت من الجنة منزلا » (2).

وعنه صلى اللّه عليه وآله (3) ما من رجل يعود مريضا ممسيا إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح ، وكان له خريف في الجنة » (4).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلّى عليه سبعون ألف ملك حتى يمشي ، وإذا عاده عشاء (5) صلّى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح ، وكان له خراف في الجنة » (6).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « من عاد مريضا فله لكل خطوة خطاها حتى رجع إلى منزله سبعون ألف ألف حسنة ومحى (7) عنه سبعون ألف ألف سيئة ، ويرفع له سبعون ألف ألف درجة ، [ و ] وكّل به سبعون ألف ألف ملك يعودونه في قبره ويستغفرون له إلى يوم القيامة » (8).

ص: 379


1- في ( د ) : « طيب ».
2- فقه السنة 1 / 489 ؛ قرب الأسناد : 13.
3- زيادة : « وعنه صلى اللّه عليه وآله » من ( د ).
4- وسائل الشيعة 2 / 419 ، باب تأكد استحباب العيادة ، ح 3.
5- في ( د ) : « مشاعا ».
6- بحار الأنوار 78 / 221 ، باب ثواب عيادة المريض ، ح 8.
7- في ( د ) : « يمحى ».
8- ثواب الأعمال : 292.

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « يعير (1) اللّه عزوجل من عباده (2) يوم القيامة ، فيقول : عبدي! ما منعك إذ مرضت أن تعودني؟ فيقول : سبحانك! أنت ربّ العباد لا تألم ولا تمرض. فيقول : مرض أخوك المؤمن فلم تعده ، وعزّتي وجلالي! لو عدته لوجدتني عنده ، ثم لتكفّلت بحوائجك فقضيتها لك ، وذلك من كرامة عبدي المؤمن وأنا الرحمن الرحيم » (3).

وروي أن أبا موسى الأشعري عاد الحسن عليه السلام فقال له علي عليه السلام : « أما إنه لا يمنعنا ما في أنفسنا عليك أن نحدّثك بما سمعنا أنه من عاد مريضا شيّعه سبعون ألف ملك كلهم يستغفرون له إن كان مصبحا حتى يمسي وإن كان مساء حتى يصبح وكان له خريف في الجنة » (4).

وعن مولانا الباقر عليه السلام : « أيما مؤمن عاد مؤمنا خاض الرحمة خوضا فإذا جلس غمرته الرحمة ، فإذا انصرف وكّل اللّه سبعين ألف ملك كلهم (5) يستغفرون له ويترحمون عليه ويقولون : طبت وطابت لك الجنة إلى تلك الساعة من غد ، وكان له - يا أبا حمزة - خريف في الجنة » قلت : ما الخريف جعلت فداك؟ قال : « زاوية في الجنة يسير الراكب فيها أربعين عاما » (6).

وعن الصادق عليه السلام : « من عاد مريضا في اللّه لم يسأل المريض للعائد شيئا إلا استجاب اللّه له » (7).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المتجاوزة حدّ الإحصاء.

هذا ولنتمّم (8) الكلام في المقام برسم امور :

ص: 380


1- في ( ألف ) : « يصبر ».
2- في ( ب ) : « عياده ».
3- بحار الأنوار 7 / 304 ، باب خصال التي توجب التخلص من شدائد القيامة وأهوالها ، ح 75.
4- الأمالي ، الشيخ الطوسي : 635.
5- ليس في ( د ) : « كلهم ».
6- الكافي 3 / 120 ، باب ثواب عيادة المريض ، ح 3.
7- ثواب الأعمال : 194.
8- في ( ب ) : « ولنتم ».

أحدها : إنّ ما (1) ذكر من الفضل إنما هو في عيادة المؤمن ، وأما الكفّار من سائر الملل الفاسدة فلا رجحان لعيادتهم. وعن النبي صلى اللّه عليه وآله : في أهل الذمة « لا تساووهم في المجلس ولا تعودوا مريضهم ولا تشيّعوا جنائزهم » (2) (3).

وحينئذ يحتمل القول بالتحريم من جهة ظاهر النهي إلا أن القول به لا يخلو من (4) بعد ، والرواية غير صالحة للاعتماد في مقام التحريم.

وكيف كان ، ففيها دلالة على جريان الحكم في غير أهل الذمة بالأولى.

وأما غير أهل الحقّ من سائر الفرق الضالّة من أهل الإسلام فقد يحتمل رجحان عيادتهم لاندراجهم في المسلمين.

وقد ورد التعبير بالمسلم في المقام في بعض الأخبار إلا أن الظاهر خلافه ؛ إذ لا حرمة لهم. وقد ورد النهي عن موادّتهم.

نعم ، إن (5) كان من أرحامه لم يبعد القول برجحان عيادته ، سيّما بالنسبة إلى الوالدين (6) ، ولو حصل هناك جهة خارجة كالترغيب باعثة على إظهار المودة كالترغيب في المذهب أو التقية ، فلا إشكال في رجحان العيادة ، بل قد تجب حينئذ.

ولذا اورد (7) التأكيد في عيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم وحسن السيرة معهم. وحينئذ فقد يجري نحوه في عيادة الكفار أيضا.

وأما الفسّاق من أهل الإيمان فالظاهر استحباب عيادتهم ؛ لإطلاق الأدلة.

نعم ، جريان الحكم في بعض مقتر في الكبائر كتارك الصلاة وصاحب النرد والشطرنج

ص: 381


1- في النسخ المخطوطة : « إنما ».
2- في ( د ) : « اجنازهم ».
3- بحار الأنوار 72 / 392 ، باب النهى عن مراودة الكافر ومعاشرتهم ، ح 14.
4- في ( د ) : « عن ».
5- في ( د ) : « لو ».
6- في ( د ) : « زيادة هذا ».
7- في ( د ) : « ورد ».

ونحوهم محلّ إشكال.

وقد ورد في بعض الأخبار النهي عن عيادة بعض هؤلاء ، وقد يحمل على الكراهة.

ثانيها : أنه قد دلّت عدة من الأخبار على سقوط العيادة عن المرأة ، فعن النبي صلى اللّه عليه وآله أنه قال : « يا علي! ليس على النساء جمعة ولا عيادة مريض ولا اتّباع جنازة » (1). وعن أمير المؤمنين عليه السلام : « ليس على النساء عيادة » (2).

وعن الباقر عليه السلام : « ليس على النساء جمعة ولا جماعة ولا أذان ولا إقامة ولا عيادة مريض ولا اتّباع جنازة » (3).

وقضية هذه الأخبار سقوط العيادة عن المرأة ولو بالنسبة إلى مثلها أو أقاربها أو (4) أرحامها.

وهو بعيد جدّا مخالف لإطلاق الروايات وسائر العمومات الدالّة على رجحان صلة الأرحام والتودّد إلى أهل الإيمان ونحوها.

فحمل هذه الأخبار على إرادة الرخصة وبيان عدم الاهتمام في شأنهنّ على نحو الرجال ليس ببعيد.

ويشير إليه اقترانه بسقوط الجماعة والأذان والإقامة عنها مع مشروعيتها في شأنها ورجحان الإتيان بها في الجملة إلا أنها لا تأكّد لها بالنسبة إليها.

ثالثها : أنه يستحب في العيادة امور :

منها : تخفيف الجلوس عنده إلا أن تحبّ ذلك ويريده ويسأله ذلك (5) ، وعن الصادق عليه السلام : « تمام العيادة أن تضع يدك على ذراعه وتعجّل القيام من عنده ، فإن عيادة النوكى أشدّ على

ص: 382


1- الخصال : 511.
2- دعائم الإسلام 1 / 218.
3- الخصال : 585 ، وفيه : « الجنائز ».
4- في ( د ) : « و ».
5- ليس في ( د ) : « ويريده ويسأله ذلك ».

المريض من وجعه » (1).

ومنها : أن يضع العائد إحدى يديه على الأخرى أو على جبهته (2). ويحتمل أن يكون الوجه فيه إظهار التحزن عليه كما هو الشائع في وضع اليد على الجبهة ، فقد يحمل ذلك إذن على المثال.

ومنها : أن يضع العائد يده على ذراع المريض أو عليه مطلقا. وقد تقدم ذكر ذلك في الرواية المتقدمة.

وعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده عليه ويسأله : كيف هو؟ كيف أصبحت وكيف أمسيت؟ وتمام تحيتكم المصافحة » (3).

ومنها : أن يدعو للمريض ، فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « من دخل على مريض فقال : أسأل اللّه العظيم ربّ العرش العظيم أن يشفيك - سبع مرات - شفي ما لم يحضر أجله » (4).

وعن سلمان قال : دخل عليّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يعودني وأنا مريض. فقال : « كشف اللّه ضرّك وعظّم أجرك وعافاك في دينك وجسدك إلى مدة أجلك » (5).

وعن علي عليه السلام : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إذا دخل على مريض قال : « اذهب البأس ربّ الناس واشف أنت الشافي ولا شافي إلا أنت » (6).

وعن الصادق عليه السلام أنه عاد مريضا فقال له : « نسأل (7) اللّه العافية ولا أنساك الشكر

ص: 383


1- الكافي 3 / 118 ، باب في كم يعاد المريض وقدر ما يجلس عنده وتمام العيادة ، ح 4.
2- زيادة في ( د ) : « فعن علي عليه السلام ان من تمام العيادة أن يضع العائد احدى يديه على الأخرى أو على جبهته ».
3- مكارم الأخلاق : 360.
4- الدعوات : 223 ؛ بحار الأنوار 78 / 224 ، باب ثواب عيادة المريض ، ح 32.
5- الأمالي ، الشيخ الطوسي : 632.
6- بحار الأنوار 78 / 222 ، باب ثواب عيادة المريض ، ح 24.
7- في ( ألف ) : « فسأل ».

عليها » (1).

وعن أحدهما عليهما السلام : « إذا دخلت على مريض فقل : اعيذك باللّه العظيم ربّ العرش العظيم من كلّ عرق فعار ومن شرّ حرّ النار - سبع مرات - » (2).

ومنها : دعاء المريض للعائد. فعن الصادق عليه السلام : « من عاد مريضا في اللّه لم يسأل المريض للعائد شيئا إلا استجاب اللّه له » (3).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « عودوا مرضاكم واسألوهم الدعاء ، فإنه يعدل دعاء الملائكة » (4).

وربما يفيد استجابة دعاء المريض للعائد ولغيره.

ومنها : تكرار العيادة مع بقاء المرض. فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « العيادة ثلاثة والتعزية مرة » (5).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « اغبوا في العيادة واربعوا إلا أن يكون مغلوبا » (6).

وكأن المراد بالغب في العيادة أن يعوده يوما دون يوم وبالربع أن يعوده يوما دون أربع (7).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام : « العيادة بعد ثلاثة أيام » (8).

( وكأنّ المراد أنّه يعاد المريض بعد ثلاثة أيّام من مرضه أو يراد به وقوع العيادة كلّ مرّة بعد ثلاثة أيّام ) (9).

ص: 384


1- الأمالي ، للشيخ الطوسي : 632 وفيه : « أنساك اللّه العافية ».
2- بحار الأنوار 92 / 34 ، باب عوذة الحمى وأنواعها ، ح 17.
3- ثواب الاعمال : 194.
4- وسائل الشيعة 2 / 421 ، باب استحباب التماس العائد دعاء المريض ، ح 5.
5- مكارم الأخلاق : 361.
6- الأمالي ، للشيخ الطوسي : 639.
7- ليس في ( د ) : « أربع ».
8- دعائم الإسلام 1 / 218.
9- الزيادة بين الهلالين غير مذكورة في ( ألف ).

وعن الصادق عليه السلام : « لا يكون عيادة أقل من ثلاثة أيام فإذا وجبت فيوم ويوم لا ويومين لا ، وإذا طالت المرض ترك المريض وعياله » (1).

ويحتمل أن يراد من الفقرة الأولى أنه لا عيادة قبل مضي ثلاثة أيام من المرض ، فيوافق الرواية المتقدمة بالتفسير الأول ، وأن يراد به أن أقلّ العيادة أن يعوده ثلاثة أيام ، وبعد ذلك يعوده غبا يوما (2) دون يومين أو أن أقلّ العيادة أن يعوده في كل عشرة أيام ، فيوافق الرواية السابقة بالتفسير الأخير.

ومنها : ترك العيادة مع طول المرض ، فيترك المريض مع عياله كما في الفقرة الأخيرة من الرواية المتقدمة.

وكأنّ المراد به ترك العيادة حينئذ بعد الإتيان بها على الوجه المتقدم ، فلو لم يعده من أول الأمر إما لمانع كغيبة (3) ونحوها أو لا لمانع ، فلا يظهر من الرواية سقوط العيادة ( ويحتمل الإطلاق.

وكيف كان ، فكأن المراد به طول المرض خارجا عن المعتاد وسقوط العيادة ) (4) حينئذ إما على سبيل الرخصة فالساقط إذن تأكد الاستحباب ، أو مطلقا مع كون الساقط حينئذ مطلق العيادة بالمرة ، أو خصوص وقوعها على النحو المقدم دون عيادته أحيانا.

ومنها : أن يرجّيه في العافية ، فعنه عليه السلام : « إذا دخلتم على المريض فنفّسوا له في الأجل فإن ذلك لا يرد شيئا وهو يطيب النفس » (5).

ومنها : أن لا يأكل عنده ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : « نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يأكل العائد عند العليل ، فيحبط اللّه أجر عيادته » (6).

ص: 385


1- مكارم الأخلاق : 360 ، وفيه : « إذا طالت العلة ».
2- في ( د ) : « ويوما ».
3- في ( د ) : « كغيبته ».
4- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
5- بحار الأنوار 78 / 225 ، باب ثواب عيادة المريض ، ح 33.
6- دعائم الإسلام 1 / 218.

ومنها : أن يهدي العائد إليه شيئا من تفاحة أو سفرجلة أو قطعة من عود ونحو ذلك ، فعن مولى الصادق عليه السلام قال : « مرض بعض مواليه فخرجنا نعوده ونحن عدة من مواليه فاستقبلنا عليه السلام في بعض الطريق فقال : « أين تريدون؟ » فقلنا : نريد فلانا نعوده. قال : « قفوا ». فوقفنا. قال : « مع أحدكم تفاحة أو سفرجلة أو أترجة أو لعقة من طيب أو قطعة من عود بخور؟ » فقلنا : ما معنا من هذا شي ء. قال : « أما علمتم أن المريض يستريح إلى كل ما ادخل به عليه؟ » (1).

ص: 386


1- مكارم الأخلاق : 361.
تبصرة: [ في الوصية ]

نصّ جماعة من الأصحاب من غير ظهور خلاف فيه بوجوب الوصية بالحقوق الواجبة عليه سواء كانت لله أو للناس.

وقد ورد في المستفيضة أن « الوصية حقّ على كل مسلم » (1).

وقال صلى اللّه عليه وآله : « ما ينبغي (2) لامرئ مسلم أن يبيت إلا ووصيته تحت رأسه » (3).

وعنه عليه السلام : « من مات بغير وصية مات ميتة الجاهلية » (4).

والذي يقتضيه التأمل في الأدلة أن يقال : إن الحق الذي عليه إن كان مضيقا يمكن أداؤه حالّا وجب عليه ذلك ، فلا باعث في تأخيره وإن كان موسّعا تخيّر بين تنجيزه والإيصاء به.

ولا ريب في وجوب الإيصاء عند التأخير مع ظنّ الفوت بل مع خوفه.

وأما مع ظنّ السلامة فالظاهر عدم الوجوب ؛ للأصل والسيرة الجارية ، وكذا في الحقّ المضيّق مع عدم تمكنه من الأداء معجّلا إذا أمكن تفريق ذمّته بعد ذلك.

ثم إن مجرد الإيصاء غير كاف في ذلك ، بل لا بدّ من الإيصاء به على وجه يحكم به شرعا ، فلا بدّ من الإشهاد عليه ؛ إذ مجرد الوصية مع عدم الثبوت ... (5)

ص: 387


1- الكافي 7 / 3 ، باب الإشهاد على الوصية ح 4.
2- في ( ألف ) : « ما لا ينبغي ».
3- مكارم الأخلاق : 362.
4- روضة الواعظين : 482.
5- كذا ، والعبارة ناقصة.

نعم ، إذا علم تمكن الوصيّ من إنجازه مع عدمه اكتفى به ، والظاهر أن القدر الواجب من ذلك هو الإعلام بالحال على وجه يثبت شرعا حسب ما ذكرنا حيث يؤدّى عنه بعد وفاته.

ولا يبعد صدق الوصية في المقام على ذلك ، وإن لم يأمر أحدا بمباشرة ذلك ، بل ولو لم يصرّح بدفع ذلك عنه (1).

وحينئذ فلا يدخل ذلك في (2) عنوان الوصية المعروفة ، ومع ظنّه عدم إمضاء وصيّته بعد موته ، فإن أمكنه أداء الحق في حياته تعيّن عليه ذلك ، وإلّا ففي وجوب الوصية حينئذ وجهان كان أوجههما الوجوب إلا مع القطع عادة بعدم ترتب ثمرة عليه.

وفي وجوب الوصية بالحقوق الغير المالية مما لا يجب ذلك في ماله بدون الوصية كقضاء العبادات إذا لم يكن هناك من يجب القضاء عنه ، أو كان وعلم عدم الإتيان به ففي وجوبه وجهان.

وظاهر القاعدة يقضي بالوجوب.

والذي يتلخّص مما ذكرناه هو وجوب الوصية بكل حقّ واجب عليه قصّر في أدائه أولا إذا لم يتمكن من أدائه في الحال ، أو لم يجب عليه حينئذ أداؤه ، وكان في ترك الوصية به خوف ضياع الحق ، فيجب عليه الإيصاء به ، فإن كان مما يكتفي مجرد الثبوت في الإتيان به كاستيجار الحج أو دفع الزكاة أو الخمس أو سائر الحقوق المالية كفى الإعلام بالحال على حسبما مرّ.

وإن توقّف الإتيان عليه أمره (3) بذلك كغير الحقوق المالية مما ثبت في ذمّته فلا يبعد القول بوجوب الوصية بتحصيل تفريغ ذمّته منه ، ولو ببذل المال.

ثم إنّ الوصية في نفسها من السنن الأكيدة سيّما في حال المرض ، قد أوصى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله والأئمة عليهم السلام. وفي الإطلاقات المتقدمة أقوى دلالة عليه.

ص: 388


1- في ( ألف ) هنا زيادة : « وإن لم يأمر أحدا بمباشرة ذلك ».
2- ليس في ( د ) : « في ».
3- في ( د ) : « الإتيان به على أمره ».

وقد ورد في غير واحد من الأخبار أن « الوصية تمام ما نقص من الزكاة » (1).

وكأنّ المراد به نظير ما ورد من أن « النافلة الراتبة تمام ما نقص من صلاة الفريضة » (2) وأنّ « غسل الجمعة تمام ما نقص من الوضوء » (3).

ويظهر من بعض المحدّثين أن المراد بذلك وجوب الوصية بما بقي من الزكاة.

وهو كما ترى.

وفي مرفوعة محمد بن يحيى ، عنهم عليهم السلام قال : « من أوصى الثلث احتسب له من زكاته » (4).

وكأن المراد به ثبوت أجر الزكاة فيه إذا كانت وصية في المصارف الراجحة ووجوه البرّ سيّما إذا كان أوصى به للفقراء والمساكين.

وأما قيام ذلك مقام الزكاة حقيقة كما هو الظاهر منها فالظاهر أنه لا (5) قائل به.

وروي عن بعض الأئمة عليهم السلام أنه قال : « إن اللّه تبارك وتعالى يقول : يا بن آدم! تطولت عليك بثلاث : سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما واروك ، وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدّم خيرا ، وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدّم خيرا » (6).

وعن الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال : « من أحب أن يوصي (7) عند موته لذوي قرابته ممن لا يرثه فقد ضمّ عمله بمعصية » (8).

ص: 389


1- من لا يحضره الفقيه 4 / 182 ، باب في أن الوصية تمام ما نقص من الزكاة ح 5413.
2- لم نعثر عليه وإنما وجدناه في علل الشرائع 2 / 328 عثمان بن عبد الملك عن أبي بكر قال : لي أبو جعفر (عليه السلام) : « أتدري لأي شي ء وضع التطوع؟ ... إلى أن قال : لأنه إن كان في الفريضة نقصان قضيت النافلة على الفريضة حتى تتم ... ».
3- انظر علل الشرائع 1 / 285 ، باب علة وجوب غسل يوم الجمعة ح 1.
4- وسائل الشيعة 19 / 260 ، باب وجوب الوصية بما بقي في الذمة من الزكاة ، ح 3 وفيه : « بالثلث ».
5- في ( د ) : « مما لا ».
6- الخصال : 136.
7- في ( د ) : « من لم يوص ».
8- من لا يحضره الفقيه 4 / 183.

ويستحب أن يحسن وصيته عند الموت ، ففي وصية النبي صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « يا علي! من لم يحسن وصيّته عند موته كان نقصا في مروته ولم يملك الشفاعة » (1).

وعن الصادق عليه السلام : « من لم يحسن عند الموت وصيته كان نقصا في مروته وعقله » (2).

وعنه ، عن أبيه عليهما السلام ، عن أبيه عليه السلام ، قال : قال عليه السلام : « من أوصى ولم يحف ولم يضار كان كمن تصدّق به في حياته » (3).

وعنه عليه السلام : « إن أجّلت في عمرك يومين فاجعل أحدهما لأدبك لتستعين به على يوم موتك » قيل له : وما تلك الاستعانة؟ قال : « تحسن تدبير ما تخلف وتحكمه » (4) (5).

وعنه عليه السلام أيضا قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروته وعقله ». قيل : يا رسول اللّه! كيف يوصي الميّت إذا حضرته وفاته واجتمع الناس إليه؟ قال : « اللّهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، اللّهم إني أعهد إليك في دار الدنيا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك ، وأن الجنة حق والنار حق ، وأن البعث حق والحساب حق ، والميزان حق ، وأن الدين كما وصفت ، وأن الإسلام كما شرعت ، وأن القول كما حدّثت ، وأن القرآن كما أنزلت ، وأنك أنت اللّه الحق المبين ، جزى اللّه محمدا صلى اللّه عليه وآله خير الجزاء خصّ (6) محمد [ ا ] وآل محمد بالسلام ، اللّهم يا عدتي عند كربتي وصاحبي عند شدّتي ويا ولييّ عند (7) نعمتى ، إلهى وإله آبائى لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا ، فإنك إن وكلتني إلى نفسي أقرب من الشر وأبعد من الخير ، وآنس في القبر وحشتي ، واجعل لي عهدا يوم القاك منشورا.

ص: 390


1- وسائل الشيعة 19 / 266 ، باب استحباب حسن الوصية عند الموت ، ح 2.
2- تهذيب الأحكام 9 / 174.
3- الكافي 7 / 62 ، باب النوادر ، ح 18.
4- في ( د ) : « وبحكمه ».
5- الكافي 8 / 150.
6- في ( د ) : « حيّى ».
7- ليس في ( د ) : « عند ».

ثم يوصى بحاجته ، وتصديق هذه الوصية في القرآن في السورة التي يذكر فيها مريم في قوله عزوجل : ( لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً ) (1) ، فهذا عهد الميت والوصية حق على كل مسلم أن يحفظ هذه الوصية ويعلمها.

قال أمير المؤمنين عليه السلام : « علّمنيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : علّمنيها جبرئيل عليه السلام ، وقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : تعلّمها أنت وعلّمها أهل بيتك وشيعتك » (2).

ص: 391


1- مريم : 87.
2- الكافي 7 / 2 ، باب الوصية وما أمر بها ، ح 1 مع اختلاف يسير.
تبصرة: [ في التوبة والإنابة ]

ويجب عليه التوبة من جميع الذنوب والآثام ، فإن التوبة هادم لجميع الذنوب ، وهي من الواجبات الفورية سيّما في حال المرض. فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « إن اللّه يقبل توبة عبده ما لم يغرغر توبوا إلى ربّكم قبل أن تموتوا ، وبادروا بالأعمال الزكية قبل أن تشتغلوا ، وصلوا الذي بينكم وبينه بكثرة ذكركم إياه » (1).

وعنه عليه السلام : « من تاب قبل موته بسنة قبل اللّه توبته ». ثم قال : « إن السنة لكثير ، من مات قبل موته بشهر قبل اللّه توبته ». ثم قال : « إن الشهر لكثير ، من تاب قبل موته بجمعة قبل اللّه توبته ». ثم قال : « إن يوما لكثير » من تاب قبل أن يعاين قبل اللّه توبته » (2).

ويستحب حسن الظن باللّه سيّما عند الموت. فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « لا يموتن أحدكم حتى يحسن ظنه باللّه عزوجل ، فإن حسن الظن باللّه ثمن الجنة » (3).

وفي الصحيح ، عن مولانا الرضا عليه السلام : « أحسن الظنّ باللّه فإن أبا عبد اللّه عليه السلام كان يقول : من حسن ظنه باللّه كان اللّه عند ظنه به » (4).

وعن الباقر عليه السلام قال : « وجدنا في كتاب علي عليه السلام إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال على منبره : والذي لا إله الّا هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلا بحسن الظن باللّه ورجائه وحسن خلقه والكف عن اغتياب المؤمنين .. » إلى أن قال عليه السلام : « والذي لا إله إلا هو لا يحسن

ص: 392


1- الدعوات : 237.
2- وسائل الشيعة 16 / 87 ، باب صحة التوبة في آخر العمر ، ح 3.
3- وسائل الشيعة 2 / 448 ، باب استحباب حسن الظن باللّه عند الموت ، ح 2.
4- الكافي 8 / 347.

ظنّ عبد مؤمن إلا كان اللّه عند ظنّ عبده المؤمن لأنه (1) كريم بيده الخير و (2) يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظنّ ثم يخلفه ظنّه ورجاه فأحسنوا باللّه الظنّ وارغبوا إليه » (3).

وروى الصدوق بإسناده ، عن مولانا العسكري عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال : سئل الصادق عليه السلام عن بعض أهل مجلسه فقيل : عليل ، فقصده عائدا وجلس عند رأسه فوجده دنفا. قال : « أحسن ظنّك باللّه فقال : أما ظني باللّه فحسن .. » (4) الخبر.

وروى ابن فهد مرسلا عنهم عليهم السلام أنه : « ينبغي في حالة المرض خصوصا مرض الموت أن يزيد الرجاء على الخوف » (5).

وعدّ بعض الأصحاب حسن الظن باللّه من الواجبات ؛ نظرا إلى بعض الأخبار المذكورة وغيرها.

وهو محلّ تأمّل.

ودلالة الأخبار المذكورة على الوجوب غير ظاهرة.

نعم ، اليأس من رحمة اللّه من أعظم الكبائر ، وهو أمر آخر.

ويستحبّ إكثار ذكر الموت والاستعداد له بالأعمال الصالحة ، وقصر الأمل في الدنيا الفانية ، والرغبة في الآخرة الباقية وفي رضوان ربّ العالمين ومرافقة الأنبياء والمرسلين والأوصياء المرضيين والملائكة المقرّبين وعباد اللّه الصالحين.

فعن الباقر عليه السلام قال : « سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : أىّ المؤمنين أكيس؟ قال : أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم له استعدادا » (6) (7). وقال صلى اللّه عليه وآله : « أكثروا من ذكر هادم اللذات ما ذكر في كثير

ص: 393


1- في ( د ) : « لأن اللّه ».
2- ليس في ( د ) : « و ».
3- الكافي 2 / 72 ، باب حسن الظن باللّه عزوجل ح 2 وفيه : « قال - وهو على منبره - : والذي .. ».
4- عيون أخبار الرضا 1 / 7.
5- عدة الداعي : 28 ، بحار الأنوار 78 / 242 ، باب آداب الاحتضار واحكامه ، ح 27.
6- في ( د ) : « استعدادا ».
7- الكافي 3 / 258 ، باب النوادر ، ح 27.

إلّا قلّله ولا في قليل إلّا كثّره » (1).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « استحيوا من اللّه حقّ الحياء » (2). فقيل يا رسول اللّه! كيف (3) نستحيي من اللّه حق الحياء؟ فقال : « من حفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وترك زينة الحياة الدنيا وذكر الموت والبلاء فقد استحى من اللّه حق الحياء » (4).

وقال علي عليه السلام : « ما أنزل الموت حق منزلته من عدّ غدا من أجله » (5).

وعن الصادق عليه السلام : « من عدّ غدا من أجله فقد (6) أساء صحبة الموت » (7).

[ و ] عن أمير المؤمنين عليه السلام : « ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل » (8).

وعن الباقر عليه السلام : « أكثر ذكر الموت ، فإنه لم يكثر ذكر الموت أحدا (9) إلا زهد في الدنيا » (10).

ص: 394


1- كنز العمال 15 / 542 ، وفيه : « هادم اللذات فإنه لا يكون في كثير الا قلله ولا في قليل إلّا أجزأه ».
2- قرب الإسناد : 23.
3- في ( د ) : « وكيف ».
4- روضة الواعظين : 460 باختلاف.
5- الكافي 3 / 259 ، باب النوادر ، ح 30.
6- في ( ألف ) : « فقه ».
7- من لا يحضره الفقيه 1 / 139.
8- الكافي 3 / 259 ، باب النوادر ، ح 30.
9- في ( د ) : « أحد ».
10- الكافي 2 / 131 ، باب ذم الدنيا والزهد فيها ، ح 13 وفيه : « لم يكثر إنسان ذكر الموت إلّا زهد في الدنيا ».
تبصرة: [ في توجيه المؤمن إلى القبلة حال الاحتضار ]
اشارة

يجب توجيهه إلى القبلة حال السوق يعني حال الاحتضار - أعاننا اللّه عليه وثبّتنا اللّه بالقول الثابت لديه - عند جماعة من الأصحاب منهم المفيد (1) والشيخ في النهاية (2) والديلمي والقاضي (3) والطوسي (4) والحلّي (5) والمحقق في الشرائع (6) والعلامة (7) في بعض كتبه. واختاره القطيفي وجماعة من المتأخرين.

وفي الهادي إلى الرشاد : أن الفتوى على الوجوب ؛ لأنه سنّة للمسلمين مستمرة بين الصحابة والتابعين. وظاهرها الوجوب.

وفي البحار (8) والحدائق (9) : إنه المشهور بين الأصحاب.

وفي الذكرى (10) : إنه الأشهر خبرا وفتوى. ونصّ على الشهرة بعد ذلك.

وعزاه الفاضل التستري إلى أكثر الأصحاب.

ص: 395


1- المقنعة : 95.
2- النهاية : 62.
3- المهذب 1 / 53.
4- الوسيلة : 62.
5- انظر السرائر 1 / 158.
6- شرائع الإسلام 1 / 29.
7- تحرير الأحكام 1 / 113.
8- بحار الأنوار 78 / 231.
9- الحدائق الناضرة 3 / 352.
10- الذكرى : 37.

وقوّى القول بالاستحباب كما هو واضح مختار الشيخ في الخلاف (1) ، وظاهر المبسوط (2) ، والمحقق في المعتبر (3) ، وجماعة من المتأخرين منهم السيد في المدارك (4) وصاحب الذخيرة (5) وكشف اللثام (6).

وأسنده في التذكرة (7) إلى الباقين (8) بعد إسناد الوجوب إلى المفيد والديلمي. وظاهر العلامة في التذكرة والقواعد (9) التوقف في المسألة حيث ذكر القولين من غير ترجيح.

ويدلّ على المختار ما رواه الصدوق في الفقيه (10) مرسلا ، وفي العلل (11) مسندا عن علي عليه السلام قال : « دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على رجل من ولد عبد المطلب ، فإذا هو في السوق وقد وجّه إلى غير القبلة ، فقال : وجّهوه إلى القبلة ، فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة وأقبل اللّه عليه بوجهه ، فلم يزل كذلك حتى يقبض ».

ورواه في الدعائم (12) عنه عليه السلام.

وهذه الرواية أوضح روايات الباب دلالة. وظاهر الصدوق اعتماده عليها حيث ذكره في عدّة من كتبه سيّما الفقيه مع ضمانه صحة جميع ما فيه.

وقد يناقش في دلالته بأن ظاهر التعليل يومي إلى إرادة الاستحباب مع ما هو ظاهر من

ص: 396


1- الخلاف 1 / 101.
2- المبسوط 1 / 174.
3- المعتبر 1 / 258.
4- مدارك الأحكام 2 / 54.
5- ذخيرة المعاد 1 / 80.
6- كشف اللثام 2 / 201.
7- تذكرة الفقهاء 1 / 337.
8- في ( د ) : « الماضين ».
9- قواعد الأحكام 1 / 222.
10- من لا يحضره الفقيه 1 / 133.
11- علل الشرائع 1 / 297.
12- دعائم الإسلام 1 / 219.

كثرة استعمال الأمر في الاستحباب.

ووهنه ظاهر.

وربما قيل : إنه قضية في واقعة ، فلا يعمّ.

وهو أيضا كما ترى.

ورواية معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الميّت؟ قال : « استقبل بباطن قدميه القبلة » (1).

وظاهر الأمر الوجوب ، والظاهر حمل الميت على المشرف بالموت (2) ؛ إذ هو مجاز شائع ، بل قضية ما ذكره جماعة من أهل اللغة أن الميّت - بالتشديد - الذي لم يمت بعد ، وبالتخفيف من فارقه الروح.

وحينئذ فلا حاجة إلى التأويل في الخبر المذكور وغيره.

مضافا إلى [ أنّ ] حال الاحتضار هو الزمان المعهود لاستقبال الميت ، ومراعاة الاستقبال أهمّ (3) بالنسبة إليه ، فحمل الرواية عليه هو الأولى من البناء على تركه وذكر غيره.

وصحيحة سليمان بن خالد قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « إذا مات لأحدكم ميت فسجوه (4) تجاه القبلة ، وكذلك إذا غسل يحضر له موضع المغتسل تجاه القبلة ، فيكون مستقبل باطن قدميه ووجهه إلى القبلة » (5).

وهذه الرواية أصحّ ما في الباب سندا إلا أن دلالتها على المدّعى محل مناقشة ؛ لظهورها في استقباله القبلة بعد الموت ، وهو غير المدّعى.

وقد يقال : إن المراد بالموت الإشراف عليه كما هو شائع في الاستعمالات حسب ما أشرنا

ص: 397


1- الكافي 3 / 127 ، باب توجيه الميت إلى القبلة ، ح 2.
2- في ( د ) : « للموت ».
3- في ( ب ) : « أعم ».
4- في ( د ) : « فسبحوه ».
5- الكافي 3 / 127 ، باب توجيه الميت إلى القبلة ، ح 3 وفيه : إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبلا بباطن قدميه ... ».

إليه.

ويشكل بأنه مجاز لا يصار إليه إلا مع قيام القرينة عليه ، وهي منتفية في المقام ، بل ذكر السجية يومي إلى كونه بعد الموت لاستحبابها حينئذ كما يأتى إن شاء اللّه.

ويمكن أن يقال : إنه لو حمل على ذلك لكان الاستقبال حينئذ واجبا بعد موته ، ولا قائل بوجوبه ( كذلك. نعم ، بعض من يقول بوجوبه حين الاحتضار يقول بوجوبه بعده ، ففيها إذن دلالة على وجوبه ) (1) حين الاحتضار بالالتزام.

وقد يحمل الأمر (2) على الندب إلا أنه يبعده - مع خروجه عن ظاهر اللفظ - أنها تفيد إذن انتفاء استحبابه حال الموت ؛ لاشتراط استحباب الاستقبال بتحقق الموت. ويجري ذلك بناء على حمله على الوجوب أيضا ، فيترجّح بذلك حمل الرواية على الوجه المتقدم.

مضافا إلى ما أشرنا إليه من كون بيان ذلك لحال الاحتضار أهمّ فبعيد ترك بيانه في المقام وذكر غيره ، ويؤيد اعتضاده بفهم الجماعة ومراعاة الحائطة.

ومنها : ما روي عن الصادق عليه السلام قال : « جرى في البرّاء ابن معرور الأنصاري ثلث من الستين منها أنه لما حضرته الوفاة كان غائبا عن المدينة فأمر أن يحول وجهه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأوصى بالثلث من ماله ، فنزل الكتاب بالقبلة وجرت السنّة بالثلث .. » (3) الخبر.

وربما يحتج على ذلك بصحيحة (4) ذريح المحاربي ، عن الصادق عليه السلام في حديث قال : « إذا (5) وجهت الميت للقبلة فاستقبل بوجهه القبلة ولا تجعله معترضا (6) كما يجعل الناس ، فإني رأيت أصحابنا يفعلون وقد كان أبو بصير يأمر بالاعتراض » (7).

ص: 398


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
2- زيادة في ( د ) : « حينئذ ».
3- الكافي 3 / 255 ، باب النوادر ، ح 16 مع اختلاف.
4- في ( د ) : « بصحيحة ».
5- في ( ألف ) : « إذا قال ».
6- في ( د ) : « معرضا ».
7- تهذيب الأحكام 1 / 465.

والاعتراض المتقدم جار في المقام ، مضافا إلى عدم دلالته على وجوب الاستقبال وإنما يفيد كيفيّته.

وقد يقال : إنّ المستفاد منها مطلوبية الاستقبال في الجملة ، وهو ظاهر في الوجوب حتى يثبت الإذن في الترك.

وهو كما ترى.

وفي قوله : « ولا تجعله معترضا كما تجعله (1) الناس » إشارة إلى أن ذلك في حال الاحتضار ، فإنهم يوجّهون الميت حال احتضاره على الوجه المذكور.

ورواية ابراهيم الشعيري ، عن الصادق عليه السلام أنه قال في توجيه الميت : « يستقبل بوجهه القبلة ويجعل قدميه مما يلي القبلة » (2).

وهي أيضا واردة في بيان كيفية التوجيه لا حكمه ؛ لكنّها لا تخلو من (3) تأييد لما ذكرناه.

وفي الدعائم عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : « من الفطرة أن يستقبل بالعليل القبلة إذا احتضر » (4).

حجة القول بالاستحباب الأصل ، وعدم وضوح دلالة الأخبار على وجوب الاستقبال حين الاحتضار ، بل إشعار بعضها بالاستحباب حسبما مرّ ذكره.

ويدفعها ما عرفت من دلالة الأخبار عليه سيّما بعد الاعتضاد بفهم الجماعة.

وربما يورد عليها أيضا بأنه لو بني على كون مورد تلك الأخبار ما بعد الموت حسبما مرّ الكلام فيه كان الحكم في الاستحباب قبل تحقيق الموت خاليا عن الدليل ، فلا وجه إذن لحكم هؤلاء بالاستحباب ؛ إذ هو أيضا حكم شرعي يتوقف على قيام دليل شرعي عليه.

وفيه : أنّ الرواية الأولى قد دلّت على ثبوت الرجحان في خصوص المحتضر ، وضعفها

ص: 399


1- في ( د ) : « يجعله ».
2- تهذيب الأحكام 1 / 285.
3- في ( د ) : « عن ».
4- دعائم الإسلام 1 / 219.

لا يمنع من العمل بها في مقام الاستحباب ، بل ولا عند من لا يتسامح فيه لانجباره باتفاق الأصحاب ؛ إذ لم نجد قائلا بعدم رجحانه سوى ما يحكى عن بعض العامة.

ثم إن كيفية الاستقبال في المقام حسب ما ذكر في الأخبار المذكورة أن يستلقى الميت على ظهره نحو القبلة ويستقبل القبلة بباطن قدميه بحيث لو جلس كان مستقبلا. وما حكي عن أبي بصير من الأمر بالاعتراض محمول على (1) التقية منه أو ممن أمره به من الأئمة عليهم السلام فإنه منقول عن أبي حنيفة ، وقد جعل الاستقبال في المقام على نحو الاستقبال في الدفن.

ولو لم يمكن توجيهه على النحو المذكور لقصر المكان فالظاهر استقباله على وجه الجلوس مع مدّ رجليه نحو القبلة مع الإمكان ، ولو أمكن الاعتراض على نحو القبر دون غيره ؛ نظرا إلى المكان الذي فيه مع عدم إمكان التحويل عنه ففي وجوب مراعاته وجهان.

ولا يبعد وجوب الاستقبال بمقاديم بدن المصلوب ونحوه مع عدم إمكان التوجيه على النحو المذكور.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه على امور :

أحدها : إن المكلف بتوجيهه إلى القبلة حسبما (2) ذكروه من علم بحاله من المسلمين على سبيل الوجوب الكفائي كغيره من أحكام الميت من التغسيل والتكفين ونحوهما ، فالحال فيها كغيرها حسبما يفصّل القول فيها.

وربما يقال باختصاص الوجوب بالولي. وسيجي ء الكلام فيه إن شاء اللّه عند بيان المذكورات.

ويحتمل في المقام وجوبه على الميت مع إمكانه في شأنه ، فإن ذلك إنما يراد لمصلحته ، فهو أولى بتحصيل مصلحة نفسه.

ص: 400


1- ليس في ( د ) : « على ».
2- زيادة : « حسبما » من ( د ).

وهو قوي جدّا إذا لم يكن هناك من يحوّله.

وعلى هذا لو ظنّ الوفاة ولم يكن من (1) يوجّهه إلى القبلة حين الاحتضار احتمل القول بوجوب الاستقبال عليه قبله من باب المقدمة إذا (2) ظنّ عدم قدرته على التحويل في تلك الحال. ويشكل بأنه لا وجه لوجوب المقدمة عليه قبل ذيها إلا أن يقال بأن الاحتضار وقت للاستقبال لا لوجوبه.

وفيه تأمل.

ثانيها : إنه هل ينتهي الوجوب بحصول الموت أو إنه (3) يجب دوام الاستقبال مهما أمكن؟ قولان ، فظاهر كلامهم من الحكم بوجوب استقبال (4) المحتضر اختصاص الوجوب بتلك الحال.

وفي الذكرى (5) أن ظاهر الأخبار سقوط الاستقبال بالموت ، قال (6) : وفي بعضها احتمال دوام الاستقبال ، وينبّه عليه ذكره حال الغسل ووجوبه حال الصلاة والدفن.

وأورد عليه في المدارك (7) بأنه لم يقف على ما ذكره من الأخبار ، قال شيخه (8) قدس سره : والظاهر البقاء على تلك الحال حتى ينتقل إلى المغتسل ويراعي هناك أيضا كذلك إلا أنه يكون حين خروج الروح فقط ؛ لأن ظاهر الأخبار بعد الموت.

وأنت خبير بأنه لو حمل الميت في الأخبار المذكورة على المشرف على الموت إما لكونه حقيقة فيه بخصوصه كما أشرنا إليه ، أو من باب مجاز المشارفة كان مفاد الروايات المذكورة

ص: 401


1- زيادة : « من » من ( د ).
2- في ( د ) : « وإذا ».
3- في ( ب ) : « وإنه ».
4- في ( ألف ) : « الاستقبال ».
5- الذكرى : 37.
6- زيادة : « قال » من ( د ).
7- مدارك الأحكام 2 / 54.
8- انظر : مجمع الفائدة 1 / 173.

اختصاص الوجوب بتلك الحال ، فلا دلالة فيها على وجوب الاستقبال في غيرها ، بل ربما يشعر ظواهرها على انتفاء الوجوب بانتفاء الموضوع حسبما ذكره الشهيد قدس سره.

بل قيل : إن ما في رواية الصدوق من قوله « فلم يزل كذلك ( حتى يقبض » صريح في السقوط.

وفيه : أن الظاهر أن المراد من قوله « فلم يزل كذلك » ) (1) لم يزل اللّه مقبلا عليه بوجهه والملائكة مقبلة عليه حتى يقبض ؛ ولا يراد به بقاؤه مستقبلا حتى يقبض ؛ ليقيّد بمفهوم الغاية ارتفاع حكم الاستقبال بالقبض.

نعم ، ربما يكون في التعليل المذكور إشعار بارتفاع الحكم ، وربّما يستدلّ على بقاء الحكم بالاستصحاب ، وهو أيضا مشكل ؛ لتوقيت الحكم بتلك الحال بناء على الحمل المذكور.

وكيف كان ، فالقول بوجوب البقاء على الاستقبال محلّ تأمل ، وكأنّ الأظهر عدمه ؛ أخذا بالأصل في غيره مورد الدليل.

مضافا إلى ظاهر التعليل المذكور وغيره ، ولا بأس بالبناء على الاستحباب.

ثم بناء على استمرار الحكم إما وجوبا أو ندبا فإنما يجري ذلك إلى حين الغسل ، أما بعده فيجعل على نحو حال الصلاة. وعن مولانا الرضا عليه السلام : « فإذا طهر يوضع كما يوضع في قبره » (2).

والظاهر أن المراد التشبيه في وضعه معترضا دون الإضجاع (3) على الأيمن.

ثالثها : إن الواجب هنا استقبال العين للقريب والجهة للبعيد على ما هو الحال في الصلاة ، فلو جهلت وجب تحصيله مع الإمكان ، فإن لم يتمكن من العلم فالظاهر قيام الظنّ مقامه ، فإن لم يتمكن منه أيضا سقط الوجوب.

ص: 402


1- ما بين الهلالين وردت في ( د ) فقط.
2- تهذيب الأحكام 1 / 298 ، وفيه : « وضع كما يوضع ».
3- في ( ألف ) : « الاحتجاج ».

ولا يجب استقبال الجهات الأربع. واحتمله في الذكرى (1).

وكأنّه من جهة إلحاقه بالصلاة بناء على المشهور من وجوب الصلاة إلى الجوانب الأربع. وهو ضعيف ، والفرق بين الأمرين واضح.

ولو علم حينئذ خروج القبلة عن بعض الجهات ودارت بين جهتين أو جهات فهل يسقط مراعاة الاستقبال مطلقا أو يتعيّن توجّهه نحو الجهات المشكوكة؟ وجهان ، أحوطهما الأخير.

رابعها : لا فرق في الحكم المذكور بين الذكر والأنثى ، والصغير والكبير ؛ لإطلاق (2) معظم الأخبار وظاهر كلمات الأصحاب.

وفي شموله للسقط إذا كان فيه حياة وجهان ، وهو إنما يثبت لأهل الإيمان.

وفي جريان الحكم في المسلم المخالف وجهان.

وقد يبنى ذلك على وجوب غسله وكفنه ودفنه ، فإن قلنا بالوجوب جرى فيه ، وإلّا فلا.

ويمكن القول بعدم وجوبه. ولو قلنا بوجوبها نظرا إلى أنّ (3) مذهبهم عدم الوجوب فيعاملون بما عاملوا به أنفسهم كما ورد في الحديث.

وأما الكافر فظاهر (4) عدم جريان الحكم فيه سواء كان مشخصا (5) منتحلا للإسلام أو لا.

وأطفال الكفار ( والمخالفين ملحوقون بآبائهم إلّا أن يلحقوا المسلمين كالمسبي عن أولاد الكفار ) (6) وفي جريان الحكم في أولاد المخالفين إذا انقطعوا عن آبائهم بالسبي أو غيره وتبعوا المؤمنين وجهان.

خامسها : إنما يحكم بوجوب الاستقبال بعد تحقيق كونها حال الاحتضار ، وأما مع ظنّه

ص: 403


1- الذكرى 1 / 295.
2- في ( ألف ) : « إطلاق ».
3- زيادة : « أن » من ( د ).
4- كذا ، والظاهر : « فالظاهر ».
5- ليس في ( د ) : « مشخصا ».
6- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).

ففي الحكم بالوجوب إشكال.

ولا يبعد القول به ؛ إذ الغالب في مثل ذلك حصول الظنّ.

وهل يجب الاستقبال بالسكون ونحوه إلى علم موته؟ لا يجب ؛ لعدم ثبوت كونه حال الاحتضار ، فقد يكون ميتا وقد لا يموت ، إشكال.

ولا يبعد القول مع دوران الأمر بين كونه ميتا أو في شرف الموت استصحابا لحياته.

وهل يجري الحكم في أبعاض الميت؟ الظاهر ذلك ، فلو قطعت رأسه لوحظ القبلة في كل من الرأس والجسد ولو كان حيا (1) وقطع رجله لم يجر فيه الحكم ؛ لدوران الحكم مدار موت الشخص دون موت العضو.

سادسها (2) : يستحب أن يقرأ سورة يس ، فعن الصادق عليه السلام : « من قرأ يس ومات في يومه أدخله اللّه الجنة وحضر غسله ثلاثون ألف ملك يستغفرون له ويشيّعونه إلى قبره بالاستغفار له ، فإذا دخل (3) في لحده كانوا في جوف قبره يعبدون اللّه ، وثواب عبادتهم له ، وفسح له في قبره مدّ بصره ، واومن من ضغطة القبر ».

وأن يقرأ عنده (4) السورة المباركة ، فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « يا علي! اقرأ يس فإن في قراءة يس عشر بركات .. » إلى أن قال : « ولا قرأت عند ميت إلا خففت عنه تلك الساعة » (5).

فإن قرأ الميّت بالتشديد أمكن الاستدلال به حسبما مرّ على استحباب قراءته حين الاحتضار ، فيكون التخفيف بتهوّن الموت عليه.

ويحتمل ذلك لو قرأ بالتخفيف أيضا بناء على حمله على المشارف للموت أو الأعم.

ويحتمل أن يعمّ ذلك قراءته عند القبر.

ص: 404


1- في ( ب ) : « ميّنا » بدل « حيّا ».
2- في ( ب ) و ( د ) : « تبصرة ».
3- في ( د ) : « أدخل ».
4- في ( د ) زيادة : « تلك ».
5- الدعوات : 215.

ولا يخلو (1) عن بعد.

وأن يقرأ عنده (2) الصافات ، فعن سليمان الجعفري قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام يقول لابنه القاسم : « قم يا بنيّ! فاقرأ عند رأس أخيك ( وَالصَّافّاتِ صَفًّا ) (3) حتى تستتمّها ، فقرأ فلما بلغ ( أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا ) (4) قضى الفتى ، فلما سجي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له : كنا نعهد الميت إذا نزل به الموت يقرأ عنده ( يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ) (5) فصرت تأمرنا بالصافات؟ فقال : يا بنيّ! لم تقرأ عند مكروب من الموت إلا عجّل اللّه راحته » (6).

وأن يقرأ سورة الكافرون ، فعن النبي صلى اللّه عليه وآله : « نابذوا عند الموت ». فقيل : ننابذ؟! قال : قولوا ( يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ * لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ) (7) إلى آخر السورة (8).

وروي أنه « يقرأ عند المريض والميت آية الكرسي ويقول : اللّهم أخرجه إلى رضى منك ورضوان. اللّهم اغفر له ذنبه جلّ ثناء وجهك. ثم يقرأ آية السخرة : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ .. ) (9) إلى آخره ، ثم يقرأ ثلاث آيات من آخر البقرة : ( لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) (10) ثم يقرأ سورة الأحزاب » (11).

ذكر ذلك الراوندي رحمه اللّه.

وفي الدعائم ، عن الصادق عليه السلام أنه قال : « يستحب لمن حضر المنازع أن يقرأ عند رأسه

ص: 405


1- في ( ألف ) : « لا يخلو » بدون الواو.
2- في ( د ) زيادة : « سورة ».
3- الصافات : 1.
4- الصافات : 11.
5- يس : 1 و 2.
6- الكافي 3 / 126 ، باب إذا عسر على الميت الموت ، ح 5.
7- الكافرون : 1 و 2.
8- الدعوات : 249.
9- الاعراف : 54.
10- البقرة : 284.
11- الدعوات : 252.

آية الكرسي وآيتين بعدها ، ويقرأ ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) (1) إلى آخر الآية ، ثم ثلاث آيات من آخر البقرة ، ثم تقول : اللّهم أخرجها منه إلى رضى منك ورضوان ، اللّهم لقّه البشرى ، اللّهم اغفر له ذنبه وارحمه » (2).

وأن يلقّن كلمات الفرج ، فعن الصادق عليه السلام قال : « كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا حضر من أهل بيته أحد الموت قال له : « قل لا إله إلا اللّه الحليم الكريم ، لا إله إلا اللّه العلي العظيم ، سبحان اللّه ربّ السماوات السبع وربّ الأرضين السبع وما فيهنّ وما بينهنّ وربّ العرش العظيم ، والحمد لله ربّ العالمين ، فإذا قالها المريض قال : اذهب فليس عليك بأس » (3).

وفي صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إذا أدركت الرجل عند النزع فلقّنه كلمات الفرج » (4) ، وذكر التهليل والتسبيح والتحميد على النحو المذكور.

وفي الأخبار اختلاف في كلمات الفرج زيادة ونقصانا ، والموجود في الصحيح ما ذكرنا.

ونحوه صحيحة اخرى إلا أنه أسقط فيه لفظ الجلالة في « سبحان اللّه ربّ السماوات .. » إلى آخره.

وفي مرسلة الفقيه (5) وكتاب فقه الرضا (6) عليه السلام وغيرها (7) زيادة : « وسلام على المرسلين » قبل التحميد.

وفي بعض الروايات زيادة : « وما تحتهنّ » بعد « وما بينهنّ » (8).

والكل حسن.

ص: 406


1- الاعراف : 54.
2- دعائم الإسلام 1 / 219.
3- الدعوات : 245.
4- الكافي 3 / 123 ، باب تلقين الميت ، ح 3.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 131.
6- فقه الرضا عليه السلام : 165.
7- في ( د ) : « غيرهما ».
8- فقه الصادق 2 / 312.

وأن يلقّن الشهادتين ، والإقرار بالأئمة الطاهرين سلام اللّه عليهم أجمعين ، ففي صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام : « إذا حضرت الميت قبل أن يموت فلقّنه شهادة أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله » (1).

وعنه صلى اللّه عليه وآله : « ما من أحد يحضره الموت إلا وكّل إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر ويشكّكه في دينه حتى نفسه ، فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه ، فإذا حضرتم موتاكم فلقّنوهم شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حتى يموتوا » (2).

وعن أبي جعفر عليه السلام في حديث : « فلقّنوا موتاكم عند الموت شهادة أن لا إله إلا اللّه والولاية » (3).

وقد يستفاد من بعض هذه الأخبار استحباب تكرير التلقين المذكور إلى أن يموت كما نصّ عليه بعضهم.

وأن يكون آخر كلامه « لا إله إلا اللّه » ، فعن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام : « إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : لقّنوا موتاكم لا إله إلّا اللّه ، فإنّ من كان آخر كلامه لا إله إلّا اللّه دخل الجنة » (4).

وأن يلقّنه هذا الدعاء : « يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير اقبل منّي اليسير واعف عنّي الكثير ، إنك أنت الغفور الرحيم » (5).

وروى المفيد في مجالسه وأبو علي ابن الشيخ في المجالس ، بإسناده أيضا عن سعيد بن يسار ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حضر شابا عند وفاته فقال (6) : قل لا إله إلا اللّه. قال : فاعتقل لسانه مرارا ، فقال لامرأة (7) عند رأسه : هل لهذا أمّ؟ قالت : نعم

ص: 407


1- الكافي 3 / 121 ، باب تلقين الميت ح 2.
2- الكافي 3 / 123 ، باب تلقين الميت ، ح 6 وفيه : « حتى يموت ».
3- الكافي 3 / 123 ، باب تلقين الميت ، ح 5.
4- ثواب الاعمال : 195.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 132 ، باب غسل الميت ح 347 وفيه : « إنك أنت العفو الغفور ».
6- في ( د ) : « فقال له ».
7- في ( د ) : « لامرأته ».

أنا امه. قال : أساخطة (1) أنت عليه؟ قالت : نعم ما كلّمته منذ ستّ حجج. قال لها : أرضي عنه. قالت (2) : رضي اللّه عنه برضاك يا رسول اللّه! فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : قل لا إله إلا اللّه. قال : فقالها. فقال النبي صلى اللّه عليه وآله : ما ترى؟ فقال : أرى رجلا أسود قبيح المنظر وسخ الثياب منتن الريح ، قد وليني الساعة يأخذ بكظمي. فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله : قل .. وذكر الدعاء. فقالها الشابّ ، فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله : انظر ما ترى؟ قال : أرى رجلا أبيض اللون حسن الوجه طيّب الريح حسن الثياب قد وليني وأرى الأسود قد تولّى عني. قال : أعد ، فأعاد. قال : ما ترى؟ قال : لست أرى الأسود ، وأرى الأبيض قد وليني. ثم طفى على تلك الحال » (3) أي مات.

وفي رواية اخرى ، عن الصادق عليه السلام قال : « حضر رجلا الموت فقال (4) : يا رسول اللّه! إن فلانا قد حضره الموت. فنهض رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ومعه اناس من أصحابه حتى أتاه وهو مغمى عليه. فقال : يا ملك الموت! كف عن الرجل حتى أسأله. فأفاق الرجل فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله : ما رأيت؟ قال : رأيت بياضا كثيرا وسوادا كثيرا. قال : فأيهما كان أقرب؟ فقال : السواد. فقال النبي صلى اللّه عليه وآله : قل : اللّهم اغفر لي الكثير من معاصيك واقبل منّي اليسير من طاعتك. فقاله ثم اغمي. فقال : يا ملك الموت! خفّف عنه أسأله فأفاق ». قال : فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « إذا حضرتم ميتا فقولوا له (5) هذا الكلام ليقوله » (6) (7).

ص: 408


1- في ( د ) : « أفساخطة ».
2- في ( ألف ) و ( ب ) : « قال ».
3- الأمالي ، المفيد : 287.
4- في ( د ) : « قيل ».
5- زيادة : « له » من ( د ).
6- الكافي 3 / 124 ، باب تلقين الميت ، ح 10 ، وفيه : « لا حفف عنه حتى أسأله ، فافاق الرجل ».
7- في ( د ) زيادة صفحتين من العبارات الماضية حتى الباب الآتي ، إلّا أن الناسخ التفت إلى الزيادة فكتب هنا : « مكرّر في النسخة .. ».

الباب: في بيان النجاسات والمطهّرات ، وأحكام النجاسات

اشارة

ففيه فصول :

[ الفصل ] الأوّل: في أعداد النجاسات

تبصرة: [ في نجاسة البول والغائط مما لا يؤكل لحمه ]

الأول والثاني من النجاسات : البول والغائط مما لا يؤكل لحمه مما له نفس سائلة ، بلا خلاف فيه إلا فيما سيأتي.

وقد حكي الإجماع عليه مطلقا في كلام جماعة من الأصحاب ، وقد حكي الإجماع عليه عن الشيخ (1) وابن زهرة (2) والفاضلان (3) وغيرهم (4).

ويدلّ عليه بالنسبة إلى بول الإنسان وغائطه أخبار كثيرة.

والظاهر قيام الضرورة عليه.

وبالنسبة إلى بول السنّور وخرئه وغيره كالفأر غير واحد من الأخبار ، وبالنسبة إلى

ص: 409


1- الرسائل العشر : 171.
2- غنية النزوع : 40.
3- المعتبر 1 / 410 ، تحرير الأحكام 1 / 155.
4- كشف الرموز 1 / 107.

مطلق بول ما لا يؤكل لحمه صحيحة عبد اللّه بن سنان : « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (1).

ويؤيّده ما في غير واحد من الأخبار من أنّ ما يؤكل لحمه فبوله وروثه طاهر لإشعاره بنجاستهما (2) مما لا يؤكل لحمه.

وقد يدلّ جملة من الأخبار على نجاسة العذرة. وفي دلالتها على حكم غير عذرة الإنسان إشكال ، وإن أطلقت في بعض الأخبار على عذرة غير الإنسان أو هي في أصل وضعها اسم لفناء الدار.

وقد أطلقت على الغائط تسمية له باسم محله حتى وصل إلى حدّ الحقيقة على نحو لفظ الغائط.

وحينئذ فشموله لغير ما للإنسان مبني على التسرية فيه من ذلك إلى مطلق الغائط ، فوصوله إذن إلى حد الحقيقة كذلك غير معلوم ، ومعه لا يتمّ الاستدلال.

وكيف كان ، فالإجماع المعلوم والمنقول في غير ما سنذكر الخلاف فيه كاف في الحجة عليه سيّما مع اعتضاده بما ذكرنا.

هذا ، وقد وقع الخلاف في المقام في امور :

أحدها : بول الطير وخرئه. والمعروف بين الأصحاب عدم الفرق بينه وبين غيره. وعن الغنية (3) الإجماع على نجاسة خرء وبول مطلق الجلّال.

وعن العلامة في التذكرة (4) وبعض المتأخرين نفي الخلاف في إلحاق الجلّال من كل حيوان ، والموطوء بغير المأكول في نجاسة البول والعذرة ، فذهب في المبسوط (5) إلى القول

ص: 410


1- الكافي 3 / 57 ، باب أبوال الدواب وأرواثها ، ح 3.
2- في ( د ) : « بنجاستها ».
3- غنية النزوع : 40.
4- تذكرة الفقهاء 1 / 51.
5- المبسوط 6 / 282.

بالنجاسة فيهما. وعزاه إلى جمهور الأصحاب.

وحكاية الشهرة عليه مستفيضة بين الأصحاب ، ويشمله عدة من الإجماعات المحكيّة.

وعن العماني والجعفي والشيخ في النهاية (1) القول بالطهارة فيه مطلقا.

واختاره في المبسوط (2) أيضا إلا أنه استثنى منه الخشاف.

حجة الأول إطلاق صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة ، مع اعتضادها بالشهرة العظيمة وظواهر الأخبار المتقدمة.

وفي رواية المختلف (3) المنقولة عن كتاب عمار ، عن الصادق عليه السلام : « خرء الخطاف لا بأس به هو ممّا يؤكل لحمه .. » (4) الخبر. وفيها إشعار بأن العلة في نفي البأس عنه هو أكل لحمه ، فيفيد ذلك حصول البأس لولاه مع كونه طائرا. مضافا إلى خصوص الرواية الدالّة على خصوص (5) نجاسة بول الخفاش مع كونه طائرا.

والفرق بينه وبين غيره ضعيف ؛ إذ لا قائل به سوى الشيخ كما ستعرف والقول بأن الصحيحة المذكورة واردة في الأبوال فلا يدلّ على حكم الأرواث ، وأن الطائر لا يتحقق له بول في الغالب مدفوع بقيام الإجماع ظاهرا (6) على عدم الفرق بينهما.

وعن السيد (7) والشهيد الثاني (8) وصاحبي المدارك (9) والذخيرة (10) الإجماع على عدم الفرق بين الأرواث والأبوال.

ص: 411


1- النهاية : 266.
2- المبسوط 1 / 39.
3- مختلف الشيعة 8 / 291.
4- عوالي اللئالي 3 / 469.
5- ليس في ( د ) : « خصوص ».
6- في ( ب ) : « ظاهر ».
7- الناصريات : 86.
8- الروضة البهية 7 / 324.
9- انظر مدارك الأحكام 2 / 261.
10- ذخيرة المعاد 1 / 145.

ومنه يظهر اندفاع الأخير ؛ إذ عدم تحقق البول له بعد تحقق الإجماع المذكور لا يوجب ردّ الاستدلال أو نقول : إن بول غير ما يؤكل لحمه نجس ، فروثه كذلك وإن لم يكن الروث من صاحب البول.

على أن الظاهر حصول البول للطائر في الجملة كما هو معروف في الخفاش.

وقد دلّ عليه النصّ حجة القول الثاني موثقة أبي بصير : « كلّ شي ء يطير فلا بأس بخرئه وبوله » (1).

وقد رواه في البحار (2) ، وجاء بخطّ الجبعي نقلا عن جامع البزنطي ، عن أبي بصير.

والقول بمعارضته للصحيحة المتقدمة مدفوع بأن عمومها أصرح من الصحيحة ، فهي أقوى بحسب الدلالة ، ولو سلّم تكافؤها بحسب الدلالة فقضية الأصل في ذلك الرجوع إلى أصالة الطهارة وهي كاف في المقام.

ويضعّفه اطراح الرواية بين الأصحاب ، وإعراض المعظم عن العمل بها.

وفي التذكرة (3) : إنّ أحدا لم يعمل بها.

وقد رماها الحلي في السرائر (4) إلى الشذوذ ، وقال : إنه لا يعوّل عليها. والمحقّق عند محقّقي أصحابنا والمحصّلين منهم خلاف هذه الرواية ؛ لأنه هو الذي يقتضيه أخبارهم التي أجمع عليها.

وقد يظهر منه وجود أخبار دالّة على النجاسة فيها إلا أن يقال بأن مقصوده بذلك الإطلاق المذكور المؤيّد بظواهر غيرها من الأخبار المذكورة.

نعم ، ذكر في الروض (5) أن روايات التنجيس في الطير (6) أكثر. وهو ظاهر في وجود

ص: 412


1- الكافي 3 / 58 ، باب أبوال الدواب وأرواثها ، ح 9.
2- بحار الأنوار 77 / 110.
3- تذكرة الفقهاء 1 / 49.
4- السرائر 1 / 80.
5- الروض : 162.
6- في ( ب ) و ( د ) : « الطيور ».

روايات خاصة دالّة. ولم نظفر (1) بها.

وكيف كان ، فبملاحظة ذلك مع موافقة الأول للاحتياط وكثرة الأخبار الدالّة عليه وشذوذ الخبر المذكور لتفرد أبي بصير بنقله (2) وعدم إشعار شي ء من الأخبار بما يوافق مضمونه [ ... ] (3).

ص: 413


1- في ( ألف ) : « يظفر ».
2- في ( ألف ) : « منقلبة ».
3- العبارة ناقصة ، فتدبّر.
تبصرة: [ في نجاسة الدم ]
اشارة

الرابع من النجاسات : الدم من كل حيوان ذي نفس سائلة سواء كان مسفوحا من العرق أو خارقا بالرشح ، قليلا كان أو كثيرا ، بلا خلاف ظاهر بين الأصحاب سوى ما يحكى عن الإسكافي (1) من القول بطهارة ما يكون سعته دون سعة الدرهم الذي سعته كعقد الإبهام الأعلى. وعبارته المحكيّة عنه غير صريحة في حكمه بالطهارة.

وإنما تفيد عدم تخصيصه الثوب مع تعميمه الحكم لسائر النجاسات سوى المني ودم الحيض ، فإنّ قليلهما وكثيرهما سواء.

وقد يحكى عن الصدوق الحكم بطهارة ما دون الحمّصة مما عدا دم الحيض. وعبارته أيضا غير دالّة عليه ، وإنما تفيد عدم وجوب غسله.

وكأنه عبّر بذلك عن مسألة العفو عما دون الدرهم.

وكيف كان ، فهما شاذّان ضعيفان لو ثبت القول بهما.

ويدلّ على الحكم بعد الإجماعات المحكية ظواهر جملة من الإطلاقات ، ويستثنى منه الدم المتخلّف فيما يؤكل لحمه من الذبيحة بعد القذف المعتاد.

وقد نصّ على طهارته جماعة من الأصحاب.

وفي البحار (2) : الظاهر أنه حلال طاهر بغير خلاف يعرف.

وفي الحدائق (3) : إن عليهما اتفاق الاصحاب من غير خلاف ينقل.

ص: 414


1- نقله عنه في المعتبر 1 / 420.
2- بحار الأنوار 77 / 86 ، باب نجاسة الدم وأقسامه وأحكامه ، ذيل ح 2.
3- الحدائق الناضرة 5 / 45.

ويدلّ عليه بعد الإجماع ظاهرا ، ظاهر الآية الشريفة : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ) (1).

وقيام السيرة القاطعة على عدم التحرز عنه ، مضافا إلى ما فيه من الحرج والعسر ، فالحكم بالحلّ والطهارة في المتخلف في اللحم مما لا شبهة فيه.

وفي جريانه في المتخلف في البطن والكبد والعروق والقلب وجهان ، أقواهما ذلك كما هو ظاهر إطلاقاتهم ؛ لظاهر الآية الشريفة. والظاهر جريان السيرة في كثير منها.

وقد نصّ المحقق الكركي (2) والشهيد الثاني (3) على عدم الفرق بين المتخلف في خلال (4) اللحم والمتخلف في البطن والعروق. وقد يظهر من ذلك تأمّله في إلحاق المتخلف في القلب والكبد حيث قال : إن فيه وجهين.

وربما يتوهم من جماعة منهم الفاضل (5) والشهيدان (6) (7) في بعض كتبهما القول بعدم الإلحاق حيث استثنيا (8) المتخلف في تضاعيف اللحم خاصّة ، ولم يذكروا غيره. وكأنهم أرادوا بذلك المتخلف في مطلق الذبيحة كما عبّر به غيرهم.

[ تنبيهات ]

هاهنا (9) امور ينبغي الإشارة إليها :

ص: 415


1- الأنعام : 145.
2- جامع المقاصد 1 / 163.
3- الروضة البهية 329.
4- في ( ألف ) : « حلال ».
5- نهاية الإحكام 1 / 269.
6- الدروس 2 / 172.
7- مسالك الإفهام 12 / 78.
8- في ( ب ) : « استثناء ».
9- في ( د ) : « وهاهنا ».

أحدها : في المتخلف في الذبيحة التي لا يؤكل لحمه وجهان. وقد حكى عدة من الأصحاب منهم العلامة المجلسي (1) أن ظاهر الأصحاب الحكم بنجاسته.

وحكى في المعالم عن بعض مشايخه التردد فيه ، ثم الميل إلى النجاسة.

واحتملهما في كشف اللثام (2).

وظاهر إطلاق الجماعة من الأصحاب منهم ابن زهرة (3) والمحقق (4) والعلامة (5) في عدة من كتبه والشهيد (6) وابن فهد (7) ، وعدم الفرق بين مأكول اللحم وغيره.

وقد اختلفوا في جواز استعمال جلده قبل الدبغ على أقوال. وكأنه يبني الخلاف على ذلك ؛ لعدم خلوّ الجلد عن أجزاء من الدم.

وقد حكي أشهريّة القول بالجواز هناك. وقد يومي ذلك إلى طهارة الدم المتخلف فيه ، ( وقضية الأصل في المقام لما عرفت من إطلاق عدة من الأخبار المعتضد بظاهر الإجماعات المحكيّة هو القول بالنجاسة ، والقول بجواز استعمال الجلد قبل الدباغ لا يستلزم القول بطهارة الدم المتخلف فيه ) (8) لعدم العلم بحصول شي ء فيه ، ومعه فيمكن إزالته بغير الدفع ، فالقول بالمنع لا يخلو عن قوة إلّا أن المسألة محلّ إشكال.

ثانيها : في الحكم بطهارة المتخلف في الأجزاء المحرمة (9) عن المحلل إشكال ، والأظهر فيه الطهارة وإن لم يشمله ظاهر الآية المذكورة ؛ إذ الظاهر حرمته تبعا لما فيه ؛ أخذا بالأصل مع

ص: 416


1- بحار الأنوار 62 / 102.
2- كشف اللثام 1 / 407.
3- انظر غنية النزوع : 40.
4- المعتبر 1 / 419.
5- انظر تذكرة الفقهاء 1 / 63.
6- الدروس 1 / 123.
7- المهذب البارع 1 / 233.
8- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
9- في ( ألف ) : « الحرمة ».

عدم وضوح شمول أدلة النجاسة لمثله ، مضافا إلى السيرة في كثير من تلك الأجزاء بعدم التحرز ، ولم يعهد في الروايات ورود منع فيه مع عموم الابتلاء به.

ثالثها : لو حبس دم الذبيحة من (1) الخروج حتى مات كان الدم المتخلف فيه نجسا. وحينئذ فيتوقف جواز أكله على غسله وإخراج ذلك الدم عن سائر أعضائه ، ولا يكتفي بمجرد غسل عروقه أو اطراحها لانبساط (2) الدم (3) ، في جميع أجزاء اللحم وعدم العلم بخروجها.

وقد يحكم بأصالة (4) الطهارة في كل عضو لم يعلم اشتمالها على الدم إلا أنه يعارضه استصحاب النقاء.

ولو كانت تذكية عند موته فلم يخرج منه إلا يسير من الدم ففي طهارة المتخلف وجهان.

رابعها : المعروف نجاسة العلقة (5).

ص: 417


1- في ( د ) : « عن ».
2- في ( د ) : « لانبثاث » ، وفي ( ب ) : « الانبساط ».
3- هنا زيادة الواو في ( ألف ).
4- في ( ألف ) : « أصالة ».
5- إلى هنا كلام المصنف قدس سره ، والظاهر - بل المتيقّن - أنه ناقص ؛ إذ لم يبحث عنه ولم يدخل في الفروع والأقوال كما هي عادته ، ولم يذكر أيضا أعداد النجاسات برمّتها.
تبصرة: *في نجاسة الكافر وأقسامه*

الثامن من النجاسات : الكافر بأقسامه.

ولا خلاف بين الأصحاب بل الأمّة في نجاسته في الجملة.

ويدلّ عليه بعد الإجماع : الكتاب والأخبار المستفيضة والسيرة القاطعة.

نعم ، هناك خلاف ضعيف في خصوص أهل الكتاب حيث ذهب شذوذ من الأصحاب إلى طهارتهم. ويعزى ذلك إلى الإسكافي والعماني والمفيد في أحد قوليه.

وربّما ينسب إلى الشيخ في النهاية.

وفي دلالة كلامه عليه بحث ، والأظهر عدم دلالته عليه. ولو دلّ عبارته هناك على الطهارة لدلّ على طهارة سائر الكفار ؛ إذ ليس في كلامه ذكر لخصوص أهل الكتاب. وقد نصّ قبل تلك العبارة بنجاسة الكفار على اختلاف مللهم ، بل في دلالة عبارة المفيد عليه تأمل. وكذا في عبارة العماني.

وربما يتأمل أيضا في عبارة الإسكافي ؛ إذ (1) مدلول كلامه حلّية ذبائح أهل الكتاب ، وما صنع في أواني مستحلّي الميتة ومواكلتهم ، فإن دلّ ذلك على الطهارة لدلّ على طهارة غير أهل الكتاب أيضا. ولا قائل به ظاهرا.

وكيف كان ، فالقول بطهرهم من الوهن بمكان ؛ لقيام الأدلّة الظاهرة على نجاستهم ، منها قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (2).

والمناقشة فيها بأن « النجس » مصدر لا يحمل على الذات إلا بتقدير كلمة « ذو » ، فلا

ص: 418


1- في ( د ) : « أو ».
2- التوبة : 28.

يقيّد النجاسة العينية ؛ لاحتمال إرادة العارضية كما هو الغالب من مزاولتهم للنجاسة ، وأن النجاسة لم يثبت لها حقيقة شرعية فليحمل على معناها اللغوي الذي هو مطلق القذارة ، وأنها لا تشمل أهل الكتاب ؛ لعدم اندراجهم في المشركين بيّن الاندفاع ؛ لعدم إمكان حمل المصدر على الذات بطريق الحقيقة.

وأما على سبيل المبالغة فلا مانع ، وهو مقدّم على المعنى المذكور إلا بمقتضى فهم العرف ، ومع الغضّ عنه فيحمل على النجس ليكون المصدر بمعنى الفاعل ، فيدلّ إذن على النجاسة العينيّة كما هو (1) مفاد العبارة.

بل مع حمله على المعنى المذكور لا يبعد دلالته على النجاسة العينيّة سيّما بملاحظة عموم المشركين ، وإن المناسب للمقام هو النجاسة الشرعية ، فيقدم على اللغوية ، ولو قلنا بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية ، ومع القول بها فلا بحث.

وإن ظاهر قوله تعالى : ( وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ ) (2) إلى قوله ( سُبْحانَهُ : عَمّا يُشْرِكُونَ ) (3) قاض بكون اليهود الّذين هم أقرب من سائر أهل الكتاب إلى التوحيد مشركين فكيف غيرهم.

ومع الغضّ عنه فلا شكّ في شرك غيرهم ؛ لقول النصارى بالأقانيم الثلاثة والمجوس بالنور والظلمة.

ومنها : الإجماع المعلوم من ملاحظة فتاواهم وجريان السيرة المستمرة عليه حتى صار من شعار الشيعة يعرفون عند أهل الخلاف.

ومنها : الروايات المستفيضة ، مضافا إلى الإجماعات المنقولة عليه حدّ الاستفاضة قد حكاه جماعة منهم السيد (4) والشيخ (5) وابن زهرة (6) والعلامة (7) في جملة من كتبه وغيرهم.

ص: 419


1- في ( د ) زيادة : « ظاهر ».
2- التوبة : 30.
3- التوبة : 31.
4- الناصريات : 84.
5- انظر الخلاف 1 / 70.
6- غنية النزوع : 44.
7- تذكرة الفقهاء 1 / 67.

ومنها : الروايات المستفيضة الكثيرة القريبة من التواتر. وهي مذكورة في كتب الأخبار.

وما يورد عليها من معارضتها بما دلّ على الطهارة من مستفيضة اخرى فليحمل على الكراهة واضح الفساد ؛ إذ مع بعد الحمل المذكور لا داعي إليه مع موافقة تلك الروايات لمذاهب العامة ، بل وما أطبق عليه أئمّتهم ، مضافا إلى مخالفتها لظاهر الكتاب واطراحها بين الأصحاب.

حجة الجواز بعد الأصل قوله تعالى : ( وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ ) (1) الشامل لما باشروه بالرطوبة كما هو الغالب في المطعومات القريبة من الفعل ، بل هو الذي ينبغي أن يراد من الآية ؛ إذ حلّية غير ما باشروه بالرطوبة مما لا كلام فيه ، ويتساوى فيه أهل الكتاب وسائر الكفار وظواهر كثير من الأخبار.

ويرد على الجميع أنه لا يعوّل على الأصل بعد (2) قيام الدليل ، والمراد بالطعام في الآية الشريفة هو الحبوب أو ما أشبهها [ على حدّ ] (3) تعبيره بذلك في روايات أهل البيت عليهم السلام.

وعن جماعة من أهل اللغة تخصيصه بالحنطة ونحوها من الحبوب.

وحكى في المجمل (4) عن بعض أهل اللغة (5) أن الطعام البر خاصة ، وهو من الإطلاقات الشائعة له في العرف. ومع تسليم إطلاق الآية الشريفة فلا مزيد (6) على الإطلاق ، فيقيّد بما

ص: 420


1- المائدة : 5.
2- في ( ألف ) : « بعدم ».
3- الزيادة منّا لإصلاح العبارة.
4- نقل عنه العلامة في منتهى المطلب 1 / 168.
5- كتاب العين 2 / 25.
6- في ( د ) : « يزيد ».

دلّ على التقييد.

وما ذكر من أن الظاهر من المقام حلّية ما باشروه بالرطوبة - إذ لا إشكال في غيره - يدفعه عدم اختصاص توهم الحرمة من جهة النجاسة أو أنه بيان للحكم وإن كان معلوما بأدلة اخرى أيضا.

وأما الأخبار فقد عرفت الحال فيها أيضا.

ص: 421

تبصرة: [ في حكم سائر الكفّار ]

يثبت حكم النجاسة لسائر الكفار سواء كان كفرهم لكلّ (1) الأصول أو بعضها ، إما لعدم تصورها من رأس كما إذا كان في مواضع لم يتّفق له سماع شي ء من الأديان أو مع التردد فيها أو الظنّ بها على وجه أو الظنّ بخلافها أو اليقين من الدليل والتقليد أو غيرهما أو عدم الايمان وإن كان قاطعا [ .. ] (2) الدرهم أو زائدا عليه ؛ لثبوت حكم العفو بالنسبة إلى الدم.

ففرض المسألة في خصوص كون الملاقي ما دون الدرهم ليس على ما ينبغي ، والأولى أن يقال بحصول العفو ، والحديث (3) بالنسبة إلى الملاقى مطلق.

والظاهر أنهم لا يقولون به.

هذا ، ولا يذهب عليك أنه لو نجس الثوب أو البدن بالدم جرى في فعله حكم الدرهم قطعا ؛ لثبوت العفو مع وجوده ، فمع زواله (4) وجهان ، واستقرب في الدروس ؛ إذ تخفيف النجاسة لا يوجب الشديد في الحكم وهو ظاهر.

رابعها (5) : لو اشتبه الدم المعفوّ بغيره فهل يجري عليه حكم العفو أو لا؟ وجهان. واستقرب في الدروس (6) ذلك. وهو ظاهر المعالم.

ص: 422


1- في ( د ) : « لجهل ».
2- هنا في ( د ) مكتوب : « بياض في الأصل ». ولم يوجد في النسختين الأخريين أيضا.
3- في ( د ) : « حينئذ ».
4- في ( د ) زيادة : « أولى ».
5- في ( د ) : « سابعها ».
6- الدروس 1 / 124.

وبه نصّ في الحدائق (1) في بحث النجاسات ؛ إذ الأصل فيما يدور بين ما يجوز لبسه وما لا يجوز هو الجواز كما إذا اشترى جلدا ودار الأمر بين كونه ميتة أو مذكّاة ، وقد نصّ الإمام عليه السلام : « إن كلّ شي ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه » (2).

وربما يقال بالعدم ؛ أخذا بالاحتياط وأصالة الشغل حتى يتبيّن الفراغ ، وأن الأصل عدم العفو للإطلاقات الدالة عليه ، فينبغي الاقتصار على القدر المعلوم.

وقد يفصّل بين ما إذا دار بين محصورين مثلا أحدهما الدم المعفو والآخر غيره ، فعلم بكونه أحد الدمين ودار الأمر بين الأمرين ، فلا يقدح تنزيلا للشبهة المحصورة منزلة العلم كما في نظائره ، وما إذا كان هناك دم ولم يعلم أنه من أيّ القسمين ، من غير أن يكون دائرا بين المحصور.

وإليه ذهب في الحدائق (3) عند بيان أحكام النجاسات. وقد يقرب الوجه الأول بأصالة عدم التغليظ (4) واستصحاب جواز الصلاة في البدن أو الثوب الحاصل فيه ، وما ذكر من أصالة عدم العفو إنما يجري فيما يشكّ فيه من جهة حكم الأصل.

وأما بالنسبة إلى الموضوع بعد وضوح الحكم فلا ؛ إذ لا يوجب ذلك زيادة في التخصيص (5).

نعم ، إن قرّر من الشارع أصل في مجهول الحال كما قرّره في الماء جرى في المقام ، وما ذكر من أصالة الشغل معارض بقيام الدليل الشرعي على الجواز.

ومن ذلك يظهر قوّة الوجه الأول إلا أن المسألة لا يخلو من (6) خفاء ، ومراعاة الاحتياط فيها سيّما بالنسبة إلى المحصور مما لا ينبغي تركها.

ص: 423


1- الحدائق الناضرة 5 / 323.
2- الكافي 6 / 339 ، باب الجبن ، ح 2.
3- الحدائق الناضرة 5 / 324.
4- في ( د ) : « تعليظ » ، وفي ( ب ) : « التعليط ».
5- في ( ألف ) : « التحقيق ».
6- في ( د ) : « لا تخلو عن ».
تبصرة: [ فيما يعفى عنه نجاسته ]

مما يعفى عنه نجاسته : كل ما لا تتمّ الصلاة فيه منفردا من اللباس. وهو في الجملة مما لا خلاف فيه بين الطائفة.

وحكاية الإجماع عليه مطلقا (1) مستفيضة قد حكاه في الانتصار والخلاف (2) والسرائر (3).

وعزاه في التذكرة (4) إلى علمائنا.

وفي المختلف (5) والمدارك (6) إلى الأصحاب ، وفي الذخيرة (7) وغيره : لا نعلم في أصل الحكم خلافا.

وعن الراوندي (8) حكاية الإجماع على امور خمسة بالخصوص ، وهي القلنسوة والتكة والجورب والخفّ والنعل.

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك النصوص المستفيضة كصحيحة حماد بن عثمان ، عمّن رواه ، عن الصادق عليه السلام : في الرجل يصلي في الخفّ الذي قد أصابه قذر. قال عليه السلام : « إذا كان مما لا تتمّ

ص: 424


1- في ( ب ) : « مطلق ».
2- الخلاف 1 / 480.
3- السرائر 1 / 184.
4- تذكرة الفقهاء 1 / 96.
5- المختلف 1 / 484.
6- مدارك الأحكام 2 / 320.
7- ذخيرة المعاد 1 / 160.
8- نقله عنه في مفتاح الكرامة 2 / 123.

الصلاة فيه فلا بأس » (1).

ومرسلة عبد اللّه بن سنان ، عن الصادق عليه السلام : « كلما كان على الإنسان أو معه مما لا يجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة (2) أن يصلّى فيه ، وإن كان قد قذر مثل القلنسوة والتكة والكمرة والنعل والخفّين وما أشبه ذلك » (3).

وفي مرسلة اخرى : « لا بأس بالصلاة في الشي ء الذي لا يجوز الصلاة فيه وحده فيصيبه القذر مثل القلنسوة والتكّة والجورب » (4).

إلى غير ذلك من الأخبار ، وما كان فيها من ضعف في الإسناد فينجبر باعتضاد بعضها ببعض ، وبعمل الأصحاب كما عرفت. فالحكم في المسألة مما لا ريب فيه.

إنما الكلام في المقام في امور :

أحدها : المعروف تعميم الحكم لكلّ الملابس كما هو قضية عموم الأخبار. وعن الراوندي تخصيصه بالخمسة المتقدمة.

وهو ضعيف بعد دلالة الأخبار وفتاوى الأصحاب والإجماعات المطلقة المحكية.

مضافا إلى أن الظاهر من الأخبار أن المناط فيه عدم إتمام الصلاة فيه ، وهو جار في الجميع ، مضافا إلى التصريح بالتعليل في الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السلام قال : « إن أصاب قلنسوتك أو عمامتك أو التكة والجورب أو الخف شي ء أو بول أو دم أو غائط فلا بأس بالصلاة فيه ، وذلك أن الصلاة لا تتم في شي ء من هذه وحده » (5).

حجّة الراوندي إجماع على الخمسة دون البواقي ، فيبنى فيها على الأصل.

وضعفه ظاهر مما عرفت.

ص: 425


1- تهذيب الأحكام 1 / 274.
2- ليس في ( د ) : « بالصلاة ».
3- تهذيب الأحكام 1 / 275.
4- تهذيب الأحكام 2 / 358.
5- فقه الرضا عليه السلام : 95.

ثم إن المشهور عدم التفاوت في ذلك بين الأحوال. وخصّه العلامة في عدّة من كتبه كالمنتهى (1) والتذكرة (2) والتحرير (3) ، والشهيد في البيان (4) ، وابن فهد في الموجز بما إذا كانت في محالّها.

ولم نعرف مستندهم في ذلك ، وكأنه لحمل الإطلاقات على المتعارف ، وهو ما إذا كانت تلك الأمور في محالّها المعدّة لها ، فيبقى غيرها مندرجا تحت الأصل.

وضعفه ظاهر ، وإطلاق الروايات وجعل المناط فيه عدم تمامية الصلاة ، مضافا إلى أن حمل النجاسة لا مانع منه مطلقا كما سيجي ء الإشارة إليه.

قيل : ومن يسري الحكم إلى غير الملبوس لا يشرط (5) الكون في المحال.

قلت : لا ملازمة بين الأمرين فإن كان هناك اتفاق فاتفاق.

ثانيها : المراد بما لا يتم (6) الصلاة فيه ما لا تتم فيه مع بقائه على حاله ، فلو أمكن الصلاة فيه بعلاج كما إذا كان طويلا وأمكن وضع طوله على عرضه ليمكن الصلاة فيه لم يثبت فيه المنع قبل خيطه (7) كذلك ؛ أخذا بإطلاق الأخبار.

وكذا ما احتاج إلى شدّه بشي ء خارج عنه ، وأما إن كان معه فلا ، كالحبل المتصل به.

ولو كان هناك امور لا تتم الصلاة في كلّ منها وتتم في الجميع فهل يجري الحكم المذكور في الجميع ، لعدم تمامية الصلاة في كل منها بالخصوص أو لا؟ وجهان ، أوجههما الأول وإن فرض حصول الستر (8) بها في الصلاة.

ص: 426


1- منتهى المطلب 3 / 260.
2- تذكرة الفقهاء 2 / 482.
3- تحرير الأحكام 1 / 159.
4- البيان : 42.
5- في ( ب ) : « لا يشترط ».
6- في ( د ) : « لا تتم ».
7- في ( ألف ) : « خطّه ».
8- في ( ب ) : « النشر ».

ولو ضمّ بعضها إلى البعض بحيث صار الجميع شيئا واحدا جرى حكم المنع.

ثمّ (1) إن المقصود بما لا تتمّ الصلاة فيه ما كان كذلك لصغره ، وأما ما لا تتم الصلاة من جهة حياكته (2) دون صغره فلا يجري فيه الحكم. وقد نبّه عليه بعض الأفاضل.

ثالثها : قد عدّ الصدوق (3) رحمه اللّه من جملة ذلك العمامة ، ووجّه ذلك تارة بأنها على حالها مما لا تتم الصلاة فيه. وقد عرفت أنه المناط في ذلك.

واخرى بأنها غير داخل في اسم الثوب ، وقد قامت الأدلة على اعتبار الطهارة في خصوص البدن والثوب ، ولا دليل على اعتبارها في غيرهما.

وقد احتمل في المدارك (4) على عدم حصول المنع من جهتها نظرا إلى الوجه المذكور.

ولا يخفى ضعف كلّ من الوجهين المذكورين ؛ إذ مجرد طي الثوب لا يجعله مما لا تتم الصلاة فيه مع سعته في نفسه ، وإلا لجرى في غير العمامة أيضا.

وهو واضح الفساد ، وإن لفظ « الثوب » كما يشمل المنشور كذا يشمل المطويّ أيضا بلا فرق ، فالتأمل في اندراجه في الثوب بعد صدقه عليه في العرف مما لا وجه له.

على أن اندراجه في اللباس كاف فيه ، وهو مما لا شكّ فيه.

نعم ، قد دلّ على اندراج العمامة في ذلك رواية الفقه المذكورة. وكأنّها مستند الصدوق ، وهي لضعفها ومخالفتها لسائر الأخبار وكلام الأصحاب لا ينهض حجة على ذلك. وقد تحمل كعبارة الصدوق رحمه اللّه على خصوص العمامة التي لا تتم الصلاة فيها.

ص: 427


1- زيادة : « ثم » من ( د ).
2- في ( د ) : « حكايته ».
3- الهداية : 73.
4- مدارك الأحكام 2 / 320.
تبصرة: [ في نجاسة ثوب المرأة المربّية ]
اشارة

من جملة ما يعفى عنه في الصلاة نجاسة ثوب المرأة المربية للصبيّ ذات الثوب الواحد بالنسبة إلى بوله إذا غسلته في النهار مرة واحدة ، على المعروف من المذهب بلا خلاف (1) يعرف ؛ لخبر أبي حفص ، عن الصادق عليه السلام ، قال : سئل عن امرأة ليس لها على قميص ولها (2) مولود فيبول عليها ، كيف تصنع؟ قال : « تغسل القميص في يوم (3) مرة » (4).

مضافا إلى اعتضاد ذلك بما دلّ على أن هذه الشريعة سمحة سهلة لا حرج فيها ولا مشقّة.

وضعف الرواية منجبر بعمل الطائفة حيث لا يعرف رادّ لها في الفرقة ، فمناقشة صاحبي المدارك (5) والمعالم في الحكم - نظرا إلى ضعف الخبر وتقوية البناء على مقتضى الأصل من دوران الحكم مدار الحرج والمشقة الشديدة - ليس على ما ينبغي.

ثم لا يخفى أن قضية الأصل في المقام عدم البناء على العفو (6) إلا فيما قام الدليل عليه ، ومقتضى الرواية المذكورة المعتضدة بالعمل هو ثبوت العفو بالنسبة إلى صاحبة (7) الثوب الواحد المربية للصبي الواحد عن نجاسة خصوص الثوب لخصوص بول الصبي ، ففي تسرية

ص: 428


1- في ( د ) زيادة : « فيه ».
2- في ( د ) : « ليس لها إلا قميص لها ».
3- في ( د ) : « اليوم ».
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 70.
5- مدارك الأحكام 3 / 355.
6- في ( ألف ) : « العضو ».
7- في ( د ) : « صاحب ».

الحكم إلى المربي للصبي أو المربية للصبي أو الصبية إشكال. وقضية الأصل كما عرفت الاقتصار.

وعن العلامة في المنتهى (1) والنهاية (2) والشهيد (3) في عدّة من كتبه تسرية الحكم إلى المربي أيضا للاشتراك في العلة.

ونصّ في المدارك (4) على خلافه. وهو الموافق للأصل كما عرفت.

ونصّ جماعة من الأصحاب بجريان الحكم في المربية للصبية ، وحكاه في المعالم عن الشهيدين وأكثر المتأخرين. وبه قطع في المدارك.

وظاهر النهاية اختصاص الحكم بالصبي اقتصارا في الرخصة على المنصوص مع حصول الفرق ؛ إذ بول الصبي كالماء وبول الصبية أصفر ثخين ، وطبعها آخر.

وقد يستدل على الشمول بإطلاق الخبر المذكور للتعبير فيه بلفظ المولود الشامل للصنفين.

وفيه : أن من الظاهر أن لفظ المذكور ليس مما يستوي فيه التذكير والتأنيث ليشمل الأمرين ؛ لشموله لهما مبني على أخذ الموصوف ( خاليا عن التأنيث شاملا للقسمين ، وهو غير متعين ؛ إذ كما يمكن كذلك يجوز أن يكون الموصوف ) (5) فيه خصوص الصبي ، مضافا إلى أنه يدّعى ظهوره في ذلك ، فقد حكي في المعالم عن بعض الأصحاب أن المتبادر من المولود هو الصبي. ثم قال : ولا يخلو عن قرب.

وذهب الشهيدان (6) إلى جريان الحكم في مربية الصبي ؛ للاشتراك في العلة وزيادة المشقة.

ص: 429


1- انظر منتهى المطلب 3 / 271.
2- النهاية الإحكام 1 / 288.
3- البيان : 41 ، الدروس 1 / 127 ، الذكرى 1 / 139.
4- مدارك الأحكام 2 / 355.
5- ما بين الهلالين وردت في ( د ) فقط.
6- الدروس 1 / 127 ، الروضة البهية 1 / 525 ، مسالك الأفهام 1 / 127.

وكلام الشهيد الثاني في الروض (1) يومي إلى التوقف.

والأوفق بالأصل ما ذكرناه من الاقتصار ؛ لزيادة النجاسة مع التعدد (2) المنافية للتخفيف ، وظاهر الشهيد (3) تسرية الحكم إلى الغائط أيضا. قال : ربما كنّي عن الغائط بالبول كما هو قاعدة العرب في ارتكاب الكناية فيما يستهجن.

ويضعّفه أن جواز الكناية المذكورة لا يوجب الخروج عن الظاهر والحمل عليه ، ولا شاهد على التسرية من تنقيح مناط ولا غيره ؛ لوضوح الفرق بين الأمرين.

تعبير التحرير عن البول دون الغائط (4).

ولذا نصّ جماعة على عدم التعدية منهم الشهيد الثاني (5) وولده المحقق وسبطه السيد.

وعن بعض الأفاضل إجراء الحكم بالنسبة إلى البدن أيضا ؛ نظرا إلى عسر الاحتراز عن الثوب النجس ، ولزوم المشقة في غسل البدن كل وقت.

وهو ظاهر الوهن ؛ للفرق البيّن بين الثوب والبدن في سهولته (6) ويبسه وغيرهما ، فلا وجه للتسرية.

وقد نصّ جماعة من الأفاضل على اختصاص الحكم بالثوب.

[ تنبيهات ]

وهاهنا امور ينبغي الإشارة إليها :

منها : أنه لو كان له ما يزيد على الثوب الواحد ولم يحتج في اللبس إلى الجميع فلا تأمل في عدم جريان العفو ؛ لإمكان الإبدال.

ص: 430


1- روض الجنان : 167.
2- في ( ألف ) : « التعذر ».
3- روض الجنان : 167.
4- كذا وردت في عبارة المصنف قدس سره.
5- مسالك الإفهام 1 / 128.
6- في ( ألف ) : « سهولة ».

ولو احتاجت إلى الجميع لبرد ونحوه فهل يجري على الجميع حكم الواحد؟ وجهان ؛ من الخروج عن مدلول النصّ ، وأنها في معنى المتّحد ، وقد نصّ غير واحد منهم على الأخير كالشهيد الثاني في الروض. وهو غير بعيد.

ومنها : أنها لو تمكنت من تحصيل الثوب الآخر بشراء أو استيجار أو نحوهما فهل يثبت لهما الرخصة المذكورة أو يجب عليها مراعاة الطهارة إما بغسل ثوبها أو تحصيل غيرها؟ وجهان.

واستقرب الأول في المعالم ، وحكى الثاني عن جماعة من المتأخرين. وظاهر النصّ يعطي الرخصة إلا أن الأحوط مراعاة الطهارة مع تحصيل الغير من غير مشقة أصلا.

ومنها : أن الظاهر الاكتفاء بغسله مرة مجموع الليل والنهار إما لشمول اليوم الليل (1) أو لإلحاق الليل به كما يعطيه سياق الكلام ، ( وإلّا لم يكتف في مقام البيان بمجرد الغسل في اليوم مرّة. والاقتصار عليه في مقام البيان أقوى شاهد على الاكتفاء بالنسبة إلى الليل أيضا.

وتوقّف فيه في الحدائق (2).

وليس في محله.

وهل تحتسب الليلة السابقة مع النهار أو اللاحقة أو يتخيّر بين الأمرين؟ وجوه.

ثمّ الظاهر إيقاع الغسل في النهار أخذا بظاهر الخبر. ويتساوى فيه أجزاؤه على ظاهر الرواية ، والأولى تأخير الصلاة وإيقاعه آخر النهار لتكون صلاته الأربع مع الطهارة ولا أقلّ من أخفّيّة النجاسة.

وقد صرّح جماعة من الأصحاب [ على ] أفضلية ذلك في شأنها.

ولو قضت العادة بنجاسة ثوبها مع فضلها بين الغسل في المقام مع أنّ بول الصبي الذي لم يفطم يكتفى فيه بالصبّ ، ففيما ذكر من الحكمين تدافع إلّا أن يقال باستثناء هذه الصورة من تلك القاعدة.

ص: 431


1- في ( د ) : « لليل ».
2- الحدائق الناضرة 5 / 345.

وربما يؤيّد ذلك بأن تكرار البول موجب لتشديد النجاسة ، ويكفي فيه الصب.

ويضعّفه أنّ مقتضى ما دلّ على الاكتفاء بالصبّ هناك عدم الفرق بين المتكرّر وغيره ، وكلمات الأصحاب أيضا قاضية بذلك ، فلا يمكن جعل ذلك فارقا في المقام ، فالأولى أن يجعل الحكم هنا مقيّدا بما دل على الاكتفاء بمجرد الصب في بول الرضيع ؛ إذ ليس المولود هنا مقيّدا بالرضيع.

إلّا أنّه قد يستشكل في دلالة الرواية على العفو بالنسبة إليه ؛ إذ غاية ما يدلّ عليه حصول العفو بالنسبة إلى من يثبت في بوله الغسل إلّا أن يدّعى الأولوية بالنسبة إليه.

وقد يقال بأنّ اعتبار الغسل قد يكون من جهة حصول العفو لما في الغسل من المبالغة في الإزالة بخلاف الصب ، فإنّه فان افاد التطهير إلّا أنّه لا يقضى بالعفو (1).

ذهب الشهيد (2) وجماعة من الأصحاب إلى العفو عن نجاسة ثوب الخصي الذي يتواتر بوله إذا غسل في النهار (3) مرّة للزوم الحرج بتكلفه بالغسل ، ولرواية عبد الرحمن القصير قال : كنت إلى أبي الحسن الأول عليه السلام أسأله عن خصيّ ببول فيلقى من ذلك شدّه وبري البلل فقال : « يتوضأ وينضح (4) ثوبه في النهار مرّة واحدة » (5).

ورواه الصدوق في الفقيه (6). فظاهره العمل بمضمونه ، وظاهر العلامة في التذكرة (7) عدم العمل بها.

وهو الذي اختاره جماعة من المتأخرين ؛ لضعف الرواية وعدم انطباقها على المقصود لذكر النضح ، وهو غير مطهر لبوله بالإجماع.

ص: 432


1- هنا فراغ في ( ب ) بمقدار كلمة.
2- الذكرى 1 / 139.
3- وفي المتن هكذا : « النها ».
4- وفي المتن هكذا : « يتضح ».
5- تهذيب الأحكام 1 / 424 ، باب تطهير البدن والثياب من النجاسات ، ح 22.
6- من لا يحضره الفقيه 1 / 75 ، باب ما ينجس الثوب والجسد من المياه المخرجة من الإنسان ، ح 168.
7- تذكرة الفقهاء 2 / 494.

وهذا هو الأظهر ، فيبنى فيه على ما تقتضيه القواعد الشرعية من مراعاة الطهارة على قدر الإمكان ما لم يكن فيه مشقّة شديدة وإلّا سقط.

وقد يحمل الرواية على عدم ثبوت كون البلل الحاصل بعد البلل يوما فينضح عليه من جهة الاحتمال أو يقال بكون النزح لرفع اليقين بخروج البلل ليحمل إذا وجد البلل أن يكون من النزح إلّا أنّه يبعّد ذلك اعتبار كونه في اليوم مرّة.

ص: 433

تبصرة: [ في نجاسة ملاقي الملاقي ]

كل واحد من النجاسات العينية تنجس ما يلاقيه مع الرطوبة فيها أو في ملاقيها كما هو معلوم ، ومستفاد من ملاحظة الروايات الواردة ، فإنّ معظم النجاسات إنّما يعلم بالأمر بالغسل ما يلاقيها فكأنّه جعل غسلا لملاقي من الأمور المساوية للنجاسة ، فالظاهر أنّ ذلك قاعدة مستفادة من الشرع معلومة من تتبع المقامات وإن لم ينص عليه بخصوصه في شي ء من الأخبار.

والظاهر أنّه مما لا خلاف فيه لأحد من الأصحاب.

وكذا الحال بالنسبة إلى المتنجسات ، فهي أيضا تنجّس كلما لاقته مع الرطوبه ، كما يستفاد من الأخبار الكثيرة وسنشير إلى جملة منها.

وقد وقع خلاف في المقام في أمرين :

أحدهما : فيما يلاقي جسد الميّت الآدمي بعد برده ، فإنّه ذهب الحلّي إلى وجوب غسل ما يلاقيه دون ما يلاقي ذلك الملاقي ؛ استنادا إلى أصالة الطهارة في ملاقي الملاقي أو ما دلّ الدليل عليه ، وهو وجوب غسل الملاقي لجسد الميّت دون الملاقي له ) (1).

وذهب العلامة (2) إلى مثل ذلك بالنسبة إلى ملاقي جسد الميت بيبوسة ، فأوجب غسله دون غسل ملاقيه ولو لاقاه برطوبة.

وفيه : أنه إن استند في نجاسة الملاقي لجسد الميت أو مطلق بما دلّ من الأخبار على لزوم

ص: 434


1- ما بين الهلالين من قوله « وإلا لم يكتف في مقام .. » إلى هنا لم ينقل إلا في ( ب ).
2- تذكرة الفقهاء 2 / 132.

غسله لزم القول بسرايته (1) منه إلى غيره على حدّ سائر الأمور المتنجسة ، فلا وجه لاستناده في طهارة ما يلاقي ذلك الملاقى إلى أصالة الطهارة.

نعم ، قد يقال بأنه غير قائل إذن بنجاسة الملاقي لبدن الميت إلا أنّه يحكم بلزوم غسله لظواهر الأخبار ، فهو مع بعده عن كلامهما واضح الفساد في نفسه ؛ إذ لا معنى لوجوب الغسل في نفسه ؛ إذ ليس بأشدّ من ملاقاته مع الرطوبة لسائر النجاسات.

وإن اريد فيه (2) الوجوب للغير تعيّن اشتراط صحة ذلك الغير به ، فيعود إلى القول بالنجاسة ؛ إذ لا يراد بها إلا تلك الحالة المانعة المتوقّف رفعها على الغسل. مضافا إلى أنه على قول الحلي يلزم القول بعدم نجاسة الميت أو عدم سراية النجاسة منه وكلّ منهما بيّن الفساد.

ثانيهما : ما تفرّد به صاحب التنقيح (3) من القول بعدم (4) تنجيس المتنجس مطلقا ، فلو ازيلت عين النجاسة بالتمسح بخرقة ونحوها لم تتعدّ إلى غير المحل ، فيجوز استعمال الأواني المتنجسة بعد ذلك في الطهارات والأكل والشرب وغيرها.

قال : إنما يجب غسل ما لاقى عين النجاسة وأما ما لاقى الملاقي لها بعد ما ازيل عنه العين بالتمسح ونحوه بحيث لا يبقى فيه شي ء منها فلا يجب غسله.

وظاهر كلامه هذا هو ما ذكرناه من عدم تنجيس المتنجس مطلقا سواء ازيلت عنه عين النجاسة أو بقيت الملاقاة إذا لاقاه من غير محلّ الملاقاة.

وربما احتمل في عبارته التفصيل بين ما ارتفعت الملاقاة بإزالة العين عن المحل ، وأما إذا بقيت الملاقاة فعلى الأول نقول بالتنجس دون الثاني استنادا إلى ما يوجّه (5) إطلاق آخر كلامه المذكور.

ص: 435


1- في ( د ) : « بسراية ».
2- في ( د ) : « به ».
3- كذا في ( ألف ) ، وفي ( ب ) : « صاحب يخ » ، وقد وجدنا العبارة في الحدائق الناضرة 5 / 266 نقلا عن صاحب المفاتيح ، فراجع.
4- في ( د ) و ( ب ) : « بعد ».
5- في ( د ) : « يوهمه ».

وفيه : أن ظاهر عبارته الأخيرة هو اعتبار زوال العين عن محلّ الملاقاة ؛ إذ الظاهر منه فرض النجاسة في الأعيان الجامدة لفرضه زوال العين بالتمسّح ونحوه. وحينئذ فلا شكّ في اعتبار الزوال للزوم الملاقاة لعين النجاسة مع بقائه في المحل.

على أن (1) بقاء العين في محل آخر لا ربط له في تأثير المحل الخالي عنها ، وتخصيص ذلك بخصوص المائعات مما لا إشارة إليه في كلامه.

وكيف كان ، فضعف كلّ من الوجهين أظهر من أن يحتاج إلى البيان.

ويدلّ على فساده بعد إطباق الأصحاب عليه قديما وحديثا ، وجريان السيرة المستمرة الكاشفة عن قول الأئمة عليهم السلام أو تقريرهم قطعا ، الروايات المستفيضة المتكثرة بل البالغة حدّ التواتر بالنسبة إلى الأول بل الثاني أيضا كالدالّة على نجاسة الأواني بنجاسة الماء الذي فيها أو الدهن أو الدبس المائعين بموت الفأرة ونحوها أو نجاسة ما لاقى مياه الآبار بعد تنجسها .. إلى غير ذلك.

وفي الأمر بغسل الأواني والفرش والبسط ونحوها أقوى دلالة عليه ؛ إذ لو لا السراية مع ملاقاتها بالرطوبة لما تفرع فائدة على غسلها ؛ إذ ليست تلك الأمور مما يستعمل فيما يتوقف على طهارة أنفسها ، وإنما يطلب طهارتها لعدم سراية النجاسة منها إلى ملاقيها من مأكول أو ملبوس ونحوهما.

وحيث انتفت تلك الفائدة حسبما ذكره ، فينتفي الالتزام بغسلها وبطهرها (2) عن الفائدة.

واستدل الفاضل المذكور على ذلك بعد الأصل وخلوّ الأخبار عنه - مع أنه مما يعمّ به البلوى - بالمعتبرة المستفيضة :

منها : الموثق : سمعت رجلا يسأل الصادق عليه السلام فقال : إني ربما بلت فلا أقدر على الماء ويشتدّ ذلك عليّ؟ فقال : « إذا بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك فإن وجدت شيئا فقل هذا

ص: 436


1- زيادة : « أن » من ( د ).
2- في ( د ) : « تطهير غيرها ».

من ذاك » (1) بحملها على أن يكون شكاية السائل (2) عن انتقاض وضوئه بالبلل الذي يجده بعد التمسح لاحتمال كونه بولا ، وذكر العجز عن الماء على هذا التقدير لتعذر إزالة البلل من (3) ثوبه وبدنه مما تعدّى من المخرج إليهما ، فأمره عليه السلام (4) بمسح (5) ذكره ، ولو مخرج بوله بعد مسح البول عنه بريقه حتى لو خرج عنه شي ء بعد ذلك صار مشكوكا عنده من جهة ذلك الريق الموضوع ، فلا حاجة (6) إلى إعادة الوضوء وتطهير الثوب أو البدن ، فيفيد عدم تعدّي النجاسة عن المحل المتنجس إلى غيره.

قال (7) : وعلى هذا لا يحتاج إلى تكلّف تخصيص التمسّح بالريق بالمواضع الطاهرة ، ولا إلى تكلف تعدّي النجاسة من المتنجس ، بل يصير الحديث دليلا على عدم التعدي منه ، فإن التمسح بالريق مما يزيدها تعدّيا.

وهذا المعنى أوفق بالأخبار الأخر ، وهذان الأمران - أعني عدم الحكم بالنجاسة إلا بعد التيقّن ، وعدم تعدي النجاسة من المتنجس - بابان من رحمة اللّه الواسعة فتحهما لعباده رأفة بهم ونعمة لهم ، ولكن أكثرهم لا يشكرون ، فينتقم اللّه منهم بابتلائهم بالوسواس واتّباعهم للخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس.

قال أبو جعفر الباقر عليه السلام : « إن الخوارج ضيّقوا على أنفسهم لجهالتهم وإن الدين أوسع من ذلك » (8). انتهى (9).

ص: 437


1- الكافي 3 / 20 ، باب الاستبراء من البول وغسله ومن لم يجد الماء ، ح 4.
2- زيادة : « السائل » من ( د ).
3- في ( د ) : « عن ».
4- هنا أوراق النسخ المخطوطة مشوّشة خلط بعضها ببعض ، أصلحناها ، والحمد لله.
5- في ( ألف ) : « يمسح ».
6- في ( د ) زيادة : « له ».
7- الحدائق الناضرة 2 / 11.
8- من لا يحضره الفقيه 1 / 258.
9- في ( د ) : « بياض في الأصل ».

ومنها : رواية سماعة ، قال : قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام : إني أبول ثم أتمسح بالأحجار فيجي ء من البلل ما يفسد سراويلي. قال : « لا بأس » (1).

فإن مقتضاه عدم تنجس سراويله بالبلل الخارج من مخرج البول مع ملاقاته للتنجس (2) قطعا.

ولا يخفى ما فيه ؛ فإن ظاهر هذه الرواية مخالف لغيرها مع إطباق الأصحاب على العمل بها ، وترك هذه ؛ فلا بدّ من تركها أو حملها على التقية أو على نفي الباس عن فساد السراويل كما فرضه السائل.

وكأنّ في المقام تقية حيث لم يصرّح عليه السلام بالجواب ، أو بحملها على عدم البأس بالنسبة إلى الطهارة الحدثية لو كان متوضّأ أو متيمّما.

ومنها : رواية الحكم ، بن حكيم قلت للصادق عليه السلام : أبول فلا اصيب الماء وقد أصاب يدي شي ء من البول فأمسحه بالحائط والتراب ، ثم تعرق يدي فأمسح وجهي أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي؟ قال : « بأس به » (3) فتصلّي بعد زوال العين لا تنجس ما يلاقيه من جسده مع رطوبة العرق.

وفيه : أنه لا دلالة فيها على كون الملاقاة بالمحل النجس ولا شمول العرق كلّ اليد. وقد نصّ في الوافي أنه أحد الوجهين في الرواية.

قلت : بل هو المتعين بملاحظة غيرها من الأخبار.

ومنها : صحيحة العيص ، سألت الصادق عليه السلام عن (4) رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر وقد عرق ذكره وفخذاه؟ قال : « يغسل ذكره وفخذيه ».

ص: 438


1- الإستبصار 1 / 56.
2- في ( د ) : « للمتنجس ».
3- الكافي 3 / 55 ، باب البول : يصيب الثوب أو الجسد ، ح 4.
4- في ( د ) : « من ».

وسألته عمّن مسح ذكره بيده ثم عرقت (1) فأصاب ثوبه (2) يغسل ثوبه؟ قال : « لا » (3) ؛ إذ حكمه عليه السلام بعدم غسل الثوب دليل على عدم تنجسه بملاقاة المتنجس.

وأما الأمر بغسل فخذيه في السؤال فلوقوع الملاقاة هناك قبل إزالة النجاسة ، فتكون النجاسة قد تعدّى من المحل إلى ما يجاوره من بعد إجراء الذكر والفخذ من جهة حصول العرق بخلاف الثوب ، فإنّ ملاقاته إنما وقعت باليد المتنجسة. كذا ذكره بعض الأفاضل.

ويدفعه أنه لا دلالة في الفقرة الأخيرة على تنجس اليد ؛ إذ ليس فيها ما يدلّ على ملاقاة اليد لمحل النجاسة من الذكر ولا على كون الملاقاة مع الرطوبة ، ولا على كون العرق في محلّ النجاسة من الذكر (4) ولا على ما أن أصاب الثوب المحل للتنجس ، وحمل الفقرة الأولى على ما ذكر بعيد جدّا بل (5) فاسد قطعا ؛ إذ حصول العرق كذلك بحيث يسري النجاسة من رأس الذكر على الفخذين مما لا يتصوّر في المعتاد ، ولو فرض حصوله في فرض نادر جدّا فلا يعبّر عنه بالتعبير المذكور.

على أنه لا فائدة ظاهرة في تجفيف خصوص الذكر بعد شيوع النجاسة كذلك ، ورطوبة سائر الأعضاء. على أنه يدلّ أيضا على تنجيس المتنجس أيضا في الجملة إلا أن يقال بجريان نفس البول الباقي على المخرج ، وهو بعيد جدّا.

وكيف كان ، فظاهر الرواية هو عطف قوله « وقد عرق » على قوله « فمسح » ، فالمقصود حصول عرق الذكر والفخذين بعد مسح ذكره بالحجر وإزالة العين عنه ، فيدلّ إذن على تنجّس الفخذين (6) بملاقاته للذكر مع رطوبة العرق فيكون من جملة الأخبار الدالّة على تنجّس المتنجس.

ص: 439


1- في ( د ) زيادة : « يده ».
2- في ( ألف ) : « ثوبة ».
3- تهذيب الأحكام 1 / 421.
4- ليس في ( د ) : « من الذكر ».
5- في ( د ) زيادة : « هو ».
6- هنا بين النسخ المخطوطة اختلاف في الأوراق ، أصلحناها بحسب ترتيب المطالب.

فقد ظهر بما عرفت عدم دلالة الأخبار المذكورة عليه ، وليس في الأخبار ما هو أدلّ منها على ذلك ، على أنه لو سلّم دلالة بعضها على ذلك فلا يقاوم غيرها من الأخبار الكثيرة المعتضدة بالإجماع بل الضرورة ، فسقط ما استند إليه من الأصل.

ومما يقضي العجب منه ما ذكره في الوافي بعد ذكر رواية سماعة وغيرها : لا يخفى على من فكّ رقبة عن قيد التقليد أن الأخبار وما يجري مجراها صريحة في عدم تعدي النجاسة من المتنجس إلى شي ء قبل تطهيره ، وإن كان رطبا إذا أزيل عنه عين النجاسة بالتمسح ونحوه ، وإنما التنجس (1) للشي ء عين النجاسة لا غير ؛ لوضوح فساد دعوى صراحتها في ذلك بل ظهورها أيضا. وقد عرفت دلالة بعضها على خلاف ما يدّعيه. غاية الأمر أن يكون إطلاق بعضها موهما لذلك.

وقد دلّ على خلافه روايات مستفيضة معتضدة بالعمل ، بل الإجماع ، بل ضرورة الدين على ما يظهر من ملاحظة طريقة المسلمين ، فكيف يجوز الركون إلى ما يتراءى منه في بادئ الرأي لو سلّم إشعاره بذلك.

ص: 440


1- في ( د ) : « المتنجس ».
تبصرة: [ في أصالة الطهارة ]
اشارة

الأصل في جميع الأشياء الطهارة إلى أن يعلم نجاسته. ويدلّ عليه بعد الإجماع معلوما ومنقولا أصالة البراءة وأصالة العدم ؛ إذ النجاسة صفة وجودية قطعا ، قوله عليه السلام في موثقة عمار : « كل شي ء نظيف حتى تعلم أنه قذر ، فإذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك (1).

وينقل في كتب الاستدلال عنه عليه السلام : « كل شي ء طاهر حتى تعلم أنه قذر ».

فهو إمّا هذه الرواية مع نقل بعضه بالمعنى أو أنه خبر آخر وإن لم يذكر في كتب الأخبار.

وكيف كان ، ففي العبارة دلالة على طهارتها بالأصل ، وعلى استصحاب طهارتها إلا أن يعلم النجاسة ، فيجري القاعدة المذكورة فيما لو دار الأمر بين نجس العين وطاهرها ، وما إذا احتمل طروّ النجاسة على طاهر العين.

ويدلّ على الطهارة في الثاني الاستصحاب أيضا.

وعن الحلبي الاكتفاء في النجاسة بمطلق الظنّ. وهو ظاهر الشيخ في النهاية (2) حيث حكم بعدم جواز الصلاة في ثوب قد أصابته النجاسة مع العلم بذلك أو غلبة الظن. واستدلّ عليه الحلبي بأن الشرعيات كلّها ظنيّة.

ولا يخفى وهنه ؛ إذ ليست الشرعيات مبنيّة على مطلق الظن ، وإنما يعتبر فيها ظنون مخصوصة دلّت على حجيّتها الأدلة ، والمفروض عدم قيام دليل عليه في المقام ، بل قيامه على خلافه كما عرفت.

وفي المستفيضة الناهية عن نقض اليقين إلا باليقين دلالة واضحة عليه ، وفي خصوص

ص: 441


1- تهذيب الأحكام 1 / 285.
2- النهاية : 96.

نصوص مستفيضة دلالة على عدم اعتبار الظن فيه بالخصوص كالصحيح الوارد فيمن أعار ثوبه للذمي وهو يعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ، وفيه : « صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك ، فإنك أعرته إياه ، وهو طاهر ، ولم تستيقن أنه نجّسه (1) ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه (2) » (3).

إلى غير ذلك مما دلّ عليه.

وقد يحمل الظن الغالب في عبارة الشيخ على العلم العادي ، فينحصر الخلاف في الحلبي.

وهو على الظاهر مسبوق بالاتفاق ملحوق به.

وكيف كان ، فلا تأمّل في أصل الحكم ، وإنما الكلام في أمور :

أحدها : أنه هل يعتبر في تنجيس المتنجس العلم بنجاسته بالخصوص ؛ فلا يخرج عن مقتضى الأصل بدونه أو يبنى على النجاسة بمجرد العلم بها وإن دار بين أمور فيحكم بنجاسة واحد منها بخصوصه ، وإن لم يتعين عنده؟ مقتضى ظاهر الخبر المذكور وغيره ذلك ، وهو قضية الأدلة الدالّة على تنجس الشي ء بملاقاة النجاسة.

والظاهر أنه لا تأمل فيه بين الأصحاب. وقد يوهم في المقام بعض العبارات اعتبار العلم لخصوص النجس في تنجسه ، وإلا فهو على الطهارة من دونه ؛ إذ بعد دوران النجاسة بين أمور لا يعلم بنجاسة كل واحد منها (4) بالخصوص ، فيبنى على الطهارة في جميعها ، فيجوز استعماله إلا على وجه يوجب استعمال النجس المعلوم بالخصوص.

وهو ضعيف جدا ، والرواية المذكورة وغيرها دالّة على خلافه.

نعم ، قد يقال بالحكم بطهارة كل منها في الظاهر ، وإن حكم بنجاسة واحد منها على

ص: 442


1- في ( د ) : « نجسته ».
2- في ( د ) : « نجسته ».
3- تهذيب الأحكام 2 / 261 ، باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان وما لا يجوز ح 27.
4- هنا قد أدرج في ( ألف ) بعض الأوراق الماضية ظاهرها الربط وواقعها التضادّ ، أصلحناها على حسب الوسع ، والحمد لله.

سبيل الإجمال ، فلا يجوز استعمالها على وجه يوجب العلم باستعمال المحرم في الجملة ، وإن جاز الاستعمال بالنسبة إلى كل بالخصوص ؛ أخذا بظاهر الرواية المذكورة وقاعدة الاستصحاب.

ويضعّفه أن قضية الأصل بعد العلم بنجاسة واحد منها وجوب الاجتناب عن الجميع ، والرواية المذكورة وغيرها لا تدلّ على ما ادّعوه (1) ؛ إذ المفروض اندراج واحد من تلك الأمور فيما علم نجاسته ، فهو خارج من العموم قطعا ومندرج في مدخول « حتى » ، ولا دلالة في العبارة على أصالة الطهارة في مثل ذلك ؛ إذ مقتضاها الحكم بالطهارة إلا أن يعلم النجاسة ، والمفروض حصول العلم وارتفاع الحكم بالطهارة في الجملة.

وليس هناك أصل آخر بعد الاشتباه.

والقول بدلالتها على الحكم بالطهارة إلى أن يعلم نجاسة كل بالخصوص فقد عرفت ما فيه.

ويجرى الكلام المذكور بعينه بالنسبة إلى الاستصحاب ، فظهر بذلك قوة القول بوجوب الاجتناب في المشتبه المحصور ، وضعف ما رجّحه جماعة من المتأخرين من البناء على الطهارة بالنسبة إلى كلّ واحد منها ما لم يستوعب الجميع على وجه أو مع استيعابه على آخر إن لم يوجب (2) العلم بتنجس المستعمل بالخصوص.

ثانيها : إن المقصود بالعلم هو العلم اليقيني أعني معناه المعروف لاعتبار اليقين فيه ، وحكي القول به عن الإسكافي والشيخ والقاضي والحلي في موضع من السرائر.

والمنقول من عبائر الثلاثة المتقدمة عدم قبول شهادة العدلين.

أو المراد به العلم الشرعي أعني ما دلّ الدليل على حجيّته سواء كان علما أو ظنا أو منتهيا إلى العلم؟ وجهان ؛ من ظاهر اللفظ لانصرافه إلى المعنى المتبادر ، من أنه بعد قيام الدليل القطعي على حجيّة ذلك الظن يكون قطعيا ، فيندرج تحت العلم ، فلا معارضة بين ما دلّ على عدم الاعتماد على غير العلم في الحكم بالنجاسة وما دلّ على حجية الظنون المخصوصة ؛

ص: 443


1- في ( ألف ) : « تدعوه ».
2- في ( د ) : « نوجب ».

لرجوعها إلى العلم بعد قيام الدليل عليها.

ويشكل أن الظاهر من العلم بالقذارة هو العلم بها بحسب الواقع ، وغاية ما قضى به ما دلّ على حجية الظن من الحكم بمقتضاه في الظاهر ، فيعارض مع العموم المذكور لقضائه باعتبار العلم بنجاسته واقعا في الحكم بالتنجيس.

ومقتضى ذلك عدم حجية الظن المفروض في المقام ، وقضاء ما دلّ على حجيته على الاكتفاء به في المقام وغيره ، فيكون التعارض بينهما من قبيل العموم من وجه ، فيرجع فيه إلى الأصل ، وقضية أصالة البراءة عدم وجوب الاجتناب.

فما يقال من أنه بعد قيام الدليل على حجية الظن المخصوص يندرج ذلك في اسم العلم لحصول اليقين بوجوب البناء عليه مدفوع بما عرفت من أن اليقين الحاصل في المقام هو اليقين بالبناء دون ما هو الواقع ، وظاهر تعلق اليقين بالقذارة هو اليقين بحصوله في الواقع.

ويدفعه أن الظاهر من اليقين في المقام هو اليقين بحكم الشرع في الظاهر ، ولذا لا تأمل في حجية الظنون الحاصلة في الاستدلال على اثبات النجاسات ، والقول باستثنائه من القاعدة المذكورة بعيد مضافا إلى أن ما دلّ على اعتبار الظنون الخاصة يشمل مسألة النجاسات أيضا كما سنشير إليه.

فبعد دلالة الشرع على الحكم بمقتضى تلك الأمور يجب (1) الحكم بها وليس ذلك عملا بغير العلم كما لا يخفى.

ثالثها : بناء على تعميم العلم لما دلّ على حجية الشرع يقع الكلام في المقام في أمور :

الأول : إذا أخبر ذو اليد على الشى ء على نجاسته فالظاهر أنه لا تأمل في القبول.

وفي الحدائق (2) : إن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه.

وعن الفاضل الخوانساري (3) المناقشة فيه حيث قال : وأما قبول قول المالك عدلا (4) كان

ص: 444


1- في ( ألف ) : « بحسب ».
2- الحدائق الناضرة 5 / 252.
3- مشارق الشموس 1 / 285 ، وفيه : « فلم أظفر ».
4- في ( د ) : « عدولا ».

أو فاسقا فلم نظفر له على حجة.

ثم ذكر في اعتبار ذكر السبب في قبول الجرح والتعديل ؛ نظرا إلى اختلاف مراتب المذاهب فيه كأنّ الأظهر فيه البناء على ظاهر اللفظ من إرادة ما هو الواقع حتى يتبيّن الخلاف من دون لزوم استفصال.

كما أنه يقبل الشهادة على الملكيّة من دون سؤال عن السبب المملّك مع وقوع الخلاف في أسباب هذا إذا شهد عدلان على النجاسة وآخران على الطهارة وتعارضت البيّنتان مع عدم إمكان الجمع بينهما.

فهل يقدّم الطهارة لترجيح بيّنتها بالأصل أو للبناء على التساقط ( فيرجع إلى أصالة الطهارة كما حكاه في الايضاح عن الشيخ وقوّى في البيان البناء على التساقط ) (1) بعد أن استقرب جعله كالاشتباه.

أو يقدّم النجاسة ترجيحا للناقل على المقرر ؛ للأصل كما حكاه في الايضاح (2) عن الحلي.

أو يجعل كالمشتبه كما اختاره في التذكرة (3) والقواعد ، وحكي عن الشهيد الثاني؟ احتمالات ؛ أظهرها بحسب القواعد ترجيح الطهارة ؛ أخذا بالأصل السالم عن ثبوت المعارض سيّما بعد تقديم بيّنة الطهارة.

ولو كان تعارض البينتين في الإنائين مع عدم إمكان الجمع بينهما للقطع بطهارة أحدهما - لاتفاقهما على ذلك - فهل يحكم بتساقطهما ويرجع إلى أصل الطهارة في المائين كما اختاره في الخلاف (4) والمختلف (5).

ص: 445


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( ب ).
2- إيضاح الفوائد 1 / 24.
3- تذكرة الفقهاء 1 / 24.
4- الخلاف 1 / 201.
5- مختلف الشيعة 1 / 251.

وحكى عن المبسوط ، وقوّاه بعض المتأخرين.

أو يجري عليها حكم المشتبهين لاتفاقهما على النجاسة وإنما التعارض في التعيين فيثبت النجاسة ويدور بين الأمرين ، [ كما ] حكي عن السرائر (1) والمعتبر (2) والتحرير (3) والايضاح (4) وجامع المقاصد (5) والشهيدين.

أو يبنى على نجاستهما لحصول الشهادة بالنسبة إلى كل منهما كما حكاه المحقق الكركي قولا واحدا ، قد حكم الحلي أيضا إلا أنه حكم فيه بعد ذلك بالاشتباه وحكم قبله بغيره ، وكلامه مضطرب في المقام إلا أنّه اخّر بناء الحكم بالاشتباه كما ذكرنا.

أو يبنى فيه على القرعة كما ذكره في السرائر (6) ثم استبعده؟ وجوه ؛ أضعفها الوجهان الأخيران.

والحكم بأحد الوجهين الأولين مبنيّ على أن القدر الجامع بين الشهادتين وإن كان أمرا كليّا هل يثبت بالشهادة المفروضة وإن وقع الاختلاف في الخصوصيات أو لا يثبت القدر الجامع ؛ لعدم توافق الشهادتين.

والأظهر بحسب القواعد هو الأول ، ولذا لو شهدوا أوّلا بالقدر الجامع قبلت قطعا ، فشهادتهما على التفصيل لا يمنع منها.

هذا إذا لم يعلم بنجاسة أحدهما على سبيل الإجمال أو لم يعلم ذلك من شهادتهما ، وأما مع حصول العلم بأحد الوجهين فلا تأمل في إلحاقه بالمشتبهين.

ثانيها : في قبول خبر العدل الواحد في ذلك قولان.

ص: 446


1- السرائر 1 / 86.
2- المعتبر 1 / 54.
3- تحرير الأحكام 1 / 56.
4- إيضاح الفوائد 1 / 24.
5- جامع المقاصد 1 / 155.
6- السرائر 1 / 87.

والمحكي عن الشيخ في المبسوط والخلاف (1) والفاضلين في المعتبر (2) والمنتهى (3) والتحرير (4) والقواعد (5) وموضع من التذكرة (6) ، وابن فهد وغيرهم عدم القبول.

وذهب في موضع من التذكرة (7) ، إلى قبوله.

وقوّاه غير واحد من أفاضل المتأخرين ؛ لما يستفاد من جملة من الأخبار من تنزيل خبر العدل منزلة العلم كما لوارد في انعزال الوكيل إذا أخبره ثقة بالعزل ، وجعله فيه قرين المشافهة بالعزل.

وما دلّ على قبول قول المانع العدل إذا أخبر بالاستبراء ، وما دلّ على ثبوت الوصية بقول الثقة إلى غير ذلك.

ولذا قوّى في الحدائق (8) قبول قوله مما دلّ على قبول خبر العدل.

ويضعّفه أن ما دلّ من الأخبار المذكورة على قبول قول العدل لا عموم فيه بحيث يشمل المقام.

والقول بفهم العموم من سياقها - إن سلّم - فكونه بحيث يشمل محلّ الكلام محلّ كلام ، مع أن ظاهر المعظم عدم القبول ، فالخروج بمجرد ذلك عن مقتضى الأصل المعلوم لا يخلو من خفاء.

مضافا إلى فحوى التردد بين المذكورتين ؛ إذ اعتبار شهادة الاثنين أو قيام البيّنة الظاهرة في التعدد أقوى شاهد على عدم العبرة بالواحد مع اتحاد المناط بين ثبوت الحلية والنجاسة كما

ص: 447


1- الخلاف 1 / 200.
2- المعتبر 1 / 54.
3- انظر منتهى المطلب 1 / 56.
4- تحرير الأحكام 1 / 53.
5- قواعد الأحكام 1 / 189.
6- تذكرة الفقهاء 1 / 24.
7- انظر تذكرة الفقهاء 1 / 93.
8- انظر الحدائق الناضرة 13 / 96.

عرفت.

ثم على القول بثبوت النجاسة بقول الواحد لا يثبت به العيب في المقام قطعا ؛ فيفترق الأمران.

وبه يضعف أيضا ما تقدم عن الحدائق (1) من الإباء عنه فيما يقال من ثبوت العيب بقول العدلين دون النجاسة ، وإذا انضمّ إلى شهادة الواحد الحلف فيما إذا ادّعى العيب فلا شكّ في ثبوته بالنسبة إلى الردّ [ وفيه ] رواية غير دالّة عليه.

وناقش في إسنادها ودلالتها ، ولا يخفى أنّ قبول قول المالك في مثل ذلك مما لا ينبغي التأمل فيه سيّما بعد إطباق الأصحاب عليه.

ويدلّ عليه رواية ابن بكير أنه سئل الصادق عليه السلام عن رجل (2) أعار رجلا ثوبا فصلّى فيه وهو لا يصلّى فيه. قال : « لا يعلمه ». قلت : فإن أعلمه؟ قال : « يعيد » (3).

وفي الموثق : سألت الصادق عليه السلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج ، ويقول : قد طبخ على الثلث وأنا أعلم به أنه يشربه على الثلث ولا يستحلّه على النصف يخبرنا أنّ عنده بختجا ، وقد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه فأشرب منه؟ قال : « نعم » (4).

وفي موثقة أخرى عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن الرجل يأتي بالشراب فيقول : هذا مطبوخ على الثلث. فقال : « إن كان مسلما أو (5) ورعا مأمونا فلا بأس أن تشرب » (6).

مضافا إلى ما يستفاد من عدة من الأخبار الناهية عن السؤال في شراء بعض الجلود أو الجبن ، وفي غير واحد منها بعد الحكم المذكور أن « الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم وأن

ص: 448


1- انظر الحدائق الناضرة 5 / 244 و 252.
2- لم ترد في ( ب ) : « عن رجل ... عن الرجل ».
3- قرب الأسناد : 169.
4- الكافي 6 / 421 ، باب الطلاء ، ح 7.
5- لم ترد في ( ب ) : « أو ورعا مأمونا ».
6- تهذيب الأحكام 9 / 116.

الدين أوسع من ذلك » (1).

فإنها تومي إلى سماع قول المالك وإلا فأيّ حسن كان في ذلك إلا أن يراد به الضيق من جهة تحمل السؤال ، وهو مع بعده في نفسه بعيد بحسب المقام.

فروع

[ الأول : ... ] (2)

الثاني : المشهور بين المتأخرين كما في المعالم قبول شهادة العدلين في الحكم بالنجاسة ، وبه قال الشيخ في المبسوط (3) والفاضلان وغيرهم.

وعن الإسكافي والشيخ في قوله الآخر عدم القبول. وهو قضية القول بعدم اعتبار ما عدا اليقين.

واحتجّ للأول بأن الظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في قبول شهادتها في ثبت العيب لو كان المبيع ماء وادّعى المشتري نجاسته حين العقد ، فيسلّط على الفسخ. وليس ذلك إلّا لثبوت النجاسة ، والحكم به في الشرع ، فإذا ثبت شرعا لحقها سائر أحكامها.

ويضعّفه أن الثابت بالبيّنة (4) هو النجاسة من حيث كونها عيبا المتفرع عليها ثبوت الردّ والأرش (5) ، وأما النجاسة من حيث هي المتفرع عليها وجوب الاجتناب فلا. ولا ملازمة بين الأمرين ؛ إذ التفكيك (6) بين الملازمين في الأحكام الظاهرية غير عزيز في الشرع.

كيف ، ولو أقرّ المالك بعد تسليمه إلى المشتري بنجاسته قبل البيع يثبت التخيير بين الرد والأرش مع عدم ثبوت النجاسة بذلك على مقتضى كلماتهم كما مرّ.

ص: 449


1- قرب الإسناد : 385.
2- هنا في ( د ) : « بياض الأصل في نسخة المصنف بخطه ». ولم يوجد في النسختين الأخريين أيضا.
3- المبسوط 1 / 9.
4- في ( ألف ) : « بالنسبة ».
5- في ( د ) : « أو العرش ».
6- في ( ألف ) : « التشكيك ».

وبذلك يظهر ضعف ما ادّعاه في الحدائق (1) من القطع بالملازمة بين الأمرين ، وأنه بعد ثبوت العيب بسبب النجاسة يتبعه سائر أحكامها من غير فرق ، فالأولى الاستناد إلى أن الظاهر من تتبع موارد الشرع تنزيل شهادة العدلين منزلة العين ؛ لقيامه مقام العين في كلّ مورد يطلب فيه إلى ما خرج بالدليل.

مضافا إلى بعض روايات تدلّ في المقام عليه ، كقول الصادق عليه السلام فيما رواه الشيخان في الجبن قال : « كلّ شي ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك أن فيه ميتة » (2).

وفيه دلالة على قبول قولهما في النجاسة واحتمال (3) أن اختلاف جهة الحرمة لجهة النجاسة مما لا يصغى إليه في المقام. على أنّ حكم الحرمة والنجاسة من باب واحد ، بل الأخبار الواردة هناك أكثر من المقام.

وروى الشيخان أيضا بإسنادهما عنه عليه السلام قال : « كلّ شي ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة » إلى أن قال : « والأشياء كلّها على هذا يستبين لك غير ذلك أو يقوم به البينة » (4).

فإن ظاهر إطلاقه يعم الحرمة الحاصلة بسبب كونه ملك الغير أو من جهة النجاسة أو غيرهما.

حجة القول الثاني ما عرفته في المسألة المتقدمة.

وقد عرفت ما فيه.

وهل يعتبر في القبول ذكر السبب؟ قولان ، فظاهر إطلاق جماعة كالشيخ في المبسوط (5)

ص: 450


1- الحدائق الناضرة 5 / 244.
2- الكافي 6 / 339 ، باب الجبن ، ح 2 ؛ بحار الأنوار 62 / 156 ، ح 30.
3- في ( ألف ) : « احتمل ».
4- الكافي 5 / 313 ، ح 40 ، تهذيب الأحكام 7 / 226 ، باب من الزيادات ح 9.
5- المبسوط 1 / 8.

والفاضلان في المعتبر (1) والمختلف (2) عدمه. واعتبره في التذكرة ، وتبعه جماعة منهم ابن فهد والصيمري. واستحسنه صاحب المعالم.

وفي (3) الخلاف (4) هنا اخر الخلاف (5)؟ أو الأرش ، وأما بالنسبة إلى وجوب الاجتناب فوجهان مما تقدّم ذكره عن الحدائق ومن إمكان التفكيك ، وهو (6) الأظهر كما عرفت.

ويدل عليه ثبوت العيب باليمين المردودة قطعا مع عدم ثبوت النجاسة بمجردها يقينا.

وهو مضعّف آخر لما ذكره.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه لأمور :

أحدها : الظاهر استحباب الاجتناب عمّا يظن نجاسته في خصوص المقام لرجحان الاحتياط ، ولفحوى ما دلّ على رجحان الاجتناب من سؤر الحائض المتّهمة.

وقد ألحقوا به من لا يتوقّى النجاسة كما مرت الإشارة إليه ، وما دلّ من الأخبار على النهي عن نقض اليقين بالشك المراد به في المقام ما يعمّ الظن كما دلّ عليه بعض تلك الأخبار من عدم نقضه إلا باليقين ، إنما يراد به النهي عن الحكم بالنجاسة كما هو الظاهر من سياقها دون الغسل على سبيل الاحتياط لتحصيل الواقع عند ظنّ الخلاف.

وكيف كان ، فهذا هو الأصل الثابت رجحانه بملاحظة العقل إلا أن يعارضه شي ء من النقل. وحيث لا يظهر دليل في المقام على خلافه فالظاهر البناء عليه ، مضافا إلى ما عرفت.

ثانيها : لو علم العدلان بنجاسة شي ء فهل يجب عليهما إخبار الجاهل المستعمل له فيما

ص: 451


1- المعتبر 1 / 54.
2- انظر مختلف الشيعة 1 / 251.
3- في ( ب ) و ( د ) هكذا : « وف » بدل : « وفي الخلاف ».
4- الخلاف 1 / 200.
5- في ( د ) زيادة : « في اعتبار ذكر السبب ... فلا شك في ثبوته بالنسبة إلى الرد ».
6- في ( ألف ) : « هو » بدون الواو.

يشترط بالطهارة أو لا؟ وجهان ، والمحكي عن العلامة في المدنيّات وبعض الأفاضل ذلك. وقد نصّ في المقام ، والحدائق (1) على عدم الوجوب ، بل ربّما يميل كلام الحدائق إلى الكراهة فيه.

واحتجّ العلامة عليه بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهو كما ترى ؛ إذ لا منكر مع الجهل.

وحكى في المعالم عن بعض الأصحاب احتمال الوجوب ؛ نظرا إلى وجوب التجنب عن النجس المتوقف على الأخبار.

ووهنه ظاهر ؛ إذ وجوب الاجتناب فرع العلم ، والمفروض عدمه. على أنه إن سلّم الوجوب فعلى غير المخبر ، فكيف مقدمته على غير من وجب عليه.

على أن وجوبه عليه فرع العلم (2) ، فكيف يتفرع وجوب (3) الإعلام عليه. وحيث لم ينهض دليل على الوجوب فلا بدّ من البناء على مقتضى الأصل إلا أن يبيّن دليل الوجوب.

مضافا إلى دلالة غير واحد من الأخبار على عدمه ؛ ففي الصحيح : عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما وهو يصلي. قال : « لا يؤذنه حتى ينصرف » (4).

وقد مر رواية عبد اللّه بن (5) بكير : فيمن أعار رجلا ثوبا لا يصلي فيه ، وإذا جاز الدفع من غير إعلام فعدم وجوب الشهادة بالأولى.

ولأنّ في دلالته على ما ذكر تأمّلا كما سيأتي.

وفي صحيحة عبد اللّه [ بن ] سنان ، عن الصادق عليه السلام : « وأن الباقر عليه السلام اغتسل وبقيت لمعة من جسده لم يصبه الماء » فقيل له ، فقال : « ما عليك لو سكتّ؟! » (6).

ص: 452


1- الحدائق الناضرة 5 / 260.
2- في ( ب ) زيادة : « والمفروض عدمه على أنّه إن سلّم الوجوب فعلى غير المخبر ».
3- في ( ب ) : « فكيف مقدّمه على غير من وجب عليه على أن وجوبه » بدل : « يتفرّع وجوب ».
4- الكافي 3 / 406 ، باب يصلى في الثوب وهو غير طاهر عالما أو جاهلا ، ح 8.
5- بحار الأنوار 81 / 293 ، ح 15. وفيه : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلّى فيه وهو لا يصلي فيه؟ قال : « فلا يعلمه؟ » قلت : فإن أعلمه؟ قال : « يعيد ».
6- الكافي 3 / 45 ، ح 15.

وليس في الخبر ما يدلّ على غفلة الإمام عليه السلام ليقضي بوهن الخبر ؛ لكونه بانيا على الحال به بعد ذلك فاستعجل السائل ، أو كان التأخير لبيان الحكم المذكور ، فإذا لم يجب الإعلام في الغسل ففي غيره أولى (1).

واحتمال كونه من الأغسال المسنونة مدفوع بأن ذكره على سبيل الإطلاق في مقام البيان يومي إلى إطلاق الحكم.

قلت : قد يكون الجهل بالموضوع باعثا على ارتفاع الحكم عن المكلّف بحسب الواقع كما في الجهل بنجاسة الثوب أو البدن بالنسبة إلى الصلاة ؛ لما عرفت من عدم ثبوت مانعيّتها عن الصلاة على سبيل الإطلاق ، فحينئذ فلا تأمل في عدم وجوب الإعلام ؛ إذ لا منع من الصلاة معها لا في الواقع ولا في الظاهر.

وقد لا يكون باعثا على اختلاف الحكم الأول (2) لكن لا يقضي وقوع محرّم في المقام إلا من جهة الإبداع كما في أداء الصلاة إذا كان مع الجهل بالحدث ، والظاهر أنه كالسابق ؛ لعدم تحقق مفهوم البدعة مع الجهل المحض ، فلا محرّم بالنسبة إلى الواقع أيضا.

وقد يثبت معه التحريم أيضا إلا أنه يكون الجهل به عذرا للمكلف ، وحينئذ ينبغي التفصيل بين المحرّمات التي لا يرضى الشارع بوقوعها في الخارج على حسب الإمكان ، وما لم يعرف من الشرع كونه بتلك المثابة فإنّ ما كان من الأول يجب الإعلام به كما إذا اعتقد الأجنبية زوجه إما لحصول جهة محرّمة لا يعلم بها أو لفساد في عقدها أو لالتباس (3) شخصها وعلم الشاهدان بالحال ، فإنّ وجوب الإعلام في مثله مما لا ينبغي أن يستراب فيه ، وكذا الحال في شرب الخمر إذا التبس (4) بغيرها.

وأما ما كان من الثاني فلا دليل فيه على وجوب الإعلام. وقد ظهر بما فصّلناه من الكلام

ص: 453


1- في ( د ) : « بالأولى ».
2- في ( د ) : « الأولى ».
3- في ( ألف ) : « الالتباس ».
4- في ( د ) : « التبست ».

ما يرد على إطلاق ما ذكروه في المقام.

ثالثها (1) : أنه هل يجوز دفع النجس إلى الجاهل من غير إعلامه بالحال لصرفه فيما يشترط الطهارة؟ فيه وجهان معلومان مما تقدّم إلا أن القول بجوازه في المقام ضعيف كما دلّت عليه السيرة المستمرّة المقطوعة من الامتناع عن صرف المتنجسات الغير القابلة للتطهير إلا فيما لا يشترط بالطهارة ( كالأدهان المتنجسة ونحوها. ولو جاز دفعها إلى الجاهل ليصرفها في المصارف المشترطة بالطهارة لما حصروا ) (2) لما مرّ (3) ، والأمر في تلك المصارف النادرة الخالية في الغالب عن المنافع المطلوبة مع جواز صرفه في مؤنة الاضياف والعيال أو إعطائه لسائر الناس ، بل جاز دفعه مطلقا إلى الأطفال لارتفاع التكليف عنهم.

مضافا إلى ما فيه من إضافة المال.

على أن المستفاد من عدّة من الأخبار ثبوت المنع في المقام مثل ما دلّ على لزوم الإعلام في بيع الزيت أو السمن والعسل إذا مات فيه الجرد ، وما دلّ على عدم جواز بيع النجس من غير مستحلّي الميتة .. إلى غير ذلك.

واستشكل صاحب الحدائق (4) في المقام من جهة الأخبار المذكورة ، وملاحظة ما يستفاد من غيرها من الجواز ، مثل ما دلّ على عدم وجوب الإعلام في دفع الثوب الذي لا يصلّى فيه بل اشتمل على النهي من الإعلام ، وأقل مراتبه الكراهة.

وفحوى صحيحة العيص ، عن الصادق عليه السلام ، عن رجل صلّى في ثوب رجل أياما ، ثم إن صاحب الثوب أخبره بأنه لا يصلّى فيه ، قال : « لا يعيد شيئا من صلاته » (5).

فإن سكوته عن منع (6) الإعادة من دون الإعلام تقرير منه عليه السلام عليه ، فيشير إلى جوازه.

ص: 454


1- زيادة : « ثالثها » من ( د ).
2- ما بين الهلالين مأخوذة من ( د ) ، ولم ترد إلّا فيها.
3- ليس في ( د ) : « لما مرّ ، و ».
4- انظر الحدائق الناضرة 5 / 260.
5- الكافي 3 / 404 ، باب يصلى في الثوب وهو غير طاهر عالما أو جاهلا ، ح 1.
6- في ( ب ) : « المنع ».

ولا يذهب عليك ضعف ما ذكره ؛ إذ لا دلالة ظاهرة في شي ء من الخبرين على ما ذكره ، أما الأول (1) فلاحتمال إرادة الاستفهام سواء قرئ على صيغة المجرد أو المزيد ، بل هو المتعيّن على الأول. وحينئذ فلا دلالة فيها على عدم وجوب الإعلام ، ولا دلالة فيها ولا في الثانية من جهة التقرير ؛ إذ ليس السؤال مسوقا من تلك الجهة ، وإنما فرض السؤال عن شي ء آخر على فرض مخصوص ، فسكوت الإمام عن جواز وقوع ذلك الفرض بحسب الشرع وعدمه لا يومي إلى جوازه بوجه كما لا يخفى.

على أنّ غاية ما يدلّان عليه هو الجواز بالنسبة إلى الصلاة ، وليس فيها إغراء بالحرام الأصلي كما في أكل النجس أو شرب الخمر ونحوهما.

وقد عرفت الفرق بين المقامين ، فعلى فرض تسليم دلالتهما إنما يثبتان الأول دون الأخير ، فتأمل في المقام ؛ فإنه من مزالّ الإقدام.

ص: 455


1- في ( د ) : « الاولى ».

الفصل: في بيان المطهّرات

اشارة

الفصل (1)

في بيان المطهّرات

وهي أمور ، والعمدة منها الماء.

وقد تقدم الكلام في طهوريّته وكونه مزيلا للأحداث والأخباث ، وإنما الكلام في المقام في كيفية التطهير به وشرائطه.

تبصرة: [ في الاكتفاء بالمرة في غسل الأشياء ]
اشارة

الأكثر على الاكتفاء في غسل النجاسات على المرة المزيلة للعين إلا بالنسبة إلى البول وغسل الأواني على ما سيجي ء الكلام فيها.

وقد حكى الشهرة عليه في الحدائق (2).

وقد أفتى بذلك جماعة منهم الشيخ في المبسوط (3) ، ومنهم المحقق والشهيد الثاني في المسالك (4) والروضة (5) ، وابن فهد (6) وصاحب المدارك (7) والذخيرة (8) ، وغيرهم.

ص: 456


1- في ( د ) : « الفصل ».
2- الحدائق الناضرة 5 / 494.
3- المبسوط 1 / 37.
4- انظر مسالك الإفهام 1 / 131.
5- الروضة البهية 1 / 306 ، وانظر : روض الجنان : 167.
6- المهذب البارع 1 / 271.
7- مدارك الأحكام 2 / 337.
8- ذخيرة المعاد 1 / 162.

وقد أطلق الغسل في الإرشاد (1).

وحكي نحوه عن جمل العلم والنهاية (2) والخلاف (3) والسرائر (4) ، وظاهر الانتصار (5) والكشف.

ويدلّ عليه إطلاق طهورية الماء وإطلاق الغسل الوارد في كثير منها الصادق بالمرّة.

وعن المحقّق في المعتبر (6) اعتبار المرّة بعد إزالة العين ؛ للإطلاق.

وكأنّ الوجه فيه أنّه بعد زوال العين يكون المحلّ قابلا للطهارة فيعتبر جري الماء عليه مرّة حتى يعيد الطهارة. ولا حاجة إلى التكرير ؛ للإطلاق ولظاهر الخبر الآتي ، على ما ذكره في المعتبر (7) كما سيأتي الإشارة إليه.

ويضعّفه أن المطلوب إزالة العين بالماء ، فإذا حصل فبأيّ وجه حاجة إلى الغسل بعدها. والخبر ضعيف كما سنشير إليه.

وعن الشهيد في اللمعة (8) والألفية (9) والمحقق الكركي (10) أنّ حال باقي النجاسات حال البول.

وعن العلامة في التحرير (11) التفصيل بين ( ما له جرم وقوام كالمني ونحوه وما ليس كذلك ، فيعتبر التعدد في الأول دون الأخير.

ص: 457


1- ارشاد الاذهان 1 / 240.
2- انظر النهاية : 5.
3- انظر الخلاف 1 / 175.
4- السرائر 1 / 92. وانظر مسالك الإفهام 1 / 131.
5- الانتصار : 90.
6- المعتبر 1 / 462.
7- المعتبر 1 / 461.
8- اللمعة الدمشقية : 3.
9- الألفية : 49 - 50.
10- جامع المقاصد 1 / 173.
11- تحرير الأحكام 1 / 161.

وفي المنتهى (1) : إن ما له جرم وثخن كالمني ونحوه أولى بالمتعدد.

وعلّل الحكم في الذكرى (2) بأن نجاسة غير البول أشد.

وكأنه لما ورد في بعض الأخبار أنه بمنزلة الماء فيفيد تسهيل الأمر فيه بخلاف غيره.

مضافا إلى الأصل والاستصحاب.

ويضعّفه منع الأشدّية مطلقا لعدم الدليل عليه مع أن الدم يعفى عن قليله بخلاف البول.

وقد ورد في الاستنجاء أنه هل له حد؟ قال : « لا حتى ينقى ماثله » (3).

فدل على أن العبرة بمطلق الإزالة.

وقوله عليه السلام : « انما هو بمنزلة الماء » كأنه مسوق لبيان عدم الحاجة إلى الدلك نظرا إلى أنه لا قوام له ليحتاج معه إلى ذلك ، وكذا الحال في جعل المني أشد من البول لما فيه من غلظ القوام المفتقر في الإزالة إلى الدلك والفرك ، فلا إشارة في غيرهما إلى فروع التعدد بوجه.

ومنه يعرف الوجه في ضعف تفصيل العلامة.

وقد قوّاه بعض المتأخرين أولا ثم عدل عنه.

وأما بالنسبة إلى البول فالمعروف فيه اعتبار التعدد بالنسبة إلى الثوب والبدن. وعزاه في المعتبر (4) إلى علمائنا مؤذنا بالاتفاق عليه.

وفي الذخيرة (5) بأنّ عليه عمل الطائفة.

وفي المدارك (6) والكفاية (7) والبحار والحدائق : أنه المشهور.

ص: 458


1- منتهى المطلب 3 / 264.
2- الذكرى 1 / 124.
3- الكافي 3 / 17 ، باب القول عند دخول الخلاء وعند الخروج والاستنجاء ح 9 ، وفيه : « لا حتى ينقى مأثمة ».
4- المعتبر 1 / 435.
5- ذخيرة المعاد 1 / 163.
6- مدارك الأحكام 2 / 336.
7- كفاية الأحكام 1 / 64.

وحكي القول به عن الفاضلين (1) والشهيدين (2) والمحقق الكركي (3) وابن فهد (4) وغيرهم.

وعن المبسوط (5) أنه لا يراعى العدد في شي ء من النجاسات إلا في الولوغ فيفيد الاكتفاء بالمرة في البول أيضا.

وهو المحكي عن الشهيد في البيان (6). وهو قضية ما أطلق فيه الغسل من الكتب المذكورة.

وعن المنتهى (7) أنه أوجب أولا غسل الثوب مرتين ، ثم استقرب الاكتفاء بالمرة.

ونصّ في التذكرة (8) على اعتبار التعدد في البول إذا جفّ على الثوب. وقوّى في المدارك (9) و ( لم ) التفصيل بين الثوب وغيره ، فاعتبر التعدد.

وعن البحار (10) أن الأكثر على عدم الفرق بين الثوب والبدن في لزوم التعدّد.

وفي الحدائق (11) : إن وجوب المرتين في الثوب والبدن مما لم يظهر فيه خلاف بين الأصحاب إلا من صاحب المدارك و ( لم ).

قلت : وكأنه أراد عدم الفرق بين الأمرين ، وإلا فالقول بالاكتفاء بالمرة فيهما موجود في الأصحاب كما عرفت.

وكيف كان ، فالأقوى هو الأول للمعتبرة المستفيضة المعتضدة بالعمل والأصل

ص: 459


1- المعتبر 1 / 435 ، تحرير الأحكام 1 / 161.
2- اللمعة الدمشقية : 16 ، مسالك الإفهام 1 / 126.
3- جامع المقاصد 1 / 173.
4- المهذب البارع 1 / 238.
5- المبسوط 1 / 15.
6- البيان : 40.
7- منتهى المطلب 3 / 263.
8- تذكرة الفقهاء 1 / 80.
9- مدارك الأحكام 2 / 336.
10- بحار الأنوار 77 / 129.
11- الحدائق الناضرة 5 / 358.

والاستصحاب :

منها : الصحيحان عن البول مصيب الثوب قال : « اغسله مرتين » (1).

وفي حسنة ابن أبي العلاء سأل الصادق (عليه السلام) عن البول يصيب الجسد قال : صبّ عليه الماء مرّتين فإنّما هو ماء وسألته عن الثوب يصيبه البول قال : « اغسله مرتين » (2).

ونحوها ما رواه في مستطرفات السرائر (3) عن كتاب الجامع لابن أبي بصير قال : سألت .. إلى آخره.

والظاهر صحّة الخبر لأخذه عن نفس الكتاب.

وفي صحيحة محمد بن مسلم سألت الصادق عليه السلام عن الثوب يصيبه البول قال : « اغسله في المركن مرتين فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة » (4).

وفي صحيحة أبي إسحاق النحوي عن الصادق (عليه السلام) قال : سألته عن البول يصيب الجسد قال : « صبّ عليه الماء مرتين » (5).

وفي الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا (عليه السلام) : « فإن أصابك بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة ومن ماء راكد مرتين ثم اعصره » (6).

ومناقشة صاحبي المدارك و ( لم ) في إسناد ما دلّ على التعدد غير متجه في نفسه لاعتبار أسانيدها بل وفي صحتها في وجه قوي ، مضافا إلى اعتضادها بالعمل وبذلك.

يظهر الوجه فيما ذكراه من التفضيل وضعفه.

واحتج العلامة (7) للاكتفاء بالمرة مع الجفاف بأنّ معنى طهورية الماء هو إزالة النجاسة عن

ص: 460


1- تهذيب الأحكام 1 / 251 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح 9.
2- الكافي 3 / 55 ، باب البول يصيب الثوب أو الجسد ، ح 1.
3- مستطرفات السرائر : 557.
4- تهذيب الأحكام 1 / 250 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح 4.
5- تهذيب الأحكام 1 / 249 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح 3.
6- فقه الرضا عليه السلام : 95.
7- انظر منتهى المطلب 3 / 268.

ملاقيه ، فإذا صادف محلا قابلا للطهارة لخلوّه عن عين النجاسة أفاد التطهير.

وهو استناد إلى الإطلاق.

وبأنّ المطلوب من الغسل إزالة العين والأثر ، فإذا كان الأول حاصلا قبل الغسل كفت المرّة (1) للآخر.

ويشير إليه ما رواه في المعتبر (2) زيادة في حصة الحسين بن أبي العلاء بعد قوله عن الثوب يصيبه البول قال اغسله مرتين الأول للإزالة والثاني للإنقاء. ورواه عن الصادق مرسلا.

وفيه أنّ الأول استناد إلى الإطلاق وهو لا يقاوم النصوص المذكورة والثاني استنباط محض لا دليل عليه ) (3). وما ذكر من الزيادة غير موجود في شي ء من كتب الحديث كما اعترف به غير واحد منهم.

وكأنه من كلام المحقق ، فظنّ من تأخر عنه أنه من الرواية ، ولا أقلّ من الاحتمال الذي يسقط معه الاستدلال.

وما ورد في بعض الصحاح وغيرها من إطلاق الأمر بغسل البول محمول على ذلك ؛ حملا للمطلق على المقيّد.

وكأنه مستند من اكتفى بالمرّة ، مضافا إلى سائر الإطلاقات ، وأن المقصود إزالة العين. وقد حصل بالمرة. ولا يخفى ضعف الجميع.

[ تنبيهات ]

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

الأول : هل يعتبر في ما اعتبرناه من التعدد من حصول الفصل حسّا بين الغسلتين أو يكتفى فيه بالتقدير بأن يكون مقدار جريان الماء عليه على قدر حصول الغسلتين أو يعتبر

ص: 461


1- في ( ألف ) : « لمرة ».
2- المعتبر 1 / 435.
3- ما بين الهلالين من قوله « ما له جرم » إلى هنا ليس في ( ألف ) ، وأدرجناها من ( د ) لأصحّيّتها.

معه (1) أيضا مقدار الفصل بينهما أيضا؟ وجوه :

الأول : ظاهر كثير من الأصحاب ، وقد صرّح به جماعة منهم كالشهيد الثاني (2) وصاحب الحدائق (3) وغيرهما ، والثاني مختار الشهيد في الذكرى (4).

وإلى الثالث يميل ظاهر كلام السيد في المدارك (5).

وفي المعالم ، عن جماعة من الأصحاب إلى (6) الاكتفاء في المرتين بالتقدير ، فلو اتصل الصبّ على وجه لو انفصل لصدق العدد حسّا. ولعلّه يشير إلى إجزاء الوجه الثاني ، والأظهر الأول ؛ أخذا بظاهر الأدلة ، لعدم صدق التعدد عرفا من دونه ، وإن (7) طالت مدة الجريان.

ودعوى الأولوية فيه ممنوعة ، والقول بأنّ فوات الغسل في زمان الانقطاع إن لم يوجب نقصا فلا يوجب زيادة في تأثير الطهارة استبعاد محض. ومع صحة الاستناد إليه فالأظهر هو القول الثاني ، دون الثالث ؛ إذ لا دخل لمراعاة زمان القطع بعد العلم بالمناط.

وفي زيادة المعتبر (8) في حسنة أبي العلاء إشارة إليه إلا أنك قد عرفت أن كونه من كلام الإمام عليه السلام غير معلوم ، فالأقوى ما (9) استظهرناه ؛ عملا بالأصل السالم عن المعارض.

وقد ظهر مما قرّرناه الوجه الثالث وضعفه.

ثم لو وضع عليه حائل عن وصول الماء إليه فالظاهر الاكتفاء به في حصول التعدد وإن لم ينقطع جرى الماء عليه.

ص: 462


1- في ( ألف ) : « تبعه ».
2- الروضة البهية 1 / 305.
3- الحدائق الناضرة 5 / 361.
4- الذكرى 1 / 128.
5- مدارك الاحكام 2 / 339.
6- ليس في ( د ) : « إلى ».
7- زيادة : « وإن » من ( د ).
8- المعتبر 1 / 435.
9- في ( ب ) : « مما ».

وهل يعتبر فيه تساقط الماء المنصبّ أوّلا ليتبعه الثاني أو يكتفى بمجرد صدق الصبّين؟ وجهان ، أحوطهما الأول.

الثاني : في جريان حكم التعدد في البول بالنسبة إلى غير الثوب والبدن قولان ، أظهرهما ذلك.

وهو المحكي عن جماعة من الأصحاب ؛ أخذا بفحوى الأخبار المذكورة المؤيّدة بالأصل والاستصحاب.

فذكر خصوصهما في الأخبار من جهة اختصاص السؤال. وكأنّه لكونه الغالب ؛ إذ وقع السؤال عنها على سبيل التمثيل.

واختار صاحب الحدائق (1) الاكتفاء بالمرة المزيلة لخروجه عن مدلول الأخبار الدالّة على اعتبار التعدد ، فيبنى فيه على سائر الإطلاقات.

ويضعّفه ما عرفت من اتحاد المناط ، وعدم ظهور خصوصية لمورد السؤال ، فيستظهر منها أن ذلك هو طريقة تطهير البول كما فهمه الأكثر. مضافا إلى اعتضاده بما عرفت من الأصل والاستصحاب وطريقة الاحتياط.

