نظام الحكم وادارة الدولة في ضوء عهد الامام امير المؤمنين عليه السلام لمالك الاشتر رحمه الله المجلد 8

هوية الکتاب

نظام الحکم وادارة الدولة فی ضوع

عهد الامام امیر المؤمنین علیه السلام لمالك الأشتر رضی الله عنه

أعمال

المؤتمر العلمي الوطني المشترك الأول

لمؤسسة علوم نهج البلاغة ومرکز دراسات الکوفة

المؤلف المؤتمر: المؤتمر العلمي الوطني المشترك (1: 2016: كربلاء، العراق).

العنوان: اعمال المؤتمر العلمي الوطني المشترك الاول: نظام الحكم وادارة الدولة في ضوء عهد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الاشتر رحمه الله /

بيان المسؤولية: الذي اقامته مؤسسة علوم نهج البلاغة، مركز دراسات الكوفة.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة.

الوصف المادي: 10 جزء ببليوجرافي في 10 مجلد مادي؛ 24 سم.

سلسلة النشر: العتبة الحسينية المقدسة؛ (386).

سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة، 141 سلسلة المؤتمرات العلمية؛ (1).

تبصرة محتويات: المجلد 1، 2: المحور القانوني والسياسي - المجلد 3، 4: المحور الاداري والاقتصادي - المجلد 5: المحور الاجتماعي والنفسي - المجلد 6، 7، 8: المحور الأخلاقي وحقوق الانسان - المجلد 9، 10: المحور اللغوي والادبي.

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - نظريته في بناء الدولة - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - نظريته في الحكم - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - سياسته وحكومته - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - قضائه - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - نظريته في التعايش السلمي - مؤتمرات.

ص: 1

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 1213 لسنة 2018 م

مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLIrda = رقم تصنيف LC:

BP38.02.M8 N5 2018

المؤلف المؤتمر: المؤتمر العلمي الوطني المشترك (1: 2016: كربلاء، العراق).

العنوان: اعمال المؤتمر العلمي الوطني المشترك الاول: نظام الحكم وادارة الدولة في ضوء عهد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الاشتر رحمه الله /

بيان المسؤولية: الذي اقامته مؤسسة علوم نهج البلاغة، مركز دراسات الكوفة.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة.

الوصف المادي: 10 جزء ببليوجرافي في 10 مجلد مادي؛ 24 سم.

سلسلة النشر: العتبة الحسينية المقدسة؛ (386).

سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة، 141 سلسلة المؤتمرات العلمية؛ (1).

تبصرة محتويات: المجلد 1، 2: المحور القانوني والسياسي - المجلد 3، 4: المحور الاداري والاقتصادي - المجلد 5: المحور الاجتماعي والنفسي - المجلد 6، 7، 8: المحور الأخلاقي وحقوق الانسان - المجلد 9، 10: المحور اللغوي والادبي.

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - نظريته في بناء الدولة - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - نظريته في الحكم - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - سياسته وحكومته - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - قضائه - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - نظريته في التعايش السلمي - مؤتمرات.

موضوع شخصي: مالك بن الحارث الأشتر النخعي، توفي 39 للهجرة - نقد وتفسير.

مصطلح موضوعي: نظام الحكم في الاسلام - مؤتمرات.

مصطلح موضوعية الاسلام والدولة - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: النظام الإداري في الاسلام - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: الاسلام والاقتصاد - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: الاسلام والتعايش السلمي - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: الاسلام والمجتمع - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: الاسلام وحقوق الانسان - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: اللغة العربية - بلاغة - مؤتمرات.

مؤلف اضافي: شرح ل (عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.

اسم هيئة اضافي: مركز دراسات الكوفة (النجف، العراق).

عنوان اضافي: عهد مالك الأشتر.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 2

سلسلة المؤتمرات العلمية

(1)

نظام الحکم وادارة الدولة فی ضوع

عهد الامام امیر المؤمنین علیه السلام لمالك الأشتر رضی الله عنه

أعمال

المؤتمر العلمي الوطني المشترك الأول

لمؤسسة علوم نهج البلاغة ومرکز دراسات الکوفة

لسنة 8341 ه - 6102 م

(المحور الأخلاقي وحقوق الإنسان)

الجزء الثامن

اصدار

مؤسسة علوم نهج البلاغة

فی العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1439 ه - 2018 م

العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الاكبر (عليه السلام)

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع الالكتروني:

www.inahj.org

الايميل:

Inahj.org@gmail.com

الكتاب: أعمال المؤتمر العلمي الوطني المشترك الأول، نظام الحكم وإدارة الدولة في ضوء عهد الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله).

الجهة الراعية للمؤتمر: الامانة العامة للعتبة الحسنينية المقدسة ورئاسة جامعة الكوفة.

الجهة المقيمة للمؤتمر: مؤسسة علوم نهج البلاغة ومركز دراسات الكوفة.

المدة: أقيم في يومي 24 - 25 من شهر كانون الأول من العام 2016 م الموافق 22 - 24 من شهر ربيع الأول من العام 1438 ه

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق الوطنية 1213 لسنة 2018 م.

الناشر: العتبة الحسينية المقدسة.

عدد المجلدات 10 مجلد

عدد البحوث المشاركة: 128 بحثاً

الإشراف والمتابعة الفنية: وحدة الاخراج الفني في مؤسسة علوم نهج البلاغة.

تنويه:

إن الآراء والأفكار الواردة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

ص: 4

حقوق الإنسان عند الإمام علي (عليه السلام) في عهد مالك الأشتر (قراءات في نماذج)

اشارة

م. د. خمائل شاكر الجماليّ

جامعة بغداد - مركز إحياء التراث العلمي العربي

ص: 5

ص: 6

مقدمة

لقدّ شرف الله تعالى الإنسان وحباه بصنوف التوقير والاعزاز، والوان الدعم والتأييد، فضمن حقوقه، وحفظ وكرامته، وصان عرضه، وحرم ماله ودمه، ووالي اليه الطافه، حتى اعلن في كتابه الكريم عنايته بالإنسان ورعايته له في الحياة وعلى كافة المستويات، وتأتي حقوق الإنسان كخطوة أولى في تحقيق العدالة في المجال السياسي. وأن موقف الإمام علي (عليه السلام) من حقوق الإنسان في الحرية البناءة المقيدة لا المفرطة، وهي حفظ حقوقه الإنسانية وكرامته، وصون النفس البشرية. الطرح الذي اوجده الإمام (عليه السلام) في هذا الجانب، أن الناس في نظره لهم حقوق بأجمعهم ولا يسوغ أن يكونوا عبيد غيرهم، وأن يُجر الانسان إلى نير العبودية، ويدفع الأنظمة إلى التجبر والتسلط والطغيان، فإذا ما أراد المجتمع الإسلامي أن يرتقي ذُرى الحرية ويبلغ الاستقلال الحقيقي، فيحتم عليه في البدء أن يحكم الارتباط بالله ويقوم بشروط العبودية لله لا عبودية احد بحسب تعبير الإمام (عليه السلام)، فشروط العبودية لله، هي في الحقيقة قوانين حقوق الإنسان الواقعية للناس، وإذا لم تذعن الإنسانية إلى هذه الشروط، فستغدوا حقوقها واستقلالها الخارجي حالة مؤقتة، وهي عائدة إلى العبودية الأخرى، الإنسان للإنسان حتماً.

فهي اعتناق الإنسان لحقوقه وتحرره من اسوار الرق والطغيان، وتمتعه بحقوقه المشروعة، وهي من اقدس الحقوق واجلها خطراً، وابلغها في حياة الناس، لذلك اقر الإسلام هذا الحق وحرص على حمايته وسيادته في المجتمع الإسلامي، وليست الحقوق كما يفهمها الاغرار، هي التحلل من جميع النظم والضوابط الكفيلة بتنظيم المجتمع، واصلاحه وصيانة حقوقه وحرماته، فتلك هي حقوق الغاب والوحوش، الباعثة على فساد المجتمع وتسيبه، وإنما الحقوق الحقة هي التي تمتع الإنسان بالحقوق المشروعة التي لا تناقض حقوق الآخرين ولا تجحف بهم؛ فالحقوق البناءة إذا منحت من قبل الحاكم

ص: 7

للرعية؛ إنما تدل على عدل الحاكم ونظامه السياسي، لأنه سائس للرعية، وولي امرهم فهو اجدر الناس للعدل في حقوقهم واولاهم التحلي به، وعدل الحاكم هو اسمي المفاهيم الاخلاقية في النظام السياسي الإسلامي واروعها مجالاً وبهاءً، وابلغها اثراً في حياة الناس، وبعدل الحاكم يستتب الأمن وتسود الحقوق والرخاء وتسعد الرعية.

إن الحقوق هي من أهم المسالك العدل الحاكم سياسياً تجاه شعبه؛ مما يضمن استقرار ورفاهية المجتمع. فالحقوق التي سنها الإسلام للمسلمين، هي تلك الحقوق البناءة المشروعة المنضبطة، إذ لم يرى التاريخ الطويل للعالم لها نظيراً ولا مثيلاً، فإن الإسلام يعطي لكل فرد من المسلمين ولغير المسلمين من سائر البشر كامل الحقوق في جميع المجالات المشروعة، ما دام لا يضر بحقوق غيره. وأول ما يبدأ الإسلام بحقوق الإنسان فيه، حق الفكر واختيار الدين، فالإنسان له الحق بنظر الإسلام في مزاولة كل انواع الاعمال بمختلف أشكالها واحوالها في أي زمان ومكان، وله الحق في جميع تصرفاته، في نفسه وامواله وتصرفاته الشخصية، في جميع ابعاد الحياة الإنسانية. وإن الإنسان يولد وله الحق؛ ولقدّ قدس الإسلام حقوق الإنسان واعتبرها من أهم القيم الإنسانية على الاطلاق، وإنه اعظم الحقوق الإنسانية فهي حقوقه، ومن المفترض أن يتمتع الإنسان بحقوقه فيه کاملاً کما اراد الله ذلك قال تعالى: «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ». الاعراف : 157

لقدّ سار الإمام علي (عليه السلام) بمبادئ الإسلام، التي هي مبادئ الرحمة والاخلاق الإنسانية؛ ولذا فإن الإمام (عليه السلام) جذر مصادیق الحقوق بأحب مفاهيمه، فقدّ منح الإمام علي (عليه السلام) الحقوق حتى لإعدائه وخصومه الذين تخلفوا عن بيعته، وقدّ منح الحقوق للخوارج ولم يحرمهم عطائهم، مع العلم أنهم كانوا يشكلون اقوى تكتل معارض لحكومته، فلما اذاعوا الذعر والخوف بين الناس، انبرى إلى قتالهم، حفاظاً على النظام العام.

ص: 8

المبحث الأول: حقوق الإنسان عند الإمام علي (عليه السلام) في عهد مالك الأشتر

قدّ جهد الإسلام في حماية الإنسان وضمان حقوقه، وحفظ كرامته فرداً ومجتمعاً، مادياً ومعنوياً وادبياً، فشرع الحدود والديانات صيانة لا رواحهم واموالهم وحرماتهم، وردعاً للعابثين بأمن المجتمع ومقدراته.(1)

يقول عز الدين سليم: يتبين من مجريات التاريخ وحقائقه أنها كشفت بدون ادنی شك إلى أن انعطافاً كبيراً قدّ ترسخ بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، وهذا الانعطاف والتغيير هو ليس لصالح حقوق الإنسان البشرية، ولا لكرامته واهدافه العليا، ولكن انقياد السلطة والخلافة الاسلامية للإمام علي (عليه السلام)، جعلت من اولويات خطوط سياسته وأهدافها، ارساء قواعد الحقوق الإنسانية كما قدرها الله عز وجل. (2)

ويذهب محمد الريشهري: إن من دعائم ومرتكزات مواجهة الإمام علي (عليه السلام) للانحرافات السابقة وعدم مهادنتها، هي مداراة الناس حقوقهم الإنسانية، وصون كرامتهم، وجعل هذه الدعامة من الصفات التي يجب على مركز الخلافة أن تتقمصها وتدرجها على أرض الواقع. لذلك بدأ (عليه السلام) بمقارعة الاخطاء التي كانت تهدد أساس الإسلام وكيان الإنسان وضرب کرامته، منذ اليوم الأول من خلافته (3)

هذا وكان عصر الإمام علي (عليه السلام) عصراً نعم فيه الناس بالحقوق الإسلامية الواسعة، وهي اشبه بالحقوق التي منحها الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) للناس في صدر الإسلام، فكان المسلمون واليهود والنصارى والمجوس والمشركون، بل كل البشر يعيشون في ظل الإسلام حياة محترمة هانئة في عزة ورفاه في حكومة الإمام علي (عليه السلام)، فهو واضع الاُسس العميقة للحقوق بعد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بأقواله ومنفذ ومطبق للحرية بأعماله وممارساته في اوساط الاُمة. (4)

ص: 9

ويمكن القول أن مبادئ حقوق الإنسان وغيرها التي جسدها الإمام علي (عليه السلام) في فترة خلافته، ما هي إلا انعكاساً لتقدير وتكريم الإمام علي (عليه السلام) للإنسان لحقوقه الإنسانية، ورفع شأنه، والسمو بمقامه، وكيانه المادي والمعنوي.

إذ سعی (عليه السلام) إلى جعل قيمة حقوق الإنسان بقيمة الجنة عند الله، يقول: ((إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها إلا بها))(5). وفي مجال آخر، يوصي (عليه السلام) الولاة والملوك؛ بأن نفس الإنسان كريمة على الله وينبذ مخاصمة هذه النفس وظلمها، لأن في ذلك وقوعه خصماً مع الله تعالى، يقول: ((دارِ عن المؤمنين ما استطعت، فإن ظهره حمى الله، ونفسه كريمة على الله، وله يكون ثواب الله، وظالمه خصم الله فلا يكون خصمك))(6).

إن حقوق الإنسان في الإسلام، تقوم على أساس الإيمان بمساواة افراد المجتمع في تحمل اعباء الأمانة الإلهية وتضامنهم في تطبيق احكام الله تعالى. ومن ثم اضطلاع النظام السياسي الإسلامي بكفالة الحقوق البناءة لكل البشرية، وهذا ما قام عليه النظام السياسي عند الإمام علي (عليه السلام) بضمان تنمية الحقوق البناءة والمشروعة.

هذه هي ابرز الحقوق الإنسانية التي جسدها الإمام علي (عليه السلام) والتي تعكس التزام الإمام (عليه السلام) بتعاليم الإسلام وسنة الرسول بهذا المبدأ، وابرزت بُعداً انسانياً عميقاً ایام خلافته وقبله، مما تعكس أُسس العدالة الاجتماعية في حقوق الإنسان عند الإمام علي (عليه السلام) بكافة المجالات(7).

لقدّ امتدت حقوق الإنسان عند الإمام علي (عليه السلام) إلى المجال الانساني بعمق، فهي صيانة للكيان المادي والمعنوي للإنسان، وتكاملت وتفاعلت مع مجموعة من المجالات الاُخرى التي مرت بنا سابقاً والتي آمن بها ودعى اليها الإمام علي (عليه السلام)، فضلاً عن تجسيدها بصورة حية وفاعلة في سلوكه العملي قبل وابان مدة حكمه.

ص: 10

فقد ارسی (عليه السلام) عنايته الشاملة بالإنسان وحقوقه واهتمامه بالنفس الإنسانية، التي تعد مدخل للتربية الوجدانية وجعلها الهدف الأساسي لخلافته، من اجل الارتقاء بالإنسانية جمعاء صوب التكامل الذي نشده الإسلام(8).

من هذا المنطلق الإسلامي، أهتم الإمام علي (عليه السلام) لعهده لمالك الأشتر بالإنسان في ضمان حقوقه، وصون كرامته ورعايتهما، وصيانة مشاعره الدينية.. وتجسيد واعلاء ابعاد النفس الإنسانية. فقدّ سعى (عليه السلام) لعهده لمالك الأشتر إلى رفض كل ما يبعث على الاستهانة بالإنسان وحقوقه، ويخدش كرامته ويلوث سمعته بسبه او التنابز بالألقاب واللمز والنميمة والتحقير الموجه ضده، سعياً منه (عليه السلام) لإشاعة حقوق الإنسان في العزة والكرامة في نفوس ابناء الاُمة وفي ثنايا المجتمع(9).

ويعتبر عهد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لواليه على مصر مالك بن الحارث الأشتر من أطول العهود ومن أهمها؛ ليس فقط لأنه يكشف العقلية الفذة التي يملكها الإمام علي (عليه السلام) في إدارة الأمور بل في القانونية، والشمولية، والإنسانية التي طبعت بنود العهد، ومما لاشك فيه أن العهد يعتبر وثيقة إسلامية رائعة في أهم القطاعات الحياتية التي هي إدارة الدولة، ومن هنا فإن دراسة العهد وتفكيك نصوصه ومحاولة فهم نظرية الحكم والإدارة في نظر الإمام علي (عليه السلام) الذي هو نظر الإسلام يعتبر مسألة في غاية الأهمية (10).

وقدّ وردت التعاليم والقيم بعضها يتعلق بالأمور الاقتصادية، وبعضها بالأمور السياسية العسكرية والاجتماعية وبعضها تعاليم لمالك الأشتر بوصفه حاكماً إسلاميا(11).

إن عهد الإمام علي لمالك الاشتر تعتبر أول وثيقة قانونية مفصلة تعالج واجبات الحاكم ووظائفه والعلاقات بين الشعب وبين الحاكم، وكما يفصل في الحديث عن السلطات الثلاث (التشريعية، القضائية، التنفيذية)، ويضع الضوابط لأشخاصها(12).

الإسلام يرفض السياسات الطبقية التي تعتمد في إدارة شؤون البلاد على طبقة خاصة

ص: 11

ومن ثم توزع مغانم الحياة بين أفراد هذه الطبقة دون بقية افراد الأمة فالحكم الإسلامي يجب أن يعتمد على القاعدة الواسعة من الشعب. الحل الوسط في الأمور بشرط أن يكون حقاً كي لا يجحف بحقوق الآخرين(13).

ثم أعلم يا مالك، أني قدْ وجهتك إلى بلادٍ قدْ جرت عليها دول قبلك، من عدل وجور، وأن الناس ينظرون منْ أموركَ في مثلِ ما كنتَ تنظرُ فيهِ منْ أمورِ الولاةِ قبلك، ويقولون فيكَ ما كنتَ تقولُ فيهمْ، وإنما يستدل على الصالحينَ بما يجري الله لهمْ على ألسنِ عبادهِ، فليكنْ أحب الذخائر إليك ذخيرة العملِ الصالحِ، فآملك هواكَ، وشحَّ بنفسكَ عما لَا يحلُّ، فإن الشحَّ بالنفسِ الأنصاف منها فيما أحبتْ أو كَرِهت. هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه، حين ولاهُ مصر: جباية خراجها، وجهاد عدوها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها(14).

ص: 12

المبحث الثاني: قراءات في نماذج لحقوق الإنسان

- وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الاْمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَی الرَّعِيَّةِ،

فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَی الْخَاصَّةِ، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَی الْعَامَّةِ.

وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء، وأقل معونة لهُ في البلاء، وأكره للإنصاف وأسأل بالإلحافِ، وأقل شكراً عند الإعطاء، وأبطأ عُذراً، عند المنع، وأضعف صبراً عند ملمات الدهر من أهل الخاصة. وإنما عمادُ الدين، وجماع المسلمين والعدة للأعداء، العامة من الأمة؛ فليكن صغوك لهم، وميلك معهم(15).

- وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، يُؤْتَى عَلَی أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ والخطأ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَوَالِي الاْمْرِ

عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ! وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ، وَابْتَلاَكَ بِهِمْ (16).

- واجْعلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً، فَتَتَواضَعُ فِيهِ لله الَّذِي خَلَقَكَ، وَتُقعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ، حَتَّى يُكَلِّمَكَ

مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَعْتِع، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (عليه السلام) يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِن: نْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَعْتِع(17).

- إياك والدماء وسفكها بغير حلها، فإنه ليس شيء أدنى لنقمةٍ، ولا أعظم لتبعةٍ، ولا أحرى بزوال نعمةٍ، وانقطاع مدةٍ، من سفك الدماء بغير حقها. والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد، فيما تسفكوا من الدماء يوم القيامة؛ فلا تقوين سلطانك بسفك دمٍ حرامٍ، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه، بل يزيله وينقله. ولا عذر لك عند الله ولا عندي في

ص: 13

قتل العمد، لأن فيه قود البدن. وأن ابتليت بخطاءٍ وأفرط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة؛ فإن في الوخزة فما فوقها مقتلة، فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أولياء المقتول حقهم(18).

- يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لا يدخل في الباطل ولا يخرج من الحق(19).

- وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ عِنْدَ الشَّهَوَاتِ، وَيَزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ، إِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، إِلاَّ مَا رَحِمَ اللهُ (20).

- إن الله لم يخلق الإنسان عبثاً وإنما خلقه حرماً في ارضه وامناً بين خلقه، وجمع الفتنكم فنشرت النعمة عليكم(21).

- وَإِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيِهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً، فَانْظُرْ إلَی عِظَمِ مُلْكِ اللهِ فَوْقَكَ،

وَقُدْرَتِهِ مَنْكَ عَلَی مَا لاَ تَقْدرِ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ، فَإِنَّ ذلِكَ يُطَأمِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ، وَيَكُفُّ

عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ، يَفِيءُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ!(22)

- أَنْصِفِ اللهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوىً مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ، وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللهِ كَانَ اللهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، وَمَنْ

خَاصَمَهُ اللهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وَكَانَ لله حَرْباً حَتَّى يَنْزعَ وَيَتُوبَ. وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمه الله وتعجيل نقمته منْ إقامة على ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين، وهو للظالمين بالمرصاد(23).

- دارِ عن المؤمنين ما استطعت، فإن ظهره حمى الله، ونفسه كريمة على الله، وله يكون ثواب الله، وظالمه خصم الله فلا يكون خصمك(24).

- إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها إلا بها(25).

- وإن عقدت بينك وبين عدو لك عقدة؛ او البسته منك ذمة، فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالأمانة: فلا تغدرن بذمتك ولا تبخسن بعهدك، ولا تختلن عدوك، فإنه لا يجترئ

ص: 14

على الله إلا جاهل شقي (26).

- الوفاء توأم الصدق، ولا اعلم جنة اوفى منه(27).

- واوفوا بالعهد اذا عاهدتم، وادوا الامانات اذا ائتمنتم(28).

- واياك والغدر بعهد الله والاخفار لذمته، فإن الله جعل عهده وذمته اماناً امضاء بين العباد برحمته، والصبر على ضيق ترجوا انفراجه، خير من عذر تخاف وسوء عاقبة(29).

- وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ، أَثْقَلَ عَلَی الْوَالِي مَؤُونَةً فِي الرَّخَاءِ، وَأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلاَءِ،

وَأَكْرَهَ للأنصاف، وَأَسْأَلَ بالإلحاف، وَأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الاْعْطَاءِ، وَأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ، وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ، وَإِنَّمَا عَمُودُ الدِّينِ، وَجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْعُدَّةُ للأعداء، الْعَامَّةُ مِنَ الاُمَّةِ، فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ، وَمَيْلُكَ مَعَهُمْ(30).

- ولا تتركن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيتولى الله الأمر شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم(31).

- وَلْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ، وَأشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ، أَطْلَبُهُمْ لِمَعَائِبِ النَّاسِ، فإنَّ في النَّاسِ عُيُوباً، الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا، فَلاَ تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا، فَإنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ، وَاللهُ يَحْكُمُ عَلَی مَا غَابَ عَنْكَ، فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللهُ مِنْكَ ما تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ(32).

- أطلق عن الناس عقدة كل حقدٍ، واقطع عنك سبب كل ونزٍ وتغاب عن كل ما لا يصح لك، ولا تعجلن إلى تصديق ساعِ، فإن الساعي غاشَّ، وإن تشبه بالناصحين (33).

- ولا تنقضن سُنة صالحة عمل بها صدور الأمة، واجتمعت بها الألفة وصلحت عليها - الرعية، ولا تحدثن سُنة تضر بشيء من ماضي تلك السنن؛ فيكون الأجر لمن سنها، والوزر عليك با نقضت منها(34).

ص: 15

- ولا تنقضن سُنة صالحة عمل بها صدور الاُمة، واجتمعت بها الاُلفة وصلحت عليها الرعية، ولا تحدثن سُنة تضر بشيء من ماضي تلك السُنن؛ فيكون الاجر لمن سنها، والوزر عليك بما نقضت منها(34).

- ولا تنصبنَّ نفسكَ لحربِ اللهِ فأنه لا يد لك بنقمتهِ، ولا غنى بكَ عنْ عفوهِ ورحمتهِ، ولا تندمنَّ على عفوٍ، ولا تبجحن بعقوبةٍ، ولا تسرعنَّ إلى بادرةٍ وجدتَ منها مندومةً، ولا تقولنَّ: إني مؤمر آمر فأطاعُ، فأطاعُ، فإنَّ ذلك إدغال في القلب، ومنهكة للدين، وتقرب من الغير. وإذا أحدثَ لكَ ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة، فأنظر إلى عظم ملك اللهِ فوقكَ، وقدرتهِ منكَ على ما لا تقدر عليه من نفسكَ، فإن ذلك يطامن إليك من طماحكَ، ويكفُّ عنكَ من غربِكَ ويفيُ إليك بما عَزَبَ عنك من عقلك(35).

- أمرهُ بتقوى الله، وإيثار طاعته، وأتباع ما أمر بهِ في كتابهِ من فرائضهِ وسننهِ، التي لا يسعدُ أحدُ إلا باتباعها، ولا يشقى إلا مع جُحُودها وإضاعتها، وأن ينصر الله سبحانه بقلبه ويده ولسانه؛ فإنه، جل اسمه، قدْ تكفل بنصر من نصرهُ، وإعزاز منْ أعزهُ.(36)

- إياك ومساماة الله في عظمتهِ، والتشبهَ به في جبروتهِ فإن الله يذل كل جبارٍ، ويهين كل مختالٍ (37).

- ولا تدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل، ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعفك عن الأُمور، ولا حريصاً يزين لك الشرهَ بالجور، فإن البخل والحرص غرائز شتى يجمعها سُوء الظن بالله (38).

- وإياك والاعجاب بنفسك، والثقة بما يعجبك منها، وحب الإطراء، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين (39).

ص: 16

- وإياك والمن على رعيتك بإحسانك، أو التزيد فيما كان من فعلك، أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك، فإن المن يبطل الإحسان، والتزيد يذهب بنور الحق، والخلف يوجب المقت عند الله والناس. قال تعالى: (كَبُرَ مقتاً عندَ الله أن تقولوا ما لاَ تفعلونَ)(40).

- إياك والعجلة بالأمور قبل أوانها، أو التسقط فيها عند إمكانها، أو اللجاجة فيها إذا تنكرت، أو الوهن عنها إذا استوضحت. فضع كل أمرٍ موضعه، وأوقع كل أمر موقعهُ (41).

- وإياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة، والتغابي عما تعنى به مما قد وضح للعيون، فإنه مأخوذ منك لغيرك. وعما قليل تنكشف عنك أغطية الأمور، وينتصف منك للمظلوم املك حمية أنفك، وسورة حدك، وسطوة يدك وغرب لسانك، واحترس من كل ذلك بكف البادرة، وتأخير السطوة، حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار: ولن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك.(42)

- واعلم ان افضل عباد الله عند الله، إمام عادل هدي وهدى، فأقام سُنة معلومة، وامات بدعة مجهولة، وأن السُنن لنيرة لها أعلام، وأن البدع الظاهرة لها اعلام))(43).

والواجب عليك أن تتذكر ما مضى امن تقدمك من حكومة عادلة أو سنة فاضلة، أو أثر عن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) أو فريضة في كتاب الله، فتفدي بما شاهدت مما عملنا به فيها، وتجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا، واستوثقت به من الحجة لنفسي عليك، لكيلا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلى هواها. وأنا أسأل الله بسعة رحمته، وعظيم قدرته على إعطاء كل رغبةٍ، وأن يوفقني وإياك لما فيه رضاه من الاقامة على العذر الواضح إليه وإلى خلقه مع حسن الثناء في العباد، وجميل الأثر في البلاد، وتمام النعمة، وتضعيف الكرامة، وأن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة، (إنا إليه راجعون).

ص: 17

الخاتمة:

أن حقوق الإنسان وصلاح النفس وتعزيز قيمة الإنسان واشعاره بإنسانيته، ورفض سياسة التسقيط والتسطيح للكيان المعنوي للإنسان، لأن تعاليم وقيم الإسلام، تؤكد على حفظ حقوق الإنسان وصون الكرامة الإنسانية. وأن احترام الإمام علي (عليه السلام) لحقوق الإنسان، إنما هو جانب من جوانب ترسيخ الوحدة الإنسانية والاخوة الإيمانية. إذ أن من ركائز المجتمع السياسي الإسلامي النظرة الثابتة للوحدة الإنسانية بين جميع البشر، والرابطة الاسلامية بين جميع من يعتنق الإسلام، فالبشر كلهم من آدم، فلا بدّ أن يقوم بينهم تعاون مشترك على أساس القيم العليا الثابتة، من أجل الحفاظ على المسيرة البشرية من الانحراف عن اإرادة الله، والرابطة الإسلامية هي إنسانية تمحو كل رابطة وصلة وعلاقة من نسب أو جنسية أو وطن أو لغة أو عنصر أو لون، وهذه الرابطة اختارها الله تعالى. ومن أجل تفعيل هذا كله تقف مسألة صون وحفظ واحترام حقوق الانسان، عنصراً فاعلاً في تحقيق الرابطة الإنسانية والأخوة الإيمانية.

على الرغم من تصلب الإمام علي (عليه السلام) في احقاق الحق، إلا أنه ادرك على أن منطق الحنان ارفع من منطق القانون، وأن عطف الأنسان على الإنسان وسائر الكائنات، إنما هو حجة الحياة على الموت والوجود على العدم. وإن الإمام علي (عليه السلام) يقرر أن المجتمع الصالح، هو المجتمع الذي تسوده العدالة الاجتماعية بأوسع معانيها واشرف اشكالها، إنما احد طرق ذلك هو سن القوانين أو ما هو من باب القانون، ولكن هذا القانون لا ينجلي في ذهنه ولا يصبح ضرورة، إلا إذا كان انبثاق طبيعي عن حقوق الإنسان الكونية الشاملة، التي تفرض وجود هذا القانون، لذلك ترى أن الإمام (عليه السلام) مُلحاً شديد الالحاح على النظر فيما وراء القوانين، وعلى رعايتها بما هو اسمى منها بالحق الإنساني، وإذا كانت القوانين المتعارف عليها تسمح للحاكم الإسلامي أن

ص: 18

يحارب المتآمرين والمنابذين والمخالفين، فإن عليه أن لا يفعل بعد أن يراعي كل جوانب الإنسانية في نفسه وقلبه ويستشير كل روابط الآخاء البشري في نفوس مقاتليه وقلوبهم، فإن الرأفة بالإنسان، وهي لديه وراء كل قانون تحمله، على أن يقول رأس العلم الرفق.

ويبدو مما تقدم أن الإمام علي (عليه السلام) اهتم بحق الإنسان، واعتبره قيمة اساسية لا تقل اهمية عن قيم الإنسان الاُخرى. والإمام (عليه السلام) حدد الحقوق الإنسانية بامتلاك الإنسان بما هو إنسان من العزة، والشرف، والتوقير، فلا يجوز انتهاك حرمته وامتهان كرامته لأن الانسان في نظر الإمام (عليه السلام) مكرم وقدّ فضله الله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ..».الأسراء : 70

لذلك فأن حقوق الإنسان الإسلامية المشروعة هي الشرف والعزة وقيمة الوجود التي تحقق الاحترام للإنسان واثبات الحقوق في النوع الإسلامي، كما اثبتت ذلك الآيات القرآنية فهو يحكم بشكل قطعي بأن حقوق الإنسان في التشريع الإسلامي موجودة في أي زمان ومكان حتى بعد موته وقتله وانزال القصاص الثابت به، ولا يحق لأحد أن ينزل الإهانة بالإنسان. فحق الإنسان الإنسانية يرتبط بحق الحياة، واذا لم يستطع النظام السياسي كفالة حقوق الإنسان، فلن يستطيع اثبات حق الحياة الطبيعية، الواجب مراعاتها لجميع الخلق٭.

ص: 19

الهوامش

(1) الصدر. محمد مهدي. أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)، د.م، د.ن، د.ت)، ص 465.

(2) عز الدین سليم. المعارضة السياسية في تجربة امير المؤمنين (عليه السلام)، ط 1، بيروت، دار الهادي للنشر، 2003، ص 69.

(3) الريشهري، محمد.القيادة في الإسلام، تحقيق وتعريب: علي الاسدي، قم، مؤسسة دار الحديث الثقافية، د.ت، ص 246.

(4) صادق الحسيني الشيرازي.السياسة من واقع الاسلام، ط 4، بيروت، دار المجتبى لتحقيق والنشر، 2003، ص156 - 157.

(5) لبيب بيضون. تصنيف نهج البلاغة، ط 3، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1417 ه، ص 719.

(6) الطبرسي، ميرزا النوري.مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ط 11، قم، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، 1408 ه، ص 220.

(7) غسان عكلاوي، حقوق الإنسان عند الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، اطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 2005، ص 293.

(8) الريشهري، المصدر السابق، ص 257.

(9) الطبرسي، المصدر السابق، ص 243.

(11) ابن الأثير، عز الدين أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري (ت 630 ه - 1233 م).الكامل في التاريخ، تحقيق أبي الفداء عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987، ص 287 - 289.

ص: 20

(12) لبیب بیضون، المصدر السابق، ص 665.

(13) ابن أبي الحديد، عز الدين ابو حامد بن هبه الله بن محمد بن محمد بن الحسين المدائني (ت 656 ه - 1258 م). شرح نهج البلاغة، تحقیق محمد ابو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، د.م، 1959، ص 321 - 323.

(14) جرذاق، جورج، الإمام علي (عليهم السلام) صوت العدالة الإنسانية، ط 2، قم، دار ذوي القربی، 1424 ه، ص 187.

(15) الطبرسي، أبي الفضل بن الحسن، مکارم الأخلاق، تصحیح وتعلیق: علاء الدين الطالقاني، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1376 ه، ص 143 - 145.

(16) جرذاق، المصدر السابق، ص 165.

(17) العاملي، جمال الدين. الدر النظيم، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، د.ت، ص 376.

(18) الدينوري، أبي محمد بن مسلم بن قتيبة. الإمامة والسياسة (تاریخ الخلفاء)، تحقيق: محمد الزيني، (د.م)، مؤسسة الحلبي للطباعة والنشر، د.ت، ص 133.

(19) العاملي، المصدر السابق، ص 378.

(20) الحراني، ابن محمد. تحف العقول فيما جاء من المواعظ والحكم عن آل الرسول، تصحيح وتعليق: علي اکبر الغفاري، ط 2، (قم مؤسسة النشر الإسلامي، 1404 ه، ص 176.

(21) الدينوري، المصدر السابق، ص 376 - 377.

(22) الدينوري، المصدر نفسه، ص 377.

(23) الحسني، هاشم معروف، سيرة ألائمة الاثني عشر (عليهم السلام)، ط 2، بیروت، دار القلم، 1987، ص 149.

(24) الحكيم، محمد باقر، العلاقة بين القيادة والأمة من خلال رؤية نهج البلاغة، ط 1، قم، انتشارات الإمام الحسين (عليهم السلام) للطباعة والنشر والتبليغ، 1425 ه،

ص: 21

ص 139.

(25) حمید الله، محمد، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، ط 3، (بیروت، دار الإرشاد، 1969، ص 284.

(26) الحراني، المصدر السابق، ص 182.

(27) الحلي، أبو الحسين بن يوسف المطهر. کشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين (عليهم السلام)، تحقيق: حسين الدرکاهي، ط 1، طهران، د.ن، 1411 ه، ص 356.

(28) ابن أبي الحديد، المصدر السابق، 326.

(29) الحلي، نجم الدين جعفر، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، تحقیق وتعليق : عبد الحسين محمد علي، بیروت، دار الأضواء، 1983، ص 194.

(30) السند، محمد، أسس النظام السياسي عند الامامية، جمع وتقرير: مصطفی الاسكندري ومحمد الرضوي، ط 1، (قم، باقيات للنشر، 1326 ه، ص 298.

(31) السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، تاریخ الخلفاء، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، قم، مطبوعات الشريف الرضي، 1411 ه، ص 177.

(32) أبن حجر، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي (ت 852 ه). الإصابة في معرفة الصحابة، دار العلوم الحديثة، القاهرة، 1328 ه، ص 213.

(33) طي، محمد. «مبادئ نظام الحكم السلامي بين الإلغاء والتطبيق»، مجلة المنهاج، بیروت، العدد 2، 1996، ص 265.

(34) السند، المصدر السابق، ص 301.

(35) عبد الحميد، صائب. « أساس نظام الحكم في الإسلام»، مجلة تراثنا، قم، العدد 41، 1416 ه، ص 293.

(36) العسل، إبراهيم. «الفكر الإنمائي عند الإمام علي (عليهم السلام)»، مجلة المنهاج، بیروت، العدد 5، 1997، ص 311.

ص: 22

(37) ابن حجر، المصدر السابق، ص 213.

(38) فضل الله، محمد حسين. «تأملات في الحرية الفكرية والسياسية في الإسلام»، مجلة الثقافة الإسلامية، دمشق، العدد 16، 1408 ه، ص 247.

(39) زهیر، محمد تقي. «النظام السياسي في الإسلام»، مجلة التوحيد، طهران، العدد 9، 1404ه، ص 264.

(40) زیتون، علي مهدي، «العدالة السياسية عند الإمام علي (عليهم السلام) بين الحكومة والشعب»، مجلة الثقافة الإسلامية، دمشق، العدد 88، 2003، ص 219.

(41) سلسلة العلوم والمعارف الإسلامية، «الحياة السياسية لائمة أهل البيت (عليهم السلام)» مؤسسة المعارف الإسلامية، الكتاب 14، د.ت، ص 87.

(42) الشيرازي، المصدر السابق، ص 321.

(43) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، مصدر سابق، ج 2، ص 276، وابن کثیر، البداية والنهاية، مصدر سابق، ج 7، ص 68.

ص: 23

المصادر

- القرآن الكريم

1 - ابن أبي الحديد، عز الدين ابو حامد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين المدائني (ت 656 ه - 1258 م). شرح نهج البلاغة، تحقيق محمد ابو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، د.م، 1959.

2 - ابن الأثير، عز الدين أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري (ت 630 ه - 1233 م). الكامل في التاريخ، تحقيق أبي الفداء عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987.

3 - أبن حجر، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي (ت 852 ه). الإصابة في معرفة الصحابة، دار العلوم الحديثة، القاهرة، 1328 ه.

4 - جرذاق، جورج. الإمام علي (عليهم السلام) صوت العدالة الإنسانية، ط 2، قم، دار ذوي القربی، 1424 ه.

5 - الحراني، ابن محمد. تحف العقول فيما جاء من المواعظ والحكم عن آل الرسول، تصحیح وتعلیق: علي اكبر الغفاري، ط 2، قم مؤسسة النشر الإسلامي، 1404 ه.

6 - الحسني، هاشم معروف. سيرة ألأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، ط 2، بیروت، دار القلم، 1987.

7 - الحكيم، محمد باقر، العلاقة بين القيادة والأمة من خلال رؤية نهج البلاغة، ط 1، قم، انتشارات الإمام الحسين (عليهم السلام) للطباعة والنشر والتبليغ، 1425 ه.

8- الحلي، أبو الحسين بن يوسف المطهر. کشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين (عليهم السلام)، تحقيق: حسين الدرکاهي، ط 1، طهران، د.ن، 1411 ه.

ص: 24

9 - الحلي، نجم الدين جعفر، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، تحقیق وتعلیق:

عبد الحسين محمد علي، بیروت، دار الأضواء، 1983.

10 - حمید الله، محمد. مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، ط 3، بیروت، دار الإرشاد، 1969.

11 - الدينوري، أبي محمد بن مسلم بن قتيبة. الإمامة والسياسة (تاریخ الخلفاء)، تحقيق: محمد الزيني، د.م، مؤسسة الحلبي للطباعة والنشر، د.ت.

12 - الريشهري، محمد. القيادة في الإسلام، تحقیق وتعريب: علي الاسدي، قم، مؤسسة دار الحديث الثقافية، د.ت.

13 - زهير، محمد تقي. «النظام السياسي في الإسلام»، مجلة التوحيد، طهران، العدد 9، 1404 ه.

14 - زیتون، علي مهدي، «العدالة السياسية عند الإمام علي (عليهم السلام) بين الحكومة والشعب»، مجلة الثقافة الإسلامية، دمشق، العدد 88، 2003.

15 - سلسلة العلوم والمعارف الإسلامية، «الحياة السياسية لأئمة أهل البيت (عليهم السلام)» مؤسسة المعارف الإسلامية، الكتاب 14، د.ت.

16 - السند، محمد، أسس النظام السياسي عند الامامية، جمع وتقرير: مصطفی الاسكندري ومحمد الرضوي، ط 1، قم، باقیات للنشر، 1326 ه.

17 - السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، تاریخ الخلفاء، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، قم، مطبوعات الشريف الرضي، 1411 ه.

18 - الشيرازي، صادق الحسيني. السياسة من واقع الإسلام، ط 4، (بیروت، دار المجتبی التحقيق والنشر، 2003.

19 - الصدر. محمد مهدي. أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)، (د.م)، (د.ن)، (د.ت).

20 - الطبرسي، أبي الفضل بن الحسن، مکارم الأخلاق، تصحیح و تعلیق: علاء الدين

ص: 25

الطالقاني، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1376 ه.

21 - الطبرسي، میرزا النوري. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ط 11، قم، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، 1408 ه.

22 - طي، محمد. «مبادئ نظام الحكم السلامي بين الإلغاء والتطبيق»، مجلة المنهاج، بیروت، العدد 2، 1996.

23 - العاملي، جمال الدين. الدر النظيم، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، د.ت.

24 - عبد الحميد، صائب. « أساس نظام الحكم في الإسلام»، مجلة تراثنا، قم، العدد 41، 1416 ه.

25 - عز الدين سليم. المعارضة السياسية في تجربة امير المؤمنين (عليه السلام)، ط 1، بیروت، دار الهادي للنشر، 2003.

26 - العسل، إبراهيم . «الفكر الإنمائي عند الإمام علي (عليهم السلام)»، مجلة المنهاج، بیروت، العدد 5، 1997.

27 - غسان عكلاوي، حقوق الإنسان عند الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، اطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 2005.

28 - فضل الله، محمد حسين. «تأملات في الحرية الفكرية والسياسية في الإسلام»، مجلة الثقافة الإسلامية، دمشق، العدد 16، 1408 ه.

29 - لبيب بیضون. تصنیف نهج البلاغة، ط 3، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1417 ه.

ص: 26

ركائز التضامن والوحدة في العراق بين الماضي والحاضر عهد الإمام علي (عليه السلام) أنموذجاً

اشارة

د. دريد موسى داخل الأعرجي

د. محمد أحمد زكي المرزوك

جامعة بابل - كلية التربية الأساسية - قسم اللغة العربية

ص: 27

ص: 28

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.

أما بعد:

إن الحديث عن التضامن والوحدة الوطنية والإسلامية هو في حقيقته ومعناه حدیث عن الإسلام، وعن الأمة العربية والإسلامية.

إذ أن التضامن كما يقال على وزن (تفاعل) والذي يفيد (المشاركة) ولا يكون إلا بين أطراف متعددة تعمل متضامنة على تحصيل ما يضمن لها تحقيق سعادتها ويكفل لها متطلبات حياتها في عزة وكرامة، وحرية إرادة، وإقامة مجتمع فاضل تسوده العدالة وتظله الحرية ويعمره الأمن والرخاء.

وعليه فإن التضامن والوحدة الوطنية والإسلامية بهذا المعنى هو بعينه الدعوة إلى الإسلام بكل معانيه وتعاليمه ومناهجه.

بل إن مفهوم التضامن هو نتيجة حتمية لدعوة الرسل جميعاً الذين دعوا أممهم لعبادة الله وحده والالتفاف حول ما دعوهم إليه، والالتزام بما جاء وهم به من عند الله کما قال صلى الله عليه وآله وسلم «نحن معاشر الأنبياء أبناء علات ديننا واحد»(1). وقوله سبحانه في دعوة إبراهيم - عليه السلام - وإسماعيل في رفع بناء البيت: «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ

ص: 29

اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)» البقرة.

وبعد محاجة اليهود والنصارى وابطالها، أمر سبحانه المؤمنين أن يعلنوها صريحة: «قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)» البقرة.

فالدعوة إلى التضامن الإسلامي والوحدة الوطنية دعوة إلى الإسلام الذي دعت إليه جميع الرسل في جميع الأمم.

تعدد الدعوات المعاصرة:

والدعوة إلى التضامن والوحدة الوطنية في بلدنا الحبيب قد جاءت في هذا العصر الذي كثرت فيه الدعوات وتميزت فيه التكتلات، واختلفَت فيه مناهج الحياة، وكل حزب بما لديهم فرحون. وقد غشيت المجتمع العراقي والعالم الإسلامي من هذا كله سحب معتمة حجبت عن الكثيرين أضواء الحقيقة. وغزت عقولَ المسلمين حملات فكرية مشككة أوقعت العوام في حيرة وتركتهم في متاهة. تشتت فيها الصفوف و تفرقت فيها الكلمة وضاعت فيها الشخصية الإسلامية السليمة فطمع فيهم العدو وعجز عن مساعدتهم الصديق.

فاغتصبت بلادهم، ونهبت ثرواتهم، ودنست مقدساتهم. وعجز العالم كله ماثلاً في المنظمة العالمية (هيئة الأمم) أن يفعل لنا شيئاً مهما كان الحق واضحاً والظلم فادحا. وأصبحنا على كثرة عددنا نكاد لا يُعبأ بنا فتخلفنا عن مكانتنا المرموقة وتخلينا عن مواقع

ص: 30

قيادتنا الحكيمة؛ بل أصبحنا تبعا لغيرنا وبدون اختيارنا. الأمر الذي جعل المخلصين من علمائنا الرّبانيين يبحثون عن الشخصية الإسلامية الضائعة، وعن المنهج العملي الصالح، ويتطلبون أقوم السبل التي تعيدنا إلى ما كنا علَيه، وترد لنا حقوقنا، وتخلصنا من تبعيتنا لغيرنا، ونصبح حيث وصفنا الله تعالى: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» آل عمران 110.

فأيقن أولئك المخلصون أن لن يصلح آخر هذه الأمة إلا الذي أصلح أولها ألا وهو العودة إلى الإسلام السمح، وليست تلك الدعوات الزائفة ولا المتفلسفة التي تدعو للطائفية، والقومية، والمذهبية، والعرقية، فدعوا إلى التضامن الإسلامي والوَحدة الوطنية الحقيقية.

ثم يأتي هذا المؤتمر العلمي الهادف الذي يهدف لتوجيه الدعوة، وإعداد الدعاة فينعقد في هذه الجامعة العلمية المباركة التي انطلق منها العلماء والدعاة والقادة على السواء.

وموضوعه الآن: سبل تعزيز السلم المجتمعي في بلدنا العراق الحبيب ويدعو إلى تحقيق التضامن الإسلامي ووحدة المسلمين والعراقيين وقد حددت أهداف هذا المؤتمر في أهداف نبيلة بناءة واضحة وافية وهي كالآتي:

أهداف المؤتمر من وجهة نظرنا:

جاءت أهدافه محددة في خمس نقاط وهي:-

1 - تبصير العراقيين والأمة بالطريق الذي رسمته الدعوة الإسلامية النقية لتحقيق التضامن والوحدة لتعود كما كانت وكما يريد لها دينها أن تكون «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ» آل عمران 103. «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)» الأنبياء.

2 - تعميق الانتماء والولاء للبلد العراق وللأمة الواحدة عقيدة وسلوكا، والتجاوب

ص: 31

مع مقوماتها من الأخوة والولاية، والتضامن، والاعتزاز بما اختصها الله به من الخيرية (كنتم خير أمة أخرجت للناس). «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» البقرة 143.

3 - إيجاد رأي عام وطني وإسلامي قوي يعي عن إيمان وبصيرة على هدى القرآن والسنة النبوية حقيقة التضامن والوحدة، ويربط حركته بهما في كل جوانب الحياة واتجاهاتها.

4 - تحكيم المنطق السليم وشريعة الإسلام بين جميع العراقيين والمسلمين والتسليم بما يحكمان به.

5 - أن يتحقق للوطن والأمة الإسلامية ما تسعى إليه من التقدم والقوة، وأن يراها العالم في مكانتها التي يجب أن تكون فيهَا لكي تعطي ذلك المكان ما هو مفتقر إليه لتصحيح أوضاعه وإصلاح حياته.

وهذه الأهداف كلها تلتقي مع العمل الجاد الأكيد الشامل لكل الأفراد وعلى مختلف المستويات للانضواء تحت راية الدعوة إلى التضامن والوحدة الوطنية وتطبيقه عملياً على واقع حياتنا وفي منهج سلوكنا.

وقد شاركت في هذا المؤتمر العلمي المبارك عناوين لمواضيع مختلفة كفيلة بتحقيق هذه الأهداف بلغ عددها الكثير الكثير...

ومنها هذا الموضوع بعنوان ركائز التضامن والوحدة وبما أن المرتكزات في كل شيء وهي جمع ركيزة ما تكون بمثابة القواعد والأسس التي يقوم عليها، وظهرت لي أهمية العناية بهذا الموضوع أحببت الكتابة فيه آملا التوفيق والسداد ومن الله تعالى العون والتأييد...

ص: 32

تمهيد بين يدي الموضوع

إن المتأمل لتاريخ الدعوات التي ظهرت في المجتمع الإنساني أيا كان شعارها وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وبالأخص في دول المنطقة فإن لكل دعوة مرتكزات ترتكز عليها، ومنطلقات تنطلق منها. وقد تزيف أو تفلسف بما يوهم العامة ويغريهم بها.

من ذلك الدعوة إلى القومية فإنها ترتكز على الجنس والعنصر ولا تبالي بالمبادئ ولا بالعقائد، ولا بالمواطنة، والسلم الأهلي والمجتمعي، وهي أشبه ما تكون بدعوى الجاهلية من التعصب للقبيلة، ويكفي لفساد هذه الدعوة أنها كانت ولا تزال السبب في تمزيق الأمم التي تظهر فيها وأول خطر منها على الناس ضياع الدولة ومؤسساتها إذ عمل الطائفيون على إثارة الأحقاد بين الطوائف والأديان والأعراق حرضوهم على اختصاص البلد بطائفة أو عرق معين، فكان الخراب وضياع مقومات الدولة القوية، وتمزيق أوصال البلد إلى دويلات.

وفي أوروبا القومية الجرمانية وغير ذلك.

وآخر الويلات التي جاءت بها دعوة الطائفية والقومية تقسيم قبرص بين الجنسية التركية والجنسية اليونانية.

ومما يندى له الجبين ما سمعته أن في نيجيريا أثناء الحرب الفلسطينية جهزت سفينة حربية لتتجه إلى فلسطين لإنقاذ القدس فسمع المسؤولون التنادي بالقومية العربية وأن على العرب حماية القدس وعليهم مسؤوليتها، فقال المسؤولون هناك إذا كانت القضية الفلسطينية قضية عربية وليست إسلامية فلسنا بعرب وأمروا السفينة بالعودة، إلى غير ذلك مما شهده العالم أخيرا.

وكل تلك الدعوات مع خطورتها فإنها محدودة الأفق محصورة الموطن مهزوزة المرتكزات لم تلبث أن تنهار فتنهدم بأصحابها.

ص: 33

وبعض تلك الدعوات قد تأباها فطر البشر فتفرض عليهم بقوة السلطة كالاشتراكية المتشددة، والتمييز العنصري، فتسلب الفرد أخص خصائص الإنسانية وهي حرية الاختيار، وتعطيل الإرادة وإهدار الكرامة.

أما دعوه التضامن والوحدة الوطنية والإسلامية:

فهي دعوة تتفق تماماً مع فطرة الإنسان التي فطره الله عليها، وتساير طبيعته كل المسايرة وتتجاوب مع جبلته إلى أعماق نفسه.

ولهذا فلقد لمست شغاف القلوب واستجابت معها العواطف، فبرزت بين تلك الدعوات العديدة وكتب لها البقاء، وقوبلت بقبول حسن لأنها ارتكزت على مرتكزات أصيلة وعميقة وعملية واقعية لم تخرج عن طبيعة الإنسان، ولم تغاير عقيدته أو انتمائه الوطني والإسلامي، ولم تصطدم مع واقع حياته التي يحياها في هذا العالم. وهذا هو الإطار الكلي للفرد العراقي الوطني وللمجتمع.

وتتلخص تلك الركائز في نظري في أمور ثلاثة: -

(1) سُنّة الحياة وتكوين الإنسان.

(2) احترام وتطبيق منهج التشريع أو الدستور والقانون الوضعي والإسلامي جملة وتفصيلا.

(3) الواقع السياسي والوضع الاجتماعي الذي نعيشه مع العالم من حولنا...

ولكل ركيزة من هذه الركائز معطياتها، وفعاليتها لو تأملها كل عاقل ووطني لما حاد عنها ولبادر إلى الانتماء إليها، ولعرف أنها هي السبيل الوحيد التي تحقق له كل ما يتطلع إليه من استرجاع حقوقه المسلوبة، وتحقق له الأمن والسلم المجتمعي.

وسنحاول بعون الله تعالى وتوفيقه بيان كل ركيزة من هذه الثلاثة ومدى عطائها لدعوة التضامن والوحدة الوطنية...

ص: 34

وإني لآمل أن أكون بهذا العمل المحدود وجهد الطاقة أن أسهم ولو بالشيء اليسير في سبيل وحدة هذا البلد الحبيب أرضاً وشعباً، وأن أكون من بين العديدين من أفاضل المؤتمرين الذين تمكنهم ظروفهم من الاستيفاء والاستقصاء وبالله التوفيق...

الركيزة الأولى: تكوين الإنسان وسنن الحياة.

قام تكوين الإنسان على أن يكون تعاونياً متضامناً مع غيره لا إنعزالياً منفرداً بنفسه. ولعل معنى (إنسان) قد جاء من (الإيناس أو الأُنْس).

ففي تاريخ هذا الإنسان لم يستطع الإنسان الأول وهو أبو البشر آدم عليه السلام أن يعيش وحده ولو كان في جَنة الفردوس. فخلقَ الله له من نفسه زوجة يسكن إليها «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا» الأعراف: 189.

قال ابن كثير في تفسيره: { ويقال إن خلق حواء كان بعد دخوله الجنة كما قال السُّدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة: أخرج إبليس من الجنة وأسكن آدم الجنة فكان يمشي فيها وحيشاً ليس له زوج يسكن إليه فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه، فسألها من أنت؟

قالت: امرأة. قال: ولم خلقت؟. قالت: لتسكن إلي...}(2).

وذلك ما يشعر بأن تكوين الإنسان أساساً تكويناً جماعياً تعاونيا.

ثم بعد هبوطه إلى الأرض كانت حاجته أشد إلى من يعاونه فيها فبدأ بالإنجاب وتزاوج الأولاد، وإيجاد الأجيال والحفاظ على بقاء النوع. ومن ثم تقاسم أعباء الحياة.

ثم كانت الجماعة البشرية أمام العوامل الكونية التي اضطرتها اضطراراً على التضامن والتعاون والاتحاد لتواجه مجتمعة تلك العوامل التي لا يستطيع الفرد أن يواجهها كحماية أنفسهم من المخلوقات المتوحشة، وكتذليل الصعاب في الأرض لاستنبات نباتها،

ص: 35

واستحصاد زرعها، واستخراج كنوزها، وتصنيع موادها مما يحتاجونه في حياتهم على هذه الأرض.

ثم بعد انتشار الجماعة وتكاثر الجماعات جاءت التنظيمات الجماعية التي تميزت فيها التخصصات الميدانية وتخصص لها بعض أفراد الجماعة، ومن هذه التميزات أو التخصصات ما يأتي:

1 - التميز مثلاً في مجال الاقتصاد من مأكل وملبس ومسكن، وتخصص له رجال يعملون وينتجون ما يوفر للجماعة حاجاتها الاقتصادية.

2 - وتميز مجال الدفاع وحفظ الأمن، وتخصص له عسكريون ومدافعون عن الجماعة.

3 - وتميز مجال الطب والعلاج، وتخصص له أطباء ومعالجون.

4 - وتميز مجال التعليم وغير ذلك من المجالات بقدر ما تستجد حاجة الجماعة، وهكذا.

5 - ومن وراء ذلك كله السياسة والحكم والحكام والسياسيون مما هو في حكم الضرورة للجماعات البشرية، ولا يمكن أن تقوم كلها ولا بعضها إلا بتعاون الأفراد بعضهم البعض؛ بل إن كل تلك المجالات ذات الاختصاصات لا يمكن أن تقوم واحدة منها منفردة بدون معاونة مع الآخرين.

وإنا لنلمس ونشاهد ذلك في عالمنا المعاصر في جميع مؤسساته وفي مجموعها فيما بينها. ففي جميعها نجد أن كل مؤسسة تشتمل رئيساً ومرؤوسين وجميعهم من القاعدة إلى القمة كل في موقعه يؤدي واجبه أو هذا ما هو المفروض. ولا غنى لرئيس عن مرؤوس، أو العكس.

وكذلك فيما بين تلك المؤسسات كل منها تؤدي دورها في خدمة المجتمع مما لا تؤديه غيرها. وكل منها خادم ومخدوم في دائرة التعاون والتضامن کما قیل:

الناس للناس من بدو وحاضرة ٭٭٭ بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم

ص: 36

فسنة الحياة تلزم الأحياء أفراداً وجماعات بالتضامن معا، وقد امتدت فشملت هذه الركيزة الطبيعية جميع دول العالم كله اليوم طوعاً أو كرهاً سواء أكان في السلم أو في الحرب.

عن طريق تبادل منافعهم فيما بينهم فعند هذه سلع وإنتاج ولتلك حاجة ماسة إليها وقد قامت السوق الأوربية بين دول أوربا بتنظيم هذه العلاقة بسبب تفاوت الثروات الطبيعية والكفاءات البشرية. فالسلعة التي تفيض عند هذه تحتاجها تلك وكذلك العكس وهلمّ جرا.

ولا يمكن لأمة اليوم أن تعيش في معزل عن العالم حيث ارتبطت كلها بمصالح مشتركة فهي تسير في نظام تضامن إلزامي تمليه ظروف الحياة وتطورات العالم، وعلى سبيل المثال ترابط العالم في تسيير الخطوط الجوية والخدمات البريدية، والأعمال المصرفية، والإصدارات المالية، والتمثيل الدبلوماسي وغير ذلك مما له الصبغة العالمية.

ولا يبعد من يقول إن هذه السنة الكونية التعاونية ليست قاصرة على الإنسان بل هي أيضا موجودة في عالم الحيوانات والحشرات ولا أدل على ذلك من عالم النحل والنمل.

وعلى هذا فإن هذه الركيزة التضامنية فطرية كونية وهي إلزامية جبرية ليس للإنسان فيها اختيار ولا له عنها استغناء.

فإذن كانت هذه الركيزة الفطرية يجب أن تُقر في إطار قانوني منظم، وكانت دعوة التضامن من هذا المنطلق دعوة فطرية تساير الفطرة وتساندها طبيعة الحياة.

وإذا كان لابد للإنسان أن يتضامن مع غيره ولكل جماعة أن تتعاون مع غيرها على أي مبدأ كان سواء كان عنصريا بالجنس أو عقائدياً باسم الدين أو المذهب، أو اقتصادياً بالإنتاج أو عسكريا بالأحلاف فلأن يكون باسم ومنهج الوطن والمواطنة من باب أولى حيث أنه منهج التعاون على البر والتقوى. وأن الخلق كلهم عباد الله والأرض كلها له سبحانه...

ص: 37

الركيزة الثانية: منهج القانون والتشريع الإسلامي السمح.

ولكي نحدد معالم هذا المنهج نعود إلى مدلول التضامن والغرض منه وهو أن يجد الإنسان فرداً كان أو جماعة ما يضمن له حياة أفضل يتوفر له فيها ما ينقصه، ويسلم فيها مما يضره، ومعلوم أن هذين المطلبين جلب النفع ودفع الضرر هما مطلب كل عاقل کما قيل:

إذا أنت لم تنفع فضر فإنما ٭٭٭ يراد الفتى كيما يضر وينفع

أي یضر عدوه أو ينفع صديقه

والقانون يجب أن يشمل هذين المطلبين ومعهما الحث على مكارم الأخلاق وهو مطلب إنساني كما قال أكثم بن صيفي حين بلغه أمر ظهور دعوة الإسلام فأرسل ولده ليأتيه بخبر محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما يدعو إليه، فرجع إليه وقال له: إنه يأمر بصلة الرحم وصدق الكلم، وأداء الأمانة والوفاء بالعهد وينهى عن كذا وكذا...

فقال أكثم: إنه والله يا بني إن لم يكن ديناً فهو من مكارم الأخلاق.

وقد شرّع الإسلام عقود المعاملات لجلب النفع وتبادل المصالح لتوفير حاجيات الإنسان. من مطعم وملبس ومسكن آمن في صناعة وزراعة وتجارة.

کما شرّع لدفع الضر تحريم كل ضار بجواهر الحياة الخمسة - الدين - النفس - العقل - النسب والعرض. والمال. وجعل فيها حدوداً رادعة وزاجرة، وكذلك القانون والدستور.

كما أرشد ووجه لمكارم الأخلاق في الروابط الاجتماعية ابتداء من حقوق الزوجين وبر الوالدين. وحسن المعاشرة من العفو عن المسيء والإحسان والإيثار على النفس وغير ذلك، وكذلك روابط الجوار وصلة الأرحام، وكفالة الأيتام ومساندة الضعفاء، وعموم التعاون على البر والتقوى. وتظهر صور التضامن والوحدة في منهج الإسلام مفصلة ابتداء من العقيدة السليمة ثم

ص: 38

العبادات التي هي الغاية من خلق الثقلين الجن والإنس كما قال تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)» الذاريات. فجميع المسلمين يلتقون على عبادة الله تعالى وحده وبالوجه الذي يرضاه.

وهذا المنهج قد ربط بين جميع الأمم الإسلامية كما قالي تعالى: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» الشورى 13. فهي وحدة دينية تربط الحق بالخلق في إطار التشريع الإسلامي.

والمواطنة هي المرتكز والتي يجتمع عليها العراقيون جميعاً، ويستوي فيها الغني والفقير والكبير والصغير، ويلتقي عليها من بالشمال بمن بالجنوب. وهى الركيزة التي تحرر الإنسان من استعباد الاستبداد، ومن طغيان الساسة وعوامل الطغيان لأن الفرد بإحساسه بأن جميع الناس مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات يجعله في حالة من الرّضا تدفعه لأن يكون متعاوناً ومعطاءاً في كل المجالات.

وأما ما يجمع المسلمين ولا يفرقهم فعوامل كثيرة ففي العبادات تتجلى هذه الصور عملياً بصور ملموسة وذلك كالآتي:-

(1) ففي الصلاة:

أ - وحدة التوقيت مرتبطة بحركة كونية من طلوع الشمس إلى غروبها.

ب - واستجابة النداء حي على الصلاة حي على الفلاح الله أكبر.

ج - وحدة الوجهة إلى مركز العالم كله إلى البيت الحرام: «فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» البقرة 144.

تبدأ هذه الوحدة في استدارة حول الكعبة ثم تتسع حتى تشمل أقطار العالم شرقاً وغرباً شمالاً وجنوبا.

ص: 39

(2) وفي الصيام:

أ - وحدة الزمن في الصوم بشهر واحد للجميع: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» البقرة 185.

ب - وحدة الشعور بالتعاطف والتراحم - يبدأ بالإمساك وينتهي بالإطعام وإخراج الفطرة طعمة للمساكين وطهرة للصائمين.

(3) - أما الزكاة:

أ - فهي تضامن إلزامي يربط مختلف الطبقات بعضها ببعض ويقارب بين من باعدت بينهم المادة ويجمع بين من فرق بينهم الغنى والفقر حيث يلتزم الغني بإخراج زكاة ماله: «وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)» الذاريات. «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ» التوبة 103.

فالزكاة طهرة للنفوس من شح الأغنياء وحسد الفقراء، وزكاة للمال فلا تنقص وتصون المجتمع من حرب الطبقات وغزو الدعايات.

أما الحج وهو الركن الأعظم:

فهو عين التضامن ومظهر الوحدة في أظهر الصور وأقوى المعاني يفد الحجيج من كل فج عميق ملبين الداعي لحج بيت الله العتيق. مجددين العهد القديم مستجيبين نداء إبراهيم - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - يخرج الحاج من أهله ودياره مفارقاً زوجه وصغاره حتى يأتي الميقات فيتجرد من ثيابه متخلياً عن مظاهر دنياه. مُتدثراً رداءه وإزاره متهيأً لحال أخراه.

هناك يعود الحجيج على مختلف ألوانهم وتباعد أقطارهم وتعدد لغاتهم يعودون

ص: 40

إلى الفطرة التي فطرهم الله عليها. وتعود إليهم فطرتهم التي ابتعدوا عنها فطرة الوحدة والإخاء والمساواة. فيستوي غنيهم وفقيرهم وأميرهم ومأمورهم. ويستوي عربيهم وعجميهم. وقاصيهم ودانيهم وحدة في الشكل والصورة ووحدة في الهدف والغاية يهتفون لبيك اللهم لبيك.

ب - وفي أرض عرفات في ذلك المشهد الفريد في تاريخ البشرية حاضرها وماضيها حواضرها وبواديها. مشهد يذكر بالماضي في عالم الذرة، حين أخرج الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم.

مشهد ينبههم لمستقبلهم يوم يجمع الله الخلائق ويحشرهم حفاة عراة. مشهد تذوب فيه فوارق الجنس والعنصر واللون وتتجلى فيه وحدة الأصل (كلكم لآدم وآدم من تراب). مشهد تفتح له حدود الأقاليم والأقطار والدول: «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» الحج.

مشهد تلتقي فيه الأشباح وتتعانق فيه الأرواح {ليشهدوا منافع لهم}.

أمانة الوحدة والمواطنة: ومن هنا نتحمل أمانة الدعوة والبلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث حملها أصحابه لمن بعدهم: «بلغوا عني ولو آية». «رب مبلغ أوعى من سامع »(3) (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، وهذه هي وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم للناس جميعاً.

الاجتماعيات:

وكما ظهر مدى التضامن والوحدة الوطنية في العبادات يظهر كذلك وبقوة في مجال الاجتماعيات لأن القانون والالتزام به يقيم المجتمع على قواعد مثالية عالية ترتفع عن مقاییس المادة والمعاوضة إلى حد البذل والإيثار.

أ - ففي أصل تكوين المجتمع توجد المساواة في المبدأ فلا فرق بين مواطن وآخر: {لا

ص: 41

تحقرن أحداً فإما أن يكون أخاً لك في الدين أو نضيراً لك في الخلق}. ففيها وحدة المواطنة جمعاء.

ب - وفي تكوين الأسرة التي هي لبنة بناء المجتمع. أقامها على روابط المودة والرحمة.

فإذا جاء الأولاد: قابل بين عاطفة الأبوة بإيجاب بر البنوة وجعلها وفاء بحق قد استوفاه الأولاد من قبل ثم أظهر مدى حق الوالدين حين قرنه بحقه سبحانه في قضاء مبرم. ثم إن الولد سیستوفي مثل هذا الحق من أولاده إن هو أداه لأبويه. وهكذا دواليك.

ج - ثم هو يراعي هذا الصنف من الناس الذي حرم رعاية الأبوين وذاق بؤس القطيعة وذل العزلة ألا وهو اليتيم فكفله بالرعاية وأحاطه بالحنان وقد جعل صلى الله عليه وآله وسلم لكافله أعلى المنازل في الجنة.

وهذا من أقوى دلائل الوحدة الوطنية والتضامن الإسلامي في المجتمع الإنساني.

لأنه يطيب نفس الأب على ولده إذا حضرته الوفاة بأن المجتمع كافل له ولده.

ثم إن هذا الولد اليتيم المكفول اليوم سيصبح غدا رجلا ويكفل يتيماً غيره.

د - ثم يفسح المجال خارج نطاق الأسرة فيأتي للجوار فيقول صلى الله عليه وآله وسلم:

«الجار أحق بصقبه». «ولا يزال جبریل - عليه السلام - يوصيه بالجار حتى ظن صلى الله عليه وسلم أنه سيورثه»(4).

و - فتكون النتيجة ترابط الناس كالبناء الحصين «مثل المسلمين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد». «المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا» (5)، فأي تضامن بعد هذا وأي وحدة بعد هذا وأي وحدة تضاهي ذلك.

ومن هنا حمّل الالتزام بالقانون وأخلاق الإسلام العراقيين جميعاً مسؤولية الحفاظ على تلك الوحدة وعلى هذا التضامن في السلم وفي الحرب أفراد أو جماعات.

«كلكم راع وكل مسئول عن رعيته».

ص: 42

{وتعاونوا على البر والتقوى}.

وفرض حقوقاً عامة على كل مواطن لأخيه المواطن: «حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه. وإذا دعاك فأجبه. وإذا عطس فحمد فشمته . وإذا استنصحك فانصح له. وإذا مرض فعده. وإذا مات فشیعه »(6).

وتلك حقوق متبادلة بين الأفراد يتقاضونها فيما بينهم وقد استوعبت کامل وضع الإنسان من أول لقائه بالسلام عليه إلى آخر وداعه بالتشييع إلى مثواه الأخير.

ربط الإيمان بالمحبة والمودة والعاطفة والرحمة بينهم «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».

وحرم الجنة عليهم حتى تسودهم المحبة: «لن تدخلوا الجنة حتى تحابوا».

فالوطنيون إذا ما ركزوا دعوتهم إلى الوحدة الوطنية والتضامن الإسلامي على وفق القانون كان تركيزا قويا ينطلق من عواطف وشعور كل مواطن حيث يحقق للجميع أفراداً وجماعات كل ما يسمو إليه دون أن تعترضه العقبات ولا تكدره الشبهات.

وهناك مجال الحكم في سلطاته الثلاث:

السلطة التشريعية. والسلطة القضائية. والسلطة التنفيذية، وهذه السلطات الثلاث وإن كانت بصورها موجودة في كل دولة إلا أنها في العراق تجربة جديدة تتميز بصبغة خاصة تنتعش أحياناً، وتتعثر أحياناً أخرى.

فالسلطة التشريعية في كل أمة هيئة متخصصة تنظر في ظروف وملابسات حياة الأمة فتشرع لها ما تراه صالحا.

ومهما يكن من شأن هذه الهيئة وتخصصاتها فهو عمل بشري جائز عليه الخطأ والصواب وهو ما يشهده العالم من طروء التغيير والتبديل فقد يكون ما رأوه اليوم يكون غير صالح في الغد.

ص: 43

وإن ما يطرأ على تلك الهيئات من سياسة داخلية واتجاهات فكرية قد تؤثر عليها إلى غير ذلك.

وقد نوّه القرآن الكريم إلى أصل هذه السلطات وإلى تميزها عما سواها. في قوله تعالى: «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)» الحديد، فإرسال الرسل بالبينات من ربهم، وإنزال الكتاب لتشريع مناهجهم والميزان للعدالة...

والسلطة القضائية، ليقوم الناس بالقسط إذ القضاء تطبيق للمنهج التشريعي والقانوني.

وأنزل الحديد إشارة إلى السلطة التنفيذية وأداة لتطبيق التشريعات والقوانين فيكون المجتمع تحت سلطة حكم عادلة قوية حكيمة.

ومن هذا المنطلق في الحكم كان الظلم في غيره محققاً، أي في غير وجود هذه السلطات الثلاث أو في حال تعطيلها.

وفي مقابل ذلك لا تتم المواطنة إلا باحترام هذه السلطات من قبل الكبير قبل الصغير.

ومن هذا المنطلق فان ارتکاز دعوة التضامن والوحدة الوطنية إلى القانون، وفي ظل الحكم الديمقراطي لا تلاقيها صعوبات ولا تعطلها عقبات وهي دعوة مضمون لها النصر، مضمونة نتيجتها للمجتمع سعادة في الدنيا وفلاحا في الآخرة.

ص: 44

الركيزة الثالثة: واقع الحياة الذي نعيشه والتيارات السياسية التي حولنا.

من الواضح البين حالة العالم السياسي والسياسة التي فرضت على الجميع وألزمت العالم كله العيش ضمن تكتلات سياسية، وأحلاف عسكرية واتفاقيات اقتصادية. وليس بوسع أي دولة أن تعيش وحدها في معزل عن هذا العالم بعيدة عن تلك التكتلات لقوة ترابط الدول بعضها مع بعض شاءت أم أبت.

ولم تعد السياسة مجرد تنظيم العلاقات الدولة في الخارج بل أصبح الداخل مرتبطا بالخارج في السلم وفي الحرب عن طريق الإنتاج والتسويق. فهي منافع مشتركة ومصالح متبادلة. توثقت باتفاقيات عالمية أو ثقافية وأحلاف عسكرية. وأهم ذلك كله الأحلاف العسكرية لأنها لحماية الدولة بكل مرافقها والداعي لكل ذلك من اتفاقيات وأحلاف هو شعور تلك الدول بالضعف وبالحاجة إلى تضامنها بعضها مع بعض وذلك منذ الحرب العالمية الأخيرة حيث كانت عصبة الأمم لدولة أوروبا ضد هتلر والنازية لعجز تلك الدول منفردة عن مقاومتها.

وبعد عصبة الأمم جاءت هيئة الأمم وضمت دول العالم على أمل الحياة في أمن وطمأنينة. ولكن هيئة الأمم لم تحقق للعالم ما أمله فيها حيث أقيمت في بادئ أمرها على التخصيص والامتياز فمنحت الدول الكبرى حق النقض (الفيتو).

ومن العجب أن يمنح هذا الحق للدول القوية التي تستطيع أن تظلم وأن تتعدى مما يصعب معه استخلاص حق المظلوم أو استرجاع حق مغصوب.

وكان الأولى لو أجيز ذلك أن يعطى للدول الضعيفة لترد به عن نفسها.

وأن أحداث التاريخ وخاصة في الدول النامية لتشهد بذلك.

فقامت جامعة الدول العربية وكان قيامها مظهراً من مظاهر تضامن دول المنطقة مهما قيل عن أسباب قيامها.

ص: 45

وكل تلك الهيئات والمؤسسات العالمية لم تستطع استتباب الأمن ولا منح الطمأنينة للعالم فنشأت تكتلات وأحلاف عسكرية انطلقت في سياق التسلح النووي بما يهدد العالم كله بالدمار. وذلك في حلفي الناتو وحلف شمال الأطلسي.

وانقسم العالم إلى معسكرين اقتصاديين شيوعي في الشرق، ورأسمالي في الغرب وما بقي من العالم يدعی بدول عدم الانحياز.

ولكن عدم انحيازه لم يعزله عن غيره ولم يبعده عن الخطر ومن ثم أوجد لنفسه ارتباطات فيما بينه وعقدت له عدة مؤتمرات لدراسة وضعه ووضع التدابير لصالحه.

وآخر ما يكون ما حدث في المنطقة من قيام مجلس تعاون دول الخليج دفع قيامه واقع العالم السياسي وحاجة دول المنطقة إلى التعاون الأخوي وقد شمل عدة مجالات عامة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وثقافياً وإعلاميا. فهو أصدق صورة لما نرجوه لبلدنا العراق الحبيب من التضامن والوحدة الوطنية.

ومع هذا كله فان هذه المؤسسات الدولية على اختلاف مناهجها وأشكالها فهي إما إقليمية محدودة وإما عالمية غير عادلة.

أما التضامن والوحدة الوطنية المنشودة في بلدنا الحبيب العراق فليس هو بالتضامن المادي النفعي وإنما هو تضامن أخوي عاطفي إنساني ديني دعَا إليه الإسلام والتزم الوطنيون بمضمونه ولا غنى لهم عنه.

«المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يظلمه ولا يسلمه، المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا، لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»(7).

وتحت هذا الشعار واستجابة لهذا النداء: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) يدعوا الوطنيون إلى التضامن والوحدة الوطنية الحقيقية بكل قوة ووضوح في عراقنا الغالي.

ص: 46

وحدة العراق المنشودة:

إن الوحدة الوطنية والتضامن متلازمان ويلزم من وجود كل منهما وجود الآخر لأن البلد المتحد المتضامن، والأمة المتضامنة، متحدة.

والوحدة الوطنية في نظر الإسلام وتعاليمه ترتكز على مرتكزين رئيسين:

(1) وحدة الجنس.

(2) وحدة العقيدة .

ومن ورائهما عناية الله وإنعامه على عباده وامتنانه.

(1) أما وحدة الجنس ففي إرجاعهم إلى أبيهم آدم عليه السلام وأمهم حواء: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) ومن وراء هذا التعارف إخاء وتراحم: وقد صور الإمام علي عليه السلام معنى وحدة الجنس فقال في أبيات له:

الناس من جهة التمثيل أكفاء ٭٭٭ أبوهم آدم والأم حواء

(ب) أما وحدة العقيدة فهي الوحدة المعنوية التي تقابل الوحدة الحسية لأن العقيدة عمل القلب لا علاقة لها بالجنس ولا باللون ولا بالمكان ولا بالزمان فيرتبط فيها جميع أبناء البلد الواحد فيؤمن أنه وكل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله، وسكن في جوارك، شعر يقينا أن كل من اتصف بذلك أنه أخ له في دينه، أو في انسانيته، وملتزم معه في تكاليفه فيرتبط آخر الأمة بأولها بل صالح هذه الأمة بصلحاء الأمم.

(ج) أما عناية الله في هذه الوحدة وإنعامه على هذا البلد فهو من تأليف هذه القلوب وتقارب هذه النفوس يلقي العراقي أخاه العراقي من أقصى الأماكن فيؤويه بعد أن هُجِّر من دیاره. فإذا هو يبادله المشاعر ويواسيه في أهله وماله ويتبادل معه التعاطف. وذلك تحقيقاً لقوله تعالى: «وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا» آل عمران 103.

ص: 47

وبعد امتنانه بها شرع ما يحفظها. وما يديمها فبعد قوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ».

قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» 11 الحجرات.

کما نهی عن سوء الظن وعن التجسس والغيبة. وهي كلها عوامل فرقة وتمزيق الوحدة الوطنية بينما دعا إلى تقوية هذه الوحدة بالتراحم والتعاون وحسن الجوار وكل ما فيه معاني الإنسانية من عفو وتسامح إلى حد الإحسان إلى المسيء.

وهنا نربط بين ما ذكر من ركائز ودعامات وبين ما جاء من أسس راقية لبناء المجتمعات الصالحة والموحدة القوية في عهد الإمام علي عليه السلام لواليه على مصر مالك الأشتر.

فنقول:

أولاً: التعريف بمالك الأشتر:

هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن سلمة بن ربيعة بن جزيمة ابن سعد بن مالك بن النخع بن عمرو بن علة بن مالك بن أدد، وكان فارساً شجاعاً، ومن أصحاب الأمام علي عليه السلام وقد قال فيه أمير المؤمنين بعد موته: «رحم الله مالكاً، فلقد كان لي کما کنت لرسول الله صلى الله عليه وآله »(8).

اما سبب لقبه بالأشتر، فالأشتر يعني اختلال في العين وقد حدث بضربة جاءته من عدو في احد ميادين القتال (9).

وقد ولد قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وآله بسنوات قليلة حسبما ذكر السيد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة. وقد عاصر النبي صلى الله عليه وآله ولكنه لم يره ولم يسمع

ص: 48

حديثه.

وقد نشأ مالك في بيئة عربية وقبيلة عريقة المكسب، وهي من قبائل اليمن التي انتقلت الى العراق، وقد دخل الاسلام وقاتل أيام الخليفتين أبو بكر وعمر؛ لكنه اختلف مع الولاة الذين عينهم عثمان بن عفان على الكوفة فنفي عدّة مرات إلى الشام وبايع الإمام علي عليه السلام وأيده وقاتل معه.

وعندما حصلت بعض الاضطرابات في مصر عينه الامام علي عليه السلام والياً عليها عام 38 ه وارسل معه وصایا سمیت بعهد الأشتر. ولكن مالك لم يصل إلى مصر لأنه قتل مسموماً قبل أن يصل اليها.

ظروف ومصادر وسند «عهد الأشتر»

ان عهد أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) الى الأشتر بن الحارث النخعي يعتبر من أهم الوثائق السياسية التي تعالج قضايا الحكم والادارة وشؤون الدولة وعلاقتها مع الأمة والحقوق والوجبات المترتبة على الحاكم تجاه الأمة، وواجبات الأمة تجاه الحاكم، مما يؤدي للوحدة والتضامن بين افراد الوطن الواحد، ولقد اعتنى الباحثون والمحققون بهذا العهد بشكل كبير سواء من ناحية السند او الشرح او تأكيد نسبه إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام وقد روي هذا العهد واشار اليه غير واحد من المحدثين والمؤرخين والعلماء وقد اشار اليه النجاشي والشيخ الطوسي وورد في نصه في نهج البلاغة (قسم الكتب الكتاب الرقم 53 وفي معادن الحكمة (ج 1 نص 109)) وفي تحف العقول ص 126 والعديد من كتب الأحاديث والمصادر.

کما جرى شرحه من قبل العديد من العلماء والباحثين وترجم الى لغات اخرى. ومن الكتب التي اشارت الى العهد:

1 - آداب الملوك للسيد الجليل نظام العلماء الميرزا رفیع الدین الطباطبائي التبريزي المتوفي

ص: 49

سنة 1326 ه.

2 - اساس السياسة في تأسيس الرياسة للواعظ الماهر الشيخ محمد بن المولى اسماعيل الكجوري الطهراني المتوفي سنة 1353 ه.

3 - شرح عهد أمير المؤمنين للعلامة المجلسي المولى محمد باقر الأصفهاني المتوفي سنة 1111 ه.

4 - مقتبس السياسة وسياج الرياسة وهو شرح للعهد مأخوذ من شرح الشيخ محمد عبده لنهج البلاغة.

کما صدرت کتب اخرى تحدثت عن العهد وتمت ترجمته للفارسية والتركية وتم التأكد من سنده ونسبه للإمام علي عليه السلام من خلال دراسات وأبحاث عديدة.

ثانياً: أهداف العهد وأهم موضوعاته

جاء في مقدمة العهد المنسوبة إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام، قال عليه السلام «هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده اليه حين ولاه مصر:

1 - جباية خراجها: ويشير الى الوضع الاقتصادي الضروري لاستقرار الدولة فإذا استقرت الدولة تمكنت من الحفاظ على وحدتها وتضامنها.

2 - جهاد عدوها: ويشير الى بناء منظومة أمنية متخصصة في مجالات الأمن، وبناء جيش يكون هو المسؤول الأول عن الدفاع عن وحدة البلد وتماسكه.

3 - استصلاح أهلها: ويشير الى التضامن الاجتماعي الذي هو احد الضروريات التي جاء بها الاسلام، وتحسين العلاقات الاجتماعية، وبناء الشخصية المتوازنة للأفراد لينتج عنه مجتمعا متوازنا بأفكاره وتصرفاته، وترسيخ الوعي عند الأفراد بضرورة التمسك بوحدة المجتمع وتضامنه.

ص: 50

4 - عمارة بلادها: ويشير بذلك إلى العمل على بناء البنى التحتية للدولة لجعل الفرد مسؤولا هو الآخر من خلال توفير الخدمات اللازمة لحياة الانسان الكريمة، فإذا ما توفرت الخدمات للفرد صار لزاما عليه المحافظة عليها.

وهذا العهد دلیل عمل لمالك الأشتر في حكم مصر ويتضمن أربعة أهداف:

1 - الدفاع والأمن (جهاد عدوها).

2- الاصلاح الاجتماعي (استصلاح أهلها).

3 - التنمية الاقتصادية (عمارة بلادها).

4 - مالية الدولة التي تنفق على هذه الأبواب (جباية خراجها). وتقوم على جباية الخراج وسائر الضرائب.

وقد تضمن العهد حوالي أربعين فقرة تناولت الموضوعات التالية: السيرة الحسنة، العلاقة مع الرعية، عدم التكبر، الانصاف، العدل، الوشاة، الاستشارة، دور الوزراء وصفاتهم، الاحسان، السنة، دور العلماء، العلاقة بين طبقات المجتمع، دور قادة الجيوش والعلاقة بهم، اختيار القضاة، الشبهات، اختيار العمال والولاة، خيانة العمال، الخراج ومالية الدولة، الكتاب وأصحاب الديوان، فنون الكتاب، التجار والاحتكار، الاهتمام بالفقراء، اصحاب الحاجات والمصالح، واجبات الحاكم، اداء الفرائض، عدم الاحتجاب عن الناس، دور الحاشية، الاستفادة من الاعلام، العلاقة بالأعداء والعهود، وصفات خاصة، نصوص لها علاقة بحقوق الانسان والقضاء.

ولقد تضمنت نصوص العهد تعاليم واضحة ومحددة حول دور الحاكم وعلاقته بالرعية وكيفية اقامة العدالة وعدم الظلم ودور القضاء وسنختار بعض النصوص مع شرح بسيط لها.

ص: 51

ومما قاله الإمام علي عليه السلام في عهده:

«واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك وتجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه لله الذي خلقك وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع (متردد) فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في غير موطن: لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع، ثم احتمل الخرق (العنف) منهم والعي (العجز عن البيان) ونح عنهم الضيق والأنف (التكبر) يبسط الله عليك بذلك أكناف (أطراف) رحمته ويوجب لك ثواب طاعته. وأعط ما أعطيت هنيئا وامنع في إجمال وإعذار».

في هذه الفقرة يدعو الامام علي عليه السلام مالك الأشتر الى تخصيص وقت للقاء مع الناس ليستمع اليهم والى شكواهم بحيث يحدثونه بدون خوف او وجل وبعيداً عن الشرطة والحراس ويطلب منه ان يستجيب لمطالبهم وان يتقبل ما لديهم من مشاكل وان يجيبهم بهدوء وراحة واذا تعذر عليه الاستجابة ان يحدثهم بشكل محبب.

وبذلك يستطيع كل انسان ان يصل الى الحاكم دون وساطة ما يشكل احد اساليب الحكم المباشر بعيداً عن الوسائط والمحسوبيات.

تطبيق العدالة:

قال أمير المؤمنين عليه السلام «والزم الحق من لزمه من القريب والبعيد وكن في ذلك صابرا محتسبا واقعا ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فان مغبة (نتيجة) ذلك محمودة».

وفي هذا النص يؤكد الامام ان واجب الحاكم الكبير هو ان يتحرى تطبيق العدالة بدقة وامانة دون ان يراعي في ذلك اية اعتبارات عاطفية او عائلية او مصلحية خاصة.

ص: 52

فحين يحيد المقربون الى الحاكم عن الحق فيجب تطبيق العادلة عليهم کما تطبق على سائر افراد الشعب.

حول القضاء:

لقد تحدث الامام في عهده لمالك الأشتر عن القضاء في عدة فقرات فأشار لصفات القاضي والضمانات الواجبة لنزاهة القضاء.

ومما قاله: «ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحکه الخصوم (اي لا تجعله عسير الخلق) ولا يتمادى في الزلة (اي لا يستمر في الخطأ)...

وأصر مهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهیه (لا يؤثر به) إطراء ولا يستميله إغراء وأولئك قليل».

ومن خلال هذه الصفات يحرص الامام لضرورة اختيار القاضي النزيه والعادل لتطبيق العدالة وهذه اهم الوسائل لإحقاق الحق.

ملاحظة: من خلال استعراض هذا العهد والذي مضى عليه اكثر من حوالي 1400 سنة يمكن القول ان الإمام علي عليه السلام اراد ان يضع اسساً واضحة لإدارة الحكم وتطبيق العدالة وايصال الحقوق لأصحابها ومنع الظلم عن الناس وهذه هي اهم مميزات ما يسمى اليوم «الحكم الرشید» او مبادئ النزاهة والعدالة والشفافية والمحاسبة والتي تعتبر اهم اسس الحكم الصالح والصحيح، ولو ان المسؤولين والحكام والقادة يلتزمون بهذه المبادئ لعالجنا الكثير من المشاكل التي ادت الى الثورات والانتفاضات.

فهذه كلها روافد تصب في أصل أوجه الوحدة الوطنية المنشودة ترويها فتنمو على أثرها.

ص: 53

الخاتمة

وإذا كانت دعوة الوحدة الوطنية والتضامن كدعوة ظهرت في هذا العصر متميزة من بين الدعوات التي انطلقت في العالم وخاصة بين العراقيين. من وطنية ومدنية ديمقراطية وشعارات متعددة.

فإن الدعوة إلى التضامن والوحدة الوطنية والسلم المجتمعي في هذا الوقت بالذات صار ضرورة ملحة وهي أولى وأحرى للبلد لتعود به إلى صمیم وحدته والحفاظ على کیانه، وإثبات شخصيته، وتثبيت دعائمه على تلك الركائز الثلاث...

وإذا كانت في ظهورها ومنطلقها من وطنيينا ومثقفينا وعلمائنا، ومن جوار هذه الجامعة العريقة، فإنها بلا شك قد لامست شغاف القلوب المخلصة، وأيقظت شعور الشعب المقهور، ولا طفت عواطف كل مواطن غيور حريص على وحدة بلده وشعبه، فلقیت بحمد الله قبولاً لدى المثقفين الوطنيين واستقبلت بترحاب منهم.

ولا نزال نسمع كل حين وآخر بنتائج عظيمة حيث تنادي بعض الشخصيات المعتبرة إلى الوحدة الوطنية، ونبذ الفرقة والطائفية بكل أشكالها، والتزامها بتنفيذ القانون واحترامه والعمل بموجبه بما يضمن سيادة القانون.

ومن ثم يلتقي قادة هذا البلد بشعبهم ويلتف هذا الشعب حول قادته الوطنيين.

واليوم ومن رحاب الجامعة العراقية ومن أرض بغداد العلم مهد العلم والعلماء ومنطلق الوطنيين والمثقفين تتجدد تلك الدعوة للوحدة الوطنية، والسلم المجتمعي الذي يضمن العيش الكريم لجميع المواطنين.

وهذه الوحدة الوطنية والسلم المجتمعي المنشود بصفاء محاسنه بريء من كل شائبة نزيه عن كل غرض شخصي أو مادي بعيد عن أي اتجاه سياسي أو فكر أجنبي فإنه بحمد الله ليعلوا على الشبه ويسمو عن الشكوك فمصلحته للجميع.

ص: 54

كما أنها بارتكازها على تلك الركائز الثلاث التي أسلفنا وهي ركيزة طبيعة تكوين الإنسان وسنة الحياة. وركيزة احترام القانون. وركيزة الحالة السياسية والوضع الاجتماعي الذي نعيشه. فإنها ترتكز على عوامل قبولها وتحمل دواعي بقائها، وضمان السلم الأهلي والمجتمعي.

کما تحقق للعراقيين كل مطالبهم وتمكن لها، والوحدة الوطنية والتضامن لا يقتصر نفعه على مجموعة صغيرة فقط؛ بل على المواطنين كافة لو آمنوا بها وأيدوها.

ونحن لا نفرط في التفاؤل أو نتطلع إلى غير العراقيين وإنما ندعو إلى التضامن والوحدة الوطنية العراقية تحت شعار الوحدة والإخاء.

وإن دور الدعاة من الوطنيين والمثقفين والأكاديميين إبراز أهمية التضامن وضرورة الوحدة الوطنية على ضوء القانون وحكمة التشريع ما أمكن ذلك وإظهار محاسنها.

«وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)» التوبة.

ص: 55

کما إنا لنهيب بالجهات المختصّة أن تمد يد العون وتبذل كل الجهد لمساعدة دعاة الوحدة الوطنية الحقيقية بما يستطيعون به القيام بواجبهم وأداء عملهم على الوجه الذي يرونه وتتطلبه دعوتهم في مراكز عملهم.

وصلى الله وسلم وبارك على إمام المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم...

الهوامش

1 رواه الطبراني في المعجم برقم (2385).

2 ينظر تفسير ابن كثير 1 - 79.

3 رواه أحمد في المسند برقم (6520).

4 رواه مالك في الموطأ برقم (2371).

5 رواه أحمد في المسند برقم (4622).

6 رواه الطبراني في المعجم برقم (3112).

7 رواه الطبراني في المعجم برقم (3219).

8 شرح نهج البلاغة 326.

9 مالك الأشتر 82.

ص: 56

المصادر

بعد القرآن الكريم.

1 - أضواء على أوضاعنا السياسية، عبدالرحمن عبد الخالق، دار الهلال بغداد، ط 1، سنة 1978 م.

2 - أزمة العراق (رؤية من الداخل)، السيد حسين الشامي الموسوي، لندن، 1991 م.

3 - أعيان الشيعة، محسن الأمين، دار التعارف.

4 - تفسير القرآن العظيم (ابن كثير)، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي ت 774 ه، المحقق: محمد حسین شمس الدين، دار الكتب العلمية - بیروت، ط 1، 1419 ه.

5 - شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد.

6 - عهد الأشتر، شمس الدين محمد مهدي، المؤسسة الدولية للدراسات والنشر، ط 2، 1421 ه - 2000 م.

7 - مالك الأشتر، محمد تقي الحكيم.

8 - المُعْجَمُ الكَبِير للطبراني، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني ت 360 ه، تحقیق: فريق من الباحثين بإشراف وعناية د. سعد بن عبد الله الحميد و د - خالد بن عبد الرحمن الجريسي، د.ت.

9 - المسلمون والعمل السياسي، عبدالرحمن عبد الخالق، الكويت، سنة 1985 م.

10 - مسند أحمد، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني ت 241 ه، المحقق: شعيب الأرناؤوط - عادل مرشد، وآخرون، مؤسسة الرسالة الكويت، ط 1، 2001 م.

11 - موطأ الإمام مالك، مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني ت 179 ه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، 1985 م.

ص: 57

ص: 58

القيم الأخلاقية الفاضلة للقائد الرسالي في فكر الامام أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) وتوظيفها في مؤسسات الدولة مستقبلا دراسة تحليليه

اشارة

أ. د. صباح حسن عبد الزبيدي

جامعه بابل - كلية التربية للعلوم الإنسانية

ص: 59

ص: 60

الفصل الاول: مدخل عام شامل

مشكلة البحث واهميته: -

من المعلوم إن لكل مجتمع له ثقافته التي تمثل عاداته وتقاليده وقيمة ويحاول المجتمع تربية أبنائه في إطارها، وهو يرى عادة ان نقل الثقافة من جيل الى جيل اخر مهم جدا لأجل الحفاظ على تماسك المجتمع من هذه القيم الأخلاقية الفاضلة (البطولة والفروسية والشجاعة والإيثار والتضحية بالنفس والكرم والجهاد في سبيل الله، فالعادات والتقاليد والدين والأعراف والقيم المنتشرة في المجتمع تعد كلها من مصادر هامة في تعليم الإفراد الاتجاهات الايجابية وتعزيز الانتماء الى الوطن والتاريخ والأرض والاعتزاز بالقيم العربية الأصلية، والإسلامية

ومن المعلوم ايضا ان الانسان عنصر من عناصر هذا الكون، ونمط مثالي رفيع بين انماط ما خلقه الله سبحانه وتعالى، وبذلك جعله الله هذا الانسان خليفته في الارض وعرفه وميزه واعطاءه منزله رفيعة عن بقيه المخلوقات، وقد وصفه الله سبحانه وتعالى «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» (الاسراء 70)

ومن ابرز مظاهره العناية الاليه انه أستخلف الانسان وتم اختياره کالأنبياء والرسل الى العباد لنشر مبادى الدين المتمثلة بالعبادة والتوحيد ونشر المبادي الإنسانية بين الناس لأجل اسعاد الانسان والبشر في الدنيا والاخر، وبذلك امرنا الله سبحانه وتعالى في الطاعة

ص: 61

والعبادة والتمسك بالعمل الصالح، وقوله تعالى «مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا» (الفتح 17)

وبذلك كان الرسول الاعظم محمد (صلى الله عليه واله وسلم) واهل بيته الطاهرون المثل الاعلى في الثبات على المبادي السامية والاخلاق الفاضلة، وكان الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالي (عليه السلام) (هو سر رسول الله ومثال حي في الثبات على المبادي التي جاء به القران الكريم والسيرة العطرة لنبينا محمد (صلى الله عليه واله وسلم) في هذه الارض.

وعليه ان وظيفية التربية الحديثة اليوم وهي بناء ومساعدة الفرد والمجتمع البشري في اعداده وتأهيلية وتدريبيه وتطويره لكي يساهم في العمل وزيادة الانتاج والإنتاجية التي تحتاجه التنمية الشاملة

وعلى هذا الاساس اخذت تهتم بناء الشخصية المتكاملة (العقلية + الجسمية + الوجدانية + المهاريه + الاجتماعية)

ان بناء الشخصية كما هو معروفه جاء من نتاج التفاعل المستمر بين العوامل الوراثية والعوامل البيئية التي تؤثر على الفرد منذ ولادته وفي مختلف مراحل حياته وبهذا الصدد يؤكد أصحاب الاختصاص بناء الشخصية بقولهم (إن الحكم على الشخصية مسألة دقيقة وحساسة، تحتاج إلى استيعاب كبير لجملة النظريات ومعرفة عناصرها وديناميكية، فالقدرة في ضبط الشخصية يتم بضبط معايير تقيس القدرات والمهارات العقلية والجسمية والوجدانية والمهارية ليس عن طريق الملاحظة لتكوين انطباعات وصور حقيقة عن الشخصية ومن خلال المزج بين التربية وعلم النفس وتجاوبها مع ظروف المجتمع وتغيراته، وذلك لمسايرة التغيرات والتطورات بما يطلبه المجتمع وتطلعاته المستقبلية ومن المعلوم ایضا

ص: 62

وفي ضوء ما تقدم ان الدين والقيم الاخلاقية دعامة كل نهضة وتقدم المجتمع والحضارة فهي الحارس الوحيد الذي يحمي الامم من الانهيار والضياع.. بهذا الخصوص اكد علماء الاخلاق على اهمية الاخلاق بقولة ((لو بذل الانسان في سبيل السيطرة على كبح جماع نفسه بعض الشيء بقدر من الجهد على القوى الطبيعية لكان عالمنا اليوم عالم طهارة وسعادة.))

من المؤكد ان الاخلاق تعد من العلوم العملية التي يسعى علماء الاخلاق الى السعادة والكمال امام العوائق والتحلل الخلقي وتوضيح ماهي الاعمال الحسنه التي يجب القيام بها وماهيه الاعمال السيئة التي يجب تجنبها

وفي ضوء ما تقدم ففي القرون الأخيرة ظهرت العديد من الاتجاهات والدراسات الفكرية حول (النزعة الإنسانية ونحو الليبرالية، والتساهل والتسامح والإباحية...الخ) والتطور العلمي والتكنولوجي الذي جذب اللذة وتامين الرفاه والربح المادي مما دفع القوى العظمى الى بسط نفوذها في العالم

ومن هنا تظهر مشكلة البحث، من خلال طرح عدة تساؤلات وهي: - (من المعلوم ان العالم الذي نعيش فيه لازال غير منسجم ولا متزن من الناحية الاخلاقية فالتقدم المادي جعل حياتنا لا قيمة لها بسبب الفرق الشاسع بين الجانب المادي والاخلاقي مع العلم ان الاديان اتفقت على اختلاف انواعها على اهمية الاخلاق والقيم الاخلاقية الفاضلة لذلك نجد الدين الاسلامي مثلا يمجد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من خلال القران الكريم «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (القلم 4) وكذلك حينما يقف الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ليوضح الدعوة الاسلامية ومبادئها الاخلاقية بقول (انما بعثت لأتمم مکارم الاخلاق) وبذلك يجعل المتخلقين بالأخلاق والقيم الفاضلة اقرب الناس اليه وفي قول (صلى الله عليه واله وسلم) (ان احبكم الي واقربكم مني منازل يوم القيامة

ص: 63

احسنکم اخلاق).

وتأسيسا على ما تقدم يقف في مقدمه بعد النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) الامام الامير المؤمنين علي ابن ابي (عليه السلام) في تجسيد القيم الأخلاقية الفاضلة والتي یریدها تعزيزها في القائد الرسالي مالك الاشتر (رضي الله عنه)، وكيف يمكن تعزيزها في مؤسساتنا التربوية مستقبلا؟

اهمية البحث

التأكيد على القيم الأخلاقية الفاضلة التي جاء بها الامام امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام) القناعة، الكرم، العفة، الأمانة، التأخي، اليقين، الكلم الطيب، محاسبه النفس، التوبة،. طاعة الله وتقواه، الثبات على المبدأ، الشكر... الخ

1. بناء شخصية قوية العقيدة، قوي في الفكر الاسلامي، متمسكة بتطبيق القيم الأخلاقية الفاضلة في مؤسساتنا المختلفة مقتديه بهذه القيم في عملها مستقبلا مستمدة من منابع القيم الإسلامية واهل البيت (عليهم السلام).

