منهج الامام علي (عليه السلام) في بناء الانسان وانسانية الدولة المجلد 2

هوية الکتاب

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 3663 لسنة 2019

مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيفLC: BP38.02.M8 A4 2019

المؤلف المؤتمر: المؤتمر العلمي السنوي لمنهج الامام علي (عليه السلام) في بناء الانسان (2: 2017: كربلاء، العراق).

العنوان: منهج الامام علي (عليه السلام) في بناء الانسان وانسانية الدولة: اعمال المؤتمر العلمي السنوي الثاني

بيان المسؤولية: [اعداد مؤسسة علوم نهج البلاغة. العتبة الحسينية المقدسة].

بيانات الطبع الطبعة الاولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2019 / 1440 للهجرة.

الوصف المادي: 5 مجلد؛ 24 سم.

سلسلة النشر: العتبة الحسينية المقدسة؛ (678).

سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ (177)

سلسلة النشر: سلسلة المؤتمرات العلمية؛ (2).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. عهد مالك الاشتر.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (علیه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - احاديث.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - سياسة وحكومة - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - نظرية في الاقتصاد - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - معجزات - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - نظرية في بناء الانسان - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - نظرية في الاخلاق - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: نظام الحكم في الاسلام - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: النظام الاداري في الاسلام - مؤتمرات.

ص: 1

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 3663 لسنة 2019

مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيفLC: BP38.02.M8 A4 2019

المؤلف المؤتمر: المؤتمر العلمي السنوي لمنهج الامام علي (عليه السلام) في بناء الانسان (2: 2017: كربلاء، العراق).

العنوان: منهج الامام علي (عليه السلام) في بناء الانسان وانسانية الدولة: اعمال المؤتمر العلمي السنوي الثاني

بيان المسؤولية: [اعداد مؤسسة علوم نهج البلاغة. العتبة الحسينية المقدسة].

بيانات الطبع الطبعة الاولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2019 / 1440 للهجرة.

الوصف المادي: 5 مجلد؛ 24 سم.

سلسلة النشر: العتبة الحسينية المقدسة؛ (678).

سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ (177)

سلسلة النشر: سلسلة المؤتمرات العلمية؛ (2).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. عهد مالك الاشتر.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (علیه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - احاديث.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - سياسة وحكومة - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - نظرية في الاقتصاد - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - معجزات - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - نظرية في بناء الانسان - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - نظرية في الاخلاق - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: نظام الحكم في الاسلام - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: النظام الاداري في الاسلام - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: الاسلام والمجتمع - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: الاسلام وحقوق الانسان - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: احاديث خاصة (رد الشمس).

مصطلح موضوعي: الاخلاق الاسلامية مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: الفقر - العراق - تاريخ - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: البلاغة العربية - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: اللغة العربية - نحو - مؤتمرات.

مؤلف اضافي: شرح ل (عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.

عنوان اضافي: نهج البلاغة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 2

سلسلة المؤتمرات العلمية

المؤتمر العلمي الثاني

منهج الامام علي علیه السلام

فی

بناء الانسان وانسانیّة الدّولة

اعمال الموتمر العلميّ الوطني الثّاني

لمؤسسة علوم نهج البلاغة

الجزءُ الثَّاني

للمدة

13 - 14 / ربیع الأول / 1439 ه الموافق 2 - 3 / 12 / 2017 م

اصدار

مؤسسة علوم نهج البلاغة

فی العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

العتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1440ه - 2019 م

العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع الألكتروني: www.inahj.org

الإيميل: Info@Inahj.org

تنویه:

إن الأفکار والآراء المذکورة في هذا الکتاب تعبر عن وجهة نظر کاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسینیة المقدسة

تخلي العتبة الحسینیة المقدسة مسؤولیتها عن أي انتهاك لحقوق الملکیة الفکریة

ص: 4

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ

«وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا»

صَدَقَ اللهُ العَلِيُّ العَظِيم

مریم: 55

ص: 5

ص: 6

المحور الإداري والاقتصادي

ص: 7

ص: 8

الفساد الإداري... الوقاية والعلاج حكومة الإمام علي (عليه السلام) أُنموذجاً

اشارة

الاستاذ المساعد الدكتور

عبد الزهرة جاسم الخفاجي

الكلية الإسلامية الجامعة - النجف الأشرف

ص: 9

ص: 10

المقدمة

سُبحانَ مَنْ تعالى جده وتَقدَّسَت أسماؤه، ولَه الحَمدُ، والصلاة على خاتم أنبيائه وعلى آله الطاهرين.

أمّابعد.

يعاني المجتمع الدولي من خطورة تفشي ظاهرة الفساد وامتدادها على مستوى العالم، ولذا عمد إلى اتخاذ عدد من الإجراءآت واتبع أساليب مختلفة لمواجهة هذه الظاهرة والحد من تفشيها، ومع ضخامة الجهد الدولي وما يمتلكه من أدوات فإنه عجز عن تحقيق ما حققه الإمام علي (عليه السلام) في معالجته لموضوع الفساد لاسيما الفساد الإداري.

إنَّ حكومة الإمام علي (عليه السلام) على الرغم من قصر عمرها إلاّ أنّها استطاعت ومنذ قيامها أن تجتث الفساد الذي تفشى في مفاصل الدولة في عهد من سبقه، فكانت بحق أُنموذجاً يُحتذى، وقد بنى منهجه (عليه السلام) في مكافحة الفساد، على إقامة علاقة متميزة مع ولاته من خلال حسن الاختيار حيث تجلى في حكومته (عليه السلام) مبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بابهى صوره، ولم تتوقف علاقته بولاته وعماله عند اختيارهم وإنما تتطور لتنتقل إلى طور متابعة المرؤوس وهو يؤدي عمله الذي كٌلف به للتأكد من تنفيذه المهام الموكلة إليه على الوجه المطلوب فيما يعرف بالرقابة.

اولى الله تعالى الرقابة اهتماما كبيرا لذا وردت مفردة الرقابة في مواضع مختلفة من القرآن الكريم كما في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي

ص: 11

تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا».

ومن هنا حظيت الرقابة باهتمام الإمام علي (عليه السلام) لأهميتها البالغة وأثرها الفعال في مكافحة الفساد لاسيما الإداري منه من جهة، ومن جهة اخرى إدامة العلاقة بينه وبين مرؤوسيه، فإذا كان اختياره لولاته يمثل الوقاية من الوقوع في الفساد، فإنه في الرقابة علاج لمن يصاب بهذا المرض الخطير.

ومن هنا فإن أهمية البحث تكمن في تقديمه عرضا لطبيعة العلاقة بين الإمام علي (عليه السلام) وبين معيته في إدارة الدولة وأثر هذه العلاقة في القضاء على مظاهر الفساد التي استشرت في مفاصل الدولة الإسلامية في عهد من سبقه، ومعالجة ما قد يظهر منها في حكومته.

ولذالك فإنَّ هدف البحث ينصب على سِرِّ نجاح الإمام علي (عليه السلام) لوقاية حكومته من الفساد الإداري وتحصين ولاته من هذا الداء الخطير.

وقد اعتمد الباحث على إجراء مسح لما بين يديه من المصادر يتعلق بجهود الإمام (عليه السلام) في مكافحة الفساد الإداري من خلال بناء علاقة سليمة مع ولاته وعماله بوصف الموظف الحكومي هو مادة الفساد الإداري. ولتحقيق الهدف فقد قُسم البحث الى:

المقدمة: وفيها التعريف بالبحث واهميته، والهدف منه، والمنهج الذي اتبعه الباحث لإنجاز هذا البحث.

مدخل: وفيه تطرق الباحث إلى تعريف الفساد، وموقف القرآن الكريم والسنة النبوية منه.

المبحث الأول: اختيار (الموظفين) الولاة والعمال، وفيه بيان لجهد الإمام علي

ص: 12

(عليه السلام) في الوقاية من الفساد من خلال وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.

المبحث الثاني: الرقابة وفيه تتبين وظيفة الإمام علي (عليه السلام) في متابعة ولاته للتأكد من تنفيذهم المهام الموكلة إليهم على الوجه المطلوب.

الخاتمة: وفيها عرض لما توصل إليه البحث

ومن الله التوفيق

ص: 13

مدخل

تعد ظاهرة الفساد من الظواهر القديمة، ويرجع قدمها إلى قدم المجتمعات الإنسانية، وقد ارتبط وجودها بوجود الأنظمة السياسية التي حكمت تلك المجتمعات، وظاهرة الفساد لا تقتصر على شعب دون آخر، كما أنها تختلف حسب بيئة المجتمع وطبيعة النظام السياسي السائد. ومع إن الأسباب الرئيسة لظهور الفساد تكاد تكون متشابهة في معظم المجتمعات إلا أن هناك اختلافاً في تفسير ظاهرة الفساد من مجتمع إلى آخر مرَدَّه إلى اختلاف الثقافات وتباين القيم مما يؤدي إلى الاختلاف في تحديد مفهوم الفساد.

تعريف الفساد

الفساد لغةً: قال الجوهري في الصحاح: «فَسَدَ الشيء يَفْسُدُ فساداً، فهو فاسدٌ، وقومٌ فَسْدى. وكذلك فَسُدَ الشيء بالضم، فهو فَسيدٌ. ولا يقال: انْفَسَدَ. وأفْسَدْتُهُ أنا. والاسْتِفْسادُ: خلاف الاستصلاح. والمَفْسَدَةُ: خلاف المصلحة»(1).

وقال صاحب لسان العرب: «الفسادُ نقيض الصلاح فَسَدَ يَفْسُدُ ويفْسِدُ وفَسُدَ فَساداً وفُسُوداً فهو فاسدٌ وفَسِيدٌ فيهما ولا يقال انْفَسَد وأَفسَدْتُه أَنا... وفَسَّدَ الشيءَ إِذا أَبَارَه»(2).

وقال الزبيدي: «فَسَدَ يُفْسُد وَيفسِدُ. وفَسُدَ... ضِدُّ صَلَحَ... والمَفْسَدةُ ضِدُّ المَصْلَحَةِ وقالوا: هذا الأَمْرُ مَفْسَدةٌ لِكَذا أَي فيه فَسادٌ»(3).

ومعنى فساد في معجم اللغة العربية المعاصرة: فَسَدَ يفسُد ويفسِد، فساداً وفسوداً فهو فاسدٌ وفسيد... فسد الرجل: جانب الصواب»(4).

وفي اللغة الانكليزية مفردة (corruption) في قاموس ( ويبستر) تعني الحث

ص: 14

على العمل الخاطئ بواسطة الرشوة أو الوسائل غير القانونية الأخرى (5). وفي قاموس المورد فإن معنى (corruption) هو يرشو، يفسد، يحرف، مرتشي، فاسد، عفن، ومحرف، وتعني فساد أخلاقي6.

الفساد اصطلاحا: قال الراغب: «الفساد خروج الشيء عن الاعتدال قليلا كان الخروج عليه أو كثيرا، ويستعمل في النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامة»(7). وقال المناوي: «الفساد: هو انتقاض صورة الشيء»(1). والإفساد مأخوذ من الفساد: «وهو كل ما تغير عن استقامة الحال»(9)، وإلى المعنى نفسه يذهب الطبرسي فيقول: الفساد، وهو كل ما تغير عن استقامة الحال والصلاح نقيض الفساد»(10). ويرى صاحب الفروق اللغوية أن الفساد: هو التغيير عن المقدار الذي تدعو إليه الحكمة والشاهد أنه نقيض الصلاح وهو الاستقامة على ما تدعو إليه الحكمة... وإذا قلنا ان فلان فاسد اقتضى ذلك أنه فاجر»11.

قال ابن الجوزي: «الفساد: تغيُّر عمَّا كان عليه من الصَّلاح، وقد يقال في الشيء مع قيام ذاته، ويقال فيه مع انتقاضها، ويقال فيه إذا بطل وزال، ويُذكر الفساد في الدِّين كما يذكر في الذَّات، فتارةً يكون بالعِصيان، وتارة بالكفر، ويُقال في الأقوال إذا كانت غير منتظمة، وفي الأفعال إذا لم يعتدَّ بها»(12).

يتبين مما ورد في تعريف الفساد أنه يعني الخروج عن الإستقامة، كما أنه جاء في مقابل الصلاح، وبما أن للأشياء مهماتها المرسومة لها فإن خروجها عن مهماتها تلك هو خلل أو نقص ناتج عن خروج الشيء نفسه عن وضعه المتعارف عليه (13)

القرآن الكريم يذم الفساد: ولخطورة الفساد فقد وردتْ في القرآن الكريم خمسون آية في مناسبات مختلفة تندد بالفساد وتلوم المفسدين، وتبين خطورة الفساد وعاقبته الوخيمة. كما بين الله تعالى فيها عدم محبته للفساد والفاسدين فقال: «وَإِذَا

ص: 15

تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ»14، وقال تعالى: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ»(15). «وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ»(16). كما اخبرنا الله تعالى عن تدمير المفسدين وأعوانهم للعظة والاعتبار فقال: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ٭ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ٭ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ٭ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ٭ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ٭ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ٭ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ٭ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ٭ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ»(17).

السنة النبوية تذم الفساد:

شغل موضوع الفساد حيزا كبيراً من السنة النبوية، ذلك أن أنبياء الله تعالى بعد أن دعوا الناس إلى التوحيد الخالص قاموا بإصلاح ما أفسده الناس في شؤون الحياة، فكان لنبينا (صلى الله عليه وآله) أثراً فاعلاً في تصحيح مسيرة البشرية وعلاج ما استشرى فيها من الفساد من خلال غرس القيم الاخلاقية والسلوكية بين أفراد المجتمع، ولذلك فقد تناول في أحاديثه الشريفة كل مايمت إلى الفساد بصلة، فحذر المستغلين للمال العام بالباطل ووعدهم النار فقال: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَیْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ»(18)، قال ابن حجر: «قوله يتخوضون - بالمعجمتين - في مال الله بغير حق، أي: يتصرفون في مال المسلمين بالباطل»(19)، کما حرم أخذ مال الغير من دون رضاهم فقال: «وَلَا يَحِلُّ لَأَحَدٍ

ص: 16

مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ»(20) وحرم الغش باعتباره صورة من صور الفساد فقال: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُ»(21).

وعندما يكون الفساد بكل أشكاله وصوره ضرر وإضرار يصيب الأفراد والمجتمعات فقد حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الضرر والاضرار فقال: «لا ضرر ولا ضرار»(22).

يشير الباحثون في ظاهرة الفساد إلى أن هناك تصنيفات عدة للظاهرة، وكما إن للفساد مستويات وأنواع وأقسام، فإن للفساد مظاهر وأوجه، ولذلك يتخذ الفساد أشكالاً مختلفة ومتعددة، ولعل من أبرزها:

الفساد الإداري:

إنّ الإهتمام بموضوع الفساد الإداري وتعدد الدراسات التي تناولته تعريفاً وتحليلاً، وشرحاً لأهم دوافعه وأسبابه والآثار المترتبة على درجة وجوده. أدّى إلى تعدد التعريفات التي سيقت لوصفه، فقد عُرّف الفساد الإداري بأنه: - «اساءة استعمال السلطة العامة او الوظيفة العامة للكسب الخاص»(23)، وفي تعريف آخر بانه: «إساءة استعمال الأدوار أو الموارد العامة للفائدة الخاصة»(24)، وذهب بعضهم إلى تعريفه بأنه: «استخدام النفوذ العام لتحقيق أرباح أو منافع خاصة ويشمل جميع أنواع رشاوى المسؤولين المحليين أو الوطنيين أو السياسيين»(25). وعرفه البنك الدولي في تقرير التنمية الصادر عام 1997 بأنه: «سوء استغلال السلطة العامة من أجل الحصول على مكاسب شخصية»(26). كما وضعت المنظمات الدولية الفساد في دائرة اهتمامها فعرفته منظمة الشفافية الدولية بأنه: «إساءة استعمال السلطة الموكلة لتحقيق مكاسب خاصة»(27)، وهناك من ربط بين القيم والقواعد الأخلاقية وبين

ص: 17

الفساد بأنه: «الخروج عن القواعد الأخلاقية الصحيحة وغياب أو تغييب الضوابط التي يجب أن تحكم السلوك، ومخالفة الشروط الموضوعة للعمل وبالتالي ممارسة كل ما يتعارض مع هذه وتلك»(28).

وفي العراق فالفساد الإداري: «هو الانحراف بالسلطة الممنوحة عما قصد من إعطائها لتحقيق مكاسب غير مشروعة»(29).

ويُلاحظ أن تلك التعريفات اختصرت الفساد الإداري على إساءة استعمال (الوظيفة العامة) مما يعني أن الذي يشغل الوظيفة هو من يتحمل مسؤولية الفساد في وظيفته، وكما تعددت الآراء في تعريف الفساد، فقد تعددت تعريفات الموظف، وبقدر تعلق الأمر في موضوع الفساد فإن «مشروع (قانون مكافحة الفساد) المُعد من قبل رئاسة هيئة النزاهة الموقرة قد جاء منسجما مع أحكام الإتفاقية الدولية من خلال تحديده لمفهوم الموظف العام، إذ عرفت الفقرة (أولا) من المادة الأولى من المشروع الموظف العام بأنه: كل شخص عهد إليه وظيفة دائمة أو مؤقتة في دوائر الدولة والقطاع العام»(30).

وبالرجوع إلى القرآن الكريم نجد أن الله تعالى قد أشار في القرآن الكريم إلى الفساد الإداري الناتج عن إساءة استعمال الوظيفة العامة كما في قوله تعالى: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ» (31). ويرى القرطبي أن لفظ (تَوَلَّيْتُمْ): «هو من الولاية. قال أبو العالية: المعنى فهل عسيتم إن توليتم الحكم فجُعِلتم حكاما أن تفسدوا في الأرض بأخذ الرشا. وقال الكلبي: أي فهل عسيتم إن توليتم أمر الأمة أن تفسدوا في الأرض بالظلم»(32).

ويعد الفساد الإداري من الظواهر التي تشكل تحديا كبيرا للدولة والمجتمع ولذلك فإن الإمام علي (عليه السلام) أراد من الأُمة الإسلامية ممثلة بالدولة أن

ص: 18

تكون حصينة وأداة إصلاح حازمة لإرشاد المفسدين وردعهم امتثالاً لقول الله تعالى: «فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ» (33). واستجابة لدعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله): «طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، قِيلَ: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: قَوْمٌ يُصْلِحُونَ حِینَ يُفْسِدُ النَّاس»(34).

وخلصت بعض الدراسات إلى أنَّ الفساد: «ظاهرة سلبية تتفشى داخل الأجهزة الإدارية لها أشكال عديدة تتحدد تلك الأشكال نتيجة للثقافة السائدة في المجتمع والمنظمة والنظام القيمي وتقترن بمظاهر متنوعة كالرشوة وعلاقات القرابة والوساطة والصداقة تنشأ بفعل مسببات مختلفة هدفها الأساس وغايتها الرئيسة إحداث انحراف في المسار الصحيح للجهاز الإداري لتحقيق أهداف غير مشروعة فردية أو جماعية»(35)

«ولعل من أكبر مظاهر الفساد الإداري الشائعة حالياً في بعض المؤسسات العراقية هي، عندما يكون المسؤول الأول مشغولاً لدرجة أن يترك أمر وزارته أو جهازه الإداري في تصرف أحد موظفيه وكم من موظف أصبح في الأهمية قبل رئيسه. وهنا يبدأ الفساد الإداري في غياب المراقبة والمتابعة حتى إن العديد من القضايا المهمة التي تحتاج إلى أن يحاط المسؤول الأول بها علماً تحجب عنه ولا يعلم عنها إلا بعد وقوع كارثة أو نتيجة مساءلة للمسؤول من أعلى منه» (36).

يتضح مما سبق أن الفساد الاداري ناجم عن استغلال الموظف العام لموقع عمله وصلاحيات وظيفته للحصول على مكاسب غير مشروعة يتعذر تحقيقها بالطرق المشروعة، خروجا على النظام والقانون أو استغلالا لغيابهما. وبذلك فالموظف العام هو محور الفساد الإداري، فإن صَلح صلحت الإدارة وإن فسد

ص: 19

فسدت الإدارة، وهذا ما كان يخشاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قال: «وَإِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْاَئِمَّةَ الْمُضِلِّنَ (٭) » (37)، کما حذّر (صلى الله عليه وآله ) من أمراء السفاهة الذين لا يهتدون بهديه فقال: «أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، فمن صدَّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون على حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يُعنهم على ظلمهم فهم مني وأنا منهم وسيردون على حوضي». كما إن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أكّدَ على التشخيص نفسه فقال: «فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ

اَلرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِصَلاًحِ اَلْوُلاَةِ»(38)، ولذلك عمل (عليه السلام) في منهجه لمحاربة بوضع جل اهتامه على الموظف (الوالي)، ومن بين أهم الركائز الأساسية لسياسته في هذا الميدان م-ا يلي: -

أولاً - اختيار (الموظفين) الولاة والعمال.

ثانياً - تنمية القيم الأخلاقية والدينية لدى (الموظفين) الولاة والعمال.

ثالث - المراقبة والمحاسبة (للموظفين) الولاة والعمال.

وعلى هذه الركائز بُنيت علاقة الإمام علي (عليه السلام) بولاته، فكانت علاقة إنسانية تقوم على وفق النظرية الإسلامية، وكان (عليه السلام) يرى أنَّ الولاة يستحقون الإهتمام والرعاية، على الرغم من أن علاقته معهم انمازت بالحزم والقوة إلاّ أنها لم تكن سلطوية.

ص: 20

المبحث الأول

اختيار (الموظفين) الولاة والعمال:

تعريف الاختيار

أولاً - في اللغة: في «خار الشيء: انتقاه واصطفاه... والخيار الاسم من الاختيار وهو طلب خير الأمرين إمّا امضاء البيع أو فسخه. وفي الحديث البيّعان بالخيار...» (39).

والاختيار: «الاصطفاء وكذلك التخيّر... اختاره من القوم: اصطفاه من بينهم. استخار استخارة: طلب الخيرة... الخيار بالكسر... الاسم من الاختيار. ومنه خیار البيع وغيره عند الفقهاء» (40).

ثانياً - اصطلاحاً: الاختيار اصطلاحاً: «هو تفضيل الشيء على غيره، وهو الإتيان بالتصرف على الوجه الذي يريد، أو ترجیح تصرف على غيره» (41).

مما تقدم فإن عملية الاختيار تتضمن المفاضلة بين الأفراد لإيجاد التوافق بين متطلبات وواجبات الوظيفة وبين مؤهلات وخصائص الشخص المتقدم لشغل الوظيفة من أجل وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. ولم يكن مثل هذا الأمر ليغيب عن ملاحظة الإمام علي (عليه السلام) فقد وضعه نصب عينيه في مواجهته للفساد، فكان (عليه السلام) يختار ولاته على وفق مناسبة الوالي للولاية، إذ لكل ولاية من ولايات الدولة الإسلامية طبيعتها التي تختلف عن غيرها من الولايات.

كان الإمام علي (عليه السلام) يؤكد على أهمية وجود الإمارة (السلطة) إذ: «لابد للناس من إمارة يعمل فيها المؤمن ويَستمع فيها الفاجر والكافر ويبلغ

ص: 21

الله فيها الأجل» (42)، وكان يسعى لإقامة (الإمرة البّرة) التي تقوم على التقوى «وجوهرها هي التي يعمل فيها التقي، حتى يستقيم العدل في البلاد وتظهر المودة بين الرعية والحاكم وينصف المظلوم فيها من الظالم»(43). كما يؤكد على خطورة (السلطة) باعتبارها أمانة يجب المحافظة عليها ويرى أنَّ التفريط بواجباتها خيانة وهو بذلك ينسجم مع قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ»(44)، فثقافته (عليه السلام) لم تأت من فراغ وانما جاءت من خلال ملازمته الدائمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد وصف هذه الملازمة بأدق وصف فقال: «وَلَقَدْ كُنْتُ

أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِهِ عَلَماً وَيَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ»(45). وكان ينهل من فيض علمه في مختلف ابوابه كما قال (عليه السلام): «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلْفَ بَابٍ، فانفتح في كل واحد منها الف باب»(46)؛ فصار باب مدينة علمه کما صرح بذلك الرسول نفسه حيث قال:

«أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب»(47)؛ فاستحق ان يكون ثاني اثنين ترکهما رسول الله وأمَرَ الأُمة من بعده بالتمسك بها: «إني تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا: كتاب الله، وعِترتي أهل بيتي؛ فإنَّهما لن يفترقَا حتى يرِدَا علىَّ الحوضَ»(48)، ولهذا فمنهج الإمام علي (عليه السلام) هو امتداد لمنهج رسول الله (صلى الله عليه وآله). وعلى الرغم من أهمية وجود السلطة عند الإمام علي (عليه السلام) إلاّ أنه لم ينظر إليها كمغنم، ولذلك لم يسع إليها ولم يتصارع من أجلها، ولكن السلطة سعت إليه كما جاء في قوله (عليه السلام): «فَمَا رَاعَنِي

إِلَّا وَالنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ

وَشُقَّ عِطْفَايَ مُجْتَمِعِینَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ»، فقد زهد السلطة كما زهد الدنيا إذا هي أزهد عنده «مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ» فالسلطة عنده (عليه السلام) لم تكن هدفاً في يوم

ص: 22

من الأيام وإنما وسيلة لإصلاح المجتمع وسبباً لنهضة المسلمين.

أشار القرآن الكريم إلى معايير مهمة في اختيار الأصلح فقال تعالى على لسان ابنة شعيب: «قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ»(49)، وجاء على لسان يوسف: «قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ»(50)، ثلاثة معايير وردت في الآيتين الكريمتين - القوَّة، والأمانة، والمعرفة - أضاف إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسساً مهمة وواضحة لاختيار الولاة تجنبهم الوقوع بالفساد ومن بين أهم ركائز الاختيار التي يؤكد عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) هي: الكفاءة والقدرة والاتقان، ولم يسند وظيفة لمن يرى فيه ضعفاً عن القيام بما یُکلَّف به، يتضح ذلك في رواية أبي ذَرٍّ حيث قال: «قلت یا رَسُولَ اللهِ، ألا تَسْتَعْمِلُنِي! قال: فَضَرَبَ بيده على مَنْكِبِي، ثُمَّ قال: يا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يوم الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إلا من أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الذي عليه فيها»(51)، كما كان (صلى الله عليه وآله) يرى أن تولية الأعمال والوظائف بدافع القرابة أو المحاباة دون الالتفات إلى ما أكّدَ عليه من القدرة والكفاءة يُعَدُّ من اشد مظاهر الفساد، ومن يفعل ذلك يستوجب اللعنة من الله تعالى ومصيره الى النار کما جاء في حديثه (صلى الله عليه وآله): «مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَحَدًا مُحَابَاةً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ

مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا حَتَّى يُدْخِلَهُ جَهَنَّمَ»(52). وكان يرى (صلى الله عليه وآله) أن إسناد الأعمال والوظائف لغير أهلها تضييع للأمانة، وأن تضييع الأمانة نذیر لاقتراب الساعة، وقد جاء ذلك واضحاً في اجابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لرجل سأل عن قيام الساعة فرد عليه رسول الله قائلاً: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ

السَّاعَةَ، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: إذا أُسنِدَ الأمْرُ إلى غیر أهله،

ص: 23

فانتظر السَّاعة» (53).

ومن هذا المنطلق فإنَّ الإمام علي (عليه السلام) ومن خلال شروطه لقبول الخلافة كما جاء في قوله مخاطباً جموع المسلمين: «وَاعْلَمُوا أَنِّي إنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ، وَلَمْ أُصْغِ إِلَی قَوْلِ الْقَائِلِ وَعَتْبِ الْعَاتِبِ» (54). كان (عليه السلام) يسعى للرجوع بالمجتمع إلى المنهج الذي اختطه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، مع التذكير أنَّه (عليه السلام) لم يبتعد عن الإدارة بعد رسول الله، فالإمام علي (عليه السلام) وعلى الرغم من إقصائه عن الحكم فقد كان موضع استشارة الخلفاء، ولم يترك إرشاد الأُمّة وهدايتها لأنّه: «لا يجوز لحُجة أقامه رسول اللهّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يترك الناس في حيرة» (55)، ولذا كان (عليه السلام) یمارس وظيفته کإمام مهمته حفظ الدين والتدخل لتقويم الإنحراف متی بلغ درجة تهدد مسيرة الإسلام؛ فكان (عليه السلام) يوقِف الحاكم إذا ما تمادى في اللامسؤولية والإنحراف، والشواهد على ذلك كثيرة، وهي أكثر من أن تُحصى، ولقد كان أثره واضحاً في عهد الخليفة عمر بن الخطاب فعلى سبيل المثل في ردّه على عمر عندما خاطب الناس قائلاً: «لو صرفناكم عما تعرفون إلى ما تنكرون ما کنتم صانعين؟ قال محمّد: فسكتوا، فقال ذلك ثلاثاً، فقام علي عليه السّلام فقال: یا عمر اذن كنا نستتیبك، فان تبت قبلناك قال: فان لم اتب قال: فاذن نضرب الذي فيه عيناك فقال: الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من إذا اعوججنا أقام أودنا»(56). وكان (عليه السلام) يتابع مسيرة الادارة عن كثب ويشخص الأخطاء كما يراها هو، ولا يتوانا في تقديم النصح والمشورة لعمر حتى ان عمر كان كثيراً کما يردد عبارات يُستدل منها على أهمية آراء الإمام علي (عليه السلام) في توجيه الإدارة لما يخدم الإسلام مثل: «لولا عليّ لهلك عمر»(57)، و«لا أبقاني الله لمعضلة

ص: 24

ليس لها أبو حسن»(58)، وقوله مخاطباً الإمام علّي (عليه السلام): «ما زلت کاشف کلّ کرب وموضح كلّ حکم»(59)، وقوله: «يا أبا الحسن، أنت لكلّ معضلة وشدّة تدعي»(60)، ولم يُخفِ عمر معرفته بمبلغ علم علّي (عليه السلام) فقال: «عليّ أعلم الناس بما أنزل الله على محمّد» (61)، ويبين عمر للامة أهمية الإمام عليّ (عليه السلام) فيها فيقول له على أعين الناس: «لولاك لافتضحنا»(62). فكان (عليه السلام) کما وصفه ثابت بن قیس قائلاً له: «يحتاجون اليك فيما لا يعلمون وما احتجت لأحد مع علمك»(63)، ومع ذلك فإنّ الخليفة عمر لم يأخذ بكل آراء الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) في أمور مهمة منها كيفية التعامل مع مال المسلمين، وخاصة تلك التي تتعلق بتوزيع الاموال من جهة، وعلى ضرورة اختيار الاشخاص المناسبين لادارة هذه الاموال وصيانتها من جهة اخرى الأمر الذي أدّى إلى اخطاء في الادارة أقَرَّ بها عمر وأعلن عن عزمه على الرجوع إلى سنة رسول الله قائلاً: «إن عشت هذه السنة ساويت بين الناس، فلم أفضل أحمر على أسود، ولا عربياً على أعجمي، وصنعت کما صنع رسول الله وأبو بكر»(64) ولكنه لم يطل به العمر ليفي بما وعد.

وللوقوف على صعوبة المهمة التي قام بها الإمام علي (عليه السلام) بتغيير الأوضاع، والأسلوب الذي انتهجه والذي أصبح مثالاً في تأريخ الإنسانية، لا بد من الرجوع إلى الواقع الذي كان يعيشه المجتمع في ظل حكومة عثمان حيث تسلّط بني أمية على رقاب المسلمين وأموالهم ومُقَدَّراتِهم، إذ جاء عثمان ليعمل بسنة الشيخين، وعزَّزَها بتعيينه الولاة عملاً بنصيحة ابي سفيان له: «قد صارت إليك بعد تیم وعديّ، فأدِرها کالكرة، واجعل أوتادها بني أُميّة، فإنّما هو الملك، ولا أدري ماجَنّة ولا نار» (65). وكان ابو سفیان قد رأى في خلافة عثمان أنها غنيمة لبني

ص: 25

أمية فقال مخاطباً إياهم: «یا بني أُميّة! تلقّفوها تلقّف الكرة»(66)، المقولة التي ترجمها سعید بن العاص في ولايته للعراق قائلاً: «إنما السواد (٭) بستان لقریش» (67). لذلك كان صوت الإمام علي (عليه السلام) في مقدمة الأصوات التي ارتفعت بالنقد والمُعارَضَة لسياسة الخليفة عثمان، ومیله لبني أمية، ومن خلال ماتمليه عليه إمامته (عليه السلام) كان ينبهه إلى خروجه عن النهج الذي سار عليه من سبقه من الخلفاء، لاسيما وأنه - أي عثمان - وصل الى الخلافة بتعهده على العمل (بسياسة الشيخين) (68). ولذلك فان مسيرة حكم الخليفة عثمان، وما آلت إليه الممارسات الخاطئة التي طالت مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من قبل الولاة والعمال، أمثال سعيد بن العاص وعبد الله بن عوف الزهري، ومعاوية بن أبي سفيان، وغيرهم ممن قرَّبهم عثمان إليه ومكّنهم من الوصول إلى دائرة الحكم. أدّت إلى استشراء الفساد في مفاصل الدولة، فكان سبباً في تدهور الأمور حتی نتهى الأمر إلى قتل الخليفة نفسه على يد الناقمين على ادارته.

من العرض المختصر لأحوال الإدارة في عهد الخلفاء الذين أعقبوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتبين حجم التركة الثقيلة التي ورثها الإمام علي (عليه السلام)، ولذلك عندما آلت إليه الخلافة سعى إلى وضع مشروعه الإصلاحي موضع التطبيق فقد شخص العلل ورسم لها العلاج، وكان (عليه السلام) ومن خلال معايشته لإدارة الذين سبقوه قد وجد إن من بين تلك العلل وربما أهمها هو تعيين أشخاص غير مناسبين في المناصب الإدارية لذا تبنّی: «شؤون الموظّفين من ولاة وعمّال وجباة، واحتاط في أُمورهم كأشدّ ما يكون الإحتياط فلم يولّ أي أحد منهم عملا إلاّ بعد الفحص التامّ عن عدالته ونزاهته وخبرته وإخلاصه في العمل»(69)، وأقام فلسفته في الإدارة على اتخاذ الحكم وسيلة للإصلاح، فكان

ص: 26

أول إجراء اتخذه عزل العمال والولاة السابقين على الأقاليم، ومما يجب قوله أنَّ الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لم يعزل ولاة عثمان لمجرد العزل، ولكنه وجدهم سبب ما حل بالدولة من خراب، لانهم تصرفوا بالادارة على وفق اهوائهم فشاع الفساد الاداري والمالي، وقد صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث وصفهم فقال: «إذا بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد الله خولا ومال الله نحلاً، وكتاب الله دغلا» (70). ولم يتراجع الإمام علي (عليه السلام) عن قرار العزل، رغم محاولة البعض الحؤول دون ذلك، وكان رده (عليه السلام) عليهم قائلاً: «والله لا أدهن في ديني ولا أعطي الدنيَّ من أمري»(71). ومن الجدير بالذكر أن موضوع عزل الإمام علي لِولاة عثمان اخذ مساحة كبيرة من البحث والتحليل وقد انقسمت فيه الآراء انقساما حاداً، الخوض فيه يبعد البحث عن وجهته، غير أنه من المناسب أن نذكر على سبيل المثل رأيين لهما علاقة باختيار الولاة حيث يرى الأول: «أنَّ خير مايصلح به الأمر عزل جميع ولاة عثمان قبل أن تصل إليه بيعة الأمصار، وأن بقائهم يوما واحدا طعنا في دينه»(72). ويتفق طه حسين مع هذا الرأي فيقول: «ومهما يكن من اختلاف المؤرخين فليس من شك في ان عليا لم يكن يستطيع أن يستبقي عمال عثمان، كان دينه يمنعه من ذلك؛ لأنه طالما لام عثمان على تولية هؤلاء العمال، وطالما أنكر على هؤلاء العمال سيرتهم في الناس فلم يكن يستطيع أن يطالب بعزلهم أمس ويثبتهم على عملهم اليوم»(73). يستدل من ذلك أن الإمام علي (عليه السلام) عَدَّ السكوت على الموظف الفاسد يعني عدم حفظ الدين، وحفظ الدين عند الإمام علي (عليه السلام) أعظم المقاصد وأجل المطالب، وعزل الولاة الفاسدين يُعَدُّ أصل من أصول حفظ الدين من جانب العدم وذلك برفع الفساد الواقع أو دفع الفساد المتوقع (74)، وإصراره على عزلهم يدل على أنّه «قد أقَرَّ في نفسه ان هؤلاء العمال لايصلحون لان يلوا شيئاً

ص: 27

من أمر المسلمين وأنّ الإبقاء على واحد منهم يوما کاملا نقص في دينه» (75).

كان الإمام علي (عليه السلام) يرى أنّ الولاية ليست بستان يأخذ منها الوالي مایشاء ومتى شاء، وانما هي وظيفةٌ الولاة فيها خدّام للرعية، كما أنها ليست تشریفا لهم بقدر كونها خدمة عامة يتقاضون عليها أجراً، ويبتغون من ورائها ثواباً من الله تعالى إن هم أحسنوا عملهم. وقد كان أول تطبيق عملي لهذا المبدأ عندما ولّي الزبير بن العوّام اليمامة والبحرين وولّى طلحة اليمن «فلما دفع إليهما عهديهما قالا له: وصلتك رحم! قال: وإنما وصلتکما بولاية أمور المسلمين.. واسترد العهد منهما، فعتبا من ذلك، وقالا: آثرت علينا! فقال: لو لا ما ظهر من حرصكما لقد كان لي فيكما رأي»(76). ويُلاحظ أن تَصُّرف الإمام علي (عليه السلام) لم يكن مُرض لهما، ذلك أنهما اعتقدا أنه (عليه السلام) ولاّهما مكافأة على مبايعتهما له؛ إذ اعتادوا على مثل هذا الامر في الحكومات التي سبقت حكومة الإمام علي (عليه السلام) فعلى سبيل المثل: لم يعترض الخليفة عمر بن الخطاب على قول أبي سفيان له: «وصلتك رحم» عندما أخبره بإلحاق فلسطين إلى ولاية إبنه معاوية على الشام (77). حتى بات معاوية بن أبي سفيان الحاكم الذي لاخلاف على فساد سيرته، بل وإفساده للخلافة الإسلامية، وتحويلها إلى ملك عضوض. مع التذكير بأن عمر كان يعلم ان بني امية سيفسدون الامر إذ هو من قال للمغيرة بن شعبة: «أم والله ليعورن بنو أميَّة الإسلام، كما أعورت عینك هذه، ثمّ ليعمينه، حتى لا يدري أين يذهب ولا أين يجي»(78)، وهكذا فإنَّ الإمام علي (عليه السلام) قد أوصَد باباً من أبواب الفساد بقطعه الطريق أمام الزبير وطلحة من استغلال وظيفتهم لتحقيق منافع خاصة. وتأتي منظمة الشفافية الدولية (٭) بعد قرون عديدة ومن خلال دراساتها الحديثة فتؤكد ما ذهب اليه الإمام علي (عليه

ص: 28

السلام) فتُعَرِّف الفساد: «بأنّه استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة» (79).

تكمن أهمية الوالي في فكر الإمام علي (عليه السلام) في كونه الخيط الجامع وعليه يتوقف صلاح المجتمع، كما جاء في قوله (عليه السلام): «مَكَانُ الْقَيِّمِ بِالْأَمْرِ مَكَانُ النِّظَامِ مِنَ الْخَرَزِ يَجْمَعُهُ وَيَضُمُّهُ فَإِنِ انْقَطَعَ النِّظَامُ تَفَرَّقَ الْخَرَزُ وَذَهَبَ ثُمَّ لَمْ يَجْتَمِعْ بِحَذَافِیرِهِ أَبَداً»(80)، كما أنّهُ (عليه السلام) كان يعتبر ولاته بمثابة خلفاء له؛ فقد ورد في دعائه على اصحاب الجمل لِما فعلوه في وإليه على البصرة عثمان بن حنیف قائلاً: «اللهم اقتلهم بمن قتلوا من شيعتي وعجل لهم النقمة بما صنعوا بخليفتي»(81).

وانطلاقا من أهمية وظيفة الولاة في إصلاح المجتمع فإن الإمام علي (عليه السلام) أولى شؤون الموظّفين من ولاة وعمّال وجباة أهمية بالغة، فلم يولّ أي أحد منهم عملا إلاّ بعد التأكد التامّ من عدالته ونزاهته وخبرته وإخلاصه في العمل، معتمداً ضوابط ومعايير تعد من أهم التشريعات الوقائية لمنع الفساد؛ ذلك ان الموظف هو الركن الاساسي الذي يُرَکَّز عليه في منع الفساد، وإذا لم يتم اختيار الموظف على وفق المعايير المطلوبة سيكون أحد أهم أسباب الفساد. ويعتبر التجاوز على معايير اختيار الموظفين ب «المحسوبية والمحاباة والوساطة في التعيينات الحكومية، كقيام بعض المسؤولين بتعيين أشخاص في الوظائف العامة على أسس القرابة أو الولاء السياسي أو بهدف تعزيز نفوذهم الشخصي، وذلك على حساب الكفاءة والمساواة في الفرص»(82) ابرز اشكال الفساد الإداري في العراق في الوقت الحاضر.

معايير اختيار الولاة:

كان هدف الإمام علي (عليه السلام) من قبول الخلافة هو رد معالم الاسلام، واصلاح شؤون الناس کما بين ذلك قائلاً: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ یَکُنِ الَّذِي

ص: 29

کَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ وَلَا الْتِمَاسَ شَيْءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ وَلکِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِینِكَ وَنُظْهِرَ الْإِصْلَاحَ فِي بِلَادِكَ، فَیَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ، وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَنَابَ وَسَمِعَ وَأَجَابَ لَمْ یَسْبِقْنِي إِلَّا رَسُولُ اللّهِ صلی الله علیه وآله بِالصَّلَاةِ»(83).

وما أن تسلم مقاليد الحكم حتى باشر في اصلاحاته فعزل المفسدين من الولاة، ووضع معاييراً اختار بموجبها ولاة للأقاليم تقوم على موازین قاعدتها الشريعة الإسلامية، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه واله) قد اشترط خصالاً لابد ان تتوفر في من يتصدى لقيادة المجتمع لخصها في ثلاث خصال فقال: «لا تصلح الإمامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم. وفي رواية أخرى حتی یکون للرعية كالأب الرحيم»(84).

ولمعرفة أهمية هذه الخصال في مكافحة الفساد لابد من الوقوف عندها:

الوَرَعُ: «التَّقْوَى والتَّحَرُّجُ والكَفُّ عن المَحَارِمِ»(85)، وتدخل التقوى في كل أمر ولذا لابد أن يكون الحاكم تقيا وقد أكَّدَ النبي (صلى الله عليه وآله) على التقوى وهو يوصي أباذر قائلاً: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهَا رَأْسُ أَمْرِكَ»(86). والتقوى عند الإمام علي (عليه السلام) تحرر الانسان من أسر عبودية الهوى، وتكف عنه الحسد والحقد والطمع والشهوة «.. فإن تقوى اللهَّ مفتاح سداد، وذخيرة معاد، وعتق من كل ملكة، ونجاة من كل هلكة...»(87).

الحِلْم: «الأناة والتثبت في الأمور... والحليم معناه أنه الذي لا يستخفه عصیان العصاة ولا يستفزه الغضب عليهم» (88). وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه و آله): «لو كان الحلم رجلا لكان عليا» (89)، وفي وصف الحلم يقول الإمام علي:

ص: 30

«فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أرضى المؤمن ربه بمثل الحلم»(90)، وقد عدّه الإمام زين العابدين (عليه السلام) من علامات الإيمان فقال: «علامات المؤمن خمس... الحلم عند الغضب»(91)

حسن الولاية: أي حسن إدارته لرعيته وسلامة تعامله معهم من جملته باحترام كبيرهم والرحمة بالضعيف، وتوقير العالم واعطائهم حقوقهم، والقسمة بينهم بالسوية. ومما يُلاحظ اليوم أن التعيينات العشوائية والوساطات جلبت الى السلك الوظيفي من هم غير مؤهلين لهذه المناصب لا ثقافيا ولا علميا.. أي أنه لا يستحق هذا المنصب فيصاب هذا الموظف بالغرور والتعالي على الناس وحتی في حالات كثيرة على زملائة الموظفين الذين يعملون معه، وقد تنبه الإمام علي إلى حالة الغرور فقال: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ حَقّاً عَلَى الْوَالِي أَلَّا يُغَیِّرَهُ عَلَى رَعِيَّتِهِ فَضْلٌ نَالَهُ وَلَا طَوْلٌ خُصَّ بِهِ وَأَنْ يَزِيدَهُ مَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ نِعَمِهِ دُنُوّاً مِنْ عِبَادِهِ وَعَطْفاً عَلَی إِخْوَانِهِ» (92).

فضلا عما ذُكِر فالإمام علي (عليه السلام) ومن خلال تجربة إمامته في المرحلة التي أعقبت رسول الله (صلى الله عليه وآله) اشترط على أن لا يكون في من يُختار للولاية واحدة من الخصال المذمومة والتي ذكرها الإمام فقال: «أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَالِي عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالْمَغَانِمِ وَالْأَحْكَامِ وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ وَلَا الْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ وَلَا الْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ وَلَا الْحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ وَلَا الْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَيَقِفَ

بِهَا دُونَ الْمَقَاطِعِ وَلَا الْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الاّمَّة» (93).

أن لا يكون بخيلاً: «البخُلُ... ضِدُّ الكَرَمِ والجُودِ وحَدُّه: إِمساكُ المُقْتَنَياتِ عَمَّا لا يَحِلُّ حَبْسُبها عنه وشَرعاً: مَنْعُ الواجِبِ»(94)، ويريد الإمام علي (عليه السلام)

ص: 31

ان يكون الوالي منزهاً من الخصال السيئة بما فيها البخل لأن من غير المعقول أنّ الوالي يأمر الناس بالصلاح واجتناب القبائح ولا ينهى نفسه، وهذا ما لا يرضاه الله تعالى حيث قال: «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (95). ولقد ذمَّ اللهُ البخل في آيات كثيرة لذلك لا يمكن لمن يتصف بالبخل أن يكون «واجداً لشروط الولاية والإمامة»(96). هذا من جهة ومن جهة اخرى فانه محب للمال ستكون شهوته في مال الرعية.

ولاجاهل فيُظلهم بجهله: يكفي قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الجاهلُ يظلم مَن خالطه، ويعتدي على مَن هو دونه، ويتَطاول على مَن هو فَوْقه، كلامه بغیر تدبر، إن تكلم أثِم وإن سکت سها، وإن عَرَضت فتْنة أرْدَتْه، وإن رأى فضيلة أعرض عنها»(97). في عدم تولي الجاهل.

وَلَا الْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ: الجافي: هو الغليض الذي يكون عنصر طرد بدل ان يكون عنصر استقطاب وهذه الصفة المنفردة اشار إليها القران الكريم في قوله تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» (98) وقال رسول الله (صلى الله عليه واله): «الخُلقُ السَّيِّئُ يُفسِدُ العَملَ کما یُفسِدُ الخَلُّ العسَلَ»(99).

وَلَا الْحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ: الحائف من الحيف أي الجور والضلم، والحائف للدول اي الجائر للأموال والظالم في تقسيمها بأن لا يقسمها بالسوية بل يرجح بعضهم على بعض (100).

ولا المرتشي في الحكم: والرشوة في اللغة ما يعطى لابطال حق أو إحقاق باطل والراشي يعني المعطي للرشوة والرشوة مايعطيه الشخص لحاكم وغيره ليحكم له او يحمله على مایرید. والرشوة من المحرمات التي نهى الله تعالى عنها فقال: ««وَلاَ

ص: 32

تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» (101). قال الطبرسي في تفسير ذلك: «ان لا يأكل بعظكم مال بعض بالغصب والظلم»(102)، ولدور الرشوة الكبير في الفساد فقد قيل فيها الكثير ابتغاء التحذير من الوقوع بها، ويرسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهاية من يتعاطاها فيقول «الراشي والمرتشي كلاهما بالنار» (103). ولم يقف عند الراشي والمرتشي وانما شمل الساعي بينهما فلعن «الراشي، والمرتشي، والرائش» (104)

وَلَا الْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الأُمَّةَ: وتعطيل السنة يعني ترك ما جاء به رسول الله (صلى الله عليه واله) وعدم العمل به وبالتالي سوف يصبح المنكر مقبولا، وشائعا والمعروف مغيب ومتروك؛ الأمر الذي يؤدي إلى هلاك الأمة وهذا هو حال النظم التي تحكم بإسم الاسلام ولا نجد في حكمها ما يمت إلى الاسلام بصلة فنری مفردة الفساد عندها تتردد اكثر من اية مفردة اخرى.

ومن الجدير بالذكر أنَّ الأمم المتحدة ومن خلال إتفاقيتها لمكافحة الفساد (UNCAC) والتي دخلت حيز النفاذ في 14 كانون الأول / 2005، وهي تُعد الاتفاقية الأكثر شمولاً وقوة في مكافحة الفساد على نطاق عالمي، والتي انظمت إليها جمهورية العراق بموجب القانون رقم 35 لسنة 2007 م، وفي رؤيتها لمكافحة الفساد قد حددت معايير اختيار الموظفين في المادة 7 «1 - تسعى كل دولة طرف، حيثما اقتضى الأمر ووفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، إلى اعتماد وترسيخ، وتدعيم نظم لتوظيف المستخدمين المدنيين، وغيرهم من الموظفين العموميين غير المنتخبين عند الاقتضاء، واستخدامهم واستبقائهم وترقيتهم وإحالتهم على التقاعد تتسم بأنها:

تقوم على مبادئ الكفاءة والشفافية والمعايير الموضوعية، مثل الجدارة

ص: 33

والإنصاف والأهلية» (105).

وبمقارنتها مع المعايير التي وضعها الإمام علي (عليه السلام)، وعلى الرغم من وجود الفارق الزمني الذي يزيد على اربعة عشر قرناً، سنجد أنها لم تأتِ بجديد؛ الأمر الذي يدل على رقي الفكر الإداري للإسلام والذي يمثله الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) افضل تمثيل بعد رسول الله (صلى الله علیه وآله).

إنَّ المعايير التي ذُكرت سواءاً تلك التي وضعها الإمام علي (عليه السلام) لاختيار الولاة والعمال، أو التي وضعتها نظم الإدارة الحديثة، ومؤسسات النزاهة والشفافية لاختيار الموظفين. ليست سوى الية من آليات الوقاية من الفساد، ولن تكون فاعلة إلاّ في ظل علاقة سليمة بين الرئيس والمرؤوس.

علاقة الإمام علي (عليه السلام) مع ولاته:

بينا في ماسبق حجم التركة الثقيلة من الفساد التي ورثها الإمام علي (عليه السلام)، ولعلَّ أبرز ما في هذه التركة معاوية بن أبي سفيان؛ إذ أنَّ ما وصل إليه معاوية من فساد كان نتيجة لعلاقة بين الرئيس والمرؤوس يشوبها الخلل، فقد عُرِف عن الخليفة عمر بن الخطاب شدته وصرامته مع ولاته وعماله، وتسوق المرويات الكثير من الأمثلة على ذلك، غير أنَّ ما نجده في هذه المرويات، يشير إلى وجود خصوصية لعامل دون سواه، ففي الوقت الذي يحاسب الخليفة عمر سعد بن أبي وقاص لأنه سمع أنَّ سعداً وضع باباً لداره في الكوفة يحجز عنه أصوات الناس بالسوق، وأن الناس يسمّونه قصر سعد، دعا محمد بن مسلمة وأرسله إلى الكوفة، وقال له: اعمد إلى القصر حتى تحرق بابه، ثم ارجع عودك على بدئك، فخرج حتى قدم الكوفة، فاشترى حطباً ثم أتي به القصر، فأحرق الباب (106)، ويكتب إلى مجاشع بن مسعود وكان قد استعمله على عمل» فبلغه أن امرأته تجدد

ص: 34

بيوتها فكتب إليه عمر: من عبد الله أمير المؤمنين إلى مجاشع بن مسعود سلام عليك أما بعد فقد بلغني أن الخضيراء تحدث بيوتها، فإذا أتاك كتابي هذا فعزمت عليك ألا تضعه من يدك حتى تهتك ستورها» (107). فانه يتعامل مع معاوية بطريقة كان لها أثر مهم في إعداد معاوية للمُلك فقد أمّره على دمشق الشام طيلة مدة خلافته وكان يمتدحه ويثني عليه (108). ويوم زار الخليفة عمر الشام تلقاه معاوية في موكب عظیم فقال له عمر: «أنت صاحب الموكب العظيم؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: مع ما بلغني من طول وقوف ذوي الحاجات ببابك؟ قال: مع ما بلغك من ذلك. قال: ولم تفعل هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، إنا بأرض جواسيس العدو فيها كثيرة، فيجب أن يظهر من عز السلطان ما يرهبهم به، فإن أمرتني فعلت، وإن نهيتني انتهيت. فقال له عمر: يا معاوية، ما سألتك عن شيء إلا تركتني في مثل رواجب الضرس، لئن كان ما قلت حقا، إنه لرأي أريب، ولئن كان باطلا إنه لخديعة أديب. قال: فمرني يا أمير المؤمنين. قال: لا آمرك ولا أنهاك. فقال رجل: يا أمير المؤمنين، ما أحسن ما صدر الفتى عما أوردته فيه! فقال عمر: لحسن مصادره وموارده جشمناه ما جشمناه». (109) وهنا تبدوا محاباة عمر لمعاويه واضحة لا لبس فيها، كما كان يغرس في نفسه سلوك كسرى، فقد كان عمر إذا نظر إلى معاوية قال: «هذا كسرى العرب» (110)، وتباهي مرة به فقال: «تذكرون کسری وقيصر ودهائهما وعندكم معاوية» (111).

إنَّ سوقَنا لِهذا النموذج من العلاقة بين الرئيس والمرؤوس مع كونها خارج نطاق البحث إلاّ انها تعطي صورة واضحة للعلاقة التي تتمخض عن فساد اتسعت مساحته حتی استنزفت الكثير من جهد الإمام علي (عليه السلام) في حربه على الفساد، وتجاوزت عهده فوصلت بمعاوية إلى الحد الذي خاطب الأمة

ص: 35

قائلاً: «مَا قَاتَلْتُكُمْ لِتُصَلُّوا، وَلَا لِتَصُومُوا، وَلَا لِتَحُجُّوا، وَلَا لِتُزَكُّوا، وَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ إِنَّمَا قَاتَلْتُكُمْ لِأَتَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ، وَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ

لَهُ كَارِهُونَ» (112). ومن المؤكد ان ما تعانيه الامة الإسلامية اليوم هو حصاد تلك البذرة.

وتشير الدراسات الحديثة المهتمة بأسباب الفساد إلى أن العلاقة مع المسؤولين في الإدارات العليا قد تكون سببا لممارسات إدارية فاسدة تنتج عن استغلال النفوذ لهؤلاء المسؤولين والاحتماء بهم سواء أكانت العلاقة قرابة أم ارتباط مصالح أم صداقة (113).

ولذلك فإنَّ الادارة النموذجية هي التي تكون فيها العلاقة بين الموظف والمسؤول لا يستغني فيها احدهما عن الآخر؛ فالمدير يحتاج إلى الموظف لتنفيذ افكاره وتحقيقها عملياً، والموظف يحتاج إلى إدارة وتوجيه وإلى افکار ينفذها، وعلى هذا الاساس كانت تقوم علاقة الإمام علي (عليه السلام) بولاته. وقد نجحت هذه العلاقة ليس فقط في اجتثاث الفساد الموروث وإنما في مكافحته بمختلف صوره، ولا سيما الفساد الاداري الذي يعتبر الموظف هو الركن الاساسي فيه.

ولاة الإمام علي (عليه السلام):

تشير الروايات إلى أنَّ الإمام علي (عليه السلام) قد تعامل مع ولايات الدولة الإسلامية - فيما يتعلق بتعيين الولاة - بطرق تختلف باختلاف ظروف كل ولاية، وعلى وفق ما تقتضيه الحكمة وأياً كانت الطريقة فان ما يهم البحث هو اختیار الولاة، ولذلك سيتناول البحث عدد من الولاة الذين يُعتَقَد أنهم الدفعة الأولى کا وَرَدَ في المصادر: «وبعث العمال على الأمصار فبعث عثمان بن حنيف على البصرة أميرا وعمارة بن حسان بن شهاب على الكوفة وعبيد الله بن عباس على

ص: 36

اليمن وقيس بن سعد على مصر وسهل بن حنيف على الشام» (114).

وقد أحصى العمري ولاة الإمام علي (عليه السلام) ووزعهم على أساس انتمائهم قائلاً: «ولو تأملنا في انساب ولاة علي لوجدنا أحد عشر واليا منهم من الأنصار من بين ستة وثلاثين والياً، وسبعة منهم من قريش بينهم أربعة هم أولاد العباس بن عبد المطلب» (115). ومن أجل بيان الصورة التي تؤطر حكومة الإمام علي لابد من تناول عينة من ولاته الذين اختارهم لإدارة أقاليم الدولة الإسلامية، ومن خلالها سيتضح التطبيق العملي للمعايير التي وضعها الإمام علي (عليه السلام) في اختيار ولاته. ومستوى العلاقة الرفيع بينهم وبين الإمام (عليه السلام)، وأثر هذه العلاقة في التغلب على الفساد.

1 - عثمان بن حُنَيف

«عثمان بن حنیف بن واهب بن العُكَيم بن ثعلبة بن الحارث بن مَجْدعة بن عمرو بن حَنَش بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وأوس هو الذي تسمى باسمه قبيلة الأوس» (116).

إنَّ نظرة فاحصة لما ورد في المصادر يمكن معرفة أهم ما يتصف به عثمان بن حنيف من مؤهلات وجدها الإمام علي (عليه السلام) کافية ليختاره والياً على واحد من أهم ولايات الدولة الإسلامية وهي البصرة، واهم ما أتصف به:

السبق إلى الإسلام: يُعدّ عثمان بن حنيف من الصحابة السابقين في الإسلام من أهل المدينة، فكان «من أعلام أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأتقيائهم، شَهِدَ أحداً والمشاهد بعدها مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».

صحبة رسول الله: «كَانَ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم»(117). فقد

ص: 37

عدّه الإمام الرضا (عليه السلام) من الصحابة المقبولين، «الذين مضوا على منهاج نبيهم (صلى الله عليه وآله)، ولم يغيروا ولم يبدلوا، مثل: سلمان الفارسي، وأبي ذرّ، الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن یاسر، وحذيفة بن اليماني، وأبي الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنیف، (وعثمان بن حنيف، وأخويه) وعبادة بن الصامت، وأبي أيوب؛ لأنصاريّ، وخزيمة بن ثابت؛ ذي الشهادتين، وأبي سعيد؛ الخدريّ، وأمثالهم رضي الله عنهم (118). وما يؤكد قربه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنَّهُ كان يروي أحاديثه (صلى الله عليه وآله) فقد «روى عنه أبو أمامة بن سهل بن حنیف» (119)؛ كما كان واحداً من اثني عشر صحابياً رفضوا خلافة أبي بكر، محتجّين بأنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) قد أشار بأنّ الخلافة من بعده في أهل بيته (عليهم السلام)، وبالتحديد في علي بن أبي طالب (عليه السلام) (120). وقام معه أخوه عثمان بن حنيف فقال: «سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدموهم، وقدموهم فهم الولاة بعدي. فقام إليه رجل، فقال: يا رسول الله وأي أهل بيتك؟ فقال صلى الله عليه وآله: علي والطاهرون من ولده. وقد بين صلى الله عليه وآله: فلا تكن - يا أبابکر - أول کافر به، ولا تخونوا الله والرسول، وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون»(121). وقد حَکَمَ رجال الجرح والتعديل من السنّة والشيعة بوثاقة عثمان بن حنيف، فقد «عدّه الشيخ الطوسي من رجاله»(122).

وقدْ عُدّ «من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام»(123)، ومنَ الذينَ مضَوا على منهاج نبيِّهم (صلّى الله عليه وآله)، ولم يغيِّروا ولم يبدّلوا، وشهِدَ الجمل معه، تحوّل بعد معركة الجمل للسّكن في الكوفة، وتوفّي بها»(124). وهو من شرطة الخميس(٭)، الذين قال لهم الإمام علي (عليه السلام): «تشرطوا

ص: 38

فوالله ما اشتراطكم لذهب ولا فضة وما اشتراطكم إلاّ للموت» (125). فضلا عمّا تقدم فقد كان له رأي ثاقبٌ ومعرفةٌ وتجربة، فعندما سأل الخليفة عمر المسلمين عن رجل منهم يوليه أمر الخراج وخاطبهم قائلاً: «فَمَنْ رَجُلٌ لَهُ جَزَالَةٌ وَعَقْلٌ

يَضَعُ الأَرْضَ مَوَاضِعَهَا، وَيَضَعُ عَلَى الْعُلُوجِ مَا يَحْتَمِلُونَ؟ فَاجْتَمَعُوا لَهُ عَلَى عُثْمَانَ

بْنِ حنيف وَقَالُوا: تبعثه إلى أهل ذَلِكَ؛ فَإِنَّ لَهُ بَصَرًا وَعَقْلا وَتَجْرِبَةً؛ فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَوَلاهُ مِسَاحَةَ أَرْضِ السَّوَادِ»(126).

2- عبيد الله بن عباس

«عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أخو عبد الله بن عباس، ابن عم النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام). ولد على عهد النبي (صلى الله عليه وآله)» (127). ويُذكر: «إنه سمع الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في صغره، وحفظه، وحدث به»(128)، وكان يُقال عنه وعن أخيه عبدالله: «كان يقدم هو وأخوه عبد الله المدينة فيوسعهم عبد الله علما، ويوسعهم عبيد الله کرما»(129)، وقد عدَّه ابن عبد ربه من أجواد الحجاز فقال: «أجواد الحجاز ثلاثة في عصر واحد: عبيد الله بن العباس، وعبد الله بن جعفر، وسعيد بن العاص» (130)، ومع أنه كان مشهورا بالسخاء؛ لكنه على ما يبدو لم يكن مقداماً في القتال وهذا ما يمكن ملاحظته مما جاء في مخاطبة الإمام علي (عليه السلام) له عندما ولاه اليمن فقد كتب إليه: «من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبيد الله بن العباس وسعيد بن نمران، سلام عليكما، فإني أحمد إليكما الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإنه أتاني کتابکما تذكران فيه خروج هذه الخارجة وتعظمان من شأنها صغيرا، وتكثران من عددها قليلا، وقد علمت أن نخب أفئدتكما وصغر أنفسكما وشتات رأيكما وسوء تدبير كما هو الذي أفسد عليكما من لم يكن عنکما

ص: 39

نائما، وجرأ عليکما من کان عن لقائكما جبانا، فإذا قدم رسولي عليكما فامضيا إلى القوم حتى تقرءا عليهم كتابي إليهم، وتدعواهم إلى حظهم وتقوى ربهم، فإن أجابوا حمدنا الله وقبلنا منهم، وإن حاربوا استعنا عليهم بالله ونبذناهم على سواء: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ» (131) والسلام علیکما» (132). ويؤكد ذلك ما تحدث به ابو الوداك قائلاً: «كنت عند علي (عليه السلام) حين قدم عليه سعيد بن نمران الكوفة فعتب عليه وعلى عبيد الله أن لا يكونا قاتلا بسرا، فقال سعيد: والله قاتلت، ولكن ابن عباس خذلني وأبی أن يقاتل، ولقد خلوت به حين دنا منا بسر، فقلت: إن ابن عمك لا يرضى مني ولا منك إلا بالجد في قتالهم، وما نعذر، قال: لا والله، ما لنا بهم طاقة ولا يدان. فقمت في الناس، وحمدت الله وأثنيت عليه ثم قلت: يا أهل اليمن، من كان في طاعتنا وعلى بيعة أمير المؤمنين فإلي إلى، فأجابني منهم عصابة فاستقدمت بهم فقاتلت قتالا ضعيفا وتفرق الناس عني، وانصرفت ووجهت إلى صاحبي فحذرته موجدة صاحبه عليه، وأمرته أن يتمسك بالحصن ويبعث إلى صاحبنا ويسأله المدد، فإنه أجمل بنا وأعذر لنا، فقال: لا طاقة لنا بمن جاءنا، وأخاف تلك»(133).

3 - قيس بن سعد:

قیس بن سعد بن عُبادة الأنصاري الخزرجي، وأبوه سعد كان زعيم الخزرج(134)، يصفه الواقدي (ت: 207 ه) فيقول: «من کرام أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأسخيائهم ودهاتهم» (135). رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه سمات التفوق والصلاح، فأدناه منه حتى قيل عنه: «إِنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ كَانَ يَكُونُ بَیْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الأَمِیرِ»(136). وكان «من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو

ص: 40

مشكور، لم يبايع أبابكر» (137)، وكان من شرطة الخميس، ومن أمرائهم في الكوفة، وقد لخص قیس اخلاصه للأمام علي (عليه السلام) قائلاً له: «یا أمير المؤمنين، ما على الأرض أحد أحبّ إلينا أن يقيم فينا منك، لأنّك نجمنا الذي نهتدي به، ومفزعنا الذي نصير إليه، وإن فقدناك لتظلمن أرضنا وسماؤنا»(138).

كان الإمام علي (عليه السلام) قد ولىّ قیس بن سعد مصر «لما ظن عنده من الخير، ورجا من قصده وإيثاره الحق في أموره وتقدمه اليه في العدل والإحسان، والشدة على المريب، والرفق بالخاصة والعامة» (139). وقال في كتاب تقديم قيس إلى أهل مصر: «... وهو ممن ارضى هديه وأرجو صلاحه ونصحه...» (140) ولكن الإمام علي (عليه السلام) بلغه الكثير عن قيس بن سعد اثناء ولايته على مصر، وقد كان ذلك بفعل من معاوية وماكنة إعلامه التي سخرها للايقاع بقيس عند الإمام علي (عليه السلام)، لأهمية مصر عند معاوية من جهة، ولمكانة قيس عند الإمام علي (عليه السلام)، الامر الذي اضطر الإمام إلى عزل قيس عن الولاية؛ فوجد قيس في نفسه وكاد ان يميل عن علي (عليه السلام) ولكنه تراجع عن فكرته ولام نفسه على ماسولت به قائلاً: «والله إن هذا لقبيح أن أفارق عليا وإن عزلني، والله لألحقن به. فلحق به، وحدثه بما كان يعتمد بمصر»(141)؛ فأدرك الإمام علي (عليه السلام) أن قيس: «كان يداري أمرا عظيما بالمكيدة»(142).

إنَّ علاقة قيس بالإمام علي (عليه السلام) القائمة على الإيمان بمقدرته والثقة بعدالته هي التي وقفت بوجه محاولات معاوية للايقاع بينهما، ولذلك نجد أن الإمام علي (عليه السلام) قد حفظ لقيس موقفه الصلب في مقاومة الفساد ولم يتخلَّ عنه كقائد حتى ولاّه آذربيجان (143).

ص: 41

4 - مالك الاشتر:

هو «مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلّمة بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة بن سعد بن مالك بن النخع من مذحج »(144)، اختاره الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) لتولي إدارة مصر بدلاً من محمد بن أبي بكر، في وقت صعب كانت تمر به مصر، ولا بد أن يكون لمالك شخصية جديرة بثقة الإمام علي (عليه السلام) ليسند له هذا الأمر وقد كان كذلك، فقد قال فيه عليه السلام «كان الأشتر لي كما كنت لرسول الله» (145). ويقول فيه: «فإنه من لا يُخاف وهنه ولاسقطته ولا بطؤه عما الاسراع اليه احزم، ولا إسراعه إلى مالبطْ عنه أمثل»(146)، بهذه الكلمات نوَّه أمير المؤمنين (عليه السلام) بِمَقام مالك الأشتر.

لم يُعرَف الكثير عن مالك قبل الإسلام، كما لم تُحدد المصادر التي تناولت سيرته تاريخ ميلاده واكتفت بالقول: «وُلِد قبل الإسلام بقليل.... قبل بعثة النبي بعقدين أو ما يزيد عن ذلك قليلا» (147) وأسلم على عهد رسول الله (صلى الله عليه واله) ولكن لم يُذكر متى أسلم. فهو وإن عاصر النبي لكنه لم يره أو يسمع حديثه، وقد عُدَّ من التابعين، وكان صاحب دين، وقد ذُكر عند رسول الله (صلى الله عليه واله) فقال فيه «أنه المؤمن حقّاً» (148)، کما كان من الذين قال فيهم رسول الله «عصابة من المؤمنين» الذين شهدوا موت أبي ذر الغفاري (149).

وقد شخص فيه الإمام علي (عليه السلام) هذه الخصلة عندما قال له: «فإنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ وأَقْمَعُ بِهِ نَخْوَةَ الأثِيمِ...»(150).

اشتهر (بالأشتر ) (٭) حتى غلب هذا اللقب على اسمه، وقد لحق به هذا اللقب جراء إصابة عينه في معركة اليرموك قرب حمص وهي المعركة التي دارت بين المسلمين والروم سنة (13 ه)، وكان قد برز إلى ماهان قائد جيش هر قل

ص: 42

«فأخرج ماهان عموده وضرب به مالكاً على البيضة التي على رأسه فغاصت في جبهة مالك فشترت عينه، فمن ذلك اليوم سمي بالأشتر»(151). كما لقب «بكبش العراق» (152) لانه المقدم على جيش الإمام علي (عليه السلان) وحامل رايته.

لم تكن علاقته مع الإمام علي مبنية على أسس شخصية وانما كانت مبنية على أساس الأيمان الصادق برسالة الإسلام وبنبوة محمد (صلى الله عليه واله)، وهذا ما عبر عنه مالك بنفسه قائلا: «فوالله إنا لنعلم أنه ما على ظهر الأرض وصي نبي سواك، وإنّا لنعلم أن الله لا يبعث بعد نبينا (صلى الله عليه وآله) نبياً سواه، وإن طاعتك لفي أعناقنا موصولة بطاعة نبينا» (153). وكانت علاقة متميزة فقد ثبت مع الإمام علي (عليه السلام) عندما تخاذل أصحابه عنه وفر بعضهم إلى معاوية فخاطبه حينها الإمام قائلا: «أنت من آمن الناس عندي وأنصحهم لي وأوثقهم في نفسي إن شاء الله»(154).

وقد شخص فيه الإمام علي (عليه السلام) خصالاً قلما تجتمع لغيره «كان ممن لا يخاف وهنه ولا سقطته، ولا بطؤه عما الاسراع إليه أحزم، ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل»(155).

يعزز من هذه الصفات النصح في علاقته مع الإمام فقد قال (عليه السلام) فيه بعد استشهاده: «كَانَ رَجُلاً لَنَا نَاصِحاً، وَعَلَى عَدُوِّنَا شَدِيداً نَاقِماً، فَرَحِمَهُ اللهُ! فَلَقَدِ اسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ، وَلاَقَى حِمَامَهُ، وَنَحْنُ عَنْهُ رَاضونَ»(156)

لم يكن مالك الأشتر في معزل عن الأحداث التي عصفت بالأمة الإسلامية، فقد كان رافضاً للظلم أياً كان مصدره، وكان معارضاً لسياسة ولاة عثمان المتعسفة فكان رده بليغاً على سعيد بن العاص والي الكوفة يوم قال: «إِنّمَا السواد بستان لقريش، فَقَالَ له الأشر: أتجعل مراكز رماحنا وَمَا أفاء اللهَّ عَلَيْنَا بستانًا لَك

ص: 43

ولقومك؟ والله لو رامه أحد لقرع قرعا يتصأصأ منه»(157)، الامر الذي ترتب عليه نفي الاشتر واصحابه إلى الشام، کما کتب اليه عثمان يتوعده: «إني لأراك تضمر شيئًا لو أظهرته لحل دمك، وَمَا أظنك منتهیًا حَتَّى تصيبك قارعة لا بقيا بعدها، فَإِذَا أتاك كتابي هَذَا فسر إلى الشام لإفسادك قبلك وأنك لا تألوهم خبالًا»(158). ولذلك كان من اشد المعارضين لسياسة عثمان بن عفان وكان من قادة وفد الكوفة إلى عثمان سنة 35 ه (159)، وقد دعاه عثمان لمعرفة ما يريد الناس قائلًا له: «يَا أَشْتَرُ، مَا يُرِيدُ النَّاسُ مِنِّي؟ قَالَ: ثَلَاثٌاً، لَيْسَ لَكَ مِنْ إِحْدَاهُنَّ بُدٌّ، قَالَ: مَا هُنَّ؟ قَالَ: يُخَيِّرُونَكَ بَیْنَ أَنْ تَخْلَعَ لَهُمْ أَمَرَهُمْ فَتَقُولَ: هَذَا أَمْرُكُمْ فَاخْتَارُوا لَهُ مَنْ

شِئْتُمْ، وَبَیْنَ أَنْ تَقُصَّ مِنْ نَفْسِكِ، فَإِنْ أَبَيتَ هَاتَیْنِ فَإِنَّ الْقَوْمَ قَاتِلُوكَ، قَالَ: أَمَا

مِنْ إِحْدَاهُنَّ بُدٌّ؟ قَالَ: لَا»(160). وانتهت الأحداث بمقتل عثمان.

وعندما أخذت الموآمرات تحاك للوقوف بوجه المشروع الإصلاحي للإمام علي (عليه السلام) فكانت بدايتها في مكة المكرمة بقيادة عائشة وطلحة والزبير؛ فنكثوا البيعة وخرجوا إلى البصرة بمن معهم من بني أمية ومَن حولهم. وكانت الأخبار تصل تباعاً إلى الإمام (عليه السلام) بما دُبِّر في مكة، ثم بخروج عائشة بمن معها.

أمَرَ الإمام (عليه السلام) بأن يُنادي في الناس بالتأهب للمسير إلى العراق. فأتاه من يعتذر إليه من الخروج، بحجة أن هذه فتنة، أو بأنهم لا يقاتلون مسلماً. ولكن كان لمالك الأشتر موقفاً يختلف عن الآخرين، إذ لما بلغه نداء الإمام علي (عليه السلام) أسرع إليه وقال له: «يا أمير المؤمنين، إنا وإن لم نكن من المهاجرين والأنصار، فإنا من التابعين بإحسان. وإن القوم وإن كانوا أولى بما سبقونا، فليسوا بأولى بما شركناهم فيه. وهذه بيعة عامة، الخارج منها طاعن مستعتب. فحُضّ

ص: 44

هؤلاء الذي يريدون التخلف عنك باللسان، فإن أبوا فأدبهم بالحبس»(161).

ومن هنا صارت مواقف الأشتر واضحةً جَليَّة المعالم؛ فأصبح جُندياً مخلصاً لأمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يفارقه قطٌّ ولازمه في كل معاركه، فقد تولى أمر تحشيد الناس في الكوفة بعد أن استأذن الإمام قائلا له: «فإن رأيت جُعلت فداك أن تبعثني في أثرهم فإن أهل الكوفة أحسن لي طاعة وإن قدمت عليهم رجوت أن لا يخالفني أحد منهم»(162). فأذِن له. وكانت مواقفه مشهودة في حرب الجمل، امّا في صفين فكادت تكون نهايتها على يديه لولا خدعة رفع المصاحف، فقد كان على (عدوة فرس) من النصر، ولكنه رضي بما رضي به أمير المؤمنين (عليه السلام) (163).

كان معاوية يحسب للاشتر حسابه. وكان يعده من اخلص أصحاب علي «فقد عده ضمن الخمسة الذين قنت عليهم وهم: علي والحسن والحسين - عليهم السلام - وعبد الله بن عباس، والاشتر ولعنهم»(164)، حتى انه قد ساءه ان سمع اخبار ارسال علي مالك الاشتر لولاية مصر، وكان معاوية يعتقد ان الاشتر لو وصل إلى مصر لم يعد لمعاوية امل في استمالتها لجانبه لذلك بذل طاقته في منعه من الوصول اليها، وقد كان له ذلك على يد رأس اهل الخراج المقيم في (القلزم (٭)) حيث بعث اليه معاوية كتابا جاء فيه: «أن عليا قد بعث بالاشتر إلى مصر وإن كفيتنيه سوغتك خراج ناحيتك ما بقيت، فاحتل في قتله بما قدرت عليه»(165).

فاحتال الدهقان «وحمل إليه طعاما دس في جملته عسلا جعل فيه سما، فلما شربه الاشتر قتله ومات من ذلك»(166)، عندها «قال عمرو بن العاص: إن لله جنوداً من عسل»(167)، وفي رواية ان معاوية هو الذي قال «إن لله جنوداً من عسل» (168)، في حين يقول ابن كثير: «فلما بلغ ذلك معاوية وعمراً وأهل الشام

ص: 45

قالوا: إن لله جنوداً من عسل»(169).

ولأهمية الاشتر فقد قال معاوية: «كان لعلي ابن ابي طالب يمينان قطعت احداهما يوم صفين - يعني عمار بن ياسر - وقطعت الأخرى اليوم - يعني مالك الاشتر»(170).

لقد صدق ابن ابي الحديد وهو يصف الاشتر: «لله أم قامت عن الأشتر، لو أن إنسانا يقسم أن الله تعإلى ما خلق في العرب ولا في العجم أشجع منه إلا أستاذه (عليا) عليه السلام لما خشيت عليه الإثم»(171).

ولذلك قال فيه الإمام وهو يخاطب أصحابه: «ليت فيكم إثنين مثله، بل ليت فيكم مثله واحداً يرى في عدوي مثل رأيه»(172).

وقد أبَّنَه (عليه السلام) قائلا: «للهِ دَرُّ مالك! وما مالك؟! لو كان جَبَلاً لكان فِنْدا، ولو كان حجَراً لكان صَلْدا، أمَا واللهِ ليَهُدّنّ موتُك عالمَا، ولَيُفرِحَنّ عالمَا، على مِثل مالكٍ فلْتَبكِ البواكي وهل موجود كمالك»(173).

وقال (عليه السلام): «لا أرى مثله بعده أبدا» (174). ولذلك تتوقف الأقلام في مدح مالك عند مدح الإمام علياً (عليه السلام) فقد مدحه «ومَدْحُ الإمام إمام كل مَدْح، ومن تصدّى للقول بَعْدَه فقد تعرَّض للقدح» (175)

إن في ما تقدم من مشاهد سيرة مالك الاشتر يعطي صورة عن ان الرجل كان من ذوي الحزم والحسم والإعتداد بالرأي لا يتردد إطلاقاً في اتخاذ الإجراء الكامل والحاسم فيما يرى انه الصواب وما يجب ان يكون. هذه الصفات التي اهلته ليكون مرشح الإمام علي لادارة ولاية تعد الأهم بين ولايات الدولة الإسلامية، وعلى وفق منهج كان انموذجا يتعدى حدود الدولة الإسلامية لو أتيح له التطبيق.

ص: 46

5 - سهل بن حنيف

أسمه وكنيته ونسبه: هو سهل بن حنیف بن وهب بن العكيم بن ثعلبة بن مجدعة بن الحرث بن عمر بن خناس بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس. ويکنی ابو سعید.

صحبته: أسلم قبل هجرة النبي (صلّى الله عليه وآله) من مكة. كان من النقباء الاثني عشر الذين اختارهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيعة العقبة الثانية، وشهد مع النبي (صلّى الله عليه وآله) مشاهده كلها» (176). وكان ممّن ثبت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أُحد حين انكشف الناس، وبايعه على الموت، وفي هذا الموقف قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) للإمام علي (عليه السلام): «...لقد صدق معك القتال اليوم سهل بن حنيف» (177). وبعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله) انضم إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكما بایع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد بايع امير المؤمنين على الموت فكان من شرطة الخميس (178)، وهو ممن وصفهم الإمام الرضا (عليه السلام) بقوله: «الذين مضوا على منهاج نبيّهم (صلى الله عليه وآله)، ولم يغيّروا، ولم يبدّلوا مثل:... سهل بن حنیف... وأمثالهم رضي الله عنهم، ورحمة الله عليهم» (179). فقد كان من الاثني عشر رجلاً الذين وقفوا بوجه ابي بكر حينما رقى المنبر في أوّل جمعة له، فوعظوه وخوّفوه من الله سبحانه وتعالى، ودافعوا عن أحقّية الإمام علي (عليه السلام) بالخلافة حيث قال: «أشهد أنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال على المنبر: إمامكم من بعدي علي بن أبي طالب، وهو أنصح الناس لأُمّتي»(180). وولّاه أمير المؤمنين (عليه السلام) المدينة، ثم ولاه على فارس.

وفاته: تُوفي عام 38 ه بمدينة الكوفة ودُفن فيها، وقام الإمام علي (عليه السلام)

ص: 47

بتكفينه» في برد أحمر حبرة» (181). کما قام (عليه السلام) بالصلاة عليه، فعَن أَبيِ عَبدِ اللهَّ (عليه السلام) قَالَ كَبَّرَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وكَانَ بَدْرِيّاً خَمْسَ تَكْبِیرَاتٍ ثُمَّ مَشَى سَاعَةً ثُمَّ وَضَعَه وكَبَّرَ عَلَيْه خَمْسَةً أُخْرَى فَصَنَعَ ذَلِكَ حَتَّى كَبَّرَ عَلَيْه خَمْساً وعِشْرِينَ تَكْبِیرَةً» (182). وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: «لمّا مات جزع أمير المؤمنين (عليه السلام) جزعاً شديداً»(183).

6 - حذيفة بن اليمان:

ولاه على المدائن، ويصفه الإمام علي فيقول: «... وسأل عن المعضلات حين غفل عنها غيره فإن سألتموه عنها تجدوه عالماً بها»(184)، وقال عنه: «هو من أرضى بهداه وأرجو صلاحه»(185)

يُلاحظ مما تقدم ومن خلال الثلة التي تناولها البحث كنموذج لولاة الإمام علي (عليه السلام) أنَّ معايير اختيار الولاة في عهد الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) لا تختلف كثيراً عن تلك التي وضعتها المنظمات الدولية المهتمة بمكافحة الفساد، أو التي تشترطها الحكومات في تعيين موظفيها، إلاّ أن ما حققه الإمام علي (عليه السلام) في القضاء على الفساد، على امتداد الدولة الإسلامية، وفي الفترة الزمنية من عمر حكومته التي تعد قصيرة نسبياً بالقياس إلى مانحن فيه حيث وصل بما ورثه من فساد إلى ادنى مستوياته إن لم يكن قد انعدم وجوده وزالت آثاره إلاّ في المناطق التي لم تصل إليها حكومته (عليه السلام) في حين أنّ مستويات الفساد لدينا لم تتغير ان لم تكن في تصاعد، ولاشك أن نجاح إدارة الإمام علي (عليه السلام) يرجع إلى تطبيق معايير الاختيار بحذافيرها وإلى العلاقة السليمة المتبادلة بين الإمام علي (عليه السلام) وإدارته، في حين أن المعايير اليوم لاتتعدى حدود الورقة التي كُتِبَتْ عليها بِسبب مايشوب العلاقات الإدارية من شبهات.

الجزء الثاني: المحور الإداري والاقتصادي

ص: 48

المبحث الثاني

الرقابة

لاتنتهي علاقة الرئيس باختيار مرؤوسيه، وإنما تتطور هذه العلاقة لتنتقل إلى طور متابعة المرؤوس وهو يؤدي عمله الذي كُلِّفَ به للتأكد من تنفيذه المهام الموكلة إليه على الوجه المطلوب وهذا ما يعرف بالرقابة.

تعريف الرقابة

الرقابة في اللغة: للفظة الرقابة في اللغة معان كثيرة ذكرتها معاجم اللغة العربية ومنها:

ففي تاج العروس: «الرَّقِيبُ: الحَفِيظُ والرَّقِيبُ: المُنْتَظِرُ ورَقِيبُ القَوْمِ: الحَارِسُ وهو الذي يُشْرِفُ على مَرْقَبَةٍ لِيَحْرُسَهُمْ والرَّقِيبُ: الحَارِسُ الحَافِظُ... ورَقَبَ الشَّيْءَ يَرْقُبُه: حَرَسَه كَرَاقَبَه مُرَاقَبَةً ورِقَاباً... »(186).

وفي لسان العرب: «رقب في أسماء الله تعالى: الرقيب: هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء، وفي الحديث: ارقبوا محمدا في أهل بيته، أي أحفظوه فيهم»(187).

أما في الاصطلاح: «فتعني عملية التحقق من مدى انجاز الأهداف المرجوة، والكشف عن الصعوبات في تحقيق هذه الأهداف، والعمل على إزالتها في أقصر وقت ممكن»(188). لا يخفى على أحد ما للرقابة من أهمية في سير الأعمال، وحسن تأدية العمال لواجبهم، والرقابة الواعية المنضبطة تحقق العديد من الأهداف التي رسمت لها ومنها: حماية العمال والولاة من الانزلاق في خيانة الأمانة وأكل المال العام.

والرقابة في الشرع : هي القواعد المستنبطة من الشريعة الإسلامية، والتي تستخدم لمحاسبة المرء في عمله، سواء تعلق الأمر بدينه أو دنياه. وقد ميز

ص: 49

المختصون بين اربعة أنواع من الرقابة هي: رقابة علوية من الله تعالى على البشر، ورقابة ذاتية وهي رقابة الإنسان على ذاته وعلى تصرفاته وعلى سلوكه، ورقابة إدارية من الرئيس على المرؤوس، ومن الراعي على الرعية، ورقابة شعبية من الأفراد على الرؤساء وعلى غيرهم من الأفراد (189).

حفلت المصادر بالكثير من النصوص التي تشير إلى ممارسة الإمام علي (عليه السلام) الرقابة على ولاته وعماله، وقد كان (عليه السلام) حريصاً على تتبع أخبارهم، واستكشاف أمورهم، وبقدر حرصه ذاك كان حريصاً على أن تكون هذه الأخبار دقيقة وصادقة، بعيدة عن الوشاية والكيد، ولذلك كان يختار عيونه (٭) ممن يثق بهم. ولم تكن الرقابة عند الإمام علي (عليه السلام) الغرض منها التنكيل بالولاة، وإنما كان الغرض منها تحصينهم ووقايتهم من الوقوع في الخطأ الذي يؤدي إلى ضياع حقوق الأفراد والمجتمع، ومن ثم الإنحراف بالأمة عن مسارها الصحيح الذي أراده لها الإسلام.

نقل الإمام علي (عليه السلام) مقر إدارته إلى الكوفة فصارت عاصمة لدولة تمتد على رقعة جغرافية مترامية الاطراف ترتبط اقاليمها المتباعدة بطرق للقوافل قد لا تكون سالكة في بعض الأحيان، وهذا يعني إن إدارة أي إقليم من أقاليم الدولة ستكون خاضعة لسلطة الوالي كلياً، وتكاد تكون سلطته شبه مطلقة، والسلطة المطلقة تقود إلى فساد مطلق، كما يقول اللورد أمريش أكتون (٭) (1834 م - 1902 م): «إذ القوة تميل إلى الفساد، السلطة المطلقة تفسد على الإطلاق» (190). وكان الإمام علي (عليه السلام) قد سبق أمريش بقرون عديدة وتنبه لهذا الأمر فاتخذ من الإجراءات مايمنع التفرد بالسلطة ويأتي في مقدمتها الفصل بين السلطات، فاعتمد (عليه السلام) مبدأ توزيع السلطات وتحديد الصلاحيات

ص: 50

ويكون بذلك قد سبق مونتسيكيو (٭) بقرون عديدة، وقد كانت فلسفته (عليه السلام) في هذا الميدان تقوم على عدم حصر السلطات بيد شخص واحد حتى وإن كان يتمتع بالكفاءة والمقدرة على ذلك، فقد «أمّر ابن عباس على البصرة، وولى زياداً الخراج وبيت المال، وامر أبن عباس أن يسمع منه» (191) كما عین أبا الأسود الدؤلي على القضاء(192).

ويعد الفصل بين السلطات واحدا من أهم آليات مكافحة الفساد إذ أن «التنافس السياسي الذي يؤدي إلى عدم الالتزام بمبدأ الفصل المتوازن بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية في النظام السياسي وطغيان الأحزاب والإرهاب وضعف الجهاز القضائي، مما يؤدي إلى الإخلال بمبدأ الرقابة المتبادلة على السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية» (193) مما يؤدي إلى تفشي الفساد، وهذا ما يجري في العراق في الوقت الحاضر.

كما أنّ الوالي في مثل هذه الحالة لاتوجد عليه رقابة مباشرة ولا من وسيلة تحد من صلاحياته إلاّ ما يمليه عليه ضميره، وتؤكد الدراسات الحديثة على أن: «المدخل الأهم والأكثر فاعلية في منظومة حماية النزاهة ومكافحة الفساد يأتي من خلال الإعتماد على عملية تقويم أداء تعتمد مؤشرات علمية مستمرة خلال السنة، ومراقبة ومتابعة مدى تحقيق المنظمة الحكومية لأهدافها بكفاءة»(194). ولذلك كان الإمام علي (عليه السلام) سبّاقا إلى إيجاد آليات مراقبة دائمة ومتابعة جادة تَحِدُّ من سلطة الولاة وتُضَيّق فُرصة وقوعهم في دائرة الفساد من خلال ما يعرف بالرقابة. فأنشأ الإمام علي (عليه السلام) نظاماً رقابياً فعالاً تمكّن من خلاله الإشراف ومتابعة الممارسات التي تتم من قبل الولاة والعمال العاملين في حكومته.

إنَّ نجاح الإمام علي (عليه السلام) في بناء علاقة سليمة مع مرؤوسيه -

ص: 51

ولاته وعماله - إنما يرجع إلى المنهج الذي اعتمده (عليه السلام) والذي يقوم على قاعدة (القدوة) «أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ»(195).

وكما ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قدوة امَرَ اللهُ المسلمين أن يقتدوا به حيث قال تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» (196). فإنَّ الإمام علي (عليه السلام) وهو الامتداد الطبيعي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) قد جعل من نفسه أُسوة حسنة حيث يبدأ بنفسه قبل غيره قولاً يلازمه عمل فهو القائل «من نصب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم»(197). كما قال (عليه السلام): «من نصح نفسه كان جديراً بنصح غيره»(198)، وبذلك لم يُبقِ حجة لأحد فأن يعترض على إرشاد أو يتهرب من توجيه، ذلك أن النصح من وجهة نظر الإمام علي (عليه السلام) يقوي العلاقة ويزيد من وشائج الإرتباط لأن «النُصحُ يُثمِرُ المَحَبَّةَ»(199).

وللوقوف على جهود الإمام علي (عليه السلام) في إدامة العلاقة بينه وبين ولاته للحيلولة من دون وقوعهم في مطبات الفساد، من خلال منهجه الرقابي سيتناول البحث ثلاثة أنواع من الرقابة مارسها الإمام علي (عليه السلام) على ولاته هي: الرقابة الذاتية، والرقابة الإدارية (الخارجية)، والرقابة الشعبية.

الرقابة الذاتية: من خصائص الإسلام أنه يربي مبدأ المراقبة الله تعالى في نفس المسلم؛ فالمسلم رقيب على نفسه من خلال إيمانه بأن الله تعالى رقيب على كل لحظات العبد وسكناته؛ وهو تعالى عالم الغيب والشهادة، ذلك أنَّ «المراقبة دوام علم العبد وتيقّنه باطّلاع الحقّ سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه»(200). وقد

ص: 52

سعى الإسلام لتقوية الرقابة الذاتية لدى الإنسان المسلم، والرقابة الذاتية من أقوى ما يمكن أن يشكل ضمانةً لعدم الوقوع في الفساد، وبذلك يوصي الإمام علي (عليه السلام) فيقول: «اجعل من نفسك على نفسك رقيباً واجعل لآخرتك من دنياك نصيبا» (201). ولذلك يمكن تعريف الرقابة الذاتية بأنها: «إحساس داخلي للموظف منشأه الإيمان الذي لايخامره شك بأن الله جلّت قدرته يرى جميع تصرفاته الصغيرة والكبيرة والخفية والمعلنة وأنه محاسب عليها» (202). ولذلك يسعى المسلم لأن تتطابق أعماله في السر والعلن حتى يكون قد أخلص العبادة لله تعالى كما يراه الإمام علي (عليه السلام) «وَمَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ سِرُّهُ وَعَلَانِيَتُهُ وَفِعْلُهُ

وَمَقَالَتُهُ فَقَدْ أَدَّى الْأَمَانَةَ وَأَخْلَصَ الْعِبَادَةَ»(203). وإلى المعنى نفسه يذهب الإمام علي (عليه السلام) في قوله: «وَاحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يَرْضَاهُ صَاحِبُهُ لِنَفْسِهِ وَيُكْرَهُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يُعْمَلُ بِهِ فِي السِّرِّ وَيُسْتَحَى مِنْهُ فِي الْعَلَانِيَةِ وَاحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ إِذَا سُئِلَ عَنْهُ صَاحِبُهُ أَنْكَرَهُ أَوْ اعْتَذَرَ» (204).

فالرقابة الذاتية هي إحدى القيم الإسلامية التي يستند إليها المسلم في سلوكه ولاتعدو أن تكون تذكيراً بما أنزل الله تعالى في تنبيه المسلم على وجود الله تعالى رقيباً لا يغفل عن عباده كما في قوله تعالى: ««يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا»» (205)، وقال تعالى: «مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»(206)، كما قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ» (207)، كذلك يحذرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة فيقول: «لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ

ص: 53

مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ»(208). وإلى نفس المضمون يشير الإمام علي (عليه السلام) فيقول: «فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَی يُسَائِلُكُمْ مَعْشَرَ عِبَادِهِ عَنِ

الصَّغِیرَةِ مِنْ أَعْمَالِكُمْ وَالْكَبِیرَةِ وَالظَّاهِرَةِ وَالْمَسْتُورَةِ» (209).

مما تقدم فإنَّ الرقابة الذاتية التي سعى الإمام علي (عليه السلام) إلى غرسها وتنميتها في نفوس ولاته أراد أن يقول لهم فيها: «خف الله كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك، فإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم أنه يراك ثم استترت عن المخلوقين بالمعاصي وبرزت له بها فقد جعلته في حد أهون الناظرين إليك»(210)، ليُؤكد في مشروعه الرقابي على تنمية الرقابة الذاتية لدى ولاته وعماله، وذلك لأن المنهج الإسلامي يعتمد العمل من داخل النفس الإنسانية لامن خارجها، ومع أنه كان «لا يخص بالولايات إلاّ أهل الديانات والأمانات»(211)، فإنه يحرص على تعزيز الوازع الديني لديهم ولهذا جاءت توجيهاته (عليه السلام) وإرشاداته إلى ولاته لتجعل من الشخص رقيباً على نفسه، وقد تضمنت كتبه ورسائله في هذا الجانب امثلة كثيرة منها: ما كتبه إلى شريح القاضي وقد بلغه أنه اشتری داراً فبعث إليه وعاتبه على مافعل قائلاً: «يَا شُرَيْحُ: أَمَا إِنَّهُ سَيَأْتِيكَ مَنْ لَا يَنْظُرُ فِي كِتَابِكَ وَلَا يَسْأَلُكَ عَنْ بَيِّنَتِكَ حَتَّى يُخْرِجَكَ مِنْهَا شَاخِصاً وَيُسْلِمَكَ إِلَى قَبْرِكَ خَالِصاً»(212)، وبعد أن ذكره بالموت حذّره أن يكون اشترى الدار بغير ماله وبين له جزاء ذلك «فَانْظُرْ يَا شُرَيْحُ لَا تَكُونُ ابْتَعْتَ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ غَیْرِ مَالِكَ أَوْ نَقَدْتَ الثَّمَنَ مِنْ غَیْرِ حَلَالِكَ فَإِذَا أَنْتَ قَدْ خَسِرْتَ دَارَ الدُّنْيَا وَدَارَ الْآخِرَةِ»(213).

وفي كتابه (عليه السلام) إلى الأشعث بن قيس عامله على أذر بيجان يقول فيه: «وَإِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ وَلَكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ وَأَنْتَ مُسْتُرْعًى لِمَنْ

ص: 54

فَوْقَكَ لَيْسَ لَكَ أَنْ تَفْتَاتَ فِي رَعِيَّةٍ وَلَا تُخَاطِرَ إِلَّا بِوَثِيقَةٍ وَفِي يَدَيْكَ مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْتَ مِنْ خُزَّانِهِ حَتَّى تُسَلِّمَهُ إِلَيَّ وَلَعَلِّي أَلَّا أَكُونَ شَرَّ وُلَاتِكَ لَكَ وَالسَّلَامُ» (214). بين الإمام (عليه السلام ) للاشعث ان مافي يده من عمل ليس بمأكلة له كما اعتاد على ذلك عمال عثمان، وإنما هو امانة في عنقك، ثم يرسم له حدود صلاحياته فيشعره بوجود مسؤول عنه لا يجيز له التصرف بالمال الذي لديه دون معرفته وإذن منه، ومع حصول الإذن لابد من التوثيق، وبذلك يكون (عليه السلام) قد سد منفذاً مهماً من منافذ الفساد، باعتبار أن المال هو احد العوامل التي تؤدي إلى فساد وانهيار الحكومات، ويؤكد على التوثيق لما له من أهمية في الحد من الفساد، إذ تعتبره الدراسات الحديثة المهتمة بالفساد في العراق واحداً من نقاط ضعف الحكومة في مكافحة الفساد فاشارت إلى أن مايتيح العمل لممارسة الفساد هو: «غياب قواعد العمل والاجراءات المكتوبة، ومدونات السلوك للموظفين في قطاعات العمل العام والأهلي والخاص»(215)، ثم يعود ليشد من اواصر العلاقة معه فيطيب خاطره بعد ان اشعره انه يشك في امانته (216).

ولهوى النفس في فكر الإمام علي (عليه السلام) أهمية كبيرة في مشروعه الرامي إلى مكافحة الفساد، فهو الجهاد الأكبر كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه»(217)، ولذلك كان الكثير من كتبه إلى ولاته تتضمن النصيحة بردع النفس عن هواها، كما في عهده (عليه السلام) لمحمد بن أبي بكر يوم ولاه مصر بعد أن بين له اسلوب إدارته لاهل مصر (218). راح يفيض عليه من وافر تقواه ليعزز عنده الوازع الديني في أربع توصيات مهمة هي بمثابة آليات لسد منافذ الفساد الإداري لا في ولاية مصر فحسب وإنما يمكن ان تكون قواعد لمحاربة الفساد تصلح لكل مكان وفي كل

ص: 55

زمان، وما أحوجنا اليها ونحن نعيش أزمة نزاهة، قائلاً له: « وَاعْلَمْ - يَا مُحَمَّدُ بْنَ أَبِي بَكْر - أَنِّي قَدْ وَلَّيْتُكَ أَعْظَمَ أَجْنَادِي فِي نَفْسِيِ أَهْلَ مِصْرَ» مبيناً له اهمية مصر ومقام اهلها في نفسه (عليه السلام) وفي نفس الوقت يعبر له عن مستوى العلاقة الرفيع بينهما واهميته عنده فاختاره لهذه الولاية المهمة، ثم يبدأ بإرشاده: «فَأَنْتَ مَحْقُوقٌ أَنْ تُخَالِفَ عَلَى نَفْسِكَ»، يوصيه بمخالفة هوى نفسه،، ومع ان جهاد النفس واجب على الجميع إلاّ انه اشدُّ لزوماً على الولاة ومن بيدهم الأمر؛ فلو سيطرت عليهم الأهواء والشهوات فإنَّ ذلك من شأنه إشاعة الفساد في ولاياتهم. وبالمعنى نفسه كتب (عليه السلام) إلى الأسود بن قطبة «فَإِنَّ الْوَالِيَ إِذَا اخْتَلَفَ هَوَاهُ مَنَعَهُ ذَلِكَ كَثِراً مِنَ الْعَدْلِ»(219).

ويرى الإمام علي (عليه السلام) أن القضاء على الفساد منوط باستقامة العدل الذي به تُقَرُّ عين الولاة وُكسَب ود الرعية: «وَإِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَیْنِ الْوُلَاةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلَادِ وَظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ وإِنَّهُ لَا تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلَّا بِسَلَامَةِ صُدُورِهِمْ وَلَا تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلَّا بِحِيطَتِهِمْ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ»(220). فالإمام علي (عليه السلام) يؤكد على سلامة الصدور وهذه الخاصية لاتتحقق إلاّ من خلال ترويض النفس على التقوى، وإلى نفس الغاية يوجه عامله على حلوان: «... فَلْيَكُنْ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَكَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ الْعَدْلِ، فَاجْتَنِبْ مَا تُنْكِرُ

أَمْثَالَهُ، وَابْتَذِلْ نَفْسَكَ فِيَما افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكَ، رَاجِياً ثوَابَهُ، وَمُتَخَوِّفاً عِقَابَهُ»(221).