الثالث : هل يعتبر أن يكون أحد الغسلتين بعد زوال العين سواء رفضا (2) معا بعده كما إذا زالت العين بغير الماء أو حصلت الإزالة بواحد منهما أو ببعضه ثم تعطيه (3) الآخر أو يكتفى بحصول الإزالة بالغسلتين سواء لم يكن هناك تمكّن أصلا أو كانت وأزيلت ببعض الغسلة الأولى أو بتمامه ، ولو مع بعض من الغسلة التامة أو بتمامها؟ وجهان ، أظهرهما الأول ؛ للأصل ، والاستصحاب ، وظاهر الأخبار المذكورة ؛ إذ الظاهر منها زوال العين بالصبّة الأولى ، ولبقاء العين القاضية باعتبار التعدد.

الرابع : ما ذكرناه من اعتبار المرتين إنما هو في غير مخرج البول بالنسبة إلى البول الخارج

ص: 463


1- الحدائق الناضرة 5 / 363.
2- في ( د ) : « وقعتا ».
3- في ( د ) : « تعقبه ».

منه وأما بالنسبة إليه فالأظهر فيه الاكتفاء بالمرة ؛ وفاقا لجماعة من الأصحاب. وقد تقدم الكلام فيه.

الخامس : هل يجري حكم البول بالنسبة إلى المتنجس به أو يجري فيه حكم سائر النجاسات؟ وجهان ، أحوطهما ذلك جريا فيه حكم أصله كالمتنجس بغيره ، وعدم ظهور إطلاق واضح يقضي بالاكتفاء فيه بالمرة ، مضافا إلى استصحاب الحالة السابقة.

السادس : لو أصابه نجاسة وشكّ في كونه بولا أو غيره ، ففي لزوم التعدد أخذا باستصحاب النجاسة أو الاكتفاء بالمرة لأصالة عدم لزوم الزائد وجهان أوجههما الأول ؛ إذ لزوم الغسل من باب المقدمة ، والمطلوب هو الطهارة ، فمع الشكّ في حصولها يبنى على عدمها.

ص: 464

تبصرة: [ في اعتبار العصر ]

المعروف بين الأصحاب اعتبار العصر فيما ينفذ فيه الغسالة من الثياب ونحوها ، فلو لم يعصره حتى جفّ بالشمس أو الهواء بقي على نجاسته.

وفي المعتبر (1) : إنه مذهب علمائنا.

وفي الحدائق (2) : إنه لا خلاف فيه يعرف.

وقد حكي ذلك عن الصدوق والحلي والفاضلين (3) والشهيدين (4) وغيرهم.

وعن غير واحد من المتأخرين كصاحب الذخيرة (5) والبحار (6) حكاية الشهرة عليه.

وفي المدارك (7) قطع به المصنف وأكثر الأصحاب. وقد أطلق الغسل من غير تعرّض للعصر في عدة من كتب الشيخ.

وقد نصّ في الخلاف (8) على أن الصبّ على الشي ء إغماره بالماء ، والغسل صبّ الماء ينزل عنه.

ص: 465


1- المعتبر 1 / 435 ، وانظر : اللمعة الدمشقية : 16 ، روض الجنان : 167.
2- الحدائق الناضرة 5 / 365 ، وانظر : ذخيرة المعاد 1 / 161.
3- تحرير الأحكام 1 / 161.
4- اللمعة الدمشقية : 16 ، روض الجنان : 167.
5- ذخيرة المعاد 1 / 161.
6- بحار الأنوار 77 / 130.
7- مدارك الأحكام 2 / 326.
8- الخلاف 1 / 183.

وعن الحدائق (1) والسرائر (2) : أنّ حقيقة الغسل إجراء الماء على المحل المغسول ، ولا منافاة في شي ء من ذلك لاعتبار العصر إلا أن عدم ذكره بالخصوص شاهد على عدم اعتباره سيّما في الأخيرين ؛ لتفسير الغسل بما ذكر من غير أخذ العصر فيه إلا أن ينزّل ذلك بالنسبة إلى غير ما ينفذ فيه الغسالة من المتنجسات.

وعن المحقق الأردبيلي (3) القول بعدم وجوب العصر. وقوّاه تلميذه في المدارك (4) إلا إذا توقّف عليه إخراج النجاسة. والوجه اعتبار العصر فيما يغسل بالقليل.

ويستدلّ عليه بوجوه :

الأول : إن الماء القليل يتنجّس بملاقاة النجس (5) ، وغاية ما دلّ الدليل على طهر المحل به وطهر ما يتخلف منه فيه إنما هو فيما إذا أخرج بالعصر ، وأما إذا بقي فيه فالأصل بقاؤه على النجاسة. والمناقشة في نجاسة الغسالة ضعيفة كما مرّ.

وما يقال من أن العصر لا يعتبر فيه إخراج (6) حينئذ (7) جميع الرطوبة التي في الثوب ، وقد اعترف الأصحاب بطهارة المتخلف وإن أمكن إخراجه بعصر أشدّ فهو لا يومي إلى طهارة الغسالة أصلا ، ولا يقضي بسقوط اعتبار العصر رأسا ، فذكر ذلك في المقام - كما في كلام بعض الأعلام - مما لا يعقل فيه فائدة لبيان المرام.

والقول بقضاء الإطلاقات بطهارة المحل بعد الغسل ، وهي تستلزم طهارة المتخلف منها عنه وإن خلا عن العصر مدفوع بأن شمول الإطلاقات لذلك غير واضح ؛ نظرا إلى أن الطريقة المعتادة في غسل الثياب ونحوها - ولو عن القذارات الغير الشرعية - هو ما إذا كان مع العصر ،

ص: 466


1- الحدائق الناضرة 5 / 478.
2- السرائر 1 / 91 ، ولم يذكر في ( ألف ).
3- مجمع الفائدة 1 / 333.
4- مدارك الأحكام 2 / 326.
5- في ( د ) : « النجاسة ».
6- في ( ألف ) : « اجزاء ».
7- ليس في ( د ) : « حينئذ ».

فلا يبعد انصراف الإطلاقات (1) إليه ولا أقل من الشكّ ، فلا يبقى وثوق بالإطلاق ليحكم من جهته بطهارة المحل وطهارة الماء الملاقي للنجاسة ، مع قيام الدليل على تنجسه بملاقاة النجاسة.

والقول بعدم انحصار طريق الإخراج في العصر لحصوله أيضا بالجفاف فاسد ؛ إذ المتيقّن من الأدلة حصول الطهارة مع إخراجه بالعصر ، مضافا إلى ما في الجفاف من طول بقاء المتنجس فيه.

وقد يتأمّل في الحكم فيما إذا لم يعصر الثوب إلا بعد زمان طويل ، فإن طهره مع عصره حينئذ (2) مشكل ؛ لخروجه عن المعتاد وقضاء الأصل بالنجاسة ، ولو فرض جفافه في زمان أقل من العصر أو مساو له فلا ، فالظاهر أنه غير مجد فيه ؛ لما عرفت من خروجه عن المعتاد ، ولزوم الاقتصار على القدر المعلوم.

كيف ، ومع انعدام الماء بالجفاف لا يعدّ ذلك في العرف من التطهير بالماء ؛ إذ المفروض عدم حصول الطهارة بمجرّد صبّ الماء وبعده ليستند التطهير إلى الجفاف دون الماء ؛ لخروج الماء به عن المائية ، وانقلابه إلى الهواء.

وهذا بخلاف العصر كما لا يخفى بعد ملاحظة العرف.

الثاني : اعتباره في مسمّى الغسل في مثل ذلك أو بدونه إنما يعدّ صبّا لا غسلا كما نصّ عليه في المعتبر (3) ومنتهى المطلب (4).

ويشير إليه مقابلته إليه (5) في عدة من الأخبار كصحيحة الحسين بى أبي العلاء أو حسنته ، فإن التعبير عنه بالصبّ بالنسبة إلى الجسد والغسل بالنسبة إلى الثوب يومي إلى مغايرة الغسل في الثوب للصبّ المذكور في الجسد.

ص: 467


1- في ( ب ) و ( د ) : « الإطلاق ».
2- في ( د ) زيادة : « أيضا ».
3- المعتبر 1 / 435.
4- منتهى المطلب 1 / 159.
5- في ( د ) : « به ».

ويشكل بأن لفظ « الغسل » ليس من الألفاظ المتشرعة كسائر الألفاظ مما يرجع في معناه إلى العرف ، وقد انتقل معناه في كثير من كتب اللغة إلى العرف لوضوحه وعدم خروجه في العرف عن معناه الأصلي ، وبعد الرجوع إليه لا يعرف وجه لاعتبار العصر فيه ، بل الظاهر خلافه.

غاية الأمر اعتبار تجاوز الماء عنه في الجملة كما مرّ في تحديد الشيخ والحلي ، وهو أعمّ من العصر.

وبه يفرق بينه وبين مطلق الصبّ ، بل قد يتأمل أيضا في ذلك لعدم اعتباره شرعا وعرفا في الغسل بالكثير ، بل مجرد إدخاله فيه واستيلائه عليه يعدّ غسلا إلا أن يقال بحضور التجاوز مع الكثرة وإن لم يحسن به.

وفيه : أنه غير لازم ، بل يقطع (1) بخلافه كما إذا وضع الثوب المتنجس في الكثير ورفع من حينه أو وضع كرّ من ماء على ثياب كثيرة بحيث يجري الماء فيها من دون زيادة ، فإنّ الظاهر حصول الطهارة بذلك إذا خلّي المحل عن غير النجاسة ، والقول بعدم الملازمة بينه وبين حصول الغسل بعيد جدا ، بل ولا وجه له أصلا.

هذا ، وقد يقال بأن المتعارف في غسل الثياب ونحوها من القذارات أو النجاسات هو ما كان مع العصر ، فينصرف إليه الإطلاقات ، ولا أقل من الشكّ في ذلك الباعث على لزوم مراعاة الاحتياط فيه ؛ لأصالة بقاء النجاسة إلا فيما ثبت عدم اعتباره فيه.

الثالث : اعتباره في غير واحد من الأخبار كالحسنة المذكورة ، وفيها : عن (2) الصبي يبول على الثوب ، قال : « يصبّ عليه ثم يعصره » (3).

والقول بمتروكيّته لعدم وجوب العصر في بول الصبي يدفعه أنها محمولة على الصبي المتغذي بالطعام ، والاكتفاء بالصبّ إنما هو في المتغذي به ، فيحمل المطلق على المقيّد ، وهو لا

ص: 468


1- في ( د ) : « قد يقطع ».
2- في ( د ) : « وعن ».
3- الكافي 3 / 55 ، باب البول يصيب الثوب أو الجسد ، ح 1.

يقضي بمتروكية الرواية ، وإلا لم يصحّ الاستناد إلى شي ء من الإطلاقات.

وفي الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السلام : « فإن أصابك بول في ثوبك فاغسله في ماء جار مرة ومن ماء راكد مرتين ثم اعصره » (1).

والقول بأن ظاهر وجوب العصر في الكرّ وليس العمل عليه مدفوع بإمكان حمله على القليل ؛ إذ هو الغالب في التطهير بالمياه الراكدة.

هذا ، ولا يذهب عليك أن الوجوه المذكورة وإن لم يخل كل (2) منها من مناقشة إلا أنه بعد انضمام بعضها إلى البعض - مع الاعتضاد بالأصل والاستصحاب [ و ] عمل الأصحاب وظاهر الإجماع المحكي - لا ينبغي التأمل في الحكم ، وبه يظهر ضعف القول الآخر المستند إلى مجرد الإطلاقات.

وقد يستدلّ عليه أيضا بتوقف إزالة عين النجاسة على العصر. وهو ضعيف جدّا ؛ إذ لا تأمل إذن في اعتباره ، ومحل البحث فيما إذا حصلت الإزالة من دونه أو كان المحل خاليا عن عين النجاسة ، وهو ظاهر.

[ تنبيهات ]

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : أنه هل يعتبر تعدّد العصر فيما يتعدد فيه الغسل أو يكتفى فيه بعصر واحد بين الغسلتين أو بعدهما؟ وجوه بل أقوال ، فالأول محكي عن الحلي والمحقق [ .... ] (3)

ص: 469


1- فقه الرضا عليه السلام : 95.
2- في ( ب ) زيادة : « واحد ».
3- هنا في ( د ) مكتوب : « بياض الأصل ، الى هنا وجد بخطه الشريف ». ولم يوجد في النسختين الأخريين أيضا.

ص: 470

كتاب الصّلاة

اشارة

ص: 471

ص: 472

كتاب الصلاة

وهي العبادة المعروفة المشترط صحتها بالطهارة. وهي لوضوحها غنيّة عن التحديد.

ووضعها لهذا المعنى إما في اللغة حيث ذكرها بعضهم في عداد المعاني اللغوية أو في هذه الشريعة الطاهرة أو في الشرائع القديمة ، وإنما طرياها الاختلاف في الكيفية القاضي باختلاف المصداق دون نفس الحقيقة كاختلاف أنواعها في هذه الشريعة بحسب اختلاف الحالات الطارية حتى أنها تصدق على التكبيرات الأربعة في صلاة المطاردة.

وحيث لا يتعلق بذلك غرض (1) يعتد به فلا جدوى للتعرض له. والظاهر عدم شمولها لصلاة الأموات كما هو ظاهر من الرجوع إلى الاستعمالات.

ويشهد به ظواهر الروايات ، ويومي ذلك إلى كونه مجازا فيها إلا أن التزام المجازية فيها بعيد جدا ، كيف وهذا المعنى أيضا من المعاني الجديدة المخترعة من صاحب الشريعة التي بها البليّة.

ويستند إليها الحاجة كسائر العبادات المتداولة ، وقد استعملها الشارع فيه ، وشاع استعمالها فيه عند المتشرعة ، فإما أن يقال بحصول الوضع بالنسبة إليها حال التقييد كما يقال ذلك في لفظ « الماء » بالنسبة إلى المياه المضافة أو ثبوت الوضع لها حال الإطلاق أيضا لتكون مشتركا بين المعنيين.

إلا أنها أظهر في الأولى من جهة الغلبة وشيوع الاستعمال.

وقد يقال بوضعها للأعم من المعنيين كما يظهر عن جماعة من الأصحاب. وهو بعيد.

ص: 473


1- في ( ألف ) : « عمن ».

وحيث إن الإطلاق ينصرف إلى الأول ، ولا يراد به الثاني إلا بعد قيام الدليل عليه ، فلا يترتب على الكلام فيه ثمرة مهمة في المقام.

ثم إن الصلاة من أعظم أركان الشريعة ، وهي في نفسها أفضل الطاعات بعد المعارف الإيمانية ، وإن ترجّح عليها غيرها لبعض الجهات الخارجية ، والأخبار في فضلها (1) وعقاب (2) تاركها متواترة.

وهي واجبة ومندوبة ، والواجبة ستّ : اليومية والجمعة والعيديّة والآئيّة والطوافية والالتزامية بنذر وشبهه.

فهاهنا أبواب :

ص: 474


1- انظر الكافي 3 / 264 ، باب فضل الصلاة.
2- انظر المحاسن 1 / 79 باب عقاب من تهاون بالصلاة.

الباب الأول: في اليومية

اشارة

ويندرج فيها الأدائية والقضائية ، عن نفسه أو غيره كالأب فيما يتحمّله عنه ، أو ما يوقعه عن الميت على جهة الشرع.

ويتبعها صلاة الاحتياط.

ووجوبها وأعدادها وأعداد ركعاتها مما قام عليه ضرورة الدين ، فلا جدوى للتعرض لها.

والكلام فيها مورد في فصول :

الفصل الأول : في المقدمات
اشارة

وقد تقدّم شطر منها في كتاب الطهارة ، والتي نذكر منها هنا خمس : الوقت والمكان واللباس والقبلة والأذان والإقامة.

القول : في الوقت

واعتباره أداء في كل من اليومية موسعة مما قام عليه إجماع المسلمين ، بل هو في الجملة من ضروريات الدين.

ص: 475

تبصرة: [ في وقت الفرائض اليومية ]

أوقات الفرائض اليومية موسّعة على المعروف من المذهب ، بل لا خلاف فيه سوى ما يعزى إلى ظاهر المفيد من القول بلزوم التعجيل في أول الوقت ، فإن أخّرها وأدّاها عفي عنه وإلّا كان مضيّقا لها.

وذكر الشيخ (1) أن في أصحابنا من قال : يجب في أول الوقت وجوبا مضيّقا إلا أنّه متى لم يفعله لم يؤاخذ به عفوا من اللّه تعالى. وهو مع كونه خلافا في أصل التوقيت لا دليل عليه ، بل مخالف للأخبار المتظافرة المطابقة لفتوى الأصحاب ، بل الإجماع لانعقاد اتفاق الفرقة عليه بعد ذلك.

وكأنّ المستند في ذلك - إن حمل على ظاهره - بعض ظواهر الروايات.

وهي بعد تسليم دلالتها على ذلك محمولة على المبالغة في تأكّد استحباب المبادرة.

وقد يجعل مستنده في ذلك الشبهة المعروفة في الواجب الموسع ، فخصّ الأول بالتوقيت.

وانطباق عبارته عليه محل تأمل.

على أن تلك الشبهة في غاية من الركاكة يجلّ ذلك الجليل عن الركون إلى مثلها. وقد يبعد حمل كلامه على إرادة اختصاص الوقت الثاني بالمعذور ، فلا يجوز لغير التأخير إليه كما سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

ولكلّ صلاة منها وقتان بلا خلاف يظهر ، سوى ما حكاه بعضهم (2) قولا من أن للمغرب وقتا واحدا ، وهي محمولة على المبالغة ؛ للإجماع والأخبار المتكاثرة بل المتواترة الدالّة على

ص: 476


1- الخلاف 1 / 276.
2- انظر مدارك الأحكام 3 / 31.

خلافه ، وما في المستفيضة من أن « وقت المغرب حين غيبوبة الشمس » (1) لا دلالة فيها على الاختصاص.

ثم إن الأول منها للفضيلة والثاني للإجزاء. وعليه معظم الأصحاب ، بل الظاهر إطباق المتأخرين عليه عدا شذوذ من متأخريهم ؛ إذ هو الذي يظهر من ملاحظة مجموع الأخبار ، بل لا ينبغي التأمل فيه بعد إمعان النظر فيها وملاحظتها بعين الاعتبار.

فما دلّت عليه من الأخبار ما دلّ على أفضلية الوقت الأول كالصحيح : « لكلّ صلاة وقتين وأول الوقت أفضلهما ».

ونحوها صحيحة أخرى ، وفيها : « وأول الوقتين أفضلهما » (2) فإن الحكم بالأفضلية قاض بجواز اختيار الآخر من القول بأنه أعم من ذلك لصحة الحكم بأفضلية فعل المختار من فعل المضطرّ (3) مدفوع بأنه مخالف لظاهر الإطلاق كما ينادي به العرف.

ولا يأبى ذلك عن التصريح بخلافه كما هو الشأن في سائر الظواهر.

ومنها : ما ورد في بيان الوقت ، فيدلّ بظاهره على استمرار الوقت مطلقا إلى الوقت الأخير كرواية عبيد بن زرارة : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعا إلا أن هذه قبل هذه ، ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس » (4).

وفي روايته الأخرى في قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (5) : « إن اللّه افترض أربع صلوات أول وقتها زوال الشمس إلى انتصاف الليل منها صلاتان أول وقتهما من أول زوال الشمس إلى غروب الشمس إلا أن هذه قبل هذه » (6).

ص: 477


1- الهداية : 130.
2- الإستبصار 1 / 277 ، باب وقت صلاة الفجر ، ح 14.
3- في ( ألف ) : « المفطر ».
4- الإستبصار 1 / 246.
5- الإسراء : 78.
6- الإستبصار 1 / 261 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 13.

وذكر نحوه بالنسبة إلى المغرب والعشاء (1).

وفي مرسلة داود بن فرقد : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر » إلى أن قال : « فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّى أربع ركعات » (2).

وذكر نحوه في العشاءين بالنسبة إلى انتصاف الليل كما سيجي ء الإشارة إليه.

ولا يخفى أن قضية التوقيت كذلك جواز التأخير إلى آخر الوقت ، والقول بأنه أعم من ذلك كما ذكره البعض بين الوهن ؛ إذ هو مخالف للإطلاق المذكور ، وقابلية الإطلاق للتصريح بما ذكر لا ينافي ظهوره فيما قلنا دفع الإطلاق.

وأوضح منها في الدلالة القويّ (3) : « أحب الوقت إلى اللّه عزوجل أوله حين يدخل وقت الصلاة فصلّ (4) الفريضة ، فإن لم تفعل فإنك في وقت منها حتى تغيب الشمس » (5).

فإنّ سياقه كالصريح في جواز التأخير إلى آخر (6) الوقت.

وفي الصحيح : « إن من الأشياء أشياء موسعة وأشياء مضيّقة ، فالصلاة مما وسّع فيها تقدم مرة وتأخر أخرى والجمعة مما ضيق فيها » (7).

وفي رواية معاوية : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إذا زالت الشمس في طول النهار للرجل أن يصلي الظهر والعصر؟ قال : « نعم وما أحب أن يفعل ذلك في كل يوم » (8).

وروى زرارة في الصحيح وغيره في قوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً

ص: 478


1- الاستبصار 1 / 262 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح 2.
2- الإستبصار 1 / 261 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 11.
3- في ( ب ) : « القول ».
4- ليس في ( ألف ) : « فصلّ ».
5- الإستبصار 1 / 261 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 10.
6- لم ترد في ( ب ) : « آخر ».
7- الكافي 3 / 274 ، باب المواقيت أولها وآخرها وأفضلها ، ح 2.
8- تهذيب الأحكام 2 / 247 ، باب المواقيت ح 17.

مَوْقُوتاً ) (1) قال : « موجبا ، إنما يعني بذلك وجوبها على المؤمنين لو كان كما يقولون لهلك سليمان بن داود حتى توارت بالحجاب لأنه لو صلّاها قبل أن تغيب لكان وقتا » (2).

وفي رواية ربعي : « إنا لنقدم ونؤخر وليس كما يقال : من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك ، وإنما الرخصة للناسي والمريض والمدنف والمسافر والنائم في تأخيرها » (3).

وكأنّ قوله « وإنما الرخصة » إلى آخره ، من تتمة « من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك ».

وفي هاتين الروايتين إشارة إلى التوسعة في أمر الصلاة وأن التضيق إنما هو من أقوال أهل الخلاف ، فيتمّه احتمال التقية في الأخبار المخالفة.

وعن اسماعيل بن همام ، قال : رأيت الرضا عليه السلام وكنّا عنده لم يصلّ المغرب حتى ظهرت النجوم ، ثم قام يصلّي بنا عند باب دار أبي محمود » (4).

وعن داود الصرمي قال : كنت عند أبي الحسن الثالث عليه السلام يوما فجلس يحدّث حتى غابت الشمس ثم دعا بشمع وهو جالس يتحدّث ، فلما خرجت من البيت نظرت وقد غاب الشفق قبل أن يصلي المغرب ، ثم دعا بالماء فتوضأ وصلّى » (5).

وكون التأخير لأجل الحاجة الضرورية خلاف ظاهر الرواية ، وكأنه لأجل بيان الحكم أو لجهة أخرى مرجّحة ، فلا يلزم صدور ترك الأولى منه عليه السلام.

إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع في الأخبار ، مضافا إلى ظاهر الكتاب سيّما بعد تفسيره في الأخبار.

ولا يعارضها ما دلّ بظاهره على عدم جواز التأخير لغير المعذور كصحيحة (6) عبد اللّه بن

ص: 479


1- النساء : 103.
2- علل الشرائع 2 / 605.
3- الإستبصار 1 / 262 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 14.
4- الإستبصار 1 / 264 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 15.
5- الإستبصار 1 / 264 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 16.
6- في ( ألف ) : « لصحيحة ».

سنان ، وفيها : « وليس لأحد أن يجعل (1) آخر الوقتين وقتا إلا من عذر من غير علة » (2).

ورواه الشيخ عنه باختلاف في اللفظ وزيادة.

وفيه أيضا : « وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من عذر أو علة » (3).

وفي الخبر : فقلت : لو أن رجلا صلّى الظهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام كان عندك غير مؤدّ لها؟ فقال : « إن كان فعل ذلك ليخالف السنة والوقت لم يقبل منه كما لو أن رجلا أخّر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس مثلا من غير علة لم يقبل منه. إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقّت الصلوات المفروضات أوقاتا وحدّ لها حدودا في سنّة للناس ، فمن رغب عن سنّة الموجبات كان كمن رغب عن فرائض اللّه تعالى (4) ».

وفي المرسل المروي في تفسير القمي عن الصادق عليه السلام في قول اللّه عزوجل ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ) (5) قال : « تأخير الصلاة عن أول وقتها لغير عذر » (6).

وفي المرسل : « أول الوقت رضوان اللّه وآخره عفو اللّه ، والعفو لا يمكن إلّا عن ذنب » (7).

وفي الفقه الرضوي يروي : « إنّ لكل صلاة ثلاثة أوقات : أول ووسط وآخر ، فأول الوقت رضوان اللّه تعالى ووسطه عفو اللّه وآخره غفران اللّه ، وأول الوقت أفضله ، وليس لأحد أن يتّخذ آخر الوقتين وقتا ، إنّما جعل آخر الوقت للمريض والمقبل والمسافر » (8).

إلى غير ذلك من الأخبار ؛ أو هي في مقام الجمع محمولة على شدة استحباب المواظبة على الوقت الأول.

ص: 480


1- في ( ألف ) : « يحتمل ».
2- الكافي 3 / 274 ، باب المواقيت أولها وآخرها وأفضلها ح 3.
3- الإستبصار 1 / 277 ، باب وقف صلاة الفجر ح 14.
4- الإستبصار 1 / 258 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 1 ، وفيه : « إن كان تعمّد ذلك ليخالف السنة ».
5- الماعون : 4.
6- تفسير القمي 2 / 444.
7- من لا يحضره الفقيه 1 / 217 ، باب مواقيت الصلاة ، ح 651.
8- فقه الرضا عليه السلام : 71 ، وفيه : « وليس لأحد أن يتخذ آخر الوقت وقتا ».

وقد ورد في الرواتب اليومية وغيرها من المندوبات نظير ذلك ، بل ما هو أعظم منه في مقام التأكيد في الحنث كما لا يخفى على المتتبّع في الأخبار.

مضافا إلى قيام بعض الشواهد فيها على ذلك كتقييد التأخير بقصد مخالفة السنّة والوقت كما في بعض الأخبار المذكورة.

وروى عمر بن يزيد ، عن الصادق عليه السلام أنه سأله عن وقت المغرب؟ قال : « إذا كان أرفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل » (1).

فإنّ سياق الرواية صريح في أن مبنى الأمر في ذلك على الندب حتى أنّه بمجرد ذلك يرتفع الوجوبان أو تأكده مع ما ورد من التأكيد في أمر المغرب ، فثبت ذلك في غيرها بالأولى.

وفي رواية أخرى له عنه عليه السلام : « أكون مع هؤلاء وأنصرف من عندهم عند المغرب فآمر بالمساجد فأقيمت الصلاة ، فإن أنا نزلت أصلي معهم لم أستمكن من الأذان والإقامة وافتتاح الصلاة؟ فقال : « ائت منزلك وانزع ثيابك إن أردت أن تتوضأ فتوضأ وصلّ فإنك في وقت إلى ربع الليل » (2).

ودلالتها على ما ذكر كما لسابقه ، بل هي أوضح منها في الدلالة.

وفي التأكيدات الواردة في المواظبة على الوقت الأول إشارة إلى ذلك كالصحيح : « الصلوات المفروضات في أول وقتها إذا أقيم حدودها أطيب ريحا من قضيب الآس حين يؤخذ من شجرة في طيبه وريحه وطراوته ، فعليكم بالوقت الأول » (3).

وفي صحيحة أخرى : « اعلم أن أول الوقت أبدا أفضل فعجّل الخير ما استطعت » (4).

وعن الصادق عليه السلام : « لفضل الوقت الأول على الآخر خير للرجل من ولده وماله » (5).

ص: 481


1- الإستبصار 1 / 267 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 25.
2- تهذيب الأحكام 2 / 31 ، باب أوقات الصلاة وعلامة كل وقت منها ، ح 42.
3- ثواب الأعمال : 36.
4- الكافي 3 / 274 ، باب المواقيت أولها وآخرها وأفضلها ، ح 8 وفيه : « فعجل بالخير ».
5- الكافي 3 / 274 ، باب المواقيت أولها وآخرها وأفضلها ، ح 7.

وفي خبر آخر : « إن أفضل الوقت على الآخر كفضل الدنيا على الآخرة » (1).

وعن أبي سلام العبدي قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقلت له : ما تقول في رجل يؤخر العصر متعمدا؟ قال : « يأتي يوم القيامة موتورا أهله وماله » ، قال : قلت : جعلت فداك! وإن كان من أهل الجنة؟ قال : « وإن كان من أهل الجنة ». قال : قلت : فما منزلته في الجنة؟ قال : « موتور أهله وماله يتضيف أهلها ليس له فيها منزل » (2).

وقد روى أبو بصير عن الصادق عليه السلام : « إنّ من صلى صلاة العصر فأخّرها حتى تصعر الشمس وتغيب ليس له أهل ولا مال في الجنة » (3).

ورواه أيضا عن الباقر عليه السلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

فإنّ سياق هذه الأخبار ظاهر في الاستحباب سيما الأخبار الأخيرة ، فإن ذكر كونه باعثا على نقص بعض النعم في الجنة في مقام الحث عليه كالصريح في عدم الحرمة.

ويؤيّد ما ذكرناه فهم الأصحاب وموافقتها لظاهر الكتاب كما مرّ ومخالفتها لمعظم العامة وموافقة المنع لمذاهبهم. مضافا إلى الأصل ؛ إذ ليس نزاع النازع إلّا في المنع لا في اشتراط العمل لما عرفت من الاتفاق على الأدائية إلّا من ظاهر البعض.

وهو مدفوع بصراحة النصوص في خلافه.

وفي الأعذار المجوّزة للتأخير من السفر والمطر والمرض وشغل يضرّ تركه بدينه أو دنياه ، كما ذكره في المبسوط (4) ، ويقتضيه إطلاق العذر الوارد في الأخبار ، بل مقتضاه أعمّ من ذلك إشارة إلى ما ذكرناه ؛ إذ لو كان الأمر مبنيّا على الوجوب لما اكتفى في تركه بأدنى شي ء من

ص: 482


1- الكافي 3 / 274 ، باب المواقيت أولها وآخرها وأفضلها ، ح 7 وفيه : « كفضل الآخرة على الدنيا ».
2- ثواب الأعمال : 231 وفيه : « يؤخر صلاة العصر متعمدا؟ ».
3- المحاسن 1 / 83 والرواية فيه : عن أبي بصير قال : قال أبو جعفر عليه السلام : « ما خدعوك عن شي ء فلا يخدعوك في العصر صلها والشمس بيضاء نقية فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : الموتور أهله وماله المضيع لصلاة العصر ما قلت : وما الموتور أهله وماله؟ قال : لا يكون له في الجنة أهل ولا مال. قلت : وما تضييعها؟ قال : يدعها واللّه حتى تصفر الشمس وتغيب.
4- المبسوط 1 / 72.

الأعذار مضافا إلى الشهرة العظيمة بين الأصحاب وفهمهم ذلك من روايات الباب ، بل حكى عليه في الغنية (1) والسرائر (2) الإجماع.

وقد عزي القول به إلى الإسكافي والسيد (3) والديلمي وابن زهرة (4) والحلي (5) والفاضلين (6) والآبي وقوم من أصحاب الحديث. واختاره عامة المتأخرين إلا من شذّ.

وقد تبيّن مما قرّرناه ضعف القول بكون أحد الوقتين للمختار والآخر للمعذور والمضطرّ ، كما عن جماعة من القدماء منهم الشيخان (7) والقاضي (8) والحلبي (9) والطوسي (10).

وقوّاه من المتأخرين صاحب المفاتيح ، واختاره صاحب الحدائق (11) ؛ أخذا بظواهر الأخبار الأخيرة وما بمعناها.

وقد عرفت ما فيه.

وقد يحمل كلام جماعة من هؤلاء على ما يوافق المشهور ، فقد نصّ الشيخ في المبسوط (12) بأن الوقت الأول أفضل من الأوسط والأخير ، غير أنه لا يستحق عقابا ولا ذما وإن كان تاركا فضلا إذا كان لغير عذر.

وعنه أيضا في محل اليوم والليلة : ولا ينبغي أن يصلي آخر الوقت إلا عند الضرورة لأن

ص: 483


1- غنية النزوع : 71.
2- السرائر 1 / 196.
3- الناصريات : 192.
4- غنية النزوع : 70.
5- السرائر 1 / 196.
6- المعتبر 2 / 29 ، تحرير الأحكام 1 / 180.
7- المقنعة : 94.
8- المهذب 1 / 71.
9- الكافي للحلبي : 137.
10- الوسيلة : 57.
11- الحدائق الناضرة 6 / 20.
12- المبسوط 1 / 77.

الوقت الأول أفضل مع الاختيار.

ومن هنا احتمل بعض المتأخرين ارتفاع الخلاف من البين ، وهو وإن أمكن بالنسبة إلى جملة من عبائرهم إلا أنه لا يتمّ بالنسبة إلى بعضها كعبارة الخلاف حيث نصّ بمخالفة السيد وغيره. وكذا ما حكي عن الاسكافي والحلبي كما سيجي ء.

ثم إنّه (1) لو أخّر المختار إلى آخر الوقت الأخير فالظاهر الاتفاق على بقاء الوقت.

وقد حكى الاتفاق عليه في كشف اللثام (2).

وقد دلّ نصوص كثيرة (3) على بقاء الوقت ، فغاية الأمر الجمع بحصول العصيان مع تعمّد التأخير [ كما ] عن العماني (4) أنه بعد ما بين وقت المختار والوقت الآخر ، قال : فإن أخّر المختار الصلاة من غير عذر إلى آخر الوقت فقد ضيّع صلاته وبطل عمله. وكان (5) عند آل محمد صلوات اللّه عليهم أجمعين إذا صلّاها في آخر وقتها قاضيا لأمور في الفرض في وقته. وظاهره خروج الوقت بالنسبة إلى المختار.

ويظهر ذلك من الحلبي أيضا حيث حكي عنه القول بإجزائه عن أصحاب الأعذار خاصّة ، فإن حمل كلام هذين على ظاهره فهو بمكان من الوهن كما لا يخفى.

ص: 484


1- زيادة : « إنّه » من ( د ).
2- كشف اللثام 3 / 19.
3- في ( ب ) : « الكثيرة ».
4- فقه ابن أبي عقيل العماني : 157.
5- في ( ألف ) : « كان » بدون الواو.
تبصرة: [ في وقت الظهر ]

أول وقت الظهر زوال الشمس بالإجماع المعلوم والمنقول من جماعة منهم السيد (1) والشيخ (2) والفاضلان (3) وغيرهم ، بل ربما يدّعى كونه من الضروريات.

ويدلّ عليه بعد ذلك الآية الشريفة ؛ إذ الدلوك هو الزوال.

وقد نصّ عليه في الخبر المفسّر له والأخبار المستفيضة بل المتواترة كالصحيح : « إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر » (4).

وحكي عن ابن عباس (5) وغير واحد من العامة : « في مسافر صلّى قبل الزوال أنه يجزيه ».

وهو مخالف لاتفاق الأصحاب ، بل نصّ الفاضلان على أن الخلاف بين العامة قد انقرض أيضا.

وقد ورد في كثير من أخبارنا تحديد أول وقت الظهر بما بعد الزوال ، ففي بعضها اعتبار مضيّ (6) القدم عنه. وفي بعضها مضيّ (7) القدمين. وفي بعضها الذراع وغيرها.

وهي محمولة على الفضل من جهة حال المتنفّل.

ص: 485


1- الناصريات : 189.
2- الخلاف 1 / 256.
3- المعتبر 2 / 27 ، تذكرة الفقهاء ، 2 / 300.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 216 ، باب مواقيت الصلاة وقت صلاة الظهرين ح 648.
5- رياض المسائل 1 / 113.
6- في ( ألف ) : « معنى ».
7- في ( ألف ) : « معنى ».

وفي الصحيح : « أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ » قلت : لم جعل ذلك؟ قال : « لمكان النافلة » (1).

وفي عمر بن حنظلة : « ألا أنبئك بأبين من هذا؟ » قال : قلت : بلى جعلت فداك. قال : « إذا زالت الشمس فقد وقع وقت الظهر إلا أنّ بين يديها سبحة وذلك إليك ، فإن أنت خفت فحين تفرغ من سبحتك وإن طولت فحين تفرغ من سبحتك » (2).

وبمعناها أخبار أخر في إسماعيل الجعفي : « وإنما جعل الذراع والذراعان لئلّا يكون تطوع في وقت فريضة » (3).

وبمعناه غيره. وقد يوهم ذلك عدم دخول وقت الفريضة قبله (4). وهو محمول على إرادة الفضيلة أي الأفضل في حقّ المتنفّل الاشتغال بها وتأخير (5) الفريضة إلى ذلك ، فجعل بعض من وقت الفريضة للنافلة لئلا تقع في الوقت المعدّ لخصوص الفريضة.

وعليه يحمل ما في الهداية (6) من أن وقت الظهر بعد الزوال قد مال على أحد وجهيه ، فليس ذلك خلافا في المسألة.

نعم ، في مكاتبة عبد اللّه بن محمد : روى بعض مواليك عنهما يعني الصادقين عليهما السلام : « إن وقت الظهر على قدمين من الزوال ووقت العصر على أربعة أقدام » (7) إلى آخره (8) ، ففيها دلالة على وقوع الخلاف فيه بين الأصحاب في ذلك الزمان ، وذهاب البعض إلى دخول وقت الظهر

ص: 486


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 217 ، باب وقت الفضيلة والإجزاء ح 653.
2- الإستبصار 1 / 249 ، باب اول وقت الظهر والعصر ح 896 - 23.
3- الإستبصار 1 / 255 ، باب اول وقت الظهر والعصر ح 916 - 43.
4- في ( ب ) : « قبل ».
5- زيادة في ( ب ) : « الفضيلة ».
6- الهداية : 129.
7- في ( د ) زيادة : « من الزوال فإن صليت قبل ذلك لم يجزك وبعضهم يقول يجزي ، ولكن الفضل في انتظار القدمين والأربعة أقدام ».
8- الإستبصار 1 / 254 ؛ باب اول وقت الظهر والعصر ح 912 - 39.

بعد مضي القدمين إلا أنه لا يعرف كون القائل به من أرباب الأنظار.

وفي قوله بذلك شهادة على جموده على ظواهر الأخبار من غير ملاحظة للكتاب وسائر ما ورد عن العترة الأطهار.

وكيف كان ، فخلافه ساقط من بعض الأخبار (1).

هذا ، وأما آخر وقته الأول فقد اختلف فيه الأخبار وكلام علمائنا الأبرار ، ولهم في ذلك أقوال :

الأول : ما هو المشهور من تحديده بصيرورة ظلّ كل شي ء مثله ، وعزي القول به إلى جماعة من المتقدمين وسائر المتأخرين ، بل حكى في المسالك (2) الشهرة عليه.

الثاني : ما حكي عن السيد في المصباح والشيخ في النهاية (3) وغيره من أن آخر وقت الظهر لمن لا عذر (4) له أربعة أقدام ، وهي أربعة أسباع الشخص.

وفي خبر (5) الشيخ في المصباح (6) والاقتصاد (7) (8) بينه وبين صيرورة ظلّ كل شي ء مثله.

وهو إن حمل على التخيير رجع إلى الأول ، وإلّا كان وقفا بين القولين.

ويرجع إلى هذا القول ما حكي عن الحلبي (9) (10) من أن آخر وقت المختار الأفضل أن يبلغ الظلّ سبعي القائم ، وآخر وقت الإجزاء أن يبلغ الظلّ أربعة أسباعه ، وآخر وقت المضطر أن يصير الظلّ مثله.

ص: 487


1- في ( د ) : « ساقط بعض عن الاعتبار » ، ولعله : « ساقط من عين الاعتبار ».
2- مسالك الإفهام 1 / 233.
3- النهاية : 59.
4- في ( ألف ) : « عذر ».
5- في ( د ) : « خير ».
6- مصباح المتهجد : 26.
7- في ( ب ) : « الانتصار » بدل : « الاقتصاد ».
8- الاقتصاد : 256.
9- في ( ب ) : « الحلّي ».
10- الكافي للحلبي : 137.

الثالث : ما حكي عن المفيد (1) من أن وقت الظهر بعد الزوال إلى أن يرجع الفي ء سبعي الشخص. وإليه يرجع ما حكي عن العماني (2) من أن آخر وقت الظهر زوال الشمس إلى أن ينتهي الظلّ ذراعا واحدا قدمين.

والظاهر اتحاد المقدارين ، وإنما الاختلاف في الاعتبار. قال : فإن جاوز ذلك فإن دخل الوقت الآخر.

ويدلّ على الأول الروايات المستفيضة المعتضدة بالعمل :

منها : ما رواه الشيخان بإسنادهما ، عن يزيد بن خليفة ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « إذا لا يكذب علينا ». قلت : ذكر أنك قلت : إن أول صلاة افترضها اللّه على نبيّه صلى اللّه عليه وآله الظهر ، وهو قول اللّه عزوجل : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ .. ) (3) ، فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلا سبحتك ثم لا تزال في وقت إلى أن يصير الظلّ قامة وهو آخر الوقت ، فإذا صار الظلّ قامة دخل وقت العصر فلم تزل في وقت العصر حتى يصير الظلّ قامتين بذلك (4) المساء. فقال : صدق » (5).

ومنها : أحمد بن عمر ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن وقت الظهر أو العصر؟. فقال : « وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظلّ قامة ووقت العصر قامة ونصف إلى قامتين » (6).

ومنها : صحيحة البزنطي سألته عن وقت صلاة الظهر أو العصر؟ فكتب : « قامة للظهر وقامة للعصر » (7) ، بحملها على كون مجموع القامة وقتا له.

ص: 488


1- المقنعة : 92.
2- فقه ابن أبي عقيل العماني : 157 ، وفيه : « أو قدمين ».
3- الإسراء : 78.
4- في ( د ) : « فذلك ».
5- الكافي 3 / 273 ، باب وقت الظهر والعصر ح 1 والإستبصار 1 / 260.
6- الإستبصار 1 / 247 ، باب أول وقت الظهر والعصر ح 883 - 10.
7- الإستبصار 1 / 248 ، باب أول وقت الظهر والعصر ح 890 - 17.

وفي محمد بن حكيم ، قال : سمعت العبد الصالح عليه السلام وهو يقول : « إن أوّل وقت الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة من الزوال ، وهو أول وقت العصر قامة وآخر وقتها قامتان ». قلت : والشتاء (1) والصيف سواء؟ قال : « نعم » (2).

وفي معاوية بن وهب ، عن الصادق عليه السلام في حكاية إتيان جبرئيل عليه السلام بالأوقات تصريح به حيث ذكر أنه « أتاه حين زالت الشمس فأمره (3) فصلّى ، ثم أتاه من الغد حين زاد في الظلّ قامة فأمره فصلّى الظهر ». وذكر نحو ذلك بالنسبة إلى سائر المواقيت. ثم قال « ما بينهما وقت » (4).

وليس في معظم الأخبار التي ذكر فيه القدم والقدمان والذراع والذراعان ونحوها معارضة لذلك ؛ إذ ليس فيها تحديد لآخر الوقت ، وإنما ذكر ذلك تحديدا لوقت النوافل وبيانا لعدم تأخير الفرائض لأداء النوافل بما يزيد على ذلك ، وليس فيها دلالة على تحديد وقت الفريضة.

كيف ، وقد ذكر فيها أداء الفريضة بعد مضيّ ذلك المقدار ، ولا ينطبق على شي ء من الأقوال المذكورة ، فالأمر في جملة منها بفعل الفريضة بعد مضيّ ذلك ليس محمولا على التعيّن ، ويشهد له ملاحظة ما ذكرناه من الأخبار وغيرها.

نعم ، في رواية ابراهيم الكرخي ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام أنه سأل (5) عن وقت الظهر؟ قال : « إذا زالت الشمس ». فقلت : متى يخرج وقتها؟ فقال : « من بعد ما يمضي من أولها أربعة أقدام ، إن وقت الظهر ضيّق ليس كغيره » إلى أن قال : فقلت له : لو أن رجلا صلّى الظهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام كان (6) عندك غير مؤدّ لها؟ فقال : « إن كان تعمّد ذلك

ص: 489


1- في ( د ) : « في الشتاء ».
2- الإستبصار 1 / 256 ، باب أول وقت الظهر والعصر ح 917 - 44. وفيه : في الشتاء.
3- لم ترد في ( ب ) : « فأمره ».
4- الإستبصار 1 / 257 ، باب أول وقت الظهر والعصر ح 992 - 49.
5- في ( د ) : « سأله ».
6- في ( د ) : « أكان » ، وما في ( د ) موافق للمصدر.

ليخالف السنّة والوقت ، لم يقبل منه » (1).

وفي رواية الفضل بن يونس ، عن أبي الحسن عليه السلام في المرأة ترى الطهر قبل الغروب كيف تصنع بالصلاة؟ قال : « إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام لا تصلّي إلا العصر ؛ لأن وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم ، وخرج عنها الوقت وهي في الدم » (2).

وهاتان الروايتان مستندا القول الثاني.

وفيه : أن الأولى مع ضعف إسنادها لا يقاوم ما ذكر من الأخبار. ولا يبعد حملها على مزيد الفضيلة بالنسبة إلى الحدّ المذكور.

وفي موثقة ذريح المحاربي أنه قال بعض القوم لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنا نصلّي الأولى إذا كانت على قدمين والعصر على أربعة أقدام. فقال عليه السلام : « النصف من (3) ذلك أحب إليّ » (4) ، فدلّ على أفضليّة القدم للظهر. فكذا الحال في الأربعة أقدام بعد حملها على ذلك.

وأما الثانية فمع الطعن في إسنادها لاشتماله على الفضل بن يونس بأنها مع معارضتها للأخبار المذكورة وعدم مقاومتها لها ، معارضة للروايات الكثيرة الدالّة على بقاء الوقت في الجملة إلى الغروب أو مقدار أربع ركعات إليه.

وأما القول الثالث فلم نقف له على حجة ظاهرة.

نعم ، في مكاتبة محمد بن الفرج : « إذا زالت الشمس فصلّ سبحتك ، وأحبّ أن يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين » (5).

وهي مع عدم انطباقها على المدّعى لا تدلّ على انتهاء الوقت الأول به ، سيّما على القول بكون الوقت الأول للمختار كما هو المعزى إلى القائل المذكور.

ص: 490


1- الإستبصار 1 / 258 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ح 926 - 1.
2- قرب الإسناد : 313.
3- في ( ب ) : « الضعف عن » ، وما في المتن موافق للمصدر.
4- الإستبصار 1 / 249 ، باب أول وقت الظهر والعصر ح 897 - 24.
5- الإستبصار 1 / 255 ، باب أول وقت الظهر والعصر ح 914 - 41.

وربّما يستدلّ عليه بأخبار الذراع والقدمين. وقد عرفت أنها لا تدلّ على ذلك بوجه ؛ إذ لا دلالة فيها على بيان الغاية إلا أن يقال : إن ترك النافلة والبدأة بالفريضة شاهد على تضيّق وقت الفريضة (1) أو السعة حتى يسقط رجحان النافلة ، ويتعيّن الإتيان بالفريضة.

وفيه : أنه مع عدم انطباقه على المقصود ليس في تلك الرواية (2) إشارة إلى ذلك ، وإنما هو استنباط محض لا حجة فيه.

ثم إن المراد بالقامة هو قامة الشاخص وفاقا للأكثر ، وقد حكى الشهرة عليه جماعة منهم فخر الإسلام (3) والشهيد (4) وبعض المتأخرين.

وفي كلام الفاضلين (5) والمحقق الكركي (6) وغيرهم إسناده إلى الأكثر ؛ إذ هو الظاهر من لفظ القامة المذكورة في الروايات المتقدّمة ، وحمل القامة فيها على مقدار ما بقي من الظلّ بعيد عنها جدّا.

وما قيل من أن ذلك كأنه كان اصطلاحا معهودا مما لا شاهد له أصلا ، بل الظاهر من الأخبار خلافه ، مثل ما ورد في المستفيضة من أن اعتبار النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان من المسجد ، وكان ارتفاعه حينئذ بمقدار القامة.

فكان يعتبر بمضيّ (7) الذراع والذراعين ، مضافا إلى أنه قد ورد في زرارة : « إن كان ظلّك مثلك فصلّ الظهر » (8).

غير أن محلّ السؤال خصوص الصيف.

ص: 491


1- في ( د ) : « الفضيلة ».
2- في ( ب ) و ( د ) : الروايات ».
3- إيضاح الفوائد 1 / 73.
4- الذكرى : 358.
5- المعتبر 2 / 48 ، مختلف الشيعة 2 / 38.
6- جامع المقاصد 2 / 12.
7- في ( ألف ) : « بمعنى ».
8- الإستبصار 1 / 248 ، باب أول وقت الظهر والعصر ، ح 891 - 18.

وفي رواية ابن بكير أنه عليه السلام قال لأبي بصير أن يقول (1) لزرارة : « صلّ الظهر في الصيف إذا كان ظلّك مثلك » (2).

ففيهما تأييدا للاعتبار بالشاخص.

وما ورد في غير واحد من الروايات من تفسير القامة بالذراع كما في رواية علي بن حنظلة : « القامة والقامتان الذراع والذراعان في كتاب » (3) ، ورواية علي بن حمزة المروية (4) بطريقين : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « القامة هي الذراع » (5) ، فلا ينافي ما ذكرناه ؛ لإمكان فرض الشاخص ذراعا كما يشهد له رواية ابن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام أنه قال له أبو بصير : كم القامة؟ فقال : « ذراع ، إنّ قامة رجل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كانت ذراعا » (6).

كيف ، وحمل القامة على الذراع بنفسها مما لا يساعد عليه العرف ولا اللغة.

وعن الشيخ في التهذيب (7) والمهذّب (8) والشرائع (9) والإيضاح (10) أن العبرة بمماثلة الباقي من الظلّ. وعزاه في الأخير إلى كثير من الأصحاب.

ويدلّ عليه مرسلة يونس ، عن الصادق عليه السلام ، وهي مع ضعف إسنادها لا يخلو متنها عن إجمال بل ظاهرها لا يخلو من اختلال.

ويمكن توجيهها على بعض الوجوه ، ومع ذلك فلا يوافق القول المذكور ، ومع الغضّ عن ذلك كلّه فلا تقاوم ما ذكرناه من ظواهر الأخبار المؤيّدة بالشهرة والاعتبار لما هو واضح من

ص: 492


1- في ( ألف ) : « تقول ».
2- وسائل الشيعة 4 / 150 ، باب وقت الفضيلة للظهر والعصر ونافلتهما ، ح 33.
3- تهذيب الأحكام 2 / 23 ، باب اوقات الصلاة وعلامة كل وقت منها ، ح 15 وفيه : « كتاب علي عليه السلام ».
4- في ( د ) زيادة : « عنه ».
5- الإستبصار 1 / 251 ، باب أول وقت الظهر والعصر ، ح 28.
6- الإستبصار 1 / 151 ، باب أول وقت الظهر والعصر ، ح 29.
7- تهذيب الأحكام 2 / 23.
8- المهذب البارع 1 / 291.
9- شرائع الإسلام 1 / 47.
10- إيضاح الفوائد 1 / 73.

حصول الاختلاف الشديد على التقدير الآخر قد يبقى مسمّى الظلّ مما لا يكاد يسع الصلاة ، وقد يبقى أزيد من مقدار الشاخص ، وبطء زيادة الظلّ في الأول لا يعادل لزيادة مقدار الظلّ في الثاني بل لا نسبة له ، فتوهّم ارتفاع الفارق (1) البيّن بين الأمرين بذلك كما زعمه بعض الأفاضل ليس على ما ينبغي.

على أنه قد لا يبقى من الظلّ مقدار يسع الصلاة بل قد ينتفي بالمرّة ، فلا يبقى محلّ للتقدير.

ثم إن العبرة بوصول الظلّ الزائد إلى ما يماثل الشاخص لا بمجموع الظلّين كما قد يستظهر من الإطلاق.

ويدلّ عليه مع ذلك الروايتين الأخيرتين (2) من الأخبار المذكورة في اعتبار القامة مضافا إلى ما في الثاني من الاختلاف الفاحش ، وأنه قد يكون الباقي من القامة ما لا يسع مقدار الصلاة أو يكون الباقي بمقدارها (3) أو زائدا عليها فلا يقبل للتقدير المذكور.

هذا ، وأوّل وقته الثاني بعد انقضاء وقته الأول (4) إلى أن يبقى الغروب مقدار أداء العصر على المعروف من مذهب الأصحاب ، بل لا يعرف فيه مخالف سوى ما مرّ حكايته عن الحلبي من تحديده آخر وقت المضطرّ بصيرورة الظلّ مثل الشاخص. وهو إن حمل على ظاهره فضعيف جدا مخالف للنصوص المستفيضة الكثيرة المتلقّاة بالقبول عند الفرقة.

وفي صحيحة زرارة : « ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس » (5).

وقريب منهما رواية عبيد بن زرارة ، فلا بدّ من تقييدهما (6) على اختصاص العصر بمقدار أدائها كمرسلة داود بن فرقد في بيان آخر وقت الظهر : « حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي

ص: 493


1- في ( ب ) و ( د ) : « التفاوت ».
2- كذا ، والصحيح : « الروايتان الأخيرتان ».
3- في ( ألف ) : « بمقداره ».
4- في ( ب ) : « الأولى ».
5- الكافي 3 / 276 ، باب وقت الظهر والعصر ، ح 5.
6- زيادة في ( ب ) و ( د ) : « بما دلّ ».

أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر » (1).

وقوية الحلبي بل صحيحته على الأصح : « وإن هو خاف أن يفوته يعني الظهر فليبدأ بالعصر ولا يؤخّرها فتفوته ، فتكون قد فاتتاه جميعا ، ولكن يصلّى العصر فيما قد بقى من وقتها ثم ليصلّ الأولى بعد ذلك على أثرها » (2).

مضافا إلى الشهرة العظيمة بل لا يعرف قائل منهم هنا بالاشتراك ، وإن ظهر من الصدوق قوله به في الأول ، فقد صرح في المقام بخلافه فما نسب إليه القول بالاشتراك بالنسبة إلى الآخر مما لا وجه له.

ثم إنه قد يذكر في بعض العبارات التحديد ببقاء الأربع وفي بعضها ببقاء الثمان. ولا خلاف في الحقيقة لاعتبار الغاية في الأول وملاحظة البداية في الثاني.

وهو ظاهر.

ص: 494


1- الإستبصار 1 / 261 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 11.
2- الإستبصار 1 / 288 ، باب من فاتته صلاة فريضة فدخل عليه وقت صلاة اخرى فريضة ، ح 3.
تبصرة: [ في وقت العصر ]

المعروف بين الأصحاب أن أول وقت العصر بعد مضي مقدار أداء أربع ركعات عن الزوال ، وآخر وقته الأول صيرورة ظلّ كل شي ء مثليه ، وآخر وقته (1) الآخر إلى الغروب ، فالكلام هنا في مقامات :

أما الأول : فظاهر الصدوق في الفقيه اشتراك وقت الصلاتين من أول الزوال. وحكى ذلك عن والده أيضا.

وعزا السيد في الناصريات (2) إلى أصحابنا أنهم يقولون : إنه إذا زالت الشمس ودخل وقت الظهر والعصر إلا أن الظهر قبل العصر.

ثم حقّق المقام باختصاص الظهر بالأربع ما بعد الزوال ، ثم يشترك الوقتان.

وظاهر ذلك حمل كلام الأصحاب على ذلك.

قال العلامة (3) بعد نقل كلامه : وعلى هذا يزول الخلاف.

وكيف كان فكلام الصدوق في الفقيه ليس صريحا فيما عزي إليه ؛ إذ لم يذكر فيه سوى الرواية الدالّة عليه. وهي بظاهره دالّة على الاشتراك في الأول والأخير. وقد نصّ في مقام آخر على اختصاص مقدار الأربع الأخيرة بالعصر فقد يقول بمثله في الأول مع أن تلك الصحيحة ليست صريحة في ذلك ، فيحتمل أن تكون محمولة عنده على نحو آخر الوقت.

وبالجملة ، فخلافه في المسألة غير معلوم وإن قضى به ظاهر كلامه.

ص: 495


1- في ( ألف ) : « وقت ».
2- الناصريات : 189.
3- مختلف الشيعة 2 / 7.

ثم إن الروايات [ التي ] يستظهر منها ذلك مستفيضة بل كادت أن تكون متواترة كصحيحة زرارة : « إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر » (1).

وصحيحة عبيد بن زرارة المتقدمة.

ورواية مالك الجهني : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين » (2).

ونحوه (3) رواية منصور بن يونس (4) .. إلى غير ذلك إلا أنها كما عرفت غير صريحة في ذلك ، وحملها على المشهور غير بعيد ، سيّما مع فهم الأصحاب منها ذلك. مضافا إلى أنه قد صرّح في كثير منها بأن هذه قبل هذه ، فإن الحكم ( بتقدم أحدهما على الآخر قد يفيد اختصاص الأول بالأول حيث يتعيّن إيقاعه فيه بمقتضى الحكم ) (5) بالتقدّم (6).

ولا يرد ذلك بالنسبة إلى سائر الأوقات لإمكان وقوع الظهر قبله ، فيكون ذلك الوقت قابلا للعصر. وهو معنى التوقيت وإن لم يجز الاتيان بالظهر (7) من جهة الترتيب ؛ إذ ذلك المنع لا يقضي بانتفاء التوقيت كما أنه لا يجوز الإتيان بالصلاة بعد دخول الوقت قبل أن يتطهر ؛ فإن المنع من التلبّس بها في تلك الحال لا يقضي بخروجه عن الوقت كما لا يخفى.

فالقول بأن ذلك لا يقضي اختصاص الأولى بالأول ، وإنما يفيد الحكم بالترتيب المحض على ما ذكره بعض الأفاضل كما ترى.

على أنه يحتمل أن يكون المراد به تقدم الأول على الآخر في الوقت ، فالمقصود أنه إذا زالت الشمس دخل الوقتان (8) إلا أن الظهر يتقدم وقتها على العصر ، فيفيد اختصاص الأول

ص: 496


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 216 ، باب مواقيت الصلاة صلاة الظهرين ح 648.
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 215 ، باب مواقيت الصلاة صلاة الظهرين ح 646.
3- في ( ب ) : « نحو ».
4- تهذيب الأحكام 2 / 244 ، باب المواقيت ح 3.
5- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
6- في ( ألف ) : « بالتقيّد ».
7- في ( ب ) : « به الظهر ».
8- في ( ألف ) : « الوقت ».

بها.

وكيف كان ، ففي مرسلة داود بن فرقد المتلقّاة بالقبول عند الأصحاب تنصيص بذلك ، وهي كافية في إثبات المقصود.

وفيها : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ( فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من غروب الشمس مقدار ما يصلي أربع ركعات ) (1) فيقيّد بها إطلاق تلك الروايات كما هو قضية مقابلة المطلق بالمقيد والنصّ بالظاهر ، مع ما عرفت من عدم وضوح دلالتها على خلافه.

وهي بعد انجبار ضعفها بعمل الأصحاب وحكاية الإجماع عليه من الغنية (2) والسرائر (3) والمعتبر (4) والمنتهى (5) وكشف اللثام (6) لا يقصر عن الصحاح.

فمؤاخذة الأصحاب بذلك كلّه [ التي ] وقع من البعض ليس على ما ينبغي.

وما ذكره بعض المتأخرين من حمله على بيان الوقت المختص بالظهر عند التذكر لا مطلقا ؛ نظرا إلى أن الاضافة لا يقتضي أكثر من ذلك بمكان من الوهن ؛ إذ لا اختصاص لذلك بأول الوقت لجريانه بعينه في بقية الوقت ، فلا وجه لجعل البقية (7) مشتركا بين الفرضين.

ومن الغريب أنه قال بجريان ذلك بالنسبة إلى العصر ، ومن الواضح أنه مع اشتراك الوقتين إلى الآخر يلزم الإتيان حينئذ بالظهر ؛ إذ هو المقدّم في التكليف ، وقد صرّح في الخبر بخلافه ، فكيف يمكن إجراء التوجيه المذكور فيه؟

ص: 497


1- ما بين الهلالين مما أضيفت من ( د ).
2- غنية النزوع : 69.
3- السرائر 1 / 195.
4- المعتبر 2 / 35.
5- منتهى المطلب 4 / 56.
6- كشف اللثام 3 / 20.
7- في ( ألف ) : « التقية ».

وأعجب (1) من ذلك ما ذكره في الحدائق (2) من أن الحمل المذكور أقرب إلى هذا الخبر مما أوّلوا به الأخبار الدالّة على القول الآخر ، مع أن ما عرفت من الحمل ليس خروجا مبنيّا على ظواهر تلك الأخبار ، بل قد يقال بظهور جملة منها فيه حسب ما أشرنا إليه.

هذا ، وعبارة الهداية دخول وقت العصر بعد مضيّ قدمين من الزوال. وكأنّه محمول على الاستحباب بناء على استحباب تأخير العصر عن وقت فضيلة الظهر ، وقد حكم فيه بأن وقت الظهر من الزوال إلى مقدار القدمين ، وإلا فلا يظهر قائل بمضمونه.

وأما المقام (3) الثاني فالمعروف بين الأصحاب هو ما قدّمناه ، وعن العماني (4) أنه يمتد إلى أن ينتهي الظلّ ذراعين ، فإذا جاوز ذلك فقد دخل الوقت الآخر.

وعن المفيد في المقنعة (5) أنه يمتد وقتها إلى أن يتغير لون الشمس باصفرارها للغروب للمختار ، وجعل وقت المضطر والناسي إلى المغيب.

وعن السيد (6) أنّه يمتدّ حتى يصير الظلّ بعد الزيادة ستّة أقدام للمختار.

ويدلّ على الأول بعد اشتهاره بين الأصحاب والإجماع المحكي عليه من الغنية عدة من الروايات المشتملة على اعتبار القامتين. وقد تقدمت الإشارة إلى جملة منها ، ومنها حديث إتيان جبرئيل بالأوقات.

وفيه أنه « أتاه في اليوم الأول حين زاد الظلّ قامة فأمره فصلى العصر. ثم ذكر أنه أتاه [ من الغد ] (7) حين زاد في الظلّ قامتان فأمره فصلى العصر. ثم إنه قال (8) بعد ذلك : « ما بين

ص: 498


1- في ( ألف ) : « عجيب ».
2- الحدائق الناضرة 6 / 106.
3- زيادة : « المقام » من ( د ).
4- فقه ابن أبي عقيل العماني : 157.
5- المقنعة : 93.
6- نقل عنه في المعتبر 2 / 38.
7- الزيادة من المصدر.
8- في ( ألف ) و ( ب ) : « قال إنّ ».

الوقتين وقت » (1).

وما يستفاد منها من عدم دخول وقت فضيلة العصر إلا بعد خروج وقت فضيلة العصر لا ينافي الاحتجاج بها في المقام أنه لو لم يمكن (2) إرجاعها في ذلك إلى سائر الأخبار فحملها على التقية في ذلك لا يقضي بحملها عليها في غيره ، مع عدم حصول داع إليه ؛ لما عرفت من عدم دلالة سائر الأخبار على ما يخالفه ؛ لما أشرنا إليه من عدم دلالة أخبار الذراعين والقدمين والأقدام الأربعة على بيان آخر الوقت إلا أنّ في بعض منها دلالة على خلافه كما سنشير إليه.

ولا قائل بمضمونه إلا من شذوذ من الأصحاب ، وهي في نفسه لا تقاوم ما ذكرناه فضلا عن اعتضاده بالعمل كما عرفت.

ومع ذلك يمكن حملها على الأفضليّة ، وهي لا ينافي ما ذكرناه.

فظهر بذلك ضعف ما استشكله بعضهم في الاحتجاج بما ذكرناه من الأخبار من موافقتها لمذاهب العامة ، فينبغي حملها على التقية.

ويدلّ على مختار العماني مكاتبة محمد بن الفرج : « وأحبّ (3) أن يكون فراغك من العصر والشمس على أربعة أقدام بعد كلّ قدمين ذراعا » (4).

وليس فيها دلالة ظاهرة على المقصود ؛ إذ غايته إفادة الفضيلة ، وهي لا يقتضي التوقيت. وقد ورد نحوه في القدمين كما مرّ في ذريح المحاربي (5).

وفي أخبار الذراعين دلالة على عدم فوت (6) الفضيلة بتأخيرها إلى مضيّ الذراعين. وقد يحتج له منصور بن حازم ، عن الصادق عليه السلام : « صلّ العصر على أربعة أقدام » (7).

ص: 499


1- تهذيب الأحكام 2 / 252 ، باب المواقيت ح 38.
2- في ( ألف ) : « لم يكن ».
3- كذا في المصدر ، وفي النسخ المخطوطة : « وجب ».
4- تهذيب الأحكام 2 / 250 ، باب المواقيت ح 28 ، ولم توجد فيه : « بعد كل قدمين ذراعا ».
5- الإستبصار 1 / 249 ، باب أول وقت الظهر والعصر ح 897 - 24.
6- في ( ألف ) : « فرق ».
7- الإستبصار 1 / 259 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 4.

وفي رواية أخرى : « العصر على ذراعين فمن تركها حتى تصير إلى ستة أقدام فذلك التضييع » (1).

وهو كما ترى.

ولم نقف على حجّة المفيد ، وفي الأخبار دلالة بيّنة على خلافه. وكذا على مختار السيد.

وفي رواية سليمان بن جعفر : « آخر وقت العصر ستّة أقدام ونصف » (2) ، وفي أبي بصير : « صلّ العصر يوم الجمعة على ستة أقدام » (3) ، وشي ء منهما لا يطابق القول المذكور.

أما المقام الثالث فالذي ذكرناه هو الذي استقر عليه المذهب ، بل لا يعرف فيه مخالف صريح.

نعم ، ذكر الشيخ في الخلاف في الاستدلال على أن آخر وقته الأول المثلان : إن دليلنا على ما اعتبرناه أنّه مجمع عليه بين الفرقة أنّه من الوقت ، وما زاد عليه مختلف في كونه وقتا للأداء. وعنه في الجمل والخلاف (4) : أنه (5) آخر وقت العصر المثلان من غير نصّ إلى أن ذلك للمختار ، فقد يقيّد ذلك خروج الوقت بذلك.

وكأنّ الأولى حملها على بيان آخر وقت الفضيلة ، وإلا لم يثبت للعصر وقتان ، فالظاهر إذن عدم خلاف في امتداد وقته الثاني إلى الغروب. وقد دلّ عليه النصوص المستفيضة المعتضدة بالعمل.

ص: 500


1- الإستبصار 1 / 259 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 3 وفيه : فذلك المضيع.
2- الإستبصار 1 / 259 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 2.
3- تهذيب الأحكام 2 / 256 ، باب المواقيت ح 54.
4- الخلاف 1 / 261.
5- في ( د ) : « أنّ ».
تبصرة: [ في وقت المغرب ]

لا خلاف بين الأصحاب في أن (1) أول وقت المغرب غروب الشمس ، واختلفوا في آخره.

فالمشهور أنه يمتدّ إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار أربع ركعات يعني مقدار أداء العشاء.

وعن الغنية (2) والسرائر (3) حكاية الإجماع عليه.

وفي المختلف (4) : أن كلّ من قال باشتراك الوقت بعد الزوال بمقدار أداء الظهر بينها وبين العصر قبل الغيبوبة بمقدار أداء العصر ، قال باشتراك الوقت بين المغرب والعشاء بعد مضيّ وقت المغرب إلى ما قبل انتصاف الليل بمقدار أداء العشاء. والفرق خرق الإجماع.

وقد حكي القول به عن السيد (5) (6) وابن ادريس (7) والفاضلين (8) وسائر المتأخرين (9). وعن الكليني والشيخ في عدة من كتبه والطوسي (10) أن وقت المختار إلى غيبوبة الشفق ووقت

ص: 501


1- ليس في ( ب ) : « أن ».
2- غنية النزوع : 70.
3- السرائر 1 / 195.
4- مختلف الشيعة 2 / 7.
5- الناصريات : 193.
6- في ( د ) : « السيدين ».
7- السرائر 1 / 195.
8- المعتبر 2 / 40 ، تحرير الأحكام 1 / 178.
9- الدروس 1 / 139.
10- نقل عنهم في كشف اللثام 3 / 42.

المضطر إلى ربع الليل إلا أنه (1) ذكر الكليني أنه روي أيضا امتداد وقته إلى نصف الليل » (2). وظاهره الميل إلى الأول.

وعن الشيخين في المقنعة (3) والنهاية (4) أنه رخّص التأخير للمسافر إلى ربع الليل. وذكر الديلمي (5) أنه قد روي جواز تأخير المغرب للمسافر إذا جد به السير إلى ربع الليل.

وتفصيل القول في ذلك أن ذهاب الشفق هو آخر ( وقته الأول أعني وقت الفضيلة على ما اخترناه في أول الوقتين ، وعلى القول الآخر يكون ذلك آخر ) (6) وقت المختار ، فلا يجوز له التأخير.

وعليه يبتني القول المذكور ، وآخر وقته الثاني إذا بقي لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء. وقد خالف فيه الجماعة المذكورون ، فبنوا على تحديده بربع الليل.

فالكلام هنا في مقامين :

الأول : انتهاء وقت الفضيلة بذهاب الحمرة المغربية. ويدلّ عليه أن ثبوت الخصوصية لذلك ورجحان إيقاع الفعل فيه في الجملة مما لا خلاف فيه ، وإنما الخلاف في خروج وقت (7) المختار به ، فكونه وقتا لأحد الأمرين مما لا كلام فيه.

ويدلّ على كونه للفضيلة ما دلّ على جواز تأخيرها عن ذلك حسبما مرّ القول فيه ، مع ما عرفت من المؤيّدات.

حجة القول الآخر : ظواهر عدّة من الأخبار - زرارة والفضيل - « وقت فوتها سقوط

ص: 502


1- في ( ب ) : « أنّ ».
2- الكافي 3 / 281 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح 13.
3- المقنعة : 95.
4- النهاية : 59.
5- نقله عنه في مفتاح الكرامة 5 / 91.
6- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
7- زيادة : « وقت » من ( د ).

الشفق » (1).

وفي حديث آخر : « آخر (2) وقتها سقوط الشفق » (3).

وفي رواية اسماعيل بن مهران : « آخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها إلى البياض في أفق المغرب » (4).

وفي رواية زيد الشحام : « من أخّر المغرب حتى تشبّك (5) النجوم من غير علّة فإنا إلى اللّه منه بري ء » (6).

وفي الصحيح : « وقت المغرب حين تغيّب الشمس إلى أن تشبّك (7) النجوم » (8).

وفي [ خبر آخر ] أن « جبرئيل عليه السلام أتى النبي صلى اللّه عليه وآله في الوقت الثاني في المغرب قبل سقوط الشفق » (9).

وفي الموثق : « إن أبا الخطاب أفسد (10) أهل الكوفة فصاروا لا يصلّون المغرب حتى يغيب الشفق ، ولم يكن ذلك إنما ذلك للمسافر وصاحب العلة » (11) .. إلى غير ذلك من الأخبار.

وهي محمولة على الفضل والاستحباب لما عرفت.

وفي عبيد بن زرارة : « إذا غربت (12) الشمس دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلا أن

ص: 503


1- الكافي 3 / 280 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح 8.
2- لفظة « آخر » لم ترد في ( ألف ).
3- الكافي 3 / 280 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 8.
4- الكافي 3 / 282 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 16.
5- في ( د ) : « تشتبك ».
6- الأمالي للصدوق : 476.
7- في ( د ) : « تشتبك ».
8- الإستبصار 1 / 263 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 9.
9- الإستبصار 1 / 263 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 10.
10- في ( ب ) : « انسد ».
11- وسائل الشيعة 4 / 192 ، باب تأكد استحباب تقديم المغرب في أول وقتها ، ح 22.
12- في ( ب ) : « غرب ».

هذه قبل هذه » (1).

وفي مرسلة داود بن فرقد : « إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلى المصلي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب » (2).

وإن ثبت القول به كذلك ففي غاية الوهن.

الثاني : انتهاء وقت الثاني إلى مقدار أداء العشاء من نصف الليل.

ويدلّ عليه بعد الإجماع المنقول - بسيطا ومركبا - ظاهر الكتاب بملاحظة تفسيره في الصحيح في غير واحد من الروايات ، ففي صحيحة عبيد بن زرارة في تفسير الآية الشريفة :

« منها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل » (3).

وقد تقدم (4) روايته الأخرى ومرسلة داود بن فرقد.

وفي مرسلة الكافي أنه « ورد أن وقت المغرب في السفر إلى نصف الليل » (5).

مضافا إلى تأيّده بالشهرة ، وإطلاق ما دلّ على جواز التأخير عن الشفق لعلة فإنه يعمّ ما بعد الربع.

حجة القائل بانتهائه إلى ربع الليل قوله عليه السلام في رواية عمر بن يزيد : « فإنك في وقت إلى ربع الليل » (6) ، بحملها على المعذور كما قد يستفاد من صدرها.

وفي صحيحة : « وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل » (7).

ص: 504


1- تهذيب الأحكام 2 / 27.
2- الإستبصار 1 / 263 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 6.
3- تهذيب الأحكام 4 / 25.
4- لم ترد في ( ب ) : « وقد تقدّم ... نصف الليل ».
5- الكافي 3 / 431 ، باب وقت الصلاة في السفر والجمع بين الصلاتين ، ح 5.
6- تهذيب الأحكام 2 / 30 ، باب أوقات الصلاة وعلامة كل وقت منها ح 42.
7- الكافي 3 / 281 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 14.

وفي روايته الأخرى : « إذا كان أرفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل » (1).

وهي لا يقاوم ما ذكرناه من الأخبار المؤيّدة بعمل الأصحاب ، فهي محمولة على شدّة مرجوحية التأخير بعد ذلك ، ومع ذلك فهي معارضة بأخبار أخر ، ففي صحيحة أخرى لعمر بن يزيد : « وقت المغرب في السفر إلى ثلث الليل » (2).

وفي رواية أبي جعفر (3) : « أنت في وقت من المغرب في السفر إلى خمسة أميال من بعد غروب الشمس » (4).

وورد في رواية اخرى الرخصة في تأخيره إلى ستة أميال ، وذلك قد يزيد في بعض الأحيان على ربع الليل. فهي محمولة على تأكّد المرجوحية في التأخير عن ذلك. ولا يبعد القول باختلاف الحال في ذلك مع اختلاف الأعذار والأحوال ، فيندرج مراتب المرجوحيّة بملاحظتها.

ص: 505


1- الإستبصار 1 / 267 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 25.
2- الكافي 3 / 431 ، باب وقت الصلاة في السفر والجمع بين الصلاتين ، ح 5 ؛ وسائل الشيعة 4 / 193 باب جواز تأخير المغرب حتى يغيب الشفق ، ح 1.
3- في ( د ) : « بصير ».
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 447.
تبصرة: [ في وقت العشاء ]

أول وقت العشاء بعد مضي مقدار أداء المغرب بعد الغروب ، على المشهور بين الأصحاب كما هو المعلوم من ملاحظة فتاويهم ، والمحكي في كلام جماعة من محقّقيهم كالمحقق الكركي (1) والشهيد الثاني (2).

وحكى الإجماع عليه في الغنية (3) والسرائر (4).

وفي المختلف (5) : إنه لا فارق بين الظهرين والعشاءين ، فمن قال بالاشتراك عند الفراغ من الظهر قال به عند الفراغ من المغرب.

وعزاه في غاية المرام إلى المتأخرين.

وفي المدارك (6) إلى سائر المتأخرين موذنا باتفاقهم عليه.

وقد عزي القول به إلى الإسكافي والسيدين (7) والقاضي (8) والحلبي (9) والطوسي (10)

ص: 506


1- جامع المقاصد 2 / 18.
2- روض الجنان : 179.
3- غنية النزوع : 69.
4- السرائر 1 / 196.
5- مختلف الشيعة 2 / 21.
6- مدارك الأحكام 3 / 57.
7- الناصريات : 197.
8- المهذب 1 / 69.
9- الكافي للحلبي : 137.
10- الوسيلة : 83.

والحلي (1) والفاضلين (2) والشيخين (3) والشهيدين (4) والمحقق الكركي (5) وغيرهم.

وعن الصدوق في الهداية (6) والمفيد في المقنعة (7) والشيخ (8) في عدة من كتبه والديلمي أن أوله سقوط الشفق المغربي. وجعله بعضهم أحد قولي السيد. وحكاه في المختلف (9) عن العماني إلا أنّه حكى عنه في المنتهى (10) القول بالأول.

وظاهر ذلك عدم دخول الوقت إلا بذلك ، فيكون تقديمه عليه كتقديم الظهر على الزوال.

ولذا استدلّ في المدارك (11) على بطلانه ببعض ما دلّ على جواز التقديم لبعض الأعذار إلا أن المصرّح به في المقنعة جواز التقديم للمعذور.

وقد نصّ في النهاية (12) بجواز تقديم العشاء قبل سقوط الشفق في السفر وعند الأعذار. قال : ولا يجوز ذلك مع الاختيار.

وجوّز في تهذيب الأحكام (13) تقديمها إذا علم أو ظنّ أنه إن لم يصلّ في ذلك الوقت لم يتمكن منه بعده.

وجعل في المراسم (14) جواز التقديم للمعذور رواية. فمقتضى ذلك حينئذ دخول وقت

ص: 507


1- السرائر 1 / 195.
2- المعتبر 2 / 42 ، تذكرة الفقهاء 2 / 311.
3- ليس في ( د ) : « والشيخين ».
4- الذكرى 2 / 343 ، روض الجنان : 179.
5- جامع المقاصد 2 / 18.
6- الهداية : 30.
7- المقنعة : 93.
8- المبسوط 1 / 75 والخلاف 1 / 262.
9- مختلف الشيعة 2 / 24.
10- منتهى المطلب 4 / 68.
11- مدارك الأحكام 3 / 59.
12- النهاية : 59.
13- تهذيب الأحكام 2 / 34.
14- المراسم العلوية : 62.

الاختيار بسقوط الشفق دون (1) وقت المعذور ، فيدخل وقته بعد أداء المغرب ، فيكون إذن للمعذور عندهم وقتان.

وحكى في الخلاف (2) عن بعض الأصحاب قولا ثالثا في المقام ، وهو الحكم باشتراك وقت الصلاتين بغروب الشمس ، نظير ما مرّ حكايته عن الصدوق في الظهرين ، وقد دلّ عليه في المقام عدة من الروايات.

وهي كما مرّ محمولة على بيان الاشتراك فيما بعد وقت الاختصاص.

وما في بعضها من أنّ « هذه قبل هذه » إشارة إليه.

مضافا إلى أنّه لا يعرف القائل به في المقام.

وربما يحمل كلامه على ما يرجع إلى المشهور ، فيرتفع الخلاف على نحو ما مرّ نظيره.

بقي القولان الأولان ، والأظهر منهما الأول للنصوص المستفيضة المتكثرة الدالّة عليه بالإطلاق والتنصيص. وقد مرّت الإشارة إليه في جملة منها.

وفي الموثق : « صلّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علة ، وصلّى بهم المغرب والعشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة ، وإنما فعل ذلك النبي صلى اللّه عليه وآله ليتّسع الوقت على امته » (3).

وفي خبر إسحاق بن عمار : تجمع بين المغرب والعشاء الآخرة قبل أن يغيب الشفق من غير علة؟ قال : « لا بأس » (4).

وفي زرارة ، عن الباقرين عليهما السلام ، عن الرجل يصلي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق؟

فقال : « لا بأس به ».

وفي [ رواية : ] « كنا نختصم في الطريق في الصلاة صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق

ص: 508


1- في ( ب ) : « ومن » ، بدلا من : « دون ».
2- الخلاف 1 / 261.
3- الكافي 3 / 286 ، باب الجمع بين الصلاتين ، ح 1.
4- الإستبصار 1 / 271 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 43.

وكان منا من يضيق لذلك صدره (1) ، فدخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فسألناه عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق؟ قال : « لا بأس بذلك ». قلنا : وأي شي ء الشفق؟ فقال : « الحمرة » (2).

وفي مرسلة الفقيه ، قال الصادق عليه السلام : « إذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل » (3).

حجة القول الآخر بعد الأصل - إذ المتفق من الوقت ما كان بعد ذهاب الشفق - صحيحة محمد بن بكر (4) بن محمد : « وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة » (5).

وصحيحة الحلبي متى (6) تجب العتمة؟ قال : « إذا غاب الشفق ، والشفق الحمرة » (7).

مضافا إلى ما اشتمل عليه عدة من الأخبار من الحكم بجواز التأخير مقيّدا لعلّة أو سفر كموثّقة جميل : فالرجل يصلي العشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق؟ قال : « لعلّة لا بأس » (8) بأنه (9) يستفاد منها المنع مع انتفاء العذر.

وبذلك يقيّد الإطلاقات المتقدمات (10) ، بل يجعل ذلك جامعا بين أخبار الباب.

وأنت خبير بأنه لا صراحة لهذه الروايات في عدم دخول الوقت قبل سقوط الشفق ، فلا تقاوم النصوص المتقدمة ، والظواهر البيّنة المتقوّية مع كثرتها وشهرتها واعتضاد بعضها بالبعض بعمل الطائفة ، سيّما مع ملاحظة مخالفتها للعامة ، وموافقة هذه لمذهبهم ، بل وما اتفقوا

ص: 509


1- في ( ألف ) هنا زيادة واو العطف.
2- الإستبصار 1 / 271 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، مع اختلاف يسير ح 40.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 221.
4- في ( د ) : « صحيحة بكير بن محمد ».
5- الإستبصار 1 / 264 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 14.
6- في ( ألف ) : « حتى ».
7- الكافي 3 / 281 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 11.
8- تهذيب الأحكام 2 / 33 وفيه : « فيسقط الشفق؟ فقال : لعلة لا بأس ».
9- في ( د ) : « فانّه ».
10- في ( د ) : « إطلاقان المتقدمان ».

عليه.

فحمل الصحيحين المذكورين على التقيّة من أقرب المحامل ، ولا يبعد حملها على إرادة بيان الفضيلة كما يستفاد مما أشرنا إليه.

ثم إنه يمتدّ وقته إلى انتصاف الليل على المعروف بين الأصحاب ، و (1) عن الغنية (2) والسرائر (3) حكاية الإجماع عليه. وحكى الشهرة عليه جماعة من الأصحاب منهم الشهيدان في الذكرى (4) والمسالك (5).

واختاره السيد والديلمي والفاضلان (6) والشهيدان (7) وابن فهد (8) والصيمري والمحقق الكركي (9) وغيرهم.

وعن الشيخ في كتاب (10) الحديث والمبسوط (11) والطوسي (12) أن الثلث للمختار والنصف للمضطر ، وعزي (13) إلى الكليني أيضا. وعن الحلبي : إن الربع للإجزاء والنصف للمضطر.

وعن النهاية (14) : إن آخر وقت المعذور ثلث الليل ، ثم جعل النصف رواية ، قال : والأحوط ما قدّمناه.

ص: 510


1- زيادة واو العطف من ( د ).
2- غنية النزوع : 70.
3- السرائر 1 / 195.
4- الذكرى : 120.
5- مسالك الإفهام 1 / 147.
6- المعتبر 2 / 41 ، تذكرة الفقهاء 2 / 311.
7- الذكرى 2 / 340 ، مسالك الإفهام 1 / 139.
8- المهذب البارع 1 / 296.
9- جامع المقاصد 2 / 19.
10- في ( د ) : « كتابي ».
11- المبسوط 1 / 75.
12- الوسيلة : 83.
13- في ( د ) زيادة : « ذلك ».
14- النهاية : 59.

وعن الصدوق في الهداية (1) والمفيد في المقنعة والشيخ في الخلاف (2) والمصباح (3) والجمل والاقتصاد (4) وعمل اليوم والليلة والقاضي (5) إطلاق إن أخّره ثلث الليل إلّا أنّه (6) في الخلاف والمصباح والجمل والاقتصاد جعل (7) النصف رواية. وحكاه القاضي قولا.

وعن العماني (8) إطلاق (9) آخره ربع الليل.

وتوضيح المقام أن الكلام هنا في مقامين :

أحدهما : في بيان آخر وقته الأول ، فالمعروف أنه ثلث الليل ، وحكي الشهرة عليه في المسالك (10) وكشف اللثام (11).

وفي كشف الرموز (12) أنه مذهب الأكثر.

وعن الحلبي (13) والشهيد (14) والمحقق الكركي (15) أنّه إلى ربع الليل.

وكأنه مذهب القائل بكون آخره الثلث مطلقا ؛ إذ لا يتعيّن لذلك سواه ، وإن لم يصرّح به في المقام.

ص: 511


1- الهداية : 130.
2- الخلاف 1 / 265.
3- مصباح المتهجد : 26.
4- الاقتصاد : 256.
5- المهذب 1 / 69.
6- في ( د ) : « إلى أنّه » ، وفي ( ب ) : « ألّا أن ».
7- في ( ب ) : « وجعل ».
8- فقه ابن أبي عقيل العماني : 158.
9- في ( د ) زيادة : « أنّ ».
10- مسالك الإفهام 1 / 149.
11- كشف اللثام 3 / 46.
12- انظر كشف الرموز 1 / 126.
13- الكافي للحلبي : 137.
14- الذكرى : 120.
15- جامع المقاصد 2 / 18.

والأظهر الأول ؛ للروايات المستفيضة الدالّة على أن آخر وقته ثلث الليل ( وفي عدّة منها دلالة على عدم مرجوحيّة التأخير كالمستفيضة الدالّة على أنّ آخر وقته ، ثلث الليل ) (1) (2) ، منها ما رواه (3) في الصحيح (4) [ من ] بيان مجي ء جبرئيل بالأوقات ، وفيها إشارة إلى كونه آخر الفضيلة حيث اشتمل على (5) آخر وقت غيرها من الصلاة (6). وليس بآخر وقت الإجزاء بالنسبة إليها كالصحيح : « إنّ وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل » (7).

وفي الموثق : « العتمة إلى ثلث الليل [ أو ] (8) إلى نصف الليل وذلك التضييع » (9) بجعل ذلك إشارة إلى الأخير.

وفي الخبر : « آخر وقت العشاء ثلث الليل » (10).

وفي كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى أمراء البلاد المروي في نهج البلاغة : « وصلاة العشاء الآخرة حتى يتوارى الشفق إلى ثلث الليل » (11).

وفي الموثق ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله : « لو لا أن أشقّ على امتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل ، وأنت في رخصة إلى نصف الليل ، وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل ، فلا رقدت عيناه » (12).

ص: 512


1- ما بين الهلالين لم تنقل في ( ألف ).
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 219.
3- في ( د ) : « ورد ».
4- تهذيب الأحكام 2 / 253.
5- في ( ب ) : « أنّ » بدل « على ».
6- في ( د ) : « صلوات ».
7- من لا يحضره الفقيه 1 / 219.
8- الزيادة من المصدر.
9- الإستبصار 1 / 273 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح 49.
10- الإستبصار 1 / 269 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 34.
11- نهج البلاغة 3 / 82 الخطبة 52 نقلا بالمعنى.
12- الإستبصار 1 / 273 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 47.

وفي رواية اخرى عنه صلى اللّه عليه وآله : « لو لا نوم الصبي وعليه الضعف لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل » (1).

وجملة من هذه الأخبار كما ترى لا تفيد المنع من التأخير ، بل دلّ غير واحد منها على جوازه إلى نصف الليل كما دلّت عليه أخبار كثيرة يأتي الإشارة إليها.

فمقتضى الجمع أن يحمل هذه على الوقت الأول.

وفي بعضها دلالة على أنه للفضيلة كالموثقة الأخيرة ، ويشير إليه الموثقة الأولى ، ويقدّم ذلك وغيره شاهدا على الجمع ، مضافا إلى ما عرفت من كون الوقت الأول للفضيلة لا الاختيار.

حجة القول الآخر مرسلة الكافي حيث قال بعد ذكر الموثقة ( الأخيرة إلى قوله (2) « ثلث الليل » ، وروي « إلى ربع الليل ».

وفي الفقه الرضوي : « ووقت عشاء الآخرة الفراغ من المغرب ثم إلى ربع الليل وقد رخّص للعليل والمسافر فيهما إلى انتصاف الليل » (3).

وأنت خبير بأن الأول لا دلالة فيها على انتهاء وقت الفضيلة بذلك ، والثاني مع عدم صراحته في ذلك لا تقاوم الأخبار المذكورة. وكأنها حجة القول بكونه وقت الاختيار إذ لم نجد ذلك فيما سواه من الأخبار ، إلا أن يستند فيه إلى بعض العمومات.

ثانيهما : في بيان آخر وقته الثاني. والمشهور أنه إلى انتصاف الليل. وقد عرفت الإجماع المحكي عليه في الكتابين.

وقد تقدم حكاية إجماع المختلف (4) على عدم الفصل. وظاهر جماعة كما عرفت أن آخره ثلث الليل من غير بيان لآخر وقته الأول. وكأنه لظاهر جملة من الأخبار المذكورة.

ص: 513


1- علل الشرائع 2 / 367.
2- من قوله « الأخيرة .. » إلى قوله « في المعتبر أيضا وقوّاه » لم ترد في ( ألف ) ، وأدرجناه من ( د ).
3- فقه الرضا عليه السلام : 103.
4- مختلف الشيعة 2 / 25.

ولا يخفى وهنه بعد صراحة المستفيضة المستكثرة على خلافه كصحيحة زرارة (1) ورواية ابنه عبيد (2) الواردتان في تفسير الآية وصحيحة بكر بن محمد (3) ومرسلة الصدوق (4) المتقدمتان ورواية المعلى : « آخر وقت العتمة إلى نصف الليل » (5) ورواية أبي بصير : « للا أن أشق على أمتي لأخّرت العشاء إلى نصف الليل » (6) .. إلى غير ذلك مما ورد وقد مرت الإشارة إلى بعضها.

هذا ، واعلم أنه قد ورد في عدة من النصوص المستفيضة المشتملة على غير واحد من المعتبرة بقاء وقت العشاءين إلى الصبح للمضطر كالحائض والنائم والساهي ونحوها إذا زالت أعذارهم قبل الصبح فيختص بالعشاء مقدار أدائها والثاني مشترك بين الصلاتين ، ففي صحيحة عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام : « إن نام رجل أو نسي أو سهى أن يصلي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما فإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء » (7).

وفي موثقة زرارة : « إذا صليت على غير القبلة فاستبان لك قبل أن تصبح أنك صليت على غير القبلة فأعد صلاتك » (8) مع استفاضة الأخبار عنهم عليهم السلام بعدم وجوب الإعادة بعد خروج الوقت إذا صلّى إلى غير القبلة ثم علم به بعد خروج الوقت.

وأيضا ظاهرها عدم وجوب الإعادة لو علم به بعد الصبح ، فحملها على صورة الاستدبار في غاية البعد ، فهي ظاهرة الدلالة على ما ذكرناه.

وفي رواية أبي بصير : « إن نام الرجل ول يصل صلاة المغرب والعشاء أو نسي فإن

ص: 514


1- الكافي 3 / 271 ، باب فرض الصلاة ح 1.
2- الإستبصار 1 / 261 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ح 13.
3- الاستبصار 1 / 264 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح 14.
4- معاني الأخبار : 332.
5- الإستبصار 1 / 273 ، باب وقت صلاة الفجر ح 48.
6- الكافي 3 / 281 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح 13.
7- الإستبصار 1 / 288 ، باب من فاتته الفريضة ودخل عليه وقت صلاة أخرى فريضة ح 4.
8- الإستبصار 1 / 297 ، باب من صلى إلى غير القبلة ثم تبين بعد ذلك قبل انقضاء الوقت بعده ح 5.

استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما وإن خشي أن يفوته أحدهما فليبدأ بالعشاء الآخرة » (1).

وفي رواية عبيد بن زرارة : « لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ولا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس » (2) فإن الظاهر من صلاة الليل بقرينة المقام بلّه هي الصلاة الواجبة وحملها على النوافل كما ذكره الشيخ بعيد.

وفي رواية داود الزجاجي عن أبي جعفر عليه السلام : « إذا كانت المرأة حائضا فطهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر وإن طهرت في آخر الليل صلّت المغرب والعشاء » (3).

وفي رواية عمر بن حنظلة : « إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر » (4).

ونحوها رواية أبي الصباح الكناني (5) عن الصادق عليه السلام.

وقد أفتى بمضمونها صاحب المدارك (6) واستحسنه صاحب المفاتيح ، وقوّاه في البحار (7) واختاره الشريف الأستاد - أسكنه اللّه فراديس الجنان - ، وهو ظاهر الشيخ في كتابي الأخبار حيث ذكر بعض الأخبار المتقدمة وحمله على الضرورة ، فعلى هذا يكون للعشاءين أوقات ثلاثة.

وقد نصّ عليه في الخلاف (8) بالنسبة إلى صلاة العشاء ، وحكى الإجماع عليه قال : إنه لا

ص: 515


1- الإستبصار 1 / 288 ، باب من فاتته الفريضة ودخل عليه وقت صلاة أخرى فريضة ح 5.
2- تهذيب الأحكام 2 / 256 ، باب المواقيت ح 52.
3- الإستبصار 1 / 143 ، باب الحائض تطهر عند وقت الصلاة ح 8 وفيه : والعشاء الآخرة.
4- تهذيب الأحكام 1 / 391 ، باب الحيض والاستحاضة والنفاس ح 29.
5- الإستبصار 1 / 143 ، باب الحائض تطهر عند وقت الصلاة ح 6.
6- انظر مدارك الأحكام 3 / 40.
7- بحار الأنوار 80 / 53.
8- الخلاف 1 / 271.

خلاف بين أهل العلم في أن أصحاب الأعذار إذا أدرك أحدهم قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة أنه يلزمه العشاء الآخرة ولم يتعرض للمغرب.

وقد نصّ على الحكم بالنسبة إلى العشاء في المعتبر (1) أيضا.

وقوّاه ) (2) صاحب المعالم في الرسالة.

وعن الذكرى (3) أنه يظهر من الصدوق في الفقيه.

والظاهر جريان الحكم في المغرب ؛ إذ من البعيد توهّم الفرق (4) بينهما في ذلك مع ما عرفت من اندراجهما في الأخبار ، وقد اختاره أيضا جماعة من المتأخرين.

ولا يخلو القول به عن قوة ؛ لاستفاضة النصوص به ، وصراحتها فيه ، واعتبار أسانيد جملة منها. وليس هناك في النصوص ما فيه دلالة صريحة على خلافه ؛ إذ لا شكّ في أن الوقت الموظف الذي يجوز التأخير إليه ولو مع عذر يسير إنما هو نصف الليل ، وهو الوقت الذي قرّره الشارع لهما ، ودلّت عليه الآية ، وسائر الروايات الواردة.

وأما هذا الوقت وهو (5) مشارك لخارجه في وقوع العصيان بالتأخير إليه مع الإمكان.

غاية الأمر عدم خروجه عن الوقت المحدود بالمرة ، بمعنى أن الشارع أجراه مجرى ذلك الوقت في لزوم الفعل على إدراكه ، فهو خارج عن وقته المجعول للمختار الذي هو المنظور في (6) تلك الأخبار ، فحمل الروايات الدالّة على خروجه عن الوقت على إرادة الوقت المذكور أي الوقت المحدود الذي يجوز التأخير إليه مطلقا أو يأتي في عذر قريب جدّا. ولا يأباه ظاهر الآية ولا شي ء من تلك الروايات المأثورة كما لا يخفى على المتأمّل فيها.

وإطلاق الأمر بقضاء العشاء بعد انتصاف الليل - كما ورد في بعض الأخبار - ليس

ص: 516


1- انظر المعتبر 2 / 42.
2- إلى هنا لم ترد في ( ألف ) كما أشرنا إليه.
3- الذكرى : 121 وفيه : « ونقله في المبسوط عن بعض الأصحاب ، ويظهر من الصدوق ... ».
4- في ( ألف ) : « العرف ».
5- في ( د ) : « فهو ».
6- في ( ألف ) : « وفي ».

بصريح في خلافه ؛ لوضوح إطلاق القضاء على ما يعمّ الأداء ، سيّما مع مشابهته لخارج الوقت في حصول العصيان بالتأخير إليه.

وما ورد من أن المنع من تأخير الصلاة عن نصف الليل وأنّ من نام عنه فلا رقدت عيناه ، فهو ممّا لا ظهور له في خلافه أصلا إذا قضى ما يدلّ عليه حصول العصيان بسببه ، وهو مما لا كلام (1) فيه.

وخلو سائر الأخبار عن بيان ذلك لا يدلّ على عدمه ؛ إذ هي مسوقة لبيان وقت الاختيار الذي يجوز التأخير إليه ، ولو مع أدنى الاقدار ، دون مثل ذلك.

فلا يمكن أن يحكم بالمعارضة بينها وبين صريح هذه الأخبار المروية عن العترة الأطهار.

نعم ، قد يشكل الحال فيها من جهة موافقتها لمذاهب العامة ، فقد حكي إطباق فقهائهم الأربعة عليه ، وإن اختلفوا في كونه وقت المختار أو المضطرّ مع مخالفة ظواهر تلك الأخبار لمذاهبهم. مضافا إلى موافقة تلك لظواهر الكتاب ومخالفة هذه لها وموافقة تلك لظاهر المشهور بين الأصحاب ومخالفتها.

وقطع بذلك صاحب الحدائق (2) حاملا للأخبار المذكورة على التقية.

وهو كما ترى ؛ إذ الحمل على التقية إنما يصح مع حصول المعارضة بحيث لا يكون وجه ظاهر للجميع (3) سواه ، والمفروض أن المعارضة الحاصلة في المقام إنما هي بين النصّ والظاهر ؛ إذ ليس في تلك الأخبار خصوصية على انتفاء ذلك ، بل ولا ظهور تامّ فيه.

فقضية فهم العرف من ملاحظة مجموع الأخبار تقييد تلك الإطلاقات بذلك ، والبناء على خروج وقت الاختيار ، وبناء (4) وقت الاضطرار ، فمع قضاء العرف بمثل ذلك لا داعي إلى الحمل على التقية ، ولا للتمسك في تركها إلى مخالفة الكتاب كما لا يخفى.

ص: 517


1- في ( د ) : « مما كلام ».
2- الحدائق الناضرة 6 / 122.
3- في ( ب ) : « لجميع ».
4- في ( د ) : « وبقاء ».

على أنه مخالف لما حكي عنهم في المقام ؛ إذ المعزى إليهم وجوب الصلاتين معا بإدراك مقدار ركعة قبل طلوع الفجر.

وقد ورد في أخبارهم ما يدلّ عليه ، بل اكتفى بإدراك بعضهم التكبيرة فقط. وقد (1) نصّ في الصحيحة المتقدمة وغيرها بخلافه.

وهل يختصّ ذلك بحال الاضطرار أو يجري أيضا في حق المختار بحيث لو عصى وتعمّد التأخير بقي الوقت بالنسبة إليه وكان مؤديا؟ وجهان ؛ من خروجه عن منطوق الأخبار ، ومن أن قضية اندراجه في الوقت حال الاضطرار عدم خروجه بالمرة عن الوقت المضروب ، فيجري في شأن المختار ، وإن ترتب عليه العصيان على تأخيره.

ولا يخلو ذلك عن قوة ، وقد أفتى به بعض الأجلة.

وقد تحصل ما قرّرناه للعشاء أوقات أربعة : اثنان منها للإجزاء ، وآخران للفضيلة ورابع للاضطرار ، وللمغرب أوقات ثلاثة.

ولا ينافي ذلك ما دلّ من أن لكلّ صلاة وقتين ، كما لا يخفى.

ص: 518


1- زيادة : « وقد » من ( د ).
تبصرة: [ في وقت الفجر ]

أول وقت صلاة الفجر طلوع الفجر الصادق أي البياض المستطير في الافق ، بالإجماع المعلوم والمنقول في كلام جماعة كما في المعتبر (1) ومنتهى المطلب (2) والتذكرة (3) والذكرى (4) والمدارك (5) وغيرها. ونفى عنه الخلاف في (6) الخلاف (7) وكشف الالتباس وغاية المرام.

والروايات به مستفيضة. واختلفوا في آخر وقته ، فالمشهور بين الأصحاب أن آخر وقت الإجزاء طلوع الشمس. وحكي القول به عن الإسكافي والمفيد (8) والسيدين والشيخ في المصباح (9) والديلمي والقاضي (10) والحلبي (11) والحلي (12) والفاضلين (13) والشهيدين (14)

ص: 519


1- المعتبر 2 / 44.
2- منتهى المطلب 4 / 70.
3- تذكرة الفقهاء 2 / 316.
4- لم ترد في ( ب ) : « والذكرى ».
5- مدارك الأحكام 3 / 61.
6- في ( ب ) : « وفي ».
7- الخلاف 1 / 267.
8- المقنعة : 94.
9- مصباح المتهجد : 179.
10- المهذب 1 / 69.
11- الكافي للحلبي : 138.
12- السرائر 1 / 195.
13- شرائع الإسلام 1 / 47 ، ارشال الاذهان 1 / 243.
14- البيان : 49 ، روض الجنان : 180.

والسيوري وابن فهد (1) والصيمري والمحقق الكركي (2) وغيرهم.

وحكي الإجماع عليه في الغنية (3) والسرائر (4) والشهرة في المسالك (5) ومجمع البرهان (6) والحدائق (7) وغيرها.

وعن العماني (8) : أن آخر الوقت للمختار ظهور الحمرة المشرقية ، وللمضطر طلوع الشمس. وحكي ذلك عن الشيخ في المبسوط (9) والخلاف (10) وكتابي (11) الحديث والطوسي في الوسيلة (12) إلا أن الموجود في كلام الشيخ اعتبار الإسفار للمختار.

وقد فهم منه جماعة ظهور الحمرة المشرقية. ولا بعد فيه.

وربما يومي عبارة الخلاف (13) إلى حكاية الإجماع عليه حيث قال : إن الإسفار آخر وقت المختار عندنا إلا أنه لم يستند فيه إلا إجماع الفرقة.

وفيه دلالة على عدم تحققه للإجماع ، وإلّا صحّ امتداد وقت الإجزاء إلى طلوع الشمس للمختار ، ووقت الفضيلة إلى الإسفار المتحد عندهم مع الحمرة المشرقية.

ويدلّ على الأول عدّة من الأخبار ، ففي رواية زرارة : « وقت صلاة الغداة ما بين طلوع

ص: 520


1- المهذب البارع 1 / 297.
2- جامع المقاصد 2 / 22.
3- غنية النزوع : 70.
4- السرائر 1 / 195.
5- انظر مسالك الإفهام 1 / 139.
6- مجمع الفائدة والبرهان 2 / 24.
7- الحدائق الناضرة 6 / 201.
8- فقه ابن أبي عقيل العماني : 159.
9- المبسوط 1 / 75.
10- الخلاف 1 / 266.
11- انظر الإستبصار 1 / 276.
12- الوسيلة : 83.
13- الخلاف 1 / 267.

الفجر إلى طلوع الشمس » (1).

وفي رواية عبيد بن زرارة كما مرّ : « ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس » (2).

وفي صحيحة علي بن يقطين : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر أيركعها (3) أو يؤخرهما؟ قال : « يؤخرهما » (4).

فإنّ ظاهر سياقها جواز التأخير إلى ما بعد ظهور الحمرة ، فبعد ظهوره جوازه إلى طلوع الشمس ؛ إذ لا قائل بالفصل.

مضافا إلى الأصل ، ولا قائل (5) ظاهرا بخروج وقته مع تعمد التأخير.

غاية الأمر أن يكون عاصيا ، فالأصل عدمه حتى يثبت خلافه.

وهو غير ظاهر بعد ملاحظة الأخبار.

فإيراد (6) بعض المتأخرين (7) عليه بما حاصله (8) أن تحديد الأوقات أمر توقيفي ، فلا معنى للرجوع فيه إلى الأصل ، وإنما يرجع فيه إلى الروايات ، والقدر الثابت منها للمختار الامتداد إلى انتشار الصبح والإسفار ، فلا وجه لهذه الأصالة. وهل هي إلا مصادرة؟ بيّن الاندفاع ؛ لما عرفت من عدم خروج الوقت بالنسبة إلى المختار أيضا ، وإن (9) عصى بالتأخير.

نعم ، ولو (10) قيل بخروج الوقت بالنسبة إليه وصيرورته قضاء فيتساوى إتيانه في بقية

ص: 521


1- الإستبصار 1 / 275 ، باب وقت صلاة الفجر ، ح 9.
2- الإستبصار 1 / 260 ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح 8.
3- في ( د ) : « أيركعهما ».
4- وسائل الشيعة 4 / 266 ، باب امتداد وقت ركعتي الفجر بعد طلوعه ، ح 1.
5- في ( د ) : « اذ لا قائل ».
6- في ( ألف ) : « ما يراد ».
7- في هامش ( د ) : « صاحب الحدائق ».
8- في ( ب ) : « حاصل ».
9- في ( ألف ) : « إن » بلا واو.
10- في ( د ) : « لو ».

الوقت أو تأخيره إلى غيره تمّ (1) ما ذكره إلا أنه مما لا قائل به قطعا.

ويؤيّده بعد ذلك الإجماعين المذكورين والشهرة المعلومة بين الأصحاب حتى أن جماعة من القائلين بالفرق بين وقت المختار ( والمعذور في غيرها من الصلوات قالوا هنا بعدم الفرق.

حجة الشيخ ومن وافقه على امتداد وقت المختار ) (2) إلى الإسفار ظواهر عدة من الأخبار كالصحيح : « لكلّ صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما ، ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا ، ولكنه وقت لمن شغل أو نسي أو سها أو نام » (3).

وفي صحيحة اخرى : « وقت الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو نام » (4).

ومن ذلك الروايات الواردة في بيان إتيان جبرئيل بالأوقات ، ففي غير واحد منها أنه :

« أتاه في اليوم الثاني حين نور الصبح ، فأمره فصلّى الصبح. ثم قال : ما بينهما وقت » (5).

وفي آخر أنه : « أتاه من الغد ، فقال : اسفر الفجر فاسفر. ثم قال : ما بين هذين الوقتين وقت » (6).

وفي صحيحة ليث المرادي : أفلنا في (7) وقت إلى أن تطلع شعاع الشمس؟ قال : « هيهات! أين تذهب وتلك صلاة الصبيان » (8).

ورواه الشيخ عن أبي بصير المكفوف باختلاف ما ، وفيه : « ألست في وقت من تلك

ص: 522


1- في ( ألف ) : « ثمّ ».
2- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
3- الإستبصار 1 / 277 ، باب وقت صلاة الفجر ، ح 14.
4- الكافي 3 / 283 ، باب وقت الفجر ، ح 5.
5- الإستبصار 1 / 257 ، باب اول وقت الظهر والعصر ، ح 49.
6- وسائل الشيعة 4 / 158 ، باب أوقات الصلوات الخمس ، ح 8.
7- زيادة : « في » من ( د ).
8- من لا يحضره الفقيه 2 / 130 وفيه : « أفلسنا في وقت ».

الساعة إلى أن تطلع الشمس؟ فقال : لا ، إنما تعدها صلاة الصبيان. ثم قال : لم يكن يحمد الرجل أن يصلي في المسجد ثم يرجع فينبه أهله وصبيانه » (1).

والظاهر اتحاد الخبرين وإن اشتمل الثاني على زيادة واختلاف في المتن.

وفي رواية الزهري المنقول في الاحتجاج عن صاحب الزمان عليه السلام : « ملعون ملعون من أخّر الغداة إلى أن ينقضي النجوم » (2).

وفي كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى أمراء البلاد : « وصلاتهم الغداة والرجل يعرف وجه مصاحبه » (3) وكأنه عليه السلام أراد به أول ما يعرف فيه ذلك.

وهذه الروايات كما ترى ليس صريحة في المنع عن التأخير ، فليحمل على الاستحباب جمعا بينها وبين الأخبار المتقدمة المنجبرة بعمل الأصحاب.

وفيها أيضا شواهد على الاستحباب كلفظ « لا ينبغي » ، والاكتفاء بمطلق الشغل ولو كان غير ضروري ، فإن الظاهر عدم مزاحمة مثله (4) للواجب بخلاف المندوب ، وكذا عدّه من صلاة الصبيان شاهد على كونه من أفعال الناقصين دون العاصين ، على أن في كلام الشيخ في التهذيب (5) ما يدلّ على (6) ارتفاع الخلاف في ذلك حيث قسّم الواجب إلى ما يستحق بتركه العقاب وما يكون الأولى فعله ولا يستحق بالاخلال به العقاب وإن استحق ضربا من اللوم ، وذكر أن المراد بالوجوب هنا ليس المعنى الأول ، فهذا كالصريح في إرادة الاستحباب فإن حمل كلام غيره عليه ارتفع الخلاف ، وقد أشرنا إليه عند بيان حال الوقتين.

ثم إنّ هذه الأخبار هي الشاهدة على انتهاء وقت الفضيلة بذلك ، والظاهر إطلاق الأصحاب على تحديد وقته الأول فضليّا كان أو اختياريا بذلك.

ص: 523


1- الإستبصار 1 / 276 ، باب وقت صلاة الفجر ، ح 13.
2- وسائل الشيعة 4 / 201 ، باب تأكد استحباب تأخير العشاء حتى تذهب الحمرة المغربية ، ح 7.
3- نهج البلاغة 3 / 82 الخطبة 52 وفيه : « وصلوا بهم الغداة والرجل يعرف وجه صاحبه ».
4- في ( ألف ) : « مثل ».
5- تهذيب الأحكام 2 / 41.
6- ليس في ( د ) : « على ».

ثم هذه الروايات المذكورة مختلفة في التعبير عن الحدّ المذكور ، فإن في بعضها اعتبار أن يتجلل الصبح السماء ، وفي آخر تنوير الصبح ، وفي بعضها الإسفار ، وفي بعضها انقضاء النجوم.

والظاهر تقارب الجميع.

والمعبّر به في كلام جماعة من الأصحاب كالفاضلين (1) (2) والشهيدين (3) (4) وغيرهم التحديد بظهور الحمرة المشرقية.

والظاهر أنهم بنوا على المقاربة (5) بين الامور المذكورة ؛ فعبّروا بالعلامة المبيّنة ، ولا بأس به إلا أنه قد يختلف (6) الحال في الحمرة بحسب الأوقات ، فربما يتقدم على المذكورات لبعض العوارض السماوية ، فالقول حينئذ بانقضاء وقت الفضيلة مع عدم حصول الاسفار الذي هو المناط في الحمل - على ما دلّت عليه الأخبار - محلّ إشكال ، بل الأظهر خلافه ؛ وقوفا مع ظواهر تلك الروايات وحملا لكلام الأصحاب على الغالب.

ثم إنّ هنا إشكالا أورده الفاضل الشيخ محيي الدين ابن تاج الدين علي الشهيد الثاني كما حكاه بعض الأفاضل ، وهو أنّ الأخبار قد دلّت على أنّ بقاء الحمرة المشرقية دليل على عدم غيبوبة الشمس ، فينبغي أن يكون ظهورها دليلا على بروزها.

فأجاب عنه الشهيد بعد إرجاع الأمر إلى النصّ أن (7) دلالة الحمرة (8) المشرقية على بقاء الشمس في الجهة الغربية لا يقضي بدلالتها عليها في الجهة المشرقية ، فهي إذن كالشفق الغربي في عدم دلالته على بقاء الشمس في جهته.

ص: 524


1- كشف الرموز 1 / 127.
2- كشف اللثام 1 / 161.
3- البيان : 49.
4- مسالك الإفهام 1 / 144.
5- في ( د ) : « مقارنة ».
6- في ( ب ) : « يخلف ».
7- في ( ألف ) : « أن لا ».
8- في ( ب ) : « لحمرة ».

قلت : الأصوب في تقرير الإيراد أن يقال : إنه كما جعل الحمرة المشرقية دليلا على بقاء الشمس في الجهة الغربية فينبغي أن يكون ظهورها في جهة المغرب دليلا على طلوع الشمس في الجهة المشرقية ، فكيف لم يعتبروا هنا سوى ظهور القرص؟ وحينئذ فلا يتّجه في ردّه جواب الشهيد.

وقد روى في الدعائم مرسلا ، عن الصادق عليه السلام أنه قال : « أول وقت صلاة الفجر اعتراض الفجر في افق المشرق ، وآخر وقتها أن يحمر افق المغرب » (1).

وذلك قبل أن يبدو قرص الشمس في افق المشرق إلا أن الرواية ضعيفة متروكة ، بل الاتفاق منعقد على خلافها ، فلا بدّ من الاقتصار على مورد النصّ ، والبناء هنا على ظهور القرص ، والنصّ هو الفارق بين الأمرين.

والظاهر أن العبرة بظهور أول جزء منه كما هو الظاهر من الإطلاق في المقام دون المركز كما يعتبر أهل النجوم ولا تمامه.

كما قد يقال بأن تعليق الحكم على طلوعها يقضي باعتبار طلوع الجميع ، والعبرة بصدق طلوعها في ذلك المكان ، ولو كان بظهورها في المواضع المرتفعة الحاصلة فيه ، وإن كان خارجا عن المعتاد كالجبال العالية والأبنية المرتفعة جدّا كمنارة الإسكندرية ؛ لصدق الطلوع هناك في ظاهر العرف مع ظهور الشعاع عليها ، ولا يقدر وجود المرتفع مع عدمه.

والفارق بين المقامين هو العرف.

وقد ذكر في المبسوط (2) تفريعا على القول باعتبار غيبوبة القرص في الغروب أنه لو رأى ضوءها في جبل عال ونحوه ، فإنه يصلّي المغرب ولا يلزمه حكم الطلوع.

وقضية ذلك عدم حكمه بالطلوع في المقام أيضا إلا أن ظاهره الميل إلى ما قلناه في كتاب الصوم منه حيث قال - بعد ما حكي عن بعض الأصحاب نحو ما حكيناه عنه - : إن الأحوط عندي مراعاة الغيبوبة عن الأبصار في كلّ ما يشاهده.

ص: 525


1- دعائم الإسلام 1 / 139.
2- المبسوط 1 / 74.
تبصرة: [ في معرفة الزوال ]

يعرف الزوال بأمور :

منها : زيادة الظلّ بعد نقصانه ، كما دلّ عليه عدة من الأخبار (1) وهو واضح بحسب الاعتبار أو بحصوله بعد انعدامه كما يتفق في بعض الأحوال في البلاد الجنوبية التي يكون عرضها بقدر الميل الكلي أو دونه.

ومنها : ميل الشمس إلى طرف الحاجب الأيمن لمستقبل قبلة العراق ، كما ذكره جملة منهم الفاضلان (2) والشهيد في البيان (3) والمحقق الكركي (4) وغيرهم.

وعزاه في جامع المقاصد إلى الأصحاب.

وعن المبسوط (5) إسناده إلى الرواية.

وعن الشرائع (6) والتحرير (7) والإرشاد (8) إطلاق استقبال القبلة من غير تقييد بقبلة العراق.

وكأنه هو المقصود.

ص: 526


1- انظر وسائل الشيعة 4 / 162 ، باب ما يعرف به زوال الشمس من زيادت الظلل بعد نقصانه ...
2- المعتبر 2 / 49 ، شرائع الإسلام 1 / 47 ، تحرير الأحكام 1 / 178.
3- البيان : 53.
4- جامع المقاصد 2 / 13.
5- المبسوط 1 / 73.
6- شرائع الإسلام 1 / 47.
7- تحرير الأحكام 1 / 178.
8- ارشاد الاذهان 1 / 243.

وخصّه بعضهم بأطراف العراق الغربية كالموصل وما والاها.

وعن بعضهم أن هذه الأوساط العراق كالمشهدين الشريفين على مشرفها السلام وبغداد والكوفة والحلة.

قلت : والضابط في المقام هو استقبال نقطة الجنوب ، ولمّا كان قبلة الأطراف الغربية من العراق نقطة الجنوب أو ما يقاربها جدّا صحّت العلامة المذكورة بالنسبة إليها ، وأما ما عداها فإنما يعرف به بعدم الزوال. ولما لم يكن هذه العلامة كاشفة عن الزوال إلا بعد مضيّ زمان منه فلا ضير لو توسّع فيها وجعلت علامة لأهل العراق ؛ إذ قبلتهم إما نقطة الجنوب أو منحرفا عنه إلى المغرب بيسير.

غاية الأمر أن يكون في الثاني كاشفا عن سبق الزوال زيادة على الأول. ولما كان استخراج نقطة الجنوب متعسّرا عند العامة بل الخاصة أيضا في غالب الأحوال بني الأمر على ما هو معلوم عند الكلّ.

وقيّده العلامة في المنتهى (1) والنهاية (2) بمن كان بمكّة إذا استقبل الركن العراقي.

وكأنه نظر إلى اتّساع الأمر في الجهة بالنسبة إلى سائر البلدان ، فلا ينكشف به الحال بخلاف من كان بمكّة.

ولا يخفى أنه ليس الركن العراقي موضوعا على نقطة الشمال ، وإنما بني فيما بين المشرق والشمال ، فلا ينكشف به الزوال إلا بعد حين كما هو الحال في العراق.

وفي الخبر : « أتاني جبرئيل عليه السلام ، فإذا في وقت الظهر حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن » (3).

وكأنّه الرواية التي أشار إليها في المبسوط (4) ، وكأنّه كان حينئذ مستقبل نقطة الجنوب.

ص: 527


1- منتهى المطلب 4 / 43.
2- نهاية الإحكام 1 / 335.
3- وسائل الشيعة 4 / 161 ، باب أوقات الصلوات الخمس وجملة من أحكامها ح 12.
4- المبسوط 1 / 73.

ومنها : ميل رأس الظلّ عن خطّ نصف النهار إلى جهة المشرق ، ويعرف ذلك بالدائرة الهنديّة.

هذا ، وقد روى الصدوق في الفقيه (1) والخصال (2) بإسناده عن عبد اللّه بن سنان تعيين مقدار الظلّ الباقي حال الزوال بحسب أوقات السنة ليعرف الزوال بحسبه ، وهي من المتشابهات.

ومن المعلوم أن الظلّ الباقي يختلف بحسب البلدان ، وليس في الرواية ما يدلّ على تعيين البلد المفروض فيه ، ومع ذلك فالرواية غير مطابقة لقواعد الهيئة ، فالأولى التوقف فيها وإرجاع الأمر إلى قائله عليه السلام إن صحّ النقل.

ص: 528


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 223.
2- الخصال : 460.
تبصرة: [ في معرفة المغرب ]

يعرف المغرب بذهاب الحمرة المشرقية ، على المعروف بين الأصحاب.

وبه قال العماني (1) كما هو المستفاد من عبارته المنقولة ، والشيخ (2) وعلاء الدين الحلبي (3) والطوسي (4) والحلي (5) والفاضلان (6) والشهيدان (7) والسيوري والمحقق الكركي (8) وغيرهم.

وحكى الإجماع عليه في السرائر. وفي المعتبر (9) : إن عليه عمل الأصحاب.

وفي التذكرة (10) : إنه المشهور وعليه العمل.

وحكاية الشهرة عليه مستفيضة حكاه في المختلف (11) وكشف الالتباس وغاية المرام وإرشاد الجعفرية والروض (12) ومجمع البرهان (13) والحبل المتين (14) وغيرها.

ص: 529


1- فقه ابن أبي عقيل العماني : 162.
2- المبسوط 1 / 74.
3- اشارة السبق : 84.
4- الوسيلة : 83.
5- السرائر 1 / 195.
6- المعتبر 2 / 51 ، شرائع الإسلام 1 / 47 ، ارشاد الاذهان 1 / 243.
7- البيان : 49 ، روض الجنان : 179.
8- جامع المقاصد 2 / 17.
9- المعتبر 2 / 51.
10- تذكرة الفقهاء 2 / 310.
11- مختلف الشيعة 2 / 39.
12- روض الجنان : 179.
13- مجمع الفائدة والبرهان 2 / 21.
14- حبل المتين : 142.

وفي كشف اللثام (1) : إنه مذهب المعظم.

وعن الصدوق في العلل (2) والإسكافي والشيخ في المبسوط (3) أن الاعتبار بغيبوبة القرص.

وتبعهم جماعة من المتأخرين منهم صاحب المعالم والكفاية (4) ومفاتيح الشرائع (5).

وقوّاه الفاضل الأردبيلي (6) وتلميذه في المدارك (7).

ونفى عنه البعد في الحبل المتين (8). واحتمله صاحب الوافي في كلام الصدوق في الهداية (9) ، والسيد في الميافارقيات ، والديلمي والقاضي (10) والمهذب (11) وشرح الجمل.

وعن الصدوقين في الرسالة والمقنع (12) اعتبار ظهور ثلاثة أنجم. وهو بظاهره لا يوافق شيئا من القولين ، ولا يبعد إرجاعه إلى الأول ؛ إذ الغالب عدم الانفكاك بين الأمرين.

لنا : الأخبار الكثيرة المستفيضة المشتملة على غير واحد من الصحاح المعتضدة بعمل الأصحاب ، منها صحيحة يونس بن يعقوب : متى نفضي (13) من عرفات؟ فقال : « إذا ذهبت الحمرة من هاهنا - وأشار بيده إلى المشرق - إلى مطلع الشمس » (14).

ص: 530


1- كشف اللثام 1 / 157.
2- علل الشرائع 2 / 349.
3- المبسوط 1 / 74.
4- كفاية الأحكام 1 / 77.
5- في ( د ) : « والمفاتيح ».
6- مجمع الفائدة والبرهان 2 / 21.
7- مدارك الأحكام 3 / 50.
8- حبل المتين : 142.
9- الهداية : 129.
10- في ( د ) : « في ».
11- المهذب البارع 1 / 288.
12- المقنع : 205.
13- في ( د ) : « نغض ».
14- تهذيب الأحكام 5 / 186 ، باب الإفاضة من عرفات ، ح 1.

مع ما دلّ عليه من الأخبار والإجمال ، على أن الغاية في المكث هو الغروب.

ومنها : صحيحة زرارة.

وفي رواية عمار الساباطي : « إنما أمرت أبا الخطاب أن يصلي المغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشمس ، فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب ، وكان يصلي حين يغيب الشفق » (1).

وفي رواية محمد بن شريح ، عن الصادق عليه السلام : سألته عن وقت المغرب؟ فقال : « إذا تغيرت في الافق وقربت الصفرة وقبل أن تشبك النجوم » (2).

وفي رواية يزيد بن معاوية المروية بطرق عدة : « إذا غابت الحمرة من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها » (3).

وفي مرسلة ابن أبي عمير القوية : « وقت سقوط القرص ووجوب الافطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة وتتفقده (4) الحمرة التي ترتفع من المشرق ، فإذا جازت فيه الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الافطار وسقط القرص » (5).

وفي مرسلة ابن هشيم : « وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق ، وتدري كيف ذلك؟ » قلت : [ لا ، قال : ] (6) « لأن المشرق مطل (7) على المغرب هكذا - ورفع عينيه فوق يساره - فإذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا » (8).

وفي مكاتبة عبد اللّه بن وضاح : سأله عن الصلاة والإفطار إذا توارى القرص وأقبل الليل ، ثم زاد الليل ارتفاعا وستر الشمس وارتفع فوق الليل حمرته وأذّن المؤذّنون أو أنه ينظر

ص: 531


1- الإستبصار 1 / 266 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 21.
2- تهذيب الأحكام 2 / 257 ، باب المواقيت ، ح 61.
3- تهذيب الأحكام 2 / 257 ، باب المواقيت ، ح 58.
4- في ( د ) : « وتتفقد ».
5- الكافي 3 / 279 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 4 وفيه : « جازت قمة الرأس ».
6- الزيادة من المصدر.
7- في المخطوطات : « يبطل » ، وما أدرجناه من المصدر.
8- الكافي 3 / 278 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 1.

ذهاب الحمرة التي فوق الليل : « أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك » (1).

ويؤيد ذلك ما في رواية يعقوب بن شعيب : « مسوا بالمغرب قليلا ، فإن الشمس تغيب من عندكم قبل أن تغيب من عندنا » (2).

وصحيحة بكر بن محمد ، عن الصادق عليه السلام : أنه سأله سائل عن وقت المغرب؟ فقال :

« إن اللّه يقول في كتابه لإبراهيم عليه السلام : ( فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي ) (3) ، فهذا أول الوقت » (4).

وأما حسنة شهاب : « إني احبّ إذا صليت المغرب أن أرى في السماء كوكبا » (5) فإنه باعتبار رؤية الكوكب بخصوصه لا يظهر قائل به في تحقق الغروب ، فالظاهر حمله على ما يوافق ذهاب الحمرة ، فكأنّ التعبير عنه بذلك لأجل التقية ؛ نظرا إلى الاستيناس للحكم بظاهر الآية الشريفة.

وكذا الحال في اعتبار التمسّي بالمغرب ؛ إذ مجرد مسمّاه مما لم يعتبره أحد في المقام ، فيكون المناط هو ذهاب الحمرة على ما تضمّنه الأخبار المذكورة ، فهي كاشفة عن المراد من الروايات المذكورة ، فبملاحظة هذه الأخبار المتكثّرة المشتملة على المعتبرة المستفيضة المعتضدة بفتوى الطائفة وعملهم بها قديما وحديثا - حتى إذا صار من شعار الشيعة يعرفون به عند فرق العامة كحلية المتعة ومسح الرجلين ونحوهما ، مضافا إلى موافقته غالبا للحائطة ، لا يبقى تأمل في المسألة.

وعدم اعتبار مثله في الطلوع لانتفاء الدليل عليه هناك ، بل قيامه على خلافه من النصّ

ص: 532


1- نهاية الأفكار 2 / 246 والإستبصار 1 / 264 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 13.
2- الإستبصار 1 / 264 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 12.
3- الأنعام : 76.
4- الإستبصار 1 / 264 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 14.
5- علل الشرائع 2 / 350.

والإجماع لا يقضي بجريانها (1) في المقام مع قيام الدليل عليه هنا.

وحمله عليه مقايسة في مقابلة النصّ.

احتجّوا بالإطلاقات المتكثرة الدالّة على دخول وقت المغرب بمجرد غروب الشمس ، وما دلّ على وجوبه عند وجوب القرص وغيبوبة الحاصلة عرفا ولغة بمجرد خفائه تحت الأرض واستتاره عن الابصار.

وفي الصحيح : متى يدخل (2) وقت المغرب؟ فقال : « إذا غاب كرسيّها ». قلت : وما كرسيّها؟ قال : « قرصها ». فقلت : متى تغيب قرصها؟ قال : « إذا نظرت إليه فلم تره » (3).

وروى أبان بن تغلب ، عن جماعة قالوا : أقبلنا من مكة حتى إذا كنّا بوادي الأخضر إذا نحن برجل يصلّي ونحن ننظر إلى شعاع الشمس ، فوجدنا في أنفسنا ، فجعل يصلّي ونحن ندعو عليه ونقول : هو شابّ من شباب أهل المدينة ، فلما أتيناه إذا هو أبو عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السلام ، فنزلنا وصلّينا معه وقد فاتتنا ركعة ، فلما قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا له : جعلنا اللّه فداك! هذه الساعة يصلّى؟! فقال : « إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت » (4).

وروى عبد اللّه بن زرارة عن الصادق عليه السلام أنه سمعته يقول : « صحبني رجل كان يمسي بالمغرب ويغلّس بالفجر ، وكنت أنا اصلّي المغرب إذا غربت الشمس واصلّي الفجر إذا استبان الفجر.

فقال لي الرجل : ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع؟ فإن الشمس تطلع على قوم قبلنا وتغرب عنّا (5) وهي طالعة على قوم آخرين بعد. فقلت : إنما علينا أن نصلي إذا وجبت الشمس عنا وإذا طلع الفجر عندنا وعلى أولئك أن يصلّوا إذا غربت الشمس عنهم » (6).

ص: 533


1- في ( د ) : « بجريانه ».
2- في ( ب ) : « حتى تدخل ».
3- الأمالي ، للصدوق : 139.
4- الأمالي ، للصدوق : 141 وفيه : « بوادي الاجفر ».
5- في ( ألف ) : « عنها ».
6- الأمالي ، للصدوق : 140.

والظاهر أن هذه الرواية لا تزيد على الإطلاق لاحتمال أن يراد بالغروب فيه هو المنكشف بذهاب الحمرة المشرقية.

وكأن الرجل كان يؤخّره عن ذلك لتعليله المذكور. وقد نقل التأخير عنه كذلك عن أبي الخطاب كما ورد في بعض أخبار الباب.

ولعلّ الرجل كان من جملة أتباعه.

والجواب : أما عن الأخبار المطلقة فحملها على المقيدة كما هو مقتضى القاعدة ، وأما ما اشتمل منها على التصريح فبحمله على التقية ؛ إذ ذلك مذهب العامة ، وعليه عملهم.

وهو أوضح محمل في المقام ، وعليه شواهد في الأخبار كما في المكاتبة المتقدمة وحسنة شهاب.

وفي رواية جارود : « ينصحون فلا يقبلون ، وإذا سمعوا الشي ء نادوا به أو حدّثوا بشي ء أذاعوه. قلت لهم مسّوا بالمغرب قليلا فتركوها حتى اشتبكت النجوم ، فأنا الآن (1) اصلّيها إذا سقط القرص » (2).

وفيها أقوى شاهد على حمل تلك الأخبار على التقية ، مضافا إلى ما عرفت من موافقتها للمشهور بين الأصحاب في الفتوى والعمل.

ويستفاد من رواية أبان بن تغلب المذكورة كون ذلك شائعا مشهورا بين أصحاب الأئمة عليهم السلام كما أنه الآن كذلك.

وما يقال في الجمع بين الأخبار من حمل هذه على دخول الوقت وتلك على فضيلة التأخير مع مخالفته لظاهر المذهب مدفوع بالأخبار الدالّة على فضيلة المبادرة إليها إذا دخل وقتها ، والتأكيدات الواردة في ذلك ، ففي [ حديث : ] « كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لا يؤثر على صلاة المغرب شيئا إذا غربت الشمس حتى يصلّيها » (3).

ص: 534


1- في ( د ) : « إلّا أن ».
2- تهذيب الأحكام 2 / 259 ، باب المواقيت ، ح 69.
3- وسائل الشيعة 4 / 189 ، باب تأكد استحباب تقديم المغرب في أول وقتها ، ح 9.

وفي المرسل : « ملعون من أخّر المغرب طلب فضلها » (1).

وقد ورد في المستفيضة : « أن لها وقتا واحدا بخلاف باقي الفرائض » (2). وفي غير واحد منها أن وقتها وجوبها تأكيدا في المبادرة إليها ، فتأمل جدّا (3).

ص: 535


1- تهذيب الأحكام 2 / 33 ، باب أوقات الصلاة وعلامة كل وقت منها ، ح 51.
2- انظر : الإستبصار 1 / 245 ، باب ان لكل صلاة وقتين ، ح 3.
3- في ( د ) : « جيدا ».
تبصرة: [ في الحمرة ]

المراد بالسبق المعتبر آخر زواله فضيلة المغرب وأول فضيلة العشاء هو الحمرة كما دلّ عليه النصوص المستفيضة ففي الصحيح الشفق الحمرة فسأله عبد اللّه : أصلحك اللّه أن يبقى بعد ذهاب الحمرة ضوء شديد معترض. فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « إن الشفق إنما هو الحمرة وليس الضوء من الشفق » (1).

وفي الموثّق كالصحيح : الشفق الحمرة أو البياض؟ فقال : « الحمرة لو كان البياض كان إلى ثلث الليل » (2).

فالبياض لا عبرة ببقائها ، وكذا الصفرة.

نعم ، إن كانت الصفرة شديدة بحيث يعدّ حمرة عرفا جرى عليه الحكم ، وإن شكّ في التسمية بنافيه على بقاء الحمرة ، ويعرف انتصاف الليل بانحدار الكواكب الطالعة أول الليل كما ذكره بعض الأصحاب.

وروى الصدوق ، عن محمد بن عمر بن حنظلة ، عن الصادق عليه السلام أنه قال : « لليل زوال كزوال الشمس ». قلت : فبأي شي ء نعرفه؟ قال : « بالنجوم إذا انحدرت » (3).

وهي محمولة على النجوم الطالعة أول الغروب ، وإلّا لم يمكن (4) استكشاف الانتصاف بمحض انحدارها عن وسط السماء.

ص: 536


1- الكافي 3 / 281 ، باب وقت المغرب والعشاء ، الآخرة ، ح 11.
2- الكافي 3 / 280 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 10.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 227 ، باب معرفة زوال الليل ، ح 1.
4- في ( د ) : « يكن ».

وربما يحمل الانحدار فيها على مقاربة الغروب ، فيراد بها النجوم العالية في جهة المشرق ، فهو إذن علامة تخمينية يحصل القطع منها بعد مضيّ مدة من الانتصاف.

والوجه الأول أقرب إلى التحقيق إلا أنه لا يستعلم به الحال كذلك إلا مع العلم بكون مدار ذلك الكوكب نظير مدار الشمس بحيث يكون قوس نهاره مساويا لقوس ليل الشمس ؛ إذ لو كان أقصر منه حصل الانتصاف بعد الانحدار ، وإلّا كان الانتصاف مقدّما عليه. وربما يطلع الفجر قبله فيحصل العلم بالانتصاف في أوائل حصوله من العلامة المذكورة يتوقّف على ما قلنا إلا أن العلم بها من الأمارات الظاهرة مشكل ، فيشكل إثبات الانتصاف به إلا بعد مضي مدة منه.

وقد يعرف ذلك بملاحظة طلوع الفجر أو غروبه أو قيامه على حسب اختلاف ليالي الشهرة كما قرّره.

وهو أيضا ممّا يختلف بحسب أحوال القمر ، فالعلم منه بالانتصاف إنما يكون بعد مضي مدة منه. وقد يستعلم ذلك بملاحظة مواضع الكواكب حال الغروب وحين طلوع الفجر ، فيجعل ما بينهما وقتا للانتصاف.

ومن الظاهر أنّ تعيين الوسط في الحس على سبيل التخمين. وهو أيضا مما يختلف باختلاف الليالي ، فلا يحصل منها أيضا إلّا بعد (1) مدة.

ومما ذكرنا ينقدح احتمال الاكتفاء في الانتصاف بالظن كما اكتفي به في معرفة سائر الأوقات عند وجود المانع في السماء.

وفيه ضعف ؛ إذ هو مخالف للأصل ، فيقتصر فيه على مورد الدليل.

وأقرب وجوه العلم بالانتصاف على سبيل التحقيق الرجوع إلى الاصطرلاب والساعات المضبوطة ، وهو مما لا يتمكن منه عامة الخلق ، وإنما يكون ذلك حجّة بعد حصول اليقين منها.

ص: 537


1- في ( ألف ) : « لأبعد ».

الثاني: في بيان الأحكام

تبصرة: [ في اليقين بدخول الوقت ]

يجب تحصيل العلم بدخول الوقت في التلبس بالعمل ، فلا يصحّ الفعل مع الجهل بالحال أو الظن به وإن وافق الواقع إذا تمكن من اليقين.

ولا يجوز التعويل حينئذ على الظن على المشهور بين الأصحاب.

وعن مجمع البرهان (1) وكشف اللثام (2) حكاية الإجماع عليه.

وفي المدارك (3) : إنه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا إلا أنه حكى بعد ذلك خلاف المحقق في جواز التعويل على أذان الثقة.

ويدلّ عليه - بعد ما ذكر - أصالة عدم حجية الظن في غير ما قام الدليل عليه ، وعدم تحقق التكليف ، فكيف يصحّ قصد الامتثال والتقرّب.

مضافا إلى الأخبار ، ففي حسنة البزنطي المروي في المستطرفات عن نوادره : « إذا كنت شاكّا في الزوال فصلّ ركعتين ، فإذا استيقنت أنها قد زالت بدأت بالفريضة » (4).

ص: 538


1- مجمع الفائدة والبرهان 2 / 52.
2- كشف اللثام 3 / 76.
3- مدارك الأحكام 3 / 97.
4- وسائل الشيعة 4 / 279 ، باب وجوب العلم بدخول الوقت ، ح 1.

وفي رواية سماعة : « فإذا استيقنت الزيادة يعني زيادة الفي ء فصلّ الظهر » (1).

وفي مرسلة الفقيه : « لأن أصلّي بعد ما مضى الوقت أحب إليّ من أن اصلّي وأنا في شكّ من الوقت وقبل الوقت » (2).

وفي رواية علي بن جعفر المروية في كتابه وغيره ، عن أخيه موسى عليه السلام : في الرجل يسمع الأذان فيصلّي الفجر ولا يدري أطلع أم لا ، غير أنه يظنّ لمكان الأذان أنه طلع؟ قال : « لا يجزيه حتى يعلم أنه قد طلع » (3).

وفي رواية علي بن مهزيار للمكاتبة (4) بعد بيان معنى الفجر : « ولا (5) تصلّ في سفر ولا حضر حتى تتبينه (6). فإنّ (7) اللّه تعالى لم يجعل خلقه في [ شبهة من ] (8) هذا [ فقال : ] ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) (9) الخبر (10).

ويدلّ عليه أيضا أن الظن لا يؤمن معه من الخطأ ، وعدم إصابة الواقع فيقبح التعويل عليه عقلا. كذا ذكره العلامة.

وفي المدارك (11) : إنه ضعيف جدا ؛ إذ القبح لا يقضي بقبح التعويل على الظنّ بل لا يأباه لو قام عليه دليل.

ص: 539


1- تهذيب الأحكام 2 / 27 ، باب اوقات الصلاة ، ح 26 وفيه : « فإذا استبنت الزيادة فصلّ الظهر ».
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 223 ، باب مواقيت الصلاة ، ح 671.
3- مسائل علي بن جعفر : 161.
4- في ( ألف ) : « للمكانية ».
5- في ( د ) : « فلا ».
6- كما في المصدر وغيره ، وفي المخطوطات : « يثبته ».
7- في النسخ المخطوطة : « قال » ، وما أدرجناه من المصدر.
8- الزيادة من المصدر.
9- البقرة : 185.
10- الكافي 3 / 282 ، باب وقت الفجر ، ح 1 ، وفيه : « فإن اللّه تبارك وتعالى لم يجعل خلقه في شبهة من هذا فقال .. ».
11- مدارك الأحكام 3 / 97.

قلت : الكلام في حكم العقل في المقام قبل قيام الدليل ، وهو مقصود العلامة ، وهو الذي يستقل العقل بقبحه ، ومنعه حينئذ مكابرة ، فتضعيفه لذلك ضعيف جدا.

وعن ظاهر الشيخين الاكتفاء بالظن مطلقا.

وعن المحقق في المعتبر (1) أنه إذا سمع الأذان من بعد يعرف منه الاستظهار قلّده (2) لقوله : « المؤذن مؤتمن » (3).

وقطع في الحدائق (4) بجواز الرجوع إلى المؤذن ، ولو كان من المخالفين.

واكتفى في التذكرة (5) بأذان الثقة للأعمى.

وحكي عن ظاهر الذكرى (6) وجماعة من المتأخرين وعن بعض الأصحاب القطع بجواز تقليد العدل العارف للأعمى والعامي الصرف الذي لا يعرف الوقت والممنوع عن عرفانه لحبس أو غيره.

قلت : وهذا كلّه خروج عن مقتضى الأصل وظاهر النصّ ، فلا بدّ من قيام دليل عليه.

وربّما يحتجّ للشيخين برواية ابن رباح الآتية ، ودلالتها عليه غير ظاهرة مع ما فيه (7) من المناقشة في الإسناد والمخالفة لما عرفت من الأخبار.

واحتجّ في الحدائق (8) على اعتبار الأذان ولو من غير أهل الايمان بعدّة من الأخبار. والاستناد إليها في غاية الضعف ؛ لضعف استناد المعظم منها وعدم دلالة كثير منها على المقصود.

ص: 540


1- المعتبر 2 / 63 وفيه : من ثقة يعلم منه الاستظهار قلده لقوله عليه السلام.
2- في ( ألف ) : « تلده ».
3- وسائل الشيعة 5 / 378 ، باب جواز التعديل في دخول الوقت ، ح 2.
4- الحدائق الناضرة 6 / 296.
5- تذكرة الفقهاء 2 / 383.
6- الذكرى 2 / 393.
7- في ( د ) : « فيها ».
8- الحدائق الناضرة 6 / 296.

وما يدلّ منها عليه ضعيف الاسناد ، وحمله على التقية في غاية القرب.

ففي رواية محمد بن خالد القسري ، قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أخاف أن اصلّي الجمعة قبل أن تزول الشمس. قال : « إنما ذلك على المؤذّنين » (1) ؛ إذ من المعلوم أن إقامة الجمعة في تلك الأعصار لم يكن على طريقة أهل الخلاف وبعد أذان مؤذّنهم وتلبّسهم بالفعل كيف يمكن التأخير؟

والحجة في جواز الاكتفاء به للأعمى ونحوه عدم تمكنه عن العلم ، فيكتفي بالظن كما هو قالوه في مسألة القبلة ، وهذه الكلية ممنوعة (2) كيف ، وحصول العلم له من شهادة القرائن وتعدد المخبرين ممكن في الغالب.

نعم ، لو فرض عدم تمكنه منه في بعض الأحوال كان خارجا عن محلّ الكلام ؛ إذ المقصود عدم جواز الاكتفاء به مع التمكن من العلم.

وعن بعض المتأخرين جواز التعويل على أخبار الثقة تعويلا على ما روي من اعتماد الكاظم عليه السلام في الحبس على أخبار من وكّله ليرصد له الوقت.

وما روي في الموثق كالصحيح : عن الباقر عليه السلام في رجل صلّى الغداة بليل غره من ذلك القمر ونام حتى طلعت الشمس فأخبر أنّه صلّى بليل ، قال : « يعيد صلاته » (3).

فالتعويل عليه في القضاء يدلّ بالفحوى على التعويل عليه في الأداء.

ويضعّفه أن الرواية الأولى ضعيفة مع أنّها حكاية فعل لا عموم فيها ، فلعلّه عليه السلام لم يكن متمكنا من العلم أو يفيد إخباره اليقين بالوقت.

والثانية لم يذكر فيها خصوص التقية ، وتقييدها به ليس بأولى من تقييدها بحصول العلم.

على أنّ المفروض منها وقوع الفعل قبل الوقت.

ص: 541


1- وسائل الشيعة 5 / 379 ، باب جواز التعويل في دخول الوقت ، ح 3.
2- زيادة : « ممنوعة » من ( د ).
3- الكافي 3 / 285 ، باب وقت الصلاة في يوم الغيم الريح ح 4.

وهل يقبل فيه شهادة العدلين؟ وجهان مبنيّان على أن شهادتها هل تنزّل شرعا منزلة العلم إلا ما خرج بالدليل كما يدّعى استفادته من الأخبار لو يقتصر فيها على موارد الأدلّة ، وحيث لم يقم في المقام فيبنى فيها على العدم. وظاهر المحقق الكركي هو الأول ، فليتأمل.

ص: 542

تبصرة: [ في التعويل على الظن مع عدم تمكن العلم ]

المشهور جواز التعويل على الظنّ مع عدم التمكن من العلم ، فلا يجب التأخير إلى أن يحصل اليقين.

وبه نصّ الفاضلان (1) والشهيدان (2) وغيرهم.

وفي الكفاية (3) والحدائق وغيرهما أنه المشهور.

وفي المدارك (4) : إنه أشهر القولين ، بل قيل إنه اجماع.

وفيه في كتاب الصوم (5) : إذ لا خلاف بين علمائنا ظاهرا في جواز الإفطار عند ظنّ الغروب إذا لم يكن للظانّ طريق إلى العلم ، وإنما اختلفوا في وجوب القضاء وعدمه إذا انكشف فساد الظنّ.

وفيه في كتاب الصلاة : إنه لا قائل بالفرق بين جواز الصلاة والإفطار.

وفي تعليق المدارك : إنه قائل بالفصل بين الصوم والصلاة ، وابن الجنيد لم يفرّق قطعا.

وفي الكفاية (6) : إن ما ذكره من نفي الخلاف غير واضح ، فإنّ أكثر عباراتهم خالية عن التصريح بذلك.

قال : وظاهر التذكرة وجود الخلاف.

ص: 543


1- شرائع الإسلام 1 / 50 ، منتهى المطلب 4 / 132.
2- مسالك الإفهام 1 / 147.
3- كفاية الأحكام 1 / 78.
4- مدارك الأحكام 3 / 98.
5- مدارك الأحكام 6 / 95.
6- كفاية الأحكام 1 / 234.

قلت : قد ذكر في التذكرة (1) أن الإمساك عن الإفطار حتى تتيقّن الغروب أحوط.

وقال أيضا : لو اجتهد وغلب على ظنّه دخول الليل فالأقرب جواز الأكل. ولا يدل ذلك على وجود الخلاف. غاية الأمر أنه يدل على تأمّل منه في الحكم.

نعم ، الظاهر أن الإسكافي إذا لم يقل بالاكتفاء به في الصلاة فالظاهر معه أيضا عن الإفطار ، فالاستناد إلى خلافه مع تصريح صاحب المدارك به ونصّه على عدم الفعل بالفرق بين الأمرين أولى.

وكيف كان ، فالمحكي عن الإسكافي (2) في المقام عدم جواز الاكتفاء بالظن حيث قال : ليس للشاكّ يوم الغيم ولا غيره أن يصلّي إلا عند تيقّنه بالوقت ، وصلاته في آخر الوقت مع اليقين خير من صلاته مع الشك.

وهو كما ترى غير صريح في المنع.

وفي صلاة المدارك (3) : إن المسألة محلّ تردّد. وقول ابن الجنيد لا يخلو عن قوّة.

والأظهر الأول ؛ لظواهر عدّة من الأخبار المعتضد بفتوى معظم الفرقة :

منها : ما ورد في الصوم من جواز الإفطار حينئذ. ومن الظاهر اتّحاد وقت الإفطار والصلاة ، فإذا ثبت به الوقت ثبت بالنسبة إلى الأمرين. مضافا إلى ما عرفت من الإجماع ، ففي رواية أبي الصباح : عن رجل صام ثم ظن أن الشمس قد غابت وفي السماء غيمة ، فأفطر ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب؟ فقال : « قد تم صومه ولا يقضيه » (4).

وفي صحيحة زرارة : في رجل ظن أن الشمس قد غابت فأفطر ثم تبصر الشمس بعد ذلك؟ فقال : « ليس عليه قضاء » (5).

ص: 544


1- تذكرة الفقهاء 6 / 74.
2- نقله عنه في مختلف الشيعة 2 / 47.
3- مدارك الأحكام 3 / 99.
4- من لا يحضره الفقيه 2 / 120 ، باب حكم الصائم يصبح جنبا أو يحتلم نهارا ح 1901 ، وفيه : « غيم فافطر ».
5- تهذيب الأحكام 4 / 318 ، باب الزيادات ح 36.

والظاهر أن المفروض كون ظنه في المقام مع حصول غيم في السماء مثلا ؛ إذ هو الغالب في الفرض المزبور ، فينطبق على محل البحث.

وفي صحيحته الأخرى : « وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت (1) أعدت (2) الصلاة ومضى صومك » (3).

وفي دلالة الأخيرة على المطلوب مناقشة ظاهرة ؛ إذ لم يفرض فيها حصول الظن بالوقت ، فقد يكون على سبيل اليقين ، ولا إطلاق فيها حتى يستند إلى قول الاستفصال ؛ إذ المقصود فيها بيان حال الصلاة إذا وقعت على مقتضى أمر الشرع في الظاهر ، فانكشف الخلاف بعد ذلك.

مضافا إلى عدم فرضه في صورة عدم التمكّن من العلم كما هو المقصود.

إلا أن يقال بظهور إطلاقه في فرض الأمرين.

ومن الغريب مناقشة صاحب المدارك في دلالته ؛ لاحتمال أن يراد بمضي الصوم فساده.

وهو كما ترى.

ومنها : ما دل على الاعتماد على صياح الديك ، ففي الخبر : « إني مؤذن فإذا كان يوم غيم لم أعرف الوقت؟ فقال : إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاء فقد زالت الشمس ودخل وقت الصلاة » (4).

وفي الصحيح : عن ابن أبي عمير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال لرجل من أصحابنا :

ربما اشتبه الوقت علينا في يوم الغيم؟ فقال : « تعرف هذه الطيور التي تكون عندكم يقال لها الديكة؟ » فقلت : نعم. قال : « إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس - أو قال -

ص: 545


1- في ( ألف ) : « هليت ».
2- في المصدر : « أعد ».
3- الكافي 3 / 279 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح 5.
4- من لا يحضره الفقيه 1 / 223 ، باب مواقيت الصلاة ح 670.

فصلّه » (1).

وفي ذلك إشارة إلى الاكتفاء بالظن ولو كان ضعيفا ؛ إذ الظن الحاصل من مجرّد ذلك في غاية الضعف.

ومنها : رواية سماعة : سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم نر الشمس ولا القمر ولا النجوم؟ قال : « اجتهد رأيك وتعمّد القبلة جهدك » (2).

فإنّ إطلاقه يعطي الاكتفاء بالاعتماد في الوقت والقبلة.

وما في المذكورات من ضعف في الإسناد منجبر بالشهرة بل إطباق الأصحاب ، على ما سمعته من عبارة المدارك (3).

حجة المنع الأخذ بالأصل ؛ لعدم قيام دليل صالح على اعتبار الظنّ فيه ، مضافا إلى الإطلاقات المتقدّمة الدالّة على اعتبار اليقين بدخول الوقت ، وخصوص رواية اسماعيل بن جابر : « إن اللّه إذا حجب عن عباده عيّن الشمس التي جعلها دليلا على أوقات الصلاة ، فموسّع عليهم تأخير الصلاة ليتبيّن لهم الوقت بظهورها ، ويستيقنوا أنها قد زالت ».

ويدفعه (4) أن الأصل والإطلاق لا يقاوم الدليل الخاص (5) ، والرواية المذكورة مع ما فيها من الضعف في الإسناد غير دالّة على وجوب التأخير. غاية الأمر دلالتها على رجحان التأخير إلى اليقين.

ثم إن الأخبار المذكورة فرض كون المانع من استعلام الوقت حصول المانع في السماء ، وأما إذا كان من جهة عدم تمكن المكلف من الاستعلام لمنع مانع ونحوه ، فظاهر جماعة من الأصحاب أنه كذلك ؛ إذ لم يفرّقوا بين الصورتين ، وفي استفادته من الأخبار إشكال إلا أن

ص: 546


1- تهذيب الأحكام 2 / 255 ، باب المواقيت ح 47 ، وفيه : « الطيور التي عندكم بالعراق ».
2- الكافي 3 / 284 ، باب وقت الصلاة في يوم الغيم والريح ومن صلّى لغير القبلة ح 1.
3- انظر : مدارك الأحكام 3 / 132.
4- في ( ألف ) : « يدفعه » بدون الواو.
5- في ( ألف ) : « الحاصل ».

يدّعى تنقيح المناط في المقام.

هذا كلّه إذا أمكن تحصيل اليقين بالتأخير ، أما مع عدمه فالظاهر أنه مجال للتأمّل في الاكتفاء بالظنّ. ولو لم يمكن تحصيل الظنّ أيضا ففي وجوب تكرار الصلاة بحيث يحصل معه اليقين بأداء كل فعل في وقته أو التخيير أو سقوط الأداء ؛ أخذا بأصالة براءة الذمة في الوقت الأخير الحاضر ولأن الوقت شرط في الصحة ، فمع الشك فيه لا يصحّ الفعل ، بل لا يشرع وجوه أشبهها الأخير.

وإن دار الأمر بين وقتي الصلاتين كالظهرين والعشاءين أو الصبح والظهرين مثلا وجب الإتيان بالأمرين لتحصل اليقين بالفراغ بعد اليقين بالاشتغال.

ص: 547

تبصرة: [ في الصلاة قبل دخول الوقت ]

لا تصحّ الصلاة قبل دخول الوقت عالما عامدا ، وإن دخل عليه الوقت في الصلاة ؛ إجماعا معلوما ومنقولا في التذكرة (1) والمهذب البارع (2) وغيرهما.

وربما يوهم عبارة النهاية (3) بالخلاف فيه حيث قال : من صلّى الفرض قبل دخول الوقت عامدا أو ناسيا ثمّ علم بعد ذلك وجب عليه إعادة الصلاة وإن كان في الصلاة لم يفرغ منها بعد ثم دخل وقتها فقد أجزأت عنه.

وهي محمولة على بيان التفصيل في خصوص الناسي كما حملها في المختلف (4) أو أراد (5) بالعامد الظانّ القاصد للفعل كما حكي عن جماعة في حملها (6).

ويدلّ على حمله على أحد الوجهين أنه نصّ بعد ذلك متصلا به أنه لا يجوز لأحد أن يدخل في الصلاة إلا بعد حصول العلم بدخول وقتها أو أن يغلب على ظنّه ذلك.

ويدلّ عليه - بعد ما عرفت من الإجماع - النصوص المستفيضة ، وحيث إنها الأصل في عدة من الأحكام الآتية لا بأس بالإشارة إلى عدة منها :

منها : صحيحة عمر بن يزيد : « ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلا لوقتها .. » إلى أن قال :

ص: 548


1- تذكرة الفقهاء 2 / 380.
2- المهذب البارع 1 / 301.
3- النهاية : 62.
4- مختلف الشيعة 2 / 46.
5- في ( ألف ) : « وأراد ».
6- في ( ب ) : « وحملها ».

« وكلّ فريضة إنما تؤدي إذا حلّت » (1).

ومنها : الصحيحة المتقدمة فيمن غره القمر في معرفة الفجر.

وفي صحيحة اخرى : أيزكّي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال : « لا ، أيصلّي الاولى قبل الزوال؟ » (2).

وفي الصحيح أنه فيمن (3) صلّى لغير القبلة أو في (4) غيم لغير الوقت؟ قال : « يعيد » (5).

وفي الموثق : « من صلّى في غير وقت فلا صلاة » (6).

وفي موثقة اخرى : « إياك أن تصلّي قبل أن تزول الشمس ، فإنك إن تصلّي في وقت العصر خير لك من أن تصلّي قبل الزوال » (7).

وفي مرسلة الفقيه ، عن أبي جعفر عليه السلام ما تقدم ذكره .. إلى غير ذلك.

ويدلّ عليه أنه قبل دخول الوقت لا أمر بالفعل ، فلا يتحقق الامتثال ، ولا يسقط به التكليف المتعلّق به بعد دخول الوقت.

وقد ظهر من ذلك أن تقديم الفعل على الوقت قاض بفساد العمل ، وعدم حصول الامتثال ، من غير فرق بين صورة العمد والسهو والغفلة عن ملاحظة الوقت ، والجهل بالحكم أو الموضوع مع حصول الشكّ أو الظنّ المعتبر أو غير المعتبر إلا في صورة واحدة يأتي الإشارة إليها ؛ لاندراج (8) الجميع في الأخبار المذكورة ، وقضاء الأصل المذكور بالفساد في الكلّ.

ص: 549


1- الكافي 3 / 524 ، باب اوقات الزكاة ، ح 8.
2- الكافي 3 / 524 ، باب اوقات الزكاة ، ح 9.
3- في ( ب ) : « فمن ».
4- في ( د ) زيادة : « يوم ».
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 278 ، باب القبلة ، ح 855.
6- الكافي 3 / 285 ، باب وقت الصلاة في يوم الغيم والريح ح 6 وفيه : « فلا صلاة له ».
7- تهذيب الأحكام 2 / 141 ، باب تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون ، ح 7 ، وفيه : « قبل أن تزول ».
8- في ( ألف ) : « الاندراج ».

ولمّا وقع الكلام في كلمات الأصحاب في عدّة من الصور المذكورة فلنشر إلى جملة منها :

منها : ما لو كان جاهلا بالحكم. وعن التذكرة (1) حكاية الإجماع على الفساد.

وعن المختلف (2) أنه حكي عن السيد إسناده إلى محصّلي أصحابنا ومحقّقيهم.

وعن المهذب البارع (3) والروض (4) إسناده إلى الأكثر.

وعن الحلبي في (5) الكافي (6) النصّ على صحة صلاة الجاهل إذا دخل عليه الوقت وهو في الصلاة ؛ إذ لا خلاف ظاهر في فساد العمل مع وقوع الجميع خارجا عن الوقت المضروب كما ذكره في الحدائق.

وهو ضعيف لما عرفت.

ومن قضاء الأدلة المذكورة بالفساد مع اعتضادها بالشهرة وعدم وضوح دليل على الصحة ، وحملها على الظانّ على ما سيجي ء الكلام فيه قياس. والجهل لا يكون عذرا حتى في صورة العصيان إلا إذا كان جاهلا محضا بحيث يستحيل تعلّق التكليف به سقط عنه المعصية إلا أن ذلك لا يقتضي بالصحة.

نعم ، لو أوقعه الجاهل كذلك من دون مراعاة الوقت إلا أنه اتفق بمصادفة (7) له في الواقع فالظاهر الصحة ؛ لموافقته للأمر وحصول قصد القربة (8) سواء كان (9) من جهة جهله بأصل الوقت أو في صحة الدخول مع الشكّ.

ص: 550


1- تذكرة الفقهاء 2 / 280.
2- مختلف الشيعة 2 / 46.
3- المهذب البارع 1 / 302.
4- روض الجنان : 187.
5- في ( ألف ) : « و » ، بدل « في ».
6- الكافي للحلبي : 137.
7- في ( د ) : « بمصادفته ».
8- في ( د ) زيادة : « منه ».
9- في ( د ) زيادة : « ذلك ».

وقد نازع في ذلك صاحب الذخيرة (1) فحكم بالبطلان نظرا إلى أن المقارنة الاتفاقية لا عبرة بها في الصحة ؛ إذ لو فرض أن أحد الجاهلين أوقع الفعل خارجا عن الوقت والآخر فيه فإنّ استحقاق الثاني للثواب دون الأول مخالف للعدل مع مساواتهما في الحركات الاختيارية ؛ إذ المفروض أن إيقاعه الثاني في الوقت والأول في خارجه مستندان (2) إلى محض الاتفاق.

وهو كما ترى ، وله نظائر لا تحصى ، مع أن الفرق بين الصورتين ظاهر مما قلنا ؛ لموافقة فعل الثاني لما أمر به الشارع وقصد الامتثال والقربة ، فليس هناك شي ء يقضي بفساد فعله بخلاف ما إذا خالف شيئا من الأجزاء أو الشرائط المعتبرة أو كان متردّدا في الصحة وإيقاع قصد القربة ؛ إذ لا تأمل إذن في الحكم بالفساد.

وما يظهر من بعض المتأخرين البناء على الصحة في مثله أيضا فاسد ، وما يدّعى من دلالة بعض الإطلاقات عليه مما لا يمكن الركون إليه كما فصّل في محله.

ومنها : ما لو كان ناسيا ، فالمعروف فيه الفساد أيضا.

وحكي القول به عن العماني والسيد والشيخ (3) والفاضلين (4) والشهيدين (5) (6) والمحقق الكركي (7) وغيرهم.

وعن التذكرة (8) حكاية الإجماع عليه.

وعن السيد (9) أنه مذهب المحققين والمحصلين من الأصحاب.

ص: 551


1- ذخيرة المعاد 2 / 209.
2- في ( د ) : « مستند » ، وفي ( ب ) : « مستندا ».
3- المبسوط 1 / 74.
4- المعتبر 2 / 62 ، تحرير الأحكام 1 / 182.
5- في ( ب ) : « الشهيد ».
6- روض الجنان : 187.
7- جامع المقاصد 2 / 28.
8- تذكرة الفقهاء 2 / 380.
9- رسائل الشريف المرتضى : 35 ، المسألة الرابعة.

وعن الروضة أنه الأشهر.

وفي الحدائق (1) : أنه المشهور بين المتأخرين.

وظاهر العبارة المتقدمة عن النهاية (2) البناء على الصحة لو دخل عليه الوقت وهو في الصلاة.

وعن المختلف (3) : أنّه منصوص الحلبي (4) ، وظاهر كلام القاضي (5). وحكي ذلك أيضا عن الشهيد في البيان.

واستدلّ للصحة بأن الناسي معذور ومخاطب بالفعل على نحو الظانّ ، فيثبت له الحكم الثابت فيه.

وهو كما ترى ؛ إذ حمله عليه قياس ، والحكم كما عرفت مخالف للأصل ، فلا بدّ فيه من الاقتصار على مورد النصّ. والظاهر أن محل الخلاف ما إذا دخل عليه الوقت في الأثناء ، وأما إذا وقع الجميع خارجا عنه ، فالظاهر عدم الخلاف في الفساد.

وقد نفى عنه الخلاف في جامع المقاصد (6).

وفي الحدائق : إنه لا خلاف فيه ظاهر.