2. استنباط القيم الأخلاقية الفاضلة من منابعها الأساسية (القران الكريم والسيرة النبوية المطهرة والعترة الطاهرة ويقف في مقدمة ذلك سيدنا ومولنا الامام امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

3. جعل هذه القيم خطوط عريضة في بناء الامة الإسلامية التي تستنير بقادتها ورموزها الدينية فب بناء الفرد والمجتمع.

4. استرشاد القائد الرسالي من منبع هذه القيم وتطبيقها في الحياه العامة ولاسيما من سيرة الائمه (علیهم السلام).

ص: 64

اهداف البحث: - يهدف البحث الإجابة على الاسئلة الانيه: -

1. ما مضمون القيم الأخلاقية الفاضلة بصورة عامة والاسلام بصورة خاصه؟

2. ما مضمون القائد الرسالي؟ وما هيه القيم الأخلاقية الفاضلة التي ينبغي ان يحملها في نظر الاسلام؟

3. ما مضمون القيم الأخلاقية الفاضلة للقائد الرسالي ملك الاشتر (رضي الله عنه) في فكر الامام أمير المؤمنين على ابي طالب عليه السلام؟

4. هل بالإمكان توظيفها في مؤسسات التربوية بالوقت الحاضر؟

5. حدود البحث: - يقتصر حدود البحث على الادبيات التي تناولت مفهوم القيم الأخلاقية الفاضلة بصورة عامه وفي نظر الاسلام بصورة خاصة القائد الرسالي المنشورة حتى عام 2015

6. تحديد المصطلحات: - سیتم تحديد المفاهيم والمصلحات التي وردت في متن البحث وهي (1 - القيم، 2: - الاخلاق 3 - القيم الأخلاقية 4: - القائد والقيادة 5 - القائد الرسالي 6 - الامام الامير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام) 7 - مالك الاشتر (رضي الله عنه)

7. اولا: - القيم. وتعرف بعدة تعاریف هي: -

8. القيم المادية - هي كالمعادن النفيسة.

9. القيم المعنوية - وهي الاستقامة وحسن السمعة.

10. القيم في نظر علماء الاجتماع - هي حقائق تعبر عن التركيب الاجتماعي يعتمد الافراد والجماعات على تطبيقها بغية الوصول اهداف ما. (النروه جي: 1990).

11. عرفها الخوري هي القواعد والسلوك التي يستطيع الناس من خلالها وبواسطتها ان يستمد امالهم ويجربوا تصرفاتهم (خوري: 1983).

12. عرفها احمد هي مجموعة من القوانين والمقاييس تنبثق من جماعة ما وتتخذها

ص: 65

معايير للحكم على الاعمال والافعال والتصرفات وتكون لها في القوة والتأثير على الجماعة بحيث يصبح لها صفة الالزام والضرورة والعمومية واي خروج عليها او انحراف عن اتجاهاتها يصبح خروجا عن المبادئ الجماعة واهدافها ومثلها العليا.

(برکات: 1982).

13. عرفها کنعان هي معيار للحكم على كل ما يؤمن به مجتمع ما ويؤثر في سلوك أفراده حيث يمكن خلالها الحكم على شخصية الفرد، من حيث صدق الانتماء نحو المجتمع لكل افكاره ومعتقداته واهدافه وطموحاته وقد تكون هذه القيم ايجابية او سلبية. (كنعان: 1999)

ثانيا: - الاخلاق Ethies. وتعرف بعدة تعاريف: ۔

1. ويعرفها مهدي واخرون هي الفعل السلوكي الذي يتضمن العادات والتقاليد والآداب والمثل المرعية في مجتمع ما. (مهدي واخرون: 2002).

2. ويعرفها عبد العزيز: - هي السلوك الذي يسلكه الانسان في الحياة (عبد العزيز: 1981)

3. يمكن تعريف الاخلاق اجرائياً: هي مجموع الصفات والخصائص التي يحملها الانسان والتي تدعوه الى سلوك معين طبقا للمعايير الاجتماعية المرغوبة والتي تستند بالأساس الى القاعدة الشرعية الاهية في عمل الخير والحق والجمال ومن ثم السعادة وتحدد منها عوامل كثيرة منها العوامل الوراثية والبيئية للسلوك الانسان ويمكن ان تظهر من خلال التنشئة الاجتماعية والتربية وتهذيب بالدين والقانون الطبيعي للحياة.

ثالثا: - : - القيم الأخلاقية. وتعرف بعدة تعارف منها: -

1. عرفها احمد (بانها مجموعه من العادات والتقاليد والمعاير والاهداف العليا التي يؤمن بها المجتمع وتعمل على تنظيم الحياة الاجتماعية وتوجيه السلوك الاخلاقي نحو

ص: 66

وجهه الخير والفضيلة ودرء الاخطار والمشكلات التي تواجه المجتمع. (برکات، 1982)

2. تعرفها الطهطاوي: - بانها (مجموعه المبادئ والقواعد والمثل العليا التي يؤمن بها الناس ويتفقون عليها فيما بينهم ويتخذون منها ميزانا يزنون به اعمالهم ويحكمون تصرفاتهم المادية والمعنوية. (الطهطاوي، 1996)

رابعا: - القائد: ويعرف القائد ب

(وهو الشخص الذي يستخدم (اسلوب ووسائل) في التأثير على الاخرين، فالوسائل اما ديمقراطية واما دیکتاتوریه حسب طبيعة الموقف، ويقسم القادة الى نمطين حسب المواقف وحسب الاسلوب) وينقسم الى نمطين (قادة مواقف وقادة مبتکرین). (بدوي، 1977)

خامسا: - القائد الرسالي: - ويمكن تعريف اجرائيا

وهو الشخص الذي يتميز بخصائص وصفات شخصية متكاملة (عقلية + جسمیه + وجدانیه + مهاریه + اجتماعيه) عن بقية الاشخاص ويحمل رساله بناء هدفها بناء الانسان والمجتمع بعيدا عن التسلط والقوة.

سادسا: - الامام اميرالمؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

وهو الامام علي بن ابي طالب امير المؤمنين (عليه السلام) شخصيه عظيمه لا تنحصر على المسلمين فحسب بل هي شخصيه عالميه للناس کافه نستمد منها دروس وعبر في الحياه، ولد الامام في (13) من شهر رجب عام 23 قبل الهجرة النبوية الشريفة، وقد قدر له ان يولد في بيت الله الحرام واحتضنه ابن عمه الرسول الاعظم محمد (صلى الله عليه واله

ص: 67

وسلم) منذ صغره فقد غداه من علمه عندما بعثه الله سبحانه وتعالى، فكانت حياته مشترکه مع حياه الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) فكان الشخصية الوحيدة التي يليق هذه المكانة والمنزلة، وقد عاشر حياه مجاهد في سبيل نشر الاسلام والحفاظ عليه حتى قتل مظلوما شهيدا المحراب على يد اشق الاشقياء عبد الرحمن ملجم في (19) من شهر رمضان سنة (40) ه ((سوادي 2010)

من المعلوم ان الدين الاسلامي، هو دين الاخلاق الكريمة، والمثل العليا وفي هذا الصدد يقول الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) ((لو كنا لا نرجو جنه ولا نخشی نارا ولا ثوابا ولا عقابا لكان ينبغي لنا ان نطلب مکارم الاخلاق، فأنها تدل على سبيل الناجح.

سابعا: - القائد الرسالي (مالك الاشتر) (رضي الله عنه): - وهو مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن سلمه بن ربيعة النخعي، ولد ما بين (5 - 30) قبل الهجرة، ولقب بالأشتر (لان احدى عينيه شترت، اي شقت في معركة اليرموك، وقد عاصر مالك الاشتر (رضي الله عنه) النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ولكنه لم يراه ولم يسمع حديثه، وقد شارك في حروب الرده في زمن ابي بكر وله دور كبير في معركة اليرموك التي دارت بين المسلمين والروم سنه (13) ه وعلى اثرها شقت احد عينيه ولقب بالأشتر، وعندما جاء الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) بعد تولى الخلافة عام (36 ه) جعله واليا على مصر وارسله الى مصر ومعه شهاده من الامام امير المؤمنين علي ابي طالي (عليه السلام) (اما بعد فقد بعثت اليكم عبدا من عباد الله لا ينام ایام الخوف ولا يتكل من الاعداء ساعات الروح، اشد على الفجار من حريق النار).

وفي ضوء ما تقدم كانت حياته حافله بالجهاد، وقد رزقه الله الشهادة علي يد معاوية، وقد دس السم عن طريق رجل من اهل الخوارج، فتوفي مسموما، صابرا محتسبا سنه (37) ودفن في مصر) (سوادي 2010).

ص: 68

رابعا: - منهجية البحث: -

اعتمد الباحث في منهجيته على البحث الوصفي التحليلي للأدبيات التي تحدثت عن القيم الأخلاقية الفاضلة في القائد الرسالي مالك الاشتر النخعي (رضي الله عنه) للرسالة الموجه له في فكر الامام امير المؤمنين (عليه السلام) وتعزيزها في مؤسساتنا التربوية مستقبلا.

الفصل الثاني: القيم الأخلاقية الفاضلة بصورة عامة ونظرة الاسلام لها بصورة خاصه

وشملت محورين هما: -

المحور الاول: - القيم الأخلاقية الفاضلة بصورة عامة: -

طبيعة القيم بصورة عامة: -

من المعلوم، ان القيم تحتل منزلة بالغة الاهمية في الفكر الفلسفي والفكر الأخلاقي كما هي تحظى باهتمام العلماء ولاسيما رجال الدين والتربية والاجتماع وسائر الناس نظرا لان فكرة القيمة وإحكامها من اكثر المسائل اتصالا بالإنسان

وفي ضوء ما تقدم، تنوعت المؤلفات التي تبحث عن موضوع القيم وأنواعها وطبيعتها ومصادرها، وكذلك تعددت المذاهب والتفسيرات حول ترتيبها وتصنيفها کما جاءت عليها الادبيات المنشورة والتي تؤكد ان فكرة القيمة قد انبثقت قديما عن الفلسفات اليونانية التي رأت ان قيم (الحق والخير والجمال) هي قيم ازليه خالدة ودلت عليها بأسماء والقيم تتضمن جملة من المعتقدات والأفكار والمشاعر التي تؤثر او تحدد للتقويم او الاختبار والتفضيل باتجاه افکار ومواقف الاشخاص وشخصياتهم لأنها تعبر عن السلوك المفضل، (زهران: 1985)

ص: 69

مكونات القيم: -

من الواضح ان القيم انتاج اجتماعي وأخلاقي ترتبط بالفرد والجماعات والمجتمع، فهي اطر مرجعية للسلوك وذلك من خلال عملية التنشئة الاجتماعية يتعلمها او يكتسبها الانسان من خلال القواعد او المعايير الاجتماعية المرغوبة لدى المجتمع،

ان اختلاف القيم وتنوعها يرتبط باختلاف المجتمعات التي ترتبط بقواعد السلوك، ویری (بارسونز وآخرون) من علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا ان مكونات القيم بأنها مكونة من العناصر، يؤكد علماء النفس والتربية والاجتماع والفلسفة والدين ان للقيم لها مكونات وهي: -

1. المكون العقلي: - الوعي -اي ان السلوك يرتبط بالقدرات العقلي التي تنمي القدرات العقلية - التفكير والتخيل والتصور، التقصي والبحث والاكتشاف والتعبير اللغوي.

2. المكون الوجداني - النفسي - التقدير اي السلوك يرتبط بالقيم الروحية والدينية والإنسانية والعاطفية التي تنمي القيم التعاون، المساعدة، الثقة بالنفس، حب الوطن، التسامح، احترام القانون، النظام.

3. المكون السلوكي - الفعل، اي ان السلوك يرتبط بالقدرات الحركية، البدنية، الجسمية، التي تنمي المهارات الحركية المختلفة عند الأنسان لمزاوله الأنشطة المختلفة.

وفي ضوء ما تقدم تساهم هذه المكونات الثلاثة في تحديد نوعية القيم ووظيفتها ومعناها التي تساعد الفرد في تخصیص طاقه القيم وشحذها وتوجيهها بين مظاهر الفعل، لذلك نقول ان هذه العناصر متداخلة ومتفاعله بينها يتأثر الفرد بالمجتمع الذي يعيش فيه، فهي تعكس ثقافته المجتمع والمعايير الاجتماعية، وعند ذلك تنتج القيمة وتترتب في التعليم (الشناوي، واخرون: 2001)

ص: 70

اهمية القيم: -

من الواضح ان للقيم لها دورا مهم في توجيه سلوك الفرد او الجماعة او المجتمع، فهي تقود الى اصدار الاحكام على الممارسات العلمية والتربوية التي يقوم بها، لذلك فهي الاساس السليم لبناء الشخصية الاعتبارية وتكمن اهميتها ب: -

من المعلوم ان للقيم اهميه تكمن ب

1. تزويد الفرد بشعور من التوجيه الداخلي النابع من صميم الذات

2. تمكن الفرد من ضبط نفسه وتحديد توقعاته من الاخرين

3. تعد وسيله للحكم على سلوك الافراد

4. تزويد الفرد بالوعي اللازم لمعرفه الامور ومحاكمتها والتمييز بين (الصواب والخطاء) والاخلاقي وغير الأخلاقي.

5. تشكل اطارا عاما للجماعة ونمط من انماط الرقابة الداخلية في حركتنا ومعايير تصرفنا. (هندي، صالح واخرون: 1990)

6. فهي مرجع الحكم هن سلوك الافراد

7. هي هدف يسعى الفرد او المجتمع الى تحقيقها

8. هي باعث على خلق الدافع

9. هي قدرة الفرد في تحمل المسؤولية تجاه حياته العامة مما تسعفه الاحساس بالأمان والرضا او الرفض

خصائص القيم: - يؤكد علماء النفس والتربية والاجتماع والدين الفلسفة بان للقيم عدة خصائص هي: -

1. انها انسانيه: - اي ان افکارها مرتبط بالفرد الانسان.

2. انها اجتماعيه: - اي انها تتطلق من اطار اجتماعي محدد يتم الحكم على سلوك الفرد

ص: 71

او الجماعة من حيث انها مرتبطة بالمجتمع.

3. انها ذاتيه: - اي ان لكل فرد يحس بها ذاتيا.

4. انها عمومیه: - اي انها تشكل طابعا عاما ومشترك بين ابناء المجتمع.

5. انها نسبيه: - اي انها تختلف من شخص لأخر ومن زمان لأخر ومن ثقافه لأخرى.

6. انها مثاليه: - اي انها ليست شيئيا تحمل معنى واحد.

7. انها تجريبيه: - اي انها لها تقدير خاص بها.

8. انها مرتبه هرميا: - اي بانها تترتب بشكل تدريجيا من الأهمية والتفصيل لكل فرد مرتبط بالتكوين النفسي الموجه للفرد.

9. انها وجدانیه: - اي انها تحمل الوعي والادراك والوجدان والنزعة النفسية.

10. انها ذات صبغه احکام تسير الراي والحكم على الشخص بالخير او الشر. (الشناوي واخرون: 2001)

انواع القيم: -

يؤكد علماء التربية والنفس والاجتماع والفلسفة والدين، ان للقيم انواع عدة وقد قام الباحث باستنباطها وعرضها بالشكل الاتي: -

القيم النظرية: - وهي القيم التي يهتم بها الفرد ويحاول ان يكتشفها متخذ وصفه للأشياء

1. القيم الاقتصادية: - وهي القيم التي يهتم بها الفرد او الجماعة التي ترتبط بالثروة، من حيث زیاتها في الانتاج، التسويق، استهلاك البضائع، استثمار الاموال.

2. القيم الجمالية: - وهي القيم التي يهتم بها الفرد او الجماعة التي ترتبط بما هو جميل من حيث الشكل، التواق، التنسيق.

3. القيم الاجتماعية: - وهي القيم التي يهتم بها الفرد او الجماعة التي ترتبط بما يساعد على تحقيق غايات اجتماعيه سليمه.

ص: 72

4. القيم السياسية: - وهي القيم التي يهتم بها الفرد والجماعة التي ترتبط بالسيطرة والحكم والتحكم في الاشياء او الاشخاص.

5. القيم الدينية: - وهي القيم التي يهتم بها الفرد او الجماعة التي ترتبط بالمعتقدات والعبادات والتعاليم الدينية التي تؤكد على وجدانيه الله سبحانه وتعالى وتعاليمه ونشرها عبر الملائكة الى الانبياء والرسل.

6. القيم المعرفية: - وهي القيم التي يهتم بها الفرد او الجماعة التي ترتبط باكتشاف الحقائق والمعارف والسعي الى اكسابها للمتعلمين.

7. القيم الخاصة: - وهي القيم التي يهتم بها الفرد او الجماعة المرتبطة بالمناسبات الاجتماعية المعينة في منطقه معينه.

8. القيم العامة: - وهي بالقيم التي يهتم بها الفرد والجماعة ويمارسها شرائح المجتمع وهي تمثل الاعراق والتقاليد.

9. القيم الضمنية: - وهي القيم التي يهتم بها الفرد او الجماعة والت يستدل بها من خلال الاختبارات والاتجاهات المكونة للسلوك الخاص بالفرد او الجماعة ونمطيتها. (الشناوي واخرون: 2001)

نظريات اكتساب القيم: -

يؤكد علماء النفس والتربية والاجتماع والفلسفة والدين واللغة، ان هناك عدة نظریات تساهم في اكتساب القيم حسب وجهات منظريها هي: -

اولا: - نظرية التحليل النفسي: - وهي التي ترى ان عمليه اكتساب القيم (القيم والأخلاقية)

تبدا بمن مرحلة الطفولة المبكرة، حيث يقومان الوالدين بوضع القواعد الأخلاقية والقيم للطفل وتحديد فيما يفعل ومالا يفعله من خلال (اللذة) ومن هنا يتكون نظام القيم والقواعد، ويمثل هذه النظرية (الجانب الانا الاعلى) (الضمير) ومن منظريها هو فروید

ص: 73

ثانيا: - النظرية السلوكية: - وهي التي ترى ان عمليه اكتساب. (القيم والأخلاقية) تتم عن طريق التعزيز الايجابي او السلبي، وذلك من خلال تفاعل الفرد مع (المثيرات البيئية) ومن هنا يتعلم الطفل الاستجابات التي تدعم سلوكه، والمحرك للسلوك (المثير والاستجابة) من خلال بتعزيزها او انطفاها ومن منظريه هذه النظرية السلوكية - باقلوف - سکنر.. الخ ثالثا: -النظرية المعرفية: - وهي التي بتری ان عمليه اكتساب (القيم الأخلاقية) تتم عن طریق تفكير الطفل للمحاكاة النموذج الاجتماعي ثم التوازن والتكيف، اي ان تحقیق التوازن والتكييف للعلاقات الاجتماعية مع القدرات العقلية، ومن روادها (بياجيه) الذي درس تطور النمو الاخلاقي عند الطفل وطريقة تفكيره حو (الأسئلة الصواب والخطأ) لمفهوم القوانين الاجتماعية. (الشناوي، واخرون: 2001)

مراحل نمو القيم الأخلاقية: -

عندما نتحدث عن شخصية الفرد، فإننا نتحدث عن معتقدات وقيم وسلوك ذلك الفرد التي تظهر عبر المواقف المتغيرة وبالرغم من عدم وجود تعریف واحد متفق عليه لوصف شخصية الإنسان، فإننا نستطيع إن نذكر أكثر التعاريف شيوعا وقبلا، وهو التعريف الذي أكد على (البورت) الذي يعرف الشخصية بأنها تنظيم القوى المميزة للأنظمة النفسية والبدنية داخل الفرد والتي تقرر الطابع المميز لسلوك وأفكار الفرد

وفي ضوء ما تقدم، تعرف الشخصية بأنها مجموع الصفات والطباع الفردية التي يختص بها الفرد والتي تميزه عن غيره على الإفراد من الواضح إن أحد العلماء وهو (أريكسون) قسم مراحل نمو الشخصية إلى مراحل بدا من مرحلة الميلاد حتى الشيخوخة)،

1 - مرحلة الأولى: - وهي المرحلة التي تمد من الميلاد وحتى سنة تقريبا، حيث يكتسب الطفل في هذه المرحلة الثقة أو عدم الثقة بالاعتماد على مساعدة الآخرين في أوقات الضيق، وهذا يعتمد على كون يعتمد على إلام مستجيبة أو غير مستجيبة لبكاء الطفل.

ص: 74

2 - المرحلة الثانية: - وهي المرحلة التي تمتد بين (1 - 3) سنة يكتسب الطفل شعورا بالاستقلال لاسيما إذا كانت ألام والأب في ضبط النفس وبالعكس فانه يؤدي إلى الخضوع والاستسلام وبذلك ينتاب شخصية الطفل الشك والخجل.

3 - المرحلة الثالثة: - وهي المرحلة التي تمد من (3 - 5) سنوات وفيها يتعلق الطفل بوالديه ولهما الأثر في الرعاية لتوفير العواطف وإشباعها وبذلك فالطفل يكتسب الحب وصدق المشاعر، وبالعكس إذا كانت الرعاية غير علمية فإنها تنعكس عن شخصيته، بالجانب السلبي وهو الشعور بالذنب وروح المبالاة والصراعات الاجتماعية.

4 - المرحلة الرابعة: - وهر المرحلة التي تمتد بين (6 - 11) سنة وفيها يترك الفرد البيت ويذهب إلى المدرسة فالطفل يدرك المشاعر والرضا والاستحسان من خارج العائلة وبذلك ينشا عند الطفل في الشعور بالإنتاجية أو الشعور بالنقص.

5 - المرحلة الخامسة: - وهي المرحلة التي تمتد بين (12 - 18) سنة وفيها تظهر صراع مابين الفرد وتحقيق الهوية وتزداد القدرات والاستعدادات لدور الاجتماعي وفقدان اثر المجتمع، ونمو الرغبات الكثيرة وفق القدرات والاستعدادات.

6 - المرحلة السادسة: - وهي المرحلة التي تمتد بين (19 - 25) وفي بهذه المرحلة يشعر الفرد بالاختلاط والاندماج في المجتمع من خلال بناء علاقات جنسية تعتمد على الشعور المتبادل بالمحبة والاحترام ويشعر الفرد إن المجتمع يضغط عليه.

7 - المرحلة السابعة: - وهي المرحلة التي تمتد بين (25 - 50) وفيها يشعر الفرد في اختيار المهنة والمساهمة في حياة الأجيال اللاحقة وتكوين العائلة والإنجاب والتفكير بالمستقبل.

8 - المرحلة الثامنة: - وهي المرحلة التي تمتد بين (50 - فما فوق) فيها هذه يشعر الفرد بتكامل الشخصية وفهم الحياة الشاملة ويكون أكثر ايجابية في الحياة. (الربيعي: 1994)

ص: 75

تحديد منابع الاخلاق في الانسان: - يؤكد علماء التربية والنفس والاجتماع ان منابع الاخلاق في الانسان تكمن من خلال ما يلي

1 - منابع النمو الاخلاقي لدى الطفولة: -

من المعلوم ان النمو الاخلاقي لدى الطفل تتمثل بالرغبة في تحقيق اللذة والسعادة وهي مساية لمبادئ القيم الاجتماعية والثقافية التي يعيش فيه وتتحكم فيها قوی رادعة (خارجية) سلطة الاباء المدرسين بالتالي ينمو (الضمير الاخلاقي) داخل الانسان وبذلك عد النمو الاخلاقي لدى الطفولة بالنمو (السلوكي) فالسلوك الخلقي الذي يقوم به الطفل هو خوفا من العقاب. (ويكون سلوك سلطوي)

2 - منابع النمو الاخلاقي لدى الراشد (الشباب)

ان نمو الضمير الاخلاقي لدى الراشد هو شعور الشباب بالواجبات والالتزام والمسؤولية وهو شعوره بالواجب، الولاء، الشفقة، الرحمة، الحب، فهي انفعالات وجدانية ويقول ان النمو الخلقي لدى الشباب هو سيكولوجي، ارادي) يرى الكاتب عبد العزيز انه يمكن استخلاص القيم الاخلاقية ومعرفتها من خلال:

1. دراسته الشخصية وتحليل عناصر الجسم من حيث الصيغة الكيمياوية.

2. دراسته الشخصية عن طريق تحليل تقاسيم الوجه والجمجمة.

3. دراسة الشخصية عن طريق الجانب الوجداني او الانفعالي.

4. دراسة الشخصية عن طريق مكامن النفس.

5. دراسة الشخصية بقياس الذكاء.

6. دراسة الشخصية بقياس رجاحة العقل. (عبد العزيز، 1981)

ص: 76

المحور الثاني: - القيم الأخلاقية الفاضلة في نظر الاسلام بصورة خاصة، وشمل:

نظرة الفلسفة الإسلامية للقيم الأخلاقية الفاضلة ومصادرها: -

من المعلوم، ان نظرة الفكر الاسلامي للقيم يقوم على اساس الايمان بان الله سبحانه وتعالى كحقيقيه مطلقه والتسليم بأحكامه التي هي قيم ربانيه روحيه، ولها تطبيقات ماديه في الحياه والتي تهدف الى بناء الانسان والمجتمع المسلم

مصادر القيم الأخلاقية الفاضلة في نظر الفلسفة الإسلامية: - وهي: -

1 - الوحي: - وهي القيم المتلوة من الله سبحانه وتعالى والتي اكد عليها القران الكريم والانبياء والمرسلين والاولياء الصالحين، وهذه القيم لا تخضع للتجربة وتأبى ان تختبر علميا، فهي صائبة لا تحتاج الى تصدیق او تصويب ولا تخضع لتجارب البشر.

2 - موضوعيه: - وهي القيم التي ليست ذاتيه وانما هي لا تخضع الى تأويل الفرد او مزاجه او هواه، ولا تتأثر بالظروف والاحوال ولا تكون مطيه لتحقيق مارب ومنافع شخصيه.

3 - مطلقه: - وهي القيم التي تكون ثابتة وليست نسبيه لا تتغير ولا تتبدل وانما تمثل اطار (حياه الفرد والمجتمع).

4 - متوازنه: - وهي القيم التي توازن بين (القيم الروحية) واساسها الايمان وبين القيم (المادية) متفرقه تساهم في تطبيقها في مجالات الحياه المادية في اطار (الفرد والمجتمع) من حيث العلاقة الفرد مع ربه مع نفسه مع الفرد الاخر مع المجتمع (هندي، صالح ذياب واخرون :1990)

ص: 77

القيم الأخلاقية الفاضلة في نظر الاسلام واهل البيت (عليهم السلام) بصورة خاصه: -

قام الباحث بعرض هذه القيم الأخلاقية الفاضلة والتي استمدها من امهات الكتب وعرضها بالشكل الاتي: -

اولا: - القناعة: - وهي من القيم الأخلاقية الفاضلة، وهي تعني (الاكتفاء من المال بقدر الحاجة والكفاف، وعدم الاهتمام فيما زاد عن ذلك) وقد وصف الله سبحانه وتعالى الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) (ولا تعجبك اموالهم ولا اولادهم) وقال تعالى (ولا تمدن عيناك الى ما متعانا به ازواجاتهم زهره الحياه الدنيا) وقال الباقر (علیه السلام) يصف القانع (لا من قتع بما رزقه الله فهو من اغنى الناس)

ثانيا الكرم: - وهي من القيم الأخلاقية الفاضلة وتعني (بذل المال او الطعام او اي ما نفع الناس، مشروع عن طيب نفس) وهي من اشرف وانبل السجايا واعز المواهب واخلد المأثر، وقد وصف الله سبحانه وتعالى النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) «وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ» الدخان 17 وقال الامام جعفر بن محمد (عليه السلام) عن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) (السخي قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة، والبخيل بعيد عن الله، بعيدا عن الناس، قريب من النار).

ثالثا: - العفة: - وهي من القيم الأخلاقية الفاضلة، وتعني (الامتناع والترفع عما لا يحل او لا يحمل من شهوات البطن والجنس والتحرر من استرقاقها المذل) فهي من السمات الدالة على سمو الايمان وشرف النفس، وقال الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) (اكثر ما تلج به امتي النار، الاجوفان البطن والفرج) وقال الامام الباقر (عليه السلام) (ما من عباده افضل عند الله من عفه بطن وفرج)

رابعا: - الأمانة: - وهي من القيم الأخلاقية الفاضلة وتعني (اداء ما ائتمن عليه الانسان

ص: 78

من الحقوق) وقد وصف الله سبحانه وتعالى الامناء بقوله تعالى «وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ» المؤمنون 8 - وقوله تعالى ايضا «وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ» المعارج وقال الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) (اداء الأمانة يجلب الرزق، والخيانة تجلب الفقر).

خامسا: - التأخي: - وهي من القيم الأخلاقية الفاضلة التي اوجدها الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ليطفئ بها نار التناكر والتناحر والفتن والتشتت بين افراد المجتمع وحل محلها السلام والوئام والرحمة لتكوين امه موحدة يسودها العدل المساواة والحرية، وقوله تعالى «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» (الحجرات 10)

سادسا: - اليقين: - وهو من القيم الأخلاقية الفاضلة ويعني (الاعتقاد بأصول الدين وضراوته اعتقادا ثابتا، ومطابق للواقع لا تزعزعه الشبه) وكما هو معروف ان بالعمل الصالح، وقد وصف الله سبحانه وتعالى اصحاب اليقين بقوله «وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ» (الذاريات 20 - 21) وقال الامام الصادق (عليه السلام) (ان الايمان افضل من الاسلام، وان اليقين افضل من الایمان، وما من شيء اعز من اليقين) ويقال ان صاحب اليقين، يرى الله سلو که من اقوال وافعاله الظاهر منها والباطن).

سابعا: - الشكر: - وهو من القيم الأخلاقية الفاضلة، ويعني (عرفان النعمة من المنعم وحمده عليها واستعمالها في مرضاته) وبذلك فالشكر واجب مقدس من المنعم وهو الله سبحانه وتعالى للمخلوقات، وبذلك دعت الشريعة الإسلامية التحلي بالشكر والثناء لله سبحانه وتعالى على هذه النعم، وصف الله سبحانه وتعالى الشكر «أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ» البقرة 152، وقوله تعالى «كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ» سبا 15، ويقال عن الشكر انواع (شکر

ص: 79

القلب، وهو تصور النعمة، والشكر اللسان، حمد النعمة، والشكر الجوارح، اطاعه الله في استعمال، العين، اللسان، اليد... الخ

ثامنا: - الكلم الطيب: - وهو من القيم الأخلاقية الفاضلة وتعني (صون اللسان عن تبادل المهاترات الباعثة على توتر العلاق الاجتماعية في اثارة الضغائن والاحقاد بين افراد المجتمع وذلك من خلال تعويد اللسان على الكلم الطيب والحديث المهذب النبيل، وبذلك امرنا الله سبحانه وتعالى بطيب الكلام وقوله تعالى «وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا» الاسراء 53 وقوله تعالى «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا» البقرة 83 وقال الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم)(نجاه المؤمن في حفظ لسانه).

تاسعا: - التوبة: - وهي من ى القيم الأخلاقية الفاضلة، وتعني تطهير النفس من الذنوب والدنس والآثام قبل تفاقم غوائلها، اي تداركها، وهي الاقلاع عن الشهوات العارمة والاهواء الجامحة، خوفا من عقابه وسخطه، وهناك تعريف اخر (هو الإنابة الى الله سبحانه وتعالى والعزم على طاعته ونبذ معصيته بحزم مستقر في اللسان والقلب) وبذلك جعل الله سبحانه وتعالى التوبة تخفيف من الذنوب ازاء المعاصر والعفو، وقد وصف الله سبحانه وتعالى التوابين بقوله تعالى «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)» البقرة 222 وقوله تعالى «أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» الانعام 54، وقال الامام الصادق (عليه السلام) (اذا تاب العبد توبه نصوحا، احبه الله تعالى فستر عليه في الدنيا والأخرة).

عاشرا: - محاسبة النفس ومراقبتها: - وهي من القيم الأخلاقية الفاضلة وتعني (محاسبه النفس كل يوم عما عملته من الطاعات والمعاصي. فان رجحت كفة الطاعات على المعاصي، والحسنات على السيئات عليه ان يشكر الله تعالى، وبالعكس فعليه ان

ص: 80

يحاسب نفسه بالتأنيب والتوبيخ، وبذلك تكون (المراقبة) هي ضبط النفس وصيانتها من الاخلال بالواجبات ومقارنته بالمحرمات وتريض النفس على المحاسبة والمراقبة، وقال الامام موسى الكاظم (عليه السلام) (ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم فان عمل حسنه استزاد الله تعالى، وان عمل سيئة استغفر الله تعالى منها وتاب اليه).

احد عشر: - طاعه الله وتقواه: - وهي من القيم الأخلاقية الفاضلة والدينية، وتعني (الخضوع لله سبحانه وتعالى والامتثال لأوامره ونواهيه) وما التقوى النفس عما يضرها في الا خره والدنيا وقوله تعالى «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا» الاحزاب 71 وقوله تعالى «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا» (الفتح 17) وقوله تعالى «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ؉ (الطلاق 1 - 3)(السيد مهدي الصدر: 2011)

ثانيا: - : - الثبات على المبدأ: - وهي من القيم الأخلاقية الفاضلة، وتعني (الاقرار بالمبادئ والقيم الفاضلة قولا وفعلا امام المحن والشداد)، لذلك كان الثبات على المبدأ من القيم المقدسة والواجب ادائها في الانسان والامه اتجاه نفسها وشعبها، ولنا هذا الصدد الامام الحسين (عليه السلام) وهو يقاتل الناكثين والمارقين اذ قال عليه السلام (اني لا ارى الموت الاسعادة والحياة مع الظالمين الا برما). (القزويني، بلا)

ص: 81

الفصل الثالث: القائد وطبيعة القيادة

وشملت محورين هما: -

المحور الاول: - القائد، من حيث سماته، سلوكه القيادي

اولا: - القائد، وهو الشخص الذي يستخدم (اسلوب ووسائل) في التأثير على الاخرين..

1. السمات الشخصية للقائد: - يؤكد علما التربية والنفس والاجتماع بان للقائد سمات عديدة منها: -

اولا: - البنيه الجسدية السليمة: - حيث يتميز القائد بصفات قوة التحمل، وضبط النفس في المواقف الصعبة والثقة بالنفس.

ثانيا: - المظهر الشخصي: - ان توفر المظهر الشخصي يليق بمكانه القائد من حيث الهندام والشكل والمزاج المرح وتعامله مع معيته.

ثالثا: - قدرة الذكاء والتركيز: - ان توفر قدره الدكاء والفطنة واستذكار واستنباط الحلول والآراء والحنكة، بعيدا عن الغفلة وضعف التركيز وفقدان القدرة على التأثير.

رابعا: - توفر النضج الانفعالي: ان توفر النضج الانفعالي، اي الاتزان الانفعالي في مسك زمام الامور بعيدا عن الغضب، وعدم تحمل المسؤولية، وعدم التوازن في الامور.

خامسا: - توفر الحماس والاندفاع المستمر: - ان توافر الحماس والاندفاع المستمر، اي ایمان القائد بالعمل والمنسق والمثابرة لإنجاز العمل بعيدا عن الكسل والتراخي والفشل.

سادسا: - توفر القدرة في الاقناع: - تنم توفر القدرة على الاقناع يساهم في نقل المعلومات والافكار والخطط مما يؤدي الى انجاز العمل او المهمة.

ص: 82

سابعا: - توافر البصيرة: - ان توفر البصيرة والادراك والانتباه في معرفه تفاصيل العمل او الواجب في جمع المعلومات والقدرة في استنباط التوقعات، بعيدا عن الغفلة والتراخي.

ثامنا: - توفر الجاذبية، ان توفر الجاذبية الذاتية يجعل الافراد متمسكين ومنظورين تحت لواء القائد مما يجعل القائد الانساني مقبول من قبل الجماعة (الصفار، 2002).

تاسعا: - البلوغ والعقل والرجولة والشجاعة والاسلام والعمل بفرائض الدين والتقوى، وعدم الضعف والسفاهة،: - اي عالم بالعبادات والسياسة والاحكام ومؤديا للفرائض كلها ومؤمن بها ومتجنب الكبائر ما ظهر ما بطن....الخ

السلوك القيادي: - لقد اهتم المشتغلون بالبحث في علم النفس والاجتماع بدراسة السلوك القيادي يؤكد علماء التربية والنفس والاجتماع، بان هناك سلوك قيادي يتسم بعدة خصائصه هي: -

1. المبادأة والمثابرة والطموح: - اي ان الجماعة تنظر الى القائد بان يكون صاحب مبادا بالعمل، واكثر قوة في الابتكار بالمواضع، فهو اول من تتوقع منه الجماعة ان يكون اكثر مثابرة واقوى اهتمام للطموح.

2. التفاعل الايجاب: - ان الجماعة تنظر الى القائد بان يكون صاحب نشاط وتفاعل ايجابي مع الجماعة وله القدرة في الذكاء الاجتماعي بحيث يظهر الود للجميع.

3. السيطرة: - ان الجماعة تنظر الى القائد بان يكون صاحب قوى ومكانه في الامتثال له بين الجماعة وفي بالمواقف المختلفة.

4. العلاقات العامة: - ان الجماعة تنظر الى القائد بانه صاحب علاقات اجتماعیه ناضجه بين اعضاء الجماعة ويعمل كحارس ورقيب على سلامة تماسك الاجتماعي.

5. التمثيل الخارجي: ان الجماعة تنظر الى القائد بانه له القدرة على تمثل الجماعة في الخارج وكسفير لها وناطق عن لسانها.

ص: 83

6. التكامل: - ان تنظر الجماعة للقائد بانه صاحب قدره في وحدة اهداف الجماعة ويعمل على تخفيف حدة التوتر ويحترم الجماعة ويعمل على تدعيم هذه العلاقات.

7. التخطيط العام: - ان الجماعة تنظر الى القائد بان صاحب نظرة في التخطيط والتنظيم والتوجيه والتركيز والانتباه على الهدف.

8. الاعلام: - ان الجماعة تنظر الى القائد بانه صاحب اعلام في ايصال المعلومات والافكار بتوجيهات ارشادیه اعلاميه الى الجماعة.

9. الاتزان المتبادل بين القائد والجماعة: ان الجماعة تنظر الى القائد بانه صاحب نظر الى اقامة العلاقات الإنسانية المتبادلة وتوحيد. (زهران، 1984)

10. الوعي: - ويقصد بالوعي -وعي القائد بمدى التأثير في الجماعة واتباع الاسلوب الافضل في ممارسته وكذلك وعي القائد بالعوامل والمحددات:

11. الاحساس والتعاطف: - اي قدره القائد على فهم حاجات ورغبات وشعور الجماعة، فالق درة في معرفه حاجات الافراد ورغباتهم تؤدي الى فهم المثيرات والسلوك الصحيح يؤدي الى التعامل مع معرفه ردود افعال الآخرين

12. الثقة: - ان ثقة القائد اولا بنفسه من خلال ما يمتلكه من قدرات واستعدادات تؤثر ايجابيا في قياده الجماعة، وكذلك ثقنه بجماعته يترتب عليه تحقيق او انجاز الواجب

13. القدرة على الاتصال: - اي قدره القائد على ايصال الاهداف ومخاطبه الجماعة بوضوح يؤدي الى عدم الفوضى في بعمليه بناء القيادة. (سام. فؤاد واخرون 1989)

ص: 84

المحور الثاني: - القيادة، من حيث المفهوم، طبيعتها، شروطها، نظرياتها، محدداتها، مهارات القيادة الفعالة، اهداف القيادة الرسالية، وتم عرضها بالشكل الآتي: -

طبيعية القيادة بصورة عامه: -

لقد فسر علماء النفس السمه على انها الصفة الشخصية المميزة للفرد والصفة بصورة عامه، اما تكون (ايجابيه وسلبيه) والذي يتحكم فيها الموقف والاموال في تغير هذه السمات ومن هذه السمات (متحرر، متحفظ، لديه ثقه بالنفس، شكوك، يعتمد على النفس، يعتمد على الاخرين، استنادا الى نظريات بناء الشخصية السوية، واصحاب هذه النظرية (البورت، ريموند كاتل) وبذلك تحدث علم النفس الحديث عن نظرية السمات وهي عبارة عن وصف لنماذج سلوكيه مألوفة في الشخص الواحد، كان يصف الشخص بانه (اجتماعي، مثابر، حيوي، عدواني، اتكالي، قلق، وسواس، رقيق، قاس، متشائم، متفائل، متغلب الخ)، وقد قام الباحث بعرض طبيعة القيادة حسب الادبيات بالشكل الاتي: -

من المعلوم ان قيادة المجتمع البشري امر ضروري والقائد ضروري لأنه يمثل الراعي لهذه الامه في السراء والضراء وبدون لا تصلح الاعمال، كما قال الامام الصادق (علیه السلام) (ان الارض لا تصلح الا بإمام). (الكافي 2: 21: -)

ومن الواضح ان القيادة تنبع من داخل الجماعة، وتظهر تلقائيا، وغالبا ما تكون مسبوقة بعمليه تنافس عليها من قبل عدد من الجماعة، والجماعة هي التي تحدد اهدافها وليس القائد والتفاعل الديناميكي بين الافراد زهو الشرط الاساسي ظهور القيادة وسلطه القائد وبخلعونها عليه افراد الجماعة الذين يختارون القائد لهم ويصبحون اتباعه.

وعلى الرغم من اهتمام الكثير من العلماء والكتاب والباحثين والفلاسفة بدراسة موضوع (القيادة) فلاتزال القيادة لغز محير وموضوع غامض ولم يتمكن العلماء والكتاب

ص: 85

من الاتفاق على تعريف موحد لمفهوم القيادة، وهنا نذكر بعض التعاريف (زهران 1984).

1. مفهوم القيادة: وهي دور اجتماعي رئيسي يقوم به فرد (القائد) اثناء تفاعله مع غيره من افراد الجماعة ويتسم هذا الدور بالقوة والقدرة على التأثير في الاخرين والتوجيه لبلوغ الاهداف.

2. وهي سلوك يقوم به الفرد - القائد لتحقيق اهداف الجماعة وتحريكهم نحو تحقيق الاهداف وتحسين التفاعل الاجتماعي بين الجماعة. (زهران 1984)

اولاً: - شروط القيادة: - يرى الكتاب والباحثين ان هناك شروط للقيادة

أ - وجود الشخص القائد: -

ب - وجود مجموعه من الافراد المتجانسين وفق الاهداف والتطلعات: -

ج - ممارسه المهارات: -

د - وجود هدف اسمى: -

ثانياً: - محددات فاعليه القيادة: -

لقد اكدت جميع النظريات على (الشرطية والموقفيه والسمات) ان اسلوب القيادي يتأثر بعدة عوامل ومتغيرات وهي: -

1. عوامل تتعلق بالقائد نفسه: - لكل قائد قدراته، واتجاهاته، واعتقاداته، وميوله، واهتماماته، وتوقعاته، واهافه، وطموحاته، وفلسفته وقيمه، مما تجعل من السهل عليه اتباعها وتحقيق اهدافه بسهوله.

2. عوامل تتعلق بالجماعة التي يقودها: - من المعروف ان الجماعة لهم قيمهم وميولهم وكذلك قدرات وخبرات وقيم وميول واستعدادات في تحمل المسؤولية، واهتماماتهم بالمشكلة، ومدى تفهمهم والتزامهم بأهداف المنشودة، وبطبيعة الحال ان الاسلوب

ص: 86

القيادي المناسب لهم يتطلب من القائد (الحنكة، ومعرفه القبول والرفض).

3. الموقف: - من اهم المتغيرات التي تحدد وصوح العمل والاساليب والاجراءات في اتباع الاسلوب القيادي في خلق الموقف، ومدى خلق الموقف ومدى توفر مستلزمات النجاح.

4. عوامل تتعلق بالمنظمة والجماعة: - نلاحظ ان لكل جماعه او منظمة لها اهداف خاصه بها ترتبط بها القيم والعادات والتقاليد والمعايير الاجتماعية والبناء التنظيمي للجماعة، وعلى القائد ان يفهم هذا البناء الوظيفي.

5. عوامل بيئية:. - اي ان هناك عوامل بيئة (خارجه عن نطاقه المنظمة) وعلى القائد ان يعرف ثقافه المجتمع الساد والثقافات الفرعية والجماعة التي ننتمي اليها والاوضاع السياسية والاقتصادية التي يقررها المجتمع، (حريم 2009)

مهارات القيادة الفعالة: - تؤكد الدراسات فهذا المجال توفر مهارات القيادة وهي: -

1. المهارات الذاتية: وتمثل هذه في الشخصية المهارات (الدوافع، طاقه، الانجاز)، وكذلك اداره الوقت بشكل متكامل وقبول المخاطرة

2. المهارات النفسية: - وتشمل هذه في الشخصية وتشمل (تقمص الاخرون، التعامل بإنسانيه، حسن الخلق)

3. المهارات الإدارية: - وتشمل هذه في الشخصية وتشمل (توجيه ومراقبه والتقويم والتنبؤ الإدارة)

4. المهارات الفنية: - وتشمل هذه في الشخصية وتشمل (تشخيص وترتيب وان مبادى تكوين، وكيفيه اتخاذ القرار. (وهران، يحيى علي 2012)

ص: 87

اهداف القيادة الرساليه: - وقد قام الباحث بوضع اهداف للقيادة الرساليه.

5. ان يكون هدف القائد المسلم، هو وحدانية الله سبحانه وتعالى من خلال عبادته والاخلاص له

6. ان يكون هدف القائد المسلم، هو القرآن الكريم المصدر الوحيد للتشريع الاجتماعي في كل امور المجتمع في حل مشكلات الفرد والمجتمع وجوانب الحياه الاخرى (القانونية السياسية)

7. ان يكون هدف القائد المسلم، هو النموذج والأسوة الحسنه للرسول الاعظم والائمه (عليهم السلام) هم قاده المجتمع الاسلامي، فهو القدوة التي يستمد منها الفرد في اقواله وافعاله وانعكاسها في جوانب الحياه

8. ان يكون هدف القائد المسلم هو الفرد الانسان والنفس البشرية والمرتبط بالقيم الربانية الوسائل في تحقيق غايه الفرد والمجتمع

9. ان يكون هدف القائد المسلم هو (الجهاد في سبيل الله) لأبناء الانسان وبناء المجتمع الاسلامي.

ص: 88

الفصل الرابع: القائد الرسالي والقيم الأخلاقية الفاضلة التي ينبغي ان يحملها في فكر الاسلام

لقد نشر المسلمون اخلاق ومبادى الدين الاسلامي ولاسيما مبادى الحرية، الاخاء، المساواة والتسامح والتشاور في الامر... الخ في جميع بلدان العالم التي انتقلت اليها الحضارة الإسلامية ومنها الى اوروبا واسيا وافريقيا، وقد عرف المسلمون الاخلاق السامية، مثل التسامح، الشهامة والشجاعة والاقدام والمروءة والنبل، وان الشهامة العربية بين الاقوام الاخرى، وكانت المثل العليا

ويذكر الباحث (جوستان لوبون) في وصف الشهامة العربية بانها (من خصائص العرب والمسلمين العشر التأليه) سلامه القلب، البساطة، وخفه الروح، وملكه الشعر، البلاغة، القوة وحذق، ركوب الخيل، واداره الرمح، والسيف، والقوس.... وهذه الخصال معروفه بين المسلمين لا يستطيع ان ينكرها اح. (الابراشي 1074)

ان موضوع القيادة والزعامة في الاسلام ولاسيما في زمن الخليفة العادل الامام علي ابن ابي طالب (عليه السلام) كانت تحمل كل الصفات القيادة الناجحة ولكن بعد استشهاده تحولت الى تشويه حقيقي، ومن المعلوم ان القيم الاخلاق الفاضلة هي الاساس في بناء الشخصية الإسلامية وتنظيم المجتمع، وهي مصد سعادته واستقامته وتكامل شخصيته للإنسان السوي وكذلك السلوك الاخلاقي.

وفي ضوء ما تقدم نظر الاسلام الى التربية الأخلاقية من اهم عناصر التربية الإنسانية التي اعتنى بها الاسلام واكد على اهميتها في عدة مواضيع بالنسبة للفرد والمجتمع، ومن القيم الأخلاقية التي نظر اليها الاسلام واهتم بها هي: - ((الصدق،، الرحمة، العدل، الأمانة، المحبة، الايثار، الثقة بالنفس، الجد في العمل، الشجاعة، الفروسية، الكرم، احترام الجار، مساعدة الناس، الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، الجهاد في سبيل،

ص: 89

التقوى، اطاعه الله ورسوله... الخ

وعن الامام الصادق (علیه السلام) ان قال (ان الله عز وجل خص رسله ب(مکارم الاخلاق، فاتصفوا في بعشرة - اليقين، القناعة، الصبر، الشكر، والحلم، وحسن الخلق، والسخاء، الغيرة، الشجاعة، والمروءة... الخ)

وبناءا على ما تقدم بهذا الحديث تضمن قيم تربوية وأخلاقية للقائد الرسالي في تهذيب النفس وتحريرها من الرذائل لتنميه الروحة الإيمانية للإنسان كما ارادها الله سبحانه وتعالى في نبيه محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وقد وصفه جل القدير (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4) وكذلك قول الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ((انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق) ويرى الباحث ان هناك أخلاقية فاضله التي ينبغي ان يحملها القائد الرسائل وهي انظر الى الجدول رقم ( )

1 الكرم: - 2 الایثار: - 3 العفة: -

4 الأمانة: - 5 التفاني: - 6 العدل: -

7 الاخلاص: - 8 الیقین: - 9 الصبر: -

10 الشكر: - 11 التوکل علی الله: - 12 الخوف من الله: -

13 الرجاء في الله: - 14 الکلم الطیب: - 15 التوبة: -

16 محاسبه النفس: - 17 طاعه الله وتقواه 18 الثبات علی المبدأ: -

19 النصيحة في الله ورسوله 20 الحلم: - 21 الرأفة: -

22 السخاء: - 23 السماحة: - 24 الرجاء في الله: -

25 البصيرة: - 26 الصدق: - 27 کظلم الغیض: -

ملاحظة: - لا يمكن ان نتوسع في شرح هذه القيم الأخلاقية الفاضلة لا نها تحتاج وقت اکبر

ص: 90

الفصل الخامس: القائد والقيادة للأمام امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) الفذة عبر التاريخ

المقدمة: -

ان الله سبحانه وتعالى بعث الانبياء والرسل عليهم السلام من اجل ان يوصلوا الخليقة للكمال الذي يستطيعون به ان يعبدوا الله تبارك وتعالى حق عبادته، وحق معرفته وهذه هي مهمه الانبياء والرسل وتنتهي مهمه الانبياء بالتتويج بمهمه الوحي الحاكم المهدي المنتظر (عليه السلام)

ومن المعلوم ان كل النبوات التي سبقت نبينا محمد (صلى الله عليه واله وسلم) اكدت وبشرت بالمهدي المنتظر (عليه السلام) الذي سوف يحقق العدالة الإلهية

لقد اختص النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) الامام علي ابن ابي طالب (عليه السلام) وهو وصي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) والامام الذي فرض الله طاعته على المسلمين جميعا، فقد ادبه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فكان بكل ما يملك من الصفات المعنوية والنفسية والجسدية قادرا على ايصال الانسان وقيادته الى کماله وسعادته، اي لقد احاط الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) بعلم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وعلم رسول الله من الله تعالى، وليس عن طريق الوحي والاكتساب والتحصيل، بل من عند الله وهو لامجال للباطل ان يدخل بل هو الحق والصحيح والمطابق للواقع، وقال تعالى (ربي زدني علما)

وبناءا على ما تقدم، ان الامام علي بي ابي طاليه (عليه السلام) هو تلميذ الرسول

ص: 91

الاعظم (صلى الله عليه واله وسلم) الذي فرع علومه في صدره وعلمه ابواب العلم، حتى قال الامام علي بي ابي طالب (عليه السلام) (لانا اعلم بالتوراة من اهل التوراة، واعلم بالإنجيل من اهل الانجيل) وبذلك فهو عالم بالشريعة وتعاليم الاسلام والقضاء والفتوى ودرجات الايمان بالله ومعرفته نابعه من القران الكريم ومصاحبه رسول الله محمد (صلى الله عليه واله وسلم)

وفي ضوء ما تقدم امرنا الله ورسوله (التسمك بولايته، فهو المثال الالهي الذي كان مقدر له ان يقيم حكم الله في الارض لتغير شكل الحياه على الاض وقادر على ايجاد الحلول السليمة بكل المشاكل التي تعاني منها البشرية، وبذلك تبقى اقواله واقعا نموذجا حيا للإنسانية نستضئ به في لليها الطويل، وتبقی اقواله وحكمته ومواقفه مصباح هدي ينير الدرب للذين تهفو نفوسهم نحو الكمال

وبناءا على ما تقدم بعد المحنة العظيمة التي اصبت الامة الإسلامية بوفاة النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) اقتصر دور الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) على المعونة والمشورة طيلة المدة التي سبقت خلافته وكان هذه المدة حافلة بالإنجازات والانتصارات، هدفها هو الحفاظ على الاسلام وانقاذ البشرية، وبذلك اجتمع الناس حول الامام امير المؤمنين (عليه السلام) وبيعه بالخلافة امير المؤمنين وابتهجت الارض بعدالة، وطفق المؤمنون يرتلون يأت الشكر لله سبحان وتعالى، الا ان يد الظالمة لم تقطع انیابها فقد وقفت لتقطع طريق الحق والنور ودخل امير المؤمنين في صراع مرير مع الناكثين في حرب الجمل، ومع القاسطين في حرب صفين ومع الخوارج في حرب النهروان القائد والقيادة الفذة للأمام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام. (الشيخ علي الفتلاوي 2012)

ص: 92

مضامين القيم الأخلاقية الفاضلة للقائد والقيادة في فكر الامام علي بن ابي طالي (عليه السلام) الفذة:

من المعلوم، ان الامام امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام) كان حريصا على تثقيف الناس وتعليميهم علوم محمد واله محمد (صلى الله عليه واله وسلم) لنكون لهم حصنا من الزيغ والضلال وكان هدفه ان ينشل الانسان من كل العقائد الزائفة وترسبات الجاهلية التي كانت تعصف بالنفوس ونردهم عن الاسلام وكان يعلم الناس عباده الله سبحانه وتعالى وتوحيده ويدعوهم الى (معرفة الله وعبادته) لأنه يعلم ان العبادة مع معرفه تكون حصنا من وساس الشيطان، ومن اهواء النفس، لذا فهو يعرف الدين بمعرفة الله تعالى فيقول عليه السلام (اول الدين معرفته) والعبادة لغة هي غايه التذلل والخضوع لذلك لا يستحقها الا المتعلم الاعظم الذي غايته الافضال والانعام وهو الله سبحانه وتعالى «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ» الذاريات 56 - 58.

وقد اكد على القيم الأخلاقية الفاضلة وتعزيزها ونشرها في المجتمع الاسلامي والمسلم وهي: -

1. الصدق: - وهي من القيم الأخلاقية الفاضلة وتعني (مطابقة القول للواقع)، وهو اشرف الفضائل النفسية والمزايا الخلقية لخصائص الشخصية ولها اثر في حياه الفرد والمجتمع، وبذلك يعد رمز الاستقامة الصلاح وسبب النجاح والنجاة، وقد وصف الله سبحانه وتعالى بقوله تعالى «قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» سورة المائدة 119، وقال الرسول محمد (صلى الله

ص: 93

عليه واله وسلم) في الصدق (زينه الحديث الصدق) وقال امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) (الزموا الصدق فانه منجاه).

2. الحلم وكظم الغيظ: - وهما من القيم الأخلاقية الفاضلة في ضبط النفس ازاء مثيرات الغضب، ودليلا على سمو النفس وكرم الاخلاق وسبب للمودة والاعتزاز، وقدم مدح الله سبحانه وتعالى الحلماء والكاظمين الغيض في محكم كتابه العزيز «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» سورة ال عمران 134) وكذلك قوله تعالى «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا» سورة الفرقان 63، وقال امير المؤمنين علي ابن ابي طالي (عليه السلام) في الحلم (اول عرض الحليم من حلمه، وان النفس انصاره على الجاهل).

3. التواضع: - وهي من القيم الفاضلة وتعني (احترام الناس حسب اقدارهم، وعدم الترفع عليهم) وقد وصف الله سبحانه وتعالى النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»الشعراء 215، وقال الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) (ان احبكم الي واقربكم مني يوم القيامة مجلسا، احسنکم خلقا واشدکم تواضعا، وان ابعدكم مني يوم القيامة، الثرثارون وهم المستكبرون) وقال امير المؤمنين علي بن ابي طالي (عليه السلام) (ما احسن تواضع الاغنياء للفقراء طلبا لما عند الله واحسن منه فيه الفقراء على الاغنياء انکالا على الله).

4. الايثار: - وهي من القيم الأخلاقية الفاضلة وتعني (الاجاد بالعطاء وهم بأمس الحاجه اليه) وقد وصف الله سبحانه وتعالى اهل البيت عليسهم السلام «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا» الانسان 8 - 9 وقوله تعالى ايضا «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ

ص: 94

وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» الحشر 9، وقال الامام الصادق (عليه السلام) بحق امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام) (كان علي اشبه برسول الله. كان يأكل الخبز والزيت ويطعم الخبر واللحم).

5. العدل: - وهي من القيم الأخلاقية الفاضلة ويعني (مناعة نفسيه تردع صاحبها عن الظلم، وتحفزه على اداء الحقوق والواجبات بشكل عادل) وقد امرنا الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» النحل 90 وقال الله تعالى «وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» الانعام 152 وقال تعالى «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» النساء 58، وقال الامام الرضا (عليه السلام) (استعمال العدل والاحسان مؤذن بدوام النعمة، وقال الامام امير المؤمنين (عليه السلام)، (لابنه الحسن (عليه السلام) (يابني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فاحب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها، ولا تظلم کما لا تحب ان تظلم، واحسن کما تحب ان يحسن اليك واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم، وان قل ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب ان يقال لك).

6. الصبر: - وهو من القيم الأخلاقية الفاضلة ويعني (احتمال المكره او المكاره من غير جزع، وهي قسر النفس على مقتضيات الشرع والعقل في اوامرها ونواهيها، وبذلك فهو من السمات البطولة في الظفر والنجاح، وقد امرنا الله سبحانه وتعالى التحلي بالصبر وقال تعال في محكم كتابه العزيز (وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) ال عمران

ص: 95

146 وكذلك قوله تعالى «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» الانفال 46 وقوله تعالى «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ» الزمر 10، وقال الامام امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام) (من لم ينجه الصبر، اهلکه الجزع) وقال الامام الصادق (عليه السلام) (الصبر من الايمان بمنزله الراس من الجسد فاذا ذهب الراس ذهب الجسد، وكذلك اذا ذهب الصبر ذهب الایمان).

7. التوكل: - وهي من القيم الأخلاقية الفاضلة وتعني (الاعتماد على الله في جميع الامور وتفويضها اليه، والاعراض عما سواه، فهي قوة القلب واليقين) وقد امرنا الله سبحانه وتعالى «وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا» الطلاق 3 وقوله تعالى «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» ال عمران 159 وقوله تعالى «وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» التوبة 51 وقال الامام امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام) في وصيه لابنه الحسن (عليه السلام) (والجيء نفسك في الامور كلها الى الهك، فانك تلجئا الى كهف حریز ومانع عزیز).

8. الاخلاص: - وهي من القيم الأخلاقية الفاضلة، وتعني (صفاء الاعمال من الشوائب والرياء وجعلها خالصة لوجه الله تعالى) وقد صف الله سبحانه وتعالى (الخلص) بقوله تعالى «فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا» الكهف 110 وقوله تعالى «فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ» الزمر 2 - 3 وقال الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) (من اخلص لله اربعين يوما، فجر الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه) وقال امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام) (الدنيا كلها جهل الا مواضع العلم، والعلم كله جهل

ص: 96

الا ما عمل به، والعمل كله رياء الا من كان مخلصا والاخلاص على خطر، حتى ينظر العبد بما يختم له).

9. الخوف من الله تعالى: - وهي من القيم الأخلاقية الفاضلة وتعني (تألم النفس خشیه من عقاب الله من جزاء عصیانه ومخالفته) فهي من القيم الأخلاقية الدينية التي تعني الابتعاد عن الشرور والآثام ما يغضب الله في القول والفعل، وبذلك وصف الله سبحانه وتعالى الخائفين من الله بقوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ» الملك 12، وقوله تعالى «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى» النازعات 40 - 41، وقال الامام امیر المؤمنين علي ابن طالب (عليه السلام) (لا يكون المؤمن موقنا حتى يكون خائفا راجيا، ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجوا).

10. الرجاء في الله تعالى: - وهي من القيم الأخلاقية الفاضلة وتعني (هو انتظار محبوب تمهدت له اسباب الحصول عليه، كمن زرع بذره في ارض طيبه ورعاها بالسقي والمدارات، فرجاء منها الناتج والنفع) لذلك فالرجاء في الله تعالى هو الجناح الثاني من الخوف، اللذان يطير بهما المؤمن الى افاق طاعه الله والفوز بشرف الرضا، وفي ضوء ما تقدم، يعني الرجاء في الله تعالى (النهي عن الياس والقنوط) وقد وصف الله سبحانه وتعالى الذي يرجو الله تعالى «وقُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» الزمر 53 وقوله تعالى «وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ» يوسف 87 وقال الامام امير المؤمنين علي ابن ابي طالي (عليه السلام) (لرجل اخرجه الخوف الى القنوط لكثره ذنوبه، ایا هذا باسك من رحمه الله اعظم من ذنوبك) وقال الامام الصادق (عليه السلام) (لا يكون المؤمن حتى خائفا راجيا ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف وير جو). (السيد مهدي الصدر

ص: 97

2011).

11. البصيرة: - وهي الوعي والتعقل، فالإنسان الواعي والعاقل هو الذي يفكر بالعواقب ويتجنب سخط الله وغضبه، لان الدنيا كما يقول امير المؤمنين علي ابن ابي الطالب (عليه السلام) (انما الدنيا دار مجاز والاخر دار قرارا، فخذوا من ممركم لمقركم) لذلك نقول ان الانسان العاقل هو الذي يميز عن المعاصي يبتعد عن الذنوب لان عقله يصونه من هذه المأثم والخطايا، وقد سئل الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ما العاقل يا رسول الله، قال (العمل بطاعة الله وان العامل بطاعة الله هم العقلاء) (القزويني، بلا).

ص: 98

الفصل السادس: القيم الأخلاقية الفاضلة الموجهه من قبل الامام امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام) الى مالك الاشتر النخعي (رضي الله عنه) دراسة تحليليه.

قام الباحث بتحليل الرسالة ووجد ان هناك قيم اخلاقية فاضله اكد عليها الامام امير المؤمنين (عليه السلام) وهي، انظر الى القوائم (1 و2): -

قائمة رقم (1) القيم الأخلاقية الفاضلة التي يريدها الامام امير المؤمنين في القائد الرسالي مالك الاشتر (رضي الله عنه)

1. - المساواة - 2. الرحمة - 3.

المحبة

4. - اللطف - 5. العفو - 6. -الطاعة

7. - اقامة الفرائض والسنة النبوية المطهرة - 8. - مقاومه الشهوات - 9. - العدل

10. - العمل الصالح - 11. - احترام القانون - 12. - الانصاف

13. - حمد النعمة - 14. - الستر - 15. - المشاورة

16. - الصدق - 17. - الاحسان - 18. - العمل الجيد

19. - طلب العلم والحكمة - 20. - النصيحة لله ورسوله - 21. - الشجاعة

22. - السخاء - 23. - السماحة - 24. - الكرم

25. - العرف - 26. - الثناء على العمل - 27. - القبول بالقدر

28. - الاختیار - 29. - المراقبة - 30. - طلب الخراج

31. - الرعاية - 32. - مساعدة الناس - 33. - تنظيم العمل

ص: 99

قائمه رقم (2) واجبات ومسؤوليات مطلوبة في القائد الرسائل المالك الأشتر (رضي الله عنه) کما حددتها الرسالة

1 - التقيد بالقانون وضبط النفس - 2 - اخذ العبرة ممن سبقه في الحكم - 3 - العمل الصالح الرحمة بالناس والعفو

4 - اطاعه القانون وعدم التكبر - 5 - العدل والإنصاف - 6 - الابتعاد عن سخط الناس

7 - الابتعاد عن المخبر الواشي - 8 - الابتعاد عن المستشار البخيل والجبان - 9 - عدم استخدام مسؤول سابق خان لشعبه

10 - استخدام التقاه الصادقين - 11 - الاحسان وحسن الضن - 12 - صنيع عملك

13 - ادامه العمل الجيد السابق - 14 - مجالس العلماء والخبراء - 15 - الاهتمام بالاجهزة الامنية والقضاء

16 - مراعاه التجار والكسبة - 17 - مراعاه المستضعفين من الناس - 18 - اخیار قياده الجيش

19 - رعاية وجهاء الناس - 20 - صفاه قاده الجيش برعاية الجنود - 21 - العدل والتواضع مع الناس

22 - اختيار المدراء والقضاة - 23 - اختيار الولاة - 24 - مراقبه اعمال المسؤول المقربين

25 - متابعه الضرائب واعمار البنى التحتية - 26 - توفير الخدمات للناس اولا ثم الضرائب - 27 - اختيار السكرتير والجهاز الاداري والمالي

28 - الاهتمام بالتجارة والصناعة - 29 - منع الاحتكار ومعاقبه المحتكر - 30 - رعاية الايتام والمسنين

31 - ضرورة لقاء المسؤول المباشر مع الناس وادامته - 32 - ضرورة اجابه المسؤولين في الدرجة السفلى - 33 - ضرورة جدوله العمل اليومي وبذل الجهد

34 - امامة الناس في الصلاة وبساطتها - 35 - عدم اطاله الاحتجاب عن الناس - 36 - الحذر من الحاشية ومراقبتهم

ص: 100

36 - الركن الى السلم والصلح ومنع الحرب - 37 - الحفاظ على العهد مع العدو - 38 - صفه وثيقه العهد

39 - حفظ حریه دم المواطن - 40 - عدم تكبر المسؤول والاعجاب بنفسه - 41 - عدم التسرع والاستئثار بالمسؤولية

42 - ضرورة الاتعاظ بسلوك الحكومات السابقة - 43 - التأكد على الصلاة، والزكاة، والثناء في العبادة واتمام النعم وتضعيف الكرامة، - 44 - والخاتمة بالشهادة

ملاحظة: -

لأجل استلهام المعاني السامية للرسالة التي وجهها الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالبه (عليه السلام) الى عامله مالك الاشتر (رضي الله عنه)

سيقوم الباحث باختيار (القيم الأخلاقية الفاضلة) التي اكد عليها الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) والذي يدعو فيها الى تعزيز القيم الأخلاقية الفاضلة انظر الى الجدول رقم () يمثل القيم الأخلاقية الفاضلة وتكرارها في الرسالة الموجه الى مالك الاشتر(رضي الله عنه)

ت - القيم الأخلاقية الفاضلة - تكرارها - ت - القيم الأخلاقية الفاضلة - تكرارها

1 - العدل والإنصاف 4 - 2 - المساواة - 1

3 - الاخلاص - 3 - 4 - الأمانة - 6

5 - التواضع - 5 - 6 - طاعة الله وتقواه - 3

7 - القناعة - 2 - 8 - المشورة - 3

9 - القدوة - 7 - 10 - الفساد 4

11 - الرعاية والاهتمام - 2 - 12 - الشكر - 1

ص: 101

ادناه القيم الأخلاقية الفاضلة كما مثبت بالجدول اعلاه

اولا: - العدل والانصاف: ۔

1 - الا مر بالتقيد بالقانون وضبط النفس: أَمرهُ بتقوى اللهِ، وإيثار طاعة، وَاِّتبَاعِ مَا أَمرَ بِهِ فِي كتَاِبهِ: مِنْ فَرَاِئضِهِ وَسُنَنِهِ، اَّلتِي لا يَسْعَدُ أَحَد إلا باتباعها، ولاَ يشقى الامع جُحُودِها واضاعتها وَأَنْ يَنْصُرَ اللهَ سُبْحَاَنهُ بَيَدِهِ وَقَلْبِهِ وَلسَاِنهِ، فَإِّنهُ، جَلَّ اسْمُهُ، قَدْ

تَكفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نصَرَهُ، وَإعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ.

أَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ عِنْدَ الشَّهَوَاتِ، وَيزَعهَا) اي (يكفيها) عِنْدَ اْلجَمَحَاتِ(منازعات

النفس إلى شهواتها ومآربه)، ((فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، إِلا مَا رَحِمَ اللهُ).

2 - العمل الصالح والرحمة بالناس والعفو: فَلْيَكُ احَبَّ الذَّخَاِئرِ إِليْكَ ذَخِيرَةُ اْلعَمَلِ الصَّاِلحِ، فَامْلِكْ هَوَاكَ، وَشُحَّ بِنَفْسِكَ (ابتعد) عَمَّا لا يَحِلُّ لَكَ، فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الا

انْصَافُ مِنْهَا فَيَما أَحْبَبْتَ لهم وَكَرِهْتَ.

وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَاْلمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، ولاَ تَكُوَنن عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُ مْ، فَإِّنهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإما نظير لكَ فِي اْلخَلْقِ، يَفْرُطُ) (يسبق) (مِنْهُمُ الزَّللُ، وَتعْرِضُ لَهُمُ اْلعِلَلُ، يُؤْتى عَلَی أَيْدِيهِمْ فِي اَلعَمْدِ والخطأ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الذي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِّنكَ فَوْقَهُمْ،

وَوَاِلي الا مْرِ عَلَيكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاكَوَقَدِ اسْتَفَاكَ)(طلب منك كفاية أمرك والقيام بتدبير مصالحهم) أَمْرَهُمْ، وَاْبتَلاَكَ بهِمْ.

3 - إطاعة القانون وعدم التكبر: التكبر: وَلا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لَحِرْبِ اللهِ (مخالفة شريعته بالظلم

والجور)، فَإِّنهْ لاَيَدَيْ لَكَ بِنِقْمَتِهِ (أي لا طاقة لك بها)، وَلا غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ. وَلا تَنْدَمَنَّ عَلَی عَفْو، وَلا تَبْجَحَنَّ (تفرح بزهو)(بِعُقُوَبة، وَلا تُسْرِعَنَّ

إِلى بادرة)(يبدر من الحدة عند الغضب) وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً (متسعا)، وَ لا

ص: 102

تَقُوَلنَّ: إِّني مُؤَمَّرٌ (مسلط) آمر فأطاع، فَإِنَّ ذِلكَ إِدْغَالٌ (إدخال الفساد) فِي اْلقَلْبِ، وَمَنْهَكَةٌ (مضعفة) لِلدِّينِ، وَتقرُّبٌ مِنَ اْلغِيَرِ (حادثات الدهر بتبدل الدول).

وَإذَا أَحْدَثَ لكَ مَا أَنتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَاِنكَ أُبَّهَةً (الكبرياء) أَوْ (مَخِيلةً (الخيلاء)، فَاْنظُرْ إِلى عِظَمِ مُلْكِ اللهِ فَوْقَكَ، وَقُدْرَتهِ مَنْكَ عَلَی مَا لا يقدر عليه مِنْ نَفْسِكَ، فَإِنَّ ذِلكَ يضامن (يخفض) (إِليْكَ مِنْ طِمَاحِكَ (النشوز والجماح)، وَيُكفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبكَ (الحدة)، يَفِيءُ (يرجع) إِليْكَ بِمَا عَزَبك (غاب) عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ.

4 - العدل والإنصاف، وظلم العباد: إِّياكَ وَمُسَامَاةَ (السمو) اللهِ فِي عَظَمَتِهِ، وَالتَّشَبُّهَ بِهِ فِي

جَبَرُوِتهِ، فَإِنَّ اللهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّار، وَيهِينُ كُلَّ مُخْتَال.

أَنْصِفِ اللهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لكَ فِيهِ هَوىً (تميل اليه) مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِّنكَ الا تَفْعَلْ تَظْلِمْ، وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللهِ كَانَ اللهُ خَصْمهُ دُونَ عِبَادِهِ، وَمَنْ خصمة اللهُ أَدْحَضَ (أبطل) حُجَّتَهُ، وَكَانَ لله حَرْباً حَتَّى ينْزعَ (يقلع عن ظلمه) (وَيتُوبَ.

وَليْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلى تغير نِعْمَةِ اللهِ وَتعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَة عَلى ظُلْم، فَإِنَّ اللهَ سَميِعٌ

دَعْوَةَ اْلمضطهدِينَ، وَهُوَ للظَّاِلمِينَ باْلمِرْصَادِ

ثانيا: - المساواة

وقال (عليه السلام) (اشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف، بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاربا تغتنم اكلهم فانهم صنفان: اما اخ لك في الدين واما نظيرك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتي على ايديهم في العمد والخطاء، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب ان يعطيك الله من عفوه، فانك فوقهم، ووالي الامر عليك فوقك، والله فوق من ولاك).

ص: 103

ثالثا: - الاخلاص:

1 - إدامة العمل الجيد: وَلاَ تَنْقُضْ سُنَّةً صَاِلحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هذِهِ الامَّةِ، وَاجْتَمَعتْ

بِهَا ا الْفَةُ، وَصَلَحَتْ عَلَيْهَ الرَّعِيَّةُ، لا تحدثن سُنَّةً تَضُرُّ بشيء مِنْ مَاضِي تِلكَ السُّنَنِ، فَيَكُونَ الاجْرُ بمَنْ سَنَّهَا، وَاْلوِزْرُ عَلَيْكَ بمَا نقَضْتَ مِنْهَا.

2 - استخدام التقاة الصادقين: وَاْلصَقْ بِأَهْلِ اْلوَرَعِ وَالصِّدْقِ، ثُمَّ رُضْهُمْ (عوّدهم) عَلَی ألا يُطْرُوكَ وَلا يبجحوك (يفرحوك بنسبة عمل عظيم اليك ولم تكن فعلته) بِبَاطِل لمْ تَفْعَلْهُ، فَإِنَّ كثْرَةَ اْلاطْرَاءِ تحْدِثُ الزَّهْوَ (العُجْب)، وَتدْني مِنَ اْلعِزَّةِ (الكِبْر).

3 - مجالسة العلماء والخبراء: وَأَ كثِرْ مُدَارَسَةَ اَلعُلَمَاءِ، وَمُنَافَثَةَ (مجالسة) اْلحُكَمَاءِ، فِي تَثْبِيتِ مَا

صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بلاَدِكَ، وَإقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بهِ النَّاسُ قَبْلَكَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إلا بِبَعْض، وَلا غنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْض: فَمِنْهَا جُنُودُ الله منها كتَّابُ اْلعَامَّةِ وَاْلخَاصَّةِ، وَمِنْهَا قُضَاةُ اْلعَدْلِ، وَمِنهَا عُمَّالُ الانْصَافِ وَالرِّفْقِ، وَمِنْهَا أَهْلُ اْلجِزْيَةِ وَاْلخَراجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ، وَمِنْهَا التُّجَّارُ

وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ، وَمِنهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَی مِنْ ذَوِي اْلحَاجَةِ وَاْلمَسْكَنَةِ، وَكُلٌّ قَدْ سَمَّى اللهُ

سَهْمَهُ (نصيبه من الحق)، وَوَضَعَ عَلَی حَدِّهِ وَفَرِيضَتِهِ فِي أَوْ سُنَّةِ نبِيِّهِ عَهْدًا مِنْهُ عِنْدَنا مَحْفُوظاً

رابعا: - الأمانة:

1 - الحفاظ على العهد مع العدو: وَإنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَبيْنَ عَدُوّ لَكَ عُقْدَةً، أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً (عهدًا)، فَحُطْ عَهْدَكَ (احفظه وصنه) بِاْلوَفَاءِ، وَارْعَ ذِمَّتَكَ بالأمانة، وَاجْعَلْ نَفْسَكَ لجُنَّةً (ضحّ بنفسك دون عهدك) دُونَ مَا أَعْطَيْتَ، فَإِّنهُ لَيْسَ مِنْ فَرَاِئضِ اللهِ عزوجلّ شَيْءٌ النَّاسُ أَشدُّ عَلَيْهِ اجْتِماعاً، مَعَ تَفْرِيقِ أَهْوَاِئهِمْ، وَتشْتِيتِ آرَاِئهِمْ، مِنَ

تَعْظيمِ اْلوَفَاءِ بِاْلعُهُودِ، وَقَدْ لَزِمَ ذِلكَ اْلمُشْرِكونَ فِيَما بَيْنَهُمْ دُونَ اْلمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبلُوا مِنْ عَوَاقِبِ اْلغَدْرِ (وجدوها وَبيلة، مهلكة)، فَلاَ تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ، وَلا تَخِيسَنَّ

ص: 104

بَعَهْدِكَ (خاس بعهده: خانه ونقضه)، ولاَ تَخْتِلَنَّ (تخادع) عَدُوَّكَ، فَإِّنهُ لا يجترئ عَلَی

اللهِ الا جَاهِلٌ شَقِيٌّ.

2 - حفظ حرمة دم المواطن - : إِّياكَ وَالدَّمَاءَ وَسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا، فَإِّنهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى

لِنِقْمَة، وَلا أَعْظَمَ لِتَبِعَة، وَلا حْرَى بِزَوَالِ نِعْمَة، وَاْنقِطَاعِ مُدَّة، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا، وَاللهُ سُبْحَاَنهُ مبتدئ بِاْلحُكْمِ بَيْنَ اْلعِبَادِ، فِيَما تسفكوا مِنَ الدِّمَاءِ يِوم القيامة فلا تقولن بسُلْطَاَنكَ بِسَفْكِ دَم حَرَام، فَإِنَّ ذِلكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ يوهِنُهُ، بَلْ يُزِيلُهُ وَينْقُلُهُ،

وَلا عذر لَكَ عِنْدَ اللهِ وَلاعِنْدِي فِي قَتْلِ اْلعَمدِ، لان فِيهِ قَوَدَ (قصاص) اْلبَدَنِ، وَإنِ اْبتُلِيتَ بخطأ وَأَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ (أَردت تأ ديباً فأعْقَبَ قتلاً)(سَيْفُكَ) أَوْ يَدُكَ

بِعُقُوَبة، فَإِنَّ فِي اْلوَكْزَةِ (اللكمة) فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً، فَلاَ تَطْمَحَنَّ بِكَ (ترتفِعَنّ بك) نَخْوَةُ سُلْطَاِنكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلى أَوْليَاءِ اْلمَقْتُول حَقَّهُمْ.

3 - صفة وثيقة العهد: وَقَدْ جَعَلَ اللهُ عَهْدَهُ وَذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ (أفشاه) بَيْنَ اْلعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ، وَحَرِيماً (ما حرم عليك أن تمسه) يَسْكُنُونَ إِلى مَنَعَتِهِ (ما تمتنع به من القوة) يَسْتَفِيضُونَ (يفزعون اليه بسرعة) إِلى جِوَارِهِ، فَلاَ إِدْغَالَ (افساد)، وَلا مُدَاَلسَةَ (خيانة)، وَلا خِدَاعَ فِيهِ، وَلا تَعْقِدْ عَقْدًا تَجُوزُ فِيهِ اْلعِلَلُ (وذلك يطرا على الكلام عند إبهامه

وعدم صراحته) ولا تعولن على لجنَ (ما يقبل التوجيه كالتورية والتعريض) بَعْدَ التَّأْكِيدِ وَالتَّوْثقَةِ، وَلا يَدْعُوَّنكَ ضِيقُ أَمْر لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُ اللهِ، إِلى طَلَبِ اْنفِسَاخِهِ

بِغَيْرِ اْلحَقِّ، فَإنَّ صَبْرَكَ عَلَی ضِيق تَرْجُو اْنفِرَاجَهُ وَفَضْلَ عَاقِبَتِهِ، خَيْرٌ مِنْ غَدْر تَخَافُ

تَبِعَتَهُ، وَأَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللهِ فِيهِ طَلِبَةٌ (مطالبة الله إياك بحقه في الوفاء الذي غدرت به)، لا تَسْتَقِيلُ فِيهَا دُنيَاكَ وَ اَ آخِرَتكَ.

4 - توفيرُ الخدمات للناس أوّلا ثم الضرائب: فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلا أَوْ عِلَّةً (نزول علة سماوية بزرعهم أضرت بثمراته)، أَوِ اْنقِطَاعَ شِرْب) ماء السقي من الانهار) أَوْ بَاَّلة (ما يبلّ الارض من ندى ومطر - سقي الديم)، أَوْ إِحَاَلةَ أَرْض اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ (كالفيضانات)

ص: 105

أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ (الجفاف)، خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِما تَرْجُو أَنْ يصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ، وَلا يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْءٌ خَفَّفْتَ بِهِ اْلمَؤُوَنةَ عَنْهُمْ، فَإِّنهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْ كَل فِي عِمَارَةِ بِلادِكَ، وَتزْيينِ وِلاَيَتِكَ، مَعَ اسْتِجْلاِبكَ حُسْنَ ثَنَاِئهِمْ، وَتبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ اْلعَدْلِ

فِيهِمْ (إدّ عاؤك بالنجاح في نشر العدل بينهم)، مُعْتَمِدًا فَضْلَ قُوَّتهِ (زيادة قوتهم عمادًا لك تستند اليه عند الحاجة)، بِمَا ذَخَرْتَ (وفّرْت) عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ (الترفيه والاراحة)، وَالثِّقَةَ مِنْهُمْ بِما عَوَّدْتهُمْ مِنْ عَدْلكَ عَلَيْهِمْ فِي رِفْقِكَ بِهِمْ، فَرُّبمَا حَدَثَ مِنَ الامورِ مَا إِذَا فيه عليهم منْ بَعْد احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسهُمْ بِهِ، فإِنَّ اْلعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ

مَا حَمَّلْتَهُ، وَإَّنما يُؤْتى خَرَابُ الارْضِ مِنْ إِعْوَازِ (الفقر والحاجة) أَهْلِهَا، إِّنمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَ لا شْرَافِ أَنْفُسِ اْلوُ اَةِ عَلى اْلجَمْعِ (لتطلع أنفسهم إلى جمع المال، ادخارًا لما بعد زمن الولاية إذا عزلوا)، وَسُوءِ ظَنِّهِمْ باْلبَقَاءِ، وَقِلَّةِ اْنتِفَاعِهِمْ باْلعِبَرِ.

5 - مراقبة أعمال المحافظ والمسؤولين المقربين: ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَاَلهُمْ، وَاْبعَثِ اْلعُيُونَ (الرقباء)

مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالوَفَاءِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّر لا مُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ (سَوق لهم وحثّ) عَلَی اسْتِعْمَالِ الامَاَنةِ، وَالرِّفْقِ بالرَّعِيَّةِ.

وَتحَفَّظْ مِنَ الاعْوَانِ، فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلى خِيَاَنة اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُوِنكَ، اْ كتَفَيْتَ بِذِلكَ شَاهِدًا، فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ اْلعُقُوَبةَ فِي بَدَنهِ، وَأَخَذْتهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِ، ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ اْلمَذَّلةِ، وَوَسَمْتَهُ بِاْلخِياَنةِ، وَقَلَّدْتهُ عَارَ التُّهَمَةِ.

6 - متابعة الضرائب وإعمار البنى التحتية: وَتفَقَّدْ أَمْرَ اْلخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلهُ، فَإِنَّ فِي صلاَحِهِ وَصلاَحِهِمْ صَلاَحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ، وَلاصَلاحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ لا بِهِمْ، لانَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَی الخَرَاجِ وَأَهْلِهِ.

وَليَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَة الارْضِ أبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، اِنَّ ذِلكَ لايُدْرَكُ لا بَاْلعِمَارَةِ، وَمَنْ طَلَبَ اْلخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ اْلبلاد وَأَهْلَكَ اْلعِبَادَ، وَلمْ يسْتَقِمْ أَمْرُهُ إ اَّ قَلِيلاً

ص: 106

خامسا: - التواضع: -

الرعاية وجهاء الناس: ثُمَّ اْلصَقْ بَذَوِي اْلمُرُوءَاتِ وَالاحْسَان، وَأَهْلِ اْلبُيُوَتاتِ الصَّاِلحَةِ، وَالسَّوَاِبقِ اْلحَسَنَةِ، ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ، وَالسَّخَاءِ وَالسَّماحَةِ، فَإِّنهُم جِمَاعٌ مِنَ اْلكَرَمِ (مجموع منه)، وَشُعَبٌ (جمع شعبة) مِنَ اْلعُرْفِ (المعروف).

ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُهُ اْلوَاِلدَانِ مِنْ وَلدِهِمَا وَلا يَتَفَاقَمَنَّ (يعظُم) فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ قَوَّيتَهُمْ بِهِ، وَلاَ تَحْقِرَنَّ لُطْفاً (تستصغر لطفا بسيطا) تعادتهمبه وان قل فانه داعيه لهم الى بذل النصيحة لك وجبن الظن بك ولا تدع تفقد لطیف امورهم اتكالا على جسيمها فان لليسر من لطفك موضعا ينتفعون به وللجسم موقعا لا يستغنون عنه.

2 - مراعاة التجار والكسبة: ولا قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعاً إِلا بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ، فِيَما يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ (المنافع)، وَيقِيمُونه مِنْ أَسْوَاقِهِمْ، وَيْكفُوَنهُ منَ التَّرَفُّقِ (التكسب) بأَيْدِيهِمْ ممّا اَ يبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ.

3 - مراعاة المستضعفين من الناس: ثُمَّ الطَّبَقةُ السُّفْلَی مِنْ أَهْلِ اْلحَاجَةِ وَاْلمَسْكَنَةِ اَّلذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ (مساعدتهم وصلتهم) وَمَعُوَنتُهُمْ.

وَفِي اللهِ لكُلّ سَعَةٌ، وَلكُلٍّ عَلَی اْلوَاِلي حَقٌ بقَدْرِ مَا يصْلِحُهُ. (وَليْسَ يَخرُجُ اْلوَاِلي مِنْ حَقِيقَةِ مَا أَلْزَمهُ اللهُ مِنْ ذِلكَ إلا بِالاهْتِمامِ والاستعانة بِاللهِ، وَتوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَی لُزُومِ اْلحَقِّ،

وَالصَّبْرِ عَلَيهِ فِيَما خَفَّ عَلَيْهِ أَوْ ثقُلَ).

4 - رعاية ذوي الدخل المحدود من الناس: ثُمَّ اللهَ اللهَ فِي الطَّبَقةِ السُّفْلَی مِنَ اَّلذِينَ لا حِيلَةَ لَهُمْ وَاْلمَسَكِين ل وَاْلمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ اْلبُؤْسَى (شديد وا الفقر) وَالزَّمْنَى (جمع زمين وهو المصاب بالزَمانة بفتح الزاي أي العاهة)، فإِنَّ فِي هذِهِ الطَّبَقَةِ قَاِنعاً (السائل) وَمُعْتَّرًّا (المتعرض للعطاء بلا سؤال)، وَاحْفَظْ لله مَا اسْتَحْفَظَكَ. (طلب منك حفظه) مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ، وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسمْاً مِنْ بَيْتِ مَاِلكَ، وَقِسما منْ غَلات (ثمرات)

ص: 107

صَوَافِي (جمع صافية وهي أرض الغنيمة) الاسلام فِي كل بَلَد، فإِنَّ لِلا قْصَی مِنْهُمْ مِثْلَ اَّلذِي لِلا دْنى، وَكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ، فَلا يَشْغَلنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ (طغيان بالنعمة)، فَإِّنكَ لا تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِ التَّافِهَ (البسيط الحقير) اِحْكَامِكَ اْلَكثِيرَ اْلمُهِمَّ.

فَلا تُشْخِصْ هَمَّكَ) (اهتمامك عن ملاحظة شؤونهم) عَنْهُمْ، وَالا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ (أماله إعجاباً وكبرًا) وَتفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لا يَصِلُ إِليْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ اْلعُيُونُ (تكره أن تنظر اليه احتقارًا وازدراءً)، وَتحْقِرُهُ الرِّجَالُ، فَفَرِّغْ اِلا ولئكَ ثِقَتَكَ) اجعل للبحث

عنهم أشخاصاً يتفرغون لمعرفة أحوالهم يكونون ممن تثق بهم (مِنْ أَهْلِ اْلخَشْيَةِ وَالتَّوَاضُع،

فَلْيَرْفَعْ إِليْكَ أُمُورَهُمْ، ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بَا لأعذار إِلى اللهِ تَعَاَلى (بما يقدم لك عذرًا عنده) يَوْمَ

تَلْقَاهُ، فَإِنَّ هؤُلاء مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلى الا انصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلى اللهِ تعَاَلى فِي تأْدِيةِ حَقِّهِ إَليهِ.

5 - رعاية الأيتام والمسنين: وتعهد اهل اليتم وَذَوِي الرِّقَّةِ فِي السّمن (المتقدمون فيه) مما

لأحيله له ولا يَنْصِبُ لْلمَسْالة نَفْسَهُ، وَذِلكَ عَلَی اْلوُلاة ثَقِيلٌ، وَاْلحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ، وَقَدْ يُخَفِّفُهُ اللهُ عَلى أَقْوَام طَلَبُوا اْلعَاقِبَةَ فَصَبَرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَوَثقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللهِ لهُمْ.

سادسا: - طاعة الله وتقواه: -

1 - إمامة الناس في الصلاة وبساطتها: وَإذَا قُمْتَ فِي صلاِتكَ لِلنَّاسِ، فَلاَ تَكُوَننَّ مُنَفّرِا وَلا مُضَيِّعاً (لا تُطِل الصلاة فتكرّه بها الناس ولا تضيع منها شيئاً بالنقص في الاركان، بل التوسط خير)، فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ اْلعِلَّةُ وَلهُ اْلحَاجَةُ. وَقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ حِينَ وَجَّهَنِي إِلى اَليمنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ؟ فَقَالَ: «صَلِّ بِهِمْ كَصَلاَةِ أَضْعَفِهِمْ، وَكُنْ

باْلمُؤْمِنِينَ رَحِيماً.»

2 - الركون إلى السلم والصلح ومنع الحرب: وَلا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِليْهِ عَدُوُّكَ لله فِيهِ رِضىً، فإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً (الراحة) لِجُنُودِكَ، ورَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ، وأَمْناً لِبِلاَدِكَ،

ص: 108

وَلكِنِ اْلحَذَرَ كُلَّ الحذر من عدوك بَعْدَ صُلْحِهِ، فَإِنَّ اْلعَدُوَّ رُّبمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ (يغدرك في غفله)، (فَخُذْ باْلحزمَ وَاَّتهِمْ فِي ذِلكَ حُسْ الظن.

3 - عليّ يذكّر مالكاً بوصية الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): وَقَدْ كَانَ فِيَما عَهدَ

إليَّ رَسُوُلهُ فِي وَصَاَياهُ: (تحضيضاً عَلَی الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَاُنكُمْ»، فَبِذَلكَ أَخْتِمُ لَكَ مَا عَهِدَ، وَلا قُوَّةَ اَّلا بِاللهِ العَظِيمِ.

سابعا: - القناعة: -

1: - اخذ العبرة ممن سبقه في الحكم: ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالكُ، أَنِّي قدْ وَجَّهْتُكَ إِلى بِلاد قَدْ جَرتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ، مِنْ عدل وَجَوْر، وَأَنَّ الناَّسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِي مِثلْكِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ اْلوُلاةِ قَبْلكَ، وَيقُوُلونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فيهم

2 - جدولة العمل اليومي وبذل الجهد: وَأَمْضِ لِكُلِّ يَوْم عَمَلَهُ، فإِنَّ لِكُلِّ يَوْم مَا فِيهِ، وَاجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيَما بَيْنَكَ وَبيْنَ اللهِ تعالى أَفْضَلَ تِلْكَ اْلمَوَاقِيتِ، وَأَجْزَلَ (أعظم) تِلْكَ الاقْسَامِ، وَإِنْ كَاَنتْ كُلُّهَا لله إذَا صَلَحَتْ فيهَا النِّيَّةُ، وَسَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ. وَليَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ لله بِهِ دِينَكَ: إِقَامَةُ فَرَاِئضِهِ اَّلتي هِيَ لَهُ خَاصَّةً، فَأَعْطِ اللهَ مِن بَدَنكَ

فِي لَيْلِكَ وَنهَارِكَ، وَوَفِّ مَا تَقَرَّبتَ بِهِ إِلى اللهِ مِنْ ذِلكَ كَاملاً غَيْرَ مَثْلُوم (مخدوش بشيء من التقصير ولا مخرق بالرياء) وَلا مَنْقُوص، باِلغاً مِنْ بدَنكَ مَا بلَغَ.

ثامنا: - المشورة: -

1 - المُخبِر والواشي: أَطْلِقْ عَنِ النّاسِ عُقدَةَ كُلِّ حِقْد (احلل عقد الحاقد من قلوب الناس

بحسن السيرة معهم)، وَاقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتر (العداوة) وَتغَابَ (تغافَلْ) عَنْ كلِّ مَا يَضِحُ (يظهر) لَكَ، وَلا تَعْجَلَنَّ إِلى تَصْدِيقِ سَاع، فَإِنَّ السَّاعِيَ) النمام بمعائب الناس غَاشٌ، وَإِنْ تشَبَّهَ بالنَّاصِحِينَ.

ص: 109

2 - المستشار البخيل والجبان: وَلا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتكَ بَخِيل يَعْدِلُ بِكَ عَنِ اْلفَضْل (الا حسان بالبذل)، ا وَيعِدُكَ اْلفَقْرَ (يخوفك منه لو بذلت) وَلا جَبَان يُضعِّفُكَ عَنِا امُورِ، وَلا حريصا ينُزن لَكَ الشَّرَه (اشد الحرص) بِاْلجَوْرِ، فَإِنَّ اْلبُخْلَ وَاْلجُبْنَ والحرص غرائز (طبائع متفرقه) حَرِيص اً باللهِ. نّ مَعُهَا سُوءُ الظَّ جْ (طبائع متفرقة) شَتَّى يجمعها سوء الظن بالله.

3 - عدم استخدام مسؤول سابق خائن لشعبه: شَرّ وُزَرَاِئكَ مَنْ كَانَ للأشرار قَبْلَكَ وَزِيرًا، وَمَنْ شَرِكَهُمْ فِي الا ثَامِ، فَلا يَكُوَن نَّلَكَ بِطَاَنة (خاصته وحاشيته) فَإِّنهُمْ أَعْوَانُ الاثَمَةِ (المذنبين) وَإخْوَانُ الظَّلَمَةِ، وَأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُ خَيْرَ اْلخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَاِئهِمْ وَنفَاذِهِمْ، وَليْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ (الذنبوالاثم) (وَأَوْزَارِهِمْ (الذنوب) وآثَامِهِمْ، مِمَّنْ يُعَاوِنْ ظَاِلمًا عَلَی ظُلْمِهِ، وَلا آثِماً عَلَی إِثمِهِ، أُولئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَؤُوَنةً، وَأَحْسَنُ لَكَ مَعُوَنةً، وَأَحْنَى عَلَيكَ عَطْفاً، وَأَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلفاً (الالفة والمحبة) فَاَّتخِذْ أُولئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاِتكَ وَحَفَلاِتكَ، ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلهُمْ بمُرِّ اْلحَقِّ لَكَ، وأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيَما يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِه اَللهُ لأوليائه، وَاقِعاً ذِلكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ.

تاسعا: - القدوة: -

1 - استخدام التقاة الصادقين: وَاْلصَقْ بِأَهْلِ اْلوَرَعِ وَالصِّدْقِ، ثُمَّ رُضْهُمْ (عوّدهم) عَلَی ألا اّيطْرُوكَ وَلا يبجحوك (يفرحوك بنسبة عمل عظيم اليك ولم تكن فعلته) بِبَاطِل لمْ تَفْعَلْهُ، فَإِنَّ كثْرَةَ اْلاطْرَاءِ تحْدِثُ الزَّهْوَ (العُجْب)، وَتدْني مِنَ اْلعِزَّةِ (الكِبْر).

2 - الإحسان وحسن الظن: ولا يَكُوَننَّ اْلمُحْسِنُ وَاْلمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلة سَوَاء، فَإِنَّ فِي ذِلكَ تزهيد الأهل الاحْسَانِ فِي الا حسان تدريبا اِلاهل الاسَاءَةِ عَلَی الاسَاءَةِ، وَأَلْزِمْ كُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نفْسَهُ.

اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بِأَدْعَى الى حُسْنِ ظن وال برعيته من احسانه اليهم وَتخْفِيفِهِ

ص: 110

اْلمَؤُوَناتِ عَلَيْهِمْ، وَترْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِّياهُمْ عَلى ما لَيْسَ له قبلهم (عندهم) فليكن مِنْكَ فِي ذِلكَ أَمر يجمعهمْ لك به حسن الظن برعيتك فان حسن الظن يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً (التعب)

(طَوِيلا، وَإنَّ أَحَقَّ مَنْ احسنّ الظَّنَ حُسْنَّ ظنك حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بلاؤُكَ عِنْدَهُ، وَإنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَن اسَاءَ بلاؤك (صنعك وفعلك) عنده.

3 - قيادة الجيش: فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لله وَلرَسُوِلهِ وَاِمَامِكَ، (وَأَنْقَاهُمْ

[جَيْباً] (مؤتمنا تقيا) وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً (العاقل) مِمَّنْ يبطئ عَنِ اْلغَضَبِ، وَيسْتَرِيحُ إِلى اْلعُذْرِ، وَيرافُ بِالضُّعَفَاءِ، وَينْبُو عَلَی الأقوياء (يتجافى عنهم ويبعد)، وَمِمَّنْ لا يثِيرُهُ اْلعُنْفُ، وَلا يقْعُدُ بهِ الضَّعْفُ

4 - صفاة قادة الجيش ورعايتهم للجنود: وَليَكُنْ آثَرُ (أفضل وأعلى منزلة) رُؤوسِ جُندِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ (ساعدهم بمعونته لهم) فِي مَعُوَنتِه، وَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتهِ) أفاض عليهم من غناه (بِمَا يَسَعُهُمْ يَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ) وهو من يبقى في الحي من النساء والعَجَزَة بعد سفر الرجال)، حَتَّيَ يكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِدًا، في جهاد العدوِ فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يعْطِفُ قُلُوَبهُمْ عَلَيْكَ.

5 - اختيار المدراء والقضاة: ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ، مِمَّنْ

لاتَضِيقُ بِهِ الامُورُ، وَ اَ تُمَحِّكُهُ اْلخُصُومُ (لجّ في الخصومة، وأصرّ على رايه) ولا يَتَمادَى (يستمر ويسترسل) فِي الزَّلةِ (السقطة في الخطأ) والا يَحْصَرُ (يعيا في المنطق) مِنَ اْلفَيْءِ (الرجوع إلى الحق) إذَا عَرَفَهُ، وَلا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَی طَمَع، وَلا يكَتَفِي

بِأَدْن فَهْم دُونَ أَقصَاهُ (أقربه وأبعده) أَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ، وآخذهم بالحجج، وَأَقَلَّهُمْ تَبَّرُماً (الملل والضجر) بِمُرَاجَعَةِ اْلخَصْمِ، وَأَصْبَرَهُمْ عَلَی تَكَشُّفِ الامُورِ،

وَأَصْرَمَهُمْ (أقطعهم للخصومة وأمضاهم) عِنْدَ اِّتضَاحِ اْلحُكْمِ، مِمَّنْ اَ يَزْدَهِيهِ إطْرَاءٌ (لا يستخفه زيادة الثناء عليه)، وَلا يسْتَمِيلُهُ إغراء أولئك قَلِيلٌ.

ثُمَّ أَ كثِرْ تَعَاهُدَ (تتبعه با استكشاف والتعرف) قَضَاِئهِ، وافْسَحْ لَهُ فِي اْلبَذْلِ مَا يُزِيلُ

ص: 111

عِلَّتَهُ (أوْسِع له في العطاء بما يكفيه)، وَتقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلى النَّاسِ، وَأَعْطِهِ مِنَ اْلمَنْزِلةِ لَدَيكَ

مَا الا يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ، لِيَأْمَنَ بِذَلكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لهُ عِنْدَكَ.

فَاْنظُرْ فِي ذِلكَ نَظَرًا بِلِيغاً، فَإِنَّه ذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيرًا فِي أَيْدِي ا اشْرَارِ، يعْمَلُ فِيهِ باْلهَوَى، وَتطْلَبُ بهِ الدُّنيَا.

6 - اختيار الولاة المحافظين: ثُمَّ اْنظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّاِلكَ، فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَارًا (با الامتحان)،

وَلا تُولهم مُحَاَباةً (من الميل الشخصي) وأَثَرَةً (استبدادًا بلا مشورة)، فَإِّنهُمَا جِمَاعٌا مِنْ

شُعَبِ اْلجَوْرِ وَاْلخِيَاَنةِ. وَتوَخَّ (اطلب وتحرّ) مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبةِ وَاْلحَيَاءِ، مِن أَهْلِ اْلبُيُوَتاتِ الصَّاِلحَةِ، وَاْلقَدَمِ (السابقون) فِي الاسْلامِ اْلمُتَقَدِّمَةِ، فَإِّنهُمْ أَكْرَمُ أَخْلاَقاً، وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً، وَأَقَلُّ فِي اْلمَطَامِعِ إشْرَافاً، وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ ا امُورِ نظَرًا.

ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الارْزَاقَ (أوسع لهم فيه)، فَإِنَّ ذِلكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَی اسْتِصْلاَحِ أَنْفُسِهِمْ، وَغِنىً لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَاَلفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثلَمُوا أَمَاَنتَكَ (نقصوا في أدائها أو خانوا).

7 - اختيار السكرتير والجهاز الإداري والمالي: ثُمَّ اْنظُرْ فِي حَالِ كتَّاِبكَ، فَوَلِّ عَلَی أُمُورِكَ

خَيْرَهُمْ، وَاخْصُصْ رَسَاِئلَكَ اَّلتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَاِئدَكَ وأَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُودِ صَاِلحِ الاخْلاق مِمَّنْ لا تُبْطِرُهُ (لا تطغيه) اْلكَرَامَةُ، فيجترئ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلاف لك بِحَضْرَةِ املا (جماعة من الناس تملا البصر - مع الجمهور بغيابك) وَلا تُقَصِّرُ بِهِ ا اْلغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاَتبَاتِ عُمَّاِلكَ عَلَيْكَ، وَإصْدَارِ جَوَاَباِتهَا عَلَی الصَّوابِ عَنْكَ، وَفِيَما يَأْخُذُ لَكَ وَيعْطِي مِنْكَ، وَلا يُضعِفُ عَقْدًا اعتقاده لكَ (معاملة عقدها لمصلحتك)، ولا يَعْجِزُ عَنْ إِطْلاقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ (إذا وقعت مع أحد في عقد كان ضرره عليك لا يعجز عن حل ذلك العقد)، ولا يَجْهَلُ مَبْلغَ قَدْرِ نفسِهِ فِي ا امُورِ، فَإِنَّ اْلجَاهِلَ بقَدْرِ نفْسِهِ يكُونُ بقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ.

ص: 112

ثُمَّ لا يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِّياهُمْ عَلَی فِرَاستِكَ (قوة الظن وحسن النظر في الامور) وَاسْتِنَامَتِكَ (السكون والثقة) وحسن الظن منك فان الرجال يَتَعَرَّفُونَ لِفِرَاسَاتِ اْلوُ

اَةِ (أي يتوسلون اليها لتعرفهم) بِتَصَنُّعِهِمْ (بتكلفهم إجادة الصنعة) وَحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ، لَيْسَ وَرَاءَ ذِلكَ مِنَ النَّصِيحَةِ والامَاَنةِ شَيْءٌ، وليكن اخْتبارهم بما ولو لِلصَّاِلحِينَ قَبْلَكَ، فَاعْمِدْ لا حْسَنِهِمْ كَانَ فِي ل اْلعَامَّةِ أَثَرًا، وَأَعْرَفِهِمْ بِا امَاَنةِ وَجْهاً، فَإِنَّ ذِلكَ دَليلٌ عَلَی

نَصِيحَتِكَ لله ولمن وَليتَ أَمْرَهُ.

وَاجْعَل لراس كُلِّ أَمْر من امورك راسا منهم لا يقهره كبيرها ولا بتثبيت عليه كثيرها ومهما كان فِي كَتاِبكَ مِنْ عَيْب فَتَغَاَبيْتَ (تغافلت) عَنْ أُلْزِمْتَهُ.

عاشرا: - الفساد - النزاهة: -

1 - سُخْط الناس: وَليَكُنْ أَحَبَّ الأمور إِليكَ أَوْسَطُهَا فِي اْلحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي اْلعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا للِرِضَی الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ سُخْطَ اْلعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَی اْلخَاصَّةِ (يذهب برضاهم)، وَإنَّ سُخْطَ اْلخَاصَّةِ يغْتَفَرُ مَعَ رِضَی اْلعَامَّةِ.

وَليْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ، أَثْقَ لَ عَلَی اْلوَاِلي مَؤُوَنةً فِي الرَّخَاءِ، وَأَقَلَّ مَعُوَنةً لَهُ فِي البلاء،

وَأَكْرَهَ للأنصاف، وَأَسْلَ بِا الَحْاف (الحاح والشدة في السؤال) وَأَقَلَّ شُكْرًا عِنْدَ العْطَاءِ، وَأَبْطَ عُذْرًا عِنْدَ اْلمَنْعِ، وَأَضْعَفَ صَبْرًا عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ اْلخَاصَّةِ، وَإَّنمَا عماد الدِّينِ، وَجِمَاعُ (جماعة) اْلمُسْلِمِينَ، وَاْلعُدَّةُ للأعداء، اْلعَامَّةُ مِنَ الامَّةِ، فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ (الميل) لهم وميلك معهم.

وَليَكُن أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ، وَأشْنَأَهُمْ (أبغضهم) عِنْدَكَ، أَطْلَبُهُمْ لِمَعَاِئبِ النَّاسِ، فإنَّ في

النَّاسِ عُيُوباً، اْلوَاِلي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا، فَلا تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا، فَإَّنمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ

مَا ظَهَرَ لكَ، وَاللهُ يَحْكُمُ عَلَی مَا غَابَ عَنْكَ، فَاسْتُرِ اْلعوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللهُ مِنْكَ ما

تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ.

ص: 113

2 - منع الإحتكار ومعاقبة المحتكر: وَاعْلَم مع ذلكَ أَنَّ فِي كثِير مِنْهُم مْضِيقاً (عسر المعاملة) فَاحِشاً (كبيرا)، وَشُحّاً (بخلا) (قَبِيحاً، وَاحْتِكَارًا (حبس الطعام ونحوه عن الناس لا يسمحون به لا بأ ثمان فاحشة) لِلْمَنَافِعِ، وَتحَكُّماً فِي اْلبِيَاعَاتِ، وَذِلكَ بَابُ مَضَّرَة لِلْعَامَّةِ، وَعَيْبٌ عَلَی اْلوُ اَةِ، فَامْنَعْ مِنَ الاحْتكَارِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ مَنَعَ مِنْهُ.َْ

ليَكُنِ اْلبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً: بِمَوَازِينِ عَدْل، وَأَسْعَار لا تُجْحِفُ بِاْلفَرِيقَينِ مِنَ اْلبَاِئعِ وَاْلمُبْتَاعِ (المشتري)، فَمَنْ قَارَفَ (خالط) حُكْرَةً ( الاحتكار) بَعْدَ ل نَهْيِكَ إَّياهُ فَنَكِّلْ (عاقبه) وَعَاقِبْ فِي غَيْرِ إسْرَاف (تجاوز حد العدل).

3 - النهي عن المِنّةِ وإعجاب المسؤول بنفسه: وَإَّياكَ والاعْجَابَ بِنَفْسِكَ، وَالثِّقَةَ بِمَا

يُعْجِبُكَ مِنْهَا، وَحُبَّ الاطْرَاءِ (المبالغة في الثناء)، فَإِنَّ ذِلكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ، لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إحْسَانِ اْلمُحْسِنِيِنَ. وَإَّياكَ وَاْلمَنَّ عَلَی رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ، أَوِ التَّزَّيدَ (إظهار الزيادة في الاعمال للافتخار) فِيَما كَانَ مِنْ فِعْلِكَ، أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ

فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ، فَإِنَّ اْلمَنَّ يُبْطِلُ الاحْسَانَ، وَالتَّزَّيدَ يَذْهَبُ بنور الحق، وَالخُلْفَ يُوجِبُ اْلمَقْتَ (البغض والسخط) عند الله وَالنَّاسِ، قَالَ اللهُ سبحانه: (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ الله أَنْ تقُوُلوا مَا لا تفْعَلُونَ.

4 - نهي المسؤول عن التسرّع والاستئثار: (و) إَّياكَ وَاْلعَجَلَةَ بِا الامُورِ قَبْلَ أَوَاِنهَا، أَوِ التَّسَاقُطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَاِنهَا، أَوِ اَّللجَاجَةَ فِيهَا إِذا تَنَكَّرَتْ (الاصرار على النزاع)، أَوِ

اْلوَهْنَ (الضعف) عَنْهَا إذَا اسْتَوْضَحَتْ، فَضَعْ كُلَّ أَمْر مَوْضِعَهُ، وَأَوْقِعْ كُلَّ عَمَل مَوْقِعَهُ.

وَإَّياكَ واْلاسْتِئْثَارَ (تخصيص النفس بزيادة) بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ (متساوون)، وَالتَّغَاِبيَ (التغافل) عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ، فَإِّنهُ مأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ، وَعَمَّا قَلَيل تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الامُورِ، وَينْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ، امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ (الشموخ والإباء)، وَسَوْرَةَ (الحِدة) حَدِّكَ (البأس)، وَسَطْوَةَ يَدِكَ، وَغَرْبَ لِسَاِنكَ (حَدّ اللسان

ص: 114

كحد السيف) وَاحْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذِلكَ يكفِّ اْلبَادِرَةِ (ما يبدو من اللسان عند الغضب من كسباب ونحوه)، وَتأْخِيرِ السَّطْوَةِ، حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ اْلاخْتِيَارَ، وَلنْ تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد الى ربك.

حادي عشر: - العناية والرعاية: -

1 - الاجهزة أ لمنية والقضاء: فَاْلجُنُودُ، بِإِذْنِ اللهِ، حُصُونُ الرَّعِيَّةِ، وَزَينُ اْلوُلاةِ، وعِزُّ الدِّينِ، وَسُبُلُ الامن، وَليْسَ تقُومُ الرَّعِيَّةُ اَّلا بهِمْ.

ثُمَّ الا قِوَامَ لِلْجُنُودِ اَّلا بِمَا يُخْرِجُ اللهُ لَهُ مْنَ اْلخَرَاجِ اَّلذِي يَقْوَوْنَ بِهِ فِي جهاد عدوهم، وَيعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِيَما يصْلَحهُم، وَيكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ (يقضي حوائجهم). ثُمَّ لاقِوَامَ لِهذَينِ الصِّنْفَيْنِ اَّلا بِالصِّنْفِ الثَّاِلثِ مِنَ اْلقُضَاةِ وَاْلعُمّالِ وَاْلُكتَّابِ، لِمَ ا يُحْكِمُونَ مِنَ اْلمَعَاقِدِ (العقود القضائية)، وَيجْمَعُونَ مِنْ المنافع يؤتمنون عليه من خواص الامور وعوامها

2 - التجارة والصناعة: ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ، وَأَوْصِ بِهِمْ خَيْرًا: اْلمُقِيمِ

مِنْهُمْ، وَاْلمُضْطَرِبِ بِمَاِلهِ (المتردد به بين البلدان)، وَاْلمُتَرَفِّقِ (المكتسب) بِبَدَنهِ، فَإِّنهُمْ مَوَادُّ اْلمَنَافع، وَأَسْبَابُ اْلمَرَافِقِ (ما ينتفع به من الأدوات وأنية)، وَجُلاُّبهَا مِنَ اْلمَباعِدِ وَاْلمَطَارِحِ (الأماكن البعيدة)، فِي بَرِّكَ وَبحْرِكَ، وَسَهْلِكَ وَجَبَلِكَ، وَحَيْثُ لا يَلْتَئِمُ النّاسُ لِمَوَاضِعِهَ (لا يمكن وصول الناس اليها)، وَ لا يَحْتَرِوئنَ عَلَيْهَ فَإِّنهُمْ سِلْمٌ (أي أن التجار والصناع مسالمون) ولا اَ تُخَافُ بَاِ قَتُهُ (دهاؤه)، وَصُلْحٌ اَ تُخْشَى غَاِئلَتُهُ، وَتفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَت وَفِي حَوَاشِي بلاَدِكَ.

ص: 115

ثاني عشر: - الشكر: -

يدعو لنفسه ولمالك بالتوفيق وعاقبة الشهادة: وَأَنَا أَسْأَلُ اللهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ، وَعَظِيمِ قُدْرَتهِ عَلَی إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَة، أَنْ يُوَفِّقَنِي وَإَّياكَ لِمَا فيهِ رِضَاهُ مِنَ الاقَامَةِ عَلَی اْلعُذْرِ اْلوَاضِحِ إِليْهِ وَإَلى خَلْقِهِ، مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي اْلعِبَادِ، وَجَمِيلِ الاثَرِ فِي اْلبَلاَدِ، وَتمَامِ النِّعْمَةِ، وَتضْعِيفِ

اْلكَرَامَةِ (زيادة الكرامة اضعافاً)، وَأَنْ يَخْتِمَ لِي وَلكَ بالسَّعَادَةِ وَالشَّهَادَةِ، (قسم الشؤون

الثقافيه).

اولا: -

الاستنتاجات

1. ان القيم الأخلاقية الفاضلة لها منزلة كبيرة في فكر الاسلام ولاسيما الكتاب، ورجال الدين، القانون، علم الاجتماع، التربية، وعلم النفس ويقف في مقدمتهم (اهل البيت) (عليهم السلام) لأنها هي الاساس في بناء شخصية الانسان الفرد والمجتمع كما اكد القران الكريم «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (القلم: 4) وكذلك قول الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ((انما بعثت لأتمم مکارم الاخلاق).

2. ان القيم الأخلاقية الفاضلة في نظر الاسلام، والائمه (عليهم السلام) تنبع من مصادرها الأصلية وهي (القران الكريم والسنوة النبوية المطهرة واهل البيت) (عليهم السلام) كما قال الامام الصادق (عليه السلام) قال (ان الله عز وجل خص رسله ب(مکارم الاخلاق، فاتصفوا في بعشرة - اليقين، القناعة، الصبر، الشكر، والحلم، وحسن الخلق، والسخاء، الغيرة، الشجاعة، والمروءة...الخ)

3. تنظر الفلسفة الإسلامية للقيم الأخلاقية الفاضلة بانها فطرية ومكتسبه، اي تكتسب من البيئة التي يعيش فيها الفرد والمجتمع وبذلك تكون هذه القيم بصورة عامة على نوعين هما (سلبية وايجابيه) يسير عليها المجتمع وبالتالي تكون معايير اجتماعية للفرد والمجتمع يسير بموجبها

ص: 116

4. ان القيم الأخلاقية الفاضلة في نظر الاسلام واهل البيت (عليهم السلام) عدیده ومنها لا الحصر (الكرم، العفة، الأمانة، التأخي، اليقين، الكلم الطيب، التوبة، محاسبة النفس ومراقبتها، طاعة الله وتقواه، الثبات على المبدأ، العدل، الاخلاص، المشورة، الشجاعة، النزاهة، التواضع، الايثار، السخاء، الرجاء في الله، البصيرة.... الخ.

5. ان القائد الرسالي وهو الشخص الذي يتميز بصفات وخصائص ويحمل القيم الأخلاقية الفاضلة كما يتصورها الامام امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام) عديدة ومنها ((العدل والإنصاف، المساواة، الاخلاص، الأمانة، التواضع، طاعه الله وتقواه، القناعة، المشورة، القدوة، النزاهة، الرعاية والاهتمام، والشكر) كما جاء في الرسالة الموجه الى مالك الاشتر (رضي الله عنه).

6. ظهرت في الرسالة التي وجهها الامام امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام) ان هناك واجبات ومسؤوليات تقع على عاتق القائد الرسالي وعددها (14) مسؤوليه وواجب: -

أ. تقيده بالقانون وضبط النفس

ب. اخذ العبرة ممن سبقه في الحكم

ت. العمل الصالح للناس والعفو عنهم

ث. اعتماده المشورة بعيدا عن ( المخبر الواشي، البخيل، الجبنان، والمسؤول الخائن لشعبه)

ج. استخدام القادة الصالحين في الجيش والاجهزة الأمنية ولاسيما مسؤوليات الدولة

ح. الاهتمام بالعلماء والخبراء والحكماء والاهتمام بهم ولاسيما الامن والقضاء

خ. التواضع مع وجاء الناس والمستضعفين وذوي الحاجات الاخرى (الدخل المحدود)

د. ضروه اختيار الولاة والمدراء لأجل توفير الخدمات للناس ومراقبه اعمالهم

ذ. ضرورة الاهتمام في جدول العمل اليومي المنظم

ص: 117

ر. ضرورة امامه الناس في الصلاة وبساطتها

ز. ضرورة الحفاظ على العهد مع العدو وحرمه دم المواطن وممتلكاته

س. ضرورة استخدم قيم النزاهة عند التعامل مع الناس وبقيه الطبقات الاخرى في انجاز الواجب والمسؤوليات

ش. ضرورة الاهتمام بالحرف والمهن ولاسيما التجارة والصناعة لأنها تكمل الواحدة الاخرى

ص. ضروه ابعاد شبح الحرب والجنح الى السلم

ثانيا: -

التوصيات والمقترحات

1. التأكيد على وزارة التربية والتعليم العالي بتضمين المناهج الدراسية بدأ من مرحله رياض الاطفال حتى المراحل العليا الجامعية هذه القيم لأنها هي الاساس في بناء شخصية الانسان الفرد والمجتمع.

2. حث المدرسين واعضاء هيئه التدريس في تكريس هذه القيم في نفوس الطلبة من خلال الأنشطة العلمية والأدبية والاجتماعية لتكون منهج عمل لهم في المستقبل.

3. التأكيد على السلطة الرابعة ولاسيما القنوات الإعلامية أن تبرز مضامين القيم الأخلاقية السامية التي جاء بها الاسلام ولاسيما اهل البيت (عليهم السلام) لانها هي الاساس في التعايش السلمي.

4. اقامة مؤتمرات وندوات وحلقات نقاشية حول مضامين الرسالة كل حسب اختصاصه لترسيخ مضامين القيم والواجبات والمسؤوليات.

5. تكليف مراكز البحوث التربوية والنفسية والاجتماعية بالبحث عن مغزی هذه القيم وكيفية الاقتداء بها مستقبلا.

ص: 118

المصادر

1. الابراشي، محمد عطية، الاسلام منقذ للإنسانية، مكتبه مصر، مصر، 1974 م

2. برکات احمد لطفي بركات في الفكر التربوي الاسلامي ط -الرياض دار المريخ 1982

3. بدوي، احمد زكي، قاموس مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبه لبنان، 1977

4. حریم، حسين، السلوك التنظيمي، سلوك الافراد والجماعات في منظمات الاعمال، دار حامد، الاردن 2009

5. خوري توما المناهج التربوية ومرتكزات تطويرها وتطبيقاتها ط - بيروت 1983

6. زهران، حامد عبد السلام، علم النفس الاجتماعي، عالم الكتب، القاهرة 1984

7. سالم، فؤاد الشيخ واخرون، المفاهيم الإدارية الحديثة، دار المستقبل للنشر والتوزيع، الاردن 1989

8. الشناوي، محمد واخرون، التنشئة الاجتماعية للطفل، دار صفاء للنشر والتوزيع، الاردن، 2001

9. صالح ذياب هندي واخرون، الثقافة الاسلامية، دار الفكر للطباعة والنشر، الاردن 2000

10. صالح ذياب هندي واخرون،، صالح ذياب واخرون، اسس التربية، دار الفكر للنشر والتوزيع، الأردن، 1990

11. الصفار، فاضل الشيخ، اداره المؤسسات من التأهيل الى القيادة، دار العلوم بيروت 2002.

12. الصدر، محمد مهدي، اخلاق اهل البيت مؤسسة دار الكتب الاسلامي قم 2008

13. الطهطاوي، سید احمد، القيم التربوية في القصص - القران الكريم، دار الفكر،

ص: 119

القاهرة 1996.

14. عبد العزيز صالح التربية وطرق التدريس دار المعارف بمصر 1981.

15. علي جابر الربيعي، شخصية الإنسان، تكوينها، طبيعتها واضطراباتها، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1994.

16.کنعان احمد على ادأب الاطفال والقيم التربوية دار الفكر دمشق 1999.

17. مهدي عباس علي واخرون اسس التربية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة الموصل 2002.

18. النوره جي، احمد خورشید مفاهيم في الفلسفة والاجتماع، دار الشؤون الثقافية العامة، بغدادا 1990.

19. وهران، يحيى علي، مهارات الحياه وبناء المجتمع، جامعة المنصورة 2012 الكتب والبحوث والمراجع المعتمدة في هذا البحث وهي: -

20. العلامة السيد مهدي الصدر، أخلاق أهل البيت، دار الكتاب الإسلامي، إيران 2008.

21.هاشم الموسوي، التربية الأخلاقية والاجتماعية، منظمة الإعلام الإسلامي، إيران 1993

22. الشيخ الجليل رضي الدين الطبرسي، .مکارم الاخلاق،، مرکز نشر کتاب

23. قمي، عباس، خمسون دراسا في الاخلاق، دار الجوادين، كربلاء المقدسة 2012

24. القزويني عبد الكريم الحسني - الوثائق الرسمية لثورة الامام الحسين مكتبه الشهيد الصدر بلا.

25. سوادي، فليح، عهد الامام علي ابن ابي طالي (عليه السلام) الى واليه على مصر، مالك الاشتر (رضي الله عنه)، العتبة العلوية المقدسة، قسم الشؤون الفكرية والثقافية ط - 1، 2010.

ص: 120

26. سلطان محمد السيد مفاهیم تربوية في الاسلام مؤسسة الوحدة للنشر والتوزيع الكويت 1977.

27. الشيخ علي الفتلاوي، رساله في فن الالقاء والحوار والمناظرة، العتبة الحسينية المقدسة، سلسله (16).

28. الزبيدي، صباح حسن عبد القيادة الحسينية المجتمعية اسلوب ثوري في بناء المجتمع واصلاحه من خلال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحث مقدم الى مهرجان ربيع الشهادة العلمي الثقافي الخامس للمدة من (3 - 7) شعبان، کربلاء المقدسة.

29. الزبيدي، صباح حسن عبد، شخصية الإمام موسی بن جعفر (عليه السلام) تجسد للقيم الأخلاقية والتربوية، دراسة تعريفية، للمشاركة في المؤتمر الدولي الثالث تحت شعار، (الإمام موسی بن جعفر الكاظم، مصدر عطاء خالد للإنسانية) للمدة 25 - 26 - 5 - 2012.

30. الزبيدي، صباح حسن عبد، بناء منظومة قيم المواطنة الصالحة واثرها في المناهج الدراسية لتساهم في بناء شخصية الطالب العراقي، بحث مقدم الى المؤتمر العلمي الرابع لأبحاث الموهبة والتفوق، الجامعة الأردنية وبالتعاون مع المؤسسة الدولية للشباب والبيئة والتنمية للفترة من 11 - 12 - اب - 2015 الاردن.

ص: 121

ص: 122

صلاح الراعي وإصلاح الرعية قراءة في عهد الامام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر (رضي الله عنه)

اشارة

م. د عبد الزهرة جاسم الخفاجي

الكلية الإسلامية الجامعة - النجف الأشرف

ص: 123

ص: 124

المقدمة

الحمد لله حمد الشاکرین، والشكر لله شكر الذاکرین، والصلاة وأتم التسليم على خاتم النبيين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد.

فقد شهدت الفترة التي سبقت خلافة الامام علي (عليه السلام)، مزيجاً من الفتن واضطراباً في أنظمة الحكم التي اعتمدت القوة والقسوة للتوسع وتثبيت حكمها، کما اعتمدت مبدأ الأَثَرَة في توزيع الفيء بخلاف ما كان عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله). إذْ حصل ابتعاد عن نهج النبوة، وحصلت أوضاع لم يكن أكثر الصحابة يحبذونها ويرضون عنها، وقد بلغ الإنحراف أوجَه في خلافة عثمان لأن بطانة قد التفت حوله من أقربائه، الذين كانوا محل ثقته، وهؤلاء أساؤوا استغلال ثقة عثمان بهم، فتلاعبوا بالثروات والمناصب مما سبَّب حالة من الغضب في أوساط من الرعية، انتهى بمقتل عثمان بن عفان. وفي خِضَّم هذه المعطيات قبل الإمام علي (عليه السلام) اختيار الأمة له خليفة للمسلمين على أن تكون حريته مطلقة في الإصلاح والتغيير.

إنَّ أهم ما يتميز به الإمام علي (عليه السلام) أنه يمتلك أهم عناصر الإصلاح وهما: المبادرة والتصدي، كما أنَّه كان يُقرن القول بالفعل، وكان منهجه في الإصلاح يقوم على ثنائية ( الراعي والرعية): (فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ اَلرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِصَلاَحِ اَلْوُلاَةِ وَ لاَ تَصْلُحُ اَلْوُلاَةُ إِلاَّ بِاسْتِقَامَةِ اَلرَّعِيَّةِ) ولذلك كانت أُولى خطواته في اصلاح ما أفسده الذين سبقوه على المستوى الإداري هو التغيير الشامل للولاة، وعلى المستوى الاجتماعي هو إلغاء مبدأ الأَثَرَة والعودة إلى مبدأ الأُسوة في توزيع الفيء مخاطباً الناس قائلاً: (فأما هذا الفيء فليس لاحد على أحد فيه أثرة وقد فرغ الله من قسمته فهو مال الله، وانتم عباد الله المسلمون).

ص: 125

وقد وجد الإمام علي (عليه السلام) أنَّ نجاح مشروعه الإصلاحي، يتطلَّب ثقافة تدعمه، وتشجع الناس على ترك ما اعتادوا عليه من عادات سيئة، وتُحصِّنهم من القِوى التي تقف بوجه الإصلاح. فأولى تثقيف الأُمة اهتماماً بالغاً، وكان متميزاً بهذا الجانب، ويكاد لا يخلو مصدر من مصادر التراث العربي والإسلامي من كلام له (عليه السلام). وقد بادر الشريف الرضي (ت 406 ه) رحمه الله فاختار من هذا الكلام وجَمَعَه في كتاب أسماه نهج البلاغة.

ويُعَدُّ عهده لمالك الأشتر (رضي الله عنه) لمّا ولاّه مصر من أهم وأطول كُتُبه (عليه السلام). ومع انّه (عليه السلام) أراد من العهد أن يكون توجيهاً لأحد ولاته في ممارسة ما عُهِد إليه من الأمور وبيّن له الإطار الإسلامي الذي يتكفّل بإرساء حكومة العدل الإلهي، والتأسيس لنظام إداري وحقوقي يبدأ من الحاكم نفسه، إلاّ أنّ الواقع يفيد شمول هذا العهد لكافّة الأفراد وفي كلّ عصر ومصر. وهذا ما جعله من أهمّ المصادر التي تُستسقی منه المبادئ التي تُنير طريق الولاة في إدارة ما تَولَّوه، في كلِّ زمان، وفي كلّ مكان.

ما يعانيه المجتمع الإنساني بشكل عام والمجتمع الإسلامي بشكل خاص وما في العراق بشكل اخص فيما يتعلق بولاة الأمور (الرعاة) والمجتمع (الرعية) من سوء إدارة صارت فيه مفردة الفساد تتردد على السن الجميع بشكل يؤشر على ان الفساد صار ظاهرة تنخر في اركان الإدارة والمجتمع. صارت الحاجة ملحة للعودة الى ذلك المعين الثر لاصلاح ما فسد.

في عهده لمالك الاشتر (رضي الله عنه) قدم الامام علي (عليه السلام) مشروعا متكاملا لاصلاح الراعي والرعية. رسم فيه اختيار (الراعي) الصالح وما يجب عليه لرعيته ووضع فيه تصورا للرعية ومشكلاتها ووضع الحلول الواقعية لتلك المشكلات.

لقد کُتِبَ الكثير بشان عهد الإمام (عليه السلام) لمالك الاشتر (رضي الله عنه) إلاّ

ص: 126

اننا نجد ان هذا الأثر الخالد ما زال يرفدنا بما نحتاج اليه كلما دعت الحاجة الى ذلك وفي مختلف مجالات الحياة. فهو دستور دائم يستمد ديمومته من فكر الامام علي (عليه السلام) الذي لم يبلغ احد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما بلغه. يؤكد ذلك قول الامام الحسن (عليه السلام) يوم نعاه للناس: (قَدْ قُبِضَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ رَجُلٌ مَا سَبَقَهُ الْأَوَّلُونَ وَلَا يُدْرِكُهُ الْآخِرُونَ).

وقد خصص هذا البحث لجوانب من عهده لمالك الاشتر، لما فيه من فائدة للإنسانية بشكل عام وما تعانيه امتنا بشكل خاص، وفي هذا البحث محاولة لاعادة قراءة عهد الامام (عليه السلام) لمالك الاشتر، ودراسة لبعض ما جاء فيه خاصة فيما يتعلق بصلاح الراعي باعتباره يسوس الامة ومنهج الامام علي (عليه السلام) في اعداده لِيُصلِح من خلاله الرعية، ولذلك جاء البحث تحت عنوان [صلاح الراعي وإصلاح الرعية - قراءة في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه )] وليتحقق الهدف المنشود من البحث فقد جاء في مقدمة، وثلاثة مباحث، وخاتمة، وعلى النحو الآتي:

المقدمة: للتعريف بالبحث

1. المبحث اول:- مدخل سُلِّط فيه الضوء على عناصر أساسية في البحث هي: مالك الاشتر، والعهد، وبيان أهمية مصر.

2. المبحث ثاني: - تعريف الصلاح ومن هو الراعي وتناول بعض ما جاء في العهد عن صلاح الراعي.

3. المبحث ثالث: - تعريف الإصلاح وبين المقصود بالرعية وإصلاحها من خلال ما جاء في العهد.

4. الخاتمة: - وفيها عَرْض ما توصل اليه الباحث.

ص: 127

المدخل

إنَّ بيان معاني الالفاظ ومدلولاتها من مضانها، يُعد من أهم المرتكزات التي تمكن الباحث من تشكيل تصور عام للأفكار التي يطرحها فَتتوضَّح لَديه الخطوط العريضة لموضوع الدراسة، كما تساعده على ديمومة التواصل مع موضوعه وفكرته الأساسية، لذلك تم تسليط الضوء في هذا المبحث على الالفاظ التي تشكل موضوع البحث وهي:

مالك الاشتر (رضي الله عنه):

هو (مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلّمة بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة بن سعد بن مالك بن النخع من مذحج)1.

ان التعرف على شخص مالك الاشتر ومعرفة أبعاد وخصائص هذه الشخصية، تمكننا من الوقوف على سبب اختيار الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) له لتولي إدارة مصر في مثل ذلك الوضع الصعب بدلاً من محمد بن أبي بكر، ولا بد ان يكون لمالك شخصية جديرة بثقة الامام علي (عليه السلام) وقد كان كذلك، فقد قال فيه عليه السلام (كان الاشتر لي كما كنت لرسول الله)(2). بهذه الكلمات نوَّه امير المؤمنين (عليه السلام) بِمَقام (مالك بن الحارث النخعي )(3) عنده. والنَخَعي نسبة إلى النخع(4).

لم يُعرَف الكثير عن مالك قبل الإسلام، كما لم تُحدد المصادر التي تناولت سيرته تاریخ میلاده واكتفت بالقول: «وُلِد قبل الإسلام بقليل.... قبل بعثة النبي بعقدين او ما يزيد عن ذلك قليلا»(5) واسلم على عهد رسول الله (صلى الله عليه واله) ولكن لم يُذكر متی اسلم. فهو وإن عاصر النبي لكنه لم يره او يسمع حديثه، وقد عُدَّ من التابعين، وكان صاحب دین، وقد ذُكر عند رسول الله (صلى الله عليه واله) فقال فيه «انه المؤمن حقّاً»(6)، كما كان من الذين قال فيهم رسول الله «عصابة من المؤمنين» الذين شهدوا موت

ص: 128

ابي ذر الغفاري (7).

وقد شخص فيه الامام علي (عليه السلام) هذه الخصلة عندما قال له: «فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَی إِقَامَةِ الدِّينِ وأَقْمَعُ بِهِ نَخْوَةَ الأثِيمِ...»(8).

اشتهر (بالاشتر)(9) حتى غلب هذا اللقب على اسمه، وقد لحق به هذا اللقب جراء إصابة عينه في معركة اليرموك قرب حمص وهي المعركة التي دارت بين المسلمين والروم سنة (13 ه)، وكان قد برز الى ماهان قائد جيش هرقل «فأخرج ماهان عموده وضرب به مالكاً على البيضة التي على رأسه فغاصت في جبهة مالك فشترت عينه، فمن ذلك اليوم سمي بالأشتر» (10). کما لقب «بكبش العراق»(11) لانه المقدم على جيش الامام علي عليه السلام وحامل رایته.

لم تكن علاقته مع الامام علي مبنية على أسس شخصية وانما كانت مبنية على أساس الايمان الصادق برسالة الإسلام وبنبوة محمد (صلى الله عليه واله)، وهذا ما عبر عنه مالك بنفسه قائلا: «فوالله إنا لنعلم أنه ما على ظهر الأرض وصي نبي سواك، وإنّا لنعلم أن الله لا يبعث بعد نبینا (صلى الله عليه وآله) نبياً سواه، وإن طاعتك لفي أعناقنا موصولة بطاعة نبينا »(12).

وكانت علاقة متميزة فقد ثبت مع الإمام علي (عليه السلام) عندما تخاذل أصحابه عنه وفر بعضهم الى معاوية فخاطبه حينها الامام قائلا «أنت من آمن الناس عندي وأنصحهم لي وأوثقهم في نفسي إن شاء الله»(13).

ص: 129

وقد شخص فيه الامام علي (عليه السلام) خصالاً قلما تجتمع لغيره «كان ممن لا يخاف وهنه ولا سقطته، ولا بطؤه عما الاسراع إليه أحزم، ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل»(14)،

يعزز من هذه الصفات النصح في علاقته مع الامام فقد قال (عليه السلام) فيه: «كان رجلا لنا ناصحا وعلى عدونا شديدا »(15).

لم يكن مالك الاشتر في معزل عن الاحداث التي عصفت بالامة الإسلامية، فقد كان رافضاً للظلم أياً كان مصدره، وكان معارضاً لسياسة ولاة عثمان المتعسفة فكان رده بليغاً على سعيد بن العاص والي الكوفة يوم قال: « إِنَّمَا السواد بستان لقريش، فَقَالَ له الأشتر: أتجعل مراکز رماحنا وَمَا أفاء اللهَّ عَلَيْنَا بستانًا لَك ولقومك؟ والله لو رامه أحد لقرع قرعا يتصأصأ منه»(16)، الامر الذي ترتب عليه نفي الاشتر واصحابه الى الشام، كما كتب اليه عثمان يتوعده: «إني لأراك تضمر شيئًا لو أظهرته لحل دمك، وَمَا أظنك منتهيًا حَتَّى تصيبك قارعة لا بقيا بعدها، فَإِذَا أتاك كتابي هَذَا فسر إِلَى الشام لإفسادك قبلك وأنك لا تألوهم خبالًا»(17). ولذلك كان من اشد المعارضين لسياسة عثمان بن عفان وكان من قادة وفد الكوفة الى عثمان سنة 35 ه(18)، وقد دعاه عثمان لمعرفة ما يريد الناس قائلاً له: « يَا أَشْتَرُ، مَا يُرِيدُ النَّاسُ مِنِّي؟ قَالَ: ثَلَاثٌاً، لَيْسَ لَكَ مِنْ إِحْدَاهُنَّ بُدٌّ، قَالَ: مَا هُنَّ؟ قَالَ: يُخَيِّرُونَكَ بَيْنَ أَنْ تَخْلَعَ لَهُمْ أَمَرَهُمْ فَتَقُولَ: هَذَا أَمْرُكُمْ فَاخْتَارُوا لَهُ مَنْ شِئْتُمْ، وَبَيْنَ أَنْ تَقُصَّ مِنْ نَفْسِكِ، فَإِنْ أَبَيتَ هَاتَيْنِ فَإِنَّ الْقَوْمَ قَاتِلُوكَ، قَالَ: أَمَا مِنْ إِحْدَاهُنَّ بُدٌّ؟ قَالَ: لَا»(19). وانتهت الاحداث بمقتل عثمان.

بعد مقتل عثمان بن عفان تهافت الناس على الإمام علي (عليه السلام) يطلبون مبايعته، فامتنع قائلاً لهم: «دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت، واعلموا

ص: 130

أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل، وعتب العاتب...»(20). ولكن بعد إصرارهم على مبايعته قبلها (عليه السلام) وكان قبوله مشروطاً فقد قال (عليه السلام): «إِنَّكُمْ قَدِ اخْتَلَفْتُمْ إِلَيَّ وَأَتَيْتُمْ، وَإِنِّي قَائِلٌ لَكُمْ قَوْلا إِنْ قَبِلْتُمُوهُ قَبِلْتُ أَمْرَكُمْ، وَإِلا فَلا حَاجَةَ لِي فِيهِ»(21).

قالوا: ما قلت قبلناه ان شاء اللهّ، فجاء فصعد المنبر فاجتمع الناس اليه فقال: اني قد كنت كارها لامركم فابيتم الا ان اكون عليكم الا وانه ليس لي امر دونكم، الا ان مفاتيح مالكم معي الا وانه ليس لي ان آخذ منه درهما دونكم، رضيتم؟. قالوا: نعم. قال: اللّهم اشهد عليهم ثم بايعهم على ذلك(22). فتمّت البيعة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المدينة المنوّرة يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين للهجرة.

لاشك ان إصرار الإمام علي (عليه السلام) على وضع امر مال المسلمين بيده اثار شكوك ولاة عثمان الذين سخّروا جهاز الحكم لمصالحهم الخاصّة، وأُثروا ثراءاً فاحشاً ممّا اختلسوه من بيوت المال، ووجوه بني أُميّة وعشائر قريش، وأيقنوا أنّ الإمام سيصادر الأموال التي منحها لهم عثمان بغير حقّ..

وسرعان مابدأت المؤآمرات تحاك للوقوف بوجه المشروع الإصلاحي للإمام علي (عليه السلام) فكانت بدايتها في مكة المكرمة بقيادة عائشة وطلحة والزبير؛ فنكثوا البيعة وخرجوا الى البصرة بمن معهم من بني امية ومَن حولهم. وكانت الأخبار تصل تباعاً الى الإمام (عليه السلام) بما دُبِّر في مكة، ثم بخروج عائشة بمن معها.

أمَرَ الإمام (عليه السلام) بأن يُنادى في الناس بالتأهب للمسير الى العراق. فأتاه من يعتذر إليه من الخروج، بحجة أن هذه فتنة، أو بأنهم لا يقاتلون مسلماً. وكان لمالك الاشتر موقف يختلف عن الآخرين، إذ لما بلغه نداء الإمام علي (عليه السلام) اسرع اليه وقال له: «يا أمير المؤمنين، إنا وإن لم نكن من المهاجرين والأنصار، فإنا من التابعين بإحسان.

ص: 131

وإن القوم وإن كانوا أولى بما سبقونا، فليسوا بأولى بما شركناهم فيه. وهذه بيعة عامة، الخارج منها طاعن مستعتب. فحُضّ هؤلاء الذي يريدون التخلف عنك باللسان، فإن أبوا فأدبهم بالحبس» (23).

ومن هنا صارت مواقف الأشتر واضحةً جَليَّة المعالم؛ فأصبح جُندياً مخلصاً لأمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يفارقه قطٌّ ولازمه في كل معاركه، فقد تولى امر تحشيد الناس في الكوفة بعد ان استأذن الإمام قائلا له: «فإن رأيت جُعلت فداك أن تبعثني في أثرهم فإن أهل الكوفة أحسن لي طاعة وإن قدمت عليهم رجوت أن لا يخالفني أحد منهم» (24). فأذِن له. وكانت مواقفه مشهودة في حرب الجمل، امّا في صفين فكادت تكون نهايتها على يديه لولا خدعة رفع المصاحف، فقد كان على (عدوة فرس) من النصر، ولكنه رضي بما رضي به أمير المؤمنين (عليه السلام)(25).

كان معاوية يحسب للاشتر حسابه. وكان يعده من اخلص أصحاب علي «فقد عده ضمن الخمسة الذين قنت عليهم وهم: علي والحسن والحسين - عليهم السلام - وعبد الله بن عباس، والاشتر ولعنهم»(26)، حتى انه قد ساءه ان سمع اخبار ارسال علي مالك الاشتر لولاية مصر، وكان معاوية يعتقد ان الاشتر لو وصل الى مصر لم يعد لمعاوية امل في استمالتها لجانبه لذلك بذل طاقته في منعه من الوصول اليها، وقد كان له ذلك على يد رأس اهل الخراج المقيم في(القلزم(27)) حيث بعث اليه معاوية كتابا جاء فيه: «أن عليا قد بعث بالاشتر إلى مصر وإن كفيتنيه سوغتك خراج ناحيتك ما بقيت، فاحتل في قتله بما قدرت علیه»(28).

فاحتال الدهقان «وحمل إليه طعاما دس في جملته عسلا جعل فيه سما، فلما شربه الاشتر قتله ومات من ذلك»(29)، عندها «قال عمرو بن العاص: إن الله جنوداً من عسل»(30)، وفي رواية ان معاوية هو الذي قال « إن الله جنوداً من عسل»(31)، في حين يقول ابن كثير

ص: 132

: «فلما بلغ ذلك معاوية وعمراً وأهل الشام قالوا: إن الله جنوداً من عسل»(32).

ولأهمية الاشتر فقد قال معاوية: «كان لعلي ابن ابي طالب يمينان قطعت احداهما يوم صفين - يعني عمار بن ياسر - وقطعت الأخرى اليوم - يعني مالك الاشتر»(33).

لقد صدق ابن ابي الحديد وهو يصف الاشتر: «لله أم قامت عن الأشتر، لو أن إنسانا يقسم أن الله تعالى ما خلق في العرب ولا في العجم أشجع منه إلا أستاذه (عليا) عليه السلام لما خشيت عليه الإثم»(34).

ولذلك قال فيه الامام وهو يخاطب أصحابه: «ليت فيكم إثنين مثله، بل ليت فيكم مثله واحداً يرى في عدوي مثل رأيه »(35).

وقد أبَّنَه (عليه السلام) قائلا: «لله دَرُّ مالك! وما مالك؟! لو كان جَبَلاً لكان فِنْدا، ولو كان حجراً لكان صَلْدا، أمَا واللهِ ليَهُدّنّ موتُك عالمَا، ولَيُفرِحَنّ عالمَا، على مِثل مالكٍ فلْتَبكِ البواكي وهل موجود كمالك»(36).

وقال (عليه السلام): «لا أرى مثله بعده أبدا»(37). ولذلك تتوقف الأقلام في مدح مالك عند مدح الامام علياً (عليه السلام) فقد مدحه «ومَدْحُ الإمام إمام كل مَدْح، ومن تصدّى للقول بَعْدَه فقد تعرَّض للقدح»(38).

إن في ما تقدم من مشاهد سيرة مالك الاشتر يعطي صورة عن ان الرجل كان من ذوي الحزم والحسم والإعتداد بالرأي لا يتردد إطلاقاً في اتخاذ الإجراء الكامل والحاسم فيما يرى انه الصواب وما يجب ان يكون. هذه الصفات التي اهلته ليكون مرشح الامام علي لادارة ولاية تعد الأهم بين ولايات الدولة الإسلامية، وعلى وفق منهج كان انموذجا يتعدى حدود الدولة الإسلامية لو أتيح له التطبيق.

ص: 133

عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر:

معنى العهد لغةً:

العَهْدُ: «الوَصِيَّةُ والأَمر قال اللهُ عز وجلّ: (أَلَمْ أَعْهَدْ إليكُمْ يا بَنِي آدَمَ) وكذا قوله تعالى (وعَهِدْنَا إلى إِبراهيمَ وإِسماعيلَ) وقال البيضاويُّ أَي أَمرناهما لكونِ التوصيةِ بطريقِ الأمر. وقال شيخُنا: وجعل بعضُهُم العَهْدَ بمعنَى المَوْثِقِ إلا إذا عُدِّيَ بإِلى فهو حينئذٍ بمعنى الوصية»(39). «والعَهْدُ التقدُّم إِلى المرءِ في الشيءِ والعهد الذي يُكتب للولاة

وهو مشتق منه» (40).و «العَهْدُ... عَهِدَ إليه من باب فَهِم أي أوصاه ومنه اشتق العَهْدُ

الذي يُكتب للولاة»(41)

معنى العهد اصطلاحا:

قال الجرجانيّ: «العهد: حفظ الشّيء ومراعاته حالا بعد حال. هذا أصله ثمّ استخدم في الموثق الّذي يلزم مراعاته»(42).

اعتاد الإمام علي (عليه السلام) أن يكتب لولاته أوامر ووصايا يرجعون إليها في إدارة ولاياتهم بالرغم من معرفته الدقيقة لولاته إلاّ أنَّهُ كان حريصا على أنْ يُوجههم الوجهة الصحيحة من خلال رسم الخطوط العريضة لما يجب ان تكون عليه سياساتهم في إدارة ولاياتهم، «فقد كتب الى محمد بن ابي بكر برنامجاً أخلاقياً لتهذيب النفوس وتطهير القلوب وتقوية عنصر التقوى في الانسان»(43). وعهد الإمام علي (عليه السلام) هو كتاب كتبه لمالك الأشتر النخعي عندما قرر أن يوليه على مصر وأعمالها حين اضطرب أمر واليها محمد بن أبي بكر، وقد وصف بأنه أطول عهد كتبه الإمام وأجمعه للمحاسن (44). وما يلاحظ على العهد انه جاء على فقرات، تكون بدايتها على صيغة الأمر، وهذا يعني أنَّ الإمام علياً (عليه السلام) أراد بذلك إلزام الوالي بتنفيذ ما جاء بالكتاب، مشعرا إياه ان هناك عيناً تراقبه ولذلك تكررت عبارات التنبيه والتحذير في فقرات الكتاب. والعهد

ص: 134

«نسيج وحده، ومنه تعلم الناس الآداب والقضايا والأحكام والسياسة»(45).

يتبين مما جاء في العهد إن غرض الإمام (عليه السلام) هو اصلاح الحُكم والحاكم وجوهر هذا الإصلاح هو العدل المنصف المعزز بالعفو المبتعد قدر المستطاع عن العقوبة «ولا تندمن على عفو ولا تبجحن بعقوبة»(46) والذي عناه الامام علي (عليه السلام) أن العفو والنصح وتعريف المخطيء بخطئه افضل في بناء المجتمع السليم من العقوبة. مؤكدا على إنسانية العلاقة بين الراعي والرعية. القائمة على التسامح والرحمة والمواساة، مشعرا الوالي أنه تحت عين المراقبة في حركاته وسكناته.

وأهمية هذا العهد انه: «ناظر لجميع ابعاد وجهات الإدارة والتدبير لأمور الحكومة، ويحتوي على أصول ثابتة وقواعد متماسكة لايطر أعليها القدم، ولاتبلى أبداً وترسم في مضامينها كافة تفاصيل الحياة السياسية والإدارية في الحكومة الإسلامية»(47).

غير أنَّ العهد لم يصل إلى مصر وأنما «صار الى معاوية لمّا سَمَّ الأشتر ومات قبل وصوله إلى مصر فكان ينظر فيه ويعجب منه»(48). وقد كانت خسارة للإنسانية لأن الإمام علياً (عليه السلام) أراد من العهد ان يكون خطاباً للحكام مسلمين وغير مسلمين من خلال شخص مالك الأشتر، كما أنّ العهد كتب في زمن هو من أكثر ازمنة الدولة الإسلامية عدلاً للأنسان، وإنصافاً لحقوقه لأنه زمان خلافة الإمام علي (عليه السلام).

أهمية مصر:

كانت مصر غنيةً بجندها وثرية بخراجها فقد «جبا عمرو بن العاص مصر لعمر بن الخطاب أثني عشر ألف ألف دينار، فصرفه عنها عثمان بعبد الله بن أبي سرح فجباها أربعة عشر ألف ألف دينار»(49)، «واستقر خراج مصر في أيام معاوية على ثلاثة آلاف ألف دينار...»(50) وهو مبلغ كان يغطي العديد من النفقات التي كان يحتاجها معاوية في حربه مع الإمام علي (عليه السلام)، وفي تثبيت حكمه وشراء الذمم، وكانت مصر في

ص: 135

مقدمة الولايات التي انتفضت على عثمان فكان على رأس وفدها إليه «الغافقي بن حرب العكي»(51). وبعد ان تمت البيعة للإمام علي (عليه السلام) دخلت مصر في طاعته، فعين قيس بن سعد والياً عليها «وخرج في سبعة من أصحابه حتى أتى مصر وقرأ عليهم كتاباً يعلمهم بمبايعته وطاعته وأنه أميرهم»(52)

وبدخول مصر في طاعة علي (عليه السلام)، وانتصاره على الناكثين في البصرة، وجد معاوية نفسه بين فكي كمّاشة؛ لذلك حاول استمالة مصر اليه بكل الوسائل فعرض على قيس ان ينقلب على الإمام علي «ويعظم قتل عثمان ويطوّقه عليًا، ويحضّه على البراءة من ذلك ومتابعته على أمره، على أن يوليه العراقين إذا ظفر ولا يعزله، ويولّي من أراد من أهله الحجاز كذلك ويعطيه ما يشاء من الأموال...»(53)، لم يفلح معاوية في ما سعى اليه وباءت كل محاولاته بالفشل.

وبعد انصراف الناس من صفين انتظاراً لنتائج التحكيم بايع اهل الشام معاوية خليفة، واختلف الناس بالعراق على الامام علي (عليه السلام)، فما كان لمعاوية هم إلاّ مصر فكان يرجو «أن يكون إذا ظهر عليها ظهر على حرب علي، لِعِظم خراجها، قال: فدعا معاوية كان معه من قريش.. ومن غيرهم... فقال لهم: أتدرون لِمَ دعوتكم؟ إني قد دعوتكم لأمر مهم أحب أن يكون الله قد أعان عليه... فقال عمرو بن العاص: أرى والله أمر هذه البلاد الكثير خراجها والكثير عددها وعدد أهلها، أهمك أمرُها، فدعوتنا إذن لتسألنا عن رأينا في ذلك، فإن كنت لذلك دعوتنا، وله جمعتنا، فاعزم وأقدم، ونِعم الرأي رأيت! ففي افتتاحها عِزُّكَ وعِز أصحابك، وكبت عدوك وذل أهل الخلاف عليك»(54). وكانت مصر في نفس عمرو بن العاص لأنه هو الذي فتحها في سنة تسع عشرة من الهجرة في خلافة عمر فكان لعظمها في نفسه وجلالتها في صدره وما قد عرفه من أموالها وسعة الدنيا لا يستعظم أن يجعلها ثمنا من دينه. ولذلك ساوم معاوية عليها فقدقيل «كتب من

ص: 136

علي إلى عمرو، فأقرأه معاوية وقال: قد ترى (ما كتب إلي علي)، فإما أن ترضيني، وإما أن ألحق به، قال: ما تريد؟، قال: مصر، فجعلها له»(55). وهكذا فان «عمرو بن العاص بايع معاوية على قتال علي بن ابي طالب عليه السلام وان له مصر طعمة مابقي»(56). وقد حاول عدد من الكتاب ان يفندوا هذا الاتفاق باعتباره لايليق باصحاب رسول اللہ (صلی الله عليه وآله)؛ إلاّ أنَّ العقاد قال فيه: «ولو اجتمعت التواريخ قاطبة على نقضه، ان الاتفاق بين الرجلين كان اتفاق مساومة ومعونة على الملك والولاية، وان المساومة بينهما كانت على النصيب الذي آل الى كل منهما. ولولاه ما كان بينهما اتفاق»(57).

ولمّا اضطربت مصر على محمّد بن أبي بكر واشتدت الفتنة فيها كتب الى الامام علي يخبره بذلك ومما جاء في كتابه: «فإن كان لك في أرض مصر حاجة فامددني بالأموال والرجال» فلما قرأ الإمام كتاب محمد ساءه ذلك كثيراً وقال: «ما لمصر إلا أحد الرجلين صاحبنا الذي عزلناه عنها - يعني قيس بن سعد بن عبادة - أو مالك بن الحارث - يعني الأشتر هذا فانتدب الإمام (عليه السلام) مالكاً وولّاه عليها»(58). وكتب اليهم يعرفهم به «فقد بعثت إليكم عبداً من عباد الله لا ينام أيّام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء ساعة الرَّوع، أشدُّ على الفجّار من حريق النار، وهو مالك...»(59).

ص: 137

ألمبحث الأول: صلاح الراعي

الصلاح لغةً:

من المؤكد أنَّ الصلاح هو الأساس الذي يقوم عليه بناء المجتمع السليم، وبغيره لا يمكن للحياة أن تستقيم؛ إذ لا يمكن للإنسان أن يعيش سعيداً في مجتمع يسوده الفساد، وتكمن أهمية الصلاح في كونه «جامعاً لكل خير، وله مراتب غير متناهية ومرتبة الكمال فيه مَرْتَبة عليا ولذا طلبها الأنبياء (60)»(61). ولذلك جاء تعريف الصلاح على أنه نقيض الفساد.

(صَلَحَ) «الصَّادُ وَاللَّامُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَی خِلَفِ الْفَسَادِ. يُقَالُ: صَلُحَ الشَّيْءُ يَصْلُحُ صَلَاحًا»(62). وفي تعريف آخر «الصَّلاَح: ضِدُّ الفَسَادِ»(63). وفي تعريف آخر أن الصَّلاح يعني: «الاستقامة، و- السَّلامة من العيب»(64).

الصلاح اصطلاحا:

«هو سلوك طريق الهدى. وقيل هو استقامة الحال على ما يدعو إليه العقل والشرع. والصالح القائم بما عليه من حقوق العباد وحقوق الله تعالى»(65). وعرفه الالوسى قائلاً: «الصلاح هو عبارة عن الإتيان بما ينبغي والتحرز عما لا ينبغي»(66).

الراعي: «الوالي.. وكل من ولي أمر قوم فهو راعيهم وهم رعيته»(67).

ان ما جاء في عهد الامام علي (عليه السلام) الى مالك الاشتر يعكس رؤية الامام علي (عليه السلام) في كيفية ادارة دفة الحكم، فالإمام (عليه السلام) يؤكد على أهمية البعد الشخصي، والصفات الشخصية التي يجب أن تتوفر في من يتصدى للقيادة والتي تلعب

ص: 138

دوراً أساسياً في نجاح القائد أو فشله، ولذلك جاء العهد شاملا بكل مايتعلق بمؤسسة الحكم مبتدئاً بتحديد مسؤولية الراعي ومبينا خطورة منصبه وما يتطلبه من خصائص لابد أن يتحلّى بها من يتصدى لمسؤولية هذه الوظيفة، وأنَّ ضرورة هذه الخصائص تزداد کلّما كان المنصب مهماً. ولذلك فإن الإمام علياً (عليه السلام) كان يختار الرجل المناسب للمكان المناسب، ولم يحدث انه اختار من ولاته من لا يمتلك المؤهلات الذاتية للحكم التي تحفظ له توازنه في إدارة ما أوكل اليه من مهمة، كما جاء في قوله (عليه السلام): «إذا قوي الوالي في عمله حرَّكْته ولايته على حسب ما هو مركوز في طبعه من الخير والشر»(68). وهذا ماكان يتمتع به مالك الاشتر على حد وصف الامام علي (عليه السلام) قائلا له: «أما بعد، فانك مَن استظهر به على إقامة الدين وأقمع به نخوة الأثيم، وأسدّ به ثغر المخوف»(69). فولاّه مصر وقال له: «ليس لها غيرك، أُخرج رحمك اللهَّ! فإني إن لم أوصك اكتفيت برأيك واستعن بِاللهِ عَلَى مَا أهمك، فاخلط الشدة باللين، وارفق مَا كَانَ الرفق أبلغ، واعتزم بالشدة حين لا يغني عنك إلا الشدة»(70)، وحدد له مهام وظيفته في مصر «جباية خراجها، وجهاد عدوها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها»(71).

وكان الإمام علي (عليه السلام) يرى ان عملية الإصلاح تكاملية بين الراعي والرعية «فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْوُلَاةِ وَلَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ إِلَّا بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ» (72)، وصلاح الوالي يبدأ من إصلاح ذاته، وعلى من يريد ان يتولى ادارة غيره ان يبدأ بادارة نفسه كما جاء في قول الامام علي (عليه السلام): «مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَعَلَيْهِ أَنْ

يَبْدَأَ فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ»(73).

وبهذا الاتجاه جاءت وصاياه، وأوامره الى عماله والتي يهدف فيها الى اصلاح نفس (الراعي)، وقد تضمن عهده (عليه السلام) الى مالك الأشتر توجيهات واضحة لبناء شخصية الوالي أمره فيها بأمور هي على مايبدو اركان صلاح الراعي: «أمره بتقوى

ص: 139

الله وإيثار طاعته، واتباع ما أمر به في كتابه: من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها، ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها، وأن ينصر الله سبحانه بقلبه ويده ولسانه، فإنه جل اسمه قد تكفل بنصر من نصره وإعزاز من أعزه. وأمره أن يكسر نفسه من الشهوات ويزعها عند الجمحات، فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله» (74).

والإمام علي (عليه السلام) عندما يأمر بذلك انما يريد أن يُخضع (ذات نفس) ولاته الى عملية إصلاح شامل لإن النفس هي الميدان الأول للإصلاح، وبها يبدأ الإصلاح الحقيقي، فالذي يقدر على اصلاح نفسه يكون على غيرها أقدر، وفلاح العبد في الدنيا والآخرة مرتبط بصلاح نفسه فقد قال تعالى: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا» (75). وهكذا حدد الامام علي (عليه السلام) أُسس صلاح الوالي: «أن يكون متقياً مطيعاً لله، متبعاً لأوامره، ناصراً له تعالى، قامعاً شهوته عن الحرام، مانعاً نفسه عن المعاصي »(76). وسيتناولها البحث كما يأتي:

1 - أن يكون متقياً مطيعاً الله تعالى: -

التقوى: «من الوقاية، وهي ما يحمي به الإنسان نفسه» (77). وقد وردت (التقوى) في القرآن الكريم بهذا اللفظ في خمس عشرة مرة كما وردت بصور بيانية أخرى في مواضع عدة(78). ولمفردة التقوى مساحة كبيرة في كلام الإمام علي (عليه السلام)، وتكاد لاتخلو منها خطبة من خطبه أو كتاب يوجهه الى عامل من عماله، ومما قاله في التقوى :«التَّقْوَى سِنْخُ الْإِيمَانِ»(79) أي اصله واساسه، وقال (عليه السلام): «إنَّ تَقْوَى اللّهِ مِفْتاحُ سَداد، وذَخيرَةُ مَعاد، وعِتْقٌ مِنْ كُلِّ مَلَكَة، وَنَجاةٌ مِنْ كُلِّ هَلَكَة، بِها يَنْجُوالهارِبُ، وتُنْجَحُ

المَطالِبُ، وَتُنالُ الرَّغائِبُ»(80). وفي بيان علامات المتقين ماجاء في قول الله تعالى: «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى

ص: 140

وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» (81). وفيما نقل عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: لأهل التقوى علامات يُعرفون بها: صدق الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وقّلة الفخر والبخل، وصلة الأرحام، ورحمة الضعفاء، وقلّة المؤاتاة للنساء، وبذل المعروف، وحسن الخلق، وسعة الحلم، واتّباع العلم فيما يقرّب إلى الله عزّ وجلّ»(82)، والتقوى كما فسرها الامام الصادق (عليه السلام) «ان لايفقدك الله حيث امرك، ولايراك حيث نهاك»(83)، فالتقوى إذن: «قوة روحية تتولد من التمرين العملي الذي يحصل من الحذر المعقول من الذنوب»(84). فهي حالة في الانسان تنمو بالمتابعة الفكرية والتربية الروحية، ولذلك كان الأمام علي (عليه السلام) ينمي التقوى في المجتمع من خلال الخطب والرسائل ومتابعة تنفيذ مايطرحه بنفسه ومن خلال جهاز رقابي واسع.

ولم تزل التقوى دعوة جميع الأنبياء الى الأمم التي بعثوا اليها فكانت هدفا تسعى الرسالات السماوية الى تحقيقها في نفوس الناس كما في قوله تعالى: «وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا» (85). فالتقوى اذن «شريعة عامة لجميع الأمم لم يلحقها نسخ ولاتبديل، بل هي وصية الله في الأولين والاخرين»(86). والتقوى تنتهي بصاحبها الى الجنة كما يقول الإمام علي (عليه السلام): «أَلاَ وَإِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وَأُعْطُوا أَزِمَّتَها، فَأَوْرَدَتْهُمُ الجَنَّةَ»(87). وبين (عليه السلام) أهمية التقوى في الحياة الدنيا وعاقبة المتقين في الآخرة فقال: «فَإِنَّ الْتَّقْوَى فِي الْيَوْمِ الحرْزُ وَالجُنَّةُ، وَفِي غَد الطَّرِيقُ إِلَی الجَنَّة»(88).

ص: 141

ويخلص الطباطبائي في تفسيره للآية الكريمة: «لَيْسَ عَلَی الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالَحِاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ

اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»(89) إلى القول: «وأما تكرار التقوى ثلاث مرات، وتقييد المراتب الثلاث جميعاً به فهو لتأكيد الإشارة إلى وجوب مقارنة المراتب جميعاً للتقوى الواقعي من غير غرض آخر غير ديني، وقد مر في بعض المباحث: أن التقوى ليس مقاماً خاصاً دينياً بل هو حالة روحية تجامع جميع المقامات المعنوية أي لكل مقام معنوي تقوى خاص يختص به» (90).

وقَرَنَ الإمام علي (عليه السلام) التقوى بالطاعة لله تعالى فقال: (وإيثار طاعته) على أن تُؤثَر هذه الطاعة عمّا سواها، فمن وصيته لأحد عماله: «واعمل بطاعة الله فيما ولاك منها»(91)، كما اعتبر أنَّ طاعة الله وطاعة الإمام من فعل المتقين؛ فقد كتب الى سعد بن مسعود واليه على المدائن: «.. وأطعت ربك، وأرضيت إمامك فِعْلُ المُبِرِّ النقي النجيب»(92).

2 - أن يكون متبعاً لأوامر الله تعالى:

«واتباع ما أمر به في كتابه: من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها، ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها»(93).

ولاشك أنّ امر الإمام علي (عليه السلام) لمالك ومن خلاله لكل الولاة باتباع لله فرائض الله تعالى، لكي تكون حياتهم امتداداً لتلك الفرائض، وتعبيراً عن عبوديتهم لله تعالى، وتطبيقاً لما في تلك الفرائض من مفاهيم الإستعانة بالله والثقة به. وهنا يرسم الإمام علي (عليه السلام) لولاته طريق العلاقة بالله تعالى، ليكون الوالي على صلة دائمة مع الله تعالى، فيتجنب الزلل، أو الإنحراف عن طريق الحق من خلال استشعاره المستمر بوجود الرقيب معه.

ص: 142

وقد بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) أهمية إداء الفرائض: « قال إن الله تعالى يقول: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي حتى أحبه)»(94).

کما بين الإمام علي (عليه السلام) المقصود بالفرائض فقال: «أما ما فرضه الله سبحانه في كتابه فدعائم الإسلام، وهي خمس دعائم: وعلى هذه الفرائض الخمس بني الإسلام، فجعل سبحانه لكل فريضة من هذه الفرائض أربعة حدود لا يسع أحدا جهلها، أولها الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام ثم الحج ثم الولاية، وهي خاتمتها والجامعة لجميع الفرائض والسنن»(95). وقد اعتبر إداء الفرائض من أفضل العبادات فقال: «لا عبادة كأداء الفرائض» (96).

ومن كلام للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بين فيه ما أراد الله تعالى بفرض الفرائض يقول به: «إن الله بمنه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم بل برحمة منه لا إله إلا هو عليكم ليميز الخبيث من الطيب وليبتلي ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم لتسابقوا إلى رحمة الله ولتتفاضل منازلكم في جنته ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية»(97). وأداء الراعي لفرائض الله هو بمثابة الإعداد المعنوي له.

وأهم الفرائض المُقَرِّبة الى الله تعالى، عدل الراعي في رعيته كما جاء في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن أحب العباد إلى الله يوم القيامة وأدناهم إليه مجلساً إمام عادل» (98)

ومن المؤكد ان الأنموذج الأمثل بالعدل بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الإمام علي (عليه السلام)، ويكفي أن نسوق مثلاً لأهمية العدل عند الإمام علي بن ابي طالب ما جاء في كلام ابن الأثير المؤرخ المعروف في وصف عدالة الإمام (عليه السلام): «إنّ زهده

ص: 143

وعدله لا يمكن استقصاؤهما، وماذا يقول القائل في عدل خليفةٍ يجد في مالٍ جاءه من أصفهان رغيفاً فيقسِّمه أجزاءاً كما قسّم المال، ويجعل على كل جزء جزءاً، ويساوي بين الناس في العطاء، ويأخذ كأحدهم»(99).

3 - أن يكون ناصراً الله تعالى:

«وأن ينصر الله سبحانه بقلبه ويده ولسانه، فإنه جل اسمه قد تكفل بنصر من نصره وإعزاز من أعزه»(100). يوكد الامام (عليه السلام) ان على الراعي ان (ينصر الله سبحانه بقلبه ويده ولسانه)، فالقلب يحيا بذكر الله لقول الله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (101). واهمية القلب تكمن في كونه المتصرف في الانسان ومنه يكتسب الاستقامة او سواها فقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله): «أَلا إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغةً إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلَّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ»(102). وقد تعهد الله تعالى نصْرِ من نَصَرَه في قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ» (103)، وهذا وعد من الله تعالى والله لا يخلف وعده. وقد بين الله تعالى صفات من يستحقون النصر فقال: «وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ٭ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ»(104). وفي نصر الله تعالى صلاح الراعي كما جاء في قول الراغب: «والنصر من الله معونة الأنبياء والأولياء وصالحي العباد بما يؤدي إلى صلاحهم عاجلاً أو آجلاً وذلك تارة يكون من خارج بمن يقيضه الله فيعينه وتارة من داخل بأن يقوي قلب الأنبياء أو الأولياء أو يلقي الرعب في قلوب الأعداء»(105).

ص: 144

4 - أن يكون قامعاً شهوته عن الحرام:

«وأمره أن يكسر نفسه من الشهوات ويزعها عند الجمحات، فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله»(106).

يعد اجتناب محارم الله تعالى ركناً من اركان العقل، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اجْتَنِبْ مَحَارِمَ اللهِ وَأَدِّ فَرَائِضَ اللهِ تَكُنْ عَاقِلا»(107)، وكان الإمام علياً (عليه السلام) حريصاً على تربية أتباعه على الكف عن المحارم، فمن وصية له لإبنه الحسن (عليهما السلام): «..ولا ورع كالكف عن محارم الله »(108).

«وشح بنفسك عما لا يحل لك»، الإنسان مجبول على حب الشهوات «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ» (109). ولكن الإمام علي (عليه السلام) يريد من عامله ان يكون ضنينا بنفسه لا يعطيها لمفاتن الدنيا بلا حساب ولا حدود وذلك بترويضها والتضييق عليها فيما تحب من الحلال حتى يتمكن منها وتنقاد اليه فيما ينهاها عن الحرام. وقد رسم الامام علي (عليه السلام) منهجا لترويض النفس فقال: «وَايْمُ اللهِ يَمِيناً أسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللهِ عَزَّوَجَلّ لاَرُوضَنَّ نَفْسِي

رِيَاضَةً تَهشُّ مَعَها إِلَی الْقُرْصِ إِذَا قَدَرتْ عَلَيْهِ مَطْعُوماً، وَتَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً وَلاَدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاء، نَضَبَ مَعِينُهَا، مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا»(110).

ان من اصعب ما يُبتلى الانسان به هو ابتلاؤه بنفسه ويتحدد مستقبل الانسان في دنياه او في الاخرة على مدى نجاحه في هذا الامتحان. فقد قال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى» (111). وقد اعتبر النبي (صلى الله عليه واله) منازعة النفس هواها هو الجهاد الأكبر فقد روي عن علي بن ابي طالب (عليه السلام): «أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث سريّة، فلمّا رجعوا، قال: مرحباً بقوم قضوا الجهاد

ص: 145

الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ فقال: جهاد النفس، ثمّ قال (صلى الله عليه وآله): (افضل الجهاد من جاهد نفسه بين جنبيه)»(112)، وفي حديث للإمام علي (عليه السلام) يقول: «أشجع الناس من غلب هواه»(113)، ویری (علیه السلام): «ان صلاح النفس مجاهدة الهوى»(114)، ويحذر من شهوات النفس ويعتبرها مفتاحاً لمعصية الله تعالى فيقول: «مَا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ شَيءٌ إلاَّ يَأْتِي فِي شَهْوَةٍ. فَرَحِمَ اللهُ رَجُلاً نَزَعَ عَنْ شَهْوَتِهِ، وَقَمَعَ هَوَى نَفْسِهِ، فَإنَّ هذِهِ النَّفْسَ أَبْعَدُ شَيْءٍ مَنْزِعاً، وَإنَّهَا لاَ تَزَالُ تَنْزِعُ إِلَی مَعْصِيَةٍ فِي هَوىً»(115). وكسر النفس عن الشهوات هي دعوة الى التعفف «إذ من المستحيل أن يكون عفيفاً متى استرسل مع شهواته»(116)، ويعرف ضبط النفس ومنعها من الاسترسال وراء رغباتها عند فلاسفة الأخلاق ب(الاعتدال)، وعرف ارسطو الإعتدال بأنه: «الوسط القيم في كل مايتعلق باللذّات»(117)، في حين ان عدم الاعتدال يعني: «افراطاً في اللذات وأَنَّه مذموم»(118).

ويرى الإمام علي في التقوى ترويضاً للنفس على كبح الشهوات والوصول الى ضفة الأمان؛ فتحدث عن نفسه قائلاً: «وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ

الاَكْبَرِ، وَتَثْبُتَ عَلَی جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ»(119)

5 - أن يكون مانعاً نفسه عن المعاصي:

«فلیکن احب الذخائر اليك العمل الصالح». يوكد الامام علي (عليه السلام) في صلاح الراعي على العمل الصالح ويوصي مالكاً بان يكون أحب ما يكتنزه في حياته، لان العمل الصالح إذا اجتمع مع الايمان في شخص نفذ حب ذلك الشخص الى قلوب الناس وحظي بالقبول في أوساط رعيته ان كان راعيا، لقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا» (120). وخير من جسد الايمان المقرون

ص: 146

بالعمل الصالح هو الامام علي (عليه السلام) ولذلك يذهب المفسرون الا ان هذه الاية قد نزلت بحقه (121).

وبين (عليه السلام) مقومات العمل الصالح للإنسان قائلاً:

«فاملك هواك». وفي اللغة: «الهَوى مقصوراً: هَوَى النَّفْس، وإِذا أَضفته إِليك قلت هَوايَ، والهوَى: العِشْق يكون في مداخل الخير والشر، والهَوِيُّ: المَهْوِيُّ، وهَوى النفسِ: إِرادتها والجمع الأَهْواء»(122). وقال الراغب: «الهوى: ميل النفس إلى الشهوة، ويقال ذلك للنفس المائلة إلى الشهوة وقيل: سمي بذلك؛ لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية وفي الآخرة إلى الهاوية، والهوي: سقوط من علو إلى سفل»(123).

في الاصطلاح: الهوى «ميلان النفس إلى ما تستلذه من الشهوات من غير داعية الشر»(124). أما المراد باتباع الهوى في الاصطلاح الشرعي «فهو السير وراء ما تهوى النفس وتشتهي أو النزول على حكم العاطفة من غير تحكيم العقل أو الرجوع إلى شرع أو تقدير لعاقبة»(125).

والهوى واحد من أهم نوازع الإنسان الداخلية التي تلعب دوراً كبيراً في إفساد حياة الإنسان فتكون حائلاً بينه وبين الهداية. ولايعني نهي الإسلام الانسان عن اتباع الهوى أنه أراد حرمانه من التمتع بالملذات أو منعه من إشباع غرائزه؛ ف «الناس أبناء الدنيا ولا يلام الرجل على حب أمه»(126). وإنما أراد له ان يمتلك إرادته في التحكم بر غباته وميوله حتى يستطيع توجيهها في الطريق السليم، دون أن يطلق لها العنان فتصبح مدمرة بدل أن تكون نافعة له وللجميع، وقد أشار الله تعالى لما يترتب على اتبع الهوى فقال: «وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ..» (127). وتحكم الإنسان في هواه يؤكد لديه صفة الإنسانية لأن الذي يَملِكَهُ هواه لايختلف عن الحيوان لقوله تعالى: «أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ

ص: 147

يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا» (128). فالهوى حجاب بين المرء والواقع ومن يملكه هواه لا يرى الأمور الا بما يتناسب مع رغباته وان كان ذلك يخالف الواقع وبذلك فإنّه يغيب عقل الانسان ويفسده بإبعاده عن الواقع. وقد بين الامام علي (عليه السلام) دور الهوى في تغييب العقل في مناسبات عدة فقال: «العقل صاحب جيش الرحمن، والهوى قائد جيش الشيطان، والنفس متجاذبة بينهما فايهما غلب كانت في حيزه»(129) و«سبب فساد العقل الهوى»(130)، ويبين (عليه السلام) أثر الهوى على العقل فيقول: «لاعقل مع هوى»(131).

فاتباع الراعي هواه يعني وجود والٍ يدير الأمور بغير عقل. ويربط الامام (عليه السلام) بين العدل وعوامل النفس كالهوى والعاطفة فيقول: «اما بعد فان الوالي اذا اختلف هواه منعه ذلك كثيراً من العدل فليكن امر الناس عندك في الحق سواءاً فانه ليس في الجور عوض عن العدل فاجتنب ما تنكر امثاله»(132). وكان اكثر ما يخشاه الامام علي (عليه السلام) اتباع الانسان هواه فقد قال: «ان اخوف ما أخاف عليكم اثنان، اتباع الهوى وطول الامل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق»(133). واتباع الهوى يعمي البصيرة وهو واحد من المهلكات التي أشار اليها رسول الله (صلى الله عليه واله) بقوله: «ثلاث مهلكات: شحٌّ مطاع وهوى متبع واعجاب المرء بنفسه» وقد أشار الله تعالى الى خطورة اهواء النفس بقوله تعالى: «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ» (134).

مما تقدم فإنَّ الإمام علياً (عليه السلام) أراد أن يربي ولاته على الفضيلة، وأن يعمل كل واحد منهم لخدمة رعيته، أن يكونوا أحراراً لاتستعبدهم الشهوات، ولا يتحكم فيهم الهوى، فينحرفوا عن جادة الحق، وأن يخلصوا العبادة لله وحده، مع أنه لم يطلب منهم ترك الدنيا، وانما أمرهم أن يأخذوها برفق، بالطريقة التي تجمعها بالآخرة. وقد ضرب لهم من

ص: 148

نفسه أُنموذجاً، مع علمه ان أحداً لا يستطيع أن يبلغ مبلغه حتى وإن كان من أصحابه فقال يحثهم على الاقتداء به: «أَلاَ وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ.

أَلاَ وَإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَی ذلِكَ، وَلكِنْ أَعِينُوني بِوَرَع وَاجْتِهَاد، وَعِفَّة وَسَدَاد فَوَاللهِ مَا

كَنَزْتُ مِنْ دُنيْاَكُمْ تِبْرا،ً وَلا ادَّخَرْتُ مِنْ غَناَئِمِهَا وَفرْا،ً وَلا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْرا»(135).

المبحث الثاني: إصلاح الرعية

الإصلاح لغةً:

«إصلاح مشتق من الفعل أصْلَحَ، صَلَّحَ، صَلُحَ... والإِصلاح نقيض الإِفساد... وأَصْلَح الشيءَ بعد فساده أَقامه» (136) وأَصْلَحه: «ضِدّ أَفْسَدَه، وقد أَصْلَحَ الشِّيْءَ بعدَ فَساده» (137)، وفي معجم مقاييس اللغة: «استَصلَحَ الشيء ضِدَّ استَفْسَدَ»(138)، وجاء في مختار الصحاح: «أصلَحَ: أعادَ شيئاً الى حالة حسنة وأزال ما فيه من فساد»(139). والإصلاح هو الإتيان بالصلاح کما قال صاحب المصباح المنير: «أَصْلَحَ: أتى بالصَلاح وهو الخير والصواب»(140).

يتبين في ما سبق ذكره من تعريفات (للإصلاح) أنه يعني من الناحية اللغوية إزالة الفساد.

الإصلاح اصطلاحاً:

يختلف معنى الإصلاح باختلاف مورد مادة (أصْلَحَ) في القرآن الكريم؛ فقد ذَكَرَتْ التفاسير تعريفات للإصلاح حسب المقام الذي ذُكِرتْ فيه، فورد بعدة معانٍ منها: محو التباغض بين المتخاصمين: «وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا

ص: 149

وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(141). وما يقابل الفساد: «وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ» (142) و «فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ» (143) ومايقابل السيئة: «وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (144)، وتوفيق الله لعباده لعمل الصَّالحات «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا»(145)، و«سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ» (146). كما عرَّفَه صاحب مجالس التذكير بأنه: ارجاع الشيء الى حالة اعتداله بإزالة ماطرأ عليه من فساد» (147)، وفي روح المعاني: «انه الإستقامة على التوبة، ولعله مُندرِجٌ على التوبة ومكمل لها» (148).

يتبين من التعريفات السابقة ان اللغويين عرفوا الإصلاح بنقيضه على قاعدة تعريف الشيء بضده كما في قول المتنبي:

«وَنَذِيْمُهم وبِهم عرفنا فَضْلَهُ وَبِضِدِّها تتميَّزُ الأشياء»(149)

وفي الوقت الذي لا يحتاج فيه الإفساد الي كبير مجهود وكثرة في التفكير؛ فإن الإصلاح يتطلب جهدا كبيرا وتفكيراً عميقاً وإعداداً يعتمد على حجم الإصلاح المراد اجراءه. وبناءا على ذلك فان سهولة الإفساد يقابلها صعوبة الإصلاح.

والصلاح والإصلاح يشتركان بإزالة الفساد وكلاهما يحقق للإنسان مرضاة الله تعالى، والصلاح يعني تحقيق الاستقامة في ذات الشخص، في حين ان الإصلاح يتعدى صلاح نفسه الى غيره إذ الهمزة فيه للتعدية إلى مفعول واحد، والأصل صَلُحَ اللازم. ويمكن القول: لا إصلاح بدون صلاح، وبدون العودة إلى الذات وبدون تغيير ما بالنفوس فقد قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ» (150).

ص: 150

الرعية:

تعريف الرعية لغة:

«اصل الرعي حفظ الحيوان اما بغذائه الحافظ لحياته، او بجذب العدو عنه، ثم جعل للحفظ والسياسة كما في قوله تعالى: «فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا» (151)، أي ما حافظوا عليها حق المحافظة»(152) والرعية: «العامة»(153)، وفي المصباح المنير الرعية: «عامة الناس الذين عليهم، راع يدير امرهم ويرعى مصالحهم» (154)، فالرعي يعني: «حفظ الغير لمصلحة»(155).

ومن ذلك فإن الرعية «كل من شمله حفظ الراعي ونظره» (156). فالناس راع وهو السائس ومرعي وهو المسوس.

وبعد ان تعرفنا على منهج الإمام علي (عليه السلام) في الوصول ب(الراعي) إلى مستوى الصلاح، نعرّج على الطرف الثاني في العملية الإدارية وهم (الرعية)، فقد كان الإمام علي (عليه السلام) يسعى لبناء مجتمع متكامل يرتقي إلى مستويات متقدمة من الرفاهية والنزاهة والأمان بتطبيق الصيغة الإسلامية الصحيحة، وهو في اهتمامه بالرعية انما يستمد ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث يضع الاهتمام بالناس بمستوى إداء الفرائض فيقول: « أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض»(157). وقد كان منهج الإمام علي (عليه السلام) في إصلاح الرعية يقوم على ثنائية (الواجبات والحقوق) أي تعريف رعيته بما عليهم من واجبات، وبيان مالهم من حقوق على رعاتهم، ضمن دائرة الشرع، وفي اطار مصلحة الوطن والمواطن فيقول (عليه السلام): «ايها الناس ان لي عليكم حقا، ولكم عليَ حق، فأما حقكم على النصيحة لكم وتوفير فيئكم وكفايتكم فليس من حق الحاكم ان ينام ليلته وفي وطنه معوز واحد، وعلي تعليمكم كي لا تجهلواء أمّا حقي عليكم الطاعة حين آمركم والوفاء لي ولوطنكم»(158).

ص: 151

ومن الجدير بالذكر في هذا الموقف، ان الإمام علياً (عليه السلام) قد سبق وبقرون عديدة الأمم التي ما فتئت تكيل الاتهام للإسلام وتصفه بالتخلف، والتي تبهرنا بحضارتها، فهي لم تكن تعي دور الرعية في الأصلاح، فعلى سبيل المثل لا الحصر يقول غوستاف لوبون (1841 م - 1931 م) 159، ان الجماعة (الرعية) لم تكن صاحبة الدور الفاعل في رسم الاحداث التاريخية «ولم يكن لرأي الجموع وزن يُذكر بل لم يكن له قيمة في الغالب» (160)، ويعزو رسم الاحداث الى مايدور بين ملوكها، ولكن مع تطور الزمن تبدل الامر؛ فصارت «الغلبة لصوت الجماعات فهو الذي يرسم للملوك خططهم»(161)، مما يشير الى فهم متأخر لدور الرعية في إحداث الأصلاح، في حين أن ما ورد في عهد الامام علي (عليه السلام) يؤكد على أهمية دور الرعية في صناعة الاحداث، فأولاه اهتماماً، وقد كان منهجه عليه السلام في اصلاح الرعية يتوزع على محاور عدة، منها:

أولاً: علاقة الراعي بالرعية

وفي هذا الميدان فقد خصص الإمام علي (عليه السلام) الجزء الأكبر من عهده الى الأشتر بما اشتمل عليه من أوامر ونصائح لرسم العلاقة بين الراعي والرعية بما يضمن إصلاح الرعية، ومنها.

1 - حسن التعامل:

تدرج الامام علي (عليه السلام) في صلاح الراعي مبتدئاً بترتیب علاقة الراعي بالله تعالى ثم علاقته بنفسه لينتهي به الى ترتيب علاقته برعيته، والتعامل مع الرعية أمر في غاية الأهمية لأنه مهمة وواجب الراعي، وتكمن أهميته في ان الرعية تشمل جميع البشر ضمن حدود رعايته، وقد يكون منهم المسلم وغير المسلم، وكل من هؤلاء يحتاج معاملة حسب مقتضى الحال. ويأتي في مقدمة ما يجب ان يتحلى به الراعي هو حسن التعامل حيث

ص: 152

وصف الله تعالى رسوله الكريم (صلى الله عليه واله) في قوله تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (162). وتأتي الرأفة والرحمة في مقدمة حسن التعامل حيث قال تعالى: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ» (163) . كذلك كان الامام علي (عليه السلام) وهو ابن مدرسة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتعامل مع رعيته على أساس من الرحمة والاخوة؛ فاذا كانت الرعية تخشى ظلم حكامها فان الامام علي (عليه السلام) على غير ذلك، اذ كان هو من يخشى أن يَظلم رعيته كما عبر عن ذلك في خطبته قائلا: «وَلَقَدْ أَصْبَحَتِ الْأُمَمُ تَخَافُ ظُلْمَ رُعَاتِهَا وَأَصْبَحْتُ أَخَافُ

ظُلْمَ رَعِيَّتِي»(164) وفي هذا الإطار كانت وصاياه لولاته وعماله؛ ففي عهده لمحمد بن ابي بكر حين ولاه مصر يوصیه: «فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ وأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ وابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ وآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ والنَّظْرَةِ حَتَّى لا يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ لَهُمْ ولا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ»(165)، والامام علي (عليه السلام) وهو يستمد مفهوم السلطة من المفهوم القرآني والنبوي، نجده يدفع الكثير من توجيهاته ونصائحه في كيفية التعامل مع الرعية مؤكدا على أنَّ: «حسن السياسة يستديم الرياسة»(166)، وأنَّ: « رأس السياسة استعمال الرفق» (167)، وكما أنَّ: «حسن السياسة قوام الرعية»(168)؛ فإنَّ: «من حسنت سیاسته وجبت اطاعته»(169).

ولم يقتصر بوصيته لمالك الاشتر «وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ» (170). بالرحمة لأهل مصر فقط وانما أراد هذه الرحمة ان تفيض على الإنسانية جميعا منطلقا (عليه السلام) من وحدة الخلق فهو خير من يعلم بما يريد الله تعالى في قوله: «

ص: 153

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (171)، وما يعنيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين يقول: «يا أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى» (172)، و«أَنْتُمْ بَنوُ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ» (173). وبناءاً على ذلك كان الناس من وجهة نظر الإمام علي (عليه السلام) صنفين: «إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ»(174)، ومن منظار المساواة ولكي يضمن التعايش بين الراعي ورعيته لم يكتف (عليه السلام)، من الراعي بأن يتصف بالرحمة والمحبة، وإنما أمره بالتجاوز عن الخطأ والزلل؛ فقد يخطأ الإنسان، والخطأ صفة ملازمة له على حد قول رسول الله (صلى الله علیه و آله): «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» (175)، فلابد من الصفح عن المسيء، والعفو عن المخطئ، والتماس العذر لهم فإنَّ: «أَعْرَف النَّاسِ بِاللهِ أَعْذَرُهُمْ لِلنَّاسِ وَإنْ لَمْ يَجِدْ لَهُمْ

عُذْرَاً»(176) وفي مقابل ذلك فإنَّ: «شر الناس من لا يقبل العذر ولايقيل الذنب» (177)، وإن من النتائج المترتبة على الإحسان تسهيل مهمة الوالي كما جاء في قول الإمام علي (عليه السلام): «احسن الى المسيء تملکه» (178). وهكذا فقد وضع (عليه السلام) أساسا رسم فيه طريقا واضحة المعالم بعيدة عن اللبس في العلاقة بين الراعي والرعية.

2 - خیلاء السلطة:

ثم ينتهي (عليه السلام) الى ما يصيب الراعي من خيلاء الغرور جراء امتیازات السلطة فيأمره بان يتذكر سلطة الله تعالى وعظم ملکه وقدرته الواسعة. «وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك، فإن ذلك يطامن إليك من طماحك، ويكف عنك من غربك، ويفئ إليك بما عزب عنك من عقلك إياك ومساماة الله في عظمته والتشبه به في

ص: 154

جبروته، فإن الله يذل كل جبار ويهين كل محتال» (179).

ولعل أوضح صورة لعدالة السلطة هو التواضع وتعتبر السلطة من بين دواعي الغرور القوية لانها تبعث في نفوس المتسلطين الزهو والغرور فيتيهون على الناس تکبرا واذلالا، وأنجع علاجٍ لهذه الظاهرة كما يراه الإمام علي (عليه السلام) هو العودة الى الله تعالى والتفكر في عظمته كي يعرف الوالي قدر نفسه ويدرك ان ما يختال به من جاه منحته إياه السلطة انما هو نعمة من الله تعالى انعم به عليه.

ونجد من المفيد أن نقارن بين سلطة رسم معالمها الإمام علي (عليه السلام) مستمدة من القرآن الكريم وتعاليم الرسالة الإسلامية، وبين سلطة رسمت معالمها الفلسفات الحديثة التي تستند إلى الواقع كما يقول أصحابها وكيفية تعاملها مع الجماهير (الرعية) ففي الوقت الذي يأمر فيه الإمام علي (عليه السلام) الأشتر: «ولاتكونن عليهم سبعا ضارياً تغتنم أكلهم» (180)؛ فإنّ ميكافيلي ينصح اميره أن «يتصرف كالحيوان فهو يقلد الثعلب والأسد»(181). كما ينصحه بالتظاهر بالصفات الطيبة «أن يبدو رحيماً، وفياً حلو الصفات، صادقاً، متديناً»(182) أمام من يراه ويسمعه ويؤكد میکافيلي على التظاهر بالتدين فيقول: «وهذه الصفة الأخيرة ضرورية جداً لأن الناس يحكمون على مايرونه بأعينهم وليس على مایدر کونه... وفي كافة أعمال البشر - وخاصة الأمراء - فإنَّ الغاية تُبَرِّر الوسيلة»(183) حيث صور مكيافيلي سلطة الأمير بأنها منقطعة الصلة عن أي قواعد أخلاقية وأطلق مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) ورأى أن السلطة دائما قاسية وغاشمة وظالمة ومستَغِلَّة وأن هذا من حقها ولو لم تفعل ذلك لاستضعفتها الجماهير وسحقتها. ومن خلال هذه المقارنة يصير بالإمكان ان نحكم على اية سلطة وخاصة تلك التي توصف بالاسلامية على أي المنهجين تحكم.

ص: 155

3 - حلم الراعي:

ومن صلاح الراعي في تعامله مع الرعية أن لا يكون سريع الغضب شديد البطش بل أن يكون حليماً حكیماً ولذلك يأمر الإمام علي (عليه السلام) مالكاً قائلا: «إملك حمية انفك، وسورة حدك، وسطوة يدك وغرب لسانك» (184)؛ فالغضب الخارج عن سيطرة النفس يؤدي الى الهلكة وقد حذر من هذه النهاية فقال: «انكم ان اطعتم سورة الغضب اوردتم نهاية العطب» (185)، وعلى الانسان بشكل عام والراعي بصورة خاصة ان يتحرس مما يؤدي به الى الغضب وان يتجنب الانفعال ذلك «أنَّ الْغَضَبَ مِن الشَّيْطَانِ وَأنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ»(186) والغضب يعني فقدان العقل لأنَّ «من لم يملك غضبه لم يملك عقله» (187). ولذلك فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينصح من يغلبه الغضب أن يرجع الى الله تعالى فيقول: «فاذا غضبت فاقعد وتفكر في قدرة الرب على العباد وحلمه عنهم واذا قيل لك اتق الله فانبذ غضبك وراجع حلمك» (188). ولم يترك الامام علي (عليه السلام) أمر الغضب دون ان يضع له حلولاً تتضمن علاجه، ومما وَصّى به الامام علي (عليه السلام) قائلا: «داووا الغضب بالصمت والشهوة بالعقل» (189). واذا ما تناولنا الغضب من زاوية السلطة فان «أعظم الناس سلطاناً على نفسه من قمع غضبه وآفات شهوته» (190). ومن زاوية القوة فان الانسان القوي ليس الذي يمتلك القوة الجسدية وانما يمتلك القوة في السيطرة على نفسه عند انفجار غضبه كما قال رسول الله (صلى الله عليه واله): «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ»(191).

ص: 156

ثانياً: علاقات الرعية مع بعضها (طبقات الرعية)

ورِث الإمام علي (عليه السلام) تركة ثقيلة من خلافة عثمان التي وإن حاول المودودي ان يجَمِّلها لكنه وصفها بأنها سياسة «غير مريحة للناس»(192)، وما أن بويع (عليه السلام) بالخلافة حتى اعلن عن هدفه من قبولها قائلاً: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ وَلَا الْتِمَاسَ شَيْءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ وَلَكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ وَنُظْهِرَ الْإِصْلَحَ فِي بِلَادِكَ فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ» (193)،

ومن المعالجات التي وضعها الأمام علي (عليه السلام) لتطبيق منهجه الإصلاحي أنَّه وضع هيكلاً صنَّف فيه الرعية الى طبقات، وبين أهمية كل طبقة وكيفية التعامل معها بما يصلحها؛ فقد جاء في عهده لمالك الأشتر «واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض. فمنها جنود الله، ومنها كتاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمال الانصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة» (194)، ان هذا التقسيم لايعني تمييز طبقة على حساب طبقة، فالطبقات في كلام الامام علي بمعنى «فئات اجتماعية، ولم تكن في ذلك الحين قد تضمنت معناها الذي تعنيه الآن»(195) . وإنّما هو تقسيم لغرض التعامل مع كل طبقة بما يناسبها، ويتفق مع حاجتها للإصلاح، لأنَّ مايصلح لطبقة قد لا يصلح للاخرى، ولم يكن ترتيب الطبقات الذي ورد في عهد الامام علي لمالك الاشتر على أساس قيمتها الاجتماعية، وإنما كان على أساس أهمية الخدمة التي تقدمها للمجتمع.

وفي دراسته لموضوع الطبقات في عهد الإمام علي (عليه السلام) يقسم محمد مهدي شمس الدين الطبقات الى مجموعتين:

ص: 157

المجموعة الأولى:

طبقات افترض الإمام علي (عليه السلام) وجودها وتحدث عنها كأهل الخراج والتجار والصناع والمعدمين.

1 - أهل الخراج:

كان الامام علي (عليه السلام) يَحمل عماله على ممارسة الحكم الذي يقوم من اجل الرعية. فيتحدث عن أهمية اهل الخراج والمراد بهم (الزُرّاع) ذلك لأن الخراج هو ضريبة الأرض ومصدر التمويل الرئيس إنْ لم يكن المصدر الوحيد الذي يُمول احتياجات الدولة المالية سواءاً كانت رواتب الجند أم إعانة أصحاب الحاجة من بقية المجتمع (196).

وكان اقتصاد مصر آنذاك يقوم على القطاع الزراعي مما يعني ان ازدهار النشاط الاقتصادي يتوقف على طبقة (اهل الخراج) ولذلك يؤكد الامام علي (عليه السلام) على الاهتمام بالخراج بما يصلح اهله فيقول لمالك: «وَتَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ فَإِنَّ فِي صَلَاحِهِ وَصَلَاحِهِمْ صَلَاحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ وَلَا صَلَاحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلَّا بِهِمْ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ

عِيَالٌ عَلَی الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ»(197). ان سياسة الامام علي (عليه السلام) في الخراج تهدف إلى اصلاح الزراعه بالشكل الذي يقود الى اصلاح طبقات المجتمع الأخرى.

وكان عليه السلام يكتب الى امراء الأجناد فيقول: «انشدكم الله في فلاحي الارض ان يظلموا قبلکم»(198) فإصلاح اهل الخراج (الزراع) يعتمد على مقدار مایؤخذ منهم کخراج، وبالتالي فان صلاح الرعيه يعتمد على صلاح اهل الخراج لأن «النَّاسَ كُلَّهُمْ

عِيَالٌ عَلَی الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ»(199).

حتى جباية الخراج كان الامام علي (عليه السلام) يراعي فيها صلاح الرعية فيؤكد

ص: 158

على جباة الخراج قائلا: «إذا قدمت عليهم فلا تبيعن لهم كسوة شتاء ولا صيفا، ولا رزقا يأكلونه، ولا دابة يعملون عليها، ولا تضربن أحدا منهم سوطا واحدا في درهم، ولا تقمه على رجله في طلب درهم، ولا تبع لأحد منهم عرضا في شيء من الخراج، فإنا إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو» (200). ولم يكتف (عليه السلام) بالوصية وانما يتبعها بتذکیر الجباة بمخافة الله، ثم يهددهم بالعزل إن لم ينفذوا ما أمرهم به «فَإِنْ أَنْتَ خَالَفْتَ مَا

أَمَرْتُكَ بِهِ يَأْخُذُكَ الله بِهِ دُونِي، وَإِنْ بَلَغَنِي عَنْكَ خِلافَ ذَلِكَ عَزَلْتُكَ...»(201).

2 - التجار والصنّاع:

ثم ينتقل (عليه السلام) الى فئة التجار وهي طبقة مهمة من طبقات المجتمع لها اثرها الكبير على المجتمع كله، واي اضطراب يصيب هذه الطبقة ينعكس على استقرار المجتمع، لأنها هي التي تتحكم بتوفير السلع وحركتها بين الناس، فإذا ماصلحت هذه الطبقة صلحت أحوال الرعية، ويكمل عمل التجار طبقة الصناع فالتجارة والصناعة على علاقة مهمة ببعضهما وفي صلاحهما يترفه المجتمع، ولأهمية هاتين الطبقتين يوصي بهما (عليه السلام) فيقول لمالك: «ثم استوصِ بالتجار وذوي الصناعات، وأوصِ بهم خيراً» (202). والإمام علي (عليه السلام) يقسم التجار الى قسمين تاجر مقيم في بلده، وآخر متنقل بين البلدان، ومع انه (عليه السلام) يصفهم بقوله: «سلم لا تخاف بائقته، وصلح لا تخشى غائلته»(203)، لكنه يُحَذِّر من خطر هذه الفئة فيما لو أصابها الإنحراف، لأن انحرافها يؤدي إلى اضطراب أمر الرعية سواءاً التحكم بعرض السلعة واحتكارها، أو التلاعب بأسعار السلع، أو التلاعب بالموازين والمكاييل فيقول: «واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقا فاحشا، وشحا قبيحا، واحتكارا للمنافع، وتحكما في البياعات، وذلك باب مضرّة للعامّة، وعيب على الولاة»(206)؛ فيوجهه الى كيفية التعامل مع هذا الانحراف كي تصلح الأمور قائلاً: «فَامْنَعْ مِنَ الاِحْتِكَارِ فَإِنَّ رَسُولَ اللِّهَ صلى الله عليه

ص: 159

وآله وسلم مَنَعَ مِنْهُ وَلْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً بِمَوَازِينِ عَدْلٍ وَأَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ»(205). ويأمره بمحاسبة من يخالف ذلك فيقول: «فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ بِهِ وَعَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ» (206). هكذا كان الإمام علي (عليه السلام) يتعامل مع عناصر اقتصاد الأمة، ويهیِّيء كل السبل التي تجعل هذه العناصر في خدمة الرعية.

3 - الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ والْمَسْكَنَةِ

حظيت هذه الطبقة باهتمام الإمام علي (عليه السلام) اكثر من غيرها من طبقات المجتمع الأخرى، لأنها تشكل القسم الأكبر من الرعية، لا في عهد الإمام علي فحسب وإنما في كل زمان ومكان. وكانت وصيته للأشتر: «اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَی»(207)، وقد وَصَفَ من يقع تحت عنوان هذه الطبقة ب« الذين لا حيلة لهم»(208)، وعرَّفهم قائلاً: «مِنَ الْمَسَاكِينِ والْمُحْتَاجِينَ وأَهْلِ الْبُؤْسَ والزَّمْنَ؛ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً ومُعْتَرّاً» (209)، ويؤكد الإمام علي (عليه السلام) على الولاة مباشرة هذه الطبقة بأنفسهم، وعلى الوالي ان يتولى بنفسه تنفيذ ما يترتب لها من حقوق في مختلف المجالات، فعلى المستوى المعاشي بين مصادر تخصیصاتهم المالية «واجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ، وقِسْماً مِنْ غَلاتِ صَوَافِي الإسْلامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ» (210)، ولم يكتفِ بالجانب الاقتصادي وإنما اهتم بالجانب المعنوي فقد أمَرَ واليه أن يخصص جزءاً من وقته يتفرغ فيه لهم شخصياً للإلتقاء بهم والجلوس معهم مذكراً إياه ان مايقوم به هو من باب التواضع لله «واجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً

تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ، وتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ للهَّ الَّذِي خَلَقَكَ»(211).

لاشك أنَّ معاملة الإمام علي (عليه السلام) لهذه الطبقة بهذه المعاملة يُعَدُّ بمثابة إصلاح لها. فقد جنبها الكفر لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «كاد الفقر ان يكون کفراً»(212)، وعندما يكون الفقر «« أشدَّ من القَتْل»(213)، وأن «القبر خير من الفقر» (214)،

ص: 160

فانه يتحول الى عامل يؤدي الى الانحراف، وقد شَخَّصَ الإمام علي (عليه السلام) ماينتج عن الفقر من خصال فقال: «من ابتلي بالفقر فقد ابتلي بأربع خصال بالضعف في يقينه والنقصان في عقله والدقة في دينه وقلة الحياء في وجهه فنعوذ بالله من الفقر» (215)، وان من يحمل هذه الصفات لا يكون بمقدوره ان «يكون فاضلا، وان من اللغوان يوعظ بالوعد والوعيد والترغيب والترهيب وان انسانا كهذا ينقلب کافرا بالقيم والفضائل. وان معدته الخاوية وجسده المعذب ومجتمعه الكافر بانسانيته المتنكر له وشعوره بالاستغلال وميسم الضعة الذي يلاحقه انی کان، هذه كلها تجعله لصا وسفاحا وعدوا للانسانية التي لم تعترف له بحقه في الحياة الكريمة»(216). وعلى ضوء ما تقدم علينا أن نتصور مجتمعاً تتصاعد فيه نسب الفقر كم سيكون مستوى الانحراف فيه.

المجموعة الثانية:

طبقات لم يفترض وجودها، إنما تكلم (عليه السلام) في كيفية انشائها وتكوينها، وهي: الجند، وكتّاب العامة والخاصة، وقضاة العدل، وعمال الإنصاف والرفق. وهذه المجموعة هي التي تدير المجتمع وتشرف على تصريف شؤونه وبالتالي يتعلق بها مصير المجتمع، ولكونها إرثاً من الحكم السابق، فهي تعاني من الفساد لذلك اولاها الإمام علي (عليه السلام) اهتماماً لإعادة بنائها من جديد. (217) ولذلك وضع الإمام علي (عليه السلام) منهاجاً متكاملاً في تغيير بنية كل طبقة منها.

ص: 161

1 - الجنود:

ولأهمية دور الجند في حماية أمن البلاد في الداخل والخارج «فالجنود بإذن الله حصون الرعية، وزين الولاة، وعز الدين، وسبل الأمن، وليس تقوم الرعية إلا بهم»(218)، فقد أعاد الإمام بناء المؤسسة العسكرية مؤكداً على أهمية الولاء لله تعالى ورسوله والإمام کما جاء في أمره لمالك: «فولّ من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك»(219)، وينتقل الى المؤهلات الشخصية للجندي والتي تنعكس آثارها على الرعية فيختار: «أنقاهم جيباً، وأفضلهم حلماً، ممن يبطئ عن الغضب، ويستريح إلى العذر، ويرأف بالضعفاء وينبو على الأقوياء. وممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف»(220) .ثم يضع معايير تزكيته في تربيته ونشأته: «ثم الصق بذوي الأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة»(221). وبعد ان يطمئن (عليه السلام) الى صلاح الجندي بما يحقق مصلحة الرعية، يضع المواصفات التي تتطلبها الجندية، حيث يرى الإمام علي (عليه السلام) ان الجندي يجب أن يكون من «أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة، فإنهم جماع من الكرم، وشعب من العرف»(222).