وفي كتابه (عَلَيْهِ السلام) إلى مالك بن كعب الأرحبي وقد ولاه معونة البهقباذات من النصح الجميل ما ينمي عنده الرقابة الذاتي: «فآثر طاعة الله، واعلم أن الدُّنْيَا فانية، والآخرة آتية واعمل صالحا تجز خيرا، فإن عمل ابن آدم محفوظ علَيْهِ وإنه مجزي بِهِ، فعل الله بنا وبك خيرا»(222).

ص: 56

ويؤكد الإمام علي (عليه السلام) على أهمية الدين في تقويم النفس البشرية، فهو لم يفتأ يحث ولاته على التمسك بالقرآن، فالقرآن «يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ» (223). والمسلم إذا تدبر ماورد في القرآن من أوامر ونواهي وعمل بها فإن نفسه تسمو، وتترفع عن رذائل الأخلاق ودنس النفوس. ولذلك تضمّن الكثير من كتبه (عليه السلام) دعوة ولاته للتمسك بالقرآن فقد جاء في كتابه إلى الحارث الحمراني: «وَتَمَسَّكْ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ وَاسْتَنْصِحْهُ وَأَحِلَّ حَلَالَهُ وَحَرِّمْ حَرَامَهُ وَصَدِّقْ

بِمَا سَلَفَ مِنَ الْحَقِّ وَاعْتَبِرْ بِمَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا لِمَا بَقِيَ مِنْهَا فَإِنَّ بَعْضَهَا يُشْبِهُ بَعْضاً وَآخِرَهَا لَاحِقٌ بِأَوَّلِهَا وَكُلُّهَا حَائِلٌ مُفَارِقٌ»(224).

كما إنَّ الإمام علي (عليه السلام) يُدرِك أنَّ للصلاة أثراً كبيراً في تزكية النفس والسمو بها عن الوقوع في المعاصي والمنكرات، فقد بين الله تعالى أن الصلاة تطهر النفس من الباطل وتحصنها من الفساد بكل أنواعه فقال: «اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ» (225). كما بين النبي (صلى الله عليه وآله) أثر الصلاة في تزكية النفس وإصلاحها، فعن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: «كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوَضوئه وحاجته، فقال لي: سل، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أوَ غيرَ ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأَعِنِّي على نفسك بكثرة السجود»(226)، فالنبي (صلى الله عليه وآله) يشير إلى أن الصلاة تهذِّب النفس وتعين ع-لى إصلاحها. وفي كتابه إلى محمد بن أبي بكر يؤكد الإمام علي (عليه السلام) على موضوع الصلاة فيقول: «صَلِّ الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا الْمُوَقَّتِ لَهَا، وَلاَ تُعَجِّلْ وَقْتَهَا لِفَرَاغ، وَلاَ تُؤْخِّرْهَا عَنْ وَقْتِهَا لاشْتِغَال، وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْء مِنْ عَمَلِكَ تَبَعٌ لِصَلاَتِكَ»(227). ويأتي تأكيد الإمام علي (عليه السلام) على الصلاة

ص: 57

لأنها (تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاء) وما الفساد إلاّ صورة من صور الفحشاء.

لقد تنبه الكثير من الدول إلى أهمية الرقابة الذاتية فاتجهوا إلى إنشاء ميثاق لأخلاق العمل، وقد أكدت دراسة صادرة عن الأمم المتحدة أن وجود ميثاق لأخلاق العمل يعد من الوسائل الوقائية المهمة لمحاربة الفساد في الدول النامية (228). ولاشك أنّ ما يحصل اليوم من اختلاس للمال العام بأرقام تفوق الوصف، رغم وجود الرقابة بكل أنواعها وأدواتها المتطورة، يُؤكد على أهمية الرقابة الذاتية، وأنها أنجع أنواع الرقابة للوقوف بوجه الفساد بكل أشكاله، وهذا ماتؤكده الدراسات الحديثة، حيث ترى: «أنّ وجود الرقابة وأدواتها، والإجراءات الرقابية لاتعدو أن تكون من وسائل العلاج وبما أنّ درهم وقاية خير من قنطار علاج، فإنَّ الإعداد الأخلاقي للموظفين يعتبر من أهم وسائل الوقاية في هذه الجوانب»(229). وهذا ماحرص عليه الإمام علي (عليه السلام)، فإنَّ الرقابة الذاتية التي سعى إلى غرسها وتنميتها في نفوس ولاته، هي تعزيز علاقة العبد بربه تعالى، وتحفيز الإرادة الخيِّرة في الناس، وأراد أن يقول لهم فيها: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»(230).

الرقابة الرئاسية (الرقابة الخارجية)

مع أهمية الرقابة الذاتية فإن كثيراً من النفوس تحتاج إلى رادع خارجي، «فقد يخون الأمين ويغش الناصح»(231)، ويتمثل هذا الرادع بالرقابة الرئاسية، وتعني الرقابة الخارجية، وقد أولى الإمام علي (عليه السلام) هذا النوع من الرقابة أهمية لا تقل عن أهمية الرقابة الذاتية باعتبارها تعكس الإهتمام بسلامة الأداء. فأخضع ولاته لرقابة صارمة معتمداً أسلوب التفتيش الأداري السليم والدقيق بأن يرسل أشخاصاً تتخفى في المجتمع وتراقب الوالي عن كتب وترصد كيفية إدارته لمهمته

ص: 58

وفي الوقت نفسه تستقطب الآراء وتعمل على جمع المعلومات الدقيقة وتقدمها للإمام علي (عليه السلام). ولذلك نجد في معظم كتبه إلى ولاته ترد لفظة (بلغني)، كما كان (عليه السلام) يأمر ولاته بمراقبة عمالهم، فقد كتب للأشتر النخعي حين ولاه على مصر، يأمره بالاهتمام بالرقابة على عمل (الموظفين): «ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم جدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية».

والمراقبة عند الإمام علي (عليه السلام) لاتقف عند التوجيه والإرشاد فقط وإنما تلازمها المتابعة، فهو عندما يُصدر أمراً إلى ولاته ينتظر منهم الرد على تنفيذ الأمر وما ترتب عليه كما هو الحال في أمر أصدره بنسخة واحدة إلى جميع ولاته وعماله يتعلق بخروج الخوارج ومما جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم - من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرأ كتابي هذا من العمّال: أمّا بعد فإنّ رجالاً لنا عندهم بيعة خرجوا هرباً فنظنّهم وجّهوا نحو بلاد البصرة، فاسأل عنهم أهل بلادك، واجعل عليهم العيون في كل ناحية من أرضك، ثم اكتب إليّ بما ينتهي إليك عنهم، والسلام» (232). والإمام علي (عليه السلام) يرى أنّ عدم المتابعة يؤدي إلى فساد الأمور، ولذلك يؤكد على ولاته بوجوب المتابعة «يجب على الوالي أن يتعهد، أموره، ويتفقد أعوانه، حتى لا يخفى عليه إحسان محسن ولا إساءة مسئ، ثم لا يترك أحدهما بغير جزاء، فإنه إذا ترك أعوانه تهاون المحسن واجترأ المسئ، وفسد الأمر» (233).

فالإمام علي (عليه السلام) وبعد أن أحسن اختيار ولاته وعماله، وعزز في نفوسهم الرقابة الذاتية، راح يتابع أعمالهم، ويحاسبهم، ويعاقبهم إن اقتضى الأمر باللوم أو بالتوبيخ، أو بالعزل أحياناً، فقد حفلت المصادر بالكثير من النصوص

ص: 59

التي يشير فيها أو يؤكد فيها الإمام علي (عليه السلام) الرقابة على العمال، وقد جاءت على شكل كتب ورسائل تُعد من أهم الوسائل التي تعبر عن صورة من صور العلاقة بين الإمام علي (عليه السلام) وبين ولاته على الأقاليم والتي كان لها الأثر الكبير في تقويم سلوكهم، وقد كان فيها ناصحاً تارة وموجها تارة أخرى، أو محذراً من ارتكاب خطأ، مما كان لها أكبر الأثر في معالجة الفساد، أو الحد من الوقوع فيه، لأن هذه الكتب والرسائل كانت بمثابة الرقابة الدائمة خاصة إذا ماجاءت بصيغة التحذير أو النهي كرد على فعل ارتكبه الوالي نفسه، ثم هي تعزز الوقاية من الفساد إذا ما جاءت بصيغة النصح والإرشاد، وبقدر ما كانت كتبه (عليه السلام) إلى ولاته تعبر عن علاقة المعلم بتلميذه فإنها كانت وسيلة فعالة لمكافحة الفساد وقطع طريقه أمام الولاة، ومن بين كتبه الأرشادية إلى ولاته في هذا الميدان من ميادين علاقته بهم كنماذج على سبيل المثل لا الحصر:

من كتاب له (عليه السلام) إلى بعض عماله: يبين له فيه طبيعة علاقته به وأهميته عنده «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ وَأَقْمَعُ بِهِ نَخْوَةَ الْأَثِيمِ وَأَسُدُّ بِهِ لَهَاةَ الثَّغْرِ الْمَخُوفِ» ثم يبدأبتوجيهه في عمله «فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَى مَا

أَهَّمَكَ وَاخْلِطِ الشِّدَّةَ بِضِغْثٍ مِنَ اللِّینِ وَارْفُقْ مَا كَانَ الرِّفْقُ أَرْفَقَ وَاعْتَزِمْ بِالشِّدَّةِ حِینَ لَا تُغْنِي عَنْكَ إِلَّا الشِّدَّةُ وَاخْفِضْ لِلرَّعِيَّةِ جَنَاحَكَ وَابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ وَأَلِنْ

لَهُمْ جَانِبَكَ وَآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَالنَّظْرَةِ وَالْإِشَارَةِ وَالتَّحِيَّةِ حَتَّى لَا يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ

فِي حَيْفِكَ وَلَا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ وَالسَّلَامُ» (234).

وفي كتابه (عليه السلام) إلى الأسود بن قطبة صاحب جند حلوان يرشده إلى اتباع العدل في معاملة الرعية والتجرد عن الهوى فيقول: «فَإِنَّ الْوَالِيَ إِذَا اخْتَلَفَ هَوَاهُ مَنَعَهُ ذَلِكَ كَثِراً مِنَ الْعَدْلِ فَلْيَكُنْ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَكَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً فَإِنَّهُ لَيْسَ

ص: 60

فِي الْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ الْعَدْلِ فَاجْتَنِبْ مَا تُنْكِرُ أَمْثَالَهُ وَابْتَذِلْ نَفْسَكَ فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ

عَلَيْكَ رَاجِياً ثَوَابَهُ وَمُتَخَوِّفاً عِقَابَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلِيَّةٍ لَمْ يَفْرُغْ صَاحِبُهَا فِيهَا قَطُّ سَاعَةً إِلَّا كَانَتْ فَرْغَتُهُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ لَنْ يُغْنِيَكَ عَنِ الْحَقِّ شَيْءٌ

أَبَداً وَمِنَ الْحَقِّ عَلَيْكَ حِفْظُ نَفْسِكَ وَالِاحْتِسَابُ عَلَى الرَّعِيَّةِ بِجُهْدِكَ فَإِنَّ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَصِلُ بِكَ وَالسَّلَامُ» (235).

وأحضر الإمام (عليه السلام) الأشعث بن قيس، وكان عثمان استعمله على آذربيجان، فأصاب مائة ألف درهم، فبعض يقول: أقطعه عثمان إيّاها، وبعض يقول: أصابها الأشعث في عمله. فأمره علي (عليه السلام) بإحضارها فدافعه، وقال: يا أمير المؤمنين، لم أُصبها في عملك. قال: والله لئن أنت لم تحضرها بيت مال المسلمين، لأضربك بسيفي هذا أصاب منك ما أصاب. فأحضرها وأخذها منه وصيّرها في بيت مال المسلمين، وتتبّع عمّال عثمان، فأخذ منهم كلّ ما أصابه قائماً في أيديهم، وضمّنهم ما أتلفوا (236). وهذا الموقف يكشف عن جانب من الجوانب المهمة في إدارة الإمام علي (عليه السلام) هو قوة الإرادة. وفي هذا الاتجاه فقد شخصت الدراسات الحديثة ان من بين نقاط فشل الحكومات في مكافحة الفساد هو «ضعف الإرادة لدى القيادة السياسية لمكافحة الفساد، وذلك بعدم اتخاذ أية إجراءات وقائية أو عقابية جادة بحق عناصر الفساد بسبب انغماسها نفسها أو بعض أطرافها في الفساد» (237).

ففي كتاب له (عليه السلام) إلى زياد بن أبيه عامله على فارس وقد بلغه تواطؤه لاختلاس جزءاً من أموال الخراج ضمن ولايته: «أما بعد فإن رسولي أخبرني بعجب زعم أنك قلت له فيما بينك وبينه أن الاكراد هاجت بك فكسرت عليك كثيرا من الخراج، وقلت له: لا تعلم بذلك أمير المؤمنين، یا زیاد وأقسم

ص: 61

بالله إنك لكاذب، ولئن لم تبعث بخراجك لاشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر إلا أن تكون لما كسرت من الخراج محتملا»(238).

مايلفت الانتباه في هذه الرسالة هو الشدة والصرامة التي بدت على موقف الإمام علي (عليه السلام) مما يدل على فداحة ما قام به زیاد من محاولة لاختلاس المال العام، فضلا عن كونه خيانة الأمانة وظيفته، فهو دخول في نفق الفساد المالي، الذي لو نجح زياد في تحقيقة لفتح أبواباً ليس من السهل إغلاقها، ولذلك انتفض الإمام علي (عليه السلام) هذه الانتفاضة التي اسفرت عن تهدید بانزال اقصى العقوبات بزیاد دون ان يلتفت لاهمية زياد في الصراع مع معاوية، فبين له ما سيحل به لو ثبت ما نقل عنه سيجعل منه: (قَلِيلَ الْوَفْرِ) اي قليل المال مما يعني أنك ستعيش الفقر. و(ثَقِيلَ الظَّهْرِ) سيء السمعة لايأتمنك أحد على ماله. و(ضَئِيلَ الْأَمْرِ) أي حقيراً، وميناً، وذليلاً. هكذا تعامل الإمام علي (عليه السلام) مع محاولة اختلاس لم تستكمل، فكيف الحال والغلبة الغالبة من ولاة الإدارة تعيث نهبا في المال العام دونما رادع على الرغم من وجود قوانين تتشدد بالمحاسبة على مثل هذه الجريمة (239). فالقوانين لم تجد من ينفذها كما هو الحال مع الإمام علي (عليه السلام) الذي يتبع فعله قوله.

کما يلفت الانتباه أيظاً في هذه الرسالة ما يشير الى قوة الجهد الاستخباري واخلاصه في العمل، ورفضه لمغريات المال مما يدل على المستوى التنظيمي ألعالي له من جهة، ونوع العلاقة بين الإمام علي (عليه السلام) وجهازه الاداري.

ويبدو أنه (عليه السلام) اُحيط علماً بما يقوم به زیاد من انفاق غير معقول فكتب له: «فَدَعِ الْإِسْرَافَ مُقْتَصِداً وَاذْكُرْ فِي الْيَوْمِ غَداً وَأَمْسِكْ مِنَ الْمَالِ بِقَدْرِ ضَرُورَتِكَ وَقَدِّمِ الْفَضْلَ لِيَوْمِ حَاجَتِكَ أَ تَرْجُو أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ أَجْرَ الْمُتَوَاضِعِینَ

ص: 62

وَأَنْتَ عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ وَتَطْمَعُ - وَأَنْتَ مُتَمَرِّغٌ فِي النَّعِيمِ تَمْنَعُهُ الضَّعِيفَ وَالْأَرْمَلَةَ - أَنْ يُوجِبَ لَكَ ثَوَابَ الْمُتَصَدِّقِینَ وَإِنَّمَا الْمَرْءُ مَجْزِيٌّ بِمَا سَلَفَ وَقَادِمٌ عَلَى مَا قَدَّمَ وَالسَّلَامُ» (240).

ومن كتاب له عليه السلام إلى المنذر بن الجارود العبدي بعد أن تأكدت له خيانته في بعض ما ولاه من أعماله، وكان على ما يبدو أنه (عليه السلام) قد اختاره لانه سليل عائلة تمتاز بالصلاح: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ صَلَاحَ أَبِيكَ غَرَّنِي مِنْكَ وَظَنَنْتُ

أَنَّكَ تَتَّبِعُ هَدْيَهُ وَتَسْلُكُ سَبِيلَهُ» ولكنه (عليه السلام) اكتشف من خلال مراقبته انه ضعيف أمام هوى نفسه منقاداً لرغباتها «فَإِذَا أَنْتَ فِيمَا رُقِّيَ إِلَيَّ عَنْكَ لَا تَدَعُ لَهِوَاكَ انْقِيَاداً وَلَد تُبْقِي لِآخِرَتِكَ عَتَاداً تَعْمُرُ دُنْيَاكَ بِخَرَابِ آخِرَتِكَ وَتَصِلُ عَشِیرَتَكَ بِقَطِيعَةِ دِينِكَ»، فم راح يضعه أمام حقيقة نفسه ويأمره بالقدوم إليه «وَلَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ حَقّاً لَجَمَلُ أَهْلِكَ وَشِسْعُ نَعْلِكَ خَیْرٌ مِنْكَ، وَمَنْ كَانَ بِصِفَتِكَ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسَدَّ بِهِ ثَغْرٌ أَوْ يُنْفَذَ بِهِ أَمْرٌ أَوْ يُعْلَى لَهُ قَدْرٌ أَوْ يُشْرَكَ فِي أَمَانَةٍ أَوْ يُؤْمَنَ عَلَى جِبَايَةٍ فَأَقْبِلْ إِلَيَّ حِینَ يَصِلُ إِلَيْكَ كِتَابِي هَذَا إِنْ شَاءَ الله» (241).

وفي كتابه إلى أحد عماله يتبين أهمية المراقبة على الولاة، وحسن أداء العيون المكلفين بالمراقبة في منع استشراء الفساد «أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ»، ومن خلال سرعة وفاعلية معالجة الإمام علي (عليه السلام)، والتي قامت هنا على التنبيه وتقويم الاخلاق «إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّكَ وَعَصَيْتَ إِمَامَكَ وَأَخْزَيْتَ أَمَانَتَكَ»، ثم بيان طبيعة الفساد الذي ارتكبه «بَلَغَنِي أَنَّكَ جَرَّدْتَ اَلْأَرْضَ فَأَخَذْتَ مَا تحْتَ قَدَمَيْكَ وَأَكَلْتَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ»، ولم يتوقف عند هذا الحد وانما طالبه برفع حسابه وتسلیم مابذمته، وذكره بأنّ حساب الله أعظم من اي حساب «فَارْفَعْ إِلَيَّ حِسَابَكَ وَاِعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اَللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ اَلنَّاسِ وَاَلسَّلاَمُ» (242).

ص: 63

وكان أشدُّ ما يُغضب الإمام علي (عليه السلام) من تصرفات ولاته هو تجاوزهم على المال العام واستغلاله لمنافعهم الخاصة ففي كتاب له (عليه السلام) إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني وهو عامله على أردشير خرة (243): «بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ إِلَهَكَ وَعَصَيْتَ إِمَامَكَ أَنَّكَ تَقْسِمُ فَيْءَ اَلْمُسْلِمِينَ اَلَّذِي حَازَتْهُ رِمَاحُهُمْ وَخُيُولُهُمْ وَأُرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ فِيمَنِ اِعْتَامَكَ مِنْ أَعْرَابِ قَوْمِكَ

فَوَالَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ لَئِنْ كَانَ ذَلِكَ حَقّاً لَتَجِدَنَّ لَكَ عَلَيَّ هَوَاناً وَلَتَخِفَّنَّ عِنْدِي مِيزَاناً فَلاَ تَسْتَهِنْ بِحَقِّ رَبِّكَ وَلاَ تُصْلِحْ دُنْيَاكَ بِمَحْقِ دِينِكَ فَتَكُونَ مِنَ

اَلْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً أَلاَ وَإِنَّ حَقَّ مَنْ قِبَلَكَ وَقِبَلَنَا مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ فِي قِسْمَةِ هَذَا اَلْفَيْءِ سَوَاءٌ يَرِدُونَ عِنْدِي عَلَيْهِ وَيَصْدُرُونَ عَنْهُ». وهذا يعني استغلال السلطة لمحاباة قومه وإيثارهم على غيرهم من غير وجه حق، وهذه الممارسة هي صورة من صور الفساد الاداري، ولهذا فإن الإمام يقسم متشدداً إن كان ما بلغه صحيحا، وهذا لا يعني التشكيك ب (عيونه) وانما هي سياسة الإمام (عليه السلام) في علاقته مع ولاته القائمة على معالجة الخطأ بالإصلاح فإن عالج الأمر وأثبت براءته وإلا فالعقوبة، والفيء عند الإمام علي (عليه السلام) ليس لأحد دون الآخر وإنما هو للمسلمين بالسوية.

وكتب عَلَيْهِ السلام إلى قدامة بن عجلان عامله عَلَى كسكر: أما بعد فاحمل ما قبلك من مال الله فإنه فيء للمسلمين، لست بأوفر حظا فيه من رجل فيهم ولا تحسبنّ یا بن أم قدامة أن مال کسکر مباح لك كال ورثته عَن أبيك وأمك، فعجل حمله وأعجل فِي الإقبال إلينا إن شاء الله (244). وكتب (عَلَيْهِ السلام) إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني - وكان على «أردشير خرّة» من قبل ابن عباس: بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أتيت شيئا إدّا بلغني أنك تقسم فيء المسلمين فيمن

ص: 64

اعتناك ويغشاك من أعراب بکر بن وائل، فو (الله) الذي فلق الحبّة وبرء النسمة وأحاط بكل شيء علما، لئن كَانَ ذلك حقا لتجدنّ بك عليّ هوانا فلا تستميتنّ بحق ربك ولا تصلحن دنياك بفساد دينك ومحقه فتكون من الأخسرين أَعْمَالا،

الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعا(245).

ولأهمية المال العام فإنَّ الإمام علي (عليه السلام) يضع صيانته والحفاظ عليه على أولويات منهجه التربوي الذي يتمثل في تذكير الولاة بشكل خاص والانسانية بشكل عام بأن المسؤول هو القدوة التي يجب أن لا يحابي أحداً على حساب امانته مهما بلغت درجة قرابة الخائن منه، يتضح ذلك فيما كتبه إلى أحد ولاته المقربين إليه وكان قد قال فيه: «كُنْتُ أَشْرَ كْتُكَ فِي أَمَانَتِي وَجَعَلْتُكَ شِعَارِي وَبِطَانَتِي وَلَمْ يَكُنْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي أَوْثَقَ مِنْكَ فِي نَفْسِيِ لِمُوَاسَاتِي وَمُوَازَرَتِي وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ إِلَيَّ»، ولكنه عندما تجاوز على المال العام عدّه خائناً ولم تشفع له القرابة ولا العلاقة فعنفه أشد تعنيف «أَيُّهَا الْمَعْدُودُ كَانَ عِنْدَنَا مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ كَيْفَ تُسِيغُ

شَرَاباً وَطَعَاماً وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً وَتَشْرَبُ حَرَاماً وَتَبْتَاعُ الْإِمَاءَ وَتَنْكِحُ النِّسَاءَ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمُؤْمِنِینَ وَالْمُجَاهِدِينَ الَّذِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأَمْوَالَ وَأَحْرَزَ بِهِمْ هَذِهِ الْبِلَادَ فَاتَّقِ اللَّهَ وَارْدُدْ إِلَی هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ»، ثم هدّده بأشد تهدید «فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْكَ لَأُعْذِرَنَّ إِلَی اللَّهِ فِيكَ وَلَأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلَّا دَخَلَ النَّارَ»، وضرب له من ولغيره من نفسه مثلاً فقال: «وَوَ اَللَّهِ لَوْ أَنَّ اَلْحَسَنَ وَاَلْحُسَیْنَ فَعَلاَ مِثْلَ اَلَّذِي فَعَلْتَ مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ وَلاَ ظَفِرَا مِنِّي بِإِرَادَةٍ حَتَّى آخُذُ اَلْحَقَّ مِنْهُمَا وَأُزِيحَ اَلْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا وَأُقْسِمُ بالله رَبِّ اَلْعَالَمِینَ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَا أَخَذْتَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَلاَلٌ لِي

أَتْرُكُهُ مِيرَاثاً لِمَنْ بَعْدِي» (246) وكأنه (عليه السلام) يعيد للأذهان قسم رسول الله

ص: 65

(صلى الله عليه وآله) حيث قال: «وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ

يدَهَا»(267). اللافت في هذه المعاملة هو أنّ الإمام علي (عليه السلام) يُعطي مثلًا في العدالة ليس له نظير إلاّ عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبهذه القيم يمكن أن يجتث الفساد وتُستأصل امتداداته. ومن المواضيع التي يدخل فيها الموظف الحكومي نفق الفساد الهدية الوظيفية، والمقصود هنا الهدية التي تقدم إلى الموظف أثناء تأديته واجبه الوظيفي لما للهدية من تأثير على النفس، وتشير المصادر إلى أن لأصل في هدايا العمال والموظفين على اختلاف مراتبهم وجهات عملهم المنع والتحريم تضافرت على ذلك الأدلة، ولجلاء شرها وصفها بعض أهل العلم بأنها أصل فساد العالم. فقد ذُکِر أنَّ الإمام علي (عليه السلام) «استعمل رجلا من بني أسد يقال له ضبيعة ابن زهير؛ فلما قضى عمله أتى عليا بجراب فيه مال؛ فقال: يا أمير المؤمنين إن قوما کانوا یهدون لي حتى اجتمع منه مال فها هو ذا فإن كان لي حلالا أكلته وإن كان غير ذاك فقد أتيتك به؛ فقال علي: لو أمسكته لكان غلولا؛ فقبضه منه وجعله في بيت المال» (248). فالإمام علي (عليه السلام) يؤكد على خطر الهدايا التي يتقبلها الموظف العام ويعتبرها مقدمة للإنحراف والفساد، وقد جاء فعله هذا مطابقاً لما قام به رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد روي أنّ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله) اسْتَعْمَلَ رَجُلا «يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللَّتْبِيَّةِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي

سُلَيْمٍ، عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا لِي، أُهْدِيَ لِي، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ

اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: «مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ، أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ، حَتَّى يَنْظُرَ أَيهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ بَعِیرٌ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ

تَيْعِرُ» (249). كما ورد عن النبي (صلىّ الله عليه وآله) أنه قال: «هدية العمّال غلول

ص: 66

وفي بعضها: «هدية العمّال سحت»(250).

وقد ادركت الدول الحديثة ومنها العراق خطورة الهدية الوظيفية وعملت على محاربتها وشرَّعَت القوانين الخاصة بها ومن بين ما أصدرته تعليمات رقم (1) السنة 2005 تعلیمات قواعد السلوك الخاصة بموظفي الدولة. وجاء في نموذج قواعد السلوك الخاصة بموظفي الدولة وفي التسلسل رقم 10 يتعهد الموظف ب «عدم طلب أو قبول الهدايا أو المنافع التي يكون غرضها التاثير في حياديتي أو نزاهتي أو يكون غرضها المكافئة على أداء واجباتي أو تكون في مصلحة أحد أفراد عائلتي وأقربائي إلى الدرجة الرابعة مادامت للغرض نفسه أعلاه»(251) إلّا أنَّ هذا التعهد أو غيره من القوانين لم تحد من تفاقم ظاهرة الفساد الإداري لأنَّ إرادة التنفيذ لا تقترب من إرادة الإمام علي (عليه السلام) ولو بنسبة بسيطة. على إنّنا يجب أن لا ننسى أنّ الإمام علي (عليه السلام) بما اتصف به من زهد وورع كان يمثل لِولاته واقعاً حياً يدفعهم للإقتداء به ولذلك فقد تأثر معظمهم بسلوكه الشخصي فتورعوا عن أموال الناس وعن ظلمهم فكان حقا لهم أن يقولوا عن أنفسهم (أتباع علي عليه السلام).

الرقابة الشعبية

وهي رقابة الأمّة لولي الأمر وتعَرَّف بأنها: «متابعة أفراد الأمة لنشاطات السلطة التنفيذية المتمثلة بالجهاز الحكومي المكون من الحكام وولاة الأمور، وأعمالهم في مجالات الحياة كّلها، ومناصحتهم عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمعالجة الأخطاء والمخالفات الواقعة منهم والقضاء عليها»(252). فالرقابة الشعبية تقوم على مبدأ (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) مع الإعتراف بأنَّ هناك قصوراً في فهم كثير من الناس لهذا المبدأ، إذ اقتصروا في تطبيقيه على فقرات

ص: 67

معينه في حين كثيرا من ممارسات الفساد بشكل عام والفساد الإداري بشكل خاص لا سيما المتعلقة بسوء استخدام الوظيفة الحكومية لا تحظى باهتمام الناس، مع أن القرآن الكريم يدعو الناس في كثير من آیاته لممارسة هذا النوع من الرقابة، كما في قوله تعالى: «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (253)، وقوله تعالى: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ» (254)، وقوله تعالى: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (255)، كما أنَّ السنة النبوية فيها الكثير من الشواهد التي يدعوا فيها النبي (صلى الله عليه واله) الناس إلى ممارسة الرقاب الشعبية منها قوله (صلى الله عليه وآله): «وَالَّذِي نَفْسِيِ بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ»(256). وقوله (صلى الله عليه وآله): «أيها الناس مُروا بالمعروف وانهُوا عن المنكر قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب لكم، وقبل أن تستغفروه فلا يغفر لكم»(257)، وقَالَ (صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ وَآله): «وَالَّذِي نَفْسِيِ بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الْمُسِيِءِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ». كما قال (صلى الله عليه وآله): «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ

عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، أَوْ أَمِیرٍ جَائِرٍ»(258)

لم يغب أمر الرقابة الشعبية عن بال الإمام علي (عليه السلام) فقد أولى إشراك الرعية في مراقبة الوالي اهتماما كبيرا فشجع الناس على ممارسة هذا النوع

ص: 68

من الرقابة وهو القائل: «وَلَا تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ وَلَا تَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالًا فِي حَقٍّ قِيلَ

لِي وَلَا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِيِ فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوِ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ فَلَا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِيِ بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِئَ وَلَا آمَنُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي إِلَّا أَنْ يَكْفِيَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِيِ مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي»(259). وعلمهم على ان لا يسكتوا عن حقهم حتى أقر له أعداءه بذلك وخير دليل ما جاء على لسان معاوية بن أبي سفيان وهو يخاطب سودة بنت عمارة الهمدانية : «لقد لمظکم ابن أبي طالب على السلطان فبطيئاً ما تفطمون»(260)، وكان سبب ذلك أنها اشتكت له سوء إدارة عامله بُسر بن أرطاة فيهم، ولمّا وجدته غير آبه بها استفزته بذكر موقف لها مشابه مع الإمام علي (عليه السلام) فقالت «لقد جئته في رجل كان قد ولاه صدقاتنا فجار علينا فصادفته قائما يريد صلاة فلما رآني انفتل، ثم أقبل علي بوجه طلق ورحمة ورفق، وقال: ألكِ حاجة؟ فقلت: نعم، وأخبرته بالأمر، فبكى ثم قال: اللهم أنت الشاهد أني لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقك، ثم اخرج من جيبه قطعة جلد، وكتب فيها بسم الله الرحمن الرحيم «قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»، وإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملك حتى يقدم عليك من يقبضه، والسلام، ثم دفع إلى الرقعة، فجئت بالرقعة إلى صاحبه فانصرف عنا معزولا» (261).

وعملا على تشجيع الرعية على قول الحق، وعرض ما يشكون من سوء تصرف العمال فقد كان (عليه السلام) يستمع إلى شكاواهم وينظر في طلباتهم، ويحاسب ولاته عليها فقد كتب إلى عَمْرو بن سَلَمَةَ الأرحبي: أما بعد فإن

ص: 69

دهاقين بلادك شكوا منك قسوة وغلظة، واحتقارا (وجفوة) فنظرت فلم أرهم أهلا لأن يدنوا لشركهم، ولم أر أن يقصوا ويجفوا لعهدهم، فالبس لَهُم جلبابا من اللين تشوبه بطرف من الشدة، في غير ما أن يظلموا (كذا) ولا ينقض لهم عهد، ولكن تقرعوا بخراجهم [5] ويقاتل (بهم) من وراءهم، ولا يؤخذ منهم فوق طاقتهم فبذلك أمرتك، والله المستعان والسلام.(262)

وكتب عَلَيْهِ السلام إلى قرظة بن كعب: أما بعد فإن قوما من أهل عملك أتوني فذكروا أن لَهُم نهرا قد عفا ودرس، وأنهم إن حفروه واستخرجوه عمرت بلادهم وقووا عَلَى كل خراجهم وزاد فيء المسلمين قبلهم، وسألوني الكتاب إليك لتأخذهم بعمله وتجمعهم لحفره والإنفاق عَلَيْهِ، ولست أرى أن أجبر أحدا عَلَى عمل يكرهه، فادعهم إليك، فإن كَانَ الأمر فِي النهر عَلَى ما وصفوا، فمن أحب أن يعمل فمره بالعمل، والنهر لمن عمله دون من كرهه، ولأن يعمروا ويقووا أحب إلي من أن يضعفوا والسلام (263).

ص: 70

الخاتمة

يُستنتج مما تقدم أنَّ الإمام علي (عليه السلام) قد نجح في اجتثاث الفساد الذي استشرى في خلافة عثمان لأنه تعامل مع الموضوع بجدية ورفض أنصاف الحلول وقد تجلى ذلك واضحا في خطوتين خطاهما الإمام (عليه السلام) حالما تولى سُدة الحكم: -

1 - عَزَلَ الولاة الفاسدين ولم يداهن فيهم على الرغم من حراجة الموقف وقد تَجلّى ذلك في رفضه لقبول بقاء معاوية قائلاً: «لايسألني الله عز وجل عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء ابدا »(264)

2 - استرداد أموال بیت المال: وقد تشدد (عليه السلام) في استرجاع أموال بیت المال قائلا: «فأن الحق القديم لا يبطله شي، ولو وجدته وقد تزوج به النساء، وفرق في البلدان لرددته إلى بيت المال»(265)

إنَّ نجاح الإمام علي (عليه السلام) مرجعه إلى أنَّه لم يكن أسير السلطة فهو يزهد السلطة كما يزهد الدنيا إذ الدنيا عنده (أَزْهَدَ مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ) وقد سبقت إليه السلطة راكعة أمام قدميه ولم يسع إليها ولذلك أنصفه مَن قال: «إنّ الخلافة لم تزيّن عليّا بل عليّ زانها»(266).

ولقد استطاع أن يحافظ على حكومة يمكن القول عنها أنها خالية من الفساد من خلال الاختيار الصحيح للولاة حيث وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وبناء العلاقة السليمة القائمة على الاحترام المتبادل والحاجة المتبادلة التي عززها بالمراقبة الدائمة المشفوعة بمبدأ الثواب والعقاب.

وما أحوجنا اليوم لاستحضار روح الإمام علي (عليه السلام) ونتبع منهجه

ص: 71

حق الأتِّباع حتى يمكن أن نقف بوجه هذه الظاهرة التي اتت على ما تبقى من القيم التي جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يتمها.

والحمد لله رب العالمين

هوامش البحث:

(1) الجوهري، اسماعیل بن حماد (ت 393 ه) الصحاح، تحقیق: احمد عبد الغفور عطار، بیروت - دار العلم للملايين، ط 2 - 1979 م، ص 519.

(2) ابن منظور، محمد بن مکرم (ت 711 ه) لسان العرب، تحقيق: نخبة من العاملين، مصر - دار المعارف.

(3) الزبيدي، محمد مرتضى الحسيني (ت 1205 ه)، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: علي هلالي، الكويت، ط 1 - 2001 م.

(4) عمر، احمد مختار عبد الحميد (ت 1424 ه) معجم اللغة العربية المعاصرة، بيروت - عالم الكتب، ط 1 - 2008 م، مادة: في س د، 1 / 1706.

1975.(Webester (5

(6) البعلبكي، منير، المورد قاموس انكليزي / عربي، ط 2005 م

(7) الراغب، ابي القاسم الحسين الأصفهاني (ت 502ه)، المفردات في غريب القران، تحقيق: محمد سيد کیلانی، بیروت، دار المعرفة، د. ت.

(8) يُنظر: الفيروزآبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب (ت 817 ه) بصائر ذوي التمييز، تحقيق: محمد علي النجار، القاهرة - 1992 م، 4 / 192؛ المناوي، عبد الرءوف (ت 1031 ه) التوقيف على مهمات التعاريف، تحقيق: عبد الحميد صالح، القاهرة - عالم الكتب، ط 1 - 1990 م، ص 556.

(9) الطوسي، ابوجعفر محمد بن الحسن (ت 460 ه) التبيان في تفسير القران، بیروت - دار احیاء التراث، 1 / 75.

(10) الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن (ت 548 ه) مجمع البيان في تفسير القران، بیروت - دار العلوم، ط 1 - 2005 م، 1 / 64

(11) العسكري، الحسن بن عبد الله (ت 395 ه) لفروق اللغوية، تحقيق: محمد ابراهيم سليم، القاهرة - دار العلم والثقافة، ص 214.

(12) ابن الجوزي، جمال الدین ابو الفرج عبد الرحمن (ت 597ه) نزهة الأعين النواظر، تحقیق: محمد

ص: 72

عبد الكريم، مؤسسة الرسالة، ط 3 - 1987 م ص 469.

(13) يُنظر: الترابي، البشير على حمد، مفهوم الفساد وأنواعه في ضوء نصوص القرآن الكريم والسُّنَّة المطهرة، بحث منشور في مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، العدد 11 - 2005 م، ص 101.

(14) البقرة: 205،

(15) القصص: 77

(16) المائدة: 64

(17) الفجر: 6 - 14.

(18) البخاري، محمد بن اسماعيل (ت 256 ه) صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر، دار طوق النجاة، ط 1 - 1422 ه، ح: 3118، 4 / 85.

(19) ابن حجر، احمد بن علي العسقلاني (ت 852 ه) فتح الباري، تحقيق: محب الدين الخطيب، القاهرة - دار الريان، ط 1 - 1986 م، ح: 3118، 6 / 253.

(20) البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي بن موسي (ت 458 ه) السنن الکبری، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، بیروت - دار الكتب العلمية،، ط 3 - 2003 م، ح: 11525، 6 / 160.

(21) المتقي الهندي، علاء الدين علي (ت 975 ه) کنز اعمال، ضبط: بكري حياني، بیروت، مؤسسة الرسالة، ط 5 - 1985 م، ح: 9502، 4 / 59.

(22) الكليني، محمد بن يعقوب (ت 329 ه) الكافي، بيروت - منشورات الفجر، ط 1 - 2007 م 5 / 167.

(23) یاسر خالد بركات الوائلي - الفساد الاداي مفهومه واسبابه - مقال متاح على شبكة المعلومات الدولية - www.annabaa.org - مجلة النبأ - العدد 80 كانون الثاني - 2006.

(24) مایکل جونسون - الفساد / نظرة عامة - مقال متاح على شبكة المعلومات الدولية - موقع يو اس انفو - http:usinfo.state.gO

(25) د. جاسم محمد الذهبي - الفساد الاداري في العراق وتكلفته الاقتصادية والاجتماعية - مقال متاح على الموقع الالكتروني Www.berc-iraq.com

(26) الجابري، سيف راشد والقيسي، کامل صكر، كيف واجه الاسلام الفساد الاداري، دبي - دائرة الاوقاف والشؤون الاسلامية، ط 1 - 2005 م، ص 28.

(27) منظمة الشفافية الدولية - تقرير الفساد العالمي لعام 2007.

(28) الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية / لا فساد - کتاب الفساد - ط 1 - 2005 - مطابع تکنوبرس

ص: 73

- لبنان.

(29) العكيلي، رحيم حسن، الفساد تعريفه وأسبابه وآثاره ووسائل مكافحته تعريفه وأسبابه وآثاره ووسائل مكافحته، مقال متاح على شبكة المعلومات الدولية - WWW-nazaha iq/search - scom. { /web/trboy T W.nd (30) هيئة النزاهة / الدائرة القانونية / قسم البحوث والدراسات: مفهوم الموظف العام في التشريع العراقي وقوانين مكافحة الفساد (دراسة مقارنة)، 2010 م، ص 41.

(31) محمد: 22

(32) القرطبي، ابو عبد الله محمد بن احمد (ت 671 ه)، الجامع لاحکام القرآن، تحقيق: هشام سمير النجاري، الرياض، دار عالم الكتب، 16 / 245.

(33) هود: 116

(34) ابن أبي شيبة، أبو بكر عبد الله (ت) المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق: کمال يوسف الحوت، الرياض - مكتبة الرشد، ط 1 - 1409 ه، ح: 34368، 7 / 83.

(35) ساهر عبد الكاظم مهدي، الفساد الإداري أسبابه وأثاره واهم أساليب المعالجة: متح على الموقع الالكتروني www.nazaha.iq/search_web/muhasbe /1|

(36) م.ن.

٭ المقصود بالأئمة المضلين: الأئمة المتبوعون الذين يضلون الناس عن سبيل الله، فيدخل في ذلك: الحكام الفسدة، والعلماء الفجرة، والعُبَّاد الجهلة

(37) أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير (ت 275 ه)، سنن أبي داود، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت، ح: 4252، 4 / 97.

(38) الصالح، صبحي نهج البلاغة، القاهرة - دار الكتاب المصري، ط 4 - 2004 م، خ 216، ص 333.

(39) تاج العروس 194:3 - 195

(40) وفي لسان العرب 4: 267

(41) قلعجي، محمد رواس، معجم لغة الفقهاء، بيروت - دار النفائس، ط 1 - 1996 م، ص 29.

(42) کنز العمال، ح: 31567، 11 / 299؛ الريشهري، محمد، میزان الحكمة، قم - دار الحديث، ط 1 - 1422 ه، 1 / 126.

(43) الاعرجي، السيد زهير، الصديق الاكبر، قم المشرفة - المطبعة العلمية، الطبعة الاولى - 1421 ه، 2 / 693.

(44) صحيح البخاري، کِتَاب الْأَحْكَامِ، بَاب مَنِ اسْتُرْعِيَ رَعِیَّةً فَلَمْ يَنْصَحْ، ح: 7151،

ص: 74

9 / 64

(45) صبحي الصالح، خ: 192، ص 300.

(46) القندوزي، سليمان بن الشيخ ابراهيم (ت 1294 ه) ينابيع المودّة، تصحیح: علاء الدين الاعلمي، بيروت - مؤسسة الأعلمي، ط 1 - 1997 م، 1 / 85.

(47) الحاكم النيسابوري، ابو عبد الله محمد بن عبد الله ( ) المستدرك على الصحيحين، تحقيق: مصطفی عبد القادر عطا، بیروت - دار الكتب العلمية، ط 2 - 2002 م، ح: 4639، 3 / 128.

(48) ابن حمید، ابو محمد عبد الحميد (ت 249 ه) المنتخب من مسند عبد بن حميد، تحقيق: مصطفی العدوي، الرياض - دار بلنسية، ط 2 - 2002 م، ح 240، 1 / 214.

(49) القصص: 26

(50) يوسف: 55

(51) مسلم بن الحجاج (ت 261 ه)، صحیح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت - دار احياء التراث العربي، ح: 1825، 3 / 1457.

(52) الهيثمي، نور الدين علي بن ابي بکر (ت 807 ه)، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، بیروت، دار الكتاب العربي، 5 / 232.

(53) صحيح البخاري، ح: 6496، 8 / 104.

(54) صبحي الصالح، خ: 92، ص 136.

(55) الطبرسي، ابو منصور احمد بن علي (ت 548 ه) الاحتجاج، منشورات الشريف الرضي، ط 1 - 1380 ه 1 / 103

(56) الخوارزمي، الموفق بن احمد بن محمد المكي (ت 568 ه) المناقب، تحقيق: الشيخ مالك المحمودي، قم - مؤسسة النشر الاسلامية، ط 2 - 1411 ه، ص 98؛ اهل البيت (تنوع ادوار ووحدة هدف)، تحقیق عبد الرزاق الصالحي، ط 1، بيروت - دار الهدی، ط 1 - 2003 م، ص 89.

(57) ابن عبد البر، ابو عمر يوسف بن عبد الله القرطبي (ت 463 ه)، الاستیعاب في معرفة الاصحاب، تحقيق: علي محمد البجاوي، بيروت - دار الجيل، ط 1 - 1992 م، 3 / 1103.

(58) البلاذری، احمد بن یحیی (ت 279 ه)، انساب الاشراف، تحقيق: سهيل زكار ورياض زرکلی، بیروت، دار الفکر، ط 1 - 1996 م، 2 / 853

(59) کنز العمّال، ش ح: 14509، 5 / 834

(60) الثعلبی، ابو اسحاق احمد بن محمد (ت 427 ه) قصص الأنبياء، القاهرة - مكتبة الجمهورية العربية، ص 468؛ الفيروزآبادي، السيد مرتضى، فضائل الخمسة من الصحاح الستة، قم -

ص: 75

منشورات فيروز آبادي، ط 2 - 1424 ه، 2 / 326

(61) الحسكاني، عبيد الله بن عبد الله (ق 5 ه) شواهد التنزيل، تحقيق: محمد باقر المحمودي، بيروت - مؤسسة الأعلمي، ط 2 - 2010 م، 1 / 30

(62) ابن شهراشوب، أبو جعفر محمد بن علي (ت 588 ه) مناقب آل أبي طالب، تحقيق: يوسف البقاعی، بیروت - دار الأضواء، ط 2 - 1412 ه، 2 / 410.

(63) اليعقوبي، احمد بن ابي يعقوب (ت 284 ه) تاريخ اليعقوبي، تحقيق: عبد الأمير مهنا، بیروت - شركة الاعلمي، ط 1 - 2010 م، 2 / 76.

(64) تاریخ الیعقوبی: 2 / 45.

(65) الاستيعاب 4 / 1679.

(66) المسعودي، ابو الحسن علي بن الحسين (ت 346 ه) مروج الذهب، اعتني به: کمال حسن مرعي، بيروت - المكتبة العصرية، ط 1 - 1425 ه، 2 / 269.

(٭) ؉ السواد ؉. رستاق العراق وضياعها التي افتتحها المسلمون على عهد عمر، سمي بذلك لسواده بالزروع والنخيل، وحد السواد من حديثة الموصل طولا إلى عبادان، ومن العذيب بالقادسية إلى حلوان عرضا، فيكون طوله مائة وستين فرسخا.

(67) انساب الاشراف 5 / 529.

(68) يُنظر: الطبري، محمد بن جریر (ت 310 ه) تاريخ الطبري، تحقيق: محمد ابو الفضل ابراهیم، مصر - دار المعارف، ط 2 - د.ت، 4 / 233؛ السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 ه) تاریخ الخلفاء، قطر - ادارة الشؤون الإسلامية، ط 2 - 2013 م، ص 266.

(69) القرشي، باقر شریف، موسوعة الإمام علي، تحقيق: مهدي باقر القرشي، 10 / 3.

(70) المستدرك على الصحيحين، کتاب الفتن والملاحم، ح: 8475، 4 / 526.

(71) تاريخ الطبري 4 / 440؛ ابن الاثير، ابو الحسن علي بن ابي الكرم (ت 630 ه) الكامل في التاريخ، تحقيق: أبي الفداء عبدالله القاضي، بيروت - دار الكتب العلمية، ط 1 - 1987 م، 3 / 86.

(72) رضا، محمد، الإمام علي بن ابي طالب، بيروت - دار القلم، ص 53. متاح على الموقع الالكتروني:

https://books.google.iq/books?isbn

(73) حسين، طه، الفتنة الكبرى علي وبنوه، مصر - دار المعارف، ط 13، ص 21.

(74) ينظر: الشاطبي، ابو اسحق ابراهيم بن موسی (ت 790 ه) الموافقات، السعودية - دار ابن عفان، ط 1 - 1997 م، 2 / 18.

(75) النجار، عبد الوهاب، الخلفاء الاربعة، تحقيق: خليل الميس، بيروت - دار القلم، ط 4 - 1994 م،

ص: 76

ص 383.

(76) تاريخ اليعقوبي 2 / 77.

(77) يُنظر: الصنعاني، ابو بکر عبد الرزاق (ت 211 ه) المصنف، تحقيق: عبد الرحمن الأعظمي، بيروت - المكتب الاسلامي، ط 1 - 1972 م، 5 / 456؛ ابن شبة، عمر بن شبة بن عبيدة (ت 262 ه) تاريخ المدينة، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، 1399 ه، 3 / 837؛ ابن عساکر، أبو القاسم علي بن الحسن (ت 571 ه) تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: محب الدين العمروي، بیروت - دار الفكر، 1995 م، 47 / 284؛ ابن الأثیر، أسد الغابة، 4 / 485 - 486.

(78) ابن ابی الحدید، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله (ت 656 ه) شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت - دار احیاء الكتب العربية، ط 2 - 1965 م 12 / 82.

(٭) منظمة الشفافية الدولية هي مجموعة من 100 فرع محلي، مع سكرتارية دولية في برلين، بألمانيا. تاسست في عام 1993 بألمانيا كمؤسسة غير ربحية، وهي الآن منظمة عالمية غير حكومية، وتدعو لأن تكون منظمة ذات نظام هيکلي ديمقراطي متكامل. الشفافية الدولية: على الموقع الالكتروني https://ar.wikipedia.org/wiki

(79) التنير، سمير، الفقر والفساد في العالم العربي، بيروت - دار الساقي، ط 1 - 2009 م، ص 15.

(80) صبحي الصالح، خ: 146، ص 203.

(81) الشيخ المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد (ت 413 ه)، الجمل، ط 1 - 1983، ص 154.

(82) محمد الياسري، هل اضحى الفساد جزءاً من الشخصية العراقية؟ متاح على الموقع الالكتروني:

htm.18087 /http://mail.almothaqaf.com/aqlam 2009

(83) صبحي الصالح، خ: 131، ص 189.

(84) الكليني، محمد بن يعقوب (ت 329 ه) اصول الكافي، بيروت - منشورات الفجر، ط 1 - 2007 م، 1 / 255؛ الصدوق، ابي جعفر محمد بن علي القمي (ت 381 ه) الخصال، قم - مؤسسة النشر الاسلامي، 1 / 116.

(85) تاج العروس، مادة: ورع، 22 / 313.

(86) الطبراني، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير (ت 360 ه) مکارم الاخلاق، بیروت - دار الكتب العلمية، ط 1 - 1989 م، 1 / 312.

(87) صبحي الصالح، خ: 230، ص 351.

(88) لسان العرب، مادة: حلم، ص 980.

(89) الجويني، ابراهيم (ق 8 ه) فرائد السمطين، تحقیق: محمد باقر المحمودي، قم - دار الحبيب، ط 1

ص: 77

- 1428 ه، 2 / 68.

(90) الشيخ المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد (ت 413 ه) کتاب الامالي، دار المرتضى، المجلس 14، ص 118.

(91) الخصال، ص 286.

(92) صبحي الصالح، ص 424

(93) صبحي الصالح، خ: 131، ص 189.

(94) تاج العروس، مادة: بخل، 28 / 63.

(95) البقرة: 44.

(96) النقوي، محمد تقي، مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة، طهران - قائن، ط 1 - 1426 ه، 10 / 27.

(97) الحراني، ابو محمد الحسن بن على (ق 4 ه) تحف العقول عن الرسول، بیروت، مؤسسة الأعلمی، ط 7 -2002 م، ص 28.

(98) آل عمران: 159

(99) میزان الحكمة، ح: 5086، 3 / 1084.

(100) شرح نهج البلاغة، 8 / 266.

(101) البقرة: 188.

(102) الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن (ت 548 ه) مجمع البيان في تفسير القران، بيروت - دار العلوم، ط 1 - 2005 م، 2 / 28

(103) البزار، ابو بکر أحمد بن عمر (ت 292 ه) البحر الزخار، تحقيق: محفوظ الرحمن زین الله، بيروت - مؤسسة علوم القرآن، ط 1 - 1988 م، ح: 1037، 3 / 247.

(104) الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر (ت 807 ه) کشف الاسرار، تحقيق: حبیب الرحمن الاعظمي، بيروت - مؤسسة الرسالة، ط 1 - 1979 م، 2 / 124.

(105) جريدة الوقائع العراقية، العدد: 4093، 20 / 10 / 2008، ص 5.

(106) يُنظر: تاريخ الطبري 4 / 47.

(107) الصلابي، علي محمد محمد، فصل الخطاب في سيرة ابن الخطاب، الامارات - مكتبة الصحابة، ط 1 - 2002 م، ص 414.

(108) ينظر: ابن حجر الهيتمي، شهاب الدين أبو العباس أحمد (ت 973 ه) تطهير الجنان واللسان، مصر - دار الصحابة للتراث، ط 1 - 1992 م، ص 68.

ص: 78

(109) الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748 ه) سیر اعلاء النبلاء، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، بیرةت - مؤسسة الرسالة، ط 2 - 1982 م، 3 / 33.

(110) م.ن. ص 34.

(111) تاريخ الطبري، 5 / 330.

(112) تاریخ دمشق 56 / 177.

(113) يُنظر: سمر عادل حسين، الفساد الاداري: اسبابه، آثاره وطرق مكافحته، بحث منشور في مجلة النزاهة والشفافية للبحوث والدراسات، العدد السابع - 2014 م، ص 121 - ص 151.

(114) البُستي، محمد بن حبان بن أحمد (ت 354 ه) الثقات، الهند - دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، ط 1 - 1973 م، 2 / 273؛ النويري، أحمد بن عبد الوهاب شهاب الدين (ت 733 ه) نهاية الأرب في فنون الأدب، القاهرة - دار الكتب والوثائق القومية، ط 1 - 1423 ه، 20 / 21.

(115) العمري، اکرم ضیاء، عصر الخلافة الراشدة، مكتبة العبيكان، ص 143.

(116) سیر اعلام النبلاء 2 / 320؛ ابن حجر، احمد بن علي العسقلاني (ت 852 ه) الإصابة في تمييز الصحابة، بيروت - المكتبة العصرية، ط 1 - 2012 م، ت: 5908، ص 1005.

(117) العجلي، أبو الحسن أحمد بن عبد الله الكوفي (ت 261 ه) معرفة الثقات، تحقيق: عبد العليم البستوي، المدينة المنورة - مكتبة الدار، ط 1 - 1985 م، 2 / 127.

(118) يُنظر: الصدوق،ابو جعفر محمد بن علي القمي (ت 381 ه) عیون اخبار الرضا، منشورات الشريف الرضی، باب 35، 2 / 134.

(119) ابن أبي حاتم، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد (ت 327 ه) الجرح والتعديل، بيروت - دار إحياء التراث العربي، ط 1 - 1952 م، 6146.

(120) بحر العلوم، محمد مهدي (ت 1212 ه) الفوائد الرجالية، تحقيق: محمد صادق بحر العلوم، طهران - مكتبة الصادق، ط 1 - 1363 ه، 3 / 78.

(121) الطبرسي، ابو منصور احمد بن علي (ت 548 ه) الاحتجاج، منشورات الشريف الرضي، ط 1 - 1380 ه، 1 / 101.

(122) الطوسي، ابو جعفر محمد بن الحسن (ت 460 ه) رجال الطوسي، تحقيق: جواد الفيومي، قم - مؤسسة النشر الاسلامي، ت: 648، ص 71.

(123) البروجردي، السيد علي (ت 1313 ه) طرائف المقال، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، قم - ردمك، ط 1 - 1410 ه، 2 / 99؛ الاردبيلي، محمد بن علي الغروي (ت 1101 ه) جامع الرواة، قم - مكتبة المرعشي، 1403 ه، 1 / 532؛ التفرشي (ق 11 ه) نقد الرجال، تحقيق: مؤسسة آل

ص: 79

البيت، ط 1 - 1418 ه، 3 / 192.

(124) طرائف المقال، 2 / 99.

٭ شرطة الخميس: أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام الذين قال لهم: تشرطوا فأنا اشارطکم على الجنة ولست اشارطکم على ذهب ولا فضة. الشيخ المفيد، محمد بن النعمان العكبري (ت 413 ه) الاختصاص، تحقيق: علي اکبر غفاري، بيروت - مؤسسة الأعلمي، ط 1 - 2009 م، ص 14.

(125) القبانجي، السيد حسن، مسند الإمام علي، تحقيق: طاهر السلامي، بيروت - مؤسسة الأعلمي، ط 1 - 2000 م، 7 / 314.

(126) أَبو يُوسُف، يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن حبيب (ت 182 ه) كتاب الخراج، تَحْقِيق: طبه عبد الرءوف سعد، سعد حسن مُحَمَّد، المكتبة الأزهرية للتراث 1 / 36.

(127) سير أعلام النبلاء: 3 / 512.

(128) محب الدين، ابو العباس احمد بن عبد الله (ت 694 ه) ذخائر العقبی، تحقيق: اكرم البوشي، ط 1، ص 393.

(129) ابن کثیر، ابي الفداء اسماعيل (ت 774 ه) البداية والنهاية، تحقيق: محيي الدين ادیب، بیروت - دار بن کثیر، ط 2 - 2010 م، 8 / 131.

(130) البغدادي، عبد القادر (ت 1093 ه) خزانة الادب، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، القاهرة - مطبعة الخانجي، ط 3 - 1966 م، 7 / 257.

(131) الأنفال: 58

(132) ابن هلال الثقفي، ابو اسحاق ابراهيم بن محمد، الغارات، تحقيق: عبد الزهراء الحسيني، بيروت - دار الاضواء، ط 1 - 1987 م، ص 406.

(133) م.ن. ص 425.

(134) يُنظر: الخوئي، ابو القاسم بن علي أكبر بن هاشم تاج الدين الموسوي (ت 1413 ه) معجم رجال الحدیث، النجف الاشرف - مكتبة الإمام الخوئي، رقم: 9675، 15 / 96.

(135) ابن عبد البر، ابو عمر يوسف بن عبد الله القرطبي (ت 463 ه)، الاستیعاب في معرفة الاصحاب، تحقيق: علي محمد البجاوي، بيروت - دار الجيل، ط 1 - 1992 م، رقم: 2134، 3 / 1289.

(136) صحيح البخاري، ح: 7155، 9 / 65؛ البداية والنهاية، 8 / 144.

(137) بن المطهر، ابو منصور الحسن بن يوسف الحلي (ت 726 ه) خلاصة الاقوال في معرفة الرجال، تحقيق: جواد القیومی، قم - مؤسسة الفقاهة، ط 4 - 1431 ه، رقم: 784، ص 231.

ص: 80

(138) الطوسي، ابو جعفر محمد بن الحسن (ت 460 ه) كتاب الامالي، طهران، دار الكتب الاسلامية، ص 990.

(139) انساب الاشراف 3 / 168.

(140) نهج السعادة 4 / 35؛ الغارات ص 37.

(141) سیر اعلام النبلاء 3 / 110

(142) المصدر نفسه

(143) م ن

(144) ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع البصري (ت 230 ه)، الطبقات الکبری، بیروت، دار صادر، 1957 م، 6 / 213؛ ابن حجر، احمد بن علي (ت 852 ه) الإصابة في تمييز الصحابة، بيروت - المكتبة العصرية، ط 1 - 1433 ه، رقم 7660، ص 1312؛ الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748 ه) سیر اعلاء النبلاء، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، بيرةت - مؤسسة الرسالة، ط 2 - 1982 م، 4 / 34.

(145) القمي، عباس (ت 1359 ه) سفينة البحار، قم - دار الاسوة، ط 2 - 1416 ه، 4 / 388؛ ابن شهرآشوب، أبو جعفر محمد بن علي (ت 588 ه) مناقب آل أبي طالب، تحقيق: يوسف البقاعي، بيروت - دار الأضواء، ط 2 - 1412 ه، 1 / 291؛ ابن ابي الحديد، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله (ت 656 ه) شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت - دار احیاء الكتب العربية، ط 2 - 1965 م، 15/ 98؛ العلامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهر (ت 726 ه) خلاصة الاقوال، تحقيق: جواد القيومي، قم - نشر الفقاهة، ط 4 - 1431 ه، ص 277.

(146) صفين ص 153؛ نفح الولاية 9 / 153.

(147) الأمين، محسن، اعیان الشيعة، تحقيق حسن الأمين، بيروت - دار التعارف، 1983 م، 9 / 41.

(148) م. ن. 1 / 49.

(149) سفينة البحار، 4 / 379.

(150) م. ن. 4 / 384.

٭ الشَّتَر: انشقاق جفن العين وبه سمي الاشتر النخعي. ابن درید، الاشتقاق ص 297.

(151) الواقدي، عمر بن واقد (ت 207 ه) فتوح الشام، تصحیح: عبد اللطيف عبد الرحمن، بیروت - دار الكتب العلمية، ط 1 - 1997 م، 1 / 215؛ الطبري، محمد بن جریر (ت 310 ه) تاریخ الطبري، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مصر - دار المعارف، ط 2، 3 / 74.

(152) المنقري، نصر بن مزاحم (ت 212 ه) وقعة صفين، تحقيق: عبد السلام هارون، بيروت - دار

ص: 81

الجيل، 1990 م، ص 484.

(153) البحراني، السيد هاشم (ت 1109 ه)، بغية المرام وحجة الخصام، تحقيق: علي عاشور، بيروت - مؤسسة التاريخ العربي، ط 1 - 2001 م، 4 / 318؛ العاملي، جعفر مرتضى، الصحيح من سيرة الإمام علي، المركز الإسلامي للدراسات، ط 1 - 2009 م، 21 / 26.

(154) سفينة البحار 4 / 379.

(155) الاميني، عبد الحسين احمد، الغدير في الكتاب والسنة والادب، بيروت - الاعلمي، ط 1 - 1994 م، 9 / 60.

(156) شرح النهج 6 / 124؛ صبحي الصالح ص 408.

(157) البلاذري، احمد بن يحيى (ت 279 ه)، انساب الاشراف، تحقيق: سهيل زكار ورياض زركلي، بيروت، دار الفکر، ط 1 - 1996 م، 6 / 2420.

(158) م. ن.

(159) تاريخ الطبري 4 / 349.

(160) طبقات بن سعد 3 / 273؛

(161) الدينوري، أبو حنيفة أحمد بن داود (ت 282 ه) الاخبار الطوال، تحقيق: عبد المنعم عامر، القاهرة - دار احياء الكتاب العربي، ط 1 - 1960 م، ص 143.

(162) المفيد، أبو عبد الله محمد بن احمد (ت 413 ه) الجمل، ط 1 - 1403 ه، ص 135

(163) يُنظر: المنقري، نصر بن مزاحم (ت 212 ه) وقعة صفين، تحقيق: عبد السلام هارون، بيروت - دار الجيل، 1990 م، ص 492.

(164) شرح النهج 15 / 98.

٭ القلزم بالضم ثم السكون ثم زاى مضمومة وميم مدينة على ساحل بحر اليمن من جهة مصر ينسب البحر إليها. وفي هذا البحر بقرب القلزم غرق فرعون، وبينها وبين مصر ثلاثة أيام (المراصد)

(165) المفيد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري (ت 413 ه) الامالي، دار التيار الجديد، 1 / 82.

(166) امالي المفيد 1 / 83.

(167) انساب الاشراف 3 / 166؛ تاریخ مدينة دمشق، 56 / 386.

(168) ياقوت الحموي، شهاب الدين ابي عبدالله (ت 626 ه) معجم البلدان، بيروت - دار صادر، 1956 م، 1 / 454.

(169) أبن كثير، ابي الفداء اسماعيل (ت 774 ه) البداية والنهاية، تحقيق: محيي الدين اديب، بيروت - دار بن كثير، ط 2 - 2010 م، 7 / 346.

ص: 82

(170) الثقفي، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد (ت 283 ه) الغارات، تحقيق: عبد الزهراء الحسيني، بيروت - دار الأضواء، ط 1 - 1987 م، ص 169؛ سفينة البحار 4 / 386.

(171) شرح النهج 1 / 424

(172) القمي، عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم (ت 1359 ه) منازل الاخرة، ترجمة: حسين کوراني، سوريا دار التعارف، 1993 م، ص 124.

(173) الغارات ص 170.

(174) الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان (ت 413 ه) الإختصاص، تحقيق: علي اکبر غفاري، بيروت - مؤسسة الأعلمي، ط 1 - 2009 م، ص 87.

(175) سفينة البحار 4 / 387.

(176) الطوسي، تهذیب الأحکام: 3 / 318.

(177) الأمين، محسن، أعيان الشيعة، 7 / 322.

(178) يُنظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 14 / 252.

(179) عیون أخبار الرضا، 2 / 134.

(180) الصدوق، الخصال، ص 465.

(181) الحر العاملي، وسائل الشيعة، 3 / 7.

(182) الكليني، الكافي، 3 / 186.

(183) المجلسي، محمد باقر (ت 1111 ه) بحار الأنوار، بیروت - مؤسسة الأعلمي، ط 1 - 2008 م، 78 / 376.

(184) المحمودي، محمد باقر، نهج السعادة، طهران - مؤسسة الطباعة والنشر، ط 1 - 1418 ه، 3 / 397.

(185) م. ن. 4 / 31.

(186) تاج العروس، مادة: رق ب، 2 / 513.

(187) لسان العرب، مادة: رق ب، ص 1699.

(188) رحيم علي صياح وعبد الحميد حمودي الشمري، الفكر الرقابي عند الإمام علي (عليه السلام) بحث منشور في مجلة جامعة بابل / العلوم الانسانية / المجلد 22 / العدد 2014:1.

(189) يُنظر: البرعي، محمد عبد الله ومرسي، محمود عبد الحميد، الإدارة في الإسلام، جدة - المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، ط 2 - 2001 م، ص 191.

٭ العين: قال ابن سيده: والعَيْنُ الذي يُبْعث ليَتجسَّس الخبرَ. لسان العرب

ص: 83

٭ جون امريش إدوارد دالبرغ أكتون: بارون أكتون من الدنهام، ولد في 10 كانون الثاني 1834 في نابولي، أستاذ التاريخ الحديث في جامعة كامبردج في عام 1895، توفي عام 1902 م.

(190) مقال متاح على الموقع الاكتروني ar.html-32778-http://www.noqta.info/page

٭ شارل لوي دي سيكوندا المعروف باسم مونتيسكيو (Montesquieu)

(1689 - 1755 م)، فیلسوف فرنسي صاحب نظرية فصل السلطات الذي تعتمده غالبية الأنظمة حاليا.

(191) تاريخ الطبري 4 / 543.

(192) يُنظر: ابن خیاط، خليفة (ت 240 ه) تاریخ خليفة، تحقيق: أكرم ضياء العمري، الرياض - دار طيبة، ط 2 - 1985 م، ص 200.

(193) الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ص 10

(194) کاظم، رعد عدنان، الاستتراتجية الوطنية لمكافحة الفساد في العراق 210 - 2014، ص 12، بحث متاح على الموقع الالكتروني / www.undp-aciac.org/publications/ac WWW.U compendium/iraq/Iraq

(195) صبحي الصالح،ك 42، ص 20.

(196) الأحزاب: 21

(197) صبحي الصالح، حكمة: 73، ص 480.

(198) الآمدي، ناصح الدين ابي الفتح عبد الواحد (ت 550 ه) غرر الحکم، تدقيق: عبد الحسن دهيني، بيروت - دار الهادي، ط 1 - 1992 م، حکمة: 1539، ص 368.

(199) م. ن، حكمة: 2139، ص 68.

(200) ابن قيم الجوزية، أبو عبد الله محمد (ت 751 ه) مدارج السالكين، تحقيق محمد المعتصم بالله، بيروت - دار الكتاب العربي، ط 7 - 2003 م، 2 / 65.

(201) میزان الحكمة محمد الريشهري، 2 / 1108.

(202) الأشعري، احمد بن داود، مقدمة في الإدارة الإسلامية، جدة، ط! - 2000 م، ص 359.

(203) صبحي الصالح، ص 382.

(204) م. ن. ص 459.

(205) النساء: 1

(206) ق: 18

(207) المائدة: 8

(208) الترمذي، محمد بن عیسی (ت 279 ه) سنن الترمذي، تحقيق: احمد محمد شاكر وآخرون،

ص: 84

مصر - مصطفى البابي الحلبي، ط 2 - 1975 م، ح: 2416، 4 / 612. وقال

(209) صبحي الصالح، ص 383.

( 210) الريشهري، ميزان الحكمة، 1 / 825

(211) ابن عبد البر، ابو عمر يوسف بن عبد الله القرطبي (ت 463 ه)، الاستيعاب في معرفة الاصحاب، تحقيق: علي محمد البجاوي، بيروت - دار الجيل، ط 1 - 1992 م، 1 / 1111.

(212) صبحي الصالح، ص 364.

(213) م. ن.

(214) صبحي الصالح، ص 366.

(215) كاظم، رعد عدنان، الاستتراتجية الوطنية لمكافحة الفساد في العراق 210 - 2014، ص 9، بحث متاح على الموقع الالكتروني /www.undp-aciac.org/publications/ac/compendium .iraq/Iraq

(216) ينظر: شرح نهج البلاغة 14 / 34.

(217) مسند الإمام علي، ح: 4530، 4 / 379.

(218) صبحي الصالح، ص 383

(219) م. ن. ص 449.

(220) م. ن ص 433.

(221) م. ن، ص 449.

(222) م ن

(223) الإسراء: 9

(224) صبحي الصالح، ص 459.

(225) العنكبوت: 45

(226) صحیح مسلم، ح: 489، 1 / 353.

(227) م. ن

(228 ) الدغيثر، عبد العزيز بن سعد، الرقابة الإدارية، ص 9

(229) العمر، فؤاد عبد الله، اخلاق العمل وسلوك العاملين في الخدمة العامة، جدّة - المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، ط 1 - 1999 م، ص 75.

(230) صحيح البخاري، كتاب الايمان، ح: 50، 1 / 19.

(231) الماوردي، ابو الحسن علي بن محمد (ت 450 ه) الاحكام السلطانية، تحقيق: احمد مبارك،

ص: 85

الكويت - مكتبة دار بن قتيبة، ط 1 - 1989 م، ص 23.

(232) تاريخ الطبري، 6 / 67؛ العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 33، ص 407.

(233) الحلواني، الحسين بن محمد (ق 5 ه) نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، قم - مدرسة الإمام المهدي، ط 1 - 1408 ه، ص 69.

(234) صبحي الصالح، ص 420.

(235) م. ن. ص 449

(236) مسند الإمام علي، ح: 4469 / 3، 4 / 355.

(237) کاظم، رعد عدنان، الاستتراتجية الوطنية لمكافحة الفساد في العراق 2010 - 2014 م، ص 10، بحث متاح على الموقع الالكتروني / www.undp-aciac.org/publications/ac .compendium/iraq/Iraq, (238) تاريخ اليعقوبي، 2 / 109

(239) المواد (315 - 321) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل. ويُنظر: الجوراني، ناصر کریمش وعبد علي، حیدر کاظم، التدابير الدولية لمكافحة الفساد وانعكاساتها على التشريع العراقي، مجلة الكلية الاسلامية الجامعة، العدد 36، 25 آذار 2015. ص 107 - ص 150.

(240) صبحي الصالح، ص 377.

(241) یُنظر: صبحي الصالح، ص 461.

(242) يُنظر: صبحي الصالح ص 412.

(243) صبحي الصالح، ص 415

(244) انساب الاشراف، 2 / 160

(245) انساب 2 / 160.

(246) يُنظر: صبحي الصالح، ص 412.

(247) العيد، تقي الدين بن دقيق (ت 702 ه) إحكام الأحكام، تحقيق: احمد محمد شاكر، القاهرة - مكتبة السنة، ط 1 - 1994 م، ح 357، ص 631. انظر؛ الدارمي: سنن الدار مي، 2 / 615، کتاب الحدود، باب الشفعة في الحدود، ح 2217، الترمذي: سنن الترمذي، ص 338، ح 1430

(248) وکیع، محمد بن خلف (ت 306 ه) أخبار القضاة، بيروت - عالم الكتب، 1 / 59.

(249) صحیح مسلم، ح: 1832، 3 / 1463.

(250) الطوسي، ابو جعفر محمد بن الحسن (ت 460 ه)، المبسوط، تصحیح: محمد تقي الكشفي، بيروت - دار الكتاب الإسلامي، 8 / 151.

ص: 86

(251) يُنظر: جريدة الوقائع العراقية، العدد رقم: 3992 في 12 / 2 / 2005 م، ص 12.

(252) الإدارة الإسلامية: دراسة مقارنة بين النظم الإسلامية والوضعية الحديثة، د. فوزي کمال أدهم: ص 312، الرقابة الإدارة

الإسلامية، عبد العزيز محمد هنيدي: ص 4 وما بعدها.

(253) آل عمران: 104

(254) آل عمران: 110

(255) التوبة: 71

(256) سنن الترمذي ح: 2169، 4 / 468.

(257) البغدادي، ابو بکر عبد الله بن محمد (ت 281 ه) كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحقيق: صلاح بن عايض الشلاجي، المدينة - مكتبة الغرباء، ط 1 - 1977 م، ص 88.

(258) سنن ابي داوود کتاب الملاحم، ح: 4344، 4 / 124.

(259) نهج البلاغة، ص 332.

(260) ابن عبد ربه، احمد بن محمد الاندلسي (ت 328 ه)، طبائع النساء، تحقيق: محمد ابراهيم سليم، القاهرة - مكتبة القرآن، ص 224.

(261) ابن الصباغ، علي بن محمد بن احمد المالكي (ت 855 ه)، الفصول المهمة في معرفة الأئمة، تحقيق: جعفر الحسيني، (بيروت، المجمع العالمي لأهل البيت، 2011 م)، ص 184 ص 185

(262) م ن

(263) م. ن 2 / 162.

(264) امالي الطوسي، ص 87، مناقب آل ابي طالب، 3 / 195

(265) شرح النهج 1 / 269

(266) ابن الجوزي، ابو الفرج عبد الرحمن (ت 597 ه) مناقب الإمام احمد بن حنبل، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مصر - هجر للطباعة والنشر، ص 219.

ص: 87

ص: 88

تكافؤُ فرصِ العملِ بينَ الذكرِ والأنثى وأثرُهُ في زيادةِ البطالةِ نظرةٌ فاحِصَةٌ في فكر الإمام علي (عليه السلام) والواقعِ الاجتماعيّ المعاصر

اشارة

الدكتور عبد الهادي كاظم كريم.

كلية التربية الأساسية - جامعة تلعفر

ص: 89

ص: 90

بسم الله الرحمن الرحيم

المُقدِّمة

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خيرِ رُسُلِهِ وخَلْقِهِ أجمعين أبي القاسم محمدٍ المبعوثِ رحمةً للعالمين وعلى آلهِ الأئمةِ الطيِّبينَ الطاهرينَ المعصومينَ، وأصحابِهِ الغُرِّ الميامينَ الذينَ لم ينقلبوا على أعقابهمِ بعد حين.

أمّا بعدُ:

فإنَّ موضوعَ البطالةِ جديرٌ بالاهتمامِ والمراقبةِ والمتابعةِ والتشخيص ومن ثَمَّ معالجته وإيجاد الحلول المناسبة الناجعة له التي تضمن عدم تفشيهِ واستفحالِ أمرهِ بين أفراد المجتمع، وكذلك يتطلَّبُ وضعَ استراتيجيات عامة، وخُطط أساسيَّة صحيحة مدروسة تصدرُ عن مراكز القرار في الدولة، وتعمل مؤسَّساتُها على تنفيذها والعمل بها؛ كي يكون المجتمعُ في منأًى عن الوقوعِ في مستنقعِ المشاكلِ الكثيرةِ المتراكبةِ والمتشعبَّة التي يصْعُبُ حلَّها والقضاءَ عليها في كثيرٍ من الأحيان إن لم نقل مستحيلة المعالجة، التي تسببها البطالة أو التي تكون فيها البطالة السبب الأساس أو الدافعَ الأول في حدوثها.

وهي مسالةٌ حَظيتْ باهتمامٍ كبيرٍ في النصوصِ التشريعيّة السماويَّةِ ولا سيَّما القرآن الكريم وفكر آل البيت (عليهم السلام)؛ لأنَّها تَمَسُّ جوهرَ المجتمع فتؤثِّر في سلوكِ أفراده سلبًا وإيجابًا، بل إنَّها تزلزلُ كيانَ الإنسانِ كلِّهُ وتهزُّ عقيدتَهَ وإيمانَهَ فيكون سلوكُهُ متحررًا من كلِّ ذلك، وهذا ما أشارَ إليه مولانا الإمامُ عليُّ بنُ أبي طالب (عليهما السلام) بقولِهِ: «لولا الخُبزُ ما عُبِدَ الله» إذًا للبطالةِ آثارٌ خطيرةٌ على الناسِ والمجتمع قد تَعْصِفُ بهما وتقضي عليهما إنْ لم يُسيطر عليها ويُتدارك أمرها

ص: 91

من خلال تحديد أسبابها ومعالجتها والقضاء عليها تدريجيًّا.

وهذا ما دفعَنا إلى أن نَنظُرَ فيما نراه واحدًا من أسبابِها الكثيرة، (هو تكافؤ فرصِ العملِ بين الذَّكرِ والأُنثى) نَظرةً تكادُ أن تكونَ مختلفةً عن غيرها محاولين إيجادَ الحلول المناسبةَ له. وسنذكرُ ذلك ونُثْبِتُهُ في خاتمة البحثِ إن شاء الله تعالى.

فكان عنوانُ هذا البحثِ (أثرُ تكافؤ فرص العمل بين الذَّكرِ والأنثى في زيادةِ البطالةِ. نَظرةٌ فاحصة في فكر الإمام علي (عليه السلام)، والواقع الاجتماعيّ المعاصر)، وقد أقمنا البحثَ على وفقِ خطَّةٍ يسيرةٍ تتألّفُ من مُقَدِّمةٍ هي هذه التي بين أيدينا التي ذكرنا فيها موضوعَ البحثِ وأهميَّتَهُ وعنوانَهَ، ومبحثين، الأول: التشريع الإسلاميّ وفرص العمل، بحثنا فيه ما يوجبُهُ التشريعُ على الذِّكر والأنثى من واجبات وحقوق تستدعي خلق فرصِ عملٍ لكليهما؛ للإيفاء بمتطلباتِ تلكَ الواجبات والحقوق، وسنقصر البحثَ على مصدر التشريع الإسلاميّ الأول وهو القرآن الكريم. ثُمَّ نبيِّن ذلك في فكر الإمام علي (عليه السلام)؛ لنرى مدى تطابقهما فيه. وفي المبحثِ الثاني بحثنا في نماذج تطبيقيَّة لفرص العمل من الواقعِ الاجتماعيّ فذكرنا ما لها وما عليها ممَّا يتعلَّق بمدى تطابقِها أو عدمِهِ بما ذكرناه في المبحث الأول وهو مدى انسجامها مع تلك الواجبات والحقوق التي أقرَّها التشريع الاسلاميّ للذكرِ والأنثى وثبتت في فكر الإمام (عليه السلام)، التي على أساسها ينبغي خلق تلك الفرص.

ثُمَّ ختمنا البحثَ بخاتمةٍ ذكرنا فيها النتائجَ التي قادنا البحثُ إليها فأثبتناها، وكذلك ذكرنا عددًا من التوصيات التي - كما نرى - لابدَّ منها للقضاء على آفةِ البطالةِ ومعالجة آثارها السلبيَّة، أو التقليل منها ومن آثارها بِنِسَبٍ لا بأسَ فيها؛ للنهوض بالمجتمع والارتقاء به نحو الأفضل ورفع مستواه المعيشيّ والاقتصاديّ

ص: 92

وجعلهما مقبولين. ثُمَّ أتممنا البحثَ بذكرِ مصادِرِه ومراجعِهِ وروافدِهِ التي انتجت متنَهُ ومادته. وفي ختام ذلكَ نسألُ الله عزَّ وجل أن يوفقَنا في ذلك خدمةً للمجتمع وارتقاءً به؛ إنَّهُ نِعْمَ المولى ونِعْمَ النصير. وآخرُ دعوانا أنْ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ تعالى وبركاتُه.

ص: 93

المبحث الأول: التشريع الإسلاميّ وموجبات خلق فرص العمل والبحثُ عنها

سنحاولُ في هذا المبحث كشفَ ما جاء به التشريع الإسلاميّ مِمَّا يتعلَّق بالأسباب التي توجب على الإنسان السعيَ في طلب الرزقِ والبحثِ عن فرص العمل التي توفِّر له رزقَهُ وتضمنَ له القدرة على كسبِ قوتِهِ من أجل عيشهِ وحياتِهِ في المجتمع.

إنّ القرآن الكريم فتحَ البابَ بشكلٍ مطلقٍ أمام الإنسان ذكرًا كان أو أنثى في العمل والبحث عن فرصهِ لتحصيل رزقه وتلبية متطلبات عيشه وحاجاته الأساسيَّة التي تكفل بقاءه على الحياة وعدم الاتكال على غيره أو تكفف الآخرين في ذلك؛ فقال سبحانهُ وتعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» (الملك: 15)، فالمشي والسعي إلى الرزق في الأرض كلِّها في جبالها وسهولها وأطرافها وجوانبها(1) ووديانها وأنهارها وبحارها وصحاريها(2)، وهو أمر عام مطلق يفيد الإباحة(3)، وكذلك الرزق عامٌ يشمل كل ما يفيد الإنسانُ منه في البَّرِ والبحر (4). وهذا أصلٌ أساس يَعمُّ جنسَ الإنسان كلَّه.

ولكن بعد ذلك قُصِرَ جلبُ هذا الرزق وتحصيلهُ والبحث عن أسبابهِ وطرقهِ بمن يجبُ عليهم ذلك لأنفسهم ولغيرهم كالأب الذي يعيل نفسه وعائلته، والرجل الذي يعيل نفسه وزوجته، والأخ الذي يعيل نفسهُ وأخوته وأخواته، والابن الذي يعيل نفسه وأُمهُ أو أبيه أو كليهما، وهكذا في كلِّ طبقات المجتمع وفئاتهِ وأفرادهِ. وهذه سُنةٌ كونيَّة، لا يمكن أن نحيدَ عنها، فلو تخيَّلنا أنَّ كلَّ فردٍ من المجتمع ذكرًا أو أنثى، كبيرًا أو صغيرًا، رجلًا أو طفلًا، شيخًا أو شابًا، أبًا

ص: 94

أو أمًّا، ابنًا أو أخًا أو أُختًا، زوجًا أو غير زوج عليه أن يخرجَ بنفسه إلى العمل لكسب رزقهِ لأصبحت الحياة متعبةً بشكل لا يُطاق لا يحتمل مطلقًا، بل من غير الممكن ذلك. لذا ربطَ المشرّع الإسلاميّ العمل بالإنفاق فأوجب الإنفاق على من يجب عليه الإنفاق لنفسه ولغيرهِ فأوجبَ نفقة الأب على من يعولهم من أهله وولده، واوجب نفقة الزوج على زوجه، وأوجب نفقة الابن على أبويه إن كانوا لا يستطيعون العمل وليس لديهم ما ينفقونه عليهم، وهكذا الحال مع أفراد المجتمع جميعًا.

فقال تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا» (النساء: 34) فأول سببٍ جعل الرجال قوامين على النساء بالانفاق عليهن وتحقيق كفايتهن في المؤونة(5)، ودفع حقوقها(6)، وتعليمهنَّ وتأديبهنَّ وإصلاح أمورهنَّ (7)، وهو السبب الثاني للقوامة، أمَّا السبب الأول وهو التفضيل فلا يخرج عن العود لهن بالخير؛ لأنَّ من مصاديقِهِ - كما قيل - القوة الجسديَّة والقلبيَّة والنفسية التي تفضل بها الله سبحانه وتعالى على الرجل كي يعمل ويسعى في طلب رزقه ويتولى رعاية أمور أهله وزوجه وولده، وتلبية متطلبات عائلته، وشؤون بيته (8)، «والقوَّام: المبالغ فِي القيام، يُقَالُ: هَذَا قيِّمُ المرأةِ وقوَّامُها للذي يقوم بأمرها ويحفظها»(9). وهو أمرٌ خصَّه الله تعالى بالرجل من دون المرأة؛ لأنَّه هو المسؤول عنه والمطالب به والمتكفل به، وأعفى المرأة من ذلك كله فلم يوجب عليها أيَّ شيء من أمور القوامة إلى الرجل؛ لأنَّ القوامة تتناسبُ وتنسجمُ مع طبيعة الرجل وكيانه اللذان تفضل سبحانه بهما على الرجل

ص: 95

من خلال امداده بالقوة في الجسد والقلب والنفس، فتفضَّل سبحانه وتعالى على الرجل بذلك، أمَّا مصاديق التفضيل الأخرى للرجل كاختصاصه بالنبوة والولاية والجهاد والشهادة وصلاة الجمعة والجماعة والميراث (10)، وغيرها من أمور الدين الاخرى(11) فلا تكاد تخرج عن مراعاة طبيعة المرأة فأعفيت منها؛ لأنَّها تسبب لها المشقة والحرج. وبعضها كُيِّفت فجاءت منسجمةً وموافقةً لحالها ووضعها ومسؤولياتها.

وكذلك يتجلَّى سبب السعي وراء فرص العمل في قوله تبارك وتعالى: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (البقرة: 233)

فيجب على الوالد (الأب) الإنفاق ولدهِ وأمِّ ولدهِ (زوجه) سواءً كانت معه في بيته أم كانت مطلقة، وهذا الإنفاق يتضمن كل ما يتطلبه الغذاء والطعام واللباس(12) للزوجة وإعطاء الأجر للمطلقة(13). بل أوجب الإسلام إيجاد السكن أيضًا مع الاستطاعة والقدرة للمرأة المرضع المطلقة(14) في قوله تعالى: «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا» (الطلاق:6 - 7).

ص: 96

نستنتجُ من خلال ما سبق من الآيات القرآنيَّة المباركة أنَّ الدينَ الإسلاميَّ العظيمَ لا يوجبُ أيَّ إِنْفَاقٍ أو مسؤوليَّةٍ ماليةٍ على المرأةِ تجاه الرجلِ سواءً كانت هذه المرأةُ أُمَّا أو أُختًا أو زوجًا أو بنتًا أو غير ذلك. وعلى عكسِ ذلك تمامًا أوجب على الرجل الإنفاق على المرأة في كلِّ أوصافها وأحوالها التي ذكرناها على وفق ماجاء به القرآن الكريم. وبناءً على هذا الأساس تكون حاجةُ الرجلِ الى فرصة العمل أحوجَ وأشدَّ وهي الأولى بالإعطاء وتوفيرها له بل تكاد تكون هي الأصل في التلبية التي لا يمكن العدول عنها لغيره. وعلى وفق ذلك يجب أن تكون فرص العمل في المجتمع المخصَّصة للرجل هي الاكثرُ وهي الغالبة على فرص العمل الممنوحة للمرأة في مجالات العمل كلِّها؛ لأنَّ ذلك يؤثّرُ في نسبة البطالة في المجتمع ارتفاعًا وانخفاضًا؛ فكلَّما ازدادت فرص العمل المخصَّصة للرجل عل فرص العمل المخصًّصة للمرأةِ انخفضت نسبة البطالةِ في المجتمع، والعكس بالعكس وهكذا؛ فالعلاقةُ بين فرص العمل للرجل ونسبة البطالة في المجتمع علاقة عكسيٍّة، إذا ارتفعت أيٌّ منهما انخفضت الأخرى.

وحين ننظرُ في تراثِ أمير المؤمنين (عليه السلام) الفكريّ، وما أُثرَ عنه من تراث ولاسيَّما سفره الخالد نهج البلاغةِ نظرةً متأنيَةً فاحصةً سنرى مجاراتهُ عليه السلام وموافقتهُ التَّامتين لكلِّ ما جاء به التشريع الإسلاميّ المقدَّس ولاسيَّما القرآن الكريم فيما يتعلَّق بالواجبات والحقوق الماليَّة للذكر والأنثى، وما يؤسِّسهُ في خلق فرص العمل بينهما على وفق تلك الحقوق والواجبات، فالعلاقة تكادُ أن تكون طرديّةً بين فرص العمل وما أوجبه الشرع المقدَّس على الذكر والأنثى من نفقات ماليَّة تضمن حياتهما وعيشهما.

وكل ما أوردهُ الإمام (عليه السلام) من ذكرٍ أو قولٍ یخصُّ المرأةَ، أو النساءَ

ص: 97

بشكل عام يدور في أُفقِ مراعاتها ووجوب الإحسان إليها، وبيان وظائفها وأعمالها التي يجدر أن تطَّلِعَ بها، وكذلك ذكر أوصافها الحسنة، والأوصاف التي قد تؤاخذ بها، وإصلاحها، والقيام على قضاء أمورها وإصلاح شأنها وما يستلزمه من نفقةٍ أو عمل.

فمن ذلك قوله (عليه السّلام): «الصَّلَاةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ - والْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ - ولِكُلِّ شَيْءٍ زَكَاةٌ وزَكَاةُ الْبَدَنِ الصِّيَامُ - وجِهَادُ الْمَرْأَةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ» (15).

«وجهاد المرأة هو حسن المعاشرة مع زوجها وتحمّل المكاره المتوجّهة منه إليها من سوء القول والفعل، فربما يكون أقواله وأعماله جارحات القلوب، فصبر المرأة تجاهها تعدّ من الجهاد.»(16) ومعناه حسن معاشرة بعلها وحفظ ماله وعرضه، وإطاعته فيما يأمر به، وترك الغيرة (17). وهذا من أوصافها الجليلة التي ينبغي أن لا تحيد عنها؛ لأنَّ فيه أجرًا عظيمًا ما بعده أجرٌ لها.

وقال (عليه السّلام): «خِيَارُ خِصَالِ النِّسَاءِ شِرَارُ خِصَالِ الرِّجَالِ - الزَّهْوُ والْجُبْنُ

والْبُخْلُ - فَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا - وإِذَا كَانَتْ بَخِيلَةً حَفِظَتْ

مَالَهَا ومَالَ بَعْلِهَا - وإِذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَعْرِضُ لَهَا» (18). فهذا النَّصُّ

يدلُّ على أنَّ «أهمّ الأوصاف الممدوحة والواجبة في المرأة العفاف والأمانة، لأنها في معرض شهوة الرجال الأجانب، وملتهب العشق والاحساس من كلّ جانب، ولأنّها صاحبة البيت وربّتها والمستودع مال الزوج عندها ومعروفة بالضعف لدى النّاس، فلابدّ لها ممّا يجبر هذه الأخطار المتوجهة إليها في النفس والمال فيحسن منها الزّهو والتكبّر بحيث يمنعها ذلك عن نظرها إلى الأجانب أو طمع الأجانب فيها، وهذا التمنّع یعدّ في الرّجل تكبّرا مذموما وفي المرأة تعفّفا ممدوحا.

كما أنّ إمساكها لما في يدها من الأموال وترك الاقدام على البذل والافضال

ص: 98

ممدوح وإن عدّ من البخل أو الشحّ، لأنّ ذلك سدّ عن طمع الأجانب في نفسها وعن طمع الغاصبين والسارقين لما في يدها. والجبن يعينها عن الخروج في الخلوات والسّفر في ظلمة اللَّيالي والصحراوات فيفيدها من الناحيتين مضافا إلى أنّ هذه الصفات تأثّرات ترتبط بالإحساس والاحساس في المرأة أقوى من الرّجل.» (19).

ومن بديع تعبيرِهِ (عليه السلام) عن المرأة قوله: «فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ ولَيْسَتْ

بِقَهْرَمَانَةٍ»(20) والقهرمانة: تعني الوكيل على الشيء والقائم بأموره والمتعهد له والحفيظ عليه(21)، وقيمة البيت ومديرته والمربيَّة والخليلة وأمينة الحرم (22)

«(فإن المرأة ريحانة) للرقة والحنان، والدعة والاطمئنان (وليست بقهرمانة) تتصرف فيما يخص الرجل نيابة عنه (ولا تعدو بكرامتها نفسها إلخ ).. كرامة المرأة أن تبقى امرأة، وأن تضع نفسها حيث وضعتها الطبيعة، ولا تتطفل على وظائف الرجل. وقال الشيخ محمد عبده: «أين هذه الوصية من حال الذين يصرفون النساء في مصالح الأمة»(23).

أما ما ذكره الإمام (عليه السلام) من أوصاف المرأة، في قوله: «وإِيَّاكَ ومُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ - فَإِنَّ رَأْيَهُنَّ إِلَی أَفْنٍ وعَزْمَهُنَّ إِلَی وَهْنٍ - واكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ

أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَّاهُنَّ - فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ أَبْقَى عَلَيْهِنَّ - ولَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ - مِنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لَا يُوثَقُ بِه عَلَيْهِنَّ - وإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَعْرِفْنَ غَیْرَكَ فَافْعَلْ - ولَا تُمَلِّكِ الْمَرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا - فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ ولَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ

- ولَا تَعْدُ بِكَرَامَتِهَا نَفْسَهَا ولَا تُطْمِعْهَا فِي أَنْ تَشْفَعَ لِغَيْرِهَا - وإِيَّاكَ والتَّغَايُرَ فِي غَیْرِ مَوْضِعِ غَیْرَةٍ - فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ إِلَی السَّقَمِ - والْبَرِيئَةَ إِلَی الرِّيَبِ...» (24).

فهو لا يعدو كونه وصفًا موضوعيًّا لحالها وما تكون عليه من أحوال تجعل رأيها وعزمها معارضين للزلل أو عدم الصواب. وزبدة دلالة قوله (عليه السلام)

ص: 99

هذا ما ذكره ابن أبي الحديد في شرحه إذ قال: «(ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها)، أي لا تدخلها معك في تدبير ولا مشورة، ولا تتعدين حال نفسها وما يصلح شأنها. فان المرأة ريحانه، وليست بقهرمانة، أي إنما تصلح للمتعة واللذة، وليست وكيلا في مال ولا وزيرا في رأي»(25). وكذلك قوله (عليه السلام): «مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّ النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الإِيمَانِ - نَوَاقِصُ الْحُظُوظِ - نَوَاقِصُ الْعُقُولِ - فَأَمَّا نُقْصَانُ إِيمَانِهِنَّ - فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلَاةِ والصِّيَامِ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ - وأَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ - فَشَهَادَةُ امْرَأَتَیْنِ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ - وأَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ - فَمَوَارِيثُهُنَّ عَلَى الأَنْصَافِ مِنْ مَوَارِيثِ الرِّجَالِ - فَاتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ وكُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ عَلَى

حَذَرٍ - ولَا تُطِيعُوهُنَّ فِي الْمَعْرُوفِ حَتَّى لَا يَطْمَعْنَ فِي الْمُنْكَرِ»(26)، فهو وصْفٌ لطبيعة النساء، وإشارةٌ ذكيَّةٌ لطيفة إلى أحكام عبادتهن وحقوقهن الشرعيَّة.

«ولما نبّه على نقصانهنّ بهذه الوجوه الثّلاثة أشار إلى علَّة جهات النقص بقوله (فأمّا نقصان ايمانهنّ فقعودهنّ عن الصّلاة والصّيام في أيام حيضهنّ) وقعودهنّ عنها وإن كان بأمر اللهَّ سبحانه إلَّا أنّ سقوط التّكليف لنوع من النقص فيهنّ وسبب النقص هو حالة الاستقذار والحدث المانعة من القرب المعنوي المشروط في العبادات وفي كلامه دلالة على كون الأعمال اجزاء الايمان. (وأما نقصان عقولهنّ فشهادة امرأتين كشهادة الرّجل الواحد) (27) فهو مطابق لقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ

ص: 100

إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى...»(28).

وقوله (وأما نقصان حظوظهنّ فمواريثهنّ على الانصاف من مواریث الرّجال) فهو مطابق لقوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا»(29)

إنَّ ما ذكرناه من نصوصٍ تخصُّ المرأة للإمام علي (عليه السلام)، تمثِّلُ أنوذجًا لأقواله وكلامه المعجز بعد كلام الله سبحانه وتعالى، الذي قيل فيه إنَّه فوق کلام المخلوق ودون کلام الخالق (30) فهو كذلك حقًّا وصدقًا، وكذلك تمثِّل صورة لُأفُقِ تفكيرهِ (عليه السلام) ونَظَرِهِ للمرأة. وعلى كثرة أقواله تلك التي تتعلق بالمرأة وشؤونها في الحياة والمجتمع، لا نجد انَّه (عليه السلام) قد أسندَ أو علَّق مسؤوليَّةً ماليَّة على المرأة لغيرها أي للرجل مهما كانت صلته وقرابته منها، وكذلك لم يلزمها أيَّ جهد من عملٍ أوكدٍّ تجلبه للرجل لتوفير متطلبات حياتهما. وهذا هو مسار التشريع الإسلاميّ الصحيح الذي أنزِل به القرآن الكريم؛ فالتطابق بينهما على أعلى درجاته وصوره في التمام والكمال. وبناءً على ذلك ينبغي أن يعطى الذكر النصيب الأوفر في العمل وخلق فرصه، والأولويَّة بل وتفضيله على الأنثى في ذلك؛ لأنَّه هو المسؤول الأول والأخير عن كلِّ ما يتعلَّق بالمرأة وشؤونها، وشؤون أهله وبنيه وذويه ومن يعيلهم داخل أسرته وبيته، وفي مقدمتها المأكل والمشرب والتطبيب، وينبغي أن لا تُشرك المرأةُ في العمل أو إن تحلَّ محلَّه فيه إلَّا إذا قامت

ص: 101

بمسؤوليَّته تلك؛ لفقده أو لأسباب أخرى توجب على المرأة أن تقوم بواجب الرجل وأداء وظيفته.

وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.

ص: 102

المبحث الثالني

الجانب التطبيقي

سنقتصر في هذا المبحث على ذكر نماذج من فرص العمل التي أُتيحت للذكر والأنثى في المجتمع العراقي؛ لنرى مدى تطابقها أو انسجامها مع ما أقررناه ووصلنا إليه في المبحثين الأول والثاني. وقد اكتفينا بنموذجين من فرص العمل، هما: فرص العمل في وزارة التربية، وفرص العمل في وزارة الصَّحة. وقد اخترناهما من دون غيرهما من الوزارات الأخرى؛ لأنها أثر الوزارات في توفير فرص العمل وأكثرها وضوحًا في ذلك وللإطلاع أكثر راجع ما ورد في المواقع المذكورة في الهامش (31)

ونرى في فرص العمل هذهِ أنَّها جاءت غير موافقة لما أوجبه التشريع الإسلامي على الرجل من أعباء ماليِّة يجب عليه إنفاقها على المرأة التي تستلزم زيادة الفرص أمام الرجل؛ فالجهات التي أتاحت هذه الفرص غير ناظرة إلى هذه المسألة الجوهريَّة التي خصَّها الله سبحانه وتعالى بالرجل من دون المرأة؛ إذ نری أنَّها قد ساوت بينهما في ذلك وربَّما جعلت فرص المرأة أكثر من الرجل. وهو أمرٌ نراه غير سليمٍ بل خاطئ وذا خطل. ويبدو أنَّ هذا الأمر مستشرٍ في وزارات الدولة كلِّها ومؤسَّساتها كلَّها، بل سری وشاع في مؤسسات القطاع الخاص أيضًا. وهو أمر في غاية الأهميَّة يجب على الجهات المسؤولة عنه والمشرفة عليه في القطاع العام والخاص إعادة النظر فيه وتوجيهه بما يراعي مسؤوليّة الرجل وأعباءه المالية الكبيرة تجاه المرأة، وبما ينسجم مع ما جاء به الدين الإسلامي العظيم.

ص: 103

خلاصة البحث

من خلال ما ذكرناه سابقًا في المبحث الأول والثاني، وجدنا تطابقًا تامًّا بين التشريع الإسلامي وفكر الإمام علي (عليه السلام)؛ لمعالجة مشكلة البطالة في المجتمع، وعلى وَفقِ هذا التطابق نستطيع أن نوجزَ فكرة البحث وأهدافه وتوصياته بالآتي:

أولًا: فكرة البحث ومضمونهُ:

1 - مسألة تكافؤ الفرص بشكل مطلق بين الرجل والمرأة على حدٍّ سواء أمرٌ مغلوط وفيه زلل كبير؛ لأنَّه يؤدِّي إلى زيادة نسبة البطالة بين صفوف الرجال وهذا يعني زيادة نسبة البطالة في المجتمع بل يؤدِّي إلى زيادة نسبة الفقر وما دون الفقر في المجتمع؛ لأنَّ كلَّ رجلٍ لابُدَّ أن يكون مسؤولًا عن امرأة، أُمٍّ أو أختٍ أو زوجٍ أو بنتٍ، إن لم يكن مسؤولًا عن أبٍ كبير أو أخٍ صغير.