وفي جامع المقاصد (7) إن المراد به ناسي مراعاة الوقت. قال : وأطلقه الشهيد على من جرت منه الصلاة حال عدم حضور الوقت بالبال وعلى ما اخترناه ، فالظاهر عدم الفرق بين ناسي الحكم بالنسبة إلى أصل التوقيت أو وجوب مراعاة الوقت وناسي الموضوع والذاهل عن الحكم على أحد الوجهين أو عن الموضوع إلا أن حمل كلام من حكم بالصحة على جميع

ص: 552


1- الحدائق الناضرة 6 / 285.
2- انظر النهاية : 62.
3- مختلف الشيعة 2 / 48.
4- الكافي للحلبي : 138.
5- انظر المهذب 1 / 71.
6- جامع المقاصد 2 / 28.
7- جامع المقاصد 2 / 28.

ذلك غير معلوم.

ومنها : الظانّ بدخول الوقت مع جواز الاعتماد على الظنّ ، فإن انكشف وقوع الصلاة بتمامها خارجا عن الوقت فلا خلاف ظاهر عندنا في فساد الصلاة.

والأخبار المتقدمة وغيرها دالّة عليه.

ولو دخل عليه الوقت وهو في الصلاة ففي الحكم بالصحة قولان ، والأشهر الأظهر البناء عليها وفاقا [ ... ] (1).

وفي السرائر (2) : به نطقت الأخبار المتواترة.

وفي كشف الرموز (3) : إنه الأظهر بين الأصحاب.

وحكى الشهرة عليه جماعة منهم السيوري والمحقق الكركي (4) والشهيد الثاني (5).

وفي تعليق المدارك : إن عمل الأصحاب على خبر اسماعيل بن رباح.

وعن الاسكافي و (6) العلامة في المختلف (7) وابن فهد في الموجز والصيمري في كشفه الحكم بالفساد.

واختاره جماعة منهم ومن (8) تأخر عنهم منهم الفاضل الأردبيلي (9) وتلميذه وصاحب المفاتيح وغيرهم.

لنا قويّة اسماعيل بن أبي رباح ، عن الصادق عليه السلام قال : « إذا صلّيت وأنت ترى أنك في

ص: 553


1- هنا بياض في الأصل.
2- السرائر 1 / 201.
3- انظر كشف الرموز 1 / 130.
4- انظر جامع المقاصد 2 / 29.
5- روض الجنان 187.
6- في ( ب ) و ( د ) زيادة : « والسيّد ».
7- مختلف الشيعة 2 / 46.
8- في ( د ) : « جماعة ممن ».
9- مجمع الفائدة والبرهان 2 / 53.

وقت ولم يدخل الوقت فدخل وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك » (1).

وهذه الرواية قد رمتها الجماعة بالضعف ؛ لجهالة اسماعيل المذكور.

وأنت خبير بأنها منجبرة بعمل الأصحاب ، مضافا إلى قوّة الرواية في نفسها ؛ لتقدم ابن أبي عمير الذي من أصحاب الإجماع على اسماعيل المذكور.

ومع ذلك فقد ذكر في شأنه أنه لا يروي إلا عن ثقة ، ففي روايته عنه إشارة إلى وثاقته ، مضافا إلى أن للصدوق في الفقيه (2) طريقا إليه ، وهو يومي إلى جلالته على أن الرواية مذكورة في عدّة من الكتب المعتبرة ككتاب أحمد بن محمد [ بن ] عيسى ومحمد بن علي بن محبوب والغنية (3) والكافي (4) والتهذيب (5) ، مع أنك قد (6) عرفت إسناد الحلي ذلك إلى منطوق الأخبار الواردة (7) المتواترة ، فدلّ ذلك على وجود أخبار اخر صريحة (8).

وكفى به ناقلا لمضمونها ، ولو فرض توهّمه في دعوى التواتر فلا أقلّ من استفاضتها ، وهي كافية في المقام.

ويؤيّده أيضا مخالفة الحكم لمذهب (9) أهل الخلاف ، مع أنه لا معارض لها سوى الإطلاقات ، وهي لا تقاوم النصوص.

وربما يستدلّ عليه أيضا بالأصل للحكم بصحة الفعل أولا يستصحب ، وبأن الأمر يقتضي الإجزاء.

ص: 554


1- الكافي 2 / 286 ، باب وقت الصلاة في يوم الغيم الريح ، ح 11.
2- انظر من لا يحضره الفقيه 4 / 442.
3- لم ترد في ( ب ) : « والغنية ».
4- الكافي 3 / 285 ، باب وقت الصلاة في يوم الغيم والريح ح 11.
5- تهذيب الأحكام 2 / 35 ، باب أوقات الصلاة وعلامة كل وقت منها 61.
6- في ( ألف ) « إنك » بدلا من : « مع أنك قد ».
7- ليس في ( د ) : « الواردة ».
8- في ( د ) زيادة : « فيه ».
9- في ( د ) : « مذاهب ».

وضعفهما ظاهر ؛ إذ كلّ من الصحة والأمر ظاهريّان في المقام ، فلا يحكم بمقتضاهما إلا مع بقاء الجهل بالواقع ، والقول باتحاد الواقع فيه مع الظاهر (1) كما يستفاد من البعض قول بالتصويب ، فلا يوافق مذهب الإمامية.

وإن اريد به الواقعي الثانوي كما هو التحقيق في الحكم الظاهري ، فهو غير الأولى ، ولا يتمّ له ما عناه ؛ إذ يجري فيه ما ذكرناه.

فالمعتمد في المقام هو النصّ المنجبر بما عرف (2).

حجة القول بعدم الإجزاء الأصل المتقدم ؛ إذ المفروض وقوع بعض الفعل خارجا عن الوقت المضروب ، فيكون الإتيان به قبل تعلّق الأمر به بحسب الواقع ، وهو يقضي بانتفاء الصحة في الواقع ، وعدم امتثاله ما امر به في الواقع ، وإن حكم بالصحة ظاهرا لتعلّق الأمر به في الظاهر ، فيتعيّن الحكم بفساده بعد الانكشاف.

والأخبار المستفيضة الدالّة على فساد الصلاة قبل الوقت الشامل بإطلاقها للمقام.

وضعفها ظاهر ؛ إذ الأصل لا يعارض الدليل ، وكذا الإطلاق ما دل على التقييد.

على أنه قد يناقش في دلالته بعض تلك الإطلاقات على الفساد في المقام.

ثمّ إن الظاهر عدم الفرق بين ما إذا كان دخوله في الفعل مع الظنّ أو العلم بدخول الوقت ، وإن كان المفروض في الجملة (3) من عبائرهم خصوص الظنّ ، وقد حمل الرأي المذكور في الرواية على الظنّ ، والظاهر خروج ذلك مخرج الغالب ؛ إذ انكشاف الخلاف في الغالب إنما يكون مع الظنّ ، وحمل الرأي في الرواية على خصوص الظنّ لا داعي إليه.

وكأنّ المراد به مطلق الاعتقاد الشامل للعلم أو الظنّ المعتبر ، بناء على اعتبار الظنّ في المقام كما تقدّم القول فيه. ومع الغضّ عن ذلك فلا يبعد دعوى ظهوره في العلم.

هذا كلّه إذا انكشف له الحال بعد الصلاة ، وأما إذا انكشف في أثنائها فإن تبيّن له قبل

ص: 555


1- في ( د ) زيادة « أنه لظاهر ».
2- في ( د ) : « عرفت ».
3- في ( د ) : « جملة ».

دخول الوقت فالظاهر فساد العمل ؛ لخروجه عن مدلول الرواية.

وقد عرفت مقتضى الأصل والعمومات فيه.

ولا فرق بين ما إذا أدركه الوقت إذا أتمّها على المعتاد أو توقّف ذلك على إطالة الصلاة.

وإن انكشف عليه بعد دخول الوقت ففيه وجهان ؛ من خروجه عن ظاهر النصّ المذكور ، ومن مشاركتها للأخرى في المعنى.

بل قد يقال بكونهما (1) أولى من بعض صورها ، بل قد يقال باندراجها في إطلاق الخبر أيضا.

ص: 556


1- في ( ب ) : « بكونه ».
تبصرة: [ في إدراك المكلّف من أول وقت الصلاة بمقدار الأداء ]

إذا أدرك المكلّف من أول الوقت بمقدار أداء الصلاة جامعا لشرائط الصحة استقرّ التكليف عليه ، فإن عرضه بعد ذلك مانع عن أداء الفعل مطلقا لزمه القضاء كما إذا طرأ الجنون أو إغماء أو جاءها حيض أو نفاس ونحوها وإن لم يدرك تمام الصلاة ، فلا قضاء عليه.

فالكلام هنا في المقامين :

الأول : في ثبوت القضاء في الصورة المذكورة ، ولا (1) يظهر فيه خلاف بين الأصحاب سوى ما يحكى عن المقنع (2) من أنّها إذا طمثت بعد الزوال ولم تصلّ الظهر لم يكن عليها قضاؤها.

وقد تحمل على ما إذا لم يتّسع الوقت للصلاة وما تتوقف عليه.

وفي كشف اللثام (3) : أنه إجماع في الظاهر.

وأسنده في المدارك (4) إلى الأصحاب موذنا باطباقهم عليه.

ويدلّ عليه - بعد ذلك - العمومات الدالّة على لزوم قضاء الفائت خصوصا من الموثّق في امرأة دخلت وقت الصلاة وهي طاهرة ، فأخّرت الصلاة حتى حاضت. قال : « تقضي إذا طهرت » (5).

ص: 557


1- في ( ألف ) : « لا » بدون الواو.
2- المقنع : 49.
3- كشف اللثام 1 / 98.
4- مدارك الأحكام 3 / 91.
5- الإستبصار 1 / 144 ، باب المرأة تحيض بعد أن دخل عليها وقت الصلاة ، ح (493) 1.

وفي رواية اخرى : عن المرأة طمثت (1) بعد ما تزول الشمس ولم تصلّ الظهر ، هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال : « نعم » (2).

فإنّ ظاهر الأول فرض عروض المانع بعد التأخير فكانت تدرك الصلاة لو لا التأخير ، وظاهر الخبر أن في تركها الصلاة في أول الوقت وعروض الحيض لها بعد ذلك ، فينطبقان على المقصود.

مضافا إلى ما عرفت من اعتضادهما بالعمل.

وظاهر كثير من الأصحاب اعتبار معنى مقدار الطهارة والصلاة ، فلا عبرة بإدراك مجرّد أفعال الصلاة من دون الطهارة.

وبه نصّ الفاضلان (3) والشهيدان (4) والمحقق الكركي (5) وصاحب المدارك (6) والكفاية (7) وغيرهم.

وفي كشف اللثام (8) : أنّه ظاهر الأكثر. وتوقّف فيه في نهاية الإحكام (9) ؛ نظرا إلى توقف الصلاة عليها ، ومن إمكان تقديمها على الوقت. واستثنى فيه ما إذا لم يمكنه التقديم كالمستحاضة والمتيمم.

قلت : وعليه فينبغي استثناء غير القادر قبل الوقت على الماء وإن كان متمكنا منه في أول الوقت ، فلا يذهب عليك ضعف الوجه الأخير ؛ إذ إمكان التقديم لا يقضي بوجوبه عليه

ص: 558


1- في ( د ) : « تطمث ».
2- الإستبصار 1 / 144 ، باب المرأة تحيض بعد أن دخل عليها وقت الصلاة ، ح (494) 2.
3- المعتبر 2 / 46 ، تحرير الأحكام 1 / 180 ، تذكرة الفقهاء 2 / 321.
4- الذكرى 2 / 352 ، مسالك الإفهام 1 / 145.
5- انظر جامع المقاصد 2 / 45.
6- مدارك الأحكام 3 / 91.
7- كفاية الأحكام 1 / 28.
8- كشف اللثام 2 / 132.
9- نهاية الإحكام 1 / 123.

حينئذ ، فإذا لم يكن متطهرا لم يكن تعلق التكليف به مع فرض قصور الوقت يستقر في ذمّته فهو كتمكّنه من بعض الفعل من غير تفاوت.

نعم ، لو كان متطهّرا قبل الوقت لم يعتبر مضي (1) مقدارها قطعا ؛ لتمكنه إذن من العبادة.

وقد نبّه عليه العلامة في عدّة من كتبه والشهيدان وغيرهم.

ولا فرق بين علمه قبل الوقت بطروّ تلك الحال وعدمه لعدم وجوب الطهارة قبل الوقت مطلقا كما هو ظاهر الأخبار وفتاوى علمائنا الأخيار.

والظاهر أنه إجماع وإن لم يترك (2) من مناقشة على بعض الوجوه.

نعم ، لو اتّسع الوقت للطهارة الاضطرارية دون الاختيارية فإن علم أو ظنّ ذلك فالظاهر لزوم الإتيان بها بالاضطرارية ، ولزوم القضاء مع تركها ، وإلّا ففي ثبوت القضاء بانكشاف التمكن حينئذ منها وجهان ، أقواهما العدم كما سيظهر الوجه فيه.

وهو ظاهر الأصحاب حيث إن إطلاقهم إدراك الطهارة في الصلاة (3) في المقام فينصرف إلى (4) ذلك إلا أنه مبنيّة على من كان فرضه التيمّم بحسب الظاهر.

ثم إنه نصّ جماعة منهم الشهيدان والمحقق الكركي (5) على اعتبار التمكن من باقي شرائط الصلاة.

وناقشهم في كشف اللثام بعد قيام دليل عليه لتختصّ به العمومات.

والفرق بينها وبين الطهارة من وجهين :

أحدهما : من جهة توهّم (6) توقف الصلاة عليها مطلقا دونها.

وثانيهما : أن وجوب الطهارة موقتة كالصلاة بخلاف غيرها.

ص: 559


1- زيادة : « مضى » من ( د ).
2- في ( د ) : « لم يخل ».
3- في ( د ) : « والصلاة ».
4- زيادة : « إلى » من ( د ).
5- جامع المقاصد 2 / 45.
6- ليس في ( د ) : « توهم ».

قلت : إن فرض علمه أو ظنّه بذلك فلا تأمل في سقوطها وثبوت القضاء مع الترك. وأما مع عدم ظنّه به فلا تأمل في سقوطها (1) فأيّ الثمرة لعدم توقف الفعل عليه مع الاضطرار؟ والمفروض تكليفه بعمل المختار وعدم صحة العمل فيه مع ترك شي ء منها.

وحينئذ فلا يندرج ذلك في الخبرين الدالّين على ثبوت القضاء حسبما عرفت في بيانهما.

وما دلّ على سقوط القضاء عن الحائض والنفساء والمجنون ونحوهما قاض بسقوطه في المقام ؛ إذ المفروض كون الثواب في أول الوقت من جهة طروّ أحد (2) المذكورات ، وهو مقيّد لإطلاق ما دلّ على لزوم قضاء الفوائت.

والقول بأن تمكّنه من الإتيان به فاقد لتلك الشرائط مع حصول الاضطرار كما هو المفروض قاض بثبوت تكليفه به في الواقع ، وإن سقط عنه في الظاهر من جهة الجهل ، فيكون فواته إذن من تلك الجهة دون أحد تلك الأسباب ولا دليل إذن على سقوط القضاء ، مدفوع بأن الظاهر من ملاحظة العرف إسناد الفوات في الفرض المذكور إلى ما طراه من العارض ، فيندرج فيما دلّ على سقوط القضاء من جهته (3) ، ومع الغضّ عنه فاندراجه فيما دلّ على ثبوت القضاء غير معلوم أيضا ، و (4) قضية الأصل عدم الوجوب ، فتأمّل.

هذا (5) ، مضافا إلى أن ظاهر كلام الأصحاب هو اعتبار إدراكه مقدار الصلاة المشروعة بحسب حاله.

هذا إذا كان مع انتفاء المكنة من الفعل باعتبار عدم اتّساع الوقت لإتيان نفس (6) المقدمات من الطهارة وغيرها ، وأما إذا كان عدم المكنة من أداء المقدمة لعدم التمكن منه إلا بعد حين ؛ لعدم الماء في أوائل الوقت للطهارة أو التطهير ، فاتفق عروض المانع بعد مضيّ مدة

ص: 560


1- خطّ على « فلا تأمل في سقوطها » في ( د ).
2- في ( ألف ) : « بل واحد » ، بدلا من : « طرو أحد ».
3- في ( ألف ) : « جهة ».
4- زيادة الواو من ( ب ).
5- لم ترد في ( ب ) : « هذا مضافا ... بحسب حاله » ، وفي ( ألف ) : « هذا إذا كان مضافا ... ».
6- في ( د ) : « لنفس ».

يتمكّن منه من الطّهارة والصلاة على فرض وجود الماء ، فلا يبعد القول بوجوب القضاء ؛ إذ تركه في أول الوقت لم يكن لأجل المانع المذكور ، وإنما كان من جهة لزوم القضاء.

ويحتمل إلحاقه بالقسم المتقدم.

والأول أظهر ، فهو كما إذا كان قائما في بعض الوقت بمقدار الطهارة والصلاة مثلا ثم قام ، فعرض المانع ، فإنّ الظاهر عدم تأمل في ثبوت القضاء حينئذ مع انتفاء المكنة حال النوم ؛ نظرا إلى فوات صلاته في بعض الوقت بالنوم ، وفي البعض الآخر بسبب المانع المذكور ، وما ثبت بالدليل هو سقوط القضاء في قسمي الآخر مندرجا تحت العموم ، والظاهر اعتبار اتّساع الوقت الفائت للصلاة التي كانت لكلّ مكلف بها لو كان مسقطا ، فلا عبرة باتّساعه لصلاة المضطر من جهة المقدمات والأفعال في وجه قوي.

ثم الظاهر اختصاص ما ذكرناه لمقدمات الوجود ، وأما مقدمات العلم فلا يجري فيه ما قدّمناه ؛ إذ ليس اعتبارها من جهة توقف نفس الفعل عليها ، بل من جهة العلم بأدائه يصدق فوات الواجب عليه قبل مراعاته في المقام ، وإن كان معذورا بالشرع كما أدّى الصلاة في يوم الغيم ، ثم لتحصيل الظنّ بالوقت ثم اتفق (1) مضي مقدار أداء الفعل ومقدماته ، فلا يسقط عنه القضاء وكذا الحال لو (2) وجب (3) عليه تكرار الصلاة كما في صورة اشتباه القبلة أو من جهة دوران الثوب الطاهر بين الثياب العديدة ، فلا يلاحظ اتّساع الوقت للمكرّرات.

هذا ، والمناط في المقام على أقلّ (4) الواجب كما نصّ عليه جماعة منهم العلامة والشهيد (5) والمحقق الكركي (6).

ص: 561


1- في ( ب ) : « فاتفق ».
2- في ( ألف ) : « وكذا إلى أو ».
3- في ( ب ) : « وكذا إلى أوجب ».
4- في ( ألف ) « الظاهر » بدل « أقل ».
5- الذكرى 2 / 351.
6- جامع المقاصد 2 / 45.

وفي الحدائق (1) : الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أنه يستقرّ وجوب الصلاة بإدراك الوقت على صفة الكمال ومضيّ مقدار أدائها مخففة من (2) الشرائط ، فلو أطال الصلاة حتى طراه المانع لزمه القضاء في سقوط بعض الأجزاء الساقطة حال الاضطرار كالسورة ، يجري ما قدّمناه في الشرائط ويتقوى فيه ما قوّيناه ، ولو كان في مواضع التخيير اعتبر مضيّ وقت القصر لحصول الواجب به. وقد نصّ عليه في المقام بعض الأصحاب.

الثاني : إذا أدرك من الوقت دون ما ذكرناه فلم يسع مقدار أداء الصلاة لم يجب عليه القضاء على الأشهر الأظهر بين الأصحاب وفي الخلاف (3) حكاية الإجماع عليه. وعزاه في المدارك (4) إلى معظم الأصحاب.

وفي كشف اللثام أنه المشهور ؛ لما عرفت من كون فوات الصلاة عنه حينئذ بسبب القدر الحادث.

وقد ثبت في موضعه سقوط القضاء لفوتها لذلك ، فكونه في بعض الوقت خاليا عن الحيض لا يقضي بثبوت القضاء عليه.

ويشهد له أنه لو أدرك من الآخر ما لا يفي بالركعة لم يجب عليه الأداء ولا القضاء كما (5) دلّ عليه صحيحة عبيد بن زرارة ، مع أنه واجد للشرط في بعض الوقت ، بل الخصم يسلّم ذلك إذا لم يدرك أكثر الصلاة.

واحتج عليه في الحدائق بسقوط الأداء عنه حينئذ قطعا ، وإلا لزم التكليف بالمحال (6) ؛ إذ المفروض عدم اتّساع الوقت له فلا قضاء ؛ إذ وجوبه فرع وجوب الأداء وفيه إلى آخره من التابعية.

ص: 562


1- الحدائق الناضرة 6 / 274.
2- في ( د ) : « مع ».
3- الخلاف 1 / 272.
4- انظر مدارك الأحكام 3 / 92.
5- في ( ألف ) : « كما إن ».
6- في ( ألف ) : « بالحال ».

كيف ، ولو كان كذلك لم يجب القضاء على النائم والذاهل ونحوهما.

قال في المدارك حكاية (1) عنه : وهو ضعيف جدّا ؛ لأن القضاء فرض مستأنف لا تعلّق له بوجوب الأداء أصلا ، واحتجّ هو بمقتضى الأصل إلى أن يثبت المخرج عنه.

وفيه : أنه لا عبرة بالأصل بعد ورود العمومات بوجوب قضاء الفوائت ؛ لصدق الفوات لغة وعرفا في المقام ، وإن لم يكن عاصيا بل ولا مكلّفا في الواقع أصلا.

وعن الصدوق في الفقيه (2) والمقنعة والإسكافي والسيد في الجمل اعتبار الخلوّ عن الحيض بمقدار أكثر الصلاة.

قال في المدارك (3) : ولم يقف لهم على مستند.

قلت : وقد يحتجّ لهم بالعمومات مع ما دلّ على سقوط القضاء مع عدم إدراك الأكثر كالموثّق عن امرأة صلّت من الظهر ركعتين ثمّ إنها طمثت ، وهي جالسة. فقال : « تقوم من مكانها ولا تقضي ركعتين » (4).

مضافا إلى رواية أبي الورد ، عن الباقر عليه السلام : وقد سأله عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلّت ركعتين ثمّ ترى الدم. قال : « تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين ».

وقال : « فإن رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلّت ركعتين ثمّ رأت الدم قامت من مجلسها فإذا طهرت قضت الركعة » (5) ؛ بحملها على الصلاة في أول الوقت وإلا وجب القضاء في المقامين كما مرّ.

وقد فصّل فيه بين الظهر والمغرب في وجوب قضاء الباقي وعدمه ، وليس إلا لمضيّ أكثر الصلاة في المغرب دون الظهر.

ص: 563


1- في ( د ) : « حكايته ».
2- انظر من لا يحضره الفقيه 1 / 93 ، باب احكام الحيض.
3- مدارك الأحكام 3 / 92.
4- تهذيب الأحكام 1 / 394 ، باب الحيض والاستحاضة والنفاس ، ح 43.
5- من لا يحضره الفقيه 1 / 93 ، باب غسل الحيض والنفاس ، ح 198.

وأنت خبير بأن العمومات لا تقاوم ما دلّ على السقوط كما مرّ ، ورواية أبي الورد ضعيفة لا معوّل عليها ، مع عدم وضوح دلالتها على المقصود.

مضافا إلى اشتمالها على خصوص قضاء الركعة ، وهو مع مغايرته للمدّعى مخالف لما استقر عليه المذهب وقضت به القواعد.

وفي النهاية (1) والوسيلة (2) : أنها إذا حاضت بعد دخول الوقت قضت. وظاهر إطلاقهما وجوب القضاء وإن لم يسع الوقت لأكثر الصلاة.

ولا يبعد حملهما على ما إذا أدركت عن (3) الوقت مقدار أداء الصلاة ، ومع حملها (4) على الظاهر فلا ريب في ضعفه كما عرفت.

ص: 564


1- النهاية : 27.
2- الوسيلة : 59.
3- في ( د ) : « من ».
4- في ( د ) : « حملهما ».
تبصرة: [ في إدراك آخر الوقت بمقدار ركعة ]
اشارة

تبصرة (1)

[ في إدراك آخر الوقت بمقدار ركعة ]

لو أدرك من آخر الوقت مقدار ركعة جامعة لشرائط الصحة وجب عليه الصلاة ، وكان بمنزلة إدراك جميع الوقت على المعروف بين الأصحاب ، بلا خلاف يعرف فيه.

وفي الخلاف (2) : إذا أدرك مقدار ما يصلّي فيه خمس ركعات لزمته الصلاتان بغير خلاف ، قال : وكذا الكلام (3) في المغرب والعشاء الآخرة قبل طلوع الفجر.

ثم ذكر خلاف العامة. وفيه أيضا : لا خلاف بين أهل العلم في أن واحدا ولا الذين ذكرناهم أعني الصبي والمجنون والحائض والنفساء والكافر إذا أدرك قبل غروب الشمس مقدار (4) ركعة ، فإنه يلزمه العصر ، وكذلك إذا أدرك قبل طلوع الشمس مقدار ركعة.

وفي المبسوط (5) : الظاهر (6) أنه يجب على أصحاب الضرورات عند ذلك صلاة الصبح بلا خلاف.

وفي المنتهى (7) نفى الخلاف بين أهل العلم من الاكتفاء في آخر الوقت بإدراك ركعة مع الشرائط.

ص: 565


1- في ( ألف ) : « الثالث » ، وما في المتن أظهر ؛ إذ المؤلف قدس سره صرّح في أول البحث أن الكلام يقع في مقامين ، فلاحظ.
2- الخلاف 1 / 273.
3- في ( د ) : « القول ».
4- في ( د ) زيادة : « ما يصلي ».
5- المبسوط 1 / 75.
6- لفظة « الظاهر » أضفناها من ( ب ).
7- منتهى المطلب 1 / 209.

وحكى الإجماع في التذكرة (1).

وفي المدارك (2) : أنه مجمع عليه بين الأصحاب.

وفي الذكرى (3) : أنه المشهور.

وعن الشيخ في طهارة المبسوط (4) والقاضي في المهذب (5) استحباب الظهرين والعشاءين إذا أدرك خمسا قبل الغروب والفجر.

وعن الشيخ (6) في كتاب الحديث أنها : إن طهرت بعد زوال الشمس إلى أن يمضي منه مقدار أربعة أقدام فإنه يجب عليها قضاء الظهر والعصر معا ، وإذا طهرت بعد أن يمضي أربعة أقدام فإنه يجب عليها قضاء العصر لا غير. ويستحب قضاء الظهر إلى أن تغيب الشمس ، وكذلك لا يجب العشاءان (7) إن طهرت بعد انتصاف الليل بل يستحبان.

ومال إليه صاحب الذخيرة (8) بل رجّحه حيث نصّ على أنه قوي متّجه ، وجعل ذلك وجه جمع بين أخبار الباب بل قال : إن ما ذكره الشيخ طريقة حسنة في الجمع بين الأخبار ، ويحتمل إيثار ذلك على مسألة الأوقات ، فيكون ذلك ( قولا بخروج وقت الظهر بعد مضي الأقدام الأربعة بالنسبة إلى المختار والمضطر وإن كان من ذلك ) (9) في غاية من الضعف.

وحينئذ فلا ربط لها بالمقام ، وحينئذ فترجيح (10) صاحب الذخيرة غريب مع بنائه على بقاء الوقت.

ص: 566


1- التذكرة 1 / 78.
2- مدارك الأحكام 3 / 94.
3- الذكرى : 122.
4- المبسوط 1 / 73.
5- المهذب 1 / 36.
6- الإستبصار 1 / 144.
7- في ( ألف ) : « العشاء » وما في المتن هو الصحيح بقرينة قوله بعده : « يستحبان ».
8- ذخيرة المعاد 1 / 73.
9- ما بين الهلالين أضفناها من ( د ).
10- في ( ألف ) : « فيترجّح ».

وكأنّ ذلك هو الوجه أيضا فيما ذكره في المبسوط والمهذب إلا أنه لا يعرف قول بانتهاء وقت المضطر للعصر قبل الغروب ، فلو لم يكتف بإدراك الركعة تعيّن للعصر إلا أن يقال بكون الاستحباب (1) تعبديّا يزاحم به ما يقتضيه الأصل من تعيّن القصر حينئذ لقيام الدليل.

وحينئذ فيكون ذلك إذن مرتبطا بالمقام ، غير أنه إذن خارج عن مقتضى القواعد الشرعية.

وكيف كان ، فظاهر عبارة السرائر والمحكي عن ظاهر الإسكافي هو اعتبار إدراك ( مقدار الطهارة وتمام الفعل من الوقت في وجوب الأداء والقضاء من دون اعتبار لإدراك ) (2) الركعة ، والمحكيّ (3) في المختلف عن ظاهر الصدوق وابن الجنيد اعتبار ذلك في أكثر الصلاة ، واختلاف النقل من الإسكافي إما من جهة اختلاف بين عباراته أو من جهة الاختلاف في فهمها.

وفصّل في الحدائق (4) بين إدراك الركعة من صلاة الصبح وغيرها ، فحكم بإدراك الصلاة بادراكها في الأول ، واستشكل في غيرها من الصلاة ، وألزم مراعاة الاحتياط فيها على كلّ حال.

لنا بعد ما عرفت من الإجماعات الأخبار (5) المستفيضة المعتضدة بالعمل :

منها : النبوي المروي في الذكرى : « من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة » (6).

وقد روى في المعتبر مرسلا عنه عليه السلام : « من أدرك ركعة من أول (7) الوقت فقد أدرك

ص: 567


1- في ( د ) زيادة : « المذكور ».
2- ما بين الهلالين أضفناها من ( د ).
3- زيادة : « والمحكي » من ( د ).
4- الحدائق الناضرة 6 / 277.
5- في ( ب ) : « والأخبار ».
6- الذكرى 2 / 352.
7- ليس في ( د ) : « أول ».

الوقت » (1).

وروى أيضا في الذكرى عنه عليه السلام : « من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك (2) العصر » (3).

وفي الموثق : « فإن صلّى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتمّ وقد جازت صلاته » (4).

وفي رواية الأصبغ ، عن أمير المؤمنين عليه السلام : « من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة » (5).

وضعف هذه الأخبار من حيث الإسناد منجبر بما عرفت من عمل الطائفة والإجماعات المنقولة في المسألة ، وكون الروايات الثلاثة الاول من طرق العامة غير معلوم ، فلا وجه لإطراحها بعد ذكرها في كتب الأصحاب ، وانجبارها بما عرفت.

مضافا إلى ظهور المناط من الخبرين الأخيرين وعدم ظهور قول بالفصل ، بل الظاهر إطباق الأصحاب على خلافه.

فظهر بذلك ضعف ما ذكره من الاقتصار في أخبار الخاصة على خصوص إدراك الركعة من الصبح ، وما دلّ على الإطلاق روايات عامّية لا يعدّ بها في إثبات الأحكام الشرعية.

وكذا ما يظهر من الحلي وغيره من عدم العبرة إلا بإدراك وقت يسع تمام الصلاة كما ذكرناه.

وكأن الوجه فيه ضعف الأخبار المذكورة وقضاء الأصل بخلافها.

على أنه قد يناقش في قضاء الأصل ؛ إذ (6) الميسور لا يسقط بالمعسور ، فغاية الأمر عدم

ص: 568


1- المعتبر 2 / 47.
2- في ( الف ) زيادة : « وقت ».
3- الذكرى 2 / 352.
4- الإستبصار 1 / 276 ، باب وقت صلاة الفجر ح (1000) 11.
5- الإستبصار 1 / 276 ، باب وقت صلاة الفجر ، ح (999) 10.
6- زيادة : « إذ » من ( د ).

كونه أداء ، و (1) هو كلام في مقام آخر إلا أن الأظهر خلافه ؛ نظرا إلى اقتضاء الأصل تنزيل إدراك البعض منزلة العدم.

حجة الشيخ موثقة الفضل بن يونس ، عن أبي الحسن الأول عليه السلام : قلت : المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة؟ قال : « إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلّي إلا العصر ؛ لأن وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم ، وخرج (2) عنها الوقت وهي في الدم ، فلم يجب عليها أن تصلي الظهر وما طرح اللّه عنها من الصلاة » (3) (4).

وهذه الرواية قد جعلها الشيخ جامعة لأخبار الباب حيث دلّ بعضها على عدم وجوب الظهر على من طهرت عند العصر كما في صحيحة معمّر بن يحيى أو على وجوبها إذا طهرت قبل العصر ، وجوب العصر خاصة إذا طهرت في وقت العصر كما في رواية منصور بن حازم ، أو على عدم وجوب الظهر على من طهرت فاشتغلت بشأنها حتى دخل وقت العصر فيصلّي العصر وحدها كما اشتملت عليه موثقة محمد بن مسلم.

ودلّ بعضها على أن « من طهرت في وقت صلاة ففرطت فيها حتى دخل وقت اخرى أنه يجب عليه قضاءها » كما في صحيحتي عبيد بن زرارة (5) وأبي عبيدة الحذاء (6).

ودلّ عدة من الأخبار المشتملة على المعتبرة ممّا تقدمت الإشارة إليها على وجوب الظهرين إذا طهرت قبل الغروب ، والعشاءين إذا طهرت قبل الفجر بحمل هذه على (7) الاستحباب. وما دلّ على وجوب الظهر وقضائها على ما إذا طهرت قبل مضيّ الأقدام الأربعة ، وما دلّ على عدم وجوب القضاء بعد الدخول في وقت صلاة اخرى على ما يشتمل

ص: 569


1- في ( ألف ) : « والصلاة ».
2- في ( ألف ) : « خروج ».
3- قرب الأسناد : 313.
4- في ( د ) زيادة : « وهي في الدم اكثر ».
5- الكافي 3 / 103 ، باب المرأة تحيض بعد دخول وقت الصلاة قبل أن تصليها ، ح 4. نقلا بالمعنى.
6- الكافي 3 / 103 ، باب المرأة تحيض بعد دخول وقت الصلاة قبل أن تصليها ح 3.
7- زيادة : « على » من ( د ).

مضيّ المقدار المذكور لدخوله إذن في وقت العصر.

ولا يذهب عليك أن الموثقة المذكورة صريحة في خروج وقت الظهر مطلقا بمضيّ الأقدام الأربعة ، ولو بالنسبة إلى المضطر.

وهو إذن بمكان من الوهن ؛ لدلالة النصوص الصريحة القريبة من التواتر بل المتواترة في الحقيقة أو المقطوع صدورها من الأئمة عليهم السلام المعتضدة بالكتاب الموافقة لعمل الأصحاب ببقاء الوقت إلى ما بعد ذلك ، فلا يعقل وجه للعروج على تلك الرواية الشاذّة المعارضة بما ذكرناه ، فلا مناص من تركها وإرجاعها إلى قائلها.

والمعتبرة الأخيرة واضحة الدلالة على لزوم الإتيان بالصلاتين إلا أنها مشتملة على جريان الحكم في العشاءين بالنسبة إلى طلوع الفجر ، وهو خلاف المعروف. وهو لا يوجب ترك الرواية في غيره.

على أنّك قد عرفت قوّة القول بذلك كما اختاره جماعة من الأفاضل.

والروايات الاخر يمكن حملها على ما إذا أدرك الوقت المختصّ بالعصر جمعا بين الأخبار.

ومن الغريب تقوية صاحب الذخيرة لما ذكره الشيخ مع أنه ممّن [ ... ] (1).

فكأنه قال بسقوط صلاة الظهر في وقتها المضروب بمجرّد ورود خبر لا يقول بما اشتمل عليه.

وهو كما ترى بمكان من الفساد.

[ تتمّة ]

هذا ولنتم (2) الكلام في المرام برسم امور :

أحدها : أنه يعتبر في المقام مع إدراك مقدار الركعة إدراك مقدار أداء الطهارة قطعا. وقد

ص: 570


1- بياض في الأصل.
2- في ( د ) : « لنتمّم ».

حكم به كثير من الأصحاب بلا خلاف يعرف فيه سوى أنه احتمل في نهاية الإحكام (1) عدم اعتبار وقت الطهارة بناء على عدم اختصاصها بوقت.

وهو ضعيف ، وتعليله أضعف منه ؛ إذ من البيّن توقّف صحة الصلاة مطلقا على الطهارة ، فيكون إدراكه كمقدار الركعة بدونها كعدمه.

وفي الصحيح : « أيّما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت صلاة ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة اخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها ، فإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت الصلاة ودخل وقت صلاة اخرى فليس عليها قضاء » (2).

ولو ضاق الوقت عن الطهارة الاختيارية انتقل حكمها إلى الاضطرارية ؛ أخذا بإطلاق ما دلّ على البدليّة وما دلّ على أن إدراك الركعة بمنزلة إدراك تمام الصلاة ، وفي ذلك كلام تقدمت الإشارة إليه في بحث التيمّم.

وعن جماعة من الأصحاب منهم السيد والمحقق (3) وابن فهد والصيمري والمحقق الكركي والشهيد الثاني (4) في عدة من كتبه وصاحب المستدرك اعتبار إدراك سائر الشروط المفقودة.

وفي الحدائق (5) بعد الإشارة إلى إطلاق الرواية أنّ ظاهر الأصحاب الاتفاق على تقييد ذلك بإدراك جميع الشرائط من الطهارة وغيرها ، وما ذكروه إن حمل على ظاهره فالظاهر خلافه ، وتلك الشرائط إنما يعتبر حال المكنة ، ومع الاضطرار تصحّ الصلاة من دونها ، وأيّ اضطرار أعظم من فوات الصلاة مع إدراك وقتها؟! بل هو المناط (6) في الاضطرار الحاصل في الصلاة في كثير من المقامات.

ص: 571


1- نهاية الإحكام 1 / 315.
2- الكافي 3 / 103 ، باب المرأة تحيض بعد دخول وقت الصلاة قبل أن تصليها ، ح 4.
3- المعتبر 2 / 47 ، وليس في ( د ) : « والمحقق ».
4- الروضة البهية 1 / 388.
5- الحدائق الناضرة 6 / 280.
6- لم ترد في ( ب ) : « بل هو المناط ... اتّساعه ».

وقد يستفاد من الصحيحة المذكورة اعتبار اتّساعه للاغتسال. وكأنها محمولة على الغالب.

ثم إنّ المعتبر في المقام خصوص الاتّساع لأداء الطهارة ، فلو توقف ذلك على تحصيل الماء ولم يتّسع الوقت لها ، فإن تمكن من الطهارة الاضطرارية أتى بها وإلّا سقط الأداء.

ووجوب القضاء إذن مبنيّ على وجوبه على فاقد الطهورين.

ولو ظنّ اتّساع الوقت للاختيارية فاشتغل بها فانكشف عدم اتّساعه إلا للاضطراريّة فقضى اشتغاله بذلك بفوات الركعة ففي لزوم القضاء عليه وجهان أوجههما ذلك.

وكذا الحال إذا ظنّ الاتّساع لسائر المقدّمات الاختيارية ، فمنعه الاشتغال بها عن إدراك الركعة.

وكما ينتقل الحكم من الاختيار إلى الاضطرار بالنسبة إلى الشرائط كذا ينتقل الحكم بالنسبة إلى الأجزاء فيسقط السورة مع ضيق الوقت في وجه قويّ.

ثانيها : أنه يكتفي في الحكم بإدراك الركعة حصول الظنّ به ؛ لعدم إمكان الرجوع فيه إلى العلم في الغالب إلا أن يدرك ما يزيد عليه كثيرا ، مضافا إلى أنّ الأصل بقاء الوقت.

وهل يكفي فيه الرجوع إلى الأصل ولو مع عدم الظنّ؟ وجهان أظهرهما ذلك.

ثالثها : إن المشهور اعتبار الركوع والسجود في مفهوم الركعة ، فلا يكتفي فيها بمجرد الركوع.

وعن الشهيد في الذكرى (1) احتمال الاجتزاء به للتسمية لغة وعرفا ؛ نظرا إلى أن « الركعة » واحدة « الركوع » كالسجدة والسجود ؛ لحصول معظم الأجزاء بحصوله.

وعن المحقق في المسائل البغدادية الحكم به.

وقد نصّ على أنّها تسمّى ركعة بإيقاع الركوع فيها ، وليست التسمية مشروطة بالإتيان بالسجود.

ص: 572


1- الذكرى 2 / 356.

وظاهر الحدائق (1) تقوية ذلك ؛ إذ ليس لقولهم بالصحة في صورة الشك بين الأربع والخمس بعد الركوع وقبل السجود دليل سوى ذلك ؛ ليندرج تحت نصّ المسألة ، وهو متوقّف على حصول تمام الركعة.

وأنت خبير بضعف جميع ما ذكر بمنع حصول التسمية قبل الإتيان بالسجود إلا على سبيل التسامح ، ومجرد مضيّ المعظم لا يدلّ على ثبوت التسمية.

غاية الأمر أن يجوز على نحو من التوسّع. وحكمهم بالصحة في الشك المذكور في الصورة المتقدمة بل الحكم فيه محلّ منع كما سيجي ء الكلام في محلّه إن شاء اللّه.

على أن انحصار المدرك في النصّ المذكور غير مسلّم. ومن الغريب تقوية صاحب الحدائق لذلك بمجرد ما ذكر مع ما هو معلوم من طريقته في محلّ الاتفاق ، فكيف في المقام!

هذا ، والأظهر هو الوجه الأول ؛ أخذا بظاهر عرف المتشرعة ، وللقطع بكونه من أجزاء الركعة ، فكيف يمكن القول بإتمامه قبل الإتيان به.

وهل يتحقّق إتمام السجود بإتمام الذكر الواجب في السجدة الأخيرة أو برفع الرأس عنها؟ وجهان من حصول الواجب بذلك ، ومن أن السجود لا يتمّ إلى برفع الرأس ، فمع بقائه في السجود يكون باقيا في الركعة ، فلا تتمّ إلا بإتمامه.

رابعها : لو نسي إحدى السجدتين لم يمنع ذلك من إدراك الركعة إذا لم يذكرها قبل الدخول في الركوع ، وكذا الحال في نسيان غيرها من الواجبات لإتمام الركعة إذن بذلك.

غاية الأمر أن يعتبر إدراك مقدار الركعة التامة ، والمفروض حصوله في المقام ، وإن نسي الإتيان بالفعل فيه.

ويحتمل القول بأن وجوب قضاء السجدة كاشف عن نقصان الركعة في شأنه ، فلا يكون مدركا للركعة ، وإنما يتمّ ذلك فيما لا يقضي من الأفعال ، ولو ذكرها قبل الركوع بعد مضيّ الوقت أو لم يسع للرجوع لم يحكم بإدراك الركعة ، وكان الفعل قضاء ، ولا يسقط به وجوب القضاء

ص: 573


1- الحدائق الناضرة 6 / 276.

فيجب عليه الإتمام.

ثم لو تذكر بعد مضيّ محل العود ثم انكشف عدم اتّساع الوقت للركعة لو لا طروّ النسيان ، ففي الحكم بإدراك الركعة وجهان ؛ من أن الركعة في شأن الناسي هو ذلك ، ومن عدم إدراكه لمقدار الركعة التامة كما ينصرف إليها الإطلاق.

ويجي ء في نسيان السجدة الإشكال المتقدم أيضا.

خامسها : إنهم اختلفوا في الصلاة الواقعة كذلك ، فعن كثير من الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط (1) والخلاف (2) والفاضلان (3) والشهيدان (4) والصيمري والمحقق الكركي (5) أنها أداء [ و ] عن الخلاف (6) حكاية الإجماع عليه تارة [ و ] نفي الخلاف عنه اخرى.

وفي جامع المقاصد (7) أنه المشهور.

وذهب السيد - على ما حكاه جماعة - إلى كونها قضاء.

وحكاه في المبسوط (8) عن بعض الأصحاب ، ( وقد حكى منه عن بعض الأصحاب ) (9) أيضا القول بالتعليق. ولا يعرف له قائل معروف.

ونصّ جماعة بأنه أضعف الوجوه. والظاهر أنه لا ثمرة للنزاع في ذلك ؛ لوجوب الإتيان بها في ذلك الوقت ، وإن تقدمتها فائتة اخرى باتفاق من الجميع.

نعم ، يثمر ذلك في النية ، وهو إنما قيّد بناء على وجوب تعيين الأداء والقضاء. وهو بمكان

ص: 574


1- المبسوط 1 / 73.
2- الخلاف 1 / 271.
3- قواعد الأحكام 1 / 250.
4- الذكرى 2 / 256 ، روض الجنان : 178.
5- جامع المقاصد 2 / 297.
6- الخلاف 1 / 272.
7- جامع المقاصد 2 / 30.
8- المبسوط 1 / 73.
9- ما بين الهلالين مأخوذة من ( د ).

من الوهن.

وكيف كان ، فحجة القول الأول - بعد الإجماع المنقول - ظاهر قوله : « فقد أدرك الوقت » (1) وقوله : « فقد أدرك الغداة تامة » (2).

وأنت خبير بأن ذلك إنما يفيد كون ذلك بمنزلة إدراك الركعة في حصول الامتثال. وأما الأدائية المصطلحة فلا معنى لثبوتها إلا إذا قيل بكون جميع الفعل واقعا في الوقت بأن يقال باستمرار الوقت في شأن المدرك للركعة إلى ما بعد الوقت المضروب.

وهو بعيد جدّا مخالف لظاهر الآية وسائر الأخبار المروية ، بل وما روي في [ ال ] باب ؛ إذ المفروض فيها إدراك ركعة من الوقت ، والحكم بأن إدراكها إدراك لكلّ الوقت. وكأن السرّ فيه أن أصل الصلاة هي الركعة الواحدة على ما يستفاد من بعض الأخبار ، والزيادات الحاصلة فيها من جهة تدارك النقص الحاصل في تلك الركعة حتى أنه أضيف إليها النوافل لتدارك ما وقع من النقص.

وبالجملة إن قضية الروايات الواردة كونها بمنزلة الأداء في الأحكام ، وأما تسميته بالأداء فإنما يتبع الاصطلاح. وظاهره اختصاصه بما إذا وقع جميع الفعل في الوقت المضروب.

وبذلك يظهر ضعف القول بالقضائية ، والقول باختصاص آخر الوقت بآخر الصلاة ، فوقوع أولها فيه قاض بوقوعها خارجا عن وقتها ، فيكون الجميع خارجا عن الوقت ، بيّن الوهن ؛ إذ لا يعرف من الشرع اختصاص أبعاض الفعل بأبعاض الوقت.

ويشهد له ما ورد في المقام لدلالته على وقوع تلك الركعة في الوقت ، وإلّا لم يكن إدراكا لشي ء من الوقت ، وما دلّ على صحة الصلاة بوقوع آخرها في أول الوقت كما مرّ ؛ إذ لو لا ذلك لم يكن ما ذكر إدراكا لشي ء من الوقت بالنسبة إلى ما توقّفه فيه في شي ء من المقامين.

ومما ذكرنا يظهر ضعف القول بالتلفيق أيضا ؛ إذ لم يتعرف من اصطلاحهم إطلاق القضاء والأداء على بعض الفعل ؛ وإنما ظاهر الاصطلاح هو اتّصاف جميع الفعل بأحد الوصفين.

ص: 575


1- المعتبر 2 / 47.
2- الإستبصار 1 / 275 ، باب وقت صلاة الفجر ح 10.

ويجري احتمال التلفيق بناء على ما وجّه به القول المذكور فيما لو أدرك أقلّ من الركعة.

[ و ] الأظهر كما سيجي ء إن شاء اللّه كونه بمنزلة القضاء ، وإن جرى عليه في التسمية قضاء نحو ما ذكرناه ؛ نظرا إلى وقوع بعضها في الوقت.

والحاصل أنه يجري على الأول حكم الأداء ، وعلى الثاني حكم القضاء ، وإن كان هناك مناقشة في التسمية بالنسبة إلى الأمرين من جهة الاصطلاح.

سادسها : لو قصر الوقت عن إدراك الركعة سقط الوجوب. وعن جماعة من الأصحاب منهم الشيخ والعلامة أنه لا خلاف فيه عندنا. وهو ظاهر الخلاف (1) ومنتهى المطلب حيث حكم بسقوط الوجوب عندنا.

وعن المحقق (2) الميل إلى الوجوب. قال : لو قيل بذلك لكان مطابقا لمدلول الأخبار.

وعن النهاية (3) : يلزمها قضاء الفجر إذا طهرت قبل طلوع الشمس.

وقد يحتجّ عليه بإطلاق عدة من الأخبار لدلالتها على وجوب الظهرين بطهرها قبل الغروب ، والعشاءين بطهرها قبل الفجر ؛ لصدق ذلك مع إدراك أقل الركعة أيضا. مضافا إلى الأصل ؛ إذ الميسور ما يؤديه في الوقت لا يسقط بالمعسور ، فيأتي به في الوقت ويكمله بالباقي.

وفيه : أن تلك الإطلاقات منزّلة على صورة إدراك الفعل في الوقت ولو بإدراك الركعة ، كما دلّ عليه غيرها ، كيف ولا قائل في الأصحاب بوجوب (4) الصلاتين بمحض طهارتها قبل الغروب أو الفجر ، مضافا إلى اعتضادها بالأصل وفتوى الأصحاب بل الإجماع المنقول.

ولزوم مراعاة بعض الوقت ممّا لا دليل عليه.

ودعوى عدم سقوط الميسور بالمعسور على إطلاقه ممّا لا دليل عليه ، والروايات الّتي يستند إليها ضعيفه.

ص: 576


1- ليس في ( د ) : « الخلاف ».
2- المعتبر 1 / 240.
3- النهاية 1 / 239.
4- لم ترد في ( ب ) : « بوجوب ... وفتوى الأصحاب ».

ثمّ في شمولها لمثل الصلاة مناقشة ظاهرة.

ثمّ لو قيل بالوجوب حينئذ ففي ثبوت قضاء الجميع خارجا عن الوقت مع تركها فيه ممّا لا دليل عليه ، فحكم الشيخ بلزوم قضاء الفجر ضعيف ، وشمول قوله عليه السلام : « من فاتته » لمثل ذلك إشكال.

سابعها : نصّ (1) جماعة من الأصحاب منهم الشيخ والعلامة (2) في عدة من كتبهما استحباب القضاء إذا أدركت أقلّ من الركعة. وكأنه لإطلاق الأخبار التي أشرنا إليها.

وهو كما ترى إلّا أن يكتفى (3) في ثبوت الاستحباب بمجرد قولهم تسامحا في أدلّة السنن.

ثامنها : الظاهر أنه لا يجوز تأخير الصلاة إلى أن يبقى ركعة من الوقت ، بل يتضيّق الفعل بتضييق الوقت ؛ أخذا بظاهر التوقيت الوارد في ظاهر الكتاب في الجملة والأخبار الكثيرة ، [ و ] غاية ما يثبت (4) من أخبار الباب إدراك الصلاة بإدراك الركعة ، وهو لا يعطي جواز التأخير إليه ، فلا مقيّد لظاهر تلك الأدلّة.

مضافا إلى ما في الإيضاح (5) : إذا بقي مقدار ثمان تضيّق الوقتان إجماعا.

وقد يحتمل في المقام جواز التأخير لدعوى ظهور الأخبار المتقدمة فيه ؛ إذ ظاهرها كون ذلك بمنزلة إدراك الوقت فيجوز التأخير إليه.

وهو كما ترى.

تاسعها : الظاهر عدم اختصاص الحكم المذكور بالمضطرّ ، فلو تعمّد المختار التأخير إليه فالظاهر ثبوت الحكم ، وكونه بمنزلة إيقاع جميعه في الوقت وإن عصى في التأخير ، على ما أشرنا إليه.

ص: 577


1- في ( ألف ) : « فعن ».
2- نهاية الإحكام 1 / 314.
3- في ( ألف ) : « يكتفى » بدون « أن ».
4- في ( د ) : « ثبت ».
5- إيضاح الفوائد 1 / 76.

عاشرها : لو بلغ الصبي في أثناء الوقت وجب عليه الإتيان بالصلاة إن أدرك منه مقدار ركعة ( حسب ما مرّ. ولو صلّى في أوّل الوقت فهل يجب عليه الإعادة إذا بقي الوقت ولو مقدار ركعة؟ ) (1) وجهان.

وكذا لو كان البلوغ في أثناء الصلاة ، فهل يقيّد بتلك الصلاة ويتمّها أو يجب عليه قطعها مع ضيق الوقت عن الاتمام والإعادة؟ فعن جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في الخلاف (2) والمحقق في الشرائع (3) والعلامة (4) والشهيد (5) في جملة من كتبهما وابن فهد والمحقق الكركي (6) وصاحب المدارك (7) وجوب الاستيناف لو بلغ في الأثناء.

وفي المدارك (8) : أنه مذهب الأكثر.

وقد نصّ بعض هؤلاء على بقاء مقدار الطهارة ( وركعة من الصلاة. وقد يستظهر ذلك من إطلاق النهاية والتحرير حيث اعتبر سعة الوقت للطهارة ) (9) إذا بلغ بعد الفراغ من الصلاة.

والمصرّح به في التذكرة (10) فيمن بلغ في الوقت أن اعتبار اتّساع الوقت للطهارة مقصور على ما إذا لم تكن متطهّرا.

وفي كشف اللثام (11) : أنه لا وجه له.

والوجه فيه أنه لو قيل بصحة عباداته لزم القول بالصحة في الطهارة والصلاة ، فكيف

ص: 578


1- ما بين الهلالين لم ترد في ( ألف ).
2- الخلاف 1 / 271.
3- شرائع الإسلام 1 / 49.
4- مختلف الشيعة 2 / 56.
5- الذكرى 2 / 351.
6- جامع المقاصد 2 / 46.
7- مدارك الأحكام 3 / 96.
8- مدارك الأحكام 3 / 96.
9- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
10- تذكرة الفقهاء 2 / 333.
11- كشف اللثام 3 / 127.

نصّ على لزوم إعادة الصلاة ، ولا وجب القول بالفساد فيهما فكيف يكتفى بالطهارة (1) المتقدمة.

وفيه ما سيجي ء.

ونصّ في المبسوط (2) وموضع من التحرير (3) بأنه يتمّ ما بقي من الصلاة. واحتمله في نهاية الإحكام (4) وظاهره عدم وجوب الإعادة.

وربما يحتجّ له بحرمة قطع العمل ، فهو مأمور بالإتمام ، وهو يقضي بحصول الامتثال.

وضعفه ظاهر.

وعن التذكرة (5) : لو بلغ في أثناء الصلاة بغير المفسد استحب له أن (6) يتمّ ويعيد بعد ذلك إن كان الوقت متّسعا.

وكأن المقصود فيه استحباب الإتمام بالخصوص إن وجب عنده الإعادة كما هو قضية حكمه بها.

وقد يحمل عليه عبارة المبسوط والتحرير ، فيرجع إلى القول الأول إلا أنّه لا داعي له.

حجة الأول أنه إنما تعلّق به التكليف ( بعد البلوغ فيجب عليه امتثال ما كلّف به وما أتى به أولا إنما كان قبل تعلق الكليف فلا ثمرة له في حصول الامتثال وهو قوي إلا أنا لأظهر ابتناء المسألة على كون عبادات الصبي شرعية مندوبة بحسب الشريعة لتتصف بالصحة الشرعية أو أنها تمرينية محضة فعلى الأول كما هو الأظهر إن كان ما أتى به جامعا لشرائط الصحة قوي الاكتفاء به إذ المطلوب منه إيقاع الصلاة اليومية وقد أتى به على النحو المشروع فصار مسقطا فلا يتعلق به أمر بعد الإتمام حتى يفتقر إلى تحصيل الامتثال لوقوع الفعل منه على الوجه الصحيح ولا يظهر من الشرع مطلوبية إيقاع الصلاة الصحيحة مرتين في المقام ، فالمطلوب منه

ص: 579


1- في ( ب ) : « بطهارة ».
2- المبسوط 1 / 73.
3- انظر تحرير الأحكام 1 / 182.
4- نهاية الإحكام 1 / 314.
5- تذكرة الفقهاء 2 / 332.
6- في ألف : « لأن » بدلا من : « له أن ».

صلاة واحدة يتصف قبل البلوغ بالندب وبعده بالوجوب.

ولو حصل الوجوب في الأثناء اتصف الفعل بالوجوب بعد اتصافه بالندب ولا داعي إلى الإبطال والإعادة. غاية الأمر أن يعدل بالنية إن قلنا بوجوب نية الوجه ولو في مثل المقام.

وعلى الثاني فلا ينبغي التأمل في وجوب الإعادة عليه بل وتركها والاستيناف لو بلغ في الأثناء وليس ذلك من الإبطال.

ولو سلم فلا نسلم شمول ما دل على المنع منه لمثله كما لا يخفى.

وقد ناقش المحقق الكركي (1) في ابتناء المسألة على ذلك وتبعه صاحب المدارك (2) ، وعلّله في جامع المقاصد (3) بأنه يجب عليه الاستيناف على القولين أما على التمرين فظاهر وأما على المشروعية فلعدم وجوبه عليه قبل البلوغ فلا يجتزى به عن الواجب مضافا إلى عدم تعلق التكليف به بعد فلا يعقل حصول امتثاله.

ومنه يظهر الوجه في تفصيل التذكرة (4) بين الطهارة والصلاة لارتفاع الحدث بالطهارة المندوبة ومعه لا يجب إعادة الطهارة.

وقد عرفت ما فيه إذ تعلق الخطاب بالصلاة مع ذلك غير معلوم بل الظاهر خلافه.

وقضية الأصل عدمه مضافا إلى أن الظاهر من الشرع عدم تعلق الخطاب بصلاتين كذلك حسبما قرّرناه.

ص: 580


1- جامع المقاصد 2 / 46.
2- مدارك الأحكام 3 / 96.
3- جامع المقاصد 2 / 47.
4- تذكرة الفقهاء 2 / 332.
تبصرة: [ في الإتيان بالنافلة في وقت الفريضة ]

اختلف الأصحاب في الإتيان بالنافلة في وقت الفريضة ما عدا الرواتب اليومية في أوقاتها المقررة كالذراع والذراعين بالنسبة إلى نوافل الظهرين بناء على التحديد بهما ، فالمعروف من مذهب المتقدمين على ما يستفاد من كلام جماعة من الأصحاب المنع عنه.

وأسنده في المعتبر (1) إلى علمائنا مؤذنا بالاتفاق عليه. وقد حكى الشهيدان (2) والمحقق الكركي (3) عليه الشهرة بين المتأخرين.

وفي تعليق المدارك (4) : إن الشهرة بالمنع عظيمة. وحكى القول به عن الشيخين (5) والطوسي (6) والحلي (7) والمحقق (8) والعلامة (9) في أكثر كتبه.

وعن الشهيدين (10) والمحقق الكركي (11) والفاضل الأردبيلي (12) وجماعة : الحكم بانعقاد

ص: 581


1- المعتبر 2 / 59.
2- الدروس 1 / 142 ، الذكرى 2 / 336 ، روض الجنان : 184.
3- جامع المقاصد 2 / 23.
4- انظر مفتاح الكرامة 5 / 125 ، حاشية المدارك : 91 ( مخطوط في المكتبة الرضويه ).
5- المقنعة : 141.
6- الوسيلة : 84.
7- انظر السرائر 1 / 199.
8- شرائع الإسلام 1 / 48.
9- قواعد الأحكام 1 / 247.
10- الذكرى 2 / 336 ، مسالك الإفهام 1 / 145.
11- جامع المقاصد 2 / 24.
12- مجمع الفائدة والبرهان 2 / 42.

النافلة حينئذ. ونصّ بعضهم على الكراهة. وفي الدروس (1) : إن انعقاد النافلة حينئذ.

وفي التذكرة (2) عند بيان حكم التنفل بعد العصر والصبح : لا نعلم خلافا بين المانعين في أن النهي عن الصلاة بعد العصر متعلّق بفعل الصلاة حتى لم يصل لم يكره له التنفل وإن صلّى غيره. ثم قال : وأما النهي بعد الصبح فكذلك.

ويومي ذلك إلى عدم علمه بمخالف في جواز النافلة من غير كراهة قبل فعل العصر.

هذا ، والأظهر بملاحظة الأخبار هو القول بالجواز وانعقاد النافلة إلا إذا تضيق وقت الفريضة.

ويدل عليه المعتبرة المستفيضة المؤيّدة بالأصل بناء على إجراء الأصل في مثل ذلك :

منها : الصحيح عن الرواية التي يروون أنه لا تطوّع في وقت فريضة ، ما حدّ هذا الوقت؟

قال : « إذا أخذ المقيم في الإقامة ». فقال له : إن الناس يختلفون في الإقامة؟ فقال : « المقيم الذي يصلي معه » (3). وفيه دلالة ظاهرة على جواز التطوع مطلقا قبل إقامة المقيم للجماعة التي يصلي معهم.

ومنها : الموثّق : أصلي في وقت فريضة نافلة؟ قال : « نعم ، في أول الوقت إذا كنت مع إمام يقتدى به فإذا كنت وحدك بدأت بالمكتوبة » (4).

وفيها أيضا كالرواية المتقدمة ) (5) دلالة واضحة على أن مجرد وجود الفريضة في الذمة لا يقضي بالمنع من النافلة أو بمجرد تأخير الفريضة لأجل إدراك الجماعة حكم بتسويغ النافلة.

ومنها : موثقة سماعة : سأله عن الرجل يأتي المسجد وقد صلّى أهله أيبتدئ بالمكتوبة أو يتطوع؟ فقال : « إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة ، وإن كان خاف الفوت

ص: 582


1- الدروس 1 / 142.
2- تذكرة الفقهاء 2 / 334.
3- من لا يحضره الفقيه 1 / 384 ، باب الجماعة وفضلها ح 1135.
4- الكافي 3 / 289 ، باب التطوع في وقت الفريضة والساعات التى لا يصلى فيها ح 4.
5- ما بين الهلالين من قوله « بعد البلوغ فيجب .. » إلى هنا غير مذكور إلا في ( د ) ، فاغتنم.

من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة ، وهو حقّ اللّه ، ثم ليتطوّع ما شاء. ألا هو موسّع أن يصلي الانسان في أول دخول وقت الفريضة النوافل إلا أن يخاف فوت (1) الفريضة ، والفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها فيكون فضل أول الوقت للفريضة ، فليس (2) بمحظور عليه أن يصلي النوافل في أول الوقت إلى قريب من آخر الوقت » (3).

وهذه الموثقة بيّنة الدلالة على المقصود ، وحمله على خصوص الرواتب لا شاهد عليه سيّما مع ظهور قوله « ثم ليتطوع ما شاء » في إرادة مطلق النوافل (4) ؛ إذ التزامه لها حدّ معلوم لا يتقدّر بمشيّة الفاعل ، على أنها لو حملت على الرواتب كانت معارضة بالأخبار الكثيرة المشتملة على تحديد الرواتب بالذراع والذراعين والقدم والقدمين ونحوهما.

ومنها : ما دلّ على تقديم النبيّ صلى اللّه عليه وآله نافلة الفجر على أدائها بعد فوتها (5) ووقود عنها ، ففي الصحيح : أن « رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قد غلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حرّ الشمس ثم استيقظ وركع ركعتين ثم صلّى الصبح » (6).

وقد روى بمعناه الشهيد في الذكرى (7) : في الصحيح ، عن زرارة ، عن الباقر عليه السلام.

وهو صريح في جواز قضاء النافلة قبل قضاء الفريضة.

ومنها : ما دلّ على تقديم قضاء النافلة على قضاء الفريضة كالموثق : عن رجل نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس؟ فقال : « يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة » (8).

وفي اخرى : « فإذا أردت أن تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصلّ شيئا

ص: 583


1- في ( ألف ) : « عن » ، بدل « فوت ».
2- في ( د ) : « وليس ».
3- الكافي 3 / 288 ، باب التطوع في وقت الفريضة ، ح 3.
4- في ( د ) : « نافلة ».
5- في ( د ) : « فوتهما ».
6- الإستبصار 1 / 286 ، باب وقت من فاتته صلاة الفريضة هل يجوز له أن ينتفل أم لا ، ح (1049) 4.
7- الذكرى 2 / 303 ، والرواية مرويّة عن عبد اللّه بن سنان.
8- الإستبصار 1 / 286 ، باب وقت من فاتته صلاة الفريضة هل يجوز له أن ينتفل أم لا ، ح (1048) 3.

حتى تبدأ وتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها ثم اقض ما شئت » (1).

وقد دلّت هذه [ على ] جواز الإتيان بالنافلة مع دخول وقت الفريضة وثبوت الغاية في الذمة.

ومنها : ما دلّ على ترجيح صلاة الليل على الاشتغال بالقضاء مع ضيق الوقت ، فروى السيد في رسالة المواسعة عن كتاب حريز ، عن زرارة ، عن الباقر عليه السلام : قلت له : رجل عليه دين من صلاة ، قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح ولم يصلّ صلاة ليلته تلك؟ قال : « يؤخر القضاء ويصلي صلاة ليلته تلك » (2).

ومنها : « عليه دين من صلاة » (3) ظاهر في وجوبها عليه ، ولو سلّم الإطلاق ففي ترك الاستفصال كفاية.

ومنها : ما دلّ على جواز قضاء النوافل في (4) وقت الفريضة ، وفي الصحيح : « إن فاتك شي ء من تطوّع الليل والنهار فاقضه عند زوال الشمس وبعد الظهر وعند العصر وبعد المغرب وبعد العتمة ومن آخر السحر » (5).

وفي الخبر : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام : يكون عليّ صلاة الليل ، متى أقضيها؟ فكتب إليّ : « في أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار » (6).

وفي صحيحة اخرى ، عن الصادق عليه السلام : عن قضاء النوافل؟ قال : « ما بين طلوع الشمس إلى غروبها » (7).

ص: 584


1- تهذيب الأحكام 2 / 273 ، باب المواقيت ، ح 123.
2- وسائل الشيعة 4 / 286 ، باب جواز التطوع بالنافلة أداء وقضاء ، ح 9 ونقل هذه الرواية عن كتاب غياث سلطان الورى.
3- وسائل الشيعة 4 / 286 ، باب جواز التطوع بالنافلة أداء وقضاء لمن عليه فريضة ح 9.
4- زيادة : « في » من ( د ).
5- وسائل الشيعة 4 / 277 ، باب استحباب تعجيل قضاء ما فات نهارا ولو بالليل ، ح 10.
6- الكافي 3 / 454 ، باب تقديم النوافل وتأخيرها وقضائها ، ح 17.
7- الإستبصار 1 / 29 ، باب وقت قضاء ما فات من النوافل ، ح (1064) 7.

وورد (1) في غير واحد من الأخبار (2) قضاء صلاة النهار في أيّ ساعة شاء من ليل أو نهار.

و (3) نحوها أيضا روايات اخرى. وفي الجمع دلالة على ما قلنا.

ومنها : الأخبار الدالّة على رجحان نوافل مخصوصة بعد دخول وقت الفريضة في مواضع معيّنة ، وهي كثيرة جدّا ، وربما يدّعى تواترها (4) :

فمنها : ما رواه ابن طاوس في كتاب الاستخارات ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن جعفر بن محمد عليه السلام ، في بيان نوع من الاستخارة وهي طويلة ، وفيها : « وإن خرجت الرقعة التي لم تكتب على ظهرها شيئا فتوقف إلى أن تحضر صلاة مفروضة ، ثم قم فصلّ ركعتين كما وصفت لك ثمّ صلّ الصلاة المفروضة أو صلاهما بعد الفرض ما لم يكن الفجر أو العصر ، فإما الفجر فعليك بالايماء .. » إلى أن قال : « وأما العصر فصليها حينها ».

قال : « وكلّما خرجت الرقعة التي ليس فيها شي ء مكتوب على ظهرها فتوقف إلى صلاة مكتوبة كما أمرتك إلى أن يخرج ما تعمل عليه إن شاء اللّه » (5).

ومنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن موسى بن جعفر عليه السلام ، ورواه الشيخ مرسلا أنه سئل بعد خلاصه من حبس الرشيد وجائزته له عن سبب ذلك؟ فقال عليه السلام : « رأيت النبي صلى اللّه عليه وآله ليلة الأربعاء في النوم فقال (6) : يا موسى! أنت محبوس » ، إلى أن قال : « فقال : أصبح صائما وأتبعه بصيام الخميس والجمعة ، فإذا كان وقت الإفطار فصلّ اثنا عشر ركعة تقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة واثنا عشر مرة قل هو اللّه أحد ، فإذا صلّيت منها أربع ركعات

ص: 585


1- في ( ألف ) : « ورد » بدون الواو.
2- بحار الأنوار 80 / 152 ، باب تحقيق في اوقات التى تكره فيها الصلاة ذيل حديث 15 نقلا عن النهاية : 62.
3- في ( ب ) : « أو ».
4- في ( د ) زيادة : « معنى ».
5- نقله في وسائل الشيعة 8 / 71 ، باب استحباب الاستخارة .. بالرقاع وكيفيتها ، ح 3.
6- في ( د ) زيادة : « لي ».

فاسجد وقل .. » وذكر الدعاء (1) ، الخبر.

ومنها : ما ورد من استحباب صلاتي (2) العشاءين مطلقا ، فروى الشيخان في المرسل عن الرضا عليه السلام قال : « من صلّى المغرب وبعدها أربع ركعات ولم يتكلّم حتى يصلّي عشر ركعات يقرء في كلّ ركعة بالحمد وقل هو اللّه أحد كانت عدل عشر رقاب » (3).

وروي أيضا عن بعضهم عليهم السلام صلاة ركعتين بعد المغرب ، وذكر له كيفية مخصوصة مطولة ، قال : « ومن واظب عليه كتب له بكلّ صلاة ستمائة ألف حجة » (4).

وروى الشيخ في المصباح (5) بإسناده عن الصادق عليه السلام عن آبائه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « أوصيكم بركعتين بين العشاءين يقرء في الاولى الحمد وإذا زلزلت الأرض ثلاث عشر مرة ، وفي الثانية الحمد وقل هو اللّه أحد خمس عشر مرة » (6) وذكر له فضيلة جليلة.

وقد ورد في صلاة الغفيلة ما ورد إن جعلناها مغايرة للرواية كما هو.

ومنها : ما روي من التنفّل بين العشاءين في شهر رجب. وروى السيد في مصباح (7) الزائرين (8) عن سلمان الفارسي ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله (9) لكلّ من الليالي من شهر رجب قال : « وفي الخامسة والعشرين عشرين بين العشاءين بالحمد وآمن الرسول السورة حفظه اللّه في نفسه » (10).

وفي كتاب الإقبال نقلا ، عن كتاب روضة العابدين ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله قال : « من صلّى

ص: 586


1- عيون أخبار الرضا 2 / 74.
2- في ( ب ) : « صلاتين ».
3- الكافي 3 / 468 ، باب صلاة فاطمة سلام اللّه عليها ، ح 4.
4- الكافي 3 / 469 ، باب صلاة فاطمة سلام اللّه عليها ، ح 6.
5- مصباح المتهجد : 107.
6- وسائل الشيعة 8 / 118 ، باب استحباب صلاة ركعتي الوصية بين المغرب والعشاء ، ح 1.
7- في ( ألف ) : « المصباح ».
8- في ( د ) : « الزائر ». انظر المصباح للكفعمى : 525.
9- في ( د ) زيادة : « صلاة ».
10- وسائل الشيعة 8 / 94 ، باب استحباب صلاة كل ليلة من رجب ، ح 1.

المغرب أول ليلة من رجب ثم يصلي بعدها عشرين ركعة يقرأ في أول ركعة فاتحة الكتاب وقل هو اللّه أحد مرة ، ويسلّم بين كل ركعتين حفظه اللّه (1) في نفسه وماله وأهله وولده ، وأجير من عذاب القبر ، وجاز على الصراط كالبرق الخاطف من غير حساب » (2).

وروى العلامة في إجازته لبني زهرة بإسناد ذكره عن النبي صلى اللّه عليه وآله ، وكذا ابن طاوس (3) مرسلا عنه فضيلة صوم رجب وليلة الرغائب منه. قال : ثمّ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « ما من أحد يقوم يوم الخميس أول خمس (4) من رجب ثم يصلي ما بين العشاء والعتمة اثنى عشر ركعة .. » إلى أن قال : « قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : والذي نفسي بيده لا يصلّي عبد أو أمة هذه الصلاة إلا غفر له جميع ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ويشفع يوم القيامة (5) سبعمائة من أهل بيته ممن استوجب النار » (6).

ومنها : ما روي من التنفّل بين العشاءين في شهر شعبان ، فروى السيد في الأمالي (7) ، والكفعمي في المصباح (8) ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله صلاة لكلّ ليلة منه ، قال : « في الخامسة عشر أربعا بين العشاءين بالحمد والتوحيد عشرا .. » (9) وذكر دعاء بعدهما وذكر فضله.

ومنها : ما رواه الشيخ في صلاة الهدية للوالدين بعد العشاءين ، فروى الشيخ عن ابن مسعود ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله قال : « من صلّى ليلة الخميس بين المغرب والعشاء الآخرة ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي خمس مرات وقل هو اللّه أحد وقل يا أيها

ص: 587


1- في ( د ) : « حفظ واللّه ».
2- إقبال الاعمال 3 / 178.
3- إقبال الأعمال 3 / 185.
4- في ( د ) : « خميس ».
5- في ( د ) زيادة : « في ».
6- وسائل الشيعة 8 / 98 ، باب استحباب صلاة الرغائب ليلة أول جمعة من رجب ، ح 1.
7- في ( د ) : « الإقبال ».
8- المصباح للكفعمى : 540.
9- وسائل الشيعة 8 / 101 ، باب استحباب صلاة كل ليلة من شعبان وكيفيتها ، ح 1.

الكافرون والمعوذتين كلّ واحد منها خمس مرات ، فإذا فرغ من صلاته استغفر اللّه خمس عشر مرة وجعل ثوابه لوالديه ، فقد أدّى حقّ والديه » (1).

ومنها : ما روي من الصلاة بين الظهرين ، فروى الشيخ عن ابن مسعود عنه صلى اللّه عليه وآله : « من صلى يوم الخميس ما بين الظهر والعصر ركعتين يقرأ في الركعة الأولى فاتحة الكتاب وآية الكرسي مائة مرة ، وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وقل هو اللّه أحد مائة مرة .. » إلى أن قال : « لا يقوم من مقامه (2) يغفر اللّه له البتة » (3).

.. إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا أيضا ممّا يقف عليه المتتبّع في الآثار ، وكلّها تشهد بجواز تلك الصلاة مع دخول وقت الفريضة.

وبها يضعّف ظاهر القول المشهور من المنع المطلق ، على أن فيها إشارة إلى جواز النافلة مطلقا مع دخول وقت الفريضة ؛ إذ لا يظهر من شي ء منها خصوصية الجواز (4) بالصلاة المذكورة ، ولو كان كذلك لقضى المقام بالإشارة إليه ، مع أنه لا إشارة إليه في شي ء منها.

مضافا إلى الروايات المطلقة الدالّة على استحباب صلاة معيّنة أو مطلقة كصلاة الاستخارات والزيارات وقضاء الحاجات ونحوها الشاملة بإطلاقها لأوقات الفرائض وغيرها.

حجة القول بالمنع عدّة من الروايات المستفيضة المشتملة على عدّة من الصحاح وغيرها ، وقد انتهت عدّة منها إلى زرارة ، عن الباقر عليه السلام ، ففي الصحيح عنه عليه السلام قال : سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال : « قبل الفجر أنهما من صلاة الليل ثلاثة عشر ركعة صلاة الليل أتريد أن يقايس لو كان عليك من شهر رمضان؟! أكنت تتطوع إذا دخل

ص: 588


1- مصباح المتهجّد : 256.
2- في ( د ) زيادة : « حتى ».
3- وسائل الشيعة 88 / 178 ، باب استحباب صلاة كل يوم وليلة من الاسبوع وكيفيتها ، ح 16.
4- في ( د ) : « للجواز ».

عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة » (1).

وفي الصحيح الاخرى عنه عليه السلام : « .. (2) رجل صلّى صلاة بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو نام عنها؟ فقال : « يقضيها إذا ذكرها .. » إلى أن قال : « ولا تتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة » (3).

وفي صحيحة له ثالثة رواها الحلي في المستطرفات عن كتاب حريز : « لا تصلّ من النافلة شيئا في وقت فريضة ، فإنه لا يقضي نافلة في وقت فريضة ، فإذا دخل وقت الفريضة فابدأ بالفريضة » (4).

وفي صحيحة له رابعة رواها الشهيد عنه عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة » (5).

وفي الصحيحة له خامسة عنه صلى اللّه عليه وآله : اصلّي نافلة وعليّ فريضة أو في وقت فريضة؟ قال : « لا إنه لا يصلّى نافلة في وقت فريضة ، أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أكان ذلك (6) أن تتطوع حتى تقضيه؟ » قال : قلت : لا. قال : « فكذلك الصلاة ». قال : فقايسني وما كان يقايسني (7).

ومنها : صحيحة يعقوب بن شعيب ، عن الصادق عليه السلام : عن الرجل ينام عن الغداة حتى تنزع الشمس ، أيصلي حتى يستيقظ أو يفطر حتى تبسط الشمس؟ فقال : « يصلي حتى يستيقظ ». قلت : الوتر أو يصلي الركعتين؟ قال : « بل يبتدأ بالفريضة » (8).

ص: 589


1- الإستبصار 1 / 283 ، باب وقت ركعتي الفجر ، ح 5.
2- في ( د ) زيادة : « في ».
3- الكافي 3 / 292 ، باب من نام عن الصلاة أو سهى عنها ، ح 3.
4- مستطرفات السرائر : 586.
5- وسائل الشيعة 4 / 285 ، باب جواز التطوع بالنافلة أداء وقضاء ، ح 6.
6- في ( د ) : « لك ».
7- روض الجنان : 184.
8- الإستبصار 1 / 286 ، باب وقت من فاتته صلاة الفريضة هل يجوز له أن ينتقل أم لا ، ح (1047) 2 باختلاف.

ومنها : موثقة محمد بن مسلم ، عن الباقر عليه السلام قال : قال لي رجل من أهل المدينة بأبي جعفر : مالي لا أراك تتطوع بين الأذان والإقامة كما يصنع الناس؟ فقال : « إنّا أردنا نتطوّع كان تطوعنا في غير وقت فريضة ، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوّع » (1).

ومنها : حسنة نجية عن الباقر عليه السلام ، قال : قلت له : تدركني الصلاة أو يدخل وقتها على فائدة بالنافلة؟ قال : قال أبو جعفر عليه السلام : « ولكن ابدأ بالمكتوبة اقض النافلة » (2).

ومنها : رواية الخصال ، بإسناده عن علي عليه السلام في حديث الأربعمائة قال : « لا يصلي الرجل نافلة في وقت فريضة إلا من عذر ، ولكن يقضي بعدها ذلك إذا أمكنه القضاء ، قال اللّه تعالى : ( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ) (3) » (4) إلى أن قال : « لا يقضى النافلة في وقت فريضة ابدأ بالفريضة ثم صلّ ما بدا لك » (5).

ومنها : رواية أديم بن الحرّ ، عن الصادق عليه السلام : « لا يتنفّل الرجل إذا دخل وقت الفريضة » ، قال : قال : « إذا دخل وقت الفريضة فابدأ بها » (6).

ومنها : رواية أبي بكر الحضرمي ، عنه عليه السلام أيضا : « إذا دخل وقت الفريضة فلا تطوع » (7).

مضافا إلى اعتضاد هذه الأخبار المستفيضة بعمل كثير من المتقدمين وتلقّيهم لها بالقبول ، وشهرة العمل بمضمونها.

وقد يؤيّد أيضا بالأصل بناء على ما ذهب إليه جماعة من المحقّقين من كون العبادات

ص: 590


1- الإستبصار 1 / 252 ، باب أول وقت الظهر والعصر ، ( ح 906 ) 33.
2- تهذيب الكلام 2 / 167 ، باب تفصيل ما ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون ، ح 120.
3- المائدة : 4.
4- في ( د ) : « الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ » المعارج : 23.
5- الخصال : 628 وفيه عن صلاتهم دائمون.
6- تهذيب الأحكام 2 / 167 ، باب تفصيل ما ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون ، ح 121.
7- تهذيب الأحكام 2 / 167 ، باب تفصيل ما ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون ، ح 119 باختلاف.

أسامي للصحيحة ؛ إذ الأصل على هذا القول في كل ما يشكّ في شرطيّته أو مانعيّته أن يكون شرطا في الظاهر مانعا عن الصحة ، فحينئذ إذا شكّ في مانعية دخول وقت الفريضة لصحة النافلة ، فلا ينبغي البناء على الفساد إلى أن يعلم انتفاء المانع ... (1).

ص: 591


1- في ( د ) : « بياض الاصل في النسخة ». وليس في النسخ الأخرى.

ص: 592

فهرس المواضيع الجزء الثاني

البحث الثالث في شرائط الوضوء... 5

تبصرة - في اعتبار البدء من الأعلى في الغسلات الثلاث... 5

تبصرة - في اعتبار المباشرة في الأفعال... 13

تبصرة - في مراعاة الترتيب... 16

تبصرة - في اشتراط الموالاة... 20

تنبيهات... 23

تبصرة - في اشتراط طهورية ماء الوضوء... 25

تبصرة - في اشتراط جواز التصرف في الماء... 29

تبصرة - في اشتراط إباحة المكان... 32

تبصرة - في طهارة أعضاء الوضوء... 34

تبصرة - في اشتراط الإسلام والإيمان... 36

البحث الرابع في مندوبات الوضوء ومكروهاته... 38

تبصرة - في بعض مندوباته... 38

البحث الخامس في الوضوء الاضطراري... 41

تبصرة - في وضوء مقطوع اليد... 41

تبصرة - في وضوء التقيّة... 44

المقام الأوّل : في جواز إتيان الفعل على غير النحو المشروع من جهة

ص: 593

التقيّة... 44

المقام الثاني : في أجزاء الفعل المعمول على جهة التقيّة وعدمه... 46

تبصرة - في عدم التمكن من إيصال الماء إلى تمام العضو... 49

تنبيهات... 53

تبصرة - في وضوء المسلوس والمبطون... 58

البحث السادس : في اللواحق... 63

تبصرة - في الشك في أفعال الوضوء... 63

تنبيهات... 66

تبصرة - في الشك في تأخّر الطهارة أو الحدث... 73

تبصرة - في الشك في كون الناقض أصغر أو اكبر... 78

تبصرة - في الخلل... 79

الباب الثالث : في الغسل... 81

الفصل الأوّل : في غسل الجنابة... 82

البحث الأوّل : في بيان ما يتحقّق به الجنابة... 82

تبصرة - في تحقق الجنابة بالإنزال... 82

تنبيهات... 83

تبصرة - في تحقق الجنابة بإدخال الحشفة... 94

البحث الثاني : في غايات غسل الجنابة... 100

تبصرة - فيما حرّم على الجنب... 100

تبصرة - في تحريم قراءة العزائم... 101

تبصرة - في حرمة اللبث في المساجد على الجنب... 104

تنبيهات... 106

تبصرة - في تحريم وضع شي ء في المساجد... 110

ص: 594

تبصرة - في مسّ كتابة القرآن واسم اللّه تعالى... 112

تبصرة - في تغسيل الجنب ليلا لأجل الصوم... 115

تبصرة - في المكروهات على الجنب... 121

البحث الثالث : في بيان كيفية غسل الجنابة من واجباتها ومندوبها وما يتعلّق بها... 132

تبصرة - في كيفية الغسل... 132

تبصرة - في الغسل الارتماسي... 137

تبصرة - في غسل البشرة والتخليل... 140

تبصرة - تنبيهات حول الارتماس... 143

تبصرة - في سائر شرائط الغسل... 147

تبصرة - في الاستبراء قبل الغسل... 150

تبصرة - في التسمية على الغسل... 154

تبصرة - في غسل اليد قبل إدخالها في الإناء... 156

البحث في بيان الأغسال المسنونة... 162

تبصرة - في غسل الجمعة... 163

تبصرة - في وقت غسل الجمعة... 169

تبصرة - في قضاء الغسل... 175

تبصرة - في تقديم غسل الجمعة... 180

تبصرة - في غسل عيد الفطر وعيد الأضحى... 184

تبصرة - في الأغسال المكانية... 198

تبصرة - في الأغسال الفعلية... 200

تنبيهات... 215

تبصرة - في الأغسال السببيّة... 217

ص: 595

تبصرة - في الاغتسال لقتل الوزع... 221

تبصرة - في الاغتسال لرؤية المصلوب... 223

تنبيهات... 224

تبصرة - في غسل مسّ الميت... 227

تبصرة - في تأخّر الأغسال السببية... 231

تبصرة - في تجديد الغسل... 232

تبصرة - في مشروعية الغسل بأحد أسبابها... 234

تبصرة - في امتداد وقت الأغسال... 236

الباب : في التيمّم... 239

تبصرة - في أسباب التيمّم وغاياته... 240

تنبيهات... 244

الفصل الثاني : فيما يسوغ التيمّم معه ويوجب انتقال الحكم من الوضوء والغسل إليه... 246

تبصرة - في عدم وجود الماء... 246

تنبيهات... 248

تبصرة - في عدم الوصول إلى الماء... 263

تبصرة - في خوف الضرر من استعمال الماء... 272

تتمة في القروح والجروح... 279

تبصرة - في المرض المسوغ للتيمّم... 282

تبصرة - في خوف العطش لو استعمل الماء الطهارة... 285

تنبيهات... 287

الفصل الثالث : في بيان الأمور التي يصحّ معها التيمّم مع الاختيار أو الاضطرار... 291

ص: 596

تبصرة - في التيمّم على الأرض... 291

تتميم... 297

تبصرة - التيمّم بغبار الثوب ونحوه... 306

تبصرة - في واجد الثلج دون غيره... 313

تبصرة - في اشتراط طهارة التراب... 317

تبصرة - في التيمّم بالمغصوب... 320

تبصرة - في التيمّم بالممتزج... 324

تبصرة - في فاقد الطهورين... 326

الفصل الرابع : في بيان كيفية التيمّم... 332

تبصرة - في النيّة... 332

في قصد البدلية... 335

تبصرة - في ضرب اليدين على التراب... 339

تبصرة - في الضرب على الأرض... 342

تبصرة - في علوق المسح... 345

تبصرة - في عدد الضربات... 350

تبصرة - في مسح الوجه... 360

تبصرة - في التيمّم قبل الوقت... 364

تنبيهات... 368

الباب الخامس : في أحكام الأموات... 370

المقدمة : في بيان أحكام المرض والاحتضار... 370

تبصرة - في الصبر على المرض... 370

تبصرة - في عيادة المريض... 379

تبصرة - في الوصية... 387

ص: 597

تبصرة - في التوبة والإنابة... 392

تبصرة - في توجيه المؤمن إلى القبلة حال الاحتضار... 395

تنبيهات... 400

تبصرة - في نجاسة البول والغائط مما لا يؤكل لحمه... 409

تبصرة - في نجاسة الدم... 414

تنبيهات... 415

تبصرة - في نجاسة الكافر وأقسامه... 418

تبصرة - في حكم سائر الكفّار... 422

تبصرة - فيما يعفى عنه نجاسته... 424

تبصرة - في نجاسة ثوب المرأة المربّية... 428

تنبيهات... 430

تبصرة - في نجاسة ملاقي الملاقي... 434

تبصرة - في أصالة الطهارة... 441

فروع... 449

تنبيهات... 451

فصل : في بيان المطهّرات... 456

تبصرة - في الاكتفاء بالمرة في غسل الأشياء... 456

تنبيهات... 461

تبصرة - في اعتبار العصر... 465

تنبيهات... 469

كتاب الصّلاة

كتاب الصلاة... 473

ص: 598

الباب الأول : في اليومية... 475

الفصل الأول : في المقدمات... 475

القول : في الوقت... 475

تبصرة - في وقت الفرائض اليومية... 476

تبصرة - في وقت الظهر... 485

تبصرة - في وقت العصر... 495

تبصرة - في وقت المغرب... 501

تبصرة - في وقت العشاء... 506

تبصرة - في وقت الفجر... 519

تبصرة - في معرفة الزوال... 526

تبصرة - في معرفة المغرب... 529

تبصرة - في الحمرة... 536

الثاني : في بيان الأحكام... 538

تبصرة - في اليقين بدخول الوقت... 538

تبصرة - في التعويل على الظن مع عدم تمكن العلم... 543

تبصرة - في الصلاة قبل دخول الوقت... 548

تبصرة - في إدراك المكلّف من أول وقت الصلاة بمقدار الأداء... 557

تبصرة - في إدراك آخر الوقت بمقدار ركعة... 565

تتمّة... 570

تبصرة - في الإتيان بالنافلة في وقت الفريضة... 581

فهرس المواضيع... 593

ص: 599

المجلد 3

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري

الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية

المطبعة: مطبعة الكوثر

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1427 ه.ق

ISBN (ردمك): 978-964-988-020-0

المكتبة الإسلامية

تبصرة الفقهاء

ص: 1

اشارة

ص: 2

تبصرة الفقهاء

تأليف: الفقيه المحقق و الأصولي المدقق الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الإصفهاني قدس سره

المتوفی سنة 1248 ه.ق

الجزء الثالث

تحقيق: السيد صادق الحسيني الإشكوري

ص: 3

رازی نجفی اصفهانی، محمد تقی، ... - 1248 ق.

تبصرة الفقهاء / تألیف شیخ محمد تقی رازی نجفی اصفهانی؛ تحقیق سید صادق حسینی اشكوری.- قم: مجمع ذخائر اسلامی، 1385.

ISBN: 978-988-003-7(دوره)

كتابنامه به صورت زیرنویس.1. فقه شیعه - قرن 13 ق. الف. حسینی اشكوری، سید صادق، 1351 - ، مصحح. ب . عنوان.

1385 2ت 2ر / 3/ 183 BP

297/3

تبصرة الفقهاء (ج3)

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تحقيق: السيد صادق الحسيني الإشكوري

نشر: مجمع الذخائر الإسلامية - قم ، ايران

سنة الطبع: 1427 ه ق، 2007 م

طبعة الكوثر، الطبعة الأولی

ليتوغراف: صبا

كميّة: 1000 نسخة

ردمك: 6-000-988-964-978

(الدورة): 7-003-988-964-978

قمشارع آذرزقاق23-رقم 1 // 09122524335

www.ismajma.com

www.zakhair.net

ص: 4

كتاب الزكاة

اشارة

ص: 5

ص: 6

تبصرة: [ في شرائط وجوب الزكاة ]

اشارة

يشترط وجوب الزكاة بكمال المالك بالبلوغ والعقل ، فلا يجب في مال الطفل والمجنون مطلقا على المعروف بين الأصحاب.

واحتجّ عليه في المدارك (1) تبعا لما في المعتبر (2) وغيره من كتب الأصحاب بما دل على رفع القلم عنهما ، وبأنّ أوامر الزكاة لا يتناولهما ، وتكليف (3) الولي بذلك منع (4) بالأصل.

ويضعف الأوّل أنّ قضية رفع القلم عنهما عدم تعلّق التكليف بالإخراج بهما ، وهو ممّا لا كلام فيه ، إنّما الكلام في تعلّقها بأموالهما يستحق الفقراء بعضا منها ، وليس في رفع القلم عنهما دلالة على عدمه (5) لظهوره في رفع التكليف دون غيره.

وقد ذهب جماعة من الأصحاب إلى شمول الاستحباب والكراهة للأطفال المميّزين ، ومن ثمّ ذهبوا إلى مشروعيّة العبادات الصادرة منهم (6).

ومع الغضّ عن ذلك فليس ثبوت الزكاة في ماله واستحقاق الفقراء شيئا منه حكما واردا على الصبيّ كما أنّه ليس استحقاق المشترى لماله إذا باعه الولي من ثبوت العلم على الطفل.

ويشهد بما قلناه أنّهم ذهبوا إلى استحباب الزكاة في مال الطفل من دون منافاة فيه لرفع القلم المعلوم.

ص: 7


1- مدارك الأحكام 5 / 15.
2- المعتبر 2 / 486.
3- في ( د ) : « لتكليف ».
4- في ( د ) : « منفي ».
5- في ( ب ) : « عدم الظهور » بدل « عدمه لظهور ».
6- في ( د ) : « عنهم ».

والثاني : بأنّه ليس جميع ما دلّ على ثبوت الزكاة من قبيل الأوامر ، وما بمعناها لئلا يتناول الصبيّ والمجنون بل جملة منه شاملة لأموالهما كقوله عليه السلام (1) : « فإذا بلغت عشرين دينارا ففيه نصف دينار ، وفيما سقت السماء العشر ، وفي خمس من الإبل شاة ».

إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة المسوقة سوق تلك الأخبار.

مضافا إلى روايات كثيرة أخرى مشتملة على وضع الرسول صلى اللّه عليه وآله الزكاة على الأجناس (2) التسعة (3) ؛ فانّها تعم ما إذا كانت مملوكة للبالغ العاقل أو غيره.

والمناقشة في إطلاق تلك الروايات لورودها لبيان (4) حكم آخر لكونها في مقام بيان النصاب في الأخبار الأوّلة وبيان ما يجب فيه الزكاة في الأخيرة ليس على ما ينبغي إذا قضى ما يلزم من ذلك أن لا تكون الإطلاقات المذكورة بتلك المكانة من الظهور ، لأنّها تكون خارجة عن الإطلاق إلى حد الإجمال.

وما قد يقال من ورودها بيانا لأوامر الزكاة ، فتكون الحال فيها حال تلك الأوامر ، فلا تعمّ أموال غير مكلفين ؛ غير واضح.

على أنّ عدم شمول الأوامر لأموال (5) غير المكلفين غير ظاهر أيضا ؛ إذ لا بعد في إرادة وجوب إيتاء الزكاة من المال الذي يكون متسلّطا عليه ، ويكون أمره في الأخذ والإعطاء إليه سواء كان ذلك على سبيل الملكيّة أو الولاية ، وانصراف الإطلاق إلى خصوص الأوّل غير معلوم ، فالرجوع إلى الأصل المذكور ممّا لا وجه له في المقام ، وإنّما المرجع فيه هو الأدلّة خاصة.

ويدلّ على عدم وجوب الزكاة في مال الطفل : المعتبرة المستفيضة المشتملة على

ص: 8


1- وسائل الشيعة 9 / 140 ، باب تقدير النصب في الذهب وما يجب في كل واحد منها ، ح 9.
2- في ( ألف ) : « الأخبار ».
3- انظر : الكافي 3 / 509 ، باب ما وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى اهل بيته الزكاة عليه ح 1 و 2.
4- في ( ألف ) : « لسان ».
5- في ( ب ) : « لأوامر ».

الصحاح ، منها : الصحيح : « ليس في مال اليتيم زكاة » (1).

وفي صحيحة أخرى ، عن أحدهما عليهما السلام (2) : سألته عن مال اليتيم؟ فقال : « ليس فيه زكاة » (3).

وفي الصحيح ، عن يونس بن يعقوب : أرسلت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ لي إخوة صغارا فمتى يجب عليهم الزكاة؟ قال : « إذا وجبت عليهم الصلاة وجبت الزكاة » (4).

وفي الخبر : « كان أبي يخالف الناس في مال اليتيم ليس عليه زكاة » (5).

وفي مكاتبة (6) محمد بن القاسم (7) : يربح (8) زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال فكتب : « لا زكاة على اليتيم » (9).

إلى غير ذلك من الأخبار.

وعلى عدم وجوبه في مال المجنون بالصحيح : امرأة في أهلنا مختلطة أعليها زكاة؟ قال : « إن كان عمل به فعليها الزكاة ، وإن لم يعمل به فلا ».

وفي الخبر (10) : عن امرأة مصابة ولها مال في يد أخيها ، هل عليها زكاة في مال المجنون واستحبابها إذا اتّجر به وليه وإلّا لم تستحب ، ح 2.؟ قال : « إن كان

ص: 9


1- الكافي 3 / 541 ، باب زكاة مال اليتيم ح 6.
2- تهذيب الأحكام 4 / 26 ؛ وسائل الشيعة 9 / 85 باب وجوبها على البالغ العاقل وعدم وجوبها في مال الطفل ، ح 7.
3- تهذيب الأحكام 4 / 26 ، وسائل الشيعة 9 / 85 ، باب وجوبها على البالغ العاقل وعدم وجوبها في مال الطفل ، ح 7.
4- الكافي 3 / 541 ح 7 ؛ الإستبصار 2 / 29 ، ح 84 ؛ تهذيب الأحكام 4 / 27 ، ح 66 ؛ وسائل الشيعة 9 / 85 ، باب وجوبها على البالغ العاقل وعدم وجوبها في مال الطفل ، ح 5.
5- تهذيب الأحكام 4 / 27 ، باب زكاة أموال الأطفال والمجانين ، ح 4.
6- تهذيب الأحكام 4 / 30 ؛ تذكرة الفقهاء 5 / 367.
7- في ( د ) زيادة : « عن الوصي يزكي ».
8- في ( ب ) : « عن الوصيّ » بدل : « يربح ».
9- الكافي 3 / 542 ، ح 2 ؛ وسائل الشيعة 9 / 90 ، باب عدم وجوب الزكاة في مال المجنون ، واستحبابها إذا اتجر به وليه وإلّا لم تستحب ، ح 1.
10- الكافي 3 / 542 ، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام 4 / 31 ، ح 8 ؛ وسائل الشيعة 9 / 90 ، باب عدم وجوب الزكاة

أخوها يتّجر به فعليه زكاة ».

وقضية إطلاق منطوق الأولى ومفهوم الثانية عدم ثبوت الزكاة في أموال المجانين مطلقا إلّا في صورة الاتّجار به ، إلّا أنّه يمكن المناقشة بدعوى ظهورهما في النقدين. وفيه تأمّل.

ثمّ إنّ الحكم المذكور بالنسبة إلى النقدين ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب.

وقد حكى إجماعهم عليه جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في الخلاف (1) والفاضلان في المعتبر (2) والمنتهى (3) والشهيد الثاني في الروضة (4) وسبطه في المدارك (5).

ويدلّ عليه بعد ذلك الروايات المستفيضة ، وقد أشرنا إلى جملة منها.

وقد يعزى إلى ظاهر الطوسي وجوب الزكاة فيهما في مال الطفل حيث أطلق إيجاب الزكاة في ماله ، وليس كذلك لنصّه بعد الإطلاق المذكور بعدم وجوب الزكاة في مال الطفل والمجنون من الذهب والفضّة.

واختلفوا في وجوب الزكاة في غلات الأطفال ومواشيهم ، فعن الشيخين والقاضي (6) والحلبي (7) والطوسي (8) القول بالوجوب.

وعزاه السيد في الناصريات (9) إلى أكثر أصحابنا.

وحكاه العامّة عن أمير المؤمنين ومولانا الحسن عليهما السلام.

وعن القديمين والسيد والديلمي والحلّي القول بالعدم.

ص: 10


1- الخلاف 2 / 41.
2- المعتبر 2 / 487.
3- منتهى المطلب 1 / 532.
4- في ( ب ) : « الروض ».
5- المدارك 5 / 15.
6- المهذب 1 / 168.
7- غنية النزوع : 119.
8- الاقتصاد : 278.
9- الناصريات : 281 المسألة 122.

واختاره الفاضلان والشهيدان وعامّة المتأخرين بلا خلاف يظهر بينهم.

وفي غيرة أنه المشهور بين المتأخرين.

وفي المنتقى : ويعزى إلى أكثر القدماء المصير إلى نفي وجوب الزكاة في غلات الطفل.

والأظهر لما عرفت من إطلاق الروايات سيّما ما دلّ على ارتباط وجوب الزكاة بوجوب الصلاة الدالّ على اتحاد المناط فيهما ، وخصوص موثقة أبي بصير : « ليس في مال اليتيم زكاة » و « ليس عليه صلاة » و « ليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة ، فإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة » و « ليس عليه لما يستقبل حتى يدرك ، وإذا (1) أدرك كانت عليه زكاة واحدة ، وكان عليه مثل ما على غيره من الناس ».

مضافا إلى تأيده بالأصل ، والاستصحاب ، والشهرة المتأخرة.

حجة الجماعة : صحيحة الفاضلين ، عن الصادقين عليه السلام (2) أنّهما قالا : « اليتيم ليس عليه في العين والصامت شي ء وأمّا الغلات فانّ عليها الصدقة واجبة ».

مضافا إلى موافقته للاحتياط كما ذكره في النافع ، بل ربّما يحتج بالاحتياط كما قد يستفاد من المعتبر (3) ؛ نظرا إلى دوران الأمر فيه بين الوجوب والاستحباب ؛ لضعف البناء على عدم الثبوت مطلقا.

ولا يخفى ضعفه ؛ إذ بعد تسليم موافقته للاحتياط لا دليل على وجوب البناء عليه.

والرواية كما ترى غير صريحة في الوجوب المصطلح ، فلتحمل على مطلق الثبوت المراد بها الندب في المقام ؛ جمعا بينها وبين ما دلّ على عدم الوجوب ممّا تقدّمت الإشارة إليه.

مضافا إلى موافقتها للعامة حيث إنّ القول به مذهب فقهاء الجمهور كما حكاه في المنتهى (4) ، وعزاه في المعتبر (5) إلى أئمتهم الثلاثة.

ص: 11


1- في ( د ) : « إذ ».
2- الاستبصار 2 / 31 ، باب وجوب الزكاة في غلات اليتيم ، ح 2 (90) ؛ تهذيب الأحكام 4 / 29 ، ح 72.
3- المعتبر 2 / 487.
4- منتهى المطلب 1 / 472.
5- المعتبر 2 / 487.

على أنّ الرواية إنّما تفيد ثبوتها في الغلات دون المواشي ، فلا توافق تمام المدّعى ، بل تفيد عدم الوجوب في المواشي إن لم نجعل قوله « والصامت » عطف تفسير لقوله « في العين » كما هو ظاهر العطف ، والظاهر من رجحان التأسيس على التأكيد.

نعم ، روي ذلك في بعض الطرق « ليس على مال اليتيم في الدين والمال الصامت شي ء » (1).

وحينئذ ربّما يفيد ثبوته في المواشي لمفهوم الوصف. ورواه في المعتبر هكذا : « ليس في مال اليتيم العين شي ء » (2).

وقد اعترف جماعة منهم الفاضلان في المعتبر (3) والمنتهى (4) والسيد في المدارك (5) بعدم الوقوف على مستند لهم في ذلك.

وقد يحتج لهم بالإطلاقات الدالّة على ثبوت الزكاة في المواشي ممّا أشرنا إليها ؛ لعدم اختصاصها بمال البالغ ، ومفهوم الوصف المتقدم.

ويضعفه ما عرفت ممّا دلّ على عدم ثبوت الزكاة في مال الطفل مطلقا سيّما الموثقة المتقدمة ، وكون التعارض بينهما من قبيل العموم من وجه لا ينافي الاحتجاج بها ؛ لوضوح قوّة تلك العمومات وأظهر منها في الإطلاق ، وموافقتها للمشهور.

وعلى فرض تكافئهما فالمرجع حينئذ إلى الأصل ، وهو كاف في المقام.

وما ذكر من مفهوم الوصف فمع ضعفه في الدلالة بل عدم حجيته كما هو الأظهر موهون باضطراب متن الرواية في المقام.

على أن قوله « وأمّا الغلات فإن عليها الخ » قد يفيد بمفهوم المخالفة عدم وجوبها في

ص: 12


1- الكافي 3 / 541 ، باب زكاة مال اليتيم ح 5.
2- المعتبر 2 / 487.
3- المعتبر 2 / 487.
4- منتهى المطلب 1 / 472.
5- مدارك الأحكام 5 / 20.

غيرها.

واختلفوا أيضا في غلات المجنون ومواشيه ، فعن الشيخين (1) والقاضي (2) والحلبي (3) إلحاقه بالطفل. واعترف جماعة بعدم العثور على مستنده سوى حمله على الطفل ؛ لاشتراكهما في عدم التكليف. وهو كما ترى قياس لا نقول به.

مضافا إلى ما عرفت من عدم قيام دليل بيّن على ثبوت الزكاة في مواشي الطفل أيضا.

وأنت خبير بأنّه يمكن الاحتجاج لهم بالإطلاقات المتقدّمة مع استظهار اختصاص ما دلّ على سقوط الزكاة عن المجنون بالنقدين حسبما مرّت الإشارة إليه ، فيبقى الباقي تحت الإطلاقات من غير ظهور ما يقيّدها.

ويدفعه أنّ ظاهر إطلاق الروايتين المذكورتين يعمّ الجميع. ودعوى انصرافهما على النقدين غير مسموعة.

نعم ، لا يخلو ظاهره عن إشعار بذلك ، وكونه صارفا للعبارة عن ظاهر إطلاقها غير ظاهر ، سيّما مع اعتضاده بالأصل ، والشهرة بين الأصحاب ، وموافقته لما ورد في الطفل ؛ لاشتراكهما في انتفاء التكليف.

مضافا إلى ما دلّ على كون التكليف بالزكاة ملازما للتكليف بالصلاة.

كما هو ظاهر صحيحة يونس بن يعقوب المتقدّمة.

ويومي إليه الموثقة المذكورة وصحيحة الفضلاء عن الصادقين (4) عليهم السلام قال (5) : « فرض اللّه عزوجل الزكاة مع الصلاة في الأموال ».

فيفيد ذلك كون المناط في ارتفاعه عن الصبي هو انتفاء التكليف الحاصل في المجنون

ص: 13


1- المقنعة : 39 ؛ النهاية : 174 ؛ الخلاف 1 / 316 ؛ المبسوط 1 / 190.
2- رياض المسائل 1 / 262 ، نقله بعنوان « قيل ».
3- غنية النزوع : 118.
4- الكافي 3 / 509 ؛ باب ما وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعلى أهل بيته الزكاة عليه ، ح 1 ؛ الإستبصار 2 / 3 ، باب ما تجب فيه الزكاة ، ح 5.
5- في ( د ) : « قالوا ».

أيضا.

[ تتميم ]

هذا ، ولنتمّم (1) الكلام في المرام برسم أمور :

أحدها : أنّه نصّ جماعة باستحباب الزكاة في غلات الطفل والمجنون ومواشيهما ، وربّما يعزى ذلك إلى جميع القائلين بعدم وجوب الزكاة في أموالهما عدا من نشير إلى مخالفته.

وفصّل في الشرائع (2) بين الطفل والمجنون ، فحكم باستحباب الزكاة في غلات الأوّل ومواشيه دون الثاني. وهو المختار عند جماعة من المتأخرين إلّا في استحبابه في مواشي الطفل ، فاستشكل فيه في المدارك (3).

وظاهره نفي ذلك ، وهو الظاهر من المحقق الأردبيلي (4) قدس سره.

واستظهره في الذخيرة (5) ، وهو الأظهر.

أمّا استحبابها في غلات الطفل فللصحيحة المتقدّمة المحمولة على الندب بملاحظة ما مرّ.

وقد يناقش بأنّ ظاهر الرواية الوجوب ، وعدم مكافئتها لما دلّ على عدم الوجوب إنّما يقضي بترجيح الرواية الأخرى عليها.

وحملها على الندب من باب الحمل التبرّعي لا يصحّح الاستناد في ذلك إليه من دون ورود دليل آخر يكون شاهدا على حملها عليه.

ويمكن دفعها بما مرّ من عدم صراحة لفظ الوجوب في الوجوب (6) المصطلح بخصوصه بل عدم دلالته عليه.

ص: 14


1- في ( ألف ) : « لنتم ».
2- شرايع الإسلام 1 / 105.
3- مدارك الأحكام 5 / 22.
4- مجمع الفائدة 4 / 12.
5- ذخيرة المعاد 3 / 421.
6- لم ترد في ( ب ) : « في الوجوب ».

نعم ، في لفظة « على » ظهور في ذلك ، وهو لا يكافئ ما دلّ على عدم الوجوب ، فيكون ذلك قرينة على إرادة الندب منه سيّما بعد اعتضاده بالشهرة المعلومة بل الاتفاق عليه فيما يظهر ؛ إذ لم نعثر على مخالف في مطلق رجحان الإخراج ويلوح حكاية الإجماع عليه من مجمع البرهان (1) فلا مجال للمناقشة في الاستحباب بعد دفع الوجوب بما ذكرنا.

وربّما يلوح من السرائر (2) منع الاستحباب. وقد عزا في البيان (3) إلى ظاهره منعه لاستحباب الزكاة في مال الطفل مطلقا.

وضعفه ظاهر ممّا قررناه.

وأمّا عدم استحباب في مواشي الطفل وغلات المجنون ومواشيه فلعدم العثور فيه على مستند كما اعترف به جماعة من المتأخّرين.

ولا مناط في المقام ليمكن تسرية الحكم من غلات الطفل إلى مواشيه ومنه إلى المجنون ، كيف ولو كان كذلك لجرى في تعديه أيضا.

ومجرّد اتّحاد حكم الطفل والمجنون غالبا لا ينهض حجّة شرعيّة حتّى يمكن لذلك انسحاب الحكم من الطفل إليه.

ودعوى عدم الخلاف في اتحاد حكمهما في المقام وجوبا واستحبابا غير ظاهر أيضا.

نعم ، حكى في الإيضاح (4) عن الطوسي دعوى الإجماع على عدم الفصل بين القول بوجوبه في غلات الطفل ووجوبه في مواشيه. ولا دلالة فيه على عدم الفصل في الاستحباب فلا يصحّ هدم القواعد الثابتة المقرّرة بمجرد الوجوه المذكورة.

والتسامح في أدلّة السنن غير جار في المقام ؛ لدوران الأمر بين المندوب والحرام ؛ لكونه إتلافا لمال المولى عليه من غير مصلحة مالية.

ص: 15


1- مجمع الفائدة والبرهان 4 / 40.
2- السرائر 1 / 441.
3- البيان : 165.
4- إيضاح الفوائد 1 / 167.

نعم ، لو قيل باستحباب إخراجهما للزكاة بعد كمالهما وبقاء العين لم يكن بعيدا.

ثانيها : أنه نصّ جماعة من الأصحاب بأنّه لو اتّجر الولي بمال الطفل لأجله استحب له إخراج الزكاة عنه وإن اتّجر به لنفسه وكان مليا كان له الربح واستحبّ له إخراج الزكاة من نفسه ، وإلّا كان الربح لليتيم ولا زكاة.

وتوضيح المقام : ان المتّجر بمال الطفل إمّا أن يكون وليا ومن بمنزلته أو لا ، وعلى التقديرين إمّا أن يكون مليا أو لا ، وعلى التقادير إمّا أن يكون (1) الاتّجار للطفل أو لا ، وعلى صور عدم الولاية إمّا أن يتعقّبه الإجازة من الولي للمتّجر أو للطفل أو لا.

ثمّ إنّه إمّا أن يكون في ضمان مال الطفل أو وقوع المعاملة (2) مصلحة له أو دفع مفسدة عنه أو لا. ولنفصّل الكلام في ذلك برسم مسائل :

الأولى : أن يكون الاتّجار من الولي للطفل ، ويكون الربح حينئذ للطفل. ويستحب للولي إخراج الزكاة عنه مع حصول الشرائط الآتية في زكاة التجارة ، على المعروف من المذهب.

وعزاه في المعتبر (3) إلى علمائنا أجمع.

وفي المنتهى (4) : أنّ عليه فتوى علمائنا.

وعن الغنية (5) ونهاية (6) الإحكام حكاية الإجماع عليه.

ويدلّ عليه بعد ذلك المعتبرة المستفيضة :

منها : الصحيح (7) : هل على مال اليتيم زكاة؟ قال : « لا إلّا أن يتّجر به أو تعمل به ».

ص: 16


1- لم ترد في ( ب ) : « الاتّجار ... أن يكون ».
2- في ( د ) زيادة : « له ».
3- المعتبر 2 / 487.
4- منتهى المطلب 1 / 472.
5- غنية النزوع : 128.
6- نهاية الإحكام 2 / 299.
7- الكافي 3 / 541 باب زكاة مال اليتيم ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة 9 / 87 ، باب أنّ من اتجر بما الطفل ح 11587.

وفي صحيحة الآخرين (1) : « ليس على مال اليتيم زكاة إلّا أن يتّجر به ، فإن اتّجر به ففيه الزكاة ، والربح لليتيم ، وعلى التاجر ضمان المال ».

وقضية ذيل الرواية كون المفروض فيها وقوع الاتّجار عن غير الولي أو عنه لا على الوجه المشروع ، وإلّا فلا وجه للضمان.

وكيف كان ، فهي حينئذ تدل (2) على المدّعى بالأولى.

وفي الخبر : « ليس في مال اليتيم زكاة إلّا أن يتّجر به ، فإن اتّجر به فالربح لليتيم ، وإن وضع فعلى الذي يتّجر به ».

وهذه الرواية كالرواية السابقة دلالتها (3) على المدّعى بالأولوية المذكورة.

وفي صحيحة يونس بن يعقوب : أرسلت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام : وقد مرّت الاشارة إليه ، إلى أن قال : قلت : فما لم يجب عليهم الصلاة؟ قال : « إذا اتّجر به فزكاة ».

وفي الصحيح (4) إلى عمر بن أبي شعبة ، عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن مال اليتيم؟ فقال : « لا زكاة عليه إلّا أن يعمل به ».

وبهذه الروايات المستفيضة المؤيّدة بعمل الطائفة تقيّد الإطلاقات الكثيرة الدالّة على نفي الزكاة عن مال اليتيم كما هو قضية الأصل في حمل المطلق على المقيّد.

وقد يستشكل في المقام بأنّ ثبوت الزكاة هنا فرع ثبوتها في مال التجارة ؛ إذ لا يزيد حكم مال الطفل على غيره ، والأخبار هناك مختلفة. وحيث إنّ ثبوت الزكاة فيه مذهب العامّة وظاهر الأخبار الواردة هناك هو الوجوب أيضا على طبق ما ذهبوا إليه فيحتمل حينئذ قويّا

ص: 17


1- من لا يحضره الفقيه 2 / 16 ، ح 1599.
2- في ( د ) : « تدل حينئذ ».
3- في ( د ) : « فدلالتها ».
4- تهذيب الأحكام 4 / 27 باب زكاة اموال الاطفال والمجانين ، ح 5 ؛ وسائل الشيعة 9 / 86 ، باب وجوبها على البالغ العاقل ، ح 10.

حمل تلك الأخبار على التقية ، وكذا في (1) المقام حيث إنّه العمدة في وجه اختلاف الأخبار. ومع حملها على التقيّة لا يبقى فيها حجة على ما ذكروه ، فلا يتجه القول باستحباب زكاة التجارة ، ومعه فلا يتم الكلام المذكور في المقام.

على أنّه قد يجري الكلام المذكور في المقام أيضا ؛ لما عرفت من الإطلاقات النافية للزكاة في مال الأيتام الظاهرة في نفيها على سبيل الوجوب والاستحباب.

وأنت خبير بأنّ الإشكال المذكور وإن كان متّجها إلّا أن شهرة القول باستحباب زكاة التجارة بين علمائنا قديما وحديثا شاهد على حمل تلك الروايات على الاستحباب.

مضافا إلى عدم صراحتها في الوجوب ، فيمكن جعل الأخبار النافية للوجوب قرينة على إرادة الندب منها كما سيجي ء الإشارة إليها إن شاء اللّه.

والأخبار الواردة في المقام مؤيّدة لذلك ، ولا معارض لها سوى الإطلاقات.

ويؤيّده اشتهار الحكم به في المقام ، وما عرفت من الإجماعات المحكية.

وليست الروايات في المقام صريحة في الوجوب ليبعد حملها على الندب ، بل غاية الأمر ظهورها في الوجوب.

وحملها على الندب بعد ملاحظة ما دلّ على عدم الوجوب في غاية القرب ، بل ذلك هو الشاهد على الحمل المذكور ؛ لكون بعض أخبارهم عليهم السلام كاشفا عن بعض.

مضافا إلى ظهور بعضها في الاستحباب كصحيحة يونس بن يعقوب النافية لوجوب الزكاة في مال اليتيم المشتملة على ارتباط وجوب الزكاة بوجوب الصلاة ؛ فإنّ قوله عليه السلام بعد نفيه الوجوب بأبلغ وجه « إذا اتّجر به فزكاة » في كمال الظهور في إرادة الندب كما لا يخفى.

وظاهر عبارة المقنع (2) والمقنعة (3) القول بوجوب الزكاة حينئذ إلّا أنّ الشيخ في التهذيب (4)

ص: 18


1- لم ترد في ( ب ) : « وكذا في ... التقيّة ».
2- المقنع : 162 ، باب زكاة مال اليتيم.
3- المقنعة : 238.
4- تهذيب الأحكام 4 / 26 ، باب زكاة أموال الأطفال والمجانين ، ح 5.

حمل عبارة شيخه على إرادة الاستحباب ؛ إذ لا يزيد حكم مال الطفل على أموال البالغين ، وزكاة التجارة غير واجبة عليهم فكيف يجب في أموال الأطفال.

على أنّ « لفظ الوجوب » في كلام الأوائل غير صريح في الوجوب المصطلح ، فكثيرا ما يراد به الندب.

ولا يبعد الحمل المذكور في عبارة المقنع أيضا ، وإن لم يعتبر هناك بلفظ الوجوب ؛ نظرا إلى نصّه أوّلا بأنّه لا يجب الزكاة فيما عدا الأمور التسعة ، فيكون ذلك قرينة على إرادة الندب في المقام.

ومنه يظهر بعد ما يعزى إلى الصدوق من القول بوجوب زكاة التجارة كما سيجي ء الإشارة إليه إن شاء اللّه.

هذا ، ويلوح من الحلي في كتاب الزكاة من السرائر (1) إنكاره لاستحباب الزكاة في المقام.

وبه صرّح في باب التصرّف في أموال اليتامى (2) معلّلا بأنّه لا دلالة عليه من كتاب ولا سنّة مقطوع بها ولا إجماع ، وأنّه لا يجوز التصرّف إلّا فيما فيه مصلحة لهم ، ولا مصلحة لهم في ذلك.

وقد نفى البعد في المدارك (3) من المصير إليه ؛ نظرا إلى أنّ ما استدلّ به على الاستحباب غير نقيّ الإسناد ، بل ولا واضح الدلالة.

مضافا إلى الاحتياط حيث إنّه لا مجال لاحتمال الوجوب ، فيدور الأمر فيه بين الحرمة والاستحباب.

وأنت خبير بما فيه ؛ إذ ما ذكره من الطعن في أسانيد الأخبار الدالّة عليه غير ظاهرة ؛ لاعتبار أسانيد جملة من تلك الأخبار سيّما مع اعتضادها بعمل الأصحاب ، وما ذكر من الإجماعات ، وما ذكره من المناقشة في الدلالة بعد ما عرفت فيه. والاحتياط ليس دليلا

ص: 19


1- السرائر 1 / 441.
2- السرائر 2 / 211.
3- مدارك الأحكام 5 / 18.

شرعيّا بعد قيام الحجة على الاستحباب وإن كانت مراعاتها أولى ؛ لما عرفت ، وللخروج عن الخلاف.

وممّا قرّرنا ظهر ضعف ما ذكره الحلي في المقام.

نعم ، هو جيّد على أصله من إنكار العمل بأخبار الآحاد.

ثمّ لا يخفى أن ظاهر إطلاق الأخبار وكلام الأصحاب يعمّ ما إذا كان الاتّجار للطفل مجّانا أو بعوض خارجي أو من الربح وإن اتّفق استيعابه له.

نعم ، لو بنى الاتّجار على استيعاب الأجرة للربح أو زيادتها عليه كما لو جعل تمام الربح للعامل فيما إذا كان هناك مصلحة قاضية بذلك أو كان في عدم تحريك مال الطفل مفسدة عليه ، فربّما أشكل الحكم المذكور ؛ لاحتمال خروج ذلك من موضوع الاتّجار للطفل حيث إنّه لم يقصد به حصول ربح (1).

وقد يقال بصدق الاتّجار بماله حينئذ ، وقد جعل ذلك مناطا للحكم في عدّة من الأخبار ، إلّا انّه لا يبعد انصرافه إلى غير الفرض المذكور.

وكيف كان ، فشمول الاستحباب للصورة المفروضة محلّ خفا ، والأصول الشرعيّة قاضية بعدمه.

الثانية : أن يكون الاتّجار للطفل من غير الولي - مليا كان أو غيره - وحينئذ فإن لحقه إجازة الولي صحّت (2) المعاملة وكان الربح للطفل. ولا يبعد إلحاقه حينئذ بالمسألة المتقدّمة ، فيتّجه اندراجه تحت روايات المسألة ، بل ظاهر صحيحة الآخرين والتي بعدها ورودها في ذلك كما أشرنا إليه.

وإطلاق ما ذكر فيهما وفي غيرهما من كون الربح لليتيم مبنيّ على وقوعه على وفق المصلحة ، فيلحقه إجازة الولي.

ويحتمل أن يكون الاتّجار من الولي لأجل الطفل حسبما أشرنا إليه ، وحينئذ فلا حاجة

ص: 20


1- في ( د ) زيادة : « له ».
2- في النسخ : « صحة » بالتاء المدوّرة ».

إلى الإجازة إن اكتفينا بمجرّد وقوع المعاملة من الولي في نفاذها للصبيّ إذا وقعت بعين ماله وإن لم يقصده ، وإلّا افتقر أيضا إلى الاجازة.

وفيه أيضا دلالة على ما بيّناه.

وذهب الفاضلان (1) في ظاهر كلامهما ، والمحقّق الأردبيلي في ظاهر كلامه ، والسيوري إلى أنّه لا زكاة في المقام. واختاره بعض أفاضل المتأخرين ؛ للأصل ، مع انصراف الأخبار بحكم التبادر (2) إلى ما إذا كانت المعاملة من الولي للطفل ، فلا يندرج فيها ذلك.

وإن التعويل في إثبات الاستحباب على الإجماع ؛ لقوة احتمال جعل الروايات في مقام الجمع على التقيّة ، ولا إجماع في المقام ، فلا يصحّ التصرّف فيه بإخراج الزكاة.

وفيه : أن انصراف الإطلاقات إلى ما ذكر محلّ خفاء.

مضافا إلى ما عرفت من كون الصحيحة المتقدّمة وغيرها منصرفة إلى غير الصورة المذكورة قطعا.

والأظهر ورودها في خصوص المفروض في المقام.

وكون التعويل في المسألة على الإجماع دون الأخبار موهون بأنّه لا داعي إلى الإعراض عن الأخبار المذكورة مع وضوح إسناد غير واحد منها.

واندفاع المناقشة في دلالتها كما مرّ سوى حكاية موافقتها للعامة القاضية بقوّة حملها على التقية في مقام الجمع.

وحيث اعتضد احتمال حملها على الندب بالإجماع المذكور والشهرة العظيمة من الفرقة ترجّح الوجه المذكور. ومعه لا وجه للاقتصار على مورد الإجماع ، والإعراض (3) عن الاحتجاج بتلك الأخبار.

وحينئذ فالقول بثبوت الاستحباب في المقام هو الأظهر كما حكي القول به عن

ص: 21


1- لاحظ : كشف الرموز 1 / 232.
2- لم ترد في ( ب ) : « بحكم التبادر ... على الإجماع ».
3- في ( ألف ) : « الاعراض ».

الشهيدين (1) والمحقق الكركي (2) أن يكون الاتّجار من الولي الملي لنفسه بعد ضمانه مال الطفل.

وحينئذ فالمعروف أنّ الربح له والزكاة عليه ، أو هو حينئذ كسائر أموال التجارة ممّا يستحب فيه الزكاة.

وقد خالف الحلّي (3) في المقام ، فلم يصحّح الضمان في المقام وجعل الربح لليتيم كالمسألة الآتية ، قال : ولا يجوز لمن اتّجر في أموالهم أن يأخذ الربح سواء كان في الحال متمكّنا من مقدار ما يضمن به مال الطفل أو لم يكن ، والربح في الحالين معا لليتيم.

وقد علّل ذلك أنّ الواجب على الولي (4) مراعاة غبطة الصبيّ والأصلح بحاله ، فلا وجه لمراعاة غبطة (5) نفسه.

وأنت خبير بما فيه ؛ إذ قد يعتبر في تصرف الولي مراعاة الغبطة كما إذا كان أبا أو جدّا ؛ بناء على الاكتفاء في تصرفاته بعدم الاشتمال على المفسدة حسبما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

ومع الغضّ عنه ، فقد يكون غبطة الصبيّ في ضمان المال كما إذا كان الخطر في بقاء المال عظيما ، وفائدة الاتّجار قليلة.

وأيضا فمن البيّن أنه لا يجب على الولي الاتّجار بمال الطفل. وحينئذ فلا ريب أن ضمانه للمال مع الملاءة احفظ لمال الصبيّ غالبا من بقائه حاله.

مضافا إلى النصوص المستفيضة الآتية المصرّحة بجواز الضمان مع الملاءة ، فلا ريب إذن في صحّة ضمانه.

ويتفرع عليه كون الربح له ، وثبوت زكاة التجارة عليه ، فما ذكره الحلي في غاية الضعف.

رابعها (6) : أن يكون الاتّجار من الولي الغير الملّي نفسه بعد ضمانه لماله. وحينئذ فقد نصّ

ص: 22


1- الشهيد الأول في الدروس 1 / 229 والشهيد الثاني في مسالك الإفهام 1 / 356.
2- جامع المقاصد 3 / 5.
3- السرائر 1 / 441.
4- في ( ألف ) : « الولي في ».
5- في ( ألف ) : « لحيطة ».
6- في ( د ) : « الرابعة ».

جماعة بعدم صحّة ضمانه ، وضمانه للمال بمعنى تغريمه إيّاه مع تلفه كلّا أو بعضا وكون الربح للطفل ، ولا زكاة فيه.

أمّا عدم صحّة ضمانه للمال فلأنّه يعتبر الملاءة في ضمانه مال الطفل كما دلّت عليه النّصوص المستفيضة :

منها : الصحيح (1) : في رجل عنده مال اليتيم؟ فقال : « إن كان محتاجا ليس له مال فلا يمسّ ماله ، وإن هو اتّجر به فالربح لليتيم ، وهو ضامن ».

ومنها (2) : القوي : عن مال اليتيم يعمل به؟ قال : فقال : « إذا كان عندك مال وضمنته فلك الربح وأنت ضامن للمال ، وإن كان لا مال (3) لك وعملت به فالربح للغلام وأنت ضامن للمال ».

ومنها (4) : الخبر : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام ، قلت : أخي أمرني أن أسألك عن مال يتيم في حجره يتّجر به؟ قال : « إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف أو أصابه شي ء غرمه ، وإلّا فلا يتعرض لمال اليتيم ».

وهذه الروايات كما ترى غير شاملة للأب ؛ لفرض الحكم فيها في اليتيم ، وظاهر إطلاقها وإن عمّ الجد إلّا أنّها أظهر في غيره فاشتراط الملاءة في الأب بل الجد أيضا خال (5) عن الدليل ، ولذا ذهب كثير من المتأخرين إلى عدم اشتراط الملاءة فيهما.

وعزاه في حواشي التهذيب إلى المتأخرين مؤذنا بإطباقهم عليه. وقد نصّ العلّامة في القواعد (6) وتحرير الأحكام (7) وغيرهما أن للأب اقتراض مال الطفل مع العسر واليسر.

ص: 23


1- الكافي 5 / 131 ، باب التجارة في مال اليتيم ، ح 3.
2- وسائل الشيعة 9 / 89 باب ان من اتجر بمال الطفل ، ح 7.
3- في ( ألف ) : « كان مال ».
4- الكافي 5 / 131 ، باب التجارة في مال اليتيم ، ح 4.
5- في ( ألف ) : « قال ».
6- قواعد الأحكام 2 / 12.
7- تحرير الأحكام 1 / 347.

وقد عزا عدم اعتبار الملاءة فيهما في الحدائق (1) إلى الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم.

وعزاه في الرياض (2) إلى كافّة المتأخرين.

واستشكل فيه في المدارك (3) بعد أن عزاه إلى المتأخرين.

وظاهر المحقق الكركى (4) عدم اعتبار الملاءة في خصوص الأب دون الجد.

والذي يقتضيه التأمل في المقام أن يقال : إنّه إن كان في بقاء مال الطفل في الخارج مفسدة عليه وكان ضمانه ولو من غير ملّي أقل فسادا من بقائه جاز ضمانه مع إعسار الولي إذا لم يتمكّن من تضمينه من موسر يوثق به أو يدفع وثيقة بازائه. والظاهر خروج ذلك عن مورد الرواية ؛ إذ لا شك في كونه حينئذ إحسانا للطفل وحفظا لماله عن التلف.

وإن كان في ضمانه ضرر على الطفل وتعريض ماله للتلف لم يجز ، ولو مع يسار الولي وإن كان أبا ؛ نظرا إلى قضاء الولاية بحفظ مال اليتيم عن التلف.

أمّا تعريضه لذلك وإن كان في تضمينه منفعة للطفل من غير أن يترتب مفسدة على عدمه فإن كان الولي مليّا فلا كلام ، وإن لم يكن مليّا فإن كان أبا جاز ذلك ؛ لكون التصرف المذكور على وفق المصلحة مع عدم اندراجه تحت ما دلّ على المنع.

وكذا الحال في الجدّ في وجه قويّ.

وإن لم يكن أبا ولا جدّا فظاهر الأخبار المذكورة المنع منه نظرا إلى انتفاء الملاءة وهو الظاهر من فتوى الأصحاب. ولا بأس به ، وإن كان قضيّة الأصل جواز تصرف الولي حينئذ ؛ لوجود المصلحة.

وإن لم يكن في ذلك مصلحة ولا يفسدة فإن كان الولي مليّا فظاهر إطلاق الأخبار

ص: 24


1- الحدائق الناضرة 12 / 25.
2- رياض المسائل 5 / 36.
3- مدارك الأحكام 5 / 19.
4- جامع المقاصد 3 / 5.

المذكورة وكلام الأصحاب جواز الضمان من غير فرق بين أن يكون أبا أو جدّا أو غيرهما ، وإن كان قضية الأصل عدم الجواز لإناطة تصرّف الولي بالمصلحة ، والمفروض انتفاؤها (1).

وربّما ينزل الأخبار وكلام الأصحاب على ما هو الغالب من كون ضمان المال من المليّ أحفظ لمال الطفل من إبقائه على حاله ، فلو فرض تساويهما في الخارج لبعض الوجوه لم يجز ؛ جمعا بين القاعدة والأخبار المذكورة إلّا أن ذلك خروج عن ظاهر الإطلاق.

وإن لم يكن مليّا فإن لم يكن أبا أو جدّا فلا إشكال في المنع أخذا (2) بظاهر القاعدة والأخبار المذكورة المعتضدة بفتوى الأصحاب ، وإن كان أبا أو جدا فظاهر إطلاق جماعة في المقام أيضا ذلك إلّا أنّ قضيّة إطلاق آخرين هو الجواز.

وقد عرفت إسناده إلى الأصحاب ، وكأنّه لعدم إناطة تصرّف الأب والجدّ بالمصلحة ، وإنّما المعتبر فيه انتفاء المفسدة بخلاف غيرهما من الأولياء.

ولا يخلو عن وجه ؛ أخذا بإطلاق الولاية ، وظاهر قوله صلى اللّه عليه وآله (3) : « أنت ومالك لأبيك » القاضي بجواز تصرّفه في مال الولد كيف ما كان ، خرج عنه ما ثبت خروجه ، فبقي الباقي ، فتدبّر.

ثمّ إنّ الولي في صورة اعتبار ملاءته في ضمانه لو كان معسرا ودفع رهنا بإزاء مال الطفل قوي القول بقيام ذلك مقام الملاءة ولو كان الرهن من مال غيره إذا بذله (4) وكذا الحال لو ضمن عنه ملي يوثق به.

ويحتمل المنع ؛ أخذا بظاهر إطلاق الروايات ، وهو بعيد جدّا مع اقتضاء المصلحة ذلك.

وكما أنّه يعتبر الملاءة في الولي الضامن كذا يعتبر في غيره إذا أراد الولي تضمينه منه.

وحينئذ إذا اجتمعت الملاءة والمصلحة فلا إشكال ، ومع حصول الملاءة والخلوّ عن

ص: 25


1- في ( ب ) : « بقاؤها » بدل : « انتفاؤها ».
2- في ( ألف ) : « أخذ ».
3- الكافي 5 / 395 ، باب الرجل يريد أن يزوج ابنته ويريد أبوه أن يزوجها رجلا آخر ، ح 3.
4- في ( د ) زيادة : « له ».

المصلحة والمفسدة فوجهان ؛ من قضاء ظاهر ما دلّ على جواز ضمان الولي مع الملاءة جوازه هنا أيضا ، ومن خروجه بإطلاق النصّ ، وقضيّة الأصل اعتبار المصلحة.

نعم ، لو كان الولي أبا أو جدا واكتفينا في تصرفاتهما بانتفاء المفسدة فلا إشكال.

ومع حصول المصلحة والخلو عن الملاءة وجهان أيضا ؛ من أنّه لا يزيد على ضمان الولي بنفسه ، ومن قضاء الأصل بالجواز ، فيقتصر فيما قضي بالمنع على مورده ، ولا يخلو عن بعد.

وأمّا ضمانه بعد ضمانه فظاهر بعد البناء على عدم جوازه ؛ لكونه تعدّيا في مال الطفل وخروجا عن مقتضى الأمانة من غير فرق بين ما إذا اعتقد عدم جواز التصرف المذكور أو جوازه ؛ لأنّ الضمان من الأحكام الوضعيّة الّتي لا يفترق الحال فيها بين الوجهين ، وإن انتفى عنه المعصية مع عدم تقصيره في استعلام المصلحة.

والظاهر حينئذ ضمانه بمجرّد ضمانه ونقله إلى ذمّته ، وإن لم يتصرف فيه خارجا بتجارة غيرها.

وقد يتأمّل فيما إذا كان ذلك مع اعتقاد الجواز ؛ نظرا إلى عدم تصرفه في المال بحسب الخارج ، ومجرّد بنائه على ضمانه لا يعدّ تصرّفا في المال عرفا ، ولا يعدّ متعدّيا حينئذ مع اعتقاد الجواز ، سيما إذا كان لمصلحة الطفل.

وأمّا كون الربح لليتيم فللنصّ عليه في الروايات المذكورة وغيرها ، ولأنّ المعاملة إنّما وقعت من وليّه بماله ، فيحكم بصحّتها ، ويكون العوض تابعا لمعوّضه.

وأنت خبير بأنّ المقصود بالعقد الواقع إنّما هو الانتقال إلى الولي بنفسه دون الطفل بانصرافه إلى الطفل بمجرّد كون العوض من ماله مع عدم قصد الانتقال إليه غير متّجه.

ولذا اعتبر في المدارك (1) في انتقاله إلى الطفل التحاقه بالإجازة مع احتماله بطلان العقد من أصله ، ولو قلنا بصحّة الفضولي مع الإجازة ؛ لأنّه لم يقع للطفل من غير من له (2) النظر ابتداء ،

ص: 26


1- مدارك الأحكام 5 / 20.
2- في ( د ) : « إليه ».

وإنّما وقع ابتداء بقصد التصرف على وجه منتفى (1) عنه.

ولا فرق في ورود الإشكال المذكور بين ما إذا كان المتصرّف كذلك وليا أو غيره. ولذا أورد ذلك في المقامين.

قلت : أمّا الاحتمال المذكور فهو اجتهاد في مقابلة النص ؛ فإنّ النصوص المذكورة صريحة في صحّة العقد ، وذلك دليل في الحقيقة على صحّة فضولي الغاصب بعد تعقّب الإجازة ، فلا اختصاص للحكم بالمورد المذكور.

وعدم قصد الانتقال إلى المالك حين العقد غير مانع من صحّته ؛ إذ ليس تعيين شخص البائع أو المشترى من أركان العقد ، بل ولا من شرائطه ، ولذا لا يلزم البائع إعلام المشتري بكونه وكيلا لا أصليّا ، ولا إعلام المشترى إيّاه كونه وكيلا في الشراء.

ولتفصيل الكلام في ذلك محلّ آخر.

وممّا قرّرنا ينقدح الوجه في عدم اعتبار لحوق الإجازة في المقام أيضا كما هو قضية إطلاق الأخبار ؛ لوقوع العقد من أهله في محلّه ، واختصاص الوجه في صحته بانصرافه إلى مالك العوض ، فتأمل.

هذا كلّه إذا وقع الشراء بعين مال الطفل كما هو المفروض في المقام ؛ إذ لا يكون اتّجارا بمال الطفل حقيقة من دونه ، وأمّا إذا وقع الشراء في الذمة ودفع (2) العوض من مال الطفل سواء كان مع نقله إلى ذمته أو لا فله الربح.

وربّما يتوهم من إطلاق النصوص كون الربح حينئذ لليتيم أيضا ، إلّا أنه يندفع ذلك بما عرفت من عدم كونه اتّجارا بمال الطفل حقيقة ، وعلى فرض تسليم عدّه عرفا من ذلك فتنزيل الروايات على ما قلناه ؛ جمعا بينها وبين القواعد المعلومة ممّا لا إشكال فيه.

فالاستشكال في المقام من جهة إطلاق النصوص - كما يستظهر من كلام جماعة من المتأخرين - ليس على ما ينبغي. وأمّا عدم استحباب الزكاة في المقام فبالنسبة إلى المتّجر نفسه

ص: 27


1- في ( د ) : « منهىّ ».
2- في ( ألف ) : « وقع ».

فظاهر.

وأمّا بالنسبة إلى الطفل فقد علّله في المسالك (1) بعدم قصده عند الشراء ، فيكون قصد الاكتساب للطفل طارئا عليه.

وسيأتي أنّ مقارنة القصد (2) المذكور شرط في زكاة التجارة.

وضعّفه في المدارك (3) بأنّ الشرط هو قصد الاكتساب عند التملّك ، وهو هنا حاصل بناء على أن الإجازة ناقلة لا كاشفة.

وفيه : أنّ البناء على كون الإجارة ناقلة موهون بما قرّر في محلّه ، فلا يتم ما ذكره. فالأولى أن يقال : إنّ غاية ما دلّ عليه الدليل اعتبار قصد الاكتساب عند التملك في الجملة ، وهو حاصل في المقام.

ويدفعه أن ثبوت الزكاة ولو على سبيل الندب على خلاف الأصل ، سيّما بالنسبة إلى مال الغير ، والقدر المفهوم من الأخبار المذكورة هو ثبوته فيما إذا كان الاتّجار للطفل لا ما إذا وقع له ، فهو من جهة قصد التجارة له بالإجازة اللاحقة والإجماعات المحكيّة على المسألة غير جارية في المقام ؛ لوضوح الخلاف فيه.

ونصّ الجماعة بعدم ثبوت الزكاة فيه كما عرفت ، ومع عدم قيام الدليل عليه يتعيّن النبإ على مقتضى الأصل ، وبالقواعد من المنع من التصرف في مال الطفل بما يترتب عليه ضرر.

وبذلك يضعف ما ذهب إليه الشهيدان (4) والمحقّق الكركي (5) من ثبوت الزكاة في مال الطفل هنا أيضا.

الخامسة : أن يكون الاتّجار من غير الولي لنفسه سواء كان مليّا أو غيره. وحينئذ

ص: 28


1- مسالك الإفهام 1 / 357.
2- في ( ب ) : « الأصل ».
3- مدارك الأحكام 5 / 20.
4- البيان : 165 ، مسالك الإفهام 1 / 358.
5- جامع المقاصد 3 / 5.

فالمنصوص به في كلام جماعة هو ما تقدّم في الصورة المتقدّمة من عدم صحّة الضمان ، وضمانه لمال الطفل ، وكون الربح لليتيم ، وعدم استحباب الزكاة.

والوجه في الأوّلين ظاهر بعد فرض انتفاء الولاية.

وأمّا كون الربح لليتيم فيتوقف على الإجازة ؛ لوضوح عدم مضي معاملة غير الولي من دونها ، وإطلاق ما ورد في الأخبار المتقدّمة من كون الربح لليتيم منزل على حصول الإجازة من الولي ؛ نظرا إلى موافقة الواقع لمصلحة الصبيّ.

والاستشكال في توقفه حينئذ على الإجازة لإطلاق النصوص - كما يظهر من جماعة - ليس في محلّه.

وكذا ما استشكله صاحب المدارك (1) في صحته بعد الإجازة ؛ لما عرفت.

وأمّا أنّه لا زكاة فلما عرفت من عدم وقوع المعاملة بقصد الاتّجار للطفل.

وقد حكم الشيخ في النهاية (2) بثبوت (3) الزكاة في المقام أيضا. وتبعه الجماعة المذكورون حيث حكموا باستحباب إخراج الزكاة من مال الطفل في كلّ موضع يقع الشراء له.

وقد عرفت ما فيه.

هذا ، ولو أجاز الولي ذلك للمتّجر إذا كان بحيث يصحّ له إجازته كان الربح واستحب له إخراج زكاته كسائر أموال التجارة.

[تنبيهات]

وينبغي التنبيه على أمور :

أحدها (4) : أنّ المراد بالملاءة كونه بحيث يقدر على أداء المال المضمون من ماله لو تلف

ص: 29


1- مدارك الاحكام 5 / 22.
2- النهاية : 174.
3- في ( ألف ) : « ثبوت ».
4- في ( ألف ) : « السادسة » ، وعليه فهي من التتميمات السابقة ، إلّا أنه لا يبقى معنى لعبارة المصنف : «وينبغي التنبيه على أمور ».

بحسب حاله كما في المدارك (1) والرياض (2).

وفسّره في المسالك (3) ومجمع البرهان بأن يكون له مال بقدر مال الطفل فاضلا من المستثنيات في الدين الّتي منها مقدار قوت يوم وليلة له ولعياله الواجبي النفقة.

وفي الذخيرة (4) أنه أنسب إلى الرواية وكلام بعض الأصحاب.

والأوّل هو الأظهر ؛ إذ من المعلوم أنّ اعتبار الملاءة إنّما هو من جهة اغترامه مال الطفل إن تلف. وهو الظاهر من الأخبار المتقدمة ، فمجرّد ملكه مقدار مال الطفل فاضلا عن مستثنيات الدين لا يكتفي في بعض الصور كما إذا لم يكن له حرفة يتعيّش بها ، وكان المصروف في معيشته من ذلك المال ، فإنّ ملاحظة يوم وليلة حال الضمان لا يثمر في أداء المال عند تلفه بعد ذلك ، ولا يعدّ معه (5) مالكا لما يقدر على الأداء عرفا.

ثمّ إنّ ظاهر إطلاق الحدّين المذكورين الاكتفاء بمجرّد ملك المال المفروض ، وإن كان له ديون أخر بإزائه يساويه أو يزيد عليه ، وصدق الملاءة حينئذ مشكل.

وقد ينزل إطلاقهما على المال الخالص الذي لا يكون عليه دين بإزائه.

والظاهر عدم الفرق بين غياب المال وحضوره ، وكونه من جنس (6) ما يضمن به مال الطفل أو من غير جنسه ، ولو كانت منفعة وكونه مشخصا في الخارج أو كليا في الذمّة ، وإنّما يعتبر كونه مقدورا عليه بحسب العادة إذا أراده.

ولو كان رهنا بإزاء دين عليه ففي الاكتفاء به مع زيادة مقداره على المال المرهون بإزائه إشكال إلّا أن يكون ذلك الرهن متيسّرا له بحسب العادة.

ص: 30


1- مدارك الأحكام 5 / 18.
2- رياض المسائل 5 / 35.
3- مسالك الإفهام 1 / 356.
4- ذخيرة المعاد 3 / 422.
5- في ( ألف ) : « بعدّمه » بدل « يعدّ معه ».
6- في ( د ) : « حيث ».

وبالجملة ، المدار على ملك ما يقدر معه على أداء مال الطفل على فرض تلفه كيفما كان حسبما اعتبر في التفسير المذكور ، ولا عبرة بإمكان الاستدامة مهما أراد.

وأمّا بالوجاهة الباعثة على بذل الغير له ذلك مهما أسقطاه ولو لم يملكه حال الضمان لكن كان بحيث يحكم بحصوله مجارى العادات كثمر البستان ونتاج الغنم ونحوها قوي إلحاقه بالموجود.

واعتبر في النهاية (1) تملكه في الحال ما يفي به ، ولو كان ماله في عرضة الزوال كالمبعوث في سفر البحر أو سائر مواضع الخطر ، فإن [ كان ] بحيث يبنى على بقائه في مجارى العادات بني عليه ، وإلّا فإشكال.

ولو تلف هناك مال ودار أن يكون منه أو من غيره ففي إجراء حكم الملاءة مع توقّفه على بقائه وجهان.

ومنها : أن العبرة باعتبار الملاءة إنّما هي حال الضمان ، فلو انتفت بعد ذلك لم يجب عليه إقرار المال ؛ أخذا بالأصل مع احتماله نظرا إلى أن المانع في الابتداء حاصل في الاستدامة أيضا.

ومنها : لا فرق فيما ذكر بين مال اليتيم وغيره اتفاقا ، وإن كان مورد الأخبار المتقدّمة خصوص اليتيم ، وكان ورود السؤال عن خصوص اليتيم في الأخبار المذكورة من جهة كون السبب غالبا في انتقال المال إلى الطفل موت أبيه.

والظاهر اختصاص الحكم بالمولود دون الحمل ، فلا زكاة في مال الحمل لا استحبابا ولا وجوبا ؛ بناء على القول به في غلاته ومواشيه ، فلا يعذر من الجهل من الحول.

وقد نصّ عليه جماعة منهم الشهيد في غاية المراد لكنّه استقرب في البيان (2) إلحاقه المنفصل لو انفصل حيّا دون ما لو سقط ميّتا ، (3) وهو بعيد ؛ لعدم اندراجه في الأخبار ، وخروجه عن ظاهر كلام الأصحاب.

ص: 31


1- النهاية : 174.
2- البيان : 166.
3- في ( د ) : « ميتا ».

فلا محيص عن الرجوع فيه إلى حكم الأصل القاضي فيه إلى حكم الأصل بالمنع.

وفي الإيضاح (1) حكاية إجماع أصحابنا عليه. وهو شاهد آخر عليه.

ومنها : أنّ الظاهر أنّ المجنون حاله فيما ذكر كحال الطفل لمساواته (2) في المعنى.

وقد نصّ على اتحادهما في الحكم في المقام جماعة من الأصحاب من غير ظهور خلاف فيه.

قال العلامة المجلسي (3) : والأصحاب لم يفرّقوا بين الطفل والمجنون في الأحكام المذكورة.

وقد دلّ على استحباب الزكاة في ماله مع الاتّجار به خصوص الصحيح والخبر المتقدمين المعتضدين بعمل الأصحاب.

ولو جنّ أوّل بلوغه وكان في أثناء الحول ، ففي استحباب الزكاة عند حلوله وجهان ؛ أوجههما ذلك.

وكذا الحال فيمن يكون جنونه دوريّا.

ويقوي القول باجراء الحكم المذكور في المغمى عليه والسكران أيضا وإن تلحقهما (4) بالنائم والغافل.

ومنها : أنّه لو اتّجر للطفل أو المجنون فرضا عليه من غير أن يكون له مال أو يصرف ماله فيه ، ففي استحباب إخراج الزكاة منه وجهان ؛ أوجههما العدم ؛ اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النصّ ؛ إذ لا يعدّ ذلك اتّجار [ ا ] بمال الطفل أو المجنون.

ولو اشترى لأحدهما ذمّة ودفع ماله بازائه فلا يبعد (5) إجراء الحكم بعده عرفا من الاتجار له بماله ، فتأمل.

ص: 32


1- إيضاح الفوائد 1 / 167.
2- في ( د ) زيادة : « له ».
3- لم نجد ما ذكره العلامة المجلسي قدس سره ، فراجع لعلّك تجده إن شاء اللّه.
4- في ( د ) : « إن لم نلحقهما ».
5- لم ترد في ( ب ) : « فلا يبعد ... وذي الأدوار ».

ثانيها (1) : انّه لا فرق في المجنون بين المطبق وذي الأدوار إذا كان دور جنونه حال تعلق الوجوب به ؛ لوضوح صدق المجنون عليه حينئذ ، فيندرج فيما دلّ على سقوطه عنه ، ولخروجه بذلك عن التكليف.

فيدل على سقوطه ما دلّ على ملازمة وجوبه لوجوب الصلاة.

وربّما يستظهر من إطلاق ما في المدارك (2) والذخيرة (3) خلاف ذلك حيث استقرب في الأوّل تعلّق (4) الوجوب حال الإفاقة ؛ إذ لا مانع من توجّه الخطاب به في تلك الحال.

ونفى عنه البعد في حواشي التهذيب.

واستحسنه الثاني لعموم الأدلّة ، قال : إلّا أن يصدق عليه الجنون حال الإفاقة كما إذا كان زمان الإفاقة قليلا نادرا بالنسبة إلى زمان الجنون.

وضعفه ظاهر بعدم (5) تعلّق الحق بمالهما في زمان الوجوب ؛ إذ لا دليل إذن على ثبوته بعد ذلك.

مضافا إلى أنّه قد ينثلم إذن بعض شرائط الوجوب ، فلا وجه لتعلّق الأمر به بعد ذلك.

وقد ينزل ما ذكراه على اعتبار الإفاقة حال تعلّق الوجوب ، فالمقصود أنّه إن كان مفيقا حال الوجوب تعلّق به الزكاة (6) ، وإن طراه الجنون أثناء الحول حسبما سنشير إليه إن شاء اللّه ، لكن ظاهر إطلاقهما يعمّ ما ذكرناه.

ويومي إليه ما ذكراه في المغمى عليه كما سيجي ء إن شاء اللّه.

ولو كان مفيقا حال الوجوب وجنّ عند وقت الأداء احتمل السقوط ؛ لارتفاع التكليف منه ، واندراجه في إطلاق ما دلّ على سقوطه عن المجنون ، إلّا أنّ الأظهر عدمه ؛ استصحابا

ص: 33


1- في ( د ) : « ثالثها » ، ولا ثاني له ؛ وعلى الذي في المتن فلا ثالث ، فتدبّر. وفي ( ألف ) : « ثانيهما »!
2- مدارك الأحكام 5 / 16.
3- ذخيرة المعاد 3 / 421.
4- في ( ب ) : « تعليق ».
5- في ( د ) : « بعد عدم ».
6- في ( ألف ) : « بالزكاة ».

للحكم الثابت في المال ، فيكلّف الولي حينئذ بإخراجه.

واندراج ذلك في الإطلاق المذكور غير ظاهر.

كيف ، والمفروض كونه عاقلا حال الوجوب ، غاية الأمر صدق المجنون عليه بعد ذلك ، وهو غير مفيد بعد تعلق الوجوب بالمال بحكم الإطلاقات.

ودعوى كشف ذلك إذن عن عدمه غير ظاهرة مع إطلاق الأدلّة.

رابعها : قال في التذكرة (1) والقواعد (2) : لو كان الجنون يعتوره اشترط الكمال طول الحول ، فلو فرض في أثنائه سقط واستأنف من حين عوده.

واستقرب في المدارك (3) عدم انثلام الحول بذلك ، فيتعلق بالوجوب حال الإفاقة.

واستحسنه في الذخيرة (4) إلّا إذا صدق عليه الجنون لقلّة زمان الإفاقة كما مرّت الإشارة إليه.

والوجه فيما ذكراه إطلاق الأدلّة وعدم قيام دليل على اعتبار الاستمرار والعقل (5) طول الحول.

وفيه : أن الظاهر من سقوط الزكاة عن المجنون الحكم بعدم تعلّق التكليف به عند حلول الحول كما أنّه المراد من الحكم بوجوبه على العاقل ؛ لوضوح سقوطها عن العامل بتنجيز قبل الحول ، والحكم بسقوطه عنه عند الحلول قاض بما ذكروه من اعتبار العقل طول الحول ؛ إذ لو جنّ في أثناء الحول كان محكوما بسقوط الزكاة عنه حال حلول ، الحول فلا بدّ من ملاحظة الحول من حال زوال الجنون.

فإن قلت : إنّ المراد بسقوطه من المجنون إنّما هو مع بقاء الجنون دون ما إذا زال كما هو

ص: 34


1- تذكرة الفقهاء 1 / 201.
2- قواعد الأحكام 1 / 330.
3- مدارك الأحكام 5 / 16.
4- ذخيرة المعاد 3 / 421.
5- في ( د ) : « الاستمرار العقل ».

المفروض في المقام.

قلت : قضيّة إطلاق ما دلّ على سقوطه عن المجنون هو عدم وجوبه عليه عند حلول الحول سواء كان عاقلا حينئذ أو مجنونا.

وتقييد السقوط عنه بما إذا بقي الجنون خروج عن ظاهر الإطلاق من غير دليل.

مضافا إلى أنّ المناط ممّا دلّ على اعتبار الحول فيما يعتبر فيه ذلك مراعاته في تنجيز الخطاب بعد كونه متعلّقا لخطاب الزكاة في الجملة ، والمجنون ليس من أهله.

ويومي إليه ما رواه الكليني (1) والصدوق (2) في الصحيح من أنّه نزلت آية الزكاة في شهر رمضان ، فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مناديه فنادى في الناس : إنّ اللّه فرض عليكم الزكاة .. إلى أن قال : ثمّ لم يتعرض لشي ء من أموالهم حتّى حال عليهم الحول .. الخبر.

فانّه لو لا ذلك لطالبهم بأداء الزكاة عند إيجابها ؛ نظرا إلى مضيّ الحول السابق قبل تعلّق الأمر بها ، فالمستفاد منه أنّ حولان الحول إنّما يعتبر بعد تعلّق الأمر بالزكاة ، ولا يتعلّق في المقام إلّا بعد حصول الفعل.

ويرشد إليه أيضا أن المجنون محجور عليه في التصرف ، فيدلّ على سقوط الزكاة عنه في المقام ما دلّ على اعتبار التمكّن في التصرف طول الحول في وجوب الزكاة. وتنزيل تمكّن الولي من التصرف فيه منزلة تمكّنه يحتاج إلى الدليل.

وممّا ذكرنا يظهر الحال في الصبي أيضا ، فمناقشة صاحب الذخيرة (3) في احتساب أوّل الحول بعد تحقّق البلوغ لعدم قيام دليل على اعتبار ذلك ، وإطلاق ما دلّ على اعتبار الحول ليس على ما ينبغي.

مضافا إلى ظاهر موثقة أبي بصير المتقدمة ، وقد روى في الصحيح (4) أنّه « ليس على مال

ص: 35


1- الكافي 3 / 497 ، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق ، ح 2.
2- من لا يحضره الفقيه 2 / 14 ، باب الأصناف التي تجب عليها الزكاة ، ح 1598.
3- ذخيرة المعاد 3 / 421.
4- الكافي 3 / 541 ، باب زكاة مال اليتيم ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة 9 / 84 ، باب وجوبها على البالغ العاقل ، ح3.

اليتيم زكاة ، وإن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة ولا عليه فيما بقي حتى يدرك ، فإذا أدرك فإنّما عليه زكاة واحدة ، ثمّ كان عليه مثل ما على غيره من الناس » ولا يبعد اتّحاد الخبرين ، وإن اختلفا في الجملة واشتمل الأوّل على زيادة.

ودلالته على المدّعى ظاهرة ؛ فإنّ قوله عليه السلام : « وليس عليه لما مضى زكاة » ظاهر في عدم اعتبار الماضي أصلا ، ولو بعضا من الحول.

ومع الغضّ عنه فدلالته على عدم اعتبار (1) الحول في مال الصغير (2) فيما إذا فرض بلوغه في أول حولان الحول في غاية الوضوح.

وهو أيضا كاف (3) في المقام ؛ إذ لو لا اعتبار البلوغ في الحول لاكتفى بحصول البلوغ في حال الحولان.

والفرق في ذلك بين البعض (4) والكلّ كما قد يستفاد من كلام الفاضل المذكور تعسّف (5) غريب.

على أنّه لو فرض نقض ذلك عن الحول بمقدار آنات أو ساعات بل أيّام لاندرج في العبارة المذكورة قطعا ، والفرق في ذلك بين القليل والكثير ممّا لا يتوهمه أحد في المقام.

وأيضا قوله (6) عليه السلام : « ولا عليه فيما بقي أو لما يستقبل ... » إلى آخره ، على اختلاف الروايتين في كمال الظهور فيما ذكرناه ؛ فإنّ الظاهر كون المراد من قوله (7) عليه السلام « حتّى يدرك » إدراك وقت الوجوب أو الحول دون البلوغ ؛ لفرض ذلك فيما بعد البلوغ كما هو الظاهر من

ص: 36


1- في ( ب ) زيادة : « قيام » وفي ( د ) زيادة : « تمام ».
2- في ( د ) : « في حال الصغر ».
3- في ( د ) : « كان ».
4- لم ترد في ( ب ) : « بين البعض ... نقض ذلك ».
5- قد تقرأ في النسخ : « تصف ».
6- الكافي 3 / 541 ، باب زكاة مال اليتيم ، ح 4.
7- الحديث المتقدم.

عطف ذلك على قوله : « فليس عليه لما مضى زكاة » ، فالظاهر منه حينئذ اعتبار الحول بعد البلوغ كما لو قيل : « إذا وصل إليك المال الغائب منك لم يكن فيه زكاة إلى أن يحول عليه الحول » فإنّ المستفاد منه عرفا اعتبار حلول الحول بعد الوصول إليه ، فكذا الظاهر في المقام.

على أنّ عدم ثبوت الزكاة في بقية الحول أمر ظاهر بعد اعتبار الحول. ولم يرد ذلك في مقام بيان أصل اعتبار الحول حتى يصرف الكلام المذكور إليه ، فحمله عليه في كمال البعد.

وقوله : « وكان عليه مثل ما على غيره من الناس » توضيح للحكم المذكور وبيان لحكمه في سائر السنين والأعوام.

وقد يجعل قوله : « وليس عليه ... لما يستقبل » أو ما في مقامه جملة مستأنفة ، ويحمل الإدراك على البلوغ ، فالمعنى أنّ اليتيم ليس عليه لما يأتي زكاة إلى أن يبلغ ، فاذا بلغ كانت عليه زكاة واحدة ، فإذن لا دلالة فيها على ما ذكرنا ، بل ربّما يدل على خلافه.

وحينئذ يكون قوله : « وكان عليه مثل ما على غيره من الناس » بيانا لحكمه بالنسبة إلى ما بعد ذلك.

وهذا الوجه أنسب بما في الرواية الثانية من قوله : « ثمّ كان عليه مثل .. » إلى آخره ، إلّا أنّ حملها على ذلك يقضي بالمعارضة بين ذيل الرواية وصدرها.

ومع ذلك فحمل (1) تلك الجملة على الاستيناف في كمال البعد ، والحكم المشتمل عليه ممّا لم نقف على قائل به ، فلا وجه لحمل الرواية عليه.

ولا يذهب عليك أنّه بعد دلالة الرواية المذكورة على اعتبار الحول بعد البلوغ يظهر منه الحال في المجنون أيضا ؛ إذ لا فرق بينهما في ذلك ، فبملاحظة ما ذكرنا يتّضح الحال في المقام سيّما بعد إطباق الأصحاب عليه في ظاهر كلماتهم.

وقد صرّح به جماعة من غير خلاف يظهر فيه عدا ما أشرنا إليه ، فتأمل.

خامسها : ألحق في التذكرة (2) والنهاية (3) الإغماء بالجنون ، فلو طرأ عليه حال تعلّق

ص: 37


1- في ( د ) : « فيحمل ».
2- تذكرة الفقهاء 1 / 201.
3- نهاية الإحكام 2 / 300.

الوجوب سقط (1) أو في أثناء الحول قضى باستينافه فيما يعتبر الحول فيه.

واستشكله جملة من المتأخرين منهم صاحبا المدارك (2) والذخيرة (3) ومالا بل قالا بوجوب الزكاة عليه عند الإفاقة ؛ نظرا إلى عدم اندراجه في المجنون وعدم قيام دليل آخر على سقوطها عنه ، فغاية الأمر عدم كونه أهلا للتكليف حال الإغماء ، لكنّ النائم كذلك أيضا فهو كالنوم في تحقق التكليف بالزكاة بعد زواله وعدم انقطاع الحول بعروضه ؛ أخذا بالإطلاقات.

وقوّاه العلّامة المجلسي في حواشي التهذيب.

وفيه : مع أنّه البناء على كون ثبوت الزكاة في الأصل من الأحكام التكليفيّة وجعل حكمه الوضعي - أعني استحقاق الفقير سهما من المال - تابعا لحكمه التكليفي كما هو الظاهر من جماعة من الفقهاء - ومنهم الفاضلان المذكوران حسبما مرّت الإشارة إليه - لا يتّجه الكلام المذكور ؛ إذ لا يعقل تكليفه بالزكاة حال الإغماء فلا يتعلّق الحقّ بماله حينئذ أيضا.

ومع براءة المال حال وجوب الزكاة عن تعلّقها به لا وجه لوجوب الزكاة وتعلّقها به بعد ذلك ؛ فإنّ مقتضى الأدلّة وجوب الزكاة في ذلك الوقت ، ولا دليل على وجوبها بعد ذلك.

كيف وقد ينهدم النصاب حينئذ أو يتبدل المال بعد حلول وقت الوجوب قبل الإفاقة ، فقضية الأصل إذن عدم وجوبها على من نام حال تعلّق الوجوب أو طراه الغفلة عنها إلّا أنّهما خرجا بالإجماع بخلاف المغمى عليه.

وبملاحظة ما قرّرنا في انهدام الحول بطروّ الجنون في الأثناء وإن عقل حال الوجوب يظهر قوة القول بانهدامه أيضا لطروّ الإغماء بناء على الفرض المذكور.