2 - كتّاب العامة والخاصة:

وهم الموظفون في جهاز الدولة الذين يتولون كتابة مايصدر عن الولاة من توجيهات وأوامر، وقرارات تتعلق بأمور الدولة والرعية، ولأهمية هذه الفئة في كونها حلقة الوصل بين الراعي والرعية فقد أولاها (عليه السلام) أهمية أكد فيها على اختيار الأصلح «ثم انظر في حال كتابك فول على أمورك خيرهم، واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك وأسرارك بأجمعهم لوجود صالح الأخلاق»(223). وإصلاح هذه الفئة يقوم على: الإختيار السليم ممن يُشهَد له بالتجربة، وتكنُّ له الرعية احتراماً وله أثر في الامة حسن «ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك واستنامتك وحسن الظن منك، فإن الرجال يتعرفون

ص: 162

لفراسات الولاة بتصنعهم وحسن خدمتهم، وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة شئ. ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك، فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثراً، وأعرفهم بالأمانة وجهاً» (224)، أي أن اختيارهم يجب ان لايخضع للرغبات الشخصية، وهنا يؤكد الإمام علي (عليه السلام) على مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب، وبذلك يكون قد اجتث أهم أدوات الفساد الإداري والإجتماعي المتمثلة بالمحسوبية والوساطة، لإقامة مجتمع صالح خال من واقع الفساد الإداري، الذي تعاني منه المجتمعات بسبب سوء إدارة التوظيف.

3 - طبقة القضاة:

فإن الإمام علياً (عليه السلام) عندما يتحدث عنها، إنما يتحدث بصفته اقضى المسلمين لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) مخاطباً أصحابه: «أقضاكم علي» (225)، وفي قول آخر «أقضى أمتي علي» (226). و «عن عمر: أقضانا علي» (227) وفي كلام للإمام الباقر (عليه السلام) يصف قضاء الإمام علي (عليه السلام): «ليس أحد يقضي بقضاء يصيب في الحق الا مفتاحه قضاء علي». وفي اختياره للقضاة يؤكد (عليه السلام) على المزايا الخلقية الكريمة التي يجب أن يتحلى بها القاضي فيأمر مالك الأشتر قائلاً: «ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحکه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر من الفي إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنی فهم دون أقصاه، وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصر مهم عند اتضاح الحكم. ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء وأولئك قليل»(228). ولم يكتف الإمام (عليه السلام) بخُلِق القاضي بل أراد أن يحمي حُسن سير القضاء وضمان حقوق الخصوم وهم من الرعية، وعدم الإضرار بهم من خلال نزاهة القاضي بحمايته من نفسه والتي قد

ص: 163

تدفعه إلى التعسف باستعمال سلطته؛ فوضع له امتیازات وحقوقاً تجنبه ذلك فيقول (عليه السلام): «ثم أكثر تعاهد قضائه، وافسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك. فانظر في ذلك نظراً بليغاً» (229). ثم يعود الإمام علي (عليه السلام) ليذكر بالإنحراف الذي أصاب مسيرة الامة الإسلامية في عهد من سبقه مما اوجب الإصلاح فيقول في إشارة الى قضاة عثمان وولاته حيث كانوا لايقضون بالحق بل يتحكم فيهم الهوى: «فإن هذا الدين قد كان أسيراً في أيدي الأشرار يُعمل فيه بالهوى، وتُطلب به الدنيا» (230). فاصلاح القضاء هو الطريق لإصلاح البلاد من الفساد.

4 - طبقة الولاة:

فما أن تسلم زمام الأمور حتى بادر إلى إعفاء ولاة عثمان على أقاليم الدولة، حتى انه رفض إقتراح إبقاء معاوية على الشام إلى أن يستقر له الحكم ثم ينحيه فيما بعد وكان سبب التغيير هو سوء سيرة ولاة عثمان لأنه عينهم بغير وجه حق. فكانوا فيما ارتكبوه من ظلم للرعية وعدم درایتهم بالسياسة واصول الحكم، من بين اهم أسباب ثورة الامصار عليه التي انتهت بمقتله، الأمر الذي دعا الإمام علياً (عليه السلام) أن يبدأ مشروعه الإصلاحي بتغييرهم، معللاً ذلك بقوله: «... وَلَكِنَّنِي آسَى أَنْ يَلِيَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ سُفَهَاؤُهَا وَفُجَّارُهَا، فَيَتَّخِذُوا مَالَ اللِّهَ دُوَلاً، وعِبَادَهُ خَوَلاً، وَالصَّالِحِينَ حَرْباً، وَالْفَاسِقِينَ حِزْباً؛ فَإِنَّ مِنْهُمُ الَّذِي قَدْ شَرِبَ فِيكُمُ الْحَرَامَ، وَجُلِدَ حَدّاً فِي الإِسْلامِ، وَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى رُضِخَتْ لَهُ عَلَی الإِسْلامِ الرَّضَائِخُ» (231). حتى ابن تيمية لم يستطع ان يخفي مثالب خلافة عثمان وخاصة في تقريبه لعشيرته فيقول: «ونحن لا ننكر أن عثمان - رضي الله عنه - كان يحب بني أمية، وكان يواليهم ويعطيهم أموالا كثيرة» (232)

وكان منهج الإمام علي (عليه السلام) في عملية تغيير الولاة كما جاء في عهده لمالك

ص: 164

الاشتر: «استعملهم اختباراً ثمّ تفقّد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم»(233)، وكان (عليه السلام) شديداً في محاسبتهم، فقد كتب الى زياد بن ابیه: «وإنّي أقسم بالله قسماً صادقاً، لئن بلغني أنّك خنت من فيء المسلمين شيئاً صغيراً أو كبيراً، لأشدنّ عليك شدّة تدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر، ضئيل الأمر»(234). وقد بين الإمام علي (عليه السلام) اثر الوالي على إصلاح الرعية في قوله: «وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج، والدماء، والمغانم، والاحكام وإمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتخذ قوما دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطل للسنة فيهلك الامة»(235). وكان (عليه السلام) يرى أنه «لا يقيم أمر الله سبحانه إلا من لا يصانع ولا يضارع ولا يتبع المطامع»(236). ولم يقف عند الاختبار بل کان (عليه السلام) يُمعن في مراقبة ولاته ففي كتابه إلى مالك بن کعب: «اخرج في طائفة من أصحابك حتّى تمرّ بأرض كورة السواد (237)، فتسأل عن عمّالي، وتنظر في سيرتهم فيما بين دجلة والعذيب (238)، ثمّ ارجع إلى البهقباذات (239) فتولّ معونتها، واعمل بطاعة الله فيما ولاّك منها. واعلم أنّ كلّ عمل ابن آدم محفوظ عليه مجزيّ به، فاصنع خيراً صنع الله بنا وبك خيراً، وأعلمني الصدق فيما صنعت. والسلام» (240).

ص: 165

الخاتمة

تعد العلاقة السليمة بين الراعي والرعية، القائمة على معيار القرب من الله سبحانه وتعالى، من افضل أساليب الإدارة التي ترتقي بالامة الى افضل مستويات الحياة.

وان معیار الامام علي (عليه السلام) في هذا المجال كانت قائمة على ثنائية الراعي والرعية فليست تصلح الرعية الا بصلاح الولاة، ولاتصلح الولاة الا باستقامة الرعية.

ولذا اكد الامام علي (عليه السلام) في عهده لمالك الاشتر على اختيار الراعي ممن تتحقق فيه الموالاة والإخلاص، ووضع له برنامجا لتقويم شخصه أساسه التقوى ورضا الله، ثم بين له ما يتوجب عليه القيام به لتستقيم له الرعية، مُعزِزاً ذلك برقابة دائمة تضمن سلامة التنفيذ، وتصحح المسار في الوقت المناسب، ثم العقوبة لمن يتمادى في الخطأ، والعزل عن الوظيفة. وفيما يتعلق بالرعية فإنّه (عليه السلام) يؤكد على (استقامة الرعية)، وتتحقق هذه الاستقامة من خلال تثقيف يرتكز على بيان ما للرعية من حقوق على الدولة، وما عليها من واجبات. ولا يتحقق الإصلاح برفع الشعارات وإنَّما أساس نجاح عملية الإصلاح هو أن يمتلك (الرعاة) روح المبادرة والتصدي، وأن يقرن القول بالفعل.

وما احوجنا اليوم ونحن نعاني من أزمات في مختلف الميادين ولاسيما الاجتماعية الناجمة عن الخلل الإداري ان نرجع الى فكر الامام علي (عليه السلام) وان نتبناه عملا قبل القول كي نستطيع ان نعيد الأمور الى نصابها. وفي عهد الإمام (عليه السلام) لمالك ما يكفي لتحقيق ذلك.

ص: 166

الهوامش

1. ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع البصري (ت 230 ه)، الطبقات الکبری، بیروت، دار صادر، 1957 م، 6 - 213؛ ابن حجر، احمد بن علي (ت 852 ه) الإصابة في تمييز الصحابة، بيروت - المكتبة العصرية، ط 1 - 1433 ه، رقم 7660، ص 1312؛ الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748 ه) سیر اعلاء النبلاء، تحقيق: شعیب الارنؤوط، بيرةت - مؤسسة الرسالة، ط 2 - 1982 م، 4 - 34.

2. القمي، عباس (ت 1359 ه) سفينة البحار، قم - دار الاسوة، ط 2 - 1416 ه، 4 - 388؛ ابن شهر آشوب، أبو جعفر محمد بن علي (ت 588 ه) مناقب آل أبي طالب، تحقيق: يوسف البقاعي، بيروت - دار الأضواء، ط 2 - 1412 ه، 1 - 291؛ ابن ابي الحديد، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله (ت 656 ه) شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت - دار احياء الكتب العربية، ط 2 - 1965 م، 15 - 98؛ العلامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهر (ت 726 ه) خلاصة الاقوال، تحقيق: جواد القيومي، قم - نشر الفقاهة، ط 4 - 1431 ه، ص 277.

3. سیر اعلام النبلاء 4 - 34

4. النخع: وهي قبيلة يمانية من أكبر بطون بني مذحج، وكانت تسكن في وادي بيشة في اليمن، وقد دخلت في الإسلام ونبغ منها صحابة كبار، وكان أبرزهم مالك بن الحارث الأشتر. علي الكوراني سلسلة القبائل العربية، ج 10.

5. الأمين، محسن، اعیان الشيعة، تحقیق حسن الأمين، بيروت - دار التعارف، 1983 م، 9 - 41.

6. اعيان الشيعة 1 - 49.

7. شرح النهج 15 - 99؛ سفينة البحار 4 - 379.

ص: 167

8. سفينة البحار 4 - 384.

9. الشَّتَر: انشقاق جفن العين وبه سمي الاشتر النخعي. ابن درید، الاشتقاق ص 297.

10. الواقدي، عمر بن واقد (ت 207 ه) فتوح الشام، تصحيح: عبد اللطيف عبد الرحمن، بيروت - دار الكتب العلمية، ط 1 - 1997 م، 1 - 215؛ الطبري، محمد بن جریر (ت 310 ه) تاريخ الطبري، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مصر - دار المعارف، ط 2، 3 - 74.

11. المنقري، نصر بن مزاحم (ت 212 ه) و قعة صفين، تحقیق: عبد السلام هارون، بيروت - دار الجيل، 1990 م، ص 484.

12. البحراني، السيد هاشم (ت 1109 ه)، بغية المرام وحجة الخصام، تحقیق: علي عاشور، بیروت - مؤسسة التاريخ العربي، ط 1 - 2001 م، 4 - 318؛ العاملي، جعفر مرتضی، الصحیح من سيرة الامام علي، المركز الإسلامي للدراسات، ط 1 - 2009 م، 21 - 26.

13. سفينة البحار 4 - 379.

14. الاميني، عبد الحسين احمد، الغدير في الكتاب والسنة والادب، بيروت - الاعلمي، ط 1 - 1994 م، 9 - 10.

15. شرح النهج 6 - 124.

16. البلاذری، احمد بن يحيی (ت 279 ه)، انساب الاشراف، تحقیق: سهیل زکار وریاض زركلي، بیروت، دار الفكر، ط 1 - 1996 م، 6 - 2420..

17. م.ن.

18. تاريخ الطبري 4 - 349.

19. طبقات بن سعد 3 - 273؛

20. الصالح، صبحي، نهج البلاغة، القاهرة - دار الكتاب المصري، ط 4 - 2004 م،

ص: 168

ص 136.

21. العسكري، مرتضی، معالم امدرستين، القاهرة - مكتبة مدبولي، ط 5 - 1993 م، 1 - 142؛ المتقي الهندي، علاء الدين علي (ت 975 ه) کنز العمال، تصحيح: صفوة السقا، بيروت - مؤسسة الرسالة، ط 5 - 1985، ح 2471، 3 - 161.

22. يُنظر: تاريخ الطبري 4 - 428.

23. الدينوري، أبو حنيفة أحمد بن داود (ت 282 ه) الاخبار الطوال، تحقيق: عبد المنعم عامر، القاهرة - دار احياء الكتاب العربي، ط 1 - 1960 م، ص 143.

24. المفيد، أبو عبد الله محمد بن احمد (ت 413 ه) الجمل، ط 1 - 1403 ه، ص 135

25. يُنظر: المنقري، نصر بن مزاحم (ت 212 ه) وقعة صفين، تحقیق: عبد السلام هارون، بيروت - دار الجيل، 1990 م، ص 492.

26. شرح النهج 15 - 98.

27. القلزم بالضم ثم السكون ثم زای مضمومة وميم مدينة على ساحل بحر اليمن من جهة مصر ينسب البحر إليها. وفي هذا البحر بقرب القلزم غرق فرعون، وبينها وبين مصر ثلاثة أيام (المراصد)

28. المفيد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري (ت 413 ه) الامالي، دار التيار الجديد، 1 - 82.

29. امالي المفيد 1 - 83.

30. أبن عساکر، ابو القاسم علي بن الحسن (ت 571 ه) تاريخ مدينة دمشق، تحقیق: محب الدين العمري، بيروت - دار الفكر، 1995 م، 56 - 386؛ انساب الاشراف 3 - 166.

31. یاقوت الحموي، شهاب الدين ابي عبدالله (ت 626 ه) معجم البلدان، بيروت - دار صادر، 1956 م، 1 - 454.

ص: 169

32. أبن کثیر، ابي الفداء اسماعیل (ت 774 ه) البداية والنهاية، تحقیق: محيي الدين ادیب، بیروت - دار بن کثیر، ط 2 - 2010 م، 7 - 346.

33. الثقفي، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد (ت 283 ه) الغارات، تحقیق: عبد الزهراء الحسيني، بيروت - دار الأضواء، ط 1 - 1987 م، ص 169؛ سفينة البحار 4 - 386.

34.شرح النهج 1 - 424.

35. القمي، عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم (ت 1359 ه) منازل الآخرة، ترجمة: حسین کوراني، سوريا دار التعارف، 1993 م، ص 124.

36. الغارات ص 170.

37. الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان (ت 413 ه) الإختصاص، تحقیق: علي اکبر غفاري، بيروت - مؤسسة الأعلمي، ط 1 - 2009 م، ص 87.

38. سفينة البحار 4 - 387.

39. الزبيدي، محمد بن محمد بن عبد الرزاق (ت 5 120 ه) تاج العروس من جواهر القاموس، تحقیق: مجموعة من المحققين، بيروت - دار الهداية.

40. ابن منظور، لسان العرب، تحقيق: عبد الله علي الكبير وآخرون، القاهرة - دار المعارف،

41. عبد الحميد، محمد محيي الدين، المختار من صحاح اللغة، القاهرة - المكتبة التجارية، ص 361.

42. الجرجاني، علي بن محمد (ت 816 ه) معجم التعريفات، تحقیق: محمد صديق المنشاوي، القاهرة - دار الفضيلة، ص 134.

43. الشيرازي، ناصر مکارم، نفحات الولاية، اعداد: عبد الرحيم الحمراني، قم - سلیمانزاده، ط 2 - 1426 ه، 10 - 280.

44. يُنظر: صبحي الصالح، نهج البلاغة، ص 426.

ص: 170

45. نفحات الولاية 10 - 281

46.شرح نهج البلاغة، 17 - 32.

47. نفحات الولاية 10 - 280

48. الغارات، ص 160.

49. ابن حوقل، کتاب صورة الأرض، بیروت: مكتبة الحياة، 1992، ص 128 - 129.

50. اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، بیروت: دار صادر، د.ت، 2: 233.

51. تاريخ الطبري 4 - 348.

52. ابن خلدون، عبد الرحمن (ت 808 ه) تاریخ ابن خلدون، بیروت: دار الفكر، 2000، 2 - 623.

53. المصدر نفسه.

54. تاريخ الطبري 5 - 98.

55. ابن عساکر (13 - 261)

56. الغارات ص 173.

57. العقاد، عباس محمود، شخصيات إسلامية، بيروت - دار الكتاب العربي، 3 - 844.

58. امالي المفيد 4 - 49

59. صبحي الصالح، نهج البلاغة ص 411.

60. يُنظر الايات: يوسف: 101، الشعراء: 83، النمل: 19، القصص: 27، الصافات: 100.

61. الآلوسي، شهاب الدين السيد محمود (ت 1270 ه) روح المعاني، تحقيق: علي عبد الباري عطية، بيروت - دار الكتب العلمية، ط 1 - 1415 ه، 4 - 325.

62. أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفي: 395 ه) معجم مقاییس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، بيروت - دار الفكر، 1979 م، 3 - 303.

ص: 171

63. الجوهري، إسماعيل بن حماد (ت 393 ه) تاج اللغة وصحاح العربية، تحقیق: احمد عبد الغفور عطار، بیروت - دار العلم للملايين، ط 2 - 1979 م، 1 - 383؛ الرازي، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر (ت 666 ه) مختار الصحاح، بیروت - مكتبة لبنان، 1989 م، ص 22؛ لسان العرب، 27 - 2479.

64. مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، مكتبة الشروق الدولية، ط 4 - 2004 م، ص 520.

65. أبو البقاء، أيوب بن موسى الحسيني (ت 1094 ه) الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، تحقيق: عدنان درویش - محمد المصري، بيروت - مؤسسة الرسالة، ص 561؛ التهانوي، محمد بن علي ابن القاضي محمد (ت بعد 1158 ه) موسوعة کشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، تحقیق: علي دحروج، بیروت - مكتبة لبنان ناشرون، ط 1 - 1996 م، 2 - 1093.

66. روح المعاني 4 - 203.

67.لسان العرب 17 - 1677.

68. شرح نهج البلاغة 20 - 269

69. الغارات: 104، سفينة البحار: 4 - 384.

70. تاريخ الطبري 5 - 95.

71.شرح نهج البلاغة 17 - 30.

72. صبحي الصالح، نهج البلاغه، خطبة 216، ص 333.

73. صبحي الصالح، نهج البلاغة، حكمة 73، ص 480.

74. شرح نهج البلاغة 17 - 30.

75. الشمس: 7 - 10.

76. الراوندي، سعید بن هبة الله (ت 573 ه) منهاج البراعة، تحقيق: عبد اللطيف

ص: 172

الكوهكمري، قم - مطبعة الخيام، 1406 ه، 3 - 169.

77. لسان العرب 15 - 401.

78. يُنظر: الدبيسي، محمد، التقوى في القرآن الكريم، القاهرة - دار المحدثين، ط 1 - 2008 م ص 30.

79. الكافي، الأصول، 2 - 35.

80. صبحي الصالح، نهج البلاغة، ص 351.

81. البقرة: 177.

82. الصدوق، ابو جعفر محمد بن علي (ت 381 ه) ؉کتاب الخصال، صححه: علي اکبر الغفاري، قم - الحوزة العلمية. لخصال، باب الاثني عشر، ص 483 ؉النيشابوري، محمد بن الفتال (ت 508 ه) روضة الواعظين، تحقيق غلام حسين المجيدي، قم - مطبعة نكارش، ط 1 - 1423 م، 2 - 383.

83. الحر العاملي، محمد بن الحسن (ت 1104 ه) وسائل الشيعة، تحقيق: مؤسسة آل البيت، قم - مطبعة مهر، ط 2 - 1414 ه، ح 20381، 15 - 239؛ الثعلبي، أبو اسحق احمد (ت 427 ه) الكشف والبيان، تحقیق: محمد بن عاشور، بيروت - دار احياء التراث العربي، ط 1 - 2002 م، 1 - 144.

84. المطهري، مرتضي، في رحاب نهج البلاغة، بيروت - الدار الإسلامية، ط 1 - 1992 م، ص 136؛ الحائري، أيوب، قبسات من نهج البلاغة ص 84.

85. النساء: 131.

86. الرازي، محمد فخر الدين (ت 604 ه) تفسير الفخر الرازي، بيروت - دار الفكر، ط 1 - 1981 م، 11 - 71.

87. صبحي الصالح، نهج البلاغة، خ 16، ص 58.

88. صبحي الصالح، نهج البلاغة، خ 189، ص 284.

ص: 173

89. المائدة: 93

90. االطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بيروت مؤسسة الإعلمي، طا - 1997، 6 - 128.

91. تاريخ اليعقوبي 2 - 109.

92.م.ن 2 - 104.

93. شرح نهج البلاغة 17 - 30.

94. ابن رجب، زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن (ت 795 ه) جامع العلوم والحكم، تعلیق ماهر یاسین، بیروت - دار ابن کثیر، ط 1 - 2008، ح 38، ص 770.

95. وسائل الشيعة، ح 35، 1 - 28.

96. صبحي الصالح، حکَم 113، ص 488.

97. المامقاني، عبد الله (ت 1351 ه) تنقیح المقال في علم الرجال، تحقیق: محيي الدين المامقاني، قم - مؤسسة آل البيت، ط 1 - 1423 ه، 4 - 163.

98. الترمذي، محمد بن عیسی (ت 279 ه) سنن الترمذي، تحقيق: احمد محمد شاكر وآخرون، مصر - مصطفى البابي الحلبي، ط 2 - 1975 م ح 1329، 3 - 10.

99. محسن الأمين، اعیان الشيعة، 1 - 348.

100. شرح نهج البلاغة، 17 - 30.

101 - الرعد: 28.

102. البخاري، محمد بن اسماعیل (ت 256 ه) صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر، دار طوق النجاة، ط 1 - 1422 ه، كتاب الإيمان، ح 52، 1- 20.

103. محمد: 7.

104. الحج: 40 - 41.

105. اللحجي، عبد الله بن سعيد محمد (ت 1410 ه) منتهى السؤل، جدة - دار

ص: 174

المنهاج 4 - 442.

106. شرح نهج البلاغة 17 - 30.

107. الهيثمي، نور الدين علي بن سليمان (ت 807 ه) بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، تحقيق: حسين احمد صالح، السعودية - الجامعة الإسلامية، ط 1 - 1992 م، ح 829، 2 - 809.

108. القبانجي، السيد حسن، مسند الامام علي، تحقيق: طاهر السلامي، بيروت - مؤسسة الأعلمي، ط 1 - 2000 م، 4 - 475.

109. آل عمران: 14.

110. صبحي الصالح، نهج البلاغة، ص 419.

111. النازعات: 40.

112. الحر العاملي (ت 1104 ه) وسائل الشيعة، تحقيق: مؤسسة آل البيت، قم - مؤسسة آل البيت، ط 2 - 1414 ه، ح 20216، 15 - 135.

113. الصدوق (ت 381 ه) معاني الأخبار تصحيح: علي اکبر الغفاري، قم - مؤسسة النشر الإسلامي، 1379 ه، ص 195

114. الريشهري، محمد، میزان الحكمة، قم - دار الحديث،، ط 1 - 1422 ه، ح 20503، 10 - 4399.

115. صبحي الصالح، نهج البلاغة، خ 176، ص 251.

116. الفكیكي، توفيق، الراعي والرعية، بغداد - مطبعة اسد، 1962 م، ص 62.

117. ارسطوطاليس، علم الاخلاق، نقله الى العربية: احمد لطفي السيد، القاهرة - دار الكتب المصرية، 1924 م، ص 316.

118. م.ن، ص 321

119. صبحي الصالح، خ 45، ص 417.

ص: 175

120. مریم: 96

121. ينظر: التستري، نور الله الحسيني المرعشي (ت 1019 م) احقاق الحق وازهاق الباطل 3 - 85

122. لسان العرب، مادة: ه وی، 51 - 4728.

123. الراغب، أبو القاسم الحسين بن محمد (ت 502 ه) المفردات في غريب القرآن، تحقيق: محمد سید گیلاني، بيروت - دار المعرفة، ص 548.

124. لتعریفات، علي بن محمد بن علي الجرجاني، 1 - 320، دار الكتاب العربي، بیروت، الطبعة الأولى، 1405 ه، تحقیق: إبراهيم الأبياري.

125. محمد نوح، آفات على الطريق 1 - 192.

126. صبحي الصالح، نهج البلاغة، ص 529.

127. المؤمنون: 71

128. الفرقان : 43 - 44.

129. الآمدي، ناصح الدين أبو الفتح عبد الوحد (ت 550 ه) غُرَر الحِكَم ودُرَر الكَلِم، تدقيق: عبد الحسن دهيني، بيروت - دار الهادي، ط 1 - 1992 م، ص 48.

130. م.ن. ص 226.

131. م.ن. ص 430.

132. صبحي الصالح، نهج البلاغة، ص 449.

133. شرح النهج 1 - 218.

134. محمد: 14

135. صبحي الصالح، نهج البلاغة، ص 417.

136. لسان العرب 27 - 2479.

137. تاج العروس، 6 - 548.

ص: 176

138. معجم مقاییس اللغة ص 303.

139. مختار الصحاح ص 37،.

140. الفيومي، احمد بن محمد بن علي المقري (ت 770 ه) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، مصر - مكتبة محمد عبد الواحد بك، ط 1 - 1322 ه، ص 132.

141. البقرة: 224

142. الأعراف: 56

143. يونس: 81

144. التوبة: 102

145. الأحزاب: 71.

146. محمد: 5

147. ابن باديس، عبد الحميد محمد الصنهاجي (ت 1359 ه) في مجالس التذكير من کلام الحكيم الخبير، تحقیق: احمد شمس الدين، بيروت - دار الكتب العلمية، ط 1 - 1416 ه، ص 73.

148. روح المعاني 7 - 482.

149. البرقوقي، عبد الرحمن (ت 1944 ه) شرح ديوان المتنبي، القاهرة - مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ص 119.

150. الرعد: 11.

151. الحديد: 27

152. تاج العروس 28 - 165

153. مختار ص 128؛ لسان العرب 17 - 167؛

154. المصباح المنير ص 356.

155. الكليات ص 484.

ص: 177

156. لسان العرب 17 - 1678.

157. الكافي: الكليني، محمد بن یعقوب (ت 329 ه) اصول الكافي، بيروت - منشورات الفجر، ط 1 - 2007 م، 2 - 117.

158. شرح نهج البلاغة 2 - 189 - 190.

159. هو طبيب ومؤرخ فرنسي، عمل في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، كتب في علم الآثار وعلم الانثروبولوجيا، وعني بالحضارة الشرقية. من أشهر آثاره: حضارة العرب وحضارات الهند.

160. لوبون، غوستاف (ت 1931 م) روح الاجتماع، ترجمة: احمد فتحي زغلول، مصر - دار الجماهير، 1909 م، ص 12.

161. م.ن.

162. آل عمران: 159

163. التوبة: 128

164. صبحي الصالح، نهج البلاغة خطبة 97، ص 141.

165. م.ن.ص، 383.

166. الريشهري، محمد، میزان الحكمة، قم - دار الحديث، ط 1 - 1422 ه، 4 - 1838.

167. الواسطي، كافي الدين ابي الحسن (ق 6 ه) عيون الحكم والمواعظ، تحقیق: حسين الحسني، قم - دار الحديث، ط 1 - د.ت، ص 263.

168. م.ن.ص 227.

169. غرر الحكم ص 341.

170. شرح النهج 17 - 32.

171. الحجرات: 13

172. الغدير، 6 - 225؛ الألباني، أبو عبد الحمن محمد ناصر الدين (ت 1420 ه)

ص: 178

سلسلة الاحاديث الصحيحة، الرياض - مكتبة المعارف، ط 1 - 1996 م، ح 3700، 6 - 449

173. أبو داود، سلیمان بن الاشعث (ت 275 ه) سنن ابي داود، تحقیق: محمد محيي الدين عبد الحميد، بيروت - المكتبة العصرية، ح 5116، 4 - 331.

174. شرح نهج البلاغة، 17 - 30.

175. ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن یزید (ت 273 ه) سنن ابن ماجة، تحقیق: محمد فؤآد عبد الباقي، بيروت - دار احياء الكتب العربية، ح 4251، 2 - 1420.

176. غرر الحكم رقم 242، ص 111.

177. غرر الحکم، ص 234.

178. غرر الحكم رقم 42، ص 76.

179. شرح النهج 17 - 33.

180. م.ن.

181. ميكافيلي، كتاب الأمير، ترجمة: اکرم مؤمن، مكتبة ابن سینا، ص 89

182. م.ن. ص 90.

183. م.ن. ص 91.

184. شرح النهج 17 - 113.

185. غرر الحكم رقم 16 ص 149

186. سنن ابي داوود ح 4784، 4 - 249.

187. میزان الحكم 2 - 501

188. تحف العقول ص 14

189. غرر الحكم رقم 13 ص 204.

190. میزان الحکم 2 - 150

ص: 179

191. البخاري، محمد بن إسماعيل (ت 256 ه) صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر، ط 1 - 1422 ه، ح 6114، 8 - 28؛ مسلم بن الحجاج (ت 261 ه)، صحیح مسلم، تحقیق: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت - دار احیاء التراث العربي، ح 2609، 4 - 2014.

192. المودودي، أبو الأعلى، الخلافة والملك، تعريب: احمد المدرس، الكويت - دار القلم، ط 1 - 1978 م، ص 69.

193. صبحي الصالح، نهج البلاغة، ص 189.

194. شرح نهج البلاغة، 17 - 48.

195. شمس الدین، محمد مهدي، دراسات في نهج البلاغة، بيروت - دار الزهراء، ط 2 - 1972 م، ص 29.

196. ينظر: م.ن.

197. شرح شرح نهج البلاغة، 17 - 70

198. الحميري، عبد الله بن جعفر القمي (ت 300 ه) قرب الاسناد، تحقیق: مؤسسة آل البيت، قم - مهر، ط 1 - 1413 ه، ص 138.

199. شرح نهج البلاغة، 17 - 70

200. أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم (ت 183 ه) كتاب الخراج، بيروت - دار المعرفة 1979 م، ص 16.

201. م.ن.

202. شرح نهج البلاغة، 17 - 83.

203. بن حمدون، محمد بن الحسن بن محمد بن علي (ت 562 ه) التذكرة الحمدونية، بيروت - دار صادر، ط 1 - 1417 ه، 1 - 323.

204. م.ن.

ص: 180

205. شرح شرح نهج البلاغة، 17 - 83.

206. م.ن

207. شرح نهج البلاغة، 17 - 85

208. م.ن

209. م.ن.

210. م.ن.

211. شرح نهج البلاغة، ص 87

212. المتقي الهندي، علاء الدين علي (ت 975 ه) کنز العمال، تصحيح: صفوة السقا، بيروت - مؤسسة الرسالة، ط 5 - 1985، ح 16682، 6 - 492.

213. میزان الحکمة، ح 15991، 8 - 3229.

214. م.ن، ح 15993، 8 - 3229

215. القبانجي، مصدر سابق، 9 - 308.

216. محمد مهدي شمس الدين، مصدر سابق، ص 390

217. يُنظر: م.ن، ص 57.

218. شرح نهج البلاغة، 17 - 49.

219. شرح نهج البلاغة، 17 - 51.

220. م.ن

221. م.ن

222. م.ن

223. م.ن. ص 75.

224. م.ن.

225. السخاوي، محمد عبد الرحمن (ت 902 ه) المقاصد الحسنة، تحقيق: محمد عثمان

ص: 181

الخشن، بيروت - دار الكتاب العربي، ط 1 - 1958 م، ح 142، ص 134.

226. م.ن. ص 135.

227. ابن شبة، عمر بن شبة بن عبيدة (ت 262 ه) تاريخ المدينة، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، 1399 ه، 2 - 706؛ ابن حجر، احمد بن علي (ت 852 ه) فتح الباري، ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة السلفية، 8 - 67.

228. شرح نهج البلاغة، 17 - 58

229. م.ن.، 17 - 59.

230. م.ن.، 17 - 60.

231. صبحي الصالح، نهج البلاغة الرسالة 62، ص 452.

232. ابن تيمية، احمد بن عبد الحليم، منهاج السنة النبوية، تحقيق: محمد رشاد سالم، ط 1 - 1986 م، 6 - 356.

233. شرح نهج البلاغة 17 -68.

234. صبحي الصالح، نهج البلاغة، ص 377.

235. م.ن. ص. 189.

236. م.ن. ص 488.

237. السواد: أراضي وقرى العراق وضياعها، سمّي بذلك لسواده بالزروع والنخيل والأشجار، معجم البلدان 3 - 272.

238. العذيب: ماء لبني تميم، وهو أوّل ماء يلقاه الإنسان بالبادية إذا سار من قادسية الكوفة يريد مكّة (تقويم البلدان 79)

239. بهقباذ: من أعمال سقي الفرات (معجم البلدان 1 - 516)

240. اليعقوبي، احمد بن ابي يعقوب (ت 284 ه) تاريخ اليعقوبي، تحقيق: عبد الأمير مهنا، بيروت - شركة الاعلمي، ط 1 - 2010 م، 2 - 109.

ص: 182

قائمة المصادر والمراجع

القرآن الكريم

1 - أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفي: 395 ه) معجم مقاییس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، بيروت - دار الفكر، 1979 م.

2 - ارسطوطاليس، علم الاخلاق، نقله الى العربية: احمد لطفي السيد، القاهرة - دار الكتب المصرية، 1924 م.

3 - الألباني، أبو عبد الحمن محمد ناصر الدين (ت 1420 ه) سلسلة الاحاديث الصحيحة، الرياض - مكتبة المعارف، ط 1 - 1996 م.

4 - الامدي، ناصح الدين أبو الفتح عبد الوحد(ت 550 ه) غُرَر الحِكَم ودُرَر الكَلِم، تدقيق: عبد الحسن دهيني، بيروت - دار الهادي، ط 1 - 1992 م.

5 - الامين، محسن، اعیان الشيعة، تحقیق حسن الأمين، بيروت - دار التعارف، 1983 م

6 - الاميني، عبد الحسين احمد، الغدير في الكتاب والسنة والادب، بيروت - الاعلمي، ط 1 - 1994 م.

7 - ابن باديس، عبد الحميد محمد الصنهاجي (ت 1359 ه) في مجالس التذكير من کلام الحكيم الخبير، تحقیق: احمد شمس الدین، بیروت - دار الكتب العلمية، ط 1 - 1416 ه.

8 - البحراني، السيد هاشم (ت 1109 ه)، بغية المرام وحجة الخصام، تحقيق: علي عاشور، بيروت - مؤسسة التاريخ العربي، ط 1 - 2001 م.

9 - البخاري، محمد بن اسماعیل (ت 256 ه) صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر، دار طوق النجاة، ط 1 - 1422 ه.

10 - البرقوقي، عبد الرحمن (ت 1944 ه) شرح ديوان المتنبي، القاهرة - مؤسسة

ص: 183

هنداوي للتعليم والثقافة

11 - ابوالبقاء، أيوب بن موسی الحسيني (ت 1094 ه) الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، تحقيق: عدنان درویش - محمد المصري، بيروت - مؤسسة الرسالة.

12 - البلاذری، احمد بن يحيی (ت 279 ه)، انساب الاشراف، تحقیق: سهیل زکار ورياض زرکلی، بیروت، دار الفكر، ط 1 - 1996 م.

13 - الترمذي، محمد بن عیسی (ت 279 ه) سنن الترمذي، تحقيق: احمد محمد شاكر وآخرون، مصر - مصطفى البابي الحلبي، ط 2 - 1975 م.

14 - التستري، نور الله الحسيني المرعشي (ت 1019 م) احقاق الحق وازهاق الباطل.

15 - التهانوي، محمد بن علي ابن القاضي محمد (ت بعد 1158 ه) موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، تحقیق: علي دحروج، بیروت - مكتبة لبنان ناشرون، ط 1 - 1996 م.

16 - ابن تيمية، احمد بن عبد الحليم، منهاج السنة النبوية، تحقيق: محمد رشاد سالم، ط 1 - 1986 م.

17 - الثعلبي، أبو اسحق احمد (ت 427 ه) الكشف والبيان، تحقيق: محمد بن عاشور، بيروت - دار احیاء التراث العربي، ط 1 - 2002 م.

18 - الثقفي، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد (ت 283 ه) الغارات، تحقيق: عبد الزهراء الحسيني، بيروت - دار الأضواء، ط 1 - 1987 م.

19 - الجرجاني، علي بن محمد (ت 816 ه) معجم التعريفات، تحقیق: محمد صديق المنشاوي، القاهرة - دار الفضيلة.

20 - الجوهري، إسماعيل بن حماد (ت 393 ه) تاج اللغة وصحاح العربية، تحقیق: احمد عبد غفور عطار، بیروت - دار العلم للملايين، ط 2 - 1979 م.

ابن حجر، احمد بن علي العسقلاني (ت 852 ه):

ص: 184

21 - الإصابة في تمييز الصحابة، بيروت - المكتبة العصرية، ط 1 -1433 ه.

22 - فتح الباري، ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة السلفية.

23 - ابن ابي الحديد، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله (ت 656 ه) شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت - دار احياء الكتب العربية، ط 2 - 1965 م.

24 - الحر العاملي، محمد بن الحسن (ت 1104 ه) وسائل الشيعة، تحقيق: مؤسسة آل البيت، قم - مطبعة - مهر، ط 2 - 1414 ه.

25 - العلامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهر (ت 726 ه) خلاصة الاقوال، تحقيق: جواد القيومي، قم - نشر الفقاهة، ط 4 - 1431 ه.

26 - ابن حمدون، محمد بن الحسن بن محمد بن علي (ت 562 ه) التذكرة الحمدونية، بيروت - دار صادر، ط 1 - 1417ه.

27 - الحميري، عبد الله بن جعفر القمي (ت 300 ه) قرب الاسناد، تحقيق: مؤسسة آل البيت، قم - مهر، ط 1 - 1413 ه.

28 - ابن حوقل، كتاب صورة الأرض، بيروت: مكتبة الحياة، 1992.

29 - ابن خلدون، عبد الرحمن (ت 808 ه) تاريخ ابن خلدون، بيروت: دار الفكر، 2000.

30 - ابوداود، سلیمان بن الاشعث (ت 275 ه) سنن ابي داود، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، بيروت - المكتبة العصرية.

31 - الدبيسي، محمد، التقوى في القرآن الكريم، القاهرة - دار المحدثين، ط 1 - 2008 م.

32 - الدينوري، أبو حنيفة أحمد بن داود (ت 282 ه) الاخبار الطوال، تحقيق: عبد المنعم عامر، القاهرة - دار احياء الكتاب العربي، ط 1 - 1960 م.

33 - الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748 ه) سير اعلاء النبلاء، تحقيق: شعیب الارنؤوط، بيرةت - مؤسسة الرسالة، ط 2 - 1982 م.

ص: 185

34 - الرازي، زين الدين أبو عبد الله محمد بن ابي بكر (ت 666 ه) مختار الصحاح، بيروت - مكتبة لبنان، 1989 م.

35 - الرازي، محمد فخر الدين (ت 604 ه) تفسير الفخر الرازي، بيروت - دار الفكر، ط 1 - 1981 م.

36 - الراغب، أبو القاسم الحسين بن محمد (ت 502 ه) المفردات في غريب القرآن، تحقيق: محمد سيد کيلاني، بيروت - دار المعرفة.

37 - الراوندي، سعید بن هبة الله (ت 573 ه) منهاج البراعة، تحقيق: عبد اللطيف الكوهكمري، قم - مطبعة الخيام، 1406 ه.

38 - ابن رجب، زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن (ت 795 ه) جامع العلوم والحكم، تعلیق ماهر یاسین، بیروت - دار ابن كثير، ط 1 - 2008.

39 - الريشهري، محمد، میزان الحكمة، قم - دار الحديث،، ط 1 - 1422 ه.

40 - الزبيدي، محمد بن محمد بن عبد الرزاق (ت 1205 ه) تاج العروس من جواهر القاموس، تحقیق: مجموعة من المحققين، بيروت - دار الهداية.

41 - السخاوي، محمد عبد الرحمن (ت 902 ه) المقاصد الحسنة، تحقيق: محمد عثمان الخشن، بیروت - دار الكتاب العربي، ط 1 - 1958 م.

42 - ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع البصري (ت 230 ه)، الطبقات الکبری، بیروت، دار صادر، 1957 م.

43 - ابن شبة، عمر بن شبة بن عبيدة (ت 262 ه) تاريخ المدينة، تحقیق: فهیم محمد شلتوت، 1399 ه.

44 - شمس الدین، محمد مهدي، دراسات في نهج البلاغة، بيروت - دار الزهراء، ط 2 - 1972 م

45 - ابن شهراشوب، أبو جعفر محمد بن علي (ت 588 ه) مناقب آل أبي طالب، تحقیق

ص: 186

: يوسف البقاعی، بیروت - دار الأضواء، ط 2 - 1412 ه.

46 - الشيرازي، ناصر مکارم، نفحات الولاية، اعداد: عبد الرحيم الحمراني، قم - سلیمانزاده، ط 2 - 1426 ه.

47 - الصالح، صبحي، نهج البلاغة، القاهرة - دار الكتاب المصري، ط 4 - 2006 م.

الصدوق، ابو جعفر محمد بن علي (ت 381 ه):

48 - معاني الأخبار تصحيح: علي اکبر الغفاري، قم - مؤسسة النشر الإسلامي، 1379 ه.

49 - کتاب الخصال، صححه: علي اکبر الغفاري، قم - الحوزة العلمية.

50 - الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بیروت مؤسسة الإعلمي، ط ا - 1997، 6 - 128.

51 - الطبري، محمد بن جریر (ت310 ه) تاريخ الطبري، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مصر - دار المعارف، ط 2.

52 - العاملي، جعفر مرتضی، الصحیح من سيرة الامام علي، المركز الإسلامي للدراسات، ط 1 - 2009 م.

53 - عبد الحميد، محمد محيي الدين، المختار من صحاح اللغة، القاهرة - المكتبة التجارية

54 - ابن عساکر، ابو القاسم علي بن الحسن (ت 571 ه) تاريخ مدينة دمشق، تحقیق: محب الدين العمري، بيروت - دار الفكر، 1995 م.

55 - العسكري، مرتضی، معالم امدرستين، القاهرة - مكتبة مدبولي، ط 5 - 1993 م.

56 - المتقي الهندي، علاء الدين علي (ت 975 ه) کنز العمال، تصحيح: صفوة السقا، بيروت - مؤسسة الرسالة، ط 5 - 1985.

57 - العقاد، عباس محمود، شخصيات إسلامية، بيروت - دار الكتاب العربي.

58 - الفكیكي، توفيق، الراعي والرعية، بغداد - مطبعة اسد، 1962 م.

ص: 187

59 - الفيومي، احمد بن محمد بن علي المقري (ت 770 ه) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، مصر - مكتبة محمد عبد الواحد بك، ط 1 - 1322 ه.

60 - القبانجي، السيد حسن، مسند الامام علي، تحقيق: طاهر السلامي، بيروت - مؤسسة الأعلمي، ط 1 - 2000 م.

القمي، عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم (ت 1359 ه):

61 - منازل الاخرة، ترجمة: حسين كوراني، سوريا دار التعارف، 1993 م.

62 - سفينة البحار، قم - دار الاسوة، ط 2 - 1416 ه.

63 - الكافي: الكليني، محمد بن يعقوب (ت 329 ه) اصول الكافي، بيروت - منشورات الفجر، ط 1 - 2007 م.

64 - ابن كثير، ابي الفداء اسماعيل (ت 774 ه) البداية والنهاية، تحقيق: محيي الدین ادیب، بيروت - دار بن كثير، ط 2 - 2010 م.

65 - اللحجي، عبد الله بن سعيد محمد (ت 1410 ه) منتهى السؤل، جدة - دار المنهاج.

66 - لوبون، غوستاف (ت 1931 م) روح الاجتماع، ترجمة: احمد فتحي زغلول، مصر - دار الجماهير، 1909 م.

67 - ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن يزيد (ت 273 ه) سنن ابن ماجة، تحقيق: محمد فؤآد عبد الباقي، بيروت - دار احياء الكتب العربية.

68 - المامقاني، عبد الله (ت 1351 ه) تنقيح المقال في علم الرجال، تحقيق: محيي المامقاني، قم - مؤسسة آل البيت، ط 1 - 1423 ه.

69 - المتقي الهندي، علاء الدين علي (ت 975 ه) كنز العمال، تصحيح: صفوة السقا، بيروت - مؤسسة الرسالة، ط 5 - 1985.

70 - مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، مكتبة الشروق الدولية، ط 4 - 2004 م.

71 - محمد نوح، آفات على الطريق.

ص: 188

72 - مسلم بن الحجاج (ت 261 ه)، صحیح مسلم، تحقیق: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت - دار احیاء التراث العربي.

73 - مطهري، مرتضي، في رحاب نهج البلاغة، بيروت - الدار الإسلامية، ط 1 - 1992 م

74 - الحائري، أيوب، قبسات من نهج البلاغة.

الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري (ت 413 ه):

75 - الامالي، دار التيار الجديد.

76 - الجمل، ط 1 - 1403 ه.

77 - الإختصاص، تحقیق: علي اکبر غفاري، بيروت - مؤسسة الأعلمي، ط 1 - 2009 م

78 - ابن منظور، لسان العرب، تحقیق: عبد الله علي الكبير وآخرون، القاهرة - دار المعارف.

79 - المنقري، نصر بن مزاحم (ت 212 ه) وقعة صفين، تحقیق: عبد السلام هارون، بيروت - دار الجيل، 1990 م.

80 - المودودي، أبو الأعلى، الخلافة والملك، تعريب: احمد المدرس، الكويت - دار القلم، ط 1 - 1978 م

81 - ميكافيلي، كتاب الأمير، ترجمة: اکرم مؤمن، مكتبة ابن سينا.

82 - النيشابوري، محمد بن الفتال (ت 508 ه) روضة الواعظين، تحقیق غلام حسین المجيدي، قم - مطبعة نكارش، ط 1 - 1423 م.

83 - هيثمي، نور الدين علي بن سليمان (ت 807 ه) بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، تحقیق: حسين احمد صالح، السعودية - الجامعة الإسلامية، ط 1 - 1992 م.

84 - الواسطي، كافي الدين أبي الحسن (ق 6 ه) عيون الحكم والمواعظ، تحقیق: حسين الحسني، قم - دار الحديث، ط 1 - د.ت.

85 - الواقدي، عمر بن واقد (ت 207 ه) فتوح الشام، تصحیح: عبد اللطيف عبد

ص: 189

الرحمن، بيروت - دار الكتب العلمية، ط 1 - 1997 م.

86 - الالوسي، شهاب الدين السيد محمود (ت 1270 ه) روح المعاني، تحقيق: علي عبد الباري عطية، بيروت - دار الكتب العلمية، ط 1 - 1415 ه.

87 - یاقوت الحموي، شهاب الدين أبي عبدالله (ت 226 ه) معجم البلدان، بیروت - دار صادر، 1956 م.

88 - اليعقوبي، احمد بن ابي يعقوب (ت 284 ه) تاريخ اليعقوبي، تحقيق: عبد الأمير مهنا، بیروت - شركة الأعلمي، ط 1 - 2010 م.

89 - ابو يوسف، يعقوب بن إبراهيم (ت 183 ه) كتاب الخراج، بيروت - دار المعرفة، 1979 م.

ص: 190

الإمام علي (عليه السلام) يؤسس لأول دولة مدنية المبادئ والحريات والحقوق الإنسانية

اشارة

رسول عبد الزهرة النعمة

مدير منظمة طوى للتنمية وحقوق الانسان

ص: 191

ص: 192

مشكلة البحث:

يعالج موضوعة وضع الإسلام في اطر كلاسيكيه من قبل الجماعات المتطرفة وتسليط الضوء على الأنموذج الناصع الذي يعطي انطباع حقيقي عن جوهر الرسالات السماوية وعدم إغفالها حقوق الانسان وفي مشروع أول دوله مدنيه تبناها الإمام علي (عليه السلام).

فرضية البحث:

تقديم دراسة عقلائيه بما يتلاءم مع تطلعات الانسان المعاصر واثبات بالحجة والمصدر الموثوق ان أمير المؤمنين (عليه السلام) سبق الجميع في تطبيق حقوق الانسان حيث مثل الحاكم العادل والمؤسس للصبغة الإنسانية التي مثبت خلاقه السماء بحق.

مخطط البحث:

يقع البحث بفصلين الاول في مشروع الدولة المدنية:

1. المبحث الاول تمهيد.

2. المبحث الثاني أسس الدولة المدنية.

3. المبحث الثالث ملامح المدنية الجديدة.

4. المبحث الرابع مشروع السجون الإصلاحية.

5. المبحث الخامس الحكم الديمقراطي الإسلامي.

الفصل الثاني الحقوق والحريات في عهد الإمام علي:

1. المبحث الاول مدخل للحقوق والحريات وهي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

2. المبحث الثاني التعددية وقبول الآخر.

3. المبحث الثالث في حرية التعبير عن الرأي

ص: 193

4. المبحث الرابع في حق المعتقد.

5. المبحث الخامس العدالة الاجتماعية.

6. المبحث السادس في حقوق المرأة وحقوق أخرى.

7. المبحث السابع في الخاتمة.

تقدمة

الحمد لله رب العالمين وأتم الصلاة والتسليم على نبيه محمد واله الطيبين الطاهرين، وبعد:

من رحم البداوة والصحراء والوحشية والجهل والتعصب ولدت الرسالات والإنسانية متمرده على تلك البيئة القاسية والقلوب الغليظة لترسم للإنسان حقوقه بكل معاني المحبة والسلام والقوة في اخذ حقوق الفقراء وقد تمثلت بشخص علي ابن أبي طالب (عليه السلام) رجل العدالة والمبادئ السامية لعكس صورة طبق الأصل عن جوهر الإسلام الذي أرسلته السماء وتغذاه من خلق محمد الصادق الأمين (صلى الله عليه واله وسلم) خاتم الرسل السماوية ومتلازمته معه، لم تك الفطرة السليمة والأرحام المطهرة هي فقط من أوجدت هذه الشخصية المعطاء وإنما امتناعه عن كل ما كان يقوم به ذلك المجتمع المتخلف والمتوارث بالجهل والعادات السيئة والقديمة، فنشئ وهو يمقت كل ما يراه من ظلم وتفرقة وتشضي وقد ازدادت حكمته وتنامت إنسانيته وهو يرى البؤس والشقاء، فطهر لسانه وقوى ساعده بوجه الظلم والقبلية فمن هنا بدأت قصة الإصلاح تتنامى قبل تولي علي (عليه السلام) عرش الحكم فقد احترم الرأي الآخر ولم يشق جموع المسلمين حتى في موعد الشروع بواجبة المرصود والمقدس إلى ان سنحت له الفرصة ليطرز أرقى معاني الجمال من احترام الرعية والعطف على الأيتام والدفاع عن

ص: 194

المرأة والإنسان بكل اختلافاته فلا يوجد في التاريخ من يسجل عليه فساد أو ظلم نزولا إلى ولاته وعماله وكانت كلماته نهج مصنف للحقوق وتبيان لكل المفاهيم والنظم القيمة والطروحات البناءة فلم يشبع بطنا ولا يجلس مكتوف اليدين في قصر منيف وإنما يستمر بمتابعاته الرعية وكان مساره في تحقيق أسس حقوق الانسان ومشروع أول دوله مدنيه استمدت مقتنياتها من دوله الإسلام الأولى للرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) لتصل للخلافة الحقيقية التي صرحت بها السماء حيث عمل على استحداث المؤسسة بحسب العصر الجديد فكان بناء السجون الإصلاحية وتبني ثقافة الحوار واحترام المعتقدات غير الاسلاميه هي السياسة السائدة في دولته كما وقد اخذ مفهوم حقوق الانسان تطبقيه في فلسفه الإمام علي (عليه السلام) بطريقتين: الأولى جمعت في نهجه التوعوي إي بالحكم والإرشادات والكلمة المعبرة والمنحى الثاني كانت بالتطبيق العملي وهي التعامل مع الرعية والعمال بشكل ينسجم مع ما يتطابق مع مفاهيم حقوق الانسان المعاصرة.

ص: 195

الفصل الاول: أسس الدولة المدنية

تمهيد

لا يخفى علينا ان فجر الرسالة الإسلامية الذي جاء بمشروع سماوي خلص الانسان من الاستعباد والفوضى والقبلية وساوى بين كل الأصناف، الحر والعبد والرجل والمرأة معبرا بذلك بدستور سماوي اسمه القرآن الكريم كان رسالة كبيرة ومنعطف واعد في تاريخ البشرية، من الصعب توقف مسارها أو تلكئها، كما وان الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) كان يستن الأحاديث والمواقف الآنية التي يعالج بها كل مستحدث بما يتلاءم مع ما يريده الله جل شأنه للإنسانية إي وفق المعايير الدينية المنصوصة حيث لم تكن هناك دساتير تنظم حياة البشرية فكان الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) هو المنظم لذلك وهذا معروف أكيدا، الا إننا ما أردنا ان نوضحه في هذه العجالة ان مسيرة الإمام علي عليه السلام مع الرسول وشهادته لهذه البادئة الرسالي وما تلا الرسول من خلافة أصحابه جعلت الإمام علي إمام موقف تاريخي مهم وهو كيفيه صناعه إطار مدني يترج مع وضع الانسان المدني المعاصر فقد أصبح لزاما عليه استخدام قوالب جديدة في الدولة والحكم تتماشى مع العقلية الجديدة مستفيدا من أخطاء من سبقوه ورد فعل الانسان المختلف، إي بمعنى تبنى مفاهيم إنسانيه جيدة تسهم في قبول الآخر وتلاءم الجميع وترجع الإسلام إلى مساره الحقيقي الذي عرفه من متلازمته مع الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) وتشربه بإيمانه الصادق والذي نمت هذه الشخصية العظيمة منه إلى ان قال حبر ألامه ابن عباس لو ان الشجر أقلام والبحر مداد والإنس والجن كتاب وحسًاب ما أحصوا فضائل أمير المؤمنين(1)، من هنا كان من الواجب الوقوف

ص: 196

عند هذه الشخصية والتعرف على منجزاتها سيما وان الرسول الأكرم نفسه قال فيه يوم برز لعمرو ابن عبد ابن ود العامري ((خرج الإيمان كله إلى الشرك كله))(2) هذه هو من يحمل الصورة الناصعة والصادقة للإسلام الذي قام الكثيرين بتشويهه.

أسس الدولة المدنية

من اثر تربيته الإمام علي على يدي الرسالة السامية التي تبناها خاتم الرسل محمد (صلی الله عليه واله وسلم) كان جل ما يطمح إليه عليّ (عليه السلام) إقامة دولة إسلامية عادلة راشدة حدد معالم أسسها الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية منذ الأيام الأولى لاستلامه الخلافة، وكان أول أسسها وصيته لرجالاته الذين كلفهم بقيادة أمور المسلمين في الأمصار، كوصيته (لمالك بن الأشتر) عندما ولاه مصر، هذه الوصية التي اعتبرت منعطف تاريخي لدى الكثير من السياسيين ووثيقة لمشروع تأسيس دولة مدنية معاصرة تحترم الجميع وأن رؤيته لمفهوم الدولة بصيغتها العقلانية المطروحة في (وصية الأشتر) تجلت كرؤية دولتيه عقلانية منذ اليوم الأول لوفاة الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وأثناء حادثة السقيفة التي ترك فيها صحابة الرسول (عليه الصلاة والسلام) على فراش الموت مع علّيَ وأهله، راحوا يتفاوضون ويتبايعون على الخلافة، بغض النظر هنا عن النيات الحسنة أو السيئة لمن تواجد في السقيفة آنذاك وراح يفاوض في أمور السلطة، مثلما تجلت أيضا عبر حكم أبو بكر وعمر وعثمان كما سمي، حيث كان عليّ المرجع الحكيم الذي كثيرا ما لجأ إليه الحكام لاستشارته عند الضرورات من أمور سياستهم لشؤون الدولة ثم سارت باعتراضاته على بعض الأحكام وتصحيحاته الدائمة للدولة وهو يمثل دور الناشط المدني والسياسي الذي يمتاز بالموقف والاهتمام حينها كان يمثل (عليه السلام) المنظمة المدنية التي ترجع الدولة له في العديد من الاستشارات والمواقف وصاحب الدراية المتكاملة وقد اكتشف نقاط الخلل واضعا في نضره مدنية

ص: 197

الرسول الأكرم الأساس الصلب التي كان من معالمها وثيقة المدينة واللبن الإدارية الأولى في المنطقة.

ملامح المدنية الجديدة

ان أول ملامح الدولة المدنية المعاصرة التي أسسها الإمام علي (عليه السلام) هي ترك كل ما يشوب حياة الانسان المدني المعاصر ومن ذلك إيقاف الفتوحات والتوسعه في الدولة الإسلامية لوجهة نضر أو وجود مآخذ ترافق تلك الفتوحات قد تحدث في ظل حكومته يمكن ان تقاس بمقاسات أخرى تشبه العادات الجاهلية التي كانت تشوب حياة الانسان القديم ومنه العربي خصوصا كالسلب والنهب والغنائم والسبايا وضعها ضمن خراج الدولة أو ما تسمى بالواردات في العصر الحديث أي انه جمد هذا المشروع ليبدأ بإعادة صقل وإصلاح ما موجود وكان كفيل بنجاح فكرة التكافل الاجتماعي والتي تزينت بها معاجم الكتب والسير وهي انه وجد سائل فتعجب في حكومته فقيل هذا غير مسلم وأمر بصرف راتب له إذن كان يتعامل مع الانسان بشكله لا نوعه بالإضافة إلى موضوعنا وهو ان تعجب بوجود متسول أي انه وفق في مشروعه الاقتصادي حتى ذكر أصحاب السير انه استطاع ان يسيطر على توازن الأسعار في السوق وخلق مساواة في المتاجر بطريقه اقتصادیه اعتمدها بدون اللجوء للقوة والتشريع الا وهي الإشراف المباشر من قبل الدولة على التجارة بل وما يهمنا هنا هو كلمته المشهورة وهي انثروا القمح على اسطح الجبال وهي تقودنا إلى جانبين مهمين الا وهما هو وصول الدولة إلى مرحله من الاكتفاء والاستقرار الاقتصادي والنوعي بشكل ملحوظ والجانب الأخر هو اهتمامه قد تعدى الانسان وهذا من أهم المفاهيم والقيم المعاصرة بل وتعداها بجدارة وليس باللوائح والمآثر الكلامية وإنما بالتطبيق الميداني برعاية حقوق الحيوان كذلك.

ص: 198

مشروع السجون الإصلاحية

من المؤكد ان فكرة السجون هي بحد ذاتها تعتبر موقع تعذيب وانتقام أو مصادرة رأي أو تغييب من اتهم أو ثبت عليه جرم أو جنحة موجهه الا ان الإمام علي (عليه السلام) اعتمدها كإصلاحيات للمجرمين والمذنبين بحق المظالم أي هم الأشخاص الخطرين والمجرمين بحق الناس باختلاف أنواعهم أي هم ليسوا سجناء رأي أو أعداء للسلطة ولا يوجد أي مصدر تاريخي يشوب ذلك بالعكس وسنتناول هذا الموضوع في المبحث الثاني بالأحداث التاريخية ان الأمام علي قد وردت عشرات القصص على من يكيل عليه التهم والسب وأمام الناس وفي السوق وفي المسجد وهو يخطب دون ان يأمر باعتقاله معبرا عن فكره الديمقراطي المعاصر ومحترما لكل رأي مختلف وان كان هذا الشخص عليه شائبة، كان علي (عليه السلام) ملتزما بجميع الضمانات الإنسانية للسجناء. فكان يخرج فئات من أهل السجن ليشهدوا الجمعة بشروط معينة ثم يعيدهم(3).

وفي الموضوع ذاته انه قام بتقنين مادة في دستوره تنهى عن الأخذ بالأقوال التي تنتزع تحت التعذيب كان نصها: (من اقر عن تجريد أو حبس أو تخويف أو تهديد فلا حد عليه(4)).

حيث ان فكرة السجن كمؤسسة إصلاحية علاجية تأهيلية لم تتبلور في الفكر القانوني الإنساني المعاصر إلا بعد مخاضٍ طويل، غير أنها وجدت تطبيقاً لها في بدايات الدولة الإسلامية، ولاسيما في فكر الفقيه الكبير والمفكر العظيم علي بن أبي طالب (عليه السلام) على نحوٍ سبق فيه الأفكار الحديثة بمئات السنين، وانه ما كان يبقي أحدا في السجن دون حق فقد كان يعرض السجون كل يوم جمعة، فمن كان عليه حد أقامه عليه ومن لم يكن عليه حد خلى سبيله(5) وعلى ذلك سنتولى عرض فكرة السجن الإصلاحي في الفكر القانوني الإنساني أولاً، وفي الفكر الإسلامي الذي يمثله الإمام (عليه السلام)

ص: 199

ثانياً، إما موضوعه السجن بشكل عام قبل وبعد الإمام علي كان هدف السجن في العصور القديمة: ويتمثل بالهدف من العقوبة ذاتها وهو الانتقام من الجاني وتعذيبه، إما هدف السجن في العصور الوسطى فالسجن في هذه الفترة يوافق أفكار الكنيسة حول العقوبة والذي تمثل بتطهير المجرم من الذنوب والخطايا من خلال الاقتصاص التطهيري، فعقوبة السجن لم تكن تستهدف سوى الانتقام والإرهاب بداعي تطهير المجرم لان هدف العقوبة كان آنذاك هو الردع فقط دون الإصلاح، لذا نجد أن السجون كانت عبارة عن قلاع أو حصون قديمة يودع المجرمون فيها بسراديب مظلمة مكبلين بالسلاسل مع التعذيب وإجبارهم على القيام بأعمال السخرة(6) الا ان السجون في فلسفة علي ((أي دوله المدنية الإسلامية الحقيقية)) كان لا يسجن الشخص الا بعد معرفة الحق وإنزال الحدود لان الحبس بعد ذلك ظلم (عليه السلام) كما ذكرنا والسجون (7) هي إصلاحيات تنوب عن أحكام قديمة وتم توقيف الأحكام القديمة والتقليل منها وهي الرجم والتعزير والجلد وقطع اليد وما إلى ذلك الا ان الملاحظ ان التعامل مع المواقف يكون بحسب الحالة فإذا كان يمكن إصلاحها بالسجون كان اختيارها أولى وهذا وما يؤيد بطلان الفكرة التي تعتمدها بعض الجهات المتخلفة التي تلسق نفسها بالإسلام معتبرة ان هذه الوسائل العقابية هي الوحيدة التي لا تستحدث بحسب التطبيق القديم للمشرع الإسلامي وعلى ذلك يمكن القول أن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو أول من وضع قواعد الحد الأعلى وليس الأدنى لمعاملة المسجونين وتنظيم السجون باعتبارها مؤسسة إصلاحية تأهيلية علاجية، ثم انتشرت بعد ذلك فكرة السجون في الدولة الإسلامية وخاصة في العهدين الأموي والعباسي غير أن الغاية منها قد ابتعدت عن الإصلاح والتأهيل والتهذيب لتتحول إلى التنكيل والانتقام من السجناء، ولم يطبق الفكر الإصلاحي للسجن إلا في عهد الخلفية عمر بن عبد العزيز، الذي أكد في كتبه إلى عماله ما جاء به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) (8) هناك حقيقة واضحة

ص: 200

لا غبار عليها وهي أن الإسلام يعد المنبع الرئيس لكل النظريات التي تهدف إلى حفظ حقوق وحريات الإنسان وصيانة كرامته بما هو إنسان وان كان مجرماً، لذلك اهتم الفقه الإسلامي بالسجن والسجين، ومن الملاحظ أن لفظة السجن كمؤسسة عقابية وكعقوبة قد وردت في القرآن الكريم في سورة يوسف في ثمانية مواضع، والسجن كعقوبة وان عرف في زمان الرسول الأكرم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غير انه لم يكن هناك مكان يحبس فيه الشخص المجرم، فكان الحبس يتم أما بساحة المسجد النبوي أو في الدهاليز أو في البيوت ومنها بیت المضرور وجدير بالذكر أن السجن لم يكن سوى عقوبة من نوع التعازير وليست من نوع الحدود أو القصاص أو الديات وظل عدم وجود مكان معين يحبس فيه الأشخاص وهذا ما لا يخفى على الجميع من موضوع الأسرى من الحروب وهاتيك الموضوعات (9) وكانت أصلا بداية فكرة السجون بحسب المؤرخين حينما تولى الإمام علي (عليه السلام) الخلافة اهتم بالسجن أیَّما اهتمام فبني سجناً في الكوفة من قصب وسماه (نافعاً) فنقبه اللصوص وهربوا منه، ثم بني سجناً آخر من مدر وسماه (مخیساً) وتلاحظ النزعة الإصلاحية لهذين السجنين من اسميهما فالسجن الأول اسمه (نافع) والنفع ضد الضرر، أما الثاني فقد سماه (عليه السلام) مخيس والتخسيس يعني التليين والمرونة، هذا من حيث الاسم، أما من حيث المعاملة العقابية فقد عمد الإمام (عليه السلام) إلى وضع قواعد خاصة في معاملة المسجونين ترمي إلى الحفاظ على كرامة الإنسان بما هو إنسان أولاً وكونه مسلماً ثانياً. فنجد أن هناك عناية بالسجين من نواحي الجسد والروح والفكر، فكان الإمام علي (عليه السلام) يتابع طعامهم وشرابهم وكان يصرف لهم كسوة صيفية وأخرى شتوية وفي حال مرض احد السجناء فكان يعالج داخل المؤسسة العقابية وان لم يكن له خادم يقوم بخدمته قوَّم له واحداً، وان كان مرضه لا يرجى شفائه أو خطراً على حياته فينقل إلى بيته لعلاجه ومن ثم يصدر قراراً بإعفائه من مدة محكوميته، وكان يسمح للمسجونين بالخروج والمشي داخل المؤسسة العقابية،

ص: 201

بل نجد أن الإمام (عليه السلام) قد أقر للسجناء بحق الخروج لأداء صلاة الجمعة والعيدين، مع حق ذويهم وأهلهم في زيارتهم، ثم نجد أن الإمام (عليه السلام) قد أقر تعليم السجناء القراءة والكتابة والأحكام الدينية والعقائدية والمواظبة على ممارستها، ثم أكد على ضرورة معاملة السجناء (النزلاء) بالحسني من قبل القائمين على إدارة المؤسسة العقابية وذلك كله يتم تحت إشرافه ورقابته المباشرين، بل كان يوصي عماله في الأمصار الأخرى بذلك كله، هذا الفكر الإصلاحي أصبح نقطة الانطلاق فيما بعد للفكر الجنائي الإسلامي (والإنساني) عموماً في الاهتمام بالسجن والسجين (10).

أسس الحكم الديمقراطي الاسلامي

من أهم المفاهيم المعاصرة هو مفهوم الديمقراطية ولسنا هنا بصدد التعريفات الا ان جل ما نود الإشارة له هو ان حكم الإمام علي (عليه السلام) كان يمثل هذا النوع من الحكم بنضرة المستشرقين والباحثين بشكل عام وان لم يشيروا لهذا المصطلح بصورة مباشرة الا انه لا يوجد ذكر عكس ذلك وإنما احترام الحريات العامة هو السائد في نضر علي ومنها يقول الإمام (عليه السلام) في ذلك ضمن كلام واضح وجميل ((يا أيها الناس إن ادم لم يلد عبدا ولا امة، وان الناس كلهم أحرارا)) (11). وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام) (الناس كلهم أحرارا، إلا من اقر على نفسه بالعبودية) ومن هذا وغيره ومن المبادئ التي أراد تحقيقها الإمام علي (عليه السلام) احترام الجميع وإرساء العدالة اللاهية وكفالته الشهيرة للأديان غير المسلمين وما يتعلق مباشرة بموضوع الأقليات وهو مبدأ المساواة بين البشر وهو ما يعزز المفهوم الديمقراطي للحياة العامة والسياسية. فموضوع الأقليات في العصر الحديث يجد إطاراً مرجعياً في مبدأ المساواة بالصيغة التي أشارت إليها حقوق الإنسان، واعتبرت لدى كثيرين مرجعاً عالمياً معاصراً لهذا المبدأ إلا انه يسهل القول بأن الإسلام سبق هذه الوثائق في تقرير جملة المبادئ التي تضمنتها حماية

ص: 202

لحق الإنسان في العيش الحر الكريم، وعلى رأس تلك المبادئ وأخصها مبدأ المساواة بين البشر. فالقرآن الكريم يشير إلى وحدة المنشأ للناس كافة عندما يخاطبهم: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثی) (12) کما إن الواقع العربي الذي عاشه العرب كمثال هو كأنموذج ساد الشرق الأوسط والعالم الثالث عامه حيث إن الأنظمة المبنية على مفاهیم عضوية قد فشلت بشكل كبير في توفير الرفاهية عبر ادعائها الديمقراطية (13) ولان المعايير المدنية مفتوحة على مصراعيها فقد يتبناها أي شخص أو مذهب فكري عکس الإسلام الذي يستمد جذوره من السماء وهذا التشخيص ينبغي ان لا يثير فينا الاستغراب (کون ان الإعلان الأصلي لحقوق الإنسان وضع عام 1948 يوم كان عدد الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة لا يتجاوز 56 عضوا معظمهم من الدول الغربية، يضاف إلى هذا ان اللجنة الخماسية التي وضعت الإعلان كان كل أعضائها من أصحاب النزعة الليبرالية.

ص: 203

الفصل الثاني: الحقوق والحريات في عهد الأمام علي عليه السلام

مدخل

ان جل ما يطمح له الإمام علي (عليه السلام) هو عالم مليء بالسلام والتسامح والحب والوئام ويحترم الانسان بذاته الطبيعية لا صفاته فيما انه استخدم النظام الإسلامي کدستور الهي متأصل لتوحيد الجهد البشري وفي الوقت الذي كان يتيح المعلومة والمعرفة والخزين العلمي الذي حصل عليه من فجر الرسالة ومعرفته العامة لطبيعة ذلك النوع من البشر ومتغيراتهم كان (عليه السلام) لا ينَضر فقط وإنما كان يطبق هذه المضمونات بشكل عملي وما أردنا الإشارة له في هذه العجاله ان مقتصر الحريات والمفاهيم المعاصرة التي تناولناها هي فقط من يكثر اللغط عنها في العصر الحديث وتمثل فيها الحريات فنحن لم نتطرق إلى كل مواد لائحة حقوق الانسان التي تضمنت 30 مادة فلا يهمنا أكثرها فهي حق الحياة والزواج والتنقل وهي بديهیه وإنما الحريات التي تتصدر المحافل والمنظمات والسياسات والمدافعين عن حقوق الانسان كالدفاع عن الطبقات الهشة والمهمشه وهي الأطفال والنساء والتعددية وحقوق الأقليات والعدالة الاجتماعية وقبول الأخر وحرية التعبير وما إلى ذلك والتي يمكن التعبير عن أكثرها بالاجتماعية والاقتصادية وقد تناولنا في هذا المبحث فقط ذات الأهمية كما ذكرنا وكيف ان الإمام علي قد تناولها في المجالين العملي والنظري.

ص: 204

التعددية وقبول الآخر

مع ان الإمام كان يرى انه الأحق بالخلافة بعد رسول الله وان الرسالة العظيمة التي صنعت منها السماء أعظم دوله في تاريخ البشرية لا يمكن ان تنتهي بوفاة النبي الأكرم دون ان تستمر برجل يراه مناسبا لإكمال المسيرة وعلى الرغم من كل ذلك فقد احترم رأي طيف من المجتمع ولم يشق صف المسلمين متقبلا للرأي الآخر، وإن أكثر ما اشتهر عن الإمام علي (عليه السلام) هو احترامه للجميع حتى انه أكرم السيدة عائشة خير إكرام رغم أنها البت عليه جموع المسلمين، ولم يقم بأي عمل ضدها بل هيأ لها حين انتهاء الحرب 20 خادمة يقمن بواجبها وكل الذي بدر منه عتاب في قول إذ قال لها (ما أنصفك الذين أخرجوك إذ صانوا حلائلهم وأبرزوك).(14)

وان أهم مثال لقبوله للتعددية هو عهده المالك الأشتر الذي أشار فيه :( إن الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نضير لك في الخلق) (10) ما يعني أنه يقبل أي إنسان حتى وان لم يك مسلم ويوجه باحترامه وتقبله، وما دل على ذلك كذلك هو ساعه لصوت الناقوس في الكنائس والأديرة وهم في دولته وقد أشكل عليه البعض الا انه قال لهم هل تعلمون ماذا يعني صوت هذا الناقوس أو يدل قالوا ماذا قال انه يقول لا اله الا الله إلى تكملة الحديث (16).

وان أهم نص يبين ان الإمام علي رجل كما يسمى باليوم بالمثقف والمعاصر ينفتح على الجميع وينضر للأمور بطريقه مدنيه جديدة ويتعامل مع الناس على ما هم عليه وليس ما يريده هو وصية لمالك الاشتر في عهده له لأهالي مصر قوله ((ثم اعلم یا مالك إني وجهتك إلى بلاد قد جرى عليها دول قبلك من عدل وجور وان الناس ينظرون من أمورك في مثل ما کنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك...)) (17) في إشارة واضحة لاحترامه لحرية الناس وعدم التأكيد على تطبيق سياسة الإمام علي أو الدين الإسلامي

ص: 205

وتشريعاته، وما يوضح هذا المعنى أكثر انه رغم ان بينه وبين الخوارج دما الا ان ذلك لم يمنعه في ان يمدهم بالعطاء من بيت مال المسلمين وهذا مؤشر أخر على مدى تمسك علي بالحق والإنصاف والعدل. كما وانه لم يمنعهم من دخول المساجد وعاملهم معاملة المفتونين المشتبهين رغم أنهم تطاولوا على حكمه وحكومته بل راح أكثر من ذلك يلتمس لهم الأعذار وفد أكد إن من لديه دعوى مع شخص اللجوء للقضاء ونلاحظ ذلك في قوله (ان الحدود لا تستقيم الا على المحاجة والمقاضاة وإحضار البينة)(18).

حرية التعبير عن الرأي

من الموضوعات الحديثة والمدنية ذات الأهمية هو حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي کجز من حريات الانسان المعاصر وفي مجمل أبحاثنا عن هذا الموضوع في المنطقة العربية وجدنا ان الإمام علي كان هو بحد ذاته يؤكد على ان يكون الانسان شجاع في تعزيز حريته في كل المجالات حيث يقول ((لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا)) (19)، حيث جسد الإمام علي (عليه السلام) احترامه لحرية التعبير عن الرأي مصداق لخلافه السماء كانسان ناهيك عن كونه حاكم يحمل فكر أزلي فمنذ إن رفض إبليس السجود لكائن خلقه الله من الطين بدأت حرية احترام الرأي من الله جل شأنه وناقشه بصورة عادلة ولم ينكل به بل تركة وهو القادر على كل شيء ومن هنا أصبح لزاما على أصحاب الرسالات الالتزام بهذا النهج فعلي (عليه السلام) لم يستخدم السيف لكل ناقد ولكل متمرد على الحكم ولم يستخدم السلاح متذرعاً بالحفاظ على أمن الدولة أو أن الدولة تمر بحالة استثنائية أو حالة طوارئ ليقوم بتصفية كل المعارضين للحكم ولو معارضي الرأي لكنه يأبى لنفسه ذلك، ولأنه رجل ينطلق من منطلقات التشريع الإلهي معتمدا على القاعدة الشرعية (أن لا استخدام للسيف إلا باستخدامه من الطرف الآخر) أما إذا كانت المعارضة في ضمن الأطر السلمية والنقد فلا يجوز التعاطي معها بالقمع

ص: 206

والتجاوز على الحريات. لذلك عندما كان يخطب من على منبر الكوفة انبری له رجل ممن يكفرونه وقال قاصدا الإمام (لله أبوه كافرا ما أفقهه) فانبرت له جماعة تريد قتله فمنعهم الإمام ناهيا إياهم (اتركوه فهو إما سب بسب أو عفو عن ذنب) (20). وكأنه بذلك أراد ان يؤسس لحرية التعبير ويقنن حرية النقد حتى لرأس السلطة فهو ليس فوق النقد واكبر من ان ينتقد، وهناك العديد من الروايات التي تؤكد على تبني الإمام علي هذا المفهوم التحرري، إما حق التظاهر فكان واضح وجلي في رده على عمر بن الخطاب أول صعوده المنبر متسائلا إذا ما اخطأ فأجاب الإمام ((إذن لقومناك بسيوفنا)) (21).

حرية المعتقد

کان (عليه السلام) يشار له بحرية المعتقد وبشواهد عده واقرب دليل هو الرواية التي تذكر سماع الأمام علي صوت أجراس الكنائس والأديرة في الحيرة بالقرب من الكوفه (22) إما وثيقة الإمام لمالك فقد تضمنت عددا من الحقوق والحريات العامة، أهمها حرية العقيدة وذلك نلحظه في موقفه المتسامح مع أهل الذمة رغم أنهم أقليات ولا يمثل عنصر ضغط على الدولة الا ان الإمام كان يراعي حقوقهم بل جاء في الروايات التاريخية (انه لما أقدم بسر بن ارطأة بالهجوم على الأنبار وقام بسلب المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة تألم الإمام لكلاهما دون ان يفرق بينهما فقال: (ولقد بلغني ان الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلائدها ورعاثها... فلو ان الرجل مات بعد ذلك أسفا لما كان عندي ملوما بل كان عندي جديرا..)(23). فالإمام كان يتألم للمسلمة وما جرى عليها كما تألم للمعاهدة دون تفريق. هذا مما يدلل لنا مدى شمولية الإنسانية بالإسلام في فلسفة الإمام علي كما ان المسلم محترم في الدولة الإسلامية کمواطن كذلك أيضا المواطنون الآخرون من أصحاب الديانات الأخرى ان لهم حقوقا وواجبات كما للمسلمين حقوق وواجبات. وكان موقفه مستمدا من موقف القران مع

ص: 207

أهل الذمة بقول الله في كتابه «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» (24)، فيما بدأ ذلك واضحا في حق الملكية الخاصة: [ولا تمسن مال احد من الناس مصل ولا معاهد]، (25) مشيرا في المساواة بين بني البشر: [يا أيها الناس ان ادم لم يلد عبدا ولا امة ان الناس كلهم أحرارا] (26). وكما ذكرنا في مورد سابق، وتجد ذلك واضحا وجليا في موفقه مع احد من الأنصار عندما اعترض عليه بمساواته في العطاء بينه وبين عبده الذي اعتقه منذ فترة وجيزة حيث أعطى الإمام کلاهما 3 دنانير فساوي بين العبد ومولاه فاحتج المولى عليه قائلا: (يا أمير المؤمنين هذا غلام أعتقته بالأمس تجعلني وإياه سواء فقال: إني نظرت في كتاب الله فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلا). (27) وأخيرا فلقد ندد علي بمعاوية عندما كان يأمر بالإغارة على أطراف العراق دون ان يفرق بين المسلمين أو النصارى، فقال الإمام: (ويحك ما ذنب أهل الذمة في قتل عثمان) (28).

العدالة الاجتماعية

من أكثر ما يطمح له الانسان المعاصر هو الحكم الديمقراطي وتحقيق العدالة الاجتماعية بين كل بني البشر ولعل أجمل قصه في هذا السياق هي في خلافة الإمام علي (عليه السلام) كان المسيحي مواطن له ما للمسلم من حقوق، بل الحاكم يضع نفسه مقابل أي مسيحي عادي، ويشهد موقفه (عليه السلام) عندما ضاع درعه وهو قاصد حرب صفين، وعندما وجده عند رجل مسيحي، وطلب الإمام (عليه السلام) القضاء في الموضوع ذهب مع خصمه إلى القاضي (شريح)، فوقف الخليفة الحاكم مع الرجل المسيحي أمام القاضي بدون أي تميز. قال (عليه السلام) المدعي إنها درعي ولم أبع ولم أهب، فسأل القاضي الرجل المسيحي ما تقول فيما يقوله (عليه السلام) فقال ما الدرع الا درعي وما أمير المؤمنين عندي بكاذب فالتفت شريح القاضي إلى أمير المؤمنين قائلاً هل من بينة يا علي تشهد ان الدرع لك فضحك علي وقال أصاب شريح ليس لي بينة

ص: 208

فقضى شريح بالدرع للمسيحي فأخذها ومشى وأمير المؤمنين ينظر إليه الا ان الرجل لم يخط خطوات حتى عاد يقول: أما أنا فاشهد ان هذه أحكام الأنبياء أمير المؤمنين يدنيني إلى قاض يقضي عليه ثم قال: الدرع درعك والله وقد كنت كاذباً فبما ادعيت، وفي نفس مسار العدالة يروى أنه تحاكم الإمام عليٌّ أمام عمر، وكان الخصم يهودیًّا، وكان عمر ينادي عليه قائلاً: يا أبا الحسن، وهو يتحاكم أمامه، ظهر الغضب على وجه عليّ، فظن عمر أن عليًّا يتبرم من وقوفه مع اليهودي على قدم المساواة، فقال عمر لعلي: أكرهت أن يكون خصمك بیهودیًّا؟ فقال علي (عليه السلام): إنما غضبت لأنك لم تسوِّ بيني وبين خصمي اليهودي إذ ناديته باسمه، وناديتني بکنیتي.

حقوق المرأة

كان أكثر من حفظ حق المرأة وعزز ووجودها الإنساني هو الإمام علي فكان يتعامل مع الذکر کما الأنثي ومن أدبه الكامل تسليمه على النساء من قومه، ومشيه مع المرأة لقضاء شأن من شؤونها، حتى وإن جلب له الأمر مشقة، فعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: رجع الإمام علي (عليه السلام) إلى داره في وقت القيظ، فإذا امرأة قائمة تقول: إن زوجي ظلمني، وأخافني، وتعدي علي. فقال الإمام: يا أمة الله! اصبري حتى يبرد النهار ثم أذهب معك إن شاء الله، فقالت: يشتد غضبه علي. فطأطأ الإمام (عليه السلام) رأسه ثم رفعه و هو يقول: لا والله أو يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع! أين منزلك؟ وحيث وقف الإمام (عليه السلام) على باب المنزل قال: السلام عليكم) فخرج شاب مفتول الجسم. فقال له الإمام (عليه السلام): (يا عبد الله، أتق الله فإنك قد أخفتها وأخرجتها فقال الفتى: وما أنت وذاك؟ وأخذ يتوعد بتعذيبها فقال أمير المؤمنين: (آمرك بالمعروف، وأنهاك عن المنكر، تستقبلني بالمنكر وتنكر المعروف؟) فأقبل الناس من الطرق يلقون التحية على الإمام (عليه السلام) ويقولون: سلام عليكم يا أمير المؤمنين! فسقط في يديه،

ص: 209

فقال: يا أمير المؤمنين! أقلني عثرتي، فو الله لأكون لها أرضا تطأني. فالتفت الإمام إلى المرأة قائلا) يا أمة الله! ادخلي منزلك ولا تلجئي زوجك إلى مثل هذا وشبهه (وما يؤكد احترامه لمكانة المرأة والفخر بها قوله (عليه السلام) ((ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخديجة وأنا ثالثهما)) (29) وما يؤكد تذكرة للمرأة كذلك ويفخر الإمام علي عدوه معاوية في مقارنة يراد منها توضیح حقه وما يسعى إليه من خير للمجتمع إذ يقول (عليه السلام): ومنا خير نساء العالمين ومنكم حمالة الحطب))(30) وفي تقبله لشهادة المرأة واحترامه لمكانتها روي إن شکت امرأة تسمى سوده بنت عمارة الهمدانية إلى الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) أحد ولاته الكبار وهو والي صدقاته على الأهواز وكانت تحت سلطته منطقة واسعة تقول سوده: () لقد جئت إلى علي ابن أبي طالب (عليه السلام) في رجل ولاه صدقاتنا فجار علينا، فصادفته قائماً يصلي، فلما رآني أنفتل من صلاته ثم أقبل علي برحمة ورفق ورأفة وتعطف وقال: ألك حاجة؟ قلت: نعم، فأخبرته الخبر، فبكى الإمام (عليه السلام) ثم قال: اللهم أنت الشاهد علي وعليهم، وإني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك، ثم أخرج قطعة جلد كتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم «قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام، ثم دفع الرقعة إلىَ، فو الله ما ختمها بطين ولا خزمها فجئت بالرقعة إلى صاحبه فانصرف عنا معزولاً. في هذه الواقعة التاريخية الكثير من الدروس البليغة في السياسة والحكم والإدارة والتعاطي مع أمور الناس حتى ولو كانت بسيطة أو صغيرة فالإمام علي (عليه السلام) كان ينظر من زاوية مختلفة وحساسة جداً حيث أن التهاون في الأمور الصغيرة والتي قد تبدوا عادية في نظر البعض هو ما يؤدي إلى الفساد والظلم، وما إلى ذلك، إما ما نسب إليه عن حديثه عن النساء ونعته لهن بناقصات العقول وما إلى

ص: 210

ذلك فقد أسهب في هذا الموضوع كثيرا السيد محمد حسين فضل الله في كتاباه دنيا المرأة وكذلك كتابه تأملات إسلامية حول المرأة فبعض هذه المعاني ظاهرية في حال تحققت الروايات فيها ولنا ان نختم هذا المجال بوصيته عند مماته قوله اتقوا الله في الضعيفين الأيتام والنساء (31).

أخريات

لعلنا في هذه العجالة ممرنا على بعض الشواهد وبالاختصار لان وفرت الأخبار والمآثر لشخصية الإمام علي لا تسع المقام فلا يفوتنا إن نذكر بعض المواد التي لا تخلو من الأهمية فيما يجدر الذكر هنا هو إنسانيته ورفقه بالحيوان وقد وجدنا الكثير من المواقف والقصص انطلق على في تشريعه لحقوق الحيوان من قوله تعالى: ((وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون)) ان علي ابن أبي طالب أول من أسس لحماية الحيوان في التأريخ فينقل له مواقف متعددة تعكس البعد الإنساني والقيم الرفيعة له (عليه السلام) ويتمثل بالواجب الحقوقي لبني البشر وبقيه المخلوقات فلقد نقل لنا التأريخ انه أمر ببناء مربدا للضوال من الحيوانات يقوم بإطعامهم. ويقيها قرص البرد وحر الصيف ويطعمها ويعلفها من بیت المال فينفق عليها إلى ان يمر عليها زمن من يدعيها يقدم البينة وإلا فتستخدم ان أمكن الاستفادة منها وإلا تترك في مكانها. - كما كان يوصي المصدقين (جامعي الزكاة) ان لا يطلعوا بالحيوان بالضاحية، أو بالهجیر کما وكان يوصي كثيرا عماله بالرفق بالحيوان ((لا تفصلوا الناقة عن فصيلها))، ((لا تنهكوا الأم بالحلب، فلا يبقى شيء لوليدها)) کما ويوصي عماله كما جاء في وصيته لمالك الأشتر في دستوره العظيم ((فإذا أتيتها فلا تدخل دخول متسلط عليه ولا عنيف به ولا تنفرن بهيمة، ولا تفزعنها ولا تسوء صاحبها منها ..)) إما الرواية الشهيرة التي يقول فيها انشروا القمح على أسطح الجبال... في دلاله واضحة على رعاية الحيوان (32).

ص: 211

الخاتمة

مع إننا أوجزنا كثيرا ولم نقتفي الكثير من الروايات التي تشعبت في كتب المذاهب عامه والمدنيين من مستشرقین ومهتمين في مجال حقوق الانسان ولم نتطرق لكل الحقول الاجتماعية والاقتصادية بشكل كامل وفقط أخذنا الأكثر أهمية في الإعلام في الوقت الحاضر ومن هذا المنطلق تجد أن تراثنا الإسلامي يسبق التشريعات الحديثة بمئات السنين في تقنين مبادئ حقوق الانسان، فلم يذكر التاريخ غير بعض المهتمين بحقوق الانسان وقد تغاضوا عن سفر الإمام علي الإسلامي بدأ من وثيقة [مانحنا کارتا] الذي أصدره الملك الانجليزي جون [1215 م] والتي تعتبر أقدم وثيقة دستورية في التاريخ الانجليزي في حين أن الوثيقة الدستورية لعلي بن أبي طالب في عهده لمالك الأشتر تعتبر من أقدم الوثائق الحقوقية والتي تحمل في جنباتها الكثير من الحنان الإنساني العميق الذي يحيط به الإمام دستوره في المجتمع والتي سبقت (مانحنا کارتا) بقرون عدة، ترى فيها أبعاداً إنسانية كبيرة وعمقا في الرؤية ورشادا في الفكرة. فهل يوجد أعمق من هذا المعنى دلالة على الشمول الإنساني والإحاطة لكل بني البشر من هذه العبارة، التي سجلها الإمام في دستوره العلوي إذ قال: [وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم والألفة إليهم ولاتكن عليهم سبعاً ضارياً تغنم أكلهم فأنهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق](33). وكتبت مجلة الحقوق العراقية في عددها الثاني سنة 1941 م قائلة [لا مراء بأن عهد الإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر عامله على مصر من أنفس الوثائق التاريخية الزاخرة بمبادئ الحكم وأساليب الإدارة وأصول التشريع، وأخلاق المسئولين، وإذا كانت الحضارة اليونانية تفخر على عالم العصر الحاضر بشريعة سولون، والتاريخ الانجليزي يباهي حضارة اليوم بوثيقة [المانحنا کارتا]، والثورة الفرنسية تزهو بين تاريخ الثورات [بإعلان حقوق الانسان]، الذي لم يفتئ حتى زال بسرعة

ص: 212

بعد إن تغير لفض مواطن إلى مسيو بعدة سنوات وقبل حتى موت نابليون، فحسب الحضارة العربية الزاهرة مجداً وسموا أنها قدمت للأجيال المتعاقبة منذ أربعة عشر قرناً هذا العهد الأميري الخالد على الدهر بأعدل المبادئ المقررة في فقه السياسة والتشريع). وفي نفس السياق يقول المفكر المسيحي جورج جرداق في تعليقه على الدستور العلوي لعلي بن أبي طالب (فلیس من أساس بوثيقة حقوق الإنسان التي نشرتها هيئة الأمم المتحدة إلا وتجد له مثيلا في دستور ابن أبي طالب ثم تجد في دستوره ما يعلو ویزید) مع الأخذ بعين الاعتبار الفارق الزمني بين الوثيقتين، وأن الأولى كانت نتاج عقول كثيرة من بني البشر والثانية كانت نتاج عبقري واحد هو علي بن أبي طالب. ولعل المفارقة الأكبر هي ان وثيقة الأمم المتحدة كتبت وقليلا ما طبقت موادها في الواقع فما زال العالم والمجتمعات البشرية تلحظ الفارق الكبير بين موادها ونظريات ميكافيلي أو المنطق الذرائعي [البراغماتي] الذي يسوغ للدول انتهاك هذه الحقوق، في حين أن عليا جسدها على الواقع بعدالته والقوانين التي سنها في ذلك الوقت مع رعيته حتى بقت مقولته التي لم يقلها حاكم غيره تثير استغراب وتعجب الكثيرين من ناقدي التاريخ أو مؤرخي تاريخ الأمم والتي قال فيها: (لقد أصبحت الأمم تشكوا ظلم رعاتها وأصبحت أشكوا ظلم رعيتي، ولقد كنت بالأمس أميراً واليوم مأمورًا، وكنت ناهيا واليوم منهياً) (34)، وما أردنا بصدق الإشارة بهذه البحث المختصر تسليط الأضواء على سيرة الإمام علي الإصلاحية الحافلة بالمبادئ والحقوق في الوقت التي يغظ الطرف العالم غير المتدين عن هذا الرجل العظيم ويحفل بلائحة حقوق الانسان التي لم تنتج الا بعد إن تيقظ العالم من حربين عالميتين انتهكت فيها الحقوق الحريات وبعد إن أقرت عصبت الأمم المتحدة مجموعه من الاتفاقات الشكلية تم إقرار لائحة حقوق الانسان في 10 - 12 - 1948 ولا زالت هذه الحقوق التي اشتملت على 30 مادة نضريه لا يلتزم بها كل الدول التي وقعت عليها ومن يتحدون بها كأنها أعجوبة العصر الا إن علي (عليه السلام) أسس لأول دوله

ص: 213

مدنيه معروفه المعالم ودستورها القران الكريم المنزل من السماء سابقا الجمعية العامة للأمم المتحدة بما يقارب 14 قرن وقد رسخ طروحاته بصورة عمليه وبصدق تام مع العذر لكثر الهفوات والاقتصار.

الهوامش والإحالات

1. القران الكريم

2. نهج البلاغة للشريف الرضي شرح علي دخيل

3. تحف العقول عن آل الرسول أبو محمد الحسن الحراني

4. ترجمه الإمام علي أبي القاسم ابن الحسن ابن عساکر

5. حقوق الانسان عند الإمام علي د غسان السعد

6. من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق محمد ابن علي القمي

7. الأمالي للشيخ الطوسي

8. غرر الحکم ودرر الكلم عبد الواحد بن محمد بن تمیم

9. نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة محمد باقر

10. أهل البيت تنوع أهداف ووحدة هدف محمد باقر الصدر

11. الجمل والنصرة في حرب البصرة

12. بحار الأنوار ج 2 للعلامة المجلسي

13. الأخبار الطوال للدنيوري

14. السياسة الجزائية في فقه العقوبات الاسلاميه لأحمد الحصيري

15. المواطنة والهوية الوطنية لمعهد الأبحاث دار العارف للمطبوعات

16. علم العقاب د محمد معروف

17. الجريمة والعقوبة والمؤسسات الاصلاحية د حسن طالب

ص: 214

18. إحكام السجون بين الشريعة والقانون د احمد الوائلي

19. المستدرك على الصحيحين د يوسف المرعشي

20. وسائل الشيعة الحر العاملي

21. دنيا المرأة محمد حسين فضل الله

22. علي میزان الحق محمد حسين فضل الله

الهوامش

1 .نذكره الخواص ص 8 وكذلك أورده علي دخيل في نهج البلاغه ج 1 ص 6.

2. نفس المصدر السابق.

3. المستدرك 431.

4. الوسائل ج 1 ص 111.

5. نفس المصدر السابق المستدرك ج 88 ص 36.

6. علم العقاب د محمود معروف عبد الله ص 19.

7. المستدرك 17 - 403.

8. الجريمة والعقوبة والمؤسسات الإصلاحية د حسن طالب ص 172 وكذلك وردت في المصدر السابق.

9. أحكام السجون بين الشريعة والقانون د احمد الوائلي ص 45.

10. السياسة الجزائية في فقه العقوبات الإسلامي المقارن د احمد ألحصري ص 389 کما ورد في المصدر السابق.

11. غرر الحكم ص 445 - حكمة 10371 للقاضي ناصح الدين الامدي.

12. سورة الحجرات أيه 13.

ص: 215

13. المواطنة والهوية الوطنية لمعهد الأبحاث دار المعارف للمطبوعات 108.

14. الجمل والنصرة في حرب البصرة للمفيد 206.

15. تحف العقول ص 90.

16. بحار الأنوار ج 2 ص 322.

17. تحف العقول ص 90 للحسن بن علي الحراني.

18. الدينوري الأخبار الطوال ص 130.

19. نهج البلاغة للشريف الرضي ص 140.

20. نفس المصدر السابق 197.

21. أهل البيت تنوع ادوار ووحده هدف لباقر الصدر ص 89.

22. بحار الأنوار ج 2 ص 322.

23. نهج البلاغة ص 13.

24. سورة البقرة 265.

25. النهج ص 149.

26. غرر الحكم 447.

27. الكليني في الروضة ج 8 ص 69.

28. نهج السعادة ج 5 ص 308.

29. النهج 103.

30. نفس المصدر السابق 134.

31. أمالي الطوسي ص 370.

32. من لا يحضرة الفقيه للصدوق 349.

33. تم ذكر المصدر سابقا - تحف العقول 90.

34. النهج 186.

ص: 216

حقوق الانسان في عهد الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)لمالك الأشتر (رضي الله عنه)

اشارة

م. د. غادة علي هادي

جامعة بغداد - كلية التربية للعلوم الانسانية ابن رشد كلية

م. د. عهود سامي هاشم

التربية وعلوم الرياضة للبنات

ص: 217

ص: 218

ملخص البحث:

يهدف هذا البحث الى بيان اهم حقوق الانسان في عهد الامام علي لواليك على مصر مالك الاشتر ولتحقيق مرمى البحث اتبعت الباحثة المنهج الاستقرائي وقد جاء البحث بمباحث اربع خصص الاول منها لتحديد مفهوم حقوق الانسان وخصائصها، وكرس الثاني لبيان حقوق الانسان في الشريعة الاسلامية في حين خصص المبحث الثالث لبيان حقوق الانسان في عهد الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) لواليه على مصر مالك الاشتر وقد توصل البحث النتائج عدة منها:

1. ان للشريعة الاسلامية السمحاء الدور الاول في رعاية الانسان ومراعاة انسانيته بالدرجة الاولى.

2. ان الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) كان من أوائل الدعاة للمحافظة على حقوق الانسان وخير ما يجسد ذلك عهده لعاملة على مصر مالك الاشتر.

3. تضمن عهد الامام علي تفصيلاً دقيقاً لواجبات الحاكم تجاه الرعية ولم يغفل الامام عن أي تفصيلية من تفصيلات واجبات الحاكم.

4. قسم الامام (عليه السلام) المجتمع لطبقات وفئات عدة واصفاً كيفية التعامل مع كل طبقة وهو بعهده هذا يجسد ما على الوالي تطبيقه حقاً تجاه الرعية.

5. جسد الامام سماحة الدين الاسلامي بالتعامل مع غير المسلمين والمحافظة على حقوقهم مع انهم يعيشون في مجتمعات غير اسلامية وهو ما يضمن حق عامة الناس وخاصتهم وان اختلفت ديانتهم، وهو بذلك يقر مبدا التعايش السلمي بين ابناء المجتمع الواحد.

6. يؤكد الإمام (عليه السلام) على ضرورة ان ياخذ الوالي المشورة من اصحاب الخبرة والحلم والحكمة وان يبتعد عن اهل التفرقة والبغضاء والشحناء.

ص: 219

7. يؤكد على الامام على ضرورة متابعة الوالي لامور رعيته والتعامل معهم بالرفق والرافة والرحمة عامة ومع الفقراء منهم بنحوٍ خاص.

التوصيات:

1. ضرورة اتباع مبادئ العهد وبنوده من اصحاب السلطة وصناع القرار فو عمل أي منهم بمبادئ هذا العهد وواجباته لوجدنا مجتمع يزدهر ويبدع افراده.

2. ضرورة ان يدرس عهد الامام علي بن ابي طالب في كليات القانون والسياسة لينهل سیاسيو الغد من عبق الفكر العلوي المطهر.

3. تنظيم دورات تدريبي لكل المعنين بالسياسة تتضمن مبادئ العهد واجراءات تطبيقية.

ص: 220

المبحث الأول: حقوق الانسان مفهومها وخصائصها

مفهوم حقوق الانسان:

يمكن القول ان حقوق الانسان (مجموعة البندوق الطبيعية التي يمتلكها الإنسان واللصيقة بطبيعته والتي تظل موجودة وان لم يتم الاعتراف بها، بل اكثر من ذلك حتى ان انتهكت من سلطة ما)(1).

ويعرفها مطرود بأنها (البندوق اللصيقة بالإنسان والمستمدة من تكريم الله له وتفضيله على سائر مخلوقاته والتي تبلورت عبر تراکم تاريخي من خلال الشرائع والأعراف والقوانين الداخلية والدولية ومنها تستمد وعليها تبنى حقوق الجماعات الإنسانية في مستوياتها المختلفة شعوبا وامماً ودولاً)(2).

او هي مجموعة المعايير الأساسية للحياة الكريمة، التي تعد أساس الحرية والعدالة والسلام في المجتمعات، واحترام هذه البندوق وتعزيزها في المجتمع يسهم في تنميته وأفراده على حد سواء، إذ إن هذه البندوق تعتبر حجر الأساس في استقرار المجتمعات ومقياسا لتقدم الدول(3).