2 - إنَّ فكرةَ هذا البحث هي مراعاة الذكر في فرص العمل المتاحة في المجتمع سواءً على مستوى الدولة ومؤسَّساتها ووزاراتها أم على مستوى القطاع الخاص، ويتم ذلك من خلال زيادة حصَّة الرجل في فرص العمل؛ لأنَّ الرجل عليه مسؤوليَّات مالية كبيرة وعظيمة، والمرأةُ ليس عليها شيء مطلقًا في الدين وفي غيره.

ثانيًا: أهداف البحث:

1 - إلغاء تكافؤ فرص العمل بين الذكر والانثى؛ لأنَّه يؤدِّي إلى زيادة نسبة البطالة والفقر في المجتمع كما ذكرنا سابقًا.

2 - إعطاء الذكر الأولويَّة في فرص العمل وخلقها وتشجيعه ومساعدته من

ص: 104

الجهات الحكوميَّة ومؤسَّسات الدولة.

3 - زيادة حصَّة الرجل في فرص العمل على المستويين العام والخاص، وإعطاؤهُ

الأوليَّة فيها، لأنَّه يمثِّل لَبِنَةً ستنبثِقُ منها أسرةٌ في المستقبل، إن لم يكن صاحبَ أسرةٍ في الواقع.

ثالثًا: توصيات البحث:

1 - تقنين فرص العمل المتاحة أمام المرأة وجعلها موافقةً لمسؤولياتها الماليَّة في المجتمع، فمن كانت تعيل أسرة وليس لها مورد مالي وليس هناك من ينفق عليها ويتكفَّل أسرتها، تعطى الأولويَّة في فرصة العمل.

2 - فتح مراكز تأهيل للذكور العاطلين عن العمل ممن ليس لديهم مؤهِّل تعليميّ أو علميّ، تتبناها الدولة ومؤسَّساتها لينخرطوا في المجتمع ويكونوا قادرين عل خلق فرص عملٍ لهم بأنفسهم يستطيعون من خلالها الحصول على موردٍ ماليٍّ مقبول يكفل لهم العيش في الحياة.

3 - على الدولة ومؤسَّساتها التي تعنى بالتخطيط ورسم سياسات البلد أن تجري استبيانات دوريَّة من دون انقطاع، وكشوفات ومسوحات سنويَّة مستمرة للتحري والكشف الحقيقي عن مستويات البطالة والفقر في المجتمع؛ من أجل معرفتها وأخذها بالحسبان، ووضع الحلول المناسبة لها ومتابعتها؛ للقضاء عليها في المستقبل أو تقليلها.

4 - يجب أن تُعطى الأولويَّة في فرص العمل للرجل الذي ليست لزوجه فرصة عمل أي لا تعمل أو المرأة التي ليس لزوجها فرصة عملٍ أي لا يعمل،

ص: 105

ويجبُ اشتراط ذلك في شروط وضوابط التعيين وفرص العمل في القطاعين العام والخاص. من أجل اتِّساع نطاق فرص العمل حيثُ تشملُ أكبر عددٍ ممكنٍ من الأفراد من الذين ليس لأزواجهم عمل؛ ممَّا يسهم في تقليل نسب البطالة في المجتمع.

5 - يجب أن تكون ضوابط فرص العمل وشروطها واضحةً لا تحتملُ التأويل الفاسد، وتعلنُ أمام الملأ قبلها وبعدها، وكذلك المنافسةُ فيها؛ كي ينال كل فردٍ حقَّه بشكل عادل.

6 - يجب أن يَسودَ تفضيلُ الرجل على الأنثى في فرص العمل، دینیًّا وخُلُقیًّا وإنسانيًّا، في فكر الدولة ومؤسَّساتها كلِّها، وفي القطاع الخاص ومؤسَّساته أيضًا، إلَّا في فرص العمل التي تقتصر على المرأة؛ لأنَّ الرجل - كما قلنا سابقًا - مشروع أسرة وهو مسؤولٌ عليها وعنها وليست المرأة كذلك.

7 - يجب مراقبة الجهات التي توفِّر فرص العمل مراقبةً شديدةً، وعدم السماح للمتنفذين فيها والمسؤولين على قرراتها في السيطرة عليها وتجييرها لصالحهم حيث تتحول تلك المؤسَّسات والأماكن إلى إقطاعيَّات أو أُسر كاملة لهذا المسؤول أو ذاك، والتحرّي عن ذلك باستمرار، ومحاسبتهم ومعاقبتهم على ذلك على وفق قانونٍ مشرَّعٍ لهذا الموضوع وأمثاله في كلِّ مفصلٍ أو مؤسَّسة من مفاصل الدولة ومؤَسَّساتها.

8 - يجب إجراء تعدادٍ سنويٍّ دقيق للمجتمع تثبتُ في بياناته أعداد الذكور والإناث، وأعداد الأطفال قبل السنة العاشرة، أعداد الذين بعدها، للذكور والإناث، وأعداد الذكور وأعداد الإناث من الشباب، وأعداد العاملين (الذين لديهم فرص عمل) وأعداد غير العاملين منهم. وأعداد المتزوجين وأعداد

ص: 106

غير المتزوجين منهم وأعداد الشيوخ من الرجال والنساء. وكذلك أعداد غیر القادرين على العمل من الشباب. من أجل رسم الخطط والسياسات التي تعنی بفرص العمل وجعلها ملائمة لكل تلك البيانات.

9 - يجب متابعة أعداد الذين خرجوا من فرص العمل بالتقاعد او بقضاء أجلهم أو بأسباب أخرى كالعوق والمرض، وكذلك أعداد الذين دخلوا في فرص العمل، من الذكور والإناث في كل سنةٍ وفي كلِّ مؤسِّسةٍ في البلد ومعرفة كلِّ ذلك بشكل صحيح دقیق. من أجل إعطاء الذكور الفرص التي يستحقونها وكذلك الإناث.

10 - يجب أن يكون أجر الذكر أعلى من أجر الانثى المتساويين في العمل وفي الدرجة والتحصيل العلميّ بِنِسبٍ ثابتةٍ مدروسة؛ لأنّ أعباءَ الرجلٍ - مهما كان حالُهُ - كبيرةٌ ومسؤولياتِهِ كثيرة.

والحمدُ لله ربِّ العالمين أولًا وآخرا

هوامش البحث:

(1) يُنظر: جامع البيان في تأويل القرآن: محمد بن جریر بن یزید بن کثیر بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310 ه)

تحقيق: أحمد محمد شاکر، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420 ه - 2000 م: 23 / 512.

وتفسير الماتريدي (تأويلات أهل السنة) محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي (المتوفي: 333 ه)، تحقيق: د. مجدي باسلوم، دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1426 ه - 2005 م: 10 / 166.

(2) يُنظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفي: 538 ه)، دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة: الثالثة - 1407

ص: 107

ه: 4 / 399. ومفاتیح الغيب = التفسير الكبير: أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفي: 606 ه)، دار إحياء التراث العربي - بيروت

الطبعة: الثالثة - 1420 ه: 30 / 591. وإرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم: أبو السعود العمادي محمد بن محمد بن مصطفی (المتوفي: 982 ه)، دار إحياء التراث العربي - بیروت: 8 / 139.

(3) يُنظر: الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي): أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفي: 671 ه)، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية - القاهرة الطبعة: الثانية، 1384 ه - 1964 م: 18 / 215.

(4) يُنظر: التحرير والتنوير (تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد): محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: 1393 ه)، الدار التونسية للنشر - تونس سنة النشر: 1984 ه: 2 / 189.

(5) يُنظر: جامع البيان: 8 / 290. ومعاني القرآن وإعرابه المؤلف: إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (المتوفي: 311 ه)، تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتب - بيروت، الطبعة: الأولى 1408 ه - 1988 م: 1 / 307.

(6) يُنظر: بحر العلوم: أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي (المتوفي:

373 ه) :1 / 299.

(7) یُنظر: بحر العلوم: أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي (المتوفي:

373 ه)، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق: الأستاذ نظير الساعدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى 1422، ه - 2002 م: 3 / 302.

(8) يُنظر: لطائف الإشارات ( تفسير القشيري): عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري (المتوفي: 465 ه)، تحقيق: إبراهيم البسيوني، الهيئة المصرية العامة للكتاب - مصر، الطبعة: الثالثة: 1 / 330.

ص: 108

(9) الوسيط في تفسير القرآن المجيد: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي (المتوفى: 468 ه)، تحقیق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، الدكتور أحمد محمد صيرة، الدكتور أحمد عبد الغني الجمل، الدكتور عبد الرحمن عويس، قدمه وقرظه: الأستاذ الدكتور عبد الحي الفرماوي، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1415 ه - 1994 م: 2 / 45.

(10) يُنظر: معالم التنزيل في تفسير القرآن (تفسير البغوي): محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (المتوفى: 510 ه)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1420 ه: 1 / 611.

(11) يُنظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل: 1 / 505 - 506. وزاد المسير في علم التفسير: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597ه)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي - بيروت الطبعة: الأولى - 1422 ه: 1 / 401. ومفاتیح الغيب: 10 / 70 - 71. أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (المتوفي: 685 ه)، تحقيق: محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الأولى - 1418 ه: 2 / 72. ومدارك التنزيل وحقائق التأويل (تفسير النسفي): أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين النسفي (المتوفى: 710 ه)، حققه وخرج أحاديثه: يوسف علي بديوي، دار الكلم الطيب، بیروت، الطبعة: الأولى، 1419 ه - 1998 م: 1 / 354. والبحر المحيط في التفسير: أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (المتوفي: 745 ه)، تحقيق: صدقي محمد جمیل، دار الفكر - بيروت، الطبعة: 1420 ه: 3 / 622. وفتح القدیر: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (المتوفي: 1250 ه)، دار ابن کثیر، دار الكلم الطيب - دمشق، بیروت، الطبعة: الأولى - 1414 ه: 1 / 531. والتحرير والتنوير (تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد): محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفي: 1393 ه)، الدار التونسية للنشر - تونس، سنة النشر: 1984 ه: 5 / 37 - 39.

ص: 109

(12) یُنظر: جامع البيان: 5 / 44

(13) يُنظر: تفسير الماتريدي (تأويلات أهل السنة): محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي (المتوفى: 333 ه)، تحقيق: د. مجدي باسلوم، دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1426 ه - 2005 م: 2 / 176. والكشف والبيان عن تفسير القرآن،: أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (المتوفى: 427 ه)، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى 1422، ه - 2002 م: 2 / 180. وا لنكت والعيون: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفي: 450 ه)، تحقيق: السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم، دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان: 1 / 299. ولطائف الإشارات ( تفسير القشيري): عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري (المتوفي: 465 ه)، تحقيق: إبراهيم البسيوني، الهيئة المصرية العامة للكتاب - مصر، الطبعة: الثالثة: 1 / 183.

(14) يُنظر: جامع البيان: 23 / 456. والوسيط في تفسير القرآن المجيد: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي (المتوفى: 468 ه) ن تحقیق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، الدكتور، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1415 ه - 1994 م: 4 / 315.

(15) نهج البلاغة: خطب الإمام علي (ع)، تحقيق: ما أختاره وجمعه الشريف الرضي // ضبط نصه وابتكر فهارسه العلمية: الدكتور صبحي صالح، الطبعة: الأولى سنة الطبع:

1387 - 1967 م: 494.

(16) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: حبيب الله الهاشمي الخوئي (ت: 1324 ه)، تحقيق: سيد إبراهيم الميانجي، الطبعة: الرابعة، مطبعة الاسلامية بطهران، دار الهجرة - إيران - قم، 1360 ه: 21 / 207.

(17) يُنظر: شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد (ت: 656 ه)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1962 م: 18 / 285.

(18) نهج البلاغة: 509 - 510.

ص: 110

(19) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 21 / 296.

(20) نهج البلاغة: 405.

(21) يُنظر: مشارق الأنوار على صحاح الآثار: عياض بن موسی بن عیاض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل (المتوفى: 544 ه)، المكتبة العتيقة ودار التراث: 2 / 193، والنهاية في غريب الحديث والأثر: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير (المتوفي: 606 ه)، المكتبة العلمية - بیروت، 1399 ه - 1979 م

تحقيق: طاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي: 4 / 129، ولسان العرب: محمد بن مکرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقي (المتوفي:

711 ه)، دار صادر - بيروت الطبعة: الثالثة - 1414 ه (قهم).

(22) ينظر: تكملة المعاجم العربية: رينهارت بیتر آن دُوزِي (المتوفى: 1300 ه)، نقله إلى العربية وعلق عليه: ج 1 - 8: محمَّد سَلیم النعَيمي، ج 9، 10: جمال الخياط، وزارة الثقافة والإعلام، الجمهورية العراقية، الطبعة: الأولى، من 1979 - 2000 م: 1 / 193، و8 / 304، و423.

(23) في ظلال نهج البلاغة: محمد جواد مغنية (ت: 1400 ه) الطبعة: الأولى مطبعة ستار، 1427 ه: 3 / 530.

(24) نهج البلاغة: 405.

(25) شرح نهج البلاغة: 16 / 124.

(26) نهج البلاغة: 105 - 106.

(27) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 5 / 303 - 307.

(28) سورة البقرة: من الآية (282).

(29) سورة النساء: 11.

(30) يُنظر: الإمام علي بن أبي طالب (ع): أحمد الرحماني الهمداني، الطبعة: الأولى، المنير للطباعة والنشر - تهران، سنة الطبع: 1417 ه.

ص: 111

(31) http://moh.gov.iq/upload/upfile/ar/ pdf31.524/2016/10م.

pdf. 525 /http://moh.gov.iq/upload/upfile/ar

1 / 11 / 2016

ص: 112

المصادر والمراجع

1. - الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): أحمد الرحماني الهمداني، الطبعة: الأولى، المنير للطباعة والنشر - تهران، سنة الطبع: 1417 ه

2. - إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم: أبو السعود العمادي محمد بن محمد بن مصطفی (المتوفي: 982 ه)، دار إحياء التراث العربي - بيروت: 8 / 139.

3. - أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (المتوفي: 685 ه)، تحقيق: محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الأولى - 1418 ه.

4. - بحر العلوم: أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي (المتوفي:

373 ه)، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق: الأستاذ نظیر الساعدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى 1422، ه - 2002 م.

5. - البحر المحيط في التفسير: أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حیان أثير الدين الأندلسي (المتوفي: 745 ه)، تحقيق: صدقي محمد جمیل، دار الفكر - بیروت، الطبعة: 1420 ه.

6. - التحرير والتنوير (تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد): محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفي:

1393 ه)، الدار التونسية للنشر - تونس سنة النشر: 1984 ه.

7. - تفسير الماتريدي (تأويلات أهل السنة) محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي (المتوفي: 333 ه)، تحقيق: د. مجدي باسلوم، دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1426 ه - 2005 م.

8. - تكملة المعاجم العربية: رينهارت بیتر آن دُوزِي (المتوفى: 1300 ه)، نقله إلى العربية

ص: 113

وعلق عليه: ج 1 - 8: محمَّد سَليم النعَيمي، ج 9، 10: جمال الخياط، وزارة الثقافة والإعلام، الجمهورية العراقية، الطبعة: الأولى، من 1979 - 2000 م

9. - الجامع لأحكام القرآن ( تفسير القرطبي): أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفي: 671 ه)، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية - القاهرة الطبعة: الثانية، 1384 ه - 1964 م.

10. - جامع البيان في تأويل القرآن: محمد بن جریر بن یزید بن کثیر بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310 ه)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420 ه - 2000 م.

11. - زاد المسير في علم التفسير: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفي: 597 ه)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي - بيروت الطبعة: الأولى - 1422 ه.

12. - يُنظر: شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد (ت: 656 ه)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1962 م.

13. - فتح القدير: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (المتوفي:

1250 ه)، دار ابن کثیر، دار الكلم الطيب - دمشق، بيروت، الطبعة: الأولى - 1414 ه.

14. - في ظلال نهج البلاغة: محمد جواد مغنية (ت: 1400 م) الطبعة: الأولى مطبعة ستار، 1427 ه.

15. - الكشف والبيان عن تفسير القرآن،: أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (المتوفى: 427 ه)، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى 1422، ه - 2002 م.

16. - الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد،

ص: 114

الزمخشري جار الله (المتوفى: 538 ه)، دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة: الثالثة - 1407 ه.

17. - لسان العرب: محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعي الإفريقي (المتوفى: 711 ه)، دار صادر - بيروت الطبعة: الثالثة - 1414 ه.

18. - لطائف الإشارات (تفسير القشيري): عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري (المتوفى: 465 ه)، تحقيق: إبراهيم البسيوني، الهيئة المصرية العامة للكتاب - مصر، الطبعة: الثالثة.

19. - مدارك التنزيل وحقائق التأويل (تفسير النسفي): أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين النسفي (المتوفى: 710 ه)، حققه وخرج أحاديثه: يوسف علي بديوي، دار الكلم الطيب، بيروت، الطبعة: الأولى، 1419 ه - 1998 م.

20. - مشارق الأنوار على صحاح الآثار: عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل (المتوفى: 544 ه)، المكتبة العتيقة ودار التراث.

21. - معالم التنزيل في تفسير القرآن ( تفسير البغوي): محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (المتوفى: 510 ه)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1420 ه.

22. - معاني القرآن وإعرابه المؤلف: إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (المتوفى: 311 ه)، تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتب - بيروت، الطبعة: الأولى 1408 ه - 1988 م.

23. - مفاتيح الغيب ( التفسير الكبير): أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606 ه)، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الثالثة - 1420 ه.

ص: 115

24. - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: حبيب الله الهاشمي الخوئي (ت: 1324 ه)، تحقيق: سيد إبراهيم الميانجي، الطبعة: الرابعة، مطبعة الاسلامية بطهران، دار الهجرة - إيران - قم، 1360 ه.

25. - النكت والعيون: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفي: 450 ه)، تحقيق: السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم، دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان.

26. - نهج البلاغة: خطب الإمام علي (عليه السلام)، تحقيق: ما أختاره وجمعه الشريف الرضي، ضبط نصه وابتكر فهارسه العلمية: الدكتور صبحي صالح، الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1387 - 1967 م.

27. - النهاية في غريب الحديث والأثر: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير (المتوفي: 606 ه)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية - بيروت، 1399 ه - 1979 م.

28. - الوسيط في تفسير القرآن المجيد: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي (المتوفى: 468 ه)، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، الدكتور أحمد محمد صيرة، الدكتور أحمد عبد الغني الجمل، الدكتور عبد الرحمن عويس، قدمه وقرظه: الأستاذ الدكتور عبد الحي الفرماوي، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1415 ه - 1994 م.

29. pdf.026 /http://moh.gov.iq/upload/upfile /ar -

2016/10/31 م.

30. 2016/11/1 - pdf.520 /http://moh.gov.iq/upload/upfile/ar

ص: 116

مدخل إلى المعالجات الاستراتيجية التي اتبعها الإمام علي (عليه السلام)

اشارة

في معالجته لمشكلة الفقر

فاطمة مصحب لفته

جامعة واسط / كلية الادارة والاقتصاد

ص: 117

ص: 118

المقدمة

لا يزال الفقر هذه المفردة البسيطة في لفظها، العميقة في إبعادها، يشكل الظاهرة الأخطر، والهاجس الأكبر للبشرية، رغم كل التطور العلمي وكل البرامج والمناهج الاقتصادية على كل الأصعدة.

لقد جسد الإمام علي (عليه السلام) النهج النبوي في خلق مجتمع امن اقتصاديا ومعیشیا، فقد خبر أسباب الفقر فجاءت معالجاته لها كمنظومة علمية وقانونية لاقتصاد ناجح ومثمر لا يدع مجالا للفقر بين أبناء المجتمع الإسلامي.

وهذه الدراسة جاءت كمحاولة جادة رغم كونها دراسة مصغرة لمعالجة مشكلة الفقر في المجتمع والقضاء عليها، لان مجرد وجود هذه المشكلة يتعارض ويتناقض تماما مع النظم والتعاليم التي جاء بها الإسلام.

مشكلة البحث

ما تزال معالجة مشكلة الفقر من جذورها بعيدة عن أضواء البحث والدراسات والقرارات الكبيرة على صعيد بلادنا الإسلامية وبلاد العالم، وأن الإمام علي (عليه السلام) قدم حلول نموذجية مقابلة لمشكلة الفقر، فقد تألق نظريا وعمليا عندما أضحى حاكما على الدولة الإسلامية التي لم يرى فيها فقيرا واحدا وذلك في أقل من خمسة سنوات.

أهمية البحث

ينطلق البحث من أهمية اعتبار کلمات وحكم وممارسات الإمام علي (ع) الاقتصادية التي تتعلق بمشكلة الفقر المستندة على ما جاء في القران الكريم والسنة النبوية الشريفة هي المرجع الأساس للتعرف على الأسباب والحلول الاستراتيجية

ص: 119

لمكافحة الفقر.

فرضية البحث

ينطلق البحث من فرضية مفادها أن للإمام علي ابن أبي طالب (ع) رؤية مميزة وشاملة وعميقة لأسباب مشكلة الفقر من جهة والاستفادة من هذه الرؤية لحل المشكلة في واقعنا المعاصر من جهة أخرى (قال رسول الله (ص): أعلمكم علي).

أهداف البحث

يسعى البحث إلى دراسة الأتي:

1 - معرفة مشكلة الفقر

2 - الأسباب والحلول الاستراتيجية لمشكلة الفقر التي بينها الإمام علي (ع) في نظريته الاقتصادية المتكاملة التي طبقها على ارض الواقع.

3 - الاستفادة من تجربة الإمام علي (ع) في معالجة مشكلة الفقر على ارض الواقع الراهن.

منهجية البحث

أن طبيعة موضوع الدراسة واحتوائه على عدة عناصر رئيسة کالاقتصاد والتاريخ والفقه والسياسة، قد حددت منهجية البحث بالمنهجين التاريخي والتحليلي بشكل رئیس والاستفادة من المنهج المقارن كلما اقتضت الضرورة ذلك.

هيكلية البحث

من اجل التحقق من فرضية البحث، ثم الوصول إلى أهدافه، فقد تناول البحث المباحث الآتية:

ص: 120

المبحث الأول / مفهوم الفقر.

المبحث الثاني / أسباب الفقر في ضوء ما أكد عليه الإمام علي (ع).

المبحث الثالث / الحلول الاستراتيجية لمكافحة الفقر في ضوء ما بينها الإمام علي (عليه السلام).

ص: 121

المبحث الأول

مفهوم الفقر

الفقر يشير في اللغة إلى الافتقار بمعنى العوز، والمتعارف عليه أن الفقر هو حالة العوز المادي حيث يعيش الإنسان دون حد الكفاف المتمثل يسوء التغذية والمجاعة حتى الموت، والذي يؤدي إلى انخفاض المستوى الصحي والتعليمي والحرمان من امتلاك السلع المعمرة والأصول المادية الأخرى وفقدان الضمان لمواجهه الحالات الطارئة كالمرض و الإعاقة والبطالة والكوارث والأزمات(1).

وقد تصدى الإسلام للفقر وأولاه اهتماما خاصا، فقد ذكر في القرآن الكريم في أكثر من أية مشيرة إلى الحالة التي يعاني منها الفقراء مثل «بسم الله الرحمن الرحيم» للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس ألحافا»(2)

وقد تناول المشرع الإسلامي مسألة الفقر، فقد أشار الرسول محمد (ص) أن الله يسأل أين صفوتي من خلقي؟ فتقول الملائكة ومن هم يا ربنا فيقول: فقراء المسلمين. وقول الإمام علي (عليه السلام): الفقر كالموت الأكبر، فالإمام يرى أن القبر خير من الفقر(3).

وبين السيد مرتضى الشيرازي بأن الفقر يمثل عدم القدره للوصول إلى الحد الأدنى من الاحتياجات المهمة المادية كالطعام والسكن والملبس ووسائل التعليم والصحة وحاجات غير مادية مثل حق المشاركة والحرية الإنسانية والعدالة الاجتماعية (4)، فهو يتمثل بعدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة.

هذا وتنطلق تقارير التنمية البشرية من قناعه مفادها أن الفقر الحقيقي هو

ص: 122

الذي يتمثل في انخفاض دليل التنمية البشرية HDI الذي صاغته التقارير بناء على مكونات عديدة يمثل الفقر منظورا أليا فيها(5).

وفي هذا الصد فقد عرف تقرير التنمية البشرية لعام 2010 الفقر بأنه لا يعني عدم كفاية الدخل فحسب بل يتجاوزه إلى إبعاد أخرى منها تدهور الصحة وسوء التغذية، وتدني مستوى التعليم والمهارات، وعدم كفاية موارد العيش، وعدم توفر السكن اللائق، والإقصاء الاجتماعي، وعدم المشاركة، فهذا الفقر الذي يعيشه الكثيرون في مختلف أنحاء العالم.(6) ومن التعاريف التي تستند إليها الدراسات الراهنة في برنامج العمل الدولي وهو التعريف الذي أطلقته لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي تعرف الفقر بأنه ظرف أنساني يتسم بالحرمان المستدام أو المزمن من الموارد، والمقدرات والخيارات، والأمن والقوة الضرورية للتمتع بمستوى لائق للحياة وغيرها من الحقوق المدنية والثقافية و الاقتصادية والسياسية والاجتماعية(7).

أذن أن الفقر لا يعني قلة في الخبز ولا يعني التضور من الجوع الجسدي فحسب، أنما يتعدى إلى كونه نوع أخر يسهم في تدمير حياة الإنسان ويجعل الأخير غير قادر على الإنتاج والإبداع وبهذا يتحول إلى عبئ ليس على نفسه وعائلته فحسب، وإنما عبئ على مجتمعه ودولته، فضلا عن كونه عبئا على العالم أجمع (8)وكلما كثر هذا النوع من الناس كلما كبرت وتضاعفت نسب الفقر في العالم.

ص: 123

المبحث الثاني

أسباب الفقر

هناك أسباب كثيرة تقف وراء حدوث ظاهرة الفقر وتزيد من نسبة الفقراء في المجتمع بشكل مباشر أو غير مباشر ومن أهم هذه الأسباب: -

1 - ملكية الدولة (9)

للتملك في النظام الإسلامي حالتان، فأما أن يكون الشيء المراد تملكه واقعا تحت ملك الغير فهذا يمتلك أما بالشراء أو الهبة أو الميراث.

والتملك لهذا الشيء في هذه الحالة مرتبط بقوانين وشروط البيع والهبة والإرث، ولا فرق بعد ذلك بين أحد من الناس في تملك ذلك أذا ما كان محققا لشروط البيع أو الهبة أو الإرث. أما الحالة الثانية فهي أذا كان الشيء المراد تملكه غير خاضع تحت ملكية مسبقة فهو في هذه الحالة غير خاضع لأي شروط غير شرط السبق والحیاز والإعمال، وإلا فالكل له الحق في التملك أذا سبق إلى شيء وهو حر في التصرف فيه.

قال تعالى «هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا» (10)، ولان الأرض لله ولمن سبق إليها وعمرها إذ في الإسلام في هذا الباب قاعدتان: -

القاعدة الأولى

«هی قاعدة (الأرض لمن عمرها) ويتبعها كما في حديث أخر قول الرسول (ص وآله) (ثم هي لکم مني أیها المسلمون)».

ص: 124

القاعدة الثانية

قاعدة «من سبق إلى ما لا يسبقه إلية المسلم هو أحق به».

أي المباحات التي جعلها الله تعالى للجميع من بر وبحر وسهل وجبل وغابة وما أشبه ذلك أذا سبق أحد إلى شيء منها بنية الحيازة كان هو أحق بها لملكية لها بالحيازة، فالإنسان مثلا لو أستخرج الملح من المعدن وحازة فهو له، وكذلك مع باقي مصادر الثروات الطبيعية، والبحار وثرواتها، والغابات، والمعادن

فالأرض ومصادر الثروات الطبيعية الأخرى وكذلك الثروات الطبيعية نفسها لو كانت متاحة.

ومجانية للجميع فأن تكاليف هائلة ستسقط عن كاهل الفقراء وتنخفض نسبة الفقر بشكل ألي، كما تتوفر للفقراء فرص ومصادر سهلة للإثراء المشروع.

وفي حكومة الإمام علي (عليه السلام) تم أعطاء حق الحرية للفرد في أن يزرع أو يبني أو يرعى أو يستثمر حيث يشاء في أي مصدر من مصادر الثروات الطبيعية (11).

2 - نهب المال العام

الحصول على أموال الدولة والتصرف بها دون وجه حق تحت مسميات مختلفة، بحيث يتزعزع كيان الدولة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي تتمثل بالاختلاسات الضخمة التي تأخذ من المال العام وتذهب إلى الحسابات الشخصية لجهات معينة، وبالتالي تركز الأموال الضخمة في أيد فئة قليلة من المجتمعات، وحرمان الأكثرية من الناس من الخدمات الضرورية من الماء والكهرباء والمشتقات النفطية على أنواعها. وغير ذلك من أعمال تصب في

ص: 125

النهاية في سرقة المال العام. كالرواتب الضخمة التي يتمتع جهات معينة بالإضافة إلى المبالغ الكبيرة التي تصرف على أمور لا تصب في مصالح العامة من الناس التي أخذت حيزا كبيرا من أموال الدول، في حين يعاني الكثير من موظفي دوائر الدول والمؤسسات من قلة الرواتب وعدم كفايتها لسد حاجاتهم وحاجات عوائلهم بالإضافة إلى الذين لا يجدوا عمل فهولاء في حال مالي أسوء. كما أن هناك سرقة تقوم بها الحكومات ولكنها مقنعه كالضرائب أو بيع النفط والغاز، مع أنه ملك للناس. (12)

3 - الفساد

قال الإمام علي (عليه السلام) «لا ينبغي أن يكون الوالي المرتشي في الحكم، فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع». (13)

ظهور عدد من حالات الفساد على مستويات عالية أثارت مخاوف على المستوى الدولي، ومع

تزايد توافق الآراء على أن الفساد يمكن أن ينال بدرجة خطيرة من قدرة البلد المعني على تحقيق النمو الاقتصادي الاحتوائي. (14)

لبيان دور الفساد المالي في ظهور الفقر وتعميق لابد من الرجوع إلى التعريف الذي وضعته منظمة الشفافية الدولية للفساد،

حيث عرفته على أنه: «استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة(15) ويسبب الفساد المالي المزيد من الفقر وعدم العدالة في توزيع الدخل ويؤدي إلى تقليل فرص الفقراء في الحصول على حقهم الطبيعي في وظائف الدولة».

ويمكن النظر إلى الفساد كمعوق للاستثمار وللتنمية الاقتصادية ويرفع من

ص: 126

كلفتها، فالمستثمرين الذين يهمهم الربح السريع والعالي يسألون عن (مفاتيح) الفساد وعن رجال الإعمال المحليين من أصحاب النفوذ. إذن يتضح في النهاية أن الفساد يسبب (16):

- انخفاض الإيرادات العامة والزيادة في النفقات.

- التقليل من النوعية والجودة والكفاءة

- اضطراب إجراءات التوظيف والترفيع والتعيين في الدولة والقطاع العام

وهذا كله يساهم في وجود ملايين من البشر أسرى البؤس والفقر والمرض والصراعات وأشكال الاستغلال الوحشي.

4 - الربا

أن مسألة الربا لغة بمعنى: «الزيادة، وأن الربا مشتق من الربوة، بمعنى العلو، إذ أن المرابي يعلو على غيره، وان ماله يعلو على مال غيره، والربا بنظر الشرع حرام وبنظر العقل باطل، وبنظر الاقتصاد ممحوق، وليس ذلك أمر غيبيا بل أمر خارجي حقيقي(17)» قال سبحانه: «يمحق الله الربا ويربي الصدقات»(18)، فذلك لأجل أن الربا يجمع المال من أيادي متعددة إلى يد واحدة، وبذلك يقل العمل والإنتاج، وذلك محق وتقليل للثروة، إذ اليد الواحدة الأكلة للربا لا تتمكن من عمل كل أولئك، فتبطوء عجلة الإنماء.

قال الله سبحانه: «الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ذلك بأنهم قالوا أنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا «إلى قوله سبحانه «فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون» (19).

جاء النهي عن الربا لما له من نتائج وخيمة مترتبة غالبا عليه: الفقر المدقع

ص: 127

الموجب لمختلف

الجرائم، وأنواع الأمراض وما أشبه ذالك فأن الفقر سواد الوجه في الدارين کما قال الرسول محمد (صلى الله عليه وآله)(20).

أن الربا لا يأتي منه إلا الفساد حتى وأن كان كما يدعى بنمو معتدل وقد أشار إلى ذلك الإمام الرضا (عليه السلام) في جواب السؤال عن علة تحريمه قائلا: «لما فيه من فساد الأموال إلى أخر قوله (عليه السلام)، فحرم الله عز وجل على العباد الربا لعلة فساد الأموال. «وعلية فالفائدة مكسب غير شرعي لأنها لا تقوم على أساس عمل منفق (21).

وان ما يميز العولمة الإسلامية من الجانب المادي والمالي هو عدم المراباة، فأن عدم المراباة هو الميزة الجوهرية للاقتصاد الإسلامي، حيث لا يَظلم ولا يُظلم صاحب رأس المال، كما قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ٭ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ» (22).

وهذه الميزة إلا ربوية هي من مفاخر وخصائص هذا الاقتصاد السماوي السليم وبها يتميز وينفرد وبشكل واضح عن الاقتصاد الرأسمالي وعن الاقتصاد الشيوعي والاشتراكي السائد.

ينظم الإسلام برنامج اقتصادياته ويرسم الحدود والقيود للمكاسب من باب أن العمل سبب لتنمية المال فلأخير لا ينمو، والنقود لا تلد النقود ولو مر عليها ألف سنة.

هذا وان من الحالات التي ينشر بها الربا آفة الفقر في الامة(23):

ص: 128

1 - أما أن يكون المقترض بحاجة ماسة، كما لو احتاج إليها لتلبية حاجاته أو حاجات عائلته الملحة أو لتسديد دين أو لدفع غرامة أو ضريبة أو غير ذلك.

2 - أن يقترض للتجارة أو التوسع في التجارة، فأن اخذ الربا من هذا المستثمر يؤدي إلى تشديد الضغط على الفقراء أيضا، فهو من اجل إن يعوض نسبة الربا المفروضة علية، يضطر أما لتخفيض أجور العمال، وهم عادة من ذوي الدخل المحدود، وإما لزيادة قيمة منتجاته مما ينعكس سلبا على الفقراء.

وأخیرا نرى كيف أن الإسلام بتحريمه للربا يبعد اثر هذه الآفة عن الأمة ويعطي في نفس الوقت فرص لتحقيق الأرباح، حيث إن الأصول التي تتملكها البنوك التي تطبق الشريعة الإسلامية في كافة عملياتها ارتفعت بنسبة 6، 28% لتصل إلى 822 مليار دولار في عام 2009 مقابل 639 مليار دولار في عام 2008 في حين إن اكبر إلف بنك في العالم لم يتجاوز النمو السنوي في أصولها 8، 6% خلال نفس المدة، حيث هناك صلات وثيقة بين القطاع المالي والأصول الحقيقية حيث ساعد هذا على حماية هذا القطاع من أسوء أزمة ائتمان.

5 - انعدام المساواة

أن انعدام المساواة المتنامي على نطاق العالم قد أصبح اتجاها رئيسا فيما بين البلدان وداخل البلد الواحد (24). فمن الملاحظ إن الثروة العالمية تتركز على نحو متزايد في أيدي قلة ضئيلة، فقد بينت الإحصاءات أن نسبة (1%) من سكان العالم يمتلكون نسبة (20%) من الثروة العالمية وما زال يوجد (2، 1) مليار شخص يعيشون في حالة فقر مدقع، ويموت كثير من الأطفال من سوء التغذية قبل بلوغ سن الخامسة. وهذا ما يدل على وجود علاقة تشابك ما بين انعدام المساواة والفقر. فمن غير الممكن مناقشة السياسات الحكومية الرامية إلى إنهاء الفقر دون

ص: 129

التصدي لأسباب انعدام المساواة (25).

ويرتبط احد أسباب تزايد أوجه انعدام المساواة شواغل تتعلق باليد العاملة، حيث أن الأجور لم تواكب الإنتاجية، والنمو. ويمكن أن يعزى نمو أوجه انعدام المساواة إلى(26):

1 - (القيود المفروضة على المساومة الجماعية.

2 - الانخفاض المزن الطويل الأجل في نصيب الأجور من الدخل لصالح الإرباح (27)

3 - الشروط المعمول بها في قطاع العمل غير الرسمي.

4 - نماذج الضرائب.

5 - أوجه عدم التجانس كبيرة في قوة المساومة بين المشترين الكبار والمنتجين الصغار.

6 - انعدام الاستدامة في خطة التنمية).

6 - إعطاء الأولوية للضرائب على حساب الأعمار والتنمية

من المعروف أن الضرائب لا تخلو من كونها من المضعفات لحوافز العمل والإنتاج والتوزيع لدى الإفراد فهي تؤثر على العمل من حيث كونها تمثل اقتطاع جزء من دخول الإفراد مما تساهم في خفض مستوى استهلاكهم من السلع الضرورية وبالتالي النقص من قدرتهم على العمل، والضرائب عندما تساهم في تخفيض الدخول ينخفض حجم المدخرات ثم ينخفض حجم الاستثمار وبالتالي ينخفض حجم الإنتاج، وينشأ عن الضرائب الغير مباشرة سوء توزيع للدخول والثروات أذا أصابت الفئات الفقيرة أكثر من الفئات الغنية (28).

أن إعطاء الضرائب الأولوية المطلقة على حساب السياسات الاقتصادية الداعمة لتوفير السلع الضرورية ولتنمية القطاعات المهمة في حياة الإفراد

ص: 130

كالتعليم (النوعي والكمي) والإنفاق على البنى التحتية كبناء الجسور والطرقات والضمان الاجتماعي وغيرها الكثير يفيد في تكريس الاستبداد بعينه وقمع الشعوب ومصادرة الحريات وفي النهاية كل هذا يصب في زيادة غنى الأغنياء وفقر الفقراء.

فالرؤية الاقتصادية للنظرة الإسلامية التي ترى في إعطاء الضرائب الأولوية يصب في خسارتين(29):

1 - التقليل من مستوى الإنتاج، حيث يصبح الفرد المنتج غير راغب في زيادة الإنتاج رغم طموحة الكبير في مجال عمله وهذا ينعكس على انخفاض مستوى الناتج المحلي الإجمالي.

2 - التبعات من فرضها تكون سلبية إذ ستتناقص نسب الضرائب التي كانت تحصل عليها الحكومة بشكل مؤكد. هذا بالإضافة إلى الإضرار النفسية والاجتماعية التي ستترك في المجتمع.

7 - المقامرة

قال تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا» (30). قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يسلم على أربعة، السكران في سكره، وعلى من يعمل التماثيل، وعلى من يلعب النرد، وعلى من يلعب بالأربعة عشر، وأنا أزيدكم الخامسة أنهاكم أن تسلموا على أصحاب الشطرنج»(31)

لقد كانت المقامرة من الأسباب الرئيسة لتدمير البناء الاجتماعي للفقراء، كما تعد سبب رئيس للازمات المالية العالمية وخصوصا في بدايات القرن الحالي، حيث جاءت من خلال تأمين حاملي السندات العقارية على أصل تلك السندات

ص: 131

وعوائدها لدى شركات التأمين وفي حالة فشل المقترض ممثلا في مشتري العقار في الوفاء بما عليه من التزامات تقوم مؤسسة التأمين بسداد مستحقات حامل السند ثم بيع العقار فيما بعد، وعندها تحصل شركة التأمين على مستحقاتها وقد ظهرت المقامرة من خلال المقامرات باسم المضاربات أو المراهنات من خلال البيع على المكشوف، والمشتقات المالية على الأوراق المالية(32).

أن عقود المشتقات في وقت الأزمة ما هي ألا مقامرة على وقائع غيبية لا يحدث فيها تسليم ولا قبض للسلع ولا دفع ثمن، وإنما تسوية عند التصفية لفروق يدفعها الخاسرون ويربحها الرابحون، فقد كان إجمالي المشتقات عالميا يزيد على كدرليون (Quadrillion) دولار وهو رقم لم يتعود معظمنا على استخدامه (33).

وعلية فأن ثمرة المقامرة تكونت من المشتقات المالية والبيع على المكشوفات، والمضاربات الوهمية، والتي أدت في نهاية المطاف إلى دمار الإفراد والمؤسسات والاقتصاد.

8 - الاحتكار

تعددت الكلمات في كتب اللغة ومصادر العربية حول كلمة الاحتكار والحكره، ففي هذا بين الفيروز أبادي أن الحكر الظلم وإساءة المعاشرة وبالتحريك ما احتكر، أي احتبس انتظارا لغلائه وفاعله حكرا (34). ويتمثل الاحتكار في الاقتصاد بالحالة التي يوجد فيها بائع أو منتج واحد يؤمن المنتوج ويسيطر على كامل السوق، وهو الذي يقرر أسعاره(35).

وفي هذا الصد قال الرسول (صلى الله عليه وآله): «الحالب مرزوق، والمحتكر ملعون»، وقال أيضا (صلى الله عليه وآله): «أطلعت في النار فرأيت واديا

ص: 132

في جهنم يغلي، فقلت: يا مالك لمن هذا؟ فقال لثلاثة: المحتكرين والمدمنين الخمر والقوادين»(36).

قال الإمام علي (عليه السلام) في كتابه إلى مالك الاشتر : «فأمنع من الاحتكار فأن رسول الله (صلى الله عليه وآله)

منع منه، وليكن البيع سمحا بموازين عدل واسعا لا يجحف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل وعاقب في غير إسراف» (37).

9 - تلوث البيئة

العملية الصناعية التحويلية لم تؤدي إلى مشاكل بيئية كبيرة في الدول النامية في بداية الأمر لان هذه الدول كانت بكرا والصناعة محدودة، مع الاعتماد على مناطق المناجم لإنتاج المواد الأولية، بحيث حتى وان حدثت بعض المشاكل، فأن المشكلة الأساسية كانت تتمثل بتوفير لقمة العيش وإيجاد فرص للعمل، إضافة إلى إن الحكومات نفسها كانت لم تعير اهتماما بشعوبها وبالتأكيد فأن صناع الغرب لم يكن ليهتموا بهذه الشعوب.» ولكن استمرار الاستثمار بهذه الصناعة ولد الكثير من الملوثات منها على سبيل المثال زيادة نسبة غاز ثاني اوكسيد الكاربون من (278) جزء / المليون في عام 1800 إلى (378) جزء / المليون عام 2004 إي بنسبة زيادة (36%)، وهنا تتضح أهمية اتفاقية كيوتو وضرورة تطبيقها»(38).

10 - التسليح

«رغم حاجة المجتمعات إلى الحاجات الأساسية من سلع الاستهلاك وحياة السلم ولرفاه الاجتماعي المدني، إلا أن مغريات الربح الفائق غير العادي في مجالات الإنتاج العسكري، دفعت أصحاب رؤوس الأموال الضخمة في دول العالم إليه،

ص: 133

فقد مثل هذا الربح الأساس الاقتصادي للحروب وسباق التسلح، فقد قاربت النفقات العسكرية العالمية حوالي (2800) مليار دولار أي تريليونين و(800) مليار دولار، فقد قفزت الميزانية العسكرية الأمريكية إلى حوالي (379) مليار دولار عام 2006». (39)

11 - كثرة الموظفين

أن الإسلام يرى في ظاهرة البطالة المقنعة عبئا على الفقراء، حيث أن من تداعياتها ضعف أداء هذه الفئة من الموظفين المساهمة وبشكل كبير في كثرة الغيابات، وانشغال الوقت في إعمال غير الإعمال المناطة بالموظف، وترك مكان العمل دون عذر،» وغياب الدافعية، وطغيان السلبية، وندرة المحفزات بأنواعها وبالتالي تدني مستوى الإنتاجية، وتعطيل العمل، وتأخير الانجاز، ونشر جو من التخاذل بين الإفراد العاملين بعد أن كان الأخيرين محبين للعمل والإنتاج، وترسيخ نظرية أن العمل الحكومي المغلق يصرف الراتب سواء عمل الموظف أم لم يعمل، مما يعني توليد طبقة تستهلك دون أنتاج، بينما الفقير يجهد نفسه لينتج لكنه بالكاد يتمكن من الاستهلاك والحصول على ما يريده»(40).

ومن الأسباب التي كانت وراء حدوث هذه الظاهرة في الدول النامية تكدس العاملين في الجهاز الحكومي بما يفوق احتياجات تلك الأجهزة كنتيجة التزام الجهاز بتعين الخرجين دون أن يكون هناك احتياج حقيقي لإعمالهم، بحيث يكون هناك وجود لمن يؤدي عملا ثانويا لا يوفر له كفايته من سبل العيش أو أن بعض إفراد يعملوا سوية في عمل يمكن أن يؤديه فرد واحد، وفي كلا الحالتين لا يؤدي العامل عملا يتناسب مع ما لدية من قدرات وطاقة للعمل. «مع العلم أن التواريخ كتبوا أن مصر في زمان الإسلام، حيث كان عدد نفوسها عشرة ملايين

ص: 134

كان الموظفين فيها خمسمائة فقط، ما عدا الجيش، والكل يعلم أن الجيش في الإسلام شعبي لا يكلف الدولة شيئا، لا جيش احتياط ماعدا بعض الإفراد أو الذين يلزم وجودهم الدائم للتدريب والحفظ وما أشبه»(41).

ص: 135

المبحث الثالث

معالجات الفقر عند الإمام علي (عليه السلام)

لا يزال الفقر يشكل مشكلة خطيرة في المجتمع البشري، رغم كل التطور العلمي وكل البرامج والمناهج الاقتصادية على جميع الأصعدة، فهذه المشكلة تتعقد بشكل مستمر في كافة نواحي الحياة: السياسية منها والاجتماعية، والنفسية والفكرية والروحية، والقانونية والدينية. وقد بات واضحا عجز الإنسان عن التوصل إلى حل شامل ومتكامل لمشكلة الفقر، وإذا كان ثمة حل جذري للمشكلة، فأن مصدره السماء، «حيث أن الإله الحكيم والعادل والمحيط بكل شيء والقادر هو الذي يكمن عنده حل المشكلة بما فيها مكوناتها الثلاث البشر -الثروات - النظم والمناهج».

ومن هنا كان التجاءنا إلى التعاليم الإلهية التي ارشد إليها القران الكريم وأقوال رسول الله (ص وأله) والإمام علي (ع) في التعرف على حل لمشكلة الفقر.

أولا: امتلاك الناس لكل الثروات

انطلاقا من قوله تعالى «خلق لكم ما في الأرض جميعا» (42)، كل ما خلق في الأرض هو ملك لكافة الناس، وهذا يعني لا توجد هناك ملكية للحكومة المعنية على كل ما موجود في الأرض، وبعبارة أخرى» أن كل ما موجود على الأرض هو ملك وبشكل مباشر لكافة الناس وظيفة الحكومة فقط تنظيم هذه العملية فحسب، بحيث يمكن لأي فرد امتلاك قطعة ارض ليسكن فيها أو يستثمر فليس علية دفع ثمنها إلى الحكومة، وفي هذا حل لمعظم المشاكل الاقتصادية التي تمر بها الدول «فعندما تصبح الأراضي مجانا هذا يوفر فرص عمل هائلة (فتح

ص: 136

متاجر وورش ومصانع) ويزيد قدرة معظم الناس وخصوصا أصحاب الدخول المنخفضة على الاستثمار حيث يسهل دخول هولاء إلى المجالات الإنتاجية كإنشاء المزارع الإنتاجية ورعي الأغنام والأبقار وهذا يرفع من مستويات الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني. وهنا يرى الإمام علي (عليه السلام) «إن ثروة الأمة تكون لأبنائها العاملين فقط، بعد اخذ الحق العام، فجناة أيديهم لا تكون لغير افواهم» (43).

ثانيا / الضمان الاجتماعي

يعتبر الفقر من المشاكل التي يعالجها الضمان الاجتماعي وهو من اخطر المشاكل وأكثرها سلبية على الفرد والمجتمع، ولقد عزز الإمام علي (عليه السلام) من مسألة الضمان الاجتماعي، إذ يقول: «أدوا ما افترض الله عليكم من الحج والصيام والزكاة ومعالم الإيمان فأن ثواب الله عظيم وخيره جسيم وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر وأعينوا الضعيف وانصروا المظلوم»(4).

وفي رؤيته (عليه السلام) « الخلق عيال الله، وأحب الناس إلى الله أشفقهم على عياله»(45)، كما يقول (عليه السلام): «ما من عمل أحب إلى الله تعالى من كشف الضر، يكشفه رجل عن رجل»(46)، ونلاحظ في هذه المقولة مدى سعة حق الضمان الاجتماعي لكل إنسان بغض النظر عن إي وصف أخر، ولاسيما إذا ما كان تحت سلطة الدولة الإسلامية.

من إشارات الإمام علي (عليه السلام) في الضمان الاجتماعي في نظر الكاتب المعاصر هي (47):

1 - رسم إلية وصيغ تنفيذ الضمان الاجتماعي ونقله من النظرية المثالية إلى

ص: 137

الواقع العملي الملموس.

2 - تحديد طبقة الفقراء وغيرهم من الفئات الاجتماعية المستفيدة من الضمان الاجتماعي ففي هذا يحدد الإمام علي (عليه السلام) هذه الفئات بقوله: «ثم الله الله في الطبقة السفلى الذين لاحيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤس (شدة الفقر) والزمني (ذوي العاهات) فأن في هذه الطبقة قانعا (سائلا) ومعترا المتعرض للعطاء بلا سؤال وأحفظ الله ما استحفظك من حقه فيهم وأجعل لهم قسما من بيت مالك من غلات (الثمرات))».

ففيما يتعلق برسم الإلية التي تتجسد في: -

1 - إنشاء هيئة الضمان الاجتماعي والتي حددها الإمام بأن تكون «من أهل الخشية والتواضع»(48)

ويتصف القائم على هذه الهيئة بالتقوى «إن يتقي الله في سرائر وخفيات إعماله حيث لا يشهد غيور ولا وكيل دونه»(49) وعمل هذه الهيئة مرتبط مباشرة بالحاكم وتكون ذات أولوية خاصة لدية، إذ يقول «ليكن احضى الناس منك أحوطهم على الضعفاء وأعملهم بالحق»(50).

2 - إلية تنفيذ العمل تكون من خلال وجود خطة للعمل، ابرز معالمها:

أ - التركيز على إعطاء الحقوق لمستحقيها إذ يقول الإمام هنا «أفضل الجود إيصال الحقوق إلى أهلها»(51) و «خير البر ما وصل إلى المحتاج»(52).

ب - التأكيد على إعطاء الحقوق دون مماطلة أو تسويف من الجهة المانحة سواء كانت الدولة أو غيرها.

وفي هذا يقول الإمام علي (عليه السلام): «أفضل الجود إعطاء العطية قبل

ص: 138

ذل السؤال»(53)، ويقول «السخاء ما كان ابتداء فأما ما كان عن مسائلة فحياء وتذمم»(54)

انسجاما مع رؤية الإسلام وفلسفته للحياة، بل أن الإمام يؤكد أن تحقيق الضمان الاجتماعي لإزالة الفقر هو جزء مهم من أسباب الدعوة الإسلامية ككل، حيث يقول الإمام (عليه السلام) «أن لأهل الدين علامات يعرفون بها صدق الحديث ورحمة الضعفاء»(55).

ثالثا / التكافل الاجتماعي

يعني التكافل الاجتماعي أن يكون أفراد المجتمع مشاركين في المحافظة على المصالح العامة والخاصة ودفع المفاسد والإضرار المادية والمعنوية بحيث يشعر كل فرد فيه أن علية واجبات إزاء الآخرين كما له حقوق، ويكون له شعور بالمسؤولية إزاء الذين ليس باستطاعتهم أن يحققوا حاجاتهم الخاصة وذلك بإيصال المنافع إليهم ودفع الإضرار عنهم

والتكافل الاجتماعي يتحقق بتطبيق الإسلام عقيدة وشريعة ونظاما وسلوكا وهذا واضح من سيرة الرسول الأكرم والإمام علي (عليه السلام) صلى الله عليهما وسلم وفي هذا يقول الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله): «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد أذا أشتكى منه عضوا تدعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

ومما يدل على أن الإسلام أهتم ببناء المجتمع المتكامل بوضعه لدعائم وأسس التكافل الاجتماعي في أبعاد عديدة انطلاقا من قوله تعالى « وتعاونوا على البر والتقوى» وقول رسوله (صلى الله عليه وآله)» ما أمن بي من بات شبعانا وجاره

ص: 139

جائع» «وليس بمؤمن من بات شبعانا وجاره جائع». وقد طبقت أسس التكافل الاجتماعي في حكومة الإمام علي (عليه السلام) حيث طبقت التعاليم التي أقرها الإسلام في مجال التكافل الاجتماعي:

1 - «قانون تكفل الزوج لنفقات الزوجة.

2 - تکفل الابن لنفقات والديه ما داموا محتاجين إليه

3 - تكفل الأب لنفقات أولاده».

وكل ذلك كان بمعنى محاصرة الفقر من كافة أطرافه، فأن الزوجات والإباء والأبناء يشكلون أكثرية المجتمع وكان ذلك مطبقا في حكومة الإمام علي (عليه السلام)(56)

رابعا / الحرية من المقومات الأساسية لنهوض المجتمعات

قال تعالى «ويضع عنهم أصرهم والأغلال التي كانت عليهم» (57) عندما أصل الإسلام مبدأ الحرية وجعله مطلبا طبيعيا وحاجة بشرية وجعل لهذا الأصل امتداداته الواسعة والشاملة لكل مناح الحياة، وجعل في نفس الوقت هذه الحرية محكومة بالمصلحة الإنسانية ومنقادة لها بحيث لا تؤدي إلى ضرره أو إلى ضرر الآخرين فللإنسان حريته ولكن للآخرين حرية أخرى فيلزم أن لا تصطدم حريته بحريتهم وبعبارة أخرى أن الجميع أحرارا في جميع الأمور باستثناء المحرمات فقط (58) ومن هذه المحرمات المقامرة، والربا، والاحتكار... الخ.

الإسلام منح الناس الحرية التي يجب في نفس الوقت أن تسندها الدولة في أنتاج وتصنيع ما يحتاجونه أو يريدونه من مواد غذائية وإنشائية وخدماتية سواء في مجال الزراعة، أو الصناعة، أو الفنون والتقنيات اللازمة، فتفتح عليهم أبواب

ص: 140

العلوم والحرف والمهن والكسب والاكتساب والتصدير والاستيراد، وفي هذا يقول الإمام علي (عليه السلام): «كل شيء يكون فيه حلال وحرام هو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه»(59). أن الإمام لا يكتفي بأن يؤصل الحرية بقوله «أيها الناس أن أدم لم يلد عبدا ولا أمة وأن كل الناس أحرار «بل يدعوا الإنسان إلى إن يطالب ويكافح من أجل حقه المشروع في الحرية فيقول (عليه السلام): «ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا»(60).

خامسا / المساواة

من السمات البارزة للإمام علي (عليه السلام) المساواة العادلة بين مختلف أفراد الأمة في تقسيم أموال الأمة التي هم فيها سواء عليهم بالسوية.

من صفاته (عليه السلام) « القاسم بالسوية، العادل في الرعية» وتطبيق ذللك كلف الإمام علي (عليه السلام) الكثير من المتاعب والانشقاقات والحروب وتفرق بعض الرؤوس عنه ولكن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يعبئ بكل ذلك مقابل التطبيق الحرفي والدقيق للإسلام وقد بدأ أمير المؤمنين (عليه السلام) في المساواة بنفسه الكريمة أولا ثم طبقها على غيره، لكي لا يكون للناس حجة (61)

سادسا / تحديد الضرائب

عندما نتدبر كلام أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) فيما يتعلق بالضرائب، فهو يقول: «تفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فأن في صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لان الناس كلهم عيال على الخراج وأهله وليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج، ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة، خرب البلاد وأهلك العباد ولم

ص: 141

يستقم أمره إلا قليلا»(62).

كلما كانت الضرائب من قبل الدولة على المكلفين مرنة، كلما صبت في مصلحتهم، أي سيحققون مزيدا من الإيرادات ثم الإرباح مما سيدفعهم إلى زيادة جهودهم واستغلالهم لها لتوسيع الإنتاج ومن ثم زيادة إرباحهم، من اجل تغطية الضرائب المفروضة عليهم، التي بمثابة تكاليف إضافية تضاف إلى تكاليف الإنتاج الكلية، وإبقاء مستويات إرباح هولاء المنتجين على حالها لابد من زيادة مستوى الإنتاج الذي يؤدي إلى توفر المزيد من السلع، وهذا يؤدي إلى تطور قطاع التجارة وقطاع النقل وغيرها من القطاعات المكونة للاقتصاد القومي.

وإذا ما تم إنفاق الضرائب لتدعيم الخدمات العامة، والى تحسين البني الارتكازية، فأن ذلك سيؤدي إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحل الكثير من المشاكل المتعلقة بالسكن والغذاء (63)، وغيرها من مشاكل الفقر.

سابعا / تقليص ساعات العمل

رأى الإسلام في تقليص ساعات العمل توفير مساحة اكبر للفقراء للمشاركة في الإنتاج لانتشال أنفسهم من الفقر، إضافة إلى أن في تقليص ساعات العمل فوائد للعامل منها (64): -

1 - «توفر الوقت اللازم لتجديد نشاطه

2 - تنمية ملكاته

3 - الإشراف على شؤون أسرته

حيث إن حياة العامل تبدأ حيث ينتهي عمله».

ص: 142

هذا وقد رفض الإمام علي (عليه السلام) إن يفرغ الإنسان من محتواه ويتحول إلى أداة للإنتاج الاقتصادي، لذلك أشار (عليه السلام) إلى حق العامل في إن يخلد إلى الراحة، إذ يقول: «للمؤمن ثلاث ساعات، ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يرم معاشه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما یحل يجمل» (65). وقد دعا الإمام (عليه السلام) إلى تقليص ساعات العمل في وقت خلافته عبر طرق عديدة منها(66).

1 - «التحريض على الخروج مبكرا من السوق.

2 - الالتزام بالصلوات في أوقاتها مما يعني الخروج من السوق مرتين أو أكثر يوميا.

3 - التحريض على تخصيص قسم جيد من الوقت للعبادة وللعائلة والأصدقاء وللنزهة».

ثامنا / التنظيم والتخطيط

التنظيم مسألة ضرورية لكل جوانب حياة الإنسان، حيث أن فائدة التنظيم تتمثل:

1 - حفظ الأولويات في العمل.

2 - حفظ الجهد من الإهدار

3 - تأمين الحاجات الأساس في المجتمع.

4 - تحقيق الإنتاج الكثير بأقل الجهد والزمن.

5 - تطوير حركة المجتمع.

والتخطيط نحو من التنظيم للمشاريع الكبيرة قبل البدء بها، إذ يقول الإمام

ص: 143

علي: «فان من لم يحذر ما هو صائر إليه لم يقدم لنفسه ما يحوزها» (27) وفي هذا تأكيده على العمل بالمشاريع ذات البعد المستقبلي وعناصر التخطيط تحدد الغايات والأهداف وتضع البرامج العملية للوصول إليها ضمن مراحل العمل وكذلك يقول (عليه السلام): «شتان بين عملين، عمل تذهب لذته وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره»(68)، وقوله (عليه السلام): «لا يعدم الصبور الظفر وان طال به الزمان»(69)، فالتخطيط الواقعي الدقيق يأخذ بنظر الاعتبار دور الزمان في انجاز المشروع والإمكانات اللازمة له والعقبات التي تعيق العمل، والطريقة الصحيحة لمواجهة العقبات وهذا معنى التدبير والعلم والحيلة في الإسلام».

تاسعا / مبدأ المساءلة والمحاسبة

لقد كرس الإمام علي (عليه السلام) مبدأ المساءلة والمحاسبة بل وفتح باب معاقبة وعزل الحاكم فيما أذا خرج عن النهج الاقتصادي أو السياسي السليم الذي يعطي الناس حقوقهم.

قد هدد الإمام علي (عليه السلام) أحد الولاة المتهمين بالخيانة قائلا: «وأني لأقسم بالله قسما صادقا لئن بلغني أنك خنت من فيء المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا لا شدن عليك شدة تدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر، ضئيل الأمر والسلام»(70).

عاشرا / منع الربا والاحتكار والمقامرة والاكتناز والإسراف والتبذير وكل العوامل الأخرى المساهمة في نشوء الفقر (71).

ص: 144

الاستنتاجات والتوصيات

أولا: الاستنتاجات

1 - الفقر لا ينحصر في الجانب المادي فحسب بل له امتدادات واسعة إلى ابعد الحدود، حيث أن الفقر لا يعني قلة في الخبز ولا يعني التضور من الجوع الجسدي فحسب، أنما يتعدى إلى كونه نوع أخر يسهم في تدمير حياة الإنسان ويجعل الأخير غير قادر على الإنتاج والإبداع وبهذا يتحول إلى عبئ ليس على نفسه وعائلته فحسب، وإنما عبئ على مجتمعه ودولته، فضلا عن كونه عبئا على العالم أجمع، وكلما كثر هذا النوع من الناس كلما كبرت وتضاعفت نسب الفقر في العالم.

2. مشكلة الفقر لا تكمن في أشخاص يفترشون الأرض ويستعطون الناس، إنما في العوامل والأسباب العديدة والمتشابكة، والتي فيها مخالفة لتعاليم السماء والتي في نفس الوقت كانت السبب في وجود هذه الشريحة الكبيرة وظهورها على السطح بهذه الصورة التي طالما تثير الأسى والأسف، أكثر مما تثير الشفقة والتضامن.

3 - ملكية الدولة تساهم في وجود تكاليف هائلة على كاهل الفقراء مع زيادة في نسب الفقر.

4 - أن تركز الأموال الضخمة في أيد فئة قليلة من المجتمعات في حين أن تعاني الفئة الأكبر الأخرى من عدم كفاية أجورها لسد حاجاتها حيث وجودها في أحوال مالية سيئة.

5 - للفساد المالي دور كبير في ظهور الفقر وتعميقه من حيث مساهمته في

ص: 145

وجود ملايين من البشر أسرى البؤس والفقر والمرض والصراعات كنتيجة لإعاقته للاستثمار وللتنمية الاقتصادية

6 - أن أعطاء الضرائب الأولوية المطلقة على حساب السياسات الاقتصادية الداعمة لتوفير السلع الضرورية ولتنمية القطاعات مهمة في حياة الإفراد كالتعليم (النوعي والكمي) والإنفاق على البنى التحتية كبناء الجسور والطرقات والضمان الاجتماعي وغيرها الكثير يفيد في تكريس الاستبداد بعينه وقمع الشعوب ومصادرة الحريات وفي النهاية كل هذا يصب في زيادة غنى الأغنياء وفقر الفقراء.

7. هناك جملة من المعالجات التي وضعها ونفذها الإمام علي (ع) في أيام حکومته مستندا فيها على ما جاء في القران الكريم والسنة النبوية الشريفة.

8. من جملة ما أكد علية الإمام علي (ع) في المعالجات مسألتي الضمان الاجتماعي والتكافل الاجتماعي لان فيهما ضمان حقوق الفقراء.

9 - ومن المعالجات منع الربا والاحتكار والاكتناز وتركز الثروات في أيدي قليلة من الناس.

ثانيا: التوصيات

استناداً إلى ما تضمنته الدراسة نوصي بالاتي:

1. قد بات واضحا عجز الإنسان عن التوصل إلى حل شامل ومتكامل لمشكلة الفقر، وإذا كان ثمة حل جذري لهذه المشكلة، فأن هذا الحل مصدره السماء ومن يعرف تعاليم السماء وكيف يطبقها على ارض الواقع حق المعرفة.

ص: 146

2. إشاعة وتعميم تجربة الإمام علي من حيث تعامله مع مشكلة الفقر، عبر نشرها والأخذ بها كمنهج إصلاحي ونموذج حضاري متميز لا تنضوي تحت لوائه الأمة الإسلامية فحسب وإنما تنهل منه البشرية بأسرها..

هوامش البحث:

(1) راجي محيل هليل الخفاجي، (قياس وتحليل ظاهرة الفقر وعلاقته بالتفاوت في توزيع الدخل في الاقتصاد العراقي للمدة (1987 - 2007)، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الإدارة والاقتصاد، الجامعة المستنصرية، 2009، ص 2.

(2) القرآن الكريم، سورة البقرة، أية 273.

(3) محسن باقر الموسوي، ( الفكر الاقتصادي في نهج البلاغه)، الطبعة الأولى، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان بيروت، 2002، ص 131

(4) السيد مرتضى الشيرازي، (إستراتيجية ومكافحة الفقر في منهج الإمام علي (ع))، الطبعة الأولى، دار هيئة محمد الأمين (ص)، العراق، كربلاء، 2012، ص 131.

(5) ندوه هلال جودة، (تحليل وقياس اتجاهات الفقر في العراق للمدة 1980 - 2005)، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى مجلس كلية الاداره والاقتصاد، جامعة البصرة، 2006، ص 25.

(6) تقرير التنمية البشرية لعام 2010، ص 95.

(7) سلسلة منشورات الصحة وحقوق الإنسان، العدد 9، 5 / 2010، ص 6.

(8) يقوم البنك الدولي كل عدة سنوات بنشر تقديرات محدثة عن أوضاع الفقر، استناد إلى احدث البيانات العالمية المتعلقة بتكلفة المعيشة وكذلك إلى المسوحات القطرية الخاصة بمعدلات الاستهلاك لدى الأسر، فقد جاء في تقرير لرئيس البنك الدولي أن العالم اليوم يختلف كثيرا عما كان علية الحال قبل بضع سنوات موضحا أن المجتمع الدولي يواجه تحديات ذات طبيعة اقتصادية وإنسانية وبيئية متنوعة، ولكنها وكما بين رئيس البنك تشترك معا في سمات أساسية: -

أولا: - أنها تشكل خطرا على مكاسب التنمية التي تحققت بشق الأنفس في العقود الأخيرة.

ثانيا: - أنها ليست محصورة داخل حدود بلد واحد، فقد أدت الصراعات والحروب إلى تشرد الملايين من البشر قسرا ويعيشون ألان في مناطق أكثر هشاشة من أي وقت مضى، ويمكن أن تدمر مخاطر انتشار الحوائج والأوبئة صحة الإفراد، وكذلك اقتصاديات البلدان وتزداد مخاطر التغيرات المناخية -

ص: 147

وضوحا يوما بعد يوم مما يجعل الفئات الأكثر فقر ومعاناة الأكثر تضرر، بحيث أسفرت أوضاع الهشاشة والصراع إلى تشرد عشرات الملايين من الناس ونزوحهم من بيوتهم.

وتشير التقديرات التي نشرها البنك الدولي عام 2016 إلى أن عدد من يعيشون في إفريقيا على أقل من دولارين (90، 1) في اليوم هو (389) مليون فرد مشكلين نسبة 7، 42% من مجموع السكان. أما في منطقة شرق أسيا والمحيط الهادئ فيقدر عدد من يعشون في خط الفقر المدقع هو (90) مليون فرد بالإضافة إلى احتمالية كبيرة في وقوع (250) مليون فرد في براثن الفقر المدقع بالإضافة إلى ما تعانيه هذه المنطقة من مستوى مرتفع للتفاوت الاقتصادي. أما بالنسبة لمنطقة أوربا وأسيا الوسطى فيعيش فيها نحو (66) مليون فرد في الفقر من بينهم (19) مليون فرد يعيشون في خط الفقر المدقع. وفي منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي فهناك نسبة (39%) من السكان معرضين للسقوط في براثن الفقر مع وجود تباطأ وتيرة الزيادة في حجم الطبقة الوسطى.

أما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فهناك احتمالية كبيرة لوصول نسبة من هم في براثن الفقر إلى (53%) من سكان هذه المنطقة. وأخيرا في منطقة جنوب أسيا فهناك (309) مليون فرد يعيشوا على أقل من دولارين للفرد في اليوم.

وفي هذا الصدد يبين البنك الدولي في تقريره المذكور أن هناك أكثر من (200) مليون فرد يعيشون في أحياء عشوائية ويفتقر (500) مليون فرد إلى الكهرباء، بالإضافة إلى وجود إشكال مفرطة من الإقصاء الاجتماعي وفجوات ضخمة في البنية التحتية، كما تشهد البلدان الأكبر زيادة في معدلات عدم المساواة. التقرير السنوي للبنك الدولي 2016، ص ص، 24، 28، 32، 34، 34، 44.

(9) مؤسسة الأنوار الأربعة عشر، (الحرية في فكر الإمام الشيرازي)، المؤمل للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، 2010، ص 31.

(10) القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 29.

(11) السيد مرتضى لشيرازي، (أستراتجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (ع))، مصدر سابق، ص 84

(12) حسن طبرة، (دور الفساد في تعميق مظاهر الفقر في العراق، الكلفة الاجتماعية للفساد)، بحث منشور في مجلة النزاهة والشفافية للبحوث والدراسات، العدد السادس،، ص 24.

(13) للمزيد أنظر: نهج البلاغة، الخطبة 131، ص 30.

(14) السيد محمد الحسني الشيرازي، (الاقتصاد)، الجزء الأول، دار العلوم، الطبعة الرابعة، 1987، لبنان، ص 187.

ص: 148

(15) تقرير صندوق النقد الدولي 2016، ص 3.

( 16) سمير التنير، (الفقر والفساد في العالم العربي)، دار الساقي، الطبعة الأولى، 2009 ، لبنان، ص 15

(17) المصدر السابق نفسه، ص ص 27 - 28

(18) القرآن الكريم، سورة البقرة، أية 276

(19) القرآن الكريم، سورة البقرة، أية 275.

(20) محمد بن الحسن الحر ألعاملي، (وسائل الشيعة)، الجزء 18، الطبعة الثانية، مؤسسة أل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، إيران، 1414،، ص 121.

(21) علي حسن مطر، ( دروس في الاقتصاد الإسلامي)، الطبعة الأولى، 2005، ص 229

(22) القرآن الكريم، سورة البقرة، أية 278 - 279.

(23) السيد مرتضى الشيرازي، (إستراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)، مصدر سابق، ص 98.

(24) أظهر تقرير المخاطر العالمية لعام 2012 إن التفاوت الحاد في الدخول والأوضاع الملية غير المستقرة للحكومات تشكلان اكبر تهديد اقتصادي يواجه العالم، واظهر تقرير للبنك الدولي لعام 2016 ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب حيث بين أن هناك أكثر من (200) مليون شاب حول العالم عاطلون عن العمل، فلم يعد الناس يعتقدون ولأول مرة منذ أجيال أن أولادهم سيكبرون ليتمتعوا بمستويات معيشية أفضل، وقد بين التقرير أن هناك حوالي ملياري شخص إي أكثر من ربع عدد سكان العالم، في بلدان تعاني من أوضاع الهشاشة والصراع والعنف، تقرير البنك الدولي لعام 2016، ص ص 20 - 24

(25) مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، (نحو نظام عالمي اقتصادي أفضل تحقيقا للمساواة والتنمية المستدامة بعد عام 2015)، الدورة الحادية والعشرين، البند 12 (ب) من جدول الإعمال المؤقت، جنيف، سويسرا، 15 - 16 أيلول، 2014، ص 3 - 4.

(26) المصدر السابق، نفسه ص 5.

(27) ولعل هذا يفسر الأرقام الواردة في تقرير التنمية البشرية الواردة لعام 2005 الذي يظهر أن دخول أغنى 500 شخص في العالم مجتمعه تتجاوز دخول أفقر 416

مليون شخص في العالم، كما بين هذا التقرير أن أكثر من مليار إنسان يعيش أحدهم بأقل من دولار واحد في اليوم، وهي درجه متدنية إلى حد تهديد التبقي. وهناك

مليار و(500) مليون آخرين يعيشون على ما يتراوح بين دولار واثنين في اليوم، فيما يشكل ما يزيد

ص: 149

على (40%) من سكان العالم فعليا طبقة عالمية دنيا تجابه كل

يوم واقع الفقر المدقع أو تهديده. تقرير التنمية البشرية لعام 2005، ص ص 24، 37.

(28) ريسان حاتم كاطع، ( قياس وتحليل مؤشرات الفقر في حضر مدينة الديوانية، دراسة حالة)، رسالة ماجستير، جامعة القادسية،كلية الإدارة والاقتصاد، 2009، ص 62

(29) للمزيد ينظر: السيد مرتضى الشيرازي (استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام))، مصدر سابق

(30) القرآن الكريم، سورة البقرة، أية 219.

(31 ) السيد الشيرازي الثاني، (فقه العولمة)، هيئة خدام الهدى، الطبعة الثانية، 2002، ص 272

(32) أشرف محمد دوايه، ( الدروس المستفادة من الأزمة المالية العالمية والرؤية المستقبلية لمؤسسات الزكاة )، مجلة الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية، الجزائر، 5 / 2011، ص 3 - 22.

(33) Toby Birch The Role of Derivatives in Creating the Financial Crisis-() Research Presented to the thirty- Al Bara ka Seminar on Islamic Economics .26.2 ،2009،Jeddah 311

(34) الفيروز أبادي مجد الدين محمد بن يعقوب، (القاموس المحيط)، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1995، ص 341.

(35) جي هولتن ولسون، ( الاقتصاد الجزئي، المفاهيم والتطبيقات)، ترجمة كامل سلمان العاني، السعودية، 1987، ص 311

(36) محمد بن الحسن الحر ألعاملي، (وسائل الشيعة)، الجزء 17، تحقيق وطباعة مؤسسة أل البيت عليهم السلام، قم، إيران، ص 426 - 427.

(37) محمد عبده، (شرح نهج البلاغة)، الطبعة الثانية، ذوي القربى، قم، إيران، 1427، ص 411

(38) عقدت اتفاقية كيوتو في اليابان في مدينة كيوتو غي عام 1997 لغرض تقليل الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وأساسا ثاني اوكسيد الكاربون وقد اعتمدت كاتفاقية عالمية عندما تم تصديقها من قبل روسيا في أواخر عام 2004. فؤاد قاسم الأمير، (الطاقة: التحدي الأكبر لهذا القرن)، مؤسسة الغد للدراسات والنشر، بغداد، العراق، 2005، ص 98، 368..

(39) جواد كاظم البكري، ( حاجة الاقتصادات الرأسمالية للحروب في معالجة الأزمات، الاقتصاد الأمريكي.. أنموذجا )، مجلة أبحاث عراقية، مركز حمو رابي للبحوث والدراسات الإستراتجية، العدد (1)، السنة الأولى، 2007، ص 112

ص: 150

(40) - السيد مرتضى الشيرازي، (إستراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام))، مصدر سابق، ص 84.

(41) السيد محمد الحسبني الشيرازي، (الاقتصاد، الجزء الثاني)، الطبعة الرابعة، دار العلوم، 1987، ص 112

(42) القرآن الكريم، سورة البقرة، أية 29.

(43) محمد بن الحسين الشريف الرضي، (نهج البلاغة)، تعليق وفهرسة د. صبحي الصالح، تحقيق فارس تبريزيان، إيران، مؤسسة دار الهجرة، 1380، الخطبة 231، ص 498.

(44) محمد باقر المحمودي، (نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة)، بيروت، مؤسسة المحمودي، ص 353

(45) كاظم مدبر، (الحكم من كلام الإمام أمير المؤمنين علي (ع)، ج 1، الطبعة 1، مشهد، مؤسسة الطبع التابعة للاستانة الرضوية المقدسة، 1417، ص 448.

(46) كافي الدين أبو الحسن االواسطي، (عيون الحكم والمواعظ)، تحقيق حسين الحسني، قم، إيران، دار الحديث، 1376، ص 478.

(47) غسان السعد، (حقوق الإنسان عند الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، رؤية علمية)، الطبعة الثانية، 2008، ص 352

(48) محمد بن الحسين الشريف الرضي، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، بيروت، دار المعرفة، ص 565.

(49) محمد بن الحسين الشريف الرضي، ( نهج البلاغة)، تعليق وفهرسة د. صبحي، مصدر سابق، ص 483.

(50) كافي الدين أبو الحسن الواسطي، (عيون الحكم والمواعظ)، مصدر سابق، ص 406.

(51) کاظم مدبر، مصدر سابق، ص 15.

(52) المصدر السابق نفسه، ص 454

(53) كاظم مدبر، مصدر سابق، ص 15

(54) محمد بن الحسين الشريف الرضي، (نهج البلاغة)، تعليق وفهرسة د. صبحي، مصدر سابق، الحكمة 48،

(55) مدبر، مصدر سابق،ج 1، ص 267

(56) السيد مرتضى الشيرازي (استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)، مصدر سابق، ص 52

ص: 151

(57) القرآن الكريم، سورة الأعراف، أية 157.

(58) مؤسسة الأنوار الأربعة عشر، (الحرية في فكر الإمام الشيرازي)، مصدر سابق، ص 20.

(59) السيد الشيرازي الثاني، (فقه العولمة)، مصدر سابق، ص 112.

(60) مؤسسة الأنوار الأربعة عشر، (الحرية في فكر الإمام الشيرازي)، مصدر سابق، ص 22.

(61) السيد صادق الحسيني الشيرازي، (السياسة من واقع الإسلام)، مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر، الطبعة الخامسة، بيروت، لبنان، 2003، ص 129

(62) محمد عبدة، (شرح نهج البلاغة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام)، مصدر سابق، ص 96.

(63) رضا صاحب أبو حمد، ( الإمام علي بن أبي طالب ع وسياسته في الخراج لمعالجة السكن والأعمارة)، بحث منشور في مجلة الغري للعلوم الاقتصادية والإدارية، السنة الحادية عشر، المجلد العاشر، عدد خاص بمؤتمر الإسكان، ص 122 - 123، 2015

(64) حسين عبد اللطيف حمدان، (قانون العمل، دراسة مقارنة)، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، 2009، ص 35

(65) محمد باقر المجلسي، ( بحار الأنوار الجامعة لدرر إخبار الأئمة الأطهار)، الجزء الثامن والسبعون، الطبعة الثانية، مؤسسة الوفاء، بيروت، لبنان، 1983، ص 4

(66) السيد مرتضى الشيرازي (استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام))، مصدر سابق، ص 61.

(67) مهدي محبوبة، (ملامح من عبقرية الإمام علي (ع))، الطبعة الثانية، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1967، ص 86.

(68) الشريف الرضي، (نهج البلاغة)، تعليق وفهرسة د. صبحي، حكمة 116، مصدر سابق، ص 626.

(69) لبيب بيضون، (تصنيف نهج البلاغة)، الطبعة الثالثة، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، إيران، 1417 ه، ص 1417 ه، ص 736.

(70) محمد عبده، (شرح نهج البلاغة)، مصدر سابق، ص 353.

(71) للمزيد ينظر: السيد مرتضى الشيرازي (إستراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام))، مصدر سابق.

ص: 152

المصادر والمراجع

أولا / الكتب

1 - السيد صادق الحسيني الشيرازي، (السياسة من واقع الإسلام)، مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر، الطبعة الخامسة، بيروت، لبنان، 2003.

2 - السيد الشيرازي الثاني، ( فقه العولمة)، هيئة خدام الهدى، الطبعة الثانية، 2002.

3 - السيد محمد الحسني الشيرازي، (الاقتصاد، الجزء الأول)، دار العلوم، الطبعة الرابعة، لبنان، 1987.

4 - السيد محمد الحسيني الشيرازي، (الاقتصاد، الجزء الثاني)، دار العلوم، الطبعة الرابعة، 1987.

5 - السيد مرتضى الشيرازي، (إستراتيجية ومكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام))، الطبعة الأولى، دار هيئة محمد الأمين (ص واله)، العراق، كربلاء، 2012.

6 - الفيروز أبادي مجد الدين محمد بن يعقوب، (القاموس المحيط)، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1995.

7 - القرآن الكريم.

8 - حسين عبد اللطيف حمدان، (قانون العمل، دراسة مقارنة)، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، 2009.

9 - جي هولتن ولسون، ( الاقتصاد الجزئي، المفاهيم والتطبيقات)، ترجمة كامل سلمان العاني، السعودية، 1987.

10 - سمير التنير، (الفقر والفساد في العالم العربي)، دار الساقي، الطبعة الأولى، لبنان، 2009.

11 - علي حسن مطر، ( دروس في الاقتصاد الإسلامي )، الطبعة الأولى، 2005.

ص: 153

12 - غسان السعد، (حقوق الإنسان عند الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، رؤية علمية)، الطبعة الثانية، 2008.

13 - فؤاد قاسم الأمير، (الطاقة: التحدي الأكبر لهذا القرن)، مؤسسة الغد للدراسات والنشر، بغداد، العراق، 2005.

14 - كاظم مدبر، (الحكم من كلام الإمام أمير المؤمنين علي (ع))، الجزء الأول، الطبعة الأولى، مؤسسة الطبع التابعة للاستانة الرضوية المقدسة مشهد، إيران، 1417.

15 - كافي الدين أبو الحسن الواسطي، (عيون الحكم والمواعظ)، تحقيق حسين الحسني، دار الحديث، قم، إيران، 1376.

16 - لبيب بيضون، (تصنيف نهج البلاغة)، الطبعة الثالثة، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، إيران، 1417.

17 - محسن باقر الموسوي، ( الفكر الاقتصادي في نهج ألبلاغه)، الطبعة الأولى، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان، بيروت، 2002.

18 - محمد باقر المحمودي، (نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة)، بيروت، مؤسسة المحمودي.

19 - محمد باقر المجلسي، ( بحار الأنوار الجامعة لدرر إخبار الأئمة الأطهار)، الجزء الثامن والسبعون، الطبعة الثانية، مؤسسة الوفاء، بيروت، لبنان، 1983.

20 - محمد بن الحسن الحر ألعاملي، (وسائل الشيعة)، الجزء السابع عشر، تحقيق وطباعة مؤسسة أل البيت عليهم السلام، قم، إيران، 1414.

21 - محمد بن الحسن الحر ألعاملي، (وسائل الشيعة)، الجزء الثامن عشر، مؤسسة أل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الثانية، قم، إيران، 1414.

22 - محمد بن الحسين الشريف الرضي، (نهج البلاغة)، تعليق وفهرسة د. صبحي

ص: 154

الصالح، تحقيق فارس تبریزیان،، مؤسسة دار الهجرة، الخطبة 231، إيران، 1380.

23 - محمد بن الحسين الشريف الرضي، (نهج البلاغة )، شرح محمد عبده، بيروت، دار المعرفة، (بلا سنة طبع).

24 - محمد عبده، (شرح نهج البلاغة)، الطبعة الثانية، ذوي القربى، قم، إيران، 1427.

25 - مهدي محبوبة، (ملامح من عبقرية الإمام علي (ع) )، الطبعة الثانية، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1967.

26 - مؤسسة الأنوار الأربعة عشر، (الحرية في فكر الإمام الشيرازي)، الطبعة الأولى، المؤمل للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 2010.

ثانيا / البحوث والرسائل

1 - أشرف محمد دوايه، ( الدروس المستفادة من الأزمة المالية العالمية والرؤية المستقبلية لمؤسسات الزكاة )، مجلة الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية، الجزائر، 5 / 2011.

2 - جواد کاظم البكري، (حاجة الاقتصادات الرأسمالية للحروب في معالجة الأزمات، الاقتصاد الأمريكي.. أنموذجا)، مجلة أبحاث عراقية، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الإستراتيجية، العدد (1)، السنة الأولى، 2007.

3 - حسن طبرة، (دور الفساد في تعميق مظاهر الفقر في العراق، الكلفة الاجتماعية للفساد)، بحث منشور في مجلة النزاهة والشفافية للبحوث والدراسات، العدد السادس.

4 - راجي محيل هليل الخفاجي، (قياس وتحليل ظاهرة الفقر وعلاقته بالتفاوت في توزيع الدخل في الاقتصاد العراقي للمدة (1987 - 2007)، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الإدارة والاقتصاد، الجامعة المستنصرية، 2009.

5 - رضا صاحب أبو حمد، ( الإمام علي بن أبي طالب (ع) وسياسته في الخراج لمعالجة

ص: 155

السكن والأعمار)، بحث منشور في مجلة الغري للعلوم الاقتصادية والإدارية، السنة الحادية عشر، المجلد العاشر، عدد خاص بمؤتمر الإسكان 2015.

6 - ريسان حاتم كاطع، (قياس وتحليل مؤشرات الفقر في حضر مدينة الديوانية، دراسة حالة)، رسالة ماجستير، جامعة القادسية، كلية الإدارة والاقتصاد، 2009.

7 - ندوه هلال جودة، (تحليل وقياس اتجاهات الفقر في العراق للمدة 1980 - 2005)، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى مجلس كلية الاداره والاقتصاد، جامعة البصرة، 2006.

ثالثا / التقارير والمؤتمرات

1 - التقرير السنوي للبنك الدولي 2016.

2 - تقرير التنمية البشرية لعام 2005.

3 - تقرير التنمية البشرية لعام 2010.

4 - تقرير صندوق النقد الدولي 2016.

5 - سلسلة منشورات الصحة وحقوق الإنسان، العدد 5، 9 / 2010.

6 - مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، (نحو نظام عالمي اقتصادي أفضل تحقيقا للمساواة والتنمية المستدامة بعد عام 2015)، الدورة الحادية والعشرين، البند 12 (ب) من جدول الإعمال المؤقت، جنيف، سويسرا، 15 - 16 أيلول، 2014.

رابعا / المصادرالانكليزية

1 - Toby Birch.The Role of Derivatives in Creating the Financial Crisis. Research Presented to the thirty- Al Bara ka Seminar on .Islamic Economics Jeddah،2009

ص: 156

دور الدولة في التخفيف من الفقر في العراق في ضوء سياسة الامام علي (علیه السلام)

اشارة

م.م حسين علي الكرعاوي

كلية الإمام الكاظم (علیه السلام) فرع النجف

م.د سلطان جاسم النصراوي

كلية الإدارة والاقتصاد- كربلاء

ص: 157

ص: 158

المقدمة:

مر دور الدولة في الاقتصاد بأدوار مختلفة ومتعاقبة، وقد تصارعت المدارس الفكرية الاقتصادية بمختلف انتماءاتها منذ بداية ظهورها ولغاية يومنا الحاضر حول موضوع هل تتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي أم لا؟ وقد كانت هناك أفكار تدعو تارةً إلى تدخل الدولة وتارة إلى عدم تدخل الدولة وتارةً أخرى إلى تدخل بشكل أو بآخر للدولة في النشاط الاقتصادي.

وبالرغم من التطور الهائل الذي حصل على دور الدولة عبر التاريخ وعلى مختلف الأصعدة، إلا إن الملاحظ إن الدولة لم تستطع تلبية حاجات مجتمعاتها بالشكل الأمثل وبقيت تعاني من مشاكل الفقر والحرمان والعوز، إلى جانب زيادة حدة عدم المساواة في توزيع الدخول، الأمر الذي أدى بشكل أو بآخر إلى زيادة المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الدول النامية والمتقدمة على حد سواء.

ففي النظام الرأسمالي مر دور الدولة بأشكال مختلفة وظهرت تيارات فكرية رأسمالية تنادي مرة بضرورة تدخل الدولة بشكل أو بأخر في النشاط الاقتصادي مثل المدرسة التجارية « الماركنتيلية» والمدرسة الكنزية وغيرهما، ومرة أخرى تنادي بضرورة عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي إلا في نطاق ضيق ومحدود جداً وتطبيق مقولة دعه يعمل دعه يمر مثل أفكار الطبيعيين « الفيزو قراط» وأفكار الكلاسيك الأوائل والنيوكلاسيك والى جانب أفكار النيوكلاسيك المحدثين والأكثر حداثة.

وبالرغم من ذلك، ولم ينجح النظام الرأسمالي في مواجهة مشاكل الفقر والحرمان التي تعاني منها مجتمعاتهم، إلى جانب انعدام المساواة في توزيع الدخول الأمر الذي ترتب علية انقسام المجتمع إلى طبقات، وظهور طبقة تعاني من مشاكل الفقر فيها.

ص: 159

أما في النظام الاشتراكي، فقد تميزت أفكار المدرسة الاشتراكية (لاسيما كارل ماركس) على تحليل ونقد النظام الرأسمالي والتنبؤ بمستقبله اكثر من توضيح الأسس النظرية للنظام الاشتراكي، ولم تقدم هذه المدرسة أي حلول لمواجهة الفقر والقضاء عليه، وقد دعت إلى ضرورة سيطرة الدولة على كل مفاصل الاقتصاد، ومع ذلك لم تنجح في السيطرة على زمام الأمور وتسير شؤون الاقتصاد بالشكل المطلوب، وكانت النهاية انهيار الأفكار الاشتراكية بشكل كامل تقريباً.

بالمقابل نجد إن دور الدولة في الاقتصاد طبقاً للمفاهيم الدين الإسلامي الحنيف لم تحظى بالفرصة الكافية ولم يجرى تطبيقها إلا في نطاق ضيق جداً ومحدود.

فالدولة في ظل النظام الإسلامي تسعى إلى تطبيق الأحكام الشرعية المنصوص عليها في الجانب الاقتصادي كمنع الربا ومنع الاستغلال والسلع المحرمة وغيرها، وهي تسعى إلى أن تلعب دوراً مهماً في عملية التنمية الاقتصادية.

وتتجه الدولة في ظل الاقتصاد الإسلامي إلى إعادة النقد إلى دوره الطبيعي كأداة للتبادل لا أداة لتنمية المال والربا والادخار، ومقاومة الاحتكار، وتسعى كذلك إلى تحويل النظام المصرفي من كونه وسيلة للتنمية الرأسمالية إلى كونه وسيلى لإثراء الأمة ككل وتجميع أموالها في مصب واحد لإسهام اكبر عدد من المواطنين في عملية الادخار، واستثمار ما يُدخر في مشاريع إنتاجية مفيدة تخطط لها الدولة على أساس قواعد المضاربة بين العامل والمالك.

مما سبق يتضح، إن الدولة في النظام الإسلامي تتدخل في النشاط الاقتصادي لضمان لتوفير الحياة الكريمة للأفراد، وتوفير مستوى ملائم من المعيشة لكل فرد، فهي تتدخل لتحقق مصلحة المجتمع الإسلامي. هذا إلى جانب تحقيق العدالة في توزيع الثروات وإعادة توزيعها كلما وقع اختلال فيها، لضمان تكافؤاً في الفرص.

ص: 160

وفي العراق، وعلى الرغم من إن الدستور العراقي ينص على إن الإسلام هو دين الدولة الرسمي، إلا انه نجد إن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف في الجانب الاقتصادي لم يجرى تطبيقها، فالمصارف تتعامل بالربا والفائدة، والفقر وصل «لا سيما خلال السنوات الأخيرة» إلى مستويات قياسية جداً لا يمكن تحملها، وأوضاع الاقتصاد العراقي في تراجع مستمر في ظل الانخفاض المستمر لأسعار النفط، والاقتصاد العراقي يعتمد على النفط فقط، إلى جانب الفساد المالي والإداري، فضلاً عن التوزيع غير العادل للثروات، ناهيك من مسألة عدم استخدام الموارد والخيرات الأخرى التي وهبها الله لهذا البلد، وهذه جميعها تتنافى مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.

تأسيساً على ما تقدم، جاء هذا البحث ليقف على مقولة دور الدولة في مواجهة الفقر في ضوء مفاهيم وفلسفة الأمام علي (عليه السلام) وإمكانية تطبيقها في العراق، وذلك من أجل التخلص المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها البلد، وبناء مجتمع خالي من الفقر.

وينطلق البحث من فرضية مفادها إن عدم قيام الدولة باستخدام تعاليم الدين الإسلامي الاقتصادية المتجسدة في منهج الأمام علي (عليه السلام) في معالجة أوضاع الفقر في العراق سوف يؤدي إلى زيادة مشاكل الفقر وتفاقهما، الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي على اقتصاد العراق.

في حين تتمحور مشكلة البحث في إن الفقر والحرمان من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها العراق.

ويهدف البحث إلى بلورة وصياغة فلسفة جديدة لمواجه الفقر في العراق بعيداً عن تلك التي تم تبنيها سابقاً والمتمثلة بالنظم الوضعية، من أجل التخفيف من حدة الفقر في العراق ومحاولة القضاء عليه.

ص: 161

المبحث الاول: الاطار النظري لدور الدولة في مواجهة الفقر: تحليل مقارن للانظمة الوضعية والنظام الاسلامي.

مر دور الدولة في الاقتصاد بأدوار مختلفة ومتعاقبة، وقد تصارعت المدراس الفكرية بمختلف انتماءاتها منذ بداية ظهورها وحتى الآن حول موضوع تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي من أجل مواجهة الفقر والتقليل منه، وظهرت أفكار تارة تدعو إلى تدخل الدولة بشكل قوي وتارة إلى عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وتارة أخرى تدعو إلى تدخل بشكل أو بآخر للدولة في النشاط الاقتصادي.

فمع الانقسام الطبقي الأول في المجتمع في النظام العبودي ظهرت الدولة كجهاز عنف لحماية وتثبيت المجتمع الطبقي ضد الأخطار التي تهددهُ من الداخل والخارج، وهكذا فقد كان من أهم مخلفات النظام العبودي تاريخياً هي مؤسسة الدولة، والمقصود بالدولة هنا ليس الجوانب التنظيمية فيها بل الجوانب القمعية التي تنبثق ضرورتها من الطابع الاستثماري (الاستغلالي للمجتمع)، وقدد حدد لينين العلاقة العضوية بين ظهور الدولة والطابع القمعي لنظام العبودية بالقول «عندما ظهر الشكل الأول لانقسام المجتمع إلى طبقات، أي عندما ظهر نظام العبودية، وعندما استطاعت طبقة من الناس كرست نفسها لأقسى أنواع العمل الزراعي أن تنتج بعض الفائض، وعندما استولى مالك العبيد على هذا الفائض الذي ما كان يمكن الاستغناء عنه قط لمعيشة العبد البائسة، وعندما رسخ على هذه الصورة وجود هذه الطبقة من ملاكي العبيد، ولكي تستطيع هذه الطبقة

ص: 162

أن تثبت أقدامها، عند ذلك ومن أجل ذلك أصبح لزاماً أن تظهر الدولة إلى الوجود»(1).

وبعد أن تميزت العصور الوسطى بسيطرة مثل عليا مثل الدين والأخلاق، بدأت في القرن الثامن عشر ظهور الاهتمام باعتبارات السياسة والاقتصاد، فظهرت الدولة كوحدة سياسية، وقد ساعدت هذه الوحدات السياسية الجديدة الراغبة في النمو والتوسع على نشوء اتجاهات فكرية جديدة تتفق مع متطلبات الوضع القائم واحتياجاته قبل كل شيء (2). وفي سياق هذه التطورات، بدأت الدولة بالتوسع والتطور، وبدأت الأنظمة الاقتصادية بالتشكل، وظهرت تيارات فكرية مختلفة

ففي النظام الرأسمالي، مر تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي بأشكال مختلفة، وظهرت أفكار اقتصادية تنادي مرة بضرورة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي مثل المدرسة التجارية «الماركنتيلية» والمدرسة الكنزية وغيرهما، ومرة تنادي بضرورة عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي إلا في حدود توفير الأمن والحماية فقط كالمدرسة الطبيعية «الفيزوقراط» والكلاسيك الأوائل (آدم سميث وريكاردو ومالثوس) والمدرسة النيوكلاسيكة المحدثة Neo Classical (المدرسة النقدية).

ففي منتصف القرن الثامن عشر ظهرت أفكار المدرسة التجارية والتي كانت تدعو وبقوة لتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي ليس من اجل مواجهة الفقر ومساعدة الفقراء بل من أجل تحقيق القوة للدولة والتي تأتي من نهب ثروات البلاد الأخرى والسيطرة عليها وإفقارها إلى جانب حماية طبقة التجار الذين كانوا يقومون بصياغة السياسات الاقتصادية للبلد.

ص: 163

وفي منتصف القرن الثامن عشر ظهرت أفكار المدرسة الطبيعية والذين نادوا بالحرية الاقتصادية وعدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وساد شعار «دعهَ يعمل دعهَ يمر» وكان المقصود منها هو عدم وضع القيود المتمثلة بتدخل الدولة في الاقتصاد، فالحكمة (بحسب راي أصحاب هذه المدرسة) تقتضي بترك الأمور تسير وفقاً للبواعث والقيود الطبيعية دون تدخل(3)، وهذه المقولة يمكن وصفها على إنها ضد أي تدخل للدولة في النشاط الاقتصادي وبأي شكل من الأشكال.

وخلال الربع الأخير من القرن الثامن عشر ظهرت أفكار الرواد الأوائل للمدرسة الكلاسيكية (آدم سميث وريكاردو ومالثوس) الذين استندوا على مبدأ التناغم القائم بين المصلحة الفردية ومصلحة المجتمع، إلى جانب ضرورة عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، وأيمانهم العميق بقانون ساي للأسواق» العرض يخلق الطلب المساوي له» وعدم وجود بطالة في الاقتصاد. فقط دع الأمور كما هي فهناك يد خفية تعمل باتجاه تحقيق مصالح المجتمع من خلال آلية السوق (اليد الخفية).

وفيما يتعلق بسيرورة الفقر والأسس التي قامت عليها أفكار هؤلاء المفكرين، فيمكن الاستدلال عليها من خلال نظريتهم في الأجور والتي سميت بأجر الكفاف أو كما اطلق عليها ريكاردو «نظرية الأجر الحديدي» والتي ترى ضرورة أن يكون أجر العامل عند المستوى الضروري للبقاء على قيد الحياة لا اكثر.

فريكاردو يرى أن الأجور هي الثمن اللازم لتمكين الفقراء والكادحين من البقاء دونما زيادة أو نقصان، وهو يقرر إن من يعملون سيكونون فقراء، وانهم لن ينقذوا من الفقر على يد دولة رحيمة، أو صاحب عمل رحيم، أو من خلال نقابات العمال، أو من خلال عمل آخر يقومون به، وإن الأجور شأنها شأن كل

ص: 164

العقود يجب أن تترك للمنافسة الحرة في السوق، وأن لا تكون محكومة قط بتشريع، فالبؤس لا مفر منه والقانون الاقتصادي الذي يفرضهُ لا يمكن الخروج عليه(4)، تلك هي الرأسمالية كما يؤمن بها ريكاردو.

في حين ربط مالثوس بين نظريته في السكان وتأثيراتها في الأجور، بل ذهب إلى ابعد من ذلك، عندما نادي بضرورة إلغاء إعانة الفقراء وعارض مشروعات إسكان الطبقات العاملة، وعلى الرغم من هذا الموقف السلبي تجاه العمال إلا انه يدعي حرصهُ على مصالح الطبقات الفقيرة، وقد فسر أصحاب النظريات الاجتماعية المعاصرين ممن افترضوا بلطف بأن يترك الفقراء كي يموتوا بسلام في الشوارع(5).

هذه الحلقة المفرغة والمعقدة والمبالغ في تعقيدات أسبابها ونتائجها، كان السبب الكامن وراءها هو زيادة التراكم وإعادة استثماره لدى الرأسماليين، ومن ثمَ الإبقاء على حالة الفقر عند حد الكفاف لكبح أي زيادة في الطلب الداخلي، وبذلك بشر كلُ من ريكاردو ومالثوس كلٌ بحسب تفسيرهُ لأسباب المشكلة ونتائجها، بحتمية الصراع الذي يمزق المجتمع عبر التطورات المتلاحقة في الحياة الاقتصادية وتناقض فعالياتها عبر تناقض المصالح(6).

وخلال عقدي العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي أخفقت آلية السوق في تحقيق الاستقرار الاقتصادي على اثر أزمة الكساد العظيم 1929 -1932، ونتيجة لانتشار الفقر وتزايد نسبته، قوضت الركائز الأساسية التي استند عليها هذا النظام والتي كانت تؤمن بالتصحيح التلقائي لأوضاع السوق، ظهرت أفكار الاقتصادي جون ماينارد كينز والذي كان يرى بضرورة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي عند الضرورة لتوفير فرص العمل والتخفيف عن كاهل الفقراء

ص: 165

ومساعدتهم.

وقد اكد كينز على إن الرخاء الذي يحققه النظام الرأسمالي يحمل في طياته بذور تراجع معدلات النمو الاقتصادي، وانتشار البطالة بنحو مزمن، ومن ثم زيادة معدلات الفقر، وتبعاً لذلك، سادت خلال هذه الحقبة قناعة قوية بين المفكرين الاقتصاديين بل وحتى السياسيين بضرورة سيطرة الدولة على الشؤون الاقتصادية ومعالجة أوضاع الفقر والبطالة عن طريق برامج الإعانات والتوظيف وغيرها.