نعم ، لو قلنا بعدم الملازمة بين الحكم الوضعي المتعلّق بالمال والتكليفي المتعلّق بالمال

ص: 38


1- في ( ألف ) : « سقطا ».
2- مدارك الأحكام 5 / 23.
3- ذخيرة المعاد 3 / 21.

أخذا بظاهر كثير من الاطلاقات (1) - حسبما مرّت الإشارة إليه - صحّ التعلّق بالإطلاق ، فيتعلّق به التكليف بالأداء مع بقاء الحق فيه مهما أفاق إلّا أن يقال : إنّ قضيّة ارتباط وجوب الزكاة بوجوب الصلاة عدم وجوبها مطلقا مع انتفاء التكليف ، فلا يثبت الحق في المال.

وقد يناقش فيه بالمنع من عدم وجوب الصلاة عليه بحسب الواقع ، غاية الأمر سقوط ذلك عنه من جهة قيام العذر كما في النائم والناسي ونحوهما.

وكذا الحال في المجتهد إذا لم يصل إلى وجوب شي ء أو حرمته وأداء الدليل إلى خلافه ، فلا شكّ إذن في كون الحكم في شأنه هو ما ساقه الدليل إليه إلّا أنّ ذلك لا يقضي بكون حكمه الواقعي الأوّلي هو ذلك ، وإلّا لزم التصويب ، فليس تكليفه إذن بمقتضى فهمه إلّا ظاهريّا ثانويا ، ويسقط معه التكليف الأوّلي من جهة قيام العذر.

وبمثله نقول في سقوط التكليف عن المغمى عليه والنائم والناسي ونحوهما ، وهو إنّما يستمر حينئذ باستمرار العذر ، فإذا انكشف الخلاف بني على ما يقتضيه الواقع ، ولزم البناء على جميع لوازمه من الأحكام الوضعيّة أو التكليفيّة المترتّبة عليه إلّا أن يقوم دليل على خلافه ، كما ثبت بالنسبة إلى أحكام المجتهد.

فحينئذ نقول : إنّ ثبوت الزكاة عليه بالنظر إلى حكمه الواقعي الأوّلي كاف في تعلّق الحق بماله وسقوط الحكم التكليفي عنه في الظاهر.

فما طراه من العذر لا يقضي بسقوط ذلك من ماله ، بل إنّما يقضي بارتفاع التكليف عنه ظاهرا (2) ما دام العذر باقيا ، فإذا ارتفع العذر لزم البناء على مقتضى ذلك الحكم (3).

ويظهر ممّا ذكرنا قاعدة كلية تجري في كثير من أبواب الفقه ، فليتأمل في المقام ؛ فإنّه حريّ (4) بالتأمل التام.

ص: 39


1- في ( ألف ) : « الإطلاق ».
2- في ( ألف ) : « ظاهر ».
3- في ( ألف ) : « للحكم ».
4- في ( ألف ) : « جرى ».

ويجري ما ذكروه وذكرناه في السكران.

وذهب بعضهم في إلحاقه بالمغمى عليه في سقوط الزكاة عنه. وقد يفصّل بين السكر الحاصل بالمحرّم وغيره ، فينزل الأول منزلة الشاعر ؛ بناء (1) على أن سقوط الزكاة عنه نوع من الرخصة ، وهي لا تناط بالمعصية.

وأيضا فيه تأمل.

سادسها : المأمور بإخراج الزكاة من مال الطفل والمجنون استحبابا أو وجوبا هو الولي وإن قلنا بشرعية عبادات المميّز وجواز تعلّق الاستحباب به ؛ لوضوح أنّ دفع الزكاة من التصرفات الماليّة ، وهو محجور عليه.

ولو بلغ الطفل وأفاق المجنون عند حلول الحول ففي ثبوت الاستحباب لهما وجهان ؛ أوجههما ذلك ؛ نظرا إلى أن الولي إنّما يتولّى ذلك عن قبل الطفل والمجنون من جهة الحجر عليهما ، فإذا زال الحجر تعلّق الحكم المذكور بهما ؛ وإنّ ظاهر الأخبار ثبوت الزكاة في مالهما فيستحبّ الإخراج لهما بعد كمالهما.

وعلى القول بالوجوب فالأمر أظهر.

ولو بلغ أو عقل في أثناء الحول ففي ثبوت الاستحباب عند الحولان الوجهان.

ومع البناء على الثبوت وأدائه لها عند حلول الحول لا يجب عليه الأداء ثانيا عند حلوله بملاحظة حال كماله ؛ إذ لا يزكي المال في عام مرتين.

والظاهر كون زمان اختيار الطفل هو كحال صغره ، فلو حال عليه الحول في أثنائه أو صادف ذلك وقت الوجوب في غير ما يعتبر فيه الحول لم يبعد ثبوت الاستحباب فيتولّاه الولي.

سابعها : لو ثبت الزكاة في مال الطفل أو المجنون ولم يدفعها الولي قوي استحباب الإخراج لهما بعد كمالهما وبقاء المال ، ولو قلنا بوجوب الإخراج وجب عليهما لما عرفت.

ص: 40


1- الشاعر : أي الذي له شعور ، وليس بسكران.

أمّا مع تلف المال فعلى القول بالوجوب يضمنه الولي إذا كان المال في يده وتهاون في الأداء ، وإن يكن في يده وتهاون في أدائه ففي ضمانه وجهان.

ولا حرج عليهما بعد كمالهما.

وعلى القول بالاستحباب ففي ضمان الولي له استحبابا نظر.

وفي الدروس (1) : إنّ الولي يضمن لو أهمل مع القدرة في ماله وجوبا أو ندبا لا في مال الطفل ، فتأمل فيه.

ص: 41


1- الدروس 1 / 229.
تبصرة: [ في اشتراط الحرية ]
اشارة

من شرائط وجوب الزكاة الحريّة ، فلا يجب زكاة على المملوك. وهو المعروف من مذهب الأصحاب.

وفي التذكرة (1) : الحريّة شرط في الزكاة ، فلا يجب على العبد بإجماع العلماء ، ولا نعلم فيه خلافا إلّا عن عطا وأبي ثور. ثم خطّاهما في ذلك.

لكن نصّ في المعتبر (2) والمنتهى (3) بوجوب الزكاة عليه على تقدير ملكه ، فلا يتجه عدّ الحرّية شرطا كما ذكر فيهما.

وقد نصّ في المختلف (4) على اختلاف علمائنا في وجوب الزكاة عليه ؛ بناء على القول بملكه وأنّ فيه قولين للأصحاب.

وكيف كان ، فالمتّجه عدم وجوب الزكاة عليه. أمّا على القول بعدم ملكه فظاهر ، وأمّا على القول بملكه فللمعتبرة المستفيضة : منها الصحيح (5) : « ليس في مال المملوك شي ء ، ولو كان له ألف ألف ».

وفي صحيحة أخرى : (6) عن مال المملوك أعليه زكاة؟ فقال : « لا ولو كان ألف ألف درهم ».

ص: 42


1- تذكرة الفقهاء 1 / 201.
2- المعتبر 2 / 489.
3- منتهى المطلب 1 / 472 و 473.
4- مختلف الشيعة 3 / 156.
5- الكافي 3 / 542 باب زكاة مال المملوك ، ح 1.
6- وسائل الشيعة 9 / 91 ، باب وجوب الزكاة على الحر وعدم وجوبها على المملوك ، ح 3.

وفي الموثّق (1) : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر : إلى أن قال : قلت : فعلى العبد أن يزكّيها إذا حال الحول؟ قال : « لا إلّا أن يعمل له فيها ».

وفي الصحيح (2) : قلت له - يعني الصادق عليه السلام : - مملوك في يده مال ، أعليه زكاة؟ قال : « لا ». قلت : على سيّده؟ قال : « لا إلّا (3) أنّه لم يصل إلى السيّد وليس هو المملوك (4) ».

فقد اتضح بملاحظة الروايات المذكورة المعتضدة بفتوى الفرقة والإجماع المنقول القول بوجوب الزكاة عليه بناء على القول بملكه لصراحة ما (5) عدا الصحيحة الأخيرة في خلافه.

مضافا إلى أنّه على القول بملكه محجور عن التصرف فيه من جهة الرقيّة كما نصّ (6) عليه ، فلا يكون ملكه تامّا.

وقد منعه المحقّق في المعتبر (7) وقال : إنّه على تقدير تملّكه يكون ملكه تامّا ؛ إذ (8) له التصرف فيه كيف شاء.

وتبعه المحقّق الأردبيلي (9) وقال : إنّ ذلك غير واضح لي مطلقا. مضافا إلى أن (10) أصل جواز التصرف للملاك فيما يملكونه.

نعم ، لا يجوز لهم التصرف في أنفسهم بغير الإذن.

ثمّ إنّه بعد ما ذكر الصحيحين المتقدمين ، واستدلّ بهما على حصول الملك للعبد ؛ نظرا إلى

ص: 43


1- وسائل الشيعة 9 / 92 ، باب وجوب الزكاة على الحر وعدم وجوبها على المملوك ، ح 6.
2- الكافي 3 / 542 ، باب زكاة مال المملوك ، ح 5.
3- لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « إلّا » ، وفي المصدر : « لا لأنه ».
4- في النسخ : « المملوك ».
5- في ( ألف ) : « لصراحتهما ».
6- في ( د ) : « نصّوا ».
7- المعتبر 2 / 489.
8- في ( ب ) : « إن ».
9- مجمع الفائدة 4 / 18.
10- في ( ب ) : « إلى » بدون نقطة « أن ».

إضافة المال فيهما إلى العبد الظاهرة (1) في الملكيّة قال : إنّ عدم الزكاة يحتمل كونه للحجر ، فلو صرفه المولى فأزال حجره يمكن وجوب الزكاة كما قيل به.

وقيل : لا لعدم اللزوم له ، وهذا الاحتمال كما ترى مناف لما ذكره أوّلا من منع الحجر عليه بناء على تملكه.

وقد حكى القول المذكور في الحدائق (2) ونفى البعد عنه ؛ لما رواه في قرب الإسناد (3) عن عبد اللّه بن الحسن ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام قال : « ليس على المملوك زكاة إلّا بإذن مواليه ». وأيّده بالعمومات الدالّة على وجوب الزكاة على من ملك النصاب ، فتخصص العمومات المتقدمة بهذه الرواية.

قال : وكيف كان ، فلا ريب أنّه الأحوط.

قلت : لو كان مبنى المسألة عدم ملكيته للعبد أو عدم تماميّة ملكه لم يتّجه جعله عنوانا آخر (4) ، وتوقّف صحّة الحكم المذكور على إثبات أحد الأمرين المذكورين.

وكأنّ المناقشة فيهما مناقشة في إثبات الحكم المذكور ، لكن ظاهر جعله عنوانا آخر - كما في كلام الأكثر - يومي إلى كون المناط فيه غير ما ذكر ، وأنّ الحريّة بنفسها من الشرائط.

وكيف كان ، فالظاهر ثبوت الحكم المذكور مع قطع النظر عن ثبوت الحكمين المذكورين ، وإن كان إثبات كلّ منهما كافيا في إثباته على تأمّل في الأخير ، سيّما مع إذن المولى له في التصرف كيف شاء ، وذلك لأنّ الأخبار المذكورة المعتضدة بعمل الطائفة مطلقة ودلالتها على المطلق واضحة مع وضوح أسانيدها ، فهي كافية في إثبات المطلق وإن لم يثبت شي ء ممّا ذكر.

نعم ، يحتمل أن يكون السرّ في الحكم المذكور بحسب الواقع هو أحد الأمرين المذكورين ، فلا يكون اشتراط الحرّية في الحقيقة شرطا آخر ، لكن لا يقضي ذلك بتأمّل في ثبوت الحكم

ص: 44


1- في ( ألف ) : « الظاهر ».
2- الحدائق الناضرة 12 / 28.
3- قرب الإسناد : 228.
4- في ( ألف ) : « عنوان الآخر ».

المذكور على فرض التأمّل في ثبوت الأمرين المذكورين أو التأمل في مانعية الثاني منهما ؛ لوجوب الزكاة مطلقا أو في وجه ؛ لوضوح كون الشرط المذكور بناء على ذلك أمرا مستقلا غير منوط بشي ء من ذلك.

والروايات المذكورة هي الحجة على إثباته.

فظهر أنّ المناقشة في ثبوت الحكم المذكور لأجل (1) المناقشة في أحد الأمرين المذكورين ليس على ما ينبغي ، وكذا احتمال كون الحكم بالنفي من جهة الحجر عليه ، فيناقش في ثبوته مع رفع الحجر بإذن الولي في التصرف فيه ؛ اذ مجرد الاحتمال المذكور غير مفيد مع إطلاق النصّ ، فغاية الأمر أن يكون هناك علّتان لسقوط الزكاة مع بقاء الحجر ، وينفرد انتفاء الحريّة مع ارتفاعه.

والاستناد فيه إلى ظاهر الرواية المذكورة بعد حمل المطلقات عليه مدفوع :

أوّلا : بضعف إسنادها وإعراض الأصحاب عنها بشذوذ القول المذكور على فرض ثبوت القائل به.

وثانيا : بعدم دلالتها على ذلك ؛ إذ الظاهر منها الاكتفاء بالإذن في أداء الزكاة في وجوبها على المملوك ، لا للإذن في تصرّفه في المال كيف شاء طول الحول كما هو المدّعى ، فلا وجه للاستناد في ذلك إليها.

وما دلّت عليه ممّا لا قائل به ، مضافا إلى مخالفته للقواعد المقررة ؛ إذ لو كان ملكه للنصاب على الوجه المذكور باعثا على وجوب الزكاة لم يحتج إلى الاذن ؛ إذ لا حاجة إلى إذن المولى في أداء (2) الواجبات ؛ فإنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وإن لم يكن ذلك باعثا على الوجوب لم يجب بالإذن أيضا.

ص: 45


1- في ( ألف ) : « ولأجل ».
2- في ( ألف ) : « في أنّ ».
[ تنبيهات ]

وهاهنا امور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : أنّه (1) لا فرق في المملوك بين القنّ والمتشبّث بالحريّة باستيلاد أو تدبير أو كتابة مشروطة أو مطلقة إذا لم يؤد شيئا لثبوت الرقّيّة في الجميع الباعثة على ذلك بمقتضى إطلاق الأدلّة.

ويدل أيضا على ثبوت الحكم في المكاتب خصوص رواية أبي البختري (2) : « ليس في مال المكاتب زكاة ».

وضعفها منجبر بعمل الأصحاب ، وإطلاق سائر الروايات.

وربّما يظهر من المدارك (3) تأمّل في ثبوت الحكم في المكاتب ؛ إذ بعد ذكره أن ذلك هو المعروف من مذهب الأصحاب حكى عن المعتبر (4) الاحتجاج عليه بالرواية المذكورة ، وبنقصان ملكه لحجره عن التصرف فيه إلّا بالاكتساب.

وردّه بضعف الخبر والتأمل في صحّة الدليل الآخر قال : مع أن مقتضى ما نقلناه عن المعتبر (5) والمنتهى (6) من وجوب الزكاة على المملوك - إن قلنا بملكه - الوجوب على المكاتب ، بل هو أولى.

ولا يخلو ذلك منه رحمه اللّه عن غرابة ؛ إذ بعد حكمه باعتبار الحرية - نظرا إلى ما دلّ عليه من الرواية الصحيحة وغيرها - لا وجه للمناقشة في خصوص المكاتب مع بقائه على الرقّ.

وأغرب منه استناده إلى الأولويّة المذكورة ، وهو لا يقول بثبوت الحكم في الأصل.

وقد يوجّه ما ذكره بدعوى عدم انصراف الإطلاق إلى المكاتب ، فيبقى مندرجا تحت

ص: 46


1- في ( ب ) : « بأنّه ».
2- الكافي 3 / 542 ، باب زكاة مال المملوك ح 4.
3- مدارك الأحكام 5 / 25.
4- المعتبر 2 / 489.
5- نفس المصدر.
6- منتهى المطلب 1 / 472.

الإطلاقات القاضية بوجوب الزكاة ، فينحصر الوجه في إخراجه عن تلك الإطلاقات في الدليلين المذكورين المدخول فيهما.

واستناده إلى الأولويّة المذكورة ليس لإثبات الحكم من جهتها بل لإبداء القائل بالوجوب. وهو أيضا كما ترى.

والأولى تنزيل كلامه على بيان المناقشة في الأصلين المذكورين لا في أصل الحكم للاكتفاء منه بما دلّ على سقوط الزكاة عن المملوك.

وكأنّه أراد به الإيراد على المحقق (1) حيث نصّ بوجوب الزكاة على المملوك على فرض ملكه ، ثمّ نفاه عن المكاتب للوجهين المذكورين.

ثانيها : انّه نصّ جماعة من الأصحاب - من غير خلاف يعرف - بوجوب الزكاة على المبعّض إذا بلغ ما يملكه من جهة نصيب الحرّيّة مقدار أحد النصب المعتبرة.

ولا ريب فيه ؛ لاندراجه تحت الإطلاقات الدالّة على وجوب الزكاة مطلقا وفي كلّ من النصب المقدرة ، من غير دليل على خروجه ؛ إذ غاية ما استفيد من الأخبار المذكورة خروج من كان كلّه مملوكا دون المبعّض المفروض ، فيبقى تحت الإطلاق.

وفي الحدائق (2) : إنّه لو لا الاتفاق على الحكم المذكور لأمكن المناقشة في دخوله تحت العمومات المذكورة ؛ فإنّ تلك العمومات إنّما ينصرف باطلاقها إلى الأفراد الشائعة ومن كان بعضه حرّا وبعضه رقّا من الفروض النادرة.

وأنت خبير بما فيه ؛ إذ ندور وجود المبعّض في الخارج لا يقضي بخروجه عن الإطلاقات مع وضوح شمولها (3) لذلك ، فلو ناقش في سقوط الزكاة من المبعّض إذا لم يبلغ نصيب الحريّة منه

ص: 47


1- المعتبر 2 / 489.
2- الحدائق الناضرة 12 / 29.
3- في ( د ) زيادة : « له بل للرّق كيف وليس في تلك الإطلاقات تعليق وجوب الزكاة على الحرية حتى يتأمل في شمولها ».

بقدر النصاب للتأمّل (1) في شمول المملوك المذكور في النصّ له كان أولى.

ثالثها : أنّه إذا قلنا بملك العبد وقلنا بعدم وجوب الزكاة عليه من جهة عجزه عن التصرف ، أو لدلالة الأخبار عليه ، فلا زكاة في ذلك على سيده أيضا ؛ لانتفاء الملك بالنسبة إليه.

وأمّا إذا قلنا بعدم ملكه كان ماله مال سيده فيجب زكاته عليه مع تحقّق شرائط الوجوب بالنسبة إليه.

وقد قطع به جماعة من الأصحاب من غير خلاف يعرف منه.

ويمكن المناقشة فيه بأنّ الصحيحة الاولى صريحة في نفي الزكاة عن مال المملوك ، وهو قاض بسقوط وجوبها عن السيد والمملوك ، وكذا الصحيحة الثانية بناء على رجوع ضمير « عليه » إلى « الحال » كما هو ظاهر العبارة بل صريحها.

وهو الظاهر من الموثقة المذكورة أيضا ، وإن وقع السؤال فيها عن وجوبها على العبد إلّا أن استثناءه عليه السلام ما إذا عمل له فيها المحمول على الندب قاض بعدم ثبوتها في المال مع عدمه.

وحينئذ فكما يؤخذ بظواهر تلك الإطلاقات في الحكم بعدم وجوب الزكاة على المملوك مطلقا فينبغي الأخذ بها كذلك بالنسبة إلى السيد أيضا ، فالتفصيل فيه بين القول بملك العبد وعدمه خروج عن ظاهر تلك الأدلة من غير دليل إلّا أن يقوم إجماع في المقام ، وهو غير معلوم.

وقد ينزّل هذه الأخبار - بناء على القول بعدم ملك العبد على المكاتب الذي لم (2) يتحرز منه شي ء - بورودها في مال المملوك الذي يصح تملكه بناء على ذلك منحصر فيه.

يدفعه بعد ذلك عن ظاهر تلك الأخبار جدّا.

وحمل المال فيها على المال العرفي قريب كمال القرب ، فلا داعي لحملها على المكاتب من جهة إضافة المال إليه.

ص: 48


1- في ( ألف ) : « المتأمّل ».
2- لم ترد في ( ب ) : « لم ».

مضافا إلى اشتمال تلك المعتبرة على عدم إعطائه من الزكاة.

وقد صرّح في الصحيحين بعدم جواز ذلك مع حاجته مع أنّ المكاتب يجوز دفع الزكاة إليه في الجملة.

وربّما يستدلّ له أيضا بخصوص الصحيحة الثالثة حيث حكم فيها بعدم وجوب الزكاة على المملوك في المال الّذي بيده لعدم ملكه له ، وعلى السيد لعدم وصوله إليه. وكأنّه أراد بذلك إخراج السيد له عن تصرفه وجعله للعبد وإن لم يكن ملكا له بحسب الشرع.

ويمكن المناقشة فيه : بأنّ المفروض في السؤال كونه في يد المملوك ، ولا (1) يفيد كونه مالا له بحسب العرف ليكون السؤال فيه عن مال العبد ، فيحتمل أن يكون السؤال عن مال السيد ممّا يكون في العبد ، فيكون الحكم بعدم وجوب الزكاة على السيد من جهة انتفاء تمكّنه من التصرف فيه لغياب ونحوه كما يقتضيه سائر الأدلّة ، ومن التعليل المذكور.

وعلى فرض كون السؤال عن مال العبد ، فقضية التعليل المذكور اختصاص الحكم بما إذا لم يتمكّن منه سيده.

وقد يدفع ذلك بأن عدم وصول المال إلى سيّده لا يفيد عدم تمكنه عنه ، فحمل السؤال على خصوص مال العبد ليكون المراد بالتعليل المذكور عدم تصرّف المولى (2) فيه وتركه للعبد أولى.

وكأنّ الوجه في التعبير عنه بذلك علم السائل بعدم تملك العبد على الحقيقة ، فعبر عن مال العبد بالمال الّذي في يده وإن لم يكن ملكه.

مضافا إلى وقوع السؤال من وجوب الزكاة على العبد.

ولو فرض كونه من مال المولى لم يتجه السؤال عن ذلك ، ولا إطلاقه (3) عدم وجوبها على السيد.

ص: 49


1- في ( د ) : « وهو لا ».
2- في ( ألف ) : « الولي ».
3- في ( د ) زيادة : « عليه السلام ».

وقد ينزل استصباح أخذ السيد لما ملكه العبد منزلة عدم تمكّنه من التصرف فيه.

وكيف كان ، فلا يخلو الصحيحة المذكورة عن الدلالة على ما قلناه ، ولذا استظهر مولانا التقي المجلسي عدم وجوب الزكاة على السيد أيضا ؛ أخذا بهذه الصحيحة.

واستشكل (1) أيضا بعض المتأخرين ؛ نظرا إلى ذلك.

فظهر بملاحظة جميع ما ذكرناه قوّة احتمال سقوط الزكاة من السيد أيضا إذا جعل شيئا من ماله للعبد ورفع يده عنه وإن كان في الحقيقة ملكا له إلّا أنّ ظاهر الفتوى المعتضد بالعمومات على خلافه ، فالمسألة محلّ تأمّل وإشكال ، وطريق الاحتياط فيها ظاهر.

رابعها : ظاهر الموثقة المذكورة ثبوت زكاة التجارة على العبد. ولم نجد من تنبّه عليه من الأصحاب إلّا أنّ ظاهر من قال بوجوب الزكاة عليه - بناء على القول بملكه - القول باستحباب زكاة التجارة بالنسبة إليه أيضا.

ولا بأس بالبناء عليه في المقام ، لكن لا بدّ أن يكون الدفع بإذن السيد عموما أو خصوصا إمّا لكونه مال سيّده أو لحجره عن التصرف فيه.

وكأن إطلاق الموثقة محمول على الغالب من حصول الإذن العام كما يعطيه ظاهر جعل المال للعبد.

ص: 50


1- في ( د ) : « واستشكله ».
تبصرة: [ في اشتراط التملك ]

التملك شرط في وجوب الزكاة إجماعا من الخاصّة والعامّة فلا زكاة عليه قبل حصول الملك.

ويتفرّع على ذلك امور :

منها : أنه لا زكاة على المتّهب قبل القبض ، ولا يجري في الحول قبله بناء على اعتباره في التملك بها ، فيجب زكاته على الواهب (1) مع استجماع سائر الشرائط.

ومنها : عدم وجوب الزكاة في العين الموصى به قبل القبول إذا تأخر من الموت إن قلنا بكون القبول ناقلا من حينه. وإن قلنا بكونه كاشفا فلانتفاء التمكن من التصرف قبله وإن كان ملكا له بحسب الواقع.

وقد يقال بحصول التمكن من التصرف في المقام ؛ لتمكّنه من القبول في كل حال.

وفيه بعد كاحتمال صدق التمكن من التصرف حينئذ إذا صرفه الوارث وأجاز له جميع انحاء التصرفات.

ومنها : عدم وجوبها في المبيع على المشتري وعلى البائع في الثمن في الصرف إذا كان قبل حصول القبض ، وكذا في المجلس في السلم بالنسبة إلى الثمن ؛ لتوقف الانتقال عليه.

فيجب زكاته على المالك إذا تم الحول بين العقد والقبض إن قلنا بعدم وجوب الإقباض عليه.

وحينئذ فيبطل البيع بالنسبة إليه ؛ نظرا إلى تعلّقها بالعين.

ص: 51


1- في ( ب ) : « الوجوب » ، وفي ( ألف ) : « الواجب ».

ويحتمل الصحة إذا دفعها المالك من الخارج ، وإن قلنا بوجوب الإقباض عليه قوي سقوطها عنه أيضا ؛ لمنعه إذن من التصرف.

ومنها : أنّه لا زكاة في الزكاة ، ولا في الخمس ، وسائر الحقوق العامة قبل إقباض المستحق ، وإن مضى عليها أحوال وعينها المالك لعين (1) ؛ لعدم دخولها في ملكه إلّا بالقبض نعم ، يحتمل الوجوب في حقّ الإمام عليه السلام في حال الحضور إذا كان متمكنا من التصرف فيه ، فحكمه كسائر الأموال الغير المقبوضة إذا تمكن منه (2) المالك. وفي جريان الحكم فيه في حال الغيبة بعد إقباض المجتهد أو تمكّنه من القبض وجه.

ومنها : أنه لا زكاة في الوقف العام وفوائده الحاصلة منه قبل دفعها إلى الموقوف عليهم ؛ لعدم اندراجها إذن في الملك. ولو عيّن شيئا منها للمولى أو غيره فالظاهر عدم توقف وجوب الزكاة فيه على القبض سواء كان ممّا يعتبر فيه الحول أو غيره.

وأمّا الوقف الخاص فلا زكاة في عينه وإن كانت مملوكة ؛ نظرا إلى عدم التمكن من التصرف فيها.

وأما فوائده الحاصلة منه فيجب فيها الزكاة مع بلوغ نصيب كلّ من الموقوف عليهم حدّ النصاب إن تعيّن نصيبه ، وإن كان التعيين منوطا بنظر الولي (3) فلا زكاة فيها قبل تعيين الحقّ إلّا أن يتعيّن له مقدار النصاب ، وتكون الزيادة موكولة إلى النظر ، فيتوقف الحال في القدر الزائد على التعيين.

ولو توقف اندراجه في الموقوف عليهم على شرط اعتبر الحال فيه بعد الاندراج.

وهل يثبت الزكاة في النماء الحاصل قبله المحكوم ظاهرا بكونه للباقين إذا كانت الوقفيّة بحيث يثبت استحقاقه فيه الّذي يقتضيه الأصل في ذلك أنّه إن جعل الواقف ذلك كاشفا عن استحقاقه من أوّل الأمر لم يثبت الزكاة بالنسبة إلى حصة ، أما عليه فلعدم قدرته على التصرف

ص: 52


1- في ( ألف ) : « العين ».
2- في ( ألف ) : « فيه ».
3- في ( د ) : « المولى ».

فيه قبل انكشاف الحال ، وأمّا بالنسبة إلى الباقين فلانتفاء الملكية.

وإن جعله نافذا له من حينه تعلّق به الحق ؛ لانتقال المال إلى غيره ، فيجب عليه إخراج الزكاة منه.

وخروجه عن ملكه بعد ذلك لا ينافيه إلّا أن يشترط توقفهم عن التصرف قبل انكشاف الحال ، فلا زكاة لعدم التمكن من التصرف.

وقضيّة ذلك سقوط الزكاة مع انكشاف عدم استحقاقه أيضا.

ولو توقف استحقاقه الموقوف عليهم على إخراج أمور كمصارف تعمير الوقف ونحوها على حسب نظر الناظر (1) ففي ثبوت الزكاة في تلك الحصة قبل انكشاف الحال فيه إشكال.

ولو عيّنه الناظر أوّلا لتلك المصلحة ثمّ رجع عنها ، فالظاهر اعتباره من حين الرجوع.

ولا زكاة فيما عيّنه الواقف لمصارف تعمير الوقف وإن عاد ذلك إلى الموقوف عليهم ، بل كان ملكا لهم ؛ لانتفاء تمكّنهم من التصرف فيه ، وكذا لو عيّن صرف الموقوف عليه ما يعود إليه من الفوائد في مصروف (2) معيّن.

ثمّ إنّه يعتبر ما ذكرناه في الجريان في الحول فيما يعتبر فيه ذلك.

وأمّا ما لا يعتبر فيه الحول ، فيلحظ فيه ذلك بالنظر إلى حال الوجوب.

ومنها : أنّه لا زكاة على البائع في الثمن ولا على المشتري في المثمن قبل انقضاء زمن الخيار الثابت بأصل العقد أو بالاشتراط عند الشيخ (3) ؛ لذهابه إلى توقّف الامتثال على انقضاء الخيار.

وحينئذ فلا زكاة على غير صاحب الخيار فيما بذله من العوض ؛ لعدم تمكّنه من التصرف فيه.

وأمّا العوض المبذول من صاحب الخيار فيجب زكاته عليه ؛ لحصول الملك ، والتمكّن من

ص: 53


1- في ( د ) زيادة : « فيه ».
2- في ( د ) : « مصرف ».
3- الخلاف 2 / 38.

التصرف بالنسبة إليه كما سيجي ء (1) الكلام إن شاء اللّه.

ومنها : أنّه لا زكاة في اللقيط (2) قبل تملّك الملتقط له ، ولا سلطان له على أخذ العين في مقدار الزكاة. ولو جاز للملتقط دفع العوض وإلّا يجب عليه ذلك ، والزكاة إنّما تتعلّق بالعين.

نعم ، لو ضمنها احتمل تسلّطه على العين ولو ظهر المالك قبل وجوب الزكاة انتقض الحول وإن قلنا بالتسلّط له على العين ، وإلّا فلا.

ومنها : أنّه لو دفع المالك إليه نصابا وأباح له جميع تصرّفاته فيه لنفسه حتّى الناقلة للعين والمنفعة ، لم تجب عليه زكاته ؛ لعدم دخوله بذلك في ملكه ، وسلطانه على التملك غير كاف في ذلك ، فيجب زكاته حينئذ على المالك مع حصول (3) الشرائط.

ولو كان عليه في الرجوع عن الاباحة المذكورة غضاضة (4) لا يتحملها عادة ففي إلحاقها بعدم التمكّن من التصرّف وجه قوي.

ومنها : أنه لا زكاة على الديّان في العين المعاملة لدينه الموجود عند المديون ، ولو كان باذلاله مهما أراد. وكأن التأخير من قبله لعدم تملكه له قبل القبض ، وكذا الحال في العين المقروضة بالنسبة إلى المقرض مع حلول الحول عليه عند المقترض ؛ لخروجه بالقبض عن ملكه.

وسيجي ء الكلام فيهما إن شاء اللّه.

هذا ، وهل العبرة في المقام بالملكيّة الواقعيّة أو يعتبر العلم بها أيضا؟ وجهان ؛ أظهرهما الأوّل إلّا أنّه يعتبر العلم بها غالبا لتوقّف التمكّن من التصرّف عليه كذلك.

فيظهر الثمرة فيما إذا لم يتوقف تمكّنه من التصرف عليه كما إذا حاز نصابا من دون نية التملك وعدمه ، واعتقد عدم دخوله في الملك بدونها ، ثمّ علم بعد ذلك دخوله في الملك بمجرّد الحيازة ،

ص: 54


1- في ( د ) : « وسيجي ء ».
2- في ( د ) : « الملقط ».
3- في ( د ) زيادة : « سائر ».
4- في ( د ) : « قضاضة » ، وفي ( ألف ) : « عضانته ».

فعلى ما اخترناه يجري في الحول بمجرّد دخوله في الملك.

نعم ، لو كان اعتقاده ذلك عن حجّة شرعيّة كما إذا أداه اجتهاده إلى ذلك دخوله في الملك بمجرّد الحيازة أو كان ذلك عن تقليد مجتهد لم يجر في الحول إلى أن يرجع (1) من قلّده (2) عن ذلك ، فيختلف الحكم بالنسبة إليه من حين البناء على الثاني.

وقد يقال بجريان ذلك فيما إذا وهب (3) غيره نصابا من دون إقباضه واعتقد الانتقال إليه بمجرّد العقد ، ثمّ علم بعد ذلك بعدم انتقاله عنه.

وذلك لحصول الملك الواقعيّة وتمكّنه من التصرف بحسب الظاهر ؛ نظرا إلى جواز العقد.

وفيه إشكال.

نعم ، لو تفطن بالمسألة وقصر في السؤال ، فالظاهر عدم الإشكال في وجوبها عليه.

ومن ذلك أيضا ما لو كان النصاب ملكا له بحسب الواقع واعتقد أنّه لغيره ، وقد أجاز له ذلك الغير جميع أنحاء التصرفات.

وفيه أيضا إشكال.

ولو تردّد في تملّك العين الزكويّة فإن كان ذلك من جهة الشك في الموضوع فمقتضى الأصل عدم وجوب الاستعلام والبناء على جري الحكم الثابت قبل التردّد ؛ استصحابا له إلى أن يعلم المزيل.

وقد يستشكل فيه فيما إذا قضى الاستصحاب بوجوب الزكاة عليه لمعارضته بأصالة عدم تعلق الوجوب به إلّا أن الظاهر ورود الاستصحاب (4) عليها فيتعيّن الأخذ به.

ص: 55


1- في ( د ) زيادة : « أو يرجع ».
2- في ( ألف ) : « من بلده ».
3- في ( ألف ) : « وجب ».
4- لفظة « الاستصحاب » جاء في ( د ) فقط.

والأحوط استعلام الحال والجري على مقتضاه (1) من وجوب الزكاة وعدمه ومقدار الواجب.

وقد يقال بوجوب الاستعلام بعد العلم بالوجوب والشك في مقدار الواجب أو دفع أعلى المحتملات ؛ تحصيلا لليقين بالفراغ بعد اليقين بالاشتغال.

نعم ، لو انسد عليه طريق الاستعلام صحّ الرجوع إلى الأصل ، فيأخذ بالأقلّ في وجه قويّ.

وقد يفصّل (2) بين الشك في مقدار ما ملكه من النصاب والعلم به ، والشك في تجدّد الزائد ، فتصح الرجوع إلى الأصل في الثاني دون الأوّل.

وإن كان شكه من جهة الجهل بالحكم وجب الاستعلام ، ولا يجوز له التصرف فيه من دون ظهور الحال ، فلا زكاة فيه قبل علمه بالحكم ؛ لانتفاء تمكّنه من التصرف وإن لم يكن مقصّرا في التأخير.

وإن أجاز له من يحتمل تملّكه في جميع التصرفات جرى فيه ما سبق ، وإن استند إلى تقصيره تعلّق الوجوب به على فرض تملكه له ؛ لحصول الملك وتمكنه من التصرف بالتمكن من الاستعلام.

ثمّ إنّه لو علم بتملكه مقدار النصاب ولم يتعيّن له العين لم يمنع ذلك من تعلّق الوجوب ، كما لا يمنع إشاعة الحق من وجوبها فيه.

ولو اعتقد تملك النصاب من جهة ولو كان الواقع جهة أخرى لا يعلمها لم يمنع ذلك من وجوب الزكاة عليه ، سواء انكشف له الحال بعد ذلك أو لا.

نعم ، لو انكشف له فساد ما اعتقده في أثناء الحول وتراخى منه العلم بالجهة الواقعيّة انقطع الحول ؛ لانتفاء تمكّنه إذن من التصرف.

ولو استند ذلك إلى تقصيره في معرفة الحكم لم يسقط به الوجوب.

ص: 56


1- في ( ألف ) : « مقتضى ».
2- في ( ألف ) : « نفصل ».

هذا مع اتّحاد عين النصاب ، وأمّا مع اختلافها كأن اعتقد تملك أربعين من الشياه ثمّ انكشف له أنّ ما يملكه أربعون اخرى ، فلا زكاة إلّا بعد حلول الحول على الثاني بعد علمه بتملّكه ؛ لانتفاء الملكيّة بالنسبة إلى الأوّل وانتفاء التمكّن من التصرّف بالنظر إلى الثاني.

ص: 57

تبصرة: [ في اشتراط التمكّن ]
اشارة

التمكّن من التصرّف شرط في وجوب الزكاة على المعروف من المذهب بلا خلاف فيه يظهر.

وفي المنتهى (1) : إنّ عليه فتوى علمائنا.

وفي التذكرة (2) : يشترط في وجوب الزكاة تماميّة الملك ، وأسباب النقص ثلاثة : منع التصرف ، وتسلط الغير ، وعدم قرار الملك. فلا يجب الزكاة في المغصوب ولا الضالّ ولا المحجور بغير بيّنة ولا المسروق ولا المدفون (3) مع جهل موضوعه عند علمائنا أجمع.

وظاهر عود الإجماع إلى أصل الحكم المتفرّع عليه ما ذكره من نفي الزكاة في الصور المفروضة. ولو قيل بعوده إلى الحكم المذكور في التفريع ففيه أيضا دلالة على المطلق.

وفي المدارك (4) والذخيرة (5) : إنّه مقطوع به في كلام الأصحاب.

وفي الحدائق (6) : إنّه ممّا لا خلاف فيه فيما أعلم.

وفي الخلاف (7) نفي الخلاف عن عدم وجوب الزكاة في مال الغائب إذا لم يكن صاحبه (8)

ص: 58


1- منتهى المطلب 1 / 475.
2- تذكرة الفقهاء 1 / 201.
3- في ( ألف ) : « المديون » ، وما في المتن صحيح بقرينة ما سيجي ء.
4- مدارك الأحكام 5 / 32.
5- ذخيرة المعاد 3 / 422.
6- الحدائق الناضرة 12 / 31.
7- الخلاف 2 / 111.
8- لم ترد في ( ب ) : « متمكّنا ... إذا كان صاحبه ».

متمكّنا منه.

وفي ظاهر كلامه في موضع آخر حكاية إجماع الفرقة على عدم وجوب الزكاة في مال الغائب إذا كان صاحبه ممنوعا منه أو كان مغصوبا (1) لا يرجو إطلاقه.

وفيه أيضا : إن من كان له مال دراهم أو دنانير فغصبت أو سرقت أو جحدت أو غرقت أو دفنها في موضع ثمّ نسيها وحال عليها الحول انّه لا تجب الزكاة فيه (2).

وذكر (3) خلاف العامّة ، ثمّ استدلّ بإجماع الفرقة وأخبارهم.

ولا يبعد أن يكون الوجه في الجميع ونحوه هو انتقاء التمكن من التصرف كما هو المنساق من كلامه ، فيكون (4) هو المناط في نفيه الخلاف ، وما حكاه من الإجماع.

ويومي إليه ببعض كلماته ( في طي مسائل أخر.

واحتجّ ) (5) عليه في الحدائق (6) بما دلّت عليه الروايات من انتفاء الزكاة عن المال الغائب عن مالكه حتّى يقع في يديه وعن الوديعة والدين مما لا يصل (7) إليهما ، فلا زكاة عليه حتّى يأخذهما ويحول عليه الحول بعد ذلك ، وعن المال المدفون إذا ضاع عليه محلّ الدفن ، وعن ميراث الغائب فلا زكاة عليه حتّى يقدم ويحول عليه الحول وهو عنده.

والروايات الدالّة على أنّ ما (8) لم يحل عليه الحول عند برئه (9) فلا شي ء عليه كما سنشير إلى كلّ واحد من المذكورات.

ص: 59


1- في ( د ) : « معقوذا ».
2- في ( د ) زيادة : « عندنا ».
3- أي الشيخ في الخلاف 2 / 31.
4- في ( ألف ) : « فلا يكون ».
5- ما بين الهلالين من ( د ).
6- الحدائق الناضرة 12 / 21.
7- في ( ألف ) : « ومن الرد لا سبيل » بدل : « وعن الوديعة والذين مما لا يصل ». ولم نجد لها معنى.
8- « أنّ ما » متّصلة في النسخ أي « أنّما ».
9- في ( د ) : « ربه ».

فإنّ المتلخّص من تتبّع تلك الروايات كون التمكن من التصرف شرطا في وجوب الزكاة ، قال : ولا يخفى أنّه وإن كان كلّ واحد من هذه الأخبار أخصّ من المدّعى إلّا أنّه بضمّ بعضها إلى البعض - ممّا ذكرناه وما لم نذكره - يتحصل الحكم المذكور ؛ فإنّ أكثر القواعد الشرعيّة إنّما تحصل من ضمّ الجزئيات بعض إلى بعض مثل القواعد النحوية الحاصلة من تتبع الجزئيّات.

وقد أراد بذلك دفع ما أورده صاحب المدارك (1) في المقام بعد إيراده عدّة من الأخبار من أنها انّما تدلّ على سقوط الزكاة في المال الغائب الّذي لا يقدر صاحبه على أخذه لا على اعتبار التمكن من التصرف بإطلاقه.

وأنت خبير بأنّ مرجع ما ذكره في دفعه هو التمسّك بالاستقراء الظني ، وهو لا ينهض حجّة في الأحكام عند محقّقي الاصوليين ، فضلا عن الأخباريين.

وتمثيله ذلك بالقواعد النحويّة الثابتة من استقراء الجزئيّات غريب ؛ لابتناء معظم قواعد العربية على الامور الظنيّة.

وأين ذلك من إثبات الأحكام الشرعيّة.

وقد يقال بأنّ مقصوده من ذلك انفهام القاعدة المذكورة من ضمّ بعض الأخبار إلى بعض ، وذلك هو المستفاد عرفا من مجموع تلك الروايات.

وكما أنّ مدلول كلّ واحد واحد من الأخبار حجّة شرعيّة يجب الأخذ بها ، وكذا ما يستفاد من مجموعها وهو متّجه سيّما بعد تأيّده بالإجماعات المحكيّة المعتضدة بفتوى الطائفة من غير خلاف يعرف فيه.

وفي المدارك : (2) إنّه يمكن الاستدلال عليه بأنّه لو وجبت النصاب في الزكاة (3) مع عدم التمكّن من التصرف عقلا وشرعا (4) لوجب الإخراج عن (5) غير العين ، وهو باطل (6) ؛ إذ الزكاة

ص: 60


1- مدارك الأحكام 5 / 31.
2- مدارك الأحكام 5 / 33.
3- في ( د ) : « لو وجبت الزكاة في النصاب ».
4- في ( د ) : « أو شرعا ».
5- في ( د ) : « من ».
6- في ( ألف ) : « بطل » بدلا من : « وهو باطل ».

إنّما يجب في العين ، ثمّ أورد عليه بأنّه إنّما يقتضي اعتبار التمكّن من التصرف وقت الوجوب لا توقّف جريانه في الحول عليه. قال : والمسألة محلّ إشكال.

وللنظر فيها مجال.

ويمكن المناقشة فيما ذكره بما قد يقال من أن المستفاد من الأخبار وكلام الأصحاب أن ما هو مانع من وجوب الزكاة حال حلول الحول مانع من جريانه في الحول أيضا.

ويمكن الإيراد عليه بوجه آخر : نظرا إلى الفرق بين تعلّق الزكاة بالمال ووجوب الإخراج عنه ، والمتوقف على التمكّن من التصرف إنما هو الثاني دون الأوّل ، فأيّ مانع من تعلّق الزكاة ووجوب الإخراج عنه (1) بالعين حال عدم التمكّن منه؟ فيجب عليه الإخراج مع المكنة ولو بعد مدّة أو جاز (2) استقلال الحاكم أو العامل بالأخذ عند التسلط عليه.

نعم ، لو ثبت المنع الشرعي من التصرف فيه مطلقا صحّ ذلك ، وهو إنّما يحصل في بعض الفروض. كيف وقد أجمعوا على وجوب الزكاة في مال النائم والغافل حين تعلّق الوجوب مع أنّه غير مأمور حينئذ بالإخراج.

فالأولى الاحتجاج بما قدّمناه.

ثمّ إنّ المراد بالتمكّن من التصرف في المقام يعمّ التمكّن الشرعي والعادي ، والتمكّن من التصرّف في العين والمنافع بالجملة ، كما هو ظاهر من ملاحظة ما فرّعوا عليه ، لكن لا يعتبر فيه التمكّن من جميع التصرّفات.

وكأنّ المدار فيه على صدق العرف بعد قيام الدليل على اعتباره ؛ إذ لا تحديد له الشرع.

ولا يبعد البناء في محلّ الشك على الأخذ بالإطلاقات حتى يتبيّن وجود المانع.

وقد يبنى فيه على أصالة البراءة من جهة الشك في وجود الشرط القاضي بالشك في

ص: 61


1- ليس في ( د ) : « ووجوب الإخراج عنه ».
2- في ( ألف ) : « جار ».

حصول المشروط.

وهو ضعيف

[ مسائل ]

ثمّ إنّ المسائل المتفرعة على اعتبار الشرط المذكور كثيرة لا بأس بالإشارة إلى جملة منها :

ومنها (1) : أنّه لا زكاة في المغصوب.

وعليه الإجماع في التذكرة (2) كما مرّ.

وفي المنتهى (3) : إنّ عليه فتوى علمائنا. وقد مرّ ما في الخلاف من الإجماع على عدم ثبوت الزكاة في المال الغائب أو ما كان ممنوعا منه.

وفي الذخيرة (4) : الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب.

ثمّ إنّ قضيّة القاعدة المتقدّمة وظاهر كلام الأصحاب عدم الفرق في ذلك بين ما يعتبر فيه الحول أو ما لا يعتبر فيه. والعبرة في الثاني بحال تعلّق الوجوب ، فسبق الغصبيّة وتأخرها لا يمنع من الوجوب قطعا.

وقد نبّه على التعميم المذكور في المسالك (5) ، واستشكل فيه في المدارك (6) ، وتبعه صاحب الذخيرة ؛ لعدم وضوح مأخذه نظرا إلى اختصاص الأدلّة بما يعتبر فيه الحول.

وأراد بذلك ما دلّ عليه من الأخبار كصحيحة عبد اللّه بن سنان : « ولا على المال الغائب

ص: 62


1- كذا ، والظاهر : « فمنها » أو « منها ».
2- تذكرة الفقهاء 5 / 18.
3- منتهى المطلب 1 / 475.
4- الذخيرة 3 / 424.
5- مسالك الإفهام 1 / 362.
6- مدارك الأحكام 5 / 34.

عنك حتى يقع في يديك » (1).

ومرسلة ابن بكير : في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه؟ قال : « فلا زكاة عليه حتى يخرج ، فإذا خرج زكاه لعام واحد » (2).

ويدفعه بعد ما عرفت من القاعدة والإجماعات المحكيّة أنّهما لا يقولان بوجوب الزكاة فيه في وقت الوجوب ، وإنّما يحكمان بوجوبها عند ارتفاع الغصب ، وهو غير متّجه.

أو مع عدم ثبوت حق الفقراء فيه حال تعلّق الوجوب لا دليل على ثبوتها فيه بعد ذلك ؛ إذ ظاهر الإطلاقات الواردة هو تعلّق الوجوب من أوّل الأمر ، فإذا التزم بتقييد تلك الأدلّة باعتبار انتفاء التمكّن من التصرّف في النصاب في تلك الحال قضى الاستصحاب بعدم تعلّق الوجوب بعد ذلك.

وشمول الإطلاقات لما بعد ذلك غير معلوم.

مضافا إلى أنّه قد يخرج النصاب عن ملكه ببيعه على الغاصب أو على من يقدر على استنقاذه ، فلا يبقى النصاب ليتعلق به الزكاة.

وكذا الحال لو تلفه الغاصب.

والتفصيل بين ما إذا بقي عين النصاب وعدمه بعيد جدا.

ولو وقع الغصب في أثناء الحول استأنف الحول من حين ارتفاعه ، ولا فرق بين طول زمان الغصب وقصره إلّا أن يكون بحيث لا ينافي كونه متمكّنا من التصرّف فيه عرفا.

ولو أمكنه استنقاذ المغصوب ببذل بعضه للغاصب أو لغيره فهل تثبت الزكاة في الباقي نظرا إلى تمكّنه من التصرف فيه لقدرته على استخلاصه الذي هو مقدمة لذلك ، وكذا لو أمكنه ذلك البذل من غيره مع عدم استيفائه لقيمته؟ وجهان.

وفي المدارك (3) تبعا لما في الروضة : وإنّما يسقط الزكاة في المغصوب ونحوه إذا تمكن تخليصه

ص: 63


1- تهذيب الأحكام 4 / 31 ، باب زكاة مال الغائب ح 2.
2- تهذيب الأحكام 4 / 31 / باب زكاة مال الغائب ح 1.
3- مدارك الأحكام 5 / 34.

ولو ببعضه ، فيجب فيما زاد على الفداء.

وتبعه في الذخيرة (1).

ويستشكل بصدق الغصب وعدم التمكّن من التصرّف قبل البذل.

وبمجرّد كونه قادرا على تحصيل التمكّن لا يعدّ متمكّنا منه في العرف.

كيف ، ولو وجبت الزكاة في المقام لوجب عليه بذل الفداء أو ضمان الزكاة ولو من مال آخر ، وكلّ منها تكليف زائد منفيّ بالأصل.

وظاهر الشرع يأبى عن إلزام المالك بمثله ، والبناء على استحقاق الفقير فيه حينئذ من غير وجوب الدفع على المالك مخالف لما مرّت الإشارة إليه من بنائه على كونها حكما تكليفيا وجعل الحكم الوضعي تابعا لذلك ؛ إذ قضيّة ذلك عدم استحقاق الفقير مع سقوط التكليف عن المالك.

وتنظّر الشهيد في البيان (2) في إجرائه مجرى التمكّن.

وعلى ما ذكروه فالظاهر اعتبار بلوغ الثاني حدّ النصاب.

ولو كان الاستنقاذ من غيره فهل يلاحظ النصاب بعد إخراج ما يقابله أو يخرج الزكاة من تمام المال؟ وجهان ؛ أجودهما الأوّل.

وإن توقف استنقاذه على بذل الوجه عند الغاصب أو غيره ، فإن اشتمل على غضاضة لا يتحمل مثله مثلها في العادة لم يبعد السقوط ، وإلّا فإن أمكن ذلك بسهولة من غير طول مدّة احتمل بقاء التمكّن.

ولو أمكنه الاسترداد (3) في الحال بمدافعة الغاصب كان تمكّنا من المال إن لم يتوقف على حرج أو بذل مال. ولو توقف المدافعة على زمان طويل فالظاهر انقطاع الحول وأمكنه التوصّل إلى الحاكم في الاسترداد ففي كونه تمكنا من المال وجهان.

ص: 64


1- ذخيرة المعاد 1 / 424.
2- البيان : 167.
3- في ( د ) : « استراد ».

وقد يفصّل بين ما إذا تمكّن منه من دون عسر ومشقّة ومضى مدّة طويلة إذا (1) توقف على أحد الأمرين.

وفصّل في البيان (2) بين ما إذا كان الحاكم جائرا أو عادلا فانتظر (3) في صدق التمكّن في الأوّل وقطع به في الثاني.

ويشكل فيما إذا توقّف على المرافعة وإقامة البيّنة عنده وتزكية الشهود وبذل المال في تحصيل تلك المقدمات والحلف ؛ إذ (4) صدق التمكّن عرفا مع الحاجة إلى جميع ذلك بعيد جدا.

ومنها : المال المحجور (5). وقد مرّ حكاية الإجماع عليه عن التذكرة (6) والخلاف في الدرهم والدنانير.

وأسنده في المنتهى (7) أيضا إلى علمائنا إلّا أنّه قيّده في التذكرة (8) بصورة انتفاء البيّنة.

وربّما يومي ذلك بثبوت الزكاة فيه مع وجودها (9). وهو على إطلاقه مشكل سيّما إذا توقف الإثبات إلى مضيّ زمان يعتدّ به.

ولو توقّف على الحلف كما إذا كانت الدعوى على الميّت أو كان هناك شاهد واحد أو لم يكن هناك بيّنة لكن ردّ المدعى عليه (10) الحلف ففي جري الحكم إشكال.

وكأنّ الأظهر في جميع ذلك عدم حصول التمكّن منه بالفعل كما يشهد به التأمّل في العرف إذا قضى ما يلزم من ذلك القدرة على تحصيل التمكن من التصرف.

ص: 65


1- في ( د ) : « وما إذا ».
2- البيان : 167.
3- في ( ألف ) : « لانتظر ».
4- في ( ألف ) : « إذا ».
5- كذا ، والظاهر : « المجحود ».
6- تذكرة الفقهاء 5 / 18.
7- منتهى المطلب 1 / 476.
8- تذكرة الفقهاء 5 / 18.
9- في ( ألف ) : « وجوبها ».
10- في ( د ) : « المدعى عليه عليه ».

والفرق بينه وبين نفس التمكّن من التصرّف المعتبر في المقام ظاهر ، والمعتبر هو صدق التمكّن من التصرّف فيه في الحال الحاضر بحسب العرف ، فإن عدّ غير متمكّن منه في الحال انتفى الحكم ، وإن حصل له التمكّن منه بعد ذلك فإنّه يستأنف الحول عند حصوله.

ولا فرق في الجحد بين أن يكون على جهة العصيان وعدمه بأن يكون مستندا إلى جهة شرعيّة موجبة لجوازه ومع علمه بالحال ، أو حجّة قائمة باعثة على اشتباهه.

ولو تمكّن المالك على انتزاعه منه قهرا ولو مع تمسّك الجاحد بحجّة شرعيّة كان تمكّنا من المال ، وإن لم يكن هناك بيّنة إلّا أن يكون هناك غضاضة عرفية أو تعريض للتهمة أو خوف على ماله ، ولو أمكن تخليصه ببذل المال جرى فيه ما تقدّم في المغصوب.

ومنها : الضالّ ، وفي معناها المدفون مع ضياعه محل الدفن.

وقد دلّ عليه خصوص إجماع التذكرة (1). ونفى عنه الخلاف في الخلاف في الدراهم والدنانير.

واسنده في المنتهى (2) إلى علمائنا.

ويدلّ على خصوص الأخير حسنة سدير ، عن الباقر عليه السلام : ما تقول في رجل له مال فانطلق به فدفنه في موضع ، فلمّا حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الّذي ظنّ أن المال فيه مدفون ، فلم يصبه ، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ثمّ إنّه احتفر الموضع من جوانبه كلّه ، فوقع على المال بعينه كيف يزكّيه؟ قال : « يزكّيه لسنة واحدة لأنّه كان غائبا عنه ، وإن كان احتسبه » (3).

والتعليل يعمّ الضالّ والمسروق وغيرهما من وجوه الغياب عن المالك.

ولا فرق بين ما يرجى عوده والعثور عليه وغيره إلّا أن يكون بحيث لا ينافي صدق التمكّن منه بحسب العادة ، ولا بين أن يصل تمام النصاب أو بعضه ، ولا بين عوده إليه بعد ذلك

ص: 66


1- تذكرة الفقهاء 5 / 18.
2- منتهى المطلب 1 / 475.
3- الكافي 3 / 519 ، باب زكاة مال الغائب والدين والوديعة ح 1.

وعدمه فيستأنف الحول بعد العود.

وفي المبسوط (1) : من كانت عنده أربعون شاة فضلّت واحدة ثمّ عادت قبل حول الحول أو بعده وجبت عليه شاة لأنّ النصاب والملك وحول الحول قد حصل فيه ، فان لم تعد إليه أصلا فقد انقطع الحول.

والتعليل كما ترى سيّما إذا كان عوده بعد حلول الحول ولذا (2) رجع منه أخيرا حيث قال بعد ذلك : ولو قلنا إنّها حين ضلّت (3) انقطع الحول ؛ لأنّه لم يتمكّن من التصرّف فيه مثل مال الغائب كان قويّا.

هذا هو المتّجه ، وقد نصّ عليه في المنتهى (4) تفريعا على اعتبار التمكّن من التصرّف أنّه لا زكاة في الموروث عن غائب حتّى يصل إلى الوارث أو وكيله.

وأسنده إلى علمائنا.

وقد دلّ عليه بعد ذلك عدّة من النصوص :

منها : الصحيح : « لا صدقة على الدين ، وعلى المال الغائب عنك حتّى يقع في يديك » (5).

ومنها : الموثق : عن الرجل يكون له الولد فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو؟ ومات الرجل كيف يصنع بميراث الغائب عن أبيه؟ قال : « يعزل حتى يجي ء ». قلت : فعلى ماله زكاة؟ فقال : « لا حتى يجي ء » قلت : فإذا هو جاء أيزكّيه؟ فقال : « لا حتى يحول عليه الحول في يده » (6).

ومنها : الخبر عن رجل ورث مالا والرجل غائب هل عليه زكاة؟ قال : « لا حتّى

ص: 67


1- المبسوط 1 / 203.
2- في ( ألف ) : « وإذا ».
3- في ( ألف ) : « شكّ ».
4- منتهى المطلب 1 / 475.
5- تهذيب الأحكام 4 / 31 ، باب زكاة مال الغائب ح 3.
6- الكافي 3 / 524 ، باب المال الذي لا يحول عليه الحول في يد صاحبه ح 1.

يقدم ». قلت : أيزكّيه حين يقدم؟ قال : « لا حتّى يحول عليه الحول وهو عنده » (1).

وإطلاق هذه الأخبار وإن أفاد انتفاء الزكاة عن المال الغائب إلى أن يصل إلى المالك سواء قدر على أخذه والتصرف فيه أو لا ، فيكون المناط عدم كونه مقبوضا له وواصلا إليه دون عدم قدرته عليه.

إلّا أنّ في بعض أخبار الباب تقييد (2) ذلك بعدم قدرته عليه : ففي الموثق ، عن عبد اللّه بن بكير ، عن زرارة ، عن الصادق عليه السلام : أنّه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه؟ قال : « لا زكاة عليه حتّى يخرج عليه ، فإذا خرج زكّاه لعام واحد ، وإن كان يدعه متعمّدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين (3).

فلا بد إذن من حمل غيره من المطلقات كالأخبار المتقدمة وما دلّ على أنّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء فيه على ذلك.

مضافا إلى اعتضاده بسائر عمومات الزكاة ، وظاهر فتوى الأصحاب بلا خلاف ظاهر بينهم سوى ما يوجد في كلام بعض المتأخرين من نفي البعد عن عدم وجوب الزكاة في مال الغائب مطلقا ؛ لتقييدهم الحكم بعدم وجوب الزكاة في المال الغائب بما إذا لم يقدر عليه ، أو تفريعهم ذلك على اشتراط إمكان التصرّف كما هو ظاهر من تتّبع كلماتهم ، وما يوجد في كلام بعضهم من إطلاق سقوط الزكاة عن المال الغائب إذا لم يكن في الوكيل أو الولي محمول على الغاصب من عدم حصول إمكان التصرّف حينئذ.

كيف ، وتفريع ذلك على اعتبار التمكّن من التصرّف كما في الشرائع (4) وغيره من أقوى الشواهد عليه.

وفي الخلاف : إن المال الغائب إذا كان متمكّنا منه يلزمه الزكاة بلا خلاف بينهم.

ص: 68


1- الكافي 3 / 527 ، باب المال الذي لا يحول عليه الحول في يد صاحبه ح 5.
2- في ( ألف ) : « تقييده ».
3- تهذيب الأحكام 4 / 31 ، باب زكاة مال الغائب ح 1.
4- شرائع الإسلام 1 / 107.

وفي الرياض (1) : إنّه لا خلاف فيه.

في المدارك (2) : إنّ عبارات الأصحاب ناطقة بوجوب الزكاة في المال الغائب إذا كان صاحبه متمكّنا منه.

فما ذكره العلامة المجلسي من أنّ عبارات الأصحاب لا تخلو عن تشويش في ذلك.

وظاهر كلام أكثرهم عدم وجوب الزكاة إلّا (3) إذا كان في يده أو يد وكيله كما ترى.

ولو لا مخافة الإطناب لذكرنا جملة وافية من عبائرهم في المقام ليتّضح به حقيقة المرام إلّا أنّ فيما أشرنا إليه كفاية.

وكيف كان ، فالظاهر أنّه لا عبرة بمجرّد الغياب وعدم الوصول إلى المالك مع قطع النظر عن عدم إمكان التصرف ، ولا لعدم علم المالك به أو ببقائه وإلّا لجرى في كلّ موضع لم يعلم ببقاء المال.

كيف والاستصحاب حجة شرعية لا مدافع له في المقام.

نعم ، لو كان الجهل بانتقال المال إليه مانعا من التمكّن من التصرف فيه قضي بانتفاء الزكاة من تلك الجهة ولو كان المال في يده ، كما لو سرق مال أبيه فانتقل إليه بالميراث من غير علمه بالحال.

ولو كان وكيلا (4) عن أبيه احتمل ثبوت الزكاة فيه ؛ لدورانه بين كونه وكيلا أو مالكا.

وعلى الوجهين يثبت الزكاة فيه.

والأظهر عدم الوجوب لعدم تمكّنه من التصرّف فيه على سبيل الاستقلال.

ص: 69


1- رياض المسائل 5 / 45.
2- مدارك الأحكام 5 / 35.
3- لم ترد في ( ب ) : « إلّا ».
4- في ( ألف ) : « وكيل ».
[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه على امور :

أحدها : أنّه لا فرق في قدرته على التصرّف في الغياب بين قدرته عليه بنفسه أو بوكيله. وهل قدرة الوكيل على التصرّف كاف في تحقّق قدرته ولو تسامح الوكيل في قبضه أو التصرّف فيه؟ وجهان ؛ من أنّ الوكيل بمنزلة الموكّل ، وأنّ المفروض عدم قدرة الموكّل بنفسه وعدم إتيان الوكيل بما وكّل فيه ، فهو غير متمكّن منه بالذات ولو بالواسطة لإباء عن ذلك.

ثانيها : أنّه لو (1) لم يتمكّن من التصرّف في المال الغائب إلّا بعد مدّة نظرا إلى طول المسافة فلا زكاة ؛ لانتفاء قدرته على التصرّف في الحال ، فلا يندرج في الحول ( فإن تسامح في الوصول اليه أو بعث وكيلا بقبضه فتأخر لذلك قدرته على التصرف ضه لم يندرج في الحول ) (2) نظرا إلى القدرة المتقدّمة لارتفاعها بالتأخير ، فغاية الأمر استناد انتفاء القدرة إلى اختياره ، وهو لا يقضي بتنزيله منزلة التمكّن والاختيار.

كيف ، وكثير من صور انتفاء القدرة إنّما يكون المالك هو الباعث عليه على سبيل الاختيار كالارتهان والنذر وغيرهما.

ومنه يظهر الوجه في إطلاق الخبرين الواردين في ميراث الغائب مع أن للغائب (3) إمكان التعجيل في المجي ء أو بعث وكيل للقبض.

ثالثها : لو كان المال الغائب عند وكيله كان بمنزلة كونه عنده ، فتمكّن الوكيل حينئذ من التصرف فيه كتمكّنه منه سواء تصرّف فيه أو لا ، وهذا بخلاف ما لو قدر الوكيل على قبضه أو التصرّف فيه من غير أن يكون في يده كما مرّ.

وأمّا لو كان عند المستعير (4) والودعي مع عدم تمكّنه من الاسترداد منهما فالظاهر عدم

ص: 70


1- لفظة « لو » لم توجد في ( ألف ).
2- ما بين الهلالين أورجت في المتن من نسخة ( د ).
3- في ( د ) : « الغائب ».
4- في ( د ) : « أو ».

جريان الحكم ، وكذا الحال في المستأجر والأجير ونحوهما (1).

أو كون الودعي في الحقيقة وكيلا عنه في الحفظ وكون المال أمانة من قبله عند المذكورين لا يقضي بوجوب الزكاة ؛ إذ لا يعدّ بمجرد ذلك متمكّنا من التصرف فيه. والفرق بين هؤلاء وبين الوكيل ظاهر ؛ لاستنابته له في التصرفات بخلاف غيره.

وفي الصحيح : الرجل يكون له الوديعة والدين فلا يصل إليهما ثمّ يأخذهما ، متى يجب الزكاة؟ قال : « إذا أخذهما ثمّ يحول عليه الحول يزكّي » (2).

رابعها : لو مضى على المال الغائب سنون لا يتمكّن من التصرّف فيه ثمّ عاد إليه استحبت زكاته لسنة واحدة على المعروف من المذهب.

وفي المنتهى (3) : لو عاد المغصوب أو الضالّ إلى ربّه استحبّ أن يزكّيه لسنة واحدة (4).

وذهب إليه علماؤنا. وفي التذكره (5) : في المغصوب إذا عاد إليه انّه يزكيه لحول واحد. وهو على الاستحباب عندنا ، وذكر الخلاف فيه عن العامّة.

وظاهر هاتين العبارتين يومي إلى الإجماع عليه.

وفي المدارك (6) بعد ما ذكر ما أفتى به المحقّق من استحباب الزكاة لسنة واحدة إذا مضى على المفقود (7) أو الضالّ سنون ثمّ عاد إلى مالكه : إنّ ذلك مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا.

وفي النهاية (8) : وإن لم يكن متمكنا وغاب سنين ثمّ حصل عنده زكّاه لسنة واحدة. وظاهره يعطي الوجوب.

ص: 71


1- كذا ، والظهر : « و ».
2- تهذيب الأحكام 4 / 34 باب 9 ح 12.
3- منتهى المطلب 1 / 475.
4- ليس في ( د ) : « واو ».
5- تذكرة الفقهاء 5 / 19.
6- مدارك الاحكام 5 / 38.
7- كذا ، والظاهر : « المغصوب ».
8- النهاية : 176.

وعن ظاهر بعض فضلاء متأخّري المتأخرين القول به ؛ لظاهر الأمر الوارد في الأخبار.

وفي الحدائق (1) : إنه أحوط.

وأنت خبير بأنّ القول بوجوب ذلك موهون جدّا ؛ لما عرفت من الدليل القائم على اعتبار التمكّن من التصرف في النصاب سيّما بالنسبة إلى المال الغائب.

وتنزيل (2) عبارة الشيخ على إرادة الاستحباب قريب جدا. ويومي إليه إطلاقه عقيب ما ذكر الحكم بسقوط الزكاة من المال الغائب الموروث إذا لم يصل إلى الوارث إلّا بعد مضيّ حول أو أحوال. وهل يعتبر في ثبوت الاستحباب في المقام مضي سنين على المال؟ فظاهر الوسيلة والسرائر (3) والشرائع (4) والنافع والإرشاد ونهاية الإحكام ذلك.

وأطلق في المعتبر (5) والتحرير (6) استحباب زكاته لسنة واحدة إذا عاد إليه من غير تقييد بمضي الأعوام.

هو قضية إطلاق العبارة المتقدمة عن المنتهى (7) ، وكذا عن التذكره (8). إلّا أنّه ذكر فيه أيضا أنّه لو مضى على المفقود سنون ثمّ عاد زكّاه لسنة استحبابا.

وفي المدارك (9) : وأطلق العلّامة في المنتهى استحباب تزكية المغصوب والضالّ مع العود لسنة واحدة ، ولا بأس به.

وظاهر كلامه كغيره ممّن أطلق إطلاق الاستحباب ولو مضى عليه سنة واحدة.

ص: 72


1- الحدائق الناضرة 12 / 21.
2- لم ترد في ( ب ) : « وتنزيل .. المال الغائب ».
3- السرائر 1 / 443.
4- شرائع الإسلام 1 / 107.
5- المعتبر 2 / 491.
6- تحرير الأحكام 1 / 350.
7- منتهى المطلب 1 / 475.
8- تذكرة الفقهاء 5 / 20.
9- مدارك الأحكام 5 / 37.

ونصّ في البيان باستحباب تزكية المال الغائب إذا مضى عليه سنتان فصاعدا ، وقد يحمل عليه عبائر المطلقين.

والأظهر الاقتصار على ما إذا مضت عليه أعوام ؛ إذ هو المفروض في حسنة سدير.

والمستفاد من موثقة زرارة ومرسلة ابن بكير كما يومي إليه قوله عليه السلام في (1) ذيل الرواية (2) : « فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين (3) » ؛ لكشفه عن فرض الحكم الأوّل في تلك الصورة أيضا.

والوجه في الإطلاق ظاهر ما يتراءى من إطلاق هاتين الروايتين.

وقد عرفت ما فيه ، مضافا إلى أنّ المستفاد من سياقهما زيادة القدر الماضي على العام الواحد ، وكأنّه الوجه في اعتبار عدم قصور الماضي عن السنتين.

وفيه أيضا ما عرفت.

ثمّ إن الحكم المذكور ثابت في المال الغائب عن صاحبه ممّا لا يتمكّن منه مطلقا ، فيندرج فيه الضالّ أيضا والمفقود والمجحود والمدفون والمغصوب.

وأمّا المغصوب الّذي لم يغب عنه المحجور عليه من التصرّف فيه من قبل الظالم بغير أخذه منه ، ففي إجراء الحكم فيه إشكال.

وقضية الأصل عدمه.

خامسها : أنّك قد عرفت وجوب الزكاة في المال الغائب إذا كان بيد وكيله لكونها بمنزلة يده. ولا فرق حينئذ بين ما إذا كان وكيلا مطلقا يفعل به ما شاء أو وكيلا في صرفه في مصرف مخصوص.

وقد يتوهم أنّ تعيين المصرف قاض بنقص سلطان الوكيل ، والمفروض عدم وصول الموكّل إليه ، فلا يكون المالك متمكّنا من التصرف فيه لا بنفسه ولا بوكيله :

ص: 73


1- لم ترد في ( ب ) : « في ذيل الرواية ».
2- لم ترد في ( ب ) : « في ذيل الرواية ».
3- الإستبصار 2 / 28 ، باب المال الغائب والدين إذا رجع إلى صاحبه هل يجب عليه الزكاة أم لا ، ح 3.

أما الأوّل فلأنّه المفروض ، وأما الثاني فلانحصار تصرّفه في أمر مخصوص.

وبمجرّد ذلك لا يعدّ متمكّنا من التصرّف حسبما ذكروه في مال المفلس والمنذور به للصدقة.

ويدفعه : أنّ المرجع في صدق التمكّن من التصرّف إلى العرف ، وهو حاصل في المقام.

ومنه يعرف أنّه لو حجر الظالم على المالك من التصرف إلّا على وجه خاص ليس فيه تضييع لماله ولا إضرار به لم يكن ذلك باعثا على ارتفاع تمكّنه من المال.

وكذا لو عيّن الشارع صرفه في مصرف خاص كأداء الدين وصرفه في نفقة من يجب الإنفاق عليه ونحو ذلك.

والفرق بين ذلك ومال المفلس والمنذور به للصدقة ظاهر ، ويأتي الإشارة إليه إن شاء اللّه.

ثمّ إنّه يجري الحكم ما دام الوكيل باقيا على وكالته ، فلو عزله جرى الحكم قبل بلوغ الخبر إليه.

وأما لو عزل نفسه من دون بلوغه إلى الموكّل احتمل سقوط الزكاة لانفساخ الوكالة بذلك وعدمه ؛ بناء على القول بجواز تصرفه من جهة الإذن.

ويجري الاحتمال المذكور في كلّ موضع قلنا فيه ببطلان الوكالة وبقاء الإذن.

ويجري حكم الوكيل في ولي السفيه من حاكم وأمينه وعدول المسلمين ؛ بناء على وجوب الزكاة في ماله كما هو الظاهر.

ولا يجري في وليّ الغاصب وإن كان حاكما ؛ إذ ليس ذلك ولاية على الحقيقة.

وإطلاقات الروايات المتقدمة قاضية بسقوط الزكاة عن مال الغائب ولو كان في يد الحاكم أو أمينه.

ثمّ إن المأمور بإخراج الزكاة هو المالك دون الوكيل إلّا أن يكون وكيلا في ذلك أيضا عموما أو خصوصا.

وبعد حلول وقت الوجوب بمقتضى الأصل بطلان الوكالة بالنسبة إلى حقّ الزكاة ؛

ص: 74

لتعلّقها بالعين.

ولو دفعها المالك أو الوكيل من عنده ففي بقاء الوكالة بالنسبة إلى حصّة الزكاة أو لزوم تجدّدها (1) بالنسبة إليها وجهان.

ص: 75


1- في ( د ) : « تجديدها ».
تبصرة: [ فيما إذا كان النصاب في موضع الحظر ]
اشارة

إذا ملك نصابا وكانت ملكيته في عرضة الزوال - لاحتمال الطواري المزيلة لها كتملّك العين الموهوبة لجواز رجوع الواهب فيها ، وتملّك الأجرة لإمكان زوال العين المستأجر كلّا أو بعضا ، وتملّك الصداق المعرض للسقوط كلّا أو بعضا بطروّ الفسخ قبل الدخول أو الطلاق - لم يمنع ذلك من وجوب الزكاة (1) مع انكشاف بقائها عند تعلّق الوجوب.

نعم ، استشكل في المنتهى (2) في وجوب الزكاة على المرأة في الصداق إذا أقبضه وحال عليه الحول ثمّ انفسخ النكاح لعيب ، لكنّه استقرب الوجوب.

وفي التحرير (3) : إن الأقرب الوجوب بعد الحول. وفيه اشارة إلى ذلك.

وقضية ما ذكره جريان الإشكال في نظائره أيضا لكنّه إشكال ضعيف.

كيف ، ولو كان احتمال الزوال كافيا في ذلك لجرى في احتمال التلف سيّما مع حصول المظنّة كما إذا كان النصاب في موضع الحظر.

وحينئذ فإن لم ينفسخ الملكيّة فلا كلام ، وكذا مع انفساخها قبل تعلّق الوجوب ، وإن كان بعده قبل الدفع لم يزاحم ذلك وجوب الزكاة.

وليس للآخر إلزامه بإخراج الزكاة من غيره ليسلم له العين لما تقرّر من تعلّق الزكاة بالعين وضمانه لها مع بقاء عينها إنّما يكون باختياره.

ص: 76


1- في ( د ) زيادة : « بل لا خلاف فيه ظاهرا ؛ لحصول الملكية لحصول سببها ، واحتمال زوالها لا يمنع من وجوب الزكاة ».
2- منتهى المطلب 1 / 476.
3- تحرير الأحكام 1 / 351.

نعم ، لو كان بحيث يجب عليه تخليص العين للآخر بعد الانفساخ مع الإمكان.

كأن شرطه (1) عليه ذلك في ضمن عقد لازم وجب عليه ذلك ، وحينئذ فلو دفع العين في الزكاة احتمل فساد الدفع من جهة النهي.

وذلك ظاهر فيما لا يكون الدفع إليه مبنيّا على الضمان كما في الهبة ، ولا يلتزم بعد رجوع الواهب بالدفع من غيره ليخلص له العين قطعا ؛ وأمّا في العقود المبنيّة على الضمان كالبيع والإجارة والنكاح مع طروّ الفسخ (2) والانفساخ فالظاهر أيضا ذلك ؛ نظرا إلى قضاء الفسخ أو الانفساخ بالرجوع إلى العين مع الامكان. وحيث إنّ المفروض انتقالها عن الآخر لتعلق الزكاة بالعين على نحو الشركة حسبما سيجي ء الكلام فيه لا يمكنه الرجوع إليها.

وتمكّن الآخر من تخليصها بدفع الزكاة من غيرها غير مفيد في المقام ؛ إذ هو إنّما يثمر لو قام دليل على وجوب التخليص عليه ، ولا مستند له سوى ما قد يقال من بناء الدفع إليه على الضمان ، ومقتضاه وجوب دفع العين بعد الانفساخ مع الإمكان ، ثمّ دفع عوضه من المثل أو القيمة ، فإذا فرض تمكّنه من تخليص العين قضى ذلك بوجوبه عليه من باب المقدّمة.

ويدفعه أنّ قضيّة انفساخ المعاملة رجوع كلّ من العوضين إلى مالكه مع إمكانه أو بدله مع امتناعه ، فينتقل الحق إلى ذمة الآخر ، والمفروض (3) امتناع الرجوع إلى نفس العين قبل الضمان لحصول المانع ، فلا بدّ من انتقال عوضه إليه في ذمة الآخر. وحينئذ فبعد تملكه لبدله في الذمة لا مقتضى لوجوب دفع العين.

نعم ، لو انفسخ بعد ضمانه للزكاة أو انتقاله إليه ثانيا بعد دفعه في الزكاة احتمل قويا تعين دفع العين لارتفاع المانع مع احتمال عدمه لقضاء الفسخ بإزالة الانتقال الحاصل بالعقد المفسوخ دون غيره ، والمفروض كون الانتقال المذكور حاصلا بسبب آخر.

وكأنّ هذا هو الأظهر.

ص: 77


1- في ( د ) : « شرط عليه ».
2- في ( د ) : « أو ».
3- لم ترد في ( ب ) : « والمفروض .. ذمّة الآخر ».

ولو انتقل إليه العين بالضمان أو غيره بعد الانفساخ وقبل دفع العوض ففي وجوب دفعه أيضا وجهان ؛ من قضاء الاستصحاب بوجوب دفع البدل ، ومن أنّه إنّما وجب دفع البدل لحصول المانع في المبدل ، فإذا ارتفع المانع لزم دفعه.

وفيه : أنّ القدر الثابت هو وجوب دفع العين لو كانت منتقلة إليه بالانتقال الأوّل ، وأمّا (1) انتقاله إليه بوجه آخر فلا دليل على وجوب دفعه.

فعلى هذا لو أراد دفع العين إليه فهل له الإباء عنه والمطالبة بالعوض ؛ نظرا (2) إلى أنّه حقّه ، أو يلزمه القبول (3) ؛ إذ هو عين ماله وإنّما يستحقّ المثل أو القيمة عوضا عنه فإذا بذله له لم يكن له الامتناع منه؟ وكأنه الأوجه.

ثمّ بناء على لزوم دفع العين في المقام يقوم احتمال مطالبته لها لو انتقلت إليه بعد دفع العوض من المثل أو القيمة بناء على أنّه إنّما كان ذلك من جهة قيام المانع من الرجوع في العين ، فإذا خلص له ذلك رجع إلى عينه.

وهو (4) نظير ما لو ضاعت العين المغصوبة فيرجع المالك إلى عوضها ثمّ وجدها الغاصب ، فإنّه لا يستحقّها بدفع العوض ، بل يرجعها إلى مالكها ويسترجع ما بذله من العوض.

ولا يخفى ما فيه.

والفرق بينه وبين العين المغصوبة ظاهر.

وأمّا (5) إذا كان الفسخ أو الانفساخ بعد الدفع ، فإن لم يكن الانتقال إليه من الضمان كما في الهبة فلا ضمان للمدفوع قطعا ، وإنّما له الرجوع في الباقي كما هو الحال في إتلاف بعض العين الموهوبة.

ص: 78


1- في ( د ) زيادة : « مع ».
2- في ( د ) : « القول ».
3- في ( د ) : « نظر أنّه ».
4- في ( د ) : « فهو ».
5- في ( ألف ). « ولها ».

وفي التحرير : الأقرب أن الموهوب لا يضمنه.

وفيه دلالة على قيام احتمال الضمان ، ولم يعلم الوجه فيه وإن كان مبنيّا على الضمان كما في البيع والإجارة والنكاح ونحوها ، فاللّازم الرجوع إلى المثل أو القيمة لتعذر العين.

وربّما يتخيّل في المقام أيضا وجوب التخليص أيضا مع إمكانه ؛ نظرا إلى ما مرّ.

ولا يخفى بعده. وليس للمالك تتبع العين ؛ إذ المفروض صحّة الدفع.

هذا ، ولو اختص الانفساخ ببعض النصاب فإن كان بعد الدفع جرى ما ذكرناه فيما يخصه من الحصة لإشاعة الحصّة المنفسخة من الموجود ؛ حملا له على الوجه الصحيح ، فلو رجع الواهب في نصف ما وهبه مع (1) تلف النصف انصرف إلى النصف الباقي.

وفيه إشكال.

نعم ، لو علم الواهب بالتلف قوي القول به ، وكذا لو طلب منه ردّ نصف ما أعطاه. أما لو رجع في النصف المشاع ممّا وهبه مع عدم علمه بتلف شي ء منه أو غفلته عنه ، فالأظهر فيه ما قدّمناه ، وإن كان قبل الدفع احتمل فيه أيضا ما ذكرناه ؛ أخذا بظاهر الإشاعة.

ويمكن القول بانصرافه إلى غير حصة الزكاة فيأخذ الحصة المنفسخة كمّلا من عين الباقي ؛ إذ لا تدافع بين الحقين مع إشاعتهما ووفاء الكلّ بهما ، فلا داعى إلى التقسيط ، فلو تلف نصف المبيع قبل القبض بعد حلول الحول على الثمن عند البائع استحق المشتري نصف عين الثمن ، وكان عليه إخراج الزكاة من النصف الباقي ؛ لما عرفت من كونهما حقّين وردا على المال مع وفائه بهما. مضافا إلى أنّ قضية الانفساخ هو الرجوع إلى العين.

وإنّما يرجع إلى المثل أو القيمة مع تعذر الرجوع إلى العين ، وهو غير حاصل في المقام.

وأيضا انتقال الحق إلى الذمة غير معلوم ، وقضية الأصل عدمه.

فظهر بما قرّرناه قوة الوجه الأخير.

وقد أشار الأصحاب إلى بعض جزئيات المسألة :

ص: 79


1- لم ترد في ( ب ) : « وهبه مع ... ردّ نصف ».

منها : ما إذا طلّق زوجته قبل الدخول وكان المهر عينا خارجية من أحد النصب الزكويّة وقد اختلفوا فيه ، فذهب الشيخ في المبسوط (1) والمحقق في المعتبر وظاهر الجامع (2) والعلّامة في المنتهى (3) والتحرير (4) والقواعد (5) إلى رجوعه إليها حين النصف كمّلا من غير أن يخرج منه شي ء بإزاء الزكاة ليرجع على الزوجة بعوضه من مثله وقيمته.

وحكم بذلك في التذكرة أيضا إلّا أنّه قال بعد ذلك : إنّ الوجه عندي الرجوع في نصف الموجود والمطالبة بعوض الزكاة من المثل أو القيمة.

وظاهر كلامه فرض الحكم في صورة إخراج الزكاة قبل وقوع الطلاق. وقد وافقه في ذلك الشهيد في البيان (6) حيث إنّه نصّ على أن الأقوى حينئذ أخذ الزوج بنصف الباقي ونصف قيمة المخرج. قال : وإن طلّق قبل الإخراج احتمل أن لها الإخراج من العين ، وتضمن للزوج. وما قواه من عدم انحصار حق الزوج حينئذ في الباقي بل له نصف الباقي عوض نصف المخرج هو الأقوى أخذا بقضية إشاعة حقه في نصف ما وقع العقد عليه ، فيكون الباقي لهما والذاهب (7) منهما ، وإن رجع بعوضه عليها ؛ لكون الانتقال إليها مبنيّا على ضمانها. ولا دليل على احتساب حق الزوج من عين الباقي سوى ما يتخيّل من إمكان رجوعه إلى العين ، فلا داعي إلى رجوعه بالعوض.

وقد عرفت ضعفه.

وأمّا لو كان ذلك قبل الإخراج فالقول باستحقاقه لعين النصف هو المتّجه.

ومجرّد تعلّق الزكاة بالعين أيضا لا يقضي بانتقال حقه في نصف الزكاة إلى الذمّة ؛ إذ

ص: 80


1- المبسوط 1 / 207.
2- جامع المقاصد 3 / 9.
3- منتهى المطلب 1 / 476.
4- تحرير الأحكام 1 / 352.
5- قواعد الأحكام 1 / 332.
6- البيان : 170.
7- لم ترد في ( ب ) : « لهما والذاهب .. عين الباقي ».

المفروض إشاعة العين ووفاء (1) المال بهما ، فلا تدافع بينهما حسبما ما أشرنا إليه.

وأمّا ما يظهر من البيان من احتمال تسلّطها حينئذ على الإخراج من العين ولو من دون إذن الزوج ففيه تأمّل يأتي الإشارة إليه.

والحكم بضمانها حينئذ لحصّة الزوج غير جار (2) على القواعد ؛ إذ غاية ما يعلم حينئذ تسلطها على إقرار حق الزكاة من دون إذن الزوج ، وهو لا يقضي بانتقال ما يستحقّه الزوج بمقتضى الإشاعة في العين المخرجة إلى الذمة ، بل قضية الإقرار تعيينه في الباقي ، فتأمل.

ومما قرّرنا ظهر أن ما أطلقه الجماعة المتقدمة غير جار على القواعد المقررة.

[ فروع ]

وينبغي التنبيه على فروع :

أحدها : أنه لا أشكال في جواز دفعها الزكاة من العين قبل الطلاق ( وإن كان هناك مظنة لقبوله (3) ؛ إذ لا قصور إذن في ملكها ). (4) وأما بعد الطلاق فلا إشكال أيضا في جواز دفعها بالقيمة. وأما إخراجها من العني من دون اذن الزوج فمشكل ؛ نظرا إلى المنع من التصرف في المال المشترك من دون إذن الشريك كما هو الحال في سائر الأموال المشتركة ؛ إذ أوجب الزكاة فيها ، فلا يجوز إخراجها إلّا بإذنه او بعد قطع شركته ، وإلا كان الدفع باطلا من جهة النهي القاضي بفساد العبادة.

وقد نبّه على ذلك في المنتهى (5) والتحرير (6) حيث ذكر فيهما أنه لو طلّقها قبل الدخول وبعد الحول وقبل الإخراج لم يخرج من العين إلّا بعد القسمة لأنه مشترك بينهما.

ص: 81


1- في ( د ) : « وقاء ».
2- من قوله « غير جار » إلى قوله « على سبيل الإشاعة كالزكاة » غير موجود في ( ألف ).
3- الكلمة هناك مطموسة عليها قرأناها كذلك.
4- ما بين الهلالين ليس إلّا في ( د ).
5- منتهى المطلب 1 / 477.
6- تحرير الأحكام 4 / 468.

وقد تقدم عن البيان (1) احتمال تسلط الزوجة على الإخراج من العين وضمانها للزوج.

وظاهره عدم الحاجة في ذلك إلى إذن الزوج.

وكأنّ الوجه فيه سبق تعلق الزكاة ، فيقدّم في الأول ، ولثبوت التخيير لها في الأداء قبل تعلّق حق الزوج فيستصحب.

ولا يخفى ما فيهما.

ثانيها : لو تلف نصف الصداق فهل يتعيّن النصف الباقي للزوج وينتقل الزكاة إلى ذمة الزوجة؟ أو إنها تتعلق بعين الباقي إلا أن يرجع الزوج عليها إذا قبضها الساعي من العين؟ قولان ؛ ففي المعتبر : إنه لو تلف نصف الصداق فالنصف الباقي للزوج وعليها الزكاة.

وفي ح (2) : إنه لو هلك النصف أخذ الساعي الزكاة من نصيب الزوج ؛ لأنها تجب في العين ويرجع الزوج عليها.

وفي التذكرة (3) والقواعد (4) والنهاية (5) : لو تلف النصف بتفريطها تعلق حق الساعي بالعين ، وضمنت للزوج.

وإنما فرض المسألة في صورة التفريط لسقوط الزكاة بالنسبة مع عدم التفريط في الحفظ والأداء ، وإن جرى الكلام المذكور إذن في النصف الباقي.

وكأن الوجه في الأول ما مرّت الإشارة إليه من آن حق الزوج إنما يتعلق بالعين مع بقائها على سبيل التعيين بخلاف حق الزكاة لتعلقه بها على سبيل التخيير بين الإخراج منها أو من غيرها ، فيقدم الأول عند التعارض.

وفيه : أن قضية الزكاة بالعين على سبيل الإشاعة كون الثابت في ذمة المرأة هو نصف

ص: 82


1- البيان : 170.
2- قال المحقق في الشرائع 1 / 112 : لو هلك النصف بتفريط كان للساعي أن يأخذ حقه من العين ويرجع الزوج عليها به ؛ لأنه مضمون عليها. وانظر المسالك 1 / 379.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 39.
4- قواعد الأحكام 1 / 332.
5- نهاية الإحكام 2 / 307.

الزكاة على المتلف من النصاب ، فيكون النصف الأخير باقيا في العين الباقية ، فلا وجه لانتقالها إلى الزوج مع استحقاق الفقراء لها.

على أن الظاهر استحقاق الفقراء تمام الزكاة في العين الباقية إذا كانت وافية بها حسبما يأتي الإشارة إليه إن شاء اللّه.

وحينئذ يكون تمام الزكاة في النصف الباقي.

هذا إذا كان التلف عن تفريط منها في الحفظ أو الدفع ، وأما مع عدمه فيسقط النصف ويبقى النصف الآخر متعلقا بالعين.

فظهر مما ذكرنا قوّة القول الثاني.

ثالثها : أنه هل يتوقف قسمة الصداق بينهما على تخليص المال من الزكاة بإخراجها من العين أو بدفع القيمة من الخارج أو يصح من دونه؟ وجهان ؛ والمنصوص به في المنتهى والمبسوط هو الثانى.

وقوّاه الشهيد في البيان وتنظّر فيه في الدروس ، لكن استقرب الجواز.

وقد نص هؤلاء بتعيين الزكاة في نصيب الزوجة.

والوجه في صحة القسمة أن الخيرة في دفع الزكاة إلى المالك ، فإذا عيّن حصة الزوج في أعيان مخصوصة فقد جعل الزكاة في غيرها مما بقي له ؛ لوجوبها عليه دون الزوج ، فاشتراك المال بينهما وبين الفقراء لا يمنع من صحة القسمة كما توهمه بعض العامة.

والظاهر هر انه لا فرق بين أن ينوي تعيين حصة الفقراء في حصته أو لا ؛ لحصوله با لالتزام مع الإطلاق.

ولو نوت خلافه فإن زيد في نصيب الزوج ما يفي بالزكاة قل مانع ، وإلا فالظاهر بطلان القسمة ؛ لعدم تعادل السهام.

ثم إن ادّت الزكاة من العين أو القيمة فلا كلام ، وإن ادّت الزكاة من العين أو القيمة فلا كلام ، وان تعذر الأخذ منها أخذها الساعي من نصيب الزوج ويرجع الزوج إليها. وقد نص

ص: 83

على ذلك في الدروس (1).

وفي البيان (2) : لو أفلست فله الرجوع على الزوج ثم هو يرجع إليها.

وكأنه أراد بذلك ما إذا قضى إفلاسها بتعذر الأخذ منها.

ويدل على جواز الأخذ من نصيب الزوج حينئذ ما سيأتي إن شاء اللّه من أن للساعي تتبع العين إذا ضمن المالك وامتنع من الأداء.

وفي المبسوط (3) : فإن هلك نصيبها وبقي نصيب الزوج كان للساعي أن يأخذ حقّه من نصيب الزوج.

ونحوه ما في المنتهى (4).

وظاهر الإطلاق المذكور يقضي بجواز الرجوع إلى الزوج مع إمكان الرجوع إلى الزوجة بالعوض ، بل ولو مع بذلها.

وهو غير متّجه ؛ إذ قضية الحكم بتعلق الحق بحصة الزوج هو الرجوع إليها في أخذ العين أو العوض مع الإمكان وقد يكتفى فيه بمجرد امتناع الزوجة عن الاداء.

وسيأتي توضيح القول فيه في محله إن شاء اللّه. ولو تلف نصيب الزوج أو أتلفه فهل للساعي تعزيمه؟ وجهان.

وقضية الرجوع عليه بالعين مع وجودها هو الرجوع عليه بعوضها مع تلفها.

ثم إن الرجوع بها على الزوج هل يقضي بفساد القسمة؟ وجهان.

واستقرب في التحرير صحتها. وهو الأظهر ؛ استصحابا للصحة الثابتة.

رابعها : أنه لو أطلقها حينئذ قبل تمكنها من الإخراج فهل يقسط عنها الزكاة بالنسبة إلى نصف الصداق الراجع إلى زوجها أو لا؟ قولان ؛ اختار اولهما العلامة في التحرير.

ص: 84


1- الدروس 3 / 391.
2- البيان : 170 ، وانظر : قواعد الأحكام 2 / 112 ، جامع المقاصد 5 / 71.
3- المبسوط 1 / 208.
4- منتهى المطلب 1 / 477 ، وانظر : تذكرة الفقهاء 5 / 38.

والوجه فيه أنه من قبيل ما لو تلف بعض النصاب قبل تمكن المالك من الإخراج ، فيسقط نصيبه من الزكاة ؛ لتعلقها بالعين.

واختار ثانيهما في التذكرة والدروس والبيان.

وقد أطلق في المنتهى والقواعد ونهاية الإحكام وجوب الزكاة عليها بتمامها بعد سقوط النصف بالطلاق ، فيعمّ ما إذا تمكّنت قبله من الإخراج أولا.

وكذا أطلق الشيخ والمحقق وغيرهما.

والوجه فيه رجوع عوض الساقط على البضع إليها ، فليس ذلك من قبيل تلف بعض النصاب ، بل هو من قبيل انتقال بعضه عنه في مقابلة العوض كما لو أخذه الديّان تقاصّا في موضع يجوز له ذلك : إذ لا يسقط بسببه شي ء من الزكاة قطعا.

وكذا لو وقع فسخ البيع من صاحب الخيار بعد حلول الحول قبل تمكنه من الإخراج ؛ فإن ذلك لا يقضي بسقوط شي ء من الزكاة كما سنشير إليه إن شاء اللّه.

وربّما يستشكل فيه بأن العوض الواصل إليها ليس مالا على الحقيقة ليصدق عود مال إليها عوض الذاهب ، وليس المراد بتمليك البضع هو التمليك المتعارف في سائر المعاوضات ، ولذا لا يعدّ المهر ركنا في النكاح ليفسد العقد بفساده كما في غير من المعاوضات المعروضة.

وفيه : أنه وإن لم يكن البضع مالا على الحقيقة إلا أنه يقابل بالمال ، وهو كاف في المقام.

نعم ، قد يشكل الحلال في ذلك بأن السر في السقوط من الزكاة بنسبة التالف تعلق الزكاة بالعين ، فإذا تلف منها شي ء بغير تفريط المالك سقط من الزكاة تبلك النسبة ؛ أخذا بمقتضى الإشاعة. وذلك بعينه جار في صورة عود العوض إليه أيضا ؛ إذ المفروض وجوب الزكاة في الذاهب دون عوضه الراجع إليه ، فإذا ذهب ذلك عنه بغير تفريطه واختياره لزمه سقوط الزكاة تبلك النسبة ؛ إذ لا مقتضى لتعلّق ما يخصه من الزكاة بالذمة أو بالتتمة.

ويدفعه أن حق الزوج في المقام إنما تعلّق بالمال على سبيل الإشاعة كالزكاة. ولا معارضة بينهما في المقام ليقضي بسقوط شي ء من الزكاة حسبما عرفت ، ومع عدم وفاء المال بهما كما إذا تلف ما زاد على النصف لا نقول بانتقال ما يخصّه من الزكاة إلى الزوج ، وإنّما يضمنه

ص: 85

الزوجة له كما مرّ.

والحاصل أنّ حق الغير إنّما يتعلق بالعين إذا كان المحل قابلا ، وأمّا مع انتفاء قابليّته - كما هو المفروض في المقام لسبق تعلّق الزكاة - فلا يمكن تعلّقه بالمجموع ، وإنّما (1) يتعلّق بغير القدر المذكور على سبيل الإشاعة ، وذلك لا يقضي بسقوط شي ء من الزكاة ؛ إذ لا معارضة بينهما كما قرّرنا.

فتنزيل ذلك منزلة التلف ممّا لا وجه له أصلا. نعم ، على القول بتعيّن النصف الباقي من الصداق للزوج - كما مرّت الإشارة إليه - يمكن القول بسقوط ما يخصّ ذلك من الزكاة ، إلّا أنّك قد عرفت ضعفه.

فظهر بذلك أن المتّجه عدم سقوط شي ء من الزكاة في المقام إلّا أنّه لا يتّجه تعليل الحكم المذكور ويعود العوض إليها كما في التذكرة والدروس (2) والبيان.

ثمّ على القول الأوّل ينبغي تقييد الحكم بما إذا لم يكن إطلاقها مستندا إلى اختيارها ؛ إذ مع استناد التلف إليها لا وجه لسقوط الزكاة فيها.

خامسها : قال في التذكرة (3) : لو كان الصداق نصابا فحال عليه الحول ثمّ سقط نصفه وقبضت (4) النصف فعليها زكاة المقبوض ؛ لأنّ الزكاة وجبت فيه ثمّ سقطت عن نصفه لمعنى أخصّ به ، فاختصّ السقوط به.

ولو مضى عليه حول ثمّ قبضه كلّه زكّته لما مضى كلّه. انتهى.

ويشكل ذلك بأنّ حكمه بوجوب الزكاة في النصف الواصل إليها مع فرض حولان الحول عليها قبل قبضها مبني (5) على كون المهر عينا والزوج باذلا كما هو المفروض في كلامه قبل

ص: 86


1- في ( ب ) : « بالمجموع ولذا » بدل : « وإنّما ».
2- الدروس 1 / 231.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 36.
4- لم ترد في ( ب ) : « وقبضت .. عن نصفه ».
5- في ( ب ) : « جنى ».

الفرع المذكور ؛ إذ هو المتعيّن على مذهبه من عدم وجوب الزكاة في الدين ، وإن كان في عبارته بعد ذلك ما ربّما ينافي ذلك إلّا أنّه لا بدّ من تنزيله عليه لما عرفت.

وحينئذ فحكمه بسقوط زكاة النصف الساقط بالطلاق غير متّجه ؛ إذ لا قاضي به بعد وجوبها عليه سوى تنزيل رجوع النصف إلى الزوج منزلة التلف ، وهو مع عدم قضائه بالسقوط على القول به إلّا مع عدم تفريطها في الأداء أنه رحمة اللّه لا يقول بذلك ؛ لقطعه بعد ذلك بعدم سقوط شي ء من الزكاة إذا طلّقها قبل الدخول بها وتمكّنها من الأداء.

ومجرّد عدم قبضها مع كون الزوج باذلا لا يقضي بشي ء ، بل لا بدّ من القول باخراجها تمام الزكاة من نصفها أو من جميع (1) المال ورجوع الزوج إليها بنصف الزكاة كما (2) هو الحال فيما إذا قبضتها أجمع ، ثمّ طلقها قبل الدخول.

ولو حملت العبارة على ما هو الظاهر من إطلاقها عمّت ما لو كان الصداق عينا أو دينا ، فيرد عليه الإشكالان معا.

وقد ينزل عبارته على ما إذا كان الصداق دينا كما يدلّ عليه بعض تعليلاته ، فيكون حكمه ثبوت الزكاة في النصف تفريعا على القول بوجوب الزكاة في الدين أو اختيارا له ؛ إذ ليس في كلامه في التذكرة تصريح بعدم وجوب الزكاة في الدين وإن لم يحكم بثبوتها فيه أيضا.

وهو بعيد عن ظاهر الأدلّة سيّما بملاحظة ما تقدّمه.

مضافا إلى نصّه على الفرع المذكور قبل ذلك بأسطر بناء على القول بوجوب الزكاة في الدين.

سادسها : لو انفسخ نكاحها قبل الدخول بعد حولان الحول ، فإن كان ذلك بعد إخراج الزكاة فلا إشكال في صحّة الإخراج وضمانها ذلك للزوج ، وإن كان قبله جرى فيه الوجهان الماضيان من تعيين حقّ الزوج في العين فتضمن الزكاة في ذمّتها ، ومن وجوبها في العين فتضمن للزوج مقدار ما إذا دفعتها من العين.

ص: 87


1- في ( ب ) : « جمع ».
2- لفظة « كما » من ( د ).

والأظهر فيه الأخير حسبما مرّ.

وعلى الأوّل لو أفلست أو امتنعت من الأداء تتبع الساعي العين فيرجع الزوج عليها ، ولو كان ذلك قبل تمكّنها من الإخراج جرى فيه احتمال سقوط الزكاة بالمرة حسبما ذهب إليه في التحرير (1) في مسألة الطلاق إلّا إذا كان الفسخ من قبل الزوجة بارتدادها أو فسخها العقد لأحد الأسباب الموجبة لخيارها ؛ لاستناد التلف حينئذ إليها كما مرّ.

والأظهر هنا أيضا عدم السقوط مطلقا ؛ لعين ما قرّرناه في مسألة الطلاق.

وفي المنتهى : إنّه لو انفسخ النكاح لعيب قبل الدخول وكان الصداق مقبوضا ففي وجوب الزكاة إشكال أقربه الوجوب وتضمن هى المأخوذة في الزكاة.

ونحوه ما في التحرير إلّا أنّه لم يصرح فيه بالإشكال.

وأنت خبير بأنّه لا إشكال مع تفريطه في الأداء إذا قضاه إن ينزل ذلك منزلة التلف ، ولا وجه لاحتمال سقوط الزكاة به مطلقا.

ثمّ ظاهر إطلاقه الحكم بالوجوب يعم ما إذا لم يتمكّن من أدائها قبل الانفساخ ، وهو ينافي ما ذهب إليه في التحرير من السقوط حينئذ في مسألة الطلاق.

ومنها : أنّه لو آجر شيئا أحوالا وقبض الأجرة أو كانت عينا موجودة عند المستأجر الباذل وجبت عليه زكاتها عند حولان الحول عليها.

ولبعض العامة هنا خلاف ؛ نظرا إلى كون الأجرة في معرض السقوط بتلف العين المستأجرة. وهو ضعيف موهون بما قدّمناه.

وعلى ما قلناه لو انفسخت بعد ذلك لأحد الدواعي الباعثة عليه يرجع إلى المستأجر من الأجرة بالنسبة إلى ما بقي من المدّة ، فيجري فيه الفروع المذكورة في الصداق إلّا أنّه لو انفسخ قبل تمكّنه من إخراج الزكاة ولم يكن الانفساخ حاصلا من اختياره احتمل سقوط الزكاة بالنسبة إذا كان الانفساخ بتلف العين المستأجرة.

ص: 88


1- تحرير الأحكام 1 / 352.

ونحوه بناء على تعليل الحكم بعدم السقوط هناك بوصول عوض التالف إلى الزوجة.

على ما بيّنّاه فلا وجه لسقوط الزكاة مطلقا.

ويجري الكلام فيما إذا كان الانفساخ قبل مضي شي ء من المدّة.

ومنها : أنه لو انفسخ عقد البيع لتلف المبيع قبل القبض بعد حلول الحول على الثمن مع قبض البائع إيّاه أو كونه عينا مقدورا على قبضها لم يقض ذلك بسقوط الزكاة عنه.

ويجري حينئذ في جواز إخراجها من عينه مطلقا ، وتعين (1) الإخراج من غيره مع إمكانه ما مرّ.

والأقوى فيه أيضا هو الأوّل ؛ لتعلّق الزكاة بالعين ، ولكن يتوقّف إخراجها من العين على إذن المشتري لإشاعة الحق أو يستقلّ به البائع استصحابا للحالة السابقة ، الأقرب الثاني. وليس ذلك تصرفا في المال المشترك بدون إذن الشريك ، بل هو تعيين للحقّ المبهم في المال المفوّض إليه تعيينه ، وبعد تعيينه يتعيّن الحق فيه ، فيجب بذله على مستحقه.

وعلى الأوّل لو اختلفا في التعيين فهل يقدّم اختيار البائع ؛ إذ هو المكلف بالإخراج أو المشتري ؛ لانتقال المال إليه؟ وجهان.

والذي يقتضيه الأصل حينئذ تقديم الثاني ، فيجب على البائع اختياريّا مختاره إذا كان نصفه الواجب. ويجري ذلك في كلّ صورة ينتقل النصاب إلى غير من وجبت عليه الزكاة كما إذا باعه قبل إخراج الزكاة أو جعله ثمنا أو عوضا في الإجارة أو انتقل عنه بالميراث وأوصى إلى غيره بالإخراج ، ونحو ذلك.

وإذا كان المبيع زكويا وكان المشتري متمكّنا من قبضه ثبت فيه الزكاة أيضا. ولا تسقط عنه بذلك فيضمنها المشتري ، وإن كانت بيد البائع ؛ لأنّه المكلّف بإخراجها مع تقصيره فيه.

نعم ، لو كان التلف قبل تمكّنه من الأداء سقط إن لم يكن مفرطا في وضعها عند البائع بعد تعلّق الوجوب.

ص: 89


1- في ( د ) : « يعيّن ».

ويجري ما ذكرناه في الفسخ الحاصل من البائع أو المشتري لحصول الخيار ، ولو كان بعد القبض.

وهل يسقط الخيار بتعلّق حق الزكاة بالمال فيما يسقط التصرّف من الخيارات أو مع دفعه في الزكاة دون ما إذا كان قبل الدفع أو مع عدم ضمانه للزكاة دون ما إذا ضمنه وانتقل الحق إلى ذمته أو لا يسقط بذلك مطلقا؟ وجوه.

وهل يرجع على الآخر بتمام عوضه المقابل له ويضمن له حصة الزكاة بالمثل أو القيمة أو يسقط منه ما قابل حصّة الزكاة؟ وجهان ؛ أقربهما الأوّل ، والثاني مختار العلّامة في التذكرة حيث قال في الفرض المذكور : إنّ الزكاة على المشتري ، ويسقط من الثمن ما قابل الفريضة.

وفيه : أن ذلك لا يزيد على الإتلاف ، ومع حصوله وبقاء الخيار لا ريب في الرجوع بعد الفسخ إلى المثل أو القيمة لا سقوط ما يقابله من العوض.

هذا إذا دفع الزكاة من العين ، وأمّا إذا ضمنه ففي تعيّن دفعه العين لخلوها عن المانع تأمّل مرّت الإشارة إلى وجهه.

ومنها : أنّه لو وهبه نصابا فحال عليه الحول عند المتّهب فإنّه يجب عليه الزكاة كما مرّ. وحينئذ فلو رجع الواهب بعد أداء الزكاة لم يكن له تغريم المتهب ؛ لعدم بناء الهبة على الضمان ، وإن كان قبله لم يصحّ رجوعه بالنسبة إلى مقدار الزكاة ؛ لتعلّق الحق بالعين.

وفصّل في التذكرة (1) بين ما إذا تمكن المتّهب من إخراج الزكاة ففرط فيه ، وما إذا لم يتمكّن منه ؛ فحكم في الثاني بسقوط الزكاة عن المتّهب وعدم وجوبه على الواهب أيضا ، بخلاف الأوّل فيحكم منه (2) بوجوب الزكاة في العين تقديما لحقّ الفقراء ، فلا يصحّ الرجوع بالنسبة إليه ولا يضمنه (3) المتّهب كما لو تلف قبل الرجوع.

وأنت خبير بما فيه ؛ إذ لو كان تعلّق الحق بالعين مانعا من صحّة الرجوع بالنسبة إلى

ص: 90


1- تذكرة الفقهاء 5 / 32.
2- في ( د ) : « فيه ».
3- لم ترد في ( ب ) : « إليه ولا يضمنه .. الرجوع بالنسبة ».

مقدار الزكاة جرى في الصورتين ، فلا وجه للحكم بسقوط الزكاة في الأوّل ، وإن لم يكن مانعا من الرجوع لم يمنع منه في الأخير أيضا ، غاية الأمر أن يكون المتّهب ضامنا للزكاة ؛ نظرا إلى تفريطه في الأداء كما يضمنها حينئذ في صورة هلاك المال.

مضافا إلى أنّ تعلّق حق الغير بالمال ليس من قبيل التلف ليصح الحكم بسقوط الزكاة من جهته إذا كان قبل التمكّن من الأداء ، حسبما مرّت الإشارة إليه.

فلو دفعها المتّهب من الخارج لم يؤثر ذلك في صحّة رجوعه بالنسبة إلى حصّة الزكاة.

نعم ، لو كان الرجوع بعد ضمانه للزكاة أمكن القول بصحّة الرجوع في الجميع إن قلنا بجواز الرجوع في العين الموهوبة بعد انتقال المال عن المتّهب ، ثمّ رجوعه إليه بالملك الجديد أو قلنا بعدم انتقال المال إلى الفقراء لينتقل إليه ثانيا بسبب الضمان.

ثمّ بناء على صحّة رجوعها في العين لو رجع فيها وامتنع المتّهب من الأداء (1) كان للساعي تتبّع العين.

وهل يرجع الواهب في ذلك على المتّهب وجهان.

ص: 91


1- في ( ألف ) : « الأدلّة ».
تبصرة: [ في تعلّق الحق بعين النصاب ]
اشارة

إذا تعلّق حقّ بعين النصاب يوجب صرفها في جهته سقط عنه الزكاة ؛ لعدم تمكّن المالك معه من التصرف فيه ، ولا يجري في الحول إلّا بعد خلوصه عنه سواء كان ذلك من حقّ الناس أو حقوقه تعالى.

أمّا القسم الأوّل فيندرج فيه أمور (1) :

ومنها (2) : تعلّق الرهن به. وقد اختلف فيه كلمات الأصحاب ، فالمنصوص به في موضع من المبسوط (3) وجوب الزكاة فيه مطلقا حيث قال : ومتى رهن قبل أن يجب فيه الزكاة ثم حال الحول وهو رهن ، وجبت الزكاة ؛ لأنّ ملكه حاصل. ثمّ فصل في إخراج الزكاة بين ما إذا كان للراهن مال سواه أو كان معسرا ، فعلى الأوّل حكم بوجوب إخراجها من غيره وحكم في الثاني بتعلّقها بعين الرهن ، قال : لأنّ حق المرتهن في الذمّة بدلالة أنّه لو هلك المال رجع على الراهن.

ونصّ - بعد ذلك بأوراق - على سقوط الزكاة عن الألف المرهونة بإزاء الألف المفروضة ؛ معلّلا بانتفاء التمكّن منه.

وظاهره عدم ثبوت الزكاة فيه مطلقا سواء تمكّن الراهن من فكّه أو لا ، بل ظاهر « المفروض » في كلامه هو صورة التمكّن من الفك ؛ لفرضه بقاء الألف المستقرضة.

والتعليل المذكور أيضا يعمّ الوجهين عند التأمّل ، واختاره المحقق في الشرائع والعلّامة في

ص: 92


1- لفظة « أمور » من ( د ).
2- كذا ، والظاهر : « فمنها » أو « منها » بدون الواو.
3- في ( د ) : « فجرى ».

القواعد والمنتهى والتذكرة (1) والتحرير ؛ معلّلا له في الثلاثة الأخيرة بما ذكره الشيخ.

وإليه ذهب المحقق الكركي مصرّحا بسقوطها مع التمكّن من الفك أيضا.

وحكم الشيخ في الخلاف (2) أوّلا بعدم ثبوت الزكاة في الألف المرهونة بإزاء الألف المستقرضة ، ثمّ قال : ولو قلنا إنه يلزم المستقرض زكاة الألفين لكان قويّا.

وعلّل وجوب الزكاة في المرهونة بأنّه قادر على التصرّف فيها بأن يفكّ رهنها.

وظاهره التردد في المسألة كما عزاه إليه في المعتبر ، والظاهر أن تردّده في صورة قدرة الراهن على الفك.

ورجّح في المعتبر والمختلف ما قوّاه أخيرا. وعلّله في المعتبر (3) بأنّه مال مملوك قادر على التصرّف فيه يجري (4) مجرى المال الغائب في يد الوكيل.

وظاهر التعليل كظاهر الفرض يومي إلى اختصاص حكمه بوجوب الزكاة فيه بما إذا قدر على فكه ، وهو صريح المختلف حيث نصّ قبل ذلك بسقوط الزكاة في الرهن مع إعسار الراهن ؛ معلّلا بعدم تمكّنه من التصرّف فيه.

وقد صرّح بالتفصيل بين قدرته على الفك وعدمه كما إذا كان معسرا وكان الدين مؤجلا في نهاية الإحكام.

واختاره الشهيدان في الدروس والبيان والمسالك والروضة وابن فهد والصيمري وغيرهم.

ونصّ في المسالك والروضة بشمول الحكم لما إذا تمكّن من فكّه ببيعه. واستحسنه في المدارك إن ثبت أنّ عدم تمكّن الراهن من التصرّف في الرهن مسقط (5) للوجوب ، وإلّا فإطلاق

ص: 93


1- تذكرة الفقهاء 5 / 24.
2- الخلاف 2 / 111.
3- المعتبر 2 / 543.
4- في ( د ) : « فجرى ».
5- في ( ألف ) : « سقط ».

وجوب الزكاة فيه أولى.

واستشكل فيه في الذخيرة.

والأظهر هو القول بسقوط الزكاة عنه مطلقا لانتفاء التمكن من التصرف فيه حالكونه مرهونا ، والقدرة على إمكان فكّه ليس قدرة بالفعل عرفا على التصرّف فيه ، بل هو قدرة على تحصيل القدرة عليه.

والفرق بين الأمرين ظاهر في ملاحظة العرف ، وإن كان الثاني بمنزلة الأوّل عند تدقيق العقل كما هو الوجه في القول بالتفصيل.

وأمّا الوجه في إطلاق وجوب الزكاة منه (1) فمبني على (2) كون المنع من التصرّف مطلقا مانعا من تعلّق الزكاة حسبما أشرنا إليه من كلام السيّد في المدارك.

ومن الغريب ذهاب الشيخ إليه فيما حكيناه من عبارته في المبسوط ؛ معلّلا بأنّه ملك للراهن مع قطعه باعتبار التمكّن من التصرّف في وجوب الزكاة.

فروع

الأوّل : لا فرق بين أن يكون الرهن بإزاء حقّ ثابت في الشرع أو بإزاء محتمل كما في الرهن بإزاء درك المبيع ؛ لمنع المالك شرعا من التصرف فيه وإن لم يكن هناك حق بازائه بحسب الواقع.

الثاني : لا فرق بين أن يكون العين المرهونة من مال الراهن أو يكون مستعارا للرهن إلّا أنّ المعتبر حينئذ - بناء على التفصيل المذكور - قدرة المعير على فكّه دون المستعير. وقد نصّ عليه في المسالك وغيره.

الثالث : لو أذن المرتهن في تصرّف الراهن فيه كيف شاء احتمل وجوب الزكاة فيه ؛ لارتفاع المنع بذلك. والظاهر تعيّن ذلك فيما إذا شرط عليه في ضمن عقد لازم ؛ بناء على عدم

ص: 94


1- في ( د ) : « فيه ».
2- في ( د ) زيادة « منع ».

جواز رجوعه عنه.

ومنها : أن يكون الحاكم قد حجر عليه التصرّف في المال لحق الغرماء ؛ لعدم تمكّنه حينئذ من التصرّف في المال بغير إذنهم ؛ نظرا إلى تعلّق حقّهم بالعين.

وقد قطع بانتفاء الزكاة حينئذ في أمواله جماعة منهم الشيخ في المبسوط (1) والعلامة في عدة من كتبه كالقواعد (2) والتذكرة (3) والنهاية (4) ، والشهيد في البيان (5).

وربّما يستظهر من المنتهى (6) ثبوت الزكاة في مال المحجور عليه حيث استدلّ على سقوط الزكاة من المكاتب بمنعه من التصرّف في ماله ، فملكيّته غير تامّة ، ثمّ قال : لا يقال : ينتقض بالمحجور عليه والمال المرهون ؛ لأنّا نقول : الفرق بينهما أن الملكيّة هناك تامّة والنقض (7) إنّما حصل في التصرّف : أمّا في المحجور فلنقص تصرفه ، وأمّا في المرهون فالمنع بعقد ، فلا يسقط حقّ اللّه. انتهى.

وهو كما ترى ظاهر الدلالة على تعلّق الزكاة بعد حصول الحجر. وقد ينزل على خصوص حجر السفيه.

وظاهر الدروس التأمل فيه حيث أسند فيه مع حجر المفلّس (8) إلى الشيخ.

وكأنّ الوجه فيه حصول الملكيّة ، ومنعه من التصرّف فيه إنّما هو لحق الغرماء فقد لا يمنع ذلك من وجوب الزكاة ؛ إذ ليس مجرّد انحصار وجه التصرّف باعثا على سقوط الزكاة وإلّا لم يجب فيما إذا انحصر أداء الدين في دفع النصاب إلى المديون. وليس كذلك إجماعا منّا.

ص: 95


1- المبسوط 1 / 224.
2- قواعد الاحكام 1 / 331.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 29.
4- نهاية الإحكام 2 / 305.
5- البيان : 170.
6- منتهى المطلب 1 / 473.
7- في ( د ) : « النقص ».
8- في ( د ) : « الفلس ».

وضعفه ظاهر ممّا عرفت من اعتبار إمكان التصرّف في وجوب الزكاة وظهور انتفائه في المقام (1) انحصار وجه التصرف (2) ( التصرف في ذلك بل تعلّق حقّ الغرماء بالعين ، فالفرق بينه وبين الفرض المذكور واضح.

ومنها : حجر الورثة عن التصرّف ) (3) في التركة قبل أداء الدين وتفصيل القول في ذلك انّ الدين امّا أن يكون مستوعبا للتركة أو لا ، وعلى الثاني إمّا أن نقول بحجر الورثة عن التصرف في المال مطلقا قبل أداء الدين أو أنّه لا حجر عليهم فيما يزيد على مقداره.

ثمّ إنّ الزكاة إمّا أن يتعلّق بالمال في حياة المورث أو بعد وفاته ، وعلى الثاني فإمّا أن تكون العين الزكويّة موجودة في حياته أو تحصل بعد موته كما إذا أنتجت اغنامه بعد وفاته وحال الحول على النتاج قبل أداء الدين ، أو وجدت الثمرة بعد الموت.

فإن تعلّقت الزكاة بالعين في حياة المورّث ثمّ (4) لم تسقط بموته فتخرج من أصل المال إجماعا معلوما ومنقولا في المدارك وغيره.

وإنّما خالف فيه بعض العامة ؛ لتوهّم كونها كسائر التكاليف الساقطة بالموت ، فلا يخرج من المال.

وفساده واضح. نعم ، هنا كلام في تقديم الزكاة على سائر الديون إذا لم تف التركة بالجميع وتوزيعها عليها ، فالمعروف تقديم الزكاة وإليه ذهب الفاضلان في الشرائع والتحرير والقواعد والإرشاد ، والشهيدان في الدروس والمسالك ، والسيد في المدارك ، وغيرهم.

وذهب الشيخ في المبسوط إلى توزيعها على الزكاة والدين. وكأنّه مبنيّ على عدم تعلّق الزكاة بالعين تعلّق التركة ، أو على ظاهر ما في الصحيح من إطلاق الحكم بتنزيل ما عليه من

ص: 96


1- لم ترد في ( ب ) : « وجوب الزكاة وظهور انتفائه في المقام ».
2- زيادة في ( ب ) : « باعثا على سقوط الزكاة وإلّا لم يجب فيما إذا انحصر أداء الدّين في دفع النصاب إلى المديون. وليس كذلك إجماعا منّا. وضعفه ظاهر ممّا عرفت من اعتبار إمكان ».
3- ما بين الهلالين من ( ب ) و ( د ).
4- لم ترد في و ( د ) : « ثمّ ».

الزكاة منزلة الدين.

ولا يخفى ما فيه ؛ لما سيجي ء إن شاء اللّه من تعلّق الزكاة بالعين على سبيل الشركة ، ولو قلنا بتعلّقها على سبيل حق الرهن بالعين أو الجناية بالعبد فكذلك أيضا ، وإن تعلّق حق الديان أيضا بالعين بسبق الأوّل على الموت وتأخّر الثاني فلا يصادف محلا قابلا بالنسبة إلى ما يقابل الزكاة.

فما في البيان من تفريع الحكم هنا على الحكم في كيفية تعلّق الزكاة فاستحسن الأوّل بناء على الأوّل وجعل الثاني أحسن بناء على أحد الوجهين الآخرين ليس على ما ينبغي.

وأمّا ما دلّ على تنزيله منزلة الدين فلا يبعد تنزيله على الزكاة المنتقلة إلى الذمّة ، بل الظاهر وروده في خصوص ذلك كما يومي إليه السؤال المفروض فيه.

وحينئذ فلا إشكال في التوزيع لصيرورتها بعد التعلّق بالذمّة كسائر الديون.

واستقرب الشهيد في شرح القواعد توزيعه عليها ، وحكى عن بعض الأصحاب قولا بتقديم الزكاة لقول النبي صلى اللّه عليه وآله : « فدين اللّه أحقّ أن يقضى » (1) ، وبتقديم الدين لأنّ حقّ العباد مبني على التضييق ، وحق اللّه على المسامحة.

وهذان ضعيفان.

نعم ، لو كانت العين موجودة فللساعي منع العين في وجه قوي.

وإن تأخر زمان تعلّقها عن حياة المورث فإن كان الدين مستوعبا للتركة وكانت العين الزكوية موجودة حين الوفاة فلا زكاة أيضا ، أمّا على القول بعدم انتقال التركة إلى الورثة وبقائها على حكم مال الميت - كما ذهب إليه المحقق وغيره وحكى القول به عن الأكثر - فظاهر ؛ لعدم دخولها حينئذ في ملك الورثة ، ولا في ملك الديّان قطعا ، والميّت لا تكليف عليه. وإطلاقات الزكاة - بناء على القول بشمولها لأموال غير المكلفين - غير شاملة لتلك ، ولا أقل من الشكّ ، وهو كاف في المقام.

ص: 97


1- عوالي اللئالي 1 / 216.

وأمّا على القول بانتقالها إلى الورثة فللحجر عليهم حينئذ في التصرف قبل أداء الدين ، فلا تمكّن لهم من التصرف في العين.

وفي المدارك (1) : إن (2) وجوب الزكاة أوجه.

ثالثها : أنّه تمكّن من التصرف في النصاب ولو بأداء الدين من غير تركة وجبت الزكاة عليه ، وإلّا فلا.

وزاد في التذكرة (3) وجها رابعا ، وهو أنّه إن كان للورثة مال يدفعونه في الزكاة ( وجب عليهم الإخراج منه ؛ لأن الواجب حصل في ملكهم ، وتعلق حق الغرماء به لا يمنع من وجوب الزكاة ) (4) كالمرهون.

وإن لم يكن لهم ما يؤدّونه في الزكاة احتمل سقوطها لتعلّق الدين بالعين ، فيمنع من تعلّق الزكاة ووجوبها لتعلّق الزكاة أيضا بالعين ، فتقدّم على حقوق الغرماء.

والمختار عند جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط (5) والفاضلان في الشرائع والمعتبر والمنتهى والقواعد عدم تعلّق الزكاة (6).

وهو الأظهر ، أمّا على القول بعدم انتقال المال إلى الوارث فظاهر حسبما عرفت ؛ وأمّا على القول بانتقاله إليه فللحجر عليهم من التصرف فيه.

ولو فرض قدرته على الافتكاك بدفع الدين من الخارج فهو لا يقضي بارتفاع الحجر قبل الدفع أو ما بمنزلته. ومع حصوله لا زكاة لمنعه من التصرف فيه المانع من تعلّق الزكاة.

وقد عرفت أنّه لا منافاة عرفا بين انتفاء القدرة على التصرّف وحصول القدرة على تحصيل القدرة عليه.

ص: 98


1- مدارك الأحكام 5 / 154.
2- في ( د ) زيادة « في ».
3- تذكرة الفقهاء 5 / 160.
4- ما بين الهلالين ورد في ( د ).
5- المبسوط 1 / 224.
6- في ( د ) زيادة « به ».

وفي كلام المحقق الأردبيلى حكاية الإجماع على سقوط الزكاة. وهو غريب منه مع شيوع الخلاف فيه.

فظهر بما ذكرنا اندفاع احتمال التفصيل كما ذهب إليه في نهاية الإحكام وظاهر وجوب اخراج الزكاة من غيره لحجره عن التصرف فيه قبل أداء الدين. وهو خروج عن القاعدة كما سيجي ء الاشارة إليه.

وأضعف منه القول بوجوب الزكاة في المقام مطلقا كما هو ظاهر الذخيرة ؛ نظرا إلى منع كون المنع من التصرف مانعا مطلقا.

وذكر المحقق الكركي أنّه يحتمل قويا وجوبها مع الشرائط ؛ لأنّ تعلّق الدين بها أضعف من تعلّق الرهن ؛ لأنّ للوارث التصرّف بغير إذن من المدين.

وفي البيان : ويحتمل عندي الوجوب في متعلّق الدين على القول بملك الوارث ، لحصول السبب والشرط أعني إمكان التصرّف. وتعلّق الدين هنا أضعف من تعلّق الرهن.

فيه : أنّ كون تعلّق الدين أضعف من تعلّق الرهن على فرض تسليمه لا يقضي بقدرة الوارث على التصرف من دون أداء الدين سيّما مع عدم قدرة الوارث على الافتكاك ، فالاحتمال المذكور ضعيف.

وأضعف منه ما فصّله في التذكرة لتعلّق الزكاة على فرض وجوبها بالعين ، فلو لم تكن تعلّق حق الديّان مانعا من تعلّقها لوجب في العين وقضى ذلك بصحّة إخراجها منها ، وإلّا لم تجب.

وتملّك الوارث لما يؤديه في الزكاة وعدمه ممّا لا دخل له في تعلّق الزكاة بالمال المفروض ، سيّما مع إعساره وعدم إمكان فكّه بدفع الدين من غيره.

ثمّ إنّه على القول بوجوب الزكاة فيه وجواز الإخراج منه فهل على الوارث ضمان حصّة الزكاة للديّان؟ قولان.

ص: 99

والمحكي عن البيان (1) استقراب غرمه له ؛ نظرا إلى سبق حقّ الديان.

وضعّفه في المدارك (2) ، واستقرب عدم الغرم ، وعلّله بأنّ الوجوب قهريّ (3) كنقص القيمة السوقيّة والنفقة على التركة.

ويضعّفه أنّه إنّما يتمّ إذا كان التأخير من جهة الديّان كما إذا لم يكن حاضرا أو وصّى بالتأخير ، وأمّا إذا كان لامتناع الورثة عن الدفع فلا ؛ لكونهم سببا (4) للنقص على الديان (5) ، وجعله من قبيل نقص القيمة السوقيّة ممّا لا وجه له.

وأمّا النفقة فلم يثبت كونها على التركة مطلقا ، ولو كان التأخير عن امتناع الورثة عن غير حق.

فالأظهر إذن إلحاق ذلك في الصورة المفروضة بإتلافهم لبعض التركة قبل الدفع إلى الديان.

ولا تأمّل هناك في الضمان.

ويمكن أن يفصّل في المقام بنحو آخر ، وذلك بالفرق بين ما إذا كانت الزكاة لازمة في المقام على تقدير الدفع إلى الديّان أيضا ، وما إذا لم يكن كذلك كما إذا كان النصاب ممّا يعتبر فيه الحول ؛ لهدمه بالدفع إليهم أو تعدد الديانة ولم يكن حصّة كلّ منهم بمقدار النصاب ، فلا غرم على الأوّل لكونها من لوازم المال دون الثاني.

وفيه : أن وجوب الزكاة على الديّان ودفعهم لها ، من أنفسهم غير وجوبها على الورثة ودفعهم لها فلا يسقط الضمان عنهم بمجرّد لزوم الزكاة على الوجهين.

مضافا إلى إمكان عدم وجوب الزكاة على الديّان ببيعه قبل تعلّق الوجوب.

ص: 100


1- البيان : 169.
2- مدارك الأحكام 5 / 154.
3- في ( د ) زيادة « فهو ».
4- زيادة « سببا » من ( د ).
5- زيادة الواو من ( د ).

ثمّ بعد البناء على التغريم هل يتعين على الوارث إخراج الزكاة من غير العين إذا تمكّن منه؟ وجهان ؛ أظهرهما عدمه لتعلّق (1) الزكاة بالعين ، ومعه يسقط حقّ الديان في حصّة الزكاة ، فيغرمه الوارث.

وحكى في المدارك قولا باليقين ؛ إذ لا فائدة في الإخراج من العين ثمّ الغرم.

وضعفه ظاهر ؛ إذ انتفاء الفائدة لا يقضي بوجوب ذلك عليه على أنّه قد يترتب عليه فائدة للورثة.

نعم ، قد يوجّه ذلك بثبوت حقّ الديّان في العين ، فلا يسقط بمجرّد تعلّق الزكاة لإمكان دفعها من الخارج فيستصحب منعهم من التصرّف في العين من دون إذن الديّان.

ويدفعه إذن ما مرّ من الكلام.

وأمّا إذا لم تكن العين الزكويّة موجودة حين الوفاة كما إذا ظهرت الثمرة بعد موته فإن قلنا ببقاء التركة على حكم مال الميّت إلى أن يستوفي المديون فقد يقال : انّه لا زكاة فيه بالنسبة إلى الميّت ولا الورثة حسبما مرّ.

ولذا أطلق في الشرائع سقوط الزكاة في المقام. ونصّ في المنتهى بسقوط الزكاة ولو حصل تعدد النصاب ؛ معلّلا بأنّها في حكم مال (2) الميت.

ونصّ عليه أيضا في التحرير إلّا أنّه لم يعلّله بذلك.

ويشكل بأنّه إن بني على كون التركة في حكم مال الميّت ولو كانت زائدة على مقدار الدين فالأمر كذلك ، وأمّا (3) إن خصّ ذلك بما يقابل الدين ويساويه فلا يتم التفريع.

وإن قلنا بانتقالها إلى الوارث فقد قطع في المدارك (4) حينئذ بوجوب الزكاة على الوارث لحدوثها في ملكه ، قال : ولا يتعلّق بها الدين فيما قطع به الأصحاب ؛ لأنّها ليست جزء من

ص: 101


1- في ( ب ) : « عدم تعلّق » بدل : « عدمه لتعلّق ».
2- في ( ألف ) : « حال ».
3- في ( د ) : « فامّا ».
4- مدارك الأحكام 5 / 154.

التركة.

وما ذكره رحمه اللّه محلّ منع.

وما جعله من مقطوع الأصحاب لم نعثر عليه ، بل لم نجد من (1) أفتى بعدم تعلّق الدين بها سوى ما في المنتهى (2) حيث حكم بوجوب الزكاة في ثمر النخل لو مات المالك قبل اطلاعها لو قلنا بانتقال الملك إلى الورثة ، لكنّه رحمه اللّه لا يختار ذلك.

ولذا قطع قبل ذلك بقليل لعدم وجوبها في الثمرة وإن زادت على الدين أفضل منها مقدار النصاب.

وفي التذكرة (3) : إن الوجه أن الثمرة للورثة ، لأنّ الدين على ما اخترناه لا يمنع انتقال الملك إلى الورثة ، والثمرة حدثت في ملكهم فلا يتعلق الدين بها.

وهو كما ترى ليس قطعا بالحكم.

واحتمال كون الثمرة بمنزلة الأصل إذا كان في الدين ما يقابلها وجه وجيه.

وقد قطع في المسالك (4) بعدم الفرق في عدم الوجوب حينئذ بين القول بانتقال التركة إلى الوارث أو أنّها على حكم مال الميّت ؛ لأنّه وإن حكم بانتقالها إليه لكن يمنع من التصرّف فيها قبل الوفاة. وهو يشير إلى ما قلناه ؛ إذ لو خلص له الثمرة على القول المذكور لم يعقل منعه من التصرف فيها وفي نهاية الإحكام (5) : ولو مات قبل بدوّ الصلاح فلا زكاة سواء قلنا بانتقال التركة إلى الوارث أو قلنا إنها على حكم مال الميت ؛ لمنع الوارث من التصرف فيها ، فانتفى شرط الوجوب.

وظاهر إطلاقه يوافق ما حكيناه عن المسالك ، فعلى هذا الوجه ينزل النماء الحاصل بعد

ص: 102


1- ليس في ( د ) : « من ».
2- منتهى المطلب 1 / 498.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 160.
4- مسالك الإفهام 1 / 397.
5- نهاية الإحكام 2 / 318.

الوفاة منزلة التركة ، فإن كان الدين مستوعبا للتركة معها أيضا جرى فيه الكلام المتقدّم ، وإن لم يكن مستوعبا أتى فيه ما سنذكره في غير المستوعب إلّا إذا كانت التركة مساوية للدين أو يحتمل حينئذ اختصاص حق الديّان فيه ، فيكون النماء الحاصل مختصا بالوارث ؛ إذ لا يعقل انتقاله إلى الديان ، وتعلّق حقه به أيضا مخالف للأصل.

نعم ، على القول بكونها في حكم مال الميت يجري ذلك أيضا في النماء. ولا يبعد القول بتعلّق حق الديّان بالنماء أيضا ؛ أخذا بظاهر الإطلاقات.

ويشير إليه استحقاقه في النماء قطعا على فرض تلف الأصل.

وفي المسالك (1) : إنّ الأولى (2) بناء على الانتقال وجوب الزكاة على الوارث مع بلوغ نفسه (3) ممّا يزيد على الدين نصابا وإن أمكن عروض الضمان عليه بتلف ما قابل الدين فصارت الأقوال في المقام ثلاثة أظهرها الأخير.

واستقرب في الذخيرة القول بوجوب الزكاة في الثمرة بناء على القول بالانتقال إليه ، ولو قلنا بمنعه من التصرف فيه ؛ نظرا إلى منعه منع ذلك من تعلّق الوجوب كما مرّ.

وقد عرفت ضعفه.

وأمّا إذا لم يكن الدين مستوعبا فإن لم يفضل لكلّ من الورثة أو لبعضهم مقدار النصاب فالحال فيه كصورة الاستيعاب.

وإن فضل فإن قلنا ببقاء التركة قبل أداء الدين على حكم مال الميّت ولو مع زيادتها عليه ، فلا زكاة مطلقا. وكذا إن قلنا بالانتقال إلى الوارث ومنعه من التصرف مطلقا قبل الأداء ؛ لاحتمال التلف قبل الوفاء.

وقد نصّ في المنتهى (4) والتحرير (5) على سقوط الزكاة حينئذ عن الوارث معلّلا له في

ص: 103


1- مسالك الإفهام 1 / 397 ، وفي ( ألف ) : المدارك ، والصحيح ما أدرجناه.
2- في ( ألف ) : « الأوّل ».
3- في ( ألف ) : « نصيبه ».
4- منتهى المطلب 1 / 498.
5- تحرير الأحكام 1 / 375.

الأول بأن التركة على حكم مال الميّت وإن قلنا بعدم حجره فيما زاد على مقدار الدين كما هو الاظهر ؛ بل المتعيّن فيما إذا لم يتمكن من الدفع إلى الديّان فلا إشكال في وجوب الزكاة في القدر الزائد.

وقد نصّ في نهاية الإحكام (1) على وجوب الزكاة فيه ويمكن القول به بناء على كون التركة في حكم مال الميّت.

والقول بانتقالها إلى الورثة لإمكان القول بذلك فيما يساوى الدين خاصة دون ما يزيد عليه كما أنّه يصح الحكم ، ينبغي الزكاة فيه على القولين كما أشرنا إليه.

فما في البيان (2) من تفريع ثبوت الزكاة فيه على القول الثاني وعدمه على القول الأول غير واضح.

وأما ما يقابل الدين من التركة فيجري فيه الكلام المتقدم بعينه.

ولو حصل له نماء زكوي جرى فيه أيضا ما قدّمناه.

إلّا أن يمكن القول هنا بوجوب الزكاة في التركة مطلقا إلا أن يبقى منها مقدار الدين ؛ إذ لا يتعين شي ء منها للدين ، فللوارث التصرف في كل جزء منها إلى أن يبقى منها مقدار ما يحصل به الوفاء.

هذا على القول بانتقال التركة إلى الوارث لحصول الملكية حينئذ مع القدرة على التصرف بالنسبة إلى كل جزء منها ، وإن لم يكن قادرا على التصرف في الكل.

ومن هنا يقوم احتمال وجوب الزكاة فيما إذا لم يكن الفاضل على الدين مقدار النصاب أيضا ؛ نظرا إلى حصول التمكن من التصرف في النصاب بالنسبة إلى كل جزء منه ، إلّا أنّه موهون بعدم صدق التمكن من التصرف في النصاب عرفا.

وأما على القول بعدم انتقالها إلى الوارث فلا يتم ذلك ؛ لانتفاء الملكية بالنسبة إلى ما

ص: 104


1- نهاية الإحكام 2 / 318.
2- البيان : 169.

يقابل الدين.

ثم إنّه لا فرق فيما ذكرناه بين ما إذا كانت العين الزكوية من الغلات أو غيرها ؛ لاتحاد المناط في الكل وإن كان المفروض في كلام كثير منهم فرض المسألة في خصوص الغلات.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه على أمور :

أحدها : أنّه لو كان هناك من يدعي دينا على الميت فلا حجز على الورثة من التصرف قبل إثباته ، فإن عجز عن الإثبات فلا كلام ، وإن صالحه الورثة بشي ء من التركة كان ذلك بمنزلة انتقال جديد عنهم ، وإن أثبته بعد تعلق الوجوب فإن نقص به حق كل من الورثة عن النصاب كشف ذلك عن سقوط الزكاة ، وإلّا ففي كشف ذلك عن منعهم من التصرف والاكتفاء به في سقوط الزكاة وجه قويّ ؛ نظرا إلى استحقاق الغير فيه ، فهو نظير ما لو رهنه المورث ولم يعلم به الورثة إلّا بعد إثبات المرتهن.

ويحتمل القول بالوجوب لانتقاله إلى الورثة وتمكّنهم من التصرف فيه في ظاهر الشريعة ، فيتعلق به الزكاة.

نعم ، لو قلنا بعدم انتقال المال إلى المورث في مقدار الدين فلا إشكال في سقوط الزكاة لكشفه عن انتفاء الملكية.

ثانيها : أنّه لا يجري ما ذكرناه من سقوط الزكاة بسبب الحجر في حجر المريض عن التصرف فيما يزيد على الثلث أو لا يتعلق الحجر المذكور على القول به إلّا بنحو خاص من التصرف ؛ لأنّه يصدق به كونه ممنوعا من التصرف في المال مطلقا فلا يندرج تحت ما عرفت من الأدلة القاضية بسقوط الزكاة فيما لا يتمكّن من التصرف فيه.

وأما حجز السفيه فالظاهر عدم منعه من تعلق الزكاة بلا خلاف يظهر فيه.

ص: 105

نعم ، في التذكرة (1) : وهل يجب على السفيه؟ الوجه ذلك ، وهو بما يشعر باحتماله سقوط الزكاة فيه إلّا أنّه احتمال ضعيف ؛ لوضوح اندراجه في العمومات وقيام الولي مقامه في التصرفات ، فيكون المال عنده بمنزلة المال في يد الوكيل وليس الحجر عليه لحق الغير ، بل للمحافظة على ماله ، فلا يندرج فيما دل على انتفاء الزكاة مع انتفاء التمكن من التصرف ؛ إذ الظاهر عدم شموله لمثل ذلك.

نعم ، لو لم يتمكن الولي من التصرف فيه قوي انتفاء الزكاة سواء تمكن السفيه من التصرف فيه أو لا ؛ إذ لا عبرة شرعا بتصرفه.

ولو تغلب السفيه على الولي فقبض المال منه ففي تعلق الزكاة بماله وجهان ؛ أوجههما ذلك ؛ إذ الظاهر تعلق الوجوب به وإن تولى الولي إخراجها ؛ إذ لا منافاة بين الأمرين ، والحال فيها كسائر الواجبات المالية المتعلقة بأمواله.

والقول بسقوط جميع تلك الواجبات عنه وتعلّقها بالولي خاصة بعيد جدا.

وحينئذ فاستناد السقوط إلى فعله بارتفاع تمكّن الولي من جهته بعيد.

وقد يقال حينئذ بكونه متمكّنا من التصرف في المال بتمكين الولي منه ، فتأمّل.

ويتفرع على ما قلناه أنّه لو علم السفيه بوجود المال دون الولي وجب عليه الزكاة ، ولزمه إعلام الولي ليدفعها عنه بخلاف ما لو قلنا بكون المناط فيه ملاحظة حال الولي.

ومنها : لو امتنع من عليه التصرف في العين من جهة اشتراط ما ينافيه في العقد اللازم سواء كان في ضمن العقد الناقل لعينه أو في ضمن عقد آخر ، كما إذا باعه العين الزكوية وشرط عليه أن يبقي العين عنده مدة معلومة ، فلا زكاة عليه في تلك المدة.

ولا يجري في الحول قبل مضيّها ؛ لعدم تمكنه شرعا من التصرفات الناقلة للعين ؛ لتعلق حق الغير حينئذ من جهة الاشتراط ، بناء على وجوب الوفاء بالشروط المذكورة ، ومن ذلك وجوب إبقائه المشتري لعين المبيع وعدم جواز تصرفه فيها بما ينقلها عنه أو يوجب إتلافها في

ص: 106


1- تذكرة الفقهاء 5 / 16.

زمن الخيار المشترط للبائع ؛ فإنه إنّما يثبت ذلك من جهة اشتمال اشتراط الخيار على الاشتراط المذكور بحسب فهم العرف ؛ نظرا إلى جريان الطريقة على ذلك بحيث يفهم ذلك عرفا من اشتراط الخيار ، لا أنّ مجرد وجود الخيار قاض بالمنع منه ؛ نظرا إلى كونه حقا للغير ثابتا فيه ، فلا يجوز التصرف بما ينافيه ؛ لوضوح أن تصرفه في العين لا يقضي بسقوط خيار الآخر وإن أسقط خياره في العين. ولا اختصاص للخيار الثابت له في العقد بذلك.

فغاية الأمر رجوعه عليه بعد الفسخ بعوضه من مثله أو قيمته. كيف ولو كان مجرد ثبوت الخيار قاضيا بذلك لجرى في غير خيار الشرط من سائر الخيارات كخيار الغبن والعيب وتفريق الصفقة وغيرها.

والظاهر أنّ أحدا لا يقول فيها بذلك.

ثم إنّ المنصوص في كلام جماعة من الأصحاب جريان النصاب في الحول أو وجوب الزكاة فيه في زمن الخيار الحاصل للبائع ، أو له وللمشتري.

وقد أفتى به الفاضلان في الشرائع (1) والمعتبر (2) والمنتهى (3) والتذكرة (4) والتحرير (5) والقواعد (6) ونهاية الإحكام (7) والشهيد في الدروس (8) والبيان (9) وغيرهم.

والظاهر ابتناء ذلك على جواز تصرفات المالك فيه مع حصول الخيار كما هو أحد القولين في المسألة.

ص: 107


1- شرائع الإسلام 1 / 106.
2- المعتبر 2 / 562.
3- منتهى المطلب 1 / 478.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 24.
5- تحرير الأحكام 1 / 350.
6- قواعد الأحكام 1 / 330.
7- نهاية الإحكام 2 / 314.
8- الدروس 1 / 230.
9- البيان : 167.

وقد نص عليه في الإيضاح (1) حيث علّل جريانه في الحول من حين العقد بتمكنه من سائر التصرفات بالعقد ، لكن قطع العلامة في القواعد (2) بعدم جواز تصرفاته من البيع والهبة والوقف.

وفي الدروس (3) أنّ فيه وجهين.

وحينئذ فالقطع بثبوت الزكاة في المقام لا يوافق ما تقرّر عندهم من اشتراط الوجوب بإمكان التصرف.

ولذا اتّجه في المسالك (4) قول الشيخ ، وإن لم يقل بصحة مبناه ؛ لابتنائه عنده على عدم حصول إمكان التصرف في المقام على حسبما قرّرناه.

ويتفرع على ذلك عدم وجوب الزكاة هنا لا على البائع ولا على المشتري ؛ لانتفاء الملكية بالنسبة إلى أحدهما وانتفاء التمكن من التصرف بالنسبة إلى الآخر.

وقد نبّه عليه في المدارك (5) أيضا ، قال : فإن ثبت أنّ ذلك - يعني عدم التمكن من التصرف - مانع من وجوب الزكاة اتّجه [ اعتبار ] انتفاء خيار [ البائع لذلك ] (6).

وهذا هو المتّجه حسبما قرّرناه.

فما في الذخيرة (7) من أنّ منع المشتري من التصرفات المنافية لخيار البائع كالبيع والهبة والإجارة يقتضي عدم صرف الزكاة في الفقراء إلّا بعد انقضاء الخيار ، لا عدم جريانه في الحول قبله ليس على ما ينبغي.

وما ذكره مبني على عدم منع المنع من التصرف من وجوب الزكاة.

ص: 108


1- إيضاح الفوائد 1 / 169.
2- قواعد الأحكام 1 / 330.
3- الدروس 1 / 230.
4- مسالك الإفهام 1 / 360.
5- مدارك الأحكام 5 / 29.
6- الزيادات من المصدر.
7- ذخيرة المعاد 3 / 423.

وقد عرفت ضعفه من ذلك ما لو باعه جنسا زكويّا في الذمّة وشرط عليه أداءه من عين معلومة مع عدم زيادة ذلك العين عن المبيع بمقدار النصاب ؛ نظرا إلى تعيّن صرفها في ذلك (1) وعدم جواز إتلافه لها لو (2) تصرّفه فيها بسائر الوجوه المنافية لدفعها إليه ، سيّما إذا لم يف الحاصل بوفاء الدين وأداء الزكاة فلا يتعلّق به الزكاة مع سبق الحق الآخر.

ولا فرق في ذلك بين ما يعتبر فيه الحول وغيره.

وقد يشكل ذلك بأنّ مجرّد الاشتراط المذكور لا يقضي بارتفاع سلطان البائع على ما شرط الدفع منه حسبما ذكر. غاية الأمر أن يجب عليه مراعاة ذلك ، وهو لا يقضي بفساد تصرّفاته في العين وإن كانت محرّمة.

ومجرّد ذلك لا يقضي بارتفاع الزكاة. كيف ، ولو كان صرف المال في مصرف معيّن مانعا من الزكاة لزم أن لا يتعلّق الزكاة بمال المديون إذا لم يتمكّن من أداء الدين إلّا بدفع ما عنده من النصاب ، وكان الديّان متقاضيا لحقّه ؛ لعدم تمكّنه من التصرّف فيه إلّا في الوجه المذكور مع إطباق الأصحاب على خلافه.

نعم ، هناك خلاف للعامّة قد أشاروا إليه وحكموا بفساده.

ويدفعه أنّ هناك فرقا بيّنا بين المقامين ؛ لتعلّق حق المشتري هنا بالعين ، نظرا إلى الاشتراط المذكور دون ما إذا انحصر أداء الحق في دفع النصاب ؛ إذ لا يتعلّق الحق حينئذ بالعين ، وإن تعيّن رفعها (3) في ذلك ، فلا مانع فيه من تعلّق الزكاة بالعين بخلاف ما نحن فيه.

ولو زادت العين المفروضة عن القدر المشترط بمقدار النصاب وجبت الزكاة في الزائد ؛ لانتفاء المانع وسقطت القدر المشترط لما عرفت.

وقد يستشكل فيه من جهة حصول التمكّن من التصرّف بالنسبة إلى كلّ جزء ؛ نظرا إلى تخييره في التعيين.

ص: 109


1- الواو زيدت من ( د ).
2- في ( د ) « أو ».
3- في ( د ) : « دفعها ».

وفيه : أنّ ذلك لا ينافي صدق كونه ممنوعا من التصرّف في ذلك المقدار.

كيف ، وهو ممنوع من التصرف في المجموع ، وليس ذلك إلّا لامتناع تصرّفه في ذلك البعض ، ولا يقضي ذلك بامتناع تصرّفه في الجميع ؛ ليكون قاضيا بسقوط الزكاة عليها (1) بالمرّة كما لا يخفى.

ولو تلف حينئذ شي ء من ملك العين فإن كان قبل حلول الحول ولم يكن الزائد حينئذ بمقدار النصاب فلا زكاة فلا زكاة بالمرة بالمرّة ، وإن كان بعد حلوله قضى ذلك بسقوط الزكاة عن العين بالنسبة ، وإن كان الباقي بمقدار وفاء الحق أو دونه قسط عليه وعلى الزكاة.

وفي وجوب دفع الزكاة حينئذ من غير العين وجه قوي.

فإن لم يدفع أو لم يتمكّن منه تخيّر المشتري لانتفاء الشرط أو في الثاني بأداء الحق ، وإلا تخيّر مطلقا.

وأمّا القسم الثاني فيندرج فيه أيضا أمور :

منها : نذر الصدقة بعين النصاب ، سواء تعلّق به بخصوصه أو اندرج في جملة المنذور.

وقد نصّ جماعة من الأصحاب - من غير خلاف يعرف فيه - على سقوط الزكاة حينئذ عن النصاب : منهم الشيخ في المبسوط ، والمحقّق في الشرائع (2) والمعتبر ، والعلامة في المنتهى (3) والتذكرة (4) والتحرير (5) والقواعد (6) ونهاية الإحكام (7) ، وولده في الإيضاح (8) ، والشهيدان في

ص: 110


1- في ( د ) : « عنها ».
2- شرائع الإسلام 1 / 106.
3- منتهى المطلب 1 / 478.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 25.
5- تحرير الأحكام 1 / 349.
6- قواعد الاحكام 1 / 330.
7- نهاية الإحكام 2 / 305.
8- إيضاح الفوائد 1 / 169.

البيان (1) والمسالك (2) والروضة ، والمحقق الكركي (3) وصاحب المدارك (4) وغيرهم.

وذلك لتعيّن صرفه في النذر وعدم جواز صرفه في غير ذلك ، فلا يتمكّن من التصرّف فيه ، وإن تعيب الملكيّة كما نصّ عليه جماعة منهم العلّامة في التذكرة والنهاية ، والشهيد الثاني في المسالك ، والسيد في المدارك.

وربّما يظهر من المنتهى خروجه عن الملك بمجرّد ذلك. وكأنه أراد به الملك التام.

وقد يشكل في المقام أن القدر الثابت بالنذر إنّما هو وجوب صرفه في المصرف المنذور.

وهو لا يقضي بعدم صحّة سائر التصرفات المتعلّقة به ممّا يخالف ذلك إذا قضاه وقوع الحنث به.

وهذا المقدار وغيره كاف (5) في سقوط الزكاة. كيف ، ولو كان تعيّن المصرف شرعا موجبا لنقص الملكيّة والخروج عن التمكّن من التصرّف لجرى في مواضع لا يقولون به كما مرّت الإشارة إليه.

نعم ، لو قلنا بفساد بيع المنذور وسائر التصرفات المخالفة لجهة النذر تمّ ذلك ، لكن لم نجد إلى الآن دليلا صالحا يفي بذلك لاندراجه في الإطلاقات ، والنهي إنّما تعلّق به لأمر خارج عن حقيقة المعاملة ، فلا يقضي بالفساد.

وقد يعلّل ذلك بوجه آخر ، وهو أن يقال : إنّه بعد تعلّق النذر بالنصاب وانعقاده يتعيّن عليه شرعا صرفه في ذلك فلا يجوز (6) صرفه في غيره ، ومن جملته الصرف في الزكاة ، فلا مجال لتعلّق الزكاة به.

ص: 111


1- البيان : 166.
2- مسالك الإفهام 1 / 360.
3- جامع المقاصد 3 / 7.
4- مدارك الأحكام 5 / 31.
5- في ( ب ) : « المقام » بدل : « المقدار وغيره كاف ».
6- في ( د ) : زيادة « له ».

وكأنّ هذا مراد صاحب المدارك (1) حيث قطع في المقام بسقوط الزكاة معلّلا بتعيّنه للصدقة وامتناع التصرف فيه بغيرها ؛ نظرا إلى عدم قيام دليل عنده على اشتراط وجوب الزكاة بالتمكّن من التصرف فيه على سبيل الإطلاق ليجري عليه في موارده.

ولذا استشكل في مقامات عديدة بعد تسليمه عدم إمكان التصرف شرعا.

وفيه : أنّ ذلك إنّما يتمّ لو ثبت تعيّن صرفه في ذلك ولو بعد حولان الحول. ولا دليل عليه سوى الإطلاق.

وهو معارض بإطلاقات (2) الزكاة الموجبة لصرف حصّة منه في مصرف الزكاة.

ويمكن ترجيحها بأنّ وجوب الزكاة إنّما ثبت بأصل الشرع ، فلا يعارضه الوجوب العارضي ؛ فإن تلك الأسباب إن صارف (3) محلا قابلا أثرت فيه وإلّا فلا.

ألا ترى أنّه لو عارض الزكاة وجوب صرف المال في سائر الوجوه لم يمنع من وجوبها ، فالاحتجاج المذكور منقوض بذلك ، فالأحسن الاستناد في ذلك إلى تعلّق ذلك (4) الحق بالعين ( وإن قلنا بعدمه اقتضائه فساد التصرفات المتعلقة بها ، وذلك لأن تعل ذلك الحق بالعين ) (5) ينافي قبولها لتعلّق الزكاة بها ؛ للمنافاة الظاهرة بين الأمرين.

هذا ، وليس في كلام جماعة من الأصحاب كالديلمي والقاضي والحلبي وابن زهرة والحلّي تعرّضا لنفي الزكاة من جهة تعلّق النذر. وربّما يشعر ذلك بنفيهم منعه من تعلّق الزكاة إلّا أنّه ليس فيه دلالة ظاهرة على ذلك ليصحّ عدّ ذلك خلافا في المقام (6).

ص: 112


1- مدارك الأحكام 5 / 31.
2- في ( د ) : زيادة « له ».
3- في ( د ) : « صادف ».
4- ليس في ( د ) : « ذلك ».
5- ما بين الهلالين من ( د ).
6- في ( د ) زيادة « فتأمل ».
[ تتمّة ]

ولنتمّ الكلام في المرام بذكر أمور :

أحدها : أنّه لا فرق في الحكم المذكور بين نذر الصدقة أو الصرف في غيرها من وجوه البرّ وغيرها كدفعه عن الزكاة الواجبة عليه أو الخمس أو صرفه في صلة الأرحام ومئونة الأضياف أو في قضاء ما عليه من الدين ونحو ذلك ؛ لاتحاد المناط في الجميع.

ولو نذر أن لا يخرجه عن ملكه أو نذر بيعه أو إجارته ونحو ذلك ففي تسرية الحكم إشكال.

ولم أجد في كلامهم تصريحا بالتعميم.

ثم إنّه لا فرق في ذلك بين النذر والعهد واليمين لاشتراك الكلّ في المعنى.

ثانيها : لو علّق النذر على شرط متوقع كقدوم مسافر أو شفاء مريض ففي جريان الحكم المذكور قبل حصول الشرط قولان ؛ فالمختار عند جماعة منهم العلّامة في النهاية (1) ، وولده في الايضاح (2) ، والمحقق الكركي (3) سقوط الزكاة.

وحكى في الايضاح قولا بعدم سقوطها.

واستشكل فيه في التذكرة (4).

وتنظر فيه في القواعد (5) والمسالك.

ومبنى المسألة على أن النذر المفروض هل يقضي بالمنع من التصرف في المنذور قبل حصول الشرط أو لا؟ فمنهم من حكم بذلك ، فيتفرع عليه سقوط الزكاة ؛ لما عرفت من اشتراط التمكّن من التصرف في وجوبه.

ص: 113


1- نهاية الإحكام 2 / 305.
2- إيضاح الفوائد 1 / 169.
3- جامع المقاصد 3 / 7.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 26.
5- قواعد الأحكام 1 / 331.

وتأمّل فيه في المدارك (1) مع حكمه بمنعه من التصرّفات المانعة لأداء المنذور ؛ نظرا إلى تأمّله في مانعيّة المنع من التصرّفات لوجوب الزكاة مطلقا ، فقال : إن ثبت كون ذلك مانعا لوجوب الزكاة كما ذكره الأصحاب انقطع الحول بمجرّد النذر ، وإلّا وجبت الزكاة مع تمامه ، وكأنّ القدر المخرج من النصاب كالتالف من المنذور ، وتجب الصدقة بالباقي مع حصول الشرط.

وأنت خبير بأنّ المنع الشرعيّ من التصرف في المال إن كان من جهة تعلّق الحق بالعين أمكن جعله مانعا من وجوب الزكاة كما مرّ.

وأمّا مجرّد وجوب تبعيّة المال لصرفه في (2) مصرف معين من غير تعلّق الحقّ بالعين فليس مانعا من تعلّق الزكاة ، فإن قلنا بكون تعلّق النذر في المقام موجبا لتعلّق حق بالعين مانع من التصرف فيها اتّجه القول بنفي الزكاة هنا.

وإن لم نقل بتعلّق حقّ بالعين لكن أوجبنا إبقاءها استظهارا لتمكّن الوفاء بالنذر (3) ، وبعد تحقّق ما علّق عليه فلا وجه لانتفاء الزكاة لما عرفت.

فالشأن على القول بمنع المالك من التصرف في العين في تعيين أحد الوجهين المذكورين.

وكأنّ الأظهر هو الأوّل ؛ انصرافا للنذر المفروض عرفا إلى نذر الإتيان بالفعل المذكور عند حصول ما علّق عليه ونذر إبقائه إلى الوقت الذي يمكن فيه حصول ذلك كما مرّ نظيره في اشتراط الخيار في وقت معيّن - مطلقا أو عند حصول فعل معين معلوم - فإذا انعقد النذر المفروض بتحقّق شرائط النذر تعلّق الحق بالعين ، وكانت مستحقّة للإبقاء ، فلا يمكن تعلّق الزكاة بها.

ثالثها : لو جعل المال المعيّن صدقة بالنذر أو جعل الأغنام المعيّنة ضحايا سقطت

ص: 114


1- مدارك الاحكام 5 / 32.
2- في ( ألف ) : « لضرورة » بدلا من « لصرفه في ».
3- في ( د ) « بالمنذور ».

الزكاة بالأولى ، كما (1) ذكره في القواعد (2) والتذكرة (3) ونهاية الإحكام (4) والمسالك (5).

وعلّله في الثلاثة الأخيرة بخروجه بذلك عن الملك قاطعا به.

وقد قطع به في البيان (6) أيضا ، وألحق به ما لو نذر مطلقا ثمّ عيّن.

وفي المدارك (7) : وأولى منه ما لو جعله صدقة بالنذر ؛ لخروجه عن ملكه بمجرد النذر فيما قطع به الأصحاب.

قلت : لو تمّ ما ذكروه من خروجه عن الملك بذلك فلا إشكال ، لكنّ الشأن في إثباته.

وما في المدارك من كونه مقطوعا به عند الأصحاب غير ظاهر ؛ إذ لم نجد من قطع به سوى العلّامة في عدة من كتبه ، والشهيدان في البيان والمسالك.

وقد تردّد في الدروس (8) في كتاب النذر في خروجه عن الملك بمجرّد ذلك.

والمسألة مشكلة ، ولتفصيل الكلام فيها مقام آخر.

ثمّ على القول به ففي تملّك التصدق عليه إذا كان معينا بمجرد ذلك إشكال أيضا. ويثمر ذلك في وجوب الزكاة عليه مع حصول سائر الشرائط بالنسبة إليه.

رابعها : لو تعلّق النذر بكلّيّ في الذمة لم يمنع من وجوب الزكاة فيما ملكه من جنس المنذور ، ولو فرض انحصار الوفاء بدفعه ؛ نظرا إلى عدم تعلّق الحق بالعين ، فهو نظير الدين إذا انحصر الوجه في أدائه بدفع ما ملكه من العين.

وقد نصّ على عدم وجوب الزكاة حينئذ جماعة من الأصحاب منهم الشهيدان في

ص: 115


1- زيادة « كما » من ( د ).
2- قواعد الأحكام 1 / 331.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 26.
4- نهاية الإحكام 2 / 305.
5- مسالك الإفهام 1 / 361.
6- البيان / 166.
7- مدارك الأحكام 5 / 31.
8- الدروس 2 / 155.

البيان (1) والمسالك (2).

ولو عيّن شيئا من جنس المنذور لأدائه ففي تعيّنه لذلك قبل دفعه ليتعلّق الحق بعينه وجهان ؛ أجودهما العدم ؛ للأصل مع عدم قيام دليل صالح على التعيين (3).

وقد مرّ عن البيان إلحاقه بما إذا تعلّق النذر بالعين.

وكأنّ الوجه أن الحق إذا تعلّق بكلي في الذمة كان تعيينه موكولا إلى اختيار المكلف كما في زكاة المال وزكاة الفطرة.

وفيه : أنه لا كلام في كون تعيينه باختيار الناذر ، وإنّما الشأن في حصول التعين بذلك ولا يلزم من اختياره في التعيين حصول التعين به بنفسه قبل دفعه ، وقضيّة الأصل عدمه. وثبوت الحكم في الزكاة لا يقضي بجريانه في غيرها مع عدم قيام دليل على التعميم.

خامسها : لو تعلّق النذر بجزء مشاع من الأغنام أو بأغنام معينة منها ، فإن لم يكن الباقي بمقدار النصاب جرى فيه الكلام المذكور ، وإن كان الباقي بمقدار النصاب ثبت فيه الزكاة (4).

ص: 116


1- البيان : 166.
2- مسالك الإفهام 1 / 361.
3- في ( د ) « التعيّن ».
4- في ( د ) « بياض الاصل ».