نشأة حقوق الانسان:

1. في الحضارات القديمة:

لا يمكن معرفة التاريخ البنديق لنشاة حقوق الانسان فبتتبع الحضارات القديمة نجد ان حضارة وادي الرافدين قد تضمنت صورة تقريبية للواقع السياسي انذاك حيث

ص: 221

(وصفت السيادة بأنها مطلقة وتفتقر الى الاقرار بالبندوق والحريات للإفراد، فقد وصف الملك بأنه صاحب السلطان المطلق ويحيط به جو من الخوف والعنف وكان الحكام ممثلين للالهة انْ لم يكونوا هم آلهة والبندوق والحريات العامة بأشكالها كافة، كانت في حكم العدم)(4). بيد ان القوانين كقانون حمورابي، قد اقرت باحترام الملكية وحق التقاضي وبعض الامور التنظيمية الاخرى(5).

وبالتوجه نحو حضارة وادي النيل، فان الفرعون كان (يتمتع بصفة الألوهية وهو يتلقى هذه الصفة من ابيه الإله المختلق ومنه يستمد حقه الإلهي في الحكم المطلق)(6). ومع ما عاانه الشعب المصري في تلك المرحلة من (اذلال كبير للشعب فکان افراد رعيته يضعون انوفهم في موضع قدميه يستنشقون رائحتها ومن كان مقربا كان يسمح له بشم قدميه مباشرة، ولم تكن لحياة الإنسان العادي في نظر الفراعنة اية قيمة تذكر وذلك مما جعلهم لا يترددون عن التضحية بها لمجرد نزوة تنتابهم) (7) الا اننا نجد بعض النصوص القانونية في هذه الحضارة تشير احيانا الى حقوق التقاضي وابطال بعض انواع الرق (8).

وعلى الرغم من الاشارة لهذه القوانين الا ان حقوق الانسان لم تكُ واضحة المعالم في تلك المرحلة وفي تلك المرحلتين، وتعتقد الباحثة ان العلة في ذاك تعود الى خوف الحاكم من ثورة الشعب ضده خاصة وانه كان يمثل الاله والمتفرد بالسلطة وما يؤيد هذا الراي القائل (ان البندوق الانسانية لم يكن لها وجود على الصعيد النظري او الصعيد العملي في تلك الفترة)(9).

وبالانتقال الى الحضارة اليونانية فاننا نجد ان حقوق الانسان قد شهدت تطوراً ملحوظاً وفي الحضارة اليونانية اذ (كانت مدينة اثينا انموذجاً للمدنية الحديثة التي يعيش فيها المواطنون متساويين لا يفرق في حقوقهم الغني او الفقر، فالجميع سوية في الحصول على الخدمات المدنية، ولكن اخذ على هذه المدينة انها قصرت المساواة على طبقة المواطنين

ص: 222

فقط دون الطبقات الاخرى) (10)، (حتى انها لم تشمل اناسا يقيمون في اراضيها منذ اجيال احيانا) (11).

فضلا عن ذلك يسجل للحضارة اليونانية مسالة احترام القوانين، ولكن هذه الحضارة لم ترق لدرجة تدرك بها وجود قانون اخلاقي يشمل الجنس البشري بأكمله، إلا آراء بعض المدارس الفكرية(12)، اضافةً الى احترام للملكية والارث فضلاً عن مظاهر ايجابية اخرى (13).

2. في الفكر الغربي:

اما في اوربا فقد ظهرت بعض التطورات المهمة نسبيا في مجال حقوق الإنسان مردها عوامل فكرية واقتصادية واجتماعية، ففي انجلترا صدر في عام 1215 الشرط الكبير (الماكناکارتا) الذي فرض فيه امراء الاقطاع (البارونات) على (الملك جان) توقيع هذا الشرط للاعتراف بحقوقهم وامتيازاتهم. وفي الاعوام 1627 و1628 و1679 صدرت عدة اعلانات لتأكيد جزء من الحريات والبندوق وفي سنة 1688 صدرت وثيقة البندوق في اعقاب ثورة سنة 1688 البيضاء.

کما ان فكرة حقوق الإنسان ظهرت في اعلان الاستقلال الامریکی عام 1776 وفيه بعض البندوق كحق الحياة، والحرية، ومبدأ المساواة بين الناس وان صلاحية الدولة مستمدة من الشعب ثم جاء بعد ذلك اعلان (الدستور الامریکی) عام 1787 حيث تعدل عدة مرات مع ما يحتوي عليه من حقوق مهمة مثل حرية العقيدة وحرمة النفس والمال والمنزل وحرية التقاضي وتحريم الرق لغاية سنة 1789.

وفي العام نفسه 1789 صدرت في فرنسا وثيقة حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي التي بدأت بعبارة (يولد الناس احراراً ومتساوين في البندوق) وقد حرص الفرنسيون على هذا الاعلان وما تضمنه من حقوق ووضعوه في مقدمة دستورهم عام 1791(14).

ص: 223

ثم جاءت المؤسسات الدولية في القرن العشرين فاعلنت حقوق الإنسان في مواثيقها سنة 1919 م في عصبة الامم، ثم في ميثاق الامم المتحدة سنة 1945 (المادة 55) وتم تأسيس لجنة حقوق الإنسان وعملت على صياغة حقوق الانسان، واصدرت (الاعلان العالمي لحقوق الإنسان في 1948) (15)، والذي احتل في العالم المعاصر مكانة مهمة اذ تبنته الامم المتحدة وعدته المثل الاعلى المشترك الذي ينبغي ان تصل اليه الشعوب والامم كافة (16).

3. الملابسات التاريخية لنشوء حقوق الانسان:

ان الصراع الذي دار بين الطبقة البرجوازية الحاكمة وعامة الشعب ادى الى ظهور طبقة جديدة اخذ اناسها على عاتقهم المناداة بحقوق الإنسان الاتية:

1 - البندوق المستمدة من طبيعته الانسان بحيث لا يجد سلطان لملك ولا رجل دين ولا إله.

2 - إزالة سلطان الكنيسة والدعوة إلى إقامة أوطان قومية تقوم فيها المواطنة على أساس لا صلة له بالدين، إن لم يكن مناوئا له.

3 - ازالة الحواجز التي فرضتها الطبقات القديمة على أعمال التجارة والصناعة، حتى إن بعض الفلاسفة عرف الحرية بأنها غياب الحواجز أمام تحقيق الرغبات (17)، وقد تطور هذا الفكر إلى أن وصل في وقتنا الحاضر إلى جعل المحدد الأساسي والوحيد للحريات والبندوق هو ما يسمى: (موازين القوى)، أي: القوة والسيطرة والثروة، (18) وهي اليوم لصالح الغرب، أصحاب الفلسفة المادية الفردية.

الأمر الذي جعل الإطار الغربي لمفهوم حقوق الإنسان، وما صدر من التشريعات الدولية لحقوق الإنسان من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما تلاه من الاتفاقيات هو المرجعية الأولى والأساسية في تحديد تلك البندوق ولا مجال لمراجعته أو لتمحيص المعاني

ص: 224

التي يرمي إليها؛ لأنه بحسب ما قصد منه هو المعيار المشترك الذي تقيس به الشعوب والأمم كافة منجزاتها، وهو مدونة للسلوك الدولي فيما يتصل بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية ومصدرها العام بلا منازع. (19)

المبحث الثاني: حقوق الانسان في الشريعة الاسلامية

لقد جاء الإسلام بنظام جديد للدولة هو الدولة الخاضعة لقانون الشريعة، (فجعل منها دولة قانونية بجميع أركانها وضماناتها: من وجود دستور هو المرجعية للسلطة والأفراد، ينظم السلطة ويضع القيود عليها لمصلحة حقوق الإنسان التي اعترف بها، وحرص على إيجاد ضمانات تحقيقها، وفصل بين السلطات، ونظم الرقابة القضائية، وقرر مبدأ اختيار الحاكم، ومراقبته، وعزله، وجعل أحد أهداف الدولة الأساسية هو تحقيق حقوق الإنسان، كل هذا جعل بعض كبار علماء القانون العام يصرح بأن الدولة الإسلامية كانت أول دولة قانونية في الأرض، يخضع فيه الحاكم للقانون ویمارس سلطاته ضمن دستور هو أحكام القرآن والسنة، دون أي اعتداء من الحكام أو المحكومين على السواء)(20) ودون إهمال لأي جانب من الجوانب التي تهم الفرد والمجتمع، أو أي حق من البندوق، بل إن الإسلام قد بلغ في تقديس حقوق الإنسان إلى الحد الذي تجاوز بها مرتبة (البندوق) عندما اعتبرها (ضرورات)، ومن ثم أدخلها في إطار (الواجبات)(21).

لقد كان الإسلام أول من عرّف البشرية بفكرة حقوق الإنسان ولفت الأنظار إليها، وبإجراء مقارنة بسيطة بين ما ورد في وثائق حقوق الإنسان الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة، وبين النظام الإسلامي يتضح ما يلي:

أولا: أقر نظام التشريع الإسلامي للإنسان جميع البندوق منذ البداية، ولم يصنف البندوق

ص: 225

إلى أجيال وفئات كما جاء في المنظور الغربي للحقوق الإنسانية.

فحقوق الإنسان السياسية والمدنية، مرتبطة بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية، كذلك الأمر بالنسبة للحقوق البيئية والثقافية والتنموية، وهي ليست أجيالا ثلاثة تم استحقاقها على ثلاث مراحل، كما ورد في الوثائق الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة.

فأول إعلان لحقوق الإنسان كان قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ» (الاسراء: 70) ذلك أن تكريم الآدميين هو أصل البندوق الإنسانية في الشريعة الإسلامية، وفي الشرائع كلها، ثم إن إقرار المساواة بين الناس جميعا مما أكدته نصوص القرآن الكريم والهدي النبوي الشريف، وأن لا تمايز بين الناس إلا بالتقوى، قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات: 13).

وقال الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله) في حجة الوداع: (إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى)(22).

وتشير وثيقة امير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى ضرورة العدل الذي هو سبيل التوازن بين طبقات الأمة، ويوصيه بالصبر على ذلك فيقول: (والبند کله ثقيل وقد يخففه الله تعالى على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم ووثقوا بصدق موعود الله الهم). (23)

مظاهر التكريم الإلهي للإنسان:

1 - خلق الانسان في أحسن تقویم: قال تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» [التين: 4].

2 - نفخ فيه من روح الله: قال تعالى: «ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ» [السجدة: 9].

ص: 226

وقال تعالى: «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ» [ص: 72]

3 - أمر الملائكة بالسجود لآدم: قال تعالى: «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ» [البقرة: 34].

4 - علم آدم الأسماء كلها: قال تعالى: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ». [البقرة: 31، 32].

5 - جعل الإنسان خليفة في الأرض: قال تعالى: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» [البقرة: 30]

6 - تفضيل الإنسان على كثير من المخلوقات: قال تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» [الإسراء: 70]

7 - تسخير المخلوقات الإنسان: قال تعالى: «وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» [الجاثية: 13].

ص: 227

خصائص حقوق الإنسان في الإسلام:

يمكن ان نوجز خصائص حقوق الانسان في الاسلام بما ياتي:

1 - حقوق الإنسان في الإسلام تنبثق من العقيدة الإسلامية:

إن حقوق الإنسان في الإسلام تنبع أصلاً من العقيدة، وخاصة من عقيدة التوحيد، ومبدأ التوحيد القائم على شهادة أن لا إله إلا الله هو منطلق كل البندوق والحريات، لأن الله تعالى الواحد الأحد الفرد الصمد خلق الناس أحراراً، ويريدهم أن يكونوا أحراراً، ويأمرهم بالمحافظة على البندوق التي شرعها والحرص على الالتزام بها، ثم كلفهم شرعاً بالجهاد في سبيلها والدفاع عنها، ومنع الاعتداء عليها وهذا ما تكرر في القرآن الكريم في آيات القتال والجهاد، فحقوق الإنسان في الإسلام تنبع من التكريم الإلهي للإنسان بالنصوص الصريحة، وهو جزء من التصور الإسلامي والعبودية لله تعالى وفطرة الإنسان التي فطره الله عليها.

2 - حقوق الإنسان في الإسلام منح إلهية:

إن حقوق الإنسان في الإسلام منح إلهية منحها الله لخلقه، فهي ليست منحة من مخلوق لمخلوق مثله، یمن بها عليه ويسلبها منه متى شاء، بل هي حقوق قررها الله للإنسان.

3 - حقوق الإنسان في الإسلام شاملة لكل أنواع البندوق:

من خصائص ومميزات البندوق في الإسلام أنها حقوق شاملة لكل أنواع البندوق، سواء البندوق السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية. كما أن هذه البندوق عامة لكل الأفراد الخاضعين للنظام الإسلامي دون تمييز بينهم في تلك البندوق بسبب اللون أو الجنس أو اللغة.

ص: 228

4 - حقوق الإنسان في الإسلام ثابتة ولا تقبل الإلغاء أو التبديل أو التعطيل:

من خصائص حقوق الإنسان في الإسلام أنها كاملة وغير قابلة للإلغاء؛ لأنها جزء من الشريعة الإسلامية. إن وثائق البشر قابلة للتعديل غير متأبية على الإلغاء مهما جرى تحصينها بالنصوص، والجمود الذي فرضوه على الدساتير لم يحجمها من التعديل بالأغلبية الخاصة. وقضى الله أن يكون دينه خاتم الأديان وأن يكون رسول الله صلى الله عليه واله خاتم النبيين، ومن ثم فما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه واله فهو باق ما دامت السماوات والأرض.

5 - حقوق الإنسان في الإسلام ليست مطلقة بل مقيدة بعدم التعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية:

ومن خصائص حقوق الإنسان في الإسلام أنها ليست مطلقة، بل مقيدة بعدم التعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية، وبالتالي بعدم الإضرار بمصالح الجماعة التي يعتبر الإنسان فرداً من أفرادها.

مقارنة بين المواثيق الدولية وحقوق الانسان في الشريعة الاسلامية:

أولاً: من حيث المصدر.

حقوق الإنسان في الوثائق الوضعية مصدرها الإنسان، الذي هو مركب النقص، وهو يخطئ أكثر مما يصيب؛ إن إحاط بجزئيةٍ، غفل عن أكثرها، وإنْ أدرك أمراً: قصر عنه آخر، كما أن الإنسان بطبيعته يغلب عليه الهوى، فيرى البند ولا يتبعه، يدل على ذلك أن المجتمعات الغربية تسمح بالزنا وتسمح بشرب الخمر وغير ذلك من الأمور التي لا يشك عاقل في أنها مضرة بالمجتمع.

ص: 229

أمَّا في الإسلام: - فمصدر حقوق الإنسان كتاب الله المعجز، وسنة رسول (صلی الله عليه واله وسلم) الذي لا ينطق عن الهوى. لذا تشريعات ربانية، لا خلل فيها، ولا نقص، ولا تقصير، ولا ضيق نظر، فهي متوازنة، وتراعي مصلحة الفرد - كفرد في مجتمع - وتراعي مصلحة المجتمع.

ثانياً: من حيث الإلزامية.

هذا الفرق يترتب على الفرق الأول:

فالوثائق الوضعية التي وضعها الإنسان ليست إلا مجرد تصريحات، وتوصيات صادرة عن الأمم المتحدة، لا إجبار وإلزام فيها، ولا يترتب على الإخلال بها أي جزاء قانوني.

أما في الإسلام فهي أبدية، ثابتة، إلزامية، لا تقبل: الجزئية، والحذف، والتبديل. وعلى الفرد: الأخذ بها؛ راجياً ثواب الله، خائفاً من عقابه، ومن تُسوّل له نفسه العبثَ بها، فإن مِن حق السلطة العامة في الإسلام، إجباره على تنفذيها، وإيقاع العقوبة الشرعية عليه، في حال إخلاله بها.

ثالثاً: من حيث الأسبقية.

نقول في صدد المقارنة بينهما الآتي: في الوثائق الوضعية أول وثيقة لحقوق الإنسان، كانت ما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في القرن الثالث عشر الميلادي، سنة (1215 م).

أما في الإسلام فبدأت بظهور الإسلام نفسه، وقد اشتملت على: حقوق ثابته لله، وحقوق للعباد، كحقوقه المدنية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية، إلى غيرها من البندوق الأخرى.

ص: 230

وما كانت الآيات القرآنية، وأحاديث الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) في حقيقتها إلا مواثيق وقوانين. ويُعَدُّ من أشهر المواثيق في الإسلام لحقوق الإنسان ما جاء على لسان الرسول الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) في حجة الوداع، وخطبته المشهورة في تلك المناسبة العظيمة.

رابعاً: من حيث حماية حقوق الإنسان وضماناتها في الإسلام، وفي الوثائق الدولية.

وتتضح الفروق بينهما في المقارنات التالية:

1 - في الوثائق الدولية حقوق الإنسان - البشرية المصدر - وكذلك الحماية الدولية لها لا تعدو كونها توصيات أدبية، ومحاولات لم تصل إلى حد التنفيذ. وعلى كلٍ فهي تقوم على أمرين :

أ - محاولة الاتفاق على أساس عام ومعترف به بين الدول جميعاً.

ب - محاولة وضع جزاءات ملزمة، تدين الدولة التي تنتهك حقوق الإنسان. وهذه التوصيات في حقيقتها - كما يقال -: حبر على ورق، يتلاعب بها واضعوها حسبما تملية عليه أهوائهم، وشهواتهم، ومصالحهم، وإن كان فيه الضرر البالغ على الأفراد، بل وعلى الأمم.

أمَّا في الإسلام فالبندوق التي منحها الله للإنسان محمية مضمونة، وذلك لأنها:

أ - مقدسة قد أُلبست الهيبة والاحترام؛ لأنها منزلة من عند الله، وهذا يُشَكّلُ رادعاً للأفراد والحكام على السواء عن تعديها و تجاوزها.

ب - احترامها نابع من داخل النفس المؤمنة بالله.

ج - لا يمكن إلغاؤها، أو نسخها، أو تعديلها.

د - أنها خالية من الإفراط، والتفريط.

ص: 231

وزيادة على ذلك وحتى تُحمي حقوق الإنسان وتحفظ شرع الله (عز وجل) إقامة الحدود الشرعية. وإقامة الأنظمة القضائية، لحماية حقوق الإنسان.

رابعاً: من حيث الشمول.

الإسلام يتميّز عن غيره بالشمولية، ونذكر هنا بعض حقوق الإنسان التي لم يذكرها مشرعو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي كالآتي:

1 - حقوق الیتامی: ففي الميثاق العالمي أشار إلى حق رعاية الطفل فقط.

أمَّا الإسلام: فقد تميز بإعطاء عناية خاصة لليتامی، وحَفِظَ حقوقهم، وأمر بالإحسان إليهم، بكافة أنواع الإحسان، بل ورتَّبَ على ذلك الأجر، والثواب.

قال تعالى -: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ» [البقرة: 121].

وقال تعالى: «وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا» [النساء: 2].

فرتَّب العقوبة الشديدة على من أكل أموالهم، قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا» [النساء: 10].

2 - حق ضعاف العقول: كفل لهم الإسلام حق الرعاية والاهتمام، وأمر بحسن معاملتهم، كما قال - تعالى -: «وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا». [النساء: 5].

3 - حق الميراث: وهذا البند قد غفلت وتغافلت عنه الوثائق البشرية، بينما نظم الإسلام، وأقرّ هذا البند، في أروع صوره، وأبطل ما كان عليه الناس قبل الإسلام، من إسقاط حق المرأة في الميراث؛ قال - تعالى -: «لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ

ص: 232

وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا» [النساء: 7].

وقد أفاض الإسلام في هذا الأمر، وبيّن مقدار الأنصبة في كثير من الآيات، كما حثت السنة المطهرة على ذلك في قوله (صلى الله عليه واله وسلم) «البندوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر»(24).

4 - حق الدفاع عن النفس: أيضاً هذا البند من البندوق التي لم يذكرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بينما وردت العديد من الآيات والأحاديث، التي تقرّ هذا البند وتنظمه كما في قوله - تعالى -: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» [البقرة: 194].

بل أمر الله سبحانه وتعالى - بالجهاد، وبالإعداد له، فقال: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ..» [الأنفال: 60].

5 - حق العفو: الإسلام دين رحمة، وتسامح، وعفو، وإحسان، من غير استسلام، أو ذل، أو تمكين للأشرار، وهذا ما لم يهتم به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فمن الآيات التي تقرّر هذا البند، قوله - تعالى -: «وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» [فصلت: 34]. وقوله: «وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» [التغابن: 14].

ص: 233

المبحث الثالث: حقوق الانسان في عهد الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)

لواليه على مصر مالك الاشتر.

مسند عهد الامام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر:

روی هذا العهدَ قبل الشريف الرضي، الشيخُ الثقة الجليل أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة المتوفي سنة «381 ه» في تحف العقول، باب ما رُوي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) تحت عنوان «عهده (عليه السلام) إلى الأشتر حين ولّاه مصر وأعمالَها»، وذكر العهد بزيادة بعض الفقرات واختلاف في بعض الألفاظ مما يدل على أن الشريف الرضي نقل ما اختاره من هذا العهد عن غير هذا الكتاب؛ کما روی منه القاضي النعمان المتوفي «363 ه» في كتاب دعائم الإسلام (25)

ورواه النويري في نهاية الأرب باختلاف بسيط جداً ولكنه يدل على أنه منقول عن غير نهج البلاغة. وقد مهد له النويري بقوله: «لم أرَ فيما طالعته في هذا المعنى أي وصایا الملوك أجمع في الوصايا ولا أشمل من عهدٍ كتبَه علي بن أبي طالب إلى مالك بن الحارث الأشتر حين ولاه مصر، فأحببتُ أن أورده على طوله وآتي على جملته وتفصيله؛ لأن مثل هذا العهد لا يهمل، وسبيل فضله لا يجهل»، ثم ذكر العهد.(26)

وذكَر أسانيد هذا العهد الشيخُ النجاشي في فهرسته عند ذكر الأصبغ بن نباتة المجاشعي(27) وذكره الشيخ الطوسي أيضاً في الفهرست عند ذكره الأصبغ بن نباتة، فقال:

كان الأصبغ بن نباتة من خاصة أمير المؤمنين (عليه السلام) وعُمِّر بعده، وروى عهد

ص: 234

مالك الأشتر الذي عهده إليه أمير المؤمنين لما ولاه مصر، وروى وصيّته إلى ابنه محمد بن الحنفية، أخبرنا بالعهد ابن أبي جبد عن محمد بن الحسين عن الحميدي عن هارون بن مسلم والحسن بن طريف عن الحسين بن علوان الكلبي عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (28).

بداية العهد وبنوده

أمر امير المؤمنين (عليه السلام) مالك الاشتر بتقوى اللهِ واتّباع ما أمَر به في كتابه من فرائضه وسُننه التي لا يسْعَدُ أحدٌ إلا باتّباعها. ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها. وأنْ يَنْصُرَ اللهَ سبحانه بيدهِ وقلبِه ولسانهِ. فإنّه جلَّ اسمُه قد تكفّل بنصرِ مَن نصَره وإعزازِ مَن أعزّه.

ومن الملاحظ ان جميع وصايا الإمام (عليه السلام) وكتبه وعهوده لا تخلو من نقطة مهمة وهي ذكر الله جلّ وعلا وإيصاؤه أصحابه بتقوى الله واتباع أوامره وهذا العهد ليس بمستثنىً من هذه القاعدة. عند النظر في فاتحتي العهدين نرى أنهما يُستَهلان بذكر الله وتقواه مشيرين إلى المعاد إلا أن أسلوب البيان يختلف؛ فالإمام (عليه السلام) لا يشير إلى المعاد مباشرةً بل يوحي إليه بهذه العبارة: «لا يسْعَدُ أحدٌ إلا باتباعها، ولا يشقى إلا مع جحودها»، أما طاهر بن الحسين فيصرح بذلك بقوله:

... والزم ما ألبسك الله من العافية بالذكر لمعادك وما أنت صائر إليه وموقوف عليه ومسؤول عنه والعمل في ذلك كله بما يعصمك الله عزّ وجلّ ويُنجيك يوم القيامة من عقابه وأليم عذابه».

دقة المعاني وفخامة اللفظ ورقته ووحدة الموضوع باديةٌ في فاتحة كلامه 4؛ انظر إلى کلام طاهر كيف فصل بين المعطوف والمعطوف عليه بإتيان صفتين لله تعالى وكيف

ص: 235

يتحدث عن وظائف ابنه أمام رعيته في أثناء ذكر وظائفه إزاء الله تعالى: «أما بعد فعليك بتقوى الله وحده لا شريك له وخشيته ومراقبته عزّ وجلّ ومزايلة سخطه، واحفظ رعيتك في الليل والنهار والزم ما البسك الله من العافية بالذكر المعادك ...».

بعد أن ذكر (عليه السلام) للأشتر ما يجب أن يتصف به، أشار إلى تاريخ مصر وما تقلّب فيها من الأحوال وما مرّت عليها من القرون الحافلة بالحوادث بقوله: «ثم اعلمْ يا مالك أني قد وجّهتُك إلى بلاد قد جرتْ عليها دول قبلك من عدل وجور؛ وأنّ الناس ينظرون من أمورك في مثل ما کنتَ تنظر فيه من أمور الولاة قبلك...». أوصى الإمام عامله أن يضع أمام عينيه ماضي مصر ليأخذ منه ما يصلح به حاضرها، مشيراً إلى أن الأعمال الصالحة هي التي يجب أن تكون غرض كل امرئ في الحياة «وإنما يُستدلّ على الصالحين بما يُجري الله لهم على ألسُن عباده؛ فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح...».

فالإمام (عليه السلام) قال له: «قد کنت تسمع أخبار الولاة وتعيب قوماً وتمدح قوماً؛ وسيقول الناس في إمارتك الآن نحو ما کنت تقول في الأمراء، فاحذر أن تُعاب وتُذمّ كما كنت تعیب وتذُمّ من يستحق الذمَّ...». وكان يقال: «ألسنة الرّعية أقلام البند سبحانه إلى الملوك»(29)

اذا كان البند الاول الوارد في هذا العهد هو تقوى الله والتزام حدوده لان من يخشی الله في عمله سيتقنه ويخلص فيه وهذا مراد الامام عليه السلام، فمراعاة حقوق الله عز وجل يقود الى سبل البر والنجاة.

ثم يوصي الامام الاشتر بان يقدم مصلحة مصر على أي مصلحة أخرى، وان يعمل على الحفاظ عليها وان يعمل صالحاً خدمة لهذا البلد وهنا يبرز البند الثاني وهو البند العام بالحفاظ على مصالح البلد والعمل على استقراره.

ص: 236

بنود في العهد

البند الاول: التقوى: أمره بتقوى الله وإيثار طاعته واتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها ولا يشقى إلا من جحودها وإضاعتها وأن ينصر الله سبحانه بیده وقلبه ولسانه فانه جل اسمه قد تكفل بنصر من نصره وإعزاز من اعزه وأمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات وينزعها عند الجمحات فان النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله.

البند الثاني: السيرة الحسنة: ثم اعلم يا مالك إني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور وان الناس ينظرون من أمورك في مثل ما کنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك ويقولون فيك ما کنت تقوله فيهم وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على السن عباده فليكن احب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح فاملك هواك وشح بنفسك عما لا يحل لك فان الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت.

البند الثالث: تقديم العناية للرعية والترفق بهم: واشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فانهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ویؤتی على أيديهم في العمد والخطأ. فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى ان يعطيك الله من عفوه وصفحه، فانك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم فلا تنصبن نفسك لحرب له، فانه لا يدمي لك بنقمته ولا غنى بك عن عفوه ورحمته ولا تندمن على عفو، ولا تبجحن بعقوبة، ولا تسرعن إلى بادرة وجدت عنها مندوحة، ولا تقولن إني مؤمر آمر فأطاع فان ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين، وتقرب من الغير.

ص: 237

البند الرابع: تجنب الكبر والاستعلاء: وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك فان ذلك يطامن إليك من طماحك ويكف عنك من غربك ويفيء إليك بما عزب عنك من عقلك وإياك ومساماة الله في عظمته والتشبه به في جبروته فان الله يذل كل جبار ويهين كل مختال. الإنصاف: انصف الله وانصف الناس من نفسك ومن خاصة اهلك ومن لك هوى فيه من رعیتك فانك ان لا تفعل تظلم. ومن ظلم عبدالله كان الله خصمه دون عباده ومن خاصمه الله ادحض حجته وكان لله حربا حتى ينزع ويتوب. وليس شيء ادعى إلى تغيير نعمة الله وتعجیل نقمته من إقامة على ظلم. فان الله يسمع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد.

البند الخامس: اتباع العدل مع الرعية: وليكن احب الأمور إليك أوسطها في البند وأعمها في العدل واجمعها لرضى الرعية فان سخط العامة يجحف برضا الخاصة وان سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة وليس أحد من الرعية اثقل على الوالي مؤونة في الرخاء واقل معونة له في البلاء واكره للإنصاف وأسأل بالإلحاف واقل شكرا عند الإعطاء وأبطأ عذرا عند المنع واضعف صبرا عند ملمات الدهر من أهل الخاصة، وإنما عمود الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء العامة من الامه، فليكن صفيك لهم وميلك معهم.

البند السادس: الابتعاد عن الوشاة وعدم تصديقهم: وليكن ابعد رعيتك منك واشنأهم عندك اطلبهم لمعایب الناس فان في الناس عيوبا الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك والله يحكم على ما غاب عنك فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعیتك وأطلق عن الناس عقدة كل حقد واقطع عنك سبب كل وتر وتغاب عن كل ما لا يصلح لك، ولا تعجلن

ص: 238

على تصدیق ساع فان الساعي غاش وان تشبه بالناصحين.

البند السابع: استشارة اصحاب العلم والحكمة: ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جبانا يضعفك عن الأمور، ولا حريصا یزین لك الشره بالجور فان البخل والجبن والحرص غرائز شتی يجمعها سوء الظن بالله.

البند الثامن: حق التعليم: واکثر مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء، في تثبیت ما صلح عليه أمر بلادك وإقامة ما استقام به الناس قبلك. طبقات المجتمع: واعلم ان الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض ولا غنى ببعضها عن بعض فمنها جنود الله ومنها كتاب العامة والخاصة ومنها قضاة العدل ومنها عمال الإنصاف والرفق ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجات والمسكنة. وكل قد سمى الله له سهمه ووضع على حده وفريضته في كتابه أو سنة نبيه (صلى الله عليه وآله) عهدا منه محفوظا فالجنود بإذن الله حصون الرعية وزين الولاة وعز الدين وسبل الأمن وليس تقوم الرعية إلا بهم. ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدوهم ويعتمدون عليه فيما يصلحهم ويكون من وراء حاجتهم ثم لا قوام لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاء والعمال والكتاب لما يحكمون من المعاقد ويجمعون من المنافع ويأتمنون عليه من خواص الأمور وعوامها ولا قوام لهم جميعا إلا بالتجار وذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم ويقيمونه من أسواقهم ويكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم. ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم ومعونتهم وفي الله لكل سعة ولكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه. الاستعانة بالله (تعالى): وليس يخرج الوالي من حقيقة ما الزمه الله تعالى من ذلك إلا بالاهتمام والاستعانة بالله وتوطين نفسه على لزوم البند والصبر عليه فيما خف عليه أو ثقل.

ص: 239

البند التاسع: قادة الجيش: فول من جنودك انصحهم في نفسك لله ولرسوله وإمامك وأنقاهم جیبا وأفضلهم حلما ممن يبطئ عن الغضب ويستريح إلى العذر ويرأف بالضعفاء وينبو على الأقوياء وممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف، ثم الصق بذوي المروءات والأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة فانهم جماع من الكرم وشعب من العرف.

البند العاشر: حق رعاية الرعية: ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما ولا يتفاقمن في نفسك شيء قويتهم به ولا تحقرن لطفا تعاهدتهم به وان قل فانه داعية لهم إلى بذل النصيحة لك وحسن الظن بك ولا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها فان لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به وللجسيم موقعا لا يستغنون عنه. سیاسته معهم: وليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته. وافضل عليهم من جدته بما يسعهم من وراءهم من خلوف أهليهم حتى يكون همهم هما واحدا في جهاد العدو فان عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك وان افضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية وانه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم ولا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة أمورهم وقلة استثقال دولهم وترك استبطاء انقطاع مدتهم فافسح في آمالهم وواصل في حسن الثناء عليهم وتعدید ما أبلی ذوو البلاء منهم فان كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل ان شاء الله تعالى ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى ولا تضيفن بلاء امرئ إلى غيره ولا تقصرن به دون غاية بلائه ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا ولا ضعة امرئ إلى أن تصغر من بلائه ما كان عظيما. الرجوع للمصادر الشرعية: واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب ويشتبه عليك من الأمور فقد قال الله سبحانه وتعالى احب إرشادهم (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منکم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) فالرد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه والرد إلى الرسول

ص: 240

الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة.

البند الحادي عشر: شروط اختيار القضاة: ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحکه الخصوم ولا يتمادي في الزلة ولا يحصر من الفيء إلى البند إذا عرفه. ولا تشرف نفسه على طمع ولا يكتفي بأدنی فهم دون أقصاه أوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج واقلهم تبرما بمراجعة الخصم وأصبرهم على تكشف الأمور وأصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء وأولئك قليل. ثم اكثر تعاهد قضائه وافسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس. وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك. فانظر في ذلك نظرا بليغا فان هذا الدين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار يعمل فيه بالهوى ويطلب به الدنيا.

البند الثاني عشر: الابتعاد عن الشبهات: واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب ويشتبه عليك من الأمور فقد قال الله سبحانه وتعالى احب إرشادهم يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطیعوا الرسول وأولي الأمر منکم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول فالرد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه والرد إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة. اختيار العمال والولاة: ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا ولا تولهم محاباة وأثرة فانهما جماع من شعب الجور والخيانة. وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام المتقدمة فانهم اكرم أخلاقا واصح أعراضا واقل في المطامع إشرافا وابلغ في عواقب الأمور نظرا ثم اسبغ عليهم الأرزاق فان ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم ان خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك، ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم فان تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية وتحفظ من الأعوان.

البند الثالث عشر: خيانة العمال: فان أحدا منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها

ص: 241

عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة.

البند الرابع عشر: الخراج ومالية الدولة: وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فان في إصلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لان الناس كلهم عيال على الخراج وأهله. وليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة اخرب البلاد واهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا فان شکوا ثقلا أو علة أو انقطاع شرب أو بالة أو أحالة ارض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو ان يصلح به أمرهم ولا يثقلن عليك شيء خففت به المئونة عنهم فانه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك مع استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك باستفاضة العدل فيهم معتمدا فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم ورفقك بهم فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد اجتملوه طيبة أنفسهم به فان العمران محتمل ما حملته وإنما یؤتی خراب الأرض من إعواز أهلها وإنما يعوز أهلها لإشراف انفس الولاة على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر.

البند الخامس عشر: التعامل الكتاب وأصحاب الديوان: ثم انظر في حال كتابك فول على أمورك خيرهم واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكايدك وأسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق ممن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملأ ولا تقصر به الغفلة عن إيراد مکاتبات عالك عليك و إصدار جواباتها على الصواب عنك وفيما يأخذ لك و يعطي منك ولا يضعف عقدا اعتقده لك ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور فان الجاهل بقدر نفسه

ص: 242

يكون بقدر غيره اجهل ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك واستنامتك وحسن الظن منك فان الرجال يتعرفون لفراسات الولاة بتصنعهم وحسن خدمتهم وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة شيء ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثرا واعرفهم بالأمانة وجها. فان ذلك دليل على نصيحتك لله ولمن وليت أمره.

البند السادس عشر: . فنون الكتابة: واجعل لرأس كل أمر من أمورك رأسا منهم لا يقهره کبیرها ولا يتشتت عليه كثيرها. ومهما كان في كتابك من عيب فتغابیت عنه ألزمته.

البند السابع عشر: التعامل التجار والاحتكار: ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات وأوص بهم خيرا المقيم منهم والمضطرب بماله والمترفق ببدنه فانهم مواد المنافع وأسباب المرافق وجلابها من المباعد والمطارح فيبرك وبحرك وسهلك وجبلك وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ولا يجترؤون عليها، فانهم سلم لا تخاف بائقته وصلح لا تخشى غائلته، وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك، واعلم مع ذلك ان في كثير منهم ضيفا فاحشا وشحا قبيحا واحتكارا للمنافع وتحكما في البياعات وذلك باب مضرة للعامة وعيب على الولاة، فامنع من الاحتكار فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) منع منه وليكن البيع بيعا سمحا بموازین عدل وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع. فمن قارف حكره بعد نهيك إياه فنكل به وعاقبه من غير إسراف.

البند الثامن عشر: التعامل الفقراء: ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسي والزمني فان في هذه الطبقة قانعا ومعترا واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسما من بيت مالك وقسما من غلات صوافي الإسلام في كل بلد فان للأقصى منهم مثل الذي للأدنى وكل قد استرعیت

ص: 243

حقه ولا يشغلنك عنهم بطر فانك لا تعذر بتضييع التافه لأحكامك الكثير المهم. فلا تشخص همك عنهم، ولا تصعر خدك لهم، وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمة العيون وتحتقره الرجال ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع فليرفع إليك أمورهم ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى الله سبحانه يوم تلقاه فان هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم وكل فاعذر إلى الله في تأدية حقه إليه، وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسالة نفسه وذلك على الولاة ثقیل والبند كله ثقيل وقد يخففه الله على أقوام طلبوا العافية فصبروا أنفسهم ووثقوا بصدق موعود الله لهم. أصحاب الحاجات والمصالح واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك وتجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه لله الذي خلقك وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في غير موطن لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع ثم احتمل الخرق منهم والعي ونح عنهم الضيق والأنف يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته ويوجب لك ثواب طاعته. الإعطاء والمنع وأعط ما أعطيت هنيئا وامنع في إجمال وإعذار.

البند التاسع عشر: واجبات الوالي المباشرة: ثم أمور من أمورك لا بد لك من مباشرتها منها إجابة عمالك بما يعيا عنه كتابك ومنها إصدار حاجات الناس عند ورودها عليك بما تحرج به صدور أعوانك. عدم إدخال عمل يوم في يوم وامض لكل يوم عمله، فان لكل يوم ما فيه.

البند العشرين: أداء الفرائض: واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله افضل تلك المواقیت واجزل تلك الأقسام وإن كانت كلها لله إذا صلحت فيها النية وسلمت منها الرعية، وليكن في خاصة ما تخلص لله به دینك إقامة فرائضه التي هي له خاصة فأعط

ص: 244

الله من بدنك في ليلك ونهارك ووف ما تقربت به إلى الله سبحانه من ذلك كاملا غير مثلوم ولا منقوص بالغا من بدنك ما بلغ وإذا قمت في صلاتك للناس فلا تكونن منفرا ولا مضيعا فان في الناس من به العلة وله الحاجة وقد سالت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين وجهني إلى اليمن كيف اصلي بهم فقال صل بهم صلاها ضعفهم وكن بالمؤمنين رحيما. الاحتجاب عن الناس: وأما بعد هذا فلا تطولن احتجابك عن رعيتك فان احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق وقلة علم بالأمور والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير ويقبح الحسن ويحسن القبيح ويشاب البند بالباطل وإنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور وليست على البند سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب وإنما أنت أحد رجلين إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في البند ففیم احتجابك من واجب حق تعطيه أو فعل کریم تسديه أو مبتلى بالمنع فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع ان اكثر حاجات الناس إليك ما لا مؤونة فيه عليك من شكاة مظلمة أو طلب إنصاف في معاملة.

البند الواحد والعشرين: التعامل مع الخاصة والحاشية: ثم ان للوالي خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف في معاملة فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال ولا تقطعن لأحد من حاشيتك وحامتك قطيعه ولايطمعن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته على غيرهم فيكون مهنا ذلك لهم دونك وعيبه عليك في الدنيا والآخرة والزم البند من لزمه من القريب والبعيد وكن في ذلك صابرا محتسبا واقعا ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فان مغبة ذلك محمودة. جانب إعلامي: وان ظنت الرعية بك حيفا فاصحر لهم بعذرك واعدل عنك ظنونهم باصحارك فان في ذلك رياضة منك لنفسك ورفقا برعيتك واعذار تبلغ به حاجتك من تقويمهم على البند.

ص: 245

البند الثاني والعشرين: . العدو والعهد: ولا تدفن صلحا دعاك إليه عدوك لله فيه رضى فان في الصلح دعه لجنودك وإراحة من همومك وأمنا لبلادك ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه فان العدو ربما قارب ليتغفل فخذ بالحزم واتهم في ذلك حسن النية وان عقدت بينك وبين عدو لك عقدة أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك بالأمانة واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت فانه ليس من فرائض الله شيء الناس اشد علیه اجتماعا مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر فلا تغدرن بذمتك ولا تخیسن بعهدك ولا تختلن عدوك فانه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي وقد جعل الله عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته وحریما يسكنون إلى منعته ويستفيضون إلى جواره فلا إدغال ولا مدالسة ولا خداع فيه، ولا تعقد عقدا تجوز فيه العلل ولا تعولن على لحن القول بعد التأكيد والتوثقة ولا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير البند فان صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته وان تحيطه بك من الله طلبة لا تستقبل فيها دنياك ولا آخرتك.

البند الثالث والعشرين:. سفك الدماء: وإياك والدماء وسفكها بغير حلها فانه ليس شيء ادعى لنقمة ولا اعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة فلا تقوین سلطانك بسفك دم حرام فان ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد لان فيه قود البدن وان ابتليت بخطأ وإفراط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة فان في الوكزة فما فوقها مقتله فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن ان تودي إلى أولياء المقتول حقهم.

ص: 246

البند الرابع والعشرين: آداب عامة: وإياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء فان ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين.

البند الخامس والعشرين: المن والوعد: وإياك والمن على رعيتك بإحسانك أو التزيد فيما كان من فعلك أو ان تعدهم فتتبع موعدك بخلفك فان المن يبطل الإحسان والتزيد يذهب بنور البند والخلف يوجب المقت عند الله والناس، قال الله سبحانه وتعالی کبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون.

البند: السادس والعشرين: العجلة: وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها أو التساقط فيها عند إمكانها أو اللجاجة فيها إذا تنكرت أو الوهن عنها إذا استوضحت. فضع كل أمر موضعه وأوقع كل عمل موقعه.

البند السابع والعشرين: الاستئثار والتغابي: وإياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة والتغابي عما تعنی به مما قد وضح للعيون فانه مأخوذ منك لغيرك وعما قليل تنكشف عنك أغطية الأمور ينتصف منك للمظلوم. الحلم: املك حمية انفك وسورة حدك وسطوة يدك وغرب لسانك واحترس من كل ذلك بكف البادرة وتأخير السطوة حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار ولن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك والواجب عليك ان تتذكر ما مضى لمن تقدمك من حكومة عادلة أو سنة فاضلة أو اثر عن نبينا (صلى الله عليه وآله) أو فريضة في كتاب الله فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به فيها وتجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا واستوثقت به من الحجة لنفسي عليك لكي لا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلى هواها.

ص: 247

الخاتمة:

وأنا أسال الله بسعة رحمته وعظیم قدرته على إعطاء كل رغبة ان يوفقني وإياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح إليه وإلى خلقه من حسن الثناء في العباد وجمیل الأثر في البلاد وتمام النعمة وتضعيف الكرامة وان يختم لي ولك بالسعادة والشهادة أنا إلى الله راغبون والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله).

حقوق الانسان الواردة في العهد:

1. العدل الاجتماعي:

يؤكّد الإمام (عليه السلام) في عهده على وجوب اعمام العدل الاجتماعي مع الاجتهاد في رضا العامة من الأمة ويقول: «أنصفِ الله وأنصفِ الناسَ من نفسك ومن خاصّة أهلك ...» (30).

ثم ذكر صفات الخاصة المذمومة:

الأولى: كونهم أثقل مؤونة على الوالي في الرخاء، لتكلّفه لهم ما لا يتكلّفه لغيرهم؛ والثانية: كونهم أقلّ معونة له في البلاء لمحبتهم الدنيا؛

والثالثة: كونهم أكره للإنصاف لزيادة أطماعهم في الدنيا على ما تطلبه العامة؛

والرابعة: كونهم أسأل بالإلحاف لأنهم عند الحاجة إلى السؤال أشد جرأة على الوالي؛

والخامسة: كونهم أقلّ شكراً عند الإعطاء، لاعتقادهم أنهم أحق بالإعطاء لحاجة الوالي اليهم؛

والسادسة: كونهم أبطأ عذراً للوالي إن منعهم؛

والسابعة: كونهم أضعف صبراً عند ملمّات الدهر لتعوّدهم الرفاهيةَ والنعيم.

ص: 248

أما صفات العامة من السواد الأعظم:

فالأولى: كونهم عمود الدين؛ لأنّ قيام الدين لا يكون إلا بهم.

والثانية: كونهم العدّة للاعداء لكثرتهم ولقوّة سواعدهم. والثالثة: كونهم جماع المسلمين؛ لأنهم الأغلب والأكثر والسواد الأعظم.

هذه الصفات للفريقين تستلزم وجوب حفظ قلوب العامة وتقديمه على حفظ قلوب الخاصة.

وهو حق العدل الاجتماعي لعامة الناس والرأفة بهم والتعرف على احوالهم فلا يثقل عليهم وقت الشدة وان يخفف عنهم وقت البلاء وان يراعي ان الرعية دوما اقل صبراً من الوالي عليهم فلا يجدون عذرا للوالي في حال اخفق او قصر او سها، ولم يفت امير المؤمنين (عليه السلام) من تذكير الاشتر بانهم الاكثر والاغلب فهم عمود الدين وفي حال نفروا من الوالي سيكونوا سواعد بید اعداء الدين لذا طلب منه الرافة بهم والترفق باحوالهم.

ينصح الإمام (عليه السلام) مالكاً بستر عيوب الناس وبالابتعاد عن بعض الرعية بقوله: «وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم عندك أطلبهم لمعایب الناس، فإن في الناس عيوباً الوالي أحقُّ مَنْ ستَرها...»(31).

2. حقوق الرعية وتشمل:

أ - ستر العيوب: ستر عيوب الرعية والابتعاد عن من يطلب عيوب الناس والتشهير بهم ويذكر مالكاً بان الاحری به ان يستر عيوبه.

ب - المشورة من الرعية: يشدّد الإمام علي (عليه السلام) على مالك الأشتر في النهي عن إدخال البخيل والجبان والحريص في مشورته بقوله: «ولا تُدخِلَنّ في مشُورَتِك

ص: 249

بخيلاً يُعدِلُ بك عن الفضلِ، ويعِدُك الفقرَ، ولا جباناً يُضعِّفُك عن الأمورِ، ولا حريصاً يُزيّنُ لك الشَّرَه بالجَوْرِ، فإن البخلَ والجبنَ والحرصَ غرائزُ شتّى يجمعها

سوءُ الظَّنّ بالله»(32).

ج - حق الموظف الاداري: وفي مكان آخر يأمره بأن يكسر نفسه عن الشهوات التي تحيط بالموظف الإداري، خاصة ذلك الذي يعتلي أعلا المناصب في الدولة لأنها هي والتعفف على طرفي نقيض، إذ من المستحيل أن يكون عفیفاً متی انساق وراءَ شهواته وهواه وأعطى نفسَه الأمّارة بالسوء زمام أموره، فأمره بامتلاك هواه وردع شهواته والشحّ بنفسه عما لا يحل لها بقوله: «فاملِكْ هواك وشُحَّ بنفسك عما لا يحلّ لك؛ فإن الشحّ بالنفس الإنصاف منها فيما أحبَّتْ أو كرهتْ».

د - الثقة بين الوالي والرعية: يشير الإمام (عليه السلام) في عهده إلى عوامل الثقة الاجتماعية بين الراعي والرعية، ويذكر منها حسن ظن الراعي برعيته، وعدم نقض سنّة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة، وعدم إحداث سنّة تضرّ بماضي تلك السنن، ومدارسة العلماء ومناقشة الحكماء، فيقول:

واعلم أنه ليس شيءٌ بأدعى إلى حسن ظن والٍ برعيته من إحسانه إليهم... ولا تنقض سنّة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة... ولا تُحدِثَنَّ سنّة تضرّ بشيء من ماضي تلك السنن... وأكثِرْ مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء في تثبیت ما صلَح عليه أمرُ بلادك، وإقامةِ ما استقام به الناسُ قبلَك.

هذه العوامل التي جعلها الإمام (عليه السلام) من عوامل الثقة الجماعية بين الراعي والرعية، يشير إليها طاهر بن الحسين معتبراً أنّ حسن الظن بالله وبالرعية يزيد الثقة بين الراعي والرعية، حيث يقول:

أحسن الظنّ بالله يستقمْ لك رعيتُك، والتمس الوسيلة إليه في الأمور كلها تستدمْ الليا

ص: 250

به النعمة عليك. ولا تتّهمنّ أحداً من الناس فيما تُوليه من عملك قبل أن تكشف أمرَه بالتهمة؛ فإن التّهم بالبُرَآء والظنون السيئة بهم مأثمٌ. واجعل من شأنك حسن الظن بأصحابك، واطرُد عنك سوء سوء الظن هم وارفضه عنهم يُعنْك ذلك على اصطناعهم ورياضتهم ... واعلم أنك تجد بحسن الظن قوةً وراحةً.

وفي ختام عهده يوصيه بمجالسة العلماء بقوله: «وأكثر مجالسة العلماء ومشاورتهم ومخالطتهم».

ه - اقسام المجتمع: قسم الإمام (عليه السلام) في عهده المجتمع إلى طبقات فقال:

واعلم أن الرعية طبقات، لا يصلُح بعضها إلا ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض؛ فمنها جنود الله، ومنها كُتّاب العامّة والخاصّة، ومنها قضاة العدل، ومنها عُمّال الإنصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذِّمَّة ومُسْلِمةِ الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجات والمسكنة، وكلٌّ قد سمّى الله له سهمه.

ط - طبقات المجتمع:

3. شروط اختيار القضاة:

ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم ولا يتمادى في الزلة ولا يحصر من الفيء إلى البند إذا عرفه. ولا تشرف نفسه على طمع ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه أوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج واقلهم تبرما بمراجعة الخصم وأصبرهم على تكشف الأمور وأصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء وأولئك قليل. ثم اكثر تعاهد قضائه وافسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس. وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك. فانظر في ذلك نظرا بليغا فان هذا الدين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار يعمل فيه بالهوى ويطلب به الدنيا.

ص: 251

4. الجنود والخراج

ثم ذكر أعمال هذه الطبقات، فقال الجند للحماية، والخراج يُصرف إلى الجند والقضاة والعمال والكتاب لما يحكمونه من المعاقد، ويجمعونه من المنافع. ولا بدّ لهؤلاء جميعاً من التجار لأجل البيع والشراء الذي لا غناء عنه، ولا بدّ لك من أرباب الصناعات كالحداد والنجار والبناء وأمثالهم. ثم تلي هؤلاء الطبقة السفلى، وهم أهل الفقر والحاجة الذين تجب معونتهم والإحسان إليهم(33).

الجندية عند الإمام تبثّ روحَ الثقة الاجتماعية بين الأفراد، وحبَّ الطاعة للنظام العام، والكراهةَ للتفرقة والانقسام، والحثَّ على الأخوّة والتعاون والتكاتف في سبيل مصلحة المجموع، وتقديس الواجب، وهذا الخُلق الروحي هو جوهر ما ترمي إليه تعاليم الجندية ونظامها (34).

من هنا نرى الإمام (عليه السلام) خصّص فصلاً من عهده فيما يتعلق بأمراء جيشه، فأمره أن يؤمّر على جيشه مَن كان أنصحهم لله في ظنه، وأطهرهم جيباً، ثم أمره أن يلصق بذوي الأحساب وأهل البيوتات وأهل الشجاعة والسخاء في اختيار جيشه.

5. قادة الجيش:

فول من جنودك انصحهم في نفسك الله ولرسوله وإمامك وأنقاهم جيبا وأفضلهم حلما ممن يبطئ عن الغضب ويستريح إلى العذر ويرأف بالضعفاء وينبو على الأقوياء وممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف، ثم الصق بذوي المروءات والأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة فانهم جماع من الكرم وشعب من العرف.

ص: 252

6. تفقد احوال الرعية:

أمره الامام مالكاً أن يتفقد جسيم أمورهم وصغيرها، أمره ألا يعظِّمَ عنده ما يقويهم به وإن عظم، وألا يستحقرَ شيئاً تعهدهم به وإن قلَّ، وألا يمنعَه تفقّدُ جسيم أمورهم عن تفقّد صغيرها، وأمره أن يكون آثر رؤوس جنوده عنده وأحظاهم عنده وأقربهم إليه مَن واساهم في معونته... ثم أمره أن يذكر في المجالس والمحافل بلاء ذوي البلاء منهم؛ فإن ذلك مما يُرْهِف عزم الشجاع ويحرّك الجبان(35).

7. القضاء

لقد احتوى كلام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فيما كتبه لعامله الأشتر على قواعدَ وأصول مهمة تتعلق بالقضاء والقضاة، يصور فيه شخصية الحاكم وكيف يجب أن يكون؛ يقول: «ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك، ممن لا تضيق به الأمور ولا تُمحِّكه الخصوم. ولا يتمادى في الزّلّة ...»؛ وهكذا يعدّد صفات الحاكم إلى أن لا يأمره بأن يتطلع على أحكامه وأقضيته، وأن يفرض له عطاء كافياً يملأ عينه، ويتعفّف به عن المرافق والرشوات، وأن يكون قريب المكان منه، كثير الاختصاص به ليمنع قربه من سعاية الرجال به وتقبيحهم ذكر ذكره عنده.

8. الابتعاد عن الوشاة وعدم تصديقهم

وليكن ابعد رعيتك منك واشنأهم عندك اطلبهم لمعايب الناس فان في الناس عيوبا الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك والله يحكم على ما غاب عنك فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك وأطلق عن الناس عقدة كل حقد واقطع عنك سبب كل وتر وتغاب عن كل ما لا يصلح لك، ولا تعجلن على تصديق ساع فان الساعي غاش وان تشبه بالناصحين.

ص: 253

9. خيانة العمال

فان أحدا منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة.

10. الخراج ومالية الدولة:

وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فان في إصلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم ولاصلاح لمن سواهم إلا بهم لان الناس كلهم عيال على الخراج وأهله. وليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة اخرب البلاد واهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا فان شكوا ثقلا أو علة أو انقطاع شرب أو بالة أو أحالة ارض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو ان يصلح به أمرهم ولا يثقلن عليك شيء خففت به المئونة عنهم فانه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك مع استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك باستفاضة العدل فيهم معتمدا فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم ورفقك بهم فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد اجتملوه طيبة أنفسهم به فان العمران محتمل ما حملته وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها وإنما يعوز أهلها لإشراف انفس الولاة على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر.

11. أداء الفرائض:

واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله افضل تلك المواقيت واجزل تلك الأقسام وإن كانت كلها لله إذا صلحت فيها النية وسلمت منها الرعية، وليكن في خاصة ما تخلص

ص: 254

لله به دينك إقامة فرائضه التي هي له خاصة فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك ووف ما تقربت به إلى الله سبحانه من ذلك كاملا غير مثلوم ولا منقوص بالغا من بدنك ما بلغ وإذا قمت في صلاتك للناس فلا تكونن منفرا ولا مضيعا فان في الناس من به العلة وله الحاجة وقد سالت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين وجهني إلى اليمن كيف اصلي بهم فقال صل بهم صلاها ضعفهم وكن بالمؤمنين رحيما. الاحتجاب عن الناس: وأما بعد هذا فلا تطولن احتجابك عن رعيتك فان احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق وقلة علم بالأمور والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير ويقبح الحسن ويحسن القبيح ويشاب البند بالباطل وإنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور وليست على البند سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب وإنما أنت أحد رجلين إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في البند ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه أو فعل كريم تسديه أو مبتلى بالمنع فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع ان اكثر حاجات الناس إليك ما لا مؤونة فيه عليك من شكاة مظلمة أو طلب إنصاف في معاملة.

12. التعامل مع الخاصة والحاشية:

ثم ان للوالي خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف في معاملة فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال ولا تقطعن لأحد من حاشيتك وحامتك قطيعه ولايطمعن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته على غيرهم فيكون مهنا ذلك لهم دونك وعيبه عليك في الدنيا والآخرة والزم البند من لزمه من القريب والبعيد وكن في ذلك صابرا محتسبا واقعا ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فان مغبة ذلك محمودة. جانب إعلامي: وان ظنت الرعية بك حيفا فاصحر لهم بعذرك واعدل عنك ظنونهم

ص: 255

باصحارك فان في ذلك رياضة منك لنفسك ورفقا برعيتك واعذار تبلغ به حاجتك من تقويمهم على البند.

13. المن والوعد:

وإياك والمن على رعيتك بإحسانك أو التزيد فيما كان من فعلك أو ان تعدهم فتتبع موعدك بخلفك فان المن يبطل الإحسان والتزيد يذهب بنور البند والخلف يوجب المقت عند الله والناس، قال الله سبحانه وتعالى كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون.

14. العجلة:

وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها أو التساقط فيها عند إمكانها أو اللجاجة فيها إذا تنكرت أو الوهن عنها إذا استوضحت. فضع كل أمر موضعه وأوقع كل عمل موقعه.

15. الاستئثاروالتغابي:

وإياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة والتغابي عما تعنى به مما قد وضح للعيون فانه مأخوذ منك لغيرك وعما قليل تنكشف عنك أغطية الأمور ينتصف منك للمظلوم. الحلم: املك حمية انفك وسورة حدك وسطوة يدك وغرب لسانك واحترس من كل ذلك بكف البادرة وتأخير السطوة حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار ولن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك والواجب عليك ان تتذكر ما مضى لمن تقدمك من حكومة عادلة أو سنة فاضلة أو اثر عن نبينا (صلى الله عليه وآله) أو فريضة في كتاب الله فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به فيها وتجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا واستوثقت به من الحجة لنفسي عليك لكي لا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلى هواها.

ص: 256

ك - اتباع العدل مع الرعية: وليكن احب الأمور إليك أوسطها في البند وأعمها في العدل واجمعها لرضى الرعية فان سخط العامة يجحف برضا الخاصة وان سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة وليس أحد من الرعية اثقل على الوالي مؤونة في الرخاء واقل معونة له في البلاء واكره للإنصاف وأسأل بالإلحاف واقل شكرا عند الإعطاء وأبطأ عذرا عند المنع واضعف صبرا عند ملمات الدهر من أهل الخاصة، وإنما عمود الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء العامة من الامه، فليكن صفيك لهم وميلك معهم.

م - حق التعليم: واكثر مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك وإقامة ما استقام به الناس قبلك. طبقات المجتمع: واعلم ان الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض ولا غنى ببعضها عن بعض فمنها جنود الله ومنها كتاب العامة والخاصة ومنها قضاة العدل ومنها عمال الإنصاف والرفق ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجات والمسكنة. وكل قد سمى الله له الله له سهمه ووضع على حده وفريضته في كتابه أو سنة نبيه (صلى الله عليه وآله) عهدا منه محفوظا فالجنود بإذن الله حصون الرعية وزين الولاة وعز الدين وسبل الأمن وليس تقوم الرعية إلا بهم. ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدوهم ويعتمدون عليه فيما يصلحهم ويكون من وراء حاجتهم ثم لا قوام لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاء والعمال والكتاب لما يحكمون من المعاقد ويجمعون من المنافع ويأتمنون عليه من خواص الأمور وعوامها ولا قوام لهم جميعا إلا بالتجار وذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم ويقيمونه من أسواقهم ويكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم. ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم ومعونتهم وفي الله لكل سعة و

ص: 257

لكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه. الاستعانة بالله (تعالى): وليس يخرج الوالي من حقيقة ما الزمه الله تعالى من ذلك إلا بالاهتمام والاستعانة بالله وتوطين نفسه على لزوم البند والصبر عليه فيما خف عليه أو ثقل.

س - حق رعاية الرعية: ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما ولا يتفاقمن في نفسك شيء قويتهم به ولا تحقرن لطفا تعاهدتهم به وان قل فانه داعية لهم إلى بذل النصيحة لك وحسن الظن بك ولا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها فان لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به وللجسيم موقعا لا يستغنون عنه. سياسته معهم: وليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته. وافضل عليهم من جدته بما يسعهم من وراءهم من خلوف أهليهم حتى يكون همهم هما واحدا في جهاد العدو فان عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك وان افضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية وانه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم ولا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة أمورهم وقلة استثقال دولهم وترك استبطاء انقطاع مدتهم فافسح في آمالهم وواصل في حسن الثناء عليهم وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم فان كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل ان شاء الله تعالى ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى ولا تضيفن بلاء امرئ إلى غيره ولا تقصرن به دون غاية بلائه ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا ولا ضعة امرئ إلى أن تصغر من بلائه ما كان عظيما. الرجوع للمصادر الشرعية: واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب ويشتبه عليك من الأمور فقد قال الله سبحانه وتعالى احب إرشادهم (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) فالرد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه والرد إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة.

ص: 258

ش - الخراج ومالية الدولة: وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فان في إصلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لان الناس كلهم عيال على الخراج وأهله. وليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة اخرب البلاد واهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا فان شكوا ثقلا أو علة أو انقطاع شرب أو بالة أو أحالة ارض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو ان يصلح به أمرهم ولا يثقلن عليك شيء خففت به المئونة عنهم فانه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك مع استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك باستفاضة العدل فيهم معتمدا فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم ورفقك بهم فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد اجتملوه طيبة أنفسهم به فان العمران محتمل ما حملته وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها وإنما يعوز أهلها لإشراف انفس الولاة على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر.

ص - التعامل الكتاب وأصحاب الديوان: ثم انظر في حال كتابك فول على أمورك خيرهم واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكايدك وأسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق ممن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملأ و لا تقصر به الغفلة عن إيراد مكاتبات عمالك عليك وإصدار جواباتها على الصواب عنك وفيما يأخذ لك ويعطي منك ولا يضعف عقدا اعتقده لك ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور فان الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره اجهل ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك واستنامتك وحسن الظن منك فان الرجال يتعرفون لفراسات الولاة بتصنعهم وحسن خدمتهم وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة شيء ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك 260

ص: 259

فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثرا واعرفهم بالأمانة وجها. فان ذلك دليل على نصيحتك الله ولمن وليت أمره.

و - التعامل الفقراء: ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسى والزمني فان في هذه الطبقة قانعا ومعترا واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسما من بيت مالك وقسما من غلات صوافي الإسلام في كل بلد فان للأقصى منهم مثل الذي للأدنى وكل قد استرعيت حقه ولا يشغلنك عنهم بطر فانك لا تعذر بتضييع التافه لأحكامك الكثير المهم. فلا تشخص همك عنهم، ولا تصعر خدك لهم، وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحتقره الرجال ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع فليرفع إليك أمورهم ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى الله سبحانه يوم تلقاه فان هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم وكل فاعذر إلى الله في تأدية حقه إليه، وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسالة نفسه وذلك على الولاة ثقيل والبند كله ثقيل وقد يخففه الله على أقوام طلبوا العافية فصبروا أنفسهم ووثقوا بصدق موعود الله لهم. أصحاب الحاجات والمصالح واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك وتجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه لله الذي خلقك وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في غير موطن لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع ثم احتمل الخرق منهم والعي ونح عنهم الضيق والأنف يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته ويوجب لك ثواب طاعته. الإعطاء والمنع وأعط ما أعطيت هنيئا وامنع في إجمال وإعذار.

ص: 260

ي - واجبات الوالي المباشرة: ثم أمور من أمورك لا بد لك من مباشرتها منها إجابة عمالك بما يعيا عنه كتابك ومنها إصدار حاجات الناس عند ورودها عليك بما تحرج به صدور أعوانك. عدم إدخال عمل يوم في يوم وامض لكل يوم عمله، فان لكل يوم ما فيه.

من كل ما تقدم نجد ان الامام علي بن ابي طالب عليه السلام قد سبق الاعلان العالمي لحقوق الانسان بنيف والف من الاعوام في احترام حقوق الانسان، وهو ما يؤكد سماحة الشريعة الاسلامية اذ ان الامام يمثل رسول الامة (صلى الله عليه واله) والذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى.

ص: 261

المبحث الرابع: النتائج والتوصيات

لقد توصل البحث للنتائج الاتية:

1. ان للشريعة الاسلامية السمحاء الدور الاول في رعاية الانسان ومراعاة انسانيته بالدرجة الاولى.

2. ان الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) كان من أوائل الدعاة للمحافظة على حقوق الانسان وخير ما يجسد ذلك عهده لعاملة على مصر مالك الاشتر.

3. تضمن عهد الامام علي تفصيلاً دقيقاً لواجبات الحاكم تجاه الرعية ولم يغفل الامام عن أي تفصيلية من تفصيلات واجبات الحاكم.

4. قسم الامام (عليه السلام) المجتمع لطبقات وفئات عدة واصفاً كيفية التعامل مع كل طبقة وهو بعهده هذا يجسد ما على الوالي تطبيقه حقاً تجاه الرعية.

5. جسد الامام سماحة الدين الاسلامي بالتعامل مع غير المسلمين والمحافظة على حقوقهم مع انهم يعيشون في مجتمعات غير اسلامية وهو ما يضمن حق عامة الناس وخاصتهم وان اختلفت ديانتهم، وهو بذلك يقر مبدا التعايش السلمي بين ابناء المجتمع الواحد.

6. يؤكد الامام (عليه السلام) على ضرورة ان ياخذ الوالي المشورة من اصحاب الخبرة والحلم والحكمة وان يبتعد عن اهل التفرقة والبغضاء والشحناء.

7. يؤكد على الامام على ضرورة متابعة الوالي لامور رعيته والتعامل معهم بالرفق والرافة والرحمة عامة ومع الفقراء منهم بنحوٍ خاص.

ص: 262

التوصيات:

1. ضرورة اتباع مبادئ العهد وبنوده من اصحاب السلطة وصناع القرار فو عمل أي منهم بمبادئ هذا العهد وواجباته لوجدنا مجتمع يزدهر ويبدع افراده.

2. ضرورة ان يدرس عهد الامام علي بن ابي طالب في كليات القانون والسياسة لينهل سیاسيو الغد من عبق الفكر العلوي المطهر.

3. تنظيم دورات تدريبي لكل المعنين بالسياسة تتضمن مبادئ العهد واجراءات تطبيقه.

ص: 263

مصادر البحث:

القران الكريم

1. ادوار بروي، تاريخ الحضارات العام، ج 3 (القرون الوسطى)، مصدر سابق ص 20 وما بعدها، ج 4، (لغاية القرن 18).

2. ایمار، اندرية وجانين ابوایه، تاريخ الحضارات العام، ترجمة فرید داغر، بیروت، دار عويدات، 2003

3. البخاري، ابو عبد الله بن اسماعیل، صحيح البخاري، (بیروت، دار الفكر، 1981)

4. الحسینی، هاشم معروف، دراسات في الحديث والمحدثين (دراسات في الكافي للكلینی والصحيح للبخاري)، ط 2، (بیروت، دار التعارف، 1978).

5. د. احمد جمال ظاهر، حقوق الإنسان ، عمان، مركز النهضة للخدمات الفنية، 1988.

6. د. جهاد الحسني، «واقع السلطة السياسية ومفهومها في مصر القديمة» مجلة العلوم القانونية والسياسية، العدد 1 - 2، بغداد، 1984.

7. د. عبد الكريم علوان، الوسيط في القانون الدولي العام، (الكتاب الثالث - حقوق الإنسان)، (عمان، دار الثقافة، 2004).

8. د. محمد سعید مجذوب، حقوق الإنسان والحريات الأساسية، لبنان، جروس برس، 1980.

9. د. محمد عمارة، الفكر الاجتماعي لعلي بن ابي طالب، ط 1، (القاهرة، دار الثقافة، 1977)

10. د. نبيل احمد حلمي، «حقوق الانسان في التنمية»، مجلة السياسة الدولية، العدد 68، 1982.

11. دیورانت، ول، الحضارة، ترجمة محمد بدران، القاهرة، مطبعة لجنة التالیف، 1968

12. شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد المعتزلي، تحقيق: محمد ابراهيم، دار الكتاب العربي - دار الاميرة للطباعة والنشر والتوزيع، 2007

13. صلاح حسن مطرود، السيادة وقضايا حقوق الإنسان وحرياته الاساسية، اطروحة دكتوراه، غير منشورة، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 1995.

14. الطبراني، ابو القاسم سلیمان بن محمد بن ایوب، المعجم الاوسط، تحقیق ابراهيم الحسيني، (د.

ص: 264

م، دار الحرمين، د.ت).

15. الطبراني، ابو القاسم سلیمان بن محمد بن ایوب، المعجم الصغير، (بیروت، دار الكتب العلمية، د.ت).

16. الطبراني، ابو القاسم سلیمان بن محمد بن ایوب، المعجم الكبير، تحقیق حمدي عبد المجيد السلفي، ط 2، (القاهرة، مكتبة ابن تيمية، د. ت).

17. علي محمد جعفر، تاريخ القوانين ومراحل التشريع الاسلامي، (بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، 1986

18. عمارة، د. محمد، الخلافة ونشأة الاحزاب الاسلامية، (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1984).

19. عمارة، د. محمد، الفكر الاجتماعي لعلي بن ابي طالب، ط 1، (القاهرة، دار الثقافة، 1977).

20. عمارة، د. محمد واخرون، علي بن ابي طالب (نظرة عصرية جديدة)، (بيروت المؤسسة العربية، 1974).

21. الغنوشي: راشد، الحريات العامة في الدولة الإسلامية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، ص 23 نقلا عن عبد الوهاب الكيالي (وآخرون)، موسوعة السياسة، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1979.

22. الفكيكي، توفيق، الراعي والرعية، ط 3، (بغداد، المعرفة للنشر والتوزيع، 1990).

23. المركز الوطني لحقوق الإنسان، موقع دائم عبر الإنترنت www.nchr.org.jo

24. مؤتمر حقوق الإنسان في الشريعة: الحديثي: خليل، حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ملاحظات في نقد الفكر الغربي.

25. مؤتمر حقوق الإنسان في الشريعة والقانون: البياتي: حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون.

ص: 265

الهوامش

1. د. محمد سعید مجذوب، حقوق الإنسان والحريات الأساسية، (لبنان، جروس برس، 1980)، ص 9.

2. صلاح حسن مطرود، السيادة وقضايا حقوق الإنسان وحرياته الاساسية، اطروحة دكتوراه، غير منشورة، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 1995، ص 39

3. المركز الوطني لحقوق الإنسان، موقع دائم عبر الإنترنت www.nchr.org.jo

4. صلاح حسن مطرود، السيادة وقضايا حقوق الإنسان وحرياته الاساسية، اطروحة دكتوراه، غير منشورة، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 1995، ص 59

5. علي محمد جعفر، تاريخ القوانين ومراحل التشريع الاسلامي، (بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، 1986، ص 23 وما بعدها.

6. مطرود، مصدر سابق، ص 63 - 65

7. د. جهاد الحسني، «واقع السلطة السياسية ومفهومها في مصر القديمة» مجلة العلوم القانونية والسياسية، العدد 1 - 2، بغداد، 1984، ص 142

8. ایمار، اندرية وجانين ابوایه، تاريخ الحضارات العام، ترجمة فرید داغر، بیروت، دار عويدات، 2003، ج 1، ص 44 - 72.

9. د. احمد جمال ظاهر، حقوق الإنسان، (عمان، مركز النهضة للخدمات الفنية، 1988)، ص 77.

10. د. نبيل احمد حلمي، ««حقوق الانسان في التنمية»، مجلة السياسة الدولية، العدد 68، 1982 ،ص 88.

11. ایمار، مصدر سابق، ج 1، ص 327.

12. ديورانت، مصدر سابق، ج 3، ص 12.

ص: 266

13. ایمار، مصدر سابق، ج 2، ص 696 - 699.

14. ادوار بروي، تاريخ الحضارات العام، ج 3 (القرون الوسطى)، مصدر سابق ص 20 وما بعدها، ج 4، (لغاية القرن 18)، ص 38.

15. الزحیلی، مصدر سابق، ص 102 - 108.

16. د. عبد الكريم علوان، الوسيط في القانون الدولي العام، (الكتاب الثالث - حقوق الإنسان)، (عمان، دار الثقافة، 2004)، ص 25.

17. الغنوشي: راشد، الحريات العامة في الدولة الإسلامية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، ص 23 نقلا عن عبد الوهاب الكيالي ( وآخرون)، موسوعة السياسة، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1979، ج 2، ص 244

18. المصدر السابق، ص 34.

19. مؤتمر حقوق الإنسان في الشريعة: الحديثي: خلیل، حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ملاحظات في نقد الفكر الغربي، ص 30.

20. مؤتمر حقوق الإنسان في الشريعة والقانون: البياتي: حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون، ص 133.

21. عمارة: الإسلام وحقوق الإنسان، ص 164

22. مسند أحمد بن حنبل: ج 6، ص 570 - الطبراني أبو القاسم سلیمان بن أحمد، توفي 360 ه، المعجم الأوسط، کتاب آداب النفوس، وقال: تفرد به سهل بن عثمان، ولم يروه عن الجريري إلا أبو المنذر.

23. عمارة: الإسلام وحقوق الإنسان، ص 177

24. الحديث رواه البخاري (12 - 11 - فتح)، برقم: 6732، کتاب: الفرائض، باب: میراث الولد من أبيه وأمه، ومسلم (11 - 52 - نووي)، کتاب: الفرائض.

ص: 267

25. الحسيني الخطيب، 1405ه، ص 431.

26. النويري، د. ت، ص 19 32.

27. الحسيني الخطيب، 1405ه، ص 431.

28. المصدر نفسه، ص 431.

29. ابن أبي الحديد، 1387 ه، ص 31.

30. المصدر نفسه.

31. شرح نهج البلاغة لابي حديد.

32. المصدر نفسه

33. شرح ابي حديد، ص 50.

34. الفكیكي، 1402 ه، ص 94.

35. شرح ابي حديد ص 54.

ص: 268

الفقراء وذوو الاحتياجات الخاصة بين عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) والإعلان العالمي لحقوق الإنسان

اشارة

م. د شهيد كريم محمد الكعبي

جامعة ميسان - كلية التربية

أ. م. د نعمة ساهي الموسوي

جامعة ميسان - كلية التربية

ص: 269

ص: 270

ملخص البحث

حاول هذا البحث رصد تأسيس الإمام علي (عليه السلام) لمفاهيم ومبادئ حقوق الإنسان في عهده لواليه مالك الأشتر حين ولاه على مصر عام (38 ه - 658 م)، وقد ركز البحث على حقوق الطبقة السفلى التي ينضوي تحتها الفقراء والبؤساء وذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام والعجزة، وكيف أن الإمام (عليه السلام) سجل في هذا العهد سبقاً زمنياً للحقوق التي أقر مبادئها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام (1948 م)، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة عام (2008 م)، بمسافة زمنية تصل إلى (14 قرن). وكذلك حاول البحث بيان أصالة المشروع الذي تمثله الإمام (عليه السلام)، وصدوره من المبادئ التي أقرها القرآن الكريم والأسس الإسلامية في إدارة الدولة والمجتمع، وكذلك تبيان مدى شموليته ومثاليته، وتشربه بالروح الإنسانية، وكيف عکس من خلاله سعيه لتأسيس دولة المؤسسات والمواطنة، التي لم تنتبه لها المدنيات الحديثة إلا في وقت متأخر.

ص: 271

حقوق الإنسان بين الإمام علي (عليه السلام) الإعلان العالمي.

صدر الإمام علي (عليه السلام) في تحديده طبيعة التعامل الإنساني الأسمى والأمثل مع الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة - في عهده لواليه مالك الأشتر - من حقيقة نفسه وروحه التي استحوذ عليها البعد الإنساني حتى تغلغل في كل ذرة من ذراتها، وصاغ ذلك الضمير العملاق وتلك الكينونة الفريدة التي عكست معنى العظمة الإنسانية عبر التاريخ. على أن صدوره ذاك لم يكن مجرد ترف فكري أو مجرد بوح بمكنونات نفسية وتعاطف شعوري مع تلك الطبقة، إنما هو أيضاً طبيعة سلوكية قارة جُبلت عليها شخصيته المثالية، وممارسة عملية دائمة تفرد بها عن غيره من عظماء الفكر الإنساني وحكام الشعوب، بمعنى أنه من القلائل الذين شفعوا النظرية بالعمل عبر مسار الإنسانية الطويل.

وهو بذلك يمثل تکاملاً - على مستوى النظرية والتطبيق - وسبقاً زمنياً للعبقريات الأوربية التي تتباهی وتتبجح بتقنينها لحقوق الإنسان، ففي الوقت الذي قررها الإمام (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر حين ولاه مصر عام (38 ه - 658 م) اي في القرن السابع الميلادي، ظلت هذه المبادئ والحقوق مجهولة وغير معترف بها في أوربا حتى نهايات القرن الثامن عشر!، فمن الثابت تاريخياً أن العبقريات الأوربية بدأت تشق طريقها في العمل على ترويض وتمرين الفكر والعقل الأوربي على تقبل مفاهیم حقوق الإنسان وحرية الأفراد وتساويهم أمام القانون في النصف الثاني من القرن الثامن عشر.

على أن تلك البدايات كانت تتحرك بخطى وئيدة وحذرة جداً، بدليل أنها أُريد لها التسلل للعقل والفكر الأوربي عبر القصص أو الروايات الرسائلية التي كتبها أدباء ومفكري أوربا في القرن الثامن عشر أمثال: صامويل ريتشاردسون (1689 - 1761 م) في روايتيه: (بامیلا 1740 م وكلاريسا 1747 - 1748 م)، وجان جاك روسو (1712 -

ص: 272

1778 م) في روايته: (جولي أو إلواز الجديدة 1761 م) التي أراد منها أن تكون تمهیداً لإصدار كتابه العقد الاجتماعي الذي أصدره عام (1762 م)، وكان خط الشروع لشياع استخدام مصطلح (حقوق الفرد) في فرنسا بعد وروده في هذا الكتاب (1). فقد تعلم قُراء الروایات توسيع نطاق تعاطفهم، وتمكنوا عبر التفاعل مع تلك الروايات والقصص - التي تعكس الواقع الإنساني المؤلم آنذاك - أن يشعروا بالتعاطف بما يتجاوز الحدود التقليدية بين طبقتي النبلاء والعامة، وبين السادة والعبيد، وبين الرجال والنساء، بل ربما أيضاً بين الصغار والكبار، ونتيجة لذلك بدأوا ينظرون إلى آخرين - أشخاص لم يعرفوهم معرفة شخصية من قبل - على أنهم مشابهون لهم، ولهم نفس المشاعر والأحاسيس الداخلية، وبدون هذا الشعور ما كان لمفهوم الحقوق أن يحقق تقدماً أو نتيجة سياسية تذكر، فقبل القرن الثامن عشر، كان من السهل على المسيحين تقبل مفهوم تساوي الأرواح في السماء ولكن لم يكن من السهل عليهم أن يتقبلوا أو يقروا بالحقوق المتساوية على الأرض أو في العالم الأرضي الدنيوي. لقد أحدثت الروايات الرسائلية والقصص الاجتماعية حراكاً واضحاً في الذوق الأوربي، سيما مع تزايدها وتزايد الاقبال عليها في ستينيات وثمانينيات القرن الثامن عشر، ولا شك أنها أحدثت نقلة على مستوى الآثار النفسية المرتبطة ببزوغ مفاهیم حقوق الإنسان وتصوراتها (2). ولكن هذه النقلة ظلت مجرد أفكار تخامر عقول ومشاعر بعض القراء والمثقفين والفلاسفة، فاستبداد السلطة والنبلاء والطبقات العليا وأصحاب المال لم يكن ليخضع بسهولة أمام العاطفة والمشاعر والكلمات.

وعليه حتى ذلك الوقت، ومع الجهود التي بذلها فلاسفة أوربا ومفكريها، ظلت كل القارة حتى نهايات القرن الثامن عشر وعشية الثورة الفرنسية وإعلان حقوق الانسان والمواطن، ترتع بأقسى حالات استعباد الإنسان وإذلاله وامتهان كرامته وحريته وإنسانيته، وإهدار حقوق الضعفاء والفلاحين والطبقات الكادحة والمهاجرين وسحقهم، لإشباع رغبات الملوك وطبقات الأشراف والنبلاء ورجال الدين، فقد كتب

ص: 273

أحد الفلاحيين الفرنسيين عام (1788 م) رسالة لوزير المالية في عهد لويس السادس عشر (جاك نكير = Jacques Necker (1732 - 1804 م) قال فيها: «إن الفقراء يقاسون البرد والجوع بينما يرتع كهنة الكاتدرائيات في رغد من العيش، ولا يفكرون إلا في تسمين أنفسهم، كأنهم خنازیر ستذبح للفصح»(3).

ومع أن حقوق الإنسان في أوربا كانت نتاج أجيال متعاقبة من الفلاسفة والمفكرين ورجال الإدارة والسياسة، حتى صيغت أولاً في (إعلان الاستقلال الأمريكي عام 1776 م) ومن ثم (إعلان حقوق الإنسان والمواطن) عقب نجاح الثورة الفرنسية عام (1789 م) فإنها ظلت قاصرة عن بلوغ سمة العالمية، بل إنها أهملت حقوق الاطفال والمختلين العقليين، والمساجين، وعديمي الأهلية (المرضى والمعاقون وكبار السن) والفقراء، والرقيق والأحرار السود والأقليات الدينية والنساء(4). ولذلك خضعت تلك الحقوق لقرابة قرنين من الزمان المزيد من التعديل والتنقيح، سيما في الجنبة القضائية والجدل المرير حول قضية التعذيب القضائي، الذي كان أحد أدوات انتزاع الاعترافات من المتهمين والمسجونين، عبر سحق العظام بآلات الشد والبكرات والضرب بأعمدة الحديد، والكي بالحديد المحمي، والحرق والخصي وتقطيع الأيدي وتمزيق الأجساد، وغيرها من المشاهد المرعبة للتعذيب والموت المؤلم البطيء(5). وهكذا فإن حقوق الإنسان في أوربا عانت مخاضاً عسيراً جداً حتى ولادتها - بشكل مرضٍ نسبياً - في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الأمم المتحدة عام (1948 م)، والذي غدى تجسيداً لوعد حقوق الإنسان العالمية، كما تعبر لين هانت(6).

هذا في الوقت الذي كان الإمام علي (عليه السلام) قد شرع قبل الفكر الأوربي بستة قرون في إرساء مبادئ حقوق الإنسان وحرية الأفراد وتساويهم في المنحى الإنساني عبر تنظيره لإدارة الدولة وممارساته السلوكية. وعليه أمام هذا المخاض العسير الذي خاضته

ص: 274

حقوق الإنسان في أوربا مع تأخرها تاريخيا يجدر بالإنسانية أن تفخر بأن الإمام علي (عليه السلام) قد أقر حقوقها بشكلها المتكامل والأمثل قبل ذلك بهذه المساحة الزمنية الهائلة، فقد تخطت مبادئه وممارساته الإنسانية حدود الممكن، وراحت تحلق به في عالم المثال الفرد.

وهنا يجدر الانتباه إلى أمور مهمة هي:

1 - أن حقوق الإنسان الأوربية على نقصها كانت نتاج عقلیات متعددة، وأجيال متعاقبة، في حين كانت الحقوق الإنسانية التي قررها أمير المؤمنين (عليه السلام) على کمالها ومثاليتها، وليدة فكره الخاص، ولم يستغرق إقرارها إلا وقت إملاء العهد على کاتبه، أو وقت کتابته إن كان كتبه بيده. أي أنه أقرها بغضون لحظات قلائل، وذلك لأنه كان يعيشها فكراً ومضموناً، وممارسة سلوكية متأصلة ودائمة.

2 - حقوق الإنسان الأوربية كانت نتيجة لحراك الطبقات الفقيرة والمتوسطة، والمثقفين من فلاسفة ومفكرين وأدباء..، فقد وصلت هموم الطبقات الفقيرة والمسحوقة حداً لا يطالق، بمعنى أن تلك الحقوق أقرت على أثر الثورة والمسيرة الطويلة من التضحيات والمطالبة بالعدالة والمساواة الإنسانية. في حين كانت الحالة معكوسة تماماً في المبادئ التي أقرها الإمام (عليه السلام) فقد كان هو رأس السلطة الحاكمة، وهو من بادر إلى تقرير تلك المبادئ بمجرد تسلمه الخلافة، فقد خطب في اليوم الثاني من بيعته معلناً عن مبدئ المساواة والعدالة التي سينتهجها في الحكم فقال: «ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله، فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شيء، ولو وجدته قد تزوج به النساء، وفرق في البلدان، لرددته إلى حاله، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه الحق فالجور عليه أضيق»(7). هذا على الرغم من صيحات الاعتراض والرفض التي جابهته بها الارستقراطية

ص: 275

الإسلامية، بل وبرغم محاربتها له سيما في معركتي الجمل وصفين. وذكر أنه (عليه السلام) عوتب على سياسة التسوية في العطاء، سيما وأن خصمه معاوية كان يعطي بالتفضيل وحسب المصلحة والفائدة والقيمة العملية للشخص فتجتمع إليه الناس، بينما الإمام (عليه السلام) يقسم بالسوية فيعطي الحر كما يعطي العبد ويعطي الفقير والوضيع كما يعطي السيد والشريف، فتفرق عنه أكثر شيوخ القبائل والأشراف وطالبي الرياسة والمال والوجاهة ومن يرون وجوب تفضيلهم على الموالي والفقراء والعبيد..، وقد ذكر في هذا الصدد أن مجموعة من أصحابه قالوا له: يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال وفضل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم ومن تخاف خلافه من الناس وفراره. فقال (عليه السلام): أتأمروني أن أطلب النصر بالجور؟!. والله لا أفعل ما طلعت شمس وما لاح في السماء نجم. والله لو كان المال لي لواسیت بینهم فكيف وإنما هي أموالهم(8).

3 - في الوقت الذي كانت ظروف إعلان حقوق الإنسان والمواطن بعد الثورة في فرنسا، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مواتية أو مشجعة من الناحية السياسية والاجتماعية، كانت الظروف السياسية والاجتماعية التي أحاطت بخلافة الإمام (عليه السلام) في غاية الحساسية والتعقيد والخطورة، ولكنها مع ذلك لم تثنه عن تقرير مبادئه، بل لم تتمكن من جعله يفكر مجرد تفكير في تأجيل الإعلان عنها.

4 - في الوقت الذي خضعت حقوق الإنسان الأوربية لتعديلات وتنقيحات وإضافات امتدت لأكثر من قرنين من الزمان، دون أن تنضج بما يلائم هذه المدة الزمنية الطويلة والجهود الجماعية القائمة عليها، كانت الحقوق والمبادئ التي أقرها الإمام (عليه السلام) بمفرده وخلال لحظات تمثل منتهی ما يمكن أن يبلغه تشريع قانوني في هذا المجال. فقد بلغ من مثالية تشريعاته الإنسانية أن شدد على أولاده في الإحسان لقاتله ابن ملجم فقال: «أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره»(9). وعندما جيء له بإناء فيه

ص: 276

لبن شرب منه قليلاً ثم دفعه لأولاده وطلب منهم أن يحملوه إلى قاتله ابن ملجم، وطلب منهم أن يطيبوا مطعمه ومشربه، وأن يطعموه مما يأكلون ويسقوه مما يشربون وأن يرفقوا به، ولا يتعرضوا له بسوء ولا يعذبوه ولا يمثلوا به بعد موته(10).

وقد ذهب أمير المؤمنين (عليه السلام) بمبادئه الإنسانية إلى أبعد حد، واراد لها أن تعم أرجاء دولته كلها، فكان يوصي عامله على مصر محمد بن أبي بكر أن يكون حذراً وعادلاً بين الناس حتى على مستوى إثارة مشاعرهم وأحاسيسهم حين يجلسون للتخاصم بين يديه: «إذا أنت قضيت بين الناس فاخفض لهم جناحك، ولين لهم جانبك وابسط لهم وجهك وآس بينهم في اللحظ والنظر حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم ولا ييأس الضعفاء من عدلك»(11). وكان من وجازة قوله: (وآس بينهم في اللحظة والنظرة) ومعناه العميق أن تمثله أحد الشعراء فقال:

أقسم اللحظ بيننا إن في اللحظ ٭٭٭ لعنوان ما تجن الصدور (12)

فأين هذه المثالية العليا التي يطلب فيها الإمام (عليه السلام) من أولاده أن يرفقوا بقاتله وأن يرحموه ويحسنوا إليه، ويطلب فيها من واليه بأن يواسي بين المتخاصمين حتى في نظره إليهم، أين هي من حقوق الإنسان الأوربية التي لم تستطع وضع حد لظاهرة التعذيب القضائي؟، وأين هذا الأخير من اعتراض الإمام علي (عليه السلام) على عمر بن الخطاب حين كناه أمام أحد خصومه، فقد ورد أن رجلاً استعدي عليه عند عمر بن الخطاب فالتفت عمر إليه، فقال: قم يا أبا الحسن فاجلس مع خصمك، فقام فجلس معه وتناظرا، ثم انصرف الرجل ورجع الإمام إلى محله، فتبين عمر التغير في وجهه، فقال: يا أبا الحسن. مالي أراك متغيرا؟، أكرهت ما كان؟. قال نعم. قال: وما ذاك؟. قال: کنیتني بحضرة خصمي، هلا قلت: قم ياعلي فاجلس مع خصمك»(13).

وأين هو من قوله (عليه السلام) لمالك الأشتر حين ولاه على مصر: «أشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم واللطف بالإحسان إليهم. ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا

ص: 277

تغتنم أكلهم فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق»(14). وهي عبارة استحوذت على قلوب الملايين، حتى أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان تحمس لعبارة (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) أيما حماسة وقال أنها عبارة يجب أن تعلق على جميع المنظمات الدولية والعالمية، وأنها عبارة يجب أن تنشدها جميع البشرية (15).

5 - ظلت حقوق الإنسان الأوربية على الدوام وصولاً إلى الوقت الحاضر، من هموم الشعب سيما الطبقات الفقيرة والمعدمة المطالبة بتلك الحقوق ومن يساندهم من دعاة التنوير والطبقة المثقفة في المجتمع، وبصورة عامة (الشعب) أو الطبقة المحكومة لا الطبقة الحاكمة أو السائدة، فهذه الأخيرة لم تكن واضعة في الحسبان أن تتماثل أو تتساوى أو تقاس مع غيرها من طبقات المجتمع سيما الدنيا منها، بل إن بعض شخصيات الطبقة المثقفة لم تكن تنظر لطبقات المجتمع السفلي على أنهم بشر، حتى أن مدام إيميلي دو شاتيليه (1706 -1749 م) الرياضية والفيزيائية الفرنسية، لم تكن تتردد في التجرد من ملابسها أمام خدمها غير معتبرة أن كون الخدم من الرجال حقيقة ثابتة(16).

في حين كانت تطبيقات مبادئ حقوق الإنسان وحرية الأفراد في عهد الإمام (عليه السلام) من أولى أولويات الحكومة والجهاز الإداري للدولة، فقد ألزم الإمام علي (عليه السلام) نفسه وعماله وولاته بتطبيق هذه المبادئ وممارستها عملياً، بل إن ذلك الإلزام كان شديداً جداً ويتوخى أدق التفاصيل حتى التي لم تنتبه لها أو تستشعرها أرقی الديمقراطيات العالمية الحديثة، فقد كان يرقع ثوبه ويلبسه ويأكل الطعام الخشن مع قدرته على لبس الثياب الجيدة وأكل الطعام اللذيذ ومع حليتهما له، ولكنه حين سئل عن ذلك قال: «لو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة،

ص: 278

ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حری؟!، أو أكون كما قال القائل:

وحسبك داء أن تبيت ببطنة ٭٭٭ وحولك أكباد تحن إلى القد

أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش»(17).

وقد قرع ووبخ عامله على البصرة ثمان بن حنيف عندما بلغه استجابته لدعوة طعام دعاه إليها أحد أثرياء البصرة، فكتب إليه: «بلغني أن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان وتنقل إليك الجفان، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم فما اشتبه عليك علمه فالفظه وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه. ألا وإن لكل مأموم إمام يقتدي به ويستضاء بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه. ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعقة وسداد. فو الله ما كنزت من دنیاکم تبرا، ولا ادخرت من غنائمها وفرا، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا»(18). وهنا يتضح أن الإمام (عليه السلام) أراد لكل حکومته أو الجهاز الإداري فيها أن يستشعروا معاناة الطبقات الضعيفة، وأن يروضوا نفوسهم لمواساة فقراء الشعب.

إهمال الاعلان العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة.

خلت السبعة عشر بنداً لإعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي صدر في فرنسا عام (1789 م) والثلاثون بنداً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة عام (1948 م) من أي إشارة لذوي الاحتياجات الخاصة (19). وظلت هذه الطبقة مع الفقراء والأشخاص غير المؤهلين عقلياً وبدنياً غير منظورین، ويعيشون على هامش الحياة الأوربية المادية، يقتاتون البؤس والشقاء ويلتحفون الأماني والأحلام بيوم يُلتفت

ص: 279

إليهم فيه، وطال انتظار هذه الشريحة الاجتماعية الواسعة دون أن تبصرها عين الإنسانية العالمية وإنسانيتها المتبجحة، لتحفظ لها إنسانيتها وکرامتها وحقها في العيش الكريم فكان ذوو الإعاقة وتلك الفئات البائسة يتعرضون كل يوم لألوان من التمييز والعوائق التي تقید اندماجهم في الحياة ومشاركتهم في المجتمع، وحرموا من حقوقهم في التعليم والتوظف، والعيش المستقل، وحرية التنقل، والتصويت، والمشاركة في الأنشطة الحياتية والمجتمعية الأخرى، وظلوا غير منظورین ومهمشين في النقاشات المتعلقة بالحقوق الإنسانية حتى صدور اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة عام (2006 م)، التي كانت عبارة عن معاهدة دولية تهدف إلى حماية حقوق وكرامة هذه الفئة المجتمعية، وقد اعتمد نص هذه المعاهدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في (13 ديسمبرة 2006 م) وفتح باب التوقيع عليها في (30 مارس 2007 م)، ومن ثم دخلت حيز التنفيذ في (3 مایو 2008 م)، متحولة بذلك من إطار الأعمال الخيرية القائمة على الأساس الطبي إلى نهج قائم على حقوق الإنسان (20). بمعنى أن حقوق هذه الفئة أو الشريحة الواسعة من المجتمع ظلت مهملة لستة عقود كاملة بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان!.

قبالة هذا التكاسل العالمي المروع لمنظمات حقوق الإنسان في إقرار حقوق هذه الفئات الاجتماعية التي إنما تتجلى أروع صور حقوق الإنسان في خدمتها وحفظ حقوقها وكرامتها، نجد الضمير العملاق والإنسانية المثالية للإمام علي (عليه السلام) قبل (14 قرن) تضع حقوق هذه الفئات في أول سلم أولوياته، فيحمل آلامها وأمالها هاجساً يؤرقه، فلا يقر له قرار حتى يحفظ لها إنسانيتها وكرامتها، وهو المبدأ الأساس الذي ترسمه في أدائه السياسي، إذ كان حريصاً على تحسس آلام الفقراء والمعدمين ومواساتهم في مأكله وملبسه، فأرسى هذا المبدأ الإنساني العالي في سلوكه وقوله (عليه السلام): «هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد

ص: 280

حری؟!، أو أكون كما قال القائل:

وحسبك داء أن تبيت ببطنة ٭٭٭ وحولك أكباد تحن إلى القد

أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش»(21).

وقد احتل ذوو الاحتياجات الخاصة والبؤساء سلم الصدارة في اهتمامات الإمام (عليه السلام) في عهده لواله مالك الأشتر، ذلك العهد الذي صاغ بحق مبادئ حقوق الإنسان وإدارة الدولة والمجتمع بما يضمن تحقيق العدالة المثالية والمساواة الكاملة، ولذا قال عنه ابن حمدون (ت 562 ه): «جمع فيه بين حاشيتي التقوى والسياسة على بعد أقطارهما، وجدته يغني عن كثير من كلام الحكماء والقدماء، وهو مع فرط الإطالة مأمون الملالة، لجمعه بين البلاغة البارعة والمعاني الرائعة، ولولا رغبة الناس في تغاير الكلام وميل النفوس إلى التنقل في الألفاظ، لاكتفيت بإيراد هذا العهد عن غيره، إذ كان حاويا لأشتات الآداب والسياسات، جامعا للأسباب التي تلزم الملوك والولاة»(22). وقال عنه ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 ه): «هو أطول عهد كتبه وأجمعه للمحاسن» (23). وقال عنه النويري (ت 733 ه) خلال حديثه عن وصايا الملوك وما يجب أن يكون عليه الحكم وشخص الحاكم وإدارة الدولة والمجتمع: ولم أر فيما طالعته من هذا المعنى أجمع للوصايا ولا أشمل من عهد علي بن أبي طالب (عليه السلام) لواليه مالك الأشتر، فأحببت أن أورده على طوله وآتي على جملته وتفصيله، لأن مثل هذا العهد لا يهمل وسبيل فضله لا يجهل (24). وقال عنه القلقشندي (ت 821 ه): «هو من العهود البليغة، جمع فيه بين معالم التقوى وسياسة الملك» (25). وقال عنه الباحث والدبلوماسي الأمريكي السابق في الشرق الأوسط (Michael Hamilton Morgan = مایکل هاملتون مورغان) في كتابه (-Lost His =tory: The Enduring Legacy of Muslim Scientists, Thinkers, and Artists

ص: 281

تاریخ ضائع: التراث الخالد لعلماء الاسلام ومفكريه وأدباءه) الصادر عام (2007 م) والذي أراد منه أن يكون محاولة لإلقاء الضوء على الفترات الزاهرة في تاريخ المسلمين وما قدموه في مجال العلوم النظرية والتطبيقية والفنون والآداب والموسيقى، مقابل اتهامهم في وسائل الإعلام الغربية بالعنف والإرهاب وعدم قبول الآخر خاصة بعد أحداث (11 - سبتمبر - 2001 م)، فتحدث فيه عن وصايا أو تراث الأدباء والمفكرين والعلماء والحكام المسلمين وإنجازاتهم في إثراء الحضارة العالمية، ونص على أن الإمام علي (عليه السلام) قدم أفضل صورة عن مبادئ القيادة وإدارة الدولة والمجتمع، وذلك في وصاياه أو بياناته التي جعلته خالداً، وأنه قدم في رسالته المطولة لواليه على مصر مالك الأشتر قالباً مفصلاً للإدارة المستنيرة، وأن بعض آرائه الإدارية اعتمدت في أوقات لاحقة من قبل الأمويين والعباسيين والفاطميين وغيرهم في مصر، وكذلك السلاجقة في بلاد فارس والأناضول، وحتى السلاطين المغول في الهند والامبراطورية العثمانية. وقد اقتبس بعض فقرات العهد ونقلها في كتابه (26).

الفقراء وذوو الاحتياجات الخاصة في عهد الإمام علي (عليه السلام).

أخذ الفقر والبؤس الذي كان يعاني منه المجتمع مساحة واسعة من هموم أمير المؤمنين (عليه السلام) قبل وبعد خلافته، فقد كانت مشكلة الفقر هاجساً يؤرقه على الدوام، وهو ينظر سعة هذه المشكلة المستشرية وهي تلتهم جسد الأمة وروحها وإنسانيتها، وقد ألمح لهذا الألم الذي يجتاحه بسبب هذه المشكلة في خطبة له فقال: «اضرب بطرفك حيث شئت من الناس فهل تبصر إلا فقيرا يكابد فقرا، أو غنيا بدل نعمة الله كفرا، أو بخيلا اتخذ البخل بحق الله وفرا» (27). ولذا عمل جاهداً على مدار حياته لتخليص المجتمع من مساوئ هذه الآفة المرعبة، وتقليص مساحة تواجدها، وكان كثيراً ما تحدث في خطبه وكلماته القصار عن الآثار السيئة المترتبة على الفقر

ص: 282

ومن ذلك قوله (عليه السلام): «الفقر الموت الأكبر»(28). وقوله (عليه السلام): «الفقر يخرس الفطن عن حجته، والمقل غريب في بلدته» (29). وقوله (عليه السلام): «لو تمثل لي الفقر رجلا لقتلته» (30)، وغيرها من الأقوال التي تحكي هذا المعنى، کما کان (عليه السلام) شديد الحرص على معالجة حالات التشرد والتسول، فقد روي أنه (عليه السلام) مر بشیخ کبیر مکفوف البصر يسأل الناس، فقال: ما هذا؟. فقال أصحابه: يا أمير المؤمنين، إنه رجل نصراني - فتوجع من هذه الكلمة وتلك الصورة ورد موبخاً ومؤدباً لهم - استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه!، انفقوا عليه من بيت المال» (31). وهنا تتجلى أروع وأبهى وأصدق صور حقوق الإنسان وأكثرها مثالية وسموا، إذا تحلق خارج مدارات الانتماء الديني والعقدي والعرقي...، وتسبح في فضاء إنسانية علي (عليه السلام) الواسع والشاسع الامتداد بسعة عبارته الملهمة التي ضمنها عهده العالمي (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).