وفي سبعينات القرن الماضي ونتيجة لتعرض الاقتصاد العالمي لمشاكل جمة لعل ابرزها ظاهرة التضخم الركودي، ظهرت أفكار المدرسة النيوكلاسيكة المحدثة «مدرسة النقوديون» بزعامة ميلتون فريدمان والذي أعاد إحياء أفكار المدرسة الكلاسيكية التي كانت ترى بضرورة عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وان تدخلها يؤدي إلى تشويه الاقتصاد وعرقلته، إلى جانب كونه يمثل تهديد للحرية الاقتصادية.

ويقول فريدمان إن البرامج الموَجه نحو التخفيف من الفقر تبدد قدراً من المال اكثر مما يمكن تبريره بأنها تخفف حدة الفقر، فهي تؤسس نظاماً تفرض بموجبه ضرائب على البعض لدفع إعانات مالية للآخرين، وهناك خطر أن يتحول النظام الذي تفرض فيه الغالبية ضرائب على نفسها بمحض إرادتها لمساعدة الأقلية البائسة إلى نظام تفرض فيه الأغلبية ضرائب لمصلحتها الخاصة على أقلية غير راغبة(7)، من جانب آخر، يرى فريدمان إن البرامج الهادفة لمساعدة الفقراء وإعادة توزيع الدخل بما يحقق توزيعاً عادلاً يشمل كافة طبقات المجتمع لاسيما الفقراء منهم مثل ضريبة الدخل والإصلاحات النقدية والبرامج الزراعية الهادفة إلى مساعدة المزارعين المعدمين وبرامج الإسكان وإجراءات الضمان الاجتماعي

ص: 166

قد أهدرت المال العام وشوهت استخدام الموارد وفرضت ضوابط ثقيلة على الدولة(8).

لقد طورت الرأسمالية القوى المنتجة بوتيرة واتساع لا مثيل لهما في التاريخ، ولكنها حفرت هوةً بين ما يمكن أن يسمح به هذا التطور وبين الاستخدام الفعلي لنتائجه، وهي هوَة لم يعرفها أي نظام سابق في التاريخ، كما إن منطق تحويل الوسيلة إلى غاية بحد ذاتها (الربح والتراكم) قد انتج فوراق هائلة في القدرة على التنعم بالخيرات التي أنتجها، وان استمرار منطقها بهذه الطريقة ينتج مزيداً من الفقر واللا مساواة، وبهذا المعنى يتحقق قانون الإفقار الذي ينتجهً التراكم الرأسمالي(9)، لقد كان التقدم الذي حققته وتحققهً الليبرالية مصحوباً بنمو متفجر للتفاوت في توزيع الدخول وزيادة في معدلات الفقر والبطالة.

بشكل عام، يتضح إن النظام الرأسمالي يتميز بغياب الأرضية المشتركة لتياراته الفكرية المختلفة وضعف الأسس المنطقية لها، إلى جانب التقلبات الحادة في السياسات الاقتصادية المتبعة والتي كانت تعكس المصالح الآنية لكل مرحلة، مما يجعل من الصعوبة بمكان عن الحديث عن نظرية اقتصادية متكاملة لمواجهة الفقر فيها(10).

وفي هذا الاطار، ويرى البعض من الاقتصاديين إن تفاقم التفاوت في توزيع الدخل يُعد من الخصائص الرئيسة للنظام الرأسمالي، ومن ثمَ لا يمكن الحد من هذا التفاقم إلا اذا كانت هناك قوى عكسية تخفف من وطأته، وتُجسد هذه القوى من خلال تدخل الدولة لمصلحة الرعاية الاجتماعية من خلال ما تقوم به النقابات العمالية(11).

أما فيما يتعلق بالنظام الاشتراكي، وعلى الرغم من الجذور الضاربة في القدم

ص: 167

للأفكار الاشتراكية (منذ عهد أفلاطون)، إلا أن تحليلاته الاقتصادية تبلورت خلال النصف الأول من القرن العشرين، فقد جاءت بعد بروز ظاهرتين هما، ظهور طبقة العال من ناحية وتعدد الأزمات الاقتصادية من ناحية أخرى، وما ترتب عليه من بؤس للعمال، وعليه قام تيار فكري قوي لمعارضة ونقد النظام الرأسمالي(12).

بشكل عام، تسعى الاشتراكية إلى إلغاء الملكية الخاصة لتحل بدلاً عنها الملكية العامة لوسائل الإنتاج وتصبح الدولة هي مالكة وسائل الإنتاج، وإلغاء الطبقية في المجتمع، إلى جانب مبدأ «من كل حسب طاقتهُ ولكل حسب عملهُ». وقد ظهرت ثلاثة تيارات رئيسة للاشتراكية وهي، الاشتراكية الديمقراطية، واشتراكية السوق، والاشتراكية الماركسية.

فالاشتراكية الديمقراطية بخلاف الماركسية لا تؤمن باستخدام العنف والقوة وبالانهيار المحتم للرأسمالية، بل تؤمن بوصفها مثلاً اعلى لا تنفصل عن الديمقراطية وانه ينبغي تحقيقها سلمياً وتدريجياً من خلال العمليات بالموافقة الحرة للمحكومين وبدون ثورة، وان ملكية الدولة الكاملة لوسائل الإنتاج والتخطيط المركزي أمران أساسيين لتحقيق الأهداف الاشتراكية(13)، انتشرت الاشتراكية الديمقراطية عقب الحرب العالمية في معظم أنحاء أوروبا الغربية، وكانت تدعو إلى التخلي عن الصراع الطبقي والمبادئ الماركسية الأخرى، والى ضرورة مشاركة كل فئات الشعب في قيادة السلطة السياسية والاقتصادية، وتكوين مجتمع يعمل فيه جميع الناس متساوين، وقد تبنت إجراءات اقتصادية واجتماعية عدة مثل، تأميم بعض أجزاء الصناعات الثقيلة والمناجم والمؤسسات المالية، واعتماد إجراءات واسعة النطاق في الرقابة الحكومية على الاقتصاد، إلى جانب تحقيق إصلاحات

ص: 168

بنيوية في حقل الضمان الاجتماعي(14).

وبالرغم من تحول هذا التيار إلى حركة إصلاحية تنادي ببناء مجتمع الرفاة واقتصاد الرفاة، وعلى الرغم من تأكيدها على أهمية تدخل الدولة في كل مفاصل الاقتصاد إلا إنها لم تفلح في معالجة أوضاع الفقر في اغلب البلدان التي طبقت أفكار الاشتراكية الديمقراطية.

أما بالنسبة لاشتراكية السوق والذي طورها أوسكار لانجة كان هدفها الأساسي تحقيق لا مركزية في اتخاذ القرارات الاقتصادية، وذلك بإتاحة دوراً كبيراً في تخصيص الموارد وتوزيعها، وقد حاولت مجموعة من الدول مثل (يوغوسلافيا وهنغاريا وبولندا والصين وألمانيا الشرقية ورومانيا وبلغاريا وتشكوسلوفاكيا) تطبيق أللا مركزية في صنع القرار الاقتصادي من خلال منح مؤسسات الدولة مزيداً من الاستقلال، وتسعير المنتجات، وقطع الإعانات بغية تخفيض العجز في الموازنة(15).

(لم يستطع هذا التيار هو الآخر من معالجة المشاكل التي تعاني منها الدول التي حاولت تطبيق هذه الأفكار وظل الفقر والبؤس وانعدام المساواة والبطالة والتضخم وارتفاع الديون العامة السمة البارزة لهذه المجتمعات.

وفيما يتعلق بالاشتراكية الماركسية والتي تؤمن بالتفسير المادي للتاريخ، وبفلسفة هيجل فركزت على تحليل ونقد النظام الرأسمالي والتنبؤ بمستقبله، ولم تركز على توضيح النظريات التي تفسر النظام الاشتراكي وبكيفية إدارة الاقتصاد.

وفيما يتعلق بموضوعة الفقر فقد انتهى ماركس إلى النتيجة نفسها التي توصل من قبله الكلاسيك الأوائل وهو بقاء العمال عند مستوى الكفاف، وذلك بسبب استخدام الآلات والمكائن لتحل محل الأنسان، مما يؤدي إلى الاستغناء عن عدد

ص: 169

كبير من العمال، مما يؤدي إلى من زيادة عرض جيش العمال الاحتياطي وينمو تبعاُ له البؤس والفقر والفاقة(16)، ومن هنا يبدأ الصراع الطبقي بين نمو القوى المنتجة وعلاقات الملكية السائدة حتى تصبح معيقة له بالكامل، ومن ثمً هناك طبقة من المجتمع تخوض المعركة لحساب القوى المنتجة ضد طبقة أخرى لحسابات العلاقات القائمة، وهكذا يستمر التناقض لتنتج أوضاع اقتصادية جديدة تنسجم مع مرحلتها(17).

إجمالاً، لم تفلح المدرسة الاشتراكية بمختلف تياراتها الفكرية من تحقيق الأهداف المنشودة منها، ولم تستطع معالجة المشاكل التي كانت تعتقد بأنها السمة المميزة للنظام الرأسمالي، مثل البطالة والفقر وانعدام المساواة وازدياد حدة التفاوت الطبقي في المجتمعات.

ولم تمتلك النظرية الاشتراكية (لاسيما الماركسية) استراتيجية مصممة بشكل مناسب لتحقيق أهداف مواجهة الفقر والتخفيف منه، أو إعادة توزيع الدخول بنحو عادل بين طبقات المجتمع، بل كان هدفها الأساس هو توجيه النقد اللاذع للنظام الرأسمالي، وهكذا بقي الفقر والفقراء يعانون معاناة كبيرة في المجتمعات الاشتراكية وكانت المحصلة النهائية هو انهيار هذا النظام وتفكك الدول وتحولها إلى اعتناق المذهب الرأسمالي كما هو الحال في الاتحاد السوفييتي السابق ودول شرق أوروبا.

أما بالنسبة للنظام الإسلامي فيتميز عن سائر المذاهب الاقتصادية الأخرى في خطوطه العريضة، فهو يتألف من ثلاثة أركان رئيسة هي(18):

1. الملكية المزدوجة (الملكية ذات الأشكال المتنوعة): فهو يؤمن بالملكية الخاصة والملكية العامة وملكية الدولة ويخصص لكل واحد من هذه الأشكال

ص: 170

حقلاً خاصاً تعمل فيه.

2. الحرية الاقتصادية في نطاق محدود: من خلال السماح للأفراد على الصعيد الاقتصادي بحرية محدودة بحدود القيم المعنوية والخلقية التي يؤمن بها الإسلام، فهو يسمح للأفراد بمارسة حرياتهم ضمن نطاق القيم والمثل التي تهذب الحرية وتصقلها وتجعل منها أداة خير للإنسانية كلها.

3. العدالة الاجتماعية: والتي جسدها فيما زود به نظام توزيع الثروة في المجتمع الإسلامي من عناصر وضمانات، تكفل للتوزيع قدرته على تحقيق العدالة الإسلامية وانسجامه مع القيم التي يرتكز عليها. وقدد حدد الإسلام هذا المفهوم وبلورهُ في مخطط اجتماعي، وجسدهُ في واقع اجتماعي حي تنبض جميع شرايينه وأوردتهُ بالمفهوم الإسلامي للعدالة. والصورة الإسلامية للعدالة تحتوي على مبدأين هما، مبدأ التكافل العام، ومبدأ التوازن الاجتماعي، وبهاذين المبدأين تحقق القيم الاجتماعية العادلة.

في ضوء ذلك، وضعت الشريعة الإسلامية مبدأ تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي من اجل حماية مصالح الأفراد على أساس إن الاقتصاد جزء من كل المذهب الإسلامي وليس بمعزل عنه، والأصل التشريعي لهذا التدخل هو في القران الكريم في قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» (19).

لقد تعرض الإسلام لمشكلة الفقر قبل أن تصبح المشكلة الأبرز التي تعاني منها المجتمعات المتقدمة والنامية على حد سواء، فالفقر من وجهة نظر إسلامية يمثل خطر على الإنسان وخطر على الأخلاق وخطر على المجتمع، وقد حارب

ص: 171

الإسلام الفقر وبكل قوة من اجل أن يحيا الإنسان حياة كريمة.

فالإسلام يدعو إلى تحقيق حياة معيشية رغدة للإنسان ويحارب الفقر ويطاردهُ بشتى الوسائل، ووضع الإسلام الحلول الناجعة لمواجهة الفقر، فقد حث الإسلام على تدخل الدولة من أجل توفير فرص العمل، کما استخدم النقود بالشكل الصحيح وحرم استخدامها كوسيلة للكسب الحرام، کما فرض تدخل الدولة من اجل توفير العيش الكريم للأفراد، كما عالج موضوع التوزيع غير العادل للدخل والثروة من اجل القضاء على التفاوت الطبقي في المجتمع.

فالاقتصاد الإسلامي يؤمن بأن مصادر الثروة الطبيعية كلها الله سبحانه وتعالى وإن اكتساب حق خاص في الانتفاع لا يقوم إلا على أساس الجهد والعمل، إذ يقول في محكم كتابه الكريم: «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ» (20).ويؤمن بأن أي إنتاج بشري للثروة الطبيعية لا يعطي حقاً في الثروة المنتجة إلا للعامل المنتج نفسهُ وليست الطبيعة أو وسائل الإنتاج إلا أدوات لخدمة الإنسان(21).

لقد مجد الإسلام العمل وحث عليه وفرض على ولي الأمر أو الدولة التدخل في مجالات عدة في ميدان العمل لعل من ابرزها(22):

1. تسهيل أسباب الحياة الطبيعية للعاملين، حتى إن الإسلام يعمل على تزويد العاملين الذين لا يستطيعون مئونة الزواج ويسكنهم في مساكن تليق بهم.

2. كما إن مسؤولية الدولة تنصرف إلى القيام بالأعمال الضرورية، فإنها تنصرف

ص: 172

كذلك لمكافحة الأعمال السيئة، وعليه فإن الدولة تمنع العمل بالأعمال المحرمة طبقاً للشريعة الإسلامية.

3. المراقبة الشاملة لجميع الأعمال من خلال الشرطة المدنية المسؤولة عن الأسواق.

4. إن للدولة الحق في الإشراف والرقابة والاستمرار، مثلاً أن تجبر الناس للقيام ببعض الأعمال الضرورية التي لا تتم مصلحة الناس إلا بها.

5. كما يمكن أن تتدخل الدولة لتحديد قيمة الأجر العادل للعامل يمنع الظلم الذي تتعرض له فئة معينة بسبب ضعف موقفها من اجل إقامة العدل والتوازن الاجتماعي بين أفراد المجتمع.

کما تتجه الدولة في ظل الصورة الكاملة للاقتصاد الإسلامي إلى إعادة النقد إلى دوره الطبيعي كأداة للتبادل لا كأداة لتنمية المال بالربا والادخار ووضع ضريبة على الادخار والتجميد، وحذف ما يمكن حذفه من العمليات الرأسمالية التي تتخلل بين إنتاج السلعة ووصولها إلى المستهلك ومقاومة الاحتكار، أي كل عملية تستهدف إيجاد حالة ندرة مصطنعة للسلعة بقصد رفع ثمنها، وكذلك يسعى النظام الإسلامي إلى تحويل دور النظام المصرفي من كونه وسيلة للتنمية الرأسمالية إلى كونه وسيلة لإثراء الأمة ككل، وتجميع أموالها المتفرقة في مصب واحد لإسهام اكبر عدد من المواطنين في عملية الادخار والاستثمار (23).

ويسعى النظام الإسلامي من خلال تدخل الدولة إلى توفير مستوى ملائم من المعيشة لكل فرد وليس فقط لتوفير حاجات الأنسان من مأكل وملبس ومسكن التي تمثل الحاجات الأساسية أو حد الكفاف (كما في النظام الرأسمالي) بل يتعداها إلى ما تستقيم به حياته ويصلح له أمرهُ، ويجعله يعيش في مستوى

ص: 173

المعيشة السائد والذي يُسمى «حد الكفاية» والذي يستطيع الفرد العيش بالمستوى اللائق والكريم بحدود إمكانات الدولة وظروفها المادية والتي لا تصل إلى حد الإسراف والترف.

من جانب آخر، فقد شدد الإسلام على موضوع التوزيع العادل للدخل والثروة بين أفراد المجتمع، بوصفها أداة ضرورية لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية، إذ قال الله تعالى «مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (24).

وقد وضع برامج فعالة من اجل تقليص حالات عدم المساواة بين الأفراد بالمجتمع مثل الزكاة وغيرها. وقد وردت كلمة زكاة في القرآن الكريم اكثر من 32 مرة لما لها من أهمية في الاقتصاد الإسلامي، ويقول جل في علاه «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» (25).

تأسيساً على ما تقدم، يتضح إن دور الدولة في الاقتصاد الإسلامي ليس ذات طابع رأسمالي يتمثل بفكرة عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، كما انه ليس شموليا وقسرياً يقمع الحرية ويقتل روح المبادرة والمغامرة لدى الفرد، وهو أيضاً ليس له طابع دولة الرفاهية العلمانية التي تكثف الطلبات على الموارد بسبب عزوفها عن الأحكام القيمية، وتؤدي إلى حالات اختلال في الاقتصاد الكلي،

ص: 174

بل إن دور الدولة هو دور إيجابي وهو عبارة عن التزام أخلاقي بالمساعدة على تحقيق رفاهية الجميع من خلال ضمان التوازن بين المصلحتين الخاصة والاجتماعية وحفظ القطار الاقتصادي على السكة المتفق عليها ومنع تحويلهُ من جانب المصالح المتأصلة القوية، على أن يكون محكوماً ومحصوراً ضمن القيود الذي وضعتها الشريعة الإسلامية(26).

ص: 175

المبحث الثاني: واقع الفقر في العراق

عند تصفح اوراق التاريخ الحديث في العراق نجد ان فيه الكثير من المتغيرات السياسية و الاقتصادية قد القت بظلالها على واقعه ومستقبله، وأثرت بشكل مباشر على الحياة ونوعها، فقد اضحت الحروب التي خاضها العراق احد اسباب الفقر (حرب الشمال، الحرب العراقية - الايرانية، حرب الخليج الاولى 1991، العقوبات الاقتصادية 1991 - 2003، حرب الخليج الثانية 2003)، فضلاً عن طبيعة النظام السياسي الحاكم في العراق منذ تاسيس الدولة العراقية واساليب تعامله مع المجتمع وسوء التصرف بالثروة التي يمتاز بها العراق وعوامل كثيرة تداخلت فيما بينها كنتاج لهذين السببين الرئيسيين، افضت الى ان يكون العراق وشعبه يرزخ تحت طائلة الفر و العوز في حين كان يجب ان يكون في مقدمة البلدان في التقدم الاقتصادي والعلمي والاجتماعي في المنطقة، ولم يتحسن الحال كثيرا بعد العام 2003 رغم الجهود التي بذلتها الحكومات المتعاقبة نيجة التركة الثقيلة التي ورثها العراق من الحقب السابقة فضلا عن الدمار الذي لحق الكنشات العراقية نيجة الحرب الاخيرة، اضافة الى افة الارهاب التي باتت عاملا مهماً في تردي الاوضاع في العراق.

اولاً: نظرة تاريخية على الفقر في العراق.

لقد ادت حرب الثمان سنوات العراقية - الايرانية الى تدهور اوضاع السكان وبخاصة مناطق التماس مع الحدود الايرانية في وسط وجنوب العراق، اذ نزح سكان المحافظات الجنوبية من البصرة وميسان الى المدن الابعد عن وقائع الحرب،

ص: 176

مما ادى الى تدهور اوضاع هذه العوائل وافقارها، كما ان سنوات الحرب واوضاعها قد زعزعت الاسس التي بنيتى عليها الدولة وأدت الى بروز ظواهر جديدة كنتاج افرزته هذه الحرب، فقد تمت عسكرة المجتمع بصورة مكثفة، وألغيت الحريات بصورة كاملة، وأصبح الفقر والحاجة السمتين الاساسيتين للعوائل والافراد العراقيين(27)، فبعد ان ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي نتيجة ارتفاع اسعار النفط في عقد السبعينيات، اذ تضاعف نصيب الفرد (10) مرات خلال الفترة (1970 - 1980) وبلغ (3864 دولار) ثم انخفض الى (3176 دولار) عام 1988، الان ان هذه الحصة قد بدأت بالتآكل نتيجة التضخم الذي ارتفع من 5% بداية عقد السبعينات وصل الى 68% نهاية العقد، وبسبب الزيادة في الانفاق الحكومي لإدامة آلة الحرب اخذ معدل التضخم بالتزايد المستمر الى ان وصل %369 عام 1988، وبذلك فان الجزء الاعظم من حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي قد ضاعت او تبددت(28).

لقد تراجع الناتج المحلي الاجمالي من 9، 15 مليار دينار عام 1988 الى 5، 3 مليار دينار عام 1944 (باسعار 1980) وبذلك بلغت نسبة التدهور نحو 9، 77% ما قبل حرب الخليج الثانية مقارنة بما بعدها (1988 - 1994) وترتب على ذلك تقلبات واسعة في متوسط حصة الفرد من اجمالي الناتج المحلي، فقد بلغ نحو 564 دولار في مطلع عقد السبعينات، وأقصاه نحو 1586 دولار في مطلع عقد الثمانينات ثم اخذ بالتراجع الى نحو 161 دولار في منتصف عقد التسعينات، بعبارة اخرى تناقص متوسط حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي والتي يصعب التخلي عنها بالنسبة الى كافة فئات الدخل(29).

في العام 1990 فرضت العقوبات الاقتصادية ثم الحرب على العراق بعد

ص: 177

اجتياحه للكويت، فتراجع في اثر هما مستوى المعيشة، اذ انخفض مستوى نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي الى 180 دولار عام 1994، ثم بدأ يشهد ارتفاعاً متدرجاً حيث وصل الى 770 دولار عام 2002، بسبب تطبيق برنامج الامم المتحدة (الغذاء مقابل النفط) بعد عام 1995، لقد عکست سنوات العقوبات الاقتصادية تدني حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي وقد القت هذه العقوبات ثقلها الاكبر على الافراد و الاسر من فئات الدخل الضعيفة والمتوسطة، وطبقا لتقديرات منظمة الغذاء والزراعة لعام 1995، فان ثلثي العراقيين تعرضت مستويات معيشتهم لانتكاسة خطيرة، انخفض الدخل الاسري الى ثلث ما كان عليه عام 1988، وإزاء هذا المستوى المتذبذب من القدرة الدخلية وظلت أنماط الاستهلاك الاسري تميل لصالح اشباع الحاجات الاساسية ومنها بشكل خاص مجموعة المواد الغذائية، ومن الطبيعي ان تنخفض نتيجة لذلك نسب الاشباع من اوجه الانفاق الاخرى الضرورية منها والكمالية، فاهتمت الاسر يتامين غذائها حتى صارت تنفق 62% من اجمالي انفاقها خلال تلك الفقرة على الغذاء لتضحي بالكثير من السلع والخدمات تحقيقاً للحد المطلوب من الامن الغذائي (30).

وقد عبر تون ميات (Tun Myat) منسق الامم المتحدة في العراق عن الحالة التي عاشها الشعب العراقي في فترة الحصار «ان الشعب اصبح فقيرا في بعض الحالات الى حد ان الناس لا قبل لهم بتناول الطعام الذي يعطى لهم لان حصة الطعام بالنسبة الى كثيرين منهم تمثل الجزء الاكبر من دخلهم، فيتعين عليهم ان يبيعوا الطعام لكي يشتروا ثيابا او احذية او زيا مما يحتاجون»، وطبقا لتقرير الامين العام للام المتحدة عن الوضع الانساني في العراق «ان الشرائح الاشد فقرا في المجتمع مجبرة غالبا على مقايضة ما تحصل عليه من سلة الطعام لكي

ص: 178

تستطيع ان تشتري ضرورات اخرى... فالقوة الشرائية قد انحدرت باطراد، وبينما المواد الغذائية متاحة بسهولة للأسواق، فإنها غير ممكنة الشراء للمواطن العراقي المتوسط... وحتى على الرغم من ان لدى العراق وفرة في الخضراوات والفواكه والمنتجات الحيوانية، فان غالبية العراقيين لا يستطيعون شرائها»(31).

ثانياً: حال الفقر في العراق بعد 2003.

بدأ العراق بعد العام 2003 بالإصلاح الاقتصادي للإختلالات الموروثة نتيجة الممارسات غير الصحيحة للحكومة السابقة، وفي ظل ذلك تم البدء بالتحول نحو اقتصاد السوق ووضعت لأجل ذلك برامج إصلاحية تضمنت تحرير التجارة وإصلاح النظام الضريبي وتشريع قانون للبنك المركزي ضَمِنَ إستقلاله، فضلاً عن الاصلاحات في السياستين المالية والنقدية.

إلا ان الاصلاح لم يجر بسلاسة فقد واجه مشاكل جمة في مقدمتها أُحادية الاقتصاد العراقي المعتمد على المورد النفطي وبروز ظاهرة الفساد المالي والإداري، فضلاً عن تردي الوضع الامني بشكل أدى إلى تعثر جهود الاصلاح.

فقد اقرت الدولة الابتعاد عن التدخل في الحياة الاقتصادية وتعزز هذا التوجه بموجب الالتزامات الاقتصادية والمالية المترتبة على العراق في اطار اتفاقية الاستعداد للأخذ ببرنامج الاصلاح الاقتصادي والترتيبات المساندة كجزء من متطلبات اتفاقية نادي باريس (2004) لخفض ديون العراق التي تقدر بحوالي 8، 36 مليار دولار بنسبة 80% على ثلاث مراحل، من ضمن هذه الاصلاحات (خصخصة شركات القطاع العام، تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي، ازالة التشوهات في نظام الاسعار من خلال ازالة القيود التي تحدد الاسعار)، وقد احدثت بعض هذه الاجراءات اثاراً سلبية على الفقراء، فقد ادت سياسة تخفيض

ص: 179

الدعم الحكومي على المشتقات النفطية الى ارتفاع مستوى الانفاق الاسري الشهري على مجموعة السكن والمياه والوقود من 13% عام 1993 الی 29% عام 2007، والى مضاعفة الانفاق الاسري الشهري على النقل اذ ارتفع من 5% الى اكثر من ٪10 للاعوام 1993 و2007 على التوالي(32).

ولغرض الوقوف على حالة الفقر في العراق خلال مدة البحث قسم على ثلاث مدد وكما يلي:

1. الدولة الجديدة.. اوضاع مضطربة 2004 - 2007.

للوقوف على حال الفقر في العراق في هذه الفترة سيتم تحليل الفقر التحليل المكاني، عموماً يرتبط مستوى المعيشة في العراق إلى حد كبير مع درجة التحضر، فبوجه عام تعاني المناطق الريفية من أعلى درجات الحرمان، ويتجه الحرمان للإنخفاض كلما كبر حجم التجمع السكاني ليصل أدنى مستوياته في المدن الكبيرة مما شكل دافعا مهما للهجرة الداخلية في العراق باتجاه المدن الكبيرة وخاصة خلال عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وقد ساهمت عوامل عديدة في خلق هذا التباين ما بين الريف والحضر منها تحيز الدولة في توفير الخدمات لصالح المدن الكبيرة على حساب المدن الصغيرة والريف، وقلة فرص العمل في المناطق الريفية، وإنخفاض الأسعار النسبية للمنتجات الزراعية، إلا أن زيادة الإهتمام بالريف منذ بدء السبعينات وإرتفاع الأسعار الحقيقية للمنتجات الزراعية، وخاصة بعد فرض الحصار الإقتصادي بداية التسعينات من القرن الماضي، ساهم في تخفيض الفجوة بين الحضر والريف فإنخفضت معدلات الهجرة الداخلية من الريف إلى الحضر وتغير نمط الهجرة من هجرة داخلية ضمن العراق إلى هجرة خارجية، وخاصة من المدن الكبيرة، إلى خارج العراق33، کما

ص: 180

يرتبط الفقر في العراق بحجم الاسرة وتكوينها (عادتاً ما يرتبط الفقر بالأسر الاكبر حجماً) من جهة، والتعليم وقطاع العمل لرب الاسرة المسئول عن اعالتها من جهة اخرى، وفي الوقت الذي ترتبط فيه وظائف القطاع العام باحتمال ان تكون اقل فقراً، فان الاسر التي تعتمد على الزراعة والبناء من المرجح أن تكون ضعيفة الدخل مقارنة بالأسر الاخرى(34).

وفي الريف تأثر مستوى المعيشة بعوامل عدة بعد عام 2003، فمن ناحية تسبب اطلاق استيراد المواد الغذائية وانخفاض منسوب المياه في نهري دجلة والفرات في تخفيض دخل الاسرة الزراعية مما اثر سلبا في مستويات المعيشة في الريف، ومن ناحية اخرى ساهم التوسع في حجم قوات الشرطة وبقية القوات المسلحة في خلق فرص عمالة ذات اجور جيدة نسبياً(35).

جدول (1) مقارنة بين الحضر والريف في توزيع الاسر حسب مستوى الحرمان من الحاجات الاساسية ٪

المیدان - حرمان عال - حرمان متوسط - حرمان منخفض - الحرمان في الریف الی الحضر 2004 - الحرمان في الریف الی الحضر 2007

حضر - ریف - حضر - ریف - حضر - ریف - حضر - ریف - حضر - ریف - حضر - ریف

التعليم - 5، 22 - 4، 63 - 6، 20 - 3، 48 - 1، 35 - 4، 24 - 0، 32 - 9، 32 - 4، 42 - 2، 12 - 4، 47 - 8، 18 - 8، 2 - 3، 2

الصحة - 3، 15 - 2، 39 - 5، 21 - 4، 41 - 6، 22 - 6، 29 - 6، 36 - 5، 35 - 1، 62 - 2، 31 - 8، 41 - 2، 23 - 6، 2 - 9، 1

البنى التحتية - 5، 49 - 3، 89 - 4، 38 - 2، 93 - 4، 30 - 9، 8 - 5، 38 - 2، 6 - 5، 20 - 8، 1 - 1، 23 - 7، 0 - 8، 1 - 4، 2

المسكن - 4، 14 - 6، 39 - 3، 22 - 7، 46 - 9، 25 - 1، 31 - 4، 39 - 6، 29 - 6، 59 - 3، 29 - 4، 38 - 7، 23 - 7، 2 - 1، 2

وضع الاسرة الاقتصادي - 7، 53 - 8، 59 - 4، 27 - 4، 45 - 4، 27 - 4، 27 - 6، 32 - 6، 30 - 9، 18 - 9، 12 - 0، 40 - 0، 24 - 1، 1 - 7، 1

دلیل مستوی المعیشة - 2، 21 - 9، 64 - 4، 17 - 5، 57 - 1، 49 - 1، 31 - 9، 54 - 9، 37 - 7، 29 - 9، 4 - 7، 27 - 2، 4 - 1، 3 - 3، 3

المصدر: من اعداد الباحثین بلاعتماد علی: -

ص: 181

خارطة الحرمان ومستوويات المعيشة في العراق 2006، وزارة التخطيط والتعاون الانمائي، الجهاز المركزي للاحصاء وتكنلوجيا المعلومات، برنامج الامم المتحدة الانمائي، 2006، ص 20، ج-دول (1 - 14).

خارطة الحرمان ومستويات المعيشة في العراق 2011، وزارة التخطيط والتعاون الانمائي، الجهاز المركزي للاحصاء وتكنلوجيا المعلومات، برنامج الامم المتحدة الانمائي، 2011، ص 74، الجدول (2 - 6).

يبين الجدول (1) مقارنة بين الريف والحضر في مستويات المعيشة، ويشير الى ان هناك تباين كبير في مستويات الحرمان، ويتضح هذا التباين في دليل مستوى المعيشة، اذ تبلغ نسبة الحرمان في الريف ثلاثة امثال النسبة المقابلة في الحضر للاعوام 2004 و2007، اما على مستوى الميادين المنفردة فيظهر هذا التباين في ميادين التعليم والصحة والمسكن، اذ ان نسبة الاسر المحرومة فيها ضمن المناطق الريفية تبلغ ما يقارب ثلاثة امثال النسب المقابلة في المناطق الحضرية في عام 2004، بينما سجلت هذه الميادين انخفاضاً في العام 2007 رغم انها بقيت مرتفعة عموماً، اذ اصبحت نسب الاسر المحرومة تزيد عن ضعف النسبة المقابلة في المناطق الحضرية.

في حين كان مستوى الحرمان في ميدان البنى التحتية اكثر من الضعف في المناطق الريفية في عام 2004، بينما ارتفع في عام 2007 اذ بلغ 93٪ في الريف مقارنة ب 38٪ في الحضر.

وبشكل عام ان هذه المؤشرات تشير الى ان ليس الفقر ليس اكثر انتشارا في الريف مما هو عليه في الحضر فحسب، بل هو اكثر عمقاً، اذ بلغ متوسط قيمة دليل مستوى المعيشة للاسر المحرومة في الريف 82، 0 مقارنة ب 89، 0 في الحضر

ص: 182

لعام 2004، وبلغ متوسط قيمة الدليل ذاته في العام 2007 للاسر المحرومة 85، 0 في الريف مقارنة ب 92، 0 في الحضر (36).

2. اوضاع مستقرة نسبياً: تحسن في مستويات المعيشة 2007 - 2012.

بين عامي 2007 و2012 نما الناتج المحلي الاجمالي في العراق بمعدل تراكمي يزيد على 64%، وبلغ معدل نمو نصيب الفر من الناتج المحلي الاجمالي 6، 7%، ورافق ذلك معدل نمو سكاني بلغ نسبة 5، 2% الى 0، 3 سنوياً، وادى النمو الاقتصادي المتسارع الى تحسن مماثل في مستوى المعيشة، اذ ارتفع الاستهلاك الخاص بنسبة 4، 9% سنويا للمدة المذكورة(37)، وتبعاً لذلك

جدول (2) مقارنة في الفقر العام بين الريف والحضر

معدل حجم الفقر - فجوة الفقر - المقیاس التربیعي لفجوة الفقر

البیان - 2007 - 2012 - التغیر - 2007 - 2012 - التغیر - 2007 - 2012 - التغیر

حضر - 4. 17 - 8. 14 - 5. 2 - 0، 3 - 7. 2 - 2. 0 - 8. 0 - 8. 0 - 0

ریف - 9. 38 - 6. 30 - 3. 8 - 1. 9 - 4. 7 - 7. 1 - 1. 3 - 6. 2 - 6، 0

الکلي - 6. 23 - 8. 19 - 7. 3 - 7. 4 - 2. 4 - 5. 0 - 5. 1 - 3. 1 - 1. 0

Source: Poverty Estimates And Trends In Iraq: 2007-2012،p21.

انخفضت معدلات الفقر انخفاضاً طفيفاً من 6، 23% الى 8، 19% في 2012، كما في الجدول (2)، في حين لم يحدث تغيير يذكر في فجوة الفقر وحدته، وبعبارة اخرى فان اولئك الذين كانوا دون خط الفقر في عام 2007 قد اقتربوا في المتوسط من خط الفقر في عام 2012.

لقد كان الانخفاض النسبي في معدل الفقر بين الاعوام 2007 و2012 نتيجة الزيادة في الايراد النفطي بدلاً من زيادة العمالة في القطاع الخاص الذي يعمل فيه اغلب الفقراء، اذ ان قطاع النفط الذي يمثل اكثر من نصف الناتج المحلي الاجمالي

ص: 183

للعراق وجميع صادراته تقريباً لا

يمثل سوى (1٪) من العالة في البلد، في حين ان القطاعات الاخرى لم توفر فرص عمل كافية لاستيعاب قوى العمل المتنامية، باستثناء القطاع العام المتضخم نتيجة التوسع في الوظائف مدعماً بالإيراد النفطي.

لم يكن التخفيف من الفقر متساوياً من حيث المناطق الجغرافية، فقد تباينت معدلات الفقر بين الريف والحضر في العامين 2007 و2012، اذ انخفضت معدلات الفقر في المناطق الريفية من نسبة مقدارها 9، 38% عام 2007 الى 6، 30% عام 2012، أي بمقدار 3، 8% مقارنة بالانخفاض في المناطق الحضرية اذ بلغت نسبة التغير 5، 2%.

لقد كان هناك تحسن قليل في حجم الفقر في محافظات بغداد وكردستان في حين انخفضت معدلات الفقر بشكل ملحوظ في المحافظات ال 14 المتبقية وتعيش في هذه المحافظات افقر 40٪ من السكان أي ما يعادل 70٪ من نسبة السكان وبغداد تمثل 20٪ الاخرى، في عام 2007 عاش نصف الفقراء في خمس محافظات (البصرة، بغداد، نينوى، بابل، ذي قار)، وبحلول عام 2012 ضلت نسبة الفقراء في بغداد بلا تغيير عند 19٪، بينما تضاعفت النسبة تقريباً في نينوى لتصل الى 7، 15%، في حين تركز الفقر في ثلاث محافظات جنوبية هي (ذي قار، ميسان، القادسية) اذ تمثل ما يقارب ربع الفقراء في البلد (38).

3. الازمة المزدوجة (الصدمة الثنائية): انخفاض اسعار النفط وداعش الارهابي.

لقد ادى الصراع الذي اقترن بالقيود الاقتصادية في السنوات الاخيرة الى عكس المكاسب التي تحققت في الحد من الفقر بين عامي 2007 و2012، فقد انخفض

ص: 184

معدل الفقر في العراق الى (8، 19%) في عام 2012 بعد ان كان (6، 23%) في عام 2007، الجدول (2)، الا ان هذا الانخفاض في معدلات الفقر قد تم عكسه بحلول عام 2014، اذ يقدر معدل الفقر في عدد السكان في ذات العام نحو (5، 22%)، الجدول (3) وهو ما يقارب المستوى المسجل في العام 2007 ويشير ذلك الى ان الفقر يتناسب طردياً مع فقدان الامن والنزاع والعنف، وكذلك انخفاض اسعار النفط او النقصان في الايراد النفطي نتيجة الاعتماد المطلق على وارداته.

لقد تبين الاثر السلبي للازمة المزدوجة في العراق على جميع مناطق العراق، إلا ان شدتها تباينت بين منطقة وأخرى، فقد كان التأثير اشد حدة في المناطق المتضررة من ارهاب داعش وکردستان من المناطق الاخرى، اذ يقدر ان مستويات الفقر قد تضاعفت اربع مرات في تلك المناطق عما كانت عليه قبل الازمة، في حين زاد بالمركز بمقدار 6٪، وكانت الزيادة في الفقر في بقية الشمال والجنوب مقارب لما في المركز، وكان التدهور في مستويات الرفاه للفقراء في جميع المناطق وفقاً لفجوة الفقر وحدته كبيراً، التي يبينها الجدول (3)، اذ يتضح ان فجوة الفقر قد ازدادت بعد الازمة الى 2، 14% عام 2014 بعد ان كانت 3، 5% عام 2012، وكذلك الحال بالنسبة لشدة الفقر فقد ارتفعت موشراته بعد الازمة ليبلغ 3، 7% بعد ان كان 2، 2% لذات الاعوام على التوالي.

کما ان هذه الازمة ادت الى القضاء على التحسن الذي حصل في مستويات الفقر بين عامي 2007 و2012، مما ادى الى رفع 2 و 2012، مما ادى الى رفع حجم الفقر الى 5، 22% عام 2014، ودفع ثلاثة ملايين شخص اخرين الى الفقر (39).

يلحظ من الجدول (3) ان اثار فجوة الفقر وشدته كانت في الجنوب اكثر منها في باقي المناطق الاخرى، ويشير ذلك الى ان النسبة الاكبر يعيشون بالقرب من

ص: 185

خط الفقر قبل عام 2014.

البیان - حجم الفظ - فخوة الفقر - الخطورة (حدة الفقر)

2012 - 2014 - التأثیر - 2012 - 2014 - التأثیر - 2012 - 2014 - التأثیر

الاعتیادي - الازمة - الاعتیادي - الازمة - الاعتیادي - الازمة

العراق - 9، 18 - 0، 15 - 5، 22 - 5، 7 - 1، 4 - 9، 3 - 6، 6 - 7، 2 - 4، 1 - 7، 1 - 0، 3 - 3، 1

کردستان - 5، 3 - 5، 3 - 5، 12 - 0، 9 - 6، 0 - 6، 0 - 7، 3 - 1، 3 - 2، 0 - 2، 0 - 7، 1 - 5، 1

بغداد - 0، 12 - 5، 8 - 8، 12 - 4، 4 - 0، 2 - 3، 2 - 4، 3 - 0، 1 - 5، 0 - 2، 1 - 6، 1 - 3، 0

التأثیر - 7، 25 - 5، 20 - 2، 41 - 6، 20 - 6، 5 - 3، 5 - 2، 14 - 9، 8 - 8، 1 - 2، 2 - 3، 7 - 0، 5

بقیة الشمال - 9، 14 - 1، 12 - 7، 17 - 6، 5 - 8، 2 - 9، 2 - 4، 4 - 6، 1 - 8، 0 - 2، 1 - 8، 1 - 6، 0

المرکز - 8، 15 - 7، 12 - 6، 18 - 8، 5 - 1، 3 - 9، 2 - 6، 4 - 7، 1 - 0، 1 - 1، 1 - 8، 1 - 7، 0

الجنوب - 6، 33 - 1، 26 - 5، 31 - 5، 5 - 6، 8 - 8، 6 - 9، 8 - 1، 2 - 2، 3 - 7، 2 - 7، 3 - 0، 1

Source: Iraq Systematic Country Diagnostic February 3، Report No. 112333-Iq، World Bank Group، 2017،p36

كما يتجلى اثر الازمة في زيادة الفقر بكونه سبب زيادة في معدلات البطالة مقارنة بما قبل الازمة، فالهجرة الداخلية جعلت البعض عاطلا عن العمل او يعمل بإجور اقل وهو ما ادى الى انخفاض دخل العمالة بنسبة 20٪ عام 2014 أي ما يعادل 14٪ في اجمالي دخل الاسرة، كما يتضح من الجدول (4)، وكذلك ان اجمالي الدخل قد انخفض الى النصف تقريبا في المناطق المتضررة من داعش، ان الزيادة في معدلات البطالة تؤدي الى تقليل دخل الايدي العاملة والذي يؤدي بدوره الى انخفاض نصيب الفر من الاستهلاك.

ص: 186

جدول (4) التأثير على مكونات دخل الفرد ومعيشة الأسر، الأزمة مقابل الأعمال المعتادة

البيان - الفقراء الجدد - الفقر القدیم - مجموع السکان

العادی - الازمة - % - العادی - الازمة - % - العادی - الازمة - %

نصيب الفرد من الاستهلاك - 5، 108 - 8، 60 - 9، 43 - 1، 56 - 2، 49 - 2، 12 - 2، 155 - 4، 137 - 5، 11

نصيب الفرد من دخل الاسرة

الدخل الكلي - 0، 144 - 0، 71 - 7، 50 - 4، 81 - 66 - 0، 19 - 5، 182 - 3، 155 - 9، 14

دخل العامل - 6، 110 - 8، 45 - 6، 58 - 2، 54 - 4، 41 - 6، 23 - 1، 124 - 4، 99 - 9، 19

الدخل غير العامل - 0، 20 - 9، 12 - 3، 35 - 7، 17 - 4، 15 - 6، 23 - 8، 28 - 0، 27 - 3، 6

التحويلات العامة - 1، 16 - 11 - 5، 31 - 3، 14 - 7، 12 - 2، 11 - 8، 20 - 8، 19 - 9، 4

التحويلات الخاصة - 9، 3 - 9، 1 - 2، 51 - 4، 3 - 7، 2 - 2، 19 - 0، 8 - 2، 7 - 1، 10

Source: IRAQ SYSTEMATIC COUNTRY DIAGNOSTIC February 3.

Report No. 112333-IQ،World Bank Group، 2017،p39

ان اثر الازمة على «الفقراء الجدد» - أي الاسر التي اصبحت فقيرة نتيجة الازمة المزدوجة - اكثر عمقاً بأربعة اضعاف من بقية السكان قياساً بنصيب الفرد من الاستهلاك والدخل، ويعزى الاثر الكبير في انخفاض دخل الفرد ومستوى نصيبه من الاستهلاك الى انخفاض دخل العمالة فقد هبط نصيب الفرد من الاستهلاك للفقراء الجدد بنسبة 44٪ وانخفض الدخل الفردي بنسبة 51٪ وانخفض دخل العمالة بنسبة 60% نتيجة الازمة.

وبدءاً من حزيران 2014 وبعد هجوم داعش الارهابي على محافظات العراق

ص: 187

الشمالية والغربية نتج عنه (354000) اسرة نزحو داخلياً خلال ستة اشهر من العام 2014، ويمثل ذلك حوالي 1، 2 مليون شخص (40)، وبحلول نهاية عام 2015 كان حوالي 2، 4 مليون شخص في العراق قد نزحو داخلياً (41).

المبحث الثالث: سبل مواجهة الفقر في ضوء فلسفة الأمام علي (عليه السلام)

للفقر آثار اقتصادية واجتماعية سلبية مؤلمة ومعقدة على الأنسان وعلى المجتمعات، فهو متعدد الأبعاد، لا ينحصر في الجانب المادي الذي يشمل المأكل والملبس والسكن فحسب، بل يشمل فقر التعليم، الحرمان من الرعاية الصحية، الحرمان من الحقوق... الخ.

وعلى الرغم من كل ما تحقق من إنجازات على صعيد مواجهة الفقر، والشعارات التي ترفعها الدول المتقدمة لمحاربة الفقر، لا يزال الفقر يشكل ظاهرة خطرة لا سيما في ظل انتشار ظاهرة العولمة وتسارع خطاها بشكل لافت للنظر، إلى جانب ظاهرة الإصلاحات التي يرعاها صندوق النقد الدولي أو ما يسمى «إجماع واشنطن»(42) والذي كانت له نتائج مؤلمة على الطبقات الفقيرة.

فعولمة الفقر في أواخر القرن العشرين لم يسبق لها مثيل في التاريخ الاقتصادي العالمي(43). غير إن هذا الفقر ليس نتيجة ندرة الموارد البشرية والمادية كما يرى النظام الرأسمالي، كما إنه ليس نتيجة التناقض بين علاقات الإنتاج كما يرى النظام الاشتراكي، بل هو في سوء الاستخدام الإنسان للموارد بحسب وجهة نظر الاقتصاد الإسلامي وهو نتيجة منطقية للفلسفة التي تكمن وراءهُ.

وان الباحث عن آليات معالجة الفقر والقضاء عليه سرعان ما يجد مصدرها

ص: 188

الأصيل، فبالتأكيد ليس في ثنايا النظرية الرأسمالية، ولا في مضامين النظرية الاشتراكية بكل ألوانها، بل سيجدها في الاقتصاد الإسلامي الذي يستند في جوهرة على القران الكريم والسنة النبوية واحاديث الأئمة الأطهار عليهم السلام.

وفي هذا الاطار، عالج الاقتصاد الإسلامي بوصفهُ جزء من الدين الإسلامي موضوع الفقر بشكل دقيق من خلال وضع التشريعات اللازمة للقضاء عليه، بالتركيز على الفرد بوصفه المسؤول الأول عن هذه الظاهرة.

وبهذا المعنى، فقد حرص الإسلام على تربية الفرد المسلم من الداخل من خلال التقييد بالمبادئ والقيم والتشريعات الموجودة في القرآن الكريم. وقد أجاز القران الكريم للدولة أو الحاكم والمسؤول بالتدخل في النشاط الاقتصادي، وذلك من اجل تصحيح الأسواق، وتحقيق التنمية، ومواجهة كل وسائل الظلم والاستغلال، ليحيا الأنسان حياة كريمة وبما يتناسب مع الأهداف السامية التي وضعتها الشريعة السمحاء.

ومن هنا ننطلق للتعرف على حل مشكلة الفقر في ضوء تعاليم القران الكريم والسنة النبوية الشريفة والتي استند عليهما أمير المؤمنين (علیه السلام) في فلسفته لمواجهة الفقر.

أولاً: الدولة والفقر في منهج وفلسفة الأمام علي (علیه السلام)

تُعد حقبة خلافة الأمام علي (علیه السلام) بالرغم من إنها لم تتجاوز الخمس سنوات مناراً ومثالاً يُحتذى بها، لما حققهُ من استقرار سياسي واجتماعي فضلاً عن الاستقرار الاقتصادي.

فقد كان للدولة دور كبير في الحياة الاقتصادية، وكان يوصي العاملين في الدولة

ص: 189

بتقوى الله فيا انتم عنه مسؤولين واليه تصيرون، فأن الله تعالى يقول: «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ» (44) وفي آيات أخرى يقول تعالى: «فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ٭ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(45)

لقد كان (علیه السلام) يحارب الفقر بشتى أنواعهُ، فقد كان يمثل له عدو خطر إذ يقول (علیه السلام): «لو تمثل لي الفقر رجلاً لقتلته» وتوضح هذه المقولة مدى اهتمام أمير المؤمنين (علیه السلام) بموضوع الفقر، وقد استطاع بالفعل محاربتة ومواجهتهُ حتى أصبحت دولته خالية من أوجاع الفقر آلامه.

وفي هذا السياق، وخلال مدة خلافته (علیه السلام) ارسل الكثير من العهود والكتب إلى عامليه في الولايات الإسلامية يحثهم فيها على الالتزام بما انزله الله سبحانه وتعالى بالقران الكريم من تعاليم وقوانين في التعامل مع الأفراد.

ويعكس عهد الإمام علي (علیه السلام) إلى مالك الأشتر عندما ولاهُ على مصر جانباً مبتكراً ومهماً في محاربة الفقر، أذ تضمنت وثيقته مجموعة من المبادئ التي من شأنها محاربة الفقر قبل وبعد حدوثه.

فهو يوصي عاملهُ بضرورة تقوى الله ومنع الاحتكار وعاقبة المحتكر والعمل الصالح والعدل والأنصاف ومراعاة المستضعفين بين الناس ومتابعة موضوع الضرائب وأعمار البنى التحتية وتوفير الخدمات ورعاية الأيتام والمسنين، ومراعاة طبقة الكسبة والتجار، وهي جميعاً تمثل أرضية خصبة للفقر اذا لم يتم معالجتها بالشكل الصحيح.

ففيما يتعلق بالعمل الصالح والذي يمثل المرتكز الأساسي لمعالجة أوضاع الفقر، كتب يقول له ((ليكن احب الأعمال إليك ذخيرة العمل الصالح، وابتعد عما هو لا يحل لك، واشعر بقلبك الرحمة للرعية..... ثم يقول الناس صنفان أما

ص: 190

أخٍ لك في الدين أو نظير لك في الخلق......... الخ).

أما بالنسبة للعدل والإنصاف فكتب يقول (انصف الله وانصف الناس في نفسك ومن خاصة اهلك من رعیتك، فإنك إلا تفعل تَظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمهُ،.... إن الله سميع دعوة المضطهدين، وهو للظالمين بالمرصاد)(46).

إن من اهم الصفات التي يتصف الاقتصاد الإسلامي هو الصفة الأخلاقية المتمثلة بالعمل الصالح والعدل والإنصاف النابعة من داخل الأنسان، ولذلك يجب أن يؤدي الحاكم أو الوالي أو المسؤول عمله بشكل صحيح لكي لا يكون هناك ظلم على العباد، وبهذا المعنى يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابة الكريم «إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» (47). أن تحقيق العدل والإنصاف من الحاكم من شأنه أن يؤدي إلى محاربة الفقر من خلال التوزيع العادل لكل ثروات البلاد على طبقات المجتمع كافة، وتختفي الطبقية في المجتمع.

أما بالنسبة لمراعاة المستضعفين فكتب يقول (ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم (مساعدتهم وصلتهم) ومعونتهم وفي الله لكل سِعة، ولكل على الوالي حق ما يُصلحهُ، وليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمهُ الله من ذلك إلا الاهتمام والاستعانة بالله وتوطين نفسهُ على لزوم الحق والصبر عليه فيما خف فيه أو ثقل)(48).

وفي منع الاحتكار وعاقبة المحتكر كتب يقول (واعلم مع ذلك، أن في كثيراً منهم ضيقاً فاحشاً وشحاً قبيحاً، واحتكاراً للمنافع وتحكماً في البياعات، وذلك باب مضرة العامة، وعيبٌ على الولاة، فأمنع من الاحتكار، فإن رسول الله منع

ص: 191

منهُ، وليكن البيع بيعٌ سمحاً، بموازین عدل، وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمشتري، فمن احتكر بعد نهیك فعاقبهُ، وعاقب في غير إسراف من تجاوز حد العدل) (49).

إن للاحتکار آثار سلبية تتمثل في سيطرة منتج واحد أو مجموعة قليلة من المنتجين على سعر السلعة، ومن ثم يفرض السلع الذي يحقق اعلى الأرباح وهذا لا يتفق مع المبادئ الإسلامية التي تمنع الأنسان من استغلال أخيه الأنسان.

وفي موضع آخر كتب يوصي بأصحاب المهن من التجار والصناع والكسبة خيراً، أذ يوصي مالك الأشتر (رضوان الله عليه) (ثم استوصي بالتجار وذوي الصناعات، وأوصِ بهم خيرا، المقيم منهم، والمضطرب بمالهُ، والمرتفق (المكتسب) ببدنهُ، فإنهُ مواد المنافع، وأسباب المرافق وجلابها من المعابد والمطارح (الأماكن البعيدة)، في برَك وبحرَك وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها، ولا يجترئون عليها، فإنهم سِلمٌ لا تخاف بائقتهُ (دهاؤهُ)، وصلحٌ لا تخشى غائلتهُ، وتفقَد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك).

وفي مورد آخر کتب حول متابعة الضرائب وإعمار البنى التحتية (تفقد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإن في صلاحهُ وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم، لأن الناس كلهم عِيالُ على الخراج وأهله، وليكن في نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك بالعمارة، ومن طلب الخراج بغیر عمارة اخرب البلاد واهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاٍ)(50).

أما بالنسبة لتوفير الخدمات أولاً ثم الضرائب فهو يوصي مالك الأشتر بضرورة توفير الخدمات للناس والتخفيف عنهم بما فيه صلاح لأمرهم، فأنهم

ص: 192

(أي الناس) ذخراً يعودون عليك به عليك في عمارة بلادك وتزين ولايتك ويوصيه بأن خراب الأرض يأتي من أعواز الفقر والحاجة(51).

وهنا نجد اهتمام الأمام (علیه السلام) بموضوع الضرائب، إذ وصي واليهُ في اكثر من موضع على مسألة الضرائب لما لها أهمية كبيرة في توفير الموارد المالية اللازمة لخزينة الدولة، وإعادة توزيعها على الفقراء، فالضرائب أداة مهمة لإعادة توزيع الدخول وتقليل الفوارق الطبقية في المجتمع.

وفي مراعاة الأيتام والمسنين کتب ((وتعهد أهل اليتيم وذوي الرقة في السن (المتقدمون فيه) ممن لا حيله له، ولا يُنصب للمسألة نفسه، وذلك على الولاة ثقيل، والحق كلهُ ثقيل، وقد يخففهُ الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا انفسهم، ووثقوا بصدقٍ موعود الله لهم)) (52).

ويستند في مفهومه إلى الأيتام الى كتاب الله الكريم إذ يقول جل في علاه «فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»(53).

لقد أولى أمير المؤمنين (علیه السلام) عناية خاصة وفائقة بالأيتام والمسنين، فقد كان شديد الحرص على متابعة شؤونهم وتوفير المستلزمات الأساسية لهم، فهو يلقب أبو الفقراء والمساكين.

مما سبق يتضح، إن أمير المؤمنين (علیه السلام) قدم وصفة إسلامية كاملة لمعالجة أوضاع الفقراء، وهي تقوم على المبادئ الإسلامية التي أوصى بها الله سبحانه وتعالى، وهذه الوصفة تختلف عن الوصفات التي تقدمها المؤسسات الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما) لعلاج الفقر في كونها تستند على مبادئ وضعية

ص: 193

مرتكزها الأساسي حرية الأسواق بدون ادنی ضوابط أو أخلاقيات.

تأسيساً على ما تقدم، وبالنظر لما اكتسبتهُ ظاهرة الفقر في العراق أهمية كبيرة في ظل تنامي أعداد الفقراء، خلال العقود الثلاثة الماضية، بعدما كان يُعد من الدول ذات الدخل المتوسط خلال عقد السبعينات (کما تمت الإشارة إليه في المبحث الثاني).

كما إن السياسات الاقتصادية المتبعة بعد عام 2003 والتحول نحو اقتصاد السوق واعتناق الفلسفة الرأسمالية أوقعت البلد في فخ الفقر وانعدام المساواة، مما ترتب عليه ظهور طبقة غنية تمثل فئة قليلة في المجتمع، وطبقة أخرى فقيرة تمثل فئة كبيرة بالمجتمع.

ولذا ومن اجل النهوض بالاقتصاد العراقي ومعالجة آفة الفقر فيه، ومن اجل التخلص من مساوئ التوزيع غير العادل للثروة، نقترح خطوطاً استرشادية وفق رؤية إسلامية تستند إلى فلسفة ومنهج الأمام علي (عليه السلام) في معالجة الفقر والتقليل منه.

ثانياً: فلسفة الإمام علي (عليه السلام) في محاربة الفقر: الدروس المستفادة

انطلاقاً من فلسفة الإمام علي (عليه السلام) ونهجه في ادارة امور الدولة بخاصة الاقتصادية منها، واسترشاداً بمنهجه الذي لم يهمل فئة او شريحة اجتماعية إلا وأوضح واجباتها وحقوقها، فاننا نحاول ان نضع خطوطاً استرشادية تنبع من نهل فلسفته في محاربة الفقر والحد من مخاطره.

1. محاربة الفقر من خلال التعليم:

قال الامام علي (علیه السلام) «تعلموا العلم، فانه زين للغني، وعون للفقير». كما

ص: 194

قال (علیه السلام) «والعلم حاکم والمال محكوم عليه» فالمال بحاجة الى العلم في الاستثمار وفي التوزيع، وبه ينمو المال إلى اضعاف مضاعفة، فالعلم اداة الفقير لإزالة الفقر، فيتعلم كيف يزرع، وكيف يصنع، وكيف يدير باقي اموره، ان اکثر اسباب الفقر ناشئ من الجهل والامية، فالزراعة بحاجة إلى العلم، والصناعة كذلك لا تستغني عن العلم، فكل ما يريد الانسان صنعه لا بد له من العلم، واليوم استطاع العلم أن يطور مجالات الصناعة بشكل واسع بحيث اصبح الانتاج يضاهي انتاج الامس بآلاف المرات، وعموما فان الدول الفقيرة لا ينقصها في اللحاق بركب الدول الصناعية الكبرى سوى العلم وتوابعه، فبلاد اوربا كانت حتی قبل ستة قرون تعتمد على العالم الثالث في طعامها وما شابه، ولم تتطور دول اوربا إلا بالنهضة العلمية التي انطلقت في القرن السابع الميلادي، وبذلك فقد اهتم الاسلام بالعلم والعلماء، فالعلم عامل مؤثر في حياة الناس وبه يكفل تخليص المجتمع من الفقر والفاقة (54).

وتاسيساً على ما سبق فانه يجب توفير التعليم لكافة أفراد المجتمع، ولابد من استهداف الفقراء في ذلك ورفع مستوى تعليمهم، فقد تبين أن قلة التعليم والفقر يرتبطان بشكل مباشر.

2. الضمان الاجتماعي:

فرض الاسلام على الدولة حماية أفراد المجتمع الاسلامي من الفقر والعوز، فهي ضامنة لمعيشة أفراد المجتمع ضماناً كاملاً، من خلال تهيئة وسائل العمل للفرد وفرص المساهمة الكريمة في النشاط الاقتصادي المثمر ليعيش على اساس عمله وجهده، وفي حالة عجز الفرد عن العمل وكسب عيشه لاي سبب، تمارس الدولة مبدأ الضمان الاجتماعي من خلال تهيئة المال الكافي لسد حاجات الفرد

ص: 195

وتوفير حد خاص من المعيشة الكريمة له، وفي هذا السياق فان الامام علي (علیه السلام) هو رائد فكرة الضمان الاجتماعي الذي تتسع دائرته لتشمل حتی غير المسلم، من خلال الحادثة المشهورة حين اجرى راتباً من بیت المال لذلك الشيخ المسيحي الذي فقد فرصة العمل (55).

تتبلور إستراتيجية الحماية الاجتماعية ببرامج الدعم والمساعدات المقدمة للأفراد والعوائل نتيجة التعرض للصدمات والكوارث الطبيعية والأمراض والأزمات الاقتصادية من خلال تطوير شبكات الامان الاجتماعي (کبرامج التقاعد وإعانات اللاجئين والضمان الاجتماعي)، فضلاً عن مخاطر البطالة والعجز او العوق بسبب كبر السن او اصابة العمل، إلا أن شبكات الضمان الاجتماعي لم تلقى حظاً وفيراً ولم تثبت فعاليتها في اغلب الدول النامية وخصوصاً انها تبقى عاجزة في الأمد الطويل (56).

يعاني النظام الاجتماعي في العراق للعمال من تحديات خطيرة تتمثل في انخفاض عدد المشمولين واشتراكهم، وتدهور المركز المالي لصندوق الضمان الاجتماعي، فضلاً عن عدم جدية الدولة و مؤسسات القطاع الخاص بتطبيق احكام القانون النافذة، فضلاً عن عدم التفات العمال انفسهم حول القانون والضغط من اجل تنفيذه بالكامل (57).

3. رعاية ذوي الحاجات الخاصة:

لقد اشار الامام علي (علیه السلام) الى فئة رئيسية من فئات المجتمع الا وهي فئة او طبقة العمال ومن الذين لا يستطيعون العمل اما بسبب عاهة تمنعهم من ذلك، او بسبب صغر سنهم، او بسبب كبر سنهم، أو بسبب المرض الذي يحول بينهم وبين العمل، والفقراء والمحتاجون والقانع والمعتر، وكذلك اشار الى فئة اليتامى، وقد

ص: 196

اوضح الامام علي (علیه السلام) في عهده الى مالك الاشتر وسائل رعاية هؤلاء ومصادر الإنفاق عليهم بوصفهم مواطنين في الدولة ولهم حق العيش، وعليها توفير مستلزمات معيشتهم بقوله: «واجعل لهم قسما من بيت المال، وقسما من غلات المحاصيل الزراعية وصوافي الاسلام في كل بلد»(58)، وتعتبر هذه الاجراءات من الاهمية بمكان وبخاصة في ظروف العراق الحالية وما يمر به من نتاج الارهاب ومقارعته، الذي افرز الاعداد الكبيرة من الأرامل والأيتام الذين هم بحاجة إلى التفاتة الدولة ورعايتهم وتولي امور معیشتهم وحفظ کرامتهم وضمان العيش الكريم لهم.

وفي المجال الزراعي فان الامام (علیه السلام) يوجه بضرورة تقديم المساعدات للفلاحين في وقت الازمات كإنتشار الأوبئة والأمراض الزراعية، وعند شحة مناسيب المياه في الترع والأنهار، او قلة سقوط الأمطار، أو بسبب الفيضانات التي تؤدي الى غمر الأراضي الزراعية بالمياه وتدمير محاصيلهم ومزروعاتهم(59)، ذلك لما للقطاع الزراعي من أهمية في التخفيف من الفقر من خلال تشغيل الايدي العاملة وتوفير مستلزمات العيش لعوائل الفلاحين التي تمتاز بكبر اعدا افرادها، فضلا عن توفير المنتوجات الزراعية للاسواق المحلية.

4. الرقابة على السوق: الحد من اثر التضخم

لما كان دخل الفقراء محدودا فان زيادة الاسعار ستؤثر بشكل كبير عل حياتهم فيزدادون فقراً، وهنا لابد من تدخل الدول بالاجراءات الاقتصادية التي تحد من معدلات التضخم وهي الحد من كمية السيولة، زيادة الانتاج لمواجهة كمية السيولة الموجودة في السوق، وضبط الأسعار دون ارتفاعها، ونجد هذه المعالجات في رسالة الامام علي (علیه السلام) إلى واليه في مصر مالك الأشتر، اذ نجد مبدأ الترشيد،

ص: 197

ومبدأ زيادة الانتاج، وكذلك مبدأ التسعيرة العادلة.

قال الامام علي (علیه السلام) «وليكن البيع سمحاً: بموازین عدل، وأسعار لاتجحف بالفريقين من البائع والمبتاع»، فالموازين العادلة للأسعار هي التي تأخذ بنظر الاعتبار الوقت والجهد والمواد الأولية التي دخلت في انتاج هذه السلعة، وهذا البيع هو الذي يقع بتراضٍ من الطرفين البائع والمشتري، ولا يتم ذلك إلا بإشراف الدولة على نظام الاسعار (60).

5. تنظيم الأسرة:

أن المجتمع الاسلامي هو مجتمع الأغنياء، والفقر فيه حالة استثنائية والتي يمكن معالجتها بحل مؤقت، فضلا عن الفقر يظهر كحالة فردية وليس كحالة جماعية، لذا فان الحل هو قانون تنظيم الأسرة، قال (علیه السلام) «قلة العيال احد اليسارین»، ويعني ذلك تقدير عدد الأبناء بشكل يتناسب والدخل، فإذا زاد الدخل فالمشكلة باتت محلولة من جذورها(61)، وقد دلت الدراسات على ان الفقر والعدد الكبير من أفراد الأسرة يتناسب طرديا، لذا فان ترتيب الامر المالية للاسرة يتضمن تنظيم عدد افرادها بما يتناسب مهم دخولها السنوي او الشهري.

6. الفساد والاستئثار بالامتيازات:

وعلى هذا الصعيد ينبه الامام علي (علیه السلام) مالك الأشتر في عهده اليه «ثم ان للوالي خاصة وبطانة، فيهم استئثار وتطاول، وقلة انصاف في معاملة، فاحسم مادة اولئك بقطع اسباب تلك الأحوال» (62)، ولقد لامست السياسة الأمور عند الامام (علیه السلام) بشفافية ونقاء متناهيين، فالمال الذي يستوفي من الرعية مال الله، وشدد على من يخون من فيء المسلمين ولو كان شيئاً صغيراً، ودعا إلى التعامل مع المكلفين بمنتهى النزاهة والحرص على الحق، فكان يطلب ممن يستعمله على

ص: 198

الصدقات أن يقول: «عباد الله، ارسلني اليكم ولي الله وخلیفته لاخذ منكم حق الله في اموالكم، فهل لله في اموالكم حق فتؤدوه الى وليه، فان قال قائل: لا، فلا تراجعه» (63)، ونجد في قوله (علیه السلام) «بلغني انك جردت الارض، فأخذت ما تحت قدميك، وأكلت ما تحت قدميك، فارفع الي حسابك، واعلم أن حساب الله اعظم من حساب الناس» حرصه على اخلاقیات جباية الضرائب وظروفها ومتطلباتها الومانية والمكانية، واخلاقية القائمين على جبايتها وامانتهم ونزاهتهم لانهم الامناء على المصلحة العامة، وفي المقابل نجده (علیه السلام) يؤنب عامله على خيانته الأمانة، الذي يعكس الفساد المالي والاداري والمالي ووجوب الرقابة والمحاسبة، ولهذا تحرص الدول على أن تتضمن التشريعات الاقتصادية الكثير من الضمانات والمزايا التي تيسر تحقيق الغايات الاقتصادية وغير الاقتصادية(64).

7. الحقوق الاجتماعية: للفقراء حق في اموال الاغنياء

تقوم فلسفة الامام علي (علیه السلام) الاجتماعية على الایمان بان الحقوق المفروضة في اموال الاغنياء لصالح الفقراء كافية لرفع الحاجة في المجتمع، اذ يقول (علیه السلام): «ان الله سبحانه وتعالى فرض في اموال الاغنياء اقوات الفقراء، فما جاع فقير الا بما منع به غني، والله تعالى سائلهم عن ذلك»، وبذلك فانه يكفي أن يدفع الاغنياء التزاماتهم الشرعية المفروضة عليهم، حتى يكتفي الفقراء، وقد خص الاسلام فئات من الناس بموارد محددة، كالزكاة التي توزع على الفقراء والمساكين، وفي سبيل عتق الرقاب، وفك دین العاجزين عن الوفاء، وللمسافرين الذين تنقطع بهم السبل، كما ان اخماس الغنائم توزع ايضاً فيمن توزع الزكاة عليهم، وذوي القربي والمساكين وابن السبيل (65).

ص: 199

8. التوازن بين الريف و الحضر:

كان الامام علي (علیه السلام) اول داعية لايجاد التوازن بين القرى والأرياف والمدن، اذ قال (علیه السلام) في عهده لمالك الأشتر «فان للاقصى منهم مثل للادنى وكل قد استرعیت حقه»، أي أن الحقوق الاقتصادية التي للاقصى، وهم اهل الارياف والبوادي، هي تماماً مماثلة للحقوق التي للادنى، وهم الحضر، «وكل استرعیت حقه» فالحاكم مسؤول عن كلا الحقين، ولا يجوز له أن يفرط باي منهما، كما قال (علیه السلام): «وتفقد امر الخراج بما يصلح اهله، فان في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم»، فالعناية بالريف هي سبب اساسي في الحفاض على اقتصاد سلیم ومتطور (66).

لقد ارتبط الفقر في الوقت الراهن بالريف بشكل كبير نتيجة اهتمام الدولة بالمدينة والحضر، واهمالها الريف بشكلٍ واضح، مما ادى الى ان تكون نسب الفقر في الريف اكبر بكثير عنها في المدن، وهو ما يستدعي الوقوف عند هذا الخلل ومعالجته، من خلال توفير مستلزمات نهوض الريف کالاهتمام بالصحة والتعليم ودعم القطاع الزراعي لتوفير فرص العمل لأبنائه، ليصل إلى مصاف الحضر.

9. بنك الفقراء: تجربة بنك جرامين(67)

يتخذ بنك «جرامين» منهجية معاكسة تماماً للمنهجية البنكية التقليدية، فالبنوك التقليدية مبنية على مبدأ انه كلما زاد ما تملك، ازداد ما يمكن الحصول عليه، فاذا كنت تملك القليل او لا تملك شيئاً فلن تحصل على شيء، ونتيجة لذلك فان نصف سكان المعمورة محرومون من الخدمات المالية للبنوك التقليدية، لان البنوك التقليدية تعتمد على الضمانات الإضافية، ونظام بنك جرامين خال من الضمانات الإضافية، يبدأ بنك جرامين باعتقاد أن الائتمان يجب أن يقبل كحق من

ص: 200

حقوق الانسان، ومن ثم تبني نظاما على اساس ان الشخص الذي لا يملك شيئاً له الاولوية الاولى في الحصول على قرض، فمنهجية بنك جرامين لا تتأسس على تقييم الملكية الفردية للفرد، بل انها تتأسس على الدافعية التي يمتلكها، فهذا البنك يعتقد ان كل البشر بمن فيهم الاكثر فقراً موهوبون بدافعية لا حدود لها، البنوك التقليدية يملكها الاغنياء بأغلبية الرجال، بينما جرامين تمتلكه النساء الفقيرات، ويسعى بنك جرامين الى توفير الخدمات المالية للفقراء، خاصة من النساء(68)، وبالامكان عكس هذه التجربة في العراق من خلال تخصيص مبلغ من ايرادات النفط لتمويل هكذا بنك، وسيسهم ذلك بالتخفيف من الفقر بشكل كبير بسبب توفير فرص عمل للكثير من الفراء الذين سيبدؤون مشاريعهم الصغيرة.

ان استهداف التخفيف من الفقر يجب ان يوضع وفق ستراتيجية قابلة للتطبيق، تأخذ بنظر الاعتبار الظروف التي يمر بها البلد ومنسجمة مع سياسات التنمية الاقتصادية، اذ يجب ان تبنى على وفق معطيات ومتغيرات الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الوقت الراهن، مما يتطلب وضع الاهداف والخطط الستراتيجة لمعالجة اسباب الفقر واختيار الادوات الملائمة لكلٍ منها.

ص: 201

الاستنتاجات والتوصيات

أولاً: الاستنتاجات

توصل البحث إلى جملة من الاستنتاجات لعل ابرزها:

1. کشف البحث على إن الاقتصاد الوضعي يعمل في أجواء الحرية غير المقيدة، ويتحرك في ضوء المصلح الفردية، وهدفه الأساس هو الحصول على الأرباح باي شكل من الأشكال، في حين يعمل الاقتصاد الإسلامي في ظل تعالیم القران الكريم والسنة النبوية الشريفة والتي يكون هدفها آليات بناء الإنسان وتربيته بالشكل المطلوب لكي يمارس دورهُ الاقتصادي بالشكل المطلوب

2. لم تستطع المدارس الفكرية المتنازعة على اختلاف مشاربها من معالجة أوضاع الفقر، ووضع الحلول الناجعة له، في حين استطاع الإمام علي (علیه السلام) وأثناء مدة خلافته القصيرة جداً أن يبني دولة مترامية الأطراف خالية من الفقر والفقراء.

3. إن دور الدولة في الاقتصادي الإسلامي هو دوراً إيجابياً من أجل تحقيق المصلحة العامة، وتحقيق الرفاهية والعيش بمستوى لائق، في حين هدف الدولة في الأنظمة الوضعية هو من اجل تحقيق مصالح فئة خاصة من المجتمع دون الأخذ بنظر الاعتبار باقي فئات المجتمع.

4. رغم التقدم والتطور الفكري الكبير الذي يتسم به الاقتصاد الإسلامي تجاه تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، وتجاه قضايا الفقر، إلا إن الملاحظ إن هذا النظام الإسلامي لم يجري تطبيقه في أغلب دول العالم حتى الإسلامية منها،

ص: 202

وأصبحت الدول تعتمد على الأنظمة الوضعية ونظرياتهُ في مواجهة الفقر

5. لقد تسببت الحروب المتعاقبة التي خاضها العراق بأثر سلبي على الاقتصاد بشكل عام، وأدت الى تزايد وتعميق الفقر بين فئات المجتمع العراقي، اذ ان زيادة الانفاق على الحرب العراقية - الايرانية ادت الى ارتفاع معدل التضخم الذي ادى الى تاكل الجزء الاعظم من حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي، وكانت نتيجة حرب الخليج الثانية عام 1990 وما تبعها من عقوبات اقتصادية الى تعرض مستويات المعيشة لثلثي العراقيين لانتكاسة خطيرة، اذ انخفض الدخل الاسري الى ثلث ما كان عليه عام 1988، وقد القت العقوبات الاقتصادية بثقلها الاكبر على الافراد والاسر من فئات الدخل الضعيف والمتوسط.

6. هناك تباين كبير في معدل الفقر ما بين الريف والحضر، اذ تبلغ نسبة الحرمان في الريف ثلاثة امثال النسبة المقابلة في الحضر للاعوام 2004 و2007، وعموما فان تحليل البيانات الخاصة بهذه الفترة يشير الى ان الفقر اكثر انتشاراً واكثر عمقاً في الريف مما هو عليه في الحضر.

7. شهدت الفترة بين عامي 2007 و2012 تحسناً في مستويات المعيشة، اذ ارتفع الاستهلاك الخاص بنسبة 4، 9% سنوياً، وتبعاً لذلك انخفضت معدلات الفقر من 6، 23% الی 8، 19%، لم يكن التخفيف من الفقر متساوياً من حيث المناطق الجغرافية، فقد تباينت معدلات الفقر بين الريف والحضر في العامين 2007 و2012، اذ انخفضت معدلات الفقر في المناطق الريفية من نسبة مقدارها 9، 38% عام 2007 الی 6، 30% عام 2012، أي بمقدار 3، 8% مقارنة بالانخفاض في المناطق الحضرية اذ بلغت نسبة التغير 5، 2%.

8. لقد ادى فقدان الامن والنزاع (الحرب على داعش الارهابي) الذي تزامن

ص: 203

مع انخفاض اسعار النفط (المورد الرئيسي للايرادات في العراق) الى عكس المكاسب التي تحققت في السنوات السابقة، إذ يقدر معدل الفقر في عدد السكان في عام 2014 (5، 22%)، وهو ما يقارب المستوى المسجل في العام 2007، لقد تبين الأثر السلبي للازمة المزدوجة في العراق على جميع مناطق العراق، إلا إن شدتها تباينت بين منطقة وأخرى، فقد كان التأثير اشد حدة في المناطق المتضررة من إرهاب داعش وكردستان من المناطق الأخرى، إذ يقدر إن مستويات الفقر قد تضاعفت اربع مرات في تلك المناطق عما كانت عليه قبل الأزمة، كما إن فجوة الفقر قد ازدادت بعد الأزمة إلى 2، 14% عام 2014 بعد إن كانت 3، 5% عام 2012.

9. بدءاً من حزيران 2014 وبعد هجوم داعش الإرهابي على محافظات العراق الشمالية والغربية نتج عنه (354000) أسرة نزحوا داخلياً خلال ستة اشهر من العام 2014، ويمثل ذلك حوالي 1، 2 مليون شخص، وبحلول نهاية عام 2015 كان حوالي 2، 4 مليون شخص في العراق قد نزحو داخلياً، إن اثر الأزمة على «الفقراء الجدد» أصبحت اكثر عمقاً بأربعة أضعاف من بقية السكان قياساً بنصيب الفرد من الاستهلاك والدخل، ويعزى الأثر الكبير في انخفاض دخل الفرد ومستوى نصيبه من الاستهلاك إلى انخفاض دخل العمالة فقد هبط نصيب الفرد من الاستهلاك للفقراء الجدد بنسبة 44% وانخفض الدخل الفردي بنسبة 51٪ وانخفض دخل العمالة بنسبة 60% نتيجة الأزمة.

ثانيا: التوصيات

1. ضرورة العمل على تبني سياسات اقتصادية موجهة نحو شريحة الفقراء، تتماشى مع السياسات الاقتصادية التي تتبناها الدولة في اطار التنمية المستدامة،

ص: 204

ووضع رؤية شاملة تبدأ بتشخیص اسباب الفقر مروراً بوضع اهداف محددة للتخفيف من الفقر، من خلال اليات قابلة للتطبيق وتمس جميع الفئات المستهدفة.

2. العمل على بناء مؤسسات مالية تستهدف شريحة الفقراء من خلال إنشاء البنوك ومؤسسات مالية تتبع منهج الاقتصاد الإسلامي ولا تتعامل بالربا، تكون موجهة لشريحة الفقراء والشرائح الأشد فقراً وذوي الدخل المحدود.

3. ضرورة الاستفادة من منهج وفلسفة الإمام علي (علیه السلام) في مواجهة الفقر في العراق، ووضع استراتيجية ذات مدد مختلفة تستند إلى فكر ومنهج الأمام (علیه السلام) حتى يتنسی بناء مجتمع خالي من الفقر.

4. العمل على إنشاء صناديق خاصة للفقراء من موارد وإيرادات النفط. وبالإمكان عکس تجربة بنك جرامين (بنك الفقراء) في العراق.

5. العمل على بناء منظومة إحصائية متكاملة لمعرفة أعداد الفقراء وتوزيعهم الجغرافي ليتسنى اتخاذ الإجراءات اللازمة، ووضع الخطط المناسبة للتخفيف منه والقضاء عليه.

6. العمل على محاربة ومواجهة الفساد المالي والإداري، بوصفهما عناصر تزيد من مشاكل الفقراء، وضرورة تكريس وترسيخ مبدأ المساءلة والمحاسبة، ليتنسی بناء مجتمع خالي من الطبقية.

7. إعادة النظر في النظام الضريبي في العراق وإعادة هيكلتهُ بالشكل الذي يتلاءم مع أوضاع الطبقة الفقيرة في المجتمع، بوصفها من اهم أدوات إعادة توزيع الدخل.

ضرورة العمل على توفير الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي للفقراء وذوي

ص: 205

الدخ-ول المحدودة، وتوفير المستوى المعاشي اللائق بهم، وذلك من خلال سن القوانين والتشريعات اللازمة.

هوامش البحث:

(1) إبراهيم كبة، دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي، ج 1، ط 2، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2005، ص 212.

(2) حازم الببلاوي، دليل الرجل العادي إلى تاريخ الفكر الاقتصادي، دار الشروق، القاهرة، 1995، ص 35 - 36.

(3) جون كينيث جالبريث، تاريخ الفكر الاقتصادي: الماضي صورة الحاضر، ترجمة: احمد فؤاد بلبع، سلسلة عالم المعرفة 261، الكويت، 2000، ص 64.

(4) المصدر السابق نفسه، ص 98 - 99.

(5) روبرت هيلبرونر، قادة الفكر الاقتصادي، ترجمة: راشد البراوي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، بدون تاریخ، ص 93.

(6) احمد ابراهيم منصور، عدالة التوزيع والتنمية الاقتصادية: رؤية إسلامية مقارنة، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2007، ص 213 - 214.

(7) ميلتون فريدمان، الرأسمالية والحرية، ترجمة: مروة عبد الفتاح شحاتة، ط 2، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2014، ص 237.

(8) للمزيد يُنظر في ذلك: المصدر السابق نفسه، ص 242 - 247.

(9) سمير أمين، الاقتصاد السياسي للتنمية في القرنين العشرين والواحد والعشرون، دار الفارابي، بیروت، 2002، ص 9.

(10) عبد الرزاق الفارس، الحكومة والفقراء والإنفاق العام: دراسة لظاهرة عجز الموازنة وآثارها الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية، ط 2، بیروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2001، ص 21.

(11) کارل غيورك تسين، الرخاء المفقر: التبذير والبطالة والعوز، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبو ظبي، 2006، ص 151 - 152

(12) حازم الببلاوي، المصدر السابق، ص 77.

(13) محمد عمر شبرا، الإسلام والتحدي الاقتصادي، ترجمة: محمد زهير السمهوري، المعهد العالي

ص: 206

للفكر الإسلامي والمعهد العربي للدراسات المالية والمصرفية، عمان، 1996، ص 145.

(14) حسن لطيف الزبيدي، النظم الاقتصادية المقارنة، النجف الأشرف، 2013، ص 168.

(15) محمد عمر شبرا، المصدر السابق، ص 139 - 140.

(16) حازم الببلاوي، المصدر السابق، ص 101.

(17) محمد باقر الصدر، اقتصادنا: دراسة موضوعية تتناول بالنقد والبحث المذاهب الاقتصادية للماركسية والرأسمالية والإسلام في أسسها الفكرية وتفاصيلها، ط 2، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، بدون تاریخ، ص 47 - 48.

(18) المصدر السابق نفسه، ص 306 - 3014.

(19) سورة النساء، الآية 59.

(20) سورة إبراهيم، الآية 23 - 34.

(21) محمد باقر الصدر، الإسلام يقود الحياة، ط 2، وزارة الإرشاد الإسلامي، طهران، ص 51 - 52.

(22) عبد الهادي عبد النجار، الإسلام والاقتصاد: دراسة من المنظور الإسلامي لأبرز القضايا الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة، سلسلة عالم المعرفة (63)، الكويت، 1983، ص 25 - 26

(23) محمد باقر الصدر، الإسلام يقود الحياة، المصدر السابق، ص 52 - 53.

(24) سورة الحشر، الآية 7.

(25) سورة البقرة، الآية 177

(26) محمد عمر شبرا، المصدر السابق، ص 286.

(27) حسن لطيف الزبيدي، الفقر في العراق مقاربة من منظور التنمية البشرية، مجلة بحوث اقتصادية، العدد (38) العراق، 2007، ص 101.

(28) عباس النصراوي، الاقتصاد العراقي بين دمار التنمية وتوقعات المستقبل 1950 - 2010، ترجمة:

محمد سعيد عبد العزيز، دار الكنوز الادبية، ط 1، 1995، ص 126 - 127.

(29) سالم توفيق النجفي، التنمية الاقتصادية في العراق: الحاضر والمستقبل، في ندوة احتلال العراق وتداعياتها عربيا واقليميا ودوليا، مركز دراسات الوحدة العربية، 2004، بیروت، ص 864.

(30) التقرير الوطني لحال التنمية البشرية 2008، وزارة التخطيط والتعاون الانمائي وبيت الحكمة، العراق، 2009، ص 41 - 42.

(31) حسن لطيف الزبيدي، مصدر سابق، ص 103.

(32) الاستراتيجية الوطنية للتخفيف من الفقر 2009، جمهورية العراق، وزارة التخطيط والتعاون

ص: 207

الانمائي، وزارة التخطيط / اقلیم کردستان العراق، ص 7.

(33) خارطة الحرمان ومستويات المعيشة في العراق 2011، وزارة التخطيط والتعاون الانمائي، الجهاز المركزي للاحصاء وتكنلوجيا المعلومات، برنامج الامم المتحدة الإنمائي، 2011، ص 6.

(34) Iraq the Unfulfilled Promise of Oil and Growth Poverty Inclusion and Welfare in Iraq 2012-2007 ،World Bank Group November 2016 ،7 ،19

(35) خارطة الحرمان ومستويات المعيشة في العراق 2011، جمهورية العراق، وزارة التخطيط، الجهاز المركزي للاحصاء، برنامج الامم المتحدة الانمائي، العراق، ص 74.

(36) انظر في: - خارطة الحرمان ومستويات المعيشة في العراق 2006، جمهورية العراق، وزارة التخطيط، الجهاز المركزي للاحصاء، برنامج الأمم المتحدة، العراق، ص 22.

خارطة الحرمان ومستويات المعيشة في العراق 2011، جمهورية العراق، وزارة التخطيط، الجهاز المركزي للاحصاء، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، العراق، ص 74.

LVIIIII (37) Child Poverty in Iraq An Analysis of the Child Poverty Trends and Policy Recommendations for the National Poverty Reduction Strategy -Y. IV 20210 United Nations Children's Fund (UNICEF)، Ministry of Planning (MoP) Baghdad, Iraq، 2017،p16. (TA)Iraq the Unfulfilled Promise of Oil and Growth Poverty Inclusion and Welfare in Iraq 2012-2007، World Bank Group November 2019 ،7،p.19 3، Report No. Systematic Country Diagnostic February (39)Iraq 36. p 2017، Group، Bank 112333Iq، World ۔ (40) حدث الجزء الأكبر من النزوح القسري للاشخاص في المحافظات الخمس المتضررة من داعش (الأنبار، صلاح الدين، نینوی، کرکوك، ديالى) وهو ما يمثل وحده 90٪ من الأسر النازحة.

(41) IRAQ SYSTEMATIC COUNTRY DIAGNOSTIC February 3، Report No.

112333IQ،World Bank Group، 2017، p39 ۔

(42) تعود قصة اتفاق واشنطن إلى اتخاذ معهد الاقتصاد الدولي في واشنطن في عام 1989 قرارً بعقد ندوة يقدم فيها مؤلفون من عشر دول من أمريكا اللاتينية بحوثاً تشرح بالتفصيل التطورات الاقتصادية التي قادت إلى أزمة الديون في دول أمريكا اللاتينية، وكان جون ویلیامسون الزميل الرئيس في معهد الاقتصاد قد شارك في بحث أورد فيه عشرة نقاط تتمثل في (الانضباط المالي، إعادة

ص: 208

توجيه الأنفاق العام، الإصلاح الضريبي، حرية الأسواق، وتحرير قطاع التجارة مع التركيز على مبدأ القضاء على القيود الكمية كمنح التراخيص والامتيازات، تحرير تدفق الاستثمارات الأجنبية، خصخصة مؤسسات الدولة، تحرير وإلغاء اللوائح والقوانين التي تعوق دخول الأسواق أو تقيد المنافسة، سعر صرف العملة يكون مناسباً ويعكس القوة الاقتصادية)، اطلقت عليها فيما بعد «اتفاق واشنطن»، ولم يعتقد ويليامسون في يوم من الأيام إن هذه النقاط العشرة ستكون مثار نقاش بين مؤيد ومعارض لها، يُنظر في ذلك:

- أرنست فولف، صندوق النقد الدولي: قوة عظمى في الساحة العالمية، ترجمة: عدنان عباس علي، سلسلة عالم المعرفة (435)، 2016، ص 64

(43) ميشيل تشوسودوفيسكي، عولمة الفقر، ترجمة: محمد مستجير مصطفى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2012، ص 18.

(44) سورة المدثر، الآية 38.

(45) سورة الحجر، الآية 91 - 92

(46) عهد الخليفة الأمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) إلى واليه على مصر مالك الأشتر (رضوان الله عليه)، العتبة العلوية المقدسة - قسم الشؤون الفكرية والثقافية، 2010،

(47) سورة البقرة الآية 30

(48) عهد الخليفة الأمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) إلى واليه على مصر مالك الأشتر (رضوان الله عليه)، المصدر السابق.

(49) المصدر السابق نفسه.

(50) عهد الخليفة الأمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) إلى واليه على مصر مالك الأشتر (رضوان الله عليه)، المصدر السابق.

(51) المصدر السابق نفسه.

(52) المصدر السابق نفسه.

(53) سورة البقرة، الآية 220

(54) محسن باقر الموسوي، الفكر الاقتصادي في نهج البلاغة، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت لبنان، 2002، ص 148 - 149.

(55) محسن باقر الموسوي، المصدر نفسه، ص 171.

(56) احمد فتحي عبد المجيد، اثر سياسات الاقتصاد الكلي على الفقر في دول نامية مختارة، اطروحة

ص: 209

دكتوراه، كلية الادارة والاقتصاد، جامعة الموصل، 2004، ص 38

(57) حسن لطيف كاظم الزبيدي، نظام الحاية الاجتماعية في العراق: تحليل اصحاب المصلحة، مؤسسة فريدريش ايبرت مكتب الاردن والعراق، 2017، ص 28

(58) شاكر مجيد كاظم، الرؤية السياسية عند الامام علي (عليه السلام) قرأءة في عهده الى مالك الاشتر، العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة، ط 1، 2017، ص 98 - 99

(59) المصدر نفسه، ص 95

(60) محسن باقر الموسوي، الفكر الاقتصادي في نهج البلاغة، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت لبنان، 2002، ص 173 - 174.

(61) محسن باقر الموسوي، الفكر الاقتصادي في نهج البلاغة، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت لبنان، 2002، ص 162.

(62) اية الله نوري همداني، في المؤتمر الدولي للامام علي (عليه السلام) والعدالة والوحدة والامن «مجموعة مقالات» المجلد الاول، معهد العلوم الانسانية والدراسات الثقافية، 2001، ص 15

(63) علي مهدي زيتون، في المؤتمر الدولي للامام علي (عليه السلام) والعدالة والوحدة والامن «مجموعة مقالات» المجلد الاول، معهد العلوم الانسانية والدراسات الثقافية، 2001، ص 48.

(64) حيدر عبد المطلب البكاء، المنهج الاقتصادي في نهج البلاغة ((قراءة معاصرة))، مجلة اداب الكوفة، العدد 17، المجلد 1، 2013، ص 214

(65) ضرغام خالد عبد الوهاب، العدالة الاجتماعية والسياسية في عهد الامام علي (عليه السلام) الى مالك الاشتر، ص 21 - 23 على الموقع الالكتروني Arabic.balaghah.net

(66) مرتضى الحسيني الشيرازي، استراتيجيات مكافحة الفقر في منهج وتعاليم الامام علي ابن ابي طالب (عليه السلام)، هيئة محمد الامين (صلى الله عليه وآله)، العراق، 2012، ص 50

(67) ولد بنك جرامين في قرية جوبرا عام 1976 في بنغلادش، وتحول الى بنك رسمي عام 1983 في ظل قانون خاص، هذا البنك يمتلكه الفقراء المقترضون، ويعمل حصرياً من اجلهم، هذا البنك يمتلك المقترضون 94٪ من اسهمه، وتمتلك الحكومة ال 6% الباقية، يبلغ مجموع المقترضين من البنك 61، 6 مليون مقترض، 97٪ منهم من النساء.

(68) مجدي سعيد، تجربة بنك الفقراء، الدار العربية للعلوم - ناشرون، مركز يافا للدراسات والابحاث، ط 2، بيروت، لبنان، 2007، ص 27 - 28.

ص: 210

الإمام علي (عليه السلام) بيان الدولة الإنسان وإنسانية الدولة

الباحث محسن وهيب عبد

ص: 211

ص: 212

مقدمة:

بسم الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله وصلى الله على خير خلق الله محمد واله ومن ولاه لاسيما بقية الله واللعن الدائم على الظالمين اعداء الله.

السياسة كما ألفها البشر هي ممارسة سلطة الدولة على الناس بزعم تحقيق العدل والامن والمساواة كغایات سامية للحاکم، ولكنها تخفي وراءها كل الشر الذي عانت منه البشرية في تاريخها الطويل، ولا زالت تعاني منه، وذلك لان البشرية خالفت الله تعالى في اختياره لها اشخاصا معصومين لا مامتها وسیاستها لكن البشرية رفضت ذلك الاختيار الى ارذل البشر ليحكموها فحق قول الله تعالى على الناس: قَالَ «قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ٭ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ٭ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا»(1).

فبعد فشل خیار الله لآدم في الجنة، جاء خيار النبوة (الهدى) فمن يتبعه فلا يضل ولا يشقى، وحتى هذا الخيار فشل ایضا، فبعد الهدى اتبع الناس اخس وارذل الناس ليسوسوهم، فما كانت الا معيشة الضنك والوبال والحروب وفقدان الامان.

وهذا تاريخ البشرية كله عبارة عن حكاية لمآسي السياسة والسياسيين، وان رأي بعض المصابين بالدونية لأوربا والغرب بعض البحبوحة في العيش هناك؛ فانها بحبوحة مبنية على الجماجم والدماء البشرية بما يقرف ويؤسف، وحتی الان وان الحرية بكل اشكالها في الغرب لها اتجاه واحد لاغير هو خدمة الظلم والظالمين.، فالمراة لها حرية أن تمشي عارية وتمارس الرذيلة حيث تشاء ولكنها تمنع من الدخول الى الجامعة اذا اختارت العفاف او ان تتحجب، والكاتب يستطيع أن یکتب بما يرغب ويسب الرسول صلى الله عليه واله ويتعدى على المقدسات

ص: 213

لكنه عندما كتب روجيه غارودي عن الاساطير الصهيونية صودر الكتاب وغرم الناشر وتعرض غارودي للمحاكمة، في حين نشر کتاب سلیمان رشدي بثلاثمائة لغة وقلد ارفع وسام في بريطانيا من قبل الملكة اليزابث لانه کتاب ينال من قدسية الرسول الاعظم، وعندما تصدر منظمة الأمم المتحدة قرارا ضد بلد يطبق راسا ولكن عشرات القرارات الدولة لا قيمة لها عندما تصدر ضد اسرائيل!!!!

ولازال الارهاب الذي يضرب العالم ليس له تعریف بسبب الولايات المتجدة ليبقى عائما ولتوجهه حيث تشاء فتوصم خصومها بالارهاب ولازال العالم يحكم يمعايير مزدوجة! ... الخ

واذن؛ ففي العالم لا وجود لدولة العدل ولا وجود لدولة الانسان ولا معنی لانسانية الدولة الا مع المعصوم وبالمعصوم ذلك ما نكتب عنه وكتبنا عنه الان في هذا البحث ومن الله التوفيق فهو ولي السداد وهو الغاية.

محسن وهيب عبد

كربلاء المقدسة

ص: 214

الفصل الاول: تمهيد

هناك حقائق عن معاني السياسة وادرات الدول في تاريخ البشر لابد من الاحاطة بها قبل البدء بالبحث في معاني دولة الانسان عند الامام عليه السلام باعتباره القران الناطق وتاسيسه للدولة انما هو تاسیس القران (2) لتلك الدولة کما سنرى.

اذن فدولة المعصوم هي دولة القران ولذا فان كل السياسات في التاريخ البشري وعلى الاطلاق انما تحكي سيرة الحكام والملوك والامراء وحسب نزواتهم وعقدهم واخلاقهم ولاشيء من هموم الشعوب بل ربما تحكي القسوة في قتل شعوب بكاملها كما ابيد الهنود الحمر السكان الأصليين والآزوتيك، وكما يباد كثير من الشعوب من قبل الحكام المستبدون والعملاء وكما تباد الناس بالحروب لمجرد قرارات سياسية بشن الحرب. ولنرى:

1. طبيعة السياسة في التاريخ البشري ك (شر لابد منه):

منذ أن عرف الانسان المجتمعات لم تكن السياسة يوما إلا الشر الذي لابد منه، فقد قال الامام علي عليه السلام في معاني ذلك الشر الذي لابد منه:

(أمير عادل خير من مطر وابل، وأسد حطوم خير من سلطان ظلوم وسلطان ظلوم خير من فتنة تدوم)(3).

بمعنى أن لابد من حاكم على اي حال لدرء الفتن فمجتمع بلا حاکم يغدو فريسة لمحن الفتن؛ فيغدو البلد لا امن ولا امان فيه ولا كرامة ولا طعم لحياة ولا امل بالخلاص.

ص: 215

والدليل على شر الساسة هو اشعار الناس بأنهم متفضلون، وان راى الناس ان احدهم في حال من التواضع کما یفترض کما باقي الناس الخلوقين يكون موضع عجب وترحاب والناس على كل حال في حال قبول شاءوا ام ابوا.

والواقع هو أن المندوب لسياسة المجتمع بما يسمونه؛ (إدارة الدول)؛ انما هو مکلف لا شرف له من خلال ذلك المنصب الا ليقيم حقا او يدحض باطلا(4) - کما يقول الامام علي عليه السلام - فالمناصب الحكومية كلها تكليف وليس تشریف والذي يشرفه المنصب وحسب هو مما لا شرف له، فيجد في المنصب شرفا وعزة.

وقد اثبت التاريخ بطوله وعرضه انه عبارة عن حكاية تتكرر لمعنى؛ ان السياسة شر لابد منه، وقد عانت البشرية من الحكام والسياسيين ما عانت من ويلات وحروب واستغلال واستعمار، بل التاريخ كله يحكي معاناة البشرية من الساسة والحاکمین، وقيل أن التاريخ هو حكاية لسيرة الملوك والحكام.

فعن ابی عبد الله عليه السلام يقول: (شرار الخلق الملوك)(5).

وعن جعفر الصادق، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السّلام)، عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: (ألا إن شرار أُمَّتي الذين يُكرمون مخافة شرهم، ألا ومن أكرمه الناس اتقاء شره فليس مني)(6).

وعن الامام علي عليه السلام: (ولاة الجور شرار الأمة وأضداد الأئمة)(7).

وللذين يشعرون بالدونية ازاء الغرب ويرون في سياستهم افضلية؛ افردنا بحثا خاصا بالوقائع لرفع الغشاوة التي تسسببا بها دونيتهم.

ص: 216

2. اطروحة تطابق العدل مع السياسة:

على طول تاريخ العالم، وعلى امتداد المعارف الاكاديمية وفي مساحة كل جامعات العالم، ومع وجود المفكرين المبدعين والعباقرة، لم يطرح موضوع للبحث عن الحال يصير فيه العدل ملاكا للسياسة: متى؟ وكيف؟ واین؟ وانی يمكن أن نجد تطابقا للسياسة مع العدل؟

هذه الأطروحة المهملة في التاريخ البشري، هي التي التي يجب ان تنال اهتمام كل الاكاديميات في العالم، لاندري لماذا اهملت بالرغم من هذا العنت الذي تعانيه البشرية من السياسة والسياسيين في كل التاريخ؟

فالدين الذي - كما هو مفترض - اصل العدل والاخلاق تم عزله مبكرا من ان يكون ساحة لأطروحة البحث عن العدل في السياسة.. لماذ؟

لان الاسلام انحرف وأُطر في أول يوم لوفاة النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم، لما جرى في السقيفة وتحول فيه السياسي من اصطفاء واختيار رباني إلى فلتة عبثية(8)، بعدها صار يستطيع اي احد ان يكون الحاكم والامام بدل المصطفى المختار من قبل الله تعالى. فالاصطفاء والاهتيار الذي ابتني به الدين انتهى في السقيفة، ولينتهي دور الدين السياسي العادل ليؤطر في مجموعة احادیث موضوعة تتعارض بشكل صارخ مع كتاب الله منه على سبيل المثال: الحديث الموضوع: (تسمع وتطيع للامير وان ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)(9). والله تعالى يقول: («وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ» (10)

واما المسيحية فقبل عزلها؛ صارت العوبة بيد الكنيسة لتبيع صكوك الغفران

ص: 217

ولينتهي دورها بالضربة القاضية.

اما اليهودية فقد كان ينظر اليها بريبة بسبب عنصرية نظرة اليهود للناس وتعاليهم.

وبقي في الميدان المعرفي لبلوغ العدل في السياسة فقط النظريات العلمانية الوضعية التي لا تغني ولا تسمن من جوع في ردع الحاكم او السياسي من حيازة موفورات الترف او في منع الاستلاب الذي تعاني منه الناس.