الباب الثاني: في بيان ما يجب الزكاة فيه وما يستحب الشرائط المعتبرة في ثبوت الزكاة في كلّ منها وما يلحق بذلك من الأحكام

اشارة

الباب الثاني (1)

في بيان ما يجب الزكاة فيه وما يستحب

الشرائط المعتبرة في ثبوت الزكاة في كلّ منها

وما يلحق بذلك من الأحكام

تبصرة: [ في بيان ما يجب الزكاة فيه ]

إنّما تجب الزكاة في الأجناس التسعة أعني الأنعام الثلاث ، والغلّات الأربع ، والنقدين دون ما عداها من الأجناس.

أما وجوبها في الأجناس المذكورة فممّا انعقد عليه إجماع الأمة والروايات المستفيضة بل متواترة ، بل لا يبعد عدّه من الضروريات في الجملة.

وأما عدم وجوبها في غيرها هو المعروف من المذهب ، بل لا نعرف فيه مخالفا ممن تأخر عن الاسكافي.

وقد حكى الإجماع عليه في الغنية والذخيرة (2).

وفي المنتهى (3) : إنّه مذهب علمائنا أجمع.

ونحوه ما في التذكرة (4) في الثمار والغلات عدا الأجناس الأربعة والورس والعسل

ص: 117


1- لم يذكر المصنف قدس سره عنوان الباب الأول ، فتدبّر.
2- في ( د ) : « وغيره » ، بدلا من : « الذخيرة ».
3- منتهى المطلب 1 / 474.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 175.

والزيتون والأزهار كالزعفران والقطن.

وفي النهاية (1) : إنّما تجب الزكاة عند علماء آل محمد صلى اللّه عليه وآله في تسعة أجناس.

وفي المعتبر (2) : إنّه مذهب الأصحاب عدا ابن الجنيد. وحكى الشيخان في الكافي (3) والإستبصار عن يونس بن عبد الرحمن أنّ ذلك أنما كان في أوّل النبوة كما كانت الصلاة ركعتين ، ثمّ زاد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فيها سبع ركعات وكذلك الزكاة وضعها وسنّها في أوّل نبوته على تسعة أشياء ثمّ وضعها على جميع الحبوب.

وعن الإسكافي القول بوجوب الزكاة في أرض العشر في كلّ ما دخل القفيز من حنطة وشعير وسمسم وأرز ودخن وذرّة وسلت وسائر الحبوب.

وظاهر كلامه اختصاص الوجوب بما يحصل من أرض الخراج.

وظاهر (4) المحكي عن يونس تعميم الحكم.

وكيف كان فهما ضعيفان ملحوقان بالاتفاق على خلافه ، لأن تخصيص الحكم بأرض الخراج ممّا لا شاهد عليه في الأخبار.

ثمّ إن الروايات الدالّة على خلافهما كثيرة جدا وفيها المعتبرة.

نعم ، هناك روايات أخر مستفيضة يدلّ على ثبوت الزكاة في غيرها أيضا كقول الصادق : عليه السلام « كلّ ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة والشعير والتمر والزبيب » (5).

وفي مكاتبة علي بن مهزيار والصحيحة : « الزكاة في كلّ شي ء كيل » (6).

وفي صحيحة أخرى : « وأمّا الأرز فما سقت السماء العشر وما سقى بالدلو فنصف العشر

ص: 118


1- نهاية الإحكام 2 / 321.
2- المعتبر 2 / 493.
3- الكافي 3 / 509 ، باب ما وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وعلى أهل بيته الزكاة عليه ح 2.
4- لم ترد في ( ب ) : « وظاهر ... بأرض الخراج ».
5- الكافي 3 / 511 ، باب ما يزكى من الحبوب ح 4.
6- الكافي 3 / 511 ، باب ما يزكّى من الحبوب ح 4 ، وسائل الشيعة 9 / 61 باب استحباب الزكاة فيما سوى الغلات الأربع من الحبوب التي تكال ح 1.

فكلّ (1) ما كيلت بالصاع أو قال كيل بالمكيال (2).

وفي خبر آخر بعد حكمه عليه السلام بثبوتها في عدّة من الحبوب : « وكلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة » (3). إلى غير ذلك من الأخبار.

وهذه الروايات كما ترى غير صريحة في الوجوب ، ولذا حملها الأصحاب على الندب لدلالة تلك الأخبار على انتفاء الوجوب.

وقد يحتمل بعد حملها على التقيّة فإنّ القول بالوجوب في ذلك من مذاهب العامة ، وفي غير وأحد من الأخبار شهادة عليه :

ففي مرسلة القماط ، عن الصادق عليه السلام بعد حكمه باختصاص الزكاة بالأجناس التسعة والعفو عمّا سواها فقال السائل : والذرّة؟ فغضب عليه السلام قال : « كان واللّه على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله دائما السماسم والذرة والدخن وجميع ذلك » فقال : إنّهم يقولون : إنّه لم يكن ذلك على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وإنّما وضع على تسعة أشياء لما لم يكن بحضرته غير ذلك! فغضب عليه السلام وقال : « كذبوا فهل تكون العفو إلّا عن شي ء قد كان؟! لا واللّه ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا ( فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ) (4).

وفي هذه الرواية وغيرها تصريح ببطلان ما ذهب إليه يونس ، وحمل عليه ما دلّ على نفي الزكاة في غير التسعة.

ثمّ إنّ المدار في كلّ من الأجناس التسعة على التسمية العرفية ، فالحنطة والشعير يعمّان جميع أنواعهما ممّا يندرج في إطلاق الاسم عرفا على سبيل الحقيقة.

وفي شمول الحنطة للعلس - بفتحتين - والشعير للسلت - بالضم فالإسكان - وعدمه خلاف بين الأصحاب ، فذهب جماعة منهم الشيخ في المبسوط والخلاف ، والحلي في السرائر ،

ص: 119


1- في ( د ) : « في كل ».
2- الكافي 3 / 511 ، باب ما يزكى من الحيوب ح 5.
3- الكافي 3 / 511 ، باب ما يزكى من الحيوب ح 6.
4- الخصال : 421.

والشهيدان في البيان (1) والمسالك (2) والروضة (3) ، والمحقق الكركي في جامع المقاصد (4) إلى الأوّل.

وبه قطع في الإيضاح (5) في السلت. وظاهر كلامه يعطي قوله باندراج العلس أيضا.

وفي المبسوط (6) : إنّ العلس ضرب من الحنطة تكون منه حبتان في كمام فيترك كذلك ؛ لأنّه أبقى له حتّى يراد استعماله فيلقى في رحى خفيفة فيلقى منه كمامه ويصير حبا.

وفي السرائر (7) : إن العلس ضرب من الحنطة إذا دبس بقي كلّ حبتين في كمام.

ثمّ لا يذهب عليك حتى يدق أو يطرح في رحى خفيفة ، ولا يبقى بقاء الحنطة ، وبقاؤها في كمامها ، ويظن أهلها أنها إذا هرست أو طرحت في رحى خفيفة خرجت على النصف.

وقال في السلت : إنه شعير لونه لون الشعير وطعمه طعمه إلّا أن حبّه أصغر من حبّ الشعير.

وقد احتجّ على ذلك في البيان (8) وجامع المقاصد (9) والمسالك (10) بنص أهل اللغة عليه.

وقد قطع أكثر هؤلاء بالحكم من غير تأمّل فيه. وحكم في جامع المقاصد بضعف القول بعدم الاندراج. وذهب آخرون إلى عدم شمول الحكم لها منهم الفاضلان في الشرائع (11)

ص: 120


1- البيان : 171.
2- مسالك الإفهام 1 / 390.
3- الروضة البهية 2 / 14.
4- جامع المقاصد 3 / 22.
5- إيضاح الفوائد 1 / 183.
6- المبسوط 2 / 174.
7- السرائر 1 / 428.
8- البيان : 171.
9- جامع المقاصد 3 / 23.
10- مسالك الإفهام 1 / 390.
11- شرائع الإسلام 1 / 116.

والتذكرة (1) والتحرير (2) والمختلف (3).

ويلوح ذلك من صاحب المدارك (4). واختاره جماعة من متأخري المتأخرين.

وبه قال الشيخ في السلت في النهاية (5) حيث عدّه في جملة الحبوب التي يستحب فيها الزكاة.

وتوقّف في المعتبر (6) بعد ما حكى القول بالاندراج فيهما عن الشيخ وبعض أهل اللغة.

وربّما يلوح ذلك من الدروس حيث أسند الحكم باندراجهما فيهما إلى الشيخ.

وفي كلام أهل اللغة أيضا اختلاف في ذلك ؛ ففي الصحاح (7) : إن العلس ضرب من الحنطة تكون حبّتان في قشر ، وهو طعام أهل صنعاء.

ونحوه ما في القاموس (8).

وفي المصباح المنير : إنه نوع من الحنطة تكون في القشر منه حبّتان ، وقد تكون واحدة أو ثلاث.

وعن ابن دريد (9) : إن العلس حبّة سوداء تخبز في الجدب أو تطبخ.

وعن بعضهم : هو مثل البرّ إلّا أنه عسر الانقاع.

وظاهر الأخيرين مغايرته للحنطة.

وفي الصحاح (10) : ان السلت ضرب من الشعير لا قشر فيه كأنّه الحنطة تكون في الحجاز.

ص: 121


1- تذكرة الفقهاء 5 / 178.
2- تحرير الأحكام 1 / 355.
3- مختلف الشيعة 3 / 187.
4- مدارك الأحكام 5 / 130.
5- النهاية : 176.
6- المعتبر 2 / 497.
7- الصحاح 3 / 952 ( علس ).
8- القاموس المحيط 2 / 232 ( علس ).
9- أنظر مدارك الأحكام 5 / 131.
10- الصحاح 1 / 253 ( سلت ).

وفي القاموس (1) : السلت الشعير أو ضرب منه (2) أو الحامض منه.

وفي المغرب : (3) إنّه شعير لا قشر له يكون بالحجاز.

وعن ابن فارس : (4) إنّه ضرب من الشعير رقيق القشر صغار الحبّ.

وعن الأزهري : (5) إنّه حبّ بين الحنطة والشعير ، ولا قشر له كقشر الحنطة ، فهو كالحنطة في ملاسته وكالشعير في طبعه وبرودته.

وعن ابن دريد : (6) السلت حبة يشبه الشعير أو هو بعينه.

وعن ابن الصلاح : إنه قال الصيدلاني : هو كالشعير في صورته كالقمح (7) في طبعه.

وهذا بظاهره مخالف لما ذكره الأزهري ، وهو الموافق لما يوجد في كلام الفقهاء بين (8) احتمال ضمّه إلى الشعير ؛ لموافقته له صورة ، واحتمال ضمّه إلى الحنطة لاتفاقهما تبعا.

وكيف كان ، فظاهر الجماعة الأخيرة عدم اندراجه في الشعير.

فقد ظهر ممّا قلناه (9) من كلمات الأصحاب ونقلة اللغة أنّ الحكم فيهما محلّ إشكال إلّا أنّ الأظهر عدم وجوب الزكاة فيهما ؛ للأصل بعد (10) عدم وضوح اندراجهما في الحنطة والشعير على سبيل الحقيقة ؛ لما عرفت من اختلاف كلمات أهل اللغة مع احتمال حمل كلام (11) الحاكمين بالاندراج على إرادة مطلق الإطلاق ، ولو على سبيل التوسعة ؛ نظرا إلى الموافقة في الصورة كما

ص: 122


1- القاموس المحيط 1 / 150 ( سلت ).
2- لفظتا « منه » من ( د ).
3- انظر جواهر الكلام 15 / 206.
4- نقل في هامش مسند أبي يعلى 2 / 68.
5- نقل في هامشى مسند أبي يعلى 2 / 68 والموطأ 1 / 272.
6- انظر مدارك الأحكام 5 / 131.
7- أنظر جواهر الكلام 15 / 206.
8- في ( د ) : « من ».
9- في ( د ) : « نقلناه ».
10- في ( ب ) : « بعدم ».
11- في ( ب ) : « اختلاف ».

قد يشهد له ملاحظة العرف أنّه لا ينصرف الإطلاق إلى ما يعمهما قطعا.

وبعد تسليم اندراجهما في الحنطة والشعير على سبيل الحقيقة فلا ينبغي التأمل في عدم اندراجهما في الإطلاقات الواردة في الزكاة ؛ لما هو معلوم بملاحظة العرف من انصراف الإطلاق إلى غيرهما كما أشرنا إليه.

وهو كاف في المقام ، وإن كان التبادر إطلاقيا ، ولذا لا يحكم بإرادة (1) ما يشملهما عند إطلاق الحنطة أو (2) الشعير في الوصايا والأقارير وغيرهما. مضافا إلى أنّهما مع عدم اندراجهما في إطلاق اللفظين يدخلان في عموم ما عدا الأشياء التسعة المذكورة المنصوص في تلك النصوص بعفو الرسول صلى اللّه عليه وآله.

ويدلّ عليه أيضا ظاهر الموثق : « الذرة والعدس والسلت والحبوب فيها مثل ماء الحنطة والشعير » (3).

ويشير إليه أيضا ما في الصحيح (4) وغيره من عطف السلت في عدّة من الحبوب على الشعير ؛ لظهوره في المغايرة ، وكونه من قبيل عطف الخاص على العام وإن كان ممكنا إلّا أنّه لا يخلو عن بعد بالنظر إلى ظاهر السابق.

وحكى في الايضاح (5) عن بعض الأصحاب قولا بإلحاق السلت بالحنطة الموافقة لها في الطبيعة (6) المختصّة بها.

واحتمله في القواعد ، (7) وهو قول لبعض العامّة.

وهو موهون جدّا لخروجه عن مقتضى العرف وكلمات أهل اللغة.

ص: 123


1- الكافي 3 / 510 ، باب ما يزكى من الحبوب ح 1.
2- في ( د ) : « واو ».
3- تهذيب الاحكام 4 / 65 ، باب حكم الحبوب بأسرها في الزكاة ح 3.
4- الكافي 3 / 510 ، باب ما يزكى من الحبوب ح 1.
5- إيضاح الفوائد 1 / 182.
6- في ( د ) : « الطبعة ».
7- قواعد الأحكام 1 / 342.

وربّما يفسّر العلس بالعدس كما ذكره في القاموس (1) وغيره ، والسلت بالشعير الحامض كما قطع به في الوافي.

وذكره في القاموس أيضا.

وهما بهذين المعنيين لا إشكال فيهما ؛ لوضوح خروج الأوّل عن الحنطة ، واندراج الأخير في الشعير لكونه نوعا معروفا منه.

ثمّ إنّ الابل يشمل سائر أنواعها من العراب والبخاتي والذلول وغيرها ، والبقر يشمل الجاموس.

وقد دلّ عليه النص الصحيح.

وحكى في التذكرة (2) إجماع العلماء عليه.

وفي المعتبر (3) : إنّ عليه اتّفاق العلماء.

ولا يندرج فيها البقر الوحشيّة وإن تأنست.

وفي المعتبر : إنّ عليه الإجماع إلّا على قول شاذ لأحمد ، وعزاه في التذكرة إلى أكثر العلماء.

وحكى من (4) أحمد في رواية وأنه شمولها لبقر الوحش لاندراجها في الاسم.

وهو ضعيف جدا.

والغنم يشمل الضّأن والمعز بلا خلاف بين الخاصّة والعامّة.

وفي المعتبر (5) : إنّ عليه أهل العلم.

ولا فرق في الأنعام الثلاث بين الصغير والكبير ، ولا يندرج فيها الحمل. وإنّما يعتبر من عين الانفصال أو خروج المعظم في وجه.

ص: 124


1- القاموس المحيط 2 / 232.
2- تذكرة الفقهاء 5 / 77.
3- المعتبر 2 / 501.
4- في « د » : « عن ».
5- المعتبر 2 / 501.

وقد يستشكل في الرضيع من جهة انتفاء النوم (1) ، وهو كلام آخر يجي ء البحث فيه.

وكذا لا فرق فيها بين الذكر والأنثى على المعروف من المذهب.

وتفرد الديلمي باشتراط الأنوثة فيها ، فلا زكاة عنده في ذكور الأنعام بالغا ما بلغت ، وهو بخلاف الإجماع كما في السرائر (2) (3) لكن المذكور في كلامه خصوص الغنم.

وباقي الأصحاب على عدمه كما في المختلف. ونحوه ما في التذكرة ؛ لإطلاق الأدلّة وعدم قيام دليل على اختصاص الحكم بالإناث.

واحتجّ العلامة (4) والديلمي بأنّ الشرط اتخاذها للدر والنسل ، ولا يتحقّق إلّا في الإناث ربّما ورد في الأخبار من قولهم : « في خمس من الإبل شاة » لاختصاصها بالإناث.

وضعف الاول ظاهر ، وكذا الثاني ؛ إذ مقتضاه (5) عدم دلالة تلك الأخبار على الوجوب ، وليس فيها دلالة على نفي الوجوب في غيرها ففي الإطلاقات المتظافرة كفاية في ذلك.

ويثبت مقدار المخرج حينئذ بالإجماع ؛ إذ لا قائل بالفرق بين الذكر والأنثى في قدر المخرج.

مضافا إلى شمول إطلاقات تلك الروايات للذكور أيضا.

وحذف التاء في العدد لا يدلّ على تأنيث المعدود ؛ إذ مدخوله في المقام من أسماء (6) الأجناس الجمعيّة ممّا لا مفرد لها. ويتعيّن فيها حذف التاء في المقام كما نصّ عليه الرضي.

وفي البيان (7) : إن التأنيث باعتبار التأويل لا بالنفس أو بالدابّة ، وفي الغنم باعتبار الشاة

ص: 125


1- كذا ، والظاهر : السوم.
2- السرائر 1 / 437 ، الدروس 1 / 438.
3- في ( ب ) : « الدروس ».
4- تذكرة الفقهاء 5 / 72.
5- في ( د ) : « أقصاه ».
6- لم ترد في ب : « من أسماء ... في المقام ».
7- البيان : 177 ، وفيه : « لأن التأنيث باعتبار التأويل في الإبل بالنفس ».

التي تطلق على الذكر وأراد بالآخر (1) دفع ما احتجّ له بقوله : « في سائمة الغنم زكاة ».

وقد عرفت أن لا حاجة إلى التأويل ، والظاهر أنه يعتبر في الأنعام حلية لحمها ، فلو حرمت مؤبدا كموطوء الإنسان ونسله والشاة المربّاة بلبن الخنزيرة لم يجب فيها الزكاة ، فلا يلفق النصاب عنه وعن المحلّل ، فلا زكاة.

وأما الجلّال إن كان بحيث لا يمنع صدقه من صدق اسم السوم (2) فقد يتأمّل فيه من جهة حرمة اللحم ، لكن لا يبعد القول بالوجوب لارتفاع تحريمه بالاستبراء ، فلا باعث فيه للخروج عن ظاهر الاطلاقات.

والعبرة في المتولّد بين الزكاتين (3) أو غيرهما أو المختلفين بالاندراج تحت اسم الزكاة (4) كما نصّ عليه جماعة ويعتبر فيه حلية اللحم ، فلو حكم بحرمة لحمه بناء على حرمة أصله لم يتعلق به زكاة.

والذهب والفضة يشملان العالي (5) والدون ، والخالص والمخلوط بغيره ما لم يستهلك فيه.

ولا عبرة بالغش الحاصل فيهما ، وإن كان مستهلكا وأطلق على المجموع اسم الذهب أو الفضة ، بل يعتبران صافيين.

وسيجي ء الإشارة إن شاء اللّه.

ولنفصّل القول في الأجناس المذكورة في فصول :

ص: 126


1- في ( د ) : « الأخير ».
2- في ( ألف ) : « النوم ».
3- في ( د ) : « الزكويين ».
4- في ( د ) : « الزكوي ».
5- في ( د ) : « العال ».
الفصل الأوّل: في زكاة الأنعام
اشارة

والكلام فيها في الشروط واللواحق ، فهاهنا بحثان :

البحث الأوّل: في بيان شروط وجوب الزكاة فيها
تبصرة: [ في اشتراط النصاب ]

النصاب شرط وجوب زكاة الأنعام بإجماع علماء الإسلام ، وهو مختلف باختلاف الأنعام ، فللإبل اثنا عشر نصابا :

أوّلها الخمس وفيها شاة ، ثمّ العشر وفيها شاتان ، ثمّ الخمس عشر وفيها ثلاث شياه ، ثمّ العشرون وفيه أربع ، ثمّ الخمس والعشرون وفيه خمس ، ثمّ الست والعشرون وفيها بنت مخاض ، - وهي ما دخلت في السنة الثانية.

ثمّ الست والثلاثون وفيها بنت لبون ، وهي ما دخلت في الثالثة.

ثمّ الست والأربعون [ و ] فيها حقّة ، وهي ما دخلت في الرابعة.

ثمّ الإحدى والستون وفيها جذعة ، وهي ما دخلت في الخامسة.

ثمّ الست والسبعون وفيها بنتا لبون.

ثمّ الإحدى والتسعون وفيها حقّتان.

ثمّ مائة وإحدى وعشرون فما زاد عليها زاد عليها وفيها في كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ

ص: 127

أربعين بنت لبون.

فالزيادة في النصب الخمس إلى النصاب السادس وفيه بواحدة ، ثمّ بعشر في السابع والثامن ، ثمّ بخمس عشر في التاسع والعاشر والحادي عشر ، ثمّ بثلاثين في الثاني عشر.

وهذا التفصيل هو المعروف بين الأصحاب بل استقرّ المذهب عليه.

ويدلّ عليه الصحاح المستفيضة المصرّحة بالتفصيل المذكور المعتضدة بالعمل بل الاتفاق ، غير أن الموجود في صحيحتين منها (1) تعيين الحقة في كلّ خمسين في النصاب الأخير.

وقد وقع التصريح في صحيحة زرارة بالنحو المشهور ، فيحمل تينك الصحيحتين على ذلك ؛ جمعا بين الأخبار.

مضافا إلى اعتضادها بالعمل.

وقد حكى الإجماع على التفصيل المذكور في شرح الجمل والغنية (2).

ثمّ إن النصب الأربعة (3) الأول عددا وحكما ممّا اتّفق عليه الإسلام كما نصّ عليه في المعتبر (4) والتذكرة (5).

وكذا النصاب السابع والثامن والتاسع والحادي عشر.

وقد وقع (6) في غير النصب المذكورة خلاف ضعيف في مواضع :

أحدها وثانيها النصاب الخامس والسادس ، فذهب الإسكافي إلى أن الواجب في النصاب الخامس بنت المخاض ، فإن لم تكن في الإبل فابن اللبون ، فإن لم تكن فخمس شياة. كذا حكاه في المختلف (7).

ص: 128


1- لم ترد في ( ب ) : « منها ... تينك الصحيحتين ».
2- غنية النزوع : 122.
3- في ( د ) « لأربعة ».
4- المعتبر 2 / 500.
5- تذكرة الفقهاء 5 / 59.
6- كلمة ( في ) زيدت من ( د ).
7- مختلف الشيعة 3 / 168.

والظاهر أن المحكيّ فيه عبارته بلفظه ، والمحكي عنه في المعتبر (1) والمنتهى (2) والتذكرة (3) وجوب بنت المخاض أو ابن اللبون أوّلا ثمّ الشياه الخمس.

وفي شرح الجمل إيجابه فيه بنت المخاض أو ابن اللبون من غير ذكر للشياه.

وعن العماني تعيين بنت المخاض بدل الشياه ، وقال بسقوط النصاب السادس ، فأوجب ذلك إلى الست والثلاثين.

وأسند هذا القول في المعتبر إلى جماعة من محققي الأصحاب ، وذكر ان الرواية الآتية التي هي الحجة في ذلك ممّا رواه البزنطي واختاره ، وهي صحيحة الفضلاء عن الصادقين عليهما السلام أنهما قالا في صدقة الإبل : « في كلّ خمس شاة إلى أن تبلغ خمسا وعشرين ، فإن بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض ، وليس فيها شي ء حتى يبلغ خمسا وثلاثين ففيها ابنة لبون .. » (4) الخبر.

وأوّلها الشيخ (5) تارة بحصول إضمار في الرواية ، فيراد ثبوت ذلك مع زيادة الواحد ، وأخرى بالحمل على التقيّة ؛ إذ ذلك ممّا أطبقت عليه العامة ؛ لما رووه من كتاب أبي بكر لأنس لمّا وجّهه إلى البحرين.

وقد ضعّفهما في المعتبر (6) ببعد الإضمار ، وبعد الحمل على التقيّة لكونه مذهب جماعة من محققي الأصحاب قال : وكيف يذهب على مثل ابن أبي عقيل والبزنطي وغيرهما ممّن اختار ذلك مذهب الاماميّة؟

وفيه : أنّ غاية ما يفيده ذلك عدم انعقاد الإجماع على خلافه هناك ، وهو لا ينافي الحمل على التقية بعد موافقة الرواية لما أطبقت عليه العامة ، ومخالفته لما في الروايات المعتبرة

ص: 129


1- المعتبر : 2 / 500.
2- منتهى المطلب 1 / 479.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 58.
4- الكافي 3 / 531 ، باب صدقة الابل ح 1 وفيه : « ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمسا وثلاثين فإذا بلغت خمسا وثلاثين ففيها ابنة لبون ».
5- تهذيب الأحكام 4 / 23.
6- المعتبر 2 / 499.

المنجبرة بعمل الفرقة.

ويشير إليه ما ذكره عبد الرحمن بن الحجاج على ما في الكافي (1) بعد ما روى في صحيحته ثبوت بنت المخاض في ست وعشرين إلى خمس وثلاثين : ان هذا فرق بيننا وبين الناس.

ويؤيد الإضمار سقوط الواحدة في تلك ( الرواية في المراتب المتأخرة أيضا وقد وقع الاتفاق على اعتبارها هناك كما في المنتهى ، وإذا التزم في تلك ) (2) المراتب التزم به في المقام أيضا.

وكأنّ الغاية في المراتب المذكورة داخلة في المغيّى ، فيكون المراد بما بعده بيان حكم الزائد على تلك المرتبة بالتزام إضمار فيه.

وبذلك يظهر ضعف حملها على التقية لا بما ذكره.

وكأنّ الأولى التزام نقص في الرواية.

ويدلّ عليه أنه قد رواها الصدوق في معاني الأخبار (3) في الصحيح مع التصريح باعتبار الزيادة في تلك المراتب على ما حكي عن بعض النسخ الصحيحة.

وبذلك يظهر ضعف القول المذكور وما في المعتبر (4) بعد تضعيفه الحملين المذكورين من أن الأولى أن يقال : فيه روايتان أشهرها (5) ما اختاره المشايخ الخمسة وأتباعهم.

وكيف كان ، فالعمل بالأخبار المتقدمة متعيّن ، وهذه الصحيحة لا بدّ من حملها على أحد الوجوه المذكورة.

وفي المنتهى (6) : إنه خبر شاذّ لا يعارض ما تقدم من الأحاديث الصحاح المعتضدة بعمل

ص: 130


1- الكافي 3 / 532.
2- ما بين الهلالين أضيفت من ( د ).
3- معانى الأخبار : 327.
4- المعتبر 2 / 500.
5- كذا ، والظاهر : أشهرهما.
6- منتهى المطلب 1 / 479.

الأصحاب. وحكاية الإجماع على المشهور مستفيضة حكاه في المختلف (1) والغنية وشرح الجمل.

وفيه : أنّ الإجماع سابق له ومتأخر عنه. وأما ما ذهب إليه الإسكافي فلم نقف على مستنده.

نعم ، ذكر السيد في [ ... ] (2) والقاضي في شرح الجمل أنّه عوّل في ذلك على بعض الأخبار الواردة من طرقنا.

قال القاضي : والذي يتضمن ذلك من أخبار الآحاد. ويمكن أن يحمل ذكر بنت المخاض أو ابن اللبون في خمس وعشرين على سبيل القيمة.

ثالثها : النصاب العاشر ، فأسقطه الصدوقان في الرسالة والهداية (3) والمقنع (4).

وذكر إمكانه الواحد والثمانين ، وأوجبا فيه ثلثا. وهو ما أكمل الخامسة ودخل في السادسة. قيل : إنّ مستندهما في ذلك كتاب الفقه الرضوي ؛ فإنّ ذلك بعينه موجود فيه ، وهو شاهد على وجود الكتاب عندهما [ و ] كونه أصحّ عندهما من ساير الأخبار حيث قدّماه عليها.

قلت : وهذا الحكم موجود في حديث مسند في الخصال (5) عن الصادق عليه السلام. وكأنّ ذلك هو مستندهما في الحكم المذكور.

وأما استنادهما إلى الكتاب المذكور فلم يظهر منهما في شي ء من الموارد ، بل ولا أسندا الحكم المذكور فيه إلى الرواية أصلا.

وكيف كان ، فضعف كل من المستندين ظاهر ؛ إذ لا يقاومان ما عرفت من الروايات

ص: 131


1- مختلف الشيعة 3 / 170.
2- هنا فراغ في ( د ).
3- الهداية :
4- المقنع : 171.
5- الخصال : 605.

الواضحة المعتضدة بعمل الطائفة والإجماعات المحكية.

وظاهره في الفقيه موافقة المشهور في نصب الإبل. ونصّ فيه بأن الأسنان التي أخذ في الصدقة من ابن المخاض إلى الجذع.

رابعها : أنّه زاد الصدوق في الهداية (1) بعد النصاب المذكور نصابا آخر ، وهو التسعين. وأوجب فيه بنتي لبون ، ثم جعل النصاب بعده واحدا وتسعين وأوجب فيه حقتين على ما هو المعروف ، فيكون عنده نصابان لا عفو بينهما.

وهو أيضا ضعيف مخالف للأخبار المستفيضة.

والظاهر أنّ مستنده في ذلك أيضا الرواية المتقدمة عن الخصال (2) لوجود ذلك فيها. وفيه دلالة على استناده إليها في الحكم المتقدّم.

خامسها : النصاب الأخير. وقد خالف فيه السيد في الانتصار حيث ذهب إلى عدم اختلاف الغرض بذلك ، فلا شي ء من جهة زيادة الواحد على مائة وعشرين إلى مائة وثلاثين ، فأوجب فيها حقّة وبنتي لبون ، فيكون ذلك هو لنصاب الثاني عشر عنده.

وباقي الأصحاب على خلافه حيث نصّوا بما ذكرناه ، وحكاية الإجماع عليه مستفيضة في كلامهم حكاه في الناصريات (3) وشرح الجمل والغنية (4) والسرائر (5).

وفي المبسوط (6) نفى عنه الخلاف بين أصحابنا. وحكى في الخلاف (7) الإجماع على الراوية الدالّة على ثبوت الحقّة في كل خمسين وبنت اللبون في كل أربعين بعد زيادة الإبل على مائة

ص: 132


1- الهداية : 172.
2- الخصال : 605.
3- الناصريات : 278.
4- غنية النزوع : 122.
5- السرائر 1 / 449.
6- المبسوط 1 / 191.
7- الخلاف 2 / 9.

وعشرين. وظاهر إجماع العامة والخاصة ، وعزي الحكم المذكور في المعتبر (1) والتذكرة (2) إلى علمائنا مؤذنا بالإجماع عليه.

وكذا في المنتهى (3) إلّا أنّه ذكر خلاف السيد ، قال : ورجع إلى ما اخترناه (4) في المسائل الناصرية (5).

احتجّ السيد لما ذهب إليه بإجماع الإمامية عليه. وذكر في آخر كلامه أنّ هناك أخبارا لا تحصى من طرق الخاصة يوافق ذلك.

ويضعّف ما حكاه من الإجماع تفرّده بالقول المذكور ؛ إذ لم نقف على من وافقه فيه ، وهو رحمه اللّه قد خالف نفسه فاختار المشهور في الجمل والناصريات (6).

ومن الغريب أنّه رحمه اللّه ادعى الإجماع في الناصريات على ذلك أيضا كما مرّ.

وأمّا ما ذكره من الأخبار فلم نقف عليها.

نعم ، في صحيحتي أبي بصير (7) وعبد الرحمن بن الحجاج (8) ثبوت الحقة في كل خمسين مع الزيادة على المائة والعشرين.

ولا منافاة فيهما للمشهور ، وظاهر إطلاقهما أن نافي المشهور ، فينافي ما اختاره أيضا.

سادسها : المعروف أنّ الحقة المأخوذة في النصاب الثامن والحقّتان المأخوذتان في النصاب الحادي عشر لا يعتبر فيهما أن تكونا حوائل.

وعن العماني والإسكافي تقييدهما بكونهما طروقي الفحل. وعن الثاني تقييد الحقة

ص: 133


1- المعتبر 2 / 500.
2- تذكرة الفقهاء 5 / 59.
3- منتهى المطلب 1 / 480.
4- في المصدر المطبوع : « ما أحضرناه ».
5- الناصريات : 278.
6- الناصريات : 278.
7- الكافي 3 / 531 ، باب صدقة الإبل ح 1.
8- الكافي 3 / 532 ، باب صدقة الإبل ح 2.

المأخوذة عن كل خمسين بكونها طروقة الفحل أيضا ، وقد ورد التقييد المذكور في صحيحة الفضلاء في النصابين المذكورين.

وكأنّهما مستندهما في ذلك.

ولا يبعد حمل الرواية على بيان الشأن فيها حيث إنّها بلغت إلى حيث استحقّت أن يطرقها الفحل حسبما ذكره الأصحاب في سبب تسميتها حقّة ؛ نظرا إلى إطلاق ساير الروايات ، وإن كان قضية حمل المطلق على المقيّد حمل إطلاقها على ما في الصحيحة المذكورة إلّا أنّها لمّا أمكن حملها على الوجه المذكور واعتضد ذلك بفتوى الأصحاب - بل قام الدليل على عدم تسلط الساعي على أخذ الحامل كما سيجي ء الإشارة إليه - تعيّن الأخذ بتلك الإطلاقات ، وحمل تلك الصحيحة على الوجه المذكور ، فإن حمل كلامهما على ذلك أيضا فلا خلاف في البين.

سابعها : ظاهر ما ذكره جماعة من القدماء كالشيخ في النهاية (1) والمبسوط (2) وجمل العقود ، والسيد في الجمل ، والديلمي والقاضي (3) والحلي (4) وغيرهم كون النصاب الثاني والثالث والرابع والخامس هو العشر والخمس عشر والعشرون والخمس وعشرون ، فيكون السابق على كل مرتبة جزء منه.

والمنصوص به في كلام جماعة منهم الطوسي (5) والمحقق في كتبه الثلاثة (6) والعلامة في عدة من كتبه (7) والشهيدان (8) وغيرهم أنّ كلا من النصب الخمسة خمسة.

ص: 134


1- النهاية : 179.
2- المبسوط 1 / 191.
3- المهذب 1 / 161.
4- تحرير الأحكام 1 / 356.
5- المبسوط 1 / 191.
6- لاحظ : المعتبر 2 / 19 وشرائع الإسلام 1 / 107.
7- منها تحرير الأحكام 1 / 356 ، تذكرة الفقهاء 5 / 46 ، نهاية الإحكام 2 / 322 ، منتهى المطلب 1 / 479.
8- البيان : 173 ، مسالك الإفهام 1 / 364.

فلا يكون النصاب الأول جزء من الثاني ولا الثاني جزء من الثالث إلى الخامس ، فإذا بلغ السادس كان نصابا واحدا يندرج فيه ما تقدمه.

ويتفرع على الوجهين ما إذا اختلف أول ملكه لكل خمس إلى أن بلغت خمسا وعشرين ، فيؤخذ لكل واحد حولا منفردا على الثاني وعلى الأول يشكل الحال فيه ، بل لا يصح اعتباره كذلك كما سيجي ء بيانه إن شاء اللّه.

وقد ورد التعبير عن تلك النصب في الروايات بكل من الوجهين ، والظاهر البناء على الوجه الثاني.

وقد ورد التعبير به في صحيحة الفضلاء وزرارة ، وأكثر أخبار الباب التعبير بالأول لكن لا بعد في حملها على ذلك ، بل هو المتعيّن بعد دلالة غيرها عليه.

وعليه فيمكن تنزيل كلام من عبّر به من الأصحاب عليه فلا خلاف.

وكأنّه لذا قطع به جماعة من المتأخرين من غير إشارة إلى خلاف فيه.

ثامنها : المعروف بينهم أنّ نصب الإبل اثنا عشر.

ويوجد في كلام جماعة منهم الشيخ في النهاية (1) والمبسوط (2) والجمل ، والطوسي في الوسيلة (3) ، والعلامة في التذكرة (4) أنّها ثلاثة عشر ؛ نظرا إلى عدّ المائة واحد وعشرين نصابا ، والأربعين والخمسين الملحوظين عند تكثر الإبل نصابا آخر.

وقد يتفرع عليه ما سيجي ء إن شاء اللّه من احتمال كون الواحدة الزائدة جزء من النصاب لو جعلنا المائة والأحد وعشرين نصابا مستقلا ، وإن جعلنا النصاب هو الأربعين والخمسين فلا إشكال إذن في الخروج.

وهو كما ترى.

ص: 135


1- النهاية : 179.
2- المبسوط 1 / 191.
3- الوسيلة : 124.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 45.

فالظاهر أنّ الاختلاف المذكور إنّما هو في مجرد الاعتبار ، ولا خلاف في المعنى.

نعم ، على ما حكيناه من الصدوق في الهداية يكون النصب ثلاثة عشر على الحقيقة.

وقد عرفت ضعفه.

وهاهنا أمران ينبغي الإشارة إليهما :

أحدهما : أنّ الواحدة الزائدة على المائة والعشرين هل هي جزء من النصاب فيتعلق بها حصة من الزكاة أو أنّها شرط في تحقق النصاب وليس بجزء؟

وفرّع عليه فيما لو تلفت بعد حلول الحول قبل إخراج الزكاة بغير تفريط من المالك ، فعلى الأول يسقط من الزكاة بالنسبة بخلاف الأخير ؛ قولان :

فالأول مختار العلامة في النهاية (1). وربما يظهر من الشيخ في المبسوط (2) وجمل العقود حيث جعل الوقص المتقدم على مائة وثلاثين ثمانية أو لو لا بناؤه على ذلك لجعله تسعة كما جعل في المراتب المتأخرة عن المائة والثلاثين.

والثاني محكي عن جماعة من المتأخرين.

وبه قطع المحقق الكركي (3).

واختاره الشهيد الثاني في المسالك (4) وصاحب المدارك (5).

وهو الظاهر من الغنية حيث حكم بعدم ثبوت شي ء بين العشرين والثلاثين بعد المائة.

وظاهر الشهيد في البيان (6) التوقف في ذلك إلّا أنّه نفى البعد عن كونها شرطا. والأظهر خروجها عما يخرج عنه الزكاة ؛ أخذا بظاهر الروايات.

وكون ذلك نصابا لا ينافي عدم وجوبها في بعض منه ، فإنّ النصاب هو القدر الذي يناط

ص: 136


1- نهاية الإحكام 2 / 322.
2- المبسوط 1 / 191.
3- في جامع المقاصد 3 / 10.
4- مسالك الإفهام 1 / 373.
5- مدارك الأحكام 5 / 79.
6- البيان : 173.

وجوب الزكاة أو قدر معيّن منها بالبلوغ إليه وإن لم يجب في بعض منه كما في المقام حسبما قضت به الروايات.

هذا إذا جعلنا النصاب هو بلوغها إلى المائة وإحدى وعشرين ، وأمّا إن قلنا بأنّ النصاب عند البلوغ إلى القدر المذكور هو الأربعون والخمسون ، ولأنّه القدر المذكور (1) يجب فيه الزكاة فلا إشكال.

وهو الذي يظهر من كثير من المتقدمين منهم المفيد في المقنعة (2) ، والسيد في الجمل ، والشيخ في النهاية (3) وجمل العقود ، والحلبي في الكافي (4) ، والقاضي في شرح الجمل ، وابن زهرة في الغنية (5) ، والطوسي في الوسيلة ، والحلي في السرائر (6) وغيرهم ؛ لنصّهم بأنها إذا بلغت هذا المقدار ترك هذا الاعتبار وأخذ من كل خمسين حقة ، ومن كلّ أربعين بنت لبون.

وفي الوسيلة (7) : صار النصاب حينئذ الأربعين والخمسين.

فظهر بما ذكرنا أن قضية كلام هؤلاء أيضا ما اخترناه ، فينطبق النصوص والفتاوى على ذلك ، فالاحتمال الآخر موهون جدا.

ثانيهما : أن الظاهر من الروايات بعد الجمع بينهما وبين ظاهر إطلاق جماعة من الأصحاب التخيير في النصاب الأخير بين الإخراج عن كل خمسين حقة وعن كل أربعين بنت لبون ، سواء حصل الاستيعاب بهما أو بأحدهما دون الآخر أو كان أحدهما أقرب إلى الاستيعاب أو لا.

وهذا هو الذي حكم به الشهيد الثانى رحمة اللّه في فوائد القواعد ، وعزاه إلى ظاهر الأصحاب.

ص: 137


1- في ( د ) : « الذى ».
2- المقنعة : 237.
3- النهاية : 180.
4- الكافي للحلبي : 167.
5- غنية النزوع : 122.
6- السرائر 1 / 435.
7- الوسيلة : 124.

وإليه ذهب جماعة من المتأخرين كصاحب المدارك (1) والذخيرة (2) والحدائق (3) والرياض (4).

ويظهر ذلك من المحقّق الأردبيلي (5) والمجلسي رحمة اللّه (6).

ويدلّ عليه صحيحتا أبي بصير (7) وعبد الرحمن بن الحجاج (8) المشتملين على وجوب حقّة في كلّ خمسين بعد زيادة العدد على المائة والعشرين ؛ لتصريحه عليه السلام إذن ما بعد الوجهين.

وصحيحة الفضلاء وزرارة الحاكمتان بالتخيير بين الوجهين إذا زادت على المائة والعشرين واحدة لتعين ثلاث بنات لبون فيه على الوجه الآخر وإطلاق غيرها ممّا ظاهره التخيير بين الوجهين فيما إذا زادت الإبل على المائة والعشرين أو ما إذا كثرت الإبل بعد البلوغ إليها.

مضافا إلى الأصل ، وموافقته للإرفاق بالمالك العشر في نظر الشارع في المقام.

قطع المحقّق الكركي (9) والشهيد الثاني في المسالك (10) إلى أنّ التعدية بهما ليس على وجه التخيير مطلقا ، بل يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب إن أمكن ، سواء حصل من ملاحظته بأحد الوجهين أو بالتلفيق منهما وإلّا لزم مراعاة أقربهما إلى الاستيعاب ؛ رعاية لحق الفقراء ، وإن تساويا في الاستيعاب أو في مقدار القرب تخيّر بين الوجهين.

أقول : وهذا هو الذي قطع به معظم الأصحاب ممّن وصل إلينا كلامهم إلى الشهيد الثاني من غير خلاف تعرف فيه.

ص: 138


1- مدارك الأحكام 5 / 57.
2- ذخيرة المعاد 1 / 437.
3- الحدائق الناضرة 12 / 49.
4- رياض المسائل 5 / 60.
5- بحار الأنوار 93 / 54.
6- مجمع الفائدة 4 / 63.
7- الكافي 3 / 531 ، باب صدقة الإبل ح 1.
8- الكافي 3 / 532 ، باب صدقة الإبل ح 2.
9- جامع المقاصد 3 / 15.
10- مسالك الإفهام 1 / 374.

وممّن نصّ عليه الشيخ في الخلاف (1) والمبسوط (2).

وفي الأوّل : إنّ الذي يقتضيه المذهب هو ذلك.

وفيه أيضا حكاية الإجماع على أنّ في مائة وخمسين ثلاث أحقاق.

وفي الأخير : أنّ الأصحاب لم يفصّلوا ، والأخبار مطلقة ، والذي يقتضيه عمومها هو ذلك.

وفي الوسيلة : إنّ الفريضة في المائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون ، وفي المائة وثلاثين بنتا لبون وحقّة .. وعلى ذلك.

وفي الغنية : إن الواجب عندنا وعند أكثر من المخالفين في مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون.

وظاهره إجماعنا على تعيين ذلك في القدر المذكور.

وفي الإجماع المتقدم عن السيد في الانتصار (3) إشارة إليه أيضا.

وفي السرائر (4) : إنّ الذي يقتضيه أدلّتنا ويشهد به أصول مذهبنا والتواتر والإجماع منعقد عليه ما ذكره شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه ، ثمّ ذكر عبارة الشيخ في الخلاف (5) المشتملة على أنّ ما يقتضيه المذهب هو ذلك.

وقد فصّل فيه بيان الواجب في خصوص كلّ من الأعداد إلى المائتين ، وحكم فيها بالتخيير بين أربع حقاق وخمس بنات لبون ، وجعل الحكم فيه على هذا الحساب بالغا ما بلغ ، قال : وهذا هو تصحيح (6) المتّفق عليه المجمع.

وهذا كما ترى صريح في حكاية الإجماع إلّا أنّ ما ذكره في مقام الرد على السيد حيث

ص: 139


1- الخلاف 2 / 14.
2- المبسوط 1 / 192.
3- في هامش السرائر 1 / 449 : الانتصار : كتاب الزكاة ، المسألة الخامسة.
4- السرائر 1 / 449.
5- الخلاف 2 / 7.
6- في ( د ) : « صحيح ».

حكم بعدم (1) ثبوت شي ء في الزائد على المائة والعشرين إلى المائة والثلاثين.

وفي المعتبر بعد ما ذكر نصب الإبل كما مرّ ، وأسنده إلى (2) علمائنا : فيكون في مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون. ثمّ ذكر أقوال العامة. وظاهر كلامه بل صريحه تعيين (3) ذلك في العدد المذكور سيّما بعد ملاحظة ما حكاه من أقوال العامّة.

وقد صرّح بعد ذلك بأنّه إذا اجتمع في مال الأمران كالمائتين ، فالخيار إلى المالك في إخراج أربع حقاق أو خمس بنات لبون.

وهو يدلّ أيضا على عدم قوله بالتخيير مطلقا.

وفي التذكرة (4) : إذا زادت على مائة وعشرين واحدة وجب في كلّ خمسين حقة ، وفي كلّ أربعين ، بنت لبون فيجب هنا ثلاث بنات لبون إلى مائة وثلاثين ، ففيها حقّة وبنتا لبون إلى مائة وأربعين ، ففيها حقتان وبنتا لبون إلى مائة وخمسين ، ففيها ثلاث حقاق .. وعلى هذا الحساب بالغا ما بلغ عند علمائنا.

ثم ذكر أقوال العامة.

وذكر نحو ذلك في المنتهى (5) إلّا أنه أسند الحكم أوّلا إلى علمائنا ، وفرع عليه ذلك.

ولا يبعد أن يكون الجميع مسندا إليهم كما يكشف عنه عبارته في (6) التذكرة.

وكيف كان ، ففيه أيضا إشارة إلى الإجماع.

وقد قطع به الشهيد في الدروس (7) ، وهو ظاهر كلامه في البيان (8).

ص: 140


1- في ( ب ) : « بعد ».
2- ليس في ( د ) « إلى ».
3- في ( ألف ) : « بتعيّن ».
4- تذكرة الفقهاء 5 / 59.
5- منتهى المطلب 1 / 479.
6- ليس في ( د ) : « في ».
7- الدروس 1 / 234.
8- البيان : 173.

وذكر القاضي في شرح الجمل ان الأولى أن يخرج من هذا العدة يعني المائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون ؛ لأنّا لو أخرجنا من كلّ خمسين حقة ومن كلّ أربعين بنت لبون أجحف ذلك بالفقراء ؛ لأنّه يبقى من العدة إحدى وعشرين لا يدفع منها شي ء ، فالأولى إخراج ما ذكرناه من ثلاث بنات لبون. وهو مذهب الشافعي.

على أنه ليس معنى الخبر الوارد بذلك ما تضمنه ظاهره. وإنّما معناه أنّه إن أخرج حقة كانت من خمسين ، وإن أخرج بنت لبون كانت عن أربعين. انتهى.

وأوّل كلامه وإن أوهم عدم إيجابه لإخراج بنات اللبون في الصورة المفروضة إلّا أن آخر كلامه ظاهر الدلالة على الإيجاب ، فكان المقصود بالأولويّة هو الأولوية في الفتوى دون العمل. فكلام هؤلاء الجماعة واضحة الدلالة على ذلك.

وظاهر جماعة منهم كما عرفت حكاية الإجماع ، فما أسنده الشهيد الثاني إلى ظاهر الأصحاب من الحكم بالتخيير مطلقا كما ترى.

وإنّما أشرنا إلى عبائرهم في المقام حتى يتبيّن حقيقة الحال ، فبملاحظة ذلك يشكل الحال في هذا المرام ؛ لما عرفت من ظهور الأخبار في الوجه الأول.

وبناء هؤلاء الأجلّاء على الثاني سيما بعد حكاية الإجماع عليه وكون المراد بما دلّ على إخراج الحقة عن كلّ خمسين وبنت اللبون عن كلّ أربعين فيما إذا كثرت الإبل هو ما فهمه الجماعة في كمال القرب.

بل هو الأظهر في معناه حسبما فسّره الشيخ رحمة اللّه في المبسوط (1) والخلاف (2) وغيره ، كما هو المراد بمثل تلك العبارة الواردة في نصاب البقر ؛ للاتفاق هناك على مراعاة ذلك ، فيؤيد ذلك إرادته في المقام أيضا ، فيكون ذكر الوجهين المذكورين مبنيّا على التوزيع دون التخيير.

وحمل ما دلّ على ثبوت ذلك في المائة وإحدى وعشرين غير بعيد أيضا ؛ إذ ليس

ص: 141


1- المبسوط 1 / 192.
2- الخلاف 2 / 9.

المقصود في تلك (1) الصحيحين ثبوت الحكم في خصوص العدد المذكور ، بل فيما لو (2) حصل العدد المفروض وإن كان زائدا عليه.

وحينئذ يصحّ حملهما على إرادة التوزيع ، وإن تعيّن بنات اللبون في خصوص العدد المذكور. فتبقى الصحيحتان الأوليان المشتملان على إخراج الحقة عن كلّ خمسين دليلا على الوجه الأول.

وظاهرهما وإن لم يوافق المشهور أيضا لكن حملهما على بيان أحد فردي التخيير أقرب من الحمل على بيان الحكم في بعض الفروض.

وفي الاكتفاء بهما في الخروج عن مقتضى كلام الأصحاب بعد فهمهم ذلك من روايات الباب لا يخلو من إشكال.

مضافا إلى أن الشيخ في الخلاف (3) والمحقق في المعتبر (4) ذكرا ورود التقديرين في روايتي أبي بصير (5) وعبد الرحمن بن الحجاج (6) ، فتأمل.

على أن البناء على التخيير بين الوجهين مطلقا يقتضي بالتخيير بين إخراج ثلاث حقاق وثلاث بنات لبون في المائة والخمسين.

وهو بعيد جدّا.

وكذا جواز اخراج حقّة وبنت لبون في المائة وإحدى وعشرين ، فيلزم نقصان الزكاة بزيادة النصاب.

وهو أيضا كما ترى إلا أن يقال بخروج صورة التلفيق عن ظاهر الأخبار ، وهو مع بعده عن ظواهر تلك الإطلاقات قاض بعدم جواز الاعتبار به في صورة حصول الاستيعاب به

ص: 142


1- في ( د ) : « تينك ».
2- في ( د ) : « إذا ».
3- الخلاف 2 / 10.
4- المعتبر 2 / 500.
5- الكافي 3 / 531 ، باب صدقة الإبل ح 1.
6- الكافي 3 / 532 ، باب صدقة الإبل ح 2.

أيضا.

والظاهر أنّ أحدا لا يقول به ، فالأحوط للمالك - بل الأظهر - مراعاة ما يحصل به الاستيعاب أو ما هو أقرب إليه مع عدم إمكانه.

ص: 143

تبصرة: [ في نصاب البقر ]

لا خلاف بين الأصحاب في أن للبقر نصابين :

أحدهما : ثلاثون ، وفيها تبيع أو تبيعة على المعروف من المذهب ، وهو ما دخل في الثانية.

والآخر : أربعون ، وفيها مسنّة بلا خلاف ، فيه وهي ما دخلت في الثالثة.

وعلى هذين النصابين يدور أمر البقر ، فليسا مخصوصين بالمرتبة الأولى بل كلما زاد البقر دار الأمر على النصابين المذكورين.

ويوجد في كلام بعض الأصحاب زيادة في نصب البقر ، ففي المبسوط (1) : إنّ نصبه أربعة : ثلاثون وأربعون وستون ، ثمّ الأخذ بالثلاثين والأربعين.

ومنعه في المنتهى (2). وكأنّ الوجه فيه اختلاف الأوقاص (3) فيها ، واختلافها في السبعين فما زاد.

وظاهر الفقيه (4) والمقنع (5) نحو ما في رواية الأعمش ، عن الصادق عليه السلام : « إنّ نصبه ثمانية » حيث جعل إخراج التبيع من كلّ ثلاثين والمسنة من كلّ أربعين بعد التجاوز عن التسعين.

وفي التذكرة (6) جعل بعضها خمسة باعتبار النصاب الكلي بعد السبعين.

والظاهر أنه لا خلاف في المعنى ، وإن تفرع عليه بعض الثمرات مع الجمود على ظاهر تلك

ص: 144


1- المبسوط 1 / 197.
2- منتهى المطلب 1 / 488.
3- في ( ألف ) : « الاقاص ».
4- من لا يحضره الفقيه 2 / 26.
5- المقنع : 159.
6- تذكرة الفقهاء 5 / 75.

التعبيرات كما مرّت الإشارة إلى نظيره.

قال المحقق الكركي (1) : إنّ المتّجه عدّها ثلاثة شخصيا لأوامر كلي ، وهو كلّ ثلاثين أو كل أربعين.

قلت : فالمتجه على هذا عدّها أربعة : إذ الكلي أيضا نصابان كالمبتدأ.

نعم ، لو تخيّر المالك في الأخذ بكلّ منهما مطلقا صح ما ذكره ؛ لكون النصاب حينئذ أحد الأمرين المذكورين ، وليس كذلك كما سيجي ء بيانه ، فيكون النصاب في بعضها كلّ ثلاثين وفي بعضها كلّ أربعين.

وتخير المالك بين الوجهين مع مساواة التقديرين لا يقضي بعدهما نصابا واحدا ، فالأولى هو التعبير بما ذكرناه كما في كلام جماعة من الأصحاب ، فالأولى هو التعبير بما ذكرناه.

وفي المسالك (2) : إنه المشهور.

وهاهنا يراعى من الأمرين المذكورين ما يحصل به استيعاب أو يكون أقرب إليه ، ومع المساواة يتخيّر في الملاحظة بلا خلاف فيه.

ويدلّ على ذلك سوى التخيير في الثلاثين بين التبيع والتبيعة صحيحة الفضلاء عن الصادقين عليهما السلام : « في البقر في كلّ ثلاثين تبيع حولي ، وليس في أقلّ من ذلك شي ء ، وفي كلّ أربعين بقرة مسنة وليس فيما بين الأربعين والثلاثين شي ء ، فإذا بلغت الستّين ففيها تبيعان إلى السبعين ، فإذا بلغت السبعين ففيه تبيع ومسنة إلى ثمانين ، فإذا بلغت ثمانين ففي كلّ أربعين مسنة ( إلى تسعين ، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليّات ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففي كلّ أربعين مسنّة ) (3) (4).

ص: 145


1- نقله عنه في مفتاح الكرامة ح 11 / 213.
2- مسالك الإفهام 1 / 366.
3- الكافي 3 / 534 ، باب صدقة البقر ح 1.
4- ما بين الهلالين ليس في ( ألف ).

وبمعناها رواية الأعمش ، عن الصادق عليه السلام المروية في الخصال (1).

ويدل عليه أيضا رواية الفقه الرضوى عليه السلام (2).

وذكر خصوص المسنّة في المرتبة الأخيرة في الروايتين المذكورتين من جهة كونها أحد قسمي المخيّر ؛ لجواز إخراج التبايع أيضا ، أو لكونها الأفضل في الإخراج.

ثمّ إنّه لا خلاف في شي ء من الأحكام المذكورة سوى التخيير في الثلاثين بين التبيع والتبيعة فإنّ المحكي عن ظاهر علي بن بابويه والعماني تعيين التبيع الحولي ، وهو الموجود في عبارة الصدوق في الفقيه (3) والمقنع (4) كما هو الموجود في الأخبار المذكورة.

وتبعهم صاحب الحدائق (5). وظاهر المحقق الأردبيلي (6) الميل إليه حيث قال : إنّ مذهب ابن أبي عقيل وعلي بن بابويه هو مقتضى الدليل والاحتياط.

والمشهور هو التخيير.

وقد حكى الإجماع عليه في الخلاف (7) وشرح الجمل والتذكرة (8).

وفي المنتهى : أجمع المسلمون على وجوب التبيع أو التبيعة في الثلاثين ووجوب المسنّة في الأربعين ، وأجمعوا على أنّ هذين الستين هي المفروضة في زكاة البقر.

وفيه أيضا : لا خلاف في إجزاء التبيعة عن الثلاثين ؛ للأحاديث ، ويدلّ عليه بعد الإجماعات المحكيّة اشتمال ما رواه الفضلاء - على ما في المعتبر - بالتخيير بين التبيع والتبيعة ، وعدم وجود تلك الزيادة في الموجود عندنا من كتب الحديث لا ينافيه ؛ لتقديم الزيادة على

ص: 146


1- الخصال : 605.
2- فقه الرضا عليه السلام : 196.
3- من لا يحضره الفقيه 2 / 26.
4- المقنع : 159.
5- الحدائق الناضرة 12 / 55.
6- مجمع الفائدة 4 / 65.
7- الخلاف 2 / 19.
8- تذكرة الفقهاء 5 / 74.

النقيصة. وكأنّ المحقق أخذ الرواية من الأصول القديمة.

وروى في نهاية الإحكام (1) مرسلا عن الباقر والصادق عليهما السلام : « إنّ في البقر في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة .. » إلى قولهما عليهما السلام : ثمّ ليس فيها شي ء حتّى يبلغ ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان ، ثمّ في سبعين تبيع أو تبيعة ومسنة .. » الخبر.

وقد عرفت إسناده في المنتهى (2) إلى الأخبار مع اعتضاد ذلك بعمل الأصحاب من غير مخالف صريح.

مضافا إلى اشتمال صحيحة الفضلاء ورواية الأعمش وغيرهما على ذكر التبايع الثلاث في التسعين.

ومن الظاهر أن المراد بها الإناث ، فإذا ثبت ذلك فيها ثبت في الثلاثين لكون النصاب أمرا واحدا كليا ، والفريضة واحدة في الجميع وإن اختلفت في الأعداد.

وذلك أيضا موجود في عبارة الصدوق في الكتابين المذكورين ، فلا يبعد سقوط خلافه في المقام كغيره فيكون ذكرهم لخصوصه على سبيل المثال أو للتنبيه على جواز دفع الذكر أو للاقتصار على ذكر مورد النصّ.

ويؤيّده أيضا أنّه لو جاز دفع التبيع كان دفع التبيعة أولى ؛ إذ هي أعلى وأغلى منه ، ولذا لا يجوز دفع المسنّ في النصاب الثانى اتفاقا ، فتأمل.

فبما قرّرناه ظهر ضعف القول المذكور وسقط مؤاخذة صاحب الحدائق (3) عن صاحب البداية حيث أفتى بالتخيير.

ص: 147


1- نهاية الإحكام 2 / 327.
2- منتهى المطلب 1 / 478.
3- الحدائق الناضرة 12 / 55.
تبصرة: [ في نصاب الغنم ]

وللغنم نصب خمسة على المشهور بين الأصحاب :

الأول : الأربعون ، وفيها شاة.

الثاني : مائة وإحدى وعشرون ، وفيها شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياة.

( الرابع : ثلاث مأئة وواحدة ، وفيها أربع شياه.

الخامس : أربع مأئة فما زاد ، وفيها في كل مأئة شاة ) (1). ولا خلاف في المقام إلا في أمور :

الأول (2) : ما ذهب إليه الصدوق في الفقيه (3) والمقنع (4) من اعتبار زيادة شاة على الأربعين ، في النصاب الأوّل.

وحكى ذلك عن والده أيضا.

والمعروف من مذهب الأصحاب هو ما ذكرناه ، بل الظاهر الاتفاق عليه بعد الصدوق.

وظاهر القاضي في شرح الجمل وابن زهرة (5) حكاية الإجماع عليه.

وفي المعتبر (6) : إنّه لا خلاف فيه بين الخاصّة والعامة.

ص: 148


1- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
2- في ( د ) : « أحدها ».
3- من لا يحضره الفقيه 2 / 26.
4- المقنع : 160.
5- غنية النزوع : 123.
6- المعتبر 2 / 503.

وفي المنتهى (1) : قد أجمع كلّ من يحفظ عنه العلم أنّ أوّل نصب الغنم أربعون.

وفي التذكرة (2) : إنّ عليه الإجماع. وأراد به إجماع الخاصّة والعامة ، لكن ذكر في المختلف (3) أنه المشهور عند علمائنا أجمع ، ثمّ حكى الخلاف فيه عن الصدوقين.

وفي المدارك (4) حكاية إجماع الأصحاب عليه إلّا أنّه ذكر خلاف الصدوق (5) وقال : وهو ضعيف.

وما ذهب إليه الصدوقان مع كونه مخالفا لما أفتى به الأصحاب مخالف لمعظم روايات الباب ، منها : صحيحة الفضلاء وصحيحة محمد بن قيس (6).

نعم ، وجد ذلك في كتاب الفقه الرضوى عليه السلام.

وفي رواية الخصال (7) بإسناده عن الأعمش ، عن الصادق عليه السلام حيث قال عليه السلام : « ويجب على الغنم الزكاة إذا بلغت أربعين شاة ، وتزيد واحدة فيكون فيها شاة ».

وأنت خبير بأن ذلك لا تقاوم تلك الأخبار سيّما بعد الانجبار.

وفي المنتهى (8) إسناد عبارة الصدوق في نصب الغنم إلى صحيحة زرارة. وهو سهو صدر منه لتوهّمه العبارة المذكورة من تتمّة ما تقدّمها من رواية حريز ، عن زرارة ، عن الباقر عليه السلام كما لا يخفى على من لاحظه.

ثانيها : القول بوجوب الثلاثة في ثلاثمائة وواحدة.

ثالثها : إسقاط النصاب الخامس وجعل الرابع آخر نصب الغنم.

ص: 149


1- منتهى المطلب 1 / 489.
2- تذكرة الفقهاء 5 / 81.
3- مختلف الشيعة 3 / 180.
4- مدارك الاحكام 5 / 59.
5- ليس في ( د ) : « و ».
6- الإستبصار 2 / 23 ، باب زكاة الغنم ح 2.
7- الخصال : 605.
8- منتهى المطلب 1 / 489.

فيجب في ثلاثمائة وواحدة فصاعدا في كلّ مائة واحدة ، فقد ذهب إلى ذلك كله جماعة من الأصحاب :

منهم الصدوقان (1) والعمانى والسيد (2) والديلمي والطوسي (3) والجعفي والحلي (4) ، والعلّامة في المنتهى (5) والتحرير (6) والنهاية (7) ، وولده في الإيضاح (8).

وإليه ميل السيد في المدارك (9) والمحقق الشيخ حسن في المنتقى.

وما ذكرناه هو الذي ذهب إليه الأكثر.

ونصّ عليه الإسكافي والشيخ (10) في كتبه ، والقاضي (11) والحلبي (12) ، والفاضلان في الشرائع (13) والمختلف (14) والقواعد (15) والارشاد (16) ، والشهيد في اللمعة (17) والدروس (18)

ص: 150


1- فقه الرضا عليه السلام : 196 ، المقنع : 160 ، الهداية : 174.
2- رسائل المرتضى 3 / 77.
3- الوسيلة : 126.
4- المعتبر 2 / 503.
5- منتهى المطلب 1 / 489.
6- تحرير الأحكام 1 / 368.
7- نهاية الإحكام 2 / 328.
8- إيضاح الفوائد 1 / 177.
9- مدارك الاحكام 5 / 61.
10- الاقتصاد : 280 ، مصباح المتهجد : 857 ، الخلاف 2 / 21 ، النهاية : 181.
11- المذهب 1 / 163.
12- غنية النزوع : 123.
13- شرايع الإسلام 1 / 108.
14- مختلف الشيعة 3 / 179.
15- قواعد الأحكام 1 / 337.
16- إرشاد الأذهان 1 / 281.
17- اللمعة الدمشقية : 41.
18- الدروس 1 / 234.

والبيان (1) ، والسيوري والصيمري والمحقّق الكركي (2) وجماعة من متأخري المتأخرين.

وحكاه جماعة عن المفيد ، وهو الموجود في المقنعة (3) لكن حكى عنه الحلّي وغيره القول الأوّل.

وتعجّب في المختلف (4) من إسناده ذلك إليه مع تصريحه بخلافه.

وقد حكى الشهرة على القول المذكور جماعة من الأصحاب منهم المحقق الأردبيلي (5) ومولانا التقي المجلسي رحمة اللّه (6).

وفي الشرائع (7) : إنّه الأشهر.

وفي الروضة (8) : إنّ الرواية الدالّة عليه أشهر بين الأصحاب ، وهو الأظهر ؛ لصحيحة الفضلاء المرويّة عن الصادقين عليهما السلام المخالفة لما ذهب إليه معظم فقهاء العامة وما أطبق عليه أئمتهم الأربعة سوى رواية أحمد كما في المنتهى وغيره.

وموافقتهما (9) لما هو الأشهر بين الفرقة مع ما فيه من مراعاة الاحتياط بالنسبة إلى المالك.

مضافا إلى حكاية الشيخ عليه في الخلاف إجماع الفرقة.

حجة الجماعة : صحيحة محمد بن قيس ، وفيها بعد ذكر النصابين الأولين : « فإن زادت واحدة » يعني على المائتين « ففيها ثلاث شياة من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كل

ص: 151


1- البيان : 177.
2- المقنعة : 238.
3- المقنعة : 238.
4- مختلف الشيعة 3 / 180.
5- مجمع الفائدة 4 / 66.
6- بحار الأنوار 93 / 55.
7- شرايع الإسلام 1 / 108.
8- الروضة البهية 2 / 21.
9- في ( د ) : « موافقتها ».

مائة شاة » (1).

وهي مدفوعة بموافقة العامة ، ففي مقام التعارض تحمل على التقية ؛ إذ هي عمدة السبب في اختلاف الأخبار الخاصة.

مضافا إلى أنّها غير صريحة في إسقاط النصاب الخامس كدلالة الأخرى على إثباته ، فقد يكون قد أجمل القول فيه ، وأراد بالكثرة بلوغ أربعمائة فصاعدا.

وسكت عن حكم الثلاثمائة وواحدة من أجل التقية.

ولذا عبّر بالكثرة الظاهرة في إرادة ما يزيد على الواحد.

على أنّ ظاهر مفهوم الغاية يدلّ على مخالفة الحكم فيما بعد الثلاثمائة بالنسبة إلى ما قبلها ، فيومي إلى عدم ثبوت الثلاثة فيه ، وليس إلّا الأربعة اتفاقا.

ومع الغضّ عن ذلك كلّه ، فترجح الرواية الأولى أن الرواة لها الفضلاء النجباء الذين ورد في شأنهم من المدائح ما ورد ، وأجمعت العصابة على تصحيح ما يصح كل واحد منهم ، وكون المروي عنه الإمامين عليه السلام فهي في الحقيقة بمنزلة خبرين صحيحين ، بخلاف هذه الرواية.

وضمّ إليها في المنتهى (2) صحيحة أخرى رواه عن الصدوق ، والظاهر أنه سهو منه رحمة اللّه بجعله عبارة الصدوق المذكورة عقيب صحيحة زرارة الواردة في الجوابين من كلام الإمام عليه السلام كما مرّت الاشارة إليه.

ولذا لم يذكره أحد من الأصحاب في مقام الاحتجاج للقول المذكور.

نعم ، ورد ذلك في (3) الفقه الرضوي (4). والحال في ضعفه معروف.

وربّما يرجّح هذه الرواية بكونها أصحّ إسنادا من صحيحة الفضلاء ؛ لاشتمال سندها على إبراهيم بن هاشم المعدود روايته من الحسان.

ص: 152


1- الإستبصار 2 / 22 ، باب زكاة الغنم ح 2.
2- منتهى المطلب 1 / 489.
3- في ( د ) زيادة : « كتاب ».
4- فقه الرضا عليه السلام : 196.

وفيه : أن رواية ابراهيم بن هاشم لا يقصر عن سائر الصحاح سيّما مع اشتمال إسناد هذه الرواية على محمد بن قيس المشترك بين جماعة ، وفيهم من لا يوثق به. ولذا طعن فيها بالاشتراك في المختلف (1) وغيره.

وهو وإن كان مدفوعا برجحان كونه البجلي الثقة من جهة رواية عاصم بن حميد عنه إلّا أنّ ذلك لا يقضي بكثير اطمئنان في التعيين ، فالرواية الأخرى السالمة من ذلك بالترجيح أولى.

فظهر بما ذكرناه أن الأخذ بالرواية الأولى أرجح من هذه من جهات شتى.

وظاهر المحقق (2) في كتبه وجماعة من المتأخرين الاستشكال في المسألة ؛ لتعارض الخبرين المذكورين ، وليس في محله.

ثمّ إنّ هاهنا سؤالا مشهورا حكي عن المحقق (رحمه الله) أنّه أورده في الدرس (3) وقد أشار إلى الجواب عنه في الشرائع (4) إجمالا ، وبيّنه في الدرس (5) تفصيلا ، والمحكي عنه في تقرير السؤال وجهان :

أحدهما : السؤال عن فائدة الخلاف مع أنّ الواجب في أربعمائة أربع شياة على القولين.

وثانيهما : أنّه إذا كان الواجب في ثلاثمائة وواحدة ما يجب في أربعمائة ، فأيّ فائدة في الزائد؟

وأنت خبير بأنّ السؤال الأوّل ساقط بالمرّة ؛ إذ لا اختلاف بين القولين في أربعمائة حتّى يسأل عن الفارق بينهما كما أنّه لا فرق بينهما فيما فوق تلك المرتبة للإجماع على وجوب الشاة في كلّ مائة بعد البلوغ إلى أربعمائة ، وإنّما الخلاف في مبدأ هذا التقدير ، وإن كان المقصود السؤال

ص: 153


1- مختلف الشيعة 3 / 180.
2- المعتبر 2 / 503.
3- في ( ألف ) : « الدروس » ، وظاهره انه كتاب الشهيد الأول إلا أنه لم يصح إذ الشهيد الأول متأخر عن المحقق بكثير ، فلا يصح إسناد كلام المحقق إلى الدروس ، فتدبّر.
4- شرايع الإسلام 1 / 108.
5- في ( ألف ) : « الدروس ».

عن ثمرة الخلاف (1) في مورد اختلاف القولين فهو أمر واضح لا يليق بالسؤال ؛ ضرورة وجوب أربع شياة على القول ( الأول وثلاث على الثاني ومع ذلك تظهر الثمرة في أمور أخر منها كون الواحدة على القول ) (2) الثاني شرطا للوجوب ، فلا يسقط بتلفها بعد الحول من غير تفريط المالك شي ء من الفريضة بخلاف القول الآخر.

ومنها : أنّه لو تلف شاتان كذلك كان الساقط من الفريضة على الأوّل جزءان من خمسة وسبعين جزءا وربع جزء ، وعلى الثاني جزء من مائة جزء.

ولو تلف ثلاثة كان الساقط ثلاثة أجزاء من الأجزاء المذكورة ، وعلى الثاني جزءان من مائة .. وعلى هذا الحساب.

ومنها : أنه لو تلف هناك شاتان لزم تقسيط التالف على جميع النصاب ؛ لكون المخرج عنه هو الجميع ، فيسقط جزء ان من ثلاثمائة جزء ، وجزء من كلّ من الشياة الأربعة.

وعلى الثاني إنّما يسقط التالف على مائة منها ؛ لكون المخرج عنه في الحقيقة هو كلّ مائة ، فيسقط من شاة واحدة جزء من مائة.

وبالجملة إنّ الفرق بين القولين [ ... ] (3).

ص: 154


1- في ( د ) : « الاختلاف ».
2- ما بين الهلالين ليس في ( ألف ).
3- هنا بياض في نسخ الأصل.

تبصرة: [ في نصاب البقر ]

تبصرة (1)

[ في نصاب البقر ]

لا خلاف بين الأصحاب في أنّ للبقر نصابين : أحدهما ثلاثون وأربعون وستون ، ثمّ الأخذ بالثلاثين والأربعين.

ومنعه في المنتهى (2).

وكأن الوجه فيه اختلاف الأوقاص فيها واتفاقها في السبعين (3) وما زاد.

وقال المحقق الكركي (4) : إنّ المتّجه عدّها ثلاثة : شخصيّتان ، وأمر كلّي ، وهو كلّ ثلاثين أو كلّ أربعين.

قلت : فالمتجه على هذا عدّها أربعة ؛ إذ الكلي أيضا نصابان كالمبتدء.

نعم ، لو تخيّر المالك في كل منهما مطلقا صحّ ما ذكره لكون النصاب حينئذ أحد الأمرين المذكورين ، وليس كذلك ؛ لوجوب الاعتبار بالمطابق ؛ إذ الأمر إليه كما سيجي ء الاشارة إليه ، فيكون النصاب في بعضها كلّ ثلاثين وفي بعضها كلّ أربعين.

نعم ، لو فرض تساويهما في ذلك تخيّر المالك ، وهو لا يقضي بعدهما نصابا واحدا.

والأولى عدّها نصابين كما ذكرها جماعة من الأصحاب كما في رواية الأعمش (5) عن الصادق عليه السلام.

ص: 155


1- هذه التبصرة تكرار لما مرّ قبل صفحات بعبارات قريبة جدّا إلّا أنّنا حفظا للأمانة وحذرا من الحذف أدرجناها كما هي ، فلاحظ الفروق الطفيفة وزيادات ليست فيما سبق.
2- منتهى المطلب 1 / 487.
3- في ( د ) « فما ».
4- نقله عنه في مفتاح الكرامة 11 / 213.
5- لاحظ : من لا يحضره الفقيه 2 / 26.

وفيها تبيع وتبيعة على المعروف من المذهب ، وهو ما دخل في الثانية. والآخر أربعون ، وفيها مسنة بلا خلاف فيه ، وهي ما دخلت في الثالثة.

وعلى هذين النصابين يدور أمر البقر ، فليسا مخصوصين بالمرتبة الأولى خاصّة بل كلّما زاد البقر دار الأمر على النصابين المذكورين.

ويوجد في كلام بعض الأصحاب زيادة في نصاب البقر عن نصابين ، ففي المبسوط (1) : إن نصبه أربعة.

وظاهر الشيخ (2) أنّ نصبه ثمانية حيث جعل إخراج التبيع من كلّ ثلاثين ، والمشهور عن أربعين بعد التجاوز عن التسعين.

وفي التذكرة (3) جعل نصبها خمسة باعتبار الكلي بعد السبعين.

ولا خلاف في المعنى.

والأولى هو التعبير بما ذكرناه.

وفي المسالك (4) : انه المشهور. وذكر خصوص المسنة في المرتبة الأخيرة في الروايتين الأوليين من جهة كونه أحد قسمي المخير أو لكونه أحد الأفراد ؛ لجواز إخراج أربع تبايع أيضا ، ففي ثلاثين تبيع أو تبيعة ، وفي كلّ أربعين مسنة.

وهاهنا يراعى بين الأمرين المذكورين ما يحصل به الاستيعاب أو يكون أقرب إليه ، ومع المساواة يتخيّر في الملاحظة.

ويدلّ على جميع ذلك سوى التخيير في الثلاثين بين التبيع والتبيعة صحيحة الفضلاء ؛ عن الصادقين عليهما السلام : « في البقر في كلّ ثلاثين تبيع حولي ، وليس في أقلّ من ذلك شي ء ، وكلّ أربعين بقرة مسنة وليس فيما بين الأربعين والثلاثين شي ء ، فاذا بلغت الستين ففيها تبيعان إلى

ص: 156


1- المبسوط 1 / 197.
2- المقنع : 159.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 73.
4- مسالك الإفهام 1 / 366.

السبعين ، وإذا بلغت السبعين ففيها تبيع ومسنة إلى ثمانين ، فاذا بلغت ثمانين ففي كل أربعين مسنة إلى تسعين ، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليات (1) فإذا بلغت عشرين ومائة ، ففي كلّ أربعين مسنة » (2).

وبمعناها رواية الأعمش ، عن الصادق عليه السلام المرويّة في الخصال (3).

ويدلّ عليه أيضا رواية الفقه الرضوي (4).

ثمّ إنّه لا خلاف في شي ء من المذكورات سوى التخيير في الثلاثين بين التبيع والتبيعة ؛ فإنّ المحكي عن (5) عليّ بن بابويه والعماني تعيين التبيع الحولي ، وهو الموجود في عبارة الصدوق في الفقيه (6) والمقنع (7) كما هو مضمون الصحيحة المذكورة وغيرها.

وتبعهم صاحب الحدائق (8).

والمشهور هو التخيير كما أشرنا إليه ، وقد حكى الإجماع عليه في الخلاف (9) والتذكرة (10).

وفي المنتهى (11) : أجمع المسلمون على وجوب التبيع أو التبيعة في الثلاثين ، ووجوب المسنة في الأربعين ، وأجمعوا على أنّ (12) هذين السنين هي المفروضة في زكاة البقر.

وهو الأظهر.

ص: 157


1- في ( ألف ) : « حوليان ».
2- الكافي 3 / 534 ، باب صدقة البقر ح 1.
3- الخصال : 605.
4- فقه الرضا عليه السلام : 196.
5- لم توجه « عن » في ( ألف ).
6- من لا يحضره الفقيه 2 / 26.
7- المقنع : 159.
8- الحدائق الناضرة 12 / 55.
9- الخلاف 2 / 19.
10- تذكرة الفقهاء 5 / 74.
11- منتهى المطلب 1 / 487.
12- « أن » غير موجودة في ( ألف ).

ويدلّ عليه بعد الإجماعات المحكيّة اشتمال رواية الفضلاء على ما في المعتبر (1) على التصريح بالتخيير بين التبيع والتبيعة.

وعدم وجود تلك الزيادة في كتب الحديث لا ينافيه لتقديم الزيادة على النقيصة.

وكأن المحقق أخذ الرواية من الأصول القديمة.

وروته في نهاية الإحكام (2) مرسلا عن الباقر والصادق عليهما السلام : « في البقر في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة .. » إلى قوله عليه السلام « ليس فيها شي ء حتّى يبلغ ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان ثمّ في سبعين تبيع أو تبيعة ومسنة .. » الخبر.

مضافا إلى اعتضاد ذلك بعمل الأصحاب من غير مخالف صريح.

مضافا إلى اشتمال صحيحة الفضلاء ورواية الأنس ، عن الصادق عليه السلام وغيرهما على ذكر التبايع الثلاث في التسعين.

ومن الظاهر أن المراد بها الإناث ، فإذا جاز هناك جاز في الأوّل ؛ لكون النصاب أمرا واحدا كليا ، والفريضة واحدة في الجميع.

وذلك أيضا موجود في عبارة الصدوق في الغنية (3) والمقنع (4) ، فلا يبعد سقوط خلافه في المقام كغيره ، فيكون ذكرهم بخصوصه على سبيل المثال أو للاقتصار على ذكر مورد النصّ.

ويؤيّده أنّه لو جاز دفع التبيع كان دفع التبيعة أولى ؛ إذ هي أعلى وأغلى منه ، ولذا لا يجوز دفع المسنّ في النصاب الثاني اتفاقا ، ففيه مراعاة جانب الفقراء.

وبذلك يظهر ضعف القول المذكور ، ويسقط مؤاخذة صاحب الحدائق (5) من صاحب البداية حيث أفتى بالتخيير.

ص: 158


1- المعتبر 2 / 502.
2- نهاية الإحكام 2 / 327.
3- كذا ، والصحيح « الفقيه » ، انظر : من لا يحضره الفقيه 2 / 26.
4- المقنع : 159.
5- الحدائق الناضرة 12 / 56.
تبصرة: [ في نصاب الغنم ]

وللغنم نصب خمسة على المشهور بين الأصحاب :

الأوّل : الأربعين ، وفيها شاة.

الثاني : مائة وإحدى وعشرين ، وفيها شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياه.

الرابع : ثلاثمائة وواحدة ، وفيها أربع شياه.

الخامس : أربعمائة فما زاد فيها في كل مائة واحدة.

ولا خلاف هنا إلّا في أمور :

أحدها : ما ذهب إليه الصدوق في الفقيه (1) والمقنع (2) من اعتبار زيادة شاة في النصاب الأوّل على الأربعين ، وحكى ذلك عن والده أيضا.

والمعروف من مذهب الأصحاب هو ما ذكرناه ، بل الظاهر الاتفاق عليه بعد الصدوق ، وهو مع كونه خلاف فتوى الأصحاب مخالف لمعظم الروايات منها : صحيحة الفضلاء ، وصحيحة محمد بن قيس.

نعم ، وجد ذلك في رواية الفقه الرضوي (3) (4) ورواية الخصال (5) بإسناده عن الأعمش ،

ص: 159


1- من لا يحضره الفقيه 2 / 26.
2- المقنع : 160.
3- فقه الرضا عليه السلام : 196.
4- في ( د ) زيادة « في ».
5- الخصال : 605.

عن الصادق عليه السلام حيث قال : « ويجب على الغنم الزكاة إذا بلغت أربعين شاة ، ويزيد (1) واحدة فتكون فيها شاة ».

وأنت خبير بأن ذلك لا تقاوم تلك الأخبار سيّما بعد الانجبار.

وفي المنتهى (2) إسناد عبارة الصدوق في نصب الغنم إلى صحيحة زرارة. وهو سهو صدر منه لجعله العبارة المذكورة من تتمة ما تعلقه من رواية حريز ، عن زرارة ، عن الباقر عليه السلام كما لا يخفى على من لاحظه.

ثانيها : القول بوجوب الثلاثة في الثلاثمائة وواحدة.

ثالثها : إسقاط النصاب الخامس وجعل الرابع آخر نصب الغنم ، فيجب في ثلاثمائة فما زاد في كلّ مائة واحدة ، فقد ذهب في (3) ذلك كلّه جماعة من الأصحاب منهم الصدوقان والعماني والمفيد والسيد والديلمي والطوسي والجعفي والحلي ، والعلّامة في المنتهى والتحرير والنهاية ، وولده في الايضاح ، وإليه ميل السيد في المدارك ، والمحقق الشيخ حسن في المنتقى ، والذي ذهب الإسكافي والشيخ في كتبه ، والقاضي والحلبي ، والفاضلان في الشرائع والخلاف والقواعد والارشاد ، والشهيد في اللمعة والدروس والبيان ، والسيوري والصيمري والمحقّق الكركي (4) وجماعة من متأخري المتأخرين.

وحكاه جماعة عن المفيد ، وهو الموجود في المقنعة لكن حكى عنه الحلي وغيره القول الأوّل.

وقد حكى الشهرة على القول المذكور جماعة من الأصحاب منهم المحقق الأردبيلي ومولانا التقي المجلسي رحمه اللّه.

وفي الشرائع : إنّه الأظهر.

ص: 160


1- في ( د ) : « تزيد ».
2- منتهى المطلب 1 / 489.
3- في ( د ) « الى ».
4- لم ترد في ( ب ) : « المحقق الكركي ».

وفي الروضة : إن الرواية الدالّة عليه أشهر بين الأصحاب.

وهو الأظهر ؛ لصحيحة الفضلاء الصريحة فيه مع ما فيه من مراعاة الاحتياط بالنسبة إلى المالك.

مضافا إلى مخالفتها لما ذهب إليه معظم أئمة اللغة ، وموافقتها لما هو الأشهر من (1) الفرقة.

حجة الجماعة : صحيحة محمد بن قيس ، وفيها بعد ذكر النصابين الأولين : « فإن زادت واحدة - يعني على المائتين - ففيها ثلاث شياة من الغنم وثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة ».

وهي مدفوعة بموافقة العامة ، ففي مقام التعارض يحمل على التقية ؛ إذ ذلك مذهب أئمتهم الأربعة كما مرّ.

مضافا إلى أنّها غير صريحة في إسقاط الخامس ، فقد يكون عليه السلام قد أجمل القول فيها وأراد بالكثرة بلوغ أربعمائة فصاعدا وسكت أيضا عن حكم الثلاثمائة وواحدة من أجل التقية ، ولذا عبّر بالكثرة الظاهرة في إرادة ما يزيد على الواحد.

مضافا إلى أنّ مفهوم الغاية يدلّ على مخالفة الحكم فيما بعد الثلاثمائة بالنسبة إلى ما قبلها فيومي إلى عدم ثبوت الثلاثة فيه ، وليس إلّا الأربعة اتفاقا.

وممّا يؤيّد الأول كون الرواة لها الفضلاء النجباء الذين ورد في شأنهم ما ورد من المدائح ، وأجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن كلّ واحد منهم ، وكون المروي عنه الإمامان عليهما السلام ، فهي في الحقيقة بمنزلة خبرين بخلاف الرواية الدالّة على القول الآخر.

وربّما ضمّ إليها في المنتهى صحيحة أخرى رواه عن الصدوق ، والظاهر أنه سهو منه رحمه اللّه بجعله عبارة الصدوق رحمه اللّه المذكورة عقيب (2) صحيحة زرارة الواردة من كلام الامام عليه السلام ، ولذا لم يذكره أحد من الأصحاب في مقام الاحتجاج للقول المذكور.

نعم ، ورد ذلك في عبارة الفقه الرضوي ، والأمر في جواز الاعتماد عليه وعدمه معروف.

ص: 161


1- في ( د ) « بين ».
2- في ( ألف ) : « تجب ».

وربّما ترجح هذه الرواية بأصحيّة إسنادها عن صحيحة الفضلاء لا سيّما علي بن ابراهيم بن هاشم المعدود روايته في الحسان (1) ، ورواية ابراهيم بن هاشم لا يقصر عن سائر الصحاح سيّما اشتمال إسنادها (2) في الرواية على محمد بن قيس المشترك بين جماعة (3) ، والأصحّ كونه البجلي الثقة بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه عليه السلام ، إلّا أن ذلك لا يقضي بكثير اطمئنان (4) بالتعيين ، فالرواية الأخرى السالمة (5) عن ذلك بالترجيح أولى.

وظهر بما ذكرنا أن الأخذ بالرواية الأولى أرجح من هذه من جهات شتّى.

وظاهر المحقق في كتبه وجماعة من المتأخرين الإشكال في المسألة لتعارض الخبرين المذكورين ، وليس في محله.

ثمّ إنّ هاهنا إشكالا مشهورا ، وهو أن الأربعة إذا وجبت في ثلاثمائة وواحدة وفي الأربعمائة ، فأيّ فائدة في النصاب الأخير ، وعدّهما نصابين؟

والجواب عنه أن هذا النصاب لا اختصاص (6) له بهذه المرتبة ، وإنّما تكون هذه المرتبة من جملة مصاديقها.

فانتفاء الثمرة في هذه المرتبة بخصوصها لا مانع منه مع حصولها في غيرها إلّا أن يقرّر الإيراد في فائدة تعميم ذلك بحيث يشمل هذه المرتبة.

وهو حينئذ مدفوع بأن ما تعلق به الزكاة حينئذ هو مجموع الأربعمائة فيكون حق الزكاة مشاعا في الجميع ، وفي الأوّل إنّما يتعلّق الحق بالثلاثمائة وواحدة ، ويكون الزائد عليه عفوا فلا يكون إشاعة الحق إلّا فيما تعلق به الزكاة.

ص: 162


1- في ( د ) زيادة : « فيه ».
2- في ( د ) : « اسناد هذه الرواية » « إسنادها في الرواية ».
3- ليس في ( د ) « و ».
4- في ( د ) « في التعيين ».
5- في ألف : « الشاملة ».
6- في ( د ) : « لا اختصاص ».

ويتفرّع (1) على ذلك السقوط من الزكاة بحساب ما تلف من الأربعمائة بعد تعلّق الزكاة من غير تفريط ، بخلاف ما إذا روعي الوجه الآخر ؛ فإنه مع بقاء ثلاثمائة وواحدة لا يسقط شي ء من الزكاة.

وفيه : أن الزكاة إنّما تتعلق بالعين ، فيكون حينئذ ثابتا في جميع المال على سبيل الإشاعة ، فيكون التلف على التقديرين من المجموع ، فلا وجه لعدم سقوط شي ء من الزكاة مع بقاء النصاب.

كذا أورد صاحب المدارك ، وتبعه صاحب الذخيرة.

قلت : وعلى ما ذكراه يكون النقص الحاصل منقسما على النصاب والعفو ، ويسقط من الزكاة بنسبة ما يقع من السقط بإزاء النصاب.

وحينئذ فلا يبقى فرق بين الوجهين لا فيما ذكر ولا في كون الحق الثابت في كلّ غنم جزء من مائة جزء على أحد الوجهين وجزء من خمس وسبعين جزء حقيقة أو تعريفا على الوجه الآخر ؛ ليكون التلف على تلك النسبة ؛ لما عرفت من التقسيط على العفو ، فلا يفرق الحال بين الوجهين بالنسبة إلى ملاحظة القدر التالف من الزكاة كما لا يخفى.

إلّا أنّ الظاهر من الشرع خلافه ، بل الظاهر أن النقيصة كلما وردت ترد على العفو إلى أن يستوفيها ، ولذا لو تلف منه شي ء قبل حلول الحول كان التلف من العفو قطعا ؛ ضرورة صدق حلول الحول على قدر النصاب ، فيجري مثله فيما بعد حلوله.

والحاصل أنّ قدر النصاب في المقام أمر كلي يحكم ببقائه مع بقاء ما يفي به ، وإن تلف من المال ما تلف فيحكم إذن ببقاء حصة الزكاة لإشاعته في خصوص مقدار النصاب.

و (2) ممّا يدلّ على ذلك - مضافا إلى ما ذكرنا - أنه لو كان كما ذكراه لما جاز للمالك التصرف في المقدار الزائد على النصاب إلّا بعد ضمانه للحصّة التي فيه من الزكاة كما هو الشأن في تصرّف المالك في المال الذي تعلّق به الزكاة ، مع أنّ الأمر ليس كذلك بل له

ص: 163


1- في ( ألف ) : « ويتفرغ ».
2- زيادة الواو من ( د ).

التصرف في المقدار الزائد من غير حاجة إلى الضمان ، وإنّما يمنع من التصرف في قدر النصاب خاصة.

ومنه يظهر كونه كليا يبقى ببقاء ما بقي من المال حسب ما قرّرنا.

ص: 164

تبصرة: [ في اشتراط السوم ]

الثاني من شروط زكاة الأنعام : السوم بالإجماع المعلوم والمنقول حدّ الاستفاضة والأخبار المستفيضة (1) هو الرعي.

وظاهره (2) يعم الرعي في المملوك والمباح والمزروع وغير المزروع.

ويقابله المعلوفة ، وهي ما يعلف باليد سواء كان من مال المالك أو مال غيره ، من العلف المملوك بالأصل أو بالاحتشاش ، من المباح أو غير المملوك كما لو أعلفه من العلف المباح لو قلنا بعدم تملكه بمجرد الأخذ مع عدم قصد المالك لتملك أو مع قصد عدمه.

ولو أكل من العلف المطروح على الأرض أو التبن الساقط عليها مع إعراض المالك عنها ففي إدراجها في المعلوفة وجهان ، وفي إلحاقها بالسائمة وجه قوي.

وما استشكله الشهيد الثاني (3) فيما لو علفها غير المالك من مال نفسه من أنّها في معنى السائمة ؛ نظرا إلى الحكمة المقتضية لسقوط الزكاة عن المعلوفة من جهة سقوط المئونة عن المالك قد قضى ذلك بتنصيف الزكاة في الغلات عند سعتها بالدوالى ونحوها بيّن الاندفاع ؛ إذ لا عبرة بالاعتبارات المذكورة في إثبات الأحكام الشرعيّة.

كيف ، وقد يكون المصرف في السائمة معادلا للمعلوفة أو زائدا عليه ، وظاهر الأصحاب ثبوت الزكاة بل لا يظهر فيه تأمل من أحد.

ولو دار الأمر مدار المؤن لزم القول بالسقوط مع مساواة مؤنته لمؤنة المعلوفة أو زيادتها

ص: 165


1- في ( د ) زيادة : « واو ».
2- لم ترد في ( ب ) : « وظاهره يعمّ الرعي ».
3- مسالك الإفهام 1 / 370.

عليها.

وهل يعتبر أن تكون سائمة تمام الحول بطريق الحقيقة بحيث لو علّفت في بعض الحول - كائنا ما كان - سقط الحكم أو يعتبر الأغلب أو الاسم؟ وجوه ، بل أقوال.

فالأوّل ظاهر الحلي (1) والمحقّق (2) ، والثاني عن الشيخ (3) في بعض كتبه ، والثالث مختار معظم المتأخرين (4).

وهو الأظهر ، وهو الظاهر من الشيخ في النهاية (5) حيث حكم بسقوطه بعلف اليوم ، وصرّح بعدم اعتبار اللحظة.

والوجه فيه ظاهر ؛ لإناطة الحكم بالاسم ، ولا تحديد له في الشرع ، فيرجع فيه إلى صدق العرف.

وكأنّ ذلك هو الوجه في الثاني.

وضعفه ظاهر.

والوجه الأوّل أن المعتبر في المقام هو السوم لحلول الحول ، وهو اسم لتمام المدّة ، ولا يناط الأحكام الشرعيّة بالتسامحات العرفيّة كما هو المعروف في مسألة الكر والسفر ومقادير النصب وغيرها ممّا تنيط (6) فيه الأحكام بالأسماء.

ويدفعه أن التسامح العرفي ممّا لا يعتبر في المقام أيضا ؛ فإن الظاهر أن المعلوف في اللحظة ونحوها ممّا لا يقدح في صدق اسم السوم على سبيل الحقيقة كما لا يخفى على من لاحظ العرف ، فالوضع فيه على نحو يعمّ مثل ذلك.

ص: 166


1- تذكرة الفقهاء 5 / 48 ، مختلف الشيعة 4 / 442.
2- المعتبر 2 / 507 ، شرائع الإسلام 1 / 109.
3- المبسوط 1 / 198.
4- كفاية الأحكام 1 / 173.
5- النهاية : 177.
6- في ( د ) : « نيط ».

وأمّا ما كان الإطلاق من قبيل التسامح فالظاهر أنّه (1) ممّا لا عبرة به ، والظاهر أنّه خارج عن مقصود القوم.

وهل يعتبر السوم أيضا في السخال ، والمراد بها أولاد الأنعام الثلاث ، فيجعل ابتداء الحول فيها من حين الاستغناء بالرعي أو لا يلاحظ فيها ذلك بحسب الحول فيها من حين النتاج؟ والأوّل محكيّ عن صريح جماعة من الأصحاب (2) ، والثاني يعزى إلى الشيخ (3) وجماعة ، وفي المسالك (4) حكى الشهرة عليه ، وفي الحدائق (5) : الظاهر أنه المشهور.

وكأنه الأظهر ؛ أخذا بظواهر عدّة من الأخبار :

منها : الصحيح : « ليس في صغار الغنم شي ء حتى يحول عليها الحول من يوم ينتج » (6).

والخبر : « وما كان من هذه الأصناف الثلاثة الإبل والبقر والغنم فليس فيها شي ء حتى يحول عليه من يوم ينتج » (7).

ونحوها رواية أخرى (8).

والأصل في هذه الروايات إن كان واحدا إلّا أنّه لجلالة شأنه وبعده عن الخطأ في النقل لا يوجب وهنا في الخبر المذكور ، سيّما مع اعتضاده بعمل المشهور وأوفقيّته بالاحتياط ، فيقيّد بها إطلاق ما دلّ على اعتبار السوم.

والوجه في الآخر إطلاق ما دلّ على اعتبار السوم في الغنم ، فيجري الحكم في السخال

ص: 167


1- « أنه » اضيفت من ( د ).
2- شرائع الإسلام 1 / 109 ، تحرير الأحكام 1 / 364.
3- الدروس 1 / 232.
4- مسالك الإفهام 1 / 368.
5- الحدائق الناضرة 12 / 80.
6- لم نجده وما وجدناه في مستند الشيعة 3 / 93 هكذا : « ليس في صغار الإبل شي ء حتى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج ».
7- الإستبصار 2 / 20 ، باب زكاة الإبل ح 3.
8- الإستبصار 2 / 2 ، باب ما تجب فيه الزكاة ح 2.

وغيرها.

ويدفعه أنّ هذه الروايات أخبار خاصّة فيقيّد بتلك الإطلاقات.

مضافا إلى ما عرفت من تأيّدها بالشهرة والاحتياط.

وقد يؤيّد ذلك أيضا بأنّ سوم الأمّهات كاف (1) في صدقه على الأولاد من جهة التبعيّة.

ومن هنا ينقدح احتمال اختصاص الحكم بما إذا كانت أمّهاتها ساعة ، فلو كانت معلوفة لم يكن في أولادها شي ء ؛ إذ الظاهر كونها بمنزلة المعلوفة ، بل هي من المعلوفة في الحقيقة ، و (2) الروايات المذكورة غير واضح الشمول لذلك.

وهذا الوجه وجيه لو أمكن تطبيق كلماتهم عليه.

ص: 168


1- في ( ألف ) زيادة « كان ».
2- أدرجنا الواو من ( د ).
تبصرة: [ في اشتراط الحول ]

الثالث : الحول ، بالنصوص المستفيضة والإجماع المعلوم والمنقول حدّ الاستفاضة ، بل هو قول أهل العلم كافّة من العامة والخاصّة إلا ما حكي عن ابن عباس وابن مسعود من قولهما بوجوب الزكاة في المال إذا استفاد المال ، ثمّ يتكرّر بتكرّر الحول. ذكره في المنتهى (1).

وفساد قولهما ظاهر بعد إجماع الأمّة والروايات المستفيضة.

والظاهر اطباق الأصحاب على تعلّق الوجوب بمجرّد دخول الثاني عشر وإن لم يكمل أيّامه.

وفي المعتبر : إنّه يتمّ الحول عند استهلال الثاني عشر ، وهو مذهب علمائنا.

وفي المنتهى (2) : إذا أهلّ الثاني عشر فقد حال الحول على المال. ذهب إليه علماؤنا.

وفي التذكرة (3) : حولان الحول هو مضيّ أحد عشر شهرا كاملة على المال ، فإذا أهلّ الثاني عشر وجبت الزكاة وإن لم يكمل أيّامه بل يجب بدخول الثاني عشر عند علمائنا أجمع.

ويدلّ عليه بعد ذلك صحيحة زرارة ، عن الباقر عليه السلام : قلت له : رجل كانت له مائتا درهم فوهبه (4) لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا [ بها ] (5) من الزكاة فعل ذلك قبل حلها بشهر؟ فقال : « إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول ووجبت عليه الزكاة » (6).

ص: 169


1- منتهى المطلب 1 / 486.
2- منتهى المطلب 1 / 687.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 51.
4- في المصدر : « فوهبها ».
5- الزيادة من المصدر.
6- الكافي 3 / 526 ، باب المال الذي لا يحول عليه الحول في يد صاحبه ح 4.

ولا فارق بين النقدين والأنعام ، على أن الظاهر من قوله « فقد حال عليها الحول » حصول الحولان شرعا بذلك في الزكاة ، فيحمل عليه الإطلاق بالنسبة إلى غيرها (1) أيضا ؛ إذ لم يعتبر فيه إلّا حولان الحول.

فالمسألة ظاهرة لا خفاء فيها ، وظاهر جماعة من المتأخرين منهم صاحب الوافي والعلامة المجلسي وصاحب الحدائق (2) المناقشة في الحكم المذكور ، بل ظاهر عبارة الوافي (3) الاقتصار على مورد النصّ المذكور بحمله على الوجوب وحلول الحول بالنسبة إلى خصوص ما فرض فيه من مزيد الفرار ، قال : كيف والحول معناه معروف ، والأخبار بإطلاقه مستفيضة؟! ولو حملناه على معنى استقرار الزكاة فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضرورة من الدين بمثل هذا الخبر الواحد الذي فيه ما فيه.

وأشار بذلك إلى ما في تلك الرواية من وجوه الإشكال.

قلت : ما ذكره من الوجهين جاريان في حمل المذكور أيضا مع ما فيه من الضعف ؛ إذ لا يعرف قائل به من الأصحاب.

وكيف كان ، فضعف القول المذكور غني عن البيان.

نعم ، في صحيحة عبد اللّه بن سنان أنّه (4) لما نزلت آية الزكاة ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ) في شهر رمضان ، فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مناديه ، فنادى في الناس : « إنّ اللّه تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة .. » إلى أن قال عليه السلام : « ثمّ لم يتعرض بشي ء (5) من أموالهم حتى حال عليه الحول من قابل ، فصاموا وأفطروا ، فأمر مناديه ، فنادى في المسلمين : أيّها المسلمون! زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم ، ثمّ وجّه عمّال الصدقة » (6).

ص: 170


1- في ( ألف ) : « إليه » بدل « إلى غيرها ».
2- الحدائق الناضرة 12 / 73.
3- نقله عنه في التحفة السنية ( المخطوط ) : 151.
4- ليس في ( ألف ) و ( ب ) : « أنه ».
5- في المصدر : « لشي ء ».
6- من لا يحضره الفقيه 2 / 13 ، باب الأصناف التي تجب عليها الزكاة ح 1.

واستظهر منها في الحدائق (1) كون حلول الحول بمضيّ اثني عشر شهرا.

قلت : ويمكن المناقشة فيه ، بل وادّعاء ظهورها في خلافه ؛ لقوله عليه السلام « حتى حال عليه الحول من قابل فصاموا وأفطروا » فإنّها ظاهرة في كون الحلول قبل الصوم ، فيكون قبل إكمال الاثني عشر.

وربّما يجعل قوله « فصاموا وأفطروا » تفصيلا لما أجملوا بقوله « حتّى حال عليه الحول » وتفسيرا له ، فلا يدلّ على كون الحول قبل الصيام إلّا أنّ حمل العبارة (2) لا يخلو عن خروج من الظاهر ، فلا داعي إليه.

ومع الغضّ عنه فلا أقلّ من قيام الاحتمال الهادم للاستدلال.

بقي الكلام في سرّ تأخير النداء ، وهو يجري على الوجهين لإكمال الاثني عشر في شهر رمضان ، وكأنّه لحكمة قضت به في المقام ، ومنها هذا.

وقد وقع الكلام في المقام في امور.

أحدها (3) : أنّه هل يحتسب الشهر المذكور بعد تعلّق الوجوب في الحول الأوّل أو الثاني؟ قولان ، والأوّل مختار فخر المحققين في الإيضاح ، والثاني مختار الشهيد في الدروس (4) والبيان (5) وغيره (6).

وهو الأظهر ؛ إذ الحول لغة وعرفا اسم للشهور الاثني عشر ، وغاية ما دلّت عليه الصحيحة المتقدمة واستفيد من كلام الأصحاب الحكم بحلول الحول بدخول الثاني عشر تنزيلا لدخول الشهر الأخير منزلة كماله ، فكأنه بإهلال الثاني عشر قد مضى عليه اثنا عشر هلالا ، فيلاحظ الباقي من كمال الحول.

ص: 171


1- الحدائق الناضرة 12 / 76.
2- في ( د ) زيادة « عليه ».
3- « أحدها » زيدت من ( د ).
4- الدروس 1 / 231.
5- البيان : 171.
6- في ( د ) زيادة : « كالمحقق الكركى في حاشيته على الشرائع والقواعد ».

فالحول إنّما أطلق على مجموع الاثني عشر ، واكتفى (1) حلوله بحلول إهلال الثاني عشر منه.

واستشكل ذلك في التذكرة (2) والقواعد (3).

حجّة الأوّل : ظاهر الصحيحة المتقدّمة ؛ إذ حلول الحول ظاهر في كماله ، وقد أتى به بلفظ الماضي مع الفاء الدالّ على التعقيب أو من جهة ظهوره في ترتّبه على الشرط.

وفيه : أن الذي يظهر منها حصول الحول بذلك ، وقد يكون الوجه فيه ما ذكرناه فلا يلزم منه الخروج عن الظاهر في لفظ الحول.

وكأنّها أظهر في إرادة صدق الحولان خاصّة ، وغاية الأمر تكافؤ (4) الوجهين ، وقضية الأصل احتسابه من الأوّل.

الثاني : أنّه هل يستقر الوجوب بمجرّد إهلال الثاني عشر ، فلا يراعي بقاء الشرائط في بقية الشهر أو أنّه يجب متزلزلا فيراعى بقاؤها إلى آخر الحول؟ وجهان ، ظاهر الأكثر الأوّل ، [ و ] هو ظاهر الصحيحة المتقدمة ، بل ظاهر ما حكي من الإجماع ، والثاني مختار الشهيد الثاني ؛ استضعافا للرواية من جهة اشتمال إسنادها على إبراهيم بن هاشم ، ولم ينصّ عليه بالتوثيق.

ومقتضى الأدلّة بقاء اعتبار الشرائط إلى آخر الحول أو الشهر حقيقة في اللغة والعرف في مجموع الشهر والاثني عشر ، والأصل عدم النقل.

ودلالة الرواية والإجماع على وجوبها في الثاني عشر أعمّ من المستقرّ وغيره ، فلا يثبت به زيادة على غير المستقرّ.

ص: 172


1- في ( د ) زيادة كلمة قد تقرأ : « نفى ».
2- تذكرة الفقهاء 5 / 51.
3- قواعد الأحكام 1 / 332.
4- في ( ألف ) : « تكافؤه ».

ويضعّفه (1) صحّة الرواية المذكورة بل وكونها في أعلى درجات الصحّة ؛ إذ لا تأمّل في جلالة إبراهيم ، وقد اعترف به غير مرّة سيّما مع اعتضادها بعمل الأصحاب ، فالظاهر الأخذ بظاهر الصحيحة المعتضد أيضا بظاهر فتوى الفرقة.

الثالث : لا تدخل الأولاد في حول الأمهات تبعا ، بل لا بدّ من مراعاة الحول فيها بالاستقلال أو مع الغنم إلى غيرها ، وفي ما دلّ على أنّ ما يحلّ عليه الحول عند ربّه فلا شي ء فيه كفاية في ذلك.

وقد مرّ في بعض الصحاح وغيره تصريح بذلك ، والمسألة بيّنة ولا خلاف فيه بين الفرقة ، وإنّما وقع الكلام فيها بين العامة حيث ذهب بعضهم إلى تبعيّة الأولاد للأمهات في الحول.

وهو ضعيف موهون خارج عن مقتضى القواعد الشرعيّة.

ثمّ إن اتفق للأولاد نصاب مستقلّ مجامع للأولى كأن ولدت خمس من الإبل خمسا فلا كلام إن جعلنا الخمس الثاني نصابا مستقلا منضمّا إلى الأوّل ، وإن جعلنا العشر حينئذ نصابا واحدا جرى فيه الاحتمال الآتي ، ولو بلغت الأولاد إلى المرتبة الأولى من النصاب إذا لوحظت بالاستقلال ، ولم تصل المرتبة الثانية ولو مع الضم إلى الأمهّات كأربعين من الغنم ولدت أربعين ، ففي ثبوت الزكاة في الأولاد احتمال ذكره المحقّق في المعتبر (2) ؛ أخذا بظاهر قوله عليه السلام : في « كلّ أربعين شاة ».

ويضعّفه أنّ المنساق من ذلك ثبوته فيه عند حصوله في أوّل الأمر دون المنضمّ إلى أربعين آخر. الا ترى أنّه لو ملك ثمانين شاة لم يكن عليه في كلّ أربعين شاة اتفاقا؟ فكذا لو ملكها على سبيل التعاقب كما في المقام ، فالزائد على قدر الأربعين عفو.

ولو بلغت نصاب الأولاد وحدها إلى المرتبة الثانية من النصاب كأن ولدت سبعين (3) من

ص: 173


1- في ( ألف ) : « وغيره ، فلا يثبت على ضعفه » ، بدلا من « ويضعّفه ».
2- المعتبر 2 / 510.
3- كذا ، والظاهر : « سبعون ».

الغنم مثلا مائة وأحد وعشرون (1) كان لكلّ من الأمّهات والأولاد نصاب مستقل على ما قطع به في ظاهر المدارك (2).

وهو ضعيف ، بل الظاهر ملاحظة الجميع ، والبناء على العفو فيما زاد على النصاب كما في الفرض المذكور.

ومن الغريب أنه رحمه اللّه نصّ على أنّه لو كان الأولاد بالغة إلى النصاب الأول على نحو ما مرّ حكم بالعفو ، ولا فرق بين ذلك وما فرض في المقام ؛ اذ لو بنى على ملاحظة الأمهّات والسخال منفردا عن الآخر وجبت الزكاة في المقامين ، وإلّا سقط اعتبارها في الصورة المذكورة في السبعين ؛ إذ مع ملاحظة الجميع جملة يكون السبعين عفوا.

ألا ترى أنه لا يعقل فرق بين إذا كان (3) الغنم مائة إحدى وعشرين فولدت سبعين أو كانت سبعين فولدت مائة وإحدى وعشرين ، فلا معنى للبناء على الفرق والحكم بالعفو عن السبعين في الأوّل ، وجعل كلّ منهما نصابا مستقلا في الأخير.

وهو ظاهر.

هذا ، ولو بلغت الأمّهات بملاحظة الأولاد إلى المرتبة الثانية من النصاب كأن ولدت ثمانون من الغنم واحدا وأربعين فهل يلغى اعتبار النصاب الأول مع عدم مرور الحول عليه حال انفراده؟ بل تعتبر الجميع نصابا واحدا فيراعى طول الحول عليه كذلك ، أو يجب في كل منهما ما يجب فيه استقلالا؟ ففي المثال المفروض يراعى الحول في كلّ من الأمّهات والأولاد بالاستقلال ، ويثبت في كل منهما شاة عند حلول الحول عليه ، أو يحتسب حول الأمّهات بالاستقلال ، ثمّ يضمّ (4) الأولاد إليها بالنسبة إلى الحول الآتي ، فيلغى اعتبار الأولاد إلى حين

ص: 174


1- كذا ، والظاهر : « وإحدى وعشرين ».
2- مدارك الأحكام 5 / 77.
3- كذا ، والأظهر : « كانت ». والغنم اسم مؤنث موضوع لجنس الشاء يقع على الذكور والإناث وعليهما جميعا ، ولا واحد لها من لفظها ، وتصغيره : غنيمة ؛ لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين فالتأنيث لها لازم. أنظر : البستان ص 797 ( غنم ).
4- في ( ألف ) : « الحول » بدلا من « يضم ».

حلول حول الأمهات؟ وجوه ، المعزى إلى جماعة من المتأخرين اختيار الأخير.

وعلّل ذلك بأنّ القول بسقوط الزكاة من الأمّهات عند حلول حولها مع بلوغها حدّ النصاب مخالف لظاهر الأدلّة ، وبعد وجوب إخراج الزكاة عنها لا يمكن منها إلى السخال ليلزم القول بوجوب إخراجها عن الجميع أيضا عند حلول حول السخال ؛ اذ لا وجه للتبعيّة سيّما في المقام ، مع ما ورد في الأخبار من نفي التثنية في الصدقة وانّه لا يزكّى في عام مرّتين ، واعتبار النصاب الأوّل في الأولاد استقلالا (1).

وقد عرفت ضعفه ، فتعيّن الوجه المذكور.

قلت : قد يقال : إنّ ما ذكر في تضعيف سقوط الزكاة عن الأمهات عند حلول الحول عليها جار (2) في سقوطها عن السخال عند حلول حولها ، ولو جعل انضياف الغير إليها قاضيا بالسقوط جرى ذلك على الوجهين. كيف ويصدق هناك بعد انضياف تتمة النصاب الأخير تملكه لذلك النصاب ، فبعد حولان الحول عليها كذلك ينبغي القول بوجوب ما يجب فيه من الزكاة ، وهو قاض بسقوط اعتبار النصاب الأوّل ؛ لما مرّ من نفي التثنية في الصدقة.

وإنّ المتيقّن ممّا ورد في النصاب الأوّل اعتباره فيما لا يبلغ إلى النصاب الذي بعده ، فبعد فرض بلوغه إليه ( ولو في اشناء الحول لا يظهر اندراجه في ما دل عليه ، بل اندراجه وظاهر في ما فرض بلوغه إليه ) (3) فينبغي البناء عليه.

ويضعفه أنّ البناء على ذلك قد يفضي إلى سقوط الزكاة عن المالك لو فرض حصول الزيادة كذلك قبل حلول الحول بالنسبة إلى كلّ عام.

وهو بيّن الفساد ؛ مضافا إلى أنّه مع تقضّي بعض الحول على النصاب الأوّل تعلّق به الحكم بوجوب الزكاة على فرض الحلول ، فيستصحب ذلك مع بقاء المال كما هو المفروض ، والانتقال منه إلى مراعاة النصاب الثاني في أثناء الحول غير معلوم ، فيبنى على استصحاب

ص: 175


1- في ( ألف ) : « استقلال ».
2- في ( ألف ) : جاز.
3- ما بين الهلالين مما أضيفت من ( د ).

الأوّل.

ويشكل بأنّه لا حكم شرعا قبل حلول الحول ، وعدّ ما فرض حكما محلّ تأمّل.

والحاصل أنّ المسألة لخلوّها عن النصّ محل إشكال ، ويدور الأمر فيه بين وجوه ثلاثة : البناء على النصاب الأوّل ، والحكم بعدم اعتبار الحول بما ألحق به حتى يتمّ الحول على النصاب المذكور ، أو البناء على إسقاط ما مرّ من الحول على النصاب ، واحتساب الجميع نصابا واحدا ، والبناء على ملاحظة كلّ منهما نصابا مستقلا ، فيراعي فيه ما يتبعه من الحكم.

فمراعاة الاحتياط في مثله هو الأولى إن لم نقل بتعيّنه.

ويجري الكلام في كلّ ملك جديد كذلك يكون بعد مضي الحول على النصاب السابق ، بل وفي مراتب الزيادة في النصاب الآخر.

الرابع : أنّه لو اتفق معاوضة الأنعام بغير جنسها في أثناء الحول سواء كان زكويا أو غيره فلا كلام في سقوط الحول إلّا أنّ هناك قولا للشيخ (1) بعدم انثلام الحول لو كان ذلك بقصد الفرار.

وسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

وإن (2) عاوضها بجنسها كأربعين من الغنم بأربعين فالظاهر أيضا انثلام الحول لاختلاف المالين وعدم حلول الحول بالنسبة إلى شي ء منهما.

وعن الشيخ (3) : أنه لا يقطع الحول لصدق الاسم.

وفيه ما لا يخفى.

كيف ولو كان استمرار صدق ملك الأربعين كافيا في تحقق الوجوب ولو اختلف مصاديقها لجرى في غير صورة المعاوضة ، ولا يظهر فيه قائل بالثبوت.

ص: 176


1- المبسوط 1 / 206.
2- في ( ألف ) : « ان » بلا واو.
3- نقله عنه في الحدائق الناضرة 12 / 76.
تبصرة: [ في اشتراط أن لا تكون الإبل والبقر عوامل ]

الرابع : أن لا تكون عوامل بالإجماع المعلوم والمنقول.

وقد خالف فيه مالك من ائمّة الخلاف.

ويدلّ عليه بعد الإجماع خصوص صحيحة الفضلاء : « ليس على العوامل من الإبل والبقر شي ء ، إنّما الصدقات على السائمة الراعية ».

وقد ورد في عدة من (1) الروايات في جملتها الموثق ثبوت الزكاة على العوامل.

وقد تحمل على الاستحباب أو التقيّة ؛ لما عرفت من أنّه مذهب مالك من العامة.

وهل يعتبر ذلك في أغلب الأحوال أو جميعها أو يناط بصدق الاسم؟ وجوه ؛ أقواها الأخير إلّا ما كان من قبيل التسامح العرفي.

وعن الشيخ (2) النصّ على اعتبار الأغلبيّة.

وهو ضعيف ، فيرجع في العمل ومدّته إلى العرف بحيث يصدق معه اسم العامل عليه.

ومجرد صدقه في العرف قاض بانثلام الحول.

ولو عمل بها غير المالك من غير اذنه مع عدم خروجها عن سلطان المالك فالظاهر جريان الحكم. والأظهر استقلال أولادها في الحكم ، فلا يحكم فيها بتبعيّة الأمّهات في سقوط الزكاة ، وإن كانت (3) زمن الرضاع بناء على الاعتبار بحال النتاج ، وإن قلنا بتبعيّتها في مسألة السوم.

ص: 177


1- لفظة « من » ليست في ( ألف ).
2- الخلاف 2 / 53.
3- في ( د ) زيادة : « في ».

وأن (1) كان عشر من الإبل من شخصين تعمل أحدهما في السنة بمقدار حصّته سقط الزكاة من (2) الآخر.

ص: 178


1- في ( د ) : « ولو ».
2- في ( د ) : « عن ».
البحث الثاني: في اللواحق
تبصرة: [ في مصاديق الغنم ]

ذهب جماعة من الأصحاب إلى أنّ أقل ما يؤخذ من الغنم في الزكاة أن يكون جذعا من الضأن وثنيا من المعز.

وفي الحدائق (1) حكاية الشهرة عليه.

وعن الخلاف (2) حكاية الإجماع عليه.

وعن جماعة من أفاضل المتأخرين منهم السيد في المدارك (3) : إن الواجب ما يسمّى شاة. واختاره في الحدائق (4).

ولا يخلو عن قوّة ؛ لظواهر الإطلاقات في تلك المقامات من غير إشارة فيها إلى اعتبار خصوص شي ء من الأسنان ، فيدور الحكم مدار الاسم.

والوجه في الأوّل بعد الإجماع المحكي والاحتياط رواية سويد بن غفله : أتانا مصدق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقال : « نهانا أن نأخذ المراضع ، وأمرنا أن نأخذ الجذعة والثنية.

ص: 179


1- الحدائق الناضرة 12 / 66.
2- الخلاف 2 / 24.
3- نقله عنه في الحدائق الناضرة 12 / 76.
4- الحدائق الناضرة 12 / 66.

كذا احتجّ بها في المعتبر (1) والتذكرة (2) وغيرهما.

وظاهر المنتهى (3) كما ترى غير واف بالمقصود ، إذ لا اشارة فيها إلى التفصيل المذكور ، فالأولى الاحتجاج له بما رواه في التذكرة (4) عن سويد بن عقبة أيضا ، قال : أتانا مصدق رسول اللّه فقال : أمرنا أن نأخذ الجذع من الضأن والثني من المعز.

والظاهر اتحاد المحكي في المقامين ، فالثاني بيان لما أجمل في الأوّل.

مضافا إلى أنّ الزكاة إنّما تتعلّق بالعين ، وليس فيما تعلق به الحق ما دون الست أو السبع أو الثمان ، فجواز إخراجها يحتاج إلى الدليل ، وقضية الأصل المنع.

وفيها أنّ حكاية الإجماع موهونة في المقام ؛ لشيوع الخلاف. والرواية غير موجودة في اصول الأصحاب ، فالظاهر أنّها من روايات العامة ، فيشكل الاعتماد عليها في تقييد تلك الإطلاقات.

والأصل المذكور لا يتمّ في الشي ء بناء على حلول (5) الحول بدخول الثاني عشر كما هو المشهور.

على أنّ الإطلاقات كافية في دفعه.

وكيف كان ، فالمسألة مشكلة ، والوقوف على ما ذكروه أحوط.

بقي الكلام في تفسير الجذع والثني :

فحكى الشيخ (6) والعلامة (7) عن ابن الأعرابى أن الجذع من الضأن ما بلغ ستة (8) أشهر إن

ص: 180


1- المعتبر 2 / 512.
2- تذكرة الفقهاء 5 / 107.
3- منتهى المطلب 1 / 491.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 108.
5- في ( ألف ) : « حول ».
6- المبسوط 1 / 199.
7- تذكرة الفقهاء 5 / 107.
8- في المبسوط والتذكرة : « سبعة ».

كان بين شاتين (1) ، وإن كان من هرمين فلا يقال جذع حتى يستكمل ثمانية أشهر. وهو جذع أبدا حتّى يستكمل سنة.

وذكر أنه إنّما قيل جذع في الضأن إذا بلغ سبعة أشهر وأجزأ في الأضحية ؛ لأنّه إذا بلغ هذا الوقت كان له نزو وضراب ، والمعز لا ينزو حتى يدخل في السنة الثانية.

وعن الجوهري (2) : إن الجذع يقال لولد الشاة في السنة الثانية. وقد قيل في ولد النتيجة (3) أنه يجذع في ستة أشهر أو تسعة. وذلك جائز في الأضحيّة.

وعن الفيروزآبادي (4) : إنّه يقال لولد الشاة في السنة الثانية.

وعن ابن الأثير (5) إنّه من البقر والمعز ما دخل في. الثانية وقيل : البقر في الثالثة ، ومن الضأن ما تمت له سنة :

وعن الأزهري (6) : الجذع من المعز لسنة ، ومن الضّأن لثمانية أشهر. ونحوه عن المطرزي (7).

وعن الفيومي (8) : والجذع ولد الشاة في السنة الثانية.

ونقل عن ابن الأعرابي أنّ الأجذع من الضّأن إذا كان من شابين يجذع لستّة أشهر إلى سبعة أشهر ، وإذا كان من هرمين (9) وأجذع من ثمانية إلى عشرة.

ولا يخفى ما في كلماتهم من الاختلاف.

ص: 181


1- في ( د ) : « شابّين ».
2- الصحاح 3 / 1194 ( جذع ).
3- في ( د ) : « النعجة ».
4- القاموس المحيط 3 / 12 ( جذع ).
5- النهاية في غريب الحديث 1 / 250 ( جذع ).
6- نقل عنه في تاج العروس 11 / 58 ( جذع ).
7- نقل عنه في مجمع البحرين 1 / 355 ( جذع ).
8- المصباح المنير 1 / 94 ( جذع ).
9- ليس في ( د ) : « و ».

وفي تفسير الجذع من الضّأن وإن اتفقت في تفسير الجذع من المعز بأنّها ما كملت سنة ودخلت في الثانية ، وكلام أكثر (1) أهل اللغة يقيّد أن الجذع من الضّأن ما كملت له سنة إلّا أنّه غير موافق لظاهر كلمات الأصحاب وما ذكره غير واحد من أهل اللغة كما حكي عن ابن الأعرابي والأزهري والمطرزي وغيرهم.

والأظهر صدقه مع إكمال الثمانية. وفي السبع أيضا وجه قوي تقديما لقول المثبت سيّما مع موافقته لكلام جماعة من الأصحاب.

وأمّا الثني من المعز فعن الشيخ (2) والعلّامة (3) أنّه ما دخل في [ الثانية ] ، وفي الشاة ما دخل في الثانية (4).

وعن الجوهري (5) والفيومي (6) والمطرزي والفيروزآبادي : أنّه يكون في الظلف والحافر في السنة الثالثة.

وعن النهاية : الثنيه من الغنم ما دخل في السنة الثالثة ، ومن ذوات الخفّ في السنة السادسة ، ثمّ قال (7) : وعلى ما ذكرناه من معرفة الثني الجمع من أهل اللغة. وقيل : الثني من الخيل ما دخل في الرابعة ، ومن المعز ما له سنة ودخل في الثانية.

فظهر ممّا نقلناه أنّ كلام الأكثر متّفق على أنّ الثني من المعز ما دخل في الثالثة.

والاكتفاء فيه بالدخول في الثانية ممّا حكاه في المجمل عن البعض ، ولم يعيّن قائله ، فلا عبرة به في مقابلة الجماعة.

ص: 182


1- في ( ألف ) : « أكثر هؤلاء ».
2- المبسوط 1 / 199.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 107.
4- المبسوط 1 / 199.
5- الصحاح 6 / 2295 ( ثنى ).
6- المصباح المنير 1 / 85 ( ثنى ).
7- ذكر العبارة كلها في مجمع البحرين 1 / 330 ( ثنى ) ، ولم نجده في النهاية المطبوع.

وقد حكي عن جماعة من الفقهاء (1) تفسير الثني بما دخل في الثانية ، وقد حكي الشهرة عليه.

وفي الفقه الرضوي (2) فيما يجزى من الأضاحي ويجزى من المعز والبقر الثني ، وهو الّذي تمّ له سنة دخل في الثانية.

ونحوه ذكر الصدوق رحمه اللّه في الفقيه (3).

وبذلك يتقوّى القول المذكور ؛ إذ العمدة في أصل المسألة اعتضادها بفتوى الأكثر ، والقدر الّذي يثبت به حينئذ هو الثني المذكور.

مضافا إلى اعتضاده أيضا بما عرفت إلّا أنّه لمعارضته لكلام أهل اللغة لا يخلو من إشكال ، فمراعاة الاحتياط فيه مهما أمكن أولى.

ص: 183


1- فقه الرضا عليه السلام : 224 ، المقنع : 273 ، المقنعة : 418.
2- فقه الرضا عليه السلام : 224.
3- من لا يحضره الفقيه 2 / 492.
تبصرة: [ في المريضة والهرمة وذات العوار ]
اشارة

لا يؤخذ المريضة ولا الهرمة ولا ذات العوار مما (1) مرّ على خلاف ذلك ، بلا خلاف يعرف فيه.

وفي المنتهى (2) : إنّه لا يعرف فيه خلافا.

وعزاه في المدارك (3) إلى مذهب الأصحاب.

وفي الحدائق (4) : إن الحكم مجمع عليه.

واحتجّوا عليه بظاهر قوله تعالى ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) .

وصحيحة محمد بن قيس الواردة في الغنم : « ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلّا أن يشاء المصدق (5).

وقد ورد نحو منه في بعض الروايات العاميّة (6) بزيادة التيس.

فالمريضة إما أن تندرج في ذات العوار ؛ إذ المراد به العيب والمرض من أعظم العيوب أو لجريان الحكم فيها بالأولى.

مضافا إلى أن الزكاة متعلّق (7) بالعين كما سيأتي الإشارة إليه إن شاء اللّه ، فيثبت الحق على

ص: 184


1- في ( د ) : « هو ».
2- منتهى المطلب 1 / 485.
3- مدارك الأحكام 5 / 94.
4- الحدائق الناضرة 12 / 65.
5- الإستبصار 2 / 23 ، باب زكاة الغنم ح 2.
6- صحيح البخارى 2 / 124 ، سنن أبي داود / 351.
7- في ( د ) : « تتعلق ».

نحو ما تكون العين ، وجواز إخراج الأدون من العين في الصفات إنّما يثبت بالدليل ، ولا دليل عليه في المقام ، فقضية الأصل المنع ، فتأمل.

وكيف كان ، فالحكم ممّا لا ينبغي التأمّل فيه من غير فرق فيه بين الأنعام الثلاث.

والصحيحة المذكورة وإن وردت في خصوص الغنم إلّا أنّ فيها دلالة على حكم غيرها بالفحوى.

مضافا إلى عدم القول بالفصل.

[ تنبيهات ]

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : ظاهر الصحيحة المتقدمة جواز الدفع إذا رضي المصدق بها ، وكأن المراد به ما إذا كانت هناك مصلحة قاضية به ، والّا فمجرد رضاء المصدّق ممّا لا مدخل له في حقّ الفقير. وحينئذ فقد يقال بجواز الدفع مع عدمه أيضا ، وهو مخالف لظاهر المذهب.

ثانيها : لو كان النعم كلّها مراضا لم يكلّف شراء الصحيحة ، وصحّ إخراج المريضة إجماعا كما في الحدائق (1).

وعزاه في المنتهى (2) إلى علمائنا مؤذنا بالإجماع عليه.

وفي المدارك (3) : إنه مقطوع به في كلام الأصحاب.

وهو أيضا (4) ظاهر بملاحظة القواعد ؛ لما عرفت من تعلّق الزكاة بالعين ، فلا يكلّف بإخراج ما عدا الموجود.

وكذا الحال في سائر العيوب والهرم.

ص: 185


1- الحدائق الناضرة 12 / 66.
2- منتهى المطلب 1 / 485.
3- مدارك الأحكام 5 / 104.
4- لم ترد في « أيضا ».

ويعزى إلى بعض العامة (1) تكليفه بدفع الصحيحة ؛ أخذا بظاهر الرواية.

وهو ضعيف ، وإن احتمل في المدارك (2) المصير إليه.

ولو كانت ممتزجة من الصحيح والمريض فإن كان مقدار النصاب منها صحاحا فكذلك أيضا ، ويختص المراض بالعفو في وجه قويّ.

ولو كان النصاب ملفقا من الأمرين فظاهر جماعة من الأصحاب القطع بوجوب دفع الصحيحة الخالية عن العيب.

وهو قوي ؛ أخذا بإطلاق الدليل المتقدم.

ويحتمل البناء على التقسيط كما هو قضية الأصل ؛ إذ الفقير شريك بالنسبة.

ويتقوى ذلك مع كون الأكثر على خلاف الوصف سيّما إذا انحصر الصحيح السليم بالقدر المخرج.

وفي الحدائق (3) : إنّ الممتزج يخرج منه بالنسبة.

وهو كما ترى خروج عن إطلاق النصّ إلّا انّه ليس ببعيد.

ولو تجدّد بعد تعلّق الوجوب قوي احتمال التقسيط مع انتفاء التفريط كما إذا تلف بعض النصاب ؛ فإنّ ذهاب الصفة كذهاب العين.

ويحتمل أيضا لزوم مراعاة الوصف وقوفا على ظاهر الإطلاق.

ولو كان النصاب ملفقا من المريضة والهرمة وذات العوار فهل يتخير في الإخراج أو يتعين إخراج الأعلى منها أو يعتبر التقسيط؟ وجوه.

ثالثها : لو كان النصاب من أصناف متعددة كالعراب والبخاتي (4) والبقر والجاموس والشاة والمعز ، فهل يتخير المالك في إخراج ما شاء وإن تفاوت القيمة أو أنّه يجب التقسيط

ص: 186


1- منتهى المطلب 1 / 485 ، مدارك الأحكام 5 / 104.
2- مدارك الأحكام 5 / 104.
3- الحدائق الناضرة 12 / 66.
4- العراب البخاتي نوعان من الإبل كما في بدائع الصنائع 2 / 30.

والأخذ من كلّ بقسطه أو أنّه يناط الحكم بتفاوت القيم ، فمع الاختلاف يقسط وإلّا فالتخيير؟ أقوال.

فالأول مختار صاحب الحدائق (1) ، وهو الأظهر ؛ أخذا بظاهر الإطلاق ، وإنّ الاختلاف في القيمة لو كان مرعيّا في الزكاة لزم مراعاته مع اتحاد الصنف.

وهو خلاف ما يعطيه الأخبار وكلام الأصحاب ، بل الظاهر أنّه خلاف الإجماع.

ومع البناء على عدم اعتباره هناك فلا وجه لمراعاته في المقام مع خلو الأخبار عن اعتباره.

والثاني مختار جماعة من الأصحاب. وفي الحدائق (2) : إنّه أشهر بل حكى فيه الشهرة عليه.

والوجه فيه تعلّق الزكاة بالعين ، ومقتضى الاشتراك التقسيط.

والثالث مختار البعض. وفي الحدائق (3) : إنّه أحوط.

والوجه فيه ظاهر ممّا ذكر.

ويدفعهما أنّ تعلّق الزكاة بالعين لا يقضي بذلك ؛ فإن الكلام حينئذ في كيفية أصل الاستحقاق.

ص: 187


1- الحدائق الناضرة 12 / 71.
2- الحدائق الناضرة 12 / 71.
3- الحدائق الناضرة 12 / 72.
تبصرة: [ في الأكولة وفحل الضراب والرّبى ]

لا يؤخذ (1) الأكولة ولا فحل الضراب ولا الربّى على المعروف من المذهب ، بل لا يظهر فيه خلاف. مضافا إلى أنّ الاكولة وفحل الضراب مندرجان في كرايم الأموال ، وقد ورد النهي من التعرض لها للموثق (2) : « لا تؤخذ الأكولة والأكولة الكبيرة من الشاة تكون في الغنم و (3) ولا والد ولا الكبش الفحل ».

وفي الصحيح (4) : « ليس في الأكيلة ولا في الربّى التي تربّي اثنين ولا شاة لبن ولا فحل الغنم صدقة ».

وكأن المقصود في الرواية عدم أخذ المذكورات في الصدقة لا عدم تعلّق الزكاة بها رأسا للاتفاق ظاهرا على عدّ شاة اللبن وقرب حملها على المعنى المذكور.

وكيف كان ، فلا ينبغي التأمل في الحكم بعد وروده في المعتبر واعتضاده بفتوى الأصحاب ، مضافا إلى أنّ الأكولة وفحل الضراب مندرجان في كرايم الأموال.

وقد ورد النهي عن التعرض لها وإنّما الكلام هنا في امور : أحدها : اختلف كلام أهل اللغة في تفسير الأكولة ، ففي النهاية (5) وغيرها (6) : إنّها التي تسمن للأكل.

ص: 188


1- في ( د ) : « لؤخذ ».
2- من لا يحضره الفقيه 2 / 28 ، باب صدقة الانعام ح 1609.
3- الواو زيدت من ( د ).
4- الكافي 3 / 535 ، باب صدقة الغنم ح 2.
5- النهاية في غريب الحديث 1 / 58.
6- لسان العرب 11 / 29 ( أكل ) عن أبي عبيد.

واختاره في الشرائع (1) حيث فسّرها بالسمينة المعدة للأكل.

وقد يرجع إليه ما في الروضة (2) من تفسيرها بالمعدة للأكل. وقريب من ذلك ما في القاموس (3) من أنه العاقر من الشياه تعزل للأكل كالأكيل.

وقيل : إنها الهرمة.

وقيل : إنها الخصيّ.

وقيل : إنها العاقر.

وحكى هذه الأقوال الثلاثة في النهاية الأثيرية. وقد فسرت في الموثقة المتقدمة بالكبيرة من الشاة. ولا يخلو عن إجمال ، فإن اريد منها الكبيرة في السن انطبق على ما ذكر من تفسيرها بالهرمة ، فيرجع إلى ما تقدم من عدم أخذ الهرمة ، إلّا أنّه خلاف ظاهر الأكثر في تفسيرها.

وإن اريد بها الكبيرة في المقدار لم ينطبق على تفسيرهم.

وربّما يرجع إلى تفسيرها بالسمينة المعدّة للأكل.

ثم إنّ ظاهر الرواية وغيرها اختصاصها بالشاة وقد يعطي إطلاق بعضهم إطلاقها على سائر الأنعام.

ويمكن تنزيلها على خصوص الشاة ، والمراد بفحل الضراب : الفحل المعدّ لذلك أو المتأهل له وإن لم يعد لذلك كما هو ظاهر الإطلاق.

ويحتمل انصرافه عنها إلى الأول.

وهل يعمّ سائر الأنعام أو يختص بالشاة؟ وجهان.

والمعروف في تفسير الربّى أنها الولد واختلفوا في القدر الذي يصدق عليه الاسم بعد

ص: 189


1- شرائع الإسلام 1 / 113.
2- الروضة البهية 2 / 27.
3- القاموس المحيط 3 / 329.

الولادة ، فقيل : إلى خمسة عشر يوما ، وقيل : إلى خمسين. حكاه في الشرائع (1) ، وقطع في الروضة (2) بالأوّل.

وفي المدارك (3) : لم أقف على مستند لشي ء من التحديدين.

وفي المصباح (4) : هي ربّى ما بينها وبين شهر.

وفسرها الجوهري (5) بالتي وضعت جديدا ولم يحدّوه بالأيّام.

وفي النهاية (6) : قيل : هي الشاة القريبة العهد بالولادة. واختار هو تفسيرها بالتي تربى في البيت من الغنم لأجل اللبن.

قلت : وكأنّه تفسير آخر لا يراد في المقام لكونها إذن معلوفة.

ثم انّ هناك اختلافا آخر بين أهل اللغة [ في ] موضوعها ، فقيل : إنّها من المعز ، وقيل : من المعز والضّأن ، وربّما جاء في الإبل أيضا.

وكيف كان ، فالظاهر في المقام الرجوع في التسمية إلى العرف ، [ و ] في محلّ الشك يبنى على الأخذ بالإطلاقات.

وبعض تعليلاتهم في بعضها يعمّ سائر الأنعام ، فلو تمّ الاستناد إليه في استنباط الحكم صحّ الأخذ بما يقتضيه ، وإلّا فالبناء على ما ذكرناه.

هذا ، وقد فسّر الرّبى في الصحيحة (7) المتقدمة بالتي تربّي اثنين. ويمكن أن يحمل الرواية على تقييد الحكم المذكور فيها دون التسمية.

وظاهر الأصحاب تعميم الحكم ، وهو قضية إطلاق الموثقة ، فكأنّه الأظهر.

ص: 190


1- شرايع الإسلام 1 / 113.
2- الروضة البهية 2 / 27.
3- مدارك الأحكام 5 / 105.
4- نقله عن الازهري في مدارك الأحكام 5 / 105 ، ولم نجده في المصباح المنير.
5- الصحاح 1 / 131 ( ربى ) وفيه : وضعت حديثا.
6- النهاية في غريب الحديث 2 / 180 ( ربى ).
7- الكافي 3 / 535 ، باب صدقة الغنم ح 2.

وليست الصحيحة صريحة (1) في المخالفة. واختار في الحدائق (2) حمل إطلاق الأوّل على المقيّد. وهو بعيد.

ثمّ اختلفوا في تعليل الحكم فقيل : إن في أخذها (3) إضرار بولدها. ذكره الفاضلان. وقيل : لأنّها مريضة (4). واستوجه الشهيد الثاني (5) معلّلا بأنّها نفساء ، والنفساء مريضة ، ومن ثمّ لا يقام الحدّ عليها.

ويثمر الوجهان فيما إذا رضي المالك بدفعها فيما إذا مات ولدها أو استغنى عن أبيه (6) بغيرها.

ثمّ إنها (7) يضعف الأخير بأنّ المرجع في صدق المرض إلى العرف ، واندراج ذلك فيه محلّ تأمل بل الظاهر من العرف خلافه ، وعدم إقامة الحد على النفساء يقضي بكونها مريضة.

ثانيها : لو تعدّدت فحول الضراب جرى الحكم في الكل (8) وكذا الحال في الأكولة والربّى. نعم ، لو استوعب النصاب فالظاهر الإخراج منها سيّما بعد الحكم بتعلّق الزكاة بالعين.

ويحتمل القول بعدم إخراج شي ء منها والدفع من غيرها أو دفع القيمة منها.

ويجري ذلك أيضا فيما لو تلفّق النصاب منها.

ثالثها : لو دفع المالك شيئا من المذكورات جاز الدفع ومن الواجب ؛ إذ المقصود من عدم أخذها مراعاة المالك والارتفاق به ، فلو تبرّع بدفعها لم يكن هناك مانع من أخذها.

وقد يقال بأنّ عدم تعلّق الوجوب بها قاض بعدم احتسابها من الفريضة ، وإن كان ذلك

ص: 191


1- في ( ألف ) : « الصريحة ».
2- الحدائق الناضرة 12 / 69.
3- في ( ألف ) : « أحدها ».
4- في ( ألف ) : « فريضة ».
5- مسالك الإفهام 1 / 382.
6- في ( د ) : « أمه ».
7- في ( د ) : « أنه ».
8- لم ترد في ( ب ) : « في الكلّ .. بعد الحكم ».

لمصلحة المالك.

نعم ، إنما يصحّ دفعها من باب القيمة. وهو بعيد ؛ إذ ظاهر الدليل عدم سلطان العامل على أخذها وهو لا يقضي بعدم سلطان المالك على ذلك مع قضاء الإطلاق (1) به.

هذا إذا فسّرت المذكورات بما لا يشتمل على صفة نقص ، وأما لو فسّر بعضها بما فيه نقص - كما مرّ - فلا فائدة في رضا المالك بدفعه.

ثم إنّه قد تستشكل (2) في المقام بأنّه مع جواز دفعها في الصدقة وأداء الفريضة بها لا ثمرة للحكم المذكور ؛ إذ ليس للفقير والعامل إجبار المالك على دفع عين مخصوصة ؛ لتخيره في دفع ما شاء مع الخلو عن صفات النقص المتقدمة ، فكما لا يصح إجبار المالك على دفع المذكورات لا يصحّ إجباره بالنسبة إلى ما عداها أيضا ، وكما يتحقّق دفع الواجب مع إقدام المالك عليه في غيرها يتحقّق ذلك بالنسبة إليها أيضا.

ويمكن أن يقال : إنّ ذلك إنّما يثمر فيها لو امتنع المالك عن أداء الحق ، فإنّه لا يقهر على دفع شي ء من المذكورات بخلاف غيرها.

وربّما يقال أيضا بإثماره في صحّة تصرف المالك فيما قبل الضمان لعدم تعلّق حق الفقير بها بخلاف غيرها ، وكذا في تلفها بعد حلول الحول فلا ينقص شي ء من الزكاة بتلف شي ء منها لتعين الحق في غيرها.

ويشكل الحال فيهما بأنّ عدّها في النصاب قاض بتعلّق الزكاة بها أيضا غاية الأمر الارتفاق بالمالك في عدم أخذها ، وذلك لا يقضي بعدم تعلّق حق الفقير بها أصلا حتى يصحّ التصرف فيها بدون الضمان ، ولا يسقط شي ء من حقّ الفقير بتلفها بعد الحول ، ويجري ذلك بعينه في التصرّف فيما هو بخلاف الصفات المعتبرة في الفريضة.

وكأن الأظهر هنا وهناك المنع من التصرف بدون الضمان ، وكذا السقوط من الزكاة

ص: 192


1- في ( د ) : « الاطلاقات ».
2- في ( د ) : « يستشكل ».

بالنسبة مع تلف (1) ما هو بخلاف الصفة.

رابعها : ظاهر المشهور عدّ الأكولة وفحل الضراب في النصاب.

وفي المدارك (2) : إنه ظاهر الأكثر.

وفي الحدائق (3) : إنه المشهور.

وأمّا الربّى فظاهرهم الاتفاق على عدّها. وقد حكى في المدارك (4) اتفاقهم عليه ظاهرا.

وعن جماعة من الأصحاب - منهم الفاضلان رحمه اللّه في النافع (5) والقواعد ، والشهيد في اللمعة (6) - عدم عدّ الأوليين في النصاب.

واختاره في الحدائق (7) ، ثمّ قال : إن القول بعدم عدّ شاة اللّبن والربّي غير بعيد.

وظاهر عبارة المحقق الأردبيلي (8) ذلك أيضا.

وعن صاحب المفاتيح التردد في المقام.

والأظهر هو الأوّل ؛ لظاهر الإطلاقات الكثيرة المؤيّدة بالعمل والاحتياط للمالك مع عدم إشعار شي ء من الأخبار بخروج المذكورات مع عموم البلوى بذلك ، وظاهر الموثقة المتقدّمة الناهية عن أخذها فإنّها تومى إلى عدّها.

والصحيحة المتقدمة وإن دلّت بظاهرها على عدم العدّ إلّا أنها لاشتمالها على شاة اللبن والربّى لا بدّ من حملها على عدم الأخذ ؛ إذ لا يظهر قائل من الأصحاب بعدم عدّهما في النصاب سوى شذوذ من المتأخرين حيث مالوا إلى العمل بمضمونها سيّما إذا فسّرت شاة اللبن

ص: 193


1- في ( ألف ) : « ألف ».
2- مدارك الأحكام 5 / 106.
3- الحدائق الناضرة 12 / 70.
4- مدارك الأحكام 5 / 107.
5- المختصر النافع : 56.
6- اللمعة الدمشقية : 42.
7- الحدائق الناضرة 12 / 69.
8- مجمع الفائدة 4 / 78.

بذات اللبن كما هو الظاهر من إطلاقها ؛ فإنّ القول بعدم عدّها حينئذ ممّا ينبغي القطع بفساده.

وكيف كان ، فلا ينبغي التأمّل في عدّ الأخيرتين ، وبذلك يسهل الخطب في الأوليين.

وما في الحدائق (1) من أنّه بعد تسليم الإجماع على عدّ الأخيرتين وترجيحه على الخبر فأيّ مانع من العمل بالخبر المذكور في الباقي؟ ممّا لا (2) يتمّ فيه إجماع ، ولا دليل على ما ينافيه.

وهل هو إلّا من قبيل العام المخصوص ، مدفوع بأنّ المراد أنّ قيام الإجماع على عدّ الأخيرين قرينة صرف الخبر عن ظاهره وحمله على المعنى المذكور ، وليس الغرض جعل ذلك باعثا على طرح الخبر.

ومع الغضّ عن ذلك فلا ريب في كون ذلك موهنا للرواية المذكورة ، فيرجّح الاخذ بما يقابلها في مقام الترجيح ، سيّما مع اعتضاد ذلك ببعض المؤيّدات كما عرفت.

وجعله من قبيل العام المخصوص غير متّجه ؛ إذ ليس التخصيص طرحا للعام ، وإنّما هو بيان للمقصود بخلاف المقام.

وقد عرفت بما قرّرناه الوجه في سائر الأقوال وضعفها.

خامسها : لو كان النصاب ملفّقا ممّا لا يؤخذ لكماله وممّا لا يؤخذ لنقصه ، فهل يتعيّن عليه الدفع من غيره أو يرجع فيه إلى القيمة أو يتعيّن عليه دفع الكامل إيفاء (3) لحق الفقراء وأخذا بالاحتياط لو يجتزي منه حينئذ بدفع الناقص لمناسبة الارتفاق بالمالك؟ وجوه ؛ ومراعاة الاحتياط في ذلك ممّا لا ينبغي تركها.

ص: 194


1- الحدائق الناضرة 12 / 70.
2- في ( د ) : « لم ».
3- في ( ب ) : « إبقاء ».
تبصرة: [ في تعدّد ما هو بصفة الواجب ]

يتخيّر المالك في دفع ما شاء مع تعدّد ما هو بصفة الواجب كما يقتضيه ظاهر (1) الأخبار. وهو المستفاد من ظاهر معظم الأصحاب.

وعن الشيخ (2) وجماعة : أنه إذا وقعت المشاحة في تعيين الواجب في الإبل مع تعدّد ما هو بالصفة (3) يقسم ما جمع الوصف قسمين ثمّ يقرع بينهما ، وهكذا حتى يبقى قدر الواجب.

ولا يعرف المستند فيه ، وكأنّه من جهة إبهام الحق فيستخرج بالقرعة.

ويدفعه [ ... ] (4).

ص: 195


1- لم ترد في ب : « كما يقتضيه ظاهر .. تعيين الواجب ».
2- المبسوط 1 / 195.
3- في ( د ) : « الصفة ».
4- العبارة غير تامة ، وفي الأصل بياض.
تبصرة: [ في زكاة العين المستقرضة ]

زكاة العين المستقرضة اذا حال عليها الحول على المقترض دون المقرض بلا خلاف فيه ظاهرا ، ومصرحا به في الخلاف (1) والسرائر (2).

وفي التنقيح : إنّ ذلك مذهب الأصحاب مؤذنا بالإجماع عليه.

وربّما يستفاد من الوسيلة (3) وجوب الزكاة على المقرض مع ردّ المستقرض وإبائه عن الأخذ حيث قال : إنّه إذا لم يأخذ المال من المستقرض وهو يرد عليه وجب فيه الزكاة.

ويمكن حمله على الدين ، فيرجع إلى المسألة المتقدمة.

وقد يوجّه بنحو آخر يأتي الإشارة إليه إن شاء اللّه.

وربّما يستفاد من إطلاق جماعة في المسألة المتقدمة من ثبوت زكاة الدين على الديّان إذا كان ( المديون باذلا ، وثبوتها على المديون مع عدمه وجب زكاة القرض على المقرض إذا كان ) (4) باذلا لعين القرض ؛ بناء على وجوب قبول المقرض (5) إذا بذله سيّما بما مرّ عن شرح الجمل من قوله : وإذا كان المستدين قد رام دفع مال المقرض إلى من ملكه فلم يقبضه المالك وأخّره ، وهو بحيث يتمكن من الصرف (6) فيه لم يكن على المقترض شي ء ، وكانت الزكاة على المالك دون المقترض.

ص: 196


1- الخلاف 2 / 110.
2- السرائر 1 / 444.
3- الوسيلة : 127.
4- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
5- في ( د ) زيادة « له ».
6- في ( د ) : « التصرف ».

وقد ينزّل كلامهم على غير عين القرض لما نصّوا عليه من عدم وجوب زكاته على المستقرض من غير تفصيل ، لكن غير واحد من الكتب المذكورة خال من اختصاص مال القرض بالحكم المذكور.

وكيف كان ، فلا تأمّل فيما ذكرناه من الحكم.

ويدلّ عليه بعد ما عرفت ممّا ذكرناه في مال الدين ؛ مضافا إلى ظهور دعوى الإجماع عليه من جماعة كما مرّ المعتبرة المستفيضة المشتملة على (1) غير واحد من الصحاح وغيرها المعتضدة بالعمل.

ولو شرط زكاتها على المقرض فهل يجب حينئذ على المقرض ويسقط من المقترض؟ أقوال :

أحدها : فساد الشرط ، فلا يجب بذلك على المقرض شي ء. ذهب إليه جماعة منهم الحلي في السرائر (2) ، والعلّامة في التذكرة (3) وزكاة المختلف (4) ، وولده في الايضاح (5) ، والشهيد في الدروس (6) والبيان (7) ، والسيوري في التنقيح ، والمحقق الكركي في جامع المقاصد.

وفي المسالك (8) : إنه المشهور.

وعزاه في المدارك (9) إلى الأكثر.

وقضية الحكم بقضاء الشرط الفاسد العقد المشتمل عليه فساد القرض أيضا.

ص: 197


1- ليس في ( د ) « على ».
2- الخلاف 2 / 110.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 30.
4- مختلف الشيعة 3 / 163.
5- إيضاح الفوائد 1 / 171.
6- الدروس 1 / 231.
7- البيان : 166.
8- مسالك الإفهام 1 / 387.
9- مدارك الأحكام 5 / 124.

وقد نصّ عليه الشهيد في الدروس (1) حيث قال : إنّ الأقرب إبطال الملك أيضا ، لكنّ المستفاد من صريح بعض الكتب المذكورة وفحوى الثاني (2) صحة القرض.

وقد عزا القول المذكور في المختلف (3) إلى عليّ بن بابويه في الرسالة ، والعماني والمفيد في المقنعة (4) ، والشيخ في زكاة النهاية (5).

وكأنّه لاطلاقهم وجوب زكاة القرض على المستقرض كما هو الحال في عبارة المقنعة (6) وزكاة النهاية (7).

وهو كما ترى.

وثانيها : صحّة الشرط ، ووجوب الزكاة (8) على المقرض وسقوطها عن المستقرض. ذهب إليه الشيخ في النهاية (9) والقاضي في شرح الحمل ، والعلّامة في قرض المختلف (10).

وحكاه عن الطوسي أيضا ، ولم نجد ذلك في الوسيلة (11).

نعم ، حكم فيها بصحّة الشرط المذكور ، وهي أعمّ ممّا ذكر.

وربّما يظهر القول به عن الصدوقين حيث حكما في الرسالة والفقيه (12) والمقنع (13) بأنه لو

ص: 198


1- الدروس 1 / 231.
2- في ( د ) : « الباقى ».
3- مختلف الشيعة 3 / 163.
4- المقنعة : 239.
5- النهاية : 312.
6- المقنعة : 239.
7- النهاية : 312.
8- في ( د ) زيادة « حينئذ ».
9- النهاية : 312.
10- مختلف الشيعة 5 / 393.
11- راجع : الوسيلة : 127.
12- من لا يحضره الفقيه 2 / 21.
13- المقنع : 169.

باع شيئا وشرط زكاة الثمن سنة أو سنتين أو أكثر على المشتري لزمه ذلك دونه.

واختاره صاحب الحدائق (1).

ثالثها : القول بصحّة الشرط المذكور ووجوب الزكاة على المقرض ، لكن لا يسقط عن المقترض إلّا بأدائها دون مجرد الاشتراط عليه. ذهب إليه في المسالك (2) والمدارك (3) والذخيرة (4) والرياض (5).

ويحتمله عبارة الوسيلة. وهو الأظهر ؛ أخذا بإطلاق ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط والعقود والقرض من العقود اللازمة في نقل الملك إلى المقترض وعدم جواز ارتجاع المقرض في عينه كما هو الأظهر ، والمعزى إلى الأكثر.

فلا وجه لتخصيص الإطلاقين ؛ لما اشتهر من كونه من العقود الجائزة ، فلا يكون الشرط الحاصل في ضمنه لازما ؛ إذ جوازه (6) معنى آخر غير ما هو المراد في سائر العقود الجائزة كما قرّر في محله.

نعم ، ذهب الشيخ (7) رحمه اللّه إلى جوازه بالمعنى المشهور حيث جوّز ارتجاع العين المقترضة مع بقائها.

وفيه منافاة لما ذهب إليه هنا من لزوم الشرط وما يدّعى من فساد الشرط المذكور ؛ لمنافاته للمشروع حيث إنه اشتراط للعبادة على غير من يجب (8) عليه كاشتراط أداء الصلاة والصيام على غير من تجبان عليه ؛ بيّن الاندفاع.

ص: 199


1- الحدائق الناضرة 12 / 41.
2- مسالك الإفهام 1 / 388.
3- مدارك الأحكام 5 / 124.
4- ذخيرة المعاد 1 / 426.
5- رياض المسائل 5 / 48.
6- في ( د ) : « لجوازه ».
7- المبسوط 1 / 213.
8- في ( د ) : « تجب ».

فإنّ ذلك إنّما يتم في العبادات الصرفة المطلوبة فيها المباشرة بخلاف الزكاة ، فإنّها وإن كانت عبادة إلّا أن الملحوظ فيها جهة المالية ، ولذا يصحّ التوكيل فيها ، بل وأداؤها من المتبرع في وجه كما سيجي ء إن شاء اللّه.

وقد دل النصّ الصحيح الآتي على جواز أداء المقرض لها ، وسقوطها حينئذ عن المستقرض.

فإذا صحّ إتيان المتبرع بها جاز اشتراطها في ضمن العقد بأن يؤيّدها عن المقترض.

نعم ، لو اشترط في ضمن العقد عدم وجوب الزكاة على المستقرض بحولان الحول على المال المقروض ووجوبها على المقرض - استقلالا أو بدلا عن المستقرض - من غير أن يجب عليه كان الشرط باطلا ؛ لمخالفتة للمشروع ؛ إذ لا وجه لسقوط الزكاة عن المالك مع استجماعه لشرائط الوجوب ، ووجوبه على غيره على سبيل الاستقلال.

مضافا إلى ما سيأتي بيانه من تعلّق الزكاة بالعين.

وقد يحمل كلام المانعين على ذلك في مقابلة القائلين بسقوط الزكاة عن المستقرض.

ويؤيّده ظاهر ما استنده إليه من عدم مشروعية الشرط ؛ فإنّه إنّما ينصرف إلى ذلك ؛ إذ جواز أداء غير المالك لها مع إذن المالك ممّا لا يدخله ريب عندهم ، فأيّ مانع إذن من اشتراطه ، لكن سياق كلامهم في المقام كالصريح في خلاف ذلك ، وإن لم يساعده الدليل المذكور.

وقد ظهر بما قرّرنا حجّة القائل بفساد الشرط المذكور والجواب عنها.

واحتجّ عليه أيضا في المختلف بإطلاق الأخبار الدالّة على أن زكاة القرض على المستقرض دون المقرض.

وفيه كون (1) المستفاد من تلك الأخبار عدم وجوب زكاة القرض على المقرض بالأصالة لا عدم وجوبها عليه بعارض الاشتراط.

ص: 200


1- في ( د ) « أن ».

ولو سلّم فأقصى ما يدلّ عليه وجوبها أصالة على المقترض مطلقا ، ولا ينافي ذلك وجوب أدائها على المقرض عوضا عن المقترض من دون سقوطها عنه إلّا بأدائها كما هو أحد الأقوال في المسألة.

كيف ، ولو شرطها على غير المالك في سائر الأموال الزكويّة لزم الأداء عنه من غير ان ينافي إطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة على المالك.

حجّة القائل بصحّة الاشتراط المذكور وانتقال الوجوب إلى ذمّة المقرض صحيحة منصور بن حازم في رجل استقرض مالا وحال عليه الحول وهو عنده ، فقال : « إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه ، وإن كان لا يؤدي أدّى المستقرض » (1).

واحتجّ عليه في المختلف (2) بقوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم ».

وفي الحدائق (3) بما دلّ على صحّة اشتراط زكاة ثمن المبيع على المشتري ، فمما يدلّ عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضا بكذا وكذا ألف دينار واشترط عليه زكاة المال عشر سنين ، وإنّما فعل ذلك لأن هشام كان هو الوالي » (4).

وفي الصحيح أيضا ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « باع أبي أرضا من سليمان بن عبد الملك بمال واشترط عليه في بيعه أن يزكّي هذا المال من عنده لستّ سنين » (5).

وفي كتاب الفقه الرضوي عليه السلام : « وإن بعت شيئا وقبضت ثمنه واشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنه يلزمه ذلك دونك ».

وحكى عن الصدوقين أنهما عبّرا بمثل ذلك العبارة ، قال (6) : فمتى ثبت بهذه الأخبار صحّة

ص: 201


1- الكافي 3 / 520 ، باب زكاة مال الغائب والدين والوديعة ح 5.
2- مختلف الشيعة 5 / 393 القرض.
3- الحدائق الناضرة 12 / 31.
4- الكافي 3 / 524 ، باب ح 2.
5- الكافي 3 / 524 ، باب ح 1.
6- الحدائق الناضرة 12 / 42.

الشرط المذكور وأنّه سائغ وأن الزكاة تنتقل إلى ذمّة المشروط عليه ، فلا فرق بين وقوعه واشتراطه في بيع أو قرض أو غير هذا ؛ عملا بما دلّ على أنّ المؤمنين عند شروطهم.

والجواب أمّا عن الصحيحة فظاهر ؛ إذ لا دلالة فيها على لزوم الشرط ولا اشتغال ذمّة المشترط عليه بذلك ، ولا سقوطه بمجرد الاشتراط عن ذمة المشترط. غاية الأمر دلالتها على سقوطها عن المقترض بأداء المقرض ، وهو غير المدّعى ، بل فيها دلالة على وجوبها على المقترض مع عدم أداء المقرض لها ، ولو مع الاشتراط إن قيل بشمولها لصورة الاشتراط ، فهي بالاحتجاج بها على خلاف المدّعى أولى.

ولذا استند إليها بعضهم كغيرها من الإطلاقات في عدم سقوطها على المقترض ، ولو مع الاشتراط.

ولا يخلو من وجه.

نعم ، فيها دلالة على جواز التبرّع بأداء الزكاة عمن يجب عليه ، فيفيد كون الشرط المذكور سائغا فلا يصلح بها الاحتجاج بما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط ، إلّا أن أقصى ما يقتضيه ذلك وجوب أداء المشروط عليه لذلك ، ولا يستلزم براءة ذمّة المشترط بمجرّد ذلك كما لو شرط عليه في ضمن عقد لازم أداء ديونه ؛ فإنّه لا يبرء بذلك ذمّة المديون ، وإنّما يجب عليه ، الوفاء بالشرط ، ويبرء المديون عنه بأدائه لا بمجرّد اشتراطه.

وأمّا الصحيحتان الحاكيتان لفعل الباقر عليه السلام ، فلا دلالة فيهما على سقوط الزكاة بسبب الاشتراط سيّما بالنسبة إلى من وقع الاشتراط معه (1).

ص: 202


1- هنا بياض في الأصل.
تبصرة: [ في تعيين أصناف المستحقين ]
اشارة

لا خلاف في كون أصناف المستحقين هي المذكورة في الكتاب كما دلت عليه الآية الشريفة (1) إلّا أنّ هناك خلافا في ترادف الفقير والمسكين وعدمه ، فعلى الأوّل يكون المصارف في الحقيقة سبعة كما اختاره في الشرائع (2) بعد أن حكى فيه القولين وعزا القول به عن (3) بعض الناس ، وحكاه في المدارك (4) عن جماعة.

وعلى الثاني تكون ثمانية ( كما هو المعروف بين الأصحاب ، بل ظاهر التذكرة (5) إجماع العلماء عليه حيث قال : أصناف المستحقين للزكاة ثمانية ) (6) بإجماع العلماء ، ثم ذكر الخلاف في كون المسكين أسوأ حالا من الفقير أو بالعكس.

وظاهر ذلك الاتفاق على عدم المساواة كما هو الأظهر.

وهو المعروف من مذهب العامة والخاصّة.

ويدل عليه بعض النصوص الصحيحة من طرقنا.

نعم ، نصّ جماعة بإدراج كلّ منهما الآخر مع الانفراد.

قال في المنتهى (7) : لا تمييز بينهما (8) مع الانفراد ، بل العرب قد استعملت كلّ واحد من

ص: 203


1- التوبة : 60.
2- شرايع الإسلام 1 / 120.
3- في ( د ) : « الى ».
4- مدارك الاحكام 5 / 187.
5- تذكرة الفقهاء 5 / 237.
6- ما بين الهلالين من ( د ).
7- منتهى المطلب 1 / 517.
8- في ( ألف ) : « بينها ».

اللفظين في معنى الآخر.

وقد نصّ على إدراج كلّ في الآخر مع الانفراد الشيخ (1) وظاهر (2) الراوندي والحلي (3) والفاضلان (4).

وعن نهاية الإحكام (5) والمسالك (6) وإيضاح النافع (7) نفي الخلاف عنه.