ومن الملفت للنظر أن خطاب أمير المؤمنين (عليه السلام) المتعلق بذوي الاحتياجات الخاصة في عهده لمالك الأشتر (رض) انماز عن غيره من فقرات العهد المتعلقة بطبقات المجتمع الأخرى، وقد جاءت الإشارة إليهم تحت مسمى الزمني ومفردها زمين، وهم من أصابتهم الزمانة، وهي العاهة الباقية على مرور الوقت، كالعرج والعمى والصمم والتشوه والتخلف العقلي، وغيرها من العاهات البدنية (32). وهو بذلك يؤسس لخصوصية العناية بهذه الفئة المجتمعية وتوفير احتياجاتها وضمان العيش الكريم لها، وهذا ما لم يدرك العالم أهميته ومساحته الإنسانية إلا في أوقات متأخرة من عصور التطور والحضارة، فقد أدركت المدنية الحديثة ضرورة تحقيق هذه النقلة النوعية في مجال الإدارة المجتمعية والتنمية البشرية، عبر إقامة المراكز والمنظمات الصحية والنفسية الخاصة للعناية بهذه الفئة من المرضى، مما يفصح عن مدى عمق المشروع الإسلامي الذي تمثله أمير المؤمنين (عليه السلام) وشموليته ودقته في معالجة الأمور المجتمعية ومشاكل الحياة، ومدى أصالته ونزعته الإنسانية، وتقدمه الحضاري، وتجاوزه لأطر الزمان و المكان،

ص: 283

وانفتاحه على المجال الإنساني الرحب، ولذا رشح هذا العهد لأن يكون أحد مصادر التشريع الدولي، بعد أن اقترح الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان احالته للجنة القانونية لمناقشته، وفعلاً صوتت عليه الدول المشتركة، وتم اعتماده كمصدر من مصادر التشريع الدولي (33).

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) موصياً مالك الأشتر: (ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم، من المساكين والمحتاجين وأهل البؤس والزمني فإن في هذه الطبقة قانعا ومعتراً. احفظ الله ما استحفظك من حقه فيهم. واجعل لهم قسما من بيت مالك، وقسما من غلات صوافي الإسلام في كل بلد، فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، وكل قد استرعیت حقه. ولا يشغلنك عنهم بطر، فإنك لا تعذر بتضييع التافه لأحكامك الكثير المهم، فلا تشخص همك عنهم، ولا تصعر خدك لهم. وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم، ممن تقتحمة العيون، وتحقره الرجال، ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع، فليرفع إليك أمورهم. ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى الله سبحانه يوم تلقاه، فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الانصاف من غيرهم، وكل فأعذر إلى الله في تأدية حقه إليه. وتعهد أهل اليتم، وذوي الرقة في السن، ممن لا حيلة له، ولا ينصب للمسألة نفسه، وذلك على الولاة ثقيل، والحق كله ثقيل، وقد يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم، ووثقوا بصدق موعود الله لهم»(34).

ويمكن تناول تمیز وخصوصية هذا المقطع والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان التي أرساها الإمام (عليه السلام) من خلاله عبر المحاور التالية:

1 - يظهر أن الإمام (عليه السلام) يريد من واليه أن يكون في أعلى مستويات التنظيم في إدارة الدولة والمجتمع، فقد تحدث في هذا العهد عن الفئات المجتمعية كلها، بدءً من السلطة الإدارية من وزراء ومشاورین وکتاب وعمال خراج وصدقة...، مروراً

ص: 284

بالجند والتجار والفلاحين والعمال، واصحاب الصناعات والحرف..، وعامة الناس كل حسب طبقته وحسب أولوية الاصلاح، وصولاً إلى الطبقة السفلى. بمعنى أن تأخير الحديث عن هذه الطبقة لا يعني الخضوع لواقع الترتيب الطبقي للمجتمع وإقراره، بقدر ما يعني ضرورة التفصيل في بيان خطوات الإصلاح وتراتبها المنطقي والعملي، وإلا فالإمام (عليه السلام) يحسم هذه المسألة على انفراج قوسيها بمحددين لا ثالث لهما عبر كلمته الشهيرة الواردة في هذا العهد (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، أي أن هذا التراتب الطبقي إنما يراد منه الإفضاء لتراتب خطوات أو حركة مشروع الإصلاح، بما يكفل تناسقها وانسيابها وتنظيمها الأمثل، فتحقق الإصلاح في الطبقات المتقدمة يضمن تحقق الإصلاح في الطبقات التي تليها بصورة منطقية وسهلة.

2 - ولعل الدليل على أولوية الطبقة السفلى مع تأخر الحديث عنها، أنها كانت الوحيدة من بين الفئات المجتمعية التي تحدث عنها أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا العهد، وخصها بالتشديد على رعاية حقوقها، وهذا ما تؤكده عبارة (ثم الله الله في الطبقة السفلي من الذين لا حيلة لهم، من المساكين والمحتاجين وأهل البؤس والزمنی)، فهذا التأكيد بتكرار اسم الله (جل وعلا) لم يرد إلا في هذا المقطع من العهد ولم يستخدم إلا مع الفئات المجتمعية المنضوية تحت عنوان هذه الطبقة.

بل إن الإمام (عليه السلام) كرر هذا التأكيد في قوله: (احفظ الله ما استحفظك من حقه فيهم. اعمل فيهم بالإعذار إلى الله سبحانه يوم تلقاه)، وبين أن مرد هذا الاهتمام متأت من أن هذه الطبقة أولى بالاهتمام والرعاية من غيرها (فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الانصاف من غيرهم) وهنا يبدو البون شاسعاً إلى درجة انعدام المقايسة والمقابلة، بين تشديد الإمام (عليه السلام) على رعاية حقوق هذه الطبقة قياساً بغيرها من طبقات المجتمع، وبين إهمال وثائق وإعلانات الحقوق العالمية لها حتى عام (2008 م).

ص: 285

3 - يركز أمير المؤمنين (عليه السلام) في تشديده على رعاية حقوق هذه الطبقة، أحد المبادئ القرآنية التشريعية المهمة لمعالجة أوضاع الفقر والبؤس التي تعيشها هذه الفئة مع حفظ کرامتها، إذ يقول: (فإن في هذه الطبقة قانعا ومعتراً)، وهو بذلك يصدر من مفهوم أن قيام الوالي أو المسؤول الإداري بمتابعة شؤون هذه الطبقة وتوفير العيش الكريم لها هو واجب شرعي عليه وبغير تفضل أو منة منه، قال تعالى: «وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ» الحج - 28. وقال تعالى: «وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» الحج - 36.

4 - عمل الإمام (عليه السلام) على تقرير ما يعرف اليوم بمبدأ (الضمان الاجتماعي)، ومسؤولية الدولة في إعالة الفرد وتوفير حد الكفاية له، وبيان أحقية هذه الفئات كغيرها من المسلمين في موارد الثروة، لأن هذه الموارد سيما الطبيعية منها قد خلقت لعموم الجماعة الإسلامية، لا لفئة دون فئة وعليه فلهؤلاء حق الانتفاع بهذه الثروات، فمن كان من المسلمين قادراً على العمل أو الكسب، كان على الدولة تهيئة فرصة العمل أو ضمان إمكاناتها له، ومن قعد به الضعف أو المرض أو العجز عن العمل، فعلى الدولة أن تضمن حقه في الاستفادة من ثرواتها، وتوفير مستوى الكفاية من العيش الكريم له.

وقد أُقر مبدأ الضمان الاجتماعي في المادة (22) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونص على أن كل شخص، باعتباره عضوًا في المجتمع، له الحق في الضمان الاجتماعي وله الحق في أن يتم توفيره له، من خلال الجهد القومي والتعاون الدولي وبما يتفق مع التنظيم والموارد في كل دولة، من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا غنى عنها من أجل كرامته والتنمية الحرة لشخصيته (35).

على أن تطبيقات الإمام (عليه السلام) لمبدأ الضمان الاجتماعي لم تكن محصورة في عهده لمالك الأشتر فقط، وإنما أراد منها أن تعم أرجاء دولته كلها، ولذلك نجده يكتب لعاملة على مكة قثم بن العباس قائلاً: «انظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله، فاصرفه

ص: 286

إلى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة، مصيبا به مواضع الفاقة والخلات، وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قبلنا»(36). وفي كتاب له (عليه السلام) لأحد عماله على الصدقة أنه قال: «وإن لك في هذه الصدقة نصيبا مفروضا، وحقا معلوما، وشركاء أهل مسكنة، وضعفاء ذوي فاقة. وإنا موفوك حقك، فوفهم حقوقهم، وإلا تفعل فإنك من أكثر الناس خصوما يوم القيامة، وبؤسي لمن خصمه عند الله الفقراء والمساكين، والسائلون والمدفوعون، والغارمون وابن السبيل»(37). وكتب لمخنف بن سليم الأزدي، بمثل هذا الكتاب حين بعثه على الصدقة (38).

فضلاً عن ذلك فقد بين الإمام (عليه السلام) الطريقة التي يمكن من خلالها للدولة أن تضمن هذا الحق وحمايته للجماعة الإسلامية كلها بما فيهم الفقراء والعاجزين..، فقال: (واجعل لهم قسما من بيت مالك، وقسما من غلات صوافي الإسلام في كل بلد). بمعنى تخصيص رواتب ثابتة لهم، نظير ما يعرف اليوم (بشبكة الرعاية الاجتماعية)، ويضاف إلى ذلك أن ترصد لهم بعض منتجات أو موارد الصوافي الإسلامية، أي الأراضي التي غنمها المسلمون فصارت ملكاً للدولة وبالتالي فهي ملك لجميع المسلمين ومن حق الجميع التمتع بخيراتها، قال تعالى: «وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ» الحشر - 6 - 7. وغيرها من الموارد القرآنية والفقهية التي قننت آليات التكافل الاجتماعي الإسلامي، وأبواب الصرف لضمان الرعاية الاجتماعية والعيش الكريم لهذه الفئة، مثل: الخمس والزكاة والصدقات وغيرها.

5 - لم يكتف الإمام (عليه السلام) بتقرير مبدأ الضمان الاجتماعي للفئات المجتمعية المصنفة في هذه الطبقة، ولا بتخصيص موارد الانفاق عليهم، بل أراد أيضاً

ص: 287

تكوين هيأة بمواصفات خاصة جداً من حيث الوثاقة والأمانة والتدين والتواضع والإنسانية (ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع، فليرفع إليك أمورهم)، وتكون مهمة هذه الهيأة هي السهر على رعاية حقوق هذه الطبقة وتفقدهم بصورة دائمة والسعي الجدي في توفير ما يحتاجون إليه، ونقل صورة حية للوالي عن أحوالهم وكل ما يتعلق بأوضاعهم، ليكون على اطلاع دائم وتماس مباشر معهم. بل إنه (عليه السلام) يشدد في تحقيق هذه النقلة النوعية بمزيد من الوعي والتلطف والتواضع والنظرة الإنسانية الرحيمة، حتى لا يُشعر هذه الفئات بضعفها وقلة حيلتها، وهامشيتها في الحياة، أو أنه متفضل عليهم بأن تفقد أحوالهم!، قال (عليه السلام): (ولا يشغلنك عنهم بطر، فإنك لا تعذر بتضييع التافه لأحكامك الكثير المهم، فلا تشخص همك عنهم، ولا تصعر خدك لهم. وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمة العيون وتحقره الرجال، ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع فليرفع إليك أمورهم).

وحقيقة الحال نحن مع هذا المقطع من عهده الشريف، نقف على غاية المثالية التي يمكن أن تحقق في يوم من الأيام، وعلى أنصع الصور الإنسانية عبر التاريخ، ونستطيع القول بكل اطمئنان، أنه ليس هناك ثمة ديمقراطية حديثة أو قديمة، أو تشريع لحقوق الإنسان قديم أو حديث، بلغ هذا النضج والوعي للمسؤولية الاجتماعية، وعمل على تحقيق هذه النقلة النوعية في مجال إدارة المجتمع، وإلا فالمتسولون والمتشردون والعجزة والهاربون من الفقر والحرب وغيرهم، يملؤون الأرصفة والطرقات العامة، ويفترشون الأرض ويلتحفون السماء في أرقى المدنيات والديمقراطيات الحديثة في أوربا وأمريكا، دون أن تمتد لهم أيدي منظمات حقوق الإنسان أو الصحة العالمية، في حين لو قدر لمبادئ أمير المؤمنين (عليه السلام) أن تطبق لكانت الدولة هي من تبحث عن هذه الفئات لتسد عوزها وتحفظ حياتها وكرامتها.

ص: 288

6 - ولا يكتف الإمام (عليه السلام) بحفظ حقوق المعروفين والمعلومين أو العينات المشخصة من هذه الفئات، بل يلح على واليه بالتفتيش عن غير المعرفين والمعينين منهم. أي البحث عن العينات المضمرة التي تخجل أو التي لا تستطيع إيصال صوتها للمسؤول أو السلطة الإدارية للدولة، (وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم، ممن تقتحمة العيون، وتحقره الرجال، ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع، فليرفع إليك أمورهم). والإمام (عليه السلام) هنا يريد أن يحقق مبدأ الضمان الاجتماعي بأعلى مستوياته ودرجات نضجه، عملاً بمقتضى المبدأ والقاعدة القرآنية التي يصوغها قوله تعالى: «وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ» البقرة - 272 - 273.

وقد تعددت تطبيقات الإمام (عليه السلام) لهذه القاعدة، بل إنه كان يحب أن يؤدي النفقة ليلاً، وسراً لا علانية حتى لا يخدش إنسانية أولئك الفقراء والبؤساء، فقد روي أنه لما نزلت هذه الآية، بعث تسابق بعض الصحابة للإنفاق على أهل الصفة، فبعث عبد الرحمن بن عوف بدنانير كثيرة إلى أصحاب الصفة حتى أغناهم، وبعث الإمام (عليه السلام) في جوف الليل بوسق من تمر (ستون صاعا) فكان أحب الصدقتين إلى الله تعالى صدقة الإمام علي (عليه السلام) فأنزل الله تعالى بحق الإمام (عليه السلام) وصدقته تلك (39)، قوله الكريم: «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» البقرة - 274. وذكر أنها نزلت بحقه عندما تصدق بدراهم أربعة كانت عنده لا يملك سواها، فتصدق بدرهم سراً وبدرهم علانيةً، وبدرهم ليلاً، وبدرهم نهارا(40).

ص: 289

7 - اختتم الإمام (عليه السلام) حديثه عن الفئات المجتمعية المنضوية تحت هذ الطبقة بتشديد أخير، خص به مالك الأشتر نفسه وذلك لخصوصية الفئة الأخيرة التي تحدث عنها، والتي كانت على الدوام تشكل هاجساً يؤرق حياته ولا يكاد يفارقه، وهي فئة الأيتام وكبار السن: (وتعهد أهل اليتم، وذوي الرقة في السن، ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه، وذلك على الولاة ثقيل، والحق كله ثقيل، وقد يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم، ووثقوا بصدق موعود الله لهم).

فهنا نجد الإمام (عليه السلام) يؤكد على واليه مالك الأشتر أن يباشر هو بنفسه هذه المهمة (تعهد..) أي أنت بنفسك، هذا في الوقت الذي نجده مع الفئات الأخرى يطلب منه أن يفرغ لهم أشخاص بمواصفات خاصة لمتابعة شؤونهم (ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع، فليرفع إليك أمورهم). ولعل هذا التمييز هذين الفئتين متأت من أن الوالي يقوم مقام الخليفة، والأخير يقوم مقام الأب والمتكفل الأول بالرعية، هذا فضلاً عن أن مباشرة الخليفة أو من يقوم مقامه للاهتمام بالأيتام يعكس في نفوسهم أبوة الدولة والمسؤول المباشر فيها لهم، وهو ما يبعث في نفوسهم الاطمئنان والأمن على حياتهم ومستقبلهم بالشكل الذي لا يمكن ان يعكسه لو قام بهذه المهمة شخص آخر، كما يعكس في نفوس كبار السن أنهم في أعين الدولة وضميرها ووجدانها

وأنها تراعاهم وتساندهم، كما رعوها وساندوها في أيام شبابهم وقوتهم، عرفاناً لهم بجميل ما قدموا لها، ولأنهم في مرحلة الشيخوخة والعجز يحتاجون للعناية والاهتمام کما الأطفال الصغار، والإمام (عليه السلام) هنا يسجل أعلى مستوى في إدارة المجتمع، إذا أن يعكس في نفوس هؤلاء أن الدولة ترعاهم وتقوم على تأمين راحتهم وعيشهم الكريم على امتداد مراحلهم العمرية (صغاراً وكبارا). وهذا ما انتبهت له المدنيات الحديثة عبر مؤسسات الرعاية ودور الأيتام والعجزة.

ص: 290

وحقيقة الحال إن الإمام علي (عليه السلام) كان على الدوام يباشر عملية التفتيش عن الأيتام والفقراء والمعوزين بنفسه، فقد روي أنه كان في ليلة من الليالي يتفقد شوارع الكوفة، فنظر إلى امرأة ضعيفة القوى تحمل قربة ماء، فطلب منها أن يحملها عنها - وكانت المرأة لا تعرفه - فأوصلها لبيتها وسألها عن حالها، فأخبرته أن زوجها أستشهد في أحد الثغور، وأن عندها صبية جياع وأن الفقر ألجأها للخدمة في البيوت، فذهب الإمام (عليه السلام) وجاءها بالطعام، وسجر لها التنور وطلب منها أن تهيئ لهم الخبز، وأخذ هو يداعب الصبية ويطعمهم بيده وكلما ناول أحدهم لقمة قال له: يا بني اجعل علي بن أبي طالب في حل مما مر في أمرك، وبينا هو كذلك جاءت جارة لتلك المرأة، فرأت أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانت تعرفه، فقالت لتلك المرأة: ويحك هذا امير المؤمنين في بيتك!. فبكت المرأة وقالت: واحيائي منك يا أمير المؤمنين. فقال (عليه السلام): بل واحيائي منك يا أمة الله فيما قصرت في أمرك (41).

وذكر أنه (عليه السلام) مر على بيت من بيوت الكوفة فسمع بكاء أطفال صغار، فطرق الباب وعرف أن في البيت امرأة مسكينة لها أطفال صغار يبكون من الجوع، وأنها وضعت على النار قدر فيه ماء لتلهيهم وتشاغلهم به حتى يناموا، فأسرع إلى منزله وحمل التمر والأرز والخبز وبعض الشحم، ورجع إلى بيت المرأة، وقد طلب منه قنبر (رض) أن يحمل الطعام عنه فرفض ذلك، ثم إنه طبخ الأرز والشحم وأطعم الأطفال وأخذ يدور في البيت ويداعبهم، فلما خرج قال له قنبر: لقد حملت الطعام وأطعمت الصبية طلباً للثواب، فما الذي حملك على مداعبتهم بتلك الصورة؟. فقال (عليه السلام): يا قنبر إني دخلت على هؤلاء الأطفال وهم يبكون من شدة الجوع، فأحببت أن أخرج عنهم وهم يضحكون مع الشبع فلم أجد سببا سوى ما فعلت (42).

وروي أنه (عليه السلام) جيء له بعسل وتين من همدان وحلوان، فأمر العرفاء أن يأتوا باليتامى، فأمكنهم من رؤوس الأزقاق يلعقونها، وهو يقسمها للناس قدحا،

ص: 291

قدحا، فقيل له: يا أمير المؤمنين ما لهم يلعقونها؟. فقال: إن الإمام أبو اليتامى وإنما ألعقهم هذا برعاية الآباء (43). وكان من شدة حبه للأيتام وتعلقهم به ورعايته لهم، أن رآه أحد أصحابه يدعو اليتامى فيطعمهم العسل، فقال: لوددت أني كنت يتيماً (44). وهكذا هي أخبار أمير المؤمنين (عليه السلام) بتعهد الأيتام والفقراء والمساكين والتفتيش عنهم والإنفاق والعطاء مستفيضة في كتب التاريخ والسير حتى أنه (عليه السلام) كانت غلَّته السنوية من أرضه (40000 ألف دينار) فجعلها كلها صدقة (45).

ص: 292

الخاتمة

من خلال ما تقدم تبين أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يتغيا في عهده لمالك الأشتر، تقديم مشروع إصلاحي شامل لإدارة الدولة والمجتمع، وتبين أن تأخيره الحديث عن الطبقة السفلى التي تضم الفقراء والبؤساء وذوي الاحتياجات الخاصة على أهميتها وأولويتها والتشديد الذي خصها به دوناً عن الفئات الأخرى، إنما فرضه تراتب مراحل أو خطوات المنهج الإصلاحي في مؤسسات الدولة ومرافق الحياة المجتمعية، وأن هذا التراتب يمثل خارطة طريق عملية مبنية وفق منظور علمي منطقي يند عن اطار زمانه ليحاكي تنظيم أرقى الديمقراطيات والمدنيات الحديثة، وإنه أراد من خلاله ترسيخ قواعد ومبادئ قرآنية، كان من شأنها لو طبقت بصورتها المثلى لما حدث الانحدار الذي وصلت إليه الجماعة الإسلامية حينها وأدى لتقاتلها وتصفية بعض زعاماتها.

ومن هنا يمكن الولوج إلى تقرير أن عهد الإمام (عليه السلام) بمجمله، كان يمثل استجابة لضرورة وخصوصية الظرف الذي صدر فيه العهد، فقد ابتعدت سياسات الحكام السابقين عن المبادئ الإسلامية في إدارة الدولة والمجتمع، سيما بعد توسع رقعة الدولة الإسلامية على أثر الحروب التي شنتها الخلافة تحت مسمى الفتوح الإسلامية، وابتداع سياسة التفضيل في العطاء، التي كانت آثارها وخيمة جداً على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتشريعية، فقد خلقت مجتمعاً طبقياً، يمزقه التفاوت الواسع في تحصيل العطاء والأرزاق، فبينما كان بعض الصحابة يخلف من الذهب والفضة ما يكسر بالفؤوس، ومن الأموال والضياع والبساتين ما يفوق واردات قبيلة متكاملة، وفي اسطبلاته ومراعيه آلاف من الخيول والأغنام والجمال، كان هناك من لا يجد ما يسد به رمقه، وما يشبع به جوع أطفاله!، وقد اعترف عمر نفسه بفساد هذه السياسة، وتندم

ص: 293

أيما ندم على انتهاجها فقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على الفقراء (46). وقد أدت هذه السياسة في نهاية المطاف بحسب الظاهر إلى طعن عمر بن الخطاب نفسه وقتله من قبل أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة. فقد طلب أبو لؤلؤة من عمر بن الخطاب أن يكلم المغيرة بن شعبة ليخفف عنه الضريبة المفروضة عليه فلم يفعل، فطعنه بسكين عدة طعنات في بطنه فمات بسببها (47)، فربما لو كان العطاء متساوياً بين المغيرة بن شعبة وأبو لؤلؤة، لما أصبح أبو لؤلؤة مضطراً لامتهان كرامته وتحمل ضغط الضرائب التي فرضها عليه المغيرة.

ومن ثم اتساع الهوة بين المسلمين في عهد عثمان وتسلط بني أمية على رقاب المسلمين، وسرقتهم اموال المسلمين وتبذيرها على بذخهم وملذاتهم، وهو ما استحضره الإمام (عليه السلام) في خطبته التي بين فيها مصاعب مشروعه الإصلاحي الإسلامي فقال: «إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه - كناية عن التكبر والتعاظم والخيلاء (48) - بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع»(49).

هذا فضلاً زج آلاف من الناس من شعوب وقوميات وعرقيات مختلفة بصورة مفاجئة في حضيرة الدولة الإسلامية، دون الالتفات لتنظيم طبيعة التعامل العربي المعروف بالفوقية والتعالي معها، ولذا كانت الدولة الإسلامية كلما توسعت في سياسة الفتوحات، كلما وسعت من صراع متباينة السائد والمهمش، أو السائد والمسود، وقد تغولت المشكلة بشكل كبير في العهد الأموي الذي امتهن الموالي وغير العرب إلى أبعد الحدود، حتى أنزلوهم بمنزلة الكلاب والحمير فكانوا يفتون بأنه: لا يقطع الصلاة إلا ثلاث كلب أو حمار أو مولى، وكانوا لا يكنوهم بالكني، ولا يدعوهم إلا بأسمائهم أو القابهم، وكانوا لا يمشون معهم في الصف، وإن أطعموهم أجلسوهم في طرف المائدة تحقيراً لهم، وقد أراد معاوية أن يبيد نصفهم بعد أن رأى كثرتهم قبالة العرب، ويبقي

ص: 294

النصف الآخر لعمارة الأرض والطريق وإدامة الأسواق، لأن العرب يستنكفون من مزاولة الحرف في السوق(50).

بسبب هذه الانحرافات الخطيرة في إدارة الدولة والمجتمع، حرص الإمام (عليه السلام) على وضع برنامج إصلاحي شامل لكافة مرافق الحياة في الدولة الإسلامية عبر عهوده التي وجهها لولاته، والتي كان أشملها وأطولها عهده لصاحبه وواليه مالك الأشتر حين ولاه على مصر بعد عزل محمد بن أبي بكر عنها، وهذا ما يؤشر لخصوصية مالك الأشتر وتميزه عن جميع صحابة وولاة الإمام (عليه السلام) واطمئنانه وثقته بقدرة مالك على تنفيذ برنامجه الإصلاحي الذي خطه له في العهد، وإلا لكان عهد به لمحمد بن أبي بكر، كما يؤشر خصوصية لمصر، بعدها من الأقاليم الغنية والواسعة والمتنوعة عرقيا وعقائدياً في تكوينها السكاني، ومن ثم للصراع الدائر بينه وبين معاوية عليها، ومحاولة الأخير بسط نفوذه عليها لكثرة خيراتها، ويمكن أن يضاف لذلك أن الإمام (عليه السلام) أراد محاصر معاوية ووضعه بين كماشتين قويتين هو في جبهة العراق والمشرق واتصالاتها بالشام، ومالك الأشتر في مصر، وبذلك يكون قد وضع معاوية بين قوتين ضاغطتين تسدان عليه الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها لضرب حدود دولة الإمام (عليه السلام)، عبر حرب العصابات والغارات التي كان يشنها، كما يمكن أن يضاف لخصوصية مصر، أنها كانت من أهم الأمصار التي شارك أهلها في الانتفاضة على عثمان وقتله، وبالتالي فإن المصريين بحاجة لمشروع إصلاحي شامل يعيد ثقتهم بالخلافة الإسلامية.

ص: 295

نتائج البحث

خلص البحث إلى تقرير نتائج متعددة، سجل بعضها فيه ضمناً، ويمكن أن يضاف هنا بعض النتائج على نحو العموم:

1 - خلص البحث إلى أن الإمام (عليه السلام) كان يتغيا من مشروعه في إدارة الدولة والمجتمع، تأسيس دولة مؤسسات قائمة على الأسس الإسلامية الرصينة والروح الإنسانية المثلى، عاكساً بذلك تبلور مفهوم دولة المواطنة بشكل كبير في مشرعه الإصلاحي.

2 - تبين من خلال البحث سبق الإمام (عليه السلام) في التأسيس لمبادئ حقوق الإنسان بصورتها المثالية والكاملة، سيما ذوي الاحتياجات الخاصة والفقراء والبؤساء والأيتام، بمسافة (14 قرن)، عن العالم الغربي الذي تكاسل في إقرار حقوق هذه الفئات حتى عام (2008 م)!.

3 - تبين من خلال البحث أن خصوصية الظرف الذي عاشه الإمام (عليه السلام)، وما شاهد فيه من معاناة للمسلمين - سيما الطبقة السفلى من العرب والموالي - جراء السياسات الخاطئة للخلفاء السابقين، جعلته ينوء بهموم طبقات المجتمع الإسلامي بمختلف أصنافها، ويبحث عن حلول ناجعة لإقامة إصلاح سياسي وإداري ومجتمعي شامل لتحقيق تنمية الدولة والمجتمع على حد سواء، فكان نتاج إعمال فكره في تلك المشاكل والبحث عن الحلول أن صاغها في هذا العهد الذي يمثل بحق برنامجاً متكاملاً لإدارة الدولة والمجتمع بشكل علمي وعملي، يحاكي منظور الدولة والمجتمع في المدنيات الحديثة، بل ويتغلب عليها في تطبيقاته العملية الدقيقة، وروحه الإنسانية المثالية.

ص: 296

هوامش البحث

1. تنظر. لين هانت: نشأة حقوق الإنسان، 22 - 49. وينظر أيضاً. ويل ديورانت: قصة الحضارة، مج 9 - 270 - 276.

2. لين هانت: نشأة حقوق الإنسان، 34 - 36.

3. ويل ديورانت: قصة الحضارة، مج 10 - 397.

4. لين هانت: نشأة حقوق الإنسان، 17 - 18.

5. تنظر. لين هانت: نشأة حقوق الإنسان، 59 - 90، 113.

6 . نشأة حقوق الإنسان، 17.

7. ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 1 - 269.

8.الثقفي: الغارات، 1 - 75؛ المفيد: الأمالي، 175 - 176؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 2 - 203.

9. الشافعي: كتاب الأم، 4 -229؛ المسند، 313؛ البيهقي: السنن الكبرى،8 - 56؛ معرفة السنن والآثار، 6 - 285؛ القاضي النعمان المغربي: شرح الأخبار، 2 - 431؛الطوسي: المبسوط 7 - 268.

10. المجلسي: بحار الأنوار، 42 - 289.

11. ابن شعبة الحراني: تحف العقول، 177؛ الشريف الرضي: نهج البلاغة، 3 - 27؛ ابن حمدون: التذكرة الحمدونية، 1 - 341؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 15 - 163.

12. ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 17 - 3 - 4. وقد حاول البعض نسبة هذه العبارة لعمر بن الخطاب وتضمينها في كتاب بعث به إلى معاوية. ينظر. الجاحظ: البيان والتبيين، 289. وما يرد ذلك أن هذا الكتاب ورد في مصدرين آخرين وهو موجه إلى أبي عبيدة بن الجراح وهو خالٍ من هذه العبارة. ينظر. ابن عساكر: تاريخ مدينة

ص: 297

دمشق، 44 - 279؛ المتقي الهندي: كنز العمال، 5 - 777.

13. ابن حمدون: التذكرة الحمدونية، 1 - 84؛ الخوارزمي: المناقب، 98؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 17 - 65؛ ابن العديم: بغية الطلب، 4 - 1710؛ الأبشيهي: المستطرف من كل فن مستظرف، 1 - 177.

14. ابن شعبة الحراني: تحف العقول، 127؛ الشريف الرضي: نهج البلاغة، 3 - 84؛ ابن حمدون: التذكرة الحمدونية، 1 - 316؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 17 - 32؛ النويري: نهاية الإرب، 6 - 20؛ القلقشندي: صبح الأعشى، 10 - 10 - 11؛ مآثر الإنافة في معالم الخلافة، 3 - 7.

15. الشرهاني: التغير في السياسة المالية، 340.

16. لين هانت: نشأة حقوق الإنسان، 23.

17. الشريف الرضي: نهج البلاغة، 3 - 71 - 72؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 16 - 286 - 287.

18.الشريف الرضي: نهج البلاغة، 3 - 70 - 71؛ الزمخشري: ربيع الأبرار، 3 - 241؛ ابن حمدون: التذكرة الحمدونية، 1 - 98 - 99؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 16 - 205.

19. تنظر. لين هانت: نشأة حقوق الإنسان، 179 - 188.

20. ويكيبيديا: الموسوعة الحرة (اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة: .-www.wiki (pedia.org-wiki

21. الشريف الرضي: نهج البلاغة، 3 - 71 - 72؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 16 - 286 - 287.

22. التذكرة الحمدونية، 1 - 316.

23. شرح نهج البلاغة، 17 - 30.

ص: 298

24. نهاية الإرب في فنون الأدب، 6 - 21.

25. صبح الأعشى، 10 - 10؛ مآثر الإنافة في معالم الخلافة، 3 - 6.

Lost History .255-257 ,.26

27. الشريف الرضي: نهج البلاغة، 2 - 11 - 12؛ الزمخشري: ربيع الأبرار، 1 - 465؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 8 - 244؛ الأبشيهي: المستطرف من كل فن مستظرف، 2 - 514 - 515.

28. ابن شعبة الحراني: تحف العقول، 111؛ الشريف الرضي: نهج البلاغة، 4 - 41؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 18 - 386؛ الأبشيهي: المستطرف من كل فن مستظرف، 2 - 483.

29. ابن حمدون: التذكرة الحمدونية، 1 - 250 - 251؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 18 - 88.

30. باقر شريف القرشي: النظام السياسي في الإسلام، 247.

31. الطوسي: تهذيب الأحكام، 6 - 293.

32. ابن منظور: لسان العرب، 13 - 199؛ الزبيدي: تاج العروس، 18 - 263.

33. حسين الشرهاني: التتغير في السياسة المالية في خلافة الإمام علي، 340.

34. ابن حمدون: التذكرة الحمدونية، 1 - 323 - 324؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 17 - 85 - 86؛ النويري: نهاية الإرب في فنون الأدب، 6 - 27 - 28.

35. لين هانت: نشأة حقوق الإنسان، 186.

36. الشريف الرضي: نهج البلاغة، 3 - 128؛ ابن حمدون: التذكرة الحمدونية،1 - 351؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 18 - 30.

37. الشريف الرضي: نهج البلاغة، 382 - 383؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 15 - 158.

ص: 299

38. القاضي النعمان المغربي: دعائم الإسلام، 1 - 252.

39. الثعلبي: الكشف والبيان، 2 - 279 - 280؛ الحاكم الحسكاني: شواهد التنزيل، 1 - 148؛ ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب، 1 - 345 - 346؛ ابن البطريق: عمدة صحاح الأخبار، 350.

40. الثعلبي: الكشف والبيان، 2 - 279؛ الواحدي النيسابوري: الوجيز، 1 - 191؛ الحاكم الحسكاني: شواهد التنزيل، 1 - 146؛ابن البطريق: عمدة صحاح الأخبار، 349؛ خصائص الوحي المبين، 204.

41. ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب، 1 - 382.

42. الحلي: كشف اليقين، 115 - 116.

43. الكليني: الكافي، 1 - 406.

44.البلاذري: أنساب الأشراف، 2 - 136؛ الزمخشري: ربيع الأبرار، 2 - 305؛ ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب، 1 - 349.

45. البلاذري: أنساب الأشراف، 2 - 117؛ ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب، 1 - 346.

46. الطبري: تاريخ، 3 - 291؛ ابن حزم: المحلى، 6 - 158.

47. ابن سعد: الطبقات، 3 - 347؛ ابن عبد البر: الاستيعاب، 3 - 1154؛

48. ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث، 5 - 89؛ ابن منظور: لسان العرب، 381 - 2؛ الزبيدي: تاج العروس، 3 - 503.

49. الشريف الرضي: نهج البلاغة، 1 - 35.

50. ابن عبد ربه الأندلسي: العقد الفريد، 3 - 361؛ جرجي زيدان: تاريخ التمدن الإسلامي، 2 - 341 - 342.

ص: 300

مصادر ومراجع البحث

٭ القرآن الكريم.

٭ الأبشيهي: شهاب الدين محمد بن أحمد (ت 852 ه - 1448 م).

1 - المستطرف من كل فن مستظرف. قدم له وضبطه وشرحه: صلاح الدين الهواري (ط 1، دار ومكتبة الهلال: بيروت - لبنان، 1421ه - 2000 م).

20م).

٭ ابن البطريق: يحيى بن الحسن الأسدي الحلي. ت (600 ه - 1203 م).

2 - خصائص الوحي المبين. تح: مالك المحمودي (ط 1، دار القرآن الكريم: قم - إيران 1417ه - 1996 م).

3 - عمدة عيون صحاح الاخبار (مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين: قم - إيران 1407ه - 1986 م).

٭ البلاذري: ابو جعفر احمد بن جابر. ت (279 ه - 892 م).

4 - أنساب الاشراف. تح: محمد حميد الله (دار المعارف. مصر - القاهرة ط 1 - 1379 ه - 1959م).

5 - جمل من أنساب الاشراف. تح: سهيل زكار ورياض زركلي. (ط 1، دار الفكر. بيروت - لبنان 1417 ه - 1996 م).

٭ البيهقي: أبو بكر احمد بن الحسين. ت (458 ه - 1065 م).

6 - السنن الكبرى. (دائرة المعارف النظامية: حیدر آباد الدكن - الهند - 1344 ه - 1925 م).

7 - معرفة السنن والآثار. تح: سيد كسروي حسن (دار الكتب العلمية: بيروت - لبنان د. ت).

٭ ابن الأثير: أبو السعادات مجد الدين بن محمد عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني (ت 606 ه - 1209 م).

8 - النهاية في غريب الحديث. تح: طاهر أحمد ومحمود الطناحي (ط 4، مؤسسة إسماعيليان: قم - ایران 1364 ه - 1944 م).

ص: 301

٭ الثعلبي: أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري. ت (427 ه - 1035 م).

9 - الكشف والبيان. تح: محمد بن عاشور، تدقيق: نظير الساعدي (ط 1، دار إحياء التراث العربي: بيروت - لبنان 1422 ه - 2001 م).

٭ الثقفي: أبو إسحاق إبراهيم بن محمد. ت (283 ه - 896 م).

10 - الغارات. تح: جلال الدين الأرموي الحسيني (مطبعة بهمن: إيران 1395 ه - 1975 م).

٭ الجاحظ: أبو عثمان عمرو بن بحر. ت (255 ه - 868 م).

11 - البيان والتبيين، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون (ط 7، مكتبة الخانجي: القاهرة - مصر 1418 ه - 1998 م).

٭ جرجي زيدان. ت (1332 ه -1914 م).

12 - تاريخ التمدن الإسلامي (ط 2، دار الحياة بيروت - لبنان 1387 ه - 1967 م).

٭ ابن أبي الحديد، عز الدين ابو حامد بن هبة الله محمد. ت (656 ه - 1258 م).

13 - شرح نهج البلاغة، تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم (ط 1، دار احياء الكتب العربية: القاهرة - مصر 1378 ه - 1959 م).

٭ ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد. ت (456 ه - 1063 م).

14 - المحلى (ط 1، دار الفکر: بيروت - لبنان، د.ت).

٭ الحاكم الحسكاني: عبيد الله بن أحمد الحذاء الحنفي النيسابوري من أعلام القرن الخامس الهجري.

15 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل. تح: محمد باقر المحمودي (ط 1، مجمع أحياء الثقافة الإسلامية: طهران - إيران 1411 ه - 1990 م).

٭ الحلي: الحسن بن يوسف بن المطهر (726 ه - 1325 م).

16 - كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين. تح: حسين الدركهاي (ط 1، طهران - إيران، 1411 ه - 1991 م).

ص: 302

٭ ابن حمدون: محمّد بن الحسن بن محمد بن علي (ت 562 ه - 1166 م)

17 - التذكرة الحمدونية. تح: احسان عباس وبكر عباس (ط 1، دار صادر: بيروت - لبنان 1417 ه - 1996 م).

٭ أبن حنبل: أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد. ت (241 ه - 855 م).

18 - المسند. (المطبعة الميمنية، القاهرة- مصر 1313 ه - 1895 م).

٭ الخوارزمي: الموفق بن أحمد بن محمد المكي. ت (568 ه -1172 م).

19 - المناقب. تح: مالك الحمودي (ط 2، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين: قم - إيران 1411 ه - 1990 م).

٭ الزبيدي: أبو فيض محب الدين محمد مرتضى الحسيني الواسطي الحنفي. ت (1205 ه - 1790 م).

20 - تاج العروس. دراسة وتحقيق: علي شيري (ط 1، دار الفكر: بيروت - لبنان 1414 ه - 1994 م).

٭ الزمخشري: جار الله أبو القاسم محمود بن عمر. ت (538 ه - 1143 م).

21 - ربيع الأبرار ونصوص الأخبار. تح: عبد الأمير مهنا (ط 1، مؤسسة الأعلمي: بيروت - لبنان 1412 ه - 1992 م).

٭ ابن سعد: محمد بن سعد بن منيع. ت (230 ه - 941 م).

22 - الطبقات الكبرى، تح: علي محمد عمر (ط 1، مكتبة الخانجي: القاهرة - مصر 1421ه - 2001 م).

٭ الشافعي: أبو عبد الله محمد بن إدريس. ت (204 ه - 819 م).

23 - كتاب الأم. (ط 2، دار الفكر: بيروت - لبنان 1403 ه -1983 م).

٭ الشرهاني: حسين علي عبد الحسين.

24 - التغير في السياسة المالية للدولة العربية الإسلامية في خلافة الإمام علي (ط 1، مطبعة تموز: دمشق - سوريا 1434 ه - 2013 م).

ص: 303

٭ الشريف الرضي: أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى الموسوي البغدادي. ت (406 ه - 1015 م)

25 - نهج البلاغة - خطب الإمام علي 7. شرح: محمد عبده (ط 1، دار الذخائر: قم - إيران 1412ه - 1991 م).

٭ ابن شعبة: أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين الحراني. من أعلام القرن الرابع الهجري.

26 - تحف العقول عن آل الرسول. تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري (ط 2، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين: قم - إيران 1404ه - 1983 م).

٭ ابن شهر آشوب: مشير الدين أبو عبد الله محمد بن علي. ت (588 ه - 1192 م).

27 - مناقب آل أبي طالب. تصحيح: لجنة من أساتذة النجف الأشرف (المطبعة الحيدرية: النجف - العراق 1376 ه - 1956 م).

٭ ابن أبي شيبة: ابو بكر عبد الله (235 ه - 849 م).

28 - المصنف في الاحاديث والاخبار. ضبط وتعليق: سعيد اللحام (ط، دار الفکر: بيروت - لبنان 1409 ه - 1989 م).

٭ الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير. ت (310 ه - 922 م).

29 - تاریخ الرسل والملوك. تح: محمد أبو الفضل إبراهيم (ط 2، دار المعارف: القاهرة - مصر 1387ه - 1967 م).

٭ الطوسي: أبو جعفر محمد بن الحسن. ت (460 ه - 1067 م).

30 - المبسوط في فقه الإمامية. تصحيح وتعليق: محمد تقي الكشفي (ط 1، المكتبة المرتضوية: طهران - إيران، 1387 ه - 1963 م).

٭ ابن عبد البر: أبو عمر يوسف أحمد بن عبد الله أحمد بن محمد. ت (463 ه - 1070 م).

31 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب. تح: علي محمد البجاوي (ط 1، دار الجيل: بيروت - لبنان 1412 ه - 1991 م).

٭ ابن عبد ربه الأندلسي: أحمد بن محمد. ت (328 ه - 939 م).

ص: 304

32 - العقد الفريد. تح: مفيد محمد قميحة (ط 1، دار الكتب العلمية: بيروت - لبنان 1404 ه - 1983 م).

٭ ابن العديم: كمال الدين أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة. ت (660 ه - 1261 م).

33 - بغية الطلب في تاريخ حلب. تحقيق وتقديم: سهيل زكار (ط 1، دار الفكر: بيروت -لبنان 1408 ه - 1988 م).

٭ ابن عساكر: أبو القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله. ت (571 ه - 1175 م).

34 - تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها تح: علي شيري (ط 1، دار الفكر: بيروت - لبنان 1415 ه - 1995 م).

٭ القرشي: باقر شريف.

35 - النظام السياسي في الإسلام (ط 2، دار التعارف: بيروت - لبنان، 1398 ه - 1987 م).

٭ القلقشندي: أبو العباس أحمد بن علي. ت (821 ه - 1418 م).

36 - صبح الأعشى في صناعة الإنشا. شرحه وعلّق عليه وقابل نصوصه: محمد حسين شمس الدین (ط 1، دار الکتب العلمية: بيروت - لبنان، 1409 ه - 1988م).

37 - مآثر الإنافة في معالم الخلافة. تح: عبد الستار أحمد فراج (ط 1، وزارة الإرشاد والأنباء:

الكويت، 1384 ه - 1964 م).

٭ الكليني: أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق. ت (329 ه - 950 م).

38 - الكافي. صححه وعلق عليه: علي أكبر الغفاري (ط 5، دار الكتب الاسلامية: طهران - إيران 1363 ه - 1943 م).

٭ لين هانت.

39 - نشأة حقوق الإنسان - لمحة تاريخية. ترجمة: فايقة جرجس حنا (ط 1، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة: مصر - القاهرة، 1435 ه - 20013 م).

٭ المتقي الهندي: علاء الدين علي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري. ت (975 ه - 1567 م).

ص: 305

40 - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال. ضبطه وفسر غريبه وصححه ووضع فهارسه ومفتاحه: بكري حياني وصفوة السقا (ط 1، مؤسسة الرسالة: بيروت - لبنان 1409 ه - 1989م).

٭ المجلسي: محمد باقر. ت (1111 ه - 1699 م).

41 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (ط 2، مؤسسة الوفاء: بيروت - لبنان 1403 ه - 1983 م).

٭ المفيد: محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي. ت (413 ه - 1022 م).

42 - الأمالي. تح: حسين الأستاذ ولي وعلي أكبر الغفاري (ط 1414، 2 ه - 1993 م).

٭ ابن منظور: أبو الفضل جمال الدین محمد بن مكرم. ت (711 ه - 1311 م).

43 - لسان العرب. تقديم: أحمد فارس (ط 1، أدب الحوزة: قم - إيران 1405 ه - 1984 م).

٭ النعمان المغربي: أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد. ت (363 ه - 973 م).

44 - دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام. تح: آصف علي أصغر (ط 1، دار المعارف: القاهرة - مصر 1383 ه - 1963 م).

٭ النويري: شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب. ت (733ه - 1332 م).

45 - نهاية الإرب في فنون الأدب. تح: مفيد قميحة وحسن نور الدين (ط 1، دار الكتب العلمية: بيروت - لبنان 1424 ه - 2004 م).

٭ الواحدي النيسابوري: أبو الحسن علي بن أحمد. ت (468 ه - 1075 م).

46 - الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (ط 1، دار القلم: دمشق - سوريا 1415 ه - 1994 م).

٭ Michael Hamilton Morgan 47-Lost History: The Enduring Leg acy of Muslim Scientists, Thinkers, and Artists. Washington. 2008

٭ ويكيبيديا: الموسوعة الحرة (اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة: (-www.wikipe dia.org-wiki

ص: 306

حقوق الإنسان.. جدل النظرية وإشكالية الممارسة (حقوق الإنسان عند الإمام علي (عليه السلام) إنموذجا)

اشارة

د. محمد علي محمد رضا الحكيم

ص: 307

ص: 308

المقدمة

شهد العالم في مرحلته المعاصرة حقبة جديدة في مجال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، إذ حظي هذا الموضوع باهتمام الدول الغربية التي تتمتع بحضارة مادية راقية، وتظافرت جهود المنظمات الدولية في متابعتها وتدعيمها، بهدف تحقيق حياة حرة كريمة للإنسان يتمتع فيها بحقوق معترف بها.

في هذه الأثناء كان المجتمع الإسلامي يعيش حالة من الانقسام والتجزئة، إذ لم تعد هناك دولة تمثله وإنما هناك دويلات ذات طابع علماني بعد أن ركنت الشريعة وراءها ظهريا، وعلى رأسها أنظمة استبدادية لا تهتم أكثر من توكيد سلطتها ومصالحها وان جاءت على خلاف مصالح شعوبها، وأصبحت الشعوب الإسلامية تعاني الحرمان من أبسط الحقوق.

ذلك قد وضع الإنسان المسلم أمام تحدي صعب، إذ هو من جهة يواجه باستمرار تهديدا قويا لوجوده وانتهاكا صارخا لحقوقه من قبل الأنظمة المتسلطة، ومن جهة أخرى فان الصيغة التي تطرحها الدول المتقدمة والمنظمات الدولية وتسعى إلى تعميمه، هو النموذج الليبرالي الغربي الذي يحظى بمنظومة فكرية تتناقض مع متبنياته الإسلامية. وهكذا اضطربت نظرة الإنسان المسلم إلى معيار حقوقه بين تناقضات واقعه المر وما تتوفر عليه الدول الغربية المتقدمة، وتناقضات مرجعيته الفكرية وقيم العالم الحرة.

من هنا تطلب النظر في تجربة الإمام علي (عليه السلام) الغنية والمميزة في تاريخنا الإسلامي، فهي غنية على صعيد التنظير الفكري والقيمي، كما أنها غنية في حدود الممارسة الفعلية التي تتجلى فيها مستويات مختلفة سواء أكانت في مستوى المواطن المعارض للحكم القائم، أم كان الخليفة والقائد للدولة الإسلامية. وهي مميزة لما تمثله

ص: 309

شخصية الإمام في واقع العالم الإسلامي، إذ هو أحد الخلفاء الأربعة لعموم المسلمين وهو الإمام المعصوم لبعضهم، ولذا فان لقوله وفعله بعد تشريعي مهم في أدبيات الفكر الإسلامي عموما.

وتتوفر الدراسة على مبحثين، الأول تناول لمحة عن حقوق الإنسان على مدى التاريخ الإنساني، بدءا من الفكري الشرقي القديم في الصين والهند حتى بلاد الرافدين ووادي النيل، وشملت الأديان السماوية الثلاث وصولا إلى العصر الحديث. أما المبحث الثاني فقد ركز على استعراض حقوق الإنسان عند الإمام علي (عليه السلام) في ضوء عهده إلى عامله على مصر.

ص: 310

المبحث الأول: لمحة في تاريخ حقوق الإنسان

أولا: تعريف حقوق الإنسان

قبل أن نقلب صفحات التاريخ البشري من أجل التنقيب على بعض الإشارات في أقوال وأفعال الماضين مما يتعلق بحقوق الإنسان، لابد أن نحدد مفهوم الحق والمقصود من حقوق الإنسان. (يعرف القانونيون الحق بأنه الرابطة القانونية التي بمقتضاها يخول لشخص على سبيل الانفراد والاستئثار التسلط على شيء أو اقتضاء أداء معين من آخر. ويقسمون الحقوق إلى سياسية ومدنية. والحقوق المدنية إما عامة وهي الحقوق اللازمة للفرد کحماية شخصه وكفالة حريته، وإما خاصة وهي حقوق الأسرة والحقوق المالية(1).

لقد ذاع مصطلح حقوق الإنسان بعد الحرب العالمية، وذلك بعد صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات المتصلة به. وكان المقصود منها مجموعة القواعد والمعايير ذات المضمون الإنساني السامي. وعلى أساس هذه الحقوق التي اعترفت بها دساتير الدول، تعهدت حكوماتها للشعوب بالعمل بها ورعايتها. وبالرغم من صعوبة حصر تلك الحقوق إلا انه يمكن استنتاجها من مجمل القوانين المدونة ودساتير الدول، واعتبارها من مصادیق حقوق الإنسان. كحرية الضمير، وحق انتخاب العمل ومحل الإقامة والسكن والسفر، والمساواة أمام القانون، والحصانة من التعذيب أو الاعتقال التعسفي(2).

وتؤكد بعض المصادر على أن تلك الحقوق مستمدة من طبيعة الإنسان نفسه، وبناء عليه تكون: مطالب أخلاقية أصيلة وغير قابلة للتصرف مكفولة لجميع بني البشر بفضل

ص: 311

إنسانيتهم وحدها، فصلت وصيغت هذه الحقوق فيما يعرف اليوم بحقوق الإنسان، وجرت ترجمتها بصيغة الحقوق القانونية،... وتعتمد هذه الحقوق على موافقة المحكومين بما يعني موافقة المستهدفين بهذه الحقوق(3).

فيما تستنتج مصادر أخرى بعض اللوازم عن تلك الحقيقة، وبالتالي يمكن تعريفها على إنها: مجموعة الحقوق الطبيعية التي يمتلكها الإنسان واللصيقة بطبيعته، والتي تظل موجودة وان لم يتم الاعتراف بها، بل أكثر من ذلك حتى إن انتهكت من سلطة ما(4).

على أن تأصيل حقوق الإنسان بإرجاعها إلى الطبيعة البشرية هي محاولة اتجاه فكري، أراد من خلالها تعميم تلك الحقوق وجعلها لصيقة بشخصه، وقد واجهة نقدا من اتجاهات فلسفية أخرى.

ثانيا: حقوق الإنسان في الفكر الشرقي القديم

ولو عدنا إلى التاريخ للبحث عن بعض المؤشرات لاحترام الحقوق الإنسانية، لوجدنا أن البوذية وهي العقيدة الثانية من حيث الانتشار في الهند، وقد تجاوزت حدودها مولدها إلى الدول المجاورة. والواقع أنها مثلت ثورة على العقيدة الهندوسية التي أقرت نظام الطبقات، إذ لا فرق بين إنسان وإنسان آخر، وان الطبيعة في الأصل فارغة، وهذا يزيل عن البشر كل أصناف الحواجز فيما بينهم، ويجعل من أحقر الديدان قرين للأدميين؛ ولذا جاءت تعاليمها عامة لجميع الطبقات والشرائح، لا فرق بين الأمير والفقير ليس في الجسم فحسب بل بالروح أيضا، وهي للمرأة كما للرجل، ولو كان هناك انقسام فعلي لبني البشر، فهو على أساس الصلاح فهناك فريق صالح وآخر شرير. وقد نسبوا إلى بوذا وصايا هي في مجملها قضايا أخلاقية ذات صلة بالمثل العليا للحق الإنساني، کرفض القتل والسرقة وحرمة السكر والعلاقات الجنسية غير المشروعة. ولكن تعاليمها الأولى شوهت وزيد عليها فيما بعد حتى أصبحت لا تختلف كثيرا عن التعاليم الهندوسية التي ثارت عليها(5).

ص: 312

أما في الصين فتتجلى العقيدة الكونفشيوسية التي تدعو إلى الأمن والسلام والإخاء بين الناس كافة. وفي هذا الصدد تؤكد على أن الحل الوحيد لإصلاح المجتمع يكمن في إصلاح الحكم، ولا يتحقق ذلك إلا من قبل حكام يستعينون بوزراء وإداريين مستنيرين ومتحلين بأخلاق فاضلة. وفي هذه الحالة يملك الملوك ولا يحكمون، لأنهم يتركوا شؤون الحكم لأولئك الوزراء الذين عليهم أن لا يداهنوا الحاكم أو يخدعوه، ولهم أن يعارضوه علنا اذا اقتضى الأمر، لان إساءة الحاكم مع عدم وجود الناصح يؤدي لا محالة إلى الثورة وتدمير الدولة. وبهذا المعني كان كونفشيوس يؤمن بالنظام الطبقي، إلا أن الانتماء إلى طبقة معينة يكون بموجب کفايته الشخصية التي تتحدد من علمه وحكمته وأخلاقه الفاضلة وليس بموجب الإرث الأسري، وبالتالي فان انتشار التعليم كفيل بتحقيق التوافق الاجتماعي والقضاء على الفوارق الطبقية(6).

واذا ساد التماثل الاجتماعي حينئذ يصبح مجمل العالم جمهورية واحدة، يختار فيها الناس حكامهم من ذوي المواهب والفضائل، ويعملون على تدعيم قواعد السلم الشامل. وفي هذه الحالة تتوسع العلاقات الاجتماعية حتى تكاد لا يرى فيها الأفراد أن آباءهم من ولدوهم دون غيرهم ولا أبناءهم من ولدوا لهم، وإنما يسعون إلى تهيئة سبل العيش للجميع من دون استثناء، فيتكفلون بالمسنين حتى يستوفون آجالهم، ويهيئون سبل النماء للصغار والعيش الكريم للأرامل والأيتام والمقعدين من المرضى. هناك فقط يكون لكل إنسان حقه، وتصان شخصية المرأة فلا يعتدي عليها (7).

فالعقيدة الكونفشيوسية التي ما فتأت تؤكد على التمييز بين البشر، غير أن ذلك لم يستدعي لديها التقسيم الطبقي على أساس الوراثي، وإنما يقوم على التعرف على الإمكانات الحقيقية للبشر، والاستفادة منها لقيام مجتمع إنساني شامل وفق التصور الاشتراكي.

ص: 313

ودعا زرادشت إلى تحقيق العدل بين الناس ووضع الفواصل بين الحقوق والواجبات للفرد والجماعة واحترامها. وكان ينادي بتحقيق المعروف واجتناب الشرور التي هي برأيه الجهل والفقر والظلم والبغضاء، التي هي عقبات في طريق سعادة الإنسان. ويعتقد أن العلم يرفع من مرتبة الإنسان، لأن من يمتلك زمامه يصبح بإمكانه نشر الفضيلة بين الناس، فيخدم نفسه وبلده، وليس ذلك فحسب وإنما يرضي ربه أيضا. كما أن الإحسان إلى المحتاج هي أهم فضيلة يكتسبها الإنسان، ذلك لأن مساعدة الفقير البائس تساهم في إقامة إرادة الإله في الدولة، وتكسب صاحبها القرب منه. ولكن عندما اعتلى الأكاسرة عرش فارس تغيرت النظرة إلى عامة الناس وحورت العقيدة الزرادشتية فأقروا نظام الطبقات (8).

وينقل أن الكتب الزرادشتية القديمة كانت تتضمن أجزاء مخصصة للشريعة والقانون، تتناول الجرائم التي ترتكب تجاه الدولة، الملك، الجار.. الخ. ولكن الامتهان والتعذيب من اجل الاعتراف بالذنب وإظهار البينة يبدو أنها كانت أمرا مألوفا عند الساميين (9).

ولعل اشهر ما وصلنا من قوانين تتعلق بالحقوق في العصور القديمة كانت شريعة حمورابي، التي يبدو أنها كانت نسخة مطورة عن الشرائع السومرية السابقة بما يتناسب مع ذلك العصر. وكان حمورابي قد سطر في مقدمتها: حمورابي الملك الكامل أنا، من أجل البشر الذين منحهم الرب إنليل وولاني رعايتهم مردوك، لم أكسل ولم أقعد مكتوف اليدين، بحثت لهم عن مواقع الخير، فرجت الضيق عنهم، نشرت النور فوقهم، .... أؤمن لهم العيش بسلام، وأطمئن عليهم في أعماق معرفتي، لا أسمح للقوي يسلب حق الضعيف، أضمن حق الأرامل واليتامى في بابل التي رفع كل من الاله آنو وإنليل رأسها عاليا في اسانجيلا، البيت الأزلي ثابت الأركان مثل السماء والأرض، من أجل

ص: 314

تثبیت حقوق البلاد وتقرير مصيرها، وإعادة الحق إلى أهله، كتبت كلماتي العذبة هذه أمام صورتي كملك يقيم العدل، الملك الشامخ بين الملوك (10).

ومن الأحكام التي تضمنتها شريعة حمورابي أن العين بالعين والسن بالسن. ومن بينها عقوبات تتعلق بالسرقة والنهب والاغتصاب، والاعتداء على الوالد، واختلاس الساحر لأموال الناس والإضرار بهم. وأكدت حقوقا للمرأة حين وضعت عقوبة للشخص الذي يرمي امرأة بالفحشاء ولم يثبت عليها ذلك، كما حددت عقوبة الشخص الذي يدلي بشهادة كاذبة تتعلق بتهمة القتل. وتنظم شريعة حمورابي ظاهرة الرق في المجتمع البابلي، ففيها فقرات تفصل حدود الرق حقوقهم وواجباتهم(11).

وفي الحضارة المصرية القديمة كانت كثير من المثل المرتبطة بحقوق الإنسان تقدم من المعلمين والحكماء في اطار التربية والتعليم إلى الناشئة على قطع من الخزف والحجر الجيري. وكشفت تعالیم اخناتون الذي قال بنوع من التوحيد عن دعوة إلى السلام والتسامح والمساواة. فالإله الواحد لا يتجلى في الوقائع الحربية ولا في الانتصارات وإنما في الزرع والخصب. وطالب بتوفير العلم للجميع من دون تمييز. كما ألغي المراسيم والتقاليد الملكية الخاصة بالفراعنة، وأكثر من ذلك نزل إلى الطرقات مع عائلته كسائر أفراد المجتمع (12).

يظهر مما تقدم أن هناك إضاءات إنسانية متطورة ظهرت في مراحل تاريخية مبكرة، وعبرت من دون شك عن مؤشرات تقدير للحقوق الإنسانية، وان اختلفت في مستوياتها وفي توجهاتها. ولكن المعيار الفعلي والحقيقي الذي يحكم على تلك التجارب ويقيمها سلبا وإيجابا، لا يتعلق بقيمة الفكرة ومدی ترابطها المنطقي والعقلي، فالمحك الأساسي لها يكمن في مدى انعكاسها على ارض الواقع، وبروزها كقیم حاكمة على البشر سواء كانوا في السلطة أم خارجها. نعم هي في مجال التقييم الأخلاقي يمكن أن تجد لها محلا

ص: 315

فيه، أما في مجال الممارسة العملية فهي ليست حاكمة ولا محددة للنشاط الإنساني. ولو نظرنا إلى شريعة حمورابي على سبيل المثال لوجدنا أنها في الحقيقة (لیست شريعة بالمعنى المعتاد للكلمة. إذ هي لا تحاول أن تغطي جميع الحالات الممكنة، فكثير من الحالات المحذوفة ذات أهمية عظيمة، ومحاولات تنظيمها قليلة جدا... تتألف هذه القوانين ظاهريا من سلسلة مختلطة من القرارات اتخذها قضاة في حالات مستقلة. وليس هناك ما يدعو للافتراض بأن لهذه القرارات أية سلطة كحجج قانونية ملزمة لأحكام تالية كما في القانون الإنكليزي... ولم يكن النص المكتوب للقانون ملزما ولا بأي معنى من المعاني، وإنما كان مجرد مذكرة تسجل قرارا يعتمد على المفاهيم البابلية للعدل) (13). ولو قلنا أن هذا الحكم فيه نوع من التعسف، إذ كيف يتسنى للفكر الإنساني في تلك المرحلة التاريخية إحصاء جميع الحالات وتغطيتها قانونيا؟! كما أنه ليس صحيحا مقارنة التزام القضاة بمقتضى نص القانون بين مرحلة شريعة حمورابي والقانون الإنكليزي الذي حظت فيه البشرية بمستوى تطور ملحوظ لا يمكن قياسه بتلك المرحلة. ومع ذلك يمكن القول أن الإنسان يميل إلى الحقوق بشكل فطري، فالعدالة نابعة من الذات الإنسانية وان المساواة قائمة على أساس الفطرة، فلا خلاف في ضرورة العدل، ولم يشاهد طوال التاريخ دکتاتورا أو متعسفا رفع شعار أنه جاء من أجل الظلم والجور، ولم يجرؤ حتى الجبابرة والفراعنة على الإعلان الصريح عن معارضتهم للمفاهيم الراسخة في ضمير الإنسانية كالعدل والحرية، وإنما يزعم الجميع أنهم يهدفون إلى إقامة العدل ورفع الظلم، على الرغم من أنهم عملوا على ترسيخ كل ما يناقضها (14)؛ والنتيجة التي أريد أن أتوصل إليها هي أن ما شهده الشرق القديم بل العالم أجمع من تسلط الدكتاتوريات و الفراعنة طوال التاريخ، وما شهده من امتهان لحقوق الإنسان وكرامته كان يجري تحت عناوین الحق والعدل والمصالح العليا للبلاد وما إلى ذلك من خلال إفراغها من محتواها الحقيقي. وإن الظهور الحقيقي لمفهوم الحقوق والحريات كان في العصر الحديث بعد أن شهد الغرب ثورات

ص: 316

کبری، نتجت عنها تحديد سلطة الحكام ووضعها تحت الرقابة الصارمة. ولذا فان كل ما سبق قوله من مفاهیم سامية تتعلق بالحق الإنساني، فإنها كانت حقائق أخلاقية ومثل سامية تطمح إليها النفوس السليمة، ولم ترق إلى أن تكون ممارسات فعلية إلا في أوقات قليلة أو ربما نادرة بالقياس إلى عموم التاريخ الإنساني.

ثالثا: حقوق الإنسان في الأديان السماوية

هناك فارق أساس في مصدرية الحقوق بين الرؤية الدينية والرؤية الوضعية. ففي الوقت الذي تستمد الأديان الحقوق من شرائعها، فنصوص الشريعة وقواعدها الكلية هي التي تقرر الحقوق الإنسان. والشريعة وفق هذا المنظور هي أساس الحق ومصدره، وهي سنده وضمانه وجوده في المجتمع. في حين أن الرؤية الوضعية تجعل من الحق أساسا للتشريع، أما مصدره فهو تصور مفکر او قرار لحاكم أو فلسفة جماعة معينة. ومهما كانت الأسس الحقوقية فطرية ونابعة عن طبيعة الإنسان إلا أن تفاصيلها وتفرعاتها ومصادقيها ليست كذلك، إذ هي خاضعة لخصوصيات الزمان والمكان؛ وبالتالي فإن معيارية الحقوق في التصور الوضعي نسبي، وقابل للتغير بحسب الزمان والمكان، وباختلاف الميراث الثقافي للجماعة الإنسانية، بل قد تنقسم الجماعة على نفسها بالرؤية للحق، ومن ثم يلجأ إلى مبدأ الأكثرية في تحديده، بخلاف الشريعة الدينية فإن الاعتقاد بربانيتها والإيمان بذلك، يخضع الجميع للحقوق المقررة فيها.

فالقوانين العبرية تضاد القوانين السابقة، فبينما كانت القوانين الحيثية وقوانين بلاد ما بين النهرین علمانية بطبيعتها تدون قرارات المشرعين أو مراسيم الملوك، كان يعتقد العبرانيين يعتقدون أن الله نفسه يملي عليهم القوانين، والتي تبدي انسجاما مع مطالب الدين العبري، وتلك طبيعة أخلاقية ثابتة مفقودة لدى تشريعات الشعوب المحيطة بهم. القوانين العبرية مأخوذة من أسفار العهد القديم المعروفة عند اليهود بالتوراة (القانون)،

ص: 317

وإن الأقسام الأكثر قدما للقوانين تعود إلى عهد موسی (علیه السلام)، حينها كان العبرانيون مجموعة من القبائل الرحّل وكان عليها أن تكتسب وجودا مستقرا من خلال تشکیل دولة، ثم أضيفت إليها قوانين جديدة خلال مرور السنين، كما أعيد تفسير القوانين القديمة (15).

لقد أشارت تلك الشرائع إلى الأحكام المتعلقة ببعض القيم الأخلاقية في تنظيم العلاقات الإنسانية وفرض العقوبات على المتعدي بما يتناسب وأسس العدل، حيث أقرت القصاص فالنفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن وكذا اليد والرجل والكي والجرح والرض. وميزت التشريعات بين الفعل المتعمد عمن سواه، والتعدي المؤدي إلى القتل عن سائر الضرر، وتناولت عقوبات الاعتداء على الوالدين أو العبيد، حتى الجنين الذي لم يولد بعد، وفصلت موقف ولي الدم وكيفية أخذ القصاص من الجاني والأداة التي تستخدم في القصاص، وشملت بعض فقراتها اعتداء الحيوانات ومحاسبة مالكيها(16). وثبتت كيفية الشهادة أمام القضاء وحدودها، وحرمة الكذب وشهادة الزور والرشي (17).

أضف إلى ذلك نجد أحکام نلمس منها شيئا من الحقوق الإنسانية، مثل اللوم الموجه إلى الغني والمقتدر اللذين يضران الفقير ويسيئان استعمال ما أوتيا من سلطة، وتدعو إلى الرأفة والرحمة بالفقراء والدخلاء ودفع استحقاقاتهم. فقد ورد في سفر التثنية لا تهضم أجرة الفقير والدخيل الذي يعمل في الأرض، وأنه إذا نسيت حزمة من حصادك فلا ترجع عليه، وإن فرطت الزيتون أو الكرم في حقلك فلا تراجع ما بقي منه؛ لأنه من حصة الغريب واليتيم والأرملة. (18)

غير أن التشريع التوراتي تطور على أيدي الربانيين المنتسبين لليهود، ويمكن أن نلمس ذلك في كتاب التلمود وهو الكتاب المعتمد أكثر من التوراة لدى أتباع الديانة اليهودية،

ص: 318

وفيه جرى التفريق بين اليهودي وغيره من البشر، فجسد اليهودي يختلف كليا عن أجساد الآخرين من حيث أكلهم وشربهم وطينتهم، وما يصح على الجسد (المادة) يصح على النفس (الروح)، إذ أن أصل أرواح سائر شعوب العالم هو من طبقات النجاسات الثلاث بينما أصل أرواح بني إسرائيل هو من الروح القدس ذاتها، وهو شعب الله المختار. واستنتجوا من ذلك أن روح اليهودي تستحق الحياة، فيما أن أرواح الآخرين لا تستحق ذلك، لان روحهم ليست ذات قيمة إلا كقيمة أدنى الحيوانات كالخنزير، ولذا فسر قوله لا تقتل إنه تعالى نهى عن قتل شخص من بني إسرائيل، وأصبح من العدل أن يقتل اليهودي الأجنبي لأنه من المحتمل أن يكون من نسل الشعوب التي سكنت أرض كنعان ولابد أن يقتلوا عن آخرهم، ومن قتل مسيحيا أو أجنبيا أو وثنيا يكافأ بالفردوس (19). وأضحت أحكامهم التشريعية تأمروهم بحروب إبادة، يقتل فيها جميع من تقع أيديهم عليهم من الأطفال والنساء والشيوخ والبهائم. لقد نذر بنو إسرائيل لله تعالى إذا حقق لهم طلباتهم أن يبيدوا جميع الشعب والمواشي، ولم يرد أنهم سعوا إلى إصلاح أعدائهم أو التفاوض معهم في شؤون الصلح (20).

وكرست المسيحية جل اهتمامها في الاعتناء بالحياة الروحية للإنسان، وكان ذلك على حساب تنظيم الحياة الاجتماعية، التي اقتصرت فيها على جوانب ضيقة تتعلق بطقوس الزواج والطلاق وإجراءات الصلح وما إلى ذلك. ويرجع السبب في هذا القصور إلى كون المسيحية قد ظهرت في محيط اجتماعي انتشرت فيه الشريعة اليهودية أو العهد القديم كما يطلق عليه المسيحيون. ويعتبر العهد القديم بالإضافة إلى العهد الجديد الذي سطر ما يتعلق بتعاليم السيد المسيح، الكتاب المقدس للديانة المسيحية ومصدرا لإيمان النصارى(21). فعلى الرغم من (أخذ المسيحية بالشرائع اليهودية التوراتية في طقوس العبادة وغيرها، إلا أن الدافع إلى قيام المسيحية كان دينيا خالصا غرضه تحقيق الخلاص الذي تنشده كل الديانات، ومقت سلوك اليهود وتصرفاتهم، فكانت صورة الخلاص

ص: 319

المنشودة تتمثل بمجموعة من القيم الإنسانية والمثل العليا تضمن الحقوق الإنسانية والحريات للجميع) (22).

لقد قدست المسيحية الإنسان ووضعته في مكانة مميزة لم تضعه فيها أي من الديانات السماوية السابقة أو اللاحقة لها، أي الديانة اليهودية والديانة الإسلامية. فإن الإنسان في العقيدة المسيحية، هو صورة لله رب الكون، وهذا ما يجعله مميزا عن باقي المخلوقات سواء من حيث التكوين، أو من حيث الدرجة أو المنزلة التي من المفروض أن يتمتع بها لأنه مخلوق مبارك ذو شأن وقيمة عليا. ولما كان الأمر كذلك، فإن الإنسان ينفرد بالتمتع بالكرامة الإنسانية التي تتأصل فيه ولصيقة بشخصه لمجرد كونه إنسانا، مهما كان جنسه أو لونه أو عرقه.... وما إلى ذلك. ومن هنا نجد أن الكرامة الإنسانية في المسيحية هي خصوصية أو ميزة عالمية يتسم بها جميع أعضاء الأسرة البشرية، وهذا ما يذكرنا بالفقرة الأولى من ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (23).

لكن إضفاء صفة (المحورية) على الأنسان مبدأ فلسفي قديم أكدته الأساطير الإغريقية القديمة، إذ تدور حركة الإلهة وحوادث العالم حول محور الإنسان ورغباته، واعتمده سقراط والمذاهب الفلسفية التي جاءت بعده، ثم تسلل هذا اللون من التفكير إلى المسيحية الأوربية، فحلت محورية الإنسان بدلا من محورية الله، وأصبح (الله) على وفق هذا التصور في خدمة الإنسان وحاجاته. إن تصور الذنب على أنه أمر فطري في الإنسان، والاعتقاد بضرورة النجاة منه، أديا إلى ظهور آلية لاهوتية توجب تضحية الرب الذي تحول إلى إنسان في هيئة السيد المسيح. وهكذا أضحى الرب في خدمة الإنسان. وبهذه الطريقة حلت محورية الإنسان الغربية محل محورية الله التي هي مبدأ الدين السامي(24).

ثم أن الكنيسة المسيحية كانت في بداية الأمر محامية عن حقوق المظلومين والمهمشين، حاملة بذلك إلى الحضارة الغربية بوادر قانون حقوق الإنسان. وقد ذهب القديسون إلى

ص: 320

القول أن الحاكم مكلف بمراعاة القوانين الإلهية لأنه يتلقی سلطانه من الرب، فاذا ما خرج عن تلك القوانين فأنه سوف يخرج عن سلطان الرب ولا يمثل إرادته، فيصبح حاکما جائرا تسقط طاعته وتجب مقاومته وعزله. وعندما قويت شوكة المسيحيين في الدولة الرومانية بعد أن كانوا مستضعفين فيها، اتخذوا موقفا حاسما في حقهم بمقاومة الطغيان ونجحوا في ذلك واستقامت الأمور لهم بعد أن تحولت روما إلى الديانة المسيحية. ولكنهم تنكروا لما دعوا إليه في بداية ظهور المسيحية من الحرية والإخاء، واعتبروا حق الغير في الاعتقاد باطلا يجب مقاومته واضطهدوا كل من يخالفهم الرأي (25). وكان مما يميز العصور الوسطى التي ظهرت فيه الكنيسة كقائد للمجتمعات الغربية، هو الانقسام الحاد إلى ثلاث طبقات، ولكل طبقة عدة درجات، فكان البون شاسعا بين الناس والخضوع هو القاعدة العامة. ومن مخلفاته ظهور محاكم التفتيش التي عملت على نشر المذهب الكاثوليكي واضطهاد الفئات والمذاهب والأديان المخالفة له. كما شهد التاريخ الحروب الصليبية وممارساتها الشنيعة تجاه الأسرى والأطفال والنساء. (26)

أما في الإسلام فأن الشريعة أساس الحق ومصدره، وهي ربانية ومتعالية على حدود الزمان والمكان، وهي أمانة في عنق الناس عليهم رعايتها والتمسك بها. وقد أكدت على كثير من القضايا التي ارتبطت بحقوق الإنسان. فالإنسانية كلها ترجع إلى اصل واحد، «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً» (النساء: 1)، وان هذا التنوع والاختلاف بين الناس مدعاة للتواصل والترابط، وأن لا مزية لبعضكم على بعض إلا بالتقوى، فطاعة الله والقرب منه هو معيار التفاضل فيما بينكم، «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» (الحجرات: 13). ولا يجوز التعدي على حياة الناس، (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق.. الأنعام: 151)، كما أن الجزاء مقرر لمن ينتهك هذا الحق، «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ

ص: 321

عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى» (البقرة: 178). وحق التكافل منصوص عليه، «وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ» (الذاریات: 19) (27).

ولا مجال للتسلط في الإسلام، فبعد أن استبعد استعلاء العرق والجنس والطبقة، استبعد (الكهنة) أيضا، فلم يعرف المجتمع الإسلامي طبقة (رجال الدين) تحوطهم العصمة ويزعمون لأنفسهم صلة بالله غير سائر البشر، ويدعون ترفعا عن شئون الدنيا وعامة الناس. إلى جانب ذلك لم يتخذ الإسلام موقفا معارضا ضد الديانات الأخرى، «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» (الممتحنة: 8)، ولذا ظل أتباع الديانات محتفظين بعقيدتهم وطقوسهم ويتمتعون بعلاقات طبيعية مع أفراد المجتمع الإسلامي، عدا أولئك الذين يتخذون موقفا عدائيا تجاه المجتمع الإسلامي، «إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (الممتحنة: 9) (28).

غير أن مراجعة بسيطة للتاريخ الإسلامي تكشف أن القيم الإسلامية سرعان ما تبدلت، وأن معاوية والأمويين لما هیمنوا على مقدرات الأمة الإسلامية، ابدلوا مقوماتها التي قامت عليها كالتراحم والأخوة الإيمانية وإنكار الذات، لتظهر محلها روابط النسب وتعلو نعرة العصبية العربية، والتعالي على باقي الأجناس بل وتفضيل العرب بعضهم على بعض. كما أنهم غيبوا الأسس التي قامت عليها الخلافة، ولذلك أتهموا أنهم طغاة مستبدون سلبوا الحكم ووأدوا الشوری، وجعلوا الخلافة ملكا، وأقصوا الموالي وجعلوهم بمنزلة الأرقاء وسفكوا الدماء وانتهكوا المقدسات ولم يرعوا الحرمات (29).

وبذلك كان أغلب المسلمين ينظر إلى الأمويين على أنهم مغتصبين وغير أهل لمركز الخلافة الروحية والزمنية، وكان من جانب الأمويون أن تكون لهم (عقيدة تسند حكمهم

ص: 322

إلى جانب القوة، ولم تكن هذه العقيدة أو الأيديولوجية بمعنى أدق إلا الجبر، فما من عقيدة تمسك زمام الأمر وتصرف الناس عن الثورة عليهم وعلى ولاتهم مثل عقيدة الجبر، إن وصولهم إلى الحكم وأعمالهم ليست إلا نتيجة لقدرة من الله قد قدر) (30).

رابعا: حقوق الإنسان في العصر الحديث

يمكن أن نلمس جذور الفكر الأوربي الحديث في مجال حقوق الإنسان بالتصورات الذهنية المجردة والأفكار العامة، التي ظهرت في الفلسفة اليونانية وانتقلت فيما بعد إلى القانون الروماني، وتتحدث عن القانون الثابت الذي لا يعتريه التغيير، فيعد نموذجا أعلى يجب أن تنسج على منواله مجمل قوانين المجتمع، لأنه قائم على مبادئ لم تأخذ من کتاب محدد ولا من تقاليد متواضعه، وإنما مصدره الطبيعة الإنسانية ويكتشفه العقل من روح المساواة والعدل الكامنة في النفس. ولذا أطلق على هذا القانون بالقانون الطبيعي. وقد انتقلت فكرة القانون الطبيعي إلى أوربا عن طريق الأدب اليوناني والقانون الروماني، وبرزت فكرة العدالة في إنكلترا والتي تقول أن العدالة ينبغي أن تتفوق على القانون الحرفي المتشدد کما وصف أحيانا، والذي يرشد إلى مبادئها الضمير والوجدان ممثلا بضمير الملك الذي يختص بامتياز توزيع العدالة بين رعاياه بمختلف الوسائل (31).

غير أنه سرعان ما هب أشراف الدولة ورجال الكنيسة وأهل المدن معلنين الثورة على حكم الطاغية ملك إنكلترا لما فرضه من ضرائب باهظة. وفي عام 1215 م استطاعوا تقیید حکمه المطلق وطغيانه عندما أجبر على توقيع وثيقة (الماجنا کارتا) أو العهد الأعظم، الذي تقرر بموجبه أن لا ضريبة إلا بقانون من البرلمان. ومع أن الوثيقة كانت ترمي إلى خدمة مصالح نبلاء الإقطاع إلا أن الشعب الإنكليزي استطاع أن يفيد منها في استرجاع حقوقه المسلوبة. وقد عدت هذه الثورة أول احتجاج ضد الحاكم الفاسد في تأريخ إنكلترا، كما اعتبرت الوثيقة حجر الزاوية في بناء الحرية فيها (32).

ص: 323

وفي عام 1776 م أعلن الشعب الأمريكي المتألف من مختلف الأجناس البشرية وثيق الاستقلال من الاستعمار الإنكليزي، وقد تضمنت هذه الوثيقة على مبادئ حقوق الإنسان كحق الحياة والحرية والمساواة، التي صاغها توماس جيفرسون وأكدت على أن الخالق منح الناس حقوقا متساوية في الحياة والحرية لا تنتزع. ولتأمين هذه الحقوق وجدت الحكومات التي تستمد سلطانها من رضى الشعب، فأن قضت الحكومة على تلك الغاية صار من حق الشعب استبدالها بأخرى جديدة تعتمد أسس ومبادئ يراها أجدى لصون سلامته وسعادته. وأثرت أفكار الثورة الأمريكية في المجتمع الفرنسي، فثار على الحكم الملكي الفاسد وشكل الجمعية الوطنية الفرنسية، التي أقرت وثيقة حقوق الإنسان المكتوبة من قبل امانول جوزیف سییس، ثم سجلت هذه الوثيقة في الدستور الفرنسي الذي أصدرته الثورة سنة 1791 م (33).

وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948 م مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بعد أن ظهرت القناعة بأن ما ورد في ميثاقها لم يكن كافيا، وقد تناول الإعلان حقوق أعضاء الأسرة الإنسانية على إنها حقوق غير قابلة للانتهاك، وتمثل معیارا مشترکا تقيس على أساسه الشعوب والأمم منجزاتها على هذا الصعيد، وإن كان لا يتضمن إلزاما للدول الأعضاء في الأمم المتحدة ولا يتوفر على الضمانات الكافية لعدم انتهاکه. ولذا اتجهت المنظمة إلى مهمة تحويل المبادئ التي جاء بها الإعلان إلى معاهدات تفرض التزامات على الدولة المصدقة بها(34).

ويقسم الدكتور عامر حسن فیاض الوثائق الدولية لحقوق الإنسان إلى: الجيل الأول يتمثل بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 الفردية البعد، ثم الجيل الثاني المتمثل بالعهود الدولية السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية التي شملت حقوق فردية مطعمة بحقوق جماعية واجتماعية مثل إعلانات حقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق

ص: 324

السكان الأصليين، ثم مع التسعينات تدخل حقوق الإنسان الجيل الثالث من حيث التركيز على حقوق مثل التنمية والحق في البيئة النظيفة، والأمر يحتاج أكثر إلى أجيال رابعة وخامسة تعزز الحقوق الجماعية وبشكل متوازن مع الحقوق الفردية (35).

وقد وجهت انتقادات قوية للتفسير الغربي لحقوق الإنسان، الذي جرى فيه التمييز بين حقوق الإنسان وحقوق المواطن. ولكن من هو هذا الإنسان المتميز عن المواطن؟ إنه الإنسان الأناني المنفصل عن المجتمع، إنه عضو المجتمع البرجوازي في نظر مارکس. فالحرية تتحدد حسب وثيقة الحقوق الصادرة عن الأمم المتحدة أن الإنسان باستطاعته أن يفعل كل ما لا يضر بالآخرين. فهي لا ترتكز على علاقات الإنسان بالإنسان الآخر، وإنما على انفصال الإنسان عن الإنسان، إنها الحق في هذا الانفصال. والتطبيق العملي للحرية يجري في حق الملكية الفردية، إذ هي حق الإنسان في التمتع بثروته والتصرف بها وفق مشيئته، من دون الاهتمام بسائر الناس وبصورة مستقلة عن المجتمع؛ إنه الحق الأناني، الذي يتجلى فيه الآخر ليس محل لتحقيق الحرية، وإنما مقيد لها. وهكذا بالنسبة لسائر الحقوق. فالأمن وهو أسمى مبدأ اجتماعي يقوم على الحماية التي يمنحها المجتمع لكل عضو لحفظ حياته وحقوقه وحريته، وبالتالي فهو الضمان للحفاظ على فرديته وأنانيته (36).

إذن ليس ثمة أي حق من حقوق الإنسان يتخطى الإنسان الأناني، بمعنی فردا مفصولا عن المجتمع ومنطويا على ذاته ومنشغلا بمصلحته الشخصية فقط. وإن غاية التجمع السياسي هي الحفاظ على حقوقه الطبيعية التي لا يمكن إلغاؤها. (فالإنسان ليس منظورا إليه في هذه الحقوق بمثابة كائن بشري اجتماعي؛ بل على العكس تماما، فأن الحياة البشرية نفسها، أي المجتمع تظهر بمثابة إطار خارجي عن الفرد، بمثابة تحديد حريته الأولية. والرابطة الوحيدة التي توحد بينهما إنما هي الضرورة الطبيعية، حاجة المصلحة الخاصة) (37).

ص: 325

من هنا يمكن القول بأن مفهوم حقوق الإنسان في العالم الغربي لا يمكن تعميمه، ذلك لأنه في الحقيقة مرتبط بتصور خاص بالإنسان وحياته الاجتماعية، وبالتالي فمن غير الصواب الادعاء بأن قیم حقوق الإنسان في النظر الغربي مطلقة، إذ لا يمكن اعتبارها مفاهیم علمية صارمة، تخضع في التقويم لمعايير واحدة، في كل المجتمعات على اختلاف أسسها النظرية ومرجعيتها الفكرية.

أما في مجال الممارسة فقد أصبحت قضية حقوق الإنسان أحد أسلحة السياسة الخارجية للدول الكبرى، ذلك من خلال استخدامها معيارا في تقديم المساعدات الدولية للدولة النامية. ولا يخفى ما يترتب على تنفيذه من مشكلات في الواقع المعقد لنظام عالمي لم يتفق على اتجاهاته وقيمه الأساسية وموازینه، مما يفتح الباب لصور من التدخل غير المسوغ في الشؤون الداخلية للدول تحت شعار الدفاع عن حقوق الإنسان، خصوصا مع دخول أطراف غير حكومية أصبحت بمقتضى أهدافها وأنشطتها ذات صلة كبيرة بالموضوع، مما يفتح المزيد من الاقتناع بالحق في التدخل الخارجي في السياسة الداخلية للدول، طبعا يجري ذلك وفق معيار النموذج الغربي، ومن دون اعتبار للخصوصية الثقافية والاجتماعية والدينية للمجتمعات (38).

فضلا عن اتخاذ موضوع الدفاع عن حقوق الإنسان كسلاح ضد الدول، من أجل تمرير الدول الكبرى لمصالها السياسية. ويمكن النظر إلى ازدواجية المعايير في الحكم والتطبيق في قضايا عديدة حدثت في العالم، مثل القضية الفلسطينية والمشكلة البوسنية وغيرها التي جرت فيها انتهاكات لحقوق الإنسان أفزعت الضمير الإنساني، إلا إنها لم تواجه بموقف عادل من الدول الكبرى للدفاع عن حقوق الإنسان ورد العدوان عليها. وشمل هذا الموقف المنظمات الدولية التي اكتفت بمجرد الإدانة الباهتة التي لا تتناسب مع حجم المجازر والتشريد، فلم تلاحق المسؤولين عن هذه الجرائم الكبرى بنفس الحماس الذي تظهره في شأن أحداث أقل أهمية تجري في دول أخرى(39).

ص: 326

المبحث الثاني: حقوق الإنسان عند الإمام علي (عليه السلام) في ضوء عهده لمالك الأشتر (رضي الله عنه)

جاءت خلافة الإمام علي في ظروف عصيبة مرت بها الأمة الإسلامية، حيث شهدت ثورة عارمة اشتركت فيها مختلف الأمصار، حين قدمت وفودها إلى المدينة لتعبر عن سخطها على عثمان بن عفان الذي لم يف بمسؤولياته في إقامة العدل، فقتل على أثرها الأمر الذي احدث فتنة عمياء هزت كيان الأمة الإسلامية، وكانت بمثابة الزلزال الذي أضعف أساسات البناء السياسي الإسلامي، وبالتالي كان من العوامل التي عجلت بأنهاء مرحلة الخلافة باستشهاد الإمام ثم تسلط بني أمية على الدولة الإسلامية (40).

إن تلك الظروف المضطربة والملابسات التي أحاطت بخلافة الإمام، قد سلطت الضوء على عظم شخصية الإمام وثراء سيرته، فكانت المشكلات الكبرى والصراعات العنيفة التي حلت بالأمة الإسلامية تتطلب قرارا حاسما وموقفا صلبا، لا يقوم به إلا الأفذاذ من الناس، وكشفت عن سيرة ثرية تبدت فيها القرارات والمواقف كمنار تضيء الطريق لمن جاء بعده، ينهل منها ما شاءت قدرته وموهبته الاستفادة من ذلك المنهل الرحب والعطاء الثر.

كما أن شخصية الإمام قد أحيطت بهالة قدسية نادرة، وجد فيها الأبعدون صوتا للعدالة الإنسانية، ولمس فيها الأقربون صحابيا جليلا زق العلم من صاحب الرسالة الأعظم، منذ أن ربّي في حجره إلى خليفة لأمته، وتمسك بها الأدنون لأنها طهرت من الجليل الأعلى الذي أراد لها أن تكون هاديا لرسالته ومنارا لبلاده.

أما البحث عن موضوع حقوق الإنسان لدى الإمام فهو بحث شيق وعمیق، تتداخل فيه الأقوال والأفعال، وتتجانس فيه العقائد والمواقف. والأسئلة التي تستوجب الإجابة

ص: 327

عنها هي: هل يمكننا أن نعثر على متبنیات لحقوق الإنسان في أقوال الإمام؟ وإن كانت كذلك فهل التزم بها الإمام کمبادئ عمل في سيرته العملية؟ وإن صح ذلك فهل اعتمدت کمنهج عمل للدولة حين أصبح على قمة الهرم السلطوي؟ ومن ثم أيمكننا الادعاء بأن الإمام ليس كآخرين، الذين إذا قالوا نقضوا وإذا عاهدوا نکلوا. بل تبدو سيرته بقوله وفعله وتقريره مزيجا واحدا يعكس صورة من صور الكمال المتفرد، والتمسك المعصوم بثوابت الشرع الذي يعز فصله ويستحيل نقضه، مهما جاءت النتائج وغلت التضحيات؟

أولا: الحقوق المدنية

حق العمل والملكية الخاصة:

مع أن الإمام كان يستشف من بعض حديثه تلك النظرة الدونية إلى الحياة، إلا أن ذلك لم يمنعه من التأكيد على أهمية العمل والكسب ورفض الرهبانية والاقتصار على العبادة، فهو (عليه السلام) يأمر واليه ب (استوص بالتجار وذوي الصناعات وأوصي بهم خيرا،... فأنهم مواد المنافع) (41). ولم يكتف بالحث على العمل الذي ينفع الجماعة ورعاية العاملين، ولإعلاء من شأن هذا العمل، اشترط ألا يجبر العامل على عمله، فالعمل الذي لا يواكبه رضا وجداني عميق من قبل العامل، فيه إساءة للحرية والعمل نفسه؛ وإنصافا للشخص يحرم إكراهه على عمل من غير مبرر، كما لابد أن تكون ثمرة العمل من حق العامل وحده (42). وكمثال تطبيقي على ذلك نذكر أهل القرية الذين طلبوا من حاكمهم إعادة فتح مجرى نهر سابق قد اندثر، وذلك بأمر القادرين على العمل بالسخرة، ولكن الإمام رفض ذلك، وطلب منه، أن يدعو الناس إلى حفر النهر، ثم يكون الأجر والنهر فيما بعد لمن عملوا بمليء إرادتهم (43).

ولا تعني حرية العمل عند الإمام أن يكون السوق مفتوحا على مصراعيه لجشع بعض التجار، كما هو حال السوق في الدول الرأسمالية، وإنما لابد للدولة من مراقبة

ص: 328

حركة السوق، وتنظيمها وفقا لموازين التكافؤ في الفرص وتحقيق العدالة. فقد نبه الإمام في العهد: (وليكن البيع بيعا سمحا بموازین عدل، وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع [المشتري]، فمن قارف [خالط] حكرة [الاحتكار] بعد نهيك إياه فنکّل [عاقبه]، وعاقب في غير إسراف [تجاوز حد العدل]) (44).

ويركز الإمام في سياق توصياته إلى عامله أن يكون هدفه الأساس البناء والأعمار ولا يكون مبلغ همه أخذ الضرائب، فيقول: (وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة) (45). ويضيف الإمام بضرورة مراعات الناس في أخذ الضرائب: (فأن شكو ثقلا أو علة... خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم) (46). لان ذلك فيه صلاح الحاكم والمحكومين، (فأنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك، مع استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك باستفاضة العدل فيهم) (47).

وقد ورد عن الإمام (عليه السلام) في رواية مفصلة أنه بعث أحد عمال جباية الزكاة، وأوصاه بتقوى الله ورعاية حقوقه، فأن وصل لتلك المنطقة نزل بعيدا عن البيوت، ثم يأتيها وهو على سكينة ووقار فيسلم على أهلها ويقول لهم، أرسلت إليكم لأخذ منكم حق الله في أموالكم، فأن قال قائل ليس علىّ حق، فلا تراجعه، وإن أنعم منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلا خيرا، ولا تدخل إلا بأذنه، وإن دخلت فلا تدخل دخول متسلط عليه ولا عنف به، ثم أقسم المال قسمين وخيره في أحدهم وخذ الآخر، وهكذا حتى يبقى ما فيه حق الله (48). وفي الحقيقة فأن هذا التعامل مع المواطنين عند أخذ الضريبة المفروضة عليهم، هو أرقی تعامل يمكن أن يتصور في نظام ضريبي حضاري.

ذلك لان للمسلم حرمة في نفسه وأهله وماله لا يجوز التعدي عليها، بل تمتد هذه الحرمة لتشمل كافة مواطني الدولة الإسلامية سواء من المسلمين وغيرهم، فقد جاء في

ص: 329

نهج البلاغة، (لا تضربن أحدا سوطا لمكان درهم، ولا تمسن مال أحد من الناس مصل ولا معاهد، إلا أن تجدوا فرسا أو سلاحا يعدی به على أهل الإسلام) (49). حينئذ يخرج المرء من كونه مواطن ويصبح معادي يستحق العقوبة والردع. بل نجد أن الإمام قد حث الناس على الجهاد حينما بلغه (أن رجلا منهم [الأعداء] كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها... ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلا منهم كلم ولا أريق لهم دم، فلو أن أمرأ مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما، بل كان به عندي جدير) (50).

الضمان الاجتماعي:

يؤكد الإمام علي في عهده إلى عامله على ضرورة إحاطة الطبقة الفقيرة من المحتاجين والمرضى وذي العاهات بالرعاية الأزمة، حيث يقول: (الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم والمساكين والمحتاجين وأهل البؤسي... والزمني... واحفظ الله ما استحفظك.. من حقه فيهم) (51). وضرورة عدم التقصير في ذلك بحجة الانشغال بالمصالح العليا للمجتمع، (فلا يشغلنك عنهم بطر [طغيان النعمة]، فأنك لا تعذر بتضييع التافه [البسيط الحقير] لأحكامك الكثير المهم) (52). ثم يشير الإمام إلى شريحة أخرى من الشرائح الاجتماعية التي هي بحاجة إلى رعاية خاصة من الدولة، (وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن [المتقدمون فيه] ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه، وذلك على الولاة ثقيل) (53).

أما في مجال الممارسة العملية، فقد كان شديد الحرص على مراعات هذه الشرائح الضعيفة ومواساتها، وقد نزلت فيه آيات من التنزيل تقديرا لعطاءه، فقد ذكر الواحدي أن عليا (عليه السلام) حصل على كمية من الشعير أجرا على عمل قام به، فأتی به إلى بيته فأخذوا ثلثه وعملوا منه خبزا ليأكلوه، فجاءهم مسكين فدفعوه إليه، فعملوا الثلث

ص: 330

الثاني وأتاهم يتيما فأعطوه إياه، ثم عملوا الثلث الثالث فسألهم أسير فأطعموه ذلك. فطووا في كل ذلك الوقت من غير طعام، فنزلت هذه الآية: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» (الانسان: 8) (54).

ولم يستثني من العطاء أحد من رعايا الدولة الإسلامية، ففي زمن خلافته عليه السلام مر به شیخ کبیر مکفوف يسأل الناس، فسأل الإمام ما هذا؟ فقالوا له نصراني، فقال الإمام: استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه، أنفقوا عليه من بيت المال (55). وعن الإمام الباقر (عليه السلام) أن أمير المؤمنين جاء يوما إلى السوق فابتاع ثوبين أحدهما بثلاث دراهم والآخر بدرهمين، فدفع الأول إلى عبده قنبر، فقال له قنبر، أنت أولا به، لأنك تصعد المنبر وتخطب الناس، فأجابه الإمام: أنت شاب ولك شره الشباب، وأنا أستحي من ربي أن أكون أفضل منك لباسا، لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول: ألبسوهم مما تلبسون وأطعموهم مما تأكلون(56).

كما كان شديد المحاسبة لعماله عندما يلمس منهم شيء من التقصير في ذلك، وفي سيرته كثيرا مما يصح أن يكون مثالا في هذا المقام. ومنها أنه سلام الله عليه بلغه أن عامله عبد الله بن العباس قد تجاوز على بعض الأموال العامة، وهذا الشخص من أقرب المقربين إلى الإمام، أولا لأنه ابن عمه، وثانيا لأن ابن عباس کان لصيقا بالأمام كونه أحد مستشاريه وقادته، فبعث إليه كتابا يذكر فيه خاصية القرب لهذا الرجل، فيقول: (أما بعد فأني كنت أشركتك في أمانتي وجعلتك شعاري وبطانتي، ولم يكن من أهلي رجل أوثق منك في نفسي) (57). وفي نفس الوقت فأن ذلك لم يمنعه من غض الطرف على جرأته على المال العام فيوبخه، وقد جاء في الكتاب: (أيها المعدود عندنا من ذوي الألباب كيف تسيغ شرابا وطعاما، وأنت تعلم أنك تأكل حراما وتشرب حراما، وتبتاع الإماء وتنكح النساء من مال اليتامى والمساكين والمؤمنين والمجاهدين، الذين أفاء الله عليهم هذه الأموال...

ص: 331

والله لو أن الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت، ما كانت لهما عندي هوادة ولا ظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحق منهما وأزيح الباطل عن مظلمتهما) (58).

ومنها أيضا أنه أتته العيون بخبر عن عامله في البصرة عثمان بن حنیف، حيث بلغه أنه دعي إلى وليمة فأجاب الدعوة!! ولمجرد أنه شك في مصدر هذه الأموال وضرورة الاحتراز من الشبهات، كتب إليه كتابا طویلا ينتقده فيه نقدا مرا، ويحذره من عاقبة الوقوع في الشبهات، هذه فقرة منه: (فانظر إلى ما تقضمه من هذ المقضم فان اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه) (59). ثم يذكره بسيرته ومواساته للفقراء، إذ يقول: (ألا وإن إمامكم قد أكتفي من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد... ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا وحولي بطون رثي وأكباد حری... أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش) (60).

حرية التنقل والسكنى:

فقد ورد في نص العهد في سياق الحديث عن أصحاب الأعمال والحرفيين، وضرورة رعايتهم من قبل السلطة فضلا عن اعتراضهم ومنعهم وهم يسعون حثيثا طلبا للرزق في أطراف البلاد المترامية، حيث يقول: (وجلابها [الأرزاق] من المباعد والمطارح [الأماكن البعيدة]، في برك وبحرك وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها [لا يمكن وصول الناس إليها] ولا يجترئون عليها، فأنهم سلم [أي التجار والصناع] لا تخاف بائقته [دهاؤه]، وصلح لا تخشى غائله، وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك) (61).

ص: 332

يظهر من كلام الإمام أن توصيته بهذه الشريحة، لكونها أولا لأنها تقدم في حركتها وتنقلها الخدمات للمجتمع، وثانيا لأنهم أناس مسالمين لا يخشى من جانبهم، فتكون حركتهم نافعة على العموم. ولكن سيرة الإمام تبين أنه لم يمنع أحد حتى حين شك في نواياهم. فقد استأذن طلحة والزبير الإمام في الخروج إلى مكة معتمرين، ولكن الإمام أظهر لهما شيئا من الشك فيما صمما عليه، فأكدا له أنهما لا يريدان غير العمرة، فسمح لهما في الخروج، مع أنه لم يزايله الشك في نواياهما (62). وتذكر المصادر التاريخية أنه أكد عليهما البيعة له، لتكون الحجة عليها أوثق فيما لو انقلبا عليه. وفعلا كان شك الإمام في محله ولم يتجها إلى مكة، وإنما كانت وجهتهما إلى البصرة، التي حثوا أهلها على الخروج عن طاعة الإمام، وحدوث معركة الجمل (63).

بل إن فلسفة الإمام اقتضت عدم منع الأشخاص من التنقل حتى في الظروف العصيبة، فقد بلغه أن رجالا من أهل المدينة يخرجون خلسه للانضمام إلى صف معاوية، فكتب إلى عامله على المدينة، لا ليأمره بمنعهم عن الخروج والانضمام إلى العدو، وإنما كتب له بأن لا تأس لفراق مثل هؤلاء الذين مالوا إلى الطمع، فرجحوا الباطل على الحق. وجاء فيه: (أما بعد، فقد بلغني أن رجالا ممن قبلك يتسللون إلى معاوية، فلا تأسف على ما يفوتك من عددهم ويذهب عنك مددهم، فكفى لهم غيا ولك منهم شافيا فرارهم من الهدى والحق، وإيضاعهم إلى العمى والجهل... فهربوا إلى الأثرة) (64).