لذا برزت وبدون منازع الميكافيللية ملكة على كل السياسات الوضعية بدون منازع، لانها ذرائعية نهلت من الليبرالية والنظريات الغربية منذ أبيقور الى نيتشة الى هيجل في تفوق الرس الابيض ودهمتها اليوم نظريات فرنسیس فوکویاما في نهاية التريخ والانسان الأخير، ونظريات صوئيل هنتنغتون في صدام الحصارات.

3. متى يتطابق العدل مع السياسة؟

ان الحال الوحيدة التي يتم بها تطابق العدل مع السياسة، بل ويكون ملاك السياسة العدل فيها؛ هي حال تولي المعصوم امور ادارة الدولة، او يكون المتولي لنظام الملة في حال غياب المعصوم بشرط ضمان طاعة المعصوم.

تلك هي الحال الوحيد التي تتطابق فيها السياسة مع العدل وتكون فيها الدولة هي دولة الانسان وتتحقق فيها انسانية الدولة.

فان لم يكن هناك معصوما او لمن لا يؤمن بالعصمة كنمط كوني حتمي، فليس عليه ان يجد حلا على الاطلاق لتطابق العدل مع السياسة، وعليه أن يفكر بضرورة المعصوم على راس الدول لضمان العدل في السياسة.

فالعصمة ليست ترفا عقائديا او مسلمة اعتقادية طرحها الأمامية مغالين

ص: 218

بائمتهم، بالعصمة حقيقة كونية وحتم لبلوغ الخلق مرحلة الكمال. فاذا كان الانسان مرحلة كمال واضحة يتميز به الكائن العاقل عن الحيوانت بارتفاع القصور الذاتي والحيوي، فان في النبوة ارتفاع كل القصورات الذاتية والحيوية والعقلية، فالواقع أن كل ماعند الانسانية من مضامين للكمال والجمال اصلها من الانبياء ولا احد يستطيع أن ينكر هذا، فقد كان الانبياء يستطيعن أن يصيبوا الحسن والكمال والحق دون محاولة او تجریب کما عند البشر.

ومن هذا المنطلق ولمن يريد ان يتأكد من هذا الطرح جاء بحثنا هذا لنعرض انموذجا تاريخيا لسياسة رجل معصوم مطهر من الرجس بارادة الله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» (11)، هو الامام علي عليه السلام، فقد ارتضاه الله وصيا لخاتم رسله معصوما يمنح ثقافة انسانية للدولة التي يقودها، فهو مصداق دولة الانسان وهو يواجه الفتن والبلاء في ممارسته لبناء تلك الدولة.

4. خصائص دولة الانسان وميزات انسانية الدولة:

دولة الانسان؛ هي التي توفر العدل لكل البشر بلا استثناء على اختلافهم، وتعتبر الدولة بميزات انسانية اذا وفرت للراعي والرعية المنهج والوسائل لمحاربة الظلم من كل مصادره ومنع استغلال الانسان لاخيه الانسان. بمعنى أن دولة الانسان والانسانية هي دولة تحارب الظلم والاستلاب ببغض الترف والمترفين من خلال طاعة المعصوم المختار من قبل الله تعالى لاقامة العدل والتمسك بمنهجه طبقا لقوله تعالى: «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ»(12).

ص: 219

5. ماهية العدل وكيفية قيام الناس به:

العدل؛ هو بديهة قيمومة وقيام الكون والتكوين للكائنات، فنحن وكل الكائنات انما قائمون بالعدل، فالعدل؛ النظام الفاعل في كوننا وكينونتنا؛ نعيشه ونتنفسه فلا نستشعره لبداهته، مثلما لا نستشعر وجود الضغط الجوي على اجسامنا بالأطنان، وكما لا نستشعر وجود الجاذبية الكونية على اجسامنا وتكلفنا مئات النيوتنات في كل لحظة، وما دام لا يخترق نظام الكون البديهي هذا فان العدل سار، فإذا اخترق وحيثما يتم الاختراق يحصل الظلم ويجأر المظلوم، وهكذا يجأر حتی الظالم اذا اخترق امانه البديهي بالعدل.

ويأت التعريف العلمي المعجز للعدل من القران الكريم من لدن العليم الخبير الحكيم الصانع؛ فان تعريف العدل في القران اعتمد الضد البديهي للتعريف به؛ وهكذا يعرف القران بالضد جميع البديهيات الكونية ( أي السنن الكونية التي تحكم الوجود وتنفذ فيه وتهيمن عليه)، فالسنن الكونية لا تعرّف الا بضدها حيث يتم الاختراق.

فالعدل هو عدم الظلم (أي عدم اختراق بدهية الكون القائم بها والساري بموجبها. وقد عرف العدل بقوله تعالى: «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» (13).

وعليه فان الظلم؛ معنی جامع لكل القبائح ولكل الخروقات للبديهيات الكونية، لان تلك الخروقات تتجسد في الفعاليات المعاكسة للنسق الكوني القائم بالحق والساري بالعدل.

وقد بيّن الله تعالى في محكم التنزيل؛ أن الحق؛ علم ومعرفة لثوابت الصدق في

ص: 220

واقع الكون والتكوين، وان العدل هو الفعل القائم وفقا لمعرفة الحق، او اعادة الحق الى نصابه اذا زل عنه.

فقال تعالى: «وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ» (14)، وقال تعالى: «وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ» (15)

فالحق - کما يقرر القران - معرفة وعلم لثوابت الصدق في واقع الكائنات، واما العدل فهو العمل بتلك المعرفة أي اعادة الحق الى نصابه في الوجود،، عليه يتحقق: أن من لا يعرف الحق لا يمكن ان يكون عادلا. وقد اشار الى ذلك الامام علي عليه السلام فقال: (اعرف الحق تعرف اهله) (16).

وهنا ومرة اخرى يتقرر ایضا؛ أن دولة العدل هي الدولة التي يقوم على راسها المعصوم العارف بالحق العامل به، وهذا ما قرره القران من قبل «لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» (17).

ان قراءة فسزيائية لكتاب الكون المفتوح مترافقة مع فهم لآيات القران الكريم يتقرر ايضا: أن الكون كله قائم بالحق «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ» (18).

وقال تعالى ايضا: «خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ» (19).

وبسسب عدم توفر تفاصيل معرفة نواميس الكون وعدم استشعار سننه لبداهتها للجميع لانها معرفة ضرورية ليقيموا العدل على اساسها، لذا یکون الانسان کامل الخلق (المعصومون) هم من اختارهم الله تعالى لمهة العدل، فالمعصوم ضرورة كونية لبناء دولة العدل الذي تحفظ للإنسان كرامته.

ص: 221

وهذه الحقيقة الكونية والتاريخية المتمثلة في (124000) نبي ورسول ارسلوا تترا لبني البشر، كانت ترفض من قبل المترفين على مر التاريخ، لأن وجودهم مبني على دولة الظلم واستغلال الانسان لانسياب مصالح المستغلين المستکبرین المترفين،. فمن هم المترفون؟

6. المترفون في تاريخ السياسة البشرية رأس حربة ضد العدل ودولة الانسان:

كما في القصص القراني الحق؛ نجد النبوة بمهامها الرئيسية تجابه بالترف والمترفين. فقد كان الترف والاستكبار سبب لغضب الله ولنزول عذابه على المجتمعات البشرية التي تجابه الرسل عليهم السلام قال الله تعالى: «وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا» (20).

واذا كان هناك سبب لنجاة القليل فلانهم نابذوا الظالمين، والا فان تبعية المترفين كان اجراما لايغتفر.

«فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ» (21).

وهكذا يتكرر قول الله تعالى في المترفين الظلمة لوقوفهم ضد دعوة الأنبياء: «وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ٭ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ ٭ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ»(22)

فالمترفون راس الحربة في صد الناس عن الهدى والافتراء على الانبياء، والاعجب ان الناس يتبعونهم على استلاب وجهل واستغلال:

«وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ

ص: 222

الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ٭ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ٭ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ٭ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ٭ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ٭ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ ٭ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ٭ قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ ٭ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»(23).

وهكذ يتكرر قول الله تعالى في تصدي المترفين للرسل عليهم السلام: «وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ» (24).

7. السياسة هي جدل الظواهر الثلاث في التاريخ البشري:

فمقابل ظاهرة رسل الله تعالى تترى الى الناس هدى ورحمة، هناك ظاهرة الترف، واذا كان المترفون تسوغ لهم موفرات الترف من انفسهم التصدي للهدی مدفوعين بالمنفعة، فما الذي يسوغ لسائر الناس أن يسيروا ضد مصالحهم ويصطفوا مع المترفين المستكبرين المستغلين الظالمين؟

الجواب: هو لتفشي ظاهرة الاستلاب في المجتمعات، بسبب الشعور بالفوقية او الشعور بالدونية او للالتصاق النفعية من ظواهر معقولات الباطن او کما يسمونه اللاوعي، وهناك نوع رابع للاستلاب هو لاستلاب بالنفاق لابقاء المصالح الشخصية والانانية.

8. المستلبون مساعدو المترفين على انفسهم في التصدي للمعصوم:

ماهو الاستلاب؟

الاستلاب شعور مرضي نفسي سائد في المجتمعات البشرية عموما يساعد

ص: 223

بمنع قيام دولة العدل دولة الانسان التي تكرمه وتحترمه.

فالاستلاب هو التأثير النفسي من جانب اللاوعي الماحي او المعطل لعقيدة الانسان الفرد المعلنة والمفترض انها المؤثرة في خيارات فعله، فيكون بذلك المستلب، ينتمي الى عقيدة ويختار افعاله بموجب تأثيرات نفسية داخلية. فان الاستلاب هو شعور باطن في اللاوعي.

ان الاستلاب امر ممكن جدا مع وجود العقيدة عند البشر، بل وموجود وشائع جدا بيننا وفي كل المجتمعات الإنسانية. أما في حال غياب العقيدة فهو امر واقع فعلا وهو النافذ في خيارات فعل الانسان. ولظاهرة لاستلاب اهمية كبرى في الصراعات السياسية التاريخية الكبرى لبني البشر، اشار الله تعالى لها في قصص الأنبياء:

الاستلاب بالفوقية في قصص الانبياء:

الفوقية شعور يظن صاحبه انه افضل من الاخرين، ولايرى حقا لغيره في المواقع القيادية. وقد تصدى الفوقيون لولاية الأمر في الأمة بعد وفاة الرسول دون اهلية خلافا لوصايا الرسول (ص) فكانت الفتن. والان وفي كل العالم يريد الجميع يكون الرجل المناسب في المكان المناسب دون جدوى فقد تقدم الفوقيون للمناصب دون اهلية ليزيجوا الاكفاء لتصبح السياسة وبالا على الناس.

«فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ»(25). فالفوقيون يترفعون حتى على انبيائهم لانهم مجرد بشر وان اتباعهم من الفقراء. ويقولون ان النبي بشر مثلهم يريد أن يتفضل عليهم:

ص: 224

«مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ» (26).

وهناك نوع آخر من الفوقية يستشعرها الفوقيون، ويدعون انهم حصلوا على التفوق بما يمتلكون من مهارات وعلم ومال، وان العلم هو ذاتهم وليس فضلا من الله تعالى.. «قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي» (27).

وكل مصائب الاسلام والبشرية جاءت من الفوقيين الذي تصدوا لمناصب ليسوا أهلا لها حتى وصل الأمر أن تكون خلافة رسول الله ملك وراثي وان يصبح الفاسق والمجرم واللوطي في مقام خلافة الرسول الأعظم صلى الله عليه واله، كما هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك (28).

وللشعور بالدونية ايضا اشکال: ابسطها؛ ان تری عقیدتك دون عقيدة غيرك، او ان عقيدة غيرك هي افضل من عقیدتك فالدوني يضن على سبيل المثال أن قوما يعبدون الاصنام افضل منهم:

«قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ» (29)

ويرى الدوني أن الغلبة دوما سمة علوية يجب أن تتبع:

«لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ» (30).

وان الابهة والزينة الدنيوية من مسوغات الدونية ومنهج للدونين:

«قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ»(31)

النفعیة:

النفعي؛ يظن ان كل نعمة يحوزها انما حازها لعظم خطره عند الله، ويظن انه

ص: 225

في حبوة، ولذا فاذا تغيرت الامور انقلب على عقبيه قال تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ» (32)

وقال تعالى ايضا: «وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى» (33).

واشار القران الكرين بصور كثيرة الى ظاهرة الاستلاب بالنفاق:

فقال تعالى: «مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ» (34).

ويتجني المنافقون على اصحاب الدين:

«إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ» (35).

ومع الاسف فان المنافقين يصطفون على باطلهم علنا ضد الرساليون:

«الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» (36)

النتيجة: ان السياسة في التاريخ البشري هي حكاية الجدل بين الظواهر الثلاث ( الرسل والترف والاستلاب). وفي الغالب ينتهي الجدل الى تعطيل دولة الانسان الخليفة المجعول من قبلاللله في الأرض، کما ان قيام الدول بلا ايديولوجية سياسية مضمنونة بالعصمة والمعصوم او حتى معها لا ينفع مع الاستنلاب الذي تعاني منه الشعوب. ولذا فالسياسي مهما كان الذي لامشروع سياسي له والذي يحاول ادارة الحكم يجد نفسه مباشرة ازاء المترف بجميع ما اوتي من مال وقوة ووقت في حلبة الصراع فلابد ان يخضع لمنظومة الجدل وقواعد اللعبة فيه والتي يسيطر عليها ويديرها العدو العتيد ابلیس! عندها لاخيار له من اصل عقيدته، بل كل

ص: 226

شيء ياتي وكانه مفروض عليه، واذا به مجرد جندي في تنظيم دنيوي والسياسي الداخل فيه مستلب يتحرك وفق قواعد تلك اللعبة شاء ام ابی، وهذا هو واقع حال سیاسيينا ومرار سياستنا!!

على هذا الأساس فان غياب ايدولوجية سياسية اسلامية معصومة للحكم (أي وفق نظام الملة)، وهذا في الغالب يحصل في غياب المعصوم، يجعل كل التنظيمات السياسية الموجودة ومهما ادعت الاسلام والتبعية لاهل البيت عليهم السلام انما هي عبئا على الاسلام ومسربا للطعن فيه، واذا دخلت حلبة السياسة كانت اداو بید ابليس وحزبه.

تستلب العقيدة من صاحبها بثلاث علل هي من اللاشعور في العقل الباطن ورابعة هي من اختيار الإنسان لها، فيصبح حجمها زائغا معوجا مقرفا، وهذه العلل هي؛ الدونية، والفوقية، والنفعية، والنفاق.

الاستلاب ابقى معنی واحدا للسياسة لا علاقة لها بملاكها العدل:

بعد ان تعرفنا على معاني الاستلاب، وانه ظاهرة مستشرية ومتاصلة في المجتمعات اصلها من اللاوعي تعتري الشخص فيتصرف بمقتضى دوافعه الخفية؛ فهو لايدرك ما يجري والاخرون يدركون دوافعه، فصار علينا من اجل ان نفهم دولة الانسان وانسانية الدولة ومتی وتقوم وعلى يد من؟ أن نراقب مايجري في السياسة، وان تكون لنا معايير ضابطة في السلوك السياسي العدل للتصحيح والتقويم والمراقبة لمنهاجنا السياسي وخياراتنا السياسية.

من اصل الدين وحتميات الكون كان (نظام الملة) الذي يعتمد على طاعة المعصوم في قيام النظم الاجتماعية في الإسلام هو نظام علمي عملي؟ ذلك لانه يحتاج لعقول راجحة تستوعبه.. عقول تصدر أحكامها معيرة بالأنماط والسنن

ص: 227

الكونية فقط لتحرز من الظلم للنفس والغير والتعامل مع الواقع دون زيغ بموفورات الترف (المال والقوة والوقت) او هوی بالاستلاب، مميزة فيما ان كانت على النسق الكوني وفيه او خارجه بسبب من اللاوعي الذي يكون دافعا في الكثير منا بل وكلنا وخصوصا لكثير من الخيارت السياسية مقحمة على الاسلام فهي عبيء عليه، او مخترقة له بقصد الطعن فيه فهي نفاق.

ان دراسة سريعة للتاريخ السياسي الاسلامي منذ وفاة باني الاسلام وواضع اصوله الاولى وفق خيارات الله تعالى الرسول المصطفى محمد صلى الله عليه وآله، والى الان تفصح بكل وضوح أن الاسلام السياسي اسلام مستلب بسبب استلاب قادته في الصدر الأول بالفوقية حيث يأم الامة ويقودها؛ عبيد الصنم او الوائدین او الاغبياء او الطلقاء والفاسقين اعداء دين الله واعداء رسوله ليكونوا خلفاء الرسول صلى الله عليه واله وسلم، او يكون الماجن الآثم السكير أميرا للمؤمنين ازاء تعطيل دور المعصوم المطهر بارادة الله تعالى من الرجس، ونتيجة لذلك ليعتبر المعصوم المطهر خارجا على الاسلام وفق هذا النهج الفوقي المنحرف!!!!

ص: 228

الفصل الثاني

النموذج الكوني لدولة الانسان والانسانية

تحت هذا العنوان ومن اجل فهم اقرب لابد من بحث المواضيع التالية:

1. هل هناك اطروحة سياسية اسلامية لدولة العدل والانسانية؟

على عمى وبدون معرفة، يدعي الكثير من المدعين للعلم بل والمتخصصين؛ ان لا يوجد اسلام سیاسي، لانهم وحسب رايهم لاتوجد اطروحة سياسية للاسلام، واعتقد ان ذلك قد يكون اما بسبب القراءات الموروثة الكثيرة غير الصحيحة والتي ليس لمنصف ان ينسبها للاسلام، او بسبب ما نشط من سياسيين واحزاب فاشلة باسم الاسلام كل يدعي انه يحكم بالمشروع السياسي الاسلامي!

والذي يدرس تاریخ الاسلام السياسي منذ رحيل رسول هذه الامة صلى الله عليه واله وفي الدولتين الأموية والعباسية خصوصا ومنذ ان تحول الاسلام من رسالة عدل وسلام ورحمة الى مملكات وراثية عضوض، فلا يجد في سياساتها الا الافك والافتراء على الاسلام من رجال اعداء الاسلام وغرباء على الاسلام يجهدون أنفسهم في حرب نظام الملة الذي هو جوهر السياسة الاسلامية ومشروعها السياسي.

وكذا في تاريخ الامة السياسي الحديث والمعاصر، فان كل قادة الامة السياسيين هم دونیین، مستلبين بالدونية ازاء الغرب بل قسم كبير منهم عملاء رسميين للغرب او للشرق.

وان كانت هنا اوهناك شذرات لحكم قادة يدعون الاسلام على مر العصور فانها نماذج للاستلاب بالنفعية، وذلك لان الاسلام فكر اعمق واعظم من

ص: 229

ان يستوعبه انسان غير جاد بعبوديته لله تعالى، فان هناك تلازم ذاتي بين عبادة التوحيد الخالص ومعاني الامامة الحق؛ حيث هي عهد الله تعالى، وعهد الله تعالى لاينال الظالمين (37).

وحتى الذي تشدق في بداية حياته السياسية بالاسلام، عندما يبتليه الله تعالى بالمنصب ويحوز وافرات الترف ( المال والقوة والوقت) ويتذوق نشوة الجاه والقوة والسلطان تتداعی نفسه الهزيلة، امام مغريات المنصب والجاه والسلطان، فيذوب بنفعه ويصير مستلبا وعبئا على الاسلام وسببا للطعن فيه.. ولدينا من التاريخ المعاصر نماذج الاستلاب بالنفعية كثيرة جدا عشناها ولازلنا نعيشها.

2. التثقيف المشروع سياسي كوني لدولة العدل:

لعمق الفكر السياسي الاسلامي الحق وتعقد مقاصده، ولطول مدة التجهيل والبغي الذي مارسه الطغاة ضد دولة الحق، ولوجود الجدل الاجتماعي اساسا في ظواهر انسانية قديمة (ظاهرة الرسل، وظاهرة الترف، وظاهرة الاستلاب)، عطلت عمل الانبياء؛ لابد من البدء بتربية سياسية اسلامية للتعريف بحقيقة السياسة الاسلامية التي يمثلها علي بن ابي طالب عليه السلام والذي يتوفر نموذجها الميداني في دولته ويتوفر منهجها في ثقافته والبيانات التي قدمها لنا وما اقامه من عدل للناس عمليا وما اوصى به، فطاعته واجبة مفترضة على جميع البشر، وفي طاعته عز الانسان ومجد الانسانية، وطاعة المعصوم هو نظام الملة الكوني المرضي من قبل الله تعالى، ففي تلك الطاعة يكمن المشروع السياسي العالمي الكوني الذي اختاره الله تعالى واصطفاء لخلاص البشر ولسعادتهم، في بناء دولة الانسان فما هو نظام الملة؟

ص: 230

3 - التعريف بنظام الملة:

عرفته مولاتنا السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام فقالت: في علل العقائد في خطبتها الشهيرة:

(... فجعل الله الايمان: تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة: تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة: تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام: تثبيتا للإخلاص، والحج:

تشييدا للدين، والعدل: تنسيقا للقلوب، وطاعتنا: نظاما للملة، وإمامتنا: امانا للفرقة، والجهاد: عزا للإسلام،...)(38).

فاي نظام لادارة الدول يعتمد على طاعة المعصوم هو نظام الملة الذي يضمن العدل ويوفر حقوق الانسان والانسانية. ففي نظام الملة الكوني تعتمد السياسة على اهداف الرسل عليهم السلام وهي:

اولا - محاربة الظلم باعتباره الصفة الجامعة لكل القبائح، وعلى بغض الظالمين الخارجين على العدل، وفق نموذج معصوم لا تخلو الارض من وجوده.

ثانيا - نشر الفضائل وتعزيز القيم الانسانية الراقية بين البشر بما يتطابق مع سيرة المعصوم ونهجه في قوله وفعله وتقريره.

فالعدل هو ملاك السياسة الاسلامية. وهو عنوان واضح مستمد من قوله تعالى: «لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» وأساس قائم على العصمة فلا يقبل اللبس ولا المغالبة كما هي السياسة الوضعية التي تبنى اساسا على اللبس والمغالطة والدهاء والكيد للخصوم.

واليوم في زمن غيبة المعصوم يوجد النظام المرجعي (نظام التقليد والاجتهاد) حيث يعتمد في نظام ادارة الناس اساس طاعة المعصوم (نظام الملة) الذي يتبنى

ص: 231

اهداف الرسل في بغض الظلم وعداوة الظالمين ونشر الفضائل والقيم وفق سيرة المعصومين عليهم السلام، والذي يشكل من يوم قيامه التنظيم الهرمي في تنظيم الامة، حيث يقوم المجتهد الاعلم على راس الهرم ويلزم دخول الامة فيه؛ فعمل العامي بدون تقليد باطل فيكون بذلك دولة داخل الدول الوضعية وتحسب له ادارات الدول وسياسيوها الف حساب وكثيرا ما يتدخل المرجع في اوقات الانحرافات الكبيرة ليلجم الساسة الوضعيين والطغاة ولغيروا الانحراف.

4 - التيقيف بماهية المنهج المعصوم كمشروع سياسي اسلامي لدولة العدل:

کما هو قائم اليوم؛ فان ادارات الدول تتعين من خلال مديريها (السياسيين) ولا تتعين بنظمها وعقائدها المعلنة لانها تنجز وتتشخص بمؤهلات وشخصية القائم عليها، لسبب بديهي هو؛ لان من حتم حاكمية الادارة السياسية هو تمتع المدير السياسي بالمال وبالقوة والسلطة والحاكمية (وهذه متوافرات الترف) كضرورة لتنفيذ النظام، فاذا امتلك غير المعصوم السلطة والقوة والحاكمية فلا ضمان ضد الانحراف لانه سيكون مترفا، قال الله تعالى: «كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ٭ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى» (39).

لم يتسن للاسلام في قراءته الصحية ان يشكل دولته بعد استشهاد الامام امير المؤمنيبن علي بن ابي طالب عليه السلام، التي اشرنا الى انها تتحدد بالضبط في قيام نظام الملة والذي بدوره يتحدد بطاعة المعصوم الا ان الثلة المؤمنة ومن خلال بيان الزهراء سلام الله عليها المعرّف بنظام الملة شكلت على الدوام ادارة اسلامية داخل الدول الظالمة على مر التاريخ تمثل بالتفاف تلك الثلة حول المعصوم في حال وجوده وربما حتى اساطين الدولة الظالمة كانوا يستعينون بالمعصوم لحل مشاكل الدولة، وفي حال غياب المعصوم تمثلت دولة الله الابدية بالنظام المرجعي، كمعبّر

ص: 232

عن نظام الملة؛ وكادرة اسلامية تنظم امور الامة خلال زمن الغيبة؛ تستجيب لحاجات الامة وتجيب على اسئلتها، من داخل الدولة الظالمة وعلى مر العصور اثبت نظام الملة انه نشط وفاعل ولم يمت ابدا، وكانت الدول على اختلافها تحسب لنظام الملة الف حساب.

فالوصية لعلي عليه السلام واليا وإماما بعد الرسول صلى الله عليه واله في حجة الوداع وفي غدير خم؛ هي من كمال العقيدة الاسلامية، متوافقة مع ما تقتضيه السنن الكونية، وقد ثلم ذلك الكمال، وأُلغيت الوصية بالحاكمية والقوة والسلطة اللازمة لإدارة الدولة، وكذا نكثت الوصية بالعترة مع الكتاب عاصمين من الضلال، حتى صارت في اطار الجرح والتعديل والتشكيك. بالرغم من تحذير الرسول صلى الله عليه واله ن التأطير (40).

ولذا فان الله تعالى عندما الزم البشر بطاعة المعصوم بما اسمته سيدتنا الزهراء عليها السلام (نظام الملة)؛ انما اسس لإدارة الدول بما يتطابق خيارت الحاكم الاصل وهو الله تعالى في القول والفعل والولاية الاصل للقوة والسلطة مع العدل ويتطابق العمل مع الاعتقاد بل الاعتقاد عند المعصوم هو العمل وكلاهما يتطابقان مع العدل والحق. فدولة المعصوم هي دولة القرآن فهي دولة الله تعالى.

5 - على مر التاريخ البشري لم نجد بيانا لدولة الانسان او انسانية الدولة الا من خلال الامام علي عليه السلام:

باعتباره المعصوم المكلف ببناء تلك الدولة انموذجا لمعاني العدل في السياسة، ومعلما يثقف لمعاني دولة الانسان التي يجب ان تقوم والتي اراد الله تعالى قيامها من خلال قوله تعالى: «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ» (41). فمهة الرسل بالاساس هي للقيام بالقسط .

ص: 233

6 - لا تتحقق انسانية الدولة الا في نظام الملة (طاعة المعصوم):

في حين تبقى نظم ادارة الدول خارج العصمة هي سيرة الحاكم. ويكفي دليلا على صحة ما ندعي ان السياسة كما عرفناها واقعا من تاريخ البشر والى الان؛ هي الاداء السلطوي في ادارة الدولة وشؤون الناس، وفي الاعم الاغلب حيازة للحاكمين في الجاه والمال والسلطان على حساب المحرومين والفقراء من ابناء جلدتهم.

ويكفي في النظام الاجتماعي المعروف: ان السياسيين اليوم شر لابد منه، فان القرف وسوء الظن والتندر عند الناس في تلازم مع السياسة والسياسيين في كل دول العالم وعلى مر العصور، والأسوء ما في السياسة انها شر لابد منه كما مر معنا. ونحن نجد هذا الشر بالمقارنة مع السائد من نظم السياسة على تعددها وما برز عنها من النظم في الادارات الحكمية في المجتمعات الانسانية على مر التاريخ.

وكل النظم السياسية في العالم من غير النموذج المعصوم هي من الشر الذي لابد منه ولذا فهي الغالبة والمعرفة لمفاهيم السياسة والتي تضع الخطوط الحمراء والخضراء في سياسات الدول، ولهذا السبب نجد ان معظم اصحاب الذوق الرفيع والإنسانية فضلا عن الورعين في عقائد السماء يترفعون عن السياسة والسياسيين باعتبارهما عنوان الانانية والقرف والحروب والضلال والكيد والمغالبة... في هذا العالم. ومن يلج السياسة من اصحاب الدين يجد نفسه في اطاراتها كبيدق حقير لا يتجاوز الخطوط المرسومة له شاء ام ابی.

ولهذا من اجل بحث اوثق واثبت في الحجة لدولة الانسان العلوية المباركة قررنا قبل البحث في تفاصيل ومعالم انسانية الدولة عند الامام علي عليه السلام وبياناته الثقافية التي واضب على اصدارها خلال فترة حكمه لدولة الانسان؛

ص: 234

قررنا ان نبين اهم البيانات القرآنية في تفسير ظلم وظلامات التاريخ السياسي للبشر من خلال قصص الانبياء والتي اسدلت عليها الاكاديميات والأكاديميين وفي اعلى المستويات الستار فلم نجد في تاريخ المعرفة الانسانية اطروحة واحدة تبحث في الكم والكيف وألاين لإمكان تطابق السياسة مع العدل مع ان جميع العقائد الوضعية والسماوية تنشد العدل وتتطلبه في السياسة وفي اداء السياسيين.

اطروحة تطابق السلطة في ادارة الدول مع العدل من اجل انسانية الدولة:

منذ فجر تاريخ البشرية والناس يفكرون بكل شيء، ولكن هناك ما يمنعهم ان يفكروا في احوال تطابق السلطة مع ألعدل: متى؟ وأين؟ وكيف؟ حتى في دراساتهم العليا التي لم تترك مساحة من الفكر الا ودخلتها!!!

فهذه الاطروحة الانسانية مهملة مع انها الاهم في تاريخ البشر، باعتبارها الحالة الاشد مساسا في حياة الناس دمائهم وأوطانهم واعراضهم وأرزاقهم. اوكما وصف الامام علي عليه السلام السياسة فقال:

((وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي... فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه وأدى الوالي إليها حقها عز الحق بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على أذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء وإذا غلبت الرعيّةُ واليها، أو أجحف الوالي برعيّته، اختلفت هنالك الكلمة، وظهرت معالم الجور، وكثر الإدغال في الدين، وتُركت محاجّ السنن، فعُمل بالهوى، وعُطّلت الأحكام، وكثرت علل النفوس، فلا يُستوحش لعظيم حقّ عُطّل، ولا لعظيم باطل فُعِل!)(42).

(فهنالك تذلّ الأبرار، وتعزّ الأشرار، وتعظم تبعات اللهَّ سبحانه عند العباد،

ص: 235

فعليكم بالتناصح في ذلك، وحسن التعاون عليه، فليس أحد - وإن اشتدّ على رضى اللهَّ حرصه، وطال في العمل اجتهاده - ببالغ حقيقة ما اللهَّ سبحانه أهله من الطاعة له. ولكن من واجب حقوق اللهَّ على عباده: النصيحة بمبلغ جهدهم، والتعاون على إقامة الحقّ بينهم، وليس امرؤٌ - وإن عظمت في الحقّ منزلته، وتقدّمت في الدين فضيلته - بفوقِ أن يعان على ما حمّله اللهَّ من حقّه. ولا امرؤ - وإن صغّرته النفوس، واقتحمته العيون - بدون أن يعين على ذلك أو يُعان عليه)(43).

7 - اذن الاطروحة الاهم في تاريخ البشر وحاضرهم ومستقبلهم مهملة!!!

اذن؛ تلك البيانات القرانية التي تشير لى حالة الجدل المستمر بين ظاهرة ارسال الرسل عليهم السلام والمترفين والمستلبين والتي كما يشير التاريخ البشري عطلت دولة الانسان منذ ادم الى نبينا الخاتم صلى الله عليه واله وهو واضح في فحوى قصص الانبياء مع اقوامهم سواء المترفين منهم او المستلبين.

فمقابل ظاهرة الرسل هناك ظاهرتان موازيتان لها هما: ظاهرة المترفين الذين يشكلون دوما راس حربة ضد الانبياء، وظاهرة المستلبن؛ وهم المغلبون على امررهم باحد مظاهر الاستلاب.

من فيض لطف الله الدائم على البشر باعتبارهم افضل مخلوقاته؛ لم يترك الارض لا في زمانها ولا في مكانها من فيض رحمته المرسلة المتمثلة في رسله وأنبيائه عليهم السلام، فخاطب نبينا بذلك فقال: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» (44)، وقد بلغ عددهم اكثر من: (124) الف نبي ورسول(45)، فكان رسله الى البشر تترى منذ ادم اول بشر وهو أول نبي: «ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ» (46). وكان نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه واله هو خاتم الأنبياء.

ص: 236

فهل وفاة النبي صلى الله عليه واله تعني ان فيض رحمة الله تعالى قد نقطع عن البشر؟

الجواب لا قطعا؛ لأنه لو انقطعت رحمة الله تعالى ولطفه عنا لحظة لانعدم الوجود كله، ولكن الذي حصل وكما نعلم ان الامامة التي هي اعم من النبوة، تكافئ ملاك النبوة في ذرية ابراهيم عليه السلام بما يحقق الآية السابقة وهي تنطبق ايضا مخصوصة بمن طهرهم الله تعالى بإرادته من اهل بيت النبي صلوات الله عليهم: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» (47).

فان الله سبحانه جعل النبي ابراهيم عليه السلام وهو نبي اماما:

«وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» (48).

اذن فملاك النبوة الامامة، ومقتضاها العصمة. وعليه لم تنقطع رحمة الله وفيض لطفه عن الكون بعد المصطفى الخاتم صلوات الله عليه بل ارتحلت الى عترته الطاهرة المطهرة من الائمة المعصومين عليهم السلام، حيث موضع ارادة الله تعالى في التطهير والطهارة حجة على الناس.

فمما شاء الله تعالى في الفترة القصيرة التي قام بها الامام على راس الدولة خليفة؛ ان تكون تلك الفترة القصيرة محل فتن وبلاءات ليكون عطاء الامام فيها استجابات لتنلك الفتن والبلاءات بما شاء الله تعالى لتكون تلك الفترة التاريخية بحق دليل عمل لكل السياسيين الذين ينشدون كيفية بناء دولة الانسان دولة الله التي تتحقق بها انسانية الانسان بما اراد الله تعالى.

فقد قام الامام بالقسط بذات العلل وذات الأهداف وذات النهج لظاهرة

ص: 237

الرسل عليه السلام فهي امتداد تاريخي وروحي لها. فقد كانت فترة حكمه حربا ضد الظلم ومنابذة الظالمين وكان فيها عليه السلام هو المعصوم المعلم للقيم ومكارم الاخلاق وناشرا للفضائل.

وسيكون بحثنا هذا مركزا على هذا التثقيف الموجه من الامام المعلم المعصوم من خلال البلاءات التي واجهته اثناء فترة حكمه.

فقد كان الصبر والثبات على المبدأ في نبذ الظلم وعداوة الظالمين، إذ هو القائل لمّا تصدى للخلافة بعد رأى ان بيت المال قد هدره الظالمون. «واللهّ لو وجدته قد تزوّج به النساء وملك به الاِماء لرددته، فان في العدل سعة ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق» (49).

وفي ثاني أيّام خلافته اعتلى المنبر، ثمّ راح يُصرّح بما كان قد أشار إليه في اليوم السابق، وهو يقول: «ألا إنّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان، وكلّ مال أعطاه من مال اللهَّ فهو مردود في بيت المال؛ فإنّ الحقّ القديم لا يُبطله شيء، ولو وجدتُه وقد تُزوِّج به النساء وَفُرِّق في البلدان، لرددته إلى حاله؛ فإنّ في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق».

لقد تحدَّث الإمام بإسهاب في خطاب تفصيليّ ألقاه في ذلك اليوم عن مسؤوليّة قادة المجتمع في بسط العدل، وأعلن بوضوح أنّه لن يسمح لأحدٍ - دون استثناء - من استغلال المال العامّ، وأنّ اُولئك الذين راكموا ثرواتهم عبر غصب المال العامّ وحصلوا - عن هذا الطريق - على الأراضي الخصبة (القطائع) والخيول المسوّمة والجواري الحسان، سيعمد علي إلى مصادرة هذه الثروات المغصوبة بأجمعها وردّها إلى بيت المال.

كان هذا الحديث لأمير المؤمنين (عليه السلام) بمنزلة الصاعقة التي نزلت على

ص: 238

رؤوس المترفين الذين نالوا الوافرات من انحراف الدولة عن الاسلام، ثم راحت أصداء مواجهة نداء العدالة العلويّة تتجسّد في معارضة شخصيّات معروفة لحكم الإمام طبقا لجدلية التاريخ بين الانبياء والمترفين ليبقى المستلبون يتعاملون بالصفقات لنصرة المترفين ضد المعصوم.

وهكذا نهضت حرب الجمل وحرب صفين والحروب الاخرى ضد سيد العدالة ونصير الانسانية ليربح خصوم العدل واعداء الانسانية مع الاسف كما هو التاريخ.

وفي اليوم الثالث من أيّام عهد الإمام دعا الناس إلى استلام أعطياتهم من بيت المال، حيث أمر (عليه السلام) كاتبه عبيد اللهَّ بن أبي رافع أن يسير على النهج التالي: «ابدأ بالمهاجرين فنادِهم وأعطِ كلّ رجلٍ ممّن حضر ثلاثة دنانير، ثمّ ثَنِّ بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك، ومَن حضر من الناس كلّهم الأحمر والأسود فاصنع به مثل ذلك»(50).

فخلال الفترة الممتدة بين الانقلاب على الرسالة (في السقيفة) وامتداداتها الكونية، الى خلافة معاوية؛ تحقق لمعاوية الطليق المنافق ان يحوز مختصات الترف (المال والقوة والوقت)، فاستغل ظاهرة الاستلاب باشاكله المختلفة في المجتمع ودوافع الاستلاب في الامة ضد الامام المنصوص المختار من قبل الله تعالى واسس للمملكة الاموية مشروعه السياسي الوراثي في ملك عضوض بديلا للاسلام الحق بما حذر منه النبي صلى الله عليه واله.

8 - واقع جدل الظواهر الثلاث يغلب تحذيرات الرسالة:

صدرت عن النبي صلى الله عليه واله تحذيرات رسالية من استمرار جدلية

ص: 239

الظواهر الثلاث في الامة كما في الامم السابقة:

بامر من الله تعالى وبمسؤولية الرسالة الخاتمة حذر الرسول الاكرم صلى الله عليه واله الامة من ان تتردى الى ما تردت له الامم السابقة في سابقية الجدل لصالح المترفين؛ فدأب الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله؛ يؤشر الخلل في الامة والانحراف الذي سيصيب الناس من بعده، وكان صلى الله عليه وآله، يرى مما يوحى اليه ان امته لا تختلف عن بقية الامم، تسري عليها سنن ماقبلها، سنن التاريخ وجدلياته وحتمياته، وقد خبرهم مرارا وتكرارا؛ لكي يوطن الصالحون أنفسهم فيتهيئوا للفتن بعده، صونا للدين وحفظا لنظام الملة، ولكي تكون حجة على المارقين والناكثين لعهده صلى الله عليه وآله، الا ان الأمة في غالبيتها الساحقة - مع الأسف - لن تعبأ لتحذيراته، ولو لا تضحيات اهل البيت عليهم السلام والثلة المرابطة معهم من المؤمنين الصالحين الذين وطنوا انفسهم لتحذيرات من لا ينطق عن الهوى، لكنا الان، بل والعالم كله يرى في حثالات البشر وابناء فتيات قريش من الامويين والعباسيين والتكفريين هم ممثلوا الاسلام وهم حاملوا رسالة الله تعالى التي وطدها النبي محمد صلى الله عليه واله. فقد روي عنه صلى الله عليه وآله انه قال كما في الصحيحين، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى قال: فمن(51)؟

ومن صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ قال: قال رسول الله: لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مآخذ القرون قبلها شبرا بشبر، وذراعا بذراع، قيل له يا رسول الله كفارس والروم؟ قال من الناس إلا أولئك(52).

ص: 240

ولم يمض على وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أكثر من ثلاثين سنة وإذا بنا نشاهد أن حزب الشيطان (حزب ابناء فتيات قريش ذوات الرايات الحمر) الذي وقف معارضا في وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) مدة واحد وعشرين عاما قد تربع على عرش الخلافة، ليغيرها إلى ملك وراثي عضوض، كان حذر رسول الله منه، يتداوله بنو امية فيما بينهم حتى توارثه يزيد وبنو مروان وبعد ذلك آل الأمر إلى بني العباس الذين استمروا على نهج بني امية! فهل هناك انحراف أكبر من هذا الانحراف عن مسار الرسالة الرحمة وعن مشروعها السياسي الانساني؟.

والغريب ان تحذيرات الرسول وتنبيهاته لم تكن عامة بل كانت دقيقة ومشخصة بالاسماء والعناوين للذين سينقلبون وللذين يرتدون وللذين سيؤذون اهله وحاملي مشيئة الله تعالى في رسالة الاسلام (عليهم السلام) من بعده.

قال الرسول صلى الله عليه وآله لاصحابه:

(ان اهل بيتي سيلقون من بعدى من امتى قتلا وتشريدا، وان اشد قومنا لنا بغضا بنو اميه وبنو المغيره وبنو مخزوم) (53).

وقال الرسول لاصحابه: (اذا بلغت بنو اميه اربعين اتخذوا عباد اللهّ خولا، ومال اللهّ نحلا، وكتاب اللهّ دغلا)(54).

وقال الرسول يوما امام اصحابه: (ويل لبني أمية، ويل لبني أمية، ويل لبني أمية) (55).

وقال الرسول يوما لاصحابه: (شر العرب بنو أمية).. قال ابن حجر صح وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وقال امير المومنين علي (عليه السلام): (لكل أمة آفة وآفة هذه الأمة بنو أمية)(56).

ص: 241

الفصل الثالث: بيانات الامام علي (علیه السلام) لبناء دولة الانسان وإنسانية الدولة

لتوفر كل اشكال الفتن والمحن التي يمكن أن يتعرض لها النظام الرباني ومشروعه السياسي، خلال الفترة القصيرة التي استلم الامام عليه السلام فيه الحكم كانت بيانات یالمعصوم شاملة لكل الاحتمالات حاوية لمعظم الحلول التي تناسب المشكل التي يتعرض لها الساسة الذين يريدون وجه الله وينشطون لمجرد قصد القربي اليه في ادارة الدولة وسياسة الناس ومنها:

البيان الأول: - المستثنون من المناصب السياسية في دولة الانسان:

اعتمادا على ماهو واقع في قصص الانبياء عبر التاريخ البشري من ظواهر ومن عقبات تلقاها الرسل عليهم السلام؛ حدد الامام علي عليه السلام في الإمرة وسياسة الناس، مواصفات لخمسة اصناف مستثنون من استلام المناصب في دولة العدل والانسانية... فقال عليه السلام:

(وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والإحكام وإمامة المسلمين؛ البخيل فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف (57) للدوُل فيتخذ قوما دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع (58) (59).

اذن فليس لهؤلاء الخمسة ان يلجوا السياسة، او ان يتقلدوا المناصب، وان حدث، فإنهم يقررون بأنفسهم انهم المقصودون بالمنع المؤبد.. وإذا كان العراق اليوم الدولة الاولى في الفساد، فلإسلام بريء من المفسدين جميعا. وأهل البيت عليهم السلام بريئون من المفسدين والفاسدين.

ص: 242

والإمام عليه السلام يبتدئ القول: (بقد علمتم)، وكأنما يشير الى البديهي، هو من سنة الرسول الاعظم (صلى الله عليه وله) البديهي والمعلوم، فالعمل السياسي تکلیف شرعي ليس لصاحبه اي امتياز ولا اي شرف يتطاول به على الآخرين.

فالسياسي الشريف هو السخي الجواد الذي لا يضن على الناس مالهم الذي كان بانتخابهم له امينا عليه، ولابد من اداء الامانة التي في عنقه وفق كتاب الله تعالى وسنة نبيه.

والسياسي المؤهل هو العالم (وليس الجاهل): ولذا فعند الامامية ووفق نظام الملة؛ القيادة للاعلم فعليه ان يكون هو الاعلم من بين الموجودين، وإذا علم ان من بين الموجودين من هو اعلم منه وأكفأ، فعليه ان لا تغريه السلطة، فان فعل واستمر تحقق جهله وبطلت ولايته. والحاكم هو الرحيم الشفوق، المقبل على ناسه ومكلفيه وواضعي الثقة فيه، يسمع ويستجيب ويتأثر ويؤثر قدر طاقته وإمكان صولته في نصرتهم والتواصل في خدمتهم.

والقائد هو المنصف الذي ينصفهم من نفسه ويجنبهم حيفه، فهم سواسية عنده إلا بما فضل الله تعالى بعضهم على بعض، فلا يستأثر بمالهم لحزبه وجماعته، ولا يحيف بالوظائف لخاصته وجلاوزته وأنصار سياسته، ولا ليجمع الغوغاء من حوله.

والرئاسة لمن هو النزيه النظيف؛ الذي يتحرى في بطانته عن المرتشين ويطهر اجهزته من المارقين على شرع الله تعالى والمتعدين لحدوده.

ثم وليس له ان يستخدم الصلاحيات المخولة له من خلال ذلك المنصب إلا في فيما يرضي الله تعالى... ولذا فعمل السياسي في السياسة مثله كمثل بقية ما يصدر عنه: باطل دون اجتهاد او تقليد او احتياط.. لانما يتعين عمله بإقامة الحق ودفع الباطل وفق طاعة المعصوم.

ص: 243

البيان الثاني: - امران مطلوبان من السياسي المسؤول لبناء دولة الانسان:

هذا الامران في المشروع السياسي الانساني وفق نظام الملة هما:

اولا - اقامة الحق بما يعني من سريان العدل في المجتمع بكل اطيافه واصنافه.

ثانيا - دفع الباطل بما فيه ردع المفسدين والخوّنه ومثير الفتن ومخترقي الامن.

فقد جاء عن ابن عباس في حديث عن امير المؤمنين عليه السلام:

قال عبد الله بن العباس: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار، وهو يخصف نعله فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت لا قيمة لها، فقال عليه السلام:

(والله لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا)(60).

والإسلام بما انه يوجب على المسؤول حقوقا ويتشد بها، فانه يوجب على الرعية حقوقا عليها للمسؤول ويعظمها ويطالب الناس بالإيفاء بتلك الحقوق. فما هي حقوق الراعي على رعيته.

البيان الثالث: - حقوق السياسي على الناس من اعظم الفروض:

ولكي يعلم الامام عليه السلام الناس اهمية العمل في السياسة وولايته على العرض والارض والدم والمال ويعطوه ما يستحق من النصح والاعتبار قال الامام علي عليه السلام:

(... وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي. فريضة فرضها الله سبحانه لكل على كل، فجعلها نظاما لألفتهم وعزا لدينهم.

فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة

ص: 244

الرعية. فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه، وأدى الوالي إليها حقها، عز الحق بينه، وقامت، مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على إذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الاعداء.

وإذا غلبت الرعية واليها، وأجحف الوالي برعيته اختلفت هنالك الكلمة. وظهرت معالم الجور. وكثر الادغال (61) في الدين وترکت محاج السنن. فعمل بالهوى. وعطلت الاحكام. وكثرت علل النفوس. فلا يستوحش لعظیم حق عطل، ولا لعظیم باطل فعل.

فهنالك تذل الابرار وتعز الاشرار، وتعظم تبعات الله عند العباد. فعلیکم بالتناصح في ذلك وحسن التعاون عليه، فليس أحد وإن اشتد على رضاء الله حرصه وطال في العمل اجتهاده ببالغ حقيقة ما الله أهله من الطاعة له. ولكن من واجب حقوق الله على العباد النصيحة بمبلغ جهدهم، والتعاون على إقامة الحق بينهم. وليس امرؤ وإن عظمت في الحق منزلته، وتقدمت في الدين فضيلته بفوق أن يعاون على ما حمله الله من حقه، ولا امرؤ وإن صغرته النفوس واقتحمته العيون، بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه)(62).

(فأجابه عليه السلام رجل من أصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه ويذكر سمعه وطاعته له).

فقال عليه السلام: إن من حق من عظم جلال الله في نفسه، وجل موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه. وإن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله عليه ولطف إحسانه إليه. فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا ازداد حق الله عليه عظما، وإن من أسخف حالات الولات عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر، ويوضع أمرهم على الكبر.

ص: 245

البيان الرابع - اطراء الحاكم قبيح:

مما يبتلي به الناس ويساعد في خلق الطغاة والجبابرة، ويمنع من قيام دولة الانسان العادلة هو تملق الناس للحاكم.

ولكن في الدولة التي تكرم الانسان ويكون هو القيمة المثلى لا يوجد في ثقافتها مدح او اطراء للحاكم ليشعر بانه متفضل على الناس فليس السياسي الا اجير لخدمة الشعب وكان الامام عليه السلام يثقف لذلك حيثما سمع مدحا. قال الامام علي عليه السلام تعقيبا على مدح احد جلسائه وإطرائه له فقال:

(وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الاطراء واستماع الثناء، ولست بحمد الله كذلك. ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء. وربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء. فلا تثنوا علي بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى الله وإليكم من التقية في حقوق لم أفرغ من أدائها، وفرائض لابد من إمضائها) (63).

وذلك النصح ادعي وأوجب لمن ادعى انه من اتباع الامام علي عليه السلام وشيعته.

البيان الخامس: والتزلف للمسؤول خرق لمعنى انسانية الدولة:

وزاد الامام عليه السلام موضحا في معاني قبح التزلف للمسؤول والحاكم اذا كان يدعي الاسلام والايمان.. قال عليه السلام موصيا:

(فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة. ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة. ولا تخالطوني بالمصانعة. ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي. فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان

ص: 246

العمل بهما أثقل عليه. فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني. فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره) (64).

وزيادة في الملاحظة هنا: علينا ان نتذكر ان الامام عليه السلام يقول هذا وهو المعصوم؛ وفي هذا كمال التقى وحقيقة التواضع لكي لا يكون لابن امة غیره من سائر الناس ان يغتر ويقول اني لا اخطئ.. ذلك اذا كان المعصوم الذي هو كنفس رسول الله بنص الكتاب وبنص السنة الصحيحة يقول: (فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ) فهل يحق لغيره وهو الادنى الا ان يأخذ بمقالة الحق وبمشورة العدل من أي كان ولا يرى في نفسه انه خير من غيره فيكون لبسا لإبليس ضد ادم حين قال: (انا خير منه).

هذه دروس في الثقافة السياسية لدولة الانسان ليس فقط لتؤخذ بل لیرى الناس بالمقارنة أي نوع من الناس يحكمونهم اليوم في غياب المعصوم فاعتبروا يا اولي الالباب.

فاذا كان هذا منطق المعصوم المسدد، من موقع الولاية والإمرة، فليس لذي لب بعدها إلا ان يخجل من نفسه ابدا ان يكون بموضع الامرة على الناس دون ان يعلم حقوقه ويقوم بتمام واجباته. وليس للناس إلا ان يتقوا الله تعالى فيما عظم عليهم من الفروض، وان يلتزموا بواجباتهم بعد ان نؤدى اليهم حقوقهم.

البيان السادس: السياسة هي قضاء حوائج الناس:

ان خدمة الناس في الاسلام من ارقى العبادات التي يتقرب بها الى الله تعالى، ولذا يتطلب من السياسة الاسلامية او من يتطوع للعمل بها، ان يكون متخصصا

ص: 247

في معرفة حوائج اهله، وان يكون له برنامج عمل بالخدمات التي تحتاجها الامة او التي يحتاجها مجتمعه الذي هو مسؤول عنه، حسب اولويات مدروسة ومتدارسة، ومنهج، وآليات وأساليب تناسب كل زمان ومكان.

كان من المعروف؛ ان كفارة العمل مع الظالم هو خدمة المؤمنين، اما ان يكون السياسي مبادرا ولا ظالم فوقه، فذلك يتطلب منه الخدمة بأفضلها وعلى وجه الوجوب: وقد مر معنا توجيه الامام الباقر عليه السلام في من لا يحضره الفقيه للصدوق الرواية التالية:

(كنت اعتكف مع محمد بن علي (عليهما السلام) فأتاه رجل فقال له: يابن رسول الله! إن فلاناله علي مال ويريد أن يحبسني، فقال: والله ماعندي مال فأقضي عنك، قال: فكلمه، قال: فلبس (عليه السلام) نعله، فقلت له: يابن رسول الله! أنسيت اعتکافك؟ فقال له: لم أنس ولكني سمعت أبي (عليه السلام) يحدث عن [جدي] رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنما عبد الله عز وجل تسعة آلاف سنة، صائما نهاره، قائما ليله)(65).

وخدمة الناس من قبل السياسي والحاكم، واجب مطلوب على وجه الدقة، وبمعنى الامانة، قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» (66).

والسياسي عندما ينتخبه الناس، انما يحملونه امانة، يقلدونها في عنقه، ليكون في خدمتهم، وليس ليشرفونه بامتيازات المنصب لمجرد سواد عينيه، فعليه ان يؤدي الامانة في خدمتهم، وهو مكلف ايضا بالعدل في الحكم والأداء.

البيان السابع التثقيف لدولة العدل: واقدموا على الله مظلومين ولا تقدموا

ص: 248

عليه ظالمين:

ما دام ملاك السياسة العدل؛ كما يقول امير المؤمنين (عليه السلام)(67) فالغاية والمطلوب في المشروع السياسي الاسلامي هو العدل بين الناس، ونهج الامام في السياسة هو منهج قراني محكم وواضح لكن في الغالب الكثير يصعب على الناس تحري العدل من مظانه من غير المعصوم، لماذا؟

لان العدل هو السنة البديهية التي يقوم بها وعليها الكون كله، وتوضيح البدهي من الامور الصعبة. وذلك لصعوبة معرفة متى واين يتطابق خيار الفعل الصادر من الانسان مع النسق الكوني، واين ومتى لا يتطابق معه، ولكن يسهل تحديد الفعل اذا لم يكن مطابقا للنسق الكوني، لانه عندها سيكون مشهورا بكونه نشازا ومقرفا ومرفوضا، ذلك هو الظلم.

فصار احسن طريق لتحري الحق وإقامة العدل؛ هو بغض الظلم ايا كان مصدره ومنابذة الظالمين وعداوتهم. فاذا حصل هذا وبان القبح من الحسن فليس للإنسان إلا ان يختار وهو طريق قراني واضح:

قال الله تعالى: «قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» (68).

والآية محكمة واضحة المعاني والدلالات على بغض الظالمين وعداوتهم كأساس للتوحيد كعقيدة تستوعب النفوس.

وفي موضع اخر من نهج القران في كون بغض الظالمين وعداوتهم هو نهج

ص: 249

الموحدين؛ قال تعالى على لسان ابراهيم عليه السلام:

«قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ٭ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ٭ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ»(69).

وفي موضع أخر يقول الله تعالى عن سيد الموحدين إبراهيم الخليل عليه السلام في جده لامه أو عمه:

«وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ» (70).

وقال تعالى في وصف الامام العادل بانه غير ظالم:

«وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» (71).

فالمسؤلية السياسية في الاسلام لا تختلف عن اي مسؤولية اخرى، اذ كل المسؤوليات هي تكليف شرعي، بمعنى انها عبادة واجبة، وفيها مستحبات ايضا لا ينالها الا ذو الحظوظ، وهي في المقابل مهلكة لمن اخل بها، لان السياسي على اعتاب مسؤولية كبرى، ففي هذه حاله يكون كربان سفينة اذا اخل اغرق الجميع فخيره مثل شره يعم.

ان الظلم الذي تعرض له اهل بيت النبوة يمثل تاريخا حافلا وكنزا كبيرا، بل التاريخ كله هو حكاية الظالم والمظلوم، وذلك من حكمته الله تعالى وحجته على العباد، فليس لأحد ان لا يعرف الظالم من المظلوم في حكاية التاريخ كلها، وبعدها فليس له ان يصطف مع الظلمة، وقد مرت معنا وصية الامام علي عليه السلام: (واقدموا على الله مظلومين ولا تقدموا عليه ظالمين)(72).

ص: 250

وان في احياء امر اهل البيت عليهم السلام تذکیرا بالظلم وتعريفا بالظالمين، والاصطفاف اما معهم عليهم السلام او مع الظالمين، وعندما تلعن الظالمين وتعرف بهم عليك أن تتذكر انك متيقن انك لست منهم، وإلا فانه تصرف مستلب واضح لن تلوم احدان هزئ او استهزأ بك، فهو مصداق لقول الشاعر:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله ٭٭٭ عار عليك اذا فعلت وخیم

فمثلا قد تلعن حزب الامويين من خلال احیاء امر اهل البيت عليهم السلام، لانهم تفردوا بالتسلط على الناس واتخذوا الدين غرضا، ثم تفعل فعلهم في حزبك للتوسع في السلطة!! وتحيف لجماعتك لتنالوا وجاهة السلطان!! وتنمي حصتك لنيل الوظائف الكبيرة!!، وكل ذلك دون من هم افضل واعلم واكثر اخلاصا منك ومن حزبك.. وتلعن العباسيين لانهم نصبوا للآل الحق ومنعوهم حقهم، وتلعن العهد القريب للصداميين العفالقة، الذين ناصبوا العداوة للمراجع وابادوهم، وانت ترى في المرجع مصدر قلق لك ولحزبك، مع علمك انهم يمثلون امتداد لنظام الملة وطاعة الثقلين العاصمين، فهم حبل الجماعة واركان الطاعة الذي اوصى الامام بلزومها!!

ولذا فان المعيار المقوّم الذي يقاس به بغض المسؤول للظلم؛ هو اقرراه ومشاركته باحياء بصدق، امر اهل البيت عليهم السلام، لانها تاريخ حي يتجدد يحكي ويحيي قصة الصراع الابدي بين الظالم والمظلوم ومن خلاله يتبين الاصطفاف الحقيقي مع من؟

ص: 251

ترجمة بغض الظلم وعداوة الظالمين عند الامام في مشروعه السياسي الاسلامي:

على المسؤول ان يظهر اصطفافا حقيقيا مع من؟ من خلال شعبيته باعتبار ان احیاء امر اهل البيت عليهم السلام اختص به البسطاء والفقراء والمعدمين المظلومين من عامة الشعب، وهذا سيكون ثقيلا على المستكبرين الذين يرون في المنصب عزا وسلطة وليس عبادة وتكليف، وهذا من المعايير القرانية التي لا ينالها الزيف، فقد اختطه ائمتنا عليهم السلام بدمائهم، واوقفوه لتقويم اعمالنا، فلينتبه الغافلون.. قال تعالى: «مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» (73). فالتمييز قانون كوني لايفلت منه احد.

فالسياسة خیار فعل طبقا لهذا القانون الكوني اصطفاف يميز الناس الى ظالمين ومظلومين، ولذا وتحذيرا من فعل القانون الكوني قال تعالى: «وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ» (74).

والإمام علي عليه السلام يقول: من لم ينصف المظلوم من الظالم سلبه اللهَّ قدرته (75). لان عدم انصاف المضلوم هو اصطفاف مع الظالم، فلا حال وسط في الاصطفافات المميزة للناس امام قانون التمييز الكوني.. فعلي عليه السلام وعلى عظم قدره وعلو ثقته بنفسه واختقاره للدنيا يقسم قسما عظيما انه لا يسكت على كظة ظالم

وعنه (عليه السلام): أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ اللهَّ على العلماء ألّا يُقارّوا على کِظّة (76) ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيتُ حبلها على غاربها، ولسقیت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنیاکم هذه أزهد عندي من عفطة عنز!(77)

ص: 252

وعنه (عليه السلام): أيّها الناس! أعينوني على أنفسكم، وايم اللهَّ لاُنصفنّ المظلوم من ظالمه، ولأقودنّ الظالم بخزامته، حتى اُورده منهل الحقّ وإن كان کارهاً (78).

وعنه (عليه السلام): الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحقّ له، والقويّ عندي ضعيف حتى آخذ الحقّ منه (79).

وعنه (عليه السلام) - في عهده إلى مالك الأشتر -: ثمّ انظر في أمر الأحكام بين الناس بنيّة صالحة؛ فإنّ الحكم في إنصاف المظلوم من الظالم والأخذ للضعيف من القويّ وإقامة حدود اللهَّ على سنّتها ومنهاجها ممّا يُصلح عباد اللهَّ وبلاده (80).

ص: 253

الفصل الرابع: الاسس الاخلاقية للمشروع السياسي الالهي العلوي المبارك لدولة الانسان

ماذا على امير المؤمنين ان ياكل کما تاكل الناس ويلبس کما تلبس الناس؟ الا ان له خلق من الكمال عال لايدرك من ربه وهو يقول عن ذاته عليه السلام: (ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام) فقال: (والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحی، ينحدر عني السيل، ولا يرقى إلى الطير، ولكني سدلت دونها ثوبا، وطويت الأمالي للطوسي(81).

نعم يعلل عليه السلام تواضعه في الماکل والملبس فيقول: (وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق. ولو شئت لاهتديت الطريق، إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز. ولكن هيات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة - ولعل بالحجاز أو اليامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع - أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى واكباد حري، أو أكون كما قال القائل:

وحسبك داء أن تبيت ببطنة ٭٭٭ وحولك أكباد تحن إلى القد) (82).

طبعا؛ ليس عليه شيئ ولا باس، لكنه عليه السلام يعطي درسا للمسؤول السياسي ان يتاسی بابسط الرعية وافقرهم، ونراه عليه السلام يقول: (أأقنع من نفسي بأن يقال [لي] أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها،

ص: 254

أو المرسلة شغلها تقممها تكترش من اعلافها وتلهو عما يراد بها، أو أترك سدى وأهمل عابثا، أو أجر حبل الضلالة، أو أعتسف طريق المتاهة)(83).

ويضيف تعليلا اخر لفعله عليه السلام هذا: (وكأني بقائلكم يقول: (إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الاقران، ومنازلة الشجعان). ألا وإن الشجرة البرية أصلب عودا، والروائع الخضرة أرق جلودا، والنباتات البدوية أقوى وقودا وأبطأ خمودا وأنا من رسول الله كالصنو من الصنو، والذراع من العضد. والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها، ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها، وسأجهد في أن أطهر الارض من هذا الشخص المعكوس، والجسم المركوس حتى تخرج المدرة من بين حب الحصيد)(84).

فقد كان ياكل السويق من جراب يختم عليه لئلا يضيفون اليه بعض الزيت (85)، وكان عليه السلام يرقع مدرعته حتى استحیی من راقعها(86)، وكان يعد رعيته انه جاء اليهم من المدينة بقطيفة عليه فان عاد بغيرها فهو خائن، ورفض ان يدخل قصر الامارة وقال انه بيت خبال (87). وكان يرفض ان يقدم له طعام فيه اكثر من القرص والملح... انها خلاق الرسل وحكم الانبیاء، وليس هذا خاص به بل هو شديد على المترفين انه في حال حرب سجال مع الترف بل ومع المترفين، فقد قيل أن طائفة من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مشوا إليه عند تفرق الناس عنه وفرار كثير منهم إلى معاوية طلبا لما في يديه من الدنيا فقالوا له يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال وفضل هؤلاء الأشراف من العرب وقریش على الموالي والعجم ومن تخاف خلافه عليك من الناس وفراره إلى معاوية:

فرد الامام (عليه السلام) رد الواثق بما يفعل وفق مشروعه الالهي: (أتأمرونّي

ص: 255

أن أطلب النصر بالجور فيمن وُلّيت عليه! واللهَّ لا أطور به ما سمر سمير (88)، وما أمّ نجم في السماء نجماً!ً لو كان المال لي لسوّيت بينهم، فكيف وإنّما المال مال اللهَّ؟! (89)

وفي اصراره الخلقي على رفض الظلم يقول (عليه السلام): واللهَّ لأن أبيتَ على حَسَك السَّعدان مسهّداً، أو اُجرّ في الأغلال مصفّداً، أحبّ إليَّ من أن ألقى اللهَّ ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاصباً لشيء من الحطام. وكيف أظلم أحداً لنفس يسرع إلى البِلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها؟!(90)

وفي مثال الظلم المستحيل عليه يقول (عليه السلام): واللهَّ لو اُعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، على أن أعصي اللهَّ في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته، وإنّ دنیاکم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعليّ ولنعيم يفنی، ولذّة لا تبقى!(91)

فبا حسن الوسائل الخلقية يمهد عليه السلام لدولته فأنّ التوسّل بأيّ وسيلة ليس مباح لبلوغ السلطة أو الحفاظ عليها، بل على العكس تماماً؛ فعنده عليه السلام؛ لا يجوز استعمال الأداة السياسيّة غير الشرعيّة، حتى لو كلّف ذلك فقدان السلطة نفسها.

1. استخدام الادوات الانسانية وسيلة للعدل في السياسة:

الادوات والوسائل الاخلاقية والانسانية هي السبيل لسياسته عليه السلام في المجتمع؛ فالسياسة في مدرسة الامام علي عليه السلام کما یعلمنا: هي معرفة الأدوات السياسيّة المشروعة والافضل والاحسن، وتوظيفها لإدارة المجتمع، وتأمين الرفاه المادّي والمعنوي والامان للناس. بل أساساً لا تستحق السياسات

ص: 256

غير الشرعيّة لقب «السياسة» في النهج المعصوم، وقد فند علیه السلام هذا الوصف کما هي عند معاوية؛ فالسياسة عند معاوية (إنّما هي المكر والخدعة والنكراء والشيطنة)(92).

في النهج المعصوم وبناء دولة الانسان ؛ لا تحتاج عملية إدارة النظام في الدولة والحفاظ على السلطة إلى أدوات سياسية غير مشروعة، بل يمكن حكم القلوب من خلال توظيف السياسات الصحيحة والشرعية بالاسلوب الاخلاقي والانساني فقط، وسوق المجتمع صوب الاصطفاف الصحيح في نبذ الظلم وعداوة الظالمين. وإشاعة القيم الانسانية الراقية وفق نظام الملة الذي يعني طاعة المعصوم. وهذا النظام (نظام الملة) يبتني بمحاربة وافرات الترف (المال والسلطة والوقت) کما فعل الامام عليه السلام ويبتني نظام الملة ايضا بمحبة المعصوم، فمحبة المعصوم سبيل لطاعته والتأسي به والاقتداء بسيرته.

جاء في تاريخ دمشق عن أبي اُمامة الباهلي: قال رسول اللهَّ (صلى اللهّ عليه وآله وسلم): خُلق الأنبياء من أشجارٍ شتّى، وخلقني وعليّاً من شجرةٍ واحدة؛ فأنا أصلها، وعليّ فرعها، وفاطمة لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، فمن تعلّق بغصنٍ من أغصانها نجا، ومن زاغ هوی. ولو أنّ عبداً عَبَد اللهَّ بين الصفا والمروة ألف عام، ثمّ ألف عام، ثمّ ألف عام، ثمّ لم يدرك محبّتنا إلّا أكبه اللهَّ على منخريه في النار، ثمّ تلا: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» (93) (94).

2. حركة بناء دولة الانسان عند الامام علي عليه السلام طابعها الاخلاق:

منذ بداية قيام دولة الامام علي عليه السلام، بعد مقتل عثمان؛ اراد الامام ان يلقي الحجة على من جاءه من الناس يريد بيعته وهم لا يعلمون في فترة عزله عليه السلام عن الامامة ان السياسة قد اخذت منهجا بعيدا عن معناه في الاسلام

ص: 257

ويعلم انه لو حاول ان يعيد الامور في السياسة الى نصابها ومعناها قد ينكرون عليه ذلك فقال قولته المشهرة کما وثقها المؤرخون: کما جاء في تاريخ الطبري عن محمّد وطلحة: غشي الناس عليّاً، فقالوا: نبايعك؛ فقدتری مانزل بالإسلام، وما ابتُلينا به من ذوي القربی! فقال عليّ: دعوني، والتمسوا غيري؛ فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وله ألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول. فقالوا: نُنشدك اللهَّ، ألا ترى ما نرى! ألا ترى الإسلام! ألا ترى الفتنة! ألا تخاف اللهَّ!

فقال: قد أجبتُكم لما أری، واعلموا إن أجبتُكم ركبتُ بكم ما أعلم، وإن تركتموني فإنّما أنا كأحدكم، إلّا أنّي أسمَعُكم وأطوَعُكم لمن ولّيتُموه أمرَكم (95).

وفي نهج البلاغة عن الإمام عليّ (عليه السلام) - من كلام له لمّا أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان -: دَعُوني والتمسوا غيري؛ فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول. وإنّ الآفاق قد أغامت، والمحجّة قد تنکّرت، واعلموا أنّي إن أجبتُكم ركبتُ بكم ما أعلم، ولم اُصغِ إلى قول القائل، وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلّي أسمعکم وأطوَعكم لمن ولّيتموه أمرَكم، وأنا لكم وزيراً، خير لكم منّي أميراً (96).

على هذا الأساس وبعد ان اعلم الناس بما يجب عليهم ان يعلموا من النهج الحق في السياسة؛ انطلق الإمام مباشرة بعد أن بايعه الناس وتسلّم زمام السلطة السياسيّة بحركة إصلاح حكوميّة بدأَها بعد أعلن صراحة أنّ الفلسفة الكائنة وراء قبوله الحكم تكمن في إيجاد الإصلاحات، وكان (عليه السلام) يعتقد أنّ المجتمع الإسلامي قد تغيّر في المدّة التي كان فيها الإمام بعيداً عن المشهد السياسي، وأنَّ ما یُمارس باسم الحكومة الإسلاميّة ينأي بفاصلة كبيرة عن الإسلام وسيرة النبيّ (صلى اللهّ عليه وآله وسلم) وسنّته.

ص: 258

من جهة أُخرى كان الإمام يعلم جيّداً بأنّ الطريق الجديد والإعلان عن نهج دولة الانسان الذي هو نفسه النهج المحمّدي، لا يتّسق مع مزاج المجتمع في ظلّ الأوضاع السياسيّة التي كانت سائدة، وبحسب قوله (عليه السلام): «لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول»، حيث تستتبع عمليّة مواجهة الانحرافات، ومكافحة الاعوجاج كثيراً من الاضطرابات السياسيّة.

من هذه الزاوية كانت عمليّة بناء الدولة العادلة بحاجة إلى إعداد وتخطيط عميق جدّاً ومحسوب لاجل البيان للاجيال القادمة دروس وبيانات وعبر.

اولا - كانت سياسة الإمام عليه السلام نشطة جدا في مواجهة الانحراف فقامت على الرفض مرّة واحدة وبشكل مباشر لجميع الانحرافات بالرغم من المجتمع اظهر انه معتاد عليها خلال سنوات، حکم الخلفاء الثلاثة قبله، وقد يجرّ إلى عدم الرضا العامّ، ويُفضي إلى الفرقة وضعف بنيان الحكم، بل ولجَ الإمام هذه المواجهة ليعطي درسا للامة وللتاريخ ان الاسلام عقيدة كاملة ولها من ذاتها برنامجا في السياسة كما لها في الفقه والتشريع.

ثانيا - رفض كل ما اقتطعه عثمان بدون وجه حق من بيت المال وكما قلنا يقول عليه السلام في اول يوم يستلم فيه الخلافة: «ألا إنّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان، وكلّ مال أعطاه من مال اللهَّ فهو مردود في بيت المال، فإنّ الحقّ القديم لا يُبطله شيء، ولو وجدتُه وقد تُزوِّج به النساء وَفُرِّق في البلدان، لرددته إلى حاله؛ فإنّ في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق».

ثالثا - رفض وجود معاوية في ولاية الشام وعين الولاة من التقاة وعلى اساس من قدرتهم على محاربة الترف وبغض الظلم وعداوة الظالمين مع علمهم بضعهم تحت المراقبة من قبل عيون ثقاة تقاة لامير المؤمنين في مواجهة حقيقية

ص: 259

للفساد الإداري والاقتصادي المحتمل. وبدا هذا العمل منذ الأيّام الاُولى لعهد الإمام السياسي، فعزَل الولاة غير الأكفّاء، وأعاد الأموال العامّة إلى بيت المال.

رابعا - وضع العيون الثقاة التقاة على الولاة ومراقبتهم، وهو امر لم يعرف من قبل الخلفاء من قبل الامام على علیه السلام على الاطلاق، ولم یعرق بعده، فالعيون في كل السياسات السابقة والى الان كانت توضع على الناس من قبل الساسة، وقد بدى ذلك في اكثر من مرة عندما استدعى الامام ولاته ليخبرهم انهم خالفوا سياسته في بسط العدل والاصطفاف مع المظلومين:

مثلا - كتب أمير المؤمنين « عليه السلام» كتابا إلى عامله على البصرة (عثمان بن حنيف) جاء في مستهله: (أما بعد یا ابن حنيف! فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان! وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو) (97).

خامسا - كان يساوي بين الناس في العطاء فثار لذلك بعض من يرون انهم وجوه القوم وأنهم يجب ان لا يساووا بالناس مثل طلحة والزبير. فقال أمير المؤمنين: إنهما استأذنا في العمرة، فأذنت لهما بعد أن أوثقت منهما بالأيمان أن لا يغدرا ولا ينكثا ولا يحدثا فساداً - وبعد هنيئة - قال: والله يا بن عباس: إني لأعلم أنهما ما قصدا إلا الفتنة، فكأني بهما وقد صارا إلى مكة ليسعيا إلى حربي، فإن يعلى بن منبه الخائن الفاجر قد حمل أموال العراق وفارس لينفق ذلك، وسيفسد هذان الرجلان علي أمري، ویسفکان دماء شيعتي وأنصاري، فقال ابن عباس: إذا كان ذلك عندك يا أمير المؤمنين معلوماً، فلم أذنت لهما؟ هلا حبستهما، وأوثقتهما بالحديد، وكفيت المؤمنين شرهما؟ فقال أمير المؤمنين متعجباً: یا ابن عباس أتأمرني بالظلم أبدا؟ وبالسيئة قبل الحسنة؟ وأعاقب على الظنة والتهمة؟ وأؤاخذ بالفعل

ص: 260

قبل كونه؟ كلا والله، لا عدلت عما أخذ الله علي من الحكم والعدل، ولا ابتدأ بالفصل، یا ابن عباس: إنني أذنت لها وأعرف ما يكون منهما، ولكني استظهرت بالله عليهما والله لأقتلنهما ولأخيبن ظنهما، ولا يلقيان من الأمر مناهما، وإن الله يأخذهما بظلمهما لي، ونكثهما بيعتي وبغيهما علي (98).

ولعل فيما صب على الامام من الفتن كان بعين الله ليعطي للانسانية تراثا کاملا في انسانية الدولة وكيفية بناء دولة الانسان، فمن الفتن وجدما عند الامام رصيد لمواجهتها.

3. نماذج من انسانية المشروع السياسي الاسلامي المعصوم:

إنّ انسانية المشروع السياسي الاسلامي مثله الأعلى الذي يحتذي به هو عليّ عليه السلام، فبتعبير جميل للإمام أمير المؤمنين نفسه: «الحقّ أوسع الأشياء في التواصف، وأضيقها في التناصف». لهذا كلّه لم تتخطّ العدالة الاجتماعيّة واحترام حقوق الإنسان على مرّ التاريخ كلّه تخوم الشعار، بل تحوّل هذا الشعار - أيضاً - إلى أداة لابتزاز حقوق الناس والاعتداء عليها أكثر.

1 - الامام يشكو حيف رعيته: على مدى عصور التاريخ الإسلامي بعد عهد رسول اللهَّ (صلى اللهّ عليه وآله وسلم) سنحت فرصة استثنائيّة واحدة لجهة استقرار العدالة الاجتماعيّة تمثّلت في العهد القصير الذي أمضاه الإمام عليّ في الحكم، بید أن الاُمة لم تغتنم هذه الفرصة، بل وقع الظلم على حكم الإمام من قِبل الرعيّة ذاتها، حتى قال (عليه السلام): «إن كانت الرعايا قبل لتشكو حيف رعاتها، فإنني اليوم لأشكو حيف رعيّتي».

2 - رعايته عليه السلام لحرية الانسان: الحرّية التي دعا القرآن إليها، في قوله

ص: 261

سبحانه: «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ». وهي ذاتها التي عناها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعدّها بمنزلة فلسفة بعثة النبيّ (صلى اللهّ عليه وآله وسلم)، وهو يقول: «إنّ اللهَّ بعث محمّداً ليُخرج عباده من عبادة عبادهِ إلى عبادته... ومن ولاية عباده إلى ولايته».

3 - طابع حكمه الرفق بالناس: يقول عليه السلام: «إنّ سخط العامّة يُجحِف برضى الخاصّة، وإنّ سخط الخاصّة يغتفر مع رضى العامّة».

4 - حماية المظلومين والاصطفاف معهم: لقد كان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ينتهز كلّ الفرص من أجل توسعة ثقافة مكافحة الظلم ويستفيد منها لحماية المظلومين، كما كان يحثّ الناس على مساعدته لإصلاح مجتمعهم، وهو یهتف: «أيّها الناس أعينوني على أنفسكم، وايم اللهَّ لأنصفنّ المظلوم من ظالمه، ولأقودنّ الظالم بحزامته».

فلم يعرف الإسلام قبل عليّ (عليه السلام) هذه البادرة، فلأوّل مرّة في التاريخ الإسلامي بادر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أثناء تولّيه السلطة، إلى تأسيس «بيت القصص» لكي يكون موضعاً لمعالجة مشكلات الناس وتظلّماتهم؛ فمن لا يستطيع من أبناء الشعب أن يوصل مشكلته شفوياً أو لا يرغب أن يُعبِّر عنها بهذه الصيغة، بمقدوره أن يكتب قصته، ويوصل قضیّته عن هذا الطريق.

5 - الدفع عن الموالي: فقد لحق الظلم بالموالي في المجتمع الاسلامي دفعهم الى بث شكواهم عند علي عليه السلام وقال لهم الامام (يبدو ان هذا الكلام كان قبل خلافته): ((يا معشر الموالي، ان هؤلا صيروكم بمنزلة اليهود والنصاری، يتزوجون اليكم ولا يزوجونكم، ولا يعطونكم مثل ماياخذون فاتجروا بارك اللهّ فیکم ()، وفسح الامام المجال للموالي بشكل ملحوظ حتى اعترض عليه بعض

ص: 262

العرب من امثال الاشعث بن قیس، وخاطبوه قائلين: غلبتنا هذه الحمرا على قربك)) بيد ان الامام كان يقول: ما كنت لاطردهم فاكون من الجاهلين.

وهذا لا يعني ان الامام كان يعتمد عليهم، بل ان هذا الاعتراض کان منطلقا من الروح القومية لاشخاص کالاشعث ممن ادانوا التفاف الموالي حول الامام - عليه السلام - حتى لو كانوا قليلين نهم ربما شاركوا في الحروب الى جانبه وهذا الموقف الذي ابداه الامام حيال الموالي لم يشجعهم على دعمه فحسب، بل ورسخ في أذهانهم حقيقة تتمثل في انه لا يرتضي امتهانهم.

ويذكر بعض الباحثين ان من عادة علي - عليه السلام - ان يخصص نصيبه ((النقدي)) في الانفال لافتدا الاسرى الفرس وكثيرا ما اقنع الخليفة عمر بمشورته، فعمد إلى تخفيف عب الرعية في فارس.

ويقول فان فلوتن: ان من اسباب میل الخراسانيين وغيرهم من الفرس للعلويين هوانهم لم يعاملوا معاملة حسنة، و ماراوا عدلا الا في حكومة الامام علي (عليه السلام)

6 - رعاية النصاری (اهل الذمة) ومتابعة احوالهم:

في كتاب تهذیب الأحكام عن محمّد بن أبي حمزة عن رجل بلغ به أمير المؤمنين (عليه السلام): مرّ شیخ مكفوف كبير يسأل، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) ما هذا؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين، نصراني! قال: فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أستعملتموه، حتى إذا کبر وعجز منعتموه؟! أنفِقوا عليه من بيت المال (99).

7 - حماية الطبقات السفلي من المجتمع وذوي الاحتياجات الخاصة والامر

ص: 263

برعايتهم:

الإمام عليّ (عليه السلام) - من كتابه إلى قثم بن العبّاس -: انظر إلى ما اجتمع عندك من مال اللهَّ فاصرفْه إلى من قِبَلَك من ذوي العيال والمجاعة، مُصيباً به مواضع الفاقة والخَلّات(100)، وما فَضَل عن ذلك فاحملْه إلينا لنقسمه فيمن قِبَلَنا (101).

عنه (عليه السلام) - في عهده إلى مالك الأشتر -: ثمّ اللهَّ اللهَّ في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم، من المساكين والمحتاجين وأهل البُؤْسي والزَّمْنی (102)؛ فإنّ في هذه الطبقة قانِعاً ومُعتَرّاً(103)، واحفظ للهَّ ما استحفظك من حقّه فيهم،. واجعل لهم قسماً من بيت مالك، وقسماً من غلّات صَوافي(106) الإسلام في كلّ بلد، فإنّ للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، وكلٌّ قد استُرعيتَ حقَّه، فلا يشغلنّك عنهم بطَر، فإنّك لا تعذَر بتضييعك التافِه لإحكامك الكثير المهمّ، فلا تُشخِصْ همّك عنهم، ولا تُصعِّرْ خدّك لهم.

وتفقَّدْ اُمور من لا يصل إليك منهم ممّن تَقتحمة العيون، وتَحْقره الرجال، ففرِّغْ لاُولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع. فليَرفعْ إليك اُمورهم، ثمّ اعمل فيهم بالإعذار إلى اللّهَّ يوم تلقاه، فإنّ هؤلاء من بين الرعيّة أحوج إلى الإنصاف من غيرهم، وكلٌّ فأعذِر إلى اللهَّ في تأدية حقّه إليه.

وتَعهَّدْ أهل اليُتم وذوي الرِّقّة (105) في السنّ ممّن لا حيلة له، ولا ينصب للمسألة نفسه. وذلك على الولاة ثقيل، والحقّ كلّه ثقيل (106).

عنه (عليه السلام) - في عهده إلى مالك الأشتر (في رواية تحف العقول) -: وتعهّد أهل اليُتم والزمانة والرقّة في السنّ ممّن لا حيلة له، ولا ينصب للمسألة نفسه، فأجرِ لهم أرزاقاً، فإنّهم عباد اللهَّ، فتقرّب إلى اللهَّ بتخلّصهم ووضعهم

ص: 264

مواضعهم في أقواتهم وحقوقهم، فإنّ الأعمال تخلص بصدق النيّات. ثمّ إنّه لا تسكن نفوس الناس أو بعضهم إلى أنّك قد قضيت حقوقهم بظهر الغيب دون مشافهتك بالحاجات، وذلك على الولاة ثقيل، والحقّ كلّه ثقيل، وقد يخفّفه اللهَّ على أقوام طلبوا العاقبة فصبّروا نفوسهم، ووثقوا بصدق موعود اللهَّ لمن صبر واحتسب، فكن منهم واستعن باللهَّ(107).

عنه (عليه السلام) - في عهده إلى مالك الأشتر، وهو في بيان طبقات الناس -:

اعلمْ أنّ الرعيّة طبقات... ثمّ الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحقّ رِفدهم ومعونتهم. وفي اللهَّ لكلٍّ سعة، ولكلٍّ على الوالي حقّ بقدر ما يُصلحه (108).

عنه (عليه السلام) - من كتابه إلى بعض عمّاله، وقد بعثه على الصدقة -: إنّ لك في هذه الصدقة نصيباً مفروضاً، وحقّاً معلوماً، وشركاء أهل مسكنة، وضعفاء ذوي فاقة، وإنّا موفّوك حقّك، فوفِّهم حقوقهم، وإلّا تفعل فإنّك من أكثر الناس خصوماً يوم القيامة، وبُؤسي لِمن خصمُه عند اللهَّ الفقراء والمساكين، والسائلون، والمدفوعون، والغارمون، وابن السبيل! (109)

دعائم الإسلام: إنّه [عليّاً (عليه السلام)] أوصى مِخْنَف بن سُليم الأزدي - وقد بعثه على الصدقة - بوصيّة طويلة أمره فيها بتقوى اللهَّ ربّه، في سرائر اُموره وخفيّات أعماله، وأن يلقاهم ببسط الوجه، ولين الجانب، وأمره أن يلزم التواضع، ويجتنب التكبّر؛ فإنّ اللهَّ يرفع المتواضعين ويضع المتكبّرين. ثمّ قال له: يا مِخنف ابن سُليم، إنّ لك في هذه الصدقة نصيباً وحقّاً مفروضاً، ولك فيه شركاء: فقراء، ومساكين، وغارمين، ومجاهدين، وأبناء سبيل، ومملوكين، ومتألَّفين، وإنّا موقّوك حقّك، فوقِّهم حقوقهم، وإلّا فإنّك من أكثر الناس يوم القيامة خُصَماء، وبؤساً لامرئٍ أن يكون خصمه مثل هؤلا!(110)

ص: 265

8 - العناية الخاصّة بالأيتام: الكافي عن حبيب بن أبي ثابت: جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) عسل وتين من هَمدان (111) وحُلْوان (112)، فأمر العُرَفاء (113) أن يأتوا باليتامى، فأمكنهم من رؤوس الأزْقاق (11) يلعقونها وهو يقسمها للناس قدحاً قدحاً، فقيل له: يا أمير المؤمنین، ما لهم يلعقونها؟ فقال: إنّ الإمام أبو اليتامى، وإنّما ألعقتهم هذا برعاية الآباء(115) .

وفي ربيع الأبرار عن أبي الطفيل: رأيت عليّاً - كرّم اللهَّ وجهه - يدعو اليتامی فيطعمهم العسل، حتى قال بعض أصحابه: لوددت أنّي كنت يتيماً(116).

أنساب الأشراف عن الحكم: شهدت عليّاً واُتي بزِقاق من عسل، فدعا اليتامى وقال: دِبُّوا (117) والعقوا، حتى تمنّيت أنيّ يتيم، فقسمه بين الناس وبقي منه زِقّ (118)، فأمر أن يُسقاه أهل المسجد (119).

9 - متابعته الدقيقة للرعية لاتحطئ:

ناخذ من تلك المتابعات مثالين:

اولا - (نظر عليّ عليه السلام إلى امرأة على كتفها قربة ماء، فأخذ منها القربة فحملها إلى موضعها، وسألها عن حالها فقالت: بعث عليّ بن أبي طالب صاحبي إلى بعض الثغور فقُتل، وترك عليَّ صبياناً يتامى وليس عندي شيء، فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس. فانصرف وبات ليلته قلقاً. فلمّا أصبح حمل زِنْبِيلاً فيه طعام، فقال بعضهم: أعطني أحمله عنك. فقال: مَن يحمل وِزري عنّي يوم القيامة! فأتي وقرع الباب، فقالت: من هذا؟ قال: أنا ذلك العبد الذي حمل معك القربة، فافتحي فإنّ معي شيئاً للصبيان. فقالت: رضي اللهَّ عنك وحكم بيني وبين عليّ بن أبي طالب! فدخل وقال: إنّي أحببت اکتساب الثواب فاختاري بين أن تعجنين (120)

ص: 266

وتخبزين، وبين أن تُعَلِّلين (121) الصبيان لأخبز أنا. فقالت: أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر، ولكن شأنك والصبيان؛ فعلِّلْهم حتى أفرغ من الخبز. فعمدت إلى الدقيق فعجنته، وعمد عليّ (عليه السلام) إلى اللحم فطبخه، وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر وغيره، فكلّما ناول الصبيان من ذلك شيئاً قال له: يا بنيَّ، اجعل عليّ بن أبي طالب في حلٍّ ممّا مرَّ في أمرك. فلمّا اختمر العجين قالت: يا عبداللهَّ، سجِّر التنّور. فبادر لسجره، فلمّا أشعله ولفَح في وجهه جعل يقول: ذُق يا عليّ! هذا جزاء من ضيّع الأرامل واليتامی. فرأته امرأة تعرفه فقالت: ويحكِ! هذا أمير المؤمنين. قال: فبادرت المرأة وهي تقول: واحَياي منك يا أمير المؤمنين! فقال: بل واحَياي منكِ يا أمة اللهَّ فيما قصّرت في أمرك)(122)

ثانيا - (وروي أنّه [عليّاً (عليه السلام)] اجتاز ليلة على امرأة مسكينة لها أطفال صغار يبكون من الجوع، وهي تُشاغلهم وتلهيهم حتى يناموا، وكانت قد أشعلت ناراً تحت قدر فيها ماء لا غير، وأوهمتهم أنّ فيها طعاماً تطبخه لهم، فعرف أمير المؤمنين (عليه السلام) حالها، فمشي (عليه السلام) ومعه قنبر إلى منزله، فأخرج قَوْصَرَّة (123) تمر وجِراب (124) دقیق و شيئاً من الشحم والأرز والخبز، وحمله على كتفه الشريف، فطلب قنبر حمله فلم يفعل.

فلمّا وصل إلى باب المرأة استأذن عليها، فأذنت له في الدخول، فارمی شيئاً من الأرز في القدر ومعه شيء من الشحم، فلمّا فرغ من نضجه عرّفه للصغار وأمرهم بأكله، فلمّا شبعوا أخذ يطوف بالبيت ویُبَعْبِع لهم، فأخذوا في الضحك.

فلمّا خرج (عليه السلام) قال له قنبر: يا مولاي، رأيت الليلة شيئاً عجيباً قد علمت سبب بعضه وهو حملك للزاد طلباً للثواب، أمّا طوافك بالبيت على يديك ورجليك والبَعْبَعة فما أدري سبب ذلك!

ص: 267

فقال (عليه السلام): یا قنبر، إنّي دخلت على هؤلاء الأطفال وهم يبكون من شدّة الجوع، فأحببت أن أخرج عنهم وهم يضحكون مع الشبع، فلم أجد سبباً سوى ما فعلت (125).

10 - النهي عن الجود بأموال العامّة

الإمام عليّ (عليه السلام): جود الولاة بفيء المسلمين جور وخَتْر (126) (127).

عنه (عليه السلام) - من كلام له کلّم به عبداللهَّ بن زمعة، وهو من شیعته، وذلك أنّه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالاً -: إنّ هذا المال ليس لي ولا لك، وإنّما هو فيء للمسلمين وجَلْب أسيافهم؛ فإن شركتَهم في حربهم كان لك مثل حظّهم، وإلّا فجَناةُ (128) أيديهم لا تكون لغير أفواههم (129).

هوامش البحث:

(1) طه / 123 - 125

(2) جاء في معاني الأخبار: 132 / 2 و132 / 1، ودراسات في الكافي للكليني والصحيح للبخاري - (ج 12 / ص 18): جاء عن الإمام زين العابدین (عليه السلام) انه قال: لا يكون الإمام منا إلا معصوما، وليست العصمة في ظاهر الحلقة فتعرف، قيل له فيا معنى المعصوم قال: المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة، فالإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام،. (انظر ايضا: مجمع البحرین مادة عصم).

(3) أعلام الدين في صفات المؤمنین (12 / 12)، ومیزان الحكمة - محمدي الريشهري (1 / 91)، والبحار: 75 / 359 / 74.، شرح نهج البلاغة - ابن ابي الحديد (ج 1: ص: 323).

(4) الإرشاد: 1 / 247، نهج البلاغة: الخطبة 33 نحوه، بحارالأنوار: 32 / 113 / 90.

(5) مشكاة الانوار (ص: 243)

(6) جامع الأخبار: او معارج اليقين في أصول الدّين تأليف الشيخ محمد بن محمد السبزواري تحقيق؛ علاء آل جعفر:: ج 1، ص: 21.

(7) غرر الحکم و درر الكلم (ص: 241)

ص: 268

(8) کما يروي البخاري ومسلم ان عمر بن الخطاب سمی اختیار ابا بكر للخلافة في السقيفة ( فلتة وقي الله الاسلام شرها) وصرح ان سيقتل من یيعود لمثلها

(9) السنن الكبرى للبيهقي (8 / 157)، ورواه صحیح مسلم (3 / 1475)، والجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم (1 / 164).

(11) هود: 113

(11) الأحزاب: 33]

(12) [الحديد: 20]

(13) البقرة - 124

(14) الأعراف: 159

(15) الأعراف: 181

(16) الأمالي للمفيد (ص: 3)، والبيان والتبيين: 3 / 211؛ نثر الدرّ: 1 / 273، تاريخ اليعقوبي: 2 / 210 نحوه، وراجع نهج البلاغة: الحكمة 262 وروضة الواعظين: 39.

(17) البقرة - 124

(18) الأنعام: 73

(19) العنكبوت: 44

(20) الإسراء - آية 16

(21) هود - 116

(22) الأنبياء: 11 - 13

(23) المؤمنون: 33 - 41

(24) سبأ - 34

(25) هود: 27

(26) المؤمنون: 24

(27) القصص: 78

(28) جاء في تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص: 102) في ترجمة الوليد هذا خليفة رسول الله!!! (وكان فاسقاً شريباً للخمر منتهكاً حرمات الله أراد الحج ليشرب فوق ظهر الكعبة فمقته الناس لفسقه وخرجوا عليه فقتل في جمادى الآخر سنة ست وعشرين. وفي كتاب العبر في خبر من غبر (ص: 29): (كان فاسقاً متهتكاً. زعم أخوه سليمان أنه راوده عن نفسه). وفي مرآة الجنان وعبرة اليقظان

ص: 269

في معرفة حوادث الزمان (1 / 122): ذكروا عنه أشياء قبيحة في الدين والعرض أكره ذکرها، وفي البدء و التاريخ (ص: 342): ولاية الوليد بن یزید بن عبد الملك ويقال له الخليع بن الفاسق وكان صاحب لعب ولهو.، وفي النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (1 / 116) يقول: الوليد بن یزید بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية الهاشمي الأموي الدمشقي المعروف بالفاسق، تاريخ الإسلام للذهبي (2 / 463، بترقيم الشاملة آليا): (الوليد بن یزید بن عبد الملك بن مروان بن الحكم. الخليفة الفاسق أبو العباس الأموي الدمشقي لم يعرف عنه الكفر ولكنه كان يتلوط.

(29) الأعراف: 138

(30) الشعراء: 40

(31) القصص: 79

(32) الحج: 11

(33) فصلت: 50

(34) التوبة: 101

(35) الأنفال: 49

(36) التوبة: 67

(37) قال تعالى: لاينال عهدي الظالمين ( البقرة - 124).

(38) الاحتجاج للطبرسي: ج 1: ص: 134

(39) العلق - 6 - 7.

(40) قال رسول الله صلى الله عليه واله: ((إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقي الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرًا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنکم کما لعنهم).

اخرجه؛ (أبو داود، والبيهقي عن ابن مسعود) وللحديث أطراف أخرى منها: ؉إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقص ؉، ؉لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي ؉. ومن غريب الحديث: ؉ولتأطرنه على الحق أطر أ ؉: أي لتردنه إلى الحق. ؉و لتقصرنه على الحق قصرًا ؉: أي لتحبسنه عليه وتلزمنه إياه (جامع الأحاديث (8 / 441)، وأخرجه أبو داود (4 / 121، رقم 4336)، والبيهقي (10 / 93، رقم

ص: 270

19983). أبي يعلى في مسنده ج 8 / ص 449 ح 5035، وأخرجه الطبرانی کما في مجمع الزوائد (7 / 269) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وأخرجه أيضًا: الشجرى في أماليه (2 / 230). ويقول جامع الأصول من أحاديث الرسول (أحاديث فقط) (1 / 109): ورواية الترمذي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لما وَقَعَتْ بنو إسرائيل في المعاصي، نَهْتُهم علماؤهم، فلم ينتَهُوا، فجالَسُوهُمْ في مَجَالِسِهِم، وآکَلُوهم وشَاربوهم، فضربَ اللهُ قُلُوبَ بعضهِم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعیسی بن مریم، ذلك بما عَصَوْا وكانوا يعتدون» فجَلسَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وكان مُتَّكئًا، فقال: «لا، والذي نفسي بيده، حتى تأطِروهم على الحق أطرًا». وفي المعجم الكبير (10 / 146) قال: تأطرونه تقهرونه).

ولذا فان التاطير الايديولوجي بدعة اتي بها الانقلابيون في السقيفة وكانت سبب الانحراف عن الاسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه واله مباشرة مع ان الرسول صلى الله عليه واله حذر من التأطير ومنعه منعا باتا کما مرّ توثيقه.

(41) الحديد: 25

(42) تصنيف نهج البلاغة: ج: 1، ص: 661، لبيب بیضون. وشرح نهج البلاغة - ابن ابي الحديد (236 / 4)، نهج البلاغه ؉خطبه (31 / 10) الخطبة التي خطبها عليه السلام بصفين.

(43) نهج البلاغة: الخطبة: 216. وايضا راجع الكافي: 8 / 352 / 550.

(44) الانبياء - 107.

(45) جاء في التفسير الوسيط للسيد محمد طنطاوي (ج: 1، ص: 1138) عن حديث أبي ذر الطويل، وذلك فيما رواه ابن مردويه في تفسيره حيث قال: حدثنا إبراهيم بن محمد. عن أبي إدريس الخولاني ؉عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله: كم عدد الأنبياء؟ قال: ؉ مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا. قلت يا رسول الله. كم الرسل منهم؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر.. ؉ ؉؉؉.

(46) المؤمنون - 44.

(47) الاحزاب - 33.

(48) البقرة - 124.

(49) نهج البلاغة: الخطبة رقم: 13، المناقب لابن شهر اشوب: 2 / 110، دعائم الإسلام: 1 / 396، شرح الأخبار: 1 / 373 / 319 کلاهما نحوه.

(50) موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ (5 / 6)

(51) جامع الاصول ج 10 ص 409 وتراه في مشكاة المصابیح ص / 320. العَضوض: البِئْر البعيدة

ص: 271

القعر (المجلسي: 8 / 323).

(52) أخرجه الطيالسي (ص 289، رقم 2178)، وأحمد (3 / 84، رقم 11817)، والبخاري (3 / 1274، رقم 3269)، ومسلم (4 / 2054، رقم 2669)، وابن حبان (15 / 95، رقم 6703).

(53) المستدرك للحاكم 4 / 487 وصححه.

(54) المستدرك للحاكم، 4 / 479 وكنز العمال،6 / 39 واخرجه ابن عساکر کما روی صاحب الکنز

(55) الاصابه لابن حجر، 1 / 353 والسيوطي في الجامع الكبير 6 / 39، 1354، 91

(56) كنز العمال 6 / 91.

(57) الحائف؛ من الحيف، أي الجور والظلم. والدول: جمع دولة بالضم هي المال لانه يتداول أي ينتقل من يد ليد. والمراد من يحيف في قسم الاموال فيفضل قوما في العطاء على قوم بلا موجب للتفضيل.

(58) المقاطع: تعني الحدود التي اقرها الدين. محمد عبده؛ نهج البلاغة: ج 2: ص: 14

(59) نهج البلاغة، محمد عبده، ج 1 ص: 80

(60) نهج البلاغة، محمد عبده، ج 1: ص: 80

(61) الادغال في الامر: إدخال ما يفسده فيه.

(62) نهج البلاغة: الخطبة 216 وراجع الكافي: 8 / 352 / 550.

(63) محمد عبده؛ نهج البلاغة: ج 2: ص: 200

(64) محمد عبده؛ نهج البلاغة: ج 2: ص: 200

(65) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: ج 2 / ص: 189 / ح: 2108.

(66) النساء - 58.

(67) غرر الحكم: 9714، عيون الحكم والمواعظ : 486 / 8960.

(68) الممتحنة - 4

(69) الشعراء: 75 - 77

(70) التوبة: 114

(71) البقرة - 124.

(72) نهج البلاغه ؉ ج: 2: خطبة 151

(73) آل عمران - 179

(74) هود - 113.

ص: 272

(75) غرر الحكم: 8966، عيون الحكم والمواعظ: 428 / 7261.

(76) الكِظّة: ما يعتري الممتلئ من الطعام (النهاية: 4 / 177).

(77) نهج البلاغة: الخطبة 3، معاني الأخبار: 362 / 1، الإرشاد: 1 / 289 نحوه وفيهما «حضور الناصر»ف بدل «حضور الحاضر»، علل الشرائع: 151 / 12، الاحتجاج: 1 / 458 / 105 وفيه «أولياء الأمر» بدل «العلماء» وفيها «يقرّوا» بدل «يقارّوا» وكلّها عن ابن عبّاس، المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 205.

(78) نهج البلاغة: الخطبة 136، بحارالأنوار: 32 / 49 / 33.

(79) نهج البلاغة: الخطبة 37، بحارالأنوار: 39 / 351 / 25.

(80) تحف العقول: 135.

(81) أمالي الطوسی ج 1 / 382، حلية الأبرار (2 / 233)، معاني الاخبار: 360 ح 1. نهج البلاغة: الخطبة 3، علل الشرائع: 150 / 12، الإرشاد: 1 / 287، الأمالي للطوسي: 372 / 803 كلّها عن ابن عبّاس، الجمل: 171 وليس فيه من «فسدلت» إلى «أحجی».