وفي الحدائق (8) : إن ظاهر الأصحاب أنّه متى ذكر أحدهما خاصة دخل فيه الآخر بغير خلاف.

وعن الميسيّة والروضة (9) حكاية الإجماع عليه.

واستشكل فيه جماعة ؛ ففي البيان (10) إن أرادوا به حقيقة قضية منع.

وفي المدارك (11) : إنّ المتّجه بعد ثبوت التغاير عدم دخول أحدهما في إطلاق لفظ الآخر إلّا بقرينة.

واستشكل في ذلك في الحدائق (12) قال : لأنّه متى ثبت التغاير كما ذكرناه ، وهو المشهور عندهم فدخول أحدهما تحت الآخر مجاز لا يصار إليه إلّا بالقرينة. اللّهم إلّا أن يجعل الإجماع

ص: 204


1- المبسوط 1 / 246.
2- في ( د ) « الشيخ في المبسوط و ».
3- السرائر 1 / 456.
4- المعتبر 2 / 564.
5- نهاية الإحكام 2 / 379.
6- مسالك الإفهام 1 / 409.
7- كذا ، والظاهر : « الفوائد » ، لاحظ : إيضاح الفوائد 1 / 193.
8- الحدائق الناضرة 12 / 155.
9- الروضة البهية 2 / 42.
10- البيان : 193.
11- مدارك الأحكام 5 / 192.
12- الحدائق الناضرة 12 / 155.

قرينة.

وفيه ما فيه.

ثمّ احتمل قريبا أنّ التغاير في الزكاة خاصّة.

وقطع في القواعد (1) بإدراج المساكين في الفقراء إذا وصّى للفقراء.

واستشكل في عكسه.

واختاره (2) ولده في وصايا الإيضاح (3) ، والمحقّق الكركي (4) عدم الدخول.

والمسألة لا تخلو من إشكال إلّا أنّ ما عرفت من الإجماعات شاهد على اتحاد المعنيين مع انفراد كلّ منهما عن الآخر.

وفيه الكفاية في مثله إلّا أنّ الظاهر عمّا حكي عن ماعة من اللغويين إطلاق الفرق بين المعنيين.

ثمّ مع اختلاف المعنيين - إمّا مطلقا أو مع الاجتماع - فهل المسكين أسوأ حالا من الفقير أو بالعكس؟ قولان.

فالأول محكيّ عن يونس ، وهو قضيّة ما حكي (5) عن ابن السكيت (6) من أن الفقير من له بلغة من العيش ، والمسكين الذي لا شي ء له.

وما حكي عن ابن عرفة من أن الفقير عند العرب المحتاج ، فأمّا المسكين فالذي قد أذلّه الفقر.

وغيره قال : فإذا كانت مسكنته من جهة الفقر حلّت له الصدقة ، وإذا كان مسكينا قد أذلّه شي ء سوى الفقر فلا تحلّ له.

ص: 205


1- قواعد الأحكام 2 / 452.
2- في ( د ) : « واختار ».
3- إيضاح الفوائد 2 / 496.
4- جامع المقاصد 3 / 30.
5- إيضاح الفوائد 1 / 193.
6- لم ترد في ( ب ) : « ابن السكيت .. ما حكي عن ».

وقد حكي القول بذلك عن الفراء وثعلب وابن قتيبة (1) وابن دريد وأبي يزيد (2) وأبي عبيدة وأبي اسحاق والأصمعي ويعقوب.

واختاره جماعة من الأصحاب.

وكأنّه الأشهر. وعزاه في التنقيح والمسالك (3) إلى الأكثر.

وفي الغنية (4) : الإجماع على أنّ الفقراء لهم شي ء ، والمساكين لا شي ء لهم ، قال : وقد نصّ على ذلك الأكثر من أهل اللغة.

وقد عزي ذلك إلى الإسكافي والشيخين (5) والديلمي والعلّامة في عدّة من كتبه حيث فسّر الفقير والمسكين بما حكيناه عن ابن عرفة (6).

والثاني محكي الصدوق حيث نصّ في الفقيه (7) أن الفقراء هم أهل الزمانة والحاجة ، والمساكين أهل الحاجة من غير أهل الزمانة.

وعن الشيخ في المبسوط (8) والجمل (9) والقاضي (10) والطبرسي (11) والطوسي (12) والحلي (13) : أن الفقير الّذي لا شي ء له ، والمسكين الّذي له بلغة من العيش.

ص: 206


1- غريب الحديث 1 / 28.
2- في ( د ) : « زيد ».
3- مسالك الإفهام 1 / 409.
4- غنية النزوع : 123.
5- المبسوط 1 / 246.
6- الذي ذكروه هؤلاء الأعلام يطابق ما حكي عن ابن السكيت لا ابن عرفة ، فراجع.
7- من لا يحضره الفقيه 2 / 6.
8- المبسوط 1 / 246.
9- الرسائل العشر : 206.
10- المهذب 1 / 169.
11- جوامع الجامع 2 / 73.
12- الوسيلة : 128.
13- المعتبر 2 / 564.

ولا يظهر من القاموس (1) والصحاح (2) ترجيح لأحد الوجهين.

وكأنّ الأظهر الأوّل لصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام عن الفقير والمساكين ، فقال : « الفقير الذي لا يسأل ، والمسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل » (3).

وصحيحة أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : قول اللّه تعالى؟ فقال : « الفقير الذي لا يسأل الناس والمسكين أجهد منه والبائس أجهدهم » (4).

وروى الشيخ بإسناده عن علي بن إبراهيم أنّه ذكر في تفسيره هذه الثمانية الأصناف ، فقال : فسّر العالم عليه السلام فقال : « الفقراء هم الذين لا يسألون وعليهم من عيالهم » ، ثمّ قال : « والمساكين هم أهل الزمانات » (5).

وكأنّ المستفاد منها كون المسكين أسوأ حالا منه فيكون ذكر السؤال في الصحيحة المذكورة مثالا ، وكذا الزمانة (6) في رواية تفسير هذا.

ولا يذهب عليك أنّه لا ثمرة يعتدّ بها هنا للخلاف المذكور كما نصّ عليه جماعة في المقام ؛ بناء على ما هو الصواب من عدم وجوب البسط ؛ للإجماع على جواز إعطاء كل بهما ، فإنّ العبرة في المقام بتحقّق الحاجة وانتفاء الغناء الشامل لهما.

وقد وقع الخلاف في ذلك على أقوال :

أحدها أنّه من يقصر ماله عن مؤنة سنة له ولعياله.

وفي التنقيح وغيره : إنّه المشهور.

وفي المهذب البارع (7) : إن عليه محقّقي المذهب.

ص: 207


1- القاموس المحيط 2 / 111 ( فقر ).
2- الصحاح 2 / 782 ( فقر ).
3- الكافي 3 / 502 ، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق من ح 18.
4- الكافي 3 / 501 ، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق ح 16.
5- وسائل الشيعة 9 / 212 ، باب أصناف المستحقين ح 7.
6- في ( الف ) : « الرحانة » وهو غلط.
7- المهذب البارع 1 / 529.

وفي المدارك (1) والحدائق (2) وغيرهما : إنّ عليه عامّة المتأخرين.

وحكى القول به عن الحلي (3) والمحقق (4) في كتابيه وتلميذه الآبي والعلّامة (5) في عدّة من كتبه ، والشهيدين (6) والسيوري وابن فهد (7) والفاضل الأردبيلي (8) وغيرهم من المتأخرين.

وحكاه في التذكرة (9) وغيرها عن الشيخ.

وقد نصّ جماعة من هؤلاء منهم الفاضلان بجواز تناول الزكاة لمن كان له مال يتعيّش به أو ضيعة يستغلها (10) إذا كان بحيث يعجز عن استنماء الكفاية ، وإن كان ذلك المال أو قيمة الضيعة وافيا لمؤنة سنة وزيادة ، فيكون ذلك مستثنى ممّا اعتبر في الحدائق (11) من قصور ماله عن مؤنة سنته كما استثني الدار والخادم والفرش اللائقة بحاله كما سيجي ء إن شاء اللّه (12) لا يبعد أن يكون ذلك مقصود الجميع حيث لا مصرّح بخلافه.

وفي الروضة (13) حكى الشهرة عليه إلّا أنّه حكى عن القيل اعتبار قيمة أصل الضيعة.

ولا يعرف القول به صريحا لأحد من الأصحاب.

وربّما يحكى عن فخر الدين ، وليس يثبت.

ص: 208


1- مدارك الأحكام 5 / 194.
2- الحدائق الناضرة 12 / 157.
3- السرائر 1 / 456.
4- شرائع الإسلام 1 / 121.
5- إرشاد الأذهان 1 / 286 ، منتهى المطلب 1 / 517.
6- البيان : 193 ، الروضة البهية 2 / 43.
7- المهذب البارع 1 / 524.
8- مجمع الفائدة والبرهان 4 / 151.
9- تذكرة الفقهاء / 239 ، 5.
10- في الأصل : « يستقلها » ، وما أدرجناه من المصدر.
11- الحدائق الناضرة 12 / 157.
12- في ( د ) زيادة : « و ».
13- الروضة البهية 2 / 45.

وقد عزا التقييد المذكور في مجمع البرهان (1) إلى صريح الأصحاب إلّا أنّه تأمّل فيه بعد ذكر خبر الفيومي (2) الدالّ عليه حيث قال : وفيه تأمّل ؛ لعدم الصراحة والصحّة مع مخالفته للأخبار الأخر.

وظاهره الميل عنه.

وفي المدارك (3) والحدائق (4) : إنّ إطلاق المشهور مناف لما صرّح به الشيخ والمحقّق والعلّامة من التقييد المذكور إلّا أنّهما اختارا (5) التقييد بذلك ونصّا على انّ المعتمد أنّ من كان له مال يتّجر به أو ضيعة يشغلها ولم يكفه الربح جاز له الأخذ من الزكاة.

ولا يكلّف الإنفاق من رأس المال ، ولا من ثمن الضيعة ، ومن لم يكن له ذلك اعتبر فيه قصور أمواله عن مؤنة السنة ، فانحلّ (6) القول المذكور في بادي الرأي إلى قولين إلّا أنّ الظاهر إرجاع كلام المطلقين إلى التقييد حيث لم يعرف بين الأصحاب عدّهما قولين مع تصريح جماعة منهم بالتقييد. ويبقى ما حكاه في الروضة (7) عن القيل ما عرفت من ميل الفاضل الأردبيلي إليه.

وكيف كان ، فالأقوى هو التقييد بل لا يبقى التأمّل فيه كما ستعرف.

ثانيها : إنّ الضابط تمليك (8) النصاب من الأثمان أو قيمتها فاضلا من سكيه (9) وخادمه. حكاه في التذكرة (10) عن الشيخ.

ص: 209


1- مجمع الفائدة والبرهان 4 / 151.
2- في ( د ) « الفنوى ».
3- مدارك الأحكام 5 / 194.
4- الحدائق الناضرة 12 / 157.
5- في ( ألف ) : « اختار ».
6- في ( ألف ) : « فافصل ».
7- الروضة البهية 2 / 45.
8- في ( د ) : « تملك ».
9- في ( د ) : « مسكنه أو ».
10- تذكرة الفقهاء 5 / 240.

وقد حكاه في المنتهى (1) والمهذب البارع (2) عنه في الخلاف. والمحكي في السرائر (3) عن الخلاف هو القول الأوّل.

ولم نجد منه هناك (4) تصريحا وإنّما المحكي عنه التصريح بالوجه الأخير كما يأتي ، وكأنّه الوجه في إسناد القول الأوّل إليه.

نعم ، ذكر في زكاة الفطرة أنها تجب على من ملك نصابا يجب فيه الزكاة أو قيمة نصاب.

وفيه إشارة إلى النقل الأول.

وربّما يعزى القول المذكور إلى المفيد والسيد ، وليس يثبت.

وقد ادّعى السيد في الناصريات (5) الإجماع على خلافه.

وفي المقنعة (6) أيضا ما هو ظاهر في خلافه.

واقتصر في التحرير (7) والدروس (8) على ذكر القولين المذكورين ، فظاهرهما التأمل في الترجيح.

ثمّ (9) إنّ ظاهر القول المذكور هو اعتبار ذلك من جهة تملك المال ، فلا ينافي المنع من جهة وفاء الاكتساب في أرباب المكاسب ، وإن لم يتملّكن (10) مقدار النصاب.

ثمّ إنّ ظاهر إطلاقه عدم حصول الغناء المانع من قبول الزكاة لو كان ملك ما دون النصاب ، وكان كافيا لمؤنة سنة ، فبين القولين المذكورين عموم من وجه.

ص: 210


1- منتهى المطلب 1 / 507.
2- المهذب البارع 1 / 529.
3- في ( ب ) : « الدروس » بدل : « السرائر » انظر : السرائر 1 / 462.
4- في ( ألف ) : « حكاه ».
5- الناصريات : 288.
6- المقنعة : 241.
7- تحرير الاحكام 1 / 402.
8- الدروس 1 / 240.
9- زيادة « ثم » من ( د ).
10- في ( د ) : « يتملكوا ».

وحكى في الكفاية قولا بأنّه من ملك عشرين ذهبا.

ولم نجد من حكم به ، وعلى فرضه فحمله على ظاهره مقطوع الفساد.

ثالثها : إنّ المناط في عدم استحقاق الزكاة القدرة على كفايته ، وكفاية من يلزمه كفايته على الدوام ، وعزي ذلك إلى الشيخ في المبسوط (1) ، وقد عبّر فيه بالنحو المذكور وقال بعده : فإن كان مكتفيا بصنعة وكانت صنعته ترد عليه كفايته وكفاية من يلزمه نفقته حرمت عليه ، وإن كانت لا ترد عليه حلّ له ذلك.

وحكي عن الخلاف نحوه أيضا.

وظاهر العبارة المذكورة أن يكون قادرا على كفاية مصارفه مدّة عمره سواء كان مالكا لها بالفعل أو كان قادرا على تحصيلها بالاكتساب ، فلا عبرة بما يملكه من كفاية سنة مع انتفاء القدرة بالنسبة إلى ما بعده.

وما يورد عليه من أنّ ذلك خلاف الضرورة إذ يلزم على ذلك عدم تحقق غنى أصلا ؛ لعدم العلم ببقاء المال أو حصول المنافع ؛ بيّن الاندفاع لابتناء الامور المذكورة على ظاهر الحال ، فالغرض من القدرة على ذلك هو القدرة عليه بحسب مجاري العادات.

نعم ، لو كانت حرفته أو بضاعته ترد عليه مؤنته سنة مع الشكّ عادة في الاجتزاء به لغيرها من السنين يتّجه القول بتحقق الاستحقاق على القول المذكور.

ولا ضرورة قاضية فيه بالمنع ، وإن كان الحق ذلك.

وكيف كان ، فهذا القول متروك بين الأصحاب إلّا أنّه اختاره من المتأخرين صاحب المفاتيح ، وهو بمكان من الضعف بل في إسناده إلى الشيخ بمجرد العبارة المزبورة تأمّل.

والفاضلان (2) وغيرهما من الأصحاب لم ينسبوا إليه القول المذكور ، بل صرّح العلّامة في جملة من كتبه بإسناد القول الأول إليه ، ولم ينسب القول المذكور إلى أحد من الأصحاب في معظم الكتب المعتمدة المعدّة لذكر المسائل الخلافية.

ص: 211


1- المبسوط 1 / 256.
2- المعتبر 2 / 567 ، تذكرة الفقهاء 5 / 239.

نعم ، إنّما أشار إليه في المدارك (1) وما تأخر عنها.

ويضعّفه مضافا إلى ذلك أنّه حكى في البيان الاتفاق على أنّه يشترط في الفقير والمسكين أن يقصر مالهما عن مؤنة السنة (2) كما أشار إليه في المختلف (3) أو يجعل قوله « على الدوام » من متعلقات قوله « من يلزمه كفايته » فيكون التقييد به لإخراج من لا يجب مؤنته إلّا في وقت كان أجير (4) المشترط نفقته في وقت مخصوص أو النفقة المشترط ذلك.

وأنت خبير بأنّ ذلك غير مقيّد في المقام لجريان الحكم فيه ، وأيّ فرق بين ذلك و (5) ما إذا اشترط عليه مدّة عمره؟ وسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

لنا على الاكتفاء في المنع بمجرد تملّك مؤنة السنة عدّة من الأخبار :

منها : ما رواه المفيد في المقنعة (6) مرسلا عن يونس بن عمّار ، أنّه قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة » (7) مؤكدة. وضعفها منجبر بالعمل ؛ مضافا إلى أنّ رواية المفيد لها في المقنعة ظاهرة في كونها من الروايات المعتبرة.

ومنها : صحيحة أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام : « يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره ».

قلت : فإنّ صاحب السبعمائة يجب عليه الزكاة؟

فقال : « زكاته صدقة على عياله ولا يأخذها إلّا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة

ص: 212


1- مدارك الأحكام 5 / 198.
2- في ( د ) زيادة : « لهما ولعيالهما أو عن نصاب أو قيمته على اختلاف القولين وبما يؤل كلام الشيخ بحمل الدوام فيه على خصوص السنة ».
3- مختلف الشيعة 3 / 214.
4- في ( ألف ) : « أجر ».
5- الواو زيدت من ( د ).
6- المقنعة : 248.
7- في ( د ) زيادة : « ويجب الفطرة على من عنده قوت السنة ».

أخذها في أقلّ من سنة ، فهذا يأخذها » (1).

وفيها دلالة ظاهرة على المنع من أخذ الزكاة مع وفاء السبعمائة بمئونة سنة ، وهي محمولة على ما إذا لم تكن محترفا بها كما هو الظاهر من إطلاقها ؛ إذ لم يعرض فيها الاحتراف بها ، وحملا لإطلاقها على ما سيجي ء من المقيّدات.

ومنها : صحيحة موثقة (2) سماعة ، عن الصادق عليه السلام قال : « قد تحل الزكاة لصاحب السبعمائة وتحرم على صاحب الخمسين درهما ».

قلت له : وكيف يكون هذا؟

قال : « إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسّمها بينهم لم تكفه » (3) : الخبر.

فإنّ قوله : « فلو قسّمها بينهم لم يكفه » ظاهر في عدم الاكتفاء به لمؤنة سنة ، وظاهره أنّه مع الاكتفاء به لا يحلّ الأخذ.

ومنها : صحيحة زرارة ، عن الباقر عليه السلام ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سويّ ولا لمحترف ولا لقوي ».

قلنا : ما معنى هذا؟ قال : « لا يحل له أن يأخذها وهو يقدر على ما يكف نفسه عنها » (4).

فإن ظاهرها دوران الأمر مدار القدرة على ما يكفّ به نفسه.

ولا يبعد ظهور الاطلاق في (5) مؤنة السنة ، ولا أقل من شمول إطلاقه لذلك.

ومنها : ما في الصحيح إلى صفوان بن يحيى بن علي بن اسماعيل الدغشي ، قال : سألت عن أبي الحسن عليه السلام عن السائل وعنده قوت يوم ، أتحلّ له أن يسأل وإن اعطي شيئا من قبل أن يسأل يحل له أن يقبله؟ قال : « يأخذ وعنده قوت شهر ما يكفيه لسنة من الزكاة لأنّها إنّما هي

ص: 213


1- الكافي 3 / 560 ، باب من يحلّ له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحلّ له ح 1.
2- كذا ، والرواية إما صحيحة أو موثقة! فتأمّل.
3- الكافي 3 / 561 ، باب من يحلّ له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحلّ له ح 1.
4- معاني الأخبار : 262.
5- في ( ألف ) : « وفي ».

من سنة إلى سنة » (1).

وفي هذه الرواية إشعار بأنّ المرعي في الكفاف حال السنة ، ففيها تأييد لما قلناه وإن كان الاحتجاج بها لا يخلو من نظر.

فظهر بما ذكرنا أنّ القدرة الدائمة على المئونة غير معتبرة ، مضافا إلى ضعف ذلك القول في نفسه كما عرفت.

وقد يحتج له باندراجه مع انتفاء القدرة كذلك في عنوان الفقير عرفا ؛ لاحتياجه في الجملة ، فيندرج في إطلاق الكتاب والأخبار.

ويضعّفه - بعد المنع الظاهر - ما عرفت من الروايات المعتضدة بالاحتياط وعمل الأصحاب.

وأمّا الاكتفاء بمجرد ملك النصاب فهو أيضا كسابقه في غاية الضعف ، وإنّما هو من مذاهب العامة مستندا إلى بعض الروايات العامية الغير الدالّة عليه ، وبعض الاعتبارات الواهية.

وذهاب الشيخ إليه غير معلوم ، وعلى فرضه فإطباق الأصحاب من بعده على خلافه كاف في دفعه ، بل الرجوع إلى الإطلاق (2) كاف في نفيه ؛ إذ ليس معنى الفقير أو المسكين في العرف ما ذكره قطعا.

مضافا إلى ما عرفت من عدم قيام دليل عليه ، بل دلالة الأخبار على خلافه.

وربّما يحتجّ له بصحيحة الفاضلين : « لا تحل لمن كانت عنده أربعون درهما يحول عليها الحول عنده أن يأخذها وإن أخذها أخذها حراما ».

وأنت خبير بأنّه لا ربط للرواية بما ذهب إليه ؛ إذ ليس الأربعون بنفسه نصابا للنفقة ، فلا بدّ من ترك الرواية أو تأويلها بما تصحّ إرادته.

ص: 214


1- علل الشرائع 2 / 371.
2- في ( د ) : « الإطلاقات ».

وكأنّها محمولة على صورة انتفاء الحاجة كما يشهد له خبر (1) الأربعين : « إلى أن حال عليه الحول ».

وقد يحتج له أيضا بصحيحة البزنطي : « لا تحل الزكاة لمن كان محترفا وعنده ما يجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة ».

وهي أيضا غير دالّة على ما ذكره لاعتبار الاحتراف معه.

ولنا على جواز أخذ الزكاة مع قصور النماء و (2) الغلة الحاصلة من مؤنة السنة وإن كانت البضاعة في نفسها أو قيمة الضيعة وافية بمئونة السنة أو السنين .. الروايات المعتبرة المستفيضة المعتضدة بعمل الطائفة حيث لا يعرف فيه مخالف صريح كما عرفت.

وما حكي فيه من الخلاف الثابت فهو مجهول القائل.

ومنها : الصحيح ، عن الرجل يكون له ثلاث مائة درهم أو أربعمائة درهم وعيال وهو محترف فلا يصيب نفقته فيها ، أيكسب فيأكلها ولا يأخذ الزكاة أو يأخذ الزكاة؟ قال : « لا بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه ومن وسعه من عياله ، ويأخذ النفقة من الزكاة وينصرف بهذه لا ينفقها » (3).

ومنها : موثقة سماعة (4) الدالّة على أنّ من له دار غلّة فيه لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم يحلّ له الأخذ من الزكاة.

ومنها : رواية أبي بصير المذكورة في الفقيه.

وقد يؤيّد ذلك بصدق الفقير عليه ؛ إذ ليس ذلك المال معدّا للإنفاق ، وإنّما يقصد منه الغلة والمنافع الحاصلة ، وهو نظير ملك الدابّة والدار ونحوهما ممّا لا ينافي صدق الفقر ، وإن كانت قيمته وافية بمئونة السنة.

ص: 215


1- في ( د ) : « حسن ».
2- في ( د ) : « أو ».
3- الكافي 3 / 361 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 6.
4- الكافي 3 / 360 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 4 نقلا بالمعنى.

ومنه يظهر ضعف ما قد يحتج للوجه الآخر من صدق الغني عليه ؛ لتملّكه مؤنة السنة.

[ تنبيهات ]

وقد يستند له إلى بعض الإطلاقات ، وهو محمول على صورة الاكتساب به كما مر.

وهاهنا امور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها (1) : أن صاحب الصنعة والكسب إذا وفي كسبه بمئونة سنته حرمت عليه الزكاة. ويدلّ عليه الصحاح المستفيضة وغيرها.

وعن الناصريات (2) والخلاف (3) وظاهر الغنية (4) حكاية الإجماع عليه.

وعن تخليص التلخيص أن حرمة الصدقة عليه ممّا لا خلاف فيه إلّا ما حكاه في الخلاف.

وفي المدارك (5) وغيره حكاية الشهرة عليه.

وعن الخلاف (6) : أنّه حكي عن بعض أصحابنا جواز دفعها إليه من غير اشتراط لقصور كسبه.

وهو على فرض ثبوته بحمل (7) عبارته على ظاهرها ضعيف جدا ، والقائل به مجهول ملحوق بالإجماع.

وربّما يحتج له بأنّه غير مالك للنصاب ولا مالك لمؤنة سنته فيندرج في الفقير على التفسيرين ، أو يقال أنّه بمنزلة الفقير من جهة الاشتراك في العلة.

ص: 216


1- في ( د ) زيادة : « الظاهر ».
2- الناصريات : 287.
3- الخلاف 2 / 135.
4- المقنعة : 241.
5- مدارك الاحكام 5 / 197.
6- الخلاف 135.
7- في ( ألف ) : « يحمل ».

وضعفه أظهر من أن يخفى.

ثمّ إن الأظهر إدراجه في الغني لقدرته على مؤنة سنة ، فهو مالك لمؤنة السنة قوة ، فالتعميم في حدّ الغناء بحيث يشمل مثل ذلك هو الأولى ، لكن الظاهر من غير واحد من الأخبار حيث عطفه على الغني عدم اندراجه فيه ، فيكون واسطة بين الأمرين ؛ لعدم اندراجه في الفقير قطعا.

وقد يقال بتعدّد الإطلاق للغني ، فيكون المراد (1) في الحديث هو المعنى الأخص.

ثانيها : لو كان قادرا على الصنعة وكانت ملكيّتها حاصلة له أو لم يحتج ذلك المكسب على (2) ملكه لكن لم يكن محترفا بها بحيث يعدّ من أرباب ملك الصناعة ففي جواز الدفع إليه وجهان.

وظاهر كثير من الأصحاب حيث اعتبروا فيه عدم القدرة على الاكتساب عدم الجواز.

ويدلّ عليه صحيحة زرارة المتقدمة ، وفي صحيحته الأخرى عن الباقر عليه السلام : « إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف ولا لذي مرة سويّ قوي » (3).

وروى في قرب الإسناد بإسناد عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام أنّه كان يقول : « لا تحلّ الصدقة لغني ولا لذي مرة سوى » (4).

بل ظاهر عطفه على المحترف يعطي المغايرة بينهما فيكون صريحا في المقصود.

والوجه في الجواز صدق الفقير عليه لغة وعرفا فيندرج تحت الإطلاقات.

ومجرد قابليته للاكتساب ( لا يقضى بسلب اسم الفقير عنه على أن كثيرا من الفقراء لهم قدرة على الاكتساب ) (5) ولم تجر الطريقة على منعهم بمجرّد القدرة.

وقد يؤيّد ذلك بظاهر الصحيح ، قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : يروون عن النّبيّ صلى اللّه عليه وآله : « إنّ

ص: 217


1- في ( د ) زيادة : « به ».
2- في ( د ) : « الى ».
3- الكافي 3 / 560 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 2.
4- قرب الاسناد : 155.
5- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرّة سويّ » ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « لا تصلح لغني » (1).

فإنّ الاقتصار عليه في الحكم مع ضمّ الآخر إليه فيما رواه شاهد على عدم ثبوت الحكم بالنسبة إلى الآخر.

ومرسلة الصدوق قيل للصادق عليه السلام : إنّ الناس يروون عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « أن الصدقة لا يحل لغني ولا لذي مرّة سويّ » فقال عليه السلام : « قد قال لغني ولم يقل لذي مرة سويّ » (2).

وتكذيبهم في الفقرة الأخيرة وإن لم يدلّ على انتفاء الحكم بالنسبة إليه إلّا أنّ فيه إيماء إليه.

ثالثها : يعتبر في التكسّب أن يكون لائقا بحاله ، فلا يكلّف على تكلّف المكاسب الغير اللائقة بحاله على ما نصّ عليه جماعة منهم العلّامة (3) وولده في الإيضاح (4) وابن فهد (5) والشهيد الثاني (6) وغيرهم.

وهو كذلك لمراعاة الشرع في ذلك الجري على مجرى العادات ، ولذا لا يمنع صاحب الدار والخادم وغيرهما كما سيجي ء الاشارة إليها ، وإن وفي بقيمتها بمئونة سنة ، وكذا الحال لو لم يكن أصل الاحتراف لا يقاس ( له ) (7) لعلوّ (8) شأنه.

وقد نبّه عليه ( العلامة في النهاية ) (9) ولو منعه اشتغاله بالاكتساب عن تحصيل العلم الواجب عليه عينا بكونه أحكام الدين أو كفاية كتحصيل ملكة الاجتهاد أو فعليّة الاستفراغ ،

ص: 218


1- الكافي 3 / 562 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 12.
2- من لا يحضره الفقيه 3 / 177 ، باب المعايش والمكاسب والفوائد.
3- نهاية الإحكام 2 / 384.
4- إيضاح الفوائد 1 / 194.
5- المهذب البارع 1 / 530.
6- الروضة البهية 2 / 45.
7- الزيادة من ( د ).
8- في ( ألف ) : « العلو ».
9- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

فالذي نصّ عليه غير واحد منهم جواز الأخذ من الزكاة ، فعن المنتهى (1) والتحرير (2) والدروس (3) والبيان (4) الرجوع بجواز الأخذ مع كون التكسّب مانعا له عن التفقّه في الدين.

ونحوه ما في القواعد ونهاية الإحكام.

وعلّله في المنتهى (5) بأنّه مأمور بالتفقه في الدين إذا كان من أهله.

واستحسنه في المدارك (6).

قلت : والتعليل قاض بجريان الحكم في سائر الواجبات المعارضة للاكتساب كأداء القضاء أو الإتيان بالمنذور ونحوهما ، وكأنّه لذا أطلق الحكم الشهيد الثاني لسائر الواجبات في حواشي القواعد حيث قيل الكسب بالذي لا يشغله عن واجب مضيّق ، ومثّل له بطلب العلم الواجب ولو كفاية.

ويشكل الحال في الجميع بأنّه كما أنّ التفقه وغيره ممّا مرّ من الواجبات كذلك تحصيل مؤنته ومؤنة من يجب عليه نفقته من الواجبات عليه ، فلا بدّ إذن من ملاحظة الترجيح.

ومن البيّن أن تحصيل ما فيه قوام البدن مقدّم على غيرها ، وكذا نفقة الزوجة بالنسبة إلى حقوقه معه (7).

وفي نفقة الأقارب وجهان ، على فرض ملاحظة (8) ترجيح النفقة وغيره عليها ينبغي القول بسقوط الوجوب ، فلا وجه أيضا للأخذ من الزكاة من جهة المعارضة.

نعم ، لو فرض تقديم غيره من الواجب على تحصيل النفقة لنفسه وعياله فلا كلام في

ص: 219


1- منتهى المطلب 1 / 519.
2- تحرير الأحكام 1 / 403.
3- الدروس 1 / 240.
4- البيان : 193.
5- منتهى المطلب 1 / 519.
6- مدارك الأحكام 5 / 197.
7- كذا.
8- ليس في ( د ) : « ملاحظة ».

الجواز ؛ لعدم تمكّنه شرعا من الاكتساب.

ثم إنه لا يجرى الحكم في المعارضة مع المندوب كالاشتغال بشواغل الطاعات والتنوع للعبادات.

وقد أشار إليه العلّامة في النهاية (1) وابن فهد في المهذب (2) إلّا أنّه أطلق أوّلا في استثناء المشتغل بتحصيل العلوم الشرعيّة ونحوه ما في الروضة (3) والمسالك (4) وغيرهما حيث أطلق اشتغاله من الكسب بطلب علم ديني.

وقد يحمل الجميع على إرادة القدر الواجب منها ، ولو على سبيل الكفاية ؛ إذ لا خصوصيّة في ذلك بطلب.

وأطلق في البيان (5) استثناء من يطلب العلم ، فظاهر [ ه ] التعميم لسائر العلوم إلّا أن حمله على العلم الواجب غير بعيد.

ويجري ما ذكروه في التعلم بالنسبة إلى التعليم إذا احتاج إليه الناس ؛ إذ هو أيضا من الواجبات ، بل هو أهم من التعلّم.

أقول : والأولى تجويز الدفع في جميع الصور المفروضة من نصّهم في سبيل اللّه خصوصا بالنسبة إلى التفقه في الدين : إذ ذلك من أعظم السبب.

وكذا الحال في جميع العلوم الراجح تحصيلها بحسب الشرع سواء كانت واجبة عينا أو كفاية أو مستحبة من غير فرق بين متعلّمها أو تعليمها أو تصنيفها.

ويسهل الاشتغال بتحصيلها للطّلاب ، وكذا الحال بالنسبة إلى الاشتغال بسائر الواجبات والمندوبات ، فالمنع الوارد في كلمات بعض الأصحاب من الدفع إلى من يمنعه

ص: 220


1- نهاية الإحكام 384.
2- المهذب البارع 1 / 530.
3- الروضة البهية 2 / 45.
4- مسالك الإفهام 1 / 410.
5- البيان : 193.

الاشتغال بالنوافل من الاكتساب محمول على غير الجهة المذكورة.

وسيجي ء الإشارة إلى ذلك إن شاء اللّه.

رابعها : لا عبرة بالقدرة على الاكتساب بغير ما يعدّ اكتسابا في العرف كالاستيهاب ولو خلّي عن المنّة بالمرّة ، وكذا لو كان بالحرامة عليه من سلطان وغيره أو أباح له الأخذ بقدر المئونة أو ما يزيد (1) عليها.

ولو وهبه من المال ما يكفيه لمؤنة سنة لم يجب عليه القبول ، بل له تركه والأخذ عن الزكاة.

وكذا الحال فيما إذا أوصى له فمات الموصي ولم يقبلها بعد.

وحينئذ ففي جواز أخذه قبل ردّ الوصيّة وقبوله وجهان.

ولو استحقّ ما تفي بمئونة السنة على سبيل النذر ففي ارتفاع الفقر به مع عدم امتناع الناذر وجهان.

وأولى بالمنع ما لو نذر الإنفاق عليه وعلى عياله قدر السنة أو ما يزيد عليها ، فيشبه ما لو وجب نفقته عليه بالقرابة.

والأظهر فيه بقاء الفقر إلّا أن يتملكه بالقبض أو النذر على بعض الوجوه ، ولو كان المنذور للجنس مع عدم الانحصار فلا كلام ، وإن انتقل المال بمجرّد تعيين النذر ، وكذا مع الانحصار في وجه قويّ إلّا إذا أراد التشريك وانتقل المال إليهم بالنذر.

ولو شرط عليه تحمّل مؤنته في عقد لازم ملكها ، فمع تمكّنه من القبض لا يجوز الأخذ من الزكاة ، واستحقاق الزوجة على الزوج مانع من الاستحقاق مع تمكّنها من القبض ، فلا إشكال ، ولم تستحق عليه مؤنة السنة دفعه ولم تملك عليه إلّا مؤنة اليوم ؛ إذ ذلك في قوة تملك الجميع حسبما عرفت في المكتسب.

ولو كان الزوج غير قادر على الإنفاق جاز لها الأخذ قطعا ، وإن تمكن عن القبض من

ص: 221


1- في ( د ) : « يريد ».

الزكاة ودفعها إليه.

وكذا الحال لو كان غير قادر على الإنفاق تمام الحول ، وإن قدر عليه بالفعل في وجه قويّ.

ولو كانت ناشزة ففي جواز إعطائها وجهان ؛ من عدم استحقاقها النفقة مع النشوز ، ومن (1) إمكان عودها إلى الطاعة فيستحق ، فهي قادرة على تحصيل النفقة.

وحكم في نهاية الإحكام (2) بالأوّل ، ثمّ ذكر الأخير على سبيل الاحتمال.

وفي الكفاية (3) استقرب الأخير.

وينبغي القطع به مع بعثه على إقامتها على النشوز أو توقف النهي عن الذكر عليه.

ولو تمكنت المرأة من التزويج ووجد الكفو الذي لا مفتضه فيها عرفا في التزويج مع بذله مهر مثلها وتمكنه من الإنفاق عليها ففي إلحاقها بالقادر على الاكتساب وجه ، والأوجه خلافه وإن قلنا هناك بالمنع ؛ إذ لا يعدّ ذلك اكتسابا في العرف.

خامسها : أنّه هل يعتبر في عياله أن يكونوا ممّن تجب نفقتهم عليه في الشرع من أو ولو بالعارض كالمتعة المشترط عليه الإنفاق أو الأجير المشروط عليه ذلك أو يكتفى فيه بمجرّد العيلولة كيف كانت أو يعتبر فيه العيلولة ( بحسب العرف وإن لم يجب في الشرع بأن يعاب عليه في ترك العيلولة ) (4) في العادة كأرحامه المنقطعين دون من ليس عليه في العرف والشرع عيلولتهم؟ وجوه ؛ من أن المتيقّن من الأخبار هو ذلك المقدار ، وقضية الأصل عدم العبرة بغيره ، ومن إطلاق العيال في الأخبار فيعمّ جميع من دخل تحت عيلولته ، ومن أن مراعاة الخادم ودابّة (5) الركوب ونحوهما إنّما هو للمحافظة على اعتباره بين الناس وعدم الخروج من

ص: 222


1- في ( ألف ) : « مع ».
2- نهاية الإحكام 2 / 384.
3- كفاية الأحكام 1 / 192.
4- ما بين الهلالين زيدت من ( ب ).
5- في ( ألف ) : « رواية » بدلا من : « ودابّة ».

مجاري العادات الباعث على إعابته بين الناس ، وهو جار في المقام بالأولى.

كيف ونفقة الخادم والدابّة ومن يخدم الدابّة مع الحاجة إليه مندرجة هناك في المصارف قطعا ، وذلك قاض بالفحوى بجريان الحكم في المقام.

مضافا إلى إطلاق الروايات.

وانصرافها إلى خصوص الواجب غير متّجه ، كيف واندراج غير الواجب في العيال هو الغالب بين الناس ، فلو لم يعتبر ذلك لزم الامتنان إليه في الأخبار ، وخلوّها عن ذلك بالمرّة أقوى شاهد على ذلك.

ومن ذلك يظهر ضعف اعتبار وجوب الإنفاق في المقام كما ذكره في الروضة (1) وغيرها على أنّ في الاكتفاء بمجرد وجوب الإنفاق في المقام ولو كان من الأقارب مع صدق اسم العيلولة إشكالا (2) كما إذا فرض خروج من يجب الإنفاق عليه من أقاربه عن عيلولته ولو كان قادرا على نفقته ونفقة زوجته من دون زيادة ، فإنّ الظاهر سقوط نفقة الأقارب عنه.

وجواز أخذه من الزكاة للدفع إليهم مع عدم وجوب إنفاقه عليهم ، وعدم اندراجه في اسم العيال كما ترى إشكال ، بل المستحق للزكاة حينئذ هو أقاربه خاصّة ، فالمدار إذن على العيلولة كما ذكرنا حتّى أنه لو خرجت زوجته عن عيلولته وأسقطت عنه الإنفاق فهل يعدّ مقدار نفقتها من مصارف سنته؟ وجهان ؛ من وجوب ذلك عليه ، وثبوته في ذمّته يوما فيوما في أيام السنة.

وإسقاط الزوجة غير نافع بالنسبة إلى ما عدا نفقة اليوم وما تقدّم عليه ، ومن أنّ المفروض عدم الصرف عليها وخروجها عن عيلولته ، فلا وجه لمراعاة ذلك في مصارفه.

سادسها : لو قصرت فوائده عن مصارف نفسه وعياله واكتفى بها لمصارف نفسه صحّ له الأخذ من الزكاة سواء صرفها على نفسه أو عياله كما هو قضية الإطلاقات ، وفي ظاهر صحيحة أبي بصير وغيرها دلالة عليه ، لكن ورد في عدّة الأخبار أنّه يعف عنها نفسه

ص: 223


1- الروضة البهية 2 / 45.
2- في الأصل : « إشكال ».

ويصرفها على عياله ، ففي الصحيح الوارد في المحترف الّذي يفي كسبه بمئونته أنّه : « ينظر إلى فضلها فيقوت بها عن (1) نفسه من وسعه ذلك عن (2) عياله ، ويأخذ البقية من الزكاة » (3).

وفي موثقة سماعة المتقدمة الواردة في صاحب السبعمائة : « فليعف عنها نفسه وليأخذها لعياله » (4).

وفي خبر آخر : « فلينظر ما يستفضل منها فليأكل هو ومن يسعه ذلك ليأخذ لمن لم يسعه من عياله » (5).

والظاهر حملها على الاستحباب.

سابعها : قد ورد في عدة روايات جواز إعطاء زكاته لعياله مع عدم محصوله لمصارفهم ، ففي الصحيح بعد حكمه بجواز أخذ الزكاة لصاحب السبعمائة ، قلت : فإنّ صاحب السبعمائة يجب عليه الزكاة؟ فقال : « زكاته صدقة على عياله » (6).

وفي الموثق : « تحل الزكاة لمن له سبعمائة درهم إذا لم يكن له حرفة ، ويخرج زكاته منها ويشتري منها بالبعض قوتا لعياله ويعطي البقية أصحابه » (7).

وفي رواية أبي بصير : قلت : فعليه في ماله زكاة يلزمه؟ قال : « بلى » قلت : كيف يصنع؟ قال : « يوسع بها على عياله في طعامهم وشرابهم وكسوتهم ويبقى منها شيئا يناوله غيرهم ، وما أخذ من الزكاة فضّه (8) على عياله حتى (9) تلحقهم بالناس » (10).

ص: 224


1- ليس في ( د ) : « عن ».
2- في ( د ) : « من ».
3- الكافي 3 / 561 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 6.
4- الكافي 3 / 561 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 6.
5- تهذيب الأحكام 4 / 51 ، باب مستحق الزكاة للفقر والمسكنة ح 1 مع اختلاف.
6- الكافي 3 / 560 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 1.
7- علل الشرائع 2 / 370.
8- أي : وزّعه وقسّمه عليهم.
9- زيادة ( حتى ) من ( د ) والمصدر.
10- الكافي 3 / 560 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 3.

في الموثق : إذا كان لرجل خمسمائة درهم وكان عياله كثيرا؟ قال : « ليس عليه زكاة ينفقها على عياله يزيد بها في نفقتهم وكسوتهم ، وفي طعام لم يكونوا يطعمونه » .. إلى أن قال : « الزكاة تحلّ لصاحب الدار والخادم ، ومن كان له خمسمائة درهم بعد أن يكون له عيال ويجعل زكاة الخمسمائة درهم زيادة في نفقة عياله ويوسع عليهم » (1).

وفي موثقة أخرى : عن الرجل يكون له ألف درهم يعمل بها ، وقد وجبت عليه فيها الزكاة ويكون فضله الذي يكسب بماله كفاف عياله لطعامهم وكسوتهم ، ولا يسعه لإدامهم (2) وإنّما يقوتهم في الطعام والكسوة ، قال : « فلينظر إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شيئا قلّ أو كثر فيعطيه بعض من تحل له الزكاة وليعد بما بقي من الزكاة على عياله ، فليشتر بذلك إدامهم وما يصلحهم لا طعامهم في غير إسراف ولا يأكل هو منه » (3).

وظاهر هذه الأخبار يفيد جواز الدفع إلى من وجبت عليه نفقته من عياله وغيره ، ولا مانع من حملها على ظاهرها ؛ إذ مع عدم اتساع فوائده لمصارفهم تحلّ لهم الصدقة ، ولا فرق إذن بين دفعه صدقة إليهم أو إلى غيرهم.

نعم ، قد دلّ عدة من الأخبار المذكورة على تخصيصها بهم ، وهو محمول على الاستحباب.

واحتمل في الوسائل (4) حملها على غير واجبي النفقة.

وقد تحمل على الزكاة المندوبة. ولا داعي عليهما مع بعدهما عن ظاهر الإطلاق.

ثامنها : لا خلاف في جواز دفع الزكاة إلى ذي الكسب القاصر.

وعن التذكرة (5) حكاية (6) الإجماع عليه. وكذا إلى من ملك ما لا يفي لمؤنة سنته إلّا إذا كان

ص: 225


1- الإستبصار 2 / 34 ، باب اعطاء الزكاة للولد والقرابة ح 4.
2- في ( د ) : « لأدمهم ».
3- الكافي 3 / 562 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 11.
4- وسائل الشيعة 9 / 245.
5- تذكرة الفقهاء 5 / 244.
6- في حاشية ( د ) : « حكاه الفاضل في شرح الروضة عنه ».

بمقدار النصاب ، فيجي ء فيه خلاف الشيخ.

واحتمل في التذكرة (1) منعه من الزكاة حتّى ينفق ما معه ، ثمّ نصّ بأنّ الحق خلافة.

ثم إنّه لا يظهر خلاف في جواز دفع الزكاة إلى من ملك مؤنة بعض السنة وإن كان زائدا على مقدار القيمة إلّا أنه (2) حكى في المنتهى (3) قولا بأنه لا تأخذ زائدا على تتمة مؤنة الحول.

وهو ضعيف جدّا لا يعرف القائل به ، ولعلّه من العامة.

وامّا ذو الكسب القاصر فالمعروف بين الأصحاب جواز الدفع إليه كذلك ، وحكى قول بالمنع من أخذه ما يزيد على تمام مؤنة سنته.

ونصّ بعض أفاضل المتأخرين أنّه لم يظفر بقائله ، قال : وكذا لم يظفر به السيد العميد كما نصّ عليه في الكثرة. اختاره (4) ذلك في اللمعة (5) واستحسنه في البيان (6).

قال : وما ورد في الحديث من الإغناء بالصدقة محمول على غير المكتسب.

واقتصر في الدروس (7) (8) من غير إشارة إلى الترجيح ، ولذا عزا إليه في الروضة (9) التردّد فيه.

والأظهر المشهور. ويدلّ عليه اندراجه في الفقير قطعا كما مرّ ، فيكون بمقتضى الآية والروايات كسائر الفقراء ؛ إذ لا تفصيل فيها ، بل ظاهر إطلاقها عدم تقدير الاستحقاق بشي ء ، مضافا إلى الإطلاقات الدالّة على جواز إعطاء الفقير ما تفيه ففي الصحيح « تعطيه من

ص: 226


1- تذكرة الفقهاء 5 / 244.
2- في ( ألف ) : « أن ».
3- منتهى المطلب 1 / 518.
4- في ( د ) : « أختار ».
5- اللمعة الدمشقية : 43.
6- البيان : 193.
7- في ( د ) زيادة : « على ذكر القولين ».
8- الدروس 1 / 240.
9- الروضة البهية 2 / 45.

الزكاة حتّى تغنيه » (1).

وفي الموثق « وأعطه لما قدرت أن تغنيه » (2).

وفي الخبر : « أعطه ألف درهم » (3).

وقد يحتج للقول الآخر بالصحيح (4) الوارد في المحترف الذي « له ثلاثمائة وأربعمائة درهم ، فلا يصيب نفقته فيها ».

وفيه : « بل ينظر إلى فضلها نفسه ومن وسعه ذلك من عياله ويأخذ البقية من الزكاة ».

والصحاح الدالّة على أنّ اللّه تعالى فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به ، ولو علم أنّ ما فرض لهم لا يكفيهم لزادهم ؛ فانّه ظاهر في أن المجعول لهم هو قدر الكفاية دون الزائد عليها.

مضافا إلى تعليله عدم استحقاق الأزيد بالاكتفاء بالأنقص.

وضعفه ظاهر ؛ إذ لا دلالة في الصحيحة على المنع من الأزيد إلّا بمفهوم اللقب ، والمقصود ممّا (5) ورد في الصحاح بيان العلّة في وضع الزكاة على المقادير المعلومة ، والمراد أنّها قد وضعت على قدر كفاية الفقراء واتّساعه لمصارفهم ، وإنّما يرد الضيق عليهم من جهة منع المانعين.

وليس الغرض منها عدم استحقاق آحاد الفقراء لما يزيد على مؤنتهم ، كيف وقد قام الإجماع ودلّت الأخبار على جواز الإعطاء إلى حدّ الإغناء ، فما قد يقال من أنّ مقتضى ذلك عدم الجواز مطلقا خرج ما خرج بالدليل من إجماع أو غيره ، فبقي محلّ الخلاف كما ترى.

تاسعها : لا يمنع دار السكنى ولا فرس الركوب ولا عبد الخدمة ولا ثياب التجمّل من استحقاق الزكاة.

ص: 227


1- الكافي 3 / 548 ، باب أقل ما يعطى من الزكاة وأكثر ح 4.
2- الكافي 3 / 548 ، باب أقل ما يعطى من الزكاة وأكثر ح 2 وفيه : « نعم وأغنه إن قدرت أن تغنيه ».
3- تهذيب الأحكام 4 / 63 ، باب ما يجب أن يخرج من الصدقة وأقل ما يعطى ح 5.
4- الكافي 3 / 561 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 6.
5- في ( ألف ) : « ومما ».

وفي التذكرة (1) : لا نعلم فيه خلافا. والوجه فيه واضح لمسيس الحاجة إليها ، وصدق الفقر مع وجودها ؛ لاختلاف أحوال الناس في الشرفة والضعة والحاجة إلى الخادم وعدمه.

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك ، الأخبار المستفيضة : ففي الموثق ، عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم؟ فقال : « نعم » (2).

وفي القوي بعد الحكم بالجواز لصاحب الدار والخادم والعبد : « إنّ الدار والخادم ليستا بمال » (3) يعني به المال الذي يصرفه في مصارفه.

وروى علي بن جعفر في كتابه ، عن أخيه عليه السلام قال : سألته عن الزكاة أيعطاها من له الدابة؟ قال : « نعم » ، ومن له الدار والعبد؟ في المصدر قال (4) : « الدار ليس نعدّها (5) مالا (6).

إلى غير ذلك ممّا ورد.

ويعتبر أن يكون المذكورات لائقا بحاله ، فلو كان زائدا عليه وكانت الزيادة تفي بمئونة سنته لم تحلّ له الصدقة في وجه قوي.

وبه (7) جزم الشهيد الثاني في المسالك (8).

وهو ظاهر في الروضة (9) ، وحكى التصريح به عن الشيخ.

وفي التذكرة (10) : إنّ في منعه من الزكاة حينئذ إشكالا (11). واستشكل فيه في الكفاية مع

ص: 228


1- تذكرة الفقهاء 5 / 275.
2- الكافي 3 / 560 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 4.
3- الكافي 3 / 561 ، باب من يحل له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحل له ح 4.
4- في ( ألف ) : « فإن ».
5- في ( ألف ) و ( د ) : « يعدها » ، وما أدرجناها من المصدر.
6- وسائل الشيعة 9 / 237 ، باب جواز أخذ الفقير للزكاة وإن كان له خادم ودابة ودار مما يحتاج إليه ح 5.
7- زيادة : « وبه » من ( د ).
8- مسالك الإفهام 1 / 410.
9- الروضة البهية 2 / 45.
10- تذكرة الفقهاء 5 / 275.
11- في الأصل : « إشكال ».

إمكان بيع الزيادة منفردة مع وفاء تتمته بمئونة نفقته. وليس في محلّه.

قال في التذكرة (1) أيضا : لو كانت حاجته تندفع بأقل منها قيمة لم يكلّف بيعها وشراء الأدون. وكذا في العبد والفرس.

وظاهره جواز أخذ الزكاة معها مطلقا. واستحسنه في الكفاية عملا بإطلاق النصّ. وهو كما ترى.

نعم ، لو كان مع بيعها لا يتمكّن من تحصل به لها احتمل سقوط الوجوب ، وكذا لو لم يوجد طالب لشرائها أو وجد بأدنى من ثمن المثل ممّا يوجب الضرر عليه. وقضية الدخول فيه المنع ، فإنّ القدر الزائد في المقام بمنزلة ما يملكه من سائر الأموال إذا لم يكن لها طالب أو طلب بدون ثمن المثل. ولا فرق فيما ذكرنا بين إمكان الاكتفاء بالاستيجار للدار والخادم ونحوهما أو لا ؛ أخذا بإطلاق النص ، ولما في ذلك من النقيصة الغير اللائقة بحاله في بعض الصور.

ولا فرق بين أن يكون مالكا لمنافع دار أخرى أو لا ، و (2) خادم آخر بالاستيجار ونحوه أو لا ؛ أخذا بالإطلاق.

كيف ولو اكتفى به في المقام لزم الإقدام عليه من أول الأمر.

وقد يفرّق بين المدّة القصيرة أو الطويلة الوافية بعمره بحسب العادة ، ولو كانت له دور متعدّدة في البلد الواحد أو بلاد عديدة فإن كان يحتاج إلى الجميع بحسب المعتاد جرى الحكم في الجميع ، وكذا بالنسبة إلى الخادم والفرس وغيرهما.

ولو ملك ثمن الدار والخادم ونحوهما لا أعيانها بعد ملاحظة أثمانها ، ولا ريب فيه مع عدم قضاء حاجته على النحو المعتاد من دون تلك الأعيان.

وأمّا لو أمكن ذلك وكان في التفاوت مقدار مؤنة سنته ، ففيه إشكال.

وقضية التحديد المتقدم للغني عدم الجواز سيّما إذا كان مكتفيا بالإجارة قبل تملك الثمن.

ص: 229


1- تذكرة الفقهاء 5 / 275.
2- ليس في ( د ) : « و ».

نعم ، لو اشترى به المذكورات جرى عليه (1) الحكم المتقدم ، ولو لم تكن مريدا لشرائها وكان مكتفيا بالاجارة ونحوها ، فلا ينبغي التأمّل في سقوط مراعاتها ، وإن كان اللائق بحاله تملّك أعيانها.

ولا يبعد جريانه بالنسبة إلى (2) أعيانها لو ملكها ، وكان مكتفيا بغيرها ولو مع تحمل النضاضة (3) فيه.

ولو احتاج إلى خدّام متعددين ودوابّ متعددة لأجل السفر مع وجوبه عليه أو جوازه ففي صحّة استثناء الجميع وجهان.

ولا تأمل في البناء عليه مع لزوم السفر بحسب المعتاد بحيث يعاب عليه في تركه أو يكون من لوازمه ؛ لاندراجه إذن في اللوازم المعتادة. ويجري الكلام في زيادة المئونة الحاصلة بسبب السفر ، فتأمل.

ص: 230


1- في ( د ) : « عليها ».
2- ليس في ( د ) « إلى ».
3- النضاضة : الشي ء واليسير ، والنضّ : المتيسّر ، وقد يقال للمكروه أيضا. انظر : البستان : 1107 ( نضض ).
تبصرة: [ في مدّعي الفقر ]

المعروف من المذهب تصديق مدّعي الفقر في دعواه من غير حاجة إلى إقامة البيّنة أو اليمين سواء كان قويا أو ضعيفا.

وعن ظاهر الفاضلين (1) : إنّه موضع وفاق.

وفي المدارك (2) : إنه المعروف من مذهب الأصحاب. وحكى أيضا اتفاق الأصحاب ظاهرا على جواز الدفع إلى مدّعي الفقر إذا لم يعلم له أصل مال من غير مطلوبية ولا اليمين.

وفي شرح التهذيب : إن الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب.

وفي الحدائق (3) : إنّه المشهور ، بل ظاهرهم الاتفاق عليه.

ويمكن الاحتجاج عليه بوجوه :

منها : أصالة الصحّة في فعل المسلم. وقوله : فإنّه قد ادّعى أمرا (4) ممكنا من غير معارض ولم يظهر من الخارج خلافه ، فيقبل قوله فيه.

ومنها : أصالة الفقر ، فإن الغنى أمر وجودي ، والأصل عدمه.

ومنها : أنه لو افتقر إلى البينة أو اليمين لزم الحرج والضيق سيّما إذا كان الفقير ممّن يستحيي من ذلك. على أن الاكتفاء فيه بمجرد اليمين بناء على المداقّة فيه ممّا لا وجه له ، فلا بدّ من الاقتصار على البيّنة ، وفيه من الحرج ما لا يخفى.

ص: 231


1- شرائع الإسلام 1 / 120 ، قواعد الأحكام 1 / 348.
2- مدارك الأحكام 5 / 201.
3- الحدائق الناضرة 12 / 163.
4- لم ترد في ( ب ) : « أمرا ».

ومنها : خلو الأخبار عن اعتباره بالمرّة ، ولو كان ذلك معتبرا في الدفع لأشير إليه في الروايات ؛ لعموم البلوى بها وشدة احتياج الناس إليها.

ومنها : ما رواه الكلينى قدس سرّه بإسناده عن العروضي ، عن الصادق عليه السلام قال : « جاء رجل إلى الحسن والحسين عليهما السلام وهما جالسان على الصفا ، فسألهما فقالا : إن الصدقة لا تحلّ إلّا في دين موجع؟ أو غرم مقطع أو فقر مدقع ، ففيك شي ء من هذا ، قال : نعم ، فأعطياه ، وقد كان الرجل سأل عبد اللّه بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر فأعطياه ولم يسألاه عن (1) شي ء ، فقال لهما : ما بالهما لم يسألاني عمّا سألني الحسن والحسين عليهما السلام وغيرهما (2) بما قالا؟ فقالا : « أنّهما غذيا بالعلم غذاء » (3).

وقد يناقش في الأوّل بأنّ الأصل المذكور إنّما ثبت في أفعاله من عقوده وايقاعاته ونحوها وفي أقواله بالنسبة إلى أقاريره فيما ثبت شاهد عليه لا له.

وفي الثاني بأنّ الفقر إنّما يكون عدميّا في بعض المقامات ، وفي كثير من المقامات يتوقف على أمر وجودي ؛ لكثرة مصارفه ووفور عياله حتى لا يفي به ما يقدر على تحصيله.

وفي الثالث بأنّ دعوى الضيق والحرج فيه غير مسموعة ، كيف وهو أمر يظهر للمخالطين له والمعاشرين إيّاه بأدنى شي ء.

نعم ، قد يقال ذلك بالنسبة إلى الغريب الذي لا معرفة لأحد بحاله ، ولا حرج في الامتناع عن الدفع إليه بمجرّد دعواه إن اريد حصول الحرج بالنسبة إلى الدافع في تكليفها باستعلام الحال بالبيّنة ، لإمكان دفعه إلى الغير.

وإن اريد لزوم الحرج على القائل ففيه أنّ ذلك من الامور الاتفاقيّة ، وليس الحرج المنفي في الشريعة إلّا بالنسبة إلى الامور العامّة دون الوقائع الاتفاقيّة ؛ لوضوح حصول الحرج بالنسبة إلى الخصوصيات في كثير من المقامات.

ص: 232


1- في ( د ) : « ثمن ».
2- في ( د ) : « وأخبرها ».
3- الكافي 4 / 47 ، باب النوادر ح 7 مع اختلاف.

ويجري ذلك أيضا بالنسبة إلى الدافع لو اتفق انحصار الأمر في القائل المذكور.

على أنّ غاية الأمر حينئذ تأخيره للزكاة ، ولا حرج عليه فيه.

وفي الرابع بأنّ المذكور في الأخبار دفع الزكاة إلى الفقير ونظرائه ، ومن البيّن أنّ الألفاظ إنّما وضعت للأمور الواقعيّة ، فقضيّة تعلّق الحكم عليها توقّف الدفع على العلم بالموضوع من غير حاجة إلى التنصيص عليه كما مرّ في سائر الموضوعات الشرعيّة. وهو كاف في الدلالة على الحكم المذكور.

مضافا إلى ما ورد في الأخبار من التأكيد بوضعها في محلّها وإعطائها أهلها.

نعم ، لو خلّي الحكم عن الدليل مع عموم البلوى به دلّ ذلك على انتفاء الدليل (1) بحسب الواقع ، وهو دالّ على انتفاء الحكم ، وإلّا لبيّنه صاحب الشريعة.

وفي الخامس بضعفها بالإرسال مع الغضّ عن سائر رجالها (2) ، ولا يخلو بعضها عن المناقشة.

قلت : وفي الرواية المذكورة كفاية في ذلك بعد انجباره بفتوى الأصحاب ، بل وإجماعهم على ما يظهر حيث لا يعرف فيه مخالف من قدماء الأصحاب ومتأخّريهم ، بل ذكره من ذكره منهم على سبيل القطع من غير إشارة إلى خلاف فيه أو تأمّل في ثبوته سوى أنّه ناقش فيه بعض المتأخرين كصاحبي المدارك والكفاية (3).

ومع ذلك فظاهر المدارك (4) القطع بالاكتفاء بدعوى العدل ، وكذا مع الظن الغالب في غيره.

وفي الكفاية (5) : لا أعرف خلافا في الجواز إذا كان المدّعي عدلا.

ص: 233


1- في ( د ) زيادة : « عليه ».
2- في ( د ) : « إذ لا » بدل « ولا ».
3- كفاية الأحكام : 40.
4- مدارك الأحكام 5 / 203.
5- كفاية الأحكام : 40.

وأنت خبير بأنّه لا مدخل للعدالة في ذلك ؛ لرجوعه إلى ادّعائه لنفسه فإن (1) قبلت الدعوى مثله قبلت في المقامين ، وإلّا فلا ، والرجوع إلى آية التثبّت كما في الكفاية (2) أضعف شي ء في المقام ؛ إذ ليس القبول هنا من جهة الاختيار (3) واندراج مثله في إطلاق البناء بحسب العرف محلّ إشكال.

ولو سلّم فالظاهر انتفاء القول (4) بالفصل بعد الحكم باستحقاق الفاسق للزكاة.

مضافا إلى الوجوه المتقدّمة ، فإنّه وإن لم يخل كلّ منهما من مناقشة إلّا أنّها بعد انضمام بعضها إلى بعض وضمّ الجميع إلى ما ذكرناه لم يبق تأمّل في الحكم سيّما بعد ملاحظة اكتفاء الشرع بدعوى المؤمن إذا لم يكن هناك ما يعارضه في موارد كثيرة يقف عليها المتتبّع.

مضافا إلى ما في ذلك من إهانة المؤمن وإذلاله وأنّه قد يخفى على غيره ، ويتعذّر عليه إقامة البينة ، ويوجب ذلك ذهاب حقّه وعدم ارتفاع حاجته الذي وضع الزكاة لأجله ، فقد ينافي المداقّة في ذلك الحكمة المذكورة المنصوص عليها في عدة من الأخبار.

والزائد حينئذ بالحلف ممّا لا دليل عليه ، بل لا دليل على ثبوته لو (5) اريد الإثبات.

وبذلك يظهر ضعف ما استشكله صاحبا المدارك (6) والكفاية (7) في المقام من جهة القطع باعتبار الشرط المذكور وعدم قيام دليل على الاكتفاء فيه بمجرّد الادعاء من نصّ أو إجماع ثابت ، فلا يحصل اليقين بالبراءة إلّا بالعلم أو البيّنة العادلة المنزلة في الشرع منزلة اليقين إلّا أنّه اكتفى في المدارك (8) بعدالة المخبر أو الظن الغالب بصدقه كما ذكرنا.

ص: 234


1- في ( ألف ) « بأن ».
2- كفاية الأحكام : 40.
3- في ( د ) : « الأخبار ».
4- في ( ألف ) : « القبول ».
5- كلمة « لو » أضيفت من ( د ).
6- مدارك الأحكام 5 / 203.
7- كفاية الاحكام : 40.
8- مدارك الأحكام 5 / 203.

واستشكل في الكفاية (1) فيهما أيضا.

ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكرنا بين حالة السابق أو علم غناه لكن ادّعى ذهاب ماله أو ادّعى زيادة عياله أو عجزه عن الاكتساب ونحو ذلك.

وذهب الشيخ إلى أنّه لو عرف له مال فادّعى ذهابه أنّه يكلف البيّنة لأن الأصل بقاؤه ، والرواية المتقدّمة لا يفيد الحكم في هذه الصورة إلّا أنّ ظاهر المذهب على خلافه.

مضافا إلى ما عرفت من الوجوه المتقدمة ، فالأظهر ذلك وإن كان مراعاة الاحتياط فيه أولى.

هذا كلّه مع عدم الاتهام ، وأما مع اتهامه في المقام فالظاهر جواز الدفع إليه ؛ لعدم وضوح جريان الوجوه المذكورة فيه.

وقضية الأصل المنع ؛ صونا لأموال الفقراء عن الإتلاف سواء عرف غناه السابق أو لا.

نعم ، إن عرف أوّلا بالفقر احتمل الاكتفاء فيه بالاستصحاب.

ص: 235


1- كفاية الأحكام 401.
تبصرة: [ في دفع الزكاة إلى غير المستحقّ ]
اشارة

لو دفع الزكاة إلى من ثبت فقره مع اعلامه بكونه زكاة ثمّ تبين غناه ضمنه القابض يستعاد منه مع بقائه ، ومثله أو قيمته مع تلفه بلا خلاف فيه يعرف.

وفي الحدائق : الظاهر أنّه لا خلاف فيه.

والوجه فيه واضح ؛ لظهور فساد بعض القبض فيضمنه القابض لعدم استحقاقه له وعصيانه بأخذه.

هذا مع علمه بالحال والحكم ، وأمّا لو جهل الحكم فالظاهر أيضا عدم معذوريته في ذلك ؛ إذ أقصاه سقوط العصيان مع الغفلة ونحوها ، وأمّا الضمان فهو من الأحكام الوضعيّة التابعة لحكم الشرع.

وأمّا إذا جهل بحاله (1) كأن انتقل إليه مال من دون علمه أو كان له مال لا يعلم به ففي ترتّب الضمان على قبضه وجهان ، من أنه الأصل في قبض حق الغير ، ومن كون القبض بإذن الشرع فلا يترتب عليه ضمان ، فغاية الأمر ردّه مع بقائه ، وإن تصرّف فيه.

ويمكن دفعه بأنّ إذن الشرع هنا ظاهري مبنيّ على ظاهر الحال ، ولا يسقط به الضمان.

غاية الأمر سقوط العصيان إلّا أنّه لو قامت البينة على أن له المال الموضوع عند زيد مثلا فقبضه بإذن الشرع ثمّ انكشف الخلاف كان ضامنا له ، فكذا في المقام.

وكذا لو استصحب ملكه بشي ء فأتلفه ، ثمّ تبيّن انتقاله إلى غيره من وليّه أو وكيله.

وهذا هو الأظهر. نعم ، لو كان الدافع عالما بالحال استقرّ عليه الضمان لو تلف هذا القابض

ص: 236


1- ليس في ( د ) : « وأما إذا جهل بحاله » - الى « في رجل أعطى زكاة ماله ».

قبل علمه بالحال أو تقصيره في الردّ.

ولو دفعها إليه من غير إعلام بكونها زكاة ففي المنتهى (1) إنّه ليس له الرجوع ؛ نظرا إلى أن دفعه يحتمل الوجوب والتطوّع.

واستقرب في التذكرة (2) جواز الارتجاع لفساد الدفع ؛ لأنّه أبصر بنيّته.

واستجوده في المدارك (3) مع بقاء العين وانتفاء القرائن الدالّة على كونه صدقة.

وذهب في الحدائق إلى وجوب إرجاعه مع بقاء العين سواء علم بالحال أو أعلمه المالك ؛ لعدم الاستحقاق شرعا. ومتى تلفت قبل العلم فلا ضمان ؛ إذ لا دليل على وجوب دفع العوض من المثل أو القيمة.

قلت : والمسألة ذات أقسام : فإنّه إمّا أن يتبيّن الحال للمدفوع إليه أو لا يتبيّن إلّا بحسب ادّعاء الدافع بعد دفعه إليه ، وعلى كلّ من الصورتين إما أن تكون العين باقية أو تالفة.

فإن كان مع بقاء العين وعلم المدفوع إليه بالحال فلا كلام في وجوب الردّ ، وأمّا إن كان محض ادّعاء الدافع من دون قيام حجة عليه ففيه إشكال.

وقضية الأصل فيه عدم السماع ؛ لحصول التملّك ظاهرا بالقبض.

فدعوى الفساد يحتاج إلى دليل.

وقول الدافع بعد خروج المال عن يده إقرار في حق الغير.

وهذا هو الأوجه.

ومجرد كونه أعرف بقصده لا يوجب (4) الخروج عن القاعدة ، ولذا لا يسمع ذلك في سائر العقود الصادرة.

ومنه يعلم الحال ما لو توقّف عنده حينئذ بالطريق الأولى. مضافا إلى تسليطه إلى إتلافه

ص: 237


1- منتهى المطلب 1 / 527.
2- تذكرة الفقهاء 5 / 349.
3- مدارك الأحكام 5 / 204.
4- في ( د ) : « توجب ».

مجانا ، فلا رجوع له عليه كما إذا أعطاه مالا ثمّ ادّعى بعد تلفه أنّه إنّما دفعه لزعم كونه دينا عليه ، فتبين له الخلاف ، فإنّه لا رجوع له عليه.

وقضية الوجه الأخير عدم وجوب الردّ عليه ، ولو مع علمه بالحال بعد الإتلاف.

ويشكل بأنّ المال المدفوع إن كان للدافع فلا كلام ظاهر في عدم جواز الرجوع عليه لإتلافه بتسليطه عليه مجانا.

وأما لو كان من مال الغير كما هو المفروض في المقام فلا ، ألا ترى أنّه لو دفع إليه مالا مغصوبا من دون إعلامه بالغصب ، ثم تبيّن الحال للمدفوع إليه بعد إتلافه ضمنه لمالكه وإن كان الرجوع إلى الدافع نظرا إلى غروره ، وهو لا ينافي وجوب ردّه عليه ؛ لظهور كون المتلف من حق الفقراء مثلا ، فلا بدّ من دفعه إلى أمينهم.

غاية الأمر أن له رجوعا على ذلك الأمين ، وقد يمتنع عن أداء حقه أو يكون هناك مانع من الدفع كالاعتبار ونحوه.

فالقول بوجوب الدفع قوي إلّا أنّه قد يشكل الحال في المقام في رجوعه إلى الدافع ؛ نظرا إلى كون الدافع على وجه مشروع هو مشارك للمدفوع إليه في الجهل سيّما إذا كان دفعه من جهة دعواه الفقر.

وقد يفصل بين ما إذا كان دفعه لطلبه الزكاة وما إذا دفعه ابتداء فلا رجوع له إلى الدافع في الأوّل ؛ لاستناده إليه بخلاف الآخر.

وهو متّجه.

ولا فرق بين أن يكون الدافع إليه هو المالك أو الحاكم أو الوكيل من أحدهما ؛ لاتحاد المناط في الكلّ.

وقطع في التذكرة (1) أنّه لو كان الدافع الإمام جاز له الاسترداد مع عدم الإعلام مع بقاء العين وتلفه ؛ معلّلا بأنّ الظاهر فيما يعرفه الإمام ويقسمه أن زكّاه.

ص: 238


1- تذكرة الفقهاء 5 / 349.

والتعليل كما ترى أخصّ من الدعوى ؛ إذ قد لا يظهر ذلك في بعض المقامات.

ثمّ في الاتّكال على مجرّد الصدور من دون العلم بالحال أو إعلامه حال الدفع إشكال.

ثمّ قضيّة كلامه جريان الحكم في الفقيه ووكيل الحاكم إذا علم المدفوع إليه حين القبض كونه وكيلا عن الحاكم.

وحينئذ يجري الإشكال في كلّ من صورتي بقاء العين وتلفه ، وأمّا إمام الأصل (1) فلا إشكال في وجوب الرد مع بقاء العين من جهة العلم الحاصل من قوله.

هذا كلّه بالنسبة إلى تكليف المدفوع إليه ، وأمّا الدافع فإن كان الإمام أو نائبه العام أو الخاص بعد دفع المالك إليه أجزأ عن المالك أو دفع المالك إليه دفع إلى الفقير ونحوه ، ولا يوجب ضمانا على الإمام عليه السلام أو نائبه كما هو الحال في سائر تصرفاته من جهة الولاية.

وعن المنتهى (2) : إنّه لا خلاف فيه بين العلماء ؛ لأن المالك قد خرج عن العهدة بالدفع إلى الامام أو نائب ، والدافع خرج عن العهدة بالدفع إلى من يظهر منه الفقر ، وإيجاب الإعادة تكليف جديد منفي بالأصل.

وفي الحدائق (3) : إنه لا يخلو من قرب إلّا أنّ الفتوى به مع عدم النص في المسألة مشكل.

قلت : ولا ينبغي التأمّل في شي ء من المقامين المذكورين ؛ لوضوح ما قرّر من الوجهين.

هذا إذا كان الدفع إلى الإمام أو نائبه بقصد أداء الزكاة لولايته على الفقراء ، وأمّا إذا كان بعنوان توكيله في الأداء جرى عليه حكم سائر الوكلاء.

وإن كان الدافع المالك فقد اختلف فيه على أقوال :

أحدها : الإجزاء مطلقا. وحكي عن الشيخ وجماعة لأداء الواجب على النحو المشروع ، موافقا لما أمر به الشرع. وقضية الأمر الإجزاء ، ولزوم الإعادة يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه.

ص: 239


1- كذا.
2- منتهى المطلب 1 / 542.
3- الحدائق الناضرة 12 / 169.

ثانيها : الإعادة كذلك. وحكي عن المفيد (1) والحلي (2) ، وبه قطع صاحب الحدائق (3).

ويدلّ عليه أنّ دفع المال إلى غير مستحقه يوجب الضمان ، ولو كان من جهل. والأمر المتعلق من الشرع ظاهري يحكم بحصول الامتثال معه ما دام الجهل.

مضافا إلى أن الضمان - كما عرفت - من الأحكام الوضعيّة ، فلا يتفاوت الحال فيه مع العلم والجهل ، ولذا يحكم بالضمان في سائر المواضع ، ولو مع الجهل.

وخصوص الصحيح عن الحسين بن عثمان ، عمّن ذكره ، عن الصادق عليه السلام : في رجل أعطى زكاة ماله رجلا وهو يرى أنه معسر ، فوجده موسرا؟ قال : « لا يجزي عنه » (4).

وفيه : أن الرواية مرسلة خالية عن الجابر ، فلا حجة فيها ، وأصالة الضمان غير ناهضة على ثبوت الضمان في المقام ، فثبوت ولاية المالك على المال وتسلّطه في الدفع إلى من شاء من الفقراء ، والمفروض عدم وقوع تفريط ، ولا تعدّ منه إذا فعل الولي على المال ما عليه في حفظه وايصاله لم يتعقبه ضمان.

وقوله عليه السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (5) غير ظاهر الشمول لمثله ، سيّما بعد ظهور كون المالك أمينا بل وليا على المال حسبما أشرنا إليه.

نعم ، لو وقع منه تعدّ في المال أو تفريط فيه قضى ذلك بالضمان ، والمفروض عدمه.

وبذلك يظهر قوّة القول الأوّل.

ثالثها : التفصيل بين الاجتهاد وعدمه ، فلا ضمان عليه على الأول دون الأخير.

وحكي عن الفاضلين (6) ؛ لأن المالك أمين فيجب عليه الاستظهار ، ومعه لا ضمان ، وأما مع التسامح فيه ضمن المال مع انتفاء المصادفة ؛ ولصحيحة عبيد بن زرارة ، ورواية زرارة

ص: 240


1- المقنعة : 260.
2- في ( ب ) : « الحلبي ».
3- الحدائق الناضرة 12 / 169.
4- الكافي 3 / 545 ، باب الرجل يعطي من الزكاة من يظن أنه معسر ثم يجده موسرا ح 1.
5- عوالي اللئالي 1 / 224.
6- المعتبر 2 / 569 ، منتهى المطلب 1 / 527.

المروية فيه مرسلا في التهذيب.

وضعف الوجهين المذكورين ظاهر :

أمّا الأوّل فلما عرفت من جواز الأداء بمحض الادّعاء ، وعدم تقصيره في التكليف دلالة الخبرين على ذلك غير ظاهرة ، بل الظاهر ورودهما في الدفع إلى غير المؤمن مع الاجتهاد فيهما إما متروكان أو موّلان.

وإن كان الدافع إليه وكيل المالك فلا ضمان على الوكيل ؛ لانتفاء ما يوجب ضمانه من التعدي أو التفريط سيّما إذا نصّ المالك بدفعه إلى من ادّعى الفقر.

نعم ، لو شرط عليه الدفع بعد الاختبار فدفعه من دونه ضمنه.

وكذا لو دلّ شاهد الحال عليه.

وبالجملة دفعه على غير النحو الذي وكله ، فظهر عدم استحقاق المدفوع إليه ضمنه الوكيل ، بل وكذا لو كان مستحقا.

نعم ، لو قلنا بجريان الفضولي في دفع الزكاة ونحوها جاز إمضاء المالك حينئذ فيسقط معه الضمان عنه.

ثمّ مع ضمان الوكيل هل يثبت الضمان على الموكّل أيضا؟ وجهان ؛ من عدم وصول الحق إلى مستحقه فلا يبرء ذمة المالك من الدفع ، ومن عدم تفريط المالك في الدفع ؛ إذ يجوز له الدفع إلى الأمين. وهو الأشبه بالقواعد.

ومنه يتقوّى الوجه في عدم ضمان الموكل في صورة عدم ضمان الوكيل أيضا مع ظهور عدم استحقاق المدفوع إليه.

هذا كله مع إعانة الوكيل بحيث يجوز دفع مال الفقير إليه ، وأما مع انتفاء الأمانة فيه فيضمن المالك حين دفعه إليه.

ويشكل الحال إذن في قبول قوله في الإيصال ، بل ومع العلم بالحال ؛ إذ لا اعتماد عليه في النيّة إلّا إذا تولّاها المالك حسبما مرّ.

وهل له الرجوع عليه في الأول ، بل في الأخير أيضا ؛ نظرا إلى فساد التوكيل ، أو لا نظرا

ص: 241

إلى تسليطه عليه كذلك؟ وجهان.

ويتعيّن الأخير مع جهل الوكيل بفساد التوكيل.

فروع

[ أوّلها : ] (1) لو كان الدافع هو الحاكم صحّ له الاسترداد من المدفوع إليه بعد ظهور انتفاء استحقاقه مع بقاء العين وتلفها مع ضمانه ، وكذا الحال في المالك لولايته على المال قبل الوصول إلى مستحقه.

ولو كان الدافع هو الحاكم بعد قبضه من المالك ولاية على المستحق ، فليس للمالك الاسترجاع بعد عثوره على عدم استحقاقه ؛ إذ لا سلطان له عليه بعد إقباض الحاكم ، فهو بمنزلة الأجنبي.

وقطع في التذكرة (2) بجواز الرجوع عليه. وليس بمتّجه.

نعم ، مع عدم التمكن من الرجوع إلى الحاكم كان حاله كحال غيره من الناس في تولّي الامور الحسبيّة.

وهل للفقراء الرجوع عليه إذا ظهروا عليه من غير إذن الحاكم أو المالك إذا كان هو الدافع؟ وجهان أظهرهما العدم ؛ لعدم تعيّنهم للاستحقاق ، بل هم بمنزلة غيرهم.

واستوجه في التذكرة (3) الجواز.

ثانيها : لا فرق بين ظهور عدم استحقاق المدفوع إليه من جهة غناه أو لجهة أخرى كالكفر أو عدم الايمان أو الهاشميّة ونحوها. ويجري الأبحاث المتقدّمة في الجميع.

وقد نبّه عليه الشيخ وغيره.

وربما يحتمل في المقام الفرق لعدم الطريق إلى معرفة الفرق وتعذر الوقوف على حقيقته

ص: 242


1- الزيادة منّا.
2- تذكرة الفقهاء 5 / 349.
3- تذكرة الفقهاء 5 / 349.

إلّا على سبيل الظن ، فكان الخطأ عذرا فيه.

وأما في غيره فيظهر فيه الحال بعد الفحص. ووهنه ظاهر.

ثالثها : لو ظهر كون المدفوع إليه عبدا للمالك ، فإن كان هو الدافع أو وكيله لم يجزه قطعا. ولو كان الدافع إليه الحاكم ، فالظاهر براءة ذمة المالك لبراءتها بالدفع إلى الحاكم ، فإن صحّ استرداد الحاكم منه وإلّا فلا ضمان عليه أيضا كما عرفت.

وقطع في التذكرة (1) بعدم إجزائه عنه ؛ معلّلا بعدم خروج المال عن ملكه ، فجرى مجرى قولها (2) من غير تسليم ، وهو إنّما يتمّ في غير دفع المالك.

وكذا الحال لو دفعه الحاكم أو وكيله إلى المالك استشارة غير أنّه يشتغل ذمته بالردّ ثانيا على إشكال في بعض صوره يظهر الوجه فيه ممّا مرّ.

ص: 243


1- تذكرة الفقهاء 5 / 349.
2- في ( د ) : « غولها ».
تبصرة: [ في العاملين على الزكاة ]

الثالث من الأصناف : العاملين على الزكاة ، ولا خلاف عندنا كما نصّ عليه جماعة من علمائنا في استحقاقهم للزكاة.

وقد عزاه في التذكرة (1) إلى علمائنا أجمع.

وقد خالف فيه بعض العامة ، فقال : إنّه يعطي أجرة لا زكاة ، والآية (2) الشريفة ظاهرة الدلالة على خلافه ؛ مضافا إلى إجماع الفرقة - على ما حكاه جماعة من الأجلّة - وما دلّ عليه من الروايات الخاصّة.

ثمّ إنّ قضية جعل القول المنقول عن بعض العامة مقابلا لما ذهب إليه الأصحاب كون المدفوع إليه عندنا على جهة الزكاة دون الأجرة. وقد نصّ عليه بعض المتأخرين.

والذي يستفاد من ظاهر الآية الشريفة أنّ اللّه سبحانه جعل للعاملين بإزاء عملهم حقّا في الزكاة سواء تصدّوا للعمل شرعا أو أرادوا بذلك إحراز ما جعله اللّه للعامل ، فيكون أخذه للحصّة حينئذ على غير وجه الأجرة أو الجعالة المجعولة من الحاكم ، فلا يستحق على الحاكم شيئا إذا أتى بالعمل على أحد الوجهين المذكورين ، وإنّما يستحقّ الحصّة المجعولة (3) من الشرع خاصّة ، فهو نظير ما إذا نظر شيئا فردّ أحد عبده تبرعا أو لأن يستحق ذلك المال المنذور ، فجهة الاستحقاق في المقام مغايرة لجهة الاستحقاق الحاصل من الإجارة ونحوها ، وإن كانت الحكمة في وضعه ملاحظة العمل ، ولذا لا يسقط ذلك بالإسقاط بخلاف الأجرة ونحوها.

ص: 244


1- تذكرة الفقهاء 5 / 245.
2- التوبة : 60.
3- في ( د ) زيادة « له ».

وكأنّ ذلك مقصود بعض أفاضل المتأخرين حيث ذكر أنّهم يستحقونها أجرة على عملهم ؛ لما عرفت من عدم ذهاب أحد من الأصحاب إليه ، وإنّما هو مذهب لبعض العامة.

هذا ، وليتم الكلام في ذلك برسم امور :

أحدها : أن المراد بالمعاملين السعاة في جباية الصدقات. وعمّه في نهاية الإحكام (1) للساعي والكاتب والقاسم والحاسب والعريف - وهو كالنقيب للقبيلة - والحاشر - وهو الّذي يجمع أرباب الأموال وحافظ المال ، وكلّ من يحتاج إليه فيها - ثم ، احتمل في الكيّال والوزّان والعدّاد الأسهام من سهم العاملين ؛ لأنهم سهم ، والمنع لأنّ على المالك توفية الواجب ، فكأنّ العوض عليه في الرد ضميمة أنهم السعاة في تحصيلها بجباية وولاية وكتابة وحفظ وحساب وقسمة وغيرها.

وقد (2) يستفاد منها التعميم لجميع ما (3) تلبس بشي ء من الأعمال المذكورة وإن استبد كلّ واحد منها.

وفسّره في المدارك (4) بالساعين في جبايتها وتحصيلها بأخذ وكتابة وحساب وحفظ وقسمة ونحو ذلك ، قال : وقد أجمع علماؤنا وأكثر العامة على استحقاق هؤلاء نصيبا من الزكاة ، وإن كانوا أغنياء.

والوجه في التعميم للجميع صدق العمالة عرفا بفعل أحد الأشياء المذكورة ونحوها.

ويشكل بأنّه قد يدلّ ظهورها فيمن يكون بيده أمر الصدقات في الأخذ من المالك ، والجباية إلى الحاكم دون سائر الخدّام كما للراعي (5) ، والحارس ونحوهما.

وفي رواية عليّ بن إبراهيم ، عن العالم عليه السلام أنّهم : « السعاة والجباة في أخذها وجمعها

ص: 245


1- نهاية الإحكام 2 / 385.
2- لفظة : « قد » زيدت من ( د ).
3- في ( د ) : « من ».
4- مدارك الأحكام 5 / 208.
5- في ( ألف ) : « لو راعى ».

وحفظها حتى يؤدوها إلى من يقسمها » (1).

وكأنّها ظاهرة في المعنى المذكور.

وفيها دلالة ظاهرة على خروج القاسم ، على أنّ البناء على إطلاق الآية بحملها على مقتضى ظاهر اللفظ على كلّ من له عمل على الصدقات ليس ببعيد.

مضافا إلى تأيّده بفهم الجماعة ، إلّا أن الحكم بالنسبة إلى بعضها محلّ خفاء.

وهل يعتبر أن يكون منصوبا من جهة الإمام عليه السلام ، فلا يجري ذلك في منصوب الفقيه؟ ظاهر الشيخ ذلك حيث ذهب إلى سقوط حق العمالة في زمن الغيبة.

وظاهر إطلاق الآية الشمول بعد ما دلّ من الإطلاقات على جواز نصب الحاكم من يسعى في ذلك ، وتوكيله في القبض ، بل قضية إطلاق الآية استحقاق كلّ من له عمل على الصدقات ولو كان من جهة المالك كما إذا عيّن شخصا لقبض زكاته وإخراجها من أمواله وبسطه على الفقراء إلّا أنّ ظاهرهم خروجه عن العامل حملا له على المنصوب ؛ إذ هو المعروف المتداول في عصر النبي صلى اللّه عليه وآله والإمام عليه السلام.

ولو تصدى العامل لذلك من باب الحسب ففي ثبوت الحكم له وجهان.

ويجريان في تصدّي الفقيه بنفسه لذلك.

والقول بالاستحقاق بالنسبة إليه غير بعيد ؛ إذ لا ينقص عن منصوب نفسه.

ونصّ في نهاية الإحكام (2) بأنّه ليس للإمام عليه السلام وللوالي من قبله ولا للقاضي إذا تولّوا أخذها وقسمتها شي ء فيها ؛ لعموم ولايتهم ، فهم يأخذون رزقهم من بيت المال.

وما ذكره ظاهر في الإمام عليه السلام لا من جهة تعليله بل لهاشميّته وعدم اندراجه في إطلاق العامل.

وأما في غيره فلا يخلو عن خفاء ؛ إذ ارتزاقهم من بيت المال لا يقضي بسقوط حقّهم من ذلك مع إطلاق الآية سيما إذا كان الارتزاق بإزاء غيره من الأعمال.

ص: 246


1- تهذيب الأحكام 4 / 50 ، باب أصناف أهل الزكاة ح 3.
2- نهاية الإحكام 2 / 386.

ثانيها : لو عيّن الحاكم أجرة أو جعالة للعامل من بيت المال (1) استحقّ ذلك بعمله سواء كان ذلك من غير الزكاة أو منها ، وسواء كان من غير ما جعله عاملا عليه أو من جملته.

وحينئذ فيستحق ما عيّن له وإن قلّ ما حصله من الزكاة.

ولو كان أقل من القدر الذي عيّن له ولا يستحق ما يزيد على ذلك القدر ، فلا سهم له في الزكاة إذا كانت الأجرة معينة من غيرها.

وكذا (2) نصّ عليه جماعة من الأصحاب ، ويشكل الحال بإطلاق الآية مع اندراجه في اسم العامل قطعا إلّا أن يقال : الإطلاق ينصرف إلى غيره ، فإنّ المتبادر منه كون استحقاق الحصة بإزاء عمله حتى لا يكون سعيه خاليا عن المنفعة الدنيوية ، فإذا فرض استحقاق ذلك عليه بالعوض لم يستحق شيئا ، ولا أقل من الشك ، فيرجع فيه إلى الأصل.

وكذا الحال لو استأجره متبرّع على الفعل المذكور بإذن الحاكم.

وحينئذ فلو أسقط الأجرة لم يستحق السهم في وجه قوي.

نعم ، لو أقدم حينئذ على الفعل مجانا لم يستحق الأجرة فيثبت (3) سهم العامل على وجه لا يخلو عن قوّة.

ويحتمل أن يقال بأنّ ذلك من مقوّمات النصب ، فلا يكون فعله عن إذن الحاكم. وهو بعيد.

وفي التذكرة : (4) وإن رأى الإمام أن يجعل له أجرة من بيت المال لم يستحق شيئا من الصدقة.

وظاهر إطلاقه يعمّ ما لو كان فعله بإزاء الأجرة المقرّرة أو لا ، ففيه إذن ما عرفت.

والظاهر أنه لو جعل له جعالة ممّا يحصله من الزكاة كان استحقاقه ذلك بجعل الحاكم ولم

ص: 247


1- لم ترد في ( ب ) : « من بيت المال ».
2- كذا ، والظاهر : « هكذا » ، بدلا من : « وكذا ».
3- في ( د ) : « له ».
4- تذكرة الفقهاء 5 / 284.

يكن من سهم العامل في وجه قويّ.

ويتفرّع عليه بعض الفروع كما سيجي ء.

ولو أمره الحاكم بالعمل فإن تبيّن أنّ مقصوده من الأجر الفعل بالأجرة أو تبين خلافه فلا إشكال ، وإن لم يتبين الحال فهل يستحق الأجرة على الحاكم يدفعها إليه ممّا شاء من أموال بيت المال ، فلا يثبت له سهم العمالة أو أنّه لا يستحق أجرة على ذلك ، وإنّما يثبت له سهم العمالة بمقتضى جعل الشرع أو أنّه إن دفع إليه الحاكم سهم العامل فلا أجرة له ، وإلّا يثبت الأجرة لاحترام العمل .. وجوه.

ونصّ في نهاية الإحكام (1) بعد حكمه بأنّه إن شاء الحاكم بعثه من غير تسميته على أنّه لو تلفت الصدقة في يده من غير تفريط فلا ضمان عليه ، و (2) يستحق أجرة من بيت المال. وظاهره يعطي اختيار الوجه الأخير من استحقاقه أحد الأمرين من السهم والأجرة ، فإذا تعذر الأول تعين الأخير. وهو غير بعيد عن ظاهر القواعد صونا لخلوّ عمل المسلم عن العوض بالمرّة.

ثالثها : أنه على القول بعدم (3) وجوب بسط الزكاة على الأصناف كما هو الأظهر - حسبما يأتي إن شاء اللّه - هل للحاكم الخيار في دفع حصّة العامل على نحو خياره في الصرف على سائر المصارف؟ وجهان ؛ من أنّ ظاهر الآية هو الاستحقاق ، غاية الأمر دلالة الأدلّة على عدم وجوب الصرف إلى كلّ من المذكورات بالنسبة إلى غير العامل ، وأما العامل فيبقى على الأصل من أنها إنّما وردت في الجميع على نحو واحد ، فبعد حملها على بيان المصرف لا يبقى فيها دلالة على ذلك.

والأول أوفق بظاهر الآية.

ثمّ إنّ ما ذكرناه إنّما هو من جهة استحقاقه سهم العمالة ، أما من جهة الاستيجار أو قضاء الأمر باستحقاق العوض فقد مرّ القول فيه.

ص: 248


1- نهاية الإحكام 2 / 386.
2- لم ترد في ( ب ) : « و ».
3- في ( ألف ) : « بعد ».

رابعها : أنّه قد ذكر للعامل شروط :

منها : أن يكون أمينا بأن يكون بالغا عاقلا مسلما مؤمنا عدلا ، فلا يصحّ عمالة من لا يجتمع فيه الصفات المذكورة. كذا ذكروه ، وهو إنّما يتم إذا فسّر العامل بالساعي في أخذ الصدقات وجبايتها إلى الامام كما هو المعروف في استعماله - حسبما مرّت الإشارة إليه - ، وأمّا مع التعميم لسائر الأعمال المتعلقة (1) بالصدقات كما هو ظاهر الجماعة فلا يتمّ الإطلاق المذكور ؛ لظهور أن بعض الأعمال ممّا لا يتوقف على الاعتماد على العامل كالكتابة وجميع أرباب الأموال إذا كانوا معلومين ونحو ذلك من الأعمال الظاهرة ، فينبغي إذن تخصيصه بما إذا كان عاملا على ما يؤتمن عليه.

ومنها : الفقه ، نصّ عليه في الشرائع (2) والمراد به التفقه فيما يتوليه من العمل كمعرفة قدر الواجب وصفته ونحوهما من الأحكام.

وهذا أيضا لو تمّ فإنّما يتمّ مع تخصيص العامل بما مرّ وأما مع تعميمه لسائر الأعمال فلا بدّ من تقييده بما يتوقف العلم بأدائها على العلم بالحكم.

ثمّ إنّ المراد به مطلق المعرفة بالحكم ولو على سبيل التقليد.

وحكى في المدارك (3) عن ظاهر المعتبر (4) الميل إلى عدم اعتباره ، والاكتفاء فيه بسؤال العلماء ، قال : واستحسنه في البيان (5).

وقد يقال بعدم اشتراط العمالة بها وإن كان من مكمّلاتها ؛ إذ ذاك (6) وظيفة المالك وإنّما عليه أن يأخذ ما يدفعه المالك إليه.

نعم ، لو توقف العمل عليه كما إذا امتنع المالك وأراد إجباره عليه تمّ ذلك.

ص: 249


1- لم ترد في ( ب ) : « المتعلّقة بالصدقات .. مما لا يتوقّف ».
2- شرائع الإسلام 1 / 121.
3- مدارك الأحكام 5 / 211.
4- المعتبر 2 / 571.
5- البيان : 194.
6- في ( ب ) : « إدراك » بدل : « إذ ذاك ».

ومنها : الحرية. ذكره الشيخ (1) ، وعلّل بأنّ العامل يستحق نصيبا من الزكاة ، والعبد لا يملك شيئا حتى يدفع إليه ، ومولاه لم يعمل شيئا حتّى يستحق حقّ العمالة.

وردّ بأنّ عمل العبد كعمل السيد.

وقوّى في المعتبر (2) عدم اعتبارها معلّلا بحصول الغرض بفعله وإن العمالة نوع إجارة والعبد صالح له مع إذن السيد.

وفي المدارك (3) : إنّه لا بأس به.

وعن المحقّق في المعتبر (4) الميل إليه.

وتردد فيه في الشرائع (5).

والتحقيق أن يقال : إنّه لا وجه لاشتراط الحريّة في أصل العمالة ؛ إذ لا مانع من تولّي العبد لها مع استجماعه لسائر الشرائط وإذن المولى له في ذلك ، أما استحقاقه للمال فإن كان استعماله على سبيل الاستيجار ونحوه فلا ينبغي التأمل فيه أيضا لكون العبد قابلا له بعد إذن السيد ، فتكون الأجرة ملكا لسيده كما لو استأجر على سائر الأعمال وإن كان نحو العمالة الصرفة من دون حصول الاستيجار وما بمنزلته فيشكل الحال في استحقاقه سهم العمالة ؛ لأن العبد في نفسه غير قابل للتملك واستحقاق المولى له ممّا لا دليل عليه ، فإن ذلك حقّ جعل للعامل دون غيره.

وليس ذلك من قبيل الأجرة المستحقة المالك (6) ، فالقول باستحقاق المولى له مشكل جدا.

هذا بالنسبة إلى العبد القنّ ، وأما المبعّض فالظاهر استحقاقه على حسب حريته.

ص: 250


1- في المبسوط 1 / 248 ، والتعليل تجده في المعتبر 2 / 571.
2- المعتبر 2 / 571.
3- مدارك الأحكام 5 / 213.
4- المعتبر 2 / 571.
5- شرائع الإسلام 1 / 121.
6- في ( د ) : « حتى يستحقه المالك » بدل « المستحقة المالك ».

وأما المكاتب فلا مانع من استحقاقه ولصحّة تملكه سواء كان مشروطا أو مطلقا أدّى من مال الكتابة شيئا أم لا.

ومنها : أن لا يكون هاشميا. ذكره في الشرائع (1) وغيره.

وهو أيضا ضعيف لو أريد اشتراطه في أصل العمالة ، وإن اريد اشتراطه في استحقاق المال فإن دفع إليه من بيت المال على سبيل الاستيجار فلا يظهر ما يقضي فيه بالمنع ، وإن كان المدفوع إليه من مال الزكاة ؛ إذ لا يحرم عليهم الأخذ من الزكاة إذا دفع إليهم على سبيل المعاوضة ، ولذا يجوز شراء أموالهم بمال الزكاة ، وكذا استيجارهم على سائر الأعمال.

وكذا الحال لو عيّن لهم على سبيل الجعالة سهم ممّا يحبونه من الزكاة في وجه قوي ؛ لما عرفت من تملكهم له حينئذ بالعمل.

وليس استحقاقهم حينئذ على نحو استحقاق الزكاة ، والصحيحة الآتية لا دلالة فيها على المنع من الجهة المذكورة وإن اريد دفعه إليه من سهم العمال على نحو استحقاق الزكاة فلا تأمّل في المنع لما دلّ باطلاقه على الحرمة (2) الصدقات عليهم.

ويدلّ عليه خصوص الصحيح : إن أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي (3) قالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعله اللّه عزوجل للعاملين عليها فنحن أولى به ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يا بني عبد المطلب إنّ الصدقة لا تحل لي ولا لكم .. » (4) الخبر.

فما حكاه الشيخ في المبسوط (5) عن قوم من جواز كون العامل هاشميا لأنّه يأخذ على وجه الأجرة فكان كسائر الإجارات ضعيف جدّا.

ص: 251


1- شرائع الإسلام 1 / 121.
2- في ( د ) : « حرمة ».
3- في ( د ) زيادة : « و ».
4- الكافي 4 / 58 ، باب الصدقة لبني هاشم ومواليهم وصلتهم ح 1.
5- نقله عنه في مدارك الاحكام 5 / 212.

قال العلّامة (1) : والظاهر أن المحكيّ عنهم من العامة ؛ إذ لا أعرف قولا لعلمائنا في ذلك.

قلت : ويشير إليه التعليل المذكور ؛ إذ ذلك من مذاهبهم خاصة.

هذا إذا كان عاملا على صدقات غير قبيله وأمّا لو جعل عاملا على صدقات قبيله فلا وجه للمنع ، وكذا الحال مع حلية الصدقة عليهم لقصور الخمس.

وقد نبّه عليهما في المدارك (2).

ص: 252


1- مختلف الشيعة 3 / 217.
2- مدارك الأحكام 5 / 212.
تبصرة [ في المؤلّفة قلوبهم ]

الرابع من الأصناف : المؤلّفة قلوبهم ، والكلام فيه في الموضوع والحكم :

أمّا الأوّل فقد اختلف فيه كلمة الأصحاب ، ولهم في تفسير المؤلفة أقوال :

أحدها : ما ذهب إليه جماعة من تفسيره بالكفار الذين يستمالون للجهاد. قال في الشرائع (1) بعد تفسيرها بذلك : ولا نعرف مؤلفة غيرهم.

وقال المحقق الكركي (2) : اختصاصهم بذلك هو الأشهر.

وفي الحدائق (3) : الظاهر أنه المشهور.

وفي المبسوط (4) : المؤلفة قلوبهم عندنا هم الكفّار الذين يستمالون بشي ء من مال الصدقات إلى الإسلام ، ويتألفون يستعان بهم على قتال أهل الشرك. ولا يعرف أصحابنا مؤلفة أهل الإسلام.

وذكر نحو ذلك في الخلاف ، وحكى إجماع الفرقة عليه إلّا أنّه لم يذكر الاستمالة إلى الإسلام.

وبمعناه ما حكى الاقتصار والمصباح من أنهم قوم من الكفّار لهم ميل في الإسلام يستعان بهم على قتال أهل الحرب.

ص: 253


1- شرائع الإسلام 1 / 121.
2- جامع المقاصد 3 / 31.
3- الحدائق الناضرة 12 / 175.
4- المبسوط 1 / 149.

وتبعه الطوسي (1) والعلّامة (2) في بعض كتبه.

ثانيها : ما ذهب إليه العلّامة في النهاية (3) حيث قال : وهم عند علمائنا الكفّار خاصة الذين يستمالون إلى الإسلام بشي ء من الصدقات أو يتألفون ليستعان بهم على قتال أهل الشرك ولا يعرف علماؤنا مؤلفة أهل الإسلام ، فعمّمه لكلّ من الصورتين المذكورتين.

ثالثها : ما حكى (4) الإسكافي من أن المؤلفة قلوبهم من أظهر الدين بلسانه وأعان المسلمين وإمامهم بيده وكان معهم إلا قلبه. وظاهره أنّهم صنف من المنافقين.

رابعها : ما حكي عن المفيد (5) من أنهم ضربان : مسلمون ومشركون ، فيكون مفسّرا عندهم بالأعم.

وعزاه في التذكرة (6) إلى الشافعي ، قال : وهو الأقوى عندي.

وقال الفاضل الجزائري بعد نقله عن المفيد : وفيه وجه جمع بين الأخبار فلا بأس به.

وحكى المحقق في المعتبر (7) عن الشافعي تقسيم المؤلفة أوّلا إلى قسمين : مسلمين ومشركين ، ثمّ (8) قسّم الثاني إلى قسمين : قسم منهم له شوكة يخاف منهم فإن أعطوا كفّوا شرّهم وكف غيرهم معهم ، والآخر جماعة منهم لهم ميل إلى الإسلام ، فيعطون من سهم المصالح لتقوى نيّتهم في الإسلام ويميلون إليه.

وقسّم الأول إلى أربعة أقسام :

الأول : قوم لهم نظراء فإذا أعطوا رغب نظراؤهم في الإسلام.

ص: 254


1- مصباح المتهجد : 857.
2- تحرير الأحكام 1 / 404.
3- نهاية الإحكام 2 / 386.
4- في ( د ) زيادة « عن ».
5- نقله عنه في المعتبر 2 / 573.
6- تذكرة الفقهاء 5 / 250.
7- المعتبر 2 / 573.
8- لفظة « ثم » زيدت من ( د ).

الثاني : قوم في نياتهم ضعف ، فيعطون لتقوى نياتهم.

الثالث : قوم من الأعراب في أطراف بلاد الإسلام وبإزائهم قوم من أهل الشرك إذا اعطوا رغب الآخرون.

الرابع : قوم بإزائهم آخرون من أهل الصدقات ، فإذا اعطوا جبوها يراجع المصدر (1) منهم راغبوا عن العامل.

وقال (2) بعد حكاية ذلك عنه : ولست أرى بهذا التفصيل بأسا ؛ فإن ذلك مصلحة ، ونظر المصلحة موكول إلى الامام عليه السلام.

وعن الشيخ (3) إن التفصيل المذكور لم يذكره أصحابنا غير أنه لا يمتنع أن يقول : إن للإمام أن يتألف هؤلاء القوم ويعطيهم إن شاء من سهم المؤلفة ، وإن شاء من سهم المصالح ؛ لأن هذا من فرائض الإمام عليه السلام ، وفعله حجّة ، وليس يتعلّق علينا في ذلك حكم اليوم وفرضنا تجويز ذلك ، والشك فيه عدم القطع بأحد الأمرين.

وعن الشهيد في حواشي القواعد : لا ريب أن التألف متحقق في الجميع إلّا أنّ المؤلفة قلوبهم زمن النبي صلى اللّه عليه وآله الذين كانوا يعطيهم من الزكاة وغيرها زيادة على غيرهم ما كانوا كفّارا ظاهرا بل ، مسلمين ضعيفي العقائد إشرافا في قومهم كأبي سفيان والأقرع بن حابس وعيينة (4) بن حصين ونظرائهم ، وهم معلومون مضبطون بالعدد بين علماء هذا الشأن.

وقد أحسن ابن الجنيد (5) حيث عرفهم بأنّهم من أظهر الدين .. إلى آخره.

وعلى كلّ حال فجميع من ذكر من الأقسام يجوز إعطاؤهم من الزكاة ؛ لأنّ مرجعهم إلى سبيل اللّه وإلى العمالة ، وإنّما الكلام في استحقاقهم من خصوص سهم المؤلفة. انتهى.

ص: 255


1- في ( ب ) : « حبواها » ، وفي ( د ) : « جوها ».
2- المعتبر 2 / 573.
3- المبسوط 1 / 250.
4- في ( ب ) : « عنبسة » ، وفي ( ألف ) : « عينية ».
5- نقله عنه في مدارك الأحكام 5 / 214.

والذي يتقوّى في النظر أن المؤلفة أقسام ثلاثة :

أحدها : الكفار الذين يتألفون ليستعان بهم في جهاد الكفار.

ثانيها : الكفار الذين يستمالون إلى الإسلام بدفع المال ممن يرجى في شأنهم ذلك. وقد عزا في نهاية الإحكام (1) تفسير المؤلفة بالصنفين المذكورين إلى أصحابنا مؤذنا بالاتفاق عليه كما مرّت الإشارة إليه.

ثالثها : من يظهر كلمة الإسلام وليس على كمال الاطمئنان والتثبّت في الدين ويكون ضعيفا في الدين ، فيعطي من الزكاة ليستوفر رغبته في الإسلام ويتقوّى نيته فيه.

ويدلّ على جريان حكم المؤلّفة في الجميع ظاهر إطلاق الآية الشريفة المؤيّدة بالنسبة إلى الأوّل بما عرفت من إجماع الخلاف ، وظهور عبارة المبسوط (2) في الإجماع أيضا عليه ، وكذا في نهاية الإحكام (3).

مضافا إلى الشهرة المحكيّة عليه المعتضدة بفتوى الجماعة (4) بالنسبة إلى الثاني ما في نهاية الإحكام (5) من ظاهر الإجماع ، مضافا إلى غير واحد من الأخبار :

ففي رواية زرارة ، عن الباقر عليه السلام : « المؤلفة قلوبهم قوم وحّدوا اللّه وخلعوا عبادة من دون اللّه ولم تدخل المعرفة قلوبهم ، إنّ محمّدا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وكأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يتألفهم ويعرفهم ويعلمهم » ونحوه ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادق عليه السلام في تفسير الآية. ورواه عنه في التهذيب ، وفيه : « فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يتألفهم ويعرفهم ويعلمهم كيما يعرفوا فجعل لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا » (6).

ص: 256


1- نهاية الإحكام 2 / 387.
2- المبسوط 1 / 250.
3- نهاية الإحكام 2 / 387.
4- في ( د ) زيادة « و ».
5- نهاية الإحكام 2 / 387.
6- تهذيب الأحكام 4 / 50 ، باب أصناف أهل الزكاة ح 3.

وفي (1) مرسلة موسى بن بكير عن الباقر عليه السلام ما كانت المؤلفة قلوبهم قطّ أكثر منهم اليوم وهم قوم وحّدوا اللّه تعالى وخرجوا من الشرك ولم تدخل معرفة محمد صلى اللّه عليه وآله قلوبهم (2).

« وظاهر هذه الأخبار عدم إقرارهم بالنبوة ، فهم حينئذ كفّار يراد بإعطاء الزكاة عليهم ميلهم إلى الإسلام ورغبتهم فيه ، كأنّ اعتبار اقرارهم بالتوحيد من جهة استكشاف قربهم إلى دين الحق فيسهل اشتمالهم إلى الإقرار بالركن الآخر أيضا.

ويحتمل الاقتصار على ظواهر هذه الأخبار ، فيعتبر في المؤلفة المذكورين الإقرار بالتوحيد.

ويدلّ على الثالث بعد الإطلاق المذكور خصوص صحيحة زرارة ، عن الباقر عليه السلام قال : سألته عن قول اللّه عزوجل ( وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) قال : « هم قوم وحّدوا اللّه عزوجل وخلعوا عبادة من يعبد من دون اللّه شهدوا (3) أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وهم في ذلك شكاك في بعض ما جاء محمد صلى اللّه عليه وآله ، فأمر اللّه عزوجل نبيه صلى اللّه عليه وآله أن يتألّفهم بالمال وإعطائه (4) لكي يحسن إسلامهم ويثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه (5).

وهي كما ترى واضحة الدلالة على ذلك ، وليست صريحة في الحصر في تلك الطائفة.

وقد عرفت دلالة غيرها على ثبوت الصنفين الآخرين ، فما في الحدائق من الاقتصار على مدلول هذه الرواية ودعواه دلالة الخبرين المتقدمين وغيرهما على ذلك أيضا ممّا لا وجه له.

كيف وقد عرفت ظهور دلالة الخبرين المذكورين على خلافه.

ثمّ ليس في هذه الأخبار صراحة على خروج الصنف الأول عن المؤلّفة.

نعم ، فيها ظهور في ذلك ، وهو لا يقاوم ما عرفت. فما في الحدائق تفريعا على ما استفاده

ص: 257


1- في ( ألف ) : « في » بدون الواو.
2- الكافي 2 / 412 ، باب المؤلفة قلوبهم ، ح 5.
3- في د : « أشهدوا ».
4- في د : « وإعطاء ».
5- الكافي 2 / 411 ، باب المؤلفة قلوبهم ، ح 2 ، وانظر : بحار الأنوار 21 / 177.

من الأخبار ، فالتأليف إنّما هو لأجل البقاء على الدين والثبات عليه لا كما زعموا رضي اللّه عنهم من الجهاد - كفارا كانوا أو مسلمين - وأنّهم يتألفون بهذا السهم لأجل الجهاد ، ليس (1) على ما ينبغي.

وأما الثاني فلا خلاف بين الأمة في ثبوت سهم للمؤلفة كما هو نصّ الآية الشريفة إلّا أنّ هناك كلاما في سقوطه بعد النبي صلى اللّه عليه وآله في ثبوته (2) ، فعن الصدوق في الفقيه (3) القطع بالسقوط كما هو مختار بعض العامة.

وعلّل بأن اللّه سبحانه أعزّ الدين ، فلا حاجة إلى التأليف.

والمعروف بين الأصحاب عدم سقوطه وبه نصّ الفاضلان وغيرهما. وفي التذكرة : (4) وحكمهم باق عند علمائنا ، وهو مؤذن بالإجماع عليه مع عدم ظهور النسخ ، بل ظهور خلافه.

وظاهر التعليل المتقدم هو دعوى المسقط [ و ] عدم حصول موضوع للتأليف لا حصول النسخ للحكم ؛ إذ لم يرد ذلك لا من طريق العامّة ولا الخاصّة ، فلا نزاع إذن في الحكم والموضوع ، إنّما يرجع فيه إلى العادة وحصول الحاجة ، فيدور الأمر مدار ذلك.

وعن الشيخ (5) أنه يسقط في زمن غيبة الإمام عليه السلام خاصّة إذا دهم المسلمين - العياذ باللّه - عدوّ يخاف منه عليهم ، فيجب الجهاد فيحتاج (6) إلى التأليف ، فيجوز الصرف إليهم.

وبمعناه ما في نهاية الإحكام (7) حيث ذكر أن قول الشيخ جيّد ، لكن لو فرضت الحاجة إلى المؤلفة بأن ينزل بالمسلمين نازلة واحتاجوا إلى الاستعانة بالكفار ، فالأولى عندي جواز صرف السهم إليهم.

ص: 258


1- لم ترد في ( ب ) : « ليس على ما ينبغي ، وأما الثاني فلا خلاف ».
2- في ( ألف ) : « نبوته » بدل : « ثبوته ».
3- من لا يحضره الفقيه 2 / 6.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 249.
5- النهاية : 185.
6- في ( د ) زيادة : « حينئذ ».
7- نهاية الإحكام 2 / 388.

وفي المدارك (1) بعد حكاية عبارة المنتهى : ولا ريب في قوة هذا القول تمسّكا بظاهر التنزيل السالم عن المعارض.

والذي يتقوى في النظر أنّ التألف إن كان لأجل الجهاد فهو ممّا يتوقّف على ثبوت الجهاد في عصر الغيبة حسبما ذكره العلّامة ، فإذا حصل الباعث على مشروعيته كالفرض المذكور في كلامه أو غيره جرى الحكم.

نعم ، لو خصّ فيه بالجهاد المطلوب من جهة الدعاء إلى الإسلام لزم القول بسقوطه حينئذ على الإطلاق إلّا أنّ ظاهر إطلاق الأصحاب خلافه ، وإن كان لأجل التثبّت على الإسلام وكمال الإيمان أو لترغيبه في ذلك وميله إليه.

فقضيّة الإطلاق جريانه في الغيبة أيضا ؛ لإمكان حصوله حينئذ وقيام الحكمة المشرعة له. وليس في الأدلّة ما يقضي بالمنع إلّا أن يقال : إن ذلك من وظائف الإمام عليه السلام أو نائبه الخاص حال حضوره (2) ، فقيام غيره مقامه يحتاج إلى دليل.

ويدفعه أنّ الفقيه ينوب منابه في ساير الأحكام ، فكذا في ذلك على أنّ إطلاق الآية قاض فيه بالجواز ، غاية الأمر أن يكون من وظائف الإمام في حال الحضور.

نعم ، روى الطبرسي مرسلا عن أبي جعفر عليه السلام ثبوت سهم المؤلّفة بعد النّبيّ صلى اللّه عليه وآله إلّا أنّه قال : من شرطه أن يكون هناك إمام عادل يتألفهم به على ذلك (3).

وهي لإرسالها تقصر عن إفادة المراد.

وكيف كان ، فالمسألة مشكلة جدا ؛ إذ ليس في الأخبار المعتبرة دلالة على شي ء من الوجهين.

وظاهر الحال أنّ مثل هذه الأفعال إنّما يصدر عن الحكّام ، واحتمال اختصاصه بالإمام عليه السلام ليس ببعيد.

ص: 259


1- مدارك الاحكام 5 / 215.
2- في د : « الحضور ».
3- لاحظ : تفسير مجمع البيان 5 / 75 وفيه : « على ذلك بر ».

ولذا ورد في عدّة من الروايات المتقدمة أنّ اللّه أمر نبيه بذلك ، مضافا إلى المرسلة المتقدمة. فإن تمّ إطلاق الآية الشريفة في المقام أو ثبت إطلاق نيابة الفقيه عن الإمام عليه السلام بحيث يشمل مثل هذه الأفعال صحّ القول بعدم السقوط وإلّا اتّجه الحكم بالسقوط ؛ لعدم وضوح دليل على كونه إذن من المصارف ، فلا يحصل اليقين بالفراغ بالصرف إليه ، مضافا إلى ما عرفت.

فما في الحدائق (1) من القطع بسقوطه في زمن الغيبة مستندا إلى الأخبار المتقدمة مؤيّدة بالمرسلة المذكورة ممّا لا وجه له.

وهي (2) كما ترى لا دلالة فيها على السقوط في زمن الغيبة بوجه.

وحكم أيضا بسقوطه في زمن ظهورهم عليهم السلام وعدم بسط أيديهم معلّلا بأنّ التأليف مختص بهم وأيديهم حينئذ قاصرة من إقامة الحدود الشرعيّة (3) وتنفيذ الأحكام لغلبة التقية.

وهو أيضا كما ترى.

وقد تقدم في مرسلة موسى بن بكر (4) أكثرية المؤلفة قلوبهم في عصره عليه السلام. وفي رواية زرارة عنه عليه السلام أيضا : « المؤلفة قلوبهم لم يكونوا قطّ أكثر منهم اليوم » (5) ، فتأمل.

ص: 260


1- الحدائق الناضرة 12 / 179.
2- في ( د ) : « إذ هي ».
3- في ( ألف ) : « والشرعية ».
4- الكافي 2 / 412 ، باب المؤلفة قلوبهم ح 5.
5- الكافي 2 / 411 ، باب المؤلفة قلوبهم ح 3.
تبصرة: [ في الرقاب ]
اشارة

الخامس من الأصناف : الرقاب ، والمراد بهم على ما ذكروه في المقام أمور :

أحدها : المكاتبون مع قصور كسبهم عن أداء مال الكتابة.

وعن المبسوط (1) والغنية (2) والسرائر (3) أنه لا خلاف لأحد منّا ولا من العامة في استحقاق هؤلاء سهم الرقاب.

ويدلّ عليه بعد اطلاق الاية ما رواه الصدوق مرسلا ، والشيخ مسندا ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدّى بعضها؟ قال : « يؤدي عنه من مال الصدقة ، إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه : ( وَفِي الرِّقابِ ) (4) ». (5)

وقصور إسنادها منجبر بالعمل ، وفرض أدائه لبعض مال الكتابة لا خصوصية (6) له في المقام كما هو ظاهر الحال.

ويدلّ عليه ظاهر التعليل في الآية الشريفة. مضافا إلى إطلاق الأصحاب وبنائهم على العموم مع إطلاق ما عرفت من الإجماعات المحكيّة.

ص: 261


1- المبسوط 1 / 250.
2- في ( ألف ) : « الفقيه » ، ولا يصح. انظر : غنية النزوع : 124.
3- في ( ألف ) : « التحرير » ، ولا يصح. انظر : السرائر 1 / 457.
4- البقرة : 177.
5- من لا يحضره الفقيه 3 / 125 باب المكاتبة ح 3471.
6- في ( ألف ) : « لا خصوصيّته ».

ثانيها : العبيد تحت الشدّة ، على المعروف من المذهب. وحكى السيد (1) والشيخ (2) وابن زهرة (3) الإجماع عليه.

وفي التذكرة (4) : إنّ المشهور عند علمائنا أنّ المراد بالرقاب صنفان : المكاتبون والعبيد تحت الشدة ، ثم قال : وشرطنا في الثاني الضر والشدة.

وهو قد يومي إلى الإجماع على الشرط الظاهر في الإجماع على الحكم.

وقد يشعر باجماعنا مع (5) الحكم أيضا ما في المبسوط (6) والتحرير (7) والسرائر (8) والمنتهى (9).

وفي المدارك (10) أن جواز الدفع من هذا السهم إلى المكاتبين والعبيد إذا كانوا في جبر وشدّة قول علمائنا وأكثر العامة.

ويدلّ عليه بعد ذلك وإطلاق الكتاب رواية عمرو ، عن أبي بصير - أو عمرو بن أبي بصير على احتمال - عن الصادق عليه السلام ، عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة والستّ مائة يشتري بها نسمة ويعتقها؟ قال : « إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم » ثمّ مكث مليّا ثم قال : « الّا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه ويعتقه » (11).

ص: 262


1- رياض المسائل 5 / 154.
2- المبسوط 1 / 250.
3- غنية النزوع : 124.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 255.
5- في ( د ) : « على ».
6- المبسوط 1 / 250.
7- مدارك الأحكام 5 / 216.
8- السرائر 1 / 457.
9- منتهى المطلب 1 / 520.
10- مدارك الأحكام 5 / 216.
11- الكافي 3 / 557 باب الرجل يحج من الزكاة أو يعتق ، ح 2.

ثالثها : المماليك إذا لم يكون في شدة مع عدم المستحق. وفي المعتبر (1) : إن عليه فقهاء الأصحاب.

وفي التذكرة (2) : إنّ عليه فقهاؤنا. وظاهرهما حكاية الاتفاق عليه.

ويدل عليه في الجملة عدّة من الأخبار :

منها : الموثق ، عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد لها موضعا يدفع ذلك إليه ، فنظر إلى مملوك يباع (3) فاشتراه بتلك الألف التي أخرجها من ، زكاته فأعتقه ، هل يجوز له ذلك؟ قال : « نعم لا بأس بذلك ». قلت : فإنه لما أعتق وصار حرّا اتّجر واحترف فأصاب مالا ثمّ مات وليس له وارث ، فمن يرثه إذا لم يكن وارث؟ قال : « يرثه الفقراء والمؤمنون الذين يرثون الزكاة لا أنّه إنّما اشترى بمالهم » (4).

ومنها : الصحيح : مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه اشتريه من الزكاة فأعتقه؟ قال : فقال : « اشتره فأعتقه » ، قلت : فإن هو مات وترك مالا؟ قال : فقال : « ميراثه لأهل الزكاة ؛ لأنّه اشترى بسهمهم ».

قال الصدوق : وفي حديث آخر : « بمالهم » (5).

وعن الفقيه والحلي (6) عدم اشتراط الضرورة وعدم المستحق في الشراء من الزكاة وعتقه.

واختاره العلّامة في القواعد (7).

ص: 263


1- المعتبر 2 / 574.
2- تذكرة الفقهاء 5 / 255.
3- في ( د ) : « تباع ».
4- وسائل الشيعة : 6 باب 43 من ابواب المستحقين للزكاة ح 2.
5- بحار الأنوار 93 / 65 باب أصناف مستحق الزكاة وأحكامهم ، ح 30 ، علل الشرائع 2 / 372
6- المختصر النافع 1 / 195.
7- قواعد الأحكام 1 / 349.

وقوّاه ولده في الإيضاح (1). واستجوده في المدارك (2).

وعزاه بعضهم إلى جماعة من متأخري المتأخرين ؛ أخذا بإطلاق الآية ، وظاهر الصحيحة المذكورة ، وخصوص القوي من (3) الصادق عليه السلام : أنه سأله بعض أصحابنا ، عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله؟ فقال : « اشترى خير رقبة ، ولا بأس بذلك » (4).

وأورد عليها بأن هذه الروايات مخالفة للمشهور ، بل ظاهر ما حكي من الإجماع والرواية المتقدمة الدالّة على عدم جواز صرفها في العتق إلّا في العبيد تحت الشدة المعتضدة بعمل الجماعة ، وظاهر الإجماع مضافا إلى أنّ اليقين بالشغل قاض بتحصيل اليقين بالفراغ ، وهو غير حاصل حينئذ ، فلذا اقتصر الأكثر على الأمور الثلاثة المتقدمة.

وقد أورد أيضا في المقام بأنّه لا دلالة في الأخبار المذكورة إلّا على جواز صرف الزكاة في ذلك وأما كون ذلك من سهم الرقاب ( فلا ، بل لا دلالة في الخبرين المتقدمين الواردين في العبيد تحت الشدة وفي العتق مع إعواز المستحق على كون الصرف من سهم الرقاب ) (5).

ولذا استشكل في الحدائق (6) (7) تلك الصورتين أيضا. وأورد بذلك على الأكثر حيث احتجّوا بهما. وقد نازع صاحب المدارك (8) حيث استند على تلك الروايتين وغيرهما في جواز الصرف من سهم الرقاب في المقامين وغيرهما بأنّه لا خصوصيّة في الصورتين (9) المذكورتين بل الأخبار الواردة فيهما وفي غيرهما على نهج سواء ، فإن بنى على أن المستفاد منهما الصرف

ص: 264


1- إيضاح النافع 1 / 195.
2- مدارك الأحكام 5 / 217.
3- في ( د ) : « عن ».
4- الكافي 3 / 552 ، باب تفضيل القرابة في الزكاة ومن لا يجوز منهم أن يعطوا من الزكاة ( باب نادر ) ح 1 ؛ من لا يحضره الفقيه 2 / 19.
5- ما بين الهلالين أضيفت من ( د ).
6- الحدائق الناضرة 12 / 183.
7- في ( د ) زيادة : « في ».
8- مدارك الأحكام 5 / 218.
9- في ( د ) : « للصورتين » بدل : « في الصورتين ».

من سهم الرقاب فلا بدّ من القول بالجواز في الجميع ، وإلّا فلا بدّ من المنع منه في الكلّ ، فلا وجه للتفصيل.

ولذا لم يجعل ذلك من سهم (1) الرقاب بالنسبة إلى الجميع ، واختار في المقام حمل الأخبار الأربعة المتقدمة على كون الشراء من مطلق الزكاة من غير أن يكون من سهم مخصوص ، وذكر أن هذا وإن كان خارجا من (2) الأصناف المذكورة في الآية إلّا أنّها قد وقعت رخصة به في الجملة ، وقال (3) : إنّ هذه الأخبار ظاهر الدلالة عليه ، وليست من أخبار ما نحن فيه في شي ء ؛ لما عرفت.

وحينئذ فتكون هذه الأخبار خارجة مخرج الرخصة في العتق من الزكاة ؛ لعدم دخول ذلك تحت شي ء من الأصناف الثمانية المندرجة في الآية.

وقد أيّد ما ذكره بما في رواية أبي بصير من قوله عليه السلام : « إذا يظلم قوما آخرين » (4) انتهى ؛ إذ لو كان العتق من سهم الرقاب لم يتعقل هناك ظلم على غيرهم من الأصناف ؛ لعدم وجوب البسط عندنا اتفاقا نصّا وفتوى ، وبما ورد في عدّة من تلك الأخبار في ميراث العبد المذكور من أنه يرثه الفقراء المؤمنون الذين يرثون الزكاة معلّلا بأنّه اشترى بمالهم.

والحاصل أنّ الظلم والميراث إنّما يترتب على ما إذا وقع الشراء من أصل الزكاة الّتي مصرفها الفقراء وغيرهم من الأصناف ، وحينئذ فيجب حمل تلك الأخبار الأربعة على كون الشراء من أصل الزكاة.

وحيث إن ظواهر تلك الأخبار مختلفة في الجملة قال (5) : إنّ الجمع بينها ممكن إمّا بإبقاء تلك الأخبار على إطلاقها وحمل رواية أبي بصير على الكراهة أو تقييد إطلاق تلك الأخبار

ص: 265


1- في ( ألف ) : « منهم ».
2- في ( د ) : « عن ».
3- الحدائق الناضرة 12 / 183.
4- الكافى 3 / 557 ، باب الرجل يحج من الزكاة أو يعتق ح 2.
5- الحدائق الناضرة 12 / 184.

بها أو تخصيص المنع بما إذا اشترى بمطلق الزكاة كما هو ظاهر خبر أبي بصير ، وحمل غيره على ما إذا لم يكن كذلك.

وأنت خبير بأنّ الوجه الأخير مخالف لما نصّ عليه من كون الأخبار المذكورة واردة على نحو واحد ، وقد أورد ذلك على من أراد التفريق بينها.

ثمّ لا يذهب عليك أنّ ما اختاره في المقام مع مخالفته لظاهر الآية الشريفة والروايات المستفيضة الدالّة على حصر مصارف الزكاة في الثمانية ، وظاهر فتاوى علمائنا الأجلّة أنّه غير ظاهر من الأخبار المذكورة ، غاية الأمر إجمالها في ذلك إن لم نقل بظهورها في خلافه.

وقوله (1) عليه السلام « إذن يظلم قوما آخرين حقوقهم » (2) يفيد خلاف ما ذكره ؛ فإنّه يومي إلى أنّ الصرف في ذلك من أحد مصارف الزكاة وأن له حقا فيها إلّا أنّ صرف جميعه أو معظمه فيه يوجب الظلم على آخرين ممّن له استحقاق في ذلك أيضا.

ثمّ مع الغضّ عن ذلك لو حملت الرواية على الكراهة فالأمر ظاهر ، ولا تأييد فيها حينئذ لما ذكره وإن حملت على المنع ، فغاية الأمر دلالتها على عدم جواز صرف تمام (3) الزكاة في العتق ؛ لحصول الظلم على آخرين ، وأي منافاة لذلك مع القول بعدم وجوب البسط؟

ألا ترى أنّه لا يجوز صرف تمام الزكاة غالبا إلى العامل مع كونهم أحد مصارف الزكاة وعدم لزوم البسط؟ فلا إشارة في ذلك إلى ما ذكره.

وكذا الحال في التعليل المذكور ؛ إذ لا مانع من تعليل كون ميراثه للفقراء بكونهم مستحقين للمال الذي اشترى به في الجملة ، وإن لم تكن جهة صرفه مختصة بهم.

على أنهم هم الأصل في وضع (4) الزكاة كما يستفاد من الأخبار الواردة الكثيرة في ذلك ، وهو كاف في صحّة التعليل المذكور.

ص: 266


1- في ( ألف ) : « قول ».
2- الكافي 3 / 557 ، باب الرجل يحج من الزكاة أو يعتق ح 2.
3- في ( ألف ) : « مقام ».
4- في ( ألف ) : « ومنع » بدلا من : « في وضع ».

كيف ولو غضّ عن ذلك كلّه لم يتمّ التعليل على ما ذكره أيضا ؛ إذ ليس المال المصروف في ذلك مختصا بالفقراء ، فغاية الأمر أن يكون مشتركا بين المصارف ، ومعه لا يتم التعليل.

وكون الصرف من خصوص حصّة الفقراء غير ظاهر من الرواية المذكورة وغيرها من الأخبار ، ولا موافق للاعتبار.

وهو أيضا غير مفروض في كلامه حسبما حكيناه ، وكون الصرف من سهم الرقاب لا يمنع من صحّة التعليل المذكور حسبما بينّاه كما لا يخفى.

إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ غاية ما يقال في المقام : إنّ هذه الروايات ليست صريحة في كون العتق من سهم الرقاب فيحتمل اندراجه فيها وفي سهم (1) سبيل اللّه ، ولا ثمرة يعتدّ بها في ذلك إلّا أنّ الظاهر من المقام بعد العمل بإطلاق تلك الروايات اندراجه في سهم الرقاب ؛ إذ ظاهر الآية شمولها لذلك ، فبعد الحكم بجواز صرف الزكاة فيه ينبغي الحكم باندراجه فيها ، بل وفي قوله عليه السلام في الرواية المتقدمة « اشترى خير رقبة » (2) إشارة إلى ذلك.

بقي الكلام في أصل المسألة ، فإنّ الأخبار فيها كما عرفت متعارضة ، وقضية رواية أبي بصير عدم جواز صرفها في الرقاب إلّا إذا كانت تحت شدة ، ومقتضى الموثقة المتقدمة جواز صرفها فيها مع إعواز المستحق وإن لم تكن تحت شدّة ، ومقتضى إطلاق المعتبرين الآخرين جواز صرفها في ذلك مع انتفاء الأمرين ، والشهرة بين الأصحاب بل ظاهر الإجماع المحكي يعاضد الأول ، وظاهر الآية الشريفة يؤيد (3) الثاني ، وبملاحظة ذلك يشكل الحكم (4) في المقام ، وقضية حمل المطلق على المقيد هو حمل الأخبار و (5) هو حمل إطلاق الروايتين الأخيرتين على الصورتين المتقدمتين.

ص: 267


1- في ( د ) : « سهل ».
2- الكافي 3 / 552 باب نادر ح 1.
3- في ( ألف ) : « ويؤيد ».
4- في ( د ) هنا : « يشكل الحال الحكم ».
5- ليس في ( د ) : « و ».

وما أورد في المقام من أنّ الموثقة لا دلالة فيها على المنع مع (1) عدم الإعواز فلا وجه لجعلها مقيدا للإطلاق بيّن الاندفاع ؛ إذ ليس المراد كونها بنفسها مقيّدا للإطلاق ، بل المقصود أنها بانضمام الرواية الأخرى كافية في ذلك ، فإنّ المستفاد منها بعد حمل المطلق منها على المقيّد الجواز في الصورتين المذكورتين ، والمنع فيما سواها ، فيقيّد بذلك الخبران الآخران.

نعم ، قد يقال : إنّ ارادة التقييد بعيد عن سياق الخبرين المذكورين.

وكيف كان فالمسألة مشكلة جدا ، وقضية اليقين بالفراغ هو المتّبع من غير الصورتين المذكورتين.

وبذلك يتقوّى القول المشهور ، فتأمّل.

هذا ، وقد روى علي بن ابراهيم في التفسير (2) ، مرسلا عن العالم عليه السلام في تفسير الرقاب أنّهم قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ (3) في الظهار وفي الأيمان وفي قتل الصيد في الحرم ، وليس عندهم ما يكفرون وهم مؤمنون ، فجعل اللّه لهم سهما في الصدقات ليكفر عنهم (4).

وفي المبسوط (5) : روى أصحابنا أنّ من وجب عليه عتق رقبة في كفّارة ولا يقدر على ذلك جاز أن يعتق عنه.

وهذه الرواية كما ترى خاصّة بكفارة العتق إلّا أنّها عامة لسائر ما يلزم فيها للعتق (6).

وهي أنسب بظاهر الآية ، والرواية الأولى شاملة لغيرها من الكفارات أيضا إلّا أن ظاهرها الاختصاص بالكفارات الأربع المذكورة إلّا أن يحمل ذلك على المثال.

وكيف كان ، فهي بعيدة عن ظاهر الآية.

ص: 268


1- زيادة : « مع » من ( د ).
2- تفسير علي بن ابراهيم 1 / 299.
3- في ( د ) : زيادة « و ».
4- بحار الأنوار 93 / 63 ، باب أصناف مستحق الزكاة وأحكامهم ح 21.
5- المبسوط 1 / 250.
6- في ( د ) : « العتق ».

وجوّز في المعتبر (1) إعطاءهم من سهم الغارمين ؛ لأنّ القصد بذلك إبراء ذمة المكفر عما في عهدته.

واستجوده في المدارك قال : لأنّه في معنى الغرم.

وفي المبسوط (2) بعد ذكر المرسلة المذكورة : والأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيرا فيشتري هو ويعتق عن نفسه.

وقطع في الحدائق (3) بالأخذ بظاهر مرسلة علي بن إبراهيم ، قال : وليت شعري أي مانع من العمل بالخبر المذكور مع صراحتها في تفسير الآية بذلك؟! ثمّ قال : إنّه لا مانع من أن يراد بالرقاب في الآية فكّ الرقاب وتخليصها من رقّ العبودية أو من حقوق لزمتها بأحد هذه المذكورات في هذا الخبر.

قلت : لا يخفى أنّ الرواية المذكورة مع ضعفها متروكة عند معظم الأصحاب ، ومع ذلك فما اشتملت عليه بعيد عن ظاهر الآية الشريفة كمال البعد سيّما إذا كانت الكفّارة ما عدا العتق ، وامّا بالنسبة إليه فهو وإن كان مشمولا لإطلاق الآية من حيث كونه عتقا إمّا من جهة وقوعه عن المنكر وبراءة ذمّته (4) به فلا ، وأمّا ما ذكره الشيخ من إعطائه ثمن الرقبة لكونه فقيرا فإن كان ذلك لفرض الفقر فيه فلا كلام ، وإن أثبت له الفقر من جهة عجزه عن أداء الكفارة وإن كان قادرا على مؤنة نفسه وعياله كما هو قضيّة إطلاق كلامه في المقام ، ففيه ما لا يخفى ؛ إذ ليس أداء الكفّارة من جهة المئونة ليكون العجز عنه باعثا على حصول الفقر ، فإعطاؤه حينئذ من سهم الفقراء ممّا لا وجه له.

وكذا إعطاؤه من سهم الغارمين ؛ لعدم صدق اسمه عليه بحسب الحقيقة.

وكونه بمنزلته في الحكم يحتاج إلى قيام الدليل عليه.

ص: 269


1- المعتبر 2 / 574.
2- المبسوط 1 / 250.
3- الحدائق الناضرة 12 / 185.
4- في ( ألف ) : « ذمة ».

كيف ولو كان كذلك لزم أن يندرج فيه كلّ من كلّف بتكليف يتوقّف على صرف المال إذا لم يكن قادرا عليه ، وهم لا يقولون به.

[ تنبيهات ]

نعم ، يمكن إدراجه في سهم سبيل اللّه بناء على شموله لسائر القربات كما يأتي وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

منها : أنّه هل يعتبر في المكاتب أن يكون عاجزا عن أداء مال الكتابة أو يدفع إليه مع القدرة على الاكتساب إذا لم يكن عنده ما يفي به في الحال؟ قولان.

وعن ظاهر الأصحاب القول بالثاني ، ونصّ في نهاية الإحكام (1) بالجواز. وهو ظاهر الشرائع (2) وصريح المدارك (3).

وعن الشهيدين في الروضة (4) والبيان (5) (6) اعتبار قصور كسبه عن أداء مال الكتابة.

واختاره صاحب الحدائق (7) أخذا بظاهر الرواية المتقدمة ؛ لورودها في خصوص العاجز عن الأداء.

وهو ظاهر الصدوق (8) حيث اعتبر فيه العجز عن الأداء.

للأول إطلاق الآية ، وورود الخبر في خصوص العاجز لا يقتضي تخصيص الحكم به.

ص: 270


1- نهاية الإحكام 2 / 389.
2- شرائع الإسلام 1 / 121.
3- مدارك الأحكام 5 / 216.
4- الروضة البهية 2 / 47.
5- البيان : 195.
6- في د : « البيان والروضة ».
7- الحدائق الناضرة 12 / 181.
8- المقنع : 466.

وكون الزكاة إنّما شرعت لسدّ ودفع (1) الحاجة لا نسلّم انّه بالنسبة إلى جميع المصارف حتى فيما نحن فيه ، بل نقول : إنّ الغرض صرفه في فكّ الرقبة ، ولا يفرق فيه بين الحاجة وعدمها.

ومن هنا يجب احتمال جواز الدفع مع قدرة العبد على مال الكتابة كما هو ظاهر الروضة (2) في بحث الكتابة.

وقد أوجب على المولى الدفع من الزكاة إن وجبت عليه استنادا إلى ظاهر الآية الشريفة ، قال : وليكن من سهم الرقاب إن أوجبنا البسط ولم يفرق فيه بين قدرة العبد وعدمها ، وتملكه للوفاء وعدمه إلّا أنّ البناء على الإطلاق المذكور مشكل جدا.

واعتبر في السرائر (3) في وجوب دفعها إليه مع إطلاق الكتابة العجز عن الأداء.

وكيف كان ، فالمسألة لا يخلو عن شوب الإشكال ، وإن كان القول بجواز الدفع إليه مع عدم تملكه للوفاء بالأداء قويا.

ثمّ إنّه كما يجوز الدفع من الأجنبي يجوز الدفع من المولى ، وقد عرفت القول بوجوبه عليه مع وجوب الزكاة عليه.

وهو بعيد ، والآية الشريفة محمولة على الحطّ من مال الكتابة كما دلّت عليه عدّة من الروايات الواردة في تفسيرها ، ومنها الصحيح ، وحملها حينئذ على الندب غير بعيد.

وكما يجوز الدفع إلى العبد يجوز الدفع إلى مولاه في فكّه ، وظاهر الرواية المتقدمة هو الأخير.

وحينئذ فلو كان الدافع هو الولي (4) تولّى النية في الدفع ، وقبضه لنفسه.

وهل يجب على الحاكم فكّه مع عجزه؟ ظاهر الرواية المذكورة ذلك.

ص: 271


1- في ( ألف ) : « لسدّ دفع ».
2- الروضة البهية 6 / 357.
3- السرائر 3 / 29.
4- في ( د ) : « المولى ».

وعن الحلي (1) : إن المطلق العاجز عن الأداء يجب على المولى إعطاؤه من الزكاة إن كان عليه زكاة ، وإلّا كان على الإمام أن يفكّه من سهم الرقاب.

واستحسنه في التذكرة (2). وظاهر ذلك الوجوب في المقامين.

وقد مرّ الكلام في الأوّل ، ولا دليل على الثاني سوى الرواية المتقدمة. والاستناد إليها مع ضعفها في الإسناد إليها وعدم جابر لها في المقام وعدم صراحتها في المدّعى مشكل.

ومنها : أنّه لو دفعه إلى المكاتب وصرفه في أداء مال الكتابة وتحرّر فلا إشكال.

وفي المدارك إنه وقع موقعه إجماعا ، وأما لو دفعه إليه فأبراه سيّده أو دفع عنه متبرّع فهل يجب ارتجاع المال عنه أو لا؟ قولان.

والأوّل مختار المحقق (3) حيث قال : إن الوجه أنه إذا دفعه إليه ليصرفه على مال الكتابة ارتجع بالمخالفة لأنّ للمالك الخيرة في صرف الزكاة في الأصناف.

واستجوده في المدارك (4).

والثاني مختار الشيخ (5) معلّلا بأنّه ملكه بالقبض فكان له التصرف فيه كيف شاء.

قلت : ومبنى المسألة على أن الكاتب (6) هل يملك ما يدفع إليه من الزكاة مطلقا أو لا؟ فعلى الأوّل لا يرتجع مع عدم صرفها في ذلك ، وعلى الثاني يرتجع فيه (7) وذلك سواء قلنا بعدم دخوله في ملكه أصلا أو قلنا بملكه لها على جهة مخصوصة.

ولا ريب أن الأوّل مخالف للأصل ، ولا يساعده ظاهر الآية الشريفة وغيرها ، فتعيّن البناء على الثاني.

ص: 272


1- السرائر 3 / 29.
2- تذكرة الفقهاء 5 / 255.
3- المعتبر 2 / 575.
4- مدارك الأحكام 5 / 220.
5- المبسوط 1 / 254.
6- كذا ، والظاهر : « المكاتب ».
7- في ( د ) : « به ».

ولو دفعها المكاتب المشروط إلى سيّده ثمّ عجز عن الباقي في ساير النجوم واسترق ، فعن الشيخ وغيره القطع بعدم جواز الارتجاع منه ؛ إذ المالك مأمور بالدفع إلى المكاتب ليصرفه في أداء مال الكتابة ، وقد حصل ذلك ، فهو قاض بالإجزاء.

وحكى في التذكرة (1) وجها للشافعيّة بجواز ارتجاعه ؛ نظرا إلى أنّ القصد تحصيل العتق ، فإذا لم يحصل وجب الاسترجاع.

قلت : لا يخلو ذلك عن قوّة ؛ إذ ظاهر الآية الشريفة والرواية المذكورة هو صرفها في الفكّ ، فمع عدم حصوله لا يكون مصروفا في مصرفه ، فيتعيّن ردّه.

ومنها : أنّه إذا اشترى به العبد اعتبر الإعتاق بعد الشراء ، فلا ينعتق بمحض الاشتراء ؛ ضرورة أن العتق يتوقف على صيغة خاصّة أو أسباب معروفة ليس ذلك من جملتها. ولا فرق بين أن يشتري أباه أو غيره ؛ إذ ليس الشراء بماله. وربّما يعزى إلى ظاهر البعض أنّه لو نوى العتق حين الشراء حصل العتق وإلا احتيج إلى الإعتاق ، وهو بعيد.

ومنها : انّ نيّة اخراج الزكاة يقارن بها حين الشراء أو دفع الثمن أو العتق أو يتخيّر بين الجميع أو اثنين منها؟ وجوه ، ومع مقارنتها للعتق فالظاهر أنّه يراعى فيه حصول العتق.

نعم ، لو تلف قبل حصول العتق من غير تفريط لم يكن عليه شي ء ؛ إذ لا يزيد (2) ذلك على تلفه قبل الشراء.

ومنها : أنّ العبد المعتق من الزكاة إذا مات ولا وارث له هل يكون ميراثه للإمام عليه السلام أو أنه يرثه أرباب الزكاة؟ المشهور هو الثاني.

وأسنده في المعتبر إلى علمائنا مؤذنا بالإجماع عليه.

وفي الحدائق (3) : إنه المشهور.

ص: 273


1- تذكرة الفقهاء 5 / 284.
2- في ( ألف ) : « لا يرتد ».
3- الحدائق الناضرة 12 / 252.

وحكي عن بعض القدماء القول بالأول ، وفي الحدائق (1) : إنه مجهول القائل.

وحكي عن العلّامة (2) في غير واحد من كتبه اختيار ذلك ، وتوقّف العلّامة في المختلف (3) ، واختار في الحدائق (4) ميراثه لأرباب الزكاة ، لكن فرعه على ما مرّ من اختياره كون الشراء من أصل الزكاة وجعله مصرفا تاسعا وراء المصارف الثمانية المشهورة.

وأمّا على البناء على كونه من سهم الرقاب فقد قطع بكونه سائبة ، وميراثه للإمام عليه السلام.

هذا ، والأظهر هو القول الأول ؛ للموثقة المتقدمة المنجبرة بالعمل ، وظاهر الإجماع المحكي.

وفي المعتبر (5) : إنّها خالية عن المعارض ، وإطباق المحققين على العمل بها.

وما في الحدائق (6) من الاستشكال في المقام بأنّه إذا كان الشراء من سهم الرقاب لم يكن للفقراء استحقاق فيه لكونه من أحد الأصناف الثمانية التي اشتملت عليها الآية ، فكيف يصحّ القول بكون ميراثه للفقراء ؛ لأجل أنه اشترى بمالهم ، وأي مال للفقراء في سهم الرقاب حتّى يكون الشراء بمالهم؟ مدفوع بما تقدّمت الإشارة إليه من (7) أنّه لا شكّ في استحقاق الفقراء في المال المشترى منه ، وإن لم يكن استحقاقهم على سبيل التعيين. ولذا صحّ القول بكون الفقراء شركاء في أموال الأغنياء كما نطقت به الأخبار المأثورة عن أئمة الهدى عليهم السلام. وحينئذ فأيّ مانع من القول بكون ميراثه للفقراء من جهة شرائه بما يستحقونه؟ وكون سهم الرقاب سهما مستقلا لا يمنع منه ؛ اذ لا يقضي ذلك برفع استحقاق الفقراء في ذلك المال قبل الشراء حسبما ذكرنا.

ص: 274


1- الحدائق الناضرة 12 / 252.
2- تحرير الأحكام 1 / 417 ، تذكرة الفقهاء 5 / 350.
3- مختلف الشيعة 3 / 253.
4- الحدائق الناضرة 12 / 252.
5- المعتبر 2 / 578.
6- الحدائق الناضرة 12 / 253.
7- لفظة « من » ليست في ( ألف ).

فقصد صرفه في الرقاب لا يوجب اختصاصه بها قبل الصرف كما يظهر من الحدائق حيث جعله لذلك مختصا بها ، ونفى من أجله استحقاق الفقراء فيها ، وجعل صرفها من دون قصد جهة من الجهات جائزا أو أثبت فيها باستحقاق (1) الفقراء.

وهذا كما ترى استناد إلى مجرّد الاعتبار من دون قيام شاهد عليه من الأخبار.

ومن الغريب انه رحمه اللّه لأزال يناقش الفقهاء (2) في أحكام ظاهرة مستفادة من النصوص معتضدة بفهم الأصحاب ؛ نظرا إلى جموده على ظاهر الألفاظ ، وتراه ينفرد في بعض المقامات بأحكام لا دلالة عليها في النصوص من جملتها ما في المقام ، مع ما عرفت من مخالفته لظاهر الكتاب والأخبار الماثورة عن العترة الأطياب.

ثم إنه هل يختص ميراثه بالفقراء والمساكين أو يعم ساير أصناف الزكاة؟ ظاهر عبارة المقنعة هو الأوّل ، وهو الظاهر من الموثقة المتقدمة.

وظاهر جماعة من الأصحاب حيث عبّروا بكونه لأرباب الزكاة ربّما يعمّ ساير الأصناف ، وهو قضية ما مرّ حكاية الشهرة عليه.

وفي الحدائق (3) : إنّه ظاهر كلام الأكثرين. وبه قال في المختلف (4) ونزّل عليه عبارة المفيد ، قال : والظاهر أنّ مراده ليس تخصيص الفقراء والمساكين ، بل أرباب الزكاة أجمع ؛ لأنّ التعليل يعطيه.

ويدلّ عليه ظاهر صحيحة العلل المتقدمة الحاكمة بكون ميراثه لأهل الزكاة ، معلّلا بأنّه اشترى بمالهم.

واستظهر في الحدائق (5) التفصيل في المقام بناء على ما عرفت حكايته عنه من تعيين الجهة

ص: 275


1- في ( ألف ) : « فاستحقاق ».
2- في ( ألف ) : « لفقهاء ».
3- الحدائق الناضرة 12 / 256.
4- مختلف الشيعة 3 / 253.
5- الحدائق الناضرة 12 / 256.

بالنيّة ، فجعل الأظهر في الجمع بين الخبرين المذكورين في أنّ الموثقة المذكورة إنّما دلّت على أنّ المال المشترى (1) إنّما هو من سهم الفقراء خاصّة ، فيمكن أن يقال : إنّ المراد من صدر الخبر أن صاحب الزكاة قد خصّ هذه الألف درهم التي أخرجها بالفقراء ؛ لأنّها أحد الأصناف ، ولمّا لم يجدهم اشترى بها المذكور وأعتقه. ثم سأل الإمام عليه السلام عن (2) ذلك.

وعلى هذا ينطبق عجز الخبر بلا تمحّل ولا إشكال (3) ، فيصح تعليل كون ميراثه للفقراء بأنّه اشترى من مالهم ، والصحيحة المذكورة تحمل على وقوع الشراء بالمال المشترك من غير قصد تخصيصه بصنف من الأصناف ، فيكون ميراثه لجميع أرباب الزكاة ؛ لأنّه اشترى بمالهم ، قال (4) : والفارق بين المقامين هو قصد المشتري ونيته ولا بعد في ذلك ؛ فإنّ العبادات بل الأفعال كملا تابعة للمقاصد والنيات صحّة وبطلانا وثوابا وعقابا وتعددا واتّحادا أو نحو ذلك. ألا ترى أنّه لو قصد صرف زكاته كملا في سبيل اللّه الذي هو عبارة عن جميع الطاعات والقربات ، ثمّ اشترى عبده وأعتقه فإنّه لا إشكال في كونه سائبة وأنّ ميراثه للإمام عليه السلام؟

ثمّ إنه نفى الريب عن قوة الوجه المذكور ، وجعله جامعا بين الأخبار بلا اشكال.

قلت : وما ذكره مبنيّ على أصل فاسد مخالف للأصل ، ولا شاهد عليه من الشرع كما مرّ. والجمع بين الخبرين بذلك مجرّد احتمال ، ولا شاهد في المقام على اختصاص الدافع زكاته في الخبر الأوّل بالفقراء ، وتعميمه في الثاني للكلّ.

وهو قد استفاد ذلك من التعليل المذكور ، وهو من أضعف الشواهد ؛ لما عرفت من صحّة انتساب المال إليهم من جهة أنّهم هم العمدة في وضع الزكاة كما دلّت عليه الأخبار.

وحينئذ فحمل أرباب الزكاة في الصحيحة وكلام الجماعة على خصوص الفقراء والمساكين غير بعيد على أنّ المعارضة بين الخبرين من قبيل العموم المطلق ، فينبغي حمل

ص: 276


1- في ( د ) زيادة : « به ».
2- في ( د ) : « من ».
3- في ( ألف ) : « والإشكال ».
4- في الحدائق الناضرة 12 / 257.

المطلق على المقيّد كما يقتضيه القواعد.

مضافا إلى أنّ الميراث إنّما ينتقل إلى الوارث لموت المورّث ، ولا يتّجه القول بتملك الميراث إلا بالنسبة إلى الفقراء والمساكين ؛ إذ السهام الأربعة الأخيرة في الآية إنّما وضعت مصرفا للزكاة ، ولا يستقرّ ملك أربابها عليها مطلقا ، وكذلك سهم المؤلّفة والعاملين لوكولها إلى نظر الامام عليه السلام.

ولو فرض استحقاق العامل ذلك من جهة الإجارة أو الجعالة فلا يصح صرفه إذن في العتق ؛ لتملكه له بذلك.

ولو فرض رضاه به فالظاهر خروجه عن محلّ الكلام ؛ لأنّ المعتق حينئذ هو العامل بالنسبة إلى حصّة دون المالك ، فتأمل.

وبالجملة ، فالمسألة مشكلة وإن كان القول باختصاصه بالفقراء أو (1) المساكين قويّا.

ثمّ إنّه إنّما يكون مملوكا للنصف فلا مانع من تخصيصه بالبعض على حسب ما مرّ في الزكاة ؛ لتعسّر البسط على الكل ، بل تعذّره ، وتخصيص فقراء البلد أو القرية لا شاهد عليه.

وعلى القول بتعميمه لسائر الأصناف فهل يجب البسط عليهم على حسب نسبة الميراث أو يكون على حسب قسمة الزكاة؟ استشكل فيه في الحدائق (2) من جهة كونه فرعا على الزكاة ، فيجري (3) حكمها ، ومن أن الأصل في الشركة وجوب التقسيط بين الشركاء خرج الزكاة لقيام الدليل وبقي ما عداه على حكم الأصل ، قال : والمسألة عندي محل تأمل وإشكال وإن كان للاحتمال الأخير نوع رجحان.

وأنت خبير بأنّ القول بتملك الأصناف الثمانية على حسب تملك المواريث غير ظاهر في المقام ؛ إذ لا يتعيّن هناك مالك في غير واحد منها كما في سهم الرقاب بالنسبة إلى بعض صوره وسهم سبيل اللّه.

ص: 277


1- في ( د ) : « و ».
2- الحدائق الناضرة 12 / 257.
3- في ( د ) زيادة : « فيه ».

بل كثير منها إنّما وضعت مصرفا لذلك ، فعلى القول برجوع ميراثه إلى الكلّ ينبغي القول بكونه على نحو استحقاق الزكاة لبعد الانتقال إليهم على سبيل الملك. وحينئذ فلا يبعد جعلها بمنزلة الزكاة في عدم وجوب البسط ، فتأمل.

ص: 278

تبصرة: [ في الغارمين ]

السادس من الأصناف : الغارمين ، وهو في الجملة ممّا دلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع ، فلا كلام في أصل الحكم ، وإنّما يقع البحث هنا في أمور :

أحدها : أنّه يعتبر أن يكون الدين في غير معصية ، فلو كان في المعصية منع من سهم الغارمين بإجماعنا. حكاه في الخلاف (1) والغنية (2) والمنتهى (3) والتذكرة (4) (5). وعزاه في الحدائق (6) إلى الأصحاب ، قال : والظاهر أنه لا خلاف فيه.

وظاهر المحقق (7) جواز الدفع إليه مع التوبة حيث قال : ولو أعطى من سهم الغارمين لم أمنع منه. واستحسنه في المدارك (8) ، واقتفاه في ذلك صاحب الذخيرة (9). والأظهر الأوّل.

ويدلّ عليه بعد الإجماعات المحكيّة المعتضدة بفتوى المعظم الروايات المستفيضة : منها :

الخبر : « ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الامام عليه السلام فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه عزوجل ، فإن كان أنفقه في معصية اللّه فلا شي ء على

ص: 279


1- الخلاف 4 / 235.
2- غنية النزوع : 124.
3- منتهى المطلب 1 / 521.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 257.
5- في ( د ) زيادة : « وعزاه في المدارك الى الأصحاب ».
6- الحدائق الناضرة 12 / 188.
7- المعتبر 2 / 575.
8- مدارك الأحكام 5 / 224.
9- ذخيرة المعاد 3 / 455.

الإمام عليه السلام له » (1).

ومنها : رواية صباح بن سبابة ، عن الصادق عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أيّما مؤمن أو مسلم مات وترك دينا لم يكن في فساد وإسراف فعلى الإمام أن يقضيه ، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك ، إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ (2) .. ) الاية » (3).

وفي رواية قرب الإسناد بإسناده إلى الصادق عليه السلام ، عن أبيه عليه السلام أنّ عليّا عليه السلام كان يقول : « يعطى المستدينون من الصدقة والزكاة ، ومنهم كله ما بلغ إذا استدانوا في غير إسراف » (4).

وفي رواية المستطرفات (5) في الصحيح : « لا يعطين من سهم الغارمين الذين ينادون بنداء الجاهلية شيئا ». قلت : وما نداء الجاهليّة؟ قال : « هو الرجل يقول : يا لبني فلان فيقع بينهما القتل والدماء ، فلا تؤدّوا ذلك من سهم الغارمين ، ولا الذين يغرمون من مهور النساء - ولا أعلمه إلّا قال : ولا الذين لا يبالون (6) ما صنعوا في أموال الناس ».

وفي رواية علي بن إبراهيم ، عن العالم عليه السلام : « إنّ الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف ، فيجب على الإمام عليه السلام أن يقتضي فيهم ويكفهم من مال الصدقات » (7).

ويؤيّده الاعتبار ؛ فإنّ الزكاة إنّما شرعيّة إرفاقا ، وهو لا يناسب المعصية ، وإنّ فيه إغراء بالقبيح ، وفي منعها ردعا عنه ، فبذلك كلّه يقيّد إطلاق الآية والروايات المستفيضة المطلقة الدالة على جواز أداء الدين من الزكاة من غير تقييد بذلك ، وهي حجة القول بالجواز

ص: 280


1- الكافي 5 / 94 ، باب الدين ح 5.
2- التوبة : 60.
3- الكافي 1 / 406 باب ما يجب من حق الإمام على الرعية وحق الرعية على الإمام ، ح 7.
4- قرب الإسناد : 109 ، وفيه : « الزكاة دينهم كله » ؛ وانظر : وسائل الشيعة 9 / 298 ، باب عدم جواز دفع الزكاة إلى الغارم في معصية ، ح 12063.
5- مستطرفات السرائر : 607 ؛ بحار الأنوار 93 / 60 ، باب أصناف مستحق الزكاة وأحكامهم ح 14.
6- في ( ألف ) : « لا يبالون و ».
7- تهذيب الأحكام 4 / 50 ، باب أصناف أهل الزكاة ح 3.

استضعافا لتلك الروايات سندا ودلالة.

وهو ضعيف كما ترى.

وكأنّ من تأمّل فيه من المتأخرين غفل عن حكم أكثر الأخبار المذكورة ، وإلّا فهي حجّة كافية بنفسها فضلا عن تأيّدها بما عرفت.

ولو جهل الحال في المصرف فالذي يقتضيه اصالة صحة فعل المسلم ، وظاهر إطلاق الآية والأخبار الكثيرة الجواز حيث إنّ حملها على خصوص صورة العلم بالمصرف من البعيد ؛ لوضوح أن الاطلاع على خصوصيّات المصارف مستبعد في الغالب.

مضافا إلى اختلاف الأفعال باختلاف المقصود ، فقد يتراءى مباحا أو مندوبا. وهي معصية بحسب ما قصده ، ففيه شهادة واضحة على عدم تعليق الحكم به كما هو مختار جماعة كثيرين منهم الشيخ في ظاهر المبسوط (1) والحلي (2) والآبي (3).

وعزاه في التذكرة (4) إلى الأكثر.

وهو الأظهر لما عرفت.

وعن الشيخ في النهاية القول بالمنع. وربّما يظهر من الدروس (5) واللمعة (6) الميل إليه حيث اسنده إلى الرواية ساكتا عليه.

ويدلّ عليه أنّ الجهل بالشرط يقتضي بالجهل بالمشروط ، فلا يحصل معه العلم بالفراغ ، ولما في ذيل خبر صباح بن سيابة المتقدّم : قلت : فما لهذا الرجل الّذي هو (7) لا يعلم فيما أنفقه في

ص: 281


1- المبسوط 1 / 251.
2- السرائر 2 / 34.
3- كشف الرموز 1 / 254.
4- تذكرة الفقهاء 5 / 258.
5- الدروس 1 / 241.
6- اللمعة الدمشقية : 43.
7- في ( د ) : « وهو ».

طاعة اللّه عزوجل أم في معصيته؟ قال : « يسعى له في ماله ويؤدها ما عليه وهو صاغر » (1).

وضعف الأوّل ظاهر مما عرفت ، والرواية ضعيفة ، وهي مع عدم نهوضها حجّة في نفسها غير مقاومة لما عرفت.

مضافا إلى ما فيها من الضعف في الدلالة ؛ لاحتمال بيانه الحكم بالنسبة إلى المستدين إذا صرفه في المعصية ولم يعلم به دافع الزكاة ، فحكم عليه السلام بعد استحقاقه في الزكاة.

وحمل الرواية عليه غير بعيد عن ظاهرها كما لا يخفى على المتأمل فيها.

وحملها بعض المتأخرين على من يعلم منه الأقدام على المعاصي وعدم التحرّز عن الفسوق ففي حقّه لا يحمل تصرفاته على الصحّة دائما.

وهو كما ترى. ولو كان الحمل المذكور مذهبا للحامل كما هو الظاهر كان ما ذكره تفصيلا في المقام.

ثانيها : أن كون الدين مصروفا في المعصية قد يكون من جهة صرف عين المال المستدان في المعصية سواء كان ذلك هو المقصود حال الاستدانة أو وقع صرفه في ذلك على سبيل الاتفاق ، وقد يكون من جهة حصول الدين بالمعصية كما إذا لزمه الدية ابتداء في جناية العمد أو أنّه زنى بالمرأة قهرا أو مع حصول الشبهة في جانب المرأة أو أتلف مالا لغيره على سبيل الغصب ونحو ذلك.

وقد يجتمع فيه الجهتان كما إذا صرف المال المغصوب في الجهة المحرّمة لذاتها ؛ لصرفه إذن في المعصية وحصول (2) اشتغال الذمّة فيه بالإتلاف المحرّم عليه.

وهل يعتبر أن يكون الدين المذكور في الوجه الأخير مصروفا في المعصية بلا واسطة أو يعمّ ما إذا كان صرفه فيه مع الواسطة؟ كما إذا صرف الدين في المعصية ثمّ استدان لقضاء ذلك الدين وهكذا فإنّ الدين الثاني وما بعده إنّما صرف في اداء الواجب إلّا أنّ ثبوت أصل الدين عليه إنّما كان لأجل المعصية ؛ وجهان ، البناء على الثاني لا يخلو عن قوّة.

ص: 282


1- تهذيب الأحكام 6 / 186 ، باب الديون وأحكامها ح 10.
2- لم ترد في ( ب ) : « وحصول .. في المعصية ».

ثمّ إنّه هل يراد به خصوص الوجهين المذكورين أو يعمّ ما إذا كان أصل الصرف معصية وإن كان المصروف فيه طاعة في نفسه؟ كما إذا صرف المال في وجه مباح مع مطالبة الديان وعدم قدرته على الوفاء من غيره ، فإنّه مع تعيّن الصرف في قضاء الدين يحرم عليه الصرف المذكور ، فالصرف حرام وإن كان المصروف فيه مباحا في نفسه ؛ وجهان أظهرهما الأوّل ؛ لانصراف الإطلاق إليه وعدم ظهور الثاني منه في المقام.