ص: 333

حرية الاعتقاد:

يأمر الإمام عامله بقوله: (وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان أما أخو لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق). (65) ويمكن أن نستفيد من هذا النص حرية المعتقد؛ ذلك لان الرعية بحسب النص هم صنفان، والصنف الأول هم المسلمون، الذين ينتظمون مع الحاكم المسلم تحت عنوان (الأخوة الإسلامية)، أما الصنف الثاني فأنه يشمل كل من لا ينتمي إلى صنف المسلمين. ولما كان الإسلام دين وعقيدة، فأن الصنف الثاني يشتمل على كل من له دين وعقيدة غير إسلامية من مواطني الدولة الإسلامية. إذن فأن رعايا الدولة الإسلامية ومواطنيها هم من ديانات وعقائد مختلف، وهي معروفة ومشخصة وليست خافية على الحاكم الإسلامي، وإن الإمام سلام الله عليه حين وجه حاکمه على مصر ليس السماح لهم وغض الطرف عنهم في ممارسة دينهم وعقائدهم بحرية، وإنما يتوجب عليه أن يتوجه لهم جميعا بمختلف انتماءاتهم الدينية والعقائدية بالمحبة والرحمة عليهم واللطف بهم.

ولو رجعنا إلى التاريخ الإسلامي، وعددنا حركة الخوارج حركة عقائدية تصحيحية (طبعا من وجهة نظرهم)، وليست سياسية لأنهم كانوا لا يستهدفون الوصول إلى السلطة، وإنما تصحيح مسار الأمة، وذلك ما نبه إليه الإمام حين قال: لا تقتلوا الخوارج بعدي، فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدرکه(66).

ولكن معارضة الخوارج للأمام لم يقابها (عليه السلام) إلا بمنتهى الروية في محاولة لاستيعابهم. لقد كان الإمام خليفة وكانوا هم من رعاياه، وكان بإمكانه أن ينفذ فيهم أشد أنواع العقوبات، ولكنه لم يسجنهم ولم يجلدهم، ولم يبادرهم بحرب. فأرسل إليهم أقرب معاونيه وأعلم مستشاريه كعبد الله بن عباس وصعصة بن صوحان يجادلونهم من

ص: 334

أجل عودتهم إلى صفوف الأمة، ثم حاورهم بنفسه ما استطاع لهدايتهم سبيل (67).

وكان يعرف الإمام أن أحدهم يهم بالخروج والانضمام إليهم، فلا يستكرهه ولا يستبقيه، ويفسح لهم المجال لان يتوجهوا حيث يشاؤون، ويحسن معاملة من أقام منهم، ولا يرضى أن يتعرض له من أصحابه أحد، . ثم أنه كان يعطيهم نصيبهم من الفيء أسوة بسائر الناس. فالناس أحرار في ما يرون من قول وعمل، وموالاة ومعاداة، إلا أن يتجاوزوا على الناس ويعتدوا عليهم ويفسدوا في الأرض، حينذاك يتوجب على الإمام إلزامهم بالحدود في غير لين (68).

حق الحياة:

ومن وصايا الإمام لمالك الأشتر حرمة حياة الإنسان وعدم سفك الدماء، فكتب: (إياك والدماء وسفكها بغير حلها، فليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة، ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها (69).

ولست أدعي أمرا هو بحاجة إلى برهان حين أقول أن الإمام رجل حرب وبطل معارك، فقد شارك في حروب المسلمين والمشركين وغزواتهم، وقتل في تلك الحروب والمغازي أبطال المشركين، وبطش بأعلام قریش وكبار بيوتاتها. وكانت بدر وأحد والخندق شواهد على ما أقول. ولكن لو تساءلنا عن تلك السيرة المليئة بالحروب والتاريخ المضمخة بالدماء، هل كان ذلك كاشف عن عدم رعاية حق الإنسان في الحياة أم كان ناتج عن عقيدة راسخة بشرعية الجهاد؟ بداية يصرح الإمام في النص السابق على تحذيره عامله من مقاربة سفك الدماء بغير حق. ثم يردف ذلك بما يكشف عن فلسفته الخاصة التي تذهب إلى أن سفك الدماء من غير وجه حق، هي أكبر جريمة يمكن أن يقترفها إنسان، وهي مدعاة أكثر من أي شيء آخر للنقمة، التي توجب زوال النعمة وانقطاع مدتها.

ص: 335

ولو عدنا لسيرة الإمام (عليه السلام) لنبحث عن الشواهد حية، التي لا سبيل إليها بتأويل، ولا يتطرق إليها شك. إذ تذکر کتب التاريخ أن رجلا من الخوارج سمع حديث الإمام وهو يعض بعض جماعته، فبهره حديثه فصاح معجبا إعجاب الكاره الذي لا يملك بغضه ولا إعجابه: قاتله الله كافرا ما أفقهه. فانتفض بعض اتباع الإمام ليقتلوه، فنهاهم الإمام وقال لهم: إنما هو سب بسب أو عفو عن ذنب (70).

كما أن تاريخ الإمام يتحدث عن بعض المشاغبين في جماعته، الذين يعترضون عليه في كل خطوة، ويثقلون عليه باللجاجة في مواقف تضيق فيها الصدور. (ولم يكن الأشعث بن قيس بالوحيد في هذا الباب، بل كانوا له شركاء من الخوارج وغير الخوارج، يظهرون بالعنت في غير موضعه ويذهبون به وراء حده... ألا يخطر على البال هنا، أن ضربة من الضربات القاضية كانت تنجع في هذا العنت المكرب، حيث لا تنجع العقوبة الشرعية أو الاحاييل السياسية؟ ماذا لو أن الإمام جرد سیفه بين أولئك المشاغبين، وأطاح برأس الأشعث بن قيس قبل أن يفيق أحد إلى نفسه، ثم ولى على الفور من يقوم مقامه...؟ أكان بعيدا أن تفعل الرهبة فعلها، فيسكن المشاغب ويهاب المتطاول ويجتمع المتفرق، ويقل الخلاف بعد ذلك على الإمام؟) (71). هذا المنهج اعتمدته الميكافيلية، واستساغته البرغماتية، واعتبرته الاشتراكية ضرورة لحفظ المجتمع. ولكن هيهات فليس ذلك في فلسفة الحكم عند الإمام، ولا طريقته في التعامل مع موضوع الدماء، مع علمه بنجاعته، وعدم غيابه عن نظره.

حتى قتال العدو عند الإمام له أصوله وأخلاقياته، (فليس الغدر قتالا، ولا المباغتة دون الإعذار جائزا عنده، بل لابد من الالتزام بالأصول الأخلاقية. ومن هنا فأن الإمام حينما أرسل الأشتر في مقدمة الجيش إلى مناوئيه أوصاه قائلا: إياك أن تبدأ بقتال إلا أن يبدؤوك، حتى تلقاهم فتدعوهم وتسمع منهم، ولا يحملك بغضهم على قتالهم

ص: 336

قبل دعائهم والإعذار إليهم مرة بعد مرة) (72). فليس البغض أو العصبية ما يحمل على القتل عند الإمام، وإنما الحجة والإعذار بالنصيحة مرة تلو الأخرى، حتى إفراغ الوسع وقيام الحجة على القتال. وليس قوله السابق لمالك نصيحة خاضعة لاشتراطات الحرب وتقلباتها، وإنما هي فلسفة عمل وضوابط شرع لا يمكن تجاوزه. فحين سمع أن جماعة الخوارج (خارجون عليك فبادرهم قبل أن يبادروك، فقال: لا أقاتلهم حتى يقاتلوني، وسيفعلون. وكذلك فعل قبل وقعة الجمل، وقبل وقعة صفين، وقبل كل وقعة صغرت أو كبرت، ووضح فيها عداء العدو أو غمض، يدعوهم إلى السلم وينهي رجاله عن المبادأة بالشر، فما رفع يده بالسيف قط، إلا وقد بسطها قبل ذلك للسلام) (73).

العدالة:

جاء في نص العهد: (وإن أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد، وظهور مودة الرعية) (74).

لقد ركز الإمام على موضوع العدل أيما ترکیز، سواء على مستوى توجيهه ونصحه ومواعظه للآخرين، أم على مستوى عمله الفعلي وممارساته العملية، حين كان خارج السلطة أم حينما تسلم مقاليد خلافة المسلمين؛ ذلك لان العدل أولا قيمة من قيم الدين ومعیار للشريعة، فكان تمسك الإمام بهذه القيم بمقدار تمسكه بدينه وشريعتها المقدسة. كما أن تشدده في التزام قيم العدالة الاجتماعية وتحقيق المساواة، ورفضه التام لأي ممارسة أو تطبيق عملي يحيد عنها ولو بصورة آنية، اقتضاء للمصالح العليا ولاعتبارات السياسة ومتطلبات الظروف التي تحيط بالدولة؛ كون أن خلافة الإمام جاءت بعد ثورة عارمة لم يشهدها المجتمع الإسلامي من قبل، نتيجة ابتعاد سياسة الدولة عن قيم الإسلام الأصيلة التي قامت على العدل والمساواة، فظهر خلالها انقسام ملحوظ للمجتمع إلى طبقات متمايزة على أسس عرقية ومادية، فكان تشدد الإمام في التمسك بتلك القيم من

ص: 337

أجل إعادتها وإحيائها في نفوس الناس من جديد. لذا جاء تأكيده على واليه إلى مصر بالنص السابق، على إقرار الحق شريعة بين الناس وتحقيق العدالة يجب أن تكون القيمة العليا للحاكم، وفي ذلك توفير الأرضية الصحيحة لكسب رضا المواطنين وجلب مودتهم، وهي في الوقت ذاته تحقق رضا الله تعالى.

ولما بويع الإمام على الخلافة ونهض بأعبائها، كان عازما على إعادة الحق إلى نصابة مهما كلفه الأمر، فقام خطيبا في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألا لا يقولن رجال منكم قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار وفجروا الأنهار وركبوا الخيول الفارهة، واتخذوا الوصائف الروقة فصار ذلك عليهم عارا وشنارا إذا منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعملون، فينقمون ذلك ويستنكرون ويقولون حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا. ألا وأيما رجل استجاب لله وللرسول فصدق ملتنا ودخل في ديننا واستقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده، فانتم عباد الله والمال مال الله يقسم بینکم بالسوية، لا فضل لاحد على أحد) (75). بل وأقسم على نفسه أن يعيد كل الحقوق التي اغتصبت إلى مستحقيها، إذ يصرح: والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الإماء لرددته، فأن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق (76).

وطلب من الإمام تفضیل بعض الأشراف ممن يتخوف منه مخالفته ويحتمل افتراقه عن جماعته، لان الناس أصحاب دنیا ولما رأوا ما يفعله معاوية بمن انقطع إليه منهم، فأن استتب الأمر لك عدت إلى سيرتك إلى أحسن ما كنت عليه من العدل في الرعية والقسم بالسوية. فأجابهم: أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من أهل الإسلام، والله ما أطور به ما سمر سمير وما أم نجم في السماء نجما، ولو كان مالهم مالي لسويت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم(77).

وكان الإمام (عليه السلام) إذا عين واليا على إقليم من أقاليم أو مدينة من مدن الدولة

ص: 338

الإسلامية، أعطاه عهدا يقرأه على الناس، فأن أقره الناس، كان ذلك العهد بمثابة العقد بينه وبين الناس، لا يجوز لهم أن ينحرفوا عنه، ولا يجوز للحاكم أن يتأوله أو يخالفه، وإن خالفه وانحرف عنه في شيء قليل أو كثير، كان ذلك موجبا للحساب والعقوبة. لقد ربط الإمام ولاته وعماله بالشعب بمثل ما أرتبط به، فكان شديد المراقبة لهم، فكانت تلك الخطوة الرائعة منسجمة مع دستوره العام في الحقوق والواجبات، وهي تنسجم مع أرقی دساتير الأمم في وقتنا الحاضر، حين جعل من المحكوم نفسه رقيبا أعلى على الحاكم (78). وهكذا فعل حين ولى الإمام مالك الأشتر على مصر.

فكانت أولى الفقرات من وصايا الإمام إلى واليه هي المحافظة على القانون والالتزام به، ف (أمره بتقوى الله وإيثار طاعته واتباع ما أمر في كتابه من فرائضه وسننه، التي لا يسعد أحد إلا باتباعها ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها) (79). فالوالي ليس حرا في تصرفه مع الناس، وإنما هو مقید بسنن الشريعة وقوانينها فيما يخص الحقوق والواجبات بين المواطنين. وفي ذات الوقت فأن طاعة المواطنين للحاکم مشروطة بالتزامه بالشريعة، ففي كتاب الإمام إلى أهل مصر (فاسمعوا له، أطيعوا أمره فيما طابق الحق) (80). ذلك لان إقامة الحق أساس السعادة، (وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على الظلم) (81).

ومن وصاياه سلام الله عليه لمالك الأشتر: (انصف الله وانصف الناس من نفسك، ...، فإنك إن لم تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده) (82). وفي هذا الباب روي أن امرأة اسمها (سودة) جاءت إلى الإمام، تشكو رجلا قد ولاه عليهم لجمع الصدقات فجار عليهم، وكان يصلي فلما انتهى من صلاته، سألها ما حاجتك، فأجابته بخبره، فبكى وقال: اللهم أنت الشاهد علي وعليهم، وأني لم آمرهم بظلم خلقك. ثم كتب كتابا على ورقة من الجلد، ودفعه إلى المرأة من دون ختم، فدفعته إلى صاحبه

ص: 339

فانصرف عنهم معزولا. وهذا نصه: (بسم الله الرحمن الرحیم. قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلك خير لكم إن کنتم مؤمنين، فإذا قرأت كتابي هذا فاحفظ بما في يدك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك، والسلام) (83).

ويتحدث الإمام عن قضية هي في غاية الأهمية بالنسبة للحكام وذوي النفوذ، لأنها كثيرا ما كانت محل ابتلاء وامتحان لهم، وغالبا ما فشلوا في ذلك، وهي أن قواعد العدالة توجب أن تكون عامة شاملة لكل الرعایا من غير استثناء، فلا إثرة لاحد من الناس مهما كانت له صلة القربی معه، أو كانت له حظوة لديه، بل يوصیه بعدم الأثرة حتى مع نفسه، فيقول: (وإياك والاستئثار [تخصيص النفس بزيادة] بما الناس فيه إسوة [متساوون]) (84). ثم يذكره بضرورة الأنصاف مع الأهل والمقربين، بقوله: (أنصف الله وأنصف الناس من نفسك، ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوى [تميل إليه] من رعیتك، فإنك إن لم تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده) (85). ويؤكد على هذا المعنى بعبارة أخرى: (وألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد، وكن في ذلك صابرا محتسبا، واقعا ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع) (86). ولكنه (عليه السلام) ينبه إلى أن قواعد العدالة قد لا تقتضي المساواة في المعاملة بين الناس، حيث يقول: ولا يكون المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإن في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريبا لأهل الإساءة على الإساءة، والزم كلا منهم ما الزم نفسه (87). ثم يضيف: (وإن ظنت الرعية بك حيفا [ظلما]، فأصحر لهم بعذرك [بين لهم عذرك فيه]). (88)

ولابد من القول أن شخصية الإمام كانت تتجسد فيها مؤهلات قوية في تطبيق العدالة الاجتماعية، وكان إلتزامه بها بالغا ما بلغ هو السبب الذي أبعد عنه ذوي الأطماع والأغراض الذين يمنون أنفسهم بالأثرة، وأخاف ذوي المناصب والكنوز، وقطع آمال

ص: 340

حواشي السلاطين، وهدد الفجرة الذين استحقوا إقامة الحدود الإلهية. فاجتمعت هذه العوامل على التأجيج ضد الإمام وجرت عليه النوائب والحروب.

ثانيا: الحقوق السياسية والقضائية

الحقوق السياسية:

من أصعب القضايا التي تتناول في مجال حقوق الإنسان وأكثرها حساسية، هي القضايا التي تتعلق بالحقوق السياسية للمواطنين، خاصة وأن البحث يتناول مرحلة تعود إلى مرحلة سابقة بأكثر من ألف عام، ولعل ذلك يرجع إلى أنها ترتبط ارتباط مباشر بموضوع السلطة وصلاحيات السلطان، وهم حسب الفرض الراعي الأول للحقوق. فالحاكم قد لا يعسر عليه أن يكون كريما في عطائه، ومنصفا في توزيع المال، وأريحيا في تقبله لأشخاص يحملون عقيدة مخالفة، ولكن حينما يصل الأمر إلى صلاحياته في ممارسة سلطته وتقبله للمعارضة أمر ليس باليسير باسط عبارة يمكن أن تقال.

بداية نقول أن الإمام كان يرى أنه أحق بالخلافة بعد النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، لأنه ربيب النبي وأخوه وصهره، وصاحب السابقة في الإسلام والبلاء الحسن في المشاهد كلها. وقد صرح النبي في حقه الكثير من الأقوال، ومنها قوله (صلى الله عليه واله وسلم): أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وأيضا قوله: من کنت مولاه فهذا علي مولاه. ومن أجل ذلك طلب العباس عمه حين قبض النبي البيعة منه، هو وأبو سفيان الذي أراد بيعة علي عصبية لبني عند مناف. ولكن الإمام أبي البيعة مخافة الفتنة. ولما بويع الحكام الثلاثة قبله، طابت نفسه بما كان يراه حقا له، فبايعهم مكرها، وصبر مخافة الفتنة وحفظا للدين وحقنا لدماء المسلمين (٭)، وكان ناصحا لهم (٭٭). وحين قتل عثمان كان طبيعيا إذا أن يفكر في نفسه وما غلب عليه من حقه، ولكنه مع ذلك لم يطلب الخلافة ولم ينصب نفسه للبيعة، إلا حين استكره على ذلك، حين فزع

ص: 341

إليه المهاجرون والأنصار يلحون عليه في تولي أمور الأمة، وإخراجهم من تلك الفتنة المظلمة التي عمت بعد مقتل عثمان، وهدد بالقتل من قبل بعض الثوار في حال عدم إجابته لهم(89). وهو يقول في وصف تلك الحال: (فأقبلتم إلي إقبال العوذ المطافيل [الأنثى صاحب الأولاد] على أولادها، تقولون: البيعة البيعة! قبضت كفي فبسطتموها ونازعتكم يدي فجاذبتموها) (90). ويكشف الإمام سر طلبه للحكم، وقبوله للخلافة بقوله: (اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك) (91).

ثم أنه عليه السلام لما بويع لم يكره أحدا عليها، وإنما قبل البيعة ممن بايعه وترك من لم يرد أن يبايعه، فترك عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاس ومحمد بن مسلمة الأنصاري (92).

ولما أراد بعض الثوار أن يرغموا أولئك النفر المتخلفين عن البيعة، ويحملوهم قسرا عليها، أبى الإمام ذلك أشد الإباء، لان قاعدته العامة في شأن البيعة تستند إلى حرية الأفراد، فمن بايع قبلت منه، ومن أبى فهو حر في رأيه. كما أن عبد بن عمر لما أبي البيعة للإمام أراد نفر أن يقدم كفيلا لئلا يثير الفتنة، فأبی أيضا من تقديم الكفيل، فقال لهم الإمام خلو سبيله، وأنا كفيله(93).

وإن كانت فلسفة الإمام تستلزم الحرية السياسية والمسؤولية الشرعية، في وقت السلم وفي قضية البيعة، التي هي عقد وحرية الاختيار فيه ركن أساس، فما هو موقفه من حرية الرأي في وقت الحرب؟ إذ إن الدول الديمقراطية الحديثة تعلن فيها حالة الطوارئ، التي تضيق فيها كثير من حالات الحرية المعتادة. أما عند الإمام فالأمر مختلف. فقد جاء حبيب بن مسلم الفهري إلى الإمام حين اشتدت الفتن وسعرت نار الحرب، وطلب منه أن يعتزل الخلافة ويكون الأمر شوری بين المسلمين، فأشار عليه الإمام بأن هذا ليس محلك

ص: 342

ولا أنت له أهل، فقام حبيب وقال: والله لتريني بحيث تكره. وليس بخاف ما في هذا القول من التهديد الصريح، لأعلى قمة في هرم الدولة وفي زمن الحرب. فماذا يكون الرد على مثل هذا التهديد؟ هل أمر بسجنه والحيلولة دون تحقيق مبتغاه في صریح تهدیده؟ ألم يكن الإمام قادر على منعه؟ ماذا كان جواب الإمام؟ إنه لم يفعل شيء من هذا القبيل، وإنما نظر إليه وقال بلهجة الواثق من عدالته المعترف بحق الناس في القول والفعل: اذهب فصوب وصعد ما بدا لك (94).

وتتخذ الدول بصورة عامة موقفا موحدا فيما إذا داهمها خطر، إذ تستحث الجميع وتسوقهم بكل السبل لدرء ذلك الخطر، أما الإمام فقد كان طريق التعبة لديه من خلال القناعة وحدها، فعندما خرج إلى حرب الجمل، بعث كتابا للناس يستحثهم، أورد فيه: (وأنا أذكر الله من بلغه کتابي هذا لما نفر إليّ، فإن کنت محسنا أعانني وإن كنت مسيئا استعتبني) (95). حيث لم يكن الإمام ليلجأ في ذلك إلى أي نوع من القهر المادي أو المعنوي، فالقهر بمختلف ألوانه مناف لأصول رؤية الإمام إلى الحرية وشروطها. لقد كان يتوجه إلى عقول الناس بمنطق العقل وبما يملكه من حجة وبرهان، ويتوجه إلى قلوبهم وضمائرهم بمنطق القلب والضمير، فيلحق به من يلحق ويتخلف من يتخلف. فالأمام لا يقبل الإكراه ولا يجيزه، وهو يأبى أن يلحق به أحد من الناس من غير بصيرة وإيمان، لذلك لم يجبر أحدا من الناس على اللحاق به في حرب الجمل وحرب صفين وحرب الخوارج (96). وتذكر المصادر التاريخية أن الإمام لم يتخذ موقفا ضد جماعة رفضت محاربة الخوارج، منهم عبيدة السلماني والربيع بن خثيم ومعهما نحو أربعمائة رجل، قالوا للأمام إنا شككنا في قتال هؤلاء، مع علمنا بفضلك وسابقتك. فلم يفرض عليهم الخروج لحرب الخوارج (97).

وكان الحكام يعتبرون الدولة بسكانها وأرضها ملكا خاصا لهم، يتصرفون به کما

ص: 343

يشاؤون دون حسب أو رقيب، وكانت أموال الدولة وأموالهم شيئا واحدا ينفقون منها كما يرون، وكانت مراكز الدولة والمسؤوليات العامة ملكا لهم، يعينون فيها ويعزلون على هواهم. أما الإمام فقد أقام نظاما إداريا محكما، حدد فيه الوظائف العامة وطرق تعيين المسؤولين، وبين واجباتهم وحقوقهم، وأقام عليهم تفتیشا دقيقا، ووضع أسس الثواب والعقاب (98).

وفي نص عهده سلام الله عليه إلى مالك الأشتر تفصيل دقيق لتلك الأسس والقواعد والشروط الإدارية، لا مجال لذكرها هنا، لأنها تدخل في بحث النظام السياسي والإداري عند الإمام. أما الوصايا التي ترتبط بموضوعنا حقوق الإنسان، فكانت تدور حول توجيه الإمام بضرورة تمسك الحاكم بقواعد القانون والشرع في تعامله مع الناس، (ولا تقولن إني مؤمّر [مسلط] آمر فأطاع) (99)، الأمر الذي يفرض عليه الخروج عن إطار الفعل الفردي المحكوم بالنظرة الشخصية والالتزام بقواعد الشرع، لأن ذلك كفيل بتحقيق العدالة الاجتماعية، ويستلزم رضا الرعية. ويمكن القول أن الأسس الدستورية في فلسفة الحكم عند الإمام علي تقوم على ثلاثة أمور هي: الحق، العدل، رضا القاعدة الشعبية، (وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها لرضى الرعية) (100). الذين هم الدعائم الأساسية للدولة. حيث يقول: (وإنما عماد الدين وجماع [جماعة] المسلمين والعدة للأعداء، العامة من الأمة، فليكن صفوك [الميل] لهم، وميلك معهم) (101). كما إن (سخط العامة يجحف برضى الخاصة [يذهب برضاهم]، وأن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة) (102). وبالتالي فأن معیار صلاح الحكام في دستور الإمام، يستشف من رضى العامة، إذ يقول: (إنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده) (103). ورفضه التام لأساليب العنف والبطش من قبل الحكام في توطيد دعائم حكمهم، (فلا تقوین سلطانك بسفك دم حرام، فأن ذلك مما يضعفه ويوهنه، بل يزيله وينقله) (104).

ص: 344

وفي هذا المجال أيضا يطالب الإمام من الحاكم أن يفرغ جزء من وقته لاستماع قضایا الناس وشکایاهم، ويصف آداب التعامل معهم، إذ يقول: واجعل لذوي الحاجات [المتظلمين تتفرغ لهم فيه بشخصك للنظر في مظالمهم] منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلسا عاما، فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك [لا يتعرض لهم جندك] وأعوانك من حراسك وشرطك، حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع [غير متردد أو خائف عن التعبير بما عنده]،..... ثم احتمل الخرق [العنف ضد الرفق] منهم والعي [العجز عن النطق]، ونح عنك الضيق (105).

ومن أجل تطبيق هذه القواعد الدستورية، ولأهمية وخطورة مواقع المسؤولية (العامل) في النظام الإداري الإسلامي، يضع الإمام شروطا مشددة في عملية اختيارهم، فيقول: (ثم أنظر في أمور عمالك فأستعملهم اختبارا [بالامتحان]، ولا توهم محاباة [من الميل الشخصي] وإثرة [استبدادا بلا مشورة]،... وتوخ [اطلب وتحر] منهم أهل التجربة والحياء، من أهل البيوتات الصالحة، والقدم [ السابقون] في الإسلام) (106). وفضلا عن ذلك يجب وضعهم تحت المراقبة، (وابعث العيون [الرقباء] من أهل الصدق والوفاء عليهم) (107).

وقد طبق الإمام تلك الشروط بدقة وصرامة، ولم يرض أن يتنازل عنها، مهما كانت الأسباب وجاءت النتائج، إذ كانت لتلك الأسس والشروط قيمة عليا في نظر الإمام، لا تقوم مقامها ضرورات الظروف ولا تعادلها مقتضيات المصلحة السياسية. فعندما بويع الإمام للخلافة أقبلا طلحة والزبير عليه وبایعاه راضيين طائعين، ولكنهما بدا لهما بعد ذلك من الإمام ما لم يكونا ينتظران، فقد كانا يقدران أن الإمام محتاج إليهما أشد الاحتياج، إذ كانت لطلحة مكانة عند أهل الكوفة، وللزبير مثلها عند البصريين، فكانا يطمحان في أن الإمام سيعرف لهما مكانتهما وسلطتهما على أهل الكوفة وأهل البصرة،

ص: 345

وسيشركهما في أمره ويقاسمهما الخلافة، التي ستكون ثلاثية لهؤلاء النفر من أصحاب الشورى. وبالتالي يكون أمر الشام هينا عليه. ولما لم يريا ما كان يتوقعانه من الإمام، وأن أمرهما سيكون كأمر غيرهما من أعلام المهاجرين، وسيأخذان عطاءهما بالتساوي كل عام، ولم يلقيا منه ما كان يمنحهما عثمان من الرفق واللين والتسامح، فدبرا أمرهما في رؤية وأناة (108).

وتبدو الصورة أكثر وضوحا لما جاءه عليه السلام المغيرة بن شعبة وبايعه على الخلافة، قال له (إن لك حق الطاعة والنصيحة، وأن الرأي اليوم تحرز به ما في غد، وأن الضياع اليوم تضيع به ما في غد. أقرر معاوية على عمله، وأقرر العمال على أعمالهم، حتى إذا أتتك طاعتهم وبيعة الجنود استبدلت أو ترکت. فأبي وقال: لا أداهن في ديني ولا أعطي الدنية في أمري. قال المغيرة: فأن كنت أبيت علي فانزع من شئت واترك معاوية، فأن في معاوية جرأة، وهو في أهل الشام يستمع له، ولك حجة في إثباته، إذ كان عمر قد ولاه الشام. فقال علي: لا والله.. لا أستعمل معاوية يومين) (109).

وكان نتيجة الرفض الشديد لمقتضيات المصالح السياسية ومتطلبات الظروف، وتمسكه الصارم بقيمه ومبادئه، التي لم يتنازل عنها ولو آنیا؛ شاع الرأي القائل أن الإمام رجل شجاع، ولكن لا علم له بخدع الحرب والسياسة بين أصحابه ومناوئيه، معززین قولهم هذا بمخافته نصائح الدهاة من أنصاره، وما آلت إليه أحوال الأمة وعدم استقامة الأمر له (110).

وكان جواب الإمام على ذلك: (والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لکنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة، لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة)(111).

ص: 346

الحقوق القضائية

عند مراجعة سيرة الإمام نجد أن أكثر ما تكلم به هو حث الناس على طاعة الله تعالى والعمل بأوامره والانتهاء عما نهى عنه في سننه وشرائعه، وقد جرت عادة الإمام أن يبتدأ بالحديث في ذلك والتأكيد عليه في كل فرصة سانحة. تلك الشرائع (التي لا يسعد أحد إلا باتباعها، ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها) (112)، ولعل أهم جزء منها ما يتعلق بالقضاء بين الناس، وضرورة تطبيقها في الفصل في الخصومات وتحقيقا للعدالة، (فأنك إلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده) (113)؛ وذلك لكي يكون (الإنسان على بينة من قانونية أو عدم قانونية تصرفه، ومن العقوبات التي قد يستحقها إذا ما اقترف جرما ما، وليحضر على الحاكم أن يصدر قوانين تعاقب على أفعال لم تكن تعبر جرائم عند إتيانها، أو تضع عقوبات معينة على جرائم لم تكن توضع على مرتكبيها من قبل) (114).

ولأهمية المؤسسة القضائية في الدولة الإسلامية، فقد سلط الإمام الضوء عليها في عهده إلى عامله على مصر، وجاء تأكيده على أهم مفاصلها وهو القاضي وكيفية اختياره، وما هي المواصفات التي يجب أن يتمتع بها، إذ ذكر: (أختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك، ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحکه الخصوم [لج في الخصومة وأصر على رأيه]، ولا يتمادی [یستمر ويسترسل] في الزلة [السقطة في الخطأ]، ولا يحصر [لا يعيا في المنطق] من الفيء [الرجوع إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنی فهم دون أقصاه [اقربه وأبعده]، أوقفهم في الشبهات وأخذهم بالحجج، وأقلهم تبرما [الملل والضجر] بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصر مهم [أقطعهم للخصومة وأمضاهم] عند اتضاح الحكم) (115).

ص: 347

ولم يترك الإمام جانب أخر مهم في حديثه عن القاضي، وهو ما يرتبط بشخصه وحياته الخاصة، حيث يقول: (وأفسح له في البذل ما يزيل علته [أوسع له في العطاء بما يكفيه]، وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك، ليأمل بذلك اغتيال الرجال له عندك) (116). وبعد ذلك يؤكد الإمام على أن يكون تحت المراقبة الشديدة، فيقول: (أكثر تعاهد [تتبعه بالاستكشاف والتعرف] قضائه) (117)؛ وبذلك يأمل الإمام تحصيل الإنسان لحق التقاضي، بالصورة التي تحقق له العدالة في الحكم والتكافؤ والمساواة بين الناس.

وعلى صعيد السيرة العملية للإمام، فقد ورد أنه عليه السلام حينما كان خليفة للمسلمين وجد درعه عند أحد النصارى، فأخذه إلى القاضي ليخاصه عليها، فسأله القاضي: هل لك من بينة يا أمير المؤمنين؟ ولم يجد الإمام بينة على ما ادعاه، فقضى بالدرع للنصراني، فأخذها ومشی والإمام ينظر إليه، إلا أن النصراني لم يخط خطوات حتى عاد ليقر للإمام بأحقيته بالدرع، وأن هذه هي أحكام الأنبياء، ثم أسلم على يديه (118).

أما على صعيد القضاء في موضوع الدماء فقد كان موقف الإمام حاسما، وعلى وفق تفاصيل فقهية قانونية متعددة. إذ أشار على عمر بن الخطاب بقتل أكثر من شخص ثبتت جنایتهم بقتل رجل واحد، بعد تردد بعضهم في الحكم بالقضية. وروي عن الإمام أخذ القصاص من ثلاثة أشخاص اشتركوا في قتل واحد. واقتص من حرا قتل عبدا متعمدا، ومن رجل اعتدى على امرأة فقتلها. بل يروي عن الإمام أن من رأيه الاقتصاص من المسلم الذي يقتل یهوديا أو نصرانيا (119). هذه الآراء للإمام تكشف عن مضامين إنسانية عالية، من حيث أنها تنطوي على رؤية تساوي بين البشر، إذ لا فرق بين الرجل والمرأة، وبين الحر والعبد، وبين المسلم والمعاهد من النصارى واليهود.

ص: 348

ولم يقتصر النظام القضائي الإسلامي على أخذ القصاص في القتل العمد أو الخطأ، إذ سن للولي الدم التخيير بين القصاص أو أخذ الدية على تفصيل. وقد طور الإمام هذه التشريعات وكشف عن الكثير من تفصيلاتها. ومنها أن المسلم والمعاهد والمستأمن في الدية سواء. ويعد هذا المبدأ مبدءا إنسانيا في غاية السمو، لأنه ينظر إلى الإنسان كإنسان من دون النظر إلى معتقده أو مكانته في المجتمع (120).

ولم تتغير مواقف الإمام حتى وهو على فراش الموت بعد أن ضربه قاتله غدرا، حيث أوصى أن تطبق بحقه الإجراءات القانونية، فيوصي أهله بالقول: يا بني عبد المطلب لا ألفيكم تخوضون دماء المسلمين خوضا، تقولون: قتل أمير المؤمنين. ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي. انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة، ولا يمثل بالرجل، فأني سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور(121).

ص: 349

الخاتمة

وفي ختام هذه الدراسة نأتي على توكيد بعض الأمور التي انطوت عليها، تتضمنها النقاط الآتية:

1. شهدت الحضارات الشرقية المختلفة التي ظهرت في مراحل تاريخية مبكرة من عمر الإنسانية، تبلور طروحات تكشف من دون شك عن مؤشرات تقدير للحقوق الإنسانية، وان اختلفت في مستوياتها وفي مرجعيتها الفكرية. ولكن إلى جانب ذلك شهد الشرق القديم تسلط دکتاتوریات وفراعنة امتهنت حقوق الإنسان وكرامته؛ مما يدلل على أن المعيار الحقيقي الذي يحكم على التجارب ويقيمها سلبا أو إيجابا، لا يتعلق بقيمة الفكرة أو تماسكها المنطقي، بقدر ما تكون قيمة حاكمة على سلوك البشر، ولذا فان كل ما سبق قوله من مفاهیم سامية تتعلق بالحق الإنساني، فإنها كانت حقائق أخلاقية ومثل سامية تطمح إليها النفوس السليمة، ولم ترق إلى أن تكون ممارسات فعلية إلا في أوقات قليلة أو ربما نادرة بالقياس إلى عموم التاريخ الإنساني.

2. وتضمنت التوراة اليهودية مؤشرات مهمة في مجال حفظ حقوق الإنسان وصيانة کرامته، غير أن التشريع التوراتي قد جرى تطويره على يد الربانيين اليهود، ويمكن أن نلمس ذلك في كتاب التلمود وهو الكتاب المعتمد أكثر من التوراة لدى أتباع الديانة اليهودية، وفيه جرى التفريق بين اليهودي وغيره من البشر، فاليهودي (روحا وجسدا) يختلف كليا عن الآخرين؛ واستنتجوا من ذلك أن اليهودي فقط يستحق الحياة، فيما الآخرين لا يستحقونها، وفي ضوء ذلك فسر قوله لا تقتل أنه تعالى نهی عن قتل شخص من بني إسرائيل حصرا، شعب الله المختار، وأصبح من العدل قتل اليهودي للأجنبي لأنه قد يكون من نسل الشعب الذي سكن أرضهم المقدسة،

ص: 350

وأضحت أحكامهم التشريعية تأمرهم بحروب إبادة ضد الشعوب الأخرى.

3. وقدست المسيحية الإنسان ووضعته في مكانة مميزة لم تضعه فيها أي من الديانات السماوية الأخرى. فإن الإنسان في العقيدة المسيحية، هو صورة لله رب الكون، وهذا ما يجعله مميزا عن باقي المخلوقات، ولما كان الأمر كذلك، فإن الإنسان ينفرد بالتمتع بالكرامة الإنسانية التي تتأصل فيه ولصيقة بشخصه لمجرد كونه إنسانا. وبهذه الصورة حلت محورية الإنسان محل محورية الله التي هي مبدأ الأديان السماوية، وأدت إلى ظهور آلية لاهوتية توجب تضحية الرب - الذي تحول إلى إنسان في هيئة السيد المسيح - من أجل سلامة الإنسان.

4. ثم أن المسيحيين لما هیمنوا على الدولة الرومانية بعد أن كانوا مستضعفين فيها، تنكروا لما دعوا إليه في بداية ظهور المسيحية من الحرية والإخاء، واعتبروا حق الغير في الاعتقاد باطلا يجب مقاومته واضطهدوا كل من يخالفهم الرأي، واتخذوا موقفا حاسما في حقهم بمقاومة الطغيان. وكان مما يميز العصور الوسطى التي ظهرت فيه الكنيسة وهي تقود المجتمعات الغربية، هو الانقسام الحاد إلى ثلاث طبقات والبون الشاسع بين الناس، وظهور محاكم التفتيش التي عملت على نشر المذهب الكاثوليكي واضطهاد المذاهب فضلا عن الأديان المخالفة. كما شهد التاريخ الحروب الصليبية وممارساتها الشنيعة بالضد من حقوق الإنسان.

5. وشهد العالم الغربي في العصر الحديث ثورات کبری، نتجت عنها تحديد سلطة الحكام ووضعها تحت الرقابة الصارمة لصيانة حقوق الإنسان وحفظ كرامته، وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يمثل معیارا مشترکا تقيس على أساسه الأمم منجزاتها على هذا الصعيد، واتجهت المنظمة إلى مهمة تحويل المبادئ التي جاء بها الإعلان إلى معاهدات تفرض التزامات على الدول.

ص: 351

6. غير أن مفهوم حقوق الإنسان في العالم الغربي لا يمكن تعميمه، إذ لا يمكن اعتبارها مفاهیم علمية صارمة، تخضع في التقويم لمعايير واحدة، في كل المجتمعات على اختلاف أسسها النظرية ومرجعيتها الفكرية؛ ذلك لأنه في الحقيقة مرتبط بتصور خاص بالإنسان وحياته الاجتماعية. أما في مجال الممارسة العملية فقد اتخاذ موضوع الدفاع عن حقوق الإنسان كسلاح ضد الدول، من أجل تمرير الدول الكبرى لمصالها السياسية، وأصبحت أحد أسلحة السياسة الخارجية من خلال استخدامه معیارا في تقديم المساعدات للدولة النامية.

7. أما في الإسلام فالإنسانية كلها ترجع إلى اصل واحد، وان هذا التنوع والاختلاف بين الناس مدعاة للتواصل والترابط، وأن لا مزية لبعضكم على بعض إلا بالتقوى. ولا يجوز التعدي على حياة الناس وأموالهم، كما أن الجزاء مقرر لمن ينتهك هذا الحق. غير أنه سرعان ما تبدلت، حيث أن معاوية والأمويين لما هیمنوا على مقدرات الأمة الإسلامية، ابدلوا مقوماتها التي قامت عليها كالتراحم والأخوة الإيمانية وإنكار الذات، لتظهر محلها روابط النسب وتعلو نعرة العصبية العربية، والتعالي على باقي الأجناس وجعلوهم بمنزلة الأرقاء، هذا فضلا عن سفك الدماء وانتهاك المقدسات والحرمات.

ولكن تيارا إسلاميا آخر ظل متمسكا بمبادئ الإسلام قاده الإمام علي، الذي تكشف سيرته بكل تفاصيلها، سواء أكان في مستوى المواطن (الذي يوصف بالتعبير الحديث بأنه معارض للحكم)، أم كان خليفة للمسلين وقائدا للدولة الإسلامية، تكشف سيرته عن التزام صارم بالقيم الرفيعة، التي تتضمن احتراما لكرامة الإنسان وحفظا لحياته، وإيمانا عمیقا لحريته في التعبير عن رأيه وعقيدته، وتعبر عن تضامنها المطلق مع المحرومين والمعوزين. تترابط فيها الأقوال والأفعال، وتتجانس فيها العقائد والمواقف، بصورة من صور الكمال المتفرد، والترابط المعصوم الذي يعز فصله ویستحیل نقضه. فهو عليه

ص: 352

السلام ليس كآخرين، الذين إذا قالوا نقضوا وإذا عاهدوا نکلوا. بل تبدو سيرته بقوله وفعله وتقريره مزيجا واحدا، تتجلى فيها القيم الإنسانية بأبهى صورها.

ولما كانت شخصية الإمام تحوطها هالة من الاحترام والتقديس لعامة المسلمين، كونه خليفة لهم، وإماما معصوما لدى بعضهم، كان لتلك السيرة قوة تشريعية. فإلى أي مدى استلهم فقهاء المسلمين من تلك السيرة حقوقا تصون حياة الإنسان وكرامته وحريته؟ هذا التساؤل يمكن أن يجاب عليه في بحث مستقل آخر إن شاء الله تعالى.

ص: 353

الهوامش

1. عثمان، د. محمد فتحي، حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والفكر القانوني الغربي، ص 15.

2. الداماد، مصطفی محقق، الحقوق الإنسانية بين الإسلام والمجتمع المدني، ص 83.

3. حسونة، نسرین محمد عبده، حقوق الإنسان.. المفهوم والخصائص والتصنيفات والمصادر.

4. السعد، غسان، حقوق الإنسان عند الإمام علي بن أبي طالب (دراسة علمية)، ص 36.

5. الباش، حسن مصطفی، حقوق الإنسان بين الفلسفة والأديان، ص21 - 22.

6. عبد الحي، د. عمر، الفلسفة والفكر السياسي في الصين القديمة، ص 190.

7. الباش، حسن مصطفی، حقوق الإنسان بين الفلسفة والأديان، ص 23.

8. المصدر السابق، ص 26 - 27.

9. سعفان، د. کامل، معتقدات أسيوية (موسوعة الأديان)، ص 188.

10. المصدر السابق، ص 75.

11. الباش، حسن مصطفی، حقوق الإنسان بين الفلسفة والأديان، ص 28 - 29.

12. المصدر السابق، ص 32 - 33.

13. مجموعة مؤلفين، شريعة حمورابي وأصل التشريع في الشرق القديم، ص 10 - 11.

14. الداماد، مصطفی محقق، الحقوق الإنسانية بين الإسلام والمجتمع المدني، ص 85 - 86.

15. مجموعة مؤلفين، شريعة حمورابي وأصل التشريع في الشرق القديم، ص 14 - 15.

16. المصدر السابق، ص 43 - 45.

17. المصدر السابق، ص 31.

ص: 354

18. الموحي، عبد الرزاق رحيم صلال، حقوق الإنسان في الأديان السماوية، ص 51.

19. الباش، حسن مصطفی، حقوق الإنسان بين الفلسفة والأديان، ص 42.

20. الموحي، عبد الرزاق رحيم صلال، حقوق الإنسان في الأديان السماوية، ص 69.

21. طالبي، سرور، حقوق الإنسان في ضوء المسيحية.

22. الموحي، عبد الرزاق رحيم صلال، حقوق الإنسان في الأديان السماوية، ص 109 - 110.

23. طالبي، سرور، حقوق الإنسان في ضوء المسيحية.

24. الداماد، مصطفی محقق، الحقوق الإنسانية بين الإسلام والمجتمع المدني، ص 97.

25. الموحي، عبد الرزاق رحيم صلال، حقوق الإنسان في الأديان السماوية، ص 110

26. المصدر السابق، ص 122.

27. التركي، د. عبد الله بن عبد المحسن، حقوق الإنسان في الإسلام، ص 25، 18.

28. عثمان، د. محمد فتحي، حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والفكر القانوني الغربي، ص 22 - 23.

29. نوار، د. صلاح الدين محمد، نظرية الخلافة أو الإمامة وتطورها السياسي والديني، ص 89 - 90.

30. صبحي، د. احمد محمود، الفلسفة الأخلاقية في الفكر الإسلامي، ص 156.

31. عثمان، د. محمد فتحي، حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والفكر القانوني الغربي، ص 11 - 12.

32. الباش، حسن مصطفی، حقوق الإنسان بين الفلسفة والأديان، ص 105.

33. المصدر السابق، ص 107 - 108.

34. حسونة، نسرین محمد عبده، حقوق الإنسان.. المفهوم والخصائص والتصنيفات والمصادر.

ص: 355

35. السعد، غسان، حقوق الإنسان عند الإمام علي بن أبي طالب (دراسة علمية)، ص 46.

36. دفاتر فلسفية (نصوص مختارة)، حقوق الإنسان (7)، إعداد وترجمة محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي، ص 53، 51

37. المصدر السابق، ص 54.

38. التركي، د. عبد الله بن عبد المحسن، حقوق الإنسان في الإسلام، ص 9 - 10

39. المصدر السابق، ص 20.

40. نوار، د. صلاح الدين محمد، نظرية الخلافة أو الإمامة وتطورها السياسي والديني، ص 87 - 88.

41. عهد الإمام علي بن أبي طالب إلى واليه على مصر مالك الأشتر، إعداد المستشار فليح سوادي، ص 24.

42. جرداق، جورج، الإمام علي صوت العدالة الإنسانية، ص 144.

43. المصدر السابق، ص 157.

44. عهد الإمام علي بن أبي طالب إلى واليه على مصر مالك الأشتر، إعداد المستشار فليح سوادي، ص 25.

45. المصدر السابق، ص 23.

46. المصدر نفسه.

47. المصدر نفسه.

48. القزويني، محمد کاظم، الإمام علي من المهد إلى اللحد، ص 155.

49. نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين، ص 566.

50. المصدر السابق، ص 69.

51. عهد الإمام علي بن أبي طالب إلى واليه على مصر مالك الأشتر، إعداد المستشار فليح سوادي، ص 25.

ص: 356

52. المصدر نفسه.

53. المصدر السابق، ص 26.

54. الواحدي، أبي الحسن علي بن أحمد، أسباب نزول القرآن، ص 470.

55. العاملي، الحر، وسائل الشيعة إلى تحصيل الشريعة، ج 11، ص 49.

56. القزويني، محمد کاظم، الإمام علي من المهد إلى اللحد، ص 142.

57. نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين، ص 545 - 546.

58. المصدر السابق، ص 547 - 548.

59. المصدر السابق، 552.

60. المصدر السابق، 552 - 554.

61. عهد الإمام علي بن أبي طالب إلى واليه على مصر مالك الأشتر، إعداد المستشار فليح سوادي، ص 25.

62. حسين، طه، الفتنة الكبرى.. علي وبنوه (2)، ص 25.

63. الدينوري، أبي حنيفة بن داود، الأخبار الطوال، ص 144.

64. نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين، ص 618.

65. عهد الإمام علي بن أبي طالب إلى واليه على مصر مالك الأشتر، إعداد المستشار فليح سوادي، ص 15 - 16.

66. نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين، ص 103.

67. القزويني، محمد کاظم، الإمام علي من المهد إلى اللحد، ص 290 - 291.

68. جرداق، جورج، الإمام علي صوت العدالة الإنسانية، ص 152.

69. عهد الإمام علي بن أبي طالب إلى واليه على مصر مالك الأشتر، إعداد المستشار فليح سوادي، ص 29.

70. العقاد، عباس محمود، عبقرية الإمام علي، ص 19.

71. المصدر السابق، ص 144.

ص: 357

72. المدرسي، هادي، أخلاقيات أمير المؤمنین، ص 45.

73. العقاد، عباس محمود، عبقرية الإمام علي، ص 19.

74. عهد الإمام علي بن أبي طالب إلى واليه على مصر مالك الأشتر، إعداد المستشار فليح سوادي، ص 21.

75. القزويني، محمد کاظم، الإمام علي من المهد إلى اللحد، ص 247.

76. نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين، ص 50.

77. الحراني، بن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول، ص 114.

78. جرداق، جورج، الإمام علي صوت العدالة الإنسانية،، ص 137.

79. عهد الإمام علي بن أبي طالب إلى واليه على مصر مالك الأشتر، إعداد المستشار فليح سوادي، ص 15.

80. نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين، ص 543.

81. عهد الإمام علي بن أبي طالب إلى واليه على مصر مالك الأشتر، إعداد المستشار فليح سوادي، ص 17.

82 المصدر السابق، ص 16.

83. القزويني، محمد کاظم، الإمام علي من المهد إلى اللحد، ص 157.

84. عهد الإمام علي بن أبي طالب إلى واليه على مصر مالك الأشتر، إعداد المستشار فليح سوادي، ص 30.

85. المصدر السابق، ص 16.

86. المصدر السابق، ص 28.

87. المصدر السابق، ص 18.

88. المصدر السابق، ص 28.

89. حسين، طه، الفتنة الكبرى.. علي وبنوه (2)، ص 17 - 18.

(٭) حيث يقول عليه السلام: (فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت

ص: 358

يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دین محمد (صلى الله عليه واله وسلم)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام أهله أن أرى فيه ثلما أو هدما، تكون مصيبته به علي أعظم من فوت ولايتكم). نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين، ص 604.

(٭٭) مع أن الإمام كان يعتقد بأحقيته في الخلافة، وقد اغتصبت منه، ولكنه كان ناصحا (وهو بحسب الاصطلاح الحديث معارضا) لمن تصدی منهم للخلافة، وكان عمر كثير ما يستشيره في القضايا الكبرى فيشير عليه وينصحه بما يلزم ذلك، ومنها استشارته في أمر خروجه بنفسه لغزو الروم، فأشار عليه الإمام بعدم الخروج بنفسه (). نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين، ص 252.

90. نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين، ص 255.

91. المصدر السابق، ص 248.

92. الدينوري، أبي محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، ج 2، 1، ص 53.

93. جرداق، جورج، الإمام علي صوت العدالة الإنسانية، ص 136.

94. المصدر السابق، ص 150.

95. نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين، ص 599.

96. جرداق، جورج، الإمام علي صوت العدالة الإنسانية، ص 153.

97. الدينوري، أبي حنيفة بن داود، الأخبار الطوال، ص 165.

98. طي، د. محمد، الإمام علي ومشكلة نظام الحكم، ص 171.

99. عهد الإمام علي بن أبي طالب إلى واليه على مصر مالك الأشتر، إعداد المستشار فليح سوادي، ص 16.

100. المصدر السابق، ص 17.

101. المصدر نفسه.

102. المصدر نفسه.

ص: 359

103. المصدر السابق، ص 15.

104. المصدر السابق، ص 29.

105. المصدر السابق، ص 26.

106. المصدر السابق، ص 22.

107. المصدر السابق، ص 23.

108. حسين، طه، الفتنة الكبرى.. علي وبنوه (2)، ص 20.

109. العقاد، عباس محمود، عبقرية الإمام علي، ص 122.

110. المصدر السابق، ص 120.

111. نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين، ص 421.

112. عهد الإمام علي بن أبي طالب إلى واليه على مصر مالك الأشتر، إعداد المستشار فليح سوادي، ص 15.

113. المصدر السابق، ص 16.

114. طي، د. محمد، الإمام علي ومشكلة نظام الحكم، ص 117.

115. عهد الإمام علي بن أبي طالب إلى واليه على مصر مالك الأشتر، إعداد المستشار فليح سوادي، ص 26.

116. المصدر السابق، ص 22.

117. المصدر نفسه.

118. العقاد، عباس محمود، عبقرية الإمام علي، ص 46.

119. السعد، غسان، حقوق الإنسان عند الإمام علي بن أبي طالب (دراسة علمية)، ص 61.

120. المصدر السابق، ص 67.

121. نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين، ص 562 - 563.

ص: 360

المصادر:

1. الباش، حسن مصطفی، حقوق الإنسان بين الفلسفة والأديان، جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، ط 1، 1426، بنغازي.

2. التركي، د. عبد الله بن عبد المحسن، حقوق الإنسان في الإسلام، نسخة pdf، الموقع الإلكتروني:

https://islamhouse.com/ar/books

3. جرداق، جورج، الإمام علي صوت العدالة الإنسانية، دار الأندلس، ط 1، 2010، بیروت، لبنان.

4. الحراني، بن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول، منشورات الفجر، ط 1، 2008، بیروت لبنان.

5. حسونة، نسرين محمد عبده، حقوق الإنسان.. المفهوم والخصائص والتصنيفات والمصادر، نسخة pdf، 2015، شبكة الالوكة، الموقع الإلكتروني: .

www.alukah net

6. حسين، طه، الفتنة الكبرى.. علي وبنوه (2)، دار المعارف، ط 13، القاهرة.

7. الداماد، مصطفی محقق، الحقوق الإنسانية بين الإسلام والمجتمع المدني، دار الهادي للطباعة والنشر، ط 1، 2002.

8. دفاتر فلسفية (نصوص مختارة)، حقوق الإنسان (7)، إعداد وترجمة محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي، دار طوبقال للنشر.

9. والدينوري، ابي حنيفة بن داود، الأخبار الطوال، تحقیق عبد المنعم عامر، دار إحياء الكتب العربية، ط 1، 1960، القاهرة.

10. الدينوري، أبي محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، ج 2، 1، مطبعة

ص: 361

البابي الحلبي، ط 3، مصر، 1963.

11. السعد، غسان، حقوق الإنسان عند الإمام علي بن أبي طالب (دراسة علمية)، مركز الأبحاث العقائدية، نسخة doc مأمنة، الموقع الإلكتروني:

www.aqaed.com/book/595/1.htm

12. سعفان، د. كامل، معتقدات أسيوية (موسوعة الأديان)، دار الندی، ط 1، 1999، القاهرة.

13. صبحي، د. احمد محمود، الفلسفة الأخلاقية في الفكر الإسلامي، دار المعارف، ط 2، القاهرة.

14. طالبي، سرور، حقوق الإنسان في ضوء المسيحية، الموقع الإلكتروني: com .http://jilrc

15. طي، د. محمد، الإمام علي ومشكلة نظام الحكم، مركز الغدير، ط 1، 1997، بيروت، لبنان.

16. العاملي، الحر، وسائل الشيعة إلى تحصيل الشريعة، ج 11، باب 19، تحقیق محمد الرازي، دار إحياء التراث، بيروت، لبنان.

17 .عبد الحي، د. عمر، الفلسفة والفكر السياسي في الصين القديمة، المؤسسة الجامعية للدراسات، ط 1، 1999، بيروت.

18. عثمان، د. محمد فتحي، حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والفكر القانوني الغربي، دار الشروق، ط 1، 1982

19. العقاد، عباس محمود، عبقرية الإمام علي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1967.

20. عهد الإمام علي بن أبي طالب الى واليه على مصر مالك الأشتر، إعداد المستشار فليح سوادي، قسم الشؤون الفكرية والثقافية - العتبة العلوية المقدسة، ط 1، 2010.

ص: 362

21. القزويني، محمد کاظم، الإمام علي من المهد الى اللحد، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، ط 3، 2009، بیروت، لبنان.

22. مجموعة مؤلفين، شريعة حمورابي وأصل التشريع في الشرق القديم، ترجمة أسامة سراس، دار علاء الدين، ط 2، 1993، دمشق.

23. المدرسي، هادي، أخلاقيات أمير المؤمنين، مؤسسة الأعلمي، ط 1، 1991، بیروت، لبنان.

24. الموحي، عبد الرزاق رحيم صلال، حقوق الإنسان في الأديان السماوية، دار المناهج، تقديم أ. د. سعدون محمود الساموك.

25. نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين، تحقيق فارس الحسون، مركز الأبحاث العقائدية، ط 1، 1419، النجف الأشرف، العراق.

26. نوار، د. صلاح الدين محمد، نظرية الخلافة أو الإمامة وتطورها السياسي والديني، منشأة المعارف، 1996، الإسكندرية.

27. الواحدي، أبي الحسن علي بن أحمد، أسباب نزول القرآن، تحقيق ودراسة كمال بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، ط 1، 1991، بیروت، لبنان.

ص: 363

ص: 364

حقوق الانسان في عهد الامام علي (عليه السلام) الى مالك الاشتر (رضي الله عنه)

اشارة

م. د. غصون مزهر حسين

مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية

ص: 365

ص: 366

المقدمة

لنا في حياة العظماء معين لا ينضب من الخبرة والعبرة والايمان والامل فهم القمم التي نتطلع بشوق اليها ولهفة ومنارات الطريق، وهم الذين يجددون ثقتنا بأنفسنا وبالحياة وأهدافها البعيدة والسعيدة، ومن هؤلاء العظماء أو لعله اهمهم هو الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) الذي انبتته ارض عربية وفجر ينابيع مواهبه الاسلام فكان باب مدينة العلم للرسول الاكرم (صلى الله عليه وسلم).

وبطولات الامام علي (عليه السلام) لاتقتصر على ميادين الحرب فقد كان بطلا في صفاء بصيرته، وطهارة وجدانه، وسحر بیانه، وعمق انسانيته، وحرارة ایمانه، ونصرته للمظلوم وتعبده للحق اینما تجلى له الحق، وهذه البطولات ومهما تقادم بها العهد، لاتزال منجماً غنياً نعود اليه اليوم وكل يوم كلما احتجنا الى بناء حياة صالحة.

وهذا البحث يسلط الضوء على الاسس التي دعا اليها الامام علي (عليه السلام) في سبيل تحقيق حياة حرة كريمة بمعنى اخر حقوق الانسان الاساسية التي جاء الاسلام لترسيخها، وكان الامام علي (عليه السلام) من دعاتها لحفظ كرامة الانسان وتحقیق احلامه وطموحاته في هذه الحياة، لذا يعتبر عهد الامام علي (عليه السلام) لواليه على مصر مالك بن الحارث الاشتر من اطول العهود ومن اهمها، ليس لانه یکشف العقلية الفذة التي يملكها الامام في ادارة الامور بل في القانونية والشمولية والانسانية التي طبعت بنود العهد.

أن هذا العهد يعتبر اول وثيقة قانونية مفصلة تعالج واجبات الحاكم ووظائفه والعلاقات بين الشعب وبين الحاكم، وكما يفصل الحديث عن السلطات الثلاث (التشريعية - القضائية - التنفيذية) ويضع الضوابط لانجازها.

ص: 367

اهمية حقوق الانسان

تكتسب قضية حقوق الإنسان أهمية متزايدة في واقعنا العربي والاسلامي، بسبب أن معظم الحكومات هي في قائمة الدول المنتهكة لحقوق مواطنيها وشعوبها، أما في المجال الدولي فنحن نجد أن انتهاك حقوق الإنسان يمارس بصورة أوضح نتيجة لثنائية القيم بين الداخل والخارج، أو نتيجة للتكتلات الدولية أو المصالح السياسية أو النزعات العنصرية... فحقوق الإنسان نموذج للمفاهيم التي يحاول الغرب فرض عالميتها على الشعوب الأخرى في إطار محاولته فرض سيطرته وخدمة مصالحه القومية وهو يستغل ذلك سياسياً، كما يحدث في العلاقات الدولية وفي الدفاع عن حقوق بعض الأقليات بهدف زعزعة وضرب النظم السياسية المخالفة لقيمه وتوجهاته أو الخارجة عن الشرعية الدولية والنظام الدولي المنعوت بالجديد، من ناحية اخرى، فإن التركيز الأساسي في موضوع حقوق الإنسان بالمفهوم العربي، ينصب على العلاقات داخل المجتمع الواحد، علاقة الحاكم بالمحكوم، وعلاقة الأغلبية بالاقلية، دونما نظر إلى العلاقات بين هذا المجتمع وسواه من المجتمعات أو بين هذه الدولة وتلك.

فالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان لم تعن بعلاقة الدولة القوية بسواها من الدول الضعيفة على الرغم من تصاعد استغلال مفهوم حقوق الإنسان في صورته الأولى، علاقة الداخل، في النظام الدولي الجديد، من أجل التدخل في شؤون الدول مما يعيد إلى الأذهان سوابق تاريخية مماثلة حيث استخدم شعار مكافحة تجارة الرقيق لاستعمار أفريقيا وهدم بنيتها التحتية ووقف تطورها الطبيعي. ويلاحظ في ظل النظام الدولي الجديد أن فكرة حقوق الإنسان قد اكتسبت قوة جديدة من خلال الهيمنة الأمريكية المغلفة بغلاف إنساني لا يمكنه الصمود أمام أي اختبار حقيقي. هذا بالإضافة إلى أن مضمون حقوق الإنسان كما هو وارد في المواثيق الغربية والدولية ليست حقوق إنسان وإنما هي حقوق

ص: 368

مواطن.

ذلك أن ما يرد في سياق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من نصوص إنما يربط ما بين حقوق معينة وبين المواطن المنتمي لمجتمع بعينه مما يمنع الإنسان الآخر (الأجنبي) من ممارسة مثل هذه الحريات ومن التمتع بمثل هذه الحقوق وهو ما يقيد شمولية هذه الحقوق بقيود واعتبارات سياسية. إن هذه التحفظات على التصور الغربي لحقوق الإنسان ضرورية من أجل إبراز خصوصية التصور الإسلامي لهذه المسألة حيث الغاية الأساسية هي تحرير الإنسان الذي هو أكرم المخلوقات، جعله الله خليفة في الأرض وزوده بالعقل وأراد من خلال الإسلام ومبادئه ونظمه، تحريره وحمايته وتكريمه.

فالإسلام بهذا المعنى، ينظر إلى الحقوق باعتبارها ضرورات فطرية بل واجبات.. فالأكل والملبس والسكن والأمن وحرية الفكر والاعتقاد والتعبد والتعلم والمشاركة في صياغة النظام العام للمجتمع والمراقبة ومحاسبة أولياء الأمور... واجبات لا يجوز إهمالها ولا يجوز لأحد أن يحول بين الإنسان وبين قيامه بهذه الواجبات والحقوق.

إن هذه الحقوق ليست هبة من مخلوق، يعطي متى شاء ويمنع متى شاء، بل الله سبحانه وتعالى هو الذي أمر بها، فهي لأجل ذلك ثابتة ودائمة فالاستناد إلى شريعة الله، کما نری، يرفع من قيمة هذه الحقوق المستمدة منها ويجعل الالتزام بها طاعة لله سبحانه مما يكسبها قداسة تمنع المؤمنين من تجاوزها، وهذا بحد ذاته يفرض منهجاً مختلفاً في التعامل مع مسألة حقوق الإنسان، لابد من تربية الإنسان الفرد والجماعة والسلطة على احترام هذه الحقوق بما يكفل قوة تأثيرها في الفرد والمجتمع والسلطة.

ص: 369

حقوق الانسان لدى الامام علي (عليه السلام)

ان للامام علي (عليه السلام) نظرياته التي سبقت العالم بمئات السنين في مجال حقوق الانسان وفي ترسيخ النظام الشوروي کھیكلية تقوم عليها المؤسسة الحاكمة. فمن خلال مواقف الإمام علي (عليه السلام) أقواله يلحظ المتتبع لتراثنا الإسلامي البون الشاسع مابين نظرات الامام القائمة على احترام الانسان وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة والحرية مابينها وبين الحكم الفردي الشمولي الاستبدادي القائم على إلغاء الآخر واختزال الدولة في ذات الملك، وتغييب دور الشعوب وجعلها مجرد کانتونات هامشية موزعة على الجغرافيا السياسية على قاعدة (إن السواد الأعظم ملك لقريش)، دون أن يكون لها أي دور في صياغة القرارات السياسية أو حق المشاركة في تحديد المصير أو بناء الدولة، أو أن يكون لها دور رقابي على مؤسساتها، أو المال العام.

جميع هذه الحقوق لم تقر ولم يعترف بها إلا في عصور متأخرة من التاريخ الإنساني وبعد فترات من الظلم والقهر، عقب ثورات من الشعوب رافقها إراقة دماء لا حصر لها. فالدستور الأميركي صدر عام 1787 م، وأقدم وثيقة لحقوق الإنسان في أوروبا صدرت عام 1215 م. وكانت في الأساس لحماية حقوق الأشراف واللوردات في إنكلترا في مواجهة الملك، ولم يشمل هذا العهد الذي فخر به الإنكليز حقوق عامة الشعب، أي فلاحي الإقطاع. فلم ينل المواطن العادي هذه الحقوق إلا بعد خمسة قرون على الأقل من ذلك التاريخ.

أن تراثنا الاسلامي يسبق التشريعات الحديثة بمئات السنين في تقنين مبادئ حقوق الانسان، فإذا علمنا أن أقدم وثيقة لحقوق الانسان هي في العهد الأعظم (المكناکارتا) الذي أصدره الملك الانجليزي جون (1215) والذي يعتبر أقدم وثيقة دستورية في التاريخ الانجليزي كما ذكرنا، في حين أن الوثيقة الدستورية لعلي بن أبي طالب (عليه

ص: 370

السلام) في عهده لمالك الأشتر تعتبر من أقدم الوثائق الحقوقية والتي تحمل في جنباتها الكثير من الحنان الانساني العميق الذي يحيط به الامام دستوره في المجتمع والتي سبقت (المكناکارتا) بقرون عدة، ترى فيها أبعاداً إنسانية كبيرة وعمقا في الرؤية ورشادا في الفكرة. فهل يوجد اعمق من هذا المعنى دلالة على الشمول الانساني والاحاطة لكل بني البشر من هذه العبارة، التي سجلها الامام في دستوره العلوي اذ قال:

(وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم والالفة اليهم، ولا تكن عليهم سبعاً ضارياً تغنم أكلهم فانهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)

كان علي بن ابي طالب (عليه السلام) شخصية خصبة، انه كان مظهرا من مظاهر التكامل الانساني، بعد ان انتخبه المسلمون خليفة للمسلمين، بدا بتطبيق برنامجه الاصلاحي في اشاعة العدل والمساواة بين ابناء الامة الاسلامية بصرف النظر عن دينهم ومذهبهم ولغتهم ولون بشرتهم واتجاهاتهم السياسية والاجتماعية. لقد امر الولاة ان يكونوا رحماء مع رعاياهم كما تجلى ذلك في رسالة الامام الى واليه على مصر مالك الاشتر.

أن عهد الامام علي (عليه السلام) الى مالك الاشتر عامله على مصر من أنفس الوثائق التاريخية الزاخرة بمبادئ الحكم وأساليب الادارة وأصول التشريع، وأخلاق المسؤولين، وأذا كان التاريخ الانجليزي يباهي حضارة اليوم بوثيقة (المكناکارتا)، والثورة الفرنسية تزهو بين تاريخ الثورات بمبادئها في الحرية والاخاء والمسأواة، فحسب الحضارة العربية الزاهرة مجداً وسموا أنها قدمت للأجيال المتعاقبة منذ أربعة عشر قرناً هذا العهد الاميري الخالد على الدهر بأعدل المبادئ المقررة في فقه السياسة والتشريع، وفي نفس السياق يقول المفكر المسيحي جورج جرداق في تعليقه على الدستور العلوي لعلي بن أبي طالب (فليس من أساس بوثيقة حقوق الإنسان التي نشرتها هيئة الأمم المتحدة إلا وتجد له مثيلا في دستور ابن أبي طالب ثم تجد في دستوره ما يعلو ويزيد...)، مع الأخذ بعين الإعتبار

ص: 371

الفارق الزمني بين الوثيقتين، وأن الأولى كانت نتاج عقول كثيرة من بني البشر والثانية كانت نتاج عبقري واحد هو علي بن أبي طالب (عليه السلام).

ولعل المفارقة الأكبر هي ان وثيقة الأمم المتحدة كتبت وقليلا ما طبقت موادها في الواقع فما زال العالم والمجتمعات البشرية تلحظ الفارق الكبير بين موادها ونظریات ميكافيلي أو المنطق الذرائعي (البراغماتي) الذي يسوغ للدول انتهاك هذه الحقوق، في حين أن عليا جسدها على الواقع بعدالته والقوانين التي سنها في ذلك الوقت مع رعيته حتى بقت مقولته التي لم يقلها حاكم غيره تثير استغراب وتعجب الكثيرين من ناقدي التاريخ أو مؤرخي تاريخ الأمم والتي قال فيها: (لقد أصبحت الأمم تشكوا ظلم رعاتها وأصبحت أشكوا ظلم رعيتي، ولقد كنت بالأمس أميراً واليوم مأمورًا، وكنت ناهيا واليوم منهياً).

وعرض الإمام في عهده لمالك إلى ضرورة الرحمة بالرعية والإحسان اليها والرفق بها، والعفو عنها في موارد الزلل، وأن بها مهما استطاع لذلك سبيلا استمعوا لقوله:

قال عليه السلام: ((وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، يفرط بينهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤثر على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك، مثل الذي تحب أن يعطيك الله تعالى من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك، والله تعالى فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم، ولا تنصبن نفسك لحرب الله تعالى، فإنه لابد لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته..)).

وليس في قواميس الأديان ومذاهب السياسة مثل ما سنه قائلاً: من الرفق بالرعية على اختلاف ميولها وأديانها، فليس للوالي إلا اللطف والمبرة بها، وأن لا يشمخ عليهم

ص: 372

بولايته ويكون سبعاً ضارياً عليهم، وعليه أن لا يحاسبهم على ما صدر منهم من علل أوزلل، ويمنحهم العفو والرضا لتنعم البلاد بالأمن وتسود فيها ويستمر الإمام عليه السلام في عهده بالرفق بالرعية قائلاً:

((ولا تندمن على عفو، ولا تبجحن بعقوبة، ولا تسرعن إلى بادرة وجدت منها مندوحة، ولا تقولن: أني مؤمرٍأُ امرُ فأطاع فإن ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين، وتقرب من الغير، وإذا حدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة، فانظر إلى عظم ملك الله تعالى فوقك وقدرته منك على مالا تقدر عليه من نفسك فإن ذلك يطامن إليك من طماحك ويكن عنك من غربك، ويفي إليك بما عزب عنك من عقلك..)).

حکی هذا المقطع الأساليب التي يجب أن تتوفر في الولاة من عدم الندم على عفو اصدر على مواطن، وعدم التبجح بعقوبة انزلوها على أحد، وليس له الاعتزال بالسلطة والغرور بالحكم، فإن في ذلك مفسدة للدين ومفسدة للمواطنين، وعليهم أن ينظروا إلى قدرة الله، الى عليهم فإنه المالك لهم، هذه بعض محتويات هذه الكلمات.

وفي عهد الإمام عليه السلام لمالك الأمر بإنصاف الناس في سياسته وإنصافهم من خاصة أهله والتابعين له، فإن ذلك من أسمى ألوان العدل الذي تبناه الإمام في حكومته، وهذه كلماته

قال عليه السلام: ((أنصف الله تعالى، وأنصف الناس من نفسك، ومن خاصة أهلك، ومن لك فيه هوی من رعیتك فإنك إلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله تعالى، كان الله عز اسمه خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله تعالى أدحض، وكان لله تعالى حرباً حتى ينزع أويتوب وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله تعالى وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم فإن الله تعالى سميع دعوة المضطهدين وهوللظالمين بالمرصاد..)). حکي هذا المقطع العدل الصارم في سياسة الإمام التي تسعد بها الأمم والشعوب وتكون آمنة من

ص: 373

الظلم والاعتداء.

وفي هذه العجالة نحاول ان نقترب قليلا من ملامح حكومة علي (عليه السلام) ومدى ترسيخها لمبادئ حقوق الانسان، فنبدا بأول الحقوق، الحق في الحياة، كان علي (عليه السلام) وكما ينقل لنا التأريخ احرص الخلفاء على دماء الرعية وكان السلم والعفو هما الخيار الذي يلتجئ اليه الامام في حله لمشاكل الدولة الداخلية او الخارجية. وكانت انطلاقته وفق المعاير الاسلاميه لا وفق الهوى منطلقا من الايات التي تحرم قتل الناس من دون حق «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً...» سورة النساء اية 92 «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا» المائدة 32 «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» الأنعام 151، هذه الايات كانت شاخصة امام الامام علي وهو يحكم الرعية وفي تثبيت نظامه وحكومته، لذلك ما كان ليرمي سهما في الحرب او يبتدأ بحرب الا اذا ابتدئ بها فهو القائل: (لا نقاتلهم أي - اصحاب الجمل - حتى يقاتلونا).

کما وكان حريصا في ترسيخ هذا المبدأ فباشر تفعيله عمليا من خلال ممارساته وأدائه السياسي مع معارضيه ونظريا وثقه في دستوره الذي ارسله الى عامله مالك الاشتر. فقد قال له موصيا: (أياك والدماء وسفكها بغير حلها، فأنه ليس شيء ادعي لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا احری بزوال النعمة، وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير خقها، والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد، فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوية سلطانك بسفك دم حرام، فأن ذلك مما يضعفه ويوهنه، بل يزيله وينقله ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد لان فيه قود البدن))، والحقيقة هناك جملة من الامور يمكن تلمسها في هذا النص منها:

تأكيد حرمة الدماء وأن حق الحياة مكفول للجميع، إذ كان الحديث عن الدماء

ص: 374

بصورة عامة وليس دماء المسلمين دون غيرهم.

المساواة بين الحاكم والمحكوم، من حيث لاضمانات للمنصب أو شاغليه في موضوع التعدي على الدماء والحياة.

أن سفك الدماء يثير الغضب والنقمة بين الشعب مما يؤدي الى الاضطراب وهو من الاسباب المهمة للثورات لان «لكل دم ثائراً، ولكل حق طالباً»، على وفق وصف الامام.

وفقاً للفكر العلوي، فأن الحياة قيمة عليا تغلب على الموت، وأن أي اعتداء لازهاق حياة انسان، وبغض النظر عن ماهية ذلك الانسان، هو أعتداء على الارادة الالهية الموجدة والمانحة الوحيدة للحياة من جهة وجريمة بحق الانسانية جمعاء، وسلب لحق اساسي من حقوق الانسان الا وهو (حق الحياة) من جهة اخرى، لذا فأن الامام نظر الى القتل بأنه جريمة كبرى فيقول (عليه السلام) أن من «الكبائر الكفلا بالله، وقتل النفس ......».

يمكن ذكر عدة مميزات اساسية لمبادئ حقوق الانسان لدى الامام علي (عليه السلام):

أولاً: امتزاج مفهوم حقوق الإنسان عند الإمام علي (عليه السلام) بحقوق الأمة، فلا يمكن أن تحترم حقوق الإنسان وتصان إلا في مجتمع الحق والحرية والعدل الاجتماعي. ومن هنا فإن السلطة لم تكن أبداً في نظره غاية في حدّ ذاتها، ولم يسعَ إليها في يوم من الأيام، بل كان من أزهد الناس في السلطة، ولما جاء المسلمون لمبايعته بالخلافة قبل أن يتولى المسؤولية الأولى في جهاز الدولة الإسلامية الفتية (أي الخلافة) لتكون أداة المقاومة مظاهر الحيف والانحراف ولإرجاع الحقوق إلى أصحابها، دخل عليه صفيه وتلميذه عبد الله بن عباس يوماً فوجده يخصف نعله فعجب ابن عباس من أن يخصف أمير المؤمنين نعله بنفسه، وهو يحكم مناطق شاسعة من العالم القديم،

ص: 375

فقال لابن عباس:

(ما قيمة هذه؟) - مشيراً إلى نعله - قال: لا قيمة لها.

فقال الإمام: (والله لهي أحب إليّ من إمرتكم إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً).

فالسلطة تعني عنده - إذن - إقامة الحقوق، ومقاومة الباطل وأهله.

ثانياً: قد يقول قائل: إن الإمام علي (عليه السلام) قد خاض حروباً طاحنة، وقاتل طيلة أربعين سنة، وأصاب سيفه مئات الناس فكيف نوفّق بين هذا وبين دفاعه عن حقوق الإنسان؟ قد يشتبه الأمر عند البعض، وأقول إجابة على مثل هذا التساؤل:

1 - إن الدفاع عن حقوق الإنسان اقتضى بالأمس، ويقتضي اليوم أيضاً مقاومة أهل الظلم والبغي وكل قوى الشر المعادية للإنسان ولحقوقه.

2 - تُجمع الروايات التاريخية على أن الإمام لم يقاتل إلا دفاعاً عن العدل ليقيم الحق ويقاوم الظلم بشتى مظاهره، وبخاصة الظلم السياسي والاجتماعي.

ثالثا: إن نموذج الإمام علي (عليه السلام) في الدفاع عن حقوق الإنسان يتجاوز المجتمع الإسلامي ليشمل المجتمع البشري كله، فإذا أصبح موضوع حقوق الإنسان اليوم معروفاً (ويخطئ البعض عندما يربطه بالثورة الفرنسية) ويتجاهل تراث الحضارات الأخرى، وفي مقدمتها الحضارة الإسلامية وهي حضارة تفخر بأنها أنجبت نموذجاً نادراً في مقاومة جميع مظاهر الحيف، ونصرة حقوق الإنسان، هذا النموذج القدوة هو الإمام علي (عليه السلام). سيسجل تاريخ الإنسانية المواقف الخالدة التي وقفها الإمام علي (عليه السلام) في الدفاع عن حقوق الإنسان. رحمك الله يا أبا الحسن فقد عشت ما يربو عن أربعين سنة حاملاً لواء العلم والسيف في مقاومة البغي والظلم، وفي الذود عن حقوق الإنسان.

إن الدارس لمواقف الإمام علي (عليه السلام) من قضايا حقوق الإنسان يلمس بسهولة بأن جل أقواله، والقيم التي آمن بها، وعلمها المسلمين تخدم حقوق الإنسان

ص: 376

وحريته، وتناهض كل سلطة تحاول أن تظلم الإنسان، وتغتصب حقوقه، وخصوصاً حقوقه السياسية والاجتماعية، وهو ما يوضح لنا صرامة المدرسة السياسية الفكرية التي أسسها في نضالها من أجل بناء مجتمع العدل السياسي والاجتماعي، ولقد نبّه المسلمين إلى خطر الانحراف الذي بدأت تبرز معالمه في خلافة عثمان، فقد خطب الإمام في المدينة إثر بيعته قائلاً:

(.. ألا وإن بليتكم قد عادت کهیئتها يوم بعث الله نبيه والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة، ولتغربلن غربلة ولتساطن سوط القدر، حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلکم وليسبقن سابقون كانوا قصروا وليقصرن سباقون كانوا سبقوا).

وأعود إلى الاستشهاد ببعض أقوال ومواقف الإمام في الدفاع عن حقوق الإنسان الفردية والجماعية منها فقد رأينا مفهومه النبيل السامي للسلطة، وهو مفهوم نادر في تاریخ نظم السلطة السياسية بالأمس واليوم، فنَعْله أحب إلى نفسه من الخلافة أو الإمارة، وهي قمة السلطة إلا أن يقيم حقاً، أو يدفع باطلاً، فأي نظام في الدنيا بلغ هذه النظرية السامية للسلطة؟

وقد كان (عليه السلام)، حريصاً كل الحرص على حماية حقوق كل فرد من أفراد الرعية بصرف النظر عن لونه أو جنسه أو دينه. فقد سيّر يوماً ما جنداً لمقاومة قوى الشر فكتب إلى أمراء بلاده التي سيمر بها الجند کتاباً يقول فيه:

(من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من مر به الجيش من جباة الضرائب وعمال البلاد أما بعد، فإني سيرت جنوداً هي مارة بكم إن شاء الله، وقد أوصيتهم بما يجب عليهم من كف الأذى وصرف الشذی (الشر). وأنا أبرأ إليكم، وإلى ذمتكم من معرة (أذي) الجيش إلا من جوعة المضطر الذي لا يجد عنها مذهباً إلى شبعه فنكلوا (عاقبوا) من تناول منهم شيئاً ظلماً عن ظلمهم، وكفوا أيدي سفهائكم عن مضارتهم، والتعرض لهم فيما استثنيناه

ص: 377

الخاتمة

أن للامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) رؤية مميزة لحقوق الانسان تتسم بالشمولية والعمق والتطبيق العملي لتلك الحقوق من جهة، ويمكن الاستفادة من هذه الرؤية لمعالجة اشكالية حقوق الانسان في واقعنا المعاصر من جهة اخرى، حيث يتضح بكل جلاء ان الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) يعد تجسيداً حياً للشريعة الاسلامية برافديها القرأن الكريم والسنة النبوية، مضافاً اليهما ابداع الانسان المتميز في تطبيق النص على ارض الواقع ولاسيما في مجال حقوق الانسان حيث شملت رؤيته مساحة واسعة من تلك الحقوق دعا اليها وجسدها في ميدان التطبيق العملي.

تعد الحياة قيمة عليا في الرؤية العلوية ينبغي أن تصان عبر زيادة الوعي بخطورة سلبها من الانسان وعظم هذه الجريمة وانعكاسها السلبي في الدنيا والاخرة من جهة، وفرض العقوبة العادلة على منهك حق الاخرين في الحياة من جهة اخرى، الا ان احترام حياة الانسان لا يلغي تشريع القصاص العادل الذي قد يصل الى القتل أذا ما اقدم الفرد على هدم وجود الانسان.

امتازت الرؤية العلوية لحقوق الانسان بأبراز حق ضمانة ضبط الحكام وذلك لاهمية منصب الحاكم وتأثيره الواسع في المجتمع، لاسيما مع عظم المهمات الملقاة على عاتقه والمتمثلة بالواجبات الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، واشاع الامام حالة من الوعي بحقوق الانسان، إذ على الرغم مما تعرض المؤروث الفكري للامام (عليه السلام) من محاربة واقصاء، الا ان ما وصلنا يؤكد اعتماده اسلوب نشر ثقافة حقوق الانسان سواء على الصعيد النظري، وهذا ما يدل عليه غزارة وتعدد النصوص التي تطرقت الى شتی انواع حقوق الانسان ام على الصعيد العملي للتجربة العلوية، حيث جعلت من حقوق الانسان منارة شامخة امام بصر وبصيرة الانسانية مجسدة في المجتمع

ص: 378

الاسلامي انذاك، وليكون ذلك جزءاً من رسالته الحضارية للبشرية في كل زمان ومكان ولاسيما مع ما امتازت به الرؤية والتجربة العلوية لحقوق الانسان من شمولية وواقعية وبعد انساني مميز.

ان اشاعة وتعميم تجربة الامام علي (عليه السلام) ورؤيته لحقوق الانسان ببعديها النظري والعملي، عبر نشرها والاخذ بها كمنهج عمل في المؤسسات الرسمية والدينية والاجتماعية في مجتمعنا ستسهم بلاشك في تطور الوعي والممارسة لحقوق الانسان، اجل تقدیم نموذج حضاري متميز لاتنضوي تحت لوائه الامة الاسلامية فحسب وانما تنهل منه البشرية بأسرها.

ص: 379

المصادر

1. ابن أبي الحديد، عز الدين بن هبة الله بن محمد، شرح نهج البلاغة، تحقيق محمد ابو الفضل ابراهیم، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1990، ط 2.

2. عهد الامام علي ابن ابي طالب لمالك الاشتر، مطبعة الرياضي، بغداد، لا. ت.

3. جورج جرداق، الامام علي صوت العدالة الانسانية (علي وعصره)، الطبعة الاولى، دار الاندلس (نجف - بیروت) ، 2010.

4. غسان السعد، حقوق الانسان عند الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) رؤية علمية، طبعة ثانية، بغداد، 2008.

ص: 380

حق المواطنة والحريات العامة

في ضوء عهد الامام امير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الاشتر (رضي الله عنه)

ا.م.د. صبا حسین مولى

رئيس قسم التاريخ / مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية

أ. م. د. لمياء حسين

معهد الادارة

ص: 381

ص: 382

المقدمة

ثمة حقيقة تاريخية لا يختلف فيها اثنان بان الامام علّي ( علية السلام) سعى لا قامة دولة إسلامية عادلة راشدة كان قد حدد معالم أسسها الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية منذ الأيام الأولى لاستلامه الخلافة، وبخاصة فيما كان يوصيه لرجالاته الذين كلفهم بقيادة أمور المسلمين في الأمصار، کوصيته (لمالك بن الأشتر)، عندما ولاه مصر، هذه الوصية التي اعتبرت تاريخيا لدى الكثير من السياسيين وثيقة لمشروع تأسیس دولة - نقول بالرغم من طموحه هذا - إلا أن رؤيته لمفهوم الدولة بصيغتها العقلانية المطروحة في (وصية الاشتر) كانت قبل ذلك بكثير، حيث تجلت هذه الرؤية الدولتية العقلانية منذ اليوم الأول لوفاة الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وأثناء حادثة السقيفة التي ترك فيها الصحابة الرسول (عليه الصلاة والسلام) على فراش الموت مع علّيَ وأهله، وراحوا يتفاوضون ويتبايعون على الخلافة - بغض النظر هنا عن النيات الحسنة أو السيئة لمن تواجد في السقيفة آنذاك وراح يفاوض في أمور السلطة -، مثلما تجلت أيضا عبر حكم أبو بكر وعمر وعثمان، حيث كان الامام عليّ المرجع الحكيم الذي كثيرا ما لجأ إليه الحكام الثلاثة لاستشارته عند الضرورات من أمور سیاستهم لشؤون الدولة.

ومن هذا المنطق، اهتم البحث بعرض حق المواطنة والحرياات العامة في اهم واطول العهود التي اكتسبت اهميتها من الرؤية السياسية للامام علي (عليه السلام)، الى جانب شمولیتها وانسانيتها في ادارة امور الرعية.

ص: 383

المواطنة والحريات العامة في عهد الامام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر (رضى الله عنه).

المواطنة هي صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه انتماؤه إلى الوطن فالمواطنة هي الشعور بالانتماء والولاء للوطن وللقيادة السياسية ومن أخطر التحديات التي تواجه بناء المجتمع الداخلي وتؤثر في وحدته الوطنية الطائفية والقبلية والمذهبية ويجب على المواطن أي كان انتماؤه الطائفي أن يكون ولاؤه للوطن لا للقبلية أو الحزب أو التكتل الذي ينتمي له لأنهم زائلون لا محالة والوطن باقي على مدى الدهر وهذا لا يتحقق سوى من خلال إحساسه بأن الدولة وليست القبلية هي مصدر الثواب والعقاب والمانحة والمانعة له الأمر الذي يعني الحد من هيمنة أي منهم فكرا وسلوكا على أفراد الشعب (1).

وتتجلى هذه الصفة بشكل واضح في عهد الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام) لمالك الاشتر ( رضي الله عنه). وذلك من خلال ما اوصى به لمالك الاشتر في الاهتمام بالرعية وتأمين حقوقهم وتحقيق العدل بينهم وسوف نعمل على توضيح هذه الحقيقة من خلال مراجعة الحدث التاريخي.

أول شيء أوصى أمير المؤمنين (عليه السلام) به مالكاً الأشتر، الذي عيّنه والياً له على مصر، أن يكون محبَّاً للرعية ، محترماً لمشاعر الناس من أي فئة كانوا، سواء كانوا مسلمين أم من أهل الأديان الأخرى. ولا يخفى أن في ذلك تثبيتاً لإنسانية الإسلام واحترامه المشاعر الناس، وتقوية لبنية النظام والحكومة.

قال (عليه السلام): (وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ، واللُّطْفَ بِهِمْ. ولا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً، تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ) (2).

ص: 384

ثمَّ أوصاه أن يعفو ويصفح عمَّن أساء واجترأ عليه، أو على خاصته، قال (عليه السلام): (فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وصَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وتَرْضَی أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وصَفْحِهِ).

ودعاه إلى أن لا يميّز بين القريب والبعيد في عطاءاته من بيت المال؛ لأنَّ المسلمين سواءٌ في تناول الحقوق المالية من بيت المال، وقد عانى الناس من التمييز في العطاء أثناء العهد السابق، فكان ذلك من الأسباب التي دعتهم إلى الثورة على عثمان بن عفان.

قال (عليه السلام): (أَنْصِفِ اللَّهَ وأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ ومِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ ومَنْ لَكَ فيِهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ ، فَإنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ ، ومَنْ ظَلَمَ عِباَدَ اللهِ كَانَ اللهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ) (3).

ثمَّ ذكّره بأن يكون هدفه وغايته إقامة العدل، وإحياء الحق، الغاية والهدف الذي من أجله أُرسل الأنبياء والرسل، حتى ينعم الناس بالعدالة والمساواة، فبالعدل فقط تقوم الأنظمة وتستمر، ويصير للحياة مفهومها ومعناها. أما الحياة في ظل حاكمٍ ظالم، فهي بمثابة السجن، قال (عليه السلام): (ولْيَكُنْ أَحَبَّ الأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وأَجْمَعُهَا لِرِضَی الرَّعِيَّةِ).

ثمَّ أوصاه بأن يكون جلّ اهتمامه جلب رضا العامة؛ لأنَّ رضا العامة يعني ثبات النظام، وإيجاد الدرع الواقي له من كيد الأعداء والمتضرِّرين من وجوده، ومع رضا العامة لا قيمة لسخط الخاصة، فإنّ الخاصة يمكن لك أن تتخلَّى عنهم. أمَّا العامة، فلا.

قال (عليه السلام): (وإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رضا الْعَامَّةِ، ولَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَی الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ، وأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلاءِ، وأَكْرَهَ لِلإِنْصَافِ... مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ. وإِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ، وجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، والْعُدَّةُ لِلأَعْدَاءِ، الْعَامَّةُ مِنَ الأُمَّةِ. فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ، ومَيْلُكَ مَعَهُمْ) (4).

ص: 385

ثمَّ دعاه لأن يختار من يساعدة في إدارة شؤون البلاد، أشخاصاً تتوفَّر فيهم الخصال الطيبة الحميدة، التي يستدعي التحرُّك من خلالها تنشيط حركة البلاد سیاسياً، وتقويتها اقتصادياً وحتى عسكرياً.

قال (عليه السلام): (ولا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلاً يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ ويَعِدُكَ الْفَقْرَ، ولا جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الأُمُورِ، ولا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ؛ فَإِنَّ الْبُخْلَ والْجُبْنَ والْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ).

ثمَّ دعاه لأن يختار لوزارته طاقماً جديداً ممَّن لم يخدم الأنظمة الظالمة، وممَّن يثق بهم الناس، أُمناء على مستقبلهم وحياتهم، قال (عليه السلام): (إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً، ومَنْ شَرِكَهُمْ فِي الآثَامِ، فَلا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَاَانَةً؛ فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الأثَمَةِ، وإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ).

ثمَّ قال له بأنَّ الناس فيهم المحسن والمسيء، فلا تجوز المساواة بين الصنفين؛ لأنَّ في ذلك قطعاً لسُبُل الإحسان، وتقليلاً للفاعلين له، وتشجيعاً للمسيئين على الإساءة، وهذا خلاف المباني الإلهية والإسلامية؛ لأنَّ الله يأمرُ بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي (5).

قال (عليه السلام): (ولا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ والْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ؛ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ

تَزْهِيداً لأَهْلِ الإحْسَانِ فِي الإحْسَانِ، وتَدْرِيباً لأَهْلِ الإسَاءَةِ عَلَی الإسَاءَةِ).

ثمَّ دعاه إلى المحافظة على ما سنّه السلف الصالح، وحذّره من نقض السُّنن الصالحة؛ لأنَّ في ذلك إماتة لشعائر الله وإحياءً لغيرها، والأُمّة تغار على دينها وسننها الصالحة؛ لأنَّها جاهدت وناضلت من أجل بقائها.

قال (عليه السلام): (ولا تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِهِ الأُمَّةِ، واجْتَمَعَتْ بِهَا الأُلْفَةُ، وصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ. ولا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بشَيْءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ؛

ص: 386

فَيَكُونَ الأجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا والْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا) (6).

ثمَّ تعرَّض (عليه السلام) لأقسام الرعية وأصنافها، وبيّن أن كل قسمٍ منها يحتاج للقسم الآخر ومرتبط به ارتباطاً عضوياً، حيث إنَّ كل تلك الأقسام تشكِّل نظاماً متكاملاً متماسكاً، فهي بمثابة الجسم الواحد، وعيّن لكل صنف مسؤوليته ومهمته حتى لا تتداخل الأمور وبالتالي تسود الفوضى.

وفي حديثه عن كل صنفٍ من الأصناف، كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يؤكِّد على ضرورة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، ويؤكِّد على اختيار أصحاب الكفاءات، وحذره من الاختيار القائم على المحاباة والذي تجرع الناس منه الغُصص والويلات.

قال (عليه السلام): (واعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ، لا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْضٍ، ولا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ، فَمِنْهَا: جُنُودُ اللَّهِ، ومِنْهَا: كُتَّابُ الْعَامَّةِ والْخَاصَّةِ، ومِنْهَا:

قُضَاةُ الْعَدْلِ، ومِنْهَا: عُمَّالُ الإنْصَافِ والرِّفْقِ، ومِنْهَا: أَهْلُ الْجِزْيَةِ والْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ

الذِّمَّةِ ومُسْلِمَةِ النَّاسِ، ومِنْهَا: التُّجَّارُ وأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ، ومِنْهَا: الطَّبَقَةُ السُّفْلَی مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ والْمَسْكَنَةِ، وكُلٌّ قَدْ سَمَّى اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ ووَضَعَ عَلَی حَدِّهِ فَرِيضَةً فِي كِتَابِهِ أَو

سُنَّةِ نَبِيِّهِ (صلَّی الله عليه واله) (7).

وأكثر ما تحدَّث أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه للأشتر (رضوان الله تعالى عليه) عن الطبقة السُّفلي أو الفقيرة، وهذه الطبقة تشكِّل القسم الأكبر من المجتمع في كل زمان ومكان، ولهذا جعل كل تلك الطبقات لحماية ومساعدة هذه الطبقة؛ حتى تنهض ممَّا هي فيه وتنعم بالعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولو یُصار إلى تأدية حقوقها كاملة في كل زمان لنهضت، ولكن هيهات!! فما إن ينتهي عهدٌ، حتى يأتي عهدٌ جديد يعمّق هوة الفقر والمسكنة، وهكذا تتوسَّع هذه القشرة وتكبر وتتأٌّصَّل جذورها أكثر فأكثر.

ص: 387

وقد سعى أمير المؤمنين (عليه السلام) جاهداً لرفع الغُبن والحيف عن هذه الطبقة، خلال الفترة القصيرة التي حكم فيها، وهي خمس سنوات، وقد نجح إلى حدٍ بعيدٍ في هذا الاتجاه، وإن كانت المدة التي حكم فيها غير كافية لقلع جذور الفقر والاستضعاف.

يقول احد الباحثين: إنَّ لعلي بن أبي طالب في حقوق الإنسان أصولاً وآراء، تمتد لها في الأرض جذور وتعلو لها فروع.

وقال في مكان آخر من الكتاب: له شأنٌ أيُ شأنٍ، وآراؤه فيها (حقوق الإنسان) تتَّصل اتصالاً كثيراً بالإسلام يومذاك، وهي تدور على محور من رفع الاستبداد والقضاء على التفاوت الطبقي.

ومَن عرف علي بن أبي طالب وموقفه من قضايا المجتمع، أدرك أنَّه السيف المسلَّط على رقاب المستبدِّين الطُّغاة، وأنَّه الساعي في تركيز العدالة الاجتماعية بآرائه وأدبه وحكومته وسياسته.

قال (عليه السلام): (ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِيژ الطَّبَقَةِ السُّفْلَی، مِنَ الَّذِينَ لا حِيلَةَ لَهُمْ: مِنَ

الْمَسَاكِينِ والْمُحْتَاجِينَ وأَهْلِ الْبُؤْسَ (شدة الفقر) والزَّمْنَ (أصحاب العاهات)؛ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً ومُعْتَرّاً. واحْفَظِ للهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ) (8).

وقد ذكر لهذه الطبقة حقوقاً مفصَّلة كحقوق العامة، إلاّ أنَّها أكثر إلحاحاً هنا. والملاحظ أنَّ الأمير (عليه السلام) طلب من واليه على مصر أن يُشرف بنفسه على أوضاع هذه الفئة، مضافاً إلى الإشراف العام، وحذَّره من التهاون في تنفيذ حاجياتهم، وأداء حقوقهم المالية والقانونية والشرعية.

قال (عليه السلام): (واجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ، وقِسْماً مِنْ غَلاتِ صَوَافِي

الإسْلامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ)، ثمَّ قال (عليه السلام) في موضعٍ آخر: (واجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيِهِ شَخْصَكَ، وتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيِهِ للهِ الَّذِي خَلَقَكَ).

ص: 388

ثمَّ قال (عليه السلام): (إِيَّاكَ والدِّمَاءَ وسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ، ولا أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ، ولا أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ، وانْقِطَاعِ مُدَّةٍ، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا... وإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإٍ، وأَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَو سَيْفُكَ أَو يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ، فَإِنَّ فِي

الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً، فَلا تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَی أَوْليَاءِ الْمَقْتُولِ

حَقَّهُمْ).

وقد ذكر لهذه الطبقة حقوقاً مفصَّلة كحقوق العامة، إلاّ أنَّها أكثر إلحاحاً هنا. والملاحظ أنَّ الأمير (عليه السلام) طلب من واليه على مصر أن يُشرف بنفسه على أوضاع هذه الفئة، مضافاً إلى الإشراف العام، وحذَّره من التهاون في تنفيذ حاجياتهم، وأداء حقوقهم المالية والقانونية والشرعية.

قال (عليه السلام): (واجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ، وقِسْماً مِنْ غَلاتِ صَوَافِي الإسْلامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ)، ثمَّ قال (عليه السلام) في موضعٍ آخر: ( واجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيِهِ شَخْصَكَ، وتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيِهِ للهِ الَّذِي خَلَقَكَ).

ثمَّ قال (عليه السلام): (إِيَّاكَ والدِّمَاءَ وسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ، ولا أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ، ولا أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ، وانْقِطَاعِ مُدَّةٍ، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا... وإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإٍ، وأَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَو سَيْفُكَ أَو يَدُكَ باِلْعُقُوبَةِ، فَإِنَّ فِي

الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً، فَلا تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَی أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ

حَقَّهُمْ) (9).

ص: 389

الخاتمة

يمكن القول ان الامام علي (عليه السلام) وضع الأسس السليمة والرصينة لمفهوم المواطنة التي ساد مفهومها حديثا، ولعل قيام المستشارين القانونيين للأمم المتحدة باعتماد على رسالة الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر ومقولة (الخلق صنفان، إما أخ لك في الدين او نضير لك في الخلق) كمصادر للتشريع القانوني لهيئة الأمم المتحدة، خير دليل على ذلك. فهذا امامي علي (عليه السلام) قمة الإنسانية والنبل والصفات الرائعة مختصرة برجل عبارة عن نور مخلوق وعبد مرزوق. ولعل قول الامام علي في وصف حال الدنيا خير برهان على ذلك.

لنفسُ تبكي على الدنيا وقد علمت ٭٭٭ أن السعادة فيها ترك ما فيها

لا دارٌ للمرءِ بعد الموت يسکُنها ٭٭٭ إلا التي كانَ قبل الموتِ بانيها

فإن بناها بخير طاب مسكنُه ٭٭٭ وإن بناها بشر خاب بانيها

أموالنا لذوي الميراث نجمعُها ٭٭٭ ودورنا لخراب الدهر نبنيها

أين الملوك التي كانت مسلطنةً ٭٭٭ حتى سقاها بكأس الموت ساقيها

فكم مدائنٍ في الآفاق قد بنيت ٭٭٭ أمست خرابا وأفنى الموتُ أهليها

لا ترکِنَنَّ إلى الدنيا وما فيها ٭٭٭ فالموت لا شك يُفنينا ويُفنيها

لكل نفس وان كانت على وجلٍ ٭٭٭ من المَنِيَّةِ آمالٌ تقويها

المرء يبسطها والدهر يقبضُها ٭٭٭ والنفس تنشرها والموت يطويها

إنما المكارم أخلاقٌ مطهرةٌ ٭٭٭ الدين أولها والعقل ثانيها

والعلم ثالثها والحلم رابعها ٭٭٭ والجود خامسها والفضل سادسها

والبر سابعها والشكر ثامنها ٭٭٭ والصبر تاسعها واللین باقيها

ص: 390

والنفس تعلم أني لا أصادقها ٭٭٭ ولست ارشدُ إلا حین اعصيها

واعمل لدارٍ غداً رضوانُ خازنها ٭٭٭ والجار احمد والرحمن ناشيهاقصورها

ذهب والمسك طينتها ٭٭٭ والزعفران حشیشٌ نابتٌ فيها

ص: 391

الهوامش

1 - امل هندي الخزعلي، جدلية العلاقة بين الديمقراطية والمواطنة والمجتمع والمدني:

العراق نموذجا، العدد 32، بغداد 2006، ص 131.

2 - الشيخ محمد عسيران، المواطنة في فكر الامام علي (عليه السلام)، بيروت، 2013، ص 36.

3 - عهد الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) لمالك الأشتر، وثيقة اسلامية ذات ابعاد قانونية - سياسية - اجتماعية - ادارية - اقتصادية عسكرية، د. ت، د. م، ص 10.

4 - الشيخ محمد عسيران، المصدر السابق، 37.