(82) نهج البلاغة: الكتاب 45؛ ربيع الأبرار: 2 / 719 نحوه وفيه إلى «وتلهو عمّا يراد بها» وراجع المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 101.

(83) بحار الأنوار - العلامة المجلسي (33 / 474). و (نهج السعادة - الشيخ المحمودي (5 / 23). نهج البلاغة: الكتاب 45. شرح نهج البلاغة - ابن ابي الحديد (ج: 20).

(84) نفس المصدر السابق: وأن مراده (عليه السلام) من الشخص المعكوس، والجسم المركوس هو معاوية، لانه كان معهودا بعدم المبالات بالشريعة. والمدرة - كالشجرة -: قطعة الطين اليابس. والحصيد: المحصود.

(85) جاء في كتاب كلمات الإمام الحسين (ع) - الشيخ الشريفي - (ج 2 / ص 80): ( أن عليا عليه السلام كان معتكفا في مسجد الكوفة جاء أعرابي وقت إفطاره، فأخرج على من جراب سويق شعير فأعطاه منه شيئا فلم يأكله الاعرابي، فعقده في طرف عمامته، فجاء إلى دار الحسنين (عليهما السلام) فأكل معهما فقال لهما: رأيت شيخا غريبا في المسجد لا يجد غير هذا السويق فترحمت عليه فاحمل من هذا الطعام إليه ليأكله، فبکیا وقالا: (انه أبونا أمير المؤمنين على يجاهد نفسه بهذه الرياضة). (انظر ايضا: ينابيع المودة: 174).

(86) حلية الأبرار - (ج 2 / ص 143).

(87) جاء في كتاب: الامام علي - (ج 1 / ص 67): وأبى أن يدخل قصر الإمارة بل اختار بیت

ص: 273

جعدة بن أبي هبيرة المخزومي، وكان ابن أخته أم هاني، وقال عن قصر الإمارة: إنه قصر خبال لا تُنزلونيه.

(88) السَّمير: الدهر، أي لا أفعله ما بقي الدهر (النهاية: 2 / 400).

(89) نهج البلاغة: الخطبة 126، تحف العقول: 185 وفيه «أموالهم» بدل «مال اللهَّ».

(90) نهج البلاغة: الخطبة 224، عيون الحكم والمواعظ: 506 / 9285، الصراط المستقیم: 1 / 163؛ ينابيع المودة: 1 / 442 / 6 وفيه إلى «الحطام» وراجع الأمالي للصدوق: 719 / 988.

(91) نهج البلاغة: الخطبة 224، الصراط المستقیم: 1 / 163؛ ينابيع المودّة: 1 / 442 / 6 وراجع الأمالي للصدوق: 722 / 988.

(92) يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في وصف دهاء معاوية السياسي: «تلك النكراء! تلك الشيطنة! وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل» (الكافي: 1 / 11 / 3).

(93) الشوری: 23.

(96) تاریخ دمشق: 42 / 65 / 8412 وص 66، شواهد التنزيل: 1 / 554 / 588، كفاية الطالب: 317؛ مجمع البيان: 9 / 43 وزاد فيه «حتی یصیر کالشنّ البالي» بعد «ثمّ ألف عام» وكلّها نحوه.

(95) تاريخ الطبري: 4 / 434، الكامل في التاريخ: 2 / 304، نهاية الأرب: 20 / 13 وفيهما «بين القرى» بدل «ذوي القربی»؛ الجمل: 129 عن سيف عن رجاله نحوه.

(96) نهج البلاغة: الخطبة 92، المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 110 وفيه إلى «وعتب العاتب».

(97) نهج البلاغة: الكتاب رقم 45، والعائل هو: الفقير. ووسائل الشيعة 18: 116.

(98) علي (عليه السلام) من المهد إلى اللحد (16 / 9).

(99) تهذیب الأحکام: 6 / 293 / 811.

(100) جَمْع خَلَّة: الحاجة والفَقْر (انظر النهاية: 2 / 72).

(101) نهج البلاغة: الكتاب 67، بحارالأنوار: 33 / 497 / 702.

(102) جَمْع زَمِين. ورجلٌ زَمِنٌ وزَمِينٌ: أي مُبْتَلى بَيِّنُ الزَّمانَة. والزَّمانة: العاهَة (انظر: لسان العرب: 13 / 199).

و (103) المُعْتَرّ: هو الذي يتعرّض للسؤال من غير طلب (النهاية: 3 / 205).

(104) الصَّوافي: الأملاك والأرض التي جَلا عنها أهلُها أو ماتوا ولا وارث لها، واحدتها صافِية (لسان العرب: 14 / 463).

(105) يقال: رقّت عظام فلان إذا كبر وأسنَّ (لسان العرب: 10 / 122).

ص: 274

(106) نهج البلاغة: الكتاب 53 وراجع دعائم الإسلام: 1 / 366.

(107) تحف العقول: 141.

(108) نهج البلاغة: الكتاب 53، تحف العقول: 132 وفيه «في في ء اللهَّ» بدل «في اللهَّ» وراجع دعائم الإسلام: 3571.

(109) نهج البلاغة: الكتاب 26.

(110) دعائم الإسلام: 1 / 252، بحارالأنوار: 96 / 85 / 7.

(111) هَمَدان: مدينة تقع في غرب إيران، وهي مركز محافظة همدان، قريبة من مدينة كرمانشاه.

(112) حُلْوان: مدينة قديمة في العراق العجمي (إيران) فتحها العرب 640 م. أحرقها السلجوقيّون 1046 م. وأكمل الزلزال هدمها 1149 م (المنجد في الأعلام: 257).

(113) جَمْع عَرِيف: وهو القيِّم باُمور القبيلة أو الجماعة من الناس يَلي اُمورَهم ويتعرّف الأميرُ منه أحوالهم (النهاية: 2183).

(114) الزِّقّ: السِّقاء يُنْقَل فيه الماءُ، أو جِلدٌ يُجَزّ شَعْرهُ ولا يُنْتَف نَتْفَ الأدِيم. وقيل: الزِّقّ من الاُهُب: كلّ وعاءِ اتُّخِذ للشراب وغيره. والجمع أزْقاق وزِقاق وزُقّان (تاج العروس: 13 / 196).

(115) الكافي: 1 / 406 / 5، بحارالأنوار: 41 / 123 / 30.

(116) ربيع الأبرار: 2 / 148، المعيار والموازنة: 251 نحوه؛ المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 75.

(117) الدبيب: حركة على الأرض أخفّ من المشي (معجم مقاييس اللغة: 2 / 263).

(118) في المصدر: «زقّاً»، وهو تصحيف.

(119) أنساب الأشراف: 2 / 373.

(120) كذا في المصدر وبحارالأنوار، ومقتضى القواعد النحوية المعمول بها اليوم أن يقال: «أن تعجنى وتخبزى... وتعلّلي»؛ لمكان «أنْ» الناصبة للفعل المضارع. لكن ذكر صاحب النحو الوافي أنّ بعض القبائل العربيّة يهملها، فلا ينصب بها المضارع برغم استيفائها شروط نصْبه؛ كقراءة من قرأ قوله تعالى: (وَالْوَلِدَتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) برفع المضارع «يتمُّ» على اعتبار «أنْ» مصدريّة مهملة. والأنسب اليوم ترك هذه اللغة لأهلها، والاقتصار على الإعمال؛ حرصاً على الإبانة، وبُعداً عن الإلباس (النحو الوافي: 4 / 267).

(121) عَلَّلَهُ بطعامٍ وحديثٍ ونحوهما: شَغَلَهُ بهما (لسان العرب: 11 / 469).

(122) المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 115، بحارالأنوار: 41 / 52. راجع : القسم العاشر / الخصائص العمليّة / إمام المستضعفين.

ص: 275

(123) هي وعاءٌ من قَصَب يُعمَل للتمر، ويُشَدَّد ويُخفَّف (لسان العرب: 4 / 121).

(124) هو وِعاءٌ من إهاب [: جلد] الشاء لا يُوعَي فيه إلّا يابس (لسان العرب: 1 / 261).

(125) کشف الیقین: 136 / 129.

(126) اثر: الغدر (النهاية: 2 / 9).

(127) غرر الحكم: 4725.

(128) جَنَى الثَمَرةَ ونحوها وتَجَناّها: تناولها من شجرتها. والجَنَي: ما يُجْنَي من الشجر، واحدته جَناة، وقيل الجَناةُ كالجَنَي (لسان العرب: 14 / 155).

(129) نهج البلاغة: الخطبة 232، المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 110، غرر الحكم: 3702 نحوه.

ص: 276

المصادر والمراجع

1 - القران الكريم.

2 - الشريف الرضي؛ نهج البلاغة، لأمير المؤمنين بشرح محمد عبده، (4 أجزاء).

3 - البحراني، السيد هاشم؛ (مدينة معاجز الائمة الاثني عشر ودلائل الحجج على البشر، مؤسسه المعارف الاسلامية، طبع حجري إيران 1290 ه.

4 - الصدوق؛ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، (ثواب الأعمال وعقاب الأعمال)، تحقیق علي اکبر الغفاري، مكتبة الصدوق - طهران.

5 - ابن ابي شيبة؛ أبي بكر عبد الله بن محمد العبسي، (المصنف في الاحاديث والاخبار)، ط. دار الفکر، بیروت لبنان.

6 - ابن شهر اشوب؛ ابو جعفر محمد بن علي السروي المازندراني؛ (مناقب ال ابي طالب)، دار الاضواء، الطبعة الثانية، بيروت - 1991 م - 1412 ه.

7 - الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (التوحيد) تحقيق هاشم الحسيني الطهراني، مؤسسة النشر الإسلامي - قم - ط 1 (1398 ه).

8 - المالكي؛ المكي المشهور بابن الصباغ بن محمد بن احمد (الفصول المهمة في معرفة احوال الأئمة)، ط 2، طبع دار الاضواء بيروت - 1988 م.

9 - الصدوق؛ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (أمالي الصدوق)، مؤسسة الأعلمي - بيروت، ط 5، (1400 ه)

10 - ابن الأثير؛ أبو الحسن عز الدين علي بن أبي الكرم الجزري (أسد الغابة في معرفة الصحابة) تحقیق على محمد معوض وعادل احمد، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى (1415 ه).

11 - الصادق؛ جعفر بن محمد (شرح مصباح الشريعة، المنسوب إلى الإمام الصادق) تحقیق حسن المصطفوي، دار القلم - طهران، ط 1 (1363 ه).

12 - ابن الأثير الجزري؛ أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، ( الكامل في التاريخ)، طبع مصر 1303 ه.

ص: 277

13 - التميمي، عبد الواحد لامدي (غرر الحكم ودرر الكلم) تحقيق، مير سيد جلال الدين محدث الأرجوي - جامعة طهران، ط 3 (1360 ه).

14 - الكنجي؛ الشافعي، (كفاية الطلب)، ط 3. دار احياء تراث اهل البيت عليه السلام).

15 - الشهيد الثاني؛ زين الدين بن علي بن احمد الجيعي العاملي (مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد)، تحقيق نشرن مؤسسة آل البيت (عليه السلام) - قم، ط 3، (1412 ه).

16 - الهيثمي؛ علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي نور الدين، (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) (ط. دار الفكر - بيروت).

17 - الشجري؛ الجرجاني، (يحيى (المرشد بالله) بن الحسين (الموفق) بن إسماعيل بن زید الحسني) ترتيب الأمالي الخميسية، تحقيق: محمد حسن إسماعيل، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان - 1422 ه - 2001 م.

18 - الطوسي؛ أبو جعفر محمد بن الحسن (أمالي الطوسي) تحقيق مؤسسو البعثة، دار الثقافة - قم، ط 1 (1414 ه).

19 - الهيثمي؛ أحمد بن حجر المكي (الصواعق المحرقة في الرد على اهل البدع والزندقة) مكتبة الحقيقة، استنبول - 1424 ه / 2003 م.

20 - الشهيد الأول، أبو عبد الله محمد بن مكي العاملي الجزيني (الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة) تحقيق داود الصابري مشهد ط 1، (1365 ه).

21 - الشامي، عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (الترغيب والترهيب من الحديث الشريف) تحقيق مصطفى محمد عمارة، دار إحياء التراث - بيروت، ط 3، (1388 ه).

22 - الشافعي، كمال الدين محمد بن طلحة، (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول) النسخة المخطوطة في مكتبة آية الله المرعشي - قم المقدسة.

23 - الطوسي؛ ابو جعفر محمد بن الحسن بن علي (اختيار معرفة الرجال) المعروف ب رجال الكشي تحقيق: جواد القيومي الاصفهاني مؤسسة النشر الاسلامي التابعة

ص: 278

لجماعة المدرسین بقم المشرفة الطبعة: الاولى 1427

24 - ابن کثیر الدمشقي؛ اسماعیل بن عمر القرشي، (البداية والنهاية)، ط. دار عالم الكتب، بیروت - 1424 ه - 2003 م.

25 - الطبرسي؛ أبو علي الفضل (مشكاة الأنوار في غرر الأخيار)، دار الكتب الإسلامية - طهران ط 1 (1385 ه).

26 - الشريف الرضي، أبو الحسن محمد أبو الحسين بن موسى الموسوي (نهج البلاغة) تحقيق كاظم المحمدي ومحمد الدمشقي - انتشارات الإمام علي (عليه السلام) - قم، الطبعة الثانية (1369 ه).

27 - الشريف الرضي، أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى الموسوي (المجازات النبوية) تحقيق طه محمد الزيني - مكتبة بصيرتي - قم.

28 - السيوطي؛ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (الدر المنثور في التفسير المأثور)، دار الفكر - بيروت ط 1 / (1414 ه).

29 - السبزواري؛ محمد بن محمد الشعيري (جامع الأخبار) أو معارج اليقين في أصول الدين، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (عليه السلام) - قم ط 1 (1413 ه).

30 - البيهقي؛ أبو بکر احمد بن الحسين بن علي (السنن الكبرى) تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 (1414 ه).

31 - زین العابدین، علي بن الحسين (عليه السلام) (الصحيفة السجادية)، تحقيق علي أنصاريان، المستشارية الثقافية - دمشق.

32 - الرضا؛ علي بن موسی (علیه السلام)، (فقه الرضا، المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام))، تحقيق مؤسسة أهل البيت (عليه السلام) المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السلام) - مشهد ط 1، (1406 ه).

33 - الجويني الخرساني؛ إبراهيم بن محمد (ت 730)، ( فرائد السّمطين)، بیروت ۔ مؤسسة المحمودي، الطبعة الاولى - 1398 ه.

34 - الرضا؛ علي بن موسی (علیه السلام) (صحيفة الإمام الرضا (عليه السلام)) تحقیق ونشر مؤسسة الإمام المهدي (عج) - قم - ط 1 / (1408 ه).

ص: 279

35 - الطبرسي؛ أبو علي الفضل بن الحسن (مجمع البيان في تفسير القرآن)، تحقيق هاشم ألرسولي ألمحلاتي، وفضل الله اليزدي الطبطبائي، دار المعرفة - بيروت، ط 2، (1408 ه).

36 - الراوندي؛ قطب الدين، أبو الحسين عيد بن عبد الله (قصص الأنبياء) تحقيق غلام رضا عرفانیان - مشهد، (1309 ه).

37 - الراوندي؛ قطب الدين أبو الحسين سعيد بن عبد الله (الدعوات)، تحقيق ونشر مؤسسة المهدي (عج) ط 1 (1407 ه).

38 - الراوندي، قطب الدين أبو الحسين سعيد بن عبد الله (الخرائج والجرائح) تحقيق ونشر، مؤسسة الإمام المهدي (عج) - قم ط 1 (1409 ه).

39 - الراوندي، فضل الله بن علي الحسيني (نوادر الرواندي)، المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، ط 1، (1370 ه).

40 - الثعلبي؛ أحمد أبو إسحاق الثعلبي، (الكشف والبيان (تفسير الثعلبي))، دار إحياء التراث العربي سنة النشر: ه 1422 - 2002 م.

41 - الديلمي، أبو محمد الحسن بن أبي الحسن (أعلام الدين في صفات المؤمنين) تحقیق ونشر، مؤسسة ل البيت (صلى الله عليه وآله وسلم) - قم ط 2 (1414 ه)

42 - الصدوق؛ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن بن بابويه القمي (إكمال الدين وتمام النعمة)، تحقيق علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي - قم، ط 1 (1405 ه).

43 - الديلمي؛ أبو محمد أبي الحسن بن أبي الحسن (إرشاد القلوب)، مؤسسة الأعلمي - بیروت، الطبعة 4، (1398 ه).

44 - ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن یزید القزويني، (سنن ابن ماجة) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث - بيروت، ط 1 (1414 ه).

45 - الحويزي، عبد علي بن جمعة العروسي، (تفسیر نور الثقلين) تحقيق السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المطبعة العلمية، قم.

46 - الحلي؛ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إدريس (النوادر مستطرفات السرائر)، تحقيق

ص: 280

نشر، مؤسسة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) - قم ط 1 (1408 ه).

47 - الحلي؛ أبو جعفر محمد بن منصور بن احمد بن إدريس (السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي) تحقيق نشر مؤسسة النشر الإسلامي - قم، ط 2 (1410 ه).

48 - الطبرسي؛ أبو علي الفضل بن الحسن (أعلام الوری بأعلام الهدی) تحقیق علي أكبر الغفاري، دار المعرفة - بيروت، ط 1 (1399 ه).

49 - الطريحي؛ فخر الدين (مجمع البحرین) تحقیق احمد الحسيني، مكتبة نشر الثقافة الإسلامية - طهران، ط 2، (1408 ه).

50 - الحسيني، محمد بن الحسن (المواعظ العددية) تحرير الميرزا علي المشكيني الأردبيلي، دار الهادي - قم، ط 1، (1406 ه).

51 - ابن قتيبة؛ أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري، (عيون الأخبار)، ط. دار الكتب المصرية، (تصویر: دار الكتاب العربي) سنة النشر - 1343 ه.

52 - البحراني، السيد هاشم، (حلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار علیهم السلام)، طبع إيران سنة 1356 ه.

53 - البيهقي؛ أبو بكر احمد بن الحسين (شعب الإيمان) تحقيق أبو هاجر محمد العبد ابن بسيني زغلول، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 (1410 ه).

54 - البيهقي؛ أبو بکر احمد بن الحسين بن علي (السنن الكبرى) تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 (1414 ه).

55- النسائي؛ ابو عبد الرحمن احمد بن شعيب، (خصائص امير المؤمنين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه) طُبع بمطبعة التقدّم بجوار القطب الدردير - بمصر - سنة 1319 ه. الناشر في إيران؛ (منشورات مكتبة الصدر - طهران ( أُوفسيت)).

56 - البرقي، أبو جعفر احمد بن محمد بن خالد (المحاسن) تحقيق مهدي الرجائي، المجمع أبو بكر أحمد بن علي (تاریخ بغداد مدينة السلام) المكتبة السلفية، المدينة المنورة.

57 - الانطاكي؛ محمد مرعي امين، (لماذا اخترت مذهب اهل البيت عليهم السلام)، ط، مؤسسة تحقيقات ونشر معارف اهل البيت عليهم السلام، ایران.

ص: 281

58 - أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح (تاريخ اليعقوبي) دار صادر - بيروت - ب. ت.

59 - الخوارزمي؛ الموفق بن احمد بن محمد المكي ( المناقب) تحقیق: مالك المحمودي الناشر: مؤسسة النشر الاسلامية الطبعة: الثانية، قم المقدسة - 1411 ه.

60 - أبو حنيفة، النعمان بن محمد بن منصور بن احمد بن حيون التميمي المغربي (دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام القضايا والأحكام) دار المعارف - مصر، ط 2، (1389 ه).

61 - ابن هلال الثقفي، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد (الغارات) تحقيق جلال الدين المحدث - طهران ط 1 (1395).

62 - ابن همام، أبو علي محمد بن همام الإسكافي (التمحيص) تحقيق نشر مدرسة الإمام المهدي (عج) - قم، ط 1 (1404 ه).

63 - ابن هشام، أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري (سيرة ابن هشام (السيرة النبوية))، تحقيق مصطفی سقا إبراهيم الأنباري، مكتبة المصطفى - قم، ط 1 (1355 ه).

64 - ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مکرم (لسان العرب) دار صادر - بيروت - ط 1 (1410 ه).

65 - ابن کثیر، أبو الفداء، إسماعيل بن عمر البصري الدمشقي (نهاية البداية والنهاية في الفتن والملاحم) تحقيق الشيخ محمد فهيم أبو عبيه، مكتب النصر الحديث، الرياض، ط 1 (1968 م).

66 - السيوطي؛ ابو الفضل جلال الدين عبد الرحمن ابن ابي بكر، (الخصائص الکبری)، نشر وتوزيع دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان ۔ 1405 ه - 1985 م.

67 - ابن المغازلي؛ علي بن محمد بن الطيب بن ابي يعلى، (مناقب امير المؤمنين علي بن ابي طالب)، طبع دار مكتبة الحياة بيروت لبنان.

68 - ابن عساكر الدمشقي، علي بن الحسين بن هبة الله (تاريخ مدينة دمشق)، تحقيق محمد باقر المحمودي، دار التعارف - بيروت ط 1 (1395 ه).

ص: 282

69 - ابن الرازي؛ أبو محمد جعفر بن احمد بن علي القمي (جامع الأحاديث) تحقيق السيد محمد الحسيني النيسابوري، الحضرة الرضوية المقدسة - مشهد، ط 1 (1413 ه).

70 - ابن الجوزي؛ يوسف بن قزغلي سبط الحنفي (تذكرة خواص الامة بذكر خصائص الأئمة)، طبع النجف الأشرف 1369 ه.

71- الطرابلسي؛ أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجکي (کنز الفوائد) إعداد عبد الله نعمة، دار الذخائر - قم ط 1، (1410 ه).

72 - ابن طاووس، أبو القاسم علي بن موسى الحلي (الملاحم والفتن)، مؤسسة الأعلمي - بیروت، ط 1، (1408 ه).

73- ابن طاووس الحسيني، أبو القاسم رضي الدين علي (کشف المحجة لثمرة المهجة) تحقيق محمد الحوت - مكتبة الإعلام الإسلامي - قم - ط 1 (1412 ه).

74 - ابن طاووس، أبو القاسم علي بن موسی الحلي (فتح الأبواب) تحقیق حامد الخفاف مؤسسة أهل البيت (صلى الله عليه وآله وسلم) - قم، ط 1 (1409 ه).

75 - ابن طاووس؛ أبو القاسم علي بن موسی الحلي (سعد السعود)، مكتبة الرضي - قم، ط 1 (1363 ه).

76 - البغدادي؛ الحافظ ابو بکر، (تاریخ بغداد)؛ (ط. دار الكتب العلمية بيروت).

77 - ابن طاووس؛ أبو القاسم علي بن موسى الحلي (الدروع الواقية) تحقيق نشر مؤسسة آل البيت (صلى الله عليه وآله وسلم) - قم ط 1 (1414 ه)

78 - الخلوتي؛ الجراحي المردي حسام الدين، (آل محمد) نسخة من مكتبة السيد الاشكوري بقم. (آل محمّد کتاب جمع فيه المؤلف (2337) حديثا عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في نفسه وفي آله عليهم السلام، وهناك نسخة مصوّرة عن نسخة الأصل بخط المؤلّف، وهو كتاب كبير. طبعته مكتبة المفيد في بيروت سنة 1415).

79 - ابن طاووس؛ أبو القاسم علي بن موسى الحلي (إقبال الأعمال)، مكتب الاعلام الاسلامي، ط 1، قم المشرفة - 1414 ه.

80 - الاهوازي؛ أبو محمد الحسين بن سعيد الكوفي (الزهد)، تحقيق غلام رضا عرفانیان

ص: 283

- قم، ط 2 (1402 ه).

81 - الشافعي؛ المقدسي شهاب الدين ابو محمد عبد الرحمن بن اسماعیل بن ابراهیم، (عقد الدرر في اخبار المنتظر)، ط 1. انتشارات مسجد جمکران، قم المقدسة، ایران.

82 - الأصبهاني؛ أبو نعيم، أحمد بن عبد الله (الأولياء وطبقات الأصفياء) دار الكتاب العربي، ط 2 ، بيروت - 1387 ه.

83 - الطباطبائي؛ محمد حسين (الميزان في تفسير القرآن) إسماعیلیان - قم - ط 2 (1393 ه).

84 - ابن أبي الحديد؛ عز الدين عبد الحميد بن محمد المعتزلي (شرح نهج البلاغة) تحقيق؛ محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء التراث - بيروت - ط 2 (1387 ه).

85 - مسلم، أبو الحسين مسلم الحجاج التستري النيسابوري (صحیح مسلم) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث - القاهرة ط 1، (1412 ه).

86- ابن شعبة؛ أبو محمد الحسن بن علي الحراني (تحف العقول عن آل الرسول)، تحقيق علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي - قم، ط 2 (1404 ه).

87 - ابن فرخ؛ أبو جعفر محمد بن الحسن الصفار القمي، (بصائر الدرجات)، مكتبة آية الله المرعشي - قم، ط 1 / (1404 ه).

ص: 284

محور القضايا المعاصرة

ص: 285

ص: 286

أسس التنمية البشرية في المنظور الاسلامي فكر الإمام علي (علیه السلام) انموذجا

اشاره

م. مناف مرزة نعمة أ. م. د. نزار كاظم صباح كلية الادارة والاقتصاد - جامعة القادسية

ص: 287

ص: 288

المقدمة:

في ضوء ما تواجهه الأمة الإسلامية اليوم من تحديات كثيرة ألقت بظلالها ليس على وجود امتنا الاسلامية فقط لابل حتى على مستقبلها نعيد إلى الأذهان قضية بالغة الأهمية وهي (اسس التنمية البشرية) ببعديها النظري والعملي لما لهذه التنمية من أثر في المحافظة على حقوق الانسان واصبح اليوم تحقيق التنمية البشرية من المتطلبات التي ينبغي الاستجابة له،، اذ يزخر الدين الاسلامي بتراث ضخم جدا يمكنه من بناء اساس قوي ومتين للتنمية البشرية والمحافظة على حقوق الانسان وكون الامام علي عليه السلام هو باب علم الرسول الاكرم (صل الله عليه واله) فقد كان فكر الإمام (عليه السلام) نموذجا فذا في الحفاظ وتعزيز مؤشرات التنمية البشرية.

مشكلة الدراسة:

على الرغم من أن الدين الاسلامي يحتوي على ارث ضخم من المبادئ والأسس التي يمكن أن تجعل من المجتمعات الاسلامية مثالا للتقدم والرقي إلى انه نلاحظ المجتمعات الاسلامية في تراجع كبير في مؤشرات التنمية البشرية والحفاظ على مبادئ وحقوق الانسان من هنا تحديدا حددت مشكلة البحث.

فرضية الدراسة:

تنطلق الدراسة من فرضية مفادها أن الفكر الاسلامي وفكر الامام علي کنموذج يزخر في العديد من الأسس التي يمكن لها أن تكون ذات اثر ايجابي في تعزيز مؤشرات التنمية البشرية.

ص: 289

اهداف الدراسة:

تسعى الدراسة إلى الوصول الى جملة من الاهداف منها الاطلاع على مؤشرات التنمية البشرية ومفهومها ومعرفة الجذور التاريخية لمفهوم التنمية البشرية فضلا عن معرفة العلاقة بين مؤشرات التنمية البشرية وحقوق الانسان فضلا عن معرفة مدى اهمية مؤشرات التنمية البشرية في المنهج الاسلامي والوقوف على فكر الامام علي (عليه السلام) وكيفية الحفاظ على مؤشرات التنمية البشرية وتعزيزها

هيكلية الدراسة:

لتحقيق اهداف الدراسة والتحقق من فرضيتها قسم البحث إلى ثلاث مباحث تناول الأول منها الاطار النظري والمفاهيمي للتنمية البشرية فيما اختص المبحث الثاني في تسليط الضوء على مؤشرات التنمية البشرية في المنظور الاسلامي وتناول المبحث الثالث اسس التنمية البشرية في فكر الامام علي (عليه السلام)

ص: 290

المبحث الاول: التنمية البشرية الاطار النظري والمفاهيمي

اولا: الجذور التاريخية لمفهوم التنمية البشرية:

ينبغي علينا وقبل تناول مفهوم التنمية البشرية ان نتعرف على مفهوم التنمیة الاقتصادية إذ يعد مفهوم التنمية الاقتصادية من الموضوعات المهمة التي شغلت تفكير الكثير من الاقتصاديين سواء في البلدان التي بلغت اقتصاداتها درجة عالية من التقدم، او التي لاتزال حديثة النمو على اعتبار ان التنمية الاقتصادية عملية معقدة تنطوي عادة على اقامة انشطة اقتصادية جديدة فضلا عن تطوير القطاعات الانتاجية وتوظيف الانشطة القديمة بطرق مختلفة جذرياً وقد اختلف الكتاب والاقتصاديون في تعريف التنمية الاقتصادية حيث يرى الاقتصادي المعاصر (kind Leberger) هي الزيادة التي تطرأ على الناتج القومي في فترة زمنية معينة مع ضرورة توافر تغيرات تكنولوجية وفنية وتنظيمية في المؤسسات الانتاجية القائمة، او تلك التي ينتظر انشاؤها كما يعد البعض التنمية الاقتصادیة هي احداث تغيرات تدريجية في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير فرص العمل، وتحسين نوعية الحياة من اجل تعزیز الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع.(1))

ومع تطور مفهوم التنمية الاقتصادية برز مفهوم التنمية البشرية كمفهوم واسع وشامل يغطي جميع الخيارات في جميع المجتمعات البشرية وفي جميع مراحل التنمية واصبح هذا المفهوم يوسع حوار التنمية من مجرد مناقشة الوسائل (نمو الناتج المحلي الإجمالي) لمناقشة الغايات النهائية كما يتعلق بتولید النمو الاقتصادي الحال بالنسبة لتوزيعه، كما يُعنى بالاحتياجات الأساسية كما هو الحال مع

ص: 291

طائفة شاملة من تطلعات البشر، مثل التخلص من الحرمان البشري. حيث ان مفهوم التنمية البشرية ينسج التنمية حول الناس وليس الناس حول التنمية(2).

وتشير الأدبيات التنموية بأن المفهوم التنمية البشرية قد مر بمرحلتين، الأولى تمثلت بالمدة بعد الحرب العالمية الثانية وحتى مطلع التسعينيات، كان مفهوم التنمية في هذه المرحلة مقتصراً على ما يحصل عليه الفرد من سلع وخدمات، فكلما استطاع الحصول على المزيد من تلك السلع والخدمات، كلما ارتفع مستواه، ومن ثم زادت رفاهيته، كما ركزت على معالجة الفقر والبطالة وسد الحاجات الأساسية جاعلة الإنسان وسيله لها.

والمرحلة الثانية امتدت من تسعينيات القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر بعدما تبنی برنامج الأمم المتحدة (UNDP) ووكالاتها الدولية المتخصصة مفهوماً جديداً للتنمية الذي اعاد للإنسان مكانته الطبيعية في الجهد التنموي، واصبح الإنسان هو صانع التنمية وهدفها، وان قدرات أي أمة تكمن بما تملكه من طاقات بشرية مؤهلة ومدربة وقادرة على التكيف والتعامل مع أي جديد بكفاءة وفاعلية، لان البشر هم الثروة الحقيقية للأمة(3).

ثانيا: مؤشرات التنمية البشرية

اعتمد برنامج الامم المتحدة الانمائي ثلاث مؤشرات لقياس التنمية البشرية هي:

الدخل: ان احد عناصر المؤشرات الأساسية في التنمية البشرية هو معرفة نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي والذي يعبر عن مؤشر الدخل فانخفاض مستوى دخل الفرد يجعل الفرد أقل من المستوى المعاشي والاستهلاكي

ص: 292

مما يقلل من رفاهية الفرد، اما زيادة دخل الفرد الحقيقي، يعني تطور مستوى المعيشة الذي يرتبط بزيادة الاستهلاك من السلع والخدمات ومن ثم يؤدي الى زيادة رفاهيته.

التعليم: هناك عدة مؤشرات لقياس بعد التعليم المعبر عن التنمية البشرية، منها وصول الطلبة الى مرحلة الخامسة ومعدل الإلمام بالقراءة والكتابة لدى الشباب، فهذان هما المؤشران المستخدمان في قياس التقدم المحرز نحو هدف تحقيق تعميم التعليم الابتدائي(4).

الا ان هذين المؤشرين غير كافيين للوقوف على المستوى التعليمي للبلد، لذا لابد من استخدام مؤشرات تكميلية أخرى كمعدلات الالتحاق بالتعليم على جميع المستويات ومعرفة مستوى الأمية.

الصحة: يقاس البعد الصحي بمؤشرات عديدة اهمها قياس توقع الحياة عند الولادة أو معدل وفيات الرضع ووفيات الأطفال دون سن الخامسة من العمر أو معدل وفيات الأطفال

أدخل تقرير التنمية البشرية لعام 2010 تعديلات جديدة على دليل التنمية البشرية مع الحرص على ألا تمس هذه التعديلات بما يتميز به من بساطة ووضوح. حيث يبقى دليل التنمية البشرية مقياسا للتقدم في الأبعاد الثلاثة ولكن التغيير الذي أدخل عليه ذلك العام يتعلق بالمؤشرات المستخدمة لقياس التعليم والدخل وبطريقة تجميعها ولقياس بُعد التعليم حل متوسط سنوات الدراسة محل الالمام بالقراءة والكتابة. ويُقاس المعدل الاجمالي للالتحاق بالمدارس على أساس السنوات المتوقعة في الدراسة أي مجموع السنوات التي يتوقع أن يقضيها طفل في المدرسة على أساس معدلات الالتحاق الحالية. ويقدر متوسط سنوات الدراسة

ص: 293

لعدد أكبر من البلدان ويمكن أن يساعد على التمييز بين البلدان. بينما تستخدم السنوات المتوقعة في الدراسة لقياس البُعد المتعلق بالتعليم بالسنوات. ومقاييس بهذا البُعد تتجاوز مجرد تقدير الكمية الى تقويم النوعية. أما بالنسبة الى قياس القدرة على التمتع بحياة صحية فلم يطرأ عليه تغيير لان التقرير لم يجد مقياسا أفضل من متوسط العمر المتوقع عند الولادة. ولقياس مستوى المعيشة يستخدم نصيب الفرد من الدخل القومي الاجمالي بدلا من الناتج المحلي الاجمالي؛ وفي عالم تجتاحه العولمة تلاحظ فوارق كبيرة بين دخل سكان البلد الواحد والناتج المحلي ويمكن توضيح ذلك من خلال الشكل(1):

عناصر دليل التنمية البشرية

دليل التنمية البشرية - ثلاثة أبعاد وأربعة مؤشرات

دليل التنمية البشرية

ثلاثة أبعاد / مستوى المعيشة / التعالیم / الصحة

أربعة مؤشرات / نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي / متوسط سنوات الدراسة المتوقع / متوسط سنوات الدراسة / العمر المتوقع عند الولادة

الشكل (1) عناصر دليل التنمية البشرية

المصدر: البرنامج الانمائي للأمم المتحدة 2010، تقرير التنمية البشرية لعام 2010، الامم المتحدة، نيويورك، 2010، ص 13.

ص: 294

وبناء على تقرير الامم المتحدة تم تحديد القيم القصوى والدنيا لكل مؤشر وكما مبين في جدول(1)

جدول (1) مؤشرات التنمية البشرية

ت - المؤشر - القيمة القصوى - القیمة الدنیا

1 - العمر المرتقب عند الولادة - 85 سنة - 25 سنة

2 - معدل القراءة والكتابة - 100٪ - 0٪

3 - نسبة القيد الاجمالي لجميع مراحل التعليم - 100٪ - 0٪

4 - نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي - 40,000 دولار - 100 دولار

المصدر: ابراهيم عبد الله جاسم عيسى، الانفاق على التعليم ودوره في التنمية البشرية في العراق للمدة من (1990 - 2014) مجلة تكريت للعلوم الاقتصادية والادارية، المجلد 12، العدد 35، 2016، ص 215

وبعد تحديد القيمة لكل مؤشر يتم احتساب مستوى الانجاز وفق الصيغة الآتية:

مستوى انجاز المؤشر = القيمة الفعلية للبلد - القيمة الدنيا / الحد الاقصى للمؤشر - الحد الادنى للمؤشر اما في حالة احتساب قيمة الانجاز لكل مؤشر يصبح تحديد دليل التنمية البشرية واضحا وفق المعادلة الآتية دليل التنمية اليشرية = 1 / 3 (مؤشر الصحة ) + 1 / 3 (مؤشر التعليم) + 1 / 3 (مؤشر الدخل) وتتراوح قيمة دليل التنمية البشرية بين قيمتين (الصفر والواحد) وهو يستخدم في ترتيب الدول من حيث درجة التنمية البشرية فيها فكلما اقتربت القيمة القصوى من الواحد دل على ارتفاع التنمية البشرية فيها وكلما اقتربت القيمة الدنيا من الصفر دل على انخفاض التنمية البشرية فيها وعلى ذلك تقاس التنمية البشرية في البلد وحسب الاوزان المبينة في جدول (2)

ص: 295

جدول (2) مستوی التنمیة البشریة في البلد

قیمة المؤشر - تصنيف التنمية

8 , 0 - 0 , 1 - عالیة جدا

7 , 0 - 8 , 0 - عالیة

5 , 0 - 7 , 0 - متوسطة

اقل من 5 , 0 - منخفضه

المصدر: ابراهيم عبد الله جاسم عيسى، الانفاق على التعليم ودوره في التنمية البشرية في العراق للمدة من (1990 - 2014) مجلة تكريت للعلوم الاقتصادية والادارية، المجلد 12، العدد 35، 2016، ص 215

فضلا عن ما ذکر أعلاه من مؤشرات التنمية البشرية هناك مؤشرات أخرى مكملة لقياس التنمية البشرية ابرزها:

أ - الفقر: يقيس هذا المؤشر درجة الفقر الناتج عن النقص في الدخل أو في الاستهلاك، الذي يؤدي الى النقص في القدرة الاستهلاكية اللازمة لتلبية الاحتياجات الأساسية أو بلوغ حد أدنى من مستوى المعيشة.

ب - مؤشرات أخرى - وهناك مؤشرات أخرى كالبيئة وتمكين المرأة أو تحسين إدارة القطاع العام و التخطيط للموارد البشرية، وتوفير الحاجات الأساسية للبشر(5)

ثالثا: التنمية البشرية وحقوق الانسان:

نلاحظ مما سبق ان التنمية البشرية هي عملية توسيع الخيارات الناس عف طريق توسيع الوظائف والقدرات البشرية، وهي تمثل عملية وغاية في الوقت نفسه وعلى جميع مستويات التنمية تتمثل القدرات الأساسية الثلاث في ان يحيا الناس

حياة مديدة وصحية، وان يحصلوا على المعرفة وان يحصلوا على الموارد اللازمة

ص: 296

لمستوى معيشة اللائق ولكن لا تنحصر التنمية البشرية بذلك بل تمتد إلى ماهو ابعد من ذلك، فمجالات الاختيار الأخرى التي يعطي لها الناس قيمة فائقة تتضمن المشاركة والامن والقابلية للاستدامة وحقوق الإنسان المضمونة، لكي يكون الإنسان خلاقا ومنتجا ولكي يتمتع باحترام الذات وبالتمكين وبالإحساس بالانتماء إلى المجتمع. وفي التحليل الأخير التنمية البشرية هي تنمية الناس لآجل الناس وبواسطة الناس يؤكد التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، على الصلة التي لا تنفصل بين التنمية وحقوق الإنسان، ويقدم طائفة من المقترحات

ويحث التقرير الهيئات الدولية، بما فيها منظمة التجارة العالمية، على الاهتداء بمبادئ والتزامات حقوق الانسان في عملية صنع القرارات وذلك لتهيئة نظام اقتصادي عالمي عادل وشامل للجميع، ويقول للشركات العالمية ان تحقيق أرباح لا يكفي فعليها مسؤولية ان تحترم حقوق الانسان كذلك، ويؤكد التقرير على ان الحكومات يجب ان تأخذ مركز الصدارة فيما يتعلق بحماية حقوق الانسان.(6)

ص: 297

المبحث الثاني: التأصيل النظري لأسس التنمية البشرية في المنهج الإسلامي:

اولا - مؤشر التعليم والتعلم في المنظور الاسلامي:

حث الدين الاسلامي على التعليم ونيل المعرفة في مواضع عديدة اذ نجد آيات قرآنية كثيرة كانت تحث على طلب الحصول على العلم والمعرفة منها قول الله تعالى: «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (آل عمران: 18) فأشهد الله العلماء دون غيرهم من البشر وقرن شهادتهم بشهادته سبحانه وشهادة الملائكة ولا يستشهد الله إلا العدول(7).

فضلا عن ذلك كرم الله سبحانه وتعالى العالم ومنع سبحانه المساواة بين العالم والجاهل لما قد خص به العالم من فضيلة العلم في قوله تعالى: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» (الزمر: 9) فضلا عن ذلك أخبر الله تعالى عن رفعه لدرجات أهل العلم والإيمان في قوله سبحانه: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ» (المجادلة: 11)، وما یدل على فضل العلم أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله مزيداً من العلم فقال: ((وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)) (طه: 114)، کما وصف تعالى من أوتي علماً فقد أوتي خيراً كثيرا في قولة سبحانه: «يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا» (البقرة: 269).

ولم يكتفي الدين الاسلامي في الحث على التعليم فقط وانما اهتم بجودة التعليم اذ تنطلق فلسفة الجودة في التعليم من أن طلب العلم فريضة على كل

ص: 298

مسلم كما ورد في الحديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللِّهَ (صل الله عليه واله) (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَی كُلِّ مُسْلِمٍ...)(70)، والله هو المعلم الأول للبشرية لقوله تعالى: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» (البقرة 31) ويعد الرسل من بعده معلمين لأقوامهم وشعوبهم لقوله تعالى: «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ» (آل عمران 164) ومن هذه المنزلة العالية للعلم أكتسب المعلمين مكانة قديرة عالية في الإسلام وقد عدهم الرسول ورثة للأنبياء ففي الحديث: (أَنَّ الْعُلَاَءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَرَّثُوا الْعِلْمَ مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللُّهَ لَهُ طَرِيقًا إِلَی الَجْنَّةِ... وَقَالَ النَّبِيُّ (صل الله عليه واله وسلم): (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَیْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ).(8)

نلاحظ من الآيات الكريمة اعلاه في وجوب التعلم والحصول على المعرفة التي يمكن تعريفها على انها الطاقة التي تنقل الانسان في حركته التطورية من حالة الاستعداد الكامن (القوة) الى حالة العلم والادراك (والفعل) ولكن كيف تحصل المعرفة وفق تعليل الفلسفة الاسلامية تجيب الفلسفة الاسلامية عن هذا التساؤل بتقسيم الادراك الى قسمين ادراك تصوري بسيط الذي لا ينطوي على الحكم والادراك التصديقي المركب الذي ينطوي على حكم والمهم في البحث هو كيفية نشوء المعرفة عبر هذا التقسيم وهذا ما توضحه نظرية الانتزاع في الفلسفة الاسلامية والتي تقسم التصورات اولية (بسيطة مركبة) وتصورات ثانوية (مركبة اكثر من تصور أولي) وفي الجانب الاخر توجد تصديقات والتي تمثل مرحلة اصدار الحكم وتوليد المعرفة الموضوعية.(9)

ص: 299

ولا يقتصر تعليم على داخل المدرسة فقط لقوله تعالى: «فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا» (طه 114) وقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (البقرة 282) فكل من الطالب والمعلم مطالب بالاستزادة من العلم، وتقوى الله لأنها سبب في حصول العلم.(10)

والمدرسة مقدمة للخدمة التربوية والتعليمية. والطالب باعتباره المستفيد من خدمة المدرسة لا يعد في الأصل هو المنتج، إنما المنتج العائد وهو ما يكتسبه الطالب من خلال عملية التربية والتعليم وهو مجموعة العلوم والمعارف والمهارات والقيم الأخلاقية والجمالية التي تعمل على تنمية الفرد المسلم ذاتياً في الجوانب المتصلة بامتلاك المعارف والمهارات والخبرات والمبادئ التربوية الإسلامية المبنية على الجودة والإتقان في التعليم والعمل، فلكي تتحقق الجودة الشاملة في التعليم لا بد من تربية المتعلم وتعليمه الإتقان والتجويد في عمله وذلك من خلال العمليات التعليمية المستمرة، والأنشطة المتنوعة، وعمليات التقويم المتنوع والمستمر.(11)

ص: 300

ويقوم المنهج التعليمي في الإسلام على مجموعة اسس تتضح معالمها من خلال تأكيد استعمال العقل في التفكير في مخلوقات الله عز وجل و النهي عن التقليد والإتباع الأعمى لأنه يولد التعصب ويعطل التفكير فضلا عن رفض الظن والمجادلة التي تُقصي القلب وليس لها استدلالات تؤكد مصداقيته لهذا الجدل وقول الزور والهوى و إعطاء الحرية الشخصية للدارس وخاصة في مسألة الاقتناع بالدين، وتأمل مخلوقات الخالق بالكون و تدريب طالب العلم على منهج الاستقراء وهذه الأسس والتعاليم الإسلامية للمنهجية التعليمية مستدل عليها في الأصل من القرآن الكريم كدليل مادي وروحاني على مصداقيتها.(12)، وكما هو موضح في مخطط (2)

المصدر. حسن بن عبد القادر حسن البار، «الثقافة التربوية والعلمية الفكرية»، الجزء الأول،مكتبة الملك فهد الوطنية، 2009، ص 20

ص: 301

ثانيا: مؤشر الصحة في المنهج الاسلامي:

نجد من خلال تعاليم الإسلام سواء في القرآن الكريم أو في أحاديث الرسول الكريم هنالك الكثير من الوصايا التي تحث المسلم على سلوك نمط حياة صحي، من خلال السلوك القويم إذ لم يعد فهم الصحة يقتصر على فهم البعد العضوي الحيوي فقط وإنها أصبحنا ننظر إليه على أنه تداخل عوامل ثلاثة هي (العضوية الحيوية و النفسية السلوكية والاجتماعية) وإن التعريف الشامل للسلوك ليعطينا فهما أفضل لعلاقته بالصحة وسلامتها فيعرّف السلوك بأنه كل ما يصدر عن الإنسان من فكر ومواقف وكلام وعواطف وأفعال ومن هذا التعريف ندرك كيف يرتبط السلوك ببعض جوانب الصحة، ويعطينا كذلك طريقة للتدخل وتعديل السلوك عن طريق تغير بعض الأفكار أو المواقف أو الأفعال حرصت الشريعة الإسلامية على أن يحيا الإنسان في بيئة صحية مناسبة ويشير القرآن الكريم إلى دور الإنسان المركزي في تغير نعمة الصحة هذه، حيث نقرأ قوله تعالى «ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ» [الأنفال: 53] كذلك حث الرسول الاكرم (صل الله عليه واله) على نعمة الصحة مبينا من خلال الحديث الشريف (مَا أُوتِيَ أَحَدٌ بَعْدَ الْيَقِنِ خَیْرًا مِنَ الْمُعَافَاةِ) اذ يفهم من هذا الحديث الشريف مدى قيمة نعمة الصحة حيث هي النعمة الكبرى بعد نعمة الإيمان باللهَّ فمن واجبنا الحفاظ على نعمة الصحة هذه بمفهوميها المعروفين، فهناك مفهوم ردّ الصحة على المريض وهو المعنى الشائع للطب والطبّ العلاجي بشكل خاص، والمعنى الآخر وهو الأهم وهو حفظ الصحة على الصحيح والاهتمام بمعافاة البدن وتعرّف المعافاة أو الصحة بأنها: (حالة من المعافاة الكاملة بدنياً ونفسياً واجتماعياً وروحياً)

ص: 302

وبجانب ذلك التفتت الشريعة الاسلامية الى جانب مهم في تعزيز صحة الانسان وهي البيئة اذ اوصى الدين الاسلامي في الحفاظ على البيئة كونها هي الاطار الذي توفر للإنسان الموارد ويلبي من خلالها احتياجاته وتبعا لذلك وضعت في الشريعة الاسلامية العديد من القواعد والمبادئ التي تكفل سلامة البيئة وحمايتها من العبث اذ تعد البيئة هي المهد والاساس الذي يمد الموطن في السكن والحياة للإنسان، فقد سخرها الله له وزودها بكل مقومات الحياة الآمنة الصحية السليمة إذ وردت الكثير من الآيات القرآنية لتحقيق التوازن البيئي فقد أشار القرآن الكريم إلى تحقيق هذا التوازن، وإلى خلق الكون بشكل هندسي رائع وسليم، قال تعالى «الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ» [الملك: 3، 4]

ووفقا لهذا الوصف الدقيق يبين الله تعالى النعم التي زودها سبحانه للإنسان فقد زود الله الأرض من موارد توفر موارد الاساسية لحياة الإنسان، ونجد ذلك واضحا في قولة تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» [البقرة: 21، 22] ومع ما خلق الله (سبحانه وتعالى) من موارد وسخرها للإنسان لا شك أن ذلك يقتضي من الإنسان أن يحافظ على ما أعطاه الله حتى يعيش سليما معافی، قادرا على العمل وعلى الإنتاج، ومتمتعا بما أعطاه الله له، ولن يتحقق له ذلك إلا بالحفاظ على البيئة التي يعيش فيها، وبوقاية نفسه من أية أضرار تحدث فيها، وكذا بالمسارعة بالعلاج كلما اقتضى الأمر ذلك. يقول الحق - سبحانه

ص: 303

وتعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» [التين: 4]، «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» [الإسراء: 70].

ثالثا: مؤشر عدالة توزيع الدخول في الشريعة الاسلامية:

اهتمت الشريعة الاسلامية في عدالة توزيع الدخل بين الناس وحفظت حقوقهم الإنسانية كاملة، ووضعت لهم نظاماً مالياً قويماً، يضمن لهم أدنى مراتب الغنى، ليواصل الفقير والضعيف نشاطه وكدحه، في ميادين العمل والإنتاج، وذلك عن طريق المشاركة الفعلية والمتجددة بين الأغنياء والفقراء، من خلال فريضة تعرف في الإسلام بالزكاة، لضمان حق توزيع الدخل بشكل عادل بين شرائح المجتمع حيث تستهدف الزكاة تفتيت الثروة التي تتكدس في بعض الأيدي، التي ما كانت لها أن تعطي صدقة أو هدية لولا هذا الفريضة الشرعية فتتسع بذلك دائرة توزيع الثروة، لتشمل ذوي الحاجة، الذين لو لم يخصص لهم جزءاً منها لكانوا حرباً على أصحابها، وخطراً على أمن المجتمع وسلامته، يهدده بين حين وآخر.(13)

وقد اهتم الدين الاسلامي اهتماما خاصا بظاهرة الفقر ووضع العلاج لهذه الظاهرة نظرا لأثرها السلبي على المجتمع فمفهوم الفقر في الاطار المعرفي والدلالي لفلسفة المذهب الاقتصادي الاسلامي يتم بناؤه من خلال الربط المنطقي لمجموعة الصفات والخصائص التي تدخل في تركيب هذا المفهوم وبالاستناد الى المنهج المعرفي الاسلامي في عملية بناء المفاهيم فالمفهوم في التصور الاسلامي هو ذلك الوصف المعبر عن حقيقة كونية واجتماعية او تشريعية تتيح عملية الادراك هذه الحقيقة قدرة تفسيرية للعلاقات او الظواهر الكونية والاجتماعية. يعرف

ص: 304

مفهوم الفقر في المذهب الاقتصادي الاسلامي على انه الحاجة وفعله الافتقار (اي الاحتياج) وبإعمال هذا المعنى العام في النظر الى حقيقة التصور الاسلامي للنشاط الاقتصادي.(14)

ولذلك لا نعجب إذا رأينا أن الإسلام يكره للناس الفقر والفاقة والحاجة، ويحتم أن ينال كل فرد قادر على العمل كفايته أو شيئاً فوق الكفاية من جهده وعرق جبينه، فالإسلام كما أوضحت سابقاً يحث على العمل ويحفز إليه، باعتبار الكسب عن طريق العمل الذي يعتبر عنصراً أساسياً من عناصر الإنتاج في الإسلام هو الأسلوب الأول لمحاربة الفقر وجلب الرزق، أو ما يعرف بالدخل، ذلك أن الإسلام يبث في الناس روح الجد والكفاح «أطيب الكسب عمل الرجل بيده ويحث الفرد على امتلاك الموارد غير ذات النفع العام لتكون مصدر رزق له، لا يخضع فيه حتى للجماعة، ليرفع عنه ضغط الحاجة والعوز من ناحية، وسلطان الجهة التي تملك موارد الرزق من ناحية ثانية.(15)

وقد سبقت الشريعة الاسلامية بوضع اسس ثابته في عملية اعادة توزيع الدخل اذ نرى ان الاقتصاد الوضعي وضع الضريبة والتي تعرف على انها مبالغ نقدية تحصل عليها الدولة من الافراد جبرا وبدون مقابل بهدف تمويل نفقاتها العامة وتحقيق الاهداف النابعة من مضمون فلسفتها السياسية نجد ان الدين الاسلامي وضع الخراج (وهو عباره عن مبالغ مالية تحصل عليها الدولة الاسلامية في نهاية الحصول من العاملين على الارض الموقوفة اصلا للدولة الاسلامية)(16) من خلال التعريفين يتضح ان هناك اختلاف بين الخراج والضريبة وكما يأتي:

ص: 305

جدول (3) الفرق بين الضريبة والخراج

ت - الخراج - الضریبة

1 - تشریع رباني - تشریع وضعي

2 - يتصف في الثبات الدائم - لا تتصف في الثبات المطلق بل تتغير مع القانون والدولة

3 - يفرض على الاموال - تفرض على الاشخاص والاموال

4 - يفرض عند حصول النصاب وحلول الحول - تفرض في نهاية السنة (الضرائب المباشرة)

5 - لا يتعدد ولا يتضمن الازدواج - تتعدد الضرائب وتتنوع وقد تضمن الازدواج

6 - عنصر الايجار يعكس العلاقة بين المكلف وربه - عنصر الايجار يعكس العلاقة بين المكلف والدولة

7 - المكلف يتقرب من ربه في ادائها - يحاول التهرب منها بارتفاعها

8 - منفعة الخراج تتعدى الحياة الدنيا الى منفعة الضريبة دنيوية حياة الأخرة - منفعة الضریبة دنیویة

9 - هدف الخراج يعكس هدف الله سبحانه وتعالى - هدف الضريبة تعكس سياسة الدولة

10 - تؤدي الى تقليل التفاوت بين فئات المجتمع وتؤدي الى زيادة التراحم بینهم - اذا كانت الضريبة غير مباشرة الى زيادة التفاوت والإساءة الى الفقير

11 -تؤدي الى زيادة الانتاج وتحسين الاوضاع الاقتصادية - قد تؤدي الى تدهور الانتاج والاستهلاك والاستثمار

المصدر: رضا صاحب ابو حمد، السياسات المالية في عهد الامام علي (عليه السلام)، الطبعة الاولى، مركز الامير لأحياء التراث الاسلامي، النجف الاشرف، 2006، ص 82

ص: 306

رابعا: دور الشريعة الاسلامية في المحافظة على حقوق الانسان:

جاءت الشريعة الاسلامية بأحكام تنظم مختلف شؤون الحياة وتحقق سعادة الناس وتعمل على بناء مجتمع تتساوى فيه الحقوق والواجبات بين أبناء البشر وتوجد الكثير من الآيات القرآنية التي جاءت حافلة بما يدعوا إلى الحقوق والحريات على مختلف أنواعها، والأحاديث النبوية جاءت مكرسة لها في الكثير من أحكامها فقد شرع الإسلام للبشرية منذ أكثر من 1400 سنة حقوق الإنسان بصورة عميقة وشاملة وصاغ مجتمعه على مجموعة مبادئ إنسانية تدعم هذه الحقوق. وكان من أهم مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان في الإسلام هو مبدأ (كرامة الإنسان) الذي أكد عليه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والكرامة الإنسانية أهم ما يميز الإنسان من سائر المخلوقات فينبغي على الإنسان فهمها واحترامها وشكرها وقد وهبها الله للإنسان من دون الإشارة إلى دينه أو لونه أو عنصره.(17)

وتتجسد حقوق الإنسان في الإسلام في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وما جاء به الفقه الإسلامي من أحكام وقواعد، فأحكام الشرع الإسلامي من بدايتها إلى نهايتها جاءت من اجل الإنسان وحمايته، لا من الآخرين فحسب، بل لحمايته من نفسه أيضا فلم يكن الإنسان في الإسلام مخرا بأن يفعل ما يضر نفسه، فلا توجد آية في القرآن الكريم أو حديث نبوي شريف إن لم تتضمن حماية للإنسان والحفاظ على حقوقه وحقوق الاخرين ولعل ما يميز الإسلام من غيره من العهود والمواثيق الدولية الحديثة المتعلقة بحقوق الإنسان «شموليته وعالميته«. فالإسلام لم يكن مقتصراً على مكة وما حولها، والرسول العربي لم يكن مبعوثاً لقومه شأن الرسل الآخرين. ولكنه كان مبعوثاً للناس جميعاً

ص: 307

بصريح الآيات القرآنية التي تدل على انه أُرسل للعالمين من الإنس والجن على حد سواء فالإسلام بشريعته السمحاء أقر للمسلمين حقوقاً وحريات يمكن أن نسميها الحقوق والحريات الأساسية والمدنية تعالج احتياجات الفرد نفسه، وكذلك أقر حقوقاً أخرى تشملهم جماعة وأمة، وتسمى بالحقوق السياسية، وهي بذلك تكون قد حددت معنى حقوق الإنسان ومدلوله وحرياته، بما يصون كرامته ويكفل حقوقه وحرياته.(18)

فضلا عن ذلك اهتم الاسلام بالطفل اهتام خاص قبل ان يخرج للحياة وبذلك سبق الانظمة الحديثة بعشرات القرون في ضمان حقوق الطفل في مختلف مراحله العمرية، حيث ان الامم المتحدة لم تقر وثيقة حقوق الطفل الا عام 1950 وقد امتاز الاسلام بمرونته وقوانينه واحكامه قابلة التطبيق في كل زمان ومكان، ولن ترقى اية قوانين لاحقة لما وصل اليه الاسلام من الكمال، فالشريعة الاسلامية اوجدت منهجاً ونظاماً لا يدانيه اي نظام، فقد اكمل الله الرسالة واتم بها النعمة قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ

لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) واهتم الاسلام بنيل العلم والتعليم وجعله من أهم حقوق الانسان التي يجب ان يتم السعي الحثيث لتحقيقه وخصوصاً للطفل لينير عقله ویرقی بوجوده ويعلو من شأنه.(19)

نری مما سبق ان الدين الاسلامي قد اولى اهمية كبيرة لمؤشرات التنمية البشرية وهذا ما اكدته الآيات الشريفة واحاديث الرسول الاكرم (صل الله عليه واله وسلم) فعند ملاحظة المخطط (3) يتبين لنا علاقة مؤشرات التنمية البشرية في الدين الاسلام

ص: 308

المخطط (3) علاقة مؤشرات التنمية البشرية في الدين الاسلام

لها مفهوم اجتماعي ومفهوم أمني - لها مفهوم عقائدي - لها مفهوم صحي

لها مفهوم اقتصادي - أركان الإسلام الخمسة - لها مفهوم تربوي

تكوين الانسان جسديا وروحانيا - مجتمع إسلامي أمن على نفسه وأهله وماله ومحب السلام - أركان الإسلام الخمسة

حياة معيشية تنعم بالعدل والمساواة والأمن والأمان والإخلاص والوفاء والتضحية من أجل الدين والوطن

التكامل الاجتماعي والاقتصادي والصحي والثقافي والتربوي والتعليمي والأمني

المصدر. حسن بن عبد القادر حسن البار، «الثقافة التربوية والعلمية الفكرية»، الجزء الأول، مكتبة الملك فهد الوطنية، 2009، ص 18

ص: 309

المبحث الثالث: مؤشرات واسس التنمية البشرية في فكر الامام (عليه السلام)

اولا - السياسة المالية ومؤشر عدالة توزيع الدخل:

تمثل السياسة المالية في عهد الامام علي (علية السلام) في حرصة الشديد على اموال المسلمين وكيفية تحصيلها وانفاقها في مجالاتها الصحيحة واتضحت سياسة الامام عليه السلام في جانب النفقات في اول يوم من خلافته حيث في الناس واوضح انه سوف يتبع نظام المساواة في العطاء بين الناس وانه هو كأحدهم اذ يقول عليه السلام (فأنتم أيها الناس عباد الله المسلمون، والمال مال الله، يقسم بينكم بالسوية، وليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى، وللمتقين عند الله خير الجزاء، وأفضل الثواب لم يجعل الله الدنيا للمتقين جزاءاً، وما عند الله خير للأبرار) كذلك قولة عليه السلام (ألا لا يقولن رجال منكم غداً قد غمرتهم الدنيا، فاتخذوا العقار، وفجروا الأنهار، وركبوا الخيول الفارهة، واتخذوا الفصائل الروقة، فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً، إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون، فينقمون ذلك ويستنكرون ويقولون: حرمنا ابن أبي طالب حقنا)(20).

وقد توجه الامام علي عليه السلام الى مرحلة اخرى متقدمة من مراحل التثقيف لبناء مالي وهي بيان المفهوم السامي للاقتصاد وملحقاته المفهوم الذي نستطيع ان نسميه مفهوم واقعي اخلاقي وهو مفهوم التوسط أو الوسطية في التعامل مع المال، ويلاحظ من وصيته الى عامله على البصرة وصيته زياد بن أبیة (فدع الإسراف مقتصدا، واذكر في اليوم غدا، وامسك من المال بقدر ضرورتك، وقدم الفضل ليوم حاجتك)

ص: 310

واوصى عليه السلام في كيفية تعامل الحاكم مع اموال الشعب كونه ليس فرد وانما يتعامل مع اموال الشعب على مستوى الاعتدال والتوسط وليس على مستوى الاسراف والتبذير لان التوسط هو ابرز المعان التي يراها الامام عليه السلام لاقتصاد.(21)

وكان الامام يحرص على زيادة ثقافة عدم الاسراف والتوسط في الانفاق بهدف ايصالها الى الاخرين بحكم مركزه السياسي، وايضا لبناء نظام مالي رصين مبني على اختيار الخبراء أو المستشارين وقد حدد المساوئ التي قد تصيب النظام في حال تجاوز الاختصاص لان ذلك سيؤدي الى ظهور الفساد المالي وبالتالي الإداري ایضا» اذ بين ذلك في وصيته الى عامله مالك الأشتر حينما قال (لا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل، ويعدك الفقر، ولا جبانا يضعفك عن الأمور، ولا حريصا يزيف لك الثمرة بالجور، فان البخل والجبن والحرص غرائر شتی يجمعها سوء الظن بالله) وإذا أردنا أن نستفيد من هذا الكلام بما يحقق البناء المالي الرصين يجب أن نتعمق في دراسته وفق المنظار الذي يعتمد على النقاط الآتية:

1 - ان ذكر الامام علي عليه السلام للصفات السالفة هو يمثل صورة تثقيفية للعمل وفق قوانين علمية وأخلاقية وليس غرائز نفسية كحب المال وبالتالي البخل والحرص أو الجبن والخوف التي تمنع من اتخاذ القرارات الشجاعة المناسبة.

2 - اختيار المتخصصين في النظام المالي لإدارة الأمور الحسابية ووضع ورسم السياسات المالية وعدم التخبط في ذلك.

3 - في الوقت الذي اكد به الامام على عدم التبذير فأنه يدعو الحكام إلى عدم التقتير على الشعب بل يجب أن تكون السياسة التي وضعها المتخصصون قائمة على اسس علمية ومراعية للمستحقين اذ كان الإمام (علية السلام) اذا تجمعت

ص: 311

الاموال في بيت المال اخذ بتوزيعها على كافة المسلمين في التساوي حيث قال (انتم عباد الله، والمال مال الله يقسم بینکم بالسوية) وهذا التوزيع العادل للثروة العامة ساهم كثيرا في تحسين الأموال المعاشية، واشباع الحاجات الضرورية من سكن وملبس ومأكل وغيرها من الاساسيات العامة للناس، لاسيما الفئات الفقيرة وقد اشارت العديد من الدراسات إلى أن المدة التي امضاها الامام في الخلافة تميزت بالازدهار والنمو الاقتصادي وزيادة الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية واضمحلال مشكلة البطالة والتضخم والسكن والجريمة والفقر وغيرها من المشكلات الاقتصادية ويمكننا من ملاحظة مخطط (4) ان نوضح اهم المؤشرات لنظرية الامام علي (علية السلام) في الخراج المعتدل وتوفير مستلزمات الحياة.

مخطط لنظرية الإمام علي علیه السلام في الخراج المعتدل

اجراءات الخراج المعتدلة - إعمار البلاد وسادة العباد و استقامة النظام

تحفز المنتجين الزراعيين علي زيادة جهودهم - العيش الكريم في المسکن والمأكل والملبس - زيادة اعمار الأرض وتصاعد معدلات النمو الاقتصادي

زيادة الإنتاج وزيادة الارباح لأهل الخراج - زيادة الإنتاج لعموم القطاعات الاقتصادية

زيادة الطلب عل عناصر الإنتاج با فيها العمل - زیادة نسبة الخراج ثم زیادة ایرادات الدولة - زيادة الاستثمار في معظم القطاعات الاقتصادية

زیادة الاسختدام واقلیل البطالة - زیادة التحولات النقدیة والعینیة لفنات المجتمع الأخری - زیادة الطلب علی المنتجات الزراعیة والمنتجات المرتبطة بها

زيادة توزيع الدخول

تحسین المستوى المعاشي

زيادة الاستهلاك والادخار

المصدر: رضا صاحب ابو حمد، الإمام علي بن ابي طالب وسياسته في الخراج لمعالجة السكن والاعمار، مجلة الغري للعلوم الاقتصادية والادارية، المجلد العاشر، 2015-، ص 127

ص: 312

مخطط لنظرية الإمام علي علیه السلام في الخراج المتشدد

اجراءات الخراج المتشددة - العيش السقیم في السکن والماکل والملبس - خراب البلاد واهلاك العباد و عدم استقامة النظام

زيادة حصة الدولة من إنتاج أهل الخراج - انخفاض الاعمار وتد هور معدلات النمو الاقتصادي

انخفاض الحافز لدي اهل الخراج على الإنتاج - انخفاض الإنتاج لعموم القطاعات الاقتصادیة

هجرة الفلاحين من الزراعة إلى مناطق ونشاطات أخرى - هجرة الفلاحين من الزراعة إلى مناطق ونشاطات اخرى

انخفاض الإنتاج في النشاط الزراعي - انخفاض الأستثمار في معظم القطاعات الاقتصادية

الخفاض الطلب علی عناصر الإنتاج بما فیها العمل - ارتفاع اسمار السلع الزراعية الغذائية لقلة عرضها

انخفاض الأستخدام وزيادة البطالة - انخفاض الاستهلاك والادخار

انخفاض الاستخدام وزیادة البطالة - انخفاض الاستهلاك والادخار

انخفاض توزيع الدخول - تراجع المستوی المعاشي

المصدر: رضا صاحب ابو حمد، الإمام علي بن ابي طالب و سیاسته في الخراج لمعالجة السكن والاعمار، مجلة الغري للعلوم الاقتصادية والادارية، المجلد العاشر، 2015، ص 127

ولم يكتفي الامام (عليه السلام) في توصيف المال العام فقط بل اهتم في كيفية ادارة الأموال في التي في حوزة الفرد ولم يجعله يتصرف بها كيف يشاء بل حدد له اوجه الانفاق لأنه يعلم أن ملكية الفرد لهذه الأموال هي ليست ملكية مطلقة وانما هي ملكية ثانوية اي ان الافراد مستخلفين على هذه الاموال فيجب عليهم ان ينفقوها في الوجوه التي ترضي المالك الاصلي لها وهو الله جل جلاله ولتحقيق المساواة في الدخل وتبعا لذلك حدد الإمام (عليه السلام) اوجه الانفاق في الاتي:(22).

ص: 313

اولا: انفاق المال خارج حدود العائلة

أ - انفاق المال على القرابة اي على الاقارب والجيران لزيادة التراحم والتواصل والمحنه بينهم.

ب - انفاق المال على الضيافة.

ج - انفاق المال من اجل فك الاسير والعاني.

د - انفاق المال على الفقير.

ه - انفاق المال على الغارم على المدين الذي لا يستطيع أن يسدد ما عليه من دیون.

و - يعطي حق الله في ماله من خمس وزكاة وكفارات وغيرها مما فرض الله تعالى عليه من كفارات.

انفاق المال داخل حدود العائلة:(23)

أ - انفاق الأموال على الغذاء بالمعروف أي ما يسد حاجته من الغذاء.

ب - انفاق المال على الحاجات الضرورية الاخرى من مسكن وملبس وغيرها ايضا بالمعروف اي بالاعتدال والاقتصاد.

ثانيا: مؤشر حق التعليم والتعلم في فكر الامام عليه السلام:

جعل الامام علي (عليه السلام) من الرسالة الاسلامية مسؤولية علمية، ناهيك عن ابعادها الاخرى، حيث يقول (عليه السلام) (ان اولى الناس بالأنبياء اعلمهم بما جاؤوا به)، وان قول الرسول الاكرم (صل الله عليه واله ) (خمسة لا يحل منعهن الماء والملح والكلأ والنار والعلم قد وجدت صدى وتطبيقا عمليا في دولة الامام حيث اكد (عليه السلام) على مسؤولية الدولة من جهة وحق

ص: 314

الفرد عليها من جهة اخرى اذ اكد نشر العلم واشاعته في المجتمع ونظرا لأهمية العلم في بناء الدولة وتحقيق النجاح في قيادة المجتمع جعل الامام من الشخصية العلمية الناضجة للحاکم احد الشروط والمواصفات التي سعى الى ايجادها في شخص الحاكم وسياسته حيث يصفه وجعل نشر العلم احدی دعائم شرعية حكمه إذ يقول (عليه السلام): مخاطباً الامة «قد (دارستکم الكتاب، وفاتحتكم الحجاج، وعرفتكم ما انكرتم).

ونجد ان الامام (عليه السلام) قد وصف المجتمع توصیفا دقیقا اذ قال (الناس ثلاثة: عالِم رباني، ومتعَلِّم على سبيل نجاة، وهَمَج رعاع، أتْباع كل ناعق، يميلون مع كلِّ ريح، لَم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركنٍ وثيقٍ، العلم خيْرٌ من المال، العلم يحرُسك، وأنت تحرُس المال، العلم يزْکُو على الإنفاق، والمال تنقصه النفقةُ، العلمُ حاکم، والمال مَحْكوم عليه، ومحبة العلم دِین یُدان بها، العلمُ يُكْسِب العالِم طاعةً في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، وصنيعة المال تزول بزوالِه، مات خُزَّان المال، وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقيَ الدَّهْر، أعيانُهم مفْقودة، وأمثالهم في القلوب موْجُودة)

حضي الاتفاق على التعليم اهمية بالغة عند الإمام (عليه السلام) اهمية بالغة إذ نجد منشأ سلوكه وسيرته في هذا الجانب على اساس النظرة التي يحملها إلى للإنسان لان قيمة كل امرئ ما يحسن ومن البديهي تكون نتيجة هذه النظرة صرف الكثير من المال للحصول على العلم والمهارة(24).

وهذا ما نجده اليوم في المجتمعات التي تمتلك مؤشرات جيدة في التنمية البشرية تهتم بجانب الانفاق على التربية والتعليم فضلا عن ذلك حمل الامام الحاكم مسؤولية النهوض بالعلم لم يجعلها حكرا عليه انما هي مسؤولية جماعية

ص: 315

وفردية كذلك حيث يقول (عليه السلام): «تزاوروا واكثروا مذاكرة الحديث فان لم تفعلوا يندرس الحديث» أي قيام العلوم، ومنها علم الحديث، ينتعش ويزدهر اذا تبناه المجتمع وتحول الى ثقافة عامة، فالعلم ملك للجميع، كل حسب قدرته، وليس حكرا على فئة معينة، وهو ما نجده في قوله (عليه السلام): «ان الله لم يأخذ على الجهال عهدا بطلب العلم حتى اخذ على العلماء عهدا ببذل العلم للجهال ومن هذا المنطلق خاطب الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) الأجيال بما يوقظهم على أن الحياة الحرة لا تطبق من القيود إلا ما كان سبباً في مجراها و واسطة لبقائها و قبساً من ضيائها وناموساً من نوامیسها، وأنها لا يطيب لها البقاء في مهد الأمس فعليهم ألا يحاولوا وتقديمها وإلا انقلبت إلى فناء وملاحظة الإمام علي (عليه السلام) الدقيقة والعميقة للحياة ونواميسها مکنت في نفسه الإيمان بثورية الحياة المتطلعة أبداً إلى التطور والنمو فترتب على ذلك إيمان عظیم بان الإحياء يستطيعون أن يصلحوا أنفسهم وذلك بان یماشوا قوانين الحياة ويستطيعون أن يكونوا أسياد أمصارهم وذلك بان يخضعوا لعبقرية الحياة وبهذا يكون الإمام علي (عليه السلام) قد وضع مفهومه عن ماهية التربية وأهدافها وطبيعتها فهو يلخص التربية بمفهوم الإيمان بمبدأ التكيف العاقل وأعداد للبيئة من جانب المتعلم. والعمل على بناء الإنسان بما جاء به الإسلام ومنهج الدين الإسلامي والسنة والعمل بمنهج وسنة الرسول محمد والتربية بناء وإصلاح للفرد والمجتمع وتنظيم العلاقة المخلوق بالخالق وعلاقة الإنسان بنفسه ومجتمعه.(25)

ثالثا: تجسيد حقوق الانسان في فكر الامام علي (عليه السلام):

ينطلق الإمام في سعية نحو المساواة العادلة من النفس البشرية فالعدالة الانسانية الفردية هي الأساس والبنية التحتية للعدالة في المجتمع، فيخاطب الإمام

ص: 316

الانسان ابتداءً (ما لابن ادم والفخر، اوله نطفة واخره جيفة) فالأمام يصوغ فلسفة المساواة وتأصليها في ثقافة الانسان ووعيه حين يذكره ببدء خلقه ونهايته حتى تكون هذه الحتمية المصيرية هي اولى تجليات المساواة البشرية (فكلكم لأدم وادم من تراب) فضلا عن ذلك حقق الإمام علي (علية السلام) في مجال سیاسته العادلة نجاحا بارزا فقد شعر الجميع بتلك السياسة، حتى قالت احدى النساء اللواتي عشن في كنف حكمه: (اني احببت عليا (عليه السلام) على عدله في الرعية وقسمه بالسوية بل أن سمة العدل شهد له بها حتی اعداؤه حتى قال الإمام الحسن (عليه السلام) (رحم الله عليا ما استطاع عدوه ولا وليه ان ينقم عليه في حكم حكمه ولا قسم قسمه)(26).

وضع الامام امير المؤمنين مناهج وآداب خاصة للولاة وامرهم في التحلي بها ليكونوا هداة للناس وامثلة للحكام الصالحين وذلك في عهدة الى مالك الأشتر ونشير الى بعضها:(27)

1 - على الولاة أن يشعروا في قلوبهم الرأفة والرحمة للرعية من دون فرق بين المسلمين وغيرهم

2 - ان لا يتخذوا الامرة والسلطة وسيلة للاستعلاء على الناس والتكبر عليهم

3 - على الولاة أن ينصفوا الله تعالى في طاعته وامتثال أوامره وان ينصفوا الناس في اعطائهم حقوقهم وقد حفل ذلك وغيره من صنوف العدل فنجد بذلك مثالا للعدل الذي ينعش الشعوب ويعود بالخير العميم على الجميع ويساوي بين السلطة والشعب ولا يجعل لأي احد سلطانا او تفوقا على غيره كما اكد الامام على الإحسان الى الرعية والبر بهم والتخفيف عنهم فإن ذلك مما يوجب ارتباط الشعب بحكومته وهو من انجع الوسائل واكثرها نجاحا لاستقرار الدولة وسلامتها من الفتن الخارجية.

ص: 317

الاستنتاجات والتوصيات:

1 - اهتم الاسلام بنيل العلم والتعليم وجعله من أهم حقوق الانسان التي يجب أن يتم السعي الحثيث لتحقيقه وخصوصاً للطفل لينير عقله ويرقى بوجوده ويعلو من شأنه فضلا عن وقد امتاز الاسلام بمرونته وقوانينه واحكامه قابلة التطبيق في كل زمان ومكان، ولن ترقی اية قوانين لاحقة لما وصل اليه الاسلام من الكمال، فالشريعة الاسلامية اوجدت منهجاً ونظاماً لا يدانيه اي نظام

2 - قدم الامام (عليه السلام) مرحلة متقدمة من مراحل التثقيف لبناء مالي في كيفية تعامل الحاكم مع اموال الشعب كونه ليس فرد وانما يتعامل مع اموال الشعب على مستوى الاعتدال والتوسط وليس على مستوى الاسراف والتبذير وعلى هذا الأساس تتحقق عدالة توزيع الدخل الذي يعد من مؤشرات الرئيسية في التنمية البشرية.

3 - شغل مبدأ حقوق الإنسان حيزا مهما من فكر الإمام (عليه السلام) وهذا ما يتضح لنا من خلال احث على التعليم ومبدأ المساواة والعدل الذي حث عليه الامام من خلال الرسائل الذي بعث بها إلى الولاة لتجسد هذه الرسائل مثالا يحتذى به في الحفاظ على حقوق الانسان.

التوصيات

يوصي الباحث الجهات التربوية بدراسة فكر الإمام علي (عليه السلام) في جميع المراحل الدراسية وكذلك النظر في طريقة ادارة الشؤون المالية واخذ العبرة منها بما يخدم جميع فئات المجتمع.

العمل على اشاعة تجربة الامام علي (عليه السلام) ورؤيته لحقوق الانسان

ص: 318

ببعديها النظري والعملي، الامر الذي يسهم في تطور وعي ممارسة حقوق ومما الاشك فيه ان خطب الامام علي (عليه السلام) للحكام وكيفية التعامل مع المجتمع تمثل رسالة ذات مضمون حضاري فريد الأمر الذي يمكننا استخدام هذه الوصايا كمنهج عمل في المؤسسات الرسمية والدينية والاجتماعية في مجتمعنا.

العمل على تقوية أواصر المجتمع من خلال السعي إلى تلبية احتياجاته وتعزيز الانتماء الى الدين الاسلامي واظهار جوهر الإسلامي الحقيقي الذي يضمن للفرد حق التعليم والصحة وعدالة توزيع الدخل.

هوامش البحث:

(1) - محمد مدلول علي، الاستثمار في التعليم والتدريب ودوره في التنمية الاقتصادية / العراق وكوريا الجنوبية إنموذجاً، رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة إلى مجلس كلية الادارة والاقتصاد، جامعة القادسية، 2013، ص 10

(2) United Nations Development Programme، Human development

report 1992، United Nations، New York، 1992، p 13.

(3) محمد عبد العزيز عجيمه و د. محمد علي الليثي، التنمية الاقتصادية مفهومها، نظرياتها، سياساتها، مطبعة الدار الجامعية، الإسكندرية 2000، ص 17

(4) الاهداف الانمائية للالفية في المنطقة العربية 2005، الأمم المتحدة، 2005، ص 9.

(5) عثمان هاشم، ورقة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عمان في ندوة التنمية البشرية في الوطن العربي، (عمان 10 - 11 نیسان 1994)، ص 212.

(6) رواء زكي يونس، التنمية البشرية وحقوق الإنسان، مجلة اداب الرافدين، العدد 55، 2009، ص 8

(7) طالب حسین فارس الكريطي، الاقتصاد الاسلامي في الفقر تأصيل نظري لمنهج اقتصاد بلا فقر في المذهب الاقتصادي الاسلامي، الطبعة الاولى، مرکز کربلاء للبحوث

ص: 319

والدراسات، 2016، ص 127

(8) بدرية بنت صالح الميمان، الجودة الشاملة في التعليم العام: المفهوم والمبادئ والمتطلبات (قراءة إسلامية)، بحث مقدم للقاء الرابع عشر للجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية (جستن)، 2007، ص 24

(9) طالب حسین فارس الكريطي، الاقتصاد الاسلامي في الفقر تأصيل نظري لمنهج اقتصاد بلا فقر في المذهب الاقتصادي الاسلامي، الطبعة الأولى، مرکز کربلاء للبحوث والدراسات، 2014، ص 127

(10) بدرية بنت صالح الميان، مصدر سابق، ص 24

(11) بدرية بنت صالح الميان، مصدر سابق ، ص 24

(12) - حسن بن عبد القادر حسن البار، الثقافة التربوية والعلمية الفكرية، الجزء الأول، مكتبة الملك فهد الوطنية، 2009، ص 20

(13) عمر بن فيحان المرزوقي، اقتصاديات الغنى في الإسلام، جامعة الملك سعود، مرکز البحوث التربوية، 2002، ص 20

(14) طالب حسین فارس الكريطي، مصدر سابق ص 146

(15) عمر بن فيحان المرزوقي، مصدر سابق، ص 21

(16) رضا صاحب ابو حمد، السياسات المالية في عهد الامام علي (عليه السلام)، الطبعة الاولى، مركز الأمير لأحياء التراث الاسلامي، النجف الاشرف، 2009، ص 81

(17) أمل هندي كاطع الخزعلي و جابر جواد کاظم الحمداني، مفهوم حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي، مجلة مرکز بابل للدراسات الإنسانية المجلد 4 / العدد 2014، 3، ص 6

(18) أمل هندي كاطع الخزعلي و جابر جواد کاظم الحمداني ، مصدر سابق، ص 7

(19) انعام مهدي جابر الخفاجي، حق الطفل في التعليم / دراسة مقارنة مع الشريعة الاسلامية وبعض التشريعات العراقية المعاصرة، مجلة جامعة بابل للعلوم الانسانية، العدد 22، المجلد 2014، 2، ص 475

ص: 320

(20) محمد عبده، نهج البلاغة لامير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت، الجزء الرابع، ص 65

(21) حمید سراج جابر، نظم ضمان الجودة في فكر الامام علي ع (دراسة في رسائل نهج البلاغة)، مجلة كلية التربية الأساسية جامعة بابل، العدد 2012، 8، ص 87

(22) رضا صاحب ابو حمد، السياسات المالية في عهد الامام علي (عليه السلام)، الطبعة الاولى، مركز الامير لأحياء التراث الاسلامي، النجف الاشرف، 2006، ص 46

(23) رضا صاحب ابو حمد، مصدر سابق، ص 67

(24) رضا الحسيني، السيرة الاقتصادية للامام علي (عليه السلام)، دار الولاء، بيروت، لبنان، 2014، ص 74

(25) علي تركي شاكر الفتلاوي، خطب الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة - قراءة في الفكر التربوي، مجلة جامعة بابل العلوم الانسانية، المجلد 23، العدد 2015، 4، ص 1832

(26) د. غسان السعد، حقوق الانسان عند الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) رؤية علمية، الطبعة الثانية، بغداد، 2008، ص 78.

(27) باقر شريف القرشي، موسوعة الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب، الطبعة الأولى، الجزء التاسع عشر، دار الحسنين للطباعة والنشر، 2002، ص 21

ص: 321

المصادر والمراجع

- القرآن الكريم

المصادر باللغة العربية

1 - ابراهيم عبد الله جاسم عیسی، الانفاق على التعليم ودوره في التنمية البشرية في العراق للمدة من (1990 - 2014) مجلة تكريت للعلوم الاقتصادية والادارية، المجلد 12، العدد 35، 2016

2 - أمل هندي كاطع الخزعلي و جابر جواد كاظم الحمداني، مفهوم حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي، مجلة مرکز بابل للدراسات الإنسانية المجلد 4 / العدد 3، 2014.

3- انعام مهدي جابر الخفاجي، حق الطفل في التعليم / دراسة مقارنة مع الشريعة الاسلامية وبعض التشريعات العراقية المعاصرة، مجلة جامعة بابل للعلوم الانسانية، العدد 22، المجلد 2، 2014.

4 - باقر شريف القرشي، موسوعة الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب، الطبعة الاولى، الجزء التاسع عشر، دار الحسنين للطباعة والنشر، 2002.

5 - بدرية بنت صالح الميمان، الجودة الشاملة في التعليم العام: المفهوم والمبادئ والمتطلبات (قراءة إسلامية)، بحث مقدم للقاء الرابع عشر للجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية (جستن)، 2007.

6 - تقرير الأمم المتحدة الاهداف الانمائية للألفية في المنطقة العربية 2005، الأمم المتحدة، 2005.

ص: 322

7 - حسن بن عبد القادر حسن البار، «الثقافة التربوية والعلمية الفكرية»، الجزء الأول، مكتبة الملك فهد الوطنية، 2009.

8 - حميد سراج جابر، نظم ضمان الجودة في فكر الامام علي «ع» (دراسة في رسائل نهج البلاغة)، مجلة كلية التربية الأساسية جامعة بابل، العدد 8، 2012.

9 - رواء زكي يونس، التنمية البشرية وحقوق الإنسان، مجلة اداب الرافدين، العدد 55، 2009.

10 - رضا الحسيني، السيرة الاقتصادية للامام علي (عليه السلام)، دار الولاء، بیروت، لبنان، 2014.

11 - رضا صاحب ابو حمد، السياسات المالية في عهد الامام علي (عليه السلام)، الطبعة الاولى، مركز الامير لأحياء التراث الاسلامي، النجف الاشرف، 2006.

12 - رضا صاحب ابو حمد، الإمام علي بن ابي طالب و سیاسته في الخراج لمعالجة السكن والاعمار، مجلة الغري للعلوم الاقتصادية والادارية، المجلد العاشر، 2015-.

عثمان هاشم، «ورقة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»، عمان في ندوة التنمية البشرية في الوطن العربي، (عمان 10 - 11 نیسان 1994).

13 - علي تركي شاكر الفتلاوي، خطب الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة - قراءة في الفكر التربوي، مجلة جامعة بابل العلوم الانسانية، المجلد 23، العدد 2015، 4، ص 1832

14 - عمر بن فيحان المرزوقي، اقتصاديات الغني في الإسلام، جامعة الملك سعود، مركز البحوث التربوية، 2002.

ص: 323

15 - طالب حسین فارس الكريطي، الاقتصاد الاسلامي في الفقر تأصيل نظري لمنهج اقتصاد بلا فقر في المذهب الاقتصادي الاسلامي، الطبعة الأولى، مرکز کربلاء للبحوث والدراسات، 2014.

- 16 غسان السعد، حقوق الانسان عند الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) رؤية علمية، الطبعة الثانية، بغداد، 2008.

17 - محمد عبد العزيز عجيمه و د. محمد علي الليثي،» التنمية الاقتصادية مفهومها، نظرياتها، سياساتها، مطبعة الدار الجامعية، الإسكندرية 2000، ص 17

18 - محمد عبده، نهج البلاغة لامير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) مؤسسة الأعلمی للمطبوعات بيروت، الجزء الرابع.

19 - محمد مدلول علي، الاستثمار في التعليم والتدريب ودوره في التنمية الاقتصادية / العراق وكوريا الجنوبية إنموذجاً، رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة الى مجلس كلية الادارة والاقتصاد، جامعة القادسية، 2013.

1 - United Nations Development Programme. Human development report 1992، United Nations، New York، 1992.

ص: 324

الحوار الحضاري في فكر الامام علي (علیه السلام)

اشارة

الأستاذ المساعد الدكتورة عامرة تمكين نعمة الياسري جامعة الكوفة / كلية التربية الأساسية

ص: 325

ص: 326

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله استماما لنعمته، واستسلاما لعزته، واستعصاما من معصيته، واصلي على الدليل اليه في متاهات الضلال رسوله المصطفی محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى آله موضع سره وملجأ أمره، وعيبة علمه، والمنتجبين من صحبه الأخيار.

وبعد:

تكالبت الأهواء، وشحذت المطامع ظبة سيوفها، واشرأبت الأعناق، عندما بدأ المسلمون يبحثون عن طرق النهوض من جديد، بعد ان تباطئت مسيرة حضارتهم لقرون، وتشرذمت شعوبهم إلى دويلات، وتشتت شملهم الى طوائف وفرق وتيارات.

وبعد ان تهرأت لغة السياط، واندحر منطق القوة، وصرامة الطغاة، وجبروت الإستعمار.

ومن اخطر الأسلحة فتكا على الإسلام، تلك الدعوات التي تستند الى دلائل واهية، وبراهين لاتعتمد العلم منهجا، فغيرت المفاهيم الإسلامية الى معاني لاتبت إلى الإسلام بصلة، واستعملت المصطلحات الاسلامية في غير هداها، لتختلط على العامة وبعض الخاصة الذين لا يؤمنون بالبحث والتنقيب عما ورثوه ويتضيقوا على النص بجمود و تحجر لاينتمي إلى منطق العلم والعقل.

فاختلط السقيم بالصحيح، والأصيل باللصيق، وزادت الأمية الثقافية والفوضوية العارمة بالخطاب الديني المعاصر الأمر عتمة 0 فاصبح الواقع غریب

ص: 327

كل الغرابة في اكثر مفاصله عن الإسلام، مع دعوات المتطفلين عليه تحت غطاء الإسلام او الدفاع عن الإصالة.

ولكن هنا وهناك بين الحين والآخر دعوات وندوات ومؤتمرات ودراسات تدعو إلى إزالة الصدأ الذي ران على البصائر، والعتمة التي حجبت الأبصار عن الحقيقة.

فاذا اختلفت الآراء في النص المقدس (من قرآن او سنة نبوية) وتباينت الافكار في قراءته بين الأصالة والتجديد 0 فالتطبيق الأمثل للنظريات الإسلامية أوفق السبل، وأوضح الطرق للوصول الى الحقيقة لمن أراد ان يبحث عنها 0

والإمام علي (عليه السلام) الإنموذج الأفضل عند كافة اهل القبلة - (وحتى النواصب منهم وباعترافاتهم) - ليكون فيصل التفرقة، و میزان الفصل بين الإسلامي الأصيل من الزائف أو المبتدع.

ولما كان البحث في الإمام علي (عليه السلام) بكل ابعاده امر يتطلب مؤسسات علمية وجهود مضنية في الجهد والوقت لا يسعها بحث كهذا 0 إرتأينا آن نأخذ (الحوار الحضاري) ولغته في فكر الإمام (عليه السلام)، لكونه اکثر الصحابة أعداءا، وأقربهم الى القرآن والسنة علما وتطبيقا، وقد تطابقت أفعاله مع المأثور من أقواله وما استطاع أعدائه ان يحوروا تلك الأفعال ولا يحرفوا تلك الأقوال مع كثرة المحاولات على ذلك.

فجاء هذا البحث جهدا لاندعي فيه الكال، ولكنه محاولة متواضعة في سفر الإمام علي ( عليه السلام).

عساه أن يأخذ طريقه بين جهود الباحثين المشاركين في مؤتمركم هذا.

ص: 328

متمنين له النجاح وللقائمين عليه التوفيق ورضا الله

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

توطئة:

تتكالب على الحياة اليوم نزاعات متعددة الاتجاهات مختلفة الابعاد، متنوعة الأهداف وعلى مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولكنها تنطلق من تعدد الرؤى وتنازع الأفكار التي قد يكون بعضها سليم القصد، طيب النوايا، ولكنه جهد بشري، محدود المكان، ضيق الزمان، يقف مكتوفا امام متغيرات الحدث، ومستجدات الأحداث، فتتلقف الحلول اراء واهواء متعددة ويبدأ النزاع، ويتعاظم الحوار الى الخصام. فيسلكون طرق متعددة للنهوض من جدید فتزيد الطين بلة وتنتهي الى الصراع.

في حين ينطلق بعضها من سوء النوايا والاطماع والمصالح الخاصة يلبسها أصحابها لغة العلم وسلامة القصد، لتنطلي على العوام، وتجذب الشعوب بزخرفها، فيكونون لها عونا ويطبلون لها، ويجندون ها وسائل الاعلام لتشغل حيزا من الحياة العامة.

وما ان تتحول تلك النظريات الى التطبيق على واقع الحياة، حتى تنكشف تلك النوايا، وتتوضح اهداف الداعين لها فتأن الشعوب من ظلم الرعاة، ويتعاقب سلاطين الجور، ويتكالب الطغاة، ولات حين مندم.

فينخرط آخرون على الهدى ذاته، ويدعون إلى الحق المضاع حسب ما يرونه هم، فتعود الكرة من جديد، وينتصر لها من شاء دون تروي وتدبر، ولا يرعوي اللاحقون مما أصاب السابقين، ولا يتعظ الأبناء مما احتمله الآباء، فينخرط

ص: 329

الدعاة ليحذروا الناس من مغبة ما يفعلون ولكن دعواتهم لا يردد صداها سوى الصخور الصم وتبح أصواتهم وتنزوي دعواتهم بين ركام الضلال. لضياع الحقيقة عند المدعوين بين زحام الأوهام وزبرجة مظاهر الأكثرية الساحقة. لتكون الكثرة دليلا لهم على هدي الطريق ويكون الحق غريبا، والصراط السوي شاذاً.

وهذا الأمر عاما و شاملاً، حدثنا عنه القرآن الكريم كثيرا في استعراضه لكل دعوات الرسل والانبياء في قصصهم التي شغلت مساحة كبيرة من آياته.

وأشارت آیات أخرى الى سوء المنقلب، والى ضلالة السائرين عليه.

قال تعالى: «أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ *وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ»(1)

وقال تعالى: «مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ»(2)

وقال تعالى في الكثرة: «ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ»(3)

ونهانا عن اطاعة الكثرة بقوله تعالى «وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ»(4)

ولذا فان ((الأرقام التي تتكاثر تبعا لتكاثر الاطماع والشهوات والانفعالات. لا يمكن أن تمثل حركة الانسان نحو الحقيقة، لانها تتعامل مع العاطفة التي تثير أمامه ضبابا كثيفا يحجب عنه وضوح الرؤية الأشياء، ويبعده عن معرفة الساحة الحقيقية للشخص وللموقف والمبادئ، الا من خلال ما يريده أولئك الذين يحركون الاطماع والشهوات والانفعالات في لعبة الباطل المتعددة الأساليب

ص: 330

والاشكال والألوان))(5).

حتى يتكالب الامر ويضيع كل شيء فتنهد الحضارة من أسسها، لتبدا أخرى زائفة من جديد، ومن هنا اتهم التاريخ بالدوران، وامتلات الحياة بالتناقضات واختلط الحق بالباطل، وزاد الصراع الفكري عتمة لتصدي من لا يعي خطابه، ولم يتدبر آرائه.

ولعل من أخطر الصراع الفكري عندما يكون في الفكر الديني فتنشأ تبعا لذلك المذاهب والتيارات، ويتفاقم الأمر حتى تصل ببعض الآراء ان تكون بعيدة كل البعد عن مبادئ ذلك الدين. وغريبة أشد الغرابة عن أهدافه واسسه وتشريعاته. وبنظرة سريعة لعبادة الأوثان ومبادئ الاشراك على الأرض منذ نبي الله نوح (عليه السلام) الى رسولنا محمد (صلى الله عليه وآله) سنجدها تکرار لدورات التاريخ، وكأن أرواح أولئك الذين طواهم الطوفان، والذين أهلكوا بالطاغية، او بريح صرصر عاتية، أو الذين اصبحوا في ديارهم جاثمين. كأنها بعثت في أجساد أبنائهم ولم يكن الإسلام بدعا من الأديان، ولا أحداث تأريخه غريبة عما مضى.

رغم كثرة موارد الاتفاق، ووحدة منابع التشريع فيه، ووحدة عباداته بكل جزئیاتها. ولكن تداخل الأفكار، وتعدد الرؤى في آيات القرآن، واختلاف مفاهیم الألفاظ بين الحقيقة والمجاز، وبين التشابه والإحكام، وبين هذا وذاك، ناهيك عن الاثار الخارجية من الأفكار التي تعايشت مع الإسلام من أديان أو فلسفات فكرية، ألقت بحرانها في معترك الفكر فوافقها هذا، وخالفها ذاك.

فوصلت بالفكر الإسلامي الواحد الى التقاطع والنزاع بل الى البدعة والتكفير والقتل.

ولذلك توجب العودة الى التطبيق الأمثل، والأنموذج الاكمل لمبادئ الإسلام

ص: 331

وتشريعاته واحكامه. كي يكون مناراً لمن شاء منهم أن يستقیم.

ولما كان الامام علي (عليه السلام) الصحابي الوحيد الذي اتفق عليه أصحاب الأفكار المختلفة، والآراء المتعددة، واتفقوا على صحة مسيرته، واستقامة سيرته - إلا من شذ منهم او سبق عليه القول -.

ولذا اختير ان یکون ذلك الانموذج الأمثل. ومسيرته فيصل التفرقة عندما تتصارع الآراء ((وقال جمهور أهل الآثار منهم والنقل والفقه بالروايات، وطبقه من المتكلمين منهم وأصحاب الحجاج: انه عليه السلام (الامام علي) افضل من كافة البشر سوی رسول الله محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) فانه افضل منه.

ووقف منهم نفر قليل في هذا الباب فقالوا: لسنا نعلم أكان أفضل ممن سلف من الأنبياء، أو كان مساوياً لهم، أو دونهم. فيما يستحق به الثواب. فأما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محمد بن عبد الله فكان أفضل منه على غير ارتياب.

وقال فريق آخر منهم: ان أمير المؤمنین (صلوات الله وسلامه عليه) أفضل البشر سوى أولي العزم من الرسل فأنهم أفضل منه عند الله))(6)

الإمام علي (عليه السلام) والنهج الإسلامي:

قيل ((إنَّ ظاهرة التنوع الديني هي واحدة من اكبر الاثارات أو التساؤلات المطروحة أمام الفكر الديني اليوم. كما أن وجود المجتمعات التي تتعايش في اوساطها قيم وتعاليم دينية مختلفة ومتباينة وما تمليه هذه المعايشة في ضرورة توسيع العلاقات الاجتماعية وما أحدثته وتحدثه ثورة الاتصالات على أعتاب الألفية الثالثة وكل ذلك او بعضه ربما يكون سبباً لأن تمنح هذه المفردة الحيوية أهميتها المطلوبة))(7).

ص: 332

ولهذا فإن ظاهرة التنوع والتعدد في الرؤى والفلسفات وكذا الأديان أمر طبیعي عاش مع الانسان منذ أن وطأ الأرض. انطلاقاً من تشابك الاهواء والنوازع والرؤى والمصالح والعاطفة على العقل الإنساني المجرد وتبعا لذلك اختلفت الثقافات داخل الدين الواحد، وتعددت الاديان داخل الثقافة الواحدة. ولكن الأمر الذي يفرضه الدين والثقافة معاً هو الحوار الحر الهادف في موارد الاختلاف. فلا دين دون ثقافة، ولا ثقافة بدون دین. وان ادعت بعض موارد الثقافة بعدم وجود الدين فيها، فأنها تخرج من دائرة الثقافة بمفهومها العام والخاص لتدخل في مفهوم الجهل، بل والجهل المركب، لأن أولئك المدعين بعدم وجوده بثقافتهم يرفضون ذلك في حياتهم الخاصة. ومع المجتمع.

والاسلام واحد من تلك الاديان بل هو خاتمها. وموقفه في التعدد والاختلاف واضحاً وبيناً في الكثير من آيات القرآن الكريم قال تعالى: «قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ..».

وهذه السورة من اوائل السور النازلة لتوضح لنا الطريق الأمثل الذي ينتهجه الاسلام مع المخالفة لدعوته. فهي مكية ومن لحنها ((نفهم انها نزلت في زمان كان المسلمون في اقلية والكفار في اکثرية والنبي يعاني من الضغوط التي تطلب منه ان يهادن المشركين، وامام هذه الضغوط كان النبي يعلن صموده واصراره على المبدأ، دون أن يصطدم بهم، وفي هذا درس عبرة لكل المسلمين أن لا يسامحوا أعداء الاسلام في مبادئ الدين مهما كانت الظروف، وان يبعثوا اليأس في قلوبهم متى ما بادروا إلى هذه المساومة))(8).