ثالثها : إنّ الغارمين صنفان :

أحدهما : الذين استدانوا لمصالح أنفسهم من طاعة كحج وزيارة ، أو مباح كأكل ولبس ونحوهما.

ثانيهما : من استدانوا لمصلحة غيرهم كأن تحمل حالة لإطفاء نائرة الحرب ودفع الفساد بين الناس ، أو يدفع الدية كذلك ، أو يتحمل غرامة متلف كذلك ، ونحو ذلك.

فالكلام هنا في مقامين :

أمّا الأوّل فيقتصر في مستحقه الفقر بإجماعنا كما في الخلاف (1) والغنية وظاهر التذكرة (2) ، وباجماع أهل العلم كافة كما في المبسوط (3).

ويدل عليه مضافا إلى ذلك أنّ الزكاة إنّما شرعت لسدّ الخلّة ودفع الحاجة ، وما ورد في الأخبار من عدم حلّ الصدقة للغني.

ويمكن المناقشة في الأوّل بالمنع من كون وضع الزكاة لسد الخلّة بالنسبة إلى جميع مصارفها ، كيف ويجوز دفعها إلى الغارمين والمؤلفة مع الغناء. ولو سلّم فغاية الأمر اعتبار عدم المكنة من الأداء ، وهو لا يستلزم الفقر ؛ إذ قد يكون صناعة وافية بنفقته من غير زيادة عليها. وحينئذ يكون غنيّا مع عدم قدرته على وفاء الدين.

وفي الثاني : بأنّ المراد منها كأنّه خصوص سهم الفقراء والمساكين ؛ إذ لا يعتبر الفقر في

ص: 283


1- الخلاف 4 / 235.
2- تذكرة الفقهاء 5 / 258.
3- المبسوط 1 / 251.

كثير من السهام الأخر ، والإجماعات المنقولة موهونة بتصريح جمع من الأصحاب بالاكتفاء بعدم القدرة على الأداء.

وكأنّ ذلك هو المقصود فيما نقل الإجماع عليه.

وكيف كان ، فظاهر المقابلة في الآية الشريفة - مضافا إلى إطلاقها وإطلاق ساير الأخبار - عدم اعتبار الفقر في المقام بل يكفي (1) فيه عدم القدرة على الوفاء سواء كان فقيرا أو لا ، بل لو قيل بالاكتفاء فيه بالفقر أيضا - ليكون أحد الأمرين كافيا في الاستحقاق حيث إنّ بينهما عموما من وجه في الصدق - كان وجها ؛ أخذا بإطلاق الأدلة كتابا وسنة.

والأخبار المتقدمة لا دلالة فيها على عدم جواز دفعها إلى الفقير من سهم الغارمين إذا كان قادرا على أداء الدين ، بل قضية إطلاقها الجواز. غاية الأمر استظهار خروج الغني القادر على ذلك كما هو معلوم من الإجماع المعلوم (2) والمنقول ، وأمّا غيره فلا إشارة في تلك الأخبار إلى المنع منه.

ومن العجيب مبالغة صاحب الحدائق (3) في اعتبار خصوص عدم القدرة على الوفا [ ء ] مدّعيا ظهوره من أخبار الباب ، بل ادّعى صراحة رواية أبي نجار (4) فيه.

وقد مضى شطر منها.

وأنت خبير بأنّ شيئا منها (5) من الأخبار المذكورة ولا إشارة فيها إلى ذلك فضلا عن الدلالة.

وكذا الحال في رواية أبي نجار ؛ فإنّها إنّما وردت في خصوص العسر ، ومن المقرّر أنّ خصوصية المورد لا يدلّ على اختصاص الحكم.

ص: 284


1- في ( د ) : « يكتفى ».
2- لم يرد في ( ب ) : « من الإجماع المعلوم ».
3- الحدائق الناضرة 12 / 188.
4- في المصدر : أبي نجاد.
5- لم يرد : « منها » في : ( ب ) و ( د ).

ومن هنا يظهر قوة ما استقربه العلامة في النهاية (1) ونفى عنه البعد في المدارك (2) من جواز دفعها إلى المديون إذا كان عنده ما يفي بدينه لكن لو دفعه يصير فقيرا.

ولما عرفت من قضاء الإطلاقات به مع عدم ظهور خلافه من ساير الأدلّة ، و (3) دعوى دلالة الأخبار على خلافه قد (4) عرفت ما فيه.

نعم ، ما علّله به في المدارك (5) من عدم صدق التمكن من الأداء عرفا ضعيف.

كيف ، ولا يستثنى في الدين إلّا نفقة اليوم والليلة ، وكذا ما علّله في نهاية من انتفاء الفائدة في منعه من سهم الغارم وتكليفه بالدفع في الدين ، ثمّ أخذه من جهة الفقير. وكأنّ ذلك تقريب في اندراجه تحت الإطلاقات.

هذا ، ولو كان قادرا على أداء الدين بالاكتساب على التدريج فاحتمل فيه في نهاية الإحكام (6) جواز الدفع والمنع ؛ نظرا إلى أنّ حاجة الغارم حاصلة بالفعل لثبوت الدين في ذمته والمفروض عدم قدرته على الوفاء بالفعل ، وإلى أنّ القدرة على الكسب بمنزلة القدرة على المال على نحو ما اعتبر في الفقير.

والأظهر المنع لقوّة الوجه الأخير وعدم ظهور اندراجه تحت الإطلاقات ، وقضاء اليقين بالشغل اليقين بالفراغ.

كيف ، ولو جاز ذلك لجرى بالنسبة إلى ما إذا استحق ما لا يفي بذلك على قبيل (7) التأجيل إذا استحق عليه في الحال ، ولم يكن له بالفعل ما بقي بذلك.

ولو صحّ ذلك لزم جواز إعطاء الزكاة لكثير من التجار إذا حلّ ما عليهم قبل أن يحلّ

ص: 285


1- نهاية الإحكام 2 / 391.
2- مدارك الأحكام 5 / 223.
3- في ( ألف ) : « أو ».
4- في ( ألف ) : « وقد ».
5- مدارك الأحكام 5 / 223.
6- نهاية الإحكام 2 / 391.
7- في ( د ) : « سبيل ».

الأجل (1) فيما لهم من الأموال ، و [ هو ] بيّن البطلان.

نعم ، ربّما يقال بالجواز إذا كان ما يفضل من مؤنته في غاية القلّة بحيث لا يصدق معه اسم المكنة من الأداء ؛ نظرا إلى طول المدّة ، وكذا لو كان الأجل بعيدا جدا من (2) المؤجل على وجه ، فتأمّل.

ولو كان قادرا على الصنعة ولم يكن من أهل الصنائع (3) ففي (4) جواز الدفع إليه الوجهان الماضيان (5) في الفقير. وظاهر اعتبار عدم القدرة على الأداء يعطي المنع. وأمّا لو كان قادرا على الاستيهاب أو كان (6) يتوقع الانتقال إليه بالميراث فلا ينبغي التأمل في الجواز فيما إذا [ ... ] (7).

ص: 286


1- في ( ب ) : « للأجل ».
2- في ( د ) : « في ».
3- في ( ب ) : « الصناعة ».
4- في ( ألف ) : « في ».
5- في ( ب ) : « ماضيان ».
6- ليس في ( ب ) : « كان ».
7- هنا بياض في الأصول المخطوطة.

الباب الثالث: في زكاة الفطرة

اشارة

الباب (1) الثالث

في زكاة الفطرة

وهي إمّا من الفطرة بمعنى الخلقة ، ويراد بها البدن فيكون في (2) مقابلة زكاة المال حيث إنّها يعطي عن الأشخاص أو أنّها تعطى محافظة البدن وسلامتها عن التلف كما عن زكاة المال يوجب حفظ المال.

وقد دلّ عليه النص في المقامين.

أو بمعنى الإسلام كما في الآية الشريفة ، فيراد بها زكاة الإسلام [ و ] إسنادها إليه لأجل الاهتمام بها وشمول التكليف بها لمعظم الناس.

أو بمعنى الفطر من الصوم حيث إنّها تعطى في يوم الفطر.

وكيف كان ، فوجوبها في الجملة ممّا دلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع ، بل هي من الضروريات في الجملة.

والكلام في شرائطها وتعيين الأجناس التي يخرج منها ومقدارها وبيان وقت وجوبها وإخراجها ، وما يتعلّق بها.

فلنفصّل القول فيها في فصول :

ص: 287


1- في ( د ) : « المقام ».
2- زيادة « في » من ( د ).
الفصل الأول: في بيان شرائط وجوبها
تبصرة: [ في اشتراط التكليف ]

يشترط وجوبها بالتكليف ، فلا يجب على الصبيّ والمجنون إجماعا. حكاه الفاضلان في المعتبر والمنتهى (1) وتحرير الأحكام (2).

ويدلّ عليه بعد ذلك في غير المكلّف لا يتعلّق به خطاب الشرع ، وتكليف الولي بذلك ممّا لا دليل عليه ، فهو منفي بالأصل.

وخصوص الصحيح الوارد في الصبي : « عن الوصيّ يزكّى زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال ، فكتب : « لا زكاة على اليتيم » (3).

مضافا إلى بعض الإطلاقات الدالّة على أنّ الزكاة إنّما تجب إذا وجبت الصلاة.

وفيه دلالة أيضا على عدم وجوبها على المجنون.

وكما لا تجب عليهما بالنسبة إلى أنفسهما فكذا بالنسبة إلى من يدخل في عيلولتهما (4) فلا زكاة عليهما من جهة الملوك.

نعم ، في المكاتبة الصحيحة عن المملوك يموت مولاه وهو عنه غائب في بلد آخر وفي يده

ص: 288


1- منتهى المطلب 1 / 531.
2- تحرير الأحكام 1 / 419.
3- الكافي 3 / 541 ، باب زكاة مال اليتيم ح 8.
4- في ( ألف ) : « حيلولتهما ».

مال لمولاه وينحصر الفطرة ، أيزكّي عن نفسه من مال مولاه وقد صار لليتامى؟ فقال : « نعم » (1).

[ و ] في المدارك (2) : يستفاد من هذه الرواية أنّ الساقط عن اليتيم فطرته خاصّة لا فطرة غلامه ، وإنّ للملوك التصرف في مال اليتيم على هذا الوجه ، [ و ] كلا الحكمين مشكل.

قلت : من البيّن أنّ الخروج عن مقتضى القواعد المعلومة بمجرّد ورود رواية متروكة ممّا لا وجه له.

وربّما تحمل على ما إذا كان موت مولاه بعد هلال العيد ، فيثبت الزكاة في ماله.

وحينئذ فتولي العبد لإخراجه من قبل نفسه غير موافق للقواعد إلّا أن يحمل ذلك على صورة الضرورة لعدم إمكان الرجوع إلى من يتولّى الإخراج.

ثم إنّهم ألحقوا الإغماء بالجنون لاشتراكه معه في ارتفاع التكليف.

وفي المدارك (3) : إنه مقطوع به في كلام الأصحاب.

قلت : إن تمّ في المقام إجماع فلا كلام ، وإلّا فالحكم المذكور لا يخلو من إشكال ؛ إذ لو كان مجرد ذلك كافيا في السقوط لزم القول بسقوطه عن السكران والنائم والناسي والغافل والممنوع ؛ لارتفاع التكليف عن الكلّ.

هذا إذا قلنا بأنّ العبرة في ذلك بحال الوجوب لا حال الأداء ، وأمّا إن اعتبرنا ذلك في المقام فلا إشكال في الجميع ؛ لسقوطها من الكل ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

ص: 289


1- الكافي 4 / 172 ، باب الفطرة ح 13.
2- مدارك الأحكام 5 / 307.
3- مدارك الأحكام 5 / 308.
تبصرة: [ في اشتراط الحرية ]

ويشترط فيه الحرية ؛ فلا زكاة فطرة على المملوك إجماعا. حكاه جماعة منهم الشيخ في الخلاف (1) والحلي في السرائر (2) والعلّامة في منتهى المطلب (3).

وفي المدارك (4) : إنه مجمع عليه بين الأصحاب.

وفي الحدائق (5) : إنّ ظاهرهم الاتفاق على ذلك لا أعلم فيه مخالفا سوى الصدوق في المكاتب.

وهو على القول بنفي الملك عنه مطلقا ظاهر ، وعلى القول بملكه فيدلّ عليه بعد ما عرفت من الإجماع ما دلّ على أن زكاة المملوك على سيّده من غير تفصيل ، فإنّه ظاهر جدا في عدم وجوب الزكاة عليه مطلقا. مضافا إلى عموم الصحيح : « ليس في مال المملوك شي ء » (6).

وفي آخر : قلت له : مملوك بيده مال عليه (7) زكاة؟ قال (8) : « لا » قلت : فعلى سيّده؟ فقال : « لا لأنّه لم يصل إلى سيّده ، وليس هو المملوك (9) » (10).

ص: 290


1- الخلاف 2 / 130.
2- السرائر 1 / 465.
3- منتهى المطلب 1 / 532.
4- مدارك الأحكام 5 / 308.
5- الحدائق الناضرة 12 / 259.
6- الكافي 3 / 542 ، باب زكاة مال المملوك والمكاتب والمجنون ح 1.
7- في ( د ) : « أعليه ».
8- في ( د ) : « قلت ».
9- الكافي 3 / 542 ، باب زكاة مال المملوك والمكاتب والمجنون ح 5.
10- في ( د ) : « للمملوك ».

وقد استند إليهما بعض الأصحاب.

ويمكن المناقشة في الأوّل بظهوره في صورة العيلولة ، مضافا إلى ما سيجي ء بيانه من سقوط الوجوب عن المولى مع انتفاء العيلولة كما هو الأقوى.

وفي الثاني بظهورهما في زكاة المال جدّا بل صراحة الأخير فيه ، ولذا علّله بعدم وصول المال إلى سيّده ، ونفى الزكاة فيه عن السيد والعبد.

نعم ، يمكن الاحتجاج عليه بما رواه في المقنعة عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن الصادق عليه السلام قال : « تجب الفطرة على كلّ من تجب عليه الزكاة » (1) فإن ظاهره يشير إلى أن من ليس أهلا لأنّ تجب عليه الزكاة لا تجب الفطرة عليه.

وقد مرّ عدم وجوب زكاة المال على العبد ، وضعف الإسناد ينجبر بالعمل.

وكيف كان فالحكم المذكور في الجملة ممّا لا كلام فيه ،

وإنّما الكلام هنا في أمور :

أحدها : أنه لا فرق في الحكم المذكور بين القن ، والمدبر ، وأم الولد ، والمكاتب المشروط والمطلق الذي لم يتحرّر منه شي ء ، وإن كان الأخيران قابلان (2) للتملك.

وفي الحدائق (3) : إنّ ظاهرهم الاتفاق على ذلك ولا أعلم فيه مخالفا سوى الصدوق في المكاتب. والمشهور في المكاتب بقسميه المذكورين سقوط الزكاة عنه.

وفي المدارك (4) : إنّه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا سوى الصدوق في الفقيه (5). واستجوده في المدارك. وبه (6) أفتى في الحدائق (7) ، وحجّتهم على ذلك صحيحة عليّ بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى عليه السلام عن المكاتب ، هل عليه فطرة شهر رمضان أو على من كاتبه وتجوز

ص: 291


1- وسائل الشيعة 9 / 325 ، باب عدم وجوب الفطرة على غير البالغ العاقل ح 1.
2- كذا ، والصحيح : « قابلين ».
3- الحدائق الناضرة 12 / 259.
4- مدارك الأحكام 5 / 309.
5- من لا يحضره الفقيه 2 / 117.
6- في ( ألف ) و ( ب ) : « والعلامة » ، بدلا من : « وبه ».
7- الحدائق الناضرة 12 / 260.

شهادته؟ قال : « الفطرة عليه ولا تجوز شهادته » (1) قال الصدوق : وهذا على الإنكار (2) لا على الاختيار ، يريد بذلك : كيف يجب عليه الفطرة ولا تجوز شهادته؟ » (3). أي إن شهادته جائزة كما أنّ الفطرة عليه واجبة.

قلت : ظاهر الرواية إرادة الإخبار ، وحملها على الإنكار بعيد جدا ؛ إذ المفروض وقوع السؤال عن الأمرين ، وليس في السؤال حكاية القول بعدم جواز شهادته وثبوت الفطرة عليه حتى يقابل ذلك بالإنكار ، وحينئذ فما تضمّنه متروك في المقامين سيّما الأخير ؛ للاتفاق على قبول شهادة العبد في الجملة.

فبملاحظة ما قرّر ظهر ضعف الاسناد (4) إلى الرواية ، مضافا إلى معارضتها بالمرفوعة : « يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبة ورقيق وامرأته (5) وعبده النصراني والمجوسي وما أغلق عليه بابه » (6) فإنّ قضية ثبوتها على مولاه سقوطها عنه إلّا أن في دلالتها ضعفا ؛ لاستظهار ورودها فيما إذا اندرج في العيال ، ولا كلام إذن في ذلك.

والتحقيق أن يقال : إن المكاتب إن اندرج في عيال مولاه كانت فطرته عليه من غير إشكال ، فيسقط عن نفسه. وإن اندرج في عيال الغير كانت الفطرة على ذلك الغير ، وإن صرف على نفسه من ماله بإذن المولى أو بغير إذنه لم يثبت فطرته على مولاه ؛ لخروجه عن عيلولته ؛ إذ أن له (7) الصرف على بعض الوجوه.

وسيأتي قوّة القول بسقوط نفقة العبد القنّ مع خروجه عن عيلولة المولى.

ص: 292


1- تهذيب الأحكام 8 / 276 باب المكاتب ح 40 ، من لا يحضره الفقيه 2 / 179 باب الفطرة ح 2072.
2- في ( د ) : « الأخبار ».
3- من قوله « قال الصدوق » إلى هنا ليس في ( ألف ).
4- في ( د ) : « الاستناد ».
5- ليس في ( د ) : « واو ».
6- بحار الأنوار 93 / 110 ، باب قدر الفطرة ومن تجب عليه أن يؤدى عنه ومستحق الفطرة ح 16 مع اختلاف يسير.
7- في ( د ) : « وإن لم يجز » بدل : « إذ أن له ».

والاحتجاج (1) بالخبر المذكور على ذلك - كما اتفق لغير واحد من المتأخرين - غير متّجه ، بقي (2) الصحيحة المذكورة خالية عن المعارض إلّا أنّها موهونة بإعراض الأكثر عنها ، لكنّها مؤيّدة بإطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة الفطرة لشمول غير واحد منها آحاد المكلّفين خرج عنها المملوك الغير المكاتب ؛ لما عرفت ، فتبقى غيره تحت الإطلاق.

وفيه ما عرفت من ظهور رواية المقنعة في عدم وجوب الفطرة على من لا يجب عليه الزكاة الشامل للمقام ؛ لما مرّ من عدم وجوب الزكاة المال عليه. وهي مقيّدة لتلك الإطلاقات.

وضعف الإسناد منجبر بالعمل والأصل ، وبذلك يظهر قوة القول المشهور ، غير أنّ المسألة غير خالية عن شوب (3) الإشكال.

ثانيها : لو تحرر من المكاتب المطلق شي ء وإن (4) كان في عيلولة غيره - سواء كان مولاه أو غيره - فالفطرة عليه ، وإلّا كانت فطرته عليه وعلى مولاه بالنسبة ، على المعروف بين الأصحاب.

وأسنده في الحدائق (5) إلى ظاهر الأصحاب مؤذنا بإطباقهم عليه.

وعلّل ذلك بأنّ النصيب المملوك يجب نفقته على المالك ، فتكون فطرته لازمة عليه ، ونصيبه الحر لا يتعلّق بالسيّد بل يكون واجبة عليه ، أخذا بالإطلاق كما إذا ملك بجزئه الحر ما تجب فيه الزكاة.

ويشكل بابتناء ما علّل به وجوب فطرته بحسب حصته المملوكة على مولاه على تبعية وجوب الفطرة على وجوب النفقة ، وليس كذلك كما سيأتي ، وبحسب جزئه الحر على نفسه على شمول الإطلاق له ، وهو محلّ تأمّل ؛ لانصراف الإطلاقات إلى الأفراد الشائعة دون

ص: 293


1- في ( د ) : « فالاحتجاج ».
2- في ( ألف ) : « ففي ».
3- في ( ألف ) : « ثبوت ».
4- في ( د ) : « فإن ».
5- الحدائق الناضرة 12 / 260.

الفروض النادرة.

ويمكن دفعه بأن ندرة وجود الفرد المفروض لا يقضي بعدم شمول الإطلاق له مع صدق المطلق عليه بعد وجوده ؛ إذ ليس كلّ ندرة باعثا على عدم شمول الإطلاق.

وعلى القول باعتبار العيلولة ( في وجوب الفطرة ينبغي تقييد الحكم في المقام بما إذا أنفق عليه المولى بالنسبة وإن كان في صدق العيلولة ) (1) حينئذ عليه إشكال إلّا أن الأظهر الاكتفاء به كما يظهر من ملاحظة الحال في العبد المشترك.

ويؤيده ما يظهر من التتبع عن إجراء حكم الحرّ والمملوك بالنسبة إلى المبعّض في كثير من المقامات كما يظهر من ملاحظة المواريث والحدود والديات وغيرها.

وممّا قررنا يظهر ضعف ما حكى عن الشيخ من سقوط فطرته عن نفسه وعن المولى مطلقا.

وكأنّه لما عرفت من عدم صدق الحرّ عليه ولا المملوك لخروج المجموع عنهما فلا يندرج في شي ء منهما ليثبت له أحد الحكمين. ومقتضى الأصل براءة الذمّة.

هذا ، ولا فرق فيما ذكرناه بين المكاتب وساير صور المبعّض (2) لاشتراك العلّة. نعم ، على قول الصدوق من وجوب الزكاة على المكاتب يثبت الفرق ، وليس لأجل التبعّض.

ثالثها : كما لا تجب على العبد فطرة نفسه كذا لا تجب عليه الفطرة عن زوجته أو مملوكته وإن قلنا بملكه ؛ لما عرفت.

وصرّح في منتهى المطلب (3) : أن الذي يقتضيه المذهب وجوب فطرة مملوك المملوك على مولاه لأنّه المالك في الحقيقة والعبد مالك بمعنى اساغة (4) التصرف ، ولأن ملكه ناقص.

ص: 294


1- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
2- في ( د ) : « التبعض ».
3- منتهى المطلب 1 / 534 وفيه : « اشاعة التصرف ».
4- في ( ألف ) : « اسائة ».

ونصّ في التذكرة (1) على أنه لا يجب عليه إخراج الزكاة عن زوجته.

وعن الشهيد في البيان (2) احتمال عدم وجوب زكاة مملوكه عليه ، ولا على مولاه ؛ لمانع المملوكية في الأول وانتفاء الملكيّة في الثاني.

والأظهر - بناء على ما يأتي - توقف وجوب فطرتهما على المولى على العيلولة ، ومع عدمها فعلى القول بعدم ملك العبد لا كلام ، وأمّا على القول بملك العبد وثبوت العيلولة بالنسبة إليه ففيه الإشكال المتقدم.

والأقوى فيه أيضا حسبما عرفت عدم الوجوب ، فلا يجب على المولى لانتفاء العيلولة ، ولا على العبد لانتفاء شرط التكليف.

ص: 295


1- تذكرة الفقهاء 5 / 369.
2- البيان : 206.
تبصرة: [ في اشتراط الغنى ]

ومن شرائط وجوبها أن يكون الدافع غنيّا وهو من يملك مؤنة نفسه وعياله فعلا أو قوة حسبما مرّ تفصيل القول فيه.

وقد وقع الكلام في المرام في مقامات :

أحدها : في اشتراط الوجوب بالغناء ، فالمعروف من مذهب الأصحاب اعتباره فيه وعليه عامة المتأخرين.

وعن الفاضلين في المعتبر (1) والمنتهى (2) : انّه مذهب علمائنا أجمع عدا الإسكافي ، فانّه قال بوجوبها على من فضل من مؤنته ومؤنة عياله ليومه وليلته صاع.

وعزاه في الخلاف (3) إلى كثير من أصحابنا.

والظاهر أنّه أريد بذلك وجوب فطرة نفسه عليه حينئذ أو وجوب الفطرة عليه في الجملة لا وجوبها عليه بمجرّد ذلك مطلقا ، والأظهر الأوّل للمعتبرة المستفيضة الدالّة عليه المعتضدة بالأصل وعمل الأصحاب ، ففي صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عن رجل يأخذ من الزكاة عليه (4) صدقة والفطرة؟ قال (5) : « لا ».

وفي معناه الموثق كالصحيح وخبران آخران.

ص: 296


1- المعتبر 2 / 593.
2- منتهى المطلب 1 / 532.
3- الخلاف 2 / 146.
4- في ( د ) : « أعليه ».
5- الإستبصار 2 / 40 ، باب سقوط الفطرة عن الفقير والمحتاج ح 3.

وفي الموثق : على (1) الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ قال : « ليس عليه فطرة » (2).

ونحوه ما في الصحيح على الأصحّ. وقويّة صفوان.

وفي الخبر : لمن تحل الفطرة؟ فقال : « لمن لا يجد ، ومن حلّت له لم تحل عليه ، ومن حلّت عليه لم تحل له » (3).

وروى المفيد في المقنعة (4) عن يونس بن عمار ، عن الصادق عليه السلام : « يحرم (5) الزكاة على من عنده قوت السنة ويجب (6) الفطرة على من عنده قوت السنة » (7).

كأنّ المراد من قوت السنة مطلقا مؤنتها كما يشير إليه غيرها من الأخبار.

وفي مقابلة هذه الأخبار أخبار أخر مشتملة على المعتبرة ظاهرة في وجوبها على الفقير أيضا ، منها الصحيح : الفقير الذي يتصدّق عليه هل يجب عليه صدقة الفطرة؟ قال : « نعم يعطي مما يتصدق عليه » (8).

وربّما يحمل على ما إذا حصل له الغنى بذلك.

وقد يشهد له خبر الفضيل : على (9) من قبل الزكاة زكاة؟ فقال : « امّا من قبل زكاة المال فإنّ عليه زكاة الفطرة ، وليس عليه لما قبله زكاة وليس على من يقبل الفطرة فطرة » (10).

ورواه المفيد في المقنعة (11) عن زرارة والفضيل مع إسقاط قوله « وليس عليه لما قبله

ص: 297


1- في ( ألف ) : « عن ».
2- الاستبصار 2 / 40 ، باب سقوط الفطرة عن الفقير والمحتاج ح 1.
3- تهذيب الأحكام 4 / 73 ، باب زكاة الفطرة ح 11.
4- المقنعة : 248.
5- في ( د ) : أنه تحرم.
6- لم يرد في ( ب ) : « ويجب .. السنة ».
7- وسائل الشيعة 9 / 234 ، باب أن الفقر الذي يجوز معه أخذ الزكاة أن لا يملك مئونة السنة ح 10.
8- الكافي 4 / 172 ، باب الفطرة ح 11.
9- في ( د ) : « أعلى ».
10- الاستبصار 2 / 41 ، باب سقوط الفطرة عن الفقير والمحتاج ح 6.
11- المقنعة : 248.

زكاة » فإنّ ما تضمّنه من التفصيل ممّا لم يقل به أحد ، فليحمل على ما ذكرناه من حصول الغنى بقبول زكاة المال ، وإنّما فصّل بين الأمرين لبعد حصول الغنى بالفطرة.

ومنها الصحيح : « زكاة الفطرة صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من أقطّ من كلّ انسان حر أو عبد كبير أو صغير ، وليس على من لا يجد ما يتصدق به حرج » (1).

وهي كما ترى (2) غير واضحة الدلالة على ذلك ، وإنّما فيه إطلاق وفي آخره إيماء إليه.

ومنها : الخبر المروي في الإقبال ، وفيه : « هي واجبة على كل مسلم محتاج أو موسر يقدر على فطرة » (3).

وفيه : أن الوجوب فيه أعمّ من الوجوب المصطلح ، فيدلّ على ثبوت الزكاة عليه في الجملة كما سيأتي إن شاء اللّه الكلام فيه (4).

وأقصى ما فيه ظهور إطلاقه في الوجوب ، وبعد التصريح في الأخبار المتقدمة بالعدم يتعيّن حمله على الندب.

مضافا إلى اعتضاد ذلك (5) بعمل الأصحاب ، بل الاتفاق عليه فيقيّد بها إطلاق الكتاب والسنة.

ثانيها : المراد بالغنى في المقام كما مرّ في زكاة المال من ملك قوت (6) سنة لنفسه وعياله. وعليه عامة المتأخرين من غير خلاف يعرف بينهم.

وعن الشيخ في الخلاف (7) : أنّه من ملك عين النصاب أو قيمته.

ص: 298


1- الاستبصار 2 / 42 ، باب سقوط الفطرة عن الفقير والمحتاج ح 13.
2- في ( ب ) : « نرى ».
3- اقبال الاعمال 1 / 465. ح 16.
4- في ( د ) : « فيه إن شاء اللّه ».
5- في ( د ) : « تلك ».
6- في ( ألف ) : « قوة ».
7- الخلاف 2 / 146.

واعتبر الحلي تملكه لعين النصاب خاصة دون قيمته.

وحكى عليه الإجماع واتفاق الإماميّة. وعن جماعة من أعيان القدماء بل أكثرهم تفسيره بمن ملك أحد النصب الزكوية.

وظاهر ذلك موافقة الحلي (1) في اعتبار تملّك عين النصاب ، لكن ذكر المحقق في المعتبر (2) بعد حكاية قول الشيخ أنه لا يعرف به حجّة ولا قائلا من قدماء الأصحاب ، ثمّ حكى قول الحلي ودعواه الإجماع على ذلك ، قال : ولا ريب أنه توهم.

والمستفاد من كلامه أنّ القول المذكور من الأقوال النادرة عند الاوائل.

وكيف كان فقضية كلام الحلي والمحكي عن الجماعة دوران الحكم مدار ذلك في الوجوب وعدمه ، ولو كان عنده مؤنة سنة أو أضعافها.

وهو حينئذ بعيد جدّا بل بيّن الفساد قطعا وإلّا لم يجب الفطرة على أكثر الأغنياء ، وكذا يرد على الشيخ حيث اكتفى بملك عين النصاب أو قيمته عدم وجوبها على المكتسب الذي يفي كسبه بمئونة سنته أو يزيد عليها إذا لم يملك مقدار النصاب.

وهو من الوهن بمكان.

ولا يبعد حمل (3) كلام هؤلاء على الاكتفاء بملك النصاب مع عدم تملّكه لمؤنة السنة ، فلا كلام إذن فيما إذا حصل الغناء بغير تملك النصاب كما هو الغالب في التجار وغيرهم ، وإنّما الكلام في حصوله بملك النصاب إذا لم يكن له ما يفي بمئونة سنته ، فيرجع كلام الجماعة إلى الاكتفاء بأحد الأمرين.

وعلى المشهور بين المتأخرين لا يعتبر إلّا ملكه لمؤنة السنة حسبما مرّ ثم إنّا لم نقف على حجّة للقول المذكور سوى ما قدّمناه في زكاة المال ، وهو كما عرفت في كمال الوهن.

نعم ، احتجّ الحلّي على ما ذهب إليه بالإجماع وهو كما ترى موهون بشهرة الخلاف فيه بل

ص: 299


1- تذكرة الفقهاء 5 / 371.
2- المعتبر 2 / 595.
3- في ( ألف ) : « محل ».

بإطباق المتأخرين على بطلانه.

هذا ، ولا يذهب عليك أن ما يوجد في بعض العبارات من اعتبار تملّك (1) قوت السنة إنّما يراد به مؤنة السنة ؛ إذ لا اختصاص لخصوص القوت في ذلك بل لا بدّ من اعتبار ساير المؤن أيضا كما هو المستفاد من عدة من الأخبار كما مرّ (2).

ثالثها (3) : اعتبر الفاضلان في المعتبر (4) والمنتهى (5) مع تملكه لمؤنة السنة أن يملك مقدار زكاة الفطرة زائدا على المئونة.

وفي المدارك (6) : انّه لا بأس به.

وقطع في الروضة (7) هو بخلافه ، فلم يعتبر تلك الزيادة. واختاره بعض المتأخرين.

وكأنّه ظاهر إطلاق الآخرين ، وهو الذي يقتضيه اطلاق الأخبار المتقدمة.

ولا نعرف مستندا للتقييد سوى لزوم صيرورته فقيرا بدفع الفطرة مع عدمه ، فيحل له حينئذ أخذ الزكاة.

وهو كما ترى غير صالح لتقييد الأدلة ، وقضية الأخبار اعتبار عدم حلّ الزكاة له قبل الدفع ولا بعده.

ص: 300


1- في ( ب ) : « تلك ».
2- في ( د ) : « حسبما ».
3- في ( ب ) : « تبصرة ».
4- المعتبر 2 / 594.
5- منتهى المطلب 1 / 533.
6- مدارك الأحكام 5 / 313.
7- الروضة البهية 2 / 58.
تبصرة: [ في وجوب إخراجها عند تكامل شرائطها ]

إذا تكاملت شرائط وجوب الفطرة وجب إخراجها عن نفسه ، وعن جميع من يندرج في عياله ، ويدخل تحت عيلولته سواء كان على سبيل الوجوب أو الندب مسلما كان أو كافرا ، حرّا كان أو مملوكا ، كبيرا كان أو صغيرا ، مميّزا كان أو لا ، ممّن يجب نفقته على غيره أو لا ، بلا خلاف فيه بين الأصحاب.

وحكاية الإجماع على أصل الحكم مستفيضة حكاه في المنتهى (1) والمدارك (2) وغيرهما.

ويدلّ عليه بعد ذلك النصوص المستفيضة المشتملة على الصحاح وغيرها كالصحيح : سألته عمّا يجب على الرجل من صدقة الفطرة؟ قال : « تصدق عن جميع من يعول من حرّ أو عبد أو صغير أو كبير » (3) ، أو ما عداه.

وفي صحيحة أخرى : « الفطرة واجبة على كلّ من يعول من الذكر أو الأنثى صغيرا أو كبيرا أو (4) حرّا أو مملوكا » (5).

وفي أخرى : « في صدقة الفطرة تصدق عن جميع من يعول من صغير أو كبير ، حرّ أو مملوك » (6).

وفي رابعة : « صدقة الفطرة عن كلّ رأس من أهلك الصغير والكبير والحر والمملوك

ص: 301


1- منتهى المطلب 1 / 532.
2- مدارك الأحكام 5 / 315.
3- من لا يحضره الفقيه 2 / 182 ح 2081.
4- ليس في ( د ) : « أو ».
5- الكافي 4 / 172 ، باب الفطرة ح 16.
6- الاستبصار 2 / 47 ، باب كمية زكاة الفطرة ح 7.

والغني والفقير » (1).

وفي مرفوعة محمد بن أحمد بن يحيى ، عن الصادق عليه السلام قال : « يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه ورقيقه وامرأته وعبده النصراني والمجوسي وما أغلق عليه بابه » (2).

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على ذلك ممّا لا ريب فيها.

ولنتمم الكلام في المقام برسم أمور :

الأول : لو كان من تجب عليه الإنفاق عليه مندرجا في عياله فلا كلام كما عرفت ، وأما مع عدمه فقد وقع الخلاف في أمور :

منها : الأبوان والأجداد والأولاد إذا كانوا معسرين ، فعن الشيخ في المبسوط (3) أنّ نفقتهم وفطرتهم عليه سواء اندرجوا في عياله أو لا.

والمعروف التفصيل بين العيلولية وعدمها.

وهو الأظهر ؛ لإناطة الحكم بها في الأخبار.

وعلّل الشيخ وجوب الفطرة عليه بوجوب الإنفاق.

وفيه : أنه يدور مدار العيلولة والإنفاق لا مجرد وجوب النفقة كما عرفت.

ويمكن الاحتجاج له بموثقة إسحاق بن عمار أو صحيحته عن الصادق عليه السلام : « الواجب عليك أن تعطي عن نفسك وأبيك وأمّك وولدك وامرأتك وخادمك » (4).

فإنّها تعمّ صورة الإنفاق عليهم وعدمه. وبمعناها صحيحة أخرى مشتملة على خصوص الولد ، وفيها : « إنّما تكون فطرته مع عياله بصدقة دونه قال العيال الولد والمملوك والزوجة وأمّ الولد » (5).

ص: 302


1- تهذيب الأحكام 4 / 75 ، باب زكاة الفطرة ح 18.
2- الكافي 4 / 174 باب الفطرة ح 20.
3- المبسوط 1 / 239.
4- من لا يحضره الفقيه 2 / 181 ح 2080.
5- من لا يحضره الفقيه 2 / 181 ح 2079 ، وفيه : « على عياله صدقة ».

وهما محمولان على صورة العيلولة كما هو الغالب.

وفي الصحيحة الثانية إشارة إليه حيث فسّر العيال بذلك.

ومنها : الولد الصغير مع يساره ، فذهب الشيخ في المبسوط (1) إلى أنّ نفقته في ماله وفطرته على أبيه ؛ معلّلا بأنّه من عياله. وهو كما ترى.

وفي المدارك (2) أنّه ضعيف جدا.

ومنها : الزوجة إذا استحقّت النفقة على الزوج ، ولكن لم يعلها ، فإنها إن اندرجت في عيال غيره كانت فطرتها عليه كما هو مقتضى النصوص وظاهر كلام الأصحاب من غير خلاف يظهر فيه.

وفي الحدائق (3) نفى عنه الخلاف والإشكال وإلّا ففي وجوب فطرتها على الزوج خلاف ، فذهب كثير من الأصحاب إلى وجوبها عليه وجعلوها تابعة لوجوب الإنفاق.

وفي الحدائق (4) : إنّه المشهور.

وفي المدارك (5) : إنه مذهب الأكثر ، واعتبر جماعة من الأصحاب منهم صاحب المدارك (6) والحدائق (7) حصول العيلولة في وجوب الفطرة ، فلا فطرة عليه من جهتها مع عدمها ؛ أخذا بظواهر الأخبار المتقدمة التي أنيط الحكم فيها بالعيلولة. وهو الأظهر لتلك الظواهر المعتضدة بالأصل وعدم قيام دليل على خلافها سوى إطلاق المعتبرين المتقدمين.

وهو إطلاق ضعيف محمول على حصول العيلولة كما يومي إليه الثاني منهما.

ص: 303


1- المبسوط 1 / 239.
2- مدارك الأحكام 5 / 324.
3- الحدائق الناضرة 12 / 268.
4- الحدائق الناضرة 12 / 268.
5- مدارك الأحكام 5 / 322.
6- مدارك الأحكام 5 / 322.
7- الحدائق الناضرة 12 / 268.

ويؤيّده ضمّ غيرها إليها ممّا لا يقول (1) الأكثر به إلّا مع الإنفاق كما مرّ.

ومنها : الزوجة إذا لم تكن ممّن يجب الانفاق عليه كالناشزة والصغيرة على القول بعدم وجوب نفقتها ، وغير المدخول بها مع عدم التمكين والمتمتّع بها ، ففي وجوب فطرتها على الزوج مع انتفاء العيلولة قولان.

والمشهور فيه عدم الوجوب.

وعن الحلي (2) وجوب فطرتها عليه مطلقا مستدلّا بالعموم والإجماع ؛ إذ لم يفصّل في الزوجة أحد من الأصحاب.

وهو بيّن الوهن ؛ لعدم ظهور الإطلاق في مثل ذلك سيّما بالنسبة إلى المتمتع بها ، مضافا إلى ما عرفت من إناطة الحكم في الأخبار بالعيلولة.

ودعواه الاجماع موهونة بشهرة خلافه ، بل لا يظهر قائل بذلك سوى ما قال المحقّق في المعتبر (3) : ما عرفنا أحدا من فقهاء الإسلام فضلا عن الاماميّة بوجوب الفطرة عن الزوجة من حيث هي ، قال : فدعواه إذن عرية عن الفتوى والأخبار.

ونحوها ما عن المفيد.

ومنها : المملوك ، فالمعروف وجوب فطرته على سيّده مطلقا حاضرا كان أو غائبا ، صغيرا كان أو كبيرا ، مطيعا كان أو عاصيا ، آبقا كان أو لا ، مغصوبا كان أو لا.

وعن منتهى المطلب (4) أجمع أهل العلم كافة على وجوب إخراج الفطرة عن العبيد الحاضرين والمكاتبين (5) المغصوبين والآبقين وعبيد التجارة ، صغارا كانوا أو كبارا (6).

ص: 304


1- في ( ألف ) : « يقول » بصيغة الإيجاب.
2- السرائر 1 / 466.
3- المعتبر 2 / 601.
4- منتهى المطلب 1 / 534.
5- في ( د ) زيادة : « واو ».
6- ليس في ( د ) : « واو ».

وحكاه في المعتبر (1) من (2) أكثر أهل العلم ، ثمّ نقل الخلاف فيه عن أبي حنيفة.

وعلّلوا ذلك بأنّ نفقته واجبة فيجب فطرته عليه.

وقد عرفت ما فيه ؛ إذ قضية الأخبار دورانه مدار العيلولة لا مجرّد وجوب النفقة ، ولذا ذهب المعظم في المسألة الأولى إلى (3) عدم وجوب الفطرة مع وجوب النفقة هناك أيضا. وقد نصّها هناك بعض هؤلاء بما قلنا.

وربّما يحتجّ عليه بإطلاق الأخبار.

وفيه : أنّ الإطلاق إنّما ينصرف إلى الغالب ، فلا يندرج فيه مثل ذلك ، ولا أقلّ من الشك.

مضافا إلى تقييده بما دلّ على اعتبار العيلولة ، وحكى في الشرائع (4) قولا بعدم الوجوب إلّا مع العيلولة. واختاره جماعة من المتأخرين منهم صاحب (5) المدارك (6) والحدائق (7).

وتردد فيه في الشرائع (8) وكأنّه الأظهر ؛ لما عرفت.

ثم لو كان العبد ممّن يعوله غير مولاه فلا إشكال في وجوب فطرته كما مرّ في الزوجة.

وقد نفى عنه الخلاف والاشكال في الحدائق (9).

وإن كان ينفق على نفسه من كسبه فإن كان ذلك بإذن السيد وما (10) في حكمه كان ذلك عيلولة اذ كسبه لسيده بناء على القول بعدم ملكه فتجب فطرته على سيده ، وإن كان لا عن إذنه فإن كان على سبيل الغصب ( فالظاهر خروجه عن العيلولة ، كيف ولو لا ذلك لكان كل

ص: 305


1- المعتبر 2 / 593.
2- في ( د ) : « عن ».
3- زيادة « إلى » من ( د ).
4- شرائع الإسلام 1 / 130.
5- في ( د ) : « صاحبا ».
6- مدارك الأحكام 5 / 322.
7- الحدائق الناضرة 12 / 269.
8- شرائع الإسلام 1 / 130.
9- الحدائق الناضرة 12 / 269.
10- في ( د ) : « أو ».

من يصرف على نفسه من مال الغير ولو على سبيل الغصب ) (1) مندرجا في عياله ، وهو بيّن الفساد.

وإن كان بإذن الشرع ففيه وجهان ؛ من حصول العيلولة في الجملة ، ومن عدم استناد إليه في ظاهر العرف ، فإن ظاهر قوله عليه السلام « من يعول » ونحوه لا يظهر انصرافه إلى ذلك.

ومن هنا يظهر جريان الإشكال في ساير من يجب الإنفاق عليهم إذا امتنع من يجب الإنفاق عليه وانفق الحاكم عليهم من ماله أو أخذوا مقدار النفقة بغير إذنه.

الثاني : المدار في صدق العيلولة على العرف ، والظاهر صدقها ببذل (2) النفقة وإن كانت كسوته على نفسه أو غيره.

وهل يعتبر أن يكون الدفع على وجه إباحة والترخيص أو يعمّ ذلك وما إذا كان على سبيل التملك؟ وجهان أوجههما الثاني ؛ إذ المدار في العيلولة على تكفّل النفقة سواء كان بتمليكه ذلك أو إباحته له ، وسواء كان المدفوع عين ما ينفقه أو قيمته.

نعم ، يعتبر فيه (3) أن يكون الدفع لأجل الإنفاق لأن يصرفه المدفوع إليه في نفقته ، ويعتبر مع ذلك صدق الاسم بحسب العرف ، فقد يجتمع الأمران ولا يعدّ عيلولة في العرف.

فظهر بما ذكرنا أنه لو شرط عليه الإنفاق في ضمن عقد لازم لم يمنع من (4) صدق العيلولة ، خلافا للمحقق في المعتبر حيث عدّه مانعا من ذلك ؛ ناظرا (5) إلى استحقاقه (6) ذلك ، وتملكه له من جهة الشرط ، فيكون كصرفه من مال نفسه ، بل هو من ذلك ؛ لكونه بمنزلة الأجرة.

وبه قطع في المدارك.

ويدفعه صدق الاسم بحسب العرف قطعا ، كيف وقد يجعل الشرط نفس العيلولة ويشير

ص: 306


1- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
2- في ( ب ) : « ببذله ».
3- في ( ب ) زيادة : « فيه » الذي أثبتناه في المتن.
4- في ( ب ) : « في ».
5- في ( ب ) : « نظرا ».
6- في ( ب ) : « استحقاق ».

إليه ملاحظة حال الزوجة ؛ فإنّها تملك نفقة يومها مع أنّها من أظهر أفراد العيال.

ولو كان في عيلولة شخصين بأن كانا ينفقان عليه على سبيل الشركة فلا يبعد القول بوجوب فطرته عليهما على نحو ما يجي ء في العبد المشترك ، مع احتمال عدم وجوبها ؛ لخروجه عن عيلولة كلّ منهما.

ويجري مثله بالنسبة إلى الجماعة أيضا إلّا أن يكون بحيث يخرج عن اسم العيلولة.

ولو كان بعض نفقته من نفسه وبعضها من الغير ففي اندراجه في عياله أو وجوب الفطرة بالنسبة أو وجوبها على نفسه أو عدم وجوبها أصلا وجوه.

الثالث : هل يعتبر أن يكون العيلولة على وجه (1) المشروع (2) لدعوى انصراف ظاهر إطلاقها في كلام المشهور (3) إليه ، ولا أقل من الشكّ مع عدمها ، والأصل براءة الذمّة أو أنّه يدور مدار صدقها في العرف ولو لم يكن على الوجه المشروع كما إذا انفق عليهم من المال المغصوب كما هو الحال في كثير من الظلمة أو أمسك مملوك الغير أو زوجته وأدرجه في عياله على غير الوجه المشروع وإن أنفق عليه من ماله الحلال؟ وجهان لم أجد منهم تصريحا بأحدهما ، بل عبائرهم كظاهر الأخبار مطلقة في المقام.

وربّما يفصّل بين الصورتين المذكورتين بدعوى ظهور العيلولة في صرف مال نفسه عليه ، فلا يندرج فيه المال المغصوب ، وإن عدّ من أمواله في العرف ؛ لتغليبه عليه بخلاف ما لو كان الصرف على غير الوجه المشروع.

والأظهر الرجوع في ذلك إلى العرف.

الرابع : في وجوب الفطرة عن العبد الغائب الذي لا يعلم حياته ولا موته قولان ، فالوجوب مختار الحلي في السرائر (4).

ص: 307


1- في ( د ) : « الوجه ».
2- في ( ب ) زيادة : « أو ».
3- في ( د ) : « الشارع ».
4- السرائر 2 / 718.

وعن الشهيد الثاني في المسالك (1) الميل إليه.

والعدم مختار جماعة منهم الشيخ (2) والفاضلان (3).

احتج الحلي بأصالة البقاء ، وبأنّه يجوز عتقه في الكفّارة كما ورد في الصحيح في خصوص كفارة الظهار ، وليس ذلك إلّا من جهة الحكم ببقائه ، فيجب عليه فطرته.

حجة الجماعة أصالة براءة الذمّة ، واشتغالها موقوف على بقاء الحياة ، وهو غير معلوم ؛ وأنّ الأصل عصمه مال الغير من (4) السلطنة عليه ، فيجب انتزاعه على العلم بوجود السبب ، وهو غير حاصل في المقام.

ويجاب عمّا ذكره الحلي بأنّ ما استند إليه من الأصل معارض بالأصل المذكور ، فلا ينهض حجّة ، وحملها على العتق قياس لا نقول به سيّما مع وجود الفارق ؛ فإنّ العتق إسقاط لما في الذمّة من حقوقه تعالى ، وهو مبني على التخفيف بخلاف وجوب دعوى (5) الفطرة فانّه إلزام مال على المكلّف ، فلا يثبت مع عدم ثبوت سببه.

هذا ملخّص كلامهم في المقام.

أقول : ومبنى المسألة في المقام على حجيّة الأصل المذكور أعني أصالة البقاء وعدمها ، فإنّه قد يتخيّل كونها من الأصول المثبته حيث إنّها تثبت اشتغال الذمّة بالفطرة المنفي أيضا بالأصل.

ويدفعه أنّ وجوب الفطرة كوجوب النفقة للزوجة مع غياب الزوج والشك في حياته ، ولا شك هناك في حجية الأصل بل (6) ولا ينبغي التأمل فيه لكونه من استصحاب الموضوع ، والاجماع منعقد على حجيته فيترتب الحكم المتفرّغ عليه.

ص: 308


1- مسالك الإفهام 1 / 447.
2- المبسوط 1 / 239.
3- المعتبر 2 / 598 ، منتهى المطلب 1 / 534.
4- في ( د ) : « عن ».
5- ليس في ( د ) : « دعوى ».
6- ليس في ( د ) : « واو ».

وقد يفصّل في ذلك بين الحكم الثابت بثبوت أو لا المستمر باستمراره ، والحكم الجديد اللاحق المتوقّف على ثبوت ذلك الموضوع كما في المقام ؛ نظرا إلى قيام استصحاب الحكم التابع لاستصحاب الموضوع في الأوّل ، وانتفاء استصحاب الحكم في الثاني ، بل قيام أصالة عدم المعارض لاستصحاب الموضوع.

والأظهر حجيّة استصحاب الموضوع في المقامين ، كما هو مفاد الأخبار الدالة عليه.

وقد تقرّر ذلك في محلّه.

وبذلك يظهر أنّ ما ذكره الحلي هو الموافق للأصل بناء على القول بتبعيّة وجوب الفطرة للملكيّة ، وأمّا على ما اخترناه فلا زكاة لانتفاء العيلولة.

نعم ، لو فرض حصولها في المقام على فرض بقاء الحياة اتّجه القول بالوجوب ، ومع الشك فيه يشكل الحكم.

ودعوى أصالة بقاء العيلولة محلّ إشكال ، بل ربّما يستظهر خلافها ؛ لابتنائها على كون الانفاق من ماله على الوجه المتقدم ، وهو من الأمور المتجدّدة ، فلا يجرى فيه أصالة البقاء ، فتأمل.

ثمّ إنّ ظاهر المحكي عنهم في المقام جريان الخلاف حينئذ مع (1) الشكّ في البقاء كيف كان إلّا أنّه صرّح في الحدائق (2) بانّ محلّ الخلاف فيما إذا كان مفقود الخبر ، وأمّا في غيره فلا كلام.

وهو متّجه إذ الاكتفاء فيه بمجرّد الغياب بعيد جدّا ، بل مخالف لظاهر كلامهم.

وفي صحيحة جميل أنّه : « لا بأس أن يعطي الرجل عن عياله وهم غيّب عنه » (3) نعم ، ما ذكر من الاحتجاج بأصالة عدم الوجوب جار في الجميع. وبذلك أيضا يظهر وهن الاستناد إليه.

هذا ، ولا يذهب عليك أنّ ما ذكروه في العبد جار في الزوجة ، بل ساير من يجب فطرته

ص: 309


1- زيادة « مع » من ( د ).
2- الحدائق الناضرة 12 / 269.
3- الكافي 4 / 171 ، باب الفطرة ح 7.

عليه إلّا أنّ المفروض في كلامهم خصوص العبد ، والمتّجه في الجميع هو ما ذكرناه من غير فرق أصلا.

الخامس : لو كان العبد بين شريكين فإن عاله أحدهما أو أجنبي فالزكاة على العائل بلا إشكال ، وإلّا وجب فطرته على مواليه بالنسبة. عزاه في المدارك (1) إلى أكثر الأصحاب.

وعن الصدوق (2) أنّه لا فطرة عليهم إلّا أن يكون لكلّ واحد من الشركاء رأس تمام بعد ملاحظة حصصهم في العبد (3) أو العبيد.

ونفى عنه البعد في المدارك (4). كذا أطلقوه.

والظاهر على القول باعتبار العيلولة مراعاتها في المقام ، وحينئذ فمع اندراجه في عيلولة الجميع بالنسبة تكون فطرته عليهم على حسب الحصة ؛ لما عرفت ، ولإطلاق ما دلّ على لزوم اخراجها عن المملوك والمفروض كونه مملوكا للكلّ ، فتكون فطرته عليهم كما أنّه يجب الإنفاق عليهم.

ويؤيّده أنّه لو كانت الشركة مانعة من وجوب الفطرة لجرى فيما إذا خلص له رأس تمام ، ولا يظهر فيه خلاف في الوجوب.

حجّة الصدوق رواية زرارة المرويّة في الفقيه (5) بإسناد ضعيف من الصادق عليه السلام : قلت : عبد بين قوم فيه زكاة الفطرة؟ قال : « إذا كان لكلّ انسان رأس فعليه أن يؤدّي عنه فطرته ، وإذا كان عدّة العبيد عدّة الموالي وكانوا جميعا (6) سواء أدّوا زكاتهم لكلّ واحد منهم على قدر حصّته ، وإن كان لكلّ انسان منهم أقلّ من رأس فلا شي ء عليه » (7).

ص: 310


1- مدارك الأحكام 5 / 329.
2- نقله عنه في مدارك الأحكام 5 / 329.
3- في ( د ) : « عبدين ».
4- مدارك الأحكام 5 / 329.
5- من لا يحضره الفقيه 3 / 183 ، ح 2082.
6- في ( د ) : زيادة : « فيهم ».
7- وانظر : وسائل الشيعة 6 / 254 ، باب وجوب زكاة الفطرة على السيد إذ اكمل له رأس ح 1 ، وفيه : « بين قوم عليهم فيه ».

وهي مع ضعفها (1) في الإسناد و (2) مخالفتها لفتوى الأكثر غير صالحة الحجيّة ، فلا يمكن التعويل عليها في مقابلة ما ذكرناه ؛ لما في المدارك (3) من الميل إلى العمل بها لمطابقة مضمونها للأصل وسلامتها عن المعارض كما ترى.

على أنّه ليس فيها ملاحظة العيلولة أصلا ، فهي مخالفة لما دلّ عليه غيرها من إناطة الحكم بها حسبما مرّ.

ثمّ على ما اخترناه من اعتبار العيلولة لو اشترك بين جماعة ولم ينفق عليه بعضهم فلا شي ء عليه ويجري الكلام المذكور حينئذ في خصوص المنفقين.

ص: 311


1- في ( ألف ) : « أضفعفها » ، وعبارة « وهي » زيدت من ( د ).
2- زيادة : « واو » من ( د ).
3- مدارك الأحكام 5 / 329.
تبصرة: [ في فطرة الضيف ]
اشارة

لا خلاف بين الأصحاب في وجوب فطرة الضيف على المضيف (1) وما في ظاهر المدارك وحكاية الإجماع عليه.

ويدلّ عليه بعد ذلك خصوص الصحيح : « عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فينحصر يوم الفطر يؤدّي عنه الفطرة؟ قال : « نعم ، الفطرة واجبة على كلّ من يعول من ذكر أو أنثى صغير أو كبير أو مملوك » (2).

واختلفوا في حدّ الضيافة الموجبة للفطرة على المضيف على أقوال شتّى :

أحدها : اعتباره طول الشهر ، وحكي (3) القول به (4) عن السيد والشيخ ، وحكيا عليه في الانتصار والخلاف إجماع الاماميّة.

ثانيها : اعتبارها في النصف (5) الآخر من الشهر وحكي (6) عن المفيد.

ثالثها : الاجتزاء بالعشر الأواخر ، وحكي عن (7) البعض.

رابعها : الاجتزاء بليلتين في آخره ، وحكي (8) عن الحلي.

ص: 312


1- لم ترد في ( ب ) : « وما في ظاهر .. الضيف من ».
2- الكافي 4 / 173 ، باب الفطرة ح 16 ، وفيه : « أيؤدّي حر أو مملوك ».
3- لاحظ الحكاية في مدارك الأحكام 5 / 318.
4- في ( د ) زيادة : « به ».
5- في ( ألف ) : « الضيف ».
6- لاحظ الحكاية في مدارك الأحكام 5 / 318.
7- زيادة : « عن » من ( د ).
8- لاحظ الحكاية في مدارك الأحكام 5 / 318.

خامسها : الاكتفاء بالليلة الواحدة ، وحكي (1) عن العلامة.

سادسها : الاكتفاء بمسمّى الضيافة في الجزء الأخير من الشهر بحيث يهلّ عليه الهلال وهو في ضيافته. عزاه في المعتبر (2) إلى جماعة من الأصحاب ، وجعله أولى.

وفي الدروس (3) : سمعناه مذاكرة ، قال : والأقرب أنه لا بدّ من الإفطار عنده في شهر رمضان أو ليلته.

واختاره المحقق الأردبيلي (4). وصرّح بوجوب الأكل عنده كما لو ساغ له الإفطار لسفر أو مرض ؛ معلّلا لصدق (5) العيلولة بذلك.

وعن الشهيد الثاني (6) وغيره ممّن اختار ذلك عدم اعتبار الأكل ، فهذا القول ينحلّ (7) إلى القولين.

سابعها : مراعاة صدق العيلولة وعدمه ، واختاره غير واحد من المتأخرين. وهو الأظهر ؛ لإناطة الحكم في الأخبار الكثيرة بالعيلولة كما عرفت من غير إشارة إلى خصوص الضيف ، بل لم نجد ذكر الضيف بالخصوص إلّا في الصحيحة المتقدّمة.

وقد ضمّ إليه في الجواب ذكر العيلولة ، وظاهرها اندراج الضيف أيضا في تلك القاعدة ، فيدور الحكم فيه مدار صدقه.

فإن قلت : من البيّن عرفا عدم اندراج الضيف في العيال ، ولو فرض اندراجها فيه فإنّما هو على سبيل الندرة. وقد صرّح في الصحيحة المذكورة المعتضدة بالعمل بوجوبها عن الضيف ، غاية الأمر أن يكون المستفاد من آخرها حصول العيلولة بالضيافة. وكأنّه مبنيّ على

ص: 313


1- لاحظ الحكاية في مدارك الأحكام 5 / 318.
2- المعتبر 2 / 603.
3- الدروس 1 / 250.
4- مجمع الفائدة 4 / 244.
5- في ( د ) : « بصدق ».
6- مسالك الإفهام 1 / 446.
7- في ( الف ) : « يفل ».

نحو من التوسع ، فلا يستدعي دوران الحكم فيه مدار اندراجه في العيال. كيف ويخرج معه عن الضيافة المأخوذة في عنوانه.

قلت : يمكن الفرق بين صدق العيال عليه بحسب العرف وكونه ممّن يعوله في الجملة ؛ فإنّ الظاهر صدق الثاني بتكفّل حاله في الجملة ، وهو إن اعتبر في صدقة ملاحظة الإنفاق عليه مدّة يعتدّ بها إلّا أنّه ليس كصدق (1) اسم العيال ؛ فإنّ المعتبر فيه ما يزيد على ذلك كما يظهر من ملاحظة العرف.

ألا ترى أنّه لو كان عنده ضيفا في تمام الشهر أو في معظمه كان ممّن يعوله في ذلك الشهر وإن لم يكن من عياله؟ فظهر بما ذكرنا اعتبار تكفّل الإنفاق في المقام ، وهو لا يصدق بمجرّد ضيافة ليلة واحدة أو ليلتين إلّا أن يكون مع البناء عليه بعد ذلك مدّة تعتد بها.

وكأنّ ما ذكرنا هو الوجه في عدّة من الأقوال المذكورة كاعتبار الضيافة في تمام الشهر أو نصفه أو العشر الأخير منه ؛ إذ لا يظهر وجه لشي ء من تلك التحديدات سوى ما ذكرناه ، فعلى هذا يكون كلّ من تلك الأقوال بيانا للمقدار الّذي يصدق معه اسم العيلولة ، فلا اختلاف بينها ؛ اذن في الحكم ، إنّما الكلام في تحقق الموضوع.

نعم ، القول الخامس والسادس مبنيّان على الاكتفاء بصدق اسم الضيافة من دون اعتبار العيلولة ، والقول الخامس يمكن اعتباره لكلّ من الوجهين المذكورين.

وكيف كان فصار المرجع في المسألة إلّا أنّ المدار في المقام على حصول مسمّى الضيافة ، وصدق اسم الضيف أو المعتبر حصول العيلولة في الجملة وإن اختلف فيما يتحصّل به كلّ من القولين (2) المذكورين ، فإن ذلك كما عرفت ليس اختلافا في الحكم ، وإنّما هو كلام في الموضوع.

فالوجه في الأوّل ما عرفت من إطلاقه (3) ثبوت الفطرة لأجل الضيف في الصحيحة المتقدمة ، فيدور الحكم مدار حصول الضيافة.

ص: 314


1- في ( ألف ) : « لصدق ».
2- في ( د ) : « العنوانين ».
3- في ( د ) زيادة : « عليه السلام ».

وفي الثاني ما عرفت من ظواهر معظم أخبار (1) الباب المعلّقة للحكم على العيلولة.

وقد عرفت أنّ في ذيل الصحيحة المذكورة أيضا إشارة إليه ، وهو الظاهر من سياقها.

مضافا إلى اعتضاده بالأصل ، فلا خصوصيّة إذن لعنوان الضيافة ، وإنّما المدار على حصول العيلولة.

فروع

الأول : على ما اخترناه من اعتبار صدق العيلولة فلا مانع من ضيافته عند غير المضيف في أثناء الشهر ، بل ولا في الليلة الأخيرة ، أو أنفق على نفسه كذلك ، ولا يقضي ذلك بسقوط الفطرة عن المضيف.

الثاني : لو شكّ في صدق العيلولة على الغير فهل يجب عليه بذلك الفطرة عن نفسه - إذ هو قضية الأصل إلى أن يثبت اشتغال ذمة الغير به - أو يسقط عنهما ؛ أخذا بأصالة البراءة بالنسبة إلى كلّ منهما أو يؤخذ بمقتضى الحال الثابت قبل الشك ؛ أخذا باستصحابها؟ وجوه كأنّ أظهرهما الأخير.

الثالث : على القول باعتبار مسمّى الضيافة فهل يعتبر أكله من مال المضيف أو لا؟ وجهان ، والذي نصّ عليه بعضهم هو الثاني.

ويعضده ملاحظة العرف إلّا أنه ضعيف جدّا ؛ لبعده عن ظاهر الصحيحة المتقدمة التي هي المستند للحكم ، فإن ذكر العيلولة فيها كالصريح في اعتبار الأكل.

ثمّ إنّه هل يكتفى بالإفطار عنده (2) ليلة العيد؟ وجهان مبنيّان على أنّ الوجوب هل يتعلّق بمن اندرج في العنوان في أوّل وقت الوجوب أو يعم ذلك تمام وقت الأداء ، وسيجي ء الإشارة إليه إن شاء اللّه.

الرابع : لا زكاة على الضيف الموسر مع وجوبها على المضيف وأدائه ، بلا خلاف يعرف

ص: 315


1- في ( ألف ) : « اختبار ».
2- في ( ألف ) : « هذه ».

فيه سوى ما حكي عن ظاهر الحلي (1) من القول بوجوبها على الضيف والمضيف.

وفي الذخيرة (2) : أنّه أحوط. وكأن الوجه فيه أخذ [ ه ] بظاهر الإطلاقات في المقامين. وهو ضعيف جدّا ؛ إذ قضيّة إيجابها على المضيف سقوطه عن الضيف كما هو الحال في غير الضيف ممّن يتحمل الغير فطرته.

ص: 316


1- السرائر 1 / 27 ، الفتاوى النادرة المنسوب بابن ادريس.
2- ذخيرة المعاد 3 / 472.
تبصرة: [ في أداء مال الفطرة عن نفسه ]

قد عرفت أنّ من كان في عيلولة الغير كانت فطرته عليه مع يساره ، فإن أدّاه عنه فلا كلام ، وإلّا ففي وجوبها على نفسه مع يساره احتمال ؛ نظرا إلى أن ظاهر الإطلاقات وجوب فطرته عليه ، والقدر الثابت سقوطه مع تحمل الغير عنه ، وأمّا مع عدمه سيّما إذا اعتبر في وقت الأداء بحيث لم يمكنه الدفع فلا.

ويضعفه أنّ مقتضى الأدلّة تعلّق الوجوب حينئذ بمن يعوله ، فلا تكليف عليه حتّى يلزمه الخروج عنه ، غاية الأمر حينئذ عصيان الآخر بترك ما يجب عليه ، ولا يوجب ذلك انتقال التكليف عنه.

ودعوى وجوبها عليه وسقوطه بتحمّل الغير عنه ممنوعة ، كيف وقضيّة الأدلّة وجوبها على المعيل ابتداء.

وأما إذا كان المعال معسرا لا يجب الفطرة عليه ، فهل تجب الفطرة على المعال؟ وجهان ؛ من أن فطرته إنّما يتعلّق بالمعيل ، فلا تكليف عليه ، فإن كان المعال قابلا لتعلّقه به وإلّا سقط لانتفاء الشرط ، فالفطرة حينئذ ساقطة من المعال ؛ لمكان العيلولة ، وعن المعيل لانتفاء (1) القابليّة.

ومن قضاء إطلاق الأدلّة من الكتاب والسنة بوجوب الفطرة على كلّ بالغ غنيّ خرج عنه المعال (2) مع يسار المعيل ؛ لقضاء الأخبار بوجوب الفطرة حينئذ على المعيل الدالّ على سقوطه عن المعال.

ص: 317


1- في ( ألف ) : « الانتفاء ».
2- في ( د ) : « المعيال ».

وأمّا مع عدم (1) التكليف به فلا دليل على سقوطه عن المعال مع بلوغه ويساره ؛ لعدم اندراجه في تلك الأخبار.

وهذا هو الأظهر.

وقد أشار الأصحاب في الموضعين إلى الخلاف في المقام أحدهما (2) في الزوجة الموسرة إذا كان زوجها معسرا ، فعن الشيخ في المبسوط (3) وفخر الإسلام (4) اختيار الأوّل.

وعن الحليّ (5) والشهيد في الدروس (6) والسيّد في المدارك (7) اختيار الثاني.

وفصّل العلّامة (8) بين ما إذا بلغ إعسار الزوج حدّا يسقط معه نفقة الزوجة فالفطرة عليها ، وإن كان الزوج ينفق عليها مع إعساره فلا فطرة هنا.

وعلّل الأوّل بما ذكرناه من العمومات.

والثاني بأنّ العيلولة مسقطة للفطرة عن نفسها ، والمفروض عدم وجوبها على زوجها أيضا.

ويضعّفه ما عرفت من عدم قيام دليل على سقوط الفطرة عنها بمجرّد عيلولة الغير لها ، وإنّما هو أوّل الكلام ، ومقتضى العمومات وجوبها عليها كما عرفت.

ثمّ إنّه قال بعد ما حكيناه عنه : أنّ التحقيق انّ الفطرة إن كانت واجبة بالأصالة على ( الزوج سقطت لإعساره عنه وعنها وإن كانت بالاصالة على ) (9) الزوجة وإنّما يتحمّلها الزوج

ص: 318


1- في ( د ) زيادة : « تعلّق ».
2- في ( ألف ) : « أحدها ».
3- المبسوط 1 / 239.
4- إيضاح الفوائد 1 / 211.
5- السرائر 1 / 468.
6- الدروس 1 / 249.
7- مدارك الأحكام 5 / 325.
8- قواعد الأحكام 1 / 358.
9- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

سقطت عنه ؛ لفقره ووجبت عليها ؛ للأصل.

وكأنّه رجوع عما ذكره أوّلا.

وما ذكره [ و ] جعله مبنى الوجه الأوّل ضعيف ؛ إذ كون الفطرة على الزوج مع يساره بالأصالة لا يقضي بسقوطها من الزوجة الموسرة بإعساره مع قضاء الإطلاقات بالوجوب.

ثانيهما : الضيف الموسر مع إعسار المضيف ، فالذي بنى عليه جماعة وجوب الفطرة على الضيف ، واحتمل في المدارك (1) السقوط عنهما ، أما عن وأمّا عن الضيف فلمكان العيلولة ، قال : ولعلّ الأوّل أرجح.

وهو الأظهر حسبما مرّ.

ثمّ إنّ ما ذكروه في الموضعين جار في ساير من ينفق عليه ، ويندرج في عيلولته إذا كان موسرا مع إعسار المعيل.

هذا ، ولو تبرّع المضيف مع إعساره عن ضيفه الموسر ففي سقوط (2) الفطرة عنه بذلك وجوه ، بل أقوال :

فعن الشهيد في البيان القطع بعدم الاجزاء.

وعن العلّامة (3) احتمال الإجزاء ؛ نظرا إلى ندب الشارع إليه. ويحتمل التفصيل بين إذن الضيف في ذلك وعدمه ، فيجري في الأوّل دون الأخير ، واختاره في المسالك (4) قال : والظاهر أنّ موضع الإشكال ما لو كان الإخراج بغير إذنه إلّا أن صاحبي المدارك (5) والحدائق (6) استشكلا في صورة الإذن أيضا ، بل ظاهرهما سيّما الأخيرة المنع مع الإذن أيضا.

والتحقيق في المقام أنّ إذنه في دفع الفطرة إن كان على أن يكون الدفع من جانبه بأن

ص: 319


1- مدارك الأحكام 5 / 319.
2- في ( د ) : « المبسوط ».
3- قواعد الأحكام 1 / 358.
4- مسالك الإفهام 1 / 446.
5- مدارك الأحكام 5 / 319.
6- الحدائق الناضرة 12 / 276.

ينحل (1) إلى تمليك ذلك له ضمنا ودفعه عنه ، فالظاهر الجواز ؛ لجواز التوكيل في المقام قطعا.

ويجري ذلك بالنسبة إلى غير المضيف أيضا إذا أمره بدفع الفطرة عنه كذلك.

وإن كان في مجرّد أدائها عنه من غير أن أريد (2) به الدفع من جهته ، فلا ثمرة إذن في إذنه فهو كعدمه.

فإن قلنا حينئذ باستصحاب الفطرة على المضيف ؛ نظرا إلى ما في غير واحد من الأخبار من ثبوت الفطرة على الفقير بعد حمله على الندب ، فلا يبعد الاجتزاء به ؛ لبعد التكليف بأداء الفطرة من واحد مرّتين ، وإلّا كان المضيف كسائر الأجانب.

وحينئذ ففي الاجتزاء بدفعه إشكال ؛ لكون الفطرة من العبادات وقيام فعل الغير مقام فعله ابتداء مشكل مع احتمال الاجتزاء به مطلقا تغليبا لجانب الماليّة سيّما مع تعقيب (3) الإجازة.

ولو دفع الضيف فطرة نفسه مع يسار المضيف كان كدفع الأجانب سواء كان الضيف موسرا أو معسرا.

ص: 320


1- في ( ألف ) : « يتحمل ».
2- ليس في ( ب ) : « غير أن أريد .. » إلى « ما في ».
3- في ( د ) : « تعقب ».
تبصرة: [ في اشتراط نيّة أداء الفطرة ]

يشترط صحّة أداء الفطرة بالنيّة لكونها عبادة كسائر العبادات بلا خلاف يظهر فيه.

ويدلّ عليه بعد ذلك العمومات الدالّة على اعتبار النيّة في امتثال الأوامر الشرعيّة.

ويعتبر فيها أمران : القربة ، وتعيين كونه فطرة لا زكاة مالية أو صدقة مندوبة أو غيرهما.

ولا يعتبر تعيين كونها عن شخص معيّن ، فلو وجبت عليه الفطرة عن جماعة ودفعها صاعا صاعا لم يلزمه التعيين في كلّ دفع في وجه قويّ.

ولو كان وكيلا عن غيره فدفع عن نفسه وعن موكّله من غير تعيين ففيه وجهان. وعلى (1) الجواز ، و (2) يثمر ذلك فيما إذا لم يتمكّن من أداء جميع ما عليه ، فهل يكون المدفوع على الإشاعة بين الجميع أو يستخرج بالقرعة؟ وهل يعتبر تعيين كونه فطرة واجبة أو مندوبة مع اشتغال ذمّته بالواجب والمندوب؟ وجهان.

ويعتبر النيّة عند الدفع إلى المستحق أو من هو بمنزلته ؛ إذ هو حال إيقاع العبادة كما هو الحال في زكاة المالية ، وأمّا حال العزل فلا يعتبر فيه قصد القربة ؛ إذ ليس ذلك إلّا تمييز حق ، وليس أداء للعبادة حتّى يتوقف على القربة ، وإن وجبت ذلك في بعض الوجوه.

نعم ، يعتبر في العزل تعيين الحق بكونه فطرة لا زكاة ماليّة أو غيرها حسبما مرّ ؛ لعدم صدق العزل بدونه.

وحينئذ يتقوى سقوط اعتبار ذلك حال الدفع بعد حصوله بالعزل ، فيكتفى إذن بمجرّد اعتبار القربة.

ص: 321


1- لفظة الواو زيدت من ( د ).
2- ليس في ( د ) : « واو ».

هذا مع البناء على تعيين الحق بمجرّد العزل كما يظهر من الأخبار ، وأمّا بناء على عدم تعيينه بذلك كما هو قضية الأصل والمتعيّن بالنسبة إلى حقوق الناس فلا بدّ من اعتبار الأمرين حال الدفع إلّا أنّ الأظهر في المقام هو الأوّل كما سيجي ء إن شاء اللّه.

والمتولي للنيّة المالك أو وكيله عند دفعه إلى المستحق أو من يقوم مقامه من الإمام عليه السلام أو الفقيه أو غيرهما ، ولا يكتفى بنية المالك عند دفعه إلى وكيله.

وهل يعتبر وقوع النية عن الدافع مالكا كان أو وكيلا أو يجزي وقوع النيّة مقارنا للدفع وإن كان الدافع غيره كما إذا دفعه الوكيل مجردا عن القربة وكان المتولي للنية المالك؟ وجهان ؛ أظهرهما ذلك ؛ إذ المقصود حصول الإيصال إلى المستحق مقارنا للقربة.

ويتقوّى (1) الاكتفاء في التعيين أيضا بنيّة المالك وإن لم يعيّنه الوكيل ، وكذا الحال في الوكيل بالنسبة إلى وكيله في المقامين إذا تولى الثاني دفعها والأول نيتها.

وأمّا لو تولّى المالك الدفع والوكيل النيّة فإشكال.

والظاهر فيه عدم الاجتزاء ؛ [ ف ] إنّه هو المأمور بذلك ، ولا يستفاد من الأدلّة جواز تولّي الوكيل لذلك خاصّة مع منافاته للإخلاص المطلوب.

نعم ، لو دفعه المالك بأمر الوكيل من غير علمه بكونه من ماله قوي الاجتزاء بنيّة الوكيل.

ولو قلنا بجواز التوكيل في الاحتساب مع كون المال في ذمّة الفقير أو تحت يده صح نية الوكيل حينئذ مطلقا بعد وصوله إلى الفقير.

ولو دفعها إلى الإمام أو نائبه العام من دون نيّة فنواه القابض عند الدفع أجزأ ، وإن لم يوكّله في ذلك بل دفعها إليه من جهة الولاية على الفقراء. كذا ذكره في الروضة (2) ، ولا يخلو ذلك عن تأمّل.

ولو دفعها الفضول ناديا به القربة فأمضاه المالك ففي الاجتزاء به وجهان. وقد نصّ بعض

ص: 322


1- في ( ب ) : « يتأدّى ».
2- الروضة البهية 2 / 60.

الأفاضل بإمضائه.

وهو مشكل ، ومع البناء على جوازه فلا حاجة إلى اعتبار النيّة في الإجازة في وجه قوي.

ولو لم يجزه المالك فإن كان القابض عالما بالحال صحّ احتسابه عليه بعد ذلك مطلقا ، وكذلك إذا كان جاهلا مع بقائه العين ، ومع إتلافه وجهان أوجههما ذلك.

وإن استقرّ الضمان حينئذ على الدفع ، وحينئذ لا يرجع عليه بعد الاحتساب في وجه قوىّ.

ولو كان المكلّف ممتنعا عن أداء الحق وأجبره الحاكم عليه فهل يسقط النيّة حينئذ وأنّه يتولاه الحاكم أو يجبره الحاكم عليها أو يعتبر إجباره عليها في ظاهر الحال فيجتزئ به في ظاهر الشرع وإن بقيت ذمته مشغولة لو لم ينوها في الواقع؟ وجوه ؛ أشبهها بالقواعد الأخير كما هو ظاهر الحال في إجباره على ساير العبادات الصرفة كالصلاة والصوم والحج ونحوها ؛ إذ لا معنى هناك لتولّي الحاكم لها أو القول بعدم اعتبار النيّة في صحّتها.

نعم ، لو قلنا بالاكتفاء بنيّة الحاكم مطلقا كما سيظهر من الروضة (1) حسبما مرّ اكتفى بدفعه إذا تولّاه بنفسه أو بوكيله.

وهل يتعيّن حينئذ ذلك أو يجوز إخبار المالك على الدافع وجهان.

ص: 323


1- الروضة البهية 2 / 60.
تبصرة: [ في الخروج عن المكيّة بالتعيين ]

المعروف بين الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه أنّه (1) لو عيّن الزكاة المالية أو الفطرة في مال مخصوص على قدرها تعيّن لذلك.

وقضيّة ذلك خروجه عن ملكه وتعينه للمصرف (2) المعدّ له ، فتخلص ماله من الزكاة وبرء (3) بذلك ذمّته إن كان الحق في ذمته وإن بقي اشتغالها بالدفع.

ويدلّ على ذلك عدّة من الروايات كالصحيح : « إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمّ سمّاها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي ء عليه » (4).

وفي صحيحة أخرى : « إذا أخرجهما من ماله قدمت (5) ولم يسمّها لأحد فقد برئ منها » (6).

وفي الموثق كالصحيح في الفطرة : « إذا عزلتها فلا يضرك متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعد الصلاة » (7).

وفي المرسل كالصحيح في الفطرة : « إذا عزلتها وأنت تطلب بها الموضع أو تنتظر بها رجلا فلا بأس » (8).

ص: 324


1- في ( ألف ) : « إذ ».
2- في ( ألف ) : « للصرف ».
3- في ( د ) : « فيتخلص ماله عن حق الزكاة ويبرء ».
4- الكافي 3 / 553 ، باب الزكاة تبعث من بلد إلى بلد ، ح 2.
5- في ( د ) : « عن ماله فذهبت ».
6- الكافي 3 / 553 ، باب الزكاة تبعث من بلد إلى بلد ، ح 3.
7- من لا يحضره الفقيه 2 / 181 ، ح 2080.
8- الاستبصار 2 / 45 ، باب وقت الفطرة ح 5.

وفي الخبر : « إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فأعزلها تلك الساعة قبل الصلاة » (1).

والمنساق من هذه الروايات الاجتزاء (2) بما ذكرنا وإن لم تكن صريحة فيها.

وفي الصحيح : في الرجل أخرج فطرته فعزلها حتى يجد لها أهلا؟ فقال ، « إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ وإلّا فهو ضامن لها حتّى يؤديها إلى أربابها » (3).

وظاهرها حصول براءة ذمته منها بالإخراج ؛ فإنّ المنساق منها بقرينة السؤال أن المراد بالاخراج العزل ، والمراد ببراءته بذلك هو فراغ ذمته عنها وإن اشتغل بعد بالدفع ، وهو لا يقضي بضمانه مع التلف إن كان بدون التفريط.

وحمل بعضهم ذلك على أنّ دفعها إلى (4) مستحقّها فقد برئ منها وإن لم يدفعها فهو في ضمانه حتى يدفعها.

وظاهرها حينئذ ينافي ما قدّمناه ، ولذا جعل الفقرة الأخيرة بمعنى أنّه مكلّف بإيصالها إلى مستحقّها لا أنّه يضمن الأصل أو القيمة مع تلفها دون تفريط فيها.

وأنت خبير بأن ما ذكرناه في معنى الرواية هو الأوفق بظاهرها والمطابق لما دلّ عليه غيرها ، فلا حاجة إلى الحمل المذكور ليتوقّف تصحيحها على التوجيه.

مع ما فيه من البعد.

وكيف كان ، فالحكم المذكور ممّا لا ينبغي الشكّ (5) فيه ؛ لما عرفت من قيام الدليل عليه وإن كان مقتضى القواعد عدم تعيّنه إلّا بالدفع إلى مستحقه كما هو الحال بالنسبة إلى الديون ؛ فإنها لا يتعيّن بمحض تعيّن المديون ما لم يدفع إلى الديّان.

نعم ، ينطبق ذلك على الأصل فيما يتعلّق منها بالتعيين ؛ فإنّ إفراز حقّ الزكاة (6) بمنزلة تمييز

ص: 325


1- الاستبصار 2 / 50 ، باب إخراج القيمة ح 4.
2- في ( د ) : « الأخيرة ما ».
3- وسائل الشيعة 6 / 248 ، باب وجوب عزل الفطرة عند الوجوب ح 2.
4- في ( ألف ) : « على ».
5- في ( د ) : « التأمل ».
6- في ( د ) زيادة : « حينئذ ».

المال (1) المشترك مع ولاية القاسم على التقسيم كما هو المفروض في المقام.

فتحصل بما ذكرنا أنّه لو أفرز ما يتعلّق منها بالعين أو عيّن ما يثبت منها في الذمّة في مال مخصوص تعيّن ذلك للزكاة ، وخلّص الباقي عن حقّ الفقير في الأوّل وفرغت ذمّته عن الشغل في الأخير ، وإن اشتغلت بوجوب الدفع في الصورتين.

وحيث عرفت أنّ الحكم في الأخير مخالفا للأصل فينبغي الاقتصار فيه على مورد الدليل ، وهو ما إذا كان اشتغال الذمّة بها بأصل الشرع كما في الفطرة أو من جهة إذن الشرع كما في ضمان الماليّة من أوّل الأمر.

وأمّا إذا كان الانتقال إلى الذمّة بعد حصول الفراغ أوّلا أو كان الضمان فيما يتعلّق بالعين من جهة إتلافها على غير الوجه المشروع ، ففي تعيين (2) الحق حينئذ بتعيينه إشكال ؛ لعدم اندراجه تحت الأدلّة المذكورة.

ولا يبعد أن يكون حينئذ بمنزلة ساير الديون لا يتعيّن إلّا بالدفع إلى المستحق أو من هو بمنزلته ؛ اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقّن.

ص: 326


1- في ( ألف ) : « مالك ».
2- في ( د ) : « تعين ».
تبصرة: [ في إسلام الكافر ]

لو أسلم الكافر قبل أن يهلّ الهلال ولو بلحظة وجبت عليه إجماعا ، أمّا لو أسلم بعده فالمعروف من المذهب بل المتّفق عليه بينهم [ ... ] (1)

ص: 327


1- في ( د ) : « بياض الأصل » ، وهكذا في بقية النسخ ، وبهذا يتم كتاب الزكاة ناقصا في تأليفه.

ص: 328

كتاب البيع

اشارة

ص: 329

ص: 330

كتاب البيع

[ تبصرة ]: [ في بيع الفضولي ]

اشارة

المعروف بين الأصحاب أنّه لو باع مال غيره من غير ولاية ولا وكالة وقف على الإجازة ، فإن أجازه المالك أو من يقوم مقامه صحّ وإلّا بطل ، ولا يقع باطلا من أصله.

وقد حكي القول به عن القديمين (1) والمفيد (2) والسيّد والشيخ في النهاية (3) والديلمي والقاضي والطوسي (4) والحلي (5) والمحقق الكركي (6) والسيوري وجماعة من المتأخرين.

وقد حكى الشهرة عليه جماعة منهم السيوري في كنز العرفان والشهيد الثاني في المسالك (7) والروضة (8) والمحقّق الأردبيلي (9) وصاحب الكفاية (10) والمفاتيح.

وذكره بلفظ « عندنا » في مواضع من التذكرة (11).

ص: 331


1- المراد من القديمين : ابن جنيد وابن أبى عقيل. أنظر : معجم الرموز والإشارات : 438.
2- المقنعة : 606.
3- النهاية : 385.
4- الوسيلة : 249.
5- في ( د ) : « الحلبي ».
6- جامع المقاصد 4 / 69.
7- مسالك الإفهام 3 / 158.
8- الروضة البهية 3 / 229.
9- مجمع الفائدة 8 / 157.
10- كفاية الأحكام 1 / 449.
11- تذكرة الفقهاء 10 / 215.

وهو يشير إلى الإجماع.

وأسنده أخرى إلى علمائنا ، وهو أيضا ظاهر في دعوى الاتفاق عليه.

وذهب الشيخ في الخلاف (1) والسيد ابن زهرة في الغنية (2) إلى بطلانه من أصله مدّعيين عليه الإجماع.

وبه قال الحلي في السرائر (3) ، وحكى القول به عن المبسوط (4) والديلمي في ظاهر المراسم (5) ، وفخر الإسلام في الايضاح (6) ، والشهيد في نكت الإرشاد والسيد الداماد.

وحكاه المقداد عن شيخه.

وهو الظاهر من المحقق الأردبيلي (7) والمحدّث الحر العاملي.

في التذكرة (8) أنه قول لنا « من » فيه إشارة إلى قائله.

والأظهر الأوّل ، ويدلّ عليه أمور.

منها : قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (9) ؛ لاندراجه في العقد.

ودعوى عدم الكافي لها لانصرافه إلى العقود المتعارفة ضعيف جدّا ؛ لشيوع العقد الفضولي من الناس لتخلّف الوكلاء كثيرا مما جرت عليه الوكالات بحسب المقامات حسبما مرّ (10) ، وإن المصلحة في إيقاع المعاملات ثم يجيزون الموكّلين بالمال ليجيزوا تلك التصرفات على حسب مصالحهم.

ص: 332


1- الخلاف 3 / 168.
2- المبسوط 3 / 352.
3- السرائر 2 / 275.
4- المبسوط 3 / 352.
5- المراسم : 173.
6- إيضاح الفوائد 1 / 416.
7- مجمع الفائدة 8 / 158.
8- تذكرة الفقهاء 10 / 14.
9- المائدة (5) : 1.
10- في ( د ) : « يرون ».

وكذا يتصدى الأصدقاء كثيرا لمثل ذلك موقعين للإجازة.

إلى غير ذلك من الموارد كما لا يخفى على المتأمل في الطرائق الجارية بين الناس ، بل لا يبعد دعوى قيام السيرة عليه بين المسلمين عن قديم الزمان إلى الآن ، بل فيما بين ساير أهل الملل والأديان ، ولا زال الآباء يتصرفون في أموال الأبناء والأبناء في أموال الآباء ، والأزواج في أموال الزوجات على مقتضى المصالح ، ويجرون عليه على حسب إجازتهم.

بل ولا يبعد أن يكون قوله تعالى ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (1) قاضيا بذلك ؛ فإنّ مفاده حصول التجارة عن رضا المالك سواء كان رضاه به مقارنا أو لا حقا.

وليس مفاد التجارة مجرد الصيغة ليكون تأخير الرضا عنها منافيا لظاهر الآية ، بل المقصود منها العقد المعتدّ به بين الناس ، وليس إلّا ما جامع رضا المالك.

ولذا يبعد أن يكون ذكر التراضي في المقام من قبيل التوصيف بصيغة الجنس ، فصدق التجارة عليه إنّما يكون بالمراضاة وهو أعم من مقارنتها للعقد أو تقدّمها عليه إلّا (2) في العقد الصاد من الوكيل أو تأخرها عنه كما في (3) المقام ، فيندرج بعد حصول الرضا والإجازة في اسم التجارة الحاصلة عن التراضي.

وفيها ما دلّ على صحّة الفضولي في النكاح من الروايات الواردة هناك ، وهي روايات معتبرة متلقّاة بالقبول بين الفرقة معتضدة بالشهرة العظيمة من (4) الطائفة.

ويدلّ عليه هناك الإجماع المنقول عليه في الجملة من جماعة ، ومن ذلك الأخبار الدالّة على صحّة عقد العبيد مع إجازة الولي ؛ فإنّه عقد فضولي قطعا.

ومن البيّن أنّ الأمر في الفروج وشدّة الاحتياط فيها آكد كما ورد في الرواية ، ونصّ عليه جماعة من الأجلّة ، فيدلّ بالفحوى على الصحّة في غيرها.

ص: 333


1- السناء : 29.
2- في ( د ) : « كما ».
3- في ( ألف ) : « كان » بدلا من : « كما في ».
4- في ( د ) : « بين ».

ومنها : ما ورد فيمن يتّجر بمال اليتيم إذا لم يكن ملّيا من أن « الربح لليتيم ، وهو ضامن للمال » (1).

ففي الموثق كالصحيح : عن منصور الصيقل ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مال اليتيم بعمل به؟ قال : فقال : « إذا كان عندك مال وضمنته (2) فلك الربح وأنت ضامن للمال ، وإن كان لا مال لك وعملت به فالربح للغلام وأنت ضامن للمال » (3).

ولو لا صحّة العقد حينئذ مع الإجازة لما أمكن تصحيح ذلك ؛ فإنّ مقتضي الفساد تغريم المتصرّف لمال الصبيّ ؛ لضمانه بالتصرف المذكور والعوض إلى مالكه ، فتملك الصبيّ الربح مبني في صحّة العقد من (4) جهة الإجازة وإن لم يصرّح به في الرواية أو بعد حصول الربح يكون (5) مصلحة لليتيم ، فيجيزه الوليّ.

والإيراد عليه بأنّ مفاد ظاهر الرواية انعقاد العقد من دون حاجة إلى الإجازة ، فلا ربط له بالمقام ؛ مدفوع أوّلا بأنّه لا مصرّح ظاهر (6) لصحّة العقد قهرا من دون لحوق الإجازة ، فلا بد من تقييده به ، ولو قيل بعدم الحاجة في مثله إلى الإجازة إذا وافقت المصلحة الواقعية قام ذلك مقام الإجازة ، وكأنّها بمنزلتها ، فتأمل.

ومنها : رواية عروة البارقي المشهورة في كتب الأصحاب ، وقد رواها الفريقان واعتضدت بالشهرة العظيمة بين الفرقة ، وقد أمره النّبيّ صلى اللّه عليه وآله بشراء شاة بدينار فاشترى شاتين ، ثمّ باع أحدهما بدينار فأتى بالشاة إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله فأخبره بالحال ، فقال صلى اللّه عليه وآله : « بارك اللّه لك في صفقة يمينك » (7).

ص: 334


1- الاستبصار 2 / 30 باب الزكاة في مال اليتيم الصامت إذا اتجر به ح 6.
2- في ( ألف ) : « وضمنه ».
3- الاستبصار 2 / 30 ، باب الزكاة في مال اليتيم الصامت إذا اتجر به ح 7.
4- في ( ألف ) : « في ».
5- في ( ألف ) : « بكون ».
6- في ( د ) : « ظاهرا ».
7- عوالى اللئالي 3 / 205.

ولا مانع من ضعف إسنادها بعد (1) انجبارها بما عرفت.

وفيها دلالة على صحّة الفضولي من جهة شرائه للشاتين حيث أمره صلى اللّه عليه وآله بشراء واحدة فقد تخلى (2) عن مقتضي الوكالة ومن جهة بيعه للواحدة بعد ذلك ؛ إذ لا توكيل له في البيع.

وقد يورد على الأوّل بدلالة أمره بشراء شاة بدينار على شراء شاتين بالأولى حسبما قرّر في الوكالة من دلالة الفحوى عليه.

وفيه : أنّ ما يقتضيه الأولويّة هو كون التوكيل في الشراء بالثمن الأكثر قاضيا بإذنه بالأقلّ ، وأمّا الزيادة في المثمن على ما هو المفروض فلا يدل عليه الفحوى ، بل ما يقتضيه الفحوى في المقام هو شراء الشاة نصف (3) الدينار.

والفرق بين الأمرين واضح كما لا يخفى بعد التأمل في مجاري العادة.

وعلى الثاني بأنّ البارقي قد يكون وكيلا له في معاملاته مأذونا من قبله صلى اللّه عليه وآله أو أنّه كان في المقام ما يدلّ على إذنه صلى اللّه عليه وآله ، فليس في الرواية ما يفيد زيادة على حكاية الحال ، وقد تقرّر أن حكايات الأحوال لا عموم فيها.

ويدفعه أنّ ذلك خلاف الظاهر من الرواية مخالف لظاهر فهم الأصحاب. والاحتجاج إنّما هو الظاهر المتجبّر بفهمهم.

نعم ، قد يقال بعلمه من الفحوى برضاه صلى اللّه عليه وآله بذلك ، ولذا تصدّى لدفع العوض ، وهو غير سائغ قطعا بدون العلم ، فقد يقال حينئذ بالاكتفاء به في صحّة التصرف وقيامه مقام التوكيل ، فيخرج به حينئذ عن حدّ الفضولي.

وفيه تأمّل ؛ إذ مجرد الفحوى والعلم بالرضا إنّما يفيد إباحة التصرف في مال الغير ، وأمّا قيامه مقام التوكيل في صحّة التصرفات حتّى لا يفتقر معه إلى لحوق الإجازة فممّا لا دليل عليه ، بل الظاهر خلافه كما سيأتي الإشارة إليه إن شاء اللّه.

ص: 335


1- في ( ألف ) : « فقد ».
2- في ( د ) : « تخطى ».
3- في ( د ) : « بنصف ».

وجواز الدفع من جهة علمه بالفحوى أنّه سيجيزه لا يستلزم صحّة العقد من دون الإجازة ليقوم ذلك مقام التوكيل ، فلا مانع من توقف العقد على الإجازة وجواز تصرفه في المال بالدفع إلى البائع أو المشتري من جهة علمه بلحوق الاجازة.

وقد يقال : إنّه قد يكون الواقع منه مجرّد الإباحة دون البيع الناقل للعين ، فيكتفى فيه بمجرّد العلم الحاصل من الفحوى ، فلا دلالة فيه على المدّعى.

ويدفعه أنّ الظاهر من قوله صلى اللّه عليه وآله : « بارك اللّه في صفقة يمينك » (1) خلاف ذلك هو المعتضد بفهم المعظم ، فقيام ذلك الاحتمال لا ينافي الاحتجاج بالظاهر.

ومنها : صحيحة محمد بن قيس ، وقد رواها المشايخ الثلاثة : قضى علي عليه السلام في (2) وليدة باعها ابن سيدها وأبوها غائب ، فاشتراها رجل فولدت منه غلاما ثمّ قدم سيّدها الأوّل ، فخاصم سيّدها الأخير فقال : هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني ، فقال : خذ وليدتك وابنها ، فناشده المشتري فقال : خذ ابنه يعني الذي باعك الوليدة حتّى ينفذ لك ما باعك ، فلمّا أخذ البيع الابن قال أبوه : أرسل ابني ، قال : لا واللّه لا أرسل ابنك حتّى ترسل ابني ، فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة أجاز مع ابنه (3).

ودلالتها على المدّعى ظاهرة.

وقد يورد عليها تارة بدلالتها على صحّة العقد بالإجازة بعد حصول الرّد ، وهو خلاف الإجماع ، فما دلّت عليه لا قائل به ، ولا دلالة فيها على الصحّة ؛ لحصول الاجازة قبل الردّ كما هو المدّعى.

ودلالتها حينئذ على الصحّة قبل الردّ بالأولى لا معوّل عليها بعد بطلان الأصل وعدم إمكان الأخذ به ؛ فإنّ ثبوت اللازم إنّما يكون بعد ثبوت الملزوم ، فمع القطع بعدمه لا معنى لثبوت لازمه ، فلا بدّ من طرح الخبر من أصله.

ص: 336


1- عوالى اللئالي 3 / 205.
2- زيادة « في » من ( د ).
3- الاستبصار 3 / 205 ، باب أن الولد لاحق بالحر من الأبوين أيهما كان ح 9.

وأخرى باشتمالها على ما لا يقولون به من الحكم بأخذه لولد المشتري مع حريته ؛ لمكان الشبهة وأخذ المشتري لولد المالك ، مع أنّه إنّما يطالبه بالثمن ، وبما يغترمه للمالك على فرضه.

ويندفع الأوّل بأنّه لا دلالة في الرواية على ردّ المالك للبيع ، فقد يكون متردّدا فيه من جهة ما يترتب عليه من مطالبة من ابنه وتعاسره إيّاه ، فإن رأى سهولة الخطب ردّه ، وإلّا أجازه ليخلّص ابنه حسبما صدر منه جبرا (1) بعد تعاسر المشتري إياه حسبما أشار إليه عليه السلام به ، وقبضه للوليدة إنّما هو لثبوت ملكيته لها ، وعدم ثبوت الناقل عنه ، فله (2) قبضها حتّى تتحقق منه الاجازة.

والثاني بأنّ قبضه لولده ليس من جهة رقيته بل تقويمه وقبض ثمنه ، وقبض المشتري للبائع من جهة مطالبته للمال الذي عليه ، فلا مخالفة في الرواية للقواعد المقرّرة.

على أنّها لو اشتملت على ما لا يقولون فلا يمنع ذلك من العمل بها في غير ذلك حسبما قرّر في محله.

ومنها : صحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشترى ثوبا ولم يشترط على صاحبه شيئا فكرهه ثمّ ردّه على صاحبه الأوّل ( فأبى أن يقبله إلا بوضيعة ، قال : « لا يصلح له أن يأخذ بوضيعة ، فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه ردّه على صاحبه ) (3) ما زاد » (4).

وقد رواه المشايخ الثلاثة.

وفي الصحيح وفي رواية الصدوق نقص (5) لا يختلف من جهته (6) مفاد الرواية.

ووجوب دفع الزائد على صاحبه مبنيّ على صحّة العقد ؛ للعلم بإجازته له إذا أخبره

ص: 337


1- في ( ب ) : « أجيرا » وفي ( د ) : « أخيرا ».
2- في ( ألف ) : « فلو ».
3- ما بين الهلالين وردت في ( د ) فقط.
4- الكافي 5 / 195 ، باب بيع المتاع وشرائه ح 1.
5- في ( ألف ) : « نقض ».
6- في ( ألف ) : « جهة ».

بالمال كما هو قضية المقام.

وحينئذ فدلالتها على المدّعى ظاهرة.

ومع الغضّ عنه فلا بدّ من تقييد إطلاقها بذلك للإجماع على عدم صحّة العقد مع عدم إجازة المالك.

ومنها : ما رواه الشيخ والصدوق بإسنادهما « عن مسمع أبي سيّار قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّي كنت استودعت رجلا مالا فجحدنيه وحلف لي عليه ثمّ جاء بعد ذلك بسنين بالمال الّذي كنت استودعته ايّاه فقال : هذا مالك ، فخذه وهذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك ، فهي لك مع ذلك واجعلني في حلّ ، فأخذت المال وأبيت أن آخذ الربح إذا وقفت بالمال الذي كنت استودعته وأتيت حتّى أستطلع رأيك ، فما ترى؟ فقال : « خذ الربح وأعطه النصف وأحله إنّ هذا رجل تائب ، واللّه يحبّ التوابين » (1).

والظاهر (2) أنّ تملكه للربح مبني على إجازته للعقد الصادر منه المشتمل على الربح وأمره عليه السلام بردّ نصف الربح عليه على وجه الندب كما يشير إليه التعليل المذكور ، ودلالتها على المدّعى ظاهرة أيضا.

ومنها : ما روي من أنّ عقيلا باع دورا للنبي صلى اللّه عليه وآله بمكّة من دون إذن ، فلمّا أخبره بذلك اجازه.

وممّا يستأنس به للقول المذكور ما دلّ على صحّة الوصيّة الزائدة على الثلث إذا أجازته الورثة ، وما ورد في التصدّق بمجهول المالك (3) إن جاء صاحبها وأمضى الصدقة ومضت وإلّا غرمه المتصدق وإلّا أجزأه.

وكذا فيمن يشتري من مال الخمس من الجواري من أجازه الإمام عليه السلام ذلك لأهل الولاية ، وما ورد من تحليل المناكح والمساكن لأهل الحق.

ص: 338


1- من لا يحضره الفقيه 3 / 305 ح 4091. وفيه : أبيت أخذه حتى استطلع.
2- في ( د ) : « وظاهر ».
3- في ( د ) : « أنه ».

حجّة القول الثاني الأصل ، وما مرّ من الإجماع المنقول في الخلاف والغنية.

وأنّه حال من قصد النقل والانتقال الذي هو حقيقة العقد ؛ لتعذّره ، مع العلم بعدم سلطانه.

وأنّه تصرف في ملك الغير بغير إذنه ، فيكون قبيحا عقلا وشرعا ، فيكون فاسدا.

وأنّه غير قادر على تسليمه فأشبه بيع الطير في الهواء.

وأنّ الرضا شرط في صحّة العقد إجماعا ، والمفروض انتفاؤه حال العقد ، وقضيّة انتفاء الشرط انتفاء المشروط به ، وحصوله عقيب العقد غير نافع ؛ إذ قضية الشرطية اعتبار مقارنة الشرط ؛ إذ لا فائدة في حصول الشرط بعد انتفاء السبب المشروط به أعني العقد كالصلاة المتعقّبة للطهارة ، وظواهر عدّة من الأخبار :

منها : ما رواه العلامة في المختلف (1) والشهيد في النكت عن النبي صلى اللّه عليه وآله (2) أنّه قال : « لا طلاق إلّا فيما يملك ، ولا عتق إلّا فيما يملك ولا بيع إلّا في ما يملك ».

ومنها : مكاتبة الصفار إلى أبي الحسن العسكري عليه السلام : في رجل باع قطاع أرضين وعرف حدود القرية الأربعة وإنّما له في هذه القرية قطاع أرضين ، فهل يصلح للمشتري ذلك وإنّما له بعض هذه القرية وقد أقرّ له بكلّها؟ فوقع عليه السلام : « لا يجوز بيع ما ليس يملك وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك » (3).

ومنها : رواية محمّد بن القسم قال : سألت أبا الحسن الأوّل عليه السلام : عن رجل اشترى من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم وكتب عليها كتابا بأنّها قد قبضت المال ولم تقبضه فيعطها المال أم يمنعها؟ قال : قال (4) : « يمنعها أشدّ المنع فإنها باعت ما لا تملك » (5).

ص: 339


1- مختلف الشيعة 5 / 54.
2- في الدروس 2 / 184 ، عن النّبيّ صلى اللّه عليه وآله « لا عتق إلّا فيها يملك ».
3- من لا يحضره الفقيه 3 / 243 باب بيع الكلاء والزرع والأشجار والأرضيين ح 3887. تهذيب الأحكام 7 / 3. باب أحكام الأرضين ح 16.
4- في ( د ) : « قل ».
5- تهذيب الأحكام 6 / 339 ، باب المكاسب ح 66 ، باختلاف.

ومنها : ما في الحديث المناهي : « نهى عن بيع ما ليس عندك » (1).

وفي حديث سليمان بن صالح ، عن الصادق عليه السلام قال : « نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله .. » إلى أن قال : « وثمن مبيع ما ليس عندك » (2).

وأنت خبير بوهن الوجوه المذكورة : أمّا الأصل فيما (3) عرفت من قيام الدليل على الصحّة ، بل ما عرفت من الأصل الثانوي القاضي بصحّة العقود كاف في دفعه.

وأمّا الإجماع فموهون باشتهار خلافه (4) وذهاب جماعة من أساطين المتقدمين إلى صحته ، بل ذهاب ناقله إلى خلافه حسبما عرفت.

ودعوى خلوه عن قصد النقل والانتقال إن أريد به ودعوى كونه تصرفا في ملك الغير محرما (5) أوهن شي ء ؛ للمنع من عدّ مجرّد إيقاع الصيغة تصرفا عرفا ، ومنع حرمة مثله لو عدّ تصرفا ، ولو سلّم كونه محرّما فبعثه على الفساد ممنوع أيضا ؛ لكون النهي عنه لأمر خارج.

وكذا الحال في دعوى عدم القدرة على التسليم ؛ إذ مع تعقّب الإجازة لا مانع من التسليم.

ولو فرض مانع خارجي عنه فهو خارج عن محلّ الكلام.

ودعوى لزوم مقارنة الشرط للمشروط مسلّمة إن أريد توقف التأثير عليها بأن يكون ترتّب الأثر على المشروط مقارنا لحصول الشرط ، ولا يلزم منه تقارنهما في الوجود. ألا ترى أنّ القبض في المجلس شرط في (6) بيع الصرف والسلم مع أنّ القبض قد يتأخّر عن العقد ، وكذا الحال في قبض الوقف وقبض الهبة.

على أنّه قد يكون الشرط وجوده في الجملة ولو متأخرا عن المشروط ، فلا يتوقف تأثير المشروط على وجوده حين تأثيره ، فيكشف وجوده المتأخر عن اقتران الشرط بالمشروط

ص: 340


1- من لا يحضره الفقيه 4 / 8 ح 4968.
2- وسائل الشيعة 3818 ، باب حكم من باع سلعة بثمن حالّا وبأزيد منه مؤجّلا ح 4.
3- في ( ألف ) : « فيما ».
4- في ( ألف ) : « فلانه ».
5- في ( ألف ) : « عن ما » بدلا من « محرما ».
6- في ( د ) زيادة : « صحة ».

حين التأثير كما هو الحال في المقام بناء على القول بكون الإجازة كاشفة.

وأمّا الأخبار المذكورة فمع ما في أكثرها من ضعف الإسناد غير ظاهرة الدلالة على ذلك ؛ إذ المفهوم منها عدم صحّة البيع الواقع من غير المالك على الاستقلال من دون لحوق إجازة المالك كما هو الظاهر من سياقها ، ولا كلام فيه.

ومع تسليم شمولها لذلك على وجه ضعيف فما قدّمناه من الأدلة كاف (1) تقييدها بذلك.

وأضعف من ذلك الاحتجاج على ذلك بما ورد في الأخبار من المنع عن شراء السرقة والخيانة والمنع عن وطي الجارية المسروقة إذا اشتراها عن السارق ونحو ذلك ؛ فإنّ تلك الروايات ظاهرة جدّا بل صريحة في غير صورة رضا المالك وتنفيذه للبيع الواقع ، فلا وجه للاحتجاج بها في المقام.

وهو ظاهر ؛ على أنّه لو سلّم إطلاقها فلا ريب في تنزيلها على غير صورة الإجازة إذا قلنا بصحّة فضولي الغاصب مع تعقيب (2) الإجازة بناء على شمول الأدلّة له ، فهي المقيّدة لإطلاقها وإن لم نقل بصحّته فلا كلام (3).

[ تتميم ]

هذا ، وينبغي تتميم الكلام في المرام برسم أمور :

أحدها : أنّه كما يجري الفضولي بالنسبة إلى البيع كذا يجري في الشراء ، فيحكم بصحته مع الإجازة من غير فرق ؛ لاتّحاد المناط وشمول الإطلاق للأمرين ، و (4) في عدّة من الروايات المتقدّمة دلالة عليه أيضا.

ويحكى عن البعض عدم صحّته بالإجازة.

ص: 341


1- في ( ألف ) : « كان ».
2- في ( د ) : « تعقب ».
3- ليس في ( د ) : « واو ».
4- زيادة الواو من ( د ).

وهو ضعيف ، فلو كان العقد فضوليا من الجانبين توقّفت صحته على إجازة كلّ من المالكين.

ثانيها : أنّه كما يحكم بصحّة الفضولي الواقع عن المالك مع إجازته فهل يحكم بصحّة ما يوقعه عن نفسه إمّا لاعتقاد تملّكه أو لكونه غاصبا إذا لحقته إجازة المالك وأنّه فاسدة رأسا لا يصححه الإجازة.

والظاهر من كلام جماعة من الأصحاب صحّته بالإجازة كما في الصورة الأولى.

وقد نصّوا على أنّ للمالك تتبع العقود المتواترة (1) على ماله ، بل وعلى إعراضه (2) وإجازة أيّ منها شاء كما سيجي ء الإشارة إليه ، بل لم تر (3) هناك فارقا بين القسمين حاكما بفساد القسم الثاني دون الأوّل ، بل لم نجد في كلامهم تصريحا بالفساد في هذه الصورة دون الأولى أصلا.

نعم ، ذكر في التذكرة (4) انّه لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها وعصى (5) ليشتريها ويسلّمها (6).

وبه قال الشافعي وأحمد ، ولا نعلم فيه خلافا ؛ لنهي النبي صلى اللّه عليه وآله عن بيع ما ليس عندك ، ولاشتماله على الغرر ؛ فإن صاحبها (7) لا يبيعها ، وهو غير مالك لها ولا قادر على تسليمها.

وقد يعزى مثل ذلك إلى جماعة ، وقد حكم في الرياض بفساد المعاملة في هذه الصورة وعدم صحّتها بتعقّب الإجازة حاكيا (8) عن الجماعة.

وقد حكي عن التذكرة دعوى (9) عدم الخلاف فيه بين الطائفة ، قال : منزلين الأخبار

ص: 342


1- في ( د ) : « المتواردة ».
2- في ( د ) : « اعواضه ».
3- في ( د ) : « لم نر ».
4- تذكرة الفقهاء 1 / 463.
5- في المصدر : « يمضي ».
6- في ( ألف ) : « وتسليمها ».
7- في المصدر زيادة : « قد ».
8- في ( د ) زيادة : « له ».
9- في ( د ) : « ودعوى ».

المانعة عن بيع ما لا يملك والناهية عن شراء المغصوب والسرقة كما في المعتبرة المستفيضة [ على ] ذلك ، فلا ينبغي الاستشكال فيه وإن شمله بعض أدلّة صحّة الفضولي وفتاويه.

وأنت خبير بأنّ الصورة المفروضة في التذكرة ممّا لا ربط له بهذه المسألة ؛ إذ ليس المقصود هناك تصحيح تلك المعاملة من جهة لحوق إجازة المالك ، بل المقصود تصحيحها من جهة الشراء من المالك بعد ذلك.

ولا ريب في عدم صحّتها حينئذ بذلك ، والظاهر عدم الخلاف بين الأمّة فضلا عن الفرقة.

والظاهر أنّ ذلك هو مقصود الجماعة.

ونحوه الحال في اخبار السرقة والخيانة حسبما مرّت الإشارة إليه.

كيف ، وقد نصّ في التذكرة (1) على ذلك بأسطر بأنّ الغاصب وإن كثرت تصرفاته فللمالك أن يجيزها ويأخذ الحاصل في الحال ما يتبع العقود ويعتمد (2) مصلحته في فسخ أيّها شاء فينفسخ فرعه.

وهو كما ترى صريح في حكمه بالصحّة في الصورة المفروضة ، فكيف يتصوّر القول بعدوله عنه بعد قطعه أوّلا بالفساد ، وذكره عدم وجدان خلاف فيه يعني بين الأمّة ، فما ذكره رحمه اللّه من إسناد القول بالفساد حينئذ إلى الجماعة وأنّه ممّا لا ينبغي الاستشكال فيه مستندا إلى الأخبار المذكورة وحكاية عدم الخلاف منه بين الطائفة مع أنّها غير ما وجدناه في التذكرة غير متّجه جدّا.

ولا دلالة في تلك العبارة ولا في الأخبار المذكورة عليه أصلا ، فالمتّجه القول فيه بالصحّة مع تعقيب (3) الإجازة.

وفي إطلاق بعض الأدلّة المتقدّمة بل خصوص عدّة منها دلالة عليه ، فإنّ موردها ظاهر

ص: 343


1- تذكرة الفقهاء 1 / 463.
2- في ( ألف ) : « يعتمل ».
3- في ( د ) : « تعقب ».

خصوص ما إذا وقع المعاملة عن نفسه كما قد مرّ القول فيها ، والاعتضاد بظاهر فتوى الأصحاب حاصل في المقام أيضا كما عرفت ، بل لم نر مصرّحا بخصوصه بفساده سوى ما يوجد في كلام بعض متأخري المتأخرين.

فإن قلت : إنّه إذا وقع (1) العقد لنفسه كان ما قصده هو انتقال البيع فيه وانتقال الثمن إليه ، فإن أجاد المالك ذلك كان خارجا عن قاعدة الفضولي ؛ إذ ليس الملك له حتّى يجيزه له وينتقل الثمن إليه وإن أجازه لنفسه فهو غير مقصود من البائع ولا أوقع البيع عنه ، فهو تصرّف جديد لا إجازة لما وقع من الفضولي.

قلت : لا مانع من وقوع الإجازة على كلّ من الوجهين المذكورين.

وتوضيح المقام أن غير (2) المالك إذا أوقع فإمّا أن يقصد وقوعه من المالك أو عن نفسه أو عن ثالث ، وعلى الأخيرين فإمّا أن يكون عالما بكون قصد البيع غير مالك أو يعتقد ملكيّته ، وعلى كلّ حال فإجازة المالك إمّا أن تكون لنفسه أو للعاقد أو للثالث.

وعلى كلّ حال فغير المملوك إمّا أن يكون مثمنا أو ثمنا أو هما معا.

فإن كان مثمنا وقصد وقوعه من (3) المالك واختاره المالك لنفسه فهي المسألة المعروفة في الفضولي على ما مرّ بيانه.

وإن كان ثمنا كذلك فهو من الشراء الفضولي حسبما أشرنا إليه.

وإن قصد وقوعه عن العاقد نفسه (4) وأجازه المالك صحّ عنه.

والقول بعدم قصد العاقد ذلك وعدم وقوع العقد كذلك فكيف يصحّ بالاجازة ، مدفوع بأنّ تعيين المنتقل منه ليس من مفاد العقد ولا أمرا معتبرا فيه ، وحقيقة العقد هو انتقال العين إلى المشتري بإزاء انتقال الثمن عنه.

ص: 344


1- في ( د ) : « أوقع ».
2- ( ألف ) : « يتخيّر » بدلا من : « غير ».
3- في ( د ) : « عن ».
4- في ( ألف ) : « لنفسه ».

وظاهر أنّ انتقال المبيع إنّما يكون عن مالكه سواء قصد البائع خصوص المالك أو لم يقصده فالإنشاء (1) الصادر عن العاقد هو إنشاء نقل العين عن (2) المشتري ، وهو الأمر المقصود بالإيجاب والقبول سوى نوى انتقاله عنه أو عن غيره فتلك النيّة أمر زائد على حقيقة العقد ، فإذا أجاز المالك نقل العين إلى المشتري انتقل إليه.

ولا حجّة بكون (3) الانتقال إليه من المجيز المالك سواء نواه العاقد أو لا.

ومن هنا يظهر أنّه لو كان الفضولي حينئذ من جانب الثمن دون المبيع كما لو باع المالك ماله لزيد بثمن لغيره ، فأجازه مالك الثمن لنفسه لم يصحّ ؛ لعدم قصد الانتقال (4) حتى يصح بالإجازة ، فيفصل حينئذ بين البيع الفضولي كذلك وشرائه ، وقد يقال بصحّته أيضا بالإجازة بدعوى أنّ حقيقة البيع هو نقل الملك بالعوض أعني المعاوضة الخاصّة.

وأمّا خصوص المنتقل منه والمنتقل إليه فغير مأخوذ في حقيقة العقد الواقع ، وإنّما هو من ضروريات النقل والانتقال ، فلا مانع من أن يختلف المنتقل منه والمنتقل إليه فيما تعلّق به العقد وما تعلّقت به الاجازة.

وفيه : أنّ الفرق بين المقامين ظاهر ؛ لأنّ انتقال العين واقعا لا يكون إلّا عن مالكه وإن قصد العاقد غيره ، وأمّا المنتقل إليه فلا يتعيّن الّا بتعيين العاقد ، ولذا لا يصحّ العقد من دون ذكره في الجملة ، بخلاف المنتقل منه ؛ إذ لا حاجة إلى ذكره أصلا لصحّة العقد مع ترك ذكره بالمرّة وإبهامه بخلاف المشتري ؛ إذ لا يصحّ العقد من دون ذكره ، فإذا اعتبر تعيينه في العقد وقد عيّنه العاقد لم يعقل حصول الانتقال إلى غيره بإجازة ذلك العقد بل افتقر ذلك إلى عقد جديد.

ويمكن أن يقال بالفرق بين المتعاقدين والمالكين الّذين يحصل الانتقال من أحدهما إلى الآخر والّذي يعتبر في تحقق العقد تعيين القابل في الإيجاب ليحصل منه القبول على طبقه ، بل

ص: 345


1- في ( د ) : « فالإنشاء ».
2- في ( د ) : « إلى ».
3- في ( د ) : « يكون ».
4- في ( د ) زيادة : « إليه ».

لا بدّ فيه من تعيين الموجب أيضا إلّا أنّه حاصل الوقوع الإيجاب منه من غير حاجة إلى ذكره.

وأمّا المالكان اللذان يحصل انتقال المال من أحدهما إلى الآخر بحسب الواقع فلا حاجة إلى ذكرهما أصلا ، فلا يلزم ذكر من ينتقل إليه المبيع كما أنّه لا يلزم ذكر من ينتقل المال منه ، فإذا لم يتعيّن المنتقل منه في الإيجاب وكان المبيع ملكا لغيره انصرف البيع إلى انتقاله عن مالكه ، فإن كان وكيلا عنه صحّ البيع منه (1) وإلّا توقّف على إجازته.

وإن كان كليّا في الذمّة قضى الإطلاق باشتغال ذمته به ، وحصول الانتقال في ذمته.

وإن نوى بيعه في ذمة غيره فلا بدّ من ذكره أو قيام القرينة عليه ، فلا ينصرف الإطلاق إليه.

ولو نوى ذلك وصدقه المشتري بعد ذلك من غير أن يذكر ولو إجمالا أو يقوم قرينة عليه حين العقد ، ففي صحّة العقد وجهان.

وقضية ما قرّرناه صحته.

ويجري التفصيل المذكور بالنسبة إلى القابل (2) أيضا. وحينئذ فمفاد قوله « بعتك » هو إيقاع البيع إيّاه ، وهو أعمّ من إيقاعه له أو لغيره ، ولذا يمكن أن يتحقق القبول منه لنفسه أو غيره من غير أن ينافي الإيجاب الواقع من الموجب إلّا أنّ الإطلاق في المقامين ينصرف إلى العاقدين.

ويدلّ على ما ذكرناه أنّه لو لا ذلك لم يصحّ أكثر العقود الدائرة بين الناس ، فإنهم لا يزالوا (3) يتعاطون البيع من فعل الغير والشراء (4) من غير أن يبيّنوا (5) ذلك حين العقد ، بل أكثر المعاملات الواقعة من التجّار على سبيل الوكالة أو الولاية في جميع المبيع أو الثمن أو بعضه أو فيهما معا من

ص: 346


1- في ( د ) : « عنه ».
2- في ( ألف ) : « القائل ».
3- كذا ، والصحيح : « لا يزالون ».
4- في ( د ) زيادة : « له ».
5- في ( ألف ) : « أن يبنوا ».

غير أن يعيّن الوكيل أو الولي ذلك حين العقد في كثير من الأحوال.

ثمّ بعد ذلك يتبيّن الحال أو لا يتبيّن ذلك للبائع أو المشتري أصلا ، فلولا ما ذكرناه من البيان لم يصحّ شي ء من تلك العقود إلّا مع تعيين الطرفين أو تعيين من ينتقل إليه للموجب حتّى يتحقّق الإيجاب منه بالنسبة إليه ، وهو خلاف الطريقة الجارية المتداولة بين الناس من قديم الزمان إلى الآن من غير نكير.

فإن قلت : إنّ المفروض في المقام إيقاع العقد عن نفسه ونقل المبيع منها (1) بإزاء انتقال الثمن إليها في الصورة الأولى وفي الصورة الأخيرة نقل المبيع إلى المشتري بإزاء الثمن الّذي هو ملك الغير ووقوع القبول في الصورتين على طبق الإيجاب ، فكيف يصحّ منه الإجازة بخلافه وإن لم يكن ما ذكر من الخصوصيّة في نفسها ركنا في العقد إلّا أنّ الواقع من الموجب والقابل هو الامر الخاصّ فإن صحّ ذلك بالإجازة اللاحقة فلا بدّ أن يصحّ حسبما قضى به ذلك العقد الخاص ، وإلّا فلا تصحّحه الإجازة ؛ إذ ليست عقدا جديدا.

قلت : إذا لم يكن ما ذكر ركنا في العقد صح ذلك العقد الخاص (2) من دونه ؛ إذ المفروض كون ذلك أمرا زائدا على ما يقتضيه أصل العقد (3) ، فقضيّة العقد في الصورة الأولى هو نقل الملك إلى المشتري بالعوض المعلوم ، وكون ذلك النقل في (4) نفسه أو من (5) غيره غير معتبر في نفس العقد ، فقصده النقل الخاص لا ينافي تنفيذ أصل النقل الّذي هو حقيقة العقد ، وعدم نفوذ الخصوصيّة الزائدة لا ينافي تنفيذه (6) أصل (7) نقل المبيع بإزاء الثمن المفروض الذي هو حقيقة

ص: 347


1- في ( د ) : « عنها ».
2- لم ترد في ( ب ) : « ذلك العقد الخاص .. على ما يقتضيه ».
3- في ( ب ) : « الخاصّ من دونه إذا المفروض » بدل : « أصل العقد ... بالعوض المعلوم و ».
4- في ( د ) : « عن ».
5- في ( د ) : « عن ».
6- في ( د ) : « نفوذ ».
7- في ( د ) زيادة : « وكذا الحال في الصورة الثانية ، فإن عدم تنفيذه خصوصية نقله إلى المشتري لا ينافي تنفيذه اصل ».

البيع وإن كان الواقع منه النقل الخاص.

فإن قلت : (1) إنّ هناك فرقا بين الصورتين ؛ فإنّ وقوع انتقال ذلك المبيع (2) من العاقد أو غيره اعتبار زائد على نقل المبيع إلى المشتري وقيد زائد في العقد ، وأمّا نقل المبيع إلى المشتري فهو عين الأمر الحاصل من الإيجاب المفروض ، وليس قيدا منضما إليه في الخارج ليقال بصحّة المنضمّ إليه دون المنضمّ ، بل هو أمر واحد إن صحّ بالإجازة حصل بالنقل (3) إلى المشتري وإلّا لم يصحّ ؛ إذ لم يوقع بالإيجاب المذكور إلّا النقل إلى المشتري ، وهو أمر مغاير للنقل إلى غيره ، فلا يصحّ بالإجازة ما يغاير الحاصل بالإيجاب المفروض ، وإلّا كان عقدا (4) جديدا لا إجازة للواقع.

قلت : إنّ الأمر الواقع منه وإن كان شيئا واحدا في الخارج إلّا أنّه ينحل إلى معارضته بين الثمن والمثمن (5) وانتقال المثمن عن مالكه بإزاء انتقال المثمن إليه ، وكون انتقال المثمن (6) إلى من عيّنه العاقد ، ولمّا لم يكن الثاني واقعا في محلّه لم يؤثّر العقد في حصوله.

وأمّا الأوّل فلمّا (7) لحقته الإجازة من المالك صحّ تأثير العقد فيه ، وصحّة المعاوضة قاضية بانتقال المبيع إلى صاحب الثمن ، فقضية العقد المفروض بعد ملاحظة إجازة المالك هو انتقال المبيع إلى مالك الثمن ، وإن كان الانشاء الواقع من العاقد متعلّقا بتملّك المشتري فهو إجازة لذلك المقدار من مقتضى العقد الواقع وصرف له بالإجازة إلى تملك المجيز على حسبما يلزم من صحة المعاوضة المفروضة ؛ إذ قضيتها رجوع المثمن إلى صاحب الثمن وبالعكس.

ويدلّ أيضا على الصحّة بالنسبة إلى الثمن عدّة من الأخبار المذكورة :

ص: 348


1- في ( ألف ) : « فإن قلنا ».
2- لم ترد في ( ب ) : « المبيع من ... وأما نقل المبيع ».
3- في ( د ) : « به النقل ».
4- في ( ألف ) : « عقلا ».
5- في ( د ) : « بين المثمن والثمن ».
6- في ( د ) : « الثمن ».
7- في ( ألف ) : « فلا ».

منها : ما ورد في الاتّجار بمال الطفل ، وما دلّ على انتقال الربح إلى صاحب الوديعة الّتي أنكرها الودعي.

وقد يدلّ ذلك بإطلاقه على الصحة بالنسبة إلى المثمن أيضا.

وممّا قرّرنا يظهر أنه لو وكله المالك في بيع ماله أو في شراء شي ء له بثمن معيّن فباعه لنفسه لطروّ شبهة عليه فحسب أنّه له أو متعمّدا إذا (1) اشترى به ذلك الشي ء لنفسه كذلك كان ذلك البيع أو الشراء صحيحا واقعا للموكّل وإن لم يقصد إيقاعه له من غير حاجة إلى لحوق الإجازة منه ضرورة ؛ لحصول التوكيل المغني عنها ، فإنّ أقصى الأمر في الإجازة أن تكون منزلة منزّلة التوكيل وقائمة مقامه ، فلا فائدة فيها بعد حصول التوكيل.

فلو لم يصحّ ذلك من جهة التوكيل لم يصحّ بالإجازة أيضا بالأولى.

ولو أجازه المالك حينئذ عن العاقد سواء كان العاقد معتقدا (2) تملّكه فباعه في نفسه أو لم يكن ففي صحته وجهان.

ويقوى القول بالصحّة أخذا بمقتضى الإطلاق من غير فرق بين البيع والشراء.

فإن قلت : إنّ قضيّة المعاوضة المفروضة كون المبيع راجعا إلى صاحب الثمن وبالعكس ، فكيف يملك الثمن من لا يملك المبيع أو بالعكس وذلك خارج عمّا يقتضيه العقد ؛ لتملكه له حينئذ من غير عوض.

قلت : قضيّة بيع مال الغير عن نفسه والشراء بماله لنفسه جعل ذلك المال له (3) ضمنا حتّى أنّه على فرض صحّة ذلك البيع والشراء يملكه قبل آن (4) انتقاله إلى غيره ؛ ليكون انتقاله إليه عن ملكه نظير ما إذا قال « أعتق عبدك عنّي فإنّه يملكه إن عتقه عنه (5) ؛ نظرا إلى توقّف العتق

ص: 349


1- في ( د ) : « أو ».
2- في ( ألف ) : « منعقدا ».
3- زيادة : « له » من ( د ).
4- في ( ألف ) : « أن ».
5- في ( د ) زيادة : « ليتحقق العتق ».

على الملك.

وكذا الحال لو قال « بع مالي عنك لو أشتر لك بمالي كذا » فهو تمليك ضمني حاصل ببيعه أو الشراء به ، فنقول في المقام : إنّه إذا أجاز البيع أو الشراء ، له صحّ ذلك البيع أو الشراء.

وصحته يتضمّن انتقاله إليه حين تحقق ذلك البيع أو الشراء. فكما أنّ الإجازة المذكورة يصحّح البيع كذا يقضي بحصول الانتقال المذكور الّذي يتضمّنه البيع الصحيح ، وكذا الحال في الشراء ، فتلك الإجازة اللاحقة قائمة مقام الإذن السابق قاض التزاما بتمليكه المبيع ليقع البيع في ملكه ولا مانع منه.

وأمّا الإجازة اللاحقة فهي إنّما تصحّح البيع فيما إذا كان المبيع باقيا في ملك المجيز ، وأمّا إذا انتقل عنه إلى غيره فلا عبرة بالإجازة ، والمفروض في المقام أنّه على تقدير الإجازة يكون المال داخلا في ملك البائع ، فلا تكون الإجازة مصححة للبيع ، بل إنّما تكون قاضية بملك البائع ، فيصحّ بيعه حينئذ لوقوعه في ملكه ، وهو إنّما يتمّ إذا تعلّقت الإجازة بذلك التمليك.

وليس هناك عقد ناقل إليه ليصحّ تعلّق الإجازة به.

وأيضا فالمفروض تعلّقها بنفس البيع دون غيره.

قلت : إنّ الاجازة في المقام متعلّقة بالبيع مصحّحة (1) له إلّا أن تصحيحها للبيع إنّما يكون بتمليك البائع للمبيع في حال البيع ، فهو أمر تابع لتصحيح البيع المذكور حاصل بالالتزام من جهته وإن تقدّمه في الرتبة ، وليس المراد كون الإجازة أوّلا قاضية بتملّك البائع للمبيع ، فيكون العقد صحيحا لوقوعه في ملك العاقد من غير أن يكون صحّة البيع من جهة إجازة المجيز ، وكذا الحال في الإذن السابق ، فإنّ صحّة البيع إنّما هي بالإذن المفروض لا لكونه واقعا في ملك العاقد إلّا أن قضاءه بصحّته كذلك إنّما يكون بتملك العاقد له في أنّ البيع وانتقال المبيع عنه إلى الآخر من جهة ذلك الإذن أو الإمضاء ، فهما إنّما يحصلان بشي ء واحد وإن تقدّم أحدهما على الآخر في الرتبة.

ص: 350


1- في ( ألف ) : « يصحّحه ».

فظهر بما قرّرنا أنّ الحال في المقامين على نحو واحد ، وصحّة المبيع بالاذن السابق أو اللّاحق إنّما هو بتملك العاقد له في أنّ البيع والانتقال عنه.

هذا ، ويمكن أن يقال في المقامين : إنّه لا دليل على اشتراط كون المبيع أو الثمن ملكا للبائع أو المشتري إذا أوقع العقد لنفسه ، غاية الأمر أنّه لا بدّ أن يكون مأذونا في بيعه أو الشراء به سواء كان إذنا إلهيّا كما إذا كان مالكا للمبيع أو الثمن أو إذنا حاصلا من المالك كما في الصورة المفروضة.

نعم ، ظاهر الإطلاق قاض بوقوع البيع أو الشراء للمالك ، وأمّا إذا صرّح المالك بكون البيع عن العاقد نفسه أو الشراء به لنفسه فأي مانع عن صحته كذلك؟ فلو قال « بع هذا لك » أو « اشتر لك بهذا » ملك الثمن في الصورة الأولى مع كون المبيع ملكا لغيره ، فيكون في الأوّل قد انتقلت الثمن إليه بانتقال المبيع من المالك إلى المشتري ، وفي الثاني قد تملك المبيع بانتقال الثمن إلى البائع من غيره ، ويجري ذلك فيما إذا عقد كذلك فضولا ثمّ تعقّبته (1) الإجازة ، ولا مخالفة في ذلك لما يقتضيه عقد المعاوضة ؛ فإنّه إنّما يتوقف على العوضين.

وأمّا أنّه لا بدّ من كون كلّ منهما ملكا للمتعاوضين فلا بدّ من قيام دليل عليه ، بل لا مانع من الاكتفاء بكونه ملكا له أو مأذونا بالتصرف فيه كذلك ، ويتفرّع على ذلك أنّه لو اتفق بعد ذلك فسخ تلك المبايعة بإقالة أو حصول سبب للخيار رجع المبيع أو الثمن إلى ملك مالكه دون العاقد ، بخلاف الوجه الأوّل لانتقاله إذن من ملك الأول ودخوله في ملك العاقد أوّلا ، فلا وجه لرجوعه بالفسخ إلى المالك الأوّل.

ويجري ما ذكرناه من الاحتمال في العتق أيضا لكن ظاهر كلامهم يأبى عن ذلك ، والمسألة محل كلام فلا بدّ من التأمّل في المقام.

ثالثها : أنه لو عقد فضولا من جانب مع جهل الآخر بالحال ، فهل يصحّ البيع على تقدير الإجازة كما لو كان عالما بالحال؟ الظاهر ذلك.

ص: 351


1- في ( د ) : « تعقبه ».

واستشكل (1) في التذكرة (2) لأنّ الآخر حينئذ إنّما قصد تمليك العاقد دون المالك.

ويضعّفه أنّه يجري الإشكال المذكور مع كونه وكيلا من الآخر في الواقع ، ولا خلاف ظاهرا في صحّته.

وقد عرفت الوجه فيه ممّا فصّلناه ، على أنّه قد يصرح (3) الفضولي بكونه لغيره بدعوى الوكالة عنه ، ثمّ تبيّن (4) عدمه وكونه فضولا.

نعم ، يقع التأمل في المقام في ثبوت الخيار له بعد علمه بالحال ؛ نظرا إلى تزلزل العقد ، وقد أقدم على العقد النافذ في الحال.

وقد يفصل حينئذ بين ما إذا لحقته الإجازة في الحال أو تأخّرت مدّة لتردّد المالك فيها أو لعدم الوصول إليه لغياب ونحوه أو بين ما لحقه ضرر التأخير وعدمه. والأظهر الأخير.

رابعها : أنّه لو عقد فضولا فهل للآخر التصرف في متعلّق العقد قبل إجازة المالك أو ردّه أو لا بدّ من توقّفه عن التصرف إلّا بعد ظهور الردّ؟ يحتمل الثاني ؛ نظرا إلى لزوم العقد من طرف المالك على تقدير إجازة الأخير (5) ، فيدور العقد حينئذ بين الصحيح والفاسد ، فلا يجوز له التصرف فيه إلّا بعد انكشاف الحال ليجري على مقتضاه.

والأظهر جواز تصرفاته فيه ؛ أخذا بمقتضى الأصل لعدم العلم بصحّة العقد المانع من التصرّف فيه ؛ لدورانه بين الصحيح والفاسد.

ومجرد الاحتمال لا يقضي بارتفاع الحكم الثابت ، بل لا مانع لسائر العقود الناقلة لعينه أو منافعه على وجه (6) اللزوم أو غيره غير أنّه بعد حصول الإجازة يؤخذ بمقتضاه من الرجوع إلى العين مع بقائها ، وإلى عوضه مع تلفها.

ص: 352


1- في ( د ) زيادة : « فيه ».
2- تذكرة الفقهاء 1 / 463.
3- في ( د ) زيادة « له ».
4- في ( د ) : « يتبين ».
5- في ( د ) : « الآخر ».
6- ليس في ( ب ) : « على وجه .. تلفها نعم ».

نعم ، لو علم بالفحوى إجازته له بعد ذلك لم يجز له التصرّف فيه كما سنشير إليه إن شاء اللّه.

خامسها : أنه لا يجوز له التصرف في شي ء من العوضين بالعقد الفضولي لعدم صحّة العقد ، بل (1) حصول الإجازة ، فلا يجوز للفضول دفع المبيع إلى المشتري لا قبض عوضه منه ، فإنّه إنّما يدفعه عوضا من (2) المبيع الّذي لا يعلم انتقاله إليه.

وعلى فرض الانتقال لا يعلم رضاه لقبض الفضول له ، ولا للمشتري قبض المبيع من الفضول ، ولا تصرفه فيه بسائر أنواع التصرف.

نعم ، لو علم المشتري بالحال ودفع الثمن إلى الفضول راضيا بقبضه (3) له فالظاهر جواز قبض الفضول له بناء على جواز تصرف المالك في ماله قبل العلم بإجازة الآخر حسبما مرّ.

ولو حصل القطع من الأمارات بإجازته له جاز له التصرف في المبيع بناء على الكشف.

ولا يجوز حينئذ للفضول قبض عوضه ؛ إذ لا يستلزم العلم (4) بإجازة العقد العلم بتجويزه القبض.

نعم ، لو علم رضاه به أيضا جاز له ذلك على حسب العلم الحاصل بملاحظة المقام.

سادسها : أنّه لو أجاز العقد على ما هو عليه لا كلام ، ولو أجاز العقد في البعض بقسط من الثمن فهل يصحّ ذلك؟ وجهان ، أجودهما الصحّة إلّا أنّه يتخير المالك بين الفسخ والإجازة لتبعيض (5) الصفقة.

ولا فرق بين أن يجيز جزءا مشاعا أو معيّنا ، ولا بين أن يكون المبيع أمورا عديدة قد جمعها في صفقة أو شيئا واحدا.

ص: 353


1- في ( د ) : « قبل ».
2- في ( د ) : « عن ».
3- في ( د ) : « لقبضه ».
4- في ( ألف ) « لا يستلزم العقد لعلم ».
5- في ( د ) : « لتبعض ».

وأولى بالصحة ما لو كان لشخصين فأجاز أحدهما دون الآخر.

ويحتمل هنا سقوط الخيار مع علمه بكونه لمالكين ؛ لإقدامه عليه سيّما مع ظنّه (1) عدم (2) إجازة أحدهما.

ولو اشترط عليه شرطا في ضمن العقد فأجازه بدون الشرط لم يبعد الحكم بالصحة الّا أنّه لا بدّ حينئذ من قبول الآخر.

وهل يصحّ العقد قبل قبوله وله الخيار على الفسخ و (3) يكون مراعى بقبوله فيصحّ معه ويفسد مع عدمه؟ وجهان.

( وهل يجوز أن يشترط عليه في ضمن الإجازة شيئا لم يشترط العقائد في ضمن العقد ، فينعقد الشرط مع قبول الآخر ويلتزم به حينئذ وجهان ) (4) من عدم وقوع العقد ( عليه فلا يطابقه الاجازة ومن حصول الإجازة للعقد ، والشرط المذكور أمر خارج عن أصل العقد ) (5) قد ألزمه به في ضمن الإجازة المصحّحة للعقد ، وقد أنيطت به الإجازة ، فيلتزم به مع قبوله بمقتضى قوله « المؤمنون عند شروطهم » ، فهو بمنزلة وقوعه في ضمن العقد لكون الإجازة من متمّماته.

ولا يقصر ذلك عن الشرط الواقع في ضمن القبول دون الإيجاب اذا رضى ( به الموجب كما إذا باعه شيئا فقبل ذلك على أن يكون له الخيار في مدة معلومة فرضي ) (6) البائع به ؛ فإنّه لا يبعد إجراء حكم الشرط الواقع في ضمن العقد عليه أخذا بمقتضى الإطلاق المذكور.

ص: 354


1- في ( د ) : « ظن ».
2- لفظة « عدم » ليست في ( د ).
3- في ( د ) : « أو ».
4- ما بين الهلالين ليس في ( ألف ).
5- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).
6- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

سابعها : أنّه لو مات من وقع (1) العقد على ماله فضولا (2) فهل ينتقل (3) الإجازة إلى وارثيه فله الرد والإجازة أو أنّه يبطل به العقد فلا أثر لإجازته؟ ربّما يحتمل الأوّل في بادي النظر لأنّها حقّ من الحقوق كحق الخيار ينتقل إلى الوارث.

ويضعّفه أنّه مع عدم حصول الإجازة من المالك الأوّل يبقى المال على ملكه ، فينتقل إلى وارثه ، والانتقال إليه قاض ببطلان العقد ؛ إذ لا يعقل انتقاله إليهما ، وظاهر بناء على الكشف والقول بكشف إجازة الوارث على (4) حصول الانتقال بالعقد الواقع من المورث ممّا لا وجه ؛ له إذ مع عدم انتقال المال إليه لا عبرة لإجازته ومع انتقاله إليه يبطل العقد حسبما قرّرناه.

وأمّا بناء على النقل فقد يحتمل الاكتفاء ببقائه على ملك المورث مع ثبوت حق الإجازة له ، فينتقل كذلك إلى الوارث.

ويشكل بأنّ أقصى الأمر ثبوت الصحة بإجازة المالك حين العقد ، وأمّا غيره ممّن انتقل إليه المال بعد ذلك فغير معلوم.

وشمول أدلّة الفضولي له غير ظاهر ، وقضيّة الأصل الأصيل هو الفساد.

وقد تبين بما قرّرنا أنّه لو باع مال غيره فضولا ثمّ ملكه (5) بأحد الوجوه الناقلة إليه وأجاز ذلك البيع لم يصحّ ؛ لفساد العقد حينئذ بتملّكه فلا بد من عقد جديد.

ثامنها : أنه لو باع شيئا على وجه الفضولي (6) ثمّ تبيّن أنّه ملكه كما لو باع مال مورّثه بظنّ أنه حيّ وأنّه فضول ، ثمّ تبيّن موته وانتقال المال إليه حين العقد ، فهل يحكم بصحته ولزومه ؛ لوقوعه من أهله في محلّه.

ص: 355


1- في ( د ) : « أوقع ».
2- في ( د ) : « فضولا على ماله ».
3- في ( د ) زيادة : « حق ».
4- في ( د ) : « عن ».
5- في ( ألف ) : « هلكه ».
6- في ( د ) : « الفضول ».

أو يحكم بثبوت الخيار له (1) ؛ لعدم إقدامه على التمليك النافذ بل المتزلزل الموقوف على إجازة المالك ، فالحكم بالتزامه به ضرر عليه.

أو أنّه بمنزلة الفضولي الواقع من غير المالك ، فيتوقّف على إجازته ، فإن ردّه كشف عن فساده من أصله ، وإن أجاز صحّ لإقدامه عليه كذلك.

أو أنّه باطل من أصله لعدم قصده وقوع البيع عن نفسه ، فلا يقع البيع عنه قهرا ؛ وجوه كأنّ أظهرها الثاني ، وأضعفها الوجهان الأخيران.

ولو باعه على أنّه ملكه فتبيّن بعد ذلك أنّه لمورّثه ، ثمّ تبيّن موته حين العقد ، فلا إشكال في الصحة واللزوم.

ولو اعتقد أنّه لغيره ، فباعه عن نفسه غصبا ، ثمّ تبيّن أنّه ملكه احتمل قويّا لزومه.

ولو باعه عن المالك باعتقاد الوكالة عنه ، ثمّ تبيّن أنّه ملكه ففي الحكم بلزومه وجه قويّ ولا يخلو من (2) إشكال.

تاسعها : أنّه ذكر العلّامة في القواعد (3) انّ الأقرب اشتراط كون العقد له فيجزي (4) في الحال يعني حال وقوع العقد ، فلو باع الفضول مال الطفل ولا مجيز هناك من أب أو جدّ أو حاكم يمكن الوصول إليه أو محتسب كذلك له الولاية على مال الطفل على ذلك الوجه لم يصحّ العقد ( فلا يثمر اجازة الطفل حينئذ بعد البلوغ.

وهو كما ترى لا يخلو عن ضعف ؛ إذ لا قائل حينئذ بفساد العقد ) (5) ، فأقصى الأمر أن يبقى موقوفا فيفسد بسبب انتفاء الإجازة إذا لم يحصل به (6) مجيز بعد زمان العقد إن لم نكتف بإجازة الصبيّ بعد البلوغ بناء على الوجه الآتي.

ص: 356


1- في ( ألف ) واو العطف بدلا من « له ».
2- في ( د ) : « عن ».
3- قواعد الأحكام 2 / 19.
4- في ( د ) : « فيجيز ».
5- ما بين الهلاليين لم ترد في ( ألف ).
6- في ( ب ) و ( د ) : « له ».

واشتراط كون العقد ممّا له مجيز في الحال مذكور في كلام بعض العامّة ، وقد أسنده في التذكرة إلى ابن جنيد (1) ، ولم يقم عليه دليل عندنا.

نعم ، لو وقع العقد على وجه لا يجوز إجازته من الولي كما إذا اشتمل على ضرر الطفل فقد يقال حينئذ بفساده ؛ لعدم مجيز يمكن تصحيح العقد بإجازته ، فهو بمنزلة انتفاء الإجازة رأسا ، فيقع العقد فاسدا.

وهذا إنّما يتمّ مع عدم الاكتفاء بإجازة الصبيّ بعد بلوغه بناء على الوجه الآتي.

ويمكن أن يقال في الصورة الأولى أيضا بأن عدم (2) وجود مجيز من أب أو جدّ أو غيرهما حال وقوع العقد كاف في فساده بناء على الوجه الآتي ؛ إذ حصول الولي بعد ذلك لا يكفي في صحّة العقد الواقع قبل ولايته بناء على الوجه المذكور إلّا أن يقال بعدم جريانه على مذهبنا مع وجود الإمام عليه السلام في كلّ عصر ، وإن فرضنا الخلو من المجتهد.

وفيه : أنّ وجود الامام عليه السلام مع عدم إمكان الوصول إليه ( في تحصيل الإجازة منه لا يكفي في تصحيح العقد وكذا الحال في المجتهد الذي يقطع عادة بعدم إمكان الوصول إليه ) (3) رأسا لانتفاء الإجازة منه قطعا فلا يمكن تصحيح العقد من قبله مع العلم بعدم حصول الإجازة منه ، وعدم قابلية غيره من الأولياء المتجددين للإجازة بناء على ذلك الوجه ، فلا بدّ من الحكم بفساد العقد للعلم بانتفاء شرطه - أعني الإجازة المعتبرة - في صحته. وكأنّ هذا هو الوجه فيما ذكره رحمه اللّه إلّا أنّه مبنيّ على الوجه الآتي.

عاشرها : أنه هل يشترط في المجيز أن يكون قابلا للإجازة حين العقد ماضيا تصرّفه في تلك الحال نظرا إلى أن إجازته يصحّح العقد الواقع في ذلك الزمان ، فلا بدّ أن يكون جامعا لشرائط الإجازة حينئذ ، فلو حدث جواز تصرفه بعد وقوع العقد لم تؤثّر إجازته في حال

ص: 357


1- في ( د ) : « أبي جنيد ».
2- زيادة في ( ب ) : « الاكتفاء ».
3- ما بين الهلالين لم ترد في ( ألف ).

السابقة كما إذا تجدّدت له الولاية كما إذا كان (1) مجنونا حين العقد ، فأفاق بعد ذلك لعدم ثبوت الولاية له في تلك الحال ، وكذا لو بلغ الطفل فأجاز لعدم جواز تصرفه في حال الصغر.

وهذا لا (2) يخلو من وجه.

ويتفرع عليه ما ذكره العلّامة كما أشرنا إليه إلّا أنّ الظاهر خلافه ؛ لما عرفت ممّا دلّ على صحة فضولي النكاح إذا أجاز الطفل بعد بلوغه ، فيدل ذلك على الصحة في المقام بالفحوى.

مضافا إلى أنّه لا مجال للإشكال فيه على القول بالنقل ؛ فإنّ التصرف بالمال إنّما يكون بالإجازة الباعثة على الانتقال الواقعة في زمان سلطانه عليه ، وإنّما يأتي الإشكال على القول بالكشف.

ويمكن دفعه بأنّ الولاية المفروضة وإن تجدّدت بعد العقد إلّا أنّها قاضية بمضي تصرفه في مال الطفل ، ولو تعلّقت بالزمان السابق وعدم مضى تصرفه على فرض وقوعه في ذلك الزمان لا يقضي بعدم مضيه متعلّقا بذلك الزمان إذا وقعت في وقت السلطان عليه كما إذا تعلّق تصرف الولي بالزمان المتأخر عن ولايته حين ولايته ؛ فإنّه ينعقد حينئذ وإن لم ينفذ على فرض وقوعه في ذلك الزمان.

فالإجازة المتأخرة الواقعة في وقت السلطنة على المال كاشفة عن صحّة العقد الواقع قبلها ؛ لمجامعته للإجازة الصادرة ممّن يجوز تصرفه في المال ، فكما أنّ تأخر الإجازة لا ينافي الحكم بصحة العقد المتقدّم عليها مع اشتراطه في صحّة العقد فكذا لا ينافيه تأخر ولاية المجيز.

هذا إذا كانت ولايته على المال مطلقه كما هو الغالب ، وأمّا لو كانت مقيّدة بغير ما تقدّم كما إذا وكله في التصرفات المتعلّقة بما تأخّر من الزمان دون ما سبقه لم يكن له ذلك.

حادي عشرها : أنه هل يشترط في الإجازة الشروط المعتبرة في البيع كمعلومية العوضين للمالك المجيز أو يكتفى بحصول تلك الشروط حال وقوع العقد؟ فلو تحقّق العلم بالعوضين للعاقدين كفى في صحة العقد ، وإن جهل المجيز فيصحّ إجازته مع جهالته بها أو بأحدهما ؛

ص: 358


1- في ( ألف ) : « كانوا ».
2- ليس في ( د ) : « لا ».

فيرجع في التعيين إليهما أو إلى ما تقوم به النيّة مع الاختلاف.

وجهان من أن البائع والمشتري على الحقيقة هو المجيز ، فلا بدّ من اعتبار شروط البيع بالنسبة إليه ، وإنّ البيع إنّما صدر عن العاقدين دون المجيز ، فلا دليل على اعتبار تلك الشروط بالنسبة إليه ، فالإجازة المتأخرة بمنزلة التوكيل المتقدم ، فكما لا يعتبر تحقّق شروط البيع بالنسبة إلى الموكّل فكذلك المجيز.

وهذا هو الأظهر.

ويجري الكلام في الشروط المنضمّة إليه.

ونحوها إذا حملها (1) وأجاز البيع على ما وقع عليه.

ثاني عشرها : هل يشترط استجماع العقد لشروط الصحة حين وقوعه سوى رضا المالك وإذنه أو أنّه يكتفى بتحقّق الشروط حين الإجازة؟ فلو تعلّق العقد بشي ء مجهول للعاقد الفضول وأجازه المالك مع علمه أو باع الآبق وقد استرد في وقت الإجازة أو باع الكافر مصحفا أو مسلما فأجازه بعد إسلامه ، أو يكتفى بحصولها في أحد الحالين أو بحصولها من حين العقد إلى زمان الإجازة في الجملة أو يعتبر تحقّقها في الحالين؟ وجوه.

وظاهر بعض كلماتهم في الاحتجاج يعطي اعتبار الاستجماع حين (2) العقد ، وهو الّذي يقتضيه الأصل الأصيل في فساد المعاملة بدونها ؛ للشك في صحتها حينئذ ، بل قد يقضي الأصل باعتبار حصولها في الحالين.

وقد يقال بالاكتفاء بحصولها حين الإجازة على القول بالنقل فإنه في الحقيقة حال انعقاد العقد.

ويمكن أن يقال بالتفصيل بين الشروط ، فيعتبر في المملوكيّة أن تكون حاصلة حين العقد ، فلو باع ما لم يدخل في الملك كالمباحات قبل الحيازة والطير في الهواء ثم أجازها أو صاد الطير لم تؤثر الإجازة ، سيّما على القول بالكشف لو كانت حاصلة حين العقد فزالت بعد ذلك كما

ص: 359


1- في ( د ) : « جهلها ».
2- ليس في ( ب ) : « الاستجماع حين .. الأصل باعتبار ».

لو تلفت بعد العقد والقبض قبل الإجازة صح العقد بالإجازة ، فيكون التلف من المشتري.

ويحتمل حينئذ اشتراط حصولها حين الإجازة أيضا ؛ إذ لولاها لعدّت الإجازة سفها خارجا عن مقصود العقلاء.

وأمّا القدرة على التسليم وإسلام المشتري في (1) بيع المصحف والمسلم فيكتفى بحصول الشرط عند الاجازة ؛ لعدم وضوح دليل على الفساد بمجرّد انتفائه حين العقد.

ولا عبرة بالتسليم الأصيل قبل الإجازة ، والمفروض حصول القدرة عليه عند اعتبار التسليم ، وأنه لا سبيل للمشتري على المبيع إلّا بعد الإجازة ، فلا يفيد ما دلّ على دفع السبيل وقضى به مراعاة الاحترام فساد العقد في تلك الصورة ، فيندرج تحت الأصل.

وأمّا معلوميّة العوضين ففيها وجهان.

ولا يبعد أن يقال في اشتراط استجماع الشروط حين العقد بما دلّ الدليل على اشتراط العقد به مطلقا.

وأمّا ما كان اعتباره لجهة خارجة (2) كنفي السبيل على المسلم وملاحظة الاحترام أخذ فيها (3) بمقتضى ذلك الدليل ، فلا يبعد على الصحيح في المثالين المفروضين.

ثالث عشرها : أنّه هل يعتبر فيها تعيين العقد من كونه بيعا أو صلحا أو إجازة أو نكاحا أو يجوز إمضاء العقد الواقع منه كائنا ما كان ، سواء علم كميّة العقد أو جهل التعيين أو علم نوع العقد وشكّ في الكميّة أو جهلهما معا كما إذا أجاز كلّ عقد يتعلّق به (4) قد صدر منه في هذا اليوم مع جهله بنوع العقد ، وتعدّد تلك العقود فيه إشكال.

وظاهر ما ذكرناه من كونه بمنزلة الإذن السابق على العقد هو الوجه الثاني.

وهل يعتبر فيها علمه بوقوع العقد من الفضول أو يجوز إمضاءه لما يحتمل وقوعه أو على

ص: 360


1- زيادة « في » من ( د ).
2- في ( د ) : « خارجية ».
3- في ( د ) : « فيه ».
4- في ( ألف ) : « يتعلّق » بدلا من « يتعلق به ».

تقدير وقوعه كما اذا أخبره مجيز لوقوع البيع فأجازه من دون أن يتحقق عنده وقوعه ثمّ علم بالوقوع؟ وجهان.

ويقوى الاكتفاء به في المقام.

رابع عشرها : أنّه لا يعتبر الفور في الإجازة بعد علم المالك بالحال ، بل يصحّ مع التراخي أيضا.

وربّما يحتمل أن يكون فورية لما في التراخي من إرجاء الأمر وإيصال الضرر إلى الآخر في كثير من الصور.

وفيه : أنه مع علمه بالحال قد أقدم عليه ، فيكون الضرر آتيا إليه من قبله.

ومع جهله ولحوق الضرر عليه يندفع ذلك بثبوت الخيار له كما مرّت الإشارة إليه.

خامس عشرها : أنه لو توقّف صحّة البيع على القبض كبيع الصرف والسلم وقد حصل القبض من الفضول فأجاز البيع ، فإن كان بعد تصرف (1) المجلس وعلمه به كان إجازة للقبض في وجه قويّ ؛ إذ لولاه لكان إجازته للبيع لغوا ، ولحمل فعل المسلم على الصحة مع الإمكان.

ولو كان جاهلا بالتوقف ففيه إشكال ، وإن كان المجلس باقيا بحسب اعتقاده.

ص: 361


1- في ( د ) : « تفرق ».

تبصرة: [ في بيع ما يملكه غيره ]

اشارة

لو باع ما يملكه وما يملكه غيره من غير وكالة ولا ولاية صحّ البيع فيما يملكه بلا خلاف يظهر فيه.

وفي الغنية حكاية الاجماع عليه.

ونصّ في الرياض بنفي الخلاف فيه ، واستظهر منهم الاجماع عليه.

ويدلّ عليه الصحيح وغيره.

ووقف فيما لا يملكه على إجازة المالك أو من يقوم مقامه بناء على صحّة الفضولي بتعقّب الإجازة.

وقد أسنده بعضهم هنا إلى علمائنا موذنا بالإجماع عليه ، فكلّ من الحكمين ممّا لا إشكال فيه بعد ما عرفت من صحّة الفضولي بعد الإجازة.

وقد يستشكل في الأوّل :

تارة : من جهة جهالة الثمن ؛ إذ قد لا يعلم ما يقع بإزاء المملوك من الثمن بعد التقسيط ، فكأنه قال : « بعتك هذا بما يخصّه من الثمن » بعد تقسيطه عليه وعلى الآخر.

وأخرى : بأنّ القصد إنّما تعلّق بنقل المجموع دون الأبعاض ، فإذا لم يصحّ العقد على ما دفع (1) عليه لزمه الحكم بالفساد مطلقا ؛ إذ العقود تابعة للقصود.

وثالثا : إنّه مع عدم صحّة العقد في البعض يغلب جانب الفساد كتزويج الأختين والأم والبنت بعقد واحد.

ص: 362


1- في ( د ) : « وقع ».

ورابعا : بأنّه لم يقم برهان على صحّة العقد المفروض ، وقضية الأصل الأصيل في المعاملات الفساد ، وعدم ترتب الآثار حتّى يقوم دليل عليه.

وخامسا : بأنّ الصيغة الصادرة منها شي ء واحد ، فلا يتبعض.

ويندفع الأول : بأنّ أقصى ما دلّ الدليل من اعتبار العلم بالعوضين إنّما هو بالنسبة إلى ( مجموع المبيع والثمن ، فإذا علم مجموع الأمرين اللّذين وقع العقد عليهما صح البيع وإن علم فساد البيع بالنسبة إلى ) (1) البعض وكان ما يصحّ البيع فيه مجهولا أو كان ما يقع من الثمن بإزائه مجهولا ، ولا دليل على اعتبار العلم في الأجزاء إذا لم يؤدّ إلى جهالة المجموع كما سيجي ء بيانه إن شاء اللّه.

والثاني : بأنّ القصد إنّما تعلّق بنقل جميع الأجزاء ، فينتقل به ما يكون قابلا للنقل ويبقى الباقي.

كيف وقضية العقد إنّما هو انتقال الجميع ، وقضيّة الأمر بالوفاء (2) به هو الجري على مقتضاه في الجميع ، فإذا حصل مانع منه في البعض لزم الأخذ بمقتضاه (3) في الباقي ، عملا بالأمر المذكور على حسب الإمكان ، ولعدم سقوط الميسور بالمعسور.

ومع الغضّ (4) عن جميع ذلك فالصحيحة (5) المتقدّمة المؤيّدة بعمل الأصحاب بل الإجماع المذكور كاف فيه لو سلّمنا قضاء الأصل بخلافه.

والثالث : بأنّه لا دليل على تغليب جانب الفساد مطلقا بل ينبغي الحكم بالفساد فيما يقبل الصحة (6) في غيره ، والحكم بالفساد في تزويج الأختين والبنت والأم بعقد واحد من جهة قيام الدليل عليه ولا يحكم في نظائره إلّا بالفساد ولا قاضي به في المقام.

ص: 363


1- ما بين الهلالين أضيفت من ( د ).
2- لم ترد في ( ب ) : « بالوفاء به ... عملا بالأمر ».
3- في ( ألف ) : « بمقتضا ».
4- في ( د ) : « الفض » ظاهرا.
5- في ( ألف ) : « فالصحة ».
6- في ( د ) : « وبالصحة ».

والرابع : بأنّه إن اريد بذلك عدم قيام دليل خاص عليه فمسلّم ولا يلزمه انتفاء الدليل مطلقا ، وإن أريد عدم قيام دليل عليه مطلقا فهو واضح الفساد.

كيف والعمومات حجّة قائمة في المقام كافية في إثبات المرام.

والخامس : بأنّ العقد الواقع وإن كان شيئا واحدا إلّا انّه يتعدّد متعلقاته ، فلا مانع من صحّته بالنسبة إلى بعض وفساده بالنسبة إلى آخر.

ثمّ إن أجازه الآخر فلا خيار للمشتري وإن كان جاهلا بالحال حين العقد. نعم ، إن تراخى زمان إجازته احتمل ثبوت الخيار (1) على ما مرّ الكلام فيه في مسألة الفضولي ، وإن ردّه الآخر ثبت الخيار للمشتري مع جهله بالحال لتبعّض الصفقة عليه.

وأمّا البائع فالظاهر ثبوت الخيار له في الصورتين مع جهله عن الغير (2) واعتقاده تملك الجميع من جهة تبعض الصفقة ، ومع العلم بالحال وفلا (3) خيار للعالم مطلقا.

[ تتميم ]

ولنتمم الكلام في المرام برسم أمور :

أحدها : انّه إذا لم يجز المالك الآخر بطل البيع في ملكه ، وصحّ في المملوك بقسطه من الثمن ، فان كان المبيع ممّا لا يختلف الحال فيه من جهة الانضمام إلى الآخر وعدمه فلا إشكال في التقسيط ، فإنّهما يقومان معا.

وينسب قيمة المملوك إليهما (4) ، ويؤخذ بنسبته من الثمن.

وثانيا : إن كان للانضمام مدخليّة في زيارة القيمة كمصراعي باب وزوجي نعل فقد اختلف فيه كلام الأصحاب ، فظاهر إطلاق جماعة عدم الفرق بينه وبين الأوّل ، فيقومان معا

ص: 364


1- في ( د ) زيادة : « له ».
2- في ( د ) : « حق الغير » بدل « عن الغير ».
3- في ( د ) : « لا ».
4- في ( د ) : « إلى قيمتها ».

وينسب قيمة المملوك إليهما ويؤخذ بنسبته من الثمن.

وأورد عليه في الروضة (1) بأنّه لا يستحق مالك كلّ واحد ماله إلّا منفردا ، فكيف يقومان معا؟ أراد بذلك أنّه ينبغي أن يقع التقويم على نحو الملكيّة ، فإذا لم يملك كلّ منهما ماله إلّا منفردا فلا وجه لتقويمها منضمّين واعتبار قيمة الانضمام ، بل ينبغي أن يقوم كلّ منهما منفردا ، وينسب قيمة المملوك إلى مجموع القيمتين ويؤخذ له من الثمن بتلك النسبة.

وهذا هو القول الثاني ، وقد قوّاه في الرياض (2).

نعم ، احتمل الوجه الأوّل في الروضة فيما إذا كان العينان لمالك واحد ، وقد باعهما الفضول عنه ، فأجاز البيع في أحدهما دون الآخر.

وأنت خبير بأنّ عدم استحقاق كلّ منهما لماله إلا منفردا لا يقضي وقوع التقويم (3) مع الانفراد ؛ إذ ليس المقصود من تقويم الأمرين معرفة قيمة المالين على ما يستحق (4) المالكان إذ لا ربط له بالمقام بل الملحوظ صحّة ما وقع العقد عليه وقيمت ما خلّص للمشتري.

ولا ريب أنّ ما وقع العقد عليه هو المجموع ، وما خلّص للمشتري هو البعض يتعرف (5) بنسبتها إلى الأوّل مقدار ما وقع من الثمن المذكور في العقد بإزائه.