5 - عهد الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)...، المصدر السابق، ص 12.

6 - میزان الحكمة، ج 2، 1778.

7 - نهج البلاغة، ج 2، ص 218.

8 - الشيخ محمد عسيران، المصدر السابق، 37.

9 - المصدر نفسة.

ص: 392

حقوق الإنسان في الإسلام

عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (انموذجا)

أ.م.د. خديجة حسين سلمان

قسم العلوم التربوية والنفسية / كلية التربية

الجامعة المستنصرية

ص: 393

ص: 394

الملخص

لقد أخذت حقوق الإنسان بعداً عالمياً واسعاً، فمنذ أن صدر میثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ووقعت على هذا الميثاق جميع الدول بلا استثناء، ثم صدرت ملاحق أخرى له تهتم ببيان حقوق الإنسان الاجتماعية أو الاقتصادية أو الإعلامية أو التعليمية أو السياسية أو غيرها، وهي الأخرى حظيت بتأييد غير قليل من دول العالم كلها شرقيها وغربيها.

فأصبح العالم اليوم يتحدث عن حقوق الإنسان حتى أمريكا، أمريكا التي تعاني بذاتها من التفرقة العنصرية، والتي شهدت اضطرابات طويلة عريضة بسبب الاعتداء على حقوق من يسمونهم بالسود وإذا كان الغرب اليوم يتكلم باسم حقوق الإنسان فإنه لا يعرف عن الإسلام إلا ثلاث مسائل: الأولى: مسألة تعدد الزوجات، وأن الإسلام أباح تعدد الزوجات. والثانية: مسألة الرق والاسترقاق. والثالثة: مسألة الجهاد والقتال.

وبناءً عليه يصور الغرب الإسلام على أنه دين أهدر حقوق الإنسان، فأهدر حقوق المرأة يوم سمح للزوج بأن يأخذ عليها أخرى وثالثة ورابعة، وأهدر حقوق الإنسان يوم رضي أن يكون عبداً رقيقاً يستخدم ويباع ويشترى، وأهدر حقوق الإنسان يوم أذن بقتاله وسفك دمه، هكذا تصور الحضارة الغربية الإسلام، وبناءً عليه كان لابد أن نتكلم عن حقوق الإنسان في الإسلام لنبين أي مستوى من الكرامة رفع الإسلام إليها هذا الإنسان الكريم. ورغم كثرة الآيات المباركة والأحاديث النبوية الشريفة التي بينت حقوق الانسان في الإسلام. إلا ان الباحثة اختارت عهد الإمام علي عليه السلام لواليه على مصر مالك الأشتر ليكون انموذجا لحقوق الإنسان في الاسلام.

لذا هدف البحث الحالي إلى التعرف على أهم المضامين التي تبين حقوق الإنسان في عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر. حيث تميزت ولاية مالك الأشتر في عهد

ص: 395

الامام علي (عليه السلام). بمبادئ وقوانين إتسمت بالإنصاف والعدالة والتواضع للرعية من طبقات الشعب المختلفة من خلال وصايا الأمام لمالك الأشتر والتي تحتكم لأبلغ صورة لمبادئ حقوق الانسان. وقد تحدد البحث ببعض المقتطفات من ذلك العهد والتي تركز على حقوق الرعية، وما كتب عنه في هذا المجال من المصادر العلمية والتاريخية الرصينة والمعتمدة والتي تتميز بالموثوقية والموضوعية. وقد اتبع البحث المنهج التاريخي الوصفي لغرض تحقيق اهدافه.

وقد اشتمل البحث على عدة مباحث تضمنت ما يأتي:

1. مقتطفات من حياة مالك الاشتر رضوان الله تعالى عليه.

2. السمات العامة لعصر الإمام علي عليه السلام

3. مقتطفات من عهد الإمام علي عليه السلام ومحاكاتها مع الواقع الذي نعيشه في وقتنا الحاضر.

وقد استنتج البحث أهمية توظيف المبادئ والوصايا الواردة في العهد لما نراه اليوم من زيادة الإهدار لحقوق الإنسان ففي الوقت الذي امتلأت آذاننا من الحديث عن حقوق الإنسان من الناحية النظرية، إلا أن آذاننا امتلأت - أيضاً - بما يواجهه الإنسان على محك الواقع من الإهدار لكرامته والانتهاك لحقوقه.

ص: 396

واوصى البحث بالإكثار من اجراء مثل هذه البحوث لبيان الاسهامات الفكرية والتربوية الكبيرة لائمة اهل البيت (عليهم السلام) بصورة عامة والإمام علي عليه السلام بصورة خاصة كونه المعني بالبحث والعمل على الاستفادة منها وتوظيفها للارتقاء بالمجتمع.

أولاً: مشكلة البحث

منذ أن قتل قابيل هابيل، والإنسان يبحث لنفسه عن حقوقه، عن كرامته، عن حقه في الحياة، عن حقه في المأكل، عن حقه في الملبس، عن حقه في المسكن، عن حقه في الحرية، عن حقه في التعلم.... الخ، فقد عانت الإنسانية منذ أن ظهر الظلم على الأرض ألواناً من الهدر لكرامة الإنسان، والاستلاب لإرادته، والمصادرة لحرياته، الذي كثيراً ما كان يأخذ أبعادا مأساوية دموية، تنتهي إلى قتل الآلاف بل الملايين من البشر، وتشريد أضعافهم وهتك أعراضهم (التسخيري، 1995، ص 5).

وقد أدت تلك المظالم إلى الحروب، والى ظهور ثورات على مرِّ التاريخ، سواء كانت دينية، أم فكرية، أم سياسية، أم عسكرية، من اجل الحفاظ على كرامة الإنسان وحريته، فلم تأتِ حركة حقوق الإنسان لتنافس أي عقيدة أو فكر، وإنما جاءت للنهوض بمن هم بحاجة إلى التخلص من الفقر والتشرد والإضطهاد، جاءت هذه الحركة من اجل كرامة الإنسان والحرية، جاءت من كل مكان، من اجل عالم أفضل عالم يعطي معنى وقيمة لحياتنا (عمر، 2000، ص 1).

وتزعم بعض الأمم التي تبنت النهج الديمقراطيّ في الحكم والسياسة ک (بريطانيا، فرنسا، وأمريكا) أنها كانت من أوائل المسهمين في وضع حقوق الإنسان وتتويجها لهذه الحقوق من خلال الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان عام 1948 م، الذي يضمن وجود الإنسان وحريته وكرامته بغض النظر عن جنسه ولونه ومعتقده (صالح 2003، ص

ص: 397

303). وقد تناسوا، أو لم يعرفوا دور الإسلام في هذا الصدد، وبأنه هو أول من قرر المبادئ الخاصة بحقوق الإنسان في أكمل صورها وأوسع نطاقها، منذ عهد رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وعلى آله) وحتى الآن، أي منذ ما يزيد على أربعة عشر قرناً من الزمان، فالإسلام قرر منذ بداية عهده أن للإنسان حقوقاً، وهذه الحقوق منحة من الله (سبحانه وتعالى)، أي انه لا فضل فيها لمخلوق يستبد بها ويتحكم فيها، ويمنحها لمن يشاء، ويمنعها عمن يشاء، ومن ثم فإن الحقوق والحريات لیست حقوق طبيعية، وإنما هي منح من الله العليّ القدير، تستمد من أحكام الشريعة وتستند إلى العقيدة الإسلامية، وهذا ما يكسبها قدرا من الهيبة والاحترام والقدسية، والتي تشكل ضمانة أساسية ضد تغول السلطات عليها (عبد الحميد، 2005، ص 93).

والحديث عن حقوق الإنسان في الإسلام ليس حديثا جديدا، بل هو حديث قدیم من حيث العموم الفكريّ والتأسيس النظريّ المبثوث في مفردات التشريع الإسلامي هنا وهناك (صالح، 2003، ص 303) ولعل ما كتبه أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الاشتر رضوان الله تعالى عليه حين ولاه مصر خير دليل على دفاعه المشهود عن حقوق الإنسان حيث كان الشخص الاول بعد النبي الاعظم (صلى الله عليه واله وسلم) الذي وضع القواعد الدستورية الاسلامية الحقة في موضعها الصحيح واتباعه اقوم الانظمة العادلة لحفظ التوازن بين طبقات المجتمع وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم او بين الراعي والرعية وكذلك ضمان حقوق الانسان على اساس العدل الاجتماعي والحق والمساواة وكان ذلك ملاصقاً لشخصيته وسيرته العملية في حقوق الإنسان التي مازالت محط الأنظار ومصدر البحوث الإنسانية والعلمية بشكل مباشر أو غير مباشر. ويأتي البحث الحالي محاولة لتسليط الضوء على اهم ما جاء في عهد الإمام علي عليه السلام لواليه على مصر مالك الاشتر رضوان الله تعالى عليه في ما يخص حقوق الانسان.

ص: 398

ثانياً: أهمية البحث:

موضوع حقوق الإنسان ليس وليد العصر الحاضر، وإنما هو قديم قد الإنسانية نفسها، ويشكل جزءً لا يتجزأ من تاريخها، فقد ارتبط بالمجتمعات البشرية منذ بدء الخليقة، وتأثر سلبا وإيجابا بالظروف الزمانية والمكانية لتلك المجتمعات وبالتيارات الفكرية، والتقاليد السائدة فيها، كما ارتبط بالشرائع السماوية (الطعيمات، 2001، ص 36).

وقضايا حقوق الإنسان والدعوة لاحترامها في الوقت الراهن من الموضوعات ذات الأهمية القصوى فيما يخص العالم أجمع، ويحظى هذا الموضوع باهتمام بالغ في المجتمعات الديمقراطية عامة وفي دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية خاصة، وذلك انطلاقا من المفاهيم والأفكار الغربية المستندة إلى القوانين الوضعية والمستمدة من فكرة القانون الطبيعي لحماية الحقوق الطبيعية للإنسان (الراجحي، 2004، ص 14). حيث بات الحديث عن حقوق الإنسان حديث الساعة حتى غدى الاهتمام به واضحا من خلال عقد المؤتمرات والندوات، وإبرام المواثيق والاتفاقيات على المستويين: الإقليمي والدولي، وذلك من أجل معالجة جميع الجوانب والظروف التي تسهم في تعزيز حقوق الإنسان التي تعد معيارا لمعرفة مدى التزام دولة ما بمبادئ العدل والإنصاف وحماية حقوق مواطنيها وحرياتهم كما أنه يعد معيارا لقياس مدى إدراك ووعي تلك الشعوب بالتمتع بها، بل هو عنصر مهم في الأنظمة الديمقراطية (الشنقيطي، 2001، ص 45). إلا أن الاهتمام الغربي المعاصر، بهذا المجال على مستوى التنظير والممارسة، وصولا إلى تقنينه في مواثيق وإعلانات عالمية، جعل هذا الاهتمام يأخذ بعدا عالميا لم يسبق له مثيل من قبل، وكان من نتائجه المهمة، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عن منظمة الأمم المتحدة سنة 1948 م (دكير، 1998، ص 190).

فحقوق الإنسان كانت في الماضي مسألة فردية أو محلية تعنى بها التشريعات أو

ص: 399

الممارسات الداخلية لدولة ما، ولكنها أصبحت اليوم قضية تتصف بالعالمية وليس من المبالغة القول بأنها غدت شأناً إنسانياً مشتركاً يحتضن كل حقوق الإنسان أني وجد، وإلى أي دين أو عرق انتمى (خلف، 2004، ص 1). حيث باتت موضوعاً يمس حياة كل الشعوب والدول، وتطورها باختلاف حضاراتها ومواقعها الجغرافية وأنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي مسألة تمس حياة كل إنسان كفرد بحكم طبيعته وتكوينه، فطبيعة الإنسان ذات الصفة المزدوجة، كونه كائنا فرديا وكائنا اجتماعيا في آن واحد، هي التي أدت إلى ظهور حقوق الإنسان، وتطور حرکتها العالمية والوطنية، فالحقوق لا وجود لها إلا في مواجهة الآخر (هادي، 2000، ص 9).

ولأهمية حقوق الإنسان وتأثيرها في المجتمعات، صيغت عدة وثائق دولية، لعل أبرزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تمتع عند اعتماده بتأیید دولي عريض القاعدة فعلى الرغم من أن الدول الأعضاء الثماني والخمسين التي شكلت الأمم المتحدة في ذلك الوقت كانت تختلف فيما بينها من حيث أيديولوجيتها ونظامها السياسي وخلفياتها الدينية والثقافية ونماذج تنميتها الاجتماعية والاقتصادية، فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد مثل بيانا مشتركا بالأهداف والتطلعات التي تتقاسمها، وهي رؤية للعالم كما يود المجتمع الدولي أن يكون عليه (دي ميلو، 2003، ص 3).

ص: 400

ولقد شهدنا في العقود الأخيرة وكمظهر من مظاهر الصحوة الإسلامية، وبحث أمتنا الإسلامية عن هويتها الإسلامية، وعن هويتها الحضارية المتميزة في تراثها الفكري والحضاريّ، شهدنا كتابات طيبة وجيدة تبرز حديث الإسلام وسبقه في التقنين لحقوق الإنسان وهو ميدان خصب ومهم، ما زال ينتظر كثيراً من الجهود التي يمكن أن تسلح إنساننا المسلم ضد الاستيراد والقهر والاستلاب من جهة، وتثري الفكر الإنساني الخاص بهذه القضية المحورية، من جهة أخرى، وتنصف حضارتنا الإسلامية، وفكرنا الإسلامي وديننا الحنيف من جهة ثالثة، إنه ميدان مهم من ميادين البحث والاجتهاد، ومن الضروري أن يهتم به الباحثون (عمارة، 1985، ص 14).

إن الحقوق في الدين الإسلاميّ نظرية وتطبيق، وإذا كان التطبيق لا يعطي الصورة الواضحة فإنه يصبح من الواجب العودة إلى النظرية (طي، 2001، ص 107). فالحديث عن حقوق الإنسان في الإسلام ليس حديثاً جديداً، بل هو حديث قديم من حيث التأصيل الفكريّ والتأسيس النظريّ المثبت في مفردات التشريع الإسلاميّ (صالح، 2003، ص 303). لقد تبنى الإسلام بصورة جادة وموضوعية جميع حقوق الإنسان، ورصد له أروع الأحكام التي تنتظم بها حياته، وقومياته ولغاته ومذاهبه، فليس في تشريعاته ما يشذ عن سنن الطبيعة ويخالف مناهج الكون (القرشيّ، 2005، ص 7).

لقد نظر الإسلام بعمق وشمولية إلى الإنسان، ووقف على جميع إبعاد حياته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فوضع له المناهج السليمة التي توفر له حقوقه التي لا غنى له عنها، ومن أبرزها أن تسود العدالة الاجتماعية بأوسع معانيها في الأرض، بحيث لا يبقى أي ظل للبؤس والحرمان، ويعيش الإنسان حياة وادعة آمنة مطمئنة، يعمها الرخاء والأمن والاستقرار والسلام، إن حقوق الإنسان التي أعلنها الإسلام هي التي توفر للمجتمع الحياة الكريمة في ظل نظام آمن مستقر، لا طغيان فيه ولا ظلم ولا استبداد،

ص: 401

ولا تسلط للحاكم على المحكومين، فالسيادة للقانون الذي شرعه الإسلام، وتسري نظمه على الحاكم والمحكوم على حد سواء، فلا ميزة لأحد على احد إلا بالتقوى التي هي المقياس في التفاوت بين الناس، وتعني نكران الذات وعمل الخير وصنع المعروف (القرشي، 2005، ص 7 - 8).

لقد حملت الأمة الإسلامية مشعل الحضارة، وكانت الإنسانية مدينة لها في مختلف العلوم والمعارف، وحسبك ما لا يقل عن ثلاثة ملايين مخطوطة موزعة في مختلف أنحاء العالم (فهد، 1988، ص 5). ويوجد في المكتبة الوطنية في لندن (13095) مخطوطة إسلامية تُعدّ من أنفس المخطوطات في مختلف صنوف العلوم والمعارف (baker، 2001).

هناك مؤشرات متزايدة تدلل على أن الإنسان المعاصر غدى مهيئاً لتقبل الإسلام وتفهمه واعتناقه، ومن ثم إمكانية الشروع بفتوحات إسلامية جديدة من طرف المسلمين، إذا تحلوا بالكفاءة والجدارة اللازمة لهذا الدور التاريخي (آل نجف، 1999، ص 57).

لقد جاء الإسلام خاتم لكل الأديان والرسالات حيث جاء الإسلام من أجل تحرير الإنسان من الرق والعبودية وظلم الإنسان للإنسان، جاء من أجل كرامة الإنسان جاء من أجل سعادة الإنسان، وكذلك نبيه خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وعلى آله) فقد ضرب لنا الإسلام أروع الأحكام والتشريعات التي تلبي حاجات الإنسان المادية والروحية، وتمثلت تشريعاته بالقرآن الحكيم، والسنة النبوية الشريفة، من قول النبي الأكرم (صلى الله عليه وعلى آله) أو فعله أو تقريره، ثم الأئمة الاثنا عشر من أهل بيت الرسول صلوات الله عليهم اجمعين، كما نص عليهم رسول الله (صلى الله عليه

ص: 402

واله وسلم)(1).

فجاء ابن عمه علي بن أب طالب (سلام الله عليه) ليكٌمل ما جاء به الرسول وثٌبت دعامته الأساسية، إذ أن حقوق الإنسان موجودة منذ القدم وان لم يتطرق إليهٌا بصورة واضحة وتحت هذا المسمى من قبل ولكن كل الأديان السماوية نصت عليها وأكدت على وجوب تحقيقٌها وصياٌنتها.

ونحن هنا في مسار بحثنا هذا سنتطرق إلى مفردة حقوق الإنسان وتفرعاتها عند الإمام علي بن أبي طالب لنؤكد مره أخرى بان الإمام أكمل ما جاء به الرسول والدين الإسلامي من خلال الإنسان والحفاظ على حقوقه عندما ساوى بين الناس جميعا. ولعل ذلك يتضح جليا من خلال عهده لمالك الاشتر رضوان الله تعالى عليه حينما ولاه عليه السلام مصر.

ص: 403


1- قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): (يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي) (سنن الترمذي، 1983، ج 5 ص 328)، وقال: (2: (إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما) (مسند أبن الجعد، 1996، ص 397، المسند لابن حنبل، د.ت، ج 3 ص 17، مسند أبي يعلي الموصلي، 1992، ج 2 ص 297)، وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): (النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس) (المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري، د.ت، ج 3 ص 149) وقال (ص): (لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثنى عشر خليفة، كلهم من قريش) (سنن أبي داود، 1990، ج 2 ص 309، والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي، 1985، ص 95)، وقال (صلى الله عليه واله وسلم): (لا يزال أمر أمتي صالحا حتى يمضي اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش) (التاريخ الكبير للبخاري، د.ت، ج 8 ص 411، والمستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري، د.ت، ج 3 ص 618)، وقال: (2: (بعدي اثني عشر خليفة كلهم من بني هاشم) (ينابيع المودة للقندوزي الحنفي، 1977، ج 2 ص 315)

ثالثا: اهداف البحث

يهدف البحث الى محاولة التعرف على ما يأتي:

1. مقتطفات من عهد الامام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر رضوان الله عليه والتي تتضمن الاشارة الى حقوق الانسان.

2. امكانية توظيف تلك النصوص في وقتنا الحاضر.

رابعا: حدود البحث:

تحدد البحث ببعض ما نقل من مقتطفات لعهد الامام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر رضوان الله تعالى عليه من الموروث التاريخي وما كتب عنه في هذا المجال من المصادر العلمية والتأريخية الرصينة والمعتمدة والتي تتميز بالموثوقية والموضوعية.

خامسا: منهج البحث:

استخدم البحث المنهج التأريخي الوصفي الذي يتسم بالدقة والموضوعية والموثوقية في عملية العرض والتحليل للمباحث التي تضمنها.

سادسا: مباحث البحث:

يشتمل البحث على المباحث الاتية:

ص: 404

المبحث الاول: مقتطفات من حياة مالك الاشتر رضوان الله تعالى عليه

في السيرة الذاتية: لمالك بن الحارث الأشتر النخعي

اسمه: مالك، ولقبه «الأشتر» وكنيته «أبو ابراهیم». وقد أورد أكثر المؤرخين وعلماء علم الأنساب سلسلة نسبه كالتالي: هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلّمة بن ربيعة بن خزيمة (خديمة) بن سعد بن مالك بن نخع ومن أشهر ألقابه اثنان: «الأشتر» و «كبش العراق». ولا يُعرف تاريخ مولد الأشتر بدقّة، لكن كتّاب السِّيَر اتفقوا على أنه رأى النور في عهد الجاهلية، وربما بين عامي 25 - 30 قبل الهجرة (شرح نهج البلاغة: 6 / 315، سفينة البحار:

4 / 379).

إسلام وایمان مالك وشهادة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) له بذلك: مما لاشك فيه أن مالك الأشتر قد أسلم في زمن الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) وظل راسخاً في إسلامه. وقد نال درجةً من الايمان بلغَتْ حداً شهد له فيه النبي الأكرم (صلی الله عليه واله وسلم) بالایمان بشكل قاطع، وعبّر عنه في حديث شريف بأنه «مؤمن» أو «مؤتمَن». ويُروى كذلك أنه حينما ذُکِرَ مالك عند رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال: «إنه المؤمن حقّاً».

الأشتر نصير علي (عليه السلام) والمدافع عن حكمه: لم يقصِّر مالك الأشتر ملامَةَ ظفر من أجل تهيئة الأجواء لقيام الحكم العلويّ، وعاش سنين طوالاً بأمل إقامة هذا الحكم. وعندما قامت خلافة الإمام علي (عليه السلام) كان مالك مطيعاً إطاعة تامّة ومسلّماً تسليماً محضاً لأوامره (عليه السلام)، كما لعب دوراً رئيسياً وحيوياً في جميع الأحداث والوقائع الأساسية والهامّة التي حصلت أثناء خلافة أمير المؤمنين (عليه

ص: 405

السلام). فقد كان لمالك دور كبير في انتصار جيش أمير المؤمنين خلال حرب الجَمَل، من خلال بناء جيش الإمام وجنده، وعبر المشاركة العسكرية الشجاعة فيها. ويروي صاحب «روضة الصفا» إن مالك الأشتر حمل ثلاث مرات على المحيطين بِجَمَلِ عائشة أثناء حرب الجَمَل، وكان يقطع في كلِّ مرّة واحدة من أرجل ذلك الجمل.

ولمبادرات مالك الشجاعة دور كبير في فتح الرِّقة وحرّان، وطرد عمّال معاوية منها، وكذلك جهاده وقتاله البطولي في صفين، فقد صنعت منه بطلاً تاريخياً أطبقت شهرته الآفاق على مرّ التاريخ. لقد استحقّ مالك وبجدارة لقب بطل صفّين الكبير بعد الإمام علي (عليه السلام) نظراً لشجاعته النادرة وتضحياته في تلك الحرب.

استشهاد مالك الأشتر المؤلمة: كان الإمام علي (عليه السلام) يعتبر مالك الأشتر جديراً بحكم مصر، فلذلك فقد دعاه الى الكوفة وأعطاه عهده المعروف، وبعث به إلى هناك. فما كان من معاوية الذي كان يُدرك أنه لو دخل مالك الأشتر مصر فانها ستتحول الي قاعدة قوية وراسخة للخلافة العلوية، فدبّر خطة لاغتياله، وهو ما تحقّق له في نهاية المطاف. فقد استشهد مالك الأشتر في أرض القلزم بمصر على يد نافع مولى عثمان بن عفان - الذي سقاه شراباً مزيجاً من السَّم والعسل.

تاريخ إستشهاده ومحل دَفنه: ذكر بعض المؤرخين أن مالك الأشتر استشهد في رجب عام 37 ه (657 م)، ولكن يبدو أن الصواب هو الخامس والعشرون من ذي القعدة عام 38 للهجرة. ومن الأدلة المتوافرة يمكن تخمين عمره بأكثر من سبعين عاماً. أما فيما يتعلّق بمحل دفن جثمانه الطاهر، فقد ذهب بعض المؤرخين إلى أنه دُفِنَ في القلزم ذاتها، ولكن كثيرون يعتقدون أيضاً أن جثمانه حُمل من القلزم ودُفِنَ في المدينة المنورة، حيث يوجد قبره المعروف والمشهور الآن. وسبب ذلك هو أن مرافقيه لم يدفنوه في القلزم خشيةً من أن يأمر معاوية - لشدّة معاداته له - بنبش قبره وإهانة جثمانه الطاهر.

ص: 406

حُزن أمير المؤمنين على مالك: كان الإمام علي (عليه السلام) ينتظر على أحرِّ من الجمر أن يبعث إليه في الكوفة واليه على مصر تقريراً حول الفوضى الحاصلة في تلك الديار، لكن شيئاً من ذلك لم يحصل، مما أقلق الإمام وأثار هواجسه، حتى بلغه نبأ استشهاد الأشتر في العشرين من ذي الحجة الحرام عام 38 للهجرة، مما أدى الى حزن الإمام (عليه السلام) حزناً بالغاً والبكاء عليه كثيراً، ثم ارتقائه المنبر دامع العين، وقوله: «الله درّ مالك، لو كان من جبل لكان أعظم أركانه، ولو كان من حجر كان صلداً. أما والله ليهدن موتك عالماً، فعلى مثلك فلتبك البواكي» ثم قال: «إنّا لله وإنّا إليه راجعون والحمد لله ربّ العالمين، اللهم إني أحتسبه عندك، فان موته من مصائب الدهر، فرحم الله مالكاً، فقد وفى بعهده وقضى نحبه ولقي ربه، مع أنا قد وطّنا أنفسنا أن نصبر بعد مصابنا برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فإنها من أعظم المصيبة». ثم نزل (عليه السلام) من المنبر كسير الخاطر محزون القلب وتوجّه الى بيته. وفي هذه الأثناء، تشرّف مشايخ قبيلة نَخَع (وهم أبناء عمومة مالك) بزيارة بيت الإمام لتعزيته، فوجدوه يتلهف ويتأسف عليه وهو يقول: «لله درّ مالك، وما مالك لو كان من جبل لكان فنداً، ولو كان من حجر لكان صلداً. أما والله ليهدنّ موتك عالماً وليفرحنّ عالماً، على مثل مالك فلتبك البواكي وهل موجود كمالك». قال علقمة النخعي: فما زال علي (عليه السلام) يتلهف ويتأسف حتى ظننا أنه المصاب به دوننا، وعرف ذلك في وجهه أياماً. وجاء بعدها جمع من رجال قريش للتعزية أيضاً. وظل أمير المؤمنين حزيناً متألماً، فقال رادّاً على تعازي القرشيين: «مالك وما مالك، لو كان جبلا لكان فندا، ولو كان حجراً لكان صلدا، لا يرتقيه الحافر ولا يوفي عليه الطائر» وقال: «لا أرى مثله بعده أبداً».

لمحات من مناقب وفضائل مالك الأشتر ناصر الإمام عليّ وحبيبه: قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في وصف مالك: «ليت فيكم مثله إثنان، بل ليت فيكم مثله واحد يرى في عدوي مثل رأيه». وقد علّق المحدِّث القمّي (رحمه الله) على هذه الرواية في الهامش قائلا: «إن عمرو بن الحمق الخزاعي الذي كان من حواري أمير المؤمنين (عليه السلام)

ص: 407

ومشهوراً بالجلالة والفضل، بل قيل في حقه أنه كان من أمير المؤمنين بمنزلة سلمان من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «ليت أن في جندي مائة مثلك». لكنه قال في الأشتر: «ليت فيكم مثله واحد» فتأمل في ذلك ليدلك على مرتبة رفيعة وجلالة عظيمة للأشتر رضوان الله عليه.

المبحث الثاني: السمات العامة لعصر الإمام علي عليه السلام

لمّا قتل عثمان بن عفان أطبقت الاُمّة علي بيعة الإمام علي (عليه السلام) خليفة لها، ولكن الإمام ردّ عليهم بقوله: «دعوني والتمسوا غيري»، ولكنّهم أصروا عليه مراراً وبصورة إجماعية وحينئذ قال: «واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب». فسارعوا إلى قبول تلك الشروط وبايعوا الإمام على السمع والطاعة، وكانت المهمّة الاُولى له (عليه السلام) أن يزيل صور الانحراف المختلفة التي طرأت على الحياة الاسلامية، وأن يعود بالاُمة إلى منهج الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، فنراه (عليه السلام) حدّد صفات ولاة الأمر وموظّفي الدولة بقوله: «أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل، فتكون في اموالهم نهمته؛ ولا الجاهل فيضلّهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه ولا الحائِفْ للدُوَلِ فيتخذ قوماً دون قوم؛ ولا المرتشي في الحكم فيُذهب بالحقوق، ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطّل للسنّة فيُهلك الاُمة».

هذا في الميدان السياسي والاداري، وأمّا في الميدان الاقتصادي فإنه (عليه السلام) سارع إلى إلغاء طريقة توزيع المال القائمة على التمييز في العطاء، وأبدلها بطريقة المساواة في التوزيع التي قد انتهجها رسول الله (صلى الله عليه وآله). وقد اوضح بأنّ السابقة في الاسلام والتقوى والجهاد وصحبة الرسول (صلى الله عليه وآله) اُمور لا تمنح أصحابها

ص: 408

مراتب أو مميّزات في الدنيا، وإنّما لتلك المزايا ثوابها عند الله في الآخرة. وقد بين (عليه السلام) هذه الاُمور في كلام له تضمّن ما تقدّم، وجاء في آخره: «... وإذا كان غداً - إن شاء الله - فاغدوا علينا، فإن عندنا مالاً نقسمه فيكم ولا يتخلّفنَّ أحد منكم عربي ولا عجمي، كان من أهل العطاء أو لم يكن إلاّ حضر إذا كان مسلماً حرّاً».

وهكذا قرن (عليه السلام) القول بالفعل، ولمّا صار الغد دعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع وقال له: ابدأ بالمهاجرين فنادهم، واعط كل رجل ممّن حضر ثلاثة دنانير ثم ثنّ بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك، ومن حضر من الناس كلهم: الاحمر والاسود فاصنع به مثل ذلك. إنَّ نهج أمير المؤمنين (عليه السلام) وعدالته مع الناس جميعاً، وعهده السياسي والإداري إلى مالك الأشتر يدعونا إلى تسليط الضوء على ذلك العهد وخصوصا فيما يرتبط منه بحقوق الانسان ذلك المصطلح الجديد القديم.

ص: 409

المبحث الثالث: مقتطفات من عهد الإمام علي عليه السلام ومحاكاتها مع الواقع الذي نعيشه في وقتنا الحاضر. ويتضمن عدة مطالب:

الأول: نبذه عن حياة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)

هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب (عليه السلام) وقد كانت له مكانة مرموقة في الإسلام اعز به الإسلام وأهله وأذل بها الكفر وأهله فهو عليه السلام ابن أبي طالب عم الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وجده عبد المطلب أميرٌ مكة وسيدٌ البطحاء وكان نسبه يعٌود إلى قبيلٌة بني هاشم وكانت من أعظم القبائل فهي المغرس المبارك ومعدن العلم ونٌبوعه فمنها كان الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وهو ابن عم علي (عليه السلام) وقد زوجه الرسول ابنته سيدٌة النساء فاطمة الزهراء أم الحسن والحسينٌ عليهٌم السلام، وقد لازم الإمام علي (عليه السلام) الرسول (صلى الله عليه وعلى اله وسلم) في صباه منذ كان فتيا ياٌفعا في غدوه ورواحه وفي سلمه وحربه، حتى تخلق بأخلاقه واتسم بصفاته فقد أكد ذلك الرسول (صلى الله عليه وعلى اله) عندما قال (أنا مدينٌة العلم وعلي بًابها فمن أراد المدينةٌ والحكمة فليأتها من بابها ) وفي هذا القول تأكيد على مدى رسوخ القيمٌ الإسلاميةٌ الساميةٌ لديه (عليه السلام) والتي اقتبسها من شخصية الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) (زویر، 2015، ص 516).

الثاني: الإمام علي (عليه السلام) وتطور مفهوم حقوق الإنسان.

أن مفردة حقوق الإنسان تمثل مجموعة القواعد التي تصان من خلالها الحقوق والحريات وبذلك نرى أن حقوق الإنسان صارت متعارفا عليهٌا بصفتها حقوقاً وحريات يجٌب التمتع بها من قبل جميع الإفراد في علاقاتهم مع غيرهم من الأشخاص أو مع الدولة، وان حقوق الإنسان لا تمثل مفهوما عاما مجردا ولكنها.

ص: 410

مرتبطة إلى حد كبير بطوائف فكرية وعقائدية وتاريخية ومن ثم لا يمكن الزعم بان ضمانات حقوق الإنسان في أوربا وأمريكا تمثل مفهوم الضمانات في الدول النامية ذلك أن العوامل السياسية والاقتصادية والعقائدية السائدة في الدول على اختلاف) أشكالها تؤدي أيضاً إلى تباينٌ واضح في تطبيق المبادئ العالمية لحقوق الإنسان والإسلام لم يغٌفل المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان بل إننا لا يسٌعنا أن نفكر بأساسيات وأصول حقوق الإنسان دون الرجوع إلى ديننا الحنيف الذي أكد في أساسه الإنسان وحريته وكرامته وصونها من إي اعتداء عليها، وهو بذلك قد أضاف لتلك الحقوق طابعا اجتماعياٌ وجعلها أهدافاً حضاريةٌ يٌسعى الجميعٌ إلى تحقيقٌها فضلاً عن طابعها الديني (زوير، 2015، ص 517).

الثالث: مفهوم حقوق الانسان

الإنسان منذ ولادته ولدت معه حقوقه، ومادام الإنسان المخلوق الوحيدٌ القادر على الإبداع والتفكير فالحقوق ظهرت بوجوده وتطورت بتطور عقله، وبنضال الإفراد وشجاعتهم وعملهم الدؤوب من اجل حماية حقوقهم والحفاظ عليها خصوصا بعد إن أكدت عليها الكثير من الشرائع السماوية والحضارات القديمة فقد عمل الإنسان على الحفاظ على تلك الحقوق بالرغم من الانتهاكات الكثيرة التي تعرضت لها على مر التاريخ ولمعرفة ماه ةٌ مفردة حقوق الإنسان لابد من تجزئتها إلى مفردة) الحق (أولا والإنسان ثانيا فالحق هو كل مركز شرع من شأنه إن ينٌتفع به صاحبه او غيره، والحق هو قدرة شخص من الأشخاص على القيام بعمل معين منحه له القانون وكل حق يقابله واجب. فحقوق الإنسان هي: مجموعة الحقوق الطبيعية التي يمٌتلكها الإنسان واللصيقة بطبيعته والتي تظل موجودة وان لم يتم الاعتراف بها، بل أكثر من ذلك حتى وان انتهكت من قبل سلطة ما، وهناك من عرفها على أنها فرع خاص من الفروع

ص: 411

الاجتماعية تختص بدراسة العلاقات بينٌ الناس استنادا إلى كرامة الإنسان وهي تجديد للحقوق والرخص الضرورية لازدهار شخصية كل كائن إنساني، وكذلك تعرف بأنها: قدرة الإنسان على اختيار تصرفاته بنفسه، وممارسة نشاطاته المختلفة دون عوائق مع مراعاة القيود المفروضة لصالح المجتمع (نفس المصدر السابق).

الرابع: بعض المقتطفات من عهد الامام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر (رضي الله عنه) والتي تركز على حقوق الانسان

كان الإمام أمير المؤمنين يحسم الحكم ككيان مجتمع الاطراف، معقود الحواشي حيث الإنسان الصالح للتطبيق الصالح وحيث الفرد الصالح في المجتمع الصالح فلا يوجد في حکومته الا من كانت لديه اللياقة الذاتية للحكم حسب سلوكه الطبيعي والاجتماعي وحسب ایمانه العقائدي فيما او كل اليه القيام به وفي ذلك قوله كما جاء في نهج البلاغة [اذا قوى الوالي في عمله حركته ولايته على حساب ما هو مركوز في طبعه من الخير والشر].

ويرى الامام ان المجتمع الفاضل موكول بالحكم الفاضل ولا يتأتى الحكم الفاضل بدون ولاة امر فضلاء يدركون موضعهم ويعملون بما يدركون وكما قال [من اراد ان يكون اماماً لغيره فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعلیم غيره ولیبدأها بسيرته قبل لسانه].

وكما يقال في أغلب الاحيان ان الناس على دين ملوكهم وسيرة ولاة امرهم فاذا تسامح الحاكم مع نفسه ولم يتقيد بما فرضه على الناس من واجب تسامح الرعية في العدل اتكالاً على سيرة ولي الامر، ولم يجعل الامام سلطته مطلقة ولا حكمه لازماً بلا قيد أو شرط وانما قيد نفسه بأكثر مما فرضه على غيره واطلق للناس حرية النقد والتعبير وبالطبع ان ذلك وارد لنزاهة الوالي بإفساحه المجال للامة على نقده وبهذا يصلح الراعي ولم يجعل للوالي من الحق الا بمقدار ما عليه من الواجب ومن اجرى الحق في الرعية جرى اليه، والحق لازم به ولازم عليه، وعلى ذلك هذا ما ورد في كلام امير المؤمنين في «نهج البلاغة

ص: 412

ص 223 شرح محمد عبده» وجاء فيه [اما بعد فقد جعل الله لي عليكم حقاً بولاية امركم ولكم علىَّ من الحق مثل الذي لي عليكم، فالحق اوسع الاشياء في التواصف واضيقها في التناقض ولا يجري لاحد الا جرى اليه ولا يجري عليه الا جرى له] وكما هو ذكره مما جاء عنه في نهجه [أتأمروني ان اطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه.] (الحاج مسلم).

ولعل عهد امير المؤمنين (عليه السلام) لواليه على مصر مالك الاشتر (رضي الله عنه) من اكبر المصادیق على مراعاته عليه السلام لحقوق الانسان وبما ان التسميات التي اتسمت بها حقوق الإنسان قد اختلفت فالبعض صنفها على أنها حقوق أساسية وأخرى ثانوية وذلك بحسب أهميتها بالنسبة للإنسان، والبعض الأخر صنفتها على أنها حقوق فردية وحقوق جماعية وذلك حسب ما تمثله من أهمية ارتباط الفرد مع الآخرين داخل المجتمع. فإننا سنركز هنا على أهم الحقوق الأساسية في فكر الإمام علي (عليه السلام) ومفهومه لحقوق الإنسان فقد وضع الإسلام القواعد التي تضمن للإنسان حقوقه وتحافظ عليها ومن ابرز تلك الحقوق:

3. الحق في الحياة:

كان علي (عليه السلام) وكما ينقل لنا التأريخ احرص الخلفاء علي دماء الرعية وكان السلم والعفو هما الخيار الذي يلتجئ اليه الامام في حله لمشاكل الدولة الداخلية او الخارجية. وكانت انطلاقته وفق المعاير الإسلامية لا وفق الهوى منطلقا من الآيات التي تحرم قتل الناس من دون حق «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً...» سورة النساء اية 92 «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا» المائدة 32 «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» الانعام 151. هذه الآيات كانت شاخصة امام الامام علي (عليه السلام) وهو يحكم الرعية وفي تثبيت نظامه وحكومته، لذلك ما كان ليرمي سهما في

ص: 413

الحرب او يبتدأ بحرب الا اذا ابتدئ بها فهو القائل: (لا نقاتلهم أي - اصحاب الجمل - حتى يقاتلونا). كما وكان حريصا في ترسيخ هذا المبدأ فباشر تفعيله عمليا من خلال ممارساته وأدائه السياسي مع معارضيه ونظريا وثقه في دستوره الذي ارسله الى واليه على مصر مالك الاشتر فقد قال له موصيا: [ولا تقوین سلطانك بسفك دم حرام]. و [ولا تكن عليهم سبعا ضاريا]. والذي يزيدك يقينا في حرصه على الدماء دون سفكها انه اعتاد ترويض شعبه ورعيته على انتقاد حتى الحكومة اذا ما تجاوزت حدودها واخذت تسفك الدماء بغير حق لمجرد المعارضة السلمية. (نهج السعادة ج 2 ص 485).

4. حق المساواة:

من اهم النصوص التي وردت في ذلك العهد والتي تبين بشكل جلي مراعاة امير المؤمنين (عليه السلام) للمساواة في الرعية ((واشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكن غليهم سبعا ضاربا تغتنم اكلهم. فانهم صنفان اما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق. وقد وضعت الفقرة الاخيرة من هذا القول على جدار في الامم المتحدة للدلالة على المساواة في الحقوق، والابتعاد عن التمييز.

5. حق العدالة:

واوضح مصداق لذلك قوله عليه السلام (وان افضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية، وانهم لا تظهر مودتهم الا بسلامة صدورهم.. فافسح في امالهم، واوصل في حسن الثناء عليهم، وتعديد ما ابلی ذووا البلاء منهم، فان كثرة الذكر لحسن فعالهم تهز الشجاع، وتحرض الناكل (الجبان) ان شاء الله.

ص: 414

6. حق الضمان الاجتماعي:

ونراه في قوله عليه السلام ((ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين، والمحتاجين، واهل البؤس والزمني، فان في هذه الطبقة قانعا ومعتزا واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم، واجعل لهم قسما من بيت مالك، وقسما من غلات صوافي الاسلام في كل بلد، فلا يشغلنك عنهم بطر، فانك لا تعذر بتضييعك التافه لأحكامك الكثير المهم. ففرغ لأولئك ثقتك من اهل الخشية والتواضع فليرفع اليك امرهم، ثم اعمل فيهم بالإعذار الى الله يوم تلقاه فان هؤلاء من الرعية احوج الى الانصاف من غيرهم، وكل فاعذر الى الله في تادية حقه اليه))

7. حق السكن واحترام الملكية الخاصة:

حيث اوصى مالكا بقوله (ولا تمسن مال احد من الناس مصل ولا معاهد) کما أشار عليه السلام الى اهمية اعمار الارض ((وليكن نظرك في عمارة الارض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لان ذلك لا يدرك الا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغیر عمارة اضر بالبلاد واهلك العباد، ولم يستقم امره الا قليلا.. فان العمران محتمل ما حملته.

8. حق التعبير والاجتماع وحرية الراي:

حيث اشار عليه السلام ((يا أيها الناس ان ادم لم يلد عبدا ولا امة ان الناس كلهم احرار)) اما وصيته لمالك الاشتر في هذا الجانب فقد قال عليه السلام (واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك وتجلس لهم مجلسا عاما، فتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك واعوانك، احراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع) فاني سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول: ((لن تقدس امة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع)).

ص: 415

سابعاً: التوصيات

بعد هذا العرض الموجز لاهم المقتطفات التي تؤكد الدور البارز لأمير المؤمنين عليه السلام في التأكيد على حقوق الإنسان من خلال عهده المالك الاشتر رضوان الله تعالى عليه لا يسعنا إلا القول بأننا بأمس الحاجة إلى تفعيل تلك الوصايا في وقتنا الحاضر خصوصا ونحن نرى ما نرى من انتهاك لحقوق الانسان ويمكن ان يتم ذلك في خلال:

1. النقد للحاكم إذا ما ارتكب خطأً، وهو دليل أيضاً على إعطاء الإسلام مساحة للرأي الآخر في ضمن الإطار والحد الإسلامي ان لا احد فوق القانون. والدفاع عن حقوق الفرد في العيش الكريم في ظل دولة عادلة لا يخشی بطشها.

2. عدم التساهل في الدماء وعدم الالتجاء إلى السيف والقبضة الحديدية في التعاطي مع من يعارضون الحكم مالم يلتجؤوا إلى العنف كوسيلة للتعبير عن الرأي. مع الأخذ بعين الاعتبار أن يكون الحاكم عادلاً ومسلماً كعلي وأن لا يلزم من ذلك التهريج والفوضى أو عدم وجود التكافؤ أو المصلحة العليا للإسلام، وكل هذه القيود الاحترازية تحتاج معرفتها إلى عقول استراتيجية وعقول فتوائية تجتمع للوصول إلى الحكم في الأمر والبت في القضايا.

3. تحقيق العدالة والمساواة بين افراد المجتمع جميعا.

4. ابتعاد السلطة عن الترهيب والقمع وسياسة تميم الافواه.

5. ضمان حقوق الافراد في السكن الذي يحفظ کرامته.

6. العدالة في توزيع الثروات.

7. المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات.

8. أهمية اعداد فلسفة حديثة لمؤسساتنا التعليمية تستمد افکارها من الوصايا التي جاءت في عهد امير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الاشتر (رضي الله عنه) ليس فقط

ص: 416

فيما يتعلق بحقوق الانسان وانما تتناول كل الجوانب التي تطرق اليها عليه السلام في ذلك العهد حيث يعده الباحثون والمنصفون دستورا متكاملا لبناء الدولة على اساس العدل والمساواة.

9. توجيه القنوات التلفزيونية الفضائية والبرامج التعليمية ببيان الاثر الكبير لفكر أمير المؤمنين عليه السلام في هداية البشرية والارتقاء بها على مر العصور.

10. اقامة دورات تدريبية وعقد ندوات تخصصية لكل المعنيين بدراسة القانون الدولي والدساتير لحثهم وتوجيههم على الاستفادة من الافكار الواردة في ذلك العهد. لما له من مضامين فکرية فذة.

ثامناً: المقترحات

استكمالا لهذا البحث وتعميما للفائدة يقترح البحث اجراء بحوث ودراسات ضمن نفس المجال لغرض الاستفادة من التراث الكبير للدين الاسلامي الحنيف والافكار الربانية الخالدة لائمة أهل البيت عليهم السلام والتي تنبع من الخالق العظيم سبحانه وتعالى لغرض الاستفادة منها في تطوير المجتمع وبنائه على اسس رصينة لا ظلم فيها ولا تفرقة ولا استئثار بالمال والسلطة لفئة على حساب الفئات الاخرى.

وفي الختام فقد تناولت باختصار جانباً من سلطة الحق وحقوق الانسان في حكومة امير المؤمنين والتي كانت المثل الاعلى لإرساء قواعد العدل وبسط سلطة الحق ورعاية حقوق الانسان ونسأل الله ان يثيبنا اجراً على كتابة هذا المجهود المتواضع بحق مولانا اسد الله الغالب علي ابن ابي طالب (عليه السلام) انه سميع مجيب.

ص: 417

مصادر البحث:

1. القرآن الكريم

2. آل نجف، عبد الكريم (1999): الدولة الإسلامية دولة عالمية، مجلة المنهاج، العدد 14، بيروت.

3. التسخيري، محمد علي (1995): حقوق الإنسان بين الإعلانيين الإسلامي والعالمي، دار الثقلين، بيروت.

4. الجزائري، علي فاخر محسن (2010): رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام) والإعلان العالمي لحقوق الإنسان - دراسة تربوية مقارنة - رسالة ماجستير غير منشورة كلية التربية (ابن رشد) جامعة بغداد.

5. الحاج مسلم، سعدي جواد (ب.ت): اضواء على سلطة الحق والحقوق في حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام).

6. خلف، حسام عبد الأمير (2004): دور المنظمات الدولية في حماية حقوق الإنسان، رسالة ماجستير غير منشورة، المعهد العالي للدراسات الدولية، الجامعة المستنصرية.

7. دکیر، محمد (1998): حقوق الإنسان في الإسلام من التأهيل إلى التقنيين، مجلة المنهاج، العدد 11، بیروت.

8. دي ميلو، سیر جو فيرا (2003): مبادئ تدریس حقوق الإنسان أنشطة علمية للمدارس الابتدائية والثانوية، جنيف.

9. الراجحي، صالح بن عبد الله (2004): حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في الشريعة الإسلامية والقانون والوضعي، مكتبة العبيكان، الرياض.

10. زویر، انتظار رشید (2015): الإمام علي عليه السلام ومفاهیم حقوق الانسان (حقوق المرأة انموذجاً)، مجلة واسط للعلوم الانسانية، المجلد 11،

ص: 418

العدد 30.

11. صالح، نبيل على (2003): رسالة الحقوق الأثر الخالد، مقال في مجلة المنهاج، العدد 31، بيروت.

12. الطعيمات، هاني سلیمان (2001): حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، دار الشروق، عمان - الأردن.

13.طي، محمد (2001): حقوق الطفل في الإسلام، مجلة المنهاج، العدد 22، بيروت.

14. عبد الحميد، عبد العظيم عبد السلام (2005): حقوق الإنسان وحرياته العامة وفقا لأحدث الدساتير العالمية والمواثيق الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة.

15. عمر، عماد (2000): سؤال حقوق الإنسان، عمان، الأردن.

16. فتحي، محمد (ب.ت): الفكر القانوني الاسلامي بين أصول الشريعة وتراث الفقه صفحة 304 - 306.

17. فهد، بدري محمد (1988): تاريخ الفكر والعلوم العربية، جامعة بغداد، كلية الآداب.

18. القرشي، باقر شریف (2005): الإسلام وحقوق الإنسان، دار الهدى.

19.هادي، رياض عزیز (2000): العالم الثالث وحقوق الإنسان، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد.

ص: 419

ص: 420

المنطلقات الإنسانية والأخلاقية في رسالة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه)

اشارة

أ.م.د خميس غربي حسين

العراق - جامعة تكريت - كلية الآداب

ص: 421

ص: 422

المقدمة

من المسلم به أن الإسلام نظام ايجابي، يدعو إلى إقامة دولة تكون في غاية العدالة، تقوم سياستها على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويبتعد نظامها عن كل ما يؤدي إلى استغلال الإنسان أو استعباده، ويبيح الإسلام للإنسان حرية القول والفعل في تغيير كل منکر يراه، والروح الإنسانية والأخلاق القويمة هي الأساس التي يقام عليها المجتمع، وهي كذلك المعيار الحسن لصلة الإنسان بربه وحسن تعامله مع أخيه الإنسان وتمام انسجامه مع نفسه.

وفق هذه المعايير، فإن الإسلام دين الإنسانية والمثل الأخلاقية السامية، جاء برسالة تفيض بالمحبة والإخاء والدعوة الصارخة لتحقيق إنسانية الإنسان، وقد ظهر أدب الوصايا في فترة مبكرة من تاريخ الإسلام، فكان الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وسلم) أول من بدأ تحرير الرسائل والكتب إلى عدد من ولاة أمر المسلمين، وكان (عليه الصلاة والسلام) يوصي من تسند إليه وظيفة أو ولاية عامة، على ضرورة التعامل بالحسني والأخلاق الفاضلة مع من هم في إمرته.

واستمر هذا الأمر في عهد أبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يشددون على حکام الولايات الإسلامية، وأمراء الجيش، أن يكون المعيار الأخلاقي والإنساني هو السبيل الوحيد لسياسة الرعية وقيادة الدولة، ولم يكن هذا المنهج ليطبق مع الرعية من المسلمين فحسب، بل امتد ليشمل جميع أفراد المجتمع على اختلاف مذاهبهم وأديانهم وألوانهم وأعراقهم، مما يبين حالة إنسانية وأخلاقية في منهج الإسلام وسلوك أفراده ممن يؤتمن عليهم مسؤولية القيادة في الدولة الإسلامية.

تأتي أهمية الموضوع من كون رسالة الإمام علي (عليه السلام) تعد دستوراً عظيماً بحد ذاته، تضمنت الكثير من الأطروحات الناضجة في مجال السياسة، والإدارة، والقضاء،

ص: 423

فضلاً على ما حوته من منطلقات إنسانية وأخلاقية تمثل الأفكار الأساسية في المنهج الإسلامي القائم على سمو الروح الإنسانية والأخلاق الفاضلة، وهذه كانت صفة ملازمة لشخصية الإمام علي (عليه السلام)، لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهلها عند الحديث عن أخلاق المسلمين ومنطلقاتهم الإنسانية.

عندما وصلت الخلافة إلى الإمام علي (عليه السلام) وارث الدوحة المحمدية، وهو الذي اشتهر ومنذ وقت مبكر من حياته بعدالته وصدق إيمانه، كانت المعايير الإنسانية والأخلاقية هي التي ترسم سلوكه في الحياة العامة، وسياسته مع الرعية، يتضح ذلك من عديد الوصايا والرسائل التي كان يوجه بها العمال والولاة على الأمصار الإسلامية. ولأن سياسة الدولة في مفهوم الإمام علي (عليه السلام) ليس في إطارها أضيق الذي يبغي تحقيق غاية ما، مهما كانت الوسيلة إلى ذلك، بل أن مفهوم القيادة والإدارة في منطلقات الإمام (عليه السلام) تبدأ من حيث الحفاظ على القيم السامية التي دعا إليها الإسلام، والمساهمة في مواجهة الانحرافات التي بدأت تظهر في المجتمع الإسلامي، ومن ثم تقويمها واستبدالها بقيم تتوافق مع روح الدين الإسلامي.

من المعلوم أن نصائح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) نابعة من إيمانه بمبادئ الإسلام الإنسانية والأخلاقية والتي كانت في معانيها تهدف إلى إقامة نظام اجتماعي يتصف بالعدل، كما تجعل الإنسان غاية سامية بعيداً عن الأطر الضيقة التي كانت تعيشها البشرية، ولأن هذا الدين، دين التناصح والأخوة والمحبة وهو، أي الإسلام، يعمل على توجيه الإنسان والأخذ بيده إلى طريق السعادة وتحقيق إنسانيته، وحيث أن كل إنسان لا يستطيع أن يعرف أخطاءه، أو قد يتغافل عنها لطبيعة في تركيب نفسيته؛ فإن الله تعالى ورحمة بعباده جعل من حق الأخ على أخيه أن يبصّره بعيوبه، وأن يكون له مرآة يرى من خلالها ما به من نقص، کما جعل مبدأ النصيحة شعار المجتمع

ص: 424

الإسلامي (1).

وانسجاماً مع ما سبق ذكره، فإن المؤسسات الإدارية والسياسية والقضائية والاقتصادية في منظور أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يمكن أن توضع فيها الأفكار والقضايا السياسية والقانونية والإدارية والخطط والبرامج والتوجيهات التي تحدد سياسة الدولة وترسم ملامحها وبأدق التفاصيل وهي تنحوا إلى هدف مهم وجوهري، ألا وهو خدمة الرعية وتحقيق سعادتهم، وهي كذلك، لا تخرج عن كونها قوانين وقرارات ومواقف واتجاهات تأخذ طريقها نحو التطبيق، في الواقع السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، من قبل الجهات المختصة بالتنفيذ والتطبيق في المجتمع، وعلى ذلك، يوصي الإمام علي (عليه السلام) مالك الأشتر (2) (رضي الله عنه) ((فولِّ من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك، وأطهرهم جيباً، وأفضلهم حلماً، ممن يبطئ عن الغضب، ويستريح إلى العذر، ويرأف بالضعفاء، وينبوا عن الأقوياء، وممن لا يثيره العنف، ولا يقعد به الضعف))(3).

وكما هو معلوم، أن غاية الدولة في الفكر السياسي للإمام علي (عليه السلام) هي خدمة الرعية والسهر على راحتهم وليس في أن يتسلط الوالي أو الأمير على رقاب الناس أو كبحهم بالخوف، ولكن الغاية الأخيرةُ منها هو تحرر كل إنسان من الخوف طالما كان غير مقترف لذنب أو معصية أو اعتدى على الآخرين، كما يتضح من وصية الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه) واليه على مصر بقوله: ((واشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فأنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتى على أيديهم في العمد و الخطأ))(4) وعند ذاك يعمل الفرد في دولة الإسلام بجو من الطمأنينة والأمن، ويعيش في وئام مع نفسه، وممن يحيط به من الناس، وهذه الفكرة التي كانت

ص: 425

في سلم أولويات القيادة عند الإمام علي (عليه السلام) نجد صداها عند الكثير من المفكرين الغربيين، كما ذهب إلى ذلك (وِل ديورانت) بقوله: ((إن الغاية الدولة ليست تحويل الناس إلى وحوش آلات صماء، ولكن الغاية تمكين أجسامهم وعقولهم من العمل في أمن واطمئنان، وان ترشدهم إلى حياة تسودها حرية الفكر والعقل، كي لا يبددوا قواهم في الكراهية والغضب والغدر، ولا يظلم بعضهم بعضاً، وهكذا فإن غاية الدولة هي الحرية في المجتمع ))(5).

إن القارئ المدقق، والمتأمل للرسالة التي بعثها (عليه السلام)، إلى والي مصر مالك الأشتر (رضي الله عنه)، سيجد أن الجوانب الإنسانية والأخلاقية تكاد تطغى على ما سواها، ولأن الجوانب الإنسانية والأخلاقية من هواجس الإمام علي (عليه السلام)، فكان الإمام (عليه السلام) يحاول أن يزرع في نفوس الولاة مبادئ وقيم الدين الإسلامي، التي تتضمن حب الخير، والتطلع للأفضل، فيما يرتبط بالعلاقات بين الولاة والرعية من المسلمين وغير المسلمين، والتي يجب أن تتحلى بالسلوك الحسن الذي يضمن السعادة لأبناء المجتمع. وهذا هو الذي صاغ الحياة الإسلامية، والفكر الإسلامي، وهو الذي قامت عليه حضارة الإسلام يوم قدر لها أن تسود العالم، وأن ترف راية الإسلام في الشرق والغرب.

وبطبيعة الحال، فإن هذه الوثيقة ذات أبعاد عمومية، لأن هذه الرسالة وأن كانت موجهة إلى والي أحد الأمصار بعينه، إلا أنها تشمل كل من تسنم منصب، أو تولى أمر المسلمين في دولة الإمام علي (عليه السلام)، من هنا تتضح أهمية هذه الدراسة على المستوى الأكاديمي، والعلمي، والفكري، كون أن هذه الوثيقة تشکل دستوراً لبناء دولة الإنسانية، ومن هنا أيضا توجب على الدارسين والباحثين وقادة المسلمين المعاصرين أن يستفيدوا من دراسة هذا السفر السياسي الاجتماعي والقضائي والاقتصادي.

إن كلمة (منطلقات) التي جعلناها أحد مفردات عنوان هذا البحث نعني بها، كيف

ص: 426

أن الإمام علي (عليه السلام) كان يؤسس لبناء منظومة قيمية ذات منهج يرتكز في أساسه على الجانب الإنساني والأخلاقي، ويتجه قادة المسلمين وأولي الأمر لتكون الأخلاق الفاضلة عنوان فاصل بين دولة الإسلام ذات التعاليم الربانية، وبين دول التعاليم الوضعية، وهذا يعني أن الإمام علي (عليه السلام) كان ينطلق في تفكيره وأقواله وأفعاله ودعواته إلى منهج الإسلام بمصدريه: القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد اتضح ذلك في مفردات الرسالة التي خص بها أمير المؤمنين (عليه السلام) واليه على مصر مالك الأشتر (رضي الله عنه).

اقتضت طبيعة هذه الدراسة تقسيمها على ثلاث مباحث، سبقتها مقدمة وانتهت بخاتمة، تضمنت المقدمة بيان أهمية الموضوع والإشارة إلى المنهج السياسي الإسلامي كذلك تكلمنا عن الأسلوب التي اتخذه الإمام علي في قيادة الدولة الإسلامية، من خلال الوصايا والرسائل والتوجيهات التي كان يسديها إلى الولاة وعامة الناس، أما المبحث الأول، فقد تضمن بناء شخصية الإنسان في فكر الإمام علي (عليه السلام)، وتطرق المبحث الثاني، إلى الجوانب الأخلاقية في عهد الإمام علي (عليه السلام)، وتكلمنا في المبحث الثالث، إلى الجوانب الأخلاقية في العهد، وانتهت الخاتمة إلى بيان أهم النتائج التي توصلنا إليها في البحث.

ص: 427

المبحث الأول: بناء شخصية الإنسان في فكر الإمام علي (عليه السلام)

من المعلوم أن الدراسات التي تختص بفكر الإمام علي (عليه السلام) ولا سيما في الجانب السياسي تكتسب أهميتها ونوعيتها لأن الإمام علي (عليه السلام) من الشخصيات التي تركت أثراً كبيراً وعميقاً في تاريخ الفكر السياسي الإسلامي(6)، وقد بين الإمام (عليه السلام) في أكثر من مناسبة أن قيامه بالأمر لم يكن ليحصل لولا أنه يريد إقامة العدل، ولم ينظر إلى منصب الخلافة على أنه منصب تشریف(7)، بل منصب تكليف لتحقيق الجوانب الإنسانية والأخلاقية التي دعا إليها الإسلام.

وإن الدارس لسيرة الإمام علي (عليه السلام) سيجد انه قضى شطراً كبيراً من حياته محاولاً بناء دولة الإنسان التي جل اهتمامها ينصب في الحفاظ على كرامته محدداً ذلك بضوابط منها العدل والقدوة الحسنة، فضلاً عن المساواة بين أفراد المجتمع من المسلمين وغير المسلمين ضمن الدولة الإسلامية، تبين ذلك من خلال الأقوال والأفعال التي صدرت عنه (عليه السلام)، وكانت سياسته حتى مع المعارضين له قائمة على الحوار والنقاش الهادئ البناء، يقول المفكر العربي طه حسين: ((لم يكن الإمام علي (عليه السلام) يستبيح لنفسه مكراً ولا كيداً ولا دهاء، كان يؤثر الدين الخالص على هذا كله، وكان يتحمل الحق مهما ثقلت مئونته، لا يعطي في غير موضع للعطاء، ولا يشتري الطاعة بالمال، ولا يجب أن يستقيم أمر المسلمين على الرشوة، ولو شاء الإمام علي (عليه السلام) المكر لكاد، ولكنه آثر دينه وأبى إلا أن يمضي في طريقه إلى المثل العليا من الصراحة والحق والإخلاص والنصر لله وللمسلمين، عن رضي واستقامة، لا عن كيد والتواء))(8).

وتظهر مسألة بناء شخصية الإنسان في المجتمع الإسلامي وفق المنظور العلوي،

ص: 428

عندما كان الإمام علي (عليه السلام) قدوة للرعية كي يكون كلامه يوافق فعله وتصرفه، رأى أبن عباس الإمام علي (عليه السلام) وهو يخصف نعله ((فسأله الإمام علي (عليه السلام) ما قيمة هذا النعل؟ فقال أبن عباس: لا قيمة لها، فقال الإمام: والله لهي أحب إلىَّ من أمرتكم إلا أن أقيم حقاً أو ادفع باطلاً))(9).

كان منهج الإمام علي (عليه السلام) يرتكز في أساسه على تعاليم القرآن والسنة النبوية، وكان (عليه السلام) يقرر هذا المنهج قولاً وفعلاً، ويمكن تلمس ذلك من خلال حرصه على تطبيق الأحكام الشرعية بشكل فعلي في إطار التنظيم المالي والإداري إبان خلافته والتي تظهر بشكل واضح في خطبه ووصاياه إلى عماله(10)، ففي رسالة إلى محمد بن أبي بكر عندما وليَّ مصر أوصاه الإمام علي (عليه السلام) بتقوى الله والإحسان إلى الرعية، بقوله (عليه السلام): ((واني أوصيكم بتقوى الله فيما انتم عنه مسئولون، وعما أنتم إليه صائرون، فإن الله قال في كتبه (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (11)، فعليك بتقوى الله فإنها تجمع من الخير ما لا يجمع غيرها ويدرك بها ما الخير ما لا يدرك بغيرها، من خير الدنيا وخير الآخرة))(13).

والإمام علي في دعوته للإصلاح يؤكد على أهمية الوعي بأخبار السالفين، والاستفادة من تجارب السابقين والأخذ منها، فيصبح الإنسان كأنه عاش معهم، ففي وصية لولده الإمام الحسن (عليه السلام) يقول ما نصه: ((بابني إني وإن لم أكن قد عمرت عمر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمارهم، وفكرت في أخبارهم وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى إلىّ من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من کدره، ونفعه من ضرره، واستخلصت لك من كل أمر نخيله وتوخیت لك جميله)) (13).

ص: 429

لقد كان الإمام علي (عليه السلام) حريص جداً، في تحقيق المبادئ الإنسانية في ظل الخلافة الإسلامية، واتبع أساليب متعددة في سبيل تحقيق هذا الهدف منها، سياسة إرسال العيون إلى الأمصار لمتابعة عماله، فيشجع المحسن ويعاقب المسيء، يقول الإمام في وصيته لمالك الأشتر (رضي الله) عنه: ((ولا يكون المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإن في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة، وألزم كل منهم ما ألزم نفسه))(14).

والإمام علي (عليه السلام) يريد بناء شخصية الوالي، من خلال العلاقة الطيبة مع الرعية والقائمة على التفاهم والانسجام بين الطرفين، وهذا يتحقق من خلال حسن ظن الوالي برعيته كي تزداد الثقة بين الطرفين. يظهر ذلك في عهده إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه)، يقول (عليه السلام): ((واعلم أنه ليس شيءٌ أدعى إلى حسن ظن والي برعيته من إحسانه إليهم وتخفيفهِ المؤونات عليهم، وترك استكراهه إياهم، على ما ليس له قبلهم، فليكن منك في ذلك أمرٌ يجتمع ل كبه حسن الظن برعيتك، فإن حسن الظن يقطع عنك نصباً طويلاً، وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده، وإن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده)) (15).

ص: 430

المبحث الثاني: الجوانب الإنسانية

يقودنا الحديث عن الجوانب الإنسانية في وصايا ورسائل الإمام علي (عليه السلام) إلى تأكيد أمر في غاية الأهمية، وهو أن الإسلام جاء ليرسي القيم الإنسانية في الأرض، ويخرج الناس من قهر العبودية والتسلط إلى فضاء الحرية والعدل والتعامل على أساس الأخوة الإنسانية، ونجد الخليفة علي (عليه السلام) يجسد هذا المعاني في أقواله وأفعاله، لا سيما في رسائله ووصاياه إلى الولاة، وقد تجسدت القيم الإنسانية في هذه الوصايا وفق مفاهيم تربوية وأخلاقية وإنسانية، منها مساعدة الضعفاء والفقراء، والتأكيد على حسن معاملة الرعية حتى من غير المسلمين، وفق منهج الإسلام الذي بني على الروح الإنسانية، والتي تتمثل في حق الرعية على الوالي، وحق الوالي على الرعية، ولعل ذلك من أهم المبادئ التربوية والأخلاقية والإنسانية التي جاء بها الإسلام.

وليس أدل على الجوانب الإنسانية في نهج الإمام علي (عليه السلام) هو إلغاءه للتميز في توزيع العطاء، والذي كان جزءاً من سياسة إصلاحية بعيدة المدى تنسجم مع مبادئ الإسلام (16)، إذ رأى (عليه السلام) أن التقوى والسابقة في الإسلام، والجهاد والصحبة للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) أمور لا تمنح أصحابها مراتب أو مميزات في الدنيا، وإنما لتلك المزايا ثوابها عند الله في الآخرة، ومن كان له قدم فإن الله تعالى يتولى جزاءه، أما في هذه الدنيا فإن الناس سواسية في الحقوق المالية في القضاء الإسلامي، وفي الواجبات والتكاليف(17).

إن ما ذكرناه آنفاً قد تجسد في عهود الإمام إلى ولاته، ففي وصيته إلى محمد بن أبي بكر، والي مصر دعوة إلى ضرورة التعامل مع الرعية بالحسنى، سواء كانوا مسلمين أو من أهل

ص: 431

الذمة، كما يأمره بالعفو عن الناس، يقول الإمام علي (عليه السلام) ((آمرك بتقوى الله، والطاعة في السر والعلانية، وخوف الله في الغيب، وباللين على المسلم، وبالغلظة على الفاجر، وبالعدل على أهل الذمة، وبإنصاف المظلوم، وبالشدة على الظالم، وبالعفوِ عن الناس، وبالإحسان ما استطعت))(18).

ومن وصاياه إلى عماله في ضرورة التعامل بروح الإنسانية التي جاء الإسلام لتحقيقها في المجتمع قوله (عليه السلام) إلى عدد من عماله: ((أما بعد فإن دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظةً وقسوةً، واحتقاراً وجفوة، ونظرت فلم أرهم أهلاً لن يدنوا لشركهم، ولا أن يقصوا ويجفوا لعهدهم، فلبس لهم جلباباً من اللين تشوبه بطرف من الشدة، وداول لهم بين القسوة والرأفة، وامزج لهم بين التقريب والإدناء، والإبعاد والإقصاء. إن شاء الله))(19). والإمام (عليه السلام) كان يتحرى في تطبيق أحكام الشريعة ومحاسبة عماله، وتظهر شدته أن عامله (مصقلة بن هبيرة) لما أحس الخطر المحدق به آثر الهروب من مواجهة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بسبب خطأٍ اقترفه هذا العامل(20).

والجوانب الإنسانية في وصايا الإمام علي (عليه السلام) إلى عماله تظهر واضحة لكل دارس لسيرته (عليه السلام)، ففي رسالة إلى والي البصرة زياد بن أبيه تحذير من الاستئثار بأموال الرعية، وخيانة الأمانة التي كلف بها على اعتبار أن الذي يقوم بخدمة عامة في دولة المسلمين يجب أن يتبنى الروح الإنسانية في كل ما هو مؤتمن عليه(21)، ومن الجوانب الإنسانية في شخصية الإمام علي (عليه السلام) شدته في الحق، كتب إلى ابن عمه عبدالله بن عباس عندما ولاه البصرة ما نصه: ((فما أتاك من الدنيا فلا تكثر به فرحاً، وما فاتك فلا تكثر عليه جزعاً، واجعل همك لما بعد الموت. فكان أبن عباس يقول: ما اتعظت بكلام قط اتعاظي بكلام أمير المؤمنين))(22).

إن المنطلقات الإنسانية التي نجدها عند الإمام علي (عليه السلام) في السلم والحرب على حد سواء فهو يوصي أتباعه قبل لقاء العدو بقوله: ((لا تقاتلوهم حتى يبدءوكم،

ص: 432

فإنكم بحمد الله على حجةٍ، وترككم إياهم حتى يبدءوكم حجة أخرى لكم عليهم، فغن كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مديراً؛ ولا تصيبوا مُعوِراً، ولا تجهزوا على جريح، ولا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم، وسبين أمراءكم فإنهن ضعيفات القوى والنفس والعقول؛ إن كنا لنؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات، وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالفهر أو الهراوة، فيعير بها وعقبه من بعده))(23)، وهذا يظهر الأبعاد الإنسانية والأخلاقية في منهج الإمام (عليه السلام) في تربية أعوانه على محاسبة أنفسهم والخوف من الله في كل صغيرة وكبيرة.

وتظهر العدالة الاجتماعية والمعايير الإنسانية في تأكيد الإمام علي (عليه السلام) على ولاته في أن يجعلوا في حساباتهم أن لا يكون هم العمال جلب الخراج فقط، بل الإنفاق على عمارة البلاد كي لا يلحقها التدهور والخراب، يتضح ذلك من قوله (عليه السلام): ((وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد، وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً، فإن شكوا ثقلاً أو علةً، أو انقطاع شرب، أو بالة أو إحالة أرض أغتمرها غرقٌ، أو أجحف بها عطش، خففت منهم بما ترجو أن تصلح به أمرهم... وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها، وإنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع، وسوء ظنهم بالبقاء، وقلة انتفاعهم بالعبر))(24).

كانت وصيته في التخفيف عن الفلاحين من أجل إصلاح أمرهم، لما يصيب الأراضي الزراعية من آفات، وهي في الوقت نفسه تظهر الفكر الراجح لدى الإمام علي (عليه السلام) في بناء مجتمع وفق منظومة إنسانية قائمة على الأخلاق وليس استغلال أصحاب الأراضي بالخراج، لأن ذلك سوف يعوض في الازدهار المرتقب، مستقبلاً وسيشعر الناس أن الدولة مهتمة بهم، وتساعدهم في حل مشاكلهم، وبذلك تكون معهم في الضراء والسراء.

ص: 433

المبحث الثالث: الجوانب الأخلاقية

تظهر الأخلاق الفاضلة عند الإمام علي من خلال وصاياه وفي أحلك الظروف، فعندما طعنه أبن ملجم أوصى (عليه السلام) أولاده والمقربين بكلام كله مثل وأخلاق، توضح عظمة شخصية الإمام علي (عليه السلام) ورسوخ مبادئ الإسلام في نفسه، قال (علیه السلام): ((وصيتي لكم أن لا تشركوا بالله شيئاً، ومحمد صلى الله عليه وآله، فلا تضيعوا سنة، أقيموا هذين العمودين، وأوقدوا هذين المصباحين، وخلا كم ذم، أنا بالأمس صاحبكم، واليوم عبرة لكم، وغداً مفارقكم، إن أبقَ فأنا ولي دمي، وإن أفنى فالفناء ميعادي، وإن أعف فالعفو لي قربة، وهو لكم حسنة))(25).

إن الأخلاق الفاضلة عند الإمام علي تتجلى في وصاياه لعمالة وولاة أمر المسلمين ليتمسكوا بالقيم الإسلامية التي تدعو إلى سموا الأخلاق ومراعاة حقوق الناس وعدم البذخ والإسراف من بيت مال المسلمين ففي إحدى وصاياه إلى عماله يقول (عليه السلام): ((فدع الإسراف مقتصداً، واذكر في اليوم غداً، وامسك من المال بقدر ضرورتك، وقدم الفضل ليوم حاجتك، أترجوا أن يعطيك الله أجر المتواضعين وأنت عنده من المتكبرين، وتطمع في نعيم الآخرة، وأنت متمرغ في النعيم تمنعه الضعيف والأرملة))(26).

ومن نافلة القول أن نشير هنا، إلى أن الإمام علي (عليه السلام) قد اتبع سياسة حازمة تتسم بالإنسانية والأخلاق الفاضلة نابعة من فهمه للإسلام ومبادئه، فكان يختار أعونه ومساعديه في إدارة الدولة ممن تتوافر فيهم صفات العدل والصدق والأمانة(27)، ويكتب لمن يعينه في منصب عام عهداً يقرأه على الناس في بداية ولايته، فإن انحرف عنه وجبت عليه العقوبة، وكان يراقب العمال مراقبة دقيقة، من خلال العيون التي كانت تنقل له

ص: 434

الأخبار عن الوالي في كلِ مصرٍ على حدة (28). ففي رسالة بعثها أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى زياد بن أبيه وهو خليفة عامله عبدالله بن عباس على البصرة يتضح فيها حزم الإمام (عليه السلام) وشدته في ضرورة أن يكون الوالي حريصاً على العدل والحفاظ على المال العام وعدم الجور على الرعية، يقول (عليه السلام): ((وإني أقسم بالله قسماً صادقاً، لئن بلغني أنك خنت من فئ المسلمين شيئاً صغيراً أو كبيراً، لأشدن عليك شدَّة تدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر؛ ضئيل الأمر والسلام))(29).

ومن أخلاق الإمام علي (عليه السلام) عدله في القضاء، وهذه سمة لازمت الإمام علي (عليه السلام) قبل تولي الخلافة وبعدها، يروى عن الإمام علي (عليه السلام) لما بعثه الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) قاضياً على اليمن وهو لا يزال شاباً، قوله: ((بعثني الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) وأنا شاب اقضي بينهم، ولا ادري ما القضاء، قال فضرب صدري وقال: اللهم ثبت قلبه وثبت لسانه، فو الذي فلق الحبة ما شكلت بعد ذلك في القضاء بين اثنين))(30). وقد بين الإمام علي منهجه في القضاء بقوله: ((الذليل عندي عزيز حتى أخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى أخذ الحق منه))(31)، وعدل الإمام علي (عليه السلام) هو المثال الإنساني الخالد في التعبير عن كلية العدل ووحدة فروعه في الأفكار وفي الممارسة، وفي العلاقة على الصعيدين الفردي والجماعي(32).

وفي عهده (عليه السلام) إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه) والي مصر، هناك جوانب أخلاقية منها الدعوة إلى إقامة سلطان الإسلام المبني على العدل، وعدم المساومة في إحقاق حق، أو إزهاق باطل، يقول الإمام (عليه السلام): ((أنصفِ الله وأنصفِ الناسَ نفسك، ومن خاصة أهلك، ومن لك هوى فيه من رعيتك، فإنك إلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد اللهِ كان اللهُ خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله ادحض حجته، وكان لله حرباً حتى ينزع أو يتوب، وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامةٍ

ص: 435

على ظلم، فإن الله يسمع دعوة المضطهدين، وهو للظالمين بالمرصاد))(33).

والجانب الأخلاقي في الرسالة يظهر بوضوح، عندما ينطلق الإمام علي (عليه السلام) في توجيه مالك الأشتر (رضي الله عنه) من منهج إسلامي أخلاقي أصيل، وروح إنسانية وثابة، في الدعوة إلى ضرورة توخي الحذر في تعامله وسلوكه وإدارته للبلاد، والابتعاد عن الأبهة والكبر، لأن الله سائله يوم القيامة عن جميع أعماله وأفعاله، يظهر ذلك من قوله (عليه السلام): ((فأعطهم من عفوك وَصَفحِك، مثل الذي تحب وترضى أن يُعطيك من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، ووالي الأمرِ عليك فوقك، والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم، وابتلاك بهم، ولا تنصبن نفسك لحرب اللهِ، فإن هلا يدي لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته))(34).

يؤكد الإمام علي (عليه السلام) على أهمية رضا الرعية عن الوالي، وهذه بطبيعة الحال، لا تأتي من دون العمل والسهر من قبل الوالي على مصالح الرعية، وفي هذا یوصي الإمام علي (عليه السلام) مالك الأشتر (رضي الله عنه) بالتوسط في جميع الأمور بغية الوصول إلى الحق الذي هو جزء من الأخلاق ((وليكن أَحبَّ الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل، وأجمعها لرضا الرعيةِ، فإن سخط العامةِ يجحف برضا الخاصة، وإن سخطَ الخاصةِ يغتفرُ مع رضا العامة))(35)، وعلق مؤلف كتاب شرح نهج البلاغة على هذه الخاصية في الوالي بقوله: ((ثم عرفه أن قانون الإمارة الاجتهاد في رضا العامة، فإنه لا مبالاة بسخط خاصة الأمير مع رضا العامة، فأمّا إذا سخط العامة لم ينفعه رضا الخاصة، وذلك مثل أن يكون في البلد عشرة أو عشرون من أغنيائه، وذوي الثروة من أهله، يلازمون الوالي ويخدمونه ويسامرونه، وقد صار كالصديق لهم، فإن هؤلاء ومن ضارعهم من حواشي الوالي وأرباب الشفاعات والقربات عنده لا يغنون عنه شيئاً عند تنكر العامة له، وكذلك لا يضر سخط هؤلاء إذا رضيت العامة، وذلك لأن هؤلاء عنهم

ص: 436

غنى، ولهم بدل، والعامة لا غنی عنهم ولا بدل منهم، ولأنهم إذا سغبوا عليه كانوا كالبحر إذا هاج واضطرب، فلا يقاومه احد، وليس الخاصة كذلك ))(36).

لا ينحصر المفهوم الأخلاقي الإنساني عند الإمام علي (عليه السلام) في علاقة الوالي الايجابية بالرعية بل يتعدى ذلك إلى إقامة علاقة مبنية على المحبة لهم، يقول (عليه السلام) في عهده إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه): ((أطلق عن الناس عقدةَ كل حقدٍ، واقطع عنك سبب كل وترٍ، وتغابَ عن كل ما لا يضحُ لك، ولا تعجلن إلى تصديق ساعٍ، فإن الساعيَ غاشٌ وإن تشبه بالناصحين)) (37)

الخاتمة والاستنتاجات

بعد أن أكملنا هذا البحث لا بد أن نضع خاتمة نبين فيها أهم النتائج التي توصلنا إليها، وهي الآتي: -

أولاً: - ظهر أدب الرسائل والوصايا في الحقبة المبكرة من تاريخ الإسلام، إذ أن الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) كان يوصي ولاة أمر المسلمين بضرورة مراعاة حقوق الرعية والخشية من الله، ومحاسبة أنفسهم في كل صغيرة وكبيرة، فضلاً عن ذلك، فقد بعث الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) بعدد من الرسائل إلى ملوك الدول المجاورة، يطلب منهم الدخول في الإسلام، واستمر هذا الأمر في عهد الحكام الثلاثة الأول، وكان الإمام علي (عليه السلام) لورعه وتقواه وخشيته من الله، معروفاً بكثرة رسائله إلى ولاته ومعارضيه يحذرهم فيه على مراعاة أوامر الله ونواهيه، ويحث على التعامل مع الرعية من منطلق الإنسانية والأخلاق التي دعا الإسلام إلى التمسك بها.

ثانياً: - لقد كان في رسالة الإمام علي (عليه السلام) إلى واليه مالك الأشتر (رضيًّ الله عنه) دروساً وعبراً أراد الإمام (عليه السلام) أن يبين من خلالها جملةً من المفاهيم والقيم

ص: 437

الإنسانية والأخلاقية النابعة من فهم الإمام علي (عليه السلام) للدين الإسلامي الحنيف، وهذا ما يتضح في معظم فقرات الرسالة، التي تفيض عدلاً ومحبةً وإنسانية، والدعوة إلى التمسك بتعاليم الإسلام في الإدارة وسياسة الرعية.

ثالثاً: - ولأن الجوانب الإنسانية والأخلاقية من هواجس الإمام علي (عليه السلام)، فكان الإمام (عليه السلام) يحاول أن يربي ويزرع في نفوس الولاة مبادئ وقيم الدين الإسلامي، التي تتضمن حب الخير، والتطلع للأفضل، فيما يرتبط بالعلاقات بين الولاة والرعية من المسلمين وغير المسلمين، والتي يجب أن تتحلى بالسلوك الحسن، والمبادئ الإنسانية والأخلاقية التي تحقق السعادة لأبناء المجتمع. وهذا هو الذي صاغ الحياة الإسلامية، والفكر الإسلامي، وهو الذي قامت عليه حضارة الإسلام يوم قدر لها أن تسود العالم، وأن ترف راية الإسلام في الشرق والغرب.

رابعاً: - يعد عهد الإمام علي (عليه السلام) إلى الوالي مالك الأشتر (رضيَّ الله عنه) برنامج عمل، يصلح لإدارة دولة الإسلام في الوقت الحاضر، ذلك لما تضمنته من مقاصد منها، سعة العدل التي تجعل المجتمع خالياً من الظلم، وذلك بإرجاع الحق إلى المظلوم بانتزاعه من الظالم، وكذا الإحسان الذي يعني في منهاج الإمام علي (عليه السلام) أن يطبق القانون على الجميع دون تمييز ولو كان من خاصة بيت الإمام علي (عليه السلام).

خامساً: - الحرص على أموال المسلمين وتوزيعها بالعدل دون النظر لقرابة أو عرق أو مذهب أو اتجاه فكري، كي لا تكون الأموال دولة بين طبقة محددة وطبقة من أبناء المجتمع، وهذا ما يحصل في الوقت الحاضر في العديد من الدول التي تدعي أنها تدين بالإسلام، دين الأخلاق الفاضلة والمبادئ الإنسانية وهذا المنهج طبقه الإمام (علیه السلام) على نفسه وأهل بيته وقرابته أولاً.

سادساً: - في عهد الإمام (عليه السلام) برنامج عمل، وخطط تنموية لبناء شخصية

ص: 438

الفرد المسلم، تصلح لسياسة وإدارة الدول الإسلامية في الوقت الحاضر، وعلى ولاة الأمر في هذه الدول الانتباه لما حوته هذه الرسالة واستنطاقها لأنها منطلق الإصلاح ودستور حياة، وإقامة ورش عمل وندوات تثقيفية، لا سيما في بلدِ مثل العراق تتقاذفه الأمواج، ولا يعرف ولاة الأمر فيه كيف السبيل للخلاص من هذه المحنة التي يعيشها أبناءه، ونحن هنا نرى أن يوزع كراساً من عهده على جميع المسئولين وأعضاء البرلمان في العراق ليطلعوا على هذه الوثيقة المهمة.

سادساً: - نجد في العهد أدلة تبين حرص الإمام علي (عليه السلام) في المحافظة على أموال المسلمين، وإقامة العدل بينهم، فضلاً عن زهده (عليه السلام)، والمساواة بين الناس على اختلافهم، ولا غرابة في ذلك، فالإمام علي (عليه السلام) لا يخضع لعاطفة، أو مساومة لأن منهجه مستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

ص: 439

ثبت المصادر والمراجع

القرآن الكريم.

أولاً: - المصادر الأولية.

1 - ابن أبي حديد: شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، ط 2، (القاهرة / 1967 م).

2 - أبي حديد: شرح نهج البلاغة، مراجعة وتحقيق: لجنة إحياء التراث منشورات دار مكتبة الحياة، (بيروت / د.ت).

3 - الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير: تاريخ الرسل والملوك، المطبعة الحسينية، (القاهرة / 1917 م).

4 - الشيخ الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن: ألآمالي، قدم له السيد محمد باقر بحر العلوم، مطبعة النعمان (النجف / 1964م).

5 - القلقشندي، أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد: معالم الأنافة في معالم الخلافة، تحقيق: أحمد عبد الستار فراج، وزارة الإرشاد، (الكويت / 1964 م)، ج 1، ص 103.

6 - اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب: تاريخ اليعقوبي، مطبعة أمير، (طهران / 1952 م).

ثانياً: - المراجع.

1 - صمد محمد الصمد: نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، (بيروت / 1994 م).

2 - طه حسين: علي وبنوه، دار المعارف للطباعة، (مصر / 1965 م)

3 - عبد الرضا الزبيدي: في الفكر الاجتماعي عند الإمام علي، ط 1، (لا.ب / 1998 م).

4 - عبد الزهرة عثمان: العدالة الاجتماعية عند أمير المؤمنين علي (عليه السلام) - صور ومصاديق- المركز الوطني للدراسات الاجتماعية والتاريخية، (البصرة / 2003 م).

ص: 440

5 - عبد الوهاب التازي سعود: الأخلاق الإسلامية، مراجعة: محمد المكي الناصري، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، ط 2، (الرباط / 1991 م).

6 - عزيز السيد جاسم: علي سلطة الحق، منشورات الاجتهاد، (قم / 2007 م).

7 - محمد باقر المجلسي: بحار الأنوار، دار المعارف للمطبوعات، ط 1، (بيروت / 1421 ه).

8 - محمد طي: الإمام علي ومشكلة نظام الحكم، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، ط 2، (النجف / 1997 م).

9 - محمد عبده: شرح نهج البلاغة، مؤسسة الأعلمي، (بيروت / د.ت).

10 - وِل ديورانت: قصة الفلسفة من أفلاطون إلى جون ديوي، ترجمة: فتح الله محمد المشعشع، مكتبة المعارف، ط 3، (بيروت / 2004 م).

ثالثاً: الرسائل والاطاريح الجامعية.

1 - علاء كامل صالح العيساوي: النظم المالية والإدارية في عهد الإمام علي، أطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة البصرة / 2005 م.

ص: 441

الهوامش:

1. عبد الوهاب التازي سعود: الأخلاق الإسلامية، مراجعة: محمد المكي الناصري، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، ط 2، (الرباط / 1991 م)، ص 23.

2. هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلمة بن ربيعة بن خزيمة بن سعد بن مالك ابن النخع بن عمرو بن عٌلة بن خالد بن مالك بن أدد، وقد وصفه الإمام علي عند توليته الإمارة على الجيش بقوله: وقد أمرت عليکما وعلى من في حیز کما مالك بن الحارث الأشتر، فاسمعا له وأطيعا واجعلاه درعاً ومجنا، فإنه ممن لا يخاف وهنه، ولا سقطته، ولا بطؤه عما الإسراع إليه أحزم، ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل. (ابن أبي حديد: شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، ط 2، القاهرة / 1967 م، ج 15، ص 98).

3. ابن أبي حديد: شرح نهج البلاغة، مراجعة وتحقيق: لجنة إحياء التراث منشورات دار مكتبة الحياة، (بيروت / د.ت) مج 5، ص 38.

4. ابن أبي حديد: شرح نهج البلاغة، مج 5، ص 24.

5. قصة الفلسفة من أفلاطون إلى جون ديوي، ترجمة: فتح الله محمد المشعشع، مكتبة المعارف، ط 3، (بيروت / 2004م)، ص 148.

6. عبد الرضا الزبيدي: في الفكر الاجتماعي عند الإمام علي، ط 1، (لا.ب / 1998 م)، ص 207.

7. محمد طي: الإمام علي ومشكلة نظام الحكم، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، ط 2، (النجف / 1997 م)، ص 40.

8. علي وبنوه، دار المعارف للطباعة، (مصر / 1965 م)، ص 121.

9. ابن حديد: شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 176.

ص: 442

10. علاء كامل صالح العيساوي: النظم المالية والإدارية في عهد الإمام علي، أطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة البصرة / 2005 م، ص 16.

11. سورة الحجر، آية: 91.

12. الشيخ الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن: ألآمالي، قدم له السيد محمد باقر بحر العلوم، مطبعة النعمان (النجف / 1964م)، ص 25.

13. محمد باقر المجلسي: بحار الأنوار، دار المعارف للمطبوعات، ط 1، بيروت / 1421 ه)، ج 74، ص 201.

14. ابن أبي حديد: شرح نهج البلاغة، مج 5، ص 33.

15. ابن أبي حديد: نهج البلاغة، مج 5، ص 34.

16. عبد الزهرة عثمان: العدالة الاجتماعية عند أمير المؤمنين علي (عليه السلام) - صور ومصاديق - المركز الوطني للدراسات الاجتماعية والتاريخية، (البصرة / 2003 م)، ص 11.

17. عبد الزهرة عثمان: العدالة الاجتماعية عند الإمام علي، ص 11.

18. الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير: تاريخ الرسل والملوك، المطبعة الحسينية، (القاهرة / 1917 م)، ج 3، ص 239.

19. ابن أبي حديد: شرح نهج البلاغة، ج 15، ص 137.

20. القلقشندي، أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد: معالم الأنافة في معالم الخلافة، تحقيق: أحمد عبد الستار فراج، وزارة الإرشاد، (الكويت / 1964م)، ج 1، ص 103.

21. اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب: تاريخ اليعقوبي، مطبعة أمير، (طهران / 1952 م)، ج 2، ص 201.

22. اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 205.

23. شرح نهج البلاغة، ج 15، ص 104.

ص: 443

24. نهج البلاغة، ص 556 - 558.

25. ابن أبي حديد: شرح نهج البلاغة، ج 15، ص 143.

26. ابن أبي حديد: شرح نهج البلاغة، ج 3، ص 19.

27. صمد محمد الصمد: نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، (بيروت / 1994 م)، ص 153.

28. صمد محمد الصمد: نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين، ص 153.

29. شرح نهج البلاغة، ج 15، ص 138.

30. جعفر النقدي: الأنوار العلوية والأسرار المرتضوية، المطبعة الحيدرية، ط 2، (النجف / 1961 م)، ص 91.

31. محمد عبده: شرح نهج البلاغة، مؤسسة الأعلمي، (بيروت / د.ت)، ج 1، ص 89.

32. عزيز السيد جاسم: علي سلطة الحق، منشورات الاجتهاد، (قم / 2007 م)، ص 417.

33. ابن أبي حديد: شرح نهج البلاغة، مج 5، ص 26.

34. ابن أبي حديد: شرح نهج البلاغة، مج 5، ص 24 - 25.

35. ابن أبي حديد: شرح نهج البلاغة، مج 5، ص 26.

36. ابن أبي حديد: شرح نهج البلاغة، مج 5، ص 27.

37. ابن أبي حديد: شرح نهج البلاغة، مج 5، ص 27.

ص: 444

المحتويات

حقوق الإنسان عند الإمام علي (عليه السلام)

في عهد مالك الاشتر (قراءات في نماذج)

مقدمة...7

المبحث الأول: حقوق الإنسان عند الإمام علي (عليه السلام) في عهد مالك الأشتر...9

المبحث الثاني: قراءات في نماذج لحقوق الإنسان...13

الخاتمة:...18

الهوامش...20

المصادر...24

ركائز التضامن والوحدة في العراق بين الماضي والحاضر

(عهد الإمام علي عليه السلام) أنموذجاً

تعدد الدعوات المعاصرة:...30

أهداف المؤتمر من وجهة نظرنا:...31

تمهيد بين يدي الموضوع...33

أما دعوه التضامن والوحدة الوطنية والإسلامية:...34

ص: 445

الركيزة الأولى: تكوين الإنسان وسنن الحياة...35

الركيزة الثانية: منهج القانون والتشريع الإسلامي السمح...38

(1) ففي الصلاة:...39

(2) وفي الصيام:...40

(3) - أما الزكاة:...40

أما الحج وهو الركن الأعظم:...40

الاجتماعيات:...41

وهناك مجال الحكم في سلطاته الثلاث:...43

الركيزة الثالثة: واقع الحياة الذي نعيشه والتيارات السياسية التي حولنا...45

وحدة العراق المنشودة:...47

أولاً: التعريف بمالك الأشتر:...48

ظروف ومصادر وسند «عهد الأشتر»...49

ثانياً: أهداف العهد وأهم موضوعاته...50

تطبيق العدالة:...52

حول القضاء:...53

الخاتمة...54

الهوامش...56

المصادر...57

ص: 446

القيم الأخلاقية الفاضلة للقائد الرسالي في فكر الأمام أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب (علیه السلام) لمالك الاشتر (رضي الله عنه)

وتوظيفها في مؤسسات الدولة مستقبلا / دراسة تحليليه

الفصل الاول: مدخل عام شامل...61

الفصل الثاني: القيم الأخلاقية الفاضلة بصورة عامة ونظرة الاسلام لها بصورة خاصه...69

الفصل الثالث: القائد وطبيعة القيادة...82

الفصل الرابع: القائد الرسالي والقيم الأخلاقية الفاضلة التي ينبغي ان يحملها في فكر الاسلام...89

الفصل الخامس: القائد والقيادة للأمام امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)...91

الفذة عبر التاريخ

الفصل السادس: القيم الأخلاقية الفاضلة الموجهه من قبل الامام امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (علیه السلام) الى مالك الاشتر النخعي (رضي الله عنه) دراسة تحليليه...99

الاستنتاجات...116

التوصيات والمقترحات...118

المصادر...119

صلاح الراعي وإصلاح الرعية قراءة في عهد الامام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر (رضي الله عنه)

المقدمة...125

المقدمة: للتعريف بالبحث...127

ص: 447

المدخل...128

مالك الاشتر (رضي الله عنه):...128

عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر:...134

معنى العهد لغةً:...134

معنى العهد اصطلاحا:...134

أهمية مصر:...135

المبحث الأول: صلاح الراعي...138

الصلاح لغةً:...138

الصلاح اصطلاحا:...138

المبحث الثاني: إصلاح الرعية...149

الإصلاح لغةً:...149

الإصلاح اصطلاحاً:...149

الرعية:...151

تعريف الرعية لغة:...151

أولاً: علاقة الراعي بالرعية...152

ثانياً: علاقات الرعية مع بعضها (طبقات الرعية)...157

الخاتمة...166

الهوامش...167

قائمة المصادر والمراجع...183

ص: 448

الإمام علي (عليه السلام) يؤسس لأول دولة مدنية

المبادئ والحريات والحقوق الإنسانية

مشكلة البحث:...193

فرضية البحث:...193

مخطط البحث:...193

تقدمة...194

الفصل الاول: أسس الدولة المدنية...196

تمهید...196

أسس الدولة المدنية...197

ملامح المدنية الجديدة...198

مشروع السجون الإصلاحية...199

أسس الحكم الديمقراطي الاسلامي...202

الفصل الثاني: الحقوق والحريات في عهد الأمام علي عليه السلام...204

مدخل...204

التعددية وقبول الآخر...205

حرية التعبير عن الرأي...206

حرية المعتقد...207

العدالة الاجتماعية...208

حقوق المرأة...209

أخريات...211

ص: 449

الخاتمة...212

الهوامش والإحالات...214

الهوامش...215

حقوق الانسان في عهد الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)

لمالك الاشتر (رضي الله عنه)

ملخص البحث:...219

التوصيات:...220

المبحث الاول: حقوق الانسان مفهومها وخصائصها...221

مفهوم حقوق الانسان:...221

نشأة حقوق الانسان:...221

المبحث الثاني: حقوق الانسان في الشريعة الإسلامية...225

مظاهر التكريم الإلهي للإنسان:...226

خصائص حقوق الإنسان في الإسلام:...228

1 - حقوق الإنسان في الإسلام تنبثق من العقيدة الإسلامية:...228

2 - حقوق الإنسان في الإسلام منح إلهية:...228

3 - حقوق الإنسان في الإسلام شاملة لكل أنواع البندوق:...228

4 - حقوق الإنسان في الإسلام ثابتة ولا تقبل الإلغاء أو التبديل أو التعطيل:...229

5 - حقوق الإنسان في الإسلام ليست مطلقة بل مقيدة بعدم التعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية:...229

ص: 450

مقارنة بين المواثيق الدولية وحقوق الانسان في الشريعة الاسلامية:...229

أولاً: من حيث المصدر...229

ثانياً: من حيث الإلزامية...230

ثالثاً: من حيث الأسبقية...230

رابعاً: من حيث حماية حقوق الإنسان وضماناتها في الإسلام، وفي الوثائق الدولية...231

رابعاً: من حيث الشمول...232

المبحث الثالث: حقوق الانسان في عهد الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)...234

لواليه على مصر مالك الأشتر...234

مسند عهد الامام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر:...234

بداية العهد وبنوده...235

بنود في العهد...237

الخاتمة:...248

المبحث الرابع: النتائج والتوصيات...262

مصادر البحث:...264

الهوامش...266

الفقراء وذوو الاحتياجات الخاصة

بين عهد الإمام علي لمالك الأشتر والإعلان العالمي لحقوق الإنسان

ملخص البحث...271

حقوق الإنسان بين الإمام علي (عليه السلام) الإعلان العالمي...272

ص: 451

وهنا يجدر الانتباه إلى أمور مهمة هي:...275

إهمال الاعلان العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة...279

الفقراء وذوو الاحتياجات الخاصة في عهد الإمام علي (عليه السلام)...282

الخاتمة...293

نتائج البحث...296

هوامش البحث...297

مصادر و مراجع البحث...301

حقوق الإنسان.. جدل النظرية وإشكالية الممارسة

(حقوق الإنسان عند الإمام علي (عليه السلام) إنموذجا)

المقدمة...309

المبحث الأول: لمحة في تاريخ حقوق الإنسان...311

أولا: تعريف حقوق الإنسان...311

ثانیا: حقوق الإنسان في الفكر الشرقي القديم...312

ثالثا: حقوق الإنسان في الأديان السماوية...317

رابعا: حقوق الإنسان في العصر الحديث...323

المبحث الثاني: حقوق الإنسان عند الإمام علي (عليه السلام) في ضوء عهده لمالك الأشتر (رضي الله عنه)...327

أولا: الحقوق المدنية...328

حق العمل والملكية الخاصة:...328

ص: 452

الضمان الاجتماعي:...330

حرية التنقل والسكنى:...332

حرية الاعتقاد:...334

حق الحياة:...335

العدالة:...337

ثانيا: الحقوق السياسية والقضائية...341

الحقوق السياسية:...341

الحقوق القضائية...347

الخاتمة...350

الهوامش...354

المصادر:...361

حقوق الانسان في عهد الامام علي (عليه السلام) الى مالك الاشتر (رضي الله عنه)

المقدمة...367

اهمية حقوق الانسان...368

حقوق الانسان لدى الامام علي (عليه السلام)...370

الخاتمة...378

المصادر...380

ص: 453

حق المواطنة والحريات العامة

في ضوء عهد الإمام امير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الاشتر (رضي الله عنه)

المقدمة...383

المواطنة والحريات العامة في عهد الامام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر (رضي الله عنه)...384

الخاتمة...390

الهوامش...392

حقوق الإنسان في الإسلام

عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) (انموذجا)

الملخص...395

أولاً: مشكلة البحث...397

ثانياً: أهمية البحث:...399

ثالثا: اهداف البحث...404

رابعا: حدود البحث:...404

خامسا: منهج البحث:...404

سادسا : مباحث البحث:...404

المبحث الاول: مقتطفات من حياة مالك الاشتر رضوان الله تعالى عليه...405

في السيرة الذاتية: لمالك بن الحارث الأشتر النخعي...405

المبحث الثاني: السمات العامة لعصر الإمام علي عليه السلام...408

المبحث الثالث: مقتطفات من عهد الإمام علي عليه السلام ومحاكاتها مع الواقع الذي

ص: 454

نعيشه في وقتنا الحاضر. ويتضمن عدة مطالب:...410

الأول: نبذه عن حياة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)...410

الثاني: الإمام علي (عليه السلام) وتطور مفهوم حقوق الإنسان...410

الثالث: مفهوم حقوق الانسان...411

الرابع: بعض المقتطفات من عهد الامام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) والتي تركز على حقوق الانسان...412

سابعاً: التوصيات...416

ثامناً: المقترحات...417

مصادر البحث:...418

المنطلقات الإنسانية والأخلاقية

في رسالة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)

إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه)

المقدمة...423

المبحث الأول: بناء شخصية الإنسان في فكر الإمام علي (عليه السلام)...428

المبحث الثاني: الجوانب الإنسانية...431

المبحث الثالث: الجوانب الأخلاقية...434

الخاتمة والاستنتاجات...437

ثبت المصادر والمراجع...440

الهوامش:...442

ص: 455

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.