ففي السورة هذه يصل الأمر بين الفريقين الى التقاطع، بدليل التكرار للآيات الأربعة في وسطها(9)، وينتهي باختصاص كل منهم بدينه، او بالجزاء الذي ينتظره

ص: 333

من دينه(10) 0 فبعد أن أوضح لهم سبيل الطريق الذي هم سالكيه من الضلال، وهم بمغبة النهاية، ناداهم: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ..»(11). أي ((أنَّ الدين لا إكراه فيه، والهدى الذي يكره عليه لن يهتدي به أحد، وإنما هو إكمال الحجة واتمام عناصرها، ليستبين الرشد ویتمایز عن الغي، ومن هنا لا يكون هم المؤمنين جبر الناس على الهدى، وانما ابلاغ آیات الهدى اليهم، حتى يتبين لهم الحق))(12)

وفي قوله تعالى «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ»(13)

«وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ»(14)

وغيرها الكثير توضح مدى التعايش السلمي والمدني الذي يدعو اليه الاسلام بكل حيثيات الموضوع من اختلافات وفروق.

أما ما علق في الاذهان أو ما قيل غير ذلك في مدونات ومؤلفات المفكرين المسلمين فأنها ملتبسة مع ((طبيعة الظروف والأحوال والظواهر السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، فولادة وطغيان واستبداد الخلفاء والسلاطين من العصر الأموي الى آخر سلطان عثماني، رسخ صورة للإله طمست رحمته ورأفته وعفوه وجماله وجلاله، الذي يتجلی مشرقا في النص القرآني، وجرى تهميش واقصاء الآثار العلماء الذين لا يتطابق موقفهم مع هذه الرؤية، لأنها كانت تفصح عن اجتهادات تسعى لمقاربة تلك الموضوعات من منظور مختلف، وتفضي الى اكتشاف الأبعاد الانسانية في الدين والاعلان عن احتقار الاخر أو عدم احترامه، لا صلة له بالدين. لأن الدين هو الحب، والحب هو الدين))(15).

ص: 334

فما كان مطبقا على مسرح الحياة في تاريخ المسلمين على حقبه المتعددة لا يمثل النظرية الاسلامية لكل مناحي الحياة، وقد اعتبره البعض مسيرة تطبيقية للإسلام. وفي الحقيقة فالإسلام شيء وما جرى شيء لا ينتمي اليه.

ومن هنا جاء البحث في مسيرة علي (عليه السلام). فقد أشار الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في مواقف متعددة الى مكانة الامام علي (عليه السلام) في الاسلام ودوره في مسيرته. فقد شهدت آيات القرآن الكريم بدور الامام علي (عليه السلام) من الاسلام وعقيدته(16). وأشار الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) في مواقف متعددة بسيرته وحديثه الى ذلك الدور ومكانته من الاسلام(17) 0 وحفلت أقواله وخطبه في ذلك الدور وتلك المكانة فمن قوله: ((وقد علمتم من موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة. وصنعني في هجره وانا ولد يضمني الى صدره و یکنفني في فراشة، ويمسني جسده، ويشمني عرفه،. وكان يمضغ الشيء ثمر يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به (صلى الله عليه واله) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم و محاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد کنت اتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به ولقد كان يجاور في كل سنة سجراء فأراه ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غیر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخديجة وأنا ثالثهما أری نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة))(18).

وفي اخرى يبين فيها فضله على الصحابة في الاسلام: ((ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) أني لم أرد على الله ولا على رسوله ساعة قط، ولقد واسيته بنفسي في الموطن التي ينكص فيها الأبطال، وتتأخر الاقدام

ص: 335

بنجدة أكرمني الله بها.

ولقد قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وان رأسه لعلى صدري، ولقد سالت نفسه في كفي، فأمررتها على وجهي. ولقد وليت غسله (صلى الله عليه وآله وسلم) والملائكة أعواني، فضجت الدار والأفنية، ملأ يهبط، وملأ يعرج، وما فارقت سمعي هيمنة منهم، يصلون عليه حتی واریناه ضريحه. فمن ذا أحق به مني حياً أو ميتاً، فأنفذوا على بصائركم، ولتصدق نياتكم في جهاد عدوکم، فو الذي لا اله الا هو اني لعلى جادة الحق، وأنهم لعل مذلة الباطل. اقول ما تسمعون، واستغفر الله لي ولكم))(19).

ونكتفي بهاتين الخطبتين من خطبه الكثيرة بالإشارة والتلميح لنهجه الذي يسلكه ومسيرته في الحياة التي تمثل الأنموذج الأمثل والميزان الحق للفصل بين الأصيل واللصيق، وبين الحق والباطل، وبين الاسلامي والدخيل عليه، وصرح بصدق نیته، وسلامة قصده، وخوفه من الله وبيانه للصراط المستقيم، نظرية الاسلام ومبادئه في التعامل مع العدو والخصم. وفي فترات النزاع والحرب، وما عرف عنه حتى عند ألد أعدائه أنه كنز من الأموال شيء في كل مراحل حياته.

وقد صرح بذلك بقوله: ((فوالله ما كنزت من دنیاکم بتراً، ولا أدخرت غنائمها وقرا))(20).

فقال: ((والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لکنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة، ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة او الله ما استغفل بالمكيدة، ولا استغمز بالشديدة))(21).

وانطلاقاً من توضيح طريق الهداية واتباع سبل السلام عندما تحتدم الافكار وتتحور الحقائق، وتتناوش الأهواء والآراء البدع والضلالات فتختلط مع السنين

ص: 336

والهدي. وتزيد عتمة الابصار البصائر زيفاً فقد أشار الى ميزان الحق وفيصل الهدى متمثلاً في اتباع آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فوصفهم بقوله:

((هم عيش العلم وموت الجهل، يخبركم حلمهم من علمهم، وظاهرهم من باطنهم، وصمتهم من حكم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، هم دعائم الاسلام، وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق في نصابه، وانزاح الحق عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدین عقل وعاية ورعاية، لا عقل سماع ورواية فإن رواة العلم كثير، ورعاته قليل))(22). ولم يكن بعيداً عن المبدأ القرآني الذي اوضح الرشد من الغي. ونكتفي بهذا القدر من الاشارات بوضوح النهج الاسلامي الأصيل في مسيرة الامام علي (عليه السلام) العامة في الحياة. وفي النظم وفي التشريعات والاحكام. ليكون لنا دليلاً على لغة الحوار الحضاري الإسلامي من اصفی منابعه، وادق تطبيقاته من خلال التطبيق الذي انتهجه الامام علي (عليه السلام) واقواله التي ذكرت لنا.

نهج الامام علي (عليه السلام) في الحوار الحضاري:

إن من أبرز المواقف تتوضح في احرج الظروف، وخاصة عندما تتفق تلك المواقف مع الأهواء والاطماع والمصالح الخاصة. فالانخراط في مغبتها یکون أقرب للنفس الإنسانية الأمارة بالسوء. لكننا نراه يطوي عن الاطماع كشحاً، وعن الأهواء ردعاً، لا تجذبه الدعوات، ولا تقوده النوازع. ففي أمر الخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو المؤهل الأول بدون منازع. ولكن الكثيرة التي اشرنا اليها غلبت الحق واهله. فانزوی و تحاور مع الطامعين بالتي هي احسن، فسدل عنها ثوباً وصبر على طحية عمياء. ورأى أن الصبر على ذلك أحجي. وقد اشار موقفه ذلك قولاً وفعلاً(23).

ص: 337

فلم يكن الأمر وليد عصر الامام علي (عليه السلام) ولا قريب عهد من ذلك، فالنتائج التي اولدها (صلح الحديبية) و(فتح مكة) ودخول الناس للإسلام افواجا(24). اعطت للكثرة كفة راحجة على النوع.

وقد خاطبهم القرآن الكريم بقوله تعالى «قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(25)

فظهرت حركة النفاق واسعة النطاق داخل المجتمع الاسلامي واستشرى أمرها. وقد وصفتها سورة التوبة وصفاً دقيقاً رائعاً «كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ * اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ»(26)

بل حذر المؤمنين الذين هاجروا وتركوا الاهل والاحبة والاموال ودافعوا عن الاسلام وعقائده. حذرهم أن يتأثروا في مسيرة ایمانهم من هذه الحركة. حتی وان كان بعضهم من ابائهم او اخوانهم او عشيرتهم.

قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * «قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ * لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ

ص: 338

وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ»(27)

ولهذا فأن احداث السقيفة التي خلفت الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) وعصفت بالامة لم تكن وليدة عصرها، ولم تكن بعيدة عن التخطيط المسبق لها، ولم تكن بعيدة عن ايدي اولئك المؤلفة قلوبهم او ما يدعونهم بمسلمة الفتح، بعدان اصبحو من الطبقة المتدينة في ذلك المجتمع الجديد الذي اعتبر الايمان والسبق له طريقاً للمفاضلة.

فتأثر الاوائل بها واهوتهم اراء القادمين الجدد. اضف الى ذلك العصبية القبلية واضغاث الجاهلية واحقادهم وثارات قتلاهم(28).

كل هذه ابعدت الامام علي (عليه السلام) عن تولي قيادة الأمة وقتذاك . واضافت الى المسيرة المطامع والاهواء والمصالح الخاصة والفئوية واضافت الى المسيرة المطامع والاهواء والمصالح الخاصة والفئوية التي لا يستطيع الانسان ان يتخلص منها الا من رحمه الله فإذا أردنا أن نخفف لغة الخطاب في بحثنا هذا، ولا نطلق على هؤلاء من اعانهم لفظة (الاعداء). فعلى الاقل هم مخالفون ومناوئون، ومع كل هذا فقد كان للإمام علي (عليه السلام) معهم لغة حوار حضاري بالوعي والارشاد والنصح والتوجيه بعيدا عن التشنج والتمرد والاعتداء(29).

((والله لأسلمن ما سلمت امور المسلمين ولم يكن فيها جور الا عليَّ خاصةً))

وقد تطابقت اقواله مع افعاله فكان له اعظم الادوار لأنه ((يعتبر نفسه امیر المؤمنين خارج الخلافة، كما أنه أمير المؤمنين داخل الخلافة، وانه مسؤول عن الاسلام کله سواء كان على راس المسؤولية او لم یکن))(30).

ص: 339

فاذا ما تعدينا تلك الحقبة التاريخية بعجالة تتطلبها طبيعة بحثنا هذا، ولربع قرن من الزمن بما تحمله من مفارقات وأحداث ومحن عصفت بالأمة، وخلفت إنحرافات تلو الإنحرافات في نظمها السياسية والإقتصادية والإدارية والإجتماعية، وحتى العبادية منها في بعض الأحايين.

ولهذا فقد ورث الإمام علي (عليه السلام) تبعة كبيرة من حصيلة تلك الأعوام، وإنطلاقا مما يحمله من علم ودراية ووعي وحرص على النظرية الإسلامية. كان لابد له من حركة تصحيحية في مسار الأمة بكل حيثيات نظمها السائدة آنذاك. وإعادة الواقع المعاش الى التطبيق الأمثل للنظرية الإسلامية باعتباره الإنموذج الأمثل لها.

وكان يعي ما سيحدث له لذلك رفض قبول بيعتهم في أول الأمر وخاطبهم ((أنا لكم وزير خير من اكون امير)) وقال (عليه السلام): ((أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ على العلماء ان لايقاروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنیا کم هذه أزهد عندي من عفطة عنز))(31)

وأوضح نهجه لهم بعد تسنمه دفة الحكم في النظام الإداري والقيادي.(33) وبالنظام الإقتصادي وتوزيع الثروات ومحاسبة المفسدين والمثرين على حساب الطبقات الفقيرة.(33)

وفعلا بدأ بحركة الإصلاح والتغيير بكل مفاصل الدولة والمجتمع.(34)

ومن البديهي أن تضيف له هذه الإصلاحات أعداءا الى أعدائه، وتزيد لأعدائه التقليديين أنصارا الى انصارهم.

ص: 340

فكيف خاطبهم الإمام علي (عليه السلام) وما الحوار الذي واجههم به وتعامل به معهم.

فالناكثون (اصحاب الجمل)

كانت ثورة القائمين بها والمشتركين معهم إعتداءا على السلطة الشرعية، وإمتناعهم عن حركة التصحيح التي نهض بها ودعا اليها، ولا يحتاجأعتدائهم الى دليل أو برهان يدلل على أنهم هم المعتدون، فمسرح المعركة بين البصرة والكوفة وبعيدا عن مواطنهم في مكة والمدينة، وقد جندوا لها الجند وأعدوا العدة للقتال، واصطحبوا زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) معهم وقطعوا الطريق من مكة والمدينة إلى البصرة فالكوفة، من اجل اسقاط داعي الحق والعودة بالإسلام إلى الجاهلية الأولى مع علمهم بمكانة علي من الإسلام ورسوله.

ولم تكن الحرب بينهم على اختلاف في الرأي أو على نكثهم لبيعته بعدان بايعوه.

فلم يبد أهم الإمام علي (عليه السلام) بالقتال، وهذا منهجه ومنهج الإسلام في لغة فض النزاعات وإختلاف الرؤى(35)، ولكن حربه لهم لأنهم أشاعوا الفساد في الأرض وإعتدوا على الشعب. فقد إعتدوا على (ابن حنيف) عامل الإمام علي على البصرة بعد الضرب المبرح والعقوبة الشديدة من دون ذنب. وقتلوا السيابجة وقتلوا (حکیم بن جبلة العبدي) وقتلوا رجالا صالحين ثم تتبعوا كل من نجا منهم وأخذوهم في كل حائط وتحت كل رابية ثم يضربون رقابهم.(36) فعاثوا في الأرض فسادا، وحاربوا الله ورسوله عمدا، فما كان للغة الحوار معهم غير الوقوف امام حركة الإفساد وتأمين حياة الناس. ومع كل هذا فقد ترك لهم فرصة العودة فجادلهم بالتي هي احسن ووعظهم وحاججهم قبل أن يقع السيف بينهم، فأبوا

ص: 341

الإ العناد والحرب.

وقد أوضح الإمام علي (عليه السلام) الموقف باختصار وما دار بينه وبين قادة التمرد (الزبير وطلحة) وكيف بایعاه ونقضا العهد والبيعة، ووصف خروجهما بالغدرة. ومن نص قوله (عليه السلام) لهم: ((وبايعني في أولكم طلحة والزبير طائعين غير مكرهين ثم لم يلبثا أن استأذناني في العمرة، والله يعلم أنهما يريدان الغدرة، فجددت عليها العهد في الطاعة وأن لايبغيا للأمة الغوائل، فعاهداني ثم لم يفيالي ونكثا بيعتي ونقضاعهدي. فعجبا لهما من إنقيادهما لأبي بكر وعمر وخلافهما لي، ولست دون أحد الرجلين! ولو شئت ان اقول لقلت اللهم احكم عليهما بما صنعا في حقي وصغرا في امري وظفرني بهما))(37)

اما القاسطون (أهل صفين)

فقد كان معاوية قد أعلن الحرب مستعدا للقتال بعد امتناعه الإنصياع الى ارادة الدولة وارادة الأمة وتنحيته من مناصبه التي كلفوه بها الذين سبقوا الإمام علي (عليه السلام)(38). ولربما تتطلب مسالك السياسة في امر معاوية هذا - عند البعض - انه كان بالإمكان الإبقاء عليه في ولايته على الشام لفترة من الزمن ومن ثم تنحيته عن منصبه بعد ذلك، وذلك لتجذر معاوية على ولاية الشام منذ فتحت عام 18 ه ولم ترى الشام واليا منذ مصروهاغير معاوية، أي ما يقارب عقدين من الزمن في وقتذاك.

لم يغب هذا عن الامام علي (عليه السلام) ولكنه يدخل في باب المكر والخديعة التي تتصف بها السياسة السلطوية الدنيوية، وهذا ليس من مباديء الاسلام التي جاهد الإمام علي (عليه السلام) من اجل تطبيقها بكل حيثياتها. هذا اولا.

ص: 342

والأمر الثاني لم يكن خافيا على معاوية ومن احاط به هذا الأمر حتى يقبل به. فسياسة الإمام علي (عليه السلام) الإدارية في تولية الولاة واعتراضاته على الكثير منهم منذ توليهم أول مرة من قبل الخلفاء الذين سبقوه وعلى مر الزمن واضحا لكل الناس.

وكان حوار الإمام علي (عليه السلام) مع هؤلاء حوارا حضاريا سلميا في باديء الأمر برسائل متبادلة ورسل وقد استفرغ وسعه معهم حتى آخر لحظات الحرب ووقوع السيف بينهم. وجاهد على أن لاتقع الحرب أو يصل الأمر اليه، ولكنهم أبوا إلا الحرب ولغة السيف، عندها لابد له من الدفاع عن الحق و مسيرة الإصلاح التي بناها الإمام علي (عليه السلام) (39).

اما المارقون (الخوارج)

فلم يقاتلهم الإمام علي (عليه السلام) على اختلافهم بالرأي معه، ولاعلى عدائهم إياه، أو لأنهم كفروه، ولاعلى معتقداتهم التي حوروها. بل لأنهم أشاعوا الفوضى والرعب والإرهاب على الناس وقطعوا الطريق على من يخالفهم الرأي، ولا يعتقد بما يعتقدون. وفي قتلهم للصحابي الجليل (عبد الله بن الحباب) وإمراته وهي حامل والتمثيل بهم، في حين انكروا على رجل منهم قتل خنزيرا، فاعدوا ذلك من السعي في الأرض فسادا(40).

ومع كل هذا لم يترك الإمام علي (عليه السلام) الحوار الحضاري معهم ولم يأل جهدا في ردعهم عن مغبة افعالهم بنصحهم ومنعهم من التعدي على الناس، فلم ينصاعوا ولم يرتدعوا. فارسل اليهم (الحارث بن مرة العبدي) ليفاوضهم في الكف عن الأذى والحرب، فقتلوه عنوة، وارسل اليهم ابن عمه (عبد الله بن العباس)، فخاصمهم بالحجة، ودحضهم بالدليل، وكشف لهم جهل ما يفعلون. فاصروا

ص: 343

على الجهالة والعمى. عند ذلك كلمهم الإمام علي بنفسه وذكرهم بمواقفهم ملقيا الحجة الأخيرة عليهم، فعاد جماعة منهم واستقبلهم برحابة صدر وسامحهم.

بینما اصر الباقون الا لغة الحرب والسيف، وما بدأهم بالقتال إلا من بعد ما رموه بالسهام إيذانا منهم بمنطق الحرب والسيف، عندها كان الواجب يحتم على الإمام علي (عليه السلام) الدفاع عن الحق والمجتمع(41).

أما حواره مع الممتنعين عن بيعته ومواقفهم فكان صورة رائعة من صور الحوار الحضاري، أوضحها في قوله لهم في اروع مادة دستورية يحتكم اليها:

((ايها الناس انکم بایعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي وانما الخيار الى الناس قبل أن يبايعوا، فاذا بایعوا فلا خيار لهم، وان على الإمام الإستقامة وعلى الرعية التسليم، وهذه بيعة عامة من رغب عنها رغب عن دين الإسلام واتبع غیر سبیل اهله، ولم تكن بيعتكم إياي فلتة، وليس امري و امرکم واحد، واني اريدكم لله، وانتم تريدونني لأنفسكم، وأيم الله لأنصحن للخصم ولإنصفن للمظلوم، وقد بلغني عن سعد واسامة وعبد الله وحسان بن ثابت امور کرهتها، والحق بيني وبينهم))(42)

ومع كل ذلك وفي كل الأحداث فنراه في ضراوة الحرب وآلامها، ونشوة النصر وخذلان العدو(43) لانرى الشماتة في خطابه ولا القساوة في لغته معهم بل براه يتألم للقتلى في الحرب، ويرثيهم، ويصلي عليهم 0 ويوصي بالجرحى، ويتعامل مع الأسرى المعاملة الإنسانية، ويحرص على إطعامهم، ويسامح المنهزمين منهم ويعفو عنهم ويسامحهم ويوصل عطائهم(44).

وطالما قدم الصلح والمفاوضة على الحرب مع الأعداء انطلاقا من قوله تعالى

ص: 344

«فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»(45)،

وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ»(46)

اما لغته في الحوار الحضاري في منهجه في القضاء فقد اعلن مبدأ علنية المحاكمة وعلى رؤوس الأشهاد، والمساواة بين الخصوم المتنازعة دون تفريق بين المكانات الإجتماعية مهما كانت ولا حصانة دبلوماسية لأحد في حكومته 0

ف(47) لما قام (شريح القاضي) إجلالا وإكبارا له بصفته خليفة المسلمين فيما روي من قضية بينه وبين ذمي كان خصم له في درع، بادره الإمام علي (عليه السلام) بقوله: ((یا شریح هذا اول جورك))(48).

وفي عهده (لمالك الأشتر النخعي) أروع ما سطره الموروث البشري من إنسانية، وأبدع ما احتواه العهد من دستور، وما تضمنه من مواد قانونية 0 آثرنا عدم الخوض فيه خوف الإطالة، إذ من المؤكد ان تكون له منزلة من بحوث هذا المؤتمر. فمن مواده ((الناس صنفان: أما أخ لك في الدين أو شبيه لك في الإنسانية)) ومن مواده ((الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسي والزمنی. فان في هذه الطبقة قانعا ومعتر)(49)

وفي نهاية المطاف، ونهاية رحلة العمر المضنية بين شظف العيش ومقارعة الخطوب، وبين تهكم الأعداء، وكثرة النوائب، فقد دنت منيته في السيف في محراب صلاته وهو بين يدي الله وأقرب حالة يكون بها القرب إلى الله، بعد ان بدأت حياته وولادته في اقدس محراب. وفي خضم الالام ونزاع الروح يوصي بقاتله ان يطعموه ويسقوه ولا يمثلوا به لو ارادوا قتله.

ص: 345

وكانت آخر كلماته لولديه (الحسن والحسين)(50):

((اوصيكم بتقوى الله ولاتبغيا الدنيا وان بغتكما))

و ((قولا بالحق)) و ((إعملا للأجر)) و ((كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا))

ومن وصاياه ((خالطوا الناس مخالطة أن متم معها بكوا عليكم))

فمضى إلى ربه راضيا مرضيا محتسبا وترك تراثا لمن اراد ان يعرف حقيقة دين محمد بن عبد الله خاتم النبین (صلى الله عليه وآله).

والحمد لله اولا وآخر ونستغفره عن الخطأ والنسيان وما شذمن شطحات الفكر وزلات القلم.

هوامش البحث

(1) سورة المؤمنون: 70، 71

(2) سورة الأعراف: 186

(3) سورة الأعراف: 17

(4) سورة الأنعام: 116

(5) فضل الله (السيد محمد حسین): علي میزان الحق: 35، اعداد وتنسيق: صادق اليعقوبي، ط 1، الناشر: دار الملاك، بيروت، 2003 م - 1423 ه.

(6) الشيخ المفيد (محمد بن عبد النعمان بن المعلم ابو عبد الله العكبري البغدادي ت 413 ه) تفضیل امير المؤمنين: 19، مطبوع مع مجموعة مصنفات الشيخ المفيد (المجلد السابع) من اصدارات المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد (بدون تفصیلات طبع).

(7 ) ليکنها وزن (محمد): الاسلام والتعددية الدينية: 7، دار الفكر الجديد / النجف الاشرف - العراق.

(8) الشيرازي (الشيخ ناصر مکارم): الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل:

15 / 567، ط 1، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات: بيروت - لبنان، 1428 ه، 2007 م.

(9) ينظر / الفخر الرازي: التفسير الكبير: حج 11 / 330 وما بعدها ج 32، ط: 1: دار احیاء التراث

ص: 346

العربي الاسلامي: بيروت - لبنان. (10) ينظر / الطبطبائي (السيد محمد حسين): الميزان في تفسير القرآن: 20 / 433 وما بعدها، ط 1: منشورات مؤسسة دار المجتبى للمطبوعات - قم - ایران 1430 ه - 2009 م.

(11) سورة البقرة: 256.

(12) المدرسي (السيد محمد تقي): من هدى القرين: 1 / 340، ط: 2، دار القارئ: بیروت 1429 ه - 2008 م.

(13) سورة النحل: 125

(14) سورة فصلت: 34

(15) الرفاعي (عبد الجبار): تحرير الدين من الكراهية: 5 بحث لمجموعة مفكرين في مجال فلسفة الدين والكلام الجديد منشور في كتاب (التسامح ليس منة أو هبه) ط: 1، دار الهادي: بیروت، 1427 ه - 2006 م.

(16) للتوسعة في ذلك ينظر / الشيرازي (السيد صادق الحسيني): علي في القرآن، فقد فصل القول فيما انزل في الامام علي (عليه السلام) من القرآن الكريم، ط: 7، مطبعة كوثر: قم ایران: 1423 ه.

(17) للتوسعة في ذلك ينظر / الاميني (الشيخ عبد الحسين): الغدير في الكتاب والسنة.

(18) نهج البلاغة: الناشر: العتبة العلوية المقدسة / في النجف الاشرف 1431 ه - 2010 م.

(19) نهج البلاغة: الخطبة رقم (197) / 339، 340.

(20) نهج البلاغة: الخطبة رقم / 45.

(21) نهج البلاغة: الخطبة رقم 200 / 346.

(22) نهج البلاغة: الخطبة رقم 237 / 384 - 385.

(23) ينظر / نهج البلاغة: الخطبة رقم (3) المعروفة بالشقشقية / ص 50، و كذلك الخطبة رقم (5) / 58.

(24) وقد اشارت سورة النصر الى ذلك صراحة.

(25) سورة الحجرات: 14

(26) سورة التوبة : من 7 الى 10

(27) سورة التوبة: 23، 24، 25

(28) ينظر / الطبري: التاريخ: 2 / 252.

(29) ينظر في التوسعة من مواقفه مع الخلفاء: الشيخ المفيد / الارشاد / مع ابي بكر 101 وما بعدها، ومع عمر بن الخطاب 103 وما بعدها، المجلد (11) من مصنفات الشيخ المفيد.

ص: 347

(30) فضل الله (محمد حسین): علي میزان الحق: 121.

(31) نهج البلاغة: الخطبة (33): 91

وانظر كذلك: ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة: 1 / 135

(32) ينظر: نهج البلاغة: الخطبة (16): 66

(33) يبظر: نهج البلاغة: الخطبة رقم (15): 65

(34) في تفصيلات ذلك ينظر: الخفاجي (د. محمود شاکر عبود): الإمام علي يحاكم التاريخ: الكتاب الثاني / 58 وما بعدها

من كتاب (بحوث ودراسات في الفكر الإسلامي المعاصر)، ط: 1: دار ابن السكيت: ديوانية - العراق، 2015 م

(35) ينظر في تفصيلات مفاوضاته معهم ورسله اليهم واحتجاجه في حقه: ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة: 1 / 160 ومابعدها

وكذلك ينظر: مرتضى الميلاني: محاضرات في المعارف الاسلامية: 1 / 291

ط: 1، الناشر دار الأسوة، طهران، 1424 ه ق

(36) ينظر: الشيخ المفيد: الإرشاد: 128

(37) الشيخ المفيد: الإرشاد: 124

(38) راجع تفصیلات ذلك: المسعودي (ابو الحسن علي بن الحسين بن علي ت 346 ه): مروج الذهب ومعادن الجواهر

ط: 2، دار الكتاب العربي: بيروت - لبنان، 14628 ه - 2007 م، 2 / 394 وما بعدها

(39) ينظر: المصدر نفسه

(40) ينظر: مرتضى الميلاني: محاضرات في المعارف الاسلامية: 1 / 195 ومابعدها

(41) ينظر: المصدر نفسه: 1 / 197 ومابعدها

(42) الشيخ المفيد: الإرشاد: 124

(43) ينظر امثلة كثيرة على ذلك في: المياحي (د. شکري ناصر): الإمام علي (دراسة في فكره العسكري): 80 ومابعدها

ط: 1، مؤسسة التاريخ العربي، بیروت، 1434 ه - 2013 م

(44) سورة الأنفال: 1

(45) سورة البقرة: 208

ص: 348

(46) ينظر: فاضل عباس الملا: الإمام علي ومنهجه في القضاء:103 وما بعدها

ط: 1، الناشر: العتبة العلوية المقدسة، النجف الأشرف - العراق، 1432 ه - 2010 م

(47) ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة: 17 / 85

(48) المصدر نفسه: 3 / 245

ص: 349

المصادر والمراجع

القرآن الكريم

1. الاميني (الشيخ عبد الحسين): الغدير في الكتاب والسنة

2. ط: 1، دار احیاء التراث العربي، بیروت 1976 م

3. الخفاجي (د. محمود شاكر عبود): الإمام علي يحاكم التاريخ:

4. من كتاب (بحوث ودراسات في الفكر الإسلامي المعاصر)

5. ط: 1: دار ابن السكيت: ديوانية - العراق، 2015 م

6. الرفاعي (عبد الجبار): تحرير الدين من الكراهية

7. بحث لمجموعة مفكرين في مجال فلسفة الدين والكلام الجديد

8. منشور في كتاب (التسامح ليس منة أو هبه)

9. ط: 1، دار الهادي: بیروت، 1427 ه - 2006 م.

10. الشيرازي (السيد صادق الحسيني): علي في القرآن ط: 7، مطبعة كوثر: قم ایران: 1423 ه.

11. الشيرازي (الشيخ ناصر مکارم): الامثل في تفسير كتاب الله المنزل

12. ط 1، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات: بيروت - لبنان، 1428 ه، 2007 م.

13. الطباطبائي (السيد محمد حسین): الميزان في تفسير القرآن ط 1: منشورات مؤسسة دار المجتبی، قم - ایران 1930 ه - 2009 م

14. الطبري: التاريخ دار احیاء التراث العربي - بيروت لبنان

15. فاضل عباس الملا: الإمام علي ومنهجه في القضاء: ط: 1، الناشر: العتبة العلوية المقدسة، النجف الأشرف، 1432 ه - 2010 م

ص: 350

16. الفخر الرازي: التفسير الكبير: ط: 1: دار احیاء التراث العربي الاسلامي:

بيروت - لبنان.

17. فضل الله (السيد محمد حسین): على ميزان الحق اعداد وتنسيق: صادق اليعقوبي ط 1، الناشر: دار الملاك، بیروت، 2003 م - 1423 ه.

18. ليکنها وزن (محمد): الاسلام والتعددية الدينية دار الفكر الجديد / النجف الاشرف - العراق

19. المدرسي (السيد محمد تقي): من هدى القرآن ط: 2، دار القارئ: بیروت 1929 ه - 2008 م.

20. مرتضى الميلاني: محاضرات في المعارف الاسلامية: ط: 1، الناشر دار الأسوة، طهران، 1424 ه ق

21. المسعودي (ابو الحسن علي بن الحسين بن علي ت 346 ه) مروج الذهب ومعادن الجواهر ط: 2، دار الكتاب العربي: بيروت - لبنان، 1428 ه - 2007 م

22. المياحي (د. شکري ناصر): الإمام علي (دراسة في فكره العسكري) ط: 1، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، 1434 ه - 2013 م

23. نهج البلاغة الناشر: العتبة العلوية المقدسة / في النجف الاشرف 1431 ه - 2010 م.

ص: 351

ص: 352

الخطاب الديني ونفور الشباب منه وأليات بناء الثقة في ضوء فكر الإمام علي عليه السلام

اشارة

الباحث محمد قاسم عبد الحميد الحبوبي

ص: 353

ص: 354

المقدمة

بسمه تعالي خالق الخلق وله الحمد، وبه نستعين من دون أحد، والصلاة والسلام على صفوة الخلق محمد وآله ذوي النهى وخير سند، وبعد..

يمتاز الخطاب الديني من بين أنواع الخطاب بأنه أكثر شمولية وأقرب وجدان للناس، فأما عنصر الشمولية فلاستيعابه الجوانب المختلفة، من نفسية واجتماعية وأخلاقية وتربوية وعلمية واقتصادية وسياسية وغيرها.. فضلاً عن جانب التبليغ الديني، وأما العنصر الوجداني فمن الواضح أنه يمثل انعكاساً للفطرة التي ولد الانسان عليها، فطرة التوحيد والإخلاص لله تعالى، تلك الفطرة التي يعنيها الحديث الشريف للنبي الأكرم (صلى الله علیه و آله) ((كل مولود يولد على الفطرة إلا أن يأتي أبواه فيهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه))، فطرة الدين الحنيف، وشريعته السمحاء، والمُعبرّ عنه في القرآن الكريم بتأكيد دون تردید ((إن الدين عند الله الإسلام)).

فإذا كان الخطاب الديني بهذه الشمولية والوجدانية، فلا عجب أن تكون له من الآثار الكثيرة والخطيرة على المجتمعات الإنسانية عامة، والإسلامية خاصة، فكيف لو كان الخطاب الديني مثلاً خطاباً علوياً، فإنه حتماً سيعطي للخطاب ألوان الحرية والتضحية والشجاعة، فيصير بذلك خطاباً جماهيريا يتجاوز الحدود رغماً عن أنوف الحكومات الوضعية، وصفعةً لضوابط الحدود والجنسية، وحينها ما خالف الصواب من قال: ((إذا أردت مشروعاً یزیل القيود وسجن المعاصر الحدود فدع عنك مشاريع الوحدوية والعولمة، وخذ صادقاً فکر علي..))، ونشد الأزر لكل من يسعى في تهذيب الخطاب الديني تطويراً للخطاب المعاصر.

ومن هنا نرى أن الخطاب الديني كي يُعطى حقُه ليُجنى ثمره، لا بد عند

ص: 355

البحث والتحقيق في أصوله وأبعاده التخلي عن التساهل والمجاملة وعن تقديم الأهداف والغايات البسيطة على الأهداف العليا والغايات العظيمة، تلك الغايات الشريفة التي لا شك أنها تمثل المبادئ الأساس للإسلام الحنيف، ومن أرادها واضحة بلا تكلف فلا يعدو سيرة المعصومين عليهم السلام، محمد وآل محمد عليهم السلام، ومن ثم سيرة من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

لقد آثرنا الحديث هنا عن الخطاب الديني من جهة التحديات المعاصرة، وأن الخلل فيه يلزم منه سلبا النفور العام وخاصة شريحة الشباب، مما يستدعي ضرورة إعادة الثقة أو بناؤها من خلال الذوبان في التراث العلوي وديمومة عطائه، ووجوب التصدي المنطقي والأخلاقي لتلك العقليات الا عقلية، والوثنيات المتزمتة التي لا ترى غير أوثانها..، فعمدنا إلى بحث آفات الخطاب وآليات علاجها، غايتنا منه الإصلاح ما استطعنا، عليه توكلنا وإليه أنبنا.

وقبل الغور في مطالب البحث وفروعه نقدم مجموعة من الأمور الأساسية، التي تمهد للمعرفة الإجمالية لفكرة البحث، وهذه الأمور عبارة عن بيان لأهمية البحث وأهدافه، ومنهجه ونطاقه، والهيكلية العامة للبحث، وكما يأتي تباعاً:

أولاً: أهمية البحث

يمكن تحسس أهمية هذا البحث من خلال طبيعة التحديات التي تعترض اليوم المنبر الديني في خطابه، لذا يمكن إجمال عناصر الأهمية بما يأتي:

التعرف على أسباب هذه التحديات، بعد تشخيصها بصورة إجمالية.

تمييز التحديات الداخلية المتعلقة بنفس الخطاب عن التحديات الخارجية، ثم حصر البحث في الأولى، للتركيز على أهمية تحصين الخطاب في ذاته وحفاظاً على

ص: 356

قدسيته، قبل الانطلاق به إلى العالم الخارجي، لأن التحديات الداخلية تُمثل بعبارة أخرى سلبيات الخطاب.

مناقشة التحديات باختصار تفرضه أجواء البحث، ومن ثم وصف بعض العلاجات من كلام أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام وتراثه الفذ في تصحيح مسار بناء الثقة، ومنه تعالى العون والتسديد.

ثانياً: أهداف البحث

وهي مجموعة من الرؤى المستقبلية التي يسعى البحث إلى إبرازها والتي أهمها:

الصياغة العلمية لتعريف التحدي المعاصر للخطاب الديني.

تشخيص التحديات المعاصرة الأكبر أثراً في نفور الشباب من الخطاب الديني.

السعي لبلورة فكرة لجان التقييم الخطابي التي تُعد خطوة أساسية وجريئة في تفعيل فكر الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة أملاً في تحصيل طفرة نوعية للواقع الخطابي.

ثالثاً: منهج ونطاق البحث

يلتزم البحث في دراسته هنا بمنهج الوصف والتحليل، وإن كان في بعض الفقرات يأخذ بمنهج المقارنة إلا أن ذلك لم يصل إلى حد المنهج العام للبحث.

وأما نطاق البحث فهو دراسة خصوص التحديات التي يعيشها الخطاب الديني اليوم وليس مطلق الأزمنة، كذلك يختص البحث بدراسة التحديات الداخلية أي التي تواجه نفس الخطيب بخصوص خطابه شكلاً ومضموناً، فلا

ص: 357

يشمل البحث التحديات الخارجية، من قبيل تحديات العقيدة، وتحديات الثقافة الغربية والعولمة المزيفة أو تلك التي تواجه السلوكيات الاجتماعية وغير ذلك مما يطول ذكره، فغاية البحث التوجه لتحصين الخطيب في ذات خطابه، ليكون خطوة أساس لمن يسعى إلى دراسة التحديات الخارجية والتخطيط لمواجهتها.

رابعاً: خطة البحث

يتألف البحث من أربعة مطالب و مجموعة من العناوين الضمنية، فالمطلب الأول عام لبيان مفهوم تحديات العصر، فيشمل تعريفها وأسبابها وتقسيماتها وفقاً لرؤية الباحث، وأما المطلبين الثاني والثالث فهي لبيان التحديات الشكلية والموضوعية المواجهة للخطاب الديني فقط، والتي تمثل بمجموعها علل الخطاب في نفور الشباب، وأما المطلب الرابع فيختص ببيان آليات بناء الثقة المستوحاة من فكر الإمام علي عليه السلام، وأخيراً الخاتمة التي نجمل فيها نتائج البحث ومقترحاته، ومنه تعالى نرجو القبول والتوفيق.

ص: 358

المطلب الأول مفهوم التحديات

يشمل المفهوم كل ما يدخل في بيان معنى التحديات، للوصول إلى أوضح وأدق صورة ذهنية في نفس المتلقي عن مصطلح التحديات المعاصرة للخطاب الديني، ولذا سيتضمن تعريفها وأسبابها وأقسامها، من خلال ثلاثة فروع وكما يأتي:

الفرع الأول: تعريف التحديات

يمكن الاطلاع على المعنى الاصطلاحي لكلمة التحديات في العنوان من خلال التعرف أولاً على المعنى اللغوي للفظ التحديات، وحسب ما يأتي:

أولاً: المعنى اللغوي

إن لفظ التحديات هو جمع لكلمة «التحدي«، وترجع كلمة التحدي إلى الفعل حدَّ وحدا، وله عدة معاني إلا أن أهمها وما يعنينا هنا معنيان، الأول يعني قَیَّدَ، وَقَفَ حائِلاً دونَ انْتِشارِ الشيء، والثاني يعني المانع لكلّ ما ليس منه، و حَدَّهُ عَنِ الأَمْرِ: صَرَفَهُ عَنْهُ ومَنَعَهُ(1)، ويرجع أصل المعنى في كليهما إلى ما ذُكر في لسان العرب: «تحديت فلانًا إذا بارته في فعل ونازَعْته الغلبة»، وهي الحُدَیَّا»(2).

ثانياً: المعنى الاصطلاحي

قبل بيان المعنى الاصطلاحي للتحدي المراد في عنوان البحث لا بد أن نميز بين التحدي الصادر والوارد، فالتحدي الصادر هو طلب الإتيان بالمثل عن طريق المحاججة والغلبة، كما في التحدي الصادر من القرآن لعتاة قريش وغيرهم

ص: 359

في طلب الإتيان بمثله: (وإن کنتم في ریب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله)(3)، وليس هنا محله، وأما محل البحث هنا فهو التحدي الوارد، وهو ما يرد على الشيء ويعترضه، فالتحدي الاصطلاحي هو كل ما يجابه شيئا لنقده أو إزالته.

لذا فالمعنى الاصطلاحي المراد هنا من التحدِّيات المعاصرة التي تواجه الخطاب الديني هي كل ما يعترض اليوم منبر الخطابة في ذاته أو خطابه، شکلاً وموضوعاً، بما یُقيِّده أو يُقوِّمه، أو يَمنعه من تأدية دوره الرسالي.

الفرع الثاني: أسباب التحديات

تُعد مسألة البحث في أسباب نجاح أو تعثر منبر الخطابة، خطوة أساس الإنعاشه وتطويره، لذا يمكن إرجاع عموم التحديات التي تواجه المنبر الديني إلى عدد من الأسباب الرئيسة التي يمكن إجمالها تسلسلاً من شخص الخطيب وواقعه إلى أحوال المجتمع وثقافته سعياً لإمكانية استشراف مستقبله، وكما يأتي:

أولاً: أسباب ذاتية

تختص هذه الأسباب بذات الخطيب في نفسه وخطابه، أي مقوماته الشخصية ومؤهلاته الخطابية، بحيث يشكل الخلل في بعضها أو مجموعها غرضاً للغير، حتى يمتد الأمر ببعضها إلى مناجزة المنبر في ذاته، ولا بأس من أن يكون هناك أنموذجاً يُحتذى أو يُستعان به، ثم إلى خصوص ما يتعلق بالخطاب من هذه الأسباب الذاتية سوف يرتكز البحث، لأنها تشكل أدوات لخلق التحديات الموجهة للخطاب الديني، سواء في شكله أو مضمونه، ونُرجئ بحثها تفصیلاً تبعاً لتحدياتها في المطلب الثاني والثالث، وأما باقي الأسباب فتبحث هنا استطراداً.

ثانياً: أسباب اجتماعية

ص: 360

يمكن إجمالها بما يأتي:

تطلعات المجتمع في أن يقدم المنبر حلولاً لمجموعة من المشاكل الاجتماعية المتعلقة بتربية الأسرة ومشاكل الزواج والطلاق، والميراث والجوار وغيرها.

معاناة الخطيب من آثار التناسب العكسي بين نسبة الحضور والتفاعل الأخلاقي، وازدواجية الحق والباطل عند المخاطب.

ندرة القدوة الاجتماعية في عالم اليوم وضعف الدور التوجيهي لمؤسسات المجتمع المدني والإخفاق في توظيف التراث توظيفاً إيجابياً.

ثالثاً: أسباب اقتصادية

يعزو البعض(4) انتشار المنبر واتساعه إلى ارتفاع المستوى الاقتصادي لمقيمي المجلس وتنافسهم في بذل الخدمات للجمهور وفي عطاء الخطيب فيندفع بذلك التحدي القائم حيال اتساع رقعة المنبر الجغرافية، ولكن الواقع يُثبت أن ارتفاع المستوى الاقتصادي لا يلازمه دائماً الأثر الإيجابي، بل كثيراً ما ينعكس الأمر ويتضارب ذلك مع رسالة المنبر الإلهية، فيغدو منبراً شكلياً، لذا فإن ارتفاع المستوى الاقتصادي العام لا يشكل عاملا أساساً لانتشار المنبر وفاعليته إلا بعد الحفاظ على مبادئ منبر الخطابة وأهدافه.

رابعاً: أسباب سیاسة

يمكن إجمالها بما يأتي:

التضييق الذي تمارسه السلطة السياسية سواء على الخطيب، أو على من يعقد المنبر، أو على مرتاديه، أو جبرهم على تبني أفكارها.

تسييس الخطيب، حتى يغدو صوتاً إعلامياً للكتلة أو الحزب السياسي.

ص: 361

إقحام الخطاب بالتجاذبات السياسية حتى إذا ما بان خطأ أفكار الخطيب وتقييماته انجرت الألسن إلى ذات المنبر لتجريده مصداقيته.

خامساً: أسباب علمية

وهي عبارة عن مجموعة من الأسباب التي ترجع إلى تدني الحصيلة العلمية للخطيب، أي في المخزون العلمي وليس في أصل خطابه، سواء كان الضعف في الإعداد العقدي، أدلة وتبياناً، أو في الإعداد الفقهي إذا ما أراد التوسع في بيان المسائل الفقهية، خصوصاً فقه المسائل الخلافية، أو ضعف التفسير العلمي الذي يخالف ما عليه تطور العلوم، طبية كانت أو تطبيقية، بل حتى النفسية والإنسانية، مما يشكل مؤشراً سلبياً على ثقة المستمع بالمنبر عامة والخطيب خاصة(5)، فيتحول من كونه تحدياً علمياً مجرداً إلى تحدي علمي وأخلاقي خطير، يصطدم بذلك مع مبدئية المنبر وهيبته.

سادساً: أسباب عدائية

تختلف جذور العدائية للمنبر الخطابي باختلاف أرضية المعادي والغرض الذي يرمي إليه، لذا يمكن إجمال هذه الأسباب بما يأتي:

استمرار النواصب لأهل البيت عليهم السلام ومن هم على طريقتهم (فعلاً أو حكماً) في بث سمومهم وافتراءاتهم، أو إرهاب الفكر والدم، كما في سعيهم لكف المؤمنين عن لسانهم الصادح بالحق «المنبر الحسيني».

الفكرة الخاطئة لمدعي الثقافة العصرية في أن المنبر الديني يُشكِّل حجر عثرة في طريق العصرنة والعولمة، كالحاصل في محاربة المنبر الحسيني، إذ تراهم على أهبة الاستعداد للتعاون مع شياطين الإنس والجن إرضاءً لكل عدو وإعلاماً لثقافة النفاق التي يحملون وزرها بجهل مركب إلى يوم القيامة.

ص: 362

سابعاً: أسباب افتراضية

وهي مجموعة من الاحتمالات التي تدخل ضمن عالم التوقع الإمكاني لانبثاق محتملات من التحديات الجديدة، بناءً على الفكر التطرفي أو الجاهلي الذي تستند إليه، فيلزم منّا الكون المستمر بوضع الأهبة والاستعداد، حذراً وحمايةً للمنبر من عواقب الغفلة والعفوية، وهي كما يأتي:

استمرار الفكر التكفيري لإتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، الذي دأبه المواجهة وتهميش الغير، فهو ماكنة شغّالة لتوليد التحديات.

استمرار الفكر اليهودي وأتباعه للنيل من الإسلام المحمدي الأصيل، فيلزم الحذر منه أشد الحذر تبعاً لإيماننا بإخبار القرآن بذلك: ((لتجدنّ أشدَّ الناس عداوةً للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا))(6).

الاستعداد للشبهات والإشكالات المختلفة التي يُثيرها الجدليون أو الشواذ ويهتف بها جهلة الناس، كشبهة ألوان العزاء المبتدعة مثل التطبير بالهراوات أو تطيين الوجه، أو جدلية التساؤل عن نجاسة أو طهارة دمع اليهودي الباكي على الحسين وكيفية الجواب المناسب حذراً من هياج العوام(7).

الفرع الثالث: أقسام التحديات

توجد للتحديات تقسيمات عديدة، وذلك تبعاً لاختلاف حيثية التقسيم، فالتقسيم قد يكون من حيث أسباب هذه التحديات، وقد يكون من حيث الانتهاء العقدي وعدمه، وقد يكون من حيث عموم أركان المنبر، أو من حيث أحد أركان المنبر، ويمكن التعرف على تفصيل التقسيمات المذكورة من خصوص خلال ما يأتي:

ص: 363

أولاً: التقسيم من حيث السبب

بناءاً على أن أسباب التحديات تكون مختلفة وكثيرة ولا يمكن حصرها، إلا أنه يمكن تقسيمها وفقاً للأسباب الشائعة التي يأخذ فيها التحدي اسمه من السبب نفسه، والتي تختلف فيما بينها تأثراً وتأثيراً، وعليه تُقسم إلى تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية وعلمية وعدائية ونفسية وذاتية وغير ذلك، تبعاً للسبب الذي تختلف فيه الأنظار، في عمومه وخصوصه، وفي إطلاقه وتقييده.

ثانياً: التقسيم من حيث الانتماء العقدي

يُعد الجانب العقدي أو العقائدي على درجة كبيرة من الأهمية، حتى أن كثير من المشاكل والحروب ذات جذور عقدية، لأنه على ضوء هذا الجانب تتوقف علاقة الانسان بخالقه، بل إن أكثر سلوكياته يمكن توقعها تبعاً للأصل العقدي، ومدى التزامه الحقيقي بذلك الأصل، ثم إن كثير من موارد الخلاف بين الأفراد والمجتمعات، ووسائل النفور والتقريب بينها مما يرتبط بهذا الجانب، وعليه تقسم التحديات تبعاً للانتهاء العقدي إلى تحديات عقدية أو طائفية وأخرى غير عقدية.

ثالثاً: التقسيم من حيث عموم أركان المنبر

يقصد بأركان المنبر: الخطيب والخِطاب والمُخاطب (الجمهور)، وهذه الأركان مها كانت تفصيلاتها فلا تتوجه التحديات إلى خصوصياتها، بل إلى عموم الأركان من خلال توجيه التحدي إلى أصل المنبر الحسيني، للقضاء عليه أو الحد من تأثيره، وعليه ترجع هذه التحديات في عمومها إلى أسباب عدائية، لذا فإن التخفيف من حدتها يكمن في الانفتاح على تراث المذاهب الإسلامية الأخرى والتفاعل معها(8)، وبناء على هذه الحيثية تقسم التحديات إلى تحديات منبرية وغير منبرية.

ص: 364

رابعاً: التقسيم من حيث خصوص أحد أركان المنبر

يستند هذا التقسيم إلى أحد أركان المنبر، فقد تتوجه التحديات إلى الخطيب، فتُقسم إلى تحديات شخصية وغير شخصية، يترتب على أثرها وضع مجموعة من الشرائط الواجب توفرها في شخصية الخطيب مثل فصاحته وبلاغته وتأريخه وعلميته وغير ذلك مما له دخل في الحد من تلك التحديات الشخصية، والمقارنة بينها سلباً وإيجاباً لمعرفة الأكثر تأثيراً للاهتمام به، وتارةً أخرى تتوجه إلى المُخاطب، فتُقسم إلى تحديات الجمهور (المتلقي) وغير الجمهور، يترتب على أثرها ضرورة الاهتمام بالأبعاد الاجتماعية لمجابهة تلك التحديات، والمقارنة بين أشدها وقعاُ وأعظمها نفعاً، من قبيل التقليل من المجالس الفردية (مجالس البيوت) لأجل المجالس العامة ذات الحضور الكبير ولمختلف فئات المجتمع رغبة في التوعية الهادفة والإرشاد الجماعي مقارنة عما عليه الحال في آثار المجالس الفردية.

وتارةً ثالثة تقسم التحديات وفقاً للخطاب إلى تحديات داخلية ترجع إلى خصوص الخطاب، وتحديات خارجية ترجع إلى كل ما يحيط بالخطاب سواء ما تعلق بأركان المنبر الأخرى أو ما هو خارج نطاق المنبر، والتحديات الداخلية هي نطاق البحث هنا إذ تخص ذات الخطاب، ولذا تُقسم وفقاً لظاهر الخطاب إلى تحديات شكلية كما في المطلب الأول، ووفقاً لجوهر الخطاب إلى تحديات موضوعية كما في المطلب الثاني، والتي آثرنا البحث عنها لإيماننا بأنها الداء العضال الذي هو وراء نفور الشباب وامتعاضهم من جملة الخطاب الديني، وهي كما يأتي.

ص: 365

المطلب الثاني: تحديات الخطاب الشكلية

وتعني تلك التحديات المتوجهة نحو صورة الخطاب الصادر، من حيث أسلوب عرضه وألفاظه وأحكامه، التي تكون سبباً لنقد الخطاب والتعريض به، ومن ثم اتساع الهوة بين الخطيب والمخاطب، لاسيما الشباب فينفروا منه فرار المعزة من ذئب الفلاة، وقد تتداخل بعض هذه السلبيات مع مواصفات الخطيب، وهو أمر طبيعي بناء على العلقة الشديدة بين الخطاب وجهة صدوره، إلا أن مرادنا الأساس يبقى حول تقييم ذات الخطاب، ويمكن إجمال التحديات الشكلية بما يأتي:

الفرع الأول: ضعف اللغة

تُعد اللغة أساس الخطاب، ومهما كانت درجة الأهمية لفكرة الخطاب، أو خطورة الظرف الذي يُحتم قصر النظر نحو هدف الخطاب، فإنه لا يمكن التساهل بأخطاء اللغة التي تسلُب الخطاب رونقه، وحرارة وقعه في قلبه المُخاطب(9)، كأخطاء التلفظ للحروف، أو أخطاء قراءة الآيات القرآنية وأحاديث المعصومين عليهم السلام التي شواهدها ما لا يسع المحل لذكرها، وكذلك الأخطاء النحوية التي أضحت المعضلة الشائعة، من قبيل الاستعمال الكيفي لعلامات الإعراب، بما تمجُّها الأسماع، فتُسيء كثيراً إلى سمعة المنبر وأصالته العربية بشكل مخجل،، والتي سببها الأساس سوء الاستماع وعبث الاستعمال، فإذا السليقة السليمة معدومةٌ عنده (فتسمع بعضهم قائلاً «يمكن» بفتح الياء وضم الكاف)، أو يعيَ في تركيب الجمل (كمن يقول: أستأذن منك، والصحيح أستأذنك، أو: أكّد على كلامه، والصحيح أكّد كلامه)، أو تخمة الخطاب باللهجة العامية فيبدو شائعاً التلكؤ

ص: 366

بانتقاء الكلمات المناسبة، أو التخبط في ضوابط التقديم والتأخير، وغير ذلك مما ينبغي لعلاجه الاستعانة بأهل اللغة وذوي النطق السليم والكتب المختصة بأخطاء المنشئين، أو لا أقل من تلافي أخطاء التعبير الذاتي بالإكثار من ذكر كلام أهل البيت عليهم السلام وتأديته بصورته الصحيحة(10).

الفرع الثاني: تشوش العرض

الا ليس المراد تقييد الخطاب بأسلوب واحد، بل للخطيب الابتداء بما شاء من آية قرآنية أو حديث شريف أو قصة، لكن ينبغي الالتزام بما قدّم ولا ينتقل عنه إلا بعد تمام الفكرة المقصودة، وإلا ضاع الفكر والوقت، بل قد يتذمر المتلقي كثيراً لسوء العرض والذي أقله عدم التفاعل مع الخطاب، حتى يصبح الوقت ثقيلاً عليه، فمثلاً تقديم ذكر المصيبة أمر جيد إذا كان الهدف مجلساً بكائياً كأيام العشرة الأولى من المحرم، وأما في الأيام الاعتيادية أن نعمد إلى تقديم ذكر المصاب ثم ننتقل إلى موضوع الخطاب ثم نختم بذكر المصاب أمر لا يخلو من الإرباك وتشوش الفكر.

الفرع الثالث: التكرار

يعني التكرار إعادة بعض الكلمات أو التراكيب، وأصله من الكر بمعنى الرجوع، وهو أحد أساليب التوكيد في اللغة لغرض بيان أهمية الشيء أو لشدِّ السامع، بل هذا القرآن الكريم مما يبدو فيه التكرار اللفظي كثيراً لمناسبته لأغراض التنبيه والتحذير والتشويق والتذكير وغيرها مما يبدو حسنه واضحاً جلياً، ولكن في المقابل لا يصح الإفراط فيه إذا غابت عنه الفائدة وخالف مقتضى حال المخاطب، حتى يصبح في حالات شائعة علامة مميزة للخطيب ومدعاة لتوجيه التحدي للمنبر، كالاعتياد على اسلوب عرض واحد مما يلزم منه الرتابة والملل، أو تكرار نفس الكلمة أو العبارة بلا مناسبة، أو التكرار بطريقة اللف والدوران حول قصة

ص: 367

بسيطة واضحة البناء والمضمون، فلا يُجدي عندها الوعظ أو النصيحة حينئذ.

الفرع الرابع: التعميم

وهي ظاهرة إضفاء الشمولية للقضايا المطروحة بإحدى صيغ العموم (کل، جميع، صيغ الجمع المحلى بالألف واللام) وهي حالة تعبيرية سليمة حينما تكون عقيدة كما في الإيمان بجميع الرسل والأنبياء، أو حكماً فقهيا كما في الحكم بطهارة كل شيء حتى نعلم بنجاسته، أو أمراً منطقياً كما قولنا: كل إنسان حيوان ناطق، حيث لا يتخلف أي مصداق من مصاديق تلك القضايا وإلا لم تكن قضايا كلية وأصبح استخدام أدوات العموم عيباً كلامياً، وهو ما يحدث كثيراً في خطابات المنبر عند الحديث عن مفردة سلبية مثلاً فينقلب الحكم فيها فجأة إلى التعميم، كما لو أساء البعض في تأدية إحدى الشعائر الحسينية فيصدر الحكم الجزافي من المنبر ببطلان أصل الشعيرة أو تخطئة جميع الممارسين، بل قد تصل الجرأة في الحكم إلى حد التبشير بجهنم وبئس المصير لجميع الناس من أهل تلك المنطقة التي شوهد فيه منظراً على غير هدىً، فيلزم من ظاهرة التعميم الجزافي حينئذ سخرية المتحدي لعشوائية الأحكام وظلم الأنام، بل المشكلة الأكبر أن صاحب الخطاب ينه نفسه دائماً من عموم السلبية وهذا ما ينافي شفافية النقد ومصداقية المنبر(11).

الفرع الخامس: القطع

يقسم علماء المنطق العلم بالأشياء إلى ثلاث مراحل، هي مرحلة الاحتمال (العلم الضعيف) والظن (العلم الراجح) والقطع (العلم الجازم)، فالقطع أعلى مراتب العلم بالشيء الذي لا يقبل احتمال ما يخالفه، كما في قطع الإنسان بأنه موجود، وبقدر ما يسعى الإنسان إلى زيادة خزينة مقطوعاته بناءاً على أنها مؤشر

ص: 368

لرسوخ علمه، كما في سعي المؤمن لترسيخ إيمانه أحكام القطع بقدرة الباري عز وجل وحلمه وحكمته وتدبيره ورحمته.. إلا أن القطع لا يحسن في جميع الأحوال بل إن دائرة القطع نسبية، إذ تزيد في حال الكلام عن الحق المطلق، وتنقص فيما سواه، بل إن الحكمة في غيره تكون مع سعة الاحتمال، وعندها يقبح الظن فكيف بالقطع؟، لذا فمن مساوئ الخطاب حينئذ هو سرعة القطع أو كثرته مما يولِّد تحدياً للمنبر وتزلزل ثقته، ولذا يُقال لكثير القطع: (قطع القطاع لا اعتبار به)(12).

الفرع السادس: المزاجية

المزاجية هي شعور انفعالي مؤقت ومتكرر مثل الحزن أو الفرح، وهي أمر طبيعي ضمن دائرة الفرد ونفسه، إذ تنعدم الحواجز بين نفسه وجوارحه، فقد يُكلِّم نفسه أو يؤنبها وغير ذلك، ولكن عندما ينطلق الفرد بتنقلات سريعة في استشعاراته النفسية حين خطابه على المنبر، فإن الأمر يبدو مستغرباً أو مستهجناً، إذ يُفترض بالخطاب كونه رسالة إلى الجمهور لنقل المعلومة وبسطها وتحليلها وإيقاعها في قلوبهم بأحسن وجه وأجمل صورة، وأما المشاعر الانفعالية فهي شأن الجمهور، ولا بأس أن يُشارك صاحب الخطاب جمهوره في الانفعال، لكن من دون أن يطغى عليهم، حتى يصل إلى درجة تكلف الانفعال فيمثل تحدياً لنزاهة الخطاب، أو يصل به الحال أن يكون المنبر مسرحاً لعرض ما يُحب أو لا يُحب، أو تتأثر نغمة الخطاب برخاوة الأعصاب أو شدها تبعاً لأجواء ما قبل صعود المنبر، فيصبغ المنبر ألوان انفعالاته، بينما الحق أن لا صبغة للمنبر غير دم الحسين ومبادئه.

ص: 369

المطلب الثالث: التحديات الموضوعية

تعني هذه التحديات كل ما يجابه الخطاب في موضوعه نقداً أو تضعيفاً، وهو من الأهمية بمكان لأنه يتعلق بمادة الخطاب التي يمكن إرجاع الكثير من حالات نفور الشباب إليها، كما عليه ما تقدم من التحديات الشكلية، ويمكن التعرف على التحديات الموضوعية من خلال الفروع الآتية التي تتدرج من الأصل وهو فكرة الموضوع وإلى الهدف من الموضوع ومنه إلى الخلل في مصادر الموضوع ومن ثم الخلل في مادة الموضوع سواء في عدم مراعاة المقابل وعدم التمييز بين الثوابت والمتغيرات والضعف في ربط الموضوع بالواقع، وكما يأتي:

الفرع الأول: فكرة الموضوع

يمكن تصور فكرة موضوع الخطاب من خلال عنوانه، فإذا كان عنوان الخطاب أو موضوعه هو آية الجهاد مثلاً، فإن فكرة الموضوع هو بيان فضل الجهاد ومنزلة المجاهدين وآثار الجهاد، ولذا يحسُن اختيار الموضوع بما يُناسب ظرف الخطاب، وأما فكرة موضوع الخطاب فينبغي فيها الالتفات إلى ما يأتي:

سلامة الفكرة، كما في حال التفسير السليم للآية مثلاً موضوع الخطاب، أو التفسير السطحي الذي لا يتلاءم وثقافة المستمع ونوعيته (13).

المحافظة على الفكرة، فلا يحسن ترك موضوع الجهاد (موضوع الخطاب) وصرف الخطاب نحو الشهادة، لأنها وإن كانت ضمن موضوع الجهاد إلا أنها أثرٌ كباقي آثار الجهاد كالنصر والصبر والثبات والإيثار وغيرها، ولو كانت غاية الخطاب هي الشهادة للزم أن يكون الموضوع هو آية الشهادة.

ص: 370

تطبيقات الفكرة، وهي الأمثلة التاريخية أو الواقعية التي تقرب الفكرة وتزيد تفاعل الجمهور معها، لذا فإن الإتيان بأمثلة بعيدة عن الفكرة يمثل تحدياً للمنبر في فكرة خطابه، ووقوعه أسير الشتات والبعثرة.

الفرع الثاني: هدف الموضوع

خطاب المنبر رسالة إسلامية لا وسيلة كسب، وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): (اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم)، لذا فإن جوهر الخطاب وأهميته تكمن في غايته، وعندئذ فإن تحدي المنبر في خطابه قد يكون عن طريق الخلل في هدف موضوعه(14) بما يأتي:

خلو الخطاب من أي هدف، ويُعرف هذا الخلل من خلال تشتت فكرة الموضوع أو انعدامه.

عدم تناسب هدف الخطاب مع موضوعه، كما لو كان الهدف بعث الهمة في الجهاد، بينما موضوع الخطاب آية كونية، وقد لا يصعب إيجاد العلقة بينهما إلا أن الخلل في التناسب واضح، وتكلف العلاقة بينهما أوضح.

سوء الهدف، كما لو كان الهدف إثارة الشبهات في زمان الفتنة أو الحرب.

الفرع الثالث: اشكالية المصدر

تعتمد قوة الخطاب وتأثيره إلى ما يتضمنه من نصوص أحاديث المعصومين عليهم السلام وقصص السيرة والموعظة وأقوال العلماء والأولياء وغير ذلك من صور المنقول، إلا أن أثر النقل وغايته مما يتوقف على صحة المنقول ومدی مصداقية مصدره، وإلا أضحى المنقول معولاً هادماً وسبباً لتحدي المنبر، بل قد يؤدي (والعياذ بالله) إلى السخرية والتهكم بكونه بوقاً للفرية والخرافة، ولعل هذا

ص: 371

من السرطان الذي تعايشنا معه مضضاً من دون علاج، وقد يصعب علاجه بالمرة لعدم السيطرة على مواضعه، ولكن يمكن التخفيف من حدته بضرورة التمييز بين صورتي انعدام المصدر أساساً فيُرفض علناً بلا مجاملة بدلیل عدم الدليل، وصورة ضعف المصدر، فيجب إنصافاً ذكر المصدر لمن يرى ضرورة نقل الخبر، وطوبی الأمانته لو ذکر مباني التقوية أو التضعيف، وشواهد ذلك كثير بما لا يسعه المقام.

الفرع الرابع: تغييب المخاطب

تُعد ثقافة المخاطب أمراً ضرورياً مكملاً للخطاب الناجح، فإذا كان المخاطب مستمعاً جيداً كان خير وسيلة محفزة لتطور الخطاب وكفاءته العالية لأن يكون إعلاماً راقياً، اقليمياً ودولياً، وأما لوكان عكس ذلك (أي جمهور أحسنت أحسنت كثيراً..!) كان داعياً لاحتضان من لا أهلية له للخطاب الواعي والمسؤول، فيلزم منه الضعف الموضوعي للخطاب الديني ورتابته وهمه الدمعة المجردة من الهدف بسبب عدم محفزية المقابل لتدني ثقافته، فيكون سبباً في بروز التحديات نحو المنبر، لذا فإن الخطاب المثقف والمسؤول من لا يتغافل مثل هكذا جمهور، بل يستشعر وجودهم، فينفعهم بأسلوب خطابه من دون أن تنعكس ثقافة الجمهور على خطابه، لذا فإن السعي الدؤوب لإحاطة الخطاب بفلسفة التواصل الجماهيري خير حافز للخطيب في إعادة الترتيب لأساليبه الخطابية(15)، لرفع الأداء في مجابهة التحديات الثقافية التي تجابه المنبر خاصة والعالم الإسلامي عامة (16).

الفرع الخامس: ضبابية الثابت والمتغير

تدخل جدلية الثابت والمتغير في جميع مجالات الحياة، سواء كانت في الكونيات کما في ثبات جملة من الظواهر كوجود الشمس والأرض والقمر، وتعاقب الليل

ص: 372

والنهار، أو تغير حركات الأرض ودرجات الحرارة وغيرها، وكذلك الحال فيما يتعلق بالشريعة، فمنها ما هو ثابت من أصول الدين وضروراته کوحدانية الباري عز وجل وعدله، وخاتمية النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وعصمته والأئمة الاثني عشر، أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم المهدي المنتظر عليهم السلام وفريضة الصلاة اليومية والصوم والحج والزكاة وغير ذلك، ومنها ما هو متغير کالأمور الفقهية التي هي محل النظر والاجتهاد، كتحديد المسافات ومواضع القصر والتمام للمسافر الشرعي وتطور الاقتصاد الإسلامي(17)، ومن ثوابت منهج أهل البيت عليهم السلام على سبيل المثال الورع عن المحارم(18)، لذا فإن فسح المجال للاجتهاد في مثل هذه الثوابت والترخيص بخلاف الورع، فتنتهك حرمة الطريق والأموال بحجة الخدمة الحسينية يُعد محاربة علنية لأهل البيت ومنهجهم الواضح، وكذا الجرأة بإصدار الحكم البات والجازم في المتغيرات يُعد من التخبط في خطاب المنبر، كما في ارتجالية الحكم بحلية سلب أموال الدولة بذريعة كونه مجهول المالك فيَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ خِضْمَةَ الْإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ (19) فيكون مثل هذا الخطاب سبباً لتوجه التحديات نحوه، سواء كانت الغاية من التحديات تنزيه المنبر من هذه الترهات أو غايتها تحطيم المنبر بذريعة قطع الترهات، ففي کليهما للمؤمن الغيور الحق في حماية المنبر بإزالة هذه الضبابية بتمييز الثوابت وحفظها والتذكير بها، لأنها بر الأمان عند الغور في أي بحث أو جدال، وكي تبقى في الجهة المقابلة ساحة المتغيرات مفتوحة الأبواب للفكر والجدل، إذ يستحيل غلقها إلا بوحي إلهي.

الفرع السادس: سذاجة الربط الواقعي

جرت العادة على سبيل المثال للمنبر الحسيني في خطابه أن يكون ختامه حول مصائب عاشوراء وما جرى في كربلاء، إبقاءً لجذوة المصاب وحرارته في قلوب

ص: 373

المؤمنين، لذا فإن حُسن الانتقال من موضوع الخطاب إلى ذكر المصاب یکون له في نفس المخاطب وقعاً طيباً يبقى أثره حاضراً في القلب للعلقة الحسنة بين الموضوع والمصاب، وهكذا الحال لمطلق الخطاب الدني، لذا فإن سذاجة الربط تعني البساطة المبتذلة في ربط موضوع الخطاب بقضية واقعية والتي تُثير النقمة والملل، بل تفتح التحدي ضد المنبر لفشله في إحداث التأثر القلبي لدى المخاطب والخيبة من رجاء نقله إلى أجواء عاشوراء واستشعار حرارة المصاب (20).

ومن هنا يمكن للمتتبع إرجاع بعض سذاجة الربط الحسيني للأسباب الآتية:

تنافر الألفاظ ما بين موضوع الخطاب والشاهد الواقعي، كما إذا كان موضوع الخطاب بحث عقائدي وألفاظه مصطلحات فلسفية، بينما ينتقل إلى الشاهد الواقعي وإذا ألفاظه من اللهجة العامية الغير ملائمة لسابقاتها (21).

تنافر موضوع الخطاب مع موضوع الشاهد الواقعي، فيصعب معه الانتقال.

فجائية الانتقال من موضوع الخطاب إلى الشاهد الواقعي، فلا يُجدي معه تحقق التناسق اللفظي والموضوعي بينهما.

غياب فنية الانتقال، إذ مع وجود التمهيد للربط بالواقع وتلافي العيوب أعلاه، فقد يخفى معه هدف الربط کما في ضياع هدف الربط الحسيني (تحسس المصاب وحرقته) لبرودة الانتقال، وهكذا الحال مع قصد الخطيب في التوجيه والإرشاد فيغيب عنه حسن الاستشهاد لمواعظ علي (عليه السلام) في نهج البلاغة بأمور واقعية خالية من التكلف.

ص: 374

المطلب الرابع: آليات بناء الثقة من فكر الإمام علي عليه السلام

لقد وضع المختصون في علم التربية والنفس جملة من الوسائل والآليات لبناء أو إعادة بناء الثقة عند الناس في مختلف فئاتهم العمرية، ولكن ما يهمنا هو كلام رائد الفكر والتربية الإمام علي الذي حير الألباب في سعة علمه ودقة تشخيصه، وتكفينا وصيته إلى ابنه الامام الحسن (عليه السلام) كتبها إليه بحاضرین منصرفاً إلى صفين (22) حيث يمثل بخطابه انموذجا للخطاب الراقي في تكريم الشباب وبناء الثقة لديهم، والذي سوف نستقرئ منه جملة من آليات بناء الثقة بعد الاستعانة بالله تعالى: -

الفرع الأول: الاعتصام بالله

يوصي الإمام علي (عليه السلام) ولده الإمام الحسن (عليه السلام) أن لا ملجئ لأحد وفي جميع أمور الناس وأحوال الدنيا غير الله تعالى إذ يقول: ((وألجئ نفسك في الأمور كلّها إلى إلهك، فإنّك تُلجئها إلى كهفٍ حريز، ومانعٍ عزیز، وأخلِصْ في المسألة لربّك، فإنّ بيده العطاء والحرمان )) وهو بذلك يعطينا الدرس الأول والأساس الذي لا يمكن أن يغيب عن كل انسان يدعي الإيمان، كيف لا يلجئ إلى الله عز وجل عند كل أمر تقل فيه الحيلة ويضعف عنده الفؤاد؟! وكيف نزرع في قلوبنا ونحن لا ثقة لنا في إيماننا!! ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب.

الفرع الثاني: إكبار الشأن

يحتاج الشباب من يرفع من شأنهم ويجعله في محل المسؤولية، بل إن أمير

ص: 375

المؤمنين (عليه السلام) يمضي إلى أكثر من ذلك حيث يخاطب ابنه الشاب کما لو كان في عمره ويعده إعداداً نفسياً كما لو كان هو بنفسه بکلمات بليغة لا أحد سبقه بتلك الرقة والدقة سوى القرآن وحدیث المصطفى (صلى الله عليه وآله) حيث يقول الإمام علي (عليه السلام) ((من الوالد الفان.. وجدتك بعضي بل وجدتك كلّي، حتّى كأنَّ شيئاً لو أصابك أصابني، وحتّى كأنَّ الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني عن أمر نفسي)) لتأخذ هذه الكلمات أثرها في صقل شخصية الشاب وثقته بنفسه.

الفرع الثالث: الاعتزاز بالنفس

وهنا مرض اجتماعي شائع يشخصه الإمام علي (عليه السلام) وكثيراً ما نجده متأصلاً عند الكثير من الناس وهو إزراء الإنسان نفسه من دون موجب، وجعلها في موضع الضعف والعبودية، بل حتى في مجال العمل وكسب الرزق فإنه يزيدنا ثقة بأنفسنا أن لا نكون أجراء عند غيرنا ما استطعنا، إذ يقول (عليه السلام): ((ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً.... وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنّك مدرك قسمك وآخذ سهمك، وإنّ اليسير من الله أكرم وأعظم من الكثير من خلقه وإن كان كلٌ منه)) وقد قال تعالى «مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (23).

الفرع الرابع: تناسي الهموم

کم جميل هذا التشبيه وهو يصور قلب الشاب أرض خصبة تستجيب لكل ما يلقى فيها، لذا ينبغي الإسراع أن یکون زرعها طيباً وبإرادة مالكها، ذلك الشاب، وهذا أبلغ درس في بناء الذات الشبابية ((وإنّما قلب الحدث كالأرض الخاليةَ ما

ص: 376

أُلقي فيها من شيء إلا قبلته، فبادر بالأدب قبل أن يقسو قلبك، ويشتغل لبّك)) وإلا ضاعت النفس وأعجزت وعّاضها.

الفرع الخامس: أخذ الأهبة

يقول تعالى: فاستبقوا الخيرات (24)، ويقول أيضاً عز وجل: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين (25)، وأفضل البر صلة الرحم وحسن المعاشرة مع الناس إذ يقول (عليه السلام): ((وأكرمْ عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير، وإنك بهم تصول، وبهم تطول اللذّة عند الشّدة، وأكرمْ کریمهم، وعُد سقيمهم، وأشركهم في أمورهم، وتيسّر عند معسورهم)) والتي لا شك أنها ستترك أثرا نفسياً بالغاً في شخصية الشباب وحسن تعاملهم مع الآخرين مما يزيدهم ثقة في المواقف الصعبة وخبرة في القول العمل وتصريف الأمور من دون خوف أو تردد.

الفرع السادس: مبادرة البر والخير

يذكر الدكتور ابراهيم الفقي خبير التنمية البشرية في ضرورة التحكم في الذات وأن تجبر نفسك على التركيز على الإيجابيات وتعود البحث عليها وتجنب الأفكار السلبية (إذا نظرت بعمق إلى حياة الناجحين، فسوف تكتشف أنها تمتلئ بتجارب الفشل المثيرة، سنجد مثلاً أن ابراهام لینکولن قد فشل كأمين مستودع وكجندي وكمحام ومع ذلك ساعدته كل هذه التجارب على نحو خاص في أن يقود الولايات المتحدة في أسوء أزماتها في الحرب الأهلية)(26)، وقد لخص الإمام علي (عليه السلام) ذلك بقوله: ((واطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين)) فإنه بعبارة بليغة يصف السلبيات وآثارها بلفظ دینامیکی (واردات) يفسر القلق والاضطراب النفسي الذي يعيشه الانسان من جراء سيطرة الأفكار السلبية على نفسه.

ص: 377

الخاتمة

بعد تلك الرحلة الموجزة عن آفاق المنبر الديني وما يمكن أن يتعرض له خطابه من تحديات معاصرة، فإنه يمكن تلخيص نتائج البحث ومقترحاته بما يأتي:

أولاً: تمثل التحديات كل ما يتعرض له المنبر من نقد أو هدم أو عداء، لذا ينبغي التعامل معها بكل جدية وخلقية من أجل المحافظة عليه وتطويره بهيبة ووقار.

ثانياً: المراد من مصطلح التحدِّيات التي تواجه المنبر الديني هي كل ما يعترض ذلك المنبر في ذاته أو خطابه، شکلاً وموضوعاً، بما يُقیِّده أو يُقوِّمه، أو يَمنعه من تأدية دوره الرسالي.

ثالثاً: اقتصر موضوع البحث على خصوص التحديات التي تواجه المنبر الديني في خطابه، والتي يرى الباحث أنها الأساس في أسباب هبوط الخطاب الديني.

رابعاً: لقد آثر البحث تقسيم التحديات الموجهة نحو المنبر في خطابه إلى تحديات شكلية وأخرى موضوعية، والتي تشكل بمجموعها حجر العثرة وراء نفور الشباب من الخطاب الديني..

خامساً: يقترح البحث أهمية اعتماد ما ذكره من تحديات موجهة نحو الخطاب الديني شكلاً وموضوعاً كأساس للتقييم والمفاضلة والتي يمكن تعديلها وتفريعها.

سادساً: يوصي البحث بضرورة إقامة لجان تقييم وتقويم الخطاب المنبري،

ص: 378

خدمة لقضايانا المصيرية وبنائنا الحضاري، وأن تتبناها جهات معروفة بوزنها الخطابي والعلمي في دراسات نهج البلاغة إيماناً بمسؤولية الخطاب الديني الخطيرة وحرصاً على ثقة الناس به.

هوامش البحث:

1. المعجم الجامع للمعاني، كلمة حدَّ.

2. ابن منظور، لسان العرب، مادة حدا.

3. سورة البقرة / آية 23.

4. الشيخ فيصل الخالدي الكاظمي، المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل، ط 1 2004 م، ص 384.

5. الشيخ علي حسن سند، مقالة بعنوان: مخاطر التحديات التي تواجه المنبر الحسيني، موقع حوزة الهدی.

6. سورة المائدة / آية 82.

7. الشيخ مهدي العطار - عبد الجبار الرفاعي، کتاب قضايا إسلامية عدد 5 سنة 1997 م ص 16، نقلاً عن السيد هبة الدين الشهرستاني، مجلة العلم، السنة الثانية 1911 م، ص 266.

8. الشيخ أحمد الوائلي، تجاربي مع المنبر، دار الزهراء - بيروت، بلا سنة طبع، ص 152.

9. عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ؉ اعلم أنّ الله عزّ وجلّ لم يبعث رُسُله حيثُ (حين) بعثها ومعها ذهب ولا فضّة، ولكن بعثها بالكلام، وإنّما عرَّف اللهُ نفسه إلى خلقه بالكلام.. ؉نقلاً وسائل الشيعة، ج 12 في أحكام العشرة باب 119 ح 5.

10. عن ابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن أبي الصلت الهروي قال: ( سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: رحم الله عبد أحيا أمرنا فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن کلامنا لاتبعونا) نقلاً عن کتاب عيون الأخبار للشيخ الصدوق، ج 2 ص 275.

11. محمد الحبوبي، الأبعاد العقائدية في الشعائر الحسينية، ط 1 مطبعة الرائد 1430 ه، ص 52 وما بعدها.

12. الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، شبكة الإمامين الحسنين، ج 1 ص 25.

13. الشيخ عبد الحافظ البغدادي الخزاعي، مقالة بعنوان أسباب انخفاض الطرح الثقافي في المنبر

ص: 379

الحسيني، موقع شبكة أخبار الناصرية، بتاریخ 27 / 8 / 2014.

14. الشيخ د. محمد باقر المقدسي، فن الخطابة الحسينية، دار الاعتصام، ط أولى 1427 ه، ص 123.

15. عبدالمنعم علي الحيلمي - الأحساء، ملامح المنبر الحسيني الواعي في الإحساء بين الواقع والمأمول، موقع آفاق للدراسات والبحوث، زیارة بتاريخ 7 / 1 / 2017.

16. الشيخ محمد مهدي الآصفي، الخطاب الحسيني، ط أولى 1426 ه، ص 122.

17. السيد محمد باقر الصدر، اقتصادنا، ط 6، 1974 دار الفكر - بيروت ص 65، ص 385 وما بعدها.

18. عن الإمام الباقر: من كان وليّاً لله فهو لنا وليّ، ومن كان عدواً لله فهو لنا عدو، والله ما تنال ولايتنا إلا بالورع.

19. فهم مصداق قوله تعالى: ((الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)) الأعراف / 51.

20. - إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لن تبرد أبداً -1 نقلاً عن مستدرك الوسائل، ج 10 ص 319.

21. الشيخ أحمد الوائلي، مصدر سابق ص 213.

22. كتاب نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده، دار المعرفة للمطبوعات، بیروت - لبنان، بلا سنة طبع ح 3 ص 37.

23. سورة النحل / 96.

24. سورة البقرة / 148.

25. سورة آل عمران / 133.

26. د. ابراهيم الفقى، الثقة والاعتزاز بالنفس، الناشر فری، رقم الايداع 1272 لسنة 2007 ص 5.

ص: 380

المصدار والمراجع

القرآن الكريم

1. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، دار الكتب العربية بمصر 1329 ه

2. د. ابراهيم الفقي، الثقة والاعتزاز بالنفس، الناشر فري، رقم الايداع 1272 لسنة 2007.

3. ابن منظور محمد بن مکرم (ت 711 ه) لسان العرب، مكتبة أهل البيت.

4. الشيخ أحمد الوائلي، تجاربي مع المنبر، دار الزهراء - بيروت، بلا سنة طبع

5. الميرزا حسين النوري (ت 1320 ه) مستدرك الوسائل، ج 10.

6. الشيخ عبد الحافظ البغدادي الخزاعي، مقالة بعنوان أسباب انخفاض الطرح الثقافي في المنبر الحسيني، موقع شبكة أخبار الناصرية.

7. عبدالمنعم علي الحيلمي - الأحساء، ملامح المنبر الحسيني الواعي في الإحساء بين الواقع والمأمول، موقع آفاق للدراسات والبحوث.

8. الشيخ علي حسن سند، مقالة بعنوان: مخاطر التحديات التي تواجه المنبر الحسيني، موقع حوزة الهدى.

9. الشيخ فيصل الخالدي الكاظمي، المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل، ط 1 200 م.

10. الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، شبكة الإمامين الحسنين، ج 1.

11. کتاب نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده، دار المعرفة للمطبوعات، بيروت - لبنان، بلا سنة طبع.

ص: 381

12. موقع المعجم الجامع للمعاني، انترنت.

13. الشيخ د. محمد باقر المقدسي، فن الخطابة الحسينية، دار الاعتصام، ط أولى 1427 ه.

14. الشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (ت 381 ه).، تصحیح وتذييل: السيّد مهدي الحسينيّ اللاجَوَرديّ، الناشر: رضا المشهدي، مكتبة طوس - قمّ المقدّسة، الطبعة: الثانية - سنة 1983 م.، ج 2.

15. الشيخ أبو جعفر محمد بن الشيخ الحسن الحر العاملي / وسائل الشيعة، ج 12.

16. محمد الحبوبي، الأبعاد العقائدية في الشعائر الحسينية، ط أولى، مطبعة الرائد، النجف الأشرف 1430 ه.

17. الشيخ محمد مهدي الآصفي، الخطاب الحسيني، ط أولي 1426 ه.

18. السيد محمد باقر الصدر، اقتصادنا، ط 1، 1974 دار الفكر - بيروت.

19. الشيخ مهدي العطار - عبد الجبار الرفاعي، کتاب قضايا إسلامية عدد 5 سنة 1997 م.

ص: 382

بناء الإنسان وتنمية الموارد البشرية في فكر الإمام علي (عليه السلام)

اشارة

الأستاذ المساعد الدكتور خميس غربي حسين جامعة تكريت / كلية الآداب

ص: 383

ص: 384

لا يختلف اثنان على أهمية خطط التنمية البشرية في صقل وبناء شخصية الإنسان وتأسيس البنية الحضارية للمجتمع، وصولاً إلى بناء الدولة على أسس من التنظيم والتخطيط التي تقود إلى تقدم حياة الإنسان والرفاهية، التي هي نتيجة مباشرة للتنمية، والشواهد المذكورة في المتون التاريخية تشير إلى أن التغيير والانتقال في أطوار التاريخ، والتقدم اللذين يصيبان المجتمع لا يأتيان من فراغ، إنما هما نتيجة مباشرة للتخطيط والتدريب والدراسة المتأنية التي نطلق عليها في التعبير المعاصر (التنمية)، وهذه التنمية بطبيعة الحال تحتاج كثيراً من الجهد حتى يتم الوصول إلى الغاية المنشودة.

ومن هذا المنطلق فإن التنمية البشرية بدأت منذ أن بدأ الإنسان ينظم أمور حياته اليومية بمختلف متطلباتها الصحية والغذائية، وتوفير قوته لأيام مقبلة، وطريقة تنقله من مكان إلى آخر من أجل تأمين حاجته من الغذاء والمأوى، فضلاً عن تنظيم حياته مع الطبيعة، ثم بناء منظومة علاقات مع الآخر (الإنسان) الذي يشاركه الحياة في البقعة التي يعيش فيها وفي مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية هذه الجوانب مجتمعة تمثل التطور الإنساني لحياة البشرية، وهي كذلك تمثل، البداية المتواضعة لفكرة التنمية عند الإنسان، وبهذا التنظيم لسلوك الأفراد داخل المجتمع، استطاع الإنسان أن يرسم نمط حياتي منظم، ويطور أسلوب حياته تباعاً من جيل إلى آخر إلى أن تبلورت حياة الإنسانية على ما أصبحت عليه اليوم، وهذه بلا شك تحمل الملامح الأولى لفكرة التنمية عند الإنسان.

من المعلوم، أن الإسلام جاء من أجل بناء الإنسان وتنظيم المجتمع وصولاً إلى تحقيق أهداف اجتماعية، والحفاظ على بنية الأخلاق على أساس من التوازن بين ما هو روحي ومادي، بغية توفير الأمن مع التهذيب الاجتماعي القائم على الالتزام بتعاليم الإسلام وآدابه وقيمه، في معادلة متكافئة بين الحاجات الروحية

ص: 385

والاجتماعية من أجل تحقيق العدالة والسعادة والرفاهية لأبناء المجتمع، وكل ذلك من أجل التعايش السلمي.

ينظر الإسلام إلى قضايا الإنسان بوصفها شبكة مترابطة لا انفصام لها، ومن ذلك علاقة الإنسان بربه وعلاقته بنفسه وعلاقته بأخيه الإنسان، وبكل أشكال الحياة الأخرى، ولما كان الإنسان هدفاً اسمي في تعاليم الإسلام نلحظ أن آیات القرآن الكريم وأحاديث الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) تؤكد على هذا المنحنی، والإمام علي (عليه السلام) وراث الدوحة المحمدية ما انفك يؤكد هذا المنهج ويحث على تطبيقه قولاً وفعلاً.

والتنمية البشرية في الإسلام مسألة تمس الحياة بشكل مباشر، وتؤثر في مجالاتها وأبعادها وتطورها، لأنها تعني التنظيم والتخطيط المبرمج، لذا أصبح الاطلاع على رؤية الإمام علي (عليه السلام) في هذا الموضوع بشكل أهمية بالغة وملحة، لأن المجتمعات الإسلامية لا تستطيع التخطيط لبناء منظومة فكرية حول بناء شخصية الإنسان الفعال المؤثر، وتنمية المجتمع على أسس من الأخلاق الفاضلة، دون الرجوع إلى أعلام الفكر الإسلامي ومنهم الإمام علي (عليه السلام).

إن المتتبع لسيرة الإمام علي (عليه السلام) وأقوله وأفعاله سيدرك بسهولة أن بناء الإنسان الذي هو حجر الأساس في تكوين المجتمع كان من أولويات اهتماماته، وكان (علیه السلام) يبغي من وراء ذلك تنمية الموارد البشرية من أجل بناء مجتمع متكامل كي يعم النفع والخير للناس جميعاً.

ومن استقراء النصوص والتوصيات التي صدرت عن الإمام علي (عليه السلام) لا سيما في كتاب نهج البلاغة نجد أن الإمام علياً (عليه السلام) قد تناول وفي مناسبات عديدة، بصورة مباشرة أو من خلال التضمين إلى مسألة بناء.

ص: 386

الشخصية الإنسانية الصالحة الفاعلة في المجتمع، وهذا بطبيعة الحال يعني، فيما يعني، تطور المجتمع بأسره، واللافت للنظر هو أن الإمام علي (عليه السلام) أراد من مقولاته تشخیص مرض وتحديد علاجه في الوقت نفسه.

ومما لا شك فيه أن المؤلفات والكنوز العلمية في التراث الإسلامي كثيرة ومتنوعة، فيها تعاليم ودعوات إلى الكيفية الصحيحة لبناء شخصية الإنسان وتنمية المجتمع، وكتاب نهج البلاغة للإمام علي (عليه السلام) يعد واحد من هذه الكنوز، إذا ما قلنا أهمها، ولكن ما يلفت النظر أننا نحن المسلمون قد اتجهنا بإبصارنا صوب التجارب الغربية وتركتنا هذه المؤلفات القيمة وراء ظهورنا.

ومما تجدر الإشارة إليه هنا، أن تنمية الإنسان وبناء شخصيته في المنظور الإسلامي، وهي من مفاهيم التنمية الرئيسة لم يتم تناولها بموضوعية وما زالت بحوثها دون المستوى الأكاديمي، ذلك أن الذين يكتبون في هذا الموضوع أغلبهم من رجالات الدين، وهؤلاء بطبيعة الحال، دائماً ما ينطلقون من قاعدة أساها العاطفة الدينية، علاوة على ذلك فإن معظم المعالجات والدراسات لهذه الإشكالية تمت في إطار الفكر الاقتصادي، والتاريخ الاقتصادي، كما أن إطارها المفاهيمي النظري بحاجة إلى التحديد، ويسري هذا الأمر على آليات العمل التي ما زالت غير محددة في كثير من الدراسات التي تعرضت لموضوع التنمية في الإسلام.

وفي بحثنا هذا سوف نركز بشكل مباشر على ما جاء في فكر الإمام علي (عليه السلام) في الطريقة والاسلوب الصحيح لبناء الإنسان وتنمية المجتمع، وسيكون كتاب نهج البلاغة الذي يعد موسوعة علمية المصدر الرئيسي لهذا البحث، وهو بطبيعة الحال، کتاب زاخر بالمعلومات والأمثلة التي تبين فکر الإمام علي (عليه السلام) والكيفية التي يمكن من خلالها صياغة نظرية علمية متكاملة لبناء شخصية الإنسان، وتنمية المجتمع، وعلى هذا المنوال فإننا سنتبع

ص: 387

المنهج التاريخي العلمي القائم على استقراء النصوص وتحليلها، ومن ثم، وضع النتائج لهذا الاستقراء بغية الوصول إلى الحلول، ونحن هنا نقتفي أثر الجيل الأول من المسلمين الذين استطاعوا أن يؤسسوا مجتمع صالح مبني على أسس إنسانية، أخلاقية، نحن بأمس الحاجة لها في الوقت الحاضر.

ومن نافلة القول: إن التطرق بصورة تفصيلية إلى موضوع تنمية شخصية الإنسان وبناء المجتمع في فكر الإمام علي (عليه السلام) موضوع واسع جداً يحتاج الى مجلدات، لذلك آثرنا النمذجة والاختصار بغية تقديم صورة مبسطة لهذه الموضوع الهام، ومن ثم، دعوة المؤسسات العلمية في العراق لإعداد دراسة موسعة يمكن أن تكون دليل لدراسة خطط التنمية في المدارس والمعاهد والجامعات العراقية والإسلامية.

من هذا المنطلق فإن بحث موضوع التنمية البشرية ضمن المنظور الإسلامي، يحتاج إلى كتب ومجلدات لتغطية جميع فصوله، ولكي يكون موضوع بحثنا هذا يتوافق مع محاور الملتقى وتحديداته في عدد الصفحات لكل بحث، لذا فقد آثرنا أن تكون هذه المداخلة التعرض فقط إلى فكرة تنمية الإنسان وبناء شخصيته، ومن ثم تنمية قدراته الفكرية والأخلاقية والإنسانية في فكر الإمام علي (عليه السلام)، والتي من خلالها يتم تطوير المجتمع، ونحن لا نريد الغوص في التفاصيل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تدخل ضمن مفهوم التنمية البشرية بشكل عام، بقدر ما تريد صياغة رؤية عامة عن مفهوم التنمية البشرية ومتطلباتها وأسسها وفق المنظور الإسلامي ورؤية الإمام علي (عليه السلام).

وعلى الرغم من إدراكنا أن هذا البحث قد لا يخلو من نواقص وهنات، شأنه شأن أي عمل أو جهد فكري يقوم به الإنسان، إلا إننا نأمل أن يكون قد ساهم ولو بجزء يسير في الكشف عن موضوع التنمية البشرية وبناء المجتمع في فكر الإمام علي (عليه السلام).

ص: 388

لقد اقتضت طبيعة البحث تقسيمه على ثلاث مباحث سبقتها مقدمة وانتهى البحث بخاتمة، تضمنت المقدمة تمهيد للموضوع وفيه إشارة إلى أهمية موضوع التنمية وبناء المجتمع، وتطرقنا فيها إلى التنمية في المنظور الإسلامي وفي فكر الإمام علي (عليه السلام) وبينا أن المنظومة الفكرية الإسلامية كان جل أهدافها وغاياتها تنمية روح الإنسان وبناء شخصيته وصولاً إلى بناء المجتمع الصالح، والذي هو نتيجة حتمية لبناء الإنسان الملتزم الصادق الذي يحب الخير للإنسانية جمعاء.

تضمن المبحث الأول الذي حمل عنوان تنمية شخصية الإنسان وبناء المجتمع في المنظور الإسلامي عرجنا فيه على الدعوات التي أطلقها الإسلام ممثلاً القرآن الكريم وأحاديث الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) وأقوال الإمام علي (عليه السلام) فضلاً عن التظيرات التي وضعها الفقهاء والمجتهدون والتي تخص موضوع التنمية البشرية.

والمبحث الثاني يسلط الضوء على بناء شخصية الإنسان في فكر الإمام علي (عليه السلام) هذا الصحابي الزاهد العابد الحليم الرحيم الذي كانت أقواله وأحاديثه تفيض محبة ورحمة للناس جميعاً، وهي إذ ما درست على وفق منهج النبوة نراها استكمالاً وتوكيداً لأقوال وأحاديث الرسول محمد (صلى الله عليه وآله).

جاء المبحث الثالث لدراسة موضوع تطوير المجتمع في فكر الإمام علي (عليه السلام) وفيه بيان لأهمية تطوير المجتمع الإسلامي ومن ثم بناءه وفق المنهج الذي يكفل الآمان والسعادة والرفاهية لجميع أفراده، من دون النظر إلى لونه أو جنسه أو دينه، وهذه سجية نادرة تضاف إلى فضائل الإمام علي (عليه السلام).

أما الخاتمة فقد تضمنت أهم النتائج والاستنتاجات التي توصلنا إليها، فضلاً عن عدد من التوصيات التي أشرنا إليها ضمنياً في الخاتمة.

ص: 389

المبحث الأول: التنمية وبناء الإنسان في المنظور الإسلامي

مما يؤشر أهمية التنمية في الفكر الإسلامي، هو ما تعرض له القرآن الكريم والسنة النبوية والمذاهب الفقهية على اختلاف توجهاتها، من دعوة إلى بناء شخصية الإنسان المثابر الصادق العامل المخلص العادل، الذي يضحيّ في سبيل الآخرين، والحريص على التزود بالعلم والمعرفة والتخطيط للمستقبل وعدم إغفال الدار الآخرة بعد أن يأخذ نصيبه في الدنيا إلى آخر شبر في الحلال، فلا رهبانية في الإسلام بحجة الزهد والورع ذلك أن الإسلام يدعو أتباعه إلى أن لا يضحوا بالدنيا من أجل الآخرة، لأن الإسلام دين الوسطية، فلا ترك للدنيا على حساب الآخرة، ولا إيغال في الماديات بحيث يكون الإنسان عبداً للدرهم والدينار. كذلك نفهم التنمية البشرية في الإسلام أنها الاستغلال الأمثل للثروات والاعتدال في استخدام الموارد المتاحة وعدم استنزافها في أعمال لا تتفق وخير البشرية، قال تعالى: ((ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا))(1).

أما أئمة المسلمين ومفكروهم فقد اعتنوا وعلى مر العصور في إبراز النواحي التنموية والتنظيمية في الإسلام، لأن التنظيم هو جوهر التنمية وحجر الأساس في بنائها، وعلى هذا فقد كانت عنايتهم بها تسير جنباً إلى جنب مع عنايتهم بالعبادات وفقهها، يدلنا على ذلك ما تركوا لنا من تراث ضخم في التنظیمات والتشريعات تزخر بالتفرد والأصالة والتقدم الحضاري والعلمي. وعلى هذا الأمر، فإن الدراسة التاريخية لموضوع التنمية البشرية في المنظور الإسلامي تؤسس إطاراً مرجعياً يمكن من خلاله أن نفهم على نحوٍ أفضل الأصول الفكرية للتنمية، ومن ثم تعميمه على الواقع والاستفادة منه في سبيل تنمية وبناء شخصية الإنسان،

ص: 390

والنهوض بالمجتمع وبناءه وفق المنظور الإسلامي.

إن التنمية البشرية في الإسلام، مسألة تمس الحياة بشكل مباشر وتؤثر في مجالاتها وأبعادها وتطورها، لأنها تعني التنظيم والتخطيط المبرمج للحاضر والمستقبل، لذا أصبح الاطلاع على رؤية الإسلام في هذا الموضوع يشكل أهمية بالغة، لأن المجتمعات الإسلامية لا تستطيع التخطيط لبناء منظومة أفكارها حول التنمية من دون الرجوع إلى تعاليم الإسلام لأنها تعد الخلفية المرجعية الفكرية لهذه المجتمعات، ولا غرو في ذلك، إذ إن شريعة الإسلام وتعاليمه، كما هو معروف تصلح لكل زمان ومكان، لأن القرآن الكريم دستور المسلمين كتاب حي ومتجدد مع تطور الحياة وأن الفكر الإسلامي يقدم الحلول للمشكلات التي تواجه المجتمع من جميع الجوانب، ويقدم معالجات موضوعية واقعية صادقة، تضع الحلول للمشكلات التي تواجه أفراد المجتمع، ولاسيما في موضع التنمية البشرية، وحيث الهدف العام لهذه المعالجات هو الأخذ بيد الإنسان إلى شواطئ الأمان الذي يتمثل في تحقيق الفلاح في الدنيا والآخرة.

والتنمية البشرية في الإسلام هدفها بناء الإنسان السوي، الناضج، المبدع، والمنتج من أجل عمارة الأرض كي يحقق الغرض الذي خلقه الله من أجله وهو أعمار الأرض وخلافته عليها، قال تعالى: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» (2)، وعلى هذا المنوال فإن الإنسان مكلف تكليفاً شرعياً بعمارة الأرض، فلم يخلق الإنسان للعبث أو لمجرد الأكل والشرب كالدواب الأخرى على سطح الأرض، بل خلق لتنفيذ واجب أعده الله من أجله يتمثل في عبادة الله وتنمية الحياة وتطويرها بمختلف جوانبها في الأرض، قال تعالى: «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا»(3).

ص: 391

ومن هذا المنطلق ذهب إبراهيم العسل إلى تأكيد القول: ((إن التنمية المتكاملة والشاملة لا يمكن تصورها إلا في مجتمع إسلامي، فأخطاء الحضارة الغربية، والمأزق الأخلاقي الذي تتخبط فيه، والروح العدوانية التي تسيطر على أذهان القادة المخططين، لا تعالج إلا بمبادئ ترسم صراطاً مستقيماً للفرد والمجتمع، يوصلها إلى الكمال في شتى الميادين))(4).

والواجب على المستخلف أن يعمر وينمي ما أستخلف عليه، لذا عليه أن يستفيد مما سخره الله له، وعندما يتحدث القرآن الكريم عن تسخير السموات والأرض وما فيها لخدمة الإنسان، فإنه يستحثه على العمل والتنمية والبناء من أجل قطف ثمار هذا التسخير (5)، قال تعالى: «أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً» (6)، أي تعلموا يا مخاطبين أن الله سخر لکم ما في السموات من الشمس والقمر وما في الأرض من انهار وكنوز وثروات لتنتفعوا بها(7).

من المعلوم أن التنمية الشاملة، والبشرية من ضمنها، تهدف بالدرجة الأولى إلى توفير سبل العيش الرغيد والرفاهية بما تحويه من معانٍ مختلفة لأبناء المجتمع، أي مجتمع، في الحاضر والمستقبل، والحفاظ على البيئة وصيانتها، وكذلك حفظ نظام دعم الحياة في مختلف جوانبها(8)، ومع ذلك تبقى تنمية وبناء شخصية الإنسان هو جوهر التنمية وهدفها الرئيس في الفكر الإسلامي، عموماً، وفي فكر الإمام علي على وجه الخصوص، هذا، ناهيك انه من المستحيل إغفال حقيقة جوهرية ومهمة، وهي إن التنمية ليست مشكلة منفصلة عن جذرها التاريخي، إنما تكمن جذورها في قيم وأخلاقيات وثقافة كل من الفرد والمجتمع الممتدة عبر التاريخ، بما يحويه من عادات وتقاليد لها امتداد زمني يشكل التاريخ بعده الأساسي.