وأيضا قضية (6) عدم استحقاق البائع لماله إلّا متفرّدا أن لا يستحق من الثمن ما يقع بإزاء الانضمام ، وهذا قضية الوجه المتقدم في التقسيط لسقوطه (7) كسقوط ما يقابل الجزء الأخير دون ما ذكر من الوجه ، فالتعليل المذكور قاض بفساده على عكس ما رامه المستدلّ.

ومن هنا أورد عليه بأنّه إذا كان المشتري جاهلا بالحال وبذل الثمن بإزاء المجموع من

ص: 365


1- الروضة 3 / 240.
2- رياض المسائل 1 / 514.
3- هنا زيادة في ( ألف ) : « الّا منفردا ».
4- في ( د ) : « يستحقه ».
5- في د : « فيعرف ».
6- في ( ألف ) : « توقف ».
7- في ( ألف ) : « ولسقوطه ».

حيث المجموع ، فالأخذ بالنسبة إلى مجموع قيمتهما منفردين (1) ظلم على المشتري وحيف عليه.

قيل : وهو حسن إلّا أنّه منقوض بالظلم على البائع لو أخذ بالنسبة إلى مجموع قيمتهما مجتمعين مع عدم تقصيره وإتلافه شيئا على المشتري ، وإنّما أراد (2) شيئا لم يسلم له ، فإلحاقه بالغاصب حينئذ في ضمان الصيغة (3) ليس في محلّه مع براءة ذمته عنه.

قلت : أما ما ذكره من لزوم الظلم على المشتري على الوجه الأول فيما إذا كان المشتري جاهلا بالحال وبذل الثمن بإزاء المجموع ففيه (4) أنّه لا فرق في ذلك على فرض صحته من (5) علمه بالحال وجهله ؛ إذ مع العلم لم يبذل (6) الثمن على الأجزاء إلّا بمقتضى التقسيط ، فغاية الأمر أن يكون عالما بعدم خلوص الاجتماع له.

وذلك لا يقضي ببذل العوض بإزائه مع عدم حصوله ، فلا فارق بين الصورتين.

وأمّا ما ذكر من نقضه بالظلم على البائع لو أخذ قيمتها مجتمعين .. إلى آخره ، غير متّجه ؛ إذ ليس المقصود من ذلك تضمينه للصفة الفائتة ؛ إذ لا داعي لتوهم ذلك في المقام ، بل المقصود أنّه لما باع ما يملكه مع صفة (7) الانضمام إلى الآخر ولم يسلم إلى المشتري إلى ما يملكه منفردا لزم إسقاط ما يقع بإزاء العين الأخرى ، وما يقع بإزاء الانضمام الفائت على المشتري ، وعدم كونه هو السبب في فوته لا يقضي بأخذ شي ء ممّا يقابله ومع عدم ثبوت ذلك له أولا ، ولا حصوله للمشتري بعد ضمّه إلى الآخر.

والتحقيق في المقام أن يقال : إنّ العقد إنّما تعلّق بالأمرين ، فالمبيع إنّما هو المجموع ، فإذا

ص: 366


1- ليس في ( ب ) : « منفردين .. قيمتها ».
2- في ( د ) زيادة : « له ».
3- في ( ألف ) : « الضيغة ».
4- في ( ألف ) : « قمية ».
5- في ( د ) : « بين ».
6- في ( ألف ) : « ببذل » ، بدل « لم يبذل ».
7- في ( ألف ) : « منعه ».

أريد معرفة ما يقع من الثمن بإزاء أجزائه فلا بدّ من أن يعلم قيمة الكلّ وقيمة ذلك الجزء الّذي يراد استعلام ماله على الوجه الّذي وقع العقد عليه - أعني قيمته منفردا - مع الانضمام - أعني قيمة ذلك الجزء المنضمّ إلى غيره - حسبما وقع العقد عليه لا قيمته منفردا عن الآخر حسبما تخلص للمشتري ، فإنّ ذلك غير ما وقع العقد عليه ، وخلوصه كذلك للمشتري لا يقضي بوقوع العقد عليه كذلك ، فلا وجه في ملاحظته في المقام ، فلا بدّ من ملاحظته على الوجه الّذي ذكرناه ، فينسب ذلك إلى قيمة المجموع ، ويؤخذ من الثمن بتلك النسبة ، فيتعين بذلك ما وقع بإزائه من الثمن في ذلك العقد.

وعدم خلوص الصفة للمشتري لا يقضي بسقوط شي ء من الثمن بإزائها ؛ لما تقرّر عندهم من عدم تقسيط الثمن على الأوصاف.

ولذا اتّفقوا على عدم إسقاط شي ء من الثمن بإزاء الأوصاف في خيار الوصف والتدليس ، وإنّما يتخيّر بين الردّ والأخذ بمجموع الثمن ، فلا ظلم على البائع ولا المشتري مع ملاحظة الانضمام في التقويم.

وحصول الزيادة في القيمة بحسب الصفة الغير الحاصلة للمشتري لا يقضي بظلم عليه كما لا يقضي به في الخيار.

وانجبار الظلم هناك بالخيار جار في المقام ؛ لحصول الخيار له مع جهله بالحال كما عرفت.

وأمّا مع العلم فإنّما جاء الضرر عليه من جهة إقدامه ، فلا ظلم عليه من قبل الشارع.

وممّا قرّرنا يظهر ضعف ما قد يتخيّل من أنّ المالك لا يستحقّ إلّا قيمة ماله منفردا ، فلا وجه لاستحقاق (1) ما بازاء الانضمام ؛ إذ قد عرفت أنّه لا يقع شي ء من الثمن بازاء الوصف المذكور وإن كان باعثا على مزيد القيمة كسائر الأوصاف.

فإن قلت : إنّ ما ذكر من الوجه هو قضيّة ما ذكره في الروضة ؛ فإنّ مقتضى ملاحظتهما منفردين هو تقسيط الزيادة الحاصلة من جهة الانضمام الحاصل في العقد على ما يقع من الثمن

ص: 367


1- في ( د ) : « استحقاقها ».

بإزاء كلّ من العينين ، فيؤخذ بمجموع الأمرين على حسب ما ذكره (1) وإن اختلف الحال في ظاهر التقرير بين الوجهين ، فالمرجع فيهما واحد وإن كان ما ذكر من التقرير أوضح ؛ لاتّضاح الوجه في المسألة من بيانه.

قلت : إذا كانت الزيادة الحاصلة من جهة الانضمام متساوية النسبة إلى قيمة الأمرين فالحال على ما ذكر ، وأما إذا اختلفت الحال فيها فلا.

وتوضيح المقام أنّ تفاوت القيمة مع الانضمام وعدمه إمّا أن يكون بالزيادة أو النقيصة أو بهما معا بأن يقضي بالزيادة في أحدهما والنقصية في آخر.

وعلى الأوّلين فإمّا أن تكون تلك الزيادة أو النقيصة مختصّة بأحد القسمين أو مشتركة بينهما على واحد بالنسبة إلى العينين أو القيمتين أو مختلفة.

وعلى الثالث يمكن جريان الوجوه المذكورة فيما إذا كان المبيع أمورا ثلاثة أو أزيد.

وما ذكر من عدم الفرق بين الوجهين إنّما يتم فيما إذا كانت الزيادة أو النقيصة مشتركة بينهما متساوية النسبة إلى القسمين (2) دون ساير الأقسام ، فلا يتم الأخذ بما ذكره في التقسيط شي ء منهما (3) بخلاف ما قرّرناه.

وقد اتّضح بما ذكرناه ضعف الوجه الأوّل أيضا وأنّه أضعف من الثاني جدّا.

ثمّ إنّ ما ذكر في كيفيّة التقسيط إنّما يرجع إليه فيما إذا كان المبيع قيميّا ولم تكن تلك المالكين له على نحو الإشاعة ، وأمّا إذا كان مثليّا متساوي الأجزاء فلا حاجة إلى ما ذكر ، بل يؤخذ بنسبة (4) مقدار أحدهما إلى الجميع ، ولو كان مشاعا بينهما أخذ من الثمن بنسبة الإشاعة.

ومن التأمل في ذلك يعلم قوة ما ذكرناه من الوجه في التقسيط ؛ إذ قد يختلف القيمة بالنسبة إلى البعض والكلّ في هاتين الصورتين أيضا ، وما ذكر من الوجه مطابق لما قرّرناه

ص: 368


1- في ( د ) : « ذكر ».
2- في ( د ) : « القيمتين ».
3- في ( د ) : « منها ».
4- في ( ألف ) : « بنسبته ».

هناك ، فلا تغفل.

ثانيها : أنّه كما يفتقر إلى التقسيط مع عدم إجازة الآخر كذا لا بدّ منه مع إجازته أيضا ليتبيّن به مقدار ما يستحقّه كلّ منهما من الثمن.

ثمّ إنّه على المختار لا فرق في كيفية التقسيط بين الوجهين.

وأمّا على غيره فلا يبعد الفرق لعدم فوات وصف الانضمام على تقدير الإجازة بخلاف غيره ، وقد حكي ذلك عن البعض.

ويحتمل القول بعدم الفرق ؛ نظرا إلى أنّ صفة الاجتماع ليست مملوكة لأحدهما وإنّما جاءت بالعارض ، فلا فرق بين حصوله وعدمه.

وقد حكي ذلك أيضا عن البعض ، ولا يخلو عن ضعف ؛ إذ المدار في المقام على اختلاف القيمة في (1) أن جاءت الصفة الباعثة على الاختلاف بالعارض ، كيف ولو كان الحال على ما ذكر يجري فيما إذا كان العقد من الوكيلين أو الوليين أو الأصل والوكيل أو الولي ، والتزام ذلك منها (2) ممّا لا وجه له. وكأنّه مقطوع الفساد.

ثالثها : أنّه لو عيّنا بالثمن لكلّ منهما قبل العقد ، ثمّ أوقعا العقد على الكلّ صفقة ، فهل يبني على ما عيّناه أوّلا من غير رجوع إلى التقسيط أو أنّه لا بدّ من التقسيط على النحو المذكور؟ الظاهر الثاني ؛ أخذا بظاهر ما يقتضيه العقد. نعم ، لو عيّنا الثمن لكلّ منهما في متن العقد لزم الجري عليه.

رابعها : لو باع ملكي شخصين فضولا فأجاز أحدهما دون الآخر كان بمنزلة أن (3) باع ملكه وملك غيره.

وكذا الحال لو باع ملك موكّله أو مولى عليه (4) مع ملك غيره ، فيجري في ذلك كلّه جميع ما

ص: 369


1- في ( د ) : زيادة واو.
2- في ( د ) : « فيها ».
3- في ( د ) : « ما اذا ».
4- في ( ب ) و ( د ) : « مولاه » بدل : « مولى عليه ».

ذكرناه.

ولو باع ملك غيره فضولا فأجاز بعضه جرى فيه أيضا ذلك إن قلنا بجواز الإجازة كذلك ، وإلّا فلا كلام.

خامسها : لو باع ملكه وملك موكّله أو مولاه أو باع ملكي موكّله أو مولييه أو ملك موكّله ومولاه صفقة صح ذلك مع شمول الوكالة لذلك وجرى فيه التقسيط.

نعم ، يثبت له الخيار لو اعتقد أوّلا أنّ الجميع ملكه ثمّ ظهر خلافه أو اعتقد الموكّل كون الكل له ؛ نظرا إلى تبعّض الصفقة الباعثة على الخيار.

وعلى تقدير فسخه بتسلّط المشتري أيضا على الفسخ مع جهله بالحال.

سادسها : أنّه يجري في الثمن ما ذكر في المبيع ، فلو كان بعضه مستحقا للغير صحّ البيع في ملكه ووقف في غيره على إجازة المالك ، فإن أجاز (1) صحّ في الجميع وإلّا قسط (2) المبيع عليهما ، فيصحّ بالنسبة إلى المملوك دون غيره.

ويجري في التقسيط ما ذكرناه في تقسيط الثمن إلّا أنّه لمّا كان الغالب في الأثمان النقدين ولم يختلف الحال فيهما غالبا من جهة الانضمام وعدمه لم يحتج هنا إلى التفصيل المتقدّم في التقسيط إلّا من جهة الثمن لما عرفت ، ولا من جهة المبيع لحصول الإشاعة فيه.

ولو كان الثمن من غير النقدين وكان ممّا تختلف القيمة فيه مع الانضمام وعدمه جوّز في تقسيطه على المبيع ما قدّمناه.

ثمّ إنّه يأتي الكلام في الخيار هنا نظير ما قدّمناه.

سابعها : أنّه لو تلف أحد المبيعين أو كلاهما قبل التقويم فتعذّر تقويم التالف ، فإن كان ذلك مع ردّ المالك (3) وعدم إجازته فإن كان ماله باقيا أخذه ، وحينئذ فيقع الإشكال في مقدار استحقاق الآخر من الثمن.

ص: 370


1- في ( د ) : « أجازه ».
2- في ( ب ) : « سقط ».
3- في ( ألف ) : « المال ».

وحينئذ فيقوم احتمال البناء على الصلح القهرى لثبوت الاستحقاق في الجملة وعدم إمكان التخلّص إلّا بالصلح.

ويحتمل البناء على القرعة فإنّها لكلّ أمر مشكل.

وكأنّ الأظهر فيه البناء على الأقل ، فيؤخذ من الاحتمالات بالنسبة إليه ما يكون قسطه من الثمن أقلّ ؛ أخذا بمقتضى الأصول الشرعيّة حتّى يتحقق المخرج ، والقدر الّذي ثبت انتفاعه إلى البائع واجب على المشتري دفعه إليه هو الأقل ، فيدفع عليه (1) ما زاد عليه (2) بالأصل.

ولو كان غير المجاز تالفا سواء تلف الآخر أو لا فإن كان قيميّا لا يمكن استعلام قيمته أشكل الحال فيه أيضا ، ويقوى الأخذ في قيمته بالأقل ؛ أخذا بمقتضى الأصل فيه أيضا.

فإن لم يعلم استحقاق أحدهما في الجملة لما زاد على (3) دفعه من الأقل في المقامين بني على عدمه وبراءة ذمته من وجوب الدفع وإن علم به دار (4) بينهما كان كسائر الأموال الدائرة بين شخصين إن كان الثمن عينا معيّنة وكغيره ممّا علم اشتغال الذمّة لأحد الشخصين إن كان كليّا في الذمة ، فيحتمل البناء فيه على الصلح القهري أو القرعة حسبما يأتي في الصورة الأخيرة.

وإن كان ذلك مع اجازة الآخر وإمضائه فلا اشكال في انتقال الثمن إليهما وخروجه عن ملك المشتري.

وحينئذ فيحتمل البناء على الصلح ، فإن كانا حاضرين كاملين قاما بالصلح ، وإلّا ناب الحاكم عنهما أو عن أحدهما.

ويحتمل البناء فيه على القرعة.

وحينئذ فإن انحصر الاحتمالات أقرع بينهما ، وإن لم ينحصر ودار الأمر بين المساواة

ص: 371


1- ليس في ( د ) : « عليه ».
2- ليس في ( ب ) : « عليه ».
3- في ( د ) زيادة : « ما ».
4- في ( د ) : « ودار ».

والفاضل (1) أقرع بينهما ، فإن خرجت المساواة فلا كلام (2) وإلّا أخذ مقدار معين من الاحتمالات وأقرع بينه وبين ما (3) ينقص عنه وما يزيد عليه وهكذا إلى أن يتعيّن.

ثامنها : أنّه لو باعه نصف الدار وهي مشتركة بينه وبين غيره على النصف انصرف المبيع إلى النصف المملوك له ، ويحتمل أن ينزل على الإشاعة ، فيكون من قبيل بيع المملوك وغيره فيصحّ في الربع الآخر موقوفا على إجازة الآخر.

ولا يخلو من (4) بعد.

وكذا الحال لو كان له الجميع في الظاهر فباع النصف ، ثمّ ظهر نصفها مستحقا للغير ، فالظاهر انصراف المبيع أيضا إلى ما هو حقّه في الواقع ، فلا ينقص بإثبات ذلك شي ء من حقّ المشتري ، وإنّما يأخذ ذلك من البائع.

وأمّا لو أقر الآخر (5) بنصف الدار وهي مشتركة بينه وبين آخر كذلك ، فهو منزل على الإشاعة ، فتصحّ إقراره في نصف النصف الّذي له دون النصف الّذي لشريكه ، وكذا الحال لو أقرّ (6) بنصف الدار ثمّ ظهر النصف مستحقا للغير بإفاضه البيّنة ، فيبطل (7) بذلك نصف إقراره.

وإن شئت قلت : إنّ ما يثبته الآخر بني على الإشاعة فيأخذ نصفا من المقر ونصفا من المقر له ، فإذا قبض نصفه وأقرع (8) بقي النصف الآخر بين المقر والمقر له نصفين لكلّ منهما الربع في الباقي.

وعلى الأوّل يثبت للمقر له ثلثا ما في يد المقرّ وله الثلث ؛ لاعترافه بأنّ له جزءين وله جزء

ص: 372


1- في ( د ) : « والتفاضل ».
2- في ( ألف ) : « فلا كلا ».
3- ليس في ( د ) : « ما ».
4- في ( د ) : « عن ».
5- في ( د ) : « لآخر ».
6- في ( د ) زيادة : « لآخر ».
7- زيادة : « فيبطل » من ( د ).
8- في ( ألف ) : « وأقرره ».

واحد ، فيكون الربع الّذي ظلم الشريك بإنكاره حق الآخر تالفا منهما بالنسبة ، ويكون الباقي بينهما كذلك.

ولو قال : إنّ لي النصف والنصف الآخر للمقرّ له كان إقراره في شأن غيره ، فلا يثبت للمقرّ له بذلك شي ء قبل الإقرار ، وبعده يثبت له نصف ما في يد المقرّ ؛ لاعترافه بأنّ له النصف في كلّ جزء ، فيكون ذلك النصف بينهما نصفين.

وممّا قرّرنا يعرف الحال في إقراره لسائر الكسور في الصور المفروضة.

تاسعها : لو باعه ما فيه حقّ الزكاة من دون ضمانه صحّ في ماله ووقف في سهم الزكاة موقوفا على إجازة الإمام عليه السلام أو نائبه في وجه قوىّ.

ويحتمل فساده بالنسبة إليه من أصله بناء على عدم جواز بيع الزكاة قبل قبضها.

والأظهر الأوّل ؛ أخذا بظاهر الولاية. وحينئذ لو كان البائع ممن له الولاية على الزكاة فالظاهر صحّة البيع في الجميع ، ولو ضمن مال الزكاة صح البيع أيضا لتملكه (1) لسهم الزكاة وانتقال الحق إلى ذمته ، فلو لم يؤدّ الحق احتمل الفساد بناء على أنّ العامل حينئذ بيع العين.

ولو باعه غافلا من الضمان وعدمه ففيه وجهان.

وقضية الأصل أنّه حينئذ كقصد عدم الضمان.

ولو (2) كان المالك ممّن لا يرى دفع الزكاة كالكافر أو يدفعه إلى غير أهله كالمخالف لم يبعد صحّة البيع في الجميع يسوغ للمشتري التصرف فيه حسبما جرت عليه السيرة العامّة من لدن زمان الأئمّة عليهم السلام إلى يومنا هذا من شراء الأموال الزكوية من الكفار وأهل الخلاف والتصرف فيها من دون إخراج سهم الزكاة.

وفي جريان ذلك في أهل الحق إذا علمنا دفعها إلى غير المستحق وجهان.

وقضيّة الأصل عدم الجريان نعم ، مع الجهل بالحال لا إشكال ؛ حملا لفعل المسلم على الصحة كما لو جهل الضمان أو الأداء أو ظنّ عدمه.

ص: 373


1- في ( د ) زيادة : « حينئذ ».
2- في ( ألف ) : « لو » بدون الواو.

ولو باعه أحد نصب (1) الأنعام وفيها الزكاة احتمل فساد البيع من أصله ؛ لعدم تعيّن المخرج في الزكاة ، فلا يتعيّن ما يصحّ البيع فيه ، بل وما يستحقه بعد التقسيط بحسب الواقع إذا اختلف (2) في القيمة.

ويحتمل الصحة والبناء على الإشاعة إلّا أنّه يتخيّر المالك في دفع الأفراد بصرفها عليه ، فحينئذ فيقسط (3) من الثمن بنسبة ما فيه من الزكاة إلى المبيع.

وعليه فهل يبقى المالك حينئذ على خياره أو أنه يتخير المشتري مكانه أو أنّه يقسم المال حينئذ ويقبض الحق على حسب الشركة كما هو الأصل في المشتركات؟ وجوه كأنّ أظهرها الأوّل إلّا أنّه لا يبعد خيار المشتري أيضا في الدفع لو طالبه الحاكم بعد صيرورته في يده.

ويشكل الحال حينئذ فيما لو كان المدفوع زائدا على الحق المشاع أو ناقصا عنه ، فهل يكون الزائد غرما أو غنما للمشتري أو أنّه يكشف عن فساد البيع بتلك النسبة فينقص أو يزاد على قيمة المملوك على حسبه.

ص: 374


1- في ( د ) : « نصف ».
2- في ( د ) : « اختلفت ».
3- في ( ألف ) : « فيسقط ».

تبصرة: [ في بيع ما يملكه المسلم وما لا يملكه ]

اشارة

لو باع ما يملكه المسلم وما لا يملكه سواء كان ممّا لا يملك مطلقا أو لم يكن قابلا لملك المسلم كالحرّ والخمر والخنزير صحّ البيع فيما يملكه وبطل فيما لا يملك ، على المعروف بين الأصحاب.

ويجري فيه الاحتمال والإشكال المذكور في المسألة المتقدمة.

ويندفع بما مرّ.

وربّما يزاد الاشكال في المقام تارة بأنّ البيع المذكور منهيّ (1) عنه للنهي عن الأمور المتضمنة إلى ما يملكه من الحر والخمر والخنزير مثلا ، والمفروض اتحاد البيع المتعلّق بها ، وهو قاض بالفساد لتعلّقه (2) بذات المعاملة حسبما فرض.

وأخرى بأنّه مع علم البائع أو المشتري بالحال يكون قد باع أو اشترى المجهول مع جهله بما يوجبه التقسيط ؛ إذ هو في قوة أن يبيعه بما يخصّه من الثمن على تقدير توزيعه عليه وعلى شي ء آخر لا يعلم مقداره.

ولذا مال في التذكرة إلى الفساد حينئذ مع علم المشتري بالحال ، وقال : إنّ البطلان حينئذ ليس ببعيد من الصواب.

ويدفع الأوّل أنّ النهي المذكور إنّما يقضي بالفساد من الجهة الّتي تعلّق به لذات المعاملة ولا ربط له بالشي ء الّذي يجوز بيعه ؛ إذ تعلّق النهي به حينئذ إنّما يكون تبعا للآخر ، فلا قاضي بفساد العقد من تلك الجهة ، لا مانع من تبعّض مقتضى العقد حسبما مرّ.

ص: 375


1- لم ترد في ( ب ) : « المذكور منهيّ .. اتّحاد البيع ».
2- في ( ألف ) : « التعلقة ».

والثاني أنّ المعتبر من العلم بالعوضين ما كان بالنسبة إلى جميع ما تعلّق به (1) عليه العقد دون ما يصحّ العقد بالنسبة إليه وإن علم فساده حين العقد بالنسبة إلى البعض حسبما أشرنا إليه في المسألة المتقدمة.

ثمّ إنّه يقسط الثمن عليهما ويصحّ البيع فيما يصحّ تقسيطه (2) من الثمن على حسب ما مرّ ، ولو كان للانضمام مدخليّة في تفاوت القيمة جرى فيه أيضا ما مرّ.

ثمّ إنّهم ذكروا هنا في تقويم غير المملوك أنّه يقوم الحر على الوصف الّذي هو عليه لو كان رقّا ، ويرجع في الخمر والخنزير إلى قيمتهما عند مستحلّيهما ، فيستعلم قيمتهما عندهم بما يثبت به القيمة في غير هذا المقام من شهادة عدلين مطّلعين على قيمته عندهم أو أخبار جماعة يعلم عادة عدم تواطئهم على الكذب أو بأخبار بعضهم إذا انضمّ إليه من القرائن ما يفيد العلم بصدقه.

وفي المسالك (3) : إنّه لو قيل بقول (4) إخبار جماعة منهم كثيرة يؤمن اجتماعهم على الكذب يحصل بقولهم الظن الغالب المقارب (5) للعلم أمكن.

وفيه : أنّه لو قيل بمثله في ساير التقويمات أيضا فلا كلام إلّا أنّه يشكل الحال في الاتّكال على مطلق الظن الغالب في مثله مع أنّه من الموضوعات الصرفة ولو لم يكتف به في غيره.

فلا وجه للاكتفاء به في المقام ، فيكون الحال فيه مع عدم إمكان الاستعلام كغيره من القيم إذا تعذّر استعلامه لبعض العوارض.

وحينئذ فهل يحكم فيه بالصلح لجهالة قدر الاستحقاق أو أنّه يؤخذ فيه بالأقلّ فيرجع فيما زاد عليه إلى الأصل حيث إنّ الأصل بقاء الثمن على ملك صاحبه إلّا ما ثبت انتقاله عنه؟

ص: 376


1- ليس في ( ب ) : « به ».
2- في ( د ) : « تقسطه ».
3- مسالك الإفهام 3 / 163.
4- في المصدر : « بقبول ».
5- في المصدر : « المتقارب ».

ولا يبعد البناء على الأخير مع التعاصر.

ثمّ انّه لا يذهب عليك أنّ ما أطلقوه في المقام لا يخلو عن إشكال : أمّا أو لا فبأنّ ما ذكروه من تقويم الحرّ عبدا متّجه إذا بيع على أنّه رقّ فتبيّن حرّا ، وأمّا لو بيع على أنّه حرّ لم يتّجه فرض كونه رقّا ، فإنّ الرقّية قاضية بازدياد الرقبة فيه ، فلا وجه لأن يفرض في تقويمه ما ليس فيه.

إلّا أن يقال : إنّ التقويم مبنيّ على ذلك ، إذ لا قيمة للحرّ فلولا فرضه رقّا لم يقوم في العادة (1) ، وأيضا قضيّة بيعه وشرائه هو اعتبار ملكيّة عين المبيع وإن علم عدمه ، فيقوم على حسب ما اعتبراه.

وأنت خبير بما فيه ، إذ قد يباع الأحرار في عادة الفسّاق أو عند الضرورات ، فيتحصّل له قيمة في العرف ، وقد تتفاوت قيمته حينئذ قيمة الرقّ ، وعدم كونه مقوّما شرعا لا يقتضي عدم ثبوت قيمة له في العرف.

وحينئذ فلا بدّ من الأخذ بذلك دون أن يفرض رقّا ، وعلى تقدير عدم ثبوت قيمة للحرّ في العادة فينبغي إلحاق ذلك حينئذ بغير المقوّم من الضميمة كما سيأتي الإشارة إليه ، لا أن يفرض ذلك شيئا آخر حتّى يصحّ بذلك تقويمه ، وكون إقدام المتعاملين على البيع والشراء قاضيا بتنزيله منزلة المملوك فيقوم على حسبما أقدما عليه أو صح التعويل عليه في التقويم غير مطّرد في المقام ، فإنّه إنّما يتم فيما إذا لم يلاحظا حريّته في الإقدام على بيعه بل أجرياه مجرى الرقّ.

وأمّا إذا كان الإقدام عليه على وجه الحريّة ، ولذا اعتبر (2) العوض المقابل له شيئا يسيرا كما إذا لوحظ معظم القيمة بإزاء الرق وبذل شي ء يسير بإزائه مع تساويهما في الصفات وإن تعلّق البيع بهما صفقة فلا يتمّ ذلك ، ففي (3) تقويمه حينئذ على الرقية (4) ضرر على البائع إلّا أن

ص: 377


1- في ( ألف ) : « امارة ».
2- في ( د ) : « اعتبرا ».
3- في ( د ) : « وفي ».
4- في ( د ) : « الرقبة ».

يقال بخروج هذه الصورة عن المفروض في كلامهم ، فكان ذلك بمنزلة تعيين سهم من الثمن في العقد بإزاء كل من العينين (1) حسبما ذكر نظيره في المسألة السابقة.

ويشكل الحال حينئذ فيما لو بني العقد على ملاحظة الاختلاف بينهما فيما يقابله من العوض من دون تعيين لقدر الاختلاف ؛ إذ لا معيّن له حينئذ في الظن (2) ، أمّا ثانيا فبأنّ الرجوع في قيمة الخمر والخنزير إلى مستحليه إنّما يتم إذا لم يكن مقوّما عند فساق المسلمين ، أمّا إذا كان مقوّما عندهم جاريا في معاملاتهم كما هو الحال في الخمر في بعض البلدان فلا حاجة إلى الرجوع إليهم ، بل لا وجه إذا اختلفت قيمته عندهم لما يقوم به عند الكفّار.

وكون ذلك ممّا لا قيمة له في الشريعة لا يقضي بانتفاء القيمة العرفية ، فإنّ المعاملات إنّما تجري على مجرى العادات. وكأنّ كلامهم في المقام محمول على الغالب ، وإلّا فالمتّجه حينئذ الرجوع إلى قيمته عندهم ؛ لابتناء العقد حينئذ على ذلك ، فلا حاجة إلى الرجوع إلى غيرهم ، بل لا وجه له مع اختلاف قيمته عندهم لما عندنا.

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : أنّ ما ذكر من تقويم الخمر والخنزير عند مستحلّيه إنّما يتمّ إذا بيع على أنّه خمر أو خنزير ، وأمّا لو بيع الخمر على أنه خلّ مثلا أو الخنزير على أنّه شاة أو بقر فالظاهر تقويم الخمر خلّا والخنزير شاة أو بقرا ؛ إذ الثمن إنّما بذل على ذلك ، فلا وجه لتقويمه خمرا أو خنزيرا.

والظاهر أنّ المفروض في كلام الأصحاب هو الأول ، ولذا اعتبروا القيمة على ما ذكروه.

ثانيها : أنّه لو كان ما لا يملك ممّا لا قيمة له في العادة أصلا كما لو باعه بعض الكثافات مع ما يملكه أو باعه الشمس أو القمر مع شي ء مملوك أو باعه شخصا من الجن أو الملائكة مع عبد له ونحو ذلك ، فالظاهر فساد البيع ؛ إذ لا يتعين شي ء من الثمن بإزاء المملوك ، ولا يمكن جعل الجميع بإزائه ؛ إذ هو غير ما يقتضيه العقد ولم يقع العقد عليه.

ثالثها : أنّه يجري الحكم المذكور فيما لو كان فساد البيع في البعض من جهة أخرى غير

ص: 378


1- في ( ألف ) : « المعنيين ».
2- في ( د ) : « الظاهر ».

انتفاء الملكيّة كما إذا كان الفساد من جهة انتفاء القدرة على التسليم كما لو باع المغصوب مع غيره أو باع الدابّة الضالّة مع غيرها إن لم تلحقها (1) بالآبق ، فيصح البيع فيما يصحّ فيه ويبطل في غيره ويقسط الثمن عليهما.

والظاهر تقويم ذلك على حسبما هو عليه من الصفة ، فيلاحظ المغصوبية والضلال فيما فرض من المثال إذا علمنا بالحال.

وأمّا مع عدم العلم بهما فيقومان من دونه ؛ لحصول الإقدام عليه كذلك في الصورتين حسبما مرّ نظيره.

ولو علم (2) به أحدهما دون الآخر فالظاهر أنّه كصورة الجهل منهما ، ولو كان ممّا لا قيمة له في العادة مع ملاحظة الوصف المفروض ، فلا يبعد القول بفساد البيع من أصله حسبما عرفت.

ومن (3) ذلك ما لو باع القرآن مع غيره من الكافر بناء على فساد بيع القرآن منه أو باع السلاح لأعداء الدين مع ما يصحّ بيعه منهم ، والتقسيط هنا ظاهر.

ومن ذلك بيع ثمرة البستان قبل ظهورها إذا باعها مع غيرها (4) من الأعيان الموجودة ، فيقسط الثمن عليهما ، ويصحّ تقسيط ذلك العين من الثمن.

ومن ذلك ما إذا باع بعض آلات اللّهو أو نحوها مع ما يصحّ معه إن قلنا بعدم خروجها عن الملكيّة من جهة المادة ، فإنّه لا يصحّ بيعها من جهة الصورة ، وإن قلنا بخروجها عن ملك المسلم من جهة طريان تلك الصورة وإن كان لمادّتها قيمة اندرج في عنوان المسألة.

وكيف كان ، فالظاهر تقويمها على صورتها عند الفسّاق أو الكفّار على ما مرّ ، فيؤخذ من الثمن بنسبة قيمة ما يصحّ البيع فيه إلى المجموع حسبما عرفت.

ولو ضمّ ما لا يتموّل إلى المتموّل وكان غير المتموّل مقصودا بالبيع على ما هو المفروض

ص: 379


1- في ( د ) : « نلحقها ».
2- في ( ألف ) : « سلّم ».
3- في ( ألف ) : « من » بدون الواو.
4- في ( د ) : « غيره الثمرة ».

في المقام كما لو ضمّ حبّة من الحنطة إلى كتاب وباع تلك الحبّة مع الكتاب بثمن معلوم قوي فساد البيع في غير المتموّل ؛ إذ كما لا يصحّ بيعه منفردا لا يصحّ بيعه منضما إذا كان مقصودا بالبيع.

وفساد البيع غير قاض بفساده في المتموّل إذ لا تعيّن لما بإزائه من الثمن ، فإنّ مقصوديّة غير المتموّل بالبيع قاضية بكون بعض الثمن بإزائه على حسب تعلّق العقد به.

ولا يمكن تقسيط الثمن عليهما ؛ إذ لا قيمة له على حسب غيره ممّا لا يكون الضميمة إليه مقومة كما عرفت.

ولو ضمّ تلك الحبّة إلى جنسها من المتموّل كما لو باعها ومّنا (1) من الحنطة كذلك احتمل الصحّة لكون المجموع متموّلا.

ويضعفه بأنّ حبات الحنطة (2) غير مقصود بالبيع ، فلا ينقسط (3) ما بازائها شي ء من الثمن ، وهنا لمّا كان غير المتموّل مقصودا بالبيع حسبما هو المفروض لزم أن يقع ما بازائه بعض من الثمن فيتطرّق إليه الفساد من تلك الجهة.

وحيث لا يتعيّن ما بإزائه وما بإزاء الباقي يتطرّق الفساد إلى الجميع.

نعم ، لو عيّن في العقد ما بإزاء غير المتمول من الثمن فسد العقد بالنسبة إليه وصحّ في غيره كما هو الحال في غيره ممّا لا قيمة له ؛ إذ عيّن في العقد عوضه.

ولو ضمّ المنفعة إلى العين فباع الأمرين جرى فيه ما قلناه ؛ لفساد بيع المنافع ، ويصحّ بالنسبة إلى العين بقسطها من الثمن بعد تقسيطه عليها وعلى المنفعة المنضمّة (4) إليها.

ولو ضم إلى العين بعض الحقوق كحقّ الخيار أو حقّ الرجوع وغيرهما ممّا يصحّ الصلح (5)

ص: 380


1- قد تقرأ في ( ب ) : « زمنا ».
2- في ( د ) زيادة : « في بيع المتمول من الحنطة ».
3- في ( د ) : « يتقسط ».
4- في ( ألف ) : « للمنفعة ».
5- في ( د ) : « لصلح ».

عليها وما لا يصحّ ، فإن أمكن تقويمه ليمكن تقسيط الثمن عليه وعلى العين صحّ البيع بالنسبة إلى العين ، وأخذ لها قسطها من الثمن وإلّا فالظاهر فساد البيع من أصله حسبما قلنا به فيما لا يقوم من الضمائم إلّا أن يعيّن ما بإزائه من الثمن في نفس العقد فيبطل فيه ويصحّ في غيره كما أشرنا إليه.

رابعها : لو كانت الضميمة الّتي لا يصحّ بيعها غير مقصودة بالبيع ، بل جعلت تابعة للمبيع فإن لم يكن مانع من أتباعها كضمّ غير المقدور على تسليمه إلى المقدور أو غير الموجود إلى الموجود كثمرة البستان قبل ظهورها وغير (1) المعلوم إلى المعلوم ، فالظاهر صحّة البيع بتمام الثمن وصحّة الاتباع ، فيكون ذلك للمشتري على فرض حصوله وإن كان ممّا لا يصحّ اتباعه لتحريمه كاتباع الخمر والخنزير وآلات اللّهو ونحوها من المحرّمات ففيه وجهان : صحّة البيع بجميع الثمن وسقوط التابع لفساده ، وفساد البيع من أصله فإنّه بمنزلة الشرط الفاسد [ .. ] (2).

فيمكن الاستناد إليها للحكم بالجواز مطلقا ؛ نظرا إلى عدم ظهور قول بالفصل بين متقدمي الأصحاب.

وهي صريحة في الدلالة على فساد القول بالمنع مطلقا ولو بالنسبة إلى الطعام.

وبعد فساده يتعين القول بالجواز حسبما دلّت عليه الروايات المتقدّمة لضعف القول بالتفصيل المذكور ، وعدم مساعدة لفتوى له نظرا إلى ندور قائله وحدوث القول به بين المتأخرين بملاحظة الأخبار المذكورة.

فمن تلك الروايات صحيحة منصور بن حازم : « إذ اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى يقبضه إلّا أن توليه » (3).

ومنها : صحيحة علي بن جعفر : عن الرجل يشترى الطعام أيصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ قال : « إذا ربح لم يصلح حتّى يقبض وإن كان يوليه فلا بأس » (4).

ص: 381


1- في ( د ) : « أو غير ».
2- في ( د ) : بياض في الأصل.
3- من لا يحضره الفقيه 3 / 206 ، باب البيوع ح 3772.
4- تهذيب الأحكام 7 / 36 ، باب بيع المضمون ح 41.

وبمعناه سؤال آخر له عنه عليه السلام.

ومنها : صحيحة أخرى عن الرجل : يبيع المبيع قبل أن يقبضه ، فقال : « إن يكن (1) كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلّا أن توليه » (2).

ومنها : الموثق عن القوم يدخلون السفينة يشترون الطعام فيتساومون بها ثمّ يشتريه رجل منهم فيسألونه فيعطيهم (3) ما يريدون من الطعام فيكون صاحب الطعام هو الذي يدفعه إليهم ويقبض الثمن؟ قال : « لا بأس ما أراهم إلّا قد شركوه » (4).

ويعضد ذلك أيضا ما دلّ على جواز بيع أحد الشركاء حصّة من الطعام من شريكه قبل قبضه بربح ، ففي موثقة سماعة عن الرجل يبيع الطعام أو الثمرة وقد كان اشتراها ولم يقبضها؟ قال : « لا حتى يقبضها إلّا أن يكون معه قوم يشاركهم ، فيخرجه بعضهم من نصيبه عن شركته بربح » (5) .. الخبر.

إذ لم نجد قائلا ذهب إلى التفصيل المذكور ، فيتعيّن حمل منعه الأوّل على الكراهة كسائر الأخبار المانعة ، مضافا إلى عدم صراحة شي ء منها في التحريم.

ويؤيد ذلك رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل أن يكيله؟ قال : « لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه إلّا أن يوليه كما اشتراه إذا لم يربح فيه أو يضع » (6) فإن قوله « لا يعجبني » ظاهر في الكراهة كمال الظهور ، وهي في الحقيقة بعد اعتضادها بما ذكر دليل على المطلوب.

ويومي إلى ذلك أيضا جواز إحالة الديّان إليه قبل قبضه كما ورد في الصحيح ؛ إذ هو في

ص: 382


1- في ( د ) : « ما لم يكن ».
2- تهذيب الاحكام 7 / 35 ، باب بيع المضمون ح 34.
3- في ( ألف ) : « فيعطهم ».
4- الكافي 5 / 180 ، باب شراء الطعام وبيعه ح 9.
5- تهذيب الأحكام 7 / 36 ، باب بيع المضمون ح 40.
6- في ( ألف ) : « يصنع ». تهذيب الأحكام 7 / 6. باب بيع المضمون ح 42.

معنى منعه (1) منه.

حجة القول بالمنع مطلقا عدّة من الأخبار :

منها : الصحيح ، وفيه بعد الحكم بجواز بيع قبل قبضه : « إنّ هذا ليس بمنزلة الطعام ، إنّ الطعام يكال » (2).

ومنها : الصحيح ، قال أمير المؤمنين [ عليه السلام ] : « من احتكر طعاما أو علفا أو ابتاعه بغير حكرة وأراد أن يبيعه فلا يبعه حتّى يقبضه ويكتاله » (3).

ومنها : ما رواه الحميري بإسناده إلى علي بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام قال : سألته عن الرجل اشترى مبيعا كيلا أو وزنا هل يصلح بيعه مرابحة؟ قال : « لا بأس ، فإن سمّى كيلا أو وزنا فلا يصلح بيعه حتى يكيله أو يزنه » (4).

وقد ورد المنع من بيع الطعام قبل قبضه في عدّة أخبار كالصحيح في الرجل يبتاع الطعام ثمّ يبيعه قبل أن يكال؟ قال : « لا يصلح له ذلك » (5).

وفي الصحيح أيضا في الرجل يبتاع الطعام ثمّ يبيعه قبل أن يكتاله؟ قال : « لا يصلح له ذلك » (6) ولا يبعد اتّحاد الخبرين ؛ لاتحاد الراوي والمروي عنه.

نعم ، روى الآخر غيره في الموثق ، عن الصادق عليه السلام أيضا قال : « لا يبعه (7) حتى يكله » (8) (9).

ص: 383


1- زيادة : « منعه » من ( د ).
2- من لا يحضره الفقيه 3 / 217 ، باب البيوع ح 3805.
3- تهذيب الاحكام 7 / 37 ، باب بيع المضمون ح 43.
4- وسائل الشيعة 18 / 70 ، باب جواز بيع المبيع قبل قبضه على الكراهة ح 22.
5- الكافي 5 / 178 ، باب شراء الطعام وبيعه ح 2.
6- تهذيب الأحكام 7 / 36 ، باب بيع المضمون ح 37.
7- في ( د ) : « لا تبعه ».
8- من لا يحضره الفقيه 3 / 210 ، تهذيب الأحكام 7 / 36 ، باب بيع المضمون ح 38.
9- في ( د ) : « تكيله ».

وفي الموثق عن الرجل يبيع الطعام أو الثمرة وقد كان اشتراها ولم يقبضها؟ قال : « لا حتى يقبضها » (1).

وورود (2) بعض الروايات المذكورة في خصوص الطعام لا يفيد اختصاص الحكم به ، فإطلاق ما دلّ على المنع في غيره كاف في إثباته غاية الأمر أن تكون الأخبار المذكورة دليلا على المنع في غير الطعام.

وأنت خبير بأنّه ليس شي ء من الروايات المذكورة صريحة في التحريم سيّما ما اشتمل على نفي الصلاح.

والأولى حمل الجميع على الكراهة ؛ جمعا بينها وبين ما دلّ على الجواز ممّا عرفت.

وممّا ذكرنا تعرف حجّة القول باختصاص الحكم بالطعام ، فإنّ عدة من الأخبار المذكورة قد اشتملت على المنع في خصوص الطعام ، فيبقى غيره على أصالة الجواز ، وما دلّ إطلاقه على المنع في غيره أيضا محمول على الكراهة جمعا أو على خصوص الطعام حملا للمطلق على المقيّد.

مضافا إلى ما أشرنا إليه من الإجماعين المنقولين عليه.

ويدفعه أنه لو بنى على حمل النهي في المقام على الكراهة جرى في الجميع فيبعد حمل بعضها على الكراهة والبعض على التحريم من غير قيام شاهد على الفرق.

وليس المقام من موارد حمل المطلق على المقيّد حتّى تنزل الإطلاقات على ذلك.

مضافا إلى ذكر خصوص العلف في بعض الصحاح المتقدّمة ، وليس مندرجا في الطعام قطعا.

والاجماع المنقول موهون بمصير كثير من الأصحاب من القدماء والمتأخرين إلى خلافه.

مضافا إلى معارضته بالصحاح المستفيضة وغيرها ممّا يفيد الجواز في الجملة ، كما مرّت الإشارة إليها.

حجة التفصيل : الصحاح المستفيضة وغيرها ممّا دلّ على التفصيل المذكور ، وقد مرّت

ص: 384


1- تهذيب الأحكام 7 / 36 ، باب بيع المضمون ح 40.
2- في ( ألف ) : « وورد ».

الإشارة ) (1) إلى جملة منها.

وما عرفت من الإطلاقات المانعة عن بيع الطعام قبل القبض مطلقا ينزل عليه ، حملا للمطلق على المقيد.

ويدفعه متروكيّة القول بذلك بين الأصحاب حتّى أنّه لا يعرف من يفتي به من قدماء الأصحاب ، وإنّما ذهب إليه بعض المتأخرين ؛ نظرا إلى صحّة الأخبار الدالّة عليه.

وقد عرفت أنّ الأظهر حملها على الكراهة جمعا بين الأدلّة ، مضافا إلى عدم صراحتها في التحريم.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه على أمور :

منها : أنّه هل يجري الحكم المذكور بالنسبة إلى الثمن أيضا ، فيحرم أو يكره بيعه قبل القبض إذا كان مكيلا أو موزونا أو كان طعاما؟ وجهان من أنّ العوضين بمنزلة واحدة بل قد يدّعى صدق المبيع عليه كما مرّ ، ولظاهر إطلاق بعض الأخبار المتقدّمة ، ومن اختصاص معظم أخبار الباب بالمبيع قبل القبض.

وصدقه على الثمن بعيد عن الاستعمالات العرفيّة ، فلا يندرج في الإطلاق.

والرواية المذكورة لا تصريح فيها بذلك ، غايته إطلاق ضعيف ، وإثبات الحكم المذكور به مع خلو الفتاوى عنه مشكل ، سيّما على القول بالتحريم.

وهل يجري الحكم المذكور فيما ينتقل إلى البائع بغير البيع من ساير الوجوه الناقلة كالصلح والإجارة والإرث؟ وجهان ؛ من شمول إطلاق بعض الأخبار الماضية وخلوّ غيره من الأخبار الكثيرة وظاهر فتاوى الأصناف (2) عنه.

وهل يجري ذلك في نقله إلى الغير حينئذ بغير البيع من الهبة والصلح ونحوهما أو يختص

ص: 385


1- ما بين الهلالين أدرجت في المتن من ( د ).
2- كذا في ( ألف ) و ( ب ) ، ومشوش في ( د ) ، ولعله : « الأصحاب ».

ذلك بالبيع قبل القبض؟ الظاهر الثاني لاختصاص الأدلّة به ، فيؤخذ حينئذ الأصل السالم عن المعارض في غيره.

ومنها : أنّ المذكور في عدّة من الأخبار إناطة الحكم المذكور تحريما أو كراهة بوقوع البيع قبل القبض ، وفي جملة منها إناطته بالوقوع قبل الكيل أو الوزن.

فإن قيل بكون (1) القبض في المكيل والموزون هو الكيل والوزن فلا كلام ، وإلّا فقد يشكل الحال فيما هو المناط في المقام من الأمرين المذكورين.

والظاهر إناطة الحكم بالقبض كما هو المذكور في كلام الأصحاب ، وفي كثير من الأخبار المذكورة.

وكأنّ ذكر الكيل أو الوزن في جملة منها مبنيّ على ما هو الغالب من اقتران القبض بالكيل أو الوزن.

وفي صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة « فلا يبيعه حتّى يقبضه ويكتاله » فيستفاد منها اعتبار الأمرين.

وربّما يجعل ذلك وجها في الجمع بين الأخبار ، ولا يبعد أيضا حمله على الغالب من المتعارف بين الأمرين.

والأحوط مراعاتهما معا.

وفي الموثق كالصحيح : اشترينا طعاما فزعم صاحبه أنّه كاله فصدّقناه وأخذناه بكيله؟

فقال : « لا بأس ». فقلت : أيجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال : « لا أمّا أنت فلا تبعه حتّى تكيله » (2).

( وربّما يستفاد منه عدم الاكتفاء بمجرّد القبض ؛ إذ قد فرض في السؤال أخذه بما ذكر البائع من الكيل ) (3).

ص: 386


1- في ( د ) : « يكون ».
2- تهذيب الأحكام 7 / 37.
3- ما بين الهلالين لم ترد في ( ألف ).

وذكر بعضهم هذه الرواية في أدلة القول بالمنع ، والصواب أنّها لا ترتبط بالمقام ؛ إذ المراد بها عدم جواز البيع بالكيل الذي أخبره البائع من غير بيان الحال لما فيه من التدليس ، فلا بدّ من أن يكيله للمشتري الثاني ، ولا يراد به المنع من بيعه حتّى يكيله لنفسه كما هو الملحوظ في المقام.

ومنها : أنّ المراد بالمكيل والموزون هنا ما ذكر سابقا في مسألة اعتبار الكيل والوزن فيما يكال أو يوزن ، فإمّا أن يرجع فيه إلى عادة المحلّ أو إلى زمان الشارع إلى غير ذلك ممّا فصّل القول فيه هناك.

ومع البناء على الرجوع أو إلى المعتاد فلو بيع تارة جزافا وأخرى بالكيل والوزن في محلّ واحد ، فهل يرجّح جانب الجواز أو المنع؟ وجهان؟ كأنّ أظهرهما الأوّل ؛ أخذا بالأصل بعد التأمل في انصراف المكيل والموزون إليه.

ومنها : أنّ الطعام قد يراد به مطلق المطعوم ، فيشمل ساير المأكولات. وقد يراد به الحنطة والشعير ، ولا يبعد أيضا إطلاقه على خصوص الحنطة.

وكأنّ الأظهر في المقام حمله على أحد الأمرين (1).

ولو أريد به الأوّل فلا بدّ من تقييده بخصوص المكيل والموزون كما يستفاد من غيرها.

ومنها : أنّه لا فرق في الحكم المذكور بين كون المبيع في قبض البائع الأوّل أو غيره مع بيعه ممّن (2) هو في يده أو غيره.

ولو كان القابض وكيلا عن المشتري في القبض ونوى القبض عنه كفى في قبضه من غير إشكال.

ويحتمل الاكتفاء باستمرار القبض من غير حاجة إلى نيّة القبض عنه إذا لم ينو خلافه.

ومن ذلك يعرف الحال فيما لو كان المشتري وليّا على المالك أو وكيلا عنه ، فكان المال في يده فباع من نفسه ، فإنّ مقبوضيّة المال له كافية في حصول القبض من غير حاجة إلى تجديد

ص: 387


1- في ( د ) : « الاخيرين ».
2- في ( د ) : « عمّن ».

القبض.

وفي توقفه على نيّة القبض من نفسه احتمال.

ومنها : أنّه مع البناء على كون النهي المذكور للكراهة لا إشكال في صحّة البيع.

وأمّا على القول الآخر فهل يقتضي النهي بفساده أو أنّه إنّما يحرم البيع من دون فساد؟ وجهان ، أظهرهما الأوّل بناء على ما تقرّر من كون النهي في المعاملة قاضيا بفسادها إن كان تعلّقه بها لأجل المعاملة كما هو الحال في المقام.

وحينئذ فهل يفيد التحريم ليكون ذلك حراما أصليّا أو أنّ المقصود به بيان الفساد من دون حصول التحريم إلّا من جهة التشريع لو أريد إيقاع البيع الشرعي؟ وجهان ، أظهرهما الأخير.

ومنها : أنّه لو باعه الفضول (1) وهو غير مقبوض للمشتري الأول ، فأجازه بعد القبض فهل العبرة حينئذ بحال الإجازة أو حال وقوع العقد؟ وجهان.

وقد يفرع ذلك على كون الإجازة كاشفة أو ناقلة ، فعلى الأوّل ينبغي البناء على الثاني ، وعلى الثاني يتقوّى الحكم بالأوّل.

ويجري ذلك فيما لو اشتراه الفضول ، وقد صار مقبوضا للبائع عند إجازة المشتري.

ومنها : أنّ ظاهر الصحاح المستفيضة - بناء على حملها على ما اخترناه - عدم كراهة التولية حينئذ لكن لو قيل بها من جهة الخروج عن شبهة الخلاف لم يكن بعيدا.

وكيف كان ، فالأمر في التولية سهل.

وقد يلحق به ما إذا باع حصّته (2) من أحد الشركاء ولو بربح حسبما دلّت عليه الموثقة المتقدّمة.

ولم أقف على من نبّه عليه.

وفي جريان ذلك في الوضعية أيضا وجه ؛ نظرا إلى مفهوم الصحيحة المذكورة من

ص: 388


1- في ( ألف ) : « الفضولي ».
2- في ( د ) : « حصة ».

قوله عليه السلام : « إذا ربح فلا تبع حتّى يقبضه ».

وفيه : أنّه معارض بمفهوم ما ذكر بعده (1) من قوله « وإن كان يوليه » (2) .. إلى آخره.

مضافا إلى قضاء الإطلاقات بالمنع خصوصا ما ذكر فيه استثناء التولية خاصّة ؛ إذ لو جرى ذلك في الوضعية لذكرت معها ، وندور الوضيعة بحيث تنصرف (3) الإطلاقات عنها غير ظاهر ، فالبناء على شمول المنع تحريما وكراهة للوضيعة أولى سيّما مع ذكر الوضيعة مع المرابحة في الموثقة المتقدمة.

ومنها : أنّه لا فرق في الحكم المذكور بين ما إذا كان المبيع عينا خارجيّة أو كليّا في الذمّة كما هو ظاهر إطلاق الأصحاب ومعظم روايات الباب.

وربّما يتوهّم انصراف الإطلاقات إلى بيع الأعيان الخارجيّة ، فلا يجري الحكم في بيع الأعيان المضمونة في الذمّة.

وهو ضعيف ، وعلى فرض انصراف الإطلاقات إلى ما ذكر فلا يبعد جريان الحكم في الأعيان الذميّة بطريق أولى.

خامسها : أنّه اختلف كلمات الأصحاب في بيان معنى القبض وما يحصل به ذلك بالنسبة إلى المنقول وغير المنقول على أقوال عديدة.

وحيث إنّه أنيط به عدة من الأحكام الشرعيّة في مباحث البيوع وغيرها كان الأولى تفصيل القول فيه والكشف عن مبانيه ، فنقول :

لا خلاف ظاهر (4) في كون القبض بالنسبة إلى غير المنقول هو التخلية.

وفي الغنية (5) حكاية الإجماع عليه.

ص: 389


1- في ( ألف ) : « بعد ».
2- تهذيب الأحكام 7 / 37 ، باب بيع المضمون ح 41.
3- لم ترد في ( ب ) : « بحيث تنصرف .. وكراهة للوضعية ».
4- في ( د ) : « ظاهرا ».
5- غنية النزوع : 229.

وكذا في التنقيح نقلا عن المحقق في احتجاجه على ما ذهب إليه.

وفي مجمع الفائدة (1) : لا يبعد عدم النزاع في الاكتفاء بالتخلية فيما لا ينقل.

وفي الرياض (2) حكاية الاتفاق عليه ، وقد نصّ بالإجماع عليه أيضا.

والمراد بالتخلية على ما فسّرها في الروضة (3) هو رفع المانع للمشتري من القبض بالأذن فيه ورفع يده ويد غيره عنه ، وإن كان استشكل ذلك بأنّ المفروض كون التخلية قبضا فكيف يصحّ تفسيره برفع المانع عن القبض ؛ إذ مجرد رفع المانع عن الشي ء لا يكون عين ذلك الشي ء.

ويمكن دفعه بأنّ المراد بالقبض المأخوذ في الحدّ غير ما يراد في المقام ، فإنّ المراد (4) منع اليد عليه والتصرف فيه أو يقال ملازمه (5) رفع المانع عن القبض على الوجه المذكور لحصوله.

وكيف كان ، فيعتبر في التخلية أمور ثلاثة :

أحدها : رفع يده عنه.

والثاني : رفع يد الغير عنه إن كان.

الثالثة : الاذن له في التصرفات.

والمراد برفع يده عنه رفع سلطنته عليه بتركه (6) والاعراض عنه. وهو ممّا يحصل بفعل البائع وقصده وإظهاره للمشتري ، فلا يكتفي برفع يده في الواقع عن غير إظهاره للمشتري ولا بإظهاره من دون رفعه.

والظاهر أنّه يعتبر فيه رفع يده عن العين والمنافع معا ؛ إذ وضع يده على المنافع وضع يد على العين.

وقد يشكل فيما إذا كان المبيع مشغولا بملك البائع ؛ فانّه قد مرّت الإشارة إلى أنّه لا يمنع من

ص: 390


1- مجمع الفائدة والبرهان 8 / 511.
2- رياض المسائل 8 / 237.
3- الروضة البهية 3 / 524.
4- في ( د ) زيادة : « به ».
5- في ( ألف ) : « ملازمة ».
6- في ( د ) : « سلطنة بتركه عليه ».

حصول القبض ، وقد نصّ عليه الجماعة مع أنّ اشتغال المكان به استيلاء من البائع على المنفعة الخاصّة واستيفاء لها ، فلا يجامع ذلك حصول القبض على الوجه المذكور.

وقد يقال حينئذ : إنّ اشتغاله بملكه إن كان على سبيل القهر والاستيلاء وعدم تسليط المشتري على التفريغ (1) فالأمر كذلك ، ولا نسلّم حصول التخلية منه بالنسبة إلى القدر المشغول كما يشهد به العرف إلّا إذا كان ممّا لا يعتدّ به عرفا.

ولا يمانع استيلاء المشتري على المال كما إذا وضع فيه كتابا أو ربط فيه شاة ونحو ذلك ، فلا يمنع ذلك من صدق التخلية سواء كان ذلك على وجه الاستحقاق أو لا.

وأمّا إن سلطه على التفريغ (2) ووكّل الأمر إلى اختياره بلا مدافعة له بالنسبة إلى العين ولا المنافع فلا مانع من تحقّق القبض ، فالمقصود بما مرّ عدم المنافاة بين القبض واشتغال المبيع بمال البائع أو غيره في الجملة ، لا حصول القبض ، مع الاشتغال بأيّ وجه كان ؛ لوضوح فساده.

ولو شرط على المشتري بقاء المبيع عنه مدّة معلومة أو استيفاء منافع العين لنفسه مدّة معينة فقد (3) مرّ أنّه لا يتسلّط المشتري على تسلّم العين ، أمّا في الأوّل فظاهر ، وأمّا في الثاني فلما أشرنا إليه من أنّ الظاهر استحقاق البائع إبقاء (4) العين في يده من جهة استيفاء منافعه المتعلّقة به على نحو استحقاق المستأجر للعين المستأجرة.

وحينئذ فليس للبائع منع المشتري من التصرفات المتعلّقة بالعين من البيع والصلح والوصية ونحوها ، ولا المتعلقة بالمنافع بالنسبة إلى الزمان المضروب.

وهل يعدّ ترخيصه في ذلك وإيكال الأمر إليه فيها تخلية من غير أن يسلّطه على نفس العين بالدخول والخروج والسكنى فيه (5) ونحوها من التصرفات؟ وجهان.

ص: 391


1- في ( ألف ) : « التفريع ».
2- في ( ألف ) : « التفريع ».
3- في ( ألف ) : « قد ».
4- في ( ب ) : « البقاء ».
5- في ( د ) : « منه ».

والأظهر عدم صدق التخلية حينئذ.

ويشهد له صريح حكم العرف. وهو الظاهر من التفسير المتقدم.

نعم ، لو سلّطه حينئذ على العين بالوجه المذكور كان قبضا قطعا وإن لم يستحقّه المشتري حينئذ ، فيتبعه أحكامه.

ومنعه البائع من التصرف في المنفعة المستحقّة له بنقله إلى الغير ونحوه لا ينافي تخلية العين.

هذا ، ويجري ما ذكرناه في رفع يد البائع عن المبيع بالنسبة إلى رفع يد الغير أيضا وإن كان له يد عليه سواء كانت يده عادية كالغاصب إذا كان مانعا (1) من التصرفات المتعلّقة بالعين أو المنفعة أو كانت غير عادية كالمستأجر والموصي بمنافعه مدّة معيّنة ونحوهما ، فلا فائدة إذن في رفع يد البائع عنه في عدم تمكن الآخر من تصرفه في العين واستيلائه عليها.

ومجرّد تسلط (2) البائع على التصرف في العين بالبيع ونحوه ممّا لا ينافي حقّ المستأجر أو الموصى له مثلا أو لا يضايقه الغاصب أيضا بعد تخلية العين (3) عرفا مع حصول المنع المفروض.

ويلوح من التذكرة القطع بعدم حصول القبض بمجرّد ذلك ، ولذا لم يجوّز وقف العين الموجرة من دون إذن المستأجر في القبض.

[ و ] ربّما يتخيّل حصول القبض بتسليط المشتري على التصرفات المتعلّقة بالعين حسبما ذكر ؛ نظرا إلى استقلال (4) البائع بذلك ، وكون المبيع في يده بحسب الحقيقة دون المستأجر ؛ فإنّ يده تابعة ليد الموجر ، فإذا فوّض الأمر إلى المشتري وجعله مكان نفسه في التصرفات المتعلّقة بالعين أو المنافع بالنسبة إلى ما بعد زمان الإجارة مثلا فقد اشتغل بذلك يد المشتري على العين ، وكان ذلك قبضا للمبيع ؛ إذ ليست حقيقة القبض إلّا استقلال اليد على العين.

ص: 392


1- في ( ألف ) : « نافعا ».
2- في ( د ) : « تسليطه ».
3- ليس في ( د ) : « العين ».
4- في ( د ) زيادة : « يد ».

والحاصل أنّه قد كان العين أوّلا في يد البائع فجعلها في يد (1) المشتري بتفويضه الأمر إليه ، فصارت مفوّضة له حاصلة تحت يده.

ويدلّ على كون العين [ في ] يد البائع حينئذ مع كونها عند المستأجر في الفرض المذكور أنّه (2) لو ادّعى المستأجر أو غيره تملك العين كان القول قول الموجر وكان منكرا عليه الحلف عند عجز الآخر عن إقامة البيّنة ، ولو تعارضت البينتان كان الموجر داخلا والآخر خارجا قطعا.

ولو أخّر (3) الموجر بالعين مضى إقراره فيها دون المنافع المتعلّقة بالمستأجر.

وذلك كلّه من الشواهد على كون العين في يد البائع ، فإذا سلّمها كذلك إلى المشتري كان إقباضا له حسبما ذكرنا.

وأنت خبير بوهن ذلك ؛ لابتنائه على عدم الفرق بين القبض واليد ، وبينهما بون بعيد ، فإن حصل حصول اليد الشرعي على المال غير مقبوضيّة المال (4) ويمكن الانفكاك بينهما من الجانبين فقد يحصل (5) المقبوضيّة من دون اليد كما في المغصوب (6) والمستأجر إذا قبضه المستأجر (7).

وقد يكون اليد حاصلا من دون حصول القبض كالفرض المذكور بالنسبة إلى المغصوب (8) به والموجر ، وقد يجتمعان ، وهو ظاهر.

وما ذكر من الأحكام إنّما يتبع حصول اليد دون صدق القبض ، ودعوى كون القبض هو

ص: 393


1- زيادة : « يد » من ( د ).
2- في ( ألف ) : « إذ ».
3- في ( د ) : « أقر ».
4- في ( د ) زيادة : « له ».
5- في ( د ) : « تحصل ».
6- في ( ب ) : « المنصوب » ، وفي ( ألف ) : « كان المنسوب » ، بدلا من : « كما في المغصوب ».
7- ليس في ( ب ) : « إذا قبضه المستأجر ».
8- في ( ألف ) : « المنسوب ».

استقلال اليد على العين ممّا لا شاهد عليه في كلماتهم إن أريد به ما يشمل المذكور ، وإن أريد به استقلال اليد على العين بانتفاء المانع عن تصرفه فيه بالدفع والمنع وغيرهما من أنحاء التصرف فهو حسن إلّا أنّه غير حاصل في العين المستأجرة إذا لم يمكنه المستأجر من ذلك.

والعرف أقوى شاهد في المقام ؛ إذ لا يعد المال حينئذ إلّا في قبض المستأجر ، وتصرفه بعد دفع البائع إليه وجعل في تصرفه.

ويشهد لذلك ملاحظة الحال في المغصوب ؛ إذ مع كون اليد والثابت عليه شرعا يد المالك ولذا يمضي (1) أقاريره بالنسبة إليها ، وهو المنكر عند قيام المدّعي للعين ، ويكون بيّنته بينة الداخل عند تعارض البيّنتين إلى غير ذلك ، مع عدم كون العين مقبوضة له بالضرورة.

ومجرد تسليطه المالك على التصرفات المتعلقة بالعين من قبيل البيع والصلح والإصداق والهبة والوقف والإجارة بالنسبة إلى المدة الآتية ونحوها لا يعدّ تخلية مع كون العين في تصرف الغير ومنعه من استيلائه على نفس العين.

وكذا لو تصرف المشتري فيه على أحد الوجوه المذكورة ، وكون التصرف في العين قبضا لها وزيادة ممّا لم يقم عليه دليل على إطلاقه ، بل التصرف المفروض حاصل قبل القبض.

وقد أشرنا إليه في الفروع المتقدّمة.

وبين التصرف والقبض عموم من وجه أيضا كما لا يخفى على المشهور في العرف.

ويومي إلى ما ذكرناه من عدم حصول القبض بتسلّطه على المبيع على الوجه المفروض أنّه لو كان ذلك قبضا لم يكن للمشتري مطالبة البائع برفع يد المتصرف (2) عنه بعد تسليطه البائع على التصرفات المفروضة ؛ لحصول القبض الواجب عليه.

ووجوب ذلك عليه ممّا لم يقم عليه دليل ظاهر سوى توقف القبض الواجب عليه حيث أخذ في التخلية رفع يده ورفع يد الغير عنه.

وأيضا لو اكتفى به في صدق القبض لكان التخلية على الوجه المذكور كافيا في صدق

ص: 394


1- في ( ألف ) : « بمعنى ».
2- في ( د ) : « التصرف ».

القبض ، وإن كان البائع هو المتسلّط على العين والمانع من تصرف المشتري فيه على النحو المفروض في المستأجر مع شهادة صريح العرف بعدم صدق التخلية كما مرّت الاشارة إليه.

وربّما يومي عبارة التذكرة بالاتفاق على عدم تحقّق القبض بذلك حيث نصّ على عدم لزوم وقف العين المستأجرة عندنا إلّا أن يقبضه بإذن المستأجر ، وحكم بصحّته عند بعض العامّة حيث لم يقل باعتبار القبض في الوقف.

هذا ، وهل يعتبر أن تكون التخلية على الوجه السائغ فلا عبرة بما وقع منها على الوجه المحرّم كما لو كان العين موجرة وحصل إقباض العين (1) من دون إذن المستأجر فلا بدّ من إذنه ليكون (2) التسلط على الوجه السائغ أو يكتفى بمجرّد حصول التخلية ، والتسلط عرفا لم يكن على الوجه السائغ شرعا.

وقد نصّ غير واحد منهم على اعتبار إذن المستأجر في إقباض العين الموجرة ، وظاهر ذلك عدم حصول القبض المعتبر من دون الإذن.

وقد نصّ عليه في التذكرة (3) في الوقف قال في وقف الأرض المستأجرة : أمّا عندنا فإن أقبضه بإذن المستأجر فلا بأس ، وإلّا لم يصح القبض ، ولا يثمر لزوم الوقف.

ويشكل ذلك بأنّ القبض ليس من العبادات لئلا يجتمع مع الحرام ، ولذا يصحّ إقباض العين في المكان المغصوب قطعا ، فبعد (4) حصول القبض ولو على الوجه المحرّم يحصل المطلوب ، فلا وجه لاعتبار إذن المستأجر في تحقّقه ، وإنّما يعتبر ذلك في جواز الفعل ورفع الإثم عن المقبض والقابض ، وهو أمر آخر.

وقد يقال باختصاص ما ذكره بالوقف حيث إنه من العبادات ويعتبر فيها قصد التقرب ، فلا يجتمع مع الحرام.

ص: 395


1- في ( ألف ) : « الغير ».
2- في ( ألف ) : « لكون ».
3- تذكرة الفقهاء 2 / 432.
4- في ( ألف ) : « بعد ».

وفيه : أنّ اعتبار التقرّب بالنسبة إلى القبض الذي يعدّ من جملة شروطه غير ظاهر. أقصى الأمر اعتباره في نفس الوقف.

ويمكن دفع الإشكال بأنّ القبض في المقام إنّما يكون بتخلية العين ، ومع سلطان الآخر (1) على دفع القابض لا يتحقّق التخلية ، فتمكّنه منه على الوجه المحرّم لا يسقط حق الآخر حتّى يعد ذلك تخلية ، فلا بد من إذنه حتّى يتحقّق التخلية المطلوبة ، فليس اعتبار الإذن في المقام من جهة توقف الأمر على حصول القبض المباح ، بل لعدم حصول القبض في المقام من دونه ؛ نظرا إلى عدم ارتفاع المانع من قبل المستأجر ويمكن أن يفرّق بذلك بين القبض بالتخلية والحاصل بالنقل ، والمناولة هناك حاصلة وإن وقع على الوجه المحرّم بخلاف التخلية حسبما قرّرناه.

وأنت خبير بأن ذلك إنّما يتمّ إذا اعتبرنا في التخلية إزالة الموانع العرفيّة والشرعيّة ، وأمّا إن أريد بها إزالة الموانع العرفيّة وتمكين المشتري من التصرف في المبيع بحسب العادة وتسليطه عليه كذلك - كما هو الظاهر من العرف - فلا ، والمفروض حصوله في المقام.

ومن البيّن أنّه لا حقيقة شرعيّة في لفظ القبض ، وقد نصّ عليه جماعة من الأصحاب فلا بدّ من الرجوع (2) إلى العرف ، ولا توقف في صدقه عرفا على إزالة الموانع الشرعيّة ، فلا دليل إذن على اعتبارها في تحقّق قبل القبض ، وحينئذ فلا فرق في ذلك بين القبض الحاصل في التخلية وغيرها.

ويجري الكلام المذكور بالنسبة إلى المرهون أيضا إذا أجاز المرتهن منعه بعد ذلك.

ومع البناء على اعتبار الاذن في المقام لا فرق بين علم المشتري بكونها مستأجرة أو مرهونة أو جهله بالحال ، فإذا دفعه البائع إليه وتصرف (3) فيه مدّة ثمّ تلف قبل حصول الإذن كان من التلف قبل القبض ، وكان مضمونا على البائع.

ولا يخلو عن بعد.

ص: 396


1- لم ترد في ( ب ) : « على دفع .. لا يسقط حقّ الآخر ».
2- في ( د ) زيادة : « فيه ».
3- لم ترد في ( ب ) : « إليه وتصرّف .. على البائع ».

ثمّ إنّه يتفرع أيضا على الوجهين أنّه لو باع الفضولي عينا غير منقولة وحصل منه التخلية فضولا وتصرّف فيه المشتري مع علمهما أو أحدهما بالحال أو الجهل به وتلف العين باقية سماويّة ثمّ أجاز المالك بيعه وقبضه صحّ البيع واندرج في ضمان المشتري على الوجه المختار.

وعلى الوجه الآخر ينبغي عدّه من التلف قبل القبض ، نظرا إلى وقوع القبض من دون إذن المالك.

نعم ، قد يشكل الحال في المثال لعدم قيام دليل على جريان حكم الفضولي في الأفعال فيما عدا العقود والإيقاعات.

والظاهر أنّه لا مانع منه أيضا.

ولتفصيل القول فيه أيضا مقام آخر.

ثمّ إنّ ظاهر الحدّ المذكور توقف التخلية على رفع يد المالك والأجنبي عنه رأسا ، فلو بقي للغير سلطان التصرف في العين وسلّط المشتري عليه أيضا من غير أن يمانعه عمّا يريده من التصرفات لم يكن ذلك قبضا ؛ لعدم ارتفاع اليد عنه بالمرّة كما هو ظاهر الحد ، لكن في توقف صدق القبض عليه تأمّل سيّما إذا كان العين في تصرف المشتري يفعل به ما شاء وإن تصرّف فيه الآخر أيضا ، وثبت له يد عليه أيضا.

وقد يدرج ذلك في الحدّ بأن يراد به رفع (1) يده عنه على وجه يمانع تصرف الآخر لا مطلقا.

وهل يكفي في حصول التخلية على الوجه المذكور رفع يده ويد الغير عنه فإمّا خاصّة أو لا بدّ من رفعه بالمرّة؟ وجهان.

وعلى الثاني فلو أخذه منه بعد ذلك ولو بعد آن ما لم يمنع من صدق القبض من غير إشكال.

والفرق بينه وبين الصورة الأولى ظاهر ؛ لحصول التخلية هنا يقينا ، وأمّا في تلك الصورة

ص: 397


1- في ( د ) : « دفع ».

فقد يتأمل في صدق التخلية مع عدم البناء على تفويض الأمر إلى المشتري.

وهل يعتبر في حصول القبض بالتخلية قبول الآخر ذلك عند تخليته ورضاه بالتسلّط على ما سلّطه عليه؟ وجهان ؛ من قضاء ظاهر كلماتهم بتحقّق القبض في غير المنقول بمجرّد التخلية وظاهر الإجماعات المحكيّة المتقدّمة المعتضدة بذلك ، ومن عدم صدق القبض (1) بحسب العرف من دونه ؛ إذ لا يزيد القبض في غير المنقول على المنقول ، فكما أنّ المشتري قد لا يقبض هناك بعد إقباض البائع ، فكذا هنا.

ويمكن تنزيل كلامهم على ذلك أيضا ، فالمراد من تفسير القبض بالتخلية عدم الحاجة إلى غيرها من أحد الأمور الّتي يقال بأخذها في قبض المنقول ، لا عدم الحاجة إلى تلقّي الآخر وقبوله له ، فكأنّهم سكتوا عنه لوضوحه.

وقد يتوهم الفرق بين الإقباض والقبض ، فيحصل الإقباض في المقام من دون القبض ، فيكون مقصود الأصحاب حصول الإقباض الواجب على البائع لحصول ذلك وإن لم يحصل القبض من المشتري من دون قبول.

وضعفه ظاهر ؛ لوضوح عدم الانفكاك بين الأمرين ، فإنّ الإقباض فعل والقبض في معنى انفعاله ، ولا يعقل الانفكاك بينهما بل التغاير بينهما اعتباريّ على ما حقّق في محلّه.

والاقباض الخالي من (2) القبض ما (3) يتراءى من بعض الاستعمالات ليس إقباضا على وجه الحقيقة.

وربّما يتوهم كون القبض الواقع من البائع مغايرا في المعنى للقبض الحاصل من المشتري ، ولذا يصح إثبات أحدهما ونفي الآخر حيث يقال : أقبضه البائع فلم يقبضه المشتري ، فمفاده بالنسبة إلى البائع هو التخلية ، ولا يكتفى بها في حصول القبض من المشتري ، والأحكام تابعة للأوّل على ما قضت به الأدلّة.

ص: 398


1- في ( د ) زيادة : « قطعا ».
2- في ( د ) : « عن ».
3- كذا ، والظاهر : « فيما ».

وربّما يتخيّل أيضا اعتبار تصرف المشتري فيه في الجملة حتّى يتحقّق قبضه في العرف.

والجميع بمعزل عن التحقيق كما لا يخفى على المشهور.

ويدلّ على فساد الأخير أنّه مخالف لما أطبق عليه الكلّ ؛ إذ لم نر اعتباره في كلام أحد منهم ولا نقله نافل في القمام وغيره ، والاجماعات المحكيّة وفتاويهم المتطابقة تنادي بفساده.

وما ادّعي من عدم صدق القبض عرفا من دون ذلك مثله في الفساد ؛ إذ لا توقّف لصدق القبض على التصرف قطعا ، أقصى الأمر اعتبار قبوله للتسليط الواقع من الآخر وملاحظة نفسه مسلّطا على المبيع ، وأين ذلك من اعتبار التصرف فيه؟.

ثمّ إنّ الظاهر من كلام جماعة من الأصحاب أنّه مع تحقّق التخلية على الوجه المذكور يتحقّق القبض من غير فرق بين ما إذا كان المبيع حاضرا عندهما أو غائبا كائنا في بلد المبايعة أو في بلد آخر قريبا كان أو بعيدا.

واتّجه الشهيد الثاني (1) فيما لو كان المبيع بعيدا جدا بحيث يدلّ العرف على عدم صدق قبضه بالتخلية كما لو كان ببلاد أخرى اعتبار مضيّ زمان يمكن فيه وصول المشتري أو وكيله إليه.

وأنكر ذلك بعض المتأخرين كما يظهر من إطلاق آخرين حيث اكتفوا في صدق القبض في المقام بمجرّد التخلية.

وهو الظاهر من إطلاق الإجماعات المحكيّة.

وأنت خبير بأنّ بعد المبيع عن المتبايعين إن كان قاضيا بعدم صدق القبض فمضيّ الزمان المفروض ممّا لا يثمر صدقه أصلا ؛ إذ مع عدم مضيّ المشتري أو وكيله في تلك المدّة أيّ (2) تفاوت بين مضي المدّة المفروضة وعدمه.

نعم ، لو اعتبر فيه مضيّ المشتري أو وكيله أو توكيله أحدا هناك اتّجه الفرق إلّا أنّه لم يقل به ، ولا يظهر اعتباره من غيره أيضا ، فاتّجه بذلك عدم اعتبار الأمرين.

ص: 399


1- مسالك الإفهام 3 / 240.
2- زيادة : « أي » من ( د ).

أمّا ما ذكره فبما عرفت ، وأمّا الثاني فلعدم ظهور قائل به ، بل الظاهر من العرف عدم الفرق بينه وبين التخلية المتعلّقة بالملك الّذي في مادة المبايعة ، فإذا ثبت صدق القبض بالتخلية فيما إذا كان المبيع حاضرا ثبت بالنسبة إلى البعيد أيضا.

نعم ، قد يحصل فرق بين الصورتين فيما إذا كان المبيع في البلد النائي (1) في يد وكيل المالك ، فإنّه على ما مرّ يتوقف حصول التخلية على ارتفاع يد الوكيل عنه أيضا بمجرّد رفع (2) الموكّل يده من دون علمه بالحال لا يقضي بارتفاع يده ، فيتوقف حصول التخلية على إيصال الخبر إليه وقبوله ذلك ، وهو أمر آخر.

فلو لم يكن المبيع إلّا في يد البائع من غير أن تكون عليه يد آخر ولو تبعا ليده أو كان وكيله المتصرّف فيه حاضرا في المحلّ ورفع يده عنه ، فالظاهر صدق التخلية وحصول القبض في الحال من غير حاجة إلى أمر آخر.

وكأنّ الوجه فيما ذهب إليه الشهيد رحمه اللّه أنّ حقيقة القبض هو اندراج المبيع تحت يد القابض ، ومع بعد المسافة لا يندرج تحت يده بمجرّد تخلية المالك في ذلك المحلّ ، فلا بدّ إذن من مضي المدة المذكورة.

وضعفه ظاهر ؛ إذ لو تمّ ذلك لما كان في مجرّد مضيّ المدّة ما يجعله تحت يده من دون ذهابه أو ذهاب وكيله مثلا حسبما أشرنا إليه.

وهل يصحّ قبض المال المشترك فيما يكون قبضه بالتخلية من دون إذن الشريك؟ وجهان ، بل حكى في الروضة (3) قولين.

وجه المنع أنّه تصرّف في ملك الشريك ، فلا يجوز إلّا بإذنه ، ووجه الجواز أنّ التخلية بالنسبة إلى حصّته لا يعدّ تصرّفا في حصة الآخر ، وإنّما هو رفع لسلطنة نفسه من (4) حصّته

ص: 400


1- في ( ألف ) : « الثاني ».
2- في ( ألف ) : « رفع يد » ، ولا معنى لزيادة « يد » بعد أن تكون العبارة الآتية « الموكّل يده .. ».
3- الروضة البهية 3 / 176.
4- في ( د ) : « عن ».

وتسلّط للمشتري على حقّه دون حقّ الآخر ، فليس القبض هنا حاصلا إلّا بالنسبة إلى ذلك دون مال الغير.

ولا يخفى قوّة الوجه المذكور ووهن الأوّل ، ولذا اختار الشهيد الثاني والمحقق الأردبيلي وغيرهما ، وإنّما يتّجه الوجه الثاني في المنقولات ، وسيجي ء الكلام فيه.

نعم ، قد يقال في المقام بأنّ التخلية تتوقّف على إزالة الموانع من (1) تصرف المشتري ، والشريك هنا مانع عن تصرّفه ، فلا تتحقّق التخلية من دون إذنه على نحو ما مرّ في إقباض العين الموجرة.

ويمكن دفعه بظهور الفرق بين المقامين ؛ نظرا إلى تسلّط المستأجر هناك على حين البيع من جهة استيفاء المنافع المملوكة له بخلاف المقام ؛ إذ لا سلطان لأحد الشريكين على حصّة شريكه ، وإنّما له المنع من تصرفه فيها نظرا إلى استلزام ذلك التصرف في حقّه ، [ و ] ذلك أمر حاصل من الجانبين ، فلا يستحق الشريك قبض المبيع والتصرف فيه حتّى يكون دفعه (2) في المقام منافيا لما يستحقّه كما هو الحال في العين الموجرة ، بل المانع من التصرف هنا أمر تبعي لا ينافي تسليط المشتري على حقّه على نحو تسليط كلّ من الشريكين على حصته.

فإن قلت : إنّ استحقاق الغير لمنع المشتري عن التصرف في العين ينافي تخلية المبيع له سواء كان من جهة استحقاق البائع للتصرّف فيه أو بسبب آخر ، والمفروض في المقام حصول الاستحقاق المذكور للشريك وإن لم يكن سببا من (3) استحقاقه التصرف في المبيع.

قلت : كون الاستحقاق المذكور منافيا لحصول القبض ممنوع بل فاسد ؛ لصدق مقبوضيّة الأموال المشتركة لأربابها - منقولة كانت أو غير منقولة - مع حصول المنع المفروض ، والتخلية المعتبرة للقبض لم يؤخذ في تفسيرها ما ينافي ذلك ، بل ظاهر حدّها المذكور يعمّ المال

ص: 401


1- في ( د ) : « عن ».
2- في ( د ) : « رفعه ».
3- في ( د ) : « مسببا عن » بدل : « سببا من ».

المشترك أيضا إذا رفع البائع يده (1) عن حصّة المبيعة ، وسلّط المشتري عليه على نحو تسليط الشركاء على حصصهم ، وليس للشريك الآخر يد على المبيع ليعتبر دفعه (2) في المقام كما في العين الموجرة ونحوها ، بل إنّما كانت في يد البائع وانتقل من يده إلى يد المشتري.

ويؤيّد ذلك أنّه ليس دفع (3) المنع المذكور من وظيفة (4) البائع ، وإنّما هو دعوى بين الشريكين إن ارتفع بتراضيهما (5) فلا كلام ، وإلّا رفعا أمرهما إلى الحاكم ، وذلك (6) بخلاف العين الموجرة ؛ إذ الظاهر أنه بعد انقضاء زمان الإجارة لو أبى المستأجر عن الدفع كان من وظيفة البائع رفع يده عن العين ، وتسليمه إلى المشتري.

ويشهد لما قلناه ملاحظة العرف لحكمه بحصول القبض بالنسبة إلى المال المشترك لحصول التخلية على الوجه المذكور ، بخلاف العين الموجرة.

ويومي إليه أيضا أنه لو باع دارا لاثنين على وجه الإشاعة ورفع يده ويد الغير عنه ، وسلّطهما على المبيع عدّ ذلك تخلية ، وكان قبضا بالنسبة إليهما مع أنه لا يجوز لكلّ منهما التصرف فيه إلّا بإذن الآخر.

ولو كان ما ذكر مانعا عن حصول القبض لمنع هناك أيضا.

ويدلّ عليه أيضا مضافا إلى جميع ما ذكر الأصل ؛ إذ وجوب ما يزيد على ذلك على البائع غير ظاهر من الأدلّة ، فقضيّة الأصل عدمه.

هذا ، وأمّا القبض بالنسبة إلى المنقولات فقد اختلفوا فيه على أقوال عديدة بعد اتفاقهم ظاهرا على عدم ثبوت حقيقة شرعيّة للقبض وأن المرجع فيه العرف واللغة كما هو الشأن في

ص: 402


1- زيادة « يده » من ( د ).
2- في ( د ) : « رفعه ».
3- في ( د ) : « رفع ».
4- لم ترد في ( ب ) : « من وظيفة .. إلى الحاكم ».
5- في ( ألف ) : « تراخيهما ».
6- لم ترد في ( ب ) : « وذلك ».

نظائرها من الألفاظ ، فذهب المحقّق في الشرائع (1) والنافع (2) أنه التخلية أيضا كما هو الحال في غير المنقول.

واختاره الشهيد في الدروس (3) بالنسبة إلى الحكم بارتفاع الضمان لا زوال التحريم أو الكراهة عن بيعه قبل القبض.

وقيل : إنه فيما يتناول من الأقمشة ونحوها هو الإمساك باليد ، وفي المكيل والموزون هو الكيل والوزن ولو تقديرا كما إذا أخبر البائع كذلك (4) ورضي المشتري به مع رفع يده عنه. ولا يبعد ادراج الدراهم والدنانير في الأوّل وإن كانت موزونة ؛ نظرا إلى انضباط وزنها في المعتاد ، ويؤخذ بظاهر الحال.

وفي الحيوان نقله من ذلك المكان إلى مكان آخر بأن يمش بالعبد إلى مكان آخر ، ويقيم الدابّة في غير ذلك المحلّ.

وحكي القول بذلك عن الشيخ في المبسوط (5) والقاضي (6) والطوسي (7).

وقيل : إنه في الحيوان نقله وفيما يعتبر باعتبار مخصوص لدفع الجهالة كيله أو وزنه أو عدّه أو نقله ، وفي الثوب وضعه في اليد.

وحكي اختياره في الدروس.

وقيل إنّ القبض فيه هو النقل أو الأخذ في غير المكيل والموزون ، وأمّا فيهما فإمّا ذلك أو الكيل أو الوزن. ذهب إليه العلّامة في المختلف (8).

ص: 403


1- شرائع الإسلام 2 / 308.
2- مختصر النافع : 124.
3- الدروس 3 / 213.
4- في ( د ) : « لك ».
5- المبسوط 2 / 120.
6- المهذب 1 / 385.
7- الوسيلة : 252.
8- مختلف الشيعة 5 / 279.

وأنت تعلم بملاحظة الأقوال المذكورة كون اعتبار النقل هنا في الجملة مشهورا بين الأصحاب.

وممّا اتّفق عليه أكثر الأقوال المذكورة ، وحكاية الشهرة عليه كذلك مستفيضة على ما ذكره بعض الأجلّة.

وقد عرفت حكاية الإجماع عليه في الغنية (1).

وكأنّه لا شكّ في شهادة العرف بحصول القبض معه مطلقا ، وإن كان في المكيل والموزون ، فلا حاجة إلى حصول الكيل والوزن فيهما و (2) ملاحظة قبض الدراهم والدنانير أقوى شاهد عليه إلّا أن ينزّل ظاهر الحال في ذلك هناك منزلة الوزن لكن في (3) اعتبار خصوص النقل في صدق القبض في المقام تأمّل.

وتوضيح المقام أنّ الّذي يقتضيه القاعدة من ذلك أنه بعد انتقال كل من العوضين إلى الآخر بعقد (4) البيع لا بدّ من إيصال كلّ عوض إلى صاحبه ورفعه (5) إليه كسائر حقوق الناس من المضمونة للقابض كالمغصوب ، والمقبوض بالبيع الفاسد ونحوهما ، وغير المضمونة كالوديعة والعارية وغيرهما ، فإذا أخرجه القابض عن يده وسلطانه وجعله تحت يد المالك وسلطانه فقد أدّى القابض ما عليه وخرج من ضمانه إن كان قبضه على وجه الضمان.

والظاهر أنّ ذلك مفاد القبض إلّا أنّه يختلف الحال فيه بحسب اختلاف الأشياء ، ففي الأمور الغير المنقولة كالدور والمزارع والبساتين يحصل بتخلية القابض يده ويد غيره وتسلّط المالك عليها حسبما مرّ ، فيندرج بذلك تحت سلطانه في (6) الأمور المنقولة بكون (7) ذلك بنقله

ص: 404


1- غنية النزوع : 229.
2- في ( د ) : « وفي ».
3- زيادة : « في » من ( د ).
4- في ( ألف ) : « يعقد ».
5- في ( د ) : « دفعه ».
6- في ( د ) : « وفي ».
7- في ( د ) : « يكون ».

وبإمساكه باليد على وجه الاستيلاء عليه حتى في الحيوان ، فإنه لو دفع إليه لجام الدابّة وأمسكها مستوليا عليها كان قبضا لها في العرف قطعا ، خصوصا إذا وهب البائع عنها من غير حاجة إلى إقامتها في محلّ آخر.

ولو ساق الدابّة إليه وأتى به إلى إصطبله ورفع يده عنها فغلّق (1) المشتري باب الإصطبل عليها مريدا بذلك قبضه ، فلا تأمّل ظاهر في صدق القبض به عرفا.

ولو باعه سريرا فرفع البائع يده عنه ومكّن المشتري عنه فجلس عليه كان قبضا له وإن لم ينقله عن محلّه.

ولو باعه كتابا فوضعه البائع بين يديه مريدا إقباضه بوضع يده عليه لأجل قبضه ، فالظاهر حصول القبض به.

وكذا الحال في نحوه من الأعيان المنقولة ، بل لو أتى بها إليه فقال المشتري : ضعه في صندوقي مثلا ، فوضعه فيه لم يبعد كونه قبضا سيّما إذا ذهب البائع عنه.

ولو غفل المشتري حينئذ باب الصندوق فالظاهر القطع بصدق القبض في العرف.

وقد يعدّ التخلية في المنقولات مع التصرف في بعضها قبضا كما إذا باعه مقدارا معيّنا من الحنطة وسلّمه مفتاح الحبّة (2) الموضوعة فيها ومكّنه منه ، فذهب إليه وتصرّف بالنقل أو الوضع إلى الغير ونحوهما فإنّه لا يبعد على الكلّ مقبوضا له في العرف.

ولو باعه عبدا فأتى به إليه ورفع يده عنه ومكّنه من التصرف فيه ورضي به المشتري وذهب البائع عنه كان ذلك قبضا له في العرف سيّما إذا بعثه في حوائجه وكان تحت أمره ونهيه.

والحاصل أنّ القبض أمر عرفي يحصل على وجوه شتّى ولو في المنقولات ، فاختصاص حصوله بصورة النقل أو الإمساك باليد ونحوهما ممّا لا يظهر الوجه فيه.

نعم ، يحصل القبض بهما حسبما عرفت ، والأصل في المسألة هو ما قرّرناه.

حجّة القول بالاكتفاء بالتخلية أنّه قد كان ذلك مفاد القبض في غير المنقول كما مرّ ،

ص: 405


1- في ( ألف ) : « تعلّق ».
2- في ( ألف ) : « الهبة ».

فيكون ذلك مفاده في غيرها ؛ حذرا من الاشتراك والمجاز المخالفين للأصل.

وردّ بأنّه لا مانع من الالتزام بأحدهما بعد شهادة العرف بإرادة غيرها في غيره ، وقيام الدليل عليه. ولا يعدّ مجرّد التخلية في المنقول قبضا ، والمتبادر منه في العرف واللغة خلافه (1) فيكون ذلك حجّة ظاهر [ ة ] على تغاير المعنيين.

والأولى أن يقال : إنّه لا يلزم من اختلاف حصول القبض في المقامين أن يكون حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر ، أو مشتركا لفظيا بينهما ؛ لاحتمال الاشتراك المعنوي على الوجه الّذي بيّناه.

وكيف كان ، فالقول المذكور بعيد جدّا ، بل لا وجه له أصلا.

نعم ، قد ينزّل التخلية على بعض الوجوه منزلة القبض في المنقولات فيما إذا أبى المشتري عن القبض حسبما مرّ بيانه ، وذلك أمر آخر.

وقد يعد قبضا إذا ضمّ إليه بعض أمور أخر كما في بعض الأمثلة المتقدّمة ، ولا ربط له أيضا بالقول المذكور.

ثمّ إنّ ما ذهب إليه في الدروس من الاكتفاء بالتخلية في سقوط الضمان من البائع دون غيره إن أراد به أن إحضار المبيع عند المشتري وتمكينه من قبضه بوصوله بحيث يحصل منه ما عليه من تسليطه على حقّه فقصر المشتري في تركه يوجب (2) سقوط الضمان ( عن البائع فهو مما لا تأمل فيه حسبما مر بيانه في المسألة المتقدمة ، ولا ربط له بحصول القبض ، وإن أراد به أن التخلية كيف ما كان قبض بالنسبة إلى سقوط الضمان ) (3) ، فمع وضوح عدم اختلاف صدق القبض عرفا بحسب اختلاف الأحكام لا دليل على سقوط الضمان به.

حجة القول باعتبار النقل (4) دلالة العرف عليه والإجماع المحكي المتقدّم ، وظاهر الخبر

ص: 406


1- في ( ألف ) : « خلافا ».
2- في ( ب ) : « لوجب ».
3- ما بين الهلالين أضيفت من ( د ).
4- « النقل » لم ترد في ( ألف ).

المذكور في مسألة تلف المبيع قبل القبض حيث اعتبر فيه في انتقال الضمان من البائع إلى المشتري المتوقف على قبضه المبيع إخراجه من بيته ، قال : فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه ، فإنّ المراد به نقل المتاع من عنده ؛ إذ خصوص الإخراج من بيته ممّا لا يتوقّف عليه انتقال الضمان إجماعا.

وفيها : أنّه إن أريد دلالة العرف على حصول القبض به فمسلّم ، وإن أريد توقف القبض عليه فهو في محلّ المنع ؛ لصدق القبض مع عدمه أيضا كما مرّ.

وكذا الحال فيما حكي من الإجماع ، فإنه إن أريد به الأوّل فمسلّم ، وإن أريد به الثاني فممنوع سيّما بعد كون المسألة عرفيّة وشهادة العرف بخلافه. ودلالة الرواية على ما ادّعاه غير ظاهرة ؛ إذ ظاهرها غير مراد قطعا.

وبعد انفتاح سبيل التأويل فيها لا يتعيّن الوجه في اعتبار خصوص النقل ، بل قد يكون الملحوظ إخراجه عن يده وجعله تحت يد المشتري وتصرفه ، فلا تقيد المدّعى.

وكأنّ حجج الأقوال الأخر الاستناد إلى العرف أيضا ؛ إذ ليس في الروايات يستفاد منه التفصيل المذكور فيها.

نعم ، قد يستند في اعتبار الكيل والوزن في المكيل والموزون إلى ظواهر الأخبار المتقدّمة المانعة عن بيع المكيل والموزون قبل الكيل أو الوزن نظرا إلى فهم الفقهاء من ذلك المنع من بيعه قبل قبضه.

ولذا استدلّوا بها عليه تحريما أو كراهة ، وقد وقع التعبير به أيضا في بعض الأخبار.

وفي الصحيح : عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه؟ فقال : « ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه » (1) الخبر.

وقد عرفت الحال في فهم العرف ، وأما الاخبار المذكورة فبعد حملها على إرادة القبض بضميمة فهم الأصحاب يمكن أن يكون الوجه فيه حصول الكيل والوزن غالبا عند الإقباض ،

ص: 407


1- تهذيب الأحكام 7 / 35 ، باب بيع المضمون ح 34.

فعبّر عنه بذلك إلّا أنّ مجرّد الكيل أو الوزن إقباض له وإن لم يدفعه البائع إليه مع شهادة صريح العرف بخلافه. كيف ، ومن البيّن عدم ثبوت حقيقة شرعية للقبض كما يقتضيه الأصل والظاهر ، ونصّ عليه الجماعة.

وحينئذ فلا وجه في الرجوع في بيانه إلى الروايات مع ما فيها من القصور في الدلالة والمخالفة لما يقتضيه العرف واللغة.

ومن ذلك يعرف الحال في الصحيحة المذكورة. وذكر القبض في السؤال لا يفيد كون الكيل والوزن المذكورين في الجواب قبضا ، فالحال فيها كغيرها من الأخبار الواردة في ذلك.

وقد يستند إلى تلك الأخبار في اعتبار الكيل والوزن في قبض المكيل والموزون ، ولا دلالة في تلك الأخبار عليه أيضا إلّا أنّ الشهرة محكيّة على القول المذكور. ولا عبرة بها بعد شهادة العرف بخلافها ، فالقول به لا يخلو عن بعد.

وأبعد منه القول باعتبار العد في المعدود أيضا ؛ إذ لا وجه له إلّا قياسه على المكيل والموزون بعد استنباط كون العلّة لزوم اعتباره في بيعه.

هذا ، والمرجع في المنقول وغير المنقول إلى العرف ، فالأبواب المثبتة والأخشاب المبنيّة من غير المنقول وكذا الحال في الصخور والأحجار واللبن المبنيّة وإن كان الجميع من المنقول قبل البناء. ولا فرق بين ما إذا أريد قلعها (1) وعدمها ، وكونه على وجه ينتفع بها بدون القلع أولا ، والأشجار والثمار الكائنة عليها من غير المنقول ، وإن كان المقصود احتطاب الشجرة أو كان أوان اقتطاف الثمرة ، وكذا الحال في الزروع.

وأمّا الماء فإن كان في القرب ونحوها فهو من المنقول قطعا ، وأمّا نحو مياه الآبار والأنهار فلا يبعد إدراجها في غير المنقول ، وفي مياه الحياض ونحوها ممّا يقصد بقاؤها في المحل لأجل الاستعمال ففيها وجهان.

وهل تعدّ السفينة من المنقول أو غيرها؟ وجهان أظهرهما الأوّل.

ص: 408


1- في ( ألف ) : « تلفها ».

والرحى الغير المبني من المنقول ، والمبني من غير المنقول.

وقد يفصّل بين صخرها الفوقاني والتحتاني ، ولا يبعد عدّهما من غير المنقول إن كان أحدهما موضوعا على الآخر على النحو المعمول ، وإن كان الفوقاني موضوعا في محلّ آخر فهو معدود من المنقول.

والخوابي ونحوها المثبتة في الأرض معدودة من غير المنقول بخلاف غير المثبتة وإن كانت كبيرة جدّا الّا أن تكون خارجة عن المعتاد بحيث لا يمكن حملها في العرف.

ولو كان المبيع منقولا في حال البيع غير منقول بعده أو بالعكس فالعبرة بحال الإقباض.

المبحث الثالث : في بيان ما يدخل في المبيع ويندرج فيه ويحكم بانتقاله إلى المشتري عند تعلّق البيع بلفظه الموضوع له.

وقد جرت طريقة الفقهاء رضي اللّه عنهم بذكر ألفاظ مخصوصة في المقام وبيان ما يندرج فيها عند تعلّق البيع بها ، وليس (1) من الأحكام المأخوذة من الشرع في تلك الموارد ليرجع إليه في إثباتها ونفيها ، وإنّما الحكم الشرعي في المقام هو الضابط الملحوظ (2) في حمل تلك الألفاظ ، وهو الرجوع في ذلك إلى ما هو المفهوم من اللفظ في عرف المتعاقدين ، ولو بملاحظة القرائن المنضمّة إليه من عرف أو (3) عادة أو قرائن خاصّة ، فإن وجدت القرائن وفهم المقصود بانضمامها فذاك ، وإلّا رجع فيه إلى مفاد اللفظ في عرف المتعاقدين ، فيندرج في البيع ما يندرج في ظاهر اللفظ بحسب ذلك العرف ، فإن كان لهما عرف خاص حمل عليه ، وإلّا فإن كان هناك عرف عام حمل عليه ، وإلّا حمل على المعنى اللغوي.

وفي الروضة (4) : وكذا يراعى الشرع بطريق أولى ، بل هو مقدم عليهما بمعنى العرف واللغة ، قال : ولعلّه يبني المصنّف إدراجه في العرف ؛ لأنه عرف خاصّ ، ثم إن اتفقت وإلّا قدّم

ص: 409


1- في ( د ) : « وذلك ليس ».
2- في ( ألف ) زيادة لفظة « ما » هنا.
3- في ( د ) : واو العطف بدل « أو ».
4- الروضة البهية 3 / 530.

الشرعي ثمّ العرفي ثمّ اللغوي.

ويرد عليه أن تقديم الشرع في المقام ممّا لا وجه له ، فإنّ مخاطبات الناس إنّما تقع على مقتضى عرفهم دون عرف الشارع ، وما ذكروه من تقديم الحقيقة الشرعية ( على العرفية واللغوية إنما هو فيما إذا ورد اللفظ في كلام الشارع أو المتشرعة في بيان الأحكام الشرعيه ) (1) لتبعيّتهم (2) في المقام لعرف الشريعة ، وأمّا ما (3) يرد في كلام المتشرعة في غير ذلك المقام فلا يحمل إلّا على مقتضى عرفهم كما هو الحال في غير البيع من ساير العقود والإيقاعات الحاصلة منهم على نحو سائر المخاطبات الصادرة منهم في إخباراتهم وأمور معاشهم.

وأمّا (4) في الشريعة من تعيين بعض المبهمات العرفيّة في باب الوصايا ونحوها فمع خروجه عن محلّ البحث لا ينافي المدّعى ؛ لخروجه إذن عن الأصل من جهة النصّ والإجماع إن تمّا في (5) المقام.

ولا وجه إذن للتسرية عن مورد الدليل.

ويمكن الذبّ عنه بتنزيل كلام الشهيد رحمه اللّه على ما إذا كان المعاقدان (6) من أهل الشرع ، ووقعت معاقدتهما على عرف الشريعة ؛ ( دون ما إذا كانا من الكفّار أو من أهل الشرع مع عدم وقوع مخاطبتهم في المقام على عرف الشريعة ) (7) لوضوح عدم حمل الألفاظ الجارية في كلامهم على المعاني الشرعيّة ، ولا مجال لتوهّم الحمل عليه.

وكأنّ مقصوده بعرف الشريعة ما كان عرفا سابقا بين المتشرّعة قائما مقام سائر المعاني العرفيّة.

ص: 410


1- ما بين الهلالين أضيفت من ( د ).
2- في ( ألف ) : « ليقينهم ».
3- ليس في ( د ) : « ما ».
4- في ( د ) : « وما ورد ».
5- في ( د ) زيادة : « ذلك ».
6- في ( د ) : « المتعاقدان ».
7- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).

ويشهد له إدراجه في العرفية المذكورة في عبارة المصنف.

هذا كلّه بالنسبة إلى ما يحمل عليه اللفظ عند الإطلاق أو يستعمل فيه ولو بمعونة القرينة فيحكم بالاندراج على حسب المفروض.

وأمّا ما يحكم بكونه تابعا للمبيع منتقلا منه على سبيل التبعيّة وإن لم يندرج فيما أريد من اللفظ ، فإن كان الحاكم بالتبعيّة هو الشرع قدّم على غيره قطعا كما إذا دلّ على تبعية ثمن (1) النخل لبيع الأصل مع عدم التأبير ، وإلّا رجع فيه إلى مقتضى العرف ، فيحكم بتابعية ما يحكم بتبعيّته لا لكونه مفهوما من اللفظ المستعمل ؛ إذ المفروض عدم الكافي ما استعمل اللفظ فيه ، بل لكونه إذن من مقتضيات العقد ، فيندرج تحت ما دلّ على لزوم الوفاء به.

والفرق بينه وبين الأوّل ظاهر ، أو ما يندرج في مدلول اللفظ هناك مندرج (2) في المبيع فيقسط الثمن على الجميع بخلاف المقام ؛ لكون الثمن حينئذ بإزاء نفس المبيع ، وانتقال ما ينتقل معه إنّما يكون على سبيل التبعيّة فيما (3) مرّ الكلام فيه.

ويتفرع عليه أيضا أنّ الجهالة بما يندرج في المبيع قاض بمجهولية المبيع ، فيقتضي ذلك فساد المعاملة بخلاف التابع ، وقد ينزّل على ذلك كلام الشهيد رحمه اللّه.

ولا يخلو عن بعد.

ثمّ إنّه مع اتّحاد العرفين وعرف البلد فلا إشكال ، وأمّا مع الاختلاف فإن قامت قرينة معيّنة على المقصود فلا كلام أيضا ، وإلّا قام (4) الإشكال في تقديم عرف المحل أو المتعاقدين ، وقد يفصّل من طول مكثهما في المحلّ وقصره.

ولا يبعد ترجيح عرف المتعاقدين إلّا أن يقوم شاهد في المقام على إرادة عرف المحلّ.

ص: 411


1- في ( د ) : « ثمرة ».
2- في ( ألف ) : « فيندرج ».
3- في ( د ) : « حسبما ».
4- في ( ألف ) : « تمام ».

ولو اختلف عرف المتعاقدين قدّم عرف البائع مع تقديم الايجاب على القبول (1) ولو قدّم القبول بناء على جوازه قدّم عرف القابل.

ولو وافق (2) عرف المحل عرف الموجب أو القابل مع تقديم عرفه حسبما ذكر فالأمر واضح.

وإن وافق الآخر احتمل تقديمه.

وكأنّ الأولى أيضا تقديم عرف السابق إلّا أن يقوم شاهد على حمله على العرف الآخر.

وحيث جرت طريقتهم على ذكر عدّة من الألفاظ في المقام ، وبيان ما يندرج فيها وما لا يندرج كان الأولى التعرض لذكرها وبيان ما هو المفهوم منها :

فمنها : الدار ، ويدخل فيها العرصة والبناء الكائن فيه من الحيطان والغرف (3) والجدران والصخور والأخشاب المبنيّة فيها والأبواب والشبائك (4) المضوءة ونحوها والبيوت الفوقانيّة والتحتانيّة والسراديب والمطبخ وبئر الماء والكنيف والحياض.

ولو كان لها بيوت خارجة عن حدّ حيطان الدار كالسّاباط الموضوع على الشارع أو الغرف المبنيّة على بيوت الجيران فإن كانت وجهها نحو تلك الدار وكانت متعلّقة بها ومعدودة من بيوتها اندرجت في بيعها ، وإن لم يعدّ من بيوتها عرفا لم يندرج في بيعها.

وكذا مع الشك فيه.

ولو كان كلّ من الفوقاني والتحتاني معدودا دارا مستقلا كما قد يتّفق في بعض البلدان لم يندرج فيه.

وفي اندراج السقف الحاصل بينهما في البيع - غاية الأمر استحقاق الفوقاني للانتفاع به

ص: 412


1- ليس في ( ب ) : « الايجاب على القبول .. مع تقديم ».
2- في ( ألف ) : « رافق ».
3- في ( د ) : « والسقوف ».
4- في ( د ) : « الشبابيك ».

والتصرف بالكون عليه ونحوه كما انّه يستحق وضع بيوته على بيته وكونها (1) عليه أو أنّه يكون مشاعا بينهما - وجهان ، وكأنّ أظهرهما الثاني لانتسابه إلى الطرفين ، وقوام الجانبين به ، بل ربّما كان تصرّف الفوقاني فيه أبين ؛ نظرا إلى كونه عليه ، وقيامه وقعوده وساير تصرفاته فوقه.

واستظهر في المجمع (2) اندراجه في التحتاني.

ووجهه غير واضح.

وهل يتوقف تصرّف كلّ من الفوقاني والتحتاني على إذن الآخر كما هو الحال في الأموال المشتركة او أن لكلّ منهما التصرف فيه على حسبما تسمعه على وجه لا يتضرر به الآخر ، ولا يقتضي بالتصرف في جهة استحقاقه ولو من دون إذن الآخر ورضاه؟ وجهان.

وقضية ظاهر الأصل هو الأول ، وملاحظة جهة الاستحقاق يقضي بالثاني ، فإنّه وإن كان (3) العين مشتركة بينهما إلّا أنّ جهة استحقاق كل منهما يغاير جهة استحقاق الآخر.

وكأنّ الثاني أرجح بالنظر وأقرب إلى الطريقة الجارية ، بل لا يبعد قضاء الأصل به أيضا.

والحائط الواقع بين الدارين لا يحتسب من أحد الجانبين بخصوصه إلّا أن يكون هناك ما يعيّنه عليه.

ومع عدمه فالظاهر الاشتراك ؛ لاستواء النسبة إليهما.

وفي جواز تصرف كلّ منهما في جانبه من دون إذن الآخر ما عرفت من الوجهين.

ويدخل فيه الأغلاق المثبتة والأبواب المنصوبة.

وهل يندرج فيه مفاتيحها المفصّلة عنها وجهان.

وقطع جماعة منهم الشهيدان (4) بالدخول لظاهر العرف.

ولا يخلو عن قرب إلّا أن تشهد الحال بخروجها.

ص: 413


1- في ( د ) : « كونه ».
2- أنظر مجمع الفائدة والبرهان 9 / 353.
3- كذا ، والظاهر : « كانت ».
4- اللمعة الدمشقية : 112 ، والروضة البهية 3 / 531.

ولا يندرج في الدار الأمور الموضوعة فيها وإن كانت من متعلّقات الدار كالخوايى الموضوعة فيها ، وإن كانت مثبتة.

ونحوها الرحى وإن كانت مبنية والإجّانة والمدق والأقفال المفصلة والأبواب والشبابيك الغير المنصوبة ، ولو كانت مغلوعة بعد النصب على إشكال. وكذا الأخشاب والصخور والأحجار الغير المبنيّة (1).

ولو كانت مبنية فخربت وبقيت فيها ففي اندراجها وجهان.

ولو قال بجميع حقوقها ونحوه فالظاهر الاندراج.

وكذا لا يندرج فيه البكرة والرشاد والدلو (2) والسلّم إلّا أن تكون مثبتة فيها.

ولا تدخل فيها الشجر الكائن فيها على ما قطع به جماعة ؛ لخروجه عن مسمّى الدار وإن قال بحقوقها ( إذ ليس مما يتعلق بالدار.

وفيه اشكال ، ولا يبعد قضاء العرف بدخول الأشجار فيها سيما مع قوله بحقوقها ) (3) إلّا أن تكون كثيرة بحيث يظهر ويشك في اندراجها في المبيع.

وقد نبّه عليه بعض أفاضل المتأخرين.

ولو قال : « بما أغلق عليه بابه » أو « ما دار عليه حائطه » فالظاهر عدم الإشكال في الاندراج.

وقد نبّه عليه جماعة.

ولو لم يكن له باب أو حائط فالظاهر أيضا ذلك لكونه حينئذ كناية عن شمول الجميع ، وينتقل به الطريق الخاص بها أو المشترك بينها وبين دار أخرى كالدارين الواقعتين في زقاق.

ص: 414


1- في ( ألف ) : « المثبتة ».
2- في ( ألف ) و ( ب ) : « والرشاد الدلو » ، وفي ( د ) : « والرشا والدلو ». قال في البستان ص 409 مادة ( رشا ) : الرشاء : حبل الدلو ، ج : أرشية ، وفي المثل : أتبع الدلو رشاءها ، يضرب في اتباع أحد الصاحبين للآخر.
3- ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

وكذا الحال في الحق الثابت له من الماء والحريم المتعلّق به.

وليس انتقال المذكورات من جهة اندراجها في مسمّى الدار ؛ لظهور خروجها عن مسمّاها بل من جهة التبعيّة حسبما يقتضيه العرف والعادة ، فبيع الدار قاض بانتقال المذكورات تبعا لانتقالها في حكم العرف.

وحيث كان ذلك من مقتضيات العقد المذكور عرفا لزم الوفاء به شرعا ؛ نظرا إلى ظاهر الآية الشريفة وغيرها.

وعلى هذا فلا يقع شي ء من الثمن بإزاء شي ء منها لخروجها عن المبيع كما هو الحال في سائر التوابع حسبما مرّ الكلام فيه من محلّه.

ومنها : البيت من الدار ، ويدخل فيه حيطانه وسقفه وأبوابه وشبابيكه.

ولا يندرج فيه البيت الذي فوقه إذا كان مستقلا للأصل وشهادة العرف.

وأمّا إذا كان من توابعه وملحقاته فلا يبعد دخوله فيه كالمخدع الذي في البيت.

وفي مكاتبة الصفار الصحيحة أنّه كتب إلى العسكرى عليه السلام في رجل اشترى بيتا في داره بجميع حقوقه وفوقه بيت آخر ، هل يدخل (1) الأعلى حقوق البيت الأسفل أم لا؟ فوقع عليه السلام : ليس (2) إلّا ما اشتراه باسمه وموضعه إن شاء اللّه » (3).

وله مكاتبه أخرى صحيحة أيضا دالّة على عكس ذلك.

ويمكن الجمع بينهما بما أشرنا إليه من الفرق بين ما إذا كان البيت الفوقاني مستقلا ومن توابع التحتاني ولواحقه.

وكيف كان ، فالفرق بين الدار والبيت في ذلك ظاهر حيث إنّ الدار يشمل البيت الفوقاني والتحتاني قطعا إلّا أن بعد الفوقاني دار أخرى كما يتفق في بعض البلدان.

ص: 415


1- في ( د ) زيادة : « بيت ».
2- في ( د ) زيادة : « له ».
3- من لا يحضره الفقيه 3 / 242 ، تهذيب الأحكام 7 / 150.

وأمّا البيت التحتاني فلا يشمل الفوقاني إلّا أن يكون هناك من (1) القرينة ما يفيد كونه من لواحقه وضمائمه فيهما متعاكسان فيما ذكرناه.

ثمّ إنّه يتبعه الطريق إلى البيت ، وهل له سهم في سائر ما يحتاج إليه الساكن فيه بين الأمور المتعلّقة به كالبئر والكنيف ونحوهما؟ وجهان ، أظهرهما عدم الدخول.

ومنها : الأرض ، ويندرج فيها ظاهرها وباطنها ، فلو كانت مشتملة على صخور مخلوقة فيها اندرجت في المبيع من غير فرق بين علمهما بالحال أو الجهل به إلّا أنّه مع الجهل لو حصل هناك غبن بالنسبة إلى البائع يثبت (2) له خيار الغبن.

ولو لم يكن هناك غبن ففي ثبوت الخيار وجهان ، والأظهر أنّه إن كان ذلك مخالفة للوصف الملحوظ في المبيع ثبت الخيار من تلك الجهة بالنسبة إلى من اعتبرت الصفة من جهته.

ومن ذلك ما لو بنيت المعاملة على ظاهر الحال فتبيّن خلافه.

ثمّ إنّه يتبعه ماؤه الكائن فيه فيما إذا استنبط بالحفر كالبئر وعيّن الماء ، وكذا لو كان البئر محفورا والعين مستنبطة ؛ لدخول المبيع (3) في اسم الأرض فيتبعه الماء.

وبه قطع في التحرير (4) وعلى ما مرّ من مذهب القاضي من عدم دخول ماء البئر في بيع الدار - لعدم جواز بيعه منفردا فلا يدخل في البيع أيضا - لا يندرج الماء الموجود في البئر في البيع هنا أيضا. وكذا الحال في عين الماء حسبما مرّت الإشارة إليه.

وقد بينّا ضعفه.

وهل يندرج فيه المياه الجارية النابعة من تلك الأرض الخارجة إلى مكان آخر والمصروفة فيها؟ الظاهر لا إلّا أن يقوم دخولها شاهدا في المقام أو يكون هناك عرف خاص يفيد اندراجها في المبيع.

ص: 416


1- في ( د ) : « عن ».
2- في ( د ) : « ثبت ».
3- في ( د ) زيادة : « حينئذ ».
4- تحرير الأحكام 2 / 230.

ويقضي بانصراف الإطلاق إليه ، ولا تندرج فيها الحجارة والصخر الموضوعين فيها ، وكذا المدفونين المعرضتين للنقل.

وأمّا المثبتة فيها كأساس الحيطان والدكّة فالظاهر دخولها إلّا أن يكون في المقام قرينة على خلافه.

ولو كان هناك ( قرينة على الخروج أو كان مودعا للنقل والتحويل ، فإن علم المشتري بوجودها هناك ) (1) فلا كلام ، وله إلزام البائع بالتخلية ، ولا يستحق المشتري عليه أجرة عن زمان التخلية إذا أتى بها على النحو المتعارف ، وليس له مطالبته بطمّ الحفر وتسوية الأرض.

ولو أخّر البائع إخراجها لم يتسلّط المشتري على (2) الفسخ ، وكان له أجرة الأرض عن اشتغالها به ولو منعه (3) التأخير عن انتفاعه بالزراعة وفات بسببه وقت الذراع ففي إلزامه بعض (4) المنافع الفائتة من جهته وجهان.

وإن لم يعلم به وكان تبقيته هناك مانعا عن انتفاع المشتري به فإن أخرجه بحيث لم يتضرر (5) المشتري أصلا فالظاهر عدم الخيار.

نعم ، لو كان إخراج المالك عنه قاضيا بنقص في الأرض كهبوط زائد يعدّ نقصا في العرف أو يكون خارجا عما أقدم عليه المشتري ولوحظ في المبيع ثبت له الخيار.

وإن توقّف على مضيّ زمان يتضرر بسببه المشتري لفوات المنفعة عليه تخيّر بين الفسخ والإمضاء ، ومع إمضائه يجب على الآخر طمّ الحفر وتسوية الأرض على الوجه الّذي كان حال البيع وأقدم المشتري عليه.

وكذا الحال في الصورة.

ص: 417


1- ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).
2- في ( ألف ) : « على اخر ».
3- في ( ألف ) : « ولوضعه ».
4- في ( د ) : « بعوض ».
5- في ( ألف ) : « يتصرّف ».

وهل له حينئذ مطالبة أجرة الأرض في زمان التحويل إذا لم يتأخر تحويله عن القدر اللازم؟ فيه وجهان ، أظهرهما ذلك.

وعن الشيخ اختيار العدم ، وكأنّه لرضاه به حيث أجاز البيع فكان بمنزلة ما لو علمه قبل العقد.

وفيه ظهور الفرق بين الوجهين ؛ لإقدامه هناك على العقد بالوجه المذكور ، وهنا قد أقدم عليه من دون ذلك ، فينتقل إليه المنفعة بوقوع العقد على العين المفروضة.

وبالجملة إنّ مقتضى إطلاق العقد انتقال المنفعة إلى المشتري بانتقال العين ، وحيث إنّه استوفاها المشتري بوضع ماله فيها كان عليه عوضها ، وعدم إمكان التفريغ في أقل من تلك المدّة لا يقضي بعدم استحقاق الأجرة عليه مع كون المنفعة المستوفاة ملكا لغيره بمقتضى البقية ، ولا يجري ذلك فيما إذا علم به قبل البيع لإقدامه على انتقال العين إليه على الوجه (1) المذكور ، وليس إمضاء المعاملة حينئذ منزلا في ذلك منزلة العقد ؛ لانتقال العين إليه بنفس العقد (2). ولو اندفع عنه الضرر حينئذ باستحقاق الأجرة ففي سقوط الخيار به مع دفعها إليه وجهان ، أظهرهما العدم.

[ فروع ]

ثمّ إنّ هنا فروعا لا بأس بالاشارة إلى جملة منها ، فنقول : إنّ بقاء ذلك الأمر المودع في الأرض إمّا أن يكون مضرّا بالأرض من الجهة المقصودة منها من زرع أو غرس أو بناء أو لا.

ثمّ إنّه إمّا أن تكون تلك الأرض مزروعة أو مغروسة أو مبنيّة حين البيع أو لا.

وعلى الثاني فإمّا أن تكون مزروعة أو مغروسة أو مبنيّة بعد ذلك أو لا.

وعلى الأوّل فإمّا أن يكون زرعها أو غرسها أو بناؤها بعد العلم بذلك أو قبله.

ص: 418


1- ليس في ( ب ) : « على الوجه .. العين إليه ».
2- زيادة في ( ب ) : « غاية الأمر ». وزيادة في ( د ) : « غاية الأمر تخييره من جهة الضرر فإذا أمضاه كان له المنفعة على مقتضى ظاهر العقد ».

وعلى التقادير فإمّا أن يكون إخراجه مضرّا بالأرض أو بأحد المذكورات أو لا.

ثمّ إنّ الزرع أو الغرس أو البناء الحاصل في الأرض إمّا مملوك للبائع أو المشتري أو غيرهما ، فإن لم يكن بقاؤه ولا إخراجه مضرا بالأرض ولا بما حصل فيه فلا إشكال في تسلّط المشتري على إخراجه وإلزام البائع به ، ولا في تسليط البائع على أخذه وإن رضي المشتري بابقائه.

وإن كان بقاؤه مضرا بالأرض دون إخراجه فسلطان المشتري على البائع أظهر ، ولا إشكال في سلطان البائع عليه أيضا.

فإن كان المشتري عالما بالحال فالظاهر عدم ثبوت الأرش عليه في بقائه هناك بمقدار لا يتحقق الإخراج عادة فيما دونه وإن تضرّر به ؛ نظرا إلى إقدامه عليه حسبما مرّت الإشارة إليه.

وأمّا لو كان جاهلا فإن أمكن إخراجه على وجه لا يتضرّر به المشتري فلا خيار له ، وإلّا ثبت له الخيار.

ومع عدم فسخه له الأرش على البائع على حسب النقص الحاصل.

ولو تهاون البائع في إخراجه كان للمشتري اخراجه عن ملكه ، ولا يبعد رجوعه على البائع بمئونة الإخراج.

ولو أمكن الرجوع إلى الحاكم في ذلك فالأحوط الرجوع إليه.

ولو كان إخراجه مضرّا بالأرض دون بقائه وأراد المشتري نقله كان له ذلك ، ولا أرش عليه مع علم المشتري بالحال.

وأمّا مع جهله فإن رضي البائع ببقائه فهل يتخير المشتري في الفسخ؟ وجهان.

وقضيّة ما في التحرير عدم الخيار ، ولا يخلو عن تأمّل.

والظاهر سلطان المشتري على إلزام البائع بالتفريع ، ولا يجب عليه القبول لو تركه البائع (1).

ص: 419


1- في ( د ) زيادة : « له ».

وهل له حينئذ مطالبة بالأرش؟ وجهان.

وهل للبائع سلطان على نقله مطلقا سيّما مع جهله بالحال أو ليس له ذلك مطلقا ؛ لتضرّر المشتري به أو تفصيل (1) بملاحظة الضرر الوارد عليهما ، فله ذلك مع كون الضرر الوارد عليه من جهة الترك أعظم ومع المساواة يقدّم جانب البائع مطلقا أو مع جهله؟ وجوه ، أظهرها سلطانه على النقل مع وجوب أرش الضرر عليه.

ولو كانت إخراجه مضرا بما في الأرض من الزرع أو الغرس أو البناء أو قاضيا بإتلافه من دون لحوق ضرر بالأرض فإن كان ذلك للبائع كان له السلطان على النقل ، وكذا لو كان لثالث ورضي به.

وأما لو كان ملكا للمشتري أو لثالث ولم يرض بورود الضرر عليه فهل للبائع السلطان على النقل؟ فيه تأمّل سيّما إذا أفضى بتخريب البناء أو إتلاف الزرع أو الغرس ( وكان الضرر الوارد في المقام زائدا على قيمة تلك الأعيان.

هذا إذا كان مالك البناء أو الغرس ) (2) مثلا مستحقا لتبقيته في الأرض ، وأمّا مع عدمه فلا إشكال في جواز النقل وإن أدّى إلى إتلاف ذلك.

ومن ذلك ما لو رفع (3) المالك بناء البيت مثلا عليه مع علمه باستحقاق الغير له ، وأمّا مع جهله بالحال فالإشكال.

ولو كان ذلك ملكا للمشتري كان له إخراج ما في ملكه من الأعيان المفروضة من غير إشكال.

وهل له الرجوع إلى مالكه بالمئونة مع امتناعه عن الإخراج؟ وجهان ، أظهرهما ذلك إن قلنا بوجوب الإخراج عليه حينئذ ، وإن لم نقل بوجوبه قبل مطالبة المشتري به.

وهل مطالبة البائع حينئذ بالأرش؟ الظاهر لا ، فإنّ الضرر اللاحق له إنّما أتى من

ص: 420


1- في ( د ) : « يفصل ».
2- ما بين الهلالين أضيفت من ( د ).
3- في ( د ) : « وضع ».

جهته دون البائع سيّما إذا كان البائع جاهلا بالانتقال ، وتحمل القول بالرجوع نظرا إلى انتقال ملكه بمال البائع فعليه التفريغ ، ويتبعه استحقاق أرش النقصان اللاحق لماله من جهة تفريغه ، ولو كان البناء أو الغرس لثالث فالظاهر عدم سلطان المشتري على الإخراج مع تضرّر المالك به.

وأمّا لو كان للبائع أمكن القول بإلزامه به مع علمه بالحلال وأمّا مع جهله ففيه ما سبق من الإشكال.

وممّا قرّرنا يمكن استنباط الحال في سائر الفروض المذكورة فلا نطيل الكلام ببيانها.

ولو باع أرضا فظهر فيها معدن كان للمشتري ، فإنّه من لواحق الأرض كالصخور المخلوقة فيها ، وحينئذ فإن كان البائع قد ملكها بالإحياء تخيّر بين الفسخ والإمضاء على ما قطع به في التحرير (1).

ولو ملكها بالشراء ذكر فيه احتمالين : عدم الخيار لكون الحق للبائع الأوّل ، وثبوته نظرا إلى انتقاله إليه ، وكون الحق له بالفعل وإن كان للآخر مطالبته بعد علمه بالحال كما لو اشترى معيبا ثمّ باعه ولم يعلم بعيبه ، فإنّه يستحقّ الأرش وإن كان قد باعه بقيمة الصحيح.

وهذا هو الأظهر ؛ لخروجه على خلاف الوصف المشاهد أو الموصوف من جهة ظهور المعدن فيه سيّما إذا كان مغبونا بالنظر إلى حصول ذلك فيه.

غاية الأمر أن ثبت الخيار للبائع الأوّل أيضا.

ولو ظهر في الأرض كنز ونحوه لم يدخل في المبيع وكان باقيا على حاله كالحجار والصخور المدفونة فيه المعدّ للنقل ، ثم لو باعه فيه (2) بجميع ما فيه على أن يكون ما فيه تابعا للمبيع في الانتقال حتى لا يضرّ الجهالة به على ما مرّ الكلام فيه تبعه ذلك في الانتقال لو كان ملكا للبائع.

ولا يدخل البناء والغرس في بيع الأرض بلا خلاف يعرف فيه.

ص: 421


1- تحرير الأحكام 1 / 174.
2- في ( د ) : « منه ».

نعم ، لو غرس الأرض وباعها قبل أن يرسخ عروقه قال الشيخ (1) : انّه يدخل الغرس في البيع.

وفيه ضعف.

ولو باعها بحقوقها لم يندرج أيضا ؛ إذ ليس البناء والغرس من حقوق الأرض.

وعن الشيخ أيضا دخولهما حينئذ في المبيع.

ولا يخلو عن بعد.

نعم ، لو قامت هناك قرينة على إرادة ذلك فلا كلام ، وكذا لو ثبت فيه عرف خاص عند المتعاقدين.

ولو قال : وما أغلق عليه بابها ، ففي التحرير (2) : إنّه يدخل فيه ذلك قطعا.

وهو متّجه وإن لم يكن له باب لكونه كناية عن جميع ما فيها حسبما مرّ.

ولو كان فيها زرع لم يندرج في المبيع أيضا ولو كان بذرا قبل اخضراره.

وعن الشيخ رحمه اللّه اندراج البذر في المبيع ، وقال فيما يجذّ مرات كالقب والنعناع (3) انّه إن كان مجذوذا دخل الأصول في المبيع ، فتكون الجذّة الآتية للمشتري وإن لم يكن مجذوذا فالجذّة الأولى للبائع والباقي للمشتري.

والّذي يقتضيه ظاهر العرف في جميع ذلك الخروج عن المبيع إلّا أن يكون هناك شرط أو عرف خاصّ في المقام يقتضي ذلك حينئذ (4) ، فإن كان المشتري عالما باشتغاله لم يكن قلعه إلّا مع الشرط لما فيه من إضرار البائع ، وليس له مطالبة الأجرة على الإبقاء أيضا كما نصّ عليه في التحرير وغيره فإن ذلك قضيّة تملك الزرع مع الإطلاق كما هو الحال فيما لو باعه الزرع وأطلق ، فكذا لو بقي على ملك المالك الأوّل.

ص: 422


1- المبسوط 2 / 109.
2- تحرير الأحكام 2 / 326.
3- في ( ألف ) : « والنقاع ».
4- في ( د ) : « وحينئذ ».

ولا خيار له أيضا ؛ لإقدامه عليه عالما بالحال ، ولو كان جاهلا به بأنّ اشتراه بالوصف من دون أن تبيّن له ذلك (1) بالرؤية القديمة حال خلوها من (2) ذلك ثبت له الخيار في فسخ العقد ؛ إذ لا سلطان له على قلع العين أيضا ؛ لما مرّ في الصورة الأولى ، وإبقاؤه فيه من دون أجرة ضرر عليه ، فينجبر (3) ذلك بالخيار بحمل (4) القول بتسليطه حينئذ على القلع ؛ لإقدام البائع على تسليطه على العين مع علمه بالحال ، بل وكذا مع جهله بها ؛ نظرا إلى وجوب التفريع. عليه إلّا أنّه ينجبر ذلك بانجباره أيضا صورة جهله.

ولا يخلو ذلك عن وجه ؛ نظرا إلى ظاهر الأصل إلّا أنّي لم أجد من أفتى بمقتضاه ، ومع (5) البناء عليه له مطالبته بأجرة الأرض لو رضي ببقائه كذلك.

وكيف كان ، فلا سلطان له حينئذ على أخذ الأرش ؛ لعدم اندراج ذلك في العيب ودفع البائع إيّاه لا يسقط خياره كما هو الحال في نظائره من موارد الخيار ، فإن ذلك عطاء مستقلّ ، ولا يجب عليه القبول.

نعم ، لو رضي المشتري بإسقاط الخيار عند بذل العوض كان ذلك من قبيل الصلح على إسقاط الخيار ، وكان ذلك معاملة جديدة لا مانع منها بعد تراضيهما عليه.

ولو تركه البائع له احتمل في التذكرة (6) سقوط الخيار به حاكيا له عن الشافعي قال : وعندي فيه إشكال.

ورجّحه بعض محقّقي المتأخرين مع ارتفاع الضرر به ، قال : ولعل استشكل العلّامة في غيره.

ص: 423


1- في ( د ) زيادة : « أو ».
2- في ( د ) : « عن ».
3- في ( ألف ) : « فيجيز ».
4- في ( د ) : « يحتمل ».
5- في ( ألف ) : « مع » بدون الواو.
6- تذكرة الفقهاء 12 / 48.

قلت : والأظهر أنّ مجرّد تركه (1) لا يقتضي بسقوط خياره وإن ارتفع الضرر به ؛ لعدم وجوب القبول عليه.

نعم ، لو قطع النظر عنه وبنى عليه تفريغه وقلعه من دون أن يلحق المشتري ضرر بتفريغه سقط به خياره في وجه قوي.

ويجري جميع ما ذكرناه في صورة اشتغالها بالغرس أو البناء إلّا أن القول باستحقاقه أجرة الأرض من جهة اشتغالها بذلك في غاية القوة ولو كان عالما بالحال. وفي ذلك تأييد للحال لما ذكر احتملناه هناك.

ومنها : الشجر ، ويندرج فيه أصلها وأغصانها الرطبة واليابسة وعروقها كذلك ، وكذا أوراقها وإن كان الورق هو المقصود منها كورق التوت.

وكونه حينئذ نظير الثمرة لا يقضي بإلحاقها بها في الخروج مع اندراجه في الاسم دونها.

وتأمّل بعض محقّقي المتأخرين فيه ليس في محلّ بعد ما عرفت.

وفي دخول الورد الحاصل في الشجر سيّما إذا كان المطلوب منه هو الورد إشكال.

وقد نصّ بعضهم بعدم الدخول.

وقد ينضج عنده (2) وعن الشيخ القول بالدخول حينئذ ولا يبعد القول بخروجه عن مسمّى الشجر لغة فإن لم يكن هناك شاهد عرفي على التبعيّة (3) فالأظهر الخروج.

وأمّا الثمرة ونحوها فهي غير داخلة في الشجر من غير إشكال. وربّما ينتفي الخلاف عنه إلّا أنّه حكي عن الشيخ (4) والقاضي (5) اندراج نحو القطن بعد خروج جوزته وقبل الشقق في بيع الأصل.

ص: 424


1- في ( د ) زيادة : « له ».
2- في ( د ) : « وأن ينفتح خبذه » بدل : « وقد ينضج عنده ».
3- في ( ألف ) : « البقية ».
4- المبسوط 2 / 102.
5- المهذب 1 / 374.

وهو كذلك مع مساعدة العرف أو المقام ، وأمّا من دونهما فالظاهر عدم الاندراج.

وما ذكرناه ظاهر فيما إذا كانت الثمرة ظاهرة بعد تناثر الورد ، ولو كانت في الورد مع تفتحه وظهوره فالظاهر أيضا ذلك ، ولو كان قبل تفتح النور وظهور الثمرة في جريان الحكم المذكور وجهان.

واستشكل فيه في التحرير (1). والأظهر أن يقال : إنّه إن قيل بخروج الورد حينئذ فالظاهر عدم الإشكال في خروج الثمرة الحاصلة فيه ، وإلّا فالإشكال فيه متّجه.

هذا كلّه في غير ثمر النخل ، وأمّا في النخل فإن كانت مؤبرة لم يندرج في بيعها ، بل هو باق على ملك البائع على المعروف بين الأصحاب.

وعن التذكرة (2) حكاية الإجماع عليه ؛ لما عرفت من الأصل نظرا إلى خروج الثمرة عن مفهوم الشجرة نخلا كانت أو غيرها.

والنصوص المستفيضة المعتضدة بعمل الأصحاب والإجماع المنقول منها قال أمير المؤمنين عليه السلام : « من باع نخلا قد أبر فتمرته (3) للبائع إلّا أن يشترط المبتاع ». قال : « وصّى (4) به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله » (5).

وفي آخر : « من باع نخلا قد لقح فالثمرة للبائع إلّا أن يشترط المبتاع » (6) ( أقضى به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

وفي آخر : « قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّ ثمر النخل للذي أبرها إلا أن يشترط المبتاع » ) (7).

ص: 425


1- تحرير الأحكام 2 / 332.
2- تذكرة الفقهاء 12 / 74.
3- في المصدر : « أبره فثمرته ».
4- في المصدر : « قضى ».
5- الكافي 5 / 177 ، باب بيع الثمار وشرائها ح 14.
6- الكافي 5 / 177 ، باب بيع الثمار وشرائها ح 12.
7- ما بين الهلالين أضيفت من ( د ).

وقد خالف في ذلك الطوسي (1) ، ففصّل بين ما إذا كان البيع بعد بدوّ صلاح الثمرة وقبله ، فعلى الأوّل يكون للبائع ، وعلى الثاني للمشتري إلّا أن يشترط للآخر في الصورتين.

ولم نقف له على مستند. وقد يحتجّ له بكونها قبل بدوّ الصلاح بمنزلة جزء الشجرة ، ولا يعد شيئا آخر بخلاف ما إذا كان بعد البدو.

وهو كما ترى.

وإن لم تكن مؤبرة اندرجت في المبيع وكان للمشتري ، على المعروف بين الأصحاب.

والمخالف هنا أيضا هو القاضي (2) في ظاهر كلامه حيث جعل المناط بدوّ الصلاح وعدمه.

ويدل على الحكم المذكور مفهوم القيد المأخوذ في المستفيضة المتقدمة المعتضدة بفهم الأصحاب والإجماع على المسألة ، حكاه في التذكرة (3) والمختلف (4).

ويظهر دعواه من (5) جماعة. ونفى عنه الخلاف بعض الأجلّة ، فيخرج بذلك عن مقتضى الأصل المذكور ( من خروج الثمرة عن مفهوم الشجرة ، فلا يحكم باندراجها في المبيع من غير قيام دليل عليه ، فظهر بذلك اختصاص الحكم المذكور ) (6) بالبيع ، فلا يجري في سائر وجوه الانتقالات من الصلح والهبة المعوضة وغيرها.

وجعله مهرا وعوضا من المنافع في الإجارة ونحوه مضافا إلى ما حكي عن البعض عن (7) دعوى الإجماع عليه.

وقد خالف فيه الشيخ والقاضي (8) فضماه إلى الأصل في الجميع ، قال الحلى : إنّه الدليل

ص: 426


1- المبسوط 2 / 102.
2- المهذب 1 / 380.
3- تذكرة الفقهاء 1 / 573.
4- مختلف الشيعة 5 / 201.
5- في ( د ) : « عن ».
6- ما بين الهلالين مما زيدت من ( د ).
7- في ( د ) : « من ».
8- المهذب 1 / 374.

سوى القياس.

ولو أبرتها الرياح بعد تشققها من نفسها ففي جريان حكم المؤبّر عليه وجهان ؛ من خروجه عن ظاهر الأخبار المذكورة وقضاء ظاهر التقييد بكونها للمشتري ، ومن (1) انّها في معنى التأبير ، فيجري حكم المؤبر عليها.

مضافا إلى ما عرفت من الأصل ، فإنّ القدر المتيقّن من غير المؤبر هو ما لم يقع عليه التأبير أصلا ، فلا بدّ من الرجوع في ذلك إلى مقتضى الأصل من كونها للبائع.

ولو كان بعض النخيل مؤبرة دون البعض كان لكلّ حكمه سواء كانت من نوع واحد أو أنواع مختلفة.

ولو كان البعض من شجرة واحدة مؤبرا دون البعض فهل يجري لكلّ حكمه أو يجعل غير المؤبر تابعا للمؤبّر؟ وجهان.

وتنظّر في التحرير (2) في الحكم بالتبعية. وهو في محله.

ولو اشترى في نخلة مطلعة (3) وكانت مؤبرة ولم يعلم المشتري بتأبيرها ، ثمّ علم به فذهب الشيخ في المبسوط (4) إلى ثبوت الخيار له أو الثمرة حينئذ للبائع ويفوت على المشتري ثمر عامه ، فيتخيّر ذلك بخياره في الفسخ وعدمه.

والأظهر عدم ثبوت الخيار له كما استقر به في المختلف (5) ؛ إذ المبيع إنّما هو النخلة دون الثمرة ، والمفروض تعلّق البيع به بعد بروز الطلع ، وهو أعم من كونها مؤبرة أو غيرها ، فلا إقدام في المقام على شي ء ظهر خلافه لتخيّره بالخيار.

غاية الأمر إقدامه على أمر دائر بين الوجهين ، فإن كان هناك مانع فإنّما هو من جهة

ص: 427


1- في ( ألف ) : « من ».
2- تحرير الأحكام 2 / 331.
3- في ( ألف ) : « مطلقة ».
4- المبسوط 2 / 109.
5- مختلف الشيعة 5 / 278.

الجهالة ، وهي إن حصلت في المبيع قضت بفساد المعاملة دون الانجبار بالخيار لكن الظاهر عدم قضائها هنا بالفساد ؛ إذ ليست الثمرة حينئذ جزء من المبيع لتكون الجهالة باندراجها فيه وعدمه قاضية بالجهالة في المبيع ، وإنّما هي تابعة للمبيع في حكم الشرع ، والجهالة بالتابع لا تمنع من صحّة العقد حسبما مرّ في نظائره.

نعم ، لو اشتراه بشرط أن لا تكون مؤبّرة أو مع وصف عدم التأبير أو بشرط عدم ظهور الطلع كان له الخيار بعد انكشاف الخلاف.

ولا أرش في المقام ، فإنّه إنّما يثبت من جهة العيب ، ولا عيب في الصورة المفروضة.

ولو باعها على أنّها مؤبرة فظهر عدم التأبير فإن كان البائع عالما بالحال ثبت له الخيار ، وإن كان عالما وتعمّد الكذب في الوصف فلا خيار له.

ولو شرط الثمرة لنفسه فلا فرق بين ظهورها مؤبّرة ، أو غير مؤبّرة ولا بين علمه بالتأبير وعدمه.

وكذا لو شرطها للمشتري.

ولو اشترط التأبير في الثمرة فظهر عدمه ثبت الخيار في الصورتين.

ثمّ على ما ذكر من عدم اندراجها في المبيع مع التأبير لو احتاجت إلى السقي لم يكن لمالك الأصل المنع فيه (1) كما أنه لو احتاجت الأصول إلى السقي (2) لم يكن للآخر منعه.

ولو كان سقي الأصول مضرّا بالثمرة وسقي الثمرة مضرّا بالأصول وتعارضا (3) في ذلك فإن شرطا أحدهما على الآخر السقي عند حاجته دون الآخر كان متبعا ، ولم يكن للآخر مزاحمته.

ومع عدم الاشتراط ففي ثبوت الخيار لمن يرد الضرر عليه أو سلطان طالب السقي على الإسقاء فيجبر الممتنع عليه أو تقديم مصلحة المشتري حيث إنّ البائع هو الّذي أدخل على نفسه ذلك ، وجوه.

ص: 428


1- في ( د ) : « منه ».
2- ليس في ( ب ) : « إلى السقي .. كان السقى ».
3- في ( ب ) و ( د ) : « تعاسرا » بدل : « تعارضا ».

واعتمد في المختلف (1) على الأخير. وهو متّجه إن كان البائع عالما بالحال حين الإقدام بالبيع.

وإن كان جاهلا به ففي ترجيح أحد الجانبين إشكال.

ويحتمل هناك وجه رابع ، وهو سلطان كل منهما على السقي (2) في الصورتين مع تحمله ضرر الآخر لكونه جمعا بين الحقّين.

ويمكن أن يقال بسقي (3) الأشجار من جهة أصولها وأثمارها قاعدة معروفة يجري عليها في العرف ، فإذا تعلّق العقد بالأصول أو الثمار رجع في سقيها إلى القاعدة المفروضة ؛ لانصراف الإطلاق في ذلك إلى التعارف الشائع ، فللمشتري سقيها كذلك من دون أن يزاحمه البائع ، فإن اتفق هناك حاجة الأصول أو الثمار خارجا عن القاعدة المفروضة كان للآخر الامتناع عنه مع (4) إضراره به ؛ لما عرفت من صرف العقد إلى المتعارف.

ثمّ إنّ الثمرة إذا كانت للبائع كان له إبقاؤها إلى زمان جذاذها أو اقتطافها (5) على النحو المتعارف ، وليس للمشتري إلزامه بالجذاذ والاقتطاف قبل ذلك على ما هو الحال في بيع الثمار.

ولو اتفق انقطاع الماء وكان إبقاء الثمر على الشجر مضرا به فهل يتسلّط المشتري على قطعها؟ فيه قولان :

أحدهما : عدم تسلّطه على البائع ، فإنه لما رضي ببيع الأصل منفردا عن الثمرة فقد رضي بما يتفرع عليه من الضرر.

ثانيهما : إن له اجبار البائع على القطع. وعلّل تارة بأنّ الثمرة لا تخلو (6) من (7) ورود النقص

ص: 429


1- مختلف الشيعة 5 / 277.
2- في ( ألف ) : « النص ».
3- في ( د ) : « لسقي ».
4- زيادة « مع » من ( د ).
5- في ( ألف ) : « اقتضائها ».
6- في ( ب ) : « يخلو ».
7- في ( د ) : « عن ».

عليها أخذت أو مسكت (1) ، فلا بدّ من ملاحظة حال الشجر. وأخرى بأنّ المشتري يتسلّط على إلزام البائع بالتفريغ وإنّما وجبت التبقية في المقام لمصلحة البائع ، وحيث انتفت المصلحة المقتضية لاستحقاق التبقية رجعنا إلى أصالة وجوب الإزالة. كذا ذكره العلّامة في المختلف (2) واستقرب البناء عليه.

وهو إنّما يتمّ إذا لم يختلف الحال في ورود الضرر على الثمرة بين قطعها وإبقائها على حالها مع تضرّر مالك الشجرة بالإبقاء ، بل يمكن القول بسلطانه حينئذ على القطع مع عدم تضرّر مالك الأصل أيضا ؛ نظرا إلى العلّة المذكورة.

وأمّا إذا اختلف الحال في الصورتين بأن لم يترتّب عليه ضرر مع التبقية أو كان الضرر في التبقية أقل ، فلا يتمّ الوجه المذكور.

هذا ، [ و ] لا يندرج المغرس في بيع الأشجار ، بل هي باقية على ملك البائع إن كانت له بلا خلاف يظهر فيه ، إذ لا قاضي باندراجه في المبيع لكن يستحق المشتري عليه تبقيتها في الأرض ، فليس له أن يطالبه بالقلع ولا بالأجرة ، وله مدى جرائدها وإن خالت بعد ذلك ، وكذا عروقها ، فليس لمالك الأرض قطع الأغصان المستطيلة ولا العروق المتباعدة ، وله الاستطراق إليها في الأرض المفروضة مهما شاء إن كان يجي ء إليها لإصلاحها أو إصلاح ثمرتها المملوكة له ، ولا سلطان لمالك الأرض على منعه منه ، ولا شغل الأرض بما يضرّ بالأشجار.

وسلطان صاحب الشجر على ذلك كلّه على وجه الاستحقاق دون الملكيّة حسبما عرفت.

ولو انقلعت الشجرة أو قطعها المشتري لم يكن له غرص آخر مكانها ، فإن استحقاقه في الأرض إنّما كان بتبعيّة (3) الشجر ، فإذا زال زال الاستحقاق إلّا أن يكون قد اشترط ذلك على مالك الأرض لو يبست (4) الشجرة كان له الأمر بقلعها ، وكذا لو يبست (5) بعض أغصانها

ص: 430


1- في ( د ) : « مكست » ، وفي ( ألف ) : « سكت ».
2- مختلف الشيعة 5 / 277.
3- في ( ألف ) : « تبقية ».
4- في ( ألف ) : « ينبت ».
5- في ( ألف ) : « ينبت ».

بالنسبة إلى القدر اليابس. ولو بلغت إلى حدّ يقطع في العادات كأشجار الأثمار إذا ذهب عنها قوة الإثمار ففي تسلّط المالك على الأمر بقلعها وجه قوي.

ولو اشتراه بشرط القلع للاحتطاب أو النجارة أو الوضع (1) قلعها مع أدائه أيضا.

وأما إن كان جاهلا بالحال فزعم كون الأرض ملكا للبائع في سلطانه على البائع بدفع الأجرة أو عدمه وثبوت الخيار (2) في الفسخ وجهان.

ويحتمل هناك وجه ثالث ، وهو ثبوت الخيار له مطلقا ، فإن فسخ فلا كلام ، وإلّا استحقّ على البائع دفع الأجرة عن التبقية.

وهل يتسلّط مالك الأرض على المشتري في مطالبة الأجرة؟ الظاهر ذلك ؛ لاستيفائه منفعة الأرض بتبقيه ملكه فيها ، ولكن له الرجوع على البائع بناء على الوجه المذكور.

ولا يخلو عن قرب.

هذا ، ولمّا كانت الأرض باقية على ملك البائع فله ذرعها بما لا يضرّ بالأشجار ، وكذا إجارتها لما لا يمانع حقّ المشتري ، ولكل منهما استيفاء ماله عند الحاجة إليه مع عدم إضراره بالآخر.

احتاجت الأشجار إلى السقي وكان مضرا بالزرع تسلّط المشتري على السقي بخلاف العكس.

ويجري ذلك فيما لو كانت الأرض ملكا لغير البائع إذا كانت التبقية مستحقة عليه.

ومنها : الحيوان من عبد وأمة وغيرهما من الحيوانات ، فإن (3) باع حاملا سواء كان إنسانا أو حيوانا لم يندرج الحمل في المبيع على المعروف بين الأصحاب.

ص: 431


1- من قوله : « في السيوف والأبنية » إلى قوله « أن يؤديها وليس لصاحب الأرض » لم ترد في ( ألف ).
2- في ( د ) زيادة : « له ».
3- في ( د ) : « فلو ».

وحكي القول به عن الشيخين في المقنعة (1) ونهاية (2) والديلمي والقاضي في الكامل والحلبي (3) والحلي (4).

ويجوز اشتراطه للمشتري على ما نصّ عليه جماعة منهم ، وكذا للبائع فيكون الشرط مؤكّدا.

وعن الإسكافي (5) أنه يجوز أن يستثنى الجنين في بطن أمّه من آدمي وحيوان.

وفيه إلى اندراجه في المبيع لو لا الاستثناء كما هو المصرّح به في كلام الطوسي.

وذهب الشيخ في المبسوط (6) والقاضي في المهذّب (7) والجواهر (8) إلى أنّه للمشتري ، ولا يجوز اشتراطه (9) للبائع.

وقد حكي القول المذكور عن الشافعي.

حجّة الأوّل أنّ البيع إنّما تعلّق بالأمّ ، والحمل خارج عن مفهومه ، فلا يتناوله اللفظ مطابقة ولا تضمّنا ولا التزاما في المقام عقلا ولا عرفا ، فلا قاضي باندراجه في المبيع مع الإطلاق.

نعم ، لو شرط كونه للمشتري كان الشرط متّبعا ؛ للزوم الوفاء به.

ووجه الثاني أنه بمنزلة الجزء من الأم ، فيتبعه في الانتقال إلّا أن يصرّح بخلافه ، فيتبع التصريح.

ص: 432


1- المقنعة : 600.
2- النهاية : 409.
3- الكافي للحلبي : 356.
4- السرائر 2 / 343.
5- نقله عنه في مختلف الشيعة 5 / 214.
6- المبسوط 2 / 156.
7- المهذب 2 / 386.
8- جواهر الفقه : 60.
9- في ( ألف ) : « اشتراط ».

وحجة الثالث أن الحمل يجري مجرى عضو من أعضاء الحامل (1) فكما لا يجوز استثناء عضو منه كذا لا يجوز استثناؤه ، وأيّد ذلك بما رواه السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام في رجل (2) [ ... ].

ص: 433


1- في ( ألف ) : « الحائل ».
2- لم ترد في ( ب ) : « في رجل .. يوم القيامة ».

هذا تمام ما وقع عليه أعين الناظرين ، وآخر ما وجد بخطه الشريف من كتاب التبصرة في الطهارة والصلاة والبيع والزكاة.

وهو مع اشتماله على قليل من المسائل الفقهية إمّا تامّا وإمّا ناقصا قد ذكر فيها فوائد جليلة وقواعد لطيفة يدلّ على مهارته وشدّة قوته في المطالب العلمية الفقهيّة والأصوليّة والرجاليّة ، وهو شيخنا ومولانا التقيّ الشيخ محمّد تقي أعلى اللّه مقامه ورفع درجته.

الحمد لله على الإتمام وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وآله سادات الأنام وأبنائه المعصومين ينابيع العلوم ومصابيح الظلام (1).

وقد فرغت من تسويده في يوم الجمعة عاشر شهر جمادى الآخرة من شهور سنة إحدى وثمانين ومأتين بعد الألف [ من ] الهجرة النبويّة على هاجرها ألف ألف ثناء وتحيّة ، وأنا أقل الخليفة بل لا شي ء في الحقيقة سميّ تاسع الأئمّة عليهم السلام ، حشرنا اللّه معهم يوم القيامة.

ص: 434


1- ليس في ( د ) : « وقد فرغت من تسويده ... » إلى « ... حشرنا اللّه معهم يوم القيامة ».

فهرس المواضيع الجزء الثالث

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة... 5

تبصرة - في شرائط وجوب الزكاة... 7

تتميم... 14

تنبيهات... 29

تبصرة - في اشتراط الحرية... 42

تنبيهات... 46

تبصرة - في اشتراط التملك... 51

تبصرة - في اشتراط التمكّن... 58

مسائل... 62

تنبيهات... 70

تبصرة - فيما إذا كان النصاب في موضع الحظر... 76

فروع... 81

تبصرة - في تعلّق الحق بعين النصاب... 92

فروع... 94

تنبيهات... 105

تتمّة... 113

ص: 435

الباب الثاني في بيان ما يجب الزكاة فيه وما يستحب... 117

الشرائط المعتبرة في ثبوت الزكاة في كلّ منها وما يلحق بذلك من الأحكام... 117

تبصرة - في بيان ما يجب الزكاة فيه... 117

الفصل الأوّل في زكاة الأنعام... 127

البحث الأوّل في بيان شروط وجوب الزكاة فيها... 127

تبصرة - في اشتراط النصاب... 127

تبصرة - في نصاب البقر... 144

تبصرة - في نصاب الغنم... 148

تبصرة - في نصاب البقر... 155

تبصرة - في نصاب الغنم... 159

تبصرة - في اشتراط السوم... 165

تبصرة - في اشتراط الحول... 169

تبصرة - في اشتراط أن لا تكون الإبل والبقر عوامل... 177

البحث الثاني في اللواحق... 179

تبصرة - في مصاديق الغنم... 179

تبصرة - في المريضة والهرمة وذات العوار... 184

تنبيهات... 185

تبصرة - في الأكولة وفحل الضراب والرّبى... 188

تبصرة - في تعدّد ما هو بصفة الواجب... 195

تبصرة - في زكاة العين المستقرضة... 196

تبصرة - في تعيين أصناف المستحقين... 203

تنبيهات... 216

ص: 436

تبصرة - في مدّعي الفقر... 231

تبصرة - في دفع الزكاة إلى غير المستحقّ... 236

فروع... 242

تبصرة - في العاملين على الزكاة... 244

تبصرة - في المؤلّفة قلوبهم... 253

تبصرة - في الرقاب... 261

تنبيهات... 270

تبصرة - في الغارمين... 279

الباب الثاني في زكاة الفطرة... 287

الفصل الأول في بيان شرائط وجوبها... 288

تبصرة - في اشتراط التكليف... 288

تبصرة - في اشتراط الحرية... 290

تبصرة - في اشتراط الغنى... 296

تبصرة - في وجوب إخراجها عند تكامل شرائطها... 301

تبصرة - في فطرة الضيف... 312

فروع... 315

تبصرة - في أداء مال الفطرة عن نفسه... 317

تبصرة - في اشتراط نيّة أداء الفطرة... 321

تبصرة - في الخروج عن المكيّة بالتعيين... 324

تبصرة - في إسلام الكافر... 327

كتاب البيع

كتاب البيع... 331

ص: 437

تبصرة - في بيع الفضولي... 331

تتميم... 341

تبصرة - في بيع ما يملكه غيره... 362

تتميم... 364

تبصرة - في بيع ما يملكه المسلم وما لا يملكه... 375

تنبيهات... 385

فروع... 418

فهرس المواضيع... 435

ص: 438

بعض إصدارات مجمع الذخائر الإسلامية - قم

1 - تراجم الرجال / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : علم التراجم

2 - بحوث في الفقه المعاصر ( في خمس مجلدات ) / الشيخ حسن الجواهري / موضوع : الفقه المعاصر 3 - البيان عما وقع في لسان الميزان / السيد مضر حلو /موضوع : علم الرجال

4 - تبصرة المتعلمين / العلامة الحلي / موضوع : علم الفقه

5 - التحرير الطاوسي / الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني /موضوع : علم الرجال

6 - ألقاب السادة / السيد صادق الحسيني الإشكوري / موضوع : علم النسب

7 - تعليقات على أجوبة المسائل المهنائية ( في مجلدين ) / السيد محمد تقي الموسوي الدشتستاني /موضوع : علم الفقه

8 - ثبت الأسانيد العوالي / السيد محمد رضا الجلالي / موضوع : علم الإجازات والرجال

9 - جمال الأسبوع / السيد ابن طاوس /موضوع : أدعية

10 - الجموع والمصادر ( في استدراك القاموس المحيط ) / محمد يحيى القزويني /موضوع : علم الصرف واللغة

11 - الصحاح من الآثار / الشيخ عباس الطواري / موضوع : علم الحديث

12 - الصحيفة الصادقية / الشيخ باقر شريف القرشي /موضوع : أدعية

13 - العقائد الحقة / السيد علي الحسيني الصدر /موضوع : عقائد

14 - عين العبرة في غبن العترة / السيد ابن طاوس بتحقيق الشيخ الأركاني /موضوع : علم الحديث والفضائل

15 - الفخري في أنساب الطالبيين / اسماعيل المروزي / موضوع : نسب

16 - الفوائد الغروية / المحقق الرودسري /موضوع : علم الفقه والأصول

17 - كتاب القضاء / السيد عبد اللّه الشيرازي /موضوع : علم الفقه

18 - عمدة الوسائل في الحاشية على الرسائل ( في ثلاث مجلدات ) / السيد عبد اللّه الشيرازي /موضوع : أصول الفقه

19 - مجمع الآثار / الشيخ محمد الجابري الهمداني /موضوع : كشكول

20 - ملخص جامع المعارف والأحكام ( في مجلدين ) / السيد عبد اللّه شبر /موضوع : علم الفقه والحديث

21 - المعاد الجسماني / الغروي الكمپاني /موضوع : فلسفة

22 - المجلسية / السيد علي الحسيني الميبدي / موضوع : حديث و آداب

23 - شرح الأرجوزة البطيخية / السيد. الميبدي /موضوع : شعر و أدب

24 - شرح حديث رأس مائة / السيد علي الحسيني الميبدي / موضوع : شرح الحديث

25 - ست أراجيز / السيد علي الحسيني الميبدي /موضوع : شعر و أدب

26 - عصمة الحجج / السيد علي الحسيني الميبدي / موضوع : عقائد

27 - أجوبة المسائل القرآنية / الشريف المرتضى أ الرضي / موضوع : أجوبة ، علوم القرآن

28 - إنقاذ البشر من الجبر و القدر / الشريف المرتضی أخو الشريف الرضي / موضوع: كلام و عقائد

29 - جوابات المسائل التبانيات / الشريف المرتضی أخو الشريف الرضي / موضوع : أجوبة

30 - جوابات المسائل الرازية / الشريف المرتضى أخو الشريف الرضي /موضوع : أجوبة

31- جوابات المسائل الميافارقيات / الشريف المرتضى أخو الشريف الرضي /موضوع : أجوبة

ص: 439

32- الرسائل الأدبية والحديثية / الشريف المرتضى أخو الشريف الرضي / موضوع : أدب وحديث

33 - شرح القصيدة المذهبة ( شرح قصيدة الحميري ) / الشريف المرتضى أخو الشريف الرضي /موضوع : عقائد

34 - الشهاب في الشيب والشباب / الشريف المرتضى أخو الشريف الرضي /موضوع : أدب

35- حاشية المكاسب/آخوند الخراساني /موضوع : علم الفقه

36 - حاشية المكاسب / الشيخ محمد حسين الغروي /موضوع : علم الفقه

37 - مدارك الأحكام /الطباطبائي /موضوع : علم الفقه

38 - المعتبر في شرح المختصر / المحقق الحلي /موضوع : علم الفقه

39 - مانزل من القرآن في أهل البيت ( عليهم السلام ) / الحيري / موضوع : علوم القرآن والحديث

40 - منتخب الأنوار المضية / السيد على النيلي / حديث وإمام العصر ( عجل اللّه تعالی فرجه الشريف )

41 - منية المريد في آداب المفيد والمستفيد /الشهيد الثاني /موضوع : أخلاق

42 - نهج المسترشدين / العلامة الحلي /موضوع : كلام

43 - بياض تاج الدين أحمد الوزير ( في مجلدين ) / الدكتور زماني /موضوع : أدب وشعر وحديث ...

44 - خلاصة المناقب ( في شرح قصيدة البردة بالفارسية ) / الزواره اي /موضوع : أدب وشعر

45 - المعجم العسكري / السيد صادق الحسيني الإشكوري /موضوع : معاجم

46 - مخطوطات مكتبة النجومي كرمانشاه /السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : فهرسة المخطوطات

47 - مخطوطات مكتبات دزفول / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : فهرسة المخطوطات

48 - مخطوطات مكتبة عبد العظيم الهادي / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : فهرسة المخطوطات

49 - مخطوطات مكتبة الأردبيلي / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : فهرسة المخطوطات

50 - مخطوطات مكتبة الإسماعيلية شاهرود / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : فهرسة المخطوطات

51 - مخطوطات مكتبة الإمام الهادي (عليه السلام) المشهد الرضوي / السيد أحمد الحسيني /موضوع : فهرسة المخطوطات

52 - مخطوطات مكتبة الجزائري النجفي / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : فهرسة المخطوطات

53 - مخطوطات مكتبة السيد الرضوي باكستان / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : فهرسة المخطوطات

54 - مخطوطات مكتبة فحول القزويني / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : فهرسة المخطوطات

55 - مخطوطات مكتبة البروجردي كرمانشاه / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع :فهرسة المخطوطات

56 - مخطوطات مكتبة المرتضوي المشهد الرضوي / السيد أحمد الحسيني الإشكوري/موضوع : فهرسة المخطوطات

57 - مخطوطات مكتبة الميبدي المشهد الرضوي / السيد أحمد الحسيني الإشكوري /موضوع : فهرسة المخطوطات

58 - المخطوطات العربية في مكتبة الفاتيكان ( روما ) / السيد صادق الحسيني الإشكوري / فهرسة المخطوطات

59 - تلخیص كتاب او قلیدس / محمود بن محمد الجغميني الخوارزمي ( ق 7ه. ) /موضوع : هندسة

60 - الأربعينيات / السيد محمد تقي الموسوي /موضوع : حديث

61- زيارة فاطمة المعصومة سلام اللّه عليها -قم / موضوع : أدعية

62 - أحكام أهل الكتاب في الإسلام / الشيخ علي السعيدي /موضوع : علم الفقه

63 - عصمة العقائد من أخطائها في شرح كشف المراد و تجريد الاعتقاد / الشيخ غلام حسنین /موضوع : كلام

ص: 440

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.