ص: 392

والتنمية البشرية في الإسلام، تتجسد من خلال نظرة الإسلام إلى الحياة الإنسانية على أساس أن المجتمع يتكون من أفراد لهم صفاتهم الفردية وعلاقاتهم الاجتماعية، لذلك كانت عناية الفكر الإسلامي التنموي بكل المصالح الفردية والجماعية وفق نسق خاص يجمع بينهما، ويحرص عليهما ما دام ذلك ممكناً، إلا إذا تعارضتا، فتقدم المصالح الجماعية أو العامة لأنها أولى بالاهتمام والرعاية(9)، وهذا يعد من صلب موضوع التنمية البشرية.

وإذا كان صحيحاً أن تحليل الماضي يقدم لنا مفاتيح الحاضر كما نقل عن (كارل مارکس)(10)، فإن الحاضر العربي الإسلامي بما يحويه من رؤى وأفكار في التنمية لا يمكن فهمه دون الرجوع إلى الماضي بتجلياته الفكرية التي تخص موضوع التنمية البشرية.

إن المعاني الأنفة الذكر، قد أناره السبيل للمباحث التي تألفت منها هذه الدراسة، فأولت عناية لمفهوم التنمية البشرية، ومتطلباتها وأسسها في المنظور الإسلامي، ومدى ارتباط هذه المعاني برسالة الإسلام، وما جاءت به من مبادئ وقيم سامية، وأسست نظم اجتماعية وسياسية، كان من نتائجها التاريخية الواضحة بناء الإنسان في المجتمع الإسلامي، بناءاً نفسياً وعاطفياً حتى يكون عنصراً فعالاً في تنمية الحياة في مختلف مجالاتها.

والمسلمون اليوم مطالبون بإعادة عزهم وإحياء مجدهم وبعث تراثهم ووصل حاضر هم بماضيهم لكي يستمدوا منه الهدى والرشاد دون التعصب والانغلاق، وصولاً إلى بناء حاضر منفتح على الجديد، وبناء شخصية الإنسان الذي يؤمن أن الحياة هي عملية تواصل بين القديم والجديد، ولا يمكن بأي حال بناء تجربة إنسانية ناجحة دون المزاوجة بين الماضي والحاضر في استنباط البرامج والأفكار

ص: 393

التي تدفع بعملية التنمية إلى أمام.

إن المؤلفات والكنوز العلمية في التراث الإسلامي كثيرة ومتنوعة، وهي على كثرتها وتنوعها فيها ملامح وإشارات تؤكد بناء شخصية الإنسان وتنميتها ضمن مفهوم التنمية البشرية، ولكن ما يلفت النظر أن تلك المؤلفات والكنوز لازالت تنتظر الأيادي التي تمتد إليها من أجل سبر أغوارها، لأن ثمرات جهود أولئك العلماء مبعثرة في دور الكتب ومراكز حفظ المخطوطات، ولا شك أننا اليوم بحاجة لإعادة دراستها واستخلاص مضامينها وما تحويه من الرؤى والأفكار العلمية والاجتماعية والسياسية مما يصب قسماً منها في موضوع التنمية.

من هنا جاء هذا البحث في محاولة لتتبع المعطيات التاريخية لموضوعة التنمية البشرية في المنظور الإسلامي على وجه العموم وفي فكر الإمام علي (عليه السلام) على وجه الخصوص من أجل معرفة وتأصيل أبعادها التاريخية، والوقوف على التجارب السابقة في الفكر الإسلامي، وصولاً إلى الاستفادة من هذه التجارب في بناء منظومة فكرية للتنمية البشرية في العالم العربي الإسلامي، تأكيداً للمقولة التي تؤكد ((أن التاريخ موضوع حي يقوم بدور بليغ في الثقافة والتكوين الاجتماعي والخلقي، وله أثر في فهم الأوضاع القائمة وفي تقدير الاتجاهات والتطورات المقبلة))(11).

وهنا يجب أن ننوه إننا عندما نكتب عن موضوع التنمية البشرية في الإسلامي، فإن هذا لا يعني إننا نعيش عقلية الماضي، التي ربما لا يتوافق مع موضوعة التنمية، التي تعني فيما تعني، النمو والتطور والتقدم إلى أمام، أو في هذا تراجع إلى الوراء لعجزنا عن مواجهة الحاضر بكل مشاكله وأزماته، هذا الواقع الذي أثبتت التجارب أن الإنسان دائما ما يتوق إلى التطور والتقدم والتغيير في

ص: 394

مستويات حياته المختلفة.

إن موضوع التنمية البشرية في الفكر الإسلامي، بصورة عامة، واسع ومتداخل وتتفرع عنه موضوعات كثيرة، بل أننا لا نغالي إذ قلنا، إن جل اهتمام الفكر الإسلامي متمثلاً بالأصول التي اشتقت التشريعات منها بالقرآن الكريم وأحاديث الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، وأقوال وأفعال الإمام علي (عليه السلام) وأطروحات فقهاء المسلمين ومشرعيهم، وهي في مجملها تنصب بالدرجة الأولى نحو تنمية الجوانب الإنسانية في شخصية الإنسان، وبنائها بناءً يتجه صوب إعمار الأرض وتوفير الحياة الرغيدة للبشرية جمعاء دون النظر إلى جنسهم أو لونهم أو عرقهم، وهذا يرجح الرأي القائل، أن الإسلام جاء من أجل إسعاد البشرية، بل جعل سعادة الإنسان هي الغاية القصوى لتعاليم الشريعة الإسلامية.

ص: 395

المبحث الثاني: بناء شخصية الإنسان في فكر الإمام علي (عليه السلام)

من المعلوم، أن الإسلام جاء من أجل بناء الإنسان وتنظيم المجتمع وصولاً إلى تحقيق أهداف اجتماعية، والحفاظ على بنية الأخلاق على أساس من التوازن بين ما هو روحي ومادي، بغية توفير الأمن مع التهذيب الاجتماعي القائم على الالتزام بتعاليم الإسلام وآدابه وقيمه، في معادلة متكافئة بين الحاجات الروحية والاجتماعية من أجل تحقيق العدالة والسعادة والرفاهية لأبناء المجتمع، وكل ذلك من أجل بناء شخصية الإنسان وتطوير المجتمع.

عن جميع القيم والإمكانات الفكرية التي اتصف بها الإمام علي (عليه السلام) لم تأتي من فراغ، فقد كان (عليه السلام) وارث الدوحة المحمدية، وأن عناية الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) للإمام علي (عليه السلام) في بواكير حياته هو السبب في نضوج الشخصية العلمية الفكرية للإمام علي (عليه السلام)، وهكذا اتسعت علومه لتصقل موهبته مع تقادم الزمن، فضلاً عن ذلك فإن تعمقه في دراسة القرآن الكريم وعلومه، كان سبباً آخر لبناء منظومته الفكرية، وعلى هذا فإن الإمام علي (عليه السلام) قد تتلمذ علي يد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) وورث أخلاقه وأسلوبه في النظر إلى الحياة، وجرى الميراث في قلبه وعقله سواء بسواء، وعكف على دراسة القرآن الكريم دراسة المتبصر الحكيم(12).

إن رسوخ مبادئ الإسلام في شخصية الإمام علي (عليه السلام) لم تأتي من فراغ وإنما كان يستلهمها من الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد عاش في كنفه منذ صباه، وكانت الروح الإنسانية طاغية على فكر الإمام (عليه السلام)،

ص: 396

فكان متحرراً ومتوسعاً في اكتساب العلوم ((فكان في كل مفهم من مفاهيمه، وفي كل معارفه وحكمه، وفي كل عمل من إعماله، ومنطق من أفكاره تقدمياً واقعياً يؤمن بالإنسان على صعيد الإنسانية العام حيث لا حدود جغرافية، ولا موانع قومية، ولا نزعة ضيقة عقائدية فهو يؤمن بالإنسان ويحيطه بكل ما يسعده)) (13).

يركز الإمام علي (عليه السلام) في بناء الإنسان على القيم الروحية والتي مبتدأها الإيمان بالله (سبحانه وتعالى) لأن هذا الإيمان يقود إلى الفضائل، فالإنسان المؤمن يخاف الله في حركاته وسكناته، لذلك نرى الإمام علي (عليه السلام) يركز على مسألة مهمة وهي خلق العالم وإنشاؤه يقول الإمام علي (عليه السلام): ((أنشأ الخلق إنشاءُ، وابتدأه ابتداءَ، بلا رويةٍ أجالها ولا تجربةٍ استفادها، ولا حركةٍ أحدثها، ولا همامةِ نفس اضطرب فيها. أحال الأشياء لأوقاتها ولأم بين مختلفاتها وغرز غرائزها، وألزمها أشباحها عالما بها قبل ابتدائها محيطها بحدودها وانتهائها، عارفاً بقرائنها وأحنائها))(14).

وهكذا نجد الإمام علي (عليه السلام) يركز في مقولاته على تهذيب الشخصية الإنسانية وذلك بالدعوة إلى القناعة والابتعاد عن الجشع في جمع الأموال، لأن الإنسان وفق المنظور الإسلامي وجد على الأرض لعمارتها وليس لجمع المال واكتنازه، وأن المال والبنين حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، ((أما بعد فإن الأمر يَنْزِلُ من السماء إلى الأرض كقطرات المطر، كل نفس بما قسم لها من زيادة أو نقصان، فإن رأى أحدكم لأخيه غفيرةٌ في أهلٍ أو مالٍ أو نفسٍ، فلا تكون له فتنة، فإن المرء المسلم ما لم يغشى دناءةً تظهر فيخشع لها إذا ذكرت، ويغرى بها لئام الناس... وكذلك المسلم البريء من الخيانة ينتظر من الله أحدى الحسنيين: إما داعي الله فما عند الله خيرٌ له، وإما رزق الله فإذا هو ذو أهل ومال))(15).

ص: 397

ولأن صلاح الرعية بصلاح الحاكم، بل أن الحاكم هو القدوة لأبناء المجتمع، ولهذا نجد الإمام علي (عليه السلام)، حريص على اختيار المسؤول في الدولة الإسلامية، لأن في صلاحه صلاح العامة، ومتى كان الحاكم لا يتصف بصفات المسلم الصالح فإنه يعد عاملاً مساعدا لفساد رعيته، وعند ذلك بدلاً من أن يكون عامل للبناء يصبح أداة للهدم، ولهذا فإن بناء شخصية الفرد المسلم وفق منظور الإمام علي (عليه السلام) يتوجب اختیار حاکم تتوافر به عدد من الصفات، وعلى هذا المنوال، يقول الإمام علي (عليه السلام): ((ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادی في الزلة، ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنی فهم دون أقصاه، وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرماً بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصر مهم عند اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه إطراء، ولا يستميله إغراء)(16).

إن تربية الفرد وبناء شخصيته في المجتمع الإنساني تتطلب توجيه على أن يقدم في دنياه ما يرضي الله كي يعمر الأرض ويفوز بنعيم الجنة، والإمام علي (عليه السلام) يحذر من فتنة الدنيا، لأن ذلك سيؤدي بالمحصلة النهائية خسارة الدنيا والآخرة، ((إن المال والبنين حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد يجمعهما الله تعالى لأقوام، فاحذروا من الله ما حذركم نفسه، واخشوه خشية ليست بتعذیر، وأعملوا في غير رياء، ولا سمعة، فإن من يعمل لغير الله يكله الله لمن عمل له))(17).

والدعوة إلى طاعة الله (سبحانه وتعالى) مقرونة بالعمل الصالح المنتج وهذه الفرضية من أهم القضايا التي ركز عليها الإمام علي (عليه السلام)، وعلى ما يبدو أن الإمام علي (عليه السلام) قد أدرك ذلك بفطرته وسجيته، لذلك يوجه

ص: 398

الإنسان إلى الاستعداد ليوم الحساب بالعمل الصالح بقوله: ((ألا وإن اليوم المضمار، وغداً السباق، والسبقة الجنة، والغاية النار، أفلا تائب من خطيئته قبل منيته، ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه، ألا وإنكم في أيام أمل، ومن ورائه أجل، فمن عمل في أيام أمله قبل حضور أجله فقد نفعه عمله، ولم يضره أجله، ومن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله، فقد خسر عمله، وضره أجله، ألا فاعملوا في الرغبة كما تعملون في الرهبة))(18).

ولكي يعطي الإمام علي (عليه السلام) لموضوع تنمية الإنسان وبناء شخصيته بعدا روحياً يقرن ذلك بخلق الملائكة كيف أن الله سبحانه وتعالى بعد أن خلق السموات والأرض جعل فيها الملائكة وهم على أربعة أصناف وهذا التقسيم يراد به تقريب الصورة للإنسان كي يدرك بمشاعره وأحاسيسه عظمة هذا الخلق، وضعف الإنسان وقلة حيلته أمام قدرة الله (سبحانه وتعالى)، وهي دعوة للإنسان للتواضع وعدم الغرور، وهذا يشكل معناً مهم لبناء شخصية الإنسان وفق منظور الإمام علي (عليه السلام)، فالملائكة على عظمة خلقهم ساجدون الله عابدون لا يعصون الله أمراً، ((فمنهم ساجدون لا يركعون، وقسم ركوع لا ينتصبون، وصافون لا يتزايلون، ومسبحون لا يسأمون، لا يغشاهم نوم العين، ولا سهو العقول ولا فترة الأبدانِ، ولا غفلة النسيان، ومنهم أمناء على وحيهِ، وألسنة إلى رسله، ومختلفون بقضائه وأمره، ومنهم الحفظةُ لعبادهِ، والسدنة لأبواب جنانه))(19).

ومن أجل بناء شخصية إنسانية تتمتع بالوسطية في حياتها فإن الإمام علي (عليه السلام) يحذر الناس من الاقبال على مباهج الدنيا، ونسيان الآخرة لأن في ذلك ما يجعل الإنسان اشبه بالآلة الصماء غايته فقط الحصول على الملذات، وفي ذلك سحق لإنسانيته، يقول (عليه السلام): ((ما أَصِف من دارٍ أولها عناءٌ،

ص: 399

وآخرها فناءٌ، في حلالها حساب وفي حرامها عِقاب، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حَزِنَ، ومن ساعاتها فاتته، ومن قعد عنها واتته، ومن أبصر بها بصرته، ومن أبصر بها بصرته، ومن أبصر إليها أعمته))(20).

إن بناء شخصية الإنسان في فكر الإمام علي تتطلب من أفراد المجتمع التحلي بالإيمان بالله، والصبر، وعدم التردد بالاعتراف بالخطأ إن وقع فيه أحد منهم، ويفهم من المقولة الآتية أن الإمام علي (عليه السلام) أراء بناء مجتمع الفضيلة الذي تسود فيه عظمة النفس وإباءها يقول عليه السلام في هذا الشأن: ((أوصيكم بخمس لو ضربتم بها آباط(21) الإبل لكانت لذلك أهلًا: لا يرجون أحدكم إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحين أحدكم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم، ولا يستحين أحد منكم إذا لم يعلم أن يتعلمهُ، وعليكم بالصبر فإن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إيمان لا صبر معه))(22).

لقد أراد الإمام علي (عليه السلام) بناء شخصية الإنسان من جوانبها كافة، نجد ذلك من كلامه لسائل ((من أهل الشام لما سأله: أكان مسيرنا إلى الشام بقضاء من الله وقدره ؟))(23)، فكان جواب الإمام علي (عليه السلام) هو محصلة لشخصية علمية فلسفية إنسانية، قد تمثل الإسلام فيها على أحسن صوره، يقول الإمام مخاطباً السائل: ((ويحك! لعلك ظننت قضاءً لازماً وقدراً حاتماً؛ ولو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد، إن الله سبحانه وتعالى أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً. وأعطى على القليل كثيراً، ولم يعص مغلوباً، ولم يطع مكرهاً، ولم يرسل الأنبياء لعباً، ولم ينزل الكتاب للعباد عبثاً، ولا خلق السموات والأرضَ وما بينهما باطلاً))(24).

ص: 400

المبحث الثالث: تطوير المجتمع في فكر الإمام علي (عليه السلام)

من البديهي أن بناء شخصية الإنسان تنعكس بصورة أو أخرى على تطور المجتمع، لأن المجتمع ؉ أي مجتمع - هو عبارة عن مجموعة من الأفراد بينهم روابط مشتركة، من هنا فإننا نرى إن التنظير الإسلامي يؤكد على بناء الإنسان روحياً ومادياً، وهكذا نجد أن الإمام علي (عليه السلام) قد تطرق إلى مواضيع عدة هي في مجملها تعد أشبه بالأنظمة والقوانين التي تعمل على تطوير المجتمع.

إن من أهم الطرق الناجعة التي تسهم في تطوير المجتمع هي العدالة بين الرعية ومن هذا الجانب نرى أن الإمام علي (عليه السلام) يؤكد على هذه المسألة حتى مع أهل بيته يظهر ذلك من قوله (عليه السلام): ((إن للولدِ على الوالدِ حقاً، وإن للوالدِ على الولدِ حقاً، فحق الوالدِ على الولدِ أن يُطيعه في كل شيءٍ، إلا في معصية اللهِ سبحانهُ، وحق الولد على الوالد أن يحسنَ أسمهُ، ويحسن أدبه، ويعلمهُ القرآن))(25).

وبناء المجتمع في فكر الإمام علي مقرون بالإيمان القاطع بالله (سبحانه وتعالى) وهذا الإيمان لا يأتي من فراغ أو إيمان ساذج إنما أصله النظر إلى نعمه على الإنسان والخلائق الأخرى يقول عليه السلام: ((الحمد الله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانح كل غنيمةٍ وفضلٍ، وكاشف كل عظيمة وأزلٍ(26)، أحمده على عواطف كرمه، وسوابغ نعمه، وأمن به أولاً بادياً، واستهديه قريباً هادياً، واستعينه قاهراً قادراً، وأتوكل عليه كافيا ناصراً))(27)، مما لاشك فيه أن تحليل النص السابق يبين لنا أن الإمام علي (عليه السلام) يركز على نقطة جوهرية ألا وهي معرف الله (جل

ص: 401

جلاله) من خلال معرفة عظمته وهذه بلا شك ستقود الإنسان إلى التواضع الذي يقود المجتمع إلى التصافي والمحبة التي هي أساس بنائه وتطوره.

وتقوى الله من أهم الأسس التي يبنى عليها المجتمع لأن الأفراد الذين يكونون المجتمع متى خافوا الله (سبحانه وتعالى) فإنهم سوف يطيعوه ويلتزموا أوامره وينتهوا بنواهيه، وهذا الأمر كان من جل اهتمامات الإمام علي (عليه السلام) يتجسد في ذلك مقولاته وأفعاله، والتي فيها دعوات لأفراد المجتمع الإنساني ((أُوصيكم عباد الله بتقوى اللهِ الذي ضرب الأمثال، ووقت لكم الآجال وألبسكم الرياش، وأرفغ لكم المعاش، وأحاط بكم الإحصاء، وأرصد لكم الجزاء، وآثركم بالنعم السوابغ، والرفد الروافغ، وأنذركم بالحجج البوالغ، فأحصاكم عدداً، ووظف لكم مدداً، في قرارِ خِبرةٍ، ودار عبرةً، أنتم مختبرون فيها، ومحاسبون عليها))(28).

وفق هذه المسارب الفكرية يتضح فكر الإمام علي (عليه السلام) في نظرية إسلامية إنسانية مجتمعية شاملة غايتها أن يبنى المجتمع على أسس من التقوى، وعند ذلك فإن الإمام علي (عليه السلام) لا يترك فرصة إلا ويحذر الناس من الغرور بالدنيا، يقول عليه السلام: ((فإن الدنيا رنقٌ مشاربها، ردغ مشرعها، يونق منظرها، ويوبق مخبرها، غرورٌ حائلٌ، وضوءٌ آفلٌ، وظل زائل، وسناد مائل، حتى إذا أنس نافرها، واطمأن ناكرها، قمصت بأرجلها، وقنصت بأحبلها، وأقصدت بأسهمها، وأعلقت المرء أوهاق المنية، قائدة له إلى ضنك المضجع، ووحشة المرجع، ومعاينة المحل، وثواب العمل، وكذلك الخلف بِعَقْبِ السلف))(29).

يُذكّرْ الإمام علي (عليه السلام) الناس أهوال يوم القيامة، ونعقد أن هذا التذكير الغاية منه بناء الإنسان الذي ستكون النتيجة الحتمية له بناء المجتمع

ص: 402

الصالح وتطوره، لأن الإنسان إذا خاف من عقاب الله تجنب المعاصي واتجه بروح وقلبه نحو الخير والصلاح، وبذلك يتجنب كل ما يسئ لأخيه الإنسان من قول أو فعل، والمعروف أن الإنسان إذا أمن من العقاب لم يتوانى من عمل المعاصي، لذلك نرى الإمام علي (عليه السلام) دائما يذكر بأهوال يوم القيامة (30) لعله يوقظ الناس من غفلتهم، ((واعلموا أن مجازكم على الصراط ومزالقه دحضه،...، فأتقوا الله عباد الله، تقية ذي لب شَغَلَ التفكير قلبه، وانصب الخوف بدنه، واسهر التهجد غرار نومه، وأظمأ الرجاء هواجر يومه، وظلف الزهد شهواته، واوجف الذكر بلسانه، وقدم الخوف لأمانه، وتنكب المخالج عن وضح السبيل، وسلك أقصد المسالك إلى النهج المطلوب، ولم تفتله فاتلات الغرور، ولم تعم عليه مشتبهات الأمور، ظافراً بفرحة البشرى، وراحة النعمى))(31).

ولأن بناء المجتمع وتطوره يتطلب من أبناءه التزام حدود الله وهذا لا يتحقق إلا من خلال عدد من الصفات يتوجب على الإنسان أن يتصف بها، بل العمل بها، لذلك نجد الإمام علي (عليه السلام) يبين صفات المسلم الذي يأتمر بأوامر الله وينتهي بنواهيه ((عباد الله، إن من أحب عباد الله إليه عبداً أعانه الله على نفسه، فاستشعر الحزن، وتجلبب الخوف، فزهر مصباح الهدى في قلبه، وأعد القِرى ليومه النازل به، فقرب على نفسه البعيد، وهون الشديد، نظرَ فأبصرَ، وذكر فاستكثر، وارتوى من عذب فُرَتٍ سهلت له موارده، فشرب نهلاً، وسلك سبيلاً جدداً، قد خلع سرابيل الشهوات، وتخلى من الهموم إلا هماً واحداً انفرد به، فخرج من صفة العمى، ومشاركة أهل الهوى، وصار من مفاتيح أصحاب أبواب الهدى، ومغاليق أبواب الردى، قد أبصر طريقه، وسلك سبيله، وعرف مناره، وقطع عماره، واستمسك من العروة بأوثَقِها، ومن الجبال بأمتنها))(32).

ص: 403

والإمام علي (عليه السلام) ينبه أفراد المجتمع إلى لزوم طاعة الله لأنها السبب المباشر لبناء المجتمع الصالح المتكامل، ولهذا فإن نظر الإنسان إلى عيوبه وحاسبة نفسه هي السبيل لبناء شخصيته، ومن ثم بناء المجتمع الذي يخلوا من الكراهية والحقد ويعيش أبناءه في وئام وسلام، وفي هذا الصدد يقول عليه السلام: ((يا أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وطوبى لم لزم بيته وأكل قوته، واشتغل بطاعة ربه، وبكى على خطيئته، فكان من نفسه في شغل، والناس منه في راحة))(33).

وبناء المجتمع على قواعد سليمة يبدأ من رأس الهرم (الحاكم) لذا نجد الإمام علي (عليه السلام) يخاطب الولاة وأولي الأمر من المسلمين بقوله: ((والله لأن أبيت على حسكِ السعدان مسهداً، أو في الأغلال مصفداً، أحب إليه من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظلماً لبعض العباد، وغاصباً لشيء من الحطام، وكيف أظلم أحداً لنفس يسرع إلى البلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها))(34)

إن الطريقة المثلى لبناء المجتمع أن يكون رئيسه أو قائده قدوة للرعية، وهذا منهج واضح بصورة جلية في فكر الإمام علي (عليه السلام)، كان يطبقه على نفسه، ويدعو ولاته إلى الأخذ به بل أنه يدعو إلى الاهتمام بالفقراء ورعايتهم، وعلى الخليفة أة الوالي أن يعيش حياتهم ويشاركهم في مأساتهم ويساعدهم عليها ويتضح ذلك من خلال إنكاره على عثمان بن حنيف الأنصاري، وكان عامله على البصرة(35)، وقد كتب الإمام علي (عليه السلام) إلى عامله يعاتبه عدم الاهتمام بالرعية، وتخصيص الجيد من الطعام والشراب له، منبهاً أياه على أن الإمام علي (عليه السلام) يفضل حياة التقشف ومشاركة الرعية همومهم وأن (عليه السلام) لو أي أصناف من الطعام واللباس لحصل عليه، يقول الإمام علي (عليه السلام):

ص: 404

((ولو شئت لأهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة))(36).

نستقرئ من هذا النص دروساً تدعو إلى إشاعة روح الفضيلة والابتعاد الرذيلة، وهو رسالة لكل الحكام والملوك والأمراء وأصحاب الوظائف تصلح أن تكون خارطة طريق للمسلمين في الوقت الحاضر، سيما وأن الفساد الإداري والهدر المالي أصبح صفة تلازم معظم الحكام المسلمين في الوقت الحاضر، وهو ايضاً - أي النص السابق - درس في النزاهة والحفاظ على حقوق الرعية كي يضعوها في مواضعها دون تفضيل لأحد على أحد.

ومن نافلة القول أن نذكر، أن الإمام علي (عليه السلام) قد بين الأسباب التي تؤدي إلى تدهور المجتمع وانحلاله، وهو إذ يذكر به الأسباب يدعو افراد المجتمع إلى التمسك بالأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة، ويحثهم على احترام الوعد والعهد وصدق الحديث لأنها أسباب موجبة للتقوى والصلاح على مستوى الفرد والجماعة، وبالتالي بناء المجتمع الصالح وتطوره، وهذه الأسباب هي بلا شك من ابرز مقومات التنمية البشرية، وصولاً إلى تكوين منظومة من الأفكار الراجحة لصيرورة المجتمع الإنساني بأكمله نحو الفضيلة والتعايش السلمي القائم على الاحترام والمحبة بين إفراد المجتمع الإنساني، يقول الإمام علي (عليه السلام) في الأسباب التي تؤدي إلى تدهور المجتمع: ((أما بعد فإن الله لم يقصم ظهر جباري دهر قط إلا بعد تمهيل ورخاء، ولم يجبر عظم أحد من الأمم إلا بعد أزلٍ وبلاء: وفي دون ما استقبلتم من عتبٍ وما استدبرتم من خطبٍ معتبر وما كل ذي قلب بلبيب، ولا كل ذي سمعٍ بسميع: ولا كل ذي ناظر ببصير، فيا عجباً، ومالي لا اعجبُ من خطا هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها، لا يقتصون اثر نبي،

ص: 405

ولا يقتدون بعمل وصي، ولا يؤمنون بغيب، ولا يعفون عن عيب)) (37).

لقد امتزج في وعي الإمام علي (عليه السلام) تجربته السياسية في إدارة شؤون الدولة الإسلامية التي انتهت بظهور الكثير من الفتن والأصوات النشاز التي تحاول تغيير روح الإسلام من دين العدالة والمساواة بين الناس على أخلاف ألوانهم وأعراقهم، إلى التفرقة على أساس العشيرة أو النسب، فوقف بوجه هذا التيار غير مبالٍ بالمصير الذي قد يواجهه، وهكذا انتهت حياته (عليه السلام) شهيدا للقيم الإنسانية العليا والمبادئ الإسلامية، فتحول الذاتي في شخصيته إلى الموضوعي، يقول (عليه السلام): ((اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسئولون حتى عن البقاع والبهائم، أطيعوا الله ولا تعصوه، وإذا رأيتم الخير فخذوا به، وإذا رأيتم الشر فأعرضوا عنه)) (38).

والمجتمع الصالح يبنى على أسس من المحبة والتآلف بين أفراد الرعية، لأن ذلك سيقود إلى بناء إنسان مثالي، والنتيجة تطوير المجتمع من جوانبه كافة، يقول الإمام علي (عليه السلام): ((ليتأس صغير كم بكبيركم، وليرأف كبير كم بصغيركم، ولا تكونوا كجفاة الجاهلية: لا في الدين يتفقهون، ولا عن الله يعقلون))(39).

ص: 406

الخاتمة

بعد أن أكملنا هذا البحث لا بد أن نضع خاتمة نلخص فيها أهم النتائج والتوصيات التي توصلنا إليها، وهي الآتي:

أولاً: - إن رسوخ مبادئ الإسلام في شخصية الإمام علي (عليه السلام) لم تأتي من فراغ وإنما كان يستلهمها من الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، فقد عاش في كنفه منذ صباه، وكانت الروح الإنسانية طاغية على فكر الإمام (عليه السلام)، فكان متحرراً ومتوسعاً في اكتساب العلوم، والروح الإسلامية ماثلة في كل مفهم من مفاهيمه، وفي كل معارفه وحكمه، وفي كل عمل من أعماله، ومنطق من أفكاره، فكان تقدمياً واقعياً يؤمن بالإنسان على صعيد الإنسانية العام حيث لا حدود جغرافية، ولا موانع قومية، ولا نزعة ضيقة عقائدية، فهو يؤمن بالإنسان ويحيطه بكل ما يسعده.

ثانياً:- المسلمون اليوم مطالبون بإعادة عزهم وإحياء مجدهم وبعث تراثهم ووصل حاضر هم بماضيهم لكي يستمدوا منه الهدى والرشاد دون تعصب أو انغلاق، وصولاً إلى بناء حاضر منفتح على الجديد، وبناء شخصية الإنسان الذي يؤمن أن الحياة هي عملية تواصل بين القديم والجديد، ولا يمكن بأي حال بناء تجربة إنسانية ناجحة دون المزاوجة بين الماضي والحاضر في استنباط البرامج والأفكار التي تدفع بعملية التنمية إلى أمام.

ثالثاً: - يركز الإمام علي (عليه السلام) في بناء الإنسان على القيم الروحية والتي مبتدأها الإيمان بالله (سبحانه وتعالى) لأن هذا الإيمان يقود إلى الفضائل، فالإنسان المؤمن يخاف الله في حركاته وسكناته، وكما هو معلوم أن التنمية البشرية

ص: 407

في الإسلام هدفها بناء الإنسان السوي، الناضج، المبدع، والمنتج من أجل عمارة الأرض كي يحقق الغرض الذي خلقه الله من أجله ألا وهو خلافة الأرض.

رابعاً: - لقد اتضح لنا أن الإمام علي (عليه السلام) كان في أقواله وأفعاله أنموذج حي للتعاليم الإسلامية، حتى أننا وجدنا إنسان تمثلت فيه الشريعة الإسلامية السمحاء، فهو يقول الكلام ويتبعه بالتطبيق، وهذا، وفق المنظور السياسي لإدارة الدولة وسياسة الرعية يعد مثال يحتذى به للسياسة والإدارة الناجحة، من هنا كان فكر الإمام علي (عليه السلام) فكراً واقعياً، ولا يدخل ضمن النظريات الطوباوية، بل أنه يمكن تطبيقه على أفراد المجتمع بدون أي تعقيدات أو إجراءات روتينية.

خامساً: - إقامة مؤسسة دولية ترعاها منظمة المؤتمر الإسلامي، أو عدد من الدول الإسلامية، يكون مركزها في النجف الأشرف تختص بدراسة فكر الإمام علي (عليه السلام)، ومنطلقاته الإنسانية والأخلاقية، وكذلك رؤيته في مجال حقوق الإنسان، وهذا المؤسسة شاملة لجميع المذاهب الإسلامية، يتفرع منها عدد من المراكز البحثية، فضلاً عن المعاهد والكليات الإنسانية التي تدرس العلوم وفق المنهج الوسطي للإسلام منهج الإمام علي (عليه السلام) لكي تحقق التواصل والتقارب بين أبناء المسلمين جميعاً.

سادساً: - نستقرئ من فكر الإمام علي المبثوث في كتاب نهج البلاغة، دروساً، وعبر، تدعو إلى إشاعة روح الفضيلة والابتعاد الرذيلة، وهذه الدروس والعبر تعد رسالة لكل الحكام والملوك والأمراء وأصحاب الوظائف تصلح أن تكون خارطة طريق للمسلمين في الوقت الحاضر، سيما وأن الفساد الإداري والهدر المالي أصبحت صفة تلازم معظم الحكام المسلمين في الوقت الحاضر.

ص: 408

هوامش البحث:

(1) سورة الإسراء، آية: 29.

(2) سورة البقرة، آية: 29.

(3) سورة هود، آية: 59.

(4) إبراهيم العسل، التنمية في الإسلام، المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع، ط 1، (بيروت / 1996 م)، ص 62.

(5) عباس هاشم علوي شهاب، معالم الفكر التنموي الإسلامي، دار العصمة، ط 1، (البحرين / 2007 م)، ص 108.

(6) سورة لقمان، آية: 20

(7) السيوطي، جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبكر، تفسير الجلالين (الدر المنثور)، دار إحياء التراث العربي، (بيروت / د. ت)، ص 545.

(8) ف. دوجلاس موسشيت، مبادئ التنمية المستدامة، ترجمة: بهاء شاهين، الدار الدولية للاستثمارات الثقافية، ط 1، (القاهرة / 2000 م)، ص 13.

(9) إبراهيم العسل، التنمية في الإسلام، ص 65

(10) محمد عابد الجابري، العقل العربي، محدداته وتجلياته، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 4، (بيروت / 2007م)، 46.

(11) عبد العزيز الدوري، مقدمة في تاريخ صدر الإسلام، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1، (بيروت / 2005 م)، ص 15.

(12) جورج جرداق: الإمام علي صوت العدالة والإنسانية، دار ومكتبة صعصعة، ط 1، (البحرين / 2003 م)، ج 1، ص 97.

(13) مهدي حبوبة: ملامح من عبقرية الإمام علي، مطبعة الإرشاد، ط 2، (بغداد / 1967م)، ص 116.

(14) نهج البلاغة، ج 1، 25 - 26.

(15) نهج البلاغة، ج 1، ص 69.

(16) نهج البلاغة، ج 1، ص 526.

(17) نهج البلاغة، ج 1، ص 69.

(18) نهج البلاغة، ج 1، ص 79.

(19) نهج البلاغة، ج 1، ص 28.

ص: 409

(20) نهج البلاغة، ج 1، ص 135.

(21) الآباط جمع إبط، وضرب الآباط: كناية عن شد الرحال والمسير. (نهج البلاغة، ج 1، ص 579، هامش 1).

(22) نهج البلاغة، ج 1، ص 579.

(23) نهج البلاغة، ج 1، ص 578.

(24) نهج البلاغة، ج 1، ص 578.

(25) نهج البلاغة، ج 1، ص 646.

(26) الأزل: الضيق والشدة (نهج البلاغة، ج 1، ص 136، هامش 3)

(27) نهج البلاغة، ج 1، ص 136.

(28) نهج البلاغة، ج 1، ص 137.

(29) نهج البلاغة، ج 1، 137- 138.

(30) ينظر نهج البلاغة، ج 1، ص 65، 130، 144، 354.

(31) نهج البلاغة، ج 1، ص 144.

(32) نهج البلاغة، ج 1، ص 152 - 153.

(33) نهج البلاغة، ج 1، ص 317 - 318.

(34) نهج البلاغة، ج 1، ص 425.

(35) ذكرى عواد ياسر العامري: الفكر الاقتصادي في نهج البلاغة، رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة إلى كلية التربية، جامعة البصرة / 2009 م، ص 144.

(36) نهج البلاغة، ج 1، ص 529.

(37) نهج البلاغة، ج 1، ص 156 - 157.

(38) نهج البلاغة، ج 1، ص 302.

(39) نهج البلاغة، ج 1، ص 299.

ص: 410

المصادر والمراجع

القرآن الكريم.

أولاً: المصادر.

1 - السيوطي، جلا الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبكر: تفسير الجلالين (الدر المنثور) دار إحياء التراث العربي، ط 1، (بیروت / د.ت).

2 - نهج البلاغة: مجموعة خطي الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، شرح: الأستاذ محمد عبده، اشرف على تحقيقه وطبعه: عبد العزيز سيد الأهل، منشورات مكتبة التحرير، (د.ب / د.ت).

ثانياً: المراجع.

1. إبراهيم العسل: التنمية في الإسلام، المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع، ط 1، بيروت / 1996 م).

2. جورج جرداق: الإمام علي صوت العدالة والإنسانية، دار ومكتبة صعصعة، ط 1، (البحرين / 2003 م).

3. عباس هاشم عليوي: معالم الفكر التنموي الإسلامي، دار العصمة، ط 1، البحرين / 2007 م).

4. عبد العزيز الدوري: مقدمة في تاريخ صدر الإسلام، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1، (بیروت / 2005 م).

5. ف. دوجلاس موسشیت: مبادئ التنمية المستدامة، ترجمة: بهاء شاهين، الدار الدولية للاستثمار الثقافي، ط 1، القاهرة / 2000 م).

ص: 411

6. محمد عابد الجابري: العقل العربي، محدداته وتجلياته، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 4، (بيروت / 2007 م).

7. مهدي حبوبه: ملامح من عبقرية الإمام علي، مطبعة الإرشاد، ط 2، بغداد / 1967 م).

ص: 412

فكر الإمام علي (عليه السلام ) في تجديد الخطاب الديني

اشارة

المدرس الدكتور جمعة ثجيل الحمداني ذي قار كلية الآداب

ص: 413

ص: 414

المقدمة

ان من متطلبات وتحديات الواقع المعاصر، ان لاتكون سمته الجمود والانغلاق والانعزالية والتقليد، بل الحراك والانفتاح والابداع، وحتى يتمكن الخطاب الديني من تلبية وتحديات الواقع المعاصر ومواجهة قضايا وهموم الافراد والمجتمعات والارتقاء بشخصية وامكانات الافراد، فلابد من مواكبة هذه التحديات المعاصرة بروح علمية تتلائم مع مايحدث من تغييرات سريعة في الفكر الانساني، وبما ان القرآن الكريم يحث على اعمال العقل والتفكر والتدبر في آيات كثيرة في القران الكريم(1)، فهذا يعني ان ادوات التحرر من الانغلاق والجمود الذي يشوب بعض الخطابات الدينية هي ادوات متوفرة في صميم الدين الاسلامي ودستوره القرآن الكريم.

وحتى يطمئن بعض المشككين في صدق الدعوة الى تجديد الخطاب الديني نقول: ان التجديد في الخطاب الديني، لا يكون في ثوابت واصول الدين والعقيدة، وانما تطوير لغته ومضمونه والمطالبة باخذ كل ماهو جديد لمواكبة الواقع المعاصر والتغيرات الحادثة والمستجدات المستمرة، وما يحيط بها من تحديات.

والتجديد سنة من سنن الكون وضرورة من ضرورات العصر التي لا غنی عنها، ومصداقا لقوله صلى الله عليه واله وسلم: ( ان الله يبعث لهذه الامة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها). والفرد والمجتمع معنيان دائما بالتجديد والتحديث والتغيير والابداع.

والمقصود بالتجديد هو: تجديد النظر في الدين او تجديد الفهم الديني، ذلك الفهم الذي انتجه العقل الانساني في علاقته تاريخيا مع الدين: فهما وتاویلا وتفسيرا، وليس المقصود تجديد الدين نفسه: حذفا او اضافة او ماشابه(2).

اما مشكلة الشباب وكيفية تعاطيهم مع الخطاب الديني التقليدي فهذه بحاجة

ص: 415

الى وقفة مهمة وجادة، فالملاحظ ان الشباب في ضوء ثورة الاتصال والمعلوماتية، وما افرزته الحضارة المعاصرة من تداعيات، اصبح اليوم اكثر تمردا وخروجا على المألوف لتراثي.

وعلى هذا الاساس ينبغي أن لا يتم التعامل مع جيل الشباب على انه قطيع ساذج، ويكفي التعاطي مع مع اشکالاتهم بالوعظ المجرد وحسب، على امل تحصينهم من الغواية والفساد، كما يطمح لذلك الدعاة والمصلحون، ومن ثم نضمن الحيلولة دون وقوعهم في شطط التمرد على المألوف من الاعراف والمعتقدات بمثل هذه السهولة.

کما انه لابد من الاشارة الى ان التعويل على اسلوب الردع بمختلف الاساليب، واعتماد العقاب، صعودا الى التكفير بعد الموعظة، للحد من هذه الظاهرة ؉ لن يجدي نفعا على قاعدة: (افانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)(3) وخاصة على المدى الطويل.

ويبدو ان التمسك بالاليات المطروحة فقط في هذا المجال غير مجدية، بعد ان اخفقت في وقف انتشار مظاهر التحلل والفساد والالحاد، في المجتمع بشكل عام، وبين شريحة الشباب بشكل خاص.

ويلاحظ ان كثيرا من الدعاة بقصور ادوات تناوله، يفتقر الى التاثير الفاعل في الاوساط الاجتماعية للناس، والشباب بالذات، وبالتالي عجز عن تقديم اجابات مقنعة، او حلول موضوعية - للاستفهامات المتزايدة للجيل الجديد من الشباب، ورد نقدهم لاساليب الدعاة في الوعظ، وتفنيد شعورهم بتيبس الموروث المعرفي الديني الذي اثبت في نظرهم عجزه عن التصدي للمناهج الفكرية المعاصرة.

ان الدعاة اليوم ورجال الدين مطالبون بضرورة حل الاشكاليات المزعومة

ص: 416

عن وجود تعارض بين تفسير النصوص الدينية والاحكام الفقهية، وعليهم الانصات الى صوت الشباب والرد على تساؤلاتهم واستفساراتهم ومناقشتهم مناقشة عقلية صرفة.

هناك سؤال يؤرقنا جميعاً هو: من اين جاءت النظرة السلبية للإسلام؟ هل اتت من المجتمعات الاخرى؟؛ والجواب على ذلك نقول: جاءت هذه النظرة من الخطاب الديني ومن روایات لدى طوائف من المسلمين لا تليق بالإسلام، نقلها جهلة او متزلفون لأعداء الاسلام من الداخل مضادوا يتكلمون باسم الاسلام، ورغم ان الخط المحمدي ؉ خط اهل البيت عليهم السلام - اقام الحجة على انحراف هؤلاء الا ان البعض لازال يتخذ من هذه المنقولات الخاطئة، والمسيئة ذريعة للانتقاص من الاسلام ونسبته إلى المصادر الاسلامية.

ولا يخفى على احد في الوقت الحاضر كيف تعمل وسائل الاعلام الكثيرة، حيث نراها تركز على الحوادث المثيرة ولا تسلط الضوء على الامور الطبيعية ولا الامور الحسنه، وكم من السلوكيات الصالحة لا يتم نقلها في اعلام اليوم الذي لا يهتم للإصلاح والتقريب بين الثقافات بل يهدف الى خدمة الممولين کما هو معروف، وهذا التضليل الاعلامي لم يكن وليد اليوم، وانما تمتد جذوره الى اعماق التاريخ، وقد انتبه الائمة الاطهار علیهم السلام الى هذا النوع من التضليل لذلك دعوا في خطاباتهم الى ان تكون الممارسات الدينية والشرعية وفق الفكر والعلم والعمل الصحيح، وهذا ما تستطيع أن تفهمه من النص الاتي الصادر عن الامام الرضا عليه السلام، والذي يدعو فيه الى الخطاب الاعلامي الذي يبرز محاسن العلوم والسيرة لفكر اهل البيت عليهم السلام. قال عليه السلام: (احيوا امرنا، رحم الله من احیا امرنا، قالوا: وكيف نحيي امركم يا ابن رسول الله؟ قال: بتعلم علومنا وتعليمها للناس، لان الناس لو علموا محاسن کلامنا لاتبعونا..)(4)، وهذا

ص: 417

يعني ان الناس كانت ؉وربما لازالت ؉ تتلقى الفكر الديني باسلوب خطابي مضلل.

ولما كان فکر اهل البيت عليهم السلام يدعو الى دراسة محاسن علومهم التي ورثوها عن المصطفى صلى عليه وآله وسلم الذي جاء رحمة للعالمين وجاء ليتمم مکارم الاخلاق وحسب ما مشهور ومعروف في الكتاب والسنه فما الذي حصل حتى يتغير هذا السلوك نحو الانحدار؟ وما الذي حصل حتى تخرج دعوات النبي (صلى الله عليه واله وسلم) الاخلاقية ودعوات اهل بيته الاطهار (عليهم السلام) الاصلاحية والعلمية عن نقاوتها لدرجه لانرى لها تطبيقياً؟ الجواب: ان السبب السبب ليس وليد الحاضر، وانما تمتد جذوره الى ايامهم عليهم السلام ؉كما اشرنا ؉، وبسبب الخطاب الاعلامي المضلل الصادر من مناوئيهم والمنحرفين عن الدين الاسلامي الصحيح، ومن ادوات هذا التضليل والتحريف هو نشر الاخبار المخالفة للحقيقة، وفي هذا الخصوص قال الامام الرضا (عليه السلام): ((ان مخالفينا وضعوا في فضائلنا، وجعلوها ثلاثة اقسام، احدها الغلو، وثانيها التقصير في امرنا، وثالثها التصريح بمثالب اعدائنا، فأذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شیعتنا ونسبوهم الى القول بربوبيتنا، واذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، واذا سمعوا مثالب اعدائنا بأسمائهم ثلبونا باسمائنا وقد قال الله عز وجل: لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فیسبوا الله عدواً بغير علم))(5).

ويفهم من هذا النص الوارد عن الامام الرضا عليه السلام: ان الاعلام المعادي والخطاب المناوئ وفي كل زمان ومكان يعمل بالاتجاه المضاد لفكره والمحاربة القوية لمعارضيه وخصومه وبطرق مختلفة ووسائل قويه قد تنطلي على الكثير من الناس، وبالتالي يؤدي الغرض الذي يطمح اليه بهذه الوسائل المخادعة، ويفهم ايضاً من النص السابق ان الامام عليه السلام اعطانا ادوات العمل واشار الى الانذار النهائي الذي ينبغي ان نكون فيه يقظين، هذا في زمان ومكان لم

ص: 418

تكن ادوات الخداع والاعلام بالمستوى الموجود الان في حياتنا المعاصرة التي تتعدد فيها اساليب الخداع والتضليل فكم هي اذن المهمة صعبة وثقيلة؟

لهذا نرى ان التفكير في طرح الخطاب الديني بطريقه عقلانية بعيدة عن العواطف والاهواء هي الاسلوب الامثل، والانجح للقضاء على الافكار البالية.

ومن الشواهد الاخرى الدالة على تزييف الحقائق عبر التاريخ والتي تؤيد ما ذهب اليه اهل البيت (عليهم السلام) في طروحاتهم ما نقلته لنا المصادر الاسلامية فقد ذكر ابن الجوزي عن حماد بن زید(6)، قال: (( وضعت الزنادقة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) اربعة عشر الف حديث))(7).

وقال الذهبي(8): عند ذكر عبد الكريم بن ابي العوجاء(9) الذي قتل في زمن المهدي العباس، وبعد ان أيقن بالموت وأخذ ليضرب عنقه قال: ((وضعت فیکم اربعة الالاف حدیث احرم فيها الحلال واحلل فيها الحرام)) وفي رواية: ((والله لئن قتلتموني لقد وضعت فیکم اربعة الاف حدیث احرم فيها الحلال واحل فيها الحرام ولقد صومتكم يوم فطر کم، وفطرتكم يوم صومكم)) (10).

اننا يجب ان نعمل من أجل جعل ائمة اهل البيت عليهم السلام يتحركون معنا في حياتنا ومواقعنا من جديد ليقودوا حركتنا من موقعهم الفكري الاسلامي، ومن موقعهم الروحي الإيماني، ومن امامتهم المتحركة في اتجاه حماية الدين من الانحراف عن خط الله تعالى ورسوله الكريم (صلى الله عليه واله). من هذا المنطلق ندعو الامة ممثلة بعلمائها ومفكريها ودعاتها العاقلين المنفتحين الداركين لجوهر وحقيقة الدين کرسالة محبة وانفتاح وقيم انسانية رفيعة الى اثارة كل مفاهيمهم عليهم السلام عقيدة وشريعة، وبهذا الخصوص قال الامام الباقر عليه السلام: (وهل الدين الا الحب) (11)، فما ابلغ هذا الكلام وما اجمله وما اروعه من تصوير نابع من الاعماق وغير مشوش، ورغم كلماته القصار فهو ذات معنى كبير وعميق.

ص: 419

المبحث الاول: دور القرآن في الخطاب الديني: عند الامام علي (علیه السلام) وتجديده

القرآن الكريم الذي: ((لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حکیم حمید))(12) يطرح بوضوح التميز الذي تقوم به حركة لتاريخ بمتغيراته وتنوع وقائعه واحداثه. والقرأن يقدم منهج متكامل في التعامل مع التاريخ البشري، والقران الكريم هو الحل الوحيد لحل والغاء التناقضات في الافكار المنحرفة التي اصيب بها الكثير. والقرأن الكريم فيه تبيان لكل شيء.

اما كتب التراث الاسلامي كما هو معروف فيها من الاختلاف والتناقض مايفوق بكثير من المشتركات والتوافقات.

بينما يؤكد لنا القرآن وبصريح الكلام: ((أفلا يتدبروا القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلاف كبيراً))(13). وليس هناك أبلغ من كلام الخالق جل وعلا الذي يجزم بعدم وجود الاختلاف في الأمور الدينية العقائدية كونها تنبع ن مصدر واحد هو الخالق عز وجل.

أي أن الخطاب الديني يجب أن يعتمد بالدرجة الأساس على القرآن الكريم في شحذ الخطاب بنصوصه الشريفة لانه كتاب الله تعالى ومرجع التشريع الإسلامي فضلاً عن حاکميته التي ستفرض الايمان بالله ورسوله.

والذي نتمناه ان یکون هكذا ولكن هذا لا يمثل الواقع كونه يصطدم بمشكله كبيرة ليست بغريبه عن المتابعين للخطاب الديني على مر التاريخ. وهي أن الناس

ص: 420

فهمت القرآن وطيلة القرون والعقود الماضية بطريقة كتب التراث الاسلامي.

وعلى مدى اكثر من الف سنه لم تستطع هذه الكتب ان توصل الاسلام الحقيقي الذي اراده القرآن، والسبب في ذلك أن الروايات التي ملأت بطون هذه الكتب كان توظيفها سياسياً قبل كل شيء، فأصبحت بمرور الزمن ونتيجة لتكرارها و تردیدها وكأنها امر واقع مسلم به.

أن الدور العظيم والواضح الذي سلكه امير المؤمنين عليه السلام في توجيه العامة من الناس الى الفكر الاسلامي الصحيح كان من خلال خطاب دیني يدعو الى اعمال العقل والفكر والتدبر في كتاب الله العزيز، وفي هذا الاطار قال (عليه السلام): ((سلوني قبل أن تفقدوني فو الذي خلق الحية وبرء النسمة لو سألتموني عن اية نزلت في ليل ام في نهار.... ناسخها ومنسوخها، محکمها ومتشابهها وتأويلها وتنزيلها لأخبرتكم..))(14).

وهذا النص يؤكد ان القرآن وتخصصه المعرفي هو الأولى والارجح في الشروع بعملية الاصلاح المجتمعي، ومن هذه النقطة فأن الخطاب الديني المعاصر يجب ان يكون متوافقاً مع متطلبات الحياة المعاصرة. اذ لم يزل القرآن هو المرجع الأول والمنهل الأساس في بناء مكونات الخطاب الديني، ويبقى الاصلاح والافساد مرهوناً بتلك المعرفة بكتاب الله تعالى وهو ماجعل هذا الخطاب يتفاوت في التأثير في المجتمعات التي يلقى فيها فضلاً عن الأفراد.

ان من سلبيات الخطاب الديني التقليدي هو الجمود على النص والحكم المسبق للفكرة المطروحة للنقاش وتعطيل العقل ومحاربة مبدأ الاختلاف والتنوع، وبهذا يكون العالم الاسلامي قد مني بحركة مناقضة لكل اصلاح وتجدید.

اما ضرورة التجديد في الخطاب الديني فتتمثل في تفعيل منهج الحوار، ولا

ص: 421

ضير في تضارب الاراء عند الحوار، طالما انه يتضمن الحث على تلاقح الأفكار، ويعمل على ازالة الاختلافات والوصول الى الفكر الصحيح، وفي هذا المقام يقول امير المؤمنين عليه السلام: (إضربوا بعض الرأي ببعض يتولد منه الصواب) (15)، وهذا يعني ان امير المؤمنين عليه السلام كان يحمل فكرا خطابيا ثاقبا منذ القرون الأولى، وذلك من خلال امتلاكه ادوات التفسير والتحليل العلمي.

ولكي يتسنى للمتحاورين الوصول إلى أرضية مشتركة عمادها الفكر الصائب، فانه يجب على المتحاورين ؉ من وجهة نظر الاسلام ؉ أن لا يبتعدوا في حوارهم عن المعايير العقلية والمنطقية، ويتحاوروا باسلوب علمي، ويستندوا الى ما تؤمن ضمائرهم بانه حق، ولا يخرجوا عن اطار البراهين العقلية، ولا يظنوا بان مجهولاتهم العلمية معلومة، واذا روعي هذا الجانب من الأدب فهو كفيل بانهاء جميع الاختلافات الناتجة عن خطا الفكر، وهذا المعنى تشير اليه حكمة الامام علي عليه السلام: (لو سكت الجاهل ما اختلف الناس)(16)

اما السنة النبوية التي تعد المصدر الثاني للتشريع بعد کتاب الله عز وجل، فهي مليئة بالكثير من الخطابات العقلانية التي تتوافق مع كتاب الله، وفي الوقت نفسه هناك الكثير من الخطابات والمرويات التي لايقبلها القرآن ولاتقبلها السنة الصحيحة، والسبب في ذلك أن هناك نسبة كبيرة ممن نقلوا لنا هذه الرويات متأثرين بثقافة السلطة على التاريخ فجاءت رواياتهم مشوشة وتصب في مصلح الحاكم، اضف الى ذلك أن الكثير مما كتب وسجل، اما کتب بعقلية غير ناضجة تنطلق من تعصبات مقيتة، او من هوى مذهبي رخيص، لا يلتزم بالمنطق السليم، ولايهتدي بهدي العقل، ولا يؤمن بالحوار والفكر كاسلوب افضل للتوضيح وللتصحيح.

ص: 422

أن كتب التراث الاسلامي ؉ للاسف الشديد ؉ تولد عند قارئها شعورا بالتناقض بين محتواها والنص القرآني من ناحية، وبينها وبين المنطق البدهي من ناحية أخرى، فالقرآن اعطي صورة نقية وواضحة لرسالة الاسلام ورفع من قيمة الدين الاسلامي، لكن كتب التراث مليئة بالتناقض والاختلافات.

لذلك برز فکر مدرسة اهل البيت عليهم السلام کمتصدي لحل هذا الاشكالات والتناقضات، فالامام الصادق عليه السلام كان اول من دعا إلى تصحيح المسار التشريعي والتاريخي بعرض هذه الروايات على القران للتاكد من صحتها، والزم تلاميذه ومريديه قبل غيرهم بان يعرضوا الروايات المنقولة عنه على القران والسنة الصحيحة حتى تكون مقبولة والا فلا يعتد بها في قوله عليه السلام: (اذا جاءكم الحديث عنا فاعرضوه على الكتاب والسنة فاذا خالفهما فاضربوه عرض الجدار) (17).

واستنادا لكل ما تقدم فان الحاجة الى تجديد الخطاب الديني بطريقة معاصرة بعيدة عن الاقصاء ورفض الاخر، وبعيدة عن لغة البغض والكراهية، اصبحت حاجة ملحة وضرورية، بل لابد منها، ولا يتم ذلك الا بالاعتماد على القرآن والصحيح من روایات اهل البيت عليهم السلام، والصحيح من الروايات في المؤلفات الاسلامية الأخرى.

ان اعتماد الخطاب الديني على روايات الكراهية والذبح وقطع الرؤوس هو الذي انتج لنا الدواعش وامثالهم، بينما كتاب الله عزوجل مليء بايات التسامح والمحبة والمودة بين الناس، فلماذا كل هذا الابتعاد عن طريق الصواب، هذه هي مسؤولية الخطباء والباحثين فهل من يتصدى؟

ولنأخذ امثلة من الروايات الصحيحة والتي تحث على تحريك العقل والفكر،

ص: 423

ومنها قول رسول الله (صلى الله عليه واله): (تفکر ساعة خير من قيام ليه (18)

وعن أمير المؤمنين عليه السلام عندما سأله رجل بعد انصرافه من الشام: هل أن خروجهم بقضاء وقدر؟ فقال الامام عليه السلام: (نعم ياشيخ ما علوتم تلعة ولا هبطتم واديا الأبقضاء من الله وقدره، قال الرجل: عند الله احتسب عنائي وما ارى لي من الاجر شيئا، عندها قال الامام علي عليه السلام: بلى فقد عظم الله الأجر في مسيركم وانتم ذاهبون وعلی منصرفكم وانتم منقلبون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين، فقال الرجل: وكيف لا نكون مضطرين والقضاء والقدر ساقانا وعنهما كان مسيرنا؟ قال الامام عليه السلام: لعلك اردت قضاء لازما وقدرا حتما؟ لو كان ذلك لبطل الثواب والعقاب وسقط الوعد والوعيد والامر من الله والنهي وما كانت تاتي من الله لائمة لمذنب ولا محمدة لمحسن، ثم قال: ان الله تعالى امر تخييرا ونهي تحذيرا وكلف يسيرا... ولم يطع مکرها ولم يرسل الرسل هزلا ولم ينزل القرآن عبثا ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا)(19).

درس ما أعظمه، وکلمات ما انورها وهي تفك قيد العقل وتحل اغلال التفكير من رواسب التقليد الأعمى، وتطلق العنان لعقل الانسان متاملا ومتدبرا. وتاتي متوافقة ومتطابقة لما يريده الله عز وجل في أن تستخدم نعمة العقل والفكر من خلال وصايا في كتابه العزيز.

ولم يكن فكر الامام الصادق عليه السلام بمعزل عن الدعوة إلى القضاء على الجمود الفكري واحداث الثورة الفكرية التي طالما تبتنها مدرسته العلمية الكبيرة، فقد ورد عنه عليه السلام قوله: (افضل العبادة ادمان التفكر في الله وفي قدرته)(20). ويفهم مهذا النص أن التفكير واعمال العقل ورفض الجمود الفكري والانغلاق يقع في اولويات الدين الاسلامي الى درجة اصبح فيها التفكر والتعقل

ص: 424

افضل العبادات.

ان الافكار المتوارثة عند بعض المذاهب الاسلامي آن الأوان لأن تصحح، لكي يغادر المسلم من خانة الانغلاق الفكري الذي اجبر عليه بفعل احکام وفتاوی مناقضة لكلام الخالق جل وعلا ومناقضة للواقع الذي يعيشه، والا مالذي يجبره إلى أن ينصاع لفكر اناس ماتوا منذ مئات السنين ولا زالوا يحكموننا من قبورهم، وكشاهد على هذا التزام ابناء بعض المذاهب الاسلامية بفتوى الإمام الأوزاعي عندما فال: (ان السنة قاضية على الكتاب، ولم يجيء الكتاب قاضيا على السنة)(21)، كيف يقال هذا لكتاب الله الذي فيه تبيان لكل شيء، وكيف يعمل المؤمن بهكذا قول ويوجه لان يعمل على ترك كتاب الله ليتجه الى اقوال البشر الخطائين، انها مفارقة عجيبة عملت من جانبها على صناعة الارهاب والتطرف

عندما انطلقت صناعة الحديث كفعل بشري، كان ضروريا وفق منطق الاجتماع الانساني الذي يؤسسه مبدأ التناقض ان تاتي مرویات اهل الحديث متناقضة إلى درجة يصعب الجمع بين حديث وآخر، مما شكل تحديا خطيرا لجماعة اهل الحديث، أن هذا التناقض الكبير بين رواية واخرى ينهض دليلا ضمنيا على انها من صنع البشر لا من عند الله. لان كلام الله ينفي التناقض في الأقوال جملة وتفصيلا لقوله تعالى: (أفلا يتدبروا القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) (22) فكلام الله يرفض التناقض بصريح الاية، فايهما نصدق كلام الله أم كلام البشر؟

لقد انتج الخطاب الديني المتشدد والبعيد عن العقل نصوصا مخالفة للحكمة الالهية في خلق البشر، وكمثال على ما نقول: فان الانحراف بموقع الحوار الذي كان لاهل الكتاب في الاسلام القرآني الى موقع العداء الذي اسسوا فيه من الأحاديث به

ص: 425

التي وضعت على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونموذجها الاحادیث التالية: (لايموت رجل مسلم الا ادخل الله مكانه يهوديا او نصرانيًا) (23)، او: (قال رسول الله صلى الله عليه ؉ واله ؉: اذا كان يوم القيامة دفع الله عزوجل إلى كل مسلم يهوديا او نصرانيا فيقول هذا فكاكك من النار)(24)، وفي رواية أخرى: (عن النبي صلى الله عليه ؉واله ؉قال: يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب امثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى) (25).

ولابد من القول بعدم صحة هذه الروايات احتراما لقوله تعالى: (ولا تزروا وازرة وزر اخرى)(26)، واذا طلقنا عقولنا وقبلنا بها، فلماذا اليهود والنصارى، لماذا لاتوزع على المجوس والبوذيين وغيرهم من اصحاب الديانات الوضعية، فهل لايحاسب يوم القيامة الا نحن واليهود والنصارى؟ طبعا المسالة مسالة روايات لا اساس لها من الصحة، ووضعت لهدف واحد هو الاساءة لمنهج الله تعالى.

ونتيجة هذه الرغبة في السيطرة والهيمنة انطلقت الية صناعة الحديث بجنون ضد العقل المنطقي في اباحة للمسلم أن يتقبل جميع التناقضات بنوع من الانشطار في الشخصية، وبخنوع وخضوع للمشيئة البشرية.

ص: 426

المبحث الثاني: الخطاب الديني بين الجمود والحداثة

ثبت بما لا يقبل الشك ان التمسك بالاليات المطروحة غير مجدية في معظم الأحيان، ولن تجد لها من يتلقاها بالمقبولية والرضا في أحيان كثيرة ايضا. بعد ان اخفقت في وقف انتشار مظاهر التحلل والفساد والالحاد في هذا المجتمع بشكل عام، وبين شريحة الشباب بشكل خاص.

ويلاحظ أن كثيرا من الخطباء بقصور ادوات تناولهم، يفتقرون إلى التأثير الفاعل في الأوساط الاجتماعية للناس، والشباب بالذات، وبالتالي عجزهم عن تقديم اجابات مقنعة، او حلول موضوعية للاستفهامات المتزايدة للجيل الجديد من الشباب، ورد نقدهم لاساليب الحطيب وطريقته في الوعظ والارشاد، وتفنيد شعورهم بتيبس الموروث المعرفي الديني الذي اثبت في نظرهم عجزه عن التصدي للمناهج الفكرية المعاصرة.

ان الثقافة الاسلامية التي خلفها لنا الخطاب الديني التقليدي اوصلت للمتلقي فكرة ان الحياة غير ذات قيمة من خلال ایراد الروايات والأحاديث التي تقلل من قيمة الحياة وتعتبر التمسك بها نوع من المذمة، فركز الخطيب على احادیث الموت في سبيل الله، وتعليم الشباب كيف يموتوا في سبيل الله ولم يعلموهم في يوم من الايام كيف يحيوا في سبيل الله.

وكشاهد على ما نقول: يبتدئ الخطيب حديثه بتفسيره للحديث القدسي: (قال الله عز وجل... يا ملائكتي اخرجوا من النار كل عين بكت من خشية الله...)، ويقول: جمود العين ؉ اي عدم بکائها ؉ من قسوة القلب، وقسوة القلب

ص: 427

من كثرة الذنوب، وكثرة الذنوب من نسيان الموت، ونسيان الموت من طول الامل، وطول الأمل من شدة الحرص، وشدة الحرص من حب الدنيا، وحب الدنيا رأس كل خطيئة، والافتتان بها سبب كل مصيبة، وموجب للافلاس والخسارة في الدنيا والاخرة، وكم من الناس من جرهم حب الدنيا والافتتان بها الى ظلم الناس بالشتم والقذف وشهادة الزور...)، ثم يكمل روایته بحديث اخر ويقول مخاطبا بصوت عال: (أيها المسلمون ورد في الاحادیث ان كل خطيئة اصلها حب الدنيا) (27)، وفي الحديث: (ما من عمل بعد معرفة الله ورسوله أفضل من بغض الدنيا)(28).

هذه الكلمات تطالب وبلا مواربة وبصوت يبعث في المستمع احساسا بذنب ما، بالادبار عن الدنيا والسعي وراء البكاء، ثم يختم الخطيب توظيفه للحديث بالتاكيد على أن حب الدنيا رأس كل خطيئة، وكأن حب الحياة شيء مذموم، واحتقار الحياة وازدرائها شيء حميد، وهذا ما يولد شعورا بالاحباط وعدم الثقة بالنفس التي هي اشد الامراض الاجتماعية واخبث الافات الروحية، ولا يتسلط هذا الداء على امة الا وساقها الى الفناء.

وحين يقدم الخطيب الديني هذه الثقافة الانهزامية المخيفة، فهل يبقى مجال للابداع والعمل والانتاج، وهل يستطع العقل المحدود بتفكيره من هذه الأجيال الشابة استيعاب مايطرح من فکر تشاؤمي الى حد يصل به المطاف كراهية الحياة؟ فتسد بوجهه ابواب الحياة عندما يحرم عليه أن يفكر حتی بطول الأمل.

وحين نلجأ إلى النصوص القرآنية نجد ان كل هذه الروايات مخالفة وبشكل واضح لا لبس فيه الى النص القرآني الذي يفرض على الفرد المسلم أن لا ينسی نصيبه من الدنيا لقوله تعالى: (وابتغ ما اتاك الله الدار الاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) (29)

ص: 428

اما احادیث اهل البيت عليهم السلام بهذا الخصوص فهي موافقة للقران وتحث على حق الفرد المسلم في ان يستمتع بحياته التي وهبها الله له، ويقف في مقدمتها حديث امير المؤمنين عليه السلام: (اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا، واعمل لاخرتك كأنك تموت غدا) (30)، ومنها حديث الامام الصادق عليه السلام: (ان نعم العون على الاخرة الدنيا)(31)، وقال عليه السلام: (لا خير في من لايحب المال من حلال، یکف به وجهه، ويقضي به دينه، ويصل به رحمه)(32)، ولا شك ان حب المال وحب الحصول عليه نابع من محبة الانسان للدنيا والعيش برخاء ونعيم، وفي الحديث: (ليس منا من ترك دنياه لاخرته) (33).

ان الصورة الغالبة للخطاب الديني المعاصر تحتاج الى النقد والى المراجعة الهادئة في غير مبالغة أو تهويل. وان من الخطأ التعميم في اصدار الأحكام، وان من الخطباء والمفتين من خلال خطاباتهم من ابتعدوا عن هذه المظاهر، فقدموا بذلك للاسلام وللتدين به صورة مشرقة موصولة بالاصول مستجيبة لحاجات الناس واعية بما طرأ على الدنيا من تغييرات.

وكثيرا ما توقف بعض العلماء والباحثين عن البوح بالحقيقة، او عن بعض المظاهر الدينية في الفكر الاسلامي، او في الشعائر والطقوس الدينية خشية تأليب من لا فهم لهم بهذه القضية او تلك، او ان من ورائهم سلطة دينية او سیاسية مستفيدة او منتفعة من الواقع.

واحيانا يتهم الناقد بميله الى فكر اخر وطائفة أخرى وتنكره لعقيدته وایمانه، او انه انحرف عنها وتزندق وارتد، وادل مثال على ذلك توقف بعض العلماء عن النقد او توجيه التهمة بالارهاب لبعض القتلة او المستخفين بالحرمات الانسانية، وايضا نقد بعض المظاهر العاشورائية.

ص: 429

واذا رجعنا إلى تعاليم الاسلام نجد انها لا تضيق ذرعا بالاختلاف، ولا تشمئز وتقف بوجه النقد، بل تكفل كل الحرية، ولكن ذلك نادر في تاريخ المسلمين، فالتاريخ أثبت ان معظم الذين باحوا بما في صدورهم مما اعتقدوه حقيقة علمية او فلسفية أو دينية نالوا من الاضطهاد بالتعذيب والحبس او القتل الشيء الكثير.

وهذا ما حدث للسيد محسن الأمين العاملي وللسيد ابي الحسن الأصفهاني والسيد فضل الله، حيث اتهموا بالزندقة، والمروق من الدين بسبب نقدهم لبعض السلوكيات الدينية ووصفوا هم واتباعهم بالامويين بينما المعارضون لهم او من سوقوا لهم التهم يصفون انفسهم بالعلويين، انها نكبة المقاييس.

المطلوب في النصوص الدينية ان تتناسب والتطورات المعرفية في كل الأزمنة، بمعنى انها لابد ان تكون قادرة على ركوب الأمواج المعرفية فتتناسب او قل لا تتناقض مع العلوم والمعارف البشرية في كل حقبة من الحقب.

ص: 430

المبحث الثالث: الاسباب والمعالجات

وتأسيسا لما تقدم يمكننا أن نشخص اسباب الانحراف في الخطاب الديني التقليدي بعدة عناصر:

أولا: يركز الخطاب التقليدي على الترهيب والتخويف واهمال الترغيب.

الذي يحصل في الخطاب الديني هو طغیان اسلوب الترهيب والتخويف على اسلوب الترغيب، والترغيب هو سنة كونية تتلائم مع الفطرة الإنسانية، واقوى الأدلة على ذلك ان كتاب الله العزيز يوازن بين الترهيب والترغيب والاعتدال بينهما، والمتامل في ايات القرآن يجد ان الله تعالى كثيرا ما يردد اية نعيم ويردفها باية عذاب، وكذلك يورد اية عذاب ثم يتلوها باية نعيم، كقوله تعالى: (فاما من طغى وآثر الحياة الدنيا، فان الجحيم هي المأوى، واما من خاف مقام ربه ونهی النفس عن الهوى، فان الجنة هي المأوى)(34).

واسلوب الترغيب والترهيب واضح منذ اوائل السور القرانية، فقد ابتدأت سورة البقرة حديثها عن الكافرين واعمالهم ومصيرهم، ثم اتبعت ذلك بالحديث عن المنافقين واعمالهم، ثم تلت الحديث عن المؤمنين، وذلك في قوله تعالى: (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات ان لهم جنات تجري من تحتها الأنهار)، ومنها قوله تعالى: «وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ» (35)، وقوله عز وجل: «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (36).

ان اسلوب الترغيب اسلوب قرآني بامتياز، اما اسلوب الترهيب فهو نتاج

ص: 431

الازمات النفسية التي يعاني منها المجتمع، ومنها الخطيب الذي نراه في معظم الحالات يجعل كل حدیثه ترهیبا او کله ترغیبا ؉ حسب توظيفه للفكرة التي يريد تسويقها للناس - ولا يتناوب بين الاثنين حتى لا يطغى جانب على جانب، فيفرط في التمني للثواب دون عمل، او يقنط من رحمة الله وعفوه.

فالخطاب الديني الاسلامي غالبا ما يعتمد على الفرد وعلى الارتجالية وسرد القصص التي تحدث مع الخطيب نفسه لدرجة انه يفي بعض الاحيان يتحول وكأنه يسرد قصة حياته ومعتقده وفكره وثقافته ويسقطها على الاخرين ليتعضوا منها، دون مراعاة لطبيعة وتركيبة المتلقين الجالسين، ومنها عدم معرفته بمستوياتهم الثقافية والبيئية، ولا يعتمد الخطيب ابدا على التخطيط او على الاستراتيجيات، ولذلك يقع في اشكال كبير.

والحق يجب أن يقال: أن من المهم للدعوة اليوم وللدعاة المتخصصين أن يبينوا للمدعوين أن الاسلام جاء للحياة، جاء لكي ينعم الناس بحياة افضل، وان الاسلام دين لم يأت للعزاء والمآتم فقط، وإنما جاء للحياة، وحث الشباب المتطلع للحياة والبقاء، وكلنا يكره الموت.

وكمثال على نجاح جانب الترغيب في دعم قوة الاسلام والمسلمين منذ عصر الرسالة، فقد نتج عن اسلوب الترغيب بالمال الذي استخدمه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، دخول بعض المشركين في الاسلام وتثبیت قلوب الاخرين عليه، ثم تحولهم جميعا جنودا مجاهدين تحت راية الاسلام، ونتج عن اسلوب الترهيب أن دخلته اعداد وافراد تحت سلطة الخوف فلم يؤمنوا به رغم استسلامهم واعلان اسلامهم، فقد دخلوه مكرهين فاصبحوا منافقين يكيدون بالاسلام واهله، وخير مثال على ذلك استسلام أبو سفيان حين قال له العباس بن عبد المطلب: (ويحك

ص: 432

ابا سفيان اسلم واشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله والا تضرب عنقك) (37) فاستسلم ولم يسلم.

وخلاصة القول: اننا لو نظرنا الى ايات الترغيب والترهيب في القران لوجدناها متلازمات، والحكمة من ذلك ان من لا يؤثر فيه الترغيب وثوابه يؤثر فيه الترهيب وعقابه، فالترغيب في الثواب يشجع على النشاط والعمل، بينما الترهيب من العقاب يردع عن التمادي في الغي والضلال، خاصة بعد بيان سوء عاقبة ذلك واثره.

ثانيا: من اساليب الخطاب الديني التقليدي: تمجيد التاريخ والتغني بالماضي وبالامجاد.

المعروف عن الشخصية العربية انها شخصية ماضوية تحب الماضي وتعشق الحنين اليه والتغني به، وللاسف سارت هذه العادة في الفكر الديني فاخترقت الخطاب الديني الاسلامي. فاصبح الفكر الاسلامي يعاني من مشكلة النزعة الماضوية التي تعيد انتاج مقولات الفقهاء الموتى فقهاء القرون الاولى. فبين الفينة والاخرى يخرج علينا فقهاء الدين بفتاوى تثير الاستغراب مثل رضاعة الكبير، وتحليل قتل المرتد وقتل تارك الصلاة، وما الى ذلك من فتاوى كل واحدة منها اغرب من الاخرى، والادهى من ذلك ان هذه الفتاوى رغم غرابتها تجد لها مناصرين كثر داخل مجتمعاتنا الاسلامية التي تعاني من الفصام الزمني.

هذه الفتاوى هي نتاج لماضوية مطلقيها الذين يعيشون في الحاضر بعقلية تعود لازمان خلت، الحاضر ملغى عندهم فكرا وفلسفة، حداثة وحضارة، فقهاء ومتدينون بر مجت عقولهم ببرامج ماضوية فاصبحوا يعيشون حالة شيزوفرانيا زمنية حادة، وكلما زاد ارتباطهم بالحرف والنص وبالشخصيات التراثية كلما

ص: 433

زادت حدة الفصام الزمني لديهم، انهم يعيشون الماضي، انهم اناس يعيشون خارج التاريخ، المسالة الاخطر هي انهم اناس يحلمون باستعادة الماضي على حالته في المستقبل، وحركة داعش خير مثال على ذلك، حين يصرحون بانهم يريدون اعادة امجاد الصحابة.

ان تمجيد التاريخ وراءه دوافع سياسية، وهذه الدوافع السياسية هي التي ادت بفقهاء السلاطين أن يزوروا الأحاديث والروايات ويشرعوا من خلالها احکاما فقهية لخدمة الحاكم، فاسسوا اسلاميا سياسيا على مقاس الحاكم لتبرير سياسته. وكمثال على مانقول نذكر بعض الأحاديث التي تدعوا لطاعة الحكام حتى ولو كان فاسقا. فقد نقلوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأحاديث الآتية:

؉ (تسمع وتطيع للامير، وان ضرب ظهرك، واخذ مالك، فاسمع واطع) (38)

؉ (من رأى من اميره شيئا يكرهه فليصبر فانه من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية)(39)

؉ (اسمعوا واطیعوا فانما عليهم ماحملوا وعليكم ما حملتم)(40)

وهذه الأحاديث الموضوعة والموظفة توظيفا سياسيا لا علاقة للدين بها لا من قريب ولا من بعيد، هذه الاحادیث اتت ثمارها واكلها في القرون القادمة حين قال ابن تيمية مهاجما الحسين عليه السلام لخروجه على يزيد: (أنه لم يكن في خروجه مصلحة لا في دين ولا في دنيا، وكان في خروجه و قتله من الفساد مالم يحصل لو قعد في بلده فان ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء بل زاد الشر بخروجه وقتله، ونقص الخير بذلك، وصار سببا لشر عظیم، وكان قتل الحسين مما اوجب الفتن...) (41)

ص: 434

هذا مثال لتمسك البعض بتمجيد التاريخ الذي ولد تمجید وتعظيم الحاكم ومن ثم ادی كل ذلك الى وضع وتزوير الاحاديث التي تحرم الوقوف بوجه الحاكم، فاصبح الخطاب الديني داعيا - سواء بقصد او من دون قصد ؉ إلى مناصرة ظلم الحكام، وضرب ثورة المسلم الذي يقف بوجه هذا الظلم حتى لا يتورع على تکرار رفض الظلم والقبول بما يفرضه الحاكم، مع اننا لو فتشنا كل ايات القران الكريم لم نجد اية واحدة تدعوا الى ظلم الناس، او تدعوا الناس الى قبول الظلم وعدم مواجهته.

وعندما نقول ان الاحاديث المارة الذكر غير صحيحة ومزورة، فان مما يدعم قولنا هو وجود العديد من الأحاديث المناقضة لها، ومنها قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من رأى منكم سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله ان يدخله مدخله)(42).

وهذا الحديث يتناقض تماما مع ما ورد في الأحاديث السابقة، كونه يوصي وعلى لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالثورة ضد الحاكم الظالم الفاسق الذي تعدى حدود الله، وحکم بغیر ما انزل الله.

ص: 435

الخاتمة:

توصل البحث بعد ان اكتملت صورته الأخيرة الى جملة من النتائج والتوصيات يمكن اجمالها بالاتي: -

1. ضرورة تجديد الخطاب الديني بطريقة فكرية معاصرة تلائم التطور الحاصل بمختلف مجالات الحياة، فالثورة التكنولوجية والاعلامية القوية التي تغزو بيوتنا، جعلت منا ان نكون مقرين ومعترفين بما لهذه الثورة من تأثير فكري قد يغزو عقول مختلف الفئات العمرية؛ وهنا يجب مخاطبة الشياب بعقلية القرن الحالي لا بعقلية القرون القديمة بعد ان ثبت عدم نجاح الاخير.

2. ضرورة تحليل النصوص الدينية عن طريق العقل والمنطق وازالة اللبس الحاصل بين معارضة النصوص الدينية للواقع الحالي ومعارضتها كذلك في كتب الفقه.

3. ان فكر اهل البيت (عليهم السلام) نابع من كتاب الله الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبما ان الائمة عليهم السلام اوصونا بعرض الروايات على القرآن، فالاجدر بنا ان نعتمد على كتاب الله والابتعاد عما خلفته لنا كتب التراث الاسلامي التي تمجد الماضي والتغني به حتى لوكان على حساب الحقيقة.

4. من خلال البحث هناك اشارات للعلماء والخطباء والدعاة بضرورة اخذ دورهم الفكري في التفسير والابتعاد عن الجمود الذي ثبت عدم جدواه. وهذا الدور لايأتي بسهولة الا اذا كان هناك اصرار لبث الفكر الاسلامي المتنور والملائم لجميع العصور والامكنة.

ص: 436

5. الخطاب المعتدل: ضروري ومهم جداً لانتشال الواقع الاسلامي الحالي والمرير. والخطاب المعتدل هو الطريق الوحيد لمحو النظرة السلبية عن الاسلام. حيث فشل الخطاب التقليدي في ايصال الاسلام الصحيح. كما هو معروف.

6. نشر العلم والمعرفة الشرعية قبل الانفتاح الثقافي على الامم لتحقيق التحصين الفكري، ومعالجة الخطاب الديني المتطرف والرد عليه بأساليب فكرية وليس بالعنف.

7. ادخال الوسائل الحديثة في تقديم الخطاب الديني واصلاح مناهج التعليم.

والله ولي التوفيق

هوامش البحث:

1. الاعراف: 176؛ یس: 68؛ الحشر: 21.

2. صلاح الجابري، مشاريع نهوض ام مشاريع انتكاس، ص 33.

3. يونس: 99

4. الصدوق، عیون الاخبار، ج 2، ص 275.

5. المصدر نفسه، ج 2، ص 272

6. حماد بن زيد: احد الاعلام، اصله من سجستان، سبي حدها درهم منها، عاش فترة من حياته بالبصرة. ينظر: (الذهبي، سير الاعلام النبلاء، ج 7، ص 457).

7. ابن الجوزي، الموضوعات، ج 1، ص 38.

8. میزان الاعتدال، ج 2، ص 644.

9. عبد الكريم ابن ابی العوجاء، خال معن بن زائدة، زندیق معثر، قتله محمد بن سليمان العباسي الأمير بالبصرة. ينظر: (الذهبي، سیر اعلام النبلاء، ج 2، ص 644).

10. المجلسي، بحار الانوار، ج 55، ص 357.

11. البرقي، المحاسن، ج 1، ص 263.

12. فصلت: 42.

13. النساء: 82.

14. الصدوق، الامالي، ص 422.

ص: 437

15. الليثي الواسطي، عيون الحكم، ص 91.

16. الاربلی، کشف الغمة، ج 3، ص 141.

17. الكليني، الكافي، ج 1، ص 69.

18. البرقي، المحاسن، ج 1، ص 26.

19. الكليني، الكافي، ج 1، ص 155.

20. الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 15، ص 196.

21. ابن قتيبة، تأويل مختلف الحدیث، ص 186.

22. النساء: 82.

23. احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 4، ص 398.

24. مسلم، صحیح مسلم، ج 8، ص 105.

25. المصدر نفسه والصفحة.

26. الاعراف: 164.

27. الكليني، الكافي، ج 2، ص 315.

28. التحفة السنية، السيد عبد الله الجزائري، ص 41.

29. القصص: 77.

30. الصدوق، من لایحضره الفقیه، ج 3، ص 156.

31. الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج 13، ص 58.

32. الكليني، الكافي، ج 5 ص 72.

33. الصدوق من لا يحضره الفقیه، ج 3، ص 156.

34. النازعات: 37 - 41.

35. الزمر: 17.

36. النساء: 13.

37. الهيثمي، مجمع الزوائد، ج 6، ص 166.

38. مسلم، صحیح مسلم، ج 6، ص 20.

39. الشوكاني، نبل الأمطار، ج 7، ص 356.

40. المصدر نفسه، ج 4، ص 220.

41. السيد علي الميلاني، دراسات في مناهج السنة، ص 357.

42. ابن الأثير، الكامل؛ ج 4، ص 48.

ص: 438

المصادر والمراجع

القرآن الكريم

أولاً: المصادر الأولية

ابن الأثير، أبو الحسن عز الدين بن أبي الكرم بن محمد بن عبد الكريم الشيباني (ت 630 ه / 1232 م).

1 - الكامل في التاريخ، تحقيق: عبد الله القاضي، ط 3، (دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 ه / 1994 م).

احمد بن حنبل (ت 241 ه / 854 م).

2 - مسند احمد، (دار صادر، بيروت، د. ت).

الاربلي، ابن ابي الفتح (ت 693 ه / 1293 م).

3 - كشف الغمة في معرفة احوال الائمة، ط 2، (دار الاضواء، بيروت، 1405 ه / 1985 م).

البرقي، احمد بن محمد بن خالد (ت 274 ه / 887 م).

4 - المحاسن، تحقيقق: جلال الدين الحسيني، (دار الكتب الاسلامية، طهران، 1370 ه / 1950 م).

ابن الجوزي، أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد (ت 597 ه / 1200 م)

5 - الموضوعات، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، ط 1، (المكتبة السلفية، المدينة المنورة، 1386 ه / 1966 م)

الحر العاملي، محمد بن الحسين بن علي بن محمد (ت 1104 ه / 1692 م)

6 - تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، ط 2، (مؤسسة آل البيت (عليه

ص: 439

السلام) لإحياء التراث، مطبعة مهر، قم، 1414 ه / 1994 م).

الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ه / 1347 م)

7 - سير أعلام النبلاء، تحقیق: خيري سعيد، (المكتبة التوفيقية، القاهرة، د.ت).

8 - میزان الاعتدال، تحقيق: علي محمد البجاوي، ط 1، (دار المعرفة للطباعة والنشر، بیروت، 1382 ه / 1963 م).

عبداللة الجزائري (ت 1180 ه / 1786 م).

9 - التحفة السنية (مخطوط)، تحقيق: شرح الجزائري، مخطوط (میکروفیلم مكتبة أستانة قدس).

الشوكاني، محمد بن علي بن محمد (ت 5 125 ه / 1840 م)

10 - نیل الاوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار، (دار الجيل، بیروت، 1393 ه / 1973 م).

الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت 381 ه / 991 م)

11 - عیون اخبار الرضا (عليه السلام)، تحقيق: حسين الأعلمي، مطابع مؤسسة الأعلمي، بیروت، 1404 ه / 1984 م.

12 - من لا يحضره الفقیه، ط 1، (الأميرة للطباعة، بيروت، 1429 ه / 2008 م).

ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري (ت 276 ه / 889 م)

13 - تأويل مختلف الحديث، (دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت).

الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الرازي (ت 329 ه /941 م)

14 - الكافي - الأصول والفروع والروضة، ط 1، (دار المرتضی، بیروت، 1426 ه / 2005 م).

الليثي الواسطي، ابو الحسن علي بن محمد (ق 6 ه).

ص: 440

15 - عيون الحكم والمواعظ، تحقيق: حسين الحسيني البيرجندي، ط 1، (دار الحديث، قم، د.ت).

المجلسي، محمد باقر (ت 1111 ه / 1700 م)

16 - بحار الأنوار لدرر الأئمة الأطهار، ط 2، (مؤسسة الوفاء، بیروت، 1403 ه / 1983 م).

مسلم، أبو الحسن بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261 ه / 874 م)

17 - صحیح مسلم، ط 1، (دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1420 ه / 2000 م).

الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر (ت 807 ه / 1308 م)

18 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، (دار الكتب العلمية، بيروت، 1408 ه / 1988 م).

ثانياً المراجع الحديثة

السيد علي الميلاني.

19 - دراسات في منهاج السنة لمعرفة ابن تيمية، مدخل شرح منهاج الكرامة، ط 1، (یاران، قم، 1419 ه / 1999 م).

صلاح الجابري

20 - مشاريع نهوض أم مشاريع انتكاس، مجلة فضاءات، العدد 17، 2005، ليبيا.

ص: 441

ص: 442

المحتويات

المحور الإداري والاقتصادي

الفساد الإداري... الوقاية والعلاج حكومة الإمام علي (عليه السلام) أُنموذجاً الاستاذ المساعد الدكتور عبد الزهرة جاسم الخفاجي الكلية الإسلامية الجامعة - النجف الأشرف

المقدمة...11

مدخل...14

تعريف الفساد...14

السنة النبوية تذم الفساد:...16

الفساد الإداري:...17

المبحث الأول...21

اختيار (الموظفين) الولاة والعمال:...21

تعريف الاختيار...21

معايير اختيار الولاة:...29

علاقة الإمام علي (عليه السلام) مع ولاته:...34

ص: 443

ولاة الإمام علي (عليه السلام):...36

1 - عثمان بن حُنَيف...37

2 - عبيد الله بن عباس...39

3 - قیس بن سعد:...40

4 - مالك الأشتر:...42

5 - سهل بن حنیف...47

6 - حذيفة بن اليمان:...48

المبحث الثاني...49

الرقابة...49

تعريف الرقابة...49

الرقابة الرئاسية (الرقابة الخارجية)...58

الرقابة الشعبية...67

الخاتمة...71

تكافؤُ فرصِ العملِ بينَ الذكرِ والأنثى وأثرُهُ في زيادةِ البطالةِ نظرةٌ فاحِصَةٌ في فكر الإمام علي (عليه السلام) والواقعِ الاجتماعيّ المعاصر

الدكتور عبد الهادي كاظم کریم

كليَّة التربية الأساسيَّة - جامعة تلعفر

المُقدِّمة...91

المبحث الأول: التشريع الإسلاميّ وموجبات خلق فرص العمل والبحثُ عنها...94

المبحث الثالني...103

ص: 444

الجانب التطبيقيّ...103

خلاصة البحث...104

أولًا: فكرة البحث ومضمونهُ:...104

ثانيًا: أهداف البحث:...104

ثالثًا: توصيات البحث:...105

المصادر والمراجع...113

مدخل إلى المعالجات الاستراتيجية التي اتبعها الإمام علي (عليه السلام)

في معالجته لمشكلة الفقر

فاطمة مصحب لفته

جامعة واسط / كلية الادارة والاقتصاد

المقدمة...119

مشكلة البحث...119

أهمية البحث...119

فرضية البحث...120

أهداف البحث...120

منهجية البحث...120

هيكلية البحث...120

المبحث الأول...122

مفهوم الفقر...122

المبحث الثاني...124

ص: 445

أسباب الفقر...124

1 - ملكية الدولة...124

القاعدة الأولى...124

القاعدة الثانية...125

2 - نهب المال العام...125

3 - الفساد...126

4 - الربا...127

5 - انعدام المساواة...129

6 - إعطاء الأولوية للضرائب على حساب الأعمار والتنمية...130

7 - المقامرة...131

8 - الاحتكار...132

9 - تلوث البيئة...133

10 - التسليح...133

11 - كثرة الموظفين...134

المبحث الثالث...136

معالجات الفقر عند الإمام علي (عليه السلام)...136

أولا: امتلاك الناس لكل الثروات ...136

ثانيا / الضمان الاجتماعي...137

ثالثا / التكافل الاجتماعي...139

رابعا / الحرية من المقومات الأساسية لنهوض المجتمعات...140

ص: 446

خامسا / المساواة...141

سادسا / تحديد الضرائب...141

سابعا / تقليص ساعات العمل...142

ثامنا / التنظيم والتخطيط...143

تاسعا / مبدأ المساءلة والمحاسبة...144

عاشرا / منع الربا والاحتكار والمقامرة والاكتناز والإسراف والتبذير وكل العوامل الأخرى المساهمة في نشوء الفقر...144

الاستنتاجات والتوصيات...145

أولا: الاستنتاجات...145

ثانيا: التوصيات...146

المصادر والمراجع...153

أولا / الكتب...153

ثانيا / البحوث والرسائل...155

ثالثا / التقارير والمؤتمرات...156

رابعا / المصادر الانكليزية...156

دور الدولة في التخفيف من الفقر في العراق في ضوء سياسة الامام علي (علیه السلام) م.م حسين علي الكرعاوي كلية الإمام الكاظم (علیه السلام) فرع النجف م.د سلطان جاسم النصراوي كلية الإدارة والاقتصاد - کربلاء

المقدمة:...159

المبحث الأول: الإطار النظري لدور الدولة في مواجهة الفقر: تحليل مقارن للانظمة

ص: 447

الوضعية والنظام الاسلامي...162

المبحث الثاني: واقع الفقر في العراق...176

اولاً: نظرة تاريخية على الفقر في العراق...176

ثانياً: حال الفقر في العراق بعد 2003...179

المبحث الثالث: سبل مواجهة الفقر في ضوء فلسفة الأمام علي (عليه السلام)...188

أولاً: الدولة والفقر في منهج وفلسفة الأمام علي (علیه السلام)...189

ثانياً: فلسفة الإمام علي (عليه السلام) في محاربة الفقر: الدروس المستفادة...194

1. محاربة الفقر من خلال التعليم...194

2. الضمان الاجتماعي:...195

3. رعاية ذوي الحاجات الخاصة:...196

4. الرقابة على السوق: الحد من اثر التضخم...197

5. تنظيم الأسرة:...198

6. الفساد والاستئثار بالامتيازات:...198

7. الحقوق الاجتماعية: للفقراء حق في اموال الاغنياء...199

8. التوازن بين الريف والحضر:...199

9. بنك الفقراء: تجربة بنك جرامين...200

الاستنتاجات والتوصيات...202

أولاً: الاستنتاجات...202

ثانيا: التوصيات...204

ص: 448

الإمام علي (عليه السلام) بيان الدولة الإنسان وإنسانية الدولة الباحث محسن وهيب عبد

مقدمة...213

الفصل الأول: تمهيد...215

1. طبيعة السياسة في التاريخ البشري ک(شر لابد منه)...215

2. اطروحة تطابق العدل مع السياسة...217

3. متى يتطابق العدل مع السياسة؟...218

4. خصائص دولة الانسان وميزات انسانية الدولة:...219

5. ماهية العدل وكيفية قيام الناس به:...220

6. المترفون في تاريخ السياسة البشرية رأس حربة ضد العدل ودولة الانسان:...222

7. السياسة هي جدل الظواهر الثلاث في التاريخ البشري:...223

8. المستلبون مساعدو المترفين على انفسهم في التصدي للمعصوم:...223

الاستلاب بالفوقية في قصص الانبياء:...224

النفعية:...225

الفصل الثاني: النموذج الكوني لدولة الانسان والانسانية...229

1. هل هناك اطروحة سياسية اسلامية لدولة العدل والانسانية؟...229

2. التثقيف المشروع سياسي کوني لدولة العدل:...230

3 - التعريف بنظام الملة...231

4 - التيتيف باهية المنهج المعصوم كمشروع سياسي اسلامي لدولة العدل:...232

5 - على مر التاريخ البشري لم نجد بيانا لدولة الانسان او انسانية الدولة الا من خلال

ص: 449

الامام علي عليه السلام:...233

6 - لا تتحقق انسانية الدولة الا في نظام الملة (طاعة المعصوم):...234

7 - اذن الاطروحة الأهم في تاريخ البشر وحاضرهم ومستقبلهم مهملة...236

8 - واقع جدل الظواهر الثلاث يغلب تحذيرات الرسالة...239

الفصل الثالث: بيانات الامام علي (علیه السلام) لبناء دولة الانسان وإنسانية الدولة...242

البيان الاول:- المستثنون من المناصب السياسية في دولة الانسان...242

البيان الثاني:- امران مطلوبان من السياسي المسؤول لبناء دولة الانسان...244

البيان الثالث:- حقوق السياسي على الناس من اعظم الفروض...244

البيان الرابع -- اطراء الحاكم قبيح...246

البيان الخامس: والتزلف للمسؤول خرق لمعنى انسانية الدولة...246

البيان السادس: السياسة هي قضاء حوائج الناس...247

ترجمة بغض الظلم وعداوة الظالمين عند الامام في مشروعه السياسي الاسلامي...252

الفصل الرابع: الاسس الاخلاقية للمشروع السياسي الإلهي العلوي المبارك لدولة الانسان...254

1. استخدام الادوات الانسانية وسيلة للعدل في السياسة...256

2. حركة بناء دولة الانسان عند الامام علي عليه السلام طابعها الاخلاق...257

3. نماذج من انسانية المشروع السياسي الاسلامي المعصوم...261

المصادر والمراجع...277

ص: 450

محور القضایا المعاصرة

أسس التنمية البشرية في المنظور الاسلامي فكر الإمام علي (علیه السلام) انموذجا

م. مناف مرزة نعمة أ. م. د. نزار كاظم صباح

كلية الادارة والاقتصاد - جامعة القادسية

المقدمة:...289

مشكلة الدراسة:...289

فرضية الدراسة:...289

اهداف الدراسة:...290

هيكلية الدراسة:...290

المبحث الاول: التنمية البشرية الاطار النظري والمفاهيمي...291

اولا: الجذور التاريخية لمفهوم التنمية البشرية:...291

ثانيا: مؤشرات التنمية البشرية...292

ثالثا: التنمية البشرية وحقوق الانسان:...296

المبحث الثاني: التأصيل النظري لأسس التنمية البشرية في المنهج الإسلامي:...298

اولا - مؤشر التعليم والتعلم في المنظور الاسلامي:...298

ثانيا: مؤشر الصحة في المنهج الاسلامي:...302

ثالثا: مؤشر عدالة توزيع الدخول في الشريعة الاسلامية:...304

رابعا:دور الشريعة الاسلامية في المحافظة على حقوق الانسان:...307

ص: 451

المبحث الثالث: مؤشرات واسس التنمية البشرية في فكر الامام (عليه السلام)...310

اولا - السياسة المالية ومؤشر عدالة توزيع الدخل:...310

اولا: انفاق المال خارج حدود العائلة...314

ثانيا :مؤشر حق التعليم والتعلم في فكر الامام عليه السلام:...314

ثالثا: تجسيد حقوق الانسان في فكر الامام علي (عليه السلام):...316

الاستنتاجات والتوصيات:...318

التوصيات...318

المصادر والمراجع...322

الحوار الحضاري في فكر الامام علي (علیه السلام)

الأستاذ المساعد الدكتورة عامرة تمكين نعمة الياسري

جامعة الكوفة / كلية التربية الأساسية

المقدمة...327

توطئة:...329

الإمام علي (عليه السلام) والنهج الإسلامي:...332

نهج الامام علي (عليه السلام) في الحوار الحضاري:...337

فالناكثون (اصحاب الجمل)...341

اما القاسطون (أهل صفين)...342

اما المارقون (الخوارج)...343

المصادر والمراجع...350

ص: 452

الخطاب الديني ونفور الشباب منه وآليات بناء الثقة

في ضوء فكر الإمام علي (عليه السلام)

الباحث محمد قاسم عبد الحميد الحبوبي

المقدمة...355

أولاً: أهمية البحث...356

ثانياً: أهداف البحث...357

ثالثاً: منهج ونطاق البحث...357

رابعاً: خطة البحث...358

المطلب الأول: مفهوم التحديات...359

الفرع الأول: تعريف التحديات...359

أولاً: المعنى اللغوي...359

ثانياً: المعنى الاصطلاحي...359

الفرع الثاني: أسباب التحديات...360

أولاً: أسباب ذاتية...360

ثانياً: أسباب اجتماعية...360

ثالثاً: أسباب اقتصادية...361

رابعاً: أسباب سياسية...361

خامساً: أسباب علمية...362

سادساً: أسباب عدائية...362

سابعاً: أسباب افتراضية...363

ص: 453

الفرع الثالث: أقسام التحديات...363

أولاً: التقسيم من حيث السبب...364

ثانياً: التقسيم من حيث الانتماء العقدي...364

ثالثاً: التقسيم من حيث عموم أركان المنبر...364

رابعاً: التقسيم من حيث خصوص أحد أركان المنبر...365

المطلب الثاني: تحديات الخطاب الشكلية...366

الفرع الأول: ضعف اللغة...366

الفرع الثاني: تشوش العرض...367

الفرع الثالث: التكرار...367

الفرع الرابع: التعميم...368

الفرع الخامس: القطع...368

الفرع السادس: المزاجية...369

المطلب الثالث: التحديات الموضوعية...370

الفرع الأول: فكرة الموضوع...370

الفرع الثاني: هدف الموضوع...371

الفرع الثالث: اشكالية المصدر...371

الفرع الرابع: تغييب المخاطب...372

الفرع الخامس: ضبابية الثابت والمتغير...372

الفرع السادس: سذاجة الربط الواقعي...373

المطلب الرابع: آليات بناء الثقة من فكر الإمام علي عليه السلام...375

ص: 454

الفرع الأول: الاعتصام بالله...375

الفرع الثاني: إكبار الشأن...375

الفرع الثالث: الاعتزاز بالنفس...376

الفرع الرابع: تناسي الهموم...376

الفرع الخامس: أخذ الأهبة...377

الفرع السادس: مبادرة البر والخير...377

الخاتمة...378

المصدار والمراجع...381

بناء الإنسان وتنمية الموارد البشرية في فكر الإمام علي (عليه السلام)

الأستاذ المساعد الدكتور خميس غربي حسين

جامعة تكريت / كلية الآداب

المبحث الأول: التنمية وبناء الإنسان في المنظور الإسلامي...390

المبحث الثاني: بناء شخصية الإنسان في فكر الإمام علي (عليه السلام)...396

المبحث الثالث: تطوير المجتمع في فكر الإمام علي (عليه السلام)...401

الخاتمة...407

المصادر والمراجع...411

فكر الإمام علي (عليه السلام) في تجديد الخطاب الديني

المدرس الدكتور جمعة ثجيل الحمداني

ذي قار / كلية الآداب

المقدمة...415

ص: 455

المبحث الاول: دور القرآن في الخطاب الديني: عند الامام علي (علیه السلام) وتجديده...420

المبحث الثاني: الخطاب الديني بين الجمود والحداثة...427

المبحث الثالث: الاسباب والمعالجات...431

الخاتمة:...436

المصادر والمراجع...439

ص: 456

